كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ جَرِّ السَّلَفِ النَّفْعَ لِلْمُسْلَفِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فَيَجُوزُ دَفْعُ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَرْضًا تَرْجِيحًا لِمَصْلَحَةِ الْإِحْسَانِ عَلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقَرْضَ مُسْتَثْنًى مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الرِّبَا لُغَةً الزِّيَادَةُ وَلَا زِيَادَةَ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَالرِّبَا شَرْعًا الْمَمْنُوعُ وَالْقَرْضُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِ أَنَّ دِينَارًا بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ الَّذِي شَأْنُهُ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُكَايَسَةُ وَالْمُغَابَنَةُ ، وَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ الَّذِي شَأْنُهُ الْمُسَامَحَةُ وَالْمُكَارَمَةُ فَهُمَا أَصْلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لِلْآخَرِ ، فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ قَالَ ( وَهَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قَدَّمَ الشَّرْعُ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ ( وَمِنْ الصُّوَرِ الَّتِي مَصْلَحَتُهَا تَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَكِنْ تَرَكَ الشَّرْعُ تَرْتِيبَ الْإِيجَابِ عَلَيْهَا رِفْقًا بِالْعِبَادِ إلَى قَوْلِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ نُبْذَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَصْلَحَةَ السِّوَاكِ تَقْتَضِي الْإِيجَابَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَفَاسِدَ أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا وَذَلِكَ رَأْيُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَلَيْسَ رَأْيُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَفْظُهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمُرَادِهِ .
قَالَ ( وَيَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُعَارَضَتُهَا لِلْمُحَرَّمِ

وَمُعَارَضَةُ مَفْسَدَةِ التَّحْرِيمِ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةَ إيجَابٍ ، بَلْ أَعْظَمَ مِنْ أَصْلِ الْإِيجَابِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ عِظَمُهَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مُعَاوَضَةَ لِأَنَّهَا أَصْلَانِ مُتَغَايِرَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمُعَارَضَةِ فَقَوْلُهُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ دَعْوَى وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهَا إلَّا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ أَعْظَمُ مِمَّا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ مِنْ فُحْشِ الْخَطَأِ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ الَّتِي هِيَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ وَهَلْ فَوْقَ الْإِيجَابِ رُتْبَةٌ هِيَ أَعْلَى مِنْهُ هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ وَفِي مَهْوَاةِ الِاعْتِزَالِ وَالتَّفَلْسُفِ تَوْرِيطٌ .
قَالَ ( فَإِذَا وَقَعَ الْقَرْضُ لِيَجُرَّ نَفْعًا بَطَلَتْ مَصْلَحَةُ الْإِحْسَانِ بِالْمُكَايَسَةِ فَتَبْقَى مَفْسَدَةُ الرِّبَا سَلِيمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فِيمَا يَحْرُمُ بِهِ الرِّبَا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ ) قُلْت إذَا دَخَلَ غَرَضُ انْتِفَاعِ الْمُسْلِفِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ السَّلَفِ كَمَا قَالَ وَلَا مَدْخَلَ لِلْمُعَارَضَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ مُتَغَايِرَانِ عَلَى مَا سَبَقَ قَالَ ( وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمَا خَالَفَا مَقْصُودَ الشَّارِعِ وَأَوْقَعَا مَا لِلَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ وَجْهُ تَحْرِيمٍ مَا لَا رِبًا فِيهِ كَالْعُرُوضِ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي التَّحْرِيمِ ) قُلْت فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَقْسِيمٍ لَا كَلَامَ مَعَهُ فِيهِ وَمَا قَالَهُ بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ

.
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي ضَبْطِ هَذَا الشَّرْطِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إنْ خَالَفَ الثَّمَنَ جِنْسًا وَمَنْفَعَةً جَازَ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ أَوْ اتَّفَقَا امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ الشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ ، فَيَكُونُ قَرْضًا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلدَّافِعِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ دَارَتْ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِلْقَابِضِ فَالْجَوَازُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْعُ لِصُورَةِ الْمُبَايَعَةِ وَلِلْمُسْلِفِ رَدُّ الْعَيْنِ وَهَا هُنَا اشْتَرَطَ الدَّافِعُ رَدَّ الْمِثْلِ فَهُوَ غَرَضٌ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَوْلَانِ الْجَوَازُ لِلِاخْتِلَافِ وَالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دُونَ الْجِنْسِ جَازَ لِتَحَقُّقِ الْمُبَايَعَةِ .

( الشَّرْطُ الثَّانِي ) السَّلَامَةُ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلَمَ شَاةٌ فِي شَاتَيْنِ مُتَقَارِبَيْ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ حَتَّى صَارَ أَصْلًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ انْدَفَعَ دِينَارٍ لِأَخْذِ عِوَضِهِ دِينَارًا لِأَجْلِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُسَامَحَةُ وَالْمُكَارَمَةُ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُكَايَسَةُ وَالْمُغَابَنَةُ ، فَيَكُونُ مَمْنُوعًا فَإِذَا دَخَلَ السَّلَفُ غَرَضَ انْتِفَاعِ الْمُسْلَفِ بَطَلَتْ حَقِيقَتُهُ الَّتِي هِيَ قَصْدُ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَآلَ الْآمِرُ إلَى حَقِيقَةِ قَصْدِ الْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَضَابِطُ هَذَا الشَّرْطِ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ إنْ خَالَفَ الثَّمَنَ جِنْسًا ، وَمَنْفَعَةً جَازَ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ أَوْ اتَّفَقَا امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يُسْلَمَ الشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ ، فَيَكُونُ قَرْضًا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلدَّافِعِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ دَارَتْ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِلْقَابِضِ فَالْجَوَازُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْعُ لِصُورَةِ الْمُبَايَعَةِ وَلِلْمُسْلَفِ رَدُّ الْعَيْنِ وَهَاهُنَا اشْتَرَطَ الدَّافِعُ رَدَّ الْمِثْلِ فَهُوَ غَرَضٌ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَوْلَانِ الْجَوَازُ لِلِاخْتِلَافِ وَالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَنْفَعَةُ دُونَ الْجِنْسِ جَازَ لِتَحَقُّقِ الْمُبَايَعَةِ .

( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ وَهُوَ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ فِي بَيَانِ سِرِّهِ وَذَلِكَ بَيَانُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَقِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْقُبْلَةِ وَالتَّعَانُقِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْمَحَاسِنِ ، وَلِذَلِكَ لَا نُوجِبُ فِيهَا عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ شَرْعًا ، وَلَوْ كَانَتْ تَقْبَلُ الْقِيمَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَوَجَبَتْ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ أَمْ لَا كَالْأَزْبَالِ وَأَرْوَاثِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ مِنْ الْمَنَافِعِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَالضَّمَانُ فِي الذِّمَمِ مِنْ قَبِيلِ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ الْمُعَاوَضَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِلْعُقَلَاءِ كَالْقُبْلَةِ ، وَأَنْوَاعُ الِاسْتِمْتَاعِ مَقْصُودَةٌ لِلْعُقَلَاءِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ، وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ يُسْتَدَلُّ بِالدَّلِيلِ النَّافِي لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى تِلْكَ الصُّوَرِ .

( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) السَّلَامَةُ مِنْ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ جَذَعٌ فِي نِصْفِ جَذَعٍ مِنْ جِنْسِهِ وَسَرَّهُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ( قِسْمٌ ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ ( وَقِسْمٌ ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْقُبُلِ وَالتَّعَانُقِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَحَاسِنِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَلِذَلِكَ لَمْ نُوجِبْ فِيهَا شَيْئًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ شَرْعًا ، وَلَوْ كَانَتْ تَقْبَلُ الْقِيمَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَوَجَبَ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الشَّرْعِيَّةِ ( وَقِسْمٌ ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ هَلْ يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ أَمْ لَا كَالْأَزْبَالِ وَأَرْوَاثِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَكَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ مِنْ الْمَنَافِعِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الذِّمَمِ وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِلْعُقَلَاءِ إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِيهَا لَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ ، وَأَمَّا ؛ لِأَنَّهَا كَالْقُبْلَةِ وَأَنْوَاعُ الِاسْتِمْتَاعِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْعُقَلَاءِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ ( الشَّرْطُ الرَّابِعُ ) السَّلَامَةُ مِنْ النَّسَاءِ فِي الرِّبَوِيِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ النَّقْدَانِ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ لَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسَاءُ وَذَلِكَ إمَّا اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا يَرَاهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِمَّا اتِّفَاقُ الْجِنْسِ عَلَى مَا يَرَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِمَّا اعْتِبَارُ الطَّعْمِ مَعَ الْجِنْسِ عَلَى مَا يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي عِلَّةِ النَّسَاءِ ا هـ .
وَإِمَّا عَلَى مَا يَرَاهُ ابْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَفِي الْإِقْنَاعِ مَعَ شَرْحِهِ كُلُّ

شَيْئَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا عِلَّةَ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ كَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مُدَّ بُرٍّ جِنْسَهُ أَيْ يَبْرَأُ وَبَاعَ مُدَّ بُرٍّ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ كَبَاقِلَّا وَعَدَسٍ وَأَرُزٍّ وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ بِأَنْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِجِنْسِهِ أَيْ بِحَدِيدٍ أَوْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ كَرَصَاصٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ا هـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ .
( الشَّرْطُ الْخَامِسُ ) أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ فَيَمْتَنِعُ سَلَمُ خَشَبَةٍ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ نَعَمْ سَيَأْتِي عَنْ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ أَنَّ الضَّبْطَ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ يَقُومُ مَقَامَ الضَّبْطِ بِالصِّفَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُغْنِي عَنْ الشَّرْطِ السَّابِعِ الْآتِي لَا سِيَّمَا إذَا أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ لِقَوْلِ صَاحِبِ سُلَّمِ الْعُلُومِ ، وَلَوْ اسْتَقْرَيْت عَلِمْت أَنَّ الْمُمْكِنَةَ الْعَامَّةَ أَعَمُّ الْقَضَايَا وَالْمُمْكِنَةُ الْخَاصَّةُ أَعَمُّ الْمَرْكَبَاتِ وَالْمُطْلَقَةُ الْعَامَّةُ أَعَمُّ الْفِعْلِيَّات وَالضَّرُورِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ أَخَصُّ الْبَسَائِطِ وَالْمَشْرُوطَةُ الْخَاصَّةُ أَخَصُّ الْمُرَكَّبَاتِ عَلَى وَجْهٍ ا هـ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّرْطَ السَّابِعَ يَتَضَمَّنُ الْإِطْلَاقَ الْعَامَّ وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ فَافْهَمْ ( الشَّرْطُ السَّادِسُ ) أَنْ يَقْبَلَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ النَّقْلَ حَتَّى يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى امْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ الدُّورُ وَالْعَقَارُ وَعَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ الثِّمَارَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ

مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا سَائِرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَمَنَعَ ذَلِكَ دَاوُد وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ مَصِيرًا إلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَنْضَبِطُ مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالرَّقِيقُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ إلَى أَنَّ السَّلَمَ فِيهِمَا جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَعُمْدَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ } ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِنَهْيِهِ أَيْضًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ مَا رُوِيَ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قِلَاصِ الصَّدَقَةِ فَأَخَذَ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ } .
وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ أَيْضًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ بِكْرًا } قَالُوا ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا تُعَارِضُ الْآثَارَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالثَّانِي تَرَدُّدُ الْحَيَوَانِ بَيْنَ أَنْ يُضْبَطَ بِالصِّفَةِ أَوْ لَا يُضْبَطُ فَمَنْ نَظَرَ إلَى تَبَايُنِ الْحَيَوَانِ فِي الْخَلْقِ وَالصِّفَاتِ وَبِخَاصَّةِ صِفَاتِ النَّفْسِ قَالَ لَا تَنْضَبِطُ ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى تَشَابُهِهَا قَالَ تَنْضَبِطُ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ

فِي الْبَيْضِ وَالدَّرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ السَّلَمَ فِي الْبَيْضِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ بِالْعَدَدِ ، وَكَذَلِكَ فِي اللَّحْمِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَكَذَلِكَ فِي الدَّرِّ وَالْغُصُوصِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ ا هـ .
( الشَّرْطُ السَّابِعُ ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ فَلَا يُسْلَمُ فِي الْجُزَافِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُقَدَّرًا لَا جُزَافًا ، ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُقَدَّرًا لَا جُزَافًا وَالتَّقْدِيرُ فِي السَّلَمِ يَكُونُ بِالْكَيْلِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ وَبِالْوَزْنِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَزْنُ وَبِالذَّرْعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ وَبِالْعَدَدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ أَحَدُ هَذِهِ التَّقْرِيرَاتِ انْضَبَطَ بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْجِنْسِ مَعَ ذِكْرِ الْجِنْسِ إنْ كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً أَوْ مَعَ تَرْكِهِ إنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَاشْتُرِطَ ذَلِكَ أَيْ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا ، وَلَيْسَ يُحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ نَصٌّ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْجُزَافِ إلَّا فِيمَا يَعْظُمُ الْغَرَرُ فِيهِ .
وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ السَّلَمُ عِوَضٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِهِ كَالثَّمَنِ وَطَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ أَوْ الصِّفَةُ وَالْأَوَّلُ يَمْتَنِعُ فَتَعَيَّنَ الْوَصْفُ ا هـ .
( الشَّرْطُ الثَّامِنُ ) ضَبْطُ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ بِاخْتِلَافِهَا نَفْيًا لِلْغَرَرِ أَيْ أَوْصَافُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَثْمَانُ عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ اخْتِلَافًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً

كَالنَّوْعِ أَيْ الصِّنْفُ كَرُومِيٍّ وَحَبَشِيٍّ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالتَّوَسُّطِ فِي كُلِّ مُسْلَمٍ فِيهِ وَاللَّوْنُ فِي الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ وَالْعَسَلِ وَمَرْعَاهُ وَفِي التَّمْر وَالْحُوتِ وَالنَّاحِيَةِ وَالْقَدْرِ وَفِي الْبُرِّ وَجِدَّتِهِ وَمَلَئِهِ إنْ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِهِمَا وَسَمْرَاءَ وَمَحْمُولَةٌ بِبَلَدِهِمَا بِهِ ، وَلَوْ بِالْحَمْلِ بِخِلَافِ مُصَرِّفًا لِمَحْمُولَةِ وَالشَّامُ فَالسَّمْرَاءُ وَنَفْيُ الْغَلَتِ وَفِي الْحَيَوَانِ وَسِنِّهِ وَالذُّكُورَةِ وَالسِّنِّ وَضِدَّيْهِمَا وَفِي اللَّحْمِ وَخَصِيًّا وَرَاعِيًا وَمَعْلُوفًا لَا مِنْ كَجَنْبٍ وَفِي الرَّقِيقِ وَالْقَدِّ وَالْبَكَارَةِ وَاللَّوْنِ وَكَالدَّعَجِ وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ وَفِي الثَّوْبِ وَالرِّقَّةِ وَالصَّفَاقَةِ وَضِدَّيْهِمَا وَفِي الزَّيْتِ الْمُعْصَرِ مِنْهُ وَبِمَا يُعْصَرُ اُنْظُرْ خَلِيلًا وَشُرَّاحَهُ وَبِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ .

.
( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) فِي الشَّرْطِ التَّاسِعِ وَهُوَ مَنْعُ السَّلَمِ الْحَالِّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اشْتَرَى جَمَلًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيرَةِ ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ إنِّي لَمْ أَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاغَدْرَاهُ فَاسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْقًا وَأَعْطَاهُ } فَجَعَلَ الْجَمَلَ قُبَالَةَ وَسْقٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ السَّلَمُ الْحَالُّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْبُيُوعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَجَلُ ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا فَلْيَجُزْ مُنَجَّزًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْآيَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ ، وَعَنْ الثَّانِي إنْ صَحَّ ، فَلَيْسَ يُسْلَمُ ، بَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى تَمْرٍ مُعَيَّنٍ مَوْصُوفٍ فَلِذَلِكَ قَالَ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا ، وَاَلَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ بِالشِّرَاءِ ، لَكِنْ لَمَّا رَأَى رَغْبَةَ الْبَدْوِيِّ فِي التَّمْرِ اقْتَرَضَ لَهُ تَمْرًا آخَرَ ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى التَّمْرِ ، فَيَكُونُ ثَمَنًا لَا مَثْمُونًا ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ مِنْ خَصَائِصِ الثَّمَنِ ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِلْمُكَايَسَةِ ، وَالتَّعْجِيلُ يُنَاسِبُهَا وَالسَّلَمُ مَوْضُوعُهُ الرِّفْقُ وَالتَّأْجِيلُ يُنَاسِبُهُ وَالتَّعْجِيلُ يُنَافِيهِ وَيَبْطُلُ مَدْلُولُ الِاسْمِ بِالْحُلُولِ فِي السَّلَمِ وَلَا يَبْطُلُ مَدْلُولُ الْبَيْعِ بِالتَّأْجِيلِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ فِي الْمُكَايَسَةِ بِالتَّأْجِيلِ ، وَلَمْ تَصِحَّ

مُخَالَفَةُ السَّلَمِ بِالتَّعْجِيلِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الرَّابِعِ ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ فَرْعُ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ هَا هُنَا ، بَلْ التَّبَايُنُ ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ مُؤَجَّلًا لِلرِّفْقِ ، وَالرِّفْقُ لَا يَحْصُلُ بِالْحُلُولِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، بَلْ يَنْتَفِي أَلْبَتَّةَ سَلَّمْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْغَرَرِ مَعَ الْحُلُولِ ، بَلْ الْحُلُولُ فِي السَّلَمِ غَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى بَيْعِهِ مُعَيَّنًا حَالًّا فَعُدُولُهُ إلَى السَّلَمِ قَصْدٌ لِلْغَرَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَالْأَجَلُ يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالْحُلُولُ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُعَيِّنُ الْغَرَرَ ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمُعَيَّنِ أَكْثَرُ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَعَيَّنَهُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الثَّمَنِ فَيَنْدَرِجُ الثَّمَنُ الْحَالُّ فِي الْغَرَرِ فَيَمْتَنِعُ قَوْلُهُ أَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ عَزِيزٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَظُنُّونَ بِهَذَا الْقِيَاسِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَحْكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْبَحْثِ انْعِكَاسُهُ عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ أَنَّهُ غَرَرٌ لَا أَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ أَوْجَدُ لِلْغَرَرِ ، ثُمَّ نَقُولُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي السَّلَمِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَالثَّمَنِ

( الشَّرْطُ التَّاسِعُ ) أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ الْحَالُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ وَعَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ جَوَازُ السَّلَمِ الْحَالِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مُحْتَجًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَثَانِيًا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اشْتَرَى جَمَلًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةُ .
فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ إنِّي لَمْ أَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاغَدْرَاه فَاسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْقًا وَأَعْطَاهُ } فَجَعَلَ الْجَمَلَ قُبَالَةَ وَسْقٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ السَّلَمُ الْحَالُّ وَثَالِثًا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَرَابِعًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْبُيُوعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَجَلُ وَخَامِسًا بِأَنَّ السَّلَمَ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا فَلْيَجُزْ مُنَجَّزًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } أَخَصَّ مِنْ الْآيَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَجَوَابُ الثَّانِي إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ سَلَمٌ كَيْفَ ، وَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى تَمْرٍ مُعَيَّنٍ مَوْصُوفٍ إذْ لَا يُقَالُ فِي الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا لِتَيَسُّرِهِ بِالشِّرَاءِ لَكِنْ لَمَّا رَأَى رَغْبَةَ الْبَدْوِيِّ فِي التَّمْرِ اقْتَرَضَ لَهُ تَمْرًا آخَرَ عَلَى أَنَّهُ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى التَّمْرِ ، فَيَكُونُ ثَمَنًا لَا مَثْمُونًا ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ مِنْ خَصَائِصِ الثَّمَنِ وَجَوَابُ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ أَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا التَّبَايُنُ لَا الشَّرِكَةُ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسٌ بِدُونِهَا أَمَّا فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَبِوَجْهَيْنِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَوْضُوعُ الْبَيْعِ الْمُكَايَسَةُ

وَالتَّعْجِيلُ يُنَاسِبُهَا وَمَوْضُوعُ السَّلَمِ الرِّفْقُ وَالتَّأْجِيلُ يُنَاسِبُهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ التَّعْجِيلَ يُنَافِي مَوْضُوعَ السَّلَمِ وَبِهِ يَبْطُلُ مَدْلُولُ الِاسْمِ وَالتَّأْجِيلُ لَا يُنَافِي مَوْضُوعَ الْبَيْعِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ مَدْلُولُ الِاسْمِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ فِي الْمُكَايَسَةِ بِالتَّأْجِيلِ وَلَمْ تَصِحَّ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةِ السَّلَمِ فِي الرِّفْقِ بِالتَّعْجِيلِ .
وَأَمَّا فِي الْخَامِسِ فَلِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ فَرْعُ الشَّرِكَةِ وَالرِّفْقُ الَّذِي يَحْصُلُ بِالتَّأْجِيلِ لَا يَحْصُلُ بِالْحُلُولِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا حُصُولَ الرِّفْقِ بِالْحُلُولِ أَيْضًا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْغَرَرِ مَعَ الْحُلُولِ ، بَلْ الْحُلُولُ فِي السَّلَمِ غَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى بَيْعِهِ مُعَيَّنًا حَالًا فَعُدُولُهُ إلَى السَّلَمِ قَصْدٌ لِلْغَرَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَالْأَجَلُ بِعَيْنِهِ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالْحُلُولُ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُعَيَّنُ الْغَرَرُ ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمُعَيَّنِ أَكْثَرُ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَعَيَّنَهُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الثَّمَنِ فَيَنْدَرِجُ الثَّمَنُ الْحَالُّ فِي الْغَرَرِ فَيَمْتَنِعُ قَوْلُهُ أَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ عَزِيزٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَظُنُّونَ بِهَذَا الْقِيَاسِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَحْكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْبَحْثِ انْعِكَاسُهُ عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ أَنَّهُ غَرَرٌ لَا أَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ ، بَلْ أَوْجَدُ لِلْغَرَرِ ، ثُمَّ نَقُولُ هُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي السَّلَمِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَالثَّمَنِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْأَجَلُ كَانَ مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ نَعَمْ وَذَهَبَ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ السَّلَمَ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ عَلَى

ضَرْبَيْنِ سَلَمٌ حَالٌّ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِمَّنْ شَأْنُهُ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَسَلَمٌ مُؤَجَّلٌ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَجَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) هَلْ يُقَدَّرُ بِغَيْرِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ مِثْلُ الْجُذَاذِ وَالْقِطَافِ وَالْحَصَادِ وَالْمَوْسِمِ ( وَالثَّانِي ) فِي مِقْدَارِ زَمَنِ الْأَيَّامِ وَتَحْصِيلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي مِقْدَارِهِ مِنْ الْأَيَّامِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَقْتَضِي بَلَدَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَضَرْبٌ يَقْتَضِي بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ السَّلَمُ فَإِنْ اقْتَضَاهُ فِي الْبَلَدِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَى الْيَوْمِ الْوَاحِدِ .
وَأَمَّا مَا يُقْتَضَى بِبَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ فِيهِ هُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَنْ جَعَلَ الْأَجَلَ شَرْطًا غَيْرَ مُعَلَّلٍ اشْتَرَطَ مِنْهُ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطًا مُعَلَّلًا بِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ اشْتَرَطَ مِنْ الْأَيَّامِ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ غَالِبًا .
وَأَمَّا الْأَجَلُ إلَى الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْآجَالِ يَسِيرٌ جَازَ ذَلِكَ إذْ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ وَشَبَّهَهُ بِالِاخْتِلَافِ الَّذِي يَكُونُ فِي الشُّهُورِ مِنْ قِبَلِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا كَثُرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قِبَلِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ لَمْ يُجِزْهُ هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَالْبِدَايَةِ وَقَيَّدَ

ابْنُ حَنْبَلٍ الْأَجَلَ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ عَادَةً كَالشَّهْرِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ وَفِي الْكَافِي أَوْ نِصْفُهُ أَوْ نَحْوُهُ هـ وَفِي شَرْحِهِ وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَا قَارَبَ الشَّهْرَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يُمَثِّلُ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ شَهْرٌ ( الشَّرْطُ الْعَاشِرُ ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا نَفْيًا لِلْغَرَرِ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَاشْتُرِطَ فِي الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ قَضَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَالْأَجَلُ الْمَجْهُولُ غَيْرُهُ مُقَيَّدٌ ، بَلْ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ا هـ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ مَعَ شَرْحِهِ وَأَنَّ شَرْطَهُ إلَى الْعِيدِ أَوْ إلَى رَبِيعٍ أَوْ إلَى جُمَادَى أَوْ إلَى النَّفْرِ مِنْ مِنًى وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ شَيْئَانِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ حَتَّى يُعَيَّنَ أَحَدُهُمَا لِلْجَهَالَةِ ا هـ .
وَقَدْ عَلِمْت الْخِلَافَ فِي تَقْدِيرِهِ بِغَيْرِ الْأَيَّامِ مِثْلُ الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِمَا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّافِعِيُّ ، وَكَذَا أَحْمَدُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِقْنَاعِ الْمُتَقَدِّمِ ( الشَّرْطُ الْحَادِي عَشَرَ ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ زَمَنَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يُسْلَمُ فِي فَاكِهَةِ الصَّيْفِ لِيَأْخُذَهَا فِي الشِّتَاءِ قَالَ الْخَرَشِيُّ الشَّرْطُ وُجُودُهُ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ ، بَلْ ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي الْأَجَلِ مَا عَدَا وَقْتَ الْقَبْضِ ، بَلْ ، وَلَوْ انْقَطَعَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ نَادِرًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ا هـ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ مَالِكٌ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ عَقَدَ السَّلَمَ ، وَقَالُوا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي غَيْرِ وَقْتِ إبَّانِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ

وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا فِي إبَّانِ الشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِبَّانَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُسْلِمُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَأَقَرَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْهُوا عَنْهُ } وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تُسْلِمُوا فِي النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا } وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْغَرَرَ يَكُونُ فِيهِ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي حَالِ الْعَقْدِ وَكَأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُعَيَّنًا ، وَهَذَا فِي الذِّمَّةِ وَبِهَذَا فَارَقَ السَّلَمُ بَيْعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ ا هـ .
وَقَالَ الْأَصْلُ السَّلَمُ فِيمَا يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ الْأَجَلِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاشْتَرَطَ اسْتِمْرَارَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ مُحْتَجًّا بِوُجُوهٍ ( الْأَوَّلُ ) احْتِمَالُ مَوْتِ الْبَائِعِ فَيَحِلُّ السَّلَمُ بِمَوْتِهِ فَلَا يُوجِبُ الْمُسْلِمَ وَفِيهِ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَكَانَ الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ كُلِّ سَلَمٍ ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ ، بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُ تَغْيِيرِ مَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبَقَاءُ الْإِنْسَانِ إلَى حِينِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ وَقَعَ الْمَوْتُ وَقَفَتْ التَّرِكَةُ إلَى الْإِبَّانِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْدُومًا قَبْلَ الْأَجَلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا عِنْدَهُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ ، فَيَكُونُ غَرَرًا فَيَمْتَنِعُ إجْمَاعًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ مُعَارَضٌ بِالْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْأَعْيَانِ فِي إبَّانِهَا ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّهُ مَعْدُومٌ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَ مَعْدُومًا

وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْعَدَمِ فِي السَّلَمِ إذْ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ الرِّفْقِ فِي السَّلَمِ إلَّا مَعَ الْعَدَمِ وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ السَّلَمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ ارْتِكَابُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ادِّعَاءِ وُجُودِهِ ، بَلْ نَجْعَلُهُ سَلَمًا فَقِيَاسُ بَيْعِ السَّلَمِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَصِحُّ ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّ الْمَعْدُومَ أَبْلَغُ فِي الْجَهَالَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ الْمَوْجُودِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ الْمَوْجُودَ لَهُ ثُبُوتٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ الْمَوْجُودِ بَاطِلٌ قَطْعًا فَيَبْطُلُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُنْضَبِطَةٌ مَعَ الْعَدَمِ بِالصِّفَاتِ وَهِيَ مَقْصُودُ عُقُودِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْنَعُهَا الْجَهَالَةُ دُونَ الْعَدَمِ فَيُنْتَقَضُ بِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ( الْوَجْهُ الْخَامِسُ ) أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ انْتِهَائِهَا بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَمُنَافَاةِ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فِيهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَيُنَافِي التَّحْدِيدُ أَوَّلَهُ دُونَ آخِرِهِ ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا مَعَ شُرُوطٍ كَثِيرَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَعْدَ فَكُلَّمَا يُنَافِي أَوَّلَهُ يُنَافِي آخِرَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ لُغَوِيٍّ وَالْعَدَمُ يُنَافِي آخِرَ الْأَجَلِ فَيُنَافِي أَوَّلَ الْعَقْدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَابُهُ إنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ اسْتِمْرَارِ آثَارِهَا وَنَظِيرُهُ هَاهُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَعَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَالِيَّةِ

أَلْبَتَّةَ ، بَلْ الْمَالِيَّةُ مَصُونَةٌ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَهَذَا الْعَمَلُ حِينَئِذٍ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الِانْتِهَاءِ مُطْلَقًا .
بَلْ يَتَأَكَّدُ مَذْهَبُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } ، وَهَذَا يَدُلُّ لَنَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ ثَمَرَ السِّنِينَ مَعْدُومٌ وَثَانِيهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْوُجُودَ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ وَقَّتَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَحَلًّا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ كَمَا بَعْدَ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى عَلَى التَّسْلِيمِ إنَّمَا تُطْلَبُ فِي وَقْتٍ اقْتِضَائِهِ أَمَّا مَا لَا يَقْتَضِيهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لِتَوَقُّعِ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ لِتَعَذُّرِ الْوُجُودِ فَيَتَأَخَّرُ الْقَبْضُ فَكَمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُلْغًى إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ الْآخَرُ وَقِيَاسًا عَلَى بُيُوعِ الْآجَالِ قَبْلَ مَحَلِّهَا ا هـ .
بِتَصَرُّفٍ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .

.
( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي عَشَرَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ الْأَجَلِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاشْتَرَطَ اسْتِمْرَارَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ مُحْتَجًّا بِوُجُودِهِ ( الْأَوَّلُ ) احْتِمَالُ مَوْتِ الْبَائِعِ فَيُحْمَلُ السَّلَمُ بِمَوْتِهِ فَلَا يُوجَدُ الْمُسْلَمُ فِيهِ ( الثَّانِي ) إذَا كَانَ مُعْدَمًا قَبْلَ الْأَجَلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْدَمًا عِنْدَهُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ ، فَيَكُونُ غَرَرًا فَيَمْتَنِعُ إجْمَاعًا ، ( الثَّالِثُ ) أَنَّهُ مَعْدُومٌ ، وَعِنْدَ الْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ فِي الْمَعْدُومِ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَ مَعْدُومًا ( الرَّابِعُ ) أَنَّ الْمَعْدُومَ أَبْلَغُ فِي الْجَهَالَةِ فَيَبْطُلُ قِيَاسًا عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ الْمَوْجُودَ لَهُ ثُبُوتٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ هُوَ نَفْيٌ مَحْضٌ ( الْخَامِسُ ) أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ انْتِهَائِهَا بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَمُنَافَاةِ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فِيهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَيُنَافِي التَّحْدِيدَ أَوَّلَهُ دُونَ آخِرِهِ ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا مَعَ شُرُوطٍ كَثِيرَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَعْدُ ، فَكُلَّمَا يُنَافِي أَوَّلَهُ يُنَافِي آخِرَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ ، وَالْعَدَمُ يُنَافِي آخِرَ الْأَجَلِ فَيُنَافِي أَوَّلَ الْعَقْدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَكَانَ الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ كُلِّ سَلَمٍ ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ ، بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُ تَغَيُّرِ مَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ بَقَاءُ الْإِنْسَانِ إلَى حِينِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ وَقَعَ الْمَوْتُ وَقَفَتْ التَّرِكَةُ إلَى الْإِبَّانِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ مُعَارَضٌ بِالْغَالِبِ

فَإِنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْأَعْيَانِ فِي إبَّانِهَا ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْعَدَمِ فِي السَّلَمِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْغَائِبِ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ادِّعَاءِ وُجُودِهِ ، بَلْ نَجْعَلُهُ سَلَمًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ ارْتِكَابُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ الرِّفْقِ فِي السَّلَمِ إلَّا مَعَ الْعَدَمِ وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ السَّلَمِ ، وَعَنْ الرَّابِعُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُنْضَبِطَةٌ مَعَ الْعَدَمِ بِالصِّفَاتِ وَهِيَ مَقْصُودُ عُقُودِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ ، ثُمَّ يُنْتَقَضُ مَا ذَكَرْتُمْ بِالْإِجَارَةِ تَمْنَعُهَا الْجَهَالَةُ دُونَ الْعَدَمِ ، وَعَنْ الْخَامِسِ إنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَكِنْ آكَدُ مِنْ اسْتِمْرَارِ آثَارِهَا وَنَظِيرُهُ هَا هُنَا بَعْضُ الْقَبْضِ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ ، وَعَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ وُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَالِيَّةِ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ الْمَالِيَّةُ مَصُونَةٌ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَهَذَا الْعَمَلُ حِينَئِذٍ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الِانْتِهَاءِ مُطْلَقًا ، بَلْ يَتَأَكَّدُ مَذْهَبُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } ، وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ وُجُوهٍ ، أَحَدُهَا أَنَّ ثَمَرَ السِّنِينَ مَعْدُومٌ ، وَثَانِيهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَرِّقْ ، وَثَالِثُهَا أَنَّ الْوُجُودَ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ وَقْتٌ

لَمْ يَجْعَلْهُ الْمُتَعَاقِدَانِ مَحَلًّا لِلسَّلَمِ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ كَمَا بَعْدَ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ إنَّمَا تُطْلَبُ فِي وَقْتِ اقْتِضَاءِ الْعَقْدِ لَهَا أَمَّا مَا لَا يَقْتَضِيهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لِتَوَقُّعِ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ لِتَعَذُّرِ الْوُجُودِ ، فَيَتَأَخَّرُ الْقَبْضُ فَكَمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُلْغًى إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ الْآخَرُ وَقِيَاسًا عَلَى أَثْمَانِ بُيُوعِ الْآجَالِ قَبْلَ مَحَلِّهَا .

( الشَّرْطُ الثَّانِي عَشَرَ ) أَنْ يَكُونَ مَأْمُونَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْأَجَلِ نَفْيًا لِلْغَرَرِ فَلَا يُسْلَمُ فِي الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ ( لَا يُقَالُ ) يُغْنِي عَنْ هَذَا الشَّرْطِ مَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ الشَّخْصُ إذَا اشْتَرَى ثَمَرَ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ اُشْتُرِطَ فِيهِ سِتَّةُ شُرُوطٍ ( أَحَدُهَا ) الْإِزْهَاءُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَهُ وَالزَّهْوُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ ( وَثَانِيهَا ) سَعَةُ الْحَائِطِ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَانْتِفَاءِ الْغَرَرِ ( وَثَالِثُهَا ) كَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ مُتَوَالِيًا أَوْ مُتَفَرِّقًا ، وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ لَا مَا شَاءَ ( وَرَابِعُهَا ) أَنْ يُسْلَمَ لِمَالِكِهِ إذْ قَدْ لَا يُجِيزُ بَيْعَهُ الْمَالِكُ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ ( وَخَامِسُهَا ) شُرُوعُهُ فِي الْأَخْذِ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا أَكْثَرَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَلْزِمَ أَجَلُ الشُّرُوعِ صَيْرُورَتَهُ تَمْرًا وَإِلَّا فَسَدَ ( وَسَادِسُهَا ) أَنْ يُشْتَرَطَ أَخْذُهُ لِكُلِّ مَا اشْتَرَاهُ حَالَ كَوْنِهِ بُسْرًا أَوْ رَطْبًا وَيَأْخُذُهُ بِالْفِعْلِ كَذَلِكَ فَيَفْسُدُ إنْ شَرَطَ تَتَمُّرَ الرُّطَبِ وَأَبْقَاهُ بِالْفِعْلِ عَلَى أُصُولِهِ حَتَّى يَتَتَمَّرَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّمْرِ فَيَدْخُلُهُ الْخَطَرُ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا عَدَا كَيْفِيَّةَ قَبْضِهِ مِنْ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْبَنَّانِيِّ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّفْرِقَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ نَظَرًا لِحَقِيقَةِ السَّلَمِ ، بَلْ كَانَتْ نَظَرًا لِلَفْظِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى كُلِّ بَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْحَائِطَ مُعَيَّنٌ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَقِيقَةُ السَّلَمِ لَا تَكُونُ فِي مُعَيَّنٍ كَمَا سَيَأْتِي لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مُغْنِيًا عَنْهُ

نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ عَلَى هَذَا لَيْسَ شَرْطًا خَاصًّا بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ وَشَرْطُ كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِلَفْظِ السَّلَمِ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ حَالًا مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ فَافْهَمْ ( الشَّرْطُ الثَّالِثَ عَشَرَ ) أَنْ يَكُونَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسْلَمُ فِي مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ فِي مُعَيَّنٍ بِتَأَخُّرِ قَبْضِهِ فَهُوَ غَرَرٌ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ حِين أَسْلَمَ فِي مُعَيَّنٍ صَارَ الضَّمَانُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَلَمَّا شَرَطَ تَأْخِيرَهُ فَقَدْ نَقَلَ الضَّمَانَ إلَى الْبَائِعِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَرَأْسُ الْمَالِ حِينَئِذٍ بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ثَمَنًا وَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ جَعَالَةً قَالَ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ فَفِيهِ بَيْعُ مُعَيَّنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ ا هـ .
قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مُعَيَّنٍ نَعَمْ أَجَازَ مَالِكٌ السَّلَمَ فِي قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً وَكَأَنَّهُ رَآهَا مِثْلَ الذِّمَّةِ ا هـ وَفِي عبق عَلَى الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ قِيلَ هَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَبْيِينِ صِفَاتِهِ وَلَا تَبْيِينَ فِي الْحَاضِرِ الْمُعَيَّنِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ التَّبْيِينَ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّبْيِينَ قَدْ يَكُونُ فِي غَائِبٍ مُعَيَّنٍ مَوْجُودٍ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلِهَذِهِ اُحْتِيجَ لِهَذَا الشَّرْطِ ا هـ ( الشَّرْطُ الرَّابِعَ عَشَرَ ) تَعْيِينُ مَكَانِ الْقَبْضِ بِاللَّفْظِ أَوْ الْعَادَةِ نَفْيًا لِلْغَرَرِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ مَكَانِ دَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَاشْتَرَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ

تَشْبِيهًا بِالزَّمَانِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْأَكْثَرُ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ اشْتِرَاطُهُ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ ا هـ .
فَاقْتَصَرَ الْأَصْلُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ مُعْتَمِدًا قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِي اصْطَفَى وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَةِ الْقَادَةِ الْأَعْلَامِ هَذَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ مِنْ إتْمَامِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السُّنِّيَّةِ عَلَى مَا يُرَامُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ بِوَجَاهَةِ وَجْهِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَلِّغَنِي إكْمَالَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ لِيَكْمُلَ بِكَمَالِهِ الْمَقْصُودُ بِحُسْنِ الْخِتَامِ وَالْفَوْزِ بِرِضَا الْمَوْلَى الْكَرِيمِ الْمُتَفَضِّلِ بِجَزِيلِ الْإِنْعَامِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ لِمَا يُؤْمِلُهُ الْآمِلُ مِنْ فَضْلِهِ حَقِيقٌ وَجَدِيرٌ .

الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَرْضِ وَقَاعِدَةِ الْبَيْعِ ) اعْلَمْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْقَرْضِ خُولِفَتْ فِيهَا ثَلَاثُ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ : قَاعِدَةُ الرِّبَا إنْ كَانَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامِ وَقَاعِدَةُ الْمُزَابَنَةِ ، وَهِيَ بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ إنْ كَانَ فِي الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَقَاعِدَةُ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فِي الْمِثْلِيَّاتِ ، وَسَبَبُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَصْلَحَةُ الْمَعْرُوفِ لِلْعِبَادِ فَلِذَلِكَ مَتَى خَرَجَ عَنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ امْتَنَعَ إمَّا لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةِ الْمُقْرِضِ أَوْ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالسَّلَفِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَعْرُوفِ مَعَ تَعَيُّنِ الْمَحْذُورِ ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ .
( سُؤَالٌ ) الْعَارِيَّةُ مَعْرُوفٌ كَالْقَرْضِ ، وَإِذَا وَقَعَتْ إلَى أَجَلٍ بِعِوَضٍ جَازَتْ ، وَإِنْ خَرَجَتْ بِذَلِكَ عَنْ الْمَعْرُوفِ فَلِمَ لَا يَكُونُ الْقَرْضُ كَذَلِكَ إذَا خَرَجَ بِالْقَصْدِ إلَى نَفْعِ الْمُقْرِضِ عَنْ الْمَعْرُوفِ يَجُوزُ .
( جَوَابُهُ ) إذَا وَقَعَتْ الْعَارِيَّةُ بِعِوَضٍ صَارَتْ إجَارَةً ، وَالْإِجَارَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الرِّبَا وَلَا تِلْكَ الْمَفَاسِدُ الثَّلَاثُ ، وَالْقَرْضُ بِالْعِوَضِ بَيْعٌ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الرِّبَا ، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الْعُرُوضِ هُوَ رِبًا فَيَحْرُمُ لِلْآيَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ .

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نَعْمَائِهِ الْمُزْهِرَةِ الرِّيَاضِ وَآلَائِهِ الْمُتْرَعَةِ الْحِيَاضِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُوَضِّحِ مَحَجَّةِ الدِّينِ بِأَبْيَنِ حُجَّةٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُهْتَدِينَ إلَى تَشْيِيدِ قَوَاعِدِ الْحَقِّ وَقَمْعِ كُلِّ لُجَّةٍ أَمَّا بَعْدُ : فَأَسْأَلُ اللَّهَ بِوَجَاهَةِ وَجْهِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ أَنْ يُسَهِّلَ لِي تَكْمِيلَ هَذَا الْجُزْءِ كَمَا يَسَّرَ لِي تَكْمِيلَ مَا قَبْلَهُ عَلَى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ .
( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَرْضِ وَقَاعِدَةِ الْبَيْعِ ) الْقَرْضُ فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ ، وَسُمِّيَ الْمَدْلُولُ الشَّرْعِيُّ قَرْضًا لِأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنْ مَالِ الْمُقْرِضْ أَيْ ذُو قِطْعَةٍ مِنْهُ ، وَفِي الشَّرْعِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَمْلِيكُ شَيْءٍ عَلَى أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ لَا عَاجِلًا تَفَضُّلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ عَارِيَّةٍ لَا تَحِلُّ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ ا هـ .
قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ عَلَى الْمِسْنَاوِيِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَمْلِيكُ مُتَمَوِّلٍ إلَخْ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجَدُ قَبْلَ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ ا هـ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مُتَمَوَّلٌ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ أَيْ كَقِطْعَةِ نَارٍ إذْ دَفْعُهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ إذْ لَا يُقْرَضُ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ فِي عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَهُ هِبَةً ، وَقَوْلُهُ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ أَيْ لِذَلِكَ الْمُتَمَوِّلِ ، وَقَوْلُهُ لَا عَاجِلًا أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ الْمِثْلِيَّةَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ لَوْلَا أَنْ يَخُصَّ الصَّحِيحَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ تَفَضُّلًا فَقَطْ إلَخْ أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّفْعِ تَفَضُّلًا بِأَنْ يَقْصِدَ الْمُسَلِّفُ نَفْعَ الْمُتَسَلِّفِ فَقَطْ لَا نَفْعَهُ ، وَلَا نَفْعَهُمَا ، وَلَا نَفْعَ أَجْنَبِيٍّ بِأَنْ يَقْصِدَ بِالدَّفْعِ لِزَيْدٍ نَفْعَ عَمْرٍو ، وَلِكَوْنِ عَمْرٍو يَعُودُ عَلَيْهِ

مَنْفَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَرْضِ كَأَنْ يَكُونَ لِعَمْرٍو دَيْنٌ عَلَى زَيْدٍ فَيُقْرِضَ زَيْدًا لِأَجْلِ أَنْ يَدْفَعَ لِعَمْرٍو دَيْنَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ فَاسِدٌ فَانْدَفَعَ تَنْظِيرُ الْبُنَانِيِّ فِي الْحَدِّ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الصُّوَرَ الْفَاسِدَةَ ، وَشَأْنُ التَّعْرِيفِ شُمُولُ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ ا هـ .
فَافْهَمْ ، وَقَوْلُهُ لَا يُوجِبُ إلَخْ أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّفْعِ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ نَفْسِ الْعَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ احْتِرَازًا مِنْ قَرْضٍ يُوجِبُ إمْكَانَ الْعَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فَلَا يَجُوزُ قَرْضُ جَارِيَةٍ تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ ا هـ .
بِزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ ، وَفِي الرَّهُونِيِّ وَكَنُونِ قَالَ الْحَطَّابُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ قَرْضِ جَارِيَةٍ تَحِلُّ إلَخْ مَا لَوْ أَمَرَتْ شَخْصًا يَبْتَاعُ لَك عَبْدَ فُلَانٍ مَثَلًا بِجَارِيَتِهِ هَذِهِ ، وَيَكُونُ عَلَيْك مِثْلُهَا ، وَكَذَا لَوْ أَمَرْتَهُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْك دَيْنًا بِهَا ، وَيَكُونُ عَلَيْك مِثْلُهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا غَايَةُ الْفُرُوجِ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ لِيَدِ الْمُسْتَقْرِضِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ، وَرُبَّمَا أَلْغَزَتْ فَيُقَالُ أَيْنَ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَحْرَمِ مِنْهَا فَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ الْأُولَى أَوْ تَقْضِي عَنْهُ فِي الدَّيْنِ ا هـ .
أَيْ الَّتِي هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الْبُنَانِيُّ فِي التَّوْضِيحِ أَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْحَمْدِيسِيَّةِ قَرْضَهُنَّ أَيْ الْجَوَارِي إذَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ عَيْنَهَا ، وَإِنَّمَا يَرُدَّ مِثْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا ، وَهُوَ نَفْلُ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ لَا تَبْعُدُ مُوَافَقَتُهُ لِلْمَشْهُورِ ا هـ .
وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ا هـ .
قَالَ الْخَرَشِيُّ وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ صِفَةٌ لِمُتَمَوَّلٍ فَيَجُوزُ جَرُّهُ وَنَصْبُهُ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مُتَمَوَّلٍ وَلِمَحَلِّهِ ا هـ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى زُورٌ بِمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا عَاجِلًا ، وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ ا هـ

وَبِالْجُمْلَةِ قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق إنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ إلَّا الْجَوَارِي يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْعَكْسَ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ ، وَلَا يَصِحُّ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ الْقَوْلُ بِأَنَّ جَلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ يَصِحُّ قَرْضُهُ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ دَفْعُ مُتَمَوِّلٍ إلَخْ .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَرْضٍ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ عَلَى أَنْ يُرَدَّ مِثْلُهُ ، وَمَسْأَلَتُنَا قَرْضُ وَيْبَاتٍ وَحَفَنَاتٍ فَغَيْرُ وَارِدَةٍ لِأَنَّ الطَّعَامَ مَثَلًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ يَجُوزُ قَرْضُهُ وَالسَّلَمُ فِيهِ ، وَالِاخْتِلَافُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ لَا يَضُرُّ ا هـ .
قَالَ كنون ، وَقَالَ الْبُنَانِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إلَخْ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُعَاوَضَةً ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ أَبُو عَلِيٍّ قَائِلًا ، وَالْقَرْضُ نَفْسُ بَيْعٍ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْمُكَايَسَةِ فَكَيْفَ يُقْرِضُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الْمُبَادَلَةُ فِيهِ أَيْ كَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ ا هـ .
وَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ خَلِيلٍ يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ فَقَطْ إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ ا هـ الْعَيْنُ لِأَنَّهُ يُسْلَمُ فِيهَا عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَعِيَاضٍ وَالْبَاجِيِّ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ الْقَرْضُ وَإِنْ كَانَ نَفْسَ بَيْعٍ إلَّا أَنَّهُ خُولِفَ فِيهِ ثَلَاثُ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) الرِّبَا إنْ كَانَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامِ ( وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) الْمُزَابَنَةُ ، وَهِيَ بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ إنْ كَانَ فِي الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ ( وَالْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك فِي الْمِثْلِيَّاتِ ، وَسَبَبُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَصْلَحَةُ الْمَعْرُوفِ ا هـ .
حَتَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَرْضُ شَيْءٍ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَتِهِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا { رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا : الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ } ، وَعَزَاهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَخَلْت الْجَنَّةَ فَوَجَدْت عَلَى بَابِهَا الصَّدَقَةُ بِعَشْرٍ وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ كَيْفَ صَارَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ ، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ ؟ ، قَالَ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ، وَالْقَرْضُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي يَدِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ } قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ : فِيهِ أَنَّ دِرْهَمَ الْقَرْضِ بِدِرْهَمَيْنِ صَدَقَةٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَنْفِيسَ كُرْبَةٍ وَإِنْظَارًا إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَرَدِّهِ ، فَفِيهِ عِبَادَتَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ دِرْهَمَيْنِ ، وَهُمَا بِعِشْرِينَ حَسَنَةً فَالتَّضْعِيفُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَهُوَ الْبَاقِي فَقَطْ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُسْتَرَدُّ ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ : ثَوَابُ الْأَصْلِ وَالْمُضَاعَفَةِ ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مِنْ فَضَّلَ الْقَرْضِ عَلَى الصَّدَقَةِ ا هـ .
أَفَادَهُ الرَّهُونِيُّ قَالَ الْأَصْلُ فَلِذَلِكَ مَتَى خَرَجَ عَنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ امْتَنَعَ إمَّا لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةِ الْمُقْرِضِ أَوْ لِتَرَدُّدٍ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالسَّلَفِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَعْرُوفِ مَعَ تَعَيُّنِ الْمَحْذُورِ ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ أَيْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَكَوْنُ الْعَارِيَّةِ مَعْرُوفًا كَالْقَرْضِ إلَّا أَنَّهَا تُفَارِقُهُ فِي أَنَّهَا تَجُوزُ إذَا وَقَعَتْ إلَى أَجَلٍ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْقَرْضِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ ، وَالْإِجَارَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الرِّبَا ، وَلَا تِلْكَ الْمَفَاسِدُ الثَّلَاثُ ، وَالْقَرْضُ بِالْعِوَضِ بَيْعٌ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ

الرِّبَا ، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الْعُرُوضِ هُوَ رِبًا فَيَحْرُمُ لِلْآيَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ا هـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ ) اعْلَمْ أَنَّ الصُّلْحَ فِي الْأَمْوَالِ دَائِرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أُمُورٍ : الْبَيْعُ إذَا كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ ، وَالصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ، وَالْإِجَارَةُ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْإِحْسَانُ ، وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْمُصَالِحُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي .
فَمَتَى تَعَيَّنَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ رُوعِيَتْ فِيهِ شُرُوطُ ذَلِكَ الْبَابِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } ، وَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ ، وَاحْتَجَّ بِوُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) أَنَّهُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ ، وَلَا عَنْ الْيَمِينِ ، وَإِلَّا لَجَازَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ ، وَلَجَازَ أَخْذُ الْعَقَارِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ بِغَيْرِ مَالٍ ، وَلَا هُوَ مِنْ الْخُصُومَةِ ، وَإِلَّا لَجَازَ عَنْ النِّكَاحِ وَالْقَذْفِ .
( الثَّانِي ) أَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ كَشِرَاءِ مَالِهِ مِنْ وَكِيلِهِ .
( الثَّالِثُ ) أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَالْبَيْعِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ بِحَقٍّ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَدَمُهُ .
نَعَمْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ ، وَأَمَّا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَةُ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ تَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ ، وَلَهُ بَيِّنَةَ فَلَهُ إقَامَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْعُذْرِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ مُطْلَقًا .
وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ مَعَ الْإِنْكَارِ ، وَنَلْتَزِمُ الْجَوَازَ فِي النِّكَاحِ

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجِيَّةَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينَ فَتَفْتَدِي بِيَمِينِهَا ، وَنَلْتَزِمُ الشُّفْعَةَ ، وَعَنْ الثَّانِي بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ مَعَ وَكِيلِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَدْعُوَا لِلْجَهْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِيرَاثًا مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثٍ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ ، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ، وَيَأْخُذُ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى الْأَخْذِ ، وَيَتَأَكَّدُ قَوْلُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } وَغَيْرِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى بَذْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي فِدَاءِ الْأَسَارَى وَالْمُخَالَعَةِ وَالظَّلَمَةِ وَالْمُحَارَبِينَ وَالشُّعَرَاءِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لِدَرْءِ الْخُصُومَةِ ، وَلِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْمُطَالَبَةِ فَيَكُونُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَالْإِبْرَاءِ ، وَيَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ كَالصُّلْحِ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ مَعَ الْإِنْكَارِ فَصَحَّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَيْهَا .
قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِ فَرْقًا بَيْنَ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الصُّلْحِ ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ ) وَهُوَ كَمَا يُشِيرُ لَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ إمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي أَعْيَانٍ فَقَطْ ، وَهُوَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ الصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهُ مُوَضَّحَةً فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَإِمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي مَنَافِعَ فَقَطْ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ ، وَهُوَ الْإِجَارَةُ ، وَلَهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَإِمَّا إحْسَانٌ ، وَهُوَ الْهِبَةُ ، وَلَهَا شُرُوطَ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَهَكَذَا وَأَمَّا الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى دَعْوَى ا هـ قَالَ كنون أَيْ ثَابِتَةٍ أَمْ لَا ا هـ .
فَالدَّعْوَى الثَّابِتَةُ كَانَ ثُبُوتُهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِسُكُوتٍ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعًا مِنْ أَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ ، وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَكُونُ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ هِبَةً ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُدَّعَى بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَإِنْ كَانَ أَعْيَانًا فَغَيْرُهُ الْمُصَالَحُ بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَيَكُونُ إجَارَةً ، وَإِنْ كَانَ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ مَنَافِعَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالصُّلْحُ إجَارَةٌ أَيْضًا ، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَاهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي عِوَضِ الْمَنَافِعِ ، وَهُوَ فِي الْغَالِبِ عَيْنٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بِغَيْرِهِ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ، وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ ، وَبِبَعْضِهِ هِبَةٌ ،

وَالدَّعْوَى الْغَيْرُ الثَّابِتَةِ ، لَا تَكُونُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ بِمَالٍ عَنْ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ، ابْنُ نَاجِي ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ حَيْثُ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ قَالَ الْبُنَانِيُّ يَجْرِي فِي الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى بِهِ مَا جَرَى عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَيْ ، وَلَوْ حُكْمًا مِنْ كَوْنِهِ إمَّا هِبَةً وَإِمَّا بَيْعًا ، وَإِمَّا صَرْفًا وَإِمَّا إجَارَةً إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى غَيْرِ الثَّابِتَةِ تَنْفَرِدُ عَنْ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا سَيَأْتِي ا هـ .
بِزِيَادَةٍ قَدْ سَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى كُلٍّ إلَّا دَائِرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْبَيْعُ إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ ، وَالصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ، وَالْإِجَارَةُ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ ، وَالْإِحْسَانُ إنْ كَانَ عَنْ بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ ، وَهُوَ مَا يُسْقِطُهُ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ وَبِهِ صَرَّحَ عبق أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى غَيْرِ الثَّابِتَةِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ بَلْ هُوَ دَفْعٌ عَنْ الْخُصُومَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَصَّهُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ ( الْأَوَّلُ ) أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي ( وَالثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُنْكِرَ يُقِرُّ ( وَالثَّالِثُ ) أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَيْ عَلَى ظَاهِرِ مَا يَطْرَأُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاصَمَةِ ، وَمَجْلِسِ الْفَصْلِ ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا ، وَهُوَ أَنْ لَا

تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ اُنْظُرْ شُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ فَلِذَا قَالَ الْأَصْلُ إنَّ الصُّلْحَ فِي الْأَمْوَالِ دَائِرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أُمُورٍ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ ، وَالصَّرْفِ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ، وَالْإِجَارَةِ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ ، وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْإِحْسَانِ ، وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْمُصَالَحُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي فَمَتَى تَعَيَّنَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ رُوعِيَتْ فِيهِ شُرُوطُ ذَلِكَ الْبَابِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } ا هـ .
مِنْهُ بِلَفْظِهِ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَبَطَ شُرُوطَ الصُّلْحِ الْمُخْتَلِفَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ الصُّلْحُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَنْدُوبٌ ا هـ .
إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ ابْنِ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ أَيْ فِي هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِ فَرْقًا بَيْنَ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الصُّلْحِ ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ا هـ بِلَفْظِهِ فَتَأَمَّلْهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ( وَصْلٌ ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ ا هـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ ، وَلَا عَنْ الْيَمِينِ ، وَإِلَّا لَجَازَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ ، وَلَجَازَ أَخْذُ الْعَقَارِ ، وَالْمُصَالِحَ بِهِ

بِالشُّفْعَةِ ، وَقَدْ انْتَقَلَ بِغَيْرِ مَالٍ ، وَلَا هُوَ عَنْ الْخُصُومَةِ ، وَإِلَّا لَجَازَ عَنْ النِّكَاحِ وَالْقَذْفِ ( وَجَوَابُهُ ) إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَدَمُهُ نَعَمْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حِينَئِذٍ بَلْ نَقُولُ هُوَ عِوَضٌ إمَّا عَنْ انْدِفَاعِ الْيَمِينِ عَنْهُ ، وَنَلْتَزِمُ جَوَازَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ تَتَخَرَّجُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ إقَامَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْعُذْرِ ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ مُطْلَقًا ا هـ .
وَإِمَّا عَنْ سُقُوطِ الْخُصُومَةِ عَنْهُ ، وَنَلْتَزِمُ الْجَوَازَ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجِيَّةَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينَ فَتَفْتَدِي بِيَمِينِهَا ا هـ .
وَنَلْتَزِمُ الشُّفْعَةَ ، وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ مَعَ الْإِنْكَارِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ كَشِرَاءِ مَالِهِ مِنْ وَكِيلِهِ ( وَجَوَابُهُ ) بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ مَعَ وَكِيلِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَالْبَيْعِ ( وَجَوَابُهُ ) أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَدْعُو لِلْجَهْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِيرَاثًا مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثٍ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ ا هـ .
وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ، وَيَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى الْأَخْذِ عَلَى أَنَّ

قَوْلَنَا يَتَأَكَّدُ بِوُجُوهٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) مَا وَرَدَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الصُّلْحِ فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } وقَوْله تَعَالَى { وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } ، وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِصَدَقَةٍ يَسِيرَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ إذَا تَقَاطَعُوا } ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصْلِحُونَ بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ } وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ فَضْلَ الْعَابِدِينَ فَلْيُصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ : إنَّ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا لَوْ جُمِعَتْ رَجَعَتْ بِأَجْمَعِهَا إلَى ثِنْتَيْنِ تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَالسَّعْيُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ وَمِنْ أَجْلِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُتَخَاصِمَيْنِ لِوِقَايَتِهِمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِصَامِ مِنْ قَبِيحِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ جَازَ الْكَذِبُ فِيهِ مُبَالَغَةً فِي وُقُوعِ الْأُلْفَةِ لِئَلَّا تَدُومَ الْعَدَاوَةُ ا هـ .
وَقَالَ الْفَشْنِيُّ وَيَجُوزُ الْكَذِبُ فِي الصُّلْحِ الْجَائِزِ ، وَهُوَ مَا لَا يُحِلُّ حَرَامًا ، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا مُبَالَغَةً فِي وُقُوعِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، قِيلَ تَمَنَّى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ يَسْقِي الْمَاءَ وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ا هـ

كَمَا فِي حَاشِيَةِ كنون عَلَى عبق .
قُلْت فَإِذَا جَازَ الْكَذِبُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ { إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } لِلْمُصْلِحِ مِنْ أَجْلِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الصَّدَقَةِ إلَخْ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ فِيهِ دَفْعُ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ لِلْآخَرِ الْمَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ الْجَهْلِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ ، وَلَا يَخْفَاك أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هُنَا فَرْقٌ آخَرُ غَيْرَ مَا مَرَّ بَيْنَ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ ، وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ يَجُوزُ فِيهِ دَفْعُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ الْجَهْلِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ فَافْهَمْ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى بَذْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى وَالْمُخَالَعَةِ وَالظَّلَمَةِ وَالْمُحَارَبِينَ وَالشُّعَرَاءِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لِدَرْءِ الْخُصُومَةِ .
( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْمُطَالَبَةِ فَيَكُونُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَالْإِبْرَاءِ فَكَمَا يُصْبِحُ الْإِبْرَاءُ مَعَ الْإِنْكَارِ كَذَلِكَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ قِيَاسًا ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ بِغَيْرِ مَالٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ إذْ الصُّلْحُ أَيْضًا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ كَالصُّلْحِ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ ) فَأَقُولُ مَتَى اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنْفَعَةِ ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ مُلِكَتْ بِالْإِجَارَةِ ، وَمَتَى انْخَرَمَ مِنْهَا شَرْطٌ لَا تُمْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِبَاحَةُ احْتِرَازًا مِنْ الْغِنَاءِ ، وَآلَاتِ الطَّرَبِ وَنَحْوِهِمَا .
الثَّانِي قَبُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ احْتِرَازًا مِنْ النِّكَاحِ .
الثَّالِثُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً احْتِرَازًا مِنْ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً احْتِرَازًا مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى السُّكْنَى كَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ .
الْخَامِسُ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ احْتِرَازًا مِنْ إجَارَةِ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا أَوْ الْغَنَمِ لِنِتَاجِهَا ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ إجَارَةُ الْمُرْضِعِ لِلَبَنِهَا لِلضَّرُورَةِ فِي الْحَضَانَةِ .
السَّادِسُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا احْتِرَازًا مِنْ اسْتِئْجَارِ الْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ .
السَّابِعُ أَنْ تَحْصُلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْإِجَارَةِ عَلَيْهَا كَالصَّوْمِ ، وَنَحْوِهِ .
الثَّامِنُ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْهُولَاتِ مِنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ آلَةً لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِهَا أَوْ دَارًا مُدَّةً غَيْرَ مَعْلُومَةٍ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ إذَا اجْتَمَعَتْ جَازَتْ الْمُعَاوَضَةُ ، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ الْمَنْعُ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً ، وَالْجَوَازُ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ مُنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا عِنْدَنَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَالْكَرَاهَةُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَتَخْصِيصُهَا

بِالْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلْوَقْفِ لِأَنَّ الْعَنْوَةَ عِنْدَنَا وَقْفٌ ، وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ } ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا ، وَإِنَّمَا رُوِيَ أَنَّ { خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَتَلَ قَوْمًا فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، وَهُوَ دَلِيلُ الصُّلْحِ .
( وَجَوَابُهُ ) يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمَّنَ تِلْكَ الطَّائِفَةَ ، وَعَصَمَ دِمَاءَهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ .
( سُؤَالٌ ) اعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَالنُّقُولِ أَنْ يَحْرُمَ كِرَاءُ دُورِ مِصْرَ وَأَرَاضِيهَا لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً ، وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْقَضَاءِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَعُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفُعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
( جَوَابُهُ ) إنَّ أَرَاضِيَ الْعَنْوَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا هَلْ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ لِلْإِمَامِ قِسْمَتُهَا كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَوْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ ، وَالْقَوَاعِدُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إذَا اتَّصَلَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فَإِذَا مَا حَكَمَ بِثُبُوتِ مِلْكٍ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ ، وَيَتَعَيَّنُ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَطَّرِدُ فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدُّورَ وَقْفٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الدُّورَ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ أَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَ دُورِ الْكُفَّارِ فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إجْمَاعًا ، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَى دُورُ

مَكَّةَ يُرِيدُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ ، وَالْيَوْمَ قَدْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ خَطَأً نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ أَوْ نَقُولُ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً لَيْسَ هَذَا بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا ، وَلَا مَذْهَبًا لَهُ يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِيهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ بَلْ هَذِهِ شَهَادَةٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ فُلَانٌ أَخَذَ مَالَهُ غَصْبًا أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فُتْيَا بَلْ شَهَادَةٌ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ إمَامٍ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمٍ بِسَبَبٍ اُتُّبِعَ فِيهِ ، وَكَانَ فُتْيَا وَمَذْهَبًا أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ أُمُورٍ لَا سَادِسَ لَهَا الْأَحْكَامُ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ ، وَالْأَسْبَابُ كَالْمُعَاطَاةِ .
وَالشُّرُوطُ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ ، وَالْمَوَانِعُ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ ، وَالْحِجَاجُ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ إنْ اُتُّفِقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ بَلْ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَقَوْلِك هَذَا طَرِيقُ زَيْدٍ إذَا اخْتَصَّ بِهِ أَوْ هَذِهِ عَادَتُهُ إذَا اخْتَصَّتْ بِهِ ، وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْقَائِلِ بِهِ ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَا يُقَالُ إنَّهَا مَذْهَبٌ يُقَلِّدُ فِيهِ بَلْ هُوَ إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ أَنَا جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةٌ ، وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بِقَوْلِهِ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا

أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ بِشُرُوطِهِ رَجَمْنَاهُ ، وَإِلَّا فَلَا فَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً أَوْ مَكَّةُ شَهَادَةٌ ، وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةً فَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ الْفَتْحَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ نَقَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ لَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ أَمْ لَا ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى .
وَهِيَ أَنَّ اللَّيْثَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا الْفَتْحُ وَقَعَ صُلْحًا فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحَدَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلُ فَتُقَدَّمُ أَوْ يُقَالُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَالْعُلَمَاءُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُفَاوِتَ نَحْنُ بَيْنَ عَدَالَتِهِمْ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا الْهُجُومَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِأَعْدَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ ، وَالْعَنْوَةُ وَالصُّلْحُ لَيْسَا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ نَقْلًا عَنْ أَحَدٍ بَلْ هِيَ اسْتِقْلَالٌ ، وَمُسْتَنَدُهَا السَّمَاعُ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ ، وَقَدْ عَدَّ الْأَصْحَابُ مَسَائِلَ السَّمَاعِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مِنْهَا لَكِنْ حَصَلَ الْمُعَارِضُ الْمَانِعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ لَك أَنَّ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً خَطَأٌ ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ لَا يُقَلَّدُ فِيهَا بَلْ تَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَاتِ ، وَكَمَا يَرِدُ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي الْعَنْوَةِ يَرِدُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا ، وَيَبْنُونَ عَلَى ذَلِكَ الْفُتْيَا بِالْإِبَاحَةِ ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا

مِمَّا يُقَلَّدُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ أَيْضًا بِالصُّلْحِ ، وَلَيْتَ شِعْرِي لَوْ أَنَّ حَاكِمًا شَافِعِيًّا جَاءَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ نَقْدًا ، وَقَدْ صَارَتْ خُلْعًا مِنْهُ هَلْ يَقْضِي بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ فَيَخْرِقَ الْإِجْمَاعَ أَوْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هُنَا كَذَلِكَ ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ .
وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ .

قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ ( أَوْ نَقُولُ قَوْلَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً هَذَا لَيْسَ بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ ) قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ شَهَادَةً بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ شَهَادَةٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا يَقْصِدُ الْمُخْبِرُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ ، وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا إشْعَارَ فِيهِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْخَبَرِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ قَالَ ( وَإِنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةً ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .
قَالَ ( وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ أَوْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هُنَا كَذَلِكَ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ شَهَادَةٌ حَتَّى يَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى آخَرَ مَعَهُ هَذَا كَلَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ كَوْنِ قَوْلِ مَالِكٍ شَهَادَةٌ ، وَذَلِكَ لِتَوَهُّمِ وَهْمٍ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ ( وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ ) قُلْت إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَائِلُ

مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِنَفِيسٍ قَالَ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ ) وَهُوَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَتَى اجْتَمَعَتْ فِيهَا ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ مُلِكَتْ بِالْإِجَارَةِ ، وَمَتَى انْخَرَمَ مِنْهَا شَرْطٌ مِنْ الثَّمَانِيَةِ لَا تُمْلَكُ وَالْمَنْفَعَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إضَافَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ فَتَخْرُجُ الْأَعْيَانُ ، وَنَحْوُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الدَّابَّةِ مَشَاعًا ، وَهِيَ رُكْنٌ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ ا هـ .
وَبَاقِي أَرْكَانِهَا أَرْبَعَةٌ كَمَا فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْعِوَضُ وَالصِّيغَةُ .

( الشَّرْطُ الْأَوَّلُ ) إبَاحَةُ الْمَنْفَعَةِ ، وَذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغِنَاءِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ وَنَحْوِهِمَا أَيْ كَالْإِجَارَةِ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ وَالدُّعَاءِ وَحَلِّ الْمَرْبُوطِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ قَالَ الْعَدَوِيُّ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْمَنْفَعَةَ جَازَ فَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ عَلَى حَلِّ الْمَعْقُودِ فَإِنْ كَانَ يَرْقِيهِ بِالرُّقْيَةِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ بِالرُّقَى الْعَجَمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ ، وَفِيهِ خِلَافٌ ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَيْ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ النَّفْعُ جَازَ انْتَهَى ا هـ وَقَالَ خَلِيلٌ فِي الْمُخْتَصَرِ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ ، وَلَا تَعْلِيمِ غِنَاءٍ أَوْ دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ أَيْ لِخِدْمَتِهِ أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً كَبَيْعِهَا لِذَلِكَ ا هـ .
قَالَ عبق ، وَمِثْلُ تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ تَعْلِيمُ آلَاتِ الطَّرَبِ كَالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَى الْعِوَضِ فَرَّعَ ثُبُوتَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُعَوَّضِ ، وَلِخَبَرِ { أَنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ } ا هـ .
وَقَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ قَضِيَّةُ أَنَّ حُكْمَ الْغِنَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ الْكَرَاهَةُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ مَكْرُوهَةً لَا حَرَامًا ا هـ .
وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ لِشَيْءٍ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ مِثْلُ أَجْرِ النَّوَائِحِ ، وَأَجْرِ الْمُغَنِّيَاتِ ا هـ .
أَيْ ، وَمِثْلُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَنْعَةِ آنِيَةِ مِنْ نَقْدٍ كَمَا فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ .

( الشَّرْطُ الثَّانِي ) قَبُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ احْتِرَازًا مِنْ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْأَصْلِ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا أَرَادَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ فَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ الْمُجْتَهِدِ ابْنِ رُشْدٍ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ ، وَجَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّحْرِيمُ فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَفِي بَعْضِهَا يَوْمَ الْفَتْحِ ، وَفِي بَعْضِهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَفِي بَعْضِهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَفِي بَعْضِهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَفِي بَعْضِهَا عَامَ أَوْطَاسٍ ا هـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِتَصَرُّفٍ .
وَأَمَّا إجَارَةُ الْفُحُولِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالدَّوَابِّ لِلنُّزُوِّ فَفِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ فَحْلَهُ عَلَى أَنْ يَنْزُوَ أَكْوَامًا مَعْلُومَةً ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَا الشَّافِعِيُّ ، وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ ، وَمَنْ أَجَازَهُ شَبَّهَهُ بِسَائِرِ الْمَنَافِعِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَغْلِيبُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ ا هـ الْمُحْتَاجِ مِنْهُ .
وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فِيمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } فَإِنَّهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ ، وَلَمْ يَرِدْ هُنَا نَاسِخٌ إلَّا أَنَّهَا إجَارَةُ عَيْنٍ أَجَّلَهَا ، وَسَمَّى عِوَضَهَا ، وَهُوَ عَقَدُهُ عَلَى إحْدَى ابْنَتَيْهِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا الصُّغْرَى الَّتِي أَرْسَلَهَا فِي طَلَبِهِ ، وَقِيلَ الْكُبْرَى ، وَلَا يَرِدُ عَدَمُ تَبْعِيضِ الْبُضْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ تَبْعِيضُ الْعِوَضِ فَلِذَا زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَةَ بَعْضُهُ فِي تَعْرِيفِ الْإِجَارَةِ

بِقَوْلِهِ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يُعْقَلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبَعُّضِهَا ا هـ .
وَنَمْنَعُ كَوْنَ الِانْتِفَاعِ بِالْبُضْعِ لَيْسَ مُتَمَوِّلًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ امْرَأَةً وَوَطِئَهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ .

( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً احْتِرَازًا مِنْ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ أَيْ بِالْمَالِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَاسْتِئْجَارِ نَارٍ لِيُوقِدَ مِنْهَا سِرَاجًا ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَنْ قَالَ ارْقَ هَذَا الْجَبَلَ وَلَك كَذَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ قَالَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي فُرُوعٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ هَلْ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا كَالْمُصْحَفِ وَالْأَشْجَارِ لِلتَّجْفِيفِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق قَالَ الْخَرَشِيُّ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي مَنْعِهِ إجَارَتَهُ ا هـ .
قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّ إجَارَتَهُ كَأَنَّهَا ثَمَنُ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ ثَمَنٌ لِلْوَرَقِ ، وَالْخَطِّ فَابْنُ حَبِيبٍ يُوَافِقُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ ، وَيُخَالِفُ فِي إجَارَتِهِ فَقَدْ بِيعَتْ الْمَصَاحِفُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا ا هـ .
وَفِي الْأَصْلِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ا هـ أَيْ ، وَأَجْزَأَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يَتَأَثَّرُ الشَّجَرُ بِهِ ، وَيَنْقُصُ مَنْفَعَةُ كَثِيرَةٍ مِنْهُ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ تَتَقَوَّمُ كَمَا فِي عبق ، وَفِي الْخَرَشِيِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ، وَالْخِلَافُ فِيهَا خِلَافٌ فِي حَالٍّ هَلْ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا ا هـ .

( الشَّرْطُ الرَّابِعُ ) أَوْ تَكُونُ أَيْ الْمَنْفَعَةُ مَمْلُوكَةً احْتِرَازًا مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى السُّكْنَى كَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ ، وَكَذَا كُلُّ بِلَادٍ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً ، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مَكَّةَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا مُحْتَجًّا بِمَا رُوِيَ { أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَتَلَ قَوْمًا فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، وَهُوَ دَلِيلُ الصُّلْحِ ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً مُحْتَجِّينَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا وَدَى الطَّائِفَةَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ } لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّنَهُمْ وَعَصَمَ دِمَاءَهُمْ جَمِيعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَكَانَ مُقْتَضَى اتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَنْ لَا يَقُولُوا بِجَوَازِ كِرَاءِ دُورِهَا لَا سِيَّمَا ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَرْضَ زِرَاعَةٍ أَوْ أَرْضَ دُورٍ كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ .
( الْأُولَى ) الْمَنْعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ تُحْفَةُ الْمُرِيدِ السَّالِكِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ا هـ .
وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ( وَالثَّانِيَةُ ) الْجَوَازُ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ أَيْضًا ، وَفِي مُقَدِّمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ

ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَةُ ذَلِكَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا كَمَا فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ قَالَ ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْقُضَاةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ قَالَ ، وَبِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَطَاوُسٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ ا هـ .
( وَالثَّالِثَةُ ) الْكَرَاهَةُ قَالَ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَنْ ذَهَبَ إلَى كَرَاهَةِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَكِرَائِهَا ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ فِي الْمُوَازَنَةِ ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ مَالِكًا ا يَكْرَهُ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَصَدَ بِالْكِرَاءِ الْآلَاتِ وَالْأَخْشَابَ جَازَ ، وَإِنْ قَصَدَ فِيهِ الْبُقْعَةَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ ا هـ .
قَالَ الْحَطَّابُ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا أَيْ لِلتَّنْزِيهِ ا هـ .
( وَالرَّابِعَةُ ) تَخْصِيصُهَا أَيْ الْكَرَاهَةِ بِالْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ ، وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلْوَقْفِ قَالَ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ أَيْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْهُ أَيْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَهَا فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَاصَّةً انْتَهَى ، وَهَكَذَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ أَيْضًا ا هـ .
وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا فِي مَشْهُورِهِمْ الْمَذْكُورِ مَكَّةَ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَتَكُونُ أَرْضُ مَكَّةَ وَدُورُهَا مِلْكًا لِأَهْلِهَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْدَةِ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً غَيْرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَأَرْضُهَا إذًا وَدُورُهَا لِأَهْلِهَا ، وَلَكِنْ أَوْجَبَ اللَّهُ

عَلَيْهِمْ التَّوْسِيعَ عَلَى الْحُجَّاجِ إذَا قَدِمُوهَا فَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ كِرَاءً فِي مَسَاكِنِهَا فَهَذَا حُكْمُهَا فَلَا عَلَيْك بَعْدَ هَذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا ، وَإِنْ كَانَتْ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً انْتَهَى كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) قَالَ الْأَصْلُ ، وَمِثْلُهُ لِسَنَدٍ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ هَلْ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ لِلْإِمَامِ قَسْمُهَا كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَوْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إذَا اتَّصَلَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ ، وَتَعَيَّنَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ ، وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا قِيلَ إنَّ مُقْتَضَى أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ لَا تُمْلَكُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كِرَاءُ دُورِ مِصْرَ وَأَرَاضِيهَا فَإِنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي كِتَابِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَغَيْرِهِ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً ، وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْقُضَاةِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ ، وَعُقُودِ الْإِجَارَاتِ ، وَالْأَخْذِ بِالشُّفَعَاءِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهَا ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَا قِيلَ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً كَمَكَّةَ زَادَ الْأَصْلُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الدُّورَ وَقْفٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الدُّورَ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ أَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَ دُورِ الْكُفَّارِ فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إجْمَاعًا ، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ مَثَلًا يُرِيدُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ ، وَالْيَوْمُ قَدْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ خَطَأً نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ أَيْ تَخْطِئَةُ

الْقَضَاءِ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ ثَابِتَةٌ ا هـ .
كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ أَيْ هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ ، وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً تَخْطِئَةُ الْقُضَاةِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا ، وَمَذْهَبٌ لَهُ يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ شَهَادَةٌ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فُلَانٌ أَخَذَ مَاله غَصْبًا ، وَخَالَعَ امْرَأَتَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنْ يَكُونَ أَحَدَ خَمْسَةِ أُمُورٍ لَا سَادِسَ لَهَا ( أَحَدُهَا ) الْأَحْكَامُ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ ( وَثَانِيهَا ) الْأَسْبَابُ كَالْمُعَاطَاةِ ( وَثَالِثُهَا ) الشُّرُوطُ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ ( وَرَابِعُهَا ) الْمَوَانِعُ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ ( وَخَامِسُهَا ) الْحِجَاجُ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ ( وَالثَّانِي ) أَنْ يَخْتَصَّ بِالْقَوْلِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ، وَيُخَالِفُهُ غَيْرُهُ فِيهِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ إلَّا مَا اخْتَصَّ بِهِ كَقَوْلِك هَذِهِ طَرِيقُ زَيْدٍ إذَا اخْتَصَّ بِهِ أَوْ هَذِهِ عَادَتُهُ إذَا اخْتَصَّتْ بِهِ أَمَّا إذَا انْتَفَى الِاخْتِصَاصُ بِأَنْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَلَا غَيْرِهِ بَلْ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهَا مَذْهَبٌ يُقَلَّدُ فِيهِ بَلْ هُوَ إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ إمَامٍ زَيْدٌ زَنَى فَكَمَا لَا نُوجِبُ الرَّجْمَ بِذَلِكَ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ بِشُرُوطِهِ رَجَمْنَاهُ ، وَإِلَّا فَلَا كَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فُتِحَتْ مِصْرُ أَوْ

مَكَّةُ عَنْوَةً شَهَادَةٌ ، وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةً ، وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ الْفَتْحَ تَعَيَّنَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَقَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَنْ غَيْرِهِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يُدْرَى هَلْ أَذِنَ لَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ أَمْ لَا ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا الْفَتْحُ وَقَعَ صُلْحًا فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحَدَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلُ فَتُقَدَّمَ أَوْ يُقَالُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إذْ الْعُلَمَاءُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُفَاوِتَ نَحْنُ بَيْنَ عَدَالَتِهِمْ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا الْهُجُومَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ ، وَلَيْسَ الْعَنْوَةُ ، وَالصُّلْحُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ ( وَالْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَنْ أَحَدٍ بَلْ هِيَ اسْتِقْلَالٌ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ مُسْتَنَدُهَا السَّمَاعُ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ عَدُّوا الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَسَلَّمْنَا أَنَّهَا مِنْهَا لَكِنْ حَصَلَ الْمُعَارِضُ الْمَانِعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ، وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً شَهَادَةٌ لَا مَذْهَبٌ لَهُ حَتَّى يُقَلَّدَ فِيهِ فَتَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَاتِ ظَهَرَ تَخْطِئَةُ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ تَخْطِئَةُ مَنْ يُفْتِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِإِبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِمَّا يُقَلَّدُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِذَلِكَ

أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ جَاءَ حَاكِمًا شَافِعِيًّا فَقَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ نَقْدًا ، وَقَدْ صَارَتْ خُلْعًا مِنْهُ هَلْ يَقْضِي بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ فَيَخْرِقُ الْإِجْمَاعَ أَوْ يَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَكَمَا يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ هُنَا كَذَلِكَ ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ ، وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ ا هـ .
بِتَصَرُّفٍ فَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ شَهَادَةً إذْ مِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا يَقْصِدُ الْمُخْبِرُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ ، وَلَا إشْعَارَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ نَوْعًا مِنْ الْخَبَرِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ فَمَا بَسَطَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ إنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعِ مَا قَالَهُ هُنَا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِنَفِيسٍ ا هـ .
قُلْت وَفِي الْحَوَاشِي الشِّرْبِينِيُّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَعَ الْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ كَالْمُتَوَاتِرِ إلَّا أَنَّ حُصُولَهُ فِي الْمُتَوَاتِرِ بِوَاسِطَةِ مَا لَا يَنْفَكُّ التَّعْرِيفُ عَنْهُ عَادَةً مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَأَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ الْمَذْكُورِ فَحُصُولُهُ فِيهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ ا هـ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا

بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ } ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا عَلَى أَنَّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ بِدُونِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إجْمَاعًا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ سَمْعًا ا هـ .
قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ لَا عَقْلًا بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ إلَى الْقَبَائِلِ وَالنَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْثِهِمْ فَائِدَةٌ ا هـ .
قَالَ الْعَطَّارُ عَنْ زَكَرِيَّا ، وَشُرُوطُهُ عَدَالَةٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ وَغَيْرُهُ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ ا هـ .
فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ وَسَبَبُ الْخِلَافَ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَمْرَانِ ( الْأَوَّلُ ) مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ قَدْ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مُطْلَقًا أَمْ لَا مُطْلَقًا أَمْ يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ .
( وَالْأَمْرُ الثَّانِي ) تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ فَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } قَالُوا الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَكَّةَ لِمَا رَوَى ابْنُ حَاتِمٍ ، وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحَرَمُ كُلُّهُ ، وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً } أَيْ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } أَيْ سَوَاءً الْمُقِيمُ فِي الْحَرَمِ ، وَمَنْ دَخَلَ

مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ الْمُقِيمُ فِيهِ ، وَالْغَرِيبُ سَوَاءٌ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهَا لِلنَّاسِ سَوَاءً فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِمِلْكٍ فِيهَا دُونَ أَحَدٍ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى { وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } مَا نَصُّهُ وَأَوَّلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَكَّةَ ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً } عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ دُورِهَا وَإِجَارَتِهَا ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ ، وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْبَادِي وَالْعَاكِفِ فِي مَنَازِلِ مَكَّةَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ الْمُقِيمُ بِهَا أَحَقَّ بِالْمَنْزِلِ مِنْ الْقَادِمِ عَلَيْهَا انْتَهَى ، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى ( وَأَمَّا السُّنَّةُ ) فَأَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ فَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ كَانَتْ الدُّورُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا تُبَاعُ وَلَا تُكْرَى ، وَلَا تُدْعَى إلَّا السَّوَادَ لَمْ تُبَعْ رِبَاعُهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَبِي بَكْرٍ ، وَلَا عُمَرَ فَمَنْ احْتَاجَ سَكَنَ ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ ( وَمِنْهَا ) مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَحِلُّ بَيْعُ بُيُوتِ مَكَّةَ ، وَلَا إجَارَتُهَا } ( وَمِنْهَا ) مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا أَهْلَ

مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِدُورِكُمْ أَبْوَابًا لِيَنْزِلْ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ ( وَمِنْهَا ) مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يُغْلِقُوا أَبْوَابَ دُورِهِمْ دُونَ الْحُجَّاجِ ( وَمِنْهَا ) مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا فِي بَطْنِهِ ، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْجَوَازِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ { عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِك بِمَكَّةَ فَقَالَ هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ } ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ لَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ ، وَلَا عَلِيٌّ شَيْئًا ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ قَالَ الْفَاكِهِيُّ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِهَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ثُمَّ صَارَتْ لِابْنِهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَسَمَهَا بَيْنَ وَلَدِهِ فَمِنْ ثَمَّ صَارَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقُّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَفِيهَا وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ .
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكُهُ فَأَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا طَالِبٌ وَعَقِيلٌ عَلَى الدَّارِ كُلِّهَا بِاعْتِبَارِ مَا وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا كَانَا لَمْ يُسْلِمَا ، وَبِاعْتِبَارِ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَقِّهِ مِنْهَا بِالْهِجْرَةِ ، وَفَقْدِ طَالِبٍ بِبَدْرٍ فَبَاعَ عَقِيلٌ الدَّارَ كُلَّهَا .
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ كَانَ أَبُو طَالِبٍ أَكْبَرَ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ احْتَوَى عَلَى أَمْلَاكِهِ وَحْدَهُ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَقْدِيمِ

الْأَسَنِّ فَتَسَلَّطَ عَلَيْهَا عَقِيلٌ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاعَهَا ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ بَاعَ عَقِيلٌ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِمَنْ هَاجَرَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِدُورِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّمَا أَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَرُّفَاتِ عَقِيلٍ إمَّا كَرَمًا وُجُودًا ، وَإِمَّا اسْتِمَالَةً لِعَقِيلٍ ، وَإِمَّا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ ا هـ .
حَكَى الْفَاكِهِيُّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَمْ تَزَلْ بِيَدِ أَوْلَادِ عَقِيلٍ إلَى أَنْ بَاعُوهَا لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ا هـ .
كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالْقَسْطَلَّانِيِّ ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَجَازَ بَيْعَ عَقِيلٍ الدُّورَ الَّتِي وَرِثَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ بَيْعَ عَقِيلٍ الدُّورَ الَّتِي وَرِثَهَا ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَرِثَا أَبَاهُمَا لِأَنَّهُمَا إذْ ذَاكَ كَانَا كَافِرَيْنِ فَوَرِثَاهَا ثُمَّ أَسْلَمَ عَقِيلٌ فَبَاعَهَا ا هـ .
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ فَأَمَّا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَارِّ فَهُوَ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُ حَدِيثَ أُسَامَةَ هَذَا فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَالْأَصْلُ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ التَّسَاوِي ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا الْمُسَاوَاةَ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ صِحَّةِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَا يُكْتَفَى بِهَا بَلْ يُكْشَفُ عَنْ وَجْهِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَوَجَدْنَا أَنَّ مَا يَقْضِي بِهِ حَدِيثُ أُسَامَةَ أَوْلَى وَأَصْوَبُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَذَاكَ أَنَّ الْمَسْجِدَ

الْحَرَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَجَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً ، وَلَا يَحْجُرَ مَوْضِعًا مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْبَنِيَ فِيهِ بِنَاءٌ ، وَكَذَلِكَ مِنًى لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا دَارًا لِحَدِيثِ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَّخِذُ لَك بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ ، قَالَ : لَا يَا عَائِشَةُ إنَّهَا مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ } فَقَالَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالطَّحَاوِيُّ ، وَوَجَدْنَا مَكَّةَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ فِيهَا الْبِنَاءُ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ } فَأَثْبَتَ لِأَبِي سُفْيَانَ مِلْكَ دَارِهِ .
وَأَثْبَتَ لَهُمْ أَمْلَاكَهُمْ عَلَى دُورِهِمْ حَيْثُ أَضَافَا إلَيْهِمْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ مِمَّا يُبْنَى فِيهَا الدُّورُ ، وَمِمَّا يُغْلَقُ عَلَيْهَا الْأَبْوَابُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَكُونُ صِفَتُهَا صِفَةَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَمْلَاكُ ، وَتَقَعُ فِيهَا الْمَوَارِيثُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ الَّتِي فِيهَا ، وَتَجُوزُ إجَارَتُهَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّارَ لِأَبِي سُفْيَانَ إضَافَةَ مِلْكٍ بِقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُمْ دُورٌ بِمَكَّةَ دَارٌ لِأَبِي بَكْرٍ ، وَلِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُمْ فَبَعْضٌ بِيعَ ، وَبَعْضٌ فِي يَدِ أَعْقَابِهِمْ إلَى الْيَوْمِ ، وَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دَارَيْنِ

بِمَكَّةَ إحْدَاهُمَا بِسِتِّينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَالْأُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَهَذِهِ قِصَصٌ اشْتَهَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ فَصَارَتْ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّهَا أَرْضٌ حَيَّةٌ لَمْ تَرِدْ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَجَازَ بَيْعُهَا كَسَائِرِ الْأَرَاضِي ا هـ .
كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ قَالَ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَنْسَكِ خَلِيلٍ قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ ، وَالْقَوْلُ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَخُلَفَائِهِمْ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ وَقَائِعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْحَطَّابُ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ : وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا فَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ ، وَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْعَ رِبَاعِ مَكَّةَ ، وَكِرَاءَ مَنَازِلِهَا مِنْهُمْ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ حُجَجَ كُلِّ قَوْلٍ ، وَقَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ { مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ } فَأَثْبَتَ لِأَبِي سُفْيَانَ مِلْكَ دَارِهِ ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ أَمْلَاكَهُمْ عَلَى دُورِهِمْ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ { هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا ، وَأَنَّ عُمَرَ ابْتَاعَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَأَنَّ دُورَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْدِي أَعْقَابِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدْ بِيعَ

بَعْضُهَا ، وَتُصُدِّقَ بِبَعْضِهَا ، وَلَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا فِي أَمْلَاكِهِمْ ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ ا هـ .
( وَأَمَّا ) عَنْ قَوْله تَعَالَى { وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } الْآيَةَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَسْجِدُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ النُّسُكُ وَالصَّلَاةُ لَا سَائِرُ دُورِ مَكَّةَ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ إذْ لَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ لَمَا جَازَ حَفْرُ بِئْرٍ وَلَا قَبْرٍ ، وَلَا التَّغَوُّطُ ، وَلَا الْبَوْلُ ، وَلَا إلْقَاءُ الْجِيَفِ وَالنَّتْنِ ، وَلَا دُخُولُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْحَرَمَ ، وَالْجِمَاعُ فِيهِ ، وَلَا نَعْلَمُ عَالِمًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا كَرِهَ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَا الْجِمَاعَ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاعْتِكَافُ فِي دُورِ مَكَّةَ ، وَحَوَانِيتِهَا ، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ ( وَأَمَّا ) عَنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ فَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فَهُوَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَلْقَمَةَ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ ، وَالْمُنْقَطِعُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ كَمَا قَامَتْ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ ( وَأَمَّا ) عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَهُوَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ أُسَامَةَ الْمَرْفُوعَ ( وَأَمَّا ) عَمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا كَرَاهَةُ الْكِرَاءِ رِفْقًا بِالْوُفُودِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ كَانَ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ حَرَامًا لَمَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَدَلَّ شِرَاؤُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْجَوَازِ ا هـ .
كَلَامُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ

الْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ مَا ( تَنْبِيهٌ ) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ الْبُنْيَانَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بِمِنًى قَالَ سَنَدٌ ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مِنًى لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْجُرَ فِيهَا مَوْضِعًا يَحُوزُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يُنَزِّلَ مِنْهَا مَنْزِلًا فَيَخْتَصَّ بِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ مَنْسَكِهِ وَيَخْرُجَ مِنْهَا ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَتْهُ { عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَبْنِي لَك مَوْضِعًا يُظِلُّك بِمِنًى قَالَ لَا مِنًى مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ } خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَهَذَا يَمْنَعُ أَنْ يَحْجُرَ أَحَدٌ فِيهَا بُنْيَانًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَازِلًا بِالْبُنْيَانِ الَّذِي بِهَا ثُمَّ وَإِنْ كَانَ بِهَا كُرِهَ لَهُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ ، وَكَرِهَ إجَارَةَ الْبُنْيَانِ الَّذِي بِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ .

( الشَّرْطُ الْخَامِسُ ) أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ احْتِرَازًا عَنْ إجَارَةِ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا وَالْغَنَمِ لِنِتَاجِهَا قَالَهُ الْأَصْلُ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ، وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ إلَّا أَنَّهُ زَادَ قَيْدَ قَصْدٍ حَيْثُ قَالَ بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنِ قَصْدٍ فَقَالَ بَهْرَامُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ إجَارَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا ، وَإِنْ ذَهَبَ بِالِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ بِحُكْمِ التَّبَعِ ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَالشَّاةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَطَّ الْفَائِدَةِ قَوْلُهُ قَصْدٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الْإِجَارَةِ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ لَكِنْ لَا قَصْدًا أَفَادَهُ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ .
وَقَالَ تَبَعًا لعبق لَا يَخْفَى أَنَّ إطْلَاقَ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْأَشْجَارِ وَالْغَنَمِ لِمَا ذُكِرَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا بَيْعُ مَنْفَعَةٍ ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا بَيْعُ ذَاتٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِمَا فِي مُحْتَرِزِ هَذَا الشَّرْطِ نَعَمْ يَصِحُّ جَعْلُهُمَا مُحْتَرَزَهُ إنْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ لِأَمْرَيْنِ التَّجْفِيفِ عَلَيْهَا ، وَأَخْذُ ثَمَرَتِهَا وَالشَّاةَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي شَيْءٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِيهِ ، وَلِأَخْذِ لَبَنِهَا ا هـ .
وَسَلَّمَهُ مَحْشُوًّا عبق قَالَ الْأَصْلُ ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ مَنْعِ مَا يَتَضَمَّنُ اسْتِيفَاءَ عَيْنِ إجَارَةُ الْمُرْضِعِ لِلَبَنِهَا لِلضَّرُورَةِ فِي الْحَضَانَةِ ا هـ .
قَالَ الْخَرَشِيُّ وَلِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُجْرَةُ الظِّئْرِ نَقْدًا أَوْ طَعَامًا ، وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ ، وَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ أَيْ كَجَحْشٍ صَغِيرٍ أَوْ مُهْرٍ صَغِيرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَجُوزُ أَنْ تُكْرَى لَهُ حِمَارَةٌ تُرْضِعُهُ لِلضَّرُورَةِ ا هـ .
قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ فَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ إذَا لَمْ يَجِدْ امْرَأَةً تُرْضِعُهُ يَرْضَعُ عَلَى الْحِمَارِ قَالَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ ا هـ .
( الشَّرْطُ السَّادِسُ ) أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا احْتِرَازًا

مِنْ اسْتِئْجَارِ الْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ ، وَالْأَعْمَى لِلْخَطِّ قَالَ الْخَرَشِيُّ مِنْ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ حِسًّا فَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْأَعْمَى لِلْخَطِّ ، وَالْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ ، وَشَرْعًا فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ وَالدُّعَاءِ وَحَلِّ الْمَرْبُوطِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَا عَلَى تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَدُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدِ ا هـ .
وَكَتَبَ الْعَدَوِيُّ عَلَى قَوْلِهِ وَشَرْعًا مَا نَصُّهُ قَدْ يُقَالُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَلَا حَظْرَ كَمَا فِي عبق ا هـ .
( الشَّرْطُ السَّابِعُ ) أَنْ تَحْصُلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ أَيْ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا عَيْنًا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ أَوْ كِفَائِيًّا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ كَانَ سُنَّةً كَصَلَاةِ الْوِتْرِ أَوْ رَغِيبَةً كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ نَفْلًا كَأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَبَعْدَهُ .
وَقَبْلَ الْعَصْرِ قَالَ الْبُنَانِيُّ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مِنْ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَيُّنِ الْعِبَادَةِ وُجُوبُهَا لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْدُوبَاتِ الصَّلَاةِ أَيْ وَالصَّوْمِ مُتَعَيِّنَةٌ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ فَهَذِهِ يُمْنَعُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ ، وَمَعْنَى تَعَيُّنِهَا عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوعُهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ خُوطِبَ بِهَا فَلَوْ أُجِيزَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ا هـ .
قَالُوا هَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَنْدُوبِ ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ

ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ وُصُولُ ذَلِكَ لَهُ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ، وَغَيْرِهِ اُنْظُرْ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ ا هـ .
كَلَامُ الْبُنَانِيِّ قَالَ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنْ قُلْت صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا قُلْت لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةً مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ الْمُتَمَيِّزَةِ بِصُورَتِهَا لِلْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ لَا تُفْعَلُ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ مُنِعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيَكُونُ لِلْعِبَادَةِ وَالنَّظَافَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْحَمْلُ لِلْمَيِّتِ شَارَكَهُ فِي الصُّورَةِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ بِصُورَتِهِ لِلْعِبَادَةِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا أَشْبَهَتْهُ ا هـ .
اُنْظُرْ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ .
ا هـ .
قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ اللَّقَانِيِّ ا هـ .
أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمَّا لَمْ يُفْعَلْ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ مُنِعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ، وَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرْعِ مِثْلُ الصَّلَاةِ ، وَغَيْرِهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي إجَارَةِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْأَذَانِ فَقَوْمٌ لَمْ يَرَوْا فِيهِ بَأْسًا ، وَقَوْمٌ كَرِهُوا ذَلِكَ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّخِذُوا مُؤَذِّنًا لَا يَتَّخِذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا } وَالْمُبِيحُونَ قَاسُوهُ عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَأَجَازَهُ قَوْمٌ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ { خَارِجَةَ بْنِ الصَّامِتِ

عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَقْبَلْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَقَالُوا إنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْحَبْرِ فَهَلْ عِنْدَكُمْ دَوَاءٌ أَوْ رُقْيَةٌ فَإِنَّ عِنْدَنَا مَعْتُوهًا فِي الْقُيُودِ فَقُلْنَا لَهُمْ نَعَمْ فَجَاءُوا بِهِ فَجَعَلْت أَقْرَأُ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً أَجْمَعُ بُزَاقِي ثُمَّ أَتْفُلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْنِي جُعَلًا فَقُلْت : لَا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْته فَقَالَ كُلْ لَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَلَقَدْ أَكَلْت بِرُقْيَةِ حَقٍّ } ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي غَزَاةٍ فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَقَالُوا هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَاقٍ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ قَدْ لُدِغَ أَوْ قَدْ عَرَضَ لَهُ قَالَ فَرَقَى رَجُلٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرِئَ فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بِمَ رَقَيْته قَالَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ فِيهَا بِسَهْمٍ } .
وَكَرِهُوهُ أَيْ حَرَّمَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ قَائِلِينَ هُوَ مِنْ بَابِ الْجُعْلِ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ قَالُوا وَلَمْ يَكُنْ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرَّقْيِ وَالِاسْتِئْجَارِ ، وَالرَّقْيُ عِنْدَنَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَالْعِلَاجَاتِ ، وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى النَّاسِ ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ ا هـ بِتَصَرُّفٍ فَافْهَمْ .
( الشَّرْط الثَّامِنُ ) كَوْنُهَا مَعْلُومَةَ احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْهُولَاتِ مِنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ آلَةً لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِهَا أَوْ دَارًا

لِمُدَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ الْإِجَارَةِ الَّتِي هِيَ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ أَنْ تَكُونَ صَادِرَةً مِنْ عَاقِدٍ كَالْعَاقِدِ الصَّادِرِ مِنْهُ الْبَيْعُ ، وَأَنْ تَكُونَ بِأَجْرٍ كَالْأَجْرِ الَّذِي مُرَادٌ بِهِ الْعِوَضُ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ ، وَأَمَّا الْمُثَمَّنُ ، وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعْدُومَةً كَانَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا غَرَرٌ وَبَيْعٌ لِمَا لَمْ يُخْلَقْ حَتَّى حُكِيَ عَنْ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ مَنْعُ الْإِجَارَةِ لِذَلِكَ إلَّا أَنَّ جَمِيعَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ قَالُوا بِجَوَازِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً لَكِنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْغَالِبِ ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ مَا يُسْتَوْفَى فِي الْغَالِبِ أَوْ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ ، وَعَدَمُ اسْتِيفَائِهِ عَلَى السَّوَاءِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِتَعَيُّنِهِ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِهَا مِنْ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقَوْله تَعَالَى { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك } الْآيَةَ ، وَمِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا } ، وَحَدِيثُ { جَابِرٍ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا ، وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ } ، وَمَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالشَّرْطِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْأَجْرِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْأَصْحَابَ عَدُّوا الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ هُوَ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ وَحَضَرَهُ ، وَإِلَّا فَهِيَ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ

أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ أَنْهَى بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ مَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لِاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً ، وَقَدْ جُمِعَتْ فِي أَبْيَاتٍ ، وَنَصُّهَا : أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ بَعْدَهُ وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي الْبَيْعِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ وَالرَّضَاعِ وَخُلْعِ النِّكَاحِ وَحَلِّهِ وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ وَوِلَايَةٍ وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ وَمِنْهَا الْهِبَاتُ وَالْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُضَنُّ بِمِثْلِهِ وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ وَمِنْهَا الْإِبَاقُ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْأَسْرُ وَالْفَقْدُ وَالْمَلَا وَلَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرْنَ بِنَقْلِهِ فَصَارَتْ لَدَيَّ عَدُّ ثَلَاثِينَ اُتُّبِعَتْ بِسَنَتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ ا هـ .
وَفِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ عَلَى نَظْمِ ابْنِ عَاصِمٍ جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ مَسَائِلِ مَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ تِسْعَةَ عَشَرَ ، وَعَدَّهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَقَالَ أَيَا سَائِلِي إلَى آخِرِ الْبَيْتِ الرَّابِعِ ، وَزَادَ وَلَدُهُ سِتَّةً فَقَالَ مِنْهَا الْهِبَاتُ إلَى قَوْلِهِ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ : فَدُونَكَهَا عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ سَبْعَةٍ تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ وَنُبْلِهِ أَبِي نَظَمَ الْعِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ فَأَتْبَعْتهَا سِتًّا تَمَامًا لِفِعْلِهِ ، وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَمْسَةً ، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ وَقَدْ زِيدَ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ ، وَنَظَمَهَا أَيْضًا الْعَبْدُوسِيُّ ، وَذَيَّلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بِمَا زَادَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ : لَوْلَا التَّدَاخُلُ بَعْدَ ذِي فِي الزَّائِدِ لَبَلَغَتْ عِشْرِينَ دُونَ وَاحِدٍ ا هـ بِإِصْلَاحِ الْبَيْتِ الْأَخِيرِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ ، وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُحَصِّلٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَارِئٌ لِمَفْسَدَةٍ لِذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَادَةً كَالسِّمْسِمَةِ ، وَنَحْوِهَا فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي قَلْعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا بَعْدَ الْقَلْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةَ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الْقَلْعِ ، وَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ الْهَدْمِ ، وَإِنْ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْهَدْمِ ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ ، وَالْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمَا الْجَمِيعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ قَلْعَهُ لِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ لَا لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ لِلْقَالِعِ ، وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ بَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ الْعَظِيمَةُ ، وَيُعْطِيهِ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ شَرْعًا ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِزَالَةِ تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ فَهِيَ مَالِيَّةٌ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى ، وَاضِعِهَا شَرْعًا ، وَالْمُسْتَهْلَكُ شَرْعًا لَا يَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ { نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ } ، وَهَدْمُ مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ .
وَقَلْعُ مِثْلِ هَذَا الشَّجَرِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ ، وَالنُّفُوسُ

الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ الْمَعْنِيَّاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ الْخَاصَّةِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ ، وَبَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ الصَّحِيحَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا عُيِّنَتْ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : ثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَهَا الدَّافِعُ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا ، وَهُوَ مَالِكُهَا ، وَإِنْ عَيَّنَهَا الْقَابِضُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ حُلِيٍّ أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَنَا ، وَبِالتَّعْيِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّعْيِينِ فَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِهِ ، وَمَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ .
( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاء الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ) قُلْت فِيهِ نَقْلُ أَقْوَالٍ ، وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَظَرٌ فَإِنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ بِخِلَافِهِ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ) وَهُوَ أَنَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ بَعْدَ الْقَلْعِ ، وَمِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ الْهَدْمِ ، وَإِنْ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْقَلْعِ وَالْهَدْمِ لَا يُقْبَلُ فِي قَلْعِهِ أَوْ هَدْمِهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ الْعَظِيمَةُ ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ وَالْغَاصِبُ ، وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ قَلْعَهُ أَوْ هَدْمَهُ بِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ لَا لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَسْتَحْصِلُ لِلْقَالِعِ وَالْهَادِمِ ، وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُحَصِّلٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَارِئٌ لِمَفْسَدَةٍ ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَادَةً كَالسِّمْسِمَةِ وَنَحْوِهَا ، وَإِذَا أَعْطَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ أَوْ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَا ذُكِرَ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الْبِنَاءِ اللَّذَيْنِ لَا قِيمَةَ لَهُمَا بَعْدَ الْإِزَالَةِ بِالْقَلْعِ أَوْ الْهَدْمِ فَهُوَ يُعْطِيهِ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْإِزَالَةِ شَرْعًا ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِزَالَةِ تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ فَهِيَ مَالِيَّةٌ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى وَاضِعِهَا شَرْعًا ، وَالْمُسْتَهْلَكُ شَرْعًا لَا يَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ { نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ } وَهَدْمُ مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ وَقَلْعُ مِثْلِ هَذَا الشَّجَرِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ ، وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ الزَّرْعِ بَعْدَ الْقَلْعِ ، وَمِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ الْهَدْمِ فَيُقْبَلُ فِي قَلْعِهِ أَوْ هَدْمِهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ ، وَالْغَاصِبُ

وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ قَلْعَهُ أَوْ هَدْمَهُ لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ لِلْقَالِعِ وَالْهَادِمِ لَا لِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ ، وَفِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ مَعَ شَرْحِ عبق وَإِنْ زَرَعَ غَاصِبُ أَرْضٍ أَوْ مَنْفَعَتِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ أَيْ أَقَامَ مَالِكُهَا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَخَذَ بِلَا شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ بَذْرِهِ أَوْ أُجْرَةِ حَرْثِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ قُضِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِأَخْذِهِ إنْ شَاءَ مَجَّانًا ، وَنَصُّ التَّوْضِيحِ إنْ أَقَامَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ الْحَرْثِ ، وَقَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَفِي اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ ، وَقَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَ ظُهُورِهِ ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يَأْخُذَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا ذَرِيعَةٍ ا هـ .
وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَأَخْذُ كِرَاءِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ كَمَا يَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَإِلَّا بِأَنْ بَلَغَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ ، وَلَوْ لِرَعْيِ الْبَهَائِمِ فَلَهُ أَيْ لِلْمُسْتَحِقِّ بِهِ قَلْعُهُ أَيْ أَمْرُهُ بِذَلِكَ ، وَبِتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ ، وَذَكَرَ شَرْطًا فِي قَوْلِهِ أَخَذَ بِلَا شَيْءٍ ، وَقَوْلُهُ فَلَهُ قَلْعُهُ فَقَالَ إنْ لَمْ يَفُتْ أَيْ إبَّانَ مَا أَيْ زَرْعٍ تُرَادُ لَهُ مِمَّا زُرِعَ فِيهَا كَمَا حَمَلَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ ، وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ ، وَمَنْ تَعَدَّى فَزَرَعَ أَرْضَ رَجُلٍ فَقَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ إبَّانَ الزَّرْعِ ، وَقَدْ كَبِرَ الزَّرْعُ وَاشْتَدَّ فَأَرَادَ قَلْعَ الزَّرْعِ ، وَقَالَ أُرِيدُ أُكْرِيهَا مَقْثَأَةً أَوْ أَزْرَعُهَا بَقْلًا ، وَهِيَ أَرْضُ سَقْيٍ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ إبَّانِ الزَّرْعِ إلَّا كِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَرْضَ سَقْيٍ يُنْتَفَعُ بِهَا لِمَا ذَكَرْت ، وَإِنَّمَا

لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفُتْ إبَّانُ الزَّرْعِ الَّذِي فِيهَا ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَلَبَهَا ، وَالْكِرَاءُ لَهُ عِوَضٌ مِنْ ذَلِكَ ا هـ .
وَأَشَارَ لِقَسِيمِ قَوْلِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ ، وَهُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ ، وَلَهُ أَيْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ مَقْلُوعًا تَقْدِيرًا ، وَيُبْقِيهِ فِي الْأَرْضِ ، وَيَسْقُطُ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا عَنْهُ كُلْفَةُ قَلْعِهِ أَنْ لَوْ قُلِعَ حَيْثُ كَانَ الْغَاصِبُ شَأْنُهُ أَنْ لَا يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ أَوْ خَدَمِهِ عَلَى مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ فِي بِنَاءِ الْغَاصِبِ وَغَرْسَةِ ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُنَا أَيْضًا فَإِذَا كَانَ شَأْنُهُ تَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ خَدَمِهِ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مِنْ غَيْرِ إسْقَاطِ كُلْفَةِ قَلْعِهِ لَوْ قُلِعَ ، وَكَمَا لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا لَهُ إبْقَاؤُهُ لِزَارِعِهِ ، وَأَخْذُ كِرَاءِ السَّنَةِ مِنْهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ أَيْ بَلَغَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ ، وَلَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَدُّ لَهُ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَأَخْذُ كِرَائِهَا مِنْهُ ، وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ وَابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّهُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمَّا مَكَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا شَيْءٍ وَإِبْقَاءٍ لِزَارِعِهِ بِكِرَاءٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْكِرَاءُ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَيْعٌ لَهُ عَلَى التَّبْقِيَةِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عُدَّ مُنْتَقِلًا كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ ، وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَدُّ لَهُ فَكِرَاءُ مِثْلِهَا فِي السَّنَةِ لَازِمٌ لِلْغَاصِبِ ، وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ ، وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَقَالَ مَالِكُ الزَّرْعِ لِلْغَاصِبِ ، وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ قَلْعُهُ اللَّخْمِيُّ ، وَهُوَ

الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَقْلَعَهُ ، وَيَأْخُذَ أَرْضَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ } ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْأَرْضُ ، وَإِنْ طَابَ وَحُصِدَ ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ زَرْعٍ أَرْضًا لِقَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ا هـ .
وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا أَصَحُّ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ فَظَهَرَ تَرْجِيحُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ لَكِنْ الثَّالِثَةُ شَاذَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ ، وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْفَتْوَى بِهَا بِذَلِكَ ، وَأُجِيبَ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ بِأَنَّ التَّشْدِيدَ عَلَى الظَّلَمَةِ وَالْمُحْدِثِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ مَأْلُوفٌ مِنْ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ ، وَهَلْ فَوَاتُ الْإِبَّانِ بِالنَّظَرِ إلَى زَمَنِ الْخِصَامِ أَوْ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذِي الشُّبْهَةِ ، وَمَالَ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ إنْ كَانَتْ الْمُخَاصَمَةُ بِمَا لَهُ وَجْهٌ اُنْظُرْ الرَّهُونِيَّ ا هـ .
مَعَ اقْتِصَارٍ عَلَى مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ الْبُنَانِيُّ وَالرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ ، وَزِيَادَةٌ مِنْهُمْ نَعَمْ اُنْظُرْ ابْنَ الشَّاطِّ فِي كَلَامِ الْأَصْلِ بِأَنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ كَفَرْضٍ مُحَالٍ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ا هـ بِلَفْظِهِ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْأَصْلُ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إلَخْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالنُّفُوسُ الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ

الْمُعَيَّنَاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ الْخَاصَّةِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ ، وَبَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ الصَّحِيحَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا عُيِّنَتْ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَهَا الدَّافِعُ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا ، وَهُوَ مَالِكُهَا ، وَإِنْ عَيَّنَهَا الْقَابِضُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ حُلِيٍّ أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَنَا ، وَبِالتَّعْيِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّعْيِينِ ا هـ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ ) قَالَ مَالِكٌ إذَا طُرِحَ بَعْضُ الْحِمْلِ لِلْهَوْلِ شَارَكَ أَهْلُ الْمَطْرُوحِ مَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُمْ شَيْءٌ فِي مَتَاعِهِمْ ، وَكَانَ مَا طُرِحَ وَسَلِمَ لِجَمِيعِهِمْ فِي نَمَائِهِ وَنَقْصِهِ بِثَمَنِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِالْمَطْرُوحِ مَا لَهُمْ ، وَالْعَدْلُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِالْمَطْرُوحِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، وَهُوَ سَبَبُ سَلَامَةِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوَاضِعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْضٌ أَوْ طَالَ زَمَانُ الشِّرَاءِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ اشْتَرَكُوا بِالْقِيَمِ يَوْمَ الرُّكُوبِ دُونَ يَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِلَاطِ .
وَسَوَاءٌ طَرَحَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ أَوْ مَتَاعَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ ، وَلَا يُشَارِكُ مَنْ لَمْ يَرْمِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ سَبَبٌ يُوجِبُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَطْرُوحِ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَرْكَبِ وَلَا النَّوَاتِيَّةِ ضَمَانٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ فَتُحْسَبُ قِيمَتُهُمْ ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا مَتَاعَ لَهُ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَسَائِلُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ ، وَيُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ فِي الْمَقَاصِدِ ، وَمَنْ مَعَهُ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ يُرِيدُ بِهَا التِّجَارَةَ فَكَالتِّجَارَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَمَا يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَا يَلْزَمُ فِي الْعَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْغَرَقُ بِسَبَبِهَا لِخِفَّتِهَا ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَدْخُلُ الْمَرْكَبُ فِي قِيمَةِ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ مِمَّا سَلِمَ بِسَبَبِ الطَّرْحِ .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِصَدْمِ قَاعِ الْبَحْرِ فَطُرِحَ لِذَلِكَ دَخَلَ فِي الْقِيمَةِ ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَدْخُلُ الْمَرْكَبُ ، وَمَا فِيهِ لِلْقِنْيَةِ

أَوْ التِّجَارَةِ مِنْ عَبِيدٍ ، وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَطْرُوحِ سَلَامَةُ الْجَمِيعِ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ شَأْنَ الْمَرْكَبِ أَنْ يَصِلَ بِرِجَالِهِ سَالِمًا إلَى الْبَرِّ ، وَإِنَّمَا يُغْرِقُهُ مَا فِيهِ عَادَةً ، وَإِزَالَةُ السَّبَبِ الْمُهْلِكِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً بَلْ فِعْلُ السَّبَبِ الْمُنْجِي ، وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فَاعِلَ الضَّرَرِ شَأْنُهُ أَنْ يَضْمَنَ فَإِذَا زَالَ ضَرَرُهُ نَاسَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ ، وَفَاعِلُ النَّفْعِ مُحَصِّلٌ لِعَيْنِ الْمَالِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِأَنَّ مُوجِدَ الشَّيْءِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَإِنْ صَالَحُوا صَاحِبَ الْمَطْرُوحِ بِدَنَانِيرَ ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ جَازَ إذَا عَرَفُوا مَا يَلْزَمُهُمْ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الطَّرْحِ مِنْ الْبَحْرِ سَالِمًا فَهُوَ لَهُ .
وَتَزُولُ الشَّرِكَةُ أَوْ خَرَجَ وَقَدْ نَقَصَ نِصْفُ قِيمَتِهِ انْتَقَصَ نِصْفُ الصُّلْحِ وَيَرُدُّ نِصْفَ مَا أَخَذَ .
( سُؤَالٌ ) إذَا وُجِدَتْ الدَّابَّةُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهَا فِي التَّعَدِّي أَوْ الْعَارِيَّةِ تَكُونُ لِمَنْ صَالَحَ عَلَيْهَا ، وَهَا هُنَا الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ فَمَا الْفَرْقُ ؟ ( جَوَابُهُ ) التَّعَدِّي يَنْقُلُ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ لِلذِّمَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكُونُ لَهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ فَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ ، وَالْبَحْرُ شَيْءٌ تُوجِبُهُ الضَّرُورَةُ فَلَا يَحْصُلُ الصُّلْحُ فِيهِ بَيْعًا لَا يُنْتَقَضُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفِينَةِ غَيْرُ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِطَلَبِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَيَبْدَأُ بِطَرْحِ الْأَمْتِعَةِ ثُمَّ الْبَهَائِمِ لِشَرَفِ النُّفُوسِ قَالَ وَهَذَا الطَّرْحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاجِبٌ ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي دَفْعِ الدَّاخِلِ عَلَيْك الْبَيْتَ لِطَلَبِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ ، وَلَا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) يَجِبُ الدَّفْعُ وَالْأَكْلُ .
(

وَثَانِيهِمَا ) لَا يَجِبَانِ لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ } ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّارِكَ لِلْقَتْلِ وَالْأَكْلِ هُنَالِكَ تَارِكٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا ، وَهَا هُنَا لِبَقَاءِ الْمَالِ .
وَاقْتِنَاؤُهُ لَيْسَ وَاجِبًا ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسَفْكُ الدَّمِ مُحَرَّمٌ ، وَمَا وُضِعَ الْمَالُ إلَّا وَسِيلَةٌ لِبِنَاءِ النَّفْسِ ، وَلَمْ يُوضَعْ قَتْلُ الْغَيْرِ ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسِيلَةً لِذَلِكَ ، وَلَا يَضْمَنُ الطَّارِحُ هُنَا مَا طَرَحَهُ اتِّفَاقًا وَلِمَالِكٍ فِي أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ لِلْمَجَاعَةِ قَوْلَانِ بِالضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ بِدَفْعِ الْفَحْلِ إذَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ قَتْلُهُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ فَقَدْ قَامَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَاجِبٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ إلَّا الطَّارِحُ إنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ ، وَإِنْ طَرَحَ مَالَ نَفْسِهِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْهُ وَلَوْ اسْتَدْعَى غَيْرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَوَافَقُونَا إذَا قَالَ اقْضِ عَنِّي دَيْنِي فَقَضَاهُ ، وَفِي اقْتِرَاضِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ وَاقْتِرَاضِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ نَظَرًا لَهُ قُلْنَا الْقِيَاسُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِجَامِعِ السَّعْيِ فِي الْقِيَامِ عَنْ الْغَيْرِ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ ( احْتَجُّوا ) بِأَنَّ السَّلَامَةَ بِالطَّرْحِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِخِلَافِ الصَّائِلِ ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَأَمْوَالِ الْقِنْيَةِ .
( الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِطَعَامِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ يَضْمَنُ مَعَ احْتِمَالِ هَلَاكِهِ بِمَا أَكَلَ بَلْ يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَقَطْ ، وَقَدْ شَهِدْت بِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ السَّلَامَةِ فِيهِمَا مَعَ احْتِمَالِ

النَّقِيضِ ( وَعَنْ الثَّانِي ) مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْفَرْقِ مَعَ أَنَّ الطُّرْطُوشِيَّ قَالَ : الْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ صَوْنُ الْأَمْوَالِ ، وَالْكُلُّ يُثْقِلُ السَّفِينَةَ

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ ) وَهُوَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِضَمَانِ مَا يُطْرَحُ مِنْهَا لِلْهَوْلِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فِيمَا سَلِمَ مِنْهَا لَا فِيمَا سَلِمَ مِنْ غَيْرِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ لَا نَفْسُ الْمَرْكَبِ وَلَا صَاحِبُهُ وَلَا النَّوَاتِيَّةُ وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ لَا مَا يُرَادُ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَسَائِلٌ ، وَلَا يُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ إلَّا فِي الْمَقَاصِدِ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ شَأْنَ الْمَرْكَبِ أَنْ يَصِلَ بِرِجَالِهِ سَالِمًا إلَى الْبَرِّ ، وَإِنَّمَا يُغْرِقُهُ مَا فِيهِ عَادَةً ، وَإِزَالَةُ السَّبَبِ الْمُهْلِكِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً بَلْ فِعْلُ السَّبَبِ الْمُنْجِي هُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فَاعِلَ الضَّرَرِ شَأْنُهُ أَنْ يَضْمَنَ فَإِذَا زَالَ ضَرَرُهُ نَاسَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ ، وَفَاعِلُ النَّفْعِ مُحَصِّلٌ لَعَيْنِ الْمَالِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِأَنَّ مُوجِدَ الشَّيْءِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ، وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ .
وَعَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ إذَا طُرِحَ بَعْضُ الْحِمْلِ لِلْهَوْلِ شَارَكَ أَهْلُ الْمَطْرُوحِ مَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُ شَيْءٌ فِي مَتَاعِهِمْ ، وَمَا طُرِحَ وَسَلِمَ لِجَمِيعِهِمْ فِي تَمَامِهِ وَنَقْصِهِ بِثَمَنِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِالْمَطْرُوحِ مَا لَهُمْ ، وَالْعَدْلُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِالْمَطْرُوحِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، وَهُوَ سَبَبُ سَلَامَةِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوَاضِعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ أَوْ طَالَ زَمَانُ الشِّرَاءِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ اشْتَرَكُوا بِالْقِيَمِ يَوْمَ الرُّكُوبِ دُونَ يَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِلَاطِ ، وَسَوَاءٌ طَرَحَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ أَوْ مَتَاعَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ ، وَلَا يُشَارِكُ مَنْ

لَمْ يَرْمِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ سَبَبٌ يُوجِبُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَطْرُوحِ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ ا هـ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَرْكَبِ ، وَلَا النَّوَاتِيَّةِ ضَمَانٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ فَتُحْسَبُ قِيمَتُهُمْ ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا مَتَاعَ لَهُ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا ، وَسَائِلُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ ، وَيُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ فِي الْمَقَاصِدِ ، وَمَنْ مَعَهُ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ يُرِيدُ بِهَا التِّجَارَةَ فَكَالتِّجَارَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ ، وَمَا يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ ا هـ .
قَالَ الْأَصْلُ فَإِنْ صَالَحُوا صَاحِبَ الْمَطْرُوحِ بِدَنَانِيرَ ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ جَازَ إذَا عَرَفُوا مَا يَلْزَمُهُمْ فِي الْقَضَاءِ ا هـ .
وَبِالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يُجَابُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ لَا يَلْزَمُ فِي الْعَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْغَرَقُ بِسَبَبِهَا لِخِفَّتِهَا ا هـ .
وَعَنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَيَدْخُلُ الْمَرْكَبُ فِي قِيمَةِ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ مِمَّا سَلِمَ بِسَبَبِ الطَّرْحِ ا هـ .
وَعَنْ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِصَدْمِ قَاعِ الْبَحْرِ فَطُرِحَ لِذَلِكَ دَخَلَ فِي الْقِيمَةِ ا هـ .
وَعَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَدْخُلُ الْمَرْكَبُ ، وَمَا فِيهِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ التِّجَارَةِ مِنْ عَبِيدٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَطْرُوحِ سَلَامَةُ الْجَمِيعِ ا هـ .
فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( وَصْلٌ ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إنْ خَرَجَ الْمَطْرُوحُ بَعْدَ الطَّرْحِ مِنْ الْبَحْرِ سَالِمًا فَهُوَ لِمَالِكِهِ ، وَتَزُولُ شَرِكَتُهُ لِمَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُمْ شَيْءٌ أَوْ خَرَجَ ، وَقَدْ نَقَصَ نِصْفُ قِيمَتِهِ انْتَقَصَ نِصْفُ الصُّلْحِ ، وَيُرَدُّ نِصْفُ مَا أُخِذَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَطْرُوحِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ هَا هُنَا إذَا خَرَجَ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ ، وَبَيْنَ الدَّابَّةِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا فِي التَّعَدِّي ، وَالْعَارِيَّةُ إذَا وُجِدَتْ تَكُونُ لِمَنْ صَالَحَ عَلَيْهَا لَا

لِصَاحِبِهَا هُوَ أَنَّ التَّعَدِّيَ يَنْقُلُ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ لِلذِّمَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكُونُ لَهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ فَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ ، وَالطَّرْحُ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ تُوجِبُهُ الضَّرُورَةُ فَلَا يَحْصُلُ الصُّلْحُ فِيهِ بَيْعًا لَا يُنْتَقَضُ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفِينَةِ غَيْرُ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِطَلَبِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَيَبْدَأُ بِطَرْحِ الْأَمْتِعَةِ ثُمَّ الْبَهَائِمِ لِشَرَفِ النُّفُوسِ قَالَ ، وَهَذَا الطَّرْحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاجِبٌ ، وَلَا يَجْرِي الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي دَفْعِ الدَّاخِلِ عَلَيْك الْبَيْتَ لِطَلَبِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ ، وَلَا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا يَجِبُ الدَّفْعُ ، وَالْأَكْلُ ، وَثَانِيهِمَا لَا يَجِبَانِ لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ } ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ ( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا هُنَا مِنْ وَجْهَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ التَّارِكَ لِلْقَتْلِ وَالْأَكْلِ فِيهِمَا تَارِكٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا ، وَهُوَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ ، وَسَفْكُ الدَّمِ ، وَلَيْسَ طَرْحُ الْمَالِ هَا هُنَا إلَّا لِبَقَاءِ الْمَالِ ، وَاقْتِنَاؤُهُ لَيْسَ وَاجِبًا فَافْهَمْ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ الْمَالَ مَا وُضِعَ إلَّا لِبَقَاءِ النَّفْسِ ، وَلَمْ يُوضَعْ قَتْلُ الْغَيْرِ ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسِيلَةٌ لِذَلِكَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) لَا يَضْمَنُ الطَّارِحُ هُنَا مَا طَرَحَهُ عِنْدَ مَالِكٍ اتِّفَاقًا كَمَا لَا يَضْمَنُ إذَا قَتَلَ الْفَحْلَ بِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ قَتْلُهُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ فَقَدْ قَامَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَاجِبٍ ، وَفِي ضَمَانِ مَالِ الْغَيْرِ إذَا أَكَلَ لِلْمَجَاعَةِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ عِنْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو

حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ إلَّا الطَّارِحُ إنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ ، وَإِنْ طَرَحَ مَالَ نَفْسِهِ فَمُصِيبَةٌ مِنْهُ ، وَلَوْ اسْتَدْعَى غَيْرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَوَافَقُونَا إذَا قَالَ اقْضِ عَنِّي فَقَضَاهُ ، وَفِي اقْتِرَاضِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ وَاقْتِرَاضِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ نَظَرًا لَهُ ، وَحُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِجَامِعِ السَّعْيِ فِي الْقِيَامِ عَنْ الْغَيْرِ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ ، وَحُجَّتُهُمْ أَمْرَانِ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ السَّلَامَةَ بِالطَّرْحِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِخِلَافِ الصَّائِلِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) الْقِيَاسُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَأَمْوَالِ الْقِنْيَةِ .
( وَالْجَوَابُ عَنْ ) الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِطَعَامِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ يَضْمَنُ مَعَ احْتِمَالِ هَلَاكِهِ بِمَا أَكَلَ بَلْ يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَقَطْ ، وَقَدْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ السَّلَامَةِ فِيهِمَا مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ .
( وَعَنْ الثَّانِي ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ ، وَمَا لَا يُضْمَنُ مَعَ أَنَّ الطُّرْطُوشِيَّ قَالَ الْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ صَوْنُ الْأَمْوَالِ ، وَالْكُلُّ يُثْقِلُ السَّفِينَةَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبَيْنِ أَوْ يَبْنِيَ لَهُ دَارَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا ، وَهُوَ النِّصْفُ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَوَقَعَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ تَكُونُ مُرَبَّعَةً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَشَرَةً ، وَيَكُونُ عُمْقُهَا عَشَرَةً فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ صُنْدُوقًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةً فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ أَنَّ لِهَذَيْنِ نِصْفَ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُمَا قَدْ عَمِلَا خَمْسَةً ، وَهِيَ نِصْفُ الْعَشَرَةِ لَكِنْ قَالَ الْفُضَلَاءُ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ الثُّمُنُ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الصُّنْدُوقِ الرُّبْعُ فَلَمْ يَجْرُوا فِي ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِجَارَةِ ، وَلَمْ يَجْرُوا أَيْضًا فِي الْمُخَالَفَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ ، وَوَجْهُ صِحَّةِ مَا قَالُوهُ أَنَّ الْبِئْرَ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهَا ذِرَاعًا فَقَدْ شَالَ مِنْ التُّرَابِ بِسَاطًا مِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ يُنْزِلُهُ فِي الْبِئْرِ حِينَئِذٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ ، وَالْأَذْرُعُ عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ فِي مِائَةٍ بِأَلْفٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ فَلَمَّا عَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ شَالَ فِي الذِّرَاعِ الْأَوَّلِ تُرَابَ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الْمَعْمُولِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَالْأَذْرُعُ الْمَعْمُولَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ عِشْرِينَ ، وَذَلِكَ مَا عَمِلَهُ ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثُّمُنِ فَيَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ .
وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ فَلَيْسَ فِيهِ بَقْرٌ ، وَإِلَّا اسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ بَلْ أَلْوَاحٌ

يُلَفِّقُهَا فَهُوَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى سِتَّةِ أَلْوَاحٍ كُلٌّ مِنْهَا عَشَرَةٌ ، وَذَلِكَ دَائِرُهُ أَرْبَعَةٌ وَقَعْرُهُ وَغِطَاؤُهُ فَكُلُّ لَوْحٍ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ ، وَالْأَلْوَاحُ سِتَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ سِتُّمِائَةٍ ، عَمِلَ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الْمُتَحَصِّلَةُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي سِتَّةٍ ، وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَنِسْبَتُهَا إلَى سِتِّمِائَةٍ كَنِسْبَةِ الرُّبْعِ فَلَهُ الرُّبْعُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مِنْ أَبْدَعِ مَا يُلْقَى فِي مَسَائِلِ الْمُطَارَحَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ ، وَكَمْ يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ وَالْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْعُلُومِ مَا أَمْكَنَهُمْ : فَلَمْ أَرَى فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ

قَالَ ( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ ) قُلْت هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَاحِشُ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ ، وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ فَلَهُ النِّصْفُ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنَّمَا يَجْرِي الْوَهْمُ عَلَى الْأَغْبِيَاءِ فَيَظُنُّونَ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ فَعَمِلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَمِلَ جَمِيعَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ ، وَأَنَّهُ مَتَى اُسْتُؤْجِرَ عَلَى ذَلِكَ فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ أَنَّهُ عَمِلَ النِّصْفَ ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ عَمِلَ الثُّمُنَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ كَيْفَ ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ ظَنَّ أَنَّ التَّرْجَمَةَ صَحِيحَةٌ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ النِّصْفَ ، وَلَكِنْ الْغَفْلَةَ لَازِمَةٌ لِمَنْ لَمْ يُعْصَمْ مِنْ الْبَشَرِ ، وَلَكِنْ هَذِهِ الْغَفْلَةُ لَا يُعْذَرُ صَاحِبُهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَمَا قَالَهُ فِي حِكَايَةِ الْفُرُوقِ الْخَمْسَةِ صَحِيحٌ .

الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ ) .
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَاحِشُ الْخَطَأِ بِسَبَبِ بِنَائِهِ عَلَى تَوَهُّمِ الْأَغْبِيَاءِ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ تَكُونُ مُرَبَّعَةً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَشَرَةٌ ، وَيَكُونُ عُمْقُهَا عَشَرَةٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ صُنْدُوقًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ فَعَمِلَ فِيهِمَا خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَقَدْ عَمِلَ النِّصْفَ ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا عَمِلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ الثُّمْنَ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّنْدُوقِ الرُّبْعَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبِئْرَ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهَا ذِرَاعًا فَقَدْ شَالَ مِنْ التُّرَابِ بِسَاطًا مِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ يُنْزِلُهُ فِي الْبِئْرِ حِينَئِذٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ ، وَالْأَذْرُعُ عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ فِي مِائَةٍ بِأَلْفٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ فَلَمَّا عَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ شَالَ فِي الذِّرَاعِ الْأَوَّلِ تُرَابَ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الْمَعْمُولِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَالْأَذْرُعُ الْمَعْمُولَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَذَلِكَ مَا عَمِلَهُ ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثَّمَنِ فَيَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ .
وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْرٌ يَكُونُ قَدْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى سِتَّةِ أَلْوَاحٍ ، وَذَلِكَ دَائِرُهُ أَرْبَعَةُ وَقَعْرُهُ وَغِطَاؤُهُ ، وَكُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ ، وَالْأَلْوَاحُ سِتَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ عَمِلَ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الْمُتَحَصِّلَةَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ ،

وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَنِسْبَتُهَا إلَى سِتِّمِائَةٍ كَنِسْبَةِ الرُّبْعِ فَيَسْتَحِقُّ الرُّبْعَ فَظَهَرَ بِهَذَا بُطْلَانُ أَنَّ هُنَاكَ قَاعِدَةً إنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَّا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ فَلَهُ النِّصْفُ لَا مَحَالَةَ ا هـ .
قَالَ الْأَصْلُ ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ أَعْنِي : مَسْأَلَتَيْ الْبِئْرِ وَالصُّنْدُوقِ مِنْ أَبْدَعِ مَا يُلْقَى فِي مَسَائِلِ الْمُطَارَحَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَتَأَمَّلْهُمَا فَكَمْ يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ وَالْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْعُلُومِ مَا أَمْكَنَهُمْ : فَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ ا هـ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْهَلَاكَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَا هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ حَبْلٍ لَمْ يَغْرُرْ بِهِ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ بِمَا فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ ، وَلَا أُجْرَةَ ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِيَحْمِلَهُ قَالَهُ مَالِكٌ ، وَقَالَ غَيْرُهُ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ كَالْهَالِكِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لِرَبِّ السَّفِينَةِ بِحِسَابِ مَا بَلَغَتْ .
( الثَّانِي ) مَا غَرَّ فِيهِ بِضَعْفِ حَبْلٍ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِمَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ التَّفْرِيطِ ، وَلَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ابْتِدَاءُ التَّعَدِّي .
( الثَّالِثُ ) مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ ، وَعَلَيْهِ حَمْلُ مِثْلِهِمْ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَنْفَعَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ .
( الرَّابِعُ ) مَا هَلَكَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّعَامِ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْعَقْدِ .
( الْخَامِسُ ) مَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ ، وَعَلَيْهِمْ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَصَدُوا أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا بَلَغُوا ، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ ) وَهُوَ أَنَّ الْهَلَاكَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ يَضْمَنُ الْأُجَرَاءُ الْمَهْلُوكَ فِي قِسْمَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) مَا غَرَّرُوا فِيهِ بِضِعْفِ حَبْلٍ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ بِمَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أَثَرِ التَّفْرِيطِ ، وَلَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ابْتِدَاءَ التَّعَدِّي ( وَثَانِيهِمَا ) مَا هَلَكَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّعَامِ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْعَقْدِ ، وَلَا يَضْمَنُونَهُ فِي ثَلَاثِ أَقْسَامٍ : ( أَحَدُهَا ) مَا هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ حَبْلٍ لَمْ يُغَرِّرْ بِهِ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ بِمَا فِيهَا فَلَا ضَمَانَ وَلَا أُجْرَةَ ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِيَحْمِلَهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ غَيْرُهُ : مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ كَالْهَالِكِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لِرَبِّ السَّفِينَةِ بِحِسَابِ مَا بَلَغَتْ ( وَثَانِيهَا ) مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ ، وَعَلَيْهِ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَنْفَعَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ( وَثَالِثُهَا ) مَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ ، وَعَلَيْهِمْ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صُدِّقُوا أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ .
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا بَلَغُوا ، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ ، وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) مَا كَانَ بِالتَّعَدِّي ، وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ عِثَارَ الدَّابَّةِ لَوْ كَانَتْ عَثُورًا

تَعَدِّيًا مِنْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ بِهَا الْحِمْلَ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحِبَالُ رَثَّةً .
( وَثَانِيهِمَا ) مَا كَانَ لِمَكَانِ الْمَصْلَحَةِ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ ، وَهُوَ ضَمَانُ الصُّنَّاعِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَجِيرَ لَيْسَ بِضَامِنٍ لِمَا هَلَكَ عِنْدَهُ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى مَا عَدَا حَامِلَ الطَّعَامِ وَالطَّحَّانَ فَإِنَّ مَالِكًا ضَمَّنَهُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ ، وَمَشْهُورُ مَالِكٍ فِي صَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ .
وَقَدْ قِيلَ يَضْمَنُ ، وَشَذَّ أَشْهَبُ فَضَمَّنَ الصُّنَّاعَ مَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ عِنْدَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُمْ وَلَا تَفْرِيطٍ ، وَأَمَّا مَا ادَّعَوْا هَلَاكَهُ مِنْ الْمَصْنُوعَاتِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَضْمِينِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُونَ مَا هَلَكَ عِنْدَهُمْ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ أَجْرٍ ، وَلَا الْخَاصِّ ، وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ وَمَنْ عَمِلَ بِأَجْرٍ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي الْمُشْتَرِكِ وَالْخَاصِّ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَصِبْ لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْخَاصِّ ، وَهُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ ضَامِنٍ ، وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّانِعَ الْمُشْتَرِكَ يَضْمَنُ سَوَاءٌ عَمِلَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ ، وَبِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ قَالَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ ، وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يَرَ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ شَبَّهَ الصَّانِعَ بِالْمُودَعِ عِنْدَهُ وَالشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَأَجِيرِ الْغَنَمِ ، وَمَنْ ضَمَّنَهُ فَلَا دَلِيلَ لَهُ إلَّا النَّظَرُ إلَى الْمَصْلَحَةِ وَسَدِّ الذَّرِيعَةِ .
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ أَوْ لَا يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ فَلِأَنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ أَجْرٍ إنَّمَا قَبَضَ الْمَعْمُولَ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فَقَطْ فَأَشْبَهَ

الْمُودَعَ ، وَإِذَا قَبَضَهَا بِأَجْرٍ فَالْمَنْفَعَةُ لِكِلَيْهِمَا فَغُلِّبَتْ مَنْفَعَةُ الْقَابِضِ فَأَشْبَهَ الْقَرْضَ وَالْعَارِيَّةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ فِي تَضْمِينِهِ سَدُّ ذَرِيعَةٍ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الصُّنَّاعَ لَا يَضْمَنُونَ مَا لَمْ يَقْبِضُوا فِي مَنَازِلِهِمْ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِ الْمَصْنُوعِ ، وَسَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُمْ هَلْ تَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ أَمْ لَا إذَا كَانَ هَلَاكُهُ بَعْدَ إتْمَامِ الصَّنْعَةِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ بَعْضِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أُجْرَةَ لَهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُمْ الْأُجْرَةُ ، وَوَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْضِيَ عَمَلُ الصَّانِعِ بَاطِلًا ، وَوَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا اسْتَوْجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا هَلَكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْأَجِيرِ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَقْيَسُ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَكْثَرُ نَظَرًا إلَى الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الْمُصِيبَةِ ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي ضَمَانِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ الْمَوْجِ ، وَأَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الصُّنَّاعَ يَضْمَنُونَ كُلَّ مَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ خَرْقٍ أَوْ كَسْرٍ فِي الْمَصْنُوعِ أَوْ قَطْعٍ إذَا عَمِلَهُ فِي حَانُوتِهِ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَاعِدًا مَعَهُ إلَّا فِيمَا كَانَ فِيهِ تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ ثَقْبِ الْجَوْهَرِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ ، وَالطَّبِيبُ يَمُوتُ الْعَلِيلُ مِنْ مُعَالَجَتِهِ ، وَكَذَلِكَ الْبَيْطَارُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ .
وَأَمَّا الطَّبِيبُ وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيمَا فَوْقَ

الثُّلُثِ ، وَفِي مَالِهِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَعَلَيْهِ الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ وَالدِّيَةُ قِيلَ فِي مَالِهِ ، وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ ا هـ .
الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ مَعَ بَعْضِ إصْلَاحٍ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَسَدَ ) أَمَّا مَا تُفْسِدُهُ الْجَهَالَةُ فَهُوَ الْبِيَاعَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْإِجَارَاتِ ، وَمِنْ الْإِجَارَاتِ قِسْمٌ لَا يَجُوزُ تَعْيِينُ الزَّمَانِ فِيهِ بَلْ يُتْرَكُ مَجْهُولًا ، وَهُوَ الْأَعْمَالُ فِي الْأَعْيَانِ كَخِيَاطَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَ الْخِيَاطَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْيَوْمَ مَثَلًا فَتَفْسُدُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ بِتَوَقُّعِ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، بَلْ مَصْلَحَتُهُ ، وَنَفْيُ الْغَرَرِ عَنْهُ أَنْ يَبْقَى مُطْلَقًا ، وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهَا مُحَدَّدًا مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ فِي الْعَمَلِ بِأَنْ لَا يَجِدَ الْآبِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَا بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمَعْلُومِ بَلْ نَفْيُ الْغَرَرِ عَنْ الْجَعَالَةِ بِحُصُولِ الْجَهَالَةِ فِيهَا ، وَالْجَهَالَةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرْطٌ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعًا ، وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ تُعْرَفُ بِجَمْعِ الْفَرْقِ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ يُنَاسِبُ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ أَوْ يُنَاسِبُ الضِّدَّيْنِ ، وَيَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الْفِقْهِ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نَاسَبَ حُكْمًا نَافَى ضِدَّهُ أَمَّا اقْتِضَاؤُهُ لَهُمَا فَبَعِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْجَعَالَاتِ وَالْإِجَارَاتِ ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْحَجْرُ يَقْتَضِي رَدَّ التَّصَرُّفَاتِ ، وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفَاتِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ صَوْنًا لِمَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى مَصَالِحِهِ ، وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْوَصَايَا لَحَصَلَ الْمَالُ لِلْوَارِثِ ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَصَارَ صَوْنُ الْمَالِ عَلَى الْمَصَالِحِ يَقْتَضِي تَنْفِيذَ التَّصَرُّفَاتِ ، وَرَدَّ التَّصَرُّفَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْقَرَابَةُ تُوجِبُ

الْبِرَّ بِدَفْعِ الْمَالِ ، وَتُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إذَا كَانَ زَكَاةً فَيُحْرَمُوا إيَّاهَا ، وَتُعْطَى لِغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ ، وَكَذَلِكَ أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ بِرُّهُمْ بِسَدِّ خَلَّاتِهِمْ بِالْمَالِ ، وَيَحْرُمُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ زَكَاةً فَصَارَ قُرْبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ ، وَمَنْعَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مَالَيْنِ وَنِسْبَتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَعْنًى يُوجِبُ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً ، وَيُوجِبُ نَقِيضَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضِّدَّيْنِ ، وَهُوَ ضَابِطُ جَمْعِ الْفَرْقِ ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُفَرَّقَاتِ ، وَهِيَ الْأَضْدَادُ فَكَذَلِكَ الْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْإِخْلَالَ بِمَصَالِح الْعُقُودِ فِي الْبِيَاعَاتِ ، وَأَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ فَكَانَتْ مَانِعَةً ، وَوُجُودُهَا يُوجِبُ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ عَقْدِ الْجَعَالَةِ حَتَّى يَبْقَى الْمَجْعُولُ لَهُ عَلَى طَلَبِهِ فَيَجِدُ الْآبِقَ فَلَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ الْمُتَقَدِّمُ مَجَّانًا فَإِذَا قَيَّدْنَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ ، وَقَدَّرْنَاهُ مَعْلُومًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ ، وَلَمْ يَجِدْ الْآبِقَ ذَهَبَ عَمَلُهُ مَجَّانًا فَضَاعَتْ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَسَدَ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْوَصْفَ يَبْعُدُ اقْتِضَاؤُهُ لِلضِّدَّيْنِ أَوْ النَّقِيضَيْنِ فَإِذَا نَاسَبَ حُكْمًا نَافَى ضِدَّهُ ، وَقَدْ يُنَاسِبُ الْوَصْفُ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ أَوْ الضِّدَّيْنِ ، وَيَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَهُوَ ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْفِقْهِ إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِجَمْعِ الْفَرْقِ ، وَضَابِطُهَا أَنَّ كُلَّ مُعَيَّنٍ يُوجِبُ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً فِي مَحَلٍّ ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ ، وَيُوجِبُ نَقِيضَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضِّدَّيْنِ ، وَسُمِّيَ بِجَمْعِ الْفَرْقِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُفَرَّقَاتِ ، وَهِيَ الْأَضْدَادُ ، وَلَهُ نَظَائِرُ مِنْهَا الْحَجْرُ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ صَوْنِ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى مَصَالِحِهِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي رَدَّ تَصَرُّفَاتِهِ فِي حَالَةِ حَيَاتِهِ ، وَتَنْفِيذَهَا بِوَصَايَاهُ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْوَصَايَا لَحَصَلَ الْمَالُ لِلْوَارِثِ ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ( وَمِنْهَا ) الْقَرَابَةُ لِلْمُكَلَّفِ تُوجِبُ بِرَّهُمْ بِدَفْعِ مَالِهِ لَهُمْ إذَا كَانَ غَيْرُ زَكَاةٍ وَتُوجِبُ مَنْعَهُمْ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ إذَا كَانَ زَكَاةً فَيُحْرَمُوا إيَّاهَا ، وَتُعْطَى لِغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ ، وَمِنْهَا أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ بِرُّهُمْ بِسَدِّ خَلَّاتِهِمْ بِالْمَالِ إذَا كَانَ غَيْرَ زَكَاةٍ ، وَيَحْرُمُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ زَكَاةً فَصَارَ قُرْبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ وَمَنْعَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مَالَيْنِ وَنِسْبَتَيْنِ ، وَمِنْهَا الْجَهَالَةُ وُجُودُهَا يُوجِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ وَأَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ الْإِخْلَالَ بِمَصَالِحِ الْعُقُودِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ مَانِعَةً ، وَيُوجِبُ فِي

قِسْمٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ ، وَهُوَ الْأَعْمَالُ فِي الْأَعْيَانِ كَخِيَاطَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا .
وَفِي الْجَعَالَةِ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةِ عَقْدِ ذَلِكَ الْقِسْمِ مِنْ الْإِجَارَاتِ وَعَقْدِ الْجَعَالَةِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ شَرْطًا بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ فَسَدَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَ الْخِيَاطَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْيَوْمَ مَثَلًا بَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ بِتَوَقُّعِ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ مَصْلَحَتُهُ وَنَفْيُ الْغَرَرِ عَنْهُ أَنْ يَبْقَى مُطْلَقًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي الْجَعَالَةِ مَحْدُودًا مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ فِي الْعَمَلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إذَا قَيَّدْنَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ ، وَقَدَّرْنَاهُ مَعْلُومًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ ، وَلَمْ يَجِدْ الْآبِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَا بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمَعْلُومِ ذَهَبَ عَمَلُهُ مَجَّانًا فَضَاعَتْ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ فَلِذَا كَانَ نَفْيُ الْغَرَرِ عَنْ الْجَعَالَةِ بِحُصُولِ الْجَهَالَةِ فِيهَا ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْجَعَالَةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرْطٌ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعًا قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ فِي فَصْلِ وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَائِقٍ مَا نَصُّهُ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّلَ عَمَلُ الْجُعْلِ بِأَجَلٍ ، وَلَا يُقَدَّرُ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ أَوْ عَشَرَةٍ مَثَلًا لِأَنَّهُ لَا يَنْقَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ سَعْيُهُ بَاطِلًا قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهِ كَمَا مَرَّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ فَقَوِيَ الْغَرَرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَعَ ضَرْبِ الْأَجَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ مَعَ الْأَجَلِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَخَفَّ بِذَلِكَ الْغَرَرُ .
وَقَالَ فِيمَا مَرَّ فَالْجَعَالَةُ تُفَارِقُ الْإِجَارَةَ مِنْ وُجُوهٍ ( فَمِنْهَا ) إنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ يُفْسِدُهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَجْهُولُ التَّرْكَ مَتَى

شَاءَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ أَجَلٍ ، وَمِنْهَا أَنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ ( وَمِنْهَا ) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ ا هـ .
الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ .
وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ : الْعَمَلُ الْمَعْلُومُ مِنْ تَعْيِينِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْأَجْرُ مَعَ تَبْيِينِهِ وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مُكَمِّلِهِ إنْ تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قَدْ عَمِلَهُ إنَّ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ مِنْ أَجْلِ تَعَيُّنِ حَدِّهِ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالْأَجَلِ وَذِكْرِ صِفَتِهِ ( فَالْأَوَّلُ ) كَقَوْلِهِ أُؤَاجِرُك عَلَى صَبْغِ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ دَبْغِ هَذَا الْجِلْدِ أَوْ خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ ، وَبَيَّنَ لَهُ صِفَةَ الصَّبْغِ وَالدَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ ( وَالثَّانِي ) كَقَوْلِهِ أُؤَاجِرُك عَلَى بِنَاءِ يَوْمٍ أَوْ خِيَاطَةِ شَهْرٍ أَوْ حِرَاثَةِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ الَّذِي هُوَ الدَّبْغُ وَالصَّبْغُ وَنَحْوُهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُمَا ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا إمَّا بِالْفَرَاغِ مِنْهُ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَطَحْنِ إرْدَبٍّ ، وَإِمَّا بِضَرْبِ أَجَلٍ كَخِيَاطَةِ يَوْمٍ أَوْ صَبْغِهِ أَوْ دَبْغِهِ أَوْ طَحْنِهِ فَالْمَصْنُوعَاتُ إمَّا أَنْ تُحَدَّدَ بِالْفَرَاغِ أَوْ بِالْأَجَلِ وَغَيْرِهَا كَالرِّعَايَةِ وَالْخِدْمَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَنَحْوِهِمَا يُحَدُّ بِضَرْبِ الْأَجَلِ لَا غَيْرُ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجَلِ وَالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَكْتَرِي مِنْك دَابَّتَك لِتَرْكَبَهَا إلَى مَحَلِّ كَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ أُؤَاجِرُك لِتُوَصِّلَ الْكِتَابَ لِمَحَلِّ كَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ بِدِرْهَمٍ فَهَلْ تَفْسُدُ مُطْلَقًا أَوْ إنَّمَا تَفْسُدُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ مُسَاوِيًا لِلْعَمَلِ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ لَا إنْ كَانَ الْأَجَلُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ فَلَا تَفْسُدُ فِيهِ خِلَافُ خَلِيلٍ ، وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا ، وَتُسَاوِي أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ ، وَمِنْ

ذَلِكَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ مَثَلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ فِي مَقْدُورِ الْأَجِيرِ كَانَ جَعَالَةً إنْ حَدَّهُ بِالْعَمَلِ ، وَهُوَ تَمَامُ الْعَمَلِ وَإِجَارَةً إنْ حَدَّهُ بِالزَّمَنِ ، وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ حِينَئِذٍ ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ ا هـ .
الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَعْقُودِ بِهِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَيُنَاسِبُ ذَلِكَ اللُّزُومَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ ، وَتَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّ مَعَ هَذَا الْأَصْلِ انْقَسَمَتْ الْعُقُودُ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ كَالْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَالنِّكَاحِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ يَحْصُلُ عَقِيبَ الْعَقْدِ ، وَالْقِسْمُ الْآخَرُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَتَهُ مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ عُقُودُ الْجَعَالَةِ ، وَالْقِرَاضِ ، وَالْمُغَارَسَةِ ، وَالْوَكَالَةِ ، وَتَحْكِيمِ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحُكُومَةِ ، وَأَنَّ الْجَعَالَةَ لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ بِمَكَانِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومِ ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ حُصُولٌ لِرِبْحٍ فِيهِ مَجْهُولٍ فَقَدْ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ السِّلَعَ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ لَا يَحْصُلُ فِيهَا رِبْحٌ فَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَضَرَّةٌ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الرِّبْحُ ، وَكَذَلِكَ الْمُغَارَسَةُ مَجْهُولَةُ الْعَاقِبَةِ فِي نَبَاتِ الشَّجَرِ ، وَجَوْدَةِ الْأَرْضِ ، وَمَئُونَاتِ الْأَسْبَابِ عَلَى مُعَانَاةِ الشَّجَرِ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ فَقَدْ يَطَّلِعُ عَلَى تَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْ فَرْطِ بُعْدِهِ فَإِلْزَامُهُ بِالْعَمَلِ ضَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ قَدْ يَطَّلِعُ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ عَلَى تَعَذُّرٍ أَوْ ضَرَرٍ فَجُعِلَتْ عَلَى الْجَوَازِ ، وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ خَطَرٌ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِمَا

فِيهِ مِنْ اللُّزُومِ إذَا حَكَمَ فَقَدْ يَطَّلِعُ الْخَصْمَانِ عَلَى سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي ذَلِكَ فَلَا يُشْرَعُ اللُّزُومُ فِي حَقَّيْهِمَا نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا ، وَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي عَدَمِ انْضِبَاطِ الْعَقْدِ بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ فَكَانَ الْجَمِيعُ عَلَى الْجَوَازِ

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْهَا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَعْقُودِ بِهِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ ، وَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ هُوَ اللُّزُومُ إلَّا أَنَّ الْعُقُودَ مَعَ هَذَا الْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى لُزُومِهَا بِالْقَوْلِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يَلْزَمُ اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ وَالْكِرَاءُ وَالْمُسَاقَاةُ ، وَمَا لَا يَلْزَمُ بِهِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ الْجُعَلُ وَالْقِرَاضُ وَالتَّوْكِيلُ وَالتَّحْكِيمُ ، وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ بِهِ أَمْ لَا ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ غَازِيٍّ : أَرْبَعَةٌ بِالْقَوْلِ عَقْدُهَا فَرَا بَيْعٌ نِكَاحٌ وَسِقَاءٌ وَكِرَا لَا الْجُعْلُ وَالْقِرَاضُ وَالتَّوْكِيلُ وَالْحُكْمُ بِالْفِعْلِ بِهَا كَفِيلُ لَكِنْ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ وَفَرَا آخِرَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ بِالْفَاءِ بِمَعْنَى قَطَعَ ، وَمِنْهُ فَرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا كَمَا فِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ وَالتُّسُولِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ ( فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) جَرَى عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي غَيْرِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَظْمِ ابْنِ غَازِيٍّ ، وَعَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي الْمُسَاقَاةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيمَا يَلْزَمُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ( الْأَوَّلُ ) الْعَقْدُ ، وَهُوَ نَقْلُ الْأَكْثَرِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ ( وَالثَّانِي ) الشُّرُوعُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالْمُتَيْطِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ ( وَالثَّالِثُ ) حَوْزُ الْمُسَاقَى فِيهِ ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْبَاجِيَّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ الْمُسَاقَاةُ ، وَلَيْسَ كَالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَضْ ، وَلَعَلَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا رُوِيَ فِي عَيْنِ السَّقْيِ تَغُورُ إنْ

كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ قُلْت ظَاهِرُهُ إنْ غَارَتْ بَعْدَ الْعَمَلِ لَزِمَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ حَظِّهِ ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهَا فِي أَكْرِيَةِ الدَّوْرِ مَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً فَغَارَ مَاؤُهَا بَعْدَ أَنْ سَقَى فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا بِقَدْرِ حَظِّ رَبِّ النَّخْلِ مِنْ ثَمَرَتِهِ تِلْكَ السَّنَةَ ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِالْعَمَلِ لَا بِالْجَوَازِ ( وَالرَّابِعُ ) أَوَّلُهَا لَازِمٌ وَآخِرُهَا كَالْجُعْلِ إذَا عَجَزَ ، وَتَرَكَ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ لَكِنْ هَذَا حُكْمُ الْعَجْزِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا قَوْلُ غَيْرِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِتَصَرُّفٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ فَالْمُسَلَّمُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، وَالثَّانِي ا هـ .
قَالَ الْأَصْلُ ، وَهَذَا الْقِسْمُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ عَقِيبَ الْعَقْدِ ا هـ .
( وَالْقِسْمُ الثَّانِي ) قَالَ الْأَصْلُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَةً مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ ، وَهُوَ خَمْسَةُ عُقُودٍ الْجَعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالْوَكَالَةُ وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحُكُومَةِ فَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي عَدَمِ انْضِبَاطِ الْعَقْدِ بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ فَكَانَ الْجَمِيعُ عَلَى الْجَوَازِ .
( أَمَّا الْجِعَالَةُ ) فَلِأَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ بِمَكَانِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تُجْمَعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومِ ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ .
( وَأَمَّا الْقِرَاضُ ) فَلِأَنَّ حُصُولَ الرِّبْحِ فِيهِ مَجْهُولٌ فَقَدْ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ السِّلَعَ مُتَعَذِّرَةٌ

أَوْ لَا يَحْصُلُ فِيهِ رِبْحٌ فَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَضَرَّةٌ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الرِّبْحُ ( وَأَمَّا الْمُغَارَسَةُ ) وَهِيَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ لِمَنْ يَغْرِسُ فِيهَا عَدَدًا مِنْ الْأَشْجَارِ فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ بَيْنَهُمَا ا هـ .
فَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْعَاقِبَةِ فِي ثَبَاتِ الشَّجَرِ وَجَوْدَةِ الْأَرْضِ ، وَمُؤْنَاتُ الْأَسْبَابِ عَلَى مُؤْنَاتِ الشَّجَرِ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ فَقَدْ يَطَّلِعُ عَلَى تَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْ فَرْطِ بُعْدِهِ فَإِلْزَامُهُ بِالْعَمَلِ ضَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ( وَأَمَّا الْوَكَالَةُ ) فَقَدْ يَطَّلِعُ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ عَلَى تَعَذُّرٍ أَوْ ضَرَرٍ فَجُعِلَتْ عَلَى الْجَوَازِ ( وَأَمَّا تَحْكِيمُ الْحَاكِمِ ) فَلِأَنَّهُ خَطَرٌ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اللُّزُومِ إذَا حَكَمَ ، وَقَدْ يَطَّلِعُ الْخَصْمَانِ عَلَى سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي ذَلِكَ فَنَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ اللُّزُومُ فِي حَقَّيْهِمَا ا هـ .
كَلَامُ الْأَصْلِ بِزِيَادَةٍ ( وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ ) أَهْمَلَهُ الْأَصْلُ بَلْ عَدَّ الْمُغَارَسَةَ الَّتِي جَعَلَهَا ابْنُ غَازِيٍّ مِنْهُ وَتَبِعَهُ التَّاوَدِيُّ وَالتُّسُولِيُّ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَحَصَرَهُ فِي خَمْسَةِ عُقُودٍ الْمُغَارَسَةُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي نَظْمِ ابْنِ غَازِيٍّ ، وَلَمْ يَحْصُرْ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي حَصَرَهُ فِيهَا ابْنُ غَازِيٍّ بَلْ زَادَ عَلَيْهَا الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَعُقُودَ الْوِلَايَاتِ ، وَأَدْخَلَ بِالْكَافِ الْمُزَارَعَةَ وَالشَّرِكَاتِ كَمَا أَدْخَلَ بِهَا الْمُسَاقَاةَ ، وَصَحَّحَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ كَلَامَهُ حَتَّى صَارَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا أَنَّ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُمَا مِنْ الْمُنَازَعَةِ فِي الْمُغَارَسَةِ قَوْلٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ بِالْقَوْلِ ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالشَّرِكَاتِ الْقَوْلُ بِاللُّزُومِ بِالْقَوْلِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ مُفَادَ كَلَامِ التَّاوَدِيِّ

وَالتُّسُولِيِّ أَنَّهَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ لِتَصْرِيحِهِمَا بِحَصْرِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا الثَّانِي فِي أَرْبَعَةٍ دُونَ الثَّالِثِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْقِرَاضِ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ ، وَإِلَى أَجَلٍ ، وَعَلَى الضَّمَانِ ، وَالْمُبْهَمُ ، وَبِدِينٍ يَقْتَضِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، وَعَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِالدَّيْنِ فَاشْتَرَى بِالنَّقْدِ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا ، وَعَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ بِمَالِ الْقِرَاضِ ثُمَّ يَبِيعُهُ ، وَيَتَّجِرُ بِثَمَنِهِ ، وَأُلْحِقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ فَفِي الْكِتَابِ إذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ لَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ ، وَالضَّابِطُ كُلُّ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ ، وَلَا خَالِصَةً لِمُشْتَرِطِهَا ، وَمَتَى كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ أَوْ كَانَتْ غَرَرًا حَرَامًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ تَدُورُ الْمَسَائِلُ ، وَعَنْ مَالِكٍ قِرَاضُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بِالْأُجْرَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِاسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ صَحِيحٍ وَإِلْغَاءِ الْفَاسِدِ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ فَقِرَاضُ الْمِثْلِ أَوْ لِزِيَادَةٍ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَرَابِعُهَا لِمُحَمَّدٍ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ الْمِثْلِ الْمُسَمَّى وَخَامِسُهَا تَفْصِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ : وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْقِرَاضِ تَعَيَّنَتْ سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ خَالَفَ

الشَّرْعَ حُكْمُهُ قِرَاضُ عُرُوضٍ وَاشْتِرَاطُ ضَمَانِهِ وَتَحْدِيدُ وَقْتٍ وَالْتِبَاسٌ يَعُمُّهُ وَإِنْ شَرَطَا فِي الْمَالِ شِرْكًا لِعَامِلٍ وَأَنْ يُشْتَرَى بِالدَّيْنِ فَاخْتَلَّ رَسْمُهُ وَأَنْ يُشْتَرَى غَيْرُ الْمُعَيَّنِ لِلشِّرَا وَأَعْطِ قِرَاضَ الْمِثْلِ مِنْ حَالِ غُرْمِهِ وَأَنْ يَقْتَضِي الدَّيْنَ الَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ وَيَتَّجِرَ فِيهِ عَامِلًا لَا يَذُمُّهُ وَأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا لِزَيْدٍ يَبِيعُهُ وَيَتَّجِرَ فِيمَا ابْتَاعَهُ وَيَلُمُّهُ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ : وَضَابِطُهَا كُلُّ مَا يَشْتَرِطُ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَمْرًا قَصَرَهُ بِهِ عَلَى نَظَرِهِ أَوْ يَشْتَرِطُ زِيَادَةً لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَإِلَّا فَقِرَاضُ الْمِثْلِ ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمْرَانِ ( أَحَدُهُمَا ) الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَنْفُسِهَا ، وَهُوَ الْأَصْلُ كَفَاسِدِ الْبَيْعِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إنَّمَا اُسْتُثْنِيَ لِأَجْلِ مَصْلَحَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَصْلُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْفَاسِدَ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدَمِ ، وَلَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ آخَرُ يَرْجِعُ إلَيْهِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ إذَا تَأَكَّدَتْ فِي الْقِرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ الْمُسْتَثْنَى بِالْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ ، وَإِذَا لَمْ تَتَأَكَّدْ اعْتَبَرْنَا الْقِرَاضَ ثُمَّ يَبْقَى النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُفْسِدِ هَلْ هُوَ مُتَأَكِّدٌ أَمْ لَا نَظَرًا فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ .

( الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) الْقِرَاضُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ : وَالنَّقْدُ وَالْحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ وَلَا يَسُوغُ جَعْلُهُ إلَى أَجَلٍ وَفَسْخُهُ مُسْتَوْجِبٌ إذَا نَزَلَ وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ يَقَعْ يُرَدَّ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْ شُرُوطِ الْقِرَاضِ ثَلَاثَةً النَّقْدَ وَالْحُضُورَ وَالتَّعْيِينَ ، وَمِنْ الْمَوَانِعِ ثَلَاثَةً الضَّمَانَ وَالْأَجَلَ وَاشْتِرَاطَ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَالشَّرْطُ مَا يُطْلَبُ وُجُودُهُ ، وَالْمَانِعُ مَا يُطْلَبُ عَدَمُهُ .
وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ أُخَرُ ، وَمَوَانِعُ أُخَرُ اُنْظُرْهَا فِي خَلِيلٍ ، وَغَيْرِهِ ا هـ .
وَالْأَصْلُ فِي فَاسِدِهِ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْقَبَسِ حَكَى فِيهِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ ( الْأَوَّلُ ) عَنْ مَالِكٍ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ مُطْلَقًا جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ ( الثَّانِي ) عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ الرَّدُّ إلَى الْأُجْرَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِاسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَإِلْغَاءِ الْفَاسِدِ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَالثَّالِثُ ) عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ فَقِرَاضُ الْمِثْلِ أَوْ لِزِيَادَةٍ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ( الرَّابِعُ ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى .
( وَالْخَامِسُ ) تَفْصِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ حَيْثُ قَالَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْقِرَاضِ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ ، وَإِلَى أَجَلٍ ، وَعَلَى الضَّمَانِ ،

وَالْمُبْهَمُ ، وَبِدَيْنٍ يَقْتَضِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، وَعَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِالدَّيْنِ فَاشْتَرَى بِالنَّقْدِ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا ، وَعَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ بِمَالِ الْقِرَاضِ ثُمَّ يَبِيعَهُ ، وَيَتَّجِرَ بِثَمَنِهِ قَالَ الْأَصْلُ ، وَلَحِقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ فَفِي الْكِتَابِ أَيْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا أَيْ فِي الرِّبْحِ ، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ لَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ ، وَالضَّابِطُ كُلُّ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ ، وَلَا خَالَفَتْهُ فَهِيَ لِمُشْتَرِطِهَا ، وَمَتَى كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ أَوْ كَانَتْ غَرَرًا حَرَامًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ تَدُورُ الْمَسَائِلُ قَالَ : وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ، وَضَابِطُهَا كُلُّ مَا يَشْتَرِطُ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَمْرًا قَصَرَهُ بِهِ عَلَى نَظَرِهِ أَوْ يَشْتَرِطُ زِيَادَةً لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَإِلَّا فَقِرَاضُ الْمِثْلِ .
وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمْرَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَنْفُسِهَا ، وَهُوَ الْأَصْلُ كَفَاسِدِ الْبَيْعِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إنَّمَا اُسْتُثْنِيَ لِأَجْلِ مَصْلَحَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَصْلُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْفَاسِدَ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدَمِ ، وَلَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ آخَرُ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ إذَا تَأَكَّدَتْ فِي الْقِرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ الْمُسْتَثْنَى بِالْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَيَّنُ

الْإِجَارَةُ ، وَإِذَا لَمْ تَتَأَكَّدْ اعْتَبَرْنَا الْقِرَاضَ ثُمَّ بَقِيَ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُفْسِدِ هَلْ هُوَ مُتَأَكِّدٌ أَمْ لَا نَظَرًا فِي تَحْقِيقِ الْمُنَاطِ قَالَ .
وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْقِرَاضِ تَعَيَّنَتْ سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهُ قِرَاضٌ عُرُوضٌ وَاشْتِرَاطُ ضَمَانِهِ وَتَحْدِيدُ وَقْتٍ وَالْتِبَاسٌ يَعُمُّهُ وَأَنْ شَرَطَا فِي الْمَالِ شِرْكًا لِعَامِلٍ وَأَنْ يَشْتَرِي بِالدَّيْنِ فَاخْتَلَّ رَسْمُهُ وَأَنْ يَشْتَرِي غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لِلشِّرَا وَأَعْطِ قِرَاضَ الْمِثْلِ مِنْ حَالِ غُرْمِهِ وَأَنْ يَقْتَضِي الدَّيْنُ الَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ وَيَتَّجِرَ فِيهِ عَامِلًا لَا يَذُمُّهُ وَأَنْ يَشْتَرِي عَبْدًا لِزَيْدٍ يَبِيعُهُ وَيَتَّجِرَ فِيمَا ابْتَاعَهُ وَيَلُمُّهُ ا هـ .
كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ ، وَفِيمَا يَجِبُ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ عِنْدَ فَسَادِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ مَالِكٍ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ الْوَاجِبَ قِرَاضُ الْمِثْلِ ، وَرَوَى غَيْرُهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَقِرَاضِ الْمِثْلِ مِنْ جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ ، وَقِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ ، وَالثَّانِيَةُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ يُحَاصِصُ بِهَا الْغُرَمَاءَ ، وَقِرَاضُ الْمِثْلِ يُقَدَّمُ فِيهِ عَلَيْهِمْ ، وَالثَّالِثَةُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا يُرَدُّ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَمَا يُرَدُّ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ بِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ التَّفْصِيلُ بِالْحَدِّ ، وَقِيلَ بِالْعَدِّ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَفِي الْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ أَوْ مَنْ وَكَّلَ عَلَى دَيْنٍ أَوْ لِيَصْرِفَ ثُمَّ يَعْمَلَ فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ كَلَكَ شِرْكٌ ، وَلَا عَادَةَ أَوْ مُبْهَمٌ أَوْ أَجَلٌ أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةَ فُلَانٍ ثُمَّ اتَّجِرْ فِي ثَمَنِهَا أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ مَا يَقِلُّ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ ، وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ ، وَفِيمَا

فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : لِكُلِّ قِرَاضٍ فَاسِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ فُصِّلَتْ بِبَيَانِ قِرَاضٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ وَمُبْهَمٍ وَبِالشِّرْكِ وَالتَّأْجِيلِ أَوْ بِضَمَانِ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيَشْتَرِي بِنَقْدٍ وَأَنْ يَبْتَاعَ عَقْدَ فُلَانِ وَيَتَّجِرَ فِي أَثْمَانِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ فَهَذِي إنْ عُدْت تَمَامُ ثَمَانِ وَلَا يَشْتَرِي مَا لَا يَقِلُّ وُجُودُهُ فَيَشْرِي سِوَاهُ اسْمَعْ لِحُسْنِ بَيَانِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَإِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَرْوِي فَصِيحُ لِسَانِ ، وَزِيدَتْ عَاشِرَةٌ فَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ : وَالْحَقُّ بِهَا تَرْكُ الشِّرَاءِ لِبَلْدَةٍ بِقَيْدٍ بِهِ أَضْحَى مِقْوَدَ جَرَّانِ يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيُعْطِيهِ الْمَالَ ، وَيَقُودُ كَمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ ا هـ .
كَلَامُ التَّاوَدِيِّ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْلِ أُمُورٌ : ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْهُ ، وَالثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا ، وَأَنَّ الثَّالِثَ وَالْخَامِسَ هُمَا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ ، وَإِمَّا بِالْحَدِّ أَوْ بِالْعَدِّ ، وَأَنَّ الرُّبْعَ لَمْ يُرْوَ عَنْ مَالِكٍ بَلْ حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ مُحَمَّدٍ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ لَكِنْ بِخُصُوصِ الْعَدِّ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَسَلَّمَهُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ ، وَإِنْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَاصِمٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حَيْثُ قَالَ : وَأَجْرُ مِثْلٍ أَوْ قِرَاضُ مِثْلٍ لِعَامِلٍ عِنْدَ فَسَادِ الْأَصْلِ ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْعَاشِرَةَ الَّتِي أَلْحَقَهَا الْأَصْلُ بِالتِّسْعَةِ غَيْرُ الْعَاشِرَةِ الَّتِي أَلْحَقَهَا ابْنُ

غَازِيٍّ بِهَا فَإِنَّ عَاشِرَةَ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ ، وَهِيَ مَا فِي قَوْلِ خَلِيلٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ ، وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ ، وَعَاشِرُ ابْنُ غَازِيٍّ مِنْ الْفَاسِدِ ، وَعَلَيْهِ فَالْمُلْحَقُ مَسْأَلَتَانِ ، وَجُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا لِلْعَامِلِ قِرَاضُ الْمِثْلِ إحْدَى عَشْرَةً ، وَمَا عَدَاهَا يَجِبُ فِيهِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
وَقَدْ نَظَمْت عَاشِرَةَ الْأَصْلِ بِقَوْلِي ( : وَالْحَقُّ بِهَذِي الِاخْتِلَافُ بِرِبْحِهِ وَمَا ادَّعَيَا شَبَهًا جَرَى بِزَمَانِ ) ( وَفِي شَرْحِ ) التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ نَصُّهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ مُغِيثٍ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِقِرَاضِ الْمِثْلِ فِي أَرْبَعَةٍ فَقَطْ ، وَهِيَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ أَوْ بِالْجُزْءِ الْمُبْهَمِ أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِضَمَانٍ ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُك ضَمِنَ الْعُرُوضَ إلَى أَجَلٍ مُبْهَمٍ ، وَمَا عَدَا هَذِهِ لِأَرْبَعٍ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ يَفْسَخُ مَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعَمَلِ فَيَمْضِي ، وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ ، وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ بِفَسْخٍ أَبَدًا ا هـ .
بِلَفْظِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاتِ الْمِثْلِ فِي الْمَسَاقَاتِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي كِتَابِ النَّظَائِرِ يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فَلَهُ مُسَاقَاتُ الْمِثْلِ إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ تَمْرٍ قَدْ أَطْعَمَ ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَمَلَ مَعَهُ ، وَاجْتِمَاعَهَا مَعَ الْبَيْعِ ، وَمُسَاقَاةِ سَنَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَإِذَا اخْتَلَفَا ، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَحَلَفَا عَلَى دَعْوَاهُمَا أَوْ نَكَلَا ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ : وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ عُيِّنَتْ سِوَى خَمْسَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهَا مُسَاقَاةٌ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَجُزْءَانِ فِي عَامَيْنِ شَرْطٌ يَعُمُّهَا وَإِنْ شَرَطَ السَّاقِي عَلَى مَالِكٍ لَهُ مُسَاعَدَةً وَالْبَيْعُ مَعَهَا يَضُمُّهَا وَإِنْ حَلَفَا فِي الْخُلْفِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ وَالْحَزْمَ ذَمُّهَا ، وَسِرُّ الْفَرْقِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ بِعَيْنِهِ ، وَالْقَوَاعِدُ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا .

( الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ مِنْهَا إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) الْمُسَاقَاةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ ا هـ .
وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُخَابَرَةِ أَيْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا عِيَاضٌ ، وَلَا تَنْعَقِدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِلَفْظِهَا خَلِيلٌ بِسَاقَيْتُكَ سَحْنُونٍ بِمَا يَدُلُّ ا هـ .
تَاوَدِيٌّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ ، وَفِي التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُسَاقَاةُ تَجُوزُ بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ ( أَوَّلُهَا ) أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ بِثَمَرٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوَرْدِ وَالْآسِ يَعْنِي الرَّيْحَانَ ( ثَانِيهَا ) أَنْ تَكُونَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَجَوَازِ بَيْعِهَا ( وَثَالِثُهَا ) أَنْ تَكُونَ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَا لَمْ تَطُلْ جِدًّا أَوْ إلَى الْجَذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجَّلَا ( رَابِعُهَا ) أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ الرُّخَصَ تَفْتَقِرُ إلَى أَلْفَاظٍ تَخْتَصُّ بِهَا ( خَامِسُهَا ) أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ لَا عَلَى عَدَدٍ مِنْ آصُعٍ أَوْ أَوْسُقٍ ( سَادِسُهَا ) أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ ( سَابِعُهَا ) أَنْ لَا يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا خَاصًّا بِنَفْسِهِ ( ثَامِنُهَا ) أَنْ لَا يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ الثِّمَارِ أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالثَّمَرَةِ ، وَلَكِنْ تَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ مِمَّا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ ا هـ .
وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ مِمَّا لَا يُخَلَّفُ ا هـ .
، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّاوَدِيِّ مَا فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَالْأَصْلُ فِي فَاسِدِهَا الرَّدُّ إلَى مُسَاقَاةِ

الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا هَذَا الْأَصْلَ بِمَسَائِلَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي كِتَابِ النَّظَائِرِ يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فَلَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ ، وَإِذَا شُرِطَ الْعَمَلُ مَعَهُ ، وَاجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ ، وَمُسَاقَاةِ سَنَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَإِذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَحَلَفَا عَلَى دَعْوَاهُمَا أَوْ نَكَلَا ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ : وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ عُيِّنَتْ سِوَى خَمْسَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهَا مُسَاقَاةٌ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَجُزْءَانِ فِي عَامَيْنِ شَرْطٌ يَعُمُّهَا وَإِنْ شَرَطَ السَّاقِي عَلَى مَالِكٍ لَهُ مُسَاعَدَةً وَالْبَيْعُ مَعَهَا يَضُمُّهَا وَإِنْ حَلَفَا فِي الْخُلْفِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ وَالْجَزْمَ ذَمُّهَا كَمَا فِي الْأَصْلِ ، وَنَصُّ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا كَأَنْ ازْدَادَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا ، وَإِلَّا فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ ا هـ .
يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِأَجْلِ خَلَلٍ بِرُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ فَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ وَجَبَ فَسْخُهَا مُطْلَقًا ، وَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنَّهَا تُفْسَخُ ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَ أَيْ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ وَجَبَتْ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمَّا إنْ وَجَبَ لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا يُفْسَخُ مَا لَمْ يَعْمَلْ فَإِذَا فَاتَ بِابْتِدَاءِ الْعَمَلِ بِمَا لَهُ بَالٌ لَمْ تُفْسَخْ الْمُسَاقَاةُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِهَا ، وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لِلْعَامِلِ نَصِيبَهُ

إلَّا مِنْ الثَّمَرَةِ فَلَوْ فُسِخَتْ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْجُعْلِ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ ( وَإِنْ ) اطَّلَعَ عَلَى فَسَادِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ ( فَإِنْ ) خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا كَأَنْ زَادَ رَبُّ الْحَائِطِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا مِنْ عِنْدِهِ وَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا عَنْهَا إلَى ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ ثُمَّ ذَكَرَ خَلِيلٌ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ ، وَعَدَّهَا تِسْعًا فَقَالَ كَمُسَاقَاةٍ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ أَوْ مَعَ بَيْعٍ أَوْ اُشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّهِ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ ، وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ حَمَلَهُ لِمَنْزِلِهِ أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةُ آخَرَ أَوْ اخْتَلَفَ الْجُزْءُ بِسِنِينَ أَوْ حَوَائِطَ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى حَائِطَيْنِ أَحَدُهُمَا قَدْ أَطْعَمَ ثَمَرُهُ ، وَالْآخَرُ لَمْ يَطْعَمْ أَوْ يُسَاقِيهِ عَلَى حَائِطٍ وَاحِدٍ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ ، وَفِيهِ ثَمَرٌ لَمْ يَطْعَمْ ، وَلَيْسَ تَبَعًا لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرٍ مَجْهُولٍ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ لَا يُقَالُ أَصْلُ الْمُسَاقَاةِ كَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ خَرَجَتْ مِنْ أَصْلٍ فَاسِدٍ لَا يَتَنَاوَلُ هَذَا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنْ تَجْتَمِعَ مَعَ بَيْعٍ كَأَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً مَعَ الْمُسَاقَاةِ ، وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْمُسَاقَاةِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظٍ يَنْبَغِي .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِي الْحَائِطِ لِجَوَلَانِ يَدِهِ عَلَى حَائِطِهِ ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِطُ رَبَّ الْحَائِطِ فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَ دَابَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَائِطَ صَغِيرٌ ( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَ

غُلَامِ رَبِّ الْحَائِطِ ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَائِطَ صَغِيرٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زِيَادَةٌ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا ، وَفِي شَرْحِ الشَّبْرَخِيتِيِّ ، وَالظَّاهِرُ الْفَسَادُ فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ ، وَلَوْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ ( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) إذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَحْمِلَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ الْأَنْدَرِ إلَى مَنْزِلِهِ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِيهِ بُعْدٌ وَمَشَقَّةٌ وَإِلَّا جَازَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَحْمِلَ مَا يَخُصُّهُ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ مَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُسَاقَى بِفَتْحِ الْقَافِ أَوْ أَقَلَّ ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُسَاقِي بِكَسْرِ الْقَافِ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ ( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ ) إذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ حَائِطٍ آخَرَ بِأَنْ يَعْمَلَ نَفْسُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِكِرَاءٍ فَإِنْ وَقَعَ ، وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فَلِلْعَامِلِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ ، وَفِي الْحَائِطِ الْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ وَاحِدٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً سَنَةً عَلَى النِّصْفِ وَسَنَةً عَلَى الثُّلُثِ ، وَسَنَةً عَلَى الرُّبْعِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ( الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَوَائِطَ صَفْقَةً وَاحِدَةً حَائِطٌ عَلَى النِّصْفِ ، وَآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ مَثَلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُثْمِرَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَأَمَّا فِي صَفَقَاتٍ فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ ، وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجُزْءِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ ثُمَّ أَلْحَقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةً الْمُسَاقَاةُ فِيهَا صَحِيحَةٌ مُشَبِّهًا لَهَا فِي الرُّجُوعِ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَقَالَ كَاخْتِلَافِهِمَا ، وَلَمْ يُشْبِهَا ا هـ .

وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فِي الْجُزْءِ الْمُشْتَرَطِ لِلْعَامِلِ فَقَالَ دَخَلْنَا عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا وَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ بَلْ عَلَى الرُّبْعِ مَثَلًا ، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مَعَ نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ ، وَيُرَدُّ الْعَامِلُ لِمُسَاقَاةِ مِثْلِهِ وَمِثْلُهُ إذَا نَكَلَا ، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ فَإِنْ أَشْبَهَا مَعًا فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ انْفَرَدَ رَبُّ الْحَائِطِ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلُ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ، وَيَتَفَاسَخَانِ ، وَلَا يُنْظَرُ لِشَبَهٍ وَلَا عَدَمِهِ ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا تَحَالُفَ فِيهِ بَلْ الْعَامِلُ يَرُدُّ الْمَالَ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ ا هـ .
خَرَشِيٌّ بِتَلْخِيصٍ ، وَزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَظَمْت الْمَسَائِلَ التِّسْعَ وَأَلْحَقْت الْعَاشِرَةَ بِهَا فَقُلْت : وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ عَرَا فَسَادٌ سِوَى تِسْعٍ فَفِيهَا تَقَرَّرَا مُسَاقَاةُ مِثْلٍ إنْ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ ثَمَرٍ غَدَا مَطْعَمًا عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ قَرَّرَا وَإِنْ يَكُ شَرْطًا صُنْعُ رَبٍّ بِحَائِطٍ كَذَا مِنْ غُلَامٍ فِي صَغِيرٍ تَحَرَّرَا كَذَلِكَ إنْ مِنْ دَابَّةٍ فِي صَغِيرَةٍ غَدَا الشَّرْطُ أَوْ حِمْلًا لِمَنْزِلِهِ جَرَى كَذَا إنْ غَدَا شَرْطًا كِفَايَةُ آخَرَ أَوْ الْخُلْفُ فِي جُزْءٍ بِعَامَيْنِ صَوَّرَا كَذَا إنْ جَرَى فِي حَائِطَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَالْحَقُّ بِذِي أَنْ يَحْلِفَا عِنْدَمَا انْبَرَا بِلَا شُبْهَةِ خُلْفٍ بِجُزْءٍ لِعَامِلٍ أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ فِي ذَا بِلَا مِرَا قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَسِرُّ الْفَرْقِ أَيْ بَيْنَ مَا يُرَدُّ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ، وَمَا يُرَدُّ لِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ أَيْ مِنْ الضَّابِطَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ، وَمِنْ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي مَنْشَأِ الْخِلَافِ قَالَ

وَالْقَوَاعِدُ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْفَرْضِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ فَافْهَمْ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ ) اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْأَهْوِيَةِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ ، وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ ، وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا ، وَيَبْنِيَ عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفٌ عَلَيْهِ بُنْيَانٌ ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَدَّةً امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ ، وَسَبَبُ خُرُوجِ الرَّوَاشِنِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَفْنِيَةَ هِيَ بَقِيَّةُ الْمَوَاتِ الَّذِي كَانَ قَابِلًا لِلْإِحْيَاءِ فَمَنْعُ الْإِحْيَاءِ فِيهِ لِضَرُورَةِ السُّلُوكِ وَرَبْطِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْهَوَاءِ فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ مُبَاحًا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ .
وَأَمَّا الْمُسْتَدَّةُ فَلَا لِحُصُولِ الِاخْتِصَاصِ وَتَعَيُّنِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ .
هَذَا تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْأَهْوِيَةِ ، وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ الَّذِي هُوَ عَكْسُ الْأَهْوِيَةِ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا حُفِرَ تَحْتَهُ مَطْمُورَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَعْبُرَهَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ .
وَقَالَ لَوْ أَجَزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ ، وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي مَطْمُورَةٍ تَحْتَهَا فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْأَهْوِيَةِ لِمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا ، وَمَا تَحْتَهَا أَمْ لَا ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مِلْكِ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ مِنْ الْهَوَاءِ عَلَى مَا عَلِمْت ،

وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ الْهَوَاءِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ النَّاسَ شَأْنُهُمْ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعُلُوِّ فِي الْأَبْنِيَةِ لِلِاسْتِشْرَافِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ مِنْ الْأَنْهَارِ وَمَوَاضِعِ الْفَرَحِ وَالتَّنَزُّهِ وَالِاحْتِجَابِ عَنْ غَيْرِهِمْ بِعُلُوِّ بِنَائِهِمْ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ ، وَلَا تَتَوَفَّرُ دَوَاعِيهِمْ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَمْسِكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ خَاصَّةً ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى جَبَلٍ أَوْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ وَالشَّرْعُ لَهُ قَاعِدَةٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْلَكُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ ، وَمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْلَكْ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ ، وَالْمَسَاجِدُ وَالْكَعْبَةُ لَمَّا كَانَتْ بُيُوتًا كَانَتْ الْمَقَاصِدُ فِيهَا لِمَنْ يَدْخُلُهَا مُتَعَلِّقَةً بِهَوَائِهَا دُونَ مَا تَحْتَ بِنَائِهَا كَالْمَمْلُوكَاتِ فَإِنْ قُلْت وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ } ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِ مَا تَحْتَ ذَلِكَ الشِّبْرِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ قُلْت تَطْوِيقَةُ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عُقُوبَةً لَا لِأَجْلِ مِلْكِ صَاحِبِ الشِّبْرِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ سَقْفٌ عَلَيْهِ بُنْيَانٌ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ حِكَايَةٌ لِلْمَذْهَبِ فَلَا كَلَامَ مَعَهُ فِيهِ قَالَ ( وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوْشَنِ إلَى قَوْلِهِ هَذَا تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْأَهْوِيَةِ ) قُلْت تَعْلِيلُهُ بَقَاءُ أَهْوِيَةِ الطُّرُقِ غَيْرِ الْمُسْتَدَّةِ عَلَى حَالِهَا مِنْ قَبُولِهَا لِلْإِحْيَاءِ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الْمُلْجِئَةِ إلَيْهَا مُشْعِرٌ بِنَقِيضِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ حُكْمُ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ ، وَالْمُحَكَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ .
قَالَ ( وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ ، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ هَوَاءٍ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ ( وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ النَّاسَ شَأْنُهُمْ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعُلُوِّ فِي الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى جَبَلٍ أَوْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي فِي بَطْنِ الْأَرْضِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ وَقَدْ تَوَفَّرَتْ عَلَيْهِ دَوَاعِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَحَفْرِ الْأَرْضِ لِلْجُبُوبِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ هَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْهُ شَدِيدَةٌ ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ كَحُكْمِ الْأَهْوِيَةِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ مَطْمُورَةً تَحْتَ مِلْكِ غَيْرِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا خِلَافَ فَلَوْ كَانَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ

الْأَبْنِيَةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ قَبُولِهِ لِلْإِحْيَاءِ لَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( وَالشَّرْعُ لَهُ قَاعِدَةٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْلَكُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ ، وَمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْلَكْ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ ) قُلْت إذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ لَا يُمْلَكَ إلَّا مَا فِيهِ الْحَاجَةُ ، وَأَيُّ حَاجَةٍ فِي الْبُلُوغِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُمْلَكُ مِمَّا فِيهِ الْحَاجَةُ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ مِلْكِ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِحَفْرِ بِئْرٍ يُعَمِّقُهَا حَافِرُهَا مَا شَاءَ فَمَا ذُكِرَ مِنْ سِرِّ الْفَرْقِ لَمْ يَظْهَرْ ، وَبَقِيَ سِرًّا كَمَا كَانَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَوْضِعًا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ ، وَيَرْفَعَ فِيهِ الْبِنَاءَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ مَا شَاءَ ، وَيُعَمِّقَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ قَالَ ( فَإِنْ قُلْت وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ } إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ ) قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إشْعَارًا بِمِلْكِ مَا تَحْتَ الشِّبْرِ مِنْ الْأَرَضِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَكُونُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِشْعَارَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ ( مِنْهَا ) مَا هُوَ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَوْضِعًا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ ، وَيَرْفَعَ فِيهِ الْبِنَاءَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ مَا شَاءَ ، وَيُعَمِّقَ مَا شَاءَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا مَا فِيهِ الْحَاجَةُ فَإِنْ قِيلَ لَا حَاجَةَ فِيمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ قُلْنَا أَيُّ حَاجَةٍ فِي الْبُلُوغِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْبُلُوغَ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ مِمَّا فِيهِ الْحَاجَةُ فَيُمْلَكُ بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تَتَوَفَّرُ فِيهِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا مَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ قُلْنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ .
وَقَدْ تَوَفَّرَتْ دَوَاعِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ كَحَفْرِ الْأَرْضِ لِلْجُبُوبِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ مِلْكِ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ يُعَمِّقُهَا حَافِرُهَا مَا شَاءَ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ مَطْمُورَةً تَحْتَ مِلْكِ غَيْرِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا خِلَافَ فَلَوْ كَانَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَبْنِيَةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ قَبُولِهِ لِلْإِحْيَاءِ لَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ فِيمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ } بِلَا رَيْبٍ إشْعَارًا بِمِلْكِ مَا تَحْتَ الشِّبْرِ مِنْ الْأَرْضِينَ

مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَكُونُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِشْعَارَ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ الَّذِي هُوَ عَكْسُ الْأَهْوِيَةِ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ صَاحِبَ الطِّرَازِ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا حُفِرَ تَحْتَهُ مَطْمُورَةٍ يَجُوزُ أَنْ يَعْبُرَهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ ، وَقَالَ لَوْ أَجَزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ ، وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي مَطْمُورَةٍ تَحْتَهَا ا هـ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا ، وَمَا تَحْتَهَا أَمْ لَا ، وَأَمَّا الْأَهْوِيَةُ فَقَدْ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ حُكْمَهَا تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ ، وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مِلْكِ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ مِنْ الْهَوَاءِ اخْتِلَافَهُمْ فِي مِلْكِ مَا تَحْتَهُ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بَلْ قَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ الْهَوَاءِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا لِيَجْعَلَ عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفًا عَلَيْهِ بِنَاءٌ ، وَأَنْ يُمْنَعَ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ ، وَالْمُحَكَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ فَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَدَّةً امْتَنَعَ إلَّا

أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ ا هـ .
مَوْضِعُ نَظَرٍ فَهَذَا كُلُّهُ لَا شَكَّ تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْأَهْوِيَةِ لِمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا إلَّا أَنَّ سِرَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشِّهَابُ لَمْ يَظْهَرْ بَلْ بَقِيَ سِرًّا كَمَا كَانَ ا هـ .
فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ لَعَلَّك تَظْفَرُ بِسِرِّهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْإِحْيَاءَ عِنْدَنَا إذَا ذَهَبَ ذَهَبَ الْمِلْكُ ، وَكَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَهُ ، وَيَصِيرَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَزُولُ الْمِلْكِ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ } فَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْمِلْكَ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ إبْطَالِهِ ، وَاسْتِصْحَابُهُ الثَّانِي قِيَاسُ الْإِحْيَاءِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ .
الثَّالِثُ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ تَمَلَّكَ لُقَطَةً ثُمَّ ضَاعَتْ مِنْهُ فَإِنَّ عَوْدَهَا إلَى حَالِ الِالْتِقَاطِ لَا يُسْقِطُ مِلْكَ مُتَمَلِّكِهَا ، وَهَذَا مُسَاوٍ لِلْمَسْأَلَةِ فِي الْعَوْدِ لِلْحَالَةِ السَّابِقَةِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ لَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ ، وَقَدْ رُتِّبَ الْمِلْكُ عَلَى وَصْفِ الْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ الْإِحْيَاءُ سَبَبَهُ ، وَعِلَّتَهُ ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ فَيَبْطُلُ الْمِلْكُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِهَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لَنَا غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهِيَ لَهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمِلْكِ فَإِنَّ لَفْظَ لَهُ لَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ ، وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّا نُثْبِتُ مُطْلَقَ الْمِلْكِ مِنْ الْإِحْيَاءِ .
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مَقْصُودًا أَنْ لَوْ اقْتَضَى الْحَدِيثُ الْمِلْكَ بِوَصْفِ الْعُمُومِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تُمْلَكُ بِهِ

الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ ، وَأَسْبَابُ تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ الْفِعْلِيَّةِ ضَعِيفَةٌ لِوُرُودِهَا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ بِخِلَافِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَمْلُوكٍ غَالِبًا فَلِتَأَصُّلِ الْمِلْكِ قَبْلَهَا قَوِيَتْ إفَادَتُهَا لِلْمِلْكِ لِاجْتِمَاعِ إفَادَتِهَا مَعَ إفَادَةِ مَا قَبْلَهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْإِحْيَاءِ لَمْ يُنْتَقَضْ الْمِلْكُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَظَاهُرِ الْأَسْبَابِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إذَا تَمَلَّكَ الصَّيْدَ بِالِاصْطِيَادِ ثُمَّ تَوَحَّشَ بَطَلَ الْمِلْكُ فِيهِ ، وَالسَّمَكُ إذَا انْفَلَتَ فِي النَّهْرِ يَبْطُلُ مِلْكُهُ ، وَالْمَاءُ إذَا حِيرَ ثُمَّ اخْتَلَطَ بِالنَّهْرِ أَوْ الطَّيْرُ أَوْ النَّحْلُ أَبْيَنُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا انْفَلَتَ وَتَوَحَّشَ بَطَلَ الْمِلْكُ فِيهِ نَظَرًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنْ قُلْت الْإِقْطَاعُ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ وَارِدٌ عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ بَيْعُهُ قُلْت هَذَا سُؤَالُ عَكْسٍ لِأَنَّا ادَّعَيْنَا قُصُورَ الْإِحْيَاءِ ، وَأَنْتُمْ أَبْدَيْتُمْ حُكْمَ الْقُصُورِ بِدُونِ الْإِحْيَاءِ ، وَإِبْدَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِ سَبَبٍ أَوْ عِلَّةٍ عَكْسٌ ، وَهُوَ عَكْسُ النَّقِيضِ ، وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ بِدُونِ حُكْمِهَا فَإِنْ قُلْت فَإِذَا أَحْيَا فِي الْإِقْطَاعِ لِمَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ قُلْت ذَلِكَ لِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْقَضُ ، وَتُصَانُ أَحْكَامُ الْأَئِمَّةِ عَنْ النَّقْضِ ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُلْتَقَطِ وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ ، وَتَقَرَّرَ فَكَانَ تَأْثِيرُ السَّبَبِ فِيهِ أَقْوَى لِمَا تَقَدَّمَ ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ وَنَحْوَهَا تَرْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَهِيَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ ، وَأَمَّا الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ رَفْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَنْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ

ذَهَبَ أَثَرُهُ بِذَهَابِهِ .
وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ ، وَبِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ .

قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ ، وَهَذَا مُسَاوٍ لِلْمَسْأَلَةِ فِي الْعَوْدِ لِلْحَالَةِ السَّابِقَةِ ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَاحْتِجَاجٌ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ( وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ لَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ ، وَقَدْ رُتِّبَ الْمِلْكُ عَلَى وَصْفِ الْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ الْإِحْيَاءُ سَبَبَهُ ، وَعِلَّتَهُ ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ فَيَبْطُلُ الْمِلْكُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِهَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ ) قُلْت أَمَّا الْقَاعِدَتَانِ فَمُسَلَّمَتَانِ صَحِيحَتَانِ ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ مِنْ بُطْلَانِ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ قَدْ ثَبَتَ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْإِحْيَاءُ ، وَلَا يَصِحُّ ارْتِفَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ ، وَهُوَ مُحَالٌ ، وَإِنَّمَا مَغْزَاهُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمْ يَسْتَمِرَّ ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا فَإِنَّ الْمِلْكَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ عَلَى الْإِرْثِ أَوْ عَلَى الْهِبَةِ لَمْ تَسْتَمِرَّ أَسْبَابُهُ فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ مَتَى غَفَلَ الْإِنْسَانُ عَنْ تَجْدِيدِ شِرَاءِ مُشْتَرَاهُ أَنْ يَبْطُلَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا فَجَوَابُهُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ ( سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لَنَا غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَهِيَ لَهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمِلْكِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ بِوَصْفِ الدَّوَامِ صَحِيحٌ ، وَلَكِنْ هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ ، وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَدُومُ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ إلَّا أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يُنَاقِضُهُ قَالَ (

وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تُمْلَكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ ، وَأَسْبَابُ تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ الْفِعْلِيَّةِ ضَعِيفَةٌ لِوُرُودِهَا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ ) قُلْت مَا قَالَهُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ هِيَ الضَّعِيفَةُ لِوُرُودِهَا عَلَى مِلْكٍ سَابِقٍ فَيُعَارَضُ الْمِلْكَانِ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِحْيَاءِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ مَا يُعَارِضُهُ فَهُوَ أَقْوَى قَالَ ( بِخِلَافِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَمْلُوكٍ غَالِبًا إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ نَظَرًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ ) قُلْت كُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى ، وَهُوَ عَيْنُ الْمَذْهَبِ أَوْ مُرَتَّبَةً عَلَيْهِ ، وَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهُ .
قَالَ ( فَإِنْ قُلْتَ الْإِقْطَاعُ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ وَارِدٌ عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ بَيْعُهُ ) قَالَ ( قُلْت هَذَا سُؤَالُ عَكْسٍ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ بِدُونِ حُكْمِهَا ) قُلْت إذَا كَانَ سُؤَالَ عَكْسٍ فَلِمَ لَا يَكُونُ وَارِدًا وَقَادِحًا قَالَ ( فَإِنْ قُلْت فَإِذَا أَحْيَا فِي الْإِقْطَاعِ لِمَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ قُلْت ذَلِكَ لِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ ) قُلْت جَوَابُهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ ( وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُلْتَقِطِ وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ ) إلَى آخِرِ قَوْلِهِ ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ قُلْت جَوَابُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ قُوَّةَ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ قَالَ ( وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَقْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ ) بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِنَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ الْمِلْكُ ، وَصَارَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ ، وَكَانَ لِغَيْرِ مَنْ أَحْيَاهُ أَوَّلًا أَنْ يُحْيِيَهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي لَا تُرَدُّ إلَّا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ سَبَبٌ تُمَلَّكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ كَانَ ضَعِيفًا يَذْهَبُ الْمِلْكُ النَّاشِئُ عَنْهُ بِذَهَابِهِ كَمَا يَبْطُلُ تَمَلُّكُ الصَّيْدِ الْحَاصِلِ بِالِاصْطِيَادِ بِتَوَحُّشِهِ وَتَمَلُّكِ السَّمَكِ بِرُجُوعِهِ فِي النَّهْرِ ، وَتَمَلُّكِ الْمَاءِ بِاخْتِلَاطِهِ بِالنَّهْرِ وَتَمَلُّكِ الطَّيْرِ وَالنَّحْلِ بِانْفِلَاتِهِ وَتَوَحُّشِهِ ، وَأَمَّا غَيْرُ الْإِحْيَاءِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَرِدُ غَالِبًا عَلَى مَمْلُوكٍ قَدْ تَأَصَّلَ فِيهِ الْمِلْكُ قَبْلَهُ قَوِيَتْ إفَادَتُهُ لِلْمِلْكِ لِاجْتِمَاعِ إفَادَتِهِ مَعَ إفَادَةِ مَا قَبْلَهُ حَتَّى إنَّ الْمِلْكَ الْحَاصِلَ بِهِ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ بُطْلَانِ أَصْوَاتِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ وَانْقِطَاعِهَا .
وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَمْرَانِ ( الْأَوَّلُ ) مَا إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْإِحْيَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ الْحَاصِلَ بِهِ لَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَظَافُرِ الْأَسْبَابِ ( وَالثَّانِي ) تَمَلُّكُ الْمُلْتَقَطِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ وَتَقَرَّرَ قَوِيَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَقَضُ بِعَوْدِ اللُّقَطَةِ إلَى حَالِ الِالْتِقَاطِ ، وَيُؤَكِّدُ لَك ذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ وَنَحْوَهَا تَرْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ ، وَنَحْوِهِ فَهِيَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ .
وَأَمَّا الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ رَفْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31