كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي

بَعْدِهِ رَمَضَانُ شَهْرٌ تَأَخَّرَ رَمَضَانُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ بَعْدَهُ فَجَمِيعُ الْأَجْوِبَةِ الثَّمَانِيَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ فَالطَّرَفَانِ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْوَسَطُ شَوَّالٌ وَشَعْبَانُ وَتَقْرِيبُ ضَبْطِهَا أَنَّ جَمِيعَ الْبَيْتِ إنْ كَانَ قَبْلُ فَالْجَوَابُ بِذِي الْحِجَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدُ فَالْجَوَابُ بِجُمَادَى الْأَخِيرَةِ وَإِنْ تَرَكَّبَ مِنْ قَبْلُ وَبَعْدُ فَمَتَى وَجَدْت فِي الْآخَرِ قَبْلَ بَعْدِهِ أَوْ بَعْدَ قَبْلِهِ فَمَا تَقَدَّمَتْ فِيهِ قَبْلُ فَجَوَابُهُ شَوَّالٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَمَا تَقَدَّمَتْ فِيهِ بَعْدُ فَالْجَوَابُ شَعْبَانُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَمَتَى وَجَدْت فِي آخِرِ قَبْلَيْنِ أَوْ بَعْدَيْنِ وَقَبْلَهُمَا مُخَالِفًا لَهُمَا فَفِي الْبَعْدَيْنِ شَعْبَانُ وَفِي الْقَبْلَيْنِ شَوَّالٌ فَشَوَّالٌ ثَلَاثَةٌ وَشَعْبَانُ ثَلَاثَةٌ وَهَذِهِ السِّتَّةُ هِيَ الْوَاسِطَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ جُمَادَى الْأَخِيرَةِ وَذِي الْحِجَّةِ .
( الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ ) لَفْظَةُ مَا فِي الْبَيْتِ يَصِحُّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا بَلْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ قَبْلَ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ مَثَلًا .
وَثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالتَّقْدِيرُ قَبْلَ الَّذِي اسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَيَكُونُ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامِلَ فِي قَبْلِ الَّذِي بَعْدَ مَا هُوَ صِلَتُهَا .
وَثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَالتَّقْدِيرُ قَبْلَ شَيْءٍ اسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَيَكُونُ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ الْكَائِنِ بَعْدَ مَا الْمُقَدَّرَةِ بِشَيْءٍ هُوَ صِفَةٌ لَهَا وَلَا تَخْتَلِفُ التَّفَاسِيرُ الْمُفْتَى بِهَا الْمَذْكُورَةُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ تَبْقَى الْأَحْكَامُ عَلَى حَالِهَا الْمَقْصِدُ الثَّانِي فِي تَقْرِيرِ الْبَيْتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْتِزَامِ الْحَقِيقَةِ فِي الْأَلْفَاظِ وَعَدَمِ النَّظْمِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ نَثْرًا اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ حِينَئِذٍ يَجْرِي عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا فَإِذَا زِدْنَا

عَلَى قَوْلِنَا قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ فِي لَفْظٍ بَعْدَ لَفْظَةٍ أُخْرَى مِنْهُ فَقُلْنَا : قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ رَجَبًا وَإِنْ جَعَلْنَا الْبَعْدَاتِ أَرْبَعَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ أَوْ خَمْسَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جُمَادَى الْأُولَى أَوْ سِتَّةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ رَبِيعًا الْآخَرَ وَهَكَذَا كُلَّمَا زِدْت بَعْدَ انْتَقَلَتْ إلَى شَهْرٍ قَبْلُ فَإِنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ شُهُورٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَيَخْرُجُ لَك عَلَى هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ غَيْرَ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ وَإِذَا وَصَلَتْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ظَرْفًا فَقَدْ دَارَتْ السَّنَةُ مَعَك فَرُبَّمَا عُدْت .
إلَى عَيْنِ الشَّهْرِ الَّذِي كُنْت قُلْتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى وَهَكَذَا يَكُونُ الْحَالُ فِي السِّنِينَ إذَا كَثُرَتْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَإِذَا زِدْنَا عَلَى قَوْلِنَا بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ فِي لَفْظِ قَبْلَ لَفْظَةٍ أُخْرَى فَقُلْنَا بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ كَانَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ فَإِنَّ رَمَضَانَ أُضِيفَ لِقَبْلُ قَبْلَ قَبْلَيْنِ وَهُمَا شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ .
وَإِنْ جَعَلْنَا لَفْظَ قَبْلَ أَرْبَعًا كَانَ ذَا الْحِجَّةِ أَوْ خَمْسًا كَانَ الْمُحَرَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي لَفْظِ بَعْدَ غَيْرَ أَنَّك تَنْتَقِلُ فِي لَفْظِ بَعْدَ تَقَدُّمًا وَفِي لَفْظِ قَبْلَ تَأَخُّرًا فَإِنَّ بَعْدَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَكُلَّمَا كَثُرَتْ كَثُرَ الِاسْتِقْبَالُ وَرَمَضَانُ مُضَافٌ لِلْآخَرِ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ بَعْدَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فِي الْمَاضِي حَتَّى يَتَأَخَّرَ رَمَضَانُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَيُضَافُ لِلْبَعْدِ الْأَخِيرِ وَيَنْتَقِلُ فِي لَفْظِ قَبْلَ إذَا كَثُرَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ قَبْلَ لِلْمَاضِي وَرَمَضَانُ مُضَافٌ لِلْقَبْلِ الْمُجَاوِرِ لَهُ دُونَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِلشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ قَبْلَاتٌ كَثِيرَةٌ رَمَضَانُ بَعْدَ الْأَوَّلِ فِيهَا وَبَقِيَّةُ الْقَبْلَاتِ بَيْنَ

رَمَضَانَ وَالشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِحَسَبِ كَثْرَةِ لَفَظَاتِ قَبْلِ وَإِذَا زِدْنَا لَفْظَةَ قَبْلِ عَلَى قَوْلِنَا قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ فَقُلْنَا : قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ الْمُحَرَّمُ لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ نَطَقَ بِأَرْبَعٍ مِنْ لَفْظِ قَبْلَ فَقَبْلَ الْمُحَرَّمِ ذُو الْحِجَّةِ وَقَبْلَ ذِي الْحِجَّةِ ذُو الْقَعْدَةِ وَقَبْلَ ذِي الْقَعْدَةِ شَوَّالٌ وَقَبْلَ شَوَّالٍ رَمَضَانُ وَهُوَ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَهَكَذَا يَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِحَسَبِ كَثْرَةِ لَفَظَاتِ قَبْلِ وَإِذَا زِدْنَا لَفْظَةَ بَعْدَ عَلَى قَوْلِنَا بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ فَقُلْنَا : بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ جُمَادَى الْأُولَى لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ نَطَقَ بِأَرْبَعٍ مِنْ لَفْظِ بَعْدَ فَبَعْدَ جُمَادَى الْأُولَى جُمَادَى الْأَخِيرَةِ وَبَعْدَ جُمَادَى الْأَخِيرَةِ رَجَبٌ وَبَعْدَ رَجَبٍ شَعْبَانُ وَبَعْدَ شَعْبَانَ رَمَضَانُ وَهُوَ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَهَكَذَا يَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ لِلْمَاضِي بِحَسَبِ كَثْرَةِ لَفَظَاتِ بَعْدِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَ يُعْلَمُ حُكْمُ بَاقِي الصُّوَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ ) فِي تَقْرِيرِ الْبَيْتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْتِزَامِ الْمَجَازِ فِي أَلْفَاظِهِ وَعَدَمِ النَّظْمِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ نَثْرًا فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ وَالْأَجْوِبَةُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةٍ وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ بِتَقْدِيمِ الْكَلَامِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَثَلَثِمِائَةٍ .
وَعِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا بَيْتٌ نَظَمَهُ الْفَقِيهُ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ الْمَغْرِبِيُّ وَلَخَصَّ حِسَابَ عَدَدِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : بِقَلْبِي حَبِيبٌ مَلِيحٌ ظَرِيفُ بَدِيعٌ جَمِيلٌ رَشِيقٌ لَطِيفُ وَهُوَ مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارِبِ ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ عَلَى فَعِيلٍ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي كَلِمَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يُنْطَقَ بِهَا مَكَانَ صَاحِبَتِهَا فَتُجْعَلُ كُلُّ كَلِمَةٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْبَيْتِ فَالْكَلِمَتَانِ الْأُولَيَانِ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا صُورَتَانِ

بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ثُمَّ تَأْخُذُ الثَّالِثَةُ فَتَحْدُثُ مِنْهَا مَعَ الْأَوَّلَيْنِ سِتَّةُ أَشْكَالٍ بِأَنْ تَعْمَلَهَا قَبْلَ الْأَوَّلَيْنِ وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَقْلِبَهُمَا وَتَعْمَلَهَا قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَعْمَلَهَا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَتَحْدُثُ السِّتَّةُ فَيَكُونُ السِّرُّ فِيهِ ضَرَبْنَا الْأَوَّلَيْنِ فِي مَخْرَجِ الثَّالِثِ وَاثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ ثُمَّ تَأْخُذُ الرَّابِعَ وَتُورِدُهُ عَلَى هَذِهِ السِّتَّةِ الصُّوَرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ لَهُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ يَحْصُلُ بِعَمَلِ الرَّابِعِ قَبْلَ كُلِّ ثَلَاثَةٍ وَبَعْدَ أَوَّلِهَا وَبَعْدَ ثَانِيهَا وَبَعْدَ ثَالِثِهَا أَرْبَعُ صُوَرٍ فَتَصِيرُ السِّتَّةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَالسَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَمَتَى حَدَثَتْ صُورَةٌ أَضَفْنَا إلَيْهَا بَقِيَّةَ الْبَيْتِ فَتَبْقَى الْأُولَى ثَمَانِيَةً وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الصُّوَرِ فَيَأْتِي الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْآلَافِ بُيُوتًا تَامَّةً كُلُّ بَيْتٍ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فِي مَخْرَجِ الْخَامِسِ وَهُوَ خَمْسَةٌ تَكُونُ مِائَةً وَعِشْرِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ السَّادِسِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُونُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ السَّابِعِ وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُونُ خَمْسَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ الثَّامِنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ تَكُونُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ الْحِسَابِ وَالضَّرْبِ فَنَقُولُ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ ثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ قَبْلِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ بَعْدِ فَنَجْمَعُ بَيْنَ السِّتَّةِ وَيَبْطُلُ الْوَزْنُ حِينَئِذٍ لِطُولِ الْبَيْتِ وَلِعَدَمِ صُورَةِ الشِّعْرِ فَنَقُولُ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ ثُمَّ لَنَا أَنْ نَنْوِيَ بِكُلِّ قَبْلَ وَبِكُلِّ بَعْدَ شَهْرًا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ أَيَّ شَهْرٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَرَةٍ وَلَا الْتِفَاتٍ إلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَدَدِ

الشُّهُورِ .
وَيَكُونُ الْكَلَامُ مَجَازًا عَرَبِيًّا فَإِنَّ أَيَّ شَهْرٍ أَخَذَتْهُ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ الَّذِي نَسَبْتَهُ إلَيْهِ بِالْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ عَلَاقَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ مَعَهُ أَوْ هُوَ قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ أَوْ هُوَ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ أَوْ هُوَ شَبِيهٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَهْرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَاقَاتِ الْمُصَحِّحَة لِلْمَجَازِ ثُمَّ إنَّا نَعْمَدُ إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ فَنَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَتَحْدُثُ مِنْهَا صُورَتَانِ وَنَعْتَبِرُهُمَا شَهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ فَتَظْهَرُ نِسْبَتُهُمَا إلَى رَمَضَانَ وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ ثُمَّ نُورِدُ عَلَيْهِمَا لَفْظَةً أُخْرَى مِنْ لَفْظِ قَبْلَ وَبَعْدَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ وَمَتَى أَفْضَى الْأَمْرُ إلَى التَّدَاخُلِ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فِي شَهْرٍ نَوَيْنَا بِهِ شَهْرًا آخَرَ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمُغَايَرَةُ فَيَحْصُلُ لَنَا مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ الْأَلْفَاظِ مَا يَحْصُلُ لَنَا مِنْ سِتَّةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْبَيْتِ وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةٍ وَإِنْ زِدْت فِي لَفْظِ الْقَبْلِ أَوْ الْبَعْدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَقْصِدِ الثَّانِي وَصَلَ الْكَلَامُ إلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الزِّيَادَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ طَرَفِ الْفَضَائِلِ وَالْفُضَلَاءِ وَنَوَادِرِ الْأَذْكِيَاءِ وَالنُّبَهَاءِ .

( مَسْأَلَةٌ ) هِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَبْحَثُ عَنْ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَتَنْكِيسِهِ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ يَحْصُلُ مِنْ صُوَرِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وُضُوءًا مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَتَقْرِيرُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَيْتِ بِأَنْ تَقُولَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا صُورَتَانِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ثُمَّ تَأْخُذُ الرَّأْسَ فَيَحْدُثُ مِنْهُ مَعَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تُعْمِلَ الرَّأْسَ قَبْلَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَقْلِبُهُمَا وَتُعْمِلُهُ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تُعْمِلُ الرَّأْسَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَحْدُثُ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تُضِيفَ لِكُلِّ صُورَةٍ تَحْدُثُ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى يَكْمُلَ الْوُضُوءُ وَهُوَ مِنْ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي مَخْرَجِ الثَّالِثِ وَاثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ ثُمَّ تَأْخُذُ الرِّجْلَيْنِ تَضُمُّهُمَا إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ وُضُوآتِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَعْضَاءٍ فَتَصِيرُ كُلُّ صُورَةٍ مِنْهَا أَرْبَعَةً بِأَنْ تُعْمِلَ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ وَبَعْدَ الْأَوَّلِ وَبَعْدَ الثَّانِي وَبَعْدَ الثَّالِثِ فَتَصِيرُ السِّتَّةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ .
وَذَلِكَ هُوَ جَمِيعُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْوُضُوءِ وَصُوَرِهِ فِي الْوُجُودِ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ الْحِسَابِ وَالضَّرْبِ فَنَقُولُ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ ثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ قَبْلَ وَثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ بَعْدَ فَنَجْمَعُ بَيْنَ السِّتَّةِ وَيَبْطُلُ الْوَزْنُ حِينَئِذٍ لِطُولِ الْبَيْتِ وَلِعَدَمِ صُورَةِ الشِّعْرِ فَنَقُولُ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلَ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ ثُمَّ لَنَا أَنْ نَنْوِيَ بِكُلِّ قَبْلَ وَبِكُلِّ بَعْدَ شَهْرًا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ أَيَّ شَهْرٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَرَةٍ وَلَا الْتِفَاتٍ إلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَدَدِ الشُّهُورِ وَيَكُونُ الْكَلَامُ مَجَازًا عَرَبِيًّا فَإِنَّ أَيَّ شَهْرٍ أَخَذْتَهُ فَبَيْنَهُ

وَبَيْنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ الَّذِي نَسَبْتَهُ إلَيْهِ بِالْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ عِلَاقَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ مَعَهُ أَوْ هُوَ قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَوْ هُوَ شَبِيهٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَهْرٌ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَاقَاتِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْمَجَازِ ، ثُمَّ إنَّا نَعْمَدُ إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ فَنَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَتَحْدُثُ مِنْهُمَا صُورَتَانِ وَنَعْتَبِرُهُمَا شَهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ فَتَظْهَرُ نِسْبَتُهُمَا إلَى رَمَضَانَ وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ ثُمَّ نُورِدُ عَلَيْهِمَا لَفْظَةً أُخْرَى مِنْ لَفْظِ قَبْلَ وَبَعْدَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ وَمَتَى أَفْضَى الْأَمْرُ إلَى التَّدَاخُلِ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فِي شَهْرٍ نَوَيْنَا بِهِ شَهْرًا آخَرَ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمُغَايَرَةُ فَيَحْصُلُ لَنَا مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ أَلْفَاظُ مَا يَحْصُلُ لَنَا مِنْ سِتَّةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْبَيْتِ وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةٍ وَإِنْ زِدْت فِي لَفْظِ الْقَبْلِ أَوْ الْبَعْدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْتِ وَصَلَ الْكَلَامُ إلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ وَأَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الزِّيَادَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ طَرَفِ الْفَضَائِلِ وَالْفُضَلَاءِ وَنَوَادِرِ الْأَذْكِيَاءِ وَالنُّبَهَاءِ .

( خَاتِمَةٌ ) فِي مُهِمَّيْنِ : الْمُهِمُّ الْأَوَّلُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَبْحَثُ عَنْ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَتَنْكِيسِهِ وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يَحْصُلُ مِنْ صُوَرِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وُضُوءًا مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، وَتَقْرِيرُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَيْتِ الْعَلَّامَةِ زَيْنِ الدِّينِ الْمَغْرِبِيِّ أَنْ تَقُولَ : الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا صُورَتَانِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ثُمَّ تَأْخُذُ الرَّأْسَ فَيَحْدُثُ مِنْهُ مَعَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تَعْمَلَ الرَّأْسَ قَبْلَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَقْلِبُهُمَا وَتَعْمَلَهُ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَعْمَلُ الرَّأْسَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَحْدُثُ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تُضِيفَ لِكُلِّ صُورَةٍ تَحْدُثُ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى يَكْمُلَ الْوُضُوءُ وَهُوَ مِنْ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي مَخْرَجِ الثَّالِثِ وَاثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ ثُمَّ تَأْخُذُ الرِّجْلَيْنِ تَضُمُّهُمَا إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْوُضُوآتِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ لَهُ ثَلَاثُ أَعْضَاءٍ يَحْصُلُ بِعَمَلِ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَعْضَاءِ وَبَعْدَ الْأَوَّلِ وَبَعْدَ الثَّانِي وَبَعْدَ الثَّالِثِ أَرْبَعُ صُوَرٍ .
فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ السِّتَّةِ فَتَصِيرُ السِّتَّةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ هُوَ جَمِيعُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْوُجُودِ لِلْوُضُوءِ مِنْ الصُّوَرِ الْمُهِمِّ الثَّانِي سَأَلَ الشَّيْخُ عُثْمَانُ الرَّاضِي الْمَكِّيُّ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْأُسْكُوبِيُّ الْمَدَنِيُّ بِقَوْلِهِ : يَا إمَامًا لِلْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ وَهُمَامًا قَدْ جَلَّ عَنْ تَقْيِيسِ ذَا الْعُلَا إبْرَاهِيمَ الْأُسْكُوبِيِّ أَوْلَى مَنْ يُرْجَى لِكَشْفِ خَطْبِ عُمَيْسِ الْبَدِيعَ النَّفِيسَ وَالْمَاهِرَ الْمُبْدِعَ فِي صَنْعَةِ الْبَدِيعِ النَّفِيسِ طِبْت غَرْسًا فِي رَوْضَةٍ هِيَ طَابَتْ مِنْ حِمَى طِيبَةِ الْمَنِيعِ الْأَنِيسِ أَنْتَ شَمْسٌ تُضِيءُ فِي كُلِّ عِلْمٍ بِك تُجْلَى غَيَاهِبُ

التَّلْبِيسِ حُزْت كُلَّ الْعُلُومِ كَسْبًا وَوَهْبًا وَأَجَدْت الْفُنُونَ عَنْ تَأْسِيسِ لَك فَهْمٌ لَا يَعْتَرِيهِ سَقَامٌ وَذَكَاءٌ يَدْرِي بِمَا فِي النُّفُوسِ مَا يَقُولُ الْإِمَامُ فِي بَيْتَيْ الْحِلِّي الصَّفِيِّ الْمُحْكَمَيْنِ بِالتَّجْنِيسِ وَعُدْت فِي الْخَمِيسِ وَصْلًا وَلَكِنْ شَاهَدْت حَوْلَنَا الْعِدَا كَالْخَمِيسِ أَخْلَفْت فِي الْخَمِيسِ وَعْدِي وَجَاءَتْ بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ أَيُّ يَوْمٍ جَاءَتْهُ مِنْ بَعْدِ خُلْفٍ فَأَبِينُوا الْمَعْقُولَ بِالْمَحْسُوسِ فَلَقَدْ جُلْتُ فِيهِمَا سَيِّدِي مَعَ أَحْمَدَ الشَّهْمِ يَا فَقِيهَ الرَّئِيسِ وَاضْطَرَبْنَا فِي فَهْمِ مَعْنَاهُمَا حَتَّى ضَرَبْنَا التَّخْمِيسَ فِي التَّسْدِيسِ ثُمَّ دُرْنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الدُّورِ فَتُهْنَا عَنْ يَوْمِهَا الْمَرْمُوسِ وَاخْتَلَفْنَا وَمَا اتَّفَقْنَا بِرَأْيٍ وَأَقَمْنَا فِي ذَاكَ حَرْبَ الْبَسُوسِ فَارْتَضَيْنَاك آخِرَ الْأَمْرِ فِينَا حَكَمًا إذْ لَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسِ ثُمَّ بَعْضُ الثِّقَاتِ فِي الْفَنِّ يَرْوِي وَهُوَ فِيمَا أَظُنُّ عَنْ تَهْجِيسِ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَ يَوْمِ الْخَمِيسِ هَكَذَا رَاحَ مُثْبَتًا فِي الطُّرُوسِ وَهُوَ عِنْدِي لَا يُطَابِقُ مَعْنَى مَا أَرَادَ الصَّفِيُّ بَعْدَ الْخَمِيسِ فَتَأَمَّلْ فِي ذَا وَذَا غَيْرَ مَأْمُورٍ وَحَقِّقْ وُقِيتَ هَمَّ الْعُكُوسِ وَأَبِنْ لِي هَلْ ذَا صَحِيحٌ وَإِلَّا بَاطِلٌ أَوْ كِلَاهُمَا بِنَفِيسِ وَابْقَ وَأَسْلَمْ فِي يُمْنِ حَظٍّ وَأَمْنٍ يَا إمَامًا لِلْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ .
فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ ) : يَا عَلِيمًا بِكُلِّ مَعْنًى نَفِيسِ وَصَدِيقِي وَمَطْلَبِي وَأَنِيسِي أَنْتَ مَنْ فِي رَفِيعِ مَجْدٍ وَفَضْلٍ وَمَقَالٍ لَهُ مَقَامُ الرَّئِيسِ لَك مِنْ أَسْهُمِ الْبَيَانِ الْمُعَلَّى فِي شُذُوذٍ فَاوَضْتَ أَوْ فِي مَقِيسِ وَلَك السَّابِقُ الْمُجَلَّى إذَا مَا رُمْت سَبْقًا بِحَلْبَةِ التَّدْرِيسِ مَنْ كَعُثْمَانَ رَاضِيًا رَاقِيًا أَوْ جَ الْمَعَالِي بِطِيبِ خَيْمٍ وَسُوسِ أَوْ لَمْ يَكْفِك الْجَوَاهِرُ حَتَّى جِئْت بِالزَّهْرِ فِي قُيُودِ الطُّرُوسِ أَسْفَرَتْ عَنْ لِثَامِهَا بِنْتُ فِكْرٍ مِنْك رَامَتْ بِلُطْفِهَا تَأْنِيسِي وَأَدَارَتْ عَلَى الْمَسَامِعِ مِنْهَا خَمْرَ

مَعْنًى أَشْهَى مِنْ الْحَنْدَرِيسِ وَأَشَارَتْ إلَى لَطَائِفَ دَارَتْ بَيْنَ خِلَّيْنِ تَزْدَرِي بِالْكُؤُوسِ مَا عَلَى - يَا فَقِيهُ - أَحْمَدَ زَيْدٌ إنَّ ذَاكَ الْجَلِيسَ خَيْرُ جَلِيسٍ قَدْ تَسَابَقْتُمَا الْفَضَائِلَ حَتَّى نِلْتُمَا أَقْصَى كُلِّ مَعْنًى نَفِيسِ فَكِلَا الْفَاضِلَيْنِ أَحْرَزَ فَضْلًا لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَعْنَى الشُّمُوسِ إنَّ بَيْتَ الصَّفِيِّ لَا شَكَّ مَبْنًى لَعَمْرِي بُنِيَ عَلَى تَأْسِيسِ بَيْدَ أَنَّ أَكْثَرَ الظُّرُوفِ لِقَصْدِ رَامٍ مِنْهُ غَرَابَةَ التَّلْبِيسِ أَوَ يَخْفَى عِيدٌ وَعِيدٌ وَعِيدٌ عَمَّ بِيَوْمِ الْعَرُوبَةِ الْمَأْنُوسِ إنَّ هَذَا الْمُرَادَ إنْ قَالَ جَاءَتْ بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ صَحَّ مَنْ قَالَ قَبْلَ مَا بَعْدَ لَكِنْ نُكِّسَ الْيَوْمُ غَايَةَ التَّنْكِيسِ أَيْنَ يَوْمُ الرُّبُوعِ مِنْ يَوْمِ عِيدٍ مَنْ يَرُدُّ السَّعِيدَ لِلْمَنْحُوسِ دُمْتُمَا فِي لَبُوسِ صِحَّةِ نُعْمَى مِنْ أَجْلِ الْمَلْبُوسِ غَيْرِ لَبِيسِ قُلْتُ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُخَالِفُ الضَّابِطَ الْمُتَقَدِّمَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوَ يَخْفَى عِيدٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ صَحَّ مَنْ قَالَ قَبْلَ مَا بَعْدَ إلَخْ أَنَّهُ عَلَى عَكْسِ مَا مَرَّ لِأَمْرَيْنِ : الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّفِيَّ لَمْ يَقُلْ بَعْدَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بَلْ قَالَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ الْأَوَّلِ بِيَوْمِ الرُّبُوعِ كَمَا مَرَّ وَصَدَقَ الثَّانِي بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَ الْأُسْكُوبِيُّ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ بَيْدَ أَنَّ أَكْثَرَ الظُّرُوفِ إلَخْ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ .
قَبْلُ وَبَعْدُ فَأَلْغِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَاصِلٌ بَعْدَ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ مَا هُوَ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَيَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَعَمْ الْفَاءُ بَعْدَ مَا قَبْلَ فِي بَيْتِ الْمَوْصِلِيِّ لِكَوْنِهِ مُبْدَلًا مِنْهُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ أَوْ لِكَوْنِ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ لَا لِمَا مَرَّ فِي الْقَاعِدَةِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : أَنَّ كَلِمَةَ الْيَوْمَ حِنْثٌ وَغَدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ غَدٍ بَعْدَ إنْ كَانَتْ الْيَوْمَ زَوْجَةً يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْعِصْمَةِ وَعَدَمَهَا فَإِذَا كَلَّمَهُ الْيَوْمَ اجْتَمَعَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ فِي ظَرْفٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ إنْ كَلَّمَهُ غَدًا وَيُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ عَدَمِهِ فَيُمْكِنُ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْغَدِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ تَطْلُقْ لِفَوَاتِ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَيَقْدَمُ نِصْفَ النَّهَارِ تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْقُدُومَ فَهُوَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطِهِ أَوْ الْيَوْمَ فَلَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا غَدًا كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت : وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَشْهُورَ اللُّزُومُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ الثَّانِي أَنَّهَا تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي الْجَوَاهِرِ فَيَتَقَدَّمُ الطَّلَاقُ عَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَعَلَى الشَّرْطِ مَعًا هَذِهِ نُصُوصُ مَذْهَبِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لَهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بِالْأَمْسِ وَقَالَ : قَصَدْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالْأَمْسِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقِيلَ : يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالْأَمْسِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ فَيَسْقُطُ الْمُتَعَذِّرُ

وَيَثْبُتُ الْحَالُ وَقِيلَ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ قَالَ : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْمَوْتِ دُونَ الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ قَالَ : وَهُوَ تَحَكُّمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ إذَا قَالَ : إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَطَلَ الْخُلْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّهُمْ أَرْدَفُوا ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا إذَا قَالَ : لَهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِهِ بِسَنَةٍ فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ سَنَةٍ كَمَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً وَيَقْتَضِي قَوْلُهُمْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ بِمَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى زَعْمِهِمْ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا مَعَ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّهَا زَوْجَةٌ مُسْتَقِرَّةُ الْعِصْمَةِ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ إلَى حِينِ قُدُومِ زَيْدٍ .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَرَّحَ لِي بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ الْمُعَاصِرُونَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت : وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لَا يَصِحُّ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ : .
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى

أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ : قِسْمَانِ قِسْمٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَقَدَّرَ لَهُ مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ كَالْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْعِصَمِ وَالْأَمْلَاكِ فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوبِ النَّفَقَاتِ وَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لِإِنْشَاءِ الْأَمْلَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ .
وَقِسْمٌ وَكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِينَ .
فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَحَصَرَ جَعْلَهُمْ لِذَلِكَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ زَيْدٍ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ وَالْمُكَلَّفُ جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَلَوْ قَالَ : جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ فَهَذَا الْقِسْمُ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِي مُسَبَّبِهِ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَرِيبَ الزَّمَانِ أَوْ بَعِيدَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَيَثْبُتُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوَازِمُهُ وَأَحْكَامُهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَسَائِلُ : أَحَدُهَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا شِرَاءً صَحِيحًا أُبِيحَ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَى حِينِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَالرَّدِّ بِهِ .
وَإِنْ قُلْنَا : الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ ارْتَفَعَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ وَاقِعٌ أَيْضًا وَرَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالْمُحَالُ عَقْلًا لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا الِارْتِفَاعِ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا لِأَنَّ قَاعِدَةَ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ أَوْ الْمَعْدُومِ

حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَيَحْكُمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْجُودَ وَالْإِبَاحَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ وَجَمِيعَ آثَارِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَلَا تَنَافِي بَيْنَ ثُبُوتِ الشَّيْءِ حَقِيقَةً وَعَدَمِهِ حُكْمًا كَقُرُبَاتِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَمَعْدُومَةٌ حُكْمًا وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا مَوْجُودَةٌ حُكْمًا وَمَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً عَكْسُ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْإِخْلَاصُ وَغَيْرُهُمَا يُحْكَمُ بِوُجُودِهِمَا وَإِنْ عُدِمَا عَدَمًا حَقِيقِيًّا وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِيَ الْمُحَقَّقَاتِ .
وَثَانِيهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهُ إلَى كَمَالِ الْعِتْقِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ .
وَثَالِثُهَا دِيَةُ الْخَطَأِ تُورَثُ عَنْ الْمَقْتُولِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْإِرْثِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَوْرُوثِ لِلْمَوْرُوثِ الْمَقْتُولِ فَيُقَدَّرُ مِلْكُهُ لِلدِّيَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِيَصِحَّ الْإِرْثُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِعَدَمِ مِلْكِهِ لِلدِّيَةِ حَالَ حَيَاتِهِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمِلْكُ الْمُقَدَّرُ وَعَدَمُهُ الْمُحَقَّقُ وَلَمْ يَتَنَافَيَا وَلَا نَقُولُ إنَّا بَيَّنَّا تَقَدُّمَ الْمِلْكِ لِلدِّيَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَرَابِعُهَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ وَتَنْعَطِفُ هَذِهِ النِّيَّةُ تَقْدِيرًا إلَى الْفَجْرِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَلَا يُقَالُ : تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْفَرْضَ خِلَافُهُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ .
( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ

سَبَبِهِ يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ شَرْطِهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَلَفْظُ التَّعْلِيقِ هُوَ سَبَبٌ مُسَبَّبُهُ ارْتِبَاطُ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَالْقُدُومُ هُوَ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ لِلطَّلَاقِ وَاللَّفْظُ هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ فَإِذَا جَوَّزُوا تَقْدِيمَهُ عَلَى السَّبَبِ الْقَوِيِّ فَلْيَجُزْ عَلَى السَّبَبِ الضَّعِيفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ جَعَلُوا الْقُدُومَ شَرْطًا امْتَنَعَ التَّقَدُّمُ أَيْضًا .
إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ : لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ فَهَذَا الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَلَفْظُ التَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ انْعِطَافَ النِّيَّةِ عِنْدَهُمْ عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّهَارِ إذَا وَقَعَتْ نِصْفَ النَّهَارِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إيقَاعِهَا فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي بَلْ لَمْ يَكْشِفْ الْغَيْبَ عَنْ طَلَاقٍ حَقِيقِيٍّ فِي الْمَاضِي أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ حَيْثُ نَجْهَلُ أَمْرًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ نَعْلَمُهُ كَمَا حَكَمْنَا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْحَمْلِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ نَفْخٌ أَوْ حَكَمْنَا بِوَفَاةِ الْمَفْقُودِ ثُمَّ عَلِمْنَا حَيَاتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَمَّا الِانْعِطَافَاتُ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ نَجْزِمُ بَعْدَ الِانْعِطَافِ بِعَدَمِ الْمُنْعَطَفِ حَقِيقَةً فِي الزَّمَنِ الَّذِي انْعَطَفَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ فِيهِ تَقْرِيرًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ يَوْمَ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمِ الْفَرْجِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ

فَالْإِبَاحَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ .
وَمِنْ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الِانْعِطَافِ وَطْءُ شُبْهَةٍ لَا إبَاحَةٍ مُحَقَّقَةٍ وَوُجُودُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الطَّلَاقِ يَأْبَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا : تَقْدِيرُ الطَّلَاقِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الزَّوْجِيَّةِ لِلْإِبَاحَةِ قُلْنَا : الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُنَافِي الْعَقْدَ وَلَا يُعَارِضُهُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا عَلَى اللَّفْظِ وَكَيْفَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ : الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْلِ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ سَبَبٌ لِلنَّقْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ الِانْعِطَافِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ فَلْيَعْقِلُوهَا فِي الْبَقِيَّةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمَوْضُوعَةَ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ اسْتَقَلَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِمُسَبَّبَاتِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا انْعِطَافَاتٍ بَلْ كُلُّ سَبَبٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ بَعْدَهُ وَالتَّعَالِيقُ مَوْكُولَةٌ لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ وَمُقْتَضَى التَّفْوِيضِ لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا الِانْعِطَافَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْتِزَامِ الِانْعِطَافِ حَيْثُ خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَيْثُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لَهُ : بِعْتُك مِنْ شَهْرٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْمِلْكُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْقَوَاعِدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ الْحَجْرُ أَنْ لَا يَجْرِيَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ حَيْثُ عَدَمُ الْمُعَارِضِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَرْجَحُ بِالْأَصْلِ ثُمَّ إنَّهُمْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقُدُومِ وَهُوَ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ بَلْ هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ وَاللَّفْظُ هُوَ

السَّبَبُ الْبَعِيدُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى الْبَعِيدِ أَوْلَى .

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ اللَّخْمِيُّ : فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَرَّحَ لِي بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ الْمُعَاصِرُونَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ) .
قُلْتُ : جَمِيعُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ : ( قُلْتُ : وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ فِي زَمَانِهِ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لَا يَصِحُّ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ عِنْدِي صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا حُكِيَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الشَّرْطِ بَلْ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ لَنَا تَحْرِيمَهَا لِلطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلْإِشْكَالِ وَالِاحْتِمَالِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةُ حَرَامٌ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْمَنْكُوحَةُ حَرَامٌ لِلِاخْتِلَاطِ .
قَالَ : ( وَبَيَانُ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ : الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ إلَى آخِرِ بَيَانِ الْقَاعِدَةِ ) قُلْتُ : جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ ( وَلَوْ قَالَ : جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ ) قُلْتُ : هَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِي تَعْيِينِ الْأَلْفَاظِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي عَدَمِ تَعْيِينِهَا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ كَقُرُبَاتِ الْكُفَّارِ

وَالْمُرْتَدِّينَ مَوْجُودَةً حَقِيقَةً وَمَعْدُومَةً حُكْمًا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ قُرُبَاتِهِمْ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَالِارْتِدَادِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِارْتِدَادِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ : ( وَثَانِيهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ لِلْمِلْكِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِلْعَبْدِ وَلَا تَحْقِيقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( وَثَالِثُهَا دِيَةُ الْخَطَأِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِيهَا مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ وَعَدَمِ تَحْقِيقِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الدِّيَةَ تَحْقِيقًا عِنْدَ إنْفَاذِ مُقَاتِلِهِ وَقَبْلَ زُهُوقِ نَفْسِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ لِتَعَذُّرِ تَحْقِيقِهِ بِكَوْنِ الدِّيَةِ مَوْقُوفَةً عَلَى اخْتِيَارِ الْأَوْلِيَاءِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( وَرَابِعُهَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .
قَالَ : ( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ شَرْطِهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ ) قُلْتُ : رَبَطَ الْحُكْمَ بِسَبَبِهِ وَشَرْطُهُ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا عَلَى التَّعْيِينِ وَجْهٌ وَاحِدٌ بَلْ هِيَ بِحَسَبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ فَلَوْ أَنَّ الْحُكْمَ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّأَخُّرِ عَنْ سَبَبِهِ كَانَ عَلَى مَا وُضِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ وُضِعَ

عَلَى وَجْهِ التَّقَدُّمِ عَلَى سَبَبِهِ كَانَ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَّهُ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ سَبَبِهِ لَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَكِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت تَأَخُّرَ الْحُكْمِ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ كَمَا حُكِيَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ لِلشَّرْعِ أَمَّا الَّتِي وُكِلَتْ إلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فَهِيَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( فَلَفْظُ التَّعْلِيقِ سَبَبُ مُسَبَّبِهِ ارْتِبَاطُ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ زَيْدٍ إلَى قَوْلِهِ امْتَنَعَ التَّقْدِيمُ أَيْضًا ) قُلْتُ : قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ إنْ أَرَادَ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلسَّبَبِ أَضْعَفُ مِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ أَضْعَفُ مِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَمُسَلَّمٌ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لَكِنْ مَعَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَيْهِ أَوْلَى بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ أَوْ يَقُولَ لَا أَوْلَوِيَّةَ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ .
قَالَ : ( إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ : لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَنِ الْمَاضِي يَتَأَخَّرُ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ ) قُلْتُ : كَيْفَ يَكُونُ الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقُدُومُ

وَقَدْ كَانَ لَفْظُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ عَلَى الْقُدُومِ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِالِانْعِطَافِ كَوْنَ اللَّفْظِ يَقْتَضِيهِ بَلْ يُرِيدُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْقُدُومِ قِيلَ لَهُ : أَتُرِيدُ لُزُومَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ تُرِيدُ فِي عِلْمِنَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِسَبَبٍ بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَزِمَ عَنْ وُقُوعِ الْقُدُومِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَبِالْجُمْلَةِ يُقَالُ لَهُ : هَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ قَالَ : لَمْ يَقَعْ فَلَا طَلَاقَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْقُدُومِ إنَّمَا يَقْتَضِي بِحَسَبِ نَصِّ التَّعْلِيقِ تَقْدِيمَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَا مُوجِبَ لِوُقُوعِهِ وَإِنْ قَالَ : قَدْ وَقَعَ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِتَقْدِيمِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ : إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ ) قُلْتُ : إذَا لَمْ يَلْزَمْ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ وُقُوعٌ حَقِيقَةً فَلَا انْعِطَافَ وَلَا مُنْعَطَفَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُنْعَطَفٌ فَلَا طَلَاقَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقٌ فَقَدْ بَطَلَ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْمَفْرُوضِ فَإِنْ قَالَ بِثُبُوتِ طَلَاقٍ فَهُوَ طَلَاقٌ لَا مُوجِبَ لَهُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ النَّاطِقِ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا لَفْظَ التَّعْلِيقِ .
قَالَ : ( وَمِنْ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الِانْعِطَافِ وَطْءُ شُبْهَةٍ لَا إبَاحَةٍ مُحَقَّقَةٍ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ فَلْيَعْقِلُوهَا فِي الْبَقِيَّةِ ) قُلْتُ : فَإِذَا لَمْ يُعَارِضْ التَّقْدِيرَ الْعَقْدُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ فَأَيُّ مَعْنَى لِلِانْعِطَافِ وَأَيْنَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ .
قَالَ : ( وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمَوْضُوعَةَ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ اسْتَقَلَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ

بِمُسَبَّبَاتِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا انْعِطَافَاتٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : تُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ لَيْسَ تَعْلِيقًا وَلَكِنَّهُ مِمَّا وَضَعَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا وَمَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ انْعِطَافًا بِخِلَافِ مَا وَكَلَهُ إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَقْضِهِمْ أَصْلَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) أَصْلُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ ( وَيَقَعُ ) أَيْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلَاقِ أَلْبَتَّةَ نَاجِزًا ( وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ ) وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِهِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ ا هـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ عبق .
وَقَالَ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ وَإِنْ قَالَ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ قِيلَ لَهُ : أَمَا نَجَّزَتْهَا أَيْ الْوَاحِدَةَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْك شَيْءٌ بَعْدَ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَالْبَتَّةُ وَطَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ فَعَلَ غَدًا ثُمَّ فَعَلَ أَيْ أَثْنَاءَ الْغَدِ لَزِمَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْحِنْثِ أَيْ لَا مِنْ يَوْمِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْلًا أَوْ فَعَلَ بَعْدَ غَدٍ لَمْ تَطْلُقْ ا هـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ عبق .
وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَيَقْدَمُ نِصْفَ النَّهَارِ تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْقُدُومَ فَهُوَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطِهِ أَوْ الْيَوْمِ فَلَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي طَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا غَدًا إنْ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ حَنِثَ وَغَدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ غَدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْيَوْمَ زَوْجَةً يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْعِصْمَةِ وَعَدَمَهَا فَإِذَا كَلَّمَهُ الْيَوْمَ اجْتَمَعَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ فِي ظَرْفٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ا هـ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْهُ هُوَ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِكَلَامِ غَدٍ ا هـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ .
وَفِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق عِنْدَ

قَوْلِ خَلِيلٍ وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ كَطَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا قَصَدَ بِقَوْلِهِ وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ وَبِمَا بَعْدَهُ الِاسْتِظْهَارُ عَلَى مُخَالَفَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ فِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا مَضَى زَمَنُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا قَالَهُ يَأْتِي عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ ا هـ نج اُنْظُرْ غ ا هـ بِتَوْضِيحٍ مَا .
فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ اللُّزُومُ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، الثَّانِي أَنَّهَا تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي الْجَوَاهِرِ فَيَتَقَدَّمُ الطَّلَاقُ عَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَعَلَى الشَّرْطِ مَعًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بِالْأَمْسِ وَقَالَ : قَصَدْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالْأَمْسِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقِيلَ : يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالْأَمْسِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ فَيَسْقُطُ الْمُتَعَذِّرُ وَيَثْبُتُ الْحَالُ وَقِيلَ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ : إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ .
قَالَ : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْمَوْتِ دُونَ الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ قَالَ : وَهُوَ تَحَكُّمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ : إذَا قَالَ : إنْ قَدِمَ زَيْدٌ

فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَطَلَ الْخُلْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : إذَا قَالَ لَهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِهِ بِسَنَةٍ فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ سَنَةٍ كَمَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً ، هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَقْتَضِي قَوْلُهُمْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ مِمَّا أَنْفَقَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى زَعْمِهِمْ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُ مَالِكٍ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ : الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الشَّرْطِ بَلْ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلطَّلَاقِ .
وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلْإِشْكَالِ وَالِاحْتِمَالِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةُ حَرَامٌ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْمَنْكُوحَةُ حَرَامٌ لِلِاخْتِلَاطِ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ الْفَارِقِ وَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ : ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ : قِسْمٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَقَدَّرَ لَهُ مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا فَلَيْسَ

لِأَحَدٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ كَالْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْعِصَمِ وَالْأَمْلَاكِ فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوبِ النَّفَقَاتِ وَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لِإِنْشَاءِ الْأَمْلَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ، وَقِسْمٌ وَكَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخِيرَةِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنْ شَاءَا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءَا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَحُصِرَ جَعْلُهُمْ لِذَلِكَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ زَيْدٍ فَنَحْوُ دُخُولِ الدَّارِ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ بَلْ الْمُكَلَّفُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَلَوْ قَالَ الْمُكَلَّفُ جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِتَعَيُّنِ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا يَنْفُذُ وَيُعْتَبَرُ فَهَذَا الْقِسْمُ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِي مُسَبَّبِهِ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَرِيبَ الزَّمَانِ أَوْ بَعِيدَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَمِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ فَافْهَمْ .
( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَيَثْبُتُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوَازِمُهُ وَأَحْكَامُهُ ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا الشَّخْصُ شِرَاءً صَحِيحًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَى حِينِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَالرَّدِّ بِهِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ : الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَمُقْتَضَاهُ ارْتِفَاعُ الْإِبَاحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْدِ وَالْإِبَاحَةِ وَاقِعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَرَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالْمُحَالُ عَقْلًا لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا الِارْتِفَاعِ جَارِيًا عَلَى

قَاعِدَةِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ بِأَنْ يَحْكُمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْجُودَ وَالْإِبَاحَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ وَجَمِيعَ آثَارِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ كَمَا حَكَمَ بِأَنَّ قُرُبَاتِ الْمُرْتَدِّينَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِارْتِدَادِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَقِيقَةً هِيَ مَعْدُومَةٌ حُكْمًا أَوْ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَمَا فِي النِّيَّةِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا يَحْكُمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِوُجُودِهَا حُكْمًا وَإِنْ عُدِمَتْ عَدَمًا حَقِيقِيًّا كَمَا بَسَطَ ذَلِكَ الْأَصْلَ فِي كِتَابِهِ الْمُنْيَةِ فِي إدْرَاكِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ وَتَنْعَطِفُ هَذِهِ النِّيَّةُ تَقْدِيرًا إلَى الْفَجْرِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَلَا يُقَالُ تَبَيُّنًا أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ إذْ الْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فِي كِتَابِهِ الْأُمْنِيَةِ .
( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ رَبْطُهُ بِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَضْعِيًّا وَأَنَّ الْأُمُورَ الْوَضْعِيَّةَ بِحَسَبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ لَوْ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّأَخُّرِ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّقَدُّمِ عَلَى سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ لَكَانَ عَلَى حَسَبِ مَا وُضِعَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ بِدُونِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا نَعَمْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ لِلشَّرْعِ أَمَّا الَّتِي وُكِلَتْ إلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فَهِيَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَعَدَمِهِمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُكَلَّفَ دُونَ الشَّارِعِ هُوَ الَّذِي رَبَطَ الطَّلَاقَ بِالْقُدُومِ وَجَعَلَهُ هُوَ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ لِلطَّلَاقِ وَجَعَلَ ارْتِبَاطَ الطَّلَاقِ

بِهِ مُسَبَّبًا عَنْ لَفْظِ التَّعْلِيقِ فَاللَّفْظُ هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقُدُومِ وَلَفْظُ التَّعْلِيقِ سَبَبًا عَلَى حَسَبِ قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فِي تَقَدُّمِهِ أَوْ تَأَخُّرِهِ عَنْ مُسَبَّبِهِ أَوْ حُصُولِهِ مَعَ مُسَبَّبِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِمْ تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ وَمِنْ لَفْظِ التَّعْلِيقِ تَقَدُّمًا تَقْدِيرِيًّا لَا تَحْقِيقِيًّا حَتَّى يُنَافِيَ الْعَقْدَ وَيُعَارِضَهُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ مَعَ قَوْلِنَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ يَوْمِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ يَوْمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمُ الْفَرْجِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْإِبَاحَةُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا فِيهِ وَكَيْفَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ سَبَبٌ لِلنَّقْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ فَلْيَعْقِلُوهُ فِي الْبَقِيَّةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ تَعْلِيقًا حَتَّى يَكُونَ مِمَّا وَكَّلَهُ الشَّارِعُ إلَى خِيرَةِ الْمُكَلَّفِ كَالْمَقِيسِ وَلَكِنَّهُ مِمَّا وَضَعَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا وَمَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ لَمْ يَقَعْ مُسَبَّبُهُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّهُمْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى الْقُدُومِ وَالْقُدُومُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ قَرِيبٌ لَهُ فَمَا وَجْهُ مَنْعِهِمْ مَعَ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ الْبَعِيدِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ التَّعْلِيقِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ : إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ عَدَدُ طَلْقِهِ مُنَجَّزًا كَمَّلْنَا عَلَيْهِ الثَّلَاثَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الثَّلَاثِ وَلَوْ وَقَعَ مَشْرُوطُهُ لَمَنَعَ وُقُوعَهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ فَلَا يَقَعُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ : يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مُحَالًا وَقِيلَ : يَقَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الثَّلَاثُ أَيُّ شَيْءٍ نَجَّزَهُ تَنَجَّزَ وَكَمُلَ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَ : وَمِنْ صُوَرِ الدَّوْرِ أَنْ يَقُولَ : إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً أَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهَا طَلْقَتَيْنِ وَإِنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَإِنْ أَبَنْتُك أَوْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ فَسَخْت نِكَاحَك أَوْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أَوْ يَقُولُ لِأَمَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَعْتِقَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ بِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَتُعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَعَلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ تَنْحَسِمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا فِي الْوُجُودِ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَنَقُولُ : الْبَحْثُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ ثَلَاثٍ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى : ) أَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ إمْكَانَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ فِي ذَاتِهِ وَحِكْمَةَ الشَّرْطِ فِي غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ لَا تَحْصُلُ فِيهِ حِكْمَتُهُ .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ صَلَّيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ

فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الدُّعَاءِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ .
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ : مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُ وَفِيمَا لَا يَمْلِكُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُ دُونَ مَا لَا يَمْلِكُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ : قَوْلُهُ إنْ طَلَّقْتُك إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَبْقَيْنَا التَّعْلِيقَ عَلَى صُورَتِهِ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشْرُوطُ مَا بِهِ وَقَعَ التَّبَايُنُ فَإِنْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً أَسْقَطْنَا وَاحِدَةً لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ تَجْتَمِعْنَ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ أَسْقَطْنَا اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ مَعَ اثْنَتَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطْنَا الْمُنَافِيَ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَامْرَأَةِ جَارِهِ : أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَحْدَهُ أَوْ عَبْدُهُ وَعَبْدُ زَيْدٍ حُرَّانِ يَعْتِقُ عَبْدُهُ وَحْدَهُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهُ كَذَلِكَ هَا هُنَا الَّذِي يُنَافِي بِهِ الشَّرْطَ لَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَسَقَطَ كَامْرَأَةِ الْغَيْرِ وَعَبْدِهِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِمَّا تَنَاوَلَهُ لَفْظُهُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَاقِي بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُنَافِي فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِلْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْحَدَّادِ فَتَلْزَمُهُ مُخَالَفَةُ إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ قَوَاعِدَ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالسُّرَيْجِيَّةِ وَيَحْسِبُهَا بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا فَإِنَّهَا قَالَ بِهَا : ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِهِمْ

بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِئُونَ بَلْ آلَافٌ وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدٌ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ : الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النُّصُوصَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْلَى بِأَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ ضَلَالٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الدَّوْرِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ .
.
قَالَ : شِهَابُ الدِّينِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ قَالَ : أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ : إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ : عَدَدَ طَلْقِهِ مُنَجَّزًا كَمَّلْنَا عَلَيْهِ الثَّلَاثَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَ فِيهَا إلَى آخِرِهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ أَصْحَابُنَا : إذَا قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَطَلَّقَ دُونَ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ عَدَدُ طَلَاقِهِ مُنَجَّزًا إلْغَاءً لِلْقَبْلِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ الَّذِي قَاعِدَتُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ نَفْيَهُ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الثَّلَاثِ وَلَوْ وَقَعَ مَشْرُوطُهُ لَمَنَعَ وُقُوعَهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ فَلَا يَقَعُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ : يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مُحَالًا وَقِيلَ : يَقَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الثَّلَاثُ أَيُّ شَيْءٍ نَجَّزَهُ تَنَجَّزَ وَكَمَّلَ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَ : وَمِنْ صُوَرِ الدَّوْرِ أَنْ يَقُولَ : إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً أَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ طَلْقَتَيْنِ ، وَإِنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا .
وَإِنْ أَبَنْتُك أَوْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ فَسَخْت نِكَاحَك أَوْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ، أَوْ يَقُولُ لِأَمَتِهِ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَعْتِقَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ بِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَتُعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَعَلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ تَنْحَسِمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا فِي الْوُجُودِ وَالْمَقْصُودِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَإِلْغَاءُ أَصْحَابِنَا فِيهِ الْقَبْلِيَّةَ نَظَرًا لِاتِّصَافِ الْمَحَلِّ بِالْحَلِيَّةِ إلَى زَمَنِ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَفِي زَمَنِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَدْ مَضَى قَبْلَهُ وَالزَّمَنُ الْمَاضِي عَلَى الْحِلِّ لَا تَرْتَفِعُ الْحَلِيَّةُ فِيهِ بِالثَّلَاثِ بَعْدَ مُضِيِّهِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ

أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ سُرَيْجٍ حَتَّى عُرِفَتْ بِالْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِمْ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ نَظَرًا لِمَا يَلْزَمُ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ هُنَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ إحْدَى قَوَاعِدَ ثَلَاثٍ .
( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ إمْكَانَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمَشْرُوطِ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ لِأَنَّ حِكْمَتَهُ لَيْسَتْ فِي ذَاتِهِ كَالسَّبَبِ بَلْ فِي غَيْرِهِ فَلَا تَحْصُلُ حِكْمَتُهُ فِيهِ إذَا لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ ذَلِكَ الْغَيْرِ .
( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ فَنَحْمِلُهُ فِي نَحْوِ إنْ صَلَّيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الدُّعَاءِ .
( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُ وَفِيمَا لَا يَمْلِكُ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَامْرَأَةِ جَارِهِ : أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَحْدَهَا وَلِعَبْدِهِ وَعَبْدِ زَيْدٍ أَنْتُمَا حُرَّانِ يَعْتِقُ عَبْدُهُ وَحْدَهُ وَبَيَانُ الْمُخَالَفَةِ لِإِحْدَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ عَلَى الِالْتِفَاتِ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ إنْ طَلَّقْتُك إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَبْقَيْنَا التَّعْلِيقَ عَلَى صُورَتِهِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَبْقَ التَّعْلِيقُ عَلَى صُورَتِهِ بَلْ أُسْقِطَ مِنْ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ الْمُتَقَدِّمَةُ مَا بِهِ وَقَعَ التَّبَايُنُ بَيْنَ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالشَّرْطِ الَّذِي أَوْقَعَهُ لِأَنَّهُ

لَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَعَبْدِ زَيْدٍ وَامْرَأَةِ الْجَارِ لِلْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ بِأَنْ نُسْقِطَ وَاحِدَةً حَيْثُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ تَجْتَمِعَانِ مَعَ وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ حَيْثُ أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ مَعَ اثْنَتَيْنِ وَافَقَ الْقَوَاعِدَ الثَّلَاثَ وَوَجَبَ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُنَافِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَبِلُزُومِ الْمُخَالَفَةِ لِإِحْدَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ لِرَأْيِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَعَ كَوْنِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الرَّأْيِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَتَجَاوَزُونَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِ هَذَا الرَّأْيِ لِأَنَّهُمْ مِئُونَ بَلْ آلَافٌ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِابْنِ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَتَقْلِيدُهُمْ فِيهَا فُسُوقٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْقَضِي إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النُّصُوصَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْلَى بِأَنْ لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ .
وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ ضَلَالٌ فَافْهَمْ هَذَا يُظْهِرُ لَك الْحُكْمَ فِي بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الدَّوْرِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ .
( فَائِدَةٌ ) تَقْيِيدُ الدَّوْرِ بِالْحُكْمِيِّ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَحْكَامِ أَخْرَجَ الدَّوْرَ الْكَوْنِيَّ وَالدَّوْرَ الْحِسَابِيَّ فَالدَّوْرُ الْكَوْنِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَوْنِ وَالْوُجُودِ تَوَقَّفَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الشَّيْئَيْنِ عَلَى كَوْنِ الْآخَرِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي فَنِّ التَّوْحِيدِ وَالْمُسْتَحِيلُ مِنْهُ السَّبْقِيُّ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي كَوْنَ الشَّيْءِ سَابِقًا مَسْبُوقًا كَمَا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ زَيْدًا أَوْجَدَ عَمْرًا

وَأَنَّ عَمْرًا أَوْجَدَ زَيْدًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَابِقٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُؤَثِّرًا مَسْبُوقٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ أَثَرًا بِخِلَافِ الْمَعْي كَالْأُبُوَّةِ مَعَ الْبُنُوَّةِ وَالدَّوْرُ الْحِسَابِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحِسَابِ تَوَقَّفَ الْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمِقْدَارَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ الْآخَرِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ الدَّوْرُ الْعِلْمِيُّ أَيْضًا وَهَذَا دَوْرٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرَهُمَا فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا دَوْرَ إلَّا إذَا أَرَدْت عِلْمَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا إذَا وَهَبَ أَحَدُ مَرِيضَيْنِ لِلْآخَرِ عَبْدًا فَوَهَبَهُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَلَا مَالَ لَهُمَا غَيْرُهُ ، وَمَاتَا فَلَا يُعْلَمُ مَا صَحَّ فِيهِ هِبَةُ كُلِّ مِنْهُمَا وَقَدْرُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ لِأَنَّ هِبَةَ الْأَوَّلِ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ فَصَارَ مَالًا لِلثَّانِي وَلَمَّا وَرَدَتْ عَلَيْهِ هِبَةُ الثَّانِي صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثُّلُثِ فَصَارَ ثُلُثُ الثُّلُثِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَالِ الْأَوَّلِ فَتَسْرِي إلَيْهِ الْهِبَةُ فَلْيُرَدَّ ثُلُثُهُ لِلثَّانِي بِالْهِبَةِ ثُمَّ يُرَدُّ بِهِبَةِ الثَّانِي ثُلُثُ مَا رَدَّ لِسَرَيَانِ هِبَتِهِ فِيهِ وَهَكَذَا فَلَا يَقِفُ عَلَى حَدٍّ فِي التَّرْدَادِ بَيْنَهُمَا وَيَحْصُلُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَبَيَانُهُ أَنْ نَقُولَ : صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ فَبَقِيَ عِنْدَهُ عَبْدٌ إلَّا شَيْئًا وَصَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَصَارَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدًا إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ لِأَنَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ رَجَعَ لَهُ بِهِبَةِ الثَّانِي فَبَقِيَ عِنْدَهُ ثُلُثَا الشَّيْءِ وَيُضَمُّ ثُلُثُ الشَّيْءِ لِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مَعَهُ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مَعَ الْوَاهِبِ يَعْدِلُ ضِعْفَ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ وَقَدْ قُلْنَا : صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مَجْهُولٍ مِنْ الْعَبْدِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هِبَةِ الثَّانِي وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ مَا بَقِيَ مَعَ

الْأَوَّلِ وَهُوَ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ هُمَا ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ أَيْ يُسَاوِيهِمَا وَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُجْبِرُ كُلًّا مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِإِزَالَةِ النَّقْصِ بِأَنْ تَرُدَّ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْجَانِبَيْنِ فَتَجْعَلَ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَا بَقِيَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدًا كَامِلًا وَتَجْعَلُ الطَّرَفَ الثَّانِيَ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ فَنَقُولُ : عَبْدٌ كَامِلٌ يُقَابِلُ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ ثُمَّ تَبْسُطُ الشَّيْئَيْنِ أَثْلَاثًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ أَعْنِي ثُلُثَيْ شَيْءٍ فَصَارَ هَذَا الطَّرَفُ ثَمَانِيَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ شَيْءٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ فَاقْسِمْ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثُلُثُ شَيْءٍ يُخْرَجُ لِكُلِّ ثُلُثِ شَيْءٍ ثَمَنُ الْعَبْدِ فَيُعْلَمُ أَنَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ ثَمَنُ الْعَبْدِ وَأَنَّ الشَّيْءَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِنَا صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي الشَّيْءِ أَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَبَقِيَ عِنْدَهُ عَبْدٌ إلَّا شَيْئًا أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا صَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثَّلَاثَةِ الْأَثْمَانِ وَهُوَ ثَمَنٌ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَصَارَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ أَنَّهُ صَارَ مَعَ الْأَوَّلِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَهِيَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ لِأَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْمَانٍ وَضِعْفُهَا سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَبَقِيَ عِنْدَهُ أَيْ الثَّانِي ثُلُثَا الشَّيْءِ أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ ثَمَنَانِ وَهُوَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ لِأَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَمَنٍ وَضِعْفِهِ ثَمَنَانِ فَقَدْ بَقِيَ لِوَرَثَةِ كُلٍّ مِنْ الْمَرِيضَيْنِ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ أَفَادَهُ الْبَاجُورِيُّ عَنْ الْأَمِيرِ فِي حَوَاشِي الشِّنْشَوْرِيِّ .

( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ : إذَا قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَلِفًا لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قُلْت كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ } وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَحْنَثَ فِي الْحَالَيْنِ .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ : الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إذَا قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَلِفًا لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قَالَ : قُلْتُ : كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ } وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَحْنَثَ فِي الْحَالَيْنِ ) قُلْتُ : إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ الْحِنْثِ فِي الْحَالَيْنِ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) إذَا قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفِي كَوْنِهِ حَلِفًا فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ مَعَ نَصِّ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا أَوَّلًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قَوْلَا الْأَصْلِ وَالْغَزَالِيِّ فِي وَسِيطِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَإِلَّا فَالثَّانِي .

( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ : إذَا قَالَ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ هِيَ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ هِيَ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ : الشَّافِعِيَّةُ إذَا قَالَ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ بِشَيْءٍ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ ) قُلْتُ : سَكَتَ عَنْ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَهُوَ دَلِيلُ قَبُولِهِ لِمَا قَالُوهُ وَقَوْلُهُمْ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) إذَا قَالَ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ هِيَ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ هِيَ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ .

( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) فِي التَّهْذِيبِ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَقَالَ سَحْنُونٌ : يَلْزَمُهُ فِي الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا أَوْ هَازِلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ : ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) كُلٌّ مَنْ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ } يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي عُرْفِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ دُونَ الدُّعَاءِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ } يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَعَلَهُمَا عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا .
( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) كَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَحْكَامَ شَرَعَ مُبْطَلَاتِهَا وَدَوَافِعَهَا فَشَرَعَ الْإِسْلَامَ وَعَقْدَ الذِّمَّةِ سَبَبَيْنِ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَالرِّدَّةُ وَالْحِرَابَةُ وَزِنَى الْمُحْصَنِ وَحِرَابَةُ الذِّمِّيِّ رَوَافِعُ وَالسَّبْيُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ رَافِعٌ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِهِ رَافِعٌ لِحُكْمِ سَبَبٍ أَنْ يَرْفَعَ حُكْمَ غَيْرِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمِ الْعِتْقِ وَالتَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ التَّطْلِيقَ رَافِعٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَافِعِ وَلَيْسَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَابَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمُ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ أَوْ الْمَجَازِ فِي التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُسَمَّى يَمِينًا حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْقَسَمُ وَلَوْ أَقْسَمَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ

وَإِذَا كَانَ الْبَابَانِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَعُمُّ الْحُكْمُ .
( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ النُّفُوذِ فَلِذَلِكَ كُلُّ عَدَمٍ مُمْكِنٍ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ وَكُلُّ وُجُودٍ مُمْكِنٍ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ فَتَكُونُ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْلُومَةً قَطْعًا وَأَمَّا مَشِيئَةُ غَيْرِهِ فَلَا تُعْلَمُ غَايَتُهُ أَنْ يُخْبِرَنَا وَخَبَرُهُ إنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ فَظَهَرَ بُطْلَانُ مَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ الْبَشَرِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ سَبَبَ عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ .
( الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ ) الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُحْمَلُ عَلَى دُخُولٍ مُسْتَقْبَلٍ وَطَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ التَّعْلِيقِ إجْمَاعًا وَالْمَشِيئَةُ قَدْ جُعِلَتْ شَرْطًا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَفْعُولٍ وَالتَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَفْعُولُهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فِي الْحَالِ أَوْ طَلَاقًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ فِي الْأَزَلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فِي الْأَزَلِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَطْلُقَ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَقَبُولُ الْمَحَلِّ عِنْدَ أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ .
وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْمَشْرُوطُ لِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا لِأَنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَقْبِلٌ فَلَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ الْآنَ فَلَا

يَنْفُذُ طَلَاقٌ حَتَّى يَلْفِظَ بِالطَّلَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَنْفُذُ هَذَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَطْلُقُ الْآنَ فَإِنْ قُلْت : هَذَا لَازِمٌ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِلَفْظٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَنْفُذُ هَذَا قُلْت : الْفَرْقُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرَةٌ فِي حُدُوثِ مَفْعُولِهَا فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ لَفْظُ الطَّلَاقِ انْقَطَعَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَةُ زَيْدٍ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بَلْ هِيَ كَدُخُولِ الدَّارِ فَكَمَا إذَا تَجَدَّدَ دُخُولُ الدَّارِ نَفَذَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ فَإِنْ قُلْت : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ نُفُوذَ هَذَا الطَّلَاقِ لَا لَفْظًا آخَرَ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ؟ قُلْت : يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَهُوَ مَفْعُولٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَنُفُوذُهُ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ مِنْ أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَسْبَابَ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتِهَا فَمَنْ بَاعَ وَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ نُفُوذَ هَذَا الْبَيْعِ نَفَذَ قُلْنَا لَهُ : قَدْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَرَّجَةٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ بِجَامِعِ أَنَّهُ مُبْطَلٌ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ فَيَلْغُو الْجَمِيعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعَبَثُ فِيهِ وَاللَّغْوُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ غَرَضِ الْعُقَلَاءِ وَإِنْ بَطَلَتْ جُمْلَةُ الْمَشْرُوطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } قُلْت : أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَعَبَثٌ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لَا بِسَبَبِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَافِعٌ لِلْيَمِينِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيقِ

وَتَفَاصِيلِهِ .

قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي التَّهْذِيبِ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَقَالَ سَحْنُونٌ : يَلْزَمُ فِي الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا أَوْ هَازِلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي الْقَاعِدَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ النُّفُوذِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ كَوْنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَعْلُومَةً قَطْعًا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَا مِنْ وُجُودٍ مُمْكِنٍ وَلَا عَدَمِهِ إلَّا مُسْتَنِدٌ إلَى مَشِيئَتِهِ فَمَشِيئَتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْلُومَةٌ عِنْدَنَا صَحِيحٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ بَلْ مُرَادُ مَنْ قَالَ : ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى التَّعْيِينِ أَمْ لَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ وَأَمَّا التَّوَصُّلُ إلَى عِلْمِ مَشِيئَةِ الْبَشَرِ فَبِوُجُوهٍ مِنْهَا إخْبَارُهُ بِذَلِكَ مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ حُصُولَ الْعِلْمِ وَقَوْلُهُ غَايَةُ خَبَرِهِ أَنْ يُفِيدَ الظَّنَّ إنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : بِالِاكْتِفَاءِ هُنَا بِالظَّنِّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَقَوْلُهُ إنَّ الْأَمْرَ بِعَكْسِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ فَظَهَرَ بُطْلَانُ مَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِبُطْلَانِهِ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ بُطْلَانِ قَوْلِهِ لَكَانَتْ مُخَالَفَتُهُ لِمَالِكٍ كَافِيَةً فِي سُوءِ الظَّنِّ بِقَوْلِهِ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْعِلْمِ قَالَ : ( الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطُ

وَجَوَابُهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ ) قُلْتُ : لَيْسَ ذَلِكَ بِمُطَّرِدٍ لَازِمٍ وَلَكِنَّهُ الْغَالِبُ وَالْأَكْثَرُ .
قَالَ : ( فَإِذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُحْمَلُ عَلَى دُخُولِ مُسْتَقْبَلٍ وَطَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ التَّعْلِيقِ إجْمَاعًا ) قُلْتُ : ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ قَالَ : ( وَالْمَشِيئَةُ قَدْ جُعِلَتْ شَرْطًا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَفْعُولٍ وَالتَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَفْعُولُهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فِي الْحَالِ أَوْ طَلَاقًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ فِي الْأَزَلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فِي الْأَزَلِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَطْلُقَ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَقَبُولُ الْمَحَلِّ عِنْدَ أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ) قُلْتُ : تَجْوِيزُهُ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي يَكُونُ مَفْعُولَ الْمَشِيئَةِ هُوَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ بَعِيدٌ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِبَالٍ وَلَوْ قَصَدَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الْمُتَضَمِّنِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ هَذَا الْكَلَامُ لَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ لَا فِي أَوَّلِ زَمَنِ النِّكَاحِ كَمَا قَالَهُ لِأَنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ لَا مُوجِبَ لَهُ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِالْمَشِيئَةِ إنَّمَا هُوَ وُقُوعُ الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ لَا تَحَقُّقُ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ مَشِيئَةَ وُجُودِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَائِلِهِ مَعْلُومَةٌ مُتَحَقِّقَةُ الْوُقُوعِ وَلَا أَرَى أَنْ يُخَالِفَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ إنْ وَقَعَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ ذَلِكَ

الْكَلَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْمَشْرُوطُ لِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا لِأَنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَقْبَلٌ فَلَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ الْآنَ فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقٌ حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَيُنْفِذَهَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَطْلُقُ الْآنَ ) قُلْتُ : قَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَطْلُقُ الْآنَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتُ : هَذَا لَازِمٌ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ إذَا لَمْ تَحْصُلْ بِلَفْظٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَنْفُذُ هَذَا قَالَ : قُلْتُ : الْفَرْقُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرَةٌ فِي حُدُوثِ مَفْعُولِهَا إلَى آخِرِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ زَيْدٍ ) قُلْتُ : قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ لَفْظُ الطَّلَاقِ انْقَطَعَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَلِطَ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعْدَمُ وَصَوَابُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ : بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَدَمُ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ فَكَمَا إذَا تَجَدَّدَ دُخُولُ الدَّارِ نَفَذَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِعَكْسِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتَ : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ نُفُوذَ الطَّلَاقِ لَا لَفْظًا آخَرَ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ : قُلْتُ : يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَهُوَ مَفْعُولٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَنُفُوذُهُ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَسْبَابَ لِتَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا فَمَنْ بَاعَ وَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ نُفُوذَ هَذَا الْبَيْعِ نَفَذَ

قُلْنَا لَهُ قَدْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا ) قُلْتُ : قَوْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ بِنَاءً مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى تَعَلُّقِ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَزَلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا قَالَ : وَإِنَّمَا اللَّازِمُ لُزُومُ الطَّلَاقِ الْآنَ عِنْدَ هَذَا الْكَلَامِ وَذَلِكَ هُوَ مُرَادُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ لُزُومُهُ فِي الْحَالِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ الْآنَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَأَنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْمَلَكُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ وَعَدَمُ لُزُومِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَلِعَبْدِ الْمَلِكِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْعِصْمَةِ هَلْ يُعْتَبَرُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لَهُ وَهُوَ أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ يُلْغَى وَتُسْتَصْحَبُ الْعِصْمَةُ وَهُوَ أَصْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمَّا الشَّكُّ فِي إنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْمَلَكُ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَشِيئَةِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَحَلُّ الْعِصْمَةِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى التَّعْيِينِ أَمْ لَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ وَأَمَّا التَّوَصُّلُ إلَى عِلْمِ مَشِيئَةِ الْبَشَرِ فَبِوُجُوهٍ مِنْهَا إخْبَارُهُ بِذَلِكَ مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ حُصُولَ الْعِلْمِ وَكَوْنُ غَايَةِ خَبَرِ الْبَشَرِ أَنْ يُفِيدَ الظَّنَّ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالِاكْتِفَاءِ هُنَا بِالظَّنِّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَشِيئَتَهُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهَا يُضَاهِي قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ وَأَنَّ بَعْضَ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُخَالِفُ قَاعِدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ وَاجِبَةُ النُّفُوذِ فَكُلُّ عَدَمٍ مُمْكِنٌ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ وَكُلُّ وُجُودٍ مُمْكِنٍ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ

تَعَالَى أَرَادَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ كَنُونِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى حَوَاشِي عبق عَنْ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ مَعَ زِيَادَةٍ قُلْتُ : وَيَظْهَرُ لَنَا عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ : الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ الصَّوَابُ إمَّا أَنْ يُقَالَ : إنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَعْلِيقٌ بِمُحَقَّقٍ إنْ قُصِدَ إنْ كَانَ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ يَعْنِي فِي الْمَاضِي فَإِنَّ بِنُطْقِهِ بِالطَّلَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ شَاءَ وَقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَطَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ التَّعْلِيقِ أَغْلَبِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ وَإِلَّا يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ قَصَدَ إنْ شَاءَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ قُلْنَا : إنَّ الْحُكْمَ يَتَعَدَّدُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّنَا إنَّمَا نُفْتِي بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا وَحُصُولُ الْمَحْكُومِ بِهِ هُنَا لَيْسَ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُكْمِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَأْمُرُ وَلَا يُرِيدُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ حُصُولُ الْمَحْكُومِ بِهِ بَلْ حُصُولُهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ نُطْقُهُ بِالصِّيغَةِ فَتَدَبَّرْ .
وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنْ جَعْلَ مَالِكٌ ذَلِكَ مِثَالًا لِمَا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ مَنْظُورًا فِيهِ لِلْمَشِيئَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُعْلَمُ بِتَحَقُّقِ الْمُشِيءِ ا هـ بِحَذْفٍ وَزِيَادَةٍ وَتَصَرُّفٍ .
الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ كَنُونِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ مُرَادُ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ هُوَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ لَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ ا هـ .
قُلْتُ : وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَإِنْ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِحَلِّ الْعِصْمَةِ إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ

الْمُعَيَّنَ الْوَاقِعَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ بِخُصُوصِهِ سَبَبًا فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ وَجَعَلَهُ بِخُصُوصِهِ سَبَبًا فِي حَلِّهَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَحَّ جَعْلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ مِثَالًا لِمَا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الطَّلَاقِ الَّذِي مِنْهُ هَذَا اللَّفْظُ الْمُعَيَّنُ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُقَالَ : إنْ قَصَدَ إنْ كَانَ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ يَعْنِي فِي الْمَاضِي فَهُوَ تَعْلِيقٌ بِمُحَقَّقٍ إذْ بِنُطْقِهِ بِالطَّلَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ شَاءَ لِوَضْعِهِ شَرْعًا ضَمِنَ الْمُطَلِّقُ لِحَلِّ الْعِصْمَةِ وَإِنْ قَصَدَ إنْ شَاءَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ لَاغٍ إلَخْ .
الْأَمْرُ الثَّالِثُ وَسَنَنْقُلُهُ بَعْدُ عَنْ كَنُونِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ إنْ شَاءَ وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ فَكَمَا أَنَّ مَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا ذَكَرَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَدَمَ جَعْلِ هَذَا اللَّفْظِ بِخُصُوصِهِ سَبَبًا فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ وَعَدَمُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَا جَرَى فِي الْأَوَّلِ خِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ كَذَلِكَ يَجْرِي فِي الثَّانِي فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلشَّكِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لِإِلْغَاءِ الشَّكِّ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ كَمَا فِي إنْ شَاءَ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ لَسُئِلَ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا اللَّفْظَ بِخُصُوصِهِ سَبَبًا لِحَلِّ الْعِصْمَةِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا فَلَا يَقَعُ فَكُلُّ مِنْ إنْ شَاءَ وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ هُنَا لِلتَّقْيِيدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ مَفْهُومِ الصِّيغَةِ لَا

لِكَوْنِهِ رَافِعًا لِحُكْمِ الصِّيغَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِقَاعِدَتَيْنِ .
( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) كُلُّ مَنْ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ } يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي عُرْفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دُونَ الدُّعَاءِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ } يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَعَلَهُمَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا .
( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) كَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَحْكَامَ شَرَعَ مُبْطَلَاتِهَا وَرَوَافِعَهَا فَشَرْعُ الْإِسْلَامِ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ سَبَبَانِ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَالرِّدَّةُ وَالْحِرَابَةُ وَزِنَى الْمُحْصَنِ وَحِرَابَةُ الذِّمِّيِّ رَوَافِعُ وَالسَّبْيُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ رَافِعٌ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ سَبَبٍ أَنْ يَرْفَعَ حُكْمَ غَيْرِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ التَّطْلِيقَ رَافِعٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَافِعِ وَلَيْسَ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَى الْبَابَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمُ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فِي التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُسَمَّى يَمِينًا حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْقَسَمُ وَلَوْ أَقْسَمَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
وَإِذَا كَانَ الْبَابَانِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَعُمُّ الْحُكْمُ هَذَا تَحَقُّقُ الْمَقَامِ وَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ مُنَجَّزًا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا

الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا وَهَازِلًا إذْ مَشِيئَةُ الْحَجَرِ أَمْرٌ مُمْتَنِعٌ كَلَمْسِ السَّمَاءِ فَيَسْتَوِي مَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فِي كَوْنِهِ هَزْلًا إلَّا لِقَرِينَةِ صَلَابَةٍ وَنَحْوِهَا وَعَدَمُ اللُّزُومِ نَظَرًا لِكَوْنِ مَشِيئَةِ الْحَجَرِ وَإِنْ كَانَتْ أَمْرًا مُمْتَنِعًا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَرِيقٍ فِي اللَّغْوِ لِكَوْنِ امْتِنَاعِهِ عَادِيًا فَقَطْ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فَإِنَّهُ عَرِيقٌ فِي اللَّغْوِ لِأَنَّهُ قَلْبُ حَقَائِقَ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَعَادَةً رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّانِيَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأُولَى لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِرِ وَبِهَا قَالَ سَحْنُونٌ وَهِيَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَحَقُّقِ اللَّغْوِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ بِالتَّنْجِيزِ فِي لَمَسْت السَّمَاءَ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بِالْعَرَاقَةِ وَعَدَمِهَا كَمَا قَالَ الْأَمِيرُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ مِنْ تَبَايُنِ حَقَائِقِ أَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى تَمَاثُلِ الْحَقِيقَةِ الْجَوْهَرِيَّةِ فِي الْكُلِّ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْعَوَارِضِ كَمَا فِي حَوَاشِي الْكُبْرَى ثُمَّ الْمُسْتَحِيلُ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ بِأَنْ تَصِيرَ حَقِيقَةُ الْحَجَرِ نَفْسُهَا هِيَ حَقِيقَةُ الذَّهَبِيَّةِ لِلتَّنَاقُضِ أَمَّا إنْ زَالَتْ الذَّهَبِيَّةُ وَخَلَفَهَا الْحَجَرِيَّةُ فَقَلْبُ أَعْيَانٍ جَائِزٌ نَقَلَهُ حِجَازِيٌّ عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق اُنْظُرْهُ .

( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ ) قَالَ مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ : إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ : قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ نَفَعَهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت كَذَا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَذَلِكَ لَهُ إنْ أَرَادَ الْفِعْلَ خَاصَّةً وَفِي الْجَلَّابِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ نَفَعَهُ قُلْت : اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهَا إلَّا الْفُحُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ فَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ مَا شَاءَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إعَادَةِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهَا أَنَا أَكْشِفُ لَك عَنْ السِّرِّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ بَعْضَ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى مُكَلَّفٍ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالْإِتْلَافِ لِلضَّمَانِ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ لِخِيَرَةِ خَلْقِهِ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ سَبَبًا وَهِيَ التَّعْلِيقَاتُ كُلُّهَا فَدُخُولُ الدَّارِ لَيْسَ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُكَلَّفُ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ سَبَبًا بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا وَكَلَ لِلْمُكَلَّفِ سَبَبِيَّتَهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِجَعْلِهِ وَجَزْمِهِ بِذَلِكَ الْجَعْلِ .
إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ : قَوْلُ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ نَفَعَهُ مَعْنَاهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ بَلْ فُوِّضْت وَجَعَلْت سَبَبِيَّتَهُ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ جَعَلَهُ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ هَذَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُقَدِّمَاتِ أَبَا الْوَلِيدِ بْنَ رُشْدٍ حَكَاهُ خِلَافًا وَقَالَ : الْحَقُّ عَدَمُ اللُّزُومِ قِيَاسًا عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيُخَالِفُ فِي الطَّلَاقِ فَيَكُونُ هَذَا إشْكَالًا آخَرَ أَمَّا إذَا حُمِلَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَلَا إشْكَالَ وَيَصِيرُ الْمُدْرَكُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَلُ الْمَسْأَلَةُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَصِيرُ لَهَا حَقِيقَةً .
وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِقَطْعِ الْعِصْمَةِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ فَقَدْ زَالَتْ الْعِصْمَةُ بِتَحَقُّقِهِ كَرِهَ الْمُكَلَّفُ أَوْ أَحَبَّ فَمَشِيئَتُهُ لَغْوٌ وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلٍ وَأَعَادَ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي عَلَيْهِ خَاصَّةً وَمَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أُصَمِّمْ عَلَى جَعْلِ الْفِعْلِ سَبَبًا بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَةٍ تَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَذَلِكَ يَنْفَعُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مَوْكُولٌ إلَى إرَادَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ صَاحِبِ الْجَلَّابِ إنْ أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ نَفَعَهُ وَعَلَى الْحَجِّ لَمْ يَنْفَعْهُ مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِ كَلَامِ زَيْدٍ سَبَبًا لِلُزُومِ الْحَجِّ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ الْحَجُّ بِكَلَامِهِ فَإِذَا أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ فَقَدْ جَزَمَ بِسَبَبِيَّةِ كَلَامِ زَيْدٍ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَكُونُ رَافِعًا كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا سِرُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ مِنْ نَفَائِسِ الْعِلْمِ فَافْهَمْهُ .

قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ : مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ : عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ نَفَعَهُ إلَى آخِرِ نَقْلِ الْأَقْوَالِ ) قُلْتُ : ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ .
قَالَ : ( اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهَا إلَّا الْفُحُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ فَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ : قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ نَفَعَهُ مَعْنَاهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إجْمَاعًا ) .
قُلْتُ : قَوْلُ الْقَائِلِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُرِيدَ إعَادَةَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ إلَى الْفِعْلِ فَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى الطَّلَاقِ فَقَدْ سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الصَّحِيحَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَنْفَعُهُ وَهَذَا الْمُعَلَّقُ كَذَلِكَ وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَإِنْ أَرَادَ مَعْنَاهُ الظَّاهِرَ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَإِذَا فَعَلَهُ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِعْلَهُ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ وَإِنْ أَرَادَ مَا قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إجْمَاعًا فَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ بَلْ هُوَ مَعْنًى مُتَكَلَّفٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لَا يُفِيدُ عَدَمَ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَلْ يُفِيدُ لُزُومَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَلِكَ تَفْوِيضُ سَبَبِيَّةِ هَذَا الْكَلَامِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ

تَعَالَى سَبَبًا بِتَسْوِيغِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ أَنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا وَقَدْ جَعَلَهُ كَذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ كَمَا سَوَّغَ لَهُ وَمَا أَرَى عَبْدَ الْمَلِكِ رَاعَى هَذَا الْمَعْنَى الْمُتَكَلَّفَ بَلْ رَأَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ رَافِعًا لِحُكْمِ التَّعْلِيقِ كَرَفْعِهِ لِحُكْمِ الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( وَلَا يَكُونُ هَذَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُقَدِّمَاتِ حَكَاهُ خِلَافًا ) قُلْتُ : صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَمْسِ بِتَحْقِيقِ هَذَا الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ الْوِفَاقِ .
قَالَ ( وَقَالَ : الْحَقُّ عَدَمُ اللُّزُومِ قِيَاسًا عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ ) قُلْتُ : بَلْ الْحَقُّ اللُّزُومُ كَمَا سَبَقَ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهُوَ بَارٌّ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشِيئَةِ لِلْفِعْلِ وَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْمَشِيئَةُ وَالْقَائِلُ إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَيَلْزَمُ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيُخَالِفُ فِي الطَّلَاقِ فَيَكُونُ هَذَا إشْكَالًا آخَرَ ) قُلْتُ : لَا يَكُونُ ذَلِكَ إشْكَالًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ بِوَجْهٍ .
قَالَ : ( أَمَّا إذَا حُمِلَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَلَا إشْكَالَ وَيَصِيرُ الْمُدْرَكُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَلُ الْمَسْأَلَةُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَصِيرُ لَهَا حَقِيقَة ) قُلْتُ : قَدْ سَبَقَ

أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَقْصَدٌ مُتَكَلَّفٌ لَمْ يَقْصِدْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَا يُفِيدُ عَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ مَا ذَكَرَ بَلْ نَقِيضُهُ فَلَا يَصِيرُ الْمُدْرَكُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَتُعْقَلُ الْمَسْأَلَةُ وَتَصِيرُ لَهَا حَقِيقَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يَنْفَعُهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِكَلَامِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ إذَا كَانَ بِمَشِيئَتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ الْقَائِلِ فِي قَوْلِهِ إنْ كُنْت كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَجِّ فَإِنْ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قَالَ : إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ هُنَا حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى رَدِّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَعْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ سَبَبًا

( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ ) اخْتَلَفَ إذَا عَلَّقَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ وَوُجِدَ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَصَلَ الدُّخُولُ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ : يَنْفَعُهُ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَفِي اتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمِثَالَيْنِ مَعَ دَعْوَاهُ فِي الثَّانِي رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْفِعْلِ لَا الطَّلَاقِ بِأَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ جَزَمَ بِجَعْلِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا نَفَعَهُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ إذْ الْفِعْلُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَكِلْهَا لِخِيرَتِهِمْ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالطَّلَاقِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمِثَالَيْنِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا إنْ اُحْتُمِلَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ أَقْوَالِ الْأَوَّلِ لِلْقَرَافِيِّ وَتَبِعَهُ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَائِلًا وَهُوَ تَفْسِيرٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْمَشَارِقَةِ وَقَالَ : لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ : إنَّهُ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ فَهْمَ الْأَشْيَاخِ فِي حَمْلِهِمْ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْخِلَافِ وَالثَّانِي لِلْأَكْثَرِ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالثَّالِثُ لِلْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى الثَّانِي فَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ رُجُوعُهَا لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَ أَوْ مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ وَالرَّبْطُ طَرِيقَتَانِ : الطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّاصِرِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَعَلَيْهَا فَفِي كَوْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ رَافِعٌ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ قَوْلَانِ الثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ فِي

الْمُقَدِّمَاتِ فَقَدْ قَالَ فِيهَا الْحَقُّ عَدَمُ اللُّزُومِ قِيَاسًا عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُقَابِلُ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا صَرَفَ الْمَشِيئَةَ إلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ هُوَ إنْ امْتَنَعْت مِنْ الدُّخُولِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولِي فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ وَقَدْ عُلِمَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الْوُجُودِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْتِنَاعُهُ إذًا مِنْ الدُّخُولِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَدُخُولُهُ فِي الثَّانِي بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدُّخُولَ وَعَدَمَهُ وَقَعَ .
عَلَى خِلَافِ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ا هـ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الرَّهُونِيُّ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى كَلَامِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْنِي كَوْنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ لِلنَّاصِرِ وَابْنِ الشَّاطِّ قَالَ النَّاصِرُ : إنَّمَا يَتَّضِحُ اعْتِرَاضُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إذْ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ أَدْخُلَهَا فَلَا طَلَاقَ فَإِذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِوُقُوعِهِ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَدَمَ الدُّخُولِ فَإِذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ كَانَ مُقْتَضِيًا أَنَّهُ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ وَأَمَّا فِي إنْ فَالظَّاهِرُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ دُخُولًا

مَقْرُونًا بِالْمَشِيئَةِ فَإِذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدُّخُولَ الْمَقْرُونَ بِالْمَشِيئَةِ قَدْ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ تَطْلُقْ كَانَ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدُّخُولَ وَقَعَ فَالْمَنْفِيُّ إنَّمَا هُوَ الْمَشِيئَةُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِهِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ الْحَقُّ اللُّزُومُ فِي قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الصَّحِيحَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَنْفَعُهُ وَهَذَا الْمُعَلَّقُ كَذَلِكَ .
وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَمَعْنَاهُ الظَّاهِرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَإِذَا فَعَلَهُ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهُوَ بَارٌّ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشِيئَةِ لِلْفِعْلِ وَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ فَلَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْمَشِيئَةُ وَالْقَائِلُ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَيَلْزَمُ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ا هـ .
وَخُلَاصَةُ الْفَرْقِ أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْيَمِينِ اسْتِثْنَاءٌ رَافِعٌ لَهُ وَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَفِي الطَّلَاقِ شَرْطٌ مُقَيَّدٌ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَدْ شَاءَ

اللَّهُ وَبِوُقُوعِهِ لَزِمَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي رُجُوعَ الْمَشِيئَةِ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الرَّبْطُ وَالتَّعْلِيقُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لِخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ مَا تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالسَّلْبَ وَالصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالتَّقْيِيدَ وَالْإِطْلَاقَ إذَا وَقَعَتْ فِي الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ انْصَرَفَتْ إلَى الرَّبْطِ وَاللُّزُومِ الَّذِي فِيهَا وَلَا تَنْصَرِفُ إلَى أَطْرَافِهَا وَقَوْلُنَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ .
وَقَوْلُنَا فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَيْدٌ مِنْ الْقُيُودِ الَّتِي يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الرَّبْطِ وَلَا يَصِحُّ رَدُّهُ إلَى الدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ طَرَفُ قَضِيَّةٍ شَرْطِيَّةٍ وَالطَّرَفُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ تَقْيِيدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ فَقَوْلُهُمْ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى التَّعْلِيقِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّعْلِيقُ الَّذِي بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا يَقْبَلُ الْوُجُودَ فِي الْخَارِجِ وَلَا الْعَدَمَ فِيهِ وَمَا لَا يَقْبَلُهُمَا كَالنَّسَبِ وَالِاعْتِبَارَاتِ وَمِنْ الرَّبْطِ الَّذِي بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ فَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ لَا تُعْلَمُ وَلَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهَا إذْ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ مُتَعَلِّقِهَا فِي الْخَارِجِ وَمُتَعَلِّقُهَا هُنَا لَا يَقْبَلُ الْوُجُودَ فِي الْخَارِجِ وَلَا الْعَدَمَ فِيهِ أَصْلًا فَبِعَدَمِ قَبُولِهِ لِلْوُجُودِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ وُجُودَهُ وَبِعَدَمِ قَبُولِهِ لِلْعَدَمِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ عَدَمَهُ وَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ وَقَدْ قَيَّدَ جَعْلَهُ سَبَبًا فِي الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا إذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ الْجِنِّ أَوْ الْمَلَكِ

لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَشِيئَةِ بِلَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَقَعَ الْخَلَلُ فِي الْعِصْمَةِ بِحُصُولِ الشَّكِّ فِيهَا وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْعِصْمَةِ اُعْتُبِرَ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ لَهُ وَأَصْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الشَّكَّ الْمَذْكُورَ يُلْغَى وَتُسْتَصْحَبُ الْعِصْمَةُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ الدُّخُولُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَلْزَمُهُ بِنَاءً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى أَصْلِهِ فَهَذَا تَوْجِيهُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي مَشِيئَةِ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ وَقَدْ قَيَّدَ بِمَشِيئَةِ مَنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ كَزَيْدٍ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا فِي الطَّلَاقِ فَيَقَعُ أَمْ لَا فَلَا يَقَعُ قَالَ الْأَمِيرُ : وَلَا شَيْءَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ .
وَمِنْهُ الْمَيِّتُ ا هـ قَالَ حِجَازِيٌّ كَانَ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ عَالِمًا بِمَوْتِهِ عَلَى أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ شَأْنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ ا هـ .
هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ دَرْكًا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا ظَنُّهُ أَنَّ الشَّرْطَ رَاجِعٌ لِلدُّخُولِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِلرَّبْطِ الثَّانِي ظَنُّهُ أَنَّ إنْ شَاءَ لَيْسَ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَعْنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فِي الرَّفْعِ لِحُكْمِ التَّعْلِيقِ كَرَفْعِهِ لِحُكْمِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَكَلُّفِ إخْرَاجِ إنْ عَنْ بَابِهِ بِلَا دَاعٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ فَقَوْلُ الرَّهُونِيِّ وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَا رَدُّوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ كُلِّهِ سَاقِطٌ إذْ الشَّرْطُ فِيهَا كُلُّهَا عَلَى بَابِهِ قَطْعًا أَيْ جِيءَ بِهِ التَّقْيِيدُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي مَسْأَلَتِنَا

فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى كَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ : الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ إنْ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ إلَّا ا هـ .
وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ ا هـ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْحَقَّ مَعَ خُرُوجِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ عَنْ مَدْلُولِهِ وَمَعَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ جَرْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَحَاشَ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ بِمَرَاتِبَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِ وَمَا رَدُّوا بِهِ عَلَيْهِ إلَخْ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ كَوْنَهُ عَلَى بَابِهِ مُمْكِنٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَأَنَّهُ جِيءَ بِهِ لِلتَّقْيِيدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ لَسُئِلَ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّخُولَ مَثَلًا سَبَبًا لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ أَمْ لَا فَلَا يَقَعُ كَمَا مَرَّ .
الثَّانِي إنْ جَعَلَ إنْ شَاءَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ حُمِلَ لَهُ عَلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ لِعَارِضٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ غ فِي تَكْمِيلِهِ فِي رَدِّهِ اعْتِرَاضَ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورَ وَكَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَهُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ وَعَلَى النَّاصِرِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ دَرْكًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَيْضًا وَكَذَا ابْنُ الشَّاطِّ الْأَوَّلُ ظَنُّهُ أَنَّ الشَّرْطَ عَلَى بَابِهِ رَاجِعٌ لِلدُّخُولِ لِلرَّبْطِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ الثَّانِي ظَنُّهُ أَنَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ بَلْ لِرَفْعِ الْحُكْمِ بِالتَّعْلِيقِ كَمَا فِي الْيَمِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَذْهَبَا ابْنِ قَاسِمٍ

وَعَبْدِ الْمَلِكِ فِي كَوْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْمِثَالَيْنِ الْمَارَّيْنِ لَا تَنْفَعُهُ أَوْ تَنْفَعُهُ إمَّا أَنْ يُحْمَلَا عَلَى الْوِفَاقِ مُطْلَقًا وَلَوْ احْتَمَلَ الْمِثَالُ رُجُوعَهُ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَادَّعَاهُ مَعَ الْبِنْيَةِ وَهُوَ مَا لِلْقَرَافِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَوْ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَادَّعَاهُ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَتُهُ وَهُوَ مَا فِي الْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ أَوْ عَلَى الِاخْتِلَافِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَعَلَيْهِ فَهَلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ رَاجِعٌ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَارَهُ الرَّهُونِيُّ أَوْ هُوَ شَرْطٌ عَلَى بَابِهِ رَاجِعٌ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَهُوَ مَا لِلنَّاصِرِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ اسْتِثْنَاءً رَافِعًا لِحُكْمِ التَّعْلِيقِ كَمَا فِي الْيَمِينِ أَوْ هُوَ شَرْطٌ عَلَى بَابِهِ قَيْدٌ لِلتَّعْلِيقِ كَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَهُوَ مَا لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَهُوَ الْحَقُّ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي حَاشِيَةِ كَنُونِ عَلَى حَوَاشِي عبق بِتَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَهُوَ غَايَةُ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فَاحْفَظْهُ قُلْتُ : وَلَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بَيْنَ صَرْفِ الْمَشِيئَةِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ لِلدُّخُولِ أَوْ لِلطَّلَاقِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بِصَرْفِهَا بِشَيْءٍ وَوَجْهُ الدُّخُولِ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ أَنَّهَا قَيْدٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِلرَّبْطِ لَا إلَى طَرَفٍ مِنْ طَرَفَيْ الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلشَّكِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لِإِلْغَاءِ الشَّكِّ .
وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ أَوْ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ اللَّهُ مَا فِي خَاطِرِي وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَنَحْوَهُ أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ

لِي فَأَنْتِ طَالِقٌ نَفَعَهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أُصَمِّمْ عَلَى جَعْلِ دُخُولِ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ شِئْت جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِوُقُوعِهِ وَإِنْ شِئْت لَمْ أَجْعَلْهُ سَبَبًا فَلِذَا نَفَعَهُ فِي الدُّخُولِ دُونَ الطَّلَاقِ لِمَا مَرَّ فِي قَاعِدَةِ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ سَبَبٌ وُكِّلَ إلَى إرَادَتِهِ وَكُلُّ سَبَبٍ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى جَعْلِهِ سَبَبًا بِخِلَافِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ كَالطَّلَاقِ فَافْهَمْ وَقَدْ شَبَّهَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ الْعِتْقَ وَالنَّذْرَ بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ : وَنُجِّزَ أَيْ الطَّلَاقُ إنْ أَتَى بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَوْ لِمُعَلَّقٍ عَلَيْهِ كَمَشِيئَتِهِ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ عَلَيْهَا أَوْ يَسْتَثْنِيَ بِهَا مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ كَإِلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَمَشِيئَةُ الْغَيْرِ مُطْلَقًا أَيْ عَلَّقَ عَلَيْهَا وَاسْتَثْنَى بِهَا أَوْ رَجَعَهَا لِلْمُعَلَّقِ أَوْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ ا هـ قَالَ حِجَازِيٌّ أَيْ : يُنَجَّزُ إنْ أَتَى بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَوْ لِمُعَلَّقٍ عَلَيْهِ كَمَشِيئَتِهِ إلَخْ فَهُوَ تَشْبِيهٌ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ ا هـ .
وَقَوْلُ صَاحِبِ الْجَلَّابِ فِي قَوْلِهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إنْ أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ نَفَعَهُ وَعَلَى الْحَجِّ لَمْ يَنْفَعْهُ ا هـ .
وَإِنْ قَالَ الْقَرَافِيُّ : مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِ كَلَامِ زَيْدٍ سَبَبًا لِلُزُومِ الْحَجِّ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ الْحَجُّ بِكَلَامِهِ فَإِذَا أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ فَقَدْ جَزَمَ بِسَبَبِيَّةِ كَلَامِ زَيْدٍ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَكُونُ رَافِعًا كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ إلَّا أَنَّ ابْنَ الشَّاطِّ قَالَ : إنَّ قَوْلَهُ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ

الْحَجُّ بِكَلَامِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ كُنْت كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَجِّ إنْ قَالَ عَقِبَهُ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قَالَ عَقِبَهُ : إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ هُنَا حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى رَدِّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَعْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ سَبَبًا ا هـ .
يَعْنِي أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْجَلَّابِ الَّذِي وَجَّهَهُ الْقَرَافِيُّ بِمَا ذَكَرَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الْمَلِكِ خِلَافُ الصَّحِيحِ لِأَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ لُزُومِ الْحَجِّ عِنْدَ عَوْدِ الْمَشِيئَةِ لِكَلَامِ زَيْدٍ وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى خِلَافِ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَلَوْ عَادَتْ الْمَشِيئَةُ لِكَلَامِ زَيْدٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذْ بِوُقُوعِ كَلَامِ زَيْدٍ صَارَ مَقْرُونًا بِالْمَشِيئَةِ إذْ قَدْ عُلِمَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الْوُجُودِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِتَحَقُّقِ وُقُوعِ الْكَلَامِ الْمَقْرُون بِالْمَشِيئَةِ تَحَقَّقَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لُزُومُ الْحَجِّ فَيَلْزَمُ فَكَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ هَذَا وَكَذَا كَلَامُ الْأَمِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطٌ عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ النَّاصِرِ قُلْتُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْمُبَارَكِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ يَأْتِي فِي النَّذْرِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّ جَعْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الْعِتْقِ وَالنَّذْرِ كَمَا عَلِمْت وَفِي اعْتِبَارِ الشَّكِّ فِيهِمَا كَالطَّلَاقِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يُلْغَى بَلْ يُقْتَضَى لُزُومُهُمَا أَمَّا الْعِتْقُ فَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَلَمْ يُنْظَرْ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْفُرُوجِ كَمَا فِي شَرْحِ الْأَمِيرِ عَلَى مَجْمُوعِهِ وَعِتْقٍ وَأَمَّا النَّذْرُ فَكَذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ إلْغَائِهِ فِيهَا

كَالطَّلَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِوَاحِدٍ فِيهَا لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ خِلَافٍ نَعَمْ جَرَيَانُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِإِلْغَاءِ الشَّكِّ وَإِنْ ظَهَرَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ لَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّ الشَّكَّ فِيهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ كَمَا فِي الْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ : ذُو الشَّكِّ فِي الْحِنْثِ بِلَا مُسْتَنَدٍ لَا أَمْرَ لَا جَبْرَ اتِّفَاقًا قَيْدٌ لَا جَبْرَ بَلْ يُؤْمَرُ مَنْ سَيَسْتَنِدُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ مَنْ يَعْتَمِدُ مِنْ شَكٍّ فِي الْحِنْثِ وَفِي أَنْ حَلَفَا لَا جَبْرَ بَلْ فِي أَمْرِ هَذَا اُخْتُلِفَا ثُمَّ الَّذِي فِي جَبْرِهِ يُخْتَلَفُ ذُو الْمَشْيِ وَالْعَدَدِ وَالْحَيْضِ اعْرِفُوا ذُو الشَّكِّ فِي الزَّوْجَةِ فِعْلُ أَمْسِ بِالِاتِّفَاقِ أَجْبَرَهُ دُونَ لُبْسِ وَصُورَةُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا ثُمَّ يَقُولُ لَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ الشَّكَّ فِي ذَلِكَ ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا لِسَبَبٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّكَّ ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَنْ يَشُكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا وَهَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ لِسَبَبٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّكَّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ .
وَقَالَ أَصْبَغُ : لَا يُؤْمَرُ بِهِ ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنْ يُطَلِّقَ فَلَا يَدْرِي إنْ كَانَ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ يَحْلِفَ وَيَحْنَثُ وَلَا يَدْرِي إنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ بِمَشْيٍ أَوْ يَقُولُ : امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَائِضًا فَتَقُولُ : لَسْت بِحَائِضٍ أَوْ إنْ كَانَ فُلَانٌ يَبْغُضُنِي فَيَقُولُ : أَنَا أُحِبُّك وَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَّقَهُ وَلَا يَدْرِي حَقِيقَةَ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَفِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الْخَامِسِ أَنْ يَقُولَ : امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ أَمْسِ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يُمْكِنُ

أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِهِ وَأَنْ يَشُكَّ فِي أَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ امْرَأَتَيْهِ طَلَّقَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَالشَّكُّ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ قَبِيلِ هَذَا الْوَجْهِ الْخَامِسِ كَمَا لَا يَخْفَى فَانْظُرْ كَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ جَرَيَانُ أَصْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ وَاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ مَعَ حِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ الِاتِّفَاقَ فِيهِ عَلَى الْجَبْرِ عَلَى الطَّلَاقِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ وَحَرِّرْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ ) فِي الْجَوَاهِرِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهُوَ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا تَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِالدُّخُولِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ : هَذَا يُسَمِّيهِ أَهْلُ النَّحْوِ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ كَلَّمْت زَيْدًا طَلُقَتْ وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطًا فِي كَلَامِ زَيْدٍ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلَتْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُوجَدَ السُّؤَالُ ثُمَّ الْوَعْدُ ثُمَّ الْعَطَاءُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوَعْدِ بِالْعَطِيَّةِ وَشَرْطٌ فِي الْعَطِيَّةِ السُّؤَالُ وَكَانَ مَعْنَاهُ إنْ سَأَلَتْنِي فَوَعَدْتُك فَأَعْطَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَسِيطِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَسْأَلَةَ فِي النِّهَايَةِ وَاخْتَارَ مَذْهَبَنَا وَأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ عَدَمِ الْوَاوِ يَكُونُ كَالْعِطْفِ بِالْوَاوِ وَضَابِطُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشُّرُوطَ إنْ وَقَعَتْ كَمَا نُطِقَ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ عَكَسَهَا الْمُتَقَدِّمُ مُتَأَخِّرٌ وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَقَدِّمٌ طَلُقَتْ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِأَصْحَابِنَا بَلْ مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ غَوْرٌ بَعِيدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ مِنْهُمَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَنَذْكُرهُمَا وَنَذْكُرُ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِيَتَّضِحَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مِنْ أَطَارِيفِ الْمَسَائِلِ : الْقَاعِدَةُ الْأُولَى مِنْ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ فَإِنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِهَا الدَّارَ الطَّلَاقُ وَمِنْ عَدَمِ دُخُولِهَا عَدَمُ الطَّلَاقِ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ السَّبَبِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ

بِخِلَافِ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ .
وَالشَّرْعِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالْعَادِيَّةِ كَنَصْبِ السُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا شَيْءٌ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ فَالْحَيُّ قَدْ يَعْلَمُ وَقَدْ لَا يَعْلَمُ وَالْمُتَطَهِّرُ قَدْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَقَدْ لَا تَصِحُّ وَإِذَا نَصَبَ السُّلَّمَ فَقَدْ يَصْعَدُ لِلسَّطْحِ وَقَدْ لَا يَصْعَدُ نَعَمْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ هَذِهِ الشُّرُوطِ عَدَمُ هَذِهِ الْمَشْرُوطَاتِ .
وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ فَنَقُولُ : الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ لَا يُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ الْقَاعِدَتَانِ فَنَقُولُ : إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنِّي جَعَلْت كَلَامَ زَيْدٍ سَبَبَ طَلَاقِك وَشَرْطَهُ اللُّغَوِيِّ غَيْرَ أَنِّي قَدْ جَعَلْت سَبَبَ اعْتِبَارِهِ وَالشَّرْطُ فِيهِ دُخُولُ الدَّارِ فَإِنْ وَقَعَ الْكَلَامُ أَوَّلًا فَلَا تَطْلُقُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِ اعْتِبَارِهِ فَيَلْغَى كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ حَتَّى يَقَعَ بَعْدَ سَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ هَذَا مُدْرَكُهُمْ وَهُوَ مُدْرَكٌ حَسَنٌ وَأَصْحَابِنَا وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ يُلَاحَظُ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ يَسْتَوِي الْحَالُ فِيهِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْطِفُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى حَرْفِ الْعَطْفِ كَقَوْلِنَا جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو وَسَيَأْتِي فِي الِاسْتِشْهَادِ مَا يُعَضِّدُ ذَلِكَ .
فَهَذَا سِرُّ فِقْهِ الْفَرِيقَيْنِ وَأَمَّا مَا يَشْهَدُ لَهُمْ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى

مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَشَرِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا وَلَا يُمْكِنُ خِلَافُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْآيَةُ تَشْهَدُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقَوْله تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } فَالظَّاهِرُ أَنَّ إرَادَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ هِبَتِهَا فَإِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ وَهِبَتُهَا لِنَفْسِهَا إيجَابٌ كَمَا تَقُولُ : مِنْ وَهَبَك شَيْئًا لِلْمُكَافَأَةِ لَزِمَك أَنْ تُكَافِئَهُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْت قَبُولَ تِلْكَ الْهِبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَدِّمَةً وَإِذَا فَهِمَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْصِدُ ذَلِكَ مِنْهَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ فَهَذِهِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَذْهَبَيْنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَأَمَّا الشِّعْرُ فَقَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ : فَإِنْ عَثَرَتْ بَعْدَهَا إنْ وَالَتْ نَفْسِي مِنْ هَاتَا فَقُولَا لَا لَعَا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُثُورَ مَرَّةً ثَانِيَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخُلُوصِ مِنْ الْأُولَى فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَكَذَلِكَ أَنْشَدَ ابْنُ مَالِكٍ النَّحْوِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ : إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَا كَرَمُ وَالِاسْتِغَاثَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الذُّعْرِ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ مَعْنًى فَالْبَيْتَانِ يَشْهَدَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ .
وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ : إنْ تَتَّجِرْ إنْ تَرْبَحْ فِي تِجَارَتِك فَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ لَكَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ وَكَذَلِكَ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَوَادُّ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ وَالْجَمِيعُ كَلَامٌ

عَرَبِيٌّ جَعَلَهُ مَالِكٌ سَوَاءً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ بَلْ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَتِهِ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَادَّةَ وَهِيَ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ قَالَ : الشَّرْطُ الثَّانِي لَا جَوَابَ لَهُ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالثَّانِي جَرَى مَعَ الْأَوَّلِ مَجْرَى الْفَضْلَةِ وَالتَّتِمَّةِ كَالْحَالِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْفَضَلَاتِ وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ الثَّانِيَ إنَّمَا اعْتِبَارُهُ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الطَّلَاقِ الَّذِي جُعِلَ مَشْرُوطًا فَذِكْرُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ سَدَّ مَسَدَ جَوَابِهِ .
( فَائِدَةٌ ) فَإِنَّ نَسَقَ هَذَا النَّسَقِ عَشَرَةُ شُرُوطٍ فَأَكْثَرُ فَعَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْعَكِسَ هَذَا الْعَدَدُ كُلُّهُ عَلَى تَرْتِيبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السُّؤَالِ وَالْوَعْدِ وَالْعَطِيَّةِ لِأَنَّ الْعَاشِرَ سَبَبٌ فِي التَّاسِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَالتَّاسِعُ سَبَبٌ فِي الثَّامِنِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَالثَّامِنُ سَبَبٌ فِي السَّابِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ الْبَقِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهَا هَكَذَا الْعَاشِرُ ثُمَّ التَّاسِعُ ثُمَّ الثَّامِنُ ثُمَّ السَّابِعُ ثُمَّ السَّادِسُ ثُمَّ الْخَامِسُ إلَى الْأَوَّلِ فَيَقَعُ آخِرًا وَمَتَى اخْتَلَّ ذَلِكَ فِي الْوُقُوعِ اخْتَلَّ الْمَشْرُوطُ وَعَلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْجَمِيعِ كَيْفَمَا وَقَعَتْ يَقَعْ .

قَالَ : شِهَابُ الدِّينِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ فِي الْجَوَاهِرِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهُوَ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا تَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِالدُّخُولِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ أَطَارِيفِ الْمَسَائِلِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ نَقْلٌ أَوْ وَعْدٌ فَلَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ : ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَعَلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْجَمِيعِ كَيْفَمَا وَقَعَتْ يَقَعُ ) قُلْتُ : مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَمَا احْتَجَّ بِهِ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ وَالْبَيْتَيْنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } وَقَوْلُ الشَّاعِرِ : فَإِنْ عَثَرَتْ بَعْدَهَا إنْ وَالَتْ نَفْسِي مِنْ هَاتَا فَقُولَا لَا لَعَا وَقَوْلُ الْآخَرِ : إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَا كَرَمُ .
قُلْتُ لَيْسَ كَوْنُ الْمُتَأَخِّرِ فِيهَا مُتَقَدِّمًا مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ جَوَازُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ وَكَوْنُ الذُّعْرِ سَبَبًا فِي الِاسْتِغَاثَةِ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجِيءُ فِي الْمُحْتَمَلِ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْوِيغِ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ نِكَاحُهَا فَظَهَرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا سَائِغٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ ) لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ مَعَ اتِّحَادِ الْجَوَابِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ تَعَدُّدُهُ كَذَلِكَ بِدُونِ عَطْفٍ مَعَ تَكَرُّرِ حَرْفِ الشَّرْطِ وَيُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ تَعْلِيقَ التَّعْلِيقِ وَالنُّحَاةُ اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ وَقَدْ أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهُوَ يَحْتَمِلُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ : الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنْ يُجْعَلَ الْجَوَابُ لَهُمَا مَعًا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ اجْتِمَاعِ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ ، الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ لَا يُجْعَلَ جَوَابًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَتَرْكِ مَا لَهُ دَخْلٌ وَهُوَ عَبَثٌ ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَجَوَابُهُ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَلَا فَاءَ ، الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْمُتَعَيِّنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ وَهُوَ وَجَوَابُهُ دَلِيلُ جَوَابِ الثَّانِي وَهُوَ رَأْيُ الْفَرَّاءِ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَلْفِيَّةِ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تَطْلُقُ إلَّا بِوُقُوعِ الشَّرْطَيْنِ مَرَّتَيْنِ كَتَرْتِيبِهِمَا فِي الذِّكْرِ وَقِيلَ بِشَرْطِ انْعِكَاسِ التَّرْتِيبِ وَقِيلَ : تَطْلُقُ بِهِمَا مُطْلَقًا وَقِيلَ بِوُقُوعِ أَيِّ شَرْطٍ كَانَ وَاخْتَارَ الْفَرَّاءُ الثَّانِيَ وَوَجَّهَهُ بِالْوَجْهِ الرَّابِعِ الَّذِي رَآهُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَجْهَ الرَّابِعَ يَصْلُحُ تَوْجِيهًا لِكُلٍّ مَنْ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ

مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ الثَّانِي لَتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ التَّكَلُّمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الثَّانِي إنَّمَا هُوَ لُزُومُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ لَا الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق .
وَضَابِطُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشُّرُوطَ إنْ وَقَعَتْ كَمَا نُطِقَ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ وَأَنَّ عَكْسَهَا الْمُتَقَدِّمُ مُتَأَخِّرٌ وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَقَدِّمٌ طَلُقَتْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي الْمِثَالِ الْمَارِّ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ كَلَّمْت زَيْدًا طَلُقَتْ وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطًا فِي كَلَامِ زَيْدٍ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلَتْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُوجَدَ السُّؤَالُ ثُمَّ الْوَعْدُ ثُمَّ الْعَطَاءُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوَعْدِ الْعَطِيَّةُ وَشَرْطٌ فِي الْعَطِيَّةِ السُّؤَالُ وَكَانَ مَعْنَاهُ إنْ سَأَلَتْنِي فَوَعَدْتُك فَأَعْطَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَسِيطِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا وَعَلَيْهِ إذَا نَسَقَ هَذَا النَّسَقَ عَشْرَةُ شُرُوطٍ فَأَكْثَرُ فَلَا بُدَّ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنْ يَقَعَ الْعَاشِرُ أَوَّلًا ثُمَّ التَّاسِعُ إلَى الْأَوَّلِ فَيَقَعُ آخِرًا لِأَنَّ الْعَاشِرَ سَبَبٌ فِي التَّاسِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَهَكَذَا وَمَتَى اخْتَلَّ ذَلِكَ فِي الْوُقُوعِ اخْتَلَّ الْمَشْرُوطُ فَلَا يَقَعُ وَمُدْرِكُهُمْ قَاعِدَتَانِ الْأُولَى أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ .
وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ لَا يُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِذَا قَالَ : إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنِّي جَعَلْت كَلَامَ زَيْدٍ سَبَبَ طَلَاقِك وَشَرْطُهُ

اللُّغَوِيُّ غَيْرُ أَنِّي قَدْ جَعَلْت سَبَبَ اعْتِبَارِهِ وَالشَّرْطُ فِيهِ دُخُولُ الدَّارِ فَإِنْ وَقَعَ الْكَلَامُ أَوَّلًا فَلَا تَطْلُقُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِ اعْتِبَارِهِ فَيَلْغَى كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ حَتَّى يَقَعَ بَعْدَ سَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ .
وَيَشْهَدُ لِمَذْهَبِهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فَإِنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَشَرِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا وَلَا يُمْكِنُ خِلَافُ ذَلِكَ وَمِنْ الشِّعْرِ قَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ : فَإِنْ عَثَرَتْ بَعْدَهَا إنْ وَالَتْ نَفْسِي مِنْ هَاتَا فَقُولَا لَا لَعَا وَقَوْلُ الشَّاعِرِ : إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا مِنَّا مَعَاقِلَ عَزٍّ زَانَهَا كَرَمُ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ الْعُثُورَ مَرَّةً ثَانِيَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخُلُوصِ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا وَأَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الذُّعْرِ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ مَعْنًى وَضَابِطُ مَذْهَبِنَا وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الشُّرُوطَ إذَا وَقَعَتْ مَعًا عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي التَّعْلِيقِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ طَلُقَتْ قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَإِنْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت إنْ دَخَلْت لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِهِمَا قَالَ عبق أَيْ مَعًا عَلَى تَرْتِيبِهِمَا فِي التَّعْلِيقِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ ا هـ فَإِذَا قَالَ : إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلَتْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِوُجُودِ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ وَإِذَا نَسَقَ هَذَا النَّسَقَ عَشَرَةُ شُرُوطٍ فَأَكْثَرُ طَلُقَتْ بِوُقُوعِ الْجَمِيعِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ وَمُدْرِكُ أَصْحَابِنَا وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ يَسْتَوِي الْحَالُ فِيهِ تَقَدَّمَ أَوْ

تَأَخَّرَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْطِفُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى حَرْفِ الْعَطْفِ كَقَوْلِنَا جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو وَأَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَشْرُوطَاتِهَا وَضْعِيٌّ كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَصِفَةُ الرَّبْطِ مِنْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ مَعِيَّةٍ كَذَلِكَ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ يَجُوزُ تَبَدُّلُهَا وَتَبَدُّلُ أَوْصَافِهَا بِحَسَبِ قَصْدِ الْوَاضِعِ لَهَا فَافْهَمْ .
قَالُوا : وَمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا حُجَّةَ فِيهِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْآيَةِ وَالْبَيْتَيْنِ مُتَقَدِّمًا مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بَلْ هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَوْنَ الذُّعْرِ سَبَبًا فِي الِاسْتِغَاثَةِ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ جَوَازُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجِيءُ فِي الْمُحْتَمَلِ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَأَيْضًا لَا مَانِعَ مِنْ تَسْوِيغِ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ نِكَاحُهَا وَقَوْلُهُ إنْ تَتَّجِرَ إنْ تَرْبَحْ فِي تِجَارَتِك تَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَأَنَّهُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ فَظَهَرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا سَائِغٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَالَ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ وَضَوْءِ شُمُوعِهِ فَإِنَّ الِاتِّصَافَ احْتِمَالُ الْعَكْسِ أَيْ إنْ كَلَّمْت فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْحَالِفُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُرَاعِيَ الْعَرَبِيَّةَ وَيَأْتِي بِالْفَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ قَدْ تُحْذَفُ فَاحْتِيطَ أَيْ بِأَعْمَالِ كُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْقِسْمُ الثَّانِي تَعَدُّدُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ كَذَلِكَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ مَعَ تَكَرُّرِ

حَرْفِ الشَّرْطِ أَوْ مَعَ عَدَمِ تَكَرُّرِهِ فَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا وَقَعَ كُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ أَوْ اللُّبْسِ قَبْلَ صَاحِبِهِ أَوْ مَعَهُ بَلْ وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَكَرُّرَ حَرْفِ الشَّرْطِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالشَّرْطِيَّةِ وَحَرْفُ الشَّرْطِ وَإِنْ تَكَرَّرَ مَعَ الْفِعْلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ فَتَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ التَّشْرِيكَ بِالْعَاطِفِ أَصْلُ الْمَعْنَى دُونَ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَظُرُوفِهِ وَأَحْوَالِهِ .
فَإِذَا قُلْتُ : مَرَرْت بِزَيْدٍ قَائِمًا أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ أَمَامَك وَعَمْرُو لَمْ يَلْزَمْ تَشْرِيكُ عَمْرٍو إلَّا فِي أَصْلِ الْمُرُورِ وَإِذَا قُلْتُ : اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ وَالْفَرَسَ لَمْ يَلْزَمْ الِاشْتِرَاكُ فِي الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بَلْ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ التَّشْرِيكَ هُنَا فِي أَصْلِ الشَّرْطِيَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ فَالْتِزَامُ التَّشْرِيكِ فِي الْجَمِيعِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا يَلْزَمُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : يُحْتَمَلُ قَصْدُ تَعَدُّدِ الْجَوَابِ وَاخْتِصَارُهُ لَفْظًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَّقَ وَشَكَّ فِي الْعَدَدِ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ احْتِيَاطًا وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت وَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْفِعْلَيْنِ بِلَا تَرْتِيبٍ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا مَعًا جُعِلَا شَرْطَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يُجْعَلْ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ تَعَدُّدُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ كَذَلِكَ بِالْعَطْفِ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَمَعَ عَدَمِ تَكَرُّرِ حَرْفِ الشَّرْطِ فِي الْفَاءِ وَثُمَّ وَأَوْ وَمَعَ تَكَرُّرِهِ فِي حَتَّى وَبَلْ وَلَا وَلَكِنْ وَأَمَّا فَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت أَوْ

ثُمَّ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِمَا عَلَى تَرْتِيبِهِمَا فِي اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ فِي إنْ أَكَلْت حَتَّى لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقْتَضِي اللَّفْظُ تَأْخِيرَ اللُّبْسِ مَعَ تَكَرُّرِ الْأَكْلِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ وَيَتَكَرَّرُ إلَيْهَا وَفِي نَحْوِ : إنْ أَكَلْت بَلْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاللُّبْسِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ .
وَأَمَّا الْأَكْلُ فَقَدْ أُلْغِيَتْ شَرْطِيَّتُهُ بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ بِبَلْ وَكَذَلِكَ فِي نَحْوِ إنْ لَمْ تَأْكُلِي لَكِنْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ الشَّرْطُ هُوَ الثَّانِي وَحْدَهُ .
وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَوَّلُ بِلَكِنْ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِدْرَاكِ وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت لَا إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ لِأَنَّ لَا لِإِبْطَالِ الثَّانِي وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمَّا إنْ أَكَلْت وَأَمَّا إنْ لَبِسْت يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِوُقُوعِ أَيُّهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إلَّا أَمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلِّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمُرَاعَاةِ التَّعْقِيبِ فِي الْفَاءِ وَالتَّرَاخِي فِي ثُمَّ بِأَنْ يَقُولُوا : إنْ لَمْ يَقَعْ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ فِي صُورَةِ الْفَاءِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا إنْ لَمْ يَتَرَاخَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فِي صُورَةٍ ثُمَّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمَّا أَلْغَتْهُ وَأَمْرُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( تَفْرِيعٌ ) أَذْكُرُ فِيهِ الْمَعْطُوفَاتِ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنْ قَالَ : إنْ أَكَلْت وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا مَعًا جُعِلَا شَرْطَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يُجْعَلْ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ .
وَالْجَوَابُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ فَإِنْ قَالَ : إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ مُتَأَخِّرًا وَالْمُتَقَدِّمُ مُتَقَدِّمًا عَكْسُ الْمَنْسُوقِ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } فَالزِّنَى مِنْهُنَّ مُتَأَخِّرٌ كَمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلْت ثُمَّ لَبِسْت وَإِنْ أَكَلْت حَتَّى إنْ لَبِسْت يَقْتَضِي اللَّفْظُ تَأْخِيرَ اللُّبْسِ مَعَ تَكَرُّرِ الْأَكْلِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ وَيَتَكَرَّرُ إلَيْهَا وَإِنْ أَكَلْت بَلْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاللُّبْسِ وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَكْلُ بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ بِبَلْ وَالشَّرْطُ الثَّانِي وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ تَأْكُلِي لَكِنْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ الثَّانِي وَحْدَهُ وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَوَّلُ بِلَكِنْ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِدْرَاكِ وَإِنْ أَكَلْت لَا إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِهِ لِأَنَّ لَا لِإِبْطَالِ الثَّانِي وَإِنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَأَيُّهُمَا وَقَعَ لَزِمَ بِهِ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمَّا إنْ أَكَلْت وَأَمَّا إنْ شَرِبْت أَيْ تَعْلِيقُ طَلَاقِهِ مُتَنَوِّعٌ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إلَّا أَمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ

وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلَّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْفُرُوعَ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَصَرَّحَ فِي الْوَاوِ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً قَالَ : لِأَنَّ حُرُوفَ الشَّرْطِ قَدْ تُكَرَّرُ فَوَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ فَتَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً وَمَا قَالَهُ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ يَكُونُ حَرْفُ الْعَطْفِ يَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي هَذَا الْجَزَاءِ وَالتَّشْرِيكُ بِالْعَاطِفِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَصْلَ الْمَعْنَى دُونَ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَظُرُوفِهِ وَأَحْوَالِهِ فَإِذَا قُلْت : مَرَرْت بِزَيْدٍ قَائِمًا وَعَمْرٍو لَمْ يَلْزَمْ أَنَّك مَرَرْت بِعَمْرٍو قَائِمًا أَيْضًا كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِزَيْدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ أَمَامَك وَعَمْرٍو .
لَا يَلْزَمُ التَّشْرِيكُ إلَّا فِي أَصْلِ الْمُرُورِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ وَالْفَرَسَ لَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بَلْ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ خَاصَّةً وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ التَّشْرِيكَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَصْلِ الشَّرْطِيَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْجَزَاءِ فَالْتِزَامُ التَّشْرِيكِ فِي الْجَمِيعِ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْزَمْ وَبَقِيَ فِي الْفَاءِ وَثُمَّ مُرَاعَاةُ التَّعْقِيبِ فِي الْفَاءِ وَالتَّرَاخِي فِي ثُمَّ لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ وَقَالُوا : إنْ لَمْ يَقَعْ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ فِي صُورَةِ الْفَاءِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا إنْ لَمْ يَتَرَاخَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فِي صُورَةٍ ثُمَّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَلْغَتْهُ وَأَمْرُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ .

قَالَ : ( تَفْرِيعٌ أَذْكُرْ فِيهِ الْمَعْطُوفَاتِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ ) قُلْتُ : قَوْلُهُ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ صَحِيحًا وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ مَعَ صَاحِبِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّهُ إذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَقَلَّ بِالشَّرْطِيَّةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ لَوْ قَالَ : إنْ أَكَلْت وَلَبِسْت فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ جَعْلُ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ الْفِعْلَيْنِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا تَكَرَّرَ حَرْفُ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالشَّرْطِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الْآخَرِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَعْنِي إنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت دُونَ حَرْفِ عَطْفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتُ : إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلِّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ عَكْسُ الْمَنْسُوقِ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمًا فِي الْوُجُودِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ وَالْأَسْبَابُ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهَا عَلَى مُسَبَّبَاتِهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ اصْطِلَاحِيٌّ وَالرَّبْطُ بَيْنَ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَشْرُوطَاتِهَا وَضْعِيٌّ كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَصِفَةُ الرَّبْطِ مِنْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ مَعِيَّةٍ كَذَلِكَ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ يَجُوزُ تَبَدُّلُهَا وَتَبَدُّلُ أَوْصَافِهَا بِحَسَبِ قَصْدِ الْوَاضِعِ لَهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَنْسُوقَ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ عُرْفًا فَهُوَ صَحِيحٌ .
وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ : (

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْفُرُوعَ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَصَرَّحَ فِي الْوَاوِ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ طَلْقَةً إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَأَمْرُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ الظَّاهِرُ هُنَا تَعَدُّدُ الطَّلَاقِ وَفِي كِلَا الْمِثَالَيْنِ إنْ انْفَرَدَ الْأَكْلُ أَوْ اللِّبْسُ لَزِمَ الطَّلَاقُ وَإِذَا قَالَ : إنْ أَكَلْت وَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إذَا قَالَ : إنْ أَكَلْت وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَحْتَمِلُ قَصْدَ تَعَدُّدِ الْجَوَابِ وَاخْتَصَرَهُ لَفْظًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَّقَ وَشَكَّ فِي الْعَدَدِ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ احْتِيَاطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ ) أَنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي تَقُولُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تُرِيدُ دُخُولًا تَقَدَّمَ بَلْ مُسْتَقْبَلًا وَلَا طَلَاقًا تَقَدَّمَ بَلْ مُسْتَقْبَلًا وَإِنْ وَقَعَ خِلَافُ ذَلِكَ أُوِّلَ وَتَقُولُ فِي لَوْ : لَوْ جِئْتَنِي أَمْسِ أَكْرَمْتُك الْيَوْمَ وَلَوْ جِئْتَنِي أَمْسِ أَكْرَمْتُك أَمْسِ فَالْمُعَلِّقُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَاضِيَانِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِي إنْ بَلْ إذَا وَقَعَ فِي شَرْطِهَا أَوْ جَوَابِهَا فِعْلٌ مَاضٍ كَانَ مَجَازًا مُؤَوَّلًا بِالْمُسْتَقْبَلِ نَحْوَ إنْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ فَهَذَانِ الْفِعْلَانِ الْمَاضِيَانِ مُؤَوَّلَانِ بِمُسْتَقْبَلٍ تَقْدِيرُهُ إنْ يَجِئْ زَيْدٌ أُكْرِمْهُ ثُمَّ أَطْرَزَ الْفَرْقَ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً غَرِيبَةً جَلِيلَةً .

قَالَ : شِهَابُ الدِّينِ ( الْفَرْقُ الرَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ أَنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي إلَى قَوْلِهِ ، ثُمَّ أَطَرَزَ الْفَرْقَ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً عَرَبِيَّةً جَلِيلَةً ) .
قُلْتُ : قَوْلُهُ إنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ فِيهَا تَعَلُّقُهَا بِالْمُسْتَقْبَلِ وَمَا اخْتَارَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ دَعْوَى الْمَجَازِ فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَاضِي وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ تَعَلُّقُهَا بِالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ الْأَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَاسْتِعْمَالُهَا فِي التَّعَلُّقِ بِالْمَاضِي .
وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فَهُوَ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى هَذَا الْحَدِّ مِنْ أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي التَّعَلُّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ السَّابِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَفِي الْمَاضِي مَجَازًا عُرْفِيًّا فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ وَإِنْ كَثُرَ فِي بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ وَقَلَّ فِي بَعْضِهَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَا كَثُرَ فِيهِ وَمَجَازًا عُرْفِيًّا فِيمَا قَلَّ فِيهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ وَلَفْظَةُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى هَذَا الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ إنَّ لَوْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي صَحِيحٌ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ ) بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ الْأَكْثَرُ فِي أَنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَقَدْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي لَفْظًا وَمَعْنًى قِيَاسًا مُطَّرِدًا .
مَعَ كَانَ نَحْوَ { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } إذْ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ فِيمَا مَضَى وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ .
الرَّيْبُ لِوَقْتِ الْخِطَابِ فَأْتُوا بِسُورَةٍ أَيْ فَأَنْتُمْ مُطَالَبُونَ بِمَا يُزِيلُهُ وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ الْمُفِيدَةُ لِلْجَزْمِ وَبَعْدَ الْوَاوِ فِي مَقَامِ التَّأْكِيدِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ بَخِيلٌ حَيْثُ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ إنْ لَمْ يُكْثِرْ مَالُهُ وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ وَكَوْنُ إنْ شَرْطِيَّةً وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهَا جَوَابٌ إذْ قَوْلُهُمْ إنْ الشَّرْطِيَّةُ لَهَا شَرْطٌ وَجَزَاءٌ غَالِبِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَقَلِيلًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِ أَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ : فَيَا وَطَنِي إنْ فَاتَنِي بِك سَابِقٌ مِنْ الدَّهْرِ فَلْيَنْعَمْ لِسَاكِنِك الْبَالُ أَيْ إنْ كَانَ زَمَنٌ سَابِقٌ فَوَّتَ عَلَيَّ الْإِقَامَةَ وَالسُّكْنَى فِي وَطَنِي وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْإِقَامَةُ فِيهِ وَتَوَلَّاهُ غَيْرِي فَلَا لَوْمَ عَلَيَّ لِأَنِّي تَرَكْتُهُ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلْتَطِبْ نَفْسُ ذَلِكَ السَّاكِنِ وَلْيَنْعَمْ بَالُهُ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ إظْهَارُ التَّحَسُّرِ وَالتَّحَزُّنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ إنْ فَاتَنِي فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَاضِي لَفْظًا وَمَعْنًى وَأَمَّا لَوْ فَتَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي قَالَ السَّعْدُ : وَمَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اسْتِعْمَالَ إنْ وَهُوَ مَعَ قِلَّتِهِ ثَابِتٌ ا هـ .
قَالَ الدُّسُوقِيُّ نَحْوَ قَوْلِهِ : وَلَوْ تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنَا بَعْدَ مَوْتِنَا وَمِنْ دُونِ رَمْسِينَا مِنْ الْأَرْضِ سَبْسَبٌ لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي وَإِنْ كُنْت رِمَّةً لِصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهَشُّ وَيَطْرَبُ وَلَوْ شَرْطِيَّةٌ مَعَ الْمَاضِي وَلَهَا ثَلَاثُ

اسْتِعْمَالَاتٍ : أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ لِلتَّرْتِيبِ الْخَارِجِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ الْجَزَاءِ فِي الْخَارِجِ وَهِيَ انْتِفَاءُ مَضْمُونُ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْجَزَاءِ مَا هِيَ فَمَعْنَى لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أَنَّ انْتِفَاءَ الْهِدَايَةِ إنَّمَا هُوَ سَبَبُ انْتِفَاءِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْمَشِيئَةِ عِلَّةٌ فِي انْتِفَاءِ الْهِدَايَةِ فِي الْخَارِجِ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْغَالِبُ فَلِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ لَوْ حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ كَانَ يَقَعُ فِيمَا مَضَى لَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ وَقَالَ غَيْرُهُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعِ أَيْ امْتِنَاعُ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ فَافْهَمْ .
وَالثَّانِي كَوْنُهَا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى أَنَّ عَلَى الْجَزَاءِ فِي الْخَارِجِ مَا هِيَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } فَإِنَّ الْقَصْدَ بِهِ تَعْلِيمُ الْخَلْقِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ بِأَنْ يَسْتَدِلُّوا بِالتَّصْدِيقِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ عَلَى الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِهِ بَيَانَ أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ الْفَسَادِ فِي الْخَارِجِ انْتِفَاءُ التَّعَدُّدِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا نَظَرًا لِلْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ نَظَرًا لِمَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ إلَّا ظَهَرَ الْقَصْدُ الْأَوَّلُ أَيْ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ .
وَالثَّالِثُ كَوْنُهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ شَيْءٍ بِرَبْطِهِ إمَّا بِأَبْعَدَ النَّقِيضَيْنِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ قَوْلِ عُمَرَ عَلَى مَا قِيلَ { نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ } فَالْخَوْفُ وَعَدَمُهُ نَقِيضَانِ وَعَدَمُهُ أَبْعَدُ لِعَدَمِ الْعِصْيَانِ

مِنْهُ فَعَلَّقَ عَدَمَ الْعِصْيَانِ عَلَى الْأَبْعَدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ مِنْ صُهَيْبٍ مُسْتَمِرٌّ وَأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يَقَعُ مِنْهُ أَصْلًا وَأَمَّا بِالْمُسَاوِي كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي { دُرَّةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ هِنْدٍ لَمَّا بَلَغَهُ تَحَدُّثُ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لِابْنَةِ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ حَيْثُ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُبَيَّنُ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِ الْمُرَتَّبِ عَلَى كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُفَادُ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا كَمُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ لِمُسَاوَاةِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرِّمَتْ لَهُ كَوْنَهَا رَبِيبَةً وَكَوْنَهَا ابْنَةَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمَّا بِالْأَقْرَبِ كَقَوْلِك فِيمَنْ عَرَضَ عَلَيْك نِكَاحَهَا لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ الرَّضَاع لَمَا حَلَّتْ لِلنَّسَبِ حَيْثُ رَتَّبَتْ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُبَيَّنِ بِأُخُوَّتِهَا مِنْ النَّسَبِ الْمُنَاسِبِ هُوَ لَهَا شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِك عَلَى أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُفَادِ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهَا شَرْعًا لَكِنْ دُونَ مُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ أَدْوَنُ مِنْ حُرْمَةِ النَّسَبِ وَالْمَعْنَى لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرِّمَتْ لَهُ أُخُوَّتُهَا مِنْ النَّسَبِ وَأُخُوَّتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ .
وَقَدْ أَشَارَ الْعَلَّامَةُ السُّبْكِيُّ لِهَذِهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ : مَدْلُولُ لَوْ رَبْطُ وُجُودٍ ثَانٍ بِأَوَّلٍ فِي سَابِقِ الْأَزْمَانِ مَعَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْمُقَدَّمِ حَقًّا بِلَا رَيْبٍ وَلَا تَوَهُّمٍ أَمَّا الْجَوَابُ إنْ يَكُنْ مُنَاسِبًا وَلَيْسَ

غَيْرُ شَرْطِهِ مُصَاحِبًا فَاحْكُمْ لَهُ بِالنَّفْيِ أَيْضًا وَاعْلَمْ بِأَنَّ كُلًّا دَاخِلٌ فِي الْعَدَمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَاسِبًا فَوَاجِبٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى ذَاكَ حُكْمٌ لَازِبٌ وَفِي مُنَاسِبٍ لَهُ إذْ يُفْقَدُ مُنَاسِبٌ سِوَاهُ قَدْ لَا يُوجَدُ هَذَا جَوَابُ لَوْ بِتَقْسِيمٍ حَصَلْ مُمْتَنِعٌ وَوَاجِبٌ وَمُحْتَمِلْ وَمُعْظَمُ الْمَقْصُودِ فِيمَا يَجِبُ إثْبَاتُهُ فِي كُلِّ حَالٍ يُطْلَبُ مِثَالُهُ نِعْمَ الَّذِي لَوْ لَمْ يَخَفْ لَمَا عَصَى إلَهَهُ وَلَا اقْتَرَفْ وَمُعْظَمُ الْمَقْصُودِ فِي الْمُمْتَنِعِ بَيَانُ نَفْيِ شَرْطِهِ الَّذِي ادَّعَى كَلَوْ يَكُونُ فِيهِمَا شَرِيكٌ لَامْتَنَعَا فَالْوَاحِدُ الْمَلِيكُ أَوْ أَنَّ ذَاكَ النَّفْيَ حَقًّا أَثَّرَا فِي عَدَمِ الَّذِي يَلِي بِلَا مِرَا كَلَوْ أَتَيْتَنِي لَكُنْت تُكْرَمُ كَرَامَتِي لِمَنْ قَلَانِي تُعْدَمُ وَقَدْ تَخْرُجُ عَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَتَكُونُ وَصْلَةً لِلرَّبْطِ مَعَ وَاوِ الْحَالِ فِي الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ وَلَوْ كَثُرَ مَالُهُ بَخِيلٌ وَتَكُونُ لِلتَّمَنِّي وَالْمَصْدَرِيَّةِ فِي نَحْوِ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَاسْتِعْمَالَاته ا سِتَّةٌ ا هـ .
بِتَوْضِيحٍ مِنْ مُخْتَصَرِ السَّعْدِ عَلَى التَّلْخِيصِ وَفِي حَاشِيَةِ الشِّرْبِينِيِّ عَلَى حَوَاشِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ نَقْلًا عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَنْ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِالِاشْتِرَاكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْأَمْرُ فِي لَفْظَتَيْ إنْ وَلَوْ إلَى حَدِّ أَنْ يَكُونَ مَا كَثُرَ فِيهِ هُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَا كَثُرَ فِيهِ وَمَجَازًا عُرْفِيًّا فِيمَا قَلَّ فِيهِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ فِيمَا كَثُرَ أَوْ قَلَّ فِيهِ أَوْ الْقَوْلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَلَغَ الْأَمْرُ فِي لَفْظَيْهِمَا إلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ يَنْفِي كُلًّا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْقَاضِيَ

الْبَيْضَاوِيَّ عَنْ الْمَشْهُورِ .
وَقَالَ : لَوْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ وَظَاهِرُهَا الدَّلَالَةُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الثَّانِي أَيْ إنَّ سَائِرَ حُرُوفِ الشَّرْطِ كَمَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيقٍ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى انْتِفَاءٍ وَثُبُوتٍ فَكَذَلِكَ كَلِمَةُ لَوْ مَوْضُوعَةٌ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيقِ حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمَاضِي بِحُصُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْجَزَاءِ بَلْ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِهَا مُسْتَفَادَةٌ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ أَوْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَظَاهِرُهَا إلَخْ إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ لَوْ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ تَالٍ يَلْزَمُ لِثُبُوتِهِ ثُبُوتُ تَالِيَةٍ أَيْ فِي الْمَاضِي وَتَزْيِيفُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ وَمَعْنَاهَا مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ فَاللَّازِمُ لِمَفْهُومِهَا هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ بِانْتِفَاءِ الثَّانِي وَكَوْنُ هَذَا الْقَوْلِ لَازِمًا لِمَفْهُومِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا فَإِنَّ الدَّلَالَةَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ وَوَجْهُ تَزْيِيفِ الْمَشْهُورِ هُوَ أَنَّهُ مَعَ تَوَقُّفِهِ عَلَى كَوْنِ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ مَأْخُوذًا فِي مَدْلُولِ لَوْ الْمُسْتَلْزِمِ خِلَافَ الْأَصْلِ كَمَا عَرَفْت يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ التَّعْلِيقِ عَلَى أَمْرٍ مَفْرُوضِ الْحُصُولِ إبْدَاءُ الْمَانِعِ مِنْ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ فِي الْمَاضِي وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ إلَى حَدِّ الْوُجُودِ وَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ لِارْتِبَاطِ وُجُودِهِ بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ وَأَمَّا أَنَّ انْتِفَاءَهُ بِسَبَبٍ لِانْتِفَائِهِ فِي الْخَارِجِ فَلَا كَيْفَ وَالشَّرْطُ النَّحْوِيُّ قَدْ يَكُونُ مُسَبَّبًا نَحْوَ لَوْ كَانَ الْعَالَمُ مُضِيئًا لَكَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً وَقَدْ يَكُونُ مُضَافًا نَحْوَ لَوْ

كَانَ زَيْدٌ أَبًا لِعَمْرٍو لَكَانَ عَمْرٌو ابْنًا لَهُ .
وَقَدْ يَكُونُ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ مَعْلُولَيْنِ لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوَ لَوْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لَكَانَ الْعَالَمُ مُضِيئًا نَعَمْ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ الِاصْطِلَاحِيِّ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ فِي الْخَارِجِ وَمِنْ هَذَا ظَهَرَ جَوَابُ مَا قَالَهُ السَّعْدُ مِنْ أَنَّهُ يَدُلُّك عَلَى أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ لِإِفَادَةِ السَّبَبِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ قَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ : وَلَوْ دَامَتْ الدَّوْلَاتُ كَانُوا كَغَيْرِهِمْ رَعَايَا وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامٌ وَقَوْلُ الْخَمَّاسِيِّ : وَلَوْ طَارَدَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُقَدَّمِ لَا يُنْتَجُ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّازِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا لِلِاسْتِدْلَالِ بِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى انْتِفَاءِ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ لِإِفَادَةِ إبْدَاءِ الْمَانِعِ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهَا إفَادَةَ سَبَبِيَّةِ الِانْتِفَاءِ لِلِانْتِفَاءِ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ تَأْكِيدًا وَإِعَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إفَادَةً وَتَأْسِيسًا ا هـ .

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } فَجَعَلَ الشَّرْطَ وَجَزَاءَهُ مَاضِيَيْنِ .
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ أَكُنْ أَقُلْهُ فَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَهُمَا مُسْتَقْبَلَانِ لَا مَاضِيَانِ وَقِيلَ : سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فَيَكُونَانِ مُسْتَقْبَلَيْنِ لَا مَاضِيَيْنِ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ : يَجِبُ تَأْوِيلُهُمَا بِفِعْلَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنِّي قُلْتُهُ فِي الْمَاضِي يَثْبُتُ أَنَّك تَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ تَقَرَّرَ فِي الْمَاضِي كَانَ ثُبُوتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعْلُومًا فَيَحْسُنُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ وَيُؤَكِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآيَةِ نَفْسِهَا قَوْله تَعَالَى { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } فَصِيغَةُ إذْ لِلْمَاضِي وَقَالَ لِلْمَاضِي فَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقَدُّمِ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الدُّنْيَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَتَأَوَّلُ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَيَقُولُ : لَمَّا كَانَ خَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَطْعًا صَارَ مِنْ جِهَةِ تَحَقُّقِهِ يُشْبِهُ الْمَاضِيَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي كَمَا قَالَهُ تَعَالَى { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } يُرِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَقْدِيرُهُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَائِدَةٌ جَمِيلَةٌ جَلِيلَةٌ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ وَجَزَاءَهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَشْرُ حَقَائِقَ : الشَّرْطُ وَجَزَاؤُهُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ .
وَالدُّعَاءُ وَالْوَعْدُ

وَالْوَعِيدُ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةُ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْعَشَرَةَ لَا تَجِدْ مِنْهَا وَاحِدًا يُتَصَوَّرُ فِي مَاضٍ وَلَا حَاضِرٍ سُؤَالٌ كَانَ يُورِدُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ لَهُ : كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ : قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ } فَكَانَ يَقُولُ : قَاعِدَةُ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ وَهَا هُنَا شَبَّهْنَا عَطِيَّةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَطِيَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مَعْنَاهُ الْإِحْسَانُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ مُحَالٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إحْسَانٌ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَوْ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ مُتَعَلِّقُ الدُّعَاءِ وَمَطْلُوبُهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ وَكَانَ يُجِيبُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ : التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ مَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِآلِهِ وَمَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَآلِهِ وَآلُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْبِيَاءٌ وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ فَعَطِيَّةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ أَعْنِي الْمَجْمُوعَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَيُقْسَمُ الْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ الْحَاصِلَةُ لِآلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْظَمَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَاصِلَةِ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
وَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَكُنَّا نَسْتَعْظِمُ هَذَا الْجَوَابَ وَنَسْتَحْسِنُهُ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا ظَهَرَتْ لِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ ( الْعَشَرَةُ حَقَائِقَ ) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ يَحْسُنُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَأَنَّ جَوَابَ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ مُسْتَدْرَكٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْدُومَةٍ فَإِنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَالْحَاصِلُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا حَاصِلًا وَبِهَذَا الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَصَلَ التَّفْضِيلُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ قَبْلَ دُعَائِنَا مَوَاهِبَ رَبَّانِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَنَحْنُ نَطْلُبُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مِثْلَ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَحْنُ لَوْ تَخَيَّلْنَاهَا أَقَلَّ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ التَّفْضِيلِ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْعَادَاتِ أَنْ يُعْطِيَ الْمَلِكُ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَيُعْطِيَ لِآخَرَ مِائَةً ثُمَّ نَطْلُبُ نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا كَذَلِكَ هَا هُنَا فَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ سَدِيدٌ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّعَبِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مُتَعَلِّقَ الطَّلَبِ جَمِيعَ مَا حَصَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْوَاقِعِ وَهُوَ مُحَالٌ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ .
وَالْجَوَابُ الْحَقُّ هُوَ هَذَا الثَّانِي وَالْعَجَبُ أَنَّا طُولَ أَعْمَارِنَا نَقُولُ : مَا أُمِرْنَا بِهِ وَهُوَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَلَا بِغَيْرِهِ وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَصْلَ الْمُعَنَّى وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَصْلَ الْإِحْسَانِ لَيْسَ فِي الرُّتْبَةِ مِثْلَ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا كُنَّا نَقْتَصِرُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فَأَوْلَى أَنْ يَحْسُنَ مِنَّا طَلَبُ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانٍ حَصَلَ لِعَظِيمٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ فَإِنَّهُ أَضْعَافُ أَصْلِ الْإِحْسَانِ وَمَا الْمُحْسِنُ لِطَلَبِنَا مُطْلَقُ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ إلَّا أَنَّا نَطْلُبُ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ أُعْطِيت قَبْلَ دُعَائِنَا وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى

الْإِعْطَاءِ الْعَظِيمِ لَا يُخِلُّ بِصَاحِبِ الْعَطِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّذِي نَحْنُ نَسْأَلُ لَهُ الزِّيَادَةَ وَالْعَجَبُ مِنْ تَنَبُّهِ الشَّيْخِ لِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْ أَنَّهُ يَرِدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِيهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَا فَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ : اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } إلَى قَوْلِهِ وَتَقْدِيرُهُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ ) قُلْتُ : إذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَأْوِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( فَائِدَةٌ جَمِيلَةٌ إلَى آخِرِهَا ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالدُّعَاءَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالتَّرَجِّيَ وَالتَّمَنِّيَ وَالْإِبَاحَةَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ إلَّا مَا قَالَهُ فِي أَنَّ الصَّحِيحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( سُؤَالٌ كَانَ يُورِدُهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي { قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قِيلَ لَهُ : كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ : قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ } إلَى آخِرِ السُّؤَالِ ) قُلْتُ : هَذَا السُّؤَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُشَابَهَةِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ لِلْفِعْلِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ : أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْت عَمْرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّشْبِيهِ أَصْلَ الْعَطَاءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ الْقَدْرِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ السُّؤَالُ لَكِنَّ رُبَّمَا يَسْأَلُ عَنْ اخْتِصَاصِ إبْرَاهِيمَ فَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَ اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ اخْتِصَاصُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي مَعَالِمِ الْمِلَّةِ قَالَ : ( وَكَانَ يُجِيبُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ : التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ إلَى قَوْلِهِ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ هُوَ هَذَا الثَّانِي ) قُلْتُ : عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَسْتَلْزِمُ الْمُشَابَهَةَ فِي أَوْصَافِهَا فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْمُشَبَّهِ ذَلِكَ يَكُونُ جَوَابُ عِزِّ الدِّينِ مُسْتَدْرِكًا كَمَا قَالَ : شِهَابُ الدِّينِ وَجَوَابُهُ هُوَ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ : ( وَالْعَجَبُ أَنَّا طُولَ أَعْمَارِنَا نَقُولُ مَا أَمَرَنَا بِهِ وَهُوَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا بِغَيْرِهِ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ ) قُلْتُ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا أَمَرَنَا إلَّا بِالصَّلَاةِ الْمُشَبَّهَةِ فَإِنَّهَا الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ لَا غَيْرِهَا وَمَا قَالَ : مِنْ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ صَحِيحٌ .
قَالَ : ( وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَصْلَ الْإِحْسَانِ لَيْسَ فِي الرُّتْبَةِ مِثْلُ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ إضْعَافُ أَصْلِ الْإِحْسَانِ ) .
قُلْتُ : مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْإِحْسَانِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إحْسَانَ مَا قُيِّدَ إضْعَافًا لَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ إضْعَافًا لِإِحْسَانٍ مُقَيَّدٍ وَلَيْسَ هَذَا كَلَامُ مِنْ فَهْمِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِهِ وَاَلَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ اسْتِرْوَاحُهُ إلَى قَاعِدَةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ قَرَّرَهَا بَعْدُ وَهِيَ أَنَّ الْأَعَمَّ يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا إذَا كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْمُسْتَلْزِمُ هُوَ الْأَقَلُّ .
قَالَ : ( وَمَا الْمُحْسِنُ لِطَلَبِنَا مُطْلَقُ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ إلَّا أَنَّا نَطْلُبُ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ أُعْطِيت قَبْلَ دُعَائِنَا إلَى قَوْلِهِ الَّذِي نَحْنُ نَسْأَلُ لَهُ الزِّيَادَةَ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ .
قَالَ : ( وَالْعَجَبُ مِنْ تَنَبُّهِ الشَّيْخُ لَا يُرَادُ السُّؤَالُ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْ أَنَّهُ يَرِدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِيهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا ) قُلْتُ : التَّنَبُّهُ لِإِيرَادِ السُّؤَالِ عَلَى الْحَدِيثِ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِلْزَامِ التَّشْبِيهِ لِلْمُشَابَهَةِ فِي صِفَاتِ الْفِعْلِ وَهُوَ مِمَّا يَسْبِقُ إلَيْهِ الْوَهْمُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَأَشْبَاهِهَا فَلَا يَسْبِقُ

ذَلِكَ فِيهَا إلَى وَهْمِ مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا يَسْبِقُ ذَلِكَ إلَى وَهْمِ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُمَا وَلَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا .
قَالَ : ( وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرْتُهُ فَهُوَ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) قُلْتُ : قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .

قُلْتُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ أَنَّ لَوْ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي غَالِبًا وَأَمَّا إنْ فَلِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ غَالِبًا فَافْهَمْ وَهُنَا وَصْلَانِ : ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَثِيرَ فِي شَرْطِ إنْ وَجَزَائِهِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَا إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَالْقَلِيلُ تَعَلُّقُهُمَا بِمَاضٍ عَلَى مَا فِيهِ وَشَرْطُ لَوْ وَجَزَاؤُهُ بِالْعَكْسِ وَكَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالدُّعَاءِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةِ بَلْ عَدَمُ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ خَاصٌّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِهَذِهِ الثَّمَانِيَةِ فَلَا يَتَصَوَّرُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي مَاضٍ وَلَا حَاضِرٍ وَمَا أَمْرُنَا بِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ إلَّا الصَّلَاةَ الْمُشَبَّهَةَ فَإِنَّهَا الَّتِي وَرَدَتْ فِي { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا قِيلَ لَهُ : كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ : قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ } وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْدُومَةٍ وَالْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبْلَ دُعَائِنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ مَوَاهِبُ رَبَّانِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَمَا نَطْلُبُهُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ تَخَيَّلْنَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ الْمُشَبَّهِ فِي

وَجْهِ الشَّبَهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَفْضِيلُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلِكَ لَوْ أَعْطَى لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَعْطَى الْآخَرَ مِائَةً ثُمَّ طَلَبْنَا نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ وَأَجَابَ الْمَلِكُ طَلَبَنَا لَكَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً لَمْ يَلْزَمْ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِنْ تَخَيَّلَ أَنَّ مِائَةَ صَاحِبِ الْمِائَةِ أَعْظَمُ مِنْ مِائَةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ إخْلَالٌ مَا بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا فَسَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَهَا هُنَا شَبَّهْنَا عَطِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَطِيَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعْنَاهَا الْإِحْسَانُ مَجَازًا إمَّا بِالِاسْتِعَارَةِ أَوْ مُرْسَلًا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ لَا الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ وَلَا حَاجَةَ لِجَوَابِهِ عَنْهُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ مَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِآلِهِ وَمَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِآلِهِ وَآلُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْبِيَاءُ وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ

فَالْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَالْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ الْحَاصِلَةُ لِآلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْظَمَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَاصِلَةِ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ مِنْ الدُّعَاءِ وَمَا مَعَهُ .
وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَلَّقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالسِّتِّينَ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ مِنْ تَشْبِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَسُؤَالُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِلَازِمِ الْوُرُودِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا السُّؤَالَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُشَابَهَةِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ لِلْفِعْلِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْت عَمْرًا سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مَعَ مُحَاسِبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي أَرَادَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِفَقْدِ التَّسْوِيَةِ فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَلَا فِي صِفَتِهَا أَوْ أَرَادَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُحَاسِبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يَصِحُّ وُرُودُ السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ نَعَمْ رُبَّمَا يُسْأَلُ عَنْ مُوجِبِ اخْتِصَاصِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ فَيُقَالُ : مُوجِبُهُ نِسْبَةُ

نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي مَعَالِمِ الْمِلَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الدَّاعِي الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وُرُودُ السُّؤَالِ فَجَوَابُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ مُسْتَدْرَكٌ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْمَوْجُودِ الْحَاصِلِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَالُ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَافْهَمْ .
( الْوَصْلُ الثَّانِي ) فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً تُوَضِّحُ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى جَعْلُ الشَّرْطِ وَجِزَائِهِ مَاضِيَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } جَازَ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ تَعَلُّقِ إنَّ بِالْمَاضِي فَلَا تَحْتَاجُ الْآيَةُ إلَى أَنْ يَدَّعِيَ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَعَ فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ أَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظَيْ إذْ وَقَالَ الْمَاضِيَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } وَثَانِيًا أَنَّ سُؤَالَهُ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ أَكُنْ أَقُولُهُ فَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَهُمَا مُسْتَقْبَلَانِ لَا مَاضِيَانِ أَوْ يُقَالُ الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي عَلَى حَدٍّ قَوْله تَعَالَى { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } لِأَنَّ خَبَرَهُ تَعَالَى الْوَاقِعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ فَيَجِبُ كَمَا قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ تَأْوِيلُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِفِعْلَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا إنْ يَثْبُتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنِّي قُلْتُهُ فِي الْمَاضِي يَثْبُتُ أَنَّك تَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ تَقَرَّرَ فِي الْمَاضِي كَانَ ثُبُوتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعْلُومًا فَيَحْسُنُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَوْله تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وَقَاعِدَةُ لَوْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ فَالنَّفْيُ ثُبُوتٌ وَالثُّبُوتُ نَفْيٌ كَقَوْلِنَا لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ فَهُمَا ثُبُوتَانِ فَمَا جَاءَك وَلَا أَكْرَمْتَهُ .
وَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ لَمْ يُطَالَبْ فَهُمَا نَفْيَانِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ اسْتَدَانَ وَطُولِبَ وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ أُرِيقَ دَمُهُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ آمَنَ وَلَمْ يُرَقْ دَمُهُ وَبِالْعَكْسِ لَوْ آمَنَ لَمْ يُقْتَلْ تَقْدِيرُهُ لَمْ يُؤْمِنْ فَقُتِلَ .
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا عَلَى ثُبُوتٍ أَوَّلًا وَنَفْيٍ أَخِيرًا فَيَكُونُ الثُّبُوتُ الْأَوَّلُ نَفْيًا وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّجَرَ لَيْسَتْ أَقْلَامًا وَيَلْزَمُ أَنَّ النَّفْيَ الْأَخِيرَ ثُبُوتٌ فَتَكُونُ نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ } يَقْتَضِي أَنَّهُ خَافَ وَعَصَى مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ أَقْبَحُ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَمًّا لَكِنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِلْمَدْحِ وَعَادَةُ الْفُضَلَاءِ يَتَوَلَّعُونَ بِالْحَدِيثِ كَثِيرًا أَمَّا الْآيَةُ فَقَلِيلٌ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهَا وَذِكْرُ الْفُضَلَاءِ فِي الْحَدِيثِ أَجْوِبَةٌ أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْئًا وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنِّي ظَهَرَ لِي جَوَابٌ عَنْ الْجَمِيعِ هُوَ حَسَنٌ سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِي لِأَجْوِبَةِ النَّاسِ لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ أَمَّا أَجْوِبَةُ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ ابْنُ عُصْفُورٍ : لَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى إنْ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَأَنَّ لَا يَكُونَ نَفْيُهَا

ثُبُوتًا وَلَا ثُبُوتُهَا نَفْيًا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ الْخُسْرَوْ َشَاهِيّ : إنَّ لَوْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الْعُرْفِ فِي انْقِلَابِ ثُبُوتِهَا نَفْيًا وَبِالْعَكْسِ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : الشَّيْءُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُهُ لِأَنَّ السَّبَبَ الثَّانِيَ يَخْلُفُهُ السَّبَبُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا فِي زَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَوَرِثَ أَيْ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُمَا سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ هَا هُنَا النَّاسُ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا لَمْ لَمْ يَعْصُوا لِأَجْلِ الْخَوْفِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ عَنْهُمْ عَصَوْا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ فَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ صُهَيْبًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ سَبَبَانِ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ فَلَوْ انْتَفَى الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ لَانْتَفَى الْعِصْيَانُ لِلسَّبَبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجْلَالُ وَهَذَا مَدْحٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ لِصُهَيْبٍ وَكَلَامٌ حَسَنٌ .
وَأَجَابَ غَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ عَصَمَهُ اللَّهُ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لَمْ يَعْصِهِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ تَأْتِي فِي الْآيَةِ غَيْرَ الثَّالِثِ فَإِنَّ عَدَمَ نَفَادِ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهَا لِذَاتِهَا وَمَا بِالذَّاتِ لَا يُعَلَّلُ بِالْأَسْبَابِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْفُضَلَاءِ الَّذِي اتَّصَلَ بِي وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ لَوْ أَصْلُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ لِلرَّبْطِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنَّهَا أَيْضًا تُسْتَعْمَلُ لِقَطْعِ الرَّبْطِ فَتَكُونُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُحَقَّقٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ وَقَعَ فِيهِ رَبْطٌ فَتَقْطَعُهُ أَنْتَ لِاعْتِقَادِك بُطْلَانَ ذَلِكَ الرَّبْطِ كَمَا لَوْ

قَالَ الْقَائِلُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ زَوْجًا لَمْ يَرِثْ فَتَقُولُ لَهُ أَنْتَ : لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَمْ يَحْرُمْ تُرِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الرَّبْطِ بَيْنَ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمِ الْإِرْثِ لَيْسَ بِحَقٍّ فَمَقْصُودُك قَطْعُ رَبْطِ كَلَامِهِ لَا ارْتِبَاطُ كَلَامِك وَتَقُولُ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ عَالِمًا لَأَكْرَمَ أَيْ لِشَجَاعَتِهِ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ تَتَوَهَّمُهُ أَوْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ : إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَمْ يُكْرَمْ فَيَرْبِطُ بَيْنَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَعَدَمِ الْإِكْرَامِ فَتَقْطَعُ أَنْتَ ذَلِكَ الرَّبْطَ وَلَيْسَ مَقْصُودُك أَنْ تَرْبِطَ بَيْنَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَالْإِكْرَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ وَلَا مِنْ أَغْرَاضِ الْعُقَلَاءِ وَلَا يُتَّجَهُ كَلَامُك إلَّا عَلَى عَدَمِ الرَّبْطِ كَذَلِكَ الْحَدِيثُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَرْتَبِطَ عِصْيَانُهُمْ بِعَدَمِ خَوْفِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَوْهَامِ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا الرَّبْطَ وَقَالَ { : لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ } وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَوْهَامِ أَنَّ الشَّجَرَ كُلَّهَا إذَا صَارَتْ أَقْلَامًا وَالْبَحْرَ الْمَالِحَ مَعَ غَيْرِهِ مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ يَقُولُ الْوَهْمُ مَا يُكْتَبُ بِهَذَا شَيْءٌ إلَّا نَفِدَ وَمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَطْعُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا الرَّبْطَ وَقَالَ مَا نَفِدَتْ وَهَذَا الْجَوَابُ أَصْلَحُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا شُمُولُهُ لِهَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَبَعْضُهَا لَمْ يَشْمَلْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَثَانِيهمَا أَنَّ لَوْ بِمَعْنَى أَنَّ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمُخَالِفٌ لِلْعُرْفِ وَادِّعَاءُ النَّقْلِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَحَذْفُ الْجَوَابِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْجَوَابِ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَا يَفْهَمُونَ غَيْرَهُ فِي تِلْكَ الْمَوَارِدِ وَيَعُمُّ هَذَا الْجَوَابُ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ كَصِفَاتِ اللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَالْمُمْكِنُ الْقَابِلُ

لِلتَّعْلِيلِ كَطَاعَةِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

قَالَ : شِهَابُ الدِّينِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وَقَاعِدَةُ لَوْ أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ فَالنَّفْيُ ثُبُوتٌ وَالثُّبُوتُ نَفْيٌ كَقَوْلِنَا لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ فَهُمَا ثُبُوتَانِ فَمَا جَاءَنِي زَيْدٌ وَلَا أَكْرَمْتُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ لَمْ يُطَالَبْ فَهُمَا نَفْيَانِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ اسْتَدَانَ وَطُولِبَ وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ أُرِيقَ دَمُهُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ آمَنَ وَلَمْ يُرَقَّ دَمُهُ وَبِالْعَكْسِ لَوْ آمَنَ لَمْ يُقْتَلْ تَقْدِيرُهُ لَمْ يُؤْمِنْ فَقَتَلَ .
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا عَلَى ثُبُوتٍ أَوَّلًا وَنَفْيٍ أَخِيرًا فَيَكُونُ الثُّبُوتُ الْأَوَّلُ نَفْيًا .
وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّجَرَ لَيْسَتْ أَقْلَامًا وَيَلْزَمُ أَنَّ النَّفْيَ الْأَخِيرَ ثُبُوتٌ فَتَكُونُ نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ } يَقْتَضِي أَنَّهُ خَافَ وَعَصَى مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ أَقْبَحُ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَمًّا لَكِنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِلْمَدْحِ وَعَادَةُ الْفُضَلَاءِ يَتَوَلَّعُونَ بِالْحَدِيثِ كَثِيرًا أَمَّا الْآيَةُ فَقَلِيلٌ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهَا ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ لَوْ إنَّمَا هِيَ فِي اللُّغَةِ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ خَاصَّةً وَمَا تَوَهَّمَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ بِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ : ( وَذَكَرَ الْفُضَلَاءُ فِي الْحَدِيثِ أَجْوِبَةٍ أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْئًا وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنِّي ظَهَرَ لِي جَوَابٌ عَنْ

الْجَمِيعِ هُوَ حَسَنٌ سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِي لِأَجْوِبَةِ النَّاسِ لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ أَمَّا أَجْوِبَةُ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ : الْأُسْتَاذُ ابْنُ عُصْفُورٍ لَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى إنْ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَفْيُهَا ثُبُوتًا وَلَا ثُبُوتُهَا نَفْيًا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَقَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْخُسْرَوْ شَاهْ أَنَّ لَوْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَإِنَّمَا اشْتَهَرَتْ فِي الْعُرْفِ فِي انْقِلَابِ ثُبُوتِهَا نَفْيًا وَبِالْعَكْسِ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَقَالَ : الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ .
وَقَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُهُ لِأَنَّ السَّبَبَ الثَّانِي يَخْلُفُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ كَقَوْلِنَا فِي زَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَوَرِثَ أَيْ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُمَا سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ هُنَا النَّاسُ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا لَمْ يَعْصُوا لِأَجْلِ الْخَوْفِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ عَنْهُمْ عَصَوْا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ فَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ صُهَيْبًا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ سَبَبَانِ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ فَلَوْ انْتَفَى الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ لَانْتَفَى الْعِصْيَانُ لِلسَّبَبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجْلَالُ وَهَذَا مَدْحٌ كَبِيرٌ وَكَلَامٌ حَسَنٌ .
وَأَجَابَ غَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ عَصَمَهُ اللَّهُ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لَمْ يَعْصِهِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ تَأْتِي فِي الْآيَةِ غَيْرَ الثَّالِثِ فَإِنَّ عَدَمَ نَفَادِ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهَا لِذَاتِهَا وَمَا بِالذَّاتِ لَا يُعَلَّلُ بِالْأَسْبَابِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْفُضَلَاءِ الَّذِي اتَّصَلَ بِي وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ لَوْ أَصْلُهَا

إنْ تُسْتَعْمَلُ لِلرَّبْطِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ إنَّهَا أَيْضًا تُسْتَعْمَلُ لِقَطْعِ الرَّبْطِ فَتَكُونُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُحَقَّقٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ وَقَعَ فِيهِ رَبْطٌ فَتَقْطَعُهُ أَنْتَ لِاعْتِقَادِك بُطْلَانَ ذَلِكَ الرَّبْطِ كَمَا لَوْ قَالَ : الْقَائِلُ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ زَوْجًا لَمْ يَرِثْ فَتَقُولُ : أَنْتَ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَمْ يَحْرُمْ تُرِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الرَّبْطِ بَيْنَ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمِ الْإِرْثِ لَيْسَ بِحَقٍّ فَمَقْصُودُك قَطْعُ رَبْطِ كَلَامِهِ كَذَلِكَ الْحَدِيثُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَرْتَبِطَ عِصْيَانُهُمْ بِعَدَمِ خَوْفِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَوْهَامِ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّبْطَ وَقَالَ : { لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ } وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَوْهَامِ أَنَّ الشَّجَرَ كُلَّهَا إذَا صَارَتْ أَقْلَامًا وَالْبَحْرَ الْمَالِحَ مَعَ غَيْرِهِ مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ يَقُولُ الْوَهْمُ مَا يُكْتَبُ بِهَذَا شَيْءٌ إلَّا نَفِدَ وَمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الرَّبْطَ وَقَالَ : مَا نَفِدَتْ ) .
قُلْتُ : جَوَابُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عُصْفُورٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَجَازٌ فِي الْحَدِيثِ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يُدَّعَى إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا جَوَابُ شَمْسِ الدِّينِ فَهُوَ الصَّحِيحُ غَيْرَ قَوْلِهِ إنَّمَا اشْتَهَرَتْ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعُرْفَ الَّذِي ادَّعَاهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ اللُّغَةِ وَلَا عَنْ الشَّرْعِ فَهُوَ عُرْفٌ لِغَيْرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلِغَيْرِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَلَا حُجَّةَ فِي عُرْفِ غَيْرِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا .
وَأَمَّا جَوَابُ عِزِّ الدِّينِ فَغَايَتُهُ إنْ أَبْدَى وَجْهًا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَارْتِفَاعِ تَوَهُّمِ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ وَأَمَّا جَوَابُ مَنْ قَالَ بِحَذْفِ الْجَوَابِ فَحَذْفُ الْمَحْذُوفِ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَأَمَّا جَوَابُهُ هُوَ فَمُحْوِجٌ إلَى تَكَلُّفِ سَبْقِ كَلَامٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ

لَا يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَمَّا سَبْقُ كَلَامٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ مَنْ يَكُونُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ كَلَامٍ فَإِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ إنَّمَا مَعْنَاهُ احْتِمَالُ سَبْقِ كَلَامِ اللَّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ إذْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَمْ يَكُنْ وَلَا يَكُونُ فَإِنْ قِيلَ : جَازَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ تَوَهُّمِ مَنْ يَسْمَعُ وَالْآيَةُ كَذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ يُغْنِي عَنْهُ أَنَّهَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ .
قَالَ : ( وَهَذَا الْجَوَابُ أَصْلَحُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلَحَ وَفِيهِ دَعْوَى سَبْقِ كَلَامٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ أَوْ تَقْدِيرَ سَبْقِ كَلَامٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) لَوْ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ خَاصَّةً وَمَا تَوَهَّمُوهُ فِيهَا مِنْ أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ نَحْوَ لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ عَادَا نَفْيَيْنِ فَمَا جَاءَ زَيْدٌ وَلَا أَكْرَمُ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ نَحْوَ لَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ لَمْ يُطَالِبْ عَادَا ثُبُوتَيْنِ فَقَدْ اسْتَدَانَ وَطُولِبَ أَوْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ نَحْوَ لَوْ لَمْ يُؤْمِنَ أُرِيقَ دَمُهُ أَوْ لَوْ آمَنَ لَمْ يُقْتَلْ كَانَ النَّفْيُ ثُبُوتًا وَالثُّبُوتُ نَفْيًا فَفِي الْأَوَّلِ آمَنَ وَلَمْ يُرَقْ دَمُهُ وَفِي الثَّانِي لَمْ يُؤْمِنْ فَقُتِلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ بِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَهِيَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ فَلَا تَقْتَضِي أَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَفِدَتْ فَلَا دَاعِيَ إلَى مَا قَالُوهُ فِي الْآيَةِ مِنْ التَّكَلُّفَاتِ فَافْهَمْ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّ النُّحَاةَ وَالْأُصُولِيِّينَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا نَقُولُ : إنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِينِي بَلْ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَإِذَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْمَشْكُوكُ وَالْمَعْلُومُ فَتَقُولُ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يَتَعَذَّرَ وُرُودُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُضَافَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ مَعَ أَنَّهَا وَرَدَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ خِطَابٌ مَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ فِي رَيْبٍ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَيَجْزِمُونَ أَنَّهُمْ فِي رَيْبٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْلِيقُ حَسَنٌ .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْخَصَائِصَ الْإِلَهِيَّةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْأَوْضَاعِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ الْأَوْضَاعُ الْعَرَبِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خَصَائِصِ الْخَلْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَعَلَى مِنْوَالِهِمْ فَكُلُّ مَا كَانَ فِي عَادَةِ الْعَرَبِ حَسَنًا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قَبِيحًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَمْ يَنْزِلْ فِي الْقُرْآنِ تَوْفِيَةً بِكَوْنِ الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا وَتَحْقِيقًا لِذَلِكَ فَيَكُونُ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَادَةِ مَشْكُوكًا فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ حَسُنَ تَعْلِيقُهُ بِإِنْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُومًا لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلسَّامِعِ أَوْ لَا وَلِذَلِكَ يَحْسُنُ مِنْ الْوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يَقُولَ : إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَكْرِمْهُ مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي الدَّارِ لِأَنَّ حُصُولَ زَيْدٍ فِي الدَّارِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَادَةِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لِمَا يُعَلَّقُ عَلَى إنْ ، فَلَا

فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا يَرِدُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ وَبَيْنَ مَا يَرِدُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ فَإِنْ قُلْت : فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُنَا أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ فَالْعَشَرَةُ اثْنَانِ وَإِنْ يَكُنْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ فَالْخَمْسَةُ زَوْجٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُشَكُّ فِيهَا عَادَةً بَلْ تُقْطَعُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَلَا يَكُونُ نِصْفَ الْخَمْسَةِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ عَرَبِيٌّ وَمُلَازَمَتُهُ صَحِيحَةٌ وَمَعْنًى مُعْتَبَرٌ قُلْت : كَوْنُ الْوَاحِدِ نِصْفَ الْعَشَرَةِ أَمْرٌ لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ بَلْ أَمْرُ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ وَيُقَدِّرُهُ الْوَهْمُ وَمَعْنَاهُ مَتَى فُرِضَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ أَوْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ كَانَ اللَّازِمُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ الْمُحَالِ هَذَا اللَّازِمُ الْمُحَالُ فَإِنَّ فَرْضَ الْمُحَالِ وَاقِعٌ جَائِزٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَمْرٍ مَفْرُوضٍ وَالْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فِي الْوَاقِعِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ لَا يَقَعَ فَصَارَ مِنْ قَبِيلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَسُنَ تَعْلِيقُهُ بِإِنْ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ فَإِنَّهَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ مُشْكِلَةٌ يَنْحَلُّ إشْكَالُهَا بِمَا قَرَّرْنَاهُ .
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ النُّحَاةَ وَالْأُصُولِيِّينَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ بَلْ هِيَ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ سَوَاءً كَانَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ مَشْكُوكًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ مَشْكُوكٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِظَرْفٍ وَإِذَا ظَرْفٌ وَقَدْ آلَ كَلَامُهُ فِي جَوَابِهِ عَنْ الْإِشْكَالِ وَجَوَابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ السُّؤَالِ إلَى أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ وَغَيْرِ الْمَشْكُوكِ وَدَعْوَى الْمَجَازِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) لَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا فِي كَوْنِهِمَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ سَوَاءً كَانَ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مَشْكُوكًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ مَشْكُوكٍ غَيْرَ أَنَّ إنْ لَيْسَتْ بِظَرْفٍ وَإِذَا ظَرْفٌ فَلِذَا يُقَالُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَا يُقَالُ إنْ غَرَبَتْ وَمِنْ اسْتِعْمَالِ إنْ فِي الْمَشْكُوكِ إنْ يَكُنْ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ فَالْعَشَرَةُ اثْنَانِ وَإِنْ يَكُنْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ فَالْخَمْسَةُ زَوْجٌ إذْ الْمَعْنَى مَتَى فُرِضَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ أَوْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ كَانَ اللَّازِمُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ الْمُحَالِ هَذَا اللَّازِمُ الْمُحَالُ فَإِنَّ فَرْضَ الْمُحَالِ وَاقِعًا جَائِزٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَى الْمَفْرُوضِ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ إذْ الْغَرَضُ وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فِي الْوَاقِعِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ لَا يَقَعَ وَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } وقَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى أَنَّ كَوْنَهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَكَوْنَهُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ وَنَحْوِهِمَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَادَةِ مَشْكُوكًا فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ وَكُلُّ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ يَحْسُنُ تَعْلِيقُهُ بِأَنْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ سَوَاءً كَانَ مَعْلُومًا لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلسَّامِعِ أَوْ لَا فَظَهَرَ أَنَّ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَالْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا الْمَشْكُوكُ فِيهِ وَإِذَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْمَشْكُوكُ وَالْمَعْلُومُ .

( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَأَنَّ جَزَاءَهُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَأَنَّهَا أُمُورٌ عَشَرَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْلِيقُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَزَلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْأَزَلِ فَيَسْتَحِيلُ تَعْلِيقُهُ حِينَئِذٍ وَجَعَلَهُ شَرْطًا لَكِنَّهُ وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقًا عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ } { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } { إنَّمَا أَمْرُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } وَ { إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } وَ { إنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ } وَفِي السُّنَّةِ { مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ } وَمَنْ هَا هُنَا شَرْطِيَّةٌ فَإِنْ قُلْت : كَيْفَ تُورِدُ السُّؤَالَ بِلَوْ مَعَ أَنَّك قَدْ قَدَّمْت أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي فَلَا يَكُونُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهَا لَازِمًا حَتَّى يَرِدَ بِهَا السُّؤَالُ ؟ قُلْت مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي وَلَكِنْ لَا يُمْنَعُ دُخُولُهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ .
وَنَحْنُ نَعْلَمُ هَا هُنَا أَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ جَعَلَنَا مَلَائِكَةً لَكِنَّا مَلَائِكَةً لَكِنَّا لَسْنَا مَلَائِكَةً فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَاضِيًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْآيَاتِ فَالسُّؤَالُ بِهَا لَازِمٌ .
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ تَعَلُّقَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ قِسْمَانِ : قِسْمٌ وَاقِعٌ

وَقِسْمٌ مُقَدَّرٌ مَفْرُوضٌ لَيْسَ وَاقِعًا فَالْوَاقِعُ هُوَ أَزَلِيٌّ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْهُ شَرْطًا أَلْبَتَّةَ وَالْمُقَدَّرُ هُوَ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا أَنْ نَرُدَّكُمْ مَلَائِكَةً كُنْتُمْ مَلَائِكَةً وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِهِدَايَةِ نَفْسٍ اهْتَدَتْ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتِنَا لِكَوْنِ شَيْءٍ كَانَ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِإِهْلَاكِ قَرْيَةٍ وَكَانَ السَّبَبُ فِي إهْلَاكِهَا أَمْرُ مُتْرَفِيهَا فَيَفْسُقُونَ وَمَتَى فُرِضَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ فِيكُمْ خَيْرًا آتَاكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ النَّظَائِرِ فَجَمِيعُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ تَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ مُقَدَّرٌ لَا أَنَّهُ وَاقِعٌ وَالْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ أَمْرٌ مُتَوَقَّعٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ أَزَلِيًّا فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّعْلِيقُ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْت بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَزَلِيٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ فِي الْأَزَلِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلْنَا مَلَائِكَةً وَلَوْ شَاءَ هِدَايَةَ نَفْسٍ لَاهْتَدَتْ وَالْعِلْمُ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ فَيَكُونُ الْعِلْمُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ فَرْعُ تَحَقُّقِ التَّقْدِيرِ لَكِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ أَزَلِيٌّ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَزَلِيًّا فَيَمْتَنِعُ تَعْلِيقُهُ قُلْت : الْوَاقِعُ فِي الْأَزَلِ هُوَ الْعِلْمُ بِارْتِبَاطِ الْهِدَايَةِ وَالْعِلْمُ بِارْتِبَاطِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَ ذَيْنِكَ الشَّيْئَيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ فِي الْأَزَلِ ارْتِبَاطَ الرِّيِّ بِالشُّرْبِ وَالشِّبَعِ بِالْأَكْلِ فَعِلْمُهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَزَلِيٌّ .
وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَادِثَةٌ كَذَلِكَ هَا هُنَا يَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْأَزَلِ ارْتِبَاطَ الْهِدَايَةِ بِفَرْضِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا فَيَكُونُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ قَدِيمًا وَالْمَعْلُومُ وَهُوَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ حَادِثَانِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا الْعِلْمُ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ أَيْ تَابِعٌ لِتَقْدِيرِهِ فِي زَمَانِهِ مَاضِيًا كَانَ

أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَنَعْلَمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ فَعِلْمُنَا حَاضِرٌ وَمَعْلُومُنَا مُسْتَقْبَلٌ لَكِنَّ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى عِلْمِنَا بِالرُّتْبَةِ الْعَقْلِيَّةِ هُوَ تَقْدِيرُ الْمَعْلُومِ فِي زَمَانِهِ لَا ذَاتُ الْمَعْلُومِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَأَثْبِتْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ الْخَبَرُ تَابِعٌ لِلْمُخْبَرِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَإِنْ قُلْت : الِارْتِبَاطُ بَيَّنَ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى الْهِدَايَةَ وَالْهِدَايَةُ أَزَلِيٌّ فَإِنَّ هَذَا الِارْتِبَاطَ وَاجِبٌ عَقْلًا وَالْوَاجِبَاتُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَقْبَلُ الْعَدَمَ وَمَا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ أَزَلِيٌّ فَالِارْتِبَاطُ أَزَلِيٌّ وَقَدْ جُعِلَ شَرْطًا مَعَ أَنَّهُ أَزَلِيٌّ قُلْت : لَمْ يُجْعَلْ الِارْتِبَاطُ شَرْطًا بَلْ الْمُرْتَبَطُ بِهِ خَاصَّةً وَهُوَ الْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ أَمَّا الِارْتِبَاطُ بِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا أَصْلًا وَلَا تَنَافِي بَيْنَ قِدَمِ الِارْتِبَاطِ وَحُدُوثِ الْمُرْتَبِطِ وَالْمُرْتَبَطِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِارْتِبَاطَ وَاقِعٌ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَكْوَانِ الَّتِي هِيَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ وَأَنَّ هَذَا الِارْتِبَاطَ وَاجِبٌ عَقْلًا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَجْسَامُ وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ وَسِرُّهُ أَنَّ الِارْتِبَاطَ حُكْمٌ وَنِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ لَا تَقْبَلُ الْوُجُودَ الْخَارِجِيَّ بَلْ الذِّهْنِيَّ فَقَطْ كَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِحَالَةِ حُكْمَانِ أَزَلِيَّانِ وَالْمُمْكِنَاتُ حَادِثَةٌ .

قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَأَنَّ جَزَاءَهُ أَيْضًا كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْأُمُورِ الْمُشْتَرَطَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا ) قُلْتُ : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُرُوفَ الشَّرْطِ تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ سَائِرِ مَا ذَكَرَ مَعَ الشَّرْطِ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتُ : كَيْفَ تُورِدُ السُّؤَالَ بِلَوْ مَعَ أَنَّك قَدْ قَدَّمْت أَنْ مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي فَلَا يَكُونُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهَا لَازِمًا حَتَّى يَرِدَ بِهَا السُّؤَالُ قَالَ : قُلْتُ : مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ دُخُولُهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ هَا هُنَا أَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ جَعَلَنَا مَلَائِكَةً لَكُنَّا مَلَائِكَةً لَكِنَّا لَسْنَا مَلَائِكَةً فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَاضِيًا ) قُلْتُ : جَوَابُهُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً وَإِنَّمَا دَخَلَتْ لَوْ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا وَحَمْلُ الْمَشِيئَةِ عَلَى وُقُوعِ مُتَعَلِّقِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ الْحَادِثُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَالسُّؤَالُ وَارِدٌ .
قَالَ : ( وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ تَعَلُّقَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ قِسْمَانِ : قِسْمٌ وَاقِعٌ وَقِسْمٌ مُقَدَّرٌ مَفْرُوضٌ لَيْسَ وَاقِعًا فَالْوَاقِعُ هُوَ أَزَلِيٌّ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْهُ شَرْطًا أَلْبَتَّةَ ) .
قُلْتُ : مَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَزَلِيِّ شَرْطًا وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ دَعْوَاهُ أَنَّ إنْ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهَا عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِتَسْلِيمِهِ أَنَّهَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ .
قَالَ : ( وَالْمُقَدَّرُ هُوَ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَتَى

فُرِضَ إرَادَتُنَا أَنْ نَرُدَّكُمْ مَلَائِكَةً كُنْتُمْ مَلَائِكَةً وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِهِدَايَةِ نَفْسٍ اهْتَدَتْ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِكَوْنِ شَيْءٍ كَانَ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِإِهْلَاكِ قَرْيَةٍ كَانَ السَّبَبُ فِي إهْلَاكِهَا أَمْرَ مُتْرَفِيهَا فَيَفْسُقُونَ .
وَمَتَى فُرِضَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ فِيكُمْ خَيْرًا آتَاكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ النَّظَائِرِ فَجَمِيعُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ تَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ مُقَدَّرٌ لَا أَنَّهُ وَاقِعٌ وَالْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ أَمْرٌ مُتَوَقَّعٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ أَزَلِيًّا فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّعْلِيقُ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ ) قُلْتُ : هَذَا الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي زَعَمَ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ فَارِضُ ذَلِكَ الْفَرْضِ أَوْ يُرِيدَ أَنَّ غَيْرَهُ هُوَ فَارِضُ ذَلِكَ الْفَرْضِ فَإِنَّ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ بِالْوَاقِعِ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ هُنَا خَطَأٌ صُرَاحٌ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتَ : بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَزَلِيٌّ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ ) قُلْتُ : وَهَذَا السُّؤَالُ مِنِّي عَلَى جَوَازِ مِثْلِ هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَالسُّؤَالُ سَاقِطٌ وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتَ : الِارْتِبَاطُ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْهِدَايَةَ وَالْهِدَايَةُ أَزَلِيٌّ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ ) قُلْتُ : السُّؤَالُ وَارِدٌ قَالَ : ( قُلْتَ : لَمْ يَجْعَلْ الِارْتِبَاطَ شَرْطًا بَلْ الْمُرْتَبَطُ بِهِ خَاصَّةً وَهُوَ الْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ أَمَّا الِارْتِبَاطُ بِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا أَصْلًا ) .
قُلْتُ : الْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ لَا تَصِحُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَجَوَابُهُ بَاطِلٌ .
قَالَ : ( وَلَا تَنَافِي بَيْنَ قِدَمِ الِارْتِبَاطِ وَحُدُوثِ الْمُرْتَبِطِ وَالْمُرْتَبِطَةِ ) قُلْتُ : بَلْ ذَلِكَ مُتَنَافٍ فَإِنَّ الْحَادِثَ

لَا يَتَّصِفُ بِالْقَدِيمِ كَمَا أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَتَّصِفُ بِالْحَادِثِ .
قَالَ : ( أَلَا تَرَى أَنَّ الِارْتِبَاطَ وَاقِعٌ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَكْوَانِ الَّتِي هِيَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ الْعِلْمِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَقَوْلُهُ كَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِحَالَةِ حُكْمَانِ أَزَلِيَّانِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَا ذِهْنِيَّيْنِ أَوْ خَارِجِيَّيْنِ فَإِنْ كَانَا ذِهْنِيَّيْنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا أَزَلِيَّيْنِ وَلَا ذِهْنَ فِي الْأَزَلِ وَإِنْ أَرَادَ خَارِجِيَّيْنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَالْمُسْتَحِيلُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا فَوَصْفُهُ كَذَلِكَ وَالْإِمْكَانُ لَيْسَ بِأَزَلِيٍّ فَوَصْفُهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا مَعْلُومَانِ لِلَّهِ فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ لِعِلْمِهِ تَعَالَى وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الثَّمَانِيَةِ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَزَلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْأَزَلِ وَلَا دَاعِيَ لِتَكَلُّفِ الْجَوَابِ عَنْ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا أَمْرُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } { إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } { إنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ } فَتَنَبَّهْ .

( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) نَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهَا : حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا طَلُقَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِأَجْلِ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَتَى وَلَا يَلْزَمُ بِهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى نَصِّهِمْ عَلَى الْعُمُومِ التَّكْرِيرُ تَحْقِيقًا لِلْعُمُومِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى فَرْدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّمَا لَمَّا كَانَتْ لِلْعُمُومِ تَكَرَّرَ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَرَّرَ دُخُولُهَا فِي عِدَّتِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَتَى مَا وَكُلَّمَا وَمَا مَعْنَى مَا فِيهِمَا ؟ .
وَالْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : عَامٍّ عَلَى عَامٍّ وَمُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَمُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ وَعَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى عَامٍّ فَهُوَ نَحْوُ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَّقَ جَمِيعَ الطَّلَقَاتِ عَلَى جَمِيعِ الدَّخَلَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّفْرِيقِ لِإِفْرَادِ الطَّلَاقِ عَلَى إفْرَادِ الدُّخُولِ لَا عَلَى وَجْهِ اجْتِمَاعِ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ إفْرَادِ الدُّخُولِ فَلَا جُرْمَ لَزِمَ بِكُلِّ دَخْلَةٍ طَلْقَةٌ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَّقَ مُطْلَقَ الطَّلَاقِ عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ فَإِذَا وَجَدَ مُطْلَقَ الدُّخُولِ لَزِمَ مُطْلَقُ الطَّلَاقِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَإِنْ وَإِذَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ وَهُوَ أَنَّ إذَا

تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ مُطَابَقَةً وَالشَّرْطُ يَعْرِضُ لَهَا فَيَلْزَمُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَقَدْ تُعَرَّى عَنْ الشَّرْطِ وَتُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا مُجَرَّدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى } فَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَمَعْنَاهُ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ حَالَةَ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ حَالَةَ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ الْحَالَاتِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَتَعْظِيمُ الشَّيْءِ فِي أَعْظَمِ حَالَاتِهِ مُنَاسِبٌ وَأَمَّا إنْ فَتَدُلُّ عَلَى الشَّرْطِ مُطَابَقَةً وَعَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا عَكْسُ إذَا فَإِنَّ الدُّخُولَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَمَانٍ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَهُمَا مُتَعَاكِسَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِطْلَاقِ وَبَقِيَتْ أُمُورٌ أُخَرُ تَخْتَصُّ بِهَا إذَا نَحْوَ الْأَسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا لَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهَا هُنَا .
( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ نَحْوَ مَتَى وَأَيْنَ وَحَيْثُ فَهَذِهِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ طَلْقَةً وَاحِدَةً كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ أَوْ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَهَذِهِ الصِّيَغُ هِيَ أَبْلَغُ صِيَغِ الْعُمُومِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَمَا تَقُولُ : الْحَجُّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَتُصَرِّحُ بِالْعُمُومِ فِي الْعُمُرِ وَتُرِيدُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَمَظْرُوفُهُ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ .
وَهُوَ مُطْلَقُ الْحَجِّ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً فِي عُمُرِهِ يَبْقَى بَقِيَّةَ عُمُرِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا حَجٌّ كَذَلِكَ إذَا لَزِمَهُ بِزَمَانٍ وَاحِدٍ فِي مَتَى وَأَيْنَ أَوْ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَيْثُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَتَبْقَى بَقِيَّةُ الْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا طَلَاقٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ

الصِّيَغَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ قُلْت : فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِإِذَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا فِي مَتَى إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ يَظْهَرُ أَثَرُ الْعُمُومِ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْعُمُومِ كَيْفَ يُقْضَى بِهِ وَنَحْنُ إنَّمَا قَضَيْنَا بِالْعُمُومِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ مَثَلًا مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ إلَّا بِظُهُورِ أَثَرِ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ يَسْتَحِقُّ وَمَنْ أَحْرَمَ اسْتَحَقَّ مَانِعُهُ الذَّمَّ فَإِذَا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَاتَّحَدَتْ الْأَحْكَامُ بَيْنَ الْمُطْلَقَاتِ وَالْعُمُومَاتِ وَكَانَ الطَّلَاقُ فِي زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِيهِمَا كَانَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ فِي أَحَدِهِمَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمًا مَحْضًا وَالتَّحَكُّمُ الْمَحْضُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالْعُلَمَاءُ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَيْنَ فَهِمَ الْعُلَمَاءُ الْعُمُومَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَعَادَ الْإِشْكَالُ ؟ قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْأَمْرُ بِقَتْلِهِمْ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى { حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ وَثَالِثُهَا قَوْله تَعَالَى { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ } مَعْنَاهُ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كُنْتُمْ وَرَابِعُهَا قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ } مَعْنَاهُ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كَانُوا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَإِذَا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ إلَّا الْعُمُومُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وَضْعِهَا لَهُ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهَا لِلْعُمُومِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي جَمِيعِ صِيَغِ الْعُمُومِ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا

أُضِيفَ عَمَّ نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحُكْمُ بِالطَّهُورِيَّةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَاءِ وَجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَيْتَةِ وَأَيْنَ وَحَيْثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُ جِنْسِ الْمَكَانِ وَهُمَا مُضَافَانِ لِمَا بَعْدَهُمَا بَلْ الْإِضَافَةُ لَازِمَةٌ لَهُمَا فَيَكُونَانِ لِلْعُمُومِ فَإِنْ قُلْتَ : ذَلِكَ يَبْطُلُ بِإِذَا وَإِذْ وَعِنْدَ وَوَرَاءَ وَقُدَّامَ وَبَقِيَّةِ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِ وَسِوَى وَشِبْهِ وَمِثْلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ مَعَ وُجُودِ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ فِي حَيْثُ وَأَيْنَ قُلْتُ : الْتَزَمَ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْعُمُومِ .
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ كُلَّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى صِيَغِ الْعُمُومِ إنَّمَا يَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ خَاصَّةً فَإِذَا قُلْتَ : كُلُّ رِجْلٍ لَهُ دِرْهَمٌ إنَّمَا يَعُمُّ الرِّجَالَ وَلَوْ قُلْتَ : كُلُّ حَيَوَانٍ إنَّمَا عَمَّ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا وَلَوْ قُلْنَا : كُلُّ نَبِيٍّ اخْتَصَّ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا يَتَعَدَّى الْعُمُومُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ : إذَا قَالَ الْقَائِلُ : إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي زَمَنِ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت : آتِيك إذَا جَاءَ زَيْدٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ زَمَانِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك مَالٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ حَوْزَتِك وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ } عَامٌّ فِي جَمِيعِ بِقَاعِنَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَمْوَالِنَا وَمَمْلُوكَاتِنَا وَكَذَلِكَ وَرَاءَكَ وَأَمَامَكَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْبِقَاعِ الَّتِي هِيَ وَرَاءَكَ وَأَمَامَكَ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا نِهَايَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدٍّ أُشِيرَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ اللَّفْظُ فِيهِ حَقِيقَةً وَكَانَ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِهَاتِ السِّتِّ عَامَّةٌ فِي مُسَمَّيَاتِهَا وَأَمَّا غَيْرُ وَشِبْهُ وَسِوَى وَمِثْلُ

فَإِنَّهَا لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَمَا لَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ كَانَ وُجُودُ الْإِضَافَةِ فِيهِ كَعَدَمِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ بِخِلَافِ أَيْنَ وَحَيْثُ فَإِنْ قُلْت : لَمْ نَجِدْ أَحَدًا عَدَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَكُتُبِ النَّحْوِ .
( قُلْت ) : كَفَاهُمْ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا قَوْلُهُمْ اسْمُ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَصِيرُ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ جَلَسْت مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ أَوْ فِي كُلِّ الْبِقَاعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَلَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَكُونُ الْعُمُومُ ثَابِتًا لِلظَّرْفِ وَكَذَلِكَ هَا هُنَا فَصَحَّ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّ اللَّازِمَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَتَنَافَى ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاقَضُ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) الَّذِي بَقِيَ مِنْ التَّقْسِيمِ فِي الْقَاعِدَةِ وَهُوَ تَعْلِيقُ عَامٌّ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ فَهَذَا الْقِسْمُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ ثَلَاثٌ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ : لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْعَدَدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْعُمُومِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فِي الزَّمَانِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي فَهَذَا الْقِسْمُ مَوْجُودٌ فِي اللُّغَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ وَلَمْ أَجِدْهُ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ كَمَا هُوَ فِي كُلَّمَا وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى وَأَيْنَمَا وَحَيْثُمَا أَنَّ مَا فِي الْجَمِيعِ زَمَانِيَّةٌ فَمَعْنَى قَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ زَمَانٍ تَدْخُلِينَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَجَعَلَ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا ظَرْفًا لِحُصُولِ طَلْقَةٍ فَيَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ فِي تِلْكَ الظُّرُوفِ تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ .
وَمُقْتَضَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ فِي

كُلِّ زَمَانٍ طَلْقَةٌ أَمَّا مَتَى مَا فَمَتَى لِلزَّمَانِ الْمُبْهَمِ لَا لِلْمُعَيَّنِ حَتَّى نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى مَنْعِ قَوْلِنَا مَتَى تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَإِنَّ زَمَنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُتَعَيِّنٌ فَيَمْتَنِعُ السُّؤَالُ عَنْهُ بِمَتَى بِخِلَافِ قَوْلِك مَتَى يَقْدَمُ زَيْدٌ فَإِنَّ زَمَنَ قُدُومِ زَيْدٍ مُبْهَمٌ وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهَا الزَّمَانَ الْمُبْهَمَ وَمَا أَيْضًا مَعْنَاهَا الزَّمَانُ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ زَمَانَ زَمَانَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَكَانَ فِي مَعْنَى إعَادَةِ اللَّفْظِ وَأَنَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ زَمَانَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ أَنْتِ فِيهِ طَالِقٌ بِخِلَافِ قَوْلِك كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْإِحَاطَةَ وَالشُّمُولَ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَالتَّكْرَارُ فِيهِ كَقَوْلِك كُلَّمَا أَكْرَمْت زَيْدًا أَكْرَمَنِي أَيْ إكْرَامُهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ إكْرَامِي وَأَمَّا حَيْثُمَا وَأَيْنَمَا فَهُوَ مَكَانٌ أُضِيفَ إلَى زَمَانٍ وَتَقْدِيرُهُ مَكَانَ زَمَانَ دُخُولِكِ الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ التَّكْرَارُ بَلْ تَطْلُقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَكَانِ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهَذَا هُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَالْفُرُوقِ بَيْنَهَا وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا .

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ ( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ نَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ : لَهَا حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا فَطَلُقَتْ ، ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِأَجْلِ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَتَى مَا لِلْعُمُومِ وَلَا يَلْزَمُ بِهَا إلَّا طَلْقَةُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَى آخِرِ تَقْرِيرِهِ السُّؤَالَ ) قُلْتُ : وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْوَاقِعَةِ لِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَتَى مَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَتَى دُونَ مَا كَحَيْثُ وَأَيْنَ وَقَدْ قَالَ : فِي آخِرِ إيرَادِ السُّؤَالِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى مَا وَمَا مَعْنَى مَا فِيهِمَا فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ تَمْثِيلَهُ بِمَتَى إنَّمَا هُوَ بِإِثْبَاتِ مَا .
قَالَ : ( وَالْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى عَامٍّ وَمُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَمُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ وَعَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ نَحْوُ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِي هَذَا الْقِسْمِ ) قُلْتُ : إنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْمُعَلِّقِ بِلَفْظٍ عَامٍّ مِثْلَ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَمِيعَ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ أَوْ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِعَامٍّ وَكَيْفَ وَهُوَ أَتَى بِهِ بَعْدُ فِي مِثَالِ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ قَالَ : ( وَالْقِسْمُ الثَّانِي تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَ : فِي هَذَا الْقِسْمِ ) قُلْتُ : قَدْ نَقَصَ قَوْلُهُ أَنَّ إذَا لِلْإِطْلَاقِ بَعْدَ هَذَا وَقَالَ : إنَّهَا لِلْعُمُومِ وَقَوْلُهُ فِي أَنَّ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الزَّمَانِ وَإِنَّمَا الدَّالُّ الْفِعْلُ الَّذِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31