كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي

862 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث ( 1 ) سرية قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا
قال محمد : كان النفل لرسول الله صلى الله عليه و سلم ينفل من الخمس أهل الحاجة وقد قال الله تعالى ( 2 ) : ( قل الأنفال لله والرسول ) فأما اليوم فلا نفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس لمحتاج
_________
( 1 ) قوله : بعث سرية بفتح السين وتشديد الياء بعد الراء المكسورة قطعة من الجيش تبلغ أربع مائة ونحوها سميت بها لأنها تسير في الليل ويخفى ذهابها فهي فاعلة بمعنى مفعولة قاله السيوطي وذلك في شعبان سنة ثمان قبل فتح مكة قاله ابن سعد . وذكر غيره أنها كانت في الجمادى الأولى وقيل : في رمضان وكان أميرها أبو قتادة وكانوا خمسة عشر رجلا . قبل بكسر القاف وفتح الباء أي جهة نجد وأمرهم أن يشنوا الغارة فقاتلوا فغنموا إبلا كثيرة وعند مسلم : فأصبنا إبلا وغنما وذكر بعض أهل السير أنها مائتا بعير وألفا شاة فكان سهمانهم بضم السين جمع سهم أي نصيب كل واحد اثني عشر بعيرا وفي " موطأ يحيى " : أو أحد عشر بعيرا بالشك ونفلوا بضم النون مبني للمفعول أي أعطي كل واحد منهم زيادة على السهم المستحق بعيرا بعيرا يقال : نفل الإمام الغازي إذا أعطاه زائدا على سهمه ونفله نفلا بالتخفيف ونفله تنفيلا مشددا لغتان فصيحتان والنفل بفتحتين الغنيمة وجمعه أنفال كذا ذكره الزرقاني والعيني
( 2 ) قوله : وقد قال الله تعالى ذكر أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في باب الغنيمة حين تشاجروا يوم بدر في تقسيمها فالمعنى ( قل الأنفال ) أي الغنائم ( لله والرسول ) فقسمها بينهم رسول الله على السوية يعني حكم الغنائم لله والرسول ونزل بعد ( واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) . واتفقوا على أن ذكر الله وقع للتبرك وذهب الحنفية إلى سقوط سهم ذوي القربى بموت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذا قالوا : أن لا سهم للرسول بعده فعندهم يقسم خمس الغنيمة على المحاويج من اليتامى وابن السبيل والمساكين وعند طائفة من العلماء : سهم الرسول باق يصرفه الخليفة حسبما رآه وما بقي بعد الخمس يقسم على الغزاة حسب حصصهم المقررة شرعا . وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد من الآية كون الغنائم كلها لله ولرسوله يصرفها إلى من يشاء ما يشاء وقالوا : صار هذا الحكم منسوخا بورود المصارف ولذا أسهم النبي صلى الله عليه و سلم يوم بدر بعض من لم يحضر غزوته . وقال بعضهم : المراد بالأنفال هو الزيادات على سهم الغنيمة وإن المعنى الزيادات حكمها لله وللرسول يعطيها من يشاء لا استحقاق لهم فيها . والروايات في كل ما ذكرنا مبسوطة في " الدر المنثور " وغيره وذكر أصحابنا في كتبهم أن للإمام أن ينفل حالة القتال فيقول : من قتل قتيلا فله سلبه أو يقول للسرية : قد جعلت لكم الربع بعد الخمس لأنه نوع تحريض على الجهاد ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام إلا من الخمس لأنه لا حق للغانمين فيها فله الخيار فيه وما سواه تعلق فيه حقهم على السواء فلا يبطل حقهم . إذا عرفت هذا كله فاعلم أنه لا يخلو إما أن يكون المراد بالنفل في قول صاحب الكتاب : ( كان النفل لرسول الله صلى الله عليه و سلم ) : الغنيمة كما اختاره القاري فهو بفتحتين وحينئذ يكون المعنى : كانت الغنيمة للرسول خاصة يصرفها إلى من يشاء ويعطي من يشاء ما يشاء ويكون الآية سندا عليه على أحد الأقوال الواردة فيه . وحينئذ يكون قوله : ينفل من الخمس أي خمس الغنيمة الذي هو مصروف إلى الإمام . أهل الحاجة بيانا للتنفيل الزائد لكن لا يرتبط حنيئذ قوله : فأما اليوم أي بعد العصر النبوي فلا نفل بالفتح فالسكون أي لا زيادة على السهام بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام إلا من الخمس لمحتاج لا لغني لأنه خارج عن مصرفه بما قبله ارتباطا مناسبا . وإما أن يكون المراد بالنفل في قوله : ( كان النفل ) الزيادة فحينئذ يكون المعنى كان إعطاء الزيادة موكولا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان له الاختيار في أن ينفل بعد الإحراز أو قبله بعد رفع الخمس أو قبله فأما اليوم فلا نفل بعد الإحراز إلا من الخمس . وحينئذ يكون الآية سندا على تأويله الآخر ويكون قوله : ( ينفل من الخمس أهل الحاجة ) بيانا للتنفيل من الخمس . فليحرر هذا المقام

1 - باب الرجل يعطي ( 1 ) الشيء في سبيل الله
863 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أنه سئل عن رجل يعطي الشيء في سبيل الله ( 1 ) قال : فإذا بلغ ( 2 ) رأس مغزاته ( 3 ) فهو له
قال محمد : هذا قول سعيد بن المسيب وقال ابن عمر : إذا بلغ وادي القرى فهو له وقال أبو حنيفة وغيره من فقهائنا : إذا دفعه ( 4 ) إليه صاحبه فهو له
_________
( 1 ) يعطي : أي يهب شيئا لغاز
( 1 ) في سبيل الله : أي في طريق الغزو
( 2 ) أي المعطى له
( 3 ) قوله : رأس مغزاته بفتح الميم وسكون الغين المعجمة موضع الغزو ومحل العدو فهو له أي للمعطى له أي يملكه وفي " موطأ يحيى " وشرحه : مالك عن نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله يقول لصاحبه : إذا بلغت وادي القرى - بضم القاف وفتح الراء مقصورة : موضع بقرب المدينة لأنه رأس المغزاة فمنه يدخل إلى أول الشام - فشأنك به . يعني أنه ملكه له وإنما قال ذلك خيفة أن يرجع المعطي فتتلف العطية ولم يبلغ صاحبه مراده فيها فإذا بلغ الوادي كان أغلب أحواله أن لا يرجع حتى يغزو
( 4 ) أي دفعه المعطي إلى المعطى له أو قبضه فهو له كما في سائر الهبات والعطيات ( أوجز المسالك 8 / 244 )

2 - باب إثم الخوارج ( 1 ) وما في لزوم الجماعة ( 2 ) من الفضل
864 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يخرج فيكم ( 1 ) قوم تحقرون ( 2 ) صلاتكم مع صلاتهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون ( 3 ) من الدين مروق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا ترى شيئا تنظر في القدح فلا ترى شيئا تنظر في الريش فلا ترى شيئا وتتمارى في الفوق
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا خير في الخروج ( 4 ) ولا ينبغي إلا لزوم الجماعة
_________
( 1 ) الخوارج : هم الخارجون ( هم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه يوم النهروان فقتلهم فهم أصل الخوارج وأول خارجة خرجت إلا أن طائفة منهم كانت ممن قصد المدينة يوم الدار في قتل عثمان رضي الله عنه . سموا خوارج من قوله يخرج قاله في التمهيد كذا في الأوجز 4 / 134 ) عن طاعة الإمام بشبهة ضعيفة وأولهم الخوارج على عثمان والخوارج على علي رضي الله عنه
( 2 ) الجماعة : أي جماعة المسلمين
( 1 ) يخرج فيكم : أي في ما بينكم أيها الأمة
( 2 ) قوله : تحقرون من التحقير . صلاتكم مع صلاتهم وأعمالكم مع أعمالهم أي تظنون عباداتكم حقيرة قليلة بالنسبة إلى عباداتكم لكمال جهدهم في تحسين الأعمال الظاهرة واهتمامهم في أدائها وإتيان آدابها من غير مبالاة بفساد الأعمال الباطنة والأمور القلبية وخبثها . يقرؤون القرآن لا يجاوز أي القرآن أو ثواب جميع أعمالهم . حناجرهم بفتح الأولين وكسر الرابع جمع الحنجرة بفتح الأول وسكون الثاني بمعنى الحلقوم يعني أن الله لا يرفعها ولا يقبلها فكأنها لا تجاوز حناجرهم وقيل : إنهم يقرءون القرآن مع غير علم بما فيه ولا عمل بما فيه فلا يحصل لهم إلا مجرد القراءة ولا يترتب عليها آثارها
( 3 ) قوله : يمرقون بضم الراء أي يخرجون من الدين أي طاعة الإمام أو دين الإسلام . مروق بضمتين أي كخروج السهم من الرمية بفتح الراء وكسر الميم وشد الياء أي الصيد المرمي إليه السهم . تنظر أنت أيها الرامي أو ينظر بالغائب . في النصل بالفتح هو الحديدة التي على رأس السهم . فلا ترى عليه شيئا من آثار الدم . تنظر في القدح بكسر القاف أي أصل السهم فلا ترى عليه شيئا . تنتظر في الريش أي ريش السهم المركب عليه فلا ترى شيئا . وتتمارى أي تشكك ( هكذا في الأصل والظاهر تشك ) في الفوق بالضم موضع الوتر من السهم هل فيه شيء من أثر الدم والحاصل أنه ليس لهم من قبول العبادات وقراءة القرآن نصيب كذا في " شرح القاري " وغيره
( 4 ) أي عن طاعة الإمام وموافقة أهل الإسلام ومتابعة السلف الكرام ( قد بسط الحافظ الكلام على الخوارج وعلى بدء خروجهم أشد البسط في " فتح الباري " 12 / 298 )

865 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من حمل علينا ( 1 ) السلاح فليس منا
قال محمد : من حمل السلاح على المسلمين فاعترضهم به لقتلهم ( 2 ) فمن قتله ( 3 ) فلا شيء ( 4 ) عليه لأنه ( 5 ) أحل دمه باعتراض ( 6 ) الناس بسيفه
_________
( 1 ) قوله : من حمل علينا أي على أهل الإسلام إفسادا وعنادا . السلاح بالكسر أي آلات الحرب . فليس منا أي من أهل طريقنا . والحديث مخرج في الصحيحين والسنن
( 2 ) أي لقتل المسلمين
( 3 ) أي ذلك الحامل لدفع فساده وبقاء نفسه وأصحابه
( 4 ) أي من الدية والقصاص
( 5 ) أي من حمل السيف وقصد الفساد في الأرض
( 6 ) في نسخة : باعتراضه

866 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ( 1 ) : ألا ( 2 ) أخبركم أو أحدثكم أو ( 3 ) أحدثكم بخير من كثير ( 4 ) من الصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ( 5 ) قال : إصلاح ذات البين ( 6 ) وإياكم والبغضة ( 7 ) فإنما هي الحالقة ( 8 )
_________
( 1 ) قوله : يقول ألا أخبركم هذا موقوف على سعيد عند جميع رواة " الموطأ " إلا إسحاق بن بشر وهو ضعيف فإنه رواه عن مالك عن يحيى عن سعيد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم . رواه الدارقطني عن يحيى عن سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مرسلا . وأخرجه البزار من طريق أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعا . وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه من حديث أبي الدرداء مرفوعا كذا ذكره ابن عبد البر وغيره
( 2 ) حرف تنبيه
( 3 ) شك من الراوي
( 4 ) أي بأكثر ثوابا من كثير من العبادات النافلة
( 5 ) أي أخبرنا
( 6 ) قوله : إصلاح ذات البين أي إصلاح الحال التي بين الناس وأنها خير من نوافل الصلاة وما ذكر معها قاله الباجي . وقال غيره : أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين الناس لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية . وفي " المغرب " قولهم : إصلاح ذات البين أي الأحوال التي بينهم وإصلاحها بالتعهد والتفقد ولما كانت ملابسة للبين وصفت به فقيل ذات البين
( 7 ) بكسر الباء وسكون الغين تأنيث : شدة البغض
( 8 ) قوله : فإنما هي الحالقة في رواية يحيى : فإنها هي الحالقة أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يحلق الموسى الشعر . قال الباجي : أي أنها لا تبقي شيئا من الحسنات حتى تذهب بها

3 - باب قتل النساء ( 1 )
867 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى في بعض مغازيه ( 1 ) امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي أن يقتل في شيء من المغازي امرأة ولا شيخ ( 2 ) فان إلا أن تقاتل المرأة فتقتل
_________
( 1 ) قتل النساء : أي نساء الكفار والمرتدين
( 1 ) قوله : رأى في بعض مغازيه أي غزوة فتح مكة كما في " أوسط الطبراني " من حديث ابن عمر . والحديث مخرج في الصحيحين والسنن - إلا سنن ابن ماجه - ومسند أحمد وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وفي بعض رواياتهم : رأى امرأة مقتولة فقال : ها ما كانت هذه تقاتل فلم قتلت ؟ وبهذا الحديث أجمع العلماء على عدم جواز قتل النساء والصبيان لضعفهن عن القتل وقصورهم عن الكفر وفي استبقائهم منفعة بالاسترقاق أو الفداء . وحكى الحازمي قولا لبعض العلماء بجواز ذلك على ظاهر حديث الصعب بن جثامة عند الأئمة الستة : سئل رسول الله عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم ؟ قال : هم منهم . وأشار أبو داود إلى نسخ حديث الصعب بأحاديث الني كذا في " فتح الباري " وغيره من شروح صحيح البخاري
( 2 ) قوله : ولا شيخ فان أي من كبر سنه وخرف عقله وأما إن كان كامل العقل ذا رأي في الحرب فيقتل وهو المراد من حديث : " اقتلوا شيوخ المشركين " وعند الشافعي : يقتل الشيخ مطلقا وفي رواية : قوله كقولنا وبه قال مالك كذا لا يقتل عندنا المقعد والأعمى والزمن ومقطوع الأيدي والأرجل إلا إذا كانوا ذوي رأي . والمرأة إذا كانت مقاتلة أو ملكة ذات رأي ومشورة في الحرب تقتل دفعا للفساد وإلا لا كذا قال العيني

4 - باب المرتد ( 1 )
868 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن ( 1 ) بن محمد بن عبد القاري عن أبيه قال : قدم رجل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل ( 2 ) أبي موسى فسأله ( 3 ) عن الناس فأخبره ثم قال : هل عندكم من مغربة ( 4 ) خبر ؟ قال : نعم رجل كفر بعد إسلامه فقال : ماذا فعلتم به ؟ قال : قربناه ( 5 ) فضربنا عنقه قال عمر رضي الله عنه : فهلا ( 6 ) طبقتم عليه بيتا - ثلاثا - وأطعمتموه كل يوم رغيفا فاستبتموه لعله يتوب ويرجع إلى أمر الله اللهم إني لم آمر ولم أحضر ولم أرض إذ بلغني
قال محمد : إن شاء الإمام ( 7 ) أخر المرتد ثلاثا ( 8 ) إن طمع في توبته أو سأله ( 9 ) عن ذلك المرتد وإن لم يطمع في ذلك ولم يسأله المرتد ( 10 ) فقتله فلا بأس بذلك
_________
( 1 ) المرتد : هو الذي يرتد أي يرجع إلى الكفر من الإسلام
( 1 ) قوله : عبد الرحمن ( بسط شيخنا الكلام عليه في الأوجز 12 / 179 ، وقال : وما ذكره صاحب " التعليق الممجد " من ترجمته التبس عليه من ترجمة أخي جده فإن عامل عمر المتوفي سنة 88 هـ هو عبد الرحمن القاري وولادة الإمام مالك بعد وفاته فكيف يروي عنه بل عبد الله بن عبد القاري أخو عبد الرحمن وعبد الرحمن هذا كان عامل عمر رضي الله عنه وجد يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري أخرج له مالك في الموطأ وكذلك عبد الرحمن بن محمد هو الذي روى عنه مالك في هذا الحديث ) بن محمد بن عبد القاري هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد كما في " موطأ يحيى " ونسبته بتشديد الياء إلى قارة بطن من العرب وكان من أهل المدينة عامل عمر بن الخطاب على بيت المال ثقة روى عنه عروة وحميد بن عبد الرحمن وابناه إبراهيم ومحمد مات سنة 88 ثمان وثمانين ذكره السمعاني وأبوه قال في " التقريب " : محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد - بغير إضافة - القاري بغير همز المدني مقبول
( 2 ) بكسر القاف أي من جانب أبي موسى الأشعري وجهته من اليمن
( 3 ) أي سأل عمر عن أحوال الناس
( 4 ) بضم الميم على صيغة الفاعل أي قصة مغربة وخبر غريب
( 5 ) بتشديد الراء أي أحضرناه فقتلناه
( 6 ) قوله : فهلا حرف تحضيض . طبقتم بتشديد الباء من التطبيق عليه أي أغلقتم عليه بيتا وحبستموه فيه ثلاثا أي ثلاث ليال وأطعمتموه كل يوم رغيفا أي بقدر سد الرمق ليضيق عليه الأمر فيتوب فاستبتموه أي طلبتم منه التوبة لعله يتوب من كفره ويرجع إلى أمر الله أي دينه الإسلام ثم قال عمر : اللهم إني لم آمر ولم أحضر - أي هذه الوقعة - ولم أرض به إذ بلغني خبره فلا تؤاخذني به . والحاصل أن المرتد ( قال ابن بطال : اختلف في استتابة المرتد فقيل : يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهو قول الجمهور وقيل : يجب قتله في الحال جاء ذلك عن الحسن وطاووس . وبه قال أهل الظاهر . فتح الباري 12 / 269 ) يستمهل ثلاث ليال ويستتاب فإن تاب تاب وإلا قتل لحديث : " من بدل دينه فاقتلوه "
( 7 ) هذا أولى وأحسن
( 8 ) هذا التحديد من قوله تعالى : ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام )
( 9 ) أي طلب المرتد المهلة
( 10 ) أي لم يستمهله

5 - باب ما يكره من لبس الحرير والديباج ( 1 )
869 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم ورأى حلة سيراء ( 1 ) تباع عند باب المسجد ( 2 ) فقال : يارسول الله لو اشتريت ( 3 ) هذه الحلة فلبستها ( 4 ) يوم الجمعة وللوفود ( 5 ) إذا قدموا عليك ؟ قال : إنما يلبس ( 6 ) هذه من لا خلاق ( 7 ) له في الآخرة . ثم جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم منها حلل ( 8 ) فأعطى عمر منها حلة ( 9 ) فقال : يا رسول الله كسوتنيها ( 10 ) وقد قلت ( 11 ) في حلة عطارد ( 12 ) ما قلت ؟ قال : إني لم أكسكها ( 13 ) لتلبسها ( 14 ) فكساها عمر أخا له من أمه ( 15 ) مشركا بمكة
قال محمد : لا ينبغي للرجل المسلم أن يلبس الحرير والديباج والذهب كل ذلك مكروه للذكور من الصغار ( 16 ) والكبار و لا بأس به للإناث لو لا بأس به ( 17 ) أيضا بالهدية إلى المشرك المحارب ما لم يهد إليه سلاح ( 18 ) أو درع . هو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) الديباج : بكسر الدال ما رق من الحرير
( 1 ) قوله : حلة سيراء روي بالإضافة كما يقال : ثوب حرير وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل والحلة ثوبان إزار ورداء والسيراء قال في " النهاية " بكسر السين وفتح الياء نوع من البز يخالطه حرير كالسيور أي الخطوط أو شرحه بعضهم بالحرير الخالص كذا ذكره السيوطي في " شرح سنن ابن ماجه " وغيره
( 2 ) قوله : عند باب المسجد أي المسجد النبوي وعند مسلم : رأى عمر عطارد التميمي يقيم حلة في السوق وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم
( 3 ) هو لمجرد التمني أي لو اشتريته لكان أحسن
( 4 ) قوله : فلبستها يوم الجمعة وللوفود وفي رواية للبخاري : فلبستها للعيد والوفد . وللنسائي : وتجملت بها للوفود والعرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس يوم عيد وغيره . والمراد بالوفود القاصدون الذين كانوا يجيئون إليه من قبل السلاطين وغيرهم ودل الحديث ( قال الباجي : الحديث يقتضي أن يوم الجمعة شرع فيه التجمل . وأيضا قد شرع التجمل للواردين والوافدين في المحافل التي تكون لغير آية مخوفة كالزلازل والكسوف وعند الحاجة إلى التضرع والرغبة كالاستسقاء لأن النبي صلى الله عليه و سلم أقر عمر رضي الله عنه على ما دعا إليه من التجمل في هذين الموطنين وإنما أنكر عليه لبس هذا النوع فثبت أن التجمل إنما شرع بالجميل من المباح . المنتقى 7 / 229 ) على أنه يستحب لبس أحسن الثياب في الجمعة والعيدين وأنه يجوز التجمل إذا عري عن الكبر والاحتقار والشهرة للأحباب وأصحاب الملاقاة والمعارف ليكون أهيب وأعز في نظرهم
( 5 ) أي الوفود جمع الوافد
( 6 ) في رواية : إنما يلبس الحرير
( 7 ) قوله : من لا خلاق له بالفتح أي لا نصيب له من نعيم الجنة وهذا على سبيل التشديد وإلا فلا بد للمؤمن من نعيم الجنة ولبس الحرير فيها ولو بعد مدة وقيل : معناه من يلبسها في الدنيا يكون محروما من لبسها في الآخرة وإن دخل الجنة . وقد مر نظير ذلك في شرب الخمر
( 8 ) أي من جنس تلك الحلة السيراء
( 9 ) أي واحدة
( 10 ) قوله : كسوتنيها أي أكسوتنيها ؟ كما في بعض الروايات بهمزة الاستفهام سأله عنه لما حصل له التعجب من إعطائه إياه مع تحريمه سابقا
( 11 ) أي والحال أنك قلت في مثلها ما قلت
( 12 ) قوله : في حلة عطارد بضم العين وكسر الراء ابن حاجب بن زرارة بن عدي التميمي الدارمي . وفد في بني تميم وأسلم وحسن إسلامه وله صحبة وهو صاحب الحلة السيراء كذا في " الإصابة " وغيره
( 13 ) أي لم أعطها للبسك بل للانتفاع
( 14 ) قوله : لتلبسها فيه دليل على جواز هبة ما يحرم لبسه وجواز بيعه وشرائه لعدم انحصاره في اللبس
( 15 ) قوله : أخا له من أمه سماه ابن الحذاء : عثمان بن حكيم ونقله ابن بشكوال قال الدمياطي : هو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه فمن أطلق أنه أخو عمر لأمه لم يصب وقيل : يحتمل أن عمر رضع من أم أخيه فيكون أخا له لأمه رضاعا كذا في " شروح صحيح البخاري "
( 16 ) قوله : من الصغار الكراهة في حقهم للأولياء فلا يجوز لهم أن يلبسوهم لباسا محرما لئلا يعتادوه
( 17 ) في بعض النسخ : ولا بأس بالهدية أيضا
( 18 ) أي آلات الحرب أو درع الحديد فإن في هديته إليه إعانة له على فساد

6 - باب ما يكره ( 1 ) من التختم بالذهب
870 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : اتخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتما ( 1 ) من ذهب فقام ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إني كنت ( 3 ) ألبس هذا الخاتم فنبذه ( 4 ) وقال : والله لا ألبسه أبدا ( 5 ) قال : فنبذ الناس خواتيمهم ( 6 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي للرجل أن يتختم بذهب ولا حديد ولا صفر ( 7 ) ولا يتختم ( 8 ) إلا بالفضة . فأما النساء فلا بأس بتختم الذهب لهن ( 9 )
_________
( 1 ) ما يكره : أي للرجال
( 1 ) خاتما : بفتح التاء ما يختم به
( 2 ) أي خطيبا على المنبر كما في رواية
( 3 ) أي كونه مباحا قبل ذلك
( 4 ) أي طرحه وألقاه ( إن الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه و سلم إنما هو خاتم الذهب . قال الباجي : وروى ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه ونبذ الناس . وهذا وهم والله أعلم بالصواب . المنتقى 7 / 254 )
( 5 ) قوله : والله لا ألبسه أبدا أي لتحريمه زاد في رواية الصحيحين : ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة قال ابن عمر : فلبس الخاتم بعده صلى الله عليه و سلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان وقع منه في بئر أريس
( 6 ) أي من ذهب كما في شمائل الترمذي
( 7 ) قوله : ولا صفر قال القاري : بضم فسكون هو النحاس وقيل : أجوده لما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه خاتم من حديد فقال : ما لي أراك عليك حلية أهل النار ؟ ثم جاءه وعليه خاتم من شبه ( بفتح المعجمة والموحدة ضرب من النحاس يشبه الذهب . بذل المجهود 17 / 112 ) فقال : ما لي أجد عليك ريح الأصنام ؟ فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : من ورق ولا تتمه مثقالا
( 8 ) حصر إضافي لا حقيقي فإنه يجوز بالعقيق وغيره
( 9 ) لحلة الذهب لهن

7 - باب الرجل يمر على ماشية ( 1 ) الرجل فيحتلبها ( 2 ) بغير إذنه
871 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يحتلبن أحدكم ماشية امرئ ( 1 ) بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل ( 2 ) طعامه ؟ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن ( 3 ) أحد ماشية امرئ بغير إذنه
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي لرجل مر على ماشية رجل أن يحلب منها شيئا ( 4 ) بغير أمر أهلها ( 5 ) وكذلك إن مر على حائط ( 6 ) له فيه نخل أو شجر ( 7 ) فيه ثمر فلا يأخذن من ذلك شيئا ولا يأكله إلا بإذن أهله إلا أن يضطر ( 8 ) إلى ذلك فيأكل ويشرب ويغرم ( 9 ) ذلك لأهله . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) يمر على ماشية : أي دوابه كالغنم والإبل والبقر
( 2 ) فيحتلبها : أي يستخرج اللبن من الضرع بغير إذن المالك
( 1 ) قوله : ماشية امرئ أي دواب رجل : من البقر والغنم والإبل وغيرها . بغير إذنه أي صراحة أو دلالة . أيحب بهمزة الاستفهام بمعنى الإنكار . أحدكم أن تؤتى أي يأتي آت . مشربته بضم الميم وفتح الراء الغرفة أي البيت الفوقاني الذي يوضع الطعام فيه . فتكسر بالمجهول . خزانته بكسر الخاء ولا تفتح الخزانة كما لا تكسر القصعة . فينتقل طعامه أي المجموع في الغرفة أي فكما لا يحب أحدكم ذلك بل يحزن به فكذلك ينبغي أن لا يحلب ماشية غيره بغير إذنه . فإنما تخزن بضم الزاء أي تحفظ لهم أي ملاك المواشي . ضروع بالضم جمع ضرع : الثدي الذي فيه اللبن . مواشيهم أطعمتهم مفعول تخزن . والمراد بالأطعمة الأشربة على سبيل التمثيل والتوسيع فالضروع كالخزانة في الغرفة لا يجوز كسرها وأخذ ما فيها
( 2 ) في نسخة : فينقل
( 3 ) إعادة للحكم بعد ضرب المثل تأكيدا
( 4 ) أي ولو قل
( 5 ) أي مالكها
( 6 ) أي بستان
( 7 ) تعميم بعد التخصيص
( 8 ) قوله : إلا أن يضطر فإن حالة الاضطرار تبيح المحرمات لقوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ) سورة البقرة : الآية 173 ) فتبيح أكل الحلال مملوك الغير بالطريق الأولى إلا أنه يضمنه قيمته أداء لحقه نظرا للجانبين
( 9 ) أي يضمن قدر قيمته

8 - باب نزول أهل الذمة مكة والمدينة وما يكره من ذلك

872 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن عمر رضي الله عنه ضرب ( 1 ) للنصارى واليهود والمجوس ( 2 ) بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوقون ويقضون حوائجهم ولم يكن أحد منهم يقيم ( 3 ) بعد ذلك ( 4 )
قال محمد : إن مكة والمدينة وما حولهما ( 5 ) من جزيرة العرب ( 6 ) وقد بلغنا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لا يبقى ( 7 ) دينان في جزيرة العرب . فأخرج عمر رضي الله تعالى عنه من لم يكن مسلما من جزيرة العرب لهذا الحديث
_________
( 1 ) قوله : ضرب أي عين لهم حين أراد إخراجهم من جزيرة العرب إقامة ثلاث ليال على سبيل المهلة . يتسوقون أي يذهبون إلى السوق ويقضون حوائجهم فيه وغيره ثم يخرجون
( 2 ) هم عبدة النار
( 3 ) أي في المدينة وما حولها
( 4 ) أي بعد ثلاث ليال
( 5 ) كجدة وخيبر وغيرهما
( 6 ) قوله : من جزيرة العرب ( قال صاحب المحلى بعد حديث الباب : فلا يمكن للكافر مشركا كان أو يهوديا أو نصرانيا من السكنى في أرض العرب ويجب إخراجهم منه وبه أخذ أبو حنيفة ومالك وهو قول للشافعي غير أنه خص المنع بالحجاز خاصة ثم قال في الهداية وشرحه : إنهم لا يمكنون من السكنى في أرض اليمن ويمنعون أن يتخذوا أرض العرب مسكنا ووطنا بخلاف سائر الأمصار . أوجز المسالك 14 / 59 ) قال القاري : هي ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات أو ما بين ساحل البحر إلى أطراف الشام طولا ومن جدة إلى ريف العراق عرضا كذا في " القاموس " . وقال الأصمعي : من أقصى عدن إلى ريف العراق طولا ومن جدة وساحل البحر إلى أطراف الشام عرضا قال الأزهري : سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السودان أحاط بجانبها وأحاطها بالجانب الشمالي دجلة والفرات
( 7 ) أي لا يجتمع ( قال الزرقاني : خبر بمعنى النهي للرواية قبله : لا يبقين . شرح الزرقاني 4 / 234 ) دين الإسلام وغيره

873 - أخبرنا مالك أخبرنا إسماعيل بن حكيم ( 1 ) عن عمر بن العزيز قال : بلغني ( 2 ) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يبقين دينان بجزيرة العرب
قال محمد : قد فعل ( 3 ) ذلك ( 4 ) عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا إسماعيل بن حكيم هكذا في نسخة عليها شرح القاري وغيرها والصحيح إسماعيل بن أبي حكيم كما في " موطأ يحيى "
( 2 ) قوله : قال بلغني هذا مرسل في " موطأ " وموصول في الصحيحين وغيرهما عن عائشة وغيرها من طرق وفي بعضها قالت : كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال : قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب . وفي رواية من حديث ابن عباس وابن عمر وغيرهما في الصحيحين وغيرهما : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب
( 3 ) في زمان خلافته في سنة عشرين كما ذكره السيوطي في " تاريخ الخلفاء "
( 4 ) أي ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم

9 - باب الرجل يقيم الرجل من مجلسه ليجلس فيه وما يكره من ذلك

874 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : لا يقيم ( 1 ) أحدكم الرجل من مجلسه فيجلس فيه ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي للرجل المسلم أن يصنع هذا بأخيه ويقيمه من مجلسه ثم يجلس فيه
_________
( 1 ) لأن فيه إضرار به
( 2 ) قوله : فيجلس فيه بل ينبغي أن يجلس حيث وجد خاليا وإلا فحيث انتهى المجلس ولا يقعد وسط الحلقة فعند الطبراني والبيهقي وغيرهما مرفوعا : إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فإن وسع له فليجلس وإلا فلينظر إلى أوسع مكان يراه فيجلس فيه إن شاء وإلا انصرف ولا يزاحم غيره فيؤذيه . وعند الترمذي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه : ملعون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم من قعد وسط الحلقة وعند الشيخين من حديث ابن عمر مرفوعا : لا يقيم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا

10 - باب الرقى ( 1 )
875 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرتني عمرة : أن أبا بكر دخل على عائشة رضي الله عنهما وهي تشتكي ( 1 ) ويهودية ترقيها فقال : ارقيها ( 2 ) بكتاب الله
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس بالرقى بما كان ( 3 ) في القرآن وما ( 4 ) كان من ذكر الله فأما ما كان لا يعرف من كلام فلا ينبغي أن يرقى به
_________
( 1 ) قوله : الرقى بضم الراء جمع رقية وهو ما يقرأ وينفث على المريض للمعالجة وإرادة الشفاء
( 1 ) تشتكي : أي مريضة
( 2 ) قوله : ارقيها بكتاب الله أي بالقرآن إن رجي إسلامها أو التوراة إن كانت معربة بالعربي أو أمن تغييرهم لها فتجوز الرقية به وبأسماء الله وصفاته وباللسان العربي وبما يعرف معناه من غيره بشرط اعتقاد أن الرقية لا تؤثر بنفسها بل بتقدير الله قال عياض : اختلف قول مالك في رقية اليهودي والنصراني المسلم وبالجواز قال الشافعي إذا رقوا بكتاب الله كذا قال الزرقاني . وفي " شرح القاري " : يحتمل أن يكون أمرا بأن ترقيها بما في كتاب التوراة من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى مما يعرف صحته ومعناه ويحتمل أن يكون على صيغة المتكلم أي أنا أرقيها بكتاب الله فيكون متضمنا للنهي عن رقيها
( 3 ) قوله : بما كان في القرآن أي بآياته وحروفه وكذا مطلق الذكر بشرط أن يكون بلسان عربي أو غيره ويعرف معناه وكذا يجوز أن يكتب شيء من القرآن أو غيره على شيء ويغسل به ويسقى المريض . - ولآيات الشفاعة الواردة في القرآن - والقرآن كله شفاء - ولسورة الفاتحة في هذا الباب تأثير بليغ مجرب ولا يجوز أن يكتب شيء من القرآن بالدم أو غيره من النجاسات ومن حكم بجوازه فقد أتى بما يرضى به الشيطان . وأما ما كان لا يعرف معناه بأن يكون فيه ألفاظ مجهولة المعنى غريبة المبنى فلا يجوز أن يرقى به لاحتمال أن يكون فيه كلمة كفر أو شرك مما يتضمنه رقى أكثر أرباب الرقى إلا أن يكون عرض على النبي صلى الله عليه و سلم وأجازه وزيادة التفصيل في هذا البحث في " مدارج النبوة " و " المواهب اللدنية " وشرحه و " الحصن الحصين " وشرحه
( 4 ) في نسخة : بما

876 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار أخبره أن عروة بن الزبير أخبره ( 1 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل بيت أم سلمة وفي البيت صبي يبكي ( 2 ) فذكروا أن به العين ( 3 ) فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفلا تسترقون ( 4 ) له من العين ؟
قال محمد : وبه نأخذ . لا نرى بالرقية بأسا إذا كانت من ذكر الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : أخبره أي سليمان بن يسار . هذا مرسل عند جميع رواة " الموطأ " ويسند معناه من طرق ثابتة وقد أخرجه البزار من طريق عروة عن أم سلمة قاله ابن عبد البر
( 2 ) أي بشدة وكثرة
( 3 ) أي النظرة التي يصيب من شخص فيعجبه ويضره
( 4 ) قوله : أفلا تسترقون له من العين هذا وأمثاله مصرح بجواز الرقية وورد في الروايات المنع من الرقية فعن ابن مسعود مرفوعا : أن الرقى - جمع رقية - والتمائم - جمع تميمة وهي ما يعلق في العنق أو يشد في العضد من التعويذات - والتولة - بالكسر ثم الفتح هي شيء من أنواع السحر أو شبيه به تفعله النساء لمحبة الأزواج - : شرك أخرجه ابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد وهو وأمثاله محمول على الرقى والتمائم على اعتقاد أنها تدفع البلاء وأن لها تأثيرا بنفسها كاعتقاد أرباب الطبائع والجهالة وما خلا عن هذا الاعتقاد فلا بأس به وقيل : المنهي عنه ما كان بغير لسان العرب فلم يدر ما هو فلعله قد دخل فيه سحر أو كفر فأما إذا كان معلوم المعنى وكان فيه ذكر الله فيستحب الرقى به ويجوز تعليقه كذا حققه الخطابي في حواشي سنن أبي داود وغيره ( في المجتبى : اختلف في الاستشفاء بالقرآن بأن يقرأ على المريض أو الملدوغ الفاتحة أو يكتب في ورق ويعلق عليه أو في طست ويغسل ويسقى وعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يعوذ نفسه قال : وعلى الجواز عمل الناس اليوم وبه وردت الآثار ولا بأس بأن يشد الجنب والحائض التعاويذ على العضد إذا كانت ملفوفة . أوجز المسالك 14 / 373 )

877 - أخبرنا مالك أخبرنا يزيد بن خصيفة : أن عمر ( 1 ) بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير بن مطعم أخبره عن عثمان ( 2 ) بن أبي العاص : أنه أتى ( 3 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عثمان : وبي وجع ( 4 ) حتى كاد يهلكني قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : امسحه ( 5 ) بيمينك سبع مرات ( 6 ) وقل : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان ( 7 ) بي فلم أزل بعد آمر به ( 8 ) أهلي وغيرهم
_________
( 1 ) قوله : أن عمر بن عبد الله هكذا في نسخة عليها شرح القاري وغيره وفي " موطأ يحيى " : عمرو بفتح العين وقال السيوطي في " الإسعاف " : عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي عن نافع بن جبير وعنه يزيد بن خصيفة وثقه النسائي . انتهى . ونسبته السلمي بفتحتين قاله الزرقاني
( 2 ) قوله : عن عثمان بن أبي العاص استعمله النبي صلى الله عليه و سلم على الطائف ثم أمره أبو بكر وعمر مات سنة إحدى وخمسين ذكره في " أسد الغابة : وغيره
( 3 ) قوله : أنه أتى القصة مخرجة عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم ذكره الحافظ المنذري في كتاب " الترغيب والترهيب " . وفي بعضها : أتاني رسول الله وبي وجع قد كاد يهلكني وعند مسلم : أنه شكى إلى رسول الله وجعا يجده في جسده منذ أسلم . وعنده أيضا زيادة : " بسم الله " قبل " أعوذ " وزيادة " وأحاذر : بعد " أجد " وعند الترمذي وغيره عن محمد بن سالم قال لي ثابت البناني : إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل : بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا . قال أنس بن مالك : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثه بذلك . وهذه الأدعية الواردة في هذه الروايات وأمثالها مما هو مذكور في كتب الحديث وجمع كثيرا منها صاحب " المواهب " وغيره من الأدوية الروحانية الإلهية نافعة جدا بل لا أثر للأدوية الطبعية تاما بدونها وقد جربت نفعها وأخذت بحظها وقد عرض لي مرات أمراض مهلكة أعجزت الأطباء فعالجت بهذه فكأني نشطت من عقال . ولله الحمد على ذلك ومن كمل إيمانه وحسن اعتقاده وجد مثل ما وجدته
( 4 ) بفتحتين أي مرض شديد
( 5 ) أي موضع الوجع
( 6 ) لهذا العدد تأثير بليغ في الرقى
( 7 ) أي من الوجع
( 8 ) أي بعد هذه الوقعة

11 - باب ما يستحب من الفأل والاسم الحسن

878 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد ( 1 ) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للقحة ( 2 ) عنده : من يحلب هذه الناقة ؟ فقام ( 3 ) رجل فقال له : ما اسمك ؟ فقال له مرة ( 4 ) قال ( 5 ) : اجلس ثم قال : من يحلب هذه الناقة ؟ فقام رجل فقال له : ما اسمك ؟ قال : حرب ( 6 ) قال : اجلس ثم قال : من يحلب هذه الناقة ؟ فقام آخر فقال : ما اسمك ؟ قال : يعيش ( 7 ) قال : احلب
_________
( 1 ) وصله ابن عبد البر من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري
( 2 ) قوله : للقحة اللقحة بالفتح والكسر ناقة قريبة العهد بالنتاج
( 3 ) أي ليحلبها
( 4 ) بضم الميم وتشديد الراء
( 5 ) قال ابن عبد البر : ليس هذا من باب الطيرة لأنه محال أن ينهى عن شيء ويفعله وإنما هو باب طلب الفأل الحسن وقد كان أخبر أن شر الأسماء حرب ومرة فأكد ذلك حتى لا يسمي بهما أحد
( 6 ) بالفتح ثم السكون
( 7 ) على وزن يبيع

12 - باب الشرب قائما

879 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسا ( 1 )
_________
( 1 ) أي شدة وكراهة

880 - أخبرنا مالك أخبرني ( 1 ) مخبر : أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم كانوا ( 2 ) يشربون قياما
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا نرى بالشرب ( 3 ) قائما بأسا . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرني مخبر في " موطأ يحيى " : مالك أنه بلغه أن عمر إلخ قال شارحه : بلاغ مالك صحيح كما قال ابن عيينة
( 2 ) قوله : كانوا يشربون قياما ظاهره أنهم كانوا يعتادون من غير اعتقاد كراهة وهو مفاد قول ابن عمر : كنا نشرب ونحن قيام ونأكل ونحن نسعى على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجه أحمد في مسنده وبه تمسك مالك وغيره في أنه لا كراهة في ذلك وأيدوه بما ورد من شربه صلى الله عليه و سلم قائما من زمزم ومن فضل وضوئه أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما وبحديث كبشة دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فشرب من في قربة معلقة قائما أخرجه الترمذي وقال قوم بكراهة الشرب قائما ما عدا شرب فضل الوضوء وزمزم فإنه مستحب قائما وأخذوا بما ورد من النهي عن الشرب قائما أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه ومسلم من حديث أنس ومسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وفي روايته : لا يشرب أحدكم قائما فمن نسي فليستقيء وفي رواية أحمد عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يشرب قائما فقال : قم فقال : لم ؟ فقال : أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ قال : لا قال : قد شرب معك من هو شر منه وهو الشيطان ورجاله ثقات قاله الدميري في " حياة الحيوان " وذهب جمع من العلماء إلى كون حديث النهي منسوخا بحديث الجواز وقال بعضهم بالعكس . قال النووي في " شرح صحيح مسلم " : من زعم نسخا فقد غلط غلطا فاحشا وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ وأنى له ذلك . انتهى . والحق في هذا الباب على ما ذكره البيهقي والنووي والقاري والسيوطي وغيرهم : أن النهي للتنزيه والفعل لبيان الجواز ( هو مختار أكثر أصحابنا حتى إن الحلبي نقل عليه الإجماع كذا في الأوجز 14 / 272 ) وذكر الطحاوي وغيره أن النهي لأمر طبي فإن في الشرب قائما آفات لا لأمر شرعي
( 3 ) قوله : بالشرب أي إذا كان لحاجة أو أحيانا وإلا فالأولى هو الشرب قاعدا لأنه كان هدي النبي صلى الله عليه و سلم المعتاد كما ذكره في " زاد المعاد "

13 - باب الشرب في آنية ( 1 ) الفضة
881 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن زيد ( 1 ) بن عبد الله بن عمر عن عبد الله ( 2 ) بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الذي يشرب ( 3 ) في آنية الفضة إنما يجرجر ( 4 ) في بطنه نار جهنم
قال محمد : وبهذا نأخذ . يكره ( 5 ) الشرب في آنية الفضة والذهب ولا نرى بذلك بأسا في الإناء المفضض ( 6 ) . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) آنية : جمع إناء
( 1 ) زيد هو أكبر ولد ابن عمر على ما قيل ولد في حياة جده وثقه ابن حبان ذكره السيوطي وغيره
( 2 ) قال في " التقريب " ثقة مات بعد السبعين
( 3 ) في رواية لمسلم زيادة : " ويأكل " وفي رواية له أيضا زيادة : والذهب
( 4 ) قوله : إنما يجرجر بضم أوله وفتح ثانيه وكسر رابعه من الجرجرة صوت وقوع الماء في الجوف ورواه بعض الفقهاء بالبناء للمفعول ولا يعرف في الرواية ونار جهنم مفعول الفعل بالنصب والفاعل ضمير الشارب أو هو فاعل بالرفع كذا ذكره السيوطي . والحديث أخرجه الشيخان والطبراني وفي رواية في آخره : إلا أن يتوب . وفي الباب عن حفصة عند الطبراني وابن عباس عند أبي يعلى والطبراني وابن عمر عند الطبراني في " الصغير " و " الأوسط " ومعاوية عند أحمد وأبي هريرة عند النسائي والبراء عند البخاري وعلي عند الطبراني وحذيفة عند أبي حنيفة وغيره وأسانيد بعضها وإن كانت ضعيفة لكنه غير مضر كما بسطه " شارح المسند " . وقد اتفق العلماء على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة للرجل والمرأة قال الحافظ : ويلتحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والتكحل وسائر وجوه الاستعمال وهو قول الجمهور وشذ من خالفه ( كذا في فتح الباري 10 / 97 )
( 5 ) أي تحريما
( 6 ) قوله : في الإناء المفضض قال " شارح المسند " : مذهب الحنفية أنه يحل الشرب من الإناء المفضض أي المزوق بالفضة والركوب على السرج المفضض والجلوس على كرسي مفضض بحيث يتقي موضع الفضة وكذا الإناء المضبب بالذهب أو الفضة أي المشدود . والذي تقرر عند الشافعي أن الضبة إن كانت من الفضة وهي كبيرة للزينة تحرم وللحاجة تجوز وتحرم ضبة الذهب مطلقا ووافق مالك وإسحاق احنفية في ضبة الفضة والأصل في ذلك ما أخرجه البخاري عن عاصم قال : رأيت قدح النبي صلى الله عليه و سلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة ( انظر فتح الباري 10 / 101 ) وأما المطلي بالذهب والفضة فلا بأس به

14 - باب الشرب والأكل باليمين ( 1 )
882 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي بكر ( 1 ) بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أكل ( 2 ) أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب ( 3 ) بيمينه فإن الشيطان ( 4 ) يأكل بشماله ويشرب بشماله
قال محمد : وبه نأخذ . لا ينبغي أن يأكل بشماله ولا يشرب بشماله إلا من علة ( 5 )
_________
( 1 ) باليمين : أي باليد اليمنى
( 1 ) قوله : عن أبي بكر بن عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهذا مما اتفق عليه رواة الموطأ إلا يحيى فقال : أبي بكر بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بفتح العين وهو خطأ قاله ابن عبد البر قال الزرقاني : أبو بكر هذا تابعي ثقة مات بعد الثلاثين ومائة وأبوه عبيد الله شقيق سالم بن عبد الله . قال ابن عبد البر في رواية يحيى بن بكير : في هذه الرواية زيادة عن أبيه عن ابن عمر ولم يتابعه أحد من أصحاب مالك ولا ينكر أن أبا بكر يروي عن جده
( 2 ) أي أراد الأكل
( 3 ) عند مسلم وأبي داود : إذا شرب فليشرب بيمينه ( على الاستحباب عند الجمهور ويكره تنزيها لا تحريما عند الجمهور فعلهما بالشمال إلا لعذر وأخذ جمع من الحنابلة والمالكية حرمة الأكل والشرب بالشمال لأن فاعل ذلك الشيطان أو شبهه . انظر أوجز المسالك 14 / 251 )
( 4 ) قوله : فإن الشيطان يأكل بشماله حمله بعضهم على المجاز بأن الشيطان يحمل أولياءه على ذلك ورده ابن عبد البر وغيره بأنه ليس بشيء فإنه إذا أمكنت الحقيقة بوجه ما لا يجوز الحمل على المجاز ومن نفى عن الجن والشيطان الأكل والشرب فقد وقع في إلحاد وضلالة وقد بسط الكلام في هذا البحث القاضي بدر الدين الشلبي الدمشقي في كتابه " آكام المرجان في أحكام الجان " . وهو كتاب نفيس لم يسبقه بمثله أحد
( 5 ) أي مرض أو ضرورة

15 - باب الرجل يشرب ثم يناول ( 1 ) من عن يميينه
883 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتي ( 1 ) بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق رضي الله عته فشرب ( 2 ) ثم أعطى الأعرابي ثم قال : الأيمن ( 3 ) فالأيمن
قال محمد : وبه نأخذ
_________
( 1 ) يناول : أي يعطي من كان من جانبه الأيمن كبيرا كان أو صغيرا ( ترجم البخاري في صحيحه : باب الأيمن فالأيمن في الشرب قال الحافظ : يقدم من على يمين الشارب في الشرب ثم الذي عن يمين الثاني وهلم جرا وهذا مستحب عند الجمهور وقال ابن حزم : يجب . فتح الباري 10 / 86 )
( 1 ) قوله : أتي بصيغة المجهول وهو في دار أنس بلبن حلب من شاة داجن . قد شيب بكسر الشين أي خلط ومزج على ما كانت عادتهم بماء من البئر التي كانت في دار أنس وقد بين ذلك كله في رواية عند البخاري والحديث مخرج عند الشيخين وعند الأربعة وغيرهم وعن يمينه أعرابي لم يسم في رواية وزعم بعضهم أنه خالد بن الوليد وهو غلط فإن الأعرابي كان ههنا عن يمينه وخالد كان عن يساره في القصة التي بعده فاشتبه عليه حديث سهل في الأشياخ الذين منهم خالد مع الغلام وهو ابن عباس كما في رواية ابن أبي شيبة وغيره بحديث أنس في أبي بكر والأعرابي وهما قصتان كما بسطه ابن عبد البر وأيضا لا يقال لخالد أعرابي فإنه من أجلة قريش كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) قوله : فشرب في رواية للبخاري : فقال عمر - وخاف أن يعطي الأعرابي - : أعط أبا بكر يا رسول الله فأعطى أعرابيا
( 3 ) قوله : الأيمن فالأيمن ؟ ضبط بالنصب أي أعط الأيمن وبالرفع على تقدير الأيمن أحق قاله الكرماني وغيره ويؤيد الرفع قوله في بعض طرق الحديث : الأيمنون فالأيمنون قال الزرقاني : قال أنس : هو سنة أي تقدمة الأيمن ( إن الجمهور على سنيته خلافا لابن حزم القائل بالوجوب . أوجز المسالك 14 / 276 ) وإن كان مفضولا ولم يخالف في ذلك إلا ابن حزم فقال : لا يجوز تقدمة غير الأيمن إلا بإذنه . وأما حديث أبي يعلى الموصلي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استقى قال : ابدؤوا بالكبراء أو قال : بالأكابر فمحمول على ما إذا لم يكن على جهة يمينه أحد بل كانوا كلهم تلقاء وجهه مثلا وإنما لم يستأذن الأعرابي ههنا واستأذن الغلام في الحديث الذي بعده استئلافا لقلب الأعرابي وشفقة أن يحصل في قلبه شيء يهلك به لقربه بالجاهلية ولم يجعل للغلام ذلك لأنه لقرابته وسنه دون الأشياخ فاستأذنه تأدبا وتعليما بأنه لا يدفع لغير الأيمن إلا بإذنه

884 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي : أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بشراب ( 1 ) فشرب منه وعن يمينه غلام ( 2 ) وعن يساره أشياخ ( 3 ) فقال للغلام : أتأذن لي في أن أعطيه ( 4 ) هؤلاء ( 5 ) ؟ فقال : لا والله لا أوثر ( 6 ) بنصيبي منك أحدا قال ( 7 ) : فتله ( 8 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم في يده
_________
( 1 ) بالفتح أي مشروب وكان لبنا كما ورد في رواية
( 2 ) أي صغير لم يبلغ مبلغ الرجال
( 3 ) أي شيوخ الصحابة وكبراؤهم منهم خالد بن الوليد
( 4 ) أي ذلك اللبن
( 5 ) أي أشياخ الصحابة
( 6 ) من الإيثار أي لا أختار بحصتي من سؤرك وما أستحقه لكوني يمينك على نفسي غيري
( 7 ) أي الراوي
( 8 ) بتشديد اللام : أي وضعه ودفعه في يد الغلام

16 - باب فضل إجابة ( 1 ) الدعوة
885 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا دعي ( 1 ) أحدكم إلى وليمة ( 2 ) فليأتها ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : إجابة الدعوة بفتح الدال على المشهور خاص بالدعاء والطلب إلى الطعام وهي أعم من الوليمة فإنها خاصة بالعرس وهي الدعوة التي يدعى لها بعد الزفاف وأما الدعوة بالكسر فهي للنسب ذكره النووي
( 1 ) دعي : أي طلب
( 2 ) هي طعام النكاح مشتق من الولم بمعنى الجمع
( 3 ) قوله : فليأتها وفي رواية لمسلم : إذا دعا أحدكم أخوه فليجيب عرسا كان أو غيره وزاد في رواية : فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليبرك أي يدعو له بالبركة . وبظاهر هذه الروايات ذهب الظاهرية إلى وجوب إجابة الدعوة مطلقا وذهب بعض المالكية إلى وجوب إجابة الوليمة دون غيرها وعند غيرهم الأمر للندب إلا أن الندب في الوليمة آكد ( كذا في الأوجز 9 / 447 )

886 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنه كان يقول ( 1 ) : بئس الطعام طعام الوليمة يدعى لها ( 2 ) الأغنياء ويترك المساكين ( 3 ) ومن لم يأت ( 4 ) الدعوة فقد عصى الله ( 5 ) ورسوله
_________
( 1 ) قوله : أنه كان يقول قال ابن عبد البر : جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه ورواه روح بن القاسم مصرحا برفعه وكذا أخرجه الدارقطني في " الغرائب " من طريق إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحا برفعه والحديث مخرج في صحيح البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وغيرهم بألفاظ متقاربة منها شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء . وفي الباب عن ابن عمر عند أبي الشيخ وعن ابن عباس عند البزار ذكره الحافظ في " التلخيص " ( وكذا في فتح الباري 9 / 245 )
( 2 ) قوله : يدعى لها أي طعام الوليمة التي شأنها أن يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء فالتعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم أنهم يدعون لها الأغنياء وجملة " يدعى لها " استئناف بيان للشربة أو هو صفة للوليمة بجعل اللام للعهد الذهني وعلى كل تقدير فليس فيه وفي أمثاله من الأخبار المرفوعة تقبيح طعام الوليمة مطلقا بل طعام الوليمة الخاص ومنهم من حمله على مطلق الوليمة وقوله " يدعى لها " بيانا واقعيا باعتبار الغالب فاحتاج إلى حذف " من " التبعيضية والأول أولى كما حققه الطيبي وغيره من محشي المشكاة
( 3 ) قوله : ويترك المساكين قال النووي : بين الحديث وجه كونه شر الطعام بأنه يدعى له الغني ويترك المحتاج لأكله والأولى العكس وليس فيه ما يدل على حرمة الأكل إذ لم يقل أحد بحرمة الإجابة وإنما هو ترك الأولى والقصد من الحديث الحث على دعوة الفقير وأن لا يقتصر على الأغنياء
( 4 ) قوله : ومن لم يأت الدعوة الظاهر منه مطلق الدعوة وحمله جمع من شراح الحديث على الوليمة بناء على وجوب إجابته جمعا بينه وبين الروايات الأخر
( 5 ) هذا يدل على أنه مرفوع مسند لأنه لا دخل في هذا الحكم لرأي الصحابة

887 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعته يقول : إن خياطا ( 1 ) دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى طعام صنعه ( 2 ) قال أنس : فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ذلك الطعام فقرب ( 3 ) إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خبزا من شعير ومرقا ( 4 ) فيه دباء ( 5 ) قال أنس : فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتتبع ( 6 ) الدباء من حول ( 7 ) القصعة ( 8 ) فلم أزل ( 9 ) أحب الدباء منذ يومئذ
_________
( 1 ) بتشديد الياء : الذي يخيط الثياب . قال الحافظ : لا يعرف اسمه
( 2 ) أي طبخه وهيأه
( 3 ) أي الداعي
( 4 ) شوربا بفتحتين ( باللغة الأردية )
( 5 ) قوله : فيه دباء بضم الدال وشد الباء والمد الواحدة دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة أي فيه قرع قاله الزرقاني . وعند الترمذي وغيره زيادة : وقديد أي لحم مملوح مجفف في الشمس أو غيرها قال علي القاري في شرح " شمائل الترمذي " : في الحديث جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره وإجابة دعوته ومؤاكلة الخادم وفيه الإجابة إلى الطعام وإن كان قليلا ذكره العسقلاني وأنه يسن محبة الدباء لمحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذا كل شيء كان يحبه ذكره النووي وأن كسب الخياط ليس بدني
( 6 ) بالتاءين من التتبع : أي يطلب ويتجسس الدباء من أطراف القصعة
( 7 ) قوله : من حول القصعة هي بالفتح ما يأكل منها عشرة أنفس وفي بعض نسخ " شمائل الترمذي " حول الصحفة وهي بالفتح إناء يأكل منها خمسة أنفس وفي رواية متفق عليها حوالي القصعة وهو بفتح اللام وسكون الياء مفرد اللفظ مجموع المعنى أي من جوانبها ولا يعارضه نهيه صلى الله عليه و سلم عن مثل ذلك وقوله : كل مما يليك لأنه للقذر والإيذاء . وفيه دليل على أن الطعام إذا كان مختلفا يجوز أن يمد يده إلى ما لا يليه إذا لم يعرف من صاحبه كراهة وكذا في " جمع الوسائل لشرح الشمائل " للقاري
( 8 ) في نسخة : الصفحة ( في نسخة : " الصفحة " وهو خطأ )
( 9 ) قوله : فلم أزل وفي نسخة قال : هذا قول أنس أي فلم أزل أحب الدباء محبة شرعية أو زائدة على ما كان قبل من حين رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتبعه ويحبه ( قال القاري في جمع الوسائل : كان سبب محبته صلى الله عليه و سلم له ما فيه من إفادة زيادة العقل والرطوبة المعتدلة . أوجز المسالك 9 / 455 ) . وفي جامع الترمذي عن أبي طالوت قال : دخلت على أنس بن مالك وهو يأكل القرع وهو يقول : ما لك شجرة ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه و سلم إياك ( انظر سنن الترمذي 4 / 384 ، باب ما جاء في أكل الدباء كتاب الأطعمة )

888 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال : سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : قال أبو طلحة ( 1 ) لأم سليم : لقد سمعت ( 2 ) صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضعيفا أعرف ( 3 ) فيه الجوع فهل عندك من شيء ( 4 ) ؟ قالت : نعم فأخرجت أقراصا ( 5 ) من شعير ثم أخذت خمارا ( 6 ) لها ثم لفت الخبز ببعضه ( 7 ) ثم دسته ( 8 ) تحت يدي وردتني ( 9 ) ببعضه ؟ ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذهبت به ( 10 ) فوجدت رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا ( 11 ) في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم ( 12 ) فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أ ( 13 ) أرسلك أبو طلحة ؟ قلت : نعم قال : فقال : بطعام ( 14 ) ؟ فقلت : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن معه : قوموا ( 15 ) قال : فانطلقت ( 16 ) بين يديهم ثم رجعت إلى أبي طلحة فأخبرته ( 17 ) فقال أبو طلحة : يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس ( 18 ) وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم ( 19 ) كيف نصنع ؟ فقالت : الله ورسوله أعلم ( 20 ) قال : فانطلق ( 21 ) أبو طلحة حتى لقي ( 22 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل هو ورسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخلا ( 23 ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هلمي ( 24 ) يا أم سليم ما عندك فجاءت بذلك ( 25 ) الخبز قال : فأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم ففت ( 26 ) وعصرت أم سليم عكة لها ( 27 ) فآدمته ( 28 ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه ما شاء الله ( 29 ) أن يقول ثم قال : ائذن لعشرة ( 30 ) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ( 31 ) ثم قال : ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال : ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال : ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال : ائذن لعشرة حتى ( 32 ) أكل القوم ( 33 ) كلهم وشبعوا وهم سبعون أو ثمانون ( 34 ) رجلا
قال محمد : وبهذا نأخذ . ينبغي ( 35 ) للرجل أن يجيب الدعوة العامة ولا يتخلف عنها إلا لعلة فأما الدعوة الخاصة فإن شاء أجاب وإن شاء لم يجب
_________
( 1 ) قوله : قال أبو طلحة هو جد إسحاق شيخ مالك في هذه الرواية وزوج أم أنس اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام النجاري الخزرجي الأنصاري شهد بيعة العقبة وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد وقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم صوته في الجيش خير من مائة رجل مات سنة 31 أو سنة 34 أو سنة 51 على الاختلاف وزوجته أم سليم بضم السين بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام النجارية الأنصارية اسمها سهلة بالفتح أو رميلة مصغرا أو رميثة أو مليكة مصغرين أو الغميضاء أو الرميصاء ( صحابية فاضلة توفيت في خلافة عثمان : تقريب التهذيب 2 / 622 ) بضم أولهما كانت تحت مالك بن أبي النضر والد أنس في الجاهلية ؟ فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها فغضب وهلك كافرا فتزوجها أبو طلحة وولدت له غلاما مات صغيرا وهو أبو عمير المذكور في حديث النغير ثم ولدت له عبد الله بن أبي طلحة فبورك فيه وهو والد إسحاق وإخوته كانوا عشرة كلهم أخذ عنهم العلم كذا ذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب "
( 2 ) وكان ذلك في غزوة الخندق كما صرح به في رواية
( 3 ) قوله : أعرف فيه الجوع فيه رد على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع وأن أحاديث ربط الحجر على البطن تصحيف محتجا بقوله صلى الله عليه و سلم يطعمني ربي ويسقيني ورد بأن الأحاديث صحيحة فوجب الحمل على اختلاف الأحوال كما بسطه القسطلاني في " المواهب "
( 4 ) أي لأكله
( 5 ) قوله : أقراصا جمع قرص بالضم قطعة من عجين مقطوع منه ويقال لقطعة الخبز ولأحمد : عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته . وعند البخاري : إلى مد من شعير فطحنته . ثم عملته عصيدة أي خلطته بالسمن . ولمسلم : أتي أبو طلحة بمدين من شعير فأمر فصنع طعاما . قال الحافظ : ولا منافاة لاحتمال تعدد القصة أو أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر
( 6 ) بالكسر أي القنعة التي تقنع بها المرأة رأسها
( 7 ) أي الخمار أي جعل الخبز ملفوفا فيه
( 8 ) بتشديد السين : أي أدخلته بقوة تحت إبطي
( 9 ) أي جعلت بعض الخمار رداء علي حفاظة من الشمس وغيره
( 10 ) أي بذلك الخبز
( 11 ) قوله : جالسا في المسجد المراد به الموضع الذي أعده للصلاة عند الخندق في غزوة الأحزاب لا المسجد النبوي فإن القصة كانت خارج المدينة كما صرح به شراح " صحيح البخاري "
( 12 ) أي وقفت عندهم قاصدا أن أخلو برسول الله صلى الله عليه و سلم وأحضر ذلك الخبز عنده
( 13 ) بهمزة الاستفهام
( 14 ) في رواية يحيى : " لطعام " بللام أي لأجله
( 15 ) قوله : قوموا ظاهره أنه فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس في جمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز أن يأخذه فيأكله . فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حوله استحيى وأظهر أنه يدعوه ليقوم وحده إلى المنزل ليحصل قصده من إطعامه . وأكثر الروايات في صحيح مسلم وغيره يقتضي أن أبا طلحة استدعاه كذا ذكره الحافظ في " فتح الباري "
( 16 ) قوله : فانطلقت بين أيديهم أي متقدما عليهم وفي رواية : فلما قلت له : إن أبي يدعوك قال لأصحابه : تعالوا ثم أخذ بيدي فشدها ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنوا أرسل يدي فدخلت وأنا حزين لكثرة ما جاء معه
( 17 ) في رواية فقال أبو طلحة : يا أنس فضحتنا
( 18 ) أي بالجماعة الكثيرة
( 19 ) أي قدر ما يكفيهم
( 20 ) قوله : الله ورسوله أعلم أي منك ومنا بحالك وحالنا أشارت بحسن عقلها إلى أن لا ينبغي التحير والحزن فإنه أعلم فلما جاء بالناس لا بد أن يظهر أمر خارق العادة
( 21 ) أي من بيته مستقبلا لنبيه
( 22 ) قوله : حتى لقي زاد في رواية فقال : يا رسول الله ما عندنا إلا قرص عملته أم سليم وفي رواية قال : إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى فقال رسول الله : ادخل فإن الله سيبارك في ما عندك
( 23 ) أي في بيت أبي طلحة وقعد من معه بالباب
( 24 ) قوله : هلمي قال الزرقاني : بالياء على لغة تميم وفي رواية : هلم بلا ياء على لغة الحجاز أي هات يا أم سليم ما عندك
( 25 ) الذي كانت أرسلت به مع أنس
( 26 ) بضم الفاء وتشديد التاء : أي كسر كسرات وقطعت قطعات
( 27 ) قوله : عكة لها بضم العين وتشديد الكاف : إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا وعند أحمد فقال : هل من سمن ؟ فقال أبو طلحة : قد كان في العكة شيء فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج منه
( 28 ) أي جعلت ما خرج إداما له
( 29 ) قوله : ما شاء الله أن يقول عند مسلم : فمسحها ودعا بالبركة وعند أحمد : فتح رباطها أي العكة وقال : بسم الله اللهم أعظم فيها البركة وفي رواية له : ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم الله
( 30 ) أي ممن كانوا قعدوا خارج البيت
( 31 ) في رواية لأحمد ثم قال لهم : قوموا وليدخل عشرة مكانكم
( 32 ) أي فما زال يدخل عشرة عشرة حتى إلخ
( 33 ) قوله : حتى أكل القوم كلهم ولمسلم من حديث أنس : حتى لم يبق منهم إلا دخل فأكل حتى شبع وفي رواية له : ثم أخذ ما بقي فجمعه ودعا له بالبركة فعاد كما كان وفي رواية لأحمد ثم أكل صلى الله عليه و سلم وأهل البيت وتركوا سؤرا أي فضلا وفي رواية لمسلم : وأفضلوا ما بلغوا جيرانهم . قال الحافظ ابن حجر : سئلت في مجلس الإملاء عن حكمة تبعيضهم فقلت : يحتمل أنه عرف قلة الطعام وأنه في صحفة واحدة فلا يتصور أن يتحلقها ذلك العدد الكثير فقيل : لم لا دخل الكل وينظر من لم يسعه التحليق وكان أبلغ في اشتراك الجميع في الاطلاع على المعجزة بخلاف التبعيض في الدخول لاحتمال تكرر وضع الطعام في الصفحة فقلت : يحتمل أن ذلك لضيق البيت ( فتح الباري 6 / 591 )
( 34 ) بالشك من الراوي وعند مسلم من حديث أنس : ذكر ثمانين من غير شك وعند أحمد كانوا نيفا وثمانين
( 35 ) قوله : ينبغي على سبيل السنية والتأكد . للرجل أن يجيب الدعوة العامة التي لا تكون لرجل خاص بحيث لو علم الداعي أنه لا يحضر لا يفعله . ولا يتخلف عنها أي عن الدعوة العامة . إلا لعلة بالكسر كمرض وحاجة ونحو ذلك فأما الدعوة الخاصة فإن شاء أجاب وهو السنة إذا خلا عن الرياء والسمعة ونحو ذلك لأنه من حسن العشرة . وإن شاء لم يجب إلا إذا خاف ملال أخيه

889 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : طعام الاثنين ( 1 ) كاف للثلاثة وطعام الثلاثة كاف للأربعة
_________
( 1 ) قوله : طعام الاثنين أي الطعام الذي يشبع الاثنين كاف للثلاثة والمشبع للثلاثة كاف للأربعة . وفي " صحيح مسلم " من حديث عائشة : طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية و عند ابن ماجة : طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة وإن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة . وعند الطبراني : كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن الطعام الواحد يكفي الاثنين . والغرض من هذه الأحاديث الحض على المكارمة والتقنع بالكفاية والمواساة بأنه ينبغي إدخال ثالث لطعامهما ورابع أيضا حسبما يحضر وإن البركة تنشأ من كثرة الاجتماع ( قال ابن بطال : الاجتماع على الطعام من أسباب البركة . فتح الباري 10 / 574 ) فكلما ازداد الجمع زادت كذا في " الكوكب الدراري " و فتح الباري " وغيرهما

17 - باب فضل المدينة ( 1 )
890 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله : أن أعرابيا ( 1 ) بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم على الإسلام ثم أصابه وعك ( 2 ) بالمدينة فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أقلني ( 3 ) بيعتي فأبى ( 4 ) ثم جاء فقال : أقلني بيعتي فأبى ثم جاء فقال : أقلني بيعتي ؟ فأبى فخرج ( 5 ) الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن المدينة كالكير ( 6 ) تنفي خبثها وتنصع طيبها
_________
( 1 ) المدينة : النبوية على ساكنها أفضل الصلوات والتحية
( 1 ) قوله : أن أعرابيا قال الحافظ ابن حجر : لم أقف على اسمه إلا أن الزمخشري ذكر في " ربيع الأبرار " أنه قيس بن أبي حازم وهو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي صلى الله عليه و سلم قد مات فإن كان محفوظا فلعله رجل آخر وفي " الذيل " لأبي موسى المديني في الصحابة قيس بن حازم المنقري
( 2 ) قوله : وعك بالفتح وبفتحتين الحمى وكانت المدينة في أوائل الإسلام ذا وباء وحمى شديدة فدعا النبي صلى الله عليه و سلم بنقل حماها إلى الجحفة وكانت إذ ذاك مسكن اليهود وصارت المدينة أطيب البلاد أرضا وهواء وماء ورد بذلك أخبار بسطها السيوطي في رسالته " كشف الغمى عن فضل الحمى "
( 3 ) من الإقالة أي رد علي بيعتي فإني لست براض به ( قوله : ( أقلني بيعتي ) إنما كان ظنا منه أن البيعة كما كانت انعقدت به صلى الله عليه و سلم فكذلك انفساخها منوط بمشيئته وإرادته ولم يكن الأمر كذلك بل المدار في ذلك على عقيدة المسترشد وإرادته إن ثبت على عهده الذي عقد فذلك وإلا انفسخ وإنما أبى النبي صلى الله عليه و سلم إقالته ذلك الذي عهد لأنه كان ارتدادا من الإسلام فكيف لا ينكره النبي صلى الله عليه و سلم . الكوكب الدري 4 / 459 )
( 4 ) قوله : فأبى وقيل : إنما استقاله من الهجرة ولم يرد الارتداد عن الإسلام ولو أراد الردة لقتله هناك وقيل : استقاله من القيام بالمدينة وقيل كانت بيعته على الإسلام إن كانت بعد ( في الأصل : " قبل الفتح " وهو تحريف . انظر شرح الزرقاني ( 4 / 221 ) الفتح فلم يقله لأنه لا يحل الرجوع إلى الكفر وإن كان قبله فهي على الهجرة والمقام معه بالمدينة ولا يحل للمهاجر أن يرجع إلى وطنه الأصلي
( 5 ) أي من المدينة إلى البدو
( 6 ) قوله : إن المدينة كالكير بكسر الكاف المنفخ الذي ينفخ به النار أو الموضع المشتمل عليها . تنفي بفتح الفوقية وسكون النون وبالفاء . خبثها بفتحتين ما تبرزه النار من وسخ وقذر من الذهب والفضة ويروى بضم الخاء وسكون الباء . و تنصع بفتح الفوقية وفي رواية بفتح التحتية وسكون النون وفتح الصاد من النصوع بمعنى الخلوص أي يخلص ويميز . طيبها بكسر الطاء وسكون الياء شبه المدينة وما يصيب ساكنها من الجهد بالكير وما يدور عليه بمنزلة الخبث فيذهب الخبث ويبقى الطيب فكذا المدينة تنفي شرارها ( قال العيني : فإن قلت إن المنافقين سكنوا في المدينة وماتوا بها ولم تنفهم قلت : كانت المدينة دارهم أصلا ولم يسكنوها بالإسلام ولا حبا له وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم ولم يرد صلى الله عليه و سلم بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبا فيه ثم خبث قلبه . عمدت القاري 10 / 246 ) بالبلاء وتطهر خيارهم وتزكيهم كذا في " شرح الزرقاني

18 - باب اقتناء ( 1 ) الكلب
891 - أخبرنا مالك أخبرنا يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان ( 1 ) بن أبي زهير وهو رجل من شنوءة وهو ( 2 ) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث ( 3 ) أناسا معه وهو عند باب المسجد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من اقتنى ( 4 ) كلبا لا يغني به زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط . قال ( 5 ) : قلت : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : إي ( 6 ) ورب الكعبة ورب هذا المسجد
قال محمد : يكره ( 7 ) اقتناء الكلب لغير منفعة فأما كلب الزرع أو الضرع أو الصيد أو الحرس ( 8 ) فلا بأس به
_________
( 1 ) اقتناء الكلب : أي اتخاذه وتربيته
( 1 ) قوله : سفيان بن أبي زهير بضم الزاء قال ابن المديني وخليفة : اسم أبيه الفرد وقيل : نمير بن عبد الله بن مالك ويقال له النميري لأنه من ولد النمر بن عثمان بن نصر بن زهران نزل المدينة وكان رجلا من أزد بفتح الهمزة وسكون الزاء المعجمة شنوءة بفتح الشين وضم النون بعد الواو همزة مفتوحة ابن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سباء قبيلة معروفة كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) هذا كلام أحد الرواة والظاهر أن قائله السائب بن يزيد
( 3 ) أي سمع سفيان حال كونه يحدث عند باب المسجد النبوي
( 4 ) قوله : من اقتنى من الاقتناء وهو من القنية بالكسر أي اتخذ كلبا . لا يغني به أي لا يحفظ صاحبه به أولا يحفظ الكلب بنفسه أو لأجل صاحبه وفي " موطأ يحيى " : لا يغني عنه زرعا بالفتح أي حرثا . ولا ضرعا بالفتح المراد به المواشي أصحاب الضروع كالغنم والبقر . نقص من عمله أي أجر أعماله وثواب عباداته كل يوم من أيام الاقتناء ما لم يتب . قيراط قال الباجي : هو قدر لا يعلمه إلا الله يعني أن الاقتناء يكون سببا لنقصان ثوابه وحرمانه فإن من السيئات ما يحبط الحسنات وقيل : المراد من النقص أن الإثم الحاصل بقدر قيراط أو قيراطين فيوازن ذلك القدر من أجر عمله وقيل : المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملا فإذا اتخذه نقص من ذلك العمل . وسبب النقص إما امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه كلب أو ما يلحق المارين من الأذى أو عقوبة لمخالفة النهي عن الاتخاذ وفي رواية ابن عمر نقص من عمله قيراطان قال الزرقاني : قيل من عمل الليل قيراط ومن عمل النهار قيراط وقيل : من الفرض قيراط ومن النفل قيراط ولا يخالفه قوله في الحديث السابق : قيراط لأن الحكم للزائد أو ينزل على حالين
( 5 ) أي السائب من سفيان طلبا لتحقيق روايته
( 6 ) بالكسر ( إي ) حرف جواب بمعنى : ورب هذا المسجد الواو للقسم هكذا لفظ البخاري وفي رواية سليمان بن بلال : ورب هذه القبلة قال الحافظ : القسم للتوكيد وإن كان السامع مصدقا كذا في الأوجز 15 / 163 ) كلمة إيجاب أي نعم أنا سمعته منه
( 7 ) قوله : يكره اقتناء الكلب لغير منفعة هذا بالإجماع وأما بيعه فلا يجوز عند الشافعي مطلقا وبه قال أحمد وعند بعض المالكية يجوز بيع الكلب المأذون بإمساكه وعندنا يجوز مطلقا إلا إذا كان عقورا لا يقبل التعليم والأدلة مذكورة في الهداية وشروحها
( 8 ) بالفتح أي حفاظة البيوت وغيرها

892 - أخبرنا مالك عن عبد الملك ( 1 ) بن ميسرة عن إبراهيم النخعي قال : رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم لأهل البيت القاصي ( 2 ) في الكلب يتخذونه
قال محمد : فهذا ( 3 ) للحرس
_________
( 1 ) قوله : عن عبد الملك بن ميسرة بفتح الميم وفتح السين بينهما ياء مثناة تحتية كذا ضبطه في " المغني " وفي " تهذيب التهذيب " عبد الملك بن ميسرة الهلالي أبو زيد العامري الكوفي روى عن ابن عمر وأبي الطفيل وطاوس وسعيد بن جبير وغيرهم وعنه شعبة ومسعر ومنصور قال ابن معين والنسائي والعجلي : ثقة وذكره البخاري في من مات في العشر الثاني من المائة الثانية . انتهى ملخصا . وهناك ابن ميسرة آخر وهو عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي الكوفي روى عن أنس وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وعنه شعبة والثوري والقطان وغيرهم وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن مسعود وغيرهم مات سنة 145 ، ذكره في تهذيب التهذيب " أيضا
( 2 ) أي البعيد عن العمارة المحتاج إلى لحراسة
( 3 ) قوله : فهذا أي هذا الذي رخصه رسول الله صلى الله عليه و سلم لأهل البيت القاصي كان للحفظ فعلم جوازه منه

893 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال : من اقتنى كلبا - إلا كلب ماشية أو ضاريا ( 1 ) - نقص من عمله كل يوم قيراطان
_________
( 1 ) قوله : أو ضاريا أي معلما للصيد معتادا له ومقتضى هذه الرواية حصر الجواز في كلب الصيد وحفظ المواشي وفي رواية أبي هريرة عند مسلم والترمذي وغيرهما إلا كلب حرث أو ماشية ومدار الحصر على اختلاف المقامات واعتقاد السامعين فالمقام الأول اقتضى إخراج كلب الصيد والثاني استثناء كلب الزرع ولا تنافي في ذلك كذا في : كواكب الدراري "

19 - باب ما يكره من الكذب وسوء الظن والتجسس ( 1 ) والنميمة ( 2 )
894 - أخبرنا مالك أخبرنا صفوان بن سليم عن ( 1 ) عطاء بن يسار : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سأله رجل فقال : يا رسول الله أكذب ( 2 ) امرأتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا خير ( 3 ) في الكذب فقال يا رسول الله : أعدها ( 4 ) وأقول قال ( 5 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا جناح ( 6 ) عليك
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا خير في الكذب في جد ( 7 ) ولا هزل فإن وسع الكذب ( 8 ) في شيء ففي خصلة واحدة أن ترفع عن نفسك أو عن أخيك مظلمة فهذا نرجوا أن لا يكون به بأس
_________
( 1 ) والتجسس : أي التفتيش عن عيوب الناس وسرائرهم
( 2 ) والنميمة : أي نقل كلام قوم إلى قوم على جهة الإفساد
( 1 ) قوله : عن عطاء بن يسار ليس في " موطأ يحيى " ذكره بل فيه مالك عن صفوان بن سليم أن رجلا الحديث قال ابن عبد البر : لا أحفظه مسندا بوجه من الوجوه ورواه ابن عيينة عن صفوان عن عطاء مرسلا
( 2 ) بحذف الاستفهام أي أأكذب من امرأتي ؟
( 3 ) أي بل هو شر كله من امرأته كان أو من غيرها
( 4 ) قوله : أعدها بحذف همزة الاستفهام أي أعدها من الوعدة . وأقول أي لها بلساني أفعل لك كذا وكذا ولا يكون في نيتي إيفاؤه
( 5 ) في رواية " يحيى " : فقال أي في جوابه
( 6 ) قوله : لا جناح بالضم أي لا إثم عليك في ذلك للفرق بين الكذب والوعد لأن ذلك ماض وهذا مستقبل وقد يمكنه تصديق خبره فيه قاله الباجي في " شرح الموطأ "
( 7 ) قوله : في جد بكسر الجيم وتشديد الدال خلاف الهزل والهزل بالفتح إظهار ما ليس في قلبه وصدق همته بلسانه لرضاء المخاطب وسروره ونحو ذلك
( 8 ) قوله : وسع الكذب اي إن جاز في صورة ففي صورة واحدة وهي أن ترفع عن نفسك أو عن أخيك مظلمة بكسر اللام أي ظلما بسبب الكذب ومنه الكذب للإصلاح بين الناس وفيه إشارة إلى أن التعريض في مثل هذه الصور أحوط

895 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو زناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إياكم ( 1 ) والظن فإن الظن أكذب ( 2 ) الحديث ولا تجسسوا ( 3 ) ولا تنافسوا ( 4 ) ولا تحاسدوا ( 5 ) ولا تباغضوا ( 6 ) ولا تدابروا وكونوا عباد ( 7 ) الله إخوانا ( 8 )
_________
( 1 ) قوله : إياكم والظن أي احذروا وقوا أنفسكم من الظن أي ظن السوء بالمسلم وهو تهمة يميل إليها ( في الأصل إليه وهو تحريف ) القلب بلا دليل ويركن إليها ولمراد به عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء بلا دليل وهو حرام كسوء القول وأما الخواطر وحديث النفس فعفو كذا حققه الغزالي في " إحياء العلوم "
( 2 ) قوله : أكذب الحديث أي حديث النفس لأنه يكون بوسوسة الشيطان في قلب الإنسان قال الخطابي : ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به وكذا ما يقع في القلب بلا دليل وقال عياض : استدل بالحديث قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي حمله المحققون على ظن مجرد عن دليل ليس مبنيا على أصل ولا تحقيق نظر
( 3 ) قوله : ولا تجسسوا من التجسس وهو البحث والتفتيش عن معائب الناس وسرائرهم وفي رواية : بزيادة " ولا تحسسوا " بالحاء مكان الجيم من التحسس وهو بمعنى التجسس ومنهم من فرق بأن الذي بالحاء استماع حديث القوم والثاني البحث عن العورات وقيل غير ذلك كما بسطه الزرقاني في " شرحه "
( 4 ) قوله : ولا تنافسوا من المنافسة الرغبة في الشيء وطلب الانفراد به وعلوه فيه والمنهي عنه التنافس في أمور الدنيا لطلب العلو والفخر على الناس وأما في أمور الخير فجائز بل مستحب لقوله تعالى : ( فليتنافس المتنافسون ) سورة المطففين : الآية 26 )
( 5 ) قوله : ولا تحاسدوا من الحسد وهو تمني زوال ما أنعم الله على غيره أراده لنفسه أم لم يرد وأما تمني مثله لنفسه من غير أن يزول عن غيره فهو غبطة بالكسرة جائزة
( 6 ) قوله : ولا تباغضوا أي لا تكسبوا أسبابا مفضية إلى البغض والعداوة وهو مذموم إذا كان لغير الله وأما إن كان في الله فهو مندوب وكذا التدابر أي مهاجرة أخيه وترك السلام والكلام معه كأن كلا منهما يولي دبره ويعرض عن أخيه فإن لم يكن في الله فهو حرام وإن كان لله كمهاجرة أهل البدع من حيث ابتداعهم فهو مندب كما بسطه السيوطي في رسالته " الزجر بالهجر "
( 7 ) أي عبيده الخواص الكاملين
( 8 ) خبر بعد خبر أي متآخين ومتحابين في ما بينهم

896 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو زناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : من شر الناس ( 1 ) ذو الوجهين الذي ( 2 ) يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه
_________
( 1 ) أي عند الله يوم القيامة
( 2 ) قوله : الذي يأتي تفسير لذي الوجهين وإشارة إلى أنه ليس المراد به تعدد الوجه حقيقة فما جعل الله لرجل من وجهين في جسده بل المراد أنه يأتي قوما بوجه وقوما بوجه آخر فيظهر عند كل أحد ما يخفيه عن الآخر كذبا وخداعا وإفسادا ونفاقا

20 - باب الاستعفاف ( 1 ) عن المسألة والصدقة
897 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري : أن ناسا ( 1 ) من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى أنفذ ( 2 ) ما عنده فقال : ما يكن ( 3 ) عندي من خير فلن أدخره ( 4 ) عنكم من يستعف ( 5 ) يعفه ( 6 ) الله ومن يستغن ( 7 ) يغنه الله ومن يتصبر ( 8 ) يصبره الله وما أعطي أحد عطاء هو خير ( 9 ) وأوسع من الصبر ( 10 )
_________
( 1 ) قوله : باب الاستعفاف ( ترجم البخاري : باب الاستعفاف عن المسألة قال الحافظ : أي في شيء من غير المصالح الدينية فتح الباري 3 / 336 ) عن المسألة أي السؤال وأخذ الصدقة أي طلب العفة والكف عنه من غير حاجة
( 1 ) قوله : أن أناسا قال الحافظ ابن حجر : لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن في النسائي ما يدل أن أبا سعيد الراوي منهم وللطبراني عن حكيم بن حزام أنه خوطب ببعض ذلك لكنه ليس أنصاريا إلا بالمعنى الأعم ورده العيني بأن في النسائي عن أبي سعيد : سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني لأسأله من حاجة شديدة فأتيته فاستقبلني فقال : من استغنى أغناه الله الحديث وزاد فيه : من سأل وله أوقية فقد ألحف فقلت : ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله . وليت شعري أي دلالة هذا من أنواع الدلالات وليس فيه شيء يدل على كونه مع الأنصار في حالة سؤالهم
( 2 ) أي أفرغ وأفنى ولم يبق منه شيء
( 3 ) شرطية وفي رواية : ما يكون فما موصولة
( 4 ) قوله : فلن أدخره بتشديد الدال المهملة أي لن أحفظه وأجعله ذخيرة معرضا عنكم بل كل ما يكون عندي أعطيه لكم
( 5 ) يتشديد الفاء وكسر العين أي يطلب العفة ويكف عن السؤال
( 6 ) قوله : يعفه بفتح حرف المضارع وضم العين وفتح الفاء المشددة أو من الإعفاف أي يرزقه العفة ويوفقه ما يمنعه عن الذلة
( 7 ) قوله : ومن يستغن أي يظهر الغنى بما عنده عن المسألة . يغنه الله من الإغناء أي يمده بالغنى عن الناس فلا يحتاج إلى أحد
( 8 ) قوله : ومن يتصبر بتشديد الباء أي يعالج صبرا ويتكلفه مع الضيق . يصبره الله أي يرزقه صبرا ويوفقه له
( 9 ) في رواية خيرا بالنصب صفة عطاء
( 10 ) لكونه جامعا لمكارم الأخلاق

898 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر أن أباه ( 1 ) أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعمل ( 2 ) رجلا من بني عبد الأشهل ( 3 ) على الصدقة فلما قدم سأله أبعرة ( 4 ) من الصدقة قال ( 5 ) : فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى عرف ( 6 ) الغضب في وجهه وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن ( 7 ) يحمر عيناه ثم قال : الرجل يسألني ما ( 8 ) لا يصلح لي ولا له فإن منعته كرهت ( 9 ) المنع وإن أعطيته أعطيته ما لا ( 10 ) يصلح لي ولا له فقال الرجل : لا أسألك منها ( 11 ) شيئا أبدا
قال محمد : لا ينبغي أن يعطى من الصدقة ( 12 ) غنيا . وإنما نرى ( 13 ) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذلك ( 14 ) لأن الرجل كان غنيا ( 15 ) ولو كان فقيرا لأعطاه منها
_________
( 1 ) قوله : أن أباه أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وفي رواية أحمد بن منصور البلخي عن مالك عن عبد الله عن أبيه عن أنس
( 2 ) أي جعله عاملا وناظرا
( 3 ) بالفتح وسكون الشين : بطن من الأوس
( 4 ) قوله : أبعرة بالفتح وسكون الباء وكسر العين جمع بعير أي سأله عددا من تلك الإبل زيادة على قدر عمله
( 5 ) أي الراوي
( 6 ) أي بأثره وهو الحمرة
( 7 ) لشدة الغضب وكظمه الغيظ
( 8 ) ومنه مال الصدقة
( 9 ) لكونه جبلته على الجود والكرم
( 10 ) لعدم حله لي وله
( 11 ) أي من الصدقة
( 12 ) أي إلا العامل عليها بقدر عمله
( 13 ) أي نظن
( 14 ) أي ذلك الكلام الدال على الامتناع لذلك العامل
( 15 ) قوله : كان عنيا كما يفيده قوله إن أعطيته أعطيته بما لا يصلح لي وله فلا يحل له من مال الصدقة إلا بقدر عمله لقوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ) سورة التوبة : الآية 60 )

21 - باب الرجل يكتب إلى الرجل يبدأ ( 1 ) به
899 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه : أنه كتب ( 1 ) إلى أمير المؤمنين عبد الملك يبايعه ( 2 ) فكتب ( 3 ) : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ( 4 ) لعبد الله ( 5 ) عبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك ( 6 ) فإني أحمد ( 7 ) إليك الله الذي لا إله إلا هو وأقر ( 8 ) لك بالسمع ( 9 ) والطاعة على سنة الله ( 10 ) وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما استطعت ( 11 )
قال محمد : لا بأس إذا كتب الرجل إلى صاحبه أن يبدأ بصاحبه ( 12 ) قبل نفسه
_________
( 1 ) قوله : يبدأ به أي بالرجل المكتوب إليه ويذكر اسمه ونعته في صدر مراسلته ثم يذكر اسم نفسه وما يقوم مقامه
( 1 ) قوله : أنه كتب في رواية البخاري عن ابن دينار قال : شهدت ابن عمر حين اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان يعني بعد قتل عبد الله بن الزبير وانتظام الملك له وتفرده به ومبايعة الناس له
( 2 ) جملة حالية
( 3 ) أعاده تفسيرا وتثبتا
( 4 ) قوله : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد هذه كلمة ينبغي استعمالها في صدور الكتب والرسائل وقد استعملها النبي صلى الله عليه و سلم في صدور مكاتبته إلى كسرى وهرقل وغيرهما ويقال : أول من تكلم بها داود على نبينا وE ويستحب أيضا البداية بالبسملة وعليه كانت كتب النبي صلى الله عليه و سلم بعدما نزلت حكاية كتابة سليمان إلى ملكة سبأ بلقيس : " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " وقد ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكتب أولا باسمك اللهم كما كان أهل الجاهلية يكتبونه حتى نزلت : ( بسم الله مجراها ومرسها ) سورة هود : الآية 41 ) فكتب بسم الله إلى أن نزلت : ( قال ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) فكتب بسم الله الرحمن إلى أن نزلت آية كتاب سليمان فكتب البسملة التامة أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو عبيد عن الشعبي . وفي الباب عن أبي مالك أخرجه أبو داود في " مراسيله " وميمون بن مهران أخرجه ابن أبي حاتم وكذا عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة كما ذكره السيوطي في " الدر المنثور "
( 5 ) قوله : لعبد الله أي هذا مكتوب لأجله أو اللام بمعنى إلى ووصفه بعبد الله إشارة إلى أنه ينبغي له الخضوع وعدم الاغترار بالملك
( 6 ) سلام عليك بالتنكير وهو والتعريف فيه متساويان وقيل : التنكير أولى اقتفاء بما في القرآن : ( سلام على نوح ) و ( سلام على إبراهيم ) وغير ذلك وقيل عند الخطاب والمشافهة التعريف أولى اقتداء بالأحاديث الواردة به
( 7 ) أي أنهي ( والأظهر أن يقال أحمد الله منتهيا إليك كذا في الأوجز 15 / 115 ) إليك حمده
( 8 ) من الإقرار
( 9 ) أي سمع ما تأمره وتنهاه والإطاعة فيه لقوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) سورة النساء : الآية 59 )
( 10 ) قوله : على سنة الله أي على طريقته وطريقة رسوله وشريعته أشار بذلك إلى ما ورد " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " أخرج الترمذي نحوه وغيره
( 11 ) أي في ما قدرت ( قال الباجي : على حسب ما كان النبي صلى الله عليه و سلم أخذ عليهم من قوله : " فيما استطعتم " وأنه إذا التزم ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم بشرط الاستطاعة فبأن يشترط ذلك لغيره أولى وأحرى . أوجز المسالك 15 / 264 ) فإن التكليف والاتباع ليس إلا بحسب الوسع وما هو خارج عنه
( 12 ) أي يذكره قبل ذكره

900 - عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت : أنه كتب إلى معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زيد بن ثابت ( 1 )
ولا بأس ( 2 ) بأن يبدأ الرجل بصاحبه قبل نفسه في الكتاب
_________
( 1 ) قوله : من زيد بن ثابت تتمته : سلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فإنك كتبت تسألني عن ميراث الجد والإخوة وإن الكلالة وكثيرا مما نقضي به في هذه المواريث لا يعلم مبلغها إلا الله وقد كنا نحضر من ذلك أمورا عند الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فوعينا منها ما شئنا أن نعي فنحن نفتي بعد من استفتانا في المواريث كذا أورده السيوطي في " الدر المنثور " في آخر سورة النساء مسندا إلى رواية الطبراني عن خارجة بن زيد
( 2 ) قوله : ولا بأس إعادة لما مر تأكيدا . ومراده به بيان الجواز من غير كراهة أخذا من فعل زيد وابن عمر وإلا فالأفضل هو البداية بنفسه قبل ذكر صاحبه اقتداء بكتاب سليمان وكتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى السلاطين فإنها مصدرة بقوله : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي وإلى كسرى وإلى غير ذلك بل قد وردت فيه أخبار قولية سردها السيوطي في " الجامع الصغير " وعلي المتقي في " منهج العمال في سنن الأقوال " فأخرج الطبراني في " المعجم الأوسط " عن أبي الدرداء مرفوعا : " إذا كتب أحدكم إلى إنسان فليبدأ بنفسه وإذا كتب فليتربه فإنه أنجح للحاجة " وهو من التتريب أي يلقي التراب عليه ليجف وينجح وأخرج الطبراني في " الكبير " من حديث النعمان بن بشير : إذا كتب أحدكم إلى أحد فليبدأ بنفسه وأخرج الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث أبي هريرة : العجم يبدأون بكبارهم إذا كتبوا فإذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه

22 - باب الاستئذان ( 1 )
901 - أخبرنا مالك أخبرنا صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار ( 1 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سأله رجل فقال : يا رسول الله أستأذن ( 2 ) على أمي ؟ قال : نعم قال الرجل : إني معها ( 3 ) في البيت قال : استأذن عليها قال : إني أخدمها قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتحب ( 4 ) أن تراها عريانة ؟ قال : لا قال : فاستأذن عليها
قال محمد : وبهذا نأخذ . الاستئذان حسن ( 5 ) وينبغي أن يستأذن الرجل على كل ( 6 ) من يحرم عليه النظر إلى عورته ونحوها
_________
( 1 ) قوله : باب الاستئذان أي طلب الإذن بالدخول المأمور به في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) سورة النور : الآية 27 ) الآية قال أبو أيوب : قلت : يا رسول الله هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس ؟ قال : يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح فيوذن أهل البيت أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني والحكيم الترمذي
( 1 ) عن عطاء بن يسار : قال ابن عبد البر : مرسل صحيح لا أعلمه يسند من وجه صحيح صالح
( 2 ) بحذف حرف الاستفهام
( 3 ) قوله : إني معها في البيت يعني أنا وأمي يكونان في بيت واحد والاستئذان إنما شرع في غير بيته فكأنه أراد بذكر هذا ثم بذكر خدمته لها الاطلاع على علة شرعية الاستئذان في مثل هذا أو قصد التخفيف لتعسر الاستئذان في كل مرة فنبه النبي صلى الله عليه و سلم على علة شرعية بقوله : أتحب أن تراها - أي أمك - عريانة ؟ باستفهام إنكاري يعني إذا لم تحبه فإن دخلت عليها بلا إذن فلعلها عند ذلك تكون عريانة فتراها كذلك ( إن ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز إلا أنه أيسر لجواز النظر إلى شعرها وصدرها ونحوهما انظر الأوجز 15 / 124 )
( 4 ) بهمزة الاستفهام
( 5 ) أي مستحب مستحسن
( 6 ) ولو كان من محارمه لا على زوجته وأمته

23 - باب التصاوير ( 1 ) والجرس وما يكره منها
902 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن سالم بن عبد الله عن الجراح ( 1 ) مولى أم حبيبة عن أم حبيبة ( 2 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : العير ( 3 ) التي فيها جرس لا تصحبها الملائكة ( 4 )
قال محمد : وإنما روي ( 5 ) ذلك في الحرب لأنه ينذر به العدو
_________
( 1 ) قوله : باب التصاوير جمع تصوير مصدر مستعمل في المصور . والجرس محركة ما يعلق بعنق الدابة فيصوت كذا في " المغرب "
( 1 ) قوله : عن الجراح قال القاري : بالفتح وتشديد الجيم . انتهى . وقال السيوطي في " إسعاف المبطأ " : كنيته أبو الجراح عن مولاته أم حبيبة وعثمان وعنه سالم وغيره وثقه ابن حبان ويقال اسمه الزبير
( 2 ) أخت معاوية أم المؤمنين
( 3 ) بالكسر أي القافلة
( 4 ) أي ملائكة الرحمة غير الكتبة
( 5 ) في نسخة : نرى . قوله : وإنما روي ذلك أي تعليق الجرس في أعناق الدواب لأنه ينذر - مجهول - من الإنذار أي يخوف به العدو فجاز ذلك بهذه النية ليكون أهيب وأخوف في نظر الكفار قال علي القاري : فيه أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وقد ورد : الجرس مزامير الشيطان رواه أحمد في " مسنده " ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة : " لا تصحبن الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس " وأبو داود بلفظ " لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس "

903 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو النضر ( 1 ) مولى عمر بن عبد الله بن عبيد الله عن عبد الله بن عتبه بن مسعود : أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده ( 2 ) فوجد عنده ( 3 ) سهل بن حنيف ( 4 ) فدعا أبو طلحة إنسانا ( 5 ) ينزع ( 6 ) نمطا تحته فقال سهل بن حنيف : لم تنزعه ( 7 ) ؟ قال : لأن فيه ( 8 ) تصاوير وقد قال رسول الله فيها ما قد علمت ( 9 ) . قال : سهل : أولم يقل إلا ما كان رقما ( 10 ) في ثوب ؟ قال : بلى ( 11 ) ولكنه أطيب ( 12 ) لنفسي
قال محمد : وبهذا نأخذ . ما كان فيه من تصاوير من بساط يبسط أو فراش ( 13 ) يفرش أو وسادة ( 14 ) فلا بأس بذلك . إنما يكره ( 15 ) من ذلك في الستر وما ينصب ( 16 ) نصبا . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا أبو النضر سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبد الله بن عبيد الله عن عبد الله بن عتبة - بضم العين - ابن مسعود الهذلي . أنه أي عبد الله بن عتبة هكذا في نسخ عديدة وعليها شرح القاري وفيه اختلاج من وجوه : أحدها : أن أبا النضر إنما هو مولى لعمر بن عبيد بن معمر التيمي لا لعمر بن عبد الله بن عبيد الله كما مر ذكره في ( باب الوضوء من المذي ) . وثانيها : أن سالما أبا النضر لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عتبة بن مسعود بل عن ابنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أحد الفقهاء السبعة . وثالثها : أن صاحب الرواية والداخل على أبي طلحة ليس هو عبد الله بن عتبة بل ابنه كما حققه ابن عبد البر ( قال ابن عبد البر : لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث ومتنه . وزعم بعض العلماء أن عبيد الله لم يلق أبا طلحة وما أدري كيف قال ذلك وهو يروي حديث مالك هذا ؟ وأظنه لقول بعض أهل السير : مات أبو طلحة سنة 34 هـ وعبيد الله حينئذ لم يكن ممن يصح له السماع وهذا ضعيف والأصح أن وفاة أبي طلحة بعد الخمسين كذا في الأوجز 15 / 146 ) . فالصواب ما في " موطأ يحيى " : مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه دخل على أبي طلحة . فلعل تبديل عبيد في قوله مولى عمر بن عبيد بعبد الله تبديل عن عبيد الله بابن عبد الله وتبديل ابن عبد الله بن عتبة بعن عبد الله من زلة النساخ وفي بعض نسخ هذا الكتاب أخبرنا أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود إلخ وهذا هو الصحيح
( 2 ) أي لعيادته في مرضه
( 3 ) أي عند أبي طلحة
( 4 ) بصيغة التصغير
( 5 ) أي من خدمه
( 6 ) قوله : ينزع أي ليخرج نمطا كان تحته وهو بفتح النون وفتح ( في الأصل : " كسر الميم " وهو خطأ . انظر مجمع بحار الأنوار 4 / 787 ) الميم : ضرب من البسط له خمل رقيق قاله السيوطي
( 7 ) أي لأي سبب تخرجه من تحتك ؟
( 8 ) أي في ذلك النمط
( 9 ) قوله : ما قد علمت من أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة . وفي رواية عند الشيخين : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة . وعند أبي داود والنسائي وابن حبان : لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا جنب ولا كلب . والمراد بالجنب الذي يعتاد ترك الغسل ويتهاون به قاله الخطابي ولأبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان : أتاني جبريل فقال لي : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام - بالكسر أي ستر - فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت فيقطع فيصير كهيأة الشجرة ومر بالستر فيقطع فيجعل وسادتين منبوذتين توطآن و مر بالكلب فيخرج . وفي الباب أخبار أخر مبسوطة في " كتاب الترغيب والترهيب " للمنذري وغيره قال ابن حجر المكي الهيتمي في كتابه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " : عد هذا أي تصوير ذي روح على أي شيء كان كبيرة هو صريح الأحاديث الصحيحة ولا ينافيه قول الفقهاء : يجوز ما على الأرض وبساط ونحوهما من كل ممتهن لأن المراد أنه يجوز بقاؤه ولا يجب إتلافه وأما جعل التصوير لذي روح فهو حرام مطلقا ثم رأيت في " شرح مسلم " ما يصرح بما ذكرته حيث قال ما حاصله : تصوير صورة الحيوان حرام من الكبائر سواء صنعه لما يمتهن أو لغيره سواء كان ببساط أو درهم أو ثوب وأما تصوير صورة الشجر ونحوها فليس بحرام وأما المصور بصورة الحيوان فإن كان معلقا على حائط أو ملبوس كثوب أو عمامة مما لا يمتهن فحرام أو ممتهنا كبساط يداس ووسادة فلا يحرم . لكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت ؟ الأظهر أنه عام في كل صورة . هذا تلخيص مذهب جمهور علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم كالشافعي ومالك والثوري وأبي حنيفة وغيرهم
( 10 ) بالفتح أي نقشا ( نقشا ووشيا . كذا في الأوجز 15 / 147 ) . قوله : إلا ما كان رقما ظاهره جواز الرقم في الثوب مطلقا وهو قول طائفة وذهب جماعة إلى المنع مطلقا وقالت طائفة بالفرق بين الممتهن والمعلق وقالت جماعة : إن كانت ثابتة الشكل قائمة الهيأة حرم وإن تفرقت الأجزاء جاز قال ابن عبد البر : إنه أعدل الأقوال
( 11 ) أي قد قال ذلك وجوز إبقاء التصوير في البساط
( 12 ) من التطيب أي أطهر للتقوى واختيار الأولى
( 13 ) حرف الترديد للتنويع والتوضيح
( 14 ) بالكسر ما يتوسد ويتكى به
( 15 ) لما فيه من تعظيم الصورة
( 16 ) أي يقام ويعلق

24 - باب اللعب ( 1 ) بالنرد ( 2 )
904 - أخبرنا مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد ( 1 ) بن أبي هند عن أبي موسى ( 2 ) الأشعري ( 3 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله ( 4 )
قال محمد : لا خير ( 5 ) باللعب كلها من النرد ( 6 ) والشطرنج ( 7 ) وغير ذلك
_________
( 1 ) العب : بالفتح
( 2 ) قوله : بالنرد بفتح النون وإسكان الراء لعب معروف ويسمى الكعاب والنردشير قاله الدميري في " حياة الحيوان " عند ذكر العقرب قال ابن خلكان في ترجمة أبي بكر الصولي الكاتب المشهور : إنه كان أوحد زمانه في لعب الشطرنج وزعم كثير من الناس أنه الذي وضعه وهو غلط وواضعه رجل يقال له صصة بصادين مهملتين الأولى مكسورة والثانية مشددة مفتوحة وضعه لملك الهند " شهرام " بكسر الشين وكان أردشير بن بابك أول ملوك الفرس قد وضع النرد ولذا قيل له نردشير نسبوه إليه وجعله مثالا للدنيا وأهلها فجعل الرقعة اثني عشرة بيتا بعدد شهور السنة وجعل القطع ثلاثين قطعة بعدد أيام الشهر وجعل الفصوص مثل القضاء والقدر فافتخرت الفرس بوضع النرد فوضع صصة الهندي الحكيم الشطرنج لملك الهند فقضت حكماء ذلك العصر بترجيح الشطرنج . انتهى . والصواب أن الملك الذي وضع له الشطرنج بلهيت كما قاله شيخنا اليافي وغيره
( 1 ) سعيد : قال السيوطي : سعيد بن أبي هند الفزاري المدني مولى سمرة وثقه ابن حبان مات في أول خلافة هشام
( 2 ) اسمه عبد الله بن قيس من أجلة الصحابة مات سنة أربع وأربعين ذكره في " أسد الغابة " وغيره
( 3 ) نسبة إلى أشعر بالفتح قبيلة باليمن
( 4 ) قوله : ورسوله وفي رواية أبي داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي موسى " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده بدم خنزير " . ولمسلم وأبي داود وابن ماجه : " فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه " . وعند أحمد وأبي يعلى والبيهقي وغيرهم : أنه صلى الله عليه و سلم قال : " مثل الذي يلعب النرد ثم يقوم يصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي " . وعند البيهقي عن يحيى بن أبي كثير : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على قوم يلعبون بالنرد فقال : " قلوب لاهية وأيد عاملة وألسنة لاغية " وبهذه الأحاديث ذهب أكثر العلماء إلى كون اللعب بالنرد حراما ( وفي المحلى : وبتحريم النرد قالت الأئمة الأربعة والجمهور وقال أبو إسحاق المروزي من الشافعية : يكره ولا يحرم . الأوجز 15 / 90 ) ترد به شهادة اللاعب . وهناك أقوال لبعض الشافعية مخالفة لهذا القول قد ردها ابن حجر المكي في " الزواجر "
( 5 ) قوله : لا خير باللعب كلها فإنه إن كان مقامرا به فهو ميسر محرم بالكتاب وإن لم يكن مقامرا فهو عبث باطل لحديث : " كل لهو يكره إلآ ملاعبة الرجل زوجته ومشيته بين هدفين - أي هدف السهم المرمي - وتعليم فرسه " أخرجه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " بسند ضعيف . وفي الباب عن عقبة بن عامر بلفظ : " ليس من اللهو إلا ثلاث : تأديب الرجل فرسه وملاعبته مع أهله ورميه بقوسه ونبله " أخرجه أصحاب السنن الأربعة وأحمد والطبراني . وعند النسائي وإسحاق بن راهويه ومعجم الطبراني من حديث جابر بن عبد الله والبزار وابن عساكر من حديث جابر بن عميرة مرفوعا : " كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب إلا أربعة : ملاعبة الرجل أهله وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الغرضين وتعلم الرجل السباحة " . وعند الحاكم بسند ضعيف من حديث أبي هريرة نحوه ذكر ذلك كله الزيلعي في : نصب الراية " والعيني في " البناية "
( 6 ) لما مر فيه من الأخبار
( 7 ) قوله : والشطرنج بكسر الشين المعجمة وقد يقال بكسر السين المهملة ولا يقال بالفتح كذا في " القاموس " وغيره واختلفوا فيه على أقوال :
قيل : مباح لما فيه من تشحيذ الخواطر . وقيل : مكروه تنزيها ما لم يقامر به أو يفضى إلى تضييع الصلوات وهو الأصح عند الشافعية وذكر الدميري في " حياة الحيوان أن تجويزه مروي عن عمر وأبي هريرة وأبي اليسر والحسن البصري والقاسم بن محمد وأبي مجلز وعطاء وسعيد بن جبير وغيرهم . وقيل : هو مكروه تحريما إن خلا عن القمار وتضييع الصلوات وإلا فحرام وهو مذهب أصحابنا ونسبه الدميري إلى أحمد ومالك أيضا . وذكر ابن حجر المكي في " الزواجر " أن المنع منه مأثور عن أبي موسى الأشعري فإنه قال : لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ وعن ابن عمر قال : إنه شر من الميسر وابن عباس والنخعي ومجاهد وإسحاق بن راهويه وغيرهم . ويؤيدهم ما أخرجه الأثرم في " جامعه " بسند ضعيف من حديث واثلة مرفوعا : إن لله في كل ثلاث مائة وستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب الشاه فيها نصيب والمراد به صاحب الشطرنج لقوله شاه . وأخرج أبو بكر الآجري من حديث أبي هريرة : إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام النرد والشطرنج وما كان من اللهو فلا تسموا عليهم . وفي رواية : أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه ( انظر كنز العمال 15 / 40644 ) . وهذه الروايات على تقدير ثبوتها دالة على كراهة التحريمية أو الحرمة ( وقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريم الشطرنج وعليه الأئمة الثلاثة وحكى البيهقي إجماع الصحابة على ذلك . وذهب الشافعي إلى كراهته تنزيها على الصحيح المشهور عنه ما لم يواظب عليها . انظر أوجز المسالك 15 / 93 ) . وفي المقام نظر

25 - باب النظر إلى اللعب ( 1 )
905 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو النضر أنه أخبره من سمع عائشة تقول : سمعت ( 1 ) صوت أناس يلعبون ( 2 ) من الحبش ( 3 ) وغيرهم يوم عاشوراء قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتحبن ( 4 ) أن تري ( 5 ) لعبهم ؟ قالت : قلت : نعم قالت : فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاؤوا ( 6 ) وقام رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 7 ) بين الناس فوضع كفه على الباب ومد يده ( 8 ) ووضعت ذقني ( 9 ) على يده فجعلوا يلعبون ( 10 ) وأنا أنظر ( 11 ) قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : حسبك ( 12 ) قالت : وأسكت مرتين ( 13 ) أو ثلاثا ثم قال لي : حسبك قلت : نعم . فأشار إليهم فانصرفوا
_________
( 1 ) إلى اللعب : أي اللعب المباح الذي لم يرد فيه منع شرعي
( 1 ) قوله : سمعت صوت أناس وفي رواية : صبيان من الحبشة . وفي الحديث دليل على إباحة اللعب المباح والنظر إليه تطيبا وتشريحا بشرط أن لا ينجر إلى أمر مكروه وشذ من استند لإباحة الغناء لا سيما مع لمزامير والرقص للنساء والأمارد بهذا وتفوه بأن النبي نظر إلى رقص الحبشة وهو قول باطل قد قام لرده حملة الشريعة قديما وحديثا . ومن أراد تفصيل المرام فليرجع إلى كتاب " السماع " من إحياء العلوم وغيره
( 2 ) بالحربة وغيرها
( 3 ) بفتحتين جنس من السودان
( 4 ) بهمزة الاستفهام
( 5 ) في نسخة : ترين
( 6 ) أي قريب الدار
( 7 ) أي خارج باب حجرة عائشة
( 8 ) لزيادة الحجاب
( 9 ) أي من داخل الحجرة
( 10 ) في المسجد النبوي
( 11 ) إلى لعبهم
( 12 ) أي يكفيك أي هل كفاك ؟
( 13 ) أي لم أقر بالكفاية

26 - باب المرأة تصل ( 1 ) شعرها بشعر غيرها
906 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن : أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج ( 1 ) وهو على المنبر ( 2 ) يقول : يا أهل المدينة أين علماؤكم ؟ ( 3 ) - وتناول ( 4 ) قصة ( 5 ) من شعر كانت في يد حرسي - سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهي عن مثل هذا ويقول : إنما هلكت ( 6 ) بنو إسرائيل حين اتخذ هذه ( 7 ) نساؤهم
قال محمد : وبهذا نأخذ . يكره للمرأة أن تصل شعرا إلى شعرها ( 8 ) أو تتخذ قصة شعر ولا بأس بالوصل في الرأس ( 9 ) إذا كان ( 10 ) صوفا ( 11 ) . فأما الشعر من شعور الناس فلا ينبغي ( 12 ) . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) تصل شعرها : لغرض ازدياد شعرها وتحصيل جمالها
( 1 ) عام حج : أي في السنة التي حج فيها
( 2 ) أي منبر مسجد المدينة
( 3 ) أي أين علماؤكم العارفون بالسنن حيث لا يمنعون من مثل هذا
( 4 ) أي أخذ في يده
( 5 ) قوله : قصة ( هي شعر الناصية والمراد قطعة من الشعر كذا في الأوجز 15 / 9 . وحرسي قال الجوهري : الحرس هم الذين يحرسون السلطان والواحد حرسي لأنه قد صار اسم جنس فنسب إليه . عمدة القاري 22 / 63 ) من شعر بضم القاف وتشديد الصاد خصلة مجتمعة من الشعور تزيدها المرأة في شعرها لتظهر كثرتها كانت في يد حرسي بفتحتين أي واحد من الحرس أي الخدم الذين يحرسون وفي رواية للشيخين : أنه أخرج كبة من شعر فقال : ما كنت أرى أحدا يفعله إلا اليهود وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم بلغه فسماه الزور . وعند الطبراني بسند ضعيف : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج يوما بقصة فقال : إن نساء بني إسرائيل كن يجعلن هذا في رؤوسهن فلعن وحرم عليهن المساجد . وفي الصحيحين والسنن : قال رسول الله : لعن الله الواصلة والمستوصلة . وفي الباب أخبار كثيرة بسطها المنذري في كتاب " الترغيب والترهيب " وغيره دالة على كون الوصل كبيرة لا يحل بحال وإن أمرها زوجها
( 6 ) أي بالعذاب والبلاء
( 7 ) أي القصة
( 8 ) وإن لم يكن قصة مجتمعة بل طاقا مفردا
( 9 ) أي في شعره
( 10 ) أي الموصول
( 11 ) أي شعر ( مذهب الحنفية أن الوصل بشعر الآدمي حرام وبغيره يجوز وهو مذهب ابن عباس والليث وحكاه أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء وهو مؤدى ما رواه أبو داود عن سعيد بن جبير والإمام أحمد كذا في الأوجز 15 / 12 ) الضأن وكذا غيره من الحيوانات
( 12 ) لحرمة استعمال جزء الآدمي لكرامته

27 - باب الشفاعة ( 1 )
907 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لكل نبي دعوة ( 1 ) فأريد إن شاء الله أن أختبئ ( 2 ) دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيمة
_________
( 1 ) قوله : باب الشفاعة ( قال القاري : الشفاعة خمسة أقسام : أولها : مختصة بنبينا صلى الله عليه و سلم وهي الإراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب . الثانية : في إدخال قوم الجنة بغير حساب وهذه أيضا وردت في نبينا صلى الله عليه و سلم . الثالثة : الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه و سلم ومن شاء الله . الرابعة : فيمن دخل النار من المذنبين فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعة نبينا والملائكة وإخوانهم من المؤمنين . الخامسة : الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وهذه لا تنكرها . انتهى أي هذه الأخيرة لا ينكرها المعتزلة وغيرهم أيضا . الكوكب الدري 3 / 281 ) أي الشفاعة المحمدية يوم القيامة وهي لأصحاب الكبائر والصغائر وغيرهم من المسلمين وقد قسمها السبكي في " شفاء السقام في زيارة خير الأنام " وبسط فيها الأولون والآخرون وهي المقام المحمود الذي يحمده فيه السابقون والآخرون وهي للإراحة من طول الموقف . ومنها الشفاعة لإدخال قوم الجنة بغير حساب وهم سبعون ألفا مع كل سبعون ألفا . ومنها الشفاعة عند الحساب والميزان . ومنها الشفاعة بإخراج الموحدين من النار . ومنها الشافعة لأهل الجنة في رفع درجاتهم . وذكر بعضهم لها نوعا آخر وهو شفاعته لبعض الكفار كأبي طالب في تخفيف العذاب
( 1 ) قوله : دعوة أي دعاء مستجاب لإهلاك قومه أو هدايتهم أو رفع البلاء عنهم إلى غير ذلك مما ورد أن الأنبياء دعوا به فاستجيب لهم . وفيه إشعار بأنه لا يلزم أن يكون كل دعاء نبي مستجابا
( 2 ) قوله : أن أختبيء أي أختفي وأدخر دعائي لأمتي يوم القيامة فإن احتياجهم عند ذلك أكثر وفقرهم إلى دعائي في ذلك اليوم أظهر

28 - باب الطيب للرجل ( 1 )
908 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد : أن عمر بن الخطاب كان يتطيب بالمسك المفتت ( 1 ) اليابس
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس ( 2 ) بالمسك للحي وللميت أن يتطيب . وهو قول أبي حنيفة والعامة رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) الطيب للرجل : وكذا للمرأة
( 1 ) المفتت : بتشديد التاء الأولى أي المكسر
( 2 ) قوله : لا بأس بالمسك بل يستحب استعماله بل استعمال الطيب مطلقا حيا وميتا لاستعماله من النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه حيا وميتا بل قد ورد أن الطيب مما لا يرد . وفي " المقامة المسكية " لجلال الدين السيوطي : قد طيب به رسول الله صلى الله عليه و سلم في حنوط عند وفاته وفضلت منه فضلة فأوصى علي أن يحنط به تبركا بفضلاته وأوصى سلمان رضي الله عنه احتضاره أن يرش به البيت في أثر الصحيح وقال : إنه يحضرني ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولكن يجدون الريح وكم روينا حديثا صحيحا جاء فيه ذكر المسك صريحا من ذلك انه شبه به دم الشهيد وخلوف فم الصائم وجعل له عليه المزيد وقد أمر به صلى الله عليه و سلم الحائض إذا تطهرت واغتسلت . انتهى . وفي " حياة الحيوان " حقيقته دم يجتمع في سرة الغزال أي الظبي بإذن الله في وقت معلوم من السنة بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء وهذه السرة جعلها الله معدنا للمسك فهي تثمر في كل سنة . انتهى . وقال النووي في " شرح صحيح مسلم " عند حديث " المسك أطيب الطيب " : دل الحديث على أنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ويجوز بيعه وهذا كله مجمع عليه ونقل أصحابنا عن الشيعة مذهبا باطلا وهم محجوجون بإجماع المسلمين وبالأحاديث الصحيحة في استعمال النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه . انتهى

29 - باب الدعاء

909 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بم مالك قال : دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم على الذين قتلوا ( 1 ) أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة يدعو على رعل وذكوان وعصية : عصت الله ورسوله . قال أنس : نزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه حتى نسخ : بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا وBا ورضينا عنه
_________
( 1 ) قوله : على الذين قتلوا أي من المشركين . أصحاب بئر معونة بفتح الميم وضم العين المهملة وسكون الواو بعدها نون موضع بين مكة وعسفان وذلك في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة . ثلاثين غداة أي صباحا يدعو على رعل - بكسر الراء وسكون المهملة - بطن من بني سليم وذكوان - بفتح المعجمة - بطن من بني سليم أيضا وعصية - بالتصغير - عصت الله ورسوله : أي هذه الطوائف . والحديث مروي في " صحيح مسلم " وغيره وكانت السرية تعرف بسرية القراء ( وكانت مع بني رعل وذكوان فتح الباري 7 / 279 . وكانت هذه السرية في أوائل سنة أربع كذا في اللامع 8 / 364 ) وكانوا سبعين وقيل : أربعين وقيل ثمانين . قال أنس : نزل في الذين قتلوا أي في حق المقتولين قرآن أي بعض منه قرأناه أولا ثم نسخ أي تلاوته وهو قوله تعالى حكاية عنهم : ( بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا ) يحتمل فاعلا ومفعولا ورضي عنا ورضينا عنه كذا ذكره القاري

30 - باب رد السلام

910 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو جعفر القاري قال : كنت مع بن عمر فكان يسلم ( 1 ) عليه فيقول ( 2 ) : السلام عليكم فيقول ( 3 ) مثل ما يقال له
قال محمد : هذا لا بأس به . وإن زاد الرحمة ( 4 ) والبركة فهو أفضل ( 5 )
_________
( 1 ) بصيغة المجهول أي يسلم عليه الناس
( 2 ) أي المسلم
( 3 ) أي ابن عمر
( 4 ) بأن قال : ورحمة الله وبركاته
( 5 ) قوله : فهو أفضل لقوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ( سورة النساء : الآية 86 ) لما ورد في الأحاديث عند أصحاب السنن مما يدل على فضل الزيادة

911 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل ( 1 ) بن أبي بن كعب أخبره : أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه ( 2 ) إلى السوق قال : وإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ( 3 ) ولا صاحب بيع ( 4 ) ولا مسكين ( 5 ) ولا أحد ( 6 ) إلا سلم عليه . قال الطفيل بن أبي بن كعب : فجئت عبد الله بن عمر يوما ( 7 ) فاستتبعني ( 8 ) إلى السوق قال : فقلت ( 9 ) ما تصنع في السوق ؟ ولا تقف ( 10 ) على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تساوم بها ولا تجلس في مجلس السوق اجلس بنا ههنا نتحدث فقال عبد الله بن عمر : يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن ( 11 ) إنما نغدو ( 12 ) لأجل السلام نسلم ( 13 ) على من لقينا
_________
( 1 ) قوله : أن الطفيل بضم الطاء وفتح الفاء ابن أبي بضم الألف وفتح الباء وتشديد الياء ابن كعب الأنصاري الخزرجي من ثقات التابعين ويقال : إنه ولد في العهد النبوي وهو عزيز الحديث وكنيته أبو بطن بالفتح كذا ذكره ابن الأثير في " جامع الأصول "
( 2 ) أي يذهب الطفيل مع ابن عمر صباحا إلى السوق
( 3 ) قوله : على سقاط قال الزرقاني : بفتح السين وشد القاف بائع رديء الطعام ويقال له سقطي أيضا والمتاع الرديء سقط والجمع أسقاط
( 4 ) أي مطلقا أي بائع كان وفي " موطأ يحيى " : صاحب بيته وهو بمعناه
( 5 ) أي محتاج في السوق
( 6 ) تعميم بعد تخصيص
( 7 ) أي في يوم من الأيام
( 8 ) أي طلب مني أن أتبعه
( 9 ) لابن عمر
( 10 ) قوله : ولا تقف على البيع بفتح الباء وشد التحتية المكسورة مثل البائع أي لا تقف على البيع لتشتري أو تبيع . ولا تسأل عن السلع - بكسر ففتح - جمع سلعة : المتاع الذي في معرض البيع . ولا تساوم من المساومة بها أي لا تسأل عن قيمة السلعة وما يتعلق بها . ولا تجلس في مجلس السوق أي لتنظر إلى من يمر بها ويعامل فيها وإذا كان كذلك فما يخرجك إلى السوق ؟ بل هو عبث اجلس بنا ههنا نتحدث في أمور ديننا ودنيانا ولا نذهب إلى السوق
( 11 ) أي كان بطنه عظيما وبه كني بأبي بطن
( 12 ) أي نذهب إلى السوق
( 13 ) قوله : نسلم على من لقينا أي لإدراك هذه الفضيلة المتضمنة لإنشاء السلام وقد ورد به الترغيب الوافر فأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن مسعود مرفوعا والبخاري في " الأدب المفرد " موقوفا : السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم وإذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة وإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأفضل . ونحوه عند البيهقي من حديث أبي هريرة . وفي " الأدب المفرد " من حديث أنس وعند الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة : ألا أدلكم على أمر إذا أنتم فعلتم تحاببتم : أفشوا السلام بينكم . وقال : وفي الباب عن عبد الله بن سلام وشريح ابن هانئ عن أبيه وعبد الله بن عمرو والبراء وأنس وابن عمر

912 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن اليهود ( 1 ) إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول : السام عليكم فقولوا ( 2 ) : عليك
_________
( 1 ) قوله : إن اليهود . وعند البخاري : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم
( 2 ) قوله : فقولوا عليك بلا واو لجميع رواة الموطأ وعند البخاري بالواو وجاءت الأحاديث في صحيح مسلم بحذفها وإثباتها وهو أكثر . واختار ابن حبيب المالكي الحذف لأن الواو تقضي إثباتها على نفسه حتى يصح العطف فيدخل معهم في ما دعوا به وقيل : هي للاستئناف لا للعطف وقال القرطبي : كأنه قال : والسام عليك والأولى أن يقال : إنها للعطف غير أنا نجاب فيهم ولا يجابون كما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم . وقال النووي : الصواب جواز الحذف والإثبات وهو أجود ولا مفسدة فيه لأن السام هو الموت وهو علينا وعليهم وقال عياض : قال قتادة : مرادهم بالسام السأمة أي تسأمون دينكم مصدر سئمت سامة وسآمة وسآما مثل رضاعا وجاء هكذا مفسرا مرفوعا وعلى هذا فرواية حذف الواو أحسن

913 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو نعيم وهب بن كيسان عن محمد ( 1 ) بن عمرو بن عطاء قال : كنت جالسا عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل يماني ( 2 ) فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد ( 3 ) شيئا مع ذلك أيضا ( 4 ) قال ( 5 ) ابن عباس رضي الله عنهما : من ( 6 ) هذا ؟ وهو يومئذ ( 7 ) قد ذهب بصره قالوا : هذا اليماني الذي يغشاك ( 8 ) فعرفوه ( 9 ) إياه حتى عرفه قال ابن عباس : إن السلام انتهى إلى البركة
قال محمد : وبهذا نأخذ . إذا قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فليكفف ( 10 ) فإن اتباع السنة أفضل ( 11 )
_________
( 1 ) قوله : عن محمد بن عمرو بن عطاء بن عباس بن علقمة العامري القرشي المدني من ثقات التابعين روى عن أبي حميد وأبي قتادة وابن عباس كذا في " جامع الأصول "
( 2 ) بفتح الياء وكسر النون وشد الياء أي من أهل اليمن
( 3 ) أي ذلك المسلم اليماني
( 4 ) أي مع ذكر الرحمة والبركة
( 5 ) أي للناس الحاضرين في مجلسه
( 6 ) أي هذا المسلم الذي زاد على بركاته من هو ؟
( 7 ) قوله : هو يومئذ هذا كلام أحد من الرواة والظاهر أنه محمد بن عمرو يعني أن ابن عباس كان قد ذهب بصره وصار أعمى في ذلك الوقت . فلذلك سأل الناس عن ذلك الرجل وإلا لرآه بعينه ولم يسأل عن تشخيصه
( 8 ) أي يأتيك ويتردد في مجلسك
( 9 ) أي ذكروا نعته ووصفه حتى عرفه
( 10 ) أي ليمسك عن الزيادة
( 11 ) قوله : فإن اتباع السنة أفضل لأن العمل الكثير في بدعة ليس خيرا من عمل قليل في سنة وظاهره أن الزيادة على وبركاته خلاف السنة مطلقا كما يفيده ظاهر قول ابن عباس ويوافقه ما في " موطأ يحيى " : مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا سلم على ابن عمر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات ( النعم الآتية غدوة وروحة . انظر الأوجز 15 / 119 ) فقال ابن عمر : وعليك ألفا ثم كأنه كره ذلك
ويطابقه ما أخرجه البيهقي على ما ذكره في " الدر المنثور " عن عروة بن الزبير أن رجلا سلم عليه فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال عروة : ما ترك لنا فضلا إن السلام انتهى إلى البركة . لكن قد ورد في بعض الأخبار المرفوعة تجويز الزيادة فعند أبي داود والبيهقي : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : السلام عليكم فرد عليه فجلس فقال النبي صلى الله عليه و سلم : عشرة ثم جاءه آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال : عشرون ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فقال : ثلاثون ثم أتى آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال : أربعون وقال : هكذا تكون الفضائل
وفي كتاب " عمل اليوم والليلة " لابن السني - قال النووي : في " الأذكار " إسناده ضعيف - عن أنس : كان الرجل يمر بالنبي صلى الله عليه و سلم يرعى دواب أصحابه فيقول : السلام عليك يا رسول الله فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته مغفرته ورضوانه فقيل يا رسول الله تسلم علي هذا سلاما ما تسلمه على أحد من أصحابك قال : وما يمنعني من ذلك وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلا ( لكن الحديث أيضا ضعيف فالمعروف في السنة هو الانتهاء إلى البركة وإليه أشار الإمام محمد كذا في الأوجز 15 / 104 ) . فالأولى القول بتجويز ذلك أحيانا والاكتفاء على " بركاته " أكثريا

31 - باب الدعاء ( 1 )
914 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار وقال : رآني ابن عمر وأنا أدعو ( 1 ) فاشير بأصبعي أصبع من كل يد فنهاني
قال محمد : وبقول ابن عمر نأخذ . ينبغي أن يشير بأصبع واحدة ( 2 ) . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) باب الدعاء : في بعض النسخ باب الإشارة في الدعاء
( 1 ) قوله : وأنا أدعو فأشير بأصبعي أي بكلا الأصبعين فنهاني عن ذلك الظاهر أنه كان عند الإشارة في التشهد فإنه يستحب فيه التوحيد فمعنى أدعو أتشهد ويوافقه ما أخرجه ابن أبي شيبة عن بشر بن حرب أنه سمع ابن عمر يقول : إن رفعكم أيديكم في الصلاة لبدعة والله ما زاد رسول الله صلى الله عليه و سلم على هذا يعني الإشارة بأصبعه . وعن أبي هريرة : أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أحد أحد أي أشر بواحدة أخرجه الترمذي والنسائي والبيهقي . وعلى هذا فلا يناسب إيراد هذا الأثر في هذا الباب ويحتمل أن يكون المراد الدعاء حقيقة
( 2 ) قوله : بأصبع واحدة قال القاري : أي حالة الدعاء مطلقا وكذا في التشهد عند قول أشهد أن لا إله إلا الله انتهى . ولا نعرف رفع الأصبع في حالة الدعاء مطلقا فليتأمل

915 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن الرجل ليرفع ( 1 ) بدعاء ولده من بعده . وقال بيده فرفعها إلى السماء
_________
( 1 ) قوله : إن الرجل ليرفع أي في درجاته ومنزله - وإن لم يكن بالغا إليها بعمله - بدعاء ولده له بقوله : اللهم اغفر لي ولوالدي ونحو ذلك . من بعده أي بعد موته كما ورد : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له . أخرجه ابن ماجه وغيره . وقال بيده أي أشار ابن المسيب بيده فرفعها إلى السماء تفهيما لعلو درجات الرجل . ولعلي القاري في تفسير هذه الكلمة ما لا ينبغي ذكره كما لا يخفى على من راجع شرحه

32 - باب الرجل يهجر ( 1 ) أخاه
916 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يحل ( 1 ) لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ( 2 ) يلتقيان ( 3 ) فيعرض ( 4 ) هذا ويعرض هذا وخيرهم ( 5 ) الذي يبدأ بالسلام
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي ( 6 ) الهجرة بين المسلمين
_________
( 1 ) قوله : يهجر أي يترك من الهجرة بمعنى الترك بترك السلام والكلام والملاقاة ونحو ذلك . أخاه حقيقيا كان بالنسب أو حكميا بالإسلام والسبب
( 1 ) لا يحل : هكذا وجدنا في نسخ هذا الكتاب والذي في " موطأ يحيى " وغيره عن أبي أيوب : أن رسول الله قال : لا يحل إلخ
( 2 ) قوله : فوق ثلاث ليال قال القاضي : ظاهره إباحة ذلك في الثلاث لأن البشر لا بد له من غضب وسوء الخلق فسومح تلك المدة
( 3 ) جملة مستأنفه لبيان الهجر
( 4 ) من الإعراض
( 5 ) قوله : وخيرهم أي أفضلهما وأكثر ثوابا منها الذي يبدأ أخاه بالسلام الذي هو جالب للمحبة ودافع للنفرة وعند أبي داود : فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة
( 6 ) قوله : لا ينبغي الهجرة ( والسلام يخرج من الهجران عند مالك والأكثرين وعند أحمد : لا بد من عودته إلى الحالة التي كان عليها أولا . شرح الزرقاني 4 / 261 ) بين المسلمين أي إذا كان لأمر غير ديني وأما إذا كان كذلك فهو جائز قال ابن عبد البر : العموم مخصوص بحديث كعب بم مالك ورفيقيه ( في الأصل رفيقه هو تحريف ) حيث أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بهجرهم وأجمع العلماء على أن من خاف من مكالمة أحد وصلته ما يفسد عليه دينه أو يدخل عليه مضرة في دنياه أنه يجوز له مجانبته وبعده ورب هجر جميل خير من مخاطبة ( هكذا في الأصل والظاهر مخالطة كما في الأوجز 14 / 143 ) مؤذية . انتهى . وقال النووي : وردت الأحاديث بهجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة وأنه يجوز هجرانهم دائما والنهي عن الهجران فوق ثلاث ليال إنما هو لمن هجر لحظ نفسه ومعائش الدنيا وأما هجران أهل البدع ونحوهم فهو دائم

33 - باب الخصومة في الدين ( 1 ) والرجل يشهد ( 2 ) على الرجل بالكفر
917 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أن عمر بن عزيز قال : من جعل دينه غرضا ( 1 ) للخصومات أكثر التنقل ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي ( 3 ) الخصومات في الدين
_________
( 1 ) قوله : باب الخصومة في الدين قال حجة الإسلام الغزالي في " إحياء العلوم " : الخصومة وراء الجدال والمراء فالمراء طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير وإظهار مزية الكياسة والجدال : عبارة عما يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها والخصومة لجاج في الكلام ليستوفي به مال أو حق مقصود وذلك تارة يكون بالابتلاء وقد يكون بالاعتراض والمراد لا يكون إلا بالإعتراض على كلام بسق . انتهى . وفيه أيضا في بحث المراء والجدال : ذلك منهي عنه قال صلى الله عليه و سلم : لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه . وقال صلى الله عليه و سلم : من ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة ومن تركه وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة . وقال أيضا : ما ضل قوم بعد أن هداهم الله إلا أتوا الجدل . وقال عمر بنة عبد العزيز : من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل . انتهى ملخصا
( 2 ) يشهد : من الشهادة
( 1 ) غرضا : " نشانه " بالأردية . بفتحتين أي هدفا لسهم الخصومة
( 2 ) في نسخة النقل أي الانتقال من شيء إلى شيء
( 3 ) قوله : لا ينبغي قال القاري : لعله أراد المجادلة في أصول الدين بالأدلة العقلية مخالفا لقواعد المجتهدين الذين مدار أمرهم على الأدلة النقلية إما بالطرق القطعية وإما بالشواهد الظنية . انتهى . وهذا تخصيص من غير مخصص فإن المجادلة في فروع الدين أيضا كذلك

918 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيما امرئ قال لأخيه : كافر فقد باء ( 1 ) بها أحدهما
قال محمد : لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يشهد على رجل من أهل الإسلام بذنب ( 2 ) أذنبه بكفر وإن عظم جرمه ( 3 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : فقد باء بها أحدهما قال الباجي : إن كان المقول له كافرا فهو كما قال وإن لم يكن خيف على القائل أن يصير كذلك . انتهى . ومعنى باء به : رجع به أي بالكفر ( كذا في الأوجز 15 / 266 )
( 2 ) قوله : بذنب أذنبه أي ارتكبه وإن كان كبيرة أو أكبر الكبائر أو كان ذنب عقيدة ما لم يبلغ إلى حد الكفر فإن انجر سوء اعتقاده إلى الكفر جاز تكفيره . ومن ثم نقل عن السلف - منهم إمامنا أبو حنيفة - أنا لا نكفر أحدا من أهل القبلة وعليه بنى أئمة الكلام عدم تكفير الروافض والخوارج والمعتزلة والمجسمة وغيرها من فرق الضلالة سوى من بلغ اعتقاده منهم إلى الكفر وأما ما وشح به متأخرو الفقهاء كتبهم من أن سب الشيخين كفر ونحو ذلك فهو من تخريجاتهم مخالفا لسلفهم فإن لم يكن مؤولا فهو مردود
( 3 ) بالضم أي كبر ذنبه

34 - باب ما يكره من أكل الثوم ( 1 )
919 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد ( 1 ) بن المسيب : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أكل من هذه الشجرة ( 2 ) - وفي رواية : الخبيثة ( 3 ) - فلا يقربن ( 4 ) مسجدنا ( 5 ) يؤذينا بريح الثوم
قال محمد : إنما كره ذلك ( 6 ) لريحه فإذا أمته ( 7 ) طبخا فلا بأس ( 8 ) به . وهو قول أبي حنيفة والعامة رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) الثوم : بالضم . لهسن ( باللغة الأردية )
( 1 ) قوله : عن سعيد بن المسيب قال السيوطي في " تنوير الحوالك " : قال ابن عبد البر : هكذا هو في " الموطأ " عند جميعهم مرسل إلا ما رواه محمد بن معمر عن روح بن عباده عن صالح بن أبي الأخضر ومالك عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة موصولا . وقد وصله معمر ويونس وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب . قلت : رواية معمر أخرجها مسلم ورواية إبراهيم أخرجها ابن ماجه ورواية يونس عزاها ابن عبد البر إلى ابن وهب وللبخاري من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه و سلم قال ذلك في غزوة خيبر
( 2 ) قوله : من هذه الشجرة يعني الثوم . وفيه مجاز لأن المعروف لغة أن الشجر ماله ساق وما لا ساق له فنجم وبه فسر ابن عباس قوله تعالى : ( والنجم والشجر يسجدان ) ( سورة الرحمن : الآية 6 ) كذا في " شرح الزرقاني "
( 3 ) صفة الشجرة
( 4 ) بفتح الياء وتشديد النون وفيه مبالغة فإن القرب إذا كان ممنوعا فالدخول بطريق أولى
( 5 ) قوله : مسجدنا قيل : هذا خاص بمسجد النبي صلى الله عليه و سلم والجمهور على ذلك أنه عام في كل المساجد ومعنى مسجدنا يعني ماجد المسلمين ويدل عليه عموم التعليل بقوله : يؤذينا بريح الثوم جملة مستأنفة أو حالية بل ورد في رواية : فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم وهذا يدل على أن علة النهي هو الرائحة الكريهة المؤذية لأهل المسجد من بني آدم والملائكة . وبه استدل على كراهة كل ما له رائحة كريهة كالبصل والفجل والكراث ونحو ذلك ومثله شرب الدخان المتداول في هذه الأزمان وتداوله بلية عامة شملت الخواص والعوام اختلفت فيه أقوال الكرام فمن محرم ومن مبيح بلا كراهة ومن حاكم بالكراهة تحريما أو تنزيها . وقد حققت الأمر فيه رسالتي " ترويح الجنان بتشريح حكم شرب الدخان " فلتراجع
( 6 ) أي أكل الثوم أو قرب المسجد بعد أكله
( 7 ) من الإماتة أي أزلته ودفعته بالطبخ مع اللحم وغيره
( 8 ) قوله : فلا بأس به لقول علي : نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخا أخرجه الترمذي وذكر أنه روي مرفوعا

35 - باب الرؤيا ( 1 )
920 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : سمعت أبا سلمة ( 1 ) يقول : سمعت أبا قتادة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : الرؤيا ( 2 ) من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى ( 3 ) أحدكم الشيء ( 4 ) يكرهه فلينفث ( 5 ) عن يساره ( 6 ) ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ ( 7 ) من شرها فإنها ( 8 ) لن تضره إن شاء الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : باب الرؤيا بالقصر مصدر كالبشرى مختصة بما يرى مناما وما يرى بالعين يقظة يقال رؤية . وقيل الرؤيا عام يقال لرأي العين أيضا في اليقظة إلا أن الأغلب استعماله في المنام وقد بسط الكلام فيه القسطلاني في " مواهب اللدنية " والزرقاني في " شرحه " في بحث المعراج
( 1 ) أبا سلمة : ابن عبد الرحمن بن عوف
( 2 ) قوله : الرؤيا من الله ( في المسوى في قوله صلى الله عليه و سلم : الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فيه بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحا إنما الصحيح فيه ما كان من الله يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها وهي على أنواع : قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه وأمر النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك بأن يبصق عن يساره ويتعوذ بالله منه كأنه يقصد به طرده إخزاء وقد يكون من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر والعاشق يرى معشوقه وقد يكون ذلك من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والرعاف والحمرة ومن غلبه الصفراء يرى النار والأشياء الصفر ومن غلب عليه السوداء يرى الظلمة والأشياء السود والأهوال والموت ومن غلب عليه البلغم يرى البياض والمياه والثلج ولا تأويل لهذه الأشياء . أوجز المسالك 15 / 69 ) في رواية يحيى الصالحة وهي صفة موضحة وهي ما فيها بشارة أو تنبيه على غفلة ومعنى كونها من الله من فضله ورحمته أو من إنذاره وتبشيره أو من تنبيهه وإرشاده . والحلم بضم الحاء هو لغة عام للرؤية الحسنة والسيئة غير أن الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم . من الشيطان أي من إلقائه وتخويفه ولعبه بالنائم
( 3 ) أي في المنام
( 4 ) أي أمرا مكروها يحزنه
( 5 ) بضم الفاء وكسرها وهذا لطرد الشيطان
( 6 ) تخصيصه لكونه جانب الشيطان
( 7 ) قوله : وليتعوذ من شرها أي شر تلك الرؤيا يقول إذا استيقظ : أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني أو دنياي أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي . وأخرج ابن السني التعوذ بلفظ : اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان وسيئات الأحلام . وفي " الصحيح " بعد ذكر التعوذ : ولا يحدث بها أحدا وفي رواية لمسلم : وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وفي رواية للشيخين : فليقم فليصل
( 8 ) أي تلك الرؤيا

36 - باب جامع الحديث ( 1 )
921 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) يحيى بن سعيد عن محمد بن حبان عن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيعتين ( 2 ) عن لبستين ( 3 ) وعن صلاتين وعن صوم يومين فأما البيعتان : المنابذة ( 4 ) والملامسة وأما اللبستان : فاشتمال الصماء والاحتباء بثوب واحد كاشفا عن فرجه ( 5 ) وأما الصلاتان : فالصلاة ( 6 ) بعد العصر ( 7 ) حتى تغرب الشمس والصلاة ( 8 ) بعد الصبح ( 9 ) حتى تطلع الشمس وأما الصيامان فصيام يوم الأضحى ( 10 ) ويوم الفطر
قال محمد : وبهذا كله نأخذ . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) جامع الحديث : أي الأحاديث الجامعة بين الأحكام المختلفة من الأبواب المتشتتة ( في رواية يحيى كتاب الجامع . انظر الأوجز 15 / 1 )
( 1 ) قوله : أخبرنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن حبان بفتح الحاء وتشديد الباء عن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان هكذا في نسخ عديدة وعليها شرح القاري والصحيح ما في بعض النسخ ( ومنها النسخة التي اعتمد عليها الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف . انظر ص 238 ) : أخبرنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج إلخ كما يظهر من معاينة طرق الحديث
( 2 ) قال ابن حجر : بفتح الباء ويجوز الكسر على إرادة الهيأة
( 3 ) بكسر اللام ( أي عن الهيئتين من هيئات اللباس )
( 4 ) قوله : المنابذة والملامسة هذان من بيوع الجاهلية فالأول أن ينبذ أي يطرح الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ إليه الآخر من غير تأمل ويقول كل واحد : هذا بهذا . والثاني أن يلمس الرجل ثوبه ولا يتبين له ما فيه وإنما نهي عنهما لكونهما من بيوع الغرر
( 5 ) قوله : كاشفا عن فرجه قيد لكل منهما لإفادة أن الصماء والاحتباء إنما منع عنهما لأجل كشف العورة فإن أمن من ذلك فلا بأس به وقد روى أبو داود في سننه : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الحبوة والإمام يخطب ثم ذكر أنهم كانوا يحتبون حال الخطبة ولم يكرهها إلا عبادة بن نسي وقال الخطابي : إنما نهي عنه حال الخطبة لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض . وقال السيوطي في " مرقاة الصعود " الحبوة بكسر الحاء وضمها اسم من الاحتباء وهو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهر ويشده عليه وقد يكون باليدين عوض الثوب
( 6 ) أي النافلة دون القضاء
( 7 ) أي بعد صلاته
( 8 ) أي النوافل ما خلا سنة الفجر
( 9 ) أي بعد طلوع الصبح الصادق
( 10 ) أي يوم عيد الأضحى في ذي الحجة ويوم الفطر في شوال فإنهما يوما فطر وأكل وشرب

922 - أخبرنا مالك أخبرني مخبر : أن ابن عمر ( 1 ) قال - وهو يوصي ( 2 ) رجلا - : لا تعترض ( 3 ) فيما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر خليلك إلا الأمين ولا أمين إلا من خشي الله ولا تصحب فاجرا كي تتعلم من فجوره ولا تفش إليه سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله عز و جل
_________
( 1 ) في بعض النسخ المعتمدة مكان ابن عمر عمر ومثله أخرجه أبو يوسف في " كتاب الخراج " عن عمر
( 2 ) أي ينصح رجلا من أحبابه وخدامه
( 3 ) قوله : لا تعترض أي لا تتعرض ولا تشتغل فيما لا يعنيك أي لا يفيدك في الدين والدنيا فإن من حسن الإسلام تركه ما لا يعنيه أخرجه الترمذي وغيره مرفوعا . واعتزال من الاعتزال عدوك أي كن منه على حذرك ولا تخالطه فيضربك . واحذر من الحذر بمعنى الخوف خليلك من أن يخونك في دينك أو دنياك . ولا أمين أي بأمانة كاملة إلا من خشي الله فإن من لم يخشه لا يبالي بالخيانة . ولا تصحب فاجرا أي فاسقا كي لا تتعلم من فجوره فإن الصحبة مؤثرة والنفس أمارة ولذا ورد " المرء على دين خليله فلينظر من يخالل " . ولا تفش من الإفشاء بمعنى الإظهار إليه أي الفاجر . سرك - بالكسر وتشديد الراء - لأنه غير مأمون في دينه وأمر نفسه فكيف في أمر غيره . واستشر من الاستشارة بمعنى طلب المشورة في أمرك دينيا كان أو دنيويا الذين يخشون الله فإنهم بنصحونك ويخلصون الأمر لك وفيه تنبيه على فضل المشورة ويؤيده قوله تعالى لنبيه : ( وشاورهم في الأمر ) سورة آل عمران : الآية 159 ) وقوله في وصف أصحابه : ( وأمرهم شورى ) سورة الشورى : الآية 38 ) وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن أنس مرفوعا : " ما خاب من استخار ولا ندم من استشار "

923 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير المكي عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى ( 1 ) أن يأكل الرجل بشماله ويمشي في نعل واحدة وأن يشتمل ( 2 ) الصماء أو يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه
قال محمد : يكره للرجل أن يأكل بشماله وأن يشتمل الصماء واشتمال الصماء أن يشتمل وعليه ثوب ( 3 ) فيشتمل به ( 4 ) فتنكشف عورته من الناحية التي ترفع ( 5 ) من ثوبه وكذلك الاحتباء ( 6 ) في الثوب الواحد
_________
( 1 ) قوله : نهى أن يأكل الرجل بشماله إلخ علة النهي عن الأكل بالشمال لكون الأكل من باب الإكرام واليمين موضوعة له وللتجنب عن مشابهة الشيطان فإنه يأكل بشماله ويشرب بشماله وأما النهي عن المشي في نعل واحدة وكذا في خف واحد فقيل : لأن الشيطان يمشي كذلك وقيل : هو إرشادي لئلا يكون أحد الرجلين أرفع من الأخرى فيكون سببا للعثار وقيل : لما فيه من قلة المروة وقيل : غير ذلك وثبت عند الطبراني وغيره : أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا انقطع شسع نعله مشى في نعل واحدة والأخرى في يده حتى يجد شسعها وهو محمول على بيان الجواز . وقد فصلت هذا البحث بما له وما عليه في رسالتي " غاية المقال في ما يتعلق بالنعال "
( 2 ) قوله : وأن يشتمل الصماء بالفتح وتشديد الميم هو أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه فيظهر أحد شقيه ليس عليه ثوب هذا هو تفسير مالك وصرح به في رواية أبي سعيد الخدري وعند اللغويين هو أن يشتمل بالثوب حتى يخلل به جسده لا يرفع منه جانبا فلا يبقى ما يخرج منه يده ولذلك سميت صماء لسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء لا خرق فيها ولا صدع ( فيكره على هذا لعجزه عن الاستعانة بيده فيما يعرض له في الصلاة كدفع بعض الهوام . اهـ . كذا في الأوجز 14 / 203 ) كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) أي واحد
( 4 ) بحيث يستر بدنه كله
( 5 ) أي تنكشف وتظهر
( 6 ) قوله : وكذلك الاحتباء بأن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ملتفا بثوب أو بيده ( كذا في شرح الزرقاني 4 / 277 )

27 - باب الزهد والتواضع ( 1 )
924 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار أن ابن عمر أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأتي قباء ( 1 ) راكبا وماشيا
_________
( 1 ) قوله : باب الزهد ( قد بسطت معنى الزهد وحقيقته في مقدمة كتاب الزهد الكبير الذي حققه وعلقت عليه وطبع في دار القلم بالكويت ) والتواضع قال القاري : الزهد في الدنيا ترك الحرص والقناعة بما رزق منها والتواضع ضد التكبر والتبختر وحاصلهما ترك صحبة المال والجاه
( 1 ) قوله : كان يأتي قباء بضم القاف ممدودا ومقصورا أي مسجد قباء - وهو أول مسجد أسس على التقوى - راكبا أحيانا وماشيا أحيانا وهذا من تواضعه صلى الله عليه و سلم فإنه كان قادرا على الركوب كل مرة فترك ذلك واختار المشي مع بعد المسافة تواضعا

925 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة : أن أنس بن مالك حدثه هذه الأحاديث الأربعة قال أنس : رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ ( 1 ) أمير المؤمنين قد رقع بين كتفيه برقاع ثلاث لبد بعضها فوق بعض وقال أنس : وقد رأيت يطرح ( 2 ) له صاع تمر فيأكله ( 3 ) حتى يأكل حشفه ( 4 ) قال أنس : وسمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما و ( 5 ) خرجت معه ( 6 ) حتى دخل حائطا ( 7 ) فسمعته يقول ( 8 ) : و ( 9 ) بيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط : عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله يا ابن الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك قال أنس : وسمعت عمر بن الخطاب وسلم ( 10 ) عليه رجل فرد عليه السلام ثم سأل ( 11 ) عمر الرجل : كيف أنت ؟ قال الرجل : أحمد الله إليك قال عمر رضي الله عنه : هذه أردت منك
_________
( 1 ) قوله : وهو يومئذ أي يوم رؤيتي على الحالة المذكورة . أمير المؤمنين وخليفة رسول الله في الأرضين ومع هذا السلطان والجاه اختار التواضع والزهد في اللبس وغيره لله . رأيته قد رقع من الترقيع ماض معروف كما اختاره القاري أو كنفع أي جعل رقعة مكان قطع الثوب كما اختاره الزرقاني ( 4 / 279 ، وفي المحلى : وروي أنه رضي الله عنه خطب وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة . كذا في الأوجز 14 / 208 ) . بين كتفيه أي في ثوبه وقميصه في المقام الذي بين كتفيه برقاع ثلاث بالكسر وفي بعض الروايات برقع بالضم ثم الفتح كل منها جمع رقعة بالضم وهي قطعة من الثوب وغيره تخاط أو تلزق مكان قطع الثوب . لبد من التلبيد أي ألزق بعضها ببعض وجعل فوق بعض لأن المقصود كان هو الستر لا الفخر حتى تصلح الخياطة وترفق الرقعة
( 2 ) بصيغة المجهول أي يلقي بين يديه
( 3 ) لكمال تواضعه وحذره عن صنيع أرباب الفخر من أكل النقي وترك الرديء
( 4 ) بفتحتين أي رديء التمر ويابسه
( 5 ) حالية
( 6 ) أي عمر
( 7 ) أي بستانا
( 8 ) قوله : فسمعته يقول : أي يخاطب نفسه ويعاتبها فيقول عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وخليفتهم ورأسهم وناظم أمورهم بخ بخ أي عظم الأمر وفخم الأول منون والثاني مسكن - وجاء تسكينهما وتشديدهما - كلمة تقال عند الرضى والتعجب بالشيء كذا في " القاموس " . والله يا ابن الخطاب خاطب نفسه لتتقين الله أي تخافه وتحذر عقابه في أمور نفسه ومن هو أميره أو ليعذبنك الله فلا تغتر بالخلافة فإنها ناجية إذا اتصلت بالتقوى وهالكة إذا انضمت مع الهوى ( وفي المحلى : إذا كان مثل عمر رضي الله عنه يقول ذلك من الخوف فغيره أولى بذلك فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون . كذا في الأوجز 15 / 315 )
( 9 ) أي والحال أن بيني وبينه جدار البستان أنا خارجه وهو داخله
( 10 ) جملة حالية
( 11 ) قوله : ثم سأل عمر الرجل من كمال تواضعه وحسن خلقه : كيف أنت ؟ أي كيف حالك ؟ فقال الرجل : أحمد الله إليك أي حمدا منتهيا إليك قال عمر : هذه أي هذه الكلمة المتضمنة لحمد الله أردت منك بسؤالي عنك . قال الزرقاني : قد وافق عمر المصطفى في ذلك فأخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل : كيف أصبحت يا فلان ؟ فقال : أحمد الله إليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ذلك الذي أردت منك

926 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه قال : قالت عائشة : كان عمر بن الخطاب يبعث ( 1 ) إلينا بأحظائنا من الأكارع والرؤوس
_________
( 1 ) قوله : كان عمر بن الخطاب يبعث إلينا أي إلى أمهات المؤمنين
بأحظائنا أي حظوظنا وأنصبائنا . من الأكارع والرؤوس أي أكارع الغنم ورؤوسها عند ذبحها . والمعنى أنا نأكل منها ولا نرغب عنها لزهدنا في الدنيا ورغبتنا في العقبى كذا قال القاري . والأكارع بفتح الهمزة جمع كراع بالضم وهي أطراف الشاة من الأيدي والأرجل والحظ بالفتح والتشديد جمعه حظوظ وحظاء بالكسر والتشديد ذكره في " القاموس " وغيره

927 - أخبرنا مالك أخبرني يحيى بن سعيد أنه سمع القاسم ( 1 ) يقول : سمعت أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول : خرجت ( 2 ) مع عمر بن الخطاب وهو يريد الشام ( 3 ) حتى إذا دنا ( 4 ) من الشام أناخ عمر وذهب لحاجة ( 5 ) قال أسلم : فطرحت فروتي بين شقي رحلي فلما فرغ عمر عمد إلى بعيري فركبه على الفروة وركب أسلم بعيره فخرجا يسيران حتى لقيهما أهل الأرض يتلقون ( 6 ) عمر قال أسلم : فلما دنوا منا أشرت لهم إلى عمر فجعلوا يتحدثون بينهم قال عمر : تطمح أبصارهم إلى مراكب من لا خلاق لهم يريد ( 7 ) مراكب العجم
_________
( 1 ) أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق
( 2 ) أي في زمان خلافته
( 3 ) أي يقصد عمر بلاد الشام ويسافر إليه
( 4 ) قوله : حتى إذا دنا أي قرب من الشام أناخ أي أجلس عمر بعيره . وذهب لحاجته قضاء حاجته قال أسلم : فطرحت فروتي - بالفتح - أي ألقيت فروتي الذي كنت ألبسه . بين شقي بالكسر طرفي رحلي بالفتح أي رحل بعيري فلما فرغ عمر من قضاء الحاجة عمد أي قصد لغاية تواضعه إلى بعيري الذي كان عليه الفروة فركبه على الفرو الذي كان عليه وركب أسلم مولاه على بعيره أي سيده عمر فخرجا يسيران إلى الشام على تلك الهيئة حتى لقيهما أهل الأرض أي سكان الشام يستقبلونه ويلاقونه فلما دنوا أي قربوا منا أشرت لهم إلى عمر أنه هو الراكب على الفرو لئلا يظنوا المولى عبدا والعبد سيدا لاختلاف المركبين فجعلوا أي أهل الشام يتحدثون بينهم تعجبا من صنيع عمر وتواضعه وهو أمير المؤمنين . قال عمر لما رأى تحدثهم وتعجبهم : تطمح أي تقع وتطرح أبصارهم إلى مراكب من لا خلاق لهم أي لا نصيب لهم من ملوك العجم الكفرة ككسرى وقيصر فكانوا يظنون أن مركب أمير المؤمنين مثل مراكبهم في الفخر والزينة والشهرة
( 5 ) في نسخة : لحاجته
( 6 ) في نسخة : يبتغون
( 7 ) أي يقصد عمر من قوله : من لا خلاق لهم

928 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : كان عمر بن الخطاب يأكل خبزا مفتوتا ( 1 ) بسمن فدعا ( 2 ) رجلا من أهل البادية فجعل ( 3 ) يأكل ويتبع ( 4 ) باللقمة وضر الصحفة فقال له عمر : كأنك مفقر قال : والله ما رأيت سمنا ولا رأيت أكلا به منذ كذا وكذا فقال عمر رضي الله عنه : لا آكل السمن حتى يحيي الناس من أول ما أحيوا
_________
( 1 ) من فت الخبز إذا كسر إلى قطعات
( 2 ) أخبرنا مالك ليأكل معه
( 3 ) ذلك الرجل
( 4 ) قوله : ويتبع بشد الفوقية باللقمة أي لقمة الخبز . وضر الصحفة - بالفتح - أي القصعة وهو بفتح الواو وفتح الضاد المعجمة بعده راء مهملة . الوسخ أي وسخ القصعة وما تعلق به من أثر السمن . فقال له عمر لذاك الرجل البادي : كأنك مفقر بضم الميم وكسر القاف أي ذا فقر واحتياج حيث تتبع وسخ الإناء فلعلك لا تجد إداما وفي بعض النسخ : مقفر بتقديم القاف والقفر الخالي . قال ذلك الرجل : والله ما رأيت سمنا ولا رأيت أكلا به أي بالسمن منذ كذا وكذا أي من مدة ذكرها فقال عمر بكمال تواضعه وحسن مرافقة وموافقة رعيته لما سمع أن في رعيته من لا يتيسر له أكل السمن مدة مديدة وكانت تلك السنة سنة قحط وجدب : لا آكل السمن حتى يحيى - مجهول - من الإحياء الناس أي يعيش الناس عيشا طيبا . من أول ما أحيوا أي كما كانوا يحيون سابقا أي حتى يحصل لهم المطر والخصب ويتيسر لهم الرزق والإدام

38 - باب الحب في الله

929 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك : أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله متى الساعة ( 1 ) ؟ قال ( 2 ) : وما أعددت لها ؟ قال : لا شيء ( 3 ) والله إني لقليل الصيام والصلاة وإني لأحب الله ورسوله قال ( 4 ) : إنك مع من أحببت
_________
( 1 ) أي في أي وقت تقوم القيامة
( 2 ) قوله : قال : وما أعددت لها أي ما هيأت للساعة من الأعمال الصالحة حيث تشتاق إليها وتسأل ( هذا الرجل هو ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد كذا في فتح الباري 10 / 555 ) عن وقتها
( 3 ) أي ما هيهات لها شيئا من الطاعات
( 4 ) قوله : قال أي رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنك مع من أحببت يعني إن حبك في الله بلغك إلى مرافقة من تحبه وإن كنت قليل العمل وفي معناه ما ورد : " المرء مع من أحب : أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وشاهده قوله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) سورة النساء : الآية 69 )

39 - باب فضل المعروف والصدقة

930 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد ( 1 ) عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس المسكين ( 2 ) بالطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا ( 3 ) : فما ( 4 ) المسكين يا رسول الله ؟ قال : الذي ما عنده ما يغنيه ولا يفطن ( 5 ) له فيتصدق عليه ( 6 ) ولا يقوم ( 7 ) فيسأل الناس ( 8 )
قال محمد : هذا ( 9 ) أحق بالعطية وأيهما أعطيته زكاتك أجزاك ذلك . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) عبد الله بن ذكوان
( 2 ) قوله : ليس المسكين ( قيل : في الحديث حجة لما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك أن المسكين هو الذي لا يملك شيئا وأنه أسوء حالا من الفقر كذا في الأوجز 14 / 254 ) أي المسكين الكامل في المسكنة الذي يربو الصدقة عليه ويضاعف لها ثوابا . ليس بالطواف بصيغة المبالغة أي كثير الطواف والدور على الناس للسؤال فيعطيه واحد لقمة وآخر لقمتين فيرجع بل الكامل في المسكنة هو الذي ليس عنده ما يكفيه ويغنيه إلا أنه لتعففه وترك سؤاله وإلحاحه . لا يفطن أي لا يعلم مسكنته . ولا يقوم يسأل الناس بل هو منزو في بيته قانع صابر معتمد على ربه فهذا المسكين الذي إذا أعطي أصاب المعطي ثوابا مضاعفا
( 3 ) أي الصحابة الحاضرون
( 4 ) في رواية : فمن
( 5 ) بصيغة المجهول
( 6 ) أي لا يعلم أنه مسكين حتى يتصدق عليه - بصيغة المجهول - لعدم اطلاع الناس على حاله
( 7 ) أي من بيته
( 8 ) قوله : فيسأل الناس برفع المضارع في الموضعين عطفا على المنفي أي لا يفطن فلا يتصدق عليه ولا يقوم فلا يسأل الناس أو بالنصب فيهما بأن مضمرة جوابا للنفي قاله بعض شراح " المصابيح "
( 9 ) قوله : هذا يعني ليس الغرض من الحديث نفي المسكنة عن السائل الطواف وحصره على المتعفف حتى لا يجزئ أداء الزكاة وغيرها إلى الطواف بل الغرض منه أن هذا أحق بالعطية وثواب الصدقة عليه أكثر و أيهما - طوافا كان أو غيره - أعطيت زكاته أجزأ لكون كل منهما من أفراد مطلق المسكين

931 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن معاذ ( 1 ) بن عمرو بن سعيد عن معاذ ؟ عن جدته : أن رضي الله عنه صلى الله عليه و سلم قال : يا نساء المؤمنات ( 2 ) لا تحقرن ( 3 ) إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرق
_________
( 1 ) قوله : عن معاذ بن عمرو بن سعيد عن معاذ عن جدته هكذا في نسخ متعددة والصواب ما في " موطأ يحيى " وشرحه : مالك عن زيد بن أسلم العدوي عن عمرو - بفتح العين - بن سعد بن معاذ نسبة إلى جده إذ هو عمرو بن معاذ بن سعد بن معاذ الأشهلي المدني يكنى أبا محمد وقلبه بعضهم فقال : معاذ بن عمرو وهو تابعي ثقة عن جدته قال ابن عبد البر : قيل اسمها حواء بنت يزيد بن السكن وقيل : إنها جدة ابن بجيد أيضا صحابية مدنية
( 2 ) قوله : يا نساء ( وروي بضم الهمزة منادى مفرد والمؤمنات : صفة له فيرفع على اللفظ وبنصب بالكسر على المحل ولا تحقرن : نهي يحتمل أن يكون للمهدية أو المهدي إليها . والكراع بالضم : ما دون العقب من الرجل للمواشي والدواب وهو مؤنث . ولعل تذكيره لغة " شرح الزرقاني " 4 / 421 ) المؤمنات بإضافة العام إلى الخاص وفي رواية يا نساء المؤمنات بالرفع . لا تحقرن إحداكن يحتمل أن يكون نهيا للمهدى إليها وأن يكون نهيا للمهدية لجارتها أي لا تستنكفن من إهداء شيء حقير أو قبوله . ولو كان كراع شاة بالضم ما دون العقب من المواشي والدواب . محرق نعت لكراع والمراد به المبالغة في إهداء شيء وقبوله من غير استنكافه بسبب قلته أو حقارته كذا في " شرح الزرقاني " وغيره
( 3 ) بنون التوكيد

932 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن أبي بجيد ( 1 ) الأنصاري ثم الحارثي عن جدته : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ردوا ( 2 ) المسكين ولو بظلف ( 3 ) محرق
_________
( 1 ) قوله : عن أبي بجيد بضم الباء وفتح الجيم وفي نسخة ابن بجيد وهو الموافق لما في " موطأ يحيى " وغيره الأنصاري ثم الحارثي نسبة إلى بني حارثة بطن من الخزرج من الأنصار عن جدته هي أم بجيد مشهورة بكنيتها واسمها حواء بفتح الحاء وتشديد الواو بنت يزيد بن السكن قال ابن حجر في " تعجيل المنفعة في رجال الأربعة " : اتفق رواة الموطأ على إبهام ابن بجيد إلا يحيى بن بكير فقال : عن محمد بن بجيد وبه جزم ابن البرقي فيما حكاه أبو القاسم الجوهري في " مسند الموطأ " ووقع في أطراف المزي أن النسائي أخرجه من وجهين : عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن بجيد ولم يترجم في " التهذيب " لمحمد بل جزم في " مبهماته " أنه عبد الرحمن وليس بجيد فإن النسائي إنما رواه غير مسمى كأكثر رواة الموطأ ومستند من سماه عبد الرحمن ما في السنن الثلاثة عن الليث عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد ولا يلزم من كون شيخ المقبري عبد الرحمن أن لا يكون شيخ زيد بن أسلم فيه آخر اسمه محمد كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) أي أعطوه
( 3 ) قوله : ولو بظلف ( قال الباجي : حض بذلك صلى الله عليه و سلم على أن يعطي المسكين شيئا ولا يرده خائبا وإن كان ما يعطاه ظلفا محرقا وهو أقل ما يمكن أن يعطي ولا يكاد أن يقبله المسكين ولا ينتفع به إلا وقت المجاعة والشدة . المنتقى 7 / 234 ) قال القاري : بالكسر للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل والخف للبعير . محرق على النعت والمراد به المبالغة على إعطاء السائل أو محمول على أيام القحط الكامل

933 - أخبرنا مالك أخبرنا سمي ( 1 ) عن أبي صالح ( 2 ) السمان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : بينما رجل ( 3 ) يمشي بطريق ( 4 ) فاشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج ( 5 ) فإذا كلب يلهث ( 6 ) يأكل الثرى من العطش فقال ( 7 ) : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل ( 8 ) الذي بلغ بي فنزل البئر فملأ ( 9 ) خفه ( 10 ) ثم أمسك ( 11 ) الخف بفيه حتى رقي فسقي الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا ( 12 ) : يا رسول الله وإن لنا في البهائم ( 13 ) لأجرا ؟ قال : في كل ذات كبد ( 14 ) رطبة ( 15 ) أجر
_________
( 1 ) بالتصغير
( 2 ) اسمه ذكوان وكان بائع السمن فلقب سمانا بالفتح وتشديد الميم
( 3 ) قال الحافظ : لم يسم
( 4 ) قوله : بطريق وعند الدارقطني يمشي بطريق مكة وفي رواية له : يمشي بفلاة
( 5 ) أي من البئر
( 6 ) قوله : يلهث يأكل الثرى بفتح الأول مقصورا التراب الندي واللهث شدة توتر النفس من تعب وغيره ويقال : لهث الكلب لسانه إذا أخرجه من شدة العطش كذا في " النهاية " وغيره
( 7 ) أي ذلك الرجل في نفسه
( 8 ) قوله : مثل الذي ضبطه بعضهم بالنصب وفاعل بلغ الكلب أي بلغ مبلغا مثل الذي بلغ بي وبعضهم بالرفع على أنه فاعل والكلب مفعول
( 9 ) أي من الماء
( 10 ) بالضم وتشديد الفاء " موزه " ( باللغة الأردية )
( 11 ) قوله : ثم أمسك الخف أي رأسه بفمه ليصعد من البئر لعسر الرقي من البئر حتى رقي - بفتح الراء وكسر القاف - أي صعد من البئر فسقى الكلب أي ذلك الماء زاد في رواية الصحيحين : فأرواه أي جعله ريانا . فشكر الله له أي قبل عمله واستحسنه ورضي منه فغفر له تجاوز عن سئاته وأدخله الجنة . واستشكل سقيه الكلب من خفه بأن سؤر الكلب ولعابه نجس فيلزم تنجس خفه وأجيب بأنه يجوز أن يكون خارج البئر إناء فأخرج الماء بالخف وجعله فيه وسقاه منه وعلى تقدير التسليم إنما بعثه على ذلك الضرورة والشفقة وغسل الخف بعده ممكن . هذا كله على تقدير ثبوت نجاسة لعاب الكلب في الأديان السابقة أيضا وإلا فلا إشكال
( 12 ) قوله : قالوا أي الصحابة الحاضرون سمي منهم سراقة بن مالك عند أحمد
( 13 ) أي في الإحسان إليها
( 14 ) بالفتح ثم الكسر
( 15 ) قوله : رطبة أي برطوبة الحياة يعني في الإحسان إلى كل ما له حياة أجر قيل : هذا في بني إسرائيل أما في إلإسلام فهو مخصص بما لم يؤمر بقتله وإهلاكه كالكلب والخنزير ورد بأنه لا حاجة إليه فإن الأمر بالقتل لا يستلزم أن لا يكون في الإحسان إليه أجرا

40 - باب حق الجار

934 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمرة حدثته : أنها سمعت عائشة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما زال جبرئيل يوصيني بالجار ( 1 ) حتى ظننت ( 2 ) ليورثنه ( 3 )
_________
( 1 ) أي بالشفقة والإحسان به
( 2 ) أي ظننت بكثرة وصيته وشدة اهتمامه أنه يجعله وارثا
( 3 ) في نسخة : ليورثه

41 - باب اكتتاب العلم ( 1 )
935 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم : أن انظر ( 1 ) ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أو سنته ( 2 ) أو حديث عمر أو نحو هذا ( 3 ) فاكتبه لي ( 4 ) فإني قد خفت دروس ( 5 ) العلم وذهاب العلماء
قال محمد : وبهذا نأخذ ولا نرى بكتابة العلم بأسا ( 6 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله باب اكتتاب العلم قال القاري : أي انتساخها ومنه قوله تعالى " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " سورة الفرقان الآية 5 )
( 1 ) أن انظر : بيان لما كتبه أي تأمل وتفكر ما وصل إليك أو في روايتك من الأحاديث
( 2 ) أي طريقته المروية تقريرا أو بلاغا
( 3 ) من أحاديث بقية الخلفاء وغيرهم
( 4 ) قوله : فاكتبه لي هذا أصل في كتابة العلم والشريعه وفي رواية أبي نعيم في " تاريخ أصبهان " عن عمر بن عبد العزيز : أنه كتب إلى أهل الآفاق انظروا إلى حديث رسول الله فاجمعوه وذكره البخاري في صحيحه تعليقا فيستفاد منه كما أفاده الحافظ ابتداء تدوين الحديث النبوي وقال الهروي في " ذم الكلام " لم تكن الصحابة والتابعون يكتبون الأحاديث إنما كانوا يؤدونها حفظا ويأخذونها لفظا إلا كتاب الصدقات والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الإستقصاء التام حتى خيف على عمر بن عبد العزيز الدروس وأسرع الموت في العلماء فأمر أبا بكر بن محمد بالكتابة كذا في " إرشاد الساري " ومما يستدل به في الباب قول أبي هريرة ما من أصحاب رسول الله أحد أكثر حديثا مني عنه إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما وكذا ما أخرجه البخاري وغيره في حديث طويل أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب خطبة بمكة فقال رجل من اليمن يقال له أبو شاه : اكتبه لي يا رسول الله فقال : اكتبوا لأبي شاه . وكذا ما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأخمد وغيرهم من أنه سئل علي : هل عندكم كتاب فقال : لا إلا كتاب الله أو ما في هذه الصحيفة فأخرج صحيفة فيها بعض أحكام الدية ونحو ذلك فنهذه الأخبار والآثار أجاز الجمهور كتابة العلم وتدوينه لا سيما إذا خاف ذهاب العلم فحينئذ يكون واجبا وقد كان الصحابة ومن قرب منهم مستغنين عن ذلك غير معتادين لذلك لاعتمادهم على حفظهم وكثرة حملة العلم فيهم فلما صار الأمر إلى ما صار احتيج إلى الكتابة إبقاء للشريعة
( 5 ) بالضم أي اندراس العلم بموت العلماء
( 6 ) قوله بأسا وقد ورد عن أبي سعيد : استأذنا عن رسول الله في الكتابة فلم يأذن لنا . وهو محمول على أول الأمر لما يخاف باختلاطه بكتاب الله أو على عدم الضرورة بدليل ما عن أبي هريرة : كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظ فشكاه ذلك إليه فقال رسول الله : استعن بيمينك . وأومأ بيده للخط أخرجهما الترمذي

42 - باب الخضاب ( 1 )
936 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرنا محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث كان جليسا ( 1 ) لنا وكان أبيض ( 2 ) اللحية والرأس فغدا ( 3 ) عليهم ذات يوم وقد حمرها فقال له القوم : هذا ( 4 ) أحسن فقال : إن أمي ( 5 ) عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أرسلت إلي البارحة ( 6 ) جاريتها نخيلة ( 7 ) فأقسمت ( 8 ) علي لأصبغن فأخبرتني ( 9 ) أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصبغ ( 10 )
قال محمد : لا نرى بالخضاب بالوسمة ( 11 ) والحناء ( 12 ) والصفرة بأسا وإن تركه أبيض فلا بأس بذلك كل ذلك حسن ( 13 )
_________
( 1 ) قوله : باب الخضاب بكسر الخاء من خضب يخضب خضابا إذا صبغ شعره الأبيض
( 1 ) جليسا : أي مجالسا ومصاحبا
( 2 ) أي كان شعر لحيته ورأسه أبيض
( 3 ) قوله : فغدا عليهم أي فمر عبد الرحمن عليهم يوما من الأيام صباحا وقد جعلها أحمر وصبغها بالحمرة
( 4 ) أي هذا اللون أحسن بالنسبة إلى البياض
( 5 ) قوله : إن أمي أطلق عليها أم لأنها أم المؤمنين قال الله تعالى : ( وأزواجه أمهاتهم )
( 6 ) أي في الليلة الماضية
( 7 ) قوله : نخيلة بضم النون وفتح الخاء معجمة عند يحيى وغيره ومهملة عند البعض وسكون التحتية اسم جارية لعائشة قاله الزرقاني
( 8 ) أي عائشة أو نخيلة من جانب عائشة
( 9 ) أي عائشة بواسطة أو نخيلة عنها
( 10 ) قوله : كان يصبغ قال الزرقاني : قال مالك : في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يصبغ ولو صبغ لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود مع قولها إن أبا بكر كان يصبغ أو بدونه وقد أنكر أنس كونه صلى الله عليه و سلم صبغ . وقال ابن عمر : إنه رآه يصبغ بالصفرة . وقال أبو رمثة : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وعليه بردان أخضران وله شعر قد علاه الشيب وشيبه مخضوب بالحناء . رواه الحاكم وأصحاب السنن . وسئل أبو هريرة : هل خضب رسول الله ؟ قال : نعم . رواه الترمذي . وجمع بأنه صبغ في وقت وترك في معظم الأوقات فأخبر كل بما رأى
( 11 ) قوله : بالوسمة بفتحتين وبفتح الأول وسكون الثاني وبكسره أيضا على ما في " القاموس " و " المغرب " هو ورق النيل والخضاب به صرفا لا يكون سوادا خالصا بل مائلا إلى الخضرة وكذا إذا خلط بالحناء وخضب به نعم لو خضب الشعر أولا بالحناء صرفا ثم الوسمة عليه يحصل السواد الخالص فيكون ممنوعا كما سيأتي ذكره
( 12 ) قوله : والحناء بكسر الحاء وتشديد النون ورق معروف يخضب النساء به أيديهن وأرجلهن ويكون لونه أحمر . والصفرة بالضم أي غير الزعفران فإنه مكروه للرجال . بأسا أي خوفا وضيقا ففي " مسند أحمد " عن أبي أمامة مرفوعا : يا معشر الأنصار حمروا أو صفروا وخالفوا أهل الكتاب . وإن تركه أبيض من غير خضاب فلا بأس وأما الخضاب بالسواد الخالص فغير جائز لما أخرجه أبو داود ( أخرجه أبو داود في سنن رقم 4212 باب الترجل ويقول المنذري كما في درجات مرقاة الصعود ص 171 : أخرجه النسائي وفي إسناده عبد الكريم ولم ينسبه أبو داود ولا النسائي وذكر بعضهم أنه عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري والصواب أنه عبد الكريم بن مالك الجزري وهو من الثقات اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه فالحديث صحيح مختصرا ) والنسائي وابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد عن ابن عباس مرفوعا : يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام ( دانه دان سينهائى كبوتران بالفارسية ) لا يريحون رائحة الجنة . وجنح ابن الجوزي في " العلل المتناهية " إلى تضعيفه مستندا بما روي أن سعدا والحسين بن علي كانا يخضبان بالسواد وليس بجيد فلعله لم يبلغهما الحديث والكلام في بعض رواته ليس بحيث يخرجه عن حيز الاحتجاج به ومن ثم عد ابن حجر المكي في " الزواجر " الخضاب بالسواد من الكبائر ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا : من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة وعند أحمد : وغيروا الشيب ولا تقربوا السواد . وأما ما في " سنن ابن ماجه " مرفوعا : إن أحسن ما اختضبتم به هذا السواد أرغب لنسائكم وأهيب لكم في صدور أعدائكم ففي سنده ضعفاء فلا يعارض الروايات الصحيحة وأخذ منه بعض الفقهاء جوازه في الجهاد
( 13 ) أي من الخضاب والترك

43 - باب الولي ( 1 ) يستقرض من مال اليتيم
937 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : جاء رجل ( 1 ) إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال له : إن لي ( 2 ) يتيما وله إبل فأشرب ( 3 ) من لبن إبله ؟ قال له ابن عباس : إن كنت تبغي ضالة إبله وتهنأ جرباها وتليط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في حلب
قال محمد : بلغنا ( 4 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر والي اليتيم فقال : إن استغنى استعف وإن افتقر أكل بالمعروف قرضا . بلغنا عن سعيد بن جبير فسر هذه الآية ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا ليأكل بالمعروف ) قال : قرضا ( 5 )
_________
( 1 ) الولي : في نسخة الوصي . أي من يربي اليتيم ويصلح أموره
( 1 ) رجل : في رواية : أعرابي . قد أخرج هذه القصة سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس أيضا
( 2 ) أي في تربيتي وحفظي
( 3 ) قوله : فأشرب من لبن إبله يحتمل أن يكون خبرا وأن يقدر استفهاما ( كما في نسخة يحيى : أفأشرب ) وعلى كل تقدير فمراده الاستفتاء قال له ابن عباس . إن كنت تبغي ضالة إبله أي تطلب ما فقد من إبله وضاع من مال وتخدم في ما يتعلق بحاله . وتهنأ أي تطلي يقال : هنأ الإبل إذ طلاه ودلك على جسده القطران بالفتح وهو دواء يطلى به الإبل المبتلاة بالجرب وغيره . جرباها ( والجربى : مؤنث أجرب كذا في المحلى . أوجز المسالك 14 / 339 ) بالفتح إبله الجرباء بالقطران . وتليط حوضها وفي نسخة تلوط أي تطينه وتصلحه وليحيى : تلط بضم اللام وتشديد الطاء . وتسقيها أي الإبل يوم ورودها بالكسر أي شربها فاشرب من لبنه فإنك ( في الأصل : " فإنه " ) تستحقه من خدمتك غير مضر بالنصب أي حال كونك غير ضار بنسل بفتحتين أي بالولد الرضيع ولا ناهك بكسر الهاء أي غير ضائع في حلب يقال : نهكت الناقة أنهكها إذا لم يبق في ضروعها لبنا والحلب بفتحتين اللبن المحلوب وبتسكين اللام الفعل والمعنى غير مستأصل اللبن كذا ذكره القاري وغيره ( قال الباجي : وقوله : فاشرب غير مضر بنسل : والحديث على معنى إباحة له ليشرب من لبنها على شرطين : أحدهما : لا يضر بأولادها . والثاني : أن لا يستأصل في البن . المنتقى 7 / 238 )
( 4 ) قوله : بلغنا هذا البلاغ أخرجه عبد الرزاق وابن سعد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والنحاس في " ناسخه " والبيهقي في سننه من طرق عن عمر قال : إني أنزلت نفسي في مال الله بمنزلة والي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن احتجت أخذت منه بالمعروف فإذا أيسرت قضيت . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس : ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف يعني القرض . وكذا أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه وأخرج عبد بن حميد والبيهقي من طريق ابن جبير عنه قال : والي اليتيم إن كان غنيا فليستعفف ولا يأكل وإن كان فقيرا أخذ من فضل اللبن وأخذ بالقوت لا يجاوزه وما يستر من عورته فإذا أيسر قضى وإن أعسر فهو في حل . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عنه قال : إذا احتاج والي اليتيم وضع يده فأكل من طعامهم ولا يلبس منه ثوبا ولا عمامة . وأخرج ابن المنذر والطبراني عنه قال : يأكل ولي مال اليتيم بقدر قيامه على ماله ومنفعته له ما لم يسرف أو يبذر . وفي الباب آثار أخر مبسوطة في " الدر المنثور " للسيوطي
( 5 ) أي في معنى الأكل بالمعروف

938 - أخبرنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق ( 1 ) عن صلة ( 2 ) بن زفر : أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال : أوصني ( 3 ) إلى يتيم فقال : لا تشترين ( 4 ) من ماله شيئا ولا تستقرض من ماله شيئا ( 5 )
والاستعفاف ( 6 ) عن ماله عندنا أفضل . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) هو عمرو بن عبد الله بن علي السبيعي الهمداني الكوفي
( 2 ) قوله : عن صلة هو صلة بكسر الصاد وفتح اللام بن زفر بضم الزاء وفتح الفاء أبو العلاء العبسي الكوفي روى عن عمار وحذيفة وابن مسعود وعلي وابن عباس وعنه أبو وائل وأبو إسحاق السبيعي وأيوب السختياني وغيرهم قال الخطيب وابن خراش وابن حبان : ثقة وكذا عن ابن معين والعجلي وابن نمير مات في خلافة مصعب بن الزبير كذا في " تهذيب التهذيب "
( 3 ) أي انصحني في أمر يتيم هو كفالتي
( 4 ) بصيغة النهي مع النون المشددة
( 5 ) قوله : ولا تستقرض من ماله شيئا هذا بظاهره دال على عدم جواز الاستقراض أيضا وهو محمول على حالة الاستغناء وعدم الحاجة وأما عند الحاجة فيجوز كما دلت الآثار السابقة فإن اضطر إلى الأكل جاز أكله
( 6 ) هذا قول المؤلف أي الكف عن ماله ولو استقراضا إذا لم يحتج إليه أفضل من غيره

44 - باب الرجل ينظر إلى عورة ( 1 ) الرجل
939 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : سمعت عبد الله بن عامر يقول : بينا ( 1 ) أنا أغتسل ويتيم كان في حجر أبي يصب أحدنا على صاحبه إذ طلع علينا عامر ونحن كذلك فقال : ينظر بعضكم إلى عورة بعض ؟ والله إني كنت لأحسبكم خيرا منا . قلت ( 2 ) : قوم ولدوا في الإسلام لم يولدوا في شيء من الجاهلية والله لأظنكم الخلف
قال محمد : لا ينبغي للرجل ( 3 ) أن ينظر إلى عورة أخيه المسلم ( 4 ) إلا من ضرورة لمداواة ونحوه ( 5 )
_________
( 1 ) عورة : بفتح العين : ما يجب ستره
( 1 ) بينا : في نسخة : بينما . قوله : بينا أنا أغتسل ويتيم كان في حجر - بالفتح - أبي يعني كان في تربية أبي عامر . يصب أحدنا أي أحد منا أنا واليتيم وكانا يغتسلان عاريين في موضع واحد فيلقي الماء أحدهما على صاحبه الآخر . إذ طلع علينا أي ظهر علينا جاء إلينا أبي عامر بن ربيعة ونحن واليتيم كذلك أي نغتسل ونصب الماء فقال أي عامر متعجبا وزاجرا : ينظر بعضكم إلى عورة بعض وهو حرام والله إني كنت لأحسبكم أي نظنكم خيرا منا أي في الديانة والتقوى وقد ظهر خلاف ذلك حيث لا تخاف الله وتنظر إلى ما لا يحل النظر إليه
( 2 ) قوله : قلت أي في خاطري : قوم أي هم قوم ولدوا - مجهول - في الإسلام أي وعلموا الأحكام ولم يولدوا في شيء من الجاهلية ليكونوا معذورين في الجهل ببعض الآداب الدينية : والله لأظنكم الآن الخلف بفتح الخاء وسكون اللام لا بفتحها ففي " المصباح " هو خلف صدق من أبيه إذا قام مقامه وهو خلف سوء بالسكون هذا أكثر كلامهم ومنهم من يجيز الفتح والسكون في النوعين وعلى السكون جاء التنزيل ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) سورة مريم : الآية 59 ) كذا ذكره القاري
( 3 ) وكذا للصبي المراهق
( 4 ) وكذا الكافر
( 5 ) قوله : إلا من ضرورة لمداواة بالضم ونحوه ( في نسخة : ونحوها ) فإن الضرورات تبيح المحظورات فيجوز النظر إلى عورة الرجل والمرأة للاحتقان والختان والخفض أي ختان المرأة و موضع القرحة وغير ذلك ومن مواضع الضرورة حالة الولادة فيجوز للقابلة النظر إلى فرج المرأة ومنها النظر إلى موضع البكارة إذا احتيج إليه في مسألة العنين . والبسط في كتب الفقه

45 - باب النفخ في الشرب ( 1 )
940 - أخبرنا مالك أخبرنا أيوب ( 1 ) بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني ( 2 ) قال : كنت عند مروان بن الحكم فدخل أبو سعيد ( 3 ) الخدري على مروان فقال له مروان ( 4 ) : أسمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن النفخ في الشراب ؟ قال : نعم ( 5 ) فقال له رجل : يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد قال : فأبن القدح عن فيك ثم تنفس قال : فإني أرى القذاة فيه قال : فأهرقها
_________
( 1 ) الشرب : في نسخة : الشراب . بالضم مصدر أي في حالة شرب الماء وغيره
( 1 ) قوله : أخبرنا أيوب بن حبيب قال الذهبي في " الكاشف " : أيوب بن حبيب المدني عن أبي المثنى وعنه مالك وفليح وثقه النسائي وقال أيضا في " الكنى " : أبو المثنى الجهني عن سعد وأبي سعيد وعنه أيوب ومحمد بن أبي يحيى ثقة . انتهى . وقال ابن عبد البر : لم أقف على اسمه
( 2 ) بالضم نسبة إلى جهينة
( 3 ) سعد بن مالك
( 4 ) استخبار
( 5 ) قوله : قال نعم سمعته نهى عن النفخ في الشراب وروي النهي عنه أيضا من حديث ابن عباس عند أحمد وزيد بن ثابت عند الطبراني وزاد ابو سعيد الخدري على الجواب ذاكرا سؤال رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوابه عند نهيه عن النفخ في الشراب فقال : فقال له أي لرسول الله صلى الله عليه و سلم رجل ممن حضر ذلك المجلس : إني لا أروى - بفتح الألف وسكون الراء - من نفس - بفتحتين - واحد يعني لا يحصل لي الري من الماء في تنفس واحد فلا بد لي أن أتنفس في الشراب فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبن - أمر من الإبانة - القدح - بالفتح - أي قدح الشراب عن فيك ثم تنفس قال ذلك الرجل : فإني أرى القذاة - بالفتح - عود أو شيء في الشراب يتأذى به الشارب فيه أي الماء فلا بد لي أن أنفخ في الشرب ليذهب ذلك القذاة . قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : فأهرقها بسكون الهاء من الإراقة بزيادة الهاء أي فأرق تلك القذاة عن الشراب ولا تنفخ فيه . وإنما نهى عن النفخ في الشراب لئلا يقع من ريقه فيه شيء فيقذره وقد يتغير الماء بالنفخ ( والأطباء الروميون في هذا الزمان يشددون في النهي عن النفخ أشد النهي ويزعمون أن النفس تخرج الأبخرة الحارة السمية المشتملة على الجراثيم فتختلط بالشراب فإذا شربه أحد عن ذلك ترجع هذه الجراثيم إلى الجوف فتحدث أمراضا كثيرة كذا في الأوجز 14 / 265 ) وفي الحديث دليل على إباحة الشرب من نفس واحد لأنه لم ينه الرجل عنه بل قال له ما معناه : إن كنت لا تروى من واحد فأبن القدح حكاه ابن عبد البر عن مالك وورد النهي عن ذلك أيضا ومجرد الجواز لا ينفي الكراهة فعند الترمذي : لا تشربوا واحدة كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم

46 - باب ما يكره ( 1 ) من مصافحة النساء
941 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن المنكدر عن اميمة ( 1 ) بنت رقيقة أنها قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في نسوة تبايعه ( 2 ) فقلنا : يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ( 3 ) ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل ( 4 ) أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه ( 5 ) بين أيدينا ( 6 ) وأرجلنا ولا نعصيك في معروف ( 7 ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فيما استطعتن ( 8 ) وأطقتن قلنا : الله ورسوله أرحم بنا ( 9 ) منا بأنفسنا هلم ( 10 ) نبايعك يا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إني لا أصافح النساء ( 11 ) إنما قولي لمائة امرأة كقولي ( 12 ) لامرأة واحدة أو ( 13 ) مثل قولي لامرأة واحدة
_________
( 1 ) قوله : باب ما يكره ذكر صاحب " الهداية " وغيرها أنه لا يجوز مصافحة النساء إذا كانت مما تشتهى أما لو كانت عجوزا لا تشتهى أو كان الرجل شيخا كبيرا فلا بأس به لانعدام خوف الفتنة
( 1 ) قوله : عن أميمة بضم الهمزة وفتح الميم وتحتية ساكنة ثم ميم بنت رقيقة بقافين على وزن أميمة وهي أخت خديجة أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد فخديجة خالة أميمة وأبوها نجاد بن عبد الله بن عمير وقيل : عبد الله بن نجاد القرشي كذا في " الاستيعاب " وغيره
( 2 ) في نسخة : نبايعه . قوله : في نسوة تبايعه قال القاري : صفة لجماعة النسوة ويحتمل أن يكون بنون المتكلم وتسمى هذه البيعة بيعة النساء ( قال الباجي : هذه البيعة التي ذكرتها أميمة كانت بالمدينة بعد الحديبية المنتقى 7 / 307 ) قال الله تعالى : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ) سورة الممتحنة : الآية 12 )
( 3 ) عام لكونه في سياق النفي
( 4 ) كما كانت عادة أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية إملاق
( 5 ) أي نختلقه
( 6 ) قوله : بين أيدينا وأرجلنا قال الزرقاني : أي من قبل أنفسنا فكنى بالأيدي والأرجل عن الذات لأن معظم الأفعال بهما أو أن البهتان ناشئ عما يختلقه القلب الذي هو بين الأيدي والأرجل ثم يبرزه بلسانه
( 7 ) قوله : معروف أي في ما عرف شرعا وفيه إشارة إلى أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
( 8 ) أي هذا كله بحسب طاقتكن
( 9 ) قوله : أرحم أي حيث قال الله : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) سورة التغابن : الآية 16 ) وقال رسوله : فيما استطعتن فأوجبا الامتثال بحسب الطاقة البشرية ولم يكلفا بما ليس في الوسع
( 10 ) قوله : هلم أي تعال نبايعك باليد كما تبايع الرجل بالمصافحة وعند النسائي فقلن : ابسط يدك نصافحك
( 11 ) قوله : إني لا أصافح النساء فيه دليل على أنه لا ينبغي المصافحة عند البيعة بالنساء وأن بيعة النبي صلى الله عليه و سلم بالنساء لم تكن بأخذ اليد وهو مفاد قول عائشة : ما مست يد رسول الله يد امرأة قط إلا امرأة يملكها أخرجه البخاري وفي رواية له عنها : " ما مست يده يد امرأة قط في مبايعة ما يبايعهن إلا بقوله : قد بايعتك على ذلك " . وأخرج أبو نعيم في " كتاب المعرفة " من حديث نهية بنت عبد الله البكرية قالت : وفدت مع أبي على النبي صلى الله عليه و سلم فبايع الرجال وصافحهم وبايع النساء ولم يصافحهن . وعند أحمد من حديث ابن عمر : أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يصافح النساء . وجاءت اخبار ضعيفة بمصافحته النساء عند البيعة أحيانا فعند الطبراني من حديث معقل بن يسار : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصافح النساء في بيعة الرضوان من تحت الثوب وأخرج ابن عبد البر عن عطاء وقيس بن أبي حازم : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا بايع لم يصافح النساء إلا على يده ثوب ( وضع الثوب على يده كان في أول الأمر كذا في الأوجز 15 / 262 ) كذا ذكره ابن حجر والزرقاني ولعله محمول على مصافحة العجائز وقوله صلى الله عليه و سلم في حديث الباب " لا أصافح النساء " الثابت بالطرق الصحيحة صريح في عدم مصافحته
( 12 ) أي في حصول البيعة ووجوب الطاعة
( 13 ) شك من الراوي في اللفظ والمعنى واحد

47 - باب فضائل أصحاب ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم
942 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : لقد جمع لي ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم أبويه يوم أحد
_________
( 1 ) فضائل أصحاب : أي بعضهم
( 1 ) قوله : لقد جمع لي أي قال يوم غزوة أحد ارم فداك أبي وأمي وكذا جمع للزبير بن العوام كما عند الترمذي وغيره وفيه منقبة عظيمة لهما

943 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار قال : قال ابن عمر رضي الله عنهما : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثا ( 1 ) فأمر ( 2 ) عليهم أسامة بن زيد فطعن ( 3 ) الناس ( 4 ) في إمرته فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون ( 5 ) في إمرة أبيه من قبل وأيم ( 6 ) الله إن ( 7 ) كان ( 8 ) لخليقا ( 9 ) للإمرة وإن كان ( 10 ) لمن أحب الناس إلي من بعده ( 11 )
_________
( 1 ) بالفتح أي أرسل جيشا ( قال الحافظ : هو البعث الذي أمر بتجهيزه في مرض وفاته . فتح الباري 7 / 87 )
( 2 ) أي جعله أميرا عليهم
( 3 ) قوله : فطعن الناس في إمرته قال القاري : بكسر الهمزة أي في إمارته وولايته لكونه صغير القوم وحقيرهم في الصورة ولأنه من الموالي وكان في القوم أبو بكر وعمر
( 4 ) أي المنافقون أو أجلاف العرب
( 5 ) قوله : فقد كنتم تطعنون أي قبل ذلك في إمارة أبيه زيد بن حارثة متبنى رسول الله وحبه
( 6 ) بهمزة مفتوحة بمعنى القسم
( 7 ) مخففة من مثقلة مكسورة
( 8 ) أي أسامة
( 9 ) أي لائقا
( 10 ) أي أسامة
( 11 ) أي بعد أبيه زيد

944 - أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله ( 1 ) بن معمر عن عبيد ( 2 ) يعني ابن حنين عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جلس على المنبر ( 3 ) فقال : إن عبدا ( 4 ) خيره اللع تعالى بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ( 5 ) ما شاء وبين ما عنده ( 6 ) فاختار العبد ما عنده فبكى أبو بكر ( 7 ) رضي الله عنه وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال : فعجبنا ( 8 ) له وقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بخبر عبد خيره الله تعالى وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا . فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخير ( 9 ) وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلمنا به ( 10 ) . وقال ( 11 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أمن الناس ( 12 ) علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا ( 13 ) خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة ( 14 ) الإسلام ولا يبقين ( 15 ) في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر
_________
( 1 ) في نسخة عبيد الله
( 2 ) قال ابن حجر في " التقريب " : عبيد بن حنين بنونين مصغرا أبو عبد الله المدني ثقة قليل الحديث مات سنة خمس ومائة
( 3 ) أي للخطبة
( 4 ) قوله : إن عبدا وصف نفسه بالعبودية لأنها المرتبة الكاملة اقتداء بقوله تعالى في حقه : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) سورة الإسراء : الآية 1 ) وبقوله تبارك : ( الذي نزل الفرقان على عبده ) سورة الفرقان : الآية 1 ) وبقوله تعالى : ( أرأيت الذي ينهى ... عبدا إذا صلى ) سورة العلق : الآية 9 - 10 ) وبقوله تعالى : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونوا عليه لبدا ) سورة الجن : الآية 19 ) فإن المراد بالعبد في هذه الآيات هو النبي صلى الله عليه و سلم وإنما أبهم الأمر ولم يعين نفسه من بدو الأمر إحالة على إفهام حذاق الصحابة وامتحانا لفهمهم ولئلا يحصل لهم الملال دفعة بسماع خبر مصيبة عظيمة
( 5 ) قوله : من زهرة الدنيا بالفتح أي بهجتها وزينتها قال النووي في " شرح صحيح مسلم " : المراد بزهرة الدنيا نعيمها وأعراضها وحدودها شبهها بزهرة الروض
( 6 ) أي ما عنده من لذة العقبى والدرجات العلى
( 7 ) قوله : فبكى أبو بكر لما أنه كان من أفقه الصحابة وأعلمهم بالأسرار النبوية ففهم أن مراده بالعبد المخير المختار ما عند الله هو نفسه فبكى حزنا على فراقة وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا أي أنت عندي بآبائنا معاشر المسلمين وأمهاتنا فإن بقاءك خير لنا من بقاء آبائنا وأمهاتنا
( 8 ) قوله : قال فعجبنا أي قال أبو سعيد الخدري : فتعجبنا - نحن حضار الصحابة - من بكاء أبي بكر وقال الحاضرون بعضهم لبعض على سبيل الاستعجاب : انظروا إلى هذا الشيخ مع كبر سنه ووفور علمه يخبر رسول الله بخبر عبد من عباد الله وهو يفدي الآباء والأمهات عليه . وهذا التعجب إنما كان لعدم وصول الأفهام إلى ما فهمه أبو بكر ثم ظهر لهم ما ظهر له أن العبد الذي أخبر عنه رسول الله كان نفسه
( 9 ) أي بين الأمرين الدنيا والعقبى
( 10 ) أي بهذا الأمر أو بالنبي صلى الله عليه و سلم وبسره وفيه منقبة عظيمة لأبي بكر بإقرار الصحابة
( 11 ) أي في تلك الخطبة
( 12 ) قوله : إن أمن الناس قال ذلك تسلية لأبي بكر ودفعا لحزن حصل له بخبر الرحلة النبوية وإظهارا لفضله على سائر الصحابة ومعناه أن أمن الناس اسم تفضيل من المن يعني كثير المنة والإحسان علي في صحبته وماله أبو بكر حيث صحبه إذا لم يصحبه غيره فكان رفيقه في الغار وأسلم حين لم يسلم أحد من الرجال وكان له عند ذلك على ما روي أربعون ألفا أنفقها كلها على رسول الله صلى الله عليه و سلم . وعند الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما لأحد عندنا يد إلا قد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة ( قال الحافظ : فإن ذلك يدل على ثبوت يد لغيره إلا أن لأبي بكر رجحانا فالحاصل أنه حيث أطلق أراد أنه أرجحهم في ذلك . فتح الباري 7 / 13 ) وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر
( 13 ) قوله : ولو كنت متخذا قال النووي في " شرح صحيح مسلم " : قال القاضي : أصل الخلة الافتقار والانقطاع فخليل الله المنقطع إليه وقيل : الخلة الاختصاص وقيل : الخلة الاصطفاء وقيل : الخليل من لا يسع قلبه غيره والمعنى أن حب الله لم يبق في قلبه موضعا لغيره
( 14 ) أي الإخوة الحاصلة بيني وبينه بسبب الإسلام كافية وفي رواية : ولكن أخي وصاحبي وفي رواية لمسلم والترمذي : إلا أني أبرأ إلى كل خل من خله ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا إن صاحبكم خليل الله
( 15 ) قوله : ولا يبقين بصيغة المجهول في المسجد . خوخة بالفتح باب صغير إلى المسجد يدخل منه إلا خوخة أبي بكر وفيه منقبة عظيمة لأبي بكر وإشارة إلى استخلافه لكونه الخليفة محتاجا إلى المسجد في كل وقت وقد ورد نظير ذلك لعلي من قوله صلى الله عليه و سلم : " سدوا الأبواب كلها إلا باب علي " أخرجه أحمد والنسائي في " السنن الكبرى " والضياء في " المختارة " والحاكم والترمذي الطبراني وغيرهم بألفاظ متقاربة متعددة وقد أخطأ ابن الجوزي حيث حكم بوضعه زعما منه أنه معارض لما في الصحاح من حديث خوخة أبي بكر وليس كذلك فإن عليا لم يكن له باب إلا إلى المسجد وكان الأصحاب لهم بابان باب إلى المسجد وباب إلى خارجه فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بسد الأبواب إلا باب علي ثم أحدث الناس الخوخة إلى المسجد فأمر الناس بسدها إلا خوخة أبي بكر وكانت القصة الأولى قبل غزوة أحد والثانية في مرض الوفاة النبوية كذا حققه الحافظ ابن حجر في " القول المسدد في الذب عن مسند أحمد " ( وكذا في فتح الباري 7 / 15 ) و السيوطي في " شد الأثواب في سد الأبواب "

945 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن إسماعيل ( 1 ) بن محمد بن ثابت الأنصاري أن ثابت ( 2 ) بن قيس بن شماس ( 3 ) الأنصاري قال : يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال : لم ( 4 ) ؟ قال : نهانا الله أن نحب أن نحمد ( 5 ) بما لم نفعل وأنا امرؤ أحب الحمد ( 6 ) ونهانا عن الخيلاء ( 7 ) وأنا امرؤ أحب الجمال ( 8 ) ونهانا الله أن نرفع ( 9 ) أصواتنا فوق صوتك وأنا رجل جهير ( 10 ) الصوت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ثابت أما ( 11 ) ترضى أن تعيش ( 12 ) حميدا ( 13 ) وتقتل شهيدا ( 14 ) وتدخل الجنة ( 15 )
_________
( 1 ) هو إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري المدني ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين "
( 2 ) هو من أعلام الأنصار شهد أحدا وما بعدها وكان خطيب الأنصار استشهد يوم اليمامة سنة 12 هـ كذا في " جامع الأصول "
( 3 ) بفتح الشين المعجمة وتشديد الميم
( 4 ) في نسخة : ثم قال : بم أي لأي شيء هلكت
( 5 ) قوله : نهانا الله أن نحب أن نحمد بصيغة المجهول . بما لم نفعل أي بقوله تعالى : ( ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) ( سورة آل عمران : الآية 188 ) الآية نزلت في شأن المنافقين
( 6 ) أي ثناء الناس لي
( 7 ) بضم الخاء وفتح الياء الكبر
( 8 ) قوله : وأنا امرؤ أحب الجمال كأنه ظن أن مجرد حب الجمال من الخيلاء وقد نهي عنه بقوله تعالى : ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) سورة النساء : الآية 36 ) وقد روى الترمذي عن ابن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل : إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا فقال : إن الله يحب الجمال ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس أي احتقرهم وافتخر عليهم
( 9 ) قوله : أن نرفع أصواتنا بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) سورة الحجرات : الآية 2 )
( 10 ) أي عالي الصوت وكان في سمعه ثقل من كان كذلك يكون جهير الصوت غالبا
( 11 ) بهمزة وما نافية قاله تسلية له
( 12 ) أي في الدنيا
( 13 ) أي محمودا
( 14 ) وكان كذلك
( 15 ) قوله : وتدخل الجنة قال القاري : لعل قوله صلى الله عليه و سلم ببشارته إلى الجنة متضمن أنه ليس ممن يظن نفسه أنه في الخصائل الدنية والشمائل الردية

48 - باب صفة النبي صلى الله عليه و سلم

946 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) ربيعة عن ( 2 ) أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك يقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس بالطويل بالبائن ( 3 ) ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق وليس بالآدم وليس بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله على رأس أربعين سنة ( 4 ) فأقام بمكة عشر سنين ( 5 ) وبالمدينة ( 6 ) عشر سنين وتوفاه الله على رأس ستين سنة ( 7 ) وليس في رأسه ولحيته عشرون ( 8 ) شعرة بيضاء
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا ربيعة عن أبي عبد الرحمن هكذا في نسخ عديدة والصواب في بعض النسخ موافقا لما في " موطأ يحيى " وغيره : عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع إلخ وهو المعروف بربيعة الرأي
( 2 ) في نسخة : بن
( 3 ) قوله : ليس بالطويل البائن من بان إذا ظهر أي المفرط في الطول ولا بالقصير أي البائن كما صرح به في رواية مسلم عن البراء يعني أنه بينهما وعند البخاري عن أنس : كان ربعة من القوم . ولا بالأبيض الأمهق من المهق شدة البياض أي ليس شديد البياض كلون الجص . وليس بالآدم بالمد أي لا شديد السمرة وإنما كان يخالط بياضه الحمرة . وليس بالجعد بفتح الجيم وسكون العين ودال مهملة أي منقبض الشعر يتجعد ويتكسر كشعر الحبش والزنج . القطط بفتح القاف والطاء الأولى ويجوز كسرها وهومقابل السبط بفتح السين وكسر الموحدة أي المنبسط المسترسل يعني أن شعره ليس نهاية في الجعودة ولا في السبوطة بل وسطا بينهما كذا في " شرح شمائل الترمذي " لعلي القاري وغيره
( 4 ) قوله : على رأس أربعين سنة أي آخر أربعين سنة من عمره وهذا القول بأنه بعث في الشهر الذي ولد فيه والمشهور عند الجمهور أنه ولد في ربيع الأول وبعث في رمضان فعلى هذا يكون حين البعث أربعون سنة ونصف أو تسع وثلاثون ونصف فمن قال أربعين ألغى الكسر أو جبر . وأما ما رواه الحاكم أنه بعث وهو ابن ثلاث وأربعين ( وقال القاري : ولعل الجمع بينهما بأن بعث النبوة في أول الأربعين وبعث الرسالة في رأس ثلاثة وأربعين كذا في الأوجز 14 / 213 ) وعن مكحول أنه بعث ابن اثنين وأربعين فشاذ كذا ذكره الحافظ ابن حجر
( 5 ) قوله : فأقام بمكة عشر سنين عند البخاري عن ابن عباس : لبث بمكة ثلاث عشرة سنة وبعث لأربعين ومات وهو ابن ثلاث وستين وجمع السهيلي بأن من قال ثلاث عشرة عد من أول ما جاء به الملك ومن قال عشرا : عد ما بعد الفترة فإن الوحي فتر بعد ما نزل ثلاث سنين كما رواه أحمد . وهناك أقوال وروايات أخر مبسوطة في " فتح الباري "
( 6 ) أي بعد الهجرة وهذا بالاتفاق
( 7 ) قوله : على رأس ستين روي عن جمع من الصحابة منهم معاوية في عمره ثلاث وستون وروي عن ابن عباس وأنس وعائشة ستون وروي عنهم ما يوافق المشهور أيضا فهو المعتمد
( 8 ) قوله : عشرون أي بل أقل فعند البخاري عن عبد الله بن بسر : كان في عنفقته شعرات بيض وفي " صحيح مسلم " عن أنس : كان في لحيته شعرات أبيض وعند ابن سعد عن أنس : ما كان في رأسه ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة

49 - باب قبر النبي صلى الله عليه و سلم وما يستحب من ذلك ( 1 )
947 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار أن ابن عمر : كان إذا أراد سفرا ( 1 ) أو قدم من سفر جاء قبر النبي صلى الله عليه و سلم فصلى عليه ودعا ثم انصرف
قال محمد : هكذا ينبغي أن يفعله إذا قدم المدينة ( 2 ) يأتي قبر النبي صلى الله عليه و سلم
_________
( 1 ) قوله : وما يستحب من ذلك أي من زيارة قبره اختلف فيه بعد ما اتفقوا على أن زيارة قبره صلى الله عليه و سلم من أعظم القربات وأفضل المشروعات ومن نازع في مشروعيته فقد ضل وأضل فقيل : إنه سنة ذكره بعض المالكية وقيل : إنه واجب وقيل قريب من الواجب وهو في حكم الواجب مستدلا بحديث " من حج ولم يزرني فقد جفاني " أخرجه ابن عدي والدارقطني وغيرهما وليس بموضوع كما ظنه ابن الجوزي وابن تيمية بل سنده حسن عند جمع وضعيف عند جمع وقيل : إنه مستحب بل أعلى المستحبات وقد ورد في فضله أحاديث فمن ذلك " من زار قبري وجبت له شفاعتي " . أخرجه الدارقطني وابن خزيمة وسنده حسن وفي رواية الطبراني " من جاءني زائرا لا تعلمه ( هكذا في الأصل وفي مجمع الزوائد 4 / 2 : لا يعلم له حاجة ) حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا " . وعند ابن أبي الدنيا عن أنس : من زارني محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا . وأكثر طرق هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة لكن بعضها سالم عن الضعف القادح وبالمجموع يحصل القوة كما حققه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " والتقي السبكي في كتابه " شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام " وقد أخطأ بعض معاصريه وهو ابن تميمية حيث ظن أن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة بل موضوعة وقد ألفت في هذا البحث رسائل على رغم أنف المعاند الجاهل حينما ذهب بعض أفاضل عصرنا إلى مكة ورجع من غير زيارة مع استطاعته وألف ما لا يليق ذكره فالله يصلحنا ويصلحه ويوفقنا ويوفقه
( 1 ) قوله : كان إذا أراد سفرا وفي رواية عبد الرزاق : كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : السلام عليك يا رسول الله . وفي رواية : كان يقف على قبره فيصلي على النبي وعلى أبي بكر وعمر . وفي رواية عن نافع : كان ابن عمر يسلم على القبر ورأيته مائة مرة أو أكثر يأتي ويقول : السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي . وظاهره أنه كان دأبه وإن لم يسافر كذا في " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى " و " المواهب " وشرحه وفي الباب عن أنس عند البيهقي وابن أبي الدنيا وجابر عند البيهقي وأبي أيوب عند أحمد الطبراني والنسائي
( 2 ) بيان لهكذا أي يحضر عنده ويصلي ويسلم عليه

50 - باب فضل الحياء ( 1 )
948 - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين يرفعه ( 1 ) إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال : من حسن إسلام المرأ تركه ما لا يعنيه ( 2 )
قال محمد : هكذا ينبغي للمرء المسلم ( 3 ) أن يكون تاركا لما لا يعنيه
_________
( 1 ) الحياء : هو صفة تنقبض بها النفس عن القبيح
( 1 ) قوله : يرفعه هذا مرسل عند جميع رواة الموطأ إلا خالد بن عبد الرحمن الخرساني فوصله عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن أبيه وخالد ضعيف قاله ابن عبد البر . والحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي ابن ماجه وأحمد والطبراني والحاكم وغيرهم من طرق كما بسطه السيوطي والزرقاني
( 2 ) بالفتح من عناه إذا تعلقت عنايته به أي ما لا يفيده من فضول الأقوال وسيئات الأعمال ( قال ابن عبد البر : هذا الحديث من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة كذا في الأوجز 14 / 120 )
( 3 ) لقوله تعالى : ( والذين هم عن اللغو معرضون ) سورة المؤمنون : الآية 3 )

949 - أخبرنا مالك أخبرنا سلمة ( 1 ) بن صفوان الزرقي عن يزيد بن طلحة الركاني أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن لكل دين خلقا ( 2 ) وخلق ( 3 ) الإسلام الحياء
_________
( 1 ) قوله : سلمة بفتحتين ابن صفوان بن سلمة الزرقي بضم الزاء وفتح الراء نسبة إلى بني زريق مدني ثقة عن يزيد بن طلحة الركاني بالضم نسبة إلى ركانة وهو والد طلحة وهو ابن عبد يزيد بن هاشم وذكر ابن حبان يزيد هذا في " ثقات التابعين " كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) بضمتين وتسكن اللام أي خصلة وطريقة شرعت فيه
( 3 ) أي طبع هذا الدين الذي به قوامه : الحياء

950 - أخبرنا مالك أخبرنا مخبر ( 1 ) عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على رجل ( 2 ) يعظ ( 3 ) أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعه ( 4 ) فإن الحياء من الإيمان
_________
( 1 ) في " رواية يحيى " : مالك عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر
( 2 ) قال الحافظ : لم أعرف اسم الواعظ ولا أخيه
( 3 ) أي ينصحه ويلومه على كثرته وأنه يضره
( 4 ) أي اتركه على هذا الخلق ولا تمنعه فإن الحياء شعبة من شعب الإيمان ( قال الباجي : إن خلق الإسلام الحياء والحياء يختص بأهل الإسلام والمراد بالحياء - والله أعلم - الحياء فيما شرع فيه الحياء وأما حياء يؤدي إلى ترك التعلم فليس بمشروع . كذا في المنتقى 7 / 213 ، والأوجز 14 / 136 )

51 - باب حق الزوج على المرأة

951 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرني ( 1 ) بشير بن يسار أن حصين بن محصن أخبره : أن عمة له أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنها ( 2 ) زعمت أنه قال ( 3 ) لها : أذات ( 4 ) زوج أنت ؟ فقالت : نعم فزعمت ( 5 ) أنه قال لها : كيف أنت له ؟ فقالت : ما آلوه إلا ما عجزت عنه قال : فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك أو ( 6 ) نارك
_________
( 1 ) قوله : أخبرني بشير هو بشيرعلى وزن فعيل بن يسار بالفتح الحارثي المدني وثقه ابن معين وقال ابن سعد : كان شيخا كبيرا أدرك عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان قليل الحديث وشيخه في هذه الرواية هو حصين مصغرا ابن محصن بكسر الأول وسكون الثاني وفتح الثالث ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " وقال ابن السكن : يقال له صحبة غير أن روايته عن عمته وليست له رواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا في " تهذيب التهذيب " و " تقريب التهذيب "
( 2 ) أي أن عمته قالت
( 3 ) أي قال لها رسول الله حين أتت عنده
( 4 ) بهمزة استفهام
( 5 ) قوله : فزعمت أنه أي فقالت : إنه قال لها رسول الله : كيف أنت لزوجك في الرضاء والسخط والخدمة ؟ فقالت : ما آلوه أي ما أقصر في خدمته ورضائه ما استطعت فقال له ( في الأصل : زيادة " له " وهو خطأ ) رسول الله لها : انظري أي تأملي وتفكري في كل وقت أين أنت منه ؟ أهو راض عنك ؟ أم ساخط ؟ فإن رضي عنك يدخلك الجنة وإن سخط عليك يدخلك النار فهو باعث دخول الجنة والنار
( 6 ) في نسخة : و

52 - باب حق الضيافة

952 - أخبرنا مالك أخبرنا سعيد المقبري عن أبي شريح ( 1 ) الكعبي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من كان يؤمن ( 2 ) بالله واليوم الآخر ( 3 ) فليكرم ( 4 ) ضيفه جائزته ( 5 ) يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه
_________
( 1 ) قوله : عن أبي شريح بضم الشين مصغرا . الكعبي نسبة إلى كعب بن عمرو بطن من خزاعة اسمه خويلد بن عمرو على الأشهر أو عمرو بن خويلد أو هانئ أو كعب بن عمرو أو عبد الرحمن أسلم قبل الفتح مات بالمدينة سنة 68 هـ كذا في " الاستعاب " وغيره
( 2 ) أي إيمانا كاملا
( 3 ) ذكره إشارة إلى أنه يوم الثواب والعذاب فمن آمن به إيمانا كاملا طلب الأعمال الحسنة وتجنب عن السيئة
( 4 ) قوله : فليكرم قال الزرقاني : الأمر بالإكرام للاستحباب عند الجمهور لأن الضيافة من مكارم الأخلاق لا واجبة لقوله جائزة والجائزة تفضل وإحسان هكذا استدل به الطحاوي وابن بطال وابن عبد البر وقال الليث وأحمد : تجب الضيافة ليلة واحدة للحديث المرفوع : " ليلة الضيف واجبة على كل مسلم " وأجاب الجمهور عن هذا وما أشبهه أن هذا كان في صدر الإسلام حين كانت المواساة واجبة وبأنه محمول على ضيافة المضطرين
( 5 ) قوله : جائزته بالرفع مبتدأ أي منيحته وعطيته وإتحافه بأفضل ما يقدر عليه يوم وليلة بالرفع خبر للمبتدأ ويروى جائزته بالنصب فيكون مفعولا ثانيا والمعنى وهي يوم وليلة . والضيافة ثلاثة أيام يعني من غير تكلف كالتكلف الذي في اليوم الأول فإذا مضت الثلاث فقد مضى حق الضيف فما كان بعد ذلك فهو صدقة . في التعبير عنه إشارة إلى التنفير عنه ولا يحل له أي للضيف أن يثوي بفتح الياء وسكون الثاء المثلثة وكسر الواو أي يقيم عنده من أضافه حتى يحرجه بضم الياء وكسر الراء أي يوقعه في الحرج والضيق كذا في " شرح الزرقاني "

53 - باب تشميت ( 1 ) العاطس
953 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه ( 1 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن عطس ( 2 ) فشمته ( 3 ) ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فقل له : إنك مضنوك ( 4 ) . قال عبد الله بن أبي بكر : لا أدري ( 5 ) أبعد الثالثة أو الرابعة
قال محمد : إذا عطس فشمته ثم إن عطس فشمته فإن لم تشمته حتى يعطس مرتين أو ثلاثا أجزاك ( 6 ) أن تشمته مرة واحدة
_________
( 1 ) قوله : باب تشميت هو بالشين المعجمة معناه الإبعاد عن الشماتة والتسميت بالمهملة معناه الدعاء بالهداية إلى السمت الحسن والخلق المستحسن وكل منهما يستعملان في جواب العطسة بيرحمك الله كذا في " تهذيب النووي "
( 1 ) أبيه : هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري
( 2 ) بفتح الطاء
( 3 ) قوله : فشمته ظاهر الأمر للوجوب ( قال النووي في " الأذكار " : قال أصحابنا : التشميت سنة على الكفاية لو قال بعضهم أجزأ عنهم لكن الأفضل أن يقول كل واحد منهم واختلف أصحاب مالك فقال القاضي عبد الوهاب سنة كفاية وقال ابن مزين : يلزم كل واحد منهم واختاره أبو بكر بن العربي والصحيح من مذهب الحنفية أنها تجب على الكفاية وفي رواية يستحب وفي " سفر السعادة " ظاهر الأخبار الصحيحة الافتراض عينا . 1 هـ . أوجز المسالك 15 / 134 ) وبه قال أصحابنا وغيرهم : إن جواب العطسة واجب إلا أنه مقيد بما إذا حمد لحديث : إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وإذا لم يحمد فلا تشمتوه أخرجه البخاري في " الأدب المفرد "
( 4 ) قوله : إنك مضنوك بضاد معجمة أي مزكوم والضناك بالضم الزكام والقياس مضنك ومزكم لكنه جاء على ضنك وزكم قاله ابن الأثير في " النهاية "
( 5 ) قوله : لا أدري أي لا أحفظ قوله إنك مضنوك هل قال بعد العطسة الثالثة أو الرابعة وعند أبي داود وأبي يعلى وابن السني من حديث أبي هريرة مرفوعا : إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث
( 6 ) أي يكفي التشميت الواحد لأن العبادات المتجانسة تتداخل

54 - باب الفرار من ( 1 ) الطاعون
954 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد ( 1 ) بن المنكدر أن عامر بن سعد بن أبي وقاص أخبره أن ( 2 ) أسامة بن زيد أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن هذا الطاعون ( 3 ) رجز ( 4 ) أرسل على من كان قبلكم أو أرسل ( 5 ) على بني إسرائيل - شك ( 6 ) ابن المنكدر في أيهما قال - فإذا سمعتم به ( 7 ) بأرض فلا تدخلوا عليه ( 8 ) وإن وقع في أرض فلا تخرجوا فرارا منه ( 9 )
قال محمد : هذا حديث معروف ( 10 ) قد روي عن غير واحد ( 11 ) فلا بأس إذا وقع ( 12 ) بأرض أن لا يدخلها اجتنابا له
_________
( 1 ) الفرار من الطاعون : أي من موضع وقع فيه
( 1 ) محمد : في رواية يحيى : وأبو النضر
( 2 ) في رواية يحيى : أن عامرا سمع أباه يسأل عن أسامة : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في الطاعون شيئا : فقال أسامة سمعته يقول الحديث
( 3 ) قوله : إن هذا الطاعون فسره كثير من أصحاب الغريب وشراح الحديث بالوباء وهو كل مرض عام بسبب فساد الهواء وليس بجيد بل هو أخص منه بدليل أنه ورد في الحديث أن الطاعون لا يدخل المدينة وورد أن المدينة كان فيها ( في الأصل : " فيه " وهو خطأ ) وباء الحمى ولذا قال القاضي عياض : أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض وقال النووي : هو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب يحصل مع خفقان القلب والقيء ويخرج في الآباط والأيدي والأصابع وسائر الجسد وقد بسط الكلام في تحقيق معناه وذكر الاختلاف فيه وإيراد الأخبار الواردة فيه الحافظ ابن حجر في رسالته " بذل الماعون في فضل الطاعون "
( 4 ) بكسر الراء أي عذاب ( الرجز : بالزاي . العذاب وبالسين : الخبث أو النجس أو القذر وقد يرد بمعنى العذاب أيضا قال الحافظ : المحفوظ بالزاي أي عذاب كذا في الأوجز 14 / 82 )
( 5 ) قوله : أو أرسل على بني إسرائيل أخرج قصة نزوله على قوم فرعون وعلى بني إسرائيل عبد بن حميد والطبري وابن أبي حاتم وإبراهيم الحربي وغيرهم وقد ورد أنه مات من قوم موسى بالطاعون في يوم واحد سبعون ألفا وورد أيضا عند أحمد والبخاري أن الطاعون كان عذابا على الأمم السابقة وهو رحمة وشهادة لهذه الأمة . وورد أيضا عند أحمد و الطبراني وابن خزيمة وأبي يعلى وغيرهم أن الطاعون وخز أعدائكم من الجن وهو - بالفتح - الطعن غير ( في الأصل الغير وهو تحريف ) النافذ . وقد بسط الكلام على هذه الأخبار مع فوائد شريفة الحافظ في " بذل الماعون "
( 6 ) أي في أن أي هذين اللفظين قال
( 7 ) أي بوقوعه ببلد أنتم خارجون عنه
( 8 ) قوله : فلا تدخلوا عليه قال ابن دقيق العيد : الذي يترجح عندي في النهي عن الفرار وعن الدخول أن الإقدام عليه تعرض للبلاء ولعله لا يصبر عليه وربما كان فيه ضرب من الدعوى لمقام الصبر أو التوكل فمنع ذلك لاغترار النفس وأما الفرار فقد يكون داخلا في باب التوغل في الأسباب متصورا بصورة من يحاول النجاة مما قدر عليه فيقع التكليف في القدوم كما يقع في الفرار فأمر بترك التكلف فيهما
( 9 ) قوله : فرارا منه أي لأجل الفرار عن الطاعون فإن قضاء الله لا يرد : ( ولو كنتم في بروج مشيدة ) ( سورة النساء : الآية 78 ) وفيه إشارة إلى أنه لو خرج لا لهذا القصد بل لحاجته فلا بأس به وقد أخرج الطبري في تفسير قوله تعالى : ( ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله الله موتوا ثم أحياهم ) ( سورة البقرة : الآية 243 ) من طريق محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال : كان حزقيل بن بورى ويقال له ابن العجوز هو الذي دعا للقوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت قال ابن إسحاق : فبلغني أنهم خرجوا من بعض الأوباء من الطاعون أو من سقم كان يصيب الناس حذرا من الموت الحديث . ونحوه عند عبد الرزاق وابن أبي حاتم وغيرهم
( 10 ) أي مشهور
( 11 ) أي عن كثير من الصحابة بطرق متعددة
( 12 ) أي الطاعون ( وقد وقع النهي عن القدوم عليه وعن الفرار عنه فالنهي الأول لبيان الحذر عن التعرض للتلف والثاني لبيان لزوم التوكل والرضا بقضاء الله ولبيان أن العذاب الواقع لسبب المعصية لا يدفعه الفرار وإنما يدفعه التوبة والاستغفار كذا في الأوجز 14 / 76 ) وكذا الحكم في كل وباء عام

55 - باب الغيبة ( 1 ) والبهتان ( 2 )
955 - أخبرنا مالك أخبرنا الوليد ( 1 ) بن عبد الله بن صياد أن المطلب ( 2 ) بن عبد الله بن حنطب المخزومي : أخبره أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ما الغيبة ( 3 ) ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن تذكر ( 4 ) من المرء ما يكره أن يسمع قال : يا رسول الله وإن كان حقا ( 5 ) ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا قلت باطلا ( 6 ) فذلك البهتان ( 7 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي أن يذكر لأخيه المسلم ( 8 ) الزلة ( 9 ) تكون منه مما يكره فأما صاحب الهوى ( 10 ) المتعالن بهواه المتعرف ( 11 ) به والفاسق المتعالن بفسقه فلا بأس ( 12 ) أن تذكر هذين بفعلهما . فإذا ذكرت من المسلم ما ليس فيه فهو البهتان وهو الكذب ( 13 )
_________
( 1 ) الغيبة : بكسر الغين ( قال القاري : الغيبة - بكسر العين - أن تذكر أخاك بما يكره في الغيبة - بالفتح - بشرط أن يكون ذلك موجودا وإلا فهو بهتان . مرقاة المفاتيح 9 / 135 )
( 2 ) والبهتان : بضم الباء
( 1 ) قوله : أخبرنا الوليد بن عبد الله بن صياد : هو أخو عمارة بن عبد الله بن صياد قال الزرقاني : لم يذكره البخاري في " تاريخه " ولا ابن أبي حاتم ولا ترجم له ابن عبد البر لكن ذكره ابن حبان في " الثقات " وكفى برواية مالك عنه توثيقا
( 2 ) قوله : أن المطلب بن عبد الله بن حنطب وقع في " موطأ يحيى " : حويطب وهو غلط وهو أبو الحكم المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الطاء المهملة بعدها باء موحدة ابن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي المدني من ثقات التابعين كذا في " جامع الأصول " . وذكر الحافظ أن روايته هذه مرسلة وهو كثير الإرسال ولعله أخذه من عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة وقد أخرجه مسلم والترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة
( 3 ) قوله : ما الغيبة أي ما حقيقتها وما هيتها التي أمرنا الله تعالى بالاجتناب عنها بقوله : ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) ( سورة الحجرات : الآية 12 )
( 4 ) قوله : أن تذكر أي هو ذكرك من المرء مسلما كان أو كافرا بالغا كان أو صبيا متقيا كان أو فاجرا سواء كان الذكر كتابة أو نطقا أو رمزا أو إشارة أو محاكاة ونحو ذلك لكن يشترط أن يكون في الغيبة فإن كان في حالة الحضرة فهو ليس بغيبة بل من أنواع السب مشافهة . ما يكره أن يسمع أي شيئا يكرهه ويحزن منه إن سمعه المغتاب في دينه أو دنياه أو خلقه أو أهله أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو طلاقته إلى غير مما يتعلق به . وقد استثنى الفقهاء صورا ( قال عيسى بن دينار : لا غيبة في ثلاث : إمام جائر وفاسق معلن فسقه وصاحب بدعة المنتقى 7 / 312 ) من الغيبة حكموا بجوازها لضرورة أو لمصلحة بسطها الغزالي في " إحياء العلوم " وقد شرعت في تأليف رسالة طويلة في هذا الباب مشتملة على الأحاديث والحكايات مع ذكر ما يجوز منها وما لا يجوز منها في السنة الثانية والثمانين بعد الألف والمائتين من الهجرة وكتبت منها أجزاء كثيرة ثم وقعت عوائق عن إتمامها وأسأل الله أن يوفقني لاختتامها
( 5 ) أي وإن كان ما ذكره حقا صادقا كأنه ظن أن الغيبة لا يكون إلا بالكذب فاستفسر عن حقيقة الأمر
( 6 ) أي قولا كاذبا في حقه
( 7 ) أي هو قسم آخر وهو الافتراء والبهتان وهو أعظم من الغيبة معصية ( قال الباجي : لما فيه من الباطل . أوجز المسالك 15 / 284 )
( 8 ) قوله : المسلم تقييده اتفاقي كما قيد في بعض الروايات بالأخ وإلا فالغيبة تعم الكافر وتحرم غيبة الذمي كالمسلم وفي غيبة الكافر الحربي قولان
( 9 ) قوله : الزلة بفتح الزاء وتشديد اللام أي المعصية على سبيل الغفلة
( 10 ) أي من يتبع هو نفسه ويبتدع برأيه
( 11 ) أي الطالب الشهرة به
( 12 ) قوله : فلا بأس أن تذكر لكن لا لغرض التحقير بل ليحذر الناس منهما ويحصل الزجر والحياء لهما وقد ورد : " أترغبون عن ذكر الفاجر بما فيه اهتكوه حتى يعرفه الناس اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس " . وعند أبي الشيخ : " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له "
( 13 ) أي نوع منه هو الافتراء والكذب على الغير

56 - باب النوادر ( 1 )
956 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير ( 1 ) المكي عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أغلقوا الباب ( 2 ) وأوكوا السقاء وأكفئوا الإناء - أو خمروا الإناء - وأطفئوا المصباح فإن الشيطان لا يفتح غلقا ولا يحل وكاء ولا يكشف إناء وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم ( 3 )
_________
( 1 ) النوادر : قال القاري : أي الأمور النادرة في الأحوال الواردة الصادرة
( 1 ) أبو الزبير : محمد بن مسلم بن تدرس
( 2 ) قوله : أغلقوا الباب بفتح الهمزة من الإغلاق أي حراسة للنفس والمال من أرباب الفساد والشيطان . وأوكوا بفتح الهمزة وسكون الواو من الإيكاء أي اربطوا . السقاء بكسر السين القربة التي يسقى منها أي شدوا رأسها بالوكاء وهو بالكسر الخيط الذي يشد به فم القربة وهذا للمنع من الشيطان واحتراز عن الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة كما ورد به في الأخبار . وأكفئوا الإناء بقطع الهمزة وكسر الفاء وبوصلها وضم الفاء الأولى رباعي والثاني ثلاثي أي اقلبوه ولا تتركوا للعق الشيطان والهوام المؤذية . أو خمروا من التخمير بمعنى تغطية الإناء قيل : إنه شك من الراوي وقيل : هو من الحديث أي أكفوه إن كان خاليا وخمروه إن كان شاغلا وأطفئوا المصباح من الإطفاء أي عند الرقاد . فإن الشيطان لا يفتح غلقا بفتحتين أي بابا مغلقا إذا ذكر اسم الله عليه . ولا يحل بفتح حرف المضارع وضم الحاء . وكاء خيطا ربط به . ولا يكشف إناء إذا خمر أو أكفي . وإن الفويسقة تصغير الفاسقة أي الفأرة . تضرم ( قال القاري : بضم التاء وكسر الراء المخففة وفي نسخة : بتشديدها أي توقد النار وتحرق . مرقاة المفاتيح 8 / 231 ) بفتح حرف المضارع وكسر الراء من الضرم أي توقد على الناس بيتهم بأن تجر الفتيلة المشتعلة فتلقيها على ثوب أو غيره وهذه الأوامر إرشادية ( ويحتمل أن تكون للندب لا سيما فيمن ينوي امتثال الأمر . كذا في المرقاة ) وفيها منافع دينية ودنيوية كذا في " شرح الزرقاني " وغيره
( 3 ) في نسخة : بيوتهم

957 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : المسلم يأكل في معى والكافر يأكل في سبعة أمعاء ( 1 )
_________
( 1 ) قوله : في سبعة أمعاء جمع معى بالكسر مقصورا وهو الأشهر وفيه الفتح والمد وجمع المقصور أمعاء كعنب وأعناب والممدود أمعية كحمار وأحمرة . وقد روي هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما بطرق عديدة واختلفوا في معناه لما أن الحس يرفعه فرب كافر يأكل قليلا والمسلم كثيرا فقيل : إن اللام عهدية والمراد خاص وهو ما في " صحيح البخاري " عن أبي هريرة : أن رجلا كان يأكل كثيرا فأسلم فكان يأكل قليلا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن المؤمن يأكل في معى واحد الحديث . وبهذا جزم ابن عبد البر وقال : لأن المعانية وهي أصح علوم الحواس تدفع أن يكون ذلك في كل مؤمن وكافر وقيل : ليست حقيقية العدد مرادة بل المراد قلة أكل المؤمن وكثرة أكل الكافر وقيل : المؤمن لقلة حرصه يشبعه ملأ معى واحد والكافر لا يشبعه إلا ملأ أمعائه السبعة وقيل : المؤمن إذا أكل سمى والكافر لم يسم فيشترك معه الشيطان فيأكل كثيرا . والحكم على هذه الأقوال غالبي وقيل غير ذلك كما بسطه الزرقاني في " شرحه " ( وبسط شيخنا في الأوجز 14 / 259 )

958 - أخبرنا مالك أخبرنا صفوان بن سليم ( 1 ) يرفعه ( 2 ) إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : الساعي ( 3 ) على الأرملة ( 4 ) والمسكين كالذي ( 5 ) يجاهد في سبيل الله أو ( 6 ) كالذي يصوم النهار ويقوم الليل
_________
( 1 ) بالتصغير
( 2 ) أي يجعل صفوان هذا الخبر مرفوعا
( 3 ) أي بالخدمة والنفقة ( قال الحافظ : معنى الساعي الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين . فتح الباري 9 / 499 )
( 4 ) قوله : على الأرملة بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الميم المرأة التي مات زوجها وهي فقيرة وجمعها الأرامل والحديث مخرج عند الشيخين والنسائي وأحمد والترمذي وابن ماجه من رواية أبي هريرة ذكره القاري
( 5 ) أي في الثواب
( 6 ) قال القاري للشك أو للتنويع

959 - أخبرنا مالك أخبرني ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث ( 1 ) مولى أبي مطيع عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ذلك
_________
( 1 ) قوله : عن أبي الغيث ( أبو الغيث : مولى ابن مطيع لا أبي مطيع كما في التقريب ( 1 / 281 ) واسم أبي الغيث سالم المدني ثقة من الثالثة ) مولى أبي مطيع ذكر في " تهذيب التهذيب " و " التقريب " مولى ابن مطيع وأن اسم أبي الغيث سالم المدني ذكره ابن حبان في " الثقات " ( قال ابن حبان : أبو الغيث مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي عداده في أهل المدينة يروي عن أبي هريرة روى عنه ثور بن يزيد . كتاب الثقات ( 4 / 306 ) ) وثقه ابن سعد وابن معين

960 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن عبد الله بن صعصعة أنه سمع سعيد بن يسار ( 1 ) أبا الحباب ( 2 ) يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يريد الله به خيرا يصب منه ( 3 )
_________
( 1 ) بفتح الياء والسين
( 2 ) بضم الأول
( 3 ) قوله : يصب منه قال القاري : أي ابتلاه بالمصائب والأمراض وهو بضم أوله وكسر ثانيه وفاعله ضمير راجع إلى الله وضمير " منه " راجع إلى " من " والرواية بالبناء للفاعل في الأشهر على ما ذكره السيوطي والحديث رواه البخاري وأحمد

961 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سالم وحمزة ( 1 ) ابني عبد الله بن عمر عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الشؤم ( 2 ) في المرأة والدار والفرس
قال محمد : إنما بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس
_________
( 1 ) هو شقيق سالم بن عبد الله مدني ثقة كذا في " التقريب "
( 2 ) قوله : إن الشؤم بضم الشين وواوه همزة خففت فصارت واوا وهو ضد اليمن . في المرأة والدار والفرس أي كائن فيها وقد اختلفوا في معناه لكونه مخالفا لظاهر الأحاديث الواردة بنفي الطيرة ونفي الشؤم على أقوال منها : ما أشار إليه صاحب الكتاب من أن أصل الحديث إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس فليس فيه إثباته فيها بل معناه إن كان في شيء ففي هذه الأشياء لكنه ليس فيها ولا في غيره وهذا اللفظ أخرجه مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه من حديث سهل بن سعد والشيخان من حديث ابن عمر ومسلم والترمذي من حديث جابر وفيه أن بعض طرق الحديث مصرحة بوجود الشؤم في هذه الأشياء ففي بعضها عند الشيخين " لا عدوى وطيرة إنما الشؤم في ثلاثة " . ومنها : أنه إخبار عما كان يعتقده أهل الجاهلية وقد أنكرت عائشة على أبي هريرة حين سمعت أنه يروي ذلك وقالت : ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما قال : إن أهل الجاهلية كانوا يطيرون بذلك . وفيه أنه لا معنى لإنكاره فقد وافق أبا هريرة جمع من الصحابة بروايته من غير ذكر الجاهلية . ومنها : وهو أرجحها أن الشؤم يكون في هذه الثلاثة غالبا بحسب العادة لا بحسب الخلقة ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله وقدره فمن وقع شيء من هذه الأشياء أبيح له تركه وهناك أقوال أخر أيضا مبسوطة في " فتح الباري " ( 6 / 61 ، وفي بذل المجهود 16 / 251 ، أن الطيرة بمعنى الشؤم الذاتي والنحوسة الذاتية منتفية حيث أوردها بلفظ إن الشرطية الدالة على أنه غير واقع فالمعنى لو تحقق الشؤم في شيء بهذا المعنى لكان في هذه الثلاثة لكنه غير متحقق فيها فلا يتحقق في شيء وأما الشؤم بمعنى ما يلحق من المضار أحيانا أو قلة الجدوى في بعض أفرادها نسبة إلى البعض الآخر منها فغير منفي بل أثبته بعد قوله الشؤم في الدار إلى آخره ) وغيره

962 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار قال : كنت مع عبد الله بن دينار قال : كنت مع عبد الله بن عمر بالسوق عند دار خالد ( 1 ) بن عقبة فجاء رجل يريد ( 2 ) أن يناجيه وليس معه أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه فدعا عبد الله بن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة ( 3 ) قال ( 4 ) : فقال لي وللرجل الذي دعا : استرخيا ( 5 ) شيئا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا يتناجى ( 6 ) اثنان دون واحد ( 7 )
_________
( 1 ) قوله : خالد بن عقبة بضم العين وسكون القاف ابن أبي معيط القريشي الأموي صحابي من مسلمة الفتح وداره كانت بسوق المدينة ذكره الزرقاني
( 2 ) أي يقصد أن يسارر ابن عمر
( 3 ) أي صرنا أربعة أنا وابن عمر والمناجي وآخر
( 4 ) أي ابن دينار
( 5 ) أي استأخرا عن هذا الموضع قليلا بحيث لا يسمعان التناجي
( 6 ) بألف مقصورة
( 7 ) قوله : اثنان دون واحد لأنه يوقع الحزن والملال في قلبه وقد يخطر بباله أن التناجي في ما يتعلق بحاله فيتأذى به وهو مناف لحسن العشرة والمودة وخصه بعضهم بالسفر لأنه مظنة الخوف وليس بجيد بل العلة عامة والحكم يعم بعمومها

963 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( 1 ) : إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ؟ قال عبد الله بن عمر : فوقع الناس في شجر البوادي فوقع في نفسي أنها النخلة قال : فاستحييت فقالوا : حدثنا يا رسول الله ما هي ؟ قال : النخلة قال عبد الله : فحدثت ( 2 ) عمر بن الخطاب بالذي وقع في نفسي من ذلك فقال عمر : والله لأن تكون ( 3 ) قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا
_________
( 1 ) قوله : قال في رواية للبخاري : قال ابن دينار : صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتي بجمارة فقال : إن من الشجر أي من جنسه شجرة بالنصب اسم لإن وخبرها مقدم والتنوين للتنويع أي نوعا لا يسقط بضم القاف معروف فاعله ورقها بفتحتين أي في أيام سقوط أوراق الأشجار . وإنها بكسر الهمزة أي تلك الشجرة . مثل بكسر الميم أو بفتحتين . المسلم أي حاله العجيب الغريب وصفته كصفة تلك الشجرة ووجه الشبه أنه كما لا يسقط ورقها وكذلك لا يذهب نور إيمانه ولا تسقط دعوته كما هو عند الحارث ابن أبي أسامة عن ابن عمر : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال : إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا يسقط لها أنملة أتدرون ما هي ؟ قالوا : لا قال : هي النخلة لا يسقط لها أنملة ( في الأصل أبلمة وهو تحريف والصواب أنملة كما في فتح الباري 1 / 145 ) ولا يسقط لمؤمن دعوة فحدثوني ما هي ؟ خطاب إلى الحاضرين من الصحابة واستفيد منه جواز اختبار العالم حضار مجلسه . قال فوقع الناس في شجر البوادي أي ذهبت أفكارهم إلى أشجار البادية دون النخلة . فوقع في نفسي أنها النخلة أي ظننت أن هذه التي شبه بها المسلم هي النخلة . فاستحييت من أن أتكلم بحضرة رسول الله صلى الله عليه و سلم وعنده أبو بكر وعمر وغيرهما من أكابر الصحابة توقيرا لهم وهيبة . فقالوا : حدثنا بصيغة الأمر كذا في " فتح الباري " وغيره
( 2 ) أي أخبرته بأنه وقع في قلبي ولم أذكره حياء
( 3 ) أي أن قولك إنها النخلة في الحضرة النبوية عند اختباره كان أحب لي من كذا وكذا من الدنيا لأنه منقبة عظيمة

964 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار قال : قال ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : غفار ( 1 ) غفر الله لها وأسلم : سالمها الله وعصية : عصت الله ورسوله
_________
( 1 ) قوله : غفار قال القاري : منونا وغير منون : رهط منهم أبو ذر الغفاري . غفر الله لها أي أقول ذلك في حقهم وكان بنو غفار يسرقون الحجاج فدعا لهم النبي صلى الله عليه و سلم بعد ما أسلموا ليذهب عنهم ذلك العار . وأسلم بالفتح قبيلة أخرى . سالمها الله أي صنع الله ما يوفقهم ولا يؤذيهم . وإنما دعا لهما لأنهما دخلا في الإسلام بغير حرب . وعصية يالتصغير جماعة قتلوا قراء بئر معونة عصت الله ورسوله

965 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كنا حين نبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم على السمع ( 1 ) والطاعة ( 2 ) يقول لنا : فيما استطعتم ( 3 )
_________
( 1 ) أي سمع الأوامر والنواهي
( 2 ) أي طاعة الله ورسوله وأولي الأمر
( 3 ) بكمال شفقته ( قال صاحب المحلى : أي يلقن أحدهم أن يقول : " فيما استطعت " لئلا يدخل في بيعته ما لا يطيقه قاله النووي كذا في الأوجز 15 / 257 )

966 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحاب ( 1 ) الحجر : لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين ( 2 ) إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ( 3 ) مثل ما أصابهم
_________
( 1 ) قوله : لأصحاب الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم أي في حقهم وهم ثمود قوم صالح المذكورون في قوله تعالى : ( و لقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ) ( سورة الحجر : الآية 80 ) وحجر مدينتهم بين المدينة النبوية وبين الشام وكان مروره صلى الله عليه و سلم عليها في سنة غزوة تبوك ولما مر به قال : لا تدخلوا مسكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم وتقنع بردائه وأسرع السير حتى جاز الوادي ذكره البغوي في " تفسيره "
( 2 ) بصيغة المفعول
( 3 ) أي كراهة أن يصيبكم مثله أو لئلا يصيبكم مثله

967 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي محيريز ( 1 ) قال : أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولون : من ( 2 ) أشراط ( 3 ) الساعة المعلومة المعروفة ( 4 ) أن ترى ( 5 ) الرجل يدخل البيت لا يشك من رآه أن يدخله لسوء ( 6 ) غير أن الجدر ( 7 ) تواريه
_________
( 1 ) قوله : عن أبي محيريز بضم الميم وفتح الحاء وسكون الياء وكسر الراء ثم سكون الياء ثم زاء معجمة . وفي نسخة ابن محيريز وهو أبو محيريز عبد الله بن محيريز بن جنادة المكي من رهط أبي محذورة كان يتيما في حجره روى عن أبي محذورة وأبي سعيد الخدري ومعاوية وعبادة بن الصامت وأم الدرداء وغيرهم تابعي ثقة من خيار المسلمين كذا في " التهذيب التهذيب "
( 2 ) تبعيضية والغرض منه بيان فساد الزمان وشيوع العصيان
( 3 ) جمع شرط بالفتح بمعنى العلامة
( 4 ) صفة للساعة أو للأشراط
( 5 ) بصيغة الخطاب
( 6 ) أي لمعصية من زنا أو سرقة
( 7 ) بضمتين جمع جدار يعني أن الجدر تستره

968 - أخبرنا مالك أخبرني عمي أبو سهيل ( 1 ) قال : سمعت أبي ( 2 ) يقول : ما اعرف ( 3 ) شيئا مما كان الناس عليه إلا النداء بالصلاة
_________
( 1 ) اسمه نافع
( 2 ) هو مالك بن أبي عامر الأصبحي جد الإمام مالك
( 3 ) قوله : ما أعرف شيئا مما أدركت الناس أي الصحابة . عليه إلا النداء بالصلاة أي الأذان فإنه باق على ما كان عليه لم يدخل فيه تغير ولا تبديل بخلاف غيره حتى الصلاة فقد أخرت عن أوقاتها كذا قال الباجي ومما يوافقه قول أبي الدرداء حيث دخل على أم الدرداء مغضبا فقالت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه و سلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا . وهذا بالنسبة إلى زمان الصحابة والتابعين فكيف لو رأيا زماننا هذا الذي شاعت فيه البدعات وراجت المنكرات أو اتخذت البدعة سنة والسنة بدعة وصار المنكر معروفا والمعروف منكرا فإنا لله وإنا إليه راجعون

969 - أخبرنا مالك أخبرني ( 1 ) مخبر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إني ( 2 ) أنسى لأسن
_________
( 1 ) قوله : أخبرني مخبر قال ابن عبد البر : لا أعلم هذا الحديث روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه وهو أحد الأحاديث الأربعة التي لا توجد في غير " الموطأ " مسندة ولا مرسلة ومعناه صحيح في الأصول . انتهى . قال الزرقاني : وما وقع في " فتح الباري " أنه لا أصل له فمعناه يحتج به لأن البلاغ من أقسام الضعيف وليس معناه أنه موضوع إذ ليس البلاغ بموضوع عند أهل الفن لا سيما من مالك
( 2 ) قوله : إني أنسى قال القاري : بتشديد السين بمعنى على المفعول أي يرد علي النسيان . لأسن بفتح فضم فتشديد أي لأبين طريقا يسلك في الدين فهو سبب لإيراد النسيان وعروضه . انتهى . ووقع في " موطأ يحيى " : إني لأنسى أو أنسى لأسن الأول بصيغة المعروف والثاني بصيغة المجهول وأو للشك عند بعضهم وقال عيسى بن دينار وابن نافع : ليست للشك بل معنى ذلك أنسى أنا أو ينسني الله ووجهه أن يراد : إني لأنسى في اليقظة وأنسى في النوم فأضاف النسيان في اليقظة إليه لأنها حالة التحرز والنسيان في النوم إلى الله لما كانت حالا لا يقبل التحرز ويحتمل أن يراد : إني أنسى حسب ما جرت به العادة من النسيان مع السهو والذهول أو أنسى مع تذكر الأمر فأضاف الثاني إلى الله كذا ذكره الباجي . وذكر القاضي عياض في " الشفا " أنه روي : إني لا أنسى ولكني أنسى لأسن وروي : لست أنسى ولكني أنسى لأسن

970 - أخبرنا مالك بن أنس أخبرنا ابن شهاب الزهري عن عبادة ( 1 ) بن تميم عن عمه عتبة : أنه رأى ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم مستلقيا ( 3 ) في المسجد ( 4 ) واضعا إحدى يديه ( 5 ) على الأخرى
_________
( 1 ) قوله : عن عبادة بن تميم عن عمه عتبة هكذا وجدنا في نسخ عديدة . والذي في " موطأ يحيى " : مالك عن عباد عن تميم المازني عن عمه وهكذا أخرجه البخاري في أبواب المساجد وأبواب اللباس وأبواب الاستئذان ومسلم في أبواب اللباس وأبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان وقال : حسن صحيح والنسائي في الصلاة : كلهم من طريق مالك . ونص الترمذي على أن عم عباد بن تميم المازني هو عبد الله بن زيد المازني وكذا نص عليه شراح صحيح البخاري : ابن حجر في " فتح الباري " والعيني في " عمدت القاري " والكرماني في " الكواكب الدراري " والقسطلاني في " إرشاد الساري " . وذكروا أيضا أن عباد بفتح العين وتشديد الباء وأن عبد الله بن زيد عمه أخو أبيه لأمه وقد مر منا ذكرهما في ما سبق
( 2 ) فيه جواز الاستلقاء والاتكاء وأنواع الاستراحة في المسجد
( 3 ) حال
( 4 ) أي المسجد النبوي
( 5 ) قوله : واضعا إحدى يديه على الأخرى قال الخطابي : فيه بيان جواز هذا الفعل والنهي الوارد فيه وهو ما روي عن جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يضع الرجل إحدى يديه على الأخرى وهو مستلق أخرجه مسلم وغيره منسوخ وبه جزم ابن بطال وقال الحافظ ابن حجر : الظاهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز وكان ذلك في وقت الاستراحة لا في مجتمع الناس لما عرف من عادته صلى الله عليه و سلم من الجلوس بينهم بالوقار التام . وجمع البيهقي والبغوي بأن النهي حيث يخشى بدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك . وهو أولى من دعوى أن النهي منسوخ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال

971 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب : أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما كانا يفعلان ذلك ( 1 )
قال محمد : لا نرى بهذا بأسا . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : كانا يفعلان ذلك وكذا نقل فعل ذلك أي الاستلقاء واضعا إحدى رجليه على الأخرى عن ابن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وعثمان وانس أخرجه ابن أبي شيبة وبه قال الحسن البصري والشعبي وابن المسيب ومحمد بن الحنفية وغيرهم . وروي عن محمد بن سيرين ومجاهد وطاووس والنخعي وابن عباس وكعب بن عجرة الكراهة كذا في " عمدة القاري "

972 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : قيل لعائشة رضي الله عنها : لو دفنت ( 1 ) معهم قال : قالت : إني إذا لأنا ( 2 ) المبتدئة بعملي
_________
( 1 ) أي لو وصيت بأن تدفني مع النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر في الحجرة لكان أحسن
( 2 ) أي إني حينئذ لمستأنفة بعملي في المستقبل ويحبط عملي الماضي يعني لو فعلت ذلك لحبط عملي كأنها قالته تواضعا وأدبا

973 - أخبرنا مالك قال : قال سلمة لعمر بن عبد الله : ما شأن عثمان بن عفان لم يدفن معهم ( 1 ) ؟ فسكت ثم أعاد عليه قال : إن الناس كانوا يومئذ متشاغلين ( 2 )
_________
( 1 ) أي مع نبيه وضجيعيه
( 2 ) أي في أمر الفتنة فلم يتيسر لهم ذلك ودفنوه بقرب البقيع

974 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ( 1 ) : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من وقي ( 2 ) شر اثنين ولج ( 3 ) الجنة - وأعاد ( 4 ) ذلك ثلاث مرات - من وقي شر اثنين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه
_________
( 1 ) قوله : عن عطاء بن يسار مرسلا بلا خلاف أعلمه عن مالك قاله ابن عبد البر . قال الزرقاني : ورواه البخاري والترمذي موصولا من حديث سهل بن سعد والعسكري وابن عبد البر وغيرهما عن جابر والترمذي والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة والبيهقي والديلمي عن أنس
( 2 ) مجهول أي حفظ
( 3 ) من الولوج بمعنى الدخول
( 4 ) قوله : وأعاد أي أعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا القول ثلاث مرات وقال له رجل في كل مرة ألا تخبرنا ؟ فسكت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم في المرة الرابعة مفسرا " من وقي شر إثنين ولج الجنة " . ما بين لحييه - بفتح اللام : هما العظمان النابتتان في جانب الفم اللتان عليهما شعر اللحية وما بينهما هو اللسان - وما بين رجليه يعني فرجه ووقع في " موطأ يحيى " تكرارها العبارة ما بين لحييه وما بين رجليه ثلاث مرات قال ابن بطال : دل الحديث على أن أعظم البلايا على المرء في الدنيا لسانه وفرجه فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر

975 - أخبرنا مالك قال : بلغني أن عيسى ( 1 ) بن مريم عليه السلام كان يقول : لا تكثروا ( 2 ) الكلام بغير ذكر الله فتقسو ( 3 ) قلوبكم فإن القلب ( 4 ) القاسي بعيد من ( 5 ) الله تعالى ولكن لا تعلمون ( 6 ) ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ( 7 ) وانظروا فيها كأنكم ( 8 ) عبيد فإنما الناس ( 9 ) مبتلى ( 10 ) ومعافى فارحموا ( 11 ) أهل البلاء ( 12 ) واحمدوا الله تعالى على العافية ( 13 )
_________
( 1 ) خاتم أنبياء بني إسرائيل
( 2 ) أي بل أكثروا ذكر الله
( 3 ) بالنصب أي بسبب الغفلة عن الله
( 4 ) تعليل للنهي
( 5 ) أي من رحمته ولطفه
( 6 ) قوله : ولكن لا تعلمون أي هذا الأمر أن كثرة الكلام بغير الذكر يقسي القلب وأنه بعيد من الله وورد مثل هذا عن نبينا صلى الله عليه و سلم : لا تكثر الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي أخرجه الترمذي
( 7 ) جمع رب أي لا تنظروا إلى المذنبين بنظر الحقارة كما ينظر الرب إلى عبده
( 8 ) ليحصل لكم الخشية والخوف
( 9 ) أي لا يخلو الناس عن أحد هذين
( 10 ) أي بالذنوب ( أو العاهات والمصائب كذا في الأوجز 15 / 280 )
( 11 ) بالدعاء لهم وستر عيبوهم
( 12 ) أي المبتلين بالذنوب
( 13 ) من الذنوب

976 - أخبرنا مالك حدثني سمي ( 1 ) مولى أبي بكر عن أبي صالح ( 2 ) السمان عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : السفر قطعة ( 3 ) من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته ( 4 ) من وجهه ( 5 ) فليعجل ( 6 ) إلى أهله
_________
( 1 ) قوله : حدثني سمي هكذا عند جميع رواة الموطأ إلا أن عند بعضهم : " عن سمي " بدون ذكر التحديث وشذ خالد بن مخلد فقال : مالك عن سهيل أخرجه ابن عدي وذكر الدارقطني أن ابن الماجشون رواه عن مالك عن سهل وأنه وهم فيه والمحفوظ عن مالك عن سمي ورواه عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر أخرجه الدارقطني والطبراني ووهم فيه أيضا على مالك ورواه رواد بن الجراح عن مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة وعن سمي عن السمان إلخ فزاد إسنادا آخر أخرجه الدارقطني وقال : أخطأ فيه رواد وليس ممن يحتج به والمعروف أن مالكا تفرد بهذا الإسناد بهذه الرواية عن سمي حتى قال عبد الملك الماجشون قال مالك : ما لأهل العراق يسألوني عن حديث " السفر قطعة من العذاب ؟ " فقيل : لم يروه عن سمي غيرك فقال : لو عرفت ما حدثت به . وكذا تفرد سمي بروايته عن أبي صالح ولا يحفظ عن غيره وروى أبو مصعب عن عبد العزيز الدراوردي عن سهيل عن أبيه مثله . وهذا يدل على أن له في حديث سهيل أصلا وأما أبو صالح فلم يتفرد به بل رواه عن أبي هريرة سعيد المقبري عند أحمد وجمهان عند ابن عدي ولم ينفرد به أبو هريرة أيضا فرواه الدارقطني والحاكم بإسناد جيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وجابر عند ابن عدي بأسانيد ضعيفة . هذا ملخص ما بسطه ابن عبد البر وابن حجر
( 2 ) اسمه ذكوان
( 3 ) قوله : قطعة بالفتح أي جزء من العذاب وبين وجهه بقوله : يمنع أحدكم أي في السفر نومه وطعامه وشرابه بنصب أواخرها بنزع الخافض أو على أنه مفعول ثان والأول أحدكم أي يمنع السفر أحدكم معتاده في النوم وغيره . وسئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه : لم كان السفر قطعة من العذاب ؟ فأجاب على الفور لأن فيه فراق الأحباب قال ابن بطال : ولا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر مرفوعا : " سافروا تصحوا " لأنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب . انتهى . وفي " شرح الزرقاني " ورد علي سؤال من الشام هل ورد السفر قطعة من سقر كما هو دارج على الألسنة فأجبت لم أقف على هذا اللفظ ولم يذكره الحافظان السخاوي والسيوطي في الأحاديث المشهورة على الألسنة فلعل هذا اللفظ حدث بعدهما ولا تجوز روايته بمعنى الحديث الوارد إذ من شرط الرواية بالمعنى أن يقطع بأنه أدي بمعنى اللفظ الوارد وقطعة من سقر لا يؤدي معنى قطعة من العذاب بمعنى التألم من المشقة لأن لفظ سقر يقتضي المشقة جدا . انتهى . وفي " شرح القاري " : ما اشتهر على الألسنة أن السفر قطعة من السقر فليس بمحفوظ وإنما يحكى عن علي ( الحديث أخرجه البخاري في باب العمرة تحت باب السفر قطعة من النار )
( 4 ) بفتح النون أي حاجته
( 5 ) أي مقصده وعند ابن عدي : فإذا قضى أحدكم وطره من سفره
( 6 ) من التعجيل : أي فليرجع إلى أهله عاجلا لينجو من العذاب والمشقة

977 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو علمت أن أحدا ( 1 ) أقوى على هذا الأمر مني لكان أن أقدم ( 2 ) فيضرب عنقي أهون علي ( 3 ) فمن ولي هذا الأمر بعدي ( 4 ) فليعلم أن سيرده عنه ( 5 ) القريب والبعيد وأيم الله إن كنت لأقاتل الناس عن نفسي
_________
( 1 ) أي أحد من الصحابة أقوى على إقامة الخلافة وانتظامها
( 2 ) أي بين يدي الناس
( 3 ) أي أسهل علي من تحمل هذا الأمر الخطير
( 4 ) أي من صار وليا للخلافة بعد موتي
( 5 ) قوله : فليعلم أن سيرده عنه أي عن نفسه باللطف والعنف . القريب والبعيد أي أهل بلده وغيرهم أو الأقارب والأجانب . وأيم الله قسم . إن كنت أي قد كنت لأقاتل الناس خاصة وعامة عن نفسي حتى لا يكون لأحد علي اعتراض في ديني ودنياي وعرضي كذا ذكره القاري

978 - أخبرنا مالك أخبرني مخبر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : كان الناس ( 1 ) ورقا ( 2 ) لا شوك فيه وهم اليوم شوك ( 3 ) لا ورق فيه إن تركتهم ( 4 ) لم يتركوك وإن نقدتهم نقدوك
_________
( 1 ) أي السابقون الأولون
( 2 ) يفتحتين : أي كورق من أوراق الأشجار الخالية عن الشوك أي لم يكن ضرر في مصاحبتهم
( 3 ) أي يضر مجالستهم ويصل النقصان منهم
( 4 ) قوله : إن تركتهم أي إن تركتهم على حالهم ولم تتعرض منهم لا يتركونك بل يبحثون عن حالك وإن نقدتهم بأن تكلمت في حقهم ما هو حق وتعرضت بأحوالهم وميزت بين حقهم وباطلهم نقدوك وتكلموا في حقك عوضا ولو بالباطل . وأشار بذلك إلى فساد الزمان وأهله وهذا بالنسبة إلى عصره فما باله من عصرنا هذا ؟

979 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : كان إبراهيم ( 1 ) عليه السلام أول الناس ضيف الضيف وأول الناس ( 2 ) اختتن وأول الناس قص شاربه وأول الناس رأى الشيب فقال : يا رب ما هذا ؟ فقال الله تعالى : وقار يا إبراهيم قال : رب زدني وقارا
_________
( 1 ) قوله : كان إبراهيم الخليل على نبينا وعليه السلام . أول الناس ضيف الضيف وكان له فيه اهتمام بليغ حتى كان لا يأكل بغير ضيف . وأول الناس اختتن من الاختتان وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم بالفتح كما أخرجه الشيخان وهو بالفتح - اسم آلة النجار - يعني الفاس وقيل هو اسم موضع وقع اختتانه فيه وفي رواية لابن حبان وغيره : أنه اختتن وهو ابن مائة وعشرين وعاش بهده ثمانين . وأول الناس قص شاربه أي قطعه . وأول الناس رأى الشيب أي بياض الشعر فقال : يا رب ما هذا ؟ سأله تعجبا لما لم يكن له سابقة به . فقال الله : وقار أي باعث وقار وعزة بين الناس فقال : رب زدني وقارا . وكذا ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تنتفوا الشيب فإنه نور الإسلام " . ومن أوليات إبراهيم أنه أول من قص أظفاره واستحد ذكره ابن أبي شيبة عن أبي سعيد وأول من تسرول وأول من فرق كما عند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأول من خضب بالحناء والكتم أخرجه الديلمي عن أنس مرفوعا وأول من خطب على المنبر أخرجه ابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه وأول من قاتل في سبيل الله أخرجه ابن عساكر عن جابر وأول من رتب العسكر ميمنة وميسرة أخرجه ابن عساكر عن حسان بن عطية وأول من عمل القسي أخرجه ابن أبي الدنيا عن ابن عباس وأول من عانق أخرجه ابن أبي الدنيا عن تميم الداري وأول من ثرد الثريد أخرجه ابن سعد عن الكلبي وأول من اتخذ الخبز المبلقس أخرجه الديلمي عن نبيط بن شريط وأول من راغم أخرجه أحمد عن مطرف كذا ذكره السيوطي
( 2 ) في نسخة : من

980 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدثه عن أنس أنه قال : قال ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : كأني أنظر ( 2 ) إلى موسى عليه السلام يهبط ( 3 ) من ثنية ( 4 ) هرشي ماشيا عليه ثوب أسود
_________
( 1 ) في بعض أسفاره حين رأى موسى يذهب إلى مكة ملبيا
( 2 ) فيه إثبات حياة الأنبياء وأنهم يحجون ويصلون
( 3 ) أي ينزل
( 4 ) بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء . وهرشي يفتح الهاء وسكون الراء بعدها شين مفتوحة مقصورة موضع بين مكة والمدينة كما في " النهاية "

981 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع أنس بن مالك يقول : دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الأنصار ليقطع ( 1 ) لهم بالبحرين ( 2 ) فقالوا : لا والله إلا أن تقطع ( 3 ) لإخواننا من قريش مثلها مرتين أو ثلاثا فقال : إنكم سترون بعدي ( 4 ) أثرة فاصبروا حتى تلقوني
_________
( 1 ) أي من إقطاع الأراضي بالبحرين
( 2 ) بلد قريب البصرة
( 3 ) قوله : إلا أن تقطع أي لا نرضى بأن تقطع لنا إلا أن تقطع لنا مرتين أو ثلاث مرات لإخواننا من قريش المهاجرين فإن لهم علينا فضلا . وهذا من كمال زهد الأنصار ومواساتهم للمهاجرين
( 4 ) قوله : إنكم سترون بعدي أي بعد موتي أثرة ( قال الحافظ : أشار بذلك إلى أن الأمر يصير في غيرهم فيختصون دونهم بالأموال وكان الأمر كما وصف صلى الله عليه و سلم وهو معدود فيما أخبر به من الأمور الآتية فوقع كما قال . فتح الباري 7 / 118 ) بفتحتين أي يستأثر عليكم غيركم في ما تستحقونه من المناصب العلية كالإمارة والقضاء فاصبروا حتى تلقوني أي يوم القيامة . ورواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي بلفظ إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض كذا في " شرح القاري "

982 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي قال : سمعت علقمة ( 1 ) بن أبي وقاص ( 2 ) يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( 3 ) : إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ( 4 ) ما نوى فمن كانت هجرته ( 5 ) إلى الله ورسوله فهجرته ( 6 ) إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ( 7 ) يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر ( 8 ) إليه
_________
( 1 ) هكذا في نسخ عديدة وفي نسخة علقمة بن وقاص وهو الصحيح الموافق لروايات كثيرين قال في " التقريب " علقمة بن وقاص بتشديد القاف الليثي المدني ثقة ثبت . أخطأ من زعم أن له صحبة وقيل : إنه ولد في العهد النبوي مات في خلافة عبد الملك
( 2 ) في نسخة : ابن وقاص
( 3 ) قوله : يقول هذا الحديث أحد أركان الإسلام قد أخرجه جمع من العظام فرواه البخاري في " صحيحه " في مواضع ( انظر رقم : 1 ، 54 ، 2529 ، 3898 ، 5070 ، 6689 ، 6953 ) : في باب الوحي بلفظ : " إنما الأعمال بالنيات " وفي كتاب النكاح بلفظ : " العمل بالنية " وفي كتاب العتق بلفظ : " الأعمال بالنية " وكذا في الهجرة وفي كتاب الأيمان بلفظ إنما الأعمال بالنية وكذا في كتاب الحيل . وعند مسلم في الجهاد " إنما الأعمال بالنية " وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وعند ابن حبان والحاكم " الأعمال بالنيات " . وهذه الطرق كلها تدور على يحيى بن سعيد عن التيمي عن علقمة عن عمر . وذكر ابن دحية أنه أخرجه مالك في " الموطأ " ونسبه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " وفي " التلخيص الحبير " إلى الوهم وقال : صدر هذا الوهم من الاغترار بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك ورده السيوطي في " تنوير الحوالك " بقوله في " موطأ محمد بن الحسن " عن مالك أحاديث يسيرة زائدة على ما في سائر الموطآت منها حديث إنما الأعمال بالنية وبذلك يتبين صحة قول من عزى روايته إلى " الموطأ " ووهم من خطأه في ذلك . انتهى . وهذا الحديث لم يصح إلا من هذا الطريق الفرد فلم يصح عن رسول الله إلا عن عمر ولا عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية التيمي ولا عن روايته إلا من رواية يحيى وانتشر عنه وصار مشهورا فرواه أكثر من مائتي إنسان وقد وردت لهم متابعات لا يخلو أسانيدهم عن شيء كما حققه الحافظ في " شرح النخبة " وغيره
( 4 ) قوله : وإنما لامرئ ما نوى ذكر القرطبي وغيره أنه تأكيد للجملة الأولى والأولى ما ذكره النووي أنها تفيد اشتراط تعيين المنوي كمن عليه فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها . والجملة الأولى تفيد اشتراط مطلق النية ومعناه إنما ثواب الأعمال بالنية وهذا متفق عليه أو صحة الأعمال بالنية وفيه خلاف مشهور بين الحنفية والشافعية في العبادات الغير ( هكذا جاء في الأصل : ( الغير المقصودة ) وهو استعمال خاطئ وغلط شائع لما جمع فيه من إدخال " ال " عل " غير " مع الإضافة إلى ما فيه " ال " وصوابه أن يقال ( العبادات غير المقصودة ) المقصودة
( 5 ) أي كان قصده من هجرته وتركه دار الحرب طاعة الله ورسوله ورضاه
( 6 ) أي فهي موجبة للثواب ولرضاء الله ورسوله
( 7 ) قوله : أو امرأة ذكرها على حدة مع دخولها تحت دنيا للزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد وقيل : خصها ( في الأصل : " خصه " وهو خطأ ) بالذكر لما أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة ليتزوج امرأة تسمى أم قيس وكان يقال له مهاجر أم قيس فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة قال الحافظ في " فتح الباري " : قصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور والطبراني لكن ليس فيه أن هذا الحديث سيق لأجله
( 8 ) أي من أمور الدنيا لا خلاق له في العقبى

57 - باب الفأرة ( 1 ) تقع في السمن
983 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله ( 1 ) بن عتبة عن عبد الله بن عباس ( 2 ) : أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل ( 3 ) عن فأرة وقعت في سمن فماتت ؟ قال : خذوها ( 4 ) وما حولها من السمن فاطرحوه ( 5 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . إذا كان السمن ( 6 ) جامدا ( 7 ) أخذت الفأرة وما حولها من السمن فرمي به وأكل ( 8 ) ما سوى ذلك وإن كان ذائبا ( 9 ) لا يؤكل منه ( 10 ) شيء واستصبح ( 11 ) به . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) الفأرة : موش ( بالفارسية )
( 1 ) عبيد الله : نسبة إلى جده فإنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة - بالضم - بن مسعود
( 2 ) قوله : عن عبد الله بن عباس ظاهره أن الحديث من مسند ابن عباس وكذا رواه القعنبي وغيره ورواه أشهب وغيره عنه بترك ابن عباس وذكر ميمونة بعد عبيد الله وأبو مصعب ويحيى بن بكير عنه بإسقاطها والصواب ما في " موطأ يحيى " : مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن ميمونة واختلف فيه أصحاب ابن شهاب أيضا فرواه ابن عيينة ومعمر عنه على الصواب والأوزاعي بإسقاط ميمونة وعقيل مرسلا بإسقاطهما كذا ذكره ابن عبد البر
( 3 ) قوله : سئل السائل هو ميمونة كما رواه الدارقطني من طريق يحيى القطان وجويرية كلاهما عن مالك به أن ميمونة استفتت عن الفأرة تقع في السمن أي الجامد كما في رواية ابن مهدي عن مالك وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب وزاد البخاري عن ابن عيينة عن ابن شهاب فماتت وعند أبي داود وغيره من حديث أبي هريرة سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الفأرة تقع في السمن قال : إذا كان جامدا فألقوها وما حولها ( قال الباجي : هذا يقتضي أنه سئل عن سمن جامد ولو كان ذائبا لم يتميز ما حولها من غيره ولكنه لما كان جامدا نجس ما جاورها بنجاستها وبقي الباقي على ما كان عليه من الطهارة . المنتقى 7 / 292 ) وإن كان مائعا فلا تقربوها وبه أخذ الجمهور في الجامد والمائع إن المائع ينجس كله دون الجامد وخالف في المائع جمع منهم الزهري والأوزاعي كذا في " شرح الزرقاني "
( 4 ) أي الفأرة
( 5 ) أي ألقوه وكلوا الباقي ( في البذل : فيه دليل على المسألة الفقهية وهي أن النجاسة إذا لم يعلم وقت وقوعها يحكم بوقوعها بالنسبة إلى الوقت الحادث إلى أقرب الأوقات كأنها وقعت في هذا الوقت فإن الفأرة لم يعلم بأنها متى وقعت في السمن وهل كان السمن وقت وقوعها سائلا أو جامدا أو كان بين بين فاعتبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقوعها في الحال . انظر أوجز المسالك 15 / 185 )
( 6 ) وكذا نحوه من الأشربة
( 7 ) في بعض النسخ جامسا وهو بمعناه
( 8 ) لعدم وصول النجاسة إليه بسبب جموده
( 9 ) أي مائعا سائلا
( 10 ) لتنجسه كله
( 11 ) قوله : استصبح مجهول من الاستصباح أي استعمل في السراج وغيره وقيده الفقهاء في كتبهم بغير المسجد فلا يجوز فيه الاستصباح بالسمن والدهن النجس

58 - باب دباغ ( 1 ) الميتة
984 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن أبي وعلة ( 1 ) المصري عن عبد الله بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا دبغ الإهاب ( 2 ) فقد طهر ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : دباغ الميتة أي جلد التي ماتت من غير ذبح شرعي وهو بكسر الدال عبارة عن إزلة الرائحة الكريهة والرطوبات النجسة باستعمال الأدوية أو بغيرها . وقد أخرج صاحب الكتاب في كتاب " الآثار " عن أبي حنيفة عن جماد عن إبراهيم قال : كل شيء يمنع الجلد من الفساد فهو باغ
( 1 ) عبد الرحمن بن وعلة بالفتح
( 2 ) هو بالكسر الجلد الغير المدبوغ وجمعه أهب بضمتين وفتحتين كذا في " المصباح " و " المغرب "
( 3 ) بضم الهاء

985 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) يزيد بن عبد الله بن قسيط ( 2 ) عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه ( 3 ) عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أن يستمتع ( 4 ) بجلود الميتة إذا دبغت
_________
( 1 ) في كثير من النسخ زيد وليس بصواب
( 2 ) على صيغة التصغير
( 3 ) قال الزرقاني : هي تابعية مقبولة لا يعرف اسمها
( 4 ) قوله : أمر أن يستمتع أي ينتفع على أي وجه كان وفي رواية للنسائي وابن حبان عن عائشة مرفوعا : دباغ جلود الميتة طهورها وفي رواية للنسائي : ذكاة الميتة دباغها وعند الدارقطني والبيهقي عنها : طهور كل أديم دباغه . وفي الباب عن زيد مرفوعا : دباغ جلود الميتة طهورها وسلمة بن المحبق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى في غزوة تبوك على بيت فإذا قربة معلقة فسال الماء فقالوا : يا رسول الله إنها ميتة فقال : دباغها ذكاتها وبهذه الأحاديث ونظائرها ذهب الجمهور إلى الطهارة بالدباغة مطلقا إلا أنهم استثنوا من ذلك جلد الإنسان لكرامته وجلد الخنزير لنجاسة عينه واستثنى أيضا جلد الكلب من ذهب إلى كونه نجس العين وهو قول جمع من الحنيفة وغيرهم ولم يدل عليه دليل قوي بعد ومنهم من ذهب إلى طهارة جلد مأكول للحم بالدبغ دون غيره أخذا من قصة شاة ميمونة قال النووي : هو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق بن راهويه . انتهى . والأحاديث المطلقة العامة حجة عليهم ومنهم من قال : لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ قال النووي : روي هذا عن عمر وابنه عبد الله وعائشة وهو أشهر الروايتين عن أحمد وإحدى الروايتين عن مالك . انتهى . والأحاديث الواردة في الطهارة بالدباغة حجة عليهم وقال أحمد في القديم : لا يطهر جلد الميتة بالدباغ ثم رجع عنه لما رأى قوة الأخبار الواردة فيه ( بسط شيخنا مذاهب العلماء في دباغ الجلود الميتة وطهارتها بالدباغ في الأوجز فارجع إليه 9 / 187 )

986 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله قال ( 1 ) : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بساة كان أعطاها مولى لميمونة ( 2 ) زوج النبي صلى الله عليه و سلم ميتة ( 3 ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هلا ( 4 ) انتفعتم بجلدها قالوا : يا رسول الله إنها ميتة قال : إنما حرم أكلها ( 5 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . إذا دبغ إهاب الميتة فقد طهر وهو ( 6 ) ذكاته ولا بأس بالانتفاع ( 7 ) به ولا بأس ببيعه . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله
_________
( 1 ) قوله : قال : مر هكذا رواه جمع من رواة الموطأ عن عبيد الله مرسلا كابن بكير والقعبني والصحيح وصله عن ابن عباس كما رواه يحيى وابن وهب وابن القاسم وجماعة معمر ويونس والزبيدي وعقيل من أصحاب ابن شهاب كذا قال ابن عبد البر
( 2 ) قوله : كان أعطاها مولى لميمونة في رواية يحيى : أعطاها مولاة لميمونة . وظاهرهما أن تلك الشاة قد أعطاها مولى أو مولاة لأحد . والذي في عامة الكتب : صحيح مسلم وسنن النسائي وسنن أبي داود وغيره : أنها تصدق بها على مولاة لميمونة
( 3 ) صفة لشاة
( 4 ) حرف تحضيض وفي رواية : أفلا
( 5 ) قوله : إنما حرم أكلها مجهول من التحريم أو معروف ثلاثي بضم الراء أي لم يحرم إلا أكل الميتة لا الانتفاع بأجزائها وجلدها واستدل بظاهره الزهري كما حكاه أبو داود وأحمد عنه أن جلود الميتة طاهرة ينتفع بها بغير الدباغة ورده الجمهور بأنه ورد التقييد بالدباغ في رويات أخرى صحيحة فوجب القول به كذا في " فتح الباري "
( 6 ) أي ذبحه كذكاته بالفتح أي ذبحه
( 7 ) وأما قبل الدبغ فلا يجوز البيع ولا الانتفاع

59 - باب كسب الحجام

987 - أخبرنا مالك حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : حجم ( 1 ) أبو طيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه صاعا من تمر وأمر أهله ( 2 ) أن يخففوا ( 3 ) عنه من خراجه ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس أن يعطى الحجام أجرا على حجامته . وهو قول أبي حنيفة ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : حجم أبو طيبة اسمه نافع وقيل : ميسرة وقيل : دينار ذكره السيوطي . وفي " جامع الأصول " : أبو طيبة نافع الحجام مولى محيصة بن مسعود الأنصاري صحابي معروف وطيبة بفتح الطاء وسكون الياء وبالباء الموحدة
( 2 ) أي مواليه
( 3 ) من التخفيف
( 4 ) قوله : من خراجه بالفتح هو ما يجعل العبد على نفسه لسيده في كل يوم
( 5 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الجمهور ( كذا في الأوجز 15 / 201 أخذا من أحاديث حجامة النبي صلى الله عليه و سلم وإعطائه أجره وقال ابن عباس : احتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأخدعين وبين الكتفين وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه . أخرجه الترمذي في الشمائل وروي : كسب الحجام خبيث أخرجه الترمذي وغيره وعند أحمد وأصحاب السنن عن محيصة : أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن كسب الحجام فنهاه فذكر له الحاجة فقال : أعلفه نواضحك . وحمله الجمهور على النهي للتنزيه ومنهم من قال محل الجواز ما إذا كانت الأجرة معلومة والمنع ما إذا كانت مجهولة وجنح الطحاوي إلى نسخ حديث المنع بحديث الجواز كذا في " جمع الوسائل شرح الشمائل " لعلي القاري )

988 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر قال : المملوك وماله لسيده ( 1 ) ولا يصلح ( 2 ) للمملوك أن ينفق من ماله شيئا بغير إذن سيده إلا أن يأكل ( 3 ) أو يكتسي ( 4 ) أو ينفق ( 5 ) بالمعروف ( 6 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة إلا أنه يرخص له في الطعام الذي يوكل أن يطعم ( 7 ) منه وفي عارية الدابة ونحوها ( 8 ) . فأما هبة درهم ودينار أو كسوة ثوب فلا . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) لكونه مالكا لرقبته ويده
( 2 ) أي لا يجوز
( 3 ) أي المملوك
( 4 ) في نسخة : أو يلبس . والمعنى واحد
( 5 ) من الإنفاق أي في بعض ضرورياته أو المراد به التصدق بما يعلم رضى مولاه
( 6 ) قيد للأخير أو للكل
( 7 ) أي يطعم منه غيره فقيرا أو جليسا
( 8 ) من المنافع

989 - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : كنت لعمر بن الخطاب تسع صحاف ( 1 ) يبعث ( 2 ) بها ( 3 ) إلى أزواج النبي صلى الله عليه و سلم إذا كانت الظرفة ( 4 ) أو الفاكهة أو القسم وكان يبعث بآخرهن ( 5 ) صفحة إلى حفصة ( 6 ) فإن كان ( 7 ) قلة أو نقصان كان بها
_________
( 1 ) قوله : تسع صحاف بكسر الصاد جمع صحفة بالفتح وهي القصعة الواسعة
( 2 ) أي في عهد خلافته
( 3 ) أي بواحدة منها إلى واحدة منهن
( 4 ) قوله : إذا كانت الظرفة بالضم أي إذا وجدت بالتحفة من المأكول والمشروب . أو الفاكهة أو القسم بالفتح أي القسمة من اللحم وغيره قاله القاري
( 5 ) أي بعد أن يرسل إلى سائر الأزواج
( 6 ) لكونها بنته فلا تضر القلة ولا تحزنها
( 7 ) قوله : فإن كان أي فإن وجدت قلة في كمية ذلك الشيء المبعوث أو نقصان في كيفيته كان ذلك بحصة حفصة لكونها آخر الحصص والنقصان إنما يظهر في الآخر

990 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ( 1 ) : وقعت ( 2 ) الفتنة - يعني فتنة ( 3 ) عثمان - فلم يبق من أهل بدر ( 4 ) أحد ثم وقعت فتنة ( 5 ) الحرة فلم يبق من أصحاب ( 6 ) الحديبية أحد فإن وقعت الثالثة لم يبق بالناس طباخ ( 7 )
_________
( 1 ) قوله : يقول مقصوده الإشارة إلى ارتفاع البركة بوقوع الفتنة وأن الفتن معدن المحن وأنه لا يأتي زمان إلا وبعده شر منه
( 2 ) أي في سنة 35 هـ
( 3 ) أي فتنة شهادته
( 4 ) أي من الأصحاب الذين كانوا في غزوة بدر
( 5 ) قوله : ثم وقعت فتنة الحرة بفتح الحاء وتشديد الراء المهملة أرض ذات حجارة سود بقرب المدينة الطيبة وكانت الفتنة هناك زمن يزيد سنة 63 ابتلي بها أهل المدينة ابتلاء شديدا
( 6 ) أي الذين حضروا الحديبية مع الرسول وبايعوه تحت الشجرة
( 7 ) قوله : لم يبق بالناس طباخ بالكسر بمعنى العقل يعني إن وقعت فتنة ثالثة لا يبقى في الناس عقل ولا خير ويذهب بركة وجود الصحابة الذين هم زينة الدنيا والدين مطلقا

991 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كلكم راع ( 1 ) وكلكم مسؤول عن رعتته ( 2 ) فالأمير ( 3 ) الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم ( 4 ) والرجل راع على أهله ( 5 ) وهو مسؤول عنهم وامرأة الرجل راعية على مال زوجها وهي مسؤولة عنه ( 6 ) وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ( 7 ) فكلكم راع ( 8 ) وكلكم مسؤول عن رعيته
_________
( 1 ) قوله : كلكم راع من الرعاية بمعنى الحفاظة أي كلكم راع لرعيته وناظم لأمور من يتبعه فيسأل كل عن رعيته عما وقع منه في حقهم من العدل والظلم
( 2 ) بالفتح ثم الكسر ثم التشديد مع الفتح
( 3 ) أي السلطان ومن ينوب منابه
( 4 ) أي عما صدر منه فيهم
( 5 ) أي زوجته وأولاده وخوادمه وغيرهم ممن يعوله
( 6 ) أي عن مال زوجها أنفقت في محله أم في غيره ؟
( 7 ) من جهة أمانته وخيانته
( 8 ) قوله : فكلكم راع قال القاري : هذا تأكيد لما قبله مجملا ومفصلا في صورة النتيجة ولا يبعد أن يقال : إن الرجل وحده مسؤول عن رعيته من أعضائه وهي السمع والبصر واليد والرجل واللسان والأذن ونحو ذلك كما يشير إليه قوله تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) ( سورة الإسراء : الآية 36 ) والحديث رواه الشيخان وأحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عمر

992 - أخبرنا حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الغادر ( 1 ) يقوم يوم القيمة ينصب له لواء فيقال هذه غدرة فلان
_________
( 1 ) قوله : إن الغادر أي من يغدر بعهده ويخلف في وعده من الكفار وغيرهم يقوم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد . ينصب بصيغة المجهول أي يرفع له . لواء بالكسر يكون علامة على غدرته يطلع عليها الناس فيقال من جانب الملائكة هذه غدرة فلان بالضم

993 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الخيل في نواصيها ( 1 ) الخير إلى يوم القيمة
_________
( 1 ) قوله : في نواصيها جمع ناصية مقدم الرأس إشارة إلى فضل الخيل لكونه آلة الجهاد . وكون الخير في ناصيته إلى يوم القيامة إشارة إلى دوام فتح أهل الإسلام وغلبتهم بخيلهم

994 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر : أنه رآه ( 1 ) يبول قائما
قال محمد : لا بأس بذلك والبول جالسا أفضل
_________
( 1 ) قوله : أنه رآه أي رأى عبد الله بن دينار ابن عمر يبول قائما ولعله كان أحيانا اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم فإنه كان من أشد الناس اقتداء به حتى في المباحات والاتفاقيات وقد روى حذيفة أنه صلى الله عليه و سلم أتى سباطة قوم فبال قائما أخرجه أبو داود وغيره . وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم بال قائما من جرح كان بمأبضه وهو بهمزة ساكنة : عرق في باطن الركب . وأخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " عن مجاهد قال : ما بال رسول الله صلى الله عليه و سلم قائما إلا مرة في كثيب أعجبه . وعن الشافعي : كانت العرب تستشفي وجع الصلب بالبول قائما . فلعله كان به إذ ذاك وجع صلب وقيل لم يكن هناك موضع القعود فبال قائما . وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد : أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يبول قائما . وهذا كله لبيان الجواز وإلا فالعادة المستمرة للنبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه هو البول قاعدا حتى قالت عائشة : من حدثكم أن رسول الله بال قائما فلا تصدقوه أخرجه النسائي والترمذي وقال : إنه أحسن شيء في الباب والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين كذا فصله السيوطي في " مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود " و " زهر الربى على المجتبى " وغيرهما

995 - أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ذروني ( 1 ) ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه
_________
( 1 ) قوله : ذروني أي اتركوني ما تركتكم ولا تتعرضوا بالتفتيش والسؤال فإنما هلك من كان قبلكم من الأمم السابقة كبني إسرائيل بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم كما ذكر الله في كتابه في قصة البقرة وسؤال رؤية الله ودخول قرية الجبارين وغير ذلك . فما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما لم أنه عنه فاسكتوا عنه ولا تتعرضوا له بالسؤال والتشديد فيشدد الله عليكم . وفيه إشارة إلى أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل المنع وفي رواية ابن جرير وأبي الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة : خطبنا رسول لله فقال : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال : أما إني لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتم لضللتم اسكتوا عني ما سكت عنكم فإنما هلك من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ( سورة المائدة : الآية 101 ) . وفي الباب عن أبي أمامة الباهلي عند ابن جرير والطبراني وابن مردويه وابن عباس عند ابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما كما بسطه السيوطي في " الدر المنثور "

996 - أخبرنا مالك حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرأيت ابن أبي قحافة ( 1 ) نزع ذنوبا أو ذنوبين ( 2 ) في نزعه ضعف والله يغفر له ( 3 ) ثم قام عمر بن الخطاب فاستحالت ( 4 ) غربا فلم أر عبقريا ( 5 ) من الناس ينزع نزعه ( 6 ) حتى ضرب الناس بعطن ( 7 )
_________
( 1 ) أي أبا بكر وأبو قحافة بالضم كنية والده
( 2 ) بالفتح : الدلو الكبير أي أخرج من البئر
( 3 ) أي يتجاوز عنه ولا يأخذه بضعفه لعدم تقصيره
( 4 ) بالفتح : الدلو الكبير من الذنوب أي فصارت تلك الدلو دلوا عظيما أخرج به ماء كثيرا
( 5 ) بفتح العين وسكون الباء وفتح القاف وكسر الراء وشد الياء : أي شديدا قويا
( 6 ) منصوب بنزع الخافض أي كنزعه ( فيه إشارة إلى إشاعة أمره وإجراء أحكامه . فتح الباري 7 / 39 )
( 7 ) قوله : حتى ضرب الناس بعطن بفتحتين موضع يجلس فيه الدواب حول الحوض والماء للسقي . والمعنى نزع عمر وروي الناس بشربهم حتى جعلوا العطن أبركوا دوابهم للسقي لكثرة الماء . وفي حديث إشارة كالصراحة إلى قلة مدة خلافة أبي بكر وإلى ما وقع في زمن خلافته من اضطراب الأحوال بسبب ارتداد العرب وظهور المتنبئين وإلى قوة عمر في أمر الدين وطول خلافته وشيوع الدين في زمنه وقد وقع كل ذلك كما أرى وكانت رؤيته ذلك مناما كما في رواية الصحيحين وغيرهما بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة الحديث . وبه ظهر ما في كلام القاري حيث فسر قوله رأيت بقوله أي علمت بالكشف أو الإلهام أو رأيت في المنام . انتهى . فإن الترديد مختل النظام لثبوت الرؤية المنامية برواية الأحلام ومن المعلوم أن منام الأنبياء وحي عند علماء الإسلام

60 - باب التفسير ( 1 )
997 - أخبرنا مالك أخبرنا داود بن الحصين عن أبي يربوع ( 1 ) المخزومي أنه سمع زيد بن ثابت يقول : الصلاة الوسطى ( 2 ) صلاة الظهر
_________
( 1 ) التفسير : أي لبعض آيات كتاب الله
( 1 ) قوله : عن أبي يربوع المخزومي في نسخة : ابن يربوع وهو الموافق لما في " موطأ يحيى " وهو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع بفتح الياء المخزومي أبو محمد المدني نسب إلى جده من ثقات التابعين ذكره في " التقريب "
( 2 ) قوله : الصلاة الوسطى أي المذكورة في قوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ( سورة البقرة : الآية 238 ) وقد اختلف فيه الصحابة ومن بعدهم وتخالفت الروايات عنهم فعن ابن عباس عند البيهقي وابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وسعيد بن منصور أنها صلاة الصبح ومثله عن علي عند البيهقي وابن عمر عند ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن المنذر وعبد بن حميد وورد مثله عن عطاء وجابر بن زيد وطاوس وعكرمة . هذا أول الأقوال الثاني : أنها صلاة الظهر وهو قول زيد بن ثابت أخرجه البخاري وأبو داود وابن جرير والطحاوي وأبو يعلى والطبراني والبيهقي وابن أبي حاتم وأحمد وابن منيع والضياء المقدسي وغيرهم وهو مروي عن ابن عمر عند الطبراني وعن أبي سعيد الخدري عند البيهقي وعن علي عند ابن المنذر . والثالث : أنها العصر وهو مذهب علي رجع إليه بعد ما كان يظن أنها الصبح لما سمع قول النبي صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب : ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وغيرهم وهو المروي عن ابن عمر عند ابن جرير والطحاوي وعبد بن حميد وعن أبي أيوب عند البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وعن أبي سعيد الخدري عند الطحاوي وابن المنذر وعن أم سلمة عند ابن أبي شيبة وابن المنذر وعن عائشة عند ابن جرير وابن أبي شيبة وعن حفصة عند عبد بن حميد وغيره . والرابع : أنها صلاة المغرب ورد ذلك عن ابن عباس عند ابن عباس عند ابن أبي حاتم . وهناك أقوال أخر مبسوطة في " فتح الباري " وغيره والآثار المذكورة وغيرها مبسوطة في " الدر المنثور " والذي يظهر بعد التنقيد أن أصح الأقوال هو القول الثالث لكونه موافقا لكثير من الأحاديث الصحيحة المرفوعة وإليه ذهب أكثر الصحابة كما ذكره الترمذي وجمهور التابعين كما ذكره الماوردي وأكثر علماء الأثر كما قاله ابن عبد البر وهو الصحيح عند الحنفية والحنابلة وذهب أكثر الشافعية وبعض المالكية مخالفا لقول إماميهما أنها الصبح

998 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع ( 1 ) أنه قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : إذا بلغت هذه الآية ( 2 ) فآذني ( 3 ) فلما بلغتها آذنتها ( 4 ) فقالت : حافظوا ( 5 ) على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين
_________
( 1 ) هو عمرو بن رافع العدوي مولاهم مقبول ذكره في " التقريب "
( 2 ) أي التي فيها ذكر الصلاة الوسطى
( 3 ) أي أخبرني
( 4 ) أي أعلمتها
( 5 ) قوله : حافظوا أي أكتب هكذا بزيادة " وصلاة العصر " وهذه الكتابة وكتابة عائشة قبل أن تجمع المصاحف المختلفة على مصحف واحد في زمن عثمان فإنه لم يكتب بعد ذلك إلا ما أجمع عليه وثبت بالتواتر أنه قرآن قاله ابن عبد البر

999 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن القعقاع ( 1 ) بن حكيم عن أبي يونس ( 2 ) مولى عائشة قال : أمرتني أن أكتب لها مصحفا قالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فلما بلغتها آذنتها وأملت ( 3 ) علي : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ( 4 ) وقوموا لله قانتين ( 5 ) سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم
_________
( 1 ) بفتح القافين بينهما عين ساكنة : كناني مدني ثقة ذكره في " الكاشف "
( 2 ) قال الزرقاني : من ثقات التابعين لا يعرف اسمه
( 3 ) أي ( فأملت : بتشديد اللام من الإملال وبتخفيفها من الإملاء وكلاهما بمعنى أي ألقت . بذل المجهود 3 / 200 . وفي نسخة القاري : فقالت بدل وأملت وفي البذل : فأملت ) كتبت علي وأمرتني بكتابتها هكذا
( 4 ) قوله : وصلاة العصر استدل به وبحديث حفصة من قال : إن الصلاة الوسطى غير العصر يجعل العطف للمغايرة ومن قال باتحادهما يجعل العطف للبيان وهو الموافق لما روي عن عائشة وحفصة
( 5 ) أي : ساكنين أو خاشعين أو داعين على اختلاف التفاسير . والأول أوفق بشأن نزولها فإنها نزلت نسخا للتكلم في الصلاة كما بسطته في رسالتي " إمام الكلام في ما يتعلق بالقراءة خلف الإمام

1000 - أخبرنا مالك أخبرنا عمارة بن صياد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ( 1 ) في الباقيات الصالحات : قول العبد : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
_________
( 1 ) قوله : يقول في الباقيات الصالحات أي في تفسير قوله تعالى : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) ( سورة الكهف : الآية 46 ) وهذا التفسير منقول موقوفا ومرفوعا كما بسطه السيوطي في " الدر المنثور " فأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال في تفسيره : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : " استكثروا من الباقيات الصالحات قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال التكبير والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله . ونحوه أخرجه سعيد بن منصور وأحمد وابن مردويه من حديث النعمان بن بشير والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في " المعجم الصغير " والحاكم وابن مردويه والبيهقي من حديث أبي هريرة والطبراني وابن مردويه من حديث أبي الدرداء وابن مردويه من حديث أنس وابن أبي شيبة وابن المنذر من حديث عائشة كلهم ذكروه مرفوعا وهو المنقول عن عثمان أخرجه أحمد وابن جرير وابن المنذر وعن ابن عمر أخرجه ابن جرير والبخاري في " تاريخه "

1001 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب وسئل ( 1 ) عن المحصنات من النساء قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : هن ذوات الأزواج . ويرجع ( 2 ) ذلك إلى أن الله حرم الزنا
_________
( 1 ) قوله : وسئل أي والحال أن ابن شهاب سئل عن المحصنات من النساء في قوله تعالى ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) عطفا على أمهاتكم في قوله قبله : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ) ( سورة النساء : الآية 23 ، 24 ) الآية قال ابن شهاب : سمعت سعيد بن المسيب يقول : هن ذوات الأزواج فالمعنى حرمت عليكم المحصنات بالفتح اللاتي لهن أزواج ما لم يطلقوا أو يموتوا ( إلا ما ملكت أيمانكم ) يعني السبايا التي سبين ولهن أزواج في دار الحرب فإنه يحل لملاكهن وطؤهن بعد الاستبراء لأن بالسبي وتخالف الدارين يرتفع النكاح . وهذا التفسير مروي عن ابن عباس عند ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد والحاكم والبيهقي وعن ابن مسعود عند أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد وعن أنس عند ابن المنذر وغيرهم من الصحابة والتابعين . وأخرج الطحاوي وعبد الرزاق وابن شيبة وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث يوم حنين جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فظهروا عليهم وأصابوا سبايا فكان ناسا من أصحابه تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله هذه الآية
( 2 ) أي حاصل هذا التفسير حرمة الزنا

1002 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن أبي بكر بن عمر بن حزم أن أباه أخبره عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت : ما رأيت ( 1 ) مثل ما رغبت هذه الأمة عنه من هذه الآية : ( وإن ( 2 ) طائفتان من المؤمنين ( 3 ) اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت ( 4 ) إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء ( 5 ) إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا ( 6 ) بينهما
_________
( 1 ) قوله : ما رأيت مثل ما رغبت هذه الأمة عنه وأعرضت عنه بأن تركت العمل بمقتضاها مثل هذه الآية فإن الآية ناصة على أنه يجب الصلح بين المتنازعين وإرشاد الباغين إلى حكم الله ورسوله فإن أبوا فالقتل إخلاء للعالم عن شرهم وقد ترك أكثر الناس العمل به وكان نزول هذه الآية لما كانت امرأة من الأنصار تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء فحبسها فجاء قومها وقومه واقتتلوا بالأيدي والنعال . وقيل : نزلت لما انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عبد الله بن أبي المنافق راكبا على حمار فلما أتاه قال : إليك عني لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه و سلم أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما ووقعت المقاتلة بالأيدي والنعال كذا ذكره البغوي في " معالم التنزيل " وقال أيضا : فيه دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ويدل عليه مل روي عن علي أنه سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفين أهم مشركون ؟ قال : من الشرك فروا فقيل : منافقون ؟ فقال : لا لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل : فما حالهم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا
( 2 ) شرطية
( 3 ) فيه حجة قويه لأهل السنة على أن الكبائر لا تخرج العبد عن الإيمان
( 4 ) من البغي وهو الخروج عن الحد أي تعدت
( 5 ) أي ترجع إلى حكم الله
( 6 ) بالعدل بحملها على الإنصاف والرضاء بحكم الله

1003 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قول الله ( 1 ) عز و جل : ( الزاني لا ينكح ( 2 ) إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) قال ( 3 ) : وسمعته ( 4 ) يقول : إنها نسخت ( 5 ) هذه الآية بالتي بعدها ثم قرأ : ( وأنكحوا ( 6 ) الأيامى ( 7 ) منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم )
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا لا بأس بتزوج ( 8 ) المرأة وإن كانت قد فجرت ( 9 ) وإن يتزوجها من لم يفجر ( 10 )
_________
( 1 ) قوله : في قول الله قال البغوي : اختلف العلماء في معنى هذه الآية ( سورة النور : الآية 3 ) وحكمها فقال قوم : قدم قوم المهاجرون المدينة وفيهم الفقراء لا مال لهم ولا عشائر وبالمدينة نساء بغايا وهم يومئذ مشركات فرغب ناس من فقراء المهاجرين إلى نكاحهن لينفقن عليهم فنزلت ( وحرم ذلك على المؤمنين ) لأنهن مشركات هذا قول مجاهد وعطاء وقتاة والزهري والشعبي . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة وكانت بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقته في الجاهلية فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها فقال مرثد : إن الله حرم الزنا فقالت : فانكحني فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأها عليه وقال : لا تنكحها . فعلى قوم هؤلاء كان التحريم خاصا في حق أولئك دون سائر الناس . وقال قوم : المراد بالنكاح هو الجماع ومعناه الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة وهو قول سعيد بن جبير والضحاك . وقال سعيد بن المسيب وجماعة : إن حكم هذه الآية منسوخ وكان نكاح الزانية حراما بهذه الآية فنسخها قوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى ) ( سورة النور : الآية 32 ) فدخلت الزانية في أيامى المسلمين ( ورجح هذا القول الإمام أبو جعفر الطبري وقال : وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال : عنى في هذا الموضع الوطء . وإن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك وإن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان . تفسير الطبري 8 / 58 )
( 2 ) هو وما بعده خبر بمعنى النهي
( 3 ) أي يحيى بن سعيد
( 4 ) أي سعيد بن المسيب
( 5 ) بصيغة المجهول
( 6 ) خطاب إلى الأولياء
( 7 ) جمع أيم : من لا زوج لها وهو مطلق يشمل الزانية وغيرها
( 8 ) قوله : بتزوج المرأة ( في بذل المجهود 10 / 19 : مذهب الحنفية في ذلك وهو ما قاله الجمهور بأن الزانية لا يحرم نكاحها على الزاني ولا على غيره وكذلك لا يحرم نكاح الزاني بالمؤمنة ولا بالزانية وقد خالف في ذلك الشيخ ابن القيم في " زاد المعاد " وقال بالحرمة . والله أعلم ) وإن كان بمن زنى بها وإن كانت حبلى بالزنى لكن إذا تزوجت الحبلى بالزنا بغير الزاني لا يحل له الوطء إلى وضع الحمل وإن نكحت بالزاني يجوز له الوطء
( 9 ) أي زنت
( 10 ) أي من لم يزن

1004 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عز و جل : ( ولا جناح ( 1 ) عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكنتم في أنفسكم ) قال : أن ( 2 ) تقول للمرأة وهي في عدتها من وفاة ( 3 ) زوجها : إنك علي ( 4 ) كريمة وإني فيك لراغب وإن الله سائق ( 5 ) إليك رزقا ونحو هذا من القول
_________
( 1 ) قوله : ولا جناح بالضم أي لا إثم . عليكم فيما عرضتم به ( سورة البقرة : الآية 235 ) من التعريض وهو التلويح بشي يفهم به السامع مراده من غير التصريح من بيان لما خطبة - بالكسر - وهي التماس نكاح النساء المعتدات المذكورات في ما قبل هذه الآية . أو أكننتم أي أضمرتم وأخفيتم في أنفسكم كذا في " معالم التنزيل "
( 2 ) بيان للتعريض أي هو قولك للمرأة في حال العدة
( 3 ) وكذا في عدة طلاقها
( 4 ) أي عندي مكرمة
( 5 ) أي موصل إليك رزقا حسنا يعني بتزويجي إياك

1005 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر قال : دلوك ( 1 ) الشمس ميلها
_________
( 1 ) قوله : دلوك الشمس أي المذكور في قوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق - بفتحتين - الليل وقرآن الفجر كان مشهودا ) ( سورة الإسراء : الآية 78 ) وفيه إشارة إلى الصلوات المكتوبات وأوقاتها فقرآن الفجر إشارة إلى صلاة الفجر . ومعنى قوله مشهودا : يشهده ملائكة الليل والنهار المتعاقبون يجتمعون عند ذلك وبه فسر ابن عباس في رواية ابن جرير وابن شيبة وابن مسعود كما في رواية سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو هريرة في روايته عن النبي صلى الله عليه و سلم أخرجه البخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم وعبد الرزاق وابن مردويه وغسق الليل أشار به إلى صلاة العشاء وبه فسره ابن مسعود أخرجه عنه الطبراني وعن ابن عباس غسق الليل بدء الليل أخرجه ابن جرير وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وعبد الرزاق عن أبي هريرة : غسق الليل غروب الشمس فيكون إشارة إلى صلاة المغرب وعن ابن عباس أنه ظلمة الليل أخرجه ابن الأنباري وابن المنذر فيكون شاملا لصلاتي المغرب والعشاء وهو أولى الأقوال . ودلوك الشمس فسره ابن مسعود بالغروب كما أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه وكذا أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي فيكون إشارة إلى المغرب ولا يكون لصلاة الظهر ذكر في هذه الآية وكذا للعصر وفسره ابن عمر بالزوال أخرجه مالك وعبد الرزاق وابن شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وهو رواية عن ابن عباس فيكون إشارة إلى صلاة الظهر ويستفاد العصر من قوله إلى غسق الليل . والآثار في هذا الباب مبسوطة في " الدر المنثور "

1006 - أخبرنا مالك حدثنا داود بن الحصين عن ( 1 ) ابن عباس قال : كان يقول : دلوك الشمس ميلها ( 2 ) وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته
قال محمد : هذا قول ( 3 ) ابن عمر وابن عباس وقال عبد الله بن مسعود : دلوكها غروبها وكل حسن ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : عن في " موطأ يحيى " : مالك عن داود بن الحصين أخبرني مخبر عن ابن عباس قال ابن عبد البر في " الاستذكار " : المخبر المبهم عكرمة كان مالك يكتم اسمه لكلام ابن المسيب فيه
( 2 ) أي زوالها من نصف النهار
( 3 ) وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين وقول ابن مسعود اختاره النخعي ومقاتل والضحاك والسدي كذا ذكره البغوي
( 4 ) قوله : وكل حسن لأن اللفظ يجمع المعنين فإن أصل الدلوك الميلان والشمس تميل إذا زالت وإذا غربت لكن لا يخفى أن التفسير بالزوال أولى القولين لكثرة القائلين ولأنا إذا حملنا عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها بخلاف الغروب كذا قال البغوي ومما يؤيد ترجيح تفسير الزوال بموافقته لكثير من الأخبار المرفوعة فأخرج ابن مروديه عن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم لدلوك الشمس قال : لزوال الشمس . وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي بسند ضعيف عن ابن عمر مرفوعا : دلوك الشمس زوالها . وأخرج ابن جرير عن عقبة بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر . وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر حين زالت الشمس ثم تلا هذه الآية

1007 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر أخبره : أن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنما أجلكم ( 2 ) فيما خلا من الأمم كما ( 3 ) بين صلاة العصر إلى مغرب ( 4 ) الشمس ؟ وإنما مثلكم ( 5 ) ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا ( 6 ) فقال : من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط ( 7 ) قيراط ؟ قال : فعملت اليهود ( 8 ) ثم قال ( 9 ) : من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط ؟ فعملت ( 10 ) النصارى على قيراط قيراط ثم قال ( 11 ) : من يعمل لي من الصلاة العصر إلى المغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا ( 12 ) فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين قال ( 13 ) : فغضب اليهود والنصارى وقالوا : نحن أكثر عملا ( 14 ) وأقل ( 15 ) عطاء قال : هل ظلمتكم ( 16 ) من حقكم شيئا ؟ قالوا : لا قال : فإنه فضلي ( 17 ) أعطيه من شئت ( 18 )
قال محمد : هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أفضل ( 19 ) من تعجيلها ألا ترى أنه جعل ما بين الظهر إلى العصر أكثر مما بين العصر إلى المغرب في هذا الحديث ومن عجل العصر كان ما بين الظهر إلى العصر أقل مما بين العصر إلى المغرب فهذا يدل على تأخير العصر وتأخير العصر أفضل من تعجيلها ما دامت الشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) هذا الحديث معروف بحديث القيراط أخرجه البخاري في مواضع ومسلم والترمذي وغيرهم وله طرق كثيرة
( 2 ) بفتحتين أي مدة بقائكم بالنسبة إلى من مضى من الأمم
( 3 ) أي التشبيه في القلة
( 4 ) مصدر ميمي بمعنى الغروب
( 5 ) قوله : وإنما مثلكم المثل بفتحتين في المعنى كالمثل بكسر الميم وهو النظير ثم قيل : للمقول ( في الأصل : المعقول هو تحريف ) السائر الممثل مضربه بمورده مثل ولم يضربوا مثلا إلا بقول فيه غرابة وههنا تشبيه للمركب بالمركب فالمشبه والمشبه به هما المجموعان الحاصلان في الطرفين وإلا كان القياس أن يقول كمثل أقوام استأجرهم رجل كذا قال العيني في " عمدة القاري " ( عمدة القاري 5 / 53 )
( 6 ) بضم العين وتشديد الميم جمع عامل أي قوما يعملون له العمل بالأجرة
( 7 ) قوله : على قيراط قيراط قال الكرماني في " الكواكب الدراري " القيراط نصف دانق وأصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأبدل أحد حرفي التضعيف كما في الدينار والمراد به ههنا النصيب والحصة وكرر ليدل على تقسيم القراريط على جمعيهم كما هو عادة كلامهم
( 8 ) أي فهذا مثل اليهود استعملهم الله بأجر إلى مدة طويلة فعملوا
( 9 ) أي ذلك الرجل المستعمل
( 10 ) إشارة إلى قلة مدة النصارى بالنسبة إلى اليهود
( 11 ) أي المستعمل
( 12 ) حرف تنبيه نبه به النبي صلى الله عليه و سلم على فضل هذه الأمة
( 13 ) أي رسول الله صلى الله عليه و سلم
( 14 ) قوله : نحن أكثر عملا قال الكرماني : فإن قلت قول اليهود ظاهر لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكثر من العصر إلى المغرب لكن قول النصارى لا يصلح إلا على مذهب الحنفية حيث يقولون : وقت العصر حين يصير ظل كل شيء مثليه وهذا من جملة أدلتهم فما هو جواب الشافعية عنه حيث قالوا : هو مصير الظل مثلا وحينئذ لا يكون وقت الظهر أكثر من وقت العصر ؟ قلت : لا نسلم أن وقت الظهر ليس بأكثر منه ولئن سلمنا فليس هو نصا في أن كلا من الطائفتين أكثر عملا لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا أو يقال : لا يلزم من كونهم أكثر عملا أكثر زمانا لاحتمال كون العمل أكثر في زمان أقل وجاء في آخر صحيح البخاري في باب السنة قال أهل التوراة ذلك . انتهى كلامه . ومثله في " عمدة القاري " وغيره
( 15 ) بالنسبة إلى الأمة المحمدية الآخذة بقيراطين
( 16 ) أي نقصت من حقكم الذي قررت لكم جزاء لعملكم شيئا
( 17 ) أي تفضلي وإحساني
( 18 ) أي فإني مختار لا أسأل عما أفعل فلا ينبغي تكلمكم إلا إن كنت نقصت حقكم ( قال الحافظ : فيه حجة لأهل السنة على أن الثواب من الله على سبيل الإحسان منه جل جلاله . فتح الباري 4 / 446 )
( 19 ) قوله : أفضل من تعجيلها استنبط أصحابنا الحنفية أمرين :
أحدهما : ما ذكره أبو زيد الدبوسي في كتابه " الأسرار " وتبعه الزيلعي شارح " الكنز " وصاحب " النهاية شرح الهداية " وصاحب " البدائع " وصاحب " مجمع البحرين " في " شرحه " وغيره أن وقت الظهر من الزوال إلى صيرورة ظل كل شيء مثليه ووقت العصر منه إلى الغروب كما هو رواية عن إمامنا أبي حنيفة وأفتى به كثير من المتأخرين وجه الاستدلال به بوجوه كلها لا تخلو عن شيء
أحدها : أن قوله صلى الله عليه و سلم : إنما أجلكم فيما خلا كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس يفيد قلة زمان هذه الأمة بالنسبة إلى زمان من خلا وزمان هذه الأمة هو مشبه بما بين العصر إلى المغرب فلا بد أن يكون هذا الزمان أقل من زمان اليهود أي من الصبح إلى الظهر ومن زمان النصارى أي من الظهر إلى العصر ولن تكون القلة بالنسبة إلى زمان النصارى إلا إذا كان ابتداء العصر من حين صيرورة الظل مثليه فإنه حينئذ يزيد وقت الظهر أي من الزوال إلى المثلين على وقت العصر من المثلين إلى الغروب وأما إن كان ابتداء العصر حين المثل فيكونان متساويين
وفيما ذكره في " قتح الباري " و " بستان المحدثين " و " شرح القاري " وغيرها :
أما أولا : فلأن لزوم المساواة على تقدير المثل ممنوعة فإن المدة بين الظهر والعصر لو كان بمصير ظل كل شيء مثله يكون أزيد بشيء من ذلك الوقت إلى الغروب على ما هو محقق عند الرياضيين إلا أن يقال هذا التفاوت لا يظهر إلا عند الحساب والمقصود من الحديث تفهيم كل أحد
وأما ثانيا : فلأن المقصود من الحديث مجرد التمثيل ولا يلزم في التمثيل التسوية من كل وجه
وأما ثالثا : فلأن قلة مدة هذه الأمة إنما هي بالنسبة إلى مجموع مدتي اليهود والنصارى لا بالنسبة إلى كل أحد وهو حاصل على كل تقدير
وأما رابعا : فلأنه يحتمل أن يراد بنصف النهار في الحديث نصف النهار الشرعي وحينئذ فلا يستقيم الاستدلال
وأما خامسا : فإنه ليس في الحديث إلا أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من الزوال إلى العصر ومن المعلوم أن صلاة العصر لا يتحقق في أول وقته غالبا فالقلة حاصلة على كل تقدير وإنما يتم مرام المستدل إن تم لو كان لفظ الحديث ما بين وقت العصر إلى الغروب وإذ ليس فليس
وثانيها : أن قول النصارى نحن أكثر عملا لا يستقيم إلا بقلة زمانهم ولن تكون القلة إلا في صورة المثلين وفيه ما مر سابقا وآنفا
وثالثها : ما نقله العيني أنه جعل لنا النبي صلى الله عليه و سلم من زمان الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم بقدر ما بين صلاة العصر إلى الغروب وهو يدل على أن بينهما أقل من ربع النهار لأنه لم يبق من الدنيا ربع الزمان لحديث : بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى فنسبة ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما مضى مقدار ما بين السبابة والوسطى . قال السهيلي ( انظر عمدة القاري 5 / 53 ) : وبينهما نصف سبع لأن الوسطى ثلاثة أسباع كل مفصل منهما سبع وزيادتها على السبابة نصف سبع . انتهى . وفيه أيضا ما مر سالفا
ثم لا يخفى على المستيقظ أن المقصود من الحديث ليس إلا التمثيل والتفهيم . فالاستدلال لو تم بجميع تقاريره لم يخرج تقدير وقت العصر بالمثلين إلا بطريق الإشارة . وهناك أحاديث صحيحة صريحة دالة على مضي وقت الظهر ودخول وقت العصر بالمثل ومن المعلوم أن العبارة مقدمة على الإشارة وقد مر منا ما يتعلق بهذا المقام في صدر الكلام
الأمر الثاني ما ذكره صاحب الكتاب من أن هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر - أي من أول وقتها - أفضل من تعجيلها . وقال بعض الأعيان متأخري المحدثين في " بستان المحدثين " ما معربه : ما استنبطه محمد من هذا الحديث صحيح وليس مدلول الحديث إلا أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من نصف النهار إلى العصر ليصح قلة العمل وكثرته وذا لا يحصل إلا بتأخير العصر من أول الوقت . انتهى . ثم ذكر كلاما مطولا محصله الرد على من استدل به في باب المثلين وقد ذكرنا خلاصته ولا يخفى أن هذا أيضا إنما يصح إذا كان الأكثرية لكل من اليهود والنصارى وإلا فلا كما ذكرنا مع أنه إن صح فليس هو إلا بطريق الإشارة والأحاديث الدالة على التعجيل بالعبارة مقدمة عليه عند أرباب البصارة . وقد مر منا ما يتعلق به في صدر الكتاب والله أعلم بالصواب . ألا ترى تنوير للمدعى أنه صلى الله عليه و سلم جعل ما بين الظهر إلى العصر أي إلى صلاة العصر أكثر مما بين العصر أي صلاته إلى المغرب أي وقته وهو غروب الشمس في هذا الحديث ومن عجل العصر أي صلاه في أول وقته وهو صيرورة الظل مثلا كما هو رأي جمهور العلماء وبه قال صاحب الكتاب وصاحبه أبو يوسف وهو رواية عن شيخهما أبي حنيفة بل قيل : إنه رجع إليه وهو الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة . كان ما بين الظهر أي أول وقته وهو الزوال إلى العصر أقل مما بين العصر أي وقت صلاته إلى المغرب قال صاحب " بستان المحدثين " معترضا عليه انقضاء المثل على حسب قواعد الأظلال إنما يكون عند بقاء ربع النهار في أكثر البلاد فيكون الوقتان متساويين لا أقل وأكثر ثم قال مجيبا يمكن التوجيه بأن مراد الإمام محمد من قوله ما بين الظهر ما بين وقته المتعارف للصلاة يعني متأخرا عن ابتداء وقته لا سيما في الصيف فإن الإبراد فيه مستحب . انتهى بمعربه وفيه ما فيه فإن وقت الظهر من الزوال إلى المثل حسبما حققه الحساب يكون أقل من ربع النهار تحقيقا وإن كان ربع النهار تقريبا وكلام صاحب الكتاب مبني على التحقيق لا على التقريب فهذا يدل على تأخير العصر قال القاري : في " شرحه " : لا يخفى أن الحديث بظاهره يدل على تأخير دخول وقت العصر كما قال به أبو حنيفة لا على تأخيره بطريق الأفضلية . انتهى . وأنت تعلم أنه دعوى بلا دليل بل الظاهر خلافه كما ذكرنا تفصليه وتأخير العصر أي من أول وقتها أفضل أي أكثر ثوابا من تعجيلها أي أدائها في أول وقتها ما دامت الشمس بيضاء نقية بتشديد الياء وهذا بيان لمدة التأخير وبين معنى البيضاء النقية بقوله : لم تخالطها أي الشمس صفرة وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا أي فقهاء العراق ( ويؤيدهم حديث : " بعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بالسبابة والوسطى فهذا يشير إلى قصر المدة قال العيني : فشبه ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما انقضى بقدر ما بين السبابة والوسطى من التفاوت . عمدة القاري 5 / 53 ) وقد ذكرنا ما يتعلق بهذا المقام في صدر الكتاب والعلم عند من عنده أم الكتاب

[

خاتمة المعلق
]
هذا آخر الكلام في هذا التعليق والحمد لله على أن جعل لنا التوفيق خير رفيق والصلاة على رسوله وآله وصحبه الفائزين بأعلى التحقيق وكان اختتامه يوم الخميس الثامن من شعبان من شهور السنة الخامسة والتسعين بعد الألف والمائتين من الهجرة حين إقامتي بالوطن حفظ عن شرور الزمن وكان الشروع فيه في شوال من السنة الحادية والتسعين حين إقامتي بحيدر آباد الدكن نقاها الله عن البدع والفتن
( يقول الفقير إليه تعالى الدكتور تقي الدين الندوي القاطن بمدينة العين أستاذا ومعلما في جامعة الإمارات العربية المتحدة : فرغت من خدمة هذا الكتاب والتعليق عليه يوم الجمعة في 25 ذي القعدة 1411 هـ الموافق 7 يونيو 1991 م
اللهم تقبله منا كما تقبلت من عبادك المقربين الصالحين واجعله خالصا لوجهك الكريم واغفر لنا ما وقع منا من الخطأ والزلل وما لا ترضى به من العمل فإنك عفو كريم رب غفور رحيم . )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10