كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي

95 - ( باب الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم )

291 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ( 1 ) عن عمرو بن سليم الزرقي أخبرني أبو حميد ( 2 ) الساعدي قال : قالوا ( 3 ) : يا رسول الله كيف ( 4 ) نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ( 5 ) وبارك ( 6 ) على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت ( 7 ) على إبراهيم ( 8 ) . إنك ( 9 ) حميد ( 10 ) مجيد ( 11 )
_________
( 1 ) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
( 2 ) قوله : أبو حميد اسمه المنذر بن سعد بن المنذر أو ابن مالك وقيل : اسمه عبد الرحمن وقيل : عمرو شهد أحدا وما بعدها وعاش إلى أول سنة 60 ، كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : قالوا قال ابن حجر : وقفت من تعيين باشر السؤال على جماعة : أبي بن كعب في الطبراني وبشير بن سعد عند مالك ومسلم وزيد بن خارجة عند النسائي وطلحة بن عبيد الله عند الطبراني وأبي هريرة عند الشافعي وعبد الرحمن بن بشير عند إسماعيل القاضي في " كتاب فضل الصلاة " وكعب بن عجرة عند ابن مردويه فإن ثبت تعدد السائل فواضح وإن ثبت أنه واحد فالتعبير بصيغة الجمع إشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن وافقه على ذلك
( 4 ) قوله : كيف نصلي عليك أي كيف الذي يليق أن نصلي به عليك كما علمتنا السلام لأنا لا نعلم اللفظ اللائق بك ( وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في القعدة الأخيرة من الصلاة فاختلف الأئمة في حكمها فقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأتباعه وأحمد في رواية : إنها سنة والشافعي : فريضة قاله في " الأم " كما في الفتح 11 / 154 وإليه ذهب أحمد في أحد القولين عنه كما حكاه ابن قدامة في المغني 1 / 584 )
( 5 ) ليحيى : على آل إبراهيم قال عبد البر : آل إبراهيم يدخل فيه إبراهيم وآل محمد يدخل فيه محمد . ومن هاهنا جاءت الآثار في هذا الباب مرة بإبراهيم ومرة بآل إبراهيم
( 6 ) قوله : وبارك قال العلماء : معنى البركة ههنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل : بمعنى التطهير والتزكية وقيل : تكثير الثواب . قال السخاوي : لم يصرح أحد بوجوب قوله : وبارك على ما عثرنا عليه غير أن ابن حزم ذكر ما يفهم منه وجوبها في الجملة فقال : على المرء أن يبارك عليه ولو مرة في العمر وظاهر كلام " المغني " من الحنابلة وجوبها في الصلاة قال المجد الشيرازي : والظاهر أن أحدا من الفقهاء لا يوافق على ذلك كذا في " شرح الزرقاني " ( قلت : لكن عد في " نيل المآرب " من الأركان قول : " اللهم صل على محمد وعد من السنن : الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد الأخير وعلى آله والبركة عليه وعليهم والدعاء بعده ولم يصرح في المغني بوجوب البركة . أوجز المسالك 3 / 223 )
( 7 ) قوله : كما باركت ... إلى آخره قيل : ما وجه تشبيه الصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم والقاعدة أن المشبه به أفضل وأجيب عنه بأجوبة : أحدهما : ما قاله النووي وحكاه بعض أصحابهم عن الشافعي أن معناه صل على محمد وتم الكلام . ثم استأنف وعلى آل محمد أي وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فالمسؤول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد لا نفسه الثاني : أن معناه اجعل لمحمد وآله صلاة منك كما جعلتها على إبراهيم وآله فالمسؤول المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها . الثالث : أنه على ظاهره والمراد اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسؤول مقابلة الجملة بالجملة ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء وغيرهم كذا في " التنوير "
( 8 ) ليحيى : على آل إبراهيم
( 9 ) قوله : إنك حميد مجيد قال الحليمي : سبب التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وقد علم أن محمدا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها في الموجودين ولذا ختم بما ختم به هذه الآية وهو قوله : إنك حميد مجيد
( 10 ) فعيل من الحمد بمعنى المحمود
( 11 ) بمعنى ماجد من المجد وهو الشرف

292 - أخبرنا مالك أخبرنا نعيم ( 1 ) بن عبد الله المجمر ( 2 ) مولى عمر بن الخطاب أن محمد ( 3 ) بن عبد الله بن زيد الأنصاري أخبره وهو عبد الله ( 4 ) بن زيد الذي أري ( 7 ) النداء في النوم على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن أبا مسعود ( 6 ) أخبره فقال : أتانا ( 7 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس معنا في مجلس ابن عبادة ( 8 ) فقال بشير ( 9 ) بن سعد أبو النعمان : أمرنا ( 10 ) الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك ( 11 ) ؟ قال : فصمت ( 12 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى تمنينا ( 13 ) أنا لم نسأله ( 14 ) . قال : قولوا ( 15 ) : اللهم ( 16 ) صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ( 17 ) وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم . في العالمين إنك حميد ( 18 ) مجيد . والسلام ( 19 ) كما قد علمتم ( 20 )
قال محمد : كل هذا حسن ( 21 )
_________
( 1 ) بضم النون : ثقة من أواسط التابعين كذا في " التقريب "
( 2 ) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة صفة له ولأبيه
( 3 ) هو محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري المدني وثقه ابن حبان كذا في " الإسعاف "
( 4 ) هو صحابي مشهور مات سنة 32 ، وقيل استشهد بأحد كذا في " تقريب التهذيب "
( 5 ) بصيغة المجهول من الإرادة قوله : أري النداء وكانت رؤيته في السنة الأولى بعد بناء المسجد قال الترمذي عن البخاري : لا نعرف له إلا حديث الأذان قلت : وقال ابن عدي : لا نعرف له شيئا يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا حديث الأذان وهذا مقيد لكلام البخاري وهو المعتمد فقد وجدت له أحاديث جمعتها في جزء واغتر الأصبهاني بالأول وجزم به جماعة فوهموا هذا ما في " تهذيب التهذيب " للحافظ ابن
حجر
( 6 ) هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري مات سنة 40 هـ أو بعدها قاله الزرقاني
( 7 ) قوله : أتانا ... إلى آخره قال الباجي : فيه أن الإمام يخص رؤساء الناس بزيارتهم في مجالسهم تأنيسا لهم
( 8 ) في نسخة : سعد بن عبادة هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري مات بأرض الشام سنة 15 هـ وقيل غير ذلك كذا في التقريب
( 9 ) قوله : بشير بن سعد هو بشير - بفتح الموحدة - ابن سعد - بسكون العين - ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل بدري والد النعمان بن بشير استشهد بعين التمر كذا ذكره الزرقاني
( 10 ) بقوله : { صلوا عليه وسلموا تسليما } ( سورة الأحزاب : الآية 56 )
( 11 ) زاد الدارقطني : إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا
( 12 ) أي سكت زمانا طويلا قوله : فصمت يحتمل أن يكون سكوته حياء وتواضعا ويحتمل أن ينتظر ما يأمره الله به من الكلام الذي ذكره
( 13 ) أي وددنا
( 14 ) أي كرهنا سؤاله مخالفة أن يكون كرهه وشق عليه
( 15 ) قوله : قولوا الأمر للوجوب اتفاقا فقيل : في العمر مرة واحدة وقيل في كل تشهد يعقبه سلام وقيل كلما ذكر
( 16 ) قوله : اللهم صل على محمد أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته ولما كان البشر عاجزا عن أن يبلغ قدر الواجب له من ذلك شرع لنا أن نحيل أمر ذلك على الله
( 17 ) وفي بعض النسخ : على آل إبراهيم فقط وفي بعضها : على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
( 18 ) قوله : إنك حميد مجيد قال الطيبي : هذا تذييل الكلام السابق وتقرير له على سبيل العموم أي إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية مجيد كريم كثيرالإحسان إلى جميع عبادك الصالحين . ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك وبركاتك على حبيبك نبي الرحمة وآله
( 19 ) أي في التشهد وهو : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
( 20 ) بفتح العين وكسر اللام المخففة ومنهم من رواه بضم العين وتشديد اللام
( 21 ) قوله : حسن يشير إلى أنه ليس للصلاة صيغة مخصوصة لا تتعداها إلى غيرها بل كل ما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم فهو حسن كاف لا متثال أمر الله واقتداء نبيه وإن كان في بعضها خصوصية ليست في غيرها

96 - ( باب الاستسقاء ( 1 ) )
293 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عباد ( 2 ) بن تميم المازني يقول : سمعت عبد الله ( 3 ) ابن زيد المازني ( 4 ) يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المصلى ( 5 ) فاستسقى ( 6 ) وحول ( 7 ) رداءه ( 8 ) حين ( 9 ) استقبل القبلة
قال محمد : أما أبو حنيفة - رحمه الله - فكان ( 10 ) لا يرى ( 11 ) في الاستسقاء صلاة ( 12 ) وأما ( 13 ) في قولنا فإن الإمام يصلي ( 14 ) بالناس ركعتين ( 15 ) ثم يدعو ( 16 ) ويحول ( 17 ) رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ولا يفعل ذلك أحد إلا الإمام ( 18 )
_________
( 1 ) طلب الغيث والمطر ( قال القاري : الاستسقاء في اللغة طلب السقيا وفي الشرع طلب السقيا للعباد عند حاجتهم إليها بسبب قلة الأمطار أو عدم جري الأنهار " ( مرقاة المصابيح 3 / 331 وذكر في " الأوجز " ههنا سبعة أبحاث لطيفة فارجع إليه 4 / 61 )
( 2 ) قوله : عباد بن تميم هو عباد بن تميم بن غزية المازني روى عن أبيه وله صحبة وعن عمه عبد الله بن زيد المازني وثقه النسائي وغيره قاله السيوطي
( 3 ) هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني صحابي شهير روى صفة الوضوء وغيره واستشهد بالحرة سنة 63 ، كذا في " تقريب التهذيب "
قوله : عبد الله بن زيد في " ضياء الساري بشرح صحيح البخاري " : قال أبو عبد الله - أي البخاري - كان ابن عيينة سفيان يقول : هو - أي راوي الحديث - عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان الذي أري الأذان في النوم ولكنه وهم لأن هذا أي راوي حديث الاستسقاء عبد الله بن زيد بن عاصم المازني مازن الأنصار احتراز عن مازن تيم ومازن قيس ومازن صعصعة ومازن شيبان وغيرهم
والتقدير : وذاك عبد الله بن زيد بن عبد ربه وقد اتفقا في الاسم واسم الأب والنسبة إلى الأنصار ثم إلى الخزرج والصحبة وافترقا في الجد والبطن الذي من الخزرج
( 4 ) بكسر الزاء نسبة إلى مازن قبيلة
( 5 ) أي مصلى العيد
( 6 ) قوله : فاستسقى لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على سبب
ذلك ولا على صفته ولا على وقت ذهابه وقد وقع ذلك في حديث عائشة عند أبي داود وابن حبان قال : شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قحط المطر فأمر بمنبر وضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر . وفي حديث ابن عباس عند أحمد وأصحاب السنن خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقي المنبر . وفي حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني : قحط المطر فسألنا نبي الله صلى الله عليه و سلم أن يستسقي لنا فغدا ... الحديث . وأفاد ابن حبان أن خروجه ( ولا يذهب عليك أن دعاؤه صلى الله عليه و سلم في خطبة الجمعة حتى مطروا إلى الجمعة الأخرى كان بعد مرجعه صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك كما ذكره الحافظ في ( باب الاستسقاء في المسجد الجامع ) من رواية البيهقي في " الدلائل " انظر لامع الدراري 4 / 190 ) صلى الله عليه و سلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست كذا في " الفتح "
( 7 ) قوله : وحول رداءه وقع بيان المراد بذلك عن المسعودي ولفظه : وقلب رداءه وجعل اليمين على الشمال زاد ابن ماجه : والشمال على اليمين . وله شاهد أخرجه أبو داود عن عباد بلفظ : فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر والأيسر على الأيمن . وله من طريق آخر : استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعلها على أعلاها فثقلت عليه فقلبها على عاتقه . وأخرج الدارقطني والحاكم ورجاله ثقات من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن علي بلفظ : حول رداءه ليتحول القحط كذا في " الفتح "
( 8 ) ذكر الواقدي أن طول ردائه كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع كذا في " التنوير "
( 9 ) عرف بذلك أن التحويل إنما وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء
( 10 ) قوله : فكان لا يرى ... إلى آخره ذكر النووي أنه لم يقل سوى أبي حنيفة هذا القول وتعقبه العيني بأنه أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم النخعي أنه خرج مع المغيرة ليستسقي فصلى المغيرة فرجع إبراهيم حيث رآه يصلي . وروي عن عطاء الأسلمي عن أبيه قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب ليستسقي فما زاد على الاستغفار . انتهى ( انظر عمدة القاري 3 / 429 )
( 11 ) أي على سبيل الاستنان لا أنه بدعة عنده كما نسبه بعض المتعصبين إليه فإن عدم السنية لا يستلزم البدعة كذا حققه العيني في " البناية "
( 12 ) أي مشروعة بجماعة وإن صلوا فرادى جاز وبه قال أبو يوسف في رواية . قوله : صلاة وإنما الاستسقاء عنده مجرد دعاء واستغفار من دون صلاة وخطبة لقوله تعالى : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارا } ( سورة نوح : الآية 10 - 11 ) على نزول الغيث بمجرد الاستغفار . وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أيضا الدعاء المجرد قولا وفعلا ففي حديث أنس عند البخاري ومسلم وغيرهما : دخل المسجد رجل يوم الجمعة ورسول الله قائم يخطب فاستقبله وقال : يا رسول الله هلكت المواشي والأموال فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله يديه ثم قال : اللهم أغثنا ... الحديث وفي حديث آبي اللحم : أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يستسقي عند أحجار الزيت أخرجه أبو داود والترمذي . وروى أبو عوانة في " صحيحه " عن عامر بن خارجة : أن قوما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قحط المطر فقال : اجثوا على الركب ثم قولوا : يا رب يا رب
( 13 ) قوله : وأما في قولنا وبه قال الشافعي وأحمد ومالك والجمهور ( الصلاة جائزة عند الإمام أبي حنيفة وسنة عند صاحبيه وسنة مؤكدة عند الأئمة الثلاثة . أوجز المسالك 4 / 63 ) لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج ليستسقي فصلى بالناس ركعتين . ثبت ذلك من حديث ابن عباس أخرجه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان والحاكم وصححه الترمذي ومن حديث عباد عن عمه عبد الله بن زيد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم ومن حديث عائشة أخرجه أبو داود وأبو عوانة وابن حبان والحاكم ومن حديث أبي هريرة أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو عوانة والبيهقي والطحاوي . وبه ظهر ضعف قول صاحب الهداية في تعليل مذهب أبي حنيفة : أن رسول الله استسقى ولم يرو عنه الصلاة . فإن أراد أنه لم يرو بالكلية فهذه الأخبار تكذبه وإن أراد أنه لم يرو في بعض الروايات فغير قادح . وأما ما ذكروا أن النبي صلى الله عليه و سلم فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة فليس بشيء فإنه لا ينكر ثبوت كليهما مرة هذا ومرة هذا لكن يعلم من تتبع الطرق أنه لما خرج بالناس إلى الصحراء صلى فتكون الصلاة مسنونة في هذه الحالة بلا ريب ودعاؤه المجرد كان في غير هذه الصورة ( قال محمد والأصح أن أبا يوسف معه : يصلي الإمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة على الأشهر وفي رواية لمحمد : يكبر للزوائد كالعيد . والمشهور عنه خلافه . ثم يخطب بعد ذلك عندهما قائما على الأرض لا المنبر ولا خطبة عند أبي حنيفة والخطبة عند أبي يوسف واحدة وعند محمد ثنتان يبدأ هذه الخطبة بالتحميد وبعد الخطبة يتوجه إلى القبلة ويشتغل بالدعاء رافعا يديه ويقلب الرداء عند محمد لا عند الإمام واختلفت الرواية عن أبي يوسف وأما عند المالكية فيصلي الإمام زكعتين جهرا بالقراءة بلا تكبير ويخطب بعدها على الأرض لا المنبر خطبتين ويستقبل القبلة بعدهما ويبالغ في الدعاء مستقبلا للقبلة قال الزرقاني : وكان الإمام مالك يقول أولا بتقديم الخطبة على الصلاة ثم رجع عنه إلى مافي الموطأ واختلف عنه أيضا في وقت تحويل الرداء ففي ( المدونة ) إذا فرغ من الخطبة وعنه يحول إذا أشرف على الفراغ وعنه بين الخطبتين ويحول الذكور أرديتهم دون النساء وأما عند الشافعية يصلي بهم الإمام ركعتين كالعيد وإذا مضى الثلث من الخطبة الثانية يتوجه إلى القبلة ويحول رداءه عند استقبال القبلة ويدعو ثم يكمل الخطبة ويحول الذكور أرديتهم وأما عند الحنابلة فهي كالعيد وقتا وصفة ويخطب خطبة واحدة على الأصح على المنبر انظر لامع الدراري 4 / 191 - 192 )
( 14 ) من دون أذان وإقامة صرح به في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه
( 15 ) يجهر فيهما بالقراءة كما ورد عند البخاري من حديث عبد الله بن زيد
( 16 ) قوله : ثم يدعو أي ثم يخطب بعد الصلاة ويدعو مستقبل القبلة هكذا ورد في مسند أحمد عن عبد الله بن يزيد وهو المرجح عند الشافعية والمالكية وفي رواية عائشة وابن عباس ورد تقديم الخطبة على الصلاة واختاره ابن المنذر
( 17 ) قوله : ويحول به قال أبو يوسف والشافعي والجمهور لثبوت ذلك عن صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم وعند أبي حنيفة لا تحويل لعدم ثبوت ذلك في أحاديث الدعاء المجرد
( 18 ) قوله : إلا الإمام لأنه لم يأمر به النبي صلى الله عليه و سلم القوم وفيه خلاف الشافعي ومالك وأحمد أخذا مما ورد في مسند أحمد : أن القوم أيضا حولوا أرديتهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم والظاهر أنه اطلع عليه ولم ينكر عليهم

97 - ( باب الرجل يصلي ثم يجلس في موضعه الذي صلى فيه )

294 - أخبرنا مالك أخبرنا نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا صلى أحدكم ثم جلس ( 1 ) في مصلاه لم تزل ( 2 ) الملائكة ( 3 ) تصلي ( 4 ) عليه : اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ( 5 ) فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل ( 6 ) في صلاة حتي يصلي
_________
( 1 ) زاد البخاري ينتظر الصلاة
( 2 ) قوله : لم تزل الملائكة قال ابن بطال : من كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها عنه بغير تعب فليهتم بملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم فهو مرجو إجابته لقوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } ( سورة الأنبياء : الآية 28 ) . وقال المهلب في حديث " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث تقول : اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث " : معناه أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته كذا في " الحبائك في أخبار الملائك " للسيوطي
( 3 ) الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك ؟ كل محتمل
( 4 ) أي تدعو له قائلين : اللهم ... إلى آخره
( 5 ) أي بقبول حسناته زاد ابن ماجه : اللهم تب عليه
( 6 ) أي حكما باعتبار الثواب ( قال الحافظ ابن حجر : وفي الحديث بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك في المسجد أو تحول إلى غيره . انظر فتح الباري 2 / 136 . وفي أوجز المسالك 3 / 187 : فالظاهر أن صلاة الملائكة تختص بالجلوس في مصلاه الذي صلى فيه وإذا جلس في مجلس آخر يكون في حكم الصلاة باعتبار الأجر ولكن لا يتشرف بصلاة الملائكة . وهذا يخالف ما تقدم عن الحافظ وتبعه جماعة من شراح الحديث : أن لفظ " في مصلاه " الذي صلى فيه خرج مخرج العادة وليس بقيد فتأمل )

98 - ( باب صلاة التطوع ( 1 ) بعد الفريضة )
295 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ( 2 ) قبل الظهر ( 3 ) ركعتين ( 4 ) وبعدها ركعتين ( 5 ) وبعد صلاة المغرب ركعتين في بيته ( 6 ) وبعد صلاة العشاء ركعتين وكان لا يصلي ( 7 ) بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف ( 8 ) فيسجد ( 9 ) سجدتين ( 10 )
قال محمد : هذا تطوع وهو ( 11 ) حسن وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس فسأله أبو أيوب ( 12 ) الأنصاري عن ذلك فقال : إن أبواب السماء تفتح ( 13 ) في هذه الساعة فأحب أن يصعد لي فيها عمل ( 14 ) فقال : يا رسول الله أ ( 15 ) يفصل ( 16 ) بينهن بسلام ؟ فقال : لا
أخبرنا بذلك بكير بن عامر البجلي ( 17 ) عن إبراهيم والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
_________
( 1 ) أراد به السنن المؤكدة : وهي عشر ركعات عند الحنابلة وهو المرجح عند الشافعية وعند الحنفية اثنتا عشرة ركعة قال في " الدر المختار " وسن مؤكدا أربع قبل الظهر بتسليمة وركعتان قبل الصبح وبعد الظهر والمغرب والعشاء وعند المالكية لا توقيت للرواتب ولا تحديد لها انظر عمدة القاري 3 / 66 وفتح الباري 3 / 48 ، وأما الصلاة قبل الصبح يعني ركعتيه رغيبة أي رتبتها دون السنة وفوق النافلة . أوجز المسالك 3 / 241
( 2 ) في نسخة : كان يصلي
( 3 ) قوله : قبل الظهر ركعتين وفي حديث عائشة : كان لا يدع أربعا قبل الظهر رواه البخاري وغيره
قال الداودي : هو محمول على أن كل واحد وصف ما رأى ويحتمل أن ابن عمر نسي من الركعتين
قال الحافظ : وهذا الاحتمال بعيد والأولى أن يحمل على حالين
( 4 ) قال ابن جرير : الأربع قبل الظهر كانت في كثير من أحواله والركعتان قليلها
( 5 ) وللترمذي مرفوعا : من حافظ على أربع قبل العصر حرمه الله على النار
( 6 ) يحتمل أن يكون ظرفا للكل ولما يليه ( إن أفضلية أداء النوافل في البيت مطلقا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور وقال مالك والثوري : الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد وراتبة الليل في البيت كذا في أوجز المسالك 3 / 245 )
( 7 ) قوله : وكان لا يصلي ... . إلى آخره أخرج ابن ماجه عن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن وزاد الطبراني : وأربعا بعدها وسنده واه جدا . وروى الطبراني عن ابن مسعود : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا كذا في " نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي
( 8 ) من المسجد إلى بيته
( 9 ) أي يصلي ركعتين
( 10 ) ورد في " مصنف عبد الرزاق " عن ابن مسعود : أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا
( 11 ) أي عمله مسنون مستحب
( 12 ) خالد بن زيد
( 13 ) لقبول الطاعة
( 14 ) أي صالح وفي رواية : خير
( 15 ) بهمزة الاستفهام
( 16 ) بصيغة المجهول
( 17 ) بفتح الأول والثاني نسبة إلى بجيلة بن أنمار قبيلة نزلت بالكوفة
قاله السمعاني

99 - ( باب الرجل يمس القرآن ( 1 ) وهو جنب أو ( 2 ) على غير طهارة ( 3 )
)
296 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال ( 4 ) : إن في الكتاب ( 5 ) الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم ( 6 ) : لا يمس القرآن إلا طاهر ( 7 )
_________
( 1 ) المراد به المصحف كما في نسخة
( 2 ) أو للتنويع للإيماء إلى أن حكم الجنب والمحدث في هذه المسألة سواء وفي معنى الجنب الحائض والنفساء
( 3 ) في نسخة : وضوء
( 4 ) قوله : قال إن في الكتاب الذي ... . إلى آخره قال ابن عبد البر : لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد روي مسندا من وجه صالح وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بها في شهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول
( 5 ) قال الباجي : هذا أصل في كتابة العلم وتحصينه في الكتب
( 6 ) بن زيد بن لوذان قوله : لعمرو بن حزم الأنصاري شهد الخندق فما بعدها وكان عامل رسول الله صلى الله عليه و سلم على نجران مات بعد الخمسين كذا قال الزرقاني
( 7 ) أي من النجاسة الكبرى والصغرى وهو مستفاد من قوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } ( سورة الواقعة : الآية 79 )

297 - ( 1 ) أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : لا
يسجد ( 2 ) الرجل ولا يقرأ القرآن إلا وهو طاهر
قال محمد : وبهذا كله نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - إلا في خصلة ( 3 ) واحده لا بأس بقراءة ( 4 ) القرآن على غير طهر إلا أن يكون جنبا ( 5 )
_________
( 1 ) في نسخة : قال أخبرنا
( 2 ) قوله : لا يسجد الرجل ... إلى آخره قد أخرجه البيهقي أيضا من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر أنه قال : لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر . ويخالفه ما أخرجه ابن أبي شيبة بسنده إلى سعيد بن جبير قال : كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ . وعلقه البخاري في " باب سجود المشركين مع المسلمين " : وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء . وجمع الحافظ ابن حجر بأن المراد بالطهارة في قوله الطهارة الكبرى أو هو محمول على حالة الاختيار والثاني على الاضطرار . وذكر الحافظ أيضا أنه لم يوافق ابن عمر على جواز سجود التلاوة بغير وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح وكذا أخرجه عن أبي عبد الرحمن السلمي ( أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماء . فتح الباري 2 / 554 . وقال شيخنا : وظاهر ترجمة البخاري أنه ذهب أيضا إلى جواز السجود بلا وضوء . لامع الدراري 4 / 50 )
( 3 ) قوله : إلا في خصلة واحدة كأنه حمل قول ابن عمر : إلا وهو طاهر على الطهارة المطلقة من الصغرى والكبرى فاستثنى من قوله ( وبهذا كله نأخذ ) قراءة القرآن على غير وضوء لثبوت جواز ذلك بالمرفوع والموقوف فأخرج أصحاب السنن الأربعة وابن حبان وصححه الحاكم والترمذي عن علي : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يحجبه أو لا يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة . وأخرج مالك أن عمر كان في قوم يقرؤون القرآن فذهب عمر لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن فقال له رجل : تقرأ القرآن ولست على وضوء ؟ فقال عمر : من أفتاك هذا ؟ أمسيلمة الكذاب ؟ وورد عن علي أيضا قراءة القرآن على غير وضوء ( وأما قراءة المحدث القرآن قال ابن رشد : ذهب الجمهور إلى الجواز أما مس المصحف فقال الجمهور - منهم الأئمة الأربعة - لا يمسه إلا طاهر من الحدثين لقوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } خلافا لداود وابن حزم وغيرهما من السلف . انظر الكوكب الدري 1 / 186 ) أخرجه الدارقطني وغيره
( 4 ) أي من غير مسه
( 5 ) أو من يحذو حذوه في النجاسة الكبرى ( وفي " الكوكب " أيضا : اتفق الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء على أن الجنب والحائض لا يقرءان القرآن وقال بعض المبتدعة : يقرأ . وحديث علي دليل على ما قلنا وأما الحائض ففي قراءتها عن مالك روايتان : إحداهما المنع حملا على الجنب ووجه الأخرى أن الحيض ضرورة يأتي بغير الاختيار ويطول أمرها فلو منعت من ذلك لنسيت ما تعلمت بخلاف الجنب فإنه تأتي الجنابة باختياره ويمكن إزالتها في الحال وهو أصح . قلت : وعامة شراح البخاري على أن ميل البخاري إلى الجواز . فتأمل

100 - ( باب الرجل يجر ( 1 ) ثوبه والمرأة تجر ذيلها ( 2 ) فيعلق ( 3 )
به قذر ( 4 ) وما كره ( 5 ) من ذلك )
298 - أخبرنا مالك أخبرني محمد ( 6 ) بن عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أم ولد ( 7 ) لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها ( 8 ) سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : إني امرأة أطيل ( 9 ) ذيلي وأمشي في المكان ( 10 ) القذر ( 11 ) فقالت ( 12 ) أم سلمة : قال ( 13 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : يطهره ( 14 ) ما بعده
قال محمد : لا بأس بذلك ما لم يعلق بالذيل قذر فيكون أكثر من قدر الدرهم الكبير ( 15 ) المثقال فإذا كان كذلك فلا يصلين فيه حتى يغسله وهو قول ( 16 ) أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) من الجر
( 2 ) بالفتح ( دامن ) ( بالأردية )
( 3 ) من باب علم يقال : علق الشوك بالثوب تشبث به وتعلق بسببه
( 4 ) بفتح القاف والذال المعجمة : ما يتقذر به من النجاسات
( 5 ) وفي نسخة : وما يكره
( 6 ) وثقه ابن معين ولينه أبو حاتم كذا قال السيوطي
( 7 ) قوله : عن أم ولد نقل صاحب " الأزهار " عن " الغوامض " أن اسمها حميدة ( قال الزرقاني : تابعية صغيرة مقبولة شرح الموطأ 1 / 56 ، وذكر الحافظ في التقريب 2 / 595 : حميدة عن أم سلمة يقال هي أم ولد إبراهيم مقبولة من الرابعة ) ذكره السيد وقال ابن حجر : مرة أنها مجهولة ومع ذلك الحديث حسن وهو غير صحيح إلا أن يقال إنه حسن لغيره كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 8 ) قوله : أنها سألت قد أخرج هذا الحديث أبو داود وسكت عليه والدارمي والترمذي وأحمد أيضا ذكره القاري وقد ذكرته في رسالتي " غاية المقال في ما يتعلق بالنعال " مع ما له وما عليه وقد طبعت تلك الرسالة في سنة ( 1287 هـ ) ووقع في النسخ المطبوعة : روى أبو داود بإسناده عن أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يطهره ما بعده إلى آخره وهذا غلط وقع من مهتمي الطبع والذي في مسودتي بخطي : روى أبو داود بإسناده إلى أم سلمة أن امرأة سألتها فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . إلى آخره فليتنبه لذلك وليبلغ الشاهد الغائب
( 9 ) من الإطالة
( 10 ) قوله : في المكان القذر قال النووي : أراد بالقذر نجاسة يابسة
( 11 ) أي النجس وهو بكسر الذال أي في مكان ذي قذر
( 12 ) قوله : فقالت ... . إلى آخره أفتت أم سلمة في هذه المسألة بمثل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ما روي أن امرأة من بني عبد الأشهل قال : قلت : يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا ؟ قالت : فقال : أليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قالت : بلى قال : فهذه بهذه أخرجه أبو داود وسكت عليه . وقد اختلفت أقوال العلماء في هذين الحديثين فقال الطيبي في " حواشي المشكوة " : الحديثان متقاربان ونقل الخطابي ( معالم السنن 1 / 118 ) عن أحمد ليس معناه أنه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره ولكنه يمر بالمكان القذر فيقذره ثم يمر بمكان أطيب فيكون هذا بذلك وقال مالك في ما روي أن الأرض يطهر بعضها بعضا : إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضا وأما النجاسة مثل البول وغيره يصيب الثوب أو بعض الجسد فإن ذلك لا يطهره إلا الغسل إجماعا . انتهى ملخصا ( يستفاد من تفسير مالك و أحمد أن النجاسة الرطبة ذات جرم كالقذر دون الرقيق كالبول لا كما يزعمه النووي عاما في كل رطبة انظر " المجموع " 1 / 96 ) وقال القاري في " المرقاة " قلت : الحديثان متباعدان لا كما قيل إنهما متقاربان فإن الأول مطلق قابل لأن يتقيد باليابس وأما الثاني فصريح في الرطب وما قاله أحمد ومالك التأويل لا يشفي الغليل ولو حمل على أنه من باب طين الشارع وأنه طاهر أو معفو عنه لعموم البلوى لكان له وجه وجيه لكن لا يلائمه قوله : أليس بعدها إلى آخره فالمخلص ما قاله الخطابي من أن في إسناد الحديثين معا مقالا لأن أم ولد إبراهيم وامرأة من بني عبد الأشهل مجهولتان لا يعرف حالهما في الثقة والعدالة فلا يصح الاستدلال بهما انتهى وقال أيضا : من الغريب قول ابن حجر : وزعم أن جهالة تلك المرأة تقتضي رد حديثها ليس في محله لأنها صحابية وجهالة الصحابة لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول فإنه عدول عن الجادة لأنها لو ثبت أنها صحابية لما قيل إنها مجهولة ( مرقاة المصابيح 2 / 77 ) انتهى . أقول : هذا عجيب جدا فإن الحديث الثاني عنوانه ينادي على أن تلك المرأة السائلة من رسول الله صلى الله عليه و سلم صحابية حيث شافهته وسألته بلا واسطة لكن لما لم يطلعوا على اسمها ونسبها قالوا إنها مجهولة فهذا لا يقدح في كونها صحابية ولا يلزم من كونها صحابية أن يعلم اسمها ورسمها وهذا أمر ظاهر لمن له خبرة بالفن وقد صرح به القاري نفسه في مواضع بأن جهالة الصحابي لا تضر فكيف يعتقد ههنا المنافاة بين الجهل وبين الصحابية فظهر أن ما ذكره من المخلص ليس بمخلص بل المخلص أن يحمل حديث أم سلمة على القذر اليابس كما حمله عليه جماعة والثاني على تنجس النعل والخف ونحو ذلك مما يطهر بالدلك في موضع طاهر إذ ليس فيه تصريح بالذيل
( 13 ) أي في جواب مثل هذا السؤال
( 14 ) أي الذيل
( 15 ) أي الذي قدره المثقال وهذا في الكثيف وأما في الرقيق فيقدر بقدر عرض الكف
( 16 ) وبه قال الطبري وأما عند الشافعي وغيره فقليل النجس وكثيره سواء في افتراض الغسل

101 - ( باب فضل الجهاد ( 1 ) )
299 - أخبرنا مالك حدثنا أبو الزناد ( 2 ) عن الأعرج ( 3 ) عن أبي هريرة عن رسول الله قال : مثل المجاهد ( 4 ) في سبيل الله ( 5 ) كمثل ( 6 ) الصائم ( 7 ) القانت ( 8 ) الذي ( 9 ) لا يفتر ( 10 ) من صيام ولا صلاة حتى يرجع ( 11 )
_________
( 1 ) أي المجاهدة في سبيل الله وهي المحاربة مع الكفار
( 2 ) عبد الله بن ذكوان
( 3 ) عبد الرحمن بن هرمز
( 4 ) زاد البخاري عن ابن المسيب عن أبي هريرة : والله أعلم بمن يجاهد في سبيله أي بحال نيته
( 5 ) قوله : في سبيل الله قال الباجي : جميع أعمال البر في سبيل الله إلا أن هذه اللفظة إذا أطلقت في الشرع اقتضت الغزو والمعنى أن له من الثواب على جهاده مثل ثواب المستديم للصيام والصلاة لا يفتر منهما وإنما أحال على ثواب الصائم والقائم وإن كنا لا نعرف مقدار ثوابه لما عرف في الشرع من كثرته وقرر من عظمته
( 6 ) قوله : كمثل ... . إلى آخره قال عياض : هذا تفخيم عظيم للجهاد وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما هي إحسان من الله لمن شاءه
( 7 ) ومن كان كذلك فأجره مستمر فكذلك المجاهد لا تضيع ساعة من ساعاته
( 8 ) أي المصلي وليحيى : كمثل الصائم القائم الدائم الذي ... ولمسلم : كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله وزاد النسائي : الخاشع الراكع الساجد
( 9 ) قوله : الذي لا يفتر قال البوني : يحتمل أنه ضرب ذلك مثلا وإن كان أحدا لا يستطيع كونه قائما مصليا لا يفتر ليلا ولا نهارا ويحتمل أنه أراد التكثير ( قال ابن دقيق العيد : القياس يقتضي أن الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه ففضله بحسب فضل ذلك قلت : أو باعتبار اختلاف الأحوال والأوقات . أوجز المسالك 8 / 201 )
( 10 ) بسكون الفاء وضم التاء أي لا يمل ولا يكسل
( 11 ) أي عن غزوة إلى وطنه

300 - أخبرنا مالك حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : والذي نفسي بيده لوددت ( 1 ) أن ( 2 ) أقاتل في سبيل الله فأقتل ( 3 ) ثم أحيى ( 4 ) فأقتل ثم أحيى فأقتل . فكان ( 5 ) أبو هريرة يقول ثلاثا : أشهد ( 6 ) لله
_________
( 1 ) بكسر الدال الأولى : أي تمنيت وأحببت
( 2 ) في نسخة : إلى
( 3 ) قوله : فأقتل ثم أحيى ... إلى آخره في رواية : ثم أقتل في المواضع
الثلاثة بدل الفاء . قال الطيبي : ثم وإن دلت على تراخي الزمان لكن الحمل على تراخي الرتبة هو الوجه
استشكل هذا التمني منه صلى الله عليه و سلم مع علمه بأنه لا يقتل وأجاب ابن التين باحتمال أنه قبل نزول قوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } ورد بأن نزولها كان في أوائل ما قدم المدينة وهذا الحديث صرح أبو هريرة في الصحيحين من رواية ابن المسيب عنه بسماعه منه صلى الله عليه و سلم وإنما قدم أبو هريرة في أوائل سنة سبع والذي يظهر في الجواب أن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع فقد قال صلى الله عليه و سلم : وددت لو أن موسى صبر . وله نظائر كذا قال الزرقاني
( 4 ) مبني للمفعول فيها
( 5 ) المعنى كان أبو هريرة يقول : أشهد لله ثلاث مرات
( 6 ) أي والله لقد قال ذلك

102 - ( باب ما يكون من الموت شهادة ( 1 ) )
301 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله ( 2 ) بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك ( 3 ) بن الحارث بن عتيك - وهو جد ( 4 ) عبد الله بن عبد الله بن جابر ( 5 ) - أي أخبره أن جابر ( 6 ) بن عتيك أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء يعود عبد الله ( 7 ) بن ثابت ( 8 ) فوجده قد غلب ( 9 ) فصاح ( 10 ) به فلم يجبه فاسترجع ( 11 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : غلبنا ( 12 ) عليك يا أبا الربيع ( 13 ) فصاح النسوة ( 14 ) وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن ( 15 ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعهن فإذا وجب ( 16 ) فلا تبكين ( 17 ) باكية قالوا : وما الوجوب ( 18 ) يا رسول الله ؟ قال : إذا مات قالت ابنته ( 19 ) : والله إني كنت لأرجو أن تكون شهيدا فإنك قد كنت قضيت ( 20 ) جـهازك ( 21 ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى قد أوقع ( 22 ) أجره ( 23 ) على قدر ( 24 ) نيته وما ( 25 ) تعدون الشهادة ؟ قالوا : القتل ( 26 ) في سبيل الله قال رسول الله ( 27 ) صلى الله عليه و سلم : الشهادة ( 28 ) سبع ( 29 ) سوى القتل في سبيل الله : المطعون ( 30 ) شهيد والغريق ( 31 ) شهيد وصاحب ( 32 ) ذات الجنب شهيد وصاحب الحريق ( 33 ) شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة ( 34 ) تموت بجمع شهيد والمبطون ( 35 ) شهيد
_________
( 1 ) قوله : ما يكون من الموت شهادة قد ورد في الأخبار عدد كثير لمن يجد ثواب الشهادة فمن ذلك ( 1 ) المقاتل ( في الأصل القاتل وهو خطأ ) المجاهد وهو أعلى الشهداء ( 2 ) والمطعون ( 3 ) والمبطون ( 4 ) والغريق ( 5 ) وصاحب ذات الجنب ( 6 ) والحريق ( 7 ) والتي تموت بجمع ( 8 ) والذي يموت بهدم ( 9 ) ومن يقصد الشهادة ويعزم عليه ولا يتفق له ذلك كما هو ثابت في حديثي الباب ( 10 ) وصاحب السل أخرجه أحمد من حديث راشد بن خنيس والطبراني من حديث سلمان ( 11 ) والغريب أي المسافر بأي مرض مات أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس والبيهقي في " الشعب " من حديث أبي هريرة والدارقطني من حديث ابن عمر والصابوني في " المائتين " من حديث جابر والطبراني من حديث عنترة ( 12 ) وصاحب الحمى أخرجه الديلمي من حديث أنس ( 13 ) واللديغ ( 14 ) والشريق ( 15 ) والذي يفترسه السبع ( 16 ) والخار عن دابته رواها الطبراني من حديث ابن عباس ( 17 ) والمتردي أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود ( 18 ) والميت على فراشه في سبيل الله رواه مسلم من حديث أبي هريرة ( 19 ) والمقتول دون ماله ( 20 ) والمقتول دون دينه ( 21 ) والمقتول دون دمه ( 22 ) والمقتول دون أهله أخرجه أصحاب السنن من حديث سعيد بن زيد ( 23 ) أو دون مظلمته أخرجه أحمد من حديث ابن عباس ( 24 ) والميت في السجن وقد حبس ظلما رواه ابن مندة من حديث علي ( 25 ) والميت عشقا وقد عف وكتم أخرجه الديلمي من حديث ابن عباس ( 26 ) والميت وهو طالب العلم أخرجه البزار من حديث أبي ذر وأبي هريرة ( 27 ) والمرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها ماتت بين ذلك أخرجه أبو نعيم من حديث ابن عمر ( 28 ) والصابر القائم ببلد وقع به الطاعون أخرجه أحمد من حديث جابر ( 29 ) والمرابط في سبيل الله ( 30 ) ومن قتل بأمره الإمام الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر ( 31 ) ومن صبر من النساء على الغيرة أخرجه البزار والطبراني من حديث ابن مسعود ( 32 ) ومن قال كل يوم خمسا وعشرين مرة : اللهم بارك لي في الموت وفي ما بعد الموت أخرجه الطبراني من حديث عائشة ( 33 ) ومن صلى الضحى وصام ثلاث أيام من الشهر ولم يترك الوتر في السفر ولا الحضر أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر ( 34 ) والمتمسك بالسنة عند فساد الأمة أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة ( 35 ) والتاجر الأمين الصدوق أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر ( 36 ) ومن دعا في مرضه أربعين مرة : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ثم مات أخرجه الحاكم من حديث سعد ( 37 ) وجالب طعام إلى بلد أخرجه الديلمي من حديث ابن مسعود ( 38 ) المؤذن المحتسب أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر ( 39 ) ومن سعى على امرأته أو ما ملكت يمينه يقيم فيهم أمر الله ويطعمهم من الحلال ( 40 ) ومن اغتسل بالثلج فأصابه برد ( 41 ) ومن صلى على النبي صلى الله عليه و سلم مائة مرة أخرج الأول ابن أبي شيبة في " المصنف " عن الحسن والثاني الطبراني في " الأوسط " من حديث أنس ( 42 ) ومن قال حين يصبح ويمسي : " اللهم إني أشهدك أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب غيرك " أخرجه الأصبهاني من حديث حذيفة ( 43 ) ومن قال حين يصبح ثلاث مرات : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ويقرأ ثلاث آيات من سورة الحشر أخرجه الترمذي من حديث معقل ( 44 ) ومن مات يوم الجمعة أخرجه حميد بن منجويه من حديث رجل من الصحابة ( 45 ) ومن طلب الشهادة صادقا أخرجه مسلم
فهذه خمسة وأربعون ( 45 ) ورد فيهم أن لهم أجر الشهداء ( وبلغ إلى قريب من ستين . انظر أوجز المسالك 4 / 269 ) وقد ساق الأخبار الواردة فيها السيوطي في رسالته " أبواب السعادة في أسباب الشهادة " مع زيادة
( 2 ) تابعي مدني أنصاري وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي كذا في " الإسعاف "
( 3 ) مقبول قاله في " التقريب "
( 4 ) أبو أمه
( 5 ) الأنصاري المدني
( 6 ) صحابي جليل مات سنة ( 61 ) كذا ذكره الزرقاني
( 7 ) قوله : عبد الله بن ثابت هو أوسي ويقال ظفري مات في العهد النبوي وقال الواقدي وابن الكلبي : هو عبد الله بن عبد الله له ولأبيه صحبة قال الكلبي : دفنه صلى الله عليه و سلم في قميصه وعاش الأب
إلى خلافة عمر كذا ذكره الزرقاني
( 8 ) ابن قيس الأنصاري
( 9 ) بصيغة المجهول أي غلبه الألم حتى منعه مجاوبة النبي صلى الله عليه و سلم
( 10 ) أي رفع صوته في الكلام معه
( 11 ) أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون
( 12 ) بصيغة المجهول وفيه إيماء إلى قوله تعالى : { والله غالب على أمره } إن المخلوق مأسور في قبضه وقضائه
( 13 ) قوله : يا أبا الربيع فيه تكنية الرئيس لمن دونه ولم يستكبر عن ذلك من الخلفاء إلا من حرم التقوى
( 14 ) اسم جمع لا جمع
( 15 ) قوله : يسكتهن لأنه سمع النهي عن النبي صلى الله عليه و سلم وحمله على عمومه
( 16 ) أي مات وأصله ومن وجب الحائط إذا سقط ووجبت الشمس أي غابت
( 17 ) قوله : فلا تبكين أي لا ترفع صوتها أما دمع العين وحزن القلب فالسنة ثابتة بإباحة ذلك في كل وقت وعليه جماعة العلماء بكى صلى الله عليه و سلم على ابنه إبراهيم وعلى ابنته وقال : هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده ومر بجنازة يبكى عليها فانتهرهن عمر فقال : دعهن فإن النفس مصابة والعين واسعة والعهد قريب قال أبو عمر ( في الأصل : أبو عمرو وهو خطأ )
( 18 ) الذي أردت بقولك إذا مات
( 19 ) أي ابنة المريض
( 20 ) أي أتممت
( 21 ) بالفتح والكسر ما يعد الرجل للسفر والمعنى إنك قد هيأت أسباب السفر وزاد الحرب للغزاة
( 22 ) أي أوجب ثواب غزوة
( 23 ) أي ولو كان هو في بيته
( 24 ) قوله : على قدر نيته قال ابن عبد البر : فيه أن المتجهز للغزو إذا حيل بينه وبينه يكتب له أجر الغزو على قدر نيته والآثار بذلك متواترة صحاح
( 25 ) استفهام
( 26 ) بالنصب على تقدير " نعد " وبرفعه على تقدير " هي "
( 27 ) زاد ابن ماجه : إن شهداء أمتي إذن لقليل
( 28 ) أي الحكمية
( 29 ) قال السيوطي : هم أكثر من ذلك وقد جمعتهم في جزء فناهز الثلاثين
قوله : سبع أعلم أن الشهيد ثلاثة : شهيد في الدنيا والآخرة وشهيد في الدنيا فقط وشهيد في الآخرة فقط فالأول من قاتل الكفار لتكون كلمة الله هي العليا والثاني من قاتلهم لغرض من أغراض الدنيا والثالث هو من ذكر . وسمي الشهيد شهيدا لأن روحه شهدت حضرة دار السلام وروح غيره إنما تشهدها يوم القيامة وقيل غير ذلك من وجوه كذا في رسالة " الشهداء " لعلي الأجهوري
( 30 ) أي الذي يموت بالطاعون . قوله : المطعون قال أبو الوليد الباجي في " شرح الموطأ " : الطاعون مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس يكون مرضهم واحدا وقال عياض : أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بالهلاك بذلك وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا . وقال النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " : الطاعون مرض معروف وهو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية ويحصل معه خفقان القلب ويخرج في المراق والآباط غالبا وفي الأيدي والأصابع وسائر الجسد كذا في " بذل الماعون في فضل الطاعون " للحافظ ابن حجر
( 31 ) قوله : والغريق أخرج ابن ماجه عن أبي أمامة : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله وكل ملكا بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم كذا في " الحبائك في أخبار الملائك " للسيوطي
( 32 ) قوله : وصاحب ذات الجنب هو مرض معروف وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن الأضلاع
( 33 ) الذي يحرق بالنار
( 34 ) قوله : والمرأة تموت بجمع قال ابن عبد البر : هي التي تموت من الولادة ألقت ولدها أم لا . وقيل : هي التي تموت في النفاس وولدها في بطنها لم تلد وقيل : هي التي تموت عذراء لم تفتض قال : والقول الثاني أكثر وأشهر وقال في " النهاية " : تموت بجمع أي وفي بطنها ولد وقيل : هي التي تموت بكرا والجمع : بالضم بمعنى المجموع والمعنى أنها ماتت بشيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة وما اقتصر من الضم هو إحدى اللغات فقد ذكر في " القاموس " أنه مثلث الجيم مع سكون الميم كذا في رسالة " الشهداء " لعلي الأجهوري
( 35 ) قوله : والمبطون قال في " النهاية " : هو الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه وفي كتاب " الجنائز " لأبي بكر المروزي عن شيخه شريح أنه صاحب القولنج وقال غيره هو صاحب الإسهال كذا في رسالة " الشهداء " للأجهوري

302 - أخبرنا مالك حدثنا سمي ( 1 ) عن أبي صالح ( 2 ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( 3 ) : بينما ( 4 ) رجل يمشي وجد غصن ( 5 ) شوك على الطريق فأخره ( 6 ) فشكر ( 7 ) الله له فغفر له وقال : الشهداء خمسة ( 8 ) : المبطون شهيد والمطعون شهيد والغريق وصاحب الهدم ( 9 ) والشهيد في سبيل الله . وقال : لو يعلم ( 10 ) الناس ما في النداء ( 11 ) والصف ( 12 ) الأول ثم لم يجدوا ( 13 ) إلا أن يستهموا ( 14 ) عليه لاستهموا ( 15 ) ولو يعلمون ما في التهجير ( 16 ) لاستبقوا ( 17 ) إليه ولو يعلمون ما في العتمة ( 18 ) والصبح ( 19 ) لأتوهما ( 20 ) ولو حبوا ( 21 )
_________
( 1 ) زاد يحيى : مولى أبي بكر بن عبد الرحمن
( 2 ) قوله : عن أبي صالح هو ذكوان السمان الزيات المدني قال أحمد : كان ثقة أجل الناس وقال ابن المديني : ثقة ثبت مات بالمدينة سنة 101 ، كذا في " الإسعاف "
( 3 ) قال ابن عبد البر : هذه ثلاثة أحاديث في واحد يرويها كذلك جماعة من أصحاب مالك وكذا هي محفوظة عن أبي هريرة
( 4 ) قوله : بينما أصله بين فأشبعت الفتحة فقيل بينا وزيدت ما فقيل بينما وهما ظرفان بمعنى المفأجأة ويضافان إلى الجملة الاسمية تارة وإلى الفعلية أخرى كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 5 ) شاخ درخت خار دار ( بالفارسية )
( 6 ) أي بعده عنها
( 7 ) قوله فشكر الله له : أثنى عليه أو قبل عمله أو أظهر ما جازاه به عند ملائكته فغفر له أي بسبب قبوله غفر له
( 8 ) هذا العدد وكذا العدد السابق لا مفهوم له
( 9 ) الذي يموت تحت الهدم
( 10 ) قوله : لو يعلم الناس وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم قاله الطيبي
( 11 ) أي الأذان كما في رواية قوله : ما في النداء زاد أبو الشيخ من طريق الأعرج : من الخير والبركة وقال الطيبي : أطلق مفعول يعلم وهو ما يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة
( 12 ) قوله : والصف الأول قال الباجي : اختلف فيه هل هو الذي يلي الإمام أو المبكر السابق إلى المسجد قال القرطبي : والصحيح أنه الذي يلي الإمام
( 13 ) أي حصول كل منهما لمزاحمة
( 14 ) أي يقترعوا قوله : إلا أن يستهموا قال الخطابي وغيره : قيل للاقتراع الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في شيء فمن خرج اسمه غلب
( 15 ) قوله : لاستهموا قد روى سيف بن عمر في كتاب " الفتوح " والطبراني عن شقيق قال : افتتحنا القادسية صدر النهار فتراجعنا وقد أصيب المؤذن فتشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن
( 16 ) قوله : ما في التهجير هو التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت كما قاله الهروي وغيره وخصه الخليل بالجمعة وقال النووي : الصواب هو الأول وقال الباجي : التهجير التبكير إلى الصلاة في الهاجرة وذلك لا يكون إلا في الظهر والجمعة
( 17 ) قوله : لاستبقوا قال ابن أبي جمرة : المراد الاستباق معنى لا حسا لأن المسابقة على الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو منهي عنه
( 18 ) أي العشاء قوله : ما في العتمة قال النووي : قد ثبت النهي عن تسمية العشاء عتمة والجواب عن هذا الحديث بوجهين : أحدهما : أنه بيان للجواز والثاني : وهو الأظهر أن استعمال العتمة ههنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب تستعمل لفظ العشاء في المغرب فلو قال ما في العشاء لحملوها على المغرب وفسد المعنى
( 19 ) أي في حضورهما
( 20 ) ولم يلتفتوا إلى عذر مانع
( 21 ) قوله : ولو حبوا أي ولو كان الإتيان حبوا - بفتح مهملة وسكون موحدة - مصدر حبا يحبو إذا مشى الرجل على يديه وبطنه والصبي مشى على إسته وأشرف بصدره

( أبواب الجنائز ( 1 ) )
1 - ( باب المرأة تغسل ( 2 ) زوجها )
303 - أخبرنا مالك بن أنس أخبرنا عبد الله ( 3 ) بن أبي بكر أن أسماء ( 4 ) بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنه غسلت أبا بكر حين ( 5 ) توفي فخرجت ( 6 ) فسألت ( 7 ) من حضرها من المهاجرين فقالت : إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي ( 8 ) من غسل ؟ قالوا : لا
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس ( 9 ) أن تغسل المرأة ( 10 ) زوجها إذا توفي ولا غسل ( 11 ) على من غسل الميت ولا وضوء إلا ( 12 ) أن يصيبه شيء من ذلك ( 13 ) الماء فيغسله ( 14 )
_________
( 1 ) قوله : الجنائز - بفتح الجيم - جمع جـنازة بالفتح والكسر لغتان وقيل بالكسر النعش وبالفتح للميت
( 2 ) بعد موته
( 3 ) قوله : عبد الله هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني قاضي المدينة المتوفى سنة 135 هـ كما ذكره الزرقاني لا عبد الله بن أبي بكر الصديق كما ظنه القاري
( 4 ) قوله : أن أسماء بنت عميس هي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه و سلم وأم الفضل زوج العباس وأخت أخواتهما لأم وهن تسع وقيل : عشر وكانت أسماء من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فولدت له محمدا وعبد الله وعونا ثم هاجرت إلى المدينة فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمدا ولما مات تزوجها علي فولدت له يحيى كذا في " الاستيعاب " وفيه أيضا في الكنى : أبو بكر الصديق هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي وروى حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر : من أكبر أنا أو أنت ؟ فقال : أنت أكبر مني وأكرم وأنا أسن منك . وهذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الإسناد وأظنه وهما لأن جمهور أهل العلم بالأخبار والسير يقولون : إن أبا بكر استوفى بمدة خلافته سن رسول الله وهو ابن ثلاث وستين سنة
( 5 ) قوله : حين توفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من الجمادى الآخرة سنة 13 هـ وله ثلاث وستون سنة كما رواه الحاكم وغيره عن عائشة رضي الله عنها
( 6 ) أي من المغتسل
( 7 ) أي مستفتية
( 8 ) أي يجب علي الغسل من غسل الميت ؟
( 9 ) قوله : لا بأس ... إلىآخره نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على جواز غسل المرأة زوجها وإنما اختلفوا في العكس : فمنهم من أجاز وإليه مال الشافعي ومالك وأحمد وآخرون ومنهم من منعه وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه كذا ذكر العيني ( انظر أوجز المسالك 4 / 199 )
( 10 ) أي ولو كانت محرمة أو صائمة كذا ذكره الشمني
( 11 ) قوله : ولا غسل ... . إلى آخره أقول : يحتمل محملين : أحدهما : أن يكون نفيا للوجوب والمعنى لا يجب الغسل على من اغتسل ولا الوضوء . فحينئذ لا يكون هذا الكلام نفيا للاستحباب وثانيهما : أن يكون نفيا للمشروعية فيكون نفيا للاستحباب أيضا . والأول أولى لورود الأمر بالغسل لمن غسل ميتا فإن لم يثبت الوجوب فلا أقل من الندب وهو ما أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن المختار وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من غسله الغسل ومن حمله الوضوء وروى أبو داود من رواية عمرو بن عمي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ وأخرجه أحمد والبيهقي من رواية صالح مولى التوأمة عنه مرفوعا - وصالح متكلم فيه - وأخرجه البزار من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ومن رواية أبي بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عنه مرفوعا . وقد اختلف العلماء في هذا الباب فمذهب جمهور العلماء أنه لا شيء في ذلك وقال بعض أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم : إن عليه الغسل وقال بعضهم : عليه الوضوء وقال مالك : أستحب الغسل ولا أرى ذلك واجبا وقال أحمد : من غسل ميتا أرجو أن لا يجب عليه الغسل وقال إسحاق : لا بد فيه من الوضوء وروي عن ابن المبارك : لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت كذا حكاه الترمذي وقال الخطابي في " حواشي سنن أبي داود " : لا أعلم أحدا من الفقهاء يوجب غسل من غسل ميتا ولا الوضوء من حمله ولعله أمر ندب . انتهى . وفيه نظر فقد قال الشافعي : لا غسل عليه إلا أن يثبت حديث أبي هريرة والخلاف ثابت عند المالكية فروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك أنه قال : عليه الغسل وروى المدنيون وابن عبد الحكم عنه أنه مستحب لا واجب وهو مشهور مذهبه وصار إلى الوجوب بعض الشافعية أيضا كذا ذكره الحافظ ابن حجر والزرقاني وغيرهما . ولما استشكل على القائلين بعدم الوجوب ورود حديث أبي هريرة وظاهره الوجوب أجابوا عنه بوجوه :
الأول : أن أبا هريرة تفرد بروايته وفي قبول خبر الواحد في ما يعم به البلوى كلام وفيه نظر فإنه مع قطع النظر عما يرد على ما أصلوه من عدم قبول خبر الواحد في ما يعم به البلوى لا يثبت تفرد أبي هريرة ففي الباب عن عائشة رواه أحمد والبيهقي وفي إسناده مصعب بن شيبة وفيه مقال وضعفه أبو زرعة وأحمد والبخاري وصححه ابن خزيمة كذا ذكره ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " وعن حذيفة ذكره ابن أبي حاتم والدارقطني في " العلل " وقالا : إنه لا يثبت قال ابن حجر : نفيهما الثبوت على طريق المحدثين وإلا فهو على طريقة الفقهاء قوي لأن رواته ثقات أخرجه البيهقي من طريق معمر عن أبي إسحاق عن أبيه عن حذيفة وعن أبي سعيد رواه ابن وهب في جامعه وعن المغيرة رواه أحمد وعن علي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى عنه قال : لما مات أبو طالب أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : إن عمك الشيخ الضال قد مات فقال : انطلق فواره ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني فانطلقت فواريته فأمرني فاغتسلت فدعا لي . ووقع عند أبي يعلى في آخره وكان علي إذا غسل ميتا اغتسل . وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " بلفظ : لما أخبرت رسول الله بموت أبي طالب بكى وقال : اذهب فاغسله وكفنه قال ففعلت ثم أتيته فقال لي : اذهب فاغتسل وروى البيهقي هذا الحديث وضعفه قال ابن حجر : مدار كلام البيهقي على الضعيف ولا يتبين وجه ضعفه . انتهى
الوجه الثاني : أن جماعة من المحدثين صرحوا بتضعيف طرق أبي هريرة بل صرح بعضهم بأنه لا يثبت في هذا الباب شيء فنقل الترمذي عن ابن المديني والبخاري أنهما قالا : لا يصح في الباب شيء وقال الذهلي : لا أعلم فيه حديثا ثابتا لو ثبت للزمنا استعماله وقال ابن المنذر : ليس في الباب حديث يثبت وقال ابن أبي حاتم في " العلل " : حديث أبي هريرة لا يرفعه الثقات إنما هو موقوف وقال الرافعي : لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا مرفوعا وفيه نظر لأن بعض الطرق وإن كانت ضعيفة لكن ضعفها ليس بحيث لا ينجبر بكثرة الطرق مع أن بعض طرقها بانفراده حسن أيضا . قال الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " بعد نقل كلام الرافعي : قلت : قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وله طريق آخر قال عبد الله بن صالح حدثنا يحيى بن أيوب عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أي هريرة رفعه : من غسل ميتا فليغتسل ذكره الدارقطني وقال : فيه نظر . قلت : رواته موثقون وقال ابن دقيق العيد في " الإمام " : لا يخلو إسناد من طرق هذا الحديث من متكلم فيه وأحسنها رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وهي معلولة وإن صححها ابن حبان وابن حزم فقد رواه سفيان عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة قلت : إسحاق أخرج له مسلم فينبغي أن يصحح الحديث قال : وأما رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فإسناده حسن إلا أن الحفاظ من أصحاب محمد بن عمرو رووه عنه موقوفا . وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا فإنكار النووي على الترمذي بتحسينه معترض وقد قال الذهبي في " مختصر البيهقي " : طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء ولم يعلوها : بالوقف بل قدموا رواية الرفع وذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مئة وعشرين طريقا قلت : ليس ذلك ببعيد . انتهى . ملخصا
الوجه الثالث : أن الأمر بالغسل لمن غسل ميتا منسوخ جزم به أبو داود ونقله عن أحمد وأيده بعضهم بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر النسوة اللواتي ( في الأصل " التي " والظاهر ما أثبتناه كما في " التلخيص " 2 / 106 ) غسلن ابنته بالغسل ولو كان واجبا لأمرهن وفيه نظر لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال بل إذا وجد ناسخ صريح متأخر وهو مفقود
الوجه الرابع : وهو أولاها حمل الأمر على الندب ويؤيده ما رواه الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المخزومي من طريق عبد الله بن أحمد قال أبي : كتبت حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل ؟ قال : قلت : لا قال : في ذلك الجانب شاب يقال له : محمد بن عبد الله يحدثه عن أبي هشام المخزومي عن وهيب فاكتبه عنه قال الحافظ ابن حجر : هذا إسناد صحيح وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث . انتهى . ومما يؤيد صرف الأمر الوارد في حديث أبي هريرة عن الوجوب ما أخرجه البيهقي من طريق الحاكم - وقال ابن حجر : إسناده حسن - عن ابن عباس مرفوعا : ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهرا وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم . ويؤيده أيضا ما رواه أبو منصور البغدادي من طريق محمد بن عمرو بن يحيى عن عبد الرحمن بن عاطب عن أبي هريرة : من غسل ميتا اغتسل ومن حمله توضأ فبلغ ذلك عائشة فقالت : أوينجس موتى المسلمين وما على رجل لو حمل عودا . ذكره السيوطي في رسالته " عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة " وخلاصة المرام أنه لا سبيل إلى رد حديث أبي هريرة مع كثرة طرقه وشواهده ولا إلى دعوى نسخه بمعارضة الأحاديث الأخر بل الأسلم الجمع بحمل الأمر على الندب والاستحباب
( 12 ) استثناء منقطع
( 13 ) أي ماء غسل الميت
( 14 ) أي ذلك المكان الذي أصابه ذلك الماء المستعمل احتياطا

2 - ( باب ما يكفن به الميت )

304 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب الزهري عن حميد ( 1 ) بن عبد الرحمن ( 2 ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : الميت يقمص ويؤزر ( 3 ) ويلف بالثوب الثالث ( 4 ) فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه ( 5 )
قال محمد : وبهذا نأخذ الإزار بجعل ( 6 ) لفافة مثل الثوب الآخر أحب ( 7 ) إلينا من أن يؤزر ولا يعجبنا أن ينقص ( 8 ) الميت في كفنه من ثوبين إلا من ضرورة ( 9 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) الزهري المدني ثقة من كبار التابعين مات سنة 105 ، قاله الزرقاني
( 2 ) زاد يحيى : بن عوف
( 3 ) بصيغة المجهول فيهما أي يلبس القميص والإزار . قوله : يقمص ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الميت يكفن في ثلاث لفائف ولا يقمص ولا يؤزر أخذا من حديث عائشة : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة . أخرجه الأئمة الستة وغيرهم . وذهب الحنفية والمالكية إلى إدخال القميص في الكفن أخذا مما روى ابن عدي في " الكامل " عن جابر قال : كفن النبي صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب : قميص وإزار ولفافة . وفي سنده ناصح بن عبد الله الكوفي متكلم فيه . وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب : قميصه الذي مات فيه حلة نجرانية وفيه يزيد بن أبي زياد مجروح . وقالوا بأن معنى قول عائشة إن القميص والعمامة زائدتان على الثلاثة ورد بأنه خلاف الظاهر وأولى ما يحتج به لإثبات القميص حديث جابر في قصة موت عبد الله بن أبي فإن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى ابنه قميصه ليكفنه فيه بعدما طلبه فكفنه فيه . أخرجه البخاري وغيره ويوافقه أثر عبد الله بن عمرو المخرج ههنا
( 4 ) الرداء
( 5 ) ولا ينتظر بدفنه إلى شيء آخر
( 6 ) في نسخة : يجعل
( 7 ) قوله : أحب إلينا من أن يؤزر يعني أن إزار الميت ليس كإزار الحي ولا يؤزر كما يؤزر الحي على ما يفيده ظاهر أثر ابن عمرو بل يجعل الإزار كاللفافة ويبسط ويلف الميت فيهما
( 8 ) قوله : أن ينقص ... إلخ يشير إلى أن النقصان من الثلاثة إلى ثوبين لا بأس به لقول أبي بكر الصديق : اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما . أخرجه أحمد ومالك وعبد الرزاق وابن سعد وغيرهم وأخرج الأئمة الستة في حديث المحرم الذي وقصته راحلته فمات قال رسول الله : كفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه الحديث . وأما الزيادة على الثلاثة فعند كثير من أصحابنا والشافعية لا يكره بشرط أن يكون وترا لأن ابن عمر كفن ابنا له في خمسة أثواب : قميص وعمامة وثلاث لفائف رواه البيهقي . لكن الأفضل هو الاقتصار على الثلاث ذكره في " ضياء الساري "
( 9 ) قوله : إلا من ضرورة لأن مصعب بن عمير حين استشهد يوم أحد لم يترك إلا بردة ( كفاية الثوب الواحد عند الضرورة مجمع عليه عند الأربعة كما صرح به أهل فروعهم والجمهور على أن الثوب الواحد ينبغي أن يكون ساترا لجميع البدن أوجز المسالك 4 / 209 ) فكفن فيه أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما

3 - ( باب المشي بالجنائز والمشي معها )

305 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن أبا هريرة قال : أسرعوا بجنائزكم ( 1 ) فإنما هو خير ( 2 ) تقدمونه ( 3 ) أو شر ( 4 ) تلقونه عن رقابكم
قال محمد : وبهذا نأخذ السرعة ( 5 ) بها أحب إلينا من الإبطاء وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) أي بتجهيز ميتكم ودفنه أو بالتعجيل في المشي به
( 2 ) أي صاحب خير أو أريد به المبالغة
( 3 ) وفي بعض النسخ تقدمونه إليه أي إلى خير فهو خير له
( 4 ) أي إلى شره في قبره
( 5 ) قوله : السرعة المعتدلة من غير أن يفضي إلى العدو لما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ابن مسعود قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المشي خلف الجنازة ؟ قال : ما دون الخبب ( في الأصل : " الجنب " وهو خطأ ) فإن يك خيرا عجلتموه وإن كان شرا فلا يبعد إلا أهل النار . ولأبي داود والحاكم من حديث أبي بكرة : لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا لنكاد أن نرمل بها رملا . ولابن ماجه وقاسم بن أصبغ من حديث أبي موسى : عليكم بالقصد في جنائزكم إذا مشيتم . ورواه البيهقي ثم أخرج عنه من قوله : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بالمشي . وقال : هذا يدل على أن المراد كراهة شدة الإسراع

306 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري قال ( 1 ) : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي أمام ( 2 ) الجنازة والخلفاء ( 3 ) هلم جرا وابن عمر ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : قال كان ... إلى آخره قال الحافظ في : " التلخيص الحبير " : روى أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة قال أحمد : إنما هو عن الزهري مرسل وحديث سالم فعل ابن عمر وحديث ابن عيينة وهم . وقال الترمذي : أهل الحديث يرون المرسل أصح قاله ابن المبارك قال : وروى معمر ويونس ومالك عن الزهري أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يمشي أمام الجنازة قال الزهري : وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة قال الترمذي : ورواه ابن جريج عن الزهري مثل ابن عيينة ثم روى عن ابن المبارك أنه قال : أرى ابن جريج أخذه عن ابن عيينة وقال النسائي : وصله خطأ والصواب مرسل وقال أحمد : نا حجاج قرأت على ابن جريج نا زياد بن سعد أن ابن شهاب أخبره حدثني سالم أن ابن عمر كان يمشي بين يدي الجنازة . وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر يمشون أمامها قال عبد الله : قال أبي ما معناه : القائل : وقد كان إلى آخره : هو الزهري وحديث سالم فعل ابن عمر واختار البيهقي ترجيح الموصول لأنه من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ . وعن ابن المديني قال : قلت لابن عيينة : يا أبا محمد خالفك الناس في هذا الحديث فقال : حدثني الزهري مرارا لست أحصيته سمعته من فيه عن سالم عن أبيه
قلت : هذا لا ينفي عنه الوهم لأنه ضبط أنه سمعه عن سالم عن أبيه والأمر كذلك إلا أن فيه إدراجا لعل الزهري أدمجه أو حدث به ابن عيينة وفصله لغيره وقد أوضحته في " المدرج " بأتم من هذا
( 2 ) أي قدامها لأنه شفيع لها
( 3 ) أي واحدا بعد واحد في حين خلافته
( 4 ) أي عبد الله بن عمر أيضا كان يمشي أمامها وكان من أشد الناس اتباعا للسنة

307 - أخبرنا مالك حدثنا محمد بن المنكدر عن ربيعة ( 1 ) بن عبد الله بن هدير ( 2 ) : أنه رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام جنازة زينب ( 3 ) بنت جحش
قال محمد : المشي أمامها حسن والمشي خلفها أفضل ( 4 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) ذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة 93 ، كذا قال الزرقاني
( 2 ) بالتصغير
( 3 ) الأسدية أم المؤمنين ماتت سنة عشرين عند ابن إسحاق وقيل إحدى وعشرين وكانت أول أمهات المؤمنين موتا قاله الزرقاني
( 4 ) قوله : أفضل اختلفوا فيه بعد الاتفاق على جواز المشي أمام الجنازة وخلفها وشمالها وجنوبها اختلافا في الأولوية على أربعة مذاهب الأول ( 1 ) : التخيير من دون أفضلية مشي على مشي وهو قول الثوري وإليه ميل البخاري ذكره الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " وسنده قول أنس : إنما أنتم مشيعون فامشوا بين يديها وخلفها وعن يمينها وشمالها علقه البخاري في صحيحه ووصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف في كتاب " الجنائز " له . والثاني ( 2 ) : أن أمام الجنازة أفضل في حق الماشي وخلفها أفضل للراكب وهو مذهب أحمد ذكره الزيلعي واستدل بحديث المغيرة مرفوعا : الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي أمامها قريبا عنها أو عن يمينها أو يسارها . أخرجه أصحاب السنن الأربعة وأحمد والحاكم وقال : على شرط البخاري قال الزيلعي : وفي سنده اضطراب ومتنه أيضا والثالث ( 3 ) : مذهب الشافعي ومالك - وهو قول الجمهور قاله ابن حجر - أن المشي أمامها أفضل والمستند لهم حديث الزهري وغيره والرابع ( 4 ) : مذهب أبي حنيفة والأوزاعي وأصحابهما وهو أن المشي خلفها أفضل ويؤيده آثار وأخبار فأخرج سعيد بن منصور والطحاوي وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبزى قال : كنت في جنازة وأبو بكر يمشي أمامها وكذا عمر وعلي يمشي خلفها فقلت لعلي : أراك تمشي خلف الجنازة فقال : لقد علما أن المشي خلفها أفضل إن فضل المشي خلفها على المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على الفذ ولكنهما أحبا أن ييسرا على الناس . وإسناده حسن وهو موقوف في حكم المرفوع ذكره ابن حجر في الفتح وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن أباه قال له : كن خلف الجنازة فإن أمامها للملائكة وخلفها لبني آدم ( قال النيموي : إسناده حسن . أوجز المسالك 4 / 212 ) . وأخرج أبو داود والترمذي عن ابن مسعود مرفوعا : الجنازة متبوعة وليس معها من تقدمها . وسنده متكلم فيه . وفي الباب آثار وأخبار أخر مبسوطة في " شرح معاني الآثار " و " نصب الراية "

4 - ( باب الميت لا يتبع بنار بعد موته أو مجمرة في جنازته )

308 - أخبرنا مالك أخبرنا سعيد بن أبي سعيد المقبري : أن أبا هريرة ( 1 ) نهى ( 2 ) أن يتبع بنار بعد موته أو بمجمرة ( 3 ) في جنازته
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) كذا أوصى عمران بن حصين وأبو سعيد وأسماء بنت أبي بكر قال ابن عبد البر : جاء النهي عن ذلك من حديث ابن عمر مرفوعا
( 2 ) لما فيه من التفاؤل لأنه من فعل النصارى ( انظر : أوجز المسالك 4 / 213 )
( 3 ) بكسر الميم : المبخرة والمدخنة وقيل : المجمر كمنبر بحذف الهاء ما يبخر به من عود وغيره وهو لغة في المجمرة

5 - ( باب القيام للجنازة )

309 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى ( 1 ) بن سعيد عن واقد ( 2 ) بن سعد بن معاذ الأنصاري عن نافع ( 3 ) بن جبير بن مطعم عن معوذ ( 4 ) بن الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ( 5 ) يقوم ( 6 ) في الجنازة ثم يجلس ( 7 ) بعد
قال محمد : وبهذا لا نرى ( 8 ) القيام للجنائز كان ( 9 ) هذا شيئا فترك وهو
قول ( 10 ) أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) في الإسناد أربعة من التابعين
( 2 ) ثقة روى له مسلم والثلاثة مات سنة 120 ، كذا ذكره الزرقاني كذا يسمى أيضا قال ابن عبد البر : سائر الرواة يقولون عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ
( 3 ) ثقة من رجال الجميع مات سنة 99 ذكره الزرقاني
( 4 ) بكسر الواو المشددة
( 5 ) قوله : كان يقوم وأمر بذلك أيضا كما صح من حديث عامر وأبي سعيد وأبي هريرة وفي الصحيحين عن جابر : مر بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه و سلم وقمنا فقلنا : إنها جنازة يهودي فقال : إذا رأيتم الجنازة فقوموا . زاد مسلم : إن الموت فزع وفي الصحيحين عن سهل بن حنيف فقال صلى الله عليه و سلم : أليست نفسا ؟ وللحاكم عن أنس وأحمد عن أبي موسى مرفوعا : إنما قمنا للملائكة . ولأحمد وابن حبان عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : إنما قمنا إعظاما للذي يقبض النفوس . وأما ما رواه أحمد عن الحسن بن علي : إنما قام رسول الله تأذيا بريح اليهودي فلا يعارض الأخبار الأولى لأن أسانيده لا تقادم تلك في الصحة ولأن هذا التعليل فهمه الراوي والتعليل السابق لفظه صلى الله عليه و سلم
( 6 ) أي إذا رآها
( 7 ) أي استمر جلوسه بعد ذلك فلم يكن يقوم لها إلا إذا أراد أن يشيعها أو يصلي عليها
( 8 ) أي لا نرى بقاء مشروعيته
( 9 ) أي القيام للجنازة كان شيئا مشروعا فترك
( 10 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال سعيد بن المسيب وعروة ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وروي ذلك عن علي والحسن بن علي وعلقمة والأسود والنخعي ونافع بن جبير وقال أحمد : إن قام لم أعبه وإن لم يقم فلا بأس به ومذهب جماعة أنه مشروع ليس بمنسوخ وممن رأى ذلك أبو مسعود وأبو سعيد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد الله كذا ذكره الحازمي في " كتاب الاعتبار " وذكر ابن حزم وغيره أن الجمع بأن الأمر بالقيام للندب وتركه لبيان الجواز أولى من دعوى النسخ . ورد بأن الذي فهمه علي هو الترك مطلقا ويشهد له حديث عبادة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود وقال : هكذا نفعل فقال اجلسوا فخالفوهم . أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وورد في رواية الطحاوي والحازمي من علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقوم لها حين يتشبه بأهل الكتاب فلما نسخ ذلك تركه ونهى عنه ( ذهب الجمهور إلى أنه نسخ وذهب جماعة من السلف إلى أنه لم ينسخ " الكوكب الدري " 2 / 192 ) . وفي الباب آثار وأخبار تدل على أن الآخر من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم كان هو ترك القيام

6 - ( باب الصلاة على الميت والدعاء )

310 - أخبرنا مالك حدثنا سعيد ( 1 ) المقبري عن أبيه ( 2 ) أنه سأل أبا هريرة كيف يصلي على الجنازة فقال : أنا لعمر الله ( 3 ) أخبرك أتبعها ( 4 ) من أهلها فإذا وضعت كبرت فحمدت ( 5 ) الله وصليت ( 6 ) على نبيه ثم قلت ( 7 ) : اللهم عبدك ( 8 ) وابن عبدك وابن أمتك ( 9 ) كان ( 10 ) يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا رسولك وأنت أعلم به إن كان محسنا فزد ( 11 ) في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز ( 12 ) عنه اللهم لا تحرمنا ( 13 ) أجره ( 14 ) ولا تفتنا ( 15 ) بعده
قال محمد : وبهذا نأخذ لا قراءة ( 16 ) على الجنازة وهو قول ( 17 ) أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) وليحيى : مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه
( 2 ) قوله : عن أبيه اسمه كيسان بن سعيد المقبري المدني أبو سعيد مولى أم شريك ثقة ثبت مات سنة 100 ، وابنه سعيد أبو سعد المقبري المدني ثقة مات في حدود العشرين أو قبلها أو بعدها كذا في " التقريب "
( 3 ) أي حياته
( 4 ) بالتشديد وكسر الموحدة ويخفف فيفتح قوله أتبعها أي أشيعها من عند أهلها أو من محلها
( 5 ) فيه أنه لم يكن يرى القراءة في صلاتها
( 6 ) بعد التكبيرة الثانية
( 7 ) بعد الثالثة
( 8 ) أي يا الله هذا عبدك
( 9 ) أي جاريتك والمراد بهما أبواه
( 10 ) في دار الدنيا
( 11 ) أي زد في ثواب حسناته
( 12 ) أي اغفر ما صدر منه
( 13 ) أي لا تجعلنا محرومين من مثوباته
( 14 ) أي أجر الصلاة عليه وشهود الجنازة أو أجر المصيبة بموته
( 15 ) أي بما يشغلنا عنك
( 16 ) قوله : لا قراءة ... إلى آخره أقول : يحتمل أن يكون نفيا للمشروعية المطلقة فيكون إشارة إلى الكراهة وبه صرح كثير من أصحابنا المتأخرين حيث قالوا : يكره قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة وقالوا : لو قرأها بنية الدعاء لا بأس به ويحتمل أن يكون نفيا للزومه فلا يكون فيه نفي الجواز وإليه مال حسن الشرنبلالي من متأخري أصحابنا حيث صنف رسالة سماها بـ " النظم المستطاب لحكم القراءة في صلاة الجنازة بأم الكتاب " ورد فيها على من ذكر الكراهة بدلائل شافية وهذا هو الأولى لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فأخرج الشافعي عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كبر على الميت أربعا وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ورواه الحاكم من طريقه . وروى الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب . وفي إسناده إبراهيم بن عثمان أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف جدا . وللبخاري والنسائي والترمذي والحاكم وابن حبان : أن ابن عباس قرأ في صلاة الجنازة بفاتحة الكتاب وقال : إنها سنة فهذا يؤيد رواية ابن أبي شيبة ورواه أبو يعلى وزاد وسورة قال البيهقي : هذه الزيادة غير محفوظة ولابن ماجه من حديث أم شريك : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وفي سنده ضعف يسير كذا قال ابن حجر في " تخريج أحاديث شرح الوجيز " للرافعي . وأخرج عبد الرزاق والنسائي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : السنة في صلاة الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " إسناده صحيح . وروى سعيد بن منصور وابن المنذر : كان ابن مسعود يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وعن مجاهد قال : سألت ثمانية عشر صحابيا فقالوا : يقرأ رواه الأثرم . ذكره الشرنبلالي نقلا عن أستاذه عن قاسم بن قطلوبغا وممن كان لا يقرأ الفاتحة أبو هريرة كما يشهد له حديث أبي سعيد المقبري عنه وابن عمر كما أخرجه مالك عن نافع . ونقل ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة مشروعيتها ونقل ابن الضياء في " شرح المجمع " عن ابن بطال أنه نقل عدم القراءة عن علي وعمر وابن عمر وأبي هريرة ومن التابعين عطاء وطاؤوس وابن المسيب وابن سيرين وابن جبير والشعبي والحكم وغيرهم وبالجملة الأمر بين الصحابة مختلف ونفس القراءة ثابت فلا سبيل إلى الحكم بالكراهة بل غاية الأمر أن لا يكون لازما ( قال شيخنا في لامع الدراري 4 / 436 : تأويل ما روى جابر من القراءة أنه كان قرأ على سبيل الثناء لا على سبيل القراءة وذلك ليس بمكروه عندنا وبسط فيه الآثار الدالة على ترك القراءة في " الأوجز " فارجع إليه لو شئت التفصيل
وقال الطحاوي : ولعل من قرأ من الصحابة كان على وجه الدعاء لا على وجه القراءة وقال ابن الهمام : لا يقرأ الفاتحة إلا بنية الثناء ولم يثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا قال القاري في " مرقاة المفاتيح " 4 / 47 )
( 17 ) وبه قال مالك وقال الشافعي وأحمد وإسحاق بلزومهما واختار بعض الشافعية الاستحباب كذا في " ضياء الساري "

311 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان إذا صلى على جنازة سلم حتى يسمع من يليه ( 1 )
قال محمد : وبهذا نأخذ يسلم عن يمينه ويساره ويسمع من يليه وهو قول أبي حنيفة ( 2 ) رحمه الله
_________
( 1 ) أي من يقربه من أهل الصف الأول
( 2 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال مالك في رواية والأوزاعي وابن سيرين وكذلك كان يفعل أبو هريرة وكان علي وابن عباس وأبو أمامة وابن جبير والنخعي يسرونه وبه قال الشافعي ومالك في رواية كذا قال الزرقاني

312 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان يصلي على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا ( 1 ) لوقتهما ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس بالصلاة على الجنازة في تينك ( 3 ) الساعتين ما لم تطلع ( 4 ) الشمس أو تتغير الشمس بصفرة للمغيب ( 5 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قال الباجي : أي لوقت الصلاتين المختار وهو في العصر إلى الاصفرار وفي الصبح إلى الإسفار
( 2 ) قوله : لوقتهما مقتضاه أنهما إذا أخرتا إلى وقت الكراهة عنده لا يصلي عليها ويبين ذلك ما رواه مالك عن محمد بن أبي حرملة أن ابن عمر قال وقد أتي بجنازة بعد صلاة الصبح بغلس : إما أن تصلوا عليها وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس . فكأن ابن عمر كان يرى اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشمس وعند غروبها لا مطلق ما بين الصلاة وطلوع الشمس أو غروبها . وإلى قول ابن عمر في ذلك ذهب مالك والأوزاعي والكوفيون وأحمد وإسحاق كذا في " فتح الباري "
( 3 ) أي بعد الصبح وبعد العصر
( 4 ) هذا إذا أحضرت الجنازة قبلهما وأما إذا حضرت عندهما فيجوز الصلاة عليهما
( 5 ) أي الغيبوبة والغروب

7 - ( باب الصلاة على الجنازة في المسجد ( 1 ) )
313 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه قال : ما صلي ( 2 ) على عمر إلا في المسجد ( 3 )
قال محمد : لا يصلى ( 4 ) على جنازة في المسجد وكذلك بلغنا عن أبي هريرة ( 5 ) . وموضع الجنازة بالمدينة خارج ( 6 ) من المسجد ( 7 ) وهو الموضع الذي كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي على الجنازة فيه
_________
( 1 ) أي المسجد الذي لم يجعل لصلاتها
( 2 ) قوله : ما صلي على عمر إلا في المسجد به أخذ الشافعي ( وأحمد وكرهها الحنفية ومالك في المشهور عنه . " الكوكب الدري " 2 / 187 ) وغيره ويؤيدهم ما أخرجه ابن أبي شيبة أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد ووضعت الجنازة تجاه المنبر . وأخرج مالك في " الموطأ " عن عائشة أنها أمرت أن يمر عليها بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد لتدعو له فأنكر الناس ذلك عليها فقالت : ما أسرع الناس ؟ ما صلى رسول الله على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد وفي رواية لمسلم : على ابني بيضاء سهيل وأخيه . وأخرج عبد الرزاق عن هشام بن عروة : أنه رأى رجالا يخرجون من المسجد ليصلوا على جنازة فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ والله ما صلي على أبي بكر إلا في المسجد
( 3 ) أي مسجد المدينة
( 4 ) أي كرهت الصلاة عليها فيه كراهة تحريم في رواية وتنزيه في رواية وهو أولى
( 5 ) قوله : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى على ميت في المسجد فلا شيء له . أخرجه أبو داود ولفظ ابن ماجه : فليس له شيء وفي سنده صالح مولى التوأمة تكلموا فيه وعدوا هذا الخبر من تفرداته وغرائبه كما بسطه الزيلعي وغيره وذكر الطحاوي بعد إخراج حديث عائشة وحديث أبي هريرة ما محصله : أنه لما اختلفت الأخبار في ذلك رأينا هل يوجد هناك آخر الأمرين فرأينا أن الناس أنكروا على عائشة حين أمرت لإدخال جنازة سعد في المسجد فدل ذلك على أنه صار مرتفعا منسوخا وفي المقام أبحاث وأنظار لا يتحملها المقام
( 6 ) قوله : خارج من المسجد قال قاسم بن قطلوبغا في فتاواه بعد نقل كلام محمد هذا : أفاد محمد أن عمل رسول الله كان على خلاف ما وقع من الصلاة على عمر فيحمل على أنه كان لعذر وبه قال في " المحيط " ولفظه : ولا تقام فيه أي في المسجد غيرها إلا لعذر وهذا تأويل الصلاة على عمر أنه كان لعذر وهو خوف الفتنة والصد عن الدفن . انتهى
( 7 ) يشير إلى أنه لو جازت الصلاة على الجنازة في المساجد لما احتيج إلى جعل مصلى على حدة لها خارج المسجد

8 - ( باب يحمل الرجل الميت أو يحنطه أو يغسله هل ينقض ذلك وضوءه ؟ ( 1 )
)
314 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عمر حنط ( 2 ) ابنا ( 3 ) لسعيد بن زيد وحمله ( 4 ) ثم دخل المسجد ( 5 ) فصلى ولم يتوضأ
قال محمد : وبهذا نأخذ لا وضوء ( 6 ) على من حمل جنازة ولا من حنط ميتا أو كفنه أو غسله وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) أي وضوء الحامل ونحوه
( 2 ) قوله : حنط يقال : حنط الميت بالحنوط تحنيطا والحنوط - بفتح الحاء المهملة فنون - : أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة كذا قال القاري
( 3 ) اسمه عبد الرحمن ذكره ابن حجر في " الفتح "
( 4 ) أي حمل جنازته
( 5 ) أي المسجد المعد للجنازة أو مسجد المدينة وغيرهما
( 6 ) قوله : لا وضوء ... . إلى آخره قال القاري : فما أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان عن أبي هريرة : " من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ " محمول على الاحتياط أو على من لا يكون له طهارة ليكون مستعدا للصلاة . انتهى
أقول : الاحتمال الثاني مما يرده صريح ألفاظ بعض الطرق فالأولى هو الحمل على الندب ( وهذا عند الجمهور منهم الأئمة الثلاثة في المرجح عنهم وكذلك الحنفية خروجا عن الخلاف الكوكب الدري 2 / 173 ) كما ذكرناه

9 - ( باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء ( 1 ) )
315 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : لا يصلي ( 2 ) الرجل على جنازة إلا وهو ( 3 ) طاهر ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ لا ينبغي أن يصلي على الجنازة إلا طاهر فإن فاجأته ( 5 ) وهو على غير طهور ( 6 ) تيمم ( 7 ) وصلى عليها وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : غير وضوء اتفقوا على أن من شرط صحة صلاة الجنازة الطهارة وقال الشعبي ومحمد بن جرير الطبري : تجوز بغير طهارة كذا ذكره القاري
( 2 ) خبر بمعنى النهي أو نهي على لغة
( 3 ) قوله : إلا وهو طاهر لحديث : لا يقبل الله الصلاة بغير طهور . وسمى صلى الله عليه و سلم الصلاة على الجنازة صلاة في نحو قوله : صلوا على صاحبكم وقوله في النجاشي : فصلوا عليه
( 4 ) أي من الحدث الأصغر والأكبر
( 5 ) أي أدركته فجاءة
( 6 ) إلا الولي ومن ينتظر له فيها وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة وفي " الهداية " : هو الصحيح وظاهر الرواية جواز التيمم للولي أيضا
( 7 ) قوله : تيمم أي إذا خاف فواتها لو توضأ وبه قال عطاء وسالم والزهري والنخعي وربيعة والليث حكاه ابن المنذر . وهي رواية عن أحمد وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس رواه ابن عدي وسنده ضعيف وروي عن الحسن البصري أنه سئل عن الرجل في الجنازة على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ تفوته ؟ قال : يتيمم ويصلي ( قال ابن رشد : اتفق الأكثر على أن من شرطها الطهارة كما اتفق جميعهم على أن من شرطها القبلة واختلفوا في جواز التيمم لها إذا خيف فواتها فقال قوم : يتيمم ويصلي لها إذا خاف الفوات وبه قال أبو حنيفة وسفيان والأوزاعي وجماعة وقال مالك والشافعي وأحمد : لا يصلي عليها بتيمم بداية المجتهد 1 / 243 ) رواه سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عنه وروي عنه أنه قال : لا يتيمم ولا يصلي إلا على طهر رواه ابن أبي شيبة عن حفص عن الأشعث عنه كذا في " فتح الباري " . والحديث المرفوع الذي أشار إليه هو ما أخرجه ابن عدي من حديث اليمان بن سعيد عن وكيع عن معافى بن عمران عن مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا فاجأتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم قال ابن عدي : هذا مرفوعا غير محفوظ والحديث موقوف على ابن عباس وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : قال أحمد : مغيرة بن زياد ضعيف حدث بأحاديث مناكير وكل حديث رفعه فهو منكر وقد أخرجه ابن أبي شيبة والطحاوي والنسائي في كتاب " الكنى " موقوفا من قول ابن عباس ذكره الزيلعي

10 - ( باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن )

316 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ( 1 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نعى ( 2 ) النجاشي ( 3 ) في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم ( 4 ) إلى المصلى ( 5 ) فصف ( 6 ) بهم وكبر عليه أربع تكبيرات
_________
( 1 ) في نسخة عن أبي هريرة
( 2 ) أخبر بموته
( 3 ) قوله : نعى النجاشي ( واختلفوا في أن النجاشي هذا هو الذي أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابه أو غيره ؟ قال ابن القيم : بعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع فأولهم عمرو بن أمية الضمري بعثه إلى النجاشي فعظم كتاب النبي صلى الله عليه و سلم ثم أسلم وصلى عليه النبي صلى الله عليه و سلم يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة انظر أوجز المسالك 4 / 217 ) هو من سادات التابعين أسلم ولم يهاجر وهاجر المسلمون إليه إلى الحبشة مرتين وهو يحسن إليهم وأرسل إليه رسول الله عمرو بن أمية بكتابين : أحدهما : يدعوه فيه إلى الإسلام والثاني : يطلب منه تزويجه بأم حبيبة فأخذ الكتاب ووضعه على عينيه وأسلم وزوجه أم حبيبة وأسلم على يده عمرو بن العاص قبل أن يصحب النبي صلى الله عليه و سلم فصار يلغز به فيقال : صحابي كثير الحديث أسلم على يد تابعي كذا في " ضياء الساري " . وفي " شرح القاري " : النجاشي بفتح النون وتكسر وبتشديد التحتية في الآخر وتخفيف اسم لملك الحبشة كما يقال كسرى وقيصر لمن ملك الفرس والروم وكان اسمه أصحمة وكان نعيه في رجب سنة تسع
( 4 ) أي بأصحابه
( 5 ) قوله : إلى المصلى مكان ببطحان فقوله في رواية ابن ماجه : فخرج وأصحابه إلى البقيع أي بقيع بطحان أو المراد بالمصلى موضع معد للجنائز ببقيع الغرقد غير مصلى العيدين والأول أظهر قاله الحافظ . وفي الصحيحين عن جابر : قال رسول الله : قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه . وللبخاري فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة . ولمسلم : مات عبد الله الصالح أصحمة كذا في شرح الزرقاني
( 6 ) قوله : فصف بهم قال الزرقاني : فيه أن للصفوف تأثيرا ولو كثر الجمع لأن الظاهر أنه خرج معه صلى الله عليه و سلم عدد كثير والمصلى فضاء لا يضيق بهم لو صفوا فيه صفا واحدا ومع ذلك صفهم وفيه الصلاة على الميت الغائب وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر السلف وقال الحنفية والمالكية : لا تشرع ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء وأنهم قالوا : ذلك خصوصية له صلى الله عليه و سلم قال : ودلائل الخصوصية واضحة لأنه - والله أعلم - أحضر روحه أو رفعت جنازته حتى شاهدها وقول ابن دقيق العيد : يحتاج إلى نقل تعقب بأن الاحتمال كاف في مثل هذا من جهة المانع ويؤيده ما ذكره الواحدي بلا إسناد عن ابن عباس : كشف للنبي صلى الله عليه و سلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه ولابن حبان عن عمران بن حصين : فقاموا وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه . ولأبي عوانة عن عمران : فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا . وأجيب أيضا بأن ذلك خاص بالنجاشي لإشاعة أنه مات مسلما إذ لم يأت في حديث صحيح أنه صلى الله عليه و سلم صلى على ميت غائب غيره وأما حديث صلاته على معاوية بن معاوية الليثي فجاء من طرق لا تخلو من مقال وعلى تسليم صلاحيته للحجية بالنظر إلى جميع طرقه دفع بما ورد أنه رفعت له الحجب حتى شاهد جنازته

317 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره ( 1 ) أن مسكينة ( 2 ) مرضت فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بمرضها قال : وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعود المساكين ويسأل ( 3 ) عنهم قال ( 4 ) : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا ماتت فآذنوني ( 5 ) بها ( 6 ) قال : فأتي بجنازتها ليلا ( 7 ) ( 8 ) فكرهوا ( 9 ) أن يؤذنوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالليل فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبر ( 10 ) بالذي كان ( 11 ) من شأنها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألم آمركم أن تؤذنوني ؟ فقالوا ( 12 ) : يا رسول الله كرهنا ( 13 ) أن نخرجك ليلا أو ( 14 ) نوقظك قال ( 15 ) : فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى صف بالناس على قبرها فصلى على قبرها ( 16 ) فكبر أربع تكبيرات ( 17 )
قال محمد : وبهذا نأخذ التكبير على الجنازة أربع تكبيرات ولا ينبغي ( 18 ) أن يصلي ( 19 ) على جنازة قد صلي عليها ( 20 ) وليس ( 21 ) النبي صلى الله عليه و سلم في هذا كغيره ( 22 ) ألا يرى أنه صلى على النجاشي بالمدينة وقد مات ( 23 ) بالحبشة . فصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بركة ( 24 ) وطهور فليست كغيرها من الصلوات وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : أخبره قال ابن عبد البر : لم يختلف على مالك في إرسال هذا الحديث وقد وصله موسى بن محمد بن إبراهيم القرشي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة عن أبيه وموسى متروك وقد روى سفيان بن حسين عن ابن شهاب عن أبي أمامة عن أبيه أخرجه ابن أبي شيبة وهو حديث مسند متصل صحيح وروي من وجوه كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من حديث أي هريرة وعامر بن ربيعة وابن عباس وأنس
( 2 ) وفي حديث أي هريرة : كانت امرأة سوداء تنقي المسجد من الأذى وفي لفظ : تقم - مكان تنقي - أخرجه الشيخان وغيرهما
( 3 ) لمزيد تواضعه وحسن خلقه
( 4 ) أي أبو أمامة
( 5 ) أي فأعلموني بموتها أو بحضور جنازتها
( 6 ) بشهود جنازتها والاستغفار لها
( 7 ) قوله : ليلا لجوازه ( قال العيني : ذهب الحسن البصري وسعيد بن المسيب وقتادة وأحمد في رواية إلى كراهة دفن الميت بالليل لرواية وقال ابن حزم : لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة وكل من دفن ليلا منه صلى الله عليه و سلم ومن أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك ... وذهب النخعي والثوري وعطاء وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في الأصح وإسحاق وغيرهم إلى أن دفن الميت بالليل يجوز . اهـ . عمدة القاري 7 / 150 ) وإن كان الأفضل تأخيرها للنهار ليكثر من يحضرها من دون مشقة ولا تكلف
( 8 ) ولابن أبي شيبة : فأتوه ليؤذنوه فوجدوه نائما وقد ذهب الليل
( 9 ) قوله : فكرهوا إجلالا له لأنه كان لا يوقظ لأنه لا يدرى ما يحدث له في نومه . زاد ابن أبي شيبة : وتخوفوا عليه ظلمة الليل وهوام الأرض
( 10 ) لابن أبي شيبة : فلما أصبح سأل عنها
( 11 ) أي موتها ودفنها
( 12 ) في حديث بريدة عند البيهقي : أن الذي أجابه عن سؤاله أبو بكر
( 13 ) قوله : كرهنا ... إلى آخره زاد في حديث عامر بن ربيعة : فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلا تفعلوا ادعوني لجنائزكم أخرجه ابن ماجه . وفي حديث يزيد بن ثابت قال : فلا تفعلوا لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه له رحمة أخرجه أحمد
( 14 ) شك من الرواي
( 15 ) أي أبو أمامة
( 16 ) قوله : فصلى على قبرها قال الإمام أحمد : رويت الصلاة على القبر من النبي صلى الله عليه و سلم من ستة وجوه حسان . قال ابن عبد البر : بل من تسعة كلها حسان وساقها كلها بأسانيده في " تمهيده " من حديث سهل بن حنيف وأبي هريرة وعامر بن ربيعة وابن عباس وزيد بن ثابت الخمسة في صلاته على المسكينة وسعد بن عبادة في صلاة المصطفى على أم سعد بعد دفنها بشهر وحديث الحصين بن وحوح صلاته صلى الله عليه و سلم على قبر طلحة بن البراء وحديث أبي أمامة بن ثعلبة أنه صلى الله عليه و سلم رجع من بدر وقد توفيت أم أبي أمامة فصلى عليها وحديث أنس أنه صلى على امرأة بعد ما دفنت وهو محتمل للمسكينة وغيرها وكذا ورد من حديث بريد عند البيهقي وسماها محجنة
( 17 ) قوله : أربع تكبيرات هو المأثور عن عمر والحسن والحسين وزيد ين ثابت وعبد الله بن أوفى وابن عمر وصهيب بن سنان وأبي بن كعب والبراء بن عازب وأبي هريرة وعقبة بن عامر وهو مذهب محمد بن الحنفية والشعبي وعلقمة وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن علي بن حسين والثوري وأكثر أهل الكوفة ومالك وأكثر أهل الحجاز والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد في المشهور عنه وإسحاق وغيرهم . وروي عن ابن مسعود وزيد بن أرقم وحذيفة خمس تكبيرات وروي عن علي ست تكبيرات وروي عن زر بن حبيش سبع وروي عن أنس وجابر ثلاث تكبيرات كذا في " الاعتبار " للحازمي - رحمه الله - . وقد اختلفت الأخبار المرفوعة في ذلك والأمر واسع لكن ثبت من طرق كثيرة أن آخر ما كبر على الجنازة كان أربعا . ولهذا أخذ به أكثر الصحابة وروى محمد في " الآثار " عن النخعي أن الناس كانوا يصلون على الجنائز خمسا وستا وأربعا حتى قبض النبي ثم كبروا كذلك في ولاية أبي بكر ثم ولي عمر فقال لهم : إنكم معشر أصحاب محمد متى تختلفون يختلف الناس بعدكم والناس حديثو عهد بالجاهلية فأجمع رأيهم أن ينظروا آخر جنازة كبر عليها النبي صلى الله عليه و سلم فيأخذون به ويرفضون ما سواه فنظروا فوجدوا آخر ما كبر أربعا ( قال ابن عبد البر : انعقد الإجماع بعد ذلك على أربع أوجز المسالك 4 / 214 )
( 18 ) لأن التنفل به غير مشروع
( 19 ) أي أحد من آحاد الأمة
( 20 ) قوله : قد صلي عليها سواء كانت المرة الثانية على القبر أو خارجه . وقد اختلفوا في الصلاة على القبر فقال بجوازها الجمهور ومنهم الشافعي وأحمد وابن وهب وابن عبد الحكم ومالك في رواية شاذة . والمشهور عنه منعه وبه قال أبو حنيفة والنخعي وجماعة وعنهم إن دفن قبل الصلاة شرع وإلا فلا وأجابوا عن الحديث بأنه من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم ورده ابن حبان بأن ترك إنكاره على من صلى معه على القبر دليل على أنه ليس خاصا به وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا للأصالة كذا قال ابن عبد البر والزرقاني والعيني وغيرهم والكلام في هذه المسألة وفي تكرار الصلاة على الجنازة وفي الصلاة على الغائب موضع أنظار وأبحاث لا يتحملها المقام
( 21 ) قوله : وليس ... . إلى آخره لما ورد على ما ذكره بأن النبي صلى الله عليه و سلم قد صلى على من صلي عليه أجاب بما حاصله : أنه من خصوصيات النبي صلى الله عليه و سلم لأن صلاته على أمته بركة وطهور كما يفيده ما ورد في صحيح مسلم وابن حبان فصلى على القبر ثم قال : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم . وفي حديث زيد فإن صلاتي عليه رحمة . وهذا لا يتحقق في غيره كما أنه صلى على النجاشي مع أنه قد صلي عليه في بلده ومع غيبوبة الجنازة . والكلام بعد موضع نظر فإن إثبات الاختصاص أمر عسير واحتماله وإن كان كافيا في مقام المنع لكن لا ينفع في مقام تحقيق المذهب ( انظر أوجز المسالك 4 / 223 )
( 22 ) بل له خصوصيات
( 23 ) ولا شك أنه صلي عليه هناك
( 24 ) أي كثيرة الخير

11 - ( باب ما روي أن الميت يعذب ( 1 ) ببكاء الحي )
318 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال : لا تبكوا ( 2 ) على موتاكم فإن الميت يعذب ( 3 ) ببكاء أهله عليه
_________
( 1 ) في القبر
( 2 ) أي بطريق النياحة وإلا فأصل البكاء من الرحمة
( 3 ) قوله : يعذب قال النووي : تأوله الجمهور على من أوصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته وقالت طائفة : معناه أنه يعذب بسماع بكاء أهله ويرق لهم وإليه ذهب جرير ورجحه عياض وقالت عائشة : معناه أن الكافر يعذب في حال بكاء أهله بذنبه لا ببكائه قال : والصحيح قول الجمهور

319 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر ( 1 ) عن أبيه عن عمرة ( 2 ) ابنة عبد الرحمن ( 3 ) أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم و ( 4 ) ذكر ( 5 ) لها أن عبد الله بن عمر يقول ( 6 ) : إن الميت ( 7 ) يعذب ببكاء الحي فقالت عائشة : يغفر ( 8 ) الله لابن عمر أما إنه لم يكذب ( 9 ) ولكنه قد نسي ( 10 ) أو أخطأ ( 11 ) إنما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على جنازة ( 12 ) يبكى عليها فقال : إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب ( 13 ) في قبرها
قال محمد : وبقول عائشة رضي الله عنها نأخذ ( 14 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) ابن محمد بن عمر بن حزم
( 2 ) كانت في حجر عائشة ماتت قبل مائة أو بعدها كذا قال السيوطي
( 3 ) ابن سعد بن زرارة
( 4 ) أي والحال أنه قد ذكر لعائشة
( 5 ) قوله : وذكر زاد ابن عوانة أن ابن عمر لما مات رافع بن خديج قال لهم : لا تبكوا عليه فإن بكاء الحي على الميت عذاب على الميت قالت عمرة : فسألت عائشة عن ذلك فقالت يC إنما مر ... الحديث ( انظر عمدة القاري 8 / 82 ولامع الدراري 4 / 409 )
( 6 ) أي عن النبي صلى الله عليه و سلم كما في الصحيحين من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عمر
( 7 ) قوله : إن الميت يعذب ببكاء الحي اختلفوا فيه على أقوال : فمنهم من حمله على ظاهره وإليه مال ابن عمر كما رواه عبد الرزاق أنه شهد جنازة رافع بن خديج فقال لأهله : إن رافعا شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وهو ظاهر صنيع عمر حيث منع صهيبا لما قال وا أخاه عند إصابته وقال : أما علمت أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الميت ليعذب ببكاء الحي . ومنهم من أنكره مطلقا كما روى أبو يعلى عن أبي هريرة والله لأن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها وجهلا فبكت عليه أيعذب هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة ؟ وقالت : طائفة : إن الباء للحال أي إن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله لا بسببه ولا يخفى ما فيه من التكلف . وقال جمع : إن الحديث ورد في معهود معين كما تدل عليه رواية عمرة عن عائشة وقال جمع : إنه مختص بالكافر لرواية ابن عباس عن عائشة عند البخاري وغيره : والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن قال : إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقيل : معنى التعذيب توبيخ الملائكة بما يندبه كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعا : الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة وا عضداه وا ناصراه جبذ الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها . وروى نحوه ابن ماجه والترمذي وهو قول حسن مفسر وهناك أقوال أخر مبسوطة في " فتح الباري " وغيره
( 8 ) أي يسامحه فيما ذكر
( 9 ) أي في نقله
( 10 ) أي سبب وروده
( 11 ) في تأويله وحمل الحديث على عمومه
( 12 ) وليحيى : على يهودية
( 13 ) أي بذنبها ولم ينفعها بكاؤهم عليه
( 14 ) أي فإنه مطابق لقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ( سورة الأنعام : الآية 164 )

12 - ( باب القبر يتخذ مسجدا أو يصلى ( 1 ) إليه أو يتوسد )
320 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : قاتل ( 2 ) الله اليهود اتخذوا قبور ( 3 ) أنبيائهم مساجد
_________
( 1 ) بأن يكون القبر أمامه
( 2 ) أي قتلهم أو لعنهم أو عاداهم قوله : قاتل الله المعنى أنهم كانوا يسجدون إلى قبورهم ويتعبدون في حضورهم لكن لما كان هذا بظاهره
يشابه عبادة الأوثان استحقوا أن يقال قاتلهم الله وقيل : معناه النهي عن السجود على قبور الأنبياء وقيل : النهي عن اتخاذها قبلة يصلى إليها
( 3 ) قوله : قبور أنبيائهم ورد في سنن النسائي أن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا قال البيضاوي : لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما بشأنهم ( هكذا في الأصل والصواب : " لشأنهم " ) يجعلونه قبلة يتوجهون إليها في الصلاة ونحوها واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين من ذلك فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح لقصد التبرك لا التعظيم له ( قلت : قوله لا التعظيم له : يقال اتخاذ المساجد بقربه وقصد التبرك به تعظيم له انظر سبل السلام 1 / 153 ) ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد كذا في " زهر المجتبى " للسيوطي

321 - أخبرنا مالك قال : بلغني ( 1 ) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يتوسد ( 2 ) عليها ويضطجع ( 3 ) عليها . قال بشر : يعني ( 4 ) القبور
_________
( 1 ) بلاغه صحيح وقد أخرجه الطحاوي برجال ثقات عن علي وفي البخاري عن نافع : كان ابن عمر يجلس على القبور
( 2 ) قوله : كان يتوسد عليها دل فعل علي على جوازه إذ لا مهانة فيه للقبر وصاحبه وروي أنه عليه الصلاة و السلام رأى رجلا متكيا على قبر فقال : لا تؤذ صاحب القبر كذا في " النهاية " فالنهي للتنزيه وعمل علي محمول على الرخصة إذا لم يكن على وجه الإهانة كذا قال القاري
( 3 ) قوله : ويضطجع عليها ورد في صحيح مسلم وغيره عن أبي مرثد الغنوي مرفوعا : لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها وعن أبي هريرة مرفوعا : لأن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر . وأخرج أحمد عن عمرو بن حزم مرفوعا : لا تقعدوا على القبور . وبهذه الأخبار وأمثالها أخذ الشافعي والجمهور فقالوا بحرمة الجلوس على القبر أو كراهته ذكره النووي وغيره وذكر الطحاوي - بعد ما أخرج الروايات السابقة - عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن النهي عن الجلوس محمول على الجلوس للتغوط ونحوه وأما لغير ذلك فلا وأيده بما ساقه بإسناده إلى زيد بن ثابت أنه قال : إنما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الجلوس على القبور لحدث غائط أو بول . ثم أخرج عن أبي هريرة مرفوعا : من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة نار ثم أخرج عن علي أنه اضطجع على القبر وعن ابن عمر أنه كان يجلس على القبور . وهذا التأويل الذي ذكره من حمل أخبار النهي على الجلوس لحدث قد ذكره مالك أيضا ظنا وتعقبوه بأنه تأويل ضعيف أو باطل لا دلالة عليه في الحديث وأجيب بأن ما ذكره قد ثبت عن زيد بن ثابت والصحابة أعلم بموارد النصوص والذي يظهر بالنظر الغائر أن أكثر أخبار النهي مطلقة لا دلالة فيه على فرد وما نقل عن زيد يخالفه ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم : رآني النبي صلى الله عليه و سلم وأنا متكئ على قبر فقال : لا تؤذ صاحب القبر وسنده صحيح فإنه صريح في أن العلة للنهي هو تأذي الميت غاية ما في الباب أن يكون الجلوس لحدث أشد وأغلظ والجلوس لغيره والتوسد ونحوه أخف ( الأولى أن يحمل من هذه الأحاديث ما فيه التغليظ على الجلوس للحدث فإنه يحرم وما لا تغليظ فيه على الجلوس المطلق فإنه مكروه وهذا التفصيل حسن قاله أبو الطيب كذا في الكوكب الدري 2 / 196 ) وأما فعل علي وابن عمر فيحمل على بيان الجواز
( 4 ) أي يريد بضمير عليها

( كتاب الزكاة ( 1 ) )
1 - ( باب زكاة المال )
322 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 2 ) الزهري عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقول : هذا ( 3 ) شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل ( 4 ) أموالكم فتؤدوا منها ( 5 ) الزكاة
قال محمد : وبهذا نأخذ من كان عليه دين وله مال فليدفع دينه من ماله فإن بقي بعد ذلك ( 6 ) ما ( 7 ) تجب فيه الزكاة ففيه زكاة وتلك ( 8 ) مائتا درهم أو عشرون مثقالا ذهبا فصاعدا وإن كان الذي بقي أقل من ذلك ( 9 ) بعد ما يدفع من ماله الدين فليست فيه الزكاة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : الزكاة هو لغة النماء والتطهير وشرعا إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه وفرضت بعد الهجرة فقيل : في السنة الثانية وقيل : في الأولى وجزم ابن الأثير بأنه في التاسعة وادعى ابن حزم أنه قبل الهجرة وفيهما نظر بينه في " فتح الباري " ( راجع للتفصيل فتح الباري 3 / 211 )
( 2 ) في نسخة : أخبرني
( 3 ) قوله : هذا شهر قيل : الإشارة لرجب وإنه محمول على أنه كان تمام حول المال لكنه يحتاج إلى نقل ففي رواية البيهقي عن الزهري : ولم يسم لي السائب الشهر ولم أسأله عنه كذا في " شرح الزرقاني " وفي " شرح القاري " : هذا إشارة إلى أحد الأشهر المعروفة عندهم أو إلى شهر فرض فيه . انتهى . وفي " لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف " للحافظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الشهير بابن رجب الدمشقي الحنبلي المحدث : قد اعتاد أهل هذه البلاد إخراج الزكاة في شهر رجب ولا أصل لذلك في السنة ولا عرف عن أحد من السلف ولكن روي عن عثمان أنه خطب الناس على المنبر فقال : إن هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه وليزك ما بقي خرجه مالك وقد قيل : إن ذلك الشهر الذي كانوا يخرجون فيه زكاتهم ( كما في لطائف المعارف ص 125 ، وفي الأصل : " زكاته " وهو تحريف ) نسي فلم يعرف وقيل : بل كان شهر المحرم لأنه رأس الحول وقيل : بل كان شهر رمضان لفضله وفضل الصدقة فيه وروى يزيد الرقاشي عن أنس أن المسلمين كانوا يخرجون زكاتهم في شعبان تقوية على الاستعداد لرمضان وفي الإسناد ضعف . انتهى كلامه ملخصا
( 4 ) لأن ما قابل الدين لا زكاة فيه
( 5 ) أي مما يحصل بعد أداء الدين
( 6 ) أي أداء الدين
( 7 ) أي بقدر النصاب من الذهب أو الفضة أو غيرهما
( 8 ) أي القدر الذي تجب الزكاة فيه قوله : وتلك مائتا درهم إلى آخره لما أخرجه أبو داود من طريق عاصم والحارث عن علي مرفوعا : إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون عشرون دينارا فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحسابه . وفيه الحارث الأعور ضعيف . لكن تابعه عاصم ووثقه ابن معين والنسائي فالحديث حسن ورواه شعبة وسفيان وغيرهما من طريق عاصم موقوفا على علي كذا ذكره الزيلعي . وقد ثبت تقدير نصاب الفضة بمائتي درهم من حديث جماعة من الصحابة عند الدارقطني والبزار وعبد الرزاق وغيرهم
( 9 ) أي من القدر الذي يجب فيه الزكاة

323 - أخبرنا مالك أخبرنا يزيد ( 1 ) بن خصيفة أنه سأل سليمان ( 2 ) بن يسار عن رجل له مال وعليه مثله من الدين أ ( 3 ) عليه الزكاة ؟ فقال : لا
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول ( 4 ) أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : يزيد هو يزيد بن عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني ثقة من رجال الجميع وقد ينسب إلى جده وهو خصيفة بصيغة التصغير كذا في التقريب وغيره
( 2 ) أحد الفقهاء
( 3 ) بهمزة الاستفهام أي هل يجب عليه ؟
( 4 ) وبه قال الشافعي ومالك وللشافعي في رواية : أن الدين لا يمنع الزكاة ذكره الزرقاني

2 - ( باب ما ( 1 ) يجب فيه الزكاة )
324 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد ( 2 ) بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه ( 3 ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ليس فيما دون خمسة ( 4 ) أوسق من التمر ( 5 ) صدقة وليس فيما دون خمس ( 6 ) أواق من الورق ( 7 ) صدقة وليس فيما دون خمس ذود ( 8 ) من الإبل صدقة
قال محمد : وبهذا نأخذ وكان أبو حنيفة يأخذ بذلك إلا في خصلة ( 9 ) واحدة فإنه ( 10 ) كان يقول : فيما أخرجت ( 11 ) الأرض العشر من قليل أو كثير إن كانت تشرب سيحا ( 12 ) أو تسقيها السماء وإن كانت تشرب بغرب ( 13 ) أو دالية ( 14 ) فنصف عشر وهو قول إبراهيم النخعي ( 15 ) ومجاهد ( 16 )
_________
( 1 ) أي ذكر مقداره
( 2 ) هو أبو عبد الله الأنصاري المازني ثقة مات سنة 139 كذا في " الإسعاف " قوله : محمد بن عبد الله ... . إلى آخره هكذا ليحيى وجماعة من رواة " الموطأ " فنسب محمدا لأبيه وجده لجده لأنه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة وفي رواية التنيسي عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة فنسب محمدا إلى جده وجده إلى جده وزعم ابن عبد البر أن حديث محمد عن أبيه خطأ في الإسناد وإنما هو محفوظ من حديث يحيى بن عمارة عن أبي سعيد مردود بنقل البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أن الطريقين محفوظان كذا في " شرح الزرقاني "
( 3 ) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة وثقه النسائي كذا في " الإسعاف "
( 4 ) قوله : خمسة أوسق بفتح الألف وضم السين جمع وسق بفتح الواو أشهر من كسرها وأصله في اللغة الحمل والمراد به ستون صاعا قاله السيوطي
( 5 ) قال ابن عبد البر : كأنه جواب لسؤال سائل سأله عن نصاب زكاة التمر فلا يمنع الزكاة في غيره من الثمار
( 6 ) قوله : خمس أواق يقال : أواقي بتشديد الياء وتخفيفها جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد الياء وهي أربعون درهما ويقال : أواق بحذف الياء كذا في " التنوير "
( 7 ) قوله : من الورق بكسر الراء وإسكانها وهي ههنا الفضة مضروبها وغيره واختلف أهل اللغة في أصله فقيل يطلق في الأصل على جميع الفضة وقيل هو حقيقة للمضروب دراهم كذا في " التنوير "
( 8 ) قوله : خمس ذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة هو من الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه ويقال في الواحد : بعير هذا قول الأكثر وقال أبو عبيد : من الثنتين إلى العشرة قال : وهو مختص بالإناث وقال سيبويه : تقول ثلاث ذود لأن الذود مؤنث وحكي فيه الإضافة والتنوين على البدل من خمس والأول أشهر وهو كقولك خمس أبعرة وخمسة جمال وخمس نوق وخمس نسوة كذا في " ضياء الساري "
( 9 ) أي مسألة منفردة
( 10 ) قوله : فإنه كان يقول ... إلى آخره لا خلاف بينه وبين غيره من الأئمة في تقدير نصاب الإبل والغنم وغيرهما من السوائم بما ورد في الأحاديث وكذا في تقدير نصاب الذهب والفضة وإنما وقع الخلاف في تقدير نصاب الحبوب والثمار فعند الشافعي وأبي يوسف ومحمد والجمهور نصابها خمسة أوسق فلا شيء في ما دونها لورود ذلك من حديث أبي سعيد وجابر وابن عمر وعمرو بن حزم وغيرهم كما أخرجه الطحاوي والبخاري ومسلم وأحمد وغيرهم ولعل الحق يدور حوله وخالفهم في ذلك جماعة من التابعين فقالوا : في ما أخرجت الأرض العشر أو نصف العشر من غير تفصيل بين أن يكون قدر خمسة أوسق أو أقل أو أكثر منهم أبو حنيفة ومنهم عمر بن عبد العزيز فإنه قال : في ما أنبتت الأرض من قليل أو كثير العشر أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة . وأخرج عن مجاهد والنخعي نحوه . واستدلوا لهم بما أخرجه البخاري عن ابن عمر مرفوعا : في ما سقت السماء والعيون أو كان عثريا ( هو بفتح العين المهملة وفتح الثاء المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية قال الخطابي : هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي . انظر نيل الأوطار 2 / 149 ) العشر وفي ما سقي بالنضح نصف العشر . ولفظ أبي داود : في ما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا ( البعل : بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وروي بضمها . قال في " القاموس " : البعل الأرض المرتفعة تمطر في السنة مرة . وكل نخل وزرع لا يسقى أو ما سقته السماء . نيل الأوطار 2 / 149 ) العشر وفي ما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر . وفي صحيح مسلم عن جابر مرفوعا : في ما سقته الأنهار والغيم العشر وفي ما سقي بالسانية نصف العشر . وفي سنن ابن ماجه عن معاذ : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقت السماء وما سقي بعلا العشر وما سقي بالدوالي نصف بالعشر . وأورد بأن هذه الأخبار مبهمة والأولى مفسرة والزيادة من الثقة مقبولة فيجب حمل المبهم على المفسر وأجيب عنه بأنه إذا ورد حديثان متعارضان أحدهما عام والآخر خاص فإن علم تقدم العام على الخاص خص بالخاص وإن علم تقدم الخاص كان العام ناسخا له في ما تناولاه وإن لم يعلم التاريخ يجعل العام متأخرا لما فيه من الاحتياط وههنا الأخبار الأول خاصة والثانية عامة ولم يعلم التاريخ فنجعل الثانية مؤخرة ويعمل بها كذا قرره السغناقي والزيلعي وغيرهما ومنهم من احتج بما روى أبو مطيع البلخي عن أبي حنيفة عن أبان بن أبي عياش عن رجل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : في ما سقت السماء العشر وفي ما سقي بنضح أو غرب نصف العشر في قليله وكثيره وهو إسناد لا يساوي شيئا فإن أبان ضعيف جدا وأبو مطيع قال ابن معين : ليس بشيء وقال أحمد : لا ينبغي أن يروى عنه وقال أبو داود : تركوا حديثه كذا قال ابن الجوزي في " التحقيق " وهو كما قال فإن أبا مطيع البلخي واسمه الحكم بن عبد الله تلميذ الإمام أبي حنيفة وإن كان من أجلة الفقهاء لكنه مجروح في الرواية كما بسطته في كتابي " الفوائد البهية في تراجم الحنفية "
( 11 ) ولو كان من الخضروات
( 12 ) أي العين الجارية على وجه الأرض
( 13 ) بفتح العين المعجمة أي دلو كبير كذا في " المصباح " . وفي معناه الدلو الصغير
( 14 ) دولاب تديره البقر أو غيره
( 15 ) فإنه قال في كل شيء أخرجت الأرض الصدقة أخرجه الطحاوي
( 16 ) قوله : ومجاهد فإنه قال لما سئل عنه : في ما قل أو كثر العشر أو نصف العشر أخرجه الطحاوي

3 - ( باب المال متى تجب فيه الزكاة )

325 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر ( 1 ) قال : لا تجب في مال ( 2 ) زكاة حتى يحول ( 3 ) عليه الحول
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يكتسب ( 4 ) مالا فيجمعه ( 5 ) إلى مال عنده مما يزكى فإذا وجبت الزكاة في الأول زكى الثاني ( 6 ) معه وهو قول أبي حنيفة وإبراهيم النخعي رحمهما الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : عن ابن عمر قال ابن عبد البر : قد روي هذا مرفوعا من حديث عائشة . قال السيوطي : أخرجه ابن ماجه وفي شرح الزرقاني : أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " من طريق عبيد الله بن عبد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول وفي إسناده بقية بن الوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله وإسماعيل ضعيف في غير الشاميين قال الدارقطني : والصحيح وقفه كما في " الموطأ " . وقد أخرجه الدارقطني في " الغرائب " مرفوعا وضعفه . وأخرجه أيضا من حديث أنس وضعفه وأخرجه ابن ماجه من حديث عائشة . لكن الإجماع عليه أغنى عن إسناده
( 2 ) أي من الأموال الزكوية
( 3 ) قوله : حتى يحول عليه الحول روى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفا عليهم مثل ما روي عن ابن عمر وروى الترمذي والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا : من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عبد الرحمن ضعيف قال الترمذي : والصحيح عن ابن عمر موقوفا وكذا قال البيهقي وابن الجوزي وغيرهما قال البيهقي : الاعتماد في هذا على الآثار عن أبي بكر وغيره قلت : حديث علي الذي أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقي لا بأس بإسناده والآثار تعضده فتصلح للحجية كذا في " تخريج أحاديث الرافعي " لابن حجر
( 4 ) أي إذا كان من جنس ما عنده وإن لم يكن من جنسه يستأنف له الحساب من ذلك الوقت ولا يجمع ذكره العيني وغيره
( 5 ) أي فيضمه قوله : فيجمعه ... إلى آخره وقال الشافعي وأحمد : لا يضم لحديث : من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول أخرجه الترمذي وغيره . وقال أصحابنا : هو حديث ضعيف وعلى تسليم ثبوته فعمومه ليس مرادا للاتفاق على خروج الأرباح والأولاد فعللنا بالمجانسة فقلنا : إنما أخرج الأولاد والأرباح للمجانسة لا للتولد فيجب أن يخرج المستفاد ( المستفاد على نوعين : الأول أن يكون من جنسه والثاني أن يكون من غير جنسه كما إذا كان له إبل فاستفاد بقرا فلا يضم إلى الذي عنده بالاتفاق والأول على نوعين : أحدهما أن يكون المستفاد من الأصل كالأولاد والأرباح فيضم بالإجماع والثاني أن يكون مستفادا بسبب مقصود كالشراء فإنه يضم عندنا . الكوكب الدري 2 / 14
وانظر البحث الشافي في البدائع 2 / 13 ، والمغني 2 / 496 وما بعدها ) إذا كان من جنسه وهو أدفع للحرج على أصحاب الحرف الذين يجدون كل يوم درهما فأكثر وأقل فإن في اعتبار الحول لكل مستفاد حرجا عظيما وهو مدفوع بالنص كذا قرره ابن الهمام وغيره وذكر العيني أن مذهبنا في هذا الباب هو قول عثمان وابن عباس والحسن البصري والثوري والحسن بن صالح وهو قول مالك في السائمة
( 6 ) فمن كان عنده مائتا درهم في أول الحول وقد حصل في وسطه مائة درهم مثلا يضم إلى المائتين ويعطي زكاة الكل عند حولان الحول على الأول

4 - ( باب الرجل يكون له الدين هل عليه فيه زكاة )

326 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد ( 1 ) بن عقبة مولى الزبير أنه سأل القاسم بن محمد ( 2 ) عن مكاتب له قاطعه ( 3 ) بمال عظيم ؟ قال ( 4 ) : قلت : هل فيه زكاة ؟ قال القاسم : إن أبا بكر كان ( 5 ) لا يأخذ من مال صدقة حتى يحول عليه الحول قال القاسم : وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم ( 6 ) يسأل ( 7 ) الرجل هل عندك من مال ( 8 ) قد وجبت فيه الزكاة ؟ فإن قال : نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال وإن قال لا سلم ( 9 ) إليه
عطاءه
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) هو أخو موسى بن عقبة المدني ثقة كذا في " التقريب "
( 2 ) أي ابن أبي بكر الصديق
( 3 ) قوله : قاطعه قال أبو عمر : معنى مقاطعة المكاتب أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل عتقه ( شرح الزرقاني 2 / 96 )
( 4 ) أي السائل
( 5 ) قوله : كان لا يأخذ ... إلى آخره أي والمقاطعة فائدة لا زكاة فيها حتى يمر عليها عند مستفيدها الحول
( 6 ) أي أرزاقهم وعطياتهم ( أعطياتهم جمع عطايا جمع عطية قاله الزرقاني . وقال الباجي : في اللغة اسم لما يعطيه الإنسان غيره على أي وجه كان إلا أنه في الشرع واقع على ما يعطيه الإمام من بيت المال على سبيل الأرزاق . أوجز المسالك 5 / 247 )
( 7 ) وفي نسخة : سأل
( 8 ) بأن كان نصابا مر عليه الحول
( 9 ) أي لم يأخذ منه شيئا كما ليحيى

327 - أخبرنا مالك أخبرني عمر ( 1 ) بن حسين عن عائشة ( 2 ) بنت قدامة بن مظعون عن أبيها ( 3 ) قال : كنت إذا قبضت ( 4 ) عطائي من عثمان بن عفان سألني هل عندك مال وجب عليك فيه الزكاة ؟ فإن قلت : نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإلا دفع ( 5 ) إلي عطائي
_________
( 1 ) قوله : عمر بن حسين ثقة روى له مسلم والترمذي وهو عمر بن حسين بن عبد الله الجمحي مولاهم أبو قدامة المكي كذا في " التقريب "
( 2 ) قوله : عائشة القرشية الجمحية الصحابية هي وأمها ريطة بنت سفيان من المبايعات كذا في " الاستيعاب "
( 3 ) قوله : عن أبيها قدامة بضم القاف ابن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي خال عبد الله وحفصة ابني عمر بن الخطاب هاجر إلى أرض الحبشة مع أخويه عثمان بن مظعون وعبد الله بن مظعون ثم شهد بدرا وسائر المشاهد وتوفي سنة ست وثلاثين كذا في " الاستيعاب "
( 4 ) أي أيام خلافته
( 5 ) قوله : وإلا دفع إلي عطائي في سؤاله كأبي بكر وقولهما : وإن قلت : لا إلخ : دليل على تصديق الناس في أموالهم التي فيها الزكاة وجواز إخراج زكاة المال من غيره ولا مخالف لهما إذا كان من جنسه فإن كان ذهبا عن فضة أو عكسه فخلاف ( شرح الزرقاني 2 / 97 )

5 - ( باب زكاة ( 1 ) الحلي ( 2 ) )
328 - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه : أن عائشة كانت تلي بنات أخيها ( 3 ) يتامى في حجرها لهن ( 4 ) حلي ( 5 ) فلا تخرج من حليهن الزكاة
_________
( 1 ) قوله : باب زكاة الحلي اختلفوا فيه فمذهب مالك وأحمد في رواية وإسحاق والشافعي أنه لا زكاة في الحلي ومذهبنا وجوب الزكاة فيه وهو مذهب عمر وابن عمر وابن عمرو وأبي موسى وابن جبير وعطاء وعبد الله بن شداد وطاوس وابن سيرين ومجاهد والضحاك وجابر بن يزيد وعلقمة والأسود وعمر بن عبد العزيز والثوري والزهري وهو قول عائشة وأم سلمة وفاطمة بنت قيس كذا ذكره العيني . وقال الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يقول : خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة : أنس بن مالك وجابر وابن عمر وعائشة وأسماء كذا نقله الزيلعي . أما أثر عائشة ( وقد ثبت مذهب عائشة رضي الله عنها بخلاف هذا الأثر فإنها رويت عنها مرفوعا وموقوفا الزكاة في الحلي وبسطت الروايات عنها في الأوجز 5 / 281 ) فسيأتي في الكتاب وحمله أصحابنا على أنها إنما لم تخرج الزكاة من حلي بنات أخيها لأنه لا زكاة في مال الصبي . لا لأنه ليس في الحلي زكاة وأما أثر ابن عمر فسيأتي في الكتاب أيضا وحمله أصحابنا على أنه لا زكاة في مال الصبي . وأما عدم أدائه الزكاة من حلي جواريه فيحمل على أن ابن عمر كان يرى أن المملوك يملك ولا زكاة عليه . وأما أثر أنس فأخرجه الدارقطني عن علي بن سليمان أنه سأله عن الحلي ؟ فقال : ليس فيه زكاة . وأما أثر جابر فأخرجه الشافعي ثم البيهقي عن عمرو بن دينار قال سمعت ابن خالد يسأل جابرا عن الحلي أفيه زكاة ؟ فقال : لا . وأما أثر أسماء فأخرجه الدارقطني أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه
( 2 ) بضم الحاء ويكسر فكسر اللام وتشديد الياء . وبفتح الحاء فسكون
( 3 ) أي لأبيها محمد بن أبي بكر قاله الباجي
( 4 ) قوله : لهن قال الباجي : يقتضي ملكهن له وإن لم يتصرفن فيه لكونهن محجورات
( 5 ) بفتح فسكون مفرد وبضم وكسر اللام وتشديد الياء جمع

329 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان يحلي ( 1 ) بناته وجواريه فلا يخرج من حليهن الزكاة
قال محمد : أما ما كان من حلي جوهر ولؤلؤ فليست ( 2 ) فيه الزكاة على كل حال ( 3 ) وأما ما كان من حلي ذهب أو فضة ففيه ( 4 ) الزكاة ( 5 ) إلا أن يكون ذلك ليتيم ( 6 ) أو يتيمة لم يبلغا فلا تكون ( 7 ) في مالها ( 8 ) زكاة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) بتشديد اللام يلبسهن الحلي
( 2 ) قوله : فليست فيه الزكاة لأن ما سوى الثمنين من الذهب والفضة وما يتخذ منهما لا يجب فيه الزكاة إذا لم تكن للتجارة . ويؤيده ما أخرجه ابن أبي شيبة عن عكرمة قال : ليس في حجر اللؤلؤ ولا في حجر الزمرد زكاة إلا أن يكون للتجارة . وأخرج ابن عدي في " الكامل " عن عمرو بن أبي عمرو الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : لا زكاة في حجر وضعف بعمرو والكلاعي وقال : إنه مجهول لا أعلم حدث عنه غير بقية وأحاديثه منكرة وذكر ابن حجر أنه قد تابعه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ومحمد بن عبد الله العزرمي عن عمرو بن شعيب وكلاهما متروكان
( 3 ) أي سواء كان للبالغ أو الصبي
( 4 ) وأما ما روي عن جابر مرفوعا : ليس في الحلي زكاة فباطل لا أصل له وإنما هو قول جابر قاله البيهقي
( 5 ) قوله : ففيه الزكاة لما أخرجه أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه و سلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟ قالت : لا قال : أيسرك أن يسورك بهما يوم القيامة سوارا من نار ؟ قال : فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالت : إنهما لله ولرسوله وإسناده صحيح قاله ابن القطان وقال المنذري : لا مقال فيه . وأخرجه الترمذي من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أتت امرأتان إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي أيديهما سواران من ذهب فقال لهما : أتؤديان زكاة هذا ؟ فقالتا : لا فقال : أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار ؟ قالتا : لا قال : فأديا زكاته وفي الباب عن عائشة أخرجه أبو داود والحاكم والدارقطني وأم سلمة أخرجه الحاكم وأبو داود والدارقطني والبيهقي وأسماء أخرجه أحمد وفاطمة بنت قيس أخرجه الدارقطني وعبد الله بن مسعود أخرجه الدارقطني . وهي أحاديث متقاربة كلها تفيد وجوب الزكاة في الحلي وضعف بعض طرقها لا يضر إذا حصل التقوي بالضم لا سيما إذا كان بعض الطرق سالما من القدح وبسطه في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي ( 1 / 402 )
( 6 ) وكذا إذا كان لغير اليتيم
( 7 ) قوله : فلا تكون في مالها زكاة لأثر ابن عمر وعائشة وغيره وبه قال أبو وائل وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي والحسن البصري وغيرهم خلافا للشافعي وأحمد ومالك أخذا مما روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب الناس فقال : من ولي مالا ليتيم فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة . وفي إسناده مقال نبه عليه الترمذي وأحمد وله طرق أخر عند الدارقطني وغيره ضعيفة وكذا حديث أنس مرفوعا : اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة أخرجه الطبراني في الأوسط سنده مجروح وأجاب أصحابنا عنها على تقدير ثبوتها بأن الصدقة محمولة على النفقة ( في الكوكب الدري 2 / 15 : تأويله عندنا الإنفاق على نفس اليتيم فإنه قد يسمى صدقة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في غير هذا الحديث : " تصدق على نفسك " ومن روى ههنا بلفظ الزكاة فرواية بالمعنى عنده مع أن ظاهر " تأكله الصدقة " إحاطة الصدقة كل ماله وذلك لا يكون في الزكاة فإنها لا تجب بعود المال إلى أقل من النصاب وإن لم يكن نصابا من أول الأمر لم تأكله الصدقة رأسا وأما إذا أريد بها النفقة سواء كانت نفقة نفسه أو أحد ممن يجب عليه نفقته كان ظاهرا في معناه . اهـ ) . وللتفصيل موضع آخر
( 8 ) في نسخة : مالهما

6 - ( باب العشر ( 1 ) )
330 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر : أن عمر كان يأخذ عن النبط ( 2 ) من الحنطة والزيت نصف العشر يريد ( 3 ) أن يكثر الحمل ( 4 ) إلى المدينة ويأخذ من القطنية ( 5 ) العشر ( 6 )
قال محمد : يؤخذ من أهل الذمة مما اختلفوا ( 7 ) فيه للتجارة من قطنية أو غير قطنية نصف العشر ( 8 ) في كل سنة ومن أهل الحرب إذا دخلوا أرض الإسلام بأمان العشر من ذلك كله . وكذلك ( 9 ) أمر عمر بن الخطاب زياد بن ( 10 ) حدير وأنس بن مالك حين بعثهما على عشور الكوفة والبصرة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) بضمتين وبضم واحد : ما يجب فيه العشر أو نصفه من مال الحربي والذمي
( 2 ) بفتح النون . قوله : من النبط ( قال الباجي : وهم كفار أهل الشام عقد لهم عقد الذمة اهـ فكانوا يختلفون إلى المدينة بالحنطة والزيت وغير ذلك من أقوات أهل الشام فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخفف عنهم في الحنطة والزيت انظر أوجز المسالك 6 / 107 ) هو جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم والجمع أنباط مثل سبب وأسباب كذا في " المصباح المنير في غريب
الشرح الكبير " لأحمد الفيومي
( 3 ) أي يقصد عمر . وليحيى : يريد بذلك أي يأخذ النصف ويترك النصف
( 4 ) أي المحمول منهما
( 5 ) قوله : من القطنية بكسر القاف وسكون الطاء فنون فتحتية مشددة كالعدس والحمص واللوبيا وفي " التهذيب " القطنية اسم جامع للحبوب التي تطبخ كالعدس والباقلا واللوبيا والحمصة والأرز والسمسم وغير ذلك كذا في شرح القاري
( 6 ) على الأصل فيما اتجروا فيه
( 7 ) المراد به ذهابهم ومجيئهم بقصد التجارة
( 8 ) قوله : نصف العشر ذهب إلى هذا التفصيل ابن أبي ليلى والشافعي والثوري وأبو عبيد وقال مالك : يؤخذ من تجار أهل الذمة العشر إذا اتجروا إلى غير بلادهم مما قل أو كثر ولنا ما روى عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال : بعثني أنس بن مالك على الأيلة فأخرج لي كتابا من عمر : يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهم ومن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهم . وروى أبو الحسن القدوري في " شرح مختصر الكرخي " أن عمر نصب العشار وقال لهم : خذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر وكان هذا بمحضر من الصحابة فكان إجماعا سكوتيا كذا في " البناية "
( 9 ) قوله : كذلك أخرج سعيد بن منصور نا أبو عوانة وأبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم بن المهاجر عن زياد بن حدير قال : استعملني عمر على العشور وأمرني أن آخذ من تجار أهل الحرب العشر . ومن تجار أهل الذمة نصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر . وأخرج البيهقي عن محمد بن سيرين عن أنس نحو ذلك
( 10 ) هو أبو المغيرة الأسدي الكوفي التابعي سمع عمر وعليا وروى عنه خلق منهم الشعبي كذا ذكره القاري

7 - ( باب ( 1 ) الجزية ( 2 ) )
331 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري ( 3 ) : أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ من مجوس ( 4 ) البحرين الجزية وأن عمر أخذها من مجوس فارس ( 5 ) وأخذها عثمان بن عفان من البربر ( 6 )
_________
( 1 ) قوله : باب الجزية ( ارجع إلى أوجز المسالك للتفصيل في هذا 6 / 81 ، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 100 - 102 ) قال أبو يوسف في " كتاب الخراج " جميع أهل الشرك من المجوس وعبدة الأوثان وعبدة النيران والحجارة والصابئين يؤخذ منهم الجزية ما خلا أهل الردة من أهل الإسلام وأهل الأوثان من العرب والعجم فإن الحكم فيهم أن يعرض عليهم الإسلام فإن أسلموا إلا قتل الرجال منهم وسبي النساء والصبيان وليس أهل الشرك من عبدة الأوثان وعبدة النيران والمجوس مثل أهل الكتاب في ذبائحهم ومناكحتهم حدثنا قيس بن الربيع الأسدي عن قيس بن مسلم عن الحسن قال : صالح رسول الله صلى الله عليه و سلم مجوس هجر على أن يأخذ منهم الجزية غير مستحل مناكحة نسائهم ولا أكل ذبائحهم
( 2 ) من جزأت الشيء إذا قسمته وقيل من الجزاء قال العلماء : الحكمة في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم يحملهم على الإسلام شرعت سنة ثمان وقيل تسع
( 3 ) قوله : الزهري كذا أخرجه مرسلا ابن أبي شيبة من طريق مالك وأخرج الدارقطني في غرائب مالك والطبراني من طريقه عن الزهري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال الدارقطني : لم يصل إسناده غير الحسين بن أبي كبشة البصري عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك والمرسل هو المحفوظ
( 4 ) قوله : من مجوس البحرين بلفظ التثنية موضع بين البصرة وعمان وهو من بلاد نجد ويعرب إعراب المثنى ويجوز جعل النون محل الإعراب مع لزوم الياء مطلقا وهي لغة مشهورة قاله الزرقاني
( 5 ) لقب قبيلة ليس بأب ولا أم وإنما هم أخلاط من تغلب اصطلحوا على هذا الاسم كما في " القاموس "
( 6 ) كجعفر قوم من أهل المغرب

332 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن أسلم مولى عمر : أن عمر ضرب ( 1 ) الجزية على أهل ( 2 ) الورق أربعين ( 3 ) درهما وعلى أهل ( 4 ) الذهب أربعة دنانير ( 5 ) ومع ذلك أرزاق ( 6 ) المسلمين وضيافة ( 7 ) ثلاثة أيام
_________
( 1 ) أي عينها
( 2 ) كأهل العراق
( 3 ) في كل سنة . قوله : أربعين درهما ... إلى آخره إليه ذهب مالك فلا يزاد عليه ولا ينقص إلا من يضعف عن ذلك فيخفف عنه بقدر ما يراه الإمام . وقال الشافعي : أقلها دينار ولا حد لأكثره إلا إذا بذل الأغنياء دينارا لم يجز قتالهم . وقال أبو حنيفة وأحمد : أقلها على الفقراء والمعتملين اثنا عشر درهما أو دينار وعلى أواسط الناس أربعة وعشرون درهما أو ديناران وعلى الأغنياء ثمانية وأربعون درهما أو أربعة دينار كذا في " شرح الزرقاني "
( 4 ) كأهل مصر والشام
( 5 ) في كل سنة
( 6 ) قوله : أرزاق المسلمين أي رفد أبناء السبيل وعونهم قال ابن عبد البر وقال الباجي : أقوات من عندهم من أجناد المسلمين على قدر ما جرت عادة أهل تلك الجهة من الاقتيات وقد جاء ذلك مفسرا أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد أن عليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة مدان ومن الزيت ثلاثة أقساط كل شهر لكل إنسان من أهل الشام والجزيرة وودك وعسل لا أدري كم هو وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا لكل إنسان كل شهر وودك وعسل
( 7 ) بيان لأرزاق المسلمين . قوله : وضيافة ثلاثة أيام للمجتازين بهم من المسلمين من خبز وشعير وتين وأدام ومكان ينزلون به يكنونه من الحر والبرد قاله ابن عبد البر

333 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن أبيه : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يؤتى بنعم ( 1 ) كثيرة من نعم الجزية . قال مالك : أراه ( 2 ) تؤخذ من أهل الجزية في جزيتهم ( 3 )
قال محمد : السنة ( 4 ) أن تؤخذ الجزية من المجوس من غير ( 5 ) أن تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه و سلم وضرب عمر ( 6 ) الجزية على أهل سواد الكوفة على المعسر ( 7 ) اثنا عشر درهما وعلى الوسط ( 8 ) أربعة وعشرين درهما وعلى الغني ثمانية وأربعين درهما . وأما ما ذكر ( 9 ) مالك بن أنس من الإبل فإن عمر بن الخطاب لم يأخذ الإبل في جزية علمناها إلا من بني تغلب ( 10 ) فإنه ( 11 ) أضعف عليهم الصدقة فجعل ذلك جزيتهم فأخذ من إبلهم وبقرهم وغنمهم
_________
( 1 ) أي دواب كالشاة والبقرة
( 2 ) أي أظن
( 3 ) أي أهل النعم
( 4 ) قوله : السنة ... إلى آخره أي الطريقة المشروعة من النبي صلى الله عليه و سلم وخلفائه أخذ الجزية من المجوس كأهل الكتاب إلا أنه لا يجوز نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم بخلاف أهل الكتاب لما أخرجه البخاري عن ابن عبدة المكي أتانا كتاب عمر قبل موته بسنة : فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس . ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذها من مجوس هجر وفي " الموطأ " برواية يحيى : مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر ذكر المجوس فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : سنوا بهم سنة أهل الكتاب ورواه ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر وعبد الرزاق في " مصنفه " عن ابن جريج عن جعفر وإسحاق بن رواهويه عن عبد الله بن إدريس عن جعفر وهو حديث منقطع فإن والد جعفر محمد بن علي لم يلق عمر ولا ابن عوف وقد رواه أبو علي الحنفي عبد الله بن عبد المجيد من طريق مالك فقال عن أبيه عن جده أخرجه البزار والدارقطني في غرائب مالك ولم يقل عن جده أحد سوى أبي علي الحنفي وكان ثقة وهو مع ذلك مرسل فإن جد جعفر علي بن الحسين لم يلق عمر ولا ابن عوف كذا ذكره ابن عبد البر وغيره وروى الشافعي في " مسنده " عن سفيان عن سعيد بن المزربان عن نصر بن عاصم قال : قال فروة بن نوفل : علام تؤخذ الجزية من المجوس وإنهم ليسوا بأهل كتاب ؟ فقام إليه المستورد وقال : يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعمر وعلي وقد أخذوا الجزية من المجوس فذهب به إلى القصر فخرج عليهم علي وقال : أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أمه فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا أرادوا أن يقيموا عليه الحد فدعا أهل مملكته فقال : أتعلمون خيرا من دين آدم وقد كان ينكح بنيه من بناته فأنا على دين آدم فبايعوه وقاتلوا الذي خالفهم وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب وفي سنده سعيد بن المزربان مجروح ذكره ابن الجوزي في " التحقيق " . ومن طريق الشافعي رواه البيهقي وقال : أخطأ سفيان في قوله نصر بن عاصم وإنما هو عيسى بن عاصم كذا ذكره الزيلعي وأخرج الإمام أبو يوسف في كتاب " الخراج " عن نصر بن خليفة أن فروة بن نوفل قال : الحديث نحوه
( 5 ) قوله : من غيره ... إلى آخره لما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي : أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل منه ومن لم يسلم ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم . وهو مرسل وقيس بن مسلم مختلف فيه قاله ابن القطان : وروى ابن سعد في " الطبقات " عن محمد الواقدي عن عبد الحكم بن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فإن أبوا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم ( قال ابن القيم : فلما نزلت آية الجزية أخذها صلى الله عليه و سلم من ثلاث طوائف : من المجوس واليهود والنصارى ولم يأخذها من عباد الأصنام فقيل : لا يجوز أخذها من كافر غير هؤلاء ومن دان دينهم اقتداء بأخذه صلى الله عليه و سلم وتركه وقيل : بل تؤخذ من أهل الكتاب وغيرهم من الكفار كعبدة الأصنام من العجم دون العرب والأول قول الشافعي وأحمد في إحدى روايتيه والثاني : قول أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى . " أوجز المسالك " 6 / 85 )
( 6 ) ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فصار كالإجماع . قوله وضرب أخرجه ابن أبي شيبة وابن زنجويه في كتاب " الأموال " والقاسم بن سلام في كتاب " الأموال " . وهو المأثور عن عثمان وعلي ذكره الزيلعي وغيره
( 7 ) أي الفقير
( 8 ) أي المتوسط
( 9 ) أي في إطلاقه بحث
( 10 ) بكسر اللام قوم من نصارى العرب أبوا أن يعطوا الجزية فضاعف عمر عليهم الصدقة
( 11 ) قوله : فإنه أضعف عليهم ... إلى آخره أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة والقاسم بن سلام في كتاب " الأموال " وأبو يوسف في كتاب " الخراج " وحميد بن زنجويه وعبد الرزاق وغيرهم كما بسطه الزيلعي

8 - ( باب زكاة الرقيق والخيل والبراذين ( 1 ) )
334 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار قال : سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال : أوفي ( 2 ) الخيل ( 3 ) صدقة ؟
_________
( 1 ) بفتح الموحدة جمع البرذون كفردوس الفرس الفارسي وقال المطرزي : البرذون : التركي من الخيل قاله القاري
( 2 ) همزة الاستفهام للإنكار لا للاستفهام
( 3 ) وقد صح : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة . وقال صلى الله عليه و سلم : قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة . أخرجه أبو داود بسند حسن

335 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك ( 1 ) بن مالك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس ( 2 ) على المسلم ( 3 ) في عبده ولا في فرسه صدقة ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 5 ) ليس في الخيل صدقة سائمة كانت أو غير سائمة . وأما في قوله أبي حنيفة ( 6 ) رحمه الله : فإذا كانت سائمة ( 7 ) يطلب نسلها ففيها الزكاة إن شئت ( 8 ) في كل فرس دينار وإن شئت فالقيمة ثم في كل مائتي درهم خمسة دراهم وهو قول إبراهيم النخعي ( 9 )
_________
( 1 ) قوله : عن عراك بن مالك قال السيوطي في " الإسعاف " : عراك بن مالك الغفاري المدني روى عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وجماعة وعنه سليمان بن يسار وخيثم وعبد الله ابنا عراك وثقه أبو زرعة وأبو حاتم مات بالمدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك انتهى . وعراك بكسر العين المهملة وفتح الراء المخففة بعدها ألف بعدها كاف كذا ضبطه ابن حجر في " التقريب " وابن الأثير في " جامع الأصول " والفتني في " المغني " وغيرهم
( 2 ) قال الباجي : هذا نفي والنفي على الإطلاق يقتضي الاستغراق قاله القاري
( 3 ) قوله : ليس على المسلم ... إلى آخره أخرجه الأئمة الستة في كتبهم ورواه ابن حبان وزاد : إلا صدقة الفطر ورواه الدارقطني بلفظ : لا صدقة على الرجل في فرسه ولا في عبده إلا زكاة الفطر كذا في " نصب الراية " للزيلعي
( 4 ) قوله : صدقة لا خلاف أنه ليس في رقاب العبيد صدقة إلا أن يشتروا للتجارة وأوجب حماد وأبو حنيفة وزفر الزكاة في الخيل إذا كانت إناثا وذكورا فإذا انفردت زكي إناثها لا ذكورها ثم يخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا وبين أن يقومها أو يخرج ربع العشر . ولا حجة لهم لصحة هذا الحديث واستدل بالحديث من قال من الظاهرية بعدم وجوب الزكاة فيهما ولو كانا للتجارة وأجيب بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع فيخص به عموم الحديث كذا في " شرح الزرقاني "
( 5 ) قال القاري : ووافقه أبو يوسف واختاره الطحاوي . وفي " الينابيع " : عليه الفتوى وهو قول مالك والشافعي
( 6 ) قوله : وأما في قول أبي حنيفة ... إلى آخره استدل له بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الليث بن حماد الإصطخري نا أبو يوسف عن فورك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا : في الخيل السائمة في كل فرس دينار . ويرد على هذا الاستدلال بوجهين : أحدهما أن في سنده كلاما قال الدارقطني : تفرد به فورك وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء . انتهى . وقال البيهقي : لو كان هذا الحديث صحيحا عند أبي يوسف لم يخالفه . انتهى . وقال ابن القطان : أبو يوسف هو أبو يوسف يعقوب القاضي وهو مجهول عندهم . انتهى
فلا يصلح للاحتجاج به في مقابلة الحديث الصحيح النافي للصدقة لكن فيما قال ابن القطان نظرا فإن أبا يوسف وثقه ابن حبان وغيره قال الزيلعي وقال العيني : قول ابن القطان لم يصدر عن عقل وهل يقال في مثل أبي يوسف إنه مجهول وهو أول من سمي بقاضي القضاة وعلمه شاع في ربع الدنيا وهو إمام ثقة حجة . انتهى . وفي " أنساب السمعاني " : لم يختلف يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني في كون أبي يوسف ثقة في الحديث . انتهى . وقد بسطت في ترجمته في " مقدمة الهداية " ثم في " مقدمة السعاية شرح شرح الوقاية " ثم في " النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير " ثم في " الفوائد البهية في تراجم الحنفية " . وثانيهما : أنه على تقدير صحته يحمل على أنه كان في الابتداء ثم نسخ بدليل قوله صلى الله عليه و سلم : عفوت عن صدقة الخيل . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم والعفو لا يكون إلا عن حق لازم وقد يستدل لما ذهب إليه أبو حنيفة بأخبار أخر منها ما في الصحيحين مرفوعا في حديث طويل : الخيل ثلاثة : هي لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر ... الحديث وفيه فأما الذي له ستر فرجل ربطها تعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ... الحديث فإن الحق الثابت على رقاب الحيوانات ليس إلا الزكاة فدل ذلك على وجوبها . وأجاب عنه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " بأنه يجوز أن يكون ذلك الحق سوى الزكاة فإنه قد روى ما نا ربيع المؤذن نا أسد نا شريك بن عبد الله بسنده عن عامر عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : في المال حق سوى الزكاة وحجة أخرى أنا رأينا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر الإبل السائمة فقال : فيها حق فسئل : ما هو ؟ فقال : إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنيحة سمينها فاحتمل أن يكون هو في الخيل ( انظر شرح معاني الآثار 1 / 310 . إطراق فحلها أي عاريته للضراب ومنيحة سمينها أي عطية سمينها من المنح وهو إعطاء ذات لبن فقيرا ليشرب لبنها مدة ثم يردها على صاحبها إذا ذهب درها . اهـ ) . انتهى ملخصا . ومنها ما روي أن عمر أخذ الصدقة من الخيل وكذلك عثمان أخرجه ابن عبد البر والدارقطني وغيرهما وأجاب عنه الطحاوي بأنه لم يأخذه عمر على أنه حق واجب عليهم بل لسبب آخر ثم أخرج بسنده عن حارثة قال : حججت مع عمر فأتاه أشراف الشام فقالوا : إنا أصبنا خيلا وأموالا فخذ من أموالنا صدقة فقال : هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قبلي ولكن انتظروا حتى أسأل المسلمين فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم علي فقالوا : حسن وعلي ساكت فقال عمر : ما لك يا أبا الحسن ؟ فقال : قد أشاروا عليك ولا بأس بما قالوا إن لم يكن واجبا وجزية راتبة يؤخذون بها بعدك . فدل ذلك على أنه إنما أخذ على سبيل التطوع بعد ابتغائهم ذلك لا على سبيل أنه شيء واجب وقد أخبر أنه لم يأخذه رسول الله ولا أبو بكر
( 7 ) بأن ترعى في أكثر الحول
( 8 ) أي أيها السائل
( 9 ) كما أخرجه المؤلف في كتاب " الآثار " عن أبي حنيفة عن حماد عنه

336 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ( 1 ) : أن عمر ( 2 ) بن عبد العزيز كتب إليه أن لا يأخذ من الخيل ولا العسل ( 3 ) صدقة
قال محمد : أما الخيل فهي على ما وصفت ( 4 ) لك وأما العسل ففيه العشر ( 5 ) إذا أصبت منه الشيء الكبير ( 6 ) خمسة أفراق ( 7 ) فصاعدا وأما أبو حنيفة فقال : في قليله وكثيره العشر ( 8 ) وقد بلغنا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه جعل في العسل العشر
_________
( 1 ) هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة
( 2 ) وأحد الفقهاء والخلفاء من بني أمية
( 3 ) قوله : ولا العسل قد ذهب الأئمة إلى أن لا زكاة في العسل ( يجب العشر في العسل به قال أبو حنيفة والشافعي في القديم وأحمد . وفي الجديد لا عشر فيه وعليه مالك مرقاة المفاتيح 4 / 155 ) وضعف أحمد حديث أنه صلى الله عليه و سلم أخذ منه العشر قال أبو عمر : هو حديث حسن يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
( 4 ) من أنه ليس فيه صدقة خلافا لأبي حنيفة
( 5 ) قوله : ففيه العشر لما روى الترمذي عن ابن عمر مرفوعا : في العسل العشر في كل عشرة أزق زق . ورواه الطبراني بلفظ : في العسل العشر في كل عشر قرب قربة وليس في ما دون ذلك شيء
وروى العقيلي عن أبي هريرة مرفوعا : في العسل العشر
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي والطبراني وغيرهم قصة فيها : أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ العشر . وفي أسانيد أكثر هذه الأخبار مقال وسند بعضها حسن . وللبسط موضع آخر
( 6 ) في نسخة : الكثير
( 7 ) قال القاري : جمع فرق بالفتح مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع أو ستة عشر رطلا
( 8 ) قوله : العشر أي إذا كان في أرض عشرية أو جبلي وقال الشافعي : لا شيء في العسل وقال أبو يوسف : لا شيء في العسل الجبلي كذا قال القاري

337 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن سليمان بن يسار : أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة ( 1 ) بن الجراح ( 2 ) : خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ( 3 ) ثم كتب إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر : إن أحبوا ( 4 ) فخذها منهم وارددها عليهم يعني على فقرائهم وارزق رقيقهم
قال محمد : القول في هذا القول الأول ( 5 ) وليس في فرس المسلم صدقة ولا في عبده إلا صدقة الفطر ( 6 )
_________
( 1 ) بضم العين هو عامر بن عبد الله الفهري أمين هذه الأمة أمره عمر على الشام
( 2 ) بالفتح وتشديد الراء ( وفي الأصل والجيم وهو تحريف )
( 3 ) فيه أنه كان مقررا عندهم أن لا زكاة فيه
( 4 ) يريد أن هذا تطوع ومن تطوع بشيء أخذ منه
( 5 ) أي عدم وجوب الصدقة في الخيل وفعل عمر لم يكن على وجه الإلزام والإيجاب
( 6 ) فإنه يجب على سيده لأجل عبده

9 - ( باب الركاز ( 1 ) )
338 - أخبرنا مالك حدثنا ربيعة ( 2 ) بن أبي عبد الرحمن وغيره ( 3 ) : أن ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطع لبلال ( 5 ) بن الحارث المزني معادن من معادن القبلية ( 6 ) وهو ( 7 ) من ناحية الفرع ( 8 ) فتلك المعادن إلى اليوم لا يؤخذ منها إلا الزكاة ( 9 )
قال محمد : الحديث المعروف ( 10 ) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : في الركاز ( 11 ) الخمس ( 12 ) قيل : يا رسول الله وما الركاز ؟ قال : المال الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلق السموات والأرض في هذه المعادن ففيها الخمس . وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - والعامة من فقهائنا ( 13 )
_________
( 1 ) قوله : الركاز ( إن في مسائل المعدن والركاز أبحاث وسيعة الأذيال بسطت في الأوجز 5 / 263 ، ولامع الدراري 5 / 104 وما بعدها . وإن الركاز يعم المعدن والكنز عند الحنفية وهو مؤدى قول لمالك والشافعي وأما عند غير الحنفية فالمشهور عنهم أن الركاز دفين الجاهلية قال ابن قدامة : هذا قول الحسن والشعبي ومالك والشافعي وأبي ثور ) بكسر الراء من الركز وهو الإثبات في الأرض إما مخلوقا وهو المعدن أو موضوعا وهو الكنز على ما يفهم من " المغرب " وكثير من كتب اللغة
( 2 ) قوله : ربيعة ... إلى آخره هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي أبو عثمان ويقال أبو عبد الرحمن المدني الفقيه أحد الأعلام المعروف بربيعة الرأي قال أحمد : ثقة وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ثبت مات سنة 136 ، كذا في " الإسعاف "
( 3 ) بالرفع أي وغير ربيعة من المشايخ
( 4 ) قوله : أن قال ابن عبد البر : هذا الحديث عند جميع رواة " الموطأ " مرسل وقد وصله البزار من طريق عبد العزيز الداراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قلت : وأخرجه أبو داود من طريق ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قاله السيوطي
( 5 ) قوله : لبلال ... إلى آخره هو بلال بن الحارث بن عاصم بن سعيد بن قرة بن خلادة بن ثعلبة أبو عبد الرحمن المزني قدم على النبي صلى الله عليه و سلم في وفد مزينة سنة خمس وكان يحمل لواء مزينة يوم الفتح ثم سكن البصرة وتوفي سنة ستين آخر أيام معاوية رضي الله عنه كذا في " أسد الغابة في معرفة الصحابة " لعز الدين علي بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري
( 6 ) قوله : من معادن القبلية قال ابن الأثير : في " النهاية " منسوب إلى قبل بفتح القاف والباء وهي ناحية من الفرع هذا هو المحفوظ في الحديث وفي كتاب الأمكنة معادن القلبة ( القلبة : بكسر القاف بعدها لام مفتوحة ثم باء . أوجز المسالك 5 / 265 )
( 7 ) أي مكان تلك المعادن
( 8 ) قوله : من ناحية الفرع بضم الفاء والراء كما جزم به السهيلي وعياض في " المشارق " وقال في كتابه " التنبيهات " : هكذا قيده الناس وحكى عبد الحق عن الأحول إسكان الراء ولم يذكر غيره كذا ذكره الزرقاني
( 9 ) أراد بها ربع العشر . قوله : إلا الزكاة ... إلى آخره به قال جماعة وقال الثوري وأبو حنيفة وغيرهما : المعدن كالركاز يؤخذ من قليله وكثيره الخمس
( 10 ) قوله : الحديث المعروف أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث أبي هريرة : " العجماء جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس " أخرجوه مطولا ومختصرا وحمله مالك والشافعي وغيرهما على المال المدفون في الأرض وقالوا : أما المعدن الذي خلقه الله في الأرض فلا خمس فيه بل فيه الزكاة إذا بلغ قدر النصاب وهو المأثور عن عمر بن عبد العزيز وصله أبو عبيد في كتاب " الأموال " وعلقه البخاري في صحيحه . وأما أصحابنا فقالوا : الركاز : يعم المعدن والكنز ففي كل ذلك الخمس . ويؤيده ما أخرجه البيهقي في " المعرفة " عن حبان بن علي عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا : الركاز الذي ينبت بالأرض . وفي عبد الله كلام وروى أبو يوسف أيضا عن عبد الله بسنده عن أبي هريرة مرفوعا : في الركاز الخمس قيل : وما الركاز يا رسول الله ؟ قال : الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت ذكره البيهقي . وأما حديث بلال بن الحارث المزني في معادن القبلية . فقال أبو عبيد : هو منقطع ومع انقطاعه ليس فيه أنه عليه الصلاة و السلام أمر بذلك وإنما فيه لا يؤخذ منها إلا الزكاة وقال النووي : قال الشافعي : ليس هذا مما يثبته أهل الحديث ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال البيهقي : هو كما قال الشافعي في رواية مالك وأما ما أخرجه البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ من معادن القبلية الصدقة ففي سنده كثير بن عبد الله مجمع على ضعفه ذكره العيني
( 11 ) سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام عند الجمهور . ومنهم الأئمة الأربعة خلافا للحسن البصري في قوله : فيه الخمس في أرض الحرب وفي أرض الإسلام فيه الزكاة قاله القاري
( 12 ) قوله : في الركاز الخمس قال السيوطي : وقع في زمن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن رجلا رأى النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال له : اذهب إلى موضع كذا فاحفره فإن فيه ركازا فخذه لا خمس عليك فيه فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع فحفره فوجد الركاز فاستفتى علماء عصره فأفتوه بأنه لا خمس عليه لصحة رؤياه وأفتى الشيخ عز الدين بأن عليه الخمس وقال : أكثر ما ينزل منامه منزلة حديث روي بإسناد صحيح وقد عارضه ما هو أصح منه وهو الحديث المخرج في الصحيحين : في الركاز الخمس . قال القاري : وأيضا حديث المنام لا يعارض حديث اليقظة فإن حالها أقوى ولهذا لا يجوز العمل بما يرى في المنام إذا كان مخالفا لشرعه عليه الصلاة و السلام ( انظر شرح الزرقاني 1 / 101 )
( 13 ) الأكثرين من فقهائنا أي الكوفيين

10 - ( باب صدقة البقر )

339 - أخبرنا مالك أخبرنا حميد ( 1 ) بن قيس عن طاوس ( 2 ) : أن ( 3 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث ( 4 ) معاذ بن الجبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا ( 5 ) ومن كل أربعين مسنة ( 6 ) فأتي بها دون ذلك ( 7 ) فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال : لم أسمع فيه من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا حتى أرجع إليه فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يقدم ( 8 ) معاذ
قال محمد : وبهذا نأخذ ليس في أقل من ثلاثين من البقر زكاة فإذا كانت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة والتبيع الجذع ( 9 ) الحولي إلى أربعين فإذا بلغت ( 10 ) أربعين ففيها مسنة وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - والعامة
_________
( 1 ) قوله : حميد هو أبو صفوان الأعرج القاري لا بأس به من رجال الجميع مات سنة 130 ، وقيل : بعدها كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) هو ابن كيسان اليماني ويقال : اسمه ذكوان وطاوس لقبه تابعي ثقة مات سنة 106 ، وقيل بعدها كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : أن ... إلى آخره أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن مسروق عن معاذ وقال الترمذي : حديث حسن وقد رواه بعضهم مرسلا لم يذكر فيه معاذا وهذا أصح . انتهى . ورواه ابن حبان في صحيحه مسندا والحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط الشيخين والمرسل الذي أشار إليه الترمذي أخرجه ابن أبي شيبة عن مسروق قال : بعث رسول الله معاذا إلى اليمن . الحديث
وقال أبو عمر في " التمهيد " في باب حميد بن قيس : قد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت ذكره عبد الرزاق : ثنا معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ . انتهى . وللحديث طرق أخر منها عن أبي وائل عن معاذ وهي عند أبي داود والنسائي ومنها عن إبراهيم النخعي عن معاذ وهي عند النسائي ومنها عن طاوس عن معاذ وهي في " موطأ مالك " . قال في الإمام : ورواية إبراهيم عن معاذ منقطعة بلا شك وكذلك رواية طاوس . وقال الشافعي : طاوس أعلم بأمر معاذ وإن كان لم يلقه كذا في " نصب الراية " ( 2 / 346 و 347 ) للزيلعي رحمه الله
( 4 ) أي قاضيا ومعلما
( 5 ) هو ما طعن في السنة الثانية سمي به لأنه يتبع أمه
( 6 ) هي أنثى المسن وهو ما دخل في الثالثة
( 7 ) أي ما دون الثلاثين
( 8 ) أي من اليمن
( 9 ) بفتح الجيم والذال المعجمة ما أتى عليه أكثر السنة ( الجذع ) أي إذا أكمل السنة وشرع في الثانية
( 10 ) قوله : بلغت أربعين ففيها مسنة : وهكذا يحسب كل ثلاثين وأربعين لما أخرجه أحمد والطبراني عن معاذ قال : بعثني رسول الله أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ومن ستين تبيعان ومن سبعين مسنة وتبيع ومن ثمانين مسنتان ومن تسعين ثلاثة أتبعة ومن المائة مسنة وتبيعان ومن العشر ومائة مسنتان وتبيع ومن عشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن تبلغ مسنة أو جذعا . وأخرج البيهقي والدارقطني من حديث بقية عن المسعودي عن الحكم عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ومن كل أربعين مسنة قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها بشيء وسأسأله إذا قدمت إليه فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم سأله فقال : ليس فيها شيء . وهذا يدل على أن معاذا قدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه و سلم حي ويوافقه ما أخرجه أبو يعلى أن معاذا لما قدم من اليمن سجد للنبي صلى الله عليه و سلم فقال له : يا معاذ ما هذا ؟ قال : إني لما قدمت على اليمن وجدت اليهود والنصارى يسجدون لعظمائهم وقالوا هذه تحية الأنبياء فقال : كذبوا على أنبيائهم ولو كنت آمرا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . ويخالفه رواية مالك وغيرها من الروايات الصحيحة

11 - ( باب الكنز ( 1 ) )
340 - أخبرنا مالك حدثنا نافع قال : سئل ابن عمر عن الكنز ( 2 ) ؟ فقال : هو المال ( 3 ) الذي لا تؤدى زكاته
_________
( 1 ) قوله : الكنز كنز وجد فيه سمة الكفر كنقش صنم ونحوه خمس وأما ما فيه سمة الإسلام فكاللقطة فالمراد بالكنز ههنا ما يضعه صاحبه في الأرض ويدفنه أو أريد به ما يجمعه مطلقا كذا قال القاري
( 2 ) المذموم الوارد في القرآن
( 3 ) قوله : هو المال ... إلى آخره على هذا التفسير جمهور العلماء وفقهاء الأمصار ( راجع للتفصيل : " فتح الباري " : 3 / 268 ، و " عمدة القاري " : 4 / 275 ) وقد رواه الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا أخرجه الطبراني والبيهقي وقال : ليس بمحفوظ وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا : كل ما أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا على وجه الأرض

341 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال ( 1 ) : من كان له مال ولم يؤد زكاته مثل ( 2 ) له يوم القيامة شجاعا ( 3 ) أقرع ( 4 ) له زبيبتان ( 5 ) يطلبه حتى يمكنه ( 6 ) فيقول : أنا كنزك ( 7 )
_________
( 1 ) قوله : قال موقوفا ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عنه . رواه البخاري وتابعه زيد بن أسلم عن أبي صالح عند مسلم
( 2 ) أي صور ماله في نظره
( 3 ) حية عظيمة
( 4 ) قوله : أقرع برأسه بياض وكلما أكثر سمه ابيض رأسه قاله ابن عبد البر . وفي " الفتح " : الأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه
( 5 ) أي نقطتان سوداوان في جانبي الرأس
( 6 ) بضم الياء وكسر الكاف مخففا أي فيتمكن منه فيأخذه ويعضه
( 7 ) قوله : أنا كنزك ولابن حبان : يتبعه فيقول : أنا كنزك الذي تركته بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيمضغها ثم يتبعها ( وفي الأصل : يتبعه وهو خطأ ) سائر جسده

12 - ( باب من تحل له الزكاة )

342 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : أن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز ( 2 ) في سبيل الله أو لعامل ( 3 ) عليها أو لغارم ( 4 ) أو لرجل اشتراها ( 5 ) بماله أو لرجل له جار ( 6 ) مسكين تصدق ( 7 ) على المسكين فأهدى إلى الغني
قال محمد : وبهذا نأخذ والغازي في سبيل الله إذا كان له عنها ( 8 ) غنى يقدر بغناه على الغزو لم يستحب له أن يأخذ منها شيئا ( 9 ) وكذلك الغارم إن كان عنده وفاء بدينه وفضل ( 10 ) تجب فيه الزكاة لم يستحب له أن يأخذ منها شيئا وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : أن قال السيوطي : قد وصله أبو داود وابن ماجه من طريق معمر عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري
( 2 ) قوله : لغاز وفي معناه منقطع الحاج وكذا ابن السبيل وهو المسافر الفقير الذي لا مال في يده
( 3 ) من يبعثه الإمام لجمعها فيعطى بقدر كفايته وإن كن غنيا عنها
( 4 ) أي مديون استغرق دينه ماله بحيث لا يفضل نصاب له أو لصاحب غرامة من دية لزمته
( 5 ) أي الزكاة من مصرفها
( 6 ) قوله : له جار خرج على جهة التمثيل فلا مفهوم له
( 7 ) بصيغة المجهول
( 8 ) أي عن الصدقة
( 9 ) قوله : شيئا بل يستحب له أن لا يأخذ وفيه تنبيه على أنه لا يجوز أن يأخذ أكثر من قدر كفاية
( 10 ) أي زيادة

13 - ( باب زكاة الفطر ( 1 ) )
343 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي ( 2 ) تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة
قال محمد رحمه الله : وبهذا نأخذ يعجبنا ( 3 ) تعجيل زكاة الفطر ( 4 ) قبل أن يخرج الرجل إلى المصلى وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) هي واجبة عندنا وقيل مستحبة ( قال العيني : فرض عند مالك والشافعي وأحمد وواجبة عند أبي حنيفة وسنة في رواية عن مالك وعند طائفة من الحنفية وقيل : مندوبة كانت واجبة ثم نسخت . راجع عمدة القاري 4 / 462 ، وفيه ثمانية أبحاث مفيدة . وانظر أوجز المسالك 6 / 113 ) وقدرها نصف صاع من بر وصاع من غيره
( 2 ) هو من نصبه الإمام لقبضها قوله : إلى الذي تجمع عنده قال في " ضياء الساري " : قال البخاري : كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها والمراد بهم الذين نصبهم الإمام لقبضها وبهذا جزم ابن بطال وقال ابن التين : معناه من قال أنا فقير من غير أن يتجسس . قال الحافظ : والأول أظهر وقد وقع في رواية ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب قلت لنافع : متى كان ابن عمر يعطي ؟ قال : إذا قعد العامل قلت : متى كان يقعد العامل ؟ قال : قبل الفطر بيوم أو يومين ولمالك في " الموطأ " عن نافع أن ابن عمر : كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيوم أو يومين وأخرجه الشافعي عنه وقال : هذا حسن وأنا أستحبه يعني تعجيلها قبل الفطر . انتهى . ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه البخاري في " الوكالة " وغيرها عن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفظ زكاة رمضان ... الحديث وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر فدل على أنهم كانوا يعجلونها
( 3 ) ليكون عاملا بقوله تعالى : { قد أفلح من تزكى } أي أخرج زكاة الفطر { وذكر اسم ربه } أي بالتكبير في طريقه { فصلى } أي صلاة عيده . قوله : يعجبنا ... إلى آخره لما أخرجه الحاكم في " علوم الحديث " عن أبي العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن الجهم نا نضر بن حماد نا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نخرج صدقة الفطر عن كل صغير وكبير وحر وعبد صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من شعير أو صاعا من قمح وكان يأمرنا أن نخرجها قبل الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسمها قبل أن ينصرف إلى المصلى ويقول : أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم . وفي صحيح البخاري وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن الحجاج بن أرطاة عن ابن عباس قال : من السنة أن يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة ( يستحب أداؤها قبل الخروج إلى الصلاة وقد اتفق عليه الأربعة كما في " عمدة القاري " ) ولا يخرج حتى يطعم . وأخرج ابن سعد في " الطبقات " عن أبي سعيد الخدري قال : فرض صوم رمضان بعد ما حولت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة وأمر عليه السلام في هذه السنة بزكاة الفطر وأن يخرج عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو مدين من بر ( بهذا قال أبو حنيفة : نصف صاع من القمح أي الحنطة - وصاع من التمر والشعير وقال الشافعي : صاع من كل شيء في صدقة الفطر ومذهب مالك
وأحمد وإسحاق مثل مذهب الشافعي في تقديره بالصاع في البر . انظر أوجز المسالك 6 / 132 ) وأمر بإخراجها قبل الغدو إلى الصلاة وقال : أغنوهم يعني المساكين عن الطواف في هذا اليوم
( 4 ) قال القاري : لقوله تعالى : { سارعوا إلى مغفرة من ربكم } ( سورة آل عمران : الآية 133 ) ولأن في التأخير آفات

14 - ( باب صدقة الزيتون )

344 - أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال : صدقة الزيتون ( 1 ) العشر
وقال محمد : وبهذا نأخذ إذ خرج ( 2 ) منه خمسة أوسق فصاعدا ( 3 ) ولا يلتفت ( 4 ) في هذا إلى الزيت إنما ينظر في هذا إلى الزيتون وأما في قول أبي حنيفة - رحمه الله - ففي قليله وكثيره
_________
( 1 ) الزيتون معروف والزيت دهنه
( 2 ) قوله : إذا خرج منه خمسة أوسق فصاعدا فحينئذ يجب فيه العشر سواء كان الزيت الخارج منه أقل أو أكثر وأما عند أبي حنيفة ففي كل ما يخرج من الأرض العشر من دون تقدير بخمسة أوسق وقد مر تفصيله وقال محمد بن عبد الباقي الزرقاني به أي بوجوب العشر في الزيتون . قال جماعة من الفقهاء وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه والثاني كابن وهب وأبي ثور وأبي يوسف ومحمد لا زكاة فيه لأنه إدام لا قوت . انتهى . وأنت تعلم ما فيه ( قال شيخنا في " الأوجز " 6 / 45 : وما حكى الزرقاني ( 2 / 130 ) عن صاحبي أبي حنيفة لم أجده في كتبنا بل ذكر الإمام محمد في موطئه حديث الباب ثم قال : وبهذا نأخذ إذا خرج منه خمسة أوسق فصاعدا ولا يلتفت في هذا إلى الزيت وإنما ينظر إلى الزيتون وأما في قول أبي حنيفة ففي قليله وكثيره . انتهى . وهذا صريح في أن محمدا - رحمه الله - قائل بوجوب العشر في الزيتون ) فإن كلام محمد ههنا صريح في وجوب العشر في الزيتون
( 3 ) قياسا على ما ورد
( 4 ) أي بأن يكون قليلا أو كثيرا

( أبواب الصيام ( 1 ) )
1 - ( باب الصوم لرؤية الهلال ( 2 ) والإفطار لرؤيته )
345 - أخبرنا مالك حدثنا نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر ( 3 ) رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا ( 4 ) الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم ( 5 ) عليكم فاقدروا ( 6 ) له
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : الصيام ( الصوم لغة : الإمساك عن أي شيء كان قولا كقوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا } أو فعلا كقول النابغة الذبياني :
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
صام الخيل إذا لم تعتلف وهو المشهور . راجع لتفصيله " اللسان " و " عمدة القاري " 5 / 253 ) بكسر الصاد والياء بدل من الواو وهو الصوم مصدران لصام وهو ربع الإيمان لحديث : الصوم نصف الصبر وحديث : الصبر نصف الإيمان
( 2 ) قوله الهلال : قال الأزهري : يسمى القمر لليلتين من أول الشهر هلالا وفي ليلة ست وسبع وعشرين أيضا وما بين ذلك يسمى قمرا
( 3 ) قوله : ذكر رمضان فيه إيماء إلى جواز ذكره بدون شهر قال عياض : هو الصحيح ومنعه أصحاب مالك لحديث " لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا : شهر رمضان " أخرجه ابن عدي وضعفه . وفرق ابن الباقلاني بأنه إن دلت قرينة على صرفه إلى الشهر كصمنا رمضان جاز وإلا امتنع كجاء ودخل . وبالفرق قال كثير من الشافعية قال النووي : والمذهبان فاسدان لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت فيه نهي ولا يصح قولهم إنه اسم الله لأنه جاء فيه أثر ضعيف وأسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح . ولو ثبت أنه اسم لم يلزم كراهته كذا قال الزرقاني
( 4 ) والمراد به رؤية بعض المسلمين لا كل الناس . قوله : حتى تروا الهلال يجب على الناس كفاية أن يلتمسوا هلال رمضان يوم التاسع والعشرين من شعبان لأنه قد يكون ناقصا نص عليه الشرنبلالي في " مراقي الفلاح " وهذا معنى قول القدوري : ينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال يوم التاسع والعشرين كما فسره ابن الهمام في " فتح القدير " وذلك لما روى عن البخاري عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين . قوله : غم بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم . قوله : أكملوا العدة أي عدة شعبان لأن الأصل في الشهر هو البقاء وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمي عليكم فأكملوا العدد . وروى الترمذي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حالت دونه غياية فأكملوا ثلاثين يوما . قوله : غياية بالتحتيتين كل ما أظلك من سحابة أو غيرها . وقد بسطت الكلام في رسالتي " القول المنثور في هلال خير الشهور "
( 5 ) بضم الغين وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه الهلال غيم
( 6 ) بضم الدال أي فقدروا له تمام العدد ثلاثين كما في رواية أخرى أمر : فأكملوا العدة ثلاثين
قوله : فاقدروا له قال النووي : اختلف في معناه فقالت طائفة : معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وبهذا قال أحمد وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان وقال ابن شريح وجماعة : معناه قدروه بحساب المنازل . وذهب الأئمة الثلاثة والجمهور إلى أن معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما كما في الرواية الأخرى

2 - ( باب متى يحرم الطعام على الصائم )

346 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن بلالا ينادي ( 1 ) بليل ( 2 ) فكلوا ( 3 ) واشربوا حتى ينادي ( 4 ) ابن أم مكتوم ( 5 )
_________
( 1 ) أي يؤذن قوله : ينادي في هذا الحديث مشروعية الأذان قبل الوقت في الصبح وهل يكتفى به عن الأذان بعد الفجر أم لا ؟ ذهب إلى الأول الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وروى الشافعي في القديم عن عمر أنه قال : عجلوا الأذان بالصبح يدلج المدلج وتخرج العائرة . وصحح في " الروضة " أن وقته من أول نصف الليل الآخر وهذا هو مذهب أبي يوسف من الحنفية وابن حبيب من المالكية لكن على هذا يشكل قول القاسم بن محمد المروي عند البخاري في " الصيام " لم يكن بين أذانيهما أي أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم إلا أن يرقى ذا وينزل ذا . ومن ثم اختار السبكي في " شرح المنهاج " أن الوقت الذي يؤذن فيه قبل الفجر هو وقت السحر كذا في " إرشاد الساري "
( 2 ) قوله : بليل قال مالك : لم تزل صلاة الصبح ينادى لها قبل الفجر فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها قال الكرخي من الحنفية : كان أبو يوسف يقول بقول أبي حنيفة لا يؤذن لها حتى أتى المدينة فرجع إلى قول مالك وعلم أنه عملهم المتصل . قال الباجي : يظهر لي أنه ليس في الأثر ما يقتضي أن الأذان قبل الفجر لصلاة الفجر فإن كان الخلاف في الأذان ذلك الوقت فالآثار حجة لمن أثبته وإن كان الخلاف في المقصود به فيحتاج إلى ما يبين ذلك
( 3 ) فيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت فبين أن أذان بلال على خلاف ذلك
( 4 ) قوله : حتى ينادي ابن أم مكتوم قد أخرج هذا الحديث الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمر وعائشة . ورواه ابن خزيمة من حديث ابن مسعود وسمرة وصححهما . وفي الباب عن أنس وأبي ذر . وروى أحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث أنيسة بنت حبيب هذا الحديث بلفظ : إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال . وروى ابن خزيمة عن عائشة مثله وقال : إن صح هذا الخبر فيحتمل أن يكون كان الأذان بين بلال وابن أم مكتوم نوبا فكان بلال إذا كانت نوبته يعني السابقة أذن بليل وكذلك ابن أم مكتوم وجزم به ابن حبان أنه صلى الله عليه و سلم جعل الأذان بينهما نوبا . وحكم ابن عبد البر وابن الجوزي ومن تبعهما على حديث أنيسة بالوهم وأنه مقلوب كذا في " تخريج أحاديث الرافعي " لابن حجر
( 5 ) فإنه ينادي أول ما يبدأ الصبح

347 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري ( 1 ) عن سالم مثله قال ( 2 ) : وكان ابن أم مكتوم لا ينادي ( 3 ) حتى يقال له : قد أصبحت
قال محمد : كان ( 4 ) بلال ينادي بليل في شهر رمضان لسحور ( 5 ) الناس وكان ابن أم مكتوم ينادي للصلاة بعد طلوع الفجر فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ( 6 )
_________
( 1 ) لم يختلف على مالك في الإسناد الأول أنه موصول وأما هذا فرواه يحيى وأكثر الرواة مرسلا فوصله القعنبي فقال : عن سالم عن أبيه قاله ابن عبد البر
( 2 ) عين الطحاوي أن قائله ابن شهاب
( 3 ) لكونه أعمى
( 4 ) قوله : كان بلال ... إلى آخره أجاب أصحابنا القائلون بعدم جواز الأذان قبل الوقت مطلقا ولو بالصبح عن الأحاديث المثبتة له بوجوه : الأول : ما أشار إليه ههنا وهو أن أذان بلال بليل لم يكن للصلاة ليحكم به بجواز أذان الفجر قبل دخول وقته بل كان لسحور الناس في شهر رمضان خاصة وأذان الفجر إنما كان ما يؤذنه ابن أم مكتوم بعد طلوع الفجر . ويعضده رواية مسلم مرفوعا : لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال : ينادي ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم . وأخرج الطحاوي عن ابن مسعود مرفوعا : لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه ينادي أو يؤذن ليرجع غائبكم أو لينتبه نائمكم . ففي هاتين الروايتين وأمثالها تصريح بأن أذان بلال ليس للصلاة بل لأمر آخر والثاني : أن بلالا إنما كان يؤذن بليل لأنه كان في بصره سوء لا يقدر به على تمييز الفجر ذكره الطحاوي وأيده بما أخرجه عن أنس مرفوعا : لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئا وقال : فدل ذلك على أن بلالا كان يريد الفجر فيخطئه لضعف بصره فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يعلموا على أذانه إذ كان من عادته الخطأ لضعف بصره ( انظر شرح معاني الآثار 1 / 82 - 84 ) . انتهى . وفيه بعد ظاهر فإنه لو كان كذلك لم يقرره النبي صلى الله عليه و سلم مؤذنا له وعلى تقدير التقرير لم يؤذن له بأذان الصبح . والثالث : المعارضة بأحاديث أخر منها ما أخرجه أبو داود عن شداد عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا . وأخرج الطحاوي والبيهقي عن نافع عن ابن عمر عن حفصة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أذن المؤذن بالفجر قام فصلى ركعتي الفجر ثم خرج إلى المسجد وكان لا يؤذن حتى يصبح . وأخرج أبو داود عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يرجع فينادي : ألا إن العبد قد نام . وفي الباب أخبار أخر مبسوطة في " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي وغيره والحق في هذا المقام أنه لا سبيل إلى المعارضة فإن الأحاديث المثبتة للأذان بليل صحيحة وما عداها مقدوحة كما بسطه الزيلعي وغيره وتخصيص كونه برمضان فقط ليس بذلك ما لم يثبت بأثر صحيح صريح وزعم أنه كان للصلاة غير مستند إلى دليل يعتد به بل الظاهر أن أذان بلال بليل كان لإرجاع القائمين وإيقاظ النائمين فهو ذكر بصورة الأذان فافهم فإن الأمر مما يعرف وينكر
( 5 ) بالضم مصدر بمعنى الأكل وقت السحر وأما بالفتح فهو اسم لما يؤكل فيه
( 6 ) قوله : ابن أم مكتوم اسمه عمرو وقيل : الحصين فسماه النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله أسلم قديما وشهد القادسية في خلافة عمر واستشهد بها والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة واسم أمه عاتكة المخزومية وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه به لاكتتام نور بصره كذا ذكره الزرقاني

3 - ( باب من أفطر متعمدا في رمضان )

348 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن حميد ( 1 ) بن عبد الرحمن ( 2 ) عن أبي هريرة : أن رجلا ( 3 ) أفطر في رمضان فأمر ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا قال لا أجد ( 5 ) فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرق ( 7 ) من تمر فقال : خذ هذا فتصدق به فقال : يا رسول الله ما أجد أحدا ( 8 ) أحوج ( 9 ) إليه مني قال : كله ( 10 )
قال محمد : وبهذا نأخذ إذا أفطر الرجل متعمدا ( 11 ) في شهر رمضان بأكل أو شرب ( 12 ) أو جماع ( 13 ) فعليه ( 14 ) قضاء يوم مكانه وكفارة الظهار أن ( 15 ) يعتق رقبة فإن لم يجد ( 16 ) فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ( 17 ) ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع ( 18 ) من حنطة أو صاع من تمر أو شعير
_________
( 1 ) أبو عبد الرحمن المدني وثقه العجلي وغيره ومات سنة 95 هـ وقيل : 105 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) أي ابن عوف كما ليحيى
( 3 ) قوله : أن رجلا هو سلمان وقيل سلمة بن صخر البياضي رواه ابن أبي شيبة وابن الجارود وبه جزم عبد الغني وتعقب بأن سلمة هو المظاهر في رمضان وإنما أتى أهله ليلا رأى خلخالها في القمر
( 4 ) في نسخة : أمره . قوله : أفطر في رمضان قال ابن عبد البر : كذا رواه مالك ولم يذكر بماذا أفطر وتابعه جماعة عن ابن شهاب وقال أكثر الرواة عن الزهري : إن رجلا وقع على امرأته في رمضان فذكروا ما أفطر به فتمسك به أحمد والشافعي ومن وافقهما في أن الكفارة خاصة بالجماع فإن الذمة بريئة فلا يثبت شيء فيها إلا بيقين وقال مالك وأبو حنيفة وطائفة : عليه الكفارة بتعمد أكل وشرب ونحوهما أيضا لأن الصوم شرعا الامتناع عن الأكل والجماع فإذا ثبت في وجه من ذلك شيء ثبت في نظيره ( والجامع بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا . انظر أوجز المسالك 5 / 66 )
( 5 ) وفي حديث عائشة قال : تصدق فقال : يا بني الله ما لي شيء وما أقدر عليه
( 6 ) لم يسم الآتي وللبخاري في الكفارات : فجاء رجل من الأنصار
( 7 ) فسر الزهري في رواية الصحيحين بأنه المكتل ( العرق ) بفتح العين والراء وروي بإسكان الراء وذكر في " المغرب " وغيره أن العرق مكتل يسع ثلاثين صاعا من تمر وقيل خمسة عشر
( 8 ) أي بين لابتي المدينة كما في رواية
( 9 ) أي أفقر إلى أكله
( 10 ) قوله : كله احتج به القائل بأنه لا تجب الكفارة ورد بأنه أباح له تأخيرها إلى وقت اليسر لا أنه أسقطها عنه جملة وقال عياض : قال الزهري : هذا خاص بذا الرجل
( 11 ) وأما الناسي فلا كفارة عليه ولا قضاء بل يتم صومه
( 12 ) قوله : بأكل أو شرب قد يستدل عليه بإطلاق الفطر في الحديث المذكور وينازع بأنه محمول على الجماع . فقد رواه عشرون من حافظ أصحاب الزهري بذكر الجماع والأحسن في الاستدلال ما أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن كعب عن أبي هريرة أن رجلا أكل في رمضان . فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يعتق رقبة " الحديث " لكن إسناده ضعيف لضعف أبي معشر راويه عن ابن كعب والمشهور في الاستدلال حمل النظير على النظير
( 13 ) أخره مبالغة في استواء أمره مع غيره
( 14 ) أي : فعليه شيئان . قوله : فعليه قضاء ... إلى آخره ثبت في رواية أبي داود من حديث أبي هريرة في قصة المجامع في رمضان وفي سندها ضعف وورد أيضا في رواية مالك عن سعد بن المسيب مرسلا وفي رواية سعيد بن منصور وغيرهما ذكره ابن حجر
( 15 ) في بعض النسخ : وهي أن
( 16 ) قوله : فإن لم يجد ... إلى آخره فيه إشعار بأنه لا ينتقل عن العتق إلى الصيام وكذا عنه إلى الإطعام إلا عند العجز وبه ورد التصريح في كثير من الروايات وبه أخذ أصحابنا والشافعي وقال مالك : هو على التخيير أخذا بظاهر ما رواه عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة قاله الزرقاني
( 17 ) في نسخة : فإطعام
( 18 ) قوله : نصف صاع فالمجموع ثلاثون صاعا من حنطة أو ستون صاعا من شعير أو تمر وأما قصة العرق الذي كان فيه التمر أقل من ذلك فمحمول على القدر المعجل ( قال الحافظ : قد اعتنى به - أي بالحديث المذكور - بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا فتكلم عليه في مجلدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة . فتح الباري 3 / 172 )

4 - ( باب الرجل يطلع له الفجر في رمضان وهو جنب ( 1 ) )
349 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله ( 2 ) بن عبد الرحمن بن معمر ( 3 ) عن أبي يونس ( 4 ) مولى عائشة ( 5 ) أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ( 6 ) واقف على الباب وأنا أسمع ( 7 ) : إني أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم ( 8 ) فقال ( 9 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : وأنا ( 10 ) أصبح ( 11 ) جنبا ثم أغتسل ( 12 ) فأصوم فقال الرجل ( 13 ) : إنك لست ( 14 ) مثلنا فقد غفر الله لك ( 15 ) ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب ( 16 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم ( 17 ) لله عز و جل وأعلمكم ( 18 ) بما أتقي ( 19 )
_________
( 1 ) أي والحال أنه يجب عليه الغسل سواء يكون عن احتلام أو جماع أو انقطاع حيض أو نفاس
( 2 ) أبو طوالة قاضي المدينة لعمر بن عبد العزيز ثقة مات سنة 134 هـ كذا في " التقريب "
( 3 ) ابن حزم الأنصاري
( 4 ) وثقه ابن حبان قاله السيوطي قوله : عن أبي يونس أن رجلا ... . إلى آخره هكذا في بعض النسخ وفي بعضها عن أبي يونس عن عائشة وقال الزرقاني : هكذا لجميع رواة الموطأ كيحيى عند ابن وضاح عن أبي يونس عن عائشة أن رجلا ... إلى آخره وأرسله عبيد الله بن يحيى عنه فلم يذكر عن عائشة
( 5 ) نادت عائشة - في مسلم - من وراء الباب
( 6 ) أي : والحال أن الرجل
( 7 ) أي قوله
( 8 ) فهل يصح صيامي ؟
( 9 ) أجابه بالفعل لأنه أبلغ
( 10 ) ولك في أسوة
( 11 ) أي أحيانا
( 12 ) بعد الصبح للصلاة
( 13 ) اعتقد الرجل أن ذلك من خصائصه لأن الله يحل لرسوله ما شاء
( 14 ) كأن السائل لم يكن ماهرا في قيام المبنى ولا في مقام المعنى وإلا فحقه أن يقول إنا لسنا مثلك فلا يقاس حالنا على حالك كذا قال القاري
( 15 ) قوله : فقد غفر الله لك ... إلى آخره أي ستر وحال بينك وبين الذنب فلا يقع منك ذنب أصلا إلا أن الغفر هو الستر فهو كناية عن العصمة
( 16 ) أي لما ظهر من قوله ترك الاقتداء بفعله مع أنه يجب المتابعة لفعله وقوله وتقريره في جميع الأحكام . نعم له خصوصيات معلومة عند العلماء الكرام لكنه صلى الله عليه و سلم حيث دله على حكمه بفعله تبين أنه ليس من مخصوص حكمه فغضب لأجله
قوله : فغضب لاعتقاده الخصوصية بلا علم مع كونه أخبره بفعله جوابا لسؤاله وذلك أقوى دليل على عدم الاختصاص أشار إليه ابن العربي . وقال الباجي : قول السائل ذلك وإن كان على معنى الخوف والتوقي لكن ظاهره أنه يعتقد فيه صلى الله عليه و سلم ارتكاب ما شاء لأنه غفر له أو لعله أراد أن الله يحل لرسوله ما شاء
( 17 ) قوله : أخشاكم قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : فيه إشكال لأن الخوف والخشية حالتان تنشآن عن ملاحظة شدة النقمة الممكن وقوعها بالخائف وقد دل القاطع على أنه صلى الله عليه و سلم غير معذب فكيف يتصور منه الخوف ؟ فكيف أشد الخوف ؟ والجواب أن الذهول جائز عليه فإذا حصل الذهول حصل له الخوف كذا في " مرقاة الصعود "
( 18 ) وأعلمكم بما أتقي قال عياض : فيه وجوب الاقتداء بأفعاله والوقوف عندها إلا ما قام الدليل على اختصاصه به هو قول مالك وأكثر أصحابنا البغداديين وأكثر أصحاب الشافعي وقال معظم الشافعية : إنه مندوب وحملته طائفة على الإباحة
( 19 ) أي بما يجب أن أتقي منه من فعل أو ترك أو قول

350 - أخبرنا مالك أخبرنا سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ( 1 ) أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : كنت أنا وأبي ( 2 ) عند مروان بن الحكم ( 3 ) وهو أمير ( 4 ) المدينة فذكر ( 5 ) أن أبا هريرة ( 6 ) قال : من أصبح جنبا أفطر ( 7 ) فقال مروان : أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي ( 8 ) المؤمنين عائشة وأم سلمة فتسألهما عن ذلك قال ( 9 ) : فذهب ( 10 ) عبد الرحمن ( 11 ) وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلمنا ( 12 ) على عائشة ثم قال عبد الرحمن : يا أم المؤمنين كنا عند مروان بن الحكم فذكر أن أبا هريرة يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم قالت : ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن أترغب ( 13 ) عما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع ؟ قال : لا ( 14 ) والله قالت : فأشهد على رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يصبح جنبا من جماع ( 15 ) غير احتلام ( 16 ) ثم يصوم ذلك اليوم . قال ( 17 ) : ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها ( 18 ) عن ذلك فقالت كما قالت ( 19 ) عائشة فخرجنا حتى جئنا مروان فذكر له عبد الرحمن ما قالتا فقال ( 20 ) : أقسمت عليك يا أبا محمد ( 21 ) لتركبن دابتي ( 22 ) فإنها بالباب ( 23 ) فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه ( 24 ) بأرضه بالعقيق ( 25 ) فلتخبرنه ذلك ( 26 ) قال : فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ( 27 ) ثم ذكر له ذلك ( 28 ) فقال أبو هريرة : لا علم لي ( 29 ) بذلك إنما أخبرنيه ( 30 ) مخبر ( 31 )
قال محمد : وبهذا نأخذ من أصبح جنبا من جماع من غير احتلام ( 32 ) في شهر رمضان ثم اغتسل بعد ما طلع الفجر فلا بأس بذلك وكتاب الله تعالى يدل على ذلك قال الله عز و جل : { أحل لكم ( 33 ) ليلة الصيام الرفث ( 34 ) إلى نسائكم هن ( 35 ) لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون ( 36 ) أنفسكم فتاب ( 37 ) عليكم وعفا عنكم ( 38 ) فالآن باشروهن } يعني ( 39 ) الجماع { وابتغوا ( 40 ) ما كتب الله لكم } يعني ( 41 ) الولد { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } يعني ( 42 ) حتى يطلع الفجر فإذا ( 43 ) كان الرجل ( 44 ) قد رخص له أن يجامع ويبتغي ( 45 ) الولد ويأكل ويشرب حتى يطلع الفجر ( 46 ) فمتى يكون الغسل إلا بعد طلوع الفجر . فهذا لا بأس به وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - والعامة
_________
( 1 ) ابن الحارث بن هشام
( 2 ) عبد الرحمن المدني له رؤية وكان من كبار ثقات التابعين مات سنة 43 ، كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : عند مروان بن الحكم مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية يقال : له رؤية فإن ثبت فلا يعرج على من تكلم فيه وإلا فقد قال عروة بن الزبير : كان مروان لا يتهم في الحديث وقد روى سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى كذا في " هدي الساري مقدمة فتح الباري " للحافظ ابن حجر
( 4 ) من جهة معاوية
( 5 ) قوله : فذكر بالبناء للفاعل ففي رواية لمسلم : فذكر له عبد الرحمن وللبخاري : أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أن أبا هريرة ... إلى آخره
( 6 ) قوله : أن أبا هريرة قال أجمع أهل هذه الأعصار على صحة صوم الجنب سواء كان من احتلام أو جماع وبه قال جماهير الصحابة والتابعين وحكي عن الحسن بن صالح بن يحيى إبطاله وكان عليه أبو هريرة والصحيح أنه رجع عنه كما صرح به في رواية مسلم وقيل : لم يرجع عنه وليس بشيء وحكي عن طاوس وعروة إن علم بجنابته لا يصح وإلا يصح وحكي مثله عن أبي هريرة وحكي أيضا عن الحسن البصري وحكي عن النخعي أنه يجزيه في صوم التطوع دون الفرض وحكي عن سالم بن عبد الله والحسن بن صالح والحسن البصري يصومه ويقضيه ثم ارتفع الخلاف وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته ( اختلف السلف في هذه المسألة على أقوال كثيرة لكن الجمهور وفقهاء الأمصار على الجواز فصارت المسألة كالإجماعية بعدما كانت كثيرة الاختلاف . انظر لامع الدراري 5 / 384 ، وأوجز المسالك 5 / 30 - 46 ، وفتح الملهم 3 / 129 ) كذا في " شرح صحيح مسلم " للنووي - رحمه الله -
( 7 ) أي بطل صومه لكنه أمسك وقضى قوله : أفطر لحديث الفضل بن عباس في مسلم وحديث أسامة بن زيد عند النسائي مرفوعا : من أدركه الفجر جنبا فلا يصم والنسائي عن أبي هريرة : لا ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصوم محمد ورب الكعبة قاله
( 8 ) تثنية أم
( 9 ) أي أبو بكر
( 10 ) قوله : فذهب عبد الرحمن قال الزرقاني : ووقع عند النسائي من رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي عياض عن عبد الرحمن : أرسلني مروان إلى عائشة فأتيتها فلقيت ذكوان فأرسلته إليها فسألها عن ذلك فذكر الحديث مرفوعا : قال : فأتيت مروان فحدثته فأرسلني إلى أم سلمة فأتيتها فلقيت غلامها نافعا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك فذكر مثله . قال الحافظ : في إسناده نظر لأن أبا عياض مجهول فإن كان محفوظا فيجمع بأن كلا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرحمن وبينهما في السؤالن وسمع عبد الرحمن وابنه أبو بكر كلامهما من وراء الحجاب بعد الدخول
( 11 ) يعني أباه
( 12 ) أي من وراء حجاب
( 13 ) الرغبة إذا كانت صلتها بـ " عن " يكون معناه الإعراض أتت بذلك مبالغة في الرد عليه
( 14 ) أي لا أرغب عنه . والأصل عدم الاختصاص
( 15 ) وفي رواية للنسائي : كان يصبح جنبا مني
( 16 ) قوله : احتلام في دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء والأشهر امتناعه قالوا : لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه ويتأولون هذا الحديث على أن المراد يصبح جنبا من جماع ولا يجنب من احتلام لامتناعه منه ويكون قريبا من معنى قوله تعالى : { ويقتلون النبيين بغير حق } كذا في " شرح صحيح مسلم " للنووي . وقال السيوطي : قصدت بذلك المبالغة في الرد والمنفي على إطلاقه لا مفهوم له لأنه صلى الله عليه و سلم كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه
( 17 ) أبو بكر
( 18 ) عبد الرحمن
( 19 ) في رواية النسائي : فقالت أم سلمة : كان يصبح جنبا مني فيصوم ويأمرني بالصيام
( 20 ) أي مروان
( 21 ) كنية عبد الرحمن
( 22 ) أي الخاصة
( 23 ) أي واقفة بها
( 24 ) قوله : فإنه بأرضه بالعقيق وفي رواية للبخاري : ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة وكان لأبي هريرة هناك أرض . فظاهره أنهم اجتمعوا من غير قصد ورواية مالك نص في القصد فيحمل قوله : " ثم قدر لنا " على المعنى الأعم من التقدير لا الاتفاق ولا تخالف بين قوله بذي الحليفة وبين قوله بالعقيق لاحتمال أنهما قصداه إلى العقيق فلم يجداه ثم وجداه بذي الحليفة وكان له بها أرض أيضا . وفي رواية معمر عن الزهري عن أبي بكر فقال مروان : عزمت عليكما إلا ذهبتما إلى أبي هريرة قال : فلقينا أبا هريرة عند باب المسجد والظاهر أن المراد مسجده بالعقيق لا المسجد النبوي أو يجمع بأنهما التقيا بالعقيق فذكر له عبد الرحمن القصة مجملة ولم يذكرها بل شرع فيها ثم لم يتهيأ له ذكر تفصيلها وسماع جواب أبي هريرة إلا بعد رجوعه إلى المدينة وإرادة دخول المسجد النبوي قاله الحافظ
( 25 ) موضع
( 26 ) أي نقلهما المخالف لقوله
( 27 ) وعند البخاري فقال له عبد الرحمن : إني ذاكر لك أمرا ولولا أن مروان أقسم علي لم أذكره لك
( 28 ) وفي مسلم : فقال : أهما قالتا ذلك ؟ قال : نعم قال : هما أعلم ورجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك
( 29 ) أي من المصطفى صلى الله عليه و سلم بلا واسطة
( 30 ) وفي البخاري : فقال : كذلك أخبرني الفضل بن عباس وهو أعلم أي بما روى . قوله : إنما أخبرنيه مخبر لما ثبت عنده أن حديث عائشة وأم سلمة على ظاهره وهذا متأول رجع عنه وكان حديث عائشة وأم سلمة أولى بالاعتماد لأنهما أعلم بمثل هذا من غيرهما ولأنه موافق للقرآن فإن الله تعالى أباح الأكل والمباشرة إلى طلوع الفجر ومعلوم أنه إذا جاز الجماع إلى طلوع الفجر لزم منه أن يصبح جنبا ويصح صومه وإذا دل القرآن وفعل الرسول صلى الله عليه و سلم على جواز الصوم لمن أصبح جنبا وجب الجواب عن حديث أبي هريرة عن الفضل عن النبي صلى الله عليه و سلم وجوابه من ثلاثة أوجه أحدها : أنه إرشاد إلى الأفضل فالأفضل أن يغتسل قبل الفجر ولو خالف جاز وهذا مذهب أصحابنا وجوابهم عن الحديث فإن قيل : كيف يقولون : الاغتسال قبل الفجر أفضل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم خلافه ؟ فالجواب أنه فعله لبيان الجواز ويكون في حقه حينئذ أفضل لأنه يتضمن البيان للناس وهذا كما أنه يتوضأ مرة مرة في بعض الأوقات بيانا للجواز ومعلوم أن الثلاث أفضل . والجواب الثاني : أنه لعله محمول على من أدركه الفجر مجامعا فاستدام بعد طلوع الفجر عالما فإنه يفطر . والثالث : جواب ابن المنذر في ما رواه البيهقي عنه أن حديث أبي هريرة منسوخ وأنه كان في أول الأمر حينما كان الجماع محرما في الليل بعد النوم كما كان الطعام والشراب محرما ثم نسخ ولم يعلمه أبو هريرة فكان يفتي بما علمه حتى بلغه الناسخ فرجع إليه قال ابن المنذر : هذا أحسن ما سمعت فيه كذا في " شرح صحيح مسلم " ( 3 / 165 ، من طبعة دار الشعب ) للنووي
( 31 ) للنسائي : أخبرنيه أسامة بن زيد وله أيضا : أخبرنيه فلان وفلان فيحتمل أنه سمعه من الفضل وأسامة فأرسل الحديث أولا ثم أسنده لما سئل عنه
( 32 ) قوله : من غير احتلام إنما ذكره لأن الدليل الذي سيذكره إنما يدل عليه لا لأن حكمه مخالف لما نحن فيه بل حكم الاحتلام والجماع سواء ويدل عليه قوله عليه الصلاة و السلام : ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة والقيء والاحتلام . أخرجه الترمذي والبيهقي في سننه وابن حبان في " الضعفاء " والدارقطني وابن عدي من حديث أبي سعيد الخدري والبزار وابن عدي من حديث ابن عباس والطبراني في " الأوسط " من حديث ثوبان . وفي أسانيده كلام يرتفع بكثرة الطرق كما بسطه الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الهداية " وغيره
( 33 ) قوله : أحل لكم أخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن البراء قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما وكان يعمل في أرضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام ؟ قالت : لا ولكن انطلق فاطلب فغلبت عيناه فنام وجاءت امرأته فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك لرسول الله فنزلت هذه الآية . وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر بسند حسن عن كعب : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة وقد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأيقظها وأرادها فقالت : إني نمت ثم وقع بها فغدا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فأنزل الله { علم الله أنكم كنتم تختانون } ( سورة البقرة : الآية 187 ) الآية . وفي الباب أخبار كثيرة إن شئت الاطلاع عليها فارجع إلى " الدر المنثور " للسيوطي
( 34 ) أي الجماع به فسره ابن عباس أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وعبد الرزاق وعبد بن حميد وغيرهم
( 35 ) قوله : هن لباس لكم أي هن سكن لكم تسكنون إليه في الليل والنهار به فسره ابن عباس أخرجه عنه الطيالسي
( 36 ) أي تبالغون في خيانتها لارتكاب جنايتها بالجماع بعد صلاة العشاء أو بعد النوم فإنه كان محرما أولا ثم نسخ
( 37 ) أي رجع عليكم بالتخفيف
( 38 ) أي ما صدر وما مضى
( 39 ) قوله : يعني الجماع هذا التفسير منقول عن ابن عباس أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق
( 40 ) أي اطلبوا
( 41 ) تفسير من الإمام محمد قوله : يعني الولد هذا التفسير أيضا منقول عن ابن عباس أخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وقتادة والضحاك مثله وأخرج البخاري في " تاريخه " عن أنس { ما كتب الله لكم } : أي ليلة القدر وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال : ابتغوا الرخصة التي كتب الله عليكم
( 42 ) قوله : يعني حتى يطلع الفجر كان بعض الصحابة لما نزل قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } إذا أراد الصوم ربط في رجله الخيط الأبيض والأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له الفرق بينهما فأنزل الله قوله { من الفجر } وبين أن المراد من الخيط الأبيض الفجر أي الصبح الصادق ومن الأسود الليل كذا أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ( انظر عمدة القاري 5 / 292 )
( 43 ) قوله : فإذا كان ... إلى آخره شروع في وجه دلالة كتاب الله على ما ذكره وحاصله أن الآية المذكورة أباحت الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر فيكون كل منها مباحا في آخر جزء من أجزاء الليل متصل بأول جزء الفجر أيضا بنص هذه الآية وهو يقتضي بالضرورة أن يقع الغسل - إذا جامع في آخر الجزء - بعد طلوع الفجر فدل ذلك على أنه لا بأس به
( 44 ) الذي يريد الصوم
( 45 ) هذا قيد اتفاقي
( 46 ) أي لا يتحقق ولا يمكن غسله إلا بعد طلوع الفجر

5 - ( باب القبلة للصائم ( 1 ) )
351 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ( 2 ) : أن رجلا ( 3 ) قبل امرأة وهو صائم فوجد ( 4 ) من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك ( 5 ) فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرتها أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقبل ( 6 ) وهو صائم . فرجعت إليه فأخبرته بذلك فزاده ذلك ( 7 ) شرا ( 8 ) فقال : إنا لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه و سلم يحل ( 9 ) الله لرسوله ( 10 ) ما شاء فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما بال ( 11 ) هذه المرأة ؟ فأخبرته ( 12 ) أم سلمة فقال : ألا ( 13 ) أخبرتها أني أفعل ذلك ( 14 ) ؟ قالت : قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال : إنا لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه و سلم يحل الله لرسوله ما شاء ( 15 ) فغضب ( 16 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ( 17 ) : والله إني لأتقاكم ( 18 ) لله وأعلمكم بحدوده
_________
( 1 ) قوله : باب القبله للصائم ( لا بأس بالقبلة للصائم إذا أمن على نفسه الجماع مثل الشيوخ وتكره إذا لم يأمن على نفسه كالشبان وهذا هو مذهب أبي حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي وحكاه الخطابي عن مالك وكرهها قوم مطلقا وإليه ذهب مالك في المشهور عنه وأباحها قوم مطلقا وإليه ذهب أحمد وإسحاق وداود . ومنهم من أباحها في النفل ومنعها في الفرض ومنهم من منعها مطلقا وذهب إليه طائفة من التابعين فالأقوال خمسة وانظر تفصيلها في عمدة القاري 6 / 9 . قلت : ما حكي عن أحمد هو رواية عنه وإلا ففي " الروض المربع " تكره القبلة . الأوجز 5 / 44 ) اختلف أهل العلم في جواز القبلة للصائم فرخص عمر بن الخطاب وأبو هريرة وعائشة فيها وقال الشافعي : لا بأس بها إذا لم تحرك القبلة شهوته وقال ابن عباس : يكره ذلك للشبان ويرخص فيه للشيوخ كذا في " الكاشف عن حقائق السنن " للطيبي رحمه الله
( 2 ) مرسل عند جميع الرواة ووصله عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار
( 3 ) قوله : أن رجلا ... إلى آخره حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقبل بعض نسائه وهو صائم وكان أملككم لإربه . متفق عليه . وله عندهما ألفاظ وفي رواية لأبي داود : كان يقبلني وهو صائم ويمص لساني هو صائم . وفي إسناده أبو يحيى المعرقب وهو ضعيف وقد وثقه العجلي ولابن حبان في صحيحه عنها : كان يقبل بعض نسائه وهو صائم في الفريضة والتطوع . ثم ساق بإسناده أنه صلى الله عليه و سلم كان لا يمس شيئا من وجهها وهي صائمة وقال : ليس بين الخبرين تضاد لأنه صلى الله عليه و سلم كان يملك إربه ونبه بفعله ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثل حاله وترك استعماله إذا كانت المرأة صائمة علما منه بما ركب في النساء من الضعف . وفي رواية البخاري : أنه كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت تعجبا من نفسها حيث ذكرت هذا الحديث الذي يستحى من ذكره لكن غلب عليها مصلحة التبليغ وقيل : ضحكت سرورا منها وقيل : أرادت أن تنبه بذلك أنها صاحبة القصة . وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه أبو داود عن الأغر عنه : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المباشرة للصائم فرخص له وسأله آخر فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب كذا في " التلخيص الحبير تخريج أحاديث الشرح الكبير " للحافظ ابن حجر
( 4 ) قوله : فوجد أي فاغتم له كثيرا ولم يعده أمرا حقيرا واستحيى أن يسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم توقيرا
( 5 ) أي هل يضر صومه ذلك ؟
( 6 ) قوله : كان يقبل أي بعض أزواجه أو بنفسها كما يعلم من رواية البخاري عن زينب بنت أم سلمة عنها أنها كانت هي ورسول الله صلى الله عليه و سلم يغتسلان في إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم . ويخالفه ما أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " نا صالح بن عبد الرحمن نا عبد الله بن يزيد نا موسى بن علي : سمعت أبي يقول : ثني أبو قيس مولى عمرو بن العاص قال : بعثني عبد الله بن عمرو إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فقال : سلها أكان رسول الله يقبل وهو صائم ؟ فإن قالت : لا فقل : إن عائشة تخبر ( في الأصل : " يخبر " وهو خطأ . انظر شرح معاني الآثار 1 / 346 ط الهند ) الناس أنه كان يقبل وهو صائم فأتيت أم سلمة فأبلغتها السلام عن عبد الله بن عمرو وقلت : أكان رسول الله يقبل وهو صائم فقالت : لا فقلت : إن عائشة تخبر الناس أنه كان يقبل فقالت : لعله لم يكن يتمالك عنها حبا أما أنا فلا . والذي يظهر أن الاختلاف محمول على اختلاف الأحوال
( 7 ) قال الباجي : يعني استدامة الوجد إذا لم تأته بما يقنعه
( 8 ) قوله : شرا أي محنة وبلية حيث ظن أن أم سلمة أفتت من عندها
( 9 ) أي يبيح . اعتقد أن ذلك من خصائصه
( 10 ) كصوم الوصال والزيادة على أربع في النكاح
( 11 ) أي ما شأنها وأي شيء جاء بها
( 12 ) أي بأنها تسأل عن القبلة للصائم
( 13 ) فيه تنبيه على الإخبار بأفعاله ويجب عليهن أن يخبرن بها ليقتدي به الناس
( 14 ) قال الباجي : فيه إيجاب العمل بخبر الواحد
( 15 ) قال عياض : لأن السائل جوز وقوع النهي عنه منه لكن لا حرج عليه إذ غفر له
( 16 ) قوله : فغضب لعل سبب غضبه أن الأصل هو العمل بما ثبت عنه حتى يثبت دليل على تخصيصه
( 17 ) قوله : وقال : والله ... إلى آخره قال ابن عبد البر : فيه دلالة على جواز القبلة للشاب والشيخ لأنه لم يقل للمرأة : زوجك شيخ أو شاب ؟ فلو كان بينهما فرق لسألها لأنه المبين عن الله وقد أجمعوا على أن القبلة لا تكره لنفسها وإنما كرهها من كرهها خشية ما تؤول إليه وأجمعوا على أن من قبل وسلم فلا شيء عليه . فإن أمذى فكذلك عند الحنفية والشافعية وعليه القضاء عند مالك وعن أحمد يفطر وإن أمنى فسد صومه اتفاقا
( 18 ) فكيف تجوزون ( في شرح الزرقاني 2 / 162 ، فكيف تجوزون وقوع ما نهي عنه مني ) ما نهي عنه مني ؟

352 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله : أن عائشة ( 1 ) ابنة طلحة ( 2 ) أخبرته أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم فدخل عليها ( 3 ) زوجها ( 4 ) هنالك ( 5 ) وهو ( 6 ) عبد الله ( 7 ) ابن عبد الرحمن ابن أبي بكر ( 8 ) فقالت له عائشة : ما يمنعك أن تدنو ( 9 ) إلى أهلك تقبلها ( 10 ) وتلاعبها ؟ قال : أقبلها وأنا صائم ؟ قالت ( 11 ) : نعم ( 12 )
قال محمد : لا بأس ( 13 ) بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه عن الجماع ( 14 ) فإن خاف أن لا يملك نفسه فالكف أفضل وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - والعامة قبلنا
_________
( 1 ) القرشية كانت فائقة الجمال ثقة روى لها الستة كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) أحد العشرة المبشرة
( 3 ) أي على عائشة الصديقة
( 4 ) أي زوج ابنة طلحة
( 5 ) أي وكونها عمته سبب ذلك
( 6 ) أي زوجها
( 7 ) تابعي روى له الشيخان وغيرهما
( 8 ) الصديق
( 9 ) أي تقرب
( 10 ) قوله : تقبلها لعلها قصدت إفادته الحكم وإلا فمعلوم أنه لا يقبلها بحضور عمته أم المؤمنين وقال أبو عبد الملك : تريد ما يمنعك إذا دخلتما ويحتمل أنها شكت لعائشة قلة حاجته إلى النساء وسألتها أن تكلمه . فأفتته بذلك إذ صح عندها ملكه لنفسه قاله الزرقاني
( 11 ) هذا حديث موقوف حكمه مرفوع
( 12 ) قوله : نعم في هذا دلالة على أنها لا ترى تحريمها ولا أنها من الخصائص وأنه لا فرق بين شاب وشيخ لأن عبد الله كان شابا ولا يعارض هذا ما للنسائي عن الأسود : قلت لعائشة أيباشر الصائم ؟ قالت : لا قلت : أليس كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يباشر وهو صائم ؟ قالت : كان أملككم لإربه . لأن جوابها للأسود بالمنع محمول على من تحركت شهوته لأن فيه تعريضا لإفساد العبادة كما أشعر به قولها : وكان أملككم لإربه فحاصل ما أشارت إليه إباحة القبلة والمباشرة بغير جماع لمن ملك إربه دون من لا يملكه أو يحمل النهي على التنزيه فقد رواه أبو يوسف القاضي بلفظ : سئلت عائشة عن المباشرة للصائم ؟ فكرهتها فلا ينافي الإباحة المستفادة من حديث الباب ومن قولها : الصائم يحل له ( في " الأصل : " لها " وهو تحريف ) كل شيء إلا الجماع . رواه الطحاوي كذا ذكره الزرقاني
( 13 ) قوله : لا بأس ... إلى آخره هذا الذي ذكره هو طريق الجمع بين الأخبار والآثار المختلفة فإن بعضها تدل على الجواز وبعضها على الامتناع وبعضها على الفرق بين الشاب والشيخ . فمنها حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها وحديث زيد بن أسلم عن عطاء المذكورين في الباب وهما يدلان على الجواز مطلقا من غير فرق بين الشاب والشيخ وأثر ابن عمر المذكور في الباب يدل على المنع مطلقا وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبل نساءه وهو صائم المخرج في الصحيحين وغيرهما يدل على الجواز وحديث أبي هريرة عند أبي داود نص في الفرق وقال مالك في " الموطأ " : قال عروة بن الزبير : لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير وأخرج عن ابن عباس أنه رخص للشيخ وكرهها للشاب وروى البيهقي بسند صحيح عن عائشة : أنه صلى الله عليه و سلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى الشاب وقال : الشيخ يملك إربه والشاب يفسد صومه وأجمع أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عمر أنه قال : هششت فقبلت وأنا صائم ؟ فقلت : يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال : أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس به قال : فمه وأخرج مالك أن سعد بن أبي وقاص وأبا هريرة كانا يرخصان في القبلة للصائم وأخرج الطحاوي أنه سئل سعد : أتباشر وأنت صائم ؟ قال : نعم وأخرج الطحاوي أيضا عن ابن عمر أنه سئل عن القبلة للصائم فرخص للشيخ الكبير وكرهها للشاب وأخرج عنه عن عمر قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فرأيته لا ينظر إلي فقلت : يا رسول الله ما شأني ؟ فقال : ألست الذي تقبل وأنت صائم فقلت : والذي بعثك بالحق إني لا أقبل بعد هذا . فهذه الأخبار وأمثالها يعلم منها أنه لا كراهة في القبلة للصائم في نفسها وإنما كرهها من كرهها لخوف ما تؤول إليه فطريق الجمع إنه إذا ملك نفسه فلا بأس به وإن خاف فالكف أفضل
( 14 ) وكذا عن إنزال المني

353 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان ينهى ( 1 ) عن القبلة ( 2 ) والمباشرة ( 3 ) للصائم
_________
( 1 ) قوله : ينهى أي مطلقا للشيخ والشاب كليهما كما هو ظاهر العبارة أو للشاب فقط كما هو نص رواية الطحاوي وكذلك روي النهي عن عمر وغيره فأخرج الطحاوي عن سعيد بن المسيب أن عمر كان ينهى عن القبلة للصائم وأخرج أيضا عن زاذان أنه قال عمر : لأن أعض على جمرة أحب إلي من أن أقبل وأنا صائم وأخرج أيضا عن ابن مسعود أنه سئل عن القبلة للصائم ؟ فقال : يقضي يوما آخر وأخرج - بسند فيه أبو يزيد الضبي وقال : هو رجل لا يعرف - عن ميمونة بنت سعد : أنه سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه ؟
فقال : أفطرا جميعا . وهذا كله محمول على من لا يملك
( 2 ) لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه
( 3 ) المراد بالمباشرة المس والملامسة والملاعبة والمخالطة

6 - ( باب الحجامة للصائم )

354 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان يحتجم ( 1 ) وهو صائم ثم إنه كان يحتجم ( 2 ) بعد ما تغرب ( 3 ) الشمس
_________
( 1 ) إشارة إلى الرخصة
( 2 ) قال الباجي : لما كبر وضعف خاف أن تضطره الحجامة إلى الفطر
( 3 ) أي احتياطا وعملا بالعزيمة

355 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري : أن سعدا ( 1 ) وابن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان
قال محمد : لا بأس بالحجامة للصائم وإنما كرهت ( 2 ) من أجل الضعف فإذا أمن ذلك فلا بأس وهو قول ( 3 ) أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي ابن وقاص
( 2 ) أي في بعض الروايات
( 3 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين فأخرج الطحاوي عن أبي سعيد الخدري قال : إنما كرهنا أو كرهت الحجامة للصائم من أجل الضعف . وأخرج عن حميد قال : سئل أنس عن الحجامة للصائم ؟ فقال : ما كنت أرى أن الحجامة تكره للصائم إلا من الجهد . وأخرج عن ثابت البناني قال : سألت أنس بن مالك هل كنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال : لا إلا من أجل الضعف . وأخرج عن ابن عباس أنه قال : إنما كرهت الحجامة مخافة الضعف . وذكر الحازمي في " الناسخ والمنسوخ " أنه مذهب سعد والحسين بن علي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن أرقم وابن عمر وأنس وعائشة وأم سلمة والشعبي وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وعطاء بن يسار وزيد بن أسلم وعكرمة وأبي العالية وإبراهيم النخعي وسفيان ومالك والشافعي وأصحابه إلا ابن المنذر . وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الصائم إذا احتجم في رمضان بطل صومه منهم عطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق واستدلالهم في ذلك بحديث مرفوع : أفطر الحاجم والمحجوم أخرجه أبو داود وابن ماجه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ثوبان وأبو داود والنسائي وغيرهما من حديث شداد بن أوس : أنه مر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم زمن الفتح على رجل يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان فقال : أفطر الحاجم والمحجوم والترمذي - وقال : حسن صحيح - من حديث رافع بن خديج والنسائي والحاكم من حديث أبي موسى والنسائي من حديث معقل بن سنان قال : مر علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أحتجم في ثمان عشرة خلت من رمضان فقال ذلك وأيضا من حديث أسامة بن زيد والحسن بن علي وعائشة وأبي هريرة وابن عباس والطبراني من حديث سمرة وجابر وابن عدي في " الكامل " من حديث ابن عمر وسعد بن مالك . وله طرق أخر كلها مبسوطة في " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي وابن حجر . وأجاب عنها الجمهور بأنه منسوخ لأنه كان زمن الفتح وقد احتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع وهو صائم أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما من حديث ابن عباس . ويؤيده ما أخرجه الدارقطني بسند فيه ضعف عن أنس قال : أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله فقال : أفطر هذان . ثم رخص النبي صلى الله عليه و سلم بعد في الحجامة . وكذا ما أخرجه الطبراني في " الأوسط " عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم بعد ما قال : أفطر الحاجم والمحجوم ومنهم من قال : ورود حديث أفطر الحاجم والمحجوم إنما كان لسبب آخر ( قال الطحاوي : ليس فيها ( أي في هذه الأحاديث ) ما يدل على أن الفطر كان لأجل الحجامة بل إنما كان ذلك لمعنى آخر وهو أنهما كانا يغتابان رجلا فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال . وليس إفطارهما ذلك كالإفطار بالأكل والشرب والجماع ولكنه حبط أجرهما باغتيابهما فصارا بذلك مفطرين لا لأنه إفطار يوجب عليهما القضاء . وهكذا كما قيل الكذب يفطر الصائم ليس يراد به الفطر الذي يوجب القضاء إنما هو حبوط الأجر بذلك . شرح معاني الآثار 1 / 349 ) وهو ما أخرجه العقيلي في " الضعفاء " وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على رجلين يحتجم أحدهما الآخر فاغتاب أحدهما ولم ينكر الآخر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفطر الحاجم والمحجوم . قال ابن مسعود لا للحجامة ولكن للغيبة

356 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة قال : ما رأيت ( 1 ) أبي ( 2 ) قط احتجم إلا وهو صائم
قال محمد : وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -
_________
( 1 ) لأنه كان يواصل الصوم قاله ابن عبد البر
( 2 ) أي عروة بن الزبير بن العوام

7 - ( باب الصائم يذرعه ( 1 ) القيء أو يتقيأ ( 2 ) )
357 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابن عمر كان يقول : من استقاء ( 3 ) وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فليس عليه شيء ( 4 )
قال محمد : وبه ( 5 ) نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) أي يسبقه ويغلبه
( 2 ) أي عمدا
( 3 ) أي ملأ فيه عند أبي يوسف ومطلقا عند محمد
( 4 ) أي لا قضاء ولا كفارة
( 5 ) قوله : وبه نأخذ وبه قال إبراهيم النخعي والقاسم بن محمد وأبو يوسف وعامة العلماء ذكره الطحاوي . ويؤيده قوله صلى الله عليه و سلم : من قاء فلا قضاء عليه ومن استقاء عمدا فعليه القضاء . أخرجه أصحاب السنن الأربعة والدارمي وابن حبان والحاكم وصححه والطحاوي والدارقطني وغيرهم من حديث أبي هريرة وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي : حسن غريب وأخرجه أبو يعلى وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة . وفي بعض طرقه مقال يرتفع بضم بعضها مع بعض
وأما ما ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم قاء فأفطر فمعناه : ضعف وكان الصوم تطوعا فأفطر عمدا ذكره الطحاوي ( شرح معاني الآثار 1 / 348 . ثم إن كون القيء غير مفطر وكون الاستقاء مفطر وعليه القضاء هو مذهب الأئمة الأربعة كما في " عمدة القاري " 6 / 36 ) . ويعضده ما أخرجه ابن ماجه عن فضالة بن عبيد الأنصاري أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج عليهم في يوم كان يصومه فدعا بإناء فشرب فقلنا : يا رسول الله إن هذا يوم كنت تصومه قال : أجل ولكني قئت

8 - ( باب الصوم في السفر )

358 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان لا يصوم ( 1 ) في السفر
_________
( 1 ) قوله : كان لا يصوم في السفر لأنه كان يرى أن الصوم في السفر لا يجزئ لأن الفطر عزيمة من الله وبه قال أبوه عمر وأبو هريرة وعبد الرحمن بن عوف وقوم من أهل الظاهر ويرده أحاديث الباب قاله ابن عبد البر . واحتجوا لذلك أيضا بحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم كان في سفر - أي غزوة الفتح كما في الترمذي - فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم فقال : ليس من البر الصوم في السفر - ولفظ مسلم : ليس البر أن تصوموا في السفر - وزاد بعض الرواة : عليكم برخصة الله التي رخص لكم وروايته على لغة حمير في " مسند أحمد " قال ابن عبد البر : ولا حجة فيه لأنه عام خرج على سبب فإن قصر عليه لم تقم به حجة وإلا حمل على من حاله مثل حال الرجل وبلغ ذلك المبلغ ( كذا في شرح الزرقاني 2 / 170 )

359 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ( 1 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج ( 3 ) عام فتح مكة في رمضان فصام ( 4 ) حتى بلغ الكديد ( 5 ) ثم أفطر ( 6 ) فأفطر الناس معه ( 7 ) وكان فتح مكة في رمضان قال : وكانوا ( 8 ) يأخذون بالأحدث ( 9 ) فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال محمد : من شاء صام ( 10 ) في السفر ومن شاء أفطر والصوم أفضل ( 11 ) لمن قوي عليه ( 12 ) وإنما ( 13 ) بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أفطر حين سافر إلى مكة لأن الناس شكوا إليه الجهد ( 14 ) من الصوم فأفطر لذلك وقد بلغنا ( 15 ) أن حمزة الأسلمي ( 16 ) سأله عن الصوم في السفر فقال : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر . فبهذا ( 17 ) نأخذ وهو قول ( 18 ) أبي حنيفة - رحمه الله - والعامة ( 19 ) من قبلنا
_________
( 1 ) ابن عتبة بن مسعود
( 2 ) قال أبو الحسن القابسي : هذا من مرسلات الصحابة لأن ابن عباس كان في هذه السنة مقيما بمكة
( 3 ) يوم الأربعاء بعد العصر لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة
( 4 ) أي جميع سيره
( 5 ) موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل ونحوها وبينها وبين مكة مرحلتان أو ثلاث
( 6 ) قوله : ثم أفطر لأنه بلغه أن الناس شق عليهم الصيام وقيل له : إنما ينظرون في ما فعلت فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من ماء فوضعه على راحلته ليراه الناس فشرب فأفطر فناوله رجلا بجنبه فشرب فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام فقال : أولئك العصاة أولئك العصاة . رواه مسلم والترمذي عن جابر . قال المازري : احتج به مطرف ومن وافقه من المحدثين وهو أحد قولي الشافعي أن من بيت الصوم في رمضان له أن يفطر ومنعه الجمهور وحملوا الحديث على أنه أفطر للتقوي على العدو والمشقة الحاصلة له ولهم
( 7 ) أي حتى بلغوا مكة
( 8 ) أي الصحابة . قوله : وكانوا هو قول ابن شهاب كما بين في رواية البخاري ومسلم قال الحافظ ابن حجر : وظاهره أنه ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ ولم يوافق على ذلك
( 9 ) قوله : بالأحدث فالأحدث في مسلم عن يونس قال ابن شهاب : وكانوا ( في الأصل : " كان " وهو خطأ . انظر صحيح مسلم 2 / 785 ) يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناس المحكم قال عياض : إنما يكون ناسخا إذا لم يمكن الجمع أو يكون الأحدث من غيره وفي غير هذه القصة وأما فيها أعني قضية الصوم فليس بناسخ إلا أن يكون ابن شهاب مال إلى أن الصوم في السفر لا ينعقد كقول أهل الظاهر ولكنه غير معلوم عنه
( 10 ) قوله : من شاء صام في السفر ومن شاء أفطر لقوله تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ( سورة البقرة : الآية 185 ) وقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة . أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وعبد بن حميد والبيهقي في سننه وغيرهم . وأخرج عبد بن حميد والدارقطني عن عائشة قالت : كل قد فعل رسول الله صام وأفطر في السفر . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : لا أعيب على من صام ولا من أفطر في السفر . وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود عن أنس قال : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم . وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر . وهذه الأحاديث وأمثالها تشهد بأن حديث " ليس من البر الصيام في السفر " أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وغيرهم محمول على ما إذا لم يقو وأورث صومه ضعفا أو مرضا كما يعلم من شأن وروده
( 11 ) قوله : أفضل لمن قوي عليه لما أخرج عبد بن حميد عن أبي عياض : خرج النبي صلى الله عليه و سلم في رمضان فنودي في الناس : من شاء صام ومن شاء أفطر فقيل لأبي عياض : كيف فعل رسول الله ؟ قال : صام وكان أحقهم بذلك
وورد في حديث أبي سعيد الخدري المتقدم : كانوا يرون أن من وجد قوة فصام فحسن ومن وجد ضعفا فأفطر فحسن
( 12 ) قال القاري : أي لقوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } ( سورة البقرة : الآية 184 ) وبه قال مالك والشافعي ( وبه قال أبو حنيفة كما في لامع الدراري 5 / 415 ) وقال أحمد والأوزاعي : الفطر أفضل مطلقا لحديث : ليس من البر الصيام في السفر
( 13 ) قوله : وإنما بلغنا ... إلى آخره دفع لما يتوهم أنه لو كان الصوم أفضل عند القوة لما أفطر النبي صلى الله عليه و سلم في سفر الفتح لأنه كان يستطيع ما لا يستطيعه غيره
( 14 ) بفتح الجيم وضمها : المشقة
( 15 ) قوله : وقد بلغنا ... إلى آخره هذا البلاغ أخرجه مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني وصححه والحاكم بعبارات متقاربة
( 16 ) هو ابن عمر بن عويمر أبو صالح المدني صحابي جليل مات سنة 61 هـ كذا ذكره الزرقاني
( 17 ) في بعض النسخ : قال محمد : فهذا
( 18 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وكذا أبي يوسف وبه قال أنس وعائشة وسعيد بن جبير ومجاهد وجابر بن زيد أخرجه الطحاوي عنهم
( 19 ) قوله : والعامة من قبلنا أي أكثر من مضى من الصحابة والتابعين خلافا لبعضهم منهم ابن عباس حيث روي عنه أنه قال - لما سئل عن الصوم في السفر - : يسر وعسر فخذ بيسر الله . وروى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد أنه قال : الإفطار في السفر العزيمة . ومنهم أبو هريرة حيث أمر رجلا صام في السفر بالقضاء . أخرجه عبد بن حميد والطحاوي . ومنهم عمر حيث أمر رجلا صام رمضان في السفر أن يعيد أخرجه عبد أيضا . ومنهم ابن عمر حيث قال : لأن أفطر في رمضان أحب إلي من أن أصوم أخرجه عبد بن حميد . وأخرج أيضا عنه أنه سئل عنه فقال : رخصة نزلت من السماء فإن شئتم فردوها . وأخرج أيضا أنه قال : لو تصدقت بصدقة فردت ألم تكن تغضب ؟ إنما هو صدقة تصدق بها الله عليكم
ويوافقهم حديث : الصيام في السفر كالفطر في الحضر . أخرجه ابن ماجه والبزار من حديث عبد الرحمن بن عوف وفي سنده كلام وصحح النسائي وقفه وعلى تقدير صحته فهو محمول على من لا يقوى

9 - ( باب قضاء رمضان هل يفرق ؟ ( 1 ) )
360 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان يقول ( 2 ) : لا يفرق ( 3 ) قضاء رمضان
_________
( 1 ) أي بين الأيام في قضاء الصيام
( 2 ) مذهب ابن عمر وجوب تتابع القضاء وكذا روي عن علي والحسن والشعبي وبه قال أهل الظاهر . وذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى استحبابه ( انظر الأوجز 5 / 128 )
( 3 ) إما استحبابا أو وجوبا وكأنه قاسه على أداء رمضان أو لكون القضاء فرضا كالأداء فلا ينبغي أن يؤخر عند قدرته على ترتيبه كذا قال القاري

361 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب : أن ابن عباس ( 1 ) وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان قال أحدهما ( 2 ) : يفرق ( 3 ) بينه وقال الآخر : لا يفرق ( 4 ) بينه
قال محمد : الجمع بينه أفضل وإن فرقت ( 5 ) وأحصيت العدة ( 6 ) فلا بأس بذلك وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - والعامة ( 7 ) قبلنا
_________
( 1 ) قوله : أن ابن عباس ... إلى آخره قال ابن عبد البر : لا أدري عمن أخذ ابن شهاب هذا وقد صح عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا تفريق قضاء رمضان وقالا : لا بأس بتفريقه لقوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } . وفي " الفتح " : هكذا أخرجه منقطعا مبهما ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان ؟ قال : يقضيه مفرقا
وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال : صمه كيف شئت ورويناه في فوائد أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري بلفظ : لا يضرك كيف قضيتها إنما هي عدة من أيام أخر فأحصه . وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء : أن ابن عباس وأبا هريرة قالا : فرقه إذا أحصيته . انتهى
( 2 ) زاد يحيى : لا أدري أيهما قال : يفرق ولا أيهما قال : لا يفرق
( 3 ) أي يجوز أن يفرق بين أيام قضائه
( 4 ) أ ي بل يجب إيصاله ( هكذا في الأصل والظاهر " اتصاله " )
( 5 ) في نسخة : فرقته
( 6 ) ضبطت العدد وحفظته لئلا يكون ناقصا عما هنالك
( 7 ) قوله : والعامة قبلنا أي من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : إن شاء تابع وأن شاء فرق لأن الله يقول : { فعدة من أيام أخر } . وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عنه : صمه كيف شئت وقال ابن عمر : صمه كما أفطرته . وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أنس : أنه سئل عنه ؟ فقال : إنما قال الله : { فعدة من أيام أخر } فإذا أحصى العدة فلا بأس بالتفريق . وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن أبي عبيدة بن الجراح : إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه فأحص العدة واصنع كيف شئت . وأخرج الدارقطني عن رافع بن خديج قال : أحص العدة وصم كيف شئت . وكذلك أخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن معاذ . وأخرج الدارقطني عن عمرو بن العاص قال : يفرق قضاء رمضان . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن امرأة سألت كيف تقضي رمضان ؟ قال : صومي كيف شئت فإنما يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر . وأخرج ابن المنذر والدارقطني والبيهقي في سننه عن عائشة نزلت { فعدة من أيام أخر متتابعات } فسقطت متتابعات . قال البيهقي : أي نسخت . ويؤيده ما أخرجه الدارقطني وضعفه عن أبي هريرة مرفوعا : من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يفرقه . وأخرج أيضا وضعفه عن ابن عمر : سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن قضاء رمضان ؟ فقال : يقضيه أتباعا وإن فرقه أجزأه . وأخرج الدارقطني وابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان ؟ فقال : ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء ؟ قال الدارقطني : إسناده حسن ( سنن الدارقطني 1 / 244 ، وصححه ابن الجوزي كما في نيل الأوطار 4 / 115 ) إلا أنه مرسل . ثم رواه من طريق آخر موصولا عن جابر مرفوعا وضعفه

10 - ( باب من صام تطوعا ثم أفطر )

362 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري : أن عائشة ( 1 ) وحفصة رضي الله عنهما أصبحتا صائمتين متطوعتين ( 2 ) فأهدي لهما طعام ( 3 ) فأفطرتا ( 4 ) عليه فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت عائشة : فقالت حفصة - بدرتني ( 5 ) بالكلام وكانت ابنة ( 6 ) أبيها - : يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ك اقضيا ( 7 ) يوما مكانه
قال محمد : وبهذا نأخذ من صام تطوعا ثم أفطر فعليه القضاء وهو قول أبي حنيفة ( 8 ) - رحمه الله - والعامة ( 9 ) قبلنا
_________
( 1 ) قوله : أن عائشة ... إلى آخره وصله ابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وقال : لا يصح عن مالك إلا المرسل ووصله النسائي من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وصالح بن كيسان ويحيى بن سعيد ثلاثتهم عن الزهري عن عروة عن عائشة وقال : هذا خطأ والصواب عن الزهري مرسل ووصله الترمذي والنسائي أيضا من طريق جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة وقال الترمذي : روى مالك ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ( وقد وصله أبو داود أيضا في " سننه " باب من رأى عليه القضاء . انظر بذل المجهود في حل أبي داود 11 / 336 ) وهذا أصح كذا في " التنوير "
( 2 ) أي نافلتين
( 3 ) أي شاة كما في رواية أحمد
( 4 ) بأكلهما إياه
( 5 ) أي سابقتني وغلبتني
( 6 ) قوله : ابنة أي على خلق والدها من الحدة والغلبة فإنه كان من مظاهر الجلال وأنا على طينة أبي من الحلم والسكينة فإنه كان من مظاهر الجمال قاله القاري
( 7 ) قوله : اقضيا يوما مكانه ظاهر الأمر للوجوب وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور ومالك قال ابن عبد البر : ومن حجة مالك مع هذا الحديث قوله تعالى : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ( سورة البقرة : الآية 187 ) يعم الفرض والنفل وقوله تعالى : { ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه } ( سورة الحج : الآية 30 ) وحديث : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وروي : فإن شاء أكل وإن كان صائما فليدع وروي : فإن كان صائما فلا يأكل فلو جاز الفطر في التطوع لكان أحسن في إجابة الدعوة واحتج الآخرون بحديث أم هانئ ( قال الترمذي : حديث أم هانئ في إسناده مقال . وقال المنذري : لا يثبت وفي إسناده اختلاف كثير أشار إليه النسائي كذا في " بذل المجهود " نقلا عن المرقاة 11 / 336 ) : دخل علي النبي صلى الله عليه و سلم وأنا صائمة فأتي بإناء من لبن فشرب ثم ناولني فشربت فقلت : إني كنت صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال : إن كان من قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه وإن كان من غيره فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي وحديث عائشة : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : إنا خبأنا لك حيسا فقال : أما إني كنت أريد الصوم لكن قربيه . وأجيب أنهما قضية عين لا عموم له
( 8 ) قوله : أبي حنيفة وكذا مالك وأبو ثور وغيرهما وقال الشافعي وأحمد وإسحاق : لا قضاء عليه ويستحب أن لا يفطر ذكره الزرقاني
( 9 ) منهم ابن عباس وابن عمر أخرجه الطحاوي عنهما

11 - ( باب تعجيل الإفطار )

363 - أخبرنا مالك حدثنا أبو حازم بن دينار عن سهل بن سعد : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يزال ( 1 ) الناس ( 2 ) بخير ( 3 ) ما عجلوا الإفطار
قال محمد : تعجيل الإفطار وصلاة المغرب أفضل من تأخيرهما ( 4 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - والعامة ( 5 )
_________
( 1 ) لأبي داود من حديث أبي هريرة : لا يزال الدين ظاهرا
( 2 ) أي الصائمون من المسلمين
( 3 ) أي مصحوبين ببركة في متابعة سنة دون موافقة بدعة . وعين في حديث أبي هريرة علة ذلك فقال : لأن اليهود والنصارى يؤخرون ولابن حبان والحاكم من حديث سهل : لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم
( 4 ) روى عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا ( قال ابن عبد البر : أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة فتح الباري 4 / 199 )
( 5 ) قوله : والعامة أي جمهور علماء أهل السنة خلافا للشيعة المبتدعة حيث لم يفطروا حتى تشتبك ( في الأصل : " يشتبك " وهو خطأ ) النجوم

364 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره : أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان ( 1 ) المغرب حين ينظران الليل الأسود ( 2 ) قبل أن يفطروا ثم يفطران ( 3 ) بعد الصلاة في رمضان
قال محمد : وهذا كله واسع فمن شاء أفطر ( 4 ) قبل الصلاة ومن شاء أفطر بعدها وكل ذلك لا بأس ( 5 ) به
_________
( 1 ) أي أولا
( 2 ) أي سواد أوله . قوله : الليل الأسود أي في أفق المشرق عند الغروب وهو معنى قوله صلى الله عليه و سلم : إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم رواه الشيخان أي أقبل من جهة الشرق وأدبر من جهة المغرب
( 3 ) قوله : ثم يفطران فكانا يسرعان بصلاة المغرب لأنه مشروع اتفاقا وليس من تأخير الفطر المكروه لأنه إنما يكره تأخيره إلى اشتباك النجوم على وجه المبالغة ولم يؤخر للمبادرة إلى عبادة قاله الباجي : لكن روى ابن أبي شيبة وغيره عن أنس قال : ما رأيت رسول الله يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء . وروي
عن ابن عباس وطائفة : أنهم كانوا يفطرون قبل الصلاة كذا قال الزرقاني . وقال القاري : هو إما لبيان الجواز إشعارا بأن مثل هذا التأخير لا ينافي الأمر بالتعجيل أو لعدم ما يفطران به عندهم قبل الصلاة أو لأن الإفطار المتعارف عندهم أن يتعشوا بطعامهم وهذا ربما يخل بتعجيل المغرب . وأما إذا أمكن الاقتصار على نفس الإفطار بأكل تمرة أو بشرب قطرة ثم يصلي ويتعشى فهذا جمع حسن ووجه مستحسن
( 4 ) بشرط أن لا يبلغ مبلغ اشتباك النجوم
( 5 ) إلا أن الأفضل هو تقديم الفطر ( وقال الطحاوي : يستحب الإفطار قبل الصلاة كما في الأوجز 5 / 29 ) على الصلاة لأنه الموافق لعادة رسول الله وغالب أصحابه

12 - ( باب الرجل يفطر قبل المساء ( 1 ) ويظن أنه قد أمسى )
365 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر في يوم رمضان في يوم غيم ( 2 ) ورأى ( 3 ) أنه قد أمسى أو ( 4 ) غابت الشمس فجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين قد طلعت ( 5 ) الشمس قال : الخطب ( 6 ) يسير وقد اجتهدنا ( 7 )
قال محمد : من أفطر وهو يرى أن الشمس قد غابت ثم علم أنها لم تغب لم يأكل بقية يومه ولم يشرب وعليه قضاؤه ( 8 ) وهو قول ( 9 ) أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي قبل غروب الشمس
( 2 ) بالفتح أي سحاب
( 3 ) أي وظن
( 4 ) شك من الراوي وفي نسخة : ( و )
( 5 ) قوله : قد طلعت الشمس أي ظهرت يحتمل أنه قصد ليعلم الحكم فيه ويحتمل أنه أخبره ليمسك بقية يومه لأنه يجب على من أفطر وهو لا يعلم أن الزمان صوم ثم علم أن يمسك بخلاف من أبيح له الفطر مع العلم أنه زمان صوم فيجوز له الأكل بقية صومه قاله الباجي
( 6 ) قال يحيى : ( قال مالك : يريد بقوله " الخطب يسير " القضاء فيما نرى وخفة مؤنته ويسارته يقول : نصوم يوما مكانه ) ( كذا في موطأ مالك وفي الأوجز 5 / 119 ، أي يريد كونه يسيرا وهو كذلك يعني الأمر سهل لا صعوبة فيه إذ لا تجب فيه الكفارة كأنه يقول : نصوم يوما مكانه ) . الخطب : أي الأمر هين حقير
( 7 ) حيث عملنا على حسب ظننا والظن معتبر في الشرع
( 8 ) أي ذلك الصوم الذي أفطره
( 9 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الأئمة الباقية والجمهور لما صرح به في قصة إفطار عمر فروى ابن أبي شيبة عن حنظلة قال : شهدت عمر في رمضان وقرب إليه شراب فشرب بعض القوم وهم يرون الشمس قد غربت ثم ارتقى المؤذن فقال : يا أمير المؤمنين والله إن الشمس طالعة لم تغرب فقال عمر : من كان أفطر فليصم يوما مكانه ومن لم يفطر فيتم صومه حتى تغرب الشمس وزاد من طريق آخر : فقال له : إنما بعثناك داعيا ولم نبعثك راعيا وقد اجتهدنا وقضاء يوم يسير . ويعضده ما في صحيح البخاري عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت : أفطرنا على عهد رسول الله يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام : فأمروا بالقضاء ؟ قال : لا بد من القضاء وذهب جماعة إلى أنه لا يجب القضاء في هذه الصورة أخذا بما ورد في بعض طرق قصة فطر عمر أنه قال : لا نقضي لكن قال ابن عبد البر وغيره : هي رواية ضعيفة والصواب رواية الإثبات ( قال الحافظ : يرجح الأول أنه لو غم هلال رمضان فأصبحوا مفطرين ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا . فتح الباري 4 / 200 )

13 - ( باب الوصال ( 1 ) في الصيام )
366 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى ( 2 ) عن الوصال فقيل له : إنك ( 3 ) تواصل قال : إني لست كهيئتكم ( 4 ) إني أطعم ( 5 ) وأسقى
_________
( 1 ) هو إمساك الليل بالنهار
( 2 ) نهي تنزيه قوله : نهى عن الوصال وفي رواية جويرية عن نافع عند البخاري وعبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه و سلم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم فقالوا : يا رسول الله . ولم يسم القائلون وفي الصحيحين عن أبي هريرة فقال رجل من المسلمين وفي لفظ فقال رجال من الجميع وكان القائل واحدا ونسب إلى الجمع لرضائهم به . وفيه استواء المكلفين في الأحكام وأن كل حكم ثبت في حقه صلى الله عليه و سلم ثبت في حق أمته إلا ما استثني
( 3 ) أي فما الحكمة في نهيك لنا عنه
( 4 ) أي مشابها لكم في صفتكم وحالتكم
( 5 ) قوله : إني أطعم وأسقى لأحمد وابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة : إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني وللإسماعيلي من حديث عائشة : أظل عند الله يطعمني ويسقيني ولابن أبي شيبة من مرسل الحسن : إني أبيت عند ربي . واختلف في ذلك . فقيل : هو على حقيقته وإنه صلى الله عليه و سلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه وطعام الجنة وشرابها لا تجري عليه أحكام التكليف قال ابن المنير : الذي يفطر شرعا إنما هو الطعام المعتاد وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى وقال جماعة : هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال : قوة الآكل الشارب يفيض علي بما يسد مسد الطعام والمعنى أن الله يخلق من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب فلا يحس بجوع ولا عطش . وجنح ابن القيم إلى أن المراد أنه يشغله بالتفكر في عظمته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام والشراب قال : وقد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني ( قال شيخنا : هذا المعنى لا ينكره أحد له ذوق بالمحبة كما قال ابن القيم . لامع الدراري 5 / 377 ) . انتهى . كذا في " التنوير "

367 - أخبرنا مالك أخبرني أبو الزناد ( 1 ) عن الأعرج ( 2 ) عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إياكم ( 3 ) والوصال إياكم والوصال ( 4 ) قالوا : إنك تواصل يا رسول الله ؟ قال : إني لست ( 5 ) كهيئتكم أبيت ( 6 ) يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا ( 7 ) من الأعمال ما لكم ( 8 ) به طاقة
قال محمد : وبهذا نأخذ الوصال مكروه وهو أن يواصل الرجل بين يومين في الصوم لا يأكل في الليل شيئا وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - والعامة ( 9 )
_________
( 1 ) عبد الله بن ذكوان
( 2 ) عبد الرحمن بن هرمز
( 3 ) كرر للمبالغة عن نهي الوصال
( 4 ) عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ثلاث مرات
( 5 ) إنما لم يقل : لستم كهيئاتي تواضعا
( 6 ) أي أمسي
( 7 ) بفتح اللام أي احملوا
( 8 ) قوله : ما لكم به طاقة أي قدرة وقوة لا يكون سببا لضعف بنيته وأما الأنبياء فلهم القوة الإلهية أو الغذاء اللدني فلا يقاس الصعلوك على الملوك
( 9 ) قوله : والعامة أي جمهور العلماء خلافا لبعضهم من الصحابة والتابعين حيث جوزوه ( اختلف العلماء في حكم الوصال فذهب أحمد وإسحاق وجماعة من المالكية إلى جوازه إلى السحر قال الحافظ : هذا الوصال لا يترتب عليه شيء مما يترتب على غيره لأنه في الحقيقة بمنزلة عشاء يؤخره وقال الموفق : الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين بأكل ولا شرب مكروه في قول أكثر أهل العلم والراجح عند الشافعية التحريم وفي " الدر المختار " مكروه تنزيها . انظر لامع الدراري 5 / 380 وأوجز المسالك 5 / 103 ) وقالوا : النهي عنه رحمة فمن قدر عليه فلا حرج لحديث الصحيحن عن عائشة : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال رحمة لهم . وأجيب بأن الرحمة لا تمنع النهي فمن رحمته أنه كره لهم أو حرمه عليهم . وأجاز أحمد وابن وهب وإسحاق الوصال إلى السحر لحديث البخاري عن أبي سعيد مرفوعا : لا تواصلوا فأيكم أراد الوصال فليواصل إلى السحر . وعارضه ابن عبد البر بحديث الصحيحين : إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار ( في الأصل : " الشمس " وهو خطأ . تنظر عمدة القاري 6 / 64 ) من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم فالوصال مخصوص بالنبي صلى الله عليه و سلم

14 - ( باب صوم يوم ( 1 ) عرفة )
368 - أخبرنا مالك حدثنا سالم أبو النضر ( 2 ) عن عمير ( 3 ) مولى ( 5 ) ابن عباس عن أم الفضل ( 5 ) ابنة الحارث : أن ناسا تماروا ( 6 ) في صوم رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة ( 7 ) فقال بعضهم : صائم وقال آخرون : ليس ( 8 ) بصائم فأرسلت ( 9 ) أم الفضل بقدح ( 10 ) من لبن وهو واقف بعرفة فشربه ( 11 )
قال محمد : من شاء صام يوم عرفة ومن شاء أفطر إنما صومه تطوع ( 12 ) فإن كان ( 13 ) إذا صامه يضعفه ذلك عن الدعاء ( 14 ) في ذلك اليوم فالإفطار أفضل ( 15 ) من الصوم
_________
( 1 ) يوم التاسع من ذي الحجة
( 2 ) مولى عمر بن عبيد
( 3 ) هو ابن عبد الله الهلالي وثقه النسائي وابن حبان مات سنة 104 ، كذا في " الإسعاف "
( 4 ) وفي رواية : مولى أم الفضل ولا منافاة فهذا باعتبار الأصل والأولان باعتبار المآل كذا ذكره الزرقاني
( 5 ) زوجة العباس
( 6 ) أي تنازعوا أو تشاكوا أو اختلفوا
( 7 ) أي بعرفات
( 8 ) أي لأنه مسافر
( 9 ) قوله : فأرسلت لم يسم الرسول بذلك نعم في النسائي عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك . وفي الصحيحين عن ميمونة أنها أرسلت فيحمل على التعدد بأن يكون الأختان أرسلتا معا أو أرسلتا قدحا واحدا ونسب إلى كل منهما لأن ميمونة أرسلت بسؤال أختها أم الفضل لها ذلك لكشف الحال أو عكسه . وفيه التحيل للاطلاع على الحكم بغير سؤال وفطنة المرسلة لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حار بعد الظهيرة كذا في " شرح الزرقاني "
( 10 ) بفتحتين كاسه بزرك ( بالفارسية )
( 11 ) شفقة على الأمة ورحمة على العامة . قوله : فشربه زاد في حديث ميمونة : والناس ينظرون وفي رواية أبي نعيم : وهو يخطب الناس بعرفة أي ليراه الناس ويعلمون أنه مفطر لأن العيان أقوى من الخبر . ففطر يوم عرفة للحاج أفضل من صومه لأنه الذي اختاره صلى الله عليه و سلم لنفسه وللتقوي على عمل الحج ولما فيه من العون على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب في ذلك الموضع ولذا قال الجمهور : يستحب فطره للحاج وإن كان قويا . ثم اختلفوا هل صومه مكروه ؟ وصححه المالكية أو خلاف الأولى ؟ وصححه الشافعية وتعقب بأن فعله المجرد لا يدل على عدم استحباب صومه إذ قد يتركه لبيان الجواز وأجيب بأنه قد روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن صوم عرفة بعرفة . وأخذ بظاهره قوم منهم يحيى بن سعيد الأنصاري فقال : يجب فطره للحاج والجمهور على استحبابه كذا في " شرح الزرقاني "
( 12 ) قوله : تطوع أي ليس بفرض ولا واجب لكن فيه فضيلة ثابتة فروى مسلم واللفظ له وأبو داود من حديث أبي قتادة : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صوم يوم عرفة ؟ قال : يكفر السنة الماضية والباقية ( الجمع بينه وبين حديث الباب أن يحمل على غير الحاج أو على من لم يضعفه صيامه عن الذكر والدعاء المطلوب للحاج . انظر فتح الباري 4 / 237 ) وفي رواية الترمذي : صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله . وروى ابن ماجه عن قتادة بن النعمان : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده . وروى أحمد عن عطاء الخرساني أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة يوم عرفة وهي صائمة والماء يرش عليها فقال لها : أفطري فقالت : أفطر وقد سمعت رسول الله يقول : إن صوم عرفة يكفر العام الذي قبله قال الحافظ عبد العظيم المنذري في كتاب " الترغيب والترهيب " : رواته محتج بهم في الصحيح إلا عطاء لم يسمع من عبد الرحمن . وروى أبو يعلى عن سهل بن سعد مرفوعا : من صام يوم عرفة غفر له ذنب سنتين متتابعتين . قال المنذري : رجاله رجال الصحيح . وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه ومن صام عاشوراء غفر له سنة . وإسناده حسن قاله المنذري . وروى الطبراني في " الأوسط " أيضا عن سعيد بن جبير : سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نعدله بصوم سنتين . وإسناده حسن قاله المنذري . وروى في " الكبير " بإسناد فيه رشدين بن سعد - وقد ضعف - عن زيد بن أرقم : أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن صيام يوم عرفة ؟ فقال : يكفر السنة التي قبلها والتي بعدها . وروى الطبراني في " الأوسط " والبيهقي عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال : اسقوني فقالت : يا غلام اسقه عسلا ثم قالت : وما أنت بصائم ؟ قال : لا إني أخاف أن يكون يوم الأضحى فقالت : إنما ذلك يوم عرفة يوم يعرف الإمام أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله كان يعدله بألف يوم ؟ وإسناده حسن قاله المنذري . وفي رواية البيهقي عنها مرفوعا : صيام عرفة كصيام ألف يوم . وأخرج أبو سعيد النقاش في " أماليه " عن ابن عمر مرفوعا : من صام يوم عرفة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال الحافظ ابن حجر في رسالته " الخصال المكفرة في الذنوب المقدمة والمؤخرة " : قد ثبت في " صحيح مسلم " أنه يكفر ذنوب السنة الماضية والمستقبلة وذلك المراد من قوله وما تأخر . انتهى . وذكر السيوطي في رسالته " فيمن يؤتى أجره مرتين " أن سبب كون صوم عاشوراء كفارة سنة وكون صوم عرفة كفارة سنتين أن ذلك من شرع موسى وهذا سنة النبي صلى الله عليه و سلم فضعف أجره
( 12 ) أي المحرم
( 13 ) ونحوه من التلبية والقراءة وكذا إذا كان الصوم يسيء خلقه أو يتعب مشيه
( 14 ) قوله : أفضل وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف كما ذكره الطحاوي وعليه حمل ما ورد من النهي عن صيام عرفة بعرفة . أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وصححه والطبراني والطحاوي وغيرهم . وأخرج الترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر : حججت مع رسول الله ولم يصم ومع أبي بكر كذلك ومع عمر كذلك ومع عثمان كذلك وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه وذكر المنذري أن مالكا والثوري كانا يختاران الفطر بعرفة وكان الزبير وعائشة يصومان وروي ذلك عن عثمان بن أبي العاص وكان عطاء يقول : أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف وقال قتادة : لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء

15 - ( باب الأيام التي يكره فيها الصوم )

369 - أخبرنا مالك حدثنا أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان ( 1 ) بن يسار ( 2 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن صيام أيام ( 3 ) منى
_________
( 1 ) قال الزهري : كان من العلماء وقال الزهري : ثقة مأمون مات سنة 107 هـ
( 2 ) لم يختلف على مالك في إرساله قاله أبو عمر وقد وصله النسائي من طريق سفيان الثوري عن أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر وهما عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة
( 3 ) أي أيام رمي الجمار بها وهي الثلاثة التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر وهي الأيام المعلومات والمعدودات وأيام التشريق

370 - أخبرنا مالك أخبرنا يزيد ( 1 ) بن عبد الله بن الهاد عن أبي مرة مولى ( 2 ) عقيل بن أبي طالب : أن عبد الله بن عمرو بن العاص دخل على أبيه في أيام التشريق فقرب ( 3 ) له طعاما فقال : كل فقال عبد الله لأبيه : إني صائم قال : كل أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمر ( 4 ) نا ( 5 ) بالفطر في هذه الأيام
قال محمد : وبهذا ( 6 ) نأخذ لا ينبغي أن يصام أيام التشريق لمتعة ( 7 ) ولا لغيرها ( 8 ) لما جاء ( 9 ) من النهي عن صومها عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من قبلنا . وقال مالك ( 10 ) ابن أنس يصومها المتمتع ( 11 ) الذي لا يجد الهدي أو ( 12 ) فاتته الأيام الثلاثة قبل يوم النحر
_________
( 1 ) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني وثقه ابن معين والنسائي مات سنة 139 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) ليحيى مولى أم هانئ بنت أبي طالب قال ابن عبد البر : هكذا يقول يحيى وأكثرهم يقولون مولى عقيل
( 3 ) أي أبوه
( 4 ) أمر إيجاب
( 5 ) معاشر المسلمين
( 6 ) قوله : وبهذا نأخذ اختلفوا فيه على ما بسطه العيني في " عمدة القاري " ( 6 / 113 ) وغيره على أقوال منهم من قال : لا يجوز صيام أيام التشريق مطلقا لا للمتمتع ولا لغيره وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والشافعي في الجديد والليث بن سعد وابن علية وبه قال علي بن أبي طالب والحسن وعطاء وهو الرواية الأولى عن أحمد وصححها بعض أصحابه . ومنهم من قال : يجوز مطلقا وهو مذهب أبي إسحاق المروزي الشافعي ولعله لم يبلغه أحاديث النهي . ومنهم من قال : يجوز للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم الثلاثة في عشر ذي الحجة وهو قول عائشة وابن عمر وعروة وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي في القديم وقد رجع عنه وهو الرواية الثانية عن أحمد واختارها بعض أصحابه
( 7 ) أي لصوم تمتع
( 8 ) أي من قران وفدية وكفارة وقضاء
( 9 ) قوله : لما جاء من النهي أي من حديث جماعة من الصحابة عند جماعة من الأئمة منهم عبد الله بن حذافة عند النسائي وابن عباس عند الطبراني وأبي هريرة عند الدارقطني وزيد بن خالد الجهني عند أبي يعلى الموصلي ونبيشة وكعب بن مالك عند مسلم وأم خلدة الأنصارية عند إسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وعمرو بن العاص عند مالك والحاكم وابن خزيمة وعقبة بن عامر وبشر وعلي وغيرهم عند جماعة وليس فيها تخصيص للمتمتع ولا لغيره بل في بعضها أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث مناديا أيام منى ينادي : ألا لا يصومن أحد هذه الأيام
وأخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( 1 / 335 ) النهي من حديث علي وسعد بن أبي وقاص وعائشة وعمرو بن العاص وعبد الله بن حذافة وأبي هريرة وبشر بن سحيم وأنس ومعمر بن عبد الله العدوي وأم الفضل زوجة العباس وغيرهم ثم قال : فلما ثبت بهذه الآثار النهي عن صيام أيام التشريق وكان ذلك بمنى والحاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون ولم يستثن منهم متمتعا دخلوا في هذا النهي أيضا
( 10 ) قوله : وقال مالك ... إلى آخره يستدل له بظاهر قوله تعالى : { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } ( سورة البقرة : الآية 196 ) فإن ظاهره تجويز الثلاثة في أيام الحج وأيام التشريق داخلة فيها ويوافقه ما أخرجه وكيع وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر في تفسير ثلاثة أيام قال : يوم قبل التروية ويوم عرفة وإذا فاته صيامها صام أيام منى فإنهن من الحج . وأخرج البخاري وابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر وعائشة قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمتمتع لم يجد هديا . وأخرج ابن جرير ومن بعده عن ابن عمر : رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته أيام العشر أن يصوم أيام التشريق . وأخرج الدارقطني عن عائشة سمعت رسول الله يقول : من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام قبل يوم النحر ومن لم يكن صام تلك الثلاثة صام أيام منى
وأجاب أصحابنا وغيرهم عن هذه الآثار بأن الموقوف منها لا يوازي المرفوع الناهي والمرفوع منها لا يساوي الناهي العام من حيث السند والاستنباط من الآية في حيز الخفاء لأن دخول أيام التشريق في أيام الحج في حيز المنع . وفي المقام كلام في المبسوطات
( 11 ) وكذا القارن
( 12 ) في نسخة : إذا

16 - ( باب النية في الصوم من الليل )

371 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر قال : لا يصوم ( 1 ) إلا من أجمع ( 2 ) الصيام قبل الفجر
قال محمد : ومن أجمع أيضا على الصيام ( 3 ) قبل نصف النهار ( 4 ) فهو ( 5 ) صائم وقد روى ذلك ( 6 ) غير واحد وهو قول ( 7 ) أبي حنيفة والعامة قبلنا
_________
( 1 ) أي لا يصح أن يصوم
( 2 ) قال الباجي : الإجماع على الصوم وهو العزم عليه والقصد له
( 3 ) أي فرضا كان أو نفلا قوله : على الصيام سواء كان فرضا أو نفلا أما النفل فلما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة قال لي رسول الله ذات يوم : يا عائشة هل عندكم شيء ؟ فقلت : يا رسول الله ما عندنا شيء فقال : فإني صائم ... الحديث وله ألفاظ عند مسلم
ورواه أبو داود وابن حبان والدارقطني بلفظ : كان النبي صلى الله عليه و سلم يأتينا يقول : هل عندكم من غداء ؟ فإن قلنا نعم تغدى وإن قلنا لا قال : إني صائم . وفي رواية لمسلم والدارقطني : دخل عليها فقال : هل عندكم شيء ؟ قلت : لا قال : فإني إذا صائم . ودخل علي يوما آخر فقال : أعندكم شيء ؟ قلت : نعم قال لي : إذا أفطر وقد كنت فرضت الصوم
وذكر البخاري تعليقا عن أم الدرداء : كان أبو الدرداء يقول : عندكم طعام ؟ فإن قلنا : لا قال : فإني صائم يومي هذا . ووصله ابن أبي شيبة وكذا أورد عن أبي طلحة عند عبد الرزاق أنه كان يأتي أهله فيقول هل من غداء ؟ فيقولون : لا فيصوم . وعن أبي هريرة عند البيهقي وعن ابن عباس وصله الطحاوي وعن حذيفة وصله عبد الرزاق وذكرها البخاري تعليقا
وأما الفرض فلما ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث رجلا ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليصم أي ليمسك بقية يومه ومن لم يأكل فلا يأكل . أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم وصوم يوم عاشوراء كان فرضا قبل رمضان فدل ذلك على إجزاء النية بعد الطلوع أيضا في رمضان لولا يظهر فرق بين فرض وفرض
( 4 ) أي الشرعي وهو وقت الضحوة الكبرى بحيث يقع النية في أكثر أجزاء النهار
( 5 ) فصومه عندنا صحيح
( 6 ) أي مضمون ما ذكر
( 7 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة خلافا للشافعي وأصحابه فإنهم جوزوا في النفل النية بعد الطلوع للآثار المذكورة ولم يجوزوا ذلك في الفرض لأثر ابن عمر ولحديث حفصة مرفوعا : من لم يجمع من الليل فلا صيام له وفي رواية : من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأحمد والدارقطني واختلف في رفعه ووقفه وصحح جماعة - منهم الترمذي - وقفه على حفصة وحمله الطحاوي على ما عدا النفل وصوم رمضان من صوم الكفارات وقضاء شهر رمضان لئلا يضاد حديث صوم يوم عاشوراء وغيره من الآثار وذكر في " إرشاد الساري " أنه روى عبد الرزاق عن حذيفة أنه قال : من بدا له الصيام بعد ما تزول الشمس فليصم وإليه ذهب جماعة سواء كان قبل الزوال أو بعده وهو مذهب الحنابلة وقال مالك : لا يصوم في النافلة إلا أن يبيت لحديث : لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل وقياسا على الصلاة إذ فرضها ونفلها سواء في النية ( قال الموفق : لا يصح الصوم إلا بنية إجماعا فرضا كان أو تطوعا لأنه عبادة محضة فافتقر إلى النية كالصلاة ثم إن كان فرضا كصيام رمضان في أدائه وقضائه والنذر والكفارة اشترط أن ينويه من الليل عند إمامنا ومالك والشافعي وقال أبو حنيفة يجزئ صيام رمضان وكل صوم متعين بنية من النهار لحديث عاشوراء المتفق عليه ثم في أي جزء من الليل نوى أجزأه ثم فعل بعد النية ما ينافي الصوم من الأكل والشرب أم لا واشتراط بعض أصحاب الشافعي أن لا يأتي بعد النية بمناف للصوم واشترط بعضهم وجود النية في النصف الأخير من الليل كما اختص به أذان الصبح والدفع من مزدلفة ولنا عموم قوله صلى الله عليه و سلم : " من لم يبيت الصيام من الليل " وصوم التطوع يجوز بنية من النهار عند إمامنا وأبي حنيفة والشافعي وقال مالك وداود : لا يجوز إلا بنية من الليل ثم في أي وقت من النهار نوى أجزأه سواء في ذلك ما قبل الزوال وبعده وهذا ظاهر كلام أحمد والخرقي واختار القاضي في " المحرر " أنه لا تجزئه النية بعد الزوال وهذا مذهب أبي حنيفة والمشهور من قولي الشافعي كذا في لامع الدراري 5 / 382 )

17 - ( باب المداومة على الصيام )

372 - أخبرنا مالك حدثنا أبو النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ( 1 ) عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى يقال لا يفطر ( 2 ) ويفطر ( 3 ) حتى يقال لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استكمل ( 4 ) صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر ( 5 ) صياما ( 6 ) منه في شعبان
_________
( 1 ) قوله : عبد الرحمن هكذا قال أبو النضر ووافقه يحيى بن أبي كثير في الصحيحين ومحمد بن إبراهيم وزيد بن غياث عند النسائي ومحمد بن عمرو عند الترمذي وخالفهم يحيى بن سعيد وسالم بن أبي الجعد فروياه عن أبي سلمة عن أم سلمة أخرجهما النسائي ويحتمل أن أبا سلمة رواه عن كل منهما كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) أي بعد ذلك
( 3 ) أي أحيانا ويستمر على إفطاره
( 4 ) لئلا يظن وجوبه
( 5 ) بالنصب ثاني مفعولي رأيت
( 6 ) بالنصب وروي بالخفض قال السهيلي : هو وهم كأنه كتب الألف على لغة من يقف على المنصوب المنون بدون الألف فتوهمه مخفوضا . قوله : أكثر صياما منه في شعبان اختلف في الحكمة في إكثاره الصوم فيه فقيل : كان يشتغل عن صيام الثلاثة من كل شهر لسفر أو غيره فيجتمع فيقضيها فيه واستدل له بما أخرجه الطبراني بسند ضعيف عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان وقيل : كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان لحديث الترمذي : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم : أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ قال : شعبان لتعظيم رمضان . وأصح منه ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة عن أسامة قلت : يا رسول الله لم أرك ما تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله فأحب أن يرفع ( المراد بالرفع الرفع الخاص دون الرفع العام بكرة وعشيا . انظر فتح الملهم 3 / 174 ) إليه عملي وأنا صائم كذا في " التوشيح شرح صحيح البخاري " للسيوطي

18 - ( باب صوم يوم عاشوراء ( 1 ) )
373 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن حميد ( 2 ) بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية ( 3 ) بن أبي سفيان عام ( 4 ) حج وهو على المنبر ( 5 ) يقول : يا أهل المدينة أين ( 6 ) علماؤكمم ( 7 ) ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لهذا اليوم ( 8 ) هذا يوم عاشوراء لم يكتب ( 9 ) الله عليكم صيامه أنا صائم ومن شاء فليصم ومن شاء فليفطر ( 10 )
قال محمد : صيام يوم عاشوراء كان واجبا ( 11 ) قبل أن يفترض رمضان ثم نسخه ( 12 ) شهر رمضان فهو تطوع من شاء صامه ومن شاء لم يصمه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة قبلنا
_________
( 1 ) قوله : عاشوراء هو بالمد على المشهور وحكي فيه القصر وهو في الأصل صفة الليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة إلا أنهم لما عدلوا عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن ذكر الموصوف ( قال العيني : وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وعد أسماءهم ثم قال : ومن الأئمة مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحابهم . " عمدة القاري " 6 / 116 )
كذا ذكره القاري
( 2 ) قوله : عن حميد قال الحافظ : ابن حجر هكذا رواه مالك وتابعه يونس وصالح بن كيسان وابن عيينة وغيرهم قال الأوزاعي والزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال النعمان بن راشد عن الزهري عن السائب بن يزيد كلاهما عن معاوية المحفوظ رواية الزهري عن حميد قاله النسائي وغيره
( 3 ) هو وأبوه من مسلمة الفتح وكان أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة كذا ذكره الزرقاني
( 4 ) قوله : عام حج كان أول حجة حجها معاوية بعد الخلافة سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين ذكره ابن جرير . قال ابن حجر : ويظهر أن المراد في هذا الحديث الحجة الأخيرة وكأنه تأخر بمكة أو المدينة بعد الحج إلى يوم عاشوراء
( 5 ) أي منبر المسجد النبوي
( 6 ) قوله : أين علماؤكم ؟ قال النووي : الظاهر إنما قال ذلك لما سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بأنه ليس بواجب ولا محرم وقال ابن التين : يحتمل أن يريد به استدعاء موافقتهم أو بلغه أنهم يرون صيامه فرضا أو نفلا أو يكون للتبليغ كذا في " عمدة القاري ( 6 / 121 ) " شرح صحيح البخاري للعيني
( 7 ) أي من الصحابة والتابعين
( 8 ) أي في حقه
( 9 ) أي لم يفرض قوله : لم يكتب الله ... إلى آخره اتفق العلماء على أن صوم عاشوراء اليوم سنة وليس بواجب واختلفوا في حكمه أول الإسلام فقال أبو حنيفة : كان واجبا واختلف أصحاب الشافعي على وجهين : أشهرهما : أنه لم يزل سنة ولم يك واجبا قط والثاني : كقول أبي حنيفة وقال عياض : وكان بعض السلف يقول : كان فرضا وهو باق على فرضيته قال : وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض كذا في " عمدة القاري "
( 10 ) قال الحافظ ابن حجر : هو كلمة من كلام النبي صلى الله عليه و سلم كما بينه النسائي في روايته ذكره السيوطي
( 11 ) قوله : كان واجبا ( وبسط الكلام على هذا الشيخ ابن القيم في " الهدي " وقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصوم عاشوراء قبل أن ينزل فرض رمضان فلما فرض رمضان تركه فهذا لا يمكن التخلص عنه إلا بأن صيامه كان فرضا قبل رمضان فحينئذ يكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه ويتعين هذا ... إلخ . " لامع الدراري " 5 / 383 ) ... . إلى آخره به ورد كثير من الأخبار فأخرج الطحاوي عن الربيع بنت معوذ : قد بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأنصار : من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم آخر يومه فلم نزل نصومه ويصومه صبياننا وهم صغار ونتخذ لهم اللعبة من العهن فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة . وأخرج عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بصوم عاشوراء قبل أن يفترض رمضان فلما فرض قال : من شاء صام عاشوراء ومن شاء أفطر . وأخرج عن جابر : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بصوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عليه فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا . وأخرج عن قيس بن سعد : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصوم عاشوراء قبل أن يفترض رمضان . فلما نزل رمضان لم نؤمر ولم ننه عنه . وفي الباب أخبار أخر مخرجة في السنن والصحاح وأما حديث معاوية فأجيب عنه بأن معاوية من مسلمة الفتح فإن كان سمع ما سمع فإنما سمع سنة تسع أو عشر وذلك بعد نسخه برمضان فإنه كان في السنة الثانية فلا دلالة له على عدم وجوبه قبل ذلك
( 12 ) أي افتراضه

19 - ( باب ( 1 ) ليلة ( 2 ) القدر )
374 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : تحروا ( 3 ) ليلة ( 4 ) القدر في السبع الأواخر من رمضان
_________
( 1 ) قوله : باب ليلة القدر ( ذكر شيخنا في الأوجز 5 / 178 سبعة أبحاث لطيفة في هذا الباب : منها اختلافهم في وجه التسمية بليلة القدر ومنها : اختصاص هذه الليلة بهذه الأمة عند الجمهور ومنها : اختلافهم في سبب هذه العطية الجليلة ومنها : في تعيين هذه الليلة على أقوال كثيرة تبلغ إلى قريب من خمسين قولا ومختار أئمة الفقه والسلوك في تعيين هذه الليلة ومنها : اختلافهم هل يحصل الثواب المترتب عليها لمن قامها ولم يظهر له شيء وغيرها ) اختلف العلماء فيها فقيل : إنها رفعت أصلا ورأسا قاله الحجاج الوالي الظالم والرافضة وقيل : إنها دائرة في جميع السنة وقيل : إنها ليلة النصف من شعبان وقيل : مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه ورجحه السبكي وقيل أول ليلة منه وقيل ليلة النصف وقيل ست عشرة وقيل سبعة عشرة وقيل ليلة ثماني عشرة وقيل : ليلة تسع عشرة وقيل : مبهمة في العشر الأوسط وقيل : مبهمة في العشر الأخير وقيل : مبهمة في السبع الأواخر وقيل : ليلة الحادي والعشرين وقيل كذلك إن كان الشهر ناقصا وإلا فليلة العشرين وقيل : ليلة اثنتين وعشرين وقيل : ليلة ثلاث وعشرين وقيل ليلة سبع وعشرين وهو مذهب أحمد واختاره خلائق وقيل ليلة ثمان وعشرين وقيل : ليلة تسع وعشرين وقيل : ليلة الثلاثين وقيل : تنتقل في النصف الأخير وقيل : تنتقل في العشر الأخير كله وقيل : إنها تنتقل في أوتار العشر الأخير وقيل : تنتقل في السبع الأواخر وقيل : في أشفاع العشر الأوسط والعشر الأخير وذهب بعض المتأخرين إلى أنها تكون دائما ليلة الجمعة ولا أصل له كذا في " التنوير " ( 1 / 300 )
( 2 ) سميت بذلك لعظم قدرها لنزول القرآن فيها ولوصفها بأنها خير من ألف شهر
( 3 ) أي اجتهدوا أو التمسوا
( 4 ) قال ابن عبد البر : هكذا رواه مالك ورواه شعبة عن عبد الله بن دينار بلفظ : تحروها ليلة سبع وعشرين

375 - أخبرنا مالك حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ( 1 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( 2 ) : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان
_________
( 1 ) قال ابن عبد البر : رواه أنس بن عياض أبو ضمرة عن هشام عن أبيه عن عائشة موصولا
( 2 ) وفي الصحيح عن عائشة : تحروا ليلة القدر في وتر العشر الأواخر من رمضان

20 - ( باب ( 1 ) الاعتكاف ( 2 ) )
376 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة ( 3 ) بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اعتكف يدني ( 4 ) إلي ( 5 ) رأسه فأرجله ( 6 ) وكان لا يدخل البيت إلا ( 7 ) لحاجة ( 8 ) الإنسان
قال محمد : وبهذا نأخذ لا يخرج ( 9 ) الرجل إذا اعتكف إلا للغائط أو البول وأما الطعام والشراب فيكون في معتكفه ( 10 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : باب الاعتكاف قال مالك : فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اعتنائهم واتباعهم الأثر فأراهم تركوه لشدته . انتهى . قال السيوطي في " التوشيح " : وتمامه أن يقال : مع اشتغالهم بالكسب لعيالهم والعمل في أراضيهم فيشق عليهم ترك ذلك وملازمتهم للمسجد . انتهى . قلت : هو مع تمامه ليس بتمام لعدم كونه وجها لترك سنة من سنن النبي صلى الله عليه و سلم والأولى أن يقال إن الاعتكاف في العشر من رمضان وإن كان سنة مؤكدة لكنه على الكفاية لا على العين وقد كانت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بعده يعتكفن فكفى ذلك وقد حققته في رسالتي " الإنصاف في حكم الاعتكاف "
( 2 ) هو لغة لزوم الشيء وحبس النفس عليه خيرا أو شرا وشرعا لزوم المسجد للعبادة على وجه مخصوص
( 3 ) قوله : عن عمرة قال ابن عبد البر : كذا رواه جمهور رواة الموطأ ورواه عبد الرحمن بن مهدي وجماعة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة فلم يذكروا عمرة في هذا الحديث . وكذا لم يذكر عمرة أكثر أصحاب ابن شهاب منهم معمر وسفيان وزياد بن سعد والأوزاعي . انتهى
ورواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به ورواه الترمذي عن أبي مصعب عن مالك عن الزهري . عن عروة وعمرة كلاهما عن عائشة وقال هكذا روى بعضهم عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة والصحيح عن عروة وعمرة عن عائشة . وكذا أخرجه البخاري ومسلم وبقية الستة عن الزهري عن عروة وعمرة كلاهما عن عائشة كذا في " التنوير "
( 4 ) من الإدناء أي يقرب . قوله : يدني إلي رأسه فيه إن إخراج البعض لا يجري مجرى الكل زاد في رواية : وأنا حائض . وفيه أن الحائض طاهرة
( 5 ) وأنا في الحجرة
( 6 ) أي فأمشط شعر رأسه
( 7 ) قوله : إلا لحاجة الإنسان فسرها الزهري بالبول والغائط وقد اتفقوا على استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات مثل عيادة المريض وشهود الجمعة والجنازة فرآه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم وبه قال الثوري وابن المبارك وقال بعضهم : ليس له أن يفعل شيئا من هذا كذا في " عمدة القاري "
( 8 ) أي الضرورية وهي الغائط والبول والحدث
( 9 ) قوله : لا يخرج الرجل يعني إلى بيته قرب أو بعد وأما للوضوء والغسل من دون ضرورة فلا وكذا في عيادة المريض ونحو ذلك . ويشهد له ما أخرجه أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يسأل عن المريض إلا مارا في اعتكافه
( 10 ) اسم مفعول أي محل اعتكافه

377 - أخبرنا مالك أخبرنا يزيد بن عبد الله بن الهاد ( 1 ) عن محمد بن إبراهيم ( 2 ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري ( 3 ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتكف العشر الوسط ( 4 ) من شهر ( 5 ) رمضان فاعتكف ( 6 ) عاما ( 7 ) حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج ( 8 ) فيها من اعتكافه قال ( 9 ) : من كان ( 10 ) اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت ( 11 ) هذه الليلة ( 12 ) ثم أنسيتها ( 13 ) وقد رأيتني ( 14 ) من صبحتها ( 15 ) أسجد في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر ( 16 )
قال أبو سعيد : فمطرت السماء من تلك الليلة وكان المسجد ( 17 ) سقفه عريشا ( 18 ) فوكف ( 19 ) المسجد . قال أبو سعيد ( 20 ) : فأبصرت ( 21 ) عيناي رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف ( 22 ) علينا وعلى جبهته وأنفه ( 23 ) أثر الماء والطين من صبح ( 24 ) ليلة إحدى وعشرين
_________
( 1 ) أصله الهادي حذف الياء وقفا ووصلا
( 2 ) ابن الحارث التميمي
( 3 ) قال ابن عبد البر : هذا أصح حديث يروى في هذا الباب
( 4 ) قوله : الوسط قال ابن حجر : بضم الواو والسين جمع وسطى ويروى بفتح السين مثل كبر وكبرى ورواه الباجي بإسكانها على أنها جمع واسط كبازل وبزل . انتهى
( 5 ) قوله : من شهر رمضان فيه مداومته على ذلك . فالاعتكاف فيه سنة مؤكدة لمواظبته عليه قاله ابن عبد البر . ولعل مراده رمضان لا بقيد الوسط إذ هو لم يداوم عليه
( 6 ) كذلك
( 7 ) مصدر عام إذا سبح فالإنسان يعوم في دنياه على الأرض طول حياته
( 8 ) أي من عادته أن يخرج . قوله : يخرج فيها قال ابن حزم : هذه الرواية مشكلة فإن ظاهرها أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين وعلى هذا يكون أول الليالي اعتكافه الآخر ليلة اثنين وعشرين وهو مغاير لقوله في آخر الحديث : فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين ووقوع المطر كان في ليلة إحدى وعشرين وهو الموافق لبقية الطرق فكان في هذه الرواية تجوزا أي من الصبح الذي قبلها كذا في " التنوير "
( 9 ) وفي رواية الشيخين : فخطبنا صبيحة عشرين
( 10 ) أي من أصحابي
( 11 ) وفي رواية أريت : بهمزة أوله . قوله وقد رأيت قال النووي : في " شرح المهذب " قال القفال : ليس معناه أنه رأى الملائكة والأنوار عيانا ثم نسي في أول ليلة رأى ذلك لأن مثل هذا قل أن ينسى وإنما معناه أنه قيل له ليلة القدر ليلة كذا وكذا ثم نسي كيف قيل له
( 12 ) أي ليلة القدر
( 13 ) بصيغة المفعول أي أنسانيها الله لحكمة في إنسائها
( 14 ) أي نفسي في تلك الليلة
( 15 ) أي في صبحها
( 16 ) أي أوتار لياليه أولها ليلة الحادي والعشرين إلى آخر التاسع والعشرين
( 17 ) أي في مسجد المدينة
( 18 ) أي أنه كان مظللا بالجريد والخوص محكم البناء بحيث يكف عن المطر
( 19 ) أي أقطر الماء من سقفه
( 20 ) أي الخدري راوي الحديث
( 21 ) أي فرأيت
( 22 ) من الصلاة
( 23 ) قوله : وأنفه فيه السجود على الجبهة والأنف جميعا فإن سجد على أنفه وحده لم يجزه وعلى جبهته وحدها أساء قاله مالك وقال الشافعي : لا يجزيه وقال أبو حنيفة : إذا سجد على جبهته أو أنفه أجزاه ( وفي الهداية : إن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة وقالا : لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر وهو رواية عنه ... إلخ انظر " أوجز المسالك " 5 / 187 )
( 24 ) بعد ما فرغ من صلاة الصبح

378 - أخبرنا مالك سألت ابن شهاب الزهري عن الرجل المعتكف يذهب لحاجته تحت سقف ( 1 ) ؟ قال : لا بأس بذلك ( 2 )
قال محمد : بهذا نأخذ لا بأس للمعتكف إذا أراد أن يقضي الحاجة من الغائط أو البول أن يدخل البيت ( 3 ) أو أن يمر تحت السقف وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) أي خراب صار مزبلة ويكون حول المسجد
( 2 ) وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وقال جماعة : إن دخل تحته بطل ( قال الموفق : لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد تقام الجماعة فيه لأن الجماعة واجبة والاعتكاف في غيره يفضي إلى أحد الأمرين : إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر الخروج كثيرا مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف . ولا يصح الاعتكاف في غير مسجد إذا كان المعتكف رجلا لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا " المغني " 3 / 187 )
( 3 ) أي بيته

( كتاب الحج ( 1 ) )
1 - ( باب المواقيت ( 2 ) )
379 - أخبرنا مالك حدثنا نافع مولى عبد الله عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( 1 ) : يهل ( 3 ) أهل ( 4 ) المدينة من ذي الحليفة ( 5 ) ويهل أهل الشام ( 6 ) من الجحفة ( 7 ) ويهل أهل نجد ( 8 ) من قرن ( 9 )
قال ابن عمر : ويزعمون ( 10 ) أنه ( 11 ) قال : ويهل أهل اليمن من يلملم ( 12 )
_________
( 1 ) بفتح الحاء والكسر في اللغة : القصد وفي الشرع : زيارة أماكن مخصوصة بأفعال مخصوصة
( 1 ) جمع للميقات مكان الإحرام . حكى الأثرم عن أحمد أنه سئل : أي سنة وقت رسول الله المواقيت ؟ فقال : عام حج كذا في " التوشيح "
( 3 ) وللبخاري : أن رجلا قام في المسجد فقال : يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل ؟ فقال : يهل إلى آخره بصيغة الخبر مرادا به الأمر
( 4 ) من أهل المحرم : رفع صوته عند الإحرام . وكل من رفع صوته فقد أهل كذا في " المصباح "
( 5 ) أي حقيقة أو حكما ومن حولهم من أهل الشرق
( 6 ) قوله : من ذي الحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام وإسكان الياء المثناة من تحت وبالفاء هو على نحو ستة أميال من المدينة وقيل : سبعة أو أربعة كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي رحمه الله
( 7 ) زاد النسائي من حديث عائشة : ومصر وزاد الشافعي في روايته : والمغرب والمصريون الآن يحرمون من رابغ - براء وموحدة وعين معجمة - قرب الجحفة لكثرة حماها فلا ينزلها أحد إلا حم كذا ذكره الزرقاني
( 8 ) قوله : من الجحفة بضم الجيم وإسكان الحاء قرية كبيرة كانت عامرة وهي على طريق المدينة على نحو سبع مراحل من المدينة ونحو ثلاث مراحل من مكة قرية من الهجر بينها وبينه نحو ستة أميال قال صاحب " المطالع " وغيره : سميت جحفة لأن السيل احتجفها وقال أبو الفتح الهمداني : هي فعلة من جحف السيل اجتحف : إذا اقتلع ما يمر به من شجر أو غيره وهذا من باب العرفة كما تقول عرفت عرفة بالفتح وما تعرفه عرفة كذلك جحف السيل جحفة بالفتح والمجحوف جحفة بالضم كذا في " تهذيب الأسماء واللغات "
( 9 ) وكذا أهل الطائف ومن حولهم من أهل الشرق . قوله : أهل نجد : كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع والمراد ههنا التي أعلى تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق قاله الزرقاني
( 10 ) قوله : من قرن بفتح القاف وسكون الراء . وفي حديث ابن عباس في الصحيحين : قرن المنازل . وضبط الجوهري بفتح الراء وغلطوه وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك وفي نسبة أويس القرني إليه وإنما هو منسوب إلى قبيلة بني قرن بطن من مراد لكن حكى عياض أن من سكن الراء أراد الجبل ومن فتح أراد الطريق . والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان كذا في " شرح الزرقاني "
( 11 ) قوله : ويزعمون ... إلى آخره للبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر : لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه و سلم . وفي " الصحيحين " عن سالم عن أبيه وزعموا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال - ولم أسمعه - : ويهل أهل اليمن من يلملم . وهو من استعمال الزعم على القول المحقق وهو يشعر بأن الذي بلغ ذلك ابن عمر جماعة وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في " الصحيحين " وجابر عند مسلم إلا أنه قال : أحسبه رفعه وعائشة عند النسائي والحارث بن عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي ( انظر أوجز المسالك 6 / 217 )
( 12 ) أي النبي صلى الله عليه و سلم
( 13 ) قوله : من يلملم بفتح الياء واللامين وإسكان الميم بينهما ويقال فيه ألملم بهمزة هو على مرحلتين من مكة . وفي " شرح مسلم " لعياض : هو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة كذا في " تهذيب الأسماء "

380 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) عبد الله بن دينار أنه قال : قال عبد الله بن عمر : أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل المدينة أن يهلوا ( 2 ) من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن
قال عبد الله بن عمر : أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : وأما أهل اليمن فيهلون من يلملم
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عبد الله بن دينار ... إلى آخره قال الزرقاني : هذا الحديث تابع فيه مالكا إسماعيل بن جعفر عند مسلم وسفيان بن عيينة عند البخاري في " الاعتصام " . كلاهما عن ابن دينار به وزاد فذكر العراق فقال أي ابن عمر : لم يكن عراق يومئذ ولأحمد عن صدقة فقال له قائل : فأين العراق ؟ فقال : لم يكن يومئذ عراق . وروى الشافعي عن طاوس لم يوقت رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق . وكذا قال مالك في " المدونة " والشافعي في " الأم " فميقات ذات عرق لأهل العراق ليس منصوصا عليه وإنما أجمع عليه وبه قطع الغزالي والرافعي في " شرح المسند " والنووي في " شرح مسلم " ويدل له ما في البخاري : أن أهل العراق أتوا عمر فوقت لهم ذات عرق وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في " الشرح الصغير " والنووي في " شرح المهذب " أنه منصوص . وفي مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : ومهل أهل العراق ذات عرق إلا أنه مشكوك في رفعه لأن أبا الزبير قال : سمعت جابرا قال : سمعت أحسبه رفع لكن قال العراقي : قوله أحسبه أي أظنه والظن في باب الرواية يتنزل منزل اليقين وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة وعن الحارث قالا : وقت رسول الله صلى الله عليه و سلم لأهل العراق ذات عرق قال الحافظ : فهذا يدل على أن للحديث أصلا ( انظر فتح الباري 3 / 389 و 390 )
( 2 ) وميقات المكي ومن بمعناه للحج الحرم وللعمرة الحل
( 3 ) أي المواضع الثلاثة

381 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر أحرم ( 1 ) من الفــرع ( 2 )
_________
( 1 ) أي مرة
( 2 ) قوله : من الفرع بضم الفاء والراء وبإسكانها موضع بناحية المدينة يقال : هي أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة قال ابن عبد البر : محمله عند العلماء أنه مر بميقات لا يريد إحراما ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإحرام كما قاله الشافعي وغيره . وقد روى حديث المواقيت ومحال أن يتعداه مع علمه به فيوجب على نفسه ما عليه دم

382 - أخبرنا مالك أخبرني الثقة ( 1 ) عندي : أن ابن عمر أحرم ( 2 ) من إيلياء ( 3 )
قال محمد : وبهذا نأخذ هذه مواقيت ( 4 ) وقتها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا ينبغي ( 5 ) لأحد أن يجاوزها ( 6 ) إذا أراد ( 7 ) حجا إلا محرما فأما إحرام ( 8 ) عبد الله بن عمر من الفرع وهو دون ذي الحليفة إلى مكة فإن أمامها ( 9 ) وقت آخر ( 10 ) وهو الجحفة ( 11 ) وقد رخص ( 12 ) لأهل المدينة أن يحرموا ( 13 ) من الجحفة لأنها ( 14 ) وقت من المواقيت . بلغنا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من أحب منكم ( 15 ) أن يستمتع بثيابه ( 16 ) إلى الجحفة فليفعل . أخبرنا بذلك أبو يوسف عن إسحاق ( 17 ) بن راشد عن محمد ( 18 ) بن علي عن النبي صلى الله عليه و سلم
_________
( 1 ) قيل : هو نافع كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) قوله : أحرم ( في جمع الفوائد برواية مالك أن ابن عمر أهل بحجة من إيلياء . أوجز المسالك 6 / 224 ) من إيلياء أي عام الحكمين لما افترق أبو موسى وعمرو بن العاص من غير اتفاق بدومة الجندل فنهض ابن عمر إلى بيت المقدس فأحرم منه كما رواه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما مع كونه روى حديث المواقيت فدل على أنه فهم أن المراد منع مجاوزتها حلالا لا منع الإحرام قبلها وأما الكراهة فلعلة أخرى هي خوف أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته ما يفسد إحرامه . وأما قصيرها فلما فيه من التباس الميقات والتضليل عنه وهذا مذهب مالك وجماعة من السلف ( قال مالك وأحمد وإسحاق : إحرامه من المواقيت أفضل وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وآخرون : الإحرام من المواقيت رخصة . انظر عمدة القاري 5 / 141 ) ؟ فأنكر عمر على عمران بن حصين في إحرامه من البصرة وأنكر عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات قال ابن عبد البر : وهذا من هؤلاء - والله أعلم - كراهة أن يضيق المرء على نفسه ما وسع الله عليه وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه وذهب جماعة إلى جوازه من غير كراهة . وقال به الشافعية كذا في " شرح الزرقاني "
( 3 ) بكسر أوله ممدودا ومخففا وقد تشدد الياء الثانية ويقصر اسم مدينة بيت المقدس
( 4 ) أي أماكن موقتة
( 5 ) أي لا يحل . قوله : فلا ينبغي لأحد ... إلى آخره لما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تجاوز الميقات إلا بإحرام ( نصب الراية 1 / 473 ) وكذلك أخرجه الطبراني في معجمه وأخرج الشافعي والبيهقي عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم وروى إسحاق بن راهويه عنه أنه قال : إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم فإن خشي إن رجع إلى الوقت يفوت الحج فإنه يحرم ويهريق دما . وبهذه الأخبار وأمثالها حرم الجمهور المجاوزة عن المواقيت بغير إحرام لكن الشافعية خصوه بمن يريد أداء النسك وأصحابنا عمموه وذهب عطاء والنخعي إلى عدم وجوب الإحرام من المواقيت وقال سعيد بن جبير : لا يصح حجه وقال الحسن : يجب على المجاوز العود إلى الميقات فإن لم يعد حتى تم حجه رجع للميقات وأهل منه بعمرة . وهذه الأقاويل الثلاثة شاذة ضعيفة قاله ابن عبد البر وغيره
( 6 ) قوله : أن يجاوزها وأما تقديم الإحرام عليها فجائز اتفاقا حكاه غير واحد . وحكى العيني في " شرح الهداية " أن عند داود الظاهري إذا أحرم قبل هذه المواقيت فلا حج له ولا عمرة وهو قول شاذ مخالف لفعل السلف وقولهم فقد أحرم ابن عمر من بيت المقدس بل ورد في فضله حديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان مرفوعا : من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة . هذا لفظ أبي داود وفي سنده ضعف يسير ذكره الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث شرح الرافعي " وذكر القرطبي أن إحرام ابن عمر وابن عباس كان من الشام وإحرام عمران بن حصين من البصرة وابن مسعود من القادسية وإحرام علقمة والأسود والشعبي من بيوتهم وسعيد بن جبير من الكوفة رواه سعيد بن منصور وأخرج الحاكم في " المستدرك " أنه سئل علي عن قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فقال : أن تحرم من دويرة أهلك . وفي الباب آثار كثيرة تشهد بجواز التقديم إلا أن مالكا وأحمد وإسحاق كرهوه كما ذكره العيني وغيره وقال أصحابنا : هو أفضل إن أمن من أن يقع في محظور
( 7 ) قوله : إذا أراد هذا القيد غالبي وإلا فلا يحل لأحد من الآفاقي أن يجاوز الميقات بلا إحرام إذا أراد دخول الحرم سواء أراد أحد النسكين أو لم يرد خلافا للشافعي . وأما دخوله عليه الصلاة و السلام عام الفتح بغير إحرام فحكم مخصوص له ولأصحابه في ذلك الوقت كذا في " شرح القاري "
( 8 ) قوله : فأما إحرام ... إلى آخره دفع لما ورد أنه لما لم يجز مجاوزة المواقيت فكيف جاوز ابن عمر ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة وأحرم من الفـــرع وهو متجاوز عن ذي الحليفة إلى جانب مكة . وحاصل الدفع أنه لا يحل المجاوزة من هذه المواقيت لمن مر بها إلا محرما إلا من كان بين يدية ميقات آخر فإنه مخير بين أن يحرم من ميقاته الأول أو من الثاني فأهل المدينة يخير لهم بين أن يحرموا من ذي الحليفة وهو ميقاتهم الموقت وبين أن يحرموا من الجحفة أو من رابغ الذي هو قريب الجحفة لحديث مرفوع مرسل : من أحب أن يستمتع بثيابه إلى الجحفة فليفعل . فلا يلزمهم من مجاوزة ذي الحليفة دم وإن كان الأفضل هو الإحرام منه وقد يستدل له بما وقع في رواية البخاري وغيره من حديث ابن عباس بعد ذكر المواقيت : فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة . واستدل به كثير على أن الشامي إذا مر بذي الحليفة لزمه الإحرام منها ولا يؤخره إلى ميقاته الجحفة فإن أخر لزمه دم عند الجمهور وحكى النووي الاتفاق عليه ولعله بالنسبة إلى جمهور الشافعية وإلا فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى الجحفة جاز له ذلك وبه قالت
الحنفية ( وأما مذهب الحنفية في ذلك ما في " البدائع " : من جاوز ميقاتا من هذه المواقيت من غير إحرام إلى ميقات آخر جاز إلا أن المستحب أن يحرم من الميقات الأول كذا في بذل المجهود 8 / 324 ) وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية كذا في " فتح الباري " وغيره
( 9 ) أي قدامها
( 10 ) أي ميقات متأخر آخر
( 11 ) الحاصل أن هذا رخصة والإحرام من الميقات الأول عزيمة فلو أحرم من الجحفة فلا شيء عليه عندنا خلافا للشافعي كذا في " المرقاة "
( 12 ) أي بصيغة المجهول أي وقعت الرخصة
( 13 ) سواء مروا على ذي الحليفة أم لا
( 14 ) أي الواجب أن لا يتجاوزوا عن مطلق الميقات أي عن الميقات الأول
( 15 ) خطاب لأهل المدينة
( 16 ) أي أن يلبس ثيابه ويؤخر إحرامه إلى الجحفة
( 17 ) قوله : عن إسحاق بن راشد هو أبو سليمان إسحاق بن راشد الحراني وقيل الرقي مولى بني أمية وقيل مولى عمر روى عن الزهري وعبد الله بن حسن بن الحسن بن علي ومحمد بن علي زين العابدين أبي جعفر الباقر وغيرهم وعنه جماعة ذكره ابن حبان وابن شاهين في " الثقات " ووثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم كذا في " تهذيب التهذيب " وغيره
( 18 ) أي عن أبي جعفر محمد الباقر ابن زين العابدين علي بن الحسين بن علي ويسمى هذا السند سلسلة الذهب قاله القاري

2 - ( باب الرجل يحرم في دبر ( 1 ) الصلاة وحيث ينبعث ( 2 ) به بعيره )
383 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن عمر كان يصلي ( 3 ) في مسجد ذي الحليفة فإذا انبعثت به راحلته أحرم ( 4 )
_________
( 1 ) بضمتين أي بعد الصلاة
( 2 ) والمراد بالانبعاث القيام والباء للتعدية أي حين يقيمه بعيره
( 3 ) ركعتين سنة الإحرام ( عند مسجد ذي الحليفة وأراد بالمسجد مصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس المراد بالمسجد أن هناك مسجدا بني قبل ذلك . بذل المجهود 8 / 271 )
( 4 ) أي نوى ولبى أو جدد نيته وتلبيته بناء على أن الأفضل للمحرم أن يحرم عقيب صلاة سنة الإحرام كما سيأتي من صنيعه صلى الله عليه و سلم . قوله : أحرم اتباعا لما رآه من فعل المصطفى صلى الله عليه و سلم لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه : كان صلى الله عليه و سلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل

384 - أخبرنا مالك أخبرنا موسى ( 1 ) بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع ابن عمر يقول : بيداؤكم ( 2 ) هذه التي تكذبون ( 3 ) على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها وما أهل ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من عند المسجد ( 5 ) مسجد ذي الحليفة
قال محمد : وبهذا ( 6 ) نأخذ يحرم الرجل إن شاء في دبر صلاته وإن شاء حين ينبعث به بعيره وكل حسن ( 7 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) هو مولى آل الزبير ويقال مولى أم خالد زوجة الزبير ثقة توفي سنة 141 هـ كذا في " الكاشف "
( 2 ) أي مفازتكم التي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد الوادي قاله أبو عبيد البكري وأضافها إليهم لكونهم كذبوا لسببها
( 3 ) أتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها ( ليس المراد بالكذب عمدا بل إطلاق الكذب عليه لعدم علمهم بابتداء إحرامه صلى الله عليه و سلم من المسجد بعد الصلاة ) ؟
( 4 ) للحميدي عن سفيان عن ابن عيينة : والله ما أهل . وقوله : وما أهل ... إلى آخره هذا لفظ مالك وأما لفظ سفيان فأخرجه الحميدي في مسنده بلفظ : هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه و سلم والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من عند المسجد مسجد ذي الحليفة . ولمسلم من طريق آخر بلفظ : كان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء ؟ قال : البيداء التي تكذبون فيها ... إلى آخره إلا أنه قال : ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره . وسيأتي للمصنف - أي البخاري - بلفظ : أهل النبي صلى الله عليه و سلم حين استوت به راحلته قائمة أخرجه من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر . وكان ابن عمر ينكر على ابن عباس قوله في روايته في " صحيح البخاري " بلفظ : ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل فهذه ثلاث روايات ظاهرها التدافع وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس ( حديث ابن عباس وإن ضعفه النووي وغيره لكن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم مفسر في الباب وأقره عليه الذهبي وقال ابن الهمام : بعد ما بسط الكلام : الحق أن الحديث حسن فزال الإشكال . أوجز المسالك 6 / 236 ) : عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في إهلاله فذكر الحديث وفيه : فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل فأدرك ذلك قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا : إنما أهل حين استقلت به راحلته فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيا وثالثا كذا في " فتح الباري "
( 4 ) أي بعد فراغه من صلاته
( 5 ) أي بما ذكر من الحديثين
( 6 ) قوله : وكل حسن والأحسن هو الأول عند أئمتنا الثلاثة كما حكاه الطحاوي خلافا للمالكية والشافعية فإن الأفضل عندهم أن يهل إذا بعثت به راحلته أو توجه لطريقه ماشيا ( وكذا جمع بين مذهبيهما الزرقاني 2 / 244 . وفرق الباجي بينهما فقال : ذهب مالك وأكثر الفقهاء إلى أن المستحب أن يهل الراكب إذا استوت به راحلته قائمة وقال الشافعي : يهل إذا أخذت ناقته في المشي وقال أبو حنيفة : يهل عقيب الصلاة شرح الباجي 1 / 208 . وما حكوا من مذهب مالك يأبى عنه كلام الدردير إذ صرح بأولولية الإحرام في أول المواقيت إلا في ذي الحليفة ففي مسجدها كذا في الأوجز 6 / 235 ) ذكره في " ضياء الساري "

3 - ( باب ( 1 ) التلبية ( 2 ) )
385 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن تلبية ( 3 ) النبي صلى الله عليه و سلم : لبيك ( 4 ) اللهم ( 5 ) لبيك ( 6 ) لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد ( 7 ) والنعمة ( 8 ) لك والملك ( 9 ) لا شريك لك ( 10 ) قال ( 11 ) : وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك ( 12 ) والخير بيديك ( 13 ) والرغباء ( 14 ) إليك والعمل ( 15 )
قال محمد : وبهذا نأخذ التلبية ( 16 ) هي التلبية الأولى التي روي عن النبي صلى الله عليه و سلم وما زدت ( 17 ) فحسن ( 18 ) وهو قول ( 19 ) أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : باب التلبية قال ابن عبد البر : قال جماعة من العلماء : معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ : هذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن منيع في " مسنده " وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم عليه الصلاة و السلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال : يا رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي البلاغ فنادى إبراهيم : يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من ما بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون . ومن طريق ابن جريج عن عطاء عنه وفيه : فأجابوه في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن ( انظر فتح الباري 3 / 409 . وفيه ابن المنير في الحاشية : وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفوده على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى )
( 2 ) مصدر لبى يلبي إذا أجاب بلبيك ومعناه أجبتك إجابة بعد إجابة على أن التلبية بحذف الزوائد للتكثير
( 3 ) أي التي كان يداوم عليها النبي صلى الله عليه و سلم ولا ينقص منها
( 4 ) اشتقاقه من لب بالمكان إذا أقام به ولزمه
( 5 ) أي يا الله أجبناك في ما دعوتنا
( 6 ) قوله : لبيك قال القاري : كرره للتأكيد أو أحدهما في الدنيا والآخر في الأخرى . أو كرره باعتبار الحالين المختلفين من الغنى والفقر والنفع والضرر والخير والشر أو إشارة إلى وقوع أحدهما في عالم الأرواح والآخر في عالم الأشباح
( 7 ) قوله : إن روي بكسر الهمزة وهو الأكثر والأشهر وبفتحها على أن " إن " للتعليل
( 8 ) أي المنحة مختصة بكرمك وجودك . قوله : والنعمة المشهور فيه النصب وجوز القاضي عياض الرفع على الابتداء . والخبر محذوف قال ابن الأنباري : وإن شئت جعلت خبر إن محذوفا تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك كذا في " ضياء الساري " شرح " صحيح البخاري "
( 9 ) قوله : والملك بالنصب أيضا على المشهور ويجوز الرفع قال ابن المنير : قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق بالنعمة ولهذا يقال : الحمد لله على نعمه والملك مستقل
( 10 ) كرره للتأكيد
( 11 ) أي نافع
( 12 ) أي مساعدة لطاعتك بعد مساعدة
( 13 ) في نسخة : بيديك لبيك . قوله : بيديك أي بتصرفك في الدنيا والأخرى . والاكتفاء بالخير مع أن الخير والشر كلاهما بيديه تأدبا في نسبة الشر إليه أو لأن كل شر لا يكون خاليا عن خير
( 14 ) قوله : والرغباء قال المأزري : يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر . قال عياض : وحكى أبو علي فيه أيضا الفتح مع القصر ومعناه الطلب والمسألة إلى الله
( 15 ) أي العمل لك خالصة
( 16 ) أي المسنونة
( 17 ) قوله : وما زدت إشارة إلى أنه لا ينقص من التلبية المذكورة المأثورة عن النبي صلى الله عليه و سلم وبه صرح كثير من أصحابنا المتأخرين وعللوه بأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه و سلم النقص منه لكن يخدشه ما في صحيح البخاري ومسند أبي داود الطيالسي عن عائشة قالت : إني لأعلم كيف كان رسول الله يلبي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك
( 18 ) قوله : فحسن فيه إشارة إلى أن تحديد التلبية المأثورة ليس بتحديد إلزامي لا يجوز الزيادة عليه ولذا ثبت عن جماعة الزيادة فمنهم ابن عمر كما أخرجه مالك ومن طريقه الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومنهم عمر كما في صحيح مسلم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله يهل ملبيا يقول : لبيك الحديث قال : وكان عمر يهل بهذا ويزيد : لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل . وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور : كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد : لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن . وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن الأسود بن يزيد أنه كان يزيد في التلبية : لبيك غفار الذنوب . بل قد ثبت الزيادة على التلبية المذكورة من النبي صلى الله عليه و سلم وتقريره عليها فأخرج النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة : كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك إله الحق لبيك . وأخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني في " نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار " وقال : هو حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان وأخرج الحافظ أيضا عن جابر : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك اللهم لبيك . فذكرها قال : والناس يزيدون لبيك ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي يسمع فلا يرد عليهم شيئا وقال : هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وأصله في مسلم في حديث جابر الطويل
( 19 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الثوري والأوزاعي حكاه الطحاوي وذكر في " فتح الباري " و " ضياء الساري " وغيرهما أن ابن عبد البر حكى عن مالك الكراهة وحكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم نحوه . وغلطوا بل لا يكره عنده ولا يستحب وحكى البيهقي في " المعرفة " عن الشافعي : لا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ابن حجر : هذا أعدل الوجوه واحتج من كره بما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلا يقول : لبيك ذا المعارج فقال : إنه لذو المعارج . ولكنا كنا مع رسول الله لا نقول كذلك أخرجه الطحاوي واختار عدم الزيادة وقد مر ما يعارضه من حديث جابر

4 - ( باب متى تقطع ( 1 ) التلبية )
386 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد ( 2 ) بن أبي بكر الثقفي أنه أخبره أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان ( 3 ) إلى عرفة : كيف كنتم تصنعون ( 4 ) مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا اليوم ؟ قال : كان يهل ( 5 ) المهل فلا ينكر عليه ( 6 ) ويكبر ( 7 ) المكبر فلا ينكر عليه
_________
( 1 ) أي ينتهي بأن لا يلبي بعده في الحج والعمرة
( 2 ) الحجازي الثقة وليس له عن أنس ولا غيره سوى هذا الحديث الواحد ذكره الزرقاني
( 3 ) أي ذاهبان
( 4 ) أي من جهة التلبية وغيرها من الأذكار
( 5 ) أي يلبي الملبي
( 6 ) وفي رواية موسى بن عقبة : لا يعيب أحدنا صاحبه . وفي مسلم عن ابن عمر : غدونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر
( 7 ) قوله : ويكبر المكبر ... إلى آخره قال الشيخ ولي الدين : ظاهر كلام الخطابي أن العلماء أجمعوا على ترك العمل بهذا الحديث وأن السنة في الغدو من منى إلى عرفات التلبية فقط . وحكى المنذري أن بعض العلماء أخذ بظاهره لكنه لا يدل على فضل التكبير على التلبية بل على جوازها ( قال العيني : التكبير المذكور نوع من الذكر أدخله الملبي في خلال التلبية من غير ترك للتلبية لأن المروي عن الشارع أنه لم يقطع التلبية حتى رمى جمرة العقبة . انظر : أوجز المسالك 6 / 273 )

387 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عبد الله بن عمر قال : كل ذلك ( 1 ) قد رأيت الناس ( 2 ) يفعلونه فأما نحن فنكبر
قال محمد : بذلك ( 3 ) نأخذ على أن التلبية هي الواجبة ( 4 ) في ذلك اليوم إلا أن التكبير ( 5 ) لا ينكر على حال من الحالات والتلبية لا ينبغي أن تكون إلا في موضعها ( 6 )
_________
( 1 ) أي ما ذكر من التكبير والتلبية
( 2 ) أي الصحابة
( 3 ) أي بما سبق من استحباب التلبية بعرفات
( 4 ) أي الثابتة
( 5 ) ونحوه من الأذكار
( 6 ) أي في محل التلبية وهو الإحرام

388 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر كان يدع ( 1 ) التلبية ( 2 ) إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت والصفا ( 3 ) والمروة ثم يلبي حتى يغدو ( 4 ) من منى إلى عرفة فإذا غدا ( 5 ) ترك التلبية ( 6 )
_________
( 1 ) أي يترك في إحرام الحج
( 2 ) في نسخة : في الحج التلبية
( 3 ) أي ويسعى بينهما
( 4 ) أي يذهب غداء
( 5 ) أي ذهب
( 6 ) زاد يحيى : وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم

389 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه : أن عائشة ( 1 ) كانت تترك التلبية إذا راحت إلى الموقف ( 2 )
_________
( 1 ) قوله : أن عائشة ... . إلى آخره مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت ( زالت ) الشمس من يوم عرفة قطع التلبية قال مالك : وذلك ( أي فعل علي ) الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ( المدينة النبوية ) . وقاله ابن عمر وعائشة وجماعة ( هو قول الأوزاعي والليث . لامع الدراري 5 / 146 ) . وقال الجمهور : يلبي حتى يرمي جمرة العقبة لما في الصحيحين عن الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة ثم اختلفوا فقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري والشافعي : يقطعها مع أول حصاة لظاهر قوله : حتى بلغ الجمرة وقال أحمد وإسحاق يلبي إلى فراغ رميها لرواية أبي داود حديث الفضل : لبى حتى رمى جمرة العقبة كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) بعرفة بعد الزوال

390 - أخبرنا مالك حدثنا علقمة بن أبي علقمة أن أمه ( 1 ) أخبرته : أن عائشة كانت تنزل بعرفة بنمرة ( 2 ) ثم تحولت ( 3 ) فنزلت في الأراك ( 4 ) فكانت عائشة تهل ( 5 ) ما كانت في منزلها ( 6 ) ومن كان معها فإذا ركبت وتوجهت إلى الموقف ( 7 ) تركت الإهلال ( 8 ) وكانت تقيم بمكة بعد الحج ( 9 ) فإذا كان قبل هلال المحرم خرجت حتى تأتي الجحفة ( 10 ) فتقيم بها حتى ترى الهلال ( 11 ) فإذا رأت الهلال أهلت ( 12 ) بالعمرة
قال محمد : من أحرم ( 13 ) بالحج أو قرن ( 14 ) لبى ( 15 ) حتى يرمي الجمرة بأول ( 16 ) حصاة رمي يوم النحر فعند ذلك ( 17 ) يقطع التلبية . ومن أحرم بعمرة مفردة لبى حتى يستلم ( 18 ) الركن للطواف بذلك جاءت الآثار عن ابن عباس وغيره وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) مرجانة مولاة عائشة مقبولة الرواية
( 2 ) قوله : بنمرة أي بموضع يقال له نمرة - بفتح النون وكسر الميم - وكان ذلك عملا بالسنة حيث كان عليه السلام يضرب له خيمة بها فينزل قبل زمان الوقوف فيها
( 3 ) لأجل دفع المزاحمة
( 4 ) موضع بعرفة قرب نمرة
( 5 ) أي تلبي بلا رفع صوت
( 6 ) الموضع الذي نزلت فيه
( 7 ) بعرفة
( 8 ) التلبية
( 9 ) أي بعد فراغها منه
( 10 ) خروجها إلى الجحفة لفضل الإحرام من الميقات والإحرام من التنعيم إنما هو رخصة والميقات أفضل قاله أبو عبد الملك
( 11 ) أي هلال المحرم
( 12 ) قوله : أهلت بالعمرة أي ليكون عمرتها آفاقية فإنها أفضل من أن تكون مكية لا سيما والعمرة المكية لا تصح عند طائفة
( 13 ) أي مفردا
( 14 ) أي جمع بين الحج والعمرة
( 15 ) قوله : لبى حتى يرمي الجمرة ... إلى آخره أصله ما ورد في البخاري وغيره من رواية الفضل : لم يزل النبي صلى الله عليه و سلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة
وروى ابن المنذر قال ابن حجر في " الفتح " : إسناده صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول : التلبية شعار الحج فإذا كنت حاجا فلب حتى بدء حلك وبدء حلك أن ترمي الجمرة . وأخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن عكرمة قال : وقفت مع الحسين بن علي فكان يلبي حتى رمى جمرة العقبة فقلت : يا أبا عبد الله ما هذا ؟ فقال : كان أبي يفعل ذلك وأخبرني أبي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك قال : فرحت إلى ابن عباس فأخبرته فقال : صدق أخبرني الفضل أخي أن رسول الله لبى حتى رمى وكان رديفه . ثم أخرج حديث الفضل المذكور بطرق ثم أخرج أن عبد الله يعني ابن مسعود كان يلبي حتى رمي جمرة العقبة ولم يسمع الناس يلبون عشية عرفة فقال : أيها الناس أنسيتم ؟ والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله يلبي حتى رمى جمرة العقبة . ثم أخرج من طريق آخر عن عبد الرحمن ابن يزيد : حججت مع عبد الله فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي فقال رجل أعرابي : هذا ؟ فقال عبد الله : أنسي الناس أم ضلوا ؟ ثم أخرج بطريق آخر : أن عبد الله لبى وهو متوجه إلى عرفات فقال أناس : من هذا الأعرابي ؟ فقال : أضل الناس أم نسوا ؟ والله ما زال رسول الله يلبي حتى رمي جمرة العقبة إلا أن يخلط ذلك بتهليل وتكبير . ثم أخرج عن ابن عباس : كان أسامة بن زيد ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفة إلى المزدلفة . ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى فكلاهما قالا : لم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة . ثم أخرج عن عبد الرحمن بن الأسود قال : حججت مع الأسود فلما كان يوم عرفة وخطب ابن الزبير بعرفة فلما لم يسمعه يلبي صعد إليه الأسود فقال : ما يمنعك أن تلبي ؟ قال : ويلبي الرجل إذا كان في مثل مقامي ؟ قال الأسود : نعم سمعت عمر بن الخطاب يلبي في مثل مقامك فلبى ابن الزبير . ثم قال الطحاوي : ففي هذه الآثار أن عمر كان يلبي بعرفة وهو على المنبر وأن عبد الله بن الزبير فعل ذلك وبعده ابن مسعود
فثبت بفعل من ذكرنا لموافقتهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد . انتهى
( 16 ) روى البيهقي من حديث الفضل : فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي حتى رمي جمرة العقبة وكبر مع كل حصاة . قال البيهقي : تكبيره مع أول كل حصاة دليل على قطع التلبية بأول حصاة . انتهى
( 17 ) قوله : فعند ذلك يقطع التلبية به قال الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم إلا أن بعض الشافعية قالوا : يقطعها بعد تمام الرمي لما روى ابن خزيمة عن الفضل قالت : أفضت مع النبي صلى الله عليه و سلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة فكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخرها حصاة قال ابن خزيمة : هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى كذا في " فتح الباري " وفيه أيضا قالت طائفة : يقطعها المحرم إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى الموقف وهو مروي عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي بأسانيد صحيحة . وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث . وأشار الطحاوي إلى أن كل من روي عنه ترك التلبية من يوم عرفة محمول على أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع وجمع بذلك بين ما اختلف من الآثار
( 18 ) قوله : حتى يستلم الركن للطواف هو المروي عن ابن عباس كما أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق عبد الملك بن أبي سليمان : سئل عطاء متى يقطع المعتمر التلبية ؟ فقال : قال ابن عمر : إذا دخل الحرم . وقال ابن عباس : حين يمسح الحجر . واختلفت الرواية فيه عن ابن عمر فقال عطاء : إنه قال : إذا دخل الحرم . ويوافقه ما أخرجه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم وأخرج أيضا عن ابن شهاب : كان عبد الله بن عمر لا يلبي وهو يطوف بالبيت . ويخالفه ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن سيرين : كان ابن عمر إذا طاف لبى

5 - ( باب رفع ( 1 ) الصوت بالتلبية )
391 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر ( 2 ) أن عبد الملك ( 3 ) بن أبي بكر بن الحارث بن هشام أخبره أن خلاد ( 4 ) بن السائب الأنصاري ثم من بني الحارث ( 5 ) بن الخزرج أخبره أن أباه ( 6 ) أخبره ( 7 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أتاني جبريل عليه السلام فأمرني ( 8 ) أن آمر أصحابي أو من معي ( 9 ) أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال بالتلبية ( 10 )
قال محمد : وبهذا نأخذ رفع الصوت بالتلبية ( 11 ) أفضل . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي للرجال دون النساء فإن صوتهن عورة إلا أن يكون ضرورة
( 2 ) ابن محمد بن عمرو بن حزم
( 3 ) قوله : عبد الملك هو عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني ثقة مات في خلافة هشام . كذا في " تقريب التهذيب "
( 4 ) التابعي الثقة ووهم من زعم أنه صحابي كذا ذكره الزرقاني
( 5 ) قبيلة من الأنصار
( 6 ) هو السائب بن خلاد بن سويد المدني له صحبة وعمل على اليمن مات سنة 71 هـ كذا ذكره الزرقاني
( 7 ) قوله : أخبره قال الزرقاني : هذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك به وتابعه ابن جريج - كما أفاده المزي - وسفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه عند الترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وابن حبان ورجاله ثقات وإن اختلف على التابعي في صحابيه فقيل أبوه كما ههنا وقيل زيد بن خالد وقيل عن خلاد عن أبيه عن زيد بن خالد وقال ابن عبد البر : هذا حديث اختلف في إسناده اختلافا كبيرا وأرجو أن رواية مالك أصح
( 8 ) أمر ندب ( قال ابن رشد : أوجب أهل الظاهر رفع الصوت بالتلبية وهو مستحب عند الجمهور وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمر هو أن تسمع نفسها بالقول . " بداية المجتهد " 1 / 364 ) عند الجمهور ووجوب عند الظاهرية
( 9 ) قوله : أو من معي قال الزرقاني : بالشك - في رواية يحيى والشافعي وغيرهما - من الراوي إشارة إلى أن المصطفى قال أحد اللفظين وتجويز ابن الأثير أن الشك من النبي صلى الله عليه و سلم لأنه نوع سهو ولا يعصم عنه ركيك متعسف . وفي رواية القعنبي : ومن معي قال الولي العراقي : إنه زيادة إيضاح وبيان ويحتمل أن يريد بأصحابه الملازمين له المقيمين معه في بلده وبمن معه غيرهم ممن قدم يحج معه
( 10 ) عطف بيان أو المعنى في الإحرام بها
( 11 ) من إخفاضه . قوله : أفضل وعليه كان عمل الصحابة فأخرج البخاري عن أنس : صلى النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما أي بالحج والعمرة جميعا . وأخرج ابن أبي شيبة - قال ابن حجر : إسناده صحيح - عن بكر بن عبد الله المزني : كنت مع عبد الله بن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين . وأخرج أيضا بإسناد صحيح عن المطلب بن عبد الله قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تثج أصواتهم . وفي الباب أخبار كثيرة وآثار شهيرة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10