كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي

6 - ( باب القران ( 1 ) بين الحج والعمرة )
392 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد ( 2 ) بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي أن ( 3 ) سليمان بن يسار أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة ( 4 ) الوداع كان من أصحابه ( 5 ) من أهل ( 6 ) بحج ومن ( 7 ) أهل بعمرة ومنهم من جمع بين الحج والعمرة فحل ( 8 ) من كان أهل بالعمرة وأما من كان أهل بالحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا ( 9 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أي حنيفة والعامة
_________
( 1 ) قوله : القران بكسر أي الجمع بين النسكين في سفر واحد وهو أفضل عندنا وقال مالك والشافعي : الإفراد أفضل وقال أحمد : التمتع أفضل . وسيأتي تفصيله
( 2 ) هو أبو الأسود ثقة علامة بالمغازي مات سنة بضع وثلاثين ومائة قاله الزرقاني
( 3 ) أرسله سليمان ووصله أبو الأسود عن عروة عن عائشة
( 4 ) سنة عشر من الهجرة
( 5 ) وهم أكثرهم
( 6 ) أي أحرم من الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية
( 7 ) قوله : ومن أهل بعمرة لا يخالف هذا رواية الأسود في الصحيحين عن عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نرى إلا الحج . وللبخاري من وجه آخر عن أبي الأسود عن عروة عنها : مهلين بالحج ولمسلم عن القاسم عنها : لا نذكر إلا الحج . وله أيضا : ملبين بالحج لأنه يحمل على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه في ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى الله عليه و سلم وجوه الإحرام وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج قاله الزرقاني
( 8 ) قوله : فحل من كان أهل بالعمرة لما طافوا وسعوا وحلقوا أو قصر من لم يسق هديا بإجماع ومن ساقه عند مالك والشافعي وجماعة قياسا على من لم يسقه وقال أبو حنيفة وأحمد وجماعة : لا يحل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر لما في مسلم عن عائشة مرفوعا : من أحرم بعمرة ولم يهد فليتحلل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجه . وهو ظاهر في ما قالوه وأجيب بأن هذه الرواية مختصرة من الرواية الأخرى الآتية في " الموطأ " والصحيحين عن عائشة مرفوعا : من كان معه هدي فيهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فهذه مفسرة للمحذوف ذكره الزرقاني
( 9 ) أي لم يخرجوا من الإحرام إلا بعد أن حلقوا بمنى في غير الجماع وبعد أن طافوا في سائر المحظورات

393 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر خرج ( 1 ) في الفتنة ( 2 ) معتمرا وقال ( 3 ) : إن صددت ( 4 ) عن البيت صنعنا ( 5 ) كما صنعنا ( 6 ) مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 7 ) : قال ( 8 ) : فخرج ( 9 ) فأهل ( 10 ) بالعمرة وسار حتى إذا ظهر ( 11 ) على ظهر البيداء التفت إلى أصحابه وقال : ما أمرهما إلا واحد ( 12 ) أشهدكم ( 13 ) أني قد أوجبت ( 14 ) الحج مع العمرة فخرج حتى إذا جاء البيت طاف به وطاف ( 15 ) بين الصفا والمروة سبعا سبعا ( 16 ) لم يزد ( 17 ) عليه ورأى ذلك مجزيا ( 18 ) عنه وأهدى
_________
( 1 ) من المدينة
( 2 ) قوله : في الفتنة حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير كما في الصحيحين من وجه آخر . وذكر أصحاب الأخبار أنه لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يستخلف بقي الناس بلا خليفة شهرين فأجمعوا فبايعوا عبد الله بن الزبير وتم له ملك الحجاز والعراق وخراسان وبايع أهل الشام ومصر مروان بن الحكم فلم
يزل الأمر كذلك حتى مات مروان وولي ابنه عبد الملك فمنع الناس الحج خوفا من أن يبايعوا ابن الزبير ثم بعث جيشا أمر عليه الحجاج فقاتل أهل مكة وحاصرهم حتى غلبهم وقتل ابن الزبير وصلبه وذلك سنة ثلاث وسبعين كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) قاله جوابا لقول ولديه عبيد الله وسالم : لا يضرك أن لا تحج العام إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما في الصحيحين
( 4 ) أي منعت عن طوافه
( 5 ) أي أنا ومن تبعني
( 6 ) أي نحن الصحابة
( 7 ) من التحلل حيث منعوه من دخول مكة بالحديبية
( 8 ) نافع
( 9 ) ابن عمر
( 10 ) زاد في رواية جويرية : من ذي الحليفة
( 11 ) أي صعد
( 12 ) أي في الصد وعدمه والجمع أفضل فلا وجه لاقتصاري على العمرة المفردة
( 13 ) قوله : أشهدكم لم يكتف بالنية ليعلم من اقتدى به أنه انتقل نظره للقران لاستوائهما في حكم الحصر
( 14 ) أي أدخلت عليها وجمعت بينهما
( 15 ) قوله : طاف به طوافا واحدا لقرانه بعد الوقوف بعرفة وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة والكوفيون : على القارن طوافان وسعيان . وأولوا قوله طوافا واحدا على أنه طاف لكل منهما طوافا يشبه الطواف الآخر ولا يخفى ما فيه ويرده قوله : ورأى ذلك مجزيا - بضم الميم وسكون الجيم وكسر الزاي بلا همز - كافيا عنه كذا ذكره الزرقاني
( 16 ) قيد لكل منهما أو للثاني وأطلقه الأول لظهور أمره
( 17 ) قوله : لم يزد عليه أي على الطواف الواحد والسعي الواحد وفيه حجة للأئمة الثلاثة القائلين بكفاية الطواف الواحد والسعي والواحد للقارن ويوافقهم حديث البخاري وغيره عن عائشة في بيان من حج مع النبي صلى الله عليه و سلم : فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى . وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا . وذكر العيني في " شرحه " أنه مذهب عطاء والحسن وطاوس . وقال مجاهد وجابر بن زيد وشريح القاضي والشعبي والنخعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وغيرهم : لا بد للقارن من طوافين وسعيين وحكى ذلك عن علي وعمر والحسن والحسين وابن مسعود : انتهى ملخصا . وأخرج الطحاوي مستدلا لمذهب الحنفية عن أبي نصر قال : أهللت بالحج فأدركت عليا فقلت له : إني أهللت بالحج أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة ؟ قال : لا لو كنت أهللت بالعمرة ثم أردت أن تضم إليها الحج ضممته قلت : كيف أصنع إذا أردت ذلك ؟ قال : تصب عليك إداوة من ماء ثم تحرم بهما جميعا وتطوف لكل واحد منهما طوافا . وأخرج عن زياد بن مالك عن علي وعبد الله قالا : القارن يطوف بطوافين ويسعى بسعيين
( 18 ) قوله : مجزيا عنه قال في " إرشاد الساري " : فيه دليل على أن القارن يجزيه طواف واحد ( اعلم أن ما ورد من الروايات من قولهم : طاف لها طوافا واحدا مؤول إجماعا فإنه صلى الله عليه و سلم طاف أولا عن قدومه مكة كما في حديث جابر الطويل وغيره ثم طاف بعد رجوعه من منى يوم النحر مع الاختلاف في الروايات في صلاته صلى الله عليه و سلم الظهر : أكانت بمكة أو بمنى ؟ كما في حديث جابر المذكور وغيره من عدة روايات . فلا يشك أحد فضلا عن الأئمة من هذين الطوافين فلا بد من التأويل لكل واحد فيما ورد من لفظ " طوافا واحدا " فهم يقولون طاف للفرض طوافا واحدا والطواف الأول كان للقدوم ونحن نقول طاف للحل من الإحرامين طوافا واحدا والطواف الأول كان للعمرة . الكوكب الدري 2 / 150 ) . وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة في آخرين : عليه طوافان وسعيان واستدل لذلك في " فتح القدير " بما رواه النسائي في " سننه الكبرى " عن حماد بن عبد الرحمن الأنصاري عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال : طفت مع أبي وقد جمع الحج والعمرة فطاف لهما طوافين : وسعى سعيين وحدثني أن عليا فعل ذلك وحدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل ذلك . قال العلامة ابن الهمام : وحماد هذا وإن ضعفه الأزدي فقد ذكره ابن حبان في " الثقات " فلا ينزل حديثه عن درجة الحسن مع أنه روي عن علي بطرق كثيرة مضعفة ترتقي إلى الحسن غير أنا تركناه واقتصرنا على ما هو الحجة بنفسه بلا ضم . انتهى

394 - أخبرنا مالك حدثنا صدقة بن يسار المكي قال : سمعت عبد الله بن عمر ودخلنا ( 1 ) عليه قبل يوم التروية ( 2 ) بيومين أو ثلاثة ودخل عليه الناس يسألونه ( 3 ) فدخل عليه رجل من أهل اليمن ثائر ( 4 ) الرأس فقال : يا أبا عبد الرحمن ( 5 ) إني ضفرت ( 6 ) رأسي وأحرمت بعمرة مفردة فماذا ترى ( 7 ) ؟ قال ابن عمر : لو كنت معك حين أحرمت لأمرتك ( 8 ) أن تهل بهما جميعا فإذا قدمت ( 9 ) طفت بالبيت ( 10 ) وبالصفا والمروة وكنت على إحرامك لا تحل من شيء حتى تحل ( 11 ) منهما جميعا يوم النحر وتنحر هديك ( 12 ) . وقال له ( 13 ) ابن عمر : خذ ما تطاير ( 14 ) من شعرك واهد ( 15 ) فقالت له امرأة ( 16 ) في البيت وما هديه ( 17 ) يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : هديه ( 18 ) ثلاثا كل ذلك يقول ( 19 ) هديه قال : ثم سكت ابن عمر حتى إذا أردنا الخروج قال : أما والله لو لم أجد ( 20 ) إلا شاة لكان أرى أن أذبحها أحب ( 21 ) إلي من أن أصوم ( 22 )
قال محمد : وبهذا نأخذ القران ( 23 ) أفضل كما قال عبد الله بن عمر . فإذا كانت العمرة وقد حضر الحج ( 24 ) فطاف لها وسعى فليقصر ثم ليحرم بالحج فإذا كان يوم النحر حلق وشاة تجزئه كما قال عبد الله بن عمر وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي نحن جماعة من التابعين
( 2 ) هو الثامن من ذي الحجة
( 3 ) أي ما يتعلق بمناسك الحج
( 4 ) أي متفرق شعر رأسه لفقد دهنه وعدم مشطه
( 5 ) هو كنية ابن عمر
( 6 ) روي بالتشديد والتخفيف أي جعلته ضفائر كل ضفيرة على حدة
( 7 ) أي من الحكم
( 8 ) لأن القران أفضل من التمتع وكذا من الإفراد
( 9 ) أي مكة بعد فرض إحرامك بهما
( 10 ) أي للعمرة
( 11 ) بعد أن ترمي الجمرة
( 12 ) أي للقران
( 13 ) وليحيى : فقال اليماني : قد كان ذلك فقال ابن عمر : خذ ما تطاير من رأسك و اهد
( 14 ) أي ما تفرق
( 15 ) أي اذبح يوم النحر التمتع
( 16 ) أي من أهل العراق كما ليحيى
( 17 ) أي الواجب عليه
( 18 ) أي ما يطلق عليه الهدي من بعير أو بقرة أو شاة
( 19 ) أي في جوابها
( 20 ) أجمل الهدي أولا رجاء أنه يأخذ بالأفضل فلما اضطر إلى الكلام صرح
( 21 ) قوله : أحب ... إلى آخره هذا لا يخالف قوله : { فما استيسر من الهدي } بدنة أو بقرة إما لأنه رجع عنه أو لأنه قيد بعدم الوجود فمن وجد البقرة أو البدنة فهو أفضل قال أبو عمر : وهذا أصح من رواية من روى عن ابن عمر : الصيام أحب إلي من الشاة لأنه معروف من مذهب ابن عمر تفضيل إراقه الدماء في الحج على سائر الأعمال
( 22 ) أي بدله ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد الرجوع
( 23 ) قوله : القران ... إلى آخره اختلفوا في أيها أفضل ( أي مع الاتفاق على جواز الكل قال النووي : اختلف العلماء في هذه الأنواع الثلاثة أيها أفضل فقال الشافعي ومالك وكثيرون : أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران . وقال أحمد وآخرون : أفضلها التمتع وقال أبو حنيفة وآخرون : أفضلها القران . وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي . شرح مسلم للنووي 3 / 301 ) بحسب اختلافهم فيما فعله عليه الصلاة و السلام في حجة الوداع فمذهب الشافعية والمالكية أن الإفراد أفضل بشرط أن يعتمر من عامه لأنه صلى الله عليه و سلم اختاره أولا ولأن رواته أخص به صلى الله عليه و سلم في هذه الحجة فإن منهم جابر وهو أحسنهم سياقا لحجه صلى الله عليه و سلم ومنهم ابن عمر وقد قال : كنت تحت ناقته يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج وعائشة وقربها منه واطلاعها على باطن أمره وعلانيته كله معروف مع فقهها وابن عباس وهو بالمحل بالمعروف من الفقه والفهم الثاقب ورجحه الخطابي أيضا بأن الخلفاء الراشدين واظبوا عليه قال : ولا يظن بهم المواظبة على ترك الأفضل وبأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه كره الإفراد وقد نقل عنهم كراهة التمتع والقران وبأن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع بخلاف التمتع والقران . انتهى . قال الحافظ : وهذا ينبني على أن دم القران دم جبران وقد منعه من رجح القران وقال : إنه دم فضل وثواب كالأضحية وقال عياض نحو ما قاله الخطابي وزاد : وقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه صلى الله عليه و سلم كان مفردا وأما رواية من روى أنه كان متمتعا فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله : ولولا أن معي الهدي لأحللت فصح أنه لم يتحلل . وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي أي وادي العقيق وقيل له : قل عمرة في حجة . انتهى . قال الحافظ : هذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله أن كل من روى عنه الإفراد حمل على ما أهل به في أول الحال وكل من روى التمتع أراد ما أمر به أصحابه وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه أمره ثم قال الحافظ : يترجح رواية من روى القران بأمور وذكر منها : أنه لم يقل عليه السلام في شيء من الروايات أفردت ولا تمتعت وقال : قرنت وأيضا فإن من روى القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتأمل بخلاف من روى عنه الإفراد فإنه محمول على أول الحال ومن روى عنه التمتع فإنه محمول على الإقتصار على سفر واحد للنسكين وأيضا فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابيا بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع قال الحافظ : وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك ومقتضى ذلك أن القران أفضل من الإفراد والتمتع وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأسحاق بن راهويه وإختاره من الشافعية المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي ومن المتأخرين تقي الدين السبكي وذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل لكونه صلى الله عليه و سلم تمناه بقوله : لولا أني سقت الهدي لأحللت ولا يتمنى إلا الأفضل وهو قول أحمد في المشهور عنه وأجيب عنه بأنه إنما تمناه تطييبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته وإلا فالأفضل ما اختار الله له واستمر عليه وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاثة في الفضل سواء وهو مقتضى تصرف إبن خزيمة في صحيحه وعن أحمد : من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعله عليه السلام ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه ض أتباعه : ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلده سفرا فالإفراد أفضل له وهذا أعل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة كذا في ( فتح الباري ) و ( ضياء الساري ) وغيرهما من شروح صحيح البخاري ولابن القيم في كتابه ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) كلام نفيس طويل في ترجيح القران بنحو عشرين وجها فليرجع إليه ( زاد المعاد 1 / 177 )
( 24 ) أي أشهره بأن وقع طوافه فيه وأكثره

395 - أخبرنا مالك أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب : أن محمد ( 1 ) بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثنا : أنه سمع سعد بن أبي وقاس والضحاك بن قيس عام ( 2 ) حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع ( 3 ) بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك بن قيس : لا يصنع ذلك ( 4 ) إلا من جهل ( 5 ) أمر الله تعالى فقال سعد بن أبي وقاص : بئس ما قلت قد صنعها ( 6 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وصنعناها ( 7 ) معه
قال محمد : القران عندنا أفضل من الإفراد ( 8 ) بالحج وإفراد ( 9 ) العمرة فإذا قرن طاف بالبيت لعمرته ( 10 ) وسعى بين الصفا والمروة وطاف بالبيت لحجته وسعى بين الصفا والمروة طوافان ( 11 ) وسعيان أحب إلينا من طواف واحد وسعي واحد ثبت ذلك ( 12 ) بما جاء ( 13 ) عن علي بن أبي طالب أنه أمر القارن بطوافين وسعيين وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة وحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) الهاشمي المدني مقبول قاله الزرقاني
( 2 ) قوله : عام حج كان أول حجة حجها بعد الخلافة سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين ذكره ابن جرير . والمراد ههنا الأولى لأن سعدا مات سنة خمس وخمسين على الصحيح كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) في نسخة : المتعة
( 4 ) أي التمتع
( 5 ) قوله : إلا من جهل أمر الله أي لأنه تعالى قال : { وأتموا الحج والعمرة لله } ( سورة البقرة : الآية 196 ) فأمره بالإتمام يقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج ومنع التحلل والمتمتع يتحلل
( 6 ) أي المتعة اللغوية وهي الجمع بين الحج والعمرة وحكم القران والمتعة واحد قاله القاري . قوله : قد صنعها قال الزرقاني : وروى الشيخان واللفظ لمسلم عن أبي موسى : كنت أفتي الناس بذلك أي بجواز المتعة في إمارة أبي بكر وعمر فإني لقائم بالموقف إذ جاءني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك فلما قدم قلت : يا أمير المؤمنين ما أحدثت في شأن النسك ؟ قال : إن تأخذ بكتاب الله فإن الله قال : { وأتموا الحج والعمرة لله } وإن تأخذ بسنة نبينا فإنه لم يحل حتى نحر الهدي ولمسلم : فقال عمر : قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن تظلوا معرسين بهن أي النساء بالأراك ( أخرجه مسلم في " باب في نسخ التحلل من الإحرام " 2 / 896
( معرسين بهن في الأراك ) الضمير يعود إلى النساء للعلم بهن لم يذكرن ومعناه كرهت التمتع لأنه يقتضي التحلل وطاء النساء إلى حين الخروج إلى عرفات . انظر شرح النووي على مسلم 3 / 360 . وقوله في الأراك هو موضع بعرفة قرب نمرة ) ثم تروحون في الحج تقطر رؤوسكم ( أي من مياه الاغتسال المسببة عن الوقاع بعهد قريب والجملة حال ) فبين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وقال المأزري : قيل : المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة وقيل : العمرة في أشهر الحج ثم الحج قال عياض : والظاهر الأول لأنه كان يضرب الناس عليها - كما في مسلم - بناء على معتقده أن الفسخ كان خاصا بالصحابة في سنة حجة الوداع وقال النووي : المختار هو الثاني وهو للتنزيه ترغيبا في الإفراد ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة
( 7 ) قوله : وصنعناها معه قال القاري : أي المتعة اللغوية أو الشرعية إذ تقدم أن بعض الصحابة تمتعوا في حجة الوداع والحاصل أن القران وقع منه صلى الله عليه و سلم والتمتع من بعض أصحابه وليحيى : قال : بئس ما قلت يا ابن أخي فقال : الضحاك : فإن عمر بن الخطاب قد نهى عنها فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم وصنعناها معه . والمعنى أن هذا يكفي في الجواب إن كنت من أهل التحقيق دون أهل التقليد
( 8 ) قوله : من الإفراد بالحج قال القاري : أي مع إتيان عمرة بعده وإلا فمن المعلوم أن العبادتين خير من عبادة واحدة إجماعا فالمعنى أن الجمع بينهما بإحرام أفضل من إتيانهما بإحرامين
( 9 ) قوله : وإفراد العمرة قالها القاري أي من إفراد العمرة في أشهر الحج وإفراد الحج بعدها فيكون متمتعا وإلا فالعمرة سنة عندنا والحج أفضل منهما إجماعا
( 10 ) بين النسكين
( 11 ) أي طواف الفرض لها
( 12 ) أي للنسكين
( 13 ) أي التعدد
( 14 ) مر تخريجه

396 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال : افصلوا ( 1 ) بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم ( 2 ) لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج ( 3 )
قال محمد : يعتمر الرجل ويرجع إلى أهله ثم يحج ( 4 ) ويرجع إلى أهله فيكون ذلك في سفرين أفضل من القران ( 5 ) . ولكن القران أفضل من الحج مفردا والعمرة من مكة ومن التمتع ( 6 ) والحج من مكة لأنه إذا قرن كانت عمرته وحجته من بلده ( 7 ) وإذا تمتع كانت حجته ( 8 ) مكية ( 9 ) وإذا أفرد بالحج كانت عمرته ( 10 ) مكية فالقران أفضل وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) فكره ( قال شيخنا : والأوجه عندي أن نهي عمر كان عن متعة الفسخ والتمتع المعروف كليهما والنهي عن الأول كان على التحريم وهو محمل ما ورد أنه كان يضرب على ذلك . قال عياض : وما كان عمر لينهى عن التمتع وإنما كان ينهى ويضرب على الفسخ لاعتقاده هو وغيره أن الفسخ خاص بالصحابة . اهـ . والنهي عن الثاني كان بسبيل الاختيار وهو محمل رواية " الموطأ " وما في معناها ولما حملوه أيضا على التحريم فعل بنفسه التمتع لبيان الجواز . انظر لامع الدراري 5 / 157 - 158 ) عمر التمتع لئلا يترفه الحاج وكان من رأيه عدم الترفه للحاج بكل طريق
( 2 ) أي لأنه يكون كل في سفر منفردا بناء على أن الأجر بقدر المشقة
( 3 ) وهي شوال وذو القعدة وتسع ذي الحجة
( 4 ) أي في سفر آخر
( 5 ) أي في سفر واحد
( 6 ) أي من العمرة في أشهر الحج
( 7 ) حيث أحرم بهما
( 8 ) وعمرته آفاقية
( 9 ) في نسخة : من مكة
( 10 ) أي إن أتى بها وسفره ينصرف إلى حجه

7 - ( باب من أهدى هديا وهو مقيم )

397 - أخبرنا مالك ( 1 ) حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمرة بنت عبد الرحمن أخبرته أن ابن زياد ( 2 ) بن أبي سفيان كتب إلى عائشة أن ( 3 ) ابن عباس قال : من أهدى هديا ( 4 ) حرم عليه ما يحرم على الحاج وقد بعثت ( 5 ) بهدي فاكتبي ( 6 ) إلي بأمرك أو مري صاحب ( 7 ) الهدي قالت عمرة : قالت عائشة : ليس ( 8 ) كما قال ابن عباس أنا فتلت ( 9 ) قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي ( 10 ) ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده وبعث بها ( 11 ) مع أبي ( 12 ) ثم لم يحرم ( 13 ) على رسول الله شيء ( 14 ) كان أحله الله حتى نحر ( 15 ) الهدي ( 16 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وإنما يحرم على الذي يتوجه مع هديه يريد مكة ( 17 ) وقد ساق ( 18 ) بدنة وقلدها ( 19 ) فهذا يكون محرما حين يتوجه مع بدنته المقلدة بما أراد من حج أو عمرة . فأما إذا كان مقيما في أهله لم يكن محرما ولم يحرم عليه شيء ( 20 ) حل له وهو قول ( 21 ) أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -
_________
( 1 ) أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به
( 2 ) وقع عند مسلم أن ابن زياد وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه كذا في " الفتح " . قوله أن : زياد بن أبي سفيان كذا وقع في " الموطأ " وكان شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد فولدت زيادا على فراشه فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج ابنه بنته وأمره على أهل العراقين البصرة والكوفة ومات في خلافته سنة ثلاث وخمسين كذا في " فتح الباري "
( 3 ) بفتح الهمزة وكسرها
( 4 ) أي بهدي كما في نسخة
( 5 ) إلى الحرم وأنا مقيم غير محرم
( 6 ) حتى أعلم أني كيف أعمل
( 7 ) أي الذي أريد أن أرسله ليخبرني فأو : للتنويع بين الكتابة وبين الرواية
( 8 ) قوله : ليس كما قال ابن عباس قال الحافظ تبعا للكرماني : حاصل اعتراض عائشة على ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسا للتوكيل في أمر الهدي على المباشرة له فبينت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة
( 9 ) أي من العهن وهو الصوف كما في رواية . قوله : أنا فتلت قال ابن المنير : يحتمل أن يكون قولها ذلك بيانا لحفظها الأمر ومعرفتها به ويحتمل أن تكون أرادت أنه صلى الله عليه و سلم تناول ذلك بنفسه وعلم وقت التقليد ومع ذلك فلم يمتنع من شيء يمتنع منه المحرم لئلا يعلم أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي . انتهى . وقال ابن التين : أرادت بذلك علمها بجميع القصة ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه و سلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ فأرادت إزالة هذا اللبس
( 10 ) يحتمل الإفراد والتثنية
( 11 ) أي بالهدايا
( 12 ) أي أبي بكر حين حج في السنة التاسعة أمير الحاج وأتبعه بعلي
( 13 ) وفي رواية مسلم : فأصبح فينا حلالا يأتي ما يأتي به الحلال من أهله
( 14 ) أي من محظورات الإحرام
( 15 ) قوله : حتى نحر أي أبو بكر وفي بعض النسخ بلفظ المجهول فإن قلت : عدم الحرمة ليس مغيا إلى النحر إذ هو باق بعده فلا مخالفة بين حكم ما بعد الغاية وما قبلها قلت : هو غاية للتحريم لا لـ " لم يحرم " أي الحرمة المنتهية إلى التحريم لم تكن وذلك لأنه رد لكلام ابن عباس ؟ وهو كان مثبتا للحرمة إلى النحر كذا في " الكوكب الدراري شرح صحيح البخاري " للكرماني
( 16 ) قوله : حتى نحر الهدي أي : وانقضى أمره ولم يحرم أفترك إحرامه بعد ذلك أولى لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى
( 17 ) بقصد أحد النسكين
( 18 ) أي أرسلها قدامه ومشى وراءها
( 19 ) أي والحال أنه قلدها وهذا قيد كمال
( 20 ) أي بسبب بعثه هديا
( 21 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة بهذا يرد على الخطابي حيث نقل عن أصحابنا مثل قول ابن عباس وقد رده الحافظ ابن حجر بأنه خطأ وافتراء عليهم فالطحاوي أعلم بهم منه وقد حكى أن مذهبهم أن من ساق الهدي وقصد البيت وقلد وجب عليه الإحرام وحكى ابن المنذر عن جماعة منهم أحمد والثوري وإسحاق أن من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما . وأما قول ابن عباس فقد خالفه ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وغيرهم بل جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قاله ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه وأخرجه البيهقي من طريقه عنه قال : أول من كشف العمي ( في الأصل : الغمي وهو تحريف كما في عمدة القاري 4 / 714 ، والسنن الكبرى للبيهقي 5 / 234 ) عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة ... فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها وقال : لما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس . انتهى . وفيه دلالة على أن قوله كان مهجورا ومن ثم لم يأخذ أحد من أئمة الأمصار المعروفين به بل قال ابن التين : خالف ابن عباس جميع الفقهاء في هذا ولعله رجع عنه لما بلغه حديث عائشة وتعقبه ابن حجر ( انظر فتح الباري 3 / 546 ) وغيره بأن ابن عباس لم ينفرد بما قاله بل وافقه جماعة من الصحابة منهم ابن عمر ورواه ابن أبي شيبة وابن المنذر بسنديهما إلى نافع عنه بلفظ : كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي . وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وابن عمر قالا : من قلد أحرم ومنهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجه عنه سعيد بن منصور ومنهم عمر وعلي فإنهما قالا في الرجل يرسل بدنته أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم رواه ابن أبي شيبة وحكى ابن المنذر هذا المذهب عن النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرين وأخرج ابن أبي شيبة مثله عن سعيد بن جبير ويوافقهم من المرفوع حديث جابر قال : بينا النبي صلى الله عليه و سلم جالس مع أصحابه إذ شق قميصه حتى خرج منه . وقال : إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت أخرجه عبد الرزاق والبزار والطحاوي وفي سنده عبد الرحمن بن عطاء ضعيف قال ابن عبد البر : لا يحتج بما انفرد به فكيف إذا خالفه من هو أثبت منه ؟ انتهى ويحتمل أن يكون سابقا وحديث عائشة له ناسخا كذا في " فتح الباري " و " نصب الراية " وغيرهما ( ههنا مسألتان طالما تشتبه إحداهما بالأخرى حتى وقع الاشبتاه فيهما للخطابي ونحوه من المحققين أولاهما : حكم من بعث بهديه وهو مقيم في بلدته لا يريد النسك فقد كان فيه خلاف في السلف لكن انقضى بعد ذلك واستقر الأمر على أن مجرد بعث الهدي لا يوجب إحراما والثانية : من ساق الهدي وأراد النسك أيضا وهي مختلفة بين الأئمة قال في " الفتح " : ذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أن من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما حكاه ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحاق قال : وقال أصحاب الرأي : من ساق الهدي وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام وقال الجمهور : لا يصير بتقليد الهدي محرما ولا يجب عليه شيء . اهـ . انظر أوجز المسالك 6 / 285 )

8 - ( باب تقليد البدن ( 1 ) وإشعارهم )
398 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر : أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده ( 2 ) وأشعره ( 3 ) بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك ( 4 ) في مكان واحد وهو موجهه ( 5 ) إلى القبلة يقلده ( 6 ) بنعلين ويشعره ( 7 ) من شقه ( 8 ) الأيسر ثم يساق معه ( 9 ) حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا ( 10 ) فإذا قدم منى من غداة يوم النحر نحره قبل ( 11 ) أن يحلق أو يقصر وكان ينحر هديه بيده ( 12 ) يصفهن ( 13 ) قياما ويوجهن ( 14 ) إلى القبلة ثم يأكل ( 15 ) ويطعم
_________
( 1 ) بضم فسكون جمع بدنة بفتحتين وهي الإبل والبقر عندنا
( 2 ) أي بنعل أو لحاء شجرة
( 3 ) أي أدماه في سنامه ليكون إشعارا بأنه من شعائر الله فلا يتعرض له أحد
قوله : وأشعره بذي الحليفة لأنه كان من أتبع الناس للمصطفى وفي الصحيحين : أنه صلى الله عليه و سلم قلد الهدي وأشعره بذي الحليفة
( 4 ) أي ما ذكر من التقليد والإشعار
( 5 ) أي جاعل وجه هديه في حالتي التقليد والإشعار
( 6 ) بيان لما أجمله أولا
( 7 ) من الإشعار : شق سنام الهدي
( 8 ) أي الجانب . قوله : من شقه الأيسر فيه أنه أشعرها من الجانب الأيسر وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون صعابا مقرنة فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعر من الشق الأيمن وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة وفي صحيح البخاري : أنه أشعرها من شقها الأيمن قال الحافظ : تبين بهذا أن ابن عمر كان يطعن في الأيمن تارة وفي الأيسر أخرى بحسب ما يتهيأ له وإلى الإشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي وصاحبا أبي حنيفة وأحمد في رواية وإلى الأيسر ذهب مالك وأحمد في رواية ( ثم اختلفوا في النعم التي تشعر فقال الشافعي وأحمد : تشعر الإبل والبقر مطلقا وعند مالك في الإبل قولان : المرجح منهما الإشعار مطلقا والثاني : التقييد بذات السنام وفي البقر ثلاثة أقوال : الإثبات والنفي مطلقا والثالث الراجح عندهم التقييد بذات السنام وعندنا - الحنفية - تشعر الإبل لا البقر وأما الغنم فلا إشعار فيها إجماعا . والبسط في " الأوجز " 7 / 195 ، و " الكوكب الدري " 2 / 131 ) كذا في " ضياء الساري "
( 9 ) أي مع ابن عمر
( 10 ) أي إذا أفاضوا ورجعوا
( 11 ) لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ( سورة البقرة : الآية 196 )
( 12 ) قوله : بيده لأنه المستحب وقد نحر النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة بيده بعدد سني عمره وأمر عليا بنحر بقية البدن وكان كلها مائة
( 13 ) لقوله تعالى : { فاذكروا اسم الله عليها صواف } ( سورة الحج : الآية 36 )
( 14 ) قوله : ويوجهن أي يجعل الهدايا عند نحرهن إلى جهة الكعبة
( 15 ) لقوله تعالى : { فكلوا منها وأطعموا } ( سورة الحج : الآية 28 )

399 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا وخز ( 1 ) في سنام بدنته وهو يشعرها قال ( 2 ) : بسم الله والله أكبر
_________
( 1 ) قوله : إذا وخز بالخاء والزاء المعجمتين أي طعن طعنة غير نافذة برمح أو إبرة أو غير ذلك
( 2 ) امتثالا لقوله تعالى : { ولتكبروا الله على ما هداكم } ( سورة البقرة : الآية 185 )

400 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان ( 1 ) يشعر بدنته في الشق الأيسر إلا أن تكون صعابا ( 2 ) مقرنة ( 3 ) فإذا لم يستطع أن يدخل بينها ( 4 ) أشعر من الشق الأيمن وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة قال : فإذا ( 5 ) أشعرها قال : بسم الله والله أكبر . وكان ( 6 ) يشعرها بيده ( 7 ) وينحرها بيده قياما
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 8 ) التقليد أفضل من الإشعار والإشعار حسن ( 9 ) والإشعار ( 10 ) من الجانب الأيسر إلا أن تكون صعابا مقرنة لا يستطيع ( 11 ) أن يدخل بينها فليشعرها من الجانب الأيسر و ( 12 ) الأيمن
_________
( 1 ) أي في الأكثر
( 2 ) بكسر الصاد أي متصعبة
( 3 ) بتشديد الراء أي مقرونة بعضها ببعض مقربة
( 4 ) أي البدن
( 5 ) وفي نسخة : وإذا
( 6 ) قوله : وكان يشعرها ... إلى آخره بذلك قال الجمهور من السلف والخلف وذكر الطحاوي في " اختلاف العلماء " كراهته عن أبي حنيفة وذهب غيره إلى استحبابه حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا : هو حسن قال : وقال مالك : يختص الإشعار بمن لها سنام قال في " الفتح " : وأبعد من منع من الإشعار واعتل باحتمال أنه كان مشروعا قبل النهي عن المثلة فإن النسخ لا يصار إليه بالإحتمال بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان . وقال الخطابي وغيره : اعتلال من كره الإشعار بأنه المثلة مردود بل هو من باب الكي وشق الأذن ليصير علامة قال : وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة في إطلاقة كراهة الإشعار وانتصر له الطحاوي بأنه لم يكره أصل الإشعار وإنما كره ما يفعل على وجه يخالف منه هلاك البدن كسراية الجرح لا سيما مع الطعن بالشفرة فأراد سد الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك وأما من كان عارفا بالسنة في ذلك فلا في هذا تعقب على الخطابي حيث قال : لا أعلم أحدا كره الإشعار إلا أبا حنيفة وخالفه صاحباه . انتهى
وذكر الترمذي قال : سمعت أبا السائب يقول : كنا عند وكيع فقال له رجل : روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الإشعار مثلة . فقال له وكيع : أقول لك رسول الله صلى الله عليه و سلم وتقول : قال إبراهيم ما أحقك بأن تحبس . انتهى . وفيه تعقب على ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف قال الحافظ : وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع ويتعين الرجوع إلى ما قال الطحاوي فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه قال : واتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل إلا سعيد بن جبير واتفقوا على أن الغنم لا تشعر كذا في " الضياء "
( 7 ) لأن الأعمال الحسنة أولى أن تكون بلا واسطة إن أمكن وقوعها
( 8 ) قوله : وبهذا نأخذ لم يذكر ههنا موافقة قول أبي حنيفة لأن عنده الإشعار مكروه نص عليه في " الجامع الصغير " وحمله الطحاوي على أنه كره المبالغة ( أو هو ردع للعوام إبقاء على الهدايا وخوفا عما يؤول الأمر إليه من المبالغة فيه والوقوع في المنهي عنه طلبا لما هو ندب فحسب " الكوكب الدري " 2 / 131 ) فيه بحيث يؤدي إلى السراية . وهو محمل حسن . ولولاه لكان قوله مخالفا للثابت بالأحاديث الصحيحة الصريحة صريحا . وللقوم في توجيه ما روي عنه كلمات قد فزعنا من دفعها في تعليقاتي على " الهداية " فلا نضيع الوقت بذكرها
( 9 ) أي مستحب عند الجمهور
( 10 ) أي الأحسن
( 11 ) أي صاحبها
( 12 ) الواو بمعنى أو

9 - ( باب من ( 1 ) تطيب قبل أن يحرم )
401 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب : أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة ( 2 ) فقال : ممن ريح هذا الطيب ؟ فقال معاوية ( 3 ) بن أبي سفيان : مني يا أمير المؤمنين ( 4 ) قال : منك ( 5 ) لعمري ( 6 ) قال : يا أمير المؤمنين إن أم حبيبة ( 7 ) طيبتني . قال ( 8 ) : عزمت ( 9 ) عليك لترجعن فلتغسلنه
_________
( 1 ) قوله : باب من تطيب قبل أن يحرم اختلفوا فيه فذهب الأئمة الثلاثة والجمهور إلى استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه للمحرم وقال مالك والزهري وجماعة من الصحابة والتابعين : لا يمنع من التطيب بطيب يبقى له رائحة بعده كذا في الزرقاني وغيره . واحتج الجمهور بحديث عائشة كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت . وسيأتي في " باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة " وفي رواية للشيخين كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم وفي لفظ لمسلم : كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يلبي . وفي رواية لهما : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك . وأخرجا عن محمد بن المنتشر قال : سألت ابن عمر عن رجل يطيب ثم يصبح محرما فقال : ما أحب أن أصبح محرما أنضح طيبا لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك فدخلت على عائشة فأخبرتها بقوله فقالت : إنما طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم فطاف في نسائه ثم أصبح محرما . وفي لفظ لهما : كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا . كذا ذكره الزيلعي وغيره . وأجاب عنه المالكية ومن قال بقولهم بوجوه كلها مردودة منها أنه صلى الله عليه و سلم اغتسل بعد ما تطيب لقولها في رواية : ثم طاف على نسائه فإن المراد بالطواف الجماع وكان من عادته أن يغتسل عند كل أحد ورد لأنه ليس فيه أنه أصابهن وكان عليه السلام كثيرا ما يطوف على نسائه من غير إصابة كما في حديث عائشة : قل يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف علينا فيقبل ويلمس دون الوقاع فإذا جاء إلى التي هو يومها يبيت عندها . ولو سلم أنه اغتسل فقولها في رواية : ثم أصبح محرما ينضح طيبا صريح في بقاء الرائحة وبه يرد على من قال إن ذلك الطيب كان لا رائحة له تمسكا برواية النسائي : بطيب لا يشبه طيبكم . ومنها أن ذلك من خصائصه ورد بأنها لا تثبت بالقياس كذا في " شروح صحيح البخاري "
( 2 ) سمرة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة
( 3 ) قوله : معاوية بن أبي سفيان هو معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يوم الفتح وكان هو من المؤلفة قلوبهم فحسن إسلامه وكتب لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولما مات يزيد أخوه استخلفه على عمله بالشام فلما ولي عثمان جمع له الشام جميعه ولم يزل كذلك إلى أن قتل عثمان فانفرد بالشام ولم يبايع عليا . وكان وقعة صفين بينه وبين علي وقد استقصى ذلك في " الكامل في التاريخ " . ولما قتل علي سلم الحسن الأمر إلى معاوية فسلم الأمر إليه وتوفي في النصف من رجب سنة ستين كذا في " أسد الغابة في معرفة الصحابة " لابن الأثير الجزري
( 4 ) زاد عبد الرزاق : فتغيظ عليه عمر
( 5 ) لأنك تحب الرفاهية وكان عمر يسميه كسرى العرب
( 6 ) بفتح العين أي لقسمي بعمري
( 7 ) قوله : أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم بنت أبي سفيان اسمها رملة لا خلاف في ذلك إلا عند من شذ توفيت سنة أربع وأربعين كذا في " الإسعاف "
( 8 ) قوله : قال وفي رواية عبد الرزاق أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم : فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطريق
( 9 ) أي أقسمت عليك

402 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) الصلت بن زبيد عن غير واحد ( 2 ) من أهله : أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة وإلى جنبه كثير ( 3 ) بن الصلت فقال : ممن ريح هذا الطيب ؟ قال كثير : مني لبدت ( 4 ) رأسي وأردت أن أحلق ( 5 ) قال عمر : فاذهب إلى شربة ( 6 ) فادلك منها رأسك حتى تنقيه ( 7 ) . ففعل كثير بن الصلت
قال محمد : وبهذا نأخذ لا أرى ( 8 ) أن يتطيب المحرم حين يريد الإحرام إلا أن يتطيب ثم يغتسل بعد ذلك . وأما أبو حنيفة فإنه ( 9 ) كان لا يرى به بأسا
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا الصلت بن زبيد هكذا وجد في نسخ هذا الكتاب بالباء الموحدة وكذا ضبطه القاري أنه بضم الزاء وبفتح الموحدة لكن الذي في " موطأ يحيى " : الصلت بن زييد بيائين وقال الزرقاني في " شرحه " : الصلت بن زييد بضم الزاء وتحتيتين تصغير زيد الكندي وثقه العجلي وغيره وكفى برواية مالك عنه . انتهى . وكذا ضبطه ابن الأثير في " جامع الأصول " وضبط الصلت بالفتح ثم السكون
( 2 ) أي عن جمع كثير من أقاربه
( 3 ) الكندي المدني التابعي الكبير ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ووهم عن عده من الصحابة كذا قال الزرقاني
( 4 ) أي جعلت فيه شيئا كالصمغ ليجتمع شعره لئلا يتفرق في الإحرام ( التلبيد مندوب عند الشافعية . ولم يذكر الجمهور التلبيد في مندوبات الإحرام . أوجز المسالك 6 / 209 )
( 5 ) أي بعد فراغ نسكي
( 6 ) بالتحريك حويض حول النخلة كذا في القاموس أو قال مالك : الشربة : حفيرة تكون عند أصل الشجرة ذكره يحيى في " موطأه "
( 7 ) من الإنقاء والتنقية : أي حتى تنظفه من طيبك
( 8 ) قوله : لا أرى . . إلى آخره هذا موافق لما اختاره جماعة من الصحابة منهم عمر حيث أنكر على معاوية وكثير بن الصلت نضح الطيب حال الإحرام وأنكر أيضا على البراء بن عازب كما أخرجه ابن أبي شيبة عن بشير بن يسار : لما أحرموا وجد عمر ريح طيب : فقال : ممن هذه الريح ؟ فقال البراء : مني يا أمير المؤمنين فقال عمر : قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة إنما الحاج الأدفر ( الدفر : النتن . مجمع بحار الأنوار 1 / 186 ) الأغبر . ومنهم عثمان كما أخرجه الطحاوي عن سعد بن إبراهيم عن أبيه : كنت مع عثمان بذي الحليفة فرأى رجلا يريد أن يحرم وقد دهن رأسه فأمر به فغسل رأسه بالطين . ومنهم ابن عمر كما مر ذكره . ويوافقهم من المرفوع ما أخرجا عن يعلى بن أمية قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل متضمخ بطيب وعليه جبة فقال : كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك . وفي لفظ لهما : وهو متضمخ بالخلوق فقال له : اغسل عنك الصفرة . وفي لفظ للبخاري : واغسل عنك أثر الخلوق وأثر الصفرة . وأجاب الجمهور عنه بجوابين أحدهما : أن طيبه كان من زعفران وقد نهي عن التزعفر يدل عليه رواية مسلم : وهو مصفر لحيته ورأسه كذا ذكره المنذري . وأخرج الطحاوي أولا عن يعلى بن أمية : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم بالجعرانة وعليه جبة وهو معصفر لحيته ورأسه ... الحديث ثم قال : لا حجة فيه وذلك أن التطيب الذي كان على ذلك الرجل إنما كان صفرة وهو خلوق وذلك مكروه للرجال لا للإحرام ولكنه مكروه في نفسه في حال الإحلال والإحرام . ثم أيده بما أخرج من طريق آخر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا لبى بعمرة وعليه جبة وشيء من خلوق فأمره أن ينزع الجبة ويمسح الخلوق . ومن طريق آخر : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إني أحرمت وعلي جبتي هذه وعلى جبته خلوق والناس يسخرون مني فقال : اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك هذا الزعفران . ثم أخرج أحاديث النهي عن التزعفر والخلوق ثم قال : فإنما أمر الرجل الذي أمر بغسل طيبه الذي كان عليه في حديث يعلى لأنه لم يكن من طيب الرجال وليس في ذلك دليل على حكم من أراد الإحرام : هل له أن يتطيب بطيب يبقى عليه بعد الإحرام أم لا ؟ انتهى وثانيهما : ما نقل الحازمي في " كتاب الناسخ والمنسوخ " عن الشافعي أن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بغسل الطيب منسوخ لأنه كان في عام الجعرانة وهو سنة ثمان وحديث عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم ناسخ له لأنه في حجة الوداع . انتهى
( 9 ) قوله : فإنه كان لا يرى به بأسا بل كان يقول باستحبابه أخذا من حديث عائشة وبه قال أكثر الصحابة قاله المنذري . وأخرج سعيد بن منصور عن عائشة قالت : طيبت أبي بالمسك لإحرامه حين أحرم . وأخرج الطحاوي عن عبد الرحمن قال : تطيبت حاجا فرافقني عثمان بن العاص فلما كان عند الإحرام قال : اغسلوا رؤوسكم بهذا الخطمي الأبيض فوقع في نفسي من ذلك شيء فقدمت مكة فسألت ابن عمر وابن عباس فابن عمر قال : ما أحسنه وابن عباس قال : أما أنا فأضمخ به رأسي . وأخرج عن عائشة بنت سعد قالت : كنت أشبع رأس سعد بن أبي وقاص لحرمه بالطيب . وأخرج عن عبد الله بن الزبير : أنه كان يتطيب بالغالية الجيدة عند الإحرام . وأخرج أبو داود وابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنا نضمخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله فلا ينهانا

10 - ( باب من ساق هديا فعطب ( 1 ) في الطريق أو نذر بدنة )
403 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : من ساق بدنة تطوعا ثم عطبت ( 2 ) فنحرها فليجعل قلادتها ( 3 ) ونعلها في دمها ( 4 ) ثم يتركها للناس يأكلونها وليس عليه شيء فإن هو أكل منها أو أمر بأكلها فعليه الغرم ( 5 )
_________
( 1 ) كفرح : هلك كذا في " المصباح "
( 2 ) أي قرب هلاكها
( 3 ) بكسر القاف أي ما قلدت به من لحاء شجرة أو قطعة مزادة
( 4 ) أي فليغمسها فيه وليضرب بها صفحة سنامها . وفائدة ذلك إعلام الناس أنه هدي فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء
( 5 ) بضم الغين أي الغرامة وهي قيمة ما أكل

404 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه : أن ( 1 ) صاحب ( 2 ) هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : كيف نصنع بما عطب ( 3 ) من الهدي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : انحرها وألق ( 4 ) قلادتها ( 5 ) أو نعلها ( 6 ) في دمها وخل ( 7 ) بين الناس وبينها يأكلونها
_________
( 1 ) قوله : أن صاحب هدي ... إلى آخره مرسل صورة لكنه محمول على الوصل لأن عروة ثبت سماعه من ناجية فقد أخرجه ابن خزيمة من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن هشام عن عروة قال : حدثني ناجية ورواه أبو داود وابن عبد البر من طريق سفيان بن سعيد الثوري والترمذي - وقال : حسن صحيح - والنسائي من رواية عبدة بن سليمان وابن ماجه من رواية وكيع والطحاوي من طريق ابن عيينة وابن عبد البر من طريق وهيب بن خالد خمستهم عن هشام عن أبيه عن ناجية قال في " الإصابة " : ولم يسم أحد منهم والد ناجية لكن قال بعضهم : الخزاعي وبعضهم الأسلمي ولا يبعد التعدد وقد جزم ابن عبد البر بأنه ناجية بن جندب الأسلمي كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) هو ناجية الأسلمي
( 3 ) بكسر الطاء أي هلك
( 4 ) أي اغمس
( 5 ) قال في " المنتخب " : قلادة بالكسر ( انجه دركرن كتند ) ( أي بالفارسية )
( 6 ) قال مالك مرة : أمره بذلك ليعلم أنه هدي فلا يستباح إلا على الوجه الذي ينبغي
( 7 ) قوله : وخل بين الناس ... إلى آخره قال عياض : فما عطب من هدي التطوع لا يأكل منه صاحبه ولا سائقه ولا رفقته لنص الحديث وبه قال مالك والجمهور ( واختلفوا فيما يجب على من أكل منه فقال مالك : إن أكل منه وجب عليه بدله وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد : عليه قيمة ما أكل . الكوكب الدري 2 / 134 . وبسط شيخنا في هذه المسألة مذاهب الأئمة الأربعة في الأوجز 7 / 212 ) وقالوا : لا بدل عليه لأنه موضع بيان ولم يبين صلى الله عليه و سلم بخلاف الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فيأكل منه صاحبه والأغنياء لأن صاحبه يضمنه لتعلقه بذمته قاله الزرقاني

405 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار قال : كنت أرى ابن عمر ( 1 ) بن الخطاب يهدي ( 2 ) في الحج بدنتين بدنتين ( 3 ) وفي العمرة بدنة بدنة قال : رأيته في العمرة ينحر بدنته وهي قائمة في حرف ( 4 ) دار ( 5 ) خالد ( 6 ) بن أسيد ( 7 ) وكان فيها منزله ( 8 ) وقال ( 9 ) : لقد رأيته طعن في لبة ( 10 ) بدنته حتى خرجت ( 11 ) سنة ( 12 ) الحربة من تحت حنكها ( 13 )
_________
( 1 ) هو عبد الله
( 2 ) من الإهداء أي يرسل في حال إحرامه بالحج
( 3 ) بالتكرار لإفادة عموم التثنية
( 4 ) بالفتح بمعنى الطرف
( 5 ) قوله : دار خالد بن أسيد قال هشام بن الكلبي : أسلم عام الفتح وأقام بمكة وكان من المؤلفة قال ابن دريد : كان جزارا قيل : إنه فقد يوم اليمامة وقيل مات قبله قاله الزرقاني
( 6 ) هو أخو عتاب بن أسيد الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم على مكة عام الفتح
( 7 ) بفتح الهمزة وكسر السين
( 8 ) أي ابن عمر إذا حج أو اعتمر
( 9 ) أي ابن دينار
( 10 ) بفتح اللام وتشديد الموحدة : المنحر من الصدر
( 11 ) من قوة الطعنة
( 12 ) قوله : سنة الحربة هو بالفتح آلة الحرب والعصا والمراد به ههنا السكين ونحوه مما يذبح به وسنة الشيء : بكسر السين وتشديد النون ( دندنه آن ) ( أي بالفارسية ) والمراد به طرفه ورأسه ذو الحدة . والحنك بفتحتين ( زير زنخدان ) ( أي بالفارسية )
( 13 ) في نسخة : كتفها

406 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو جعفر ( 1 ) القارئ ( 2 ) أنه رأى عبد الله ( 3 ) بن عياش بن أبي ربيعة أهدى عاما ( 4 ) بدنتين إحداهما بختية ( 5 )
قال محمد : وبهذا نأخذ كل هدي تطوع عطب في الطريق ( 6 ) صنع كما صنع وخلى ( 7 ) بينه وبين الناس يأكلونه ولا يعجبنا ( 8 ) أن يأكل ( 9 ) منه إلا من ( 10 ) كان محتاجا إليه ( 11 )
_________
( 1 ) يزيد بن القعقاع
( 2 ) بالهمزة نسبة إلى قراءة القرآن لا بتشديد الياء نسبة إلى قارة بطن كما ظنه صاحب " المحلى "
( 3 ) قوله : عبد الله بن عياش بشد التحتية وشين معجمة ابن أبي ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي الصحابي ابن الصحابي ولد بالحبشة . وحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم ولم يرو عنه وروى عن عمر وغيره وأبوه قديم الإسلام قاله الزرقاني
( 4 ) أي سنة من السنين
( 5 ) قوله : بختية بضم موحدة وسكون الخاء المعجمة فتاء فوقية فتحتية مشددة هي الأنثى من الجمال والذكر البختي وهي جمال طوال الأعناق على ما في " النهاية "
( 6 ) أي قبل أن يصل إلى الحرم
( 7 ) من التخلية
( 8 ) أي لا يجوز عندنا
( 9 ) أي صاحب الهدي
( 10 ) قوله : إلا من كان محتاجا إليه اعلم أن هدي التطوع إذا بلغ الحرم يجوز لصاحبه وغيره من الأغنياء أن يأكل منه وأما إذا لم يبلغ فلا يجوز لصاحبه أن يأكل منه ولا لغيره من الأغنياء لأن القربة فيه بالإراقة إنما تكون في الحرم وفي غيره بالتصدق
( 11 ) أي مضطرا إليه

407 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : كان يقول : الهدي ( 1 ) ما قلد أو أشعر وأوقف به بعرفة
_________
قوله : الهدي ... إلى آخره في الأثر دليل على استنان الذهاب بالهدي إلى عرفات كالتقليد والإشعار وبه قال أبو حنيفة أنه يسن ذلك من غير وجوب كذا في " المحلى بحلي أسرار الموطا "

408 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه قال : من نذر بدنة ( 1 ) فإنه يقلدها نعلا ويشعرها ثم يسوقها فينحرها عند البيت أو بمنى يوم النحر ليس له محل ( 2 ) دون ذلك ومن نذر جزورا ( 3 ) من الإبل أو البقر فإنه ينحرها حيث ( 4 ) شاء ( 5 )
قال محمد : وهو قول ابن عمر وقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن غيره من أصحابه أنهم رخصوا في نحر البدنة حيث شاء ( 6 ) وقال بعضهم : الهدي ( 7 ) بمكة لأن الله تعالى يقول : { هديا بالغ الكعبة } ولم يقل ذلك في البدنة ( 8 ) فالبدنة حيث شاء إلا أن ينوي الحرم فلا ينحرها ( 9 ) إلا فيه ( 10 ) . وهو قول أبي حنيفة وإبراهيم النخعي ومالك بن أنس
_________
( 1 ) أي من إبل أو بقرة
( 2 ) قوله : ليس له محل دون ذلك لأنه لما عبر ببدنة علم أنه هدي
( 3 ) قوله : جزورا بفتح الجيم وضم الزاي هو من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى كذا في " المصباح " اللغوي فقوله من الإبل والبقر تعميم باعتبار الإطلاق العرفي قاله القاري
( 4 ) أي من الحرم وغيره وفرق بين نذر البدنة ونذر الجزور بأن الأول خاص بالحرم والثاني عام
( 5 ) قوله : حيث شاء أي في أي مكان لأنه أراد إطعام لحمه مساكين موضعه أو ما نوى من الموضع
( 6 ) أي الناذر
( 7 ) يعني إذا نذرها هديا فهو مخصوص بمكة وما حولها
( 8 ) أي بل أطلقها
( 9 ) أي لا يذبحها
( 10 ) فإنما الأعمال بالنيات

409 - أخبرنا مالك أخبرني ( 1 ) عمرو بن عبيد الله الأنصاري أنه سأل سعيد بن المسيب عن بدنة جعلتها ( 2 ) امرأة عليها قال : فقال سعيد : البدن من الإبل ( 3 ) ومحل ( 4 ) البدن البيت العتيق إلا أن تكون ( 5 ) سمت مكانا ( 6 ) من الأرض فلتنحرها حيث سمت فإن لم تجد بدنة فبقرة ( 7 ) فإن لم تكن بقرة فعشر من الغنم قال ( 8 ) : ثم سألت سالم بن عبد الله فقال : مثل ما قال سعيد بن المسيب غير أنه قال : إن لم تجد بقرة فسبع من الغنم قال : ثم جئت ( 9 ) خارجة بن زيد بن ثابت فسألته فقال مثل ما قال سالم ثم جئت عبد الله ( 10 ) بن محمد بن علي ( 11 ) فقال مثل ما قال سالم بن عبد الله
قال محمد : البدن من الإبل ( 12 ) والبقر ولها ( 13 ) أن تنحرها حيث شاءت إلا أن تنوي الحرم فلا تنحرها إلا في الحرم ويكون ( 14 ) هديا والبدنة من الإبل والبقر تجزئ ( 15 ) عن سبعة ولا تجزئ عن أكثر من ذلك وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرني عمرو بن عبيد الله الأنصاري ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " وسمى والده بعبيد وقال : إنه من بني الحارث بن الخزرج من أهل المدينة يروي عن ابن عباس روى عنه مالك بن أنس وسليمان بن بلال
( 2 ) أي ألزمتها على نفسها بأن نذرتها
( 3 ) أي دون البقر . هو يوافق قول الشافعي
( 4 ) بكسر الحاء أي محل ذبحها الذي يحل ذبحه فيه
( 5 ) أي المرأة
( 6 ) غير الحرم
( 7 ) فإنها تقوم مقامها
( 8 ) عمرو بن عبيد الله
( 9 ) قوله : ثم جئت خارجة بن زيد بن ثابت هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة من أجلة الثقات مات سنة تسع وتسعين وقيل : سنة مائة قاله ابن حبان
( 10 ) أبو هاشم المدني وثقه ابن سعد والنسائي مات سنة 98 ، كذا في " الإسعاف "
( 11 ) ابن أبي طالب
( 12 ) أي من كليهما في مذهبنا
( 13 ) أي للمرأة الناذرة المذكورة
( 14 ) أي ويكون بالنية
( 15 ) قوله : تجزئ عن سبعة روى مسلم عن جابر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة . وبهذا قال الشافعي والجمهور سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك أو بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم . وعن أبي حنيفة يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي . وعن داود وبعض المالكية : يجوز هذا في هدي التطوع دون الواجب . وعن مالك لا يجوز مطلقا . واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان في الحديبية حيث كانوا محصرين وبأن أبا جمرة خالفه ثقات أصحاب ابن عباس فقد رووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة وساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم . وقد روى ليث عن طاوس عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة لكن ليث ضعيف . ثم ساق بسنده إلى محمد بن سيرين عن ابن عباس قال : ما كنت أرى أن دما واحدا لعله يجزئ أو يكفي عن أكثر من واحد . وأجاب الحافظ بأن تأويله لحديث جابر بأنه كان في الحديبية لا يدفع الاحتجاج بالحديث أي لثبوت جواز أصل الاشتراك قال : بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث : فأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أمرهم أن يحلوا حجهم إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية . وأقول : بل كيف يصح تأويله بأنه في الحديبية مع قول جابر : خرجنا مهلين بالحج والحديبية إنما كان فيه الإهلال بالعمرة ثم قال الحافظ : وليس بين رواية أبي جمرة - قال : سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها وسألته عن الهدي فقال : فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم رواه البخاري - وبين رواية غيره منافاة لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ووافقهم على ذكر الشاة أي وزيادة الثقة مقبولة . قال : وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر . قال : وأما رواية محمد بن سيرين عن ابن عباس فمنقطعة ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد ومتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك أفتى به أبا جمرة وبهذا تجتمع الأخبار وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه وهو أبو جمرة
وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك ثم رجع عنه لما بلغته السنة قال الحافظ : واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب . فقال : تجزئ عن عشرة وبه قال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة من الشافعية واحتج لذلك في " صحيحه " وقواه كذا في " ضياء الساري "

11 - ( باب الرجل يسوق بدنة فيضطر ( 1 ) إلى ركوبها )
410 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : إذا اضطررت إلى بدنتك ( 2 ) فاركبها ركوبا غير فادح ( 3 )
_________
( 1 ) بأن عجز عن المشي ولم يجد غيرها . قوله : فيضطر إلى ركوبها اختلفوا في ركوب البدنة المهداة فقال بعضهم : هو واجب لإطلاق الأمر مع ما فيه من مخالفة الجاهلية . ورد هذا بأنه عليه السلام لم يركب هديه ولا أمر الناس بركوب هداياهم . ومنهم من قال : له أن يركبها مطلقا من غير حاجة وقال أصحابنا والشافعي : لا يركبها إلا عند الحاجة كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 2 ) أي إلى ركوبها
( 3 ) أي غير مثقل ومؤلم لقوله صلى الله عليه و سلم : اركبها بالمعروف إذا ألجئت إلى ظهرها

411 - أخبرنا ( 1 ) مالك أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على رجل ( 2 ) يسوق بدنته ( 3 ) فقال له : اركبها فقال : ( 4 ) إنها بدنة فقال له بعد مرتين : اركبها ويلك ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا مالك ... إلى آخره رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به وتابعه المغيرة بن عبد الرحمن عند مسلم وسفيان الثوري عند ابن ماجه كلاهما عن أبي الزناد به
( 2 ) قال الحافظ : لم أقف على اسمه بعد طول البحث زاد النسائي عن أنس : وقد جهده المشي أي وهو عاجز عن مشيه
( 3 ) وعند مسلم : بدنة مقلدة
( 4 ) قوله : فقال : إنها بدنة قيل : الظاهر أن الرجل ظن أنه عليه السلام خفي عليه كونها هديا فلذلك قال : إنها بدنة . قال الحافظ : والحق أنه لم يخف ذلك عليه لكونها كانت مقلدة ولهذا قال له لما زاد في مراجعته : ويلك . وقال القرطبي : إنما قال له ويلك تأديبا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه . وبهذا جزم ابن عبد البر وابن العربي وبالغ حتى قال : ولولا أنه صلى الله عليه و سلم اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل . قال القرطبي : ويحتمل أن يكون فهم عن الرجل أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها فزجره عن ذلك . وعلى الحالتين فهي إنشاء ورجحه عياض وغيره قالوا : والأمر ههنا وإن قلنا إنه للإرشاد لكنه استحق الذم بتوقفه عن الامتثال وقيل : كان الرجل أشرف على هلكة من الجهد . وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة : فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب . فعلى هذا هي إخبار وقيل : هي كلمة تدعم به العرب كلامها ولا يقصد معناها كقولهم : لا أم لك . واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبا أو متطوعا به لكونه صلى الله عليه و سلم لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك فدل على أن الحكم لا يختلف . وبالجواز مطلقا قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق وبه قال أهل الظاهر لكن نقل القسطلاني عن " تنقيح المقنع " من كتب الحنابلة - وعليه الفتوى عندهم - أن له ركوبها لحاجة ويضمن نقصها كمذهب الحنفية . وجزم النووي بالأول في " الروضة " تبعا لأصله في الضحايا ونقله في " شرح المهذب " عن القفال والماوردي ثم نقل فيه عن أبي حامد والبندنجي وغيرهما تقييده بالحاجة وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق . وقيد صاحب " الهداية " من الحنفية جواز ركوبها بالاضطرار إلى ذلك وهو المنقول عن الشعبي عند ابن أبي شيبة . وقال ابن العربي عن مالك : يركب للضرورة فإذا استراح نزل . وفي المسألة مذهب خامس وهو المنع مطلقا نقله ابن العربي عن أبي حنيفة وشنع عليه . قال الحافظ : ولكن الذي نقله الطحاوي وغيره الجواز بقدر الحاجه إلا أنه قال : ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه وضمان النقص وافق عليه الشافعية في الهدي المنذور . ومذهب سادس : وهو وجوب الركوب نقله ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر تمسكا بظاهر الأمر ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة . واختلف المجيزون : هل يحمل المهدي عليها متاعه فمنعه مالك وأجازه الجمهور ( ونقل عياض الإجماع على أنه لا يؤجرها . انظر فتح الباري 3 / 538 ) كذا في " الضياء "
( 5 ) زجرا له ليعلم أن الضرورات تبيح المحظورات

412 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابن عمر كان يقول : إذا نتجت ( 1 ) البدنة فليحمل ( 2 ) ولدها معها حتى ينحر معها فإن لم يجد ( 3 ) له محملا فليحمله على أمه حتى ينحر ( 4 ) معها
_________
( 1 ) يقال : نتجت الناقة ولدا على البناء للفاعل على معنى ولدت وحملت كذا في " المصباح المنير "
( 2 ) صاحب البدنة
( 3 ) وليحيى : فإن لم يوجد له محمل حمل على أمه
( 4 ) وجوبا

413 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر ( 1 ) أو عمر - شك محمد - ( 2 ) كان يقول : من أهدى بدنة فضلت ( 3 ) أو ماتت ( 4 ) فإن كانت نذرا أبدلها ( 5 ) وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها ( 6 ) وإن شاء تركها ( 7 )
قال محمد : وبهذا نأخذ ومن اضطر ( 8 ) إلى ركوب بدنته فليركبها فإن نقصها ذلك ( 9 ) شيئا تصدق بما نقصها ( 10 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) في موطأ يحيى عن ابن عمر من غير شك
( 2 ) يعني المصنف نفسه
( 3 ) أي الطريق
( 4 ) قبل بلوغ المحل
( 5 ) أي بمثلها - في نسخة : بدلها -
( 6 ) والأول الأولى
( 7 ) أي لم يبدله
( 8 ) بصيغة المجهول
( 9 ) أي ركوبها وحمل متاعه عليه
( 10 ) أي بقيمة نقصها

12 - ( باب المحرم يقتل قملة ( 1 ) أو نحوها ( 2 ) أو ينتف ( 3 ) شعرا )
414 - أخبرنا مالك عن نافع قال : المحرم لا يصلح ( 4 ) له أن ينتف ( 5 ) من شعره شيئا ولا يحلقه ولا يقصره إلا أن يصيبه أذى ( 6 ) من رأسه فعليه فدية كما أمره ( 7 ) الله تعالى . ولا يحل له أن أن يقلم أظفاره ولا يقتل قملة ولا يطرحها من رأسه إلى الأرض ولا من جسده ( 8 ) ولا من ثوبه ولا يقتل الصيد ولا يأمر به ( 9 ) ولا يدل عليه
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : قملة القمل والقملة بالفتح فالسكون دويبة تتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوبا أو بدنا أو شعرا يقال له بالفارسية ( سيش )
( 2 ) في نسخة : غيرها
( 3 ) وكذا إذا حلق شعرا أو قطع
( 4 ) أي لا يحل له
( 5 ) النتف ( بركندن ) ( بالفارسية )
( 6 ) أي فيحتاج إلى حلق شعره أو قصه
( 7 ) قوله : كما أمره الله تعالى أي بقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ( سورة البقرة : الآية 196 ) والصيام مفسر بثلاثة أيام والصدقة بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع والنسك بأدنى ما يطلق عليه الهدي من غنم أو بقر أو إبل وأو للتخيير وهذا عند العذر كما تقرر وأما عند عدمه فيجب عليه دم مع الإثم ( قال العيني : إذا حلق رأسه أو لبس أو تطيب عامدا من غير ضرورة فقد حكى ابن عبد البر في " الاستذكار " عن أبي حنيفة والشافعي وأصحابنا وأبي ثور أن عليه دما لا غير وأنه لا يخير إلا في الضرورة . وقال مالك : بئس ما فعل وعليه الفدية وهو مخير فيها وقال شيخنا زين الدين وما حكاه عن الشافعي وأصحابه ليس بجيد بل المعروف عنهم وجوب الفدية كما جزم الرافعي . عمدة القاري 10 / 152 )
( 8 ) جلده
( 9 ) وكذا لا يرمي ثوبه في الشمس بقصد قتل القملة

13 - ( باب الحجامة ( 1 ) للمحرم )
415 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان يقول : لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر ( 2 ) إليه ( 3 ) مما لا بد منه ( 4 )
قال محمد : لا بأس بأن يحتجم المحرم ( 5 ) ولكن لا يحلق شعرا . بلغنا ( 6 ) عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه احتجم وهو صائم محرم . وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) بالكسر : الاحتجام
( 2 ) قوله : أن يضطر لأنه صلى الله عليه و سلم لم يحتجم إلا لضرورة فإن احتجم لغير ضرورة حرمت إن لزم منها قلع الشعر فإن كان في موضع لا شعر فيه فأجازها الجمهور ولا فدية وأوجبها الحسن البصري وكرهها ابن عمر وبه قال مالك : لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة أي يكره لأنها قد تؤدي لضعفه كما كره صوم عرفة للحاج من أن الصوم أخف من الحجامة كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) أي إلى الاحتجام
( 4 ) أي مما لا فرار ولا علاج فيه إلا الحجامة
( 5 ) إذا خرج الدم لا يضر اتفاقا ولهذا جوزوا له الفصد إجماعا
( 6 ) قوله : بلغنا ... إلى آخره أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم وأخرج مالك عن سليمان بن يسار مرسلا : أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم وهو محرم فوق رأسه وهو يومئذ بلحي جمل - مكان بطريق مكة - ووصله البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن بحينة . ولأبي داود والنسائي والحاكم عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به ( قال الحافظ : الجمع بين حديثي ابن عباس وأنس واضح بالحمل على التعدد أشار إليه الطبري . اهـ . قلت : بل هو المتعين . أوجز المسالك 6 / 349 . قوله بلحي جمل وقع في بعض الروايات بالتثنية وفي بعضها بالإفراد واللام المفتوحة ويجوز كسرها والمهملة ساكنة موضع بطريق مكة ) . وفي الباب أخبار كثيرة يحصل بها الكراهة

14 - ( باب المحرم يغطي ( 1 ) وجهه )
416 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله ( 2 ) بن أبي بكر أن عبد الله بن عامر بن ربيعة أخبره قال : رأيت ( 3 ) عثمان بن عفان بالعرج ( 4 ) وهو محرم في يوم صائف ( 5 ) قد غطى ( 6 ) وجهه ( 7 ) بقطيفة ( 8 ) أرجوان ( 9 ) ثم أتي بلحم صيد فقال : كلوا قالوا : ألا تأكل ؟ قال : لست كهيأتكم إنما صيد من أجلي ( 10 )
_________
( 1 ) من التغطية بمعنى الستر
( 2 ) ابن محمد بن عمرو بن حزم
( 3 ) قوله : رأيت عثمان ... إلى آخره أخرجه مالك أيضا عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال : أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم . ويوافقه ما أخرجه الدارقطني في " العلل " عن أبان بن عثمان عن عثمان أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخمر وجهه وهو محرم . لكن قال الدارقطني : الصواب أنه موقوف . وبهذا أخذ جماعة من الصحابة ومن بعدهم منهم الشافعي وغيره . استدل بعضهم له بما أخرجه الشافعي من حديث إبراهيم ابن أبي حرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في الذي وقص : خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه . وبما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن ابن عمر أنه قال : إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها . واستدل أصحابنا بما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا أوقصته راحلته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا . ورواه الباقون ولم يذكروا الوجه . قال أبو عبد الله الحاكم في كتاب " علوم الحديث " ذكر الوجه في هذا الحديث تصحيف في الرواية لإجماع الثقات الأثبات على ذكر الرأس ورد بأن التصحيف إنما يكون في الحروف المتشابهة وأي تشابه بين الوجه والرأس في الحروف هذا على تقدير أن لا يذكر في الحديث غير الوجه فكيف وقد جمع بين الرأس والوجه والروايتان عند مسلم ؟ ففي لفظ اقتصر على الوجه وفي لفظ جمع بينهما . واستدلوا أيضا بقول ابن عمر : ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم . هذا كله في الرجل وأما المرأة فأخرج البخاري من حديث نافع عن ابن عمر : لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين . ورواه مالك موقوفا على ابن عمر . وله طرق في البخاري موصولة ومعلقة وأخرج أبو داود والحاكم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى النساء في إحرامهن عن النقاب . وأخرج أبو داود وابن ماجه عن عائشة قالت : كان الركبان يمر بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا . وهو محمول على توسيط شيء حاجب بين الوجه وبين الجلباب
وفي الباب آثار وأخبار مبسوطة في " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي و " تخريج أحاديث الرافعي " لابن حجر
( 4 ) بعين مهملة مفتوحة فراء ساكنة فجيم موضع بطريق المدينة
( 5 ) أي من أيام الصيف
( 6 ) قوله : قد غطى وجهه قال الزرقاني : إنه كان يرى جائزا . وكذا ابن عباس وابن عوف وابن الزبير وزيد بن ثابت وسعيد وجابر وبه قال الشافعي . وقال ابن عمر : يحرم تغطية الوجه وبه قال مالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وفيه الفدية على مشهور المذهب ولا يجوز تغطية الرأس إجماعا
( 7 ) قوله : وجهه قال الباجي : يحتمل أن يكون فعل ذلك لحاجة إليه أي لضرورة دعت إليه وأن يكون في رأيه مباحا . وقد خالفه غيره فقالوا : لا يجوز
( 8 ) قوله : بقطيفة هي دثار له خمل . والدثار ما يتدثر به الإنسان أي ما يتلفف فيه من كساء أو غيره
( 9 ) بضم الهمزة والجيم : صوف أحمر أي فيه خطوط حمر
( 10 ) فالمدار على النية

417 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان يقول : ما فوق الذقن ( 1 ) من الرأس فلا يخمره ( 2 ) المحرم
قال محمد : وبقول ابن عمر نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) هو مجتمع لحيي الإنسان
( 2 ) أي فلا يغطيه فإن الوجه في حكم الرأس

15 - ( باب المحرم يغسل رأسه أيغتسل ؟ ( 1 ) )
418 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان لا يغسل ( 2 ) رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام ( 3 )
_________
( 1 ) أي بجميع بدنه من غير قصد إزالة وسخه
( 2 ) فكان يعمل بالأفضل
( 3 ) قوله : إلا من الاحتلام ولا ينافيه ما سبق من غسله لدخول مكة وعشية عرفة فلعله كان يغسل جسده دون رأسه . قال الشافعي : نحن ومالك لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه من غير احتلام وروي أنه عليه السلام اغتسل وهو محرم . ثم أطال الكلام إلى أن قال : وقد يذهب على ابن عمر وغيره السنن ولو علمها ما خالفها . كذا ذكره البيهقي في " المعرفة " كذا في " المحلى "

419 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن ( 1 ) إبراهيم ( 2 ) ابن عبد الله بن حنين عن أبيه : أن عبد الله ابن عباس والمسور ( 3 ) بن مخرمة تماريا ( 4 ) بالأبواء ( 5 ) فقال ابن عباس : يغسل ( 6 ) المحرم رأسه وقال ( 7 ) المسور : لا فأرسله ( 8 ) ابن عباس إلى ( 9 ) أبي أيوب يسأله ( 10 ) فوجده يغتسل بين القرنين ( 11 ) وهو يستر ( 12 ) بثوب قال : فسلمت عليه ( 13 ) فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك ابن عباس أسألك ( 14 ) كيف ( 15 ) كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع يديه على الثوب ( 16 ) وطأطأه ( 17 ) حتى بدا ( 18 ) لي رأسه ثم قال لإنسان ( 19 ) يصب الماء عليه : اصبب ( 20 ) فصب على رأسه ثم حرك رأسه ( 21 ) بيده فأقبل بيده وأدبر فقال ( 22 ) : هكذا رأيته يفعل ( 23 )
قال محمد : وبقول أبي أيوب نأخذ ( 24 ) لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه ( 25 ) بالماء . وهل يزيده ( 26 ) الماء إلا شعثا ( 27 ) ؟ وهو قول ( 28 ) أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عن إبراهيم ... إلى آخره ليحيى : مالك عن زيد بن أسلم عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله ... إلى آخره . قال ابن عبد البر : لم يتابع أحد من رواة الموطأ يحيى على إدخال نافع بين زيد وإبراهيم وهو خطأ لا شك فيه وهو مما يحفظ من خطأ يحيى في " الموطأ " وغلطه . وأمر ابن وضاح بطرحه ( قلت : فإسقاطه من النسخ المصرية ليس بصحيح لأنه موجود في رواية يحيى وإن كان غلطا في نفسه . وليس في رواية محمد أيضا . أوجز المسالك 6 / 166 )
( 2 ) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في الحج وكذا النسائي وابن ماجه كذا في " إرشاد الساري "
( 3 ) قوله : المسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وخفة الواو وابن مخرمة بفتح الميم وسكون المعجمة ابن نوفل القرشي له ولأبيه صحبة ذكره في " الإصابة " وغيره
( 4 ) أي تشاكا وتشاحا وتخالفا في جواز غسل المحرم وعدمه
( 5 ) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد : جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب إليه كذا في " النهاية "
( 6 ) أي يجوز له
( 7 ) قوله : وقال المسور لا قال الأبي : الظن بهما أنهما لا يختلفان إلا ولكل منهما مستند . قال عياض : ودل كلامهما أنهما اختلفا في تحريك الشعر إذ لا خلاف في غسل المحرم رأسه في غسل الجنابة ولا بد من صب الماء فخاف المسور أن يكون في تحريكه باليد قتل بعض دوابها أو طرحها . وعلم ابن عباس أن عند أبي أيوب علم ذلك
( 8 ) أي ابن حنين
( 9 ) قوله : إلى قال ابن عبد البر : فيه أن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر إلا بدليل
( 10 ) أي عن حكم الغسل للمحرم
( 11 ) قوله : القرنين تثنية قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء ويمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به ويعلو عليها البكرة ذكره السيوطي
( 12 ) فيه التستر للغسل
( 13 ) قوله : فسلمت عليه ... إلى آخره قال عياض والنووي وغيرهما : فيه جواز السلام على المتطهر في حال طهارته بخلاف من هو على الحدث وتعقبه الولي العراقي بأنه لم يصرح بأنه رد عليه السلام بل ظاهره أنه لم يرد لقوله : فقال : من هذا ؟ بفاء التعقيب الدالة على أنه لم يفصل بين سلامه وبينها بشيء فيدل على عكس ما استدل به فإن قيل : الظاهر أنه رد السلام وترك ذكره لوضوحه وأما الفاء فهي مثل قوله تعالى : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } ( سورة الشعراء : الآية 63 ) قلت : لما لم يصرح بذكر رد السلام احتمل الرد وعدمه فسقط الاستدلال للجانبين . انتهى . قال الزرقاني : وفيه وقفة
( 14 ) أي لأن أسأل
( 15 ) قوله : كيف كان ... إلى آخره قال ابن عبد البر : فيه أن ابن عباس كان عنده علم غسل رأس المحرم أنبأه أبو أيوب أو غيره لأنه كان يأخذ عن الصحابة . وقال ابن دقيق العيد : هذا يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل وقال القاري : فيه أنه لم يكن النزاع في كيفية غسله لكنها تفيد زيادة في بيان جواز فعله . انتهى . وفيه ما فيه
( 16 ) أي الساتر له
( 17 ) أي أرخاه وأخره وخفضه
( 18 ) أي ظهر
( 19 ) لم يسم في رواية
( 20 ) بضم الباء الأولى أي صبه
( 21 ) وليحيى : بيديه فأقبل بهما وأدبر - أي بهما -
( 22 ) قوله : فقال هكذا رأيته يفعل في هذا الحديث فوائد : منها جواز اغتسال المحرم وغسله رأسه وإمرار اليد على شعره بحيث لا ينتف شعرا . ومنها قبول خبر الواحد وأن قبوله كان مشهورا بين الصحابة . ومنها الرجوع إلى النص وترك الاجتهاد والقياس عند وجود النص . ومنها السلام على المتطهر في وضوء أو غسل بخلاف الجالس على الحدث . ومنها جواز الاستعانة في الطهارة ولكن الأولى تركها إلا لحاجة . واتفق العلماء على جواز غسل المحرم رأسه وجسده عن الجنابة بل هو واجب عليه وأما غسله للتبرد فمذهبنا ومذهب الجمهور جوازه بلا كراهة ويجوز عند الشافعي غسل رأسه بالسدر والخطمي ( قال ابن رشد : اتفقوا على منع غسل رأسه بالخطمي وقال مالك وأبو حنيفة : إن فعل ذلك افتدى وقال أبو ثور وغيره : لا شيء عليه . بداية المجتهد 1 / 403 وقال العيني إن غسل رأسه بالخطمي والسدر فإن الفقهاء يكرهونه وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأوجب مالك وأبي حنيفة عليه الفدية وقال الشافعي وأبو ثور لا شيء عليه وفي شرح الوجيز لا يكره الخطمي والسدر وفي القديم يكره ولكن لا فدية عليه وبه قال أحمد انظر أوجز المسالك 6 / 174 ) بحيث لا ينتف شعرا ولا فدية عليه ما لم ينتف شعرا كذا في " شرح صحيح مسلم " للنووي
( 23 ) أي يغتسل في حال الإحرام . قوله : يفعل زاد ابن عيينة : فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس : لا أماريك أبدا أي لا أجادلك كذا في " إرشاد الساري "
( 24 ) قوله : نأخذ لأن المثبت مقدم على النافي ولأن الأصل الجواز حتى يثبت دليل على منعه لثبوت ذلك بكثير من الروايات
( 25 ) سواء غسل سائر بدنه أم لا
( 26 ) أي لا يزيده إلا شعثا
( 27 ) قوله : إلا شعثا قيل فيه إن الشعث - محركة - انتشار الشعر وتفرقه وتغيره كما ينتشر رأس السوال . ولا شك أن بالماء يحصل الاجتماع والالتئام . انتهى . وفيه نظر فإن مجرد غسل الرأس دون أن ينقيه ويصفيه بالخطمي أو غير ذلك يدخل الغبار في أصول الشعر وينتشر بعد الجفاف كانتشار أطراف السواك بل أزيد لفقدان التدهين . فلم يزده الماء إلا شعثا
( 28 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال مالك والشافعي وعن ابن عباس قال : يدخل المحرم الحمام ذكره البخاري تعليقا ووصله البيهقي والدارقطني من طريق أيوب عن عكرمة عنه قال : يدخل المحرم الحمام وينزع رأسه وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول : أميطوا عنكم الأذى فإن الله لا يصنع بأوساخكم شيئا . وحكى ابن أبي شيبة كراهة ذلك عن الحسن وعطاء . وهذا كله في مجرد الغسل وأما غسله بالخطمي وغيره . فإن الفقهاء يكرهونه . وأوجب مالك والشافعي الفدية عليه ورخص عطاء ومجاهد لمن لبد رأسه ذلك كذا في " عمدة القاري بشرح صحيح البخاري "

420 - أخبرنا مالك أخبرنا حميد بن قيس المكي عن عطاء ( 1 ) بن أبي رباح ( 2 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ليعلى بن منية ( 3 ) وهو يصب ( 4 ) على عمر ماء وعمر يغتسل ( 5 ) : اصبب ( 6 ) على رأسي قال له يعلى : أتريد ( 7 ) أن تجعلها ( 8 ) في ؟ إن أمرتني صببت قال : اصبب . فلم يزد ( 9 ) الماء إلا شعثا ( 10 )
قال محمد : لا نرى بهذا بأسا وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) هو فقيه ثقة فاضل لكنه كثير الإرسال مات سنة 114 ، كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) بالفتح اسمه أسلم
( 3 ) هي أمه واسم أبيه أمية بن أبي عبيدة بن همام وهو صحابي مات سنة بضع وأربعين قاله الزرقاني
( 4 ) أي حال اغتساله
( 5 ) أي في حال إحرامه
( 6 ) مقولة عمر
( 7 ) قوله : أتريد أن تجعلها في قال ابن وهب : معناه إنما أفعله طوعا لك لفضلك وأمانتك ولا رأي لي فيه وقال أبو عمرك أي الفدية إن مات شيء من دواب رأسك أو زال شيء من الشعر لزمتني الفدية فإن أمرتني كانت عليك
( 8 ) أي هذه الخصلة
( 9 ) في نسخة : فلن يزيده
( 10 ) فلا ينافي ما ورد من أن الحاج أشعث

16 - ( باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب )

421 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر ( 1 ) : أن رجلا ( 2 ) سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ماذا يلبس ( 3 ) المحرم من الثياب ؟ فقال : لا يلبس ( 4 ) القمص ( 5 ) ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ( 6 ) ولا الخفاف ( 7 ) إلا أحد ( 8 ) لا يجد ( 9 ) نعلين فيلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ( 10 ) ولا تلبسوا ( 11 ) من الثياب شيئا ( 12 ) مسه الزعفران ولا الورس ( 13 )
_________
( 1 ) قال القاري : هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة
( 2 ) قال الحافظ : لم أقف على اسمه في شيء من الطرق
( 3 ) قوله : ماذا يلبس المحرم ؟ وعند البخاري : ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا ؟ وعند البيهقي : نادى رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يخطب بذلك المكان . وأشار نافع إلى مقدم المسجد أي مسجد المدينة . وللبخاري ومسلم عن ابن عباس : أنه صلى الله عليه و سلم خطب بذلك في عرفات لكن ليس في أنه أجاب به السائل فهو محمول على تعدده
( 4 ) قوله : لا يلبس بالرفع خبر عن الحكم الشرعي أو بمعنى النهي وبالجزم بمعنى النهي وفي رواية : لا تلبسوا . وإنما ذكر ما لا يجوز لبسه مع أن السؤال كان عما يجوز لبسه لكون ما لا يلبس منحصرا فقال : لا يلبس كذا أي يلبس ما سواه . وهذا على رواية مشهورة . وإلا فعند أحمد وابن خزيمة وأبي عوانة : أن رجلا سأل ما يجتنب المحرم من الثياب ؟ وهذا الحكم أي عدم جواز لبس المخيط من القميص وغيره مخصوص بالرجال . وأما المرأة فيجوز لها جميع ذلك قاله ابن المنذر كذا في " فتح الباري "
( 5 ) قوله : القمص بضمتين جمع قميص ولا العمائم جمع عمامة - بالكسر - ما يلف على الرأس ولا السراويلات جمع سراويل - وهو مفرد - أو جمع سروال
( 6 ) قوله : البرانس بفتح الموحدة وكسر النون جمع البرنس بضم وهو قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كانت أو جبة كذا في " القاموس "
( 7 ) بالكسر جمع خف
( 8 ) بالرفع بدل من فاعل لا يلبس وهو أولى من نصبه استثناء قاله القاري
( 9 ) قوله : لا يجد نعلين ظاهره أنه إذا كان قادرا على النعلين لا يلبس الخف مقطوعا يعني لا يحل له ذلك لما فيه من إتلاف المال من غير ضرورة وقد صرح بهذا ابن نجيم في " البحر الرائق " وقال العيني في " البناية " إن وجد النعلين فلبس الخفين مقطوعين لا شيء عليه عندنا وعند مالك يفدي وكذا عند أحمد وعن الشافعي قولان . وقد بسطت الكلام في هذه المسألة في رسالتي " غاية المقال فيما يتعلق بالنعال "
( 10 ) المراد بهما المفصلان اللذان في وسط القدمين من عند معقد الشراك
( 11 ) هذا الحكم عام للرجال والنساء
( 12 ) قوله : شيئا مسه الزعفران قال الطيبي : نبه بالورس والزعفران على ما في معناهما مما يقصد به الطيب فيكره للمحرم الثوب المصبوغ بغير طيب أيضا
( 13 ) بفتح الواو : نبت أصفر يصبغ به قاله في " النهاية "

422 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار قال : قال عبد الله بن عمر : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران ( 1 ) أو ورس وقال : من لم يجد نعلين فيلبس خفين . وليقطعهما ( 2 ) أسفل من الكعبين
_________
( 1 ) وفي حكمه العصفر
( 5 ) قوله : وليقطعهما اتفق على وجوب القطع بحيث ينكشف الكعب وعدم جواز لبس الساتر له الجمهور وخالف في ذلك أحمد وحكي عن عطاء مثله قال : لأن في قطعهما إفسادا قال الخطابي : يشبه أن يكون عطاء لم يبلغ الحديث وما أذن فيه رسول الله ليس بفساد والعجب من أحمد فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلت سنة لم تبلغه ويشبه أن يكون ذهب إلى حديث ابن عباس فإن فيه : من لم يجد نعلين فليلبس الخفين من غير ذكر القطع . انتهى . وللحنابلة في تصحيح هذا القول أقوال مردودة بسطها العيني في " عمدة القاري "

423 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر أنه كان ( 1 ) يقول : لا تنتقب ( 2 ) المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : أنه كان يقول هذا رواه موقوفا مالك وعبيد الله العمري وليث وأيوب السختياني وموسى بن عقبة كلهم عن نافع كما عند البخاري وأبي داود . وأخرجاه من طريق الليث عن نافع فجعله من جملة المرفوع السابق فقال بعد قوله : ولا ورس ولا تنتقب وورد ذلك مفردا أيضا مرفوعا عند أبي داود وقال ابن المنذر : أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا الوجه فتسدل عليها الثوب سدلا خفيفا تستتر به عن أعين الرجال ولا تخمر لما ورد عن عائشة : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مر بنا الركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه أخرجه أبو داود وابن ماجه . وعليه يحمل ما أخرجه مالك عن هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) قوله : لا تنتقب ( جاز لها نقاب لا يمس وجهها قال في المغني 3 / 326 . فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها روي ذلك عن عثمان وعائشة وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن ولا نعلم فيه خلافا ... وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيا عن وجهها ... . إلخ ) أي لا تلبس النقاب وهو ما يستر الوجه من البرد ونحوه وهو يحتمل أن يكون نفيا أو نهيا إلا إذا جافت بينه وبين وجهها قاله القاري
( 3 ) قوله : القفازين بضم القاف وتشديد الفاء شيء يتخذه نساء العرب ويحشى بقطن يغطي كفي المرأة وأصابعها . بالفارسية ( دستانه )

424 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه سمع أسلم يحدث ( 1 ) عبد الله بن عمر بن الخطاب رأى على طلحة ( 2 ) بن عبيد الله ثوبا مصبوغا ( 3 ) وهو محرم فقال عمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ قال : يا أمير المؤمنين إنما هو من مدر ( 4 ) قال إنكم - أيها ( 5 ) الرهط - أئمة ( 6 ) يقتدي بكم الناس ولو أن ( 7 ) رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال ( 8 ) : إن طلحة كان يلبس ( 9 ) الثياب المصبغة في الإحرام
قال محمد : يكره أن يلبس المحرم المشبع ( 10 ) بالعصفر ( 11 ) والمصبوغ بالورس أو الزعفران إلا أن يكون شيء من ذلك قد غسل فذهب ( 12 ) ريحه وصار لا ينفض ( 13 ) فلا بأس ( 14 ) بأن يلبسه . ولا ينبغي للمرأة أن تتنقب ( 15 ) فإن أرادت أن تغطي ( 16 ) وجهها فلتسدل ( 17 ) الثوب سدلا من فوق ( 18 ) خمارها على وجهها وتجافيه ( 19 ) عن وجهها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي يرويه له
( 2 ) قوله : طلحة بن عبيد الله هو أحد العشرة المبشرة : طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو القرشي التيمي يعرف بطلحة الخير وطلحة الفياض وهو من السابقين الأولين شهداء أحد وما بعدها روي عنه قال : سماني رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد طلحة الخير ويوم العسرة طلحة الفياض ويوم حنين طلحة الجواد . واستشهد في وقعة " الجمل " سنة ست وثلاثين وله مناقب جمة ذكرها ابن الأثير في " أسد الغابة "
( 3 ) بغير ورس وزعفران
( 4 ) بفتحتين أي من طين أحمر وليس فيه طيب
( 5 ) خطاب إلى الصحابة
( 6 ) من المجتهدين
( 7 ) قوله : ولو أن رجلا يؤخذ منه أن العلماء يستحب لهم التجنب عن مواضع التهم وأنه ينبغي لهم ترك مباح يحتمل فيه الفتنة
( 8 ) ولم يفرق الرأي بين الحلال والحرام على أن نفس هذا اللون مع قطع النظر عن كونه طيبا لا يليق بالعلماء
( 9 ) قوله : كان يلبس ... إلى آخره قال الزرقاني : إنما كره عمر ذلك لئلا يقتدي به جاهل فيظن جواز لبس المورس والمزعفر فلا حجة لأبي حنيفة في أن العصفر طيب وفيه الفدية قاله ابن المنذر . وقد أجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم . انتهى . وفيه نظر ظاهر فإن الظاهر من أثر عمر أنه كره ذلك لئلا يظن جاهل من لبس الثوب المصبغ بالمدر - ولونه أحمر - جواز لبس الأحمر مطلقا حتى المعصفر لا لئلا يظن جواز المورس والمعصفر فإن لون كل منهما أصفر يبعد من رؤيته لون المدر جوازه
( 10 ) من أشبع الثوب إذا أكثر صبغه
( 11 ) بضم العين والفاء : نبت معروف يصبغ به الثوب صبغا أحمر يقال له كسم
( 12 ) قوله : فذهب ريحه يشير إلى أن المنع من المصبوغ بالزعفران والورس إنما هو لريحه لا لنفس اللون قال العيني في " عمدة القاري " : ظاهر الحديث أنه لا يجوز لبس ما مسه الزعفران والورس سواء انقطعت رائحته أو لم تنقطع وفي " الموطأ " أن مالكا سئل عن ثوب مسه طيب ثم ذهب ريح الطيب هل يحرم فيه ؟ قال : نعم لا بأس بذلك ما لم يكن فيه صباغ زعفران أو ورس قال : وإنما يكره لبس المشبعات لأنها تنفض وذهب الشافعي إلى أنه إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الريح منه لم يجز استعماله وقال أصحابنا : ما غسل من ذلك حتى صار لا ينفض فلا بأس بلبسه في الإحرام وهو المنقول عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والحسن وطاوس وقتادة والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وقد روى الطحاوي عن فهد عن يحيى بن عبد المجيد عن أبي معاوية وعن ابن أبي عمران عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي عن أبي معاوية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران - يعني في الإحرام - إلا أن يكون غسيلا " . وهذه الزيادة صحيحة لأن رجاله ثقات
( 13 ) بفتح الفاء وتشديد الضاد أيضا أي لا يتناثر منه الطيب ولا يفوح منه
( 14 ) قوله : فلا بأس بأن يلبسه ظاهره أنه يجوز للرجال لبس المزعفر والمعصفر وحقق العيني في " شرح البخاري " نقلا عن شيخه الزين العراقي وأقره أن لبس المزعفر لغير المحرم جائز والمراد في النهي الوارد عن تزعفر الرجل فيما أخرجه الشيخان وغيرهما تزعفر بدنه لكن أكثر كتب فقهائنا ناصة على كراهة المعصفر والمزعفر للرجل غير المحرم ( في الأصل الغير المحرم ) فما بالك بالمحرم ويمكن أن يقال : معنى قوله لا بأس بأن يلبسه ههنا لا بأس به للإحرام ولا يضر لبسه للإحرام إذا ذهب ريحه . وأما كراهته لنفس اللون فهو أمر آخر يعلم من موضع آخر
( 15 ) أي تلبس النقاب
( 16 ) لمقابلة غير محرم وغير ذلك
( 17 ) قوله : فلتسدل الثوب يقال : سدلت الثوب أرخته وأرسلته من غير ضم جانبيه وإن ضمتهما فهو قريب من التلفيف
( 18 ) قوله : من فوق خمارها بالكسر ما يغطي به المرأة رأسها أي ترخي الثوب من فوق رأسها على وجهها من غير أن يمسه وفسره القاري بقوله : بكسر أولها أي ما تغطي بها وجهها من خشب أو قصب . انتهى وفيه نظر ظاهر لكونه تفسيرا بما ليس بتفسير
( 19 ) أي تباعد الثوب المسدول عن الوجه

425 - أخبرنا مالك حدثنا حميد بن قيس المكي عن عطاء بن أبي رباح ( 1 ) : أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بحنين ( 2 ) وعلى الأعرابي ( 3 ) قميص به ( 4 ) أثر صفرة ( 5 ) فقال : يا رسول الله إني أهللت ( 6 ) بعمرة فكيف تأمرني أصنع ( 7 ) ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : انزع ( 8 ) قميصك واغسل هذه الصفرة عنك ( 9 ) وافعل في عمرتك مثل ما تفعل ( 10 ) في حجك
قال محمد : وبهذا نأخذ ينزع قميصه ويغسل الصفرة التي به ( 11 )
_________
( 1 ) مرسل وصله البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه
( 2 ) قوله : بحنين بالتصغير واد بالطائف قال ابن عبد البر : المراد منصرفه من غزوة حنين والموضع الذي لقيه فيه هو الجعرانة ذكره السيوطي . وكانت تلك الغزوة سنة ثمان كما ذكره ابن حزم وغيره
( 3 ) قوله : الأعرابي قال الحافظ : لم أقف على اسمه . وفي " تفسير الطرطوشي " اسمه عطاء بن أمية قال ابن فتحون : إن صح هذا فهو أخو يعلى راوي الخبر
( 4 ) أي بذلك القميص . وفي رواية : جبة
( 5 ) أي من زعفران
( 6 ) أي أحرمت
( 7 ) أي في إحرامها وأعمالها
( 8 ) وقوله : انزع قميصك أي لأنه مخيط لا يحل استعماله في الإحرام ولم يأمره بالفدية فأخذ به الشافعي والثوري وعطاء وأحمد في رواية وقالوا : من لبس في إحرامه ما لا يجوز جاهلا أو ناسيا فلا فدية عليه قال أبو حنيفة وجماعة : يلزمه إذا غطى رأسه ووجهه متعمدا أو ناسيا يوما إلى الليل الفدية وفي أقل منه الصدقة . وفيه أن المحرم إذا لبس مخيطا لا يجب عليه شقه بل نزعه خلافا للشافعي والنخعي والشعبي قالوا : لا ينزعه لئلا يصير مغطيا رأسه . ونحوه عن علي والحسن وأبي قلابة عند أبي شيبة . كذا ذكره العيني
( 9 ) قوله : عنك أي عن بدنك كذا فسره القاري وليس بصحيح بل المعنى عن ثوبك على ما يستفاد من رواية سعيد بن منصور والبيهقي كما فصله شراح صحيح البخاري . ويستفاد منه نهي المزعفر للرجال
( 10 ) قوله : ما تفعل في حجك أي من الأفعال المشتركة بين العمرة والحج دون ما يخص بالحج ودل هذا أن أفعال الحج كانت معلومة عنده
( 11 ) أي ببدن المحرم وثوبه

17 - ( باب ما رخص للمحرم أن يقتل من الدواب ( 1 ) )
426 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : خمس ( 2 ) من الدواب ليس على المحرم ( 3 ) في قتلهن جناح ( 4 ) الغراب ( 5 ) والفأرة ( 6 ) والعقرب والحدأة ( 7 ) والكلب العقور ( 8 )
_________
( 1 ) جمع دابة : هي ما يدب على الأرض
( 2 ) قوله : خمس مفهومه اختصاص الحكم بهذه الخمسة لكنه مفهوم عدد وليس بحجة عند الجمهور وعلى تقدير اعتباره يحتمل أنه عليه السلام اقتصر عليه في وقت وبين في وقت آخر أن غير الخمس يشتركه فقد ورد عند مسلم من حديث عائشة الاقتصار على الأربع من غير ذكر العقرب وورد عنها عند أبي عوانة في " المستخرج " ست هذه الخمسة والحية . وأخرج ابن خزيمة وابن المنذر زيادة على الخمسة المذكورة وهي الذئب والنمر . وعند ابن ماجه من حديث أبي سعيد مرفوعا : يقتل المحرم الحية والعقرب والسبع العادي والكلب العقور والفأرة . ومن ثم ذهب الجمهور إلى أن الحكم عام في كل مؤذ فليلحق بالحدأة الصقر والبازي وغيرهما من سباع الطيور وبالعقرب الزنبور والحية ونحوها وبالفأرة ابن عرس وبالكلب العقور الأسد والذئب والنمر وغيرها من سباع البهائم . ومن ثم قيد أصحابنا الغراب بالأبقع وهو الذي يأكل الجيف لا غراب الزرع لأنه غير مؤذ وقد ورد التقييد بالأبقع في رواية عائشة عند مسلم . والتفصيل في " شرح صحيح البخاري "
( 3 ) وعلى غير المحرم ينتفي الجناح بالأولى
( 4 ) بالضم أي إثم
( 5 ) أي الذي يأكل الجيف وهو الغراب الأبقع
( 6 ) يستوي فيها الوحشية والأهلية
( 7 ) بكسر الحاء وفتح الدال والهمزة مقصورا على زنة عنبة
( 8 ) بفتح العين أي المجنون أو الذي يعض

427 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : خمس ( 1 ) من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه : العقرب والفأرة والكلب ( 2 ) العقور والغراب والحدأة
_________
( 1 ) في رواية خمس فواسق وتسميتها به بكونها مؤذية
( 2 ) قوله : والكلب قال النووي : اختلفوا في المراد به فقيل : هو الكلب المعروف خاصة وقيل الذئب وحده . وقال جمهور العلماء : المراد به كل مفترس عاد غالبا كالنمر والفهد

428 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عمر بن الخطاب : أنه أمر بقتل الحيات في الحرم ( 1 )
_________
( 1 ) قوله : في الحرم الذي يحرم فيه الاصطياد . وقتل الحيوانات للمحرم . والحلال كليهما وذلك لكون الحية مؤذية وقد وردت الأخبار بجواز قتل الأشياء السابق ذكرها وغيرها من المؤذيات في الحرم وللمحرم أيضا في الحل والحرم كليهما . واختلفت الروايات في الأشياء المذكورة ففي بعضها ورد نفي الجناح عن قتلها للمحرم وفي بعضها : نفي الجناح عن قتلهن في الحرم . وهما حكمان متغايران ثابتان لا يستلزم أحدهما الآخر وقد اشتبه على بعض الفقهاء أحدهما بالآخر وورد الجمع بهما في " صحيح مسلم " عن ابن عمر مرفوعا : خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام كذا حققه الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية "

429 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب ( 1 ) قال : بلغني أن سعد بن أبي وقاص كان يقول : أمر ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتل ( 3 ) الوزغ
قال محمد : وبهذا كله نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قال العيني في " عمدة القاري " : فيه انقطاع بين الزهري وسعد
( 2 ) قوله : أمر ليس في هذه الرواية جواز القتل للمحرم . ولعل المؤلف استدل بإطلاقه فأورده في هذا الباب
( 3 ) قوله : بقتل الوزغ بفتحتين جمع وزغة دويبة معروفة تكون في السقوف والجدران وكبارها يقال لها سام أبرص . وقد ورد الأمر والوعد بالأجر في قتلها فعن أم شريك أنها استأمرت النبي صلى الله عليه و سلم في قتل الوزغان فأمرها بذلك أخرجه البخاري ومسلم . وفي " الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا وقال : كان ينفخ النار على إبراهيم . وفي " الصحيح " من حديث أبي هريرة من قتل وزغة في ( في الأصل " من أول ضربة " وهو تحريف . انظر عمدة القاري 10 / 186 ) أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها في الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية وعند الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا : اقتلوا الوزغة ولو في جوف الكعبة . وفي سنده عمر بن قيس المكي ضعيف . وعند ابن ماجه عن عائشة : أنه كان في بيتها رمح موضوع فقيل لها ما تصنعين بها ؟ قالت : أقتل الوزغ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ عليه النار فأمر عليه السلام بقتله كذا في " حياة الحيوان " للدميري

18 - ( باب الرجل يفوته ( 1 ) حج )
430 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن سليمان ( 2 ) بن يسار : أن هبار ( 3 ) بن الأسود جاء ( 4 ) يوم النحر و ( 5 ) عمر ينحر ( 6 ) بدنه فقال : يا أمير المؤمنين أخطأنا ( 7 ) في العدة كنا نرى أن هذا اليوم يوم عرفة فقال له عمر : اذهب إلى مكة فطف ( 8 ) بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا أنت ومن معك ( 9 ) وانحر هديا إن كان معك ثم احلقوا ( 10 ) أو قصروا وارجعوا ( 11 ) فإذا كان قابل ( 12 ) فحجوا ( 13 ) واهدوا ( 14 ) فمن لم يجد ( 15 ) فيصم ( 16 ) ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا إلا في خصلة ( 17 ) واحدة لا هدي ( 18 ) عليهم في قابل ولا صوم . وكذلك ( 19 ) روى الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد قال : سألت عمر بن الخطاب عن الذي يفوته الحج ؟ فقال : يحل ( 20 ) بعمرة وعليه الحج من قابل ولم يذكر ( 21 ) هديا ثم قال : سألت بعد ذلك زيد بن ثابت فقال : مثل ( 22 ) ما قال عمر
قال محمد : وبهذا نأخذ وكيف ( 23 ) يكون عليه ( 24 ) هدي فإن لم يجد فالصيام وهو ( 25 ) لم يتمتع في أشهر الحج ؟
_________
( 1 ) قوله : يفوته بأن أحرم به ولم يحصل له الوقوف بعرفة في وقته وهو من زوال يوم عرفة إلى صبح يوم النحر
( 2 ) في رواية البخاري في " التاريخ " عن سليمان عن هبار أنه حدثه
( 3 ) قوله : أن هبار بفتح الهاء وتشديد الباء آخره راء مهملة : ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشي صحابي شهير أسلم بعد فتح مكة وحسن إسلامه ذكره ابن الأثير في " أسد الغابة "
( 4 ) أي بمنى وكان مجيئه للحج من الشام كما ورد في رواية
( 5 ) الواو حالية
( 6 ) أي بمنى يوم النحر
( 7 ) قوله : أخطأنا في العدة بكسر العين وتشديد الدال أي تعداد التاريخ والأيام وكنا نرى بصيغة المجهول : أي نظن أن هذا اليوم الذي وصلنا فيه يوم عرفة يوم الوقوف بعرفة فلذا تأخرنا وقد فاتنا الحج فأفتنا فيما نحن فيه
( 8 ) كطواف العمرة
( 9 ) من المحرمين بالحج
( 10 ) خطاب إلى الجماعة
( 11 ) أي إلى الأوطان . وهذا الأمر إباحة فلو أقام هناك فالحكم واحد
( 12 ) أي عام مستقبل
( 13 ) قوله : فحجوا أي قضاء عن الحج الذي فاته وتحلل ( وفي " مناسك النووي " : يلزمه أن يتحلل بعمل عمرة قال ابن حجر : أي اتفاقا إلا رواية عن مالك فلو أراد البقاء على إحرامه أثم ويجب عليه التحلل فورا كما نقله ابن الرفعة عن النص ومتى خالف وبقي محرما إلى قابل فحج بذلك الإحرام لم يصح حجه . أوجز المسالك 7 / 240 ) منه بأفعال العمرة سواء كان الحج الذي أحرم به فرضا أو نفلا فإن النفل يلزم بالشروع عندنا
( 14 ) أي في ذلك العام
( 15 ) أي الهدي
( 16 ) قوله : فليصم . بدل الهدي ثلاثة أيام في الحج أي في أشهره بعد إحرامه والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجعتم أي فرغتم من الحج بمكة أو بعد الرجوع إلى الوطن فإن الأمر موسع . واستدل الشافعي ومالك والحسن بن زياد من أصحابنا بهذا الأثر وقالوا : فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة ويحج من عام قابل وعليه دم فإن لم يجد فصوم ويوافقهم أيضا ما أخرجه الشافعي والبيهقي عن أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : من أدرك ليلة النحر فوقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ومن فاته فقد فاته الحج فليأت البيت وليطف به سبعا ويطوف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو ليقصر وإن كان معه هدي فلينحر ثم يرجع إلى أهله فإن أدركه الحج من قابل فليحج وليهد فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعا إذا رجع إلى أهله . وما أخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من لم يدرك الحج فعليه دم ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل . وهو مرسل ضعيف كذا ذكره الزيلعي والعيني
( 17 ) أي في حكم واحد من الأحكام المذكورة
( 18 ) أي ليس بواجب عليهم . وأما على الاستحباب فلا ينكر وعليه يحمل ما ورد بأمره
( 19 ) قوله : وكذلك روى الأعمش يوافقه حديث ابن عباس مرفوعا : من أدرك عرفات فوقف بها وبالمزدلفة فقد تم حجه ومن فاته عرفات فقد فاته الحج فليحلل بعمرة وعليه الحج من قابل . ونحوه من طريق ابن عمر أخرجهما الدارقطني وسندهما ضعيف كما بسطه الزيلعي
( 20 ) أي يخرج من العمرة بأفعال العمرة
( 21 ) أي عمر فلو كان واجبا لذكره
( 22 ) أي من غير ذكر الهدي
( 23 ) استبعاد لوجوب الهدي أو الصيام عليه وإيماء إلى الاستدلال على عدمه
( 24 ) أي على فائت الحج
( 25 ) قوله : وهو أي والحال أنه لم يتمتع في أشهر الحج والهدي إن قدر عليه وصيام العشرة إن لم يقدر عليه خاص بالمتمتع كما قال الله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } ( سورة البقرة : الآية 196 ) ولعل من حكم بالهدي على فائت الحج قاسه على المحصر لكن يبقى الكلام في الصيام

19 - ( باب الحلمة ( 1 ) والقراد ينزعه المحرم )
431 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر كان يكره ( 2 ) أن ينزع المحرم حلمة أو قرادا عن بعيره ( 3 )
قال محمد : لا بأس بذلك ( 4 ) قول ( 5 ) عمر بن الخطاب في هذا ( 6 ) أعجب إلينا من قول ابن عمر
_________
( 1 ) قوله : باب الحلمة والقراد ينزعه المحرم أي يخرجه من جسد بعيره حالة إحرامه والقراد بالضم كغراب : دويبة تتعلق بالبعير كالقمل للإنسان ويقال له أول ما يكون صغيرا : قمقامة ثم يصير حمنانة ثم يصير قرادا ثم يصير حلمة - بفتحتين - كذا قال الدميري في " حياة الحيوان " وقال أيضا : مذهبنا استحباب قتل القراد في الإحرام وغيره وقال العبدري : يجوز عندنا أن يقرد بعيره وبه قال ابن عمر وابن عباس وأكثر الفقهاء . وقال مالك : لا يقرده وقال ابن المنذرك وممن أباح تقريد البعير عمر وابن عباس وجابر بن زيد وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وكرهه ابن عمر ومالك وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال في المحرم يقتل قرادة : يتصدق بتمرة أو تمرتين قال ابن المنذر وبالأول أقول . انتهى
( 2 ) قوله : يكره لأن تقريده سبب لإهلاكه قال مالك : ذلك أحب ما سمعت في ذلك
( 3 ) وأما عن نفسه فلا يكره لأنه ليس من دواب الإنسان ( أما لو ركب القراد على نفسه فلا بأس أن يدفعه لأنه ليس مما يتولد عن الإنسان . أوجز المسالك 7 / 38 )
( 4 ) أي بالتقريد من البعير
( 5 ) الآتي ذكره
( 6 ) أي في هذا الأمر

432 - أخبرنا مالك حدثنا ( 1 ) عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير ( 2 ) قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرد ( 3 ) بعيره بالسقيا ( 4 ) وهو محرم فيجعله ( 5 ) في طين
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس ( 6 ) به وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العمري المدني ضعفه جماعة منهم ابن المديني ويحيى بن سعيد وغيرهما ووثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن شيبة توفي بالمدينة سنة 171 ، كذا في " تهذيب التهذيب " وقد بسطت الكلام في توثيقه والاحتجاج به في رسالتي " الكلام المبرور في رد القول المنصور " وفي رسالتي " السعي المشكور في الرد على المذهب المأثور " كلاهما في بحث زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم والرسالتان المردودتان لبعض أفاضل عصرنا ممن حج ولم يزر قبر النبي صلى الله عليه و سلم وكتب ما كتب . وفي " موطأ يحيى " في هذه الرواية لم يذكر عبد الله العمري بل فيه مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي إلى آخره
( 2 ) بصيغة التصغير
( 3 ) من التقريد وهو نزع القراد من البعير
( 4 ) بالضم : قرية بين مكة والمدينة
( 5 ) أي يلقي القراد في الطين ( قال الموفق : وما لا يؤذي بطبعه ولا يؤكل كالرخم والديدان فلا أثر للحرم ولا للإحرام فيه ولا جزاء فيه إن قتله وبهذا قال الشافعي . وقال مالك : يحرم قتلها وإن قتلها فداها وإذا وطئ الذباب والنمل تصدق بشيء من الطعام . أوجز المسالك 9 / 36 )
( 6 ) قوله : لا بأس به لأن القراد مؤذية بالطبع وليست بصيد ولا متولدة من بدن الإنسان حتى يحرم إهلاكه

20 - ( باب لبس المنطقة ( 1 ) والهميان للمحرم )
433 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان يكره ( 2 ) لبس المنطقة للمحرم
قال محمد : هذا أيضا لا بأس به قد رخص غير واحد ( 3 ) من الفقهاء في لبس الهميان للمحرم وقال : استوثق ( 4 ) من نفقتك
_________
( 1 ) قوله : لبس المنطقة قال القاري : المنطقة بكسر الميم وفتح الطاء ما يشد به الوسط والهميان - بكسر فسكون - الكيس الذي تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط ويشبه تكة السراويل
( 2 ) قوله : كان يكره أي تنزيها قال ابن عبد البر : لم ينقل كراهته إلا عنه وعنه جوازه . ولا يكره عند فقهاء الأمصار وأجازوا عقده إذا لم يكن إدخال بعضه في بعض ومنع إسحاق عقده وكذا عن سعيد بن المسيب عن ابن أبي شيبة . وفي " الهداية " و " البناية " : لا بأس بأن يشد في وسطه الهميان وهو ما يوضع فيه الدراهم والدنانير وقال مالك : يكره إن كان فيه ( سقط لفظ " فيه " من الأصل ) نفقة غيره لأنه لا ضرورة له في ذلك . ولنا أنه ليس في معنى لبس المخيط فاستوت به الحالتان . قال ابن المنذر : رخص في الهميان والمنطقة للمحرم ابن عباس وابن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد والقاسم والنخعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور غير أن إسحاق قال : ليس له أن يعقد بل يدخل السيور بعضها في بعض
( 3 ) أي كثير من الفقهاء
( 4 ) قوله : استوثق أي استحفظ واستحكم ما تنفقه في سفرك وهذا قول عائشة ذكره محب الدين الطبري نقله العيني . وفيه إشارة إلى أن الضرورات تبيح المحظورات فإن المحظور في الإحرام إنما هو لبس المخيط حقيقة أو حكما لا شده

21 - ( باب المحرم يحك ( 1 ) جلده )
434 - أخبرنا ( 2 ) علقمة بن أبي علقمة عن أمه ( 3 ) قالت : سمعت عائشة رضي الله عنها تسأل ( 4 ) عن المحرم يحك ( 5 ) جلده ؟ فتقول : نعم فليحك ( 6 ) وليشدد ( 7 ) ولو ربطت ( 8 ) يداي ( 9 ) ثم لم أجد إلا أن أحك برجلي ( 10 ) لاحتككت
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 11 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) من الحك ( سودن جيزى جيزى ) ( بالفارسية )
( 2 ) قوله : أخبرنا علقمة هكذا وجدنا في نسخ عديدة والصحيح أخبرنا مالك أخبرنا علقمة إلى آخره على ما في بعض النسخ الصحيحة ( كذا في الأوجز 7 / 37 )
( 3 ) اسمها مرجانة
( 4 ) بصيغة المجهول : أي يسألها الناس
( 5 ) استفهام بحذف الهمزة بيان للسؤال
( 6 ) أي المحرم . والأمر للإباحة
( 7 ) أي ليبالغ في الحك
( 8 ) أي شدت بصيغة المجهول
( 9 ) في نسخة : يداي واحتجت
( 10 ) تثنية رجل بكسر
( 11 ) أي بجواز الحك بشرط أن يكون برفق لا ينتف شعرا

22 - ( باب المحرم يتزوج )

435 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن نبيه ( 1 ) بن وهب أخي بني عبد الدار : أن عمر بن عبيد الله أرسل ( 2 ) إلى أبان بن عثمان - و ( 3 ) أبان أمير ( 4 ) المدينة - هما ( 5 ) محرمان فقال ( 6 ) : إني أردت أن أنكح ( 7 ) طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير وأردت ( 8 ) أن تحضر ذلك فأنكر عليه ( 9 ) أبان وقال : إني سمعت عثمان بن عفان قال : قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا ينكح المحرم ولا يخطب ولا ينكح ( 10 )
_________
( 1 ) قوله عن نبيه هو بضم النون - مصغرا - بن وهب بن عثمان العبدري أخي بني عبد الدار بن قصي قبيلة أي هو أحد منهم وهو من صغار التابعين مات سنة 126 ، وشيخه عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب القرشي جده معمر صحابي وهو من التابعين ذكره ابن حبان في " الثقات " كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) أي نبيها الراوي كما في رواية لمسلم
( 3 ) الواو حالية وكذا الواو التي بعدها
( 4 ) في " موطأ يحيى " وأبان يومئذ أمير الحاج أي من جهة عبد الملك
( 5 ) أي عمر وأبان
( 6 ) أي عمر
( 7 ) قوله : أن أنكح من الإنكاح طلحة بن عمر أي ابنه مع ابنة شيبة اسمها : أمة الحميد بن جبير بن عثمان بن أبي طلحة العبدري
( 8 ) أي قصدت وأحببت أن تحضر في مجلس العقد . وفيه دلالة على ندب الإيذان لحضور العقد
( 9 ) وقال لا أراه إلا عراقيا كما في رواية لمسلم أي آخذا بمذهب أهل العراق تاركا للسنة
( 10 ) قوله : لا ينكح بفتح أوله المحرم بحج أو عمرة أي لا يعقد لنفسه ولا ينكح بضم أوله أي لا يعقد لغيره بولاية أو وكالة ولا يخطب من الخطبة بالكسر ويحتمل أن يريد خطبة النكاح . والسر في النهي عن هذه الأمور أنها من أمور العيش الدنيوي والإحرام ينبغي فيه ترك الترفه والتعيش ولذا نهي عن التطيب ولبس المخيط ونحو ذلك

436 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان يقول : لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره

437 - أخبرنا مالك حدثنا ( 1 ) غطفان بن طريف أخبره : أن أباه طريفا تزوج وهو محرم فرد ( 2 ) عمر بن الخطاب نكاحه
قال محمد : قد جاء في هذا ( 3 ) اختلاف ( 4 ) فأبطل أهل ( 5 ) المدينة نكاح المحرم وأجاز أهل مكة وأهل العراق نكاحه . وروى عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة بنت الحارث وهو محرم . فلا نعلم ( 6 ) أحدا ينبغي أن يكون أعلم بتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة من ابن عباس وهو ( 7 ) ابن أختها فلا نرى بتزوج المحرم بأسا ولكن لا يقبل ( 8 ) ولا يمس حتى يحل ( 9 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : حدثنا غطفان هكذا في النسخ الحاضرة وفي " موطأ يحيى " : مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن أباه ... إلى آخره . وأبو غطفان - بفتحات - قيل : اسمه سعد تابعي ثقة وأبوه طريف ككريم أيضا من التابعين ونسبته المري - بضم الميم وكسر الراء المشددة - إلى مر قبيلة ذكره السمعاني
( 2 ) قوله : فرد نكاحه ظاهره أنه فسخه بغير طلاق أخذا بظاهر الحديث وهو قول الشافعية . وعند المالكية يفسخ بطلقة احتياطا ذكره السمعاني
( 3 ) أي في نكاح المحرم
( 4 ) أي اختلاف الروايات واختلاف العلماء
( 5 ) قوله : أهل المدينة منهم سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وبه قال الليث والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق : أنه لا يجوز للمحرم النكاح فإن فعل ذلك فهو باطل وهو قول عمر وابن عمر وعلي وأبان وغيرهم . وأجاز ذلك إبراهيم النخعي والثوري وعطاء بن أبي رباح والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وعكرمة ومسروق وأبو حنيفة وأصحابه . واحتج المانعون بحديث عثمان المذكور سابقا وقد رواه الجماعة إلا البخاري وابن حبان وغيرهما . واحتج المجوزون بحديث ابن عباس قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة وهو محرم أخرجه الأئمة الستة وغيرهم زاد البخاري في رواية : وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف . وقال الترمذي : هو حديث حسن صحيح . وفي الباب عن عائشة أخرجه ابن حبان والبيهقي . قالت : إن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج وهو محرم . وأخرجه الطحاوي أيضا وأخرج أيضا عن أبي هريرة : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة وهو محرم . وكذا أخرجه الدارقطني . وأجاب المجوزون عن حديث المانعين بحمل " لا ينكح " على منع الوطء فإن النكاح يستعمل فيه . وفيه سخافة ظاهرة فإن لا يخطب ولا ينكح بالضم آبيان عن هذا التأويل ( قلت : قد ذهب أكثر المؤرخين إلى أنه نكحها بسرف ذاهبا إلى مكة وأنه صلى الله عليه و سلم أراد بمكة البناء بها ودعا أهل مكة إلى الوليمة فلم يقبلوها . أفترى أنه صلى الله عليه و سلم ورد مكة ولم يحرم بعد ؟ فكيف يتصور ما قالوا من أنه تزوج وهو حلال ؟ انظر الكوكب الدرى 2 / 104 ) والكلام في هذا البحث طويل من الطرفين مبسوط في " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي وشرح " الهداية " وشرح " صحيح البخاري " للعيني
( 6 ) قوله : فلا نعلم إشارة إلى ترجيح هذه الرواية بأن ابن عباس أعلم بكيفية تزوج ميمونة وهو يخبر أنه كان في حالة الإحرام فروايته مقدمة على رواية من روى أنها تزوجها حلالا كما أخرجه الطبراني في " معجمه " عن صفية بنت شيبة وغيره . وههنا أبحاث يظهر بالتعمق فيها ترجيح قول المانع على ما ذهب إليه المجوزون :
أحدها : وهو أقواها أنه قد روي عن ميمونة وهي صاحب القصة أنها تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حلال . وفي رواية : تزوجني ونحن حلالان بسرف . وفي رواية : بعد أن رجعنا من مكة أخرجه أبو داود والترمذي ومسلم وأبو يعلى وغيرهم ولاشك أن صاحب القصة أدرى بحاله من ابن أخته
وثانيها : أنه لو كان كون ابن عباس ابن أخت ميمونة مرجحا فكذلك يزيد بن الأصم ابن أختها وهو روى أنه صلى الله عليه و سلم تزوجها حلالا . وابن عباس وإن كان أعلم منه وأفضل منه لكنهما يتساويان في القرابة ورواية يزيد أخرجها الطحاوي وغيره
وثالثها : أن أبا رافع مولى رسول الله أخبر أنه تزوجها وهو حلال وكان سفيرا بينهما كما أخرجه الترمذي وحسنه وأحمد وابن حبان وابن خزيمة . ولاشك أن الرسول في واقعة أدرى بها من غيره
ورابعها : أن أبا داود أسند عن سعيد بن المسيب أن ابن عباس وهم في أنه تزوجها وهو محرم
وخامسها : أنه لا شك أن تزويج ميمونة كان في عمرة القضاء وإنما اختلف في أنه كان ذاهبا إلى مكة فيكون في حالة الإحرام أو راجعا منها فيكون في حالة الإحلال وابن عباس كان إذ ذاك صغيرا لم يبلغ مبلغ الرجال فلا يبعد وهمه وقلة حفظه لهذه الواقعة لصغره وليس فيه حط لشأنه بل بيان لدفع استبعاد وهمه لا سيما إذا خالفه أبو رافع وميمونة
وسادسها : أنه على تقدير صحة روايته يمكن أن يكون معنى قوله محرما أي في الحرم فإن المحرم يستعمل في عرفهم في هذا المعنى أيضا وفيه بعد كما يشهد به رواية البخاري : تزوجها وهو محرم وبنى بها وهو حلال
وسابعها : أنه قد يجيء المحرم بمعنى الداخل في الشهر الحرام فيحتمل أن يكون هو المراد ههنا وفيه بعد أيضا نظرا إلى تقابل الحلال
وثامنها : أنه قد تقرر في الأصول أن الحديث القولي مقدم على الحديث الفعلي وقد أخذ بهذه القاعدة أصحابنا أيضا في كثير من المواضع فبعد ثبوت رواية ابن عباس وقوته وترجحه على رواية غيره وكون المحرم فيه بمعنى صاحب الإحرام يقال : إنه حكاية للفعل النبوي وهو مع أنه لاعموم له يقدم عليه حديث المنع القولي والقول بأن التقدم إنما يكون عند التعارض والتعارض إنما يكون بالتساوي ولا تساوي ههنا كما صدر عن العيني في " عمدة القاري " مما لا يعبأ به فإنه لا شبهه في ثبوت التساوي والكلام في سند حديث المنع وكذا الكلام في سند روايات يزيد وميمونة وأبي رافع إن كان فهو قليل لا يرتفع به قابلية الاحتجاج به فافهم واستقم
( 7 ) أي والحال أن ابن عباس ابن أخت ميمونة فإن أمه أم الفضل أخت لها
( 8 ) لأن التقبيل والمس ونحو ذلك من دواعي الجماع وهو مع دواعيه ممنوع عنه في الإحرام
( 9 ) أي يخرج من الإحرام

23 - ( باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر )

438 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير المكي : أنه كان يرى البيت ( 1 ) يخلو ( 2 ) بعد العصر وبعد الصبح ما ( 3 ) يطوف به أحد
قال محمد : إنما كان يخلو لأنهم كانوا يكرهون الصلاة ( 4 ) تينك ( 5 ) الساعتين . والطواف لا بد له ( 6 ) من صلاة ركعتين فلا بأس ( 7 ) بأن يطوف سبعاولا يصلي الركعتين حتى ترتفع الشمس وتبيض ( 8 ) كما صنع ( 9 ) عمر بن الخطاب أويصلي ( 10 ) المغرب . وهو قول ( 11 ) أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) أي الكعبة أي حوله ومطافه
( 2 ) قوله : يخلو قال الزرقاني : هذا إخبار عن مشاهدة من ثقة لا إخبار عن حكم فسقط قول أبي عمر ( في الأصل أبو عمرو والصواب أبو عمر ) أي ابن عبد البر : هذا خبر منكر يدفعه من رأى الطواف بعدهما وتأخيره الصلاة كمالك وموافقيه ومن رأى الطواف والصلاة معا بعدهما
( 3 ) نافية
( 4 ) لعموم الأحاديث الواردة بذالك كما مر ذكرها
( 5 ) أي بعد العصر وبعد الصبح
( 6 ) أي وجوبا ( وفي " المحلى " سنة مؤكدة على أصح القولين من الشافعية وهو مذهب الحنابلة . وأوجبهما الحنيفة والمالكية . لكن قال الحنفية : تجبران بدم وهو القول الآخر للشافعي ويجزئ عنهما المكتوبة عند الشافعي وأحمد . ولا تجزئ عند المالكية . انظر أوجز المسالك 7 / 126 ) ويستحب عدم فصل إلا من ضرورة
( 7 ) قوله : فلا بأس بأن يطوف تصريح بعدم كراهة الطواف في هذه الأوقات التي كرهت الصلاة فيها . وتأخير ركعتي الطواف فسقط ما قال ابن عبد البر : كره الثوري والكوفيون الطواف بعد العصر والصبح فإن فعل فلتؤخر الصلاة . انتهى . قال الحافظ ابن حجر : لعل هذا عند بعض الكوفيين وإلا فالمشهور عند الحنفية أن الطواف لا يكره وإنما تكره الصلاة
( 8 ) أي تذهب حمرته وهو كالتفسير للارتفاع
( 9 ) على ما يأتي
( 10 ) قوله : أو يصلي المغرب أي أو حتى يصلي المغرب في الطواف بعد العصر وإنما قيد بالصلاة لأن النوافل قبل صلاة المغرب بعد الغروب مكروه عندنا لكونه مؤديا إلى تأخير المغرب وكذا ركعتا الطواف وإن كانت واجبة لأن إيجابه بفعل العبد لا بإيجاب من الله تعالى . نعم . ينبغي أن تؤدى قبل سنة المغرب لقوتها بالنسبة إليها إلا من ضرورة
( 11 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري والثوري وأبو يوسف ومالك في رواية . واحتجوا بعموم الأخبار الواردة في كراهة الصلاة في هذه الأوقات وقد وافقهم : أثر عمر حيث صلى بذي طوى ولم يصل في الفور مع أن الموالاة مستحبة . وأثر ابن عمر أخرجه الطحاوي عن نافع أن ابن عمر : قدم عند صلاة الصبح فطاف ولم يصل إلا بعد ما طلعت الشمس . وأخرج ابن المنذر وسعيد بن أبي عروبة عن أيوب قال : كان ابن عمر لا يطوف بعد صلاة العصر ولا بعد الصبح . وأثر جابر قال : كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة ولم نكن نطوف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول تطلع الشمس بين قرني شيطان أخرجه أحمد . وأثر أبي سعيد الخدري انه طاف بعد الصبح فجلس حتى طلعت الشمس أخرجه ابن أبي شيبة . وأثر عائشة قالت : إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب أو تطلع . وذهب عطاء وطاوس وعروة والقاسم والشافعي وأحمد وإسحاق إلى جواز ركعتي الطواف في هذه الأوقات ويوافقهم حديث جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا بني عبد مناف من وليي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار أخرجه الشافعي وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابي خزيمة وغيرهم وما أخرجه الدارقطني والبيهقي بسند ضعيف عن مجاهد قال : قدم أبو ذر فأخذ بعضادة باب الكعبة وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا يصلين أحد بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب إلا بمكة . وفي المقام أبحاث من الطرفين مبسوطة في " فتح الباري " و " عمدة القاري " وقد أطال الكلام في المقام الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ورجع جواز ركعتي الطواف بعد العصر وبعد الصبح قبل الطلوع والغروب من غير كراهة وكراهتهما في غيرهما من الأوقات المكروهة كوقت الطلوع والغروب والزوال . وروي ذلك عن ابن عمر ومجاهد والنخعي وعطاء . ولعل المنصف المحيط بأبحاث الطرفين يعلم أن هذا هو الأرجح الأصح وعليه كان عملي في مكة حين تشرفت مرة ثانية بزيارة الحرمين في السنة الثانية والتسعين بعد الألف والمائتين ولما طفت طواف الوداع بعد العصر حضرت المقام مقام إبراهيم لصلاة ركعتي الطواف فمنعني المطوفون من الحنفية فقلت لهم : الأرجح الجواز في هذا الوقت وهو مختار الطحاوي من أصحابنا وهو كاف لنا فقالوا : لم نكن مطلعين على ذلك وقد استفدنا منك ذلك

439 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن عبد الرحمن أخبره أن عبد الرحمن ( 1 ) أخبره : أنه طاف مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح بالكعبة ( 2 ) فلما قضى ( 3 ) طوافه نظر ( 4 ) فلم ير الشمس فركب ( 5 ) ولم يسبح ( 6 ) حتى أناخ ( 7 ) بذي طوى ( 8 ) فسبح ركعتين
قال محمد : وبهذا نأخذ ينبغي أن لا يصلي ركعتي الطواف حتى تطلع الشمس وتبيض ( 9 ) . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) ابن عبد القاري
( 2 ) قيد به احترازا عن الطواف بين الصفا والمروة
( 3 ) أي أتم
( 4 ) أي إلى جانب المشرق
( 5 ) قاصدا المدينة
( 6 ) أي لم يصل ركعتي الطواف . يقال سبح بمعنى صلى السبحة - بالضم - وهي ركعتا النافلة
( 7 ) أي أجلس بعيره
( 8 ) بالضم اسم موضع بين مكة والمدينة
( 9 ) ليذهب وقت الكراهة

24 - ( باب الحلال ( 1 ) يذبح الصيد أويصيده : هل يأكل المحرم منه أم لا ؟ )
440 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب ( 2 ) بن جثامة الليث : أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أوبودان فرده ( 3 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى ما في وجهي ( 4 ) قال ( 5 ) : إنا ( 6 ) لم نرده عليك إلا ( 7 ) أنا حرم
_________
( 1 ) أي غير المحرم
( 2 ) قوله : عن الصعب بالفتح ( ابن جثامة ) بفتح الجيم وتشديد المثلثة ابن قيس بن ربيعة الليثي من أجلة الصحابة مات في خلافة عثمان على الأصح ( أنه ) أي الصعب أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم ( وهو ) أي رسول الله صلى الله عليه و سلم ( بالأبواء ) بفتح الهمزة وسكون الموحدة : جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا ( أو ) شك من الراوي ( بودان ) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة موضع قريب من الجحفة بينهما ثمانية أميال كذا قال الزرقاني
( 3 ) أي الحمار الوحشي
( 4 ) أي من التغير والملال بسبب عدم قبوله الهدية
( 5 ) أي معتذرا أو كاشفا عن وجه الرد
( 6 ) قوله : إنا بكسر الهمزة لم نرده بفتح الدال رواية وضمه قياسا قال القاضي عياض في " شرح صحيح مسلم " ضبطناه في الروايات بالفتح ورده محققوا أشياخنا من أهل العربية وقالوا : بضم الدال وكذا وجدته بخط بعض أشياخنا أيضا وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه في مثل هذا في المضاعف إذا دخله الهاء أن يضم ما قبلها في الأمر ونحوه من المجزوم مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء هذا في المذكر . وأما في المؤنث مثل ( لم نردها ) فمفتوح
( 7 ) قوله : إلا أنا بفتح الهمزة بحذف لام التعليل أي لا نرده لعلة من العلل إلا لأنا حرم بضمتين جمع حرام بمعنى المحرم قاله الكرماني . وقيل : إنا بكسر أوله ابتدائية

441 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر : أنه مر به ( 1 ) قوم ( 2 ) محرمون بالربذة ( 3 ) فاستفتوه في لحم صيد وجدوا أحلة يأكلونه فأفتاهم بأكله ثم قدم ( 4 ) على عمر بن الخطاب فسأله عن ذلك ( 5 ) فقال عمر : بم أفتيتهم ( 6 ) ؟ قال : أفتيتهم بأكله قال عمر : لو أفتيتهم بغيره لأوجعتك ( 7 )
_________
( 1 ) أي بأبي هريرة
( 2 ) قوله : قوم محرمون هم من أهل العراق وكان أبو هريرة عند ذلك جاء من البحرين واستقر بالربذة فطلبوا منه الحكم في لحم صيد وجدوا ناسا من أهل الربذة يأكلونه وهم أحلة - بفتح الهمزة وكسر الحاء وتشديد اللام - جمع الحلال بمعنى غير المحرم
( 3 ) بفتحات : قرية قريب المدينة
( 4 ) أي أبو هريرة بالمدينة
( 5 ) أي عن حكم أكل المحرم لحم صيد وجد عند الحلال
( 6 ) أي بأي شيء أفتيت الذين سألوا عنك
( 7 ) قوله : لأوجعتك أي لو أفتيتهم بالحرمة أو الكراهية لأدبتك وضربتك وأوجعتك بالملامة على فتواك بخلاف الشريعة . ودل هذا الأثر على جواز أكل المحرم لحم صيد ذبحه الحلال لا بأمر المحرم وإعانته

442 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله عن نافع ( 1 ) مولى أبي قتادة عن أبي قتادة : أنه كان مع ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ( 3 ) إذا كان ببعض الطريق تخلف ( 4 ) من أصحاب له محرمين وهو غير محرم ( 5 ) فرأى حمارا ( 6 ) وحشيا فاستوى ( 7 ) على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه ( 8 ) فأبوا فسألهم أن يناولوه رمحه ( 9 ) فأبوا ( 10 ) فأخذه ( 11 ) ثم شد ( 12 ) على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب ( 13 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبى بعضهم ( 14 ) فلما أدركوا رسول الله وسلم سألوه عن ذلك ( 15 ) فقال : إنما ( 16 ) هي طعمة أطعمكموها الله
_________
( 1 ) قوله : عن نافع هو ابن عباس بموحدة وسين مهملة أو عياش بياء تحتية وشين معجمة : أبو محمد الأقرع المدني ثقة وهو مولى أبي قتادة حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وقال ابن حبان : قيل له ذلك للزومه به وإلا فهو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) في السفر عام الحديبية كما في رواية للبخاري وفي رواية عام عمرة القضاء
( 3 ) قوله : حتى إذا كان ببعض الطريق كان ذلك في قرية تعرف بالقاحة على ثلاثة أميال من المدينة كما صرح به في روايات البخاري وابن حبان . وعند الطحاوي أن ذلك بعسفان وفيه نظر
( 4 ) أي بقي خلفا متخلفا عن الرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه
( 5 ) قوله : وهو غير محرم استشكل كونه غير محرم مع أنه لا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام لا سيما لمن يريد الحج أو العمرة و أجيب عنه بوجوه ذكرها العيني في " عمدة القاري " وغيره منها : أنه لم يخرج من المدينة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بل بعثه إليه أهلها بعد خروجه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة ورد بمخالفته صريح بعض الروايات . ومنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل ولقيه في الطريق بعد مجاوزة الميقات وفي رواية الطحاوي : أنه بعثه على الصدقة فلقيه بعسفان وهو غير محرم ويرده أيضا ظاهر بعض الروايات . ومنها : ما ذكره القاضي عياض وغيره أن المواقيت لم تكن وقتت بعد فإنها عينت في حجة الوداع . ومنها ما ذكره علي القاري أنه لم يحرم بقصد الإحرام من ميقات آخر وهو الجحفة فإن المدني مخير بين أن يحرم من ذي الحليفة وبين أن يحرم من الجحفة
( 6 ) قوله : حمارا وحشيا وهو مقابل الحمار الأهلي وقد مر في باب المتعة حكم الحمار الأهلي وأنه حرام عند العامة وفيه خلاف لا يعتد به . وأما الحمار الوحشي ويقال له بالفارسية ( كورخر ) فحلال بالإجماع وكذا إذا صار أهليا يوضع عليه الإكاف . وقد ثبت في أخبار متعددة أكل الصحابة بل أكل النبي صلى الله عليه و سلم لحمه كذا في " حياة الحيوان " للدميري ومختصره " عين الحياة " لتلميذه محمد بن أبي بكر الدماميني
( 7 ) أي ركب عليه مستويا متهيئأ لصيده
( 8 ) في رواية فسقط سوطه من يده فسأل أن يعطوه سوطه
( 9 ) بالضم
( 10 ) قوله : فأبوا أي أنكروا أو امتنعوا من مناولة السوط والرمح لعلمهم بأن المحرم لا يجوز له الدلالة على الصيد ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه
( 11 ) أي السوط
( 12 ) أي حمل عليه
( 13 ) ممن كان مع أبي قتادة
( 14 ) قوله : وأبى بعضهم أي امتنعوا من أكله ظنا منهم أن المحرم لا يجوز له أكل لحم الصيد مطلقا
( 15 ) أي عن هذه الواقعة
( 16 ) قوله : إنما هي طعمة بالضم أي طعام أطعمكموه الله بفضله ورحمته وفي رواية للبخاري ومسلم : قال : هل منكم أحد أمره أوأشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا قال : فكلوا ما بقي من لحمها وفي رواية للبخاري : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل معكم منه شيء ؟ فقلت : فناولته العضد فأكلها وهو محرم

443 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : أن كعب الأحبار أقبل ( 1 ) من الشام في ركب ( 2 ) محرمين ( 3 ) حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد ( 4 ) فأفتاهم كعب بأكله فلما قدموا ( 5 ) على عمر بن الخطاب ذكروا ذلك ( 6 ) له فقال : من أفتاكم بهذا ؟ فقالوا : كعب قال : فإني أمرته ( 7 ) عليكم حتى ترجعوا . ثم لما كانوا ببعض الطريق ( 8 ) - طريق ( 9 ) مكة - مرت بهم رجل ( 10 ) من جراد ( 11 ) فأفتاهم ( 12 ) كعب بأن يأكلوه ويأخذوه فلما قدموا ( 13 ) على عمر ذكروا ذلك له فقال : ما حملك ( 14 ) على أن تفتيهم بهذا ( 15 ) ؟ قال : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن ( 16 ) هو إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين
_________
( 1 ) إلى مكة
( 2 ) بالفتح : جمع راكب أي جماعة
( 3 ) وكانوا قد أحرموا من بيت المقدس كما ورد في رواية
( 4 ) أوصاده حلال
( 5 ) أي بالمدينة وهي ممر ركب الشام الذاهبين إلى مكة
( 6 ) أي أكلهم لحم الصيد في الإحرام
( 7 ) قوله : فإني أمرته من التأمير أي جعلته أميرا عليكم لتقتدوا به في سفركم لعلمه وفضله حتى ترجعوا من نسككم
( 8 ) أي بين مكة والمدينة
( 9 ) بيان لبعض الطريق
( 10 ) بكسر الراء : أي قطيع وطائفة
( 11 ) بالفتح يقال له في الفارسية ( ملخ ) وهو حلال بالإجماع من غير ذبح
( 12 ) قوله : فأفتاهم هذه الفتوة المذكورة في هذه الرواية مخالفة لما ورد عنه أنه حكم بالجزاء في قتل الجراد كما في رواية مالك على ما يأتي وفي رواية الشافعي بسند حسن عن عبد الله بن أبي عمار قال : أقبلت مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من البيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي مرت به رجل من جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكر إحرامه فألقاهما فلما قدمنا المدينة قص كعب على عمر فقال : ما جعلت على نفسك يا كعب ؟ فقال : درهمين فقال عمر : بخ بخ درهمان خير من مائة جرادة . وهذا يثبت أن كعبا رجع عن فتواه بعدم الجزاء ويحتمل العكس ولا يجزم بأحدهما إلا إذا ثبت تأخر أحدهما فيكون ذلك مرجوعا إليه ويمكن أن يكون ذلك الاختلاف للاختلاف في الجراد البري والبحري
( 13 ) أي بالمدينة بعد الفراغ من النسك
( 14 ) أي : أي شيء بعثك عليه
( 15 ) أي بأكل الجراد وهم محرمون
( 16 ) قوله : إن هو نافية أي ليس هو أي الجراد إلا نثرة حوت - بفتح النون وسكون الثاء المثلثة - هو كالعطسة للإنسان يعني هو شيء يخرج من نثرة حوت ينثره بضم الثاء وكسرها أي يرميه متفرقا مثل ما يخرج من عطس الإنسان من المخاط في كل عام - أي كل سنة - مرتين . يعني فهو صيد بحري وهو حلال بنص قوله تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه } ( سورة المائدة : الآية 96 ) قال الدميري : اختلف أصحابنا وغيرهم في الجراد هل هو صيد بحري أو بري ؟ فقيل : بحري لما روى ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا على الجراد فقال : اللهم أهلك كباره وأفسد صغاره واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء فقال رجل كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال : إن الجراد نثرة الحوت من البحر وفيه عن أبي هريرة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربهن بنعالنا وأسواطنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كلوه فأنه من صيد البحر . والصحيح أنه بري لأن المحرم يجب عليه فيه الجزاء وبه قال عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس وعطاء قال العبدري : وهو قول الكافة من أهل العلم ( قال العيني في " شرح الهداية " : الصحيح أنه من صيد البر فيجب الجزاء بقتله وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في قوله الصحيح المشهور كذا في " البذل " قلت : وصرح ذوو فروع الحنابلة أيضا بالجزاء . الكوكب الدري 2 / 108 ) إلا أبا سعيد الخدري وحكاه ابن المنذر عن كعب الأحبار . واحتج لهم بحديث أبي المهزم عن أبي هريرة : أصبنا رجلا من جراد فكان الرجل منا يضربه بسوطه وهو محرم فقيل : إن هذا لا يصلح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنما هو من صيد البحر رواه أبو داود والترمذي وغيرهما . واتفقوا على ضعفه بضعف أبي المهزم اسمه يزيد بن سفيان . انتهى . وقال الدماميني : ذكر بعض الحذاق من المالكية أن الجراد نوعان : بري وبحري فيترتب على كل حكمه وتتفق الأخبار بذلك

444 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم : أن رجلا سأل عمر بن الخطاب فقال : إني أصبت ( 1 ) جرادات بسوطي فقال : أطعم ( 2 ) قبضة ( 3 ) من طعام ( 4 )
_________
( 1 ) أي وجدت واصطدت في الإحرام
( 2 ) أمر من الإطعام
( 3 ) بالفتح ما حمل كف يدك من الطعام
( 4 ) أي حنطة أو غيرها

445 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه : أن الزبير ( 1 ) بن العوام كان يتزود ( 2 ) صفيف الظباء في الإحرام
قال محمد : وبهذا كله نأخذ إذا صاد ( 3 ) الحلال الصيد فذبحه ( 4 ) فلا بأس بأن يأكل المحرم من لحمه إن كان ( 5 ) صيد من أجله أو لم يصد من أجله لأن ( 6 ) الحلال صاده وذبحه وذلك ( 7 ) له حلال فخرج من حال الصيد ( 8 ) وصار لحما ( 9 ) فلا بأس بأن يأكل المحرم منه وأما الجراد فلا ينبغي للمحرم أن يصيده فإن فعل كفر ( 10 ) وتمرة ( 11 ) خير من جرادة : كذلك قال عمر بن الخطاب . وهذا كله قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : الزبير هو الزبير بالتصغير ابن العوام - بتشديد الواو - ابن خويلد أبوعبد الله ابن عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية . قال النووي في " التهذيب " : أسلم بعد إسلام أبي بكر بقليل وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها وقتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين
( 2 ) قوله : كان يتزود أي يجعله زادا لسفره في حالة الإحرام . صفيف الظباء قال القاري : بكسر الظاء جمع الظبي والصفيف - مهملة وفائين بينهما تحتية - : ما يصف من اللحم على اللحم يشوى
( 3 ) قوله : إذا صاد الحلال الصيد اختلفوا في أكل المحرم لحم الصيد الذي صاده حلال على أقوال :
الأول : أنه لا يجوز للمحرم أكل الصيد مطلقا صاده حلال أو غيره لعموم قوله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما } ( سورة المائدة : الآية 96 ) . وهو قول ابن عمر وابن عباس أخرجه عبد الرزاق وبه قال طاوس وجابر بن زيد والثوري وإسحاق بن راهويه والشعبي والليث بي سعد ومجاهد وروي نحوه عن علي . واحتج لهم بما مر من حديث الصعب بن جثامة حيث امتنع النبي صلى الله عليه و سلم من قبول لحم صيده وعلله بإحرامه وأجاب الجمهور بأنه تركه على التنزه أوعلم أنه صيد من أجله . ومعنى قوله : { حرم عليكم صيد البر } حرم عليكم اصطياده بدليل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ( سورة المائدة : الآية 95 ) وقد ورد في أخبار كثيرة إجازة المحرم في أكل لحم الصيد بل وأكل النبي صلى الله عليه و سلم لحمه في إحرامه
القول الثاني : إن الصيد الذي صيد لأجل المحرم وإن لم يأمره ولم يعنه إذا علم المحرم ذلك حرام عليه وما ليس كذلك فهو حلال إذا لم يعنه وهو قول عثمان وعطاء والشافعي ومالك وأبي ثور وأحمد وإسحاق في رواية واحتجوا بحديث صيد البر لكم حلال مالم تصيدوه أو يصاد لكم أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان والطبراني وابن عدي والطحاوي من حديث جابر وفي سنده من تكلم فيه
القول الثالث : أنه حلال للمحرم صيد له أو لم يصد له مالم يعن عليه ولم يدل عليه وهو مروي عن عمر وأبي هريرة والزبير وكعب الأحبار ومجاهد وعطاء في رواية وسعيد بن جبير وبه قال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه . وحجتهم حديث أبي قتادة فإن فيه : أن النبي صلى الله عليه و سلم سألهم هل أحد منكم أمره أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا قال : فكلوا حيث اكتفى فيه على الاستفسار عن الإعانة ولم يقل هل صيد لأجلكم ودعوى كونه منسوخا بحديث الصعب بسند أن حديث أبي قتادة عام الحديبية وحديث الصعب عام حجة الوداع لا يسمع فإنه إنما يصار إليه عند تعذر الجمع . وأما قوله أو يصد لكم فمعناه يصد لكم أو بأمركم وإعانتكم . هذا ملخص ما في " عمدة القاري " و " نصب الراية "
( 4 ) أي الحلال وقيد به لأن ذبح المحرم الصيد يحرمه عليه وعلى غيره
( 5 ) أي سواء صاده الحلال من أجل المحرم أي لإطعامه وهديته إليه بغير أمره وإعانته
( 6 ) علة للحلية
( 7 ) أي الذبح والصيد للحلال حلال فلا يحرم لا عليه ولا على المحرم
( 8 ) أي للمحرم
( 9 ) كسائر اللحوم التي يجوز أكلها للمحرم
( 10 ) أي أدى الكفارة بما شاء ولو قبضة من طعام أو تمرة واحدة
( 11 ) قوله : وتمرة خير من جرادة يعني تمرة واحدة خير من جرادة قتلها فيوديها بدلها قال العيني في " البناية " قصته أن أهل حمص أصابوا جرادا كثيرا في إحرامهم وجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم فقال عمر : إن دراهمكم كثيرة تمرة خير من جرادة وروى مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد أن رجلا سأل عن جرادة قتلها وهو محرم ؟ فقال عمر لكعب : تعال حتى نحكم فقال كعب : درهم فقال عمر لكعب : إنك تجد الدراهم تمرة خير من جرادة

25 - ( باب الرجل يعتمر في أشهر ( 1 ) الحج ثم يرجع إلى أهله ( 2 ) من
غير أن يحج ( 3 )
446 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أن عمر ( 4 ) بن أبي سلمة المخزومي استأذن عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال فأذن له فاعتمر في شوال ثم قفل ( 5 ) إلى أهله ولم يحج ( 6 )
قال محمد : وبهذا نأخذ ولا متعة ( 7 ) عليه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) أي شوال وذي القعدة وأوائل ذي الحجة
( 2 ) أي إلى وطنه
( 3 ) أي في تلك السنة
( 4 ) هو ربيب النبي صلى الله عليه و سلم أمه أم سلمة أم المؤمنين وأبو سلمة عبد الله بن عبد الله الأسدي المخزومي روى أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى عنه جمع مات سنة 83 ، قاله القاري
( 5 ) أي رجع من مكة
( 6 ) قوله : ولم يحج قال الزرقاني : فيه دليل على جواز العمرة في أشهر الحج وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : كانوا - أي أهل الجاهلية - يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض قال العلماء : هذا من مبتدعاتهم الباطلة التي لا أصل لها ولابن حبان عن ابن عباس قال : والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر المشركين فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون ... فذكر نحوه
( 7 ) قوله : ولا متعة بالضم أي لا يجب عليه دم التمتع لأنه مشروط باجتماع العمرة والحج في أشهر الحج بنص الكتاب

447 - أخبرنا مالك حدثنا صدقة بن يسار المكي عن عبد الله بن عمر أنه قال : لئن ( 1 ) أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر في ذي الحجة بعد الحج
قال محمد : كل ( 2 ) هذا حسن واسع ( 3 ) إن شاء فعل ( 4 ) وإن شاء قرن وأهدى فهو ( 5 ) أفضل من ذلك ( 6 )
_________
( 1 ) قوله : لئن أعتمر قبل الحج أي في أشهر الحج بأن أكون قارنا . وهو أن يحرم من الميقات بالحج والعمرة معا فإذا دخل مكة يعتمر ولا يخرج من الإحرام إلى أن يحج أو يكون متمتعا بأن يحرم من الميقات بالعمرة فيتحلل بأفعال العمرة ويحلق أو يقصر ثم يحرم بالحج من مكة وأهدي أي أؤدي هديا واجبا وهو دم القران والتمتع شكرا لأداء النسكين في سفر واحد في موسم واحد أحب إلي من أن أعتمر في ذي الحجة بعد الحج وإن كان هو أيضا جائزا . وذلك لأن في الاعتمار قبل الحج في أشهر الحج إبطالا لقول المشركين ومخالفة تامة لهم حيث كانوا يمنعون عنه . وفيه إيماء إلى الرد على من منع من التمتع من الصحابة فإن قلت : قد منع عنه عمر وعثمان ومعاوية وقولهم أحرى بالقبول قلت : قد أنكر عليهم في عصرهم أجلة الصحابة وخالفوهم في فعلها والحق مع المنكرين
( 2 ) قوله : كل هذا أي مما ذكر من الاعتمار قبل الحج وبعد الحج
( 3 ) أي جائز فعله
( 4 ) أي ما ذكر من التمتع
( 5 ) أي القران أقضل من ذلك لأن فيه جمعا بين النسكين في إحرام واحد
( 6 ) في نسخة : من ذلك كله

448 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن ( 1 ) أبيه : أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعتمر إلا ثلاث عمر إحداهن في شوال واثنين في ذي القعدة
_________
( 1 ) قوله : عن أبيه أي عن عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه و سلم : مرسل وصله أبو داود وسعيد بن منصور عن عائشة : لم يعتمر إلا ثلاث عمر لا يخالف هذا الحصر ما في الصحيحين عنها أنه اعتمر أربعا . وعندهما عن أنس أنه اعتمر أربعا وعمرة الحديبية حيث ردوه من العام القابل وهي عمرة القضاء وعمرة الجعرانة وعمرة مع حجته ولأحمد و أبي داود عن عائشة : اعتمر أربع عمر لأنها لم تعد التي في حجته لأنها لم تكن في ذي القعدة بل في ذي الحجة إحداهن في شوال هذا مغاير لقولها ولقول أنس عندهما والجمع أنها وقعت في آخر شوال وأول ذي القعدة وهذه عمرة الجعرانة واثنين في ذي القعدة عمرة الحديبية وعمرة القضاء كذا في " فتح الباري " وغيره

26 - ( باب فضل العمرة في شهر رمضان )

449 - أخبرنا مالك أخبرنا سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أنه سمع مولاه أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ( 1 ) : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : إني كنت تجهزت ( 2 ) للحج وأردته فاعترض ( 3 ) لي فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه كحجة
_________
( 1 ) قوله : يقول جاءت امرأة قال ابن عبد البر : هكذا لجميع رواة " الموطأ " وهو مرسل ظاهرا لكن صح سماع أبي بكر عن امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها أم معقل في رواية عبد الرزاق وفي بعض الروايات تسميتها أم سنان الأنصارية . ورجع الحافظ بأنهما قصتان
( 2 ) قوله : تجهزت أي قصدته وهيأت أسباب سفره قالته لما قال لها النبي صلى الله عليه و سلم بعد رجوعه من حج الوداع : مامنعك من أن تخرجي معنا كما في " سنن أبي داود "
( 3 ) أي عرض لي عارض وعاقني عائق وهو مرض الجدري كذا هو في رواية أبي داود
( 4 ) قوله : فإن عمرة فيه كحجة روي نحوه من حديث ابن عباس عند البخاري ومسلم وجابر عند ابن ماجه وأنس عند ابن عدي وأبي طليق عند الطبراني وغيرهم عند غيرهم قال أبو بكر بن العربي : هذا حديث صحيح وهو فضل من الله ونعمة قال ابن الجوزي : فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كذا في " عمدة القاري "

27 - ( باب المتمتع ما يجب عليه من الهدي )

450 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقول : من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو في ذي القعدة ( 1 ) أو ذي الحجة ( 2 ) فقد استمتع ووجب عليه الهدي ( 3 ) أو الصيام ( 4 ) إن لم يجد هديا
_________
( 1 ) بفتح القاف وكسرها
( 2 ) بالكسر لا غير
( 3 ) أدناه شاة
( 4 ) أي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ( قال ابن قدامة : ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان : وقت جواز ووقت استحباب فأما وقت الثلاثة فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة قال طاوس : يصوم ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة وروي ذلك عن عطاء والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي وإن صام منها قبل إحرامه بالحج جاز
وأما وقت جوازها فإذا أحرم بالعمرة وهذا قول أبي حنيفة وعن أحمد أنه إذا حل من العمرة وقال مالك والشافعي : لا يجوز إلا بعد إحرام الحج . انظر : المغني 3 / 476 و 477 )

451 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول : الصيام ( 1 ) لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ممن لم يجد هديا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة فإن ( 2 ) لم يصم صام أيام منى
_________
( 1 ) أي صيام ثلاثة أيام قبل الحج
( 2 ) قوله : فإن لم يصم أي في الأيام الثلاثة التي قبل النحر وهي السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة صام أيام منى وهي أيام التشريق التي يقوم الحجاج فيها بمنى أي اليوم الحادي عشر والثاني عشر - وهو يوم النفر الأول - والثالث عشر يوم النفر الثاني وهذا مذهب عائشة وغيرها من الصحابة وبه قال مالك وغيره وقال أصحابنا وغيرهم : لا يجوز في أيام منى الصوم مطلقا وقد ذكر تفصيله في كتاب الصيام

452 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ذلك ( 1 )
_________
( 1 ) أي مثل قول عائشة رضي الله عنها

453 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : من اعتمر في أشهر الحج في ( 1 ) شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة ( 2 ) ثم أقام ( 3 ) حتى يحج ( 4 ) فهو متمتع قد وجب عليه ما استيسر من الهدي أو ( 5 ) الصيام إن لم يجد هديا ومن رجع ( 6 ) إلى أهله ثم حج ( 7 ) فليس بمتمتع
قال محمد : وبهذا ( 8 ) كله نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) بيان لأشهر الحج
( 2 ) أي العشرة الأولى منها
( 3 ) أي بمكة أو حواليها من غير رجوع إلى أهله
( 4 ) أي في تلك السنة
( 5 ) عطف على ما قبله
( 6 ) أي بعد تمام أفعال عمرته
( 7 ) أي في تلك السنة
( 8 ) قوله : وبهذا كله إشارة إلى ما في هذا الأثر الأخير أو إلى جميع ما تقدم من الآثار في هذا الباب . وحينئذ يستثنى منه حكم صوم أيام منى وإنما لم يصرح به اكتفاء بما ذكره في كتاب الصيام

28 - ( باب ( 1 ) الرمل بالبيت )
454 - أخبرنا مالك حدثنا جعفر ( 2 ) بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله الحرامي ( 3 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل من الحجر ( 4 ) إلى الحجر
قال محمد : وبهذا نأخذ الرمل ثلاثة ( 5 ) أشواط ( 6 ) من الحجر إلى الحجر . وهو وقول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : باب الرمل بالبيت أي في طواف بيت الله وهو بفتح الراء وسكون الميم سرعة المشي مع تقارب الخطا وقيل : هو شبيه بالهرولة وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه واتفقوا على كونه مشروعا وسببه ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه لما قدموا معتمرين في عمرة القضاء قال المشركون : يقدم عليكم قوم وهنتهم - أي ضعفتهم - حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ولم يأمرهم به في جميع الأشواط شفقة عليهم أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم . واختلفوا في أنه هل هو من السنن التي لا يجوز تركها أم من السنن التي يخير فيها فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور إلى الأول وروي ذلك عن عمر وابنه وابن مسعود . وذهب جمع من التابعين كطاوس وعطاء والحسن والقاسم وسالم إلى الثاني وروي ذلك عن ابن عباس . وهذا للرجل وأما المرأة فلا ترمل بالإجماع لكونه منافيا للستر كذا في " عمدة القاري "
( 2 ) قوله : جعفر هو جعفر الصادق فقيه صدوق إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة وأبوه محمد الباقر بن علي زين العابدين بن حسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ثقة فاضل كذا في " شرح الزرقاني "
( 3 ) قوله : الحرامي بفتح الهاء المهملة نسبة إلى حرام بن كعب الأنصاري جد جابر بن عبد الله ذكره السمعاني
( 4 ) قوله : من الحجر بفتحتين أي من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود يعني في تمام الدورة . وقد روي نحوه من حديث ابن عمر عند مسلم والنسائي وأبي داود وابن ماجه ومن حديث أبي الطفيل في مسند أحمد وورد من رواية ابن عباس في الصحيحين في ذكر ابتداء الرمل أنه صلى الله عليه و سلم أمرهم أن يرملوا ( معنى الرمل : إسراع الخطو من غير وثب . وهو سنة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا . المغني 3 / 373 ) في الأشواط الثلاثة ويمشوا بين الركنين أي الركن اليماني والحجر الأسود . وجمع بأن ما في حديث ابن عباس كان في عمرة القضاء وما في حديث جابر كان في حجة الوداع فهو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم فلزم الأخذ به
( 5 ) أي في ثلاثة
( 6 ) جمع شوط بالفتح وهو عبارة عن دورة واحدة حول الكعبة

29 - ( باب المكي وغيره يحج أو يعتمر هل يجب عليه الرمل )

455 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه : أنه رأى عبد الله بن الزبير ( 1 ) أحرم بعمرة من التنعيم ( 2 ) قال ( 3 ) : ثم رأيته ( 4 ) يسعى ( 5 ) حول البيت حتى طاف الأشواط الثلاثة
قال محمد : وبهذا نأخذ الرمل واجب على أهل مكة وغيرهم ( 6 ) في العمرة والحج وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أنه رأى عبد الله بن الزبير هو أبو حبيب ويقال : أبو بكر عبد الله بن الزبير أحد العشرة المبشرة الزبير - بالضم - بن العوام الأسدي ولد أول سنة الهجرة ودعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم وبرك عليه كان كثير الصيام والصلاة وبويع له بالخلافة سنة أربع وستين في آخر عصر يزيد بن معاوية واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان وقتله الحجاج الوالي من طرف عبد الملك بن مروان سنة 72
ومن مآثره أنه بنى الكعبة على قواعد إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والتسليم كذا في " جامع الأصول " وغيره
( 2 ) قوله : من التنعيم موضع خارج مكة في الحل وإنما أحرم منه اتباعا لعمرة عائشة حيث أمرها النبي صلى الله عليه و سلم بعد الفراغ من الحج أن تعتمر وتحرم من التنعيم واستدل به الجمهور على أن ميقات المكي للعمرة الحل وخصه بعضهم بالتنعيم وذكر الطحاوي أنه ليس بميقات معين كمواقيت الإحرام بل ميقات المعتمر الحل أي جهة كانت
( 3 ) أي عروة بن الزبير
( 4 ) أي أخاه عبد الله بن الزبير
( 5 ) أي يدور سعيا ورملا
( 6 ) من أهل الآفاق . ( قال أحمد : ليس على أهل مكة رمل عند البيت ولا بين الصفا والمروة . المغني 3 / 376 وفي هامش بذل المجهود 9 / 147 : وفيه أربع مسائل الأول : حكاه الترمذي عن بعضهم أنه ليس على أهل مكة رمل وبه قال أحمد وعند الثلاثة لا فرق بين المكي وغيره . والثاني : الرمل في ثلاثة جوانب كما قاله جمع من التابعين وهو قول للشافعي ضعيف والجمهور منهم الأربعة على الاستيعاب . والثالث : مذهب الجمهور الرمل في الجوانب الأربعة سنة وقال بعضهم : واجب وهو مؤدى قول مالك إذ قال بوجوب الدم بتركه . الرابع : أنه في طواف القدوم لا غير عند الحنابلة وهو قول للشافعي والصحيح عنده وبه قلنا إنه في كل طواف يعقبه سعي وقال مالك في طواف القدوم فإن لم يطف للقدوم ففي طواف الزيارة . انظر حجة الوداع : ص 75 )

30 - ( باب المعتمر أو المعتمرة ( 1 ) ما يجب عليهما من التقصير والهدي (
2 ) )
456 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر ( 3 ) أن مولاة لعمرة ( 4 ) ابنة عبد الرحمن ( 5 ) يقال لها رقية أخبرته ( 6 ) : أنها كانت ( 7 ) خرجت ( 8 ) مع عمرة ابنة عبد الرحمن إلى مكة قالت ( 9 ) : فدخلت عمرة مكة يوم التروية ( 10 ) وأنا معها . قالت : فطافت بالبيت وبين ( 11 ) الصفا والمروة ثم دخلت ( 12 ) صفة ( 13 ) المسجد فقالت ( 14 ) : أمعك ( 15 ) مقصان ( 16 ) ؟ فقلت : لا قالت : فالتمسيه ( 17 ) لي قالت : فالتمسته حتى جئت به ( 18 ) فأخذت من قرون ( 19 ) رأسها قالت ( 20 ) : فلما كان يوم النحر ذبحت ( 21 ) شاة
قال محمد : وبهذا نأخذ للمعتمر والمعتمرة ينبغي أن يقصر من شعره إذا طاف ( 22 ) وسعى ( 23 ) فإذا كان يوم النحر ذبح ( 24 ) ما استيسر من الهدي . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : أو المعتمرة قال القاري : أو للتنويع وجمع بينهما ليكون نصا على اتحاد حكمهما إلا أن التقصير يتعين في حق المرأة ويجوز في حق الرجل وإن كان الحلق أفضل بالنسبة إليه
( 2 ) عطف على المعتمر أو على ما يجب أو على التقصير وهو الأظهر
( 3 ) ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري
( 4 ) بفتح العين
( 5 ) ابن سعد بن زرارة
( 6 ) أي عبد الله
( 7 ) في نسخة : قالت
( 8 ) أي من المدينة
( 9 ) أي رقية
( 10 ) قوله : يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي به لأن التروية الفكر والتردد وقد وقع فيه التردد لإبراهيم على نبينا وعليه السلام حين رأى في منامه ليلة الثامن ذبح ولده في أن هذا المنام رحماني أو شيطاني وحصل له العرفان بأنه رحماني يوم التاسع فسمي عرفة كذا قيل . وذكر القاري في " شرح منسك رحمة الله السندي " أنه إنما سمي به إنهم كانوا يروون إبلهم فيه أي يسقونها الماء استعدادا لوقوف يوم عرفة إذ لم يكن في عرفات ماء جار كزماننا
( 11 ) أي سعت بين الصفا والمروة
( 12 ) أي عمرة
( 13 ) قوله : صفة المسجد قال الزرقاني : بضم الصاد مفرد صفف كغرفة وغرف قال ابن حبيب : مؤخر المسجد وقيل : سقائف المسجد
( 14 ) أي لرقية
( 15 ) بهمزة استفهام
( 16 ) قوله : مقصان بكسر الميم وفتح القاف والصاد المشددة قال الجوهري : المقص المقراض وهما مقصان
( 17 ) أي اطلبيه لي من عند شخص ههنا
( 18 ) أي بالمقص عند عمرة
( 19 ) قوله : من قرون جمع قرن أي من ضفائر رأسها قاله الزرقاني . وقال القاري : أي فقطعت من رؤوس شعر رأسها قدر أنملة من جميعها
( 20 ) أي رقية
( 21 ) قوله : ذبحت شاة أي ذبحت عمرة يوم العاشر من ذي الحجة بمنى شاة لتمتعها لكونها اعتمرت في أشهر الحج ثم حلت من إحرامها بتقصير الشعر ثم أحرمت بالحج وحجت
( 22 ) بالبيت
( 23 ) بين الصفا والمروة
( 24 ) بعد الرمي قبل الحلق

457 - أخبرنا مالك أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه : أن عليا ( 1 ) كان يقول : ما استيسر ( 2 ) من الهدي شاة
_________
( 1 ) ابن أبي طالب
( 2 ) قوله : ما استيسر أي المراد من قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } ( سورة البقرة : الآية 196 ) شاة وهو أدناه . وهذا هو قول الجمهور من الصحابة والتابعين رواه الطبراني وأبو حاتم عنهم بأسانيد صحيحة ورووا بأسانيد قوية عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان { ما استيسر من الهدي } إلا من الإبل والبقر ووافقهما القاسم وطائفة وقد أخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قال ابن عباس : الهدي شاة فقيل له في ذلك ؟ أي إنه لا يقع اسم شاة على الهدي فقال : أنا أقرأ عليكم من كتاب الله ماتقوون به ؟ ما في الظبي ؟ قالوا : شاة . قال : فإن الله يقول : { هديا بالغ الكعبة } كذا في " ضياء الساري " ( وانظر فتح الباري 3 / 535 ، وأوجز المسالك 7 / 248 )

458 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابن عمر كان يقول : ما استيسر من الهدي بعير ( 1 ) أو بقرة
قال محمد : وبقول علي نأخذ ما استيسر من الهدي شاة . وهو قول أبي حنيفة ( 2 ) والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : بعير أو بقرة محمول على الاستحباب فإنه قد مر عنه أنه قال لو لم أجد إلا أن أذبح شاة لكان أحب إلى من أن أصوم
( 1 ) وبه قال الأئمة الثلاثة الباقية

31 - ( باب دخول مكة بغير إحرام )

459 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر اعتمر ثم أقبل ( 1 ) حتى إذا كان بقديد ( 2 ) جاءه خبر ( 3 ) من المدينة فرجع فدخل مكة بغير ( 4 ) إحرام
قال محمد : وبهذا نأخذ من كان ( 5 ) في المواقيت أو دونها إلى مكة ليس بينه وبين مكة وقت من المواقيت التي وقتت فلا بأس أن يدخل مكة بغير إحرام وأما من كان خلف المواقيت أي وقت من المواقيت التي بينه وبين مكة فلا يدخلن مكة إلا بإحرام . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي من مكة يريد المدينة
( 2 ) مصغرا : موضع بين مكة والمدينة قرب مكة
( 3 ) أي خبر مانع من توجهه إلى المدينة وهو خبر وقوع الفتنة في المدينة كما صرح به في رواية عبد الرزاق
( 4 ) قوله : بغير إحرام قال الزرقاني : احتج به ابن شهاب والحسن البصري وداود وأتباعه على جواز دخول مكة بلا إحرام وأبى ذلك الجمهور ( إن من أراد أن يدخل مكة يجب أن يدخلها محرما إذا كان آفاقيا يمر على الميقات سواء كان أراد الحج أو العمرة أو لا عند أبي حنيفة ومالك وأحمد وهو أشهر القولين عند الشافعية كما في شرح المهذب 7 / 11 ) . قال ابن وهب عن مالك : لست آخذ بقول ابن شهاب وكرهه وقال : إنما يكون ذلك على مثل ما عمل ابن عمر من القرب . وقال إسماعيل القاضي : كره الأكثر دخولها بغير إحرام ورخصوا للحطابين ومن يكثر دخولهم ولمن خرج منها يريد بلده ثم بدا له أن يرجع كما صنع ابن عمر وأما من سافر إليها في تجارة أو غيرها فلا يدخلها إلا محرما
( 5 ) قوله : من كان في المواقيت المقررة للإحرام أي في أنفسها أو دونها أي أسفل منها وأقرب إلى جهة مكة ليس بينه وبين مكة وقت أي ميقات من المواقيت التي وقتت - بصيغة المجهول - أي عينت وفيه احتراز عمن بين ذي الحليفة والجحفة فإنهم وإن كانوا داخل ميقات ذي الحليفة لكن بينهم وبين مكة ميقات آخر فلا يجوز لهم مجاوزته بغير إحرام فلا بأس أن يدخل مكة بغير إحرام كما صنع ابن عمر وهذا إذا لم يرد أحد النسكين وإلا فالإحرام لازم . وأما من كان خلف المواقيت أي في جهة مخالفة لجهة مكة أي وقت من المواقيت التي بينه وبين مكة فلا يدخلن مكة - سواء قصد نسكا أو لم يقصد - إلا بإحرام لأحد النسكين وأما إن لم يرد دخول مكة بل أراد حاجة فيما سواها فلا إحرام عليه بلا خلاف فإن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه أتوا بدرا مارين بذي الحليفة ولم يحرموا وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا وبه قال الجمهور . وقال العيني في " عمدة القاري " : وهو قول عطاء بن أبي رباح والليث والثوري ومالك في رواية وهو قوله الصحيح والشافعي في المشهور عنه وأحمد وأبي ثور وقال الزهري والحسن البصري والشافعي في قول ومالك في رواية وداود بن علي وأصحابه من الظاهرية : لا بأس بدخول الحرم بغير إحرام . انتهى . وقد مر بعض ما يتعلق بهذا البحث غير مرة وسيجيء ذكر ما استدل به المخالفون مع جوابه إن شاء الله تعالى

32 - ( باب فضل الحلق ( 1 ) وما يجزئ ( 2 ) من التقصير )
460 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال : من ضفر ( 3 ) فليحلق ولا تشبهوا بالتلبيد
_________
( 1 ) أي حلق الرأس عند التحلل من الإحرام
( 2 ) أي يكفي
( 3 ) قوله : من ضفر بالضاد المعجمة والفاء ( مخففة ومثقلة كذا في الأوجز 7 / 330 ) أي جعل شعر رأسه ضفائر كل ضفيرة على حدة . فليحلق ظاهره الوجوب . ولا تشبهوا بالضم أي تلبسوا علينا . فتفعلوا ما يشبه التلبيد . وروي بفتح التاء أي لا تتشبهوا بالتلبيد هو أن يجعل على رأسه قبل الإحرام لزوقا كالصمغ ونحوه ليتلبد شعره أي يلتصق بعضه ببعض فلا ينتشر ولا يقمل ولا يصيبه الغبار . وظاهر هذا الأثر أن الحلق واجب عند عمر لمن ضفر . ويجوز القصر لمن لبد لأنه أشد منه وفي رواية عنه كما في " موطأ يحيى " : من عقص رأسه أو ضفر أو لبد فقد وجب عليه الحلاق . وإنما جعله واجبا لأن هذه الأشياء تقي الشعر من الشعث فلما أراد حفظ شعره وصونه ألزمه حلقه مبالغة في عقوبته وإلى هذا ذهب مالك والثوري وأحمد والشافعي في القديم وقال في الجديد كالحنفية : لا يتعين الحلق مطلقا إلا إن نذره أو كان شعره خفيفا لا يمكن تقصيره كذا في " شرح الزرقاني " والقاري

461 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( 1 ) : اللهم ارحم المحلقين قالوا ( 2 ) : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : اللهم ارحم المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : اللهم ارحم المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : ( 3 ) والمقصرين
قال محمد : وبهذا نأخذ من ضفر فليحلق ( 4 ) والحلق أفضل من التقصير والتقصير يجرئ ( 5 ) . وهو قول ( 6 ) أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : قال أي في حجة الوداع كما ورد في رواية أحمد وابن أبي شيبة ومسلم والبخاري أو في الحديبية كما ورد عند الطبراني وغيره . ورجح ابن عبد البر الثاني . وقال النووي في الأول : إنه الصحيح المشهور وجمع القاضي عياض وابن دقيق العيد بوقوعه في الموضعين
( 2 ) قوله : قالوا والمقصرين أي قل : وارحم المقصرين فإن بعض الأصحاب كانوا عند ذلك مقصرين فأرادوا شمولهم في دعاء النبي صلى الله عليه و سلم قال الحافظ : لم أقف في شيء من طرقه على الذي تولى السؤال في ذلك بعد البحث الشديد
( 3 ) قوله : قال والمقصرين أي في المرة الرابعة بعد ما دعا للمحلقين فقط ثلاثا وفي معظم الروايات عن مالك الدعاء للمحلقين مرتين وعطف المقصرين في الثالثة وكذا وقع الاختلاف في رواية غيره في الصحيحين وغيرهما
( 4 ) أي استحبابا ( وذكر الشيخ في " المسوى " على أثر الباب : وعليه أبو حنيفة وفي " العالمكيرية " لو تعذر الحلق لعارض تعين التقصير أو التقصير لعارض تعين الحلق كأن لبده بصمغ فلا يعمل فيه المقراض ومتى نقض تناثر بعض شعره وذلك لا يجوز للمحرم قبل الحلق . أوجز المسالك 7 / 332 )
( 5 ) قوله : يجزئ أي يكفي وإذا لم يكن له شعر فيمر الموسى على رأسه
( 6 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة قال العيني في " عمدة القاري " : قد أجمع العلماء على أن التقصير مجزئ في الحج والعمرة معا إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه كان يقول : يلزمه الحلق في أول حجة وحكي ذلك عن النخعي عند ابن أبي شيبة

462 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته ( 1 ) ومن شاربه ( 2 )
قال محمد : ليس ( 3 ) هذا بواجب من شاء فعله . ومن شاء لم يفعله
_________
( 1 ) أي من طولها وعرضها إذا زاد على القدر المسنون وهو قدر القبضة
( 2 ) أي أخذ من شاربه قصا ونهكا لا حلقا
( 3 ) قوله : ليس هذا بواجب أي ليس أخذ اللحية والشارب واجبا بل مسنون أو مستحب أو يقال : ليس هذا من واجبات الحج ومناسكه كحلق الرأس وتقصيره وإنما فعله ابن عمر اتفاقا ( اختلفوا في ما طال من اللحية على أقوال الأول : يتركها على حالها ولا يأخذ منها شيئا وهو مختار الشافعية ورجحه النووي وهو أحد الوجهين عند الحنابلة . الثاني : كذلك إلا في حج وعمرة فيستحب أخذ شيء منها قال الحافظ : هو المنصوص عن الشافعي . الثالث : يستحب أخذ ما فحش طولها جدا بدون التحديد بالقبضة وهو مختار الأمام مالك رحمه الله ورجحه القاضي عياض . الرابع : يستحب ما زاد على القبضة وهو مختار الحنفية انظر : أوجز المسالك 15 / 6 ) . وفي الأثر إشعار بأن أخذ الشارب هو السنة دون الحلق كما صرح به في " الهداية " بل قيل : إن الحلق بدعة وجنح الطحاوي في " شرح معاني الآثار " إليه لكن لم يأت بما يفيده والتفصيل في شرحه للعيني

33 - ( باب المرأة تقدم ( 1 ) مكة بحج أو بعمرة فتحيض قبل قدومها ( 2 )
أو بعد ذلك )
463 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان يقول : المرأة الحائض التي تهل ( 3 ) بحج أو عمرة تهل ( 4 ) بحجتها أو بعمرتها إذا أرادت ولكن لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهر ( 5 ) وتشهد ( 6 ) المناسك كلها مع الناس غير أنها لا تطوف ( 7 ) بالبيت ولا بين الصفا والمروة ولا تقرب ( 8 ) المسجد ولا تحل ( 9 ) حتى تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة
_________
( 1 ) من باب علم يعلم
( 2 ) أي قبل دخولها مكة
( 3 ) أي تحرم
( 4 ) قوله : تهل أي يجوز لها أن تحرم بالحج أو بالعمرة إذا أرادت ذلك لأن الحيض وكذا النفاس لا يمنعان عن جواز إحرامها في أي وقت شاءت فتغتسل لإحرامها لكن لا تصلي سنة الإحرام ولا تطوف بالبيت إذا دخلت مكة طواف العمرة أو طواف القدوم لأن الطهارة شرط في صحة الطواف ولأن الطواف يكون بالمسجد الحرام وهي ممنوعة عن دخول كل مسجد وكذا لا تسعى بين الصفا والمروة لأنه وإن كان جائزا بغير طهارة لكنه متوقف على وجود طواف قبله وإذا ليس فليس
( 5 ) أي بانقطاع الحيض والغسل وهو بفتح التاء والطاء المشددة وشد الهاء على حذف إحدى التائين وبفتح التاء وسكون الطاء وضم الهاء
( 6 ) وقوله : وتشهد المناسك أي مناسك الحج كلها من الوقوف بعرفة وبمزدلفة ورمي الجمار وغيرها لأنها ليست في المسجد ولا شرط لها الطهارة
( 7 ) أي طواف الإفاضة
( 8 ) قوله : ولا تقرب المسجد مبالغة في النهي والغرض نفي الدخول ولو لغير طواف
( 9 ) قوله : ولا تحل أي لا تخرج من الإحرام حتى تطوف طواف العمرة أو طواف الإفاضة وتسعى بعده

464 - أخبرنا مالك حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها قالت : قدمت ( 1 ) مكة و ( 2 ) أنا حائض ولم أطف ( 3 ) بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك ( 4 ) إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : افعلي ( 5 ) ما يفعل الحاج ( 6 ) غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري
_________
( 1 ) أي في حجة الوداع
( 2 ) الواو الحالية
( 3 ) لكون الطواف محرما في الحيض وكون السعي موقوفا عليه
( 4 ) أي ما وقع لي
( 5 ) قوله : افعلي أي ارفضي عمرتك وأحرمي بالحج وافعلي جميع أفعاله
( 6 ) أي من مناسكه

465 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت : خرجنا ( 1 ) مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام ( 2 ) حجة الوداع فأهللنا ( 3 ) بعمرة ثم قال ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ( 5 ) كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا قالت : فقدمت مكة وأنا حائض ( 6 ) ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ( 7 ) ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : انقضي ( 8 ) رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة قالت : ففعلت فلما قضيت ( 9 ) الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ( 10 ) فاعتمرت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذه مكان عمرتك وطاف الذين حلوا ( 11 ) بالبيت وبين الصفا والمروة ثم طافوا طوافا ( 12 ) آخر بعد أن رجعوا من منى . وأما الذين كانوا جمعوا ( 13 ) الحج والعمرة فإنما طافوا ( 14 ) طوافا واحدا
قال محمد : وبهذا نأخذ الحائض تقضي المناسك ( 15 ) كلها غير أن لا تطوف ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر فإن كانت أهلت ( 16 ) بعمرة ( 17 ) فخافت فوت الحج ( 18 ) فلتحرم بالحج وتقف ( 19 ) بعرفة وترفض ( 20 ) العمرة فإذا فرغت من حجها ( 21 ) قضت العمرة ( 22 ) كما قضتها ( 23 ) عائشة وذبحت ( 24 ) ما استيسر من الهدي
بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم ذبح عنها ( 25 ) بقرة وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله إلا من جمع الحج والعمرة فإنه يطوف ( 26 ) طوافين ويسعى سعيين
_________
( 1 ) من المدينة
( 2 ) قوله : عام حجة الوداع وهو عام عشرة من الهجرة وهي السنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أصحابه وهي آخرحجته وسميت تلك السنة بعام حجة الوداع لأنه ودع الناس فيها وقال : خذوا عني مناسككم لعلي لا أحج بعد عامي هذا
( 3 ) قوله : فأهللنا بعمرة ظاهرة أن عائشة كانت محرمة بالعمرة مفردة وقد صرح به في رواية عنها عند البخاري وغيره : وكنت ممن أهل بعمرة ومنا من أهل بحج ومنا من أهل بحج وعمرة . وفي رواية عنها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت فأمر النبي صلى الله عليه و سلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل أي من الحج بعمل العمرة وهو فسخ الحج وهذا محمول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم - دفعا لاعتقادهم - بفسخ الحج إلى العمرة وقيل : إنها كانت أحرمت بالحج أولا فلما أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بالفسخ فسخت إحرام الحج وأحرمت بالعمرة والتفصيل في " فتح الباري " . والعجب من القاري أنه قال : إنها كانت مفردة بالحج بالاتفاق وكان فسخها بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم . انتهى . فإن إحرامها قد اختلفت الروايات فيه اختلافا كثيرا فأين الاتفاق ؟
( 4 ) أي بسرف قرب مكة كما في رواية عند البخاري
( 5 ) قوله : من كان معه هدي بالفتح اسم لما يهدى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمريد الحج والعمرة . فليهل أي ليحرم بالحج والعمرة معا . ثم لا يحل بفتح أوله وكسر ثانيه أي لا يخرج من الإحرام . حتى يحل منهما أي الحج والعمرة جميعا بعد الفراغ من مناسك الحج
( 6 ) جملة حالية وكان ابتداء حيضها بسرف كما في رواية
( 7 ) قوله : فشكوت ذلك أي لما دخل عليها وهي تبكي فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : لا أصلي وكان شكواها يوم التروية كما في " صحيح مسلم "
( 8 ) قوله : انقضي بضم القاف وكسر الضاد . رأسك أي حلي ضفر شعره . وامتشطي أي سرحي شعرك بالمشط . وأهلي أي بالحج لقرب أيامه . ودعي أي اتركي العمرة وظاهره أنها كانت مفردة بالعمرة فنقضت إحرامها وقضت تلك العمرة بعد أيام الحج حين قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحج ليس معها عمرة فأمرها النبي صلى الله عليه و سلم بالعمرة بالتنعيم وقال : هذه مكان عمرتك أي هذه العمرة عوض عمرتك السابقة برفع المكان أو نصبه أي مجعولة مكان عمرتك وقد وقع في هذا الباب روايات مخالفة لهذا دالة على أنها كانت قارنة ولم تنقض إحرام العمرة بل أهلت بالحج ولما طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قد حللت من حجك وعمرتك قالت : يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت فأعمرها بالتنعيم وهو في " صحيح مسلم " من حديث جابر لكن لا يخفى أن خبر صاحب القصة عن نفسه أحرى بالقبول من خبر غيره
( 9 ) أي أديت
( 10 ) موضع قرب مكة
( 11 ) أي خرجوا من إحرام العمرة بالحلق أو التقصير وكانوا محرمين بالعمرة مفردة
( 12 ) هو طواف الزيارة للحج
( 13 ) أي قرنوا
( 14 ) قوله : فإنما طافوا طوافا واحدا هذا نص في أنه يكفي الطواف الواحد والسعي الواحد للحج والعمرة كليهما للقارن ونحوه ما روي عن ابن عمر مرفوعا : من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال : حسن غريب . وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس وجابر وابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يطف هو وأصحابه إلا طوافا واحدا لحجتهم وعمرتهم ونحوه عند الترمذي والدارقطني عن جابر وعند الدار قطني عن ابن عباس وأبي قتادة وأبي سعيد وسند بعضها ضعيف ويخالف هذا ما أخرجه النسائي عن علي : أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف طوافين وسعى سعيين ونحوه عند الدارقطني عن ابن عمر وابن مسعود وعمران بن حصين . وفي أسانيدها كلام كما بسطه الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " ولأجل هذا الاختلاف اختلف الأئمة . فقال أصحابنا بالتعدد وهو الأقيس وغيرهم ذهبوا إلى إجزاء التوحد وقد ذكرنا سابقا بعض ما يتعلق بهذا المقام فتذكره
( 15 ) أي مناسك الحج
( 16 ) أي أحرمت
( 17 ) أي منفردة
( 18 ) بأن جاء موسم الحج
( 19 ) وتؤدي المناسك كلها غير الطواف والسعي
( 20 ) أي تتركها وتنقض إحرامها ( وبسط في الأوجز 8 / 73 الكلام على روايات عائشة رضي الله عنها وفيه قال الشيخ ابن القيم : فالصواب الذي لا معدل عنه أنها كانت معتمدة ابتداء كما قال به الجمهور مع الاختلاف بينهم أنها فسخت العمرة أو قرنتها مع الحج . قلت : وبالأول قالت الحنفية وبالقول الثاني قالت الأئمة الثلاثة وهذا الإختلاف مبني على اختلاف آخر وهو أن القارن يأتي بأفعال العمرة مستقلا وبأفعال الحج مستقلا عند الحنفية وأما الأئمة الثالثة فقالوا تدخل أفعال العمرة في أفعال الحج انظر حجة الوداع ص 64 )
( 21 ) في نسخة : حجتها
( 22 ) أي بعد الحج
( 23 ) بالأمر النبوي
( 24 ) أي للمتمتع
( 25 ) وفي رواية : ذبح عن نسائه أخرجه البخاري وغيره
( 26 ) طوافا وسعيا للعمرة وطوافا وسعيا للحج

34 - ( باب المرأة تحيض في حجها قبل أن تطوف طواف ( 1 ) الزيارة )
466 - أخبرنا مالك أخبرني أبو ( 2 ) الرجال أن عمرة أخبرته : أن عائشة كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف ( 3 ) أن تحضن قدمتهن ( 4 ) يوم النحر فأفضن ( 5 ) فإن حضن بعد ذلك ( 6 ) لم تنتظر ( 7 ) تنفر بهن وهن حيض إذا كن قد أفضن
_________
( 1 ) قوله : طواف الزيارة هو طواف الحج وهو أحد أركانه ويسمى طواف الإفاضة وطواف الفرض أيضا ووقته أيام النحر أفضلها أولها
( 2 ) قوله : أخبرني أبو الرجال هو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري سمع أنس بن مالك وأمه وعنه الثوري ومالك من أجلة الثقات وأمه عمرة - بالفتح - بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة كانت في حجر عائشة وربتها وروت عنها كثيرا وهي من التابعيات المشهورات وابنها محمد كني بأبي الرجال بالكسر جمع رجل لأنه كان له عشرة أولاد ذكور كذا ذكره ابن الأثير وغيره
( 3 ) أي تخاف عائشة أن يأتيهن الحيض لقرب أوقاتهن المضادة للحيض
( 4 ) قوله : قدمتهن من التقديم أي أرسلتهن قبل جميع الرفقاء وقبل نفسها إلى مكة ليفرغن من طواف الزيارة الذي هو أحد أركان الحج لئلا يلزم التوقف في المراجعة إن جاءهن الحيض قبل الطواف فيلزم انتظار تطهرهن وطوافهن
( 5 ) من الإفاضة أي طفن طواف الإفاضة
( 6 ) أي بعد طواف الزيارة
( 7 ) قوله : لم تنتظر أي طهارتهن عن الحيض بل تنفر بكسر الفاء من النفر أي ترجع وتسافر إلى المدينة بهن وهن : أي الحال أنهن حيض بضم الحاء وتشديد الياء المفتوحة جمع حائض إذا كن قد أفضن أي فرغن من طواف الإفاضة فلا تنتظر لطوافهن الوداع فإن طواف الوداع ويسمى أيضا طواف الصدر وإن كان واجبا للآفاقي لكنه ساقط وجوبه عن الحيض وأمثالهن لما سيأتي من الخبر المرفوع

467 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله ( 1 ) بن أبي بكر أن أباه أخبره عن عمرة ابنة عبد الرحمن عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن صفية ( 2 ) بنت حيي قد حاضت لعلها ( 3 ) تحبسنا قال : ألم تكن طافت ( 4 ) معكن بالبيت ؟ قلن : بلى إلا أنها لم تطف طواف الوداع قال : فاخرجن ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : حدثنا عبد الله بن أبي بكر هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري . أن أباه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وقد مرت ترجمتهما . وهذا الذي ذكرنا مصرح به في روايات البخاري ومسلم وغيرهما وفي موطأ يحيى ونص عليه شراح صحيح البخاري : العيني والكرماني وابن حجر والقسطلاني وغيرهم وشراح صحيح مسلم وشراح موطأ يحيى وغيرهم . والعجب كل العجب من علي القاري - ولا عجب فإن البشر يخطئ - حيث يقول : حدثنا عبد الله بن أبي بكر شهد الطائف مع رسول الله صلى الله عليه و سلم : فرمي بسهم رماه أبو محجن الثقفي فمات منه في خلافة أبيه في شوال سنة إحدى عشرة وكان أسلم قديما أن أباه أي أبا بكر الصديق أخبره عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة فهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر . انتهى كلامه . فأخطأ في هذه السطور العديدة في مواضع : أحدها : في زعمه أن عبد الله بن أبي بكر المذكور هو ابن أبي بكر الصديق ولو لم ينظر موطأ يحيى وصحيح البخاري وغيرهما من الكتب المخرجة لهذا الحديث بل تأمل فيما ذكره بنفسه ههنا من حال عبد الله لوضح له خطؤه فإنه ذكر أن عبد الله بن أبي بكر الصديق مات سنة إحدى عشرة فهل يقول فاضل ممارس بكتب الحديث والرجال إن مالكا صاحب الموطأ الذي ولد سنة إحدى أو ثلاث أو أربع أو سبع وتسعين يروى عنه ويقول فيه حدثنا الدال على المشافهة أولم يعلم أن مالكا لو أدرك عبد الله الذي ذكره لأدرك عمر وعثمان وأبا بكر وعليا وكثيرا من الصحابة لكون أجلة الصحابة موجودين في ذلك الوقت فكان مالك من أكابر التابعين ولم يقل به أحد
وثانيها : في زعمه أن المراد بأبيه هو أبو بكر الصديق هو مبني على الأول
وثالثها : في زعمه أن عمرة المذكورة في هذه الرواية هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر لا والله بل هي عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة أم أبي الرجال . ورابعها : في زعمه أن هذا من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر وهو مبني على زعمه الثاني
( 2 ) قوله : إن صفية هي أم المؤمنين صفية بفتح أوله وكسر ثانيه وتشديد ثالثه بنت حيي - بضم الحاء المهملة وفتح الياء التحتانية الأولى وتشديد الأخرى بن أخطب - بالفتح - ابن سعية - بالفتح - من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران أخي موسى قتل زوجها كنانة في غزوة خيبر حين افتتحها رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة سبع فوقعت في السبي فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه وأسلمت فأعتقها وتزوجها وكانت وفاته سنة 52 ، وقيل غير ذلك كذا ذكره ابن الأثير
( 3 ) قوله : لعلها تحبسنا أي تمنعنا من الخروج إلى المدينة لانتظار طهارتها وطوافها وظاهر هذه الرواية أن هذا قول عائشة وعند البخاري وغيره قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكن ؟
( 4 ) أي طواف الزيارة
( 5 ) أي لا تنتظرن طواف الوداع وفي رواية للبخاري : فاخرجي خطابا لصفية

468 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره عن أم سليم ( 1 ) ابنة ملحان قالت : استفتيت ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فيمن حاضت أو ولدت ( 3 ) بعدما أفاضت ( 4 ) يوم النحر فأذن ( 5 ) لها رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت
قال محمد : وبهذا نأخذ أيما امرأة حاضت قبل أن تطوف يوم النحر طواف الزيارة أو ولدت قبل ذلك فلا تنفرن ( 6 ) حتى تطوف طواف الزيارة ( 7 ) وإن كانت طافت طواف الزيارة ثم حاضت أو ولدت فلا بأس ( 8 ) بأن تنفر ( 9 ) قبل أن تطوف طواف الصدر ( 10 ) . وهو ( 11 ) قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عن أم سليم بضم السين وفتح اللام بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام اسمها سهلة أو رميلة - مصغرا - أو رميثة - كذلك - أو مليكة - كذلك - أو أنيفة وهي والدة أنس وقد مر ذكرها . وذكر ابن عبد البر أن في هذه الرواية انقطاعا لأن أبا سلمة لم يسمع أم سليم . وروي أيضا من حديث هشام عن قتادة عن عكرمة عنها وهو أيضا منقطع وذكر الحافظ في " فتح الباري " أن لهذه الرواية شواهد فعند الطيالسي في مسنده عن هشام الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال : اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت يوم النحر فقال زيد : يكون آخر عهدها بالبيت وقال ابن عباس : تنفر إن شاءت فقال الأنصار : لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا فقال : سلوا صاحبتكم أم سليم فقالت : حضت بعد ما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أنفر . وعند مسلم والنسائي والإسماعيلي عن طاوس . قال : كنت مع ابن عباس فقال له زيد : تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالطواف ؟ فقال : سل فلانة الأنصارية هل أمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك ؟ فقال بع دما رجع إليه : ما أراك إلا صدقت . وعند الإسماعيلي فقال ابن عباس : سل أم سليم وصواحبها : هل أمرهن بذلك ؟
( 2 ) أي طلبت الفتوى والحكم
( 3 ) أي نفست بعد ما ولدت
( 4 ) أي طافت طواف النحر
( 5 ) قوله : فأذن لها أي لمن حاضت أو ولدت أو لأم سليم فإنها كانت استفتت عن حال نفسها ويدل عليه عبارة موطأ يحيى أن أم سليم استفتت رسول الله صلى الله عليه و سلم وحاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر فأذن لها أن تخرج فخرجت وبناء عليه قال الزرقاني : أو ولدت شك من الراوي
( 6 ) أي لا تخرجن ولا ترجعن
( 7 ) لأن طواف الزيارة أحد أركان الحج فلا يمكن النفر بدونه
( 8 ) أي جاز لها ذلك فإن أقامت حتى طافت فهو أفضل
( 9 ) أي تسافر
( 10 ) بفتح الأول والثاني بمعنى الرجوع وهو طواف الوداع
( 11 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الجمهور ( قال النووي : هذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكى ابن المنذر عن عمر وابنه وزيد بن ثابت أنهم أمروا بالمقام لطواف الوداع . ودليل الجمهور هذا الحديث وحديث صفية . شرح النووي على صحيح مسلم 3 / 462 ) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وروي خلافه عن ابن عمر وزيد وعمر فإنهم أمروا الحائض بالمقام إلى أن تطوف طواف الصدر . قال ابن المنذر : وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة ( انظر فتح الباري 3 / 587 )

35 - ( باب المرأة تريد الحج أو العمرة فتلد أو تحيض قبل ( 1 ) أن تحرم )
469 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن ( 2 ) أسماء ( 3 ) بنت عميس ( 4 ) ولدت ( 5 ) محمد بن أبي بكر ( 6 ) بالبيداء ( 7 ) فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مرها فلتغتسل ( 8 ) ثم لتهل ( 9 )
قال محمد : وبهذا نأخذ في النفساء والحائض جميعا . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : قبل أن تحرم قال القاري : فيه إشارة إلى أنه لا يلزم من الإرادة تحقيق النية كذا لا يكفي عن النية بمجرد قوله : اللهم إني أريد الحج والعمرة فإن الدعاء إخبار ولا بد في النية من الإنشاء
( 2 ) قوله : أن هكذا قال القعنبي وابن بكير وابن مهدي وغيرهم من رواة الموطأ وقال يحيى ومعن وابن القاسم وقتيبة عن أبيه عن أسماء وعلى كل حال فهو مرسل لأن القاسم لم يلق أسماء قاله ابن عبد البر . وقد وصله مسلم وأبو داود وابن ماجه عن القاسم عن عائشة ورواه النسائي وابن ماجه عن القاسم عن أبي بكر الصديق كذا ذكره السيوطي
( 3 ) زوجة أبي بكر الصديق
( 4 ) بصيغة التصغير
( 5 ) أي حين سافرت مع النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع قبل وفاته بثلاثة أشهر
( 6 ) قوله : محمد بن أبي بكر يكنى بأبي القاسم نشأ بعد ما مات أبوه في حجر علي وشهد معه الجمل والصفين وكان من نساك قريش إلا أنه أعان على قتل عثمان وولاه عثمان بمصر فأقام بها إلى أن بعث معاوية الجيوش فيهم عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج ووقع القتال فانهزم محمد بن أبي بكر وقتله ابن خديج في صفر سنة ثمان وثلاثين كذا في " تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين "
( 7 ) قال القاري : هو مقدمة الصحراء بذي الحليفة
( 8 ) قوله : فلتغتسل أي غسل الإحرام للنظافة لا للطهارة
( 9 ) أي لتحرم

36 - ( باب المستحاضة ( 1 ) في الحج )
470 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير المكي أن أبا ماعز ( 2 ) عبد الله بن سفيان أخبره : أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر فجاءته امرأة تستفتيه ( 3 ) فقالت : إني أقبلت ( 4 ) أريد أن أطوف البيت حتى إذا كنت عند باب المسجد ( 5 ) أهرقت ( 6 ) فرجعت ( 7 ) حتى ذهب ذلك ( 8 ) عني ثم أقبلت ( 9 ) حتى إذا كنت عند باب المسجد أهرقت فرجعت حتى ذهب ذلك عني ثم رجعت ( 10 ) إلى باب المسجد أيضا فقال لها ابن عمر : إنما ( 11 ) ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ( 12 ) ثم استثفري ( 13 ) بثوب ثم طوفي ( 14 )
قال محمد : وبهذا نأخذ هذه ( 15 ) المستحاضة فلتتوضأ ولتستثفر بثوب ثم تطوف وتصنع ما تصنع ( 16 ) الطاهرة . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي ماذا حكمها ؟
( 2 ) هو من أعيان التابعين
( 3 ) أي تطلب الحكم في شأنها
( 4 ) قوله : أقبلت أي توجهت وأردت الطواف بالبيت
( 5 ) أي المسجد الحرام
( 6 ) قوله : أهرقت أي سال الدم مني وهو معروف أو مجهول يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة وأهرقته إهراقة وإهراقا بالجمع بين البدل والمبدل منه فإن الهاء في هراق بدل من الهمزة كذا في " مجمع البحار "
( 7 ) أي إلى البيت
( 8 ) أي سيلان الدم
( 9 ) أي توجهت إلى المسجد
( 10 ) أي مرة ثالثة
( 11 ) قوله : إنما ذلك بكسر الكاف يعني ليس ذلك الدم إلا ركضة من الشيطان وليس بدم حيض حتى يمنع من الصلاة والطواف ودخول المسجد . وقد ورد كون الاستحاضة من ركضات الشيطان مرفوعا من حديث حمنة بنت جحش عند الترمذي وأبي داود وأحمد ولا ينافي ذلك ما في صحيح البخاري من حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش من قوله صلى الله عليه و سلم : إنما ذلك عرق انفجر وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فإذا ركض ذلك العرق سال منه الدم . وللشيطان في هذا العرق الخاص تصرف وله به اختصاص بالنسبة إلى جميع عروق البدن كذا ذكره القاضي بدر الدين الشبلي في " آكام المرجان في أخبار الجان " وقال ابن الأثير في " النهاية " : أصل الركض الضرب بالرجل ومنه قوله تعالى : { اركض برجلك } ( سورة ص : الآية 42 ) والمعنى أن الشيطان قد وجد بذلك طريقا للتلبيس عليها في أمر دينها من طهرها وصلاتها
( 12 ) قوله : فاغتسلي قال القاري : لعل أمرها بالغسل لتقدم حيضها أو لتكميل طهارتها ونظافتها وإلا فالمستحاضة تتوضأ إذا استمر دمها لكل وقت وأما إذا نسيت عادتها فيجب عليها لكل صلاة غسل
( 13 ) قوله : ثم استثفري الاستثفار أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحشي قطنا وتوثق طرفيها بشيء تشده على وسطها من ثفر الدابة الذي ( في الأصل : " التي " وهو تحريف ) يجعل تحت ذنبها كذا في " مجمع البحار " وغيره
( 14 ) قوله : ثم طوفي قال الزرقاني : قال سحنون في كتاب " تفسير الغريب " : سألت ابن نافع : أذلك من المرأة بعد ما تلومت أيام الحيض ثم شكت طول ذلك بها ومعاودته إياها ؟ قال : لا ولكن ذلك فيما نرى في يوم واحد ذهبت ثم رجعت وذهبت ثم رجعت ثم سألت فرآه ابن عمر من الشيطان . وقال غيره : يحتمل أنها ممن قعدت عن الحيض فلا يكون دم حيض وأمرها بالغسل احتياطا ويحتمل أنه رآها كالمستحاضة والحيض له غاية ينتهي إليها وقال أبو عمر : وأفتاها ابن عمر فتوى من علم أنه ليس بحيض . وقد رواه جماعة من رواة الموطأ بلفظ إن عجوزا استفتت ... إلى آخره . ودل جوابه أنهما ممن لا تحيض لقوله إنها ركضة من ركضات الشيطان ولذلك قال لها : طوفي وإنما يحل الطواف لمن تحل له الصلاة وأما قوله اغتسلي فعلى مذهبه من ندب الاغتسال للطواف لها أنه اغتسال للحيض ولا أنه لازم . انتهى ( شرح الزرقاني 2 / 312 )
( 15 ) هذه المرأة مستحاضة لا حائضة
( 16 ) من الصلاة والصيام وغير ذلك

37 - ( باب دخول مكة وما يستحب من الغسل قبل الدخول ( 1 ) )
471 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا دنا ( 2 ) من مكة بات ( 3 ) بذي ( 4 ) طوى بين ( 5 ) الثنيتين حتى ( 6 ) يصبح ثم يصلي الصبح ( 7 ) ثم يدخل ( 8 ) من الثنية التي بأعلى مكة ولا يدخل ( 9 ) مكة إذا خرج ( 10 ) حاجا أو معتمرا حتى يغتسل ( 11 ) قبل أن يدخل إذا دنا من مكة بذي ( 12 ) طوى ويأمر من معه فيغتسلوا قبل أن يدخلوا
_________
( 1 ) أي قبل دخول مكة
( 2 ) أي قرب
( 3 ) أي مكث ليلا
( 4 ) قوله : بذي طوى مثلث الطاء والفتح أشهر مقصور منون وغير منون واد بقرب مكة يعرف اليوم ببئر الزاهد قاله الزرقاني . قال القاري : هو واد بقرب مكة على نحو فرسخ يعرف في وقتنا بالزاهر في طريق التنعيم وينزل فيه أمراء الحاج خروجا ودخولا ومن نونه جعله اسما للوادي ومن منعه جعله اسما للبقعة مع العلمية
( 5 ) قوله : بين الثنيتين كل عقبة في جبل أو طريق يسمى ثنية بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد الياء التحتية والثنية التي بأعلى مكة هي التي ينزل منها إلى المعلى ومقابر مكة بجنب المحصب وهي يقال لها الحجون بفتح الحاء وضم الجيم . وقد صح في " صحيح البخاري " وغيره : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى
( 6 ) غاية للبيتوتة
( 7 ) أي بذي طوى
( 8 ) أي في النهار اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم فإنه صح أنه بات بذي طوى ودخل مكة نهارا
( 9 ) أي ابن عمر
( 10 ) أي من المدينة
( 11 ) قوله : حتى يغتسل قال ابن المندر : الغسل لدخول مكة مستحب عند جميع العلماء إلا أنه ليس في تركه فدية وقال أكثرهم : الوضوء يجزئ فيه وهذا الغسل ليس لكونه محرما بل هو لحرمة مكة حتى يستحب لمن كان حلالا أيضا وقد اغتسل النبي صلى الله عليه و سلم لدخولها يوم الفتح وكان حلالا أفاد ذلك الشافعي في " الأم " ( وعند المالكية : هذا الغسل للطواف فيندب لغير حائض ونفساء وهما لا يدخلان المسجد ويغتسلان للإحرام والوقوف كما قاله الزرقاني في شرح الموطأ 2 / 227 ) كذا في " عمدة القاري "
( 12 ) متعلق بالاغتسال

472 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم : أن أباه القاسم كان يدخل ( 1 ) مكة ليلا وهو معتمر فيطوف بالبيت وبالصفا والمروة ويؤخر الحلاق ( 2 ) حتى ( 3 ) يصبح ولكنه لا يعود ( 4 ) إلى البيت فيطوف به ( 5 ) حتى يحلق وربما دخل ( 6 ) المسجد فأوتر ( 7 ) فيه ثم انصرف ( 8 ) فلم يقرب البيت ( 9 )
قال محمد : لا بأس بأن يدخل مكة إن ( 10 ) شاء ليلا وإن شاء نهارا فيطوف ويسعى . ولكنه ( 11 ) لا يعجبنا له أن يعود في الطواف حتى يحلق أو يقصر كما فعل القاسم فأما الغسل حين يدخل ( 12 ) فهو حسن ( 13 ) وليس بواجب
_________
( 1 ) قوله : كان يدخل مكة ليلا اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم حيث دخل مكة ليلا حين أحرم بالعمرة من الجعرانة كما أخرجه النسائي
( 2 ) بالكسر أي حلق الرأس
( 3 ) غاية للتأخير
( 4 ) قوله : لا يعود ليقع التوالي بين طواف العمرة والحلق من غير فصل بينهما وإن كان ذلك أيضا جائزا
( 5 ) أي مرة ثانية
( 6 ) أي صلى الوتر في المسجد الحرام
( 7 ) أي عن المسجد
( 8 ) أي للطواف والاستلام
( 9 ) قوله : إن شاء ليلا وإن شاء نهارا لأن كل ذلك ثبت بفعل النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه
( 10 ) قوله : ولكنه الضمير للشأن لا يعجبنا من الإعجاب له أي لا يسرنا ولا يستحب عندنا للداخل بمكة أن يعود في الطواف نفلا حتى يحلق رأسه أو يقصر شعر رأسه فيتم أفعال عمرته ثم يأتي بالطواف ما شاء كما فعل متعلق بما فهم من السابق من عدم العود . القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة بالمدينة . ويؤيده ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يقرب الكعبة بعد طوافه حتى رجع من عرفة . وبوب عليه البخاري " بباب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع " قال الحافظ في الفتح ( 3 / 486 ) : هذا ظاهر فيما ترجم لكنه لا يدل على أن الحاج يمنع من الطواف قبل الوقوف فلعله صلى الله عليه و سلم ترك الطواف تطوعا خشية أن يظن أحد أنه واجب وكان يحب التخفيف على أمته وعن مالك أن الحاج لا يتنفل بطواف حتى يتم حجه وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد البعيدة وهو المعتمد . انتهى
( 12 ) أي عند دخول مكة
( 13 ) أي مستحسن سنة أو مستحب

38 - ( باب السعي ( 1 ) بين الصفا والمروة )
473 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أنه كان إذا طاف ( 2 ) بين الصفا والمروة بدأ بالصفا ( 3 ) فرقي ( 4 ) حتى يبدو ( 5 ) له البيت وكان يكبر ( 6 ) ثلاث تكبيرات ثم يقول ( 7 ) : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ( 8 ) وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير يفعل ذلك ( 9 ) سبع مرات فذلك ( 10 ) إحدى وعشرون تكبيرة وسبع تهليلات ( 11 ) ويدعو فيما بين ذلك ويسأل ( 12 ) الله تعالى ثم يهبط ( 13 ) فيمشي ( 14 ) حتى إذا جاء بطن ( 15 ) المسيل سعى ( 16 ) حتى يظهر ( 17 ) منه ثم يمشي ( 18 ) حتى يأتي المروة فيرقى ( 19 ) فيصنع عليها مثل ما صنع ( 20 ) على الصفا يصنع ذلك ( 21 ) سبع مرات حتى يفرغ من سعيه . وسمعته ( 22 ) يدعو على الصفا : اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف ( 23 ) الميعاد وإني أسألك كما هديتني للإسلام ( 24 ) أن لا تنزعه ( 25 ) مني حتى توفاني و ( 26 ) أنا مسلم
_________
( 1 ) قوله : باب السعي أي المشي بين الصفا والمروة - بالفتح - هما جبلان بمكة يجب المشي بينهما بعد الطواف في العمرة والحج سبعة أشواط مع سرعة المشي في ما بين الميلين الأخضرين . قال النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " : الصفا مبدأ السعي وهو مقصور مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام وهو أنف أي قطعة من جبل أبي قبيس وهو الآن إحدى عشرة درجة وأما المروة فلاطية جدا أي منخفضة وهي أنف من جبل قعيقعان وهي درجتان ومن وقف عليها كان محاذيا للركن العراقي وتمنعه العمارة من رؤيته وإذا نزل من الصفا سعى حتى يكون بين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد وبينه نحو ستة أذرع فيسعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة . انتهى . وفي " شرح جامع الترمذي " للحافظ زين الدين العراقي : اختلفوا في السعي بين الصفا والمروة للحاج والمعتمر على ثلاثة أقوال : أحداها : أنه ركن لا يصح إلا به وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر وبه قال الشافعي ومالك في المشهور عنه وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق وأبو ثور لقوله عليه السلام : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي رواه أحمد والدارقطني والبيهقي . والثاني : أنه واجب يجبر تركه بدم وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومالك . والثالث : أنه سنة أومستحب وهو قول ابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية ( انظر بذل المجهود 9 / 171 وذكر في هامشه : رجح الموفق في المغني 3 / 389 أنه واجب كقولنا نعم عد صاحب " الروض " السعي من الأركان )
( 2 ) أي أراد السعي بينهما
( 3 ) قوله : بدأ بالصفا لحديث ابدأوا بما بدأ الله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ( سورة البقرة : الآية 158 ) . وهذه البداية بالصفا سنة وقيل واجب ( قال ابن قدامة : إن الترتيب شرط في السعي وهو أن يبدأ بالصفا فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط فإذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي به بعد ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم بدأ بالصفا وقال : " نبدأ بما بدأ الله به " وهذا قول الحسن ومالك والشافعي والأوزافي وأصحاب الرأي المغني 3 / 388
( 4 ) بكسر القاف أي صعد على الصفا
( 5 ) بضم الدال بعده الواو أي يظهر له البيت فيعاينه ويستقبله وهو مستحب
( 6 ) أي يقول الله أكبر ثلاثا على الصفا
( 7 ) أي بعد التكبير
( 8 ) بضم الميم
( 9 ) أي التكبير ثلاثا مع التهليل المذكور
( 10 ) أي مجموع ما ذكر
( 11 ) في نسخة : تهليلة
( 12 ) قوله : ويسأل الله عطف تفسيري أو يقال أحدهما بالجنان وثانيهما باللسان والمراد أنه كان يدعو الله تعالى ويطلب حاجاته فيما بين المذكور من المرات السبع
( 13 ) بكسر الباء أي ينزل من الصفا
( 14 ) أي على هيأته من غير عدو
( 15 ) قوله : بطن المسيل أي بطن الوادي وهوالموضع المنخفض مسيل المياه والأمطار بين الميلين الأخضرين
( 16 ) أي أسرع في مشيه
( 17 ) أي يرتفع من المسيل ويخرج منه
( 18 ) أي على هيأته
( 19 ) بفتح القاف
( 20 ) من التكبير وغيره
( 21 ) أي ما ذكر من السعي والمشي بين الصفا والمروة
( 22 ) هذا قول نافع يقول : سمعت ابن عمر
( 23 ) لا تخلف بالضم الميعاد أي الوعد
( 24 ) في نسخة إلى الإسلام
( 25 ) أي لا تخرج الإسلام مني
( 26 ) الواو حالية

474 - أخبرنا مالك أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه حين هبط ( 1 ) من الصفا مشى حتى إذا انصبت ( 2 ) قدماه في بطن المسيل سعى حتى ظهر ( 3 ) منه قال ( 4 ) : وكان يكبر على الصفا والمروة ثلاثا ويهلل واحدة . يفعل ذلك ثلاث مرات
قال محمد : وبهذا كله نأخذ إذا صعد ( 5 ) الرجل الصفا كبر ( 6 ) وهلل ودعا ثم هبط ماشيا ( 7 ) حتى يبلغ بطن الوادي فيسعى ( 8 ) فيه حتى يخرج منه ثم يمشي مشيا على هينته ( 9 ) حتى يأتي المروة فيصعد عليها فيكبر ويهلل ويدعوه يصنع ذلك ( 10 ) بينهما سبعا يسعى في بطن الوادي في كل مرة منهما وهو ( 11 ) قول أبي حنيفة والعامة
_________
( 1 ) بفتح الباء أي نزل
( 2 ) أي انحدرت : غارت قدماه في الوادي
( 3 ) أي صعد من بطن الوادي
( 4 ) أي جابر بن عبد الله
( 5 ) قوله : صعد الرجل قال القاري : وكذا المرأة ولا يبعد أن يقال : المرأة لا ينبغي لها أن تصعد لأن مبنى أمرها على الستر
( 6 ) أقله مرة من كل واحدة وأوسطه ثلاث وأعلاه سبع
( 7 ) أي إذا لم يكن معذورا وإلا فراكبا
( 8 ) أي يسرع في مشيه
( 9 ) قوله : على هينته أي على سكون ووقار يقال : سار على هينته أي عادته في السكون والوقار والرفق من امش على هينتك أي على رسلك ذكره في " النهاية " قال القاري : هو بكسر الهاء وسكون الياء التحتية وفتح النون وكسر الفوقية
( 10 ) أي ما ذكر من المشي والسعي
( 11 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الجمهور خلافا للطحاوي من الحنفية وبعض الشافعية حيث ذهبوا إلى الذهاب من الصفا إلى المروة ثم منها إلى الصفا مجموع ذلك شوط فيكون الدور عنده أربعة عشر مرة ويرده الأحاديث الصحيحة ( انظر أوجز المسالك 7 / 152 )

39 - ( باب الطواف بالبيت راكبا ( 1 ) أو ماشيا )
475 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي عن عروة عن زينب ( 2 ) بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت : اشتكيت ( 3 ) فذكرت ( 4 ) ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : طوفي من ( 5 ) وراء الناس و ( 6 ) أنت راكبة ( 7 ) قالت : فطفت ( 8 ) ورسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ( 9 ) إلى جانب البيت ويقرأ بالطور ( 10 ) وكتاب مسطور
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس للمريض وذي العلة ( 11 ) أن يطوف بالبيت محمولا ( 12 ) ولا كفارة عليه ( 13 ) . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : راكبا أو ماشيا قال القاري : المشي واجب إلا لضرورة فيجوز الركوب فكان الأولى تقديم ماشيا وقد يقال : قدم راكبا لورود الحديث الآتي على صفة الركوب . انتهى . والأوجه أن يقال لما كان المشي أصلا والركوب رخصة إذا وقعت ضرورة قدم ذكر الركوب اهتماما به
( 2 ) قوله : عن زينب هي ربيبة النبي صلى الله عليه و سلم أمها أم سلمة أم المؤمنين وأبوها أبو سلمة عبد الله بن أسد المخزومي الصحابي كذا في " الاستيعاب " وغيره ولم تذكر في رواية البخاري بل فيها من طريق يحيى عن هشام عن أبيه عروة عن أم سلمة وتعقبه الدارقطني بأنه منقطع . فإن عروة لم يسمع عن أم سلمة ورده الحافظ ابن حجر في " مقدمة فتح الباري " بأن سماعه منها ممكن فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة
( 3 ) أي مرضت
( 4 ) قوله : فذكرت ذلك أي أنها مريضة وأنها لم تطف لما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم الخروج وكان ذلك في طواف الوداع كما ورد في رواية هشام
( 5 ) قوله : من وراء الناس أي من خلفهم متباعدة منهم وهو مستحب للنساء
( 6 ) الواو الحالية
( 7 ) أي على البعير
( 8 ) قوله : قالت فطفت أي راكبة على بعير وقد ثبت مثله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن بالكسر أي بعصا أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم وكان ذلك لشكوى عرضت له فلم يقدر على المشي كما في رواية أبي داود أو ليشرف فيراه الناس ويسألونه كما ورد عن جابر عند مسلم ويحتمل أن يكون كل منهما باعثا له ودل هذا كله على جواز الطواف راكبا بعذر فإن كان بغير عذر جاز بلا كراهة لكنه خلاف الأولى أو بكراهة قولان للشافعية وعند أبي حنيفة ومالك المشي ( 4 / 620 . ومذهب الشافعي وأحمد : أنه مستحب وجزم جماعة من الشافعية بكراهة الطواف راكبا من غير عذر كما ذكره العيني ) واجب فإن تركه بغير عذر فعليه ذم وفيه أيضا جواز إدخال الدابة في المسجد إذا أمن التلويث واستنبط منه طائفة طهارة بول مأكول اللحم وبعره وتحقيقه في موضع آخر كذا في " عمدة القاري " وغيره
( 9 ) أي صلاة الصبح بالجماعة
( 10 ) أي بسورة الطور
( 11 ) قوله : وذي العلة بكسر أوله وتشديد ثانيه أي ذي المرض والعطف تفسيري . وفسر القاري المريض بضعيف البدن وذا العلة بالأعرج والزمن ومن به وجع الرجل ونحوه
( 12 ) أي على إنسان أو دابة
( 13 ) أي لا يجب عليه دم لأن الضرورات تبيح المحظورات

476 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة ( 1 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على امرأة مجذومة ( 2 ) تطوف بالبيت فقال : يا أمة الله اقعدي ( 3 ) في بيتك ولا تؤذي الناس ( 4 ) . فلما توفي عمر بن الخطاب أتت ( 5 ) فقيل لها : هلك ( 6 ) الذي كان ينهاك عن الخروج ( 7 ) قالت : والله لا أطيعه ( 8 ) حيا وأعصيه ميتا
_________
( 1 ) قوله : عن ابن أبي ملكية بالتصغير هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية اسمه زهير التيمي كان ثقة فقيها مات سنة سبع عشر ومائة قاله الزرقاني
( 2 ) أي أصابها مرض الجذام
( 3 ) أي اجلسي ولا تطوفي وفي رواية يحيى : لو جلست في بيتك أي لكان خيرا
( 4 ) قوله : ولا تؤذي الناس أي بريح الجذام قال ابن عبد البر : فيه أنه يحال بين المجذوم ومخالطة الناس لما فيه من الأذى وهو لا يجوز . وإذا منع آكل الثوم من المسجد وكان ربما أخرج إلى البقيع في العهد النبوي فما ظنك بالجذام ؟ وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وألان عمر للمرأة القول بعد أن أخبرها أنها تؤذي لأنه رحمها للبلاء الذي بها وقد عرف منه أنه كان يعتقد أن شيئا لا يعدي وكان يجالس معيقيبا الدوسي ويؤاكله ويشاربه وربما وضع فمه على موضع فمه وكان على بيت ماله . ولعله علم من عقلها ودينها أنها تكفي بإشارته ألم تر إلى أنه لم تخطئ فراسته فيها فأطاعته حيا وميتا
( 5 ) أتت مكة
( 6 ) أي مات
( 7 ) للطواف
( 8 ) لأنه أمر بحق

40 - ( باب استلام ( 1 ) الركن )
477 - أخبرنا مالك حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري ( 2 ) عن عبيد ( 3 ) بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر : با أبا عبد الرحمن ( 4 ) رأيتك تصنع أربعا ( 5 ) ما ( 6 ) رأيت أحدا من أصحابك يصنعها قال : فما هن ( 7 ) يا ابن جريج ؟ قال : رأيتك لا تمس ( 8 ) من الأركان إلا اليمانيين ( 9 ) ورأيتك تلبس ( 10 ) النعال ( 11 ) السبتية ورأيتك تصبغ ( 12 ) بالصفرة ورأيتك إذا كنت بمكة أهل ( 13 ) الناس ( 14 ) إذا رأوا الهلال ( 15 ) ولم تهلل أنت حتى يكون ( 16 ) يوم التروية ( 17 ) قال عبد الله : أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم استلم إلا اليمانيين ( 18 ) . وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبس النعال التي ( 19 ) ليس فيها ( 20 ) شعر ويتوضأ ( 21 ) فيها فإني أحب أن ألبسها ( 22 ) . وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبع ( 23 ) بها فأنا أحب أن أصبع بها . وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل حتى ( 24 ) تنبعث به راحلته
قال محمد : وهذا ( 25 ) كله حسن ولا ينبغي أن يستلم من الأركان إلا الركن اليماني والحجر ( 26 ) وهما اللذان استلمهما ابن عمر . وهو قول أبي حنيفة والعامة
_________
( 1 ) قوله : استلام الركن أي لمس ركن الكعبة وهي مشتملة على أربعة أركان في أحدها : الحجر الأسود الذي ينبغي لمسه وتقبيله وثانيها : الركن اليماني ويستحب لمسه أيضا وثالثها ورابعها : الركنان الشاميان وهما بجانب الحطيم
( 2 ) بضم الباء وفتحها
( 3 ) قوله : عن عبيد مصغرا ابن جريج مصغرا التيمي مولاهم المدني من ثقات التابعين ذكره الحافظ ابن حجر
( 4 ) كنية ابن عمر
( 5 ) أي أربع خصال
( 6 ) قوله : ما رأيت أحدا من أصحابك يصنعها أي أحدا من أقرانك وأمثالك ممن صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم والمراد نفي الرؤية عن الأكثر وبالغ فيه فقال : ما رأيت أحدا أو المراد نفي رؤية أحد يفعل مجموع هذه الخصال الأربعة أو المراد نفي رؤية أحد يفعل هذه على سبيل الالتزام كما كان ابن عمر يلتزمها
( 7 ) أي تلك الخصال
( 8 ) بفتح الميم وتشديد السين أي لا تلمس باليد
( 9 ) قوله : اليمانيين قال السيوطي في " تنوير الحوالك " بتخفيف الياء لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب ولا يجمع بين البدل والمبدل منه وفي لغة قليلة تشديدها على أن الألف زائدة والمراد بهما الركن اليماني والذي فيه الحجر الأسود على جهة التغليب
( 10 ) بفتح الباء
( 11 ) قوله : النعال السبتية النعال بالكسر جمع نعل وهو ما يلبس في الرجل لوقاية القدم والسبتية بالكسر منسوب إلى سبت وهي جلود البقر المدبوغة يتخذ منها النعال سميت بذلك لأن شعرها سبت عنها أي حلقت أو لأنها انسبت ( هكذا في الأصل والظاهر انسبتت بالدباغ أي لانت كما في مجمع البحار 3 / 11 ) بالدباغ أي لانت وكان من عادة العرب لبس النعال من الجلود الغير ( هكذا في الأصل والصواب بدون " ال " كما نبهنا على ذلك سابقا ) مدبوغة بشعرها وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره وكان يلبسها أهل الرفاهية وقيل : إنه منسوب إلى سوق السبت بالفتح وقيل : إلى السبت بالضم : نبت يدبغ به ويلزم عليهما أن يكون السبتية في الرواية بالفتح أو الضم ولم يرد في الحديث على ما أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم إلا الكسر كذا حققه أحمد بن محمد المقرئ المغربي في كتابه " فتح المتعال في مدح خير النعال " وفصلت ما يتعلق بهذا الحديث في رسالتي " غاية المقال في ما يتعلق بالنعال " وتعليقاتها المسماة بظفر الأنفال
( 12 ) قوله : تصبغ أي ثوبك أو شعرك وهو بضم الموحدة وحكي فتحها وكسرها . بالصفرة بالضم أي اللون الأصفر بالزعفران أو غيره وقيل : الصفرة نبت يصبغ به أصفر
( 13 ) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية وأحرموا بالحج
( 14 ) أي أكثرهم ممن هو بمكة
( 15 ) أي هلال ذي الحجة
( 16 ) أي يوجد فهي تامة وما بعده فاعله ويمكن أن يكون ناقصة وما بعده مفعولة وفاعله ضمير راجع
( 17 ) هو الثامن من ذي الحجة
( 18 ) قوله : إلا اليمانيين أي الركن اليماني الذي بجهة اليمن والركن الذي بجهة أكثر بلاد الهند الذي فيه الحجر الأسود ولا يستلم الركنين الآخرين وهذا عن النبي صلى الله وعليه وسلم متفق عليه وأما أصحابه فذهب ابن عمر وعمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة قصر الاستلام عليهما وروي عن معاوية وابن الزبير مس الكل وعللوا بأنه ليس شيء من البيت مهجورا . والآثار عنهم مخرجة في " مصنف ابن أبي شيبة " و " مسند أحمد " وغيرهما وهذا الخلاف قد ارتفع وأجمع من بعدهم على أنه لا يستلم إلا اليمانيين
( 19 ) هذا تفسر للسبتية
( 20 ) في نسخة : لها
( 21 ) قوله : يتوضأ فيها الظاهر أن معناه يتوضأ ويغسل الرجلين حال كون النعلين فيهما ولا بأس به إذا كان النعلان طاهرين ووصل الماء إلى الرجل بتمامه وقال النووي : معناه أنه يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان
( 22 ) ليحصل الاقتداء به
( 23 ) قوله : يصبغ بها قال الزرقاني : قال المأزري : قيل : المراد صبغ الشعر وقيل : صبغ الثوب والأشبه هو الثاني . قال عياض : هذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه و سلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران . رواه أبو داود . وذكر أيضا في حديث آخر احتجاجه بأنه صلى الله عليه و سلم كان يصبغ بها ثوبه حتى عمامته
( 24 ) قوله : حتى تنبعث به أي تستوي قائمة إلى طريقه يعني أن النبي صلى الله عليه و سلم : إنما كان يحرم حين التوجه إلى مكة والشروع في الأعمال فقاس عليه الإحرام بمكة يوم التروية لأنه يوم التوجه إلى منى ويوم الشروع في أفعال الحج والمراد بانبعاث الراحلة انبعاثها به من ذي الحليفة لا من مكة فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يحرم في حجته من مكة وقد ذكرنا سابقا ما يتعلق بهذا المقام فتذكر
( 25 ) أي ما ذكر في هذه الرواية
( 26 ) أي الحجر الأسود

478 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله ( 1 ) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألم ( 2 ) تري أن قومك ( 3 ) حين بنوا ( 4 ) الكعبة اقتصروا عن قواعد ( 5 ) إبراهيم عليه السلام ؟ قالت : فقلت : يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قالت : فقال : لولا ( 6 ) حدثان ( 7 ) قومك بالكفر قال ( 8 ) : فقال ( 9 ) عبد الله بن عمر : لئن ( 10 ) كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك ( 11 ) استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم عليه السلام
_________
( 1 ) قوله : أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر هو أخو القاسم بن محمد من ثقات التابعين قتل بالحرة سنة 63 . أخبر هو عبد الله بن عمر بنصب عبد الله على أنه مفعول أخبر فالمخبر هو عبد الله بن محمد والمخبر له ابن عمر " عن " متعلق بأخبر عائشة : وظاهره أن سالما كان حاضرا لذلك فتكون من رواية نافع عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم من رواية نافع عن عبد الله بن محمد عن عائشة كذا ذكره الحافظ ابن حجر وغيره
( 2 ) بهمزة الاستفهام وفتح التاء والراء وسكون الياء وبحذف النون للجزم أي ألم تعلمي
( 3 ) بكسر الكاف خطاب إلى عائشة وقومها المراد به قريش
( 4 ) قوله : حين بنوا الكعبة أن أرادوا بناءها وذلك قبل البعثة النبوية بخمس سنين وكانت الكعبة قبل ذلك مبنية بالرضم ( الرضم واحدته " رضمة " الصخور العظيمة ) . ليس فيها مدر ولم تكن جدرانها مرتفعة وكان لها بابان فتساقط بناؤها ووصلها الحريق فأرادت قريش تسقيفها ورفع جدرانها ولم تكن قبل ذلك مسقفة فبنوا الكعبة وسقفوها بالخشب والحجارة وجعلوا لها بابا واحدا ليدخلوا فيها من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا وقد كانوا تعاهدوا أن لا يصرف في بنائها إلا المال الطيب فجمعوه وشرعوا في بنائها فقصرت بهم النفقة فأخرجوا قدر الحطيم من الكعبة ولم يزل ذلك البناء في عهد النبي صلى الله عليه و سلم ولم يغيره لأن قريشا كانوا قريبي عهد بالكفر والجاهلية فخاف أن يطعنوا عليه بهدم الكعبة من غير ضرورة وبقي كذلك إلى عهد الخلفاء حتى جاء عهد عبد الله بن الزبير وكان قد سمع هذا الحديث من عائشة فهدم الكعبة في عهد خلافته وبناها على قواعد إبراهيم ثم لما قتل ابن الزبير لم يرض الحجاج الأمير من عبد الملك بن مروان إبقاء بناء ابن الزبير فهدمها وأعادها إلى وضع قريش فكان ما كان كما هو مبسوط في تواريخ البلد الأمين ( وانظر أوجز المسالك 7 / 93 )
( 5 ) جمع قاعدة بمعنى الأساس
( 6 ) قوله : فقال : لولا ... إلى آخره وفي رواية : لولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج وألزقته بالأرض وجعلت له بابين : بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم . واستنبط من الحديث جواز ترك ما هو صواب خوف وقوع مفسدة أشد منه
( 7 ) بالكسر بمعنى الحدوث والقرب
( 8 ) أي عبد الله بن محمد
( 9 ) حين سمع هذا الحديث
( 10 ) قوله : لئن قال الحافظ ابن حجر والقاضي عياض : ليس هذا شكا من ابن عمر في صدق عائشة لكن يقع في كلام العرب كثيرا صورة التشكيك والمراد به التقرير
( 11 ) قوله : ترك استلام الركنين أي لمسهما وتقبيلهما . اللذين يليان أي يقربان الحجر ( وهو المعروف على هيئة نصف الدائرة وقدره تسع وثلاثون ذراعا . تنوير الحوالك ص 263 ) . بالكسر وهو الحطيم : الموضع الذي أخرجته قريش من الكعبة وهما ركنان شاميان . ويعرف اليوم أحدهما بالركن العراقي والآخر بالشامي إلا أن البيت أي الكعبة لم يتم على قواعد إبراهيم فليس الركنان بحسب بناء الخليل طرفين للكعبة ولذا ورد أن ابن الزبير لما بنى الكعبة على قواعد الخليل استلم الأركان كلها

41 - ( باب الصلاة في الكعبة ودخولها )

479 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل ( 1 ) الكعبة هو وأسامة ( 2 ) بن زيد وبلال ( 3 ) وعثمان ( 4 ) بن طلحة الحجبي فأغلقها ( 5 ) عليه ومكث ( 6 ) فيها قال عبد الله ( 7 ) : فسألت بلالا حين خرجوا ماذا صنع ( 8 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ثم صلى ( 9 ) وكان البيت ( 10 ) يومئذ على ستة أعمدة
قال محمد : وبهذا نأخذ الصلاة في الكعبة حسنة ( 11 ) جميلة . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) كان ذلك يوم الفتح كما ورد في رواية البخاري
( 2 ) قوله : أسامة بضم الألف ابن زيد بن حارثة بن شراحيل الهاشمي مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم له مناقب كثيرة قال النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة : أحبيه فإني أحبه أخرجه الترمذي وولاه إمارة الجيش وفيهم عمر وعقد له اللواء توفي بالمدينة أو بوادي القرى سنة 54 ، وقيل : غير ذلك ذكره النووي في " تهذيب الأسماء واللغات "
( 3 ) قوله : وبلال هو ابن رباح بالفتح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم . كان قديم الإسلام والهجرة وشهد المشاهد كلها وله مناقب كثيرة توفي بدمشق سنة 20 ، وقيل : سنة 21 ، وقيل بالمدينة وهو غلط قاله النووي في " التهذيب " وقد ذكرت قدرا من ترجمته في رسالتي " خير الخبر بأذان خير البشر " وغيره
( 4 ) قوله : وعثمان هو ابن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار يقال له الحجبي بفتح الحاء والجيم لحجبهم الكعبة ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ابن عم عثمان المذكور ههنا . وخدمة غلق البيت وفتحه وحفظ مفتاحه لم تزل فيهم ذكره العيني
( 5 ) قوله : فأغلقها أي الكعبة والضمير إلى عثمان وإنما أغلقه لكثرة الناس فخاف أن يزدحموا عليه أو يصلوا بصلاته فيكون ذلك عندهم من مناسك الحج ( روى ابن أبي شيبة من قول ابن عباس : إن دخول البيت ليس من الحج في شيء . وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخول البيت من مناسك الحج ورده بأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن محرما . فتح الباري 3 / 466 )
( 6 ) أي توقف فيها زمانا
( 7 ) ابن عمر
( 8 ) أي في داخل الكعبة
( 9 ) قوله : ثم صلى أي ركعتين نفلا وعند مسلم عن أسامة أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يصل في الكعبة . ولكنه كبر في نواحيه . ووقع عند أبي عوانة عن ابن عمر أنه سأل بلالا وأسامة - حين خرجا - : هل صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه ؟ فقالا : نعم وكذا ورد عند أحمد والطبراني . وجمع بينهما بأن أسامة حيث أثبتها اعتمد في ذلك على غيره وحيث نفى أراد ما في علمه ويحتمل أن يكون أسامة غاب بعد دخوله فلم يره يصلي ويدل عليه ما رواه ابن المنذر من حديثه أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى صورا في الكعبة فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به الصور . وقال ابن حبان : الأشبه أن يحمل الخبران على دخولين متغايرين : أحدهما يوم الفتح وصلى فيه والآخر في حجة الوداع ولم يصل فيه كذا في " عمدة القاري "
( 10 ) أي كانت الكعبة في ذلك الزمان مبنية على ستة أعمدة بالفتح وكسر الميم جمع عمود
( 11 ) أي مستحبة وفضيلة ( ويقول الحافظ في الفتح 3 / 466 ما ملخصه : إن صحة النفل والفرض داخل الكعبة قول الجمهور وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وعن ابن عباس عدم الصحة مطلقا للزوم استدبار بعض الكعبة وقد ورد الأمر باستقبال جميعها وبه قال بعض المالكية والظاهرية والطبري ومشهور قول مالك على رأي المازري منع الفرض ووجوب الإعادة وأطلق الترمذي عنه جواز النفل فكأنه اختلف النقل عنه . اهـ - ) وليست من مناسك الحج

42 - ( باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير )

480 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن عبد الله بن عباس أخبره ( 1 ) قال ( 2 ) : كان الفضل ( 3 ) بن عباس رديف ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فأتت ( 5 ) امرأة من ( 6 ) خثعم تستفتيه ( 7 ) قال : فجعل ( 8 ) الفضل ينظر إليها وتنظر إليه قال : فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصرف وجه الفضل بيده إلى الشق الآخر فقالت ( 9 ) : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا ( 10 ) كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج ( 11 ) عنه ؟ قال : نعم ( 12 ) وذلك ( 13 ) في حجة الوادع
_________
( 1 ) أي سليمان بن يسار
( 2 ) أي ابن عباس
( 3 ) قوله : الفضل هو ابن عباس أخو عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم له مناقب كثيرة شهد حنينا وحجة الوداع وخرج إلى الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم وتوفي بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة 18 ، وقيل : توفي سنة 15 ، وقيل غيرذلك ذكره ابن الأثير . وهذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس مثل ماههنا والأئمة الخمسة من حديث الفضل فجعله بعضهم من مسند ابن عباس وبعضهم من مسند الفضل قال الترمذي : سألت محمدا - يعني البخاري - عنه فقال : أصح شيء في هذا الباب ما رواه ابن عباس عن الفضل ويحتمل أن يكون سمعه من الفضل وغيره عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم أرسله فلم يذكر من سمعه منه
( 4 ) قوله : رديف أي راكبا خلفه على بعير واحد وهو مما لا بأس به إذا أطاقته الدابة
( 5 ) وكان ذلك غداة جمع بيوم النحر كما في رواية للبخاري والنسائي
( 6 ) قوله : من خثعم بفتح الخاء وسكون الثاء المثلثة وفتح العين : قبيلة مشهورة
( 7 ) أي تطلب منه الحكم والفتوى
( 8 ) قوله : فجعل أي طفق وشرع الفضل بن عباس ينظر إلى تلك المرأة وتنظر تلك المرأة إلى الفضل وذلك لكون الطبائع مجبولة على النظر إلى الصور الحسنة وكان الفضل حسنا جميلا وتلك المرأة شابة جميلة والأظهر أن ذلك النظر لم يكن عن شهوة بل من المباح الذي رخص فيه إذا أمن من الشهوة لكن لما خاف النبي صلى الله عليه و سلم أن يجر ذلك إلى فتنة صرف وجه الفضل بيده الشريفة إلى الشق - بالكسر وتشديد القاف - الآخر أي الجانب الآخر الذي ليس فيه ذلك الاحتمال وقد سئل عنه العباس فقال : لم لويت عنق ابن عمك ؟ فقال : رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما أخرجه الترمذي وبالغ في دفع الفتنة فصرف وجهه بيده فإن الإنكار باليد أقوى من الإنكار باللسان وبهذا ظهر أنه لا يصح استنباط حرمة مطلق النظر إلى وجه الأجنبية ولو في حالة الأمن من هذه القصة ( قال الباجي : يحتمل أن تكون قد سدلت على وجهها ثوبا فإن المحرمة يجوز لها ذلك لمعنى الستر إلا أنه كان يبدو من وجهها ما ينظر إليه الفضل . المنتقى 2 / 267 . وفي فتح الباري 4 / 70 عن العياض : لعل الفضل لم ينظر نظرا ينكر بل خشي عليه أن يؤول إلى ذلك أو كان قبل نزول الأمر بإدناء الجلابيب
وقال الشيخ في " البذل " : وإنما لم يمنعها ولم يأمر بصرف النظر عنه لأن صرف وجه أحدهما يغني عن الآخر ويحتمل أن يكون صلى الله عليه و سلم لم يخف منها الشهوة كما في الأوجز 7 / 48 )
( 9 ) بيان لاستفتائها
( 10 ) قوله : شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت بضم الباء أي يقعد ويستقر على الراحلة يعني أن الحج افترض على أبي حال كونه شيخا كبيرا غير قادر على الذهاب لا ماشيا ولا راكبا بأن أسلم في ذلك الحال أو أسلم قبله وكان فقيرا فحصلت له الاستطاعة الموجبة لافتراض الحج في تلك الحالة
( 11 ) بهمزة الاستفهام
( 12 ) قوله : قال : نعم أي حجي نائبة عنه واستنبط من الحديث جواز حج المرأة عن الرجل وكذا العكس ولا خلاف في جوازهما إلا ماقال الحسن بن صالح من عدم جواز حج المرأة عن الرجل وهو غفلة عن السنة وقالت طائفة : لا يحج أحد عن أحد روي هذا عن ابن عمر والقاسم والنخعي وقال مالك والليث : لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام وقالت الحنفية والشافعية بجواز الاستنابة للشيخ الفاني وكذا الحج عن الميت كذا في " عمدة القاري "
( 13 ) أي كان هذا الاستفتاء والجواب في حجة الوداع سنة عشر

481 - أخبرنا مالك أخبرنا أيوب السختياني ( 1 ) عن ابن سيرين ( 2 ) عن رجل أخبره عن عبد الله بن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن أمي امرأة كبيرة لا نستطيع أن نحملها ( 3 ) على بعير وإن ربطناها ( 4 ) خفنا أن تموت أفأحج ( 5 ) عنها ؟ قال : نعم
_________
( 1 ) قوله : السختياني نسبة إلى بيع السختيان - وهو بفتح السين وسكون الخاء وكسر التاء الفوقانية وتخفيف الياء التحتية في الآخر نون - جلود الظأن كان أيوب يبيعها فنسب به كذا في " أنساب السمعاني " ومختصره المسمى باللباب لابن الأثير الجزري وأما قول السيوطي في مختصره " لب اللباب " إنه بكسر السين فسبق قلم نبه عليه عبد الله بن سالم البصري المكي
( 2 ) قوله : عن ابن سيرين اسمه محمد ذكر النووي في " التهذيب " أن أباه سيرين - بكسر السين والراء - كان مولى أنس بن مالك وله ستة أولاد : محمد ومعبد وأنس ويحيى وحفصة وكريمة وكلهم رواة ثقات من أجلة التابعين وكثيرا ما يطلق ابن سيرين على محمد هذا أبو بكر البصري الإمام في التفسير والتعبير والحديث والفقه سمع ابن عمر وأبا هريرة وابن الزبير وغيرهم ولم يسمع عن ابن عباس فحديثه عنه مرسل وقد أكثر الأئمة في الثناء عليه توفي بالبصرة سنة 110 هـ -
( 3 ) أي لا نقدر أن نركبها على الراحلة خوفا من سقوطها
( 4 ) أي شددنا بالحبل على البعير خوف السقوط
( 5 ) بهمزة استفهام

482 - أخبرنا مالك أخبرنا أيوب السختياني عن ابن سيرين : أن رجلا كان جعل ( 1 ) عليه أن لا يبلغ ( 2 ) أحد من ولده الحلب فيحلب فيشرب ويستقيه إلا حج وحج به قال : فبلغ رجل من ولده الذي قال وقد كبر الشيخ فجاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فقال إن أبي قد كبر وهو لا يستطيع الحج أفأحج عنه ؟ قال : نعم
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس بالحج عن الميت ( 3 ) وعن المرأة والرجل إذا بلغا من الكبر ( 4 ) ( 5 ) ما لا يستطيعان أن يحجا . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى . وقال مالك ( 6 ) بن أنس : لا أرى أن يحج أحد عن أحد
_________
( 1 ) أي نذر وألزم على نفسه
( 2 ) قوله : أن لا يبلغ أحد من ولد بفتحتين أو بضم الأول وسكون الثاني
الحلب أي حلب اللبن عن الضرع . فيحلب بضم اللام وكسره أي ولده
فيشرب أي ذلك الولد . ويستقيه ( في نسخة : يسقيه ) أي يسقي الولد ذلك اللبن والده إلا حج بنفسه وحج به أي الولد قال ابن سيرين : فبلغ رجل من ولده الذي قال أي إلى مرتبة قال بها ذلك الرجل وهو أن يقدر على أن يحلب فيشرب ويسقيه . وقد أي والحال أنه قد كبر - بكسر الباء - الشيخ أي بلغ الوالد من الشيخوخة وبلغ من الكبر إلى حد لا يقدر على إيفاء نذره فجاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر أي بين له كيفية النذر والكبر فقال : إن أبي قد كبر وضعف وهو لا يستطيع أي لا يقدر على الحج أفأحج عنه ؟ أي نيابة عنه قال النبي صلى الله عليه و سلم : نعم حج عنه وأوف بنذره
( 3 ) قوله : عن الميت أي نيابة عن الميت فرضا كان أو نفلا فإن كان فرضا وأوصى به الميت سقط عنه وإلا يجزئ عنه إن شاء الله وفي النفل ( قال الحافظ : وأما النفل فيجوز عند أبي حنيفة خلافا للشافعي وعن أحمد روايتان : كذا في فتح الباري 4 / 66 وبسط شيخنا في الأوجز 9 / 42 في بيان الحج عن الغير عشرة أبحاث مفيدة مهمة ) يصل ثوابه إليه
( 4 ) بكسر الأول وفتح الثاني
( 5 ) أي سنا لا يقدران الحج بنفسهما
( 6 ) صاحب الموطأ

43 - ( باب الصلاة بمنى ( 1 ) يوم التروية ( 2 ) )
483 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان ( 3 ) يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم يغدو إذا طلعت الشمس إلى عرفة
قال محمد : هكذا السنة ( 4 ) فإن عجل ( 5 ) أو تأخر فلا بأس إن شاء الله تعالى . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : بمنى بكسر الميم تصرف ولا تصرف وهو موضع معروف من الحرم بين مكة والمزدلفة حدها من جهة المشرق بطن السيل إذا هبطت من وادي محسر ومن جهة المغرب جمرة العقبة سمي به لما يمنى فيه من الدماء أي يراق ويصب ذكره النووي في " التهذيب "
( 2 ) أي اليوم الثامن من ذي الحجة
( 3 ) قوله : كان يصلي أي كان يرحل من مكة بعد صلاة الفجر من اليوم الثامن إلى منى فيصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح من يوم عرفة ثم يذهب في اليوم التاسع غداء أي صباحا إذا طلعت الشمس إلى عرفة بفتحتين ويقال له عرفات أيضا . قال النووي : اسم لموضع الوقوف سمي بذلك لأن آدم عرف حواء هناك وقيل : لأن جبريل عرف إبراهيم المناسك هناك وجمعت عرفات لأن كل حد منه يسمى عرفة ولهذا كانت مصروفة كقصبات قال النحويون : ويجوز ترك صرفه بناء على أنها اسم مفرد لبقعة
( 4 ) قوله : هكذا السنة أي الطريقة المأثورة عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فإنه ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج من مكة ضحى من يوم التروية وغدا إلى عرفات يوم عرفة بعد الطلوع أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد والحكم وابن خزيمة وغيرهم . وقد أجمع الأئمة على استحباب هذا وأولويته ومنهم من قال إنه سنة مؤكدة ( هكذا في فروع الأئمة الأربعة : أوجز المسالك 7 / 356 )
( 5 ) قوله : فإن عجل من التعجيل . وفي نسخة : تعجل أو تأخر بأن قدم بمنى يوم السابع من ذي الحجة أو بعد صلاة الظهر أو العصر يوم التروية وبأن يذهب إلى عرفة قبل طلوع يوم عرفة في ليلة عرفة أو يوم التروية أو يذهب إلى عرفة وقت الضحى يوم عرفة أو بعد الزوال بشرط أن يصل هناك وقت الوقوف فلا بأس أي هو جائز إلا أنه خلاف الأولى أو خلاف السنة إنشاء الله تعالى قال القاري : إنما استثني احتياطا لاحتمال أن يكون تأخره عليه السلام في منى كان للنسك وقصد العبادة أو لضرورة قلة الماء بعرفة أو الاستراحة أو لحوق الجماعة المتأخرة وعلى كل تقدير فالأولى هو المتابعة

44 - ( باب الغسل بعرفة يوم ( 1 ) عرفة )
484 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان يغتسل بعرفة يوم عرفة حين يريد أن يروح ( 2 )
قال محمد : هذا ( 3 ) حسن وليس بواجب
_________
( 1 ) أي اليوم التاسع
( 2 ) أي يذهب من مقام نزوله إلى جبل الرحمة وموقف الدعاء
( 3 ) قوله : هذا حسن أي هذا الغسل مستحب وقيل سنة للوقوف وليس من المناسك الواجبة

45 - ( باب الدفع ( 1 ) من عرفة )
485 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة أن أباه أخبره أنه سمع أسامة بن زيد يحدث عن سير ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دفع ( 3 ) من عرفة فقال : كان ( 4 ) يسير العنق حتى إذا وجد فجوة نص . قال هشام : والنص أرفع ( 5 ) من العنق
قال محمد : بلغنا ( 6 ) أنه قال صلى الله عليه و سلم : عليكم بالسكينة ( 7 ) فإن البر ( 8 ) ليس بإيضاع ( 9 ) الإبل وإيجا ف ( 10 ) الخيل . وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : الدفع أي الرجوع من عرفة إلى المزدلفة عند غروب الشمس يوم عرفة
( 2 ) أي عن كيفيته
( 3 ) أي انصرف وذلك في حجة الوداع
( 4 ) قوله : كان يسير العنق بفتح العين وفتح النون نوع من السير وهو أدنى المشي وسير سهل للدواب من غير إسراع حتى إذا وجد فجوة - بالفتح - ما اتسع من الأرض - وفي بعض الروايات فرجة - نص أي أسرع والنص والنصيص في السير أن لسيار ( هكذا في الأصل وهو تحريف . الصواب : " أن تسار " كما في الأوجز 7 / 294 ) الدابة سيرا شديدا . قال ابن بطال : تعجيل الدفع من عرفة إنما هو لضيق الوقت لأنهم إنما يدفعون عند سقوط الشمس وبين عرفة والمزدلفة ثلاثة أميال وعليهم أن يجمعوا المغرب والعشاء في المزدلفة فتعجلوا في السير لاستعجال الصلاة
( 5 ) أي أعلى منه ( قال النووي : هما نوعان من إسراع السير . وفي العنق نوع من الرفق . شرح النووي على مسلم 3 / 422 )
( 6 ) هذا البلاغ أخرجه البخاري ( رقم الحديث 1666 ) وغيره من حديث ابن عباس
( 7 ) أي بالطمأنينة في السير
( 8 ) بالكسر أي الطاعة والعبادة
( 9 ) أي بإسراعه
( 10 ) أي إعدائها

46 - ( باب بطن ( 1 ) محسر )
486 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان ( 2 ) يحرك راحلته في بطن محسر كقدر رمية بحجر
قال محمد : هذا كله واسع ( 3 ) إن شئت حركت ( 4 ) وإن شئت سرت على هينتك ( 5 ) بلغنا ( 6 ) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في السيرين ( 7 ) جميعا : عليكم بالسكينة ( 8 ) . حين أفاض ( 9 ) من عرفة وحين أفاض من المزدالفة
_________
( 1 ) قوله : باب بطن بالفتح . محسر قال العيني في " البناية شرح الهداية " : بكسر السين المشددة فاعل من حسر بالتشديد لأن فيل أصحاب الفيل ( في شرح " الدسوقي " على شرح متن " الخليل " : الحق أن قضية الفيل لم تكن بوادي محسر بل كانت خارج الحرم وذكر العيني في عمدة القاري 4 / 691 نقلا عن الطبري - وهو المحب الطبري - ذلك ثم قال : قيل هذا غلط لأن الفيل لم يعبر الحرم ) حسر فيه أي أعيى وهو واد من مزدلفة ومنى وسمي وادي النار يقال : إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار وأحرقته وحكمة الإسراع فيه لمخالفة النصاري لأنه مو قفهم
( 2 ) قوله : كان يحرك أي تحريكا زائدا ليسرع في بطن محسر كقدر رمية بالكسر بحجر أي مقدار إذا رمي بالحجر فوصل بموضع وهذا قيل لمخالفة النصارى كما مر وقيل : لأنه واد عذب به بعض الكفار فأحب أن يسرع في الخروج منه وهو أمر مستحب ليس بواجب
( 3 ) أي جائز
( 4 ) أي الراحلة للإسرع في وادي محسر
( 5 ) بالفتح أي طريقتك في التوسط
( 6 ) قوله : بلغنا دليل لكون الأمرين جائزين يعني أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في السيرين جميعا - أي في السير من عرفة إلى مزدلفة وفي السير من مزدلفة إلى منى - : عليكم بالسكينة والطمأنينة في المسير فدل ذلك على عدم الإسراع . وفيه أن السكينة في السير الثاني لا ينافي قدرا من الإسراع مع أن هذا القدر مخصص من ذلك المطلق . وليس ذلك ثابتا بفعل ابن عمر وحده بل ثبت بفعل النبي صلى الله عليه و سلم في حديث جابر الطويل المخرج في الصحاح ( قال الموفق : يستحب الإسراع في بطن محسر وهو ما بين جمع ومنى فإن كان ماشيا أسرع وإن كان راكبا حرك دابته لأن جابرا قال في صفة حجة النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما أتى بطن محسر حرك قليلا . المغني 3 / 424 )
( 7 ) في نسخة : المسيرين
( 8 ) بيان للسيرين
( 9 ) أي رجع

47 - ( باب ( 1 ) الصلاة بالمزدلفة )
487 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر كان يصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا
_________
( 1 ) قوله : باب الصلاة بالمزدلفة بضم الميم وكسر اللام : موضع بين منى وعرفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة وهما جبلان بين المزدلفة وعرفة واحده مأزم بكسر الزاء والحدان خارجان من المزدلفة سمي به لازدلاف الناس أي اقترابهم واجتماعهم بها وقيل لاجتماع آدم وحواء به من ثم سمي بالجمع أيضا ذكره النووي

488 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى المغرب والعشاء ( 1 ) بالمزدلفة جميعا
_________
( 1 ) ولم يتنفل بينهما

489 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن عدي ( 1 ) بن ثابت الأنصاري عن عبد الله ( 2 ) بن يزيد الأنصاري الخطمي عن أبي أيوب ( 3 ) الأنصاري قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا ( 4 ) في حجة الوداع
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا يصلي ( 5 ) الرجل المغرب حتى يأتي المزدلفة وإن ذهب نصف الليل فإذا أتاها أذن وأقام فيصلي المغرب والعشاء بأذان ( 6 ) وإقامة واحدة . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) هومن ثقات التابعين الكوفيين وثقه أحمد وغيره مات سنة 110 ، كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قوله : عبد الله هوعبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين الأنصاري الخطمي نسبة إلى بني خطمة بالفتح بطن من الأنصار وهو صحابي صغير ذكره العيني وغيره
( 3 ) اسمه خالد بن زيد
( 4 ) قوله : جميعا زاد الطبراني من طريق جابر الجعفي ومحمد بن أبي ليلى كلاهما عن عدي بن ثابت بهذا الإسناد بإقامة واحدة والجعفي ضعيف لكن تقوى بمتابعة محمد وبه يرد على قول ابن حزم : ليس في حديث أبي أيوب ذكر أذان وإقامة كذا ذكره الحافظ ابن حجر في " فتح الباري "
( 5 ) قوله : لا يصلي يعني أن تأخير المغرب واجب إلى أن يصل المزدلفة فيجمع بينه وبين العشاء في المزدلفة وإن ذهب نصف الليل ودخل وقت كراهة العشاء فلو صلاها في الطريق أو في عرفة أعاد وهذا أحد القولين وبه قال بعض المالكية وقال الشافعية وغيرهم : لو جمع قبل جمع أو جمع بينهما تقديما في الجمع أجزأ وفاتت السنة والخلاف مبني على أن الجمع بعرفة أو المزدلفة هل هو للنسك أو للسفر فمن قال بالأول قال بالأول ومن قال بالثاني قال بالثاني كما بسطه في " ضياء الساري "
( 6 ) قوله : بأذان وإقامة واحدة أي بأذان واحد وإقامة واحدة للأولى فقط والمرجح هو تعدد الإقامة لا الأذان كما بسطه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " . والمسألة مسدسة فيها ستة أقوال كما فصلها في " فتح الباري "
( 3 / 525 ) . و " عمدة القاري " ( 4 / 687 ) : أحدها : الجمع بأذانين وإقامتين روي ذلك عن ابن مسعود عند البخاري وعن عمر عند الطحاوي وبه قال مالك وأكثر أصحابه وليس لهم في ذلك حديث مرفوع قاله ابن عبد البر وقال ابن حزم : لم نجده مرويا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أي بنص صريح صحيح وذكر ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفا ومع كونه لم يروه ويترك ما روى عن أهل المدينة وهو مرفوع وأجيب عنه بأنه اعتمد صنيع عمر وإن كان لم يروه في " الموطأ " وحمل الطاوي صنيع ابن عمر على أنه أذن للثانية لكون الناس تفرقوا لعشائهم فأذن ليجمعهم وبه نقول إذا تفرق الناس عن الإمام لأجل عشاء أو لغيره فأذن فلا بأس به وبمثله يجاب عن فعل ابن مسعود . وثانيها : أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وهو مذهب أصحابنا الحنفية قال ابن عبد البر : أنا أعجب من الكوفيين أخذوا بما رواه أهل المدينة وتركوا ما رووا عن ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدا . انتهى . وحجتهم في ذلك حديث جابر أنه صلى الله عليه و سلم جمع بأذان واحد وإقامة واحدة أخرجه ابن أبي شيبة وروي نحوه من حديث ابن عباس عند أبي الشيخ الأصبهاني من حديث أبي أيوب كما مر . وثالثها : أن يجمع بأذان واحد وإقامتين ثبت ذلك من حديث جابر عند مسلم وابن عمر عند البخاري وهو الصحيح من مذهب الشافعي ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون من المالكية وابن حزم من الظاهرية والطحاوي من الحنفية وقواه . ورابعها : الجمع بإقامتين فقط من غير أذان وهو رواية عن أحمد وعن الشافعي وقال به الثوري وغيره وهو ظاهر حديث أسامة المروي في صحيح البخاري حيث لم يذكر فيه الأذان وقد روي عن ابن عمر من فعله كل واحد من هذه الصفات أخرجه الطحاوي وكأنه رآه من الأمر المتخير فيه
وخامسها : الجمع بالإقامة الواحدة بلا أذان أخرجه مسلم وأبو داود عن ابن عمر أيضا وهو المشهور من مذهب أحمد . وسادسها : ترك الأذان والإقامة مطلقا أخرجه ابن حزم من فعل ابن عمر أيضا . هذا كله في جمع التأخير بمزدلفة وأما جمع التقديم بعرفات ففيه أقوال ثلاثة الأول : يؤذن للأولى ويقيم لها فقط وبه قال الشافعي . والثاني : يؤذن للأولى ويقيم لكل منهما وهو مذهب الحنفية . الثالث : تعدد الأذان والإقامة كليمها وهو قول بعض الشافعية . وأرجحها وسطها

48 - ( باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة ( 1 ) يوم النحر )
490 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب خطب ( 2 ) الناس بعرفة فعلمهم أمر ( 3 ) الحج وقال لهم فيما قال : ثم ( 4 ) جئتم منى فمن رمى الجمرة ( 5 ) التي عند العقبة فقد حل ( 6 ) له ما حرم ( 7 ) عليه إلا النساء ( 8 ) والطيب ( 9 ) لا يمس أحد نساء ولا طيبا حتى يطوف ( 10 ) بالبيت
_________
( 1 ) بفتحتين هو اسم لموضع رمي طرف منى إلى جهة مكة وفي يوم النحر يكتفي على رمي جمرة العقبة وفيما بعده من الأيام يرمى في ثلاث مواضع
( 2 ) اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم
( 3 ) أي مناسكه
( 4 ) قوله : ثم جئتم أي بعد الرجوع من عرفة والمزدلفة غداة يوم النحر
وفي رواية يحيى : إذا جئتم منى وهكذا في بعض نسخ هذا الكتاب وفي بعضها : إن جئتم
( 5 ) أي يوم النحر
( 6 ) أي بالحلق أو التقصير
( 7 ) أي في حالة الإحرام
( 8 ) أي مباشرتهن
( 9 ) أي استعمال الطيب في بدنه وثيابه
( 10 ) قوله : حتى يطوف بالبيت أي طواف الزيارة في يوم النحر أو بعده إلى الثاني عشر في ذي الحجة

491 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من رمى الجمرة ( 1 ) ثم حلق أو قصر ونحر ( 2 ) هديا إن كان معه حل له ما حرم ( 3 ) عليه في الحج إلا النساء والطيب ( 4 ) حتى يطوف بالبيت
قال محمد : هذا ( 5 ) قول عمر وابن عمر . وقد روت عائشة خلاف ( 6 ) ذلك قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي هاتين بعد ما حلق ( 7 ) قبل أن يزور ( 8 ) البيت فأخذنا بقولها ( 9 ) . وعليه أبو حنيفة ( 10 ) والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي يوم النحر
( 2 ) أي ذبحه
( 3 ) أي في إحرامه
( 4 ) لكونه من مقدمات الجماع
( 5 ) قوله : هذا قول أي عدم حل النساء والطيب قبل طواف الزيارة . والأول متفق عليه ( أي يحل له كل شيء إلا النساء وهو قول سالم وطاوس والنخعي وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال مالك : يحل له كل شيء إلا النساء والصيد وفي " المدونة " : أكره لمن رمى العقبة أن يتطيب حتى يفيض فإن فعل فلا شيء عليه . عمدة القاري 5 / 93 ) والثاني مختلف فيه فمذهب عمر عدم حل الطيب لكونه من مقدمات الجماع وبه قال مالك ويوافقه قول عبد الله بن الزبير : من سنة الحج إذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء إلا النساء والطيب حتى يزور البيت أخرجه الحاكم في " المستدرك " وقال على شرط الشيخين ولعل هذا الحكم منهم احتياطي وإلا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بأسانيد صحيحة في أحاديث عديدة حل الطيب كما بسطه الزيلعي في " نصب الراية " فمن ذلك حديث عائشة الآتي ذكره وأخرج أبو داود من حديث عائشة مرفوعا : إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء ونحوه أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من حديثها وأبو داود وأحمد والحاكم من حديث أم سلمة وأخرج النسائي عن ابن عباس قال : إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء فقال رجل : والطيب ؟ قال : أما أنا فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ( في الأصل : أخطيب وهو تحريف ) هو أم لا ؟ وزعم بعض المالكية أن عمل أهل المدينة على خلافه قال العيني : ورد بما رواه النسائي من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج أدرك ناسا من أهل العلم منهم القاسم بي محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله بن عبد الله بن عمر وأبو بكر بن عبد الرحمن فسألهم عن الطيب قبل الإفاضة فكلهم أمروه به . فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه ؟
( 6 ) أي خلاف مذهب عمر وابنه
( 7 ) يوم النحر
( 8 ) أي يطوف طواف الزيارة
( 9 ) لكونه متضمنا لبيان الفعل النبوي
( 10 ) وهذا قول الجمهور

492 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة أنها ( 1 ) قالت : كنت أطيب ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم لإحرامه ( 3 ) قبل أن يحرم ولحله ( 4 ) قبل أن يطوف ( 5 ) بالبيت
قال محمد : وبهذا نأخذ في الطيب ( 6 ) قبل زيارة البيت وندع ( 7 ) ما روى عمر وابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أنها قالت قال ابن عبد البر : هذا حديث صحيح ثابت لا يختلف أهل العلم في صحته وثبوته وقد روي من وجوه وقال العيني : أخرجه الطحاوي من ثمانية عشر وجها
( 2 ) قوله : كنت أطيب قال الحافظ في " فتح الباري " ( 3 / 398 ) : استدل به على أن " كان " لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع ذلك منها إلا مرة واحدة وقد صرحت في رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوادع وكذا استدل به النووي في " شرح صحيح مسلم " وتعقب بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من أن يتكرر الطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه وقال النووي في موضع آخر : إنها لا تقتضن التكرار ولا الاستمرار وكذا قال الفخر في " المحصول " وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه وقال جماعة من المحققين : إنها تقتضيه ظهورا وقد تقع قرينة تدل على عدمه
( 3 ) أي لأجل إحرامه . دل هذا على جواز التطيب عند الإحرام وقد اختلفوا فيه وقد مر بنا تفصيله
( 4 ) أي خروجه عن الإحرام ( أي بعد أن يرمي ويحلق )
( 5 ) أي يطوف طواف الزيارة
( 6 ) أي في جواز استعماله
( 7 ) أي نترك

49 - ( باب من أي موضع يرمى ( 1 ) الجمار ( 2 ) )
493 - أخبرنا مالك قال : سألت عبد الرحمن بن القاسم : من أين كان ( 3 ) القاسم بن محمد يرمي جمرة العقبة ؟ قال : من ( 4 ) حيث تيسر
قال محمد : أفضل ذلك أن يرمي من بطن الوادي ومن حيث ما ( 5 ) رمى فهو جائز وهو قول أبي حنفية والعامة
_________
( 1 ) بصيغة المجهول
( 2 ) قوله : الجمار بالكسر جمع جمرة بالفتح هي الحصا الصغيرة ثم سمي المواضع التي ترمى الحجار فيها بالجمار فقيل : جمرة العقبة والجمرة الوسطى والجمرة الكبرى وسميت جمرة العقبة به لأن العقبة بفتحتين في الأصل الطريق الصعب في الجبل وتلك الجمرة واقعة كذلك وقيل : سميت تلك المواضع بها لاجتماع الحصى هناك من تجمر القوم إذا تجمعوا ذكره العيني
( 3 ) أي من أي مقام
( 4 ) قوله : من حيث تيسر قال القاري : أي من جوانبها علويها وسفليها
انتهى . وقال الزرقاني : أي من بطن الوادي بمعنى أنه لم يعين محلا منها للرمي وليس المراد من فوقها أو تحتها أو بظهرها لما صح أن النبي صلى الله عليه و سلم رماه من بطن الوادي . انتهى . والذي يظهر في معنى هذا الأثر لعموم قوله : من حيث تيسر أي أمكن وسهل هو ما ذكره القاري ولا شبهة أن الرمي من بطن الوادي مندوب وإنما الكلام في الجواز وفيما إذا لم يمكن ذلك قال في " الهداية " و " البناية " : فيرميها من بطن الوادي أي من أسفل الوادي إلى أعلاه هكذا رواه عمر وابن مسعود في الصحيحين والترمذي عن ابن مسعود أنه عليه السلام لما رمى جمرة العقبة جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينة ورمى من بطن الوادي . ولو رماها من أعلاها جاز والأول هو السنة فإن عمر رماها من أعلاها للزحام
( 5 ) أي من أي موضع رمى جاز . ( ذكر في " المحلى " أن كل ذلك واسع لكن السنة عند الجمهور كونه من بطن الوادي . انظر الأوجز 8 / 51 )

50 - ( باب تأخير ( 1 ) رمي الحجارة من علة ( 2 ) أو من غير علة وما يكره
من ذلك )
494 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أن ( 3 ) أبا البداح بن عاصم بن عدي أخبره عن أبيه عاصم بن عدي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنه رخص لرعاء ( 4 ) الإبل في البيتوتة ( 5 ) يرمون ( 6 ) يوم النحر ثم يرمون من الغد أو من بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر
قال محمد : من جمع رمي يومين في يوم من علة أو غير علة فلا كفارة عليه إلا أنه يكره ( 7 ) له أن يدع ذلك من غير علة حتى الغد . وقال أبو حنيفة : إذا ترك ( 8 ) ذلك حتى الغد فعليه دم ( 9 )
_________
( 1 ) أي من أوقاته المقررة
( 2 ) بكسر الأول وتشديد الثاني : أي مرض أو ضرورة
( 3 ) قوله : أن أبا البداح بفتح الموحدة والدال المشددة المهملة فألف فحاء مهملة لا يوقف على اسمه وكنيته اسمه وقال الواقدي : أبو البداح لقب غلب عليه وكينته أبو عمرو . انتهى . وكذا قال ابن المديني وابن حبان وقيل : كينته أبو بكر ويقال : اسمه عدي وهو من ثقات التابعين مات سنة 117 ، وقيل سنة 110 . ابن عاصم بن عدي أخبره أي أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عاصم بن عدي بن الجد - بفتح الجيم - بن العجلان ( في الأصل لعجلان والصواب العجلان . شرح الزرقاني 2 / 371 ) بن حارثة القضاعي الأنصاري هو من الصحابة شهد أحدا وغيره وعاش خمسة عشر ومائة كذا في شرح الزرقاني
( 4 ) بالكسر جمع راعي
( 5 ) مصدر بات أي في القيام ليلا بمنى اللائق للحجاج أي أباح لهم تركه لضرورتهم
( 6 ) قوله : يرمون هذا بيان للرخصة يعني رخص لهم ترك البيتوتة بمنى وأمرهم أن يرموا يوم النحر بعد طلوع الشمس كما لسائر الحجاج ثم يرمون أي إذا رموا يوم النحر أجاز لهم أن يذهبوا من منى ويقيموا خارحين عنه ثم يجيئوا في اليوم الحادي عشر فيرمون من الغد أي اليوم الحادي عشر أو من بعد الغد أن لا يرموا يوم الحادي عشر بل يدخلوا في منى في اليوم الثاني عشر فيرموا فيه ليومين للحادي عشر قضاء وللثاني عشر أداء ثم يرمون يوم النفر - بالفتح ثم السكون - أي يوم الانصرف من منى . وهو اليوم الثالث عشر - وهو يوم النفر الثاني ويستحب ذلك . ومن تعجل فنفر في الثاني عشر فلا إثم عليه كما قال الله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } ( سورة البقرة : الآية 203 ) وعلى هذا التقرير الذي ذكرنا يكون رخصتهم لأمرين أحدهما : ترك البيتوتة وثانيهما : جواز جمع رمي يومين في يوم واحد ويمكن أن يكون المراد بقوله يرمون يوم النحر : رمي يوم النحر في ليلته فيكون رخصة ثالثة كما أخرج الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص للرعاة أن يرموا ليلا وعند الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أنه صلى الله عليه و سلم رخص للرعاء أن يرموا ليلا وأي ساعة شاؤوا من النهار ونحوه أخرجه البراز من حديث ابن عمرو . بهذا استند الشافعي في أن أول وقت الرمي يوم النحر بعد نصف ليلته وعندنا وقته بعد طلوع الفجر لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأمر نساءه صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر سوادا ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين أخرجه الطحاوي . وعنه أنه عليه السلام كان يقدم ضعفة أهله من المزدلفة بغلس ويأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس أخرجه الأربعة . وهذا بيان الوقت الأفضل وما مر من الأحاديث محمول عندنا على رمي الأيام الباقية فإنها جائزة ليلا ولو سلمنا أن المراد به ليلة العيد فهو أمر ضروري ثبت رخصة للرعاء والضعفاء فلا يكون حجة لتعيين الوقت كذا في " البناية "
( 7 ) لأنه خلاف السنة
( 8 ) أي من غير علة
( 9 ) لأن رمي كل يوم في ذلك اليوم واجب عنده خلافا لهما

51 - ( باب رمي الجمار راكبا )

495 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال : إن الناس ( 1 ) كانوا إذا رموا الجمار مشوا ( 2 ) ذاهبين ( 3 ) وراجعين ( 4 ) وأول ( 5 ) من ركب معاوية بن أبي سفيان
قال محمد : المشي أفضل ومن ركب فلا بأس ( 6 ) بذلك
_________
( 1 ) أي الصحابة
( 2 ) أي على أقدامهم
( 3 ) أي من منازلهم إلى الجمار
( 4 ) إلى مقامهم
( 5 ) قوله : وأول من ركب معاوية قيل ذلك لعذره بالسمن وعند ابن أبي شيبة أن جابر بن عبد الله كان لا يركب إلا من ضرورة وعند أبي داود أي ابن عمر كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك . ثم المراد بالركوب ههنا المحكوم بأوليته من معاوية الركوب في جميع الجمار أو الركوب في غير يوم النحر وإلا فالركوب يوم النحر عند جمرة العقبة ثابت في رسول الله صلى اله عليه وسلم عند البخاري ومسلم وغيرهما . وفي ذلك مع ما مر دلالة لما ذهب إليه الشافعي ومالك من أن رمي يوم النحر الأفضل فيه الركوب وفي غيره المشي وقال غيرهما : الأفضل المشي في الكل وركوب النبي صلى الله عليه و سلم كان ليراه الناس فيتعلموا منه المناسك ويسألوه ( في الأصل : " يسألوا عنه " ) المسائل . والبسط في " عمدة القاري " وفي " الهداية " وغيره : كل رمي بعده رمي فالأفضل أن يرميه ماشيا وإلا فيرميه راكبا لأن الرمي الذي بعده فيه وقوف ودعاء فيرمي ماشيا ليكون أقرب إلى الإجابة
( 6 ) أي هو جائز ( وقد أجمع العلماء على جواز الأمرين معا واختلفوا في الأفضل من ذلك فذهب أحمد وإسحاق إلى استحباب الرمي ماشيا . وذهب مالك إلى استحباب المشي في رمي أيام التشريق . وأما جمرة العقبة يوم النحر فيرميها على حسب حاله كيف كان . قال النووي : يستحب أن يرمي في اليومين الأولين من أيام التشريق ماشيا وفي اليوم الثالث راكبا قال ابن حجر : هو المعتمد كما في " الروضة " وعند الحنفية في المسألة ثلاث أقوال . ورجح ابن الهمام أداءها ماشيا أولى لأنه أقرب إلى التواضع وخصوصا في هذا الزمان . انظر : الأوجز 8 / 50 ، والكوكب الدري 2 / 129

52 - ( باب ما ( 1 ) يقول عند الجمار والوقوف ( 2 ) عند الجمرتين )
496 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان يكبر ( 3 ) كلما رمى الجمرة بحصاة
قال محمد ( 4 ) : وبهذا نأخذ
_________
( 1 ) من الأذكار
( 2 ) للدعاء
( 3 ) أي يقول الله أكبر
( 4 ) فإن التكبير عند كل حصاة مستحب فإن تركه فلا شيء عليه عند الجمهور وعند الثوري يطعم بتركه

497 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان عند ( 1 ) الجمرتين الأوليين يقف وقوفا ( 2 ) طويلا يكبر الله ويسبحه ويدعو الله ولا يقف ( 3 ) عند العقبة
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : عند الجمرتين الأوليين فيه تغليب والمراد الأولى التي تلي مسجد الخيف والوسطى . وهذا في غير يوم النحر وأما فيه فلا يرمي إلا جمرة العقبة وليس هناك وقوف والأصل فيه أن كل رمي بعده رمي يستحب فيه الوقوف والدعاء لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه وكل رمي ليس بعده رمي لا وقوف فيه لأن العبادة قد انتهت كذا في " الهداية " وغيرها
( 2 ) قوله : وقوفا طويلا أي مستقبل القبلة كما في رواية البخاري عن سالم أن ابن عمر كان يرمي الجمرة الدينا أي القربى من مسجد الخيف بسبع حصيات ويكبر على إثر كل حصاة ثم يقدم ( هكذا في الأصل . وفي صحيح البخاري : ثم يتقدم . رقم الحديث 1751 و 1752 ، " 4 / 583 " )
فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الجمرة الوسطى ثم يأتي ذات الشمال فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي فلا يقف عندها ثم ينصرف . وورد نحوه في رواية للبخاري من فعل النبي صلى الله عليه و سلم قال العيني : اختلفوا في مقدار ما يقف فكان ابن مسعود يقف قدر قراءة سورة البقرة مرتين وعن ابن عمر أنه كان يقف قدر سورة البقرة وعن ابن عباس بقدر قراءة سورة من المئين . ولا توقيف في ذلك عند العلماء وإنما هو ذكر ودعاء
( 3 ) لا يوم النحر ولا فيما بعده

53 - ( باب رمي الجمار قبل الزوال أو بعده ( 1 ) )
498 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : لا ترمى ( 2 ) الجمار ( 3 ) حتى تزول الشمس في الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر
قال محمد : وبهذا ( 4 ) نأخذ
_________
( 1 ) قوله : أو بعده قال القاري : أو للتنويع فقبل الزوال يرمي العقبة يوم النحر وبعده للبقية . انتهى . وفيه أنه ليس لوقت رمي يوم النحر وهو من طلوع الفجر إلى الزوال عند أبي يوسف وإلى غروب الشمس عندهما ذكر فيما بعد ترجمة الباب إلا أن يقال : قول ابن عمر لا ترمي الجمار حتى تزول الشمس إلى آخره يدل على أن ابتداء وقت الرمي من الأيام الثلاثة التي بعد النحر هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من الزوال دون يوم النحر فإن الابتداء فيه قبل الزوال يدل عليه التقييد بما بعد يوم النحر فالأثر المذكور دل على كلا الأمرين أحدهما بعبارته والآخر بإشارته ويمكن أن يكون الهمزة الاستفهامية محذوفة أو عاطفة عليه فالمعنى باب بيان أن رمي الجمار أهو قبل الزوال أو بعده ؟
( 2 ) بصيغة المجهول
( 3 ) أي الحجار الصغار والمراد مواضع الرمي
( 4 ) قوله : وبهذا وبه قال أبو حنفية إلا أنه لو رمى في اليوم الرابع قبل الزوال صح مع الكراهة عنده خلافا لهما وهو الأصح ( أما عند الجمهور فالسنة عندهم أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال كذا في
فتح الباري 4 / 580 والمغني 3 / 452

54 - ( باب البيتوتة ( 1 ) وراء عقبة منى وما يكره من ذلك )
499 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع قال : زعموا ( 2 ) أن عمر بن الحطاب كان يبعث رجالا يدخلون ( 3 ) الناس من وراء العقبة إلى ( 4 ) منى . قال نافع : قال عبد الله بن عمر : قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى وراء العقبة
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي لأحد من الحاج أن يبيت إلا بمنى ليالي الحج ( 5 ) فإن فعل فهو ( 6 ) مكروه ولا كفارة عليه . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : باب البيتوتة ( قال الجمهور : لا يبيت أحد ليالي منى في غير منى غير أن المبيت به واجب عند الشافعي وأحمد في المشهور عنهما وسنة عند أبي حنفية والشافعي في أحد قوليه وأحمد في رواية . أوجز المسالك 8 / 25 ) هي بمنى واجبة عند الجمهور حتى يجب الدم بتركها إلا من ضرورة لحديث : رخص لرعاء الإبل وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد أنه سنة يكره تركها ولا يجب شيء به وهو مذهب أصحابنا
( 2 ) أي قالوا أو ذكروا له
( 3 ) من الإدخال
( 4 ) قوله : إلى منى وذلك لأن العقبة ليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة
( 5 ) وهي الليالي الثلاثة والاثنتان لمن تعجل بعد ليلة العيد
( 6 ) قوله : فهو مكروه إلا للرعاة للحديث المار وإلا لأهل السقاية لحديث : رخص النبي صلى الله عليه و سلم للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته أي لماء زمزم

55 - ( باب من قدم نسكا ( 1 ) قبل نسك )
500 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن عيسى ( 2 ) بن طلحة بن عبيد الله أنه أخبره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه تعالى عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف ( 3 ) للناس عام حجة الوداع يسألونه فجاء ( 4 ) رجل . فقال : يا رسول الله لم أشعر ( 5 ) فنحرت ( 6 ) قبل أن أرمي ( 7 ) قال : ارم ولا حرج ( 8 ) وقال ( 9 ) آخر : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال : اذبح ولا حرج . فما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء يومئذ ( 10 ) قدم ( 11 ) ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج
_________
( 1 ) أي عبادة من عبادات الحج
( 2 ) ثقة فاضل مات سنة 100 ، وأبوه من العشرة قاله الحافظ
( 3 ) أي على ناقته عند جمرة العقبة كما في رواية البخاري
( 4 ) قوله : فجاء رجل قال الحافظ ( فتح الباري 3 / 570 ) : لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وكانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره : كان الأعراب يسألونه . فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم
( 5 ) أي لم أعلم أو لم أتعمد
( 6 ) أي ذبحت
( 7 ) الجمرة في يوم النحر
( 8 ) بفتحتين
( 9 ) قوله : وقال آخر ذكر في هذه الرواية سؤال اثنين عن أمرين أحدهما تقديم الذبح على الرمي وثانيهما تقديم الحلق على الذبح زاد في رواية في الصحيحين وأشباه ذلك وفي رواية لمسلم قال آخر : أفضت قبل أن أرمي قال : ارم ولا حرج . فهذا ثالث وهو تقديم طواف الإضافة على الرمي وفي رواية لأحمد ذكر السؤال عن أمر رابع وهو تقديم الحلق قبل الرمي . فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء وورد الأولان في حديث ابن عباس أيضا عند البخاري وللدار قطني من حديثه أيضا السؤال عن الحلق قبل الرمي وفي حديث جابر وأبي سعيد عند الطحاوي مثله وفي حديث علي عند أحمد السؤال عن الإضافة قبل الحلق وفي حديثه عند ابن الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معا قبل الحلق وفي حديث جابر عند ابن حبان السؤال عن الإفاضة قبل الذبح وفي حديث أسامة السؤال عن السعي قبل الطواف . فهذه عدة صور ( انظر فتح الباري 3 / 573 ) سئل عنها النبي صلى الله عليه و سلم وأجاب بأنه لا حرج . ولا خلاف في أن الترتيب بتقديم الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم طواف الإفاضة ثم السعي مطلوب واختلف في وجوبه فذهب الشافعي وأحمد في رواية والجمهور إلى استنانه ( اعلم أن المسنون يوم النحر أربعة أمور : الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الإفاضة وهذا الترتيب هو المسنون عند كافة العلماء وقد وردت الروايات بهذا الترتيب من فعله صلى الله عليه و سلم والترتيب بين هذه الأربعة سنة عند الشافعي وأحمد وصاحبي أبي حنفية فمن قدم شيئا من هذه أو أخر فلا دم عليه عندهم لكون الترتيب غير واجب واستدلوا بما ورد في الروايات من قوله عليه الصلاة و السلام : افعل ولا حرج وأما عند الإمامين الهمامين أبي حنفية ومالك رحمهما الله تعالى فالترتيب في بعضها واجب وفي بعضها سنة فمن خالف الترتيب الواجب فعليه دم ومن خالف الترتيب المسنون فقد أساء ولا دم عليه فالترتيب عند مالك بين الرمي والأمور الثلاثة فقط فلو قدم شيئا من الأمور الثلاثة على الرمي فعليه دم وأما في الأمور الثلاثة الباقية فسنة وأما عند الإمام أبي حنفية فالترتيب بين الطواف والذبح سنة للمفرد فقط . وأما في غيرهما فالترتيب واجب سواء كان مفردا أو غيره فمن خالف الترتيب الواجب فعليه دم . انظر حجة الواداع ص 146 ، وأوجز المسالك 8 / 149 )
وأنه لو أخل في شيء من ذلك لا يلزم دم استدلالا بقوله صلى الله عليه و سلم : لا حرج وأوجبه مالك في تقديم الإفاضة على الرمي وذهب أبو حنفية إلى وجوبه في الكل ولزوم الدم بتركه وحمل قوله : لا حرج على نفي الإثم والكلام طويل مبسوط في شروح صحيح البخاري وشروح الهداية
( 10 ) أي يوم النحر
( 11 ) صفة لشيء

501 - أخبرنا مالك حدثنا أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان ( 1 ) يقول : من ( 2 ) نسي من نسكه شيئا - أو ترك - فليهرق دما . قال أيوب : لا أدري أقال ( 3 ) ترك أم نسي ؟
قال محمد : وبالحديث ( 4 ) الذي روي عن النبي صلى الله عليه و سلم نأخذ أنه قال : لا حرج ( 5 ) في شيء من ذلك . وقال أبو حنيفة رحمه الله : لا حرج في شيء من ذلك ولم ير في شيء من ذلك كفارة إلا في ( 6 ) خصلة واحدة المتمتع والقارن إذا حلق قبل أن يذبح قال ( 7 ) : عليه دم ( 8 ) وأما نحن ( 9 ) فلا نرى عليه شيئا
_________
( 1 ) هذا موقوف على ابن عباس له حكم الرفع وأخرج ابن أبي شيب عن سعيد بن جيبر وإبراهيم النخعي وجابر بن زيد نحو ذلك
( 2 ) قوله : من نسي من نسكه بضمتين أي من أعمال حجه وعمرته شيئا - أو ترك - شك من أيوب السختياني هل روى شيخه سعيد لفظ نسي أو ترك . فليهرق أي يجب عليه أن يذبح ويريق دما لتركه الواجب وفي رواية ابن أبي شيبة والطحاوي بسند ضعيف لضعف راويه إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عنه قال : من قدم شيئا من حجه أو أخر فليهرق لذلك دما . ثم أخرج الطحاوي بسند آخر قوي مثله . قال الطحاوي في " شرح معاني الأثار " فهذا ابن عباس يوجب على من قدم نسكا أو أخر دما وهو أحد من روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر من أمر الحج إلا قال فيه : لا حرج فلم يكن معنى ذلك عنده معنى الإباحة ولكن معنى ذلك على أن الذين فعلوه في حجة النبي عليه السلام كان على الجهل بالحكم فيه ( انظر شرح معاني الآثار 1 / 425 )
( 3 ) أي سعيد
( 4 ) أي بظاهره الدال على نفي الحرج مطلقا
( 5 ) أي لا في الآخره بالإثم ولا في الدنيا بلزوم الجزاء إذا لم يتعمد وكذا لا حرج في الدنيا عند التعمد
( 6 ) قوله : إلا في خصلة الحصر غير حقيقي لما في " الهدايه " وشروحه : من أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفه وكذا إذا أخر طواف الزيارة وقال : لا شيء عليه في الوجهين وكذا الخلاف في تأخير الرمي وفي تقديم نسك على نسك كالحلق قبل الرمي ونحر القارن قبل الرمي والحلق قبل الذبح بخلاف ما إذا ذبح المفرد بالحج قبل الرمي أو حلق قبل الذبح حيث لا يجب عليه شيء عنده أيضا لأن النسك لا يتحقق في حقه لعدم وجوب الذبح على المفرد وأما القارن والمتمتع فعليهما دم واجب فيجب الترتيب بينه وبين غيره
( 7 ) أي أبو حنيفة
( 8 ) بترك الترتيب الواجب
( 9 ) أي أنا وأبو يوسف وغيرهما

56 - ( باب ( 1 ) جزاء الصيد )
502 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله : أن ( 2 ) عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قضى في الضبع ( 3 ) بكبش ( 4 ) وفي الغزال ( 5 ) بعنز ( 6 ) وفي الأرنب بعناق ( 7 ) وفي اليربوع ( 8 ) بجفرة ( 9 )
قال محمد : وبهذا كله نأخذ لأن هذا أمثلة ( 10 ) من النعم
_________
( 1 ) قوله : باب جزاء الصيد أي جزاء صيد البر للمحرم وأما صيد البحر فهو حلال والأصل فيه قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } ( سورة المائدة : الآية 95 ) . واختلفوا في المثل فعند أبي حنيفة وأبي يوسف هو أن يقوم الصيد في المكان الذي قتل فيه أو في أقرب المواضع منه إذا كان في برية فيقومه رجلان عدلان ممن له معرفة بقيم الصيد ثم القاتل مخير إن شاء ابتاع بها هديا إن بلغت قيمته قيمة الهدي فيذبحه في الحرم وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من شعير أو تمر وإن شاء صام عوض صدقة مسكين يوما وذلك لأن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى ولا يمكن الحمل عليه لخروج ما ليس له مثل صوري فحمل على المثل معنى وهو القيمة . ومعنىقوله " من النعم " بيانا لمثل أن يبتاع من النعم من ذلك القيمة وعند محمد والشافعي يجب في الصيد النظير في ماله نظير لأن " من النعم " بيان لمثل والقيمة ليست من النعم ولذلك أوجب الصحابة النظير فيما له نظير لحديث " الضبع صيد وفيه شاة " أخرجه أصحاب السنن وما ليس له نظير تجب القيمة فيه فيكون قولهما مثل ما مر والكلام من الطرفين مبسوط في " فتح القدير " و " النهاية " وغيرهما ( ارجع إلى الأوجز 8 / 98 )
( 2 ) وقد وقع في بعض النسخ " عن " وهو تحريف . والحديث منقطع في رواية يحيى لعدم الواسطة بين أبي الزبير وعمر
( 3 ) بفتح الضاد وضم الباء أو سكونها . بالفارسية " كفتار "
( 4 ) بالفتح
( 5 ) بالفتح : الظبي
( 6 ) بالفتح : الأنثى من المعز
( 7 ) بالفتح : الأنثى من أولاد المعز
( 8 ) بالفتح : الفار الوحشي
( 9 ) بالفتح : قيل : من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وقيل : منه ومن الضأن أيضا
( 10 ) أي ما ذكر أمثلة - بالفتح - جمع مثل أي مشابهة ومماثلة حال كونها من النعم بفتحتين أي الدواب

57 - ( باب كفارة ( 1 ) الأذى )
503 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الكريم الجزري ( 2 ) عن مجاهد عن عبد الرحمن ( 3 ) بن أبي ليلى عن كعب ( 4 ) بن عجرة : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرما فآذاه ( 5 ) القمل في رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحلق رأسه وقال : صم ثلاثة أيام أو أطعم ( 6 ) ستة مساكين مدين مدين ( 7 ) أو نسك ( 8 ) شاة أي ذلك فعلت أجزأ عنك
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة
_________
( 1 ) أي كفارة حلق الرأس بسبب أذى في رأسه من كثرة القمل ونحوه
( 2 ) بفتحتين نسبة إلى جزيرة ابن عمر : اسم موضع
( 3 ) هو من المجتهدين التابعين وثقات المحدثين وسيأتي ذكره في باب القسامة
( 4 ) قوله : عن كعب هو كعب بن عجرة - بضم أوله وسكون ثانيه - ابن أمية بن عدي الأنصاري نزل بالكوفة ومات بالمدائن سنة 51 هـ - أو بعدها روى عنه ابن عباس وابن عمر وغيرهما ومن التابعين ابن أبي ليلى وأبو وائل وغيرهما قاله ابن الأثير وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديبية محرما فرآه رسول الله والقملة تسقط من رأسه على وجهه فقال : أيؤذيك هوامك ؟ قال : نعم فأمره أن يحلق وأنزل الله فيه قوله : { فمن كان منكم مريضا أوبه أذى من رأسه } ( سورة البقرة : الآية 196 ) يعني لا تحلقوا رؤوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوام أو صداع ففدية أي فحلق فعليه فدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو نسك واحدتها نسيكة أي ذبيحة أعلاها بدنة ووسطها بقرة وأدناها شاة كذا في " معالم التنزيل "
( 5 ) قوله : فآذاه القمل بضم القاف وتشديد الميم واحدة قملة أو بالفتح ثم السكون : دويبة صغيرة تتولد من العرق والوسخ والعفونة ذكره الدماميني في " عين الحياة "
( 6 ) أمر من الإطعام
( 7 ) المد - بضم الميم وتشديد الدال - ربع الصاع فالغرض تصدق مدين مدين يعني نصف صاع لكل مسكين
( 8 ) بضم السين يعني اذبح

58 - ( باب من قدم ( 1 ) الضعفة من المزدلفة )
504 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن سالم وعبيد الله ( 2 ) ابني عبد الله بن عمر : أن عبد الله بن عمر كان يقدم ( 3 ) صبيانه من المزدلفة إلى منى حتى ( 4 ) يصلوا الصبح بمنى
قال محمد : لا بأس بأن يقدم ( 5 ) الضعفة ويوغر ( 6 ) إليهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : باب من قدم من التقديم الضعفة - بفتحتين - جمع ضعيف مثل النساء والصبيان والشيوخ الكبار والمرضى . من المزدلفة أي أرسلهم إلى منى من مزدلفة في ليلة العيد قبل أوان نفر الحجاج منها وهو وقت الإسفار من يوم العيد وهو جائز بالإجماع ( وفي المغني 3 / 423 ، ولا نعلم فيه مخالفا ) خوف الزحام عليهم وقد قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ضعفة بني هاشم وصبيانهم منهم ابن عباس ونساؤه وأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى يطلع الفجر كما هو ثابت في صحيح البخاري والسنن
( 2 ) هو من أعلام التابعين ثقة ثبت مات قبل أخيه سالم قاله ابن الأثير
( 3 ) أي يرسلهم بالليل قبل نفر الناس
( 4 ) قوله : حتى يصلوا الصبح بمنى في صحيح البخاري عن سالم أن ابن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة . وكان ابن عمر يقول : أرخص ( في نسخة البخاري : أرخص . قال الحافظ : كذا وقع فيه أرخص وفي بعض الروايات : رخص بالتشديد وهو الأظهر من حيث المعنى . فتح الباري 3 / 526 ) في أولئك رسول الله صلى الله عليه و سلم
( 5 ) مجهول من التقديم وكذا ما بعده وفي نسخة يقدم ويوغر مبنيان للفاعل
( 6 ) قوله : ويوغر إليهم قال القاري : بكسر الغين المعجمة من أوغر إليه هكذا أمره أن لا يفعل ويترك والمعنى يأمرهم ويؤكد عليهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ليكونوا حاملين للسنة وإلا فيجوز الرمي بعد الصبح إجماعا . وفي " عمدة القاري " ( 10 / 18 ) : جواز الرمي قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر للذين يتقدمون قبل الناس قول عطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد والنخعي والشعبي وسعيد بن جبير والشافعي وقال عياض : مذهب الشافعي رمي الجمرة من نصف الليل ومذهب مالك أن الرمي يحل بطلوع الفجر ومذهب الثوري والنخعي أنها لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق قالوا : فإن رموها قبل طلوع الشمس أجزأتهم وقد أساؤوا أو قال الكاساني من أصحابنا : أول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس وآخر وقته آخر النهار كذا قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف إلى الزوال

59 - ( باب جلال ( 1 ) البدن ( 2 ) )
505 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان لا يشق ( 3 ) جلال بدنه وكان لا يجللها ( 4 ) حتى ( 5 ) يغدو بها من منى إلى عرفة وكان يجللها بالحلل ( 6 ) والقباطي والأنماط ثم يبعث ( 7 ) بجلالها فيكسوها ( 8 ) الكعبة . قال ( 9 ) : فلما كسيت ( 10 ) الكعبة هذه الكسوة ( 11 ) أقصر ( 12 ) من الجلال
_________
( 1 ) قوله : جلال بالكسر جمع جل - بالضم وتشديد اللام - ما يجعل على ظهر الحيوان وهو للبدنة كالثوب للإنسان يقيه البرد والوسخ
( 2 ) قوله : البدن بالضم جمع البدنة بفتحتين هي من الإبل والبقر
( 3 ) قوله : كان لا يشق أي لا يقطعها في موضع لئلا تفسد وتكون قابلة لأي انتفاع كان قال الزرقاني : رواه البيهقي من طريق يحيى بن بكير عن مالك وقال : وزاد فيه غيره عن مالك إلا موضع السنام وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها . ونقل عياض أن التجليل يكون بعد الإشعار لئلا يتلطخ بالدم وأن يشق الجلال من السنام إن قلت قيمتها فإن كانت نفيسة لم تشق
( 4 ) أي من التجليل أي لا يكسوها الجلال
( 5 ) قوله : حتى يغدو بها أي يصبح بها ويذهب من منى إلى عرفة وفي رواية ابن المنذر عن نافع : كان ابن عمر يجلل بدنه الأنماط والبرود حتى يخرج من المدينة ثم ينزعها فيطويها حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها حتى ينحرها ثم يتصدق بها قال نافع : وربما دفعها إلى بني شيبة ( انظر فتح الباري 3 / 550 )
( 6 ) قوله : بالحلل جمع حلة بالضم فتشديد هي من برود اليمن ولا يسمى حلة إلا أن يكون ثوبان من جنس واحد والقباطي - بالضم - جمع القبطي - بالضم - ثوب رقيق من كتان يعمل بمصر نسبة إلى القبط بالكسر قبيلة بمصر والضم في النسبة على غير قياس فرق بين الثياب وبين نسبة الإنسان فإنه ينسب بالقبطي بالكسر والأنماط جمع نمط - بفتحتين - ثوب من صوف يطرح على الهودج ويكون ملونا وقيل : ضرب من البسط له خمل رقيق كذا ذكره الزرقاني والقاري
( 7 ) إلى خدام الكعبة
( 8 ) قوله : فيكسوها الكعبة قال ابن عبد البر : لأن كسوتها من القرب وكرائم الصدقات وكانت تكسى من زمن تبع الحميري ويقال : إنه أول من كساها فكان ابن عمر يجمل بها بدنه ثم يكسوها الكعبة فيحصل على فضيلتين
( 9 ) أي نافع
( 10 ) بصيغة المجهول
( 11 ) قوله : هذه الكسوة أي هذه الكسوة المعروفة ولعل المراد بها ما كساها به عبد الملك بن مروان من الديباج وكان قبل ذلك في عهد الخلفاء تكسى بالقباطي كما بسطه العيني
( 12 ) بفتح الهمزة : صيغة ماض أي ترك ما كان يفعله من بعثها إلى الكعبة لعدم الاحتجاج إليه

506 - أخبرنا مالك قال سألت عبد الله بن دينار : ما كان ( 1 ) ابن عمر يصنع بجلال بدنه ؟ حتى ( 2 ) أقصر عن تلك الكسوة . قال عبد الله بن دينار : كان عبد الله بن عمر يتصدق ( 3 ) بها
قال محمد : وبهذا نأخذ . ينبغي ( 4 ) أن يتصدق بجلال البدن وبخطمها ( 5 ) وأن لا يعطي الجزار ( 6 ) من ذلك شيئا ولا من لحومها . بلغنا ( 7 ) أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهدي فأمر ( 8 ) أن يتصدق بجلاله وبخطمه وأن لا يعطي ( 9 ) الجزار من خطمه وجلاله شيئا
_________
( 1 ) استفهامية
( 2 ) في بعض النسخ : حين . وهو الظاهر
( 3 ) أي على الفقراء ( قال الباجي : إن جلال البدن كانت كسوة الكعبة وكانت أولى بها من غير ذلك فلما كسيت الكعبة رأى أن الصدقة بها أولى من غير ذلك . المنتقى 2 / 314 )
( 4 ) أي استحبابا
( 5 ) قوله : بخطمها بالضم جمع الخطام بالكسر وهو زمام البعير الذي يجعل في أنفه
( 6 ) بضم الجيم وتشديد الزاي المعجمة الذي يذبح الإبل وغيره
( 7 ) هذا البلاغ أخرجه الجماعة إلا الترمذي ذكره الزيلعي
( 8 ) قال العيني : الظاهر أن الأمر للاستحباب
( 9 ) أي في أجرته . وأما إن كان فقيرا فلا بأس بتصدقه عليه

60 - ( باب المحصر ( 1 ) )
507 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال : من أحصر ( 2 ) دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت فهو يتداوى مما اضطر إليه ويفتدي
قال محمد : بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه ( 3 ) جعل المحصر بالوجع ( 4 ) كالمحصر بالعدو فسئل ( 5 ) عن رجل اعتمر ( 6 ) فنهشته ( 7 ) حية فلم يستطع المضي ( 8 ) فقال ابن مسعود : ليبعث ( 9 ) بهدي ويواعد ( 10 ) أصحابه يوم أمار فإذا نحر عنه الهدي حل وكانت عليه عمرة مكان عمرته وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : المحصر اسم مفعول من الإحصار من أحصره إذا حبسه وهو الذي حبس عن إتمام الحج والعمرة بعذر أو مرض أو نحو ذلك
( 2 ) قوله : من أحصر أي منع وحبس دون البيت أي قبل وصوله إليه بمرض ونحوه من غير عدو كافر . فإنه لا يحل بفتح أوله وكسر ثانيه وتشديد ثالثه أي لا يخرج من إحرامه حتى يطوف بالبيت ولو امتدت الأيام . فهو يتداوى أي يعالج . مما اضطر مجهول إليه أي باستعمال ما احتيج إليه من محظورات الإحرام كاللباس والطيب وإزالة الشعر وغير ذلك . ويفتدي أي يؤدي فدية ما استعمله من المحظورات وكفارته بعد الفراغ من مناسكه . وحاصله أن الإحصار المذكور في قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ( سورة البقرة : الآية 196 ) لا يكون بالمرض . وقد وقع الاختلاف في الإحصار على أقوال كما بسطه العيني وغيره ( فيه عشرة أبحاث بسطها شيخنا في أوجز المسالك فارجع إليه 8 / 50 - 72 ) الأول : أن الإحصار وحكمه الثابت بالآية وهو أن يذبح الهدي ويخرج من الإحرام كان مخصوصا ( انظر سبل السلام 2 / 217 ) بالنبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والآية المذكورة نزلت في حصرهم يوم الحديبية حين صدهم المشركون عن البيت فيختص بمورده وهذا القول شاذ لا يعتمد عليه والثاني : أن حكم الحصر عام لكنه لا يكون إلا بالعدو الكافر كما كان في العهد النبوي ويدل عليه قوله تعالى بعد تلك الآية : { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } ( سورة البقرة : الآية 196 ) أي أمنتم من خوف العدو فلا يكون الإحصار بمرض ونحوه وهذا مذهب ابن عمر كما دل عليه قوله المذكور ههنا ومذهب ابن عباس حيث قال : لا حصر إلا حصر العدو أخرجه ابن أبي حاتم وقال : روى نحوه عن ابن عمر وطاوس والزهري وزيد بن أسلم وبه قال الليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثالث : أن حكم الإحصار عام زمانا وسببا فيحصل حكمه بكل حابس من مرض وعدو وكسر رجل وذهاب نفقة ونحوها مما يمنعه المضي إلى البيت وهذا قول ابن مسعود ورواية عن ابن عباس . وبه قال أصحابنا الحنفية وقالوا : الإحصار في اللغة عام غير مخصوص بالعدو ونزول تلك الآية في حصر العدو لا يقتضي اختصاصه به وكذا لفظ الأمن لا يقتضيه فيمكن أن يراد به الأمن من عدو ومرض ونحوه وعلى تقرير الاختصاص يقال : ورد بحسب تعين الحادثة والعبرة لعموم اللفظ والعلة لا لخصوص السبب ويوافقه حديث من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى أخرجه أحمد وأصحاب السنن وفي رواية من كسر أوعرج أو مرض ورواه عبد بن حميد وقال روي نحوه عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وابن المسيب وعروة ومجاهد والنخعي وعطاء وغيرهم وهناك قول رابع محكي عن ابن الزبير وهو : أن المحصر بالمرض والعدو سواء لا يحل إلا بالطواف وهو قول شاذ وأرجح الأقوال هو القول الثالث ( انظر عمدة القاري 10 / 141 )
( 3 ) أخرجه عنه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " من طرق عديدة
( 4 ) بالفتحتين المرض المؤلم
( 5 ) أي ابن مسعود
( 6 ) أحرم بالعمرة
( 7 ) من النهش وهو لدغ الحية وجرحها
( 8 ) أي لم يقدر الذهاب إلى مكة لإتمام العمرة
( 9 ) أمر أن يرسل مع بعض أصحابه إلى مكة هديا
( 10 ) قوله : ويواعد من المواعدة " يوم أمار " بالفتح أي يوم أمارة وعلامة تدل على وصولهم إلى مكة وذبحهم الهدي عنه " فإذا نحر " ذبح عنه الهدي بمكة وجاء ذلك اليوم الموعود " حل " خرج من الإحرام واستعمل محظوراته من الحلق وغيره " وكانت عليه عمرة مكان عمرته " أي عوض عمرته السابقة قضاء عنها فإنها إن كانت واجبة بالنذر وغيره فظاهر وإن كانت نفلا فالنفل بالشروع يلزم كما هو مذهبنا ودل هذا على أن المحصر يبعث بالهدي إلى مكة ولا يذبحه حيث أحصر وهو المراد من قوله تعالى : { حتى يبلغ الهدي محله } وقال الشافعي وغيره ( قال الجمهور : يذبح المحصر الهدي حيث يحل سواء كان من الحل أو الحرم وقال أبو حنيفة لا يذبحه إلا في الحرم . عمدة القاري 10 / 149 ) : المراد بالمحل مكان الإحصار وفي المقام كلام طويل لا يليق هنا خوف التطويل

61 - ( باب تكفين المحرم ( 1 ) )
508 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله و ( 2 ) قد مات محرما بالجحفة ( 3 ) وخمر ( 4 ) رأسه
قال محمد : وبهذا نأخذ - وهو قول أبي حنيفة رحمه الله - : إذا ( 5 ) مات فقد ذهب الإحرام عنه
_________
( 1 ) أي إذا مات المحرم في إحرامه
( 2 ) الواو حالية
( 3 ) بضم الجيم : موضع بين الحرمين ميقات أهل الشام وقد مر ذكره في بحث المواقيت
( 4 ) أي غطى رأسه . وفي رواية يحيى : ووجهه وقال لولا أنا حرم لطيبناه
( 5 ) قوله : إذا مات يعني أن بالموت تنقطع الأعمال فإذا مات ذهب الإحرام منه فلا بأس بتخمير وجهه ورأسه كما هو المسنون في سائر الموتى أخذا من قول النبي صلى الله عليه و سلم : خمروا وجوه موتاكم ولا تشبهوا باليهود أخرجه الدارقطني بسند صالح . وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية فقال مالك بعد رواية هذا الأثر : إنما يعمل الرجل ما دام حيا فإذا مات فقد انقضى العمل . انتهى . ويوافقهم حديث : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جاريه أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أخرجه ابن ماجه . ويخالفهم ما أخرجه مسلم وغيره أن رجلا محرما توفي فقال رسول الله : كفنوه في ثوبيه ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث مطيبا يوم القيامة . وفي رواية : ولا تغطوا رأسه ووجهه . وقد مر معنا ذكر هذا الحديث في " باب المحرم يغطى وجهه " وبه قالت الشافعية وغيرهم ( وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر في أن المحرم على إحرامه بعد الموت كذا في الأوجز 6 / 193 ) . وهو الأرجح نقلا وأجاب العيني والزرقاني وغيرهما من الحنفية والمالكية عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه و سلم لعله عرف بالوحي بقاء إحرامه بعد موته فهو خاص بذلك الرجل وبأنه واقعة حال لا عموم لها وبأنه علله بقوله : فإنه يبعث ملبيا وهذا الأمر لا يتحقق في غيره وجوده فيكون خاصا به ولا يخفى على المنصف أن هذا كله تعسف فإن البعث ملبيا ليس بخاص به بل هو عام في كل محرم حيث ورد : يبعث كل عبد على ما مات عليه أخرجه مسلم . وورد من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة أخرجه الحاكم . وورد أن المؤذن يبعث وهو يؤذن والملبي يبعث وهو يلبي أخرجه الأصبهاني في " الترغيب والترهيب " . وورد غير ذلك مما يدل عليه أيضا كما بسطه السيوطي في " البدور السافرة في أحوال الآخرة " . فهذا التعليل لا دلالة له على الاختصاص وإنما علل به لأنه لما حكم بعدم التخمير المخالف لسنن الموتى نبه على حكمه فيه وهو أنه يبعث ملبيا فينبغي إبقاؤه على صورة الملبين . واحتمال الاختصاص بالوحي مجرد احتمال لا يسمع وكونه واقعة حال لا عموم لها إنما يصح إذا لم يكن فيه تعليل وأما إذا وجد وهو عام فيكون الحكم عاما والجواب عن أثر ابن عمر يحتمل أن يكون لم يبلغه الحديث ويحتمل أن يكون بلغه وحمله على الأولوية وجوز التخمير . ولعل هذا هو الذي لا يتجاوز الحق عنه

62 - ( باب من أدرك ( 1 ) عرفة ( 2 ) ليلة ( 3 ) المزدلفة )
509 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : من وقف بعرفة ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر ( 4 ) فقد أدرك ( 5 ) الحج
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة
_________
( 1 ) أي وصل إليها
( 2 ) في نسخة : عرفات
( 3 ) أي في الليلة يقام فيها بمزدلفة وهي ليلة العيد
( 4 ) أي فجر العيد
( 5 ) قوله : أدرك الحج أي أدرك أعظم أركانه وهو الوقوف بعرفة وهذا حكم شرع تسهيلا فإن أصل الوقوف هو ما يكون بالنهار يوم عرفة فإن لم يتيسر له ذلك كفى وقوفه في جزء من أجزاء ليلة العيد بعرفة وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : من أدرك معنا هذه الصلاة أي صلاة الصبح بمزدلفة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه رواه ابن خزيمة وصححه وابن حبان وأصحاب السنن وقال أيضا : الحج عرفة من أدركها قبل أن يطلع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه أخرجه أصحاب السنن وزاد يحيى في موطأه في أثر ابن عمرو : من لم يقف بعرفة ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج وكذا روى نحوه عن عروة . وهذا يدل على أنه لا بد من الوقوف ليلا أيضا مع النهار حتى لو دفع من عرفة قبل غروب الشمس فاته الحج وبه قال مالك بل عنده الوقوف في جزء من الليل أصل والنهار تبع وعندنا النهار أصل والليل تبع كما بسطه العيني في " عمدة القاري "

63 - ( باب من غربت له الشمس في النفر ( 1 ) الأول وهو بمنى )
510 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : من غربت له الشمس من أوسط ( 2 ) أيام التشريق وهو بمنى لا ينفرن ( 3 ) حتى يرمي الجمار من الغد ( 4 )
قال محمد : وبهذا ( 5 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة
_________
( 1 ) أي يوم الانصراف الأول من منى وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة
( 2 ) هو يوم الثاني عشر
( 3 ) أي لا يرجعن إلى مكة
( 4 ) أي من اليوم الثالث عشر
( 5 ) قوله : وبهذا نأخذ قال القاري : اعلم أن الأفضل أن يقيم ويرمي يوم الرابع وإن لم يقم نفر قبل غروب الشمس فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يكره أن ينفر حتى يرمي في اليوم الرابع ولو نفر من الليل قبل طلوع الفجر من اليوم الرابع من أيام الرمي لا شيء عليه وقد أساء ولا يلزمه رمي اليوم الرابع في ظاهر الرواية نص عليه محمد في " الرقيات " وإليه أشار في الأصل وهو المذكور في المتون وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يلزمه إن لم ينفر قبل الغروب وليس له أن ينفر بعده حتى لو نفر بعد الغروب قبل الرمي يلزمه دم كما لو نفر بعد طلوع الفجر وهو قول الأئمة الثلاثة ( قال الخرقي : فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل غروب الشمس فإن غربت الشمس وهو بها لم يخرج حتى يرمي من غد بعد الزوال . قال الموفق : فإن غربت قبل خروجه من منى لم ينفر سواء كان ارتحل أو كان مقيما في منزله لم يجز له الخروج وهذا قول عمر وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومجاهد وأبان بن عثمان ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة : له أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الثالث لأنه لم يدخل اليوم الآخر فجاز له النفر كما قبل الغروب . انظر المغني 3 / 454 ، 455 ) فوجه الظاهر أن قبل غروب اليوم الثالث يجوز النفر فكذا بعده بجامع أن كلا من الوقتين لا يجوز الرمي فيه عن الرابع ووجه رواية أبي حنيفة ومن تبعه أن النفر في اليوم لا في الليل لقوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ( سورة البقرة : الآية 203 ) والجواب أن لياليها التالية تابعة لأيامها الماضية . ولذا جاز رمي أيامها في لياليها اتفاقا

64 - ( باب من نفر ( 1 ) ولم يحلق )
511 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر لقي رجلا من أهله ( 2 ) يقال ( 3 ) له المجبر وقد أفاض ( 4 ) ولم يحلق رأسه ولم يقصر جهل ( 5 ) ذلك فأمره ( 6 ) عبد الله أن يرجع فيحلق رأسه أو يقصر ثم يرجع إلى البيت فيفيض
قال محمد : وبهذا نأخذ
_________
( 1 ) أي من منى إلى مكة
( 2 ) أي من أعزته وأقاربه
( 3 ) قوله : يقال له المجبر بصيغة المجهول من التجبير اسمه عبد الرحمن وهو ابن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب فالمجبر ابن أخي عبد الله بن عمر وقد مرت ترجمته ووجه لقبه في " باب الوضوء من الرعاف "
( 4 ) أي طاف طواف الإفاضة
( 5 ) قوله : جهل ذلك أي فعل المجبر ذلك جاهلا عن هذا الحكم أنه يقدم الحلق أو القصر على الطواف لا عالما عامدا
( 6 ) قوله : فأمره أمره بالرجوع إلى منى والحلق أو القصر هناك ثم طواف البيت أمر ندب مراعاة للترتيب المسنون وإلا فيجوز الحلق والقصرفي غير منى في الحرم مطلقا والطواف قبلهما يعتد به ولا شيء عليه لكنه مكروه

65 - ( باب الرجل يجامع قبل أن يفيض ( 1 ) )
512 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير ( 2 ) المكي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس : أنه سئل عن رجل وقع ( 3 ) على امرأته قبل أن يفيض ( 4 ) فأمره أن ينحر بدنة . قال محمد : وبهذا نأخذ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 5 ) : من وقف بعرفة فقد أدرك حجه فمن جامع ( 6 ) بعد ما يقف بعرفة لم يفسد حجه ولكن عليه بدنة ( 7 ) لجماعه وحجه تام وإذا ( 8 ) جامع قبل أن يطوف طواف الزيارة لا يفسد حجه وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : قبل أن يفيض أي قبل أن يطوف طواف الزيارة وفي نسخة عليها شرح القاري " باب الرجل يجامع بعرفة قبل أن يفيض " وفسر القاري معنى يفيض يرجع من عرفات أي يجامع بعرفة قبل الرجوع بعد الوقوف . ويخدشه أنه ليس في الباب أثر يوافق هذا العنوان إلا أن يحمل قوله في أثر ابن عباس قبل أن يفيض على الجماع قبل الرجوع من عرفة فإن الإفاضة تطلق عليه قال الله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات } ( سورة البقرة : الآية 198 ) لكنه ليس بصحيح فقد وقع في رواية يحيى في هذا الأثر : أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض إلى آخره وهذا صريح في أن المراد به طواف الإفاضة
( 2 ) اسمه محمد بن مسلم
( 3 ) أي وطأها
( 4 ) قوله : قبل أن يفيض أي بعد الوقوف بعرفة سواء كان جماعه بمنى أو بمكة فحينئذ تم حجه لأنه وقع التحلل برمي الجمرات ووقع جماعه بعده وعليه أن يذبح بدنة بقرا أو إبلا
( 5 ) أخرجه أصحاب السنن
( 6 ) قوله : فمن جامع تفصيله على ما في " الهداية " وحواشيها أن الجماع قبل الوقوف بعرفة يفسد حجه وعليه أن يمضي فيه ويهدي شاة ويحج من قابل لما رواه أبو داود في المراسيل والبيهقي أنه سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رجل جامع امرأته وهما محرمان فقال : اقضيا نسككما واهديا هديا . وعند الشافعي تجب بدنة كما في الجماع بعد الوقوف . ولنا إطلاق ما روينا ولأنه لما وجب القضاء خفت الجناية . ومن جامع بعد الوقوف بعرفة سواء كان قبل الرمي أو بعده لم يفسد حجه وعليه بدنة لأثر ابن عباس خلافا للشافعي فيما إذا جامع قبل رمي يوم النحر فإنه عنده وعند مالك وأحمد مفسد هذا إذا جامع قبل الحلق فإن جامع بعد الحلق فعليه شاة لبقاء إحرامه في حق النساء ودون لبس المخيط فخففت الجناية
( 7 ) أي جزاء لفعله
( 8 ) هذا بظاهره مكرر

66 - ( باب تعجيل الإهلال ( 1 ) )
513 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال : يا أهل ( 2 ) مكة ما شأن الناس يأتون شعثا وأنتم مدهنون أهلوا إذا رأيتم الهلال
قال محمد : تعجيل الإهلال أفضل من تأخيره إذا ملكت ( 3 ) نفسك . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي الإحرام لمن بمكة
( 2 ) قوله : يا أهل مكة خطاب إلى من بمكة مكيا كان أو آفاقيا . ما شأن الناس أي الآفاقيون يأتون أي يدخلون مكة شعثا - بالضم فسكون - جمع أشعث : وهو الشعث بفتح أوله وكسر ثانيه مغبر الرأس متفرق الشعر مشتت الحال يعني يدخلون وهم محرمون من المواقيت مغبروا الرأس لا أثر عليهم للدهن والطيب والحال يا أهل مكة أنتم مدهنون - بتشديد الدال من الادهان - أي مستعملون الدهن في الشعر . أهلوا أي أحرموا بالحج إذا رأيتم الهلال أي هلال ذي الحجة وهذا الأمر منه للندب وقد مر أن ابن عمر كان يحرم يوم التروية ويستحبه ويتأسى في ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم والأمر في ذلك واسع ( انظر المنتقى للباجي 2 / 219 ) فمن تعجل فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه . والأفضل هو التعجيل إذا أمن من الوقوع في المحظورات
( 3 ) قدرت نفسك وأمنت من الوقوع في المحظور

67 - ( باب القفول ( 1 ) من الحج أو العمرة )
514 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قفل من حج أو عمرة أو غزوة يكبر ( 2 ) على كل ( 3 ) شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول ( 4 ) : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون ( 5 ) لربنا حامدون صدق ( 6 ) الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
_________
( 1 ) بالضم أي الرجوع إلى وطنه
( 2 ) أي يقول : الله أكبر
( 3 ) قوله : على كل شرف قال العيني في " عمدة القاري " : هو بفتحتين المكان العالي قال الجوهري : جبل مشرف أي عال وقوله : آيبون أي راجعون إلى الله وفيه إيهام معنى الرجوع إلى الوطن يقال آب إلى الشيء أوبا وإيابا أي رجع وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون وكذا ارتفاع تائبون وما بعده . وقوله : لربنا إما خاص بقوله ساجدون وإما عام لسائر الصفات . وقوله : هزم الأحزاب هم الطائفة المتفرقة الذين اجتمعوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب فهزمهم الله بلا مقاتلة ولا إيجاف خيل وقال عياض : يحتمل أن يريد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن ويحتمل أن يريد به الدعاء أي اللهم افعل ذلك
( 4 ) اختار هذا الذكر لكونه جامعا ولكونه أفضل ما قاله الأنبياء قبله
( 5 ) أي مصلون أو منقادون
( 6 ) قوله : صدق الله وعده أي في إظهار الدين ونصرة المسلمين وغلبة أمور اليقين . ونصرعبده أي عبده الخاص المستحق لكمال العبودية المشار إليه بقوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } ( سورة الإسراء : الآية 1 ) وغير ذلك وهو الرسول صلى الله عليه و سلم

68 - ( باب ( 1 ) الصدر )
515 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا صدر ( 2 ) من الحج أو العمرة أناخ ( 3 ) بالبطحاء الذي ( 4 ) بذي الحليفة فيصلي بها ويهلل قال ( 5 ) : فكان ( 6 ) عبد الله بن عمر يفعل ( 7 ) ذلك
_________
( 1 ) قوله : باب الصدر بفتحتين بمعنى الرجوع ومنه قوله تعالى : { يومئذ يصدر الناس أشتاتا } ( سورة الزلزلة : الآية 6 )
( 2 ) أي رجع
( 3 ) قوله : أناخ أي أجلس بعيره ونزل بالبطحاء بالفتح الوادي الذي فيه دقاق الحصى الذي بذي الحليفة - ميقات أهل المدينة - فيصلي بها نفلا أداء للشكر ويهلل أي يؤدي التهليل المذكور سابقا . قال القاري : فيه تنبيه على أنه يستحب لأهل المدينة أن ينزلوا بذي الحليفة ذهابا وإيابا وينبغي أن يكون كذا أمر غيرهم ببلدهم
( 4 ) احتراز عن البطحاء الذي بين مكة ومنى
( 5 ) أي نافع
( 6 ) في نسخة : وكان
( 7 ) قوله : يفعل ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم فإنه كان كثير الاهتمام بمتابعة النبي عليه السلام ولو في المندوبات بل المباحات

516 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال : لا يصدرن ( 1 ) أحد ( 2 ) من الحاج حتى يطوف ( 3 ) بالبيت فإن آخر النسك ( 4 ) الطواف بالبيت
قال محمد : وبهذا نأخذ طواف الصدر واجب على الحاج ( 5 ) ومن تركه فعليه دم إلا الحائض والنفساء فإنها ( 6 ) تنفر ( 7 ) ولا تطوف إن شاءت ( 8 ) . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) بضم الدال أي لا يرجعن من مكة
( 2 ) أي من أهل الآفاق
( 3 ) أي طواف الوداع
( 4 ) قوله : فإن أخر النسك بضمتين أي أخر المناسك المتعلقة بالحج والعمرة هو الطواف بالبيت قال مالك : وذلك فيما نرى والله أعلم لقول الله : { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } ( سورة الحج : الآية 32 ) وقال : { ثم محلها إلى البيت العتيق } ومحل الشعائر ( ذكر الباجي عن زيد بن أسلم : أن الشعائر ست : الصفا والمروة والجمار والمشعر الحرام وعرفة والركن . والحرمات خمس : الكعبة الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمحرم حتى يحل . المنتقى للباجي 2 / 294 ) كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق . انتهى . وقد اقتدى عمر في هذا الحكم بالنبي صلى الله عليه و سلم حيث قال : لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت أخرجه مسلم ورواه الشافعي وزاد : فإن آخر النسك الطواف بالبيت . وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : أمر الناس أن يكون آخرعهدهم بالبيت الطواف إلا أنه خفف عن الحائض وعن هذا قال أئمتنا : إن طواف الصدر واجب يجب بتركه الدم وبه قال أحمد والحسن ومجاهد والثوري والحكم وحماد وعن ابن عباس ما يدل عليه وعند الشافعي في أحد القولين مستحب وقال مالك : سنة ولا شيء على تاركه كذا ذكره في " البناية "
( 5 ) وكذا على المعتمر من أهل الآفاق إذا أراد الرجوع
( 6 ) أي كل منها
( 7 ) أي تسافر
( 8 ) إذا اضطرت إلى ذلك والأولى أن تنفر بعد الطواف

69 - ( باب المرأة يكره لها إذا حلت ( 1 ) من إحرامها أن تمتشط حتى تأخذ
من شعرها )
517 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : المرأة المحرمة إذا حلت ( 2 ) لا تمتشط حتى تأخذ من شعرها شعر رأسها ( 3 ) وإن كان لها هدي لم تأخذ من شعرها شيئا حتى تنحر ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : يكره لها إذا حلت أي أرادت الخروج من الإحرام والتحلل أن تمتشط أي تسرح شعرها بالمشط حتى تأخذ من شعرها أي تقصر قدر أنملة فإن القصر متعين في حقها والحلق منهي عنه لها
( 2 ) إذا أرادت التحلل
( 3 ) بدل من شعرها
( 4 ) أي تذبح ذلك الهدي . قال القاري : الترتيب بالنسبة إلى القارن والمتمتع واجب وأما بالنسبة إلى المفرد بالحج فمندوب

70 - ( باب النزول بالمحصب ( 1 ) )
518 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان يصلي ( 2 ) الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل ( 3 ) من الليل فيطوف ( 4 ) بالبيت
قال محمد : هذا حسن ومن ترك النزول بالمحصب فلا شيء ( 5 ) عليه . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : بالمحصب اسم مفعول من التحصيب وهو اسم موضع بين مكة ومنى لاجتماع الحصباء أي الحصا فيه بحمل السيل وهو موضع منهبط بقرب مكة وهو من الحجون مصعدا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى إلى حائط حرمان مرتفعا من بطن الوادي فذلك كله المحصب والحجون الجبل المشرف على مسجد الحرمين بأعلى مكة على يمينك وأنت مصعد كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي وفي " شرح القاري " هو ما بين الجبل الذي عنده المقبرة والجبل الذي يقابله مصعدا في الجانب الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا عن بطن الوادي وليست المقبرة من المحصب وكان الكفار اجتمعوا فيه وتحالفوا على إضرار رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم إراءة لهم لطيف صنع الله وتكريمه بنصره وفتحه فذلك سنة كالرمل في الطواف كذا في " شرح المجمع " وقال شمس الأئمة السرخسي في " مبسوطه " : الأصح أن التحصيب سنة أي ولو ساعة وإلا فالأفضل أن يصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويضجع ضجعة ثم يدخل مكة على ما ذكره ابن الهمام . وقال الشافعي : ليس بسنة لما في الكتب الستة عن عائشة قالت : إنما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة فمن شاء تركه ومن شاء لم يتركه . ولنا ما روى مسلم عن ابن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة قال نافع : قد حصب رسول الله صلى الله عليه و سلم والخلفاء بعده . أقول : الأظهر أن يقال : إنه مستحب وليس بسنة مؤكدة إذ المحصب لا يسع جميع الحجاج فلا يقاس على الرمل أويقال : إنها سنة مؤكدة على الكفاية ومتعينة على أمراء الحاج وهذا أمر تركه الناس بالكلية إلا من نزل فيه من أعراب البادية من غير القصد والنية . انتهى . وقال العيني في " عمدة القاري " : قال الخطابي : التحصيب هو أنه إذا نفرمن منى إلى مكة للتوديع يقيم بالمحصب حتى يهجع ساعة ثم يدخل مكة وليس بشيء أي ليس بنسك الحج وإنما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم للاستراحة وقال الحافظ عبد العظيم المنذري : التحصيب مستحب عند جميع العلماء وقال شيخنا زين الدين العراقي : فيه نظر لأن الترمذي حكى استحبابه عن بعض أهل العلم وحكى النووي استحبابه عن مذهب الشافعي ومالك والجمهور وهذا هو الصواب وقد كان من أهل العلم من لا يستحبه فكانت اسماء وعروة لا يحصبان حكاه ابن عبد البر في " الاستذكار " وقال ابن بطال : كانت عائشة لا تحصب
( 2 ) أي إذا رجع من منى
( 3 ) أي بمكة
( 4 ) أي طواف الوداع أو طواف النفل
( 5 ) قوله : فلا شيء عليه أي لا يجب عليه كفارة ولا إثم وهذا لأنه ليس من مناسك الحج ( قال النووي في " مناسكه " : هذا التحصيب مستحب اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم وليس هو من مناسك الحج وسننه وهذا معنى ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ليس بسنة . أوجز المسالك 8 / 23 ) وهذا هو معنى قول ابن عباس : ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه و سلم . أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وقول عائشة : ليس النزول بالأبطح وهو المحصب سنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه و سلم ليكون أسمح لخروجه إذا خرج أي أسهل لتوجهه إلى المدينة . أخرجه مسلم وغيره

71 - ( باب الرجل يحرم ( 1 ) من مكة هل يطوف ( 2 ) بالبيت )
519 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا أحرم ( 3 ) من مكة لم يطف ( 4 ) بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع ( 5 ) من منى ولا يسعى ( 6 ) إلا إذا طاف حول البيت
قال محمد : إن فعل هذا أجزأه ( 7 ) وإن طاف ( 8 ) ورمل وسعى قبل أن يخرج ( 9 ) أجزأه ذلك ( 10 ) كل ذلك حسن ( 11 ) إلا أنا نحب له أن لا يترك الرمل ( 12 ) بالبيت في الأشواط الثلاثة الأول ( 13 ) إن عجل ( 14 ) أو أخر . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) للحج
( 2 ) أي بعد الإحرام
( 3 ) قوله : كان إذا أحرم من مكة أي يوم التروية تارة كما مر عنه ولهلال ذي الحجة تارة اتباعا بأمرأبيه عمر كما مر ففي " مصنف عبد الرزاق " عن نافع : أهل ابن عمر بالحج حين رأى الهلال ومرة أخرى بعد الهلال من جوف الكعبة ومرة أخرى حين راح إلى منى وروى أيضا عن مجاهد قلت لابن عمر : أهللت فينا إهلالا مختلفا ؟ قال : أما أول عام فأخذت مأخذ أهل بلدي ثم نظرت فإذا أنا أدخل على أهلي حراما وأخرج حراما وليس كذلك كنا نفعل . قلت : فبأي شيء نأخذ ؟ قال : تحرم يوم التروية كذا ذكره شراح صحيح البخاري
( 4 ) أي طواف الإفاضة فإنه بعد الفراغ من مناسك الحج بل ولا طواف النفل
( 5 ) قوله : حتى يرجع إلى منى قال القاري : الحاصل أنه يختار أن يقع سعي الحج بعد طواف الفرض وإن جوز تقديم سعي الحج بعد طواف نفل ثم إنه لا يسعى بعد طواف الإفاضة إذ السعي لا يكرر
( 6 ) لأنه موقوف على تقدم طواف ما
( 7 ) أي كفاه بل هذا هو الأولى عند عدم الحرج
( 8 ) أي نفلا بعد إحرام الحج في الطواف
( 9 ) أي إلى منى
( 10 ) أي عن سعي الحج
( 11 ) أي مستحسن إلا أن أحدهما أحسن
( 12 ) لأنه سنة مطلقا
( 13 ) بضم أوله وفتح ثانيه أي في الدورات الثلاث الأولى من الدورات السبع
( 14 ) أي سواء عجل قبل الخروج أو أخر بعد الرجوع

72 - ( باب المحرم ( 1 ) يحتجم )
520 - أخبرنا مالك حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار : أن ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم فوق رأسه وهو يومئذ محرم بمكان ( 3 ) من طريق مكة يقال له : لحي جمل
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس بأن يحتجم الرجل وهو محرم اضطر إليه ( 4 ) أو لم يضطر إلا أنه لا يحلق ( 5 ) شعرا وهو قول أبي حنيفة
_________
( 1 ) قوله : باب المحرم يحتجم موقع هذا الباب وبعض ما فيه مكررا من المؤلف فإنه قد مر سابقا " باب الحجامة للمحرم " وأورد فيه أثر ابن عمر المذكور ههنا وذكر فيه احتجام النبي صلى الله عليه و سلم وهو محرم صائم بلاغا . ولعله لذهول أو نسيان وقد مر منها نبذ مما يتعلق بهذا البحث هناك
( 2 ) قوله : أن هذا مرسل في " الموطأ " وقد روي ذلك من حديث جمع من الصحابة فعن ابن عباس احتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي . وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم وهو محرم من وجع كان برأسه أخرجه ابن عدي . وعن جابر : أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم وهو محرم أخرجه النسائي وابن ماجه . وعن ابن عمر احتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم صائم وأعطى الحجام أجرة أخرجه ابن عدي . وعن عبد الله بن بحينة : احتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم بلحي جمل في وسط رأسه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه . ولحي جمل - بفتح اللام ويروى بكسرها وسكون الحاء المهملة بعدها ياء آخر الحروف وبفتح الجيم والميم آخره لام - اسم موضع بين مكة والمدينة وهو أقرب إلى المدينة وجزم الحازمي وغيره أن ذلك كان في حجة الوداع ودلت هذه الأحاديث على جواز الحجامة للمحرم مطلقا ( وقال ابن قدامة : أما الحجامة إذا لم تقطع شعرا فمباحة من غير فدية في قول الجمهور لأنه تداو بإخراج دم فأشبه الفصد وربط الجرح وقال مالك : لا يحتجم إلا من ضرورة وكان الحسن البصري يرى في الحجامة دما . المغني 3 / 305 ) وبه قال عطاء ومسروق وإبراهيم وطاوس والشعبي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا : ما لم يقطع الشعر وقال قوم : لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة روي ذلك عن ابن عمر وبه قال مالك كذا في " عمدة القاري "
( 3 ) أي بموضع في طريق مكة
( 4 ) أي احتيج إليه إلى حد الاضطرار أو لا
( 5 ) فإن حلق فعليه فدية

521 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر قال : لا يحتجم ( 1 ) المحرم إلا أن يضطر إليه
_________
( 1 ) قوله : لا يحتجم المحرم أي في موضع له شعر يحتاج إلى قطعه إلا أن يضطر إليه فحينئذ يفتدي كما علم من قوله تعالى : { ففدية من صيام أوصدقة أونسك } ( سورة البقرة : الآية 196 ) فلا منافاة بين هذا الحديث وبين ما تقدم كذا قال القاري : وأراد به إرجاع قول ابن عمر إلى ما ذهب الجمهور إليه وليس بجيد فإن خلاف ابن عمر في المسألة مشهور أنه لا يجوز الاحتجام مطلقا إلا عند الاضطرار

73 - ( باب دخول مكة بسلاح )

522 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أنس بن مالك : أن رسول ( 1 ) الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة ( 2 ) عام الفتح وعلى رأسه المغفر ( 3 ) فلما نزعه ( 4 ) جاءه رجل ( 5 ) فقال له : ابن خطل ( 6 ) متعلق بأستار الكعبة قال : اقتلوه
قال محمد : إن النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة حين فتحها غير ( 7 ) محرم ولذلك دخل وعلى رأسه المغفر وقد بلغنا ( 8 ) أنه حين أحرم من حنين ( 9 ) قال : هذه العمرة لدخولنا مكة بغير إحرام يعني يوم الفتح فكذلك الأمر عندنا : من دخل ( 10 ) مكة بغير إحرام فلا بد له من أن يخرج فيهل ( 11 ) بعمرة أو بحجة لدخوله ( 12 ) مكة بغير إحرام . وهو قول ( 13 ) أبي خنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن من طريق مالك وقد قيل : تفرد به مالك عن الزهري من بين أصحابه وليس كذلك فقد رواه ستة عشر نفسا غير مالك عنه في " الحلية " لأبي نعيم ومسند أبي يعلى وكتاب الضعفاء لابن حبان وغيرها وله طرق أخر أيضا كما بسطه الحافظ في " فتح الباري "
( 2 ) أي في سنة فتح مكة وهي سنة ثمان
( 3 ) قوله : وعلى رأسه المغفر بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء ثم راء قال صاحب المحكم : ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة وقال ابن عبد البر : هو ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره وقد زاد بشر بن عمر عن مالك : من حديد ولا أعلم ذكره غيره أي من رواة الموطأ . وأما خارجة فقد رواه عشرة أخرج رواياتهم الدارقطني . قال مالك : لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ محرما فإنه لم يرو عن أحد أنه تحلل من إحرامه وهو من الخصائص النبوية عند الجمهور وخالف ابن شهاب فأجاز ذلك لغيره قال أبو عمر : ولا أعلم من تابعه على ذلك إلا الحسن البصري وروي عن الشافعي والمشهور عنه أنها لا تدخل إلا بإحرام فإن دخلها أساء ولا شيء عليه عنده وعند مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه : عليه حجة أو عمرة ولمسلم وأحمد وأصحاب السنن عن جابر : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة عام الفتح وعليه عمامة سوداء لغير إحرام . ولا معارضة بينه وبين حديث أنس لإمكان أن المغفر فوق العمامة قاله ابن عبد البر . وقيل : لعل العمامة كانت ملفوفة فوق المغفر وقال القرطبي : يجوز أن يكون نزع المغفر عند انقياد أهل مكة ولبس العمامة بعده كذا ذكره العيني والزرقاني
( 4 ) أي وضع المغفر عن الرأس
( 5 ) قوله : جاءه رجل هو أبو برزة الأسلمي بفتح الباء وسكون الراء بعده زاء معجمة واسمه نضلة بن عبيد جزم به الكرماني والفاكهي في " شرح العمدة " وقيل : سعيد بن حريث وقال الحافظ لم يسم
( 6 ) قوله : ابن خطل بفتحتين قيل : اسمه عبد الله وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى وقيل : هوعبد الله بن هلال بن خطل وقيل : غالب بن عبد الله بن خطل واسم خطل عبد مناف وهو لقب له من بني تيم وكان قد ارتد بعد ما أسلم وقيل : كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يبدل ما نزل فيكتب مكان غفور رحيم رحيم غفور ونحو ذلك ولما ارتد لحق بأهل مكة فلما دخلها رسول الله صلى الله عليه و سلم أبطل دمه فقال : اقتلوه وإن وجدتموه تحت أستار الكعبة - بالفتح جمع ستر بالكسر ما يستربه البيت - فأخبر أنه متعلق بأستار الكعبة فأمربقتله فقتل ( قال ابن عبد البر والطيبي : إن قتل ابن خطل كان قودا لقتله المسلم وقال القاري : بل كان ارتدادا . أوجز المسالك 8 / 175 )
( 7 ) قوله : غير محرم لأنها قد أحلت له ذلك اليوم حتى حل له القتال فيها ثم عادت حراما إلى يوم القيامة فكان ذلك من خصائصه بمن معه كما بسطه الطحاوي في " شرح معاني الآثار "
( 8 ) قوله : وقد بلغنا هذا البلاغ يدل على أنه صلى الله عليه و سلم أدى العمرة التي أحرم بها من الجعرانة حين رجوعه من حنين وتقسيم غنائمه عوضا لدخوله مكة بغير إحرام في فتح مكة والله أعلم بحال نبيه
( 9 ) قوله : حنين مصغرا اسم موضع واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا وكانت فيهاغزوة مشهورة مذكورة في القرآن
( 10 ) أي من أهل الآفاق
( 11 ) أي يحرم
( 12 ) أي عوضا عنه
( 13 ) قوله : قول وبه قال جماعة وقيد بعضهم بمن أراد الحج أوالعمرة وقد مر معنا ما يتعلق بهذا المقام في " باب دخول مكة بغير إحرام " وفي " باب المواقيت "

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10