كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي

92 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان يكبر في النداء ( 1 ) ثلاثا ( 2 ) ويتشهد ثلاثا وكان أحيانا ( 3 ) إذا قال حي على الفلاح قال على إثرها ( 4 ) حي على خير العمل ( 5 )
قال محمد : الصلاة خير من النوم يكون ذلك في نداء الصبح بعد الفراغ ( 6 ) من النداء ولا يجب ( 7 ) أن يزاد في النداء ما لم يكن منه ( 8 )
_________
( 1 ) أي : الأذان
( 2 ) قوله : ثلاثا اختلفت الروايات في عدد التكبير والتشهد ففي بعضها ورد التكبير في ابتداء الأذان أربع مرات وفي بعضها مرتين والأول هو المشهور في بدء الأذان وأذان بلال وغيره وبه قال الجمهور والشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك اختار الثاني
وأما الشهادتان فورد في المشاهير أن كلا منهما مرتين مرتين وبه أخذ أبو حنيفة ومن وافقه وورد في أذان أبي محذورة الترجيع وهو أن يخفض صوته بهما ثم يرفع وبه أخذ الشافعي ومن وافقه وأما فعل ابن عمر من تثليث التشهد والتكبير فلم أطلع له في المرفوع أصلا ولعله لبيان الجواز
( 3 ) فيه إشارة إلى أنه ليس بسنة بل هو لبيان الجواز
( 4 ) بكسر الهمزة أي : على عقبها
( 5 ) قوله : حي على خير العمل أخرجه البيهقي كذلك عن عبد الوهاب بن عطاء عن مالك عن نافع وعن الليث بن سعد عن ابن عمر : أنه كان إذا قال حي على الفلاح قال على إثرها : حي على خير العمل قال البيهقي : لم يثبت هذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ما علم بلالا ولا أبا محذورة ونحن نكره الزيادة فيه . وروى البيهقي أيضا عن عبد الله بن محمد بن عمار وعمر ابني سعد بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال : أنه كان ينادي بالصبح فيقول : حي على خير العمل فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حي على خير العمل . قال ابن دقيق العيد : رجاله مجهولون يحتاج إلى كشف أحوالهم كذا في " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي . وقال النووي في " شرح المهذب " : يكره أن يقال في الأذان : حي على خير العمل لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم والزيادة في الأذان مكروهة عندنا . انتهى . وفي " منهاج السنة " لأحمد بن عبد الحليم الشهير بابن تيمية : هم أي الروافض زادوا في الأذان شعارا لم يكن يعرف على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وهي حي على خير العمل وغاية ما ينقل إن صح النقل أن بعض الصحابة كابن عمر كان يقول ذلك أحيانا على سبيل التوكيد كما كان بعضهم يقول بين النداءين : حي على الصلاة حي على الفلاح وهذا يسمى نداء الأمراء وبعضهم يسميه التثويب ورخص فيه بعضهم وكرهه أكثر العلماء ورووا عن عمر وابنه وغيرهما كراهة ذلك ونحن نعلم بالاضطرار أن الأذان الذين كان يؤذنه بلال وابن أم مكتوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة وأبو محذورة بمكة وسعد القرظي في قباء لم يكن في آذانهم هذا الشعار الرافضي ولو كان فيه لنقله المسلمون ولم يهملوه كما نقلوا ما هو أيسر منه فلما لم يكن في الذين نقلوا الأذان من ذكر هذه الزيادة علم أنها بدعة باطله وهؤلاء الأربعة كانوا يؤذنون بأمر النبي صلى الله عليه و سلم ومنه تعلموا الأذان وكانوا يؤذنون في أفضل المساجد مسجد مكة والمدينة ومسجد قباء وأذانهم متواتر عند العامة والخاصة . انتهى كلامه
( 6 ) قوله : بعد الفراغ من النداء فيه أنه قد ثبت هذه الزيادة في الأذان بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وتعارف ذلك المؤذنون من غير نكير ففي حديث أبي محذورة في قصة تعليم النبي صلى الله عليه و سلم الأذان له قال فيه : إذا كنت في أذان الصبح فقلت : حي على الفلاح فقل : الصلاة خير من النوم مرتين . أخرجه أبو داود وابن حبان مطولا وفي سنده محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة وهو غير معروف الحال والحارث بن عبيد وفيه مقال . وقال بقي بن مخلد : نا يحيى بن عبد الحميد نا أبو بكر بن عياش ثني عبد العزيز بن رفيع سمعت أبا محذورة يقول : كنت غلاما صبيا أذنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم الفجر يوم حنين فلما انتهيت إلى حي على الفلاح قال : ألحق فيها الصلاة خير من النوم . ورواه النسائي من وجه آخر وصححه ابن حزم . وروى الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تثوبن في شيء من الصلاة إلا صلاة الفجر " . وفي سنده الملائي وهو ضعيف مع الانقطاع بين عبد الرحمن وبلال . ورواه الدارقطني من طريق آخر عن عبد الرحمن وفيه أبو سعد البقال ( في نسخة : " أبو سعيد البقال " وهو تحريف . وهو سعيد بن المرزبان العبسي أبو سعد البقال الكوفي ت 140 هـ . انظر : " تهذيب التهذيب " 4 / 79 ) وهو ضعيف . وروى ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي عن أنس قال : من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر : حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم . وصححه ابن السكن ولفظه : كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن : حي على الفلاح . وروى ابن ماجه من حديث ابن المسيب عن بلال قال : أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم يؤذنه لصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال : الصلاة خير من النوم مرتين فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك . وفيه انقطاع مع ثقة رجاله . وذكره ابن السكن من طريق آخر عن بلال وهو في معجم الطبراني من طريق الأزدي عن حفص بن عمر عن بلال وهو منقطع أيضا . ورواه البيهقي في " المعرفة " من هذا الطريق فقال : عن الزهري عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن : أن سعدا كان يؤذن قال حفص : فحدثني أهلي أن بلالا فذكره . وروى ابن ماجه عن سالم عن أبيه قصة اهتمامهم بما يجمعون به الناس قبل أن يشرع الأذان وفي آخره زاد بلال في نداء صلاة الغداة الصلاة خير من النوم فأقرها رسول الله صلى الله عليه و سلم . وإسناده ضعيف جدا . وروى السراج والطبراني والبيهقي من حديث ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال : كان الأذان الأول بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين وسنده حسن . هذا ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في " تخريج أحاديث شرح الرافعي " ( 1 / 201 )
وفي الباب أخبار وآثار أخر قد مر نبذ منها فيثبت بضم بعضها ببعض - وإن كان طرق بعضها ضعيفة - كون هذه الزيادة في أذان الصبح لا بعده هو مذهب الكافة
( 7 ) قوله : ولا يجب هكذا بالجيم في الأصل والمعنى لا ينبغي والظاهر أنه تصحيف " لا يحب " أي : لا يستحسن كذا قال القاري
( 8 ) قوله : ما لم يكن منه يشير إلى حديث " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وكأنه أشار إلى أن الصلاة خير من النوم ليس من الأذان أو إلى أن حي على خير العمل ليس من الأذان أي : من الأذان المعروف بين مؤذني رسول الله صلى الله عليه و سلم المأثور عنه فإن كان المراد هو الأول كما يقتضيه ضم جملة ولا يجب ... إلخ بقوله : يكون في نداء الصبح بعد الفراغ من النداء فقد عرفت ما فيه من أن زيادة الصلاة خير من النوم وإن لم تكن في حديث بدء الأذان لكنها ثبت الأمر بها بعد ذلك فليست زيادته زيادة ما ليس منه . وإن كان المراد هو الثاني وهو الأولى بأن يجعل قوله ولا يجب إلى آخره بيانا لعدم زيادة حي على خير العمل فيخدشه ما أخرجه الحافظ أبو الشيخ بن حيان ( في الأصل : " ابن حبان " وفي " سير أعلام النبلاء " 16 / 267 ، و " طبقات الحفاظ " ص 381 : " ابن حيان " هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن حيان الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ ت 369 هـ ) في كتاب " الأذان " عن سعد القرظ قال : كان بلال ينادي بالصبح فيقول : حي على خير العمل فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حي على خير العمل . ذكره الشيخ عبد الحق الدهلوي في " فتح المنان " وقد مر من رواية البيهقي مثله وذكر نور الدين علي الحلبي في كتابه " إنسان العيون في سيرة النبي المأمون " نقل عن ابن عمر وعن علي بن الحسين أنهما كانا يقولان في أذانهما بعد حي على الفلاح حي على خير العمل . انتهى . فإن هذه الأخبار تدل على أن لهذه الزيادة أصلا في الشرع فلم تكن مما ليس منه ويمكن أن يقال : إن رواية البيهقي وأبي الشيخ قد تكلم في طريقهما فإن كانت ثابتة دلت على هجران هذه الزيادة وإقامة الصلاة خير من النوم مقامه فصارت بعد تلك الإقامة مما ليس منه وأما فعل ابن عمر وغيره فلم يكن دائما بل أحيانا لبيان الجواز ولو ثبت عن واحد منهما دوامه أو عن غيرهما فالأذان المعروف عن مؤذني رسول الله صلى الله عليه و سلم الثابت بتعليمه الخالي عن هذه الزيادة يقدم عليه فافهم فإن المقام حقيق بالتأمل

30 - ( باب المشي إلى الصلاة وفضل المساجد )

93 - أخبرنا مالك حدثنا علاء بن عبد الرحمن ( 1 ) بن يعقوب عن أبيه ( 2 ) أنه سمع أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذ ثوب بالصلاة ( 3 ) فلا تأتوها تسعون ( 4 ) وأتوها وعليكم السكينة ( 5 ) فما أدركتم ( 6 ) فصلوا وما فاتكم ( 7 ) فأتموا ( 8 ) فإن أحدكم في صلاة ما كان ( 9 ) يعمد ( 10 ) إلى الصلاة
قال محمد : لا تعجلن ( 11 ) بركوع ولا افتتاح حتى تصل ( 12 ) إلى الصف وتقوم فيه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) هو تابعي كابنه
( 2 ) هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني قال النسائي : ليس به بأس . وابنه العلاء أبو شبل - بالكسر - المدني صدوق كذا في " الإسعاف " و " التقريب "
( 3 ) قوله : إذا ثوب أي : أقيم وأصل ثاب رجع يقال : ثاب إلى المريض جسمه فكأن المؤذن رجع إلى ضرب من الأذان للصلاة وقد جاء هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ : " إذا أقيمت الصلاة " وهو يبين أن التثويب ها هنا الإقامة وهي رواية الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة وفي رواية لهما أيضا : " إذا سمعتم الإقامة " . وهي أخص من قوله في حديث أبي قتادة عندهما أيضا : " إذا أتيتم الصلاة "
( 4 ) قوله : تسعون السعي ها هنا المشي على الأقدام بسرعة والاشتداد فيه وهو مشهور في اللغة ومنه السعي بين الصفا والمروة وقد يكون السعي في كلام العرب العمل بدليل قوله تعالى : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها } وقوله تعالى : { إن سعيكم لشتى } ونحو هذا كثير قاله ابن عبد البر
( 5 ) بالرفع على أنها جملة في موضع الحال وضبطه القرطبي بالنصب على الإغراء
( 6 ) قوله : فما أدركتم فصلوا جواب شرط محذوف أي : إذا فعلتم ما أمرتكم به من السكينة فما أدركتم ... إلخ
( 7 ) قوله : وما فاتكم فأتموا قال الحازمي في كتاب " الناسخ والمنسوخ " : أخبرنا محمد بن عمر بن أحمد الحافظ أنا الحسن بن أحمد القاري أنا أبو نعيم نا سليمان بن أحمد نا أبو زرعة نا يحيى بن صالح نا فليح عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : كنا نأتي الصلاة أو يجيء رجل وقد سبق بشيء من الصلاة أشار إليه الذي يليه : قد سبقت بكذا وكذا فيقضي قال : فكنا بين راكع وساجد وقائم وقاعد فجئت يوما وقد سبقت ببعض الصلاة وأشير إلي بالذي سبقت به فقلت : لا أجده على حال إلا كنت عليها فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم قمت وصليت فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الناس وقال : من القائل كذا وكذا قالوا : معاذ بن جبل فقال : " قد سن لكم معاذ فاقتدوا به إذا جاء أحدكم وقد سبق بشيء من الصلاة فليصل مع الإمام بصلاته فإذا فرغ الإمام فليقض ما سبقه به " . قال الشافعي : إذا سبق الإمام الرجل الركعة فجاء الرجل فركع تلك الركعة لنفسه ثم دخل مع الإمام في صلاته حتى يكملها فصلاته فاسدة وعليه أن يعيد الصلاة ولا يجوز أن يبتدئ الصلاة لنفسه ثم يأتم بغيره وهذا منسوخ قد كان المسلمون يصنعونه حتى جاء عبد الله بن مسعود أو معاذ بن جبل وقد سبقه النبي صلى الله عليه و سلم بشيء من الصلاة فدخل معه ثم قام يقضي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن ابن مسعود - أو معاذا - سن لكم فاتبعوها "
( 8 ) قوله : فأتموا فيه دليل على أن ما أدركه فهو أول صلاته وقد ذكر في " التمهيد " من قال في هذا الحديث " فاقضوا "
وهذان اللفظان تأولهما العلماء في ما يدركه المصلى من صلاته مع الإمام هل هو أول صلاته أو آخرها ؟ ولذلك اختلفت أقوالهم فيها ( أوجز المسالك 2 / 12 ) فأما مالك فاختلفت الرواية عنه فروى سحنون عن جماعة من أصحاب مالك عنه أن ما أدراك فهو أول صلاته ويقضي ما فاته وهذا هو المشهور من مذهبه وهو قول الأوزاعي والشافعي ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وداود والطبري وروى أشهب عن مالك أن ما أدرك فهو آخر صلاته وهو قول أبي حنيفة والثوري والحسن بن حي وذكر الطحاوي عن محمد عن أبي حنيفة أن الذي يقضى هو أول صلاته ولم يحك خلافا . وأما السلف فروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء : ما أدركت فاجعله آخر صلاتك وليست الأسانيد عنهم بالقوية وعن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين مثل ذلك وصح عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعطاء والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ما أدركت فاجعله أول صلاتك واحتج القائلون بأن ما أدرك فهو أول صلاته بقوله صلى الله عليه و سلم : " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " قالوا : والتمام هو الآخر واحتج الآخرون بقوله : " وما فاتكم فاقضوا " فالذي يقضيه هو الفائت كذا في " الاستذكار "
( 9 ) قوله : ما كان يعمد إلى الصلاة يدل على أن الماشي إلى الصلاة كالمنتظر لها وهما من الفضل سواء بالمصلي إن شاء الله تعالى على ظاهر الآثار وهذا يسير في فضل الله ورحمته لعباده كما أنه من غلبه نوم عن صلاة كانت عادة له كتب له أجر صلاة وكان نومه عليه صدقة كذا قال ابن عبد البر
( 10 ) بكسر الميم أي : يقصد
( 11 ) أيها المصلي
( 12 ) قوله : حتى تصل إلى الصف وتقوم فيه استنبط من النهي عن الإتيان ساعيا وكون عامد الصلاة في الصلاة من حيث الثواب وذلك لأن العجلة في الاشتراك قبل الوصول إلى الصف يفوت كثرة الخطا وامتداد زمان العمد إلى الصلاة مع لزوم قيامه خلف صف مع غير إتمامه وقد ورد فيه نص صريح هو ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه و سلم راكع فركع دون الصف ثم دب حتى انتهى إلى الصف فلما سلم قال : " إني سمعت نفسا عاليا فأيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فقال أبو بكرة : أنا يا رسول الله خشيت أن تفوتني الركعة فركعت دون الصف ثم لحقت بالصف فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " زادك الله حرصا ولا تعد " . قال الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " : إرشاد إلى المستقبل بما هو أفضل منه ولو لم يكن مجزئا لأمره بالإعادة والنهي إنما وقع عن السرعة والعجلة إلى الصلاة كأنه أحب له أن يدخل الصف ولو فاتته الركعة ولا يعمل بالركوع دون الصف يدل عليه ما رواه البخاري في كتابه المفرد في " القراءة خلف الإمام " : ولا تعد صل ما أدركت واقض ما سبقت . فهذه الزيادة دلت على ذلك ويقويها حديث : وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا

94 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي ( 1 )
قال محمد : وهذا ( 2 ) لا بأس به ما لم يجهد نفسه ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : فأسرع المشي وروي عنه أنه كان يهرول إلى الصلاة وعن ابن مسعود أنه قال : لو قرأت : { فاسعوا إلى ذكر الله } لسعيت حتى يسقط ردائي وكان يقرأ : { فامضوا إلى ذكر الله } وهي قراءة عمر أيضا . وعن ابن مسعود أيضا : أحق ما سعينا إليه الصلاة . وعن الأسود بن يزيد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن يزيد أنهم كانوا يهرولون إلى الصلاة
فهؤلاء كلهم ذهبوا إلى أن من خاف فوت الوقت سعى ومن لم يخف مشى على هيأة وقد روي عن ابن مسعود خلاف ذلك أنه قال : إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وروى عنه أبو الأحوص أنه قال : لقد رأيتنا وإنا لنقارب بين الخطا . وروى ثابت عن أنس قال : خرجت مع زيد بن ثابت إلى المسجد فأسرعت المشي فحبسني . وعن أبي ذر قال : إذا أقيمت الصلاة فامش إليها كما كنت تمشي فصل ما أدركت واقض ما سبقك
وهذه الآثار كلها مذكورة بطرقها في " التمهيد " وقد اختلف السلف في هذا الباب كما ترى وعلى القول بظاهر حديث النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الباب جمهور العلماء وجماعة الفقهاء كذا في " الاستذكار "
( 2 ) أي الإسراع
( 3 ) قوله : ما لم يجهد نفسه أي : لا يكلف نفسه ولا يحمل عليه مشقة ويشير بقوله لا بأس به إلى الجواز وإلى أن النهي عن الإتيان ساعيا في الحديث المرفوع ليس نهي تحريم بل نهي استحباب إرشادا إلى الأليق الأفضل

95 - أخبرنا مالك أخبرنا سمي ( 1 ) أنه سمع أبا بكر ( 2 ) يعني ابن عبد الرحمن ( 3 ) يقول : من غدا ( 4 ) أو راح ( 5 ) إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيرا أو يعلمه ثم رجع إلى بيته الذي خرج منه كان ( 6 ) كالمجاهد في سبيل الله رجع ( 7 ) غانما
_________
( 1 ) مولى أبي بكر
( 2 ) قوله : أبا بكر قيل اسمه محمد وقيل : أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن والصحيح أن اسمه وكنيته واحد وكان مكفوفا وثقه العجلي وغيره مات سنة 93 هـ كذا في " الإسعاف "
( 3 ) ابن الحارث بن هشام
( 4 ) ذهب وقت الغداة أول النهار
( 5 ) من الزوال
( 6 ) في الثواب
( 7 ) إلى بيته بعد الفراغ من الجهاد وأخذ الغنيمة

31 - ( باب الرجل يصلي وقد أخذ ( 1 ) المؤذن في الإقامة )
96 - أخبرنا مالك أخبرنا شريك ( 2 ) بن عبد الله بن أبي نمير ( 3 ) أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال ( 4 ) : سمع قوم ( 5 ) الإقامة فقالوا يصلون فخرج عليهم النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أصلاتان ( 6 ) معا ( 7 ) ؟
قال محمد : يكره ( 8 ) إذا أقيمت الصلاة أن يصلي الرجل تطوعا ( 9 ) غير ركعتي الفجر ( 10 ) خاصة فإنه لا بأس بأن يصليهما الرجل ( 11 ) إن ( 12 ) أخذ المؤذن في الإقامة وكذلك ينبغي وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ( 13 )
_________
( 1 ) أي شرع
( 2 ) قوله : شريك بن عبد الله بن أبي نمر أبو عبد الله المدني وثقه ابن سعد وأبو داود وقال ابن معين والنسائي : لا بأس به وقال ابن عدي : إذا روى عنه ثقة فلا بأس به كذا في " هدي ( في الأصل : " الهدي الساري " وهو تحريف ) الساري " مقدمة " فتح الباري " للحافظ ابن حجر
( 3 ) قوله : أبي نمير بضم النون وفتح الميم مصغرا كذا وجدناه في بعض النسخ وفي نسخة يحيى " أبي نمر " وضبطه الزرقاني بفتح النون وكسر الميم
( 4 ) قوله : قال ابن عبد البر لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن مالك عن شريك عن أنس . ورواه الدراوردي عن شريك فأسنده عن أبي سلمة عن عائشة . ثم أخرجه ابن عبد البر من الطريقين وقال : قد روي هذا الحديث بهذا المعنى من حديث عبد الله بن سرجس وابن بحينة وأبي هريرة
( 5 ) أي : بعض من كان في المسجد النبوي
( 6 ) قوله : أصلاتان معا قال ابن عبد البر : قوله هذا وقوله في حديث ابن بحينة : " أتصليهما أربعا " وفي حديث ابن سرجس : " أيتهما صلاتك " كل هذا إنكار منه لذلك الفعل
( 7 ) أي : أتجمعون الصلاتين معا
( 8 ) قوله : يكره لما أخرجه مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " وفي رواية للطحاوي : " إلا التي أقيمت لها " وفي رواية ابن عدي قيل : يا رسول الله ولا ركعتي الفجر ؟ قال : ولا ركعتي الفجر وإسناده حسن قاله الزرقاني . وقد يعارض هذه الزيادة بما روي : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الصبح " لكنه من رواية عباد بن كثير وحجاج بن نصير وهما ضعيفان ذكره الشوكاني
( 9 ) أي : نفلا أو سنة فإن الكل يسمى تطوعا لكونه زائدا على الفرائض
( 10 ) قوله : غير ركعتي الفجر أي : الركعتين اللتين تصليان قبل فرض الصبح لما روي عن عبد الله بن أبي موسى عن أبيه : دعا سعيد بن العاص أبا موسى وحذيفة وابن مسعود قبل أن يصلي الغداة فلما خرجوا من عنده أقيمت الصلاة فجلس عبد الله بن مسعود إلى أسطوانة من المسجد يصلي ركعتين ثم دخل المسجد ودخل في الصلاة . وعن أبي مخلد : دخلت مع ابن عمر وابن عباس والإمام يصلي فأما ابن عمر فقد دخل في الصف وأما ابن عباس فصلى ركعتين ثم دخل مع الإمام فلما سلم الإمام قعد ابن عمر فلما طلعت الشمس ركع ركعتين . وعن محمد بن كعب : خرج ابن عمر من بيته فأقيمت صلاة الصبح فركع ركعتين قبل أن يدخل المسجد وهو في الطريق ثم دخل المسجد فصلى الصبح مع الناس . وعن زيد بن أسلم أن ابن عمر جاء والإمام يصلي صلاة الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة ثم صلى مع الإمام . وعن أبي الدرداء : أنه كان يدخل المسجد والناس صفوف في صلاة الفجر فيصلي الركعتين في ناحية ثم يدخل مع القوم في الصلاة . أخرج هذه الآثار الطحاوي في " شرح معاني الآثار " وأخرج أيضا عن مسروق وأبي عثمان النهدي والحسن إجازة أداء ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلاة . وذكر أن معنى فلا صلاة إلا المكتوبة : النهي عن أداء التطوع في موضع الفرض فإنه يلزم حينئذ الوصل وبسط الكلام فيه . لكن لا يخفى على الماهر أن ظاهر الأخبار المرفوعة هو المنع من ذلك حديث أبي سلمة المذكور في الكتاب فإن القصة المذكورة فيه قد وقعت في صلاة الصبح كما صرح به الشراح ووقع في موطأ يحيى بعد هذه الرواية : وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح . ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مالك بن بحينة : مر النبي صلى الله عليه و سلم برجل وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف لاث به الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : آلصبح أربعا ؟ آلصبح أربعا ؟ قال القسطلاني : الرجل هو عبد الله الراوي كما عند أحمد بلفظ : أن النبي صلى الله عليه و سلم مر به وهو يصلي . ولا يعارضه ما عند ابن حبان وابن خزيمة أنه ابن عباس لأنهما واقعتان . انتهى
وأخرج الطحاوي عن عبد الله بن سرجس أن رجلا جاء ورسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاة الصبح فركع ركعتين خلف الناس ثم دخل مع النبي صلى الله عليه و سلم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاته قال : يا فلان أجعلت صلاتك التي صليت معنا أو التي صليت وحدك ؟ وكذلك أخرجه أبو داود وغيره . وحمل الطحاوي هذه الأخبار على أنهم صلوا في الصفوف لا فصل بينهم وبين المصلين بالجماعة فلذلك زجرهم النبي صلى الله عليه و سلم لكنه حمل من غير دليل معتد به بل سياق بعض الروايات يخالفه
( 11 ) خارج المسجد أو في ناحية المسجد خارج الصفوف
( 12 ) وصلية
( 13 ) وبه قال أبو يوسف ذكره الطحاوي

32 - ( باب تسوية ( 1 ) الصف ( 2 ) )
97 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب كان يأمر ( 3 ) رجالا ( 4 ) بتسوية الصفوف فإذا جاؤوه فأخبروه بتسويتها كبر ( 5 ) بعد
_________
( 1 ) هو اعتدال القامة بها على سمت واحد ( ويستحب للإمام تسوية الصفوف كذا في المغني 1 / 458 ، ولعله متفق عند الكل ويكره تركها وراجع للتفصيل فتح الباري 2 / 175 ، وعمدة القاري 2 / 789 )
( 2 ) قوله : تسوية الصف قال ابن حزم بوجوب تسوية الصفوف لقول النبي صلى الله عليه و سلم : " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " متفق عليه لكن ما رواه البخاري : " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " يصرفه إلى السنة وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك
( 3 ) قوله : كان يأمر قال الباجي : مقتضاه أنه وكل من يسوي الناس في الصفوف وهو مندوب
( 4 ) أي : من أصحابه
( 5 ) أي قال : الله أكبر

98 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو سهيل بن مالك ( 1 ) وأبو النضر مولى عمر بن عبيد الله عن مالك بن أبي عامر الأنصاري ( 2 ) : أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته : إذا قامت الصلاة فاعدلوا ( 3 ) الصفوف وحاذوا ( 4 ) بالمناكب فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة ( 5 ) . ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم ( 6 ) بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت فيكبر
قال محمد : ينبغي للقوم إذا قال المؤذن حي على الفلاح أن يقوموا ( 6 ) إلى الصلاة ( 7 ) فيصفوا ويسووا ( 8 ) الصفوف ويحاذوا ( 9 ) بين المناكب فإذا أقام ( 10 ) الموذن الصلاة كبر الإمام وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : أبو سهيل بن مالك هو عم مالك بن أنس اسمه نافع وثقه أحمد وأبو حاتم والنسائي كذا في " الإسعاف "
( 2 ) الأصبحي من كبار التابعين ثقة روى له الجميع مات سنة 74 هـ على الصحيح وهو جد الإمام مالك والد أبي سهيل كذا قال السيوطي وغيره
( 3 ) أي : سووا
( 4 ) قوله : حاذوا أي : قابلوا المناكب بأن لا يكون بعضها متقدما وبعضها متأخرا وهو المراد بقول أنس : ( كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه ) وقول النعمان بن بشير : ( رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه ) ( زعم بعض الناس أنه على الحقيقة وليس الأمر كذلك بل المراد بذلك مبالغة الراوي في تعديل الصف وسد الخلل كما فتح الباري 2 / 176 ، والعمدة 2 / 294 . وهذا يرد على الذين يدعون العمل بالسنة في بلادنا حيث يجتهدون في إلزاق كعابهم بكعاب القائمين في الصف ويفرجون جدا للتفريج بين قدميهم مما يؤدي إلى تكلف وتصنع وقد وقعوا فيه لعدم تنبههم للغرض ولجمودهم بظاهر الألفاظ ( معارف السنن ) 1 / 292 ) ذكرهما البخاري في صحيحه
( 5 ) أي : من كمال صلاة الجماعة
( 6 ) بخفة الكاف وتشديدها
( 7 ) في " ن " : يقدموا
( 8 ) قوله : أن يقوموا إلى الصلاة اختلفوا فيه : فقال الشافعي والجمهور : يقومون عند الفراغ من الإقامة وهو قول أبي حنيفة وعن مالك : يقومون عند أولها وفي " الموطأ " أنه يرى ذلك على طاقة الناس فإن فيهم الثقيل والخفيف كذا ذكره القسطلاني في " إرشاد الساري " وفي " الاستذكار " : قد ذكرنا في " التمهيد " بالأسانيد عن عمرو بن مهاجر : رأيت عمر بن عبد العزيز ومحمد بن مسلم الزهري وسليمان بن حبيب يقومون إلى الصلاة في أول نداء ( في الاستذكار 2 / 103 ، بدله ( بدء ) ) من الإقامة قال : وكان عمر بن عبد العزيز إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة عدل الصفوف بيده عن يمينه وعن يساره فإذا فرغ كبر وعن أبي يعلى ( في الأصل أبي العلاء . وهو تحريف ) : رأيت أنس بن مالك إذا قيل : قد قامت الصلاة قام فوثب وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا لم يكن معهم الإمام في المسجد فإنهم لا يقومون حتى يروا الإمام لحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه و سلم : " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني " وهو قول الشافعي وداود وإذا كان معهم فإنهم يقومون إذا قال : حي على الفلاح . انتهى ملخصا ( الاستذكار 2 / 103 - 104 )
( 9 ) من تسوية
( 10 ) من المحاذاة أي : يقابلوا بين مناكبهم
( 11 ) فإذا أقام أي : قال : قد قامت الصلاة وهو محتمل لأمرين : الشروع فيه والفراغ منه وذكر في " جامع الرموز " عن " المحيط " و " الخلاصة " أن الأول قول الطرفين والثاني قول أبي يوسف والصحيح هو الأول كما في " المحيط " والأصح هو الثاني كما في " الخلاصة " . قلت : روى أبو داود عن أبي أمامة أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال رسول الله : أقامها الله وأدامها وقال في سائر الإقامة كنحو حديث ابن عمر في الأذان أي : أجاب كل كلمة بمثلها إلا الحيعلتين . فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم كبر بعدما تمت الإقامة بجميع كلماتها . وأخرج ابن عبد البر في " الاستذكار " عن بلال أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تسبقني بآمين ( السنن الكبرى للبيهقي 2 / 23 ) وقال : فيه دليل على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يكبر ويقرأ وبلال في إقامة الصلاة ( الاستذكار 2 / 105 ) . انتهى
وفيه نظر لا يخفى والأمر في هذا الباب واسع ليس له حد مضيق في الشرع واختلاف العلماء في ذلك لاختيار الأفضل بحسب ما لاح لهم ( وذهب عامة العلماء إلى أنه يستحب أن لا يكبر الإمام حتى يفرغ المؤذن من الإقامة ومذهب الشافعي وطائفة أنه يستحب أن لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة وهو قول أبي يوسف وعن مالك : السنة في الشروع في الصلاة بعد الإقامة وبداية استواء الصف وقال أحمد : إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة يقوم . وقال أبو حنيفة ومحمد : يقومون في الصف إذا قال : حي على الصلاة فإذا قال : قد قامت الصلاة كبر الإمام لأنه أمين الشرع وقد أخبر بقيامها فيجب تصديقه وإذا لم يكن الإمام في المسجد فقد ذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه كذا في " عمدة القاري " 5 / 676 )

33 - ( باب افتتاح ( 1 ) الصلاة )
99 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال : كان ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا افتتح ( 3 ) الصلاة ( 4 ) رفع ( 5 ) يديه ( 6 ) حذاء ( 7 ) منكبيه وإذا كبر ( 8 ) للركوع رفع يديه ( 9 ) وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم قال : سمع الله ( 10 ) لمن حمده ثم قال ( 11 ) : ربنا ولك الحمد ( 12 )
_________
( 1 ) أي : ابتدائها
( 2 ) قوله : كان ... . إلخ هذا أحد الأحاديث الأربعة التي رفها سالم عن أبيه ووقفها نافع عن ابن عمر والقول فيها قول سالم والثاني : " من باع عبدا وله مال ... " جعله نافع عن ابن عمر عن عمر والثالث : " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة " والرابع : " في ما سقت السماء والعيون أو كان بعلا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر " . كذا في " التنوير "
( 3 ) قال ابن المنذرك لم يختلف أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا افتتح نقله ابن دقيق العيد في " الإمام "
( 4 ) قوله : افتتح الصلاة ( قال الباجي : افتتاح الصلاة يكون بالنطق ولا يكون بمجرد النية لمن يقدر على النطق . أوجز المسالك 2 / 41 ) : استند به صاحب " البحر " أن وقت الرفع قبل التكبير وفيه نظر لأنه يحتمل أن يكون معناه إذا كبر رفع يديه لأن افتتاح الصلاة إنما هو بالتكبير نعم إن كان المراد بالافتتاح إرادة الافتتاح لتم الاستشهاد
( 5 ) هذا مستحب عند جمهور العلماء لا واجب كما قال الأوزاعي والحميدي وابن خزيمة وداود وبعض الشافعية والمالكية
( 6 ) قوله : رفع يديه معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره خضوع واستكانة وابتهال وتعظيم الله تعالى واتباع لسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ( الاستذكار 2 / 122 )
( 7 ) بالكسر : أي : مقابله
( 8 ) قوله : إذا كبر ... إلخ رواه يحيى ولم يذكر فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع وتابعه على ذلك جماعة من الرواة للموطأ عن مالك ورواه جماعة عن مالك فذكروا فيه الرفع عند الانحطاط وهو الصواب وكذلك رواه سائر من رواه من أصحاب ابن شهاب عنه ( في الأوجز 2 / 44 ، قال ابن عبد البر : هو الصواب . قلت : هو وهم منه وكذلك " إن سائر من رواه عن ابن شهاب ذكره " سهو منه فإن الحديث أخرجه الزبيدي عن الزهري عند أبي داود وليس فيه ذكر الرفع عند الركوع وأيضا لم يختلف فيه على الزهري فقط بل اختلف سالم ونافع على ابن عمر رضي الله عنهما كما لا يخفى على من سهر الليالي في تفحص كتب الحديث ) . كذا في " التنوير "
( 9 ) أي : حذو منكبيه
( 10 ) معنى سمع ها هنا : أجاب
( 11 ) قوله : ثم قال قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وجماعة من أهل الحديث : إن الإمام يقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وحجتهم حديث ابن عمر : ورواه أبو سعيد الخدري وعبد الله بن أبي أوفى وأبو هريرة وقال جماعة : يقتصر على سمع الله لمن حمده وحجتهم حديث أنس : عن النبي صلى الله عليه و سلم : فإذا رفع الإمام فارفعوا : وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد . كذا في " الاستذكار " ( 2 / 128 )
( 12 ) قوله : ربنا ولك الحمد قال الرافعي : روينا في حديث ابن عمر : ربنا لك الحمد بإسقاط الواو وبإثباتها والروايتان معا صحيحتان . انتهى
قلت : الرواية بإثبات الواو متفق عليها وأما بإسقاطها ففي صحيح أبي عوانة : وقال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الواو في : " ربنا ولك الحمد " فقال : زائدة وقال النووي : يحتمل أنها عاطفة على محذوف أي : أطعنا لك وحمدناك ولك الحمد كذا في " التلخيص ( في الأصل : " تلخيص الحبير " وهو تحريف ) الحبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير " للحافظ ابن حجر وعند البخاري عن المقبري عن أبي هريرة : كان رسول الله إذا قال : سمع الله لمن حمده قال : اللهم ربنا ولك الحمد . وعند أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب عنه : كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : اللهم ربنا لك الحمد كذا في " ضياء الساري " ( هو شرح على البخاري للشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي المتوفى سنة 1134 . مقدمة " لامع الدراري " ص 457 )

100 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن عبد الله بن عمر : كان ( 1 ) إذا ابتدأ الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع ( 2 ) رفعهما دون ذلك ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : كان ... إلخ الثابت عن ابن عمر بالأسانيد الصحيحة هو أنه كان يرفع عند الافتتاح وعند الرفع من الركوع وعند الركوع حسبما رواه مرفوعا وأخرج الطحاوي بسنده عن أبي بكر بن أبي عياش عن حصين عن مجاهد قال : صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى ثم قال الطحاوي : فلا يكون هذا من ابن عمر إلا وقد ثبت عنده نسخ ما رأى النبي صلى الله عليه و سلم . انتهى
وفيه نظر لوجوه : أحدها : أنه سند معلول لا يوازي الأسانيد الصحيحة فقد أخرجه البيهقي من الطريق المذكور في كتاب " المعرفة " وأسند عن البخاري أنه قال : ابن عياش قد اختلط بآخره وقد رواه الربيع وليث وطاووس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا : رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع وكان أبو بكر بن عياش يرويه قديما عن حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود مرسلا موقوفا : أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يرفعهما بعد . وهذا هو المحفوظ عن ابن عياش والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات عن ابن عمر . انتهى . وثانيها : أنه لو ثبت عن ابن عمر ترك ذلك فلا يثبت منه نسخ فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم الثابت بالطرق الصحيحة عن الجمع العظيم إلا إذا كان فيه تصريح عن النبي صلى الله عليه و سلم وإذ ليس فليس . وثالثها : أن ترك ابن عمر لعله يكون لبيان الجواز فلا يلزم منه النسخ
( 2 ) في نسخة : ركوعه
( 3 ) قوله : دون ذلك يعارضه قول ابن جريج : قلت لنافع أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن ؟ قال : لا . ذكره أبو داود

101 - أخبرنا مالك حدثنا وهب بن كيسان ( 1 ) عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أنه يعلمهم ( 2 ) التكبير في الصلاة أمرنا ( 3 ) أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا
_________
( 1 ) هو أبو نعيم المدني وثقه النسائي وابن سعد مات سنة 127 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) أي : أصحابه التابعين وفي نسخة : كان يعلمهم
( 3 ) بيان للتعليم

102 - أخبرنا مالك أخبرني ابن شهاب الزهري عن علي بن الحسين ( 1 ) بن علي بن أبي طالب أنه قال ( 2 ) : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكبر كلما ( 3 ) خفض وكلما رفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقي ( 4 ) الله عز و جل
_________
( 1 ) هو أبو الحسين زين العابدين قال ابن سعد : كان ثقة مأمونا كثير الأحاديث مات سنة 92 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قوله : أنه قال ... إلخ قال ابن عبد البر : لا أعلم خلافا من رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث . رواه عبد الوهاب بن عطاء عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن أبيه موصولا : ورواه عبد الرحمن بن خالد عن أبيه عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن علي ولا يصح فيه إلا ما في " الموطأ " مرسلا
( 3 ) ظاهر الحديث عمومه في جميع الانتقالات لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع
( 4 ) بارتحاله من الدنيا

103 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن أبا هريرة : كان يصلي بهم فكبر كلما خفض ورفع ثم انصرف ( 1 ) قال : والله إني ( 2 ) لأشبهكم ( 3 ) صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم
_________
( 1 ) من الصلاة
( 2 ) قال الرافعي : هذه الكلمة مع الفعل المأتي به نازلة منزلة حكاية فعله صلى الله عليه و سلم
( 3 ) قوله : لأشبهكم ... إلخ هذا يدلك على أن التكبير في الخفض والرفع لم يكن مستعملا عندهم ولا ظاهرا فيهم كذا في " الاستذكار "

104 - أخبرنا مالك أخبرني نعيم المجمر ( 1 ) وأبو جعفر القارئ ( 2 ) أن أبا هريرة : كان يصلي بهم فكبر كلما خفض وفع قال أبو جعفر : وكان يرفع يديه حين يكبر ويفتح ( 3 ) الصلاة
قال محمد : السنة أن يكبر الرجل في صلاته كلما خفض ( 4 ) وكلما رفع وإذا انحط ( 5 ) للسجود كبر وإذا انحط ( 6 ) للسجود الثاني كبر . فأما رفع اليدين في الصلاة فإنه يرفع اليدين ( 7 ) حذو الأذنين ( 8 ) في ابتداء الصلاة ( 9 ) مرة واحدة ثم لا يرفع ( 10 ) في شيء من الصلاة ( 11 ) بعد ذلك وهذا كله قول أبي حنيفة ( 12 ) - رحمه الله تعالى - وفي ذلك ( 13 ) آثار كثيرة ( 14 )
_________
( 1 ) هو نعيم المجمر بن عبد الله أبو عبد الله المدني وثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما
( 2 ) أبو جعفر القارئ : اسمه يزيد بن القعقاع المدني المخزومي وقيل : جندب بن فيروز وقيل : فيروز ثقة مات سنة سبع وعشرين ومائة وقيل : سنة ثلاثين كذا قال الزرقاني
( 3 ) في نسخة : يفتتح
( 4 ) كلما خفض وكلما رفع لما أخرجه الترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود : كان النبي صلى الله عليه و سلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر . وأخرجه أحمد والدارمي وإسحاق بن راهويه والطبراني وابن أبي شيبة . وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم : ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس وفي " الصحيحين " عن عمران بن حصين أنه صلى خلف علي بن أبي طالب بالبصرة فقال : ذكرنا هذا الرجل صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما خفض وفي الباب عن أبي موسى عند أحمد والطحاوي وابن عمر عند أحمد والنسائي وعبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور ووائل بن حجر عند ابن حبان وجابر عند البزار وغيرهم عند غيرهم
( 5 ) قوله : وإذا انحط ... إلخ مصرح به لكونه محل الخلاف أخذا مما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبزى أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان لا يتم التكبير قال أبو داود : ومعناه إذا رفع رأسه من الركوع وأراد أن يسجد لم يكبر وإذا قام من السجود لم يكبر . وأخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " وقال : فذهب قوم إلى هذا فكانوا لا يكبرون في الصلاة إذا خفضوا ويكبرون إذا رفعوا وكذلك كان بنو أمية يفعلون ذلك ( في الأصل : " يفعل ذلك " ) وخالفهم في ذلك آخرون فكبروا في الخفض والرفع جميعا فذهبوا في ذلك إلى ما تواترت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم . انتهى . ثم أخرج عن عبد الله بن مسعود قال : أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يكبر في كل خفض ورفع . وأخرج عن عكرمة قال : صلى بنا أبو هريرة فكان يكبر إذا رفع وإذا خفض فأتيت ابن عباس فأخبرته فقال : أوليس سنة أبي القاسم صلى الله عليه و سلم ؟ وأخرج عن أبي موسى قال : ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا كان يكبر كلما خفض ورفع وكلما سجد . وأخرج عن أنس : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر يتمون التكبير يكبرون إذا سجدوا وإذا رفعوا وإذا قاموا من الركعة . وأخرج عن أبي هريرة نحو ما أخرجه مالك ثم قال الطحاوي ( 1 / 130 ) : فكانت هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في التكبير في كل خفض ورفع أظهر من حديث عبد الرحمن بن أبزى ( ضعف الحافظ في الفتح 2 / 223 حديث عبد الرحمن بن أبزى وقال : وقد نفى البخاري في " التاريخ " عن أبي داود الطيالسي أنه قال : هذا عندنا باطل وقال الطبري والبزار : تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول : قال : وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمده . اهـ ) وأكثر تواترا وقد عمل بها أبو بكر وعمر وعلي وتواتر بها العمل إلى يومنا هذا . انتهى كلامه . وفي " الوسائل إلى معرفة الأوائل " للسيوطي : أول من نقص التكبير معاوية كان إذا قال : سمع الله لمن حمده انحط إلى السجود ولم يكبر أسنده العسكري عن الشعبي . وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم أنه قال : أول من نقص زياد . انتهى . وفي " الاستذكار " بعد ذكر حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى : ( إما نسيناها وإما تركناها عمدا ) وغير ذلك . هذا يدلك على أن التكبير في غير الإحرام لم يتلقه السلف من الصحابة والتابعين على الوجوب ولا على أنه من مؤكدات السنن بل قد قال قوم من أهل العلم : إن التكبير هو إذن بحركات الإمام وشعار الصلاة وليس بسنة إلا في الجماعة ولهذا ذكر مالك في هذا الباب حديثه عن علي بن حسين وأبي هريرة مرفوعين وعن ابن عمر وجابر فعلهما ليبين بذلك أن التكبير في كل خفض ورفع سنة مسنونة وإن لم يعمل بها بعض الصحابة فالحجة في السنة لا في ما خالفها . انتهى ملخصا ( الاستذكار 2 / 131 )
( 6 ) أي : انخفض
( 7 ) من دون مطأطأة الرأس عند التكبير كما يفعله بعض الناس فإنه بدعة ذكره محمد بن محمد الشهير بابن أمير الحاج في " حلبة المجلي شرح منية المصلي " ( في الأصل : " حلية المحلي " وهو تحريف )
( 8 ) قوله : حذو الأذنين لما روى مسلم عن وائل أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حين دخل في الصلاة حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ... الحديث . وأخرج أحمد وإسحاق بن راهويه والدارقطني والطحاوي عن البراء : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه . وأخرج الحاكم - وقال : صحيح على شرط الشيخين - والدارقطني والبيهقي عن أنس : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه ... الحديث . وأخرج أبو داود ومسلم والنسائي وغيرهم عن مالك بن الحويرث : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يبلغ بهما فروع أذنيه . ويعارض هذه الأحاديث رواية ابن عمر التي أخرجها مالك وأبو داود والنسائي ومسلم والطحاوي وغيرهم . وأخرج الجماعة إلا مسلما من حديث أبي حميد الساعدي : " رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه " . وأخرج أبو داود والطحاوي من حديث علي نحوه . وباختلاف الآثار اختلف العلماء فاختار الشافعي وأصحابه كما هو المشهور حذو المنكبين واختار أصحابنا حذو الأذنين وسلك الطحاوي على أن الرفع حذو المنكبين كان لعذر حيث أخرج عن وائل : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فرأيته يرفع يديه حذاء أذنيه إذا كبر وإذا ركع وإذا سجد ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس فكانوا يرفعون أيديهم فيها وأشار شريك الراوي عن عاصم عن كليب عن وائل إلى صدره ثم قال الطحاوي : فأخبر وائل في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم تحت ثيابهم فعملنا بالروايتين فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان تحت الثياب لعلة البرد إلى منتهى ما يستطاع إليه الرفع وهو المنكبان وإذا كانا باديتين رفعهما إلى الأذنين وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد . انتهى . وقال العيني في " البناية " : لا حاجة إلى هذه التكلفات وقد صح الخبر في ما قلنا وفي ما قاله الشافعي فاختار الشافعي حديث أبي حميد واختار أصحابنا حديث وائل وغيره وقد قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " وهو تحريف ) بن عبد البر : اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن الصحابة ومن بعدهم فروي عنه عليه السلام الرفع فوق الأذنين وروي عنه أنه كان يرفع حذاء الأذنين وروي عنه حذو منكبيه وروي عنه إلى صدره وكلها آثار مشهورة محفوظة وهذا يدل على التوسعة في ذلك . انتهى ( قال الشيخ في الأوجز 2 / 42 : الاختلاف فيه كأنه لفظي لأن ابن الهمام من الحنفية قال : لا تعارض بين الروايتين ) وفي " شرح مسند الإمام " لعلي القاري : الأظهر أنه صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه من غير تقييد إلى هيئة خاصة فأحيانا كان يرفع إلى حيال منكبيه وأحيانا إلى شحمتي أذنيه . انتهى
( 9 ) قوله : في ابتداء الصلاة إما قبل التكبير كما أخرجه النسائي عن ابن عمر : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر . وأخرج ابن حبان عن أبي حميد : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم قال : الله أكبر . وإما مع التكبير كما أخرجه أبو داود عن وائل : أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه مع التكبير . وإما بعد التكبير كما أخرجه مسلم عن أبي قلابة : أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ثم رفع يديه وحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل هكذا . والكل واسع ثابت إلا أنه رجح أكثر مشائخنا ( والأصح عند الشافعية والمالكية المقارنة وفي المغني عند الحنابلة المقارنة كذا في الأوجز 2 / 43 ) تقديم الرفع
( 10 ) قوله : ثم لا يرفع : ولو رفع لا تفسد صلاته كما في " الذخيرة " وفتاوى الولوالجي وغيرهما من الكتب المعتمدة وحكى بعض أصحابنا عن مكحول النسفي أنه روي عن أبي حنيفة فساد الصلاة به واغتر بهذه الرواية أمير الكاتب الإتقاني صاحب " غاية البيان " فاختار الفساد وقد رد عليه السبكي في عصره أحسن رد كما ذكره ابن حجر في " الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة " وصنف محمود بن أحمد بن مسعود القونوي الحنفي رسالة نفيسة في إبطال قول الفساد وحقق فيها أن رواية مكحول شاذة مردودة وأنه رجل مجهول لا عبرة لروايته وقد فصلت في هذا الباب تفصيلا حسن في ترجمة مكحول في كتاب : " طبقات الحنفية " المسمى بالفوائد البهية في تراجم الحنفية فليرجع إليه
( 11 ) أي : في جزء من أجزاء الصلاة
( 12 ) قوله : قول أبي حنيفة ووافقه في عدم الرفع إلا مرة الثوري والحسن بن حي وسائر فقهاء الكوفة قديما وحديثا وهو قول ابن مسعود وأصحابه وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي : لا نعلم مصرا من الأمصار تركوا بإجماعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع إلا أهل الكوفة واختلفت الرواية فيه عن مالك فمرة قال : يرفع ومرة قال : لا يرفع وعليه جمهور أصحابه وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور وابن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وجماعة أهل الحديث بالرفع إلا أن منهم من يرفع عند السجود أيضا ومنهم من لا يرفع عنده . وروي الرفع في الرفع والخفض عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وأبو الدرداء وأنس وابن عباس وجابر وروى الرفع عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو ثلاثة وعشرين رجلا من الصحابة كما ذكره جماعة من أهل الحديث كذا في " الاستذكار " ( 2 / 123 - 125 ) لابن عبد البر . وذكر السيوطي في رسالته " الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة " أن حديث الرفع متواتر ( قال في " نيل الفرقدين " ص 22 : إن الرفع متواتر إسنادا وعملا ولا يشك فيه ولم ينسخ ولا حرف منه وإنما بقي الكلام في الأفضلية وصرح أبو بكر الجصاص في " أحكام القرآن " أنه من الاختلاف المباح وفي ص 123 : حكى ذلك من الحافظ أبي عمر ( أي : ابن عبد البر ) من المالكية ومن الحافظ ابن تيمية والحافظ ابن القيم من الحنابلة . وأما الترك فأحاديثه قليلة ومع هذا هو ثابت بلا مرية وهو متواتر عملا لا إسنادا عند أهل الكوفة وقد كان في سائر البلاد تاركون وكثير من التاركين في المدينة في عهد مالك وعليه بنى مختاره وكان أكثر أهل مكة يرفعون فبنى عليه الشافعي . " معارف السنن " 2 / 459 ) عن النبي صلى الله عليه و سلم أخرجه الشيخان عن ابن عمر ومالك بن الحويرث ومسلم عن وائل بن حجر والأربعة عن علي وأبو داود عن سهل بن سعد وابن الزبير وابن عباس ومحمد بن مسلمة وأبي أسيد وأبي قتادة وأبي هريرة وابن ماجه عن أنس وجابر وعمير الليثي وأحمد عن الحكم بن عمير والبيهقي عن أبي بكر رضي الله عنه والبراء والدار قطني عن عمر . وأبي موسى والطبراني عن عقبة بن عامر ومعاذ بن جبل
( 13 ) أي : في عدم رفع اليدين إلا مرة
( 14 ) قوله : آثار كثيرة عن جماعة من الصحابة : منهم ابن عمر وعلي وابن مسعود كما أخرجه المؤلف وسيأتي ذكر مالها وما عليها . ومنهم : عمر بن الخطاب روى الطحاوي والبيهقي من حديث الحسن بن عياش عن عبد الملك بن الحسن عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود قال : رأيت عمر يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود ورأيت إبراهيم والشعبي يفعلان ذلك . قال الطحاوي : فهذا عمر لم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى والحديث صحيح لأن الحسن بن عياش وإن كان هذا الحديث دار عليه فإنه ثقة حجة وذكر ذلك يحيى بن معين وغيره . انتهى
واعترضه الحاكم على ما نقله الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " بأنها رواية شاذه لا يعارض بها الأخبار الصحيحة عن طاووس عن كيسان عن ابن عمر أن عمر ( في معارف السنن 2 / 470 ، قال : أعله المحدثون وصححوه عن ابن عمر عنه صلى الله عليه و سلم ولم يثبت عن عمر غير هذا ) كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه انتهى . ومنهم أبو سعيد الخدري وأخرج البيهقي عن سوار بن مصعب عن عطية العوفي أن أبا سعيد الخدري وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أول ما يكبران ثم لا يعودان . وأعله البيهقي بأن عطية سيئ الحال وسوار أسوأ منه قال البخاري : سوار منكر الحديث وعن ابن معين غير محتج به . ويخالف هذا الأثر ما أخرجه البيهقي عن ليث عن عطاء قال : رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد وابن عباس وابن الزبير وأبا هريرة يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة وإذا ركعوا وإذا رفعوا . وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه وأخرج أيضا عن سعيد بن المسيب قال : رأيت عمر يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع . وفي سنده من استضعف . ومنهم عبد الله بن الزبير كما حكاه صاحب " النهاية " وغيره من شراح " الهداية " أنه رأى رجلا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع وعند الرفع فقال له : لا تفعل فإن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم تركه لكن هذا الأثر لم يجده المخرجون المحدثون مسندا في كتب الحديث مع أنه أخرج البخاري في رسالة " رفع اليدين " عن عبد الله بن الزبير أنه كان يرفع يديه عند الخفض والرفع وكذا أخرجه عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وجابر وأبي هريرة وأنس أنهم كانوا يرفعون أيديهم . وأخرج البيهقي عن الحسين قال : سألت طاووسا عن رفع اليدين في الصلاة فقال : رأيت عبد الله بن عباس وابن الزبير وابن عمر يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة وإذا ركعوا وإذا سجدوا . وأخرج أيضا عن عبد الرزاق قال : ما رأيت أحسن صلاة من ابن جريج رأيته يرفع يديه إذا افتتح وإذا رفع . وأخذ ابن جريج صلاته عن عطاء بن أبي رباح وأخذ عطاء عن عبد الله بن الزبير وأخذ ابن الزبير عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه . ومنهم ابن عباس حكى عنه بعض أصحابنا أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك . لكنه أثر لم يثبته المحدثون والثابت عندهم خلافه قال ابن الجوزي في " التحقيق " بعد ذكر ما حكاه أصحابنا عن ابن عباس وابن الزبير : هذان الحديثان لا يعرفان أصلا وإنما المحفوظ عنهما خلاف ذلك فقد أخرج أبو داود عن ميمون أنه رأي ابن الزبير يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد وحين ينهض للقيام فانطلقت إلى ابن عباس فقلت " إني رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحدا يصليها فوصفت له فقال : أن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير . انتهى . ورده العيني بأن قوله : لا يعرفان لا يستلزم عدم معرفة أصحابنا هذا ودعوى النافي ليست بحجة على المثتب وأصحابنا أيضا ثقات لا يرون الاحتجاج بما لم يثبت عندهم صحته . انتهى . وفيه نظر ظاهر فإنه ما لم يوجد سند أثر ابن عباس وابن الزبير في كتاب من كتب الأحاديث المعتبرة كيف يعتبر به بمجرد حسن الظن بالناقلين مع ثبوت خلافه عنهما بالأسانيد العديدة . ومنهم أبو بكر الصديق أخرج الدار قطني وابن عدي عن محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة . وفيه محمد بن جابر متكلم فيه ويخالفه ما أخرجه أبو داود عن ميمون كما مر نقلا عن " التحقيق " . ومنهم العشرة المبشرة كما حكى بعض أصحابنا عن ابن عباس أنه قال : لم يكن العشرة المبشرة يرفعون أيديهم إلا عند الافتتاح ذكره الشيخ عبد الحق الدهلوي في " شرح سفر السعادة " ولا عبرة بهذا الأثر ما لم يوجد سنده عند مهرة الفن مع ثبوت خلافه في كتب الحديث مما يؤيد عدم الرفع من الأخبار المرفوعة ما أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وأبو داود عن علقمة قال : قال عبد الله بن مسعود : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى فيم يرفع يديه إلا أول مرة . وأخرج أبو داود عن البراء : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب أذنيه ثم لا يعود . وأخرج البيهقي من حديث ابن عمر وعباد بن الزبير مثله . وللمحدثين على طرق هذه الأخبار كلمات تدل على عدم صحتها لكن لا يخفى على الماهر أن طرق حديث ابن مسعود تبلغ درجة الحسن
والقدر المتحقق في هذا الباب هو ثبوت الرفع وتركه كليهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن رواة الرفع من الصحابة جم غفير ورواة الترك جماعة قليلة مع عدم صحة الطرق عنهم إلا عن ابن مسعود وكذلك ثبت الترك عن ابن مسعود وأصحابه بأسانيد محتجة بها فإذن نختار أن الرفع ليس بسنة مؤكدة يلام تاركها إلا أن ثبوته عن النبي صلى الله عليه و سلم أكثر وأرجح . وأما دعوى نسخه كما صدر عن الطحاوي مغترا بحسن الظن بالصحابة التاركين وابن الهمام والعيني وغيرهم من أصحابنا فليست بمبرهن عليها بما يشفي العليل ويروي الغليل

105 - قال محمد : أخبرنا محمد بن أبان بن صالح عن عاصم بن كليب ( 1 ) الجرمي عن أبيه قال : رأيت على بن أبي طالب ( 2 ) رفع يديه في التكبيرة الأولى ( 3 ) من الصلاة المكتوبة ولم يرفعهما فيما سوى ذلك
_________
( 1 ) قوله : عن عاصم بن كليب هو عاصم بن كليب مصغرا ابن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي روى عن أبيه وأبي بريدة وعلقمة بن وائل بن حجر وغيرهم وعنه شعبة والسفيانان وغيرهم وثقه النسائي وابن معين وقال أبو داود : كان من أفضل أهل الكوفة وذكره ابن حبان في الثقات وأرخ وفاته سنة 137 هـ . وأبوه كليب بن شهاب ثقة كذا في " تهذيب التهذيب " و " الكاشف " وفي " أنساب السمعاني " : الجرمي : بفتح الجيم وسكون الراء المهملة نسبة إلى جرم قبيلة باليمن ومنها من الصحابة : شهاب بن المجنون الجرمي جد عاصم بن كليب
( 2 ) قوله : رأيت على بن أبي طالب كذا أخرجه الطحاوي عن أبي بكر النهشلي عن عاصم عن أبيه أن عليا كان يرفع في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يعود وقال الدارقطني في " علله " : اختلف علي أبي بكر النهشلي فيه فرواه عبد الرحيم بن سليمان عنه عن عاصم عن أبيه مرفوعا ووهم في رفعه وخالفه جماعة من الثقات : منهم عبد الرحمن بن مهدي وموسى بن داود وأحمد بن يونس وغيرهم . فرووه عن أبي بكر النهشلي موقوفا على علي وهو الصواب . وكذلك رواه محمد بن أبان عن عاصم موقوفا . انتهى . وقال عثمان بن سعيد الدارمي : قد روي من طرق واهية عن علي أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود وهذا ضعيف إذ لا يظن بعلي أنه يختار فعله على فعل النبي صلى الله عليه و سلم وهو قد روي عنه أنه كان يرفع يديه عند الركوع والرفع . انتهى . وتعقبه ابن دقيق العيد في " الإمام " بأن ما قاله ضعيف فإنه جعل روايته مع حسن الظن بعلي في ترك المخالفة دليلا على ضعف هذه الرواية وخصمه يعكس الأمر ويجعل فعل علي رضي الله عنه بعد الرسول دليلا على نسخ ما تقدم انتهى . وذكر الطحاوي بعد روايته عن علي : لم يكن علي ليرى النبي صلى الله عليه و سلم يرفع ثم يتركه إلا وقد ثبت عنده نسخه . انتهى
وفيه نظر فقد يجوز أن يكون ترك علي وكذا ترك ابن مسعود وترك غيرهما من الصحابة إن ثبت عنهم لأنهم لم يروا الرفع سنة مؤكدة يلزم الأخذ بها ولا ينحصر ذلك في النسخ بل لا يعتبر بنسخ أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمجرد حسن الظن بالصحابي مع إمكان الجمع بين فعل الرسول وفعله
( 3 ) عند افتتاح الصلاة

106 - قال محمد أخبرنا محمد بن أبان بن صالح عن حماد عن إبراهيم النخعي قال : لا ترفع يديك في شيء من الصلاة بعد التكبيرة الأولى

107 - قال محمد : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ( 1 ) أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ( 2 ) قال : دخلت أنا وعمرو بن مرة ( 3 ) على إبراهيم النخعي قال عمرو : حدثني علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه ( 4 ) : أنه صلى مع رسول الله فرآه يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع ( 5 ) قال إبراهيم : ما أدري ( 6 ) لعله لم ير النبي صلى الله عليه و سلم يصلي إلا ذلك اليوم فحفظ هذا ( 7 ) منه ولم يحفظه ابن مسعود وأصحابه ( 8 ) ما سمعته ( 9 ) من أحد منهم إنما كانوا يرفعون أيديهم في بدء ( 10 ) الصلاة حين يكبرون
_________
( 1 ) قوله : يعقوب بن إبراهيم هو الإمام أبو يوسف القاضي صاحب الإمام أبي حنيفة قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " : القاضي أبو يوسف فقيه العراقيين يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي صاحب أبي حنيفة سمع هشام بن عروة وأبا إسحاق الشيباني وعطاء بن السائب وطبقتهم . وعنه محمد بن الحسن الفقيه وأحمد بن حنبل وبشر بن الوليد ويحيى بن معين نشأ في طلب العلم وكان أبوه فقيرا فكان أبو حنيفة يتعاهده قال المزني : هو أتبع القوم للحديث . وقال يحيى بن معين : ليس في أصحاب الرأي أحد أكثر حديثا ولا أثبت من أبي يوسف وقال أحمد : كان منصفا في الحديث مات في ربيع الآخر سنة 182 هـ عن سبعين سنة إلا سنة وله أخبار في العلم والسيادة قد أفردته وأفردت صاحبه محمد بن الحسن في جزء وأكبر شيخ له حصين بن عبد الرحمن . انتهى ملخصا . وله ترجمة طويلة في " أنساب السمعاني " قد ذكرته في مقدمة هذه الحواشي وذكرت ترجمته أيضا في " مقدمة الهداية " وفي " النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير " وفي " الفوائد البهية في تراجم الحنفية "
( 2 ) قوله : أخبرنا حصين بن عبد الرحمن هو حصين بالضم ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي أبو الهذيل ابن عم منصور بن المعتمر حدث عن جابر بن سمرة وعمارة بن رويبة وابن أبي ليلى وأبي وائل وعنه شعبة وأبو عوانة وآخرون كان ثقة حجة حافظا عالي الإسناد . قال أحمد : حصين ثقة مأمون من كبار أصحاب الحديث عاش ثلاثا وتسعين سنة ومات سنة 136 هـ كذا في " تذكرة الحفاظ "
( 3 ) قوله : وعمرو بن مرة هو أبو عبد الله عمرو بالفتح بن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله بن طارق بن الحارث بن صلمة بن كعب بن وائل بن جمل بن كنانة بن ناجية بن مراد الجملي المرادي الكوفي الأعمى . روى عن عبد الله بن أبي أوفى وأبي وائل وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن ميمون الأودي وسعيد بن جبير ومصعب بن سعد والنخعي وغيرهم وعنه ابنه عبد الله وأبو إسحاق السبيعي والأعمش ومنصور وحصين ابن عبد الرحمن والثوري وشعبة وغيرهم . قال ابن معين : ثقة وأبو حاتم : صدوق ثقة وشعبة : كان أكثرهم علما وما رأيت أحدا من أصحاب الحديث إلا يدلس إلا ابن عون وعمرو بن مرة ومسعر لم يكن بالكوفة أحب إلي ولا أفضل منه ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " وقال : كان مرجئا مات سنة 116 هـ وثقه ابن نمير ويعقوب بن سفيان كذا في " تهذيب التهذيب " و " الكاشف " و " تذكرة الحفاظ " وقد أخطأ القاري حيث قال : دخلت أنا وعمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء يكنى أبا مريم الجهني شهد أكثر المشاهد وسكن الشام مات في أيام معاوية وروى عنه جماعة كذا في " اسماء رجال المشكاة " لصاحب المشكاة في فصل الصحابة . انتهى كلامه . وجه الخطأ من وجوه :
أحدها : أنه لو كان الداخل على النخعي مع حصين عمرو بن مرة الصحابي لذكر رؤيته الرفع أو عدمه فإنه صحب النبي صلى الله عليه و سلم وشهد معه المشاهد وصلى معه غير مرة فكيف يصح أن يروي عن وائل بواسطة ابنه الرفع ثم يسكت على رد النخعي بفعل ابن مسعود وروايته ولا يذكره ما رآه رفعا كان أو غير رفع ؟
ثانيها : عن ( في الأصل : " عن " وهي زائدة ) عمرو بن مرة هذا لم يذكره أحد من نقاد الرجال في ما علمنا من جملة الرواة عن علقمة بن وائل
وثالثها : أنه لم يذكره أحد في علمنا ممن روى عنه حصين بل المذكور في شيوخ حصين ورواة علقمة هو الذي ذكرناه
ورابعها : أن هذا الصحابي مات في أيام معاوية ووفاة معاوية كانت سنة ستين أو تسع وخمسين على ما في " استعياب ابن عبد البر " وغيره من كتب أخبار الصحابة فلا بد أن يكون وفاة عمرو بن مرة قبله وقد ذكر ابن حبان في " كتاب الثقات " أن ولادة إبراهيم النخعي سنة خمسين وكذا ذكره غيره فعلى هذا يكون النخعي يوم موت معاوية ابن تسع أو عشر سنين وعند موت عمرو بن مرة الجهني أصغر منه فهل يتصور أن يحضر عمرو بن مرة عند هذا الصبي صغير السن بكثير ويروي عنده الرفع عن علقمة عن أبيه ويرد عليه هذا الصبي ؟ وأما الحوالة إلى " أسماء رجال المشكاة " فلا تنفع فإنه لم يذكر صاحب " المشكاة " أن عمرو بن مرة أينما ذكره هو هذا بل إنما هو عمرو بن مرة المذكور في " المشكاة " وإني أتعجب من العلامة القاري كيف يخطئ خطأ كثيرا في تعيين الرواة في شرحه " الموطأ " وشرحه لمسند الإمام الأعظم وغيرهما مع جلالته وتوغله في فنون الحديث ومتعلقاته والله يسامح عنا وعنه
( 4 ) قوله : عن أبيه أي : وائل الحضرمي بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة نسبة إلى حضرموت بلدة في اليمن وكان وائل بن حجر - بضم الحاء المهملة وسكون الجيم - ملكا عظيما بها فلما بلغه ظهور النبي صلى الله عليه و سلم ترك ملكه ونهض إليه فبشر النبي صلى الله عليه و سلم بقدومه قبل قدومه بثلاثة أيام ولما قدم قربه من مجلسه وقال : هذا وائل أتاكم من أرض اليمن - أرض بعيدة - طائعا غير مكره راغبا في الله ورسوله اللهم بارك في وائل وولده ثم أقطع له أرضا كانت وفاته في إمارة معاوية حدث عنه بنوه علقمة وعبد الجبار كذا في " أنساب السمعاني " . وفي " جامع الأصول " لابن الأثير : أبو هنيدة وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل الحضرمي كان قيلا من أقيال حضرموت وأبوه كان من ملوكهم وفد على النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم وبشر به قبل قدومه . انتهى . وفي " تهذيب التهذيب " : علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي الكندي الكوفي روى عن أبيه والمغيرة بن شعبة وطارق بن سويد وعنه أخوه عبد الجبار وابن أخيه سعيد وعمرو بن مرة وسماك بن حرب وغيرهم ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال ابن سعد : كان ثقة قليل الحديث . وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال : علقمة عن أبيه مرسل . انتهى
( 5 ) رأسه من الركوع
( 6 ) قوله : ما أدري ... إلخ استبعاد من إبراهيم النخعي رواية وائل بأن ابن مسعود كان صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم في السفر والحضر ومصاحبته أتم وأزيد من مصاحبة وائل فكيف يعقل أن يحفظ رفع اليدين وائل ولا يحفظ ابن مسعود فلو كان رفع اليدين من رسول الله صلى الله عليه و سلم لحفظه ابن مسعود ولم يتركه مع أنه لم يرفع إلا مرة ولم يرو الرفع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بل روي عنه تركه وهذا الأثر عن النخعي قد أخرجه الدارقطني أيضا عن حصين قال : دخلنا على إبراهيم النخعي فحدثه عمرو بن مرة قال : صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه حين يفتتح وإذا ركع وإذا سجد فقال إبراهيم : ما رأى أباه رسول الله إلا ذلك اليوم فحفظ عنه ذلك وعبد الله بن مسعود لم يحفظه إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة . ورواه أبو يعلى في " مسنده " ولفظه : أحفظ وائل ونسي ابن مسعود ولم يحفظه ؟ إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة . وأخرجه الطحاوي عن حصين عن عمرو بن مرة قال : دخلت مسجد حضرموت فإذا علقمة بن وائل يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه قبل الركوع وبعده فذكرت ذلك لإبراهيم فغضب وقال : رآه هو لم يره ابن مسعود ولا أصحابه . وأخرج عن المغيرة قال : قلت لإبراهيم : حدث وائل أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا افتتح وإذا ركع وإذا رفع ؟ فقال : إن كان رآه مرة يفعل فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك . وههنا أبحاث :
الأول : ما نقله البيهقي في كتاب " المعرفة " عن الشافعي أنه قال : الأولى أن يؤخذ بقول وائل لأنه صحابي جليل فكيف يرد حديثه بقول رجل ممن هو دونه ؟
والثاني : ما قاله البخاري في رسالة " رفع اليدين " : إن كلام إبراهيم هذا ظن منه لا يرفع به رواية وائل بل أخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فرفع يديه وكذلك رأى أصحابه غير مرة يرفعون أيديهم كما بينه زائدة فقال : نا عاصم نا أبي عن وائل بن حجر : أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فرفع يديه في الركوع وفي الرفع منه قال : ثم أتيتهم بعد ذلك فرأيت الناس في زمان برد عليهم جل الثياب تتحرك أيديهم من تحت الثياب
والثالث : ما نقله الزيلعي عن الفقيه أبي بكر بن إسحاق أنه قال : ما ذكره إبراهيم علة لا يساوي سماعها لأن رفع اليدين قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم عن الخلفاء الراشدين ثم الصحابة والتابعين وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب فقد نسي من القرآن ما لم يختلف فيه المسلمون فيه وهو المعوذتان ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق في الركوع وقيام الاثنين خلف الإمام ونسي كيفية جمع النبي صلى الله عليه و سلم بعرفة ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود ونسي كيف قرأ رسول الله : { وما خلق الذكر والأنثى } وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين ؟ انتهى
والرابع : أن وائلا ليس بمتفرد في رواية الرفع عن النبي صلى الله عليه و سلم بل قد اشترك معه جمع كثير كما مر ذكره سابقا بل ليس في الصحابة من روى ترك الرفع فقط إلا ابن مسعود وأما من عداهم فمنهم من لم ترو عنه إلا رواية الرفع ومنهم من روى عنه حديث الرفع وتركه كليهما كابن عمر والبراء إلا أن أسانيد رواية الرفع أوثق وأثبت فعند ذلك لو عورض كلام إبراهيم بأنه يستبعد أن يكون ترك الرفع حفظه ابن مسعود فقط ولم يحفظه من عداه من أجلة الصحابة الذين كانو مصاحبين لرسول الله صلى الله عليه و سلم مثل مصاحبة ابن مسعود أو أكثر لكان له وجه
والخامس : أنه لا يلزم من ترك ابن مسعود الرفع وأصحابه عدم ثبوت رواية وائل فيجوز أن يكون تركهم لأنهم رأوا الرفع غير لازم لا لأنه غير ثابت أو لأنهم رجحوا أحد الفعلين الثابتين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الرفع والترك فداوموا عليه وتركوا الآخر ولا يلزم منه بطلان الآخر
السادس : أنه قد أخذ ابن مسعود بالتطبيق في الركوع وداوم عليه أصحابه وكذلك أخذوا بقيام الإمام في الوسط إذا كان من يقتدي به اثنين مع ثبوت ترك ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن جمهور أصحابه بعده بأسانيد صحاح . فلم لا يعتبر فعل ابن مسعود في هذين الأمرين . وأمثال ذلك ؟
فما هو الجواب هناك هو الجواب ههنا ( قد رد الحافظ ابن التركماني جميع إيرادات البيهقي في الجوهر النقي 1 / 139 - 140 ، فارجع إليه ) والإنصاف في هذا المقام أنه لا سبيل إلى رد روايات الرفع برواية ابن مسعود وفعله وأصحابه ودعوى عدم ثبوت الرفع ولا إلى رد روايات الترك بالكلية ودعوى عدم ثبوته ولا إلى دعوى نسخ الرفع ما لم يثبت ذلك بنص عن الشارع بل يوفى كل من الأمرين حظه ويقال : كل منهما ثابت وفعل الصحابة والتابعين مختلف وليس أحدهما بلازم يلام تاركه مع القول برجحان ثبوت الرفع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
( 7 ) أي : الرفع
( 8 ) قال القاري : أي : وسائر أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم . انتهى . وفيه ما فيه والظاهر أن ضمير أصحابه راجح إلى ابن مسعود
( 9 ) أي : الرفع
( 10 ) البد بالفتح الإبتداء

108 - قال محمد : أخبرنا محمد بن أبان بن صالح عن عبد العزيز بن حكيم ( 1 ) قال : رأيت ابن عمر ( 2 ) يرفع يديه حذاء أذنيه في أول تكبيرة افتتاح الصلاة ولم يرفعهما فيما سوى ذلك ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : عن عبد العزيز بن حكيم ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " ( انظر ترجمته في كتاب الثقات 5 / 125 ، والتاريخ الكبير : 3 / 2 / 11 ) حيث قال : عبد العزيز بن حكيم الحضرمي كنيته أبو يحيى يروي عن ابن عمر عداده في أهل الكوفة روى عنه الثوري وإسرائيل مات بعد سنة 130 هـ وهو الذي يقال له ابن أبي حكيم . انتهى . وفي " ميزان الاعتدال " قال ابن معين : ثقة وقال أبو حاتم : ليس بالقوي
( 2 ) قوله : قال : رأيت ابن عمر ... إلخ المشهور في كتب أصول أصحابنا أن مجاهدا قال : صحبت ابن عمر عشر سنين فلم أره ( في الأصل : " فلم أر " والظاهر : " فلم أره " ) يرفع يديه إلا مرة . وقالوا : قد روى ابن عمر حديث الرفع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وتركه والصحابي الراوي إذا ترك مرويا ظاهرا في معناه غير محتمل للتأويل يسقط الاحتجاج بالمروي وقد روى الطحاوي من حديث أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد أنه قال : صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة ثم قال : فهذا ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه و سلم يرفع ثم قد ترك هو الرفع بعد النبي صلى الله عليه و سلم ولا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخه
وههنا أبحاث : الأول : مطالبته إسناد ما نقلوه عن مجاهد من أنه صحب عشر سنين ولم ير ابن عمر فيها يرفع يديه إلا في التكبير الأول
والثاني : المعارضة بخبر طاووس وغيره من الثقات أنهم رأوا ابن عمر يرفع
والثالث : أن في طريق الطحاوي أبو بكر بن عياش وهو متكلم فيه لا توازي روايته رواية غيره من الثقات . قال البيهقي في كتاب " المعرفة " بعد ما أخرج حديث مجاهد من طريق ابن عياش قال البخاري : أبو بكر بن عياش اختلط بآخره وقد رواه الربيع وليث وطاووس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا : رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع وكان يرويه أبو بكر قديما عن حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود مرسلا موقوفا أن ابن مسعود كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يرفعهما بعد وهذا هو المحفوظ عن أبي بكر بن عياش والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات عن ابن عمر . انتهى
فإن قلت آخذا من " شرح معاني الآثار " أنه يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رآه طاووس قبل أن يقوم الحجة بنسخه ثم لما ثبت الحجة بنسخه عنده تركه وفعل ما ذكره مجاهد قلت : هذا مما لا يقوم به الحجة فإن لقائل أن يعارض ويقول : يجوز أن يكون فعل ابن عمر ما رواه مجاهد قبل أن تقوم الحجة بلزوم الرفع ثم لما ثبتت عنده التزم الرفع على أن احتمال النسخ احتمال من غير دليل فلا يسمع . فإن قال قائل : الدليل هو خلاف الراوي مرويه قلنا : لا يوجب ذلك النسخ كما مر
والثالث : وهو أحسنها أنا سلمنا ثبوت الترك عن ابن عمر لكن يجوز أن يكون تركه لبيان الجواز أو لعدم رؤيته الرفع سنة لازمة فلا يقدح ذلك في ثبوت الرفع عنه وعن رسول الله صلى الله عليه و سلم
الرابع : أن ترك الراوي مرويه إنما يكون مسقطا للاحتجاج عند الحنفية إذا كان خلافه بيقين كما هو مصرح في كتبهم وههنا ليس كذلك لجواز أن يكون الرفع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حمله ابن عمر على العزيمة وترك أحيانا بيانا للرخصة فليس تركه خلافا لروايته بيقين
الخامس : أنه لا شبهة في أن ابن عمر قد روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث الرفع بل ورد في بعض الروايات عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع وكان لا يفعل ذلك في السجود فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله أخرجه البيهقي . ولا شك أيضا في أنه ثبت عن ابن عمر بروايات الثقات فعل الرفع وورد عنه برواية مجاهد وعبد العزيز بن حكيم الترك فالأولى أن يحمل الترك المروي عنه على وجه يستقيم ثبوت الرفع منه ولا يخالف روايته أيضا إلا أن يجعل تركه مضادا لفعله ومسقطا للأمر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بروايته ورواية غيره
( 3 ) أي : في الركوع والرفع وغير ذلك

109 - قال محمد : أخبرنا أبو بكر بن عبد الله النهشلي ( 1 ) عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه - وكان ( 2 ) من أصحاب علي - : أن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى التي يفتتح بها الصلاة ثم لا يرفعهما في شيء من الصلاة
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا أبو بكر بن عبد الله النهشلي نسبة إلى بني نهشل بفتح النون وسكون الهاء وفتح الشين المعجمة بعدها لام قبيلة . ذكره السمعاني في " الأنساب " . وفي " التقريب " و " الكاشف " : أبو بكر النهشلي الكوفي قيل : اسمه عبد الله بن قطاف أو ابن أبي قطاف وقيل : وهب وقيل : معاوية صدوق ثقة توفي سنة 166 . انتهى . لعله هو
( 2 ) الضمير إلى كليب

110 - قال محمد : أخبرنا الثوري حدثنا حصين عن إبراهيم ( 1 ) عن ابن مسعود : أنه كان يرفع ( 2 ) يديه إذا افتتح الصلاة
_________
( 1 ) هو : إبراهيم بن يزيد النخعي
( 2 ) قوله : أنه كان يرفع ... إلخ أخرجه الطحاوي من طريق حصين عن إبراهيم قال : كان عبد الله لا يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا في الافتتاح . وقال : فإن قالوا ما ذكرتموه عن إبراهيم عن عبد الله غير متصل قيل لهم : كان إبراهيم إذا أرسل عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده وتواتر الرواية عن عبد الله قد قال له الأعمش : إذا حدثتني فأسند فقال : إذا قلت لك : قال عبد الله فلم أقل ذلك حتى حدثنيه جماعة عن عبد الله وإذا قلت : حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني حدثنا بذلك إبراهيم بن مرزوق قال : نا ابن وهب أو بشر بن عمر - شك أبو جعفر الطحاوي - عن سعيد عن الأعمش بذلك فكذلك هذا الذي أرسله إبراهيم عن عبد الله لم يرسله إلا ومخرجه عنده أصح من مخرج ما يرويه رجل بعينه عن عبد الله . انتهى كلامه
وفي " الاستذكار " لابن عبد البر : لم يرو عن أحد من الصحابة ترك الرفع ممن لم يختلف عنه فيه إلا ابن مسعود وحده . وروى الكوفيون عن علي مثل ذلك وروى المدنيون عنه الرفع من حديث عبيد الله بن أبي رافع . وكذلك اختلف عن أبي هريرة فروى عنه أبو جعفر القاري ونعيم المجمر أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ويكبر في كل خفض رفع ويقول : أنا أشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى عنه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه كان يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه وهذه الرواية أولى لما فيها من الزيادة . وروى الرفع عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام منهم القاسم بن محمد والحسن وسالم وابن سيرين وعطاء وطاووس ومجاهد ونافع مولى ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وابن أبي نجيح وقتادة . انتهى ملخصا
فائدة : قال صاحب " الكنز المدفون والفلك المشحون " : وقفت على كتاب لبعض المشايخ الحنفية ذكر فيها مسائل خلاف ومن عجائب ما فيه الاستدلال على ترك رفع اليدين في الانتقالات بقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة } ( سورة النساء : آية 77 ) وما زلت أحكي ذلك لأصحابنا على سبيل التعجب إلى أن ظفرت في " تفسير الثعلبي " بما يهون عنده هذا العظيم وذلك أنه حكى في سورة الأعراف عن التنوخي القاضي أنه قال في قوله تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } ( سورة الأعراف : آية 31 ) : إن المراد بالزينة رفع اليدين في الصلاة . فهذا في هذا الطرف وذاك في الطرف الآخر

34 - ( باب القراءة في الصلاة خلف الإمام ( 1 ) )
_________
( 1 ) قوله : خلف الإمام اختلف فيه العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أقوال : الأول : أنه يقرأ مع الإمام في ما أسر ولا يقرأ في ما جهر وإليه ذهب مالك وبه قال سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عتبة بن مسعود وسالم بن عبد الله بن عمر وابن شهاب وقتادة وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق والطبري إلا أن أحمد قال : إن سمع في الجهرية لا يقرأ وإلا قرأ . واختلف عن علي وعمر وابن مسعود فروي عنهم أن المأموم لا يقرأ وراء الإمام لا في ما أسر ولا في ما جهر وروي عنهم أنه يقرأ في ما أسر لا في ما جهر وهو أحد قولي الشافعي كان يقوله بالعراق وهو المروي عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمر
والثاني : أنه يقرأ بأم الكتاب في ما جهر وفي ما أسر وبه قال الشافعي بمصر وعليه أكثر أصحابه والأوزاعي والليث بن سعد وأبو ثور . وهو قول عبادة بن الصامت وعبد الله بن عباس واختلف فيه عن أبي هريرة وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والحسن البصري ومكحول
والثالث : أنه لا يقرأ شيئا في ما جهر ولا في ما أسر وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول جابر بن عبد الله وزيد بن ثابت وروي ذلك عن علي وابن مسعود . وبه قال الثوري وابن عيينة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وإبراهيم النخعي وأصحاب ابن مسعود كذا ذكره ابن عبد البر في " الاستذكار " و " التمهيد "
وأما حجة أصحاب القول الأول فاستدلوا بقوله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } ( سورة الأعراف : رقم الآية 204 ) وقالوا : إن نزوله كان في شأن القراءة خلف الإمام ( وذكر الزيلعي أخبارا في أن هذه الأية نزلت في القراءة خلف الإمام 1 / 432 ) فقد أخرج ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم فقرأ خلفه قوم فخلطوا عليه فنزلت هذه الآية . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قرأ في الصلاة أجابه من وراءه إذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم قالوا مثل ما يقول حتى تنقضي فاتحة الكتاب والسورة فنزلت . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال : قرأ رجل من الأنصار خلف النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت . وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في كتاب " القراءة " عن عبد الله بن مغفل : أنه سئل : أكل من سمع القرآن وجب عليه الاستماع والإنصات ؟ قال : إنما أنزلت هذه الآية : { فاستمعوا له وأنصتوا } في قراءة الإمام . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود : أنه صلى بأصحابه فسمع ناسا يقرؤون خلفه فقال : أما أن لكم أن تفهمون ؟ أما آن لكم أن تعقلون ؟ { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له } . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة أنه قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصلاة . وأخرج ابن جرير والبيهقي عن الزهري : نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار كان رسول الله كلما قرأ شيئا قرأه . وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى بأصحابه فقرأ فقرأ أصحابه فنزلت . وأخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " عن أبراهيم : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ ورجل يقرأ فنزلت
وإذا ثبت هذا فنقول : من المعلوم أن الاستماع إنما يكون في ما جهر به الإمام فيترك المؤتم فيه القراءة ويؤيده من الأحاديث قوله صلى الله عليه و سلم : " وإذا قرأ الإمام فأنصتوا " أخرجه أبو داود وابن ماجه والبزار وابن عدي من حديث أبي موسى والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجهما ابن عبد البر في " التمهيد " ونقل عن أحمد أنه صححه ولأبي داود وغيره في صحته كلام قد تعقبه المنذري وغيره . فهذا في ما جهر الإمام وأما في ما أسر فيقرأ أخذا بعموم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وغير ذلك من الأحاديث
وأما أصحاب القول الثاني فأقوى حججهم حديث عبادة : كنا خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاة الفجر فقرأ فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال : لعلكم تقرؤون خلف إمامكم ؟ قلنا : نعم يا رسول الله فقال : فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها . أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والدار قطني وأبو نعيم في " حلية الأولياء " وابن حبان والحاكم
وأما أصحاب القول الثالث فاستدلوا بحديث : " من كان له إمام فقراءه الإمام قراءة له " وسنذكر طرقه إن شاء الله تعالى وبآثار الصحابة التي ستأتي
والكلام في هذا المبحث طويل وموضعه شرحي لشرح الوقاية المسمى بـ " السعاية في كشف ما في شرح الوقاية " وفقنا الله لاختتامه ( بلغ الكتاب إلى ( فروع مهمة متعلقة بالقراءة في الصلاة ) وقد انتقل مؤلفه إلى جوار رحمة الله تعالى وطبع الكتاب في مجلد ضخم في جزأين من باكستان سنة 1976 م ) . وقد أفردت لهذه المسألة رسالة سميتها بـ " إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام " ( وطبع الكتاب من مدينة لكنؤ بالهند سنة 1304 هـ )

111 - أخبرنا مالك ( 1 ) حدثنا الزهري عن ابن أكيمة ( 2 ) الليثي ( 3 ) عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف من صلاة ( 4 ) جهر فيها بالقراءة فقال : هل قرأ معي منكم من أحد ؟ فقال الرجل أنا يا رسول الله قال ( 5 ) : فقال : إني أقول ( 6 ) ما لي أنازع ( 7 ) القرآن ( 8 ) ؟ فانتهى الناس ( 9 ) عن القراءة ( 10 ) مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما جهر به من الصلاة ( 11 ) حين سمعوا ذلك
_________
( 1 ) قوله : مالك قال ميرك نقلا عن ابن الملقن : حديث أبي هريرة هذا رواه مالك والشافعي والأربعة وصححه ابن حبان وضعفه البيهقي والحميدي وبهذا يعلم أن قول النووي اتفقوا على ضعف هذا الحديث غير صحيح كذا في " مرقاة المفاتيح شرح المشكاة "
( 2 ) قوله : ابن أكيمة بضم الهمزة وفتح الكاف مصغر أكمة واسمه عمارة بضم المهملة والتخفيف والهاء وقيل : عمار بالفتح والتخفيف وقيل : عمرو بفتح العين وقيل : عامر الليثي أبو الوليد والمدني ثقة مات سنة إحدى ومائة قال الزرقاني
( 3 ) ولابن عبد البر من طريق سفيان عن الزهري قال : سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
( 4 ) رواه أبو داود عن سفيان عن الزهري بسنده فقال : نظن أنها صلاة الصبح
( 5 ) أي : أبو هريرة
( 6 ) هو بمعنى التثريب واللوم لمن فعل ذلك
( 7 ) بفتح الزاء والقرآن منصوب على أنه مفعول ثان نقله ميرك وفي نسخة بكسر الزاء
( 8 ) قوله : مالي أنازع القرآن قال الخطابي : أي أداخل فيه وأشارك
وأغالب عليه وقال في " النهاية " : أي : أجاذب في قراءته كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه كذا في " مرقاة الصعود "
( 9 ) قوله : فانتهى الناس أكثر رواة ابن شهاب عنه لهذا الحديث يجعلونه كلام ابن شهاب ومنهم من يجعله من كلام أبي هريرة
وفقه هذا الحديث الذي من أجله جيء به هو ترك القراءة مع الإمام في كل صلاة يجهر فيها الإمام بالقراءة فلا يجوز أن يقرأ معه إذا جهر بأم القرآن ولا غيرها على ظاهر الحديث وعمومه كذا قال ابن عبد البر
( 10 ) قوله : عن القراءة قال المجوزون لقراءة أم القرآن في الجهرية أيضا معناه عن الجهر بالقراءة أو عن قراءة السورة لئلا يخالف حديث عبادة فإنه صريح في تجويز قراءة أم القرآن في الجهرية وقال بعضهم : انتهاء الناس إنما كان برأيهم لا بأمر الرسول فلا حجة فيه . وفيه نظر ظاهر لأن انتهاءهم كان بعد توبيخ النبي صلى الله عليه و سلم لهم ( في الأصل : " عليهم " والظاهر : " لهم " ) والظاهر اطلاعه عليه وإقراره بالانتهاء . وأما المانعون مطلقا فمنهم من أخذ بظاهر ما ورد في بعض الروايات : فانتهى الناس عن القراءة خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أخذ غير ظاهر لورود قيد " فيما جهر فيه " في بعضها وبعض الوايات يفسر بعضا
والحق أن ظاهر الحديث مؤيد لما اختاره مالك
( 11 ) في نسخة : الصلوات

112 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا سئل هل يقرأ أحد مع الإمام ؟ قال : إذا صلى أحدكم مع الإمام فحسبه ( 1 ) قراءة الإمام وكان ابن عمر لا يقرأ مع الإمام ( 2 )
_________
( 1 ) أي : يكفيه
( 2 ) قوله : لا يقرأ مع الإمام قال ابن عبد البر : ظاهر هذا أنه كان لا يرى القراءة في سر الإمام ولا جهره ولكن قيده مالك بترجمة الباب أن ذلك في ما جهر به الإمام بما علم من المعنى . ويدل على صحته ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن سالم : أن ابن عمر كان ينصت للإمام في ما جهر فيه ولا يقرأ معه وهو يدل على أنه كان يقرأ معه في ما أسر فيه

113 - أخبرنا مالك حدثنا وهب بن كيسان أنه سمع ( 1 ) جابر بن عبد الله يقول : من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل ( 2 ) إلا وراء الإمام ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : سمع قال أبو عبد الملك : هذا الحديث موقوف وقد أسنده بعضهم أي : رفعه ورواه الترمذي من طريق معن عن مالك به موقوفا وقال : حسن صحيح
( 2 ) لأنه ترك ركنا من أركان الصلاة وفيه وجوبها في كل ركعة
( 3 ) قال أحمد : فهذا صحابي تأول قوله صلى الله عليه و سلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " على ما إذا كان وحده نقله الترمذي

114 - أخبرنا مالك أخبرني العلاء ( 1 ) بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة ( 2 ) أنه سمع أبا السائب ( 3 ) مولى هشام بن زهرة يقول : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من صلى صلاة ( 4 ) لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ( 5 ) هي خداج هي خداج ( 6 ) غير تمام ( 7 ) . قال ( 8 ) : قلت : يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام ؟ قال : فغمز ذراعي ( 9 ) وقال : يا فارسي اقرأ بها ( 10 ) في نفسك ( 11 ) إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله عز و جل قسمت ( 12 ) الصلاة بيني ( 13 ) وبين عبدي نصفين فنصفها لي ( 14 ) ونصفها لعبدي ( 15 ) ولعبدي ما سأل ( 16 ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقرؤا ( 17 ) يقول العبد : الحمد لله رب العالمين يقول الله : حمدني عبدي يقول العبد : الرحمن الرحيم يقول الله أثنى علي عبدي ( 18 ) يقول العبد : مالك يوم الدين يقول الله مجدني ( 19 ) عبدي يقول العبد : إياك نعبد وإياك نستعين فهذه الآية ( 20 ) بيني ووبين عبدي ولعبدي ( 21 ) ما سأل يقول العبد : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين فهؤلاء ( 22 ) لعبدي ( 23 ) ولعبدي ما سأل ( 24 )
قال محمد : لا قراءة ( 25 ) خلف الإمام فيما جهر فيه ولا فيما لم يجهر بذلك جاءت عامة الآثار ( 26 ) . وهو قول أبي حنيفة ( 27 ) - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : أخبرني العلاء هكذا في " الموطأ " عند جميع رواته وانفرد مطرف في غير " الموطأ " فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي السائب وليس بمحفوظ قاله الزرقاني
( 2 ) قوله : مولى الحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء المهملة بعدها قاف قبيلة من همدان قاله ابن حبان أو من جهينة قاله الدارقطني وهو الصحيح كذا في " أنساب السمعاني "
( 3 ) قوله : أبا السائب قال الحافظ : يقال : اسمه عبد الله بن السائب الأنصاري المدني ثقة روى له مسلم والأربعة والبخاري في " جزء القراءة " وهو مولى هشام بن زهرة ويقال : مولى عبد الله بن هشام بن زهرة ويقال : مولى بني زهرة
( 4 ) قوله : من صلى صلاة ... إلخ فيه من الفقه إيجاب قراءة فاتحة الكتاب في كل صلاة وأن الصلاة إذا لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج وإن قرئ فيها بغيرها من القرآن والخداج النقصان والفساد من ذلك قولهم : أخدجت الناقة وخدجت إذا ولدت قبل تمام وقتها قبل تمام الخلق وذلك نتاج فاسد وقد زعم من لم يوجب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة أن قوله : خداج يدل على جواز الصلاة لأنه النقصان والصلاة الناقصة جائزة . وهذا تحكم فاسد ( والظاهر أن هذا رد على الحنفية لأن عامتهم يزعمون أن الحنفية قالوا بجواز الصلاة بدون الفاتحة ولذا تعجب الحافظ في " الفتح " أشد التعجب والحقيقة ليست كذلك لأن الحنفية قالوا بوجوب الفاتحة انظر أوجز المسالك 2 / 97 ) والنظر يوجب أن لا يجوز الصلاة لأنها صلاة لم تتم ومن خرج من صلاته قبل أن يعيدها فعليه إعادتها
وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فإن مالكا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وداود قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : إن تركها عامدا وقرأ غيرها أجزأه على اختلاف عن الأوزاعي وقال الطبري : يقرأ المصلي بأم القرآن في كل ركعة فإن لم يقرأها لم يجز إلا مثلها من القرآن عدد آياتها وحروفها كذا في " الاستذكار " ( 2 / 145 )
( 5 ) بكسر الخاء المعجمة أي : ذات خداج أي : نقصان
( 6 ) ذكره ثلاثا للتأكيد
( 7 ) قوله : غير تمام هو تأكيد فهو حجة قوية على وجوب قراءتها في كل صلاة لكنه محمول عند مالك ومن وافقه على الأمام والفذ لقوله صلى الله عليه و سلم : " إذا قرأ فأنصتوا " رواه مسلم
( 8 ) أبو السائب
( 9 ) قوله : فغمز ذراعي قال الباجي : هو على معنى التأنيس له وتنبيهه على فهم مراده والبعث له على جمع ذهنه وفهمه لجوابه
( 10 ) قوله : اقرأ بها أي سرا وبه استدل من جوز قراءة أم القرآن خلف الإمام في الجهرية أيضا وظاهر القرآن والأحاديث يرده إلا أن يتتبع سكتات الإمام ويقرأ بها فيها سرا فحينئذ لا يكون مخالفا للقرآن والحديث
( 11 ) قوله : في نفسك قال الباجي : أي بتحريك اللسان بالتكلم وإن لم يسمع نفسه رواه سحنون عن أبي القاسم : قال : ولو أسمع نفسه يسيرا كان أحب إلي
( 12 ) قوله : قسمت الصلاة قال العلماء : أراد بالصلاة ههنا الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقولهم : الحج عرفة والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد الله وتمجيده وثناء عليه وتفويض إليه والثاني سؤال وتضرع وافتقار واحتج القائلون بأن البسملة ليست من الفاتحة بهذا الحديث قال النووي : وهو من أوضح ما احتجوا به لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد ثلاث دعاء أولها : { اهدنا الصراط المستقيم } والسابعة متوسطة وهي : { إياك نعبد وإياك نستعين } . قالوا : ولأنه لم يذكر البسملة في ما عددها ولو كانت منها لذكرها كذا في " التنوير " . وقال الزيلعي في " نصب الراية " : هذا الحديث ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة وإلا لابتدأ بها لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة والحاجة إلى قراءة البسملة أمس
واعترض بعض المتأخرين على هذا الحديث بوجهين :
أحدهما : قال : لا تغتر بكون هذا الحديث في مسلم فإن العلاء بن عبد الرحمن قد تكلم فيه ابن معين فقال : الناس يتقون حديثه وليس حديثه بحجة مضطرب الحديث ليس بذاك هو ضعيف روي عنه جميع هذه الألفاظ وقال ابن عدي : ليس بالقوي وقد انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به
الثاني : قال : وعلى تقدير صحته فقد جاء في بعض الروايات عنه ذكر التسمية كما أخرجه الدارقطني عن عبيد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي يقول العبد إذا افتتح الصلاة : بسم الله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي ثم يقول : الحمد لله رب العالمين فأقول حمدني عبدي ... الحديث وهذا القائل حمله الجهل والتعصب على أن ترك الحديث الصحيح وضعفه لكونه غير موافق لمذهبه مع أنه روى عن العلاء الأئمة الثقات كمالك وسفيان بن عيينة وابن جريج وشعبة وعبد العزيز الدراوردي وإسماعيل بن حفص وغيرهم والعلاء نفسه ثقة صدوق . وهذه الرواية مما انفرد بها ابن سمعان وهو كذاب ولم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة ولا المصنفات المشهورة ولا المسانيد المعروفة وإنما رواه الدارقطني في " سننه " التي يروي فيها غرائب الحديث وقال عقيبه : وعبيد الله بن زياد بن سمعان متروك الحديث وذكره في " علله " وأطال الكلام . انتهى . وقد بسطت المسألة في رسالتي : " إحكام القنطرة في أحكام البسملة "
( 13 ) قدم نفسه لأنه الواجب الوجود لنفسه وإنما استفاد العبد الوجود منه
( 14 ) هو : { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين }
( 15 ) وهو من { اهدنا الصراط المستقيم } إلى آخره
( 16 ) أي : مني إعطاءه
( 17 ) قوله : اقرؤا لمسلم من رواية ابن عيينة عن العلاء إسقاط هذه الجملة وقال لعقب قوله : ما سأل فإذا قال العبد : الحمد ... إلخ
( 18 ) جاء جوابا لقوله : الرحمن الرحيم ( في الأصل " للرحمن الرحيم " والظاهر لقوله : " الرحمن الرحيم " ) لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية
( 19 ) قوله : مجدني : التمجيد الثناء بصفات الجلال والتحميد والثناء بجميل الفعال ويقال أثنى في ذلك كله
( 20 ) قوله : بيني وبين عبدي قال الباجي : معناه أن بعض الآية تعظيم الباري وبعضها استعانة على أمر دينه ودنياه من العبد به
( 21 ) من العون
( 22 ) أي : مختصه بالعبد
( 23 ) قوله : لعبدي لأنها دعاؤه بالتوفيق إلى صراط من أنعم عليهم والعصمة من صراط المغضوب عليهم ولا الضالين
( 24 ) من الهداية وما بعدها
( 25 ) قوله : لا قراءة ... إلخ كلام محمد هذا وكلامه في " كتاب الآثار " بعد إخراج قول إبراهيم قال : ما قرأ علقمة بن قيس قط فيما يجهر فيه ولا في الركعتين الأخريين أم القرآن ولا غيرها خلف الإمام أخرجه عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم ثم قال : وبه نأخذ لا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلاة يجهر فيه أولا يجهر فيه . انتهى . وكلامه فيه بعد ما أخرج عن أبي حنيفة عن حماد عن سعيد بن جبير أنه قال : اقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر ولا تقرأ في ما سوى ذلك قال محمد : لا ينبغي أن يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات . انتهى . صريح في بطلان قول علي القاري في " شرح المشكاة " : الإمام محمد من أئمتنا يوافق الشافعي في القراءة خلف الإمام في السرية وهو أظهر في الجمع بين الروايات الحديثية وهو مذهب مالك . انتهى . وقد ذكر صاحب " الهداية " . و " جامع المضمرات " وغيرهما أيضا أن على قول محمد يستحسن قراءة أم القرآن خلف الإمام على سبيل الاحتياط ولكن قال ابن الهمام : الأصح أن قول محمد كقولهما فإن عباراته في كتبه مصرحة بالتجافي عن خلافه والحق أنه وإن كان ضعيفا رواية لكنه قوي دراية
( 26 ) قوله : عامة الآثار أي : عن الصحابة والتابعين بل وعن النبي صلى الله عليه و سلم أيضا . فمنهم : زيد بن ثابت أخرجه مسلم في باب سجود التلاوة بسنده عن عطاء بن يسار أنه سأل زيدا عن القراءة مع الإمام فقال : لا قراءة مع الإمام في شيء . وأخرجه الطحاوي عن عطاء أنه سمع زيد بن ثابت يقول : لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة وأخرج أيضا عن حيوة بن شريح عن بكر بن عمر عن عبد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وجابرا قالوا : لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة . وعارض بعضهم بما روي عن زيد أنه قال : من قرأ خلف الإمام فصلاته تامة ولا إعادة عليه وجعله دليلا على فساد ما روي عنه من تركه القراءة . وفيه نظر فإنه لا معارضة لأنه لا يلزم من كون الصلاة تامة وعدم وجوب الإعادة إلا عدم كون الترك لازما وهو أمر آخر
ومنهم : علي كما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق أنه قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة وأخرجه الدارقطني من طرق وقال : لا يصح إسناده وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : هذا يرويه ابن أبي ليلى الأنصاري وهو باطل ويكفي في بطلانه إجماع المسلمين وعبد الله بن أبي ليلى هذا رجل مجهول . انتهى . وقال ابن عبد البر . هذا لو صح احتمل أن يكون في صلاة الجهر لأنه حينئذ يكون مخالفا للكتاب والسنة فكيف وهو غير ثابت عن علي رضي الله عنه . انتهى
ومنهم : جابر بن عبد الله كما ذكره محمد سابقا وقد أخرجه الترمذي أيضا وقال : حسن صحيح والطحاوي وأخرجه الدارقطني عن جابر مرفوعا وأعله بأنه في سنده يحيى بن سلام وهو ضعيف والصواب وقفه . وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن جابر قال : لا يقرأ خلف الإمام لا إن جهر ولا إن خافت . وأخرج عبد الرزاق والطحاوي عن عبد الله بن مقسم قال : سألت جابر بن عبد الله : يقرأ خلف الإمام في الظهر العصر ؟ قال : لا
ومنهم : أبو الدرداء أخرج النسائي بسنده عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء سمعه يقول : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أفي كل صلاة قراءة ؟ قال نعم قال رجل من الأنصار : وجبت هذه فالتفت إلي وكنت أقرب القوم منه فقال : ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم قال النسائي : هذا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطأ إنما هو قول أبي الدرداء . وقال الطحاوي بعد ما أخرج عن عائشة مرفوعا : كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج وعن أبي هريرة حديثه الذي مر برواية محمد : فذهب إلى هذه الآثار قوم وأوجبوا القراءة خلف الإمام في سائر الصلوات بفاتحة الكتاب وخالفهم في ذلك آخرون وكان من الحجة لهم أن حديثي أبي هريرة وعائشة اللذين رووهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس في ذلك دليل على أنه أراد بذلك الصلاة التي تكون فيها قراءة الإمام وقد رأينا أبا الدرداء سمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك مثل هذا فيم يكن عنده على المأموم حدثنا بحر بن نصر نا عبد الله بن وهب حدثني معاوية بن صالحن عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة الحضرمي عن أبي الدرداء أن رجلا قال : يا رسول الله في الصلاة قرآن ؟ قال : نعم فقال رجل من الأنصار : وجبت قال : وقال أبو الدرداء : ما أرى أن الإمام إذا أم القوم فقد كفاهم . انتهى ملخصا
ومنهم ابن عمر وابن مسعود وعمر وسعد كما أخرج محمد عنهم وسيأتي ماله وما عليه
ومنهم : ابن عباس كما أخرجه الطحاوي عن أبي حمزة قلت لابن عباس : أقرأ والإمام بين يدي ؟ فقال : لا . وذكر العيني في " شرح الهداية " : قد روي منع القراءة عن ثمانين نفرا من الصحابة منهم : المرتضى والعبادلة الثلاثة وذكر الشيخ الإمام السبذموني في " كشف الأسرار " عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال : عشرة من الصحابة ينهون عن القراءة خلف الإمام أشد النهي : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد وابن مسعود وزيد وابن عمر وابن عباس . انتهى
وهذا كله محتاج إلى تحقيق الأسانيد إليهم وقال الحافظ ابن حجر في " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " : إنما يثبت ذلك أي : المنع عن ابن عمر وجابر وزيد بن ثابت وابن مسعود وجاء عن سعد وعمر وابن عباس وعلى وقد أثبت البخاري عن عمر وأبي بن كعب وحذيفة وأبي هريرة وعائشة وعبادة وأبي سعيد في آخرين أنهم كانوا يرون القراءة خلف الإمام . انتهى . وقال ابن عبد البر : ما أعلم في هذا الباب من الصحابة من صح عنه ما ذهب إليه الكوفيون فيه من غير اختلاف عنه إلا جابر وحده . انتهى
( 27 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة قد مر معنا ذكر من وافقه في هذا في ما مر وذكر أكثر أصحابنا أن القراءة خلف الإمام عند أبي حنيفة وأصحابه مكروه تحريما بل بالغ بعضهم فقالوا بفساد الصلاة به وهو مبالغة شنيعة يكرهها من له خبرة بالحديث وعللوا الكراهية بورود التشدد عن الصحابة وفيه أنه إذا حقق آثار الصحابة بأسانيدها فبعد ثبوتها إنما تدل على إجزاء قراءة الإمام عن قراءة المأموم لا على الكراهة والآثار التي فيها التشدد لا تثبت سندا على الطريق المحقق . فإذن القول بالإجزاء فقط من دون كراهة أو منع أسلم وأرجو أن يكون هو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه كما قال ابن حبان في كتاب " الضعفاء " : أهل الكوفة إنما اختاروا ترك القراءة لا أنهم لم يجيزوه . انتهى

115 - قال محمد أخبرنا عبيد الله ( 1 ) بن عمر بن حفص بن
عاصم بن عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر قال : من صلى خلف الإمام ( 2 ) كفته قراءته
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عبيد الله مصغرا ابن عمر بن حفص بن عاصم ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبو عثمان العمري العدوي المدني من أجلة الثقات روى عن أم خالد بنت خالد الصحابية حديثا وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر وعطاء ونافع والمقبري والزهري وغيرهم وعنه شعبة والسفيانان ويحيى القطان وغيرهم قال النسائي : ثقة ثبت وقال أبو حاتم : سألت أحمد عن عبيد الله ومالك وأيوب : أيهم أثبت في نافع ؟ فقال : عبيد الله أحفظهم وأثبتهم وأكثرهم رواية وقال أحمد بن صالح : عبيد الله أحب إلي من مالك في نافع مات سنة 147 هـ بالمدينة كذا ذكر الذهبي في " تذكرة الحفاظ "
( 2 ) قوله : خلف الإمام ... إلخ ظاهر هذا وما بعده وما أخرجه سابقا من طريق مالك : أن ابن عمر كان لا يرى القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية كليهما . لكن أخرج عبد الرزاق عن سالم أن ابن عمر كان ينصت للإمام في ما جهر فيه ولا يقرأ معه أخرج الطحاوي عن مجاهد قال : سمعت عبد الله بن عمر يقرأ خلف الإمام في صلاة الظهر من سورة مريم . وأخرج أيضا عنه : صليت مع ابن عمر الظهر والعصر وكان يقرأ خلف الإمام وهذا دال صريحا على أنه ممن يرى القراءة في السرية دون الجهرية ويمكن الجمع بأن كفاية قراءة الإمام لا يستلزم أن تمتنع فيجوز أن يكون رأيه كفاية القراءة من الإمام في الجهرية والسرية كليهما وجوازها في السرية دون الجهرية لئلا تخل بالاستماع
وهذا هو الذي أميل إليه وإلى أنه يعمل بالقراءة في الجهرية لو وجد سكتات الإمام وبهذا تجتمع الأخبار المرفوعة فإن حديث : " وإذا قرأ فأنصتوا " مع قوله تعالى : { فاستمعوا له وأنصتوا } صريح في منع القراءة خلف الإمام حين قراءته لإخلاله بالاستماع وحديث عبادة صريح في تجويز قراءة أم القرآن في الجهرية وحديث " قراءة الإمام قراءة له " صريح في كفاية قراءة الإمام فالأولى أن يختار طريق الجمع ويقال : تجوز القراءة خلف الإمام في السرية وفي الجهرية إن وجد الفرصة بين السكتات وإلا لا لئلا يخل بالاستماع المفروض ومع ذلك لو لم يقرأ فيهما أجزأ لكفاية قراءة الإمام . والحق أن المسألة مختلف فيها بين الصحابة والتابعين واختلاف الأئمة مأخوذ من اختلافهم فكل اختار ما ترجح عنده ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات

116 - قال محمد : أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ( 1 ) أخبرني أنس بن سيرين ( 2 ) عن ابن عمر : أنه سأل عن القراءة خلف الإمام قال : تكفيك قراءة الإمام ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : المسعودي نسبة إلى مسعود والد عبد الله بن مسعود وقد اشتهر به جماعة من أولاده كما ذكره السمعاني منهم : عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي روى عن أبيه وعلي والأشعث بن قيس ومسروق وعنه أبناه القاسم ومعا وسماك بن حرب وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم قال يعقوب بن شيبة : كان ثقة قليل الحديث مات سنة 79 هـ ومنهم : وهو المذكور ههنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي هكذا ذكر في نسبه في " تهذيب التهذيب " و " تذكرة الحفاظ " والذي في " التقريب " و " الأنساب " : عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود روى عن أبي إسحاق السبيعي وأبي إسحاق الشيباني والقاسم بن عبد الرحمن المسعودي وعلي بن الأقمر وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وغيرهم وعنه السفيانان وشعبة وجعفر بن عون وعبد الله بن المبارك وغيرهم وثقه ابن معين وابن المديني وأحمد وغيرهم وكان قد اختلط في آخر عمره توفي في سنة 160 هـ
( 2 ) قوله : أنس بن سيرين هو أبو موسى أنس بن سيرين الأنصاري المدني مولى أنس أخو محمد بن سيرين روى عن مولاه وابن عباس وابن عمر وجماعة وعنه شعبة والحمادان وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم وابن سعد والعجلي مات سنة 118 هـ وقيل : 125 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 3 ) كذا أخرجه الطحاوي من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر

117 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة قال حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة ( 1 ) عن عبد الله بن شداد بن الهاد ( 2 ) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( 3 ) من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام له قراءة ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : أبو الحسن موسى بن أبي عائشة قال القاري في " سند الأنام شرح مسند الإمام " : وهو من أكابر التابعين . انتهى . وفي " تقريب التهذيب " : موسى بن أبي عائشة الهمداني بسكون الميم مولاهم أبو الحسن الكوفي ثقة عابد وفي " الكاشف " موسى بن أبي عائشة الهمداني الكوفي عن سعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وعنه شعبة وجرير وعبيدة وكان إذا رئي ذكر الله . انتهى
( 2 ) قوله : عن عبد الله بن شداد هو أبو الوليد الليثي المدني عبد الله بن شداد بتشديد الدال الأولى قيل : اسمه أسامة وشداد ولقبه ابن الهاد اسمه عمرو ولقبه الهادي وقيل : اسمه أسامة بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن بشر روى شداد عن النبي صلى الله عليه و سلم وله صحبة ذكره ابن سعد في من شهد الخندق وكان سكن المدينة ثم تحول إلى الكوفة وابنه عبد الله روى عن أبيه وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وخالته أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق وخالته لأمه ميمونة أم المؤمنين وعائشة وأم سلمة وغيرهم وعنه جماعة قال العجلي والخطيب : هو من كبار التابعين وثقاتهم وقال أبو زرعة والنسائي وابن سعد : ثقة . وذكر ابن عبد البر في " الاستيعاب " أنه ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الميموني : سئل أحمد هل سمع من النبي صلى الله عليه و سلم شيئا ؟ قال : لا مات سنة 81 هـ وقيل سنة 82 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 3 ) قوله : أنه قال ... إلخ هذا الحديث قد روي عن طريق جماعة من الصحابة : فمنهم أبو سعيد الخدري . أخرج ابن عدي في " الكامل " عن اسماعيل بن عمرو بن نجيح عن الحسن بن صالح عن أبي هارون العبدي عنه مرفوعا " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " . وأعله ابن عدي بأنه لا يتابع عليه اسماعيل وهو ضعيف . ورده الزيلعي بأنه قد تابعه النضر بن عبد الله أخرجه الطبراني في " الأوسط " عن محمد بن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني قال : حدثني أبي عن جدي عن النضر بن عبد الله عن الحسن بن صالح به سندا ومتنا . ومنهم : أنس . روى ابن حبان في " كتاب الضعفاء " عن ابن سالم عن أنس مرفوعا : " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له " . وأعله بابن سالم وقال : إنه يخالف الثقات ولا يعجبني الرواية عنه فكيف الاحتجاج به وروى عنه المجاهيل والضعفاء
ومنهم : أبو هريرة . أخرج الدارقطني في " سننه " عن محمد عن عباد الرازي عن إسماعيل بن إبراهيم التيمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحوه مرفوعا . قال الدارقطني : تفرد به محمد بن عباد الرازي وهو ضعيف
ومنهم : ابن عباس . أخرج الدارقطني عن عاصم بن عبد العزيز المدني عن عون بن عبد الله بن عتبة عنه مرفوعا : " تكفيك قراءة الإمم خافت أو جهر " . قال الدارقطني : قال أبو موسى : قلت لأحمد في حديث ابن عباس هذا فقال : حديث منكر ثم قال الداقطني في موضع آخر : عاصم بن عبد العزيز ليس بالقوي ورفعه وهم
ومنهم : ابن عمر . أخرج الدار قطني عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا : " من كان له إمام فقراءته له قراءة " . وأعله بأن محمد بن الفضل متروك . ثم أخرجه عن خارجة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وقال : رفعه وهم . ثم أخرجه عن أحمد بن حنبل : نا إسماعيل بن علية عن نافع عن ابن عمر موقوفا عليه : " يكفيك قراءة الإمام " وقال الوقف هو الصواب
ومنهم : جابر بن عبد الله ولحديثه طرق منها : طريق محمد عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن ابن شداد عن جابر وهو أحسن طرقه حكم عليه ابن الهمام بأنه صحيح على شرط الشيخين وقال العيني : هو حديث صحيح أما أبو حنيفة فأبو حنيفة وموسى بن أبي عائشة الكوفي من الثقات الأثبات من رجال الصحيحين وعبد الله بن شداد من كبار الشاميين وثقاتهم وهو حديث صحيح . انتهى . وأخرجه الدارقطني من طريق أبي حنيفة وعن الحسن بن عمارة بسنده عن جابر مرفوعا وقال : هذا الحديث لم يسنده عن جابر غير أبي حنيفة وابن عمارة وهما ضعيفان وقدر رواه الثوري وأبو الأحوص وشعبة وإسرائيل وشريك وأبو خالد وابن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى مرسلا وهو الصواب . انتهى . ورده العيني بأن الزيادة من الثقة مقبولة والمراسيل عندنا حجة وسئل يحيى بن معين عن أبي حنيفة ؟ فقال : ما سمعت أحدا ضعفه فقد ظهر لنا من هذا تحامل الداقطني وتعصبه ومن أين له تضعيف أبي حنيفة وهو مستحق التضعيف وقد روى في " مسنده " أحاديث سقيمة ومعلولة ومنكرة وموضوعة . انتهى . وقال ابن الهمام في " فتح القدير " : قولهم : الحفاظ الذين عدوهم لم يرفعوه غير صحيح قال أحمد بن منيع في " مسنده " : نا إسحاق الأزرق نا سفيان الأزرق نا سفيان وشريك عن موسى بن أبي عائشة عن ابن شداد عن جابر ( قال النيموي : رجالهم كلهم ثقات فثبت متابعة الإمام أبي حنيفة باثنين احدهما : سفيان وثانيهما : شريك والثقة يسند الحديث ويرسله أخرى . ولهذا الحديث طرق أخرى عند الدارقطني وغيره يشد بعضها بعضا وإن ضعفت " آثار السنن مع التعليق الحسن " [ 1 - 87 ] ) قال : ونا جرير عن موسى بن أبي عائشة مرفوعا ولم يذكر عن جابر ورواه عبد بن حميد نا أبو نعيم نا الحسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا فهؤلاء سفيان وشريك وجرير وابو الزبير رفعوه بالطرق الصحيحة فبطل عدهم في من لم يرفعه . انتهى . ومنها طريق محمد الذي ذكره بعد الطريق المذكور وهو طريق سهل بن العباس عن ابن علية عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر وقد أخرجه الطبراني أيضا في " الأوسط " من هذا الطريق وقال : لم يرو أحد عن ابن علية مرفوعا إلا سهل ورواه غيره موقوفا . وأخرجه الدارقطني وأعله بأن سهل متروك ليس بثقة . وأخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " من طريق الحسن بن صالح عن جابر الجعفي والليث بن أبي سليم عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا وكذلك أخرجه ابن عدي وأعله الدارقطني بأن الحسن قرن جابرا بالليث والليث ضعفه أحمد والنسائي وابن معين ولكنه مع ضعفه يكتب حديثه فإن الثقات رووا عنه كشعبة والثوري وغيرهما وأخرجه ابن ماجه من طريق جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا : " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له " وفيه جابر الجعفي متكلم فيه قد وثقه سفيان وشعبة ووكيع وضعفه أبو حنيفة والنسائي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو داود وكما بسطه الذهبي في " ميزان الاعتدال " . وأخرج الداقطني في " غرائب مالك " من طريق مالك عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعا نحوه فقال : هذا باطل عن مالك لا يصح عنه ولا عن وهب وفيه عاصم بن عصام لا يعرف
هذا خلاصة الكلام في طرق هذا الحديث وتلخص منه أن بعض طرقه صحيحة أو حسنة ليس فيه شيء يوجب القدح عند التحقيق وبعضها صحيحة مرسلة وإن لم تصح مسندة والمراسيل مقبولة وبعضها ضعيفة ينجبر ضعفها بضم بعضها إلى بعض وبه ظهر أن قول الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " أن طرقه كلها معلولة ليس على ما ينبغي وكذا قال البخاري في رسالة " القراءة خلف الإمام " أنه حديث لم يثبت عند أخل العلم من أهل الحجاز والعراق لإرساله وانقطاعه أما إرساله فرواه عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه و سلم وأما انقطاعه فرواه الحسن بن صالح عن جابر ( الجعفي ) عن أبي الزبير عن جابر ولا يدرى أسمع من أبي الزبير أم لا ؟ انتهى . ولا يخلو عن خدشات واضحة
( 4 ) فلا يحتاج المؤتم أن يقرأ خلف الإمام لأن الإمام قد قام مقامه

118 - قال محمد : حدثنا الشيخ أبو علي ( 1 ) قال حدثنا محمود بن محمد المروزي قال : حدثنا سهل بن العباس الترمذي قال : أخبرنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام له قراءة
_________
( 1 ) حدثنا الشيخ أبو علي ... إلخ رجال هذا السند من إسماعيل إلى جابر ثقات . أما جابر فجابر من أجلة الصحابة وقد مرت ترجمته غير مرة . وأما الراوي عنه على ما في نسخ هذا الكتاب الموجودة ابن الزبير والمشهور الموجود في غير هذا الكتاب أبو الزبير وهو محمد بن مسلم بن تدرس بفتح التاء وسكون الدال على صيغة المصارع المكي مولى حكيم بن حزام من تابعي مكة سمع جابرا وعائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم وعنه مالك والسفيانان وأيوب السختياني وابن جريج وشعبة والثوري وغيرهم حافظ ثقة توفي سنة 128 هـ كذا في " جامع الأصول " و " الكاشف " . وأما الراوي عنه فهو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني أبو بكر البصري رأى أنسا وروى عن عطاء وعكرمة وعمرو بن دينار والقاسم بن محمد وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم وعنه شعبة والحمادان والسفيانان ومالك وابن علية وغيرهم قال ابن سعد : كان ثقة ثبتا في الحديث جامعا كبير العلم حجة عدلا وقال أبو حاتم : هو ثقة لا يسأل عن مثله وقال علي : أثبت الناس في نافع أيوب وعبيد الله ومالك وقد أكثر الثقات في الثناء عليه كما بسطه في " تهذيب الكمال " و " تهذيب التهذيب " و " تذكرة الحفاظ " مات سنة 131 هـ . وأما الراوي عنه فهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري واشتهر بابن علية وهو بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء مصغرا اسم أمه وقيل : جدته أم أمه وكان يكره أن يقال له ذلك حتى كان يقول : من قال لي : ابن علية فقد اغتابني . ورى عن عبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل وأيوب وابن عون وغيرهم وعنه شعبة وابن جريج وغيرهم وثقه ابن سعد والنسائي وغيرهما مات سنة 93 هـ وله ترجمة طويلة مشتملة على ثناء كبير في " تهذيب التهذيب " وغيره . وأما الراوي عن إسماعيل بن علية يعني سهل بن العباس الترمذي نسبة إلى ترمذ بكسر التاء والميم بينهما راء ساكنة أو بضم التاء أو بفتحها والأول هو المشهور مدينه مما يلي ( في الأصل : " يلي " والصواب " مما يلي " ) بلخ قاله السمعاني . فقد قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " : تركه الدارقطني وقال : ليس بثقة انتهى . وأما الراوي عنه محمود بن محمد المروزي نسبة إلى مرو بفتح الميم وسكون الراء وألحقوا الزاء المعجمة في النسبة إليها للفرق بينهما وبين المروي وهو ثوب مشهور بالعراق منسوب إلى قرية بالكوفة كذا قال المسعاني والراوي عنه أبو علي شيخ صاحب الكتاب فلم أقف إلى الآن على تشخيصهما حتى يعرف توثيقهما أو تضعيفهما ولعل الله يتفضل علي بالاطلاع عليه بعد ذلك ( قلت : إن هذا الحديث ليس من رواية محمد بن الحسن ولا وجود له في النسخ الصحيحة وقد خلت منه النسخة المنقولة عن نسخة الإتقاني ( المحفوطة في دار الكتب المصرية رقم ج 439 ) وإنما هو حديث كان بنسخة أبي علي الصواف فأدخل في الصلب خطأ من بعض الناسخين وليس أبو علي هذا بشيخ المصنف بل هو الصواف محمد بن أحمد بن الحسن الصواف من رجال القرن الرابع وشيخه المروزي مترجم له في تاريخ بغداد للخطيب 13 / 94 ، ويسوق الخطيب هذا الحديث : وليس للإمام محمد بن الحسن دخل في هذا الحديث أصلا ( بلوغ الأماني : 2 / 181 ) )

119 - قال محمد : أخبرنا أسامة بن زيد المدني ( 1 ) حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر قال : كان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام قال : ( 2 ) فسألت القاسم بن محمد عن ذلك فقال : إن تركت ( 3 ) فقد تركه ناس ( 4 ) يقتدى بهم وإن قرأت فقد قرأه ناس يقتدى بهم . وكان ( 5 ) القاسم ممن لا يقرأ ( 6 )
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا أسامة بن زيد المدني قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " : أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني عن طاووس وطبقته وعنه ابن وهب وزيد بن الحباب وعبيد الله بن موسى قال أحمد : ليس بشيء فراجعه ابنه فيه فقال : إذا تدبرت حديثه تعرف فيه النكرة وقال يحيى بن معين : ثقة وكان يحيى القطان يضعفه وقال النسائي : ليس بالقوي وقال ابن عدي : ليس به بأس وروى عباس وأحمد بن أبي مريم عن يحيى : ثقة زاد ابن مريم عنه : حجة وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به مات سنة 153 هـ . انتهى ملخصا . وفي " التقريب " هو صدوق يهم . انتهى وله ترجمة طويلة في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) أي : أسامة
( 3 ) يشير إلى سعة الأمر في ذلك وأنه أمر مختلف فيه بين الصحابة وكلهم على هدى فبأيهم اقتدى اهتدى
( 4 ) أي : من الصحابة
( 5 ) هو قول أسامة
( 6 ) قال القاري : ولكن كان يجوز القراءة

120 - قال محمد : أخبرنا سفيان بن عيينة ( 1 ) عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل ( 2 ) قال : سأل عبد الله بن مسعود عن القراءة خلف الإمام قال : أنصت ( 3 ) فإن في الصلاة شغلا ( 4 ) سيكفيك ( 5 ) ذاك ( 6 ) الإمام
_________
( 1 ) قوله : سفيان بن عيينة بضم العين وفتح الياء الأولى بعد الياء الساكنة الثانية نون مصغرا هو الحافظ شيخ الإسلام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي محدث الحرم المكي ولد سنة 107 هـ وسمع من الزهري وزيد بن أسلم ومنصور بن المعتمر وغيرهم وعنه الأعمش وشعبة وابن جريج وابن المبارك والشافعي وأحمد ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وخلق لا يحصون قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " : كان إماما حجة حافظا واسع العلم كبير القدر قال الشافعي : لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز وقال العجلي : كان ثبتا في الحديث وقال ابن معين : هو أثبت الناس في عمرو بن دينار واتفقت الأئمة على الاحتجاج به وقد حج سبعين حجة مات سنة 198 هـ . انتهى ملخصا
( 2 ) قوله : عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي قال الذهبي في " التذكرة " : مخضرم جليل روى عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعائشة وجماعة وعنه الأعمش ومنصور وحصين يقال : أسلم في حياة النبي صلى الله عليه و سلم قال النخعي : إني لأحسب أبا وائل ممن يدفع عنا به مات سنة 82 هـ . انتهى
( 3 ) أي اسكت قوله : أنصت كذا أخرجه ابن أبي شيبة والطحاوي عنه وأخرج الطحاوي عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود قال : ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا
( 4 ) شغلا : قال القاري : بفتحتين وبضم وسكون وقد يفتح فيسكن أي : اشتغالا للبال في تلك الحال مع الملك المتعال يمنعها القيل والقال
( 5 ) يشير إلى حديث " قراءة الإمام قراءة له " أي : كافية له ( وأورد عليه ما رواه البيهقي عن أشعث بن سليم عن عبد الله بن زياد الأسدي قال : صليت إلى جنب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خلف الإمام فسمعته يقرأ في الظهر والعصر ( جزء القراءة خلف الإمام ص 64 ) . قلت : ويعارضه ما سيأتي عن علقمة أن عبد الله بن مسعود كان لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به وفيما يخافت فيه في الأوليين ولا في الأخريين ورجاله ثقات إلى محمد بن أبان ضعفه بعضهم ولكن احتج محمد بن الحسن بحديثه وهو إمام مجتهد واحتجاج المجتهد بحديث تصحيح له والمشهور الثابت عن ابن مسعود أنه كان لا يقرأ خلف الإمام وينهى عنها وعلى ذلك كان أصحابه . وما روي عنه قرأ في الظهر والعصر خلف الإمام محمول على أن الإمام كان لحانا لا يقرأ بالصحة . ( عمدة القاري : 3 / 69 ) )
( 6 ) أي : القراءة

121 - قال محمد : أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشي عن حماد عن إبراهيم النخعي : عن علقمة بن قيس : أن عبد الله بن مسعود كان لا يقرأ خلف الإمام فيما جهر فيه ( 1 ) وفيما يخافت فيه ( 2 ) في الأوليين ولا في الأخريين وإذا صلى وحده ( 3 ) قرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ولم يقرأ ( 4 ) في الأخريين شيئا ( 5 )
_________
( 1 ) أي : في الفجر والعشاء والمغرب
( 2 ) أي : العصر والعصر الظهر
( 3 ) أي : منفردا
( 4 ) قوله : ولم يقرأ به أخذ أصحابنا فقالوا : لا تجب قراءة في الأخريين في الفرائض فإن سبح فيهما أو قام ساكتا أجزأه به قال الثوري والأوزاعي وإبراهيم النخعي وسلف أهل العراق وأما مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود فقالوا : إن القراءة فيهما بفاتحة الكتاب واجب على الإمام والمنفرد كذا ذكره ابن عبد البر وسيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى في موضعه
( 5 ) أي : من القرآن

122 - قال محمد : أخبرنا سفيان الثوري حدثنا منصور عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : أنصت للقراءة ( 1 ) فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك الإمام
_________
( 1 ) أي : لاستماع قراءة الإمام

123 - قال محمد : أخبرنا بكير بن عامر ( 1 ) حدثنا إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس قال : لأن أعض ( 2 ) على جمرة أحب إلى من أن أقرأ خلف الإمام
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا بكير بن عامر هو أبو إسماعيل بكير مصغرا بن عامر البجلي الكوفي مختلف فيه روى عن قيس بن أبي حازم وأبي زرعة بن عمرو بن جرير وغيرهما وعنه الثوري ووكيع وغيرهما قال أحمد مرة : صالح الحديث ليس به بأس ومرة : ليس القوي ( في نسخة : ليس بقوي ) وضعفه النسائي وأبو زرعة وابن معين وقال ابن عدي : ليس كثير الرواية وروايته قليلة ولم أجد له متنا منكرا وهو ممن يكتب حديثه وقال ابن سعد والحاكم : ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات " كذا في " تهذيب التهذيت "
( 2 ) قوله : لأن أعض على جمرة الجمرة بالفتح قطعة النار والعض بافتح أصله عضض الإمساك بالأسنان والفم يقال : عض بالنواجذ أي : أمسك بجميع الفم والأسنان كذا في " النهاية " وغيره . والمعنى عضي بفمي وأسناني قطعة من نار مع كونه مؤلما ومحرقا أحب إلي من القراءة خلف الإمام . وهذا تشديد بليغ على القراءة خلف الإمام ولا بد أن يحمل على القراءة المشوشة لقراءة الإمام والقراءة المفوتة لاستماعها وإلا فهو مردود مخالف لأقوال جمع من الصحابة والأخبار المرفوعة من تجويز الفاتحة خلف الإمام

124 - قال محمد : أخبرنا إسرائيل بن يونس ( 1 ) حدثنا منصور ( 2 ) عن إبراهيم ( 3 ) قال : إن أول ( 4 ) من قرأ خلف الإمام رجل اتهم ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : إسرائيل بن يونس هو أبو يوسف إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي روى عن جده وقد مر ذكره سابقا وزياد بن علاقة وعاصم الأحوال وغيرهم وعنه عبد الرزاق ووكيع وجماعة قال أحمد : كان شيخا ثقة وقال أبو حاتم : ثقة صدوق ووثقه العجلي ويعقوب بن شيبة وأبو داود والنسائي وغيرهم مات سنة 162 هـ أو سنة 165 هـ أو سنة 161 هـ على اختلاف الأقوال كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) هو منصور بن المعتمر
( 3 ) هو إبراهيم بن يزيد النخعي
( 4 ) يشير إلى أن القراءة خلف الإمام بدعة محدثة وفيه ما فيه
( 5 ) قوله : رجل اتهم قال القاري : بصيغة المجهول أي : نسب إلى بدعة أو سمعة وقد أخرج عبد الرزاق عن علي قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة ذكره ابن الهمام

125 - قال محمد : أخبرنا إسرائيل حدثني موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد بن الهاد ( 1 ) قال : أم ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم في العصر ( 3 ) قال : فقرأ رجل ( 4 ) خلفه فغمزه ( 5 ) الذي يليه فلما أن صلى قال : لم غمزتني ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قدامك ( 6 ) فكرهت أن تقرأ خلفه فسمعه النبي صلى الله عليه و سلم قال ( 7 ) : من كان له إمام فإن قراءته له قراءة
_________
( 1 ) في نسخة : الهادي بالياء وهما لغتان كالعاص والعاصي ( قال العلامة محمد طاهر الفتني : يقول المحدثون بحذف الياء والمختار في العربية إثباته . المغني ( ص 83 ) )
( 2 ) قوله : قال أم رسول الله صلى الله عليه و سلم ... إلخ هكذا وجدنا في نسخ الموطأ مرسلا وهو الأصح وأخرجه في " كتاب الآثار " عن أبي حنيفة نا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر بن عبد الله قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجل خلفه يقرأ فجعل رجل من أصحاب رسول الله ينهاه عن القراءة في الصلاة فقال : أتنهاني عن الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنازعا حتى سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام قراءة له . وأخرجه الدارقطني من طريق أبي حنيفة وقال : زاد فيه أبو حنيفة عن جابر بن عبد الله وقد رواه جرير والسفيانان وأبو الأحوص وشعبة وزائدة وزهير وأبو عوانة وابن أبي ليلى وقيس وشريك وغيرهم فأرسلوه ورواه الحسن بن عمارة كما رواه أبو حنيفة : وهو يضعف . انتهى . وفي " فتح القدير " بعد ذكر رواية أبي حنيفة : هذا يفيد أن أصل الحديث هذا غير أن جابرا روى منه محل الحكم تارة والمجموع تارة ويتضمن رد القراءة خلف الإمام لأنه خرج تأييدا لنهي ذلك خصوصا في رواية أبي حنيفة أن القصة كانت في الظهر والعصر فيعارض ما روي في بعض روايات حديث . ما لي أنازع القرآن ؟ قال : إن كان لا بد فبالفاتحة . وكذا ما رواه أبو داود والترمذي عن عبادة : " ولا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب " يقدم لتقدم المنع على الإطلاق عند التعارض ولقوة السند فإن حديث : " من كان له إمام " أصح فبطل رد المتعصبين وتضعيف بعضهم لمثل أبي حنيفة مع تضعيفه في الرواية إلى الغاية حتى إنه شرط التذكر لجواز الرواية بعد علمه أنه خطه ولم يشترط الحفاظ هذا ثم قد عضد بطرق كثيرة عن جابر غير هذه وإن ضعفت وبمذاهب الصحابة حتى قال المصنف : إن عليه إجماع الصحابة . انتهى . وفيه نظر وهو أنه لم يرد في حديث مرفوع صحيح النهي عن قراءة الفاتحة خلف الإمام وكل ما ذكروه مرفوعا فيه إما لا أصل له وإما لا يصح
كحديث : " من قرأ خلف الإمام ملئ فوه نارا " أخرجه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " واتهم به مأمون بن أحمد أحد الكذابين وذكره ابن حجر في " تخريج أحاديث الهداية " وكحديث : " من قرأ خلف الإمام ففي فيه جمرة " ذكره صاحب " النهاية " وغيره مرفوعا ولا أصل له
وكحديث عمران بن حصين : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس ورجل يقرأ خلفه فلما فرغ قال : من ذا الذي يخالجني سورة كذا ؟ فنهاهم عن القراءة خلف الإمام أخرجه الدارقطني وأعله بأنه لم يقل هكذا غير حجاج بن أرطاة عن قتادة وخالفه أصحاب قتادة منهم : شعبة وسعيد وغيرهما فلم يذكروا فيه النهي وحجاج لا يحتج به . انتهى . وقال البيهقي في كتاب " المعرفة " : قد رواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى بأصحابه الظهر فقال : أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى ؟ فقال رجل : أنا فقال : قد عرفت أن رجلا خالجنيها قال شعبة : فقلت لقتادة : كأنه كرهه فقال : لو كرهه لنهى عنه . ففي سؤال شعبة وجواب قتادة في هذا الرواية الصحيحة يكذب من قلب الحديث وزاد فيه فنهى عن القراءة خلف الإمام . انتهى
وكحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى بأصحابه فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال : أتقرؤون خلف إمامكم والإمام يقرأ ؟ فسكتوا فقالها ثلاث مرات فقالوا : إنا لنفعل ذلك فقال : لا تفعلوا فإنه ... رواه ابن حبان في " صحيحه " وزاد في آخره : " وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه " فعلم أن رواية الطحاوي مختصرة والحديث يفسر بعضه بعضا فظهر أنه لا يوجد معارض لأحاديث تجويز القراءة خلف الإمام مرفوعا . فإن قلت : هو حديث " وإذا قرأ فأنصتوا " قلت : هو لا يدل إلا على عدم جواز القراءة مع قراءة الإمام في الجهرية ولا على امتناع القراءة في السرية أو في الجهرية عند سكتات الإمام . فإن قلت : هو حديث من كان له إمام قلت : هو لا يدل على المنع بل على الكفاية فإن قلت : هو آثار الصحابة قلت : بعضها لا تدل إلا على الكفاية وبعضها لا تدل إلا على المنع في الجهرية عند قراءة الإمام فلا تعارض بها وإنما يعارض بما كان منها دالا على المنع مطلقا وهو أيضا ليس بصالح لذلك لأن المعارضة شرطها تساوي الحجتين في القوة وأثر الصحابي ليس بمساو في القوة لأثر النبي صلى الله عليه و سلم وإن كان سند كل منهما صحيحا . وبالجملة لا يظهر لأحاديث تجويز القراءة خلف الإمام معارض يساويها في الدرجة ويدل على المنع حتى يقدم المنع على الإباحة . وأما ما ذكره صاحب " الهداية " في إجماع الصحابة على المنع فليس بصحيح لكون المسألة مختلفا فيها بين الصحابة فمنهم من كان يجوز القراءة مطلقا ومنهم من كان يجوز في السرية ومنهم من كان لا يقرأ مطلقا كما مر سابقا فأين الإجماع ؟ فتأمل لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
( 3 ) هذا صريح في أن كفاية قراءة الإمام ليس مختصا بالجهرية بل هو كذلك في السرية
( 4 ) في بعض رواياته أنه قرأ : { سبح اسم ربك الأعلى } كما بسطها السيد مرتضى الزبيدي في " الجواهر المنيفة في أدلة أبي حنيفة "
( 5 ) أي : أشار بإصبعه أن اسكت
( 6 ) قوله : قدامك بضم القاف وتشديد الدال المهملة أي : أمامك كذا نقله بعضهم عن ضبط خط القاري ويجوز أن يكون " قد " حرف تحقيق و " أمك " ماض مع كاف الخطاب
( 7 ) في نسخة : فقال

126 - قال محمد : أخبرنا داود بن قيس الفراء ( 1 ) المدني ( 2 ) أخبرني بعض ( 3 ) ولد سعد بن أبي وقاص أنه ( 4 ) ذكر له أن سعدا قال : وددت ( 5 ) أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه ( 6 ) جمرة
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا داود بن قيس الفراء بفتح الفاء وتشديد الراء نسبة إلى بيع الفرو وخياطته ذكره السمعاني وهو أبو سليمان داود بن قيس الفراء الدباغ المدني روى عن السائب بن يزيد وزيد بن أسلم ونافع مولى ابن عمر ونافع بن جبير بن مطعم وغيرهم وعنه السفيانان وابن المبارك ويحيى القطان ووكيع وغيرهم وثقه الشافعي وأحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والساجي وابن المديني وغيرهم . ذكر عباراتهم صاحب " التهذيب " و " تهذيبه " وكانت وفاته في ولاية أبي جعفر
( 2 ) في نسخة المديني
( 3 ) قوله : بعض ولد بضم الواو وسكون اللام أي : أولاده ولم يعرف اسمه قال ابن عبد البر في " الاستذكار " : هذا حديث منقطع لا يصح . انتهى
( 4 ) ضمير الشأن أو هو يرجع إلى بعض ولد سعد كضمير ( ذكر ) وضمير ( له ) راجع إلى داود
( 5 ) أي : أحببت
( 6 ) قوله : في فيه جمرة قال البخاري في رسالته " القراءة خلف الإمام " بعدما ذكر هذا الأثر وأثر عبد الله بن مسعود : وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه نتنا : هذا كله ليس من كلام أهل العلم لوجهين : أحدهما : قول النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بالنار ولا تعذبوا بعذاب الله " . فكيف يجوز لأحد أن يقول في الذي يقرأ خلف الإمام : في فمه جمرة والجمرة من عذاب الله ؟ والثاني : أنه لا يحل لأحد أن يتمنى أن تملأ أفواه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل عمر وأبي بن كعب وحذيفة وعلي وأبي هريرة وعائشة وعبادة بن الصامت وأبي سعيد وعبد الله بن عمر في جماعة آخرين ممن روي عنهم القراءة خلف الإمام رضفا ولا نتنا ولا ترابا . انتهى . وفيه أنه لا بأس بأمثال هذا الكلام للتهديد والتشديد والتعذيب بعذاب الله ممنوع لا التهديد به فالأولى أن يتكلم في أسانيد هذه الآثار الدالة على أمثال هذه التشديدات فإن صحت تحمل على القراءة مع قراءة الإمام الذي يوجب ترك امتثال قوله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } ( سورة الأعراف : رقم الآية 204 ) وحديث : " وإذا قرأ فأنصتوا " ( أخرجه مسلم في التشهد رقم الحديث 404 ) لئلا يحصل التخالف بين الآثار والأخبار

127 - قال محمد : أخبرنا داود بن قيس الفراء أخبرنا محمد بن عجلان ( 1 ) : أن عمر بن الخطاب قال ( 2 ) : ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا
_________
( 1 ) قوله : محمد بن عجلان قال الذهبي في " الكاشف " : محمد بن عجلان المدني الفقيه الصالح عن أبيه وأنس وخلق وعنه شعبة ومالك والقطان وخلق وثقه أحمد وابن معين وقال غيرهما : سيئ الحفظ توفي سنة 143 هـ . انتهى
( 2 ) قوله : قال يخالفه ما أخرجه الطحاوي عن يزيد بن شريك أنه قال : سألت عمر بن الخطاب عن القراءة خلف الإمام فقال لي : اقرأ فقلت : وإن كنت خلفك ؟ فقال : وإن كنت خلفي ؟ فقلت : وإن قرأت قال : وإن قرأت

128 - قال محمد : أخبرنا داود بن سعد بن قيس ( 1 ) حدثنا عمرو بن محمد بن زيد عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت يحدثه عن جده أنه قال ( 2 ) : من قرأ ( 3 ) خلف الإمام فلا صلاة له
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا داود بن سعد بن قيس هكذا في بعض النسخ المصححة وفي بعض النسخ المصححة داود بن قيس ولعله داود بن قيس الفراء المدني الذي مر ذكره : حدثنا عمرو بن محمد بن زيد هكذا في بعض النسخ وفي بعض النسخ الصحيحة عمر بن محمد بن زيد بضم العين بدون الواو وهو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني نزيل عسقلان روى عن أبيه وجده زيد وعم أبه سالم وزيد بن أسلم ونافع وغيرهم وعن شعبة ومالك والسفيانان وابن المبارك قال ابن سعد : كان ثقة قليل الحديث وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : شيخ ثقة ليس به بأس وقال حنبل عن أحمد : ثقة وكذا قال ابن معين والعجلي وأبو داود وأبو حاتم كان أكثر مقامه بالشام ثم قدم بغداد ثم قدم الكوفة فأخذوا عنه مات بعد أخيه أبي بكر ومات أبو بكر بعد خروج محمد بن عبد الله بن حسن وكان خروجه سنة 145 هـ كذا في " تهذيب التهذيب " عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت . قال الذهبي في " الكاشف " : موسى بن سعد أو سعيد عن سالم وربيعة الرأي وعنه عمر بن محمد وثق . انتهى . وفي " التقريب " : موسى بن سعد أو سعيد بن زيد بن ثابت الأنصاري المدني مقبول
يحدثه أي : يحدث موسى عمر بن محمد عن جده زيد بن ثابت الصحابي الجليل كاتب الوحي والتنزيل
( 2 ) قوله : أنه قال ذكره البخاري في رسالة " القراءة " وقال : لا يعرف لهذا الإسناد سماع بعضهم عن بعض ولا يصح مثله . انتهى . وقال ابن عبد البر : قول زيد بن ثابت : " من قرأ خلف الإمام فصلاته تامة ولا إعادة " يدل على فساد ما روي عنه . انتهى ( وقد أجاب عن هذين الإيرادين على أثر زيد بن ثابت الشيخ محمد حسن السنبلي في كتابه : " تنسيق النظام في سند الإمام " ص 86 ، فارجع إليه )
( 3 ) كأنه محمول على القراءة المخلة بالاستماع والنفي محمول على نفي الكمال

35 - ( باب الرجل يسبق ( 1 ) ببعض الصلاة )
129 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام التي يعلن ( 2 ) فيها بالقراءة فإذا سلم ( 3 ) قام ابن عمر فقرأ لنفسه فيما ( 4 ) يقضي
قال محمد : وبهذا نأخذ لأنه ( 5 ) يقضي أول صلاته ( 6 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) بصيغة المجهول أي : يصير مسبوقا بأن يفوته أول صلاة الإمام
( 2 ) بصيغة المعلوم أي : يجهر فيها الإمام أو المجهول . وهو قيد واقعي لا احترازي
( 3 ) أي : الإمام
( 4 ) أي : فيما يؤدي من بقية صلاته
( 5 ) قوله : لأنه يقضي أول صلاته وبه قال الثوري والحسن بن حي ومالك على رواية وهو المروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء وابن عمر ومجاهد وابن سيرين وخالفهم الشافعي وأحمد وداود والأوزاعي ومالك في المشهور عنه وسعيد بن المسيب وعمر ( في الأصل : " عمرو " وهو تحريف ) بن عبد العزيز ومكحول عطاء والزهري فقالوا : المسبوق يقضي آخر صلاته كذا في " الاستذكار " ( 2 / 95 وبسط الشيخ في " أوجز المسالك " 2 / 13 : اختلاف العلماء في صلاة المسبوق )
( 6 ) أي : في حق القراءة وفي حق التشهد هو آخر صلاته

130 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان إذا جاء إلى الصلاة فوجد الناس قد رفعوا ( 1 ) من ركعتهم ( 2 ) سجد معهم
قال محمد : بهذا نأخذ ويسجد معهم ( 3 ) ولا يعتد بها ( 4 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي : رؤوسهم
( 2 ) أي : من ركوعهم
( 3 ) قوله : ويسجد معهم ... إلخ لحديث أبي هريرة مرفوعا : " إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا " . أخرجه أبو داود وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " وزاد : ومن أدرك الركعة فقد أرك الصلاة . وأخرج الترمذي من حديث على ومعاذ بن جبل مرفوعا : إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام " . وفيه ضعف وانقطاع ذكره ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " وأخرج أبو داود وأحمد من حديث ابن ليلى عن معاذ قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال : ... الحديث وفيه قال معاذ : لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه و سلم ببعضها فقال : قمت معه فلما قضى صلاته قام معاذ يقضي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا "
( 4 ) أي : لا يعتبر بها في وجدان تلك الركعة

131 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا وجد الإمام قد صلى بعض الصلاة صلى ( 1 ) معه ما أدرك من الصلاة إن كان قائما قام وإن كان قاعدا قعد حتى يقضي الإمام صلاته لا يخالف ( 2 ) في شيء من الصلاة ( 3 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) لإدراك زيادة الفضيلة
( 2 ) أي : الإمام
( 3 ) لحديث : " إنما جعل الإمام ليؤتم به "

132 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب ( 1 ) عن أبي سلمة ( 2 ) ( ... ) ابن عبد الرحمن ( 3 ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أردك ( 4 ) من الصلاة ( 5 ) ركعة فقد أدرك الصلاة
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) الزهري
( 2 ) قوله : أبي سلمة قيل : اسمه عبد الله وقيل : إسماعيل وقيل : اسمه كنيته ثقة فقيه كثير الحديث ولد سنة بضع وعشرين ومائة ومات سنة أربع وتسعين أو أربع ومائة كذا قال الزرقاني
( ... ) في نسخة : عن أبي سلمة بن سلمة بن عبد الرحمن وهو تحريف . وفي " تهذيب التهذيب " 12 / 115 : أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل : اسمه عبد الله وقيل إسماعيل وقيل اسمه كنيته
( 3 ) وهو : ابن عوف الزهري المدني
( 4 ) قوله : من أدرك ... إلخ هكذا هذا الحديث في " الموطأ " عند جماعة الرواة وروى عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفضل " . وهذا لا أعلم أحدا قاله عن مالك غيره وقد رواه عمار بن مطر عن مالك عن الزهري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ووقتها " وهذا أيضا لم يقله عن مالك غيره وهو مجهول لا يحتج به والصواب عن مالك ما في " الموطأ " وكذلك رواه جماعة من رواة ابن شهاب كما رواه مالك إلا ما رواه نافع بن يزيد عن يزيد عن عبد الوهاب بن أبي بكر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها : وهذ أيضا لم يقله أحد عن ابن شهاب غير عبد الوهاب
وقد اختلف الفقهاء في معنى الحديث
فقالت طائفة منهم : أراد أنه أدرك وقتها حكى ذلك أبو عبد الله أحمد بن محمد الداوودي عن داود بن علي وأصحابه قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " والظاهر : " أبو عمر " ) : هؤلاء قوم جعلوا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " في معنى قوله : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " وليس كما ظنوا لأنهما حديثان فكل واحد منهما بمعنى
وقال آخرون : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة وأصلوا من أصولهم على ذلك أنه لا يعيد في جماعة من أدرك ركعة من الصلاة الجمعة
وقال آخرون : معنى الحديث أن مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها كله وهو كمن أدرك جميعها من سهو الإمام وسجوده وغير ذلك كذا في " الاستذكار " وقال : الحافظ مغلطاي ( في الأصل " مغلطائي " ) : إذا حملناه على إدراك فضل الجماعة فهل يكون ذلك مضاعفا كما يكون لمن حضرها من أولها أو يكون غير مضاعف قولان ؟ وإلى التضعيف ذهب أبو هريرة وغيره من السلف وقال القاضي عياض : يدل على أن المراد فضل الجماعة ما في رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري من زيادة قوله : " مع الإمام " وقال ابن ملك في " مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار " : قوله : " فقد أدرك الصلاة " محتاج إلى تأويل لأن مدرك ركعة لا يكون مدركا لكل الصلاة إجماعا ففيه إضمار تقديره : فقد أدرك وجوب الصلاة يعني من لم يكن أهلا للصلاة ثم صار أهلا وقد بقي من وقت الصلاة قدر ركعة لزمته تلك الصلاة وكذا لو أدرك وقت تحريمة فتقييده بالركعة على الغالب . وقيل : تقديره : فقد أدرك فضيلة الصلاة يعني من كان مسبوقا وأدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك فضل الجماعة . وقيل : معنى الركعة ههنا الركوع ومعنى الصلاة الركعة يعني من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك تلك الركعة . انتهى
( 5 ) أي : مع الإمام

133 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : إذا فاتتك الركعة ( 1 ) فاتتك السجدة ( 2 )
قال محمد : من سجد السجدتين مع الإمام لا يعتد بهما ( 3 ) فإذا سلم الإمام قضى ركعة تامة بسجدتيها وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : فاتتك : الركعة يشير إلى أنه إذا لم تفت ( في الأصل : " لم يفت " وهو تحريف ) الركعة لم تفت ( في الأصل : " لم يفت " وهو تحريف ) السجدة ويؤيده ما أخرجه مالك أنه بلغه أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا يقولان : من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة وبلغه أيضا أن أبا هريرة كان يقول : من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير . ويخالفه ما أخرجه البخاري في رسالة " القراءة خلف الإمام " عن أبي هريرة أنه قال : إذا أدركت القوم وهم ركوع لم يعتد بتلك الركعة ذكره ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " وقال ابن عبد البر ( في الأصل : " ابن البر " وهو خطأ ) : هذا قول لا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال به وفي إسناده نظر . انتهى . وقد فصلت المسألة في " إمام الكلام في ما يتعلق بالقراءة خلف الإمام "
( 2 ) قوله : فاتتك السجدة معنى إدراك الركعة أن يركع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع وروى عن جماعة من التابعين أنهم قالوا : إذا أحرم والناس في ركوع أجزأه وإن لم يدرك الركوع وبهذا قال ابن أبي ليلى والليث بن سعد وزفر بن الهذيل وقال الشعبي : إذا انتهيت إلى الصف المؤخر ولم يرفعوا رؤوسهم وقد رفع الإمام رأسه فركعت فقد أدركت . وقال جمهور الفقهاء : من أدرك الإمام راكعا فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته الركعة ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة أي : لا يعتد بها ويسجدها هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وروي ذلك عن علي وابن مسعود وزيد وابن عمر وقد ذكرت الأسانيد عنهم في " التمهيد " كذا في " الاستذكار "
( 3 ) أي : لا يعتبر بهما في وجدان الركعة

36 - ( باب الرجل ( 1 ) يقرأ السور في الركعة الواحدة من الفريضة )
134 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا صلى وحده ( 2 ) يقرأ في الأربع ( 3 ) جميعا من الظهر والعصر في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة من القرآن وكان أحيانا يقرأ ( 4 ) بالسورتين أو الثلاث ( 5 ) في صلاة الفريضة في الركعة الواحدة ويقرأ في الركعتين الأوليين من المغرب كذلك ( 6 ) بأم القرآن وسورة سورة
قال محمد : السنة ( 7 ) أن تقرأ ( 8 ) في الفريضة في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب ( 9 ) وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب وإن لم تقرأ فيهما ( 10 ) أجزأك ( 11 ) وإن سبحت فيهما أجزأك ( 12 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : باب الرجل الظاهر أنه مجرور لإضافة الباب إليه و " يقرأ " إما حال منه أو صفة لكون اللام الداخلة على الرجل للعهد الذهبي فيكون في حكم النكرة أي : باب حكم الرجل الذي يقرأ أو حال كونه يقرأ . واختار القاري أنه مرفوع " يقرأ " خبره والباب مضاف إلى الجملة
( 2 ) أي منفردا
( 3 ) من ركعات الصلاة ( يحتمل أن يفعل ذلك عبد الله بن عمر إذا صلى وحده حرصا على التطويل في الصلاة إن كانت فريضة ويحتمل أن يكون نافلة غير أن لفظ الأربع ركعات في الفريضة أظهر . 1 هـ . " المنتقى للباجي " 1 / 146 ... قلت : الظاهر كونها فريضة والأوجه أن يقال : إن هذا مذهب ابن عمر رضي الله عنهما وهو مجتهد قال الزرقاني 1 / 165 : هذا لم يوافقه مالك ولا الجمهور بل كرهوا قراءة شيء بعد الفاتحة في الأخريين وثالثة المغرب )
( 4 ) بجوازه قال الأئمة الأربعة
( 5 ) قوله : بالسورتين أو الثلاث قد يعارض بما أخرجه الطحاوي أنه قال رجل لابن عمر : إني قرأت المفصل في ركعة أو قال في ليلة فقال ابن عمر : إن الله لو شاء لأنزله جملة ولكن فصله لتعطى كل سورة حظها من الركوع والسجود . ويجاب بأن فعله لبيان الجواز وقوله لبيان السنية والزجر عن الاستعجال في القراءة مع فوات التدبر والتفكر فلا منافاة ومما يؤيد جواز القرآن في السور في ركعة ما أخرجه الطحاوي عن نهيك بن سنان أنه أتى عبد الله بن شقيق إلى ابن مسعود فقال : إني قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال ابن مسعود : هذا كهذ الشعر إنما فصل ليفصلوا لقد علمنا النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرن : عشرين سورة النجم والرحمن في ركعة وذكر الدخان وعم يتساءلون في ركعة . فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجمع أحيانا وقد ثبت ذلك بروايات متعددة في كتب مشهورة وأما قول ابن مسعود : إنما فصل ليفصلوه فقال الطحاوي : إنه لم يذكره عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد يحتمل أن يكون ذلك من رأيه فقد خالفه في ذلك عثمان لأنه كان يختم القرآن في ركعة ( وفي " المغني " لا بأس بالجمع بين السور في الصلاة النافلة وأما الفريضة فالمستحب أن يقتصر على سورة مع الفاتحة من غير زيادة عليها لأن النبي صلى الله عليه و سلم هكذا كان يصلي أكثر صلاته . وإن جمع بين السورتين ففيه روايتان : إحداهما يكره والثانية لا يكره . أنظر : أوجز المسالك : 2 / 72 . ) . ثم أخرج عن ابن سيرين قال : كان تميم الداري يحيي الليل كله بالقرآن كله في ركعة . وأخرج عن مسروق قال : قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري فقد رأيته قام ليلة حتى أصبح وكان يصبح بقراءة آية يركع فيها ويسجد ويبكي { أم حسب الذين اجترحوا السيئات } ( الجاثية : 41 ) . وأخرج ابن سعيد أن عبد الله بن الزبير قرأ القرآن في ركعة وأخرج نافع عن ابن عمر أنه كان يجمع بي السورتين في الركعة الواحدة من صلاة المغرب . وأخرج عنه أيضا أن ابن عمر كان يجمع بين السورتين والثلاث في ركعة وكان يقسم السورة الطويلة في الركعتين من المكتوبة
وبهذا يظهر أنه لا بأس بقراءة القرآن كله في ركعة واحدة أيضا بشرط أن يعطي حظه من التدبر ولقد قف شعري مما قال بعض علماء عصرنا إنه بدعة ضلالة لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه و سلم وقد ألفت في رده رسالة شافية سميتها " إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة " فلتطالع
( 6 ) بيان للتشبيه
( 7 ) قوله : السنة السنية راجعة إلى توحد السورة بعد الفاتحة في الأوليين والاكتفاء بالفاتحة في الأخريين وأما نفس قراءة الفاتحة وسورة أو قدرها في الأوليين فواجب عندنا
( 8 ) قوله : أن تقرأ ... إلخ هذا هو غالب ما عليه النبي صلى الله عليه و سلم كما أخرجه الستة إلا الترمذي عن أبي قتادة : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الأخريين بفاتحة الكتاب . وأخرج الطبراني في معجمه عن جاب بن عبد الله قال : سنة القراءة في الصلاة أن يقرأ في الأوليين بأم القرآن وسورة وفي الأخريين بأم القرآن . وأخرج الطحاوي عن أبي العالية قال : أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لكل ركعة سورة . وروى الطبراني من حديث عائشة وإسحاق بن راهويه من حديث رفاعة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب
( 9 ) قوله : بفاتحة الكتاب ولو زاد على ذلك في الأخريين لا بأس به لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين قدر خمسة عشر آية . وأغرب بعض أصحابنا حيث حكموا على وجوب سجود السهو بقراءة سورة في الأخريين وقد رده شراح " المنية " - إبراهيم الحلبي وابن أمير حاج الحلبي وغيرهما - بأحسن رد ولا أشك في أن من قال بذلك لم يبلغه الحديث ولو بلغه لم يتفوه به
( 10 ) أي في الأخريين
( 11 ) قوله : أجزاك لما مر من رواية ابن مسعود أنه كان لا يقرأ في الأخريين شيئا وأخرج ابن أبي شيبة عن علي وابن مسعود أنهما قالا : اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين . وفي " حلية المجلي ( في الأصل : " حلية المحلي " وهو تحريف ) شرح منية المصلي " : هذا التخيير أي : بين القراءة والتسبيح والسكوت مروي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة ذكره في " التحفة " و " البدائع " وغيرهما وزاد في " البدائع " : هذا جواب ظاهر الرواية وهو قول أبي يوسف ومحمد . وهذا يفيد أنه لا حرج في ترك القراءة والتسبيح عامدا ولا سجود سهو عليه في تركهما ساهيا وقد نص قاضيخان في " فتاواه " على أن أبا يوسف روى ذلك عن أبي حنيفة ثم قال قاضيخان : وعليه الاعتماد وفي " الذخيرة " : هذا هو الصحيح من الروايات لكن في " محيط رضي الدين السرخسي " وفي " ظاهر الرواية " : أن القراءة سنة في الأخريين ولو سبح فيهما ولم يقرأ لم يكن مسيئا لأن القراءة فيهما شرعب على سبيل الذكر والثناء وإن سكت فيهما عمدا يكون مسيئا لأنه ترك السنة . وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها فيهما واجبة حتى لو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو ثم في " البدائع " : الصحيح جواب " ظاهر الرواية ؟ لما روينا عن على وابن مسعود أنهما كانا يقولان : المصلي بالخيار وهذا باب لا يدرك بالقياس فالمروي عنهما كالمروي عن النبي صلى الله عليه و سلم . انتهى . ويمكن أن يقال : وبهذا يندفع ترجيح رواية الحسن بما في " مسند أحمد " عن جابر قال : " لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة إلا وراء الإمام " . وبما اتفق عليه البخاري ومسلم عن أبي قتادة : " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب " لأن كون الأول مفيدا للوجوب والثاني مفيدا للمواظبة المفيدة للوجوب إنما هو إذا لم يوجد صارف عنه إما إذا وجد صارف فلا وقد وجد ههنا وهو أثر علي وابن مسعود لأنه كالمرفوع والمرفوع صورة ومعنى يصلح صارفا فكذا ما هو مرفوع معنى . انتهى كلام صاحب " الحلية " ( في الأصل : " الحلية " وهو تحريف ) . وفيه شيء لا يخفى على المتفطن
( 12 ) أي : كفاك

37 - ( باب الجهر في القراءة في الصلاة وما يستحب ( 1 ) من ذلك )
135 - أخبرنا مالك أخبرني عمي أبو سهيل ( 2 ) أن أباه ( 3 ) أخبره أن عمر بن الخطاب كان يجهر بالقراءة ( 4 ) في الصلاة وأنه ( 5 ) كان يسمع ( 6 ) قراءة عمر بن الخطاب عند دار أبي جهم ( 7 )
قال محمد : الجهر بالقراءة في الصلاة فيما يجهر فيه بالقراءة حسن ( 8 ) ما لم يجهد ( 9 ) الرجل نفسه
_________
( 1 ) أي : المقدار المستحب من الجهر
( 2 ) اسمه نافع
( 3 ) مالك بن أبي عامر
( 4 ) أي : في المسجد النبوي
( 5 ) قوله : وأنه قال القاري : بفتح الهمزة ويجوز كسره والضمير للشأن ويسمع بصيغة المجهول . انتهى . وهذا تكلف بحت والصحيح أن ضمير أنه ويسمع معروفان راجعان إلى مالك بن أبي عامر الأصبحي جد الإمام مالك وأنه أخبر ابنه أبا سهيل عن سمعه قراءة عمر بدليل ما في " موطأ يحيى " : مالك عن عمه أبي سهيل من مالك عن أبيه قال : كما نسمع قراءة عمر بن الخطاب عند دار أبي جهم
( 6 ) كان عمر مديد الصوت فيسمع صوته حيث ذكره ( المقصود أن عمر كان جهوري الصوت فيسمع صوته في هذا المحل لجهره بالقراءة قال الباجي : يحتمل أن عمر بن الخطاب كان الإمام في الصلاة فلذلك كان له أن يجهر بالقراءة فيها والصلاة التي كان يفعل ذلك فيها هي الفريضة التي كان يجتمع أهل المسجد على الاقتداء به فيها فلا يبقى أحد ينكر أن عمر بن الخطاب قد جهر عليه بالقراءة المتقى 1 / 151 ويحتمل أن يكون عمر بن الخطاب كان يجهر ذلك في نافلته بالليل وتهجده فكان يسمع من ذلك الموضع 1 / 152 )
( 7 ) قوله : أبي جهم ( اختلفت نسخ موطأ يحيى في ذكر هذا الاسم ففي النسخة المصرية أبو جهم وفي النسخ الهندية أبو جهيم بزيادة الياء هما صحابيان أما في نسخة محمد فهو أبو جهم المكبر فهو ابن حذيفة وبهذا جزم العلامة الزرقاني في شرحه 1 / 169 ) بفتح الجيم وإسكان الهاء واسمه عامر وقيل : عبيد بن حذيفة صحابي قرشي من مسلمة الفتح ومشيخة قريش وداره بالبلاط بفتح الموحد بزنة سحاب موضع بالمدينة بين المسجد والسوق كذا قال الزرقاني
( 8 ) بل واجب في حالة الجماعة
( 9 ) أي : لم يحمتل على نفسخ جهرا ومشقة بالجهر المفرط لقوله تعالى : { ولا تجهر بصلاتك ولا تهافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } ( سورة الإسراء : آية 110 )

38 - ( باب آمين ( 1 ) في الصلاة )
136 - أخبرنا مالك أخبرني الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا ( 2 ) أمن الإمام ( 3 ) فأمننوا ( 4 ) فإنه ( 5 ) من وافق ( 6 ) تأمينه تأمين الملائكة ( 7 ) غفر له ( 8 ) ما تقدم ( 9 ) من ذنبه قال ( 10 ) : فقال ابن شهاب ( 11 ) : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول : آمين
قال محمد : وبهذا نأخذ ينبغي إذا فرغ الإمام من أم الكتاب أن يؤمن الإمام ويؤمن من خلفه ولا يجهرون ( 12 ) بذلك فأما أبو حنيفة فقال ( 13 ) : يؤمن من خلف الإمام ولا يؤمن الإمام ( 14 )
_________
( 1 ) في نسخة : التأمين بالمد والتخفيف ومعناه عند الجمهور : اللهم استجب وقيل غير ذلك مما يرجع إليه ( انظر عمدة القاري 3 / 106 و 107 )
( 2 ) قوله : إذا أمن قال الباجي : قيل : معناه إذا بلغ موضع التأمين وقيل : إذا دعا والأظهر عندنا أن معناه قال : آمين كما أن معنى فأمنوا قولوا : آمين . انتهى . والجمهور على القول الأخير . لكن أولوا قوله : إذا أمن على أن المراد إذا أراد التأمين ليقع تأمين الإمام والمأموم معا فإنه يستحب فيه المقارنة قال الشيخ أبو محمد الجويني : لا تستحب مقارنة الإمام في شيء من الصلاة غيره
( 3 ) قوله : الإمام فيه دليل على أن الإمام يقول : آمين وهذا موضع اختلف فيه العلماء فروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول : آمين وإنما يقول : ذلك من خلفه وهو قول المصريين من أصحاب مالك وقال جمهور أهل العلم : يقولها كما يقول المنفرد وهو قول مالك في رواية المدنيين وبه قال الشافعي والثوري والأوزاعي وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وحجتهم أن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث أبي هريرة ووائل بن حجر وحديث بلال : " لا تسبقني بآمين " كذا في " الاستذكار "
( 4 ) قوله : فأمنوا حكي عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم بظاهر الأمر وأوجبه الظاهرية على كل مصل لكن جمهور العلماء على أن الأمر للندب كذا في " فتح الباري "
( 5 ) في رواية الصحيحين : فإن الملائكة تؤمن فمن وافق ... . إلخ
( 6 ) قوله : من وافق أي : في الإخلاص والخشوع وقيل : في الإجابة وقيل : في الوقت وهو الصحيح ذكره ابن ملك كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 7 ) قوله : تأمين الملائكة ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره ابن بزيزة وقيل : الحفظة منهم وقيل : الذين يتعاقبون منهم . قال الحافظ : والذي يظهر أن المراد من يشهد تلك الصلاة من في الأرض أو في السماء للحديث الآتي : إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة آمين في السماء فوافقت إحداهما الأخرى وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال : صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى كذا في " التنوير "
( 8 ) قوله : غفر له قال الباجي : يقتضي غفران جميع ذنوبه المتقدمة وقال غيره : هو محمول عند العلماء على الصغائر ( قلت : لو حصل كمال الندم عند القيام بحضرته عز شأنه وجل برهانه فلا مانع من التعميم . أوجز المسالك 2 / 109 )
( 9 ) وقع في " أمالي الجرجاني " في آخر هذا الحديث زيادة : " وما تأخر " كذا في التنوير
( 10 ) أي : مالك
( 11 ) قوله : فقال ابن شهاب هذا من مراسيل ابن شهاب وقد أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " و " العلل " موصولا من طريق حفص بن عمر العدني عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة به وقال : تفرد به حفص وهو ضعيف وقال ابن عبد البر : لم يتابع حفص على هذا اللفظ بهذا الإسناد وكذا قال السيوطي
( 12 ) قوله : ولا يجهرون بذلك به قال الشافعي في قوله الجديد ومالك في رواية ومذهب الشافعي وأصحابه وأحمد وعطاء وغيرهم أنهم يجهرون كذا ذكر العيني وحجة القائلين بالجهر حديث وائل بن حجر : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قال : { غير المعضوب عليهم ولا الضالين } قال : آمين ورفع بها صوته . أخرجه أبو داود وفي رواية الترمذي عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ : { ولا الضآلين } قال : آمين ومد بها صوته . وفي رواية النسائي عنه : صليت خلف رسول الله . . الحديث وفيه ثم قرأ فاتحة الكتاب فلما فرغ منها قال : آمين يرفع بها صوته . وفي رواية لأبي داود والترمذي عنه : أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجهر بأمين . وروى أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة : كان رسول الله إذا تلا { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول زاد ابن ماجه فيرتج بها المسجد . وروى إسحاق بن راهويه عن امرأة أنها صلت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قال : { ولا الضآلين } قال : آمين فسمعته وهو في صف النساء . وروى ابن حبان في " كتاب الثقات " في ترجمة خالد بن أبي نوف عنه عن عطاء بن أبي رباح قال : أدركت مائتين من أصحب رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا المسجد يعني المسجد الحرام إذا قال الإمام : { ولا الضالين } رفعوا أصواتهم بأمين . وفي " صحيح البخاري " عن عطار تعليقا : أمن عبد الله بن الزبير ومن وراءه حتى أن للمسجد للجه ( قال القاري في ( مرقاة المفاتيح : 2 / 292 ) : جمل أئمتنا ما ورد من رفع الصوت على أول الأمر اللتعليم ثم لما استقر الأمر عمل بالإخفاء والله أعلم . . ثم إن الأصل في الدعاء الإخفاء لقوله تعلى : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } ولا شك أن آمين دعاء فعند التعارض يرجح الإخفاء بذلك وبالقياس على سائر الأذكار والأدعية )
وحجة القائلين بالسر ما أخرجه أحمد وأبو يعلى والحاكم من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : آمين وأخفى صوته . ولفظ الحاكم : خفض صوته . لكن قد أجمع الحفاظ منهم البخاري وغيره أن شعبة وهم في قوله خفض صوته إنما هو مد صوته لأن سفيان كان أحفظ من شعبة وهو ومحمد بن سلم وغيرهما رووه عن سلمة بن كهيل هكذا وقد بسط الكلام في إثبات علل هذا الرواية الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " وابن الهمام في " فتح القدير " وغيرهما من محدثي أصحابنا
والإنصاف أن الجهر قوي من حيث الدليل وقد أشار إليه ابن أمير حاج في " الحلبة " ( في الأصل : " الحلية " وهو تحريف ) حيث قال : السر هو السنة وبه قالت المالكية وفي قول عندهم يجهر في الجهرية وعند الشافعي إن كانت جهرية جهر به الإمام بلا خلاف والمنفرد على المعروف والمأموم في أحد قوليه ونص النووي على أنه الأظهر وقد ورد في السنة ما يشهد لكل من المذهبين ورجح مشايخنا ما للمذهب بما لا يعرى عن شيء لمتأمله . فلا جرم أن قال شيخنا ابن الهمام ( فتح القدير 1 / 257 ) : ولو كان إلي في هذا شيء لوفقت بأن رواية الخفض يراد بها عدم القرع العنيف ورواية الجهر بمعنى قولها : في زبر الصوت وذيلها . انتهى
( 13 ) قوله : فقال وجهوا قوله بحديث : " إذا قال الإمام : { ولا الضالين } فقولوا : آمين " فإنه يدل على القسمة وهو تنافي الشركة ولا يخفى ما فيه والأحاديث الصريحة في قول الإمام آمين واردة عليه فلهذا لم يأخذ المشايخ بهذه الرواية
( 14 ) قوله : ولا يؤمن الإمام قد يقال : يخالفه قوله في كتاب " الآثار " : فإنه أخرج فيه عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال : أربع يخافت بهن الإمام : سبحانك اللهم والتعوذ وبسم الله وأمين ثم قال : وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة . فهذا يدل على أن أبا حنيفة أيضا قائل بقول الإمام آمين سرا أو يجاب عنه بوجهين : أحدهما : أن الرواية عنه مختلفة فذكر إحداهما ههنا وذكر الأخرى هناك . وثانيهما : إن أبا حنيفة فرع الجواب في المسألة على قولهما كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها وإن كان خلاف مختاره

39 - ( باب السهو في الصلاة )

137 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 1 ) : إن أحدكم إذا قام في الصلاة جاءه الشيطان فلبس ( 2 ) عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ( 3 ) أحدكم ذلك فليسجد ( 4 ) سجدتين ( 5 ) وهو جالس
_________
( 1 ) هذا حديث متفق عليه ورواه الأربعة كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 2 ) بفتح الباء الموحدة الخفيفة أي : خلط
( 3 ) قوله : فإذا وجد قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " وهو تحريف ) : هذا الحديث محمول عند مالك وابن وهب وجماعة على الذي يكثر عليها السهو ويغلب على ظنه أتم لكن يوسوس الشيطان له وأما من غلب على ظنه أنه لم يكمل فيبنيه على يقينه
( 4 ) ترغيما للشيطان
( 5 ) بعد السلام كما في حديث عبد الله بن جعفر مرفوعا : من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم رواه أحمد وأبو داود

138 - أخبرنا مالك حدثنا داود ( 1 ) بن الحصين ( 2 ) عن أبي سفيان ( 3 ) مولى ( 4 ) ابن أبي أحمد عن أبي هريرة قال : صلى ( 5 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العصر ( 6 ) فسلم ( 7 ) في ركعتين فقام ذو اليدين ( 8 ) فقال ( 9 ) : أقصرت ( 10 ) الصلاة ( 11 ) يا رسول الله أم نسيت ؟ فقال : كل ذلك ( 12 ) لم يكن فقال : يا رسول الله قد كان بعض ذلك ( 13 ) فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الناس ( 14 ) فقال : أصدق ( 15 ) ذو اليدين ؟ فقالوا ( 16 ) : نعم . فأتم رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ( 17 ) بقي عليه ( 18 ) من الصلاة ثم سلم ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم
_________
( 1 ) وثقه ابن معين مات سنة 135 ، كذا في " الإسعاف "
( 2 ) بمهملتين مصغرا
( 3 ) قوله : أبي سفيان اسمه وهب قاله الدارقطني وقال غيره : اسمه قزمان بضم القاف قال ابن سعد : ثقة قليل الحديث روى له الستة كذا في " شرح الزرقاني " و " التقريب "
( 4 ) هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش القرشي الأسدي ذكره جماعة في ثقات التابعين كذا قال الزرقاني
( 5 ) قوله : صلى قال أبو عمر في ( الأصل أبو عمرو ) بن عبد البر : كذا رواه يحيى ولم يقل " لنا " وقال ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وقتيبة عن مالك قالوا : صلى لنا
( 6 ) قوله : صلاة العصر ورد في طريق البخاري الظهر أو العصر على الشك وفي ( أبواب الإمامة ) عن أبي الوليد عن شعبة : الظهر بغير شك وكذا لمسلم من طريق أبي سلمة وله من طريق آخرى عن أبي هريرة : العصر وفي ( باب تشبيك الأصابع في المسجد ) من صحيح البخاري من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ : إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين : سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا . قال الحافظ ابن حجر : الظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرتنين بل روى النسائي من طريق ابن عون عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرا على الشك وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وتارة العصر فجزم بها ولم يختلف الرواة في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر فإن قلنا : إنهما قصة واحدة فيترجح رواية من روى العصر في حديث أبي هريرة . انتهى . كذا في " ضياء الساري شرح صحيح البخاري "
( 7 ) سهوا
( 8 ) قوله : ذو اليدين قال ابن حجر : ذهب الأكثر إلى أن اسمه الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة آخره قاف اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم ولفظه : فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول وهذا صنيع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياق ففي حديث أبي هريرة أن السلام كان من اثنتين وفي حديث عمران أنه كان من ثلاث ( قال الحافظ في " فتح الباري " : 3 / 78 : والظاهر أن الاختلاف من الرواة وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرتين ... إلخ . وقال العيني في " عمدة القاري " 3 / 644 : قلت : الحمل على التعدد أولى من نسبة الرواة إلى الشك )
( 9 ) قوله : فقال أي : ذو اليدين : وهو غير ذي الشمالين المقتول في بدر بدليل ما في حديث أبي هريرة ومن ذكرها معه من حضورهم تلك الصلاة ممن كان إسلامه بعد بدر وقول أبي هريرة في حديث ذي اليدين : صلى لنا رسول الله وصلى بنا وبينما نحن جلوس مع رسول الله محفوظ من نقل الحفاظ وأما قول ابن شهاب الزهري في هذا الحديث : إنه ذو الشمالين فلم يتابع عليه وحمله الزهري على أنه المقتول يوم بدر وغلط فيه ( قلت : لم ينفرد به الزهري بل تابعه على ذلك عمران بن أنس عند النسائي والطحاوي . انظر : نصب الراية 1 / 182 ، وبذل المجهود 5 / 360 ) والغلط لا يسلم منه أحد كذا في " الاستذكار "
( 10 ) قوله : أقصرت بفتح القاف وضم الصاد المهملة أي : صارت قصيرة وبضم القاف وكسر الصاد أي : أن الله قصرها والثاني أشهر وأصح وفيه دليل على ورعهم إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم وإنما استفهموا لأن الزمان زمان نسخ قاله الحافظ
( 11 ) بالرفع على الفاعلية أو النيابة
( 12 ) قوله : كل ذلك لم يكن قال النووي : فيه تأويلان أحدهما : أن معناه لم يكن المجموع والثاني : وهو الصواب أن معناه : لم يكن ذاك ولا ذا في ظني بل ظني أني أكملت أربعا ويدل على صحة هذا التأويل أنه ورد في بعض روايات البخاري أنه قال : لم تقصر ولم أنس
( 13 ) وأجابه في رواية أخرى بقوله : بلى قد نسيت
( 14 ) الذين صلوا معه
( 15 ) في رواية لأبي داود بإسناد صحيح : أن الجماعة أومؤوا أي : نعم
( 16 ) قوله : فقالوا : نعم احتج مالك وأحمد بقولهم : نعم على جواز الكلام لمصلحة الصلاة وليس كما قالا لما مر أن من خصائصه صلى الله عليه و سلم كما صرحت به الأحاديث الصحيحة أنه يجب إجابته في الصلاة بالقول والفعل ولا تبطل به الصلاة وحينئذ لا حاجة إلى ماروي عن ابن سيرين أنهم لم يقولوا : نعم بل : أومؤوا بالإشارة كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 17 ) وهو الركعتان
( 18 ) قوله : ما بقي عليه اختلفوا في الكلام في الصلاة بعد ما أجمعوا على أن الكلام عامدا إذا كان المصلي يعلم أنه في صلاة ولم يكن ذلك لإصلاح صلاته مفسد إلا الأوزاعي فإنه قال : من تكلم في صلاته لإحياء نفس ونحو ذلك من الأمور الجسام لم يفسدها ( في الأصل : " لم يفسد " والظاهر : " لم يفسدها " ) . وهو قول ضعيف يرده السنن والأصول ؟ فالمشهور من مذهب مالك وأصحابه : إذا تكلم على ظن أنه أتم الصلاة لم يفسد عامدا كان الكلام أو ساهيا وكذا إذا تعمد الكلام إذا كان في صلاحها وبيانها وهو قول ربيعة وإسماعيل بن إسحاق . وقال الشافعي وأصحابه وبعض أصحاب مالك : إن المصلي إذا تكلم ساهيا أو تكلم وهو يظن أنه أكمل صلاته لا يفسد وإن تعمد عالما بأنه لم يتمها يفسد وإن كان لإصلاحها . وذهب الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري وغيرهم : إلى أن الكلام في الصلاة مفسد على كل حال سهوا كان أو عمدا لصلاح الصلاة أو لا على ظن الإتمام أو لا كذا ذكره ابن عبد البر . أما حجة المالكية والشافعية فحديث ذي اليدين . وأما الحنفية فاحتجوا بقوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } ( سورة البقرة : رقم الآية 238 ) أي : ساكتين فإنه نزل نسخا لما كانوا يتكلمون في الصلاة كما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والطحاوي وغيرهم من حديث زيد بن أرقم . وطرقه مبسوطة في " الدر المنثور " للسيوطي وأجابوا عن حديث ذي اليدين بوجوه : منها أنه كان من خصائصه صلى الله عليه و سلم وفيه مطالبة ما يدل على الاختصاص . ومنها أنه كان حين كان الكلام مباحا وفيه أن تحريم الكلام كان بمكة على المشهور وهذه القصة قد رواها أبو هريرة وهو أسلم سنة سبع وقال بعضهم : إن أبا هريرة لم يحضرها وإنما رواها مرسلا بدليل أن ذا الشمالين قتل يوم بدر وهو صاحب القصة وردوه بأن رواية مسلم وغيره صريحة في حضور أبي هريرة تلك القصة والمقتول ببدر هو ذو الشمالين وصاحب القصة هو ذو اليدين وهو غيره ( قلت : مدار البحث والاستدلال في هذه المسألة موقوف على أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد وأنه استشهد ببدر ولم يدركه أبو هريرة لأن إسلامه كان سنة سبع من الهجرة . وقد استوفى أدلة الفريقين الشيخ ظهير النيموي في " آثار السنن " ( 1 / 144 ) فارجع إليه ) كما بسطه ابن عبد البر وفي المقام كلام طويل لا يتحمله المقام

139 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا شك ( 2 ) أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثا أم أربعا فليقم ( 3 ) فليصل ( 4 ) ركعة وليسجد ( 5 ) سجدتين وهو جالس قبل التسليم . فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها ( 6 ) ( 7 ) بهاتين السجدتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم ( 8 ) للشيطان
_________
( 1 ) قوله : أن قال ابن عبد البر : هكذا روي الحديث عن مالك مرسلا ولا أعلم أحدا أسنده عن مالك إلا الوليد بن مسلم فإنه وصله عن أبي سعيد الخدري
قلت : وصله مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد كذا في " تنوير الحوالك "
( 2 ) أي : تردد من غير رجحان فإنه مع الظن يبني عليه عندنا خلافا للشافعي كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 3 ) وفي رواية مسلم : " فليطرح الشك وليبن على ما استيقن "
( 4 ) قوله فليصل قال ابن عبد البر : في الحديث دلالة قوية لقول مالك والشافعي والثوري وغيرهم أن الشاك يبني على اليقين ولا يجزيه التحري قال أبو حنيفة : إن كان ذلك في أول مرة استقبل وإن كان غير مرة تحرى وليس في الأحاديث فرق ( وللإمام أحمد في ذلك ثلاث روايات : إحداها " البناء على اليقين . والثانية : البناء على التحري مطلقا والثالثة : البناءعلى اليقين للمنفرد والتحري للإمام وهو ظاهر مذهبه . وقالت الحنفية : إذا شك أحد وهو مبتدئ بالشك لا مبتلى به استأنف الصلاة وإن كان يعرض له الشك كثيرا بنى على أكبر رأيه وإن لم يكن رأي بنى على اليقين . " عمدة القاري " 3 / 749 ، و " أوجز المسالك " 2 / 176 ) كذا قال الزرقاني
( 5 ) قوله : وليسجد قال القاضي عياض : القياس أن لا يسجد إذ الأصل أنه لم يزد شيئا لكن صلاته لا تخلو عن أحد خللين إما الزيادة وإما إداء الرابعة على التردد فيسجد جبرا للخلل ولما كان من تسويل الشيطان وتلبيسه سمى جبره ترغيما له كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 6 ) أي : ردها إلى الشفع
( 7 ) قوله : شفعها لأنها تصير ستا بهما حيث أتى معظم أركان الصلاة . وقول ابن ملك ههنا : ( وبه قال مالك وعند أبي حنيفة : يصلي ركعة سادسة ) سهو ظاهر لأن الكلام ههنا في المقدر والخلاف إنما هو في المحقق كذا في " مرقاة المفاتيح " ( 3 / 23 )
( 8 ) أي : إغاظة له وإذلال

140 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة ( 1 ) أنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين ثم قام ( 2 ) ولم يجلس فقام الناس فلما قضى صلاته ونظرنا ( 3 ) تسليمه كبر وسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ( 4 ) ثم سلم
_________
( 1 ) قوله : عن ابن بحينة بضم الباء بعده حاء مهملة مفتوحة ثم ياء ساكنة مصغرا : هي اسم أمه اشتهر به وهو عبد الله بن مالك بن القشب الأزدي من أجلة الصحابة مات بعد سنة 50 هـ كذا في " التقريب " وغيره
( 2 ) زاد الضحاك بن عثمان عن الأعرج : ( فسبحوا به فمضى ) . أخرجه ابن خزيمة
( 3 ) أي : انتظرنا
( 4 ) قوله : قبل التسليم فيه دليل على أن وقت السجود قبل السلام وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة والثوري : موضعه بعد السلام . وتمسكا بحديث ابن مسعود وأبي هريرة ( وقال مالك وهو قول قديم للشافعي : إن كان السجود لنقصان قدم وإن كان لزيادة أخر : " مرقاة المصابيح " 3 / 22 ) كذا في " الكاشف عن حقائق السنن " حاشية المشكاة للطيبي

141 - أخبرنا مالك أخبرنا عفيف بن عمرو ( 1 ) بن المسيب السهمي عن عطاء بن يسار قال : سألت عبد الله ( 2 ) بن عمرو بن العاص وكعبا ( 3 ) عن الذي يشك كم صلى ثلاثا أو أربعا قال : فكلاهما قالا : فليقم وليصل ( 4 ) ركعة أخرى قائما ثم يسجد سجدتين إذا صلى
_________
( 1 ) قوله : عمرو بفتح العين . قرأت بخط الذهبي : لا يدرى من هو ؟ أي : عفيف بن عمرو . وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال النسائي : ثقة كذا في " تهذيب التهذيب " لابن حجر
( 2 ) قوله : عبد الله هو أبو عبد الرحمن أو أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام السهمي لم يكن بينه وبين أبيه في السن إلا إحدى عشر سنة وأسلم قبل أبيه وكان مجتهدا في العبادة غزير العلم من أجلة الصحابة مات سنة 63 هـ أو سنة 65 هـ أو سنة 68 هـ أو سنة 73 هـ أو سنة 77 هـ بمكة أو بالطائف أو بمصر أو بفلسطين : أقوال كذا في " تهذيب التهذيب " وغيره
( 3 ) هو من كبار التابعين هو كعب بن قانع أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار من مسلمة أهل الكتاب مات سنة 32 هـ كذا في " الإسعاف "
( 4 ) بانيا على ما تيقن

142 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا سئل عن النسيان قال : يتوخى ( 1 ) أحدكم الذي يظن أنه نسي من صلاته ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ إذا ناء ( 3 ) للقيام وتغيرت حاله عن القعود وجب ( 4 ) عليه لذلك سجدتا السهو . وكل سهو وجبت فيه سجدتان من زيادة أو نقصان فسجدتا السهو فيه بعد التسليم ( 5 ) . ومن أدخل عليه الشيطان الشك ( 6 ) في صلاته فلم يدر ( 7 ) أثلاثا صلى أم أربعا فإن كان ذلك أول ( 8 ) ما لقي تكلم ( 9 ) واستقبل ( 10 ) صلاته وإن كان يبتلى بذلك ( 11 ) كثيرا مضى على أكثر ظنه ( 12 ) ورأيه ( 13 ) ولم يمض ( 14 ) على اليقين ( 15 ) فإنه إن فعل ذلك لم ينج فيما يرى من السهو الذي يدخل عليه الشيطان وفي ذلك ( 16 ) آثار كثيرة
_________
( 1 ) يقال : توخيت الشيء أتوخأ إذا قصدت إليه وتعمدت فعله وتحريت فيه كذا في " النهاية "
قوله : يتوخى هذا ظاهر في أنه يبني على اليقين كذا قال ابن عبد البر وغيره وفيه تأمل بل هو ظاهر في التحري والبناء عليه وعليه حمله الطحاوي بعدما أخرجه من طرق
( 2 ) في بعض النسخ : في الآخر ثم يسجد سجدتين
( 3 ) أي : بعد
( 4 ) قوله : وجب عليه فإن سبح به المؤتم أو تذكر وهو قريب من القعود عاد وإلا لا لما روى أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا : إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو . وأخرج ابن عبد البر في " التمهيد " : أن المغيرة قام من ثنتين واعتدل فسبحوا به فلم يرجع وقال لهم كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن سعد بن أبي وقاص مثله
( 5 ) قوله : بعد التسليم قد ورد في هذا الباب ما يدل على السجود بعد التسليم وأحاديث تدل على السجود قبل التسليم
فمن الأولى ما أخرجه أبو داود والطبراني وأحمد عن ثوبان مرفوعا : " لكل سهو سجدتان بعد السلام " . وثبت السجود بعد السلام من فعل النبي صلى الله عليه و سلم من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين ومن حديث المغيرة أخرجه أبو داود والترمذي ومن حديث أنس أخرجه الطبراني في " الصغير " ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن سعد في " الطبقات "
وورد السجود قبل التسليم في حديث أبي هريرة . أخرجه أحمد وأبو داود ومن حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه الترمذي وابن ماجه ومن حديث ابن بحينة أخرجه مالك والبخاري وغيرهما ومن حديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم ومن حديث معاوية أخرجه الحازمي
ومن ثم اختلف العلماء في ذلك على ما بسطه الحازمي في كتاب " الاعتبار " : فمنهم من رأى السجود كله بعد السلام وهو المروي عن علي وسعد وابن مسعود وعمار بن ياسر وابن عباس وابن الزبير والحسن وإبراهيم وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح بن حي وأبي حنيفة ( في الأصل : " أبو حنيفة " وهو خطأ والصواب أبي حنيفة ) وأصحابه ومنهم من قال : كله قبل التسليم وبه قال أبو هريرة ومعاوية ومكحول والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة والأوزاعي والليث والشافعي وأصحابه . وقال مالك ونفر من أهل الحجاز : إن كان السهو بالزيادة فالسجود بعد السلام أخذا من حديث ذي اليدين وإن كان بالنقصان فقبله أخذا من حديث ابن بحينة . وطريق الإنصاف أن الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده ثابتة قولا وفعلا وتقدم بعضها على بعض غير معلوم . فالكل جائز وبه صرح أصحابنا أنه لو سجد قبل السلام لا بأس به
( 6 ) قوله : الشك في صلاته ليس المراد به التردد مع التساوي بل مطلق التردد وقال السيد أحمد الحموي في " حواشي الأشباه والنظائر " : اعلم أن مراد الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والطلاق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء كان الطرفان سواء أو أحدهما راجحا فهذا معناه في اصطلاح الفقهاء . أما أصحاب الأصول فإنهم فرقوا بين ذلك فقالوا : التردد إن كان على السواء فهو الشك فإن كان أحدهما راجحا فالراجح ظن والمرجوح وهم . انتهى كلامه نقلا عن " فتح القدير "
( 7 ) ( في نسخة ) ليس المراد به نفي الدراية مطلقا بل مراده نفي اليقين ويجوز أن يراد نفي دراية أحدهما بخصوصه فقط
( 8 ) أي : كان الشك عرض له أول مرة وليس بعادة له
( 9 ) قوله : تكلم واستقبل صلاته لما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال في الذي لا يدري صلى ثلاثا أم أربعا قال : يعيد حتى يحفظه
وفي لفظ : أما أنا إذا لم أدر كم صليت فإني أعيد وأخرج نحوه عن سعيد بن جبير وابن الحنفية وشريح . وأخرج محمد في كتاب " الآثار " نحوه عن إبراهيم النخعي
( 10 ) أي استأنف صلاته وترك ما صلى
( 11 ) أي : بالشك
( 12 ) قوله : مضى على أكثر ظنه فإن لم يكن له ظن بنى على اليقين لحديث ابن مسعود مرفوعا : " إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه " . أخرجه البخاري ومسلم وأخرج محمد في " الآثار " عن ابن مسعود موقوفا : إذا شك أحدكم في صلاة ولا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فليتحر فلينظر أفضل ظنه فإن كان أكبر ظنه أنها ثلاث قام فأضاف إليها الرابعة ثم يتشهد ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وإن كان أكبر رأيه أنه صلى أربعا تشهد وسلم وسجد سجدتي السهو . وأخرج الطحاوي عن عمرو بن دينار قال : سئل ابن عمر وأبو سعيد الخدري عن رجل سها فلم يدر كم صلى قالا : يتحرى أصوب ذلك فيتمه ثم يسجد سجدتين
( 13 ) ورأيه عطف تفسيري على الظن أو أكثر الظن فإن الرأي يطلق على المظنون وعلى ما يحصل بغلبة الظن قال الحموي في " حواشي الأشباه " : اليقين هو طمأنينة القلب على حقيقة الشيء والشك لغة مطلق التردد وفي إصطلاح الأصول استواء طرفي الشيء وهو الموقوف بحيث لا يميل القلب إلى أحدهما فإن ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن فإن طرحه فهو غالب الظن وهو بمنزلة اليقين وأما عند الفقهاء فهو كاللغة لا فرق بين المساوي والراجح . انتهى
( 14 ) قوله : ولم يمض على اليقين وفيه خلاف الشافعي ومالك والثوري وداود والطبري فإنهم قالوا : يبني على اليقين ولا يلزمه التحري لأحاديث ( في الأصل : " لحديث " والظاهر : " لأحاديث " ) أبي سعيد الخدري وابن عمر وعبد الرحمن بن عوف الواردة في البناء على الأقل وحملوا حديث ابن مسعود : " فليتحر الصواب " على أن معناه فليتحر الذي يظن أنه نقصه فيتمه ( وفي : " فتح الباري " 3 / 76 ، قال الشافعية : هو البناء على اليقين ... إلخ وهذا المعنى لا تساعده اللغة أصلا . وذلك حيث قال العلامة الفتني : التحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء والقول " مجمع بحار الأنوار " 1 / 501 ) فيكون التحري أن يعيد ما شك فيه ويبني على ماستيقن وأصحابنا سلكوا مسلك الجمع بين الأحاديث بدون صرف إلى الظاهر فإن بعضها تدل على البناء على الأقل مطلقا وبعضها تدل على تحري الصواب فحملوا الأولى على ما إذا لم يكن له رأي . والثانية على ما إذا كان له رأي وقد بسطه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " بأحسن بسط فليراجع
( 15 ) قوله : على اليقين قد يقال : لا يقين مع الشك ويجاب بأن المراد به المتيقن مثلا إذا شك ثلاثا صلى أم أربعا ؟ فالثلاث هو المتيقن والتردد إنما هو في الزيادة . فلا يمضي على المتيقن فإنه إن فعل ذلك - أي الإمضاء على الأقل المتيقن - من غير أن يتحرى ويعمل بغالب ظنه لم ينج بضم الجيم أي : لم يحصل له النجاة في ما يرى في ما يذهب إليه من أخذ المتيقن من السهو أي : الاشتباه الذي يدخل عليه الشيطان فإنه وإن بنى على الأقل وأتم صلاته بأداء ركعة أخرى لكن لا يزول منه التردد والاشتباه الذي يبتلى به كثيرا بوسوسة الشيطان فيقع في حرج دائم وتردد لازم بخلاف ما إذا تحرى وبنى على غالب رأية وطرح الجانب الآخر فإنه حينئذ يحصل له الطمأنينة ولا يغلب عليه الشيطان في تلك الواقعة
( 16 ) والظاهر أنه إشارة إلى جميع ما ذكر

143 - قال محمد : أخبرنا يحيى بن سعيد ( 1 ) أن أنس بن مالك صلى بهم في سفر كان ( 2 ) معه فيه فصلى سجدتين ( 3 ) ثم ناء للقيام فسبح بعض أصحابه فرجع ( 4 ) ثم لما قضى ( 5 ) صلاته سجد سجدتين
قال ( 6 ) : لا أدري أقبل التسليم أو ( 7 ) بعده
_________
( 1 ) ابن قيس الأنصاري أبو سعيد المدني
( 2 ) أي : كان يحيى مع أنس
( 3 ) أي : ركعتين
( 4 ) لعله لم يكن تباعد عن القعود بل كان قريبا منه
( 5 ) أي : أتم
( 6 ) أي : يحيى بن سعيد
( 7 ) في نسخة : أم

40 - ( باب العبث ( 1 ) بالحصى في الصلاة وما يكره من تسويته )
144 - أخبرنا مالك حدثنا أبو جعفر القارئ ( 2 ) قال : رأيت ابن عمر إذا أراد أن يسجد سوى ( 3 ) الحصى ( 4 ) تسوية ( 5 ) خفيفة
وقال أبو جعفر : كنت يوما أصلي وابن عمر ورائي ( 6 ) فالتفت فوضع يده في قفاي فغمزني ( 7 )
_________
( 1 ) بفتحتين : عمل لا فائدة فيه . الحصى : هي الحجارة الصغار تفرش في المساجد ونحوها
( 2 ) بالهمز في الآخر ويجوز حذفه تخفيفا فيسكن الياء نسبة إلى قراءة القرآن ذكره السمعاني وذكره عند المنتسبين به وأبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ المدني مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي يروي عن ابن عمر وعنه مالك توفي سنة 132 هـ . انتهى
( 3 ) ليزيل شغله عن الصلاة بما يتأذى
( 4 ) الحصى جمع حصاة ( سنكريزة ) ( بالفارسية ) . قوله : سوى الحصى حكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح الحصباء وغيرها في الصلاة وفيه نظر لحكاية الخطابي عن مالك أنه لم ير به بأسا فكأنه لم يبلغه الخبر كذا في الفتح والأولى إن صح ذلك عن مالك أنه كان يفعله مرة واحدة مسحا خفيفا كفعل ابن عمر
( 5 ) قوله : تسوية أي : مرة واحدة خفيفة تحرزا عن الإيذاء وعن العمل الكثير وقد ورد ذلك مرفوعا فأخرج الأئمة الستة عن معيقيب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تمسح الحصى وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة . وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن مسح الحصى قال واحدة ولئن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدق وروى عبد الرزاق عن أبي ذر سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن مسح الحصى فقال : واحدة أو دع . وكذلك رواه ابن شيبة وأبو نعيم في " الحلية " . وكذلك أخرجه أحمد عن حذيفة
( 5 ) أي : واقفا أو قاعدا خلفي
( 6 ) الغمز : العصر والكبس باليد قوله : فغمزني تنبيها على كراهة الالتفات في الصلاة أي : النظر يمينا وشمالا لما أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي ذر مرفوعا : لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه . وأخرج البخاري عن عائشة : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن التفات الرجل في الصلاة ؟ فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن أبي هريرة مرفوعا : إياكم والالتفات في الصلاة فإن أحدكم يناجي ربه ما دام في الصلاة

145 - أخبرنا مالك أخبرنا مسلم ( 1 ) بن أبي مريم ( 2 ) عن علي ( 3 ) بن عبد الرحمن المعاوي ( 4 ) أنه قال : رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصى في الصلاة فلما انصرفت ( 5 ) نهاني ( 6 ) وقال : أصنع كما كان ( 7 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع فقلت : كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى ( 8 ) على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها ( 9 ) وأشار بإصبعه ( 10 ) التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى
قال محمد : وبصنيع رسول الله صلى الله عليه و سلم يأخذ وهو ( 11 ) قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فأما تسوية الحصى فلا بأس بتسويته مرة واحدة وتركها أفضل ( 12 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) وثقه أبو داود والنسائي وابن معين مات في خلافة المنصور كذا في " الإسعاف "
( 2 ) اسمه يسار المدني
( 3 ) وثقه أبو زرعة والنسائي كذا قال السيوطي
( 4 ) بضم الميم قال ابن عبد البر : منسوب إلى بني معاوية فخذ من الأنصار تابعي مدني ثقة روى له مسلم وأبو داود قاله الزرقاني
( 5 ) أي : فرغت من الصلاة
( 6 ) قوله : نهاني ( عن ذلك لكراهته في الصلاة ولم يأمر بالإعادة لأن العمل إذا لم يكثر لا يكون مفسدا وهذا إجماع من الأئمة الأربعة وإن كان العمل يسيرا لم يبطلها والمرجع في ذلك إلى العرف مختصرا من أوجز المسالك 2 / 115 ) وإنما لم يأمره بالإعادة لأن ذلك والله أعلم كان منه يسيرا لم يشغله عن صلاته ولا عن حدودها والعمل اليسير في الصلاة لا يفسدها كذا قال ابن عبد البر ( الاستذكار 2 / 200 )
( 7 ) لعل عبثه كان في حالة الجلوس فلذلك علمه كيفية الجلوس النبوي
( 8 ) قوله : وضع كفه اليمنى قال ابن الهمام في " فتح القدير " . لا شك أن وضع الكف مع قبض الأصابع لا يتحقق حقيقة فالمراد - والله أعلم - وضع الكف ثم قبض الأصابع بعد ذلك للإشارة . وهو المروي عن محمد وكذا عن أبي يوسف في " الأمالي " . انتهى . وقال علي القاري في رسالته " تزيين العبارة لتحقيق الإشارة " : المعتمد عندنا أنه لا يعقد يمناه إلا عند الإشارة لا ختلاف ألفاظ الحديث وأصناف العبارة وبما ذكرنا يحصل الجمع بين الأدلة فإن البعض يدل على أن العقد من أول وضع اليد على الفخذ وبعضها يشير إلى أنه لا عقد أصلا فاختار بعضهم أنه لا يعقد ويشير بعضهم أنه يعقد عند قصد الإشارة ثم يرجع إلى ما كان عليه . والصحيح المختار عند جمهور أصحابنا أن يضع كفيه على فخذيه ثم عند وصوله إلى كلمة التوحيد يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام ويشير بالمسبحة رافعا لها عند النفي واضعا عند الإثبات ثم يستمر ذلك لأنه ثبت العقد عند ذلك بلا خلاف ولم يوجد أمر بتغييره . فالأصل بقاء الشيء على ما هو عليه . انتهى
( 9 ) قوله : وقبض أصابع كلها ظاهره العقد بدون التحليق وثبت التحليق بروايات أخر صحيحة فيحمل الاختلاف الأحوال والتوسع في الأمر وظاهر بعض الأخبار الإشارة بدون التحليق والعقد والمختار عند جمهور أصحابنا هو العقد والتحليق والثاني أحسن كما حققه علي القاري في رسالته : " تزيين العبارة " بعد ما أورد نبذا من الأخبار
( 10 ) قوله : بإصبعه ( وفي الحديث استحباب الإشارة بالسبابة وهو مجمع عليه عند الأئمة الأربعة . " أوجز المسالك " 2 / 116 ) وهي السبابة زاد سفيان بن عيينة عن مسلم بإسناده المذكور وقال : هي مذبة للشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه . قال الباجي : فيه أن معنى الإشارة دفع السهو وقمع الشيطان
( 11 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة قال القاري في رسالته : مفهومه أن أبا يوسف مخالف لما قام عنده من الدليل وما ثبت لديه من التعليل والله أعلم بصحته . وإن لم يكن لنا معرفة بثبوته . انتهى . وفيه نظر فإن من عادة محمد في هذا الكتاب وكذا في كتاب " الآثار " أنه ينص على مأخوذه ومأخوذ أستاذه أبي حنيفة فحسب ولا يتعرض لمسلك أبي يوسف لا نفيا ولا إثباتا فلا يكون تخصيصه بذكر مذهبه ومذهب الإمام دالا على أن أبا يوسف مخالف لهما وقد ذكر ابن الهمام في " فتح القدير " والشمني في " شرح النقاية " وغرهما أنه ذكر أبو يوسف في " الأمالي " مثل ما ذكر محمد فظهر أن أصحابنا الثلاثة اتفقوا على تجويز الإشارة ( اختلفت الأئمة فيما بينهم في مسألتين : أولاهما في كيفية الإشارة في " المغني " ثلاث صور : الأولى التحليق والثانية العقد والثالثة الإشارة باسطا يديه ثم قال : والأول أولى وذكر في المندوبات في نيل المآرب وفي الروض المربع التحليق فقط دون غيره وأما الثانية : فهي تحريك الأصابع فلا يحرك الإصبع عندنا الحنفية وكذا عند الحنابلة وهي المفتى به عند الشافعية . وبه قال ابن القاسم من المالكية والمشهور عند المالكية التحريك . انظر أوجز المسالك 2 / 117 ) لثبوتها عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه بروايات متعددة وطرق متكثرة لا سبيل إلى إنكارها ولا إلى ردها وقد قال به غيرهم من العلماء حتى قال ابن عبد البر : إنه لا خلاف في ذلك وإلى الله المشتكى من صنيع كثير من أصحابنا من أصحاب الفتاوى كصاحب " الخلاصة " و " البزازية الكبرى " و " العتابية " و " الغياثية " و " الولوالجية " و " عمدة المفتي " و " الظهيرية " وغيرها حيث ذكروا أن المختار هو عدم الإشارة بل ذكر بعضهم أنها مكروهة والذي حملهم على ذلك سكوت أئمتنا عن هذه المسألة في ظاهر الرواية ولم يعلموا أنه قد ثبت عنهم بروايات متعددة ولا أنه ورد في أحاديث متكثرة فالحذر الحذر من الاعتماد على قولهم في هذه المسألة مع كونه مخالفا لما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه بل وعن أئمتنا أيضا بل لو ثبت عن أئمتنا التصريح بالنفي وثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه الإثبات لكان فعل الرسول وأصحابه أحق وألزم بالقبول فكيف وقد قال به أئمتنا أيضا ؟
( 12 ) قوله : أفضل لقوله صلى الله عليه و سلم : " إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه " . أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي ذر رضي الله عنه

41 - ( باب التشهد ( 1 ) في الصلاة )
146 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تتشهد فتقول : التحيات ( 2 ) الطيبات الصلوات ( 3 ) الزاكيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم
_________
( 1 ) هو تفعل من تشهد سمي به لاشتماله على النطق بالشهادة والتشهد : ليس عند مالك في التشهد شيء مرفوع وإن كان غيره قد رفع ذلك ومعلوم أنه لا يقال بالرأي . ولما علم مالك أن التشهد لم يكن إلا توقيفا اختار تشهد عمر لأنه كان يعلمه الناس وهو على المنبر من غير نكير ( قال الباجي 1 / 170 : فإن قال قائل فقد أثبتم أن تشهد عمر بن الخطاب هو الصواب المأمور به وأن ما عداه ليس بمأمور به . . فالجواب أن مالكا رحمه الله اختار تشهد عمر بن الخطاب على سائر ما روي فيه بالدليل الذي ذكرناه إلا أنه مع ذلك يقول : من أخذ بغيره لا يأثم ولا يكون تاركا للتشهد في الصلاة ... إلخ ) كذا في " الاستذكار "
( 2 ) فسرها بعضهم بالملك وبعضهم بالبقاء وبعضهم بالسلام
( 3 ) أي : الدعوات الصافيات

147 - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن ( 1 ) بن عبد ( 2 ) القاري أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر يعلم الناس التشهد ويقول : قولوا : التحيات ( 3 ) لله الزاكيات ( 4 ) لله الطيبات ( 5 ) الصلوات ( 6 ) لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وركاته السلام ( 7 ) علينا ( 8 ) وعلى عباد الله الصالحين ( 9 ) أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
_________
( 1 ) قوله : عبد الرحمن عامل عمر على بيت المال ذكره العجلي في ثقات التابعين واختلف قول الواقدي فيه قال تارة : له صحبة وقال تارة : تابعي مات سنة 88 هـ كذا قال ابن حجر
( 2 ) بغير إضافة ( القاري ) بتشديد الياء نسبة إلى قارة بطن من خزيمة بن مدركة كذا قال الزرقاني
( 3 ) قوله : التحيات عن القتبي أن الجمع في لفظ التحيات سببه أنهم كانوا يحيون الملوك بأثنية مختلفة كقولهم : أنعم صباحا وعش كذا سنة فقيل : استحقاق الأثنية كلها لله تعالى كذا في " التنوير "
( 4 ) قال ابن حبيب : هي صالح الأعمال
( 5 ) أي : طيبات القول
( 6 ) قوله : الصلوات قال القاضي أبو الوليد : معناه أنها لا ينبغي أن يراد بها غير الله وقال الرافعي : معناه الرحمة لله على العباد
( 7 ) قوله : السلام قيل السلام هو الله ومعناه الله على حفظنا وقيل هو جمع سلامة
( 8 ) يريد به المصلي نفسه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة
( 9 ) استنبط منه السبكي أن في الصلاة حقا للعباد مع حق الله

148 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان يتشهد فيقول : بسم الله ( 1 ) التحيات لله والصلوات لله والزاكيات لله السلام عليك ( 2 ) أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين شهدت أن لا إله إلا الله وشهدت أن محمدا رسول الله
يقول ( 3 ) هذا في الركعتين الأوليين ويدعو ( 4 ) بما بدا له ( 5 ) إذا قضى تشهده فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك ( 6 ) إلا أنه يقدم التشهد ثم يدعو بما بدا له ( 7 ) فإذا أراد أن يسلم قال : السلام ( 8 ) على النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . السلام عليكم عن يمينه ثم يرد ( 9 ) على الإمام فإن سلم عليه ( 10 ) أحد عن يساره رد ( 11 ) عليه
قال محمد : التشهد الذي ذكر كله حسن ( 12 ) وليس يشبه تشهد عبد الله بن مسعود وعندنا ( 13 ) تشهده لأنه ( 14 ) رواه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه العامة عندنا
_________
( 1 ) قوله : بسم الله قد ذكر السخاوي في " المقاصد الحسنة " أن زيادة البسملة في التشهد غير صحيحة وقد أوضحته في رسالتي " إحكام القنطرة في أحكام البسملة " لكن لا يخفى أن سند مالك صحيح وفيه الزيادة موجودة فيحمل على كونها أحيانا ولا ينكر أصل الثبوت
( 2 ) قوله : السلام عليك كذا رأيته في نسخ هذا الكتاب وذكر الزرقاني في " شرح الموطأ " برواية يحيى : " السلام على النبي " بإسقاط كاف الخطاب ولفظ : أيها
( 3 ) أي : ابن عمر
( 4 ) أي : ابن عمر أجازه مالك في رواية ابن نافع والمذهب كراهة الدعاء في التشهد الأول
( 5 ) قوله : ويدعو بما بدا له ( ظاهر الحديث أن المصلي يدعو بما شاء قال العيني : اعلم أن العلماء اختلفوا فيما يدعو به الإنسان في صلاته فعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة أو الموافقة للقرآن العظيم وقال الشافعي ومالك : يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز أن يدعو به خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين . انظر : " أوجز المسالك " 2 / 137 ) فيه جواز الدعاء في التشهد الأول وبه أخذ ابن دقيق العيد حيث قال : المختار أن يدعو في التشهد الأول كما في التشهد الأخير لعموم الحديث : " إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع " . وتعقب بأنه ورد في الصحيح عن أبي هريرة بلفظ : " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ ... " وروى أحمد وابن خزيمة عن ابن مسعود : علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم التشهد في أول الصلاة وآخرها : فإذا كان في وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد وإذا كان في آخره دعا لنفسه ما شاء وقال القاري : هذا عندنا محمول على السنن والنوافل
( 6 ) أي : مثل ما مر
( 7 ) أي : ظهر له
( 8 ) هذه زيادة كان ابن عمر اختاره ليختمه بالسلام على النبي وعلى الصالحين
( 9 ) أي : ينوي في سلامه الرد عليه
( 10 ) بأن كان مصليا مع الإمام
( 11 ) أي : نواه في سلامه عن يساره
( 12 ) قوله : الذي ذكر كله حسن قد روي عن جماعة ( جملة من روى التشهد بألفاظ مختلفة من الصحابة أربعة وعشرون صحابيا كما في " التلخيص " وأشار إلى رواياتهم ومثله في " عمدة القاري " 3 / 178 ) من الصحابة التشهد مرفوعا وموقوفا بألفاظ مختلفة عل ما بسطه الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي "
فمنهم أبو موسى الأشعري قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : إذا صليتم فكان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم : التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والطبراني
ومنهم ابن عمر أخرج أبو داود عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في التشهد : التحيات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله - قال ابن عمر : زدت فيها وبركاته - السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله - قال ابن عمر : زدت وحده لا شريك له - وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . ورواه الدارقطني عن ابن أبي داود عن نصر بن علي عن أبيه عن شعبة عن أبي بشر عن مجاهد عنه وقال : إسناده صحيح وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي عن شعبة ووقفه غيرهما ورواه البزار عن نصر بن علي وقال : رواه غير واحد عن ابن عمر ولا أعلم أحدا رفعه عن شعبة غيره وقول الدارقطني يرد عليه وقال يحيى بن معين : كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد وقال : ما سمع منه شيئا إنما رواه ابن عمر عن أبي بكر موقوفا
ومنهم عائشة وروى الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي عن القاسم بن محمد قال : علمتني عائشة قالت : هذا تشهد النبي صلى الله عليه و سلم : التحيات لله والصلوات والطيبات ... إلخ ووقفه مالك ورجح الدارقطني في " العلل " وقفه ورواه البيهقي من وجه آخر وفيه التسمية وفيه محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث لكن ضعفها البيهقي لمخالفته من هو أحفظ منه
ومنهم سمرة روى أبو داود عنه مرفوعا : قولوا : التحيات لله الطيبات والصلوات والملك لله ثم سلموا على النبي وسلموا على أقاربكم وأنفسكم وإسناده ضعيف
ومنهم علي أخرج الطبراني في " الأوسط " من حديث عبد الله بن عطاء عن النهدي : سألت الحسن بن علي عن تشهد النبي صلى الله عليه و سلم فقال : سلني عن تشهد علي فقلت : حدثني بتشهد علي عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال : التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات ( في الأصل : " الرابحات " وهو تحريف ) والزاكيات والناعمات السابغات الطاهرات لله وإسناده ضعيف وأخرجه ابن مردويه من طريق آخر ولم يرفعه وفيه زيادة : ما طاب فهو لله وما خبث فلغيره
ومنهم ابن الزبير أخرج الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد سمعت أبا الورد سمعت ابن الزبير يقول : إن تشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله وبالله خير الأسماء التحيات لله والصلوات والطيبات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداعبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اللهم اغفر لي واهدني في الركعتين الأوليين
ومنهم معاوية أخرج الطبراني في " الكبير " مثل تشهد ابن مسعود
ومنهم سلمان أخرج الطبراني والبزار مثل تشهد ابن مسعود وقال في آخره : قلها في صلواتك ولا تزد فيها حرفا ولا تنقص منها حرفا وإسناده ضعيف . ومنهم أبو حميد أخرج الطبراني عنه مرفوعا مثله ولكن زاد بعد الطيبات : الزاكيات وأسقط واو الطيبات وإسناده ضعيف
ومنهم ابن عباس أخرج مسلم والشافعي والترمذي عنه : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ... إلخ وأخرجه الدار قطني وابن ماجه وابن حبان وغيرهم
ومنهم ابن مسعود أخرج تشهده الأئمة الستة ورواه أبو بكر بن مردويه في كتاب " التشهد " له من حديث أبي بكر مرفوعا وإسناده حسن ومن رواية عمر مرفوعا وإسناده ضعيف ومن حديث الحسين بن علي ومن حديث طلحة بن عبيد الله وإسناده حسن . ومن حديث أنس وإسناده صحيح ومن حديث أبي هريرة وإسناده صحيح ومن حديث أبي سعيد وإسناده صحيح ومن حديث الفضل بن عباس وأم سلمة وحذيفة والمطلب بن ربيعة وابن أبي أوفى وفي أسانيدهم مقال ومنهم عمر أخرجه مالك ومن طريقه الشافعي ورواه الحاكم والبيهقي وفي رواية للبيهقي في أوله : ( بسم الله خير الأسماء ) وهي منقطعة وقال الدارقطني : لم يختلفوا في أن هذا موقوف على عمر ورواه البعض عن ابن أبي أويس عن مالك مرفوعا وهو وهم
ومنهم جابر . أخرج النسائي وابن ماجه والطبراني والحاكم كلهم من طريق أيمن عن أبي الزبير عنه : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن : بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله أسأل الجنة وأعوذ بالله من النار ورجاله ثقات إلا أن أيمن أخطأ في إسناده وخالفه الليث وهو من أوثق الناس في أبي الزبير فقال : عن أبي الزبير عن طاووس وسعيد بن جبير عن ابن عباس وقال حمزة بن محمد الحافظ : قوله عن جابر خطأ ولا أعلم أحدا قال في التشهد باسم الله وبالله إلا أيمن وقال الدارقطني : ليس بالقوي خالف الناس
هذا خلاصة ما ذكره ابن حجر فهذه التشهدات المروية مرفوعة أو موقوفة كلها حسنة دالة على كون الأمر موسعا وقد ذكر ابن عبد البر أن الاختلاف في التشهد وفي الأذان والإقامة وعدد التكبير على الجنائز وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي عند الركوع والرفع في الصلاة ونحو ذلك كله اختلاف في مباح وبمثله ذكر أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في " منهاج السنة " فليحفظ
( 13 ) قوله : وعندنا أي : المختار عندنا تشهد ابن مسعود وعند الشافعي تشهد ابن عباس وعند مالك تشهد عمر ولكل وجوه توجب الترجيح ما ذهب إليه والخلاف إنما هو في الأفضلية ( وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها كذا قال النووي في " شرح المهذب " 3 / 457 ) كما صرح به جماعة من أصحابنا ويشير إليه كلام محمد ههنا فما اختاره صاحب " البحر " من تعيين تشهد ابن مسعود وجوبا وكون غيره مكروها تحريما مخالف الدراية والرواية فلا يعول عليه
( 14 ) قوله : لأنه رواه ... إلخ هذا الوجه إنما يستقيم بالنسبة إلى ما رواه مالك من تشهد ابن عمر وعمر وعائشة موقوفا وإلا فقد روى غير أبن مسعود أيضا تشهده عن النبي صلى الله عليه و سلم كما مر بسطه وهناك وجوه أخر ترجح تشهد ابن مسعود على غيره منها : أن حديثه أصح كما قال الترمذي : هو أصح حديث روي في التشهد وقال البزار : أصح حديث عندي في التشهد حديث ابن مسعود روي عن نيف وعشرين وجها ولا يعلم روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أثبت منه ولا أصح إسنادا ولا أشهر رجالا ولا أشد تضافرا بكثرة الأسانيد وقال مسلم : إنما اجتمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضا وغيره قد اختلف أصحابه وقال محمد بن يحيى الذهلي : حديث ابن مسعود أصح ما روي في التشهد وروى الطبراني في " الكبير " عن بريدة بن الخصيب قال : ما سمعت أحسن من تشهد ابن مسعود كذا ذكره الحافظ ابن حجر ومنها : أن الأئمة الستة اتفقوا على تخريجه لفظا ومعنى وهو نادر وتشهد ابن عباس من أفراد مسلم وغيره في غيرهما ذكره الزيلعي . ومنها : أن فيه تأكيد التعليم كما أخرجه أبو حنيفة عن القاسم قال : أخذ علقمة بيدي فحدثني أن ابن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ بيده وعلمه التشهد وليس ذلك في غيره ذكره ابن الهمام . ومنها : أن فيه زيادة الواو وهي لتجديد الكلام بخلاف تشهد ابن عباس ذكره صاحب " الهداية " وغيره . ومنها : ما ذكره الزيلعي وابن الهمام وابن حجر أن الترمذي أخرج بسنده عن خصيف أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال : [ ( زاد في نسخة ) يا رسول الله إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال : ] عليك بتشهد ابن مسعود . ومنها : أنه وافقه جمع من الصحابة دون غيره ( عد الشيخ محمد حسن السنبهلي اثنين وعشرين وجها للترجيح ولكنها مدخولة . من شاء فليراجع " تنسيق النظام " : ص 77 )

149 - قال محمد أخبرنا محل بن محرز الضبي عن شقيق بن سلمة بن وائل الأسدي ( 1 ) عن عبد الله بن مسعود قال : كنا ( 2 ) إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم قلنا ( 3 ) السلام على الله ( 4 ) فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاته ذات يوم ( 5 ) ثم أقبل علينا فقال : لا تقولوا ( 6 ) السلام على الله فإن الله ( 7 ) هو السلام ( 8 ) ولكن قولوا ( 9 ) : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك ( 10 ) أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ( 11 ) أن محمدا عبد ورسوله
قال محمد : وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يكره ( 12 ) أن يزاد فيه حرف أو ينقص ( 13 ) منه حرف
_________
( 1 ) نسبة إلى أسد بفتحتين اسم عدة قبائل
( 2 ) قوله : كنا ... إلخ فيه دليل على أن أول ما فرضت الصلاة لم يكن التشهد مشروعا فيها لا فرضا ولا سنة يؤخذ ذلك من قوله : كنا إذا صلينا ... إلخ فدل على أنهم بقوا زمانا كذلك إلى اليوم الذي سمع النبي صلى الله عليه و سلم فنهاهم وأمرهم بالتحيات لله والصلوات ... إلخ وفيه دليل على أن ما كان من زيادة ذكر أو دعاء في الصلاة لا يفسدها لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمرهم بإعادة الصلاة التي تقدمت كذا في " بهجة النفوس شرح مختصر البخاري " لابن أبي جمرة
( 3 ) أي : في قعود التشهد
( 4 ) قوله : على الله وفي رواية البخاري ومسلم وغيرهما : السلام على الله قبل عباده والسلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان أي على ملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء كذا في " المرقاة " . ( 1 / 556 )
( 5 ) أي : في يوم من الأيام
( 6 ) قوله : لا تقولوا كان الصحابة يسلمون في القعود على الله وعلى الملائكة فنهاهم من التسليم على الله وأما السلام على الملائكة فلم ينكر عليهم بل أرشدهم إلى ما يعم المذكورين وغيرهم بقوله : " وعلى عباد الله الصالحين " وقال : " إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض " وهذا من جوامع الكلام كذا في " التوشيح شرح صحيح البخاري " للسيوطي
( 7 ) في نسخة : فالله
( 8 ) أي هو الذي يعطي السلام لعباده فأنى يدعى له قوله : فإن الله هو السلام بقي ههنا بحث وهو أنه : لم نهاهم عن أن يقولوا : السلام على الله من عباده ثم أمرهم أن يقولوا : التحيات ؟ والانفصال عنه أن السلام هو الأمان وليس على الله خوف من أحد فنهاهم لأنه تعالى يطلب منه الأمان وهو الذي يؤمن كذا في " بهجة النفوس "
( 9 ) قوله : قولوا الأمر فيه للوجوب كما قاله ابن ملك فينجبر بسجود السهو وكذا القعود الأول واجب وأما الأخير ففرض عندنا كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 10 ) قوله : السلام عليك ... إلخ ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه و سلم وما بعده في الخطاب ( في بذل المجهود 5 / 283 : لو كان كذلك كان ينبغي أن يقال في حياته صلى الله عليه و سلم عند الغيبة في السفر وغيره بدون لفظ الخطاب ولم يثبت بعد بل كانوا يقولون في الحضور والغيبة بلفظ الخطاب فينبغي أن يقال بعد وفاته صلى الله عليه و سلم أيضا كذلك ) ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عنه بعد أن ساق حديث التشهد قال : وهو بين أظهرنا ( هكذا في أصل الكتاب والصواب بين ظهرانينا . وقال الحافظ جمال الدين الملطي في معتصره : 1 / 35 بعد ذكر الحديث المذكور من قوله : بين ظهرانينا - إلى - على النبي : منكر لا يصح وذلك مخالف لما عليه العامة ) فلما قبض قلنا : السلام يعني على النبي . وأخرجه أبو عوانة في صحيحه وأبو نعيم والبيهقي من طرق متعددة بلفظ : فلما قبض قلنا السلام على النبي وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة . قال السبكي في " شرح المنهاج " بعد أن ساقه مسندا إلى أبي عوانة وحده : إن صح عن الصحابة هذا دل على أن الخطاب في السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم غير واجب . انتهى . قلت : قد صح بلا ريب وقد وجدت له متابعا قويا قال عبد الرزاق : أنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه و سلم حي : السلام عليك أيها النبي فلما مات قالوا : السلام على النبي وإسناده صحيح . وأما ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم علمهم ( في الأصل : " علمه " والظاهر : " علمهم " كما في " فتح الباري " 2 / 314 ) التشهد فذكره قال : فقال ابن عباس : إنما كنا نقول : السلام عليك أيها النبي إذا كان حيا فقال ابن مسعود : هكذا علمناه وهكذا نعلم فظاهره أن ابن عباس قاله بحثا وأن ابن مسعود لم يرجع إليه لكن رواية أبي معمر أصح لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف فكذا في " فتح الباري "
( 11 ) قوله : أشهد أن قال الرافعي : المنقول أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول في تشهده أشهد أني رسول الله ولا أصل لذلك بل ألفاظ التشهد متواترة عنه صلى الله عليه و سلم كان يقول : أشهد أن محمدا رسول الله أو عبده ورسوله كذا في " التلخيص ( في الأصل : " تلخيص الحبير " وهو تحريف ) الحبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير " لابن حجر رحمه الله
( 12 ) قوله : يكره أن يزاد لأنه تلقاه من في رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلمه كما كان يعلم السورة من القرآن فأحب أن لا يزاد فيه ولا ينقص . وقد أخرج الطحاوي عن المسيب بن رافع أنه سمع عبد الله بن مسعود رجلا يقول في التشهد : بسم الله التحيات لله فقال له : أتأكل ؟ وأخرج أيضا عن الربيع بن خيثم أنه لقي علقمة فقال : إنه قد بدا لي أن أزيد في التشهد " ومغفرته " فقال علقمة : ننتهي إلى ما علمناه . وأخرج عن أبي إسحاق قال : أتيت أبا الأسود فقلت إن أبا الأحوص قد زاد " والمباركات " قال : فأته فقل له : إن الأسود ينهاك ويقول لك : إن علقمة بن قيس تعلمهن من عبد الله كما يتعلم السورة من القرآن عدهن عبد الله في يده ( في " شرح معاني الآثار " 1 / 156 : " إن أبا الأحوص قد زاد في خطبة الصلاة " )
( 13 ) قوله : أو ينقص هذا ينافي ما روي أنه كان يقول بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم " على النبي " وكذا روي عن غيره كما بسطه ابن حجر في " فتح الباري " ولعله كره نقصانا يخل بالمعنى لا مطلقا

42 - ( باب السنة في السجود )

150 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا سجد وضع كفيه على الذي ( 1 ) يضع جبهته عليه قال : ورأيته في برد شديد وإنه ( 2 ) ليخرج كفيه ( 3 ) من برنسه ( 4 ) حتى يضعهما على الحصى
_________
( 1 ) أي على المكان الذي يضع جبهته عليه يعني بقربه
( 2 ) بكسر الهمزة أي : والحال أنه
( 3 ) تحصيلا للأفضل
( 4 ) قوله برنسه البرنس كل ثوب رأسه منه ملتزق به ( سقط في الأصل : " به " انظر : " مجمع بحار الأنوار " 1 / 168 ) . من دراعة أو جبة أو ممطر أو غيره كذا في النهاية

151 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : من وضع ( 1 ) جبهته بالأرض ( 2 ) فليضع كفيه ثم إذا رفع جبهته فليرفع كفيه فإن اليدين ( 3 ) تسجدان ( 4 ) كما يسجد الوجه
قال محمد : وبهذا نأخذ ينبغي للرجل إذا وضع ( 5 ) جبهته ساجدا أن يضع ( 6 ) كفيه بحذاء ( 7 ) أذنيه ( 8 ) ويجمع ( 9 ) أصابعه نحو القبلة ولا يفتحها فإذا رفع رأسه رفعهما مع ذلك ( 10 ) فأما ( 11 ) من أصابه برد يؤذي وجعل يديه على الأرض من تحت كساء أو ثوب فلا بأس بذلك وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي : أراده
( 2 ) في نسخة : في الأرض
( 3 ) فيه إشارة إلى أنه يستحب أن يستقبل بأصابعه القبله كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 4 ) قوله : فإن اليدين تسجدان يشير إلى قوله صلى الله عليه و سلم : " إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب : وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو نعيم وابن حبان وغيرهم من حديث عباس . وأخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن سعد مرفوعا : " أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب : وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه "
( 5 ) أي : قصده مريدا للسجدة
( 6 ) قبل وضع الجبهة
( 7 ) قوله : بحذاء أذنيه كل من ذهب إلى أن الرفع في افتتاح الصلاة إلى المنكبين جعل وضع اليدين في السجود حيال المنكبين وقد ثبت في ما تقدم تصحيح قول من ذهب في الرفع في الافتتاح إلى حيال الأذنين فتحقق بذلك أيضا قول من ذهب في وضع اليدين في السجود بحيال الأذنين وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف كذا في " شرح معاني الآثار " للطحاوي
( 8 ) قوله : أذنيه هكذا روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه وضع وجهه بين كفيه من حديث وائل . أخرجه مسلم وأبو داود وأسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة والطحاوي ومن حديث البراء أخرجه الترمذي . وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي من حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع اليدين حذو المنكبين . وبه أخذ الشافعي ومن تبعه وقال ابن الهمام في " فتح القدير " : لو قال قائل : إن السنة أن تفعل أيهما تيسر جمعا للمرويات بناء على أنه عليه السلام كان يفعل هذا أحيانا وهذا أحيانا إلا أن بين الكفين أفضل لأن فيه تخليص المجافاة المسنونة ما ليس في الآخر كان حسنا . انتهى . وأقره تلميذه ابن أمير حاج في " الحلبة " ( في الأصل : " الحلية " وهو تحريف )
( 9 ) لما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن وائل : أنه عليه السلام كان إذا سجد ضم أصابعه
( 10 ) قوله : مع ذلك أي : بدون زيادة التأخير وإلا فرفع اليدين بعد رفع الجبهة
( 11 ) قوله : فأما من يشير إلى أن ما اختاره من إخراج اليدين عن البرنس في البرد الشديد ليس مما لا بد منه

43 - ( باب الجلوس في الصلاة )

152 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر : أنه صلى إلى جنبه رجل ( 1 ) فلما جلس الرجل تربع وثنى ( 2 ) رجليه فلما انصرف ابن عمر عاب ( 3 ) ذلك عليه قال الرجل : فإنك تفعله قال إني أشتكي ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : رجل لعله هو ابنه عبد الله على ما في الرواية الآتية فقد أخرجها البخاري أنه كان يرى أباه يتربع في الصلاة ... الحديث وفي آخره : فقلت : إنك تفعل ذلك ؟ فقال : إن رجلي لا تحملاني وكذلك أخرجه أبو داود والنسائي
( 2 ) أي : عطف إحداهما إلى الأخرى
( 3 ) قوله عاب فيه : أن التربع لا يجوز للجالس في صلاته من الرجال إذا كانوا أصحاء واختلف فيه النسائي وفيه دليل على أن من لم يقدر على الإتيان بسنة الصلاة أو فريضة جاء بما يقدر عليه منها مما يناسبها كذا في " الاستذكار "
( 4 ) قال الباجي : لأنه كان فدع بخيبر فلم تعد رجلاه إلى ما كانت عليه

153 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن ( 1 ) عبد الله ( 2 ) بن عبد الله بن عمر : أنه كان يرى أباه ( 3 ) يتربع في الصلاة إذا جلس ( 4 ) قال ( 5 ) : ففعلته ( 6 ) وأنا يومئذ حديث السن ( 7 ) فنهاني ( 8 ) أبي فقال ( 9 ) : إنها ليست بسنة الصلاة وإنما سنة ( 10 ) الصلاة أن تنصب ( 11 ) رجلك اليمنى وتثني ( 12 ) رجلك اليسرى
قال محمد : وبهذا ( 13 ) نأخذ وهو قول أبي حنيفة ( 14 ) - رحمه الله - وكان مالك ( 15 ) بن أنس يأخذ بذلك في الركعتين الأوليين ( 16 ) وأما في الركعة الرابعة فإنه كان يقول : يفضي ( 17 ) الرجل بأليتيه إلى الأرض ويجعل رجليه إلى الجانب الأيمن
_________
( 1 ) قوله : عن في رواية معن وغيره عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الله وكان عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه ثم لقيه أو سمعه من معه ذكره الحافظ
( 2 ) قوله : عبد الله بن عبد الله بتكبير الإسمين وهو عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عبد الرحمن المدني تابعي ثقة باتفاق . كان وصي أبيه مات بالمدينة سنة 105 هـ روى له الجماعة ما عدا ابن ماجه كذا في " ضياء الساري " وقد وجد في كثير من نسخ هذا الكتاب عن عبيد الله بن عبد الله
( 3 ) وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب
( 4 ) للتشهد
( 5 ) أي : عبد الله
( 6 ) أي : التربع
( 7 ) أي : شاب
( 8 ) عن التربع
( 9 ) وفي رواية : وقال وفي رواية : قال
( 10 ) هذه الصيغة حكمها الرفع
( 11 ) أي : لا تلصقها بالأرض
( 12 ) بفتح المثناة أي : تعطفها وقوله : وتثني رجلك اليسرى لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها : هل يجلس فوقها أو يجلس على وركه ؟ ووقع في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد : أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال : أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك . فتبين ( قلت : إن رواية القاسم لا تكون بيانا لفعل ابن عمر لأن هذا قول منه - رضي الله عنه - وإرشاد إلى فعل السنة ورد نكير على من اقتدى بفعله ولذا اعتذر عن فعله بأنه شكوى في رجله لا يستطيع الجلوس على هذا النهج فليت شعري كيف يكون فعله بيانا لقوله هذا ولو كان كذلك لكان نكيره ورده على ابنه عبد الله عبثا فلا يمكن أن يكون تفسير هذا القول إلا حديث النسائي القولي فتأمل . انظر : أوجز المسالك 2 / 122 ) من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه كذا في " الفتح " ( في نسخه : " كذا في فتح القدير " )
( 13 ) قوله : وبهذا نأخذ حمل أثر ابن عمر على نصب اليمنى والقعود على اليسرى بعد ثنيها وفرشها كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه في جميع القعدات . وأقول : فيه نظر فإن أثر ابن عمر هذا الذي رواه ههنا مجمل لا يكشف المقصود لأن ثني الرجل اليسرى عام من أن يجلس عليها أو يجلس على الورك وقد أوضحه ما أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن يحيى بن سعيد : أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس فنصب اليمنى وثنى رجله اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدميه ثم قال : أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وقال : إن أباه كان يفعل ذلك . وكذا أخرجه مالك في " الموطأ " عن يحيى فهذا يدل على أن ثني الرجل المذكور في رواية عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عبد الله بن عمر محمول على عطفها من غير جلوس عليها بل على وركه . وهذا هو التورك المسنون عند الشافعية . فإذن الأثر المذكور ههنا صار شاهدا لمذهب الشافعية لا لمذهبنا وعليه حمله شراح " الموطأ " وجعلوه شاهدا لمذهب مالك وهو التورك في جميع القعدات وكذا حمله الطحاوي في " شرح معاني الآثار " حيث قال بعد إخراج أثر القاسم بن محمد وأثر عبد الله بن عبد الله : فذهب قوم إلى أن القعود في الصلاة كلها أن تنصب رجله اليمنى وتثنى اليسرى وتقعد على الأرض واحتجوا في ذلك بما وصفه يحيى بن سعيد في حديثه من القعود وبقول عبد الله بن عمر في حديث عبد الرحمن أن تلك سنة الصلاة . انتهى . إلا أن يقال : قد روى النسائي عن يحيى عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى وفي رواية له بالطريق المذكور : من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى . فهذا يكشف لك أن المراد بالثني في رواية مالك وغيره المختصرة هو عطفها والجلوس عليها وأما ما أراه القاسم يحيى من صفة القعود وأسنده عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أن أباه كان يفعل ذلك فهو محمول على الهيئة التي كان ابن عمر يقعد عليها بسبب العلة وعدم حمل رجله القعدة المسنونة لكن يبقى حينئذ أنه يخالف ما ورد في رواية مالك وغيره أن القعود الذي كان ابن عمر يرتكبه لأجل العلة هو التربع وهو مستعمل في معنيين :
أحدهما : أن يخالف بين رجليه فيضع رجله اليمنى تحت ركبته اليسرى ورجله اليسرى تحت ركبته اليمنى والثاني : أن يثني رجليه في جانب واحد فتكون رجله اليسرى تحت فخذه وساقه اليمنى ويثني رجله اليمنى فتكون عند أليته اليمنى كذا ذكره الباجي في " شرح الموطأ " وقال : يشبه أن يكون هذه أي الأخيرة هي التي عابها ابن عمر على رجل تربع وما أراه القاسم يحيى فيه نصب اليمنى فهو ليس بتربع بأي معنى أخذ فلا يمكن حمله على قعود ابن عمر للعلة ( قلت : يمكن حمله على ذلك لأن ابن عمر لأجل شكوى في رجله يجلس كيفما تيسر عليه طورا يجلس مقعيا وطورا يجلس متربعا ويجلس متوركا وإن الجالس المعذور يجلس كيفما تيسر عليه " أوجز المسالك " 2 / 123 )
( 14 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال ابن المبارك والثوري وأهل الكوفة ذكره الترمذي وذكر ابن عبد البر أنه مذهب حسن بن حي وكذلك قال الشافعي في الجلسة الوسطى وقال في الأخيرة : إنه إذا قعد في الرابعة أماط رجليه جميعا فأخرجهما من وركه اليمنى وأفضى بمقعدته إلى الأرض . وأضجع اليسرى ونصب اليمنى وقال أحمد كما قال الشافعي إلا في جلسة الصبح . انتهى . وحجتهم في ذلك ما رواه الجماعة إلا مسلما من حديث أبي حميد في وصفه صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فإذا جلس جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وإذا جلس في الركعة الأخيرة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا ثم سلم . وحمل أصحابنا هذا على العذر وعلى بيان الجواز وهو حمل يحتاج إلى دليل ومال الطحاوي إلى تضعيفه وتعقبه البيهقي وغيره في ذلك بما لا يزيد عليه وذكر قاسم بن قطلوبغا في رسالته " الأسوس في كيفية الجلوس " في إثبات مذهب الحنفية أحاديث : كحديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفرش رجله اليسرى ( في الأصل : " رجله " والصواب : " رجله اليسرى " كما في " صحيح مسلم " ( 1 / 358 ) ) وينصب اليمنى وحديث وائل : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قعد وتشهد فرش رجله اليسرى . أخرجه سعيد بن منصور وحديث المسيء صلاته أنه قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإذا جلست فاجلس على فخذك اليسرى . أخرجه أحمد وأبو داود وحديث ابن عمر رضي الله عنه : من سنة الصلاة ... إلخ . ولا يخفى على الفطن أن هذه الأخبار وأمثالها بعضها لا تدل على مذهبنا صريحا بل يحتمله وغيره وما كان منها دالا صريحا لا يدل على كونه في جميع القعدات على ما هو المدعى وأخرج الطحاوي عن وائل : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : لأحفظن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فلما قعد للتشهد فرش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد أصابعه وجعل حلقة الإبهام والوسطى ثم جعل يدعو بالأخرى . قال الطحاوي : في قول وائل : ثم عقد أصابعه يدعو دليل على أنه كان في آخر الصلاة . انتهى . وهذا يقضي ( في الأصل : " يفضي " والظاهر : " يقضي " ) منه العجب فإن معنى يدعو بالأخرى : يشير بالإصبع الأخرى أي السبابة لا الدعاء الذي يكون في آخر الصلاة فليس فيه دليل على ما ذكره والإنصاف أنه لم يوجد حديث يدل صريحا على استنان الجلوس على الرجل اليسرى في القعدة الأخيرة وحديث أبي حميد مفصل فليحمل المبهم على المفصل
( 15 ) قوله : وكان مالك هذا الذي نسبه قد نسبه غيره إلى الشافعي وأصحابه وأما مذهب مالك فالذي رأيته في كتب أصحابه المعتمدة كاستذكار ابن عبد البر وشرح الزرقاني ورسالة ابن أبي زيد وغيرها هو التورك في جميع القعدات وذكروا في استناده أثر ابن عمر المذكور يحمله على التورك فلعل محمدا اطلع على أن مذهب مالك هو التفصيل وهو أعلم منا وإن لم نجده في موضع من المواضع لا في كتب أصحابنا ولا في كتب المالكية ولا في كتب الشافعية فإن الكل يذكرون أن التفصيل مذهب الشافعي ومذهب مالك التورك مطلقا ومذهب أصحابنا الافتراش مطلقا
( 16 ) أي : في القعدة الأولى
( 17 ) أي : يمس أليته اليسرى بالأرض

154 - أخبرنا مالك أخبرنا صدقة ( 1 ) بن يسار عن المغيرة ( 2 ) بن حكيم قال : رأيت ابن عمر يجلس على عقبيه ( 3 ) بين السجدتين في الصلاة فذكرت ( 4 ) له فقال ( 5 ) : إنما فعلته ( 6 ) منذ اشتكيت
قال محمد : وبهذا نأخذ لا ينبغي أن يجلس على عقبيه بين السجدتين ولكنه يجلس بينهما كجلوسه ( 7 ) في صلاته وهوقول أبي حنيفة ( 8 ) - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : صدقة بن يسار قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : هو ثقة من الثقات وقال ابن معين : ثقة وقال أبو حاتم : صالح وقال الآجري عن أبي داود : ثقة قلت : من أهل مكة ؟ قال : من أهل الجزيرة سكن مكة كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : عن المغيرة بن حكيم روى عن أبي هريرة وابن عمر وعنه نافع وابن جريج وجرير بن حازم ثقة كذا في " الكاشف " للذهبي
( 3 ) قوله : عقبيه بفتح العين وكسر القاف وبفتح عين وكسرها مع سكون القاف : مؤخر القدم إلى موضع الشراك كذا في " مجمع البحار "
( 4 ) أي : ذكرت لابن عمر ذلك الجلوس مستفسرا عن حقيقة الأمر
( 5 ) قوله : فقال : إنما فعلته منذ اشتكيت كره الإقعاء في الصلاة مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وبه قال إسحاق وأبو عبيد إلا أن أبا عبيد قال : الإقعاء جلوس الرجل على أليته ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع وهذا إقعاء مجتمع عليه لا يختلف فيه . وأما الذين أجازوا رجوع المصلي على عقبيه وجلوسه على صدور قدميه بين السجدتين فجماعة قال طاووس : رأيت العبادلة يقعون : ابن عمر وابن عباس وابن الزبير قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " ) : أما ابن عمر فقد ثبت عنه أنه لم يفعل ذلك إلا أنه كان يشتكي وأن رجليه كانتا لا تحملاته وقد قال : إن ذلك ليس سنة الصلاة وكفى بهذا وأما ابن عباس فذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه : أنه رأى ابن عمر وابن الزبير وابن عباس يقعون . وذكر أبو داود : نا يحيى بن معين نا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاووسا يقول : قلنا لابن عباس في الإقعاء بين السجدتين ؟ قال : هي السنة فقلنا : إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس : هي السنة سنة نبيك كذا في " الاستذكار "
( 6 ) المعنى أنه خلاف السنة إلا أني فعلته لعذر
( 7 ) قوله : كجلوسه في صلاته أي : الافتراش والجلوس على اليسرى كما في حديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم كان يهوي إلى الأرض فيجافي ثم يرفع رأسه ويثني رجليه اليسرى فيعتمد عليها متفق عليه . وعن ميمونة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سجد أهوى بيديه وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى أخرجه النسائي كذا ذكره قاسم بن قطلوبغا في " الأسوس في كيفية الجلوس "
( 8 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الشافعي وأحمد ومالك وقتادة وهو مذهب ابن عمر وعلي وأبي هريرة وجوزه عطاء وطاووس وابن أبي مليكة ونافع والعبادلة كذا نقل العيني عن ابن تيمية وقد روى الترمذي وابن ماجه عن علي مرفوعا : نهى أن يقعي الرجل في صلاته وأخرج مسلم من حديث عائشة مرفوعا : كان ينهى عن عقبة الشيطان وأخرج أحمد والبيهقي عن أبي هريرة : نهاني رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نقرة كنقرة الديك والتفات كالتفات الثعلب وإقعاء كإقعاء الكلب وروى ابن ماجه عن أنس مرفوعا : إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب
ويعارض هذه الأخبار ما أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما عن ابن عباس أن الإقعاء بين السجدتين سنة النبي صلى الله عليه و سلم واختلف العلماء في ذلك : فمهم من قال حديث ابن عباس منسوخ ورده النووي بأنه غلط فاحش لعدم تعذر الجمع ولا تاريخ فكيف يصح النسخ ؟ ومنهم من سلك مسلك الجمع وقالوا : الإقعاء على نوعين : أحدهما مستحب وهو أن يضع أليتيه على عقبيه وركبتاه على الأرض وهو الذي روى مسلم عن ابن عباس والثاني أن يضع أليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه وهو إقعاء الكلب المنهي عنه . كذا ذكره النووي واختاره ابن الهمام وغيره من أصحابنا ولا يخفى على الفطن أن أثر ابن عمر الذي أخرجه محمد صريح في نهي الإقعاء بالمعنى الثاني أيضا ولذلك نص محمد بعده على أنه لا ينبغي والقول الفيصل في هذا المقام أن الإقعاء بالمعنى الأول لا خلاف في كراهيتها وبالمعنى الثاني مختلف فيه بين الصحابة فأثبت ابن عباس كونه سنة ونفاه ابن عمر والذي يظهر أن الجلوس بين السجدتين بالافتراش عزيمة والإقعاء فيه بالمعنى الثاني رخصة قد ظنها ابن عباس سنة وقد أخذ أكثر العلماء في هذا البحث بما دل عليه أثر ابن عمر من العزيمة وللتفصيل موضع آخر من تآليفي المبسوطة ( راجع للتفصيل أيضا : " أوجز المسالك " : 2 / 120 ، و " فتح الملهم " : 1 / 103 )

44 - ( باب صلاة القاعد )

155 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن السائب ( 1 ) بن يزيد عن المطلب ( 2 ) بن أبي وداعة ( 3 ) السهمي عن حفصة ( 4 ) زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت : ما رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في سبحته ( 5 ) قاعدا ( 6 ) قط حتى كان قبل وفاته بعام ( 7 ) فكان يصلي في سبحته قاعدا ( 8 ) ويقرأ بالسورة ويرتلها ( 9 ) حتى تكون أطول من أطول منها ( 10 )
_________
( 1 ) آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة إحدى وتسعين أو قبلها ذكره الزرقاني وغيره
( 2 ) قوله : المطلب هو عبد الله السهمي صحابي أسلم يوم الفتح ونزل بالمدينة ومات بها وأمه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه و سلم كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) بفتح الواو والدال اسمه الحارث بن صبرة بن سعيد بالتصغير
( 4 ) قوله : حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة ثلاث من الهجرة عند أكثرهم وقال أبو عبيدة : سنة اثنتين وتوفي سنة إحدى وأربعين وقيل : سبع وعشرين كذا في " الاستيعاب "
( 5 ) بضم السين وسكون الباء الموحدة سميت النافلة بذلك لا شتمالها على التسبيح
( 6 ) بل قام حتى تورمت قدماه
( 7 ) هذا الحديث رواه مسلم والترمذي وقال : بعام واحد أو اثنين بالشك
( 8 ) ليستديم
( 9 ) يقرأها بتمهل وترسل
( 10 ) إذا قرئت بلا ترتيل

156 - أخبرنا مالك حدثنا إسماعيل ( 1 ) بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : صلاة أحدكم وهو قاعد مثل ( 2 ) نصف ( 3 ) صلاته وهو قائم
_________
( 1 ) ثقة حجة روى له الخمسة مات سنة 134 هـ كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) قوله : مثل نصف صلاته إلا النبي صلى الله عليه و سلم فإن صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما لحديث عبد الله بن عمرو المروي في صحيح مسلم وأبي داود والنسائي قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " صلاة الرجل قاعدا على نصف أجر الصلاة " فأتيته فوجدته يصلي جالسا فوضعت يدي على رأسي فقال : مالك يا عبد الله ؟ فأخبرته فقال : " أجل ولكني لست كأحدكم " وقد عد الشافعية هذه المسألة من خصائصه كذا في " إرشاد الساري "
( 3 ) قوله : مثل نصف صلاته قال ابن عبد البر : لما في القيام من المشقة أو لما شاء الله أن يتفضل به المراد بالصلاة النافلة لأن الفرض إن أطاق القيام فقعد فصلاته باطلة عند الجميع وإن عجز عنه ففرضه الجلوس اتفاقا فليس القائم بأفضل منه

157 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري أن عبد الله بن عمرو ( 1 ) قال : لما قدمنا المدينة نالنا ( 2 ) وباء ( 3 ) من وعكها ( 4 ) شديد فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على الناس وهم يصلون في سبحتهم ( 5 ) قعودا فقال : صلاة القاعد ( 6 ) على نصف صلاة القائم
_________
( 1 ) قوله : أن عبد الله بن عمرو قال ابن عبد البر : هو منقطع لأن الزهري ولد سنة ثمان وخمسين وابن عمرو مات بعد الستين فلم يلقه
( 2 ) أي : أخذنا ووصل إلينا
( 3 ) بالمد : سرعة الموت وكثرته في الناس
( 4 ) قوله : من وعكها بفتح الواو وسكون العين قال أهل اللغة : الوعك لا يكون إلا من الحمى دون سائر الأمراض قاله ابن عبد البر
( 5 ) يعني نافلتهم
( 6 ) قوله : فقال : صلاة القاعد قد علم أن هذا محمول عند الأكثر على النافلة ولا يلزم منه أن تزاد صورتها التي ذكرها الخطابي وهو أن يحمل الحديث على مريض مفترض يمكنه القيام بمشقة فجعل أجر القاعد على النصف ترغيبا له في القيام مع جواز قعوده ويشهد له ما رواه أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس : قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة وهي محمة فحم الناس فدخل المسجد والناس يصلون من قعود فقال رسول الله : صلاة القاعد نصف صلاة القائم ورجاله ثقات وله متابع في النسائي من وجه آخر كذا ذكره الزرقاني ( 1 / 281 ، وفتح الباري 2 / 585 )

158 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن أنس ( 1 ) بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ركب فرسا فصرع ( 2 ) عنه ( 3 ) فجحش شقه ( 4 ) الأيمن فصلى ( 5 ) صلاة ( 6 ) من الصلوات وهو جالس فصلينا ( 7 ) جلوسا فلما انصرف قال : إنما جعل ( 8 ) الإمام ليؤتم به ( 9 ) إذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا قال : سمع الله لم حمده فقولوا : ربنا ولك ( 10 ) الحمد وإن صلى قاعدا فصلوا ( 11 ) قعودا ( 12 ) أجمعين
قال محمد : وبهذا نأخذ صلاة الرجل قاعدا للتطوع مثل نصف ( 13 ) صلاته قائما فأما ما روي من قوله : إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا أجمعين فقد روي ذلك وقد جاء ( 14 ) ما قد نسخه
_________
( 1 ) قوله : عن أنس قال ابن عبد البر : لم تختلف رواة " الموطأ " في مسنده ورواه سويد بن سعيد عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة وهو خطأ لم يتابعه عليه أحد
( 2 ) بضم الصاد وكسر الراء أي : سقط من الفرس وفي أبي داود وابن خزيمة بسند صحيح عن جابر ركب صلى الله عليه و سلم فرسا فصرعه على جذع نخلة
( 3 ) قال ابن حجر : أفاد ابن حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة
( 4 ) قوله : فجحش بضم الجيم ثم حاء مهملة مكسورة أي : خدش قاله النووي وقال ابن عبد البر : الجحش فوق الخدش وقال الرافعي : يقال جحش فهو مجحوش إذا أصابه مثل الخدش أو أكثر وانسجح جلده . وكانت قدمه صلى الله عليه و سلم انفكت من الصرعة كما في رواية بشر بن المفضل عن حميد عن أنس عن الإسماعيلي قال ابن حجر : ولا ينافي ما ههنا لاحتمال وقوع الأمرين قال : وأخرج عبد الرزاق في الحديث عن الزهري قال : فجحش ساقه الأيمن فزعم بعضهم أنها مصحفة من شقه وليس كذلك لموافقة رواية حميد لها وإنها مفسرة لمحل الخدش كذا في " التنوير " ( 1 / 155 )
( 5 ) قوله : فصلى صلاة لم أقف على تعيينها إلا أن في حديث أنس : فصلى بنا يومئذ صلاتها نهارية الظهر أو العصر كذا في " الفتح "
( 6 ) في أبي داود وابن خزيمة الجزم بأنها فرض
( 7 ) قوله : فصلينا جلوسا قد روى البخاري في " صحيحه " حديث أنس من رواية حميد الطويل عنه مخالفا لرواية الزهري عنه ولفظه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سقط عن فرسه فجحشت ساقه أو كتفه وآلى من نسائه شهرا . فجلس في مشربة له فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالسا وهم قيام فلما سلم قال " إنما جعل الإمام ليؤتم به " الحديث ذكره في أوائل الصلاة في ( باب الصلاة على السطوح ) . وتكلف القرطبي في " شرح صحيح مسلم " الجمع فقال : يحتمل أن يكون البعض صلوا قياما البعض جلوسا فأخبر أنس بالحالتين وهذا مع ما فيه من التعسف ليس في شيء من الروايات ما يساعده . وقد ظهر لي فيه وجهان : أحدهما أنهم صلوا خلفه قياما فلما شعر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرهم بالجلوس فجلسوا فأخبر أنس بكل منهما يدل عليه حديث عائشة أخرجاه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه فصلى جالسا فصلوا بصلاته قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فجلسوا فلما انصرف قال : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " الحديث والثاني : هو الأظهر أنهما كانا في وقتين وإنما أقره رسول الله صلى الله عليه و سلم في إحدى الواقعتين على قيامهم خلفه لأن تلك الصلاة كانت تطوعات والتطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض وقد صرح بذلك في بعض طرقه كما أخرجه أبو داود عن أبي سفيان عن جابر : ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدماه فأتيناه نعوده فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسا فقمنا خلفه فسكت عنا ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالسا فقمنا خلفه فأشار إلينا فجلسنا فلما قضى الصلاة قال : " إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا " . الحديث كذا في " نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية " للزيلعي ( 2 / 44 ، وأخرجه أبو داود في سننه من ( باب يصلي الإمام من قعود ) 1 / 164 ، وقد استدل بهذا الحديث الحافظ في فتح الباري 2 / 151 ، على تعدد قصة الصلاة من النافلة في المرة الأولى والمكتوبة في الثانية وأما واقعة السقوط من الفرس كانت في السنة الخامسة كما في فتح الباري 2 / 149 ، وعمدة القاري 2 / 747 )
( 8 ) قال الرافعي : أي نصب أو اتخذ أو نحوهما ويجوز أن يريد إنما جعل الإمام إماما
( 9 ) قوله : ليؤتم به معناه عند الشافعي ليقتدى به في الأفعال الظاهرة ولهذا يجوز أن يصلي المفترض خلف المتنفل وبالعكس وعند غيره أنه في الأفعال الباطنة والظاهرة
( 10 ) بالواو لجميع الرواة عن أنس في حديثه هذا إلا في رواية شعيب عن الزهري رواها البخاري بدونها
( 11 ) قوله : فصلوا قعودا قد اختلف أهل العلم في الإمام يصلي بالناس جالسا من مرض فقالت طائفة : يصلون قعودا اقتداء به وذهبوا إلى هذه الأحاديث ورأوها محكمة وممن فعل ذلك جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأسيد بن حضير وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث وقال أحمد : كذا قال النبي صلى الله عليه و سلم وفعله أربعة من أصحابه والرابع : هو في خبر قيس بن فهد أنه شكى على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس . وقال أكثر أهل العلم : يصلون قياما ولا يتابعون الإمام في الجلوس . ورأوا أن هذه الأحاديث منسوخة بما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بالناس في مرض وفاته وهو جالس والناس قيام كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة كذا ذكره الحازمي في " الاعتبار " ( ص 109 ) والزيلعي وجمع من العلماء وقد أنكر ابن حبان النسخ فقال في " صحيحه " بعد ما أخرج حديث : " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا " فيه بيان واضح أن الإمام إذا صلى قاعدا كان على المؤتمين أن يصلوا قعودا وأفتى به من الصحابة جابر وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن فهد ولم يرو عن غيرهم خلاف هذا بإسناد متصل ولا منقطع فكان إجماعا سكوتيا . وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد ولم يرو عن غيره من التابعين خلافه وأول من أبطل ذلك في الأمة المغيرة بن مقسم وأخذ عنه حماد بن سليمان ثم أخذه عن حماد أبو حنيفة وأصحابه وأعلى ما احتجوا به حديث رواه جابر الجعفي عن الشعبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يؤمن بعدي جالسا . وهذا لو صح إسناده لكان مرسلا . والمرسل لا يقوم به حجة والعجب أن أبا حنيفة يجرح جابر الجعفي ويكذبه ثم يحتج بحديثه . انتهى ملخصا
أقول : وفيه نظر من وجوه : أحدها : أنه قد ثبت نسخ ذلك بفعل النبي صلى الله عليه و سلم في آخر أيامه فلا يعتبر بما خالفه وثانيها : أن فتوى الصحابة لم يكن إلا لأنه لم يبلغهم الناسخ قال الشافعي بعد ما أخرج بسنده عن جابر وعن أسيد أنهما فعلا ذلك : في هذا ما يدل على أن الرجل يعلم الشيء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يعلم خلافه عنه فيقول بما علم ثم لا يكون في قوله بما علم وروى حجة على أحد علم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قولا أوعملا ينسخ الذي قال به غيره . انتهى . وثالثها : أن نسبة إبطال ذلك أولا إلى المغيرة بن مقسم غلط بل أول من أبطله رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه . ورابعها : أن جعل حديث الشعبي أعلى ما احتجت به الحنفية غير صحيح فإن أعلى ما يدل على النسخ عندهم وعند غيرهم هو حديث عائشة وأما حديث الشعبي فهو وإن كان ضعيفا يذكر للتقوية
( 12 ) ولو قادرين على القيام
( 13 ) أي : في الأجر
( 14 ) قوله : وقد جاء ما قد نسخه وقد أخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " من طريق أبي الزبير عن جابر قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه و سلم كبر أبو بكر ليسمعنا وكنا قياما فقال : اجلسوا أومى بذلك إليهم فلما قضى الصلاة قال : كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم تعظيما لهم ( في الأصل : " بهم " وهو تحريف ) ائتموا بأئمتكم فإن صلوا قياما فصلوا قياما وإن صلوا جلوسا فصلوا جلوسا . ثم أخرج من طريق ابن وهب عن مالك حديثه المذكور في هذا الباب ومن طريق ابن وهب عن الليث ويونس عن ابن شهاب عن أنس ومن طريق هيثم عن حميد عن أنس مثله ومن طريق ابن وهب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى قوم خلفه قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فذكر مثله . ومن طريق شعبة عن يعلى بن عطاء قال : سمعت أبا علقمة يحدث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا . ومن طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا . ومن طريق سالم عن ابن عمر مثله ثم قال : فذهب قوم إلى هذا فقالوا : من صلى قاعدا من عذر صلوا خلفه قعودا وإن كانوا مطيقين للقيام . وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا : بل يصلون خلفه قياما ولا يسقط عنهم فرض القيام لسقوطه ( في الأصل : " لسكوته " وهو تحريف ) عن إمامهم ثم ذكر في حجتهم ما أخرجه بسنده عن أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل قال : سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مرض مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة فقال : ادعوا لي عليا فقالت عائشة : ألا ندعو لك أبا بكر ؟ فقال ادعوه ثم قالت حفصة : ألا ندعو لك عمر ؟ قال : ادعوه فقالت أم الفضل : ألا ندعو لك عمك العباس ؟ قال : ادعوه فلما حضروا قال : ليصل بالناس أبو بكر فتقدم أبو بكر فصلى بالناس ووجد رسول الله صلى الله عليه و سلم من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين فلما أحسه أبو بكر ذهب يتأخر فإشار إليه مكانك فاستمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة وأبو بكر قائم ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس فأتم أبو بكر به وائتم الناس بأبي بكر . قال الطحاوي : ففي هذا الحديث أن أبا بكر ائتم برسول الله صلى الله عليه و سلم قائما وهو قاعد . وهذا من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد قوله ما قال ثم أخرج من طريق موسى بن عائشة عن عبيد الله عن عائشة نحوه وفيه أن الصلاة التي كان خرج فيها كانت صلاة الظهر فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومى إليه أن لا يتأخر وقال لهما : أجلساني إلى جنبه فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم لصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قاعد . ومن طريق الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة نحوه ثم ذكر وجه النظر في عدم سقوط القيام من المؤتم وقال بعد ذلك : فثبت بذلك أن الصحيح أن القيام واجب عليه في الصلاة إذا دخل مع من قد سقط عنه فرض القيام في صلاته لم تسقط عنه بدخوله من القيام ما كان واجبا عليه قبل ذلك . وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف غير أن محمد بن الحسن يقول : لا يجوز لصحيح أن يأتم بمريض يصلي قاعدا وإن كان يركع ويسجد ويذهب إلى أن ما كان من صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعدا في مرضه بالناس وهم قيام كان مخصوصا لأنه قد فعل فيها ما لا يجوز لأحد بعده أن يفعله من أخذه القرآن من حيث انتهى أبو بكر وخرج أبي بكر من الإمامة إلى أن صار مأموما في صلاة واحدة وهذا لا يكون لأحد بعده باتفاق المسلمين . انتهى كلام الطحاوي ملخصا
وفي " الهداية وشرحه البناية " للعيني : ويصلي القائم خلف القاعد عند أبي حنيفة وأبي يوسف والمراد من القاعد الذي يركع ويسجد أما القاعد الذي يومئ فلا يجوز اقتداء القائم به اتفاقا وبه قال الشافعي ومالك في رواية استحسانا وقال أحمد والأوزاعي : يصلون خلفه قعودا وبه قال حماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر : وهو المروي عن أربعة من الصحابة لكن عند أحمد بشرطين : الأول أن يكون المريض إمام حي والثاني أن يكون المرض مما يرجى زواله بخلاف الزمانة . واحتجوا على ذلك بحديث أنس مرفوعا : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " الحديث وقال محمد : لا يجوز وبه قال مالك في رواية ابن القاسم عنه قياسا أشار إليه بقوله : وهو القياس لقوة حال القائم فيكون اقتداء كامل الحال بناقص الحال فلا يجوز كاقتداء القارئ بالأمي ونحن تركناه بالنص وهو ماروي أنه صلى الله عليه و سلم صلى آخر صلاته قاعدا والقوم خلفه قيام . وفي كلام البخاري ما يقتضي الميل إلى أن حديث : " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا " منسوخ فإنه قال بعد ما رواه قال الحميدي : هذا منسوخ بأنه عليه السلام آخر ما صلى صلى قاعدا والناس خلفه قيام وإنما يؤخذ بالآخر من فعله . انتهى ملخصا . وهذه العبارات وغيرها من كلمات الفقهاء الأثبات دالة صريحا على أن محمدا مخالف لهما في هذه المسألة فعندهما اقتداء الصحيح بالمريض القاعد جائز قياما ولا يجوز له القعود أخذا من الصلاة النبوية في آخر عمره وقولا بنسخ : " إذا جلس فاجلسوا " . وعند محمد لا يسقط عن الصحيح القيام لكن لا يجوز اقتداؤه بالمريض بل قال : أخذا بالقياس فهو موافق لهما في عدم سقوط القيام من المقتدي الصحيح بمتابعة إمامه ومخالف في جواز اقتداء القائم بالقاعد كيف ولو كان القيام عنده يسقط عن القاعد بمتابعة الإمام لما خلفهما في جواز اقتدائه بالمريض بل قال بجوازه مع سقوط القيام كما قال به أحمد وغيره . إذا عرفت هذا فنقول : معنى قوله ههنا وقد جاء ما قد نسخه أنه قد روي ما قد نسخ ما استفيد بالحديث السابق من جواز اقتداء القادر بالمعذور الجالس وسقوط القيام عن القادر وهو حديث : " لا يؤمن الناس أحد بعدي جالسا " فإنه يدل على منع إمامة المعذور الجالس لغيره وإنه خصوصية له صلى الله عليه و سلم ويدل أيضا على عدم سقوط القيام عن المقتدي بمتابعة إمامه فإنه لو كان كذلك لما كان للمنع وجه ويدل على ما ذكرنا أنه جعل الناسخ هذا الحديث الدال على عدم جواز إمامة المعذور ليكون موافقا لمذهبه ولو كان مقصوده نسخ سقوط القيام فحسب مع جواز الاقتداء لاستدل بخبر الصلاة النبوية في مرض وفاته وقد تسامح القاري حيث فهم التنافي بين كلام محمد ههنا وبين ما في عامة الكتب فقال بعد ما نقل عن " شرح مختصر الوقاية " للشمني ما يدل على الخلاف : وفي " الهداية " : يصلي القائم خلف القاعد خلافا لمحمد فهذا يدل على أن محمدا مخالف في المسألة وعبارة محمد مشيرة إلى أنه موافق ولعل منه روايتين أو مراده بالنسخ نسخ وجوب قعود المأمومين من غير عذر مع الإمام قاعدا بعذر فإن الإجماع على خلافه . انتهى كلامه . ومنشأ فهمه أنه رأي ههنا أن محمدا قائل بنسخ الحديث السابق وهما أيضا يقولان به ففهم أنه موافق لهما وليس كذلك فإنهما قائلان بنسخ سقوط القيام عن المأموم القادر مع جواز اقتدائه بالمعذور القاعد ومحمد قائل بنسخ جواز الاقتداء المستفاد من قوله صلى الله عليه و سلم : " وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا " أيضا كيف لا ولو كان مراده نسخ سقوط القيام فحسب على طبق قولهما لما صح الاستدلال بالحديث الذي ذكره فإنه يدل على عدم صحة إمامة الجالس بعده صلى الله عليه و سلم وهو مخالف لقولهما . وبالجملة فكون عبارة محمد ههنا مشيرة إلى الموافقة غير صحيح وأما ما وجهه به من أن المراد به نسخ وجوب قعود المأمومين لكونه خلاف الإجماع ففيه أولا أن كونه مخالفا للإجماع غير صحيح ولو كان لعرفه أحمد وحماد وغيرهما على ما مر وثانيا فلأن الحديث الذي ذكره لا يدل على هذا النسخ وثالثا أن الحكم بنسخ الوجوب يشير إلى بقاء الجواز مع أنه أيضا ليس بباق عند محمد ورابعا أن الوجوب والجواز في سقوط قيام المأموم فرع جواز ائتمامه وهو ليس بجائز عنده فاحفظ هذا فإنه مما ألهمني الله تعالى في هذا الوقت فله الحمد على هذا

159 - قال محمد : حدثنا ( 1 ) بشر حدثنا أحمد أخبرنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن جابر بن يزيد الجعفي عن عامر الشعبي قال ( 2 ) : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يؤمن الناس أحد بعدي جالسا
فأخذ ( 3 ) الناس بهذا
_________
( 1 ) قوله : حدثنا بشر ( والسند هنا فيه اضطراب لسقوط بعض الرواة منه وإدخال بعض الرواة فيه خطأ من الناسخ مما كان سببا في عدم تعيين الرواة وجهالتهم . فالمراد بمحمد في أول السند : هو أبو علي الصواف وبشر شيخه فهو بشر بن موسى الأسدي والمراد بأحمد هو أحمد بن مهران النسوي صاحب محمد وراوي الموطأ عنه وإسرائيل هو شيخ محمد بن الحسن الإمام وقد سقط من السند " محمد " من بين أحمد وإسرائيل كما يظهر من المخطوطة بدار الكتب المصرية رقم ( ب ) . وأدخل الناسخ في الحديث هنا خاصة عدة من الرواة المتأخرين عن محمد في صلب السند وهي عادة كثير من المتقدمين ( بلوغ الأماني للعلامة زاهد الكوثري ص 66 ) ... إلخ هكذا في بعض النسخ وفي بعضها : حدثنا بسر بالسين المهملة وفي بعضها : حدثنا محمد بن بشر ولم أعرف إلى الآن تعينه وتعين شيخه أحمد حتى أعرف من كتب الرجال توثيقهما أو عدمه فلعل الله يتفضل علي بعد هذا بمعرفته . وإسرائيل بن يونس قد مرت ترجمته أوما جابر الجعفي هو متكلم فيه وبعض النقاد وإن ويقوه لكن جمهورهم - منهم أبو حنيفة - جرحوه وتركوه فذكر السمعاني في " الأنساب " بعد ما ذكر أن الجعفي - بالضم ثم السكون - نسبة إلى قبيلة بالكوفة وهي جعفي بن سعد من مذحج أبو يزيد جابر الجعفي من أهل الكوفة يروي عن عطاء والشعبي وروى عنه الثوري وشعبة مات سنة 128 هـ كان سبائيا من أصحاب عبد الله بن سبأ . وكان يقول : إن عليا رضي الله عنه يرجع إلى الدنيا قال يحيى بن معين : كان كذابا يؤمن بالرجعة . انتهى . وذكر في " تهذيب التهذيب " : جابر بن شعبة بن الحارث أبو عبد الله الجعفي ويقال : أبو يزيد الكوفي روى عن أبي الطفيل وأبي الضحى وعكرمة وعطاء وكاووس وجماعة وعنه شعبة والثوري وإسرائيل والحسن بن حي وشريك ومسعر وغيرهم قال ابن علية عن شعبة : جابر صدوق في الحديث وقال وكيع : مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرا ثقة وقال الثوري لشعبة : لئن تكلمت في جابر لأتكلم فيك وقال ابن معين : كان كذابا وقال مرة : لا يكتب حديثه وقال يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد قال الشعبي لجابر : لا تموت حتى تكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إسماعيل : فما مضت الأيام والليالي إلا اتهم بالكذب وقيل لزائدة : لم لا تروي عن ابن أبي ليلى وجابر الجعفي والكلبي ؟ فقال : أما الجعفي فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة وقال أبو يحيى الحماني عن أبي حنيفة ما لقيت فيمن لقيت أكذب من الجعفي ما أتيته بشيء من ورائي إلا أتى فيه بأثر وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث لم يظهرها وقال أحمد : تركه يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وقال النسائي : متروك الحديث وقال مرة : ليس بثقة لا يكتب حديثه وقال الحاكم : ذاهب الحديث وقال ابن عدي : له أحاديث صالحة وهو إلى الضعف أقرب من الصدق وقال أيوب وليث بن أبي سليم والجوزجاني : كذاب وكذا قال ابن عيينة وأحمد وسعيد بن جبير . انتهى ملخصا . وأما عامر الشعبي فهو عامر بن شراحيل - بالفتح - الشعبي الكوفي نسبة إلى شعب - بالفتح - بطن من همدان كان من كبار التابعين فقيها شاعرا روى عن مائة وخمسين من الصحابة مات سنة 104 هـ وقيل : سنة 109 هـ ذكره السمعاني . وذكر في " تهذيب التهذيب " : قال مكحول : ما رأيت أفقه منه وقال ابن عيينة : كان الناس بعد الصحابة : الشعبي في زمانه والثوري في زمانه وقال ابن معين : إذا حدث الشعبي عن رجل فسماه فهو ثقة وقال هو وأبو زرعة : ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال العجلي : لا يكاد يرسل الشعبي إلا صحيحا وقال أبو داود : مرسل الشعبي عندي أحب من مرسل النخعي . انتهى ملخصا
( 2 ) قوله : قال كذا أخرجه الدارقطني والبيهقي في سننهما عن جابر عن الشعبي وقال الدارقطني لم يروه عن الشعبي إلا الجعفي وهو متروك والحديث مرسل وقال عبد الحق في " أحكامه " : رواه عن الجعفي مجالد وهو أيضا ضعيف وقال اليهقي في " المعرفة " : فيه جابر الجعفي متروك ثم قد اختلف عليه فيه فرواه ابن عيينة عنه كما تقدم ورواه ابن طهمان عنه عن الحكم قال : كتب عمر لا يؤمن أحد جالسا بعد النبي صلى الله عليه و سلم وهذا مرسل موقوف كذا ذكر الزيلعي وفي " إرشاد الساري " عند ذكر حديث الصلاة النبوية قاعدا والناس قاموا خلفه في مرض موته : هو حجة واضحة لصحة إمامة القاعد المعذور للقائم وخالف ذلك مالك في المشهور ( رواه ابن القاسم كما قاله ابن رشد . واحتج برواية فيها الجعفي مع إرسالها كما في عمدة القاري 2 / 275 ، 2 / 746 ، وفتح الباري 2 / 176 ، وإليه ذهب محمد بن الحسن من أصحاب إمامنا أبي حنيفة بل كره ابن القاسم ومحمد بن الحسن وأكثر المالكية إمامة القاعد للقاعدين من المرض أيضا ومنعها بعضهم كما في شرح التقريب للعراقي 2 / 3136 ) عنه ومحمد بن الحسن في ما حكاه الطحاوي وقد أجاب الشافعي عن الاستدلال بحديث جابر عن الشعبي مرسلا مرفوعا : " لا يؤمن أحد بعد جالسا " فقال : قد علم من احتج بهذا أن لا حجة له فيه لأنه مرسل ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه أي : جابر الجعفي . انتهى . ولا يخفى أن المرسل مقبول عند جمهور العلماء لا سيما مراسيل الشعبي كما مر فالقدح بالإرسال ليس بشيء نعم القدح بجابر لا سيما على رأي أبي حنيفة له اعتداد
( 3 ) هذا من كلام الشعبي أو من كلام محمد والظاهر الاحتمال الأخير

45 - ( باب الصلاة في الثوب الواحد )

160 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) بكير ( 2 ) بن عبد الله بن الأشج عن بسر ( 3 ) بن سعيد عن عبيد الله ( 4 ) الخولاني قال : كانت ميمونة ( 5 ) زوج النبي صلى الله عليه و سلم تصلي ( 6 ) في الدرع والخمار وليس عليها إزار
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا بكير هكذا في نسخ عديدة وفي " موطأ يحيى " : مالك عن الثقة عنده وهو الليث بن سعد ذكره الدارقطني وقال منصور بن سلمة : هذا مما رواه مالك عن الليث ذكره ابن عبد البر وقال : أكثر ما في كتب مالك عن بكير يقول أصحابه : إنه أخذه من كتب بكير كان أخذها من مخرمة ابنه فنظر فيها . انتهى . لكن هذا لا يتأتى ههنا كذا ذكره الزرقاني ( 1 / 291 )
( 2 ) ثقة روى له الستة مات سنة عشرين ومئة أو بعدها كذا قال الزرقاني
( 3 ) المدني العابد ثقة حافظ من رجال الجميع قاله الزرقاني
( 4 ) ربيب ميمونة ثقة روى له الشيخان ذكره الزرقاني
( 5 ) قوله : كانت ميمونة هي بنت الحارث الهلالية كان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة توفيت بسرف سنة إحدى وخمسين وقيل : سنة ست وستين وقيل : ثلاث وستين كذا في " الاستيعاب في أحوال الأصحاب " لابن عبد البر
( 6 ) قوله : تصلي لأن ذلك جائز وإن كان الأفضل أن يكون تحت الثوب مئزر

161 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن سائلا ( 1 ) سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصلاة في ثوب واحد ؟ قال : أو ( 2 ) لكلكم ثوبان ( 3 ) ؟
_________
( 1 ) قوله : أن سائلا قال ابن حجر : لم أقف على اسمه لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه " المبسوط " أنه ثوبان كذا في " إرشاد الساري "
( 2 ) استفهام وتعجب وإنكار على السائل حيث سأل ما لا ينبغي أن يسأل عنه لوضوحه
( 3 ) قوله : ثوبان ( الصلاة في الثوب الواحد لم يخالف فيه إلا ابن مسعود وجازت الصلاة به ولو لم يكن على عاتق المصلي من الثوب شيء إلا عند أحمد نيل الأوطار 2 / 59 ) قال الخطابي : لفظه استخبار ومعناه الإخبار عما هم عليه من قلة الثياب ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى لأنه إذا لم يكن لكل ثوبان والصلاة لازمة فكيف لم يعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد الساتر للعورة جائز وهو مذهب الجمهور من الصحابة كابن عباس وعلي ومعاوية وأنس وخالد بن وليد وأبي هريرة وعائشة وأم هانئ ومن التابعين الحسن البصري وابن سيرين والشعبي وابن المسيب وعطاء وأبو حنيفة ومن الفقهاء أبو يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد في رواية وإسحاق كذا في " إرشاد الساري "

162 - أخبرنا مالك أخبرنا موسى ( 1 ) بن ميسرة عن أبي مرة ( 2 ) مولى ( 3 ) عقيل ( 4 ) بن أبي طالب عن أم هانئ ( 5 ) بنت أبي طالب أنها أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى عام الفتح ثمان ركعات ( 6 ) ملتحفا ( 7 ) بثوب
_________
( 1 ) قوله : موسى بن ميسرة الديلي بكسر الدال مولاهم أبي عروة المدني ثقة كان مالك يثني عليه ويصفه بالفضل مات سنة 133 هـ قاله الزرقاني
( 2 ) اسمه يزيد وقيل : عبد الرحمن المدني الثقة من رجال الجميع ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : مولى عقيل قال الحافظ : هو مولى أم هانئ حقيقة ونسب إلى ولاء عقيل مجازا بأدنى ملابسة لأنه أخوها أو لأنه كان يكثر ملازمة عقيل
( 4 ) قوله : عقيل هو علقل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي يكنى أبا يزيد روينا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : يا أبا يزيد إني أحبك حبين : حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك قدم عقيل البصرة ثم أتى الكوفة ثم أتى الشام وتوفي في زمن معاوية كذا في " الاستيعاب "
( 5 ) قوله : عن أم هانئ هي أخت علي شقيقة أمهما فاطمة بنت أسد وهو أم طالب وعقيل وجعفر واختلف في اسمها فقيل : هند وقيل : فاختة وكانت تحت هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم وأسلمت عام الفتح كذا في " الاستيعاب "
( 6 ) وذلك ضحى
( 7 ) أي : متغطيا بثوب . وفي نسخة : بثوبه

163 - أخبرنا مالك أخبرني أبو النضر أن أبا مرة مولى عقيل ( 1 ) أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تحدث أنها ( 2 ) ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح ( 3 ) فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب قال : فسلمت وذلك ( 4 ) ضحى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ( 5 ) هذا ( 6 ) ؟ فقلت : أنا ( 7 ) أم هانئ بنت أبي طالب قال : مرحبا ( 8 ) بأم هانئ ( 9 ) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ( 10 ) ركعات ( 11 ) ملتحفا ( 12 ) في ثوب ( 13 ) ثم انصرف فقلت : يا رسول الله زعم ( 14 ) ابن أمي ( 15 ) أنه قاتل ( 16 ) رجلا أجرته ( 17 ) فلان ابن هبيرة ( 18 ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قد أجرنا ( 19 ) من أجرت يا أم هانئ
_________
( 1 ) وللأويسي والقعنبي والتنيسي : مولى أم هانئ
( 2 ) قوله : أنها ذهبت في " الصحيح " عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أم هانئ : أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل بيتها يوم فتح مكة واغتسل وصلى ثمان ركعات فظاهر هذا أن الاغتسال وقع في بيتها قال الحافظ : ويجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه ويؤيده ما رواه ابن خزيمة عن أم هانئ أن أبا ذر كان ستره لم اغتسل ويحتمل أنه نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت هو في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان أما الستر فيحتمل أن أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في انتهائه
( 3 ) أي : فتح مكة في رمضان سنة ثمان
( 4 ) أي : كان ذلك وقت ضحى
( 5 ) أي : الشخص أو المسلم وهذا يدل على أن الستر كان كثيفا
( 6 ) في نسخة : هذه
( 7 ) فيه إيضاح الجواب غايته التوضيح
( 8 ) أي : لقيت رحبا وسعة وقيل : معناه : رحب الله بك مرحبا فجعل الرحب موضع الترحيب كذا في " النهاية "
( 9 ) وفي رواية يا أم هانئ
( 10 ) قوله : ثماني ركعات قال الباجي : هذا أصل في صلاة الضحى على أنه يحتمل أن يكون فعل ذلك لما اغتسل لوجود طهارته لا لقصد الوقت إلا أنه روي إنها سألته فقالت : ما هذه الصلاة ؟ فقال : صلاة الضحى فأضافها إلى الوقت . قال السيوطي : قلت : أخرجه ابن عبد البر من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ وقد ورد أنه صلى الله عليه و سلم صلى الضحى من حديث جابر وعتبان بن مالك وأنس وعبد الله بن أبي أوفي وجبير بن مطعم وحذيفة وأبي سعيد وعائذ بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعلي وعبد الله بن بسر وقدامة وحنظلة وابن عباس وغيرهم وقد ألفت فيه جزءا استوعبت فيه ما ورد فيها
( 11 ) زاد كريب عن أم هانئ : يسلم من كل ركعتين أخرجه ابن خزيمة
( 12 ) أي : ملتفا
( 13 ) في نسخة : صم في ثوب أي اشتمل اشتمال الصماء وسيجيء تفسيره في موضعه
( 14 ) أي : قال وادعى
( 15 ) قوله : ابن أمي أي : علي وخصت الأم لأنها آكد في القرابة ولأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها فذكرت ما بعثها على الشكوى حيث أصيبت من محل يقتضي أن لا تصاب منه
( 16 ) قوله : إنه قاتل فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل
( 17 ) أي : آمنته
( 18 ) قوله : فلان بن هبيرة قال الحافظ : عند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أم هانئ : إني قد أجرت حموين لي قال أبو العباس بن شريح وغيرهما : جعدة بن هبيرة ورجل آخر من مخزوم كان فيمن قاتلا خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما فكان من أحمائها قال ابن الجوزي : إن كان ابن هبيرة منها فهو جعدة كذا قال . وجعدة في من له رؤية ولم يصح له صحبة فكيف يتهيأ لمن هذا سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا حتى يحتاج إلى الأمان ؟ وجوز ابن عبد البر أن يكون ابنا لهبيرة مع نقله أن أهل النسب لم يذكروا لهبيرة ولدا من غير أم هانئ وجزم ابن هشام في " تهذيب السيرة " بأن الذين أجارتهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان . وروى الأزرقي أنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة . وحكى بعضهم أنهما الحارث وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران ولم يزل بها مشركا حتى مات والذي يظهر أن في رواية الباب حذفا كأنه كان فيه : فلان ابن عم هبيرة أو كان فيه فلان قريب هبيرة
( 19 ) أي : أمنا من أمنت فيه جواز أمان المرأة وإن لم تقاتل وبه قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة

164 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد ( 1 ) بن زيد التيمي عن أمه ( 2 ) أنها سألت ( 3 ) أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ماذا ( 4 ) تصلي فيه المرأة ؟ قالت في الخمار والدرع ( 5 ) السابغ ( 6 ) الذي يغيب ظهر ( 7 ) قدميها
قال محمد : وبهذا كله ( 8 ) نأخذ فإذا صلى الرجل في ثوب واحد توشح ( 9 ) به توشحا جاز وهو قول أبي حنيفة ( 10 ) - رحمه الله -
_________
( 1 ) وهو ثقة روى له مسلم والأربعة كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) هو أم حرام قال في " التقريب " : يقال اسمها آمنة
( 3 ) قوله : أنها سألت أم سلمة هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله كانت قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أبي سلمة بن عبد فولدت له عمر وسلمة كذا في " الاستيعاب "
( 4 ) قوله : ماذا تصلي قال ابن عبد البر في " الاستذكار " : هو في " الموطأ " موقوف ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار
قلت : أخرجه أبو داود من طريقه كذا في " التنوير "
( 5 ) القميص
( 6 ) أي : الساتر
( 7 ) في نسخة : ظهور . قوله : ظهر قدميها قال الأشرف : فيه دليل على أن ظهر قدمها عورة يجب سترها وفي " شرح المنية " أن في القدمين اختلاف المشايخ والأصح أنهما ليستا بعورة كذا ذكره في " المحيط " . وهو مختار صاحب " الهداية " و " الكافي " ولا فرق بين ظهر القدم وبطنه خلافا لما قيل إن بطنه ليس بعورة وظهره عورة
قلت : ظاهر الحديث يؤيد ما قيل كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 8 ) من المطالب التي أفادته الأحاديث المذكورة
( 9 ) أي : اشتمل به اشتمالا
( 10 ) وبه قال الجمهور

46 - ( باب صلاة الليل )

165 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رجلا ( 1 ) سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف الصلاة بالليل ؟ قال ( 2 ) : مثنى مثنى ( 3 ) فإذا خشي أحدكم أن يصبح ( 4 ) فليصل ( 5 ) ركعة واحدة توتر له ( 6 ) ما قد صلى
_________
( 1 ) للنسائي : من أهل البادية قوله : أن رجلا قال الحافظ : لم أقف على اسم السائل ووقع في " المعجم الصغير " للطبراني أنه ابن عمر لكنه يعكر عليه رواية عبد الله بن شقيق عن ابن عمر : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم وأنا بينه وبين السائل وفيه : ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه قال : فما أدري أهو ذلك الرجل أم غيره ؟ ووقع عند محمد بن نصر في " كتاب الوتر " - وهو كتاب نفيس - من رواية عطية عن ابن عمر أن أعرابيا سأل قال : فيحتمل أن يجمع بتعدد من سأل كذا في " ضياء الساري "
( 2 ) يتبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل والوصل
( 3 ) أي : اثنين اثنين فإعادته للمبالغة في التأكيد قوله : مثنى مثنى استدل به على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل قال ابن دقيق العيد : وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل ( انظر فتح الباري 2 / 398 ) لما صح من فعله صلى الله عليه و سلم بخلافه واستدل به أيضا على عدم النقصان من ركعتنين في النافلة ما عدا الوتر وقد اختلف العلماء فيه ( اتفق أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد على أفضلية الرباعية نهارا كما في " شرح المهذب " 5 / 75 و " المغني " 1 / 765 ، واتفق الشافعي وأحمد وأبو يوسف والثوري والليث على أفضلية الثنائية ليلا والشافعي وأحمد منهم على أفضليتها نهارا أيضا وشذ مالك في القول بعدم جواز الرباعية ليلا استدلالا بإفادة التركيب القصر كما حكاه ابن دقيق العيد في " العمدة " ) : فذهبت طائفة إلى المنع وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وطائفة إلى الجواز وصححه الرافعي واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وبه قال أبو حنيفة تعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة وبأنه ورد في السنن وصححه ابن خزيمة من طريق علي الأزدي عن ابن عمر مرفوعا : " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " لكن تعقب ابن عبد البر ذكر النهار ( قال في " فتح الباري " : أكثر أئمة الحديث أعلو هذه الزيادة وهو قوله : " والنهار إلخ " . وقال ابن قدامة في " المغني " 1 / 765 : وقد رواه عن ابن عمر نحو من خمسة عشر نفسا لم يقل ذلك أحد سواه وكان ابن عمر يصلي أربعا فيدل ذلك على ضعف روايته أو على أن المراد بذلك الفضيلة مع جواز غيره والله أعلم . اهـ ) بأنه من تفرد الأزدي وحكم النسائي بأنه أخطأ فيها وكذا يحيى بن معين كذا في " الضياء "
( 4 ) استدل به على خروج وقت الوتر بدخول وقت الفجر
( 5 ) قوله : فليصل ركعة فيه أن الركعة الواحدة هو الوتر وأن كل ما تقدمها شفع وسبق الشفع شرط الكمال لا في صحة الوتر وهو المعتمد عند المالكية وقد صح عن جمع من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة دون تقدم نفل قبلها وروى محمد بن نصر وغيره : أن عثمان رضي الله عنه قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل قبلها ولا بعدها . وفي البخاري : أن سعدا أوتر بركعة وأن معاوية أوتر بركعة وصوبه ابن عباس وقال : إنه فقيه كذا في " شرح الزرقاني "
( 6 ) قوله : توتر له ما قد صلى قال ابن ملك : أي تجعل هذه الركعة الصلاة التي صلاها في الوتر وترا بعد أن كانت شفعا والحديث حجة للشافعي في قوله : الوتر ركعة واحدة . انتهى . وفيه أن نحو هذا قبل أن يستقر أمر الوتر قاله ابن الهمام . وهذا جواب تسليمي فإنه قال أيضا : ليس في الحديث دلالة على أن الوتر واحدة بتحريمة مستأنفة ليحتاج إلى الاشتغال بجوابه إذ يحتمل كلا من ذلك ومن أنه إذا خشي الصبح صلى واحدة متصلة . انتهى
وأغرب ابن حجر حيث قال : خالف أبو حنيفة السنة الصحيحة وأنت قد علمت أن الدليل مع الاحتمال لا يصلح للاستدلال ومن أعجب العجاب أن بعضهم كره وصلى الثلاث وأعجب منه أن القفال قال ببطلان الثلاث وبه أفتى القاضي حسين أخذا من حديث لا يعرف له أصل صحيح " لا توتروا بثلاث وأوتروا بخمس أو سبع ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب " ولا يوجد مع الخصم حديث يدل على ثبوت ركعة مفردة في حديث صحيح ولا ضعيف فيؤول ما ورد من مجملات الأحاديث للجمع بينها في " مرقاة المفاتيح " وفيه ما لا يخفى

166 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي ( 1 ) من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منهن بواحدة فإذا فرغ ( 2 ) منها اضطجع ( 3 ) على شقه الأيمن ( 4 )
_________
( 1 ) زاد يونس والأوزاعي عن الزهري بإسناده : يسلم من كل ركعتين
( 2 ) قوله : فإذا فرغ منها قال ابن عبد البر : كذا في رواية يحيى وتابعه جماعة من رواة " الموطأ " . وأما أصحاب ابن شهاب فرووا هذا الحديث بإسناده فجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر وزعم محمد بن يحيى الذهلي أن ما ذكروا في ذلك هو الصواب دون ما قاله مالك . قال ابن عبد البر : ولا يدفع ما قاله مالك لموضعه من الحفظ والإتقان ولثبوته في ابن شهاب وعلمه بحديثه
( 3 ) قوله : اضطجع قال ابن حجر : من هذا الأحاديث أخذ الشافعي أنه يندب ( إنه مستحب لمن يقوم بالليل لأجل الاستراحة لا مطلقا واختاره ابن العربي . فتح الباري 3 / 43 ) لكل أحد أن يفصل بين سنة الصبح وفرضه بضجعة على شقه الأيمن ولا يتركه ما أمكن بل في حديث صحيح على شرطهما : أنه صلى الله عليه و سلم أمر بها . وأغرب ابن حزم حيث قال بوجوب الاضطجاع وفساد صلاة الصبح بتركه كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 4 ) للاستراحة من طول القيام

167 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ( 1 ) عن عبد الله ( 2 ) بن قيس بن مخرمة عن ( 3 ) زيد ( 4 ) بن خالد الجهني ( 5 ) قال : قلت : لأرمقن ( 6 ) صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فتوسدت ( 7 ) عتبته ( 8 ) أو فسطاطه قال : فقام فصلى ركعتين خفيفتنن ثم صلى ركعتين طويلتين ثم صلى ركعتين دونهما ثم صلى ركعتين دون ( 9 ) اللتين قبلهما ثم أوتر ( 10 )
_________
( 1 ) هو أبو بكر اسمه وكنيته واحد وقيل : يكنى أبا محمد ثقة عابد ذكره الزرقاني
( 2 ) قوله : عن عبد الله قال العسكري : إنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم وذكره ابن أبي خيثمة والبغوي وابن شاهين في " الصحابة " وذكره البخاري وابن أبي حاتم في كبار التابعين وأبوه صحابي كذا في " شرح الزرقاني "
( 3 ) قوله : عن زيد هذا هو الصواب ووقع في رواية أبي أويس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه : أن عبد الله بن قيس قال : لأرمقن ... رواه ابن أبي خيثمة ( في الأصل : " ابن خيثمة " والصواب : " ابن أبي خيثمة " ) وهو خطأ
( 4 ) قوله : زيد أبو عبد الرحمن المدني . وقيل : أبو طلحة وقيل : أبو زرعة وكان صاحب لواء جهينة يوم الفتح مات سنة ثمان وسبعين بالمدينة وقيل : سنة ثمان وستين وقيل : سنة خمسين بمصر وقيل بالكوفة في آخر خلافة معاوية كذا في " الإسعاف "
( 5 ) بالضم نسبة إلى جهينة
( 6 ) أصل الرمق : النظر إلى الشيء شزرا
( 7 ) أي : جعلتها كالوسادة يوضع الرأس ( في الأصل : " رأس " وهو تحريف ) عليها
( 8 ) قوله : عتبته أو فسطاطه قال الباجي : العتبة محركة : موضع الباب والفسطاط نوع من القباب والخبر بالتفسير الأول أشبه . ويحتمل أن ذلك شك من الراوي
( 9 ) قال الباجي : يعني في الطول
( 10 ) قوله : ثم أوتر اختلفت نسخ هذا الكتاب في هذا المقام ففي بعضها كما في هذه النسخة وعليها يكون عدد ركعاته قبل الوتر ثمانية وفي بعضها قال : فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين دونهما ثم صلى ركعتين دونهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر وعلى هذه النسخة يكون عدد الركعات قبل الوتر عشرة . وفي " موطأ " يحيى : فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى ركعتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة . قال في " المحلى " قوله : وهما دون اللتين قبلهما أربع مرات قال صاحب " المشكاة " : هكذا في مسلم والموطأ وسنن أبي داود وجامع الوصول : انتهى . وفي " شمائل الترمذي " كرر خمس مرات وكذا وجدت في نسخ هذا الكتاب يعني " الموطأ " فقوله : ثم أوتر على التقدير الأول بثلاث وعلى الثاني بواحدة . انتهى ما في " المحلى " . وذكر ابن عبد البر أن يحيى لم يذكر ركعتين خفيفتين ولم يتابع هو على ذلك والذي عند جميع رواة " الموطأ " تقديم ركعتين خفيفتين ( انظر أوجز المسالك 3 / 343 ، والزرقاني 1 / 427 )

168 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن المنكدر ( 1 ) عن سعيد ( 2 ) بن جبير ( 3 ) عن عائشة ( 4 ) رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما من امرئ تكون له صلاة ( 5 ) بالليل يغلبه ( 6 ) عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته ( 7 ) وكان نومه عليه صدقة ( 8 )
_________
( 1 ) وثقه ابن معين وأبو حاتم مات سنة 130 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قوله : عن سعيد بن جبير هو أبو عبد الله الكوفي أحد الأئمة الأعلام كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول : أليس فيكم سعيد بن جبير قتله الحجاج في شعبان سنة خمسة وتسعين كذا في " الإسعاف "
( 3 ) وقع في رواية يحيى ههنا : عن رجل عنده رضا . وفسره الشراح بأنه الأسود بن يزيد
( 4 ) قوله : عن عائشة جزم الحافظ بأن رواية سعيد عن عائشة مرسلا وأخرج النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد النخعي عن عائشة وقال الحافظ العراقي : قد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة . وأخرج النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح
( 5 ) أي معتادة
( 6 ) قوله : يغلبه قال الباجي ( " شرح الموطأ " للباجي : 1 / 211 ) : يحتمل وجهين : أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة
( 7 ) قال الباجي : يريد التي ( في الأصل : " الذي " وهو تحريف ) اعتادها . قوله : أجر صلاته قال الباجي : يحتمل ذلك عندي وجوها : أحدها أن يكون له أجرها غير مضاعف ولو عملها لكان له أجرها مضاعفا لأنه لا خلاف أن الذي يصلي أكمل حالا . ويحتمل أن يريد أن له أجر نيته . ويحتمل أن يكون له أجر من تمنى أن يصلي مثل تلك الصلاة ويحتمل أنه أراد أجر تأسفه على ما فاته منها كذا في " التنوير "
( 8 ) قال الباجي : يعني أنه لا يحتسب به ( في الأصل : " لا يحتسب به " والصواب : " لا يحتسب عليه به " كما في " المنتقى " 1 / 211 ) يكتب له أجر المصلين

169 - أخبرنا مالك حدثنا داود بن حصين عن عبد الرحمن ( 1 ) الأعرج أن عمر بن الخطاب ( 2 ) قال : من فاته من حزبه ( 3 ) شيء من الليل فقرأه من حين ( 4 ) تزول الشمس إلى صلاة الظهر فكأنه لم يفته شيء
_________
( 1 ) قوله : عبد الرحمن الأعرج في " الموطأ " برواية يحيى ذكر عبد الرحمن بن عبد القاري واسطة بين الأعرج وعمر
( 2 ) قد أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن عمر مرفوعا
( 3 ) الحزب بالكسر الورد يعتاده من قراءة أو صلاة أو نحوهما
( 4 ) قوله : من حين ... إلخ قال ابن عبد البر : هذا وهم من داود لأن المحفوظ من حديث ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله عن عبد الرجمن بن عبد القاري عن عمر : من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل . ومن أصحاب ابن شهاب من رفعه عنه بسنده عن عمر . وهذا عند العلماء أولى بالصواب من رواية داود حيث جعله من زوال الشمس إلى صلاة الظهر لأن ذلك وقت ضيق قد لا يسع الحزب ورب رجل حزبه نصف القرآن أو ثلثه أو ربعه ونحوه لأن ابن شهاب أتقن حفظا وأثبت نقلا

170 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال : كان عمر بن الخطاب يصلي كل ليلة ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة ( 1 ) ويتلو ( 2 ) هذه الآية : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر ( 3 ) عليها لا نسألك ( 4 ) رزقا نحن نرزقك والعاقبة ( 5 ) للتقوى }
_________
( 1 ) قوله : للصلاة أي : لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية
( 2 ) قوله : ويتلو هذه الآية أخرج ابن مردويه وابن النجار وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت : { وأمر أهلك } ( سورة طه : رقم الآية 132 ) الآية كان النبي صلى الله عليه و سلم يجيء إلى باب علي رضي الله عنه صلاة الغداة ثمانية أشهر فيقول : الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا . وأخرج ابن مردويه عن أبي الحمراء قال : حين نزلت هذه الآية كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي باب علي فيقول : الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا كذا في " الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور " للسيوطي
( 3 ) أي : اصبر
( 4 ) لنفسك ولا لغيرك أخرج ابن أبي حاتم عن الثوري : معناه : لا نكلفك الطلب
( 5 ) أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : العاقبة الجنة

171 - أخبرنا مالك أخبرنا مخرمة ( 1 ) بن سليمان الوالبي ( 2 ) أخبرني كريب مولى ( 3 ) ابن عباس ( 4 ) أخبره أنه بات ( 5 ) عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه و سلم وهي خالته قال : فاضطجعت ( 6 ) في عرض ( 7 ) الوسادة ( 8 ) واضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأهله في طولها ( 9 ) قال : فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا اتنصف الليل أو قبله ( 10 ) بقليل أو بعده بقليل جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم فمسح النوم ( 11 ) عن وجهه بيديه ثم قرأ ( 12 ) بالعشر ( 13 ) الآيات ( 14 ) الخواتيم ( 15 ) من سورة آل عمران ( 16 ) ثم قام إلى شن ( 17 ) معلق فتوضأ منه ( 18 ) فأحسن ( 19 ) وضوءه ثم قام ( 20 ) يصلي : قال ابن عباس : فقمت فصنعت مثل ( 21 ) ما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ذهبت فقمت إلى جنبه ( 22 ) فوضع ( 23 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم يده اليمنى على رأسي وأخذ ( 24 ) بأذني اليمنى بيده اليمنى ففتلها ( 25 ) ثم قال : فصلى ( 26 ) ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ست مرات ( 27 ) ثم أوتر ثم اضطجع ( 28 ) حين جاءه المؤذن ( 29 ) فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج ( 30 ) فصلى الصبح
قال محمد : صلاة الليل ( 31 ) عندنا مثنى مثنى وقال أبو حنيفة : صلاة الليل إن شئت صليت ( 32 ) ركعتين وإن شئت صليت أربعا ( 33 ) وإن شئت ستا وإن شئت ثمانيا وإن شئت ( 34 ) ما شئت بتكبيرة واحدة ( 35 ) وأفضل ( 36 ) ذلك أربعا أربعا . وأما الوتر فقولنا وقول أبي حنيفة فيه واحد ( 37 ) والوتر ثلاث ( 38 ) لا يفصل بينهن بتسليم ( 39 )
_________
( 1 ) بفتح الميم وسكون الخاء . قوله : مخرمة الأسدي المدني وثقه ابن معين قال الواقدي : قتلته الحرورية سنة 130 هـ بقديد كذا في " الإسعاف "
( 2 ) بكسر اللام نسبة إلى والبة حي من أسد ذكره السمعاني
( 3 ) هو كريب بن أبي مسلم أبو رشد بن الحجازي وثقه النسائي وابن معين وابن سعد مات 98 هـ كذا في " الإسعاف "
( 4 ) قوله : ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وترجمان القرآن كان يقال له : الحبر والبحر مات بالطائف سنة 68 هـ
( 5 ) قوله : أنه بات في بعض طرق أبي عوانة قال : بعثني أبي العباس إلى النبي صلى الله عليه و سلم في حاجة فوجدته جالسا في المسجد فلم أستطع أن أكلمه فلما صلى المغرب قام فركع حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء زاد محمد بن نصر في " قيام الليل " فقال لي : يا بني بت الليلة عندنا
( 6 ) أي : وضعت جنبي بالأرض
( 7 ) قوله : في عرض بفتح العين على المشهور وبضمها أيضا وأنكره الباجي نقلا ومعنى قال : لأن العرض هو الجانب وهو لفظ مشترك ورده العسقلاني بأنه لما قال في طولها تعين المراد وقد صحت به الرواية فلا وجه للإنكار
( 8 ) لمحمد بن نصر : وسادة من أدم حشوها ليف قوله الوسادة المراد به الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤوس ونقل القاضي عياض عن الباجي والأصيلي وغيرهما أن الوسادة ههنا الفراش لقوله اضطجع في طولها . وهذا ضعيف أو باطل . وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرآته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزا قال القاضي : وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس : بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضا قال : وهذه الكلمة وإن لم تصح طريقا فهي حسنة المعنى جدا كذا في " شرح صحيح مسلم " للنووي
( 9 ) قوله : في طولها قال ابن عبد البر : كان ابن عباس - والله أعلم - مضطجعا عند أرجلهما أو عند رأسهما وقال الباجي : هذا ليس بالبين لأنه لو كان كذلك لقال : توسدت عرضها وقوله : فاضطجعت في عرض يقتضي أن العرض محل لاضطجاعه ولأبي زرعة الرازي في " العلل " عن ابن عباس أتيت خالتي ميمونة فقلت : إني أريد أن أبيت عندكم فقالت ( في الأصل : " فقال " والصواب : " فقالت " ) : كيف والفراش واحد فقلت : لا حاجة لي بفراشكم أفرش نصف إزاري وأما الوسادة فإني أضع رأسي مع رأسكما من وراء الوسادة فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدثته ميمونة بما قلت فقال أصبح هذا شيخ قريش كذا في شرح الزرقاني
( 10 ) قوله أو قبله : جزم في بعض طرقه بثلث الليل الأخير قال الحافظ : ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين ففي الأولى نظر إلى السماء ثم تلا الآيات ثم عاد لمضجعه فقام في الثانية وأعاد ذلك ثم توضأ وصلى
( 11 ) قوله : فمسح النوم أي : أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبب أو عينيه من باب إطلاق اسم الحال على المحل
( 12 ) قوله : ثم قرأ قال النووي : فيه جواز القراءة للمحدث وهذا إجماع المسلمين وإنما تحرم الجنب والحائض . انتهى وكذا ذكر جماعة من العلماء منهم : ابن بطال وابن عبد البر وفيه نظر وهو أن نوم النبي صلى الله عليه و سلم ليس بناقض وتجديده الوضوء بعد الاستيقاظ إنما هو لزيادة الفضل كما صرحوا به في مواضع فلا يدل قراءة القرآن بعد النوم منه على ما ذكروا إلا إذا ثبت في هذا الحديث وقوع حدث آخر منه صلى الله عليه و سلم
( 13 ) قوله : بالعشر قال الباجي : يحتمل أن يكون ذلك ليبتدئ يقظته بذكر الله كما ختمها بذكره عند نومه ويحتمل أن يكون ليذكر ما ندب إليه من العبادة وما وعد على ذلك من الثواب
( 14 ) أولها : { إن في خلق السموات ... . } إلى آخر السورة
( 15 ) في نسخة : الخواتم وبالنصب صفة للعشر
( 16 ) قوله : من سورة ... . إلخ فيه استحباب قراءة هذا الآيات عند القيام من النوم وفيه جواز قول سورة البقرة وسورة آل عمران ونحوها وكرهه بعض المتقدمين وقال : إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران والتي يذكر فيها البقرة . والصواب هو الأول وبه قال عامة العلماء من السلف والخلف وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة كذا في " شرح صحيح مسلم " للنووي
( 17 ) قوله : إلى شن معلق بفتح الشين وتشديد النون : قربة خلقه من أدم وذكر الوصف باعتبار لفظه وفي رواية للبخاري معلقة
( 18 ) قوله : منه ولمحمد بن نصر : ثم استفرغ من الشن في إناء ثم توضأ
( 19 ) قوله : فأحسن وضوءه وفي بعض طرقه فأسبغ الوضوء قال الحافظ : ويجمع بين هذا والرواية التي سبقت في باب تخفيف الوضوء : " فتوضأ وضوءا خفيفا " برواية الثوري فإن لفظه : فتوضأ وضوءا بين وضوءين ولم يكثر وقد أبلغ ولمسلم : فأسبغ الوضوء ولم يمس من الماء إلا قليلا وزاد فيها : فتسوك
( 20 ) قوله : ثم قام يصلي لمحمد بن نصر : ثم أخذ برداء له حضرمي فتوشحه ثم دخل البيت فقام يصلي
( 21 ) قوله : مثل ما صنع يقتضي أنه صنع جميع ما ذكر من القول والنظر إلى السماء والوضوء والسواك والتوشح ويحتمل أن يحمل على الأغلب وزاد في رواية الدعوات في أوله : فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه كذا في " الفتح "
( 22 ) أي : الأيسر
( 23 ) قال ابن عبد البر : يعني أنه أداره فجعله على يمينه وهكذا ذكره أكثر الرواة في هذا الحديث ولم يذكره مالك
( 24 ) فيه أن قليل العمل لا يفسد
( 25 ) أي : دلكها إما لينتبه من النعاس أو إظهارا لمحبته أو ليستعد لهيئة الصلاة قوله : ففتلها في بعض طرقه : فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني في ظلمة الليل وفي بعضها : فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن له إنما كان في حال إدارته له من اليسار إلى اليمين متمسكا بما في بعضها : فأخذ بأذني فأدارني لكن لا يلزم من إدارته على هذا الصفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكر من تأنيسه وإيقاظه لأن حاله كان يقتضي ذلك لصغر سنه كذا في " الفتح "
( 26 ) زاد ابن خزيمة : يسلم من كل ركعتين
( 27 ) أي : ذكرها ست مرات فالجملة ثنتا عشرة ركعة قوله : ست مرات رواية الباب يقتضي أنه صلى ثلاث عشرة ركعة وقد صرح بذلك في رواية الدعوات للبخاري وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرها لكن رواية شريك للبخاري في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه : فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف وقد عرف أن الأكثر خالفوا شريكا وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة ولكونهم أحفظ وقد حمل بعضهم هذا الزيادة على سنة العشاء ولا يخفى بعده كذا في " الفتح "
( 28 ) للبخاري في رواية : فنام حتى نفخ ثم قام
( 29 ) هو بلال
( 30 ) من الحجرة إلى المسجد
( 31 ) قوله : صلاة الليل مثنى مثنى أي : الأفضل في صلاة الليل أن تؤدى ركعتين ركعتين وأما صلاة النهار فالأفضل فيها الأربع وبه قال أبو يوسف وحجته ما مر من حديث صلاة الليل مثنى مثنى وقال الشافعي وأصحابه : الأفضل فيهما مثنى مثنى له قوله عليه السلام : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى أخرجه أصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن حبان من طريق على بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر لكن قال الترمذي : رواه الثقات عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث ابن عمر فلم يذكروا النهار وقال النسائي : هذا الحديث عندي خطأ وقال في " سننه الكبرى " : إسناده جيد إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فلم يذكروا فيه النهار منهم : سلم ونافع وطاووس وقال ابن عبد البر : لم يقله أحد عن ابن عمر غير علي وأنكروه عليه وكان يحيى بن معين يضعف حديثه هذا ولا يحتج به ويقول : نافع وعبد الله بن دينار وجماعة رووه بدون ذكر النهار وقال الدار قطني في " العلل " : ذكر النهار فيه وهم ولهذا الحديث طرق أخر أيضا وشواهد لا يخلو أكثرها عن علة كما بسطه الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " وابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " ( 1 / 119 ، وانظر عمدة القاري 3 / 403 ) وغيرهما
( 32 ) هذا هو المشهور من فعل النبي صلى الله عليه و سلم في صلاة الليل الثابت من حديث جماعة
( 33 ) قوله : صليت أربعا لما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالليل : يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا . وأخرج أبو داود والنسائي في " سننه الكبرى " من حديث عائشة وأحمد والبزار من حديث ابن الزبير : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي بعد العشاء أربع ركعات
( 34 ) قوله : وإن شئت ما شئت هذا صريح في أنه لا يكره الزيادة على ثماني ركعات بتسليمة واحدة خلافا لما ذهب إليه بعض أصحابنا من أن ذلك مكروه وعللوه بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزد على ذلك بتحريمة واحدة ويردهم حديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ( أخرجه مسلم 1 / 256 )
( 35 ) أي : بتحريمة
( 36 ) قوله : وأفضل ذلك يعني أن الكل جائز لكن الأفضل في الليل هو الأربع بتحريمة واحدة كما في النهار وذكر أصحابنا في وجهه المنقول أحاديث دالة على صلاة النبي صلى الله عليه و سلم أربع ركعات في الليل والنهار وأيدوه بالمعقول بأنه أكير مشقة فيكون أزيد فضيلة . ولا يخفى ما فيه فإن أداء النبي عليه السلام أربع ركعات بتحريمة واحدة في الليل والنهار مما لا ينكر لثبوته بالأحاديث الثابتة لكن الكلام في ما يدل على أنه الأفضل وهو مفقود والفضائل في مثل هذا الباب إنما يثبت بالتوقيف من الشارع لا من الأمر المعقول فقط
( 37 ) قوله : واحد وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي وأنس وابن عباس وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز وحذيفة والفقهاء السبعة وابن المسيب وهو أحد أقوال الشافعي والقول الثاني : إنه يوتر ثلاثا بتسليمتين تسليمة بعد ركعتين وتسليمة بعد ركعة وبه قال مالك والقول الثالث : إن شاء أوتر بركعة وإن شار بثلاث بتسليمة واحدة أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة كذا في " البناية "
( 38 ) قوله : ثلاث ... إلخ لما أخرجه النسائي عن عائشة : كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يسلم في ركعتي الوتر ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين بلفظ : كان يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن . وأخرج محمد في " كتاب الآثار " عن ابن مسعود أنه قال : ما أجزأت ركعة قط وأخرجه الطبراني عن إبراهيم قال : بلغ ابن مسعود أن سعدا يوتر بركعة فقال : ما أجزأت ركعة قط . وأخرج الطحاوي عن أنس أنه قال : الوتر ثلاث ركعات . وأخرج عن ثابت قال صلى بي أنس الوتر أنا عن يمينه وأم ولده خلفنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن . وأخرج عن المسور قال : دفنا أبا بكر فقال عمر : إني لم أوتر فقام فصففنا وراءه فصلى بنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن . وأخرج عن أبي الزناد عن الفقهاء السبعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن وحارثة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم : أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن . فهذه الآثار والأخبار كلها مؤيدة لمذهبنا . ويخالفها آثار أخر فأخرج الطحاوي عن عبد الرحمن التيمي : وحدت حس رجل من خلف ظهري فنظرت فإذا عثمان بن عفان فتقدم فاستفتح القرآن حتى ختم ثم ركع وسجد فقلت : أوهم الشيخ ؟ فلما صلى قلت : يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة واحدة قال : أجل هي وتري . وأخرج أيضا عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يوتر بركعة . وفي " صحيح البخاري " عن معاوية وسعيد بن جبير أنه أوتر بركعة . وفي " سنن سعيد بن منصور " أن ابن عمر صلى ركعتين من الوتر ثم قال : يا غلام ارحل لنا ثم قام فصلى ركعة . والقول الفيصل في هذا المقام أن الأمر في ما بين الصحابة مختلف فمنهم من كان يكتفي على الركعة الواحدة ومنهم من كان يصلي ثلاثا بتسليمتين ومنهم من كان يصلي ثلاثا بتسليمة والأخبار المرفوعة أيضا مختلفة بعضها شاهدة للاكتفاء بالواحدة وبعضها بالثلاث والكل ثابت لكن أصحابنا قد ترجحت عندهم روايات الثلاث بتسليمة بوجوه لاحت لهم فاختاروه وحملوا المجمل على المفصل
( 39 ) أي : في القعدة الأولى

47 - ( باب الحدث في الصلاة )

172 - أخبرنا مالك حدثنا إسماعيل ( 1 ) بن أبي الحكيم عن عطاء ( 2 ) بن يسار : أن ( 3 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم كبر في صلاة ( 4 ) من الصلوات ثم أشار ( 5 ) إليهم بيده أن امكثوا فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم رجع ( 6 ) وعلى جلده أثر فصلى ( 7 )
قال محمد : وبهذا نأخذ من سبقه حدث في صلاة فلا بأس ( 8 ) أن ينصرف ولا يتكلم فيتوضأ ثم يبني ( 9 ) على ما صلى وأفضل ذلك أن يتكلم ويتوضأ ويستقبل صلاته وهو قول أبي حنيفة ( 10 ) - رحمه الله -
_________
( 1 ) القرشي وثقه ابن معين والنسائي مات سنة 130 هـ كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) قوله : عطاء أخو سليمان وعبد الله وعبد الملك موالي ميمونة أم المؤمنين كاتبتهم وكلهم أخذ عنها العلم وعطاء أكثرهم حديثا وكلهم ثقة ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : أن قال ابن عبد البر : هذا مرسل وقد روي متصلا مسندا من حديث أبي هريرة وأبي بكرة . قلت : حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ( أخرجه البخاري في 5 - كتاب الغسل 17 - باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم ومسلم في : 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة 29 - باب متى يقوم الناس للصلاة حديث 157 ، 158 ) ومسلم وأبو داود والنسائي وحديث أبي بكرة . أخرجه أبو داود وكذا في " التنوير "
( 4 ) هو الصبح كما في رواية أبي داود من حديث أبي بكرة
( 5 ) قوله : ثم أشار مثله في رواية أبي هريرة فقوله في رواية الصحيحن : ( فقال لنا : مكانكم ) من إطلاق القول على الفعل
( 6 ) وفي رواية أبي هريرة : فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبر
( 7 ) زاد الدارقطني فقال : إني كنت جنبا فنسيت إن أغتسل
( 8 ) قوله : فلا بأس ... إلخ أقول : استنباط هذه المسألة من حديث الباب كما فعله محمد غير صحيح
أما أولا : فلأنه قد رويت قصة انصراف النبي صلى الله عليه و سلم من الصلاة من حديث أبي هريرة بلفظ : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف وفي رواية : فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم . وهذا دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة نعم ورد في " سنن أبي داود " من حديث أبي بكرة أنه دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم والجمع بينهما بحمل قوله كبر على أنه أراد أن يكبر وأبدى عياض والقرطبي احتمال أنهما واقعتان وقال النووي : إنه الأظهر وجزم به ابن حبان فإن ثبت التعدد فذاك وإلا فما في " الصحيحين " أصح كذا في " فتح الباري " . إذا عرفت هذا فنقول : إن اختير طريق الجمع وحمل المجمل على المفصل فقوله : ( كبر ) في حديث الباب يكون محمولا على إرادة التكبير فلا يكون له دلالة على انصراف من سبقه حدث في الصلاة
وأما ثانيا : فلأن انصراف رسول الله صلى الله عليه و سلم المروي في حديث الباب إنما كان لأجل أنه كان جنبا فنسي ودخل في الصلاة قبل الغسل كما أوضحه ما في رواية الدارقطني ثم رجع وقد اغتسل فقال : إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل . وقد ورد في " صحيح البخاري " وغيره أيضا التصريح بأنه اغتسل ثم رجع ورأسه يقطر ماء . فعلم أن انصرافه كان لحدث سابق على الصلاة لا لحدث في الصلاة والمقصود هذا لا ذاك
وأما ثالثا : فلأنه قد ورد في " صحيح البخاري " وغيره أنه رجع بعد ما اغتسل ورأسه يقطر ماء والحدث الذي يجوز بحدوثه في الصلاة البناء إنما هو الحدث الذي يوجب الوضوء لا الذي يوجب الغسل
وأما رابعا : فلأن الإمام إذا أحدث في الصلاة فذهب للتوضؤ فلا بد له أن يستخلف فلو لم يستخلف فسدت صلاته وصلاة من اقتدى به كما هو مصرح في موضعه ولم ينقل في الأخبار أنه عليه السلام استخلف أحدا فكيف يستقيم الأمر
وأما خامسا : فلأنه ورد في حديث أبي هريرة : ثم رجع إلينا ورأسه يقطر ماء فكبر . وهذا نص في أنه لم يبن على ما سبق بل استأنف التكبير . وكيف يجوز له البناء على التكبير السابق إن ثبت أنه خرج بعد ما كبر ؟ فإنه كان قد أداه على غير طهارة ولا يجوز البناء على ما أداه بغير طهارة بل على ما أداه بطهارة
وبالجملة إذا جمعت طرق حديث الباب ونظر إلى ألفاظ رواياته وحمل بعضها على بعض علم قطعا أنه لا يصلح لاستنباط ما استنبطه محمد رحمه الله . وبه يظهر أنه لا يصح إدخال هذا الحديث في باب الحدث في الصلاة ( قال شيخنا في الأوجز 1 / 294 : إن رواية الموطأ هذه ورواية الصحيحين المذكورة لو حملتا على أنهما واقعة واحدة فلا إشكال أصلا إلا أن الظاهر عندي أنهما واقعتان مختلفتان ولما كان عند الإمام مالك حكم الحدث السابق واللاحق واحدا يعني إذا صلى الإمام ناسيا محدثا أو جنبا ثم تذكر وكذلك إذا أحدث في وسط الصلاة ففي كلا الحالين تفسد صلاته عند المالكية ولا يجوز البناء فلذا ذكر هذا الحديث في إعادة الصلاة لأن ( كبر ) لو حمل على ظاهره بطلت الصلاة عند المالكية أيضا وتجب الإعادة فيصح إدخال الحديث في باب الإعادة
وأما عند الحنفية فحديث الباب ليس من باب الجنابة بل من باب سبق الحدث في الصلاة ولذا أدخله الإمام محمد في " موطئه " . . وليست هذه قصة الجنابة المذكورة في الصحيحين وغيرهما وإيرادات العلامة عبد الحي في حاشية " الموطأ " من المستغربات . وقد تقدم أن عياضا والقرطبي والنووي وابن حبان كلهم قالوا بتعدد القصة وما أورد الشيخ عبد الحي على استنباط الإمام محمد فمبني على وحدة القصتين إلا قوله : ولم ينقل أنه استخلف أحدا وأنت خبير بأن اتحاد القصتين خلاف ما عليه الجمهور وعدم النقل لشيء يغاير نقل العدم والحجة في الثاني دون الأول وحديث الباب في حمله على قصة الجنابة مع شروع الصلاة مشكل على الجمهور كلهم كما تقدم من أقوال الحنفية والمالكية وقال الشافعي : لو أن إماما صلى ركعة ثم ذكر أنه جنب فخرد واغتسل وانتظره القوم وبنى على الركعة الأولى فسدت عليه وعليهم صلاتهم لأنهم يأتمون به عالمين أن صلاته فاسدة وليس له أن يبني على ركعة صلاها جنبا ولو علم بعضهم دون بعض فسدت صلاة من علم . اهـ . وكذلك عند الحنابلة فعلم أن حديث الباب في حمل قوله : ( كبر ) على معناه الحقيقي لا يوافق أحدا من الأئمة فإما أن يحمل على المجاز من قوله أراد ( أن يكبر ) أو يحمل على تعدد القصة . اهـ . مختصرا ) لأنه لم يكن هناك حدث في الصلاة ولعل محمدا نظر إلى قوله : ( كبر ) فحمله على الدخول في الصلاة وإلى قوله : ( ثم رجع وعلى جلده أثر الماء ) فحمله على أنه توضأ وحمل قوله : ( فصلى ) على أنه بنى وأيده بأنه أشار إليهم أن امكثوا ولم يتكلم كما هو شأن الباني فاستنبط منه ما استنبط
( 9 ) قد ذكرت الأحاديث الدالة على هذا في باب الوضوء من الرعاف فانظر هناك
( 10 ) وبه قال جماعة وخالفهم جماعة في البناء كما مر منا ذكره في باب الوضوء من الرعاف

48 - ( باب فضل القرآن وما يستحب من ذكر الله عز و جل )

173 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) عبد الرحمن ( 2 ) بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه ( 3 ) أنه أخبره عن أبي سعيد ( 4 ) الخدري أنه سمع رجلا ( 5 ) من الليل يقرأ : { قل هو الله أحد } يرددها ( 6 ) فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه و سلم كأن ( 7 ) الرجل ( 8 ) يقللها ( 9 ) فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " والذي نفسي بيده إنها ( 10 ) لتعدل ثلث ( 11 ) القرآن "
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عبد الرحمن قال الحافظ ابن حجر : هذا هو المحفوظ رواه جماعة عن مالك فقالوا عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه أخرجه النسائي والإسماعيلي والدارقطني وقالوا : الصواب الأول
( 2 ) قوله : عبد الرحمن الأنصاري المازني وثقه النسائي وأبو حاتم مات في خلافة المنصور كذا في " الإسعاف "
( 3 ) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة التابعي الثقة كذا قال الزرقاني
( 4 ) سعد بن مالك بن سنان
( 5 ) هو قتادة بن النعمان أهو أبي سعيد الخدري لأمه كما صرح به في رواية " مسند أحمد "
( 6 ) لأنه لم يحفظ غيرها أو لما رجاه من فضيلتها قاله أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " )
( 7 ) بفعل ماض أو بشد النون
( 8 ) بالنصب أو الرفع الذي جاء وذكر وهو أبو سعيد
( 9 ) أي : يعتقد أنها قليلة
( 10 ) قوله : إنها لتعدل ( أخرجه البخاري في : 66 - كتاب فضائل القرآن 13 - باب فضل : قل هو الله أحد ) أي : تساوي ثلث القرآن لأن معاني القرآن ثلاثة علوم : علم التوحيد وعلم الشرائع علم تهذيب الأخلاق . وسورة الإخلاص يشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للقسمين وهو علم التوحيد وقال الطيبي : ذلك لأن القرآن على ثلاثة أنحاء : قصص وأحكام وصفات الله و { قل هو الله ... } متمحضة للصفات فهي ثلث القرآن وقيل : ثوابها يضاعف بقدر ثلث القرآن فعلى الأول لا يلزم من تكريرها استيعاب القرآن وختمه وعلى الثاني يلزم وقال ابن عبد البر : من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن اختار الرأي وإليه ذهب أحمد وإسحاق فإنهما حملا الحديث على أن معناه أن لها فضلا في الثواب تحريضا على تعلمها لا أن قراءتها ثلاث مرات كقراءة القرآن قال : وهذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة كذا في " مرقاة المفاتيح " ( 4 / 349 ، وانظر : فتح الباري 8 / 60 )
( 11 ) قوله : ثلث القرآن قد وقع النزاع بين طلبتي المستفيدين مني بحضرتي سنة إحدى وتسعين بعد الألف والمائتين في أنه إذا قرأ سورة الإخلاص هل يجد ثواب قراءة تمام القرآن ؟ فقال بعضهم : نعم مستندا بهذا الحديث ورده بعضهم بأن جميع الأثلاث إنما يبلغ إلى الواحد التام إذا كانت من جنس واحد وإلا فلا وليس في الحديث تصريح بشيء من ذلك فحضروا لدي سائلين تحقيق الحق في ذلك فقلت : قد صرح جمع من الفقهاء والمحدثين بذلك فقالوا : غرضنا أنه هل يستنبط ذلك من هذا الحديث أم لا ؟ فقلت : إن كانت الثلثية معللة باشتمالها على ثلث معاني القرآن وهو التوحيد كما هو رأي جماعة . فلا دلالة لهذا الحديث على حصول ثواب ختم القرآن بالتثليث لأن التثليث حينئذ يكون تثليثا لآيات التوحيد فقط ولا يشتمل على ما ( في الأصل : " ما في القرآن " والصواب : " على ما في القرآن " ) في القرآن وإن حمل ذلك على كون ثوابه بقدر ثواب ثلث القرآن مع قطع النظر عن ما ذكر يمكن ثواب الختم التام بالتثليث فانقطع النزاع منهم . ثم وجدت في " معجم الطبراني الصغير " أنه أخرج عن أحمد بن محمد البزار الأصبهاني نا الحسن بن علي الحلواني نا زكريا بن عطية نا سعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم حدثني عمي سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قرأ { قل هو الله أحد } بعد صلاة الصبح اثني عشر مرة فكأنما قرأ القرآن أربع مرات وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى فصار هذا أدل على المقصود قاطعا للنزاع

174 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : قال معاذ بن جبل ( 1 ) : لأن أذكر الله من بكرة ( 2 ) إلى الليل أحب ( 3 ) إلي من أن أحمل على جياد ( 4 ) الخيل من بكرة حتى الليل
قال محمد : ذكر الله حسن على كل حال ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن المدني شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها وكان أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ومات في طاعون عمواس كذا في " الإسعاف "
( 2 ) أي : من أول النهار
( 3 ) قوله : أحب إلي ... إلخ فيه تفضيل الذكر على الجهاد وهو أمر توقيفي لا يدرك بالرأي وقد ورد به حديث مرفوع أيضا وورد بعض الأحاديث بتفضيل الجهاد على جميع الأعمال والجمع بينهما أن الجهاد الكامل المتضمن لبذل المال وإظهار الحجة والبيان وتدبير الأمور بالرأي والتوجه بالدعاء والقلب والقتال باليد أفضل الأعمال مطلقا وما سواه من أنواعه يفضل عليه الذكر كذا حققه برهان الدين إبراهيم بن أبي القاسم بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان الشافعي في " عمدة المتحصنين شرح عدة الحصن الحصين "
( 4 ) بالكسر جمع جيد
( 5 ) قوله : على كل حال حتى حالة التغوط والجماع فإنه وإن كان الذكر اللساني منهيا عنه عند ذلك لكن لا شبهة في حسن الذكر القلبي وقد ورد من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يذكر الله على كل أحيانه

175 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب ( 1 ) الإبل المعلقة ( 2 ) إن عاهد ( 3 ) عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت
_________
قال الطيبي : وذلك لأن القرآن ليس من كلام البشر بل كلام خالق القوى والقدر وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة لأنه حادث وهو قديم والله سبحانه بلطفه من عليهم ومنحهم هذه النعمة
( 2 ) العقال : الحبل الذي يشد به ذرع البعير كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 3 ) المعاهدة : المحافظة وتجديد العهد

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10