كتاب : البهجة في شرح التحفة
المؤلف : أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي

ما نصه : شهد عليهما أو عليهم وهم بأتمه وعرفهم من يعرف وجود جميع الأسباب المنصوصة في هذا الرسم معرفة عيان لا سماع أو شبه ذلك فإن لم يقولوا هذا كان ذكرهم تلك الأسباب في الرسم مجرد حكاية محتمل لمعرفتهم إياها معرفة العيان أو السماع فلا تعارض حينئذ شهادتهم البينة بعدم البلوغ ونحوه إن كانوا من غير أولي العلم كما مرّ هناك ، وكذا إن كان الناكح لها وصياً أو مقدم القاضي أو كافلها لا بدّ أن تكتب رسمي الإيصاء والكفالة ، ثم رسم النكاح تحتهما أو تضمن ذلك في رسم النكاح فتقول : شهد عليهما وهما بأتمه من يعرف الإيصاء أو التقديم أو بإشهاد والد الزوجة أو والد الزوج على أنفسهما بذلك في عهده الذي توفي فيه كل واحد منهما أو بإشهاد القاضي فلان بذلك مع معرفته بالمتوفي أو بالقاضي عيناً واسماً قاله في طرر ابن عات ، ونقله في الفشتالية قالا : وإذا اقتصرت على قولك من يعرف الإيصاء ولم تفسره بإشهاد الموصيين أو القاضي احتمل أن تكون معرفة سماع أي : وهي لا تفيد إلا بشروط ، وكذا تقول في الكفالة من يعرف كفالته لها عشراً أو أربعاً ونحو ذلك معرفة عيان ، وهذا كله مبني على أن الإرسال في مستند العلم من غير أولي العلم مضر ، وقد تقدم ما في ذلك من الخلاف في باب الشهادات وعلى أنه مضر درج ابن فتوح فإنه لما ذكر أنه إذا عقد في وثيقة مثل اشترى فلان من فلانة جميع الملك الكذا المتصير إلى البائعة بالابتياع من فلان أو بالميراث من أبيها أو بالصدقة من فلان قال : فإن تضمن الإشهاد معرفة الشهود بذلك ثبت التصيير المذكور ، وإلا لم يصح ذلك ثم قال : وتحصين ذلك أن تقول : شهد على إشهاد المبتاع والبائعة على أنفسهما من عرفهما وهما بحال الصحة وجواز الأمر ممن عرف أن جميع المبيع المذكور تصير إلى البائعة فلانة بالابتياع من فلان بإشهادهما بذلك على أنفسهما أو بالصدقة من فلان بإشهاده على نفسه بذلك أو بالميراث المذكور وعرف موت أبيها فلان وأن أهل الإحاطة بميراثه في علمهم أبناء فلان وفلانة المذكوران المالكان لأنفسهما وعرف اقتسامها مع أخيها ، وأن المبيع المذكور صار إليها بالاقتسام المذكور بإشهادهما بذلك على أنفسهما اه . فانظر كيف التزم التصريح فيما أراد إثباته ببيان مستند الشهادة ، وذلك إشهاد المتبايعين والمتصدق والمقتسمين وما ذاك إلا لكون الشهادة المرسلة عنده ناقصة ، وقد قال في الفائق : اعلم أن مدار الوثائق على ما يتضمنه الإشهاد وما يأتي فيها من خبر وحكاية لم يتضمنه معرفة الشهود فليس يثبت بثبوت الوثيقة الخ . ولذلك لم يثبت التصيير ونحوه بقولهم المتصير إلى البائعة بالابتياع بل حتى يقولوا تصير لها من فلان بإشهادهما أي ومعرفته إياهما عيناً واسماً كما مر ، ثم إذا لم يثبت التقديم ولا الإيصاء ولا الكفالة للإجمال والإرسال فإن كان الشهود أحياء استفسروا وإلا بطل كل من ذلك إن لم يكونوا من أولي العلم وينظر في النكاح فإن كانت المرأة دنيئة صح لقول ( خ ) وصح بها في دنيئة مع خاص لم يجبر كشريفة دخل وطال الخ . إذ كل من هؤلاء أجنبي حينئذ .
وَتَأْذَنُ الثَّيِّبُ بِالإِفْصَاحِ
والصَّمْتُ إذْنُ البِكْرِ فِي النِّكَاحِ( وتأذن ) مضارع أذن ( الثيب ) فاعله ( بالإفصاح ) تعلق بتأذن ( والصمت ) مبتدأ ( إذن البكر ) خبره ( في النكاح ) يتعلق بالخبر . ولما كانت الثيب البالغ الحرة لا تتزوج إلا برضاها كما مرّ إذ لا جبر عليها ، وكذا البكر التي لا جبر عليها نبه على أن الرضا من الثيب بالزوج والصداق والتوكيل هو ما وقعت الدلالة منها عليه بالنطق والإفصاح وأن الرضا من البكر بما ذكر يكفي في الدلالة عليه صمتها وسكوتها لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( البكر تستأمر وإذنها صمتها والثيب تعرب عن نفسها ) ( خ ) : وندب إعلامها به أي بأن صمتها إذن ورضا بأن يقال لها : فلان خطبك بصداق قدره كذا ونقده ومؤخره كذا فإن رضيت فاصمتي وإن كرهت فانطقي يقال لها ذلك مرة واحدة وقيل ثلاثاً فإن صمتت أو ضحكت أو بكت زوجت ولا يقبل منها بعد ذلك أنها جهلت أن الصمت رضا في تأويل الأكثر إلا أن تكون معروفة بالبله وقلة المعرفة على قول : فإن تكلمت وأفصحت بالرضا فقد تكلفت ما لا يلزمها ولا يضرها ذلك نقله القلشاني وابن سلمون وغيرهما . وقد علق بحفظي أنها تجري عندهم على من فرضهم المسح فغسل الخ . لا إن منعت أو نفرت فلا تزوج ويفسخ ولو بعد طول ، وما تقدم من أنه لا بدّ من إذنها في التوكيل بعد الرضا بالزوج والصداق ظاهر مع تعدد الولي وتساويه ابن زرب : إن كان لها ولي واحد ورضيت بالزوج والصداق فلا يحتاج ذلك الولي للإذن له في العقد وظاهر قول ( خ ) المتقدم أنه لا يعقد عليها إلا بإذنها له ولو اتحد قال في ضيح ، وهو قول ابن القاسم . ولما كان قوله : والصمت الخ . شاملاً لجميع الأبكار وكان بعضهن لا بد فيه من الإذن بالقول حسبما قاله أهل المذهب نبه على ذلك فقال :
واسْتُنْطِقَتْ لِزَائِدٍ في العَقْدِ
كَقَبْضِ عَرْضٍ أَوْ كَزَوْجِ عَبْدِ
( واستنطقت ) بالبناء للمفعول ونائبه البكر ( لزائد ) يتعلق به ولامه للتعليل وهو اسم فاعلأريد به المصدر أي لزيادة ( في العقد ) مخالفة لصريح العادة ( كقبض عرض ) خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك كقبض عرض في صداقها أي زوجت بعرض كثوب أو دار مثلاً لأن العادة أن الأصدقة من النقود فإذا خولفت هذه العادة وزوجت بغير النقد فلا بد من رضاها به بالقول ، سواء كان العرض كل الصداق أو بعضه لأنها بائعة مشترية والشراء لا ينعقد بالصمت ، فإن كانت عادتهم التزوج بالعروض فلا يحتاج لنطقها ( وكزوج عبد ) معطوف على ما قبله يليه والإضافة على معنى من أي وكتزويجها من عبد ويجوز قراءة زوج بالتنوين وعبد صفة له أي ذو عبودية وظاهره : ولو قل جزء رقه ولا يتكرر هذا مع قوله : والأب إن زوجها من عبد الخ . لأن هذا من حيث النطق ، وما تقدم من حيث الجبر أي أن رضاها الذي لا يكون متعدياً به لا بد أن يكون بالنطق فالرضا أعم من النطق فما تقدم لا يفهم منه ما هنا ، وأشعرت الكاف أن ذلك لا ينحصر في المثالين المذكورين وهو كذلك ( خ ) : والثيب تعرب كبكر رشدت أو عضلت أو زوجت بعرض أو رق أو عيب أو يتيمة قبل البلوغ أو افتيت عليها الخ . ونظمها ابن غازي ، وزاد فيها العنس تبعاً للمتيطي وغيره فقال :
سبع من الأبكار بالنطق خليق
من زوجت ذا عاهة أو من رقيق
أو صغرت أو عنست أو أسندت
معرفة العرض لها أو رشدت
أو رفعت لحاكم عضل الولي
أو رضيت ما بالتعدي قد ولي
وإنما كانت سبعاً لأن ذا العاهة والرقيق قسم واحد كما في المتيطية لأنها زوجت من غير كفء فيها ، وظاهر لفظ ( خ ) أن العانس كغيرها يكفي في إذنها الصمت وهو ظاهر لأن له جبرها على المشهور كما مرّ ، وسيأتي حد التعنيس في قوله في الأوصياء :
والسن في التعنيس من خمسينا
فيما به الحكم إلى الستينا
وهذه السبع المتقدمة كلهن يتيمات ما عدا المعضولة والمرشدة والمعنسة ، ومن زوجت من ذي عاهة أو رق فلا بد من نطقهن كن ذوات أب أو وصي أم لا . وقوله : أو عضلت أي عضلها الولي أب أو غيره ، وثبت ذلك وأراد الحاكم أن يزوجها لا الأب وإلاّ فلا يحتاج لنطقها ولا ترتفع ولاية الأب عنها حتى يتقدم له في ذلك فيقال له : إما أن تزوجها وإلا زوجناها عليك فإن زوجها الحاكم من غير تقدم له في ذلك فهو باطل ، وليس من العضل ولا من الضرر بها حلق ضفيرتها وتهديدها بالسكين وأولى ضربها كما في المعيار أوائل الأنكحة . وقول الناظم : كقبض عرض الخ . يعني وهي يتيمة مهملة لا مرشدة لأن المرشدة لا بد من نطقها مطلقاً زوجت بعرض أو غيره على المشهور واليتيمة المهملة هي التي فيها التفصيل بين العرض وغيره قال في المتيطية : واليتيمة يساق لها مال نسبت معرفته لها إذا لم يكن لها وصي لا بد من نطقها بالرضا بذلك اه . ونحوه في ابن سلمون عن ابن الحاج قال طفي : ومعنى ذلك أن اليتيمة التي لا وصي لها ينسب معرفة قدر المهر إليها فإن كان عرضاً فلا بد من تسميته ووصفه وتنسب المعرفة والرضا به إليها نطقاً اه . فالمراد بالمال في كلام المتيطي وغيره خصوص العرض كما هوواضح خلافاً لمن فهم شموله للعين ، وقوله : يساق أي يصدق الخ .
تنبيهات . الأول : ذكر ابن لب حسبما في أواخر معاوضات المعيار ما نصه : الغرض منه إذا صارت الدمنة المذكورة صداقاً انعقد عليها لزمت برضا الزوج والزوجة والولي ورضا الزوجة هو الاستئمار على سنته لا يضر سكوتها فيه مع أن الصداق أصل ملك كما لا يضر في العروض وهو الصحيح من القولين وعليه العمل اه . ونحوه لابن عات في طرره مقتصراً عليه من غير ذكر عمل قال : فإن كان في المهر سياقة قلت في الاستئمار ما ذكره ابن الطلاع في وثائقه : أنكحه إياها أخوها فلان بعد أن استأمرها في ذلك بفلان زوجاً وبما بذل لها مهراً وبما ساق إليها ، ووصف ذلك وصفاً قام مقام العيان فصمتت عند ذلك راضية بهذا النكاح بعد أن عرفت أن إذنها صماتها وهي بكر يتيمة اه . وهو مقابل لما مر سواء قلنا إنه في اليتيمة المهملة كما هو ظاهرها أو في المرشدة ، وقوله : ووصف ذلك الخ . يعني إذا لم يمكن إحضاره كحائط مثلاً ولم تتقدم رؤيته .
الثاني : قال في المتيطية : فإن لم تتكلم يعني المرشدة فعليها أن تحلف أن سكوتها لم يكن رضا اه . وهذا يجري في كل مستنطقة من الأبكار فإن لم يعلم إذنها بصمت ولا غيره ، ففي الطرر قال ابن فتحون : إنما فسخ نكاح محمد بن نصر لأن أباها زوجها بعد أن رشدها ولم يعلم إذنها بصمت ولا غيره فكان ذلك بمنزلة ابنته الثيب ولم يستأمرها اه .
الثالث : قال في الطرر : ولا يلزم الزوجة بيع السياقة ولا ما يصدقها من عرض أو حيوان لتتجهز بثمن ذلك ، ولها إن شاءت ذلك اه . فقول ( خ ) ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته يعني عيناً لا عرضاً .
وَثَيِّبٌ بِعَارِضٍ كَالْبِكْرِ
وبالْحَرَامِ الْخُلْفُ فِيها يجْرِي
( وثيب ) مبتدأ سوغه كونه صفة لمحذوف أي وبكر ثيب أو تعلق ( بعارض ) به ( كالبكر ) خبر أي أن الثيب بعارض كحمل شيء ثقيل أو قفزة أو عود أو كثرة ضحك أو تكرر حيض ، ونحو ذلك حكمها حكم البكر في أن إذنها صماتها ، وفي بقاء الجبر عليها إن كان لها مجبر ولم تكن من الأبكار المتقدمات فالتشبيه تام أي : كالبكر التي لم تثيب بشيء فلا يلزم عليه تشبيه الشيء بنفسه ودفع بهذا ما يتوهم أن الثيب بعارض تستنطق كما يستنطق غيرها ، ثم ينبغي للإنسان إذا زالت بكارة بنته بشيء مما مر أن يشهر ذلك ، ويأتي بشهود يشهدهم بذلك . وكذا إذا خلقت بنته يوم عاشوراء فإنهم قالوا تخلق بلا بكارة نص عليه ابن حبيب في الواضحة ( و ) بكر ثيب ( بالحرام ) يتعلق بمقدر مبتدأ كما ترى ( الخلف ) مبتدأ ثان ( فيها ) يتعلق بالخبر الذي هو( يجري ) والجملة من الثاني وخبره خبر الأول ، والمعنى أن الثيب بالحرام كزنا وغصب جرى خلاف في كونها كالبكر فإذنها صماتها وينسحب جبر الأب أو وصيه عليها وهو المعتمد ، ومذهب المدونة أو ليست كالبكر بل كالثيب فتعرب عن نفسها ولا جبر عليها وهو لابن الحاجب ، وفيها قول ثالث ابن عرفة : وفي ثيوبة الزنا . ثالثها : إن تكرر ثم شبه في الخلاف المذكور فقال :
كَوَاقِعٍ قَبْلَ البُلُوغِ الْوَارِدِ
وكالصَّحِيحِ مَا بِعَقْدٍ فَاسِدِ
( كواقع ) نعت لمحذوف مع تقدير مضاف إليه مع صفته والوارد بمعنى الحادث أي الذي من شأنه أن يحدث ويرد أي وثيوبة بالحرام جرى فيها خلاف كجريانه في ثيوبة نكاح صحيح واقعة ( قبل البلوغ الوارد ) أي الذي من شأنه أن يرد ويحصل بحيض أو غيره من العلامات ، ثم يموت الزوج أو يطلق بعد تلك الثيوبة فترجع للأب قبل البلوغ . وظاهره سواء أراد أن يزوجها قبل البلوغ أيضاً أو بعده . ابن عرفة : وفي جبر مطلقة قبل البلوغ ثيباً . ثالثها : قبله لسحنون وأبي تمام واللخمي مع أشهب ، واعتمد ( خ ) الثالث فقال : والثيب إن صغرت فمفهوم صغرت أنها إن بلغت لا يجبرها ، ولا بد من إعرابها وهو كذلك على الراجح ، وقيل : يجبرها أيضاً وهو الأول في كلام ابن عرفة : فإطلاق الناظم شامل للصورتين أي أراد تزويجها قبل البلوغ أو بعده كما قررنا وليس لغير من الأولياء أن يزوجها إلا بعد بلوغها كما مرّ إلا أن يخشى فسادها فلا بد من نطقها حينئذ كما مرّ أيضاً ، وإنما ذكر الوصف في قوله : كواقع لأن الثيوبة معنى لا فرج لها حقيقي فيجوز التذكير والتأنيث ، وإنما حملناه على الثيوبة بالنكاح الصحيح لأن الثيوبة بالعارض أو بالحرام تقدمتا وبالفاسد هو ما أشار لها بقوله : ( وكالصحيح ) خبر مقدم ( ما ) مبتدأ واقعة على الثيوبة ( بعقد ) يتعلق بمحذوف صلة ( فاسد ) نعت لعقد أي الثيوبة التي ثبتت بعقد نكاح فاسد كالثيوبة بالنكاح الصحيح في كونها تعرب عن نفسها وفي سقوط الجبر عنها . واعلم أن مقصود الناظم بهذين البيتين التنبيه على أن الثيب بشيء مما مر هل هي كالثيب في وجوب إعرابها عن نفسها أو هي كالبكر لأن سياق الكلام إنما هو في ذلك فالبيتان حينئذ في قوة الاستثناء من عموم قوله : وتأذن الثيب بالإفصاح الخ . أي اتفاقاً إلا التي ثيبت بعارض فهي كالبكر وإلاَّ التي ثيبت بحرام أو قبل البلوغ ففيهما خلاف . وقد علمت الراجح ما هو من ذلك الخلاف كما أن قوله : واستنطقت لزائد الخ . في قوة الاشتثناء من قوله : والصمت إذن البكر الخ . وليس مراده أن التي ثيبت بما ذكره هل تجبر أو لا تجبر كما قرره به شراحه لأنه خلاف ما يعطيه السياق ولأنه مستغنى عنه حينئذ بمفهوم قوله : فيما مر ثيوبة النكاح الخ . كما مرّ ولأنه لو كان غرضه ذلك لقدمها هناك عقب قوله وبالغ الأبكار فتأمل ذلك والله أعلم .وإنْ يُرْشدْهَا الْوَصِيُّ مَا أُبِي
فيها ولايَةُ النِّكاحِ كالأبِ ( وأن يرشدها ) شرط ( الوصي ) فاعل ( ما ) نافية ( أُبي ) بضم الهمزة للبناء للمفعول بمعنى منع ( فيها ) يتعلق به ( ولاية ) نائب الفاعل ( النكاح ) مضاف إليه ( كالأب ) خبر لمبتدأ محذوف أي وهو كالأب ، ويحتمل أن الكاف للتعليل أي لأنه بمنزلة الأب يرشد ابنته فلا تسقط ولايته عنها ، وإنما يسقط عنها جبره كما مرّ ، والجملة من قوله : ما أُبي الخ . جواب الشرط حذفت معه الفاء شذوذاً كقوله : من يفعل الحسنات الله يشكرها . وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وشرف وكرم : ( فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها ) والمعنى أن الوصي إذا رشد محجورته بعد الدخول بها لا قبله إذ ليس له ذلك كما قال ( خ ) : وللأب ترشيدها قبل دخولها كالوصي بعده الخ . أنها إذا تأيمت بعد الترشيد لا تنقطع ولاية الوصي عنها وهو مقدم على سائر الأولياء لأنه بمنزلة الأب يرشد ابنته ، فكما أن الأب لا تنقطع ولايته عن مرشدته فكذلك وصيه ، اللهم إلا أن يكون لها ابن فإنه يتقدم عليه كما يتقدم على الأب أيضاً كما مر . هذا هو المنصوص لابن القاسم وأشهب ، وأفتى به ابن رشد . وذهب سحنون وابن الماجشون إلى أن الولي أحق من الوصي واختاره اللخمي ، ولكل مذهب حجة . انظر الشارح وسيعيد الناظم هذه المسألة في باب الحجر حيث قال :
وحيث رشد الوصي من حجر
ولاية النكاح تبقى بالنظر
والله أعلم وأحكم .فصل
في حكم فاسد النكاح وما يتعلق به من إلحاق الولد تارة ونفيه أخرى ، وهل يفسخ أو يتلافى إلى غير ذلك .
وَفَاسِدُ النِّكاحِ مَهْمَا وَقَعَا
فالفَسْخُ فِيهِ أو تَلاَفٍ شُرِعا
( وفاسد النكاح ) مبتدأ ومضاف إليه من إضافة الصفة للموصوف ( مهما ) اسم شرط ( وقعا ) فعل الشرط وألفه للإطلاق ( فالفسخ ) مبتدأ وفاؤه رابطة بين الشرط وجوابه ( فيه ) يتعلق بشرعاً آخر البيت ( أو تلاف ) معطوف على الفسخ ( شرعاً ) بالبناء للمفعول خبر عن الفسخ وألفه للتثنية ، والجملة جواب الشرط ، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول ، ومعناه أن النكاح إذا وقع فاسداً فإنه يرجع فيه إلى أحد أمرين ، إما الفسخ أو التلافي وهو التدارك ثم بين محل كل منهما فقال :
فَما فَسَادُهُ يَخُصُّ عَقْدَهُ
فَفَسْخُهُ قَبْلَ البِنَا وَبَعْدَهُ
( فما ) موصول مبتدأ والفاء جواب شرط مقدر أي إن أردت معرفة ما يفسخ أو يتلافى فما ( فساده ) مبتدأ ثان ( يخص ) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير الفساد ( عقده ) مفعول بيخص والجملة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره صلة ما والضمير في فساده وعقده يعود على النكاح ( ففسخه ) مبتدأ ( قبل البنا ) ء خبره ( وبعده ) معطوف عليه ، والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول الذي هو ما ودخلت الفاء في هذا الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم الإبهام ، والمعنى أن النكاح إذا وقع فاسداً لعقده كالنكاح لأجل ونكاح الخامسة أو ذات محرم بنسب أورضاع أو صهر وإنكاح المحرم والعبد والمرأة وصريح الشغار وإنكاح غير المجبر مع وجود المجبر ونكاح المريض وتزويج الرجل عبده من امرأة على أن العبد هو صداقها ونحو ذلك ، فإنه يفسخ قبل البناء وبعده ، ثم إذا فسخ قبل البناء فلا شيء فيه ، وإن فسخ بعد البناء ففيه المسمى إن كان وإلاَّ فصداق المثل ثم ما كان متفقاً على فساده من ذلك كنكاح الخامسة ، وذات محرم يفسخ بلا طلاق كما سيشير له قبل باب النفقات بقوله :
وفسخ ما الفساد فيه مجمع
عليه من غير طلاق يقع
ويفهم منه أنه لا يحتاج لحكم وهو كذلك لأنه مفسوخ شرعاً ، ولذا لو عقد عليها شخص قبل الفسخ صح نكاحه لأن العقد الأول كالعدم ولا يمضي فيه الخلع وإن وقع ، وما كان من ذلك مختلفاً فيه اختلافاً قوياً ولو خارج المذهب كإنكاح المحرم والشغار وإنكاح العبد والمرأة فالفسخ بطلاق كما سيشير له الناظم أيضاً بقوله :
وفسخ فاسد بلا وفاق
بطلقة تعد في الطلاق
ومن يمت قبل وقوع الفسخ
في ذا فما لإرثه من نسخ
الخ .
ويمضي فيه الخلع إن وقع ، وأشار ( خ ) لهذا التقسيم بقوله : وفسخ مطلقاً أي قبل الدخول وبعده كالنكاح لأجل أو إن مضى شهر فأنا أتزوجك الخ . أي : وقصدا بذلك انبرام العقد ولم يأتنفا غيره ، ثم قال : وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغار والتحريم بعقده ووطئه وفيه الإرث إلاَّ نكاح المريض لا إن اتفق على فساده فلا طلاق ولا إرث كخامسة وحرم وطؤه فقط وما فسخ بعده فالمسمى وإلا فصداق المثل الخ . وظاهر النظم أن كل فاسد لعقده يجري فيه الحكم المذكور لأن ما مر من قوله فما فساده الخ . من ألفاظ العموم وليس كذلك لأن من الفاسد لعقده ما يثبت بعد بمهر المثل كما يأتي في البيت بعده .
تنبيهان . الأول : إذا علمت المرأة بموجب الفسخ كمحرم ومعتدة تزوجت في عدتها عالمة كل منهما بالحرمة والزوج غير عالم بذلك ، فللزوج الرجوع بالصداق وإن لم يعثر على ذلك حتى دخل انظر ( ز ) في خيار الزوجين و ( ح ) في التدليس بالعيوب في المبيع .
الثاني : قول ( خ ) إن مضى شهر فأنا أتزوجك الخ . هو من تعليق النكاح والتعليق فيه لا يصح ولذا قال القائل :
لا يقبل التعليق بيع ونكاح
فلا يصح بعت ذا إن جاء فلاح
وفي الشامل ما نصه مالك : وإن قال إن جئتني بخمسين فقد زوجتك ابنتي لا يعجبني ولا تزوج له اه . وكذا إن قال : إن عبرت الوادي أو صعدت على قنة الجبل فقد أعطيتك ابنتي فإنه لا يصح أيضاً بالأحرى مما قبله إذ لا منفعة للقائل في عبر الوادي ولا في صعود الجبل فإن قال له : إن فارقت امرأتك فقد زوجتك ابنتي فإنه يجوز وينعقد بنفس الفراق فإن قال : فأنا أزوجك بالمضارع فلا يجبر على تزويجها منه قال في الشامل : والقياس جبره لأنه وعد أدخله بسببه في فراق زوجته كما لو قال : بع فرسك منه والثمن علي اه . ولما نقل في الالتزامات قول أشهب بعدم الجبر قال : وهو مبني على أن العدة لا يقضي بها ولو كانت على سبب ودخل فيالسبب ، والثاني مبني على أنه يقضي بها إن كانت على سبب ودخل فيه أي : وهو المشهور وفي أنكحة المعيار من قال لغيره : طلق امرأتك وأزوجك ابنتي فطلقها فأبى من تزويجها إياه أن يلزمه أحد أمرين : إما التزويج أو إعطاء الصداق وأعادها أيضاً في نوازل الطلاق ، وانظر الأنكحة من القلشاني وفي الالتزامات بعد ما مر بأوراق في رجل أراد السفر إلى الحج مع أمه فقال له عمه : اترك السفر مع أمك وأزوجك ابنتي وأعطيك عشرة مثاقيل فترك السفر مع أمه ، ثم قام بعد أشهر يطلب العدة فقال ابن الحاج : إنه يحكم على عمه بدفع العشرة مثاقيل وينكحه ابنته إلا أن يكون قد عقد نكاحها مع أحد فلا يحل النكاح ، وذلك لأنها عدة قارنها سبب ، وبذلك أفتى ابن رشد أيضاً اه فقال ( ح ) عقبه ففهم منه أن من التزم لشخص أن يزوجه مجبورته فإنه يقضي عليه به إلا أن يعقد نكاحها لغيره فإنه لا يفسخ اه .
قلت : وتأمل هذا مع ما في أجوبته للقوري نحو الكراسين في رجل قال لآخر : إن أتيتني بكذا من موضع كذا ، والموضع مخوف أعطيتك ابنتي أن النكاح غير لازم ، واستدل له بما في العتبية فيمن وقع له صبي في جب فقال لرجل : إن أخرجته فقد زوجتك ابنتي فأخرجه فقال ابن القاسم : إن ذلك لا يجوز ولا يكون فيه النكاح ، وأرى له أجرة مثله في إخراجه إياه حياً أو ميتاً اه . فهذا قد عبر بالماضي وأدخله في السبب ، ومع ذلك لم يلزمه إياه فهو معارض بحسب الظاهر لمسألة إن فارقت امرأتك فقد زوجتك ابنتي ، وقد تقدم الجزم فيها باللزوم بنفس الفراق ، وقد علمت أنه لا عدة فيهما لتعبيره بالماضي فيهما ، وفي أنكحة المعيار أن من قال : من ركب فرسي فهي بابنته لا يلزمه نكاح وأخذت من قوله : إن جاء غداً فقد راجعتك فلا تكون رجعة ، وانظر أنكحة العلمي فيمن قال : إن وُلد لك ولد فله ابنتي ، وانظر إذا قلنا بلزوم النكاح في ذلك ما قدر الصداق ، والظاهر أنه كنكاح التفويض إن فرض المثل لزمه وإلاَّ فلا ، وانظر ما يأتي عند قوله : ويفسد النكاح بالإمتاع الخ .
ومَا فَسادُهُ مِنَ الصَّداقِ
فَهُوَ بمَهْرِ المِثْلِ بَعْدُ باقِي
( وما ) موصول مبتدأ ( فساده ) مبتدأ ثان ( من الصداق ) خبر عن الثاني ، والجملة صلة ما ( فهو ) مبتدأ ( بمهر المثل بعد ) يتعلقان بالخبر الذي هو ( باق ) . والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول والمعنى أن النكاح الفاسد لصداقه كما لو أصدقها خمراً أو خنزيراً أو حراً أو عبداً آبقاً أو بعيراً شارداً أو جلد ميتة أو زيتاً متنجساً ، ونحو ذلك مما لا يصح بيعه فإنه يفسخ قبله وجوباً ويثبت بعده بمهر المثل لأن الصداق كالثمن فما صح كونه ثمناً صح كونه صداقاً ، وما لا فلا ( خ ) : الصداق كالثمن ثم قال : وفسد إن نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم إلى أن قال : أو بما لا يملك كخمر وحر أو بإسقاطه أو كقصاص أو آبق الخ . وقوله : أو كقصاص يعني لم يجعلا شيئاً في مقابلة البضع إلا سقوط القصاص عنها أو عن غيرها . ثم إنه يلحق بما فسد لصداقه فيكونه يثبت بعد بصداق المثل أمور فاسدة لعقدها أشار لها ( خ ) بقوله وقبل الدخول وجوباً على أن لا يأتيه إلا نهاراً أو بخيار لأحدهما أو غير أو على إن لم يأت بالصداق لكذا فلا نكاح وما فسد لصداقه أو على شرط يناقض المقصود كان لا يقسم لها الخ . وفهم من قوله بعد : إنه يفسخ قبله ولا شيء فيه ، وكذا إن مات أحدهما قبل الفسخ كما لابن رشد في أجوبته .
تنبيهان . الأول : ذكر البرزلي عن أبي عمران أن من الفاسد لصداقه كما بالقيروان من جرت عادتهم برد النقد للزوج بعد الغيبة عليه لأنه نكاح وسلف لأن العادة كالشرط فيفسخ قبل ، ويثبت بعد بصداق المثل كأن اشترط الرد ولم يغب عليه كان النكاح صحيحاً . البرزلي : هذا إن كانت عادة لا تتخلف أو وقع الشرط فالحكم ما ذكر ، وأما لو كانت تتخلف وفي الناس من يرد ومن لا يرد فيجوز الرد قبل الغيبة وبعدها إذ ليس بشرط لاختلاف العادة اه . وانظر ما يأتي في فصل الفسخ .
الثاني : قول ( خ ) أو بما لا يملك كخمر الخ . هذا إذا لم يتبين أنه خل ، أما لو نكحها على قلة خمر مطينة فتبين أنها خل فلا يتحتم الفسخ بل لهما البقاء عليه إن رضياه كما لو نكحها على أنها في العدة فظهر كونها في غيرها ، ولمن شاء منهما فسخه لحجته بظهور خلاف المعقود فيه ، ولا حجة لها في العدة لأنها حق لله تعالى قاله ابن عرفة عن اللخمي .وَحَيْثُ دَرْءُ الحَدِّ يَلْحَقُ الوَلَدْ
في كُلِّ مَا مِنَ النِّكاحِ قَدْ فَسَدْ
( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط منصوب بجوابه ( درء الحد ) مبتدأ ومضاف إليه والخبر محذوف ، والجملة في محل جر بإضافة حيث ( يلحق الولد ) فعل وفاعل ، والجملة مع متعلقها الآتي جواب الشرط ( في كل ) يتعلق بيلحق ( ما ) مضاف إليه ( من النكاح ) يتعلق بصلة ما التي هي ( قد فسد ) أي يلحق الولد في كل نكاح فاسد حيث درء الحد موجود ، والمعنى أن النكاح الفاسد كان متفقاً على فساده كنكاح ذات محرم أو خامسة أو مختلفاً في فساده كالمحرم ، والشغار إن درىء فيه الحد عن الزوج بعد علمه في الأوليين ومطلقاً في الأخيرتين لأن الخلاف ولو خارج المذهب يدرأ الحد ، فإنه يلحق فيه الولد ، ومفهومه أنه إن لم يدرأ فيه الحد لا يلحق الولد به لأنه محض زنا . قالوا إلا في ست مسائل . أشار صاحب المنهج إلى خمس منها بقوله :
ونسب والحد لن يجتمعا
إلا بزوجات ثلاث فاسمعا
مبتوتة خامسة ومحرم
وأمتين حرتين فاعلم
فصورة المبتوتة أن يتزوج الرجل المرأة فتلد منه فيقر أنه كان طلقها ثلاثاً ، وراجعها قبل زوج وهو عالم بحرمة ذلك ، وصورة الخامسة ، أن يتزوج الرجل المرأة فيولدها ثم يقر أن له أربع نسوة سواها وأنه تزوجها وهو يعلم حرمة الخامسة وصورة المحرم أن يتزوج امرأة فيولدها ثم يقر إنه كان يعلم حرمتها عليه قبل الوطء بالنسب أو الرضاع أو الصهر أو المؤبد ، وصورة إحدى الأمتين أن يشتري الرجل الأمة فيولدها ثم يقر إنها ممن تعتق عليه بالملك ، وصورة الأخرى أن يشتري أمة فيولدها ثم يقر بأنه كان عالماً بحريتها حين الوطء وإلى هذه الخمس أشار ( خ ) بقوله في باب الزنا : أو مملوكة تعتق أو يعلم حريتها أو محرمة بصهر أو خامسة أو مبتوتة الخ . قالوا : ولا يقتصر على هذه الخمسة بل ضابطه كل حد يثبت بالإقرار ويسقط برجوعه عنه فالنسب ثابت كالأمثلة المذكورة ، وقد زيد على المسائل المذكورة من كانت عنده أمة فأولدها ثم أقر إنه غصبها من الغير ، ومن اشترى جاريتين بالخيار في إحداهما ثم أقر إنه وطىء إحداهما بعد أن اختار الأخرى ، ومن اشترى جارية فوطئها فقال له ربها : ادفع لي ثمنها فأنكر الشراء وقال : إنها عندي وديعة فهذه ثلاث مضمومة للخمس المتقدمة .
تنبيه : محل اللحوق فيما ذكر إذا لم يثبت علمه بالتحريم قبل نكاحه لها أو وطئه إياها وإلا بأن ثبت ببينة على إقراره أنه عالم به قبل ذلك فهو محض زنا لا يلحق به الولد لأن الولد إنما ألحق به فيما ذكر لكون إقراره بالعلم بالتحريم لا يعمل بالنسبة لنفي الولد لاتهامه على قطع نسبه ، وإنما يعمل بالنسبة لحده إن لم يرجع عن إقراره بخلافه إذا ثبت علمه قبل الوطء أو النكاح .
وَللَّتي كَانَ بِهَا اسْتَمتَاعُ
صَدَاقُهَا لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعُ( وللتي ) موصول ( كان بها ) خبر كان ( استمتاع ) اسمها . والجملة من كان وما بعدها صلة والرابط المجرور بالباء ( صداقها ) مبتدأ واجب التأخير لتلبسه بضمير الخبر الذي هو الموصول المتقدم ، والجملة من قوله ( ليس لها امتناع ) في محل رفع خبر ثان أو في محل نصب حال من الضمير في الخبر ، والمعنى أن للزوجة التي دخل بها زوجها في النكاح الفاسد الذي يفسخ ولو بعد الدخول صداقها كاملاً لتقرره بالوطء وإن حرم كما مرّ في قول ( خ ) وما فسخ بعده فالمسمى الخ فقول الناظم : استمتاع أي بالوطء بدليل قوله : صداقها ، ومفهومه أنه إذ لم يقع استمتاع بالوطء بل بما دونه من المقدمات أنه لا يكون لها تمام الصداق وهو كذلك ، ولكن تعوض باجتهاد الحاكم ( خ ) وتعاوض التلذذ بها أي وجوباً كأن يفسخ قبل أو بعد .
والعَقْدُ لِلنِّكَاحِ في السِّرِّ اجْتُنِبْ
ولوْ بالاسْتِكْتامِ والفَسْخُ يَجِبْ
( والعقد ) مبتدأ ( للنكاح ) يتعلق به وكذا قوله ( في السر ) وجملة ( اجتنب ) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ ( ولو ) شرطية إغيائية ( بالاستكتام ) يتعلق بمقدر أي : ولو كان السر بالاستكتام وجواب لو محذوف للدلالة عليه ، هذا والظاهر أن الواو للحال إذ ليس هناك صورة يوجد فيها نكاح سر بدون استكتام ( والفسخ ) مبتدأ خبره ( يجب ) المشهور كما لابن عرفة أن نكاح السر هو ما أمر الشهود حين العقد بكتمه ولو كان الشهود ملء الجامع اه . ولا مفهوم للشهود بل كذلك استكتام غيرهم لقول الباجي إن اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك فهو نكاح سر ، وعليه فقول الناظم بالاستكتام أي بالاستكتام للشهود أو لغيرهم فقد حذف المتعلق للعموم ، وظاهره كان الاستكتام قبل العقد أو فيه أو بعده ، لكن صرح في ضيح بأن الاستكتام بعد العقد غير مضر ويؤمرون بإفشائه اه . وظاهره أيضاً كان للزوج دخل في الاستكتام المذكور أم لا . وليس كذلك بل لا بد أن يكون له دخل فيه كما في شراح المتن وظاهر قوله : والفسخ يجب الخ ، أنه يفسخ ولو دخل وطال وقيده ( خ ) مما إذا لم يدخل ويطل فقال : وفسخ موصي وإن يكتم شهود من امرأة أو منزل أو أيام إن لم يدخل ويطل الخ .
والبُضْعُ بالبُضْعِ هُوَ الشِّغَارُ
وعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرارُ
( والبضع ) مبتدأ ( بالبضع ) يتعلق بمقدر صفة أي الكائن بالبضع والباء فيه للتعويض أيالفرج عوض الفرج ( هو ) مبدأ ثان ( الشغار ) خبر عن الثاني وهو على حذف مضاف أي هو صريح الشغار بدليل قوله : البضع بالبضع أي هو المسمى بما ذكر ، والجملة من الثاني وخبره خبر الأول من قولهم شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول أو من قولهم بلدة شاغرة أي خالية من أهلها سمي به هذا النكاح لخلوه من الصداق لأنهما جعلا بضع كل منهما صداق الأخرى فيقول له مثلاً : زوجني أختك أو بنتك على أن أزوجك أختي أو ابنتي أو أمي ( وعقده ) مبتدأ والجملة من قوله : ( ليس له قرار ) خبره أي فيفسخ قبل البناء وبعده ، وظاهره ولو طال وولدت الأولاد قال : وهو كذلك ولمن وقع الدخول بها منهما صداق المثل ، وفهم منه أنه إذا لم يكن بضعاً ببضع بل بالمسمى لكل منهما كزوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بخمسين أو بمائة لا يكون حكمه الفسخ أبداً وهو كذلك بل يفسخ قبله ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل معجلاً ويسمى هذا وجه الشغار ، وكذا لو سمي لإحداهما دون الأخرى كقوله : زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بلا مهر فيثبت في المسمى لها بعد الدخول بالأكثر ويفسخ في التي لم يسم لها أبداً ، وهذه الصورة مركبة من الصريح والوجه يفهم حكمها من المسألتين قبله وبما قررنا يعلم أنه لا إجمال في النظم وأنه إنما تكلم على الصريح كلاًّ أو بعضاً وغيره لم يتعرض له .
وَأَجَلُ الكالِىءِ مَهْما أغْفَلاَ
قبْلَ الْبِنَاءِ الفَسْخُ فِيهِ أُعْمِلاَ ( وأجل الكالىء ) مبتدأ ومضاف إليه ( مهما ) اسم شرط ( أغفلا ) بالبناء للمفعول فعل الشرط ( قبل البناء ) يتعلق بأعملا آخر البيت ( الفسخ ) مبتدأ ( فيه ) يتعلق بالخبر الذي هو ( أعملا ) والجملة جواب الشرط وحذف منها الفاء ضرورة على حد قوله : من يفعل الحسنات الله يشكرها . والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول . ثم اعلم أن الكالىء هو المؤخر كان كل الصداق أو بعضه وقوله : أغفلا يحتمل أن يكون معناه ترك ، ويحتمل أن يكون معناهأبهم وهو أنصع لأنه يشمل ما إذا لم يتعرض لتحديد أجله أصلاً وما إذا تعرض لتحديده لكن بوقت لا ينضبط كيوم قدوم زيد مثلاً أو قالا إلى أجل ولم يقيداه بقدوم زيد مثلاً ولا بغيره ، وظاهره كان عدم التعرض لتحديده قصداً أو نسياناً وهو كذلك على المشهور المعمول به كما في المتيطية والفشتالية وغيرهما لأن النكاح كالبيع ، وإذا فسخ فلا صداق ، وأما الإرث فثابت لأنه من المختلف فيه كما مرّ ، قال في المتيطية : وذكر ابن الهندي عن بعض أهل عصره أنه كان يفتي بعدم فسخه ويجعل له من الأجل نحو ما الناس عليه في أجل الكالىء فإن كان الأمر مختلفاً ضرب له أجلاً متوسطاً قال : يعني بعض أهل عصره ولم أره رواية إلا أن لقائله في ذلك حجة عندي واحتج بمسألة كتاب الخيار من المدونة فيمن باع سلعة على الخيار ولم يوقت للخيار وقتاً أن البيع جائز ويضرب له أجل الخيار في تلك السلعة ، وقد شبه مالك رحمه الله النكاح بالبيع قال : والقول بفسخه قبل البناء هو نص الرواية ، وعليه أدركت العمل بين الناس اه . وما ذكره ابن الهندي عن بعض أهل عصره نقل المتيطي أيضاً نحوه عن ابن ميسر قائلاً لأن أجل الكالىء متقرر في العرف عندهم فسكوتهما عنه يدل على أنهما دخلا على العرف والعرف سنة محكوم بها قال تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف } ( الأعراف : 199 ) اه وهذا كله مقابل لنص الرواية وما عليه العمل كما رأيته . وقد جعل الفشتالي ما ذكره ابن الهندي مقابلاً ، وكذا ابن عرفة جعله قولاً رابعاً مقابلاً للمشهور ، وقد تقدم عن صاحب الفائق عند قوله : وأجل الكوالىء المعينة الخ . أنه صرح بمقابلته للمشهور ، وبهذا تعلم أن ما اعتمده الشارح ومن تبعه من أن ترك التأجيل قصداً هو الموجب للفساد لا النسيان والغفلة لأنهما لا ينبني عليهما حكم لقوله عليه الصلاة والسلام : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ) الخ . مقابل للمشهور المعمول به على أن قوله لا ينبني عليهما حكم الخ . فيه نظر لأن الحديث في رفع الإثم وهما هنا لا يصدقان في أنهما نسيا أو غفلا في مثل هذا لاتهامهما على إسقاط حق الله تعالى في تعيين الأجل ، وأيضاً إذا كانا يحملان على العرف في النسيان والغفلة فأحرى في القصد لأنهما في القصد تركا التعرض للأجل اتكالاً على العرف الجاري عندهم ، وبالجملة فما قاله ابن ميسر وابن الهندي عن بعض أهل عصره جار في القصد وغيره كما هو ظاهر نقولهم وهو وإن كان قولاً قوياً في نفسه إذ أفتى به ابن رشد وابن الحاج وابن المكوي أيضاً كما في المعيار فهو مقابل كما رأيته .
تنبيهات . الأول : قال في المتيطية : سئل اللؤلؤي عن النكاح يغفل فيه عن ذكر الشرط وتاريخ الكالىء ، فإذا كان كتب الصداق قال الناكح : لم أرد أن يكتب على شرط وطول في أجل الكالىء ، وقال المنكح : إنما غفلنا عن ذلك للعرف الجاري في البلد بالشروط إذ لا يخرج عنها إلا الشاذ وللعرف الجاري في الكالىء بكونه إلى ثلاثة أعوام ولا يعدوه إلا للشاذ أيضاً فهل يحمل الزوج على العرف من ذلك أم لا ؟ فأجاب لا يجبر الزوج على ذلك وهو بالخيار إن شاء وافقهم أو وافقوه وإلاَّ فله الانحلال اه . وقوله وهو بالخيار الخ . مقابل لما مر من لزوم فسخه في الكالىء نعم بالنسبة للشرط هو بالخيار قطعاً .الثاني : قال في المتيطية أيضاً : وأما إن زوجه بمائة نقداً ومائة إلى بعد ابتنائه بسنة فكرهه ابن القاسم قال : وإن وقع لم أفسخه وذكر أن مالكاً أجازه واختلف في علة الجواز فقال ابن المواز : هو على الحلول إذ للزوجة أن تدعوه للدخول متى شاءت فإذا دعته فمن حينئذ تجب السنة وقيل : معناه إنه يحمل في ذلك على العرف فإذا كان للبناء عندهم وقت معروف حمل عليه ويؤخر بعد ذلك القدر سنة ، ويدل لذلك قول مالك : لا يصح بيع التأخير إلا لأجل معلوم إلا ما كان من بيع الأسواق على التقاضي لأنهم قد عرفوا ذلك يقيم أحدهم قدر الشهر وقدر ما عرفوا ثم يتقاضاه مقطعاً الخ . وهذا التعليل الأخير يقوي ما تقدم عن ابن الهندي وابن ميسر ، ثم هذا التنبيه داخل في كلام الناظم على الاحتمال الثاني ، ويدخل فيه أيضاً إذا أجل بميسرة الزوج أو إلى أن تطلبه المرأة والحال أن الزوج معدم فيهما ( ح ) وإلى الدخول أو الميسرة إن كان ملياً الخ . وتقدم قول ناظم العمل عند قوله : وأجل الكوالىء المعينة الخ .
الثالث : مما يدخل في كلام الناظم أيضاً التزوج على أن ينفق على ابنها أو عبدها لأن النفقة من جملة الصداق ولا يدري ما إذا يعيش الولد . ابن عرفة : عن المتيطي التزام النفقة في العقد لغير أجل كمهر مجهول . قال ابن القاسم : إن بنى بها سقط الشرط ولها مهر مثلها وإلاَّ فسخ ولو طرحت شرطها . قال : وللزوج الرجوع عليها بها إلى حين فسخ النكاح أو تصحيحه بمهر المثل ثم قال ابن عرفة : وفي كونه أي التزام الإنفاق لأجل ، كذلك قول ابن زرب وأبي بكر بن عبد الرحمن قائلاً : لو مات الولد رجعت بنفقته الخ . فظاهره ترجيح ما لابن زرب لتصديره به .
الرابع : محل كلام الناظم إذا اتفقا على عدم التعرض لذكر الأجل أصلاً أو أجلاه بوقت لا ينضبط كما مر أما إن اتفقا على تأجيله بوقت منضبط واختلفا في قدره فقال في الاستغناء : إن اختلف الزوج والولي في أجل الكالىء وقال الشهود نسيناه فإن كان أجل الكوالىء كلها متعارفاً عندهم وكان لقلة الكوالىء وكثرتها أجل جعل ذلك الكالىء إلى مثل ذلك الأجل ، فإن لم يكن عندهم متعارف جعل أجله إلى أكثر ما تحمل عليه الكوالىء إلى مثل ذلك الأجل ويثبت النكاح . نقله ابن سلمون وتبعه ( ح ) مقتصراً عليه ولما نقله الشارح قال : ذلك واضح إذا ادعى أحدهما الأجل المتعارف ، وادعى الآخر أقرب منه أو أبعد لأن مدعي العرف مشبه فإن ادعيا معاً غير المتعارف فإن القول للزوج لأنه غارم كما لابن زرقون ولا يردان إلى المتعارف حينئذ اه باختصار . ثم قال : فلو ادعى الزوج نفي الأجل في مثل صورة الاستغناء ففي نوازل ابن الحاج أنه إن شهدت بينة بأنه ضرب للكالىء أجل ونسوا قدره والزوج ينفي ضرب الأجل ووالد الزوجة يقول : إنه ضرب له كان من باب دعوى الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة منهما اه باختصار .
قلت : ويتفرع على كون القول لمدعي الصحة أن مدعي الفساد إذا أقام شاهداً واحداً على أنه لم يضرب له أجل أو على أنه لموت أو فراق فإن كان المقيم هو الزوجة لم يفسخ النكاح لأن الواحد لا يقبل فيما يوجب الفراق ، وإن أقامت شاهدين فسخ وبطل الصداق ولو أقامته بعد البناء حلفت وأخذت الأكثر من المسمى وصداق المثل قاله في المتيطية .وما يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلْ
شَرْطاً وَغَيْرُهُ بِطَوْعٍ يُقْبَلْ
( وما ) مبتدأ وجملة ( ينافي العقد ) صلته والرابط الضمير المستتر الفاعل بينافي ( ليس ) فعل ناقص واسمه ضمير الموصول المذكور ( يجعل ) بالبناء للمفعول خبر ليس ونائبه ضمير يعود على ما أيضاً وهو مفعوله الأول ( شرطاً ) مفعوله الثاني ، والجملة من ليس وما بعدها خبر المبتدأ والرابط محذوف أي فيه ، والمعنى أن الشروط على قسمين ما لا ينافي عقد النكاح وسيأتي وما ينافيه وهو ما هنا ، وظاهره كان الشرط من جهتها أو من جهته فإذا شرط أن لا يقسم لها أو يؤثر عليها أو لا نفقة لها أو لها نفقة معلومة في كل شهر أو لا ميراث بينهما أو أن لا يأتيها ليلاً أو لا يعطيها الولد أو شرطت أن الطلاق بيدها أو نفقة ولدها أو نفقة الصغير أو السفيه على الولي أو نفقة العبد على السيد أو شرطت نفقة الكبير الرشيد على غيره أو إعطاء حميل بالنفقة فإن النكاح في ذلك كله يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل وتسقط الحمالة في المسألة الأخيرة وترجع النفقة على الزوج في مسألة اشتراطها على ولي الصغير ، وهكذا يسقط الشرط المذكور بعد البناء في جميع ذاك ( خ ) عاطفاً على ما يفسخ قبل ويثبت بعد ما نصه : أو على شرط يناقض المقصود كأن لا يقسم لها أو يؤثر عليها وألغى الخ . أي ألغى الشرط المذكور بعد البناء ومحل الفساد في مسألتي الصغير والسفيه ما لم يبينوا أن الولي إن مات أو طرأ عليه دين أو عسر قبل بلوغ الصبي ورشد السفيه كانت على الزوج فإن بينوا ذلك صح اتفاقاً فإن قالوا إن مات الولي أو طرأ عليه ما يمنع الإنفاق فلا تعود على الزوج حتى يبلغ أو يرشد فسد اتفاقاً قاله ابن عرفة عن ابن رشد ، وفهم من قوله ليس يجعل شرطاً فيه أنه يجوز شرط ما ينافيه بعده وهو كذلك كما يأتي قريباً .
تنبيه : لو شرط السيد في تزويجه عبده من أمة غيره أن الولد بينهما فسخ ولو بنى والولد لرب الأمة وكذا لو شرط أن ما تلده حر ، سواء كان الزوج حراً أو عبداً كانت الأمة لسيد العبد أو لغيره وما ولدته قبل الفسخ حر وولاءه لسيدها ولو شرط أول ولد تلده حر فكذلك على مذهب ابن القاسم ، ويجوز لسيدها بيعها ما لم تحمل فإن حملت بقيت حتى تضع فيعتق الولد وما ولدت بعده من الأولاد رقيق قاله في المتيطية .
( وغيره ) مبتدأ ( بطوع ) يتعلق بالخبر الذي هو ( يقبل ) أو في محل نصب على الحال من ضمير أي وغير المنافي للعقد كشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يخرجها من بلدها أو لا يتسرىعليها يقبل ، ويجوز حال كون كائناً بطواعية من الزوج بعد العقد لا إن اشترط فيه فيكره ولا يلزم على كل حال ولكن يستحب له الوفاء به ( خ ) وإن أخرجها من بلدها أو تزوج عليها فألفان ولا يلزم الشرط وكره الخ . وإنما كره اشتراط ذلك في العقد لأن المرأة حطت من صداقها لأجل الشرط ، وهذا هو السر في رد المرأة لمهر المثل بعد البناء في الشروط المنافية ثم إن غير المنافي قسمان ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه كالأمثلة المذكورة وما يقتضيه العقد ، وإن لم يشترط كشرط أن يقسم لها أو لا يؤثر عليها أو لا يضربها فاشتراط هذا وعدمه سواء ، فقول الناظم يقبل أي مع كراهة إن كان ذلك في العقد وبدونها بعده لكن ما كان في العقد لا يوصف بطواعية حقيقة ، بل مجازاً لأن المرأة تأبى من العقد حتى يلزم الشرط ، وما كان كذلك ليس بطوع . وقوله : يقبل أي يصح وكونه يلزم أو لا يلزم شيء آخر فيه تفصيل ، ويحتمل أن يكون معناه يلزم فيحمل حينئذ على ما إذا علق عليه طلاقاً أو عتقاً أو تمليكاً أو نحو ذلك مما يقضى به على الزوج إذا حنث فإن المعلق يلزمه بالمخالفة كشرطه في العقد أو بعده أن لا يخرجها من بيتها وإن أخرجها فهي طالق أو عبده حر أو أمرها بيدها وأن لا يضر بها وإن أضر بها فأمرها بيدها فإن اشترطت مع ذلك أنها مصدقة في الضرر فسد على ما لسحنون إن كان في العقد لدخوله على غرر في بقاء العصمة . ابن عرفة : وفي أعمال شرط تصديقها دون يمين في المغيب والرحيل والضرر أو فيهما دون المغيب نقلاً . ابن عات عن ابن فتحون وابن عبد الغفور : وكان ابن دحون يفتي بإلغاء شرط التصديق في الضرر بعد قوله لا خلاف في أعماله إن لم يكن شرطاً في العقد الخ . وفي ابن سلمون ما نصه : فإن التزم لها التصديق في الضرر بغير يمين فقال ابن رشد : اختلف في ذلك فروى عن سحنون أنه قال : أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء فإن دخل بها فلا يقبل قولها إلا ببينة على الضرر ، وحكي عن ابن دحون أنه كان يفتي بأن ذلك لا يلزم ولا يجوز إلا ببينة ثم قال : ولا خلاف أنه إذا لم يشترط في أصل العقد أنه جائز نافذ اه . وانظر تمام كلامه فيما يأتي في فصل الضرر ، وأما إن لم يعلق على ذلك شيئاً أو علق عليه ما لا يقضى به على الزوج إن خالف كقوله : إن أخرجتها من بلدها فلها ألفان فلا شيء عليه بالمخالفة كان في العقد أو بعده ، ولهذا إذا اشترطت عليه الماشطة في العقد أن لا يمنعها من الخروج لصنعتها لا يلزمه الوفاء به كما في المعيار وأولى إن اشترطت عليه الخروج لقدوم الحاج أو خروجه ، ثم إن علق الطلاق على التزوج عليها أو على التسري فيلزمه في التزوج بمجرد العقد ، وإن لم يدخل وفي التسري بالوطء ولو كانت الأمة عنده قبل التعليق وإن علقه على اتخاذ أم الولد فيلزمه بوطءالأمة أيضاً لا بحملها على مذهب ابن القاسم قاله في المتيطية . ثم إن الطواعية بذلك أحسن من اشتراطه في العقد فإن اتفقا على الشرطية فيما يقضي به واختلفا في كونها وقعت في العقد أو بعده ولا بينة فقيل : يحمل على الشرطية في العقد ، وقيل على الطواعية بعده وبالأول العمل قال ناظمه :
والشرط في النكاح محمول على
أنه في أصل العقود جعلا
وفائدة الخلاف أن له أن يناكرها على الطواعية دون الشرطية كما أشار لذلك ( خ ) فقوله وناكر مخيرة لم يدخل بها ومملكة مطلقاً الخ . وتظهر أيضاً أنها إذا وقعت واحدة في الطواعية فهي رجيعة وفي الشرطية بائنة كما في ابن سلمون ، وتظهر أيضاً فيما إذا التزم نفقة ربيب أو غير ذلك مما ينافي العقد وتنازعا في كونه وقع في العقد أو بعده ، فإنه يحمل على الشرط على ما به العمل ويفسخ النكاح إن كان التنازع قبل البناء ويسقط الشرط إن كان بعده .
تنبيهات . الأول : يحتمل أن يكون الضمير في قول الناظم وغيره عائداً على ما ذكر أي وغير المشترط في العقد مما هو مناف له أو غير المنافي أصلاً أي غيرهما معاً يقبل بطوع بعده فيهما وفي غير المنافي مطلقاً فيستفاد منه بطريق النص أن جميع المنافي للعقد يجوز الطوع به بعده ما عدا قوله : ولا ميراث بينهما فإنه لا يصح فيها ذلك لأنه من إسقاط الشيء قبل وجوبه ولأنه يدخل في الملك جبراً فيصح حينئذ أن يلتزم الزوج نفقة ربيبه أمد الزوجية أو مطلقاً وأن يلتزم الزوج نفقة زوجة غيره وأن يتحمل لها بالنفقة وأن تسقط حقها في القسم ، وهكذا فإن طلقت الملتزم لولدها بالنفقة أو التي تطوع لها بطلاق الداخلة عليها ثم راجعها عادت نفقة الولد وعاد الشرط كما يأتي في قوله في الخلع :
وما امرؤ لزوجه يلتزم
مما زمان عصمة يلتزم
فذا إذا دون الثلاث طلقا
زال وإن راجع عاد مطلقا
الثاني : ما تقدم من أنها إذا شرطت عليه نفقة ولدها في العقد يفسد النكاح هو الذي في شراح ( خ ) عند قوله : أو على شرط يناقض المقصود وظاهرهم اشترطت ذلك لمدة معلومة أم لا . وهو الذي لابن زرب وقال أبو بكر بن عبد الرحمن : إن شرطت ذلك لمدة معلومة جاز ذلك فإن مات الولد رجعت بنفقة بقية الأجل ويلزمه لأنه من صداقها ، وإنما تأخذه على حسب ما شرطت قاله في المتيطية . ونقله أوائل الالتزامات وذكر عن ابن رشد أنه الراجح قال : وينبغي حينئذ أن لا يسقط بموت الزوج وأن يحل بموته ويأتي أول الخلع عن البرزلي ما يفيده .
الثالث : على ما تقدم من فسخ النكاح فإن للزوج الرجوع على المرأة بما أنفق بالشرط على ولد ، ومن لا تلزمه نفقته من خدمها إلى حين فسخ النكاح أو لتصحيحه بمهر المثل قاله في الالتزامات عن ابن رشد . قلت : وانظر الاضطراب في فهم قول ابن رشد إلى فسخ النكاح أو تصحيحه في نكاح نوازل مازونة .
الرابع : إذا قال لها : إن أخرجتك من بلدك فأمرك بيدك فأخرجها بإذنها فأرادت أن تأخذ بشرطها وتطلق نفسها فقال مالك وأصبغ : ليس لها ذلك . وقال أشهب : لها أن تأخذ بشرطها لأنها إنما أذنت في شيء تملكه ، واستحسنه ابن المواز قاله في كتاب الشروط من المتيطية قال :ولو أخرجها بإذنها فردها ثم أراد أن يخرجها فأبت فروى ابن وهب عن مالك : تحلف بالله ما كان خروجي معه أولاً تركاً لشرطي ثم هي على شرطها . وقال بعض العلماء : إذا أذنت له سقط شرطها وهو شاذ اه باختصار .
الخامس : ما تقدم من أن الشرط في النكاح محمول على الشرط في العقد حيث لا بينة كما مر ، أما إن كانت هناك بينة بكونه شرطاً أو طوعاً فإنه يعمل عليها ما لم يشهد العرف بضدها ، ففي المعيار سئل ابن رشد عما يكتب من الشروط على الطوع والعرف يقتضي شرطيتها ، فقال : إذا اقتضى العرف شرطيتها فهي محمولة على ذلك ولا ينظر لكتبها على الطوع الخ .
قلت : والعرف في زمننا هذا أن التزام نفقة الربيب ونحوها من إمتاع الزوجة زوجها إنما يكون في صلب العقد إذ قل ما تجد التزاماً بالنفقة المذكورة متطوعاً به في نفس الأمر ، وإنما الكتاب يكتبونه على الطوع تصحيحاً لوثائقهم وتجدهم يأمرون المتعاقدين بتأخير كتبه إلى يومين أو ثلاثة من عقد النكاح فيجب حينئذ فسخ هذا النكاح إن عثر عليه قبل البناء ، ولا تسقط النفقة عن الزوج إن عثر عليه بعده عملاً على ما أفتى به ابن رشد ، وأقامه ابن عرفة من المدونة في باب الحمالة . قال ابن ناجي : وبه العمل اه . وقد علمت مما قدمناه أول الكتاب أن قولهم : العمل بكذا مما يرجع القول المعمول به فما قاله ابن رشد هو الحق إن شاء الله تعالى كما يأتي في البيت بعده عن الجزيري والمازري ، وقد قال في الفائق : متى ضاق على الموثق المجال ركن إلى التطوع مصوراً في صورة الجائز ما لا يجوز في الحقيقة اه . ومثل هذا يأتي في بيع الثنيا إن شاء الله وأنه متى ثبت رسم الإقالة ولو بصورة التطوع فهو محمول على أنه شرط في نفس العقد كما أفتى به المجاصي وغيره من أهل عصره لأن العرف شاهد بضد المكتوب خلاف ما يأتي للناظم من أن العمل فيها على المكتوب .
ويَفْسُدُ النِّكاحُ بالإِمْتَاعِ في
عُقْدَتِهِ وَهُوَ عَلَى الطّوْع اقْتُفِي
( ويفسد ) بضم السين وفتح الياء مضارع فسد ( النكاح ) فاعله ( بالإمتاع ) يتعلق بيفسد ( في عقدته ) يتعلق بالإمتاع وضميره للنكاح أي يفسد النكاح باشتراط الزوج في صلب العقد أن تمتعه زوجته بموافقة وليها بسكنى دارها أو استغلال أرضها لأن ما يبذله الزوج من الصداق بعضه في مقابلة ذلك وهو مجهول لأنه يستغل إلى الموت والفراق ولا يدري وقتهما قاله المازري . وقال ابن جزي : وقد يستغرق ذلك الصداق فيبقى البضع عارياً عن المهر . قال : وكذا يفسد إن كان الإمتاع لمدة معلومة لأنه نكاح وإجارة ، وعليه فيفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل وسيأتي قول الناظم :وشرط كسوة من المحظور
للزوج في العقد على المشهور
إلا أن ظاهر كلام الناظم ههنا أنه يفسد ولو لم يصرحا باشتراطه في العقد ، بل وقع الإمتاع في العقد بغير شرط وهو مخالف بهذا الظاهر لقول ابن سلمون ولو سكت عن ذلك في العقد حمل على الطوع الجائز أو العادة إن كانت عادة فالإشارة في قوله عن ذلك تعود على الإمتاع أي سكت عن اشتراطه في العقل بل وقع في العقد على الطوع من غير شرط . هذا ظاهره بدليل قوله : حمل على الطوع فتأمله . وأشار إلى مفهوم قوله في عقدته فقال : ( وهو ) مبتدأ ( على الطوع ) يتعلق بالخبر الذي هو ( اقتفي ) بالبناء للمفعول أي اتبع أي إن وقع ذلك بعد العقد جاز واتبع ذلك ومحل جوازه بالطوع إذا لم تنعقد القلوب والضمائر عليه عند وقت عقد النكاح ، أما إن انعقدت الضمائر عليه وقته وعرف ذلك من عادة البلد فإنه يفسخ قبل البناء أيضاً وإن كتب على الطوع إذ لا عبرة حينئذ بالمكتوب لأن الموثق يدلس ذلك ليتوصل لما لا يجوز في صورة الجائز قال معناه المازري حسبما في الشارح ، وهو الموافق لما مر عن ابن رشد في البيت قبله . وقال الجزيري : هذا الإمتاع جرت به العادة في الجزيرة الخضراء وغيرها ويجعلون الإمتاع في مال الزوجة على الطوع من وليها أو منها إن كانت مالكة أمر نفسها وهو غير سديد لأن الإمتاع في مقابلة الصداق فيبقى البضع بلا عوض إذ قد يشترطه من لا فقه عنده ، فهو وإن كتب على الطوع لإرادة الإمضاء فالضمائر المنعقدة عليه تقوم مقام الشرط عند العلماء . وفي المدونة ما يقتضيه انظر تمامه في اليزناسني إن شئت فهو موافق لما مر عن المازري وابن رشد من أنه لا عبرة بالطوع إن كانت العادة بخلافه .
تنبيهات . الأول : إذا قلنا بفساد النكاح في الطوع حيث كانت العادة بخلافه فإن النكاح يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل بمنزلة المشترط في العقد ، وكلام المازري الذي في الشارح صريح في ذلك لأنه من الفاسد لصداقه ، وعليه فإذا عثر على ذلك بعد البناء وطالت المدة فإنها ترجع عليه بقيمة ما استغل بعد أن ترد لمهر مثلها على أنه لا إمتاع في نكاحها ، والغالب أن مهر المثل حينئذ أقل من المسمى لأن المسمى يرتفع للإمتاع المذكور .
الثاني : إذا قلنا يحمل في الطوع على الشرط حيث جرت العادة به ، وأنه لا عبرة بالمكتوب فبأي شيء يتوصل للصورة الجائزة إذ ما من طوع في بلد جرت العادة بخلافه إلا ويقال إنه محمول على الشرط فلا يجد ملتزم الإنفاق للربيب مثلاً أو ملتزم التمتيع ونحوه سبيلاً إلى كتبه على الطوع وإن صح قصده في نفس الأمر هذا مما لم أقف الآن فيه على نص ، والظاهر أنه إذا طال ما بين العقد بحيث يظن أن ما أضمراه قد اضمحل واندثر ، وأنه فعل ذلك عن اختيار كالشهر ونحوه فإنه لا يحمل على الشرط حينئذ والله أعلم .
الثالث : محل الفساد بالإمتاع إذا كان من مال الزوجة كما مر أما إذا كان من مال وليها أو أجنبي فإنه جائز ، وقد روي عن مالك أنه يجوز أن يقول الرجل لآخر : تزوج ابنتي على أن أعطيك مائة دينار نقله الشارح . وفي ابن عرفة سمع سحنون ابن القاسم من أنكح ابنته من رجلعلى أن أعطاه داراً جاز إنكاحه ، ولو قال : تزوج ابنتي بخمسين ديناراً وأعطيك هذه الدار لا خير فيه لأنه من وجه النكاح والبيع ابن رشد : يقوم من قوله جاز نكاحه معنى خفي وهو جواز اجتماع البيع مع نكاح التفويض اه . وهذا معنى قول ( خ ) : أو باجتماعه مع بيع كدار دفعتها هي أو أبوها وجاز من الأب في التفويض .
الرابع : إذا متعت الزوجة زوجها بعد العقد بسكنى دارها بأن أسقطت عنه كراءها مدة الزوجية بينهما ثم اختلعت منه وسكتت عن كراء مسكنها الذي تعتد فيه فقال ابن زرب : يلزمه ذلك لأن من حجة الزوجة أن تقول : لم أسقط ذلك عنه إلا مدة الزوجية ، وبه قال ابن عتاب واللخمي قال : لأن بالطلاق خرجت عن المكارمة ولا يلزمها أن تكارمه في المستقبل ، وقال أبو عمر الإشبيلي : لا يلزمه ذلك لأن العدة من أسباب الزوجية وبه قال ابن القطان أبو بكر بن بعد الرحمن قال بعض : والأول أقيس . المتيطي : وهو الحق إن شاء الله .
فصل ( في مسائل ) متفرقة ( من ) لواحق ( النكاحوالعَبْدُ والمرأةَ حَيْثُ وُصِّيَا
وَعَقَدَا عَلَى صَبِيَ أُمْضِيَا
( والعبد ) مبتدأ ( والمرأة ) معطوف عليه ( حيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( وصيا ) بالبناء للمفعول والألف نائبه والجملة في محل جر بإضافة حيث ( وعقدا ) فعل وفاعل والجملة معطوفة على وصيا ( على صبي ) يتنازعه الفعلان قبله ( أمضيا ) بالبناء للمفعول جواب حيث ونائبه ضمير العقد وألفه للإطلاق ومفعول عقدا محذوف أي عقدا النكاح وأشعر تذكير الوصف أنه ذكر لا أنثى إذ لا يصح عقدهما عليها ( خ ) : ووكلت مالكة أو وصية الخ . وتقدم أيضاً قول الناظم : والمرأة الوصي ليست تعقد الخ . وربما أشعر قوله : أمضيا أنه لا يجوز ابتداء وليس كذلك ، بل يجوز ابتداء كما في الوثائق المجموعة ، وإنما عبر به نظراً إلى أن لفظ العبد والمرأة يشمل الكافر منهما كما يأتي ولا مفهوم لصبي ، بل لهما العقد على من إلى نظرهما من الذكران كباراً أو صغاراً بل لو وكلهما كبير رشيد لصح عقدهما عليه ، وظاهر قوله : والعبدوالمرأة ولو كافرين وهو كذلك . وفي الطرر : وأما العبد والكافر فيزوجان بنيهما وبني من أوصى بهم إليهما الذكران الخ . وفي سماع عيسى : لا بأس أن يوكل الرجل نصرانياً أو عبداً أو امرأة على عقد نكاحه اه . والإيصاء توكيل في الحقيقة ، ولذا قال ( خ ) : وصح توكيل زوج الجميع الخ . وقول المدونة لا تجوز الوصية لذمي أو مسخوط أو من ليس بعدل ويعزل إن أوصى إليه الخ . معناه لا يجوز ابتداء وذلك لا ينافي صحة عقده ومضي تصرفاته بدليل قولها : ويعزل إذ العزل فرع الانعقاد فهو نظير قول المتن ونفذ حكم أعمى وأبكم وأصم ووجب عزله الخ . فقول الشارح ومن تبعه : سكت الناظم عن الكافر لندوره ليس على ما ينبغي لأن الناظم أطلق ولإطلاقة عبر بالإمضاء كما مرّ .
تنبيهات . الأول : محل إمضاء الوصية لابنها ونحوه ممن في حجرها إذا لم تعقد له على بنت زوجها وإلاَّ فهو محل للنظر والتعقب لكونها في عصمته فهي مغلوبة فإن كان سداداً مضى وإلاَّ فلا ، قاله في الكراس الثامن من أنكحة المعيار .
الثاني : إذا بلغ الصبي وأبى من التزام ما عقده عليه وصيه أو أبوه فإنه يجري على ما تقدم في قوله : وعاقد على ابنه حال الصغر الخ . وفي اختصار المتيطية أن الصغير إذا زوجه وصي أو مقدم القاضي جاز ذلك عليه ولا خيار له بعد البلوغ بخلاف اليتيمة ، والفرق أن الصبي إذا بلغ وكره النكاح طلق بخلاف اليتيمة ، وهذا هو المشهور من مذهب مالك في المدونة وغيرها اه .
الثالث : إذا كان مع الوصي مشرف وعقد الوصي النكاح بغير مشورته فعقد الوصي صحيح سواء عقد بنفسه أو قدم أخاها ونحوه للعقد وللمشرف تعقبه بالنظر ، فإن رأى أن يجيزه أجازه وإن رأى أن يرده رده كالسفيه يتزوج بغير إذن وليه فإن مات المشرف وعقد الوصي النكاح فإنه يوقف على نظر القاضي فيتعقبه بالنظر أيضاً لأنه قائم مقام المشرف ، فإن لم يعثر القاضي على ذلك حتى مات الزوج والحال أن الزوجة هي ذات الوصي ، وقد زوجها بعد موت المشرف فقد فات موضع نظر القاضي ووجب للزوجة الصداق المسمى والميراث إذ لا حظ لها في الرد بعد موت الزوج لأن ذلك يسقط ما وجب لها من الصداق والميراث لغير وجه نظر قاله ابن رشد في أجوبته . ويفهم من قوله : كالسفيه يتزوج بغير إذن وليه أن الزوج إذا كان هو الموصى عليه وزوجه وصيه بعد موت المشرف فماتت الزوجة أن القاضي ينظر في الأصلح من الرد والإجازة ، فإن مات الزوج المولى عليه تعين الرد فيكون من أفراد قول ( خ ) ولولي سفيه فسخ عقده ولو ماتت وتعين لموته والله أعلم . وهذا بخلاف تزويج أحد السيدين الأمة دون إذن شريكه أو تزويج أحد الوليين اليتيمة دون إذن الآخر فإن النكاح فاسد ولو أجازه الآخر يفسخ قبل البناء وبعده قال في النوادر : إذا كان للزوجة وليان فزوجها كل واحد منهما على حدة من رجل فإن لم يول كل منهما صاحبه لم يجز نكاح كل منهما وإن أمر كل واحد منهما صاحبه فنكاح أولهما أولى إلا أن يبني الآخر . ابن المواز ، وهذا في الوصيين والسيدين فجعل الوصيين كالسيدين والوليين والرواية في المدونة أن السيد إذا زوج الأمة دون إذن شريكه يفسخ قبل البناء وبعده ، وإن أجازه الآخر . انظر أجوبة ابن رشد ، وقد نقل ذلك الزياتي في نوازله وهذا كله فيما بعد الوقوع وأما قبله فقد قال ( خ ) : وإن تنازع الأولياء المتساوون في العقد أو الزوج نظر الحاكم الخ . وأما العبد يزوجهأحدهما دون إذن الآخر فإن النكاح صحيح ويتوقف على إجازة الآخر والسفيه يزوجه أحدهما دون إذن الآخر كذلك .
والأبُ لا يَقْضِي اتِّسَاعُ حالِهِ
تَجْهِيزِه لابْنَتِهِ مِنْ مَالِهِ
( والأب ) مبتدأ ( لا يقضي ) بفتح الياء مضارع قضى ( اتساع حاله ) فاعل ومضاف إليه ( تجهيزه ) بالنصب مفعول يقضي ( لابنته ) يتعلق بتجهيز وكذا قوله ( من ماله ) والضمائر عائدة على الأب ، والمعنى أن الأب الغني المتسع المال لا يلزمه أن يجهز ابنته البكر أو الثيب إذا زوجها بشيء من ماله زيادة على صداقها ، وإنما يلزمه أن يجهزها بصداقها ( خ ) : ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته إن سبق البناء الخ . فإطلاق الناظم في البيت يشمل البكر والثيب التي في حجره لصغرها أو سفهها ، وأما المرشدة فهي ما بعده ، وحينئذ فإن قال الزوج إنما بذلت ألفاً ليجهزها أبوها بألف آخر من ماله وامتنع الأب من ذلك فإن كان قبل البناء خير الزوج في تجهيزها بصداقها فقط أو يفارق ولا شيء عليه ، وإن كان بعد البناء حط عنه ما زاده لأجل الجهاز أي : فيجب لها صداق المثل . وانظر ما للحفار في الكراس الخامس من أنكحة المعيار يتبين لك ذلك ، وظاهر النظم أنه لا يلزمه ذلك ولا يحكم عليه به ، ولو جرى العرف بالتجهيز والذي به العمل أن ذلك حيث لا عرف بتجهيز الآباء وإلاَّ لزمه تجهيزها بما جرى العرف به إن كان التنازع بعد البناء لأنه بالعرف صار كالملتزم للتجهيز إذ العرف كالشرط قاله غير واحد . وإليه أشار ناظم العمل بقوله : وفي الشوار عندهم مثلان الخ . أي عرفهم تجهيز البنت بمثلي نقدها فإذا نقدها الزوج عشرين مثلاً جهزها الأب بأربعين ، عشرين من نقدها وعشرين زيادة من عنده ، وهذا إنما هو إذا كان غنياً وفات بالدخول والأخير الزوج كما مرّ وفي البرزلي ما نصه : فإذا أثبت الزوج العادة بأنه لا بد بين هذين الصهرين من جهاز زائد على النقد مما له خطر وبال ، وأن الناس اعتادوا ذلك فإنه يقال لأبي الزوجة : إما أن تحققه بشورة أمثالها وإلاَّ حلف الزوج على ما أعاده ويخير بين فسخ النكاح عن نفسه ولا شيء عليه إلا طلقة خاصة وهو أرجح الأقوال ، وقيل : إذا حلف حط عنه من الصداق الزيادة التي زادها للجهاز المتعارف بينهم وهو أحسن ، وعليه يأتي أكثر المذهب ، وقيل : لا مقال للزوج وهو أضعفها انتهى باختصار .
تنبيهات . الأول : قال في شرح نظم العمل في المحل المذكور ما حاصله : إن الالتزام في عقد النكاح يكون باللفظ وبالعادة والأول يقضي به قبل الدخول وبعده في حياة الملتزم وبعد موته أو فلسه ولا يفتقر لحيازة ، والثاني لا يلزم إلا بعد الدخول في حياة الملتزم ، فإن مات بطل الالتزام واحتج للأول بنقول تدل دلالة واضحة على أن ما انعقد عليه النكاح من صدقة ونحلة يجري مجرى البيوع في الاستحقاق وسقوط الحيازة وأن الملتزم يؤاخذ بذلك حيي أو مات أوفلس ، وأن للزوج أن يطلب ذلك ولو بعد ثلاث سنين من وقت البناء وبغير وكالة من الزوجة لأنه حق له وثمن لما أصدقها واحتج للثاني بما في الالتزامات فيمن تزوج بمائتين والعادة حيث أصدقت العدد المذكور أن يجهزها الأب بمائة وخمسين ثم مات الأب قبل البناء ثم دخل بها زوجها فقال أبو عمران : حيث مات أبو الزوجة ورضي الزوج بالبناء بها فلا قيام وتلزمه المائتان الخ . قال ( ح ) عقبه فعلم منه أن بموت أبي الزوجة بطل الالتزام وبقي الخيار للزوج في أن يستمر على النكاح المذكور أو يرجع عنه إلا أن يدخل بعد علمه بذلك فيلزمه الصداق ولا خيار له اه .
قلت : ما قاله أبو عمران و ( ح ) صريح في أن موت أبي الزوجة كان قبل الدخول أما لو مات بعده أو قبله وقبل أن يعلم بموته فلا إشكال في أنه يلزمه ، ويكون للزوج القيام به لأنه فات بالدخول على الشرط الذي اقتضته العادة فيؤخذ ذلك من تركته فقول الشارح المذكور : فإن مات بطل الالتزام الخ . معناه مات قبل الدخول ودخل بعد العلم بموته كما مرّ وإلاَّ فلا يبطل كما يدل له الكلام المتقدم ، وهكذا رأيته في بعض الفتاوى عن بعض المتأخرين .
الثاني : إذا ماتت الزوجة في الفرض المذكور أي قبل أن يبتل لها الأب شيئاً ففي ( خ ) ولو طولب بصداقها لموتها فطالبهم بإبراز جهازها لم يلزمهم على المقول الخ . وإذا لم يلزمهم ذلك على ما قاله المازري فعلى الزوج صداق مثلها لأن من حجته أن يقول إنما أصدقتها ذلك لما جرى به العرف من التجهيز كما في شراح المتن ، وهذا كله إذا لم يكن الأب عين لها شيئاً ولا بتله قبل موتها وإلاَّ فللزوج ميراثه منه كما لابن رشد في أجوبته ، ولو مات الزوج في الفرض المذكور فلا يحط عنه ما زاده لأجل الجهاز ، فيكون للزوجة جميع المسمى ولو طلقها قبل البناء فإن كان لامتناع الأب من التجهيز فلا شيء عليه كما مر ، وإن كان لغير ذلك فعليه نصف الصداق الذي سماه لأن الفراق جاء من قبله وباختياره والله أعلم . فقد علمت حكم ما إذا مات الأب أو الزوجة أو الزوج أو طلاقه قبل البناء والله أعلم .
الثالث : للوصي وللأب تشوير اليتيمة بمالها وتباع أصولها في ذلك وأولى غيرها حيث كان عليها معرة في ترك الجهاز على ما به العمل قاله في المعيار . وذكره في القلشاني ، ونظمه في العمل المطلق . وفي البرزلي : إذا شور الأب ابنته البكر وأراد حسبتها به في ميراث أمها . وقال الزوج : بل ميراثها غير شورتها والصداق يقابل الجميع فإن الأب لا يجاب إلى ذلك إذ ليس من النظر إخراجها من أصل إلى شورة إلا أن يكون شيئاً يسيراً فيحلف أنه أنفق ليحاسب في الميراث من يوم وقع الميراث اه . وهذا مقابل بحسب ظاهره لما ذكرنا أن العمل عليه من جواز بيع أصولها للجهاز وإنما يبقى النظر هل للزوج أن يفارق إذا كان ذلك قبل البناء كما مرّ لأن من حجته أن يقول : إنما دفعت الصداق ليجهزها من ماله وهو الظاهر فتأمله الخ . وقوله : فيحلف أنه أنفق الخ وأنه إذا بطل ما رامه من الإخراج المذكور وأراد أن يحاسبها بإنفاقها من يوم الإرث فله ذلك بعد اليمين . وقول ( خ ) فطالبهم بإبراز جهازها الخ . انظر عكسها في دعاوى المعيار فيمن توفيت فطلب ورثتها من الزوج إبراز شورتها وجهازها فأنكر أن يكون عنده شيء من ذلك فإنه لا يلزمه غير اليمين أنه ما أخذ من مالها شيئاً في حياتها ولا بعد مماتها ولا وجد لها شيئاًسوى ما أحضره ، فالزوج لو أقر أنه أورد الجهاز بيت البناء لا يلزمه غير ذلك لاحتمال أن تكون أتلفته أو تلف بغير فعلها كما مر لنا التنبيه عليه عند قوله : بأنه كذبهم في الأول . وانظر نوازل العلمي فيمن شور ابنته البكر وأشهد أن تلك الشورة هي حظها منه بعد الموت فلا ترث منه شيئاً أن لها الميراث وتحاسب بالشورة ، وانظر الهبات والوصايا من المعيار أيضاً .
وبِسِوى الصَّداقِ لَيْسَ يُلْزِمُ
تَجَهُّزَ الثَّيِّبِ مَنْ يُحَكَّمُ
( وبسوى ) يتعلق بيلزم آخر الشطر ( الصداق ) مضاف إليه ( ليس ) فعل ناقص جامد واسمه ضمير الشأن أو من يحكم آخر البيت عند من يجيز التنازع بين متصرف وجامد ( يلزم ) كيكرم مضارع ألزم الرباعي ( تجهز ) بضم الهاء المشددة مفعول بما قبله يليه ( الثيب ) مضاف إليه ( من يحكم ) بضم الياء وتشديد الكاف صلة من والموصول فاعل يلزم والجملة خبر ليس ، والمعنى ليس يلزم الحاكم تجهيز الثيب بغير الصداق ولو كان لها مال كثير أو صداق أو نصفه قبضته من غيره أو منه بعد أن أبانها ثم راجعها . وهذا في الرشيدة ، وأما السفيهة فهي داخلة في البيت قبله لأن الأب هو المخاطب بذلك أو بعدمه ، وظاهر النظم : ولو جرى العرف بالجهاز ومقتضى ما تقدم إلزام تجهيزها لأن العرف كالشرط .
فرع : إذا تزوج امرأة وادعى على وليها أنه شرط في عقد نكاحها أن لوليته عروضاً أو عطايا سماها وأنكر الولي ذلك ونكل عن اليمين ، فإن الزوج يحلف وترجع إلى صداق مثلها ويرجع هو فيما زادت التسمية على صداق المثل على وليها وتأخذ هي الصداق كاملاً مثل الذي يقر بالعيوب في وليته تأخذ جميع الصداق ويرجع على من غره نقله البرزلي عن أبي بكر بن عبد الرحمن . وزاد بعده : إن الزوج إذا ادعى على الولي نحلة في عقد النكاح فنكل الولي عن اليمين أن الزوج يحلف ويأخذ تلك النحلة ، ونقل بعد ذلك بيسير مثله عن ابن زياد وابن الفخار قائلاً لأنه بسببها رفع في صداقها اه . ثم ما قاله أبو بكر بن عبد الرحمن ظاهر في أن الدعاوى بعد البناء وإلاَّ كان الزوج بالخيار فلا فرق في ذلك بين البكر والثيب بدليل تشبيهه ذلك بمسألة العيوب فتأمله .
وأشْهَرُ القَوْلَيْنِ أَنْ تَجَهَّزَا
لهُ بِكَالِىءٍ لها قَدْ حُوِّزا ( وأشهر القولين ) مبتدأ ومضاف إليه ( أن تجهزا ) في تأويل مصدر خبر المبتدأ وحذفت منه إحدى التاءين إذ أصله تتجهز ، وهذا على قراءته بفتح التاء والهاء مشددة ، ويجوز قراءتهبضم التاء وكسر الهاء أي إن تجهز نفسها ( له بكالىء ) يتعلقان به ( لها ) يتعلق بقوله : ( قد حوزا ) والجملة صفة لكالىء ومراده أن الكالىء الذي حازته وقبضته قبل البناء يقضي بالتجهيز به لأنه بمنزلة النقد ، فكما أن لها الامتناع من الدخول حتى تقبض النقد فكذا لها الامتناع حتى تقبض ما حل لها من الكالىء كما قال ( خ ) وإلاَّ فلها منع نفسها من الدخول والوطء بعده إلى تسليم ما حل الخ . وتقدم أيضاً قوله : ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته إن سبق البناء الخ . وعليه فمتعلق حوز محذوف أي حوز لها قبل البناء فإن لم تحزه حتى دخل وبنى لم يلزمها التجهيز به كما لا يلزمها أيضاً إذا جاء به قبل البناء قبل حلوله ، وإن قضى عليها بقبوله حيث كان عيناً ولو التزمت التجهيز بما قضى عليها فقبوله قبل حلوله لزم سلف جر نفعاً لأنه قدمه لها لينتفع بالتمتع به ، ومن عجل ما أحل يعد مسلفاً ، وأما الصداق غير العين فلا يلزمها قبوله حيث لم يحل ولا التجهيز به مطلقاً نقداً وكالئاً . ابن عرفة : المشهور وجوب تجهيز الحرة بنقدها العين . المتيطي : يشتري منه الآكد فالآكد عرفاً من فرش ووسائد وثياب وطيب وخادم إن اتسع لها ، وما أجله بعد البناء فلا حق للزوج في التجهيز به وما أجله قبل البناء فكالنقد اه . وفي البرزلي : إن الأب يدفع النقد في أوكد ما يحتاج إليه وليس للزوج معه كلام ولا يبتاع لها به خادماً إذا لم يكن لها فيه فضل وأوكد ما يجعل فيه ما يتوطآنه ويتغطيانه من الفراش والمرفقة والملحفة واللحاف ، فإن فضل شيء ففراش يجلسان عليه ونحو ذلك ، وإن لم يفضل شيء فعلى الزوج أن يبتاع ما يفترشانه ويتوطآنه ويلتحفانه ويرقدان عليه لأن ذلك يلزمه لها ، وعلى الأب أن يخرجها بكسوة بذلتها سواء كساها قبل النكاح أو بعده فإن كانت خلقاً كان على الزوج أن يكسوها لأن كسوتها عليه وليس يلزمها أن تشتري كسوة لبذلتها من جهازها ، وليس يلزم الأب لها شيئاً إلا أن يحب وسواء كان من مالها أو من ماله وكذا الثيب لا يلزمها أن تجهز بغير الصداق اه .
قلت : ومن هذا يعلم ما يكثر عنه السؤال في هذه الأزمان في الرجل يشتري بعد البناء لزوجته حريراً أو كتاناً لتخمر به رأسها أو تكسو به ظهرها فإذا طلبته بالكالىء حسب عليها ما كان اشتراه لها من ذلك واعتل بأنه مدين لها والمدين لا يتطوع على رب الدين . والجواب : أنه لا يلزمها شيء من ذلك ولا يعتد عليها به إذ لا يلزمها أن تكسو نفسها بكالئها إلا أن يبين لها ذلك عند الشراء وترضى به ، بل نص في نوازل الزياتي عن الونشريسي أن الزوجة أو وليها إذا طلب الزوج بالبناء فعسر بالنقد وضرب له الأجل وحكم عليه بإجراء النفقة والكسوة على أن الزوج لا يكسوها ولا ينفق عليها في خلل الأجل المضروب إلا من ماله الخاص به لا من نقد المهر ولا من كالئه .
تنبيه : قال في المتيطية : وللزوج أن يسأل الأب أو الوصي فيما صرف النقد فيه من الجهاز وعلى الولي أن يفسر له ذلك ويحلف إذا اتهمه فيه ( خ ) وإنما يبرئه شراء جهاز تشهد بينة بدفعه لها الخ والله أعلم .ولِلوَصِيِّ يَنْبَغي ولِلأَبِ
تَشْوِيرُها بمالِهَا والثَّيِّبِ
( وللوصي ) يتعلق بقوله : ( ينبغي وللأب ) معطوف عليه ( تشويرها ) فاعل ينبغي ( بمالها ) يتعلق بتشوير ( والثيب ) معطوف على الأب أي ينبغي ويستحب لكل من الوصي والأب أن يشور محجورته بكراً كانت أو ثيباً بمالها ، وينبغي للثيب الرشيدة أن تشور نفسها بمالها أيضاً إن كان لها مال لما لهن في ذلك من الحظوة عند أزواجهن إذ المال من جملة الأغراض المقصودة في النكاح لقوله عليه الصلاة والسلام : ( تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) . ومحل النظم إذا لم يجر عرف بالتشوير وإلاَّ لزمهم التشوير كما مرّ .
تنبيه : إذا كان لها مال تحت يده لكونها في ولايته وادعى أنه شورها به عند بناء زوجها بها فالقول له ما لم يتبين كذبه للعرف الجاري بأن الآباء يجهزون بأموال أنفسهم ، فكيف بمالهن بخلاف الوصي فلا يصدق لأنه مأمور بالإشهاد بنص التنزيل ، وقيل : لا فرق بين الأب والوصي قاله في المتيطية . ونقله ابن فرحون في الباب التاسع والخمسين والله أعلم . وانظر ما يأتي في الاختلاف في الشوار .
وزائِدٌ في المَهْرِ بَعْدَ العَقْدِ لا
يَسْقُطُ عَمَّا زادَهُ إن دَخَلاَ
( وزائد ) مبتدأ سوغه تعلق ( في المهر بعد العقد ) به ( لا يسقط ) بفتح الياء وضم القاف فاعله ضمير الزائد والجملة خبر المبتدأ ( عما ) يتعلق بالفعل قبله ( زاده ) صلة ما ( إن دخلا ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه .
ونِصْفُهُ يَحِقُّ بالطَّلاقِ
مِنْ قَبْلِ الابْتِنَاءِ كالصَّدَاقِ
( ونصفه ) مبتدأ وجملة ( يحق بالطلاق ) خبره ( من قبل الابتناء ) يتعلق بالطلاق ( كالصداق ) خبر لمبتدأ محذوف .
ومَوْتُهُ لِلمَنْعِ مِنْهُ مُقْتَضِ
فإنَّهُ كَهِبَةٍ لَمْ تُقَبَضِ
( وموته ) مبتدأ ( للمنع منه ) يتعلق بالمنع وهو يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( مقتض ) والفاء في قوله ( فإنه ) للتعليل ( كهبة ) خبر إن ( لم تقبض ) صفة لما قبله . ومعناه أن كل من تزوج على صداقمعلوم ، ثم طاع بزيادة زادها عليه لزوجته فإما أن يدخل فتستحق الزوجة جميعه كأنه ملحق بالصداق ، وإما أن يطلق قبل البناء فتستحق نصفه كما تستحق نصف المسمى ، وإما أن يموت أو يفلس فلا تستحق منه شيئاً وإنما لها المسمى فقط وعلل عدم استحقاقها له في الموت لأنه كهبة لم تجز ، وفهم من قوله : لم تقبض الخ . أنه التزم ذلك في ذمته ولم يدفعه وإلاَّ فهو قوله الآتي :
وكل ما يرسله الزوج إلى
زوجته من الثياب والحلى
الخ .
وقال ( خ ) : وتشطر ومزيد بعد العقد وهدية اشترطت لها أو لوليها قبله الخ . فلو قدم الناظم تلك الأبيات الآتية هنا لأجاد لأنها مفهوم ما هنا ، وفي أواخر أنكحة المعيار ما نصه : الزيادة في الذمة للزوج وليس له الرجوع عنها ، وللزوجة أن تأخذه بها ما لم يقع فلس أو موت فلا شيء لها لأنها هبة لم تقبض اه . وفهم من قوله : وزائد في المهر أن تلك الزيادة زادها للزوجة لا للولي وإلاَّ فهي له لا حق فيه للزوجة ولا رجوع فيه للزوج لقوله عليه السلام : ( أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها ، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته ) الخ . والحباء العطاء وحباه حبواً أعطاه ، وفهم من قوله : بعد العقد الخ . أن المزيد قبله أو حينه يشطر مطلقاً زاده لها أو لوليها أو لغيرهما بشرط أو بغيره فلا مفهوم لقول ( خ ) : اشترطت وسواء سماه هدية أو صداقاً لا أن سماه عارية . ابن عرفة : وما اشترط من لحم جزور ونحوه لازم وهو للزوجة ونصفه للزوج إن طلق قبل البناء ، وإن بنى لزم المرأة أن تصنع به طعاماً لأنه عرف الناس وعليه يشترطونه ، وهو إن طلق قبل البناء كالمهر ويلزمها في العصفر صبغ ثيابها به . انظر بقيته وما يهدى عرفاً في المواسم والأعياد ، كذلك على ما استظهر لأن العرف كالشرط . وفهم من قوله : بالطلاق الخ . أنه لو فسخ قبل البناء لم يشطر بل يختص به الزوج فإن كان دفعه لها فإنه يأخذ ما بقي منه لم يفت دون ما ضاع كما يأتي . وقوله : بالطلاق أي ولو كان مغلوباً عليه كالطلاق بعدم النفقة قبل البناء .
تنبيهان . الأول : إذا امتنع الولي من العقد على وليته حتى يأخذ لنفسه قدراً معلوماً ويسمى عند العامة بالمالكة ، ويسمى بالحباء أيضاً فذلك عضل لها . والآية مصرحة بالنهي عنه وما أخذه فمن جملة الصداق إن شاءت المرأة أخذته أو تركته فإن أجازته لوليها ثم طلقت قبل البناء فيرجع الزوج على الولي بنصفه وهي بنصفه الآخر إن كانت مولى عليها ، وإلاَّ فلا رجوع لها بنصفها ، وسواء كان ما اشترطه لنفسه طعاماً أو غيره ثم محل رجوعها حيث لم تجزه أو أجازته وهي مولى عليها إذا لم يكن الولي صرف ما أخذه في مصالح البنت أو صنع عليه طعاماً عند البناء وإلاَّ فلا ترجع عليه بشيء لأن ذلك الطعام من شأنها ومصالحها ويجوز أكل ذلك الطعام قاله أبو الحسن . وهذا إذا كان ما صرفه في المصالح يفي بما أخذه وإلاَّ فلها الرجوع بما بقي كما في البرزلي . وانظر لو ادعى الولي صرف ذلك في مصالحها ولا يعلم ذلك إلا من قوله أو قول ورثته لطول العهد ، وانظر أيضاً لو لم يثبت أخذه لشيء من ذلك وادعته الزوجة أو الزوج عليه والعرف كمافي البادية أنه يمتنع من العقد حتى يأخذ ذلك ، والظاهر أنه حينئذ يحمل في ذلك على العرف كما مر من تعمير الذمة بالكالىء الذي جرى عرفه به على الراجح من أحد قولين تقدما عند قوله : وأجل الكوالىء المعينة الخ . وقد تقدم أيضاً أن المدعى عليه هو من ترجح قوله بمعهود أو أصل الخ . وعليه فيلزمه مثل حباء أمثالها فأقل .
الثاني : في ابن عرفة عن ابن رشد : أن النحلة أي الهدية إن كانت عند الخطبة فإن تم العقد فهي للزوجة وإن لم يتم فللزوج الرجوع بها . وفي أنكحة المعيار من جواب لمؤلفه أن للرجل الرجوع بما أنفق على المرأة في العدة أو غيرها ليتزوجها وبما أعطي في اختلاعها من الزوج الأول إذا جاء لتعذر والامتناع من قبلها لأن الذي أعطى من أجله لم يتم له ، وإذا كان التعذر من قبله فلا رجوع له لأن التمكين كالاستيفاء الخ . وذكر عن ابن غازي : إنه صحح جوابه المذكور ، وقيل لا رجوع له عليها ذكره ( ز ) عند قول المتن في أول النكاح : كفيك راغب والإهداء الخ .
قلت : ومن هذا المعنى ما مرّ في فصل فاسد النكاح من أن المرأة إذا غرته بموجب الفساد كان للزوج الرجوع بالصداق ، والظاهر أن رجوعه بما اتفق من الضروريات في عرسه كذلك . وفي البرزلي عن أحكام الشعبي فيمن تزوج امرأة فأخرج ديناراً وقال : اشتروا به طعاماً واصنعوه فانفسخ النكاح بعد الشراء به فقال : إذا جاء المنع من قبلهم ضمنوا الدينار والطعام لهم وإن كان من قبل الزوج فليس له إلا الطعام إن أدركه . البرزلي : وهو كأعوان القاضي إن ظهر اللدد من المطلوب فالأجرة عليه وإلاَّ فعلى الطالب . وظاهر ما تقدم لابن رشد أنه من الزوج مطلقاً إن فقد ذلك وتلف اه .
وإنْ أتَىالضَّمانُ بالمَهْرِ عَلَى
إطْلاَقِهِ فالْحَمْلُ صَحَّ مُجْمَلا
( وإن أتى ) شرط ( الضمان ) فاعل ( في المهر ) يتعلق بالضمان ( على إطلاقه ) في محل نصب حال من المهر ( فالحمل ) مبتدأ وجملة ( صح ) خبره والجملة جواب الشرط ( مجملا ) حال منالضمان أي : وإن زوج الأب ابنه وذو القدر خديمه أو صاحبه وأتى الضمان ممن ذكر في المهر في عقد النكاح أو قبله حال كون الضمان مجملاً لم يبين كونه على وجه الحمل أو الحمالة وحال كون المهر على إطلاقه عيناً أو عرضاً أو غيرهما فإنه يحمل على الحمل أي اللزوم الذي لا رجوع فيه على الزوج بما أداه لأنه خرج مخرج الصلة والهبة ولا يحمل على الحمالة التي يرجع بما أداه فيها كسائر أنواع الضمان . وفي قوله في المهر بمعنى عند أي عند تقدير المهر وتقديره يكون عند عقد النكاح غالباً ، فيفهم منه أن الضمان إذا كان بعد تقدير المهر أي بعد العقد لا يحمل على الحمل بل على الحمالة ، وفهم من قوله : فالحمل أنه إذا صرح بالحمل لا رجوع له مطلقاً كان في العقد أو بعده ، وأنه إذا صرح بالحمالة كان له الرجوع مطلقاً فإن أتى بلفظ محتمل للحمل والحمالة وغيره كأتحمل بكذا فإن لم يبين مراده لموت ونحوه حمل على الحمل أيضاً . انظر ( ز ) عند قول ( خ ) ولا رجوع لأحد منهم إلا أن يصرح بالحمالة أو يكون بعد العقد الخ . ثم إن الحمل أو الضمان الواقعين في العقد أو قبله يلزمان الحامل ولو مات إلا أن يفسخ النكاح أو يطلق قبل البناء فيلزمه النصف وقد نظم ابن رحال المسألة فقال :
أنف رجوعاً عند حمل مطلقا
حمالة بعكس ذا قد حققا
لفظ ضمان عند عقد الارتجاع
وبعده حمالة بلا نزاع
وكل ما التزم بعد العقد
فشرطه الحوز لدى من يجدي
وظاهر النظم ولو كان معلقاً كقوله : إن تزوجت فأنا أتحمل لك بالمهر أو إن تزوجت فلانة فأنا ضامن لك مائة دينار فإن فلس أو مات الملتزم حاص الملتزم له الغرماء بذلك ومثل النكاح البيع فإن قال : بع سلعتك لفلان أو اشتر سلعة كذا وأنا أحمل عنك الثمن فإنه يجري على ما مر . انظر الالتزامات ثم محل النظم إنما هو عند الإبهام ، وأما إن شرط الرجوع أو عدمه فلا فرق بين تلك الألفاظ ، وظاهره أنه إذا صرح بالحمل لا يقبل منه أنه أراد الحمالة ولو كان مثله لا يفرق بينهما . انظر ما يأتي في البيت بعده فإنه يقتضي أنه يقبل ، وانظر ما مرّ في باب الضمان ومحله أيضاً إذا كان في الصحة لا في المرض لقول ( خ ) وبطل إن ضمن في مرضه عن وارث الخ .
وَنِحْلَةٌ لَيْسَ لَها افْتَقارُ
إلَى حِيَازِةٍ وذَا الْمُخْتَارُ
( ونحلة ) مبتدأ وسوغه قصداً لجنس كقولهم : تمرة خير من جرادة وقد يأتي من غير مسوغ أصلاً كقولهم أنت في الحجر لا فيك ( ليس ) فعل ناقص ( لها ) خبرها مقدم ( افتقار ) اسمها مؤخر( إلى حيازة ) يتعلق بقوله افتقار والجملة خبر المبتدأ ( وذا المختار ) مبتدأ وخبر والنحلة هي ما يعطيه والد الزوج لولده في عقد نكاحه أو والد الزوجة في عقد نكاحها قاله ( م ) وهو حد قاصر ، بل المراد عطية شيء معين انعقد النكاح عليها كانت من والد أحد الزوجين أو غيرهما كما في ابن سلمون ، وبقولنا معين يتضح الفرق بين هذا وبين البيت الذي قبله لأن حمل المهر نحلة أيضاً ، وعلى كل حال لا يفتقر إلى حيازة على المشهور المعمول به لأنها لما انعقد عليها النكاح صارت كالبيع ، وسواء كانت في العقد أو معلقة عليه كقوله : إن تزوجت فلك جاريتي فهي له إذا تزوج ، وإذا مات الأب أخذها من رأس المال وإن كان عليه دين اختص بها دون الغرماء على قول ابن القاسم . وهو الصحيح ، لأن المعنى أنه وهب له الهبة بالتزويج قبل أن يتداين الأب قاله ابن رشد . انظر الالتزامات . قال ابن سلمون : وإن كان المنحول مالكاً أمر نفسه وسقط من العقد ذكر القبول لم يضر فانظره ، وفهم مما مرّ أن النحلة إذا لم ينعقد عليها النكاح بل كانت قبله أنه لا بد فيها من الحيازة وهو كذلك نص عليه في الكراس الخامس من أنكحة المعيار .
تنبيهات . الأول : ظاهر النظم أنها لا تفتقر لحيازة ولو كانت مما يسكنها الأب ، والذي في المتيطية عن غير واحد من الموثقين أن النحلة إن كانت مما يسكنه الأب فلا تتم ولا تصح إلا بخروجه وانتقاله عنها بنفسه وثقله كانت المنحولة بكراً أو ثيباً رشيدة أو سفيهة صغيرة أو كبيرة . قال : وإن كانت بذهب أو فضة أو طعام أو غير ذلك فهي لازمة في ذمة الناحل ويؤخذ بها في حياته وموته اه . فظاهره أن هذا تقييد للقول بعدم الافتقار إلى الحيازة لأنه ذكر ذلك بعد أن قرر أن العمل على عدم الافتقار إليها فتأمله . ولا شفعة في هذه النحلة على ما به العمل كما في البرزلي ، وسيأتي ذلك إن شاء الله عند قول الناظم : والمنع في التبرعات مفترض الخ . فهي وإن كانت جارية مجرى البيع في عدم افتقارها للحيازة لكن أعطيت حكم الهبة في باب الشفعة .
الثاني : سئل ابن رشد والسائل له عياض عمن نحلت ابنتها ولما طولبت بميراث البنت من أبيها ؟ قالت : هو ما أخذت في النحلة فهل تعذر بالجهل ونزلت فلم يعذرها بعض الشيوخ وأفتى بإلزامها المالين . قال المتيطي : وشاركني فيها القاضي ابن منظور ، وكان هو الحاكم فيها فملت إلى عذرها لأن الناس اليوم لا يعرفون النحلة ومال القاضي يعني ابن منظور إلى ذلك فرأيته أحلف المرأة أنها ما أرادت بالنحلة إلا ميراثها ونزلت عندي فأردت رأيك فيها . فأجابه ما حكم به القاضي بإشارتك صحيح عندي ، وبه أقول فانفذ ذلك من حكمه فيها موفقاً معاناً اه باختصار . فقوله : ما حكم به القاضي أي من أنها تعذر وتصدق مع يمينها لأن العرف شاهد لها ، وإن خالفت دعواها اللغة . البرزلي : الخلاف في هذه المسألة يجري على معارضة العرف لدليل اللغة ، والمشهور تقديم العرف ونقله ابن سلمون أيضاً .الثالث : سئل ابن رشد أيضاً عمن نحل ابنته ثلث مستغل أملاكه أينما كانت في عقد النكاح ، واستغل ذلك المنحول مدة من عشرة أعوام فلما توفي الناحل قام ورثته وقالوا : إنما أراد الناحل مدة حياته ؟ فأجاب : الذي أقول به في هذه المسألة أن لها ثلث استغلال جميع الأملاك ما بقيت في حياته ولورثته بعد وفاته قياساً على مسألة من وهب خدمة عبده لرجل ولم يقل حياة المخدم ولا حياة العبد أن للمخدم خدمة ما بقي إلا أن يدل دليل أنه أراد حياة المخدم بالفتح . نقل ذلك البرزلي وهو في الزياتي بأبسط من هذا .
الرابع : ما مر في النحلة المعلقة على التزويج أنها تكون للمنحول ويحاص بها إن كانت معينة ، معناه إن مات الناحل بعد التزوج لأنه بالموت والفلس انتقل الحق للغير ، ففي منتخب الأحكام سمع علي بن زياد عن مالك في رجل أنكح أولاداً له وأعطى كل واحد منهم من ماله في إنكاحه شيئاً معلوماً ، وأشهد أن لمن بقي من أولاده الصغار مما لم ينكح في ماله مثل ما أعطى من أنكح منهم ثم مات الأب على ذلك فقال : إن أبرز لهم شيئاً من ماله وأشهد عليه جاز وإلاَّ فلا شيء لهم اه . ونقله في المفيد وفي المعيار من جواب لمؤلفه أن من نقد صداقاً عن ولده وأعطى لمن لم يتزوج شيئاً في مقابلة ما أعطى لغيره أن ذلك وصية لوارث إن كان في المرض اه . فظاهر المنتخب أنه إن لم يبرز شيئاً لا شيء لهم ، وإن علق ذلك على تزويجهم كقوله : إن تزوجوا فلهم من الدنانير كذا وهذا غير مخالف لما مرّ في البيت قبله من أنه إذا قال : إن تزوجت فلك مائة دينار لأن ذلك فيما إذا مات أو فلس بعد التزوج وما هنا فيما إذا حصل الموت أو الفلس قبله لأنه بالموت أو الفلس انتقل الحق للغير ، فلم يقع المعلق عليه حتى انتقل الحق وهو الذي يدل عليه قوله في الالتزامات في الرجل يقول لابنه : أصلح نفسك وتعلم القرآن ولك قريبتي فلانة فيصلح نفسه ويتعلم القرآن ثم يموت أبوه . قال : لا شيء له إلا إذا أشهد قوماً وأنه إن أصلح نفسه أو تعلم القرآن فله قريبتي أو عبدي فإن ذلك له إذا كان الولد صغيراً في ولاية أبيه ، ويكون ذلك حوزاً له أما إذا لم يشهد فيمكن أن يكون قال له ذلك على وجه التحريض اه . فالموت في هذه بعد وجود المعلق عليه الذي هو الإصلاح والتعلم فانظر ذلك .
تنبيه : وجدت في بعض التقاييد أن عطية الأب لولده عند ختم القرآن أو ختانه لا تفتقر لحيازة قاله الشعبي فقف عليه اه . قلت : وهو غير ظاهر لأن النحلة لما انعقد النكاح عليها فهي معاوضة ولا كذلك الختم والختان المذكوران ، اللهم إلا أن يقال معناه ما مرّ من أنه قال له : إن ختمت القرآن ، أو يقال إنه جعل ذلك لمعلمه الذي يقرأ عليه فهي حينئذ معاوضة فتأمله .
وينْفُذُ المَنْحُولُ للصَّغير مَعْ
أخيهِ في المُشَاعِ إن موتٌ وَقَعْ
( وينفذ ) بفتح الياء وضم الفاء مبنياً للفاعل ويصح بناؤه للمفعول ( المنحول ) فاعله أو نائبه ( للصغير ) يتعلق به ( مع أخيه ) كذلك وهو بسكون العين ( في المشاع ) في محل نصب على الحالمن المنحول ( إن ) شرط ( موت ) فاعل بفعل محذوف يفسره ( وقع ) وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه ، ومعناه أن المنحول للكبير والصغير شركة بينهما في عقد نكاح الكبير نافذ جميعه للصغير والكبير إذا مات الناحل أباً كان أو غيره ولا تبطل حصة الصغير بعدم الحيازة لأن النكاح لما انعقد على بعض النحلة كان كالحيازة لجميعها كمن تصدق على كبير وصغير أي : وحاز الكبير كما يأتي فعقد نكاح الكبير على بعض المنحول كحيازة الكبير للجميع قاله المشاور . وتبعه الناظم ، وقيل : تبطل حصة الصغير إن مات الناحل قبل حيازة الكبير للجميع لأن حصة الصغير محض هبة وشمل قوله الشياع ما إذا أنحلهما جميع داره مثلاً وما إذا أنحلهما نصفها وأبقى النصف الآخر بيده .
فرع : لو اعترف والد الزوجة أن لها أملاكاً وسماها في عقد صداقها فما اعترف به نافذ للبنت مؤكد لحكم الهبة إن كانت سلفت لها ومسقط لحكم الحيازة فيها لتعلق حق الزوج بالاعتراف المذكور وبناء عقده عليه ، فإن أمسك الوالد شيئاً من تلك الأملاك بعد بناء الزوج بها وبقيت بيده ينتفع بها إلى أن قامت في الحياة أو بعد الممات حلف يمين القضاء أنها لم تترك لوالدها ذلك حسبة ولا صلة من لدن ملكها أمرها إلى الآن وأنها على طلبها لذلك ، وأخذت ذلك الاستغلال منه أو من تركته . نقله الشارح عن ابن لب ، ونقل ذلك ابن سلمون بأبسط من هذا فانظره ولا بد .
ومَعْ طَلاَقٍ قَبْلَ الابْتِنَاءِ
تَثْبُتُ والفَسْخُ مَعْ البِنَاءِ
( ومع طلاق ) يتعلق بقوله يثبت ( قبل الابتناء ) في موضع الصفة لطلاق أو يتعلق ب ( يثبت ) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير المنحول ( والفسخ ) بالجر معطوف على طلاق أي ومع الفسخ ( مع البناء ) حال من الفسخ .
والْخُلْفُ فِيها مَعْ وُقُوعِ الفَسْخِ فِي
تَنَاكُحِ قَبْلَ البِنَاءِ فَاعْرِفِ
( والخلف ) مبتدأ ( فيها ) خبر وهو على حذف مضاف أي في ثبوتها وضميره للنحلة ( مع وقوع الفسخ ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ( في تناكح ) يتعلق بالفسخ ( قبل البناء ) يتعلق بالفسخأيضاً أو حال منه ( فاعرف ) أمر من عرف مفعوله محذوف أي ذلك الحكم المذكور . والمعنى أن النكاح إذا وقع على نحلة فطلق الزوج قبل البناء أو فسخ بعده فإن النحلة ثابتة للمنحول وإن كان الفسخ قبل البناء فقولان ، قيل للناحل وقيل للمنحول ، وبه العمل . قال في المتيطية : وإن أنحل ذلك النكاح الذي فيه النحلة بطلاق أو غيره كموت الزوج أو فسخ لفساد عقده أو صداقه فالنحلة ثابتة للبنت لأن ذلك حق وجب لها ، وكذلك إن ماتت البنت فللزوج ميراثه في النحلة . وقاله الشيخان أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو عمران ، وبه القضاء والفتيا . وقال غيرهما : إذا انفسخ النكاح قبل البناء رجعت النحلة للأب كالذي تحمل الصداق عن ابنه الكبير ، ثم يطلق قبل البناءان نصف الصداق يرجع إلى الأب اه . وأشار إلى ذلك ناظم العمل المطلق بقوله :
وهي لمن نحلها وإن عرض
طلاق أو فسخ وموت من مرض
قوله : نحلها يقرأ بضم النون وكسر الحاء مبنياً للمفعول .
فرع : قال في الميتطية أيضاً : إن استحقت النحلة أو بعضها قبل البناء خير الزوج فإن شاء دخل ولا يخفف عنه شيء من الصداق أو فارق ولا شيء عليه ، وإن كان دخل بها فاختلف فقيل لا قيام له في ذلك للناكح ، وقيل للمرأة صداق مثلها على قدر ما بقي في يدها من مالها أو من النحلة . ابن الهندي : وبهذا جرى العمل اه . وبه أفتى ابن هلال فيمن رفع صداق زوجته المنحولة خادماً فلم تثبت النحلة كما في العمل المطلق . زاد في المتيطية إثر ما مر ما نصه فإن قال الأب : لابنتي كذا ولم يقل إنه نحلها ذلك فلم يلف ذلك لم يلزم الأب شيئاً وهي كذبة كذبها كما لو قال عن ابنته إنها بيضاء جميلة فوجدها سوداء ولا يخفف عن الزوج لأنه لو شاء بحث عنها اه .
قلت : هذا لا يعارض ما مرّ عن ابن لب قبل هذين البيتين كما لا يخفى ولا ما قبله يليه من أن من رفع الصداق لزوجته المنحولة خادماً الخ . لأن معنى قوله : لم تثبت النحلة أي استحقت ونحو ذلك لا أنها لم توجد النحلة والله أعلم .
فصل ( في تداعي الزوجين )وقوله : ( وما يلحق به
الصواب إسقاطه لأن المراد أحكام تداعي الزوجين ولم يذكر غير ذلك قاله ( ت ) . واعلم أن تداعي الزوجين إما في أصل الزوجية ولم يذكره الناظم وأشار له ( خ ) بقوله : إن تنازعا في الزوجية تثبت ببينة ولو بالسماع بالدف والدخان وإلاَّ فلا يمين الخ وأما في قدر المهر أو صفته أونوعه فأشار إلى الآخرين بقوله الآتي : والنوع والوصف إذا ما اختلفا الخ . وإلى الأول أشار بقوله :
الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ مَهْمَا اخْتَلَفَا
في قَدْرِ مَهْرٍ والنِّكاحُ عُرِفَا
( الزوج والزوجة ) مبتدأ ومعطوف ( مهما ) اسم شرط ( اختلفا ) فعله ( في قدر مهر ) يتعلق به ( والنكاح عرفا ) مبتدأ وخبر والجملة حال من فاعل اختلفا ، وجواب الشرط محذوف أي ففي ذلك تفصيل ، والجملة من الشرط والجزاء خبر المبتدأ .
فَإنْ يَكُنْ ذلِكَ مِنْ قَبْلِ البِنَا
فالقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ قَدْ تَعَيَّنَا
( فإن ) شرط ( يكن ) فعله ( ذلك ) اسم يكن ( من قبل البنا ) ء خبرها ( فالقول ) مبتدأ ( للزوجة ) يتعلق بالخبر الذي هو ( قد تعينا ) وألفه للإطلاق .
مَعَ اليَمِينِ إنْ تَكُنْ لَمْ تُحْجَرِ
وعَاقِدٌ يَحْجُرُهَا بِها حَرِي
( مع اليمين ) حال من ضمير تعين ( أن تكن ) شرط واسمه ضمير الزوجة ( لم تحجر ) خبره ( وعاقد ) مبتدأ سوغه العمل أي عاقد عليها ( لحجرها ) اللام للتعليل تتعلق بعاقد ( بها ) يتعلق بقوله ( حري ) الذي هو خبر عن عاقد أي حقيق بتلك اليمين .
وبَعْدَ ذَا يَحْلِفُ زَوْجٌ أَنْكرَا
ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهَا مُخيَّرَا
( وبعد ذا ) يتعلق بقوله : ( يحلف زوج ) فاعل ( أنكرا ) صفة له ( ثم ) عاطفة وجملة ( يكون بعدها مخيرا ) معطوفة على جملة يحلف .
في دَفْعِ ما كانَ عَلَيْهِ القَسَمُ
أوِ الفُرَاقِ دُونَ شَيْءٍ يَلْزَمُ( في دفع ) يتعلق بقوله مخيراً ( ما ) موصول مضاف إليه ( كان ) صلته ( عليه ) خبرها مقدم ( القسم ) اسمها مؤخر ( أو الفراق ) بالجر معطوف على دفع ( دون شيء ) في محل الحال من الفراق ( يلزم ) صفة لشيء .
وإنْ تَرَاضَيا عَلَى النِّكاحِ
فَفِي الأصَحِّ الرَّفْعُ لِلْجُنَاحِ
( وإن تراضيا ) شرط وفعله ( على النكاح ) يتعلق به ( ففي الأصح ) الفاء جواب الشرط وفي الجارة متعلقة بمحذوف خبر عن قوله ( الرفع للجناح ) يتعلق بالرفع والجناح بضم الجيم الإثم قاله في القاموس .
وفي انْفِسَاخٍ حَيْثُ يُفْقَدُ الرِّضَا
بِطَلْقَةٍ واحِدَةٍ جَرَى القَضَا
( وفي انفساخ ) يتعلق بجرى القضاء آخر البيت وكذا قوله : ( حيث ) وجملة ( يفقد الرضا ) بالبناء للمفعول في محل جر بإضافة حيث ( بطلقة ) يتعلق بجرى القضاء أيضاً ( واحدة ) صفة لطلقة ( جرى القضا ) ء فعل وفاعل ، والتقدير جرى القضاء بطلقة واحدة في انفساخ النكاح حيث يفقد الرضا .
وتأْخُذُ الزَّوْجَةُ مَعْ نُكُولِهِ
مَا يَقْتَضِيهِ الْحَلْفُ في حُلُولِهِ
( وتأخذ الزوجة ) فعل وفاعل ( مع نكوله ) يتعلق بتأخذ ( ما ) مفعول بتأخذ ( يقتضيه الحلف ) جملة من فعل وفاعل صلة والحلف بفتح الحاء وسكون اللام مصدر حلف إذا أقسم ويأتي مصدره على فعل بكسر العين ( في حلوله ) يتعلق بيقتضيه وضميره للحلف وهو مصدر حل إذا نزل ووقع أي : تأخذ مع نكوله ما يقتضيه الحلف عند نزوله ووقوعه .والحُكْم في نُكُولِ كُلَ مِنْهُمَا
بِما بِهِ بَعْدَ اليَمِينِ حُكِمَا
( والحكم ) مبتدأ ( في نكول كل ) يتعلق به ( منهما ) صفة لكل ( بما ) خبر المبتدأ ( به بعد اليمين ) يتعلقان بقوله ( حكما ) والجملة صلة ما .
وقيلَ بَلْ نُكُولُهُ مُصَدِّقُ
لِما ادَّعَتْهُ زَوْجَةٌ مُحَقِّقُ
( وقيل ) مبني للمفعول ونائبه ضمير القول كقوله تعالى : وحيل بينهم } ( سبأ : 54 ) ( بل ) للإضراب ( نكوله ) مبتدأ ( مصدق ) خبره ( لما ) يتعلق بمحقق آخر البيت ( ادعته زوجة ) فعل وفاعل صلة ما ( محقق ) بكسر القاف المشددة خبر ثان عن نكوله .
وحاصل معنى هذه الأبيات العشر أنهما إذا اختلفا في قدر المهر والنكاح معروف ببينة أو إقرار من يصح إقراره من مجبر أو غيره أي مع وجود توكيل ذلك الغير على ذلك النكاح ، فإن كان اختلافهما قبل البناء بأن قال هو مائة ، وقالت بل مائتان فالقول للزوجة بيمينها إن كانت مالكة أمر نفسها وإن كانت محجورة فاليمين على العاقد عليها لأنه هو الذي تولى العقد والمعاملة ، وقد فرط بعدم الإشهاد فإن نكل غرم للمرأة الزائد على ما قال الزوج ، وظاهره أن القول لها قبل البناء ولو بعد الطلاق أو الموت وليس كذلك ، ولذا أصلح ولده الشطر الأول من البيت الثاني بقوله : إن كان ذا قبل الفراق والبنا . ثم إذا حلفت الرشيدة أو العاقدة على المحجورة على المائتين في المثال المذكور حلف الزوج المنكر لدعواها أنه إنما تزوج بمائة ثم يكون مخيراً بعد يمينه في دفع ما حلفت عليه أو حاجرها وهو المائتان أو يطلق ولا شيء عليه ، وظاهر النظم أو صريحه أنه إنما يخير بعد يمينه ، وهذا مذهب ابن حبيب والذي في المدونة وهو المعتمد أنه يخير إذا حلفت الزوجة بين أن يدفع ما قالت فلا يمين عليه أو يحلف ويفسخ النكاح ، بل ظاهر المدونة أنه يخبر قبل حلف الزوجة لكن بين إتمام ما ادعت أو تحالفهما والفسخ ، ولذا قال ولده : اعلم أن الشيخ رحمه الله لم ينقح هذه الأبيات كل التنقيح وقد كان إصلاحها سهلاً على ما يظهر مع زيادة بيت واحد يشتمل على مفهوم قوله قبل الفراق والبناء على ما مر من الإصلاح فيقول مثلاً مكان البيت الرابع :
ثم يكون زوجها مخيرا
في دفعه المهر الذي قد أنكرا
أو اليمين وإذا ما يقسم
كان الفراق دون شيء يلزم
ثم يزيد بيتاً يكون نصه :
أو كان بعد موتها أو فرقته
فالقول قول الزوج دون زوجتهثم يقول : وإن تراضيا الخ . لكن ذلك الذي زاده الشارح هو قول المصنف الآتي : والقول قول الزوج فيما عينا الخ . فوجه تورك ولده عليه أنه أسقط منه الفراق كما أسقطه ههنا . وقول الناظم : فالقول للزوجة الخ . يعني تبدأ باليمين بدليل قوله : وبعد ذا يحلف زوج أنكرا الخ . وليس مراده أن الزوجة تستحق ما ادعت بمجرد يمينها كما قد يتبادر فلا مخالفة بين كلامه وبين كلام ( خ ) وغيره ، ثم إذا حلفا معاً على ما لابن حبيب أو على مذهب المدونة ثم تراضيا على البقاء بأن رجع أحدهما لقول الآخر بعد حلفهما وقبل الحكم بفسخه فلهما ذلك بناء على أن النكاح لا ينفسخ بتمام التحالف وهو المعتمد خلافاً لسحنون في أنه ينفسخ بتمام التحالف كاللعان ، وعليه فلا يصح تراضيهما إلا بعقد جديد وهو مقابل الأصح في النظم وإن لم يتراضيا بعد حلفهما على بقاء النكاح ولا يرجع أحدهما لقول الآخر ، فالذي جرى به القضاء والعمل أنه يفسخ بطلقة واحدة فإن نكلت الزوجة وهي رشيدة لزمها النكاح وتقدم ما إذا نكل حاجرها ، وأما إن نكل الزوج بعد يمينها فهو قوله : وتأخذ الزوجة الخ ، أي إن حلفت الزوجة أو حاجرها أو نكل الزوج أخذت ما يقتضيه حلفها وهو المائتان في المثال المذكور فإن نكلا معاً ولم يرجع أحدهما لقول الآخر فالفسخ بطلقة على الأصح إن حكم الحاكم به وهو معنى قوله : بما به بعد اليمين حكماً . ومقابل الأصح أن نكوله مصدق محقق لما ادعته وهو معنى قوله : وقيل الخ . وإنما لم يكن النكول هنا تصديقاً للناكل الأول على الأصح لأن اليمين توجهت عليهما معاً ابتداء وبدأت الزوجة لأنها بائعة ، وإنما يكون النكول تصديقاً للأول إذا توجهت على أحدهما هذا هو الظاهر فتأمله . وقولي في أصل التقرير : ببينة أو إقرار الخ . أما الإقرار فظاهر ، وأما البينة فكذلك أيضاً لأنها قد تشهد بالنكاح دون قدر المهر إما لنسيانها إياه أو لعدم تعرض المتناكحين له ، وقد تقدم عند قوله : ولم يحقق عند ذاك العددا الخ . أن الشهادة لا تسقط بعدم تعرضها للمهر في النكاح أو للثمن في البيع على الراجح ، ثم إن محل ما مر إذا أشبهت دعواهما أو لم يشبه واحد منهما فإن انفرد أحدهما بالشبه هو قوله .
وحَيْثُما ادُّعِي ما قَدْ يُنْكَرُ
تَردُّدُ الإمامِ فِيهِ يُؤْثَرُ
( وحيثما ) اسم شرط ( ادعي ) بالبناء للمفعول ( ما ) نائب ( قد ينكر ) صلته ( تردد ) مبتدأ ( الإمام ) مضاف إليه ( فيه ) يتعلق بالخبر الذي هو ( يؤثر ) والجملة من المبتدأ والخبر جواب الشرط وحذفت الفاء منه على حد قوله : من يفعل الحسنات الله يشكرها .
فَقَالَ يَحْلِفَانِ والنِّكَاحُ
بَيْنَهُمَا الفَسْخُ لَهُ يُتَاحُ
( فقال ) فاعله ضمير يعود على الإمام ( يحلفان ) فعل وفاعل ( والنكاح ) مبتدأ ( بينهما ) يتعلق بالمبتدأ الثاني الذي هو ( الفسخ ) وقوله ( له ) يتعلق بخبر الثاني الذي هو ( يتاح ) بالتاء المثناة فوق بعد الياء المثناة تحت ، ومعناه يقضي . وفي بعض النسخ يباح بالباء الموحدة بعد الياء ، والجملة من الثاني وخبره خبر الأول ، والجملتان من يحلفان وما بعده محكيتان بالقول :وَجَعَلَ القَوْلَ لِمَنْ جاءَ بِما
يُشْبِهُ وارْتَضاهُ بَعْضُ العُلَمَا
( وجعل ) معطوف على قال وضميره للإمام أيضاً ( القول ) مفعول أول ( لمن ) مفعول ثان بجعل ( جاء ) صلة من وفاعله ضمير هو الرابط ( بما يشبه ) يتعلق بجاء ( وارتضاه بعض العلما ) ء فعل وفاعل ومضاف إليه ، والجملتان من قال : وجعل الخ . تفصيل لقوله : تردد فهما كبدل مفصل من مجمل . والمعنى أن أحد الزوجين إذا ادعى ما يشبه من الصداق قلة وكثرة ، وادعى الآخر ما لا يشبه فإن الإمام مالكاً رحمه الله تردد قوله في ذلك فقال مرة : يتحالفان ويفسخ النكاح بينهما وتبدأ المرأة باليمين على نحو ما مرّ فيما إذا أشبها معاً أو لم يشبها معاً . وقال مرة أخرى : القول قول من ادعى الأشبه وارتضاه بعض العلماء وهو اللخمي قائلاً هو الصواب لأن ذلك دليل كالشاهد يحلف معه من قام له ذلك الدليل كسائر أبواب الفقه ، واعتمد ترجيح اللخمي غير واحد ، ثم أشار إلى ما إذا كان اختلافهما في النوع أو الوصف فقال :
والنَّوْعُ والْوَصْفُ إذَا ما اخْتَلَفَا
فِيهِ للاخْتِلاَفِ في القَدْرِ اقْتَفى
( والنوع ) مبتدأ ( والوصف ) معطوف عليه ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( ما ) زائدة ( اختلفا ) فعل وفاعل في محل جر بإضافة إذا ( فيه ) يتعلق به وضميره يرجع للنوع والوصف باعتبار ما ذكر أو لكون الواو في المعطوف بمعنى أو ، والمعطوف بأو لا تجب فيه المطابقة كقوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } ( الجمعة : 11 ) ( للاختلاف ) يتعلق باقتفى آخر البيت ( في القدر ) يتعلق باختلاف ( اقتفى ) بمعنى اتبع وضميره المستتر يعود على الاختلاف المفهوم من اختلفا ، والجملة جواب إذا ، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ ، والمعنى أن اختلافهما في النوع قبل الفراق والبناء كقوله : بثوب . وتقول هي بل بعبد أو في الوصف كقوله : بعبد تركي وتقول هي بزنجي تابع للاختلاف في القدر فيتحالفان ويفسخ النكاح بينهما إن لم يرجع أحدهما لقول الآخر ، وينظر للشبه على الراجح من القولين كما مرّ في القدر إلا أنه يقتضي بظاهره أنه ينظر للشبه حتى في النوع وليس كذلك بل يتحلفان ويتفاسخان فيه مطلقاً ، فالمراد بالنوع في النظم الجنس إذ الفقهاء لا يفرقون بين النوع والجنس بل يعبرون بكل منها موضع الآخر ولا يعتبرون في ذلك اصطلاح المناطفة وإذا وجب التحالف بالاختلاف في الصفة كهروي ومروي وزنجي وتركي فأحرى في النوع كثياب قطن وثياب كتان ومحل ذلك إذا تساوت قيمة ما يدعيه أحدهما بقيمة الآخر ، وإلا كان من الاختلاف في القدر ، ولذا لم يمثلواللاختلاف في الوصف بالجيد والرديء لأنه راجع للاختلاف في القدر والله أعلم .
ثم أشار إلى مفهوم قوله : فإن يكن ذلك من قبل البناء فقال :
والْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْج فيما عُيِّنَا
مِنْ قَدْرِه مَعْ حَلْفِهِ بَعْدَ البِنا
( والقول ) مبتدأ ( قول الزوج ) خبر ( فيما ) يتعلق به ( عينا ) بالبناء للفاعل صلة ما والعائد محذوف أي عينه ( من قدره ) بيان لما ( مع ) بسكون العين يتعلق بالخبر أيضاً ( حلفه ) مضاف إليه وهو بفتح الحاء مصدر حلف إذا أقسم حلْفاً وحلِفاً بسكون اللام في الأول وكسره في الثاني ، وأما الحِلف بكسر الحاء فهو العهد يكون بين القوم وقد حالفه أي عاهده وتحالفوا تعاهدوا قاله الجوهري كما مرّ ( بعد البنا ) ء يتعلق بقوله عيناً أي ومثله الفراق بطلاق أو موت كما مرّ ، وإنما كان القول للزوج في اختلافهما في القدر بعد البناء لأن البناء ونحوه فوت ، وقد مكنته مع البناء من نفسها فصارت مدعية وهو مقر لها بدين فالقول له مع يمينه ، ومثل الاختلاف في القدر بعد البناء الاختلاف في الصفة كما يأتي ، وظاهر النظم أنه لا ينظر هنا لشبه وهو كذلك فإن نكل حلفت وأخذت ما حلفت عليه كما قال :
وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ إنْ لَمْ يَحْلِفِ
وَتَقْتَضِي مَا عَيَّنَتْ بِالْحَلْفِ
( وتحلف الزوجة ) فعل وفاعل ( إن لم يحلف ) شرط وفعله حذف جوابه للدلالة عليه ( وتقتضي ) فاعله ضميرالزوجة ( ما ) مفعول به ( عينت ) صلة ما عائده محذوف أي عينته ( بالحلف ) يتعلق به هذا هو المشهور . وقال ابن حبيب : يتحالفان مع بقاء العصمة ويجب صداق المثل ، وقيل : إن اختلفا في الصفة فكما قال ابن حبيب . وإن اختلفا في القدر فكالمشهور حكى ذلك ابن الحاجب .
وَإنْ هُمَا تَحَالَفَا في نَوْعِ مَا
أُصْدِقَ مَا كَانَ فَحَلْفاً أُلْزِمَا
( وإن هما ) فاعل بفعل محذوف يفسره ( تحالفا في نوع ) يتعلق به ( ما ) مضاف إليه ( أصدق ) بالبناء للفاعل أو المفعول صلة ما ويجوز أن تكون مصدرية وهو أظهر ( ما ) نكرة خبر عن قوله ( كان ) الناقصة ، والجملة حال من الموصول أو من المصدر المؤول أي ، وإن هما تخالفا بعد البناء ونحوه في نوع الصداق حال كون الصداق أياً كان مما يصدق للنساء عادة كالدراهم والثيابأو لا كالخشب والجلود ( فحلفاً ) مفعول ثان بقوله ( أُلزما ) ونائبه ضمير التثنية هو المفعول الأول والفاء جواب الشرط أي فيلزمان معاً الحلف ونكولهما كحلفهما ويقضي للحالف على الناكل ( و ) إذا حلفا أو نكلا .
وَفِي الأصَحِّ يَثْبُتُ النِّكَاحُ
وَمَهْرُ مِثْلِهَا لها مُبَاحُ
ف ( في ) القول ( الأصح يثبت النكاح ) فلا يفسخ وقيل بل يفسخ ( و ) على كل منهما ( مهر مثلها لها مباح ) وهذا ما لم يزد مهر مثلها على دعواها وإلاَّ أعطيت ما ادعته فقط وما لم ينقص عن دعواه وإلا لزمه ما أقر به ، ولقد أجاد ( خ ) في اختصار ما أشار له الناظم في هذا الفصل حيث قال : وفي قدر المهر أو صفته أو جنسه حلفاً وفسخ والرجوع للأشبه وانفساخ النكاح بتمام التحالف وغيره كالبيع إلا بعد بناء أو طلاق أو موت فقوله : بيمين في القدر والصفة ورد للمثل في جنسه ما لم يكن ذلك فوق قيمة ما ادعته أو دون دعواه ، وثبت النكاح . ولا كلام لسفيهة الخ فقوله : وغيره بالرفع عطف على قوله : والرجوع للأشبه الخ . والخبر قوله : كالبيع ومعناه أنه شبيه بالبيع في الجملة فإذا أشبه أحدهما فإنه يعمل بقوله في القدر والصفة لا في الجنس كما يعمل بذلك في البيع وإن كان محل الشبه مختلفاً لأنه يعمل به هنا إذا لم يحصل فوات ببناء أو فراق ولا ينظر له بعد الفوات بذلك . وفي البيع يعمل به بعد الفوات لا قبله كما أشار له بقوله وصدق مشتر ادعى الأشبه وحلف إن فات الخ . وقوله : فقوله بيمين في القدر والصفة أي وإن لم يشبه . وقوله : ورد للمثل في جنسه أي بعد حلفهما أو نكولهما ويقضي للحالف على الناكل ولا ينظر لشبه أيضاً . وقوله : ولا كلام لسفيهة أي في شيء من فصول التنازع ولا مفهوم لسفيهة بل السفيه كذلك ، وإنما الكلام لوليهما ولو حاكماً فلو قال لذي حجر كان أولى فتحصل أن النكاح يعتبر فيه الشبه قبل الفوات في القدر والصفة لا بعده فيهما ولا في الجنس مطلقاً ، واعتراض ابن رحال ههنا على الناظم وشراحه بأن الشبه لا ينظر له قبل الفوات بما ذكر مطلقاً ، وإنما ينظر له بعد الفوات في القدر والصفة فقط لا في الجنس إجراء لما هنا على ما يأتي في البيع لا يعول عليه . قال مؤلفه سامحه الله : وقد أطنب الناظم رحمه الله في هذا الفصل مع الإخلال ببعض القيود فلو قال رحمه الله :
والمهر إن في قدره تخالفا
أو نوعه أو وصفه تحالفا
والفسخ فيه بعد حيث يحكم
به ولا للزوج شيء يلزم
وإن بدا النكول من كليهما
فالفسخ إن توافقا قد عدما
وتبدأ المرأة باليمين
أو قائم مقامها في الحين
وذا إذا قبل الفراق والبنا
وبعد قول زوجها تعينافي القدر والجنس وفي الوصف يحق
تحالف ومهر مثل تستحق
ومشبه في القدر والوصف رجح
إن قبل لا بعد وفي الجنس اتضح
ويثبت النكاح في البعدي هب
تحالف الكل أو البعض وجب
فقولنا : تحالفا أي ويقضي للحالف على الناكل إذ لا فائدة لطلب التحالف إلا ذاك ، ويفهم منه أن الولي يقوم مقام السفيه لأنه متولي العقد فيحلف لأنه مفرط بعدم الإشهاد كما مرّ . وقولنا : إن توافقا الخ هذا القيد حذف من التحالف لدلالة هذا عليه أي : إنما يحكم بالفسخ بعد التحالف أو النكول إن عدم التوافق وهو رجوع أحدهما لقول الآخر ، والأصح النكاح . ويفهم من ذلك أن كلاًّ منهما مخير في أن يرجع إلى قول الآخر قبل الحلف أو بعده ، والإشارة بذا من قولنا : وذا إذا الخ . راجعة الفقه السابق أي : وهذا الفقه إذا كان التحالف والنزاع قبل الفراق والبناء الخ . فحذفت كان مع اسمها . وقولنا : ومشبه الخ . هو على حذف مضاف أي : وقول مشبه رجح . وفي التخالف في القدر والوصف إن اتضح ذلك التخالف قبل ما ذكر لا بعده فيهما ولا في الجنس مطلقاً فقوله : وفي الجنس معطوف على الظرف مدخول للنفي وتقرأ الياء من البعدي بالتشديد والله أعلم .
فصل في الاختلاف في القبضلنقد الصداق أو كالئه واختلافهما في ذلك إما قبل البناء أو بعده .
وَإنْ هُمَا قَبْلَ البِنَاءِ اخْتَلَفَا
في الْقَبْضِ لِلنَّقْدِ الَّذِي قَدْ وُصِفَا
( وإن ) شرط ( هما ) فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ( قبل البناء ) يتعلق بقوله ( اختلفا ) والألف فاعل ( في القبض ) يتعلق به أيضاً ( للنقد ) يتعلق بالقبض ( الذي ) صفة للنقد ( قد وصفا ) صلته ونائبه هو الرابط وألفه للإطلاق .
فالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ وَالْيَمِينُ
أَوْ لِلَّذِي فِي حَجْرِهِ تَكُونُ
( فالقول ) مبتدأ ( للزوجة ) خبر ( واليمين ) مبتدأ والخبر محذوف أي عليها ( أو للذي ) معطوف على الخبر المقدر واللام بمعنى على ( في حجره ) يتعلق بقوله ( تبين ) وفاعله ضمير الزوجة والجملة صلة والرابط الضمير في حجره ، والجملة حال من ضمير الاستقرار في الخبر ، ويجوز أن يكون تبين خبراً عن اليمين ، وفي حجره خبر عن مضمر صلة أي واليمين تبين عليها أو على الذي هي في حجره ، والضمير في قوله : اختلفا راجع للزوجين أو ورثتهما لأن وارث كل قائم مقامه إلا أن يمين الوارث على نفي العلم ويحلف من يظن به العلم فقط ، ويمين الموروث على البت انظرالشامل . وفي معنى النقد ما كان كالئاً وحل قبل البناء كما يأتي ( خ ) وفي قبض ما حل فقبل البناء قولها الخ .
وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَا بَنَى
وَيَدَّعِي الدَّفْعَ لَهَا قَبْلَ الْبِنَا
( والقول ) مبتدأ ( قول الزوج ) خبره ( بعد ) يتعلق بشرط مقدر دل عليه ما مر أي القول قول الزوج إن اختلفا بعد ( ما ) مصدرية ( بنى ) صلتها أي بعد البناء ( ويدعي ) هو أي الزوج معطوف على فعل الشرط المقدر ومتعلقه محذوف أي إن اختلفا بعد البناء وادعى بعده ( الدفع لها قبل البنا ) ء فالقول له بيمينه أو يمين وارثه إن مات لأن العرف أنها لا تسلم له سلعتها حتى تقبض عوضها فالدفع مفعول به ، والظرفان بعده يتعلقان به . وأما إن كان اختلافهما بعد البناء ولكن ادعى الدفع لها بعد البناء لا قبله فالقول لها لا له كما قال :
وَهُوَ لهَا فِيما ادَّعَى مِنْ بَعْدٍ أَنْ
بَنَى بِهَا وَالْعُرْفُ رَعْيُهُ حَسَنْ
( وهو ) مبتدأ ( لها ) خبره ( فيما ) يتعلق بالاستقرار في الخبر وما واقعة على النقد ( ادعى ) صلة وضميره للزوج ومفعوله المتلبس بالرابط محذوف أي : والقول كائن لها في النقد الذي ادعى دفعه ( من بعد أن بنى بها ) فالمجرور يتعلق بالمصدر المقدر كما ترى ، وهذا ما قيد به عياض قول المدونة ولا قول للمدخول بها ولا لورثتها كما قيد أيضاً بما إذا لم يكن الصداق مشهوداً عليه برسم باق بيدها ، وبما إذا لم يكن العرف تأخيره عن البناء وإلاَّ فقولها فيهما : ولا يبرأ إلا ببينة أو اعتراف .
وأشار الناظم للقيد الثاني بقوله : ( والعرف ) مبتدأ ( رعيه ) مبتدأ ثان ( حسن ) خبر عن الثاني وهما خبران عن الأول ( خ ) وبعده قوله بيمين فيهما عبد الوهاب إلا أن يكون بكتاب وإسماعيل بأن لا يتأخر عن البناء عرفاً اه . فلكل من القضاة الثلاثة قيد ذكر الناظم منها قيدين قيدي عياض وإسماعيل و ( خ ) ترك قيد عياض وذكر قيدي غيره ، والمراد بالكتاب الصك الذي أشهد فيه بتخلده في ذمته كان صك الصداق أو غيره كما في ابن عرفة .
قلت : أفتى عياض حسبما في دعاوى المعيار بأن القول للزوج ولو كان الصداق مشهوداً عليه في كتاب ، فإنه لما سئل عمن تزوج بعاجل وآجل وأشهد في رسم الصداق أنه لا براءة لهفي دعوى الدفع إلا ببينة ، ثم دخل وادعى الدفع فأجاب القول قوله فيما جرت العادة بدفعه من النقد قبل الدخول اه . فشهادة العادة عارضت البينة ههنا . وهذا هو القياس في مثل هذا لأن العادة إذا عارضت استصحاب الأصل الذي هو استمرار تعمير الذمة فتقدم لأنها كالشاهد بالقضاء ولعل الناظم لهذا ترك قيد القاضي عبد الوهاب ، وأشار للقيدين الأخيرين كما ترى وهو حسن فتأمله والله أعلم . وما ذكره ابن رحال ههنا من أن كثيراً من أهل البوادي يعطي الزوج منهم الولي بعض النقد ويؤخره بالباقي ولا يكتب الولي ذلك الباقي فإذا دخل الزوج فلا يصدق في الدفع بدخوله في ذلك الباقي الخ . هو قيد القاضي إسماعيل لا زائد عليه لأنه إذا جرى العرف بتأخير كله أو بعضه فإن القول لها في الكل أو البعض ، وزاد اللخمي قيداً رابعاً وهو أن لا يكون بيدها رهن فيه ذكره غير واحد .
قلت : وهذه هي قول ( خ ) في آخر الفلس والراهن بيده رهنه بدفع الدين ، فمفهومه أنه إذا لم يكن بيده بل بيد رب الدين فالقول لرب الدين لأن الزوجين هنا معترفان بتقرر الصداق ، وإنما اختلفا في قبضه ، وبهذا تعلم أن الزوج إذا أخذ رهنه بعد البناء وادعى أنه دفع المال ولو بعد البناء فإنه يصدق ولو كان مكتوباً في كتاب وهو ظاهر إن توافقا على الرهنية ، وأما إن اختلفا فيها فقد قال ( خ ) والقول لمدعي نفي الرهنية ، وحينئذ فلا يكون ما بيد الزوجة شاهداً لبقاء النقد في ذمة الزوج مع فقد القيود المتقدمة ، اللهم إلا أن يكون العرف جرى بالرهنية كما قال القائل :
والقول قول من نفى الرهنية
إلا لعرف أو مع البعضية
إلى آخر الأبيات المتقدمة في الرهن . وقال في الشامل في فصل الاختلاف في قبض الكالىء ما نصه : ولو أخذت به رهناً ثم تسلمه صدق وإن لم يدخل وإن بقي الرهن بيدها ودخل ففي تصديقه قولان . ولو أخذت به حميلاً ثم أقرت بالقبض من أحدهما واتفقا على ذلك وادعى كلٌّ أنه الدافع صدق الزوج إن حلف وإلاَّ فالحميل ورجع به عليه انظر بقيته .
ولما كان الحال من الكالىء قبل البناء مثل النقد نبه عليه فقال :
والْقَوْلُ وَاليَمِينُ لِلَّذِي ابْتَنْى
فِي دَفْعهِ الْكَالِىءُ قَبْلَ الابْتِنَا
( والقول ) مبتدأ ( واليمين ) معطوف ( للذي ) خبر ( ابتنى ) صلة والرابط ضمير الموصول وهو الفاعل ( في دفعه ) يتعلق بالاستقرار في الخبر وهو مصدر مضاف لفاعله ( الكالىء ) مفعوله ( قبل الابتنا ) ء يتعلق بدفع .
إنْ كان قَدْ حَلَّ وَفِي الَّذِي يَحِلْ
بحدَ بِنَائِهِ لهَا الْقَوْلُ جُعِلْ
( إن كان ) شرط واسمها ضمير الكالىء ( قد حل ) خبرها والجواب محذوف للدلالة عليه ( وفي الذي يحل ) موصول وصلته يتعلق بجعل آخر البيت ( بعد بنائه ) يتعلق بيحل ( لها ) يتعلق بجعل أيضاً ( القول ) مبتدأ ( جعل ) خبره ، والمعنى أنهما إذا اختلفا بعد البناء في دفع الكالىء الحالقبله ، فإن القول للزوج بيمينه أنه دفعه قبله ، وإن اختلفا بعد البناء في دفع ما لم يحل منه قبله فالقول للزوجة ، ولو أبدل الناظم رحمه الله الكالىء بالمهر وأتى بالبيت الذي قبله بعد هذين البيتين فيقول مثلاً :
والقول واليمين للذي ابتنى
في دفعه المهر قبيل الابتنا
إن كان الخ . ثم يقول : كذا لها فيما ادعى من بعد أن الخ . لأغناه مع الاختصار عن الأبيات الأول ، ويكون مساوياً بالقول ( خ ) وفي قبض ما حلّ فقبل البناء قولها وبعده قوله بيمين فيهما الخ .
ثُمَّ لهَا امْتِنَاعُهَا أَنْ يَدْخُلاَ
أَوْ تَقْبِضَ الْحَائِنَ مِمَّا أُجِّلاَ
( ثم ) للترتيب الإخباري ( لها ) خبر مقدم ( امتناعها ) مبتدأ ( أن يدخلا ) في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف أي من دخوله ( أو ) بمعنى حتى ( تقبض ) منصوب بأن مقدرة بعد أو وجوباً ( الحائن ) مفعوله وهو اسم فاعل من حان يحين إذا وصل حينه ( مما ) يتعلق بالحائن ( أجلا ) صلة ما . والرابط النائب في أجلاً والمعنى أن من تزوج بنقد وكالىء فإنه إذا دفع النقد فله الدخول بها ولا كلام لها ، فإن لم يدخل حتى حل الكالىء أو بعضه فلها منعه من الدخول حتى تقبض جميع ما حل منه فقوله : الحائن مما أجلا وأحرى النقد الحائن بالإصالة فإن لم تمنع نفسها حتى دخل ووطىء فلا منع لها بعد ذلك الوطء ، وإن أعسر به فلا تطلق عليه بذلك بخلاف ما كان لها الامتناع منه حتى يؤديه فإنها تطلق عليه بعسره به ( خ ) ووجب تسليمه إن تعين وإلاَّ فلها منع نفسها من الدخول والوطء بعده والسفر إلى تسليم ما حل لا بعد الوطء إلا أن يستحق ولو لم يغرها على الأظهر ثم قال : وإن لم يجده أجل لإثبات عسره ثلاثة أسابيع إلى قوله : ثم طلق عليه اه .
فصل فيما يهديه الزوج ثم يقع الطلاقلو قال فيما يرسله ثم يقع الفراق كان صواباً لما علمت من تقسيمه المرسل إلى هديه وغيرها وتقسيمه الفراق إلى طلاق وفسخ قاله ( ت ) . قلت : والظاهر أن هذا الفصل هو مفهوم قوله : فيما مر لأنه كهبة لم تقبض كما مرّ التنبيه عليه ، فإن الفراق بين ما هنا وبين ما مرّ أن ما التزمه من الزيادة على أنه من الصداق يجري على ما مر سواء كان معيناً أو في الذمة وما هنا لم يلتزمه على ذلك ، بل طاع على وجه الهدية ، وأما العارية والإرسال ليحسب من الصداق فليس من المزيد عليه كما هو واضح ، ولهذا كان الأنسب بهذا الفصل أن يذكره عقب ما مرّ لأنه مرتبط به غاية .وَكلُّ مَا يُرْسِلُهُ الزَّوْجُ إلَى
زَوْجَتِهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلَى
( وكل ) مبتدأ ( ما ) مضاف إليه ( يرسله الزوج ) صلة ما ( إلى زوجته ) يتعلق بيرسله ( من الثياب ) بيان لما يتعلق بيرسل أيضاً ( والحلى ) معطوف قال في الصحاح : الحلى حلي المرأة ، وجمعه حلى مثل ثدي وثدى على وزن فعول ، وقد تكسر الحاء وحلية السيف جمعها حلى مثل لحية ولحى وربما ضم اه نقله ( ت ) وقوله : فعول أي لأن فعل يجمع على فعول كفلس وفلوس اجتمعت الواو والياء ، وسبق أحدهما بالسكون فقلبت الواو ياء وقلبت الضمة فتحة لتسلم الياء من القلب واواً ثانياً ، ثم قلبت الياء المدغمة ألفاً واستثقلت الضمة على الياء الأخيرة فحذفت ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين فصار حلى ، والخبر عن كل محذوف أي فيه تفصيل .
فَإنْ يَكُنْ هَدِيّةً سَمَّاهَا
فَلاَ يَسُوغُ أَخْذُهُ إيَّاهَا
( فإن يكن ) شرط واسمه ضمير يعود على ما ( هدية ) خبر يكن أو مفعول ثان لقوله ( سماها ) والجملة هي الخبر ( فلا يسوغ ) جواب الشرط ( أخذه ) فاعل يسوغ ( إياها ) مفعول يأخذ .
إلاَّ بِفَسْخٍ قَبْلَ أَنْ يَبْتَنِيَا
فإنَّهُ مُسْتَخْلِصٌ مَا بَقِيَا
( إلا ) استثناء من مقدر يتعلق بأخذ ( بفسخ ) يتعلق بأخذ وهو في الحقيقة بدل من ذلك المقدر أي لا يسوغ أخذه إياها بوجه من الوجوه إلا بفسخ من ( قبل ) يتعلق بفسخ ( أن يبتنيا ) في تأويل مصدر مضاف إليه وألفه للإطلاق أو للتثنية ( فإنه ) أي الزوج ( مستخلص ) خبر إن ( ما ) مفعول بما قبله ( بقيا ) صلة ما والعائد محذوف أي منه ومعناه أنه إذا سمى ما أرسله هدية فلا يرتجعه مطلقاً طلق قبل البناء أو بعده ولو لعسره بالنفقة فيهما أو مات كذلك أو بقيت العصمة إلا أن يفسخ النكاح قبل البناء فإنه يرتجع ما بقي منها قائماً بعينه ولم يفت ، ومفهوم هدية أنه إن سماها صداقاً فهو ما مرّ في قوله : وزائد في المهر بعد العقد الخ . كما مر التنبيه عليه ، وهذا كله في الهدية بعد العقد وقبل البناء وهو أحد روايتين في قول ( خ ) وفي تشطر هدية بعد العقد وقبل البناء أو لا شيء له وإن لم يفت إلا أن يفسخ قبل البناء فيأخذ القائم منها لا أن فسخ بعده . روايتان فدرج الناظم على الرواية الثانية لأنها الرجح ، بل حكى ابن رشد عليه الاتفاق فإن كانت الهدية بعد البناء وبعد طوله معها كسنتين فلا رجوع فيها أيضاً إن طلقها فإن لم يطلق فله أخذ هديته قاله في الشامل . وهذا كله في الهدية المتطوع بها ولم تشترط ولا جرى عرف بها ، وأما إن اشترطت في العقد أو قبله أو جرى بها عرف فهي كالصداق كما مرّ لأن العرف كالشرط .
وَإنْ يَكُنْ عَارِيَةً وَأَشْهَدَا
مِنْ قَبْلُ سِرًّا فَلَهُ مَا وَجَدَا( وإن يكن ) شرط واسمه ضمير يعود على ما أيضاً ( عارية ) خبر يكن ( وأشهدا ) فاعله ضمير الزوج ( من قبل ) يتعلق به ( سراً ) منصوب على نزع الخافض أو حال ، والجملة من أشهدا وما بعده حال من الزوج أيضاً ( فله ) خبر عن قوله ( ما وجدا ) والجملة جواب الشرط أي : وإن سمى ما أرسله عارية والحال أنه أشهد بها سراً من قبل إرساله وأحرى جهراً فله استرجاع ما وجد منها قائماً لم يفت طلق أو مات أو فسخ أو بقيت العصمة ولا شيء فيما فات منها إلا إن كانت مما يغاب عليه والزوجة رشيدة عالمة بها ولا بينة على الهلاك فتضمن حينئذ فيما يظهر وهو الموافق لما يأتي في الأب يشهد بالعارية لابنته وهي مرشدة عالمة تأمل . وفهم من قوله : وأشهد سراً أنه إذا سكت حين الإرسال وادعى العارية ولم تقم بينة له بها لا شيء له وهو كذلك كما في ابن سلمون . وفي آخر الكراس الرابع من أنكحة المعيار فيمن كسا زوجته ثياباً ، ولما توفيت ادعى أن ذلك عارية أن القول له بيمينه إن ثبت بالعدول أو اعترافها في حياتها أنه هو الذي جاء بتلك الثياب بعينها فانظره مع قول الناظم في التداعي في الطلاق : فالقول قول زوجة في الأنفس . وانظر أيضاً آخر فصل الاختلاف في متاع البيت .
وَمُدَّعٍ إرْسَالَها كَيْ تُحْتَسَبْ
مِنْ مَهْرِهَا الْحَلْفُ عَلَيْهِ قَدْ وَجَبْ
( ومدع ) مبتدأ ( إرسالها ) مفعول به وضميره للثياب والحلى ( كي ) جارة تعليلية ( تحتسب ) منصوب بأن مقدرة بعد كي ( من مهرها ) يتعلق به ( الحلف ) مبتدأ ثان ( عليه ) يتعلق بالخبر الذي هو ( قد وجب ) . والجملة من الثاني وخبره خبر الأول .
ثُمَّ لَهَا الْخِيَارُ في صَرْفٍ وَفِي
إمْسَاكِهَا مِنَ الصَداقِ فَاعْرِفِ
( ثم ) للترتيب الإخباري ( لها ) خبر عن قوله ( الخيار في صرف ) يتعلق به ( وفي إمساكها ) معطوف على ما قبله ( من الصداق ) يتعلق بما قبله ( فاعرف ) أمر من العرفان تتميم للبيت ومعنى ذلك أنه إن ادعى إرسال ذلك ليحسب من الصداق فإنه يحلف على ذلك ، ثم تخير الزوجة في أن تصرف ذلك للزوج وترده له ، وفي أن تمسك ذلك وتحسبه من الصداق ، وهذا ظاهر إذا كان قائماً كانت رشيدة أو سفيهة ويأخذه من يدها على ما وجده إن لم يرسل ذلك عند حدوث سبب وإلاَّ جرى فيه ما يأتي عن أبي الحسن ، وسواء ادعى أنه بين ذلك لها عند الإرسال فأنكرته أم لا . فإن هلك أو شيء منه فلا ضمان على الزوجة فيه كما يفهم من قوله الخيار لها الخ . لأنه لم يرسله لها إلا على أنها بالخيار فيه فهي قبل أن تختار أحد الأمرين أمينة فيه كما هي قاعدة البيع بالخيار والله أعلم . وسواء أيضاً كانت رشيدة أو سفيهة حيث لم تصن السفيهة به مالها ولم تصرفه الرشيدة في مصالحها وإلا لزمتها قيمة المقوم ومثل المثلى ويتقاصان فإن كان الإرسال عند حدوث سبب من وليمة لأقاربها أو عيد وموسم ونحو ذلك فقال أبو الحسن : جرت عادة الناس أنالرجل إذا صنع وليمة يشتري شيئاً لزوجته على وجه الهبة لها والاستئلاف لمودتها لا بأن يكون محسوباً لها من كالئها اه . فيفهم منه أنه قبل البناء كذلك مع العادة المذكورة ، وفهم من النظم أيضاً أن من دفع لمدينه شيئاً وادعى دفعه ليحسب من الدين وقال الآخر : بل تبرع أن القول للدافع بل لو أتفقا على التبرع لم يصح لأنه هدية مديان ، وكذا لو خدمه خدمة وادعى أنه لم يفعل ذلك إلا ليسقط بعض الدين فإن القول له . ولا يصح التبرع بها عليه ، وإنما صح ذلك في النكاح حيث لم يحلف الزوج لما بين الزوجين من المكارمة والله أعلم . ومن ذلك أيضاً ما إذا شور الأب ابنته ولها دين عليه ومات فقالت البنت : شورني من ماله ، وقال الورثة : بل بالدين الذي لك عليه . فالقول للورثة قالوا : ولو أخرج تلك الأسباب التي شورها بها من عنده ويحمل على أنه عوضها ذلك من الدين الذي عليه ، ونظم ذلك في العمل المطلق فقال :
وإن بدين بنته شورها
فمات والشورة ما ذكرها
فقالت البنت أبي تفضلا
من ماله بها وقال الغير لا
بل هي دينك الذي عليه لك
فالقول قول وارث الذي هلك
وَمُدَّعِي الإرْسَالِ للثَّوَابِ
شَاهِدُهُ الْعُرْفُ بِلاَ ارْتِيَابِ
( ومدعي ) مبتدأ ( الإرسال ) مضاف إليه ( للثواب ) يتعلق به ( شاهده ) مبتدأ ثان ( العرف ) خبره ويجوز العكس وهو الأظهر ( بلا ارتياب ) يتعلق بشاهد على الاحتمالين أي فينظر لعرف البلد فإن كان عرفهم أن الزوج يهدي لزوجته لتكافئه على ذلك وعكسه مثل أن تعطي جاريتها الفارهة لزوجها الموسر وتدعي استغرار عطيته ونحو ذلك فالقول لمدعي الثواب منهما وإن لم يكن في البلد عرف بالمكافأة ولا وجد وقت العطية ما يدل على إرادتها فلا شيء لمدعي الثواب ( خ ) في باب الهبة : وصدق واهب فيه إن لم يشهد عرف لضده في غير المسكوك وفي غير هبة أحد الزوجين للآخر الخ . وظاهر المصنف أن مدعي الإرسال مصدق ولو طال ، وفي الكراس الثامن من أنكحة المعيار أن من قصد بهديته الثواب له المثوبة ما لم يطل الخ . وهو ظاهر لأن الطول شاهد عرفاً لعدم قصده للثواب . وانظر ما يأتي عن المعيار في البيت بعده ، ومن هذا المعنى ما في دعاوى المعيار أيضاً من أن أخوين لهما دار ورثاها فتزوج أحدهما وساق جميعها لزوجته وحضر أخوه المذكور فسلم الدار المذكورة المسوقة للزوجة ، واعترف أنه لا حق له مع أخيه فيها ، ثم قام الأخ المسلم يطلب أخاه الزوج المذكور بثمن حظه من الدار المذكورة قائلاً : إنما سلمت على أن يعطيني ثمن حظي أو عوضاً منه في أصل ملك أو غيره . وقال الزوج : إنما سلمت فيه لزوجتي من غير ثمن ولا عوض . فقال ابن لب : هذا من باب العطية المطلقة يدعيمعطيها بعد خروجها من يده الثواب عليها والحكم أن يحلف الواهب على ما ادعى ويقضى له بالثواب .
تنبيه : قال البرزلي : لو وهبته صداقها وادعت أن ذلك للثواب لم تصدق ولا يدخل الخلاف إلا في هبتها غير الصداق اه .
وَشَرْطُ كِسْوَةٍ مِنَ الْمَحْظُورِ
لِلزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ عَلى الْمَشْهُورِ
( وشرط ) مبتدأ ( كسوة ) مضاف إليه ( من المحظور ) بالظاء المشالة بمعنى الممنوع خبر المبتدأ ( للزوج في العقد ) يتعلقان بشرط ( على المشهور ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ، والمعنى أن شرط الزوج كسوة في نفس العقد ممنوع على مشهور المذهب لأنه جمع بين البيع والنكاح لأنه لا يدري ما ينوب الكسوة مما ينوب البضع كما مر التنبيه عليه عند قوله :
ويفسد النكاح بالإمتاع في
عقدته وهو على الطوع اقتفي
وهو معنى قول ( خ ) وباجتماعه مع بيع الخ . وحينئذ فيفسخ قبل ولا شيء فيه ويثبت بعد بصداق المثل كما مرّ ، وظاهر النظم كغيره أنه يكون فاسداً ولو عيناً ما ينوب المهر مما ينوب تلك الكسوة ونحوها أو لم يعينا ، وكان في المهر فضل كثير على ما أعطته المرأة وهو ما يقتضيه كلام ابن رشد وغيره من تنافي أحكام البيع والنكاح . هذا وذكر ابن سلمون في فصل المتعة أوائل النكاح أنهما إذا عينا ذلك أو كان في المهر فضل جاز الشرط المذكور وبنى على ذلك وثيقة فقال : فإن شرط الزوج لنفسه كسوة تخرجها الزوجة أو وليها في الشوار للباسه على ما جرت به العادة .
قلت : والتزم والد الزوجة أو وليها أن يخرج الزوج عند بنائه بها جبة كذا قيمتها كذا أوغفارة كذا قيمتها كذا التزاماً تاماً لما له وذمته قال : وحكمها حكم الصداق تثبت بثبوته وتسقط بسقوطه ، وإذا وقع التزام ذلك من الزوجة في العقد كما ذكر فلا بدّ أن يكون في الصداق زيادة على قيمة ذلك مقدار أقل الصداق فأكثر وإلاَّ فسد النكاح لأنه قد يكون نكاحاً بلا صداق قال : فإن لم يقع التزام ذلك وأخرجت الزوجة في شوارها مثل الغفارة والقميص ولبس ذلك الزوج أو لم يلبسه وأرادت الزوجة أو وليها أخذ ذلك بعد زاعمين أنهما كانتا عارية على طريق التزين لا على سبيل العطية فقال ابن رشد : إن كان بتلك الثياب عرف في البلد جرى به العمل واستمر عليه الأمر حكم به وإلاَّ فالقول للمرأة أو وليها أنه عارية أو على وجه التزين اه . فأنت تراه اقتصر في جواز اشتراط ذلك على مقابل المشهور وهو معنى قول الشارح ، وفي ابن سلمون تقرير العمل في هذه المسألة وكأنه ارتكب فيها غير المشهور ، وربما يكتب بعض الناس بإزاء ذلك طرة بأنها من المسائل المختلة في ذلك الكتاب يعني بذلك والله أعلم على المشهور والأولى أن يقال : إنه اعتمد فيها غير المشهور اه . فمعنى كلام الشارح هذا والله أعلم أن ابن سلمون قرر جواز ما يعمله الناس من الاشتراط المذكور وأن الأولى أن يقال : إنه اعتمد في ذلك غير المشهور لا أن ذلك في المسائل المختلة لأن التعبير بالاختلال يوهم أنه لم يصادف في ذلك قولاً لقائل ، وليس كذلك وبهذا تعلم بطلان ما نسبه الشيخ بناني في فصل التفويض لهذا الشارح من أن ما لابن سلمون خلاف المشهور ، لكن جرى به العمل الخ . إذ الشارح لم يقل جرى به العمل كما ترى ، فقد تقوَّل عليه ما لم يقله ، وكذا ابن سلمون لم يقل إن العمل جرى بذلك كما ترى ، ولا يلزم من اقتصاره واعتماده عليه جريان العمل به عند الحكام إذ العمل يقدم على المشهور ، ولم يقل به أحد في هذه المسألة والله أعلم . وظاهر النظم أن شرط الكسوة ونحوها من العروض ممنوع ، ولو كان ذلك من مال الولي وهو كذلك كما مرّ في قول ( خ ) : كدار دفعتها هي أو أبوها ، ومفهوم الكسوة أنه لو شرط دنانير أو دراهم كقوله أتزوجها بمائة على أن تعطيني عشرين درهماً منها جاز إن كان ذلك على معنى المقاصة فإن قال بمائة دينار على أن تعطيني عشرين درهماً امتنع لأنه نكاح وصرف ، وكذا يمتنع النكاح مع القرض أو القراض أو الشركة أو الجعالة أو المساقاة في عقد واحد ، وفي المعيار في المرأة تخرج أثواباً لزوجها عند البناء ثم تطلب ذلك عند مشاجرة زوجها أو طلاق أو لغير سبب ما نصه : ما أهداه أحدهما لصاحبه قبل العقد ، ثم وقع النكاح لا رجوع فيه قبل الفراق ولا قبل البناء ولا بعده ، فإن كان ذلك بعد العقد نظر فإن كان ذلك على وجه الاستعزاز وطلب الثواب فله الثواب ، وإن لم يكن على ذلك فلا ثواب له لأنه استجلاب للمودة أو تأكيدها فإن طلقها بقرب العطية فترجع هي في عطيتها لا هو ، وإن بعد ما بين العطية والطلاق لم ترجع اه . وتقدم في النظم ما إذا ادعى هو العارية . وفي كلام ابن سلمون : ما إذا ادعت هي ذلك وظاهرهما أنه لا يفرق في العارية بين طول وعدمه ، وتقدم في البيت قبله أن من ادعى الثواب من الزوجين له المثوبة ما لم يطل .
فصل في الاختلاف في الشوار المورد
من أب أو غيره ( بيت البناء ) قال في القاموس : الشوار مثلثة متاع البيت .
والأبُ إنْ أَوْرَدَ بَيْتُ مَنْ بَنَى
بِبِنْتِهِ الْبِكْرِ شِوَارَ الابْتِنَا
( والأب ) مبتدأ ( إن أورد ) شرط ( بيت ) مفعول فيه ( من ) مضاف إليه ( بنى ) صلة من ( ببنته ) يتعلق به ( البكر ) صفة ( شوار ) مفعول بأورد ( الابتنا ) ء مضاف إليه .
وَقَامَ يَدَّعِي إعَارَةً لِمَا
زَادَ عَلَى نَقْدٍ إلَيْهِ سُلِّمَا
( وقام ) معطوف على أورد ( يدعي ) حال من فاعل قام ( إعارة ) مفعول بيدعي ( لما ) يتعلق بإعارة واللام مقوية للعامل لضعفه ( زاد ) صلة ما ( على نقد ) يتعلق به ( إليه ) يتعلق بقوله ( سلما ) بالبناء للمفعول ، والجملة صفة لنقد .
فالقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَهْ
مَا لَمْ يَطُّلْ بَعْد الْبِنَا فَوْقَ السَّنَهْ
( فالقول ) مبتدأ والفاء مع مدخولها جواب الشرط ( قوله ) خبر ( بغير بينة ) يتعلق به ( ما ) ظرفية مصدرية ( لم يطل ) صلتها وفاعل يطل ضمير يعود على الإيراد المفهوم من أورد ( بعد البنا فوق السنة ) يتعلقان بيطل ، والمعنى أن الأب ومن تنزل منزلته من وصي ووكيل إن أورد أي أرسل أو أدخل الشوار الذي اشتراه بالنقد من ثياب وحلى وغير ذلك لبيت البناء ببنته البكر حتى كان تحت يدها ، ثم قام يدعي العارية في بعض ما أورد مما زاد على نقدها المسلم إليه فإن القول له في ذلك الزائد بيمينه مدة عدم طول إيراده بعد البناء فوق السنة فإن طال فوق السنة لم تقبل دعواه العارية إلا أن يكون أشهد كما يأتي وظاهره قبول قوله في السنة كانت البنت حية أو ميتة وهو كذلك في شراح المتن قال في المتيطية : واختلف في ذلك إذا قام الأب يطلب ذلك بعد أربعة أعوام فقال ابن عتاب : لا يصدق . وقال ابن القطان : يصدق فيما زاد على قدر النقد من الشوار ، وقال ابن سهل : وهذا خطأ لأن الرواية لمالك وابن القاسم وغيرهما أنه لا يصدق ولا خلاف أعلمه في ذلك اه باختصار . وفهم من قوله : البكر أن الثيب لا تقبل دعواه في إعارته لها وهو كذلك إن لم تكن محجورة له وإلاَّ فهي كالبكر كما في ( ح ) فلو قال الناظم :بذات حجره شوار الابتناء . لشملها . وفهم من قوله : لما زاد الخ . أن دعواه العارية في قدر نقدها أو أقل لا تقبل وهو كذلك إلا أن يعرف أن أصل المتاع له فيحلف ويأخذه ويطلب بالوفاء كما في العتبية ، وظاهره أن كل ما زاد على النقد يقبل قوله فيه وليس كذلك بل لا يقبل أيضاً حتى في الزيادة التي عرف الناس زيادتها كما في المعيار ، وشراح المتن . وفهم من قوله : بعد البناء أن السنة تعتبر من يوم البناء لا من يوم العقد وأفهم قوله فوق السنة أن السنة ليست بطول وهو كذلك على ما رواه ابن حبيب قاله البرزلي . فمفهومه أن أكثر منها طول وهي تجري على مسألة الشفعة فيكون الخلاف في مقدار زيادة الأشهر كالثلاثة ونحوها مما يعد بها طولاً اه . قال في الفائق : ما لابن حبيب قال به غير واحد من الموثقين والفقهاء المحققين .
قلت : وهو خلاف ظاهر قول ( خ ) وقبل دعوى الأب فقط في إعارته لها في السنة بيمين وإن خالفته الابنة الخ . وفهم منه إنه يقبل قوله سواء ادعى أنه له وأعاره لها أو أعاره لها من غيره وهو كذلك ، وأفهم قوله شوار الابتناء أنه أورد ذلك ليلة البناء ، وأما إن كان ذلك بعد البناء بأيام فإن القول له ولو طال الزمان وهو كذلك فيما يظهر لأن الأصل عدم خروج ملكه إلا على الوجه الذي يقصده هو ، وإنما لم يصدق بعد السنة فيما أورده ليلة البناء لأن العرف فيما يخرج ليلة البناء أن يكون من شوارها ، وقد عضده عدم طلبه لذلك في السنة فتأمله . وأفهم قوله إن أورد الخ أن الإيراد ثابت بالبينة أو الاعتراف وإلاَّ بأن أنكرت أنه لم يوردها ما يدعيه ولا شيء بيدها منه . ففي البرزلي عن الشعبي فيمن أشهد عند خروج ابنته لزوجها أنه أمتعها بحلى وثياب فبعد مدة قام الأب أو ورثته طالبين الابنة بما أشهد أنه أخرجه معها فأنكرت ذلك ، ولا دليل إلا الإشهاد من الأب خاصة ما نصه : ولا يقبل قول الأب حتى يعلم قوله بإقرار أو بينة وهو معنى قول ابن القاسم اه . وإذا كان هذا مع الإشهاد المجرد فأحرى مع عدمه الذي نحن فيه ، ومفهوم الأب ومن تنزل منزلته أن غيرهما من الأولياء لا يقبل قولهم كما لا يقبل قول الأب في الثيب التي لا ولاية له عليها وهو كذلك كما يأتي في قوله : وفي سوى البكر ومن غير أب الخ . وكذا لا يقبل قول الأجنبي في الأجنبية رواه كله ابن حبيب كما في البرزلي قال : وأفتى شيخنا الإمام يعني ابن عرفة بأن الأم تنزل منزلة الأب فيقبل قولها أو ورثتها في السنة ، فلما أوقفته على كلام ابن حبيب هذا وقف وأرشد إلى الصلح قال : والصواب أن لا مقال لها إلا أن تكون وصياً أو على ما قال في المدونة أنه استحسن أن توصي بولدها في المال اليسير كالستين ديناراً فيكون القول قولها في هذا القدر إذا لم يكن لها أب ولا وصي أو يرى أن الأم بخلاف غيرها بدليل جواز اعتصارها ما وهبتها في حياة الأب وشرطه اه .
قلت : وما ذكره ظاهر إذا لم يجر عرف بذلك وإلاَّ بأن جرى العرف بإعارتها فحكمها كالأب في حياته وبعد مماته ، وإن لم تكن وصياً وهو المعروف في نساء أهل فاس كما في ابن رحال ، ويؤيده أن الحكم في هذه المسألة من أصلها مبني على العرف والأحكام المبنية عليه تدور معه حيث دار كما للقرافي وغيره . ولعل ابن عرفة إنما وقف وأمر بالصلح لعدم ثبوت العرف في بلدهم بإعارة الأم وهذا يقتضي أن العرف إذا جرى بإعارة الأخ ونحوه كذلك والله أعلم . ومفهوم قوله : لابنته أن الأب إذا فعل ذلك لابنه الذكر فإن القول له في العارية ولو طالالزمان ، وكذا لو فعله لزوجة ابنه بدليل ما في المعيار فيمن اشترت أشياء ثياباً وأسباباً لزوجة ابنها فبقيت زوجة الابن المذكورة تلبس تلك الثياب مع الأم مدة من اثني عشر شهراً ، وبعد وفاة الابن قامت الأم تدعي أنها أعارت لها ذلك فقط فإن القول لها بيمينها إذا ثبت شراؤها إياها أو أنها تعرف لها بإقرار أو بينة فتأخذ حينئذ ما وجد منها وليس لها فيما لبست كراء ، ولا فيما استهلكت قيمة اه . إذ لا فرق بين الأب والأم في هذا فيما يظهر فتأمله . وكذا يقال في غيرها من الأولياء والأجانب حيث ثبت ببينة أو إقرار أن أصل تلك الأسباب لمدعي العارية إذ الأصل أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا على الوجه الذي يقصده ، وما مرّ عن ابن حبيب أن غير الأب من الأولياء والأجانب لا يقبل قولهم إنما ذلك إذا لم يعرف أصل ذلك الشيء لهم والله أعلم .
تنبيهان . الأول : قال في نوازل البرزلي : وإذا ابتاع القابض للنقد أياً كان أو غيره جهازاً وأحب البراءة منه فيمكنه ذلك بأحد ثلاثة أوجه : إما أن يدفعه إلى الزوجة ويعاين الشهود قبضها لذلك في بيت البناء ، أو يوقف الشهود عليه وإن لم يدفع ذلك إليها ، وإما أن يوجه ذلك إلى بيت البناء بحضرة الشهود بعد أن يقوموه ويعاينوه ولا يفارقوه حتى يتوجه به إلى بيت البنت بحضرة الزوج وإن لم يصحبه الشهود إلى البيت ذكر ذلك ابن حبيب . وليس للزوج أن يدعي أن ذلك لم يصل إلى بيته فإن فعل فهو كدعواه أنه اغتاله من بيته أو أرسل من أخذه منه . انظر في وثائق ابن فتحون اه . وهو معنى قول ( خ ) : وإنما يبرئه شراء جهاز تشهد بينة بدفعه لها أو إحضاره بيت البناء أو توجيهه إليه الخ . وذكر بعض الموثقين أن أحسن الوجوه الوجه الثاني . ابن عرفة : وبه استقر العمل فانظره فقد بين الأوجه الثلاثة غاية البيان ، ثم قال البرزلي : القول قول الأب أنه جهز ابنته . ابن رشد : إنما وجب أن يكون القول قول الأب لأنه على ذلك قبضه من الزوج والعرف يشهد له به ، وإنما وجب عليه اليمين لما تعلق في ذلك من حق الزوج ، والذي يسقط اليمين عنه إحضار البينة وإبراز الجهاز وإقامته وإرساله بمحضر البينة قاله ابن حبيب اه . ومثله في ابن عرفة عن ابن القاسم قال : إن قال أبو البكر دفعت مهرها العين ضمنه إذ ليس له دفعه لها إنما يجهزها به فإن قال بعد بنائها جهزتها به ودفعته لها وأنكرت حلف وبرىء اه . فتأمله مع ما مر عن ( خ ) من الإطلاق إذ ظاهره أنه لا يكون له القول في ذلك .
الثاني : قال البرزلي أيضاً إثر ما مر ما نصه ، ابن رشد : ولو ادعى الأب أنه جهز ابنته بما لها قبله من ميراث أمها أو غير ذلك وأنكرت لما كان القول قوله في ذلك ويكلف إقامة البينة على ذلك لقوله تعالى : فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } ( النساء : 6 ) اه . ولما نقله ابن عرفة عن ابن رشد قال عن المتيطي : وينبغي لو كان لها على أبيها دين من مهر أمها أو غيره أن لا يقبل قوله بتجهيزها به ، ولو كان لها بيده عرض أو عين على وجه الأمانة بسبب كونها في ولايته لكان ينبغي على وجه النظر قبول قوله إنه جهزها به عند بنائها لأن العرف جار عندنا بتجهيز الآباء بناتهم بأموالهم فكيف بأموالهن اه . ابن عرفة : وهو خلاف ظاهر ما تقدم لابن رشد في ميراثها من أمها من عدم قبول قوله في تجهيزها به للآية المذكورة .
قلت : فظاهره أن ما لابن رشد هو الراجح لأن المتيطي إنما قال ذلك بلفظ : ينبغي فلم يجزم به وقد تقدم كلام المتيطي عند قوله : وللوصي ينبغي وللأب . تشويرها الخ .ثم أشار إلى أن عدم قبول قوله مع الطول بما فوق السنة مقيد بما إذا لم يشهد فقال :
وَإنْ يَكُنْ بِمَا أَعَارَ أَشْهَدَا
قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ مَا وَجَدَا
( وإن يكن ) شرط واسمه ضمير الأب ومن تنزل منزلته ( بما ) يتعلق بأشهد ( أعار ) صلة ما ( أشهدا ) خبر يكن ( قبل الدخول ) يتعلق بأشهد ( فله ) خبر مقدم ( ما وجدا ) مبتدأ مؤخر ، والجملة جواب الشرط ودخلت عليه الفاء لكونه لا يصح أن يكون شرطاً ، والمعنى أن الأب أو غيره من الأولياء إذا أشهد قبل الدخول بالعارية فللأب ما وجد من تلك العارية دون ما تلف منها فلا تضمنه البنت إن لم تعلم بالعارية كما يأتي ، وظاهره سواء أشهد في حضورها أو غيبتها وهو كذلك حيث وجد ما أشهد به فإن لم يوجد فيأتي تفصيله ، ولا فرق بين طول الزمان وعدمه ، ولا بين رشيدة وغيرها ، ولا بين مقرة ومنكرة ، ولا بين أب وغيره من الأولياء إذ العبرة بوجود الإشهاد . وهذا إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر وإلاَّ فلا يأخذ إلا ما زاد على قدر الوفاء به كما في الحطاب ، وبالجملة فأما أن يشهد بالعارية أو بالهبة أو لا يصرح بشيء بل يسكت فإن سكت فهو ما مرّ في الأبيات قبله ، وإن أشهد بالهبة أو بالعارية فكل يجري على حكمه فلا يرده في الهبة ويرده في العارية .
تنبيهان . الأول : قال البرزلي : إذا استظهر الورثة برسم يتضمن أن العادة الجارية ببلدهم الآن أن الرجل إذا جهز ابنته بحلى أو غيره إنما هو على معنى العارية والتجمل ، وإن طالت السنون فقال ابن عبد السلام : إذا ثبت الرسم المتضمن للعادة الجارية وجب الإعذار في شهوده إلى الابنة فإن عجزت أو سلمت عمل بمقتضاه اه باختصار .
الثاني : ظاهر النظم أن الإشهاد بعد الدخول لا يفيد وليس كذلك بل ذكر البرزلي أيضاً : أن الإشهاد بعد الدخول في المدة التي يقبل فيها دعوى الأب العارية حكم الإشهاد قبل الدخول قال : وبه كان أشياخنا يفتون قال ( ح ) : فيفهم منه اختصاص الانتفاع بالإشهاد بعد الدخول بالأب والوصي في البكر والثيب المولى عليها والأم على فتوى ابن عرفة وهو ظاهر والله أعلم .
ثم أشار الناظم إلى مفهوم الأب ومن تنزل منزلته ومفهوم البكر فقال :
وَفي سِوَى الْبِكْرِ وَمِنْ غَيْرِ أبٍ
قَبُولُ قَوْلٍ دونَ إشْهَادٍ أُبِي
( وفي سوى البكر ) يتعلق بأبي آخر البيت ( ومن غير أب ) معطوف على ما قبله ( قبول قول ) مبتدأ ( دون إشهاد ) في محل نصب على الحال من المبتدأ المذكور على القول بمجيء الحال منه وهو ضعيف ( أُبي ) بالبناء للمفعول بمعنى منع ، والجملة خبر ، والمعنى أن الأب ومن بمنزلته لا تقبل دعواه العارية لغير البكر وهي الثيب إلا أن تكون في ولايته كما مرّ كما لا تقبل دعوى غيره منسائر الأولياء العارية لوليتهم مطلقاً بكراً أو ثيباً دون إشهاد فإن أشهد الأب ومن في معناه بها في الثيب الرشيدة أو أشهد غيره من الأولياء بها مطلقاً قبل قولهم ولو بعد طول كما مرّ ويأخذون ما وجدوا من تلك العارية دون ما ضاع منها فلا ضمان عليها فيه حيث كانت سفيهة مطلقاً أو رشيدة ولم تعلم كما أفاده بقوله :
وَلاَ ضَمَانَ فِي سِوَى مِا أتْلَفَتْ
مَالِكَةٌ لأَمْرِهَا الْعِلْمَ اقْتَفَتْ
( فلا ) نافية للجنس والفاء جواب سؤال مقدر فكأن قائلاً له : هل عليها ضمان فيما ضاع أو لا ، ( ضمان ) اسمها ( في سوى ) خبرها ( ما ) موصول مضاف إليه ( أتلفت ) صلة ما والرابط محذوف أي أتلفته ( مالكة ) فاعل ( لأمرها ) يتعلق به ( العلم ) مفعول مقدم بقوله ( اقتفت ) والجملة صفة لمالكة ، والمعنى أن العارية التي يقبل فيها دعوى الأب ومن في معناه أو العارية الثابتة بإشهاد إذا تلفت فإنه لا ضمان على البنت فيما تلف منها بوجه إلا في وجه واحد وهو إذا أتلفته هي بنفسها وكانت مالكة أمرها عالمة بالعارية فإن تلفت بغير سببها وقامت لها بينة بذلك أو كانت غير مالكة أمرها أو غير عالمة بالعارية فلا ضمان فقوله أتلفت الخ . ظاهر في أنها إذا لم تتلفه بل تلف بغير سببها لا ضمان عليها ولا يعلم كونه بغير سبيها إلا ببينة على ذلك كما قررنا وإلاَّ فهي محمولة على أنها هي التي أتلفته فلم يبق على الناظم رحمه الله شيء من تفاصيل المسألة خلافاً للشارح ومن تبعه .
فروع . الأول : تقدم عن المتيطي عند قول الناظم : وأشهر القولين أن تجهزا الخ . للزوج أن يسأل الولي فيما صرف النقد فيه وعلى الولي بيان ذلك ونقله ابن عرفة أيضاً .
الثاني : قال البرزلي : سئل ابن رشد عن الولي تقع بينه وبين الزوج منازعة فيريد الولي كالأب والوصي والكافل تثقيف الشورة وإخراجها عن بيت بنائها إلا مقدار نقدها ولم يظهر من الزوج تغير حال ولا أنه ممن يتهم على ذلك ، وكيف إن كان مما يخاف من قبله أو ظهر عليه ما يوجب الاسترابة ؟ فأجاب : للأب أن ينفق من شورة ابنته التي إلى نظره ما تستغني عنه منها إذا خاف عليه عندها ، وكذلك الوصي وليس للولي غير الوصي ولا للحاضن المربي ذلك فإن دعا إلى ذلك على وجه الحسبة نظر القاضي فيما يدعو إليه من ذلك بالاجتهاد ، وقد رأيت للشيخ أبي عبد الله بن عتاب في هذا جواباً قال فيه : إن كان الأب مأموناً على الثياب له ذمة فهو أحق بضبطها بعد أن يسلم لابنته منها بقدر نقد صداقها وزائد عليه ما تتجمل به مع زوجها على قدر التوسط في ذلك ، ويشهد الأب بما يوقف لابنته عنده وإن كانت أحواله غير مرضية وضعها الحاكم على يد من يراه ممن يرتضيه بإشهاد ، ورأيت نحو هذا الجواب لأبي بكر بن جماهير الطيطلي وهو حسن جيد في النظر ، وقد شاهدت أقواماً وضعت عندهم ثياب بناتهم خيف عليها بزعمهم فباعوها وأكلوا أثمانها وتعذر الإنصاف منهم اه .قلت : ولا مفهوم للشوار بل مال الولد المحجور من حيث هو كذلك كما في ابن عرفة وقال في اللامية :
وللبعض نزع الشيء من يد حائز
إذا خيف أمر بالبقاء ويجعلا
بحفظ أمين هكذا منع والد
فقير من أخذ المال للوالد أعملا
الثالث : إذا ضمن الزوج جهاز زوجته وضاع هل يلزمه ما ألزم نفسه أم لا ؟ ويكون من باب ضمان ما لا يغاب عليه من العارية أو إسقاط الشفعة قبل وجوبها أو قال : أنا ضامن لرهنك ففي البرزلي أيضاً أنه ينظر للوجه الذي خرج بسببه الضمان فإن كان بسبب ما يخشى من الزوجة فلا يلزمه الضمان إن قامت بينة بتلفه بغير سببه ، وإن كان خشي هو عليها فلا شيء عليه إن قامت بينة بتلفها بغير فعله ويلزمه ضمانها بكل حال إن لم توجد وادعى تلفها قال : وهناك جواب آخر وهو أنه إن ضمنها مخافة التلف عليها حيث تلفت ضمنها ، وإن قامت بينة بتلفها وإن ضمنها بسبب أنه يتهم على الغيبة عليها ولم يؤتمن عليها فلا ضمان إن قامت بينة بهلاكها . وفي الطرر : إن شهد عليه بالضمان فهلكت من غير بينة ضمنها إلا أن يأتي عليها من الزمان ما تخلف في مثله فيحلف ويبرأ اه . وقال المتيطي : فإن التزم الزوج حين الإيراد أن يكون الجهاز في ضمانه جاز وكان في ضمانه وتقول في ذلك والتزم الزوج ضمانه في ماله وذمته بعد أن عرف أن ذلك لا يلزمه فطاع بالتزامه عارفاً قدر ذلك الخ . وقال في الطرر إثر ما مر : والطوع وغيره سواء في اللزوم لأنه كان له أن ينتفع به بغير ضمان ولا شرط فصار ضمانه تطوعاً على كل حال ، وقيل : إذا ضمنه بشرط الانتفاع به سقط عنه الضمان لأنه ضمان بجعل وإن كان بغير شرط الانتفاع به ضمنه اه . ولما ذكر ابن عرفة كلام المتيطي قال : ولم يذكر المتيطي حكم ضمانه هل هو ولو قامت البينة بتلفه من غير سببه أو ما لم تقم بذلك بينة . وفي أجوبة ابن رشد : إن ضمنها خوف تلفها حيث تلفت ضمنها ولو قامت البينة بتلفها ، وإن كان سبب ضمانه تهمته على الغيبة عليها ولم يؤتمن في ذلك فلا ضمان عليه فيما قامت بينة بتلفه اه .
قلت : وانظر لو لم يعلم سبب الضمان هل يحمل على تهمته على الغيبة عليها أو على خوف تلفها ؟ وفي البرزلي أيضاً بعد ما مر ما نصه : إذا منعت المرأة جهازها عند البناء حتى يضمنه فاعرف في الطراز أنه إذا امتنع من الضمان فله ذلك ويقضي عليها من الجهاز ما لا يزري به عند أنظارها اه باختصار . ثم نقل بعد ذلك بأوراق عن الإمام الزواوي وأنه ليس للأب أخذ الجهاز بعد الإشهاد بدفعه وتسليمه وإشهاد الزوج بأنه تحت يده خشية تصرف الزوج في ذلك حيث لم ترض البنت ولا الزوج بذلك .
فصل في الاختلاف في متاع البيتوَإنْ مَتَاعُ الْبَيْتِ فِيهِ اخْتُلِفَا
وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ تُقْتَفَى( وإن ) شرط ( متاع البيت ) مبتدأ على مذهب الكوفيين القائلين بجواز دخول أدوات الشرط على الأسماء ( فيه ) يتعلق بقوله : ( اختلفا ) خبر المبتدأ وألفه للتثنية يعود على الزوجين ، ولا يجوز أن يكون متاع البيت فاعلاً بفعل مقدر يفسره ما بعده لأن المعنى يأبى ذلك ( ولم تقم بينة ) فعل وفاعل والجملة حال ( فتقتفى ) الظاهر أن الفاء تعليلية كما تقدم نظيره في قوله : فإنه كهبة لم تقبض . ومعنى تقتفى تتبع .
وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعْ يَمِينِ
فيما بهِ يَلِيقُ كالسِّكِّينِ
( فالقول ) مبتدأ ( قول الزوج ) خبره والجملة جواب الشرط ( مع يمين ) حال من الخبر المذكور ( فيما ) يتعلق بالخبر أيضاً ( به ) يتعلق بقوله ( يليق ) صلة ما والرابط ضمير مستتر هو الفاعل عائد على ما ( كالسكين ) حال من ما أو خبر مبتدأ مضمر .
وَمَا يَلِيقُ بِالنِّسَاءِ كالْحِلِي
فَهْوَ لِزَوْجَةٍ إذَا مَا تَأْتَلِي
( وما ) مبتدأ ( يليق بالنساء ) صلة ما ( كالحلي ) بضم الحاء جمع حلي وقد تكسر الحاء كما مرّ وهو على وزن فعول اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت اللام لتسلم الياء ، ولما وقف الناظم على الياء المدغم فيها سكنت فالتقى ساكنان فحذف أحدهما وعلم منه أن حلى له جمعان حلي كثدي وثدى كما مر ، ويجمع على حُلِي بضم الحاء وكسر اللام كما هنا وهو حال أو خبر لمبتدأ محذوف كما في الذي قبله ( فهو ) مبتدأ ( لزوجة ) خبره والجملة خبر الأول ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( ما ) زائدة ( تأتلي ) بمعنى تحلف في محل جر بإضافة إذا وجوابها محذوف للدلالة عليه .
وَإنْ يَكُنْ لاَقَ بِكُلَ مِنْهُمَا
مِثْلَ الرَّقِيقِ حَلَفا واقْتَسَما
( وإن يكن ) شرط واسمها ضمير متاع البيت ( لاق ) خبر يكن ( بكل ) يتعلق به ( منهما ) يتعلق بمحذوف صفة أي بكل واحد كائن منهما ( مثل الرقيق ) حال من ضمير لاق أو خبر لمبتدأ محذوف ( حلفا ) جواب الشرط وألفه للتثنية ( واقتسما ) معطوف عليه .
وَمَالِكٌ بِذَاكَ لِلزَّوْجِ قَضى ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ;
مَعَ الْيَمِينِ وَبِقوْلِهِ القَضَا( ومالك ) مبتدأ ( بذاك للزوج ) يتعلقان بقوله ( قضى ) والجملة خبر ( مع اليمين ) حال ( وبقوله ) خبر عن قوله ( القضا ) ء ومعنى الأبيات : أن الزوجين ولو رقيقين أو كافرين أو أحدهما إذا اختلفا في شيء من متاع البيت فادعاه كل منهما ولا بينة لأحدهما فما كان منه معروفاً للرجال كالسلاح وثياب الرجال والمصحف والخاتم والمنطقة والحيوان وذكور الرقيق وأصناف الأطعمة والدور والأملاك والكتاب والدواة قضى به للزوج بيمينه ، وما كان من ذلك معروفاً للنساء كالحلى وثياب النساء التي تصلح للباسهن والفراش والقباب والحجال وهي الستور والبسط والوسائد والملاحف والقطائف وأواني النحاس والقصاع والموائد قضى به للزوجة بيمينها قال ذلك كله في المتيطية قال اللخمي : ويختلف في إناث الرقيق لأنهن مما يشبه أن يكون لهما معاً فقال مالك وابن القاسم : يكون للرجل . وقال ابن وهب والمغيرة : يكون بينهما يريد بعد أيمانهما ، وبالجملة فإن التحاكم في ذلك بعرف أهل البلد فمن شهد له العرف بشيء حلف وأخذه اه . فقول الناظم مثل الرقيق أي ذكوره وإناثه كما هو ظاهر وتخصيص اللخمي ذلك بالإناث خلاف مذهب المدونة كما في ابن عرفة ، والمراد بالخاتم خاتم الفضة إلا أن يعلم الرجل بمخالفة السنة وتختمه بالذهب كما في ابن عرفة ، فانظر تمامه . ومفهوم قوله : ولم تقم بينة الخ أنه إذا قامت بينة عمل بمقتضاها قال في المتيطية : ما ولي الرجل شراءه من متاع النساء وأقام بينة بذلك أخذه بعد يمينه أنه ما اشتراه إلا لنفسه إلا أن تقيم المرأة بينة أنه اشتراه لها . وكذلك ما وليت المرأة شراءه من متاع الرجال فهو لها بعد يمينها إلا أن يقيم الرجل بينة أنها اشترته له وورثة كل منهما منزل منزلته إلا أنهم يحلفون على علمهم ويحلف الموروث على البت اه . وأشار ( خ ) للمسألة بقوله في متاع البيت فللمرأة المعتاد للنساء فقط بيمين وإلاَّ فله بيمين الخ . فقوله : وإلا أي بأن كان للرجال فقط أو لهما معاً . وانظر تبصرة ابن فرحون ولا مفهوم للزوجين في هذا الأصل بل كل امرأة ورجل اختلفا ولو أجنبيين يجري حكمهما على ما مر كما تقدم في تعريف المدعي والمدعى عليه ، بل قال ابن سلمون في فصل التوارث ما نصه : والحكم في الاختلاف في متاع البيت في الموت والطلاق والبقاء في العصمة واحد والأجنبيات وذوات المحارم والزوجات في ذلك سواء اه . ثم محل كون الحيوان للرجل ما لم يكن الرجل معروفاً معها بالفقر قال ابن عرفة : والإبل والبقر والغنم إلا أن تقوم بينة للمرأة أو كان الرجل معروفاً معها بالفقر وهي معروفة بالغنى ينسب ما كان كذلك إليها ، ولو بالسماع ، ويقول عدول الجيران فهو للمرأة وإن لم تكن شهادة قاطعة اه . ومحل كون القول للمرأة فيما شأنه للنساء ما لم يكن ذلك في حوز الرجل الأخص وما لم تكن معروفة بالفقر وإلاَّ فلا يقبل قولها في أزيد من قدر صداقها قاله ابن فرحون . وانظر أواخر الكراس الثالث من أنكحة المعيار في المرأة لا يعرف لها جهاز لا قليل ولا كثير وتدخل على جهاز امرأة كانت للناكح قبل هذه ويشتري الزوج بعد ذلك ما يعرف للنساء من حلى وثياب ثم ينزل موت أو فراق وتدعي ذلك قال : ليس لها شيء من ذلك إلا أن يعرف أنها خرجت به من بيتها أو تصدق به عليها أو أفادت مالاً وعرف ذلك واتضح وإلاَّ فلا شيء لها لأن الزوج يقول : أردت جمال بيتي وجمال امرأتي فإن قالت اكتسبته وجمعته فلا تصدق لأن النساء لا يعرفن بالتكسب اه . وانظر نوازل الدعاوى منه فيمن أشهدت أنها لم تترك إلا أشياء في بيتها فوجد فيه مال مدفون فإنه للزوج أو ورثته لأنها اعترفت أنها لمتترك إلا ما ذكرت . وانظر أنكحة البرزلي في المرأة تدعي ناضاً في التركة فإن قام دليل صدقها مثل بيعها أصلاً أو عرضاً يكون ثمنه مثل ذلك قبل قولها وحلفت ، ابن مزين : لا بد من حلفها وإن لم يكن الورثة إلا أولادها لأنها في معنى المنقلبة وإن لم يقم دليل كان القول قول الورثة لأنه يشبه كسبهما معاً . ومن الشيوخ من يراعي كون الناض في حكمها الخاص ككونه في صندوقها أم لا .
وَهُوَ لِمَنْ يَحْلِفُ مَعْ نُكُولِ
صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ
( وهو ) مبتدأ عائد على القول ( لمن يحلف ) خبره ( مع نكول صاحبه من غير ما تفصيل ) الظرف والمجرور يتعلقان بالاستقرار أو حالان من ضميره وما زائدة ، وإنما كان القول للحالف مع نكول صاحبه لأن النكول كالشاهد فيحلف معه ويستحق .
تنبيهان . الأول : قال في طرر ابن عات سئل أبو عبد الله بن الفخار عن زوجة طلبت من زوجها نفقتها فقال لها الزوج في داره مائة ربع من دقيق ، وقالت المرأة ليس الدقيق لك إنما هو لي . فقال : القول قول الزوج ، وكذلك لو قامت المرأة تطلبه بكسوتها فقال الزوج : ما على ظهرك هو لي أن القول قول الزوج في ذلك . وقال ابن دحون : إن القول قول الزوجة في الكسوة لأنها ماسكتها وليس هي شيئاً موضوعاً في البيت كالدقيق اه .
قلت : والجاري على ما يرجح أن يكون القول للزوج إذ الكسوة مما يشبه أن تكون له إذ الشرع قاض بها عليه بل لو فرضنا أنها مما يشبه أن تكون لهما لكان القول له ، ولهذا لم يعرج صاحب المختصر ولا ابن عرفة على هذه المسألة إذ لا أقل أن تكون من أفراد ما يشبه أن يكون لهما والله أعلم ، وإنما أشار ابن عرفة إلى هذا الخلاف في باب الشهادات عند الكلام على ترجيح البينات فقال ما نصه : وإن طلبته امرأته بكسوتها فقال لها : الثوب الذي عليك هو لي ، وقالت :بل هو لي . ففي كون القول قولها أو قوله نقل الطرر عن الاستغناء فتوى ابن دحون وابن الفخار حكاهما أبو القاسم البونياني ، واختار الأول وهما مبنيان على اعتبار كونها في حوز الزوج أو حوزها في نفسها اه بلفظه ، ولم يعرج على هذا النقل في الاختلاف في متاع البيت ولا في النفقات كما مرّ .
الثاني : إذا علم أصل ملك الكسوة للزوج كما لو ابتاع الرجل كسوة لزوجته أو اشترتها لنفسها من ماله وهو لا ينكر ذلك ، فأما أن يتفقا على أنها من الكسوة الواجبة عليه لها أو يدعي هو أنها الواجبة وتدعي هي أنها هدية فالأول هو قول ( خ ) في النفقات وردت النفقة لا الكسوة بعد أشهر الخ . والثاني فيه خلاف فقيل ينظر للزوج إن كان مثله يهدي لزوجته فالقول لها وإلاَّ فقوله . وقيل القول قولها مطلقاً ، وقيل قوله مطلقاً لأنه يقول : أردت أن أجمل زوجتي وأحليها قال في الاستغناء : وهو أحسن . وقيل : إن ابتذلته المرأة باللباس وامتهنته فقوله : وإلاَّ فقولها قال في الطرر ، وبه العمل وعليه عول الناظم في التداعي في الطلاق حيث قال : فالقول قول زوجة في الأنفس الخ . لكن سيأتي عن الشاطبي هناك أن الصحيح في المذهب أن القول للزوج في الأنفس والقول لها في الممتهن كالوجه الأول الذي في ( خ ) .
قلت : وهذا هو الذي يجب اعتماده لأن الثوب حيث علم أن أصله للزوج فلا يخرج من يده إلا على الوجه الذي يقصده والزوجة في ذلك مدعية ، ولذا قال في الاستغناء إنه الأحسن كما مرّ ، وعول عليه في المعيار كما رأيته قبل هذا البيت ويؤيده ما تقدم في قوله :
ومدع إرسالها كي تحتسب
من مهرها الحلف عليه قد وجب
كما لا يخفى وأما إن ادعى هو العارية وادعت هي الهدية فكذلك أيضاً لأن الأصل عدم خروج ملكه من يده إلا على الوجه الذي يقصده ، وبالجملة فلا فرق بين أن يدعي هو الكسوة الواجبة أو العارية ، فالراجح في ذلك كله قول الزوج وإن كان في الشامل صدر بمقابله فلا ينبغي التعويل عليه والله أعلم .
فصل في إثبات الضرر والقيام به وبعث الحكمينقال ابن سلمون : وإذا ترددت المرأة بشكوى ضرر زوجها بها أمر جيرانها بتفقد أحوالها فإن لم يكن في الجيران من تجوز شهادته أمره بالسكنى بين قوم صالحين ولا يلزمه أن ينقلها من سكنى البادية إلى الحاضرة ، ولكن يأمره بإسكانها حيث يجاورها من يشهد لها ، وكذلك إن كان في طرف الحاضرة أمره بالسكنى بها في موضع يتبين فيه حالها ، وكذلك إن اشتكت الوحشة ولم تشتك الضرر فعليه أن يضمها إلى موضع مأنوس إلا أن تكون عرفت ذلك ودخلت عليه فلا يلزمه نقلها فقوله : حيث يجاورها من يشهد لها الخ . يريد تنقل للمحل الذي يوجد فيه من يصلح للشهادة ، ففي ابن عرفة عن ابن فتحون إن كانت بطرف الحاضرة وليس حولها من يرضىنقلت عنه لمن يرضى ، وكذلك إن اشتكت ضرره وهي بالبادية لم يلزمه نقلها للحاضرة إلا أن لا يكون حولها من البادية من يرضى وتكون الحاضرة أقرب . وقال في المتيطية : إن ضربها ضرباً خفيفاً لغير الأدب لا قيام لها حتى يتكرر ذلك من فعله مراراً أو يكون الضرب فاحشاً إذ الضرب الخفيف لا يكاد يسلم منه الأزواج فصار كالمدخول عليه . وعن ابن القاسم قد تستوجب الضرب الوجيع بالذنب ترتكبه ، وذلك إذا كان الذنب معروفاً قال : وقد شج عبد الله بن عمر زوجه صفية فلا تكون الشهادة بالضرر أو بالضرب حتى يقول الشهود إنه ضربها أو أضر بها في غير ذنب تستوجبه ثم قال : وقد ضرب الزبير أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لكونها كانت تخرج بغير إذنه ضرباً وجيعاً فشكت بذلك إلى أبيها فقال لها : اصبري فإن الزبير رجل صالح ، ولعله يكون زوجك في الآخرة فإنه بلغني أن الرجل الصالح إذا ابتكر امرأة تكون له زوجاً في الجنة اه باختصار .
وَيَثْبُتُ الإضْرَارُ بالشُّهُودِ
أَوْ بِسَمَاعِ شَاعَ فِي الْوُجُودِ
( ويثبت الإضرار ) فعل وفاعل ( بالشهود ) يتعلق به ( أو بسماع ) معطوف على ما قبله يليه ( شاع ) فاعله ضمير يعود على السماع ( في الوجود ) يتعلق بشاع والجملة صفة لسماع ، ومعناه أن ضرر أحد الزوجين للآخر يثبت بأحد أمرين إما بشهادة عدلين فأكثر بمعاينتهم إياه لمجاورتهم للزوجين أو لقرابتهم منهما ونحو ذلك ، وإما بالسماع الفاشي المستفيض على ألسنة الجيران من النساء والخدم وغيرهما بأن فلاناً يضر بزوجة فلانة بضرب أو شتم في غير حق أو تجويع أو عدم كلام أو تحويل وجهه عنها في فراشه كما في المتيطية قال مالك : وليس عندنا في قلة الضرر وكثرته شيء معروف .
تنبيهان . الأول : لا بد أن يضمن الشهود في الوجهين أنهم لا يعلمون أن المضر منهما رجع عن الإضرار بصاحبه وأقلع عنه وإلا لم تعمل كما في المعيار وغيره فإن ادعى الزوج أنها مكنته من نفسها بعد قيامها بالضرر وصدقته سقط حقها كانت جاهلة أو عالمة فإن ادعت الجهل لم يعذر قاله في المتيطية .
قلت : وينزل منزلة التصديق ثبوت الخلوة بينهما برضاها بعد القيام لأن القول لمدعي الوطء فيها كما يظهر ذلك من كلامها وهو ظاهر .
الثاني : لا يشترط ههنا في شهادة السماع أن ينصوا في وثيقته عن الثقات على المشهور قاله ابن رحال بخلاف غير الضرر فلا بد منه كما مر ، وما ذكره هو الذي يفيده كلام المتيطية ونصها . ويجزي عند ابن القاسم عدلان على السماع الفاشي من لفيف الناس والجيران بذلكوتكثير الشهود أحب إليه هذا هو المشهور من المذهب ، وبه العمل . وحكى حسين بن عاصم : إنه لا تجوز شهادة السماع إلا عن العدول إلا في الرضاع فيجوز أن يشهد العدلان عن لفيف القرابة والجيران من النساء وهو أحسن لأنه لا يحضره الرجال في الأغلب ، ثم قال : ولا يجوز في السماع بالضرر شهادة النساء وحدهن لأن الطلاق من معاني الحدود فلا تجوز فيه شهادة النساء اه . وانظر ما تقدم في شهادة السماع ، ومفهوم النظم أنه لا يثبت بغير هذين الأمرين ولو شرطت عليه في أصل العقد أو بعده أنها مصدقة في الضرر الذي تدعيه بغير يمين ، وفي ذلك تفصيل تقدم في فصل فاسد النكاح . وحاصله ، إن كان بعد العقد لزم شرطها اتفاقاً وإن كان في صلب العقد فقال سحنون : أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء ولا تصدق فيه بعد الدخول إلا ببينة ونحوه لابن دحون ، وظاهر النظم أنه الراجح لأنه جعل ثبوته بين الأمرين فقط ، ولابن عبد الغفور أنه يلزمه الشرط حيث جعله لها فيه وفي الرحيل والزيارة دون المغيب ، والظاهر من وثائق ابن فتحون أن المغيب كالضرر انظر ابن سلمون في فصل الشروط في النكاح ، ومفهوم قولهم بغير يمين أنه بيمين يعمل بشرطها قولاً واحداً فتأمله .
وَإنْ تَكُنْ قَدْ خَالَعَتْ وَأَثْبَتَتْ
إضْرَارَهُ فَفِي اخْتِلاَعٍ رَجَعَتْ
( وإن تكن ) شرط ( قد خالعت ) خبر تكن ( وأثبتت ) معطوف على ما قبله يليه ( إضراره ) مفعول بأثبتت وفاعله ضمير الزوجة ( ففي اختلاع ) يتعلق بقوله ( رجعت ) والجملة جواب الشرط دخلت عليه الفاء واختلاع مصدر بمعنى المفعول أي المخالع به ، والمعنى أن الزوجة إذا خالعت زوجها على شيء دفعته له ثم أثبتت بعد ذلك إضراره بها ببينة القطع أو السماع فإنها ترجع بما خالعته به إن لم يكن عند الزوج مدفع فيما أثبتته من كونه اختلى بها طائعة بعد قيامها أو كونها مكنته من نفسها أو تجريحه البينة الشاهدة بضررها ونحو ذلك ، والطلاق لازم على كل حال وإذا لم يجد الزوج مدفعاً واحتج بأن الزوجة قد أشهدت في رسم الخلع أنها فعلت ذلك طيبة النفس به فلا ينتفع بذلك لأن ثبوت الإكراه يسقط حجته كما أنه لا ينتفع بمجرد دعواه أنها مكنته من نفسها بعد القيام بالضرر ، وقبل عقد الخلع وإنما عليها اليمين لرد دعواه . وظاهر النظم أن لها الرجوع وإن لم تسترع قبل عقد الخلع وهو كذلك إن قامت لها بينة لم تعلمها وقت الخلع اتفاقاً ، وكذا إن علمت بها على الأصح لأن ضرره يحملها على الاعتراف بالطوع ، وإذا استرعت فلا حجة للزوج عليها في إسقاطه في وثيقة الخلع ( خ ) : ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة على الأصح .وبالْيَمِينِ النَّصَّ فِي المُدَوَّنَهْ
وقَالَ قَوْمٌ مَا الْيَمِينُ بَيِّنَهْ
( وباليمين ) يتعلق بمحذوف خبر عن قوله : ( النص في المدونة ) والباء بمعنى ( مع ) والتقدير والنص في المدونة رجوعها مع اليمين إن خلعها لم يكن إلا للإضرار فهي في الحقيقة يمين تهمة لأنها تتهم أن تكون دفعت ذلك عن طيب نفس أي لكراهيتها المقام معه لا للإضرار . قال ابن سلمون : وهذه اليمين ذكرها ابن فتحون في كتابه وهو على مذهب المدونة الخ . فظاهره التعليل أنها واجبة مع رجوعها بشهادة السماع أو القطع كما هو ظاهر النظم ، وأما اليمين لتكميل النصاب لكون السماع لا يستقل بدون يمين لضعفه ولكون القطع لا يصح ههنا فيستظهر بيمين على باطن الأمر لأنهم يقولون ولا يعلمون أنه رجع الخ . فمستفادة مما مر في فصل شهادة السماع ومن قوله فيما مر : وغالب الظن به الشهادة . فتبين أنه لا بد من يمينين مع كل من الشهادتين يمين لتكميل النصاب فيما قامت بهما قبل الخلع أو بعده ، وقد تقدمت ، ويمين لدفع التهمة وهي المقصودة ههنا ، ولا تكون إلا عند إرادة الرجوع وهي محل الخلاف المشار له بقوله : ( وقال قوم ) فعل وفاعل ( ما ) نافية ( اليمين ) مبتدأ ( بينه ) خبره وهذا الخلاف جار على الخلاف في لحوق يمين التهمة وعدم لحوقها هذا هو الظاهر والله أعلم .
تنبيهان . الأول : قال في المتيطية في باب الشروط : ولو أن الخلع انعقد بينهما على حميل أخذه الزوج بما أعطته الزوجة ثم انفسخ ذلك عنها لثبوت الضرر بها فقال ابن العطار وأبو عمران : يرجع الزوج على الحميل لأن الإكراه إنما ثبت للزوجة لا للحميل ولا رجوع له على الزوجة بشيء . وقال ابن الفخار وغيره : لا رجوع له على الحميل لأنه بثبوت الضرر تبين أنه تحمل للزوج بما لا يحل له أخذه فلو ألزمناه ذلك لأبحنا أكل المال بالباطل وذلك مبني على الخلاف في الحمالة بالبيع الفاسد ، وجواب ابن العطار جار على مذهب أشهب لأنه أدخل الزوجفي زوال عصمته لأنه يقول : لولا أنت لكنت أتوب عن ضررها وآخذ بخاطرها . وجواب ابن الفخار جار على مذهب ابن القاسم ، وسواء على مذهبه علم الحميل بالضرر أو لم يعلم لأنه إن لم يعلم يقول : إنما تحملت في موضع يجب لي به الرجوع عليها ، وإن علم يقول : إنما تحملت لأني علمت أن ذلك باطل لا يجب للزوج به شيء وبما لابن الفخار استمر العمل والقضاء اه من النهاية باختصار ، وهو ظاهر بل صريح في أن الحمالة هنا على أنه إن أدى رجع به على المضمون عنه ، وأما إن تحمل بذلك على معنى أنه إن رجعت الزوجة لثبوت ضرر ونحوه فهو الذي يغرم ذلك من ماله الخاص به فلا إشكال في لزوم ذلك كما مر عند قول الناظم ويسقط الضمان في فساد الخ . وانظر ابن سلمون في فصل نكاح المتعة قبل إنكاح الأب ابنته الثيب ، وانظر ما تقدم عن البرزلي في باب الصلح ، وعبارة ابن سلمون في الطلاق ما نصه ، فإن عقد الخلع على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك ؟ أقوال . الأول : أنه يرجع عليه وإن لم يضمن له لأنه هو الذي أدخله في الطلاق وهو قول ابن القاسم ، وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة وقول أصبغ في الواضحة والعتبية .
الثاني : أنه لا رجوع له عليه إلا أن يلتزم الضمان وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في إرخاء الستور ، وقول ابن حبيب أيضاً . والثالث : أنه إن كان أباً أو ابناً ومن له قرابة للزوجة فهو ضامن وإلاَّ فلا ، وهو قول ابن دينار وإن عقدته المرأة وضمن للزوج وليها ما يلحقه من درك في الخلع المذكور ثم ظهر ما يسقط التزامها من ثبوت ضرر أو عدم أو غير ذلك ، ففي ذلك قولان : أحدهما أن الضامن يغرم ما التزمه للزوج ، والثاني أنه لا شيء عليه وكذلك البيع الفاسد اه . وقال في المتيطية في باب الخلع ما نصه : فإن أخذ الزوج على المرأة ضامناً فيما التزمت له من نفقة الأولاد أو أسقطته عنه ، ثم أعدمت أو ثبت أنها في ولايته أخذ الزوج بإجراء النفقة على بنيه وطالب الحميل بغرم ما يرجع به عليه وهذا في العدم ، وأما إن ثبت أنها في ولاية فعن ابن الماجشون أنه إن لم يعلم الزوج بسفهها فحقه على الحميل وإن لم يعلم بذلك الحميل لأنه أي الحميل دخل فيما لو شاء كشفه لنفسه ، وإن كان الزوج عالماً بذلك لم يكن له سبيل إلى الحميل ولا إليها علم الحميل بذلك أم لا . لأن الزوج قصد الدخول فيما لا يصح له . وقال أصبغ في كتاب الكفالة من العتبية : يلزم الحميل ما تحمله عنها لزوجها قال : وتعقد في هذا الفصل وضمن فلان للزوج فلان غرم ما لحقه من درك فيما أسقطته فلانة عنه أو التزمت له في هذا الكتاب ضماناً لازماً لماله وذمته ألزم نفسه ذلك وقضى عليها به بعد معرفته بقدره وعلى ما ذكر من الالتزام والإسقاط والضمان طلق الزوج المذكور زوجه المذكورة على سنة الخلع وحكمه شهد الخ . انتهى بلفظ النهاية . فهذه الوثيقة دالة على أن له الرجوع على الحميل مطلقاً حيث رجعت الزوجة عليه ، وما تقدم عنها إنما هو في الحمالة لا في الحمل كما مرّ ، فهما مسألتانكما تقدم ، وسواء نص في الوثيقة على أن الطلاق وقع على الإلزام والإسقاط والضمان كما قال أم لا . لأن ذلك هو مقصود الزوج والنص عليه إنما هو للاحتياط . واقتصر ابن يونس وابن فتحون على قول أصبغ وكذا الونشريسي في طرر الفشتالي ، وقد استبعد ابن رشد قول ابن الماجشون كما مرّ في الضمان ، وذلك يدل على أن الراجح قول أصبغ كما تقدم ، وهذه المسألة يكثر النزاع فيها فلذلك أطلنا فيها ههنا وفيما تقدم والله أعلم .
كَذَا إذَا عَدْلٌ بالإضْرَارِ شَهِدْ
فالرَّدُّ لِلْخُلْعِ مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ
( كذا ) خبر لمبتدأ مضمر أي الحكم كذا ، والظاهر أنه حال من ضمير اعتمد آخر البيت ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( عدل ) فاعل بفعل محذوف يفسره شهد ( بالإضرار ) متعلق بقوله ( شهد فالرد ) مبتدأ ( للخلع ) يتعلق به وهو بمعنى المخالع به ( مع الحلف ) حال ( اعتمد ) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ والجملة جواب الشرط وهي مؤكدة لما أفاده التشبيه على الإعراب الأول ، وقوله : شهد أي بالقطع إذ السماع لا يثبت بأقل من عدلين ، وقوله : مع الحلف أي لتكميل النصاب وللاستظهار ولدفع التهمة فتحلف ثلاثة أيمان أن الضرر حق وأنه ما رجع عنه إلى وقوع الخلع وأنها ما دفعت المال إلا للإضرار وهذا هو الذي يوجب ما مر ولم أقف على نظير لهذه الأيمان الثلاث ، ثم إن المرأتين بمنزلة العدل في ذلك لأن النزاع في المال ، وأما الطلاق فماض على كل حال كما قال :
لأنَّ ذَاكَ رَاجِعٌ لِلْمَالِ
وَفُرْقَةٌ تَمْضي بِكُلِّ حَالِ
( لأن ذاك راجع للمال ، وفرقة تمضي بكل حال ) . ( خ ) : ورد المال بشهادة سماع على الضرر ويمينها مع شاهد أو امرأتين ولا يضرها إسقاط البينات المسترعاة على الأصح وبكونها بائنة لا رجعية أو لكونه يفسخ بلا طلاق أو لعيب خيار به . قال البرزلي : ويجوز الاسترعاء في الضرر ولا يحتاج إليه إلا في إسقاط اليمين خاصة اه .
وَحَيْثُما الزَّوْجَةُ تُثْبِتُ الضَّرَرْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بِهِ شَرْطٌ صَدَرْ
( وحيثما ) اسم شرط ( الزوجة ) فاعل بفعل محذوف يفسره ( تثبت الضرر ) مفعول به ( ولم يكن ) جازم ومجزوم ( لها ) خبرها مقدم ( به ) يتعلق بالاستقرار في الخبر وضميره للضرر على حذف مضاف أي ينفيه ( شرط ) اسمها مؤخر ( صدر ) صفة والجملة من لم يكن الخ حال .
قِيلَ لَهَا الطَّلاَقُ كَالْمُلْتَزِمْ
وَقِيلَ بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَكَمْ( قيل ) مبني للمجهول ونائبه الجملة المحكية بعدها التي هي قوله : ( لها الطلاق ) مبتدأ وخبر ( كالملتزم ) بفتح الزاي حال من الطلاق ومعموله محذوف أي حال كون الطلاق كالطلاق الملتزم أي المشترط في عقد النكاح والجملة من قيل ومحكيه جواب الشرط . ( وقيل ) معطوف على قيل الأول ( بعد ) يتعلق بمحذوف دل عليه ما قبله أي وقيل لها الطلاق بعد ( رفعه ) مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله وضميره للزوج ( للحكم ) بفتح الكاف لغة في الحاكم يتعلق بما قبله .
وَيَزْجُرُ القَاضِي بِمَا يَشَاؤُهُ
وَبالطَّلاَقِ إنْ يَعُدْ قَضَاؤُهُ
( ويزجر ) بالنصب عطف على المصدر المذكور عملاً بقول الخلاصة :
وإن على اسم خالص فعل عطف
تنصبه أن ثابتاً أو منحذف
ومعمول يزجر محذوف أي يزجره ( القاضي ) فاعل ( بما ) يتعلق بيزجر ( يشاؤه ) صلة ما ( وبالطلاق ) خبر مقدم ( إن يعد ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه ( قضاؤه ) مبتدأ مؤخر ومعنى الأبيات الثلاث أن الزوجة التي في العصمة إذا أثبتت ضرر زوجها بها بشيء من الوجوه المتقدمة والحال أنها لم يكن لها بالضرر شرط في عقد النكاح من أنه إن أضرَّ بها فأمرها بيدها فقيل لها إن تطلق نفسها بعد ثبوت الضرر عند الحاكم من غير أن تستأذنه في إيقاع الطلاق المذكور أي لا يتوقف تطليقها نفسها على إذنه لها فيه ، وإن كان ثبوت الضرر لا يكون إلا عنده كما أن الطلاق المشترط في عقد النكاح أي المعلق على وجود ضررها لها أن توقعه أيضاً بعد ثبوته بغير إذنه وظاهره اتفاقاً . وقيل : حيث لم يكن لها شرط به لها أن توقع الطلاق أيضاً ، لكن بعد رفعها إياه للحاكم وبعد أن يزجره القاضي بما يقتضيه اجتهاده من ضرب أو سجن أو توبيخ ونحو ذلك . ولم يرجع عن إضرارها ولا تطلق نفسها قبل الرفع والزجر ، وفهم من قوله : قضاؤه أن الطلاق بيد الحاكم فهو الذي يتولى إيقاعه إن طلبته الزوجة ، وامتنع منه الزوج وإن شاء الحاكم أمرها أن توقعه فعلى هذا القول لا بد أن يوقعه الحاكم أو يأمرها به فتوقعه ، وإذا أمرها به فهي نائبة عنه في الحقيقة كما أنه هو نائب عن الزوج شرعاً حيث امتنع منه قال في عيوب الزوجين من المتيطية : فإذا ثبت ذلك العيب بإقراره أو الكشف عنه طلقها عليه الإمام ولا يفوض ذلك إليها هذا هو المشهور من المذهب . وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنها توقع الطلاق دون أمر الإمام قال بعض الموثقين : والأول أصوب اه بلفظ النهاية . وهذا الخلاف الذي في العيب هو الخلاف الذي في الطلاق بالضرر أو بالإيلاء أو بالفقد أو بالعتق تحت العبد أو عسر النفقة ونحو ذلك كما في ( تت ) وغيره من شراح المتن ، ولذا قال ابن عرفة في عيوب الزوجين أثر ما مرّ عن المتيطي ما نصه ، ابن سهل : في كون الطلاق بعدم النفقة أو غيره إن أباه الزوج للحاكم أو للمرأة قولا أبي القاسم بن سراج وابن عتاب محتجاً برواية أبي زيد عن ابن القاسم من اعترض فأجلسنة فلما تمت قالت : لا تطلقوني أنا أتركه لأجل آخر فلها ذلك ثم تطلق نفسها متى شاءت بغير سلطان الخ . وقال الجزيري بعد وثيقة الاسترعاء بالضرر ما نصه : فإذا ثبت هذا العقد وجب للمرأة الأخذ بشرطها بعد الإعذار للزوج ، واختلف إن لم يكن لها شرط فقيل : لها أن تطلق نفسها كالتي لها شرط وقيل : ليس لها ذلك ، وإنما ترفع أمرها إلى السلطان فيزجره ولا يطلق عليه حتى ترفع مرة أخرى فإن تكرر ضرره طلق عليه اه . وبالجملة فالقول الأول في كلام الناظم هو ما رواه أبو زيد عن ابن القاسم واحتج به ابن عتاب في بعض فتاويه ، وصوبه ابن مالك ورجحه ابن سهل فقف عليه فيه ، وعليه عول الناظم في النفقات حيث قال : وباختيارها يقع الخ . ووقعت نازلة من هذا المعنى في حدود الأربعين بعد المائتين والألف في امرأة غاب زوجها وأثبتت عدم النفقة فأجلها القاضي شهراً فلما تم الشهر حلفت بعدلين كما يجب وطلقت نفسها بغير أمره واعتدت وتزوجت ، وبعد ذلك اطلع الإمام على فعلها فأراد فسخ النكاح محتجاً بما للمشهور ووافقه كل من شاور من فقهاء الوقت وخالفتهم في ذلك وقلت لهم : لا سبيل إلى ذلك لأن النكاح المختلف فيه يفسخ بطلاق احتياطاً للفروج ومراعاة لمن يقول بصحته ، فكذلك الطلاق المختلف فيه يراعى لزومه للاحتياط ، ولما مر عن أبي زيد وابن عتاب . ألا ترى أن ابن عرفة جعل كونه للمرأة مقابلاً ولم يقيده بكونه بعد إذنه لها لأن من فعل فعلاً لو رفع إلى الإمام لأسنده إليه على القول به المشار له بقول ( خ ) وإلاَّ فهل يطلق الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم الخ . ففعله ماض ولما في السماع من أن المرأة إذا تزوجته على أنه حر فإذا هو عبد فلها أن تختار قبل أن ترفع إلى السلطان اه . ابن رشد : قوله لامرأته أن تختار قبل الرفع يريد أنها إن فعلت جاز ذلك إن أقر الزوج بغروره فإن نازعها فليس لها أن تختار إلا بحكم اه . نقله ابن عرفة . فهذا صريح في أن ما للمشهور ليس على سبيل الشرطية في صحة الطلاق ، بل إنما يطلب ذلك ابتداء . وطلاقها نفسها قبل الرفع معمول به إن وقع ، بل الظاهر أنه معمول به ولو لم يقر بالضرر أو بالغرور ونحو ذلك إذ غايته أنه إذا لم يقر وادعى البحث في شهود الضرر والعيب ونحوهما بجرحة أو غيرها مكن فإن أثبت ذلك وعجزت المرأة عن الطعن فيه فالطلاق مردود لأنه لم يقع في محله الشرعي وإن عجز عن إثبات ذلك فالطلاق ماض فتوقف القاضي بعد ذلك أياماً ثم وقف على كلام القباب الذي نقله الشارح و ( م ) ههنا وأن ابن رحال استظهر لزوم الطلاق ، وكذا قال سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه على المختصر : وأن المرأة إذا طلقت نفسها من غير رفع للحاكم فلا يبطل طلاقها قال : كمن قتل قاتل وليه قبل الرفع اه . فأمرها القاضي حينئذ بالبقاء تحت زوجها الثاني الذي كان عزلها منه والله أعلم .
تنبيهات . الأول : إذا كان للرجل زوجتان فأكثر وطلبت إحداهما الانفراد بدار لأنها تتضرر بالاجتماع مع ضراتها ، وزعم أنه لا يثق بها فالقول قوله ولا تجاب لما طلبت لفساد الزمان ، وحينئذ فإذا سكن بين قوم صالحين فللزوج أن ينتقل بضراتها معها ولا مقال لها . نص على ذلك غير واحد من شراح المتن . وقال بعض من حشاه هو الذي عليه العمل قال : ولا فرق بين البوادي والحواضر ، ويكفيه أن يخص كل واحدة ببيتها اه . وبهذا كنت أحكم حين ولايتي القضاء بفاس صانها الله من كل باس ، وكنت أقول للزوجة الطالبة للانفراد إن أضرت بك ضرتك فارفعيها للحاكم اه .الثاني : علم مما مر أنها لا تطلق نفسها على القول به ولا يطلقها الحاكم أيضاً على مقابله إلا بعد الإعذار للزوج فيما ثبت عليه وعجزه عن الطعن فيه ، فإن طلقت نفسها أو طلق الحاكم قبل الإعذار له فقد قال ابن عبد الصادق في شرحه المذكور ما نصه : وأما الزوجة إذا أثبتت الضرر وطلقت نفسها فإن بحث زوجها بعد طلاقها في الشهود وجرحهم مثلاً فطلاقها مردود اه . وكذا يقال في تطليق الحاكم عليه قبل الإعذار والله أعلم . كما استظهرناه آنفاً ونحو هذا في اختصار المتيطية فيما إذا كان لها به شرط قال فيه : وإذا طلقت المرأة نفسها دون إذن الحاكم ثم قدم الزوج لزمه ما فعلته إن كان مقراً بالشرط والمغيب ، فإن أنكره وثبت الشرط المذكور بشهود الطلاق أو غيرهم لزمه أيضاً فإن جرح البينة وقد تزوجت ردت إليه .
الثالث : لا بد من تكرار الضرر حيث كان أمراً خفيفاً فإن كان ضرباً فاحشاً كان لها التطليق به ولو لم يتكرر كما مر أول الفصل عن المتيطية وقول ( خ ) ولها التطليق بالضرر ولو لم تشهد البينة بتكرره لا يعول عليه ، بل لا بد من التكرار حيث كان خفيفاً كما مر . ولذا قال بعضهم : هو على حذف الصفة أي : ولها التطليق بالضرر البين أي الفاحش ، والقول الثاني في النظم صريح في اشتراط التكرير إلا أن ظاهره أنه لا بد من الزجر والتكرار ولو كان بيناً فاحشاً وليس كذلك كما في النقل . قال ابن عبد الصادق المذكور معترضاً على ظاهر لفظ ( خ ) ما نصه : والعجب كيف تطلق المرأة نفسها بالمرة الواحدة من تحويل وجهه عنها وقطع كلامه ومشاتمته إلى غير ذلك مما عدوه من الضرر بالمرة الواحدة إذ لا يخلو عنه الأزواج مع أن مسائل مبنية على ثبوت التكرار كالسكنى بين قوم صالحين وبعث الحكمين واختبارهما أمور الزوجين المرة بعد المرة قال : وقد نزلت فاحتج بعض المفتين بظاهر ( خ ) وخالفه غيره فعظم الأمر حتى وصل إلى أمير الوقت فحكم بأنه لا بد من التكرار .
الرابع : في البرزلي : أن ابن عرفة سئل عن الهاربة عن زوجها من جبل وسلات على نحو من البريدين من القيروان وتذكر أن زوجها يضربها وتريد خصامه وتخشى على نفسها إن عادت إليه بعد الفرار أن يقتلها ، فيكتب الحاكم لمن يزعج الزوج فتارة يأتي جواب المبعوث إليه بالإزعاج للخصم بخط غير معروف ولفظ غير محصل ، وتارة لا يصل الجواب ، وتارة يذكر أن الزوج تعصب أو فرّ ويتعذر الجواب بالكلية فيطول أمر المرأة وتريد أن تقطع على زوجها بعدم النفقة وكيف إن فرت غير ذات الزوج إلى المدينة المذكورة من الجبل المذكور وتريد التزوج وهي من ذوات الأقدار ولها ولي بالجبل المذكور فهل للحاكم أن يزوجها ؟ فأجاب : حاصل أمر المرأة أنها بمحل لا تناله الأحكام الشرعية غالباً ، فهو حينئذ كغائب عنها لم يترك لها نفقة أو حاضر قادر على الإنفاق وعجز عن أخذه منه كرهاً وأيّاً ما كان فللزوجة القيام بموجب التطليق للضرر وفرارها منه بعد تزويجه إياها بذلك المحل لا يبطل حقها لوجهين . الأول حرمة المقام بذلك المحل . الثاني : أن رضاها به أولاً لا يسقط قيامها به ثانياً كرضاها بإثرة عليها أولاً لا يمنع قيامها ثانياً ونحو ذلك ، وأما مسألة الولي فلا بد من الكتب والإعذار إليه والتلوم إن أمكن دون عسر وضرر طول وإلا سقط وزوّجها الحاكم اه باختصار . ثم ذكر عن ابن رشد نحوه قائلاً : الذي استقريته من أحوال قرى القيروان حين كنت مقيماً بها أنها لا تنالها الأحكام ، فأرى أن لا تمكنالهاربة من زوجها إلى الخروج إلى القرى وإلى الجبال التي حولها نحو جبل وسلات وجبل ضراوة وجبل السرج ، وقد وقع شيء من هذا وهربت امرأة فمكنها القاضي من زوجها وردها لقريتها فقتلها في الطريق اه .
قلت : ومثله في الجبال التي حول فاس ونواحيها في وقتنا لتعذر الأحكام فيها فيجري حكمها على ما تقدم في جبل القيران وقراها كما شاهدناه في وقتنا هذا والله أعلم .
الخامس : قال في المتيطية : فإن ضربها وزعم أن ذلك على وجه التأديب لذنب أتته فإن كان مثله ممن يؤدب ويعتني بالأدب صدق ، وإن كان ليس من أهل الأدب ولا يعتني به فعليه البينة أنه إنما ضربها لذنب تستوجب به الضرب والقول قولها حينئذ أنه ظالم لها قال : فإن أنكر ضربها جملة وقامت لها بينة به كان لها الخيار فإن قال بعد ذلك كان لذنب أتته لم يقبل قوله لإنكاره الأول قال : وفي العتبية عن مالك فيمن حلف بطلاق زوجته ليجلدنها خمسين سوطاً فإنه يمنع من ضربها وتطلق عليه ، ونحوه حكى ابن حبيب في الواضحة أن من حلف بطلاق امرأته ليجلدنها أكثر من عشرة أسواط مثل الثلاثين أن السلطان يطلقها عليه إذا كان ذلك لغير شيء تستوجبه فإن لم يعلم بذلك حتى جلدها برّ في يمينه وعوقب بالزجر والسجن ولم تطلق عليه إلا أن يكون بها من الضرب آثار قبيحة لا يليق بمثلها فتطلق عليه للضرر إذا تفاحش ذلك وطلبت الفراق اه .
قلت : ما لم تذنب ما تستوجب به ذلك فقد نص ابن القاسم على ما رواه حسين بن عاصم أن المرأة قد تستوجب الضرب الوجيع بالذنب ترتكبه إذا كان الذنب معروفاً . وقد تقدم ذلك أول الفصل قال : ولو حلف بطلاقها ليجلدنها عشرة أسواط ونحوها خلى بينه وبينها وقد أساء . ولا تطلق عليه يريد ويصدق في أنها صنعت ما تستوجب به ذلك لا أنه يكون له ذلك دون سبب ، وكذلك من حلف بحرية عبده ليضربنه ضرباً يسيراً دون شيء أذنبه لم يمكن منه . وقال ابن أبي زيد : يمكن من ذلك وهو بعيد ولا يصح أن يقال ذلك في الحرة قال : ومن هذا المعنى لو حلف بطلاق امرأته الأخرى أو بحرية عبده ليجلدن هذه خمسين سوطاً فإن السلطان يحنثه إلا أن يثبت عليها أنها فعلت ما تستوجب به ذلك ولو كانت يمينه على ذلك بالله أو بصيام أو بمشي وشبهه مما لا يقضي به فأبت المرأة أن تذهب معه مخافة أن يضربها ليسقط عن نفسه ما حلف عليه ، فلها ذلك من أجل أنه لا يؤمن عليها ويطلقها الحاكم طلقة بائنة اه . وسئل سحنون عن المرأة تشتكي أن زوجها يضربها وبها أثار ضرب ولا بينة على معاينة ضربه قال : يسئل عنها جيرانها فإن قالوا شأنه لا ينزع عن ظلمها أدبه وحبسه فإن سمع الجيران الصياح منها ولم يحضروا ضربه إياها أدبه أيضاً لأن هذه الآثار لو كانت من غيره لشكا هو ذلك وأنكره اه . فعلم منه أن العشرة أسواط فما دونها من الخفيف الذي لا بد فيه من التكرار حيث ادعى هو ما يوجب ذلك ، وهذا ما لم تحصل منه آثار قبيحة كما مرّ .
السادس : قول الناظم تثبت الضرر أي في بدنها كما مر ، وأما إن أضر بها في مالها ولم يكن لها عليه فيه شرط نهي عن ذلك وأغرم ما أخذه منه فإن عاد بعد النهي عاقبه السلطان ولم يطلق عليه ، وإن تكرر إضراره اه . وقد تحصل أنه إن أضر بها في بدنها فلها التطليق من غيررفع للحاكم إذا كان لها به شرط وثبت الضرر عند الحاكم ولم يجد الزوج فيه مطعناً وإن لم يكن لها به شرط فقولان . أصحهما لا بد من الرفع فإن طلقت نفسها بدون رفع مضى طلاقها كما مر ، وحيث كان الضرر في بدنها فالكلام لها وإن سفيهة مولى عليها ولا كلام لوليها إلا بتوكيل منها وإن كان الضرر في مالها فالكلام له لا لها والله أعلم .
السابع : إذا اشترطت عليه الزوجة أن لا يغيب عنها نصف سنة مثلاً وإن فعل فأمرها بيدها فغزا العدو في عسكر مأمون يمكنه الرجوع منه قبل انقضاء مدة المغيب فهزم الجيش وأسر الزوج حتى مضى الأجل المعلق عليه فلا خيار لها لأنه معذور ، وكذا إن مرض أو سجن سجناً لا يقدر على دفع موجبه أو منعته فتنة أو فساد طريق حتى مضى الأجل بخلاف ما لو غزا في سرية فأسر أو سافر في بحر فتعذرت الرياح فينبغي أن لا يعذر لأنه غر بنفسه . انظر المتيطية وابن عرفة في مبحث الشروط .
وَإنْ ثُبُوتُ ضَرَرِ تَعَذَّرَا
لِزَوْجَةٍ وَرْفعُهَا تَكَرَّرَا
( وإن ) شرط ( ثبوت ضرر ) فاعل بفعل محذوف يفسره ( تعذرا ) أي وإن تعذر ثبوت ضرر في إقامة البينة عليه ( لزوجة ) يتعلق به . ورفعها ) مبتدأ خبره ( تكررا ) والجملة حال أي والحال إن رفعها للحاكم شاكية به تكرر .
فَالحَكَمَانِ بَعْدُ يُبْعَثَانِ
بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَىالْقُرْآنِ
( فالحكمان ) مبتدأ ( بعد ) يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( يبعثان ) بضم الياء مبنياً للمفعول ( بينهما ) يتعلق بالمبتدأ المذكور ، والجملة جواب الشرط أي فالحكمان بينهما يبعثان بعد تكرار شكواها ، وسؤال القاضي جيرانها عن أمرها إن كان فيهم عدول وأسكنها معهم وعمي أمرها . قال ابن سهل : إذا شكت الزوجة ضرر زوجها فالواجب أن تسئل بيان ضررها فلعله منعها من الحمام وتأديبها على ترك الصلاة فإن بينت ضرراً لا يجوز وقف عليه زوجها فإن أنكره أمرها بالبينة فإن عجزت وتكررت شكواها كشف القاضي عن أمرها جيرانها إن كان فيهم عدول فإن لم يكونوا فيهم أمر القاضي بإسكانها بموضع يكون له جيران عدول فإن كان من ضرره ما يوجب تأديبه أدبه وإن كان لها شرط في الضرر أمر لها بالأخذ به وإن عمي خبرها بعث الحكمين اه من ابن عرفة .
تنبيه : ظاهر كلامه ككلام الناظم وابن سلمون وغيرهم أنه لا يجب على الزوج ضمان الضرر حيث أمرهما بالإسكان مع قوم صالحين فما يفعله القضاة اليوم من إلزامه بذلك وسجنه إن لم يجده خطأ صراح إذ لا مستند له فيما علمت على أن الضرر لا يمكن استيفاؤه من ضامنه فإن كان المراد به ضامن الطلب كما قال ( خ ) وبالطلب وإن في قصاص الخ . فإنه يجب أن يبين ذلك للزوج وأنه إن عجز عنه لا يسجن لأجله إذ لا يسجن أحد فيما يترقب ثبوت ما يوجبه الحكمعليه . ولم أقف على من قال به ، وأما ضامن الفرض فهو من ضمان ما هو آيل للزوم كما قال ( خ ) بدين لازم أو آيل لكن لا يلزم إعطاء الضامن به بحيث إذا عجز عن إعطائه يسجن لأجله ، وإنما معنى كلام الأئمة إذا طاع المضمون عنه به صح الضمان ، ولم أقف أيضاً على من قال بإلزام الزوج بذلك قبل ترتب الفرض المذكور في ذمته ، إذ لا يصير ديناً عليه قبل مضي زمنه ، وحينئذ فلا يسجن لعجزه عن الضامن قبل ترتبه عليه ما لم يرد سفراً فيطلب بالكفيل حينئذ فإن فر طلقت عليه بعدم النفقة أو يباع ماله فيها إن كان له مال . ولا يقال المرأة لا يلزمها أن تمكنه من الاستمتاع إلا بضامن في نفقتها لأن الاستمتاع في مقابلة النفقة فيكون ذلك من باب قول ( خ ) وداين فلاناً ولزم فيما ثبت الخ . لأنا نقول إنما يكون لها منعها من نفسها إذا ثبت الضرر وأرادت القيام به كما مرّ والفرض ههنا أنه لم يثبت ومنعها من الاستمتاع حتى يعطيها ضامناً بنفقتها المستقبلة خلاف ظاهر كلام الأئمة ، وخلاف ظاهر قول ( خ ) وليس لها منع نفسها وإن منعته من الدخول والوطء بعده الخ . فإذا لم يكن لها منع نفسها فيما وجب لها الآن فأحرى فيما يجب في المستقبل فما يفعله القضاة اليوم من سجنه بالعجز عن ضامن الفرض المذكور لا مساعد له نقلاً . وانظر ( ح ) عند قوله في النكاح : أو على شرط يناقض المقصود يتبين ما ذكرناه ، وانظر أيضاً عنه قوله في النفقات ولها طلبه بنفقة المستقبل الخ . ( بمقتضى ) يتعلق بالخبر المتقدم ( القرآن ) أي حكماً من أهله وحكماً من أهلها .
إنْ وُجِدَا عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا
وَالْبَعْثُ مِنْ غَيْرِهِما إنْ عُدِمَا
( إن وجدا ) شرط فيما قبله حذف جوابه للدلالة عليه ( عدلين ) حال من نائب وجدا لأن الظاهر أنها لا تتعدى لاثنين ههنا ( من أهلهما ) حال بعد حال ( والبعث ) مبتدأ ( من غيرهما ) خبر أي كائن من غير أهلهما ( إن عدما ) بالبناء للمفعول شرط حذف جوابه للعلم به . وحاصله ؛ أن المرأة إذا تكررت شكواها بضرر زوجها فإن الحاكم يأمر جيرانها بتفقد أحوالها فإن لم يكن في الجيران من تجوز شهادته سكنهما بين قوم صالحين ولا تنقل للحاضرة كما مرّ أول الفصل ، وكذا الحكم إن تكررت شكواه بها فإن شهد الجيران الذين تجوز شهادتهم أو القوم الصالحون الذين سكنوا بينهم بضرره بها فهو ما مر قبل هذه الأبيات . وإن لم يشهدوا بشيء لكونهم أشكل عليهم أمرهما ولا زالت الزوجة تشتكي الضرر فإن الحاكم حينئذ يبعث حكمين فقيهين بذلك الأمر الذي ينظران فيه عدلين من أهلهما فإن عدم وجودهما من أهلهما أو وجدا ولكن كانا غير فقيهين أو غير عدلين أو عدلين فقيهين ، ولكن تعذر بعثها بعث حكمين فقيهين عدلين من غير أهلهما فيدخلان عليهما المرة بعد المرة ويجتهدان في الإصلاح بينهما ، ويخلو كل منهما بصاحبه إن كانا من أهلهما ويقول له : ما تنقم منها أو منه وإن كان لك غرض فيها رددناها إليك صاغرة أو رددناه ويذكرانهما ( خ ) : وسكنهما بين قوم صالحين إن لم تكن بينهم وإن أشكل أي دام الإشكالبعث حكمين من أهلهما إن أمكن وبطل حكم غير العدل إلى أن قال : وعليهما الإصلاح فإن تعذر فإن أساء الزوج طلقا بلا خلع ، وبالعكس ائتمناه عليها أو خالعا له بنظرهما وإن أساء فهل يتعين الطلاق بلا خلع أو لهما أن يخالعا بالنظر وعليه الأكثر تأويلان الخ . وانظر لو دام الإشكال بعد بعث الحكمين وطال الأمر ولا زالت الشكوى مترددة هل يخالعان بالنظر حيث لم تطلب عشرتهما أو يأتمناه عليها أو يرسل حكمين آخرين أو أمينة ، إذ ربما لم يتبين للحكمين الأولين حالهما لتقصيرهما أو لعدم معرفتهما بالقرائن ، إذ الضرر مما يعتمد فيه على الفراش ولا يعرفها إلا الفطن الناقد . وهذا هو الظاهر . وقوله : وبالعكس ائتمناه عليها أي ما لم يرد فراقها وإلا فرقا ولا شيء لها من المهر ، بل لو حكما عليها بأكثر من المهر جاز إن كان سداداً نقله ابن عرفة .
وَمَا بِهِ قَدْ حَكِمَا يُمْضىوَلا
إعْذَارَ لِلزَّوْجَيْنِ فِيمَا فَعَلاَ ( وما ) مبتدأ موصول ( به ) يتعلق بالصلة التي هي ( قد حكما ) وقوله : ( يمضى ) بالبناء للمفعول خبر ويحتمل أن يكون بفتح الياء وكسر الضاد مبنياً للفاعل بمعنى ينفذ ( ولا ) نافية للجنس ( إعذار ) اسمها ( للزوجين ) خبرها ( فيما ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ( فعلا ) صلة ما والعائد محذوف أي فعلاه . ابن عرفة عن الباجي : وحكمهما على وجه الحكم لا الوكالة فينفذ وإن خالف مذهب من بعثهما جمعاً أو فرقاً . ابن شاس وقيل : بل هما وكيلان . ابن عرفة : ودلالة ابن الحاجب على عدم نفوذه على القول بالوكالة لا أعلمه في المذهب بحال ، بل الجاري عليه غير ذلك حسبما يأتي إن شاء الله اه . وفي المقدمات لا إعذار لأحد الزوجين فيما حكم به الحكمان لأنهما لا يحكمان بالشهادة القاطعة ، وإنما يحكمان بما خلص إليهما من علم أحوالهما بعد النظر والكشف نقله ( م ) ونقله ابن عرفة بلفظ : لأنهما لا يحكمان في ذلك بالبينة القاطعة ، ومعناه والله أعلم أن الشارع جعل لهما أن يستندا لعلمهما فيما حكما به فليسا بشاهدين عند الغير بما علما حتى يعذر فيهما وإلاَّ فكل شاهد إنما يشهد بما خلص إليه من أمر المشهود به ، وفيه الإعذار على كل حال ، وهذا على القول الأول ، وأما على الثاني فإنهما نائبان عن القاضي كالموجهين للتحليف والحيازة ونحوهما فلا إعذار أيضاً كما مر ، وفهم من قوله : حكماً الخ . أنه لو انفرد أحدهما بالحكم بالطلاق أو بغيره لم ينفذ ولو اجتمعا عليه بعد وهو كذلك كما في ابن عرفة عن اللخمي وإن اجتمعا على الطلاق واختلفا في كونه على مال معلوم أو بلا شيء فإن لم تلتزم الزوجة للمال فلا طلاق وإن أوقعا أكثر من طلقة واحدة فلا تلزم إلا الواحدة .
فصل في الرضاع
هو لغة بفتح الراء وكسرها مع إثبات التاء وتركها من باب تعب في لغة نجد ، ومن باب ضرب في لغة تهامة وأهل مكة يتكلمون بهما قاله في المصباح . عياض : وأرضعته أمه وامرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت مرضعة قال في الكافية :
وما من الصفات بالأنثى يخص
عن تاء استغنى لأن اللفظ نص
وحيث معنى الفعل ينوي التاء زد
كذي غدت مرضعة طفلاً ولد
وحاصله ؛ أنه إن أريد أنها ترضع بالقوة فيجرد من التاء وإن أريد أنها ترضع بالفعل فتثبت التاء قاله ( م ) . وشرعاً قال ابن عرفة : هو وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء آخر ، ثم علل تعريفه بالوصول الشامل للوصول من الفم وغيره بقوله : لتحريمهم بالسعوط والحقنة ولا دليل إلا مسمى الرضاع اه . لكن لا بد أن يصل للجوف من منفذ واسع ولو ظناً أو شكاً وإن من أنف وهو السعوط بفتح السين لا من عين أو أذن فلو وصل للحلق ورد فلا . ولا بد أن يحصل في الحقنة الغذاء به بالفعل ، ولا تكفي المظنة ولا بد أيضاً أن يحصل قبل الاستغناء عنه بالطعام فإن استغنى ولو داخل الحولين فلا .
وَكُلُّ مَنْ تَحْرُمُ شَرْعاً بِالنَّسَبْ
فَمِثْلُهَا مِنَ الرَّضَاعِ يُجْتَنَبْ
( وكل من ) مبتدأ ومضاف إليه ( تحرم ) صلة الموصول ( شرعاً ) تمييز أو منصوب على إسقاط الخافض وهو أظهر معنى ( بالنسب ) يتعلق بتحرم ( فمثلها ) مبتدأ ( من الرضاع ) حال منه على ضعف ( يجتنب ) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول ودخلت الفاء في هذا الخبر لشبه المبتدأ بالشرط في العموم والإبهام . والمحرم شرعاً بالنسب سبع : وهي المذكورات في قوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم } ( النساء : 23 ) الآية والمحرم من الرضاع سبع أيضاً : اثنانبالكتاب وهي الأم من الرضاع والأخت من الرضاع لقوله تعالى : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } ( النساء : 23 ) والباقي بالسنة وهي البنت من الرضاع والعمات منه والخالات منه وبنت الأخ منه وبنت الأخت منه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) . فلما كان اللبن يحرم من قبل المرضعة ومن قبل الفحل نزلت المرضعة منزلة أم النسب فحرمت على الرضيع هي وبناتها وإن سفلن لأنهن أخوات للرضيع أو بنات أخت له وأخواتها لأنهن خالات وأمهاتها وإن علين لأنهن جدات له ، ونزل الفحل منزلة الأب فحرم من قبله على الرضيع ما يحرم عليه من قبل أبي النسب فيحرم على ذلك الرضيع إن كان ذكراً أن يتزوج بأم أبيه من الرضاع وإن علت لأنها جدته ، وبابنة أبيه منه لأنها أخته ، وبأخت أبيه لأنها عمته ، وبابنة أخته أو أخيه منه ، وهكذا وإن كان الرضيع أنثى فيحرم عليها أن تتزوج بأبيها منه ولا بأبيه لأنه جدها وإن علا ، وبأخي أبيها منه لأنه عمها وبأخيها وبابن أخيها وأختها منه وإن سفلوا ، ولا تحرم الأم التي أرضعتك على أخيك ولا على أبيك وكذا بناتها . ( خ ) : وقدر الطفل خاصة ولداً لصاحبة اللبن ولصاحبة من وطئه لانقطاعه ولو بعد سنين الخ . وقال في الرسالة : ومن أرضعت صبياً فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر أخوات له ولأخيه نكاح بناتها اه . وكذا نكاحها إذ لا رضاع بينه وبينها ولا نسب . وحاصله أن زيداً إذا أرضعته هند مثلاً وزوجها خالد ولهما ابن اسمه عمرو فاجعل زيداً كعمرو في الحكم من غير فرق أصلاً ، فكل من يحرم على عمرو يحرم على زيد ، ويأتي قول ( خ ) في النكاح : وحرام أصوله وفصوله الخ . فكل ما تفرع من أبناء زيد فحكمهم حكم أبيهم زيد ، وكذا ابن زيد رضاعاً أي من رضع في لبنه بخلاف أصول زيد وأخوته فلا تحرم عليهم هند ولا أخواتها ولا بناتها من أجل إرضاع زيد بل إن كان هناك سبب آخر للحرمة اعتبر من مصاهرة أو رضاع فكذلك وإلاَّ فلا ، وبالجملة فالرضيع وفروعه نسباً ورضاعاً يحرم عليهم المرضعة وفروعها نسباً ورضاعاً ، وكذا يحرم عليهم أصولها نسباً ورضاعاً ، وكذا أصول بعلها وفروعه من غيرها نسباً ورضاعاً وإن علوا الأصول أو سفل الفروع في الجميل ، وكذا يحرم عليهم حواشيها وحواشي بعلها ، وأما أبناء حواشيها فلا يحرموا على الرضيع فضلاً عن فروعه كالنسب ، وأما أصول الرضيع وحواشيه نسباً ورضاعاً فلا تحرم عليهم المرضعة ولا فروعها ولا أصولها ولا حواشيها وهم المستثنون وفي كلام ( خ ) وانظر بسط اعتراض ابن عرفة على ابن دقيق العيد في الاستثناء الذي أشار له ( خ ) بقوله : إلا أم أخيك الخ . في الورقة السابعة والعشرين والمائة من أنكحة المعيار واعتراضه مناقشة لفظية لا غير ، وبالجملة فوجه اعتراضه أن قوله عليه السلام : ( يحرم بالرضاع ) الخ . أي بسببالرضاع فالباء سببية ولا رضاع بينك وبين أم أخيك من الرضاع فلم تدخل معناه حتى يحتاج إلى استثنائها وأم أخيك من النسب لم تحرم من جهة كونها أم أخيك ، بل من جهة أنها أمك أو زوجة أبيك ، وهكذا والله أعلم .
فإنْ أقَرَّ الزَّوْجُ بالرِّضَاعِ
فَهُوَ إلى فَسْخِ النِّكَاحِ دَاعي
( وإن أقر ) شرط ( الزوج ) فاعل ( بالرضاع ) يتعلق بفعل الشرط ( فهو ) مبتدأ عائد على الإقرار المفهوم من أقر ( إلى فسخ النكاح ) يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( داعي ) والجملة جواب الشرط دلت عليه الفاء لأنه لا يصلح لأن يكون شرطاً ، وظاهر النظم أنه يفسخ وجوباً قبل الدخول وبعده وهو كذلك ، وسيأتي حكم ما إذا لم يقر ولكن يثبت ببينة ولو رجلاً وامرأة أو امرأتين إن فشا فإنه يفسخ أيضاً بعد الإعذار والعجز عن الدفع كما يفهم مما قبل هذا ، لكن إن فسخ بالبينة فلا شيء لها قبل البناء وإن فسخ بعده فلها الصداق كله بخلاف ما إذا فسخ بالإقرار فلها الكل بعده والنصف قبله كما قال :
ويَلْزَمُ الصَّدَاقُ بالبِنَاءِ
ونِصْفُهُ مِنْ قَبْلِ الابتناءِ
( ويلزم ) بالنصب ( الصداق ) فاعله ( بالبناء ) يتعلق بيلزم والجملة في محل جر معطوفة على فسخ ( ونصفه ) مبتدأ خبره قوله ( من قبل الابتناءِ ) والجملة معطوفة على الجملة قبلها أي فإقراره داع إلى فسخ النكاح وإلى لزوم كل الصداق بالبناء ولزوم نصفه من قبل الابتناء ، وإنما لزمه النصف في الإقرار قبله لاتهامه على أنه إنما أقر ليسقط عنه نصف الصداق ، ولذا لم يكن عليه شيء إذا أقام بينة على ما ادعاه من الرضاع أو على أنه كان يقر به قبل العقد أو صدقته المرأة في دعواه كما في المتيطية .
كَذَاكَ بالإقْرَارِ مِنْهُمَا مَعا
لا بِاعْتِرَافِ زوجَةٍ إنْ وَقَعا
( كذاك ) يتعلق بفعل مقدر ( بالإقرار ) يتعلق بذلك المقدر ( منهما ) يتعلق بالإقرار ( معا ) حال أي كذلك يفسخ بإقرارهما معاً وظاهره أقرا معاً قبل العقد أو بعده ، لكن إن فسخ قبل الدخول بسبب إقرارهما به قبل العقد أو بعده فلا شيء لها وإن دخل فلها المسمى إن كان أو صداق المثل سواء دخلا عالمين به أو جاهلين ثم تذكرا أو عالماً به هو وحده فإن علمت بالرضاع وحدها حين الدخول وأنكر هو العلم ولكن صدقها فيه فلها ربع دينار فقط لأنها غارة ( خ ) وفسخ نكاح المتصادقين عليه كقيام بينة على إقرار أحدهما قبل العقد ولها المسمى بالدخول إلا أن تعلم فقط فكالغارة الخ . ( لا ) عاطفة ( باعتراف ) معطوف على بإقرار ( زوجة ) مضاف إليه ( إن وقعا ) شرطحذف جوابه للدلالة عليه . والجملة في محل جر صفة لاعتراف ، ويحتمل أن يكون باعتراف متعلقاً بوقعا ، والجملة معطوفة على مقدر قبلها أي كذلك يفسخ إن ثبت بإقرارهما لا إن وقع باعتراف زوجة ، لكن يعكر عليه أن لا تعطف الجمل كما يرد على الأول أن الجملة الشرطية لا تكون وصفاً . وظاهر النظم أن إقرارهما لا يوجب فسخاً ولو كان قبل العقد وليس كذلك ، بل إقرارهما أو إقرار أحدهما قبل العقد موجب للفسخ مطلقاً قبل البناء وبعده كما في المتيطية وغيرها ، فيقيد كلام الناظم بما إذا أقرت بعد العقد ( خ ) : وإن ادعته أي الرضاع بعد العقد لم يندفع ولا تقدر على طلب المهر قبله أي قبل الدخول .
وَيُفْسَخُ النِّكاحُ بالعَدْليْنِ
بِصِحَّةِ الإرْضاعِ شاهِدَيْنِ
( ويفسخ النكاح ) فعل ونائبه ( بالعدلين ) يتعلق بيفسخ ( بصحة الإرضاع ) يتعلق بالحال الذي هو قوله ( شاهدين ) .
وِبِاثْنَتَيْنِ إنْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا
مِنْ قَبْلِ عَقْدٍ قد فَشا وعُلما
( وباثنتين ) معطوف على العدلين ( إن يكن ) شرط ( قولهما ) اسم يكن ( من قبل عقد ) يتعلق بقوله ( قد فشا وعلما ) معطوف على فشا ، والجملة من فشا ومتعلقه ومعطوفه خبر يكن ، ويجوز أن يكون المجرور متعلقاً باسم يكن ويجوز أن يكون خبرها وجملة فشا في محل نصب على الحال من الاستقرار في الخبر .
ورجُلٍ وامْرَأةٍ كَذا وَفي
واحِدَةٍ خُلْفٌ وفي الأوْلَى اقْتُفِي
( ورجل وامرأة ) بالجر معطوفان على العدلين ( كذا ) في موضع الصفة أي كائنين كذا أي فاشياً من قولهما أيضاً ، ويجوز أن يكون رجل مبتدأ على حذف مضاف أي وشهادة رجل وامرأة كائنة كذلك في إيجاب الفسخ . ( وفي واحدة ) خبر عن قوله ( خلف وفي الأولى ) بفتح الهمزة وسكون الواو يتعلق بقوله : ( اقتفي ) والجملة استئنافية ، ومعنى اقتفي اتبع .
والحاصل أن الرضاع يثبت بعدلين ويفسخ النكاح بهما اتفافاً وإن لم يفش من قولهما قبلالعقد وبامرأتين وبرجل مع امرأة بشرط الفشو في هاتين الصورتين اتفاقاً أيضاً لا بدون فشو فلا يفسخ ولا يثبت بهما الرضاع فيهما على المعتمد ، وإن كان فيه خلاف قوي ، وأما المرأة الواحدة فمع عدم الفشو لا يثبت اتفاقاً ومع الفشو فيها قولان . عدم الثبوت وهو لابن حبيب عن ابن القاسم ، والثاني يثبت ويفسخ بذلك النكاح وهو في المدونة . ابن فتوح : وهو أظهر نقل ذلك ابن سلمون ( خ ) : لا بامرأة ولو فشا وندب التنزه مطلقاً الخ . ثم إنه لا تشترط العدالة مع الفشو على الراجح إذ هو قول ابن القاسم من روايته عن مالك ويبقى النظر في الرجل الواحد إذا حصل من قوله فشو قبل العقد فإنه أقوى من المرأة مع الفشو فيقتضي ذلك ثبوت الرضاع به قاله ابن رحال قال : ولم أقف فيه على شيء بعد البحث عنه .
تنبيهان . الأول : يثبت الرضاع أيضاً بالسماع الفاشي بإقرار أحد الزوجين قبل العقد قاله القلشاني . وتقدم أول الفصل الذي قبل هذا وفي فصل شهادة السماع أن الرضاع مما يثبت بالسماع . وإن لم يكن عن الثقات ، لكن إنما يعمل به قبل العقد وإلاَّ فلا إن أنكر الزوج لقولهم لا ينزع به من يد حائز وهذا هو الظاهر فانظره هناك .
الثاني : في المتيطية عن ابن القاسم في المبسوط : أن شهادة المرأتين بالرضاع عاملة سواء قامتا حين علمتا بالنكاح أو بعد ذلك . وقال ابن نافع : لا تقبل إلا أن يقوما عند النكاح وأما بعد طول فلا .
قلت : وهذا الثاني هو الجاري على قول ( خ ) وفي محض حق الله تجب المبادرة بالإمكان إن استديم تحريمه كعتق ووقف وطلاق ورضاع الخ . قال في المتيطية ، إثر ما مر : وأداء المرأتين لا يكون إلا معاً ولا يجوز بافتراقهما لقوله تعالى : فتذكر إحداهما الأخرى } ( البقرة : 282 ) ولا يذكرك إلا من حضرك قاله أبو محمد ، ورده بعض الموثقين بأنه قد يتأتى التذكير قبل الأداء ثم يفرقان عنده ، وقيل معنى تذكر إحداهما الأخرى تصيرها في الشهادة كذكر اه .
فصل في عيوب الزوجين وما يردان بههو من عطف الخاص على العام إذ من العيوب ما لا رد به ، ثم إن موجبات الخيار في النكاح ثلاثة : اثنان يستوي فيهما الرجل والمرأة وهما العيب والغرور بالحرية ، وواحد يختص بالمرأة وهو عتق الأمة تحت زوجها العبد وقد نظمها بعضهم فقال :
عيب غرور سبب الخيار في
تناكح كذاك عتق فاعرف
فأشار الناظم للعيوب المشتركة بقوله :مِنَ الجُنُونِ والجُذامِ والبَرَصْ
والدَّاءُ في الفَرْجِ الخِيارُ يُقْتَنَصْ
( من الجنون والجذام والبرص والداء في الفرج ) يتعلق بمحذوف حال مما قبله يليه ( الخيار ) مبتدأ ( يقتنص ) بالبناء للمفعول خبره والمجرور وما عطف عليه يتعلق به ، ومعنى يقتنص يثبت ويحصل وشمل كلامه الرجل والمرأة فإن للسالم الخيار في الآخر ، بل ظاهره أن لكل منهما الخيار ، وإذا اختار السالم الفراق فيؤجل المعيب للدواء على التفصيل الآتي ثم بعد مضيه يفرق بينهما ، وظاهره ولو كان كل منهما معيباً بعيب صاحبه أو بغيره وهو كذلك على ما في ( ح ) عن الرجراجي ، والذي للخمي أن كلاًّ من الزوجين إذا اطلع على عيب بصاحبه مخالف لعيبه كجنونه وبرصها مثلاً والعكس ، فلكل منهما الخيار وإن كان موافقاً كبرصهما معاً أو جنونهما معاً كان له الخيار دونها لأنه بذل صداقاً لسالمة ، فوجد ما يكون صداقها دون ذلك اه . وقوله في الفرج أي فرج الرجل وفرج المرأة ، وسيأتي أن داء فرج الرجل الجب والعنة والخصاء والاعتراض ، وداء فرج المرأة الرتق والقرن والعفل والإفضاء . وبقي عليه من عيوب الفرج العذْيَطة بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح المثناة تحت والطاء المهملة هي حدوث الغائط عند الجماع ومثله البول عنده أيضاً وهي من عيوب الفرج المشتركة بينهما ولا يشتركان في عيب فرج غيرهما وأفهم قوله عند الجماع أنه إن كان أحدهما يبول أو يغيط في الفراش لا عند الجماع لا يرده الآخر بذلك وهو كذلك على المعتمد من أحد قولين ، واقتصر عليه في الكراس السادس من أنكحة المعيار .
بَعْدَ ثُبوتِ العَيْبِ أَوْ إقْرَارِ
به وَرَفْعِ الأمْرِ في المُخْتارِ
( بعد ) يتعلق بمحذوف حال من نائب فاعل يقتنص ( ثبوت عيب ) كل منهما مضاف إليه ( أو إقرار ) معطوف على مقدر أي ببينة أو إقرار ( به ) يتعلق بإقرار وضميره للعيب ( ورفع الأمر ) معطوف على ثبوت أي بعد ثبوت العيب ببينة أو إقرار وبعد رفع الأمر للحاكم ومحل ثبوته بالإقرار إن كان يصح إقراره لا نحو محجور عليه ، ويعرف الجذام والبرص بنظر الأطباء إليهما ما لم يكونا في العورة فيصدقان في نفيه ، وقيل : ينظر الرجال للرجل والنساء للمرأة . ابن هارون : ولو أنها خالفته في وجود العيب بها فإن كان ظاهراً مثل الجذام والبرص بوجهها وكفيها فإنه يثبت بالرجال وإن كان في سائر بدنها أثبته النساء وإن كان في فرجها فقال ابن القاسم وابن حبيب : تصدق في ذلك ولا ينظرها النساء . قال ابن الهندي وغيره : تصدق مع يمينها ولها رد اليمين على الزوج ، وقال ابن سحنون عن أبيه : ينظر إليها النساء في عيب الفرج . ابن فتحون في وثائقه : إن نظر الرجال إلى عيوب عورة الرجل جائز للضرورة كما ينظر النساء إلى المرأة اه .وقد حكى البرزلي في النكاح عن ابن علوان أحد مفتي تونس أنه أتته امرأة تزوجها أندلسي وأساء عشرتها وعسر عليها التخلص منه فقال لها : ادّعي عليه أن داخل دبره برصاً فادعت ذلك عليه فحكم عليه بأن ينظره الرجال في ذلك المحل ، فلما رأى الزوج ذلك طلقها اه .
قلت : وبهذا القول جرى العمل قال ناظمه :
وجاز للنسوة للفرج النظر
من النساء إن دعا له ضرر
فلا مفهوم للنسوة كما مر وما مر من أن العيب إذا كان بغير الفرج ينظر إليه الأطباء أعني النساء للنساء والرجال للرجال ، وقيل : إذا كان العيب في المرأة فإن الثوب يشق عنه حتى ينظر إليه الأطباء . انظر المفيد . وهذا في غير العذيطة وأما هي فقد نزلت في زمن أحمد بن نصر ورمى كل واحد منهما صاحبه فأمر أن يطعم أحدهما تيناً والآخر فقوساً . فإذا ثبت أن العيب قبل العقد ولم يبق فيه مقال خير السالم من الزوجين فإن اختارت الزوجة فراقها طلقها الحاكم عليه ولا يفوض ذلك إليها . ( في ) القول ( المختار ) وأما إن حدث بعد العقد فسيأتي ، ومقابل المختار أن القاضي يفوض ذلك إليها ، وتقدم تحرير ذلك في فصل الضرر .
تنبيهان . الأول : قال البرزلي إثر ما مر عنه بأوراق : إذا شهد رجلان من الأطباء أحدهما ذمي أن بجسم الزوج برصاً لا يشكان فيه فالذي في المدونة قبول ذلك لأن ذلك علم مقتبس ولا يجري مجرى الشهادة ، ولكن ليس ذلك مطلقاً إذا قدر على تحصيل ما هو أثلج للصدر ، فينبغي أن يؤمر العدول باختبار هذا هل فيه رائحة أم لا ؟ فإن قالوا لا رائحة امتحن موضعه برأس إبرة فإن تغير واحمر لونه ودمي فليس برصاً ولا مقال للزوجة ولا أعلم وجهاً أوثق من هذا وما في الزمان طبيب انظر تمامه .
الثاني : قال البرزلي ، إثر ما مر عن ابن علوان ما نصه : وكان يعني ابن علوان كثير التحيل في بعض المسائل فمن ذلك ما حكي عنه أن امرأة وصي على أولادها من قبل أبيهم فضيق عليها أولياء الزوج وأقاموا عليها البينة أنها سفيهة لا تصلح للتقديم فأتت إليه فقال لها : إذا قدموك غداً للقاضي فاعترفي لهم بذلك وقولي لهم : إني أتلفته في أيام السفه ففعلت ذلك فسرحها القاضي لذلك . قال البرزلي : وهذا التحيل إن كان ثبت عنده في هذه وفي التي قبلها أنها مظلومة فهو سائغ من باب الإنفاذ من المظلمات وإلاَّ فالصواب أنه لا يجوز لأنه من باب تلقين الخصوم القادح في العدالة قال : وهذه الطريقة معروفة لأبي حنيفة الإمام المشهور ، فمن ذلك ما حكى ابن رشد عنه أنه حضر بيعة لبعض الملوك وأظنه أبا جعفر فقال أبو حنيفة لأصحابه : أنا لا أبايعه فاحضروه وأجلسه الأمير إلى جنبه ، فلما بايعه الناس قال هو في بيعته : أبايعك حتى تقوم الساعة على قصد المبالغة فيما أوهمه ولما خلا به أصحابه قالوا له في ذلك فقال : ما بايعته وإنما أردت بقولي حتى تقوم الساعة لحاجة أو غيرها من ضرورياته فانظر فيه بقية التحيلات المحكية عنه .
ولما أجمل الناظم رحمه الله في داء الفرج أشار إلى تفصيله بالنسبة للزوجة فيما يأتي بقوله :والرتق داء الفرج في النساء الخ . وإلى تفصيله بالنسبة للزوج ههنا فقال :
وداءُ فَرْجِ الزَّوْجِ بالقَضاءِ
كالجَبِّ والعُنَّةِ والخِصاءِ
( وداء فرج الزوج ) مبتدأ ومضافان ( بالقضاء ) بمعنى المفعول صفة لداء والباء زائدة أي : وداء فرج الزوج المقضى عليه بالخيار لأجله كائن ( كالجب والعنة والخصاء ) ويحتمل أن تكون متعلقة بمحذوف صفة للمبتدأ المذكور أي : وداء فرج الزوج الموجب للخيار بالقضاء الخ . والجب قطع الذكر والأنثيين معاً أو خلق بدونهما ، والعنين لغة هو الذي لا يشتهي النساء وشرعاً من له ذكر صغير كالزر ويطلق أيضاً على الذي لا ينتشر ذكره وهو المعترض ، وسيأتي ، والخصي مقطوع الذكر أو الأنثيين ، ولو كان قائم الذكر حيث كان لا يمني ، فإن أمنى فلا خيار لها ، ومثل قطع الذكر كله قطع حشفته فقط على الراجح كما في شراح المتن فإن قيل : إذا ثبت الخيار في الخصاء الذي هو قطع أحدهما فأحرى أن يثبت في الجب الذي هو قطعهما معاً فالخصاء يغني عن الجب . فالجواب : أن المقصود بيان معاني هذه الألفاظ قاله في ضيح ، والحصور الذي يخلق بغير ذكر أو بذكر صغير كالزر ، ومحل الخيار بهذه الأمور إذا حدث ذلك قبل البناء وإلاَّ فهو مصيبة نزلت بها كما يأتي في الاعتراض .
وَذَاكَ لا يُرْجَى لهُ زَوَالُ
فَلَيْسَ في الحُكْمِ بِهِ إمْهالُ
( وذاك ) مبتدأ والإشارة للداء الشامل لللأمور الثلاثة ( لا يرجى ) بالبناء للمفعول ( له ) يتعلق بالنائب الذي هو ( زوال ) والجملة خبر المبتدأ ( فليس ) فعل ناقص ( للحكم ) خبرها مقدم ( به ) يتعلق بالحكم ( إمهال ) اسمها مؤخر أي تأجيل بل لها الطلاق في الحين إلا أن ترضى بالمقام معه .
وحَيْثُ عَيْبُ الزَّوْجِ بِاعْتِراضِ
أوْ بَرَصٍ وَقِيم عِنْدَ القَاضِي
( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط ( عيب الزوج ) مبتدأ ومضاف إليه ( باعتراض ) يتعلق بمحذوف خبر ( أو برص ) معطوف ( وقيم ) مبني للمفعول ( عند القاضي ) نائبه ، والجملة معطوفة على الجملة قبلها وجملة .
أَجَّلَهُ إلى تَمَامِ عَامِ
كذاكَ في الجُنُونِ والجُذَامِ( أجله ) القاضي ( إلى تمام عام ) جواب حيث ، والمعنى أن عيب الزوج إذا كان اعتراضاً وحدث قبل الإصابة أو برصاً حدث بعد العقد أو قبله فإن القاضي يؤجله سنة كاملة من يوم الحكم على المشهور ، وأما الاعتراض بعد الإصابة ولو مرة فلا خيار لها ، وذلك مصيبة نزلت بها كما يأتي .
تنبيه : وكذا تؤجل المرأة ذلك في معالجة نفسها من البرص والجنون والجذام إذا لم يعلم الزوج أن ذلك بها حين العقد ، بل علمه قبل البناء أو بعده فإن تنازعا في العلم به بعيبها وقد مضى لدخوله نحو الشهر فالقول لها بيمينها أنه علم به إلا أن يكون مثله يخفى على الزوج . انظر المتيطية والوثائق المجموعة .
( كذاك ) يتعلق بأجل محذوف دل عليه ما قبله ( في الجنون والجذام ) يتعلق بذلك المحذوف .
وبَعْدَ ذَا يَحْكُمُ بِالطَّلاقِ
إنْ عُدِم البُرءُ على الإطْلاقِ
( وبعد ذا ) يتعلق بقوله ( يحكم ) وكذا ( بالطلاق ) والجملة معطوفة على جملة أجله ( إن عدم ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه ( البرء ) نائب فاعل عدم ( على الإطلاق ) حال أي حال كون الحكم بالطلاق بعد السنة في العيوب الأربعة مطلقاً سواء رجى البرء بعد ذلك أم لا . ويحتمل حال كون التأجيل مطلقاً في الحادث والقديم . هذا هو الظاهر وليس المعنى حال كون التأجيل بالسنة مطلقاً رجى البرء أم لا . لأن المعتمد أنه إنما يؤجل في البرص والجذام عاماً إذا رجى البرء ( ح ) : ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين بعده وبجنونهما وإن مرة في الشهر قبل الدخول وبعده وأجلا فيه وفي برص وجذام رجى برؤهما سنة الخ . ثم قال : وأجل المعترض سنة الخ . فأنت تراه قيد الجذام بالبين أي المحقق والبرص بالمضر والتأجيل برجاء البرء خلاف ظاهر النظم في ذلك كله ، لكن العذر له في الجذام حيث لم يقيده بالبين لأن المراد بالبين المحقق وهو لا يثبت إلا بعد تحققه والقطع به إذ لا فرق بين قليله وكثيره كما في المتيطية قال فيها : واختلف في قليل البرص فقال مالك في كتاب محمد : ترد به لأن عمر لم يفرق بين قليل ولا كثير . قال ابن القاسم : ولو علمنا فيما خف أنه لا يتزايد لم ترد ، لكنه لم يعلم ، وفي مختصر ابن شعبان أن من به برص أو جذام من الزوجين يرد به لأنه يخشى أن يترامى إلى الصحيح ، ولأنه لا تطيب نفس الواطىء والموطوءة وقلّ أن يسلم منه ما ولد منهما وإن سلم كان ذلك في نسله قال اللخمي : وعلى هذا له الرد إذا اطلع أن أحد الأبوين كان كذلك لأنه يخشى أن يكون ذلك في نسله قال : ورأيت ذلك في امرأة كان أبوها أجذم ولم يظهر بها وظهر ذلك في عدد من أولادها اه بلفظ الاختصار . فهو شاهد لإطلاق الناظم ، لكن المعتمد أن جذام الأبوين لا رد به كما في ( خ ) : كما أن المعتمد أنه لا بد في البرص الحادث من كونه مضراً كما مر عنه أيضاً ، ولعل الناظم إنما ترك تقييد البرص بكونه مضراً اتكالاً على ما يأتي في قوله : إلا حدوث من برص منزور الخ .والعَبْدُ في الأصَحِّ كالأحْرارِ
وقيلَ بِالتَشْطِيرِ كالظِّهارِ
( والعبد ) مبتدأ ( في الأصح ) يتعلق بالاستقرار في الخبر الذي هو قوله : ( كالأحرار وقيل ) فعل ماض مبني للمفعول ( بالتشطير ) نائبه أي يؤجل ستة أشهر ( كالظهار ) خبر مبتدأ محذوف والأقرب أنه حال أي حال كون التشطير كتشطير أجل الظهار أي : إذا ظاهر العبد من زوجته وأبى أن يكفر ولحقه الإيلاء فإنه يؤجل بشهرين ، وقيل أربعة أشهر كالحر ، وما صدر به الناظم هو قول ابن الجهم قال ابن عبد البر : وروي عن مالك نحوه وعليه جمهور الفقهاء اللخمي : وهو أبين لأن السنة جعلت لتختبر في الفصول الأربعة فقد ينفع الدواء في فصل دون فصل فيستوي في ذلك الحر والعبد ، والقول الثاني هو قول مالك ، وبه الحكم قاله في المتيطية وبه أفتى ( خ ) والعبد نصفها الخ .
وكالرِّجالِ أَجَلُ النِّسَاءِ
في هذِهِ الثَّلاثَةِ الأدْوَاءِ
( وكالرجال ) خبر مقدم عن قوله ( أجل النساء في هذه ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ( الثلاثة ) صفة أو بدل ( الأدواء ) جمع داء بدل أيضاً ، والمراد الجنون والجذام والبرص ولا يتصور فيهن الاعتراض فيؤجلن في التداوي من تلك الأمراض الثلاثة سنة كاملة ، لكن في الموجود منها قبل العقد ، أما ما حدث بعده فمصيبة نزلت بالزوج كما يأتي في قوله : وهو لزوج آفة من بعده الخ .
وفي سِواها لا يكُونُ الأجَلُ
لَهُنَّ إلاّ ما يَرىالمؤَجِّلُ
( وفي سواها ) يتعلق بقوله ( لا يكون الأجل ) اسمها ( لهن ) يتعلق بما قبله ( إلا ) استثناء مفرغ ( ما ) نكرة موصوفة خبر يكون ( يرى ) صفة لما والعائد محذوف أي يراه ( المؤجل ) بكسر الجيم المشددة فاعل يرى ، والتقدير : ولا يكون لهن أجل محدود في سواها إلا أجلاً يراه المؤجل أي الحاكم باجتهاده ، والمراد بسوى العيوب الثلاثة داء فرج المرأة من رتق وقرن وعفل الآتية في قوله : والرتق داء الفرج في النساء الخ . أي فيؤجلهن الحاكم للتداوي بالاجتهاد ( خ ) : وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد . وقد تحصل أن العيوب بالنسبة إلى التأجيل وعدمه على ثلاثة أقسام قسملا تأجيل فيه وهو الجب وما معه ، وقسم يؤصل فيه بسنة وهو الاعتراض وما معه ، وقسم يؤجل فيه بالاجتهاد وهو الرتق وما معه .
ويُمنَعُ الْمَبْرُوصُ والمجْذُومُ مِنْ
بِنَائِهِ وذو الجُنُونِ فاسْتَبِنْ
( ويمنع ) بالبناء للمفعول ( المبروص ) نائب ( والمجذوم ) معطوف ( من بنائه ) يتعلق بيمنع ( وذو الجنون ) معطوف على المبروص ( فاستبن ) جملة طلبية تتميم للبيت ، والمعنى أن من به علة من الرجال من هذه الأمراض الثلاثة إذا أصل للدواء كما مر فطلب البناء بزوجته أثناء الأجل قبل تبين برئه فإنه يمنع من ذلك ولا يمكن منه حتى يبرأ أو تخير هي إن لم يبرأ وفهم من قوله : من بنائه أنها اطلعت على عيبه قبل البناء فإن اطلعت عليه بعد البناء فكذلك أيضاً حيث كانت رائحة الجذام والبرص تؤذي . قال في المتيطية : ويمنع المجنون والأجذم والأبرص في خلل العام وإن كان بعد البناء إذا كانت الرائحة تؤذي بخلاف المعترض فإنه لا يمنع من وطئه وإن كان قد بنى بها اه . ومثله في طرر ابن عات .
وإلى المعترض أشار الناظم بقوله :
وَذُو اعْتِراضٍ وحْدَهُ لَنْ يُمْنَعَا
وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذا ما نُوزِعا
( وذو اعتراض ) مبتدأ ومضاف إليه ( وحده ) حال من المبتدأ أو من الضمير في خبره ( لن يمنعا ) بالبناء للمفعول خبر ( وهو ) مبتدأ ( مصدق ) خبره ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه يتعلق بالخبر المذكور ، وجوابه محذوف للدلالة عليه ، ويحتمل أنها مجردة عن معنى الشرط أي هو مصدق حين نزاعه ( ما ) زائدة ( نوزعا ) بالبناء للمفعول والجملة في محل جر بإضافة إذا ومعناه أن الزوج إذا ادعت عليه زوجته الاعتراض وأنكره من أصله فالقول قوله بيمينه ( خ ) : وصدق في الاعتراض أي نفيه وظاهره كالناظم أنه يصدق كانت الزوجة بكراً أو ثيباً وهو كذلك على المشهور . وروي عن مالك أن النساء ينظرن إلى البكر ويدين في الثيب ، وقيل لا يدين فيها ، ولكن يطلي ذكره بزعفران ويرسل عليها وينظر ذلك النساء فإن رأين أثره في فرجها قبل قوله ، وعلى المشهور فلا تقبل شهادة امرأتين فأكثر بأنها عذراء لأنها شهادة توجب الفراق وهو لا يكون بشهادة النساء كما في الوثائق المجموعة ، ونقله في التبصرة وابن عرفة . وحينئذ فما جرى به العمل من جواز نظر النسوة للفرج محمول على غير هذه الصورة إذ لا فائدةله إلا الفراق وهو لا يكون بشهادة النساء قاله في شرح العمليات .
تنبيه : قال في مسائل السياسة من التبصرة : قال أصبغ في امرأة المقعد تدعي أنها تمكنه من نفسها وهو لا يقدر على مسها ويقر المقعد بأنه لا يمسها ويدعي أنها تدفعه عن نفسها ولولا ذلك لقوي على مسيسها قال : استحسن السلطان أن يجعل في القرب منه إذا خلا بها امرأة أو نساء فإن سمعن امتناعها أمر بها فربطت له وشدت وزجرها ، وأمرت أن تلين له في ذلك . قال ابن حبيب : وهو عندي حسن من الحكم اه . ونحوه في ( ح ) عند قوله : وصدق في الاعتراض الخ .
قلت : انظر قوله المقعد ، والظاهر أنه لا مفهوم له بل غيره كذلك إذا ادعى عدم تمكينها ونزلت وقت ولايتي حطة القضاء سنة ثمانية وأربعين بعد المائتين والألف في زوج ادعى عدم تمكينها وادعت هي اعتراضه ، فذكرت للزوج وأوليائها ما تقدم من ربطها له وشدها فرجعا إلى الصلح بالخلع بجعل الصداق وافترقا ، وقد كنت سنة ثمانية عشر مقيماً بمكناسة الزيتون فإذا بامرأة طلقها زوجها ثلاثاً فتزوجت رجلاً ضعيفاً لا يشاكلها ، فزعم الزوج المذكور أنها تدفعه عن نفسها وما مكنته إلا مرة بمقدار ما غيب حشفته فيها ودفعته وادعت هي أنه يؤذيها ويضربها إذا أمسك بها ، فسكنهما القاضي مع أمين فذكر الأمين أنه مهما أراد النوم والتوطئة له إلا وتصرخ صراخاً مدعية أنه يؤذيها ويضربها وأن ذلك من حيلها لترجع للزوج الأول .
وإنْ يَقُلْ وطِئْتُ أَثْنَاءَ الأمَدْ
فَقَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ مُعْتَمَدْ
( وإن يقل ) شرط وفاعله ضمير يعود على المعترض ( وطئت ) فعل وفاعل ( أثناء ) ظرف يتعلق بما قبله ( الأمد ) مضاف إليه ( فقوله ) مبتدأ ( مع اليمين ) يتعلق بمحذوف حال ( معتمد ) خبر ، والجملة جواب الشرط . ومعناه أن المعترض إذا أقر بالاعتراض وأجل للدواء سنة كما مرّ ، ثم قال في أثناء الأجل أو بعده : زال الاعتراض ووطئها في الأجل فالقول قوله بيمينه ، فإن ادعى الوطء بعده لم يصدق فتحصل أن المعترض يصدق في نفي الاعتراض ابتداء كما يصدق في زواله بعد الإقرار به ( خ ) : وصدق إن ادعى فيها الوطء بيمينه فإن نكل حلفت وإلا بقيت .
وَتُمْنَعُ الإنْفاقَ مَنْ لَمْ تَدْخُلِ
إنْ طلَبَتْهُ في خِلالِ الأجَلِ
( وتمنع ) بضم التاء مبنياً للمفعول ( الإنفاق ) مفعوله الثاني ( من ) نائب الفاعل وهو المفعول الأول ( لم تدخل ) صلة من ( إن طلبته ) شرط . والضمير المنصوب للإنفاق والجواب محذوف للدلالة عليه ( في خلال الأجل ) يتعلق بالفعل قبله . والمعنى أن الزوجة التي لا تجبر على الدخول إذا طلبت الإنفاق من زوجها المؤجل سنة للدواء فلا تمكن منه لأن النفقة في مقابلة الاستمتاعوهي قد منعت نفسها منه لسبب لا قدرة للزوج على دفعه ، فكان بذلك معذوراً بخلاف المعسر بالصداق الذي منعته زوجته من نفسها حتى يؤدي صداقها فلها النفقة إذ لعل له مالاً فكتمه ، ومفهوم قوله : لم تدخل أنه إذا دخل فالنفقة واجبة عليه وهو كذلك . وقوله : من لم تدخل أي من لم تجبر على الدخول وهي زوجة المجذوم والمبروص والمجنون كما مرّ فيفهم منه أن زوجة المعترض لها النفقة إذا دعته للدخول ، وبالجملة فكل من زوجة المجنون والمجذوم والمبروص والمعترض تجب لها النفقة بالدخول أو بالدعاء له فإن منعت واحدة منهن نفسها من الدخول وأجل الزوج سنة للدواء فلا نفقة لها في الجنون والجذام والبرص ، بخلاف الاعتراض . فلها النفقة لأنها لا تمكن من الامتناع كما مر إلا أن لا يقدر الحاكم على جبرها فتسقط نفقتها حينئذ للنشوز واستظهار ( خ ) : عدم وجوب النفقة في الاعتراض مع القدرة على جبرها على التمكين معترض .
والعيْبُ في الرِّجالِ مِنْ قَبْلِ البِنا
وبَعْدَهُ الرَّدُّ بِهِ تَعَيَّنا
( والعيب ) مبتدأ ( في الرجال ) صفة له ( من قبل البنا ) ء يتعلق بمحذوف حال أي حال كونه موجوداً أو حادثاً من قبل البناء ( وبعده ) معطوف على الظرف قبله ( الرد ) مبتدأ ثان ( به ) يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( تعينا ) وتعلق الظرفين بذلك المحذوف كما قررنا أولى من تعلقهما بقوله تعينا إذ المقصود أن العيب الموجود أو الحادث قبل البناء وبعده يتعين به الرد وحذف معمول تعين يؤذن بالعموم أي تعين الرد به قبل البناء وبعده أيضاً فحذفه من الثاني لدلالة الأول عليه ، ولو قال تبينا بالباء والياء المثناة تحت لكان أولى لما يقتضيه لفظ التعيين من وجوب الرد وإن رضيت . ومعناه أن العيب الكائن بالرجال سواء حدث بعد العقد أو كان موجوداً قبله أو حدث بعد البناء فإن للزوجة الرد به فقوله : من قبل البناء شامل لما حدث قبل العقد أو بعده وقبل البناء لأن القبلية ظرف متسع وعليه فيكون قوله الآتي : وبالقديم الزوج والكثير الخ . مستغنى عنه بما هنا ، ويحتمل أن يكون تكلم هنا على الحادث بعد العقد كان قبل البناء أو بعده وفيما يأتي على ما كان موجوداً قبل العقد ، لكن يكون الصواب إسقاط قوله الآتي : والحادث إلا أن يراد به ما كان حادثاً قبل العقد ، ويراد بالقديم ما كان خلقة ، وما ذكره الناظم هو الراجح من أحد أقوال أربعة . / ثانيها : لا خيار لها فيما حدث بعد العقد . ثالثها : لها الخيار إلا أن حدث به برص فتخير . رابعها : ليس لها الخيار إلا في البرص اليسير .
ولما دخل في قوله : وبعده عيب الاعتراض الحادث بعد البناء والوطء وهو لا يرد به استثناء بقوله :إلاّ اعْتِراضاً كان بعْدَ ما دَخَلْ
والوَطْءِ مِنْهُ هَبْهُ مَرَّةً حَصَلْ ( إلا ) حرف استثناء ( اعتراضاً ) منصوب على الاستثناء والأقرب أنه على نزع الخافض ، إذ المعنى ويرد الزوج بكل عيب إلا بعيب الاعتراض ( كان ) تامة بمعنى وجد وحدث وفاعله ضمير الاعتراض ( بعد ) يتعلق بكان ( ما ) مصدرية ( دخل ) صلتها أي بعد دخوله ( والوطء ) بالجر عطف على المصدر المؤول ( منه ) يتعلق بحصل ( هبه ) فعل أمر وضميره مفعوله الأول ( مرة ) تمييز ( حصل ) في محل نصب على أنه مفعول ثان لهب ، والتقدير إلا اعتراضاً حدث بعد دخوله وبعد وطئه هب أن الوطء حصل منه مرة واحدة فلا ردّ به وهي مصيبة نزلت بها ، وهذا إذا لم يتسبب في إدخاله على نفسه كشربه دواء ليقطع به لذة النساء أو شربه لعلاج علة وهو عالم أو شاك أنه يذهب منه ذلك أو قطع ذكره عمداً أو لعلة نزلت به فإن لها الخيار باتفاق كما في ضيح ، ومثل الاعتراض الجب والخصاء والكبر المانع من الوطء حيث لم يدخل ذلك على نفسه لأنه لم يقصد الإضرار بها ، فلو قال : إلا كجب الخ . لشمل ذلك ونزلت مسألة وهي أن رجلاً كان يطأ زوجته وطأ معتاداً ثم إنه عرض له ما منعه الإيلاج بحيث إذا أراده سبقه الماء وزال إنعاظه فأفتيت فيها بما في النظم واختلف فيمن أراد استحداداً فترامت يده فقيل لها القيام ، وقيل : لا قيام لها لأنه لم يتعمد . وظاهر كلامهم رجحانه وانظر ما يأتي في الإيلاء عند قوله : واشترك التارك الموطء معه الخ .
وبالقدِيمِ الزَّوْجُ والكَثِيرِ
يَرُدُّ والحادِثِ واليَسِيرِ ( وبالقديم ) يتعلق بيرد ( الزوج ) مبتدأ ( والكثير ) معطوف على القديم ( يرد ) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ ( والحادث واليسير ) معطوفان على قوله : القديم . وهذا البيت مستغنى عنه إلا على الاحتمال الثاني المتقدم فلو حذفه وأبدل قوله :
إلاّ حَدِيثَ بَرَصٍ مَنْزورِ
فَلاَ طَلاَقَ مِنْهُ فِي المَشْهُورِ ( إلا ) بقوله كذا ( حدوث برص منزور فلا طلاق منه في المشهور ) لأجاد ، ويتحصل من كلامه أنه يستثنى من العيب الحادث بالزوج بعد العقد شيئان الاعتراض بعد الوطء والبرص اليسير فلا خيار فيهما للزوجة وهو معنى قول ( خ ) ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين بعده لا بكاعتراض الخ . فمفهوم قوله : المضر أي المؤذي برائحته أن غير المضر لا خيار به وهو ما في النظم ، ومفهوم قوله : الحادثين بعده أي بعد العقد أن البرص القديم بالرجل يرد به قليلاً كان أو كثيراً ، وهو ظاهر تعليل الناظم أيضاً لأنه إنما نفى خيارها في القليل الحادث بعد العقد ، وقيل : لا خيار لها في البرص القليل مطلقاً ، وأما الجذام فلا فرق بين قليله وكثيره وإنما المدار على تحقق وجوده كما مرّ عند قوله : كذاك في الجنون والجذام الخ .وَزَوْجَةُ بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ
وهْوَ لِزَوْجٍ آفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ
( وزوجة ) مبتدأ وسوغه العطف على المعرفة وهو الزوج في البيت قبله ( بسابق ) يتعلق بمحذوف خبر أي ترد بسابق ( لعقده ) يتعلق بسابق ( وهو ) مبتدأ عائد على العيب المذكور ( لزوج ) يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( آفة من بعده ) حال من المبتدأ أي والعيب حال كونه حادثاً بالزوجة بعد العقد آفة للزوج لأنه قادر على الفراق والحاصل : أن الزوجة ترد بالقديم من الجنون والجذام والبرص قليلاً كان ذلك أو كثيراً كما هو ظاهر النظم ، وكذا ترد بالقديم من داء الفرج من عفل ونحوه ، ولا ترد بالعيب الحادث بعد العقد داء فرج كان أو غيره قليلاً كان أو كثيراً وهو مصيبة نزلت بالزوج ، وأما الزوج فإنه يرد بالقديم من العيوب ولو جذاماً أو برصاً قل على ظاهم النظم و ( خ ) وهو أحد قولين كما مر ، وكذا يرد بالحادث منها بعد العقد إلا أن يكون نحو اعتراض حصل بعد الوطء أو برصاً قليلاً ، ثم أشار إلى تفصيل داء الفرج بالنسبة للمرأة فقال :
والرَّتْقُ دَاءُ الفَرْجِ في النساءِ
كالقَرْنِ ثُمَّ الْعَقْلِ والإِفْضَاءِ
( والرتق ) بسكون التاء للضرورة مبتدأ ( داء الفرج ) خبره ( في النساء ) يتعلق بالرتق أو في موضع الحال منه ، ويحتمل أن يكون داء الفرج مبتدأ ، وفي النساء يتعلق به والرتق خبره ( كالقرن ) تشبيه وكاف التشبيه لا تتعلق بشيء كما مرّ ( والعفل ) معطوف عليه وكل منهما بسكون العين للضرورة والأصل الفتح كالرتق ( والإفضاء ) معطوف أيضاً ، والمعنى أن الرتق من داء فرج النساء كما أن القرن والعفل والإفضاء كذلك ، فيثبت للزوج الخيار بسابق العقد من ذلك ، والرتق انسداد مسلك الذكر والتحامه بحيث لا يمكن معه الوطء إلا أنه إن انسد بلحم أمكن علاجه وبعظم فلا . والقرن شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة تارة يكون عظماً فيعسر علاجه وتارة لحماً فلا يعسر ، والعفل لحم يبرز في قُبلها يشبه أدرة الرجل ولا يسلم غالباً منرشح ، والإفضاء اختلاط مسلكي الذكر والبول حتى يصيرا مسلكاً واحداً وأجرى مسلك البول والغائط ، وظاهر النظم أنه يخير بما ذكر ولو قل ذلك وخف وهو كذلك خلافاً لابن حبيب .
واعلم أن مسلك الذكر هو مخرج الحيض والولد والمني ، وفوق مسلك الذكر ثقب مثل إحليل الرجل وهو مخرج البول ، وبين هذا الثقب ومدخل الذكر جلدة رقيقة فإن زالت فهي الإفضاء ، وفوق مخرج البول جلدة رقيقة مثل ورقة بين الشفرين والشفران محيطان بالجميع فتلك الجلدة الرقيقة يقطع منها في الختان للمرأة ، وفهم من اقتصار النظم على الأربعة أنه لا خيار له بالاستحاضة ولا بقطع الشفرين ولا بحرق النار ولا بكونها عجوزاً فانية أو صغيرة جداً ، ولا بالبخر الذي هو نتن الفرج ، لكن المذهب في الأخير أنه عيب خلافاً للأئمة الثلاثة . واقتصر في المتيطية أيضاً على أن الاستحاضة وحرق النار يوجبان الخيار ، وكذا نقل البرزلي عن اللخمي . وأما نتن الفم فلا خيار له به على المشهور خلافاً للخمي بخلاف البيع ، وتقدم الكلام على العذيطة أول الفصل فانظره هناك .
تنبيهات . الأول : سكت الناظم هنا عن تأجيل الرتقاء ونحوها للدواء لتقدم الإشارة إليه في قوله :
وفي سواها لا يكون الأجل
لهن إلا ما يرى المؤجل
وتقدم قول ( خ ) وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد ولا تجبر عليه إن كان خلقة الخ . قال في المتيطية : وإذا كان الرتق من جهة الختان أي الخفاض فإنه يبط على ما أحبت المرأة أو كرهت إذا قال النساء : إن ذلك لا يضرها وإن كان خلقة فلا تجبر على البط إن أبته ، ويخير الزوج فإن رضيت بالبط فلا خيار له اه . ونحوه في التبصرة الفرحونية ، وللخمي زيادة تفصيل وهو إن لم يكن عليها في القطع ضرر ولا عيب في الإصابة بعده كان القول قول من دعي إليه منهما فإن طلقها بعد رضاها به لزمه النصف وإن كرهت فطلق فلا شيء عليه ، وإن كان في القطع ضرر ولا عيب بعده خيرت دونه وعكسه خير دونها وإن كان فيه ضرر وبعده عيب في الإصابة خير كل منهما وذكره في الشامل مقتصراً عليه والقرن كالرتق في التفصيل المذكور .
الثاني : إذا ادعى أنها رتقاء وادعت هي عنته وأنها لا عيب بها فإن النساء ينظرن إليها ، فإن صدقته كان له الخيار ، إلا أن تريد التداوي فتؤجل بالاجتهاد قاله ابن عتاب ونقله البرزلي .
الثالث : قال في التبصرة : وإذا فعل الزوج بزوجته ما يوجب القصاص لها منه وكان شديداً يخاف عليها منه إذا اقتصت منه فإنها تطلق عليه يعني : ويقتص منه أي ففعله ذلك يوجب لها الخيار كالعيوب السابقة .ولا تُرَدُّ مِنْ عَمًى ولا شَلَلْ
ونَحْوِهِ إلاَّ بِشَرْطٍ يُمْتَثَلْ
( ولا ترد ) بالبناء للمفعول ( من عمى ) يتعلق به ( ولا شلل ونحوه ) معطوفان عليه ( إلا بشرط ) استثناء مفرغ والباء بمعنى مع ( يمتثل ) بالبناء للمفعول صفة لشرط أي : لا ترد المرأة بشيء من العمى والشلل والعور والإقعاد ونحو ذلك من غير العيوب الأربعة التي هي الجنون والجذام والبرص وداء الفرج إلا مع اشتراط السلامة من ذلك الشيء الخاص كاشتراطه كونها سليمة من العمى أو البكم أو العرج أو الإقعاد ، فيجدها بخلاف ذلك ، أو اشترط أنها سليمة في جسمها ولم يزد فله ردها حينئذ كما في المتيطية بما مرّ من العمى ونحوه ، بل ولو بالسواد على ما للمتيطي ، ورده ابن عرفة بأن لفظ السلامة من الجسم لا يدل على نفي السواد . ابن عرفة : وفيها إن وجدها سوداء أو عوراء أو عمياء لم ترد ، ولا ترد بغير العيوب الأربعة إلا أن يشترط السلامة منه .
قلت : فإن شرط أنها صحيحة فوجدها عمياء أو شلاء أو مقعدة أيردها بذلك ؟ قال : نعم إذا اشترطه على من أنكحه إياها اه . فقوله : نعم إذا اشترطه الخ . أي إذا اشترط الزوج على الولي الصحة باللفظ ، وثبت ذلك بأداء عدلين ، وأما لو لم يعلم الشرط إلا من قوله في الوثيقة صحيحة العقل والبدن فتوجد على خلاف ذلك وتعذر سؤال العدلين أو لم يتعذر ، ولكن لم يحققوا كون الزوج اشترط ذلك باللفظ ففي ثبوت الرد بذلك وعدم ثبوته لجري العادة أنه من تلفيق الموثق تردد للباجي وابن أبي زيد وإلى المسألة من أصلها أشار ( خ ) بقوله : وبغيرها أي العيوب الأربعة إن شرط السلامة ولو بوصف الولي عند الخطبة . وفي الرد إن شرط الصحة تردد لا بخلف الظن كالقرع والسواد من بيض ونتن فم الخ . وظاهر النظم كالمدونة والمختصر أن العرف ليس كالشرط هنا وهو ظاهر بخلاف البيع ، ولعل الفرق أن النكاح مبني على المكارمة .
تنبيه : اشتراط كونها ذات مال قدره كذا أو جميلة ولو بوصف الولي يوجب الخيار للزوج إذا وجدها على خلاف ذلك كما في ابن عرفة :
والزَّوْجُ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهَا بِكْرا
لَمْ يَرْجِع إلاَّ بِاشْتِرَاطٍ عَذْرا
( والزوج ) مبتدأ ( حيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه : ( لم يجدها ) في محل جر بإضافة حيث ( بكرا ) مفعول ثان ليجد وجملة ( لم يرجع ) جواب حيث ومعموله محذوف أي بالثيوبة ( إلا باشتراط ) استثناء مفرغ ( عذرا ) مفعول باشتراط ، والجملة منحيث وجوابها في محل رفع خبر المبتدأ ، والمعنى أن الزوج إذا تزوج امرأة فوجدها ثيباً فإنه لا يردها بالثيوبة في حال من الأحوال سواء لم يشترط شرطاً أو اشترط أنها بكر إلا في حال اشتراط كونها عذراء وهي التي لا زالت بخاتم ربها ولم تسقط بمزيل أصلاً ، فإن اشترط ذلك أو اشترط ما في معناه عرفاً ولو بوصف الولي عند الخطبة كما في ابن عرفة كطفلة أو بنت أو كان العرف إطلاق البكر على العذراء كما عندنا اليوم فوجدها ساقطة العذرة بنكاح أو غيره من وثبة ونحوها كان له الرد على المشهور خلافاً للقابسي ، والعرف كالشرط فإذا أصدقها صداق البكر وصنع لها ما يصنع للبكر ثم وجدها ثيباً فله الرد وإن لم يشترط ثيباً .
واعلم أن البكر في اللسان كما في ابن عرفة عن ابن رشد ونحوه في الشارح هي التي لم يكن لها زوج ولو لم تكن لها عذرة وقال بعض شراح ( خ ) هي عند الفقهاء التي لم توطأ بعقد صحيح أو فاسد جار مجرى الصحيح ، وعلى هذا الأخير يحمل الناظم بدليل البيت بعده ، وظاهر النظم أن الزوج لا يعذر بالجهل وأنه جهل معنى البكر في اللغة ، بل ظنها أنها العذراء وذلك مما يجهله أبناء جنسه وهو كذلك حيث لا عرف في إطلاق البكر على العذراء كما يفيده ابن عرفة ، وإنما كان لا يرجع إذا اشترط البكارة ولا عرف في إطلاقها على العذراء لأنه من حيث لا عرف ينصرف اللفظ إلى معناه لغة أعم من أن تكون عذرتها سقطت بزنا أو بقفزة أو وثبة أو تكرر حيض أو غير ذلك ، ولا يقال حمله على معناه لغة يقتضي الرد بمجرد تقدم عقد النكاح لأنا نقول تقدم عقد النكاح بمجرده من غير وطء لا غرضية فيه ، فلا فائدة لاشتراط انتفائه فانصرف الشرط للتي لم توطأ بنكاح .
ولما كان ما قبل الاستثناء صادقاً بصورتين بما إذا اشترط البكارة ، وبما إذا لم يشترط شيئاً كما مر ، وكانت البكر هي التي لم توطأ بنكاح أخرج من صورة الاشتراط فقط ما إذا وطئت بنكاح فقال :
ما لَمْ يُزِلْ عَذْرَتَهَا نِكاحُ
مُكْتَتَمٌ فالرَّدُّ مُسْتَبَاحُ
( ما ) ظرفية مصدرية ( لم يزل ) صلتها وهو مضارع أزال الرباعي ( عذرتها ) مفعول به والعذرة بضم العين ساتر رقيق على المحل ( نكاح ) فاعل يزل ( مكتتم ) صفة لنكاح ( فالرد مستباح ) مبتدأ وخبر ، والجملة جواب شرط مقدر أي فإن أزالها نكاح فالرد الخ . والمعنى أن الزوج إذا اشترطالبكارة فلا رد له ما لم يزل عذرتها نكاح مكتوم عنه وله الرد حينئذ لأنه اشترط البكارة وهي التي لم توطأ بنكاح ، وهذه قد وطئت به فتحصل من كلامه أنه إذا لم يشترط شيئاً وظنها بكراً فلا رد له وطئت بنكاح أو بزنا أو سقطت عذرتها بغير وطء ، وإن اشترط البكارة فلا رد له أيضاً إلا إن زالت عذرتها بنكاح كتم عنه ، فإن لم يكتم عنه فلا رد له أيضاً ، وإن اشترط عذراء أو ما في معناه ردها بكل ثيوبة ( خ ) عاطفاً على ما لا رد به ، والثيوبة إلا أن يقول عذراء ، وفي بكر تردد الخ فاقتصر الناظم في البكر على أحد الترددين لأنه المنصوص لمالك وأشهب وابن حبيب ومقابله أن اشتراط البكارة كاشتراط العذراء لابن العطار ، وبعض الموثقين ، فقوله : إن لم يجدها بكراً أي لم يجدها موطوءة بنكاح فلا رد له بالثيوبة مع اشتراط البكارة ، ومع عدم اشتراط شيء أصلاً ما لم يزل عذرتها نكاح كتم عنه فيردها مع اشتراط البكارة . وقوله : مكتتم أي كتمته هي أو وليها أو هما ، وظاهره أنه لا يردها بثيوبة غير النكاح ولو علم بها الولي وكتمها والذي في ( خ ) أنه إذا علم وكتم فللزوج الرد على الأصح ، وبما قررنا سقط الاعتراض عنه بأن كلامه يوهم أن له الرد يتقدم عقد نكاح عليها ولو لم توطأ فيه لأنهم حملوا البكر على معناه لغة وليس ذلك مراد الناظم ، وإلاَّ أدى للتدافع في كلامه لأنه إن حملنا البكر على المعنى اللغوي اقتضى أن يردها بتقدم عقد نكاح عليها ، ولو كانت لا زالت عذراء الآن . وقوله ما لم يزل عذرتها نكاح الخ . يقتضي أنه لا رد له بتقدم عقد النكاح حيث كانت عذرتها قائمة فالمخلص من ذلك هو حمل البكر في كلامه على البكر التي لم توطأ بنكاح لأن تقدم عقد النكاح بمجرده لا يفوت غرضاً فلا وجه لاشتراط انتفائه والله أعلم .
تنبيهات . الأول : لا حد على الزوج فيما حكاه عنها أنها غير عذارء ولا لعان لأن العذرة قد تزول بسقطة ونحوها إلا أن يقول : زالت بزنا أو يقول : وجدتها مفتضة لأن لفظ الافتضاض يشعر بفعل الفاعل قاله ( ق ) وقد بحث فيه بأن الافتضاض لا يستلزم الزنا حتى يكون قذفاً لجواز أن يكون من زوج .الثاني : إذا كذبته في دعوى الثيوبة ، وزعمت أنها عذراء الآن وهو أزال عذرتها ، فالمشهور أنها تصدق في الصورتين بيمين ( خ ) وحلفت هي أو أبوها إن كانت سفيهة ولا ينظرها النساء الخ . والذي به العمل أن النساء ينظرن إليها في الصورتين كما مر قال في اللامية : والفرج للنسوة انجلا . ولا مفهوم للنسوة بل فرج الرجل ينظر إليه الرجال أيضاً كما مر عن ابن فتحون أول الباب ، وبه أفتى ابن علوان كما مر .
الثالث : إذا اشترط أنها عذراء أو ما في معناه أو أصدقها صداقاً على ما مر فسقطت عذرتها بوثبة أو زنا ونحوهما فإن تصادقا على حدوث ذلك بعد العقد أو قامت به بينة فهي مصيبة نزلت بالزوج ، ويلزمه جميع الصداق إن دخل ، ونصفه إن طلق قبل الدخول كما في جواب لابن أبي زيد المنقول في ( ق ) وغيره . ويدل له أيضاً قول الناظم فيما مر : وهو لزوج آفة من بعده . وفي المدونة في كتاب الرجم عن مالك إن ظهر بالمرأة حمل قبل البناء وأنكره زوجها وصدقته بأنها زنت وأنه ما وطئها حدت ولا يلحقه الولد ولا لعان فيه . ابن القاسم : وهي زوجة إن شاء طلق وإن شاء أمسك . المتيطي فقول ابن القاسم : إن شاء طلق ولم يقل إن شاء رد يدل على أنه لا قيام له بالعيب إلا أن يقال : إنه لم يطلبه ابن عرفة : والأظهر أنه حادث بعد العقد أو محتمل الحدوث اه . أي : والقول للولي والزوجة في محتمل الحدوث أنه حادث وإلاَّ لو كان القول للزوج لقال إن شاء رد فتأمله منصفاً فقولها : إن شاء طلق يعني وعليه النصف كما تقدم عن ابن أبي زيد ، وقولها : إن ظهر بها حمل يدل على أنه طرأ بعد العقد ، وإلاَّ فالنكاح فاسد فليست زوجة حينئذ . وقولها : ولا يلحق به الولد يعني إذا أتت به لدون ستة أشهر من يوم العقد وإلاَّ فلا ينتفي عنه إلا بلعان ولو تصادقا على نفيه كما في ( خ ) وغيره لكنه يعكر عليه قوله : وهي زوجة لأنها إذا أتت به لدون ستة أشهر ، فالنكاح فاسد وعليه فقوله : ولا لعان فيه إنما يتمشى على المردود عليه بلو في قول ( خ ) ولو تصادقا الخ . وأما إن اختلفا في حدوث الحمل وزوال عذرتها بوثبة ونحوها فادعت الحدوث وادعى هو القدم فيجري على ما يأتي في البيت بعده .
الرابع : ظاهر النظم أنه إذا اشترط البكارة واطلع بعد الدخول بها أنها ثيب بنكاح أن له الرد لأنه مغرور فلا يترك لها إلاَّ ربع دينار وهو ظاهر نقل ابن عرفة عن الباجي حيث قال : لو وجدها ثيباً من زوج فله الرد اه . وفي اختصار البرزلي : إذا تزوجها بكراً فوجدها ثيباً من رجلين فإن دخل بها مضى النكاح بصداق مثلها وإن كان قبل البناء خير في الإقامة ولزوم كل الصداق أو الفراق ولا شيء عليه فقد أمضاه مع الدخول بصداق المثل .
الخامس : قال ابن زرب : فإذا أقرت الجارية بعد دخول زوجها بها أن بها جنوناً أو أنها غير عذراء لم يقبل قولها لأنها أقرت بما يخرج بعض مالها ، وكذا لو اشترط عذرتها وادعى أنه لميجدها كذلك وصدقته لم يقبل قوله ، وعليه جميع الصداق . كذا نقل البرزلي . وفي اختصار المتيطية ما نصه : قال ابن زرب في اختصاره الثمانية : فإن صدقته الزوجة وهي في ولاية أبيها لم يقبل قولها لأنها أقرت بما يخرج بعض مالها من يد أبيها . وقال ابن حبيب : يقبل قولها اه . ابن عرفة : وفي قبول تصديقها له وهي في ولاية أبيها قولا ابن حبيب . وابن زرب : لأن مالها بيد أبيها قال ابن عرفة : وإنما قال ابن حبيب بالتصديق لأنه أمر لا يعلم من غيرها ولها نظيره في إرخاء الستور اه . ورأيت في نوازل الزياتي أن من تزوج امرأة على أنها بكر أي وعرفهم أنها العذراء فوجدها ثيباً فسئلت عن ذلك فأقرت أنها زنت منذ خمسة أشهر فهل تصدق أم لا ؟ فقال : المتبادر أنها تصدق إذ لا يعلم ذلك إلا من قبلها ، وقد طال بحثي على النص في النازلة فما وفقت على شيء اه . قلت : ما استظهره جار على قول ابن حبيب لا على قول ابن زرب الذي هو المعتمد ، إذ المحجور لا يقبل إقراره فيما يرجع لماله والقول حينئذ قول وليها أن ذلك حدث بعد العقد أو أن ذلك من فعل الزوج كما مرّ ، وكما يأتي في البيت بعده . وفي البرزلي فيمن تزوج بكراً فقال : وجدتها ثيباً وأخبر في حينه بذلك فقال ابن أبي زيد : ينظرها النساء فإن قلن القطع جديد لم يقبل منه ، وإن قلن قديم فإن زوَّجها أخوها أو أبوها فعليه صداقها ويرجع به عليها ، وإن كان غيرهما فهي الغارة فيرجع عليها به إلا ربع دينار اه . قال البرزلي عقبه : لعل هذا إذا اشترط أنها بكر عذراء ويحتمل الإطلاق لما جرت العادة أن البكر هي العذراء على مذهب المتأخرين وعلى مذهب المتقدمين لا يضر ذلك وبه العمل اه من اختصاره .
السادس : من تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيباً فأقر أبوها أنها كانت تكنس البيت فنزل بها شيء أذهب عذرتها ورد للزوج الصداق فقال أشهب : يرجع الأب على الزوج بما دفعه إليه ولا شيء للزوج ، وقال أصبغ : لا يرجع لأنه إن كان شرط عليه ذلك فله الرد كاشتراط البياض والجمال ، وإن لم يشترطه فقد طاع الأب بالرد فلا رجوع له بالجهالة ولا يصدق ، ويحمل على أنه أراد الستر على ابنته لأن ذلك يكون به الفرقة وترجع البنت على أبيها . قال بعض الموثقين : وهذا يدل على أن أشهب لا يرى له الرجوع بذلك العيب يعني لأنه الجاري على ما مر من أن اشتراط البكارة لا يوجب الرد بالثيوبة . ابن رشد : رد الأب المهر للزوج إن كان على شرط الفراق لم يتبع به الزوج لأنه عوض ، وتتبع البنت أباها لأنه أتلفه بغير حق وإن رده على بقائها في عصمته رجع به عليه لابنته إذ هبة الأب مال ولده الصغير لا تجوز على مذهب ابن القاسم ، وإن رده على غير بيان الفرقة أو عدمها فحمله أشهب على غير الفرقة فأوجب له الرجوع على الزوج ، وحمله أصبغ على الفرقة فأمضاه الزوج ويغرمه الأب لابنته ، وهذا كله على عدم حمله أنها بكر على شرط العذرة ، وأما إذا حمل عليه فرد الأب ماض ولا غرم عليه لابنته نقله ابن عرفة والمتيطية .
السابع : من حلف بطلاق زوجته أن بفلانة عيباً مما لا يطلع عليه الرجال وشهدت أربع نسوة بنفيه ، فإنه لا يحنث قاله السوداني في باب الزنا عند قوله : فلا يسقط بشهادة أربع نسوة ببكارتها .
الثامن : قال المتيطي : ينبغي لأولياء المرأة تذهب عذرتها بغير نكاح أن يشيعوا ذلكويشهدوا به ليرتفع عنها العار عند نكاحها . ابن عرفة : إنما يرتفع عارها إذا نزل بها ذلك وهي في سن من لا توطأ أو كانت سقطتها بمحضر جمع ، وينبغي أن يثبت ذلك بشهادة ذلك الجمع ولو كان ذا سترة قاصرة عن التعديل أو نساء ، وكيفية الشهادة بذلك أشهد فلان بن فلان شهيديه أنه كان مما قدر الله إن نزل بوليته فلانة التي في حجره أنها سقطت من كذا أو وثبت فسقطت عذرتها الخ . فإذا زوجها وليها لزمه إعلام الزوج بذلك فإن لم يعلمه جاء القولان في شرط البكارة اه . قلت : أصح القولين أن له الرد كما تقدم عن ( خ ) . والله أعلم .
التاسع : لا عبرة بنظر القوابل إلى البنت بعد أيام من دخول الزوج وإن شهدن بأن القطع قديم فلا حجة للزوج في ذلك لأنه قد يكون الافتضاض في أول دخوله ويبرأ الجرح في الأيام بدمل لأن العادة أنه يبرأ بالقرب ، وإنما يعتبر ذلك إذا نظرن إليها صبيحة ليلة دخوله وما قرب منها جداً بحيث لا يمر من الزمان ما يكون البرء فيه عادة قاله ابن لب في جواب له نقله الشارح . ويفهم منه أن الزوج إذا مكث معها نحو الثلاثة الأيام وادعى أنه لم يصبها إلا في الليلة الثالثة مثلاً فوجدها ثيباً وادعت هي أو وليها أنه أصابها في الليلة الأولى فالقول لها ولوليها . وشهادة القوابل بعدم القطع عن ذلك لا تنفع والله أعلم . بل لو اعترفت بأنها لا زالت عذراء واعترف هو بوطئها فوجدها ثيباً ونظر النساء إليها بعد يوم ونحوه من دخوله فوجدنها ثيباً لوجب عليه الغرم للصداق باعترافه لموجبه عليه ولا عبرة باعترافها ببقاء عذرتها . وانظر لو اعترف بالوطء وكذبته فيه وشهد النساء ببقاء عذرتها فهل يؤاخذ بإقراره لأنه كذب شهادة النساء إلا أن يرجع لقولها كما يدل له قول ( خ ) في فصل الصداق وإن أقرّ به فقط أخذ إن كانت سفيهة وهل إن أدام الإقرار لرشيدة كذلك أو إن كذبت نفسها ؟ تأويلان الخ .
العاشر : ظاهر إطلاقات الأشياخ أن النساء ينظرن إلى نفس الفرج وهو الذي عليه عمل الناس اليوم فيما شاهدناه من غير نكير من القضاة وأهل العلم ، والذي اقتصر عليه في المتيطية وابن فرحون في التبصرة : أن تجعل المرآة أمام فرجها وتفتح فخذيها وتجلس امرأتان من خلفها ينظران في المرآة وهي تفتحها بيدها فما نظرتا فيه شهدتا به .
والقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَ الابتِنَا
في قِدَمِ العَيْب الَّذِي تَبَيَّنَا
( والقول ) مبتدأ ( قول الزوج ) خبر ( قبل الابتناء ) ظرف لمصدر دل عليه الخبر المذكور أي القول قول الزوج عند الاختلاف قبل الابتناء إذ لا يقال القول لفلان إلا عند الاختلاف ( في قدم العيب ) يتعلق بالخبر ( الذي تبينا ) نعت للعيب ومعموله محذوف أي الذي تبين قبل البناء .
وَالقَوْلُ بَعْدَ في الحُدُوثِ قَوْلَ الأبْ
والزَّوْجُ إذْ ذَاكَ بَيانُهُ وَجَبْ
( والقول ) مبتدأ ( بعد ) ظرف للاختلاف المقدر أيضاً مبني على الضم لقطعه عن الإضافة لفظاً ( في الحدوث ) يتعلق بالخبر الذي هو ( قول الأب والزوج ) مبتدأ ( إذ ) ظرف زمان ماضيتعلق بوجب ( ذاك ) مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك ، والجملة في محل جر بإضافة إذ لقوله : وألزموا إضافة إلى الجمل . حيث وإذ الخ . ( بيانه ) مبتدأ ثان وجملة ( وجب ) خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر الأول ، والمعنى أن الزوجين إذا اختلفا في قدم العيب وحدوثه فادعى تقدمه على العقد ليكون له الرد ، وادعت الزوجة أو وليها حدوثه بعد العقد ليكون مصيبة نزلت به كما مرّ في قوله : وهو لزوج آفة من بعده . فإن كان ذلك الاختلاف قبل البناء فالقول قول الزوج في قدمه وعلى الزوجة إثبات كونه حادثاً ، وإن كان اختلافهما بعد البناء فالقول قول الزوجة في حدوثه وعلى الزوج بيان قدمه . وما ذكّره الناظم هو ملخص ما لابن رشد في البيان مقيداً به إطلاق ابن القاسم حيث قال في سماع عيسى وأصبغ من زوج ابنته على أنها صحيحة فتجذمت بعد سنة أو نحوها . فقال الأب : تجذمت بعد النكاح . وقال الزوج : قبله فالأب مصدق وعلى الزوج البينة . ابن رشد : إنما يصدق إن تداعيا بعد البناء وقبله القول قول الزوج كما أن القول قول المبتاع في عيب عبد ظهر قبل قبضه يحتمل الحدوث والقدم اه . فأنت تراه في الرواية أطلق ، وقيده ابن رشد بما ترى وتبعه على التفصيل المذكور ابن سلمون والناظم ، والذي لابن فتحون أن القول للزوجة وأبيها مطلقاً كان النزاع قبل البناء أو بعده وهو ظاهر ( خ ) وابن شاس والمقرب .
قلت : وهو الموافق لنص ابن القاسم المتقدم فيمن ظهر بها حمل قبل البناء وأنه إن شاء أمسك وإن شاء طلق لكون الحمل حادثاً بعد العقد ، أو محتمل الحدوث على ما استظهره ابن عرفة كما مرّ في التنبيه الثالث قبل هذين البيتين . وحاصله ؛ أن ابن القاسم في سماع عيسى وأصبغ قال : إن القول للأب وعلى الزوج البينة وأطلق فظاهره كان نزاعهما قبل البناء أو بعده واعتمد إطلاقه غير ابن رشد ممن تقدم ، وهذا الإطلاق هو الموافق لما مر قريباً عن المدونة في كتاب الرجم ، ولذا أطلق ( ح ) وغيره ممن تقدم قال ابن رحال : وهو الصواب وتقييد ابن رشدوإن تبعه عليه غيره غير ظاهر وكم من تقييد أهمل ، وقد أطلق ابن يونس كما أطلق ابن شاس اه باختصار .
تنبيهان . الأول : إذا كان القول للأب فبيمينه ( خ ) وحلفت هي أو أبوها إن كانت سفيهة الخ . ابن رشد : الأخ كالأب أي وأحرى الابن وغيرهم من الأولياء لا يمين عليهم ، بل عليها ، وينبغي أن تكون يمين الولي على العلم انظر ابن عرفة و ( ح ) .
الثاني : قال الشارح : انظر هل يريد بالبينة إقامة شهادة بأن العيب بها قديم أو حادث أو شهادة أهل المعرفة بأنه قديم أقدم من أمد العقد أو حادث بعد العقد أو محتمل كالشهادة في الرقيق والدواب اه . قلت : الجاري على ما مر في مسألة البكارة أن المراد شهادة أهل المعرفة بأنه أقدم من أمد العقد وأحرى إذا أقام بينة تشهد بالقطع بأنه كان بها قديماً ، وربما يستروح هذا أيضاً من تشبيه . ابن رشد : المسألة بعيب عبد ظهر قبل قبضه الخ فتأمله والله أعلم .
كَذَا بَرَدَ ذِي انْتِسَابٍ أُلْفِيَا
لِغيَّةٍ أَوْ مُسْتَرَقًّا قُضِيَا
( كذا ) تشبيه راجع لقوله قضى آخر البيت ( برد ذي انتساب ) يتعلق بقضى المذكور ( ألفيا ) بالبناء للمفعول بمعنى وجد وألفه للإطلاق ونائبه المفعول الأول ضمير يعود على ذي انتساب ( لغية ) بكسر لام الجر وفتح الغين وكسرها يتعلق بألفى في محل المفعول الثاني له يقال فلان لغية إذا كان لغير رشدة أي ابن زنا ( أو مسترقاً ) معطوف على محل لغية ( قضيا ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير يعود على الزوجة أي : قضى لها فحذفت لام الجر فاتصل الضمير واستتر والتقدير قضى للزوجة برد ذي انتساب ألفته منسوباً لغية أو مسترقاً كذلك أيضاً كما قضى لها برده بالعيب ، فإذا تزوجته على أنه ذو نسب فوجدته ولد زنا أو تزوجته على أنه حر فوجدته رقيقاً أو ذا شائبة رق فلها رده إن شاءت ، وظاهره أن مجرد الظن كاف وإن لم يكن هناك شرط فقوله : ذي انتساب أي اشتراطاً أو ظناً فإذا تزوجته ظانة أنه نسيب أو أنه حر ، فإذا هو لغية أو رقيق فلها رده لأن العرف أن النسيبة لا تتزوج إلا النسيب ، والحرة لا تتزوج إلا الحر والعرف كالشرط ، فإن لم يكن عرف بذلك فلا رد إلا مع الشرط الصريح وعكس المسألتين كذلك وهو تزوجه إياها ظاناً أو مشترطاً أنها لرشدة فإذا هي لغية أو ظاناً أو مشترطاً أنها حرة فإذا هي أمة ، ويفهم منه أنه إذا تزوجها يظنها حرة فإذا هو وهي رقيقان لا رد لها ولا له لأن كلاًّ منهما من مناكح الآخر . نعملو تزوجها العبد أو تزوجته على شرط الحرية فتبين خلافه فلها وله الرد ، وإن كان كل منهما من مناكح الآخر لأنه خلاف الشرط المدخول عليه ، وانظر لو تزوجها أو تزوجته على أنها أو أنه لرشدة فإذا هما لغية هل يجري على حكم ما إذا كان العيب بهما معاً كما مر في أول الفصل أو إلى المسألة الأخيرة ، وعكسها الشارح بقوله : وإلاَّ تزوج الحر الأمة والحرة العبد بخلاف العبد مع الأمة والمسلم مع النصرانية إلا أن يغرا أو إلى ما يتضمن الأولى أشار بقوله : وللعربية رد المولى المنتسب . الخ . فيستروح منه أن الذي لغية يرد بالأحرى ولو لغير العربية ، وفي المتيطية وللمرأة أن ترد الرجل إذا انتسب لها فوجدته لغية وكذلك إن كان عبداً الخ .
تنبيه : سكت الناظم عما يكون للزوجة في الرد قبل البناء أو بعده ، وأشار له ( خ ) بقوله : ومع الرد قبل البناء فلا صداق وبعده فمع عيبه المسمى ومعها رجع بجميعه انظر تفصيله فيه .
فصل ( في ) ذكر أحكام ( الإيلاء والظهارواختلف في معنى الإيلاء لغة فقيل : هو اليمين مطلقاً ، ثم استعمل في اليمين على ترك الوطء ، وقيل : هو الامتناع قال تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم } ( النور : 22 ) وشرعاً قال ابن عرفة : حلف زوج على ترك وطء زوجته يوجب خيارها في طلاقه اه . فقوله على ترك وطء زوجته الخ أخرج به ما إذا حلف على غير ترك الوطء أو على ترك وطء غير الزوجة من أجنبية أو أمة . وفي المعيار : لا يلزم الإيلاء في الأجنبية ، ويلزمه الظهار فيها . وانظره مع قول القرافي في ذخيرته إذا قال لأجنبية : والله لا أطؤك وأنت علي كظهري أمي فتزوجها لزمه الإيلاء لأنها يمين لا يشترط فيها ملك المحلوف عليه دون الظهار لأن من شرطه الزوجية إلا أن يريد إن تزوجتك فيلزماه معاً اه بلفظه . وقوله : يوجب خيارها أخرج به الحلف عل ترك الوطء الذي لا يوجب لها خياراً كحلفه على تركه أربعة أشهر فدون أو كون الزوج لا يتصور منه الوطء كالعنين والمجبوب أو كون الزوجة مرضعة أو صغيرة لا يوطأ مثلها ونحو ذلك ، فحلف الزوج المجبوب أو ذو الزوجة المرضعة والصغيرة على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر لا يوجب للزوجة خياراً لكونه لم يقصد بذلك ضرراً إلا أنه اعترض قوله : يوجب خيارها بأنه من إدخال الحكم في الحد اه . وهو مردود لأنه يفضي للدور . وقد يجاب بما أجابوا به عن ابن مالك في قوله : الحال وصف فضلة منتصب الخ . ولهم في ذلك أجوبة منها أن الممنوع هو الحكم قبل تصور المحدود بشيء ما من أجزائه ، وهذا ليس كذلك وعرفه ( خ ) بقوله الإيلاء يمين زوج مسلم مكلف يتصور وقاعه وأن مريضاً يمنع وطء زوجته وإن تعليقاً غير المرضع وإن رجعية أكثر من أربعة أشهر أو شهرين للعبد ولا ينتقل للعتق بعده ، كوالله لا أراجعك أو لا أطؤك .وَمَنْ لِوَطءٍ بِيَمِينٍ مَنَعَه
لِزَوْجَةٍفَوْقَ شُهُورٍ أَرْبَعَهْ
( ومن ) اسم شرط أو اسم موصول مبتدأ واقع على الزوج المكلف الذي يتصور وقاعه ( لوطء ) اللام زائدة لا تتعلق بشيء كما مر ، وهو في محل نصب يمنعه من باب الاشتغال ( بيمين ) يتعلق بقوله : ( منعه ) والجملة صلة الموصول أو فعل الشرط الضمير الفاعل بمنعه ( لزوجة ) يتعلق بمنعه أيضاً وهو على حذف الصفة أي غير مرضعة ولا صغيرة لا يوطأ مثلها ( فوق شهور ) ظرف يتعلق به أيضاً ( أربعه ) صفة للشهور .
فَذلِكَ المُولِي وَتأْجِيلٌ وَجَبْ
لهُ إلى فَيْئَتِهِ لِمَا اجْتَنَبْ
( فذلك ) مبتدأ ( المولى ) خبره ، والجملة من هذا المبتدأ والخبر جواب من على أنها شرطية أو خبرها على أنها موصولة ودخلت الفاء في خبر الموصول لشبهه بالشرط في العموم والإبهام ( وتأجيل ) مبتدأ سوغه عطف هذه الجملة على التي قبلها ( وجب ) خبره ( له إلى فيئته ) يتعلقان به ( لما ) يتعلق بفيئة ( اجتنب ) صلة ما ، والتقدير : والزوج الذي منع لزوجته وطأ بيمين منعه فوق شهور أربعة للحر وشهرين للعبد فذا الحالف هو المولى ، والحكم أنه يجب أن يؤجل أجل الإيلاء الآني إلى فيئته أي عوده للوطء الذي اجتنبه بيمينه المذكورة . والفيئة بفتح الفاء وكسرها قال ( خ ) : هي تغييب الحشفة في القبل وافتضاض البكر ، فإذا فاء داخل الأجل انحل عنه الإيلاء وكفر عن يمينه إن كانت مما تكفر ، وإذا انقضى أجل الإيلاء الآني وهو أربعة أشهر من يوم الحلف أو الرفع في الحنث أو لم يفىء أوقفه القاضي فإما فاء وإلا طلق عليه . قال في المتيطية : وإذا آلى حر من امرأته أربعة أشهر فدون أو عبد شهرين فدون فلا حكم له فإن زاد إيلاء الحر أو العبد على ما ذكرناه أو كانت يمينه مطلقة في الزمان وقامت الزوجة بحقها في الوطء ضرب له أجل الإيلاء من يوم اليمين فإذا انقضى قيل له : إما أن تفيء وإلا طلقت عليك اه بلفظ الاختصار . وما نقله الشارح هو لفظ النهاية كما وقفت عليه فيها ، ثم إن الناظم أطلق في الزوجة فيشمل المدخول بها وغيرها حرة كانت أو أمة أو كتابية كما أطلق في اليمين فشمل اليمين بالله وغيرها من نذر صلاة أو صيام أو هدي أو حج أو عتق أو بطلاقها أو بطلاق امرأة أخرى . وقوله : وتأجيل وجب الخ هذا التأجيل هو الآتي في قوله : وأجل المولى شهور أربعة الخ . وبالجملة فلا ينعقد إيلاؤه إلا إذا حلف على تركه أكثر من أربعة أشهر وشهرين للعبد أو كانت يمينه مبهمة أي مطلقة أو في معنى المطلقة كقوله : والله لا أطؤك حتى يقدم زيد أو حتى تأتيني أو حتى أموت أو حتى تسأليني وإذا انعقد وجب تأجيله أربعة أشهر للحر ونصفها للعبد وإلى مبدأ التأجيل أشار بقوله :
وَأَجَلُ الإيلاءِ مِنْ يَوْمِ الحَلِفْ
وحانِثٌ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ ائْتُنِفْ( وأجل الإيلاء ) مبتدأ ( من يوم الحلف ) خبره . ومعناه أن أجل الإيلاء الآتي في قوله : وأجل المولى شهور أربعة . مبدوء من يوم الحلف . وهذا إذا كانت يمينه على بر بدليل ما بعده فيشمل والله لا أطؤك وأطلق ، فإن الإطلاق يعم سائر الأزمان فهو على إطلاقه فلا يخص بوقت دون وقت إلا بدليل ، وأحرى لو قال : والله لا أطؤك أبداً أو خمسة أشهر بل ظاهره ولو كانت محتملة لأقل من أربعة أشهر كوالله لا أطؤك حتى يقدم زيد أو يموت أو حتى تسأليني أو تأتيني ونحو ذلك كما هو نص المدونة خلافاً لما في ( خ ) من أن الأجل في المحتملة من يوم الرفع والحكم حيث قال : والأجل من اليمين إن كانت يمينه صريحة في ترك الوطء لا إن احتملت مدة يمينه أقل أو حلف على حنث فمن الرفع والحكم الخ .
والحاصل أنه مهما دلت يمينه على ترك الوطء صراحة أو التزاماً كوالله لا ألتقي معها أو لا أغتسل من جنابة فالأجل من يوم اليمين كانت اليمين صريحة في كون المدة أكثر من أربعة أشهر حقيقة ، ومنها لا وطئتك حتى يقدم فلان ، وقد علم أنه لا يقدم إلا بعدها أو حكماً كلا وطئتك حتى أموت أو تموتي أو كانت غير صريحة في المدة المذكورة بل تحتمل كوالله لا وطئتك حتى يدخل زيد الدار أو حتى يموت عمرو ، لاحتمال دخوله الدار أو موت عمر وأثر اليمين قبل مضي المدة إلا أنه في غير المحتملة بقسميها يحكم بإيلائه من الآن ، وفي المحتملة بصورتيها لا يحكم بأنه مول حتى تنقضي الأربعة أشهر ولم يطأ ولم يقع المحلوف عليه ، فهناك يحكم بأنه مول ولا يضرب له أجل آخر بل أجله قد انقضى خلافاً لما يقتضيه ( خ ) من أنه في المحتملة يستأنف له الأجل من يوم الرفع فمصب الصراحة عنده المدة المقدرة أي : والأجل في اليمين بشرطين أن تكون يمينه على ترك الوطء صراحة أو التزاماً ، وأن تكون صريحة في المدة المذكورة وهي أكثر من أربعة أشهر للحر أو شهرين للعبد ، فالصراحة منصبة على هذا الشرط الثاني المقدر بدليل قوله : لا إن احتملت مدة يمينه أقل الخ . قاله طفي وغيره .
( وحانث ) مبتدأ على حذف مضاف أي : وأجل حانث ( من يوم رفعه ) يتعلق بقوله ( ائتنف ) بالبناء للمفعول والجملة خبر المبتدأ ، والمعنى أن الحالف على ترك الوطء تصريحاً أو التزاماً أجلهمن يوم الحلف سواء كانت يمينه صريحة في كون المدة أكثر من أربعة أشهر أو محتملة أقل كما مرّ ، وإن حلف على غير ترك الوطء كقوله : إن لم أدخل الدار أو إن لم أكلم فلاناً مثلاً فأنت طالق أو عليه الطلاق ليضربن زيداً فالأجل في ذلك من يوم الرفع كما أشار له ( خ ) في الطلاق بقوله : وإن نفى ولم يؤجل كان لم أقدم منع منها أي ويدخل عليها الإيلاء فقول الناظم : وحانث الخ وقول ( خ ) وعلى حنث أي وقد حلف على غير ترك الوطء كما في طفي .
وَيَقَعُ الطَّلاقُ حَيْثُ لا يَفِي
إلاّ عَلَى ذي العُذْرِ في التَّخَلُّفِ
( ويقع الطلاق ) فعل وفاعل ( حيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه المحذوف للدلالة عليه وفاعل ( لا يفي ) ضمير يعود على المولى والجملة في محل جر بإضافة حيث ( إلا ) استثناء مفرغ ( على ذي العذر ) يتعلق بيقع ( في التخلف ) بدل من العذر وفي سببية وهو من باب القلب أي : ويقع الطلاق على كل مول إن لم يف بعد أجله الآتي إلا على المولى ذي التخلف بسبب العذر من مرض أو غيبة أو سجن أو حيض أو إحرام ، ففي الحيض والإحرام يؤخر لزوالهما إن وعد بها أو يكفر أو يعجل الحنث كما في طفي و ( خ ) وفيئة المريض والمحبوس بما ينحل به إيلاؤهما وبعث للغائب إن بشهرين فقوله : ويقع الطلاق أي إذا انقضى الأجل فيقال له : إما أن تفيء وإلا طلقت عليك كما مرّ عن المتيطية ، فإن قال : لا أفيء طلق الحاكم عليه بلا تلوم طلقة يملك بها رجعتها إن فاء في العدة وإن وعد بالفيئة تلوم له واختبر مرة بعد مرة في مدة التلوم ، فإن ادعى الوطء فيها صدق بيمين في الثيب وينظر النساء للبكر على ما به العمل فإن مضت مدة التلوم ولم يفىء أمر بالطلاق ، فإن لم يفعل طلق الحاكم عليه ، ومثل الحاكم من يقوم مقامه من صلحاء البله عند فقده . والفيئة اصطلاحاً هي تغييب الحشفة في القبل في الثيب وافتضاض البكر . وفي القاموس فاء المولى من امرأته كفر عن يمينه ورجع إليها . وفي ذخيرة القرافي الفيئة الرجوع ومنه الفيء بعد الزوال للظل أي : رجع بعد ذهابه فقوله : حيث لا يفىء الخ لا مانع من حمل الفيئة في كلامه على معناه اللغوي ، بل هو الواجب ليعم التغييب المذكور أو تعجيل الحنث كعتق المحلوف بعتقه أو تكفير ما يكفر أو يدخل الدار ونحو ذلك ( خ ) وانحل الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه وبتعجيل الحنث وبتكفير ما يكفر إلى أن قال وطلق عليه إن قال : لا أطأ بلا تلوم وإلا اختبر مرة بعد مرة الخ . إلا أنه إذا انحل إيلاؤه بتعجيل الحنث ونحوه واستمر على ترك الوطء فيطلق عليه حينئذ للضرورة كما يأتي في قوله : واشترك التارك للوطء معه .
وَعَادِمٌ لِلْوَطْءِ لِلنِّساءِ
لَيْسَ لَهُ كالشَّيْخِ مِنْ إيلاءِ
( وعادم ) مبتدأ سوغه عمله في قوله ( للوطء ) وقوله ( للنساء ) يتعلق بالوطء ( ليس ) فعلناقص ( له ) خبر مقدم ، واللام بمعنى ( على ) ( كالشيخ ) خبر لمبتدأ محذوف والجملة معترضة بين ليس واسمها ( من إيلاء ) اسم ليس جر بمن الزائدة ، والتقدير : وعادم لوطء النساء ليس عليه إيلاء وذلك كالشيخ الفاني والمجبوب والعنين والمعترض والخصي أو كانت الزوجة لا تطيق الوطء لصغرها ، وهذا كله مما يدخل تحت الكاف ، ومفهوم من قول ( خ ) يتصور وقاعه ، وكذا إن كانت الزوجة مرضعاً ، وزعم أن إيلائه كان لإصلاح الولد . وقال أصبغ : ينعقد إيلاؤه . اللخمي : وهو أقيس لأن لها حقاً في الوطء ولا حق للولد في تركه لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إنه لا يضر ) . قاله في المتيطية وشمل قوله : وعادم الخ . ما إذا كان عادماً له وقت الإيلاء أو عند الأجل فيدخل في كلامه ما إذا آلى وهو صحيح ثم جب أو خصي أو اعترض في أثناء الأجل فإنه لا يطالب بالفيئة .
وأجَلُ الْمُولي شَهُورٌ أَرْبَعَهْ
وَاشْتَرَكَ التَّارِكُ لِلْوَطْءِ مَعَهْ
( وأجل المولي ) مبتدأ خبره ( شهور أربعه ) لقوله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } إلى قوله : سميع عليم } ( البقرة : 226 ) وهذا للحر ، وأما العبد فسيأتي أنه يؤجل نصف ذلك فإذا انقضى الأجل أوقفه القاضي حينئذ ولا يزاد على الأجل فإن قال : أنا أفيء اختبره الحاكم المرة بعد المرة كما مر ، ويكون ذلك قريباً بعضه من بعض وإن قال لا أفيء طلقت مكانها إن لم ترض بالمقام معه فإن رضيت بالمقام فلها القيام بعد وتطليق نفسها من غير استئناف أجل ، وكذلك امرأة المعترض لها القيام بعد الرضا ولا يستأنف له أجل بخلاف المعسر بالنفقة إذا أسقطت حقها ، ثم قامت فلا تطلق إلا بعد أجل ثان . ( واشترك التارك ) فعل وفاعل ( للوطء ) يتعلق بالتارك ( معه ) يتعلق باشترك وضميره للحالف على ترك الوطء .
في ذاكَ حَيْث التَّرْكُ قَصْداً لِلضَّرَرْ
مِنْ بَعْدِ زَجْرِ حَاكِمٍ وما ازْدَجَرْ
( في ذاك ) يتعلق باشترك أيضاً . والإشارة للتأجيل المذكور ( حيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه المحذوف للدلالة عليه ( الترك ) مبتدأ خبره محذوف أي حيث الترك موجود حال كونه ( قصداً ) أي مقصوداً أي بلا عذر ( للضرر ) يتعلق بمقدر أي فيطلق عليه للضرر بالزوجة ( من بعد زجر حاكم ) يتعلق بذلك المقدر أيضاً ( وما ازدجر ) حال وما نافية .
بَعْدَ تَلَوُّمٍ وفي الظِّهارِ
لِمَنْ أبىالتَّكْفِيرَ ذاكَ جَاري
( بعد تلوم ) يتعلق بالمقدر أيضاً ، ويحتمل أنه معطوف على بعد الأول بحذف العاطف وهوأظهر ، والمعنى أن التارك للوطء بغير يمين يشترك مع المولى في التأجيل بأربعة أشهر حيث الترك موجود قصداً ويطلق عليه بعدها للضرر من بعد أن يزجره الحاكم ولم ينزجر ومن بعد تلوم ، والبعدية ظرف متسع فتصدق بالزجر قبل التأجيل وبعده وبالتلوم قبله وبعده أيضاً ، ويحتمل أن يكون قوله بعد تلوم منقطعاً عما قبله مقابلاً له على حذف القول أي : وقيل يطلق عليه بعد تلوم بالاجتهاد بلا تحديد أجل فيستفاد من كلامه قولان . أحدهما : أن التارك للوطء بلا يمين ولا عذر يلحقه بالمولى في أجله المذكور . والثاني : أنه لا يلحق به بل يتلوم له الحاكم بقدر أجل الإيلاء أو أقل أو أكثر ، والقول الأول هو قول مالك ودرج عليه ابن الحاجب ، والثاني هو مذهبه في المدونة وهو المشهور وعليه درج ( خ ) بقوله : واجتهد وطلق في لأعزلن أو لا أبيتن أو ترك الوطء ضرراً وإن غائباً الخ . وقال ابن سلمون : فإن ترك الوطء مضاراً من غير حلف أمر بوطئها مرة بعد مرة فإن تمادى على ذلك فرق بينهما بعد التلوم ، وقيل بعد أجل الإيلاء اه . فاعتمد الناظم القول الأول في كلامه تبعاً لابن الحاجب ، وقوله : قصداً أي بلا عذر كما مر ، ولا يحترز به عما إذا لم يقصد بالترك الضرر كما هو المتبادر منه لأنه يطلق عليه بالترك سواء قصد به الضرر بها أم لا كما في المدونة وغيرها . ولذا جعلنا قوله للضرر يتعلق بمقدر لا بقوله قصداً ، وأيضاً فإن ترك الوطء مع القدرة عليه تتضرر به الزوجة قصد به ضررها أم لا . وهي مصدقة في تضررها بترك وطئه كان حاضراً أو غائباً بلغته الكتابة أم لم تبلغه على ما يأتي كما تصدق أنها خشيت الزنا بترك وطئه إذ كل ذلك لا يعلم إلا منها ، وقد علمت أن هذا الحكم جار في الحاضر والغائب .
وحاصله ؛ أن امرأة الغائب المعلوم الموضع إذا دامت نفقتها من مال الغائب أو من متطوع عليه وقامت بحقها في الوطء فقط لا تجاب لدعواها إلا إن طالت غيبته كسنة على ظاهر المدونة أو أكثر من ثلاث سنين على ما للغرياني وابن عرفة ، وحينئذ يكتب له الحاكم إن كان ممن تبلغه الكتابة إما أقدم أو رحل زوجتك إليك أو طلق كما كتب عمر بن عبد العزيز بذلك إلى قوم غابوا بخراسان فإن لم يفعل طلق عليه بعد التلوم له بالاجتهاد ، ولا يطلق على غائب قبل الكتب إليه إلا إذا كان بحيث لا تبلغه الكتابة لانقطاع الطرق أو كانت تبلغه ، ولكن لا يتمكن من معرفة الخط ولا نقل الشهادة ، ففي الذخيرة إذا لم تتأت معرفة الخط فلها التطليق وقريب منه في الإيلاء من التوضيح أي : وهو محمول على أنه ترك القدوم لزوجته اختياراً كما للقرافي عن اللخمي ، فجواب المازري المنقول في الكراس الثاني من أنكحة المعيار وقبل النفقات من البرزلي برد الحكم بطلاق زوجة الغائب الذي لم يبحث الحاكم عما يكون قد عرض له من مرض أو اعتقال ونحوهما مقابل لحمله على الاختيار المذكور .وحاصله ؛ أن الحاكم حكم بطلاق امرأة وعلل حكمه بأمور منها أنه قد ثبت عنده أن الزوج الغائب بالأندلس غير ممنوع من دخول بلد الزوجة التي هي بقفصة وأن زوجته محتاجة إليه وأن عليها المضرة في بقائها بلا زوج وأنها راغبة في طلاق زوجها الرغبة الشديدة كما علله أيضاً بأنه رأى أن الإعذار لمن بالأندلس يتعذر لبعد المكان وانقطاع الطرق وقلة من يعرف خطه وينقل عنه شهادته ، فسئل المازري عن ذلك ؟ فأجاب بنقض الحكم المذكور لعدم بحثه عما يكون قد عرض للزوج من الموانع ، وبأن قول الشهود أنها محتاجة إليه وعليها ضرر في بقائها الخ . هو كناية على الحاجة إلى الوطء ، ولكن من شرط التتميم للشهادة أن يقولوا شكت إلينا الضرر بذلك فعلمنا قصدها ، وأما قولهم عليها مضرة وهي لم تشكها فغير نافع وبأن الإنسان قد يرغب في الشيء ولا يطلبه حياء منه أو علو همته عنه فقصارى ما في الشهادة بهذا الفصل إثبات الرغبة دون طلب بإيقاع ما رغبت فيه ، ولم يذكروا أنها وإن طلبت الفراق لأي علة طلبته والأحكام إنما تورد بالنصوص لا بالحدس والتخمين اه باختصار وفيه طول .
قلت : وسكت رحمه الله عما علل به ثانياً من أنه رأى أن الإعذار لمن بالأندلس يتعذر الخ . ولعله إنما سكت عنه لأن الحاكم لم يثبت عنده بطريق الشهادة التعذر المذكور من انقطاع الطريق وقلة من يعرف الخط الخ . وإنما رآه من قبل نفسه وهو لا يعتبر ولو ثبت ذلك لصح الحكم بالطلاق كما مرّ ، ولأن ثبوت كونه غير ممنوع من دخول فقصه مناقض لما رآه من انقطاع الطريق كما هو واضح ، وإنما اعتنيت بتخليصه لما فيه من الفائدة ولعدم فهم كثير من الناس كلامه ، وما في ( ز ) عند قول ( خ ) المتقدم من التوفيق بين نقلي المعيار والبرزلي عن المازري غير سديد إذ كل منهما نقل كلامه باللفظ الذي نقله به الآخر كما أشرنا إليه والله أعلم . وهذا في المعلوم الموضع كما هو الموضوع ، وأما مجهوله فهو المفقود وسيأتي حكمه في فصله إن شاء الله .
تنبيه : مقتضى ما مر من أنها لا تجاب لدعواها حتى تطول السنة أو أكثر من ثلاث سنين على ما مر أن الطول المذكور ليس من أمد التلوم بل يكتب إليه بعده ويتلوم له بالاجتهاد كما قررنا وهو ظاهر ما للبرزلي ، وبه قرر المتن شراحه والذي لابن رشد عن ابن القاسم أنه يؤجل في مدة التلوم السنة والسنتين نقله أبو الحسن ونحوه في ضيح فانظر .
( وفي الظهار ) يتعلق بالتكفير ( لمن ) يتعلق بجار آخر البيت ( أبى ) صلة والرابط ضمير الفاعل العائد على من ( التكفير ) مفعول به ( ذاك ) مبتدأ والإشارة للتأجيل بأربعة أشهر ( جار ) خبره ، والتقدير ذاك التأجيل بأربعة أشهر جار فيمن أبى أي امتنع من التكفير في الظهار وهو قول الرجل لزوجته أو أمته أنت علي كظهر أمي أو إن لم أدخل الدار مثلاً فأنت علي كظهر أمي وامتنع من دخولها فإنه يضرب له أجل الإيلاء حيث رفعته زوجته ( خ ) الظهار تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزئها بظهر محرم أو جزئه الخ . وقال ابن عرفة : الظهار تشبيه الزوج زوجته

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13