كتاب : البهجة في شرح التحفة
المؤلف : أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي

ومراده بالقليب الأرض المقلوبة بدليل تشبيهه له بالثمرة .
الثاني : الذي جرى به العمل بفاس ونواحيها أن الشفعة في الثمار الخريفية ولو لبيعها دون الصيفية فلا شفعة فيها ولو ليأكلها . قال ناظم العمل :
وشفعة الخريف لا المصيف
كذا التصدق على الشريف
أي : كما جرى العمل بجواز الصدقة على الشريف ، وإن كان المشهور أنها تحرم عليه كما قال ( خ ) : وحرمة الصدقتين عليه وعلى آله الخ .
وَلَمْ تُبِحْ لِلْجَارِ عِنْدَ الأَكْثَرِ
وفي طَرِيقٍ مُنِعَت وَأَنْدَرِ
( ولم تبح ) الشفعة ( للجار عند الأكثر ) من العلماء كمالك والشافعي وغيرهما محتجين بالحديث المتقدم ، وهو في البخاري ومسلم : الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ، ومقابل الأكثر لأبي حنيفة قال : يقدم الشريك في المنزل ثم الشريك في الطريق ثم الجار ، واحتج بحديث : ( الجار أحق بصقبه ) . والصقب القريب ، وبحديث ( الجار أحق بشفعة جاره ) . وأجاب الأكثر عن الحديثين بأنه لم يبين الأحقية فيما ذا هي ، فيحتمل أنه يريد أن يعرض ملكه عليه إذا أراد بيعه لحديث مسلم : ( لا يحل لشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه ) الخ . وإذا وقف على ثمن فهو أحق به أي قبل أن ينفذ البيع ، فإذا نفذ البيع فلا شيء له كما يأتي قريباً ، وما احتمل سقط به الاستدلال ولأن ذلك كما قال ابن شعبان : يؤدي إلى أن تصير الشفعة بين أهل المدينة كلها لأن هذا لصيق والآخر لصيق لمن يليه ، وكل جدار رجل يتصل بجدار الآخر ، وهذا لا يقوله المخالف فبطلت حجته قاله في المتيطية . بل تقدم أول الكتاب عن القرافي أن حكم العدل العالم بالشفعة للجار ينقض لضعف مدرك القول بها . وقال ابن الماجشون : إنه من الخطأ البين الذي ينقض به حكم الحاكم . ( وفي طريق ) يمر عليها الشركاء باع أحدهم جميع داره ونصيبه في الطريق ( منعت ) لأن الطريق تبع للدار ولا شفعة له في المتبوع لكونه من الشفعة للجار ، فكذلك تابعة ، وكذا لو باع نصيبه في الطريق فقط وصار ينصرف لداره من محل آخر كما تقدم عن اللخمي في الساحة عند قوله : إن أرضه لم تقسم . ( و ) منعت أيضاً في ( أندر ) بفتح الهمزة والدال المهملة موضع تيبيس الثمر والزرع يكون مشتركاً بين أرباب الدور ، فيبيع أحدهم داره مع حظه في الأندر ، وهذا قول سحنون قائلاً لأنه كالفناء للدار فحكمه كالطريق ، وقال ابن وهب وأشهب : فيه الشفعة وبه صدر في المتيطية ، وما ذكره الناظم في الطريق والأندر داخل في قوله : ومثل بير وكفحل النخل الخ كما مرّ . وقد تقدم أن العمل على وجوب الشفعة في تلك التوابع ، وقد تقدم كلام اللخمي في الطريق والساحة وعليه المعول .تنبيه : الحائط الذي يكون بين دارين لرجلين والحائط وحده مشترك بينهما فباع داره مع حظه في الحائط ، فإن فيه الشفعة على المذهب فتقوم الدار بغير نصف الحائط ، وتقوم أيضاً به فما ناب نصف الحائط استشفع به ، وقال ابن نافع : لا شفعة فيه وعليه عول ناظم عمل فاس إذ قال :
وكالطريق الحائط المشترك
ما بين دارين الشفيع يترك
قال في شرحه عن شيخه ابن سودة : وإذا كانت فيه الشفعة فعلى ما يحمل المشتري خشبه وغيرها ، وما نقله ( ق ) عن نوازل الشعبي من أن الدار تقوم بغير نصف الحائط لعله خلاف المذهب ، ولم أر من حكم به قديماً ولا حديثاً اه . باختصار .
قلت : والناس اليوم على ما قاله ابن سودة فلم أر من يطلب الشفعة فيه وإن كان المذهب هو وجوبها له إن طلبها ، ولعلهم لم يمكنوا منها فتركوا طلبها لذلك .
وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْبِيرِ
وجُمْلَةِ العُرُوضِ في المَشْهُورِ
( و ) منعت أيضاً في ( الحيوان كله ) عاقل أو غيره إلا أن يكون تابعاً لما فيه الشفعة كما لو كان يعمل عليه في كحائط وباع حظه في الحائط والحيوان ففيه الشفعة حينئذ ، فإن باع حظه من الحيوان فقط دون الحائط فلا شفعة ( و ) منعت أيضاً في ( البير ) بعد قسم أرضها ، وظاهره اتحدت البئر أو تعددت كان لها فناء أم لا . وهو أحد تأويلين . والتأويل الآخر أن محل عدم الشفعة إن اتحدت ولم يكن لها فناء وإلاَّ ففيها الشفعة ، وما ذكره من عدم الشفعة فيها جار على القول بأن الشفعة خاصة بما يقبل القسمة ، وتقدم أن العمل على خلافه ( و ) منعت أيضاً في ( جملة العروض ) كالثياب والسلاح وغيرهما ( في المشهور ) ومقابله حكاه الاسفرايني عن مالك ، ومحل المشهور إذا لم يطلع الشريك على الثمن الذي وقف به العروض إلا بعد انبرام البيع ، وأما قبل انبرامه فالشريك أحق بالثمن الذي وقف عليه جبراً على صاحبه رفعاً لضرره ، وليس هذا شفعة لأنها أخذ من يد المشتري ، وهذا أخذ من يد البائع ، ونحو هذا قول ابن عرفة : كل مشترك لا شفعة فيه فباع بعض الشركاء نصيبه منه فلمن بقي أخذه بالثمن الذي يعطى فيه ما لم ينفذ البيع اه . وقولنا جبراً يعني وكان مريد البيع أراد أن يمضي البيع بذلك الثمن ، فحينئذ يقضي به لشريكه جبراً ، ومحله أيضاً ما لم يكن مريد البيع باع صفقة حيث يجوز له ذلك ، وإلاَّ فللآخر الضم ولو نفذ البيع انظر ما يأتي في القسمة عند قوله : ومن ادعى لبيع ما لا ينقسم .
وفي الزُّرُوعِ وَالبُقُولِ وَالخُضَرْ
وفي مُغَيّبٍ في الأرْضِ كالجَزَرْ( و ) منعت أيضاً ( في الزروع ) باع حصته منه ولو بأرضه والشفعة في الأرض فقط بما ينوبها من الثمن ، سواء بيع بعد يبسه أو وهو أخضر أو قبل نباته . انظر تفصيل المسألة في الشامل وشرحه . ( و ) منعت أيضاً في ( البقول ) وهي التي يؤكل ما خرج منها فوق الأرض دون الداخل فيها كالكرنب والخس والهندبا ونحو ذلك . ( والخضر ) لعله عطف تفسير على البقول ( و ) منعت أيضاً ( في ) كل ( مغيب ) الأصل وهو ما كان المقصود الأعظم منه داخل ( في الأرض ك ) البصل والفجل و ( الجزر ) واللفت فإن كان تجنى ثمرته ويبقى أصله كالقرع والقثاء فهو قسم ثالث سيأتي .
وَنَخْلَةٍ حَيْثُ تَكُونُ وَاحِدَه
وَشِبْهِهَا وفي البيوعُ الفاسِدَه
( و ) منعت أيضاً في ( نخلة حيث تكون واحدة وشبهها ) أي شبه النخلة كالزيتونة الواحدة ، وهذا على أن الشفعة لا تجب إلا فيما لا ينقسم ، وتقدم أن المعمول به وهو قول مالك خلافه . ( و ) منعت أيضاً ( في البيوع الفاسدة ) لأنها مفسوخة شرعاً فإن أخذ الشفيع قبل علمه بفساده فسخ بيع الشفعة والبيع الأول إلا أن يفوت عند الشفيع ، فيكون عليه الأقل من قيمته يوم قبضه هو أو القيمة التي وجبت على المشتري كما في الرجراجي ومحل سقوط الشفعة فيها .
ما لَمْ تُصَحَّحْ فَبقِيمَةٌ تَجِبْ
كذاك ذو التَّعْوِيضِ ذا فيه يَجِبْ
( ما لم تصحح ) تلك البيوع الفاسدة بفوات المبيع بيد المشتري ، فإن فاتت بيده فإما بغير البيع كالهدم والبناء والغرس لا بحوالة سوق لأنها لا تفيت العقار ( ف ) الشفعة حينئذ ( بقيمة تجب ) لأنها التي تلزم المشتري وتعتبر القيمة يوم القبض ، وإن كان الفوات بالبيع فإما ببيع فاسد أو صحيح ، فإن كان الثاني ولكن قصد به الإفاتة فالبيع الأول والثاني كلاهما مردود ، وإن لم يقصد به الإفاتة فللشفيع الأخذ بالثمن فيه إن قام قبل دفع المشتري القيمة للبائع والأخير بين الأخذ بها أو بثمن البيع الصحيح ، وإن كان الأول ولم يفت عند الثاني فإنهما يتفاسخان ولا شفعة ، وإن فات عند الثاني فله الأخذ من أيهما شاء بالقيمة التي لزمته بعد علمهما بها ، فإن أخذ قبل علمهما بها فذلك باطل ، وهذا كله في المتفق على فساده ، وأما المختلف فيه فإن لم يفت فسخ ، وإن فات فالشفعة فيه بالثمن .
تنبيهان . الأول : بيع الثنيا من البيع الفاسد حيث اشترطت في العقد فيجري على ما تقدم ، فإن تطوع بها بعد العقد كانت فيه الشفعة بالثمن وتقدم أنها محمولة على الشرط ، وإن كتبت طوعاًعلى المعتمد وهذا كله إذا قلنا إنها بيع ، وأما إن قلنا إنها رهن وهو عرف الناس اليوم فلا شفعة أصلاً انظر ما تقدم .
الثاني : إن أحدث المشتري في الدار بناء والموضوع بحاله من فساد البيع لم يأخذ الشفيع بالشفعة حتى يدفع إلى المشتري قيمة ما أنفق مع القيمة التي وجبت للبائع على المشتري ، وإن كانت الدار قد انهدمت لم يوضع عن الشفيع للهدم شيء من الثمن بل يأخذها بجميع الثمن أو يترك ، وكذا إن كان البيع صحيحاً ولم يقم الشفيع لعدم علمه بالبيع ونحو ذلك حتى بنى المشتري أو غرس ، فإنه لا يمكن من الشفعة حتى يدفع جميع الثمن وقيمة البناء والغرس قائماً ، ويسقط عنه من الثمن قيمة النقض إن أعاده المشتري في البناء ، فإن لم يعده فيه فللشفيع أخذه ويدفع جميع الثمن كما أشار له ( خ ) بقوله : وإن هدم وبنى فله قيمته قائماً وللشفيع النقض الخ .
( كذاك ) الشقص ( ذو التعويض ذا ) أي الشفعة بالقيمة ( فيه تجب ) . والمراد قيمة ما دفع في الشقص لا قيمة الشقص المشفوع ، فإذا عوضه عن نصف دار مثلاً عرضاً أو حيواناً أو نصف حائط أو دار أخرى وهي المناقلة ، فللشريك في الدار أن يشفع بقيمة العرض أو الحيوان ونصف الحائط ونصف الدار الأخرى لا بقيمة نصف الدار المشفوع إلا أن يكون نصف الدار وقع خلعاً أو صلحاً عن عمد ، ونحوهما من المسائل السبع المشار إليها بقول ( خ ) في الاستحقاق : إلا نكاحاً وخلعة وصلح عمد ومقاطعاً عن عبد أو مكاتب أو عمرى الخ . فالشفعة في ذلك بقيمة الشقص المشفوع وتعتبر قيمته يوم عقد الخلع والنكاح ويوم عقد بقيتها لا يوم قيام الشفيع وأما المدفوع في صلح الخطأ فالشفعة فيه بدية الخطأ على تنجيمها ، وما تقدم من أن المناقلة فيها الشفعة مطلقاً هو المشهور . وقال المتيطي : وإن كانت الدور أو الحائط بين شركاء فناقل أحدهم بعض إشراكه بأن جعل لهم حظه من هذه الدار . وهذا الحائط في الدار الأخرى أو الحائط الآخر فلا شفعة في ذلك لأنه لم يرد البيع ، وإنما أراد التوسع في حظه وجمعه للانتفاع ، روى ذلك مطرف وابن الماجشون عن مالك . وبهذه الرواية القضاء وعليها العمل ، وكان ابن القاسم يقول : إن مالكاً رجع عن هذا وقال فيه الشفعة ، وأما إن ناقل نصيبه من هذه الدار المشتركة أو الأرض الموصوفة إلى دار أخرى لا شركة له فيها ففيها الشفعة ، سواء ناقل بعض أشراكه أو أجنبياً اه . بلفظ النهاية . ونحوه في الدر النثير والعمل المطلق ، وهذا التفصيل هو الذي يجب اعتماده كما يدل له كلام ابن ناجي وغيره .
وَالخَلْفُ في صنف المقاثي اشْتَهَرْ
وَالأَخْذُ بالشُّفْعَةِ فِيهِ مُعْتَبَرْ
( والخلف ) في وجوب الشفعة وعدم وجوبها ( في صنف المقاثي ) بالهمز على الأصل جمع مقثأة كالفقوس والبطيخ والباذنجان ( اشتهر ) هو أي الخلف بمعنى الخلاف ( والأخذ بالشفعة فيهالمعتبر ) لأنه الراجح والمشهور لأنها من الثمار كما مر ( خ ) وكثمرة ومقاثي وباذنجان الخ . ثم أشار إلى ما يسقط الشفعة بعد وجوبها فقال :
وَالَّترْكُ لِلقِيَامِ فَوْقَ العَامِ
يُسْقِطُ حَقَّهُ مع المُقَامِ
( والترك للقيام ) بالشفعة والسقوط عن طلبها ( فوق العام ) من يوم العلم بالبيع لا من وقت عقد البيع ( يسقط حقه ) في الأخذ بها ( مع المقام ) أي مع حضوره بالبلد وعلمه بالبيع وهو بالغ رشيد لا مانع يمنعه من مرض وخوف ونحوهما ، وظاهره أنها لا تسقط إلا بما زاد على العام وهو مذهب المدونة قال فيها : إن ما قارب السنة كالشهرين والثلاثة له حكمها اه . قال في الكافي : وهو المشهور من المذهب . وفي المتيطية والجزيري : أن به القضاء والعمل ، ومذهب الرسالة أنها تنقطع بمجرد مضي العام ، وعليه اقتصر ( خ ) وهو الذي رواه أشهب عن مالك وبالغ عليه حتى قال : إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة فلا شفعة . قال أبو الحسن ، حسبما في الدر النثير : وعليه العمل عند القضاة ونحوه في وثائق الفشتالي ومجلس المكناسي والمعيار وغيرهم ، فتبين بهذا أنه عمل بكل من القولين ، ولكن المتأخرون على الثاني فوجب المصير إليه ويمكن تمشية الناظم عليه بأن يراد بالفوقية أول جزء منها . وسيأتي أن سكوت الولي من أب أو وصي عن الأخذ بالشفعة للمحجور هذه المدة مسقط لشفعة المحجور ، ومفهوم قوله فوق العام أنه إذا قام قبل العام فإنها لا تسقط وهو كذلك ، لكنه يحلف إذا بعد ما بين العلم وقيامه كالسبعة الأشهر ونحوها واشتراط مضي العام إنما هو إذا لم يبين المشتري أو يغرس ، وإلاَّ فتسقط شفعته ولا ينتظر مضي العام قاله في المتيطية .
ثم صرح بمفهوم قوله مع المقام فقال :
وغائبٌ باقٍ عَلَيْها وَكذَا
ذو العُذْرِ لَمْ يَجِدْ إلَيْهَا مَنْفَذَا ( وغائب ) عن البلد وقت البيع أو بعد البيع وقبل علمه به ( باق عليها ) أي على شفعته ما لم يمض العام من وقت علمه بعد حضوره فإن شفعته تسقط حيث لا مانع يمنعه وظاهره ولو قربت غيبته وهو ظاهر المدونة أيضاً قال فيها : والغائب على شفعته وإن طالت غيبته وهو عالم بالشراء ، وإن لم يعلم فهو أحرى . ابن يونس ، وقال أشهب : إلا أن تكون غيبة الشافع قريبة لا مؤنة عليه في الشخوص وطال زمانه بعد علمه بوجوب الشفعة فلا شفعة له ، وظاهر أبي الحسن وابن عرفة وغيرهما : أن قول أشهب تقييد ، وصرح بذلك ابن ناجي فقال على قولها والغائب على شفعته الخ . ما نصه : يريد إن كانت الغيبة بعيدة وأما القريبة فلا مؤنة في الشخوص على الشفيع فيها فهو كالحاضر لنص أشهب بذلك اه . فتبين أن قول أشهب تقييد للمذهب فيجب التعويل عليه ، وهو الموافق لقولهم في باب القضاء والقريب كالحاضر ، وهذاكله في غير الضعيف من الرجال والنساء ، وأما الضعيف منهما ففي الوثائق المجموعة عن ابن مزين أن الرجل الضعيف والمرأة الضعيفة يغيبان على نحو البريد لا تسقط شفعتهما وينظر السلطان في ذلك ، وفي الطرر ونحوه في ابن سلمون : المرأة لا تنقطع شفعتها إن كانت على مسافة يوم وسلمه ابن عرفة وغيره ، ثم قال في الطرر : والرجل على ثلاثة أيام فأكثر لا تنقطع شفعته ، وأما اليوم واليومان فهو كالحاضر اه . ونحوه في العبدوسي قائلاً : لا إشكال أن ثلاثة أيام مسافتها بعيدة ، وإنما النظر في اليومين اه . وقولي : أو بعد البيع وقبل علمه به احترازاً مما إذا غاب بعد علمه به فإنها تسقط شفعته بمضي العام ( خ ) : كأن علم فغاب إلا أن يظن الأوبة قبلها فعيق عن القدوم بفتنة أو مرض ، فإنها لا تسقط ولو مضى العام ، وهذا كله إذا غاب الشفيع ، وأما إذا غاب المشتري فللشفيع أن يرفع إلى القاضي ويأخذ بالشفعة بعد إثبات الموجبات كما تقدم في القضاء على الغائب قاله في المدونة ، لكن قال ابن يونس ، عن ابن المواز : لاستثقال الناس الرفع إلى القضاة كانت غيبة المشتري عذراً . ابن عرفة : وهذا يحسن فيمن يعلم منه ذلك فأما من يعلم منه الطلب والدخول إلى القضاة فلا شفعة له اه . وقيده ابن عرفة أيضاً بغير قريب الغيبة ، وأما هو فكالحاضر . وفي المعيار : إذا غاب المشتري فإن الشفيع يشهد على نفسه أنه شفع وأن الثمن باق عليه ، فإذا قدم دفع إليه الثمن ، فإن غفل عن هذا الإشهاد وطالت غيبة المشتري أكثر من عام سقطت شفعته ، وفيه أيضاً قبل هذا بنحو ثلاث ورقات أنه لا يلزمه أن يرفع الأمر إلى الحاكم لأنه يكلفه إثبات الموجبات وربما عسرت عليه اه . وهذا صريح في أن الإشهاد واجب على الشفيع عند غيبة المشتري وإلا سقطت ، فتأمله مع ما قبله . وأما غيبة العقار المشفوع مع حضور الشفيع والمشتري فليست عذراً قاطعاً ( وكذا ) الشفيع ( ذو العذر ) لا يسقط حقه فيها حيث ( لم يجد إليها منفذا ) بسبب العذر من سطوة أو فتنة أو حجر ، وأثبت ذلك بموجبه ابن يونس قال مطرف وابن الماجشون : والمريض الحاضر والصغير والبكر كالغائب ، ولهم بعد زوال ذلك العذر مثل ما للحاضر كانوا عالمين بالشفعة أم لا . وقال أصبغ : المريض كالصحيح لقدرته على التوكيل إلا أن يشهد في مرضه قبل مضي وقت الشفعة أنه على شفعته ، وأنه ترك التوكيل عجزاً عنه وإلاَّ فلا شيء له . ابن حبيب : والأول أحب إلينا . العبدوسي : المشهور أن المريض يعذر خلاف ما قاله أصبغ . وفيأن المريض كالصحيح وقيل كالغائب ، وفي الأجهوري أن كونه كالصحيح هو الراجح اه . .
قلت : الظاهر ما للعبدوسي من أنه يعذر ، ويؤيده ما تقدم من أن استثقال الناس الرفع للقضاة يعد عذراً فلم يقولوا إن المستثقل للرفع يوكل لأن إدلاءه لحجج نفسه أقوى من إدلاء غيره ، ولأنه لا يجد في الغالب ناصحاً له ، وقد علم ما عليه الناس اليوم من قبول الرشا وفي وكالات المعيار ما يشهد لذلك والله أعلم . وفي المتيطية : وأما الغالب والصغير المهمل والسفيه الذي مات وليه واليتيم والبكر فلا تنقطع شفعتهم إلا بعد عام من قدوم الغائب وبلوغ اليتيم والبكر وترشيد السفيه ونكاح البكر ورشدها . هذا هو المشهور وبه العمل اه .
تنبيهات . الأول : إذا قام الحاضر بعد مضي السنة وأنكر علمه بالبيع فإنه يصدق بيمينه ولو قام بعد مضي خمس عشرة سنة أو أكثر ( خ ) : وصدق إن أنكر علمه الخ . أي أنكر علمه بالبيع أو بأن الشقص ملكه ، وهذا إذا كان البائع يلي النظر مع الشفيع وأما إذا كان المشتري يلي النظر معه فلا يقبل قوله إنه لم يعلم لأن شاهد الحال يكذبه إذ لا يكاد يخفى عليه بأي وجه يلي النظر معه قال البرزلي على الطرر ، وقاله في المتيطية أيضاً قال : وقد قال فضل في وثائقه : إذا كان الشفيع يرى المشتري يحرث الأرض ويعملها بحيث لا يخفى على مثله فلا كلام له إذا طال ذلك انتهى باختصار نقله ابن رحال وغيره مسلماً ، فيجب اعتماده ، وإن كان الزياتي نقل في نوازله عن ابن خجوا أن ما في المتيطية لا يفتى به في بلدنا ، لكنه لا ينبغي أن يعول عليه والله أعلم .
الثاني : إذا قال المبتاع : نسيت الثمن فإن مضى من طول المدة ما يندرس فيه العلم وتموت البينة فالشفعة ساقطة ، ولو كان الشفيع صغيراً أو غائباً بعد أن يحلف أنه نسيه وأنه ما يعلم قدره ، وأما في قرب الأمد مما يرى أن المبتاع أخفى الثمن ليقطع الشفعة فإن الشفيع يشفع بقيمة الشقص يوم البيع نقله ( ح ) ونحوه في الشامل . وقال في الكافي : لو جهل ثمن الشقص فإن كان لطول الزمان سقطت الشفعة وإن كانت المدة قريبة فللشفيع أخذ الشقص بقيمته هذا قوله في الموطأ وهو تحصيل مذهب مالك وعليه العمل اه . ونقله في الدر النثير والعمل المطلق .
الثالث : لا شفعة في التمخي ( ) قال ابن القاسم فيمن تصدق بحظه على أخت له وقال : كنت أخذت من موروثها مالاً ولا يعلم قدر ما أخذ من مالها ما نصه : ذلك الحظ لها ولا أرى لأحد فيه الشفعة لأن مالكاً قال : لنا ما طال من الشفعة حتى نسي ثمنه ولم ير أن صاحبه أخفى ذلك لقطع الشفعة فلا شفعة فيه إذا أتى من يطلبه اه . باختصار . وقال في المدونة : من ادعى حقاً في دار بيد رجل فصالحه منه فإن جهلاه جميعاً جاز ذلك ولا شفعة فيه ، ثم قال : وإن ادعت سدس دار بيد رجل فأنكر فصالحك منه على شقص دفعه إليك من دار أخرى ، فالشفعة في الشقص الذي لا دعوى فيه بقيمة المدعى فيه لأن قابضه مقر أنه اشتراه ودفع في ثمنه السدس ولا شفعة في الشقص المدعى فيه لأن قابضه يقول : إنما أخذت حقي وافتديته بما دفعت فيه ولم أشتره اه . وفي ابن سلمون : لا شفعة في التمخي عند ابن القاسم وغيره إلا أن يكون صلحاً عن طلب ففيه الشفعة وهو حينئذ كالبيع اه .
الرابع : ليس لأحد المتفاوضين شفعة فيما باعه الآخر لأن بيع أحدهما يلزم صاحبه ، وهذابخلاف الوكيل ففي المدونة ومن وكل رجلاً ليبيع له شقصاً أو يشتريه والوكيل شفيعه ففعل لم يقطع ذلك شفعته اه . وعامل القراض كالوكيل كما في المتيطية ، وكذا إذا باع الوصي أو الأب حصته في دار مشتركة بينه وبين يتيمه ، فله أن يأخذ بالشفعة لنفسه أو ليتيمه كما قال ( خ ) وشفع لنفسه أو ليتيم آخر وعليه فما في البرزلي والتتائي ونوازل العلمي من أن الوكيل والوصي والأب لا شفعة لهم خلاف المذهب .
الخامس : قال ابن رشد في أجوبته : إن كان بعض الأشراك أحق بالشفعة من بعض فليس للأبعد أن يأخذ بالشفعة حتى يوقف الأقرب على الأخذ أو الترك ، وإذا لم يقم واحد منهم بطلب الشفعة حتى مضى أمد انقطاعها بطلت شفعتهم جميعاً القريب والبعيد ولا حجة للبعيد في أن القريب كان أحق بالشفعة منه ، فلذلك لم يقم بطلبها لأن سكوته عن أن يقوم بشفعته فيأخذها إن كان الأقرب غائباً أو يوقفه عن الأخذ والترك إن كان حاضراً مسقط لحقه فيها اه . ونحوه في البرزلي عن ابن أبي زيد وصاحب الطرر ، ولما نقله ابن عرفة قال عقبه : هذا كالمنافي لما قاله محمد من أن استثقال الناس الرفع إلى القضاة يعد عذراً اه .
السادس : إذا أشهد الشفيع بالأخذ ولم يعلم المشتري بذلك إلا بعد مضي الأمد المسقط فلا شفعة له على ما به عمل فاس قاله المسناوي عن سيدي العربي بردلة وقول ناظم العمل : والأخذ بالشفعة سراً ينفع الخ . لا عمل عليه .
السابع : للشفعة مراتب أربع يقدم فيها ذو الفرض ثم العصبة ثم الموصى لهم ثم الأجانب وكل منهم يدخل على من بعده دون العكس ، فإذا كانت دار مناصفة بين رجلين فمات أحدهما عن زوجتين وابنتين وأخوين وأوصى بثلث نصفه لرجلين ، فإذا باعت إحدى الزوجتين أو البنتين فالأخرى أحق بنصيبها لقول ( خ ) وقدم مشاركه في السهم ، فإذا أسقطت الشفعة فالشفعة للبنتين والأخوين على قدر الأنصباء دون الموصى لهما ، فإذا باع أحد الأخوين فالشفعة للأخ الآخر وللزوجتين والبنتين لقوله أيضاً : ودخل على غيره أي ودخل ذو الحظ والسهم على غيره من الورثة والأخوان ورثة ، وكذا إذا ماتت إحدى البنتين أو أحد الأخوين عن ثلاثة أولاد مثلاً فباع أحد الأولاد ، فإن الولدين الباقيين أحق لقوله وقدم مشاركه في السهم لأن الميت من الأولاد ذو سهم واحد وأولاده شركاء فيه ، وإذا باع أحد الأخوين أو البنت الباقية أو إحدى الزوجتين وأسقطت الباقية فإن أولاد الميت الثاني يدخلون مع الأعلين وهم الزوجة الباقية والأخوان لقوله أيضاً : ودخل على غيره لأن أهل وراثة الميت الثاني ذو سهم واحد فيدخلون مع الأعلين ، وإذا باع أحد الموصى لهما دخل مع الباقي منهما في المثال المذكور الزوجتان والبنتان والأخوان لقوله : ووارث على موصى لهم ولا يدخل الموصى لهما إذا باع أحد الأخوين أو إحدى الزوجتين أو البنتين وأسقطت الأخرى كما مر ، فإذا أسقط الموصى لهم ومن قبلهم الشفعة انتقلت للأجنبي وهو شريك الهالك الأول والمشتري من كل ممن ذكر يتنزل منزلته ، فإذا كانت الشركة بين أربعة فباع أحدهم نصيبه وأسقط الآخرون للمشتري الشفعة ، ثم باع بعض الباقين نصيبه ، فإن المشتري الأول يكون شفيعاً مع من بقي ويسقط حقهم في التقديم عليه قال ابن القاسم عن مالك . ابن رشد : وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً لأن المبتاع يحل محل بائعه اه . وعليه فإذا باعت إحدىالزوجتين نصيبها وأسقطت الأخرى مع باقي الورثة الشفعة ، ثم باعت الزوجة الثانية المسقطة يكون المشتري أحق بالشفعة من باقي الورثة لأنه منزل منزلة ضرتها فتأمله . وما تقدم عن مالك وابن رشد لا يعارضه ما في الكراس الثالث عشر من معاوضات المعيار من أن الإنسان إذا باع نصف داره ومات فباع بعض ورثته بعض النصف الآخر ، فإن الشفعة للوارث الآخر لا للأجنبي لما بينهما من الفرق الظاهر ، ولما نقل الرهوني ما مر عن ابن رشد نقل أيضاً عن ابن المواز أن أحد أولاد الميت إذا أوصى بحظه لرجل ، ثم باع واحد من بقية الأولاد فإن من أوصى له الولد يدخل في ذلك مع بقية الإخوة ولم يختلفوا في هذا ، وليس كالذي أوصى له أبوهم الذي ورثوا الدار عنه لأنه كمبتاع من أحد البنين فيحل محل بائعه ثم قال : وأما إذا اشترى السهم كله جماعة فباع أحدهم حظه فقال ابن رشد عن ابن القاسم : لا يكون إشراكه أحق بالشفعة من إشراك البائع ، وقال أشهب : إشراكه أحق لأنهم كأهل سهم واحد وأصله في الشامل ثم قال : وإذا باع أحد الإخوة حظه من أرض المغارسة فالعامل كأحدهم في الشفعة إذا وقع البيع بعد تمام العمل ، وأما إن باع قبله فالعامل لا يشفع حتى يبلغ الغرس فبلوغ الغرس كوضع الحمل ، فكما أن الوصي لا يشفع للحمل حتى يوضع فكذلك المغارسة اه . وانظر ما يأتي آخر المغارسة وما أسلفناه من المثال فيه تقريب على المبتدي وفيه إشعار بأن الصواب حذف قول ( خ ) كذي سهم على وارث ولذا أصلحه بعضهم بقوله : وقدم مشاركه في السهم ثم الوارث ولو عاصباً ودخل على الموصى لهم ، ثم الأجنبي بعدهم اه . وقد استفيد مما مر أن ورثة الوارث مقدمون على شركاء الوارث ويدخلون عليهم . وأن ورثة المشتري مقدمون على شركائه ويدخلون عليهم أيضاً ، وأن المشترين لجزء إما من مشتر أو وارث فلا يكونون أحق من شركاء البائع إذا باع أحدهم بل هم معهم سواء خلافاً لأشهب في قوله : إنهم أحق من شركاء البائع والله أعلم .
الثامن : المحبس عليهم لا شفعة لهم إلا أن يكون مرجع الحبس لأحدهم ملكاً فلمن له المرجع الشفعة وانظر المتطوع بالإقالة في الثنيا ، فإن الشفعة لشريك البائع ولو حصل التطوع المذكور كما في المتيطية وغيرها ، فإن باع شريك البائع حظه بعد التطوع المذكور فعلى أنها رهن ، فللبائع الأول الشفعة وعلى أنها بيع فهو بيع بخيار كما يفهم من كلام ابن رشد المتقدم في الثنيا وعليه فيجري ذلك على قول ( خ ) : ووجبت لشريكه أن باع نصفين خياراً ثم بتلا فامضى الخ . ومعلوم أن المغارسة بيع تجري على بيع الخيار فلا تجب فيها الشفعة إلا بعد تمام العمل بالإطعام كما أن الخيار لا تجب الشفعة فيه إلا بعد الإمضاء قاله العلمي في نوازله ، فانظر ذلك فيه . وأما إذا باع العامل في المغارسة حصته قبل الإطعام فانظر حكمه في الشفعة من نوازلنا .
التاسع : في المعيار عن ابن محسود : أن الشفيع إذا طلب من المشتري أن يوليه الشقص فأبى أن له أن يأخذه بالشفعة قائلاً وليس هي كمسألة المساومة اه . ومسألة المساومة قال اللخمي : إذا قال إنما ساومته لعله يبيع بأقل وإلا رجعت إلى الشفعة ، فإنه يحلف ويأخذ بالشفعة ، وإن قال : لا أشتري إن باع بأقل أو بأكثر فذلك إسقاط لشفعته اه . ونحوه في ضيح فيجب أن يقيد به قول ( خ ) وسقطت إن قاسم أو اشترى أو ساوم الخ .
العاشر : إذا قام الشفيع ودفع الثمن للمشتري فلم يقبله منه وبقي يتصرف مدة طويلة إلىأن أذعن لقبضه أو جبره الحاكم على قبضه فطلب الشفيع من المشتري غلة الأرض مدة امتناعه ، فإنه يقضي له بها على المشتري لأن الشقص المبيع يملك بدفع الثمن قبضه منه المشتري أم لا . قاله في نوازل الزياتي ، وفي ( خ ) ودفع ثمن قال ( تت ) : رضي بأخذه أو لا اه .
وَالأَبُ والوصيُّ مَهْمَا غَفَلاَ
عَنْ حَدِّهَا فَحُكْمُهَا قَد بَطَلاَ ( والأب والوصي مهما غفلا عن ) الأخذ بها للمحجور إلى انقضاء ( حدها ) المسقط لها وهو السنة ( فحكمها قد بطلا ) فلا أخذ لهما بعده ولا له هو إن رشد لأن إعراضهما عن الأخذ كإعراضه هو بعد رشده ، فلم يأخذ ولم يترك حتى انقضى أمدها ، وظاهره كان الأخذ نظراً أم لا . وهو الموافق لإطلاق ( خ ) في الحجر حيث قال : وللولي ترك التشفيع والقصاص فيسقطان الخ . وما ذكره الناظم قال الفشتالي وصاحب المفيد : عليه العمل عند أصحاب الوثائق ، ومفهوم غفلا أنهما إذا أسقطاها بالفعل فإنها تسقط بالأحرى وإسقاطهما محمول عند الجهل على النظر ، بل ولو ثبت غير النظر لأنه إذا جرى العمل بالإطلاق في السكوت الذي تارة يصدر عن قصد وتارة لا ، فأحرى أن يجري في الإسقاط الذي لا يصدر ، إلا عن قصد خلافاً لما في ( خ ) في الشفعة حيث قال عاطفاً على ما لا تسقط فيه شفعة المحجور أو أسقط وصي أو أب بلا نظر الخ . قال الإمام الرهوني في حاشيته : أنه لا فرق بين السكوت والإسقاط وأن العمل على سقوطها مطلقاً لنظر أو غير نظر قال : وما في ( خ ) خلاف المعتمد اه . باختصار .
قلت : الخلاف مبني على أن الشفعة شراء أو استحقاق فعلى أنها شراء وهو المشهور لا يلزمه أن يشتري لمحجوره وعلى أنها استحقاق يلزمه الأخذ بها حيث كان نظراً ، وقد كنت أجبت في النازلة بالفرق بين الإسقاط والسكوت وجوابنا مثبت في نوازل الشفعة من نوازلنا فانظره إن شئت ، ومفهوم الأب والوصي أن مقدم القاضي ليس كهما فلا تسقط الشفعة إذا سكت عن الأخذ بها أو أسقطها لغير نظر ، وهو كذلك لأن مقدم القاضي أضعف منهما كما في البرزلي ، وقال أبو الحسن في مقدم القاضي قولان . الأرجح عدم السقوط .
تنبيه : اختلف في الغائب والمريض والمهمل فقال اللخمي : إن ثبت أن لهم مالاً يوم البيع أو اكتسبوه داخل السنة كانت لهم الشفعة وإلاَّ فلا شفعة لهم ، وهو مبني على أن المعتبر فيالسداد هو يوم الوقوع ، والمشهور الذي به العمل بفاس الآن أن المعتبر فيه يوم النظر وعليه فلهم الشفعة ولو لم يكن لهم مال يوم الوقوع ، وإنما طرأ لهم يوم النظر .
وَإنْ يُنَازِعْ مُشْتَرٍ في الانْقِضَا
فَلِلشَّفِيعِ مَعْ يَمِينِهِ الْقَضَا ( وأن ينازع ) بفتح الزاي مبني للمجهول ( مشتر في الانقضا ) ء للسنة بأن يقول : اشتريت وقد مضت سنة من يوم الشراء ويقول الشفيع : بل السنة لم تنقض ولا بينة لواحد منهما ( فللشفيع مع يمينه القضا ) ء قال في الطرر ، عن ابن فتحون : لأن الشفعة قد وجبت له والمشتري يدعي ما يسقطها فلا يصدق اه . ومثله دعوى المشتري عليه العلم منذ سنة وأنكر ، فالقول للشفيع مع يمينه .
وَلَيْسَ الإسْقَاطُ بِلاَزِمٍ لِمَنْ
أَسْقَطَ قَبْلَ الْبَيْعِ لاَ عِلْمَ الثَّمَنْ
( وليس الإسقاط بلازم لمن أسقط قبل البيع ) ولو على وجه التعليق الصريح كقوله قبل البيع : إذا وجبت لي الشفعة عليك فقد سلمتها لك ، أو إن اشتريت أنت فقد اسقطت أنا شفعتي ، وظاهره كان الإسقاط على مال أم لا . قال في المدونة : وإن سلم قبل البيع على مال أخذه بطل ورد المال وكان على شفعته اه . وقولها أخذه الخ . يقتضي أنه إذا لم يأخذه ولكن قال له : إن اشتريت ذلك الشقص فقد سلمت لك شفعتي على دينار تعطيه إياي ، فإن لم يبعه لك فلا شيء لي عليك . قال اللخمي : ذلك جائز ولو اشترط النقد لم يجز اه . ونقله ( ح ) في التزاماته مسلماً وخرج اللخمي في مسألة التعليق قولاً بلزوم الإسقاط قال قياساً على من قال : إن اشتريت عبد فلان فهو حر ، وإن تزوجت فلانة فهي طالق ، وفرق ابن رشد في الأجوبة بأن الطلاق والعتق من حق الله بخلاف الشفعة ، ابن عبد السلام : وهذا الفرق ليس بالقوي ويظهر لبادي الرأي صحة تخريج اللخمي ، وذكر ابن عرفة عن شيخه ابن الحباب أنه فرق بأن التزويج وشراء العبد كلاهما من فعل الملتزم بخلاف شراء الشقص المشفوع فليس من فعله وتعقبه الأبي في شرح مسلم بأن ابن الحباب لم يكن عارفاً بالفقه ، وإنما كان عارفاً بالعقليات .
قلت : لعله إنما قال ليس عارفاً بالفقه لأن التعليق لا فرق فيه بين أن يعلق على فعل نفسه أو على فعل غيره ، وقد قال ( خ ) وإن علق على فعل غيره ففي البر كنفسه والله أعلم . ( لا علم ) بالجر عطفاً على البيع أي لا إن أسقطها بعد البيع وقبل علم ( الثمن ) فإن الإسقاط يلزمه . ابن سلمون : فإن أسقطها قبل أن يعلم مقدار الثمن لزمه ذلك اه . وفي المدونة : إن سلمالشفعة بعد البيع لزمه ولو جهل الثمن . ابن رشد : إلا أن يأتي من ذلك ما لا يكون ثمناً لمثله فلا يلزمه تسليمه اه .
قلت : وإنما لزمه ذلك لأن الإسقاط لا معاوضة فيه بخلاف الأخذ بها قبل معرفة الثمن وجنسه ، فإن الأخذ يكون فاسداً ويجبر على فسخه بناء على أن الأخذ بها بيع ، وصرح ابن رشد وغيره بمشهوريته ففيه شراء بثمن مجهول وهو معنى قول ( خ ) ولزمه إن أخذ وعرف الثمن الخ . فمفهومه أنه إذا لم يكن عرفه فلم يصح الأخذ ، وهذا هو المعتمد وبه صدر في الشامل خلافاً لما في ضيح عن المازري من أنه إذا أخذ قبل علم الثمن فله الرد اتفاقاً وكذا له التمسك على المشهور اه .
قلت : ولعل وجهه أنه كأنه اشترى على أنه بالخيار عند علم الثمن أو هو مبني على أن الشفعة استحقاق لا بيع والله أعلم . ثم إن فسخ أخذه على المعتمد فلا تسقط شفعته بل له أخذها بعد معرفته بالثمن .
كَذَاكَ لَيْسَ لاَزِماً مَنْ أُخْبِرَا
بِثَمنٍ أَعْلَى وَبالنَّقْصِ الشِّرَا
( كذاك ) التشبيه راجع للمسألة الأولى التي الإسقاط فيها غير لازم أي : فكما لا يلزم الإسقاط قبل البيع كذلك ( ليس لازماً من ) أي شفيعاً ( أخبرا ) بالبناء للمجهول أي قيل له إن الشراء وقع ( بثمن أعلى ) كمائة ( و ) تبين أنه ( بالنقص الشرا ) ء كخمسين فإنه لا يلزمه الإسقاط وله الشفعة بعد أن يحلف أنه ما أسقط إلا لما أخبر به من الثمن العالي ، ومثل الإسقاط السكوت القاطع للشفعة ، وظاهر النظم أنه لا يمين عليه وهو ما حكاه ابن المواز قال في المتيطية : فإن سلم الشفيع ثم أثبت أن الثمن كان أقل مما ذكره المبتاع فإنه يحلف أن تسليمه لم يكن إلا لكثرة الثمن وتكون له الشفعة ، وحكى محمد أنه لا يمين عليه لظهور عذره اه .
قلت : وهذا يدل على أن إخباره بكثرة الثمن ثابت بالبينة لا بمجرد دعواه فإنه لا يصدق أنه إنما سلم لكونه أخبر بالكثرة ، ومثل ما في النظم لو أسقط لكذب في المشترى بفتح الراء والمشتري بكسرها بأن قيل فلان اشترى نصف نصيب شريكك فأسقط ، ثم تبين أنه اشترى جميع نصيبه أو قيل له : إن المشتري هو فلان فأسقط ، ثم ظهر أن المشتري غيره ، أو قيل له : إن المشتري متعدد فأسقط فتبين أنه واحد وبالعكس ( خ ) : أو أسقط لكذب في الثمن وحلف أو في المشترى أو انفراده الخ . ومثل الإسقاط في ذلك كله السكوت حتى مضى الأمد المسقط كما مر .
وَشُفْعَةٌ في الشِّقْصِ يُعْطَى عَنْ عِوَضِ
وَالمَنْعُ في التَّبَرُّعَاتِ مُفْتَرَضِ
( وشفعة ) مبتدأ خبره ( في الشقص ) وجملة ( يعطى عن عوض ) حال من الخبر وأطلق فيالعوض فشمل المالي وغيره ، والشفعة في الأول بمثل الثمن ، إن كان مثلياً أو ديناً فبمثله أيضاً ولو عرضاً ، وأما العرض غير الدين فيشفع بقيمته وغير المالي كخلع ونحوه يشفع بقيمة الشقص ، وهذا الشطر مستغنى عنه بقوله فيما مر : كذاك ذو التفويض ذا فيه تجب الخ . كما مر شرحه هناك .
تنبيه : إذا وقع العقد بعين ونقد عرضاً أو العكس ، فالراجح من أقوال خمسة . وهو مذهب ابن القاسم أن الشفعة بما عقد عليه دون ما نقد ، وكذا في الاستحقاق والعيب والإقالة . قال الفشتالي : إنما يكون الرجوع في الاستحقاق بما عقد عليه لا بما نقد ، وكذلك في الشفعة ، وليس عند الشيوخ ما يخالفه إلا ما وقع في الاستحقاق من المدونة فيمن اشترى بدنانير فدفع دراهم ثم وقع استحقاق في المبيع ، فإنه يرجع بما دفعه لأن رجوعه بما عقد عليه يؤدي إلى صرف مستأخر اه . وفي الكراس الحادي عشر من معاوضات المعيار فيمن باع خادماً بدنانير فأخذ عنها شعيراً ثم تفاسخا لعيب ظاهر أو لإقالة قال : يرجع بالدنانير وأخذه الشعير عقد ثان إلا أن يكون أخذ الشعير على وجه التجاوز والتخفيف والثمن أكثر في الوقت المأخوذ فيه الشعير ، فإنه يرجع بشعير مثله اه . وإلى المسألة التي استثناها الفشتالي مع ما عداها أشار ابن عرفة بقوله : وفيها من رد معيباً دفع عن ثمنه الدنانير دراهم أو عرضاً رجعت في الدراهم بها ، وفي العرض بالدنانير زاد في السماع إلا أن يشبه كونها ثمناً فما عليه إلا قيمة العرض . ابن القاسم : يريد أخذه إلا على وجه التجاوز والتخفيف ككونه معسراً اه .
( والمنع ) من الشفعة ( في التبرعات ) من صدقة أو هبة لغير ثواب ونحلة وهي ما يعطيه الأب لولده عند الزواج ( مفترض ) واجب . وتقدم أنه لا شفعة أيضاً فيما يدفعه الولي لمحجوره تمخياً ، وأما هبة الثواب ففيها الشفعة بعد تعيين الثواب أو دفعه بالفعل كما قال ( خ ) : وهبة بلا ثواب وإلاَّ ففيه الشفعة بعده ، وما ذكره الناظم من منع الشفعة في التبرعات هو المشهور . قال في المقصد المحمود : وبه العمل ، وروى ابن الجلاب ثبوتها قي التبرعات بقيمة الشقص ، وذكر الزقاق وناظم العمل أن العمل بهذه الرواية ، وبه أفتى أبو عمر الإشبيلي المعروف بابن المكوي وفتواه تقييد للمشهور . قال ابن ناجي : ومحل المشهور عندي ما لم يكثر التحيل من الناس علىإسقاطها وإلاَّ فيحكم بها ، وبه قال أبو عمر الإشبيلي قال سيدي عمر الفاسي في شرح الزقاقية : ما قاله أبو عمر الإشبيلي غير مخالف للمشهور ، بل هو جار عليه على ما قاله ابن ناجي ، وقال الشيخ ميارة : ما قاله ابن المكوي هو الظاهر أو المتعين لا سيما حيث تحتف بذلك قرائن العوض ويبعد فيه التبرع اه . وقال ابن رحال في شرحه ما ذكره الزقاق : لا نوافق عليه في الهبة للمبرز في العدالة وإن كان يحلف على ما به العمل ، ولكن ينظر إلى قرائن الأحوال إن كان الحاكم عدلاً مبرزاً عالماً وإلاَّ فيرجع لما قاله الزقاق وجل القضاة أو كلهم في زمننا لا يوثق بهم اه . باختصار . فيفهم منه أن التحيل على إسقاط الشفعة بالتبرع موجود غالباً في وقته ، ولكن ينظر إلى الحاكم إذ لعله لا يراعى تلك الحيل لغلبة الهوى عليه ، وكذا إذا كثر التحيل على إسقاطها بالزيادة في الثمن كأن يقول المشتري : إذا اشتريته منك بمائة يؤخذ مني بالشفعة فخذ سلعة تساوي مائة بمائتين إلى أجل ثم صير إلى الشقص فيها . انظر حاشيتنا على الزقاقية .
تنبيه : قال في المدونة : وإن وهب شقصاً لغير ثواب فعوض فيه فقبل العوض فإن رئي أنه لصدقة أو صلة رحم فلا شفعة فيه . ابن المواز : وكذلك لو أثابه شقصاً في دار لم يكن أيضاً في الثواب شفعة لأن هذا دفع شقصه فيما لم يكن يلزمه . ابن ناجي : وهو المشهور وبه الفتوى .
وَالْخُلْفُ في أكْرِيَةِ الرِّبَاعِ
وَالدُّورِ وَالحُكْمُ بِالامْتِنَاعِ
( والخلف ) في وجوب الشفعة ( في أكرية الرباع والدور ) يشمل ما إذا كانا يملكان الرقبة فأكرى أحدهما نصيبه أو يملكان المنفعة فقط ، فأكرى أحدهما حصته أيضاً أو أحدهما يملك الرقبة والآخر المنفعة . فقال ابن القاسم والمغيرة وابن الماجشون : بعدم الشفعة في ذلك كله وهو المشهور عند ( خ ) . وقال ابن فتحون : به القضاء والحكم وعليه عول الناظم فقال : ( والحكم بالامتناع ) وقال أشهب ومطرف وأصبغ ، وروي عن ابن القاسم أيضاً فيه الشفعة . القلشاني : وبه الحكم بالمغرب والأندلس اه . وعلى وجوب الشفعة فيه عمل فاس قال ناظمه : وشفعة الكرا لشرك قائم الخ . وظاهره شفع ليس ما يسكن من دار أو حانوت أو رحى وغير ذلك ، أو ليكرى ذلك لغيره ، والذي للمنجور والمكناسي وغيرهما أنه إنما يمكن منها إذا كان يسكن بنفسه أو يعمل في الرحى ونحوها بنفسه وهو مبني على أنه لا يشفع ليبيع والمعروف تمكينه من الشفعة ليبيع قاله المنجور ، ولذا قال ابن ناجي : العمل عندنا بإفريقية على التمكين من الشفعة من غير شرط أصلاً .قلت : وهو ظاهر ما يفعله الناس اليوم فإنهم لا يلتفتون للشرط المذكور .
تنبيه : الخلاف في المساقاة كالخلاف في الكراء كما في التوضيح وغيره ، وكذا الرهن بمنفعة فيه الخلاف المذكور لأنه بيع وكراء ، وكذا الجلسة فيها الخلاف المذكور ، وأما الرهن فإن البائع إذا باع السلعة بعشرة مثلاً إلى أجل وأعطاه المشتري نصف دار رهناً في دينه وأباح له الانتفاع به إلى الأجل ، فقد باع سلعته بشيئين العشرة المؤجلة ومنفعة النصف المرهون ، فبعض السلعة في مقابلة العشرة بيع وبعضها في مقابلة المنفعة كراء ، فعلى أن الشفعة في الكراء يكون لشريك الراهن بقيمة المنفعة فيقال : ما يساوي كراء هذا النصف منحل للأجل المسمى ، فإذا قيل عشرة فيشفع بها بشرط أن يسكن بنفسه على ما مر . قال العلمي في نوازله : والعمل بفاس على شفعة منفعة الرهن المشاع اه .
قلت : قيد بعضهم عن سيدي العربي بردلة : أن العمل على عدم الشفعة فيه ، وإن كانت قاعدة ثبوت الشفعة في الكراء توجب الشفعة فيه لكن الأشياخ لم يعملوا بمقتضى القاعدة وعلى تقدير عملهم بمقتضاها فيشفع بقيمة المنفعة اه . ما وجدته مقيداً عن بعض المفتيين ، ولكن الصواب ما في العلمي إذ لا وجه لخروجه عما به العمل في الكراء ، فهذا الذي يجب اعتماده على ما يأتي في الجلسة ، وأما الجلسة وتسمى عند أهل مصر بالخلو فهي كراء محض أيضاً إذ غايته أن أرض الحبس أو غيرها تكرى لمن يغرسها أو يبني فيها بدرهم في السنة مثلاً مدة من عشرين سنة أو بدرهم في كل سنة إلى غير أجل محدود ، ويغرم الكراء عطل بناءه أو انتفع به وضمائرهم منعقدة على أن المكتري لا يخرج إلا برضاه لجريان عادتهم بذلك ، فإذا وقعت عليه زيادة في الكراء فإن شاء أخذه بتلك الزيادة وكان أحق به من الذي زاد عليه ، وإن شاء أخذ أنقاضه ورفع نزاعه إن امتنع ذو الأصل من إبقائه بالكراء الأول ، فتقديم المكتري على الغير بما أعطاه ذلك الغير من الكراء وانعقاد ضمائرهم عليه عند العقد هو المعبر عنه في الاصطلاح بالكراء على التأبيد ، ولكن لما كان أحق به بتلك الزيادة لم يزد أحد في الغالب عليه لعدم الفائدة ، ولذا قال في نظم العمل :
وهكذا الجلسة والجزاء
جرى على التبقية القضاء
ثم إذا مات المكتري ذو الجلسة فإنها تورث عنه ويقوم وارثه مقامه ، وهكذا ما دام هو أو وارثه ولو سفل قائماً بحياطتها وصيانتها ، فإن فرط فيها حتى اندثر بناؤه وغرسه فقد بطل حكمها ولا شيء لصاحبها في الأرض ، ثم قبل اندثارها لبعض الشركاء أن يكري حظه منها أو يبيعه وفي الحقيقة أن بيعها كراء ، فإذا أكراه أو باعه فللآخرين الشفعة لا لرب الأرض على ما مر من وجوب الشفعة في الكراء ، وبه أفتى فيها ابن رحال والشدادي وغيرهما ، وأفتى الشيخ التاودي بأن الذي وقع به الحكم والفتوى في الجلسة إذا بيع جزء منها أنه لا شفعة فيه للشريك قال : هكذا ذكره القاضي بردلة عن أبي عبد الله بن سودة وأبي عبد الله المجاصي قال : وإذا لم تجب في بيع جزء منها فلا تجب في كراء جزء منها بالأحرى لأن الكراء أضعف اه . ونحوه للمسناوي عن بردلة المذكور قائلاً عنه : وسمعتهميعللون ذلك بأن الشرط المذكور ، وهو أن يسكن بنفسه لا يكاد يتحقق فيها في الغالب لأن ملاكها في الغالب لا يعتمرونها لأنفسهم ، وإنما يستغلونها بالكراء للغير اه . ونقلنا ذلك كله في كتاب الشفعة من نوازلنا وانظر بقية أحكامها في الكتاب المذكور . وفي الكراس الثاني من الإجارة والرهن ، وانظر قولهم عن بردلة : أنه لا شفعة في بيع جزء منها مع أن ذلك بيع لجزء أنقاضها وأشجارها ، وقد قال في ضيح : ينبغي أن يتفق في الإحكار التي عندنا بمصر أن تجب الشفعة في البناء القائم فيه لأن العادة أن رب الأرض لا يخرج صاحب البناء أصلاً فكان ذلك بمنزلة صاحب الأرض اه . نقله ( ز ) وزاد عقبه : أي ولا شفعة لرب الأرض وإنما الشفعة للشريك قال : وكذلك الأرض الخراجية إذا باع أحدهم حصته منها فالشفعة للشريك في الخراج لا لرب الأرض انظره عند قوله في الشفعة وقدم معبر الخ . قالوا : والإحكار جمع حكر وهو المسمى عندنا بفاس بالجزاء ، وبالجملة فالذي يوجبه النظر هو وجوب الشفعة في الجلسة والجزاء بيعاً وكراء لأن الشفعة إنما شرعت لرفع الضرر ولا سيما في بيع جزء من هذا الكراء الذي لا يخرج مكتريه إلا برضاه على ما مر ، فالعمل لو لم يجر بالشفعة في مطلق الكراء لكان ينبغي أن يجري بالشفعة في هذا الكراء الذي هو الجلسة بخصوصه لدوام ضرره ، ولما فيها من بيع الأنقاض في بيعها وبيع الأنقاض والبناء فيه الشفعة اتفاقاً ، وما ذكروه عن بردلة ضعيف عقلاً ونقلاً وكونهم لا يستغلونها لأنفسهم لا يوجب سقوطها ، لما تقدم عن ابن ناجي : أن العمل على عدم اشتراط السكنى ، ولقول المنجور المعروف من المذهب تمكين الشفيع من أن يشفع ليبيع ولما تقدم عن الشدادي وابن رحال من وجوب الشفعة فيها وهم متأخرون عن القاضي بردلة فلا يخفى عليهم العمل الذي انفرد هو بنقله ، وقوله : سمعتهم يعللون ذلك بأن الشرط المذكور لا يكاد يتحقق الخ . لا وجه له لأن العمل إذا جرى بموجب الشفعة في الكراء في الشرط المذكور ، فيجب أن يطرد ذلك العمل بشرطه المذكور في جميع أفراد الكراء الذي منه الجلسة والجزاء ، وكونه يعتبر الشرط المذكور في بعض الأفراد دون بعض هو من التحكم الذي لا يخفى بطلانه ، وأيضاً يصير هذا العمل بالتفصيل في الكراء من كون الشفعة في بعض أفراده دون بعض غير مستند لقول من أقوال المذهب ، وقد نصوا على أن العمل لا بد أن يستند إلى قول ولو شاذاً وإلا لم يعمل به ، وقوله لأن ملاكها في الغالب لا يعتمرونها الخ . يقتضي أن ما ارتكبه الملاك من عدم الاعتمار لأنفسهم يتبايعون عليه ويمكنون منه ، وليس كذلك لأن العمل إذا جرى باشتراط الشرط المذكور فلا يمكنون من الشفعة إلا به ويحملهم الحكام عليه جبراً وإلاَّ أدى إلى أن العامة إذا تمالؤا على أمر يتابعون عليه ويمكنون منه ، ولو خالف الأقوال المذهبية ، وهذا مما لا يقوله أحد . هذا وقد رأينا أن صاحب الأصل في الحوانيت والفنادق يكريها صفقة على صاحب الجلسة ، وبالعكس فيأتي الآخر ويضمها من يده ويكريها لغيره بزيادة أو غيرها ، ويمكنهم القضاة من ذلك . وهذا أمر شائع ذائع في هذه البلدة وفي الحقيقة إنما ذلك شفعة إذ لا يملك أحدهما التصفيق على صاحبه حتى يكون لهما لعدم اتحاد المدخل فهم يسمونه صفقة وضماً ، وفي الحقيقة إنما هو شفعة وحينئذ فليس عملهم في الكراء على ما نقله القاضي بردلة ، بل على ما لابن ناجي ومن وافقه .وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ مِنْ تَأْخِيرِ
في الأَخْذِ أَوْ في التَّرْكِ في المَشْهُورِ
( وليس للشفيع من تأخير ) ليتروى ويستشير ( في الأخذ أو في الترك ) هل يأخذ أو لا يأخذ بل يجبره الحاكم حيث أوقفه المشتري عنده على الأخذ أو الترك ولا يؤخره ولو ساعة ( في ) القول ( المشهور ) المعمول به كما في المتيطية وغيرها فإن أخذ فلا يخلو ذلك من ثلاثة أوجه ، وتقدم حكمها في فصل الآجال عند قوله : كمثل إحضار الشفيع للثمن فأنظرها هناك ومفهوم قوله في الأخذ أو الترك أنه إذا طلب التأخير لينظر للمبيع فإنه لا يؤخر له إلا نحو ساعة ( خ ) : واستعجل إن قصد ارتياء أو نظراً للمشتري إلا كساعة الخ . والاستثناء راجع للثانية فقط . قال في المتيطية : ولا عذر للشفيع بمغيب الحائط عنه ، وإن كان لم يره أو رآه وطال عهده ويوصف له كما توصف الدار الغائبة اه . وقولنا : حيث أوقفه المشتري عنده أي عند الحاكم احترازاً مما إذا أوقفه المشتري وحده لا عند حاكم ، فإنه على شفعته حتى يصرح بالإسقاط أو يمضي الأمد لها كما في الشامل .
وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ شُفْعَةٍ وَلاَ
هِبَتُهَا وَإرْثُهَا لَنْ يُبْطَلاَ
( ولا يصح بيع شفعة ولا هبتها ) ظاهره قبل الأخذ بها أو بعده باعها أو وهبها لأجنبي أو للمشتري ، وفي ذلك تفصيل فإن باعها أو وهبها لأجنبي قبل الأخذ فلا خلاف في عدم صحته قاله ابن رشد وغيره . ابن يونس : لأنه بيع ما ليس عندك ، وإذا لم يصح ذلك فيفسخ البيع والهبة وتسقط شفعته ، وإن باعها أو وهبها بعد الأخذ بها ، فكذلك لأنه ليس له أن يشفع ليبيع ولا شفعة له بعد . اللخمي : وهذا هو الصحيح خلافاً لقولها للمفلس أن يشفع مع أنه إنما يشفع ليبيع في الدين اه . ونحوه لابن رشد ، وبه أفتى العبدوسي وابن عطية والونشريسي والشيخ ميارة حسبما في نوازل العلمي قالوا : وبيعه بقرب الأخذ دليل على أنه شفيع ليبيع ، وللمشتري القيام ولم يذكروا حد القرب ما هو قال بعضهم : وظاهر عباراتهم الرجوع للقرينة وشاهد الحال كما قالوا في مسألة : من أعطت زوجها عطية أو وضعت عنه الصداق فطلقها ووقفت على فتوى لشيخنا سيدي محمد بن إبراهيم ذكر فيها أن حد القرب في ذلك ما دون ستة أشهر ، هذا وقدأفتى ابن مرزوق حسبما في المعيار بأن له أن يشفع ليبيع حيث كان له نفع فيه قال : ولا تبطل شفعته إلا إذا كان لا غرض له ولا نفع إلا مجرد إيصال النصيب للغير ، ومسألة أخذ المفلس بالشفعة كما في المدونة وغيرها تدل على ذلك لأن أخذ المفلس وإن كان للبيع لكنه لمنفعة نفسه في أداء دينه ، ومن هنا كان قول ابن رشد ضعيفاً لإيهامه منع البيع للآخذ مطلقاً ، وهذا باطل لاستلزامه أن الشفيع لا يأخذ إلا للاقتناء ولو صح لكان الأخذ بالشفعة حراماً لأنه بيع على أن لا يبيع والشفعة بيع اه . بمعناه .
قلت : ويؤيده قول ابن رشد وغيره إذا قال الشفيع : أخذت ، وقال المشتري : سلمت ، فإن الأخذ لازم لهما ويباع الشقص في الثمن ولا يفسخ الأخذ المذكور إلا بتراضيهما عليه وهو معنى قول ( خ ) : ولزم أن أخذ وعرف الثمن فبيع للثمن الخ . فآل إلى أنه شفع ليبيع لأنه حيث علم عجزه عن الثمن ، فقد شفع للبيع ومع ذلك قالوا : لا يفسخ إلا بتراضيهما ، ويؤيده أيضاً أن الشفعة بيع على المشهور ، وأن الشفيع إذا أسقط لكذب في المشتري بالكسر لا يلزمه كما مر عن ( خ ) أيضاً فيؤخذ منه أن من شفع ليبيع يقول : لم أرض بشركة هذا المشتري لسوء عشرته وكثرة ضرره فأخذت وبعت من هذا لحسن عشرته وقلة ضرره ، كما أنه يقول ذلك في الإسقاط لكذب في المشتري ، ومعلوم أن الحق في الشفعة فلا يحجر عليه فيه ، ولهذا والله أعلم قال الإمام المنجور : المعروف تمكين الشفيع من أن يشفع ليبيع ، وقال ابن هلال في نوازله فيمن أخذ بالشفعة ثم باع في حينه أو بعد زمان قريب ما نصه : وأما الشفيع إذا أخذ بالشفعة ثم باع بعد ذلك فلا ينازع في ماله إن شاء باع وإن شاء تمسك إلا أن يظهر أنه رد للغير فلا يترك الشقص بيده إن شاء المشتري اه . وقوله : إلا أن يظهر أنه رد للغير الخ . يعني بأن لا يكون له نفع في الأخذ بها أصلاً إلا مجرد إيصال النصيب للغير كما مر عن ابن مرزوق ، وأما إذا كان له نفع فيها لزيادة في الثمن أو لكون المشتري سيىء العشرة أو لكونه ذا سطوة لا يستقيم له معه الوصول إلى حقه كما يقع في زمننا كثيراً فإن له أن يشفع ليبيع ، وهذا هو الذي يجب اعتماده عندي لقوة دليله ، وما مر عن اللخمي ومن وافقه . قد علمت ضعفه كما صرح به ابن مرزوق ، ولا سيما حيث كان المشهور أن الشفعة بيع فكيف يحجر عليه في شيء اشتراه ويضيع عليه ربحه فيه أو يلزم بشركة ذي السطوة أو سيىء العشرة حيث لم يكن له ثمن يشفع به مع أن المشهور فيها أنها إنما شرعت لرفع الضرر والضرر يزيد في بعض الشركاء ، وينقص في البعض الآخر كما مر . وقوله في المدونة : من وجبت له شفعة فأتاه أجنبي فقال له : خذ شفعتك لي بمثل الثمن الذي اشترى به المشتري ولك مائة دينار ربحاً لم يجز ، ويرد ذلك إن وقع ولا يجوز أن يأخذ بالشفعة لغيره الخ . فإنما لم يجزه لكونه من أكل أموال الناس بالباطل ولكونه لا غرض له إلا الأخذ للغير ، وإنما سقطت شفعته لكون الشفيع كان معرضاً عن الأخذ بها لولا الجعل الذي دفعه له الأجنبي فهذا أعطاه ربحاً ليأخذ له بها فهو من الجعل على الأخذ بالشفعة للغير لا من البيع بعد الأخذ بها لنفسه وهو معنى قول ( خ ) : كأن أخذ من أجنبي مالاً الخ . ومحل ما في المدونة من رد الأخذ للغير إذا ثبت ذلك بإقرار الشفيع والمبتاع لا بإقرار أحدهما كما في المتيطي وغيره ، وقال ابن ناجي على قولها ولا يجوز البيع قبل الأخذ الخ . قال بعض شيوخنا : مفهومه أنه يجوز له البيع بعد الأخذ اه . وأما إن قال الأجنبي : خذ بالشفعة لنفسك وأنا أدفع لك ثمنها سلفاًأو هبة فهذا جائز ولو قصد الأجنبي الإضرار بالمشتري فلا يمكن من ذلك كما في البرزلي عن ابن البراء قائلاً : وحق الشفيع متى قام به ومعه الثمن بشراء أو سلف أو هبة أو غير ذلك فله الأخذ بها ، وقال قبل ذلك : إلا أن يتبين من المسلف الضرر فلا يمكن من ذلك اه . يعني لا يمكن من الضرر إذا ثبت ذلك بإقراره ، وأما شفعة الشفيع فلا تسقط بقصد المسلف الضرر بالمشتري ، بل لا زال على شفعته والله أعلم . وهذا كله إذا باعها أو وهبها من أجنبي ، وأما إذا باعها أو وهبها للمشتري فقال في الجواهر : إذا دفع المشتري للشفيع عوضاً دراهم أو غيرها على ترك الأخذ بالشفعة جاز له أخذها وتملكها إن كان ذلك بعد الشراء فإن كان قبله بطل ورد المال وكان على شفعته اه . وهو معنى قول ( خ ) بخلاف أخذ مال بعده ليسقط الخ . وقال أيضاً : ولم يلزمه إسقاط قبل البيع ، ومفهومه أنه بعد البيع يلزمه وكذا هبتها ، وهذا إذا اتحد الشفيع ، وأما إذا تعدد فصالح المشتري أحد الشفعاء بعد البيع على إسقاط شفعته وقام الباقون وأخذوا بالشفعة فإن شفعة المصالح تسقط على المشهور ، لكن ذكر ابن كوثر حسبما في المعيار أن الباقين لهم الشفعة بما بذله المبتاع على الإسقاط مع الثمن الذي وقع به الابتياع ، وعن ابن رشد في نوازله أن الباقين يشفعون بالثمن فقط ولا رجوع للمشتري على المسقط بما دفعه إليه بل ضاع عليه ابن عرفة : الأظهر الرجوع بمنزلة من صالح على أمرين استحق أحدهما وما لابن رشد في المقدمات من أن الشفعة لا تسقط ، ولكن الشفيع يرد المال الذي أخذه وترجع الشفعة له كما كانت قبل البيع ، وقرر به الشيخ ( م ) وغيره كلام المصنف خلاف المشهور كما لأبي الحسن وغيره انظر شرح الشامل .
تنبيهان . الأول : تطلق الشفعة على الشقص المشفوع من إطلاق المصدر وإرادة المفعول ، ومن ذلك ما في النظم ونحوه قول المعونة ، ولا تجوز هبة الشفعة ولا بيعها وذلك كله كقول المدونة : ولا يجوز بيع الشقص قبل أخذه إياه بشفعته اه . ، وفي المدونة : إن سلم الشفعة بعد البيع لزمه ولو جهل الثمن . ابن يونس : إلا أن يأتي من ذلك ما لا يكون ثمناً بمثله فلا يلزمه تسليمه اه . فظاهره كان تسليمه على مال أم لا .
الثاني : أخذ المال للإسقاط ليس بيعاً بدليل أنه إذا وجد عيباً لا يرجع به لأنه أخذ المال في مقابلة رفع يده عن الأخذ بها ، ويحتمل أن يرجع بالعيب لأنه إذا وجد الدراهم زيوفاً فله ردها ، فكذلك الشقص إذا وجده المشتري معيباً فله رده فيكون الأخذ للإسقاط حينئذ بيعاً .
( وإرثها ) أي الشفعة ( لن يبطلا ) لأن من مات عن حق فلوارثه فإذا مات بعد وجوب الشفعة وقبل الأخذ بها فوارثه يقوم مقامه ، وعليه فتلفق المدة المسقطة كما تلفق في الحيازة القاطعة لحق القائم ، فإذا سكت الموروث ستة أشهر مثلاً ومات فسكت وارثه بقية العام ، فإنه لا شفعة له وإذا مات بعد أن باع الشقص الذي يشفع به ، فالمشهور أنه لا شفعة للوارث كما أنه لا شفعة للموروث ( خ ) : أو باع حصته الخ . وهذا إذا باع وهو عالم بوجوبها له وإلاَّ فله الشفعة على أظهر الأقوال ، وبه القضاء كما في النهاية ، وكذا لا تسقط إذا باع بعض حصته ، ولكن إنماله الشفعة بقدر ما بقي على المعتمد وللمشتري الأول شفعة الكل فيما إذا باع الكل وشفعة الباقي فيما إذا باع البعض .
وَحَيْثُمَا فِي ثَمَنِ الْشَّقْصِ اخْتُلِفْ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ مع الْحَلِفْ
( وحيثما في ثمن الشقص اختلف ) فقال المشتري : بعشرة . وقال الشفيع : بخمسة . ولا بينة لواحد منهما ( فالقول قول مشتر مع الحلف ) إن أشبه سواء أشبه الشفيع أيضاً أم لا . كما قال :
إنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ يَبْعُدُ
وَقِيلَ مُطَلَقاً وَلاَ يُعْتَمَدُ
( إن كان ما ادعاه ) من الثمن الذي هو العشرة ( ليس يبعد ) عند الناس كونه ثمناً للشقص فإن بعد وأشبه ما قاله الشفيع فقط فالقول له بيمينه ، فإن لم يشبها حلفا وتقع الشفعة بقيمة الشقص ( خ ) : وإن اختلفا في الثمن فالقول للمشتري بيمين ككبير يرغب في مجاورته ، وإلاَّ فللشفيع وإن لم يشبها حلفا ورد إلى الوسط أي قيمة الشقص الخ . وظاهره كالناظم أن المشتري يحلف حقق الشفيع عليه الدعوى أم لا . وهو كذلك على ما به العمل من توجه يمين التهمة مطلقاً ، ولا يخرج عن ذلك إلا ما فيه معرة كما مر عند قوله : وتهمة إن قويت بها تجب الخ . وإذا قال المشتري : إن الأرض مقسومة ، وقال الشفيع : لم تقسم ، فالقول للشفيع كما في الباب الخامس والعشرين من التبصرة . ( وقيل ) وهو لمطرف القول قول المشتري ( مطلقاً ) أشبه أم لا ( و ) لكن هذا القول ( لا يعتمد ) عليه .
وابْنُ حَبِيبٍ قَالَ بَلْ يُقَوِّمُ
وباخْتِيارٍ لِلشَّفِيعِ يُحْكَمُ
( وابن حبيب قال ) لا ينظر لقول المشتري ولا لقول الشفيع ( بل يقوم ) الشقص قيمة عدل ( وباختيار للشفيع يحكم ) أي : ويخير الشفيع في أن يأخذ بتلك القيمة أو يترك ، فهذه أقوال ثلاثة . والمشهور أولها كما مر فكان الواجب الاقتصار عليه ، وإذا وجبت اليمين على المشتري لشبهه فله أن لا يحلف حتى يشهد على الشفيع بالأخذ بالشفعة ، كما أن من قام له شاهد بحق فلا يحلف حتى يعذر للمشهود عليه هل يجرح شاهده أم لا ؟ لئلا يجرح فتذهب يمينه باطلاً قالهفي المعيار . قال : وحاصله كل يمين يتوقع عدم إفادتها للحالف فله أن يقف عنها حتى يتحقق إفادتها ، وذكر أيضاً أن الذي به العمل لفساد الزمان عدم اعتبار دفع الثمن بالبينة وأن اليمين تجب مع ذلك فاعرفه اه . وذكر في الطرر عن المشاور مثل ما مر عن المعيار قال : لو قال المشتري : لا أحلف حتى يلتزم الشفيع الأخذ بالشفعة ، ولا يكون علي بالخيار فذلك له ، ومتى حلف لزمه الأخذ على ما أحب أو كره اه . وفهم منه أنه ليس للمشتري أن يقول : لا أحلف حتى يحضر الشفيع المال ، وهو كذلك كما أفتى به الجولاني وغيره ، وإنما على الشفيع أن يلتزم الأخذ كما ترى ، وفهم من قول الناظم فالقول قول مشتر الخ . أن الخلاف بين الشفيع والمشتري كما قررنا ، وأما لو كان الخلاف بين المشتري والبائع فإنهما يتحالفان ويتفاسخان حيث لم يفت الشقص بهدم أو بناء أو نحوهما ولا شفعة حينئذ ، وكذا لو أنكر المشتري البيع وحلف فلا شفعة أيضاً قاله في المدونة ، وهو قول ( خ ) أو أنكر المشتري الشراء وحلف الخ .
والحاصل أن الشفيع إذا ادعى البيع عليهما فأقر به أحدهما وأنكر الآخر ولم يحلف فتجب الشفعة بلا يمين على الشفيع حيث كانت دعوى اتهام ، فإن أنكرا معاً فقال ابن لبابة : إن حلف البائع سقطت دعوى الشفعة ، فإن نكل حلف المشتري وسقطت الشفعة أيضاً ، فإن نكل حلف الشفيع وأخذ بالشفعة . وقال أبو محمد صالح : لا شفعة ولا يمين على واحد منهما ، وصوبه ابن سهل وكذا البرزلي قائلاً : فمفهوم قولها تحالفا أنهما لو لم يحلفا وتفاسخا فيكون أحرى في عدم الشفعة ، لأنها إذا لم تثبت بإنكار أحدهما فأحرى أن لا تثبت بإنكارهما معاً اه . وأما إذا فات الشقص بيد المشتري فالقول قوله إن أشبه فإن نكل بعد الفوات أو قبله وحلف البائع أن البيع وقع بعشرة في المثال المذكور ، فهل يأخذ الشفيع شفعته بها أو يأخذها بما ادعاه المشتري ؟ وهو خمسة لأن ما زاد عليها قد ظلمه به البائع ، ولو رجع المشتري إلى ما قاله البائع لم يقبل منه قولان . ثانيهما هو الذي صدر به اللخمي ورجحه قال : وإن أحب الشفيع قبل أن يفسخ البيع أن يشفع بعشرة ويكتب عهدته على المشتري بخمسة وعلى البائع بخمسة كان ذلك له على قول ابن القاسم ، وإن كره المشتري وليس ذلك له على قول أشهب قياساً على قوليهما إذا استحق بعض الأرض وكان ذلك عيباً يوجب الرد فرضي الشفيع بالأخذ وأراد المشتري الرد فقال ابن القاسم : ذلك للشفيع ، ولم يرد ذلك أشهب للعهدة التي تكتب عليه وهو في الاختلاف في الثمن أحسن فله الشفعة قبل التحالف أو بعد يمين أحدهما الشفعة وإن حلفا على القول إن البيع منعقد حتى يحكم بفسخه انتهى باختصار .
وَمَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ مَهْمَا يَدَّعِي
بَيْعاً لِشَقْصٍ حِيزَ بِالتَّبَرُّعِ
( ومن له الشفعة مهما يدعي بيعاً لشقص حيز بالتبرع ) أي أشهد صاحبه أنه تبرع عليه بهبة الشقص أو صدقته .
فما ادَّعَاهُ فعَلَيْهِ الْبَيِّنَهْ
وَخَصْمُهُ يَمِينُهُ مُعَيَّنَهْ( فما ادعاه ) الشفيع من البيع ( فعليه البينة ) أنه بيع لا تبرع ( و ) إذا لم يجد بينة تشهد بالبيع وقال : أخاف أن يكون قد باعه في السر وأشهد بالتبرع في العلانية فإن ( خصمه ) وهو المتبرع عليه ( يمينه معينة ) واجبة عليه متهماً كان أم لا . وظاهره أنه لا يمين على البائع وهو كذلك إذ لا يحلف أحد ليستحق غيره ، ومحل ما للناظم ما لم يكثر التحيل بإظهار التبرع لإسقاط الشفعة كما مر عند قوله : والمنع في التبرعات مفترض .
وَالشِّقْصُ لاثَنْينِ فأَعْلَى مُشْتَرَى
يُمْنَعُ أَنْ يُؤُخذ مِنْهُ مَا يَرَى
( والشقص ) مبتدأ ( لاثنين فأعلى ) كثلاثة أو أكثر ( مشترى ) حال ولاثنين متعلق به ، والجملة بعده خبر ، والمعنى أن الشقص في حال كونه مشترى لاثنين فأكثر ( يمنع أن يأخذ ) الشفيع ( منه ما يرى ) من نصيب أحد المشتريين دون الآخر إلا برضاه .
إنْ كَانَ ما اشْتَرَى صَفْقَةً وَمَا
فِي صَفَقَاتٍ مَا يَشَاءُ الْتَزَمَا
( إن كان ما اشترى صفقة ) أي عقداً واحداً شرط في المنع المذكور فالمدار على اتحاد الصفقة أي العقد وكلامه شامل لأربع صور . إحداها : أن يتحد البائع والمشتري كمن باع حصة من دار أو دور صفقة لشخص فليس للشريك في تلك الدور أن يشفع بعض الدور دون البعض الآخر ، وهي مفهومة من كلامه بالأحرى لأنه إذا لم يشفع بعض ما اشتراه الاثنان فأكثر فأحرى أن لا يشفع بعض ما اشتراه الواحد . الثانية : أن يتحد البائع والشقص ويتعدد المشتري كمن باع حصته من دار لثلاثة مثلاً صفقة واحدة ، فإن الشفيع كان واحداً أو متعدداً إما أن يشفع الجميع أو يترك الجميع ، وليس له أن يشفع من بعض لعدم رضاه بشركته دون بعض لرضاه به . الثالثة : أن يتعدد البائع والشقص والمشتري كأن يكون لثلاثة مع رابع شركة هذا يشاركه في دار ، وهذا يشاركه في حانوت ، وهذا يشاركه في بستان فباع الثلاثة أنصباءهم من رجل واحد بعد تقويمها أو بعد تسميته لكل نصيبه ثمناً صفقة واحدة ، فإن الشفيع واحداً كان كما في المثال المذكور أو متعدداً حيث اشتركوا معهم في كل حصة ، إما أن يأخذ الجميع أو يترك الجميع . الرابعة : كالتي قبلهاإلا أن المشتري متحد ويفهم حكمها مما قبلها بالأحرى ، فمنطوق الناظم هو الصورتان الوسطيان والطرفان مفهومان منه بالأحرى ، وإنما اقتصر على الوسطيين لأنهما محل الخلاف ، فمذهب ابن القاسم في المدونة ما درج عليه الناظم ونحوه . قول ( خ ) : وإن اتحدت الصفقة وتعددت الحصص والبائع لم يتبعض كتعدد المشتري على الأصح الخ . واعترض عليه بأن الذي اختاره اللخمي والتونسي هو مذهب أشهب وسحنون : إن للشفيع أن يأخذ ممن شاء من المشتريين ويترك من شاء . ابن رشد : وهو الأصح . ابن يونس عن بعض الفقهاء : إنه الصحيح لأن المأخوذ منه لا ضرر عليه إذ قد أخذ منه جميع ما في يده ، وبه كان ابن القاسم يقول به أولاً ، ثم رجع عنه إلى ما في النظم و ( خ ) ، وبالجملة فالصحيح المفتى به في تعدد المشتري خلاف ما في النظم و ( خ ) ، ولذا جعل بعض شراحه التشبيه في مفهوم قوله : وإن اتحدت أي فإن لم تتحد فيجوز التبعيض كتعدد المشتري الخ . فهو يشير إلى أن ما في المدونة لا يقاوم ما صححه الشيوخ ، ويؤيده ما مر من أن الشفيع إذا أسقط لكذب في المشتري بالكسر لا يلزمه الإسقاط ( وما ) مبتدأ ( في صفقات ) أي عقود يتعلق بمحذوف صلة الموصول ( ما يشاء ) مفعول بقوله ( التزما ) بالبناء للفاعل أي : والعقار الذي اشترى في صفقات من بائع واحد أو متعدد التزم الشفيع واحداً أو متعدداً ما يشاء منه ، فيأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء غير أنه إذا شفع الصفقة الأولى فلا دخول للمشتري ، وإلا دخل معه ، فإذا باعت إحدى الزوجتين مثلاً حظها في ثلاث صفقات برجل واحد أو لثلاثة رجال ، فإن أخذت الأخرى الصفقة الأولى فلا دخول للمشتري معها ، وإن أخذت الثانية وسلمت الأولى فإن المشتري يشاركها بقدر نصيبه ، وكذا إن أخذت الثالثة فإنه يشاركها فيها بقدر الصفقتين الأوليين لأن المشتري ينزل منزلة البائع كما مرّ في التنبيه السابع عند قوله : وغائب باق عليها وكذا الخ .
وَالشُّرَكَاءُ لِلشَّفِيعِ وَجَبَا
أَنْ يَشْفَعُوا مَعهُ بِقَدْرِ الأَنصِبَا
( و ) الشفعاء ( الشركاء للشفيع ) في الشفعة ( وجبا أن يشفعوا معه بقدر الانصبا ) ء فمن كان له الربع فله ربع المبيع ، ومن له الثمن فله ثمنه ، وهكذا فإذا كانت دار بين أربعة مثلاً لواحد الثمن وللآخر الثمن أيضاً وللآخر الربع وللآخر النصف باعه لأجنبي ، فإن المبيع يقسم بينهم فلصاحب الربع نصفه ولصاحبي الثمنين النصف الآخر ، فيكون لصاحب الربع نصفها ، ولكل من صاحب الثمن ربعها ، فإن باعه لأحد الشركاء فإنه يترك له حصته على تقدير أن لو كان باعهلأجنبي ، فإن باعه لمن هو أقعد بها كما لو باعت إحدى الزوجتين حظها للأخرى فإنه يترك لها الجميع ( خ ) : وهي على قدر الانصباء وترك للشفيع حصته الخ . وتعتبر الانصباء يوم قيام الشفيع على المعتمد لا يوم الشراء وتظهر الثمرة فيما إذا باع بعض حصته يوم بيع شريكه كما مرت الإشارة إليه عند قوله : وارثها لن يبطلا ، وظاهر النظم أنها على قدر الانصباء فيما ينقسم وما لا ينقسم وهو كذلك على المعتمد خلافاً لمن قال : إنها فيما لا ينقسم على عدد الرؤوس .
وما بَعَيْبٍ حُطّ بالإطْلاَقِ
عنِ الشَّفِيعِ حُطَّ باتِّفَاقِ
( وما لعيب ) يتعلق بقوله : ( حط بالإطلاق عن الشفيع ) متعلق بقوله : ( حط باتفاق ) . والمعنى أن ما حطه البائع من الثمن على المشتري لأجل عيب ظهر بالمبيع ، سواء كان ذلك العيب يوجب قيمته لقلته وهو ما لا رد معه كما مرّ في عيوب الأصول أو كان عيباً يوجب الرد فصالحه على حط بعض الثمن أو حدث عند المشتري عيب يمنع الرد ، فرجع بأرش القديم فإن ذلك يحط عن الشفيع في الوجوه كلها ( خ ) : وحط ما حط لعيب أو لهبة إن حط عادة أو أشبه الثمن بعده الخ . ونحوه قول الشامل : وحط عن الشفيع ما حط لموجب كغيره إن اعتيد وأشبه أن يكون ما بقي ثمناً اه . وهذا إذا اطلع على العيب قبل أخذ الشفيع ، وأما لو اطلع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فإنه لا شيء له فإن رد الشفيع عليه بالعيب رد هو حينئذ على البائع كما في ابن شاس .
تنبيه : فإن زاد المشتري للبائع شيئاً بعد البيع فقال ابن القاسم وأشهب : لا يلزم الشفيع شيء من ذلك . قال أشهب : وللمبتاع أن يرجع على البائع بما زاده بعد أن يحلف ما زاده إلا فراراً من الشفعة وإلاَّ فلا رجوع له قاله في المتيطية .
ولا يُحِيلُ مُشَتَرٍ لِبائِعِ
على الشَّفِيع لاقْتِضاءٍ مَانِعِ
( و ) إذا باع شقصه بثمن إلى أجل مثلاً فقام الشفيع وأخذه بمثل الثمن للأجل ف ( لا يحيل مشتر لبائع ) اللام زائدة أي يحيل المشتري البائع بالثمن المؤجل ( على الشفيع لاقتضاء مانع )بالإضافة لأن الحوالة إنما تصح بما حل كما مر ودين البائع لم يحل على المشتري حتى يحيله به على الشفيع ( خ ) : ولا تجوز إحالة البائع به الخ . فإن كان الشفيع معدماً لزمه الضامن أو التعجيل كما سيقوله ، وإلا منعت شفعته فلو قال البائع للمشتري : أنا أضمن لك الثمن عن الشفيع لم يجز أيضاً كما قال :
وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَضْمَنَ عَنْ
مُسْتَشْفِعٍ لِمُشْتَرٍ مِنْهُ الثَّمَنْ
( وليس للبائع أن يضمن عن مستشفع لمشتر منه الثمن ) مفعول يضمن ، وإنما لم يجز ضمانه لما له في ذلك من المنفعة ، إذ لعل الشقص لا يساوي الثمن ، فإذا لم يشفع الشفيع لم يجد البائع عند المشتري وفاء بثمنه عند حلول الأجل والحمالة معروف كالقرض ، فلا يجوز أن يأخذ عنها عوضاً ولا يجر بها نفعاً قاله ابن رشد ، ونقله ابن سلمون وأبو الحسن وغيرهما مسلماً .
قلت : وهو في الحقيقة راجع لمعنى الإحالة لأن الشفيع إذا لم يؤد الثمن فإن البائع يسقطه عن المشتري فكأن البائع قال : أنا أرضى باتباع ذمة الشفيع إن لم يؤد الثمن ، وهذه حوالة في المعنى فيكون البائع قد باع الدين الذي له في ذمة المشتري بالدين الذي في ذمة الشفيع فلو عللت المسألة بهذا لكان أظهر لأنها جارية ، ولو كان الشقص يساوي الثمن الذي وقع به البيع والله أعلم .
وَيَلْزَمُ الشَّفِيعُ حَالُ ما اشْتُرِي
مِنْ جِنْسٍ أَوْ حُلُولٍ أَوْ تَأَخُّرِ
( ويلزم الشفيع حال ) أي صفة ( ما ) أي الثمن الذي ( اشترى ) به الشقص ( من جنس ) بيان لحال ، والمراد بالجنس الصنف أي فيلزمه أن يشفع بصنف الثمن الذي وقع به الشراء ، فإذا وقع الشراء بذهب أو شعير لزم الشفيع مثل ذلك ، وهكذا في سائر المثليات ويدخل فيها العرض الموصوف ، فإذا اشترى شقصاً بعرض موصوف في ذمته لشهر فإن الشفعة تكون بمثل ذلك العرض لذلك الأجل . نعم يشفع في المقوم المعين كثوب أو عبد معينين بقيمته يوم العقد كما مر في قوله : كذاك ذو التعويض ذا فيه يجب .
وتقدم هناك أنه يشفع بقيمة الشقص المأخوذ مهراً أو خلعاً أو صلح عمد أو مقاطعاً به عن عبد أو مكاتب أو عمرى ، وفي المدونة : ما اشترى بكراء بل إلى مكة فبمثل كرائها إلى مكة ، ومااشتري بإجارة أجير سنة فبقيمة الإجارة اه . ويدخل في قولها : وما اشترى بإجارة الخ . المغارسة لأنها من الجعل كما في ابن يونس وغيره ، فإذا أعطاه أرضاً مغارسة وله إشراك حضور لم يعقدوا مع الغارس شيئاً أو كانوا غيباً ، فإن الشريك يأخذ نصيبه بعد دفع قيمة الغرس مقلوعاً ، وله أن يأخذ نصيب الغارس بعد وجوبه له بإطعام ونحوه بالشفعة ولا تسقط شفعته إلا بمضي سنة من يوم استحقه الغارس بتمام عمله أي مع حضور الشفيع وعلمه كما مر التنبيه عليه عند قوله : وغائب باق عليها الخ . وظاهر النظم أنه يأخذ بجنس الثمن ، ولو كان الشقص مأخوذاً عن دين في ذمة البائع وأنه إنما يشفع بمثل ذلك الدين وجنسه وهو كذلك على مذهب المدونة ، وهو معنى قول ( خ ) بمثل الثمن ولو ديناً ومحله ما لم يتحيل بالزيادة في الدين على إسقاطها كما مر عند قوله : والمنع في التبرعات مفترض الخ . وقال ابن الماجشون : يشفع بقيمة الدين لا بمثله فيقوم الدين بالعرض ويدفعه الآن . قال : لأن حكمه حكم العرض حل أو لم يحل ، وعلى الأول فإن أخذه عن دين لم يحل أو حل وقام الشفيع وأخذ بالشفعة فإنه يستأنف له أجل قدر أجل الدين على المعتمد كما يأتي قريباً .
( أو حلول ) أي فإن كان الثمن حالاً فإنه يلزم الشفيع أن يؤديه حالاً أيضاً ، ويؤجل له ثلاثاً كما مر في فصل الآجال . ( أو تأخر ) أي تأجيل فإذا اشترى الشقص بثمن إلى سنة مثلاً فإن الشفيع يؤخر به إلى مثل السنة ، وظاهره أنه يؤخر إلى مثل السنة ولو شفع عند انقضائها وهو كذلك عند مالك ومطرف واختاره ابن حبيب وابن يونس وابن رشد واللخمي وهو المعتمد كما في ( ز ) لأن الشفيع يجب أن ينتفع بتأخير الثمن كما انتفع به المشتري ، وقال أصبغ وهو ظاهر المدونة : إذا شفع عند انقضاء الأجل فلا يستأنف له أجل ثان لأن الأجل الأول مضروب لهما معاً . قال الشيخ بناني : وبه العمل عندنا ، وفهم من قوله حال المشتري أن المشتري إذا أعطى رهناً أو حميلاً فإن الشفيع يلزمه مثل ذلك وإلاَّ فلا شفعة له ، ولو كان ملياً إلا أن يعجل الثمن وهو كذلك كما في ( خ ) وغيره . فإن اشترى بغير رهن ولا حميل فإن الشفيع لا يلزمه واحد منهما حيث كان ملياً أو تساوى مع المشتري في العدم على المختار عند اللخمي ، وإلاَّ بأن لم يتساو معه في العدم ، بل كان أشد منه عدماً فلا شفعة له إلا أن يعجل الحق أو يأتي بضامن كما قال :
وَحَيْثُمَا الشَّفِيعُ لَيْسَ بالْمَلِي
قِيلَ لَهُ سُقْ ضَامِناً أَوْ عَجِّلِ
( وحيثما الشفيع ليس بالملي قيل له سق ضامناً أو عجل ) . وإذا عجله فلا يلزم المبتاع أنيعجله للبائع ، فإن عجز الشفيع عن الضامن أو التعجيل وأبى المشتري من أخذ الشقص وقال : لا أقبله منه لأنه قد لزمه بالأخذ ، فإن الشقص يباع مع الحظ الذي وجبت به الشفعة ويعجل للمشتري ثمنه كما مر عند قوله : كمثل إحضار الشفيع للثمن الخ .
وَمَا يَنُوبُ المُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى
يَدْفَعَهُ لَهُ الشفِيعُ مُحْضَرا ( وما ينوب المشتري فيما اشترى ) من أجرة دلال حيث كانت عليه في عادة البلد وكتب عقد الشراء أو ثمن ما يكتب فيه ( يدفعه له الشفيع محضرا ) من غير تأجيل وهو منصوب على الحال وليس ضروري الذكر لأنه يغني عنه قوله : ويلزم الشفيع حال ما اشترى الخ . وهذا إذا دفع في ذلك المعتاد من الأجرة وإلاَّ فلا يلزمه ما زاد عليه ، وظاهره أنه يلزمه دفع المكس إذا كان المشتري قد أعطاه ، وهو كذلك على قول فيفهم منه ترجيحه لأن المشتري لم يتوصل للشقص إلا به ، ولأنه مدخول عليه البساطي ومما يتوقف فيه إذا دفع أكثر من المعتاد لتحصيله بأقل من ثمنه المعتاد اه .
قلت : الظاهر إن ذلك لازم للشفيع لأنه قد عاد نفع ذلك عليه ولا وجه للتوقف فيه قال : وإذا جرت العادة بأن على البائع من الغرم كذا وعلى المشتري كذا ، فدفع المشتري ما وجب على البائع من ذلك ، ثم أخذ الشفيع بالشفعة ، فالظاهر أنه لا يلزم الشفيع إلا ما يلزم إلا المشتري ، ويرجع المشتري على البائع لأنه لم يتم له البيع اه .
قلت : ومما يقع في هذا الزمان كثيراً أن المشتري يشتري بمائة مثلاً ، ويشترط على البائع أن يذهب للشركاء بوكالة منه ويخاصمهم حتى يسلموا أو يشفعوا ، فصار بعض الثمن أجرة على الخصام ، فإن شفع الشركاء كلهم فلا إشكال أنه يحط عنهم من الثمن ما ينوب أجره المثل لأنه لم يعد عليهم نفع من تلك الوكالة وإن أخذ بعض وأسقط البعض الآخر فيقال : قد انتفع الآخذ بتلك الوكالة وعاد نفعها عليه فيلزمه ما بذله المشتري من الأجرة زيادة على الثمن المعتاد ما لم يسرف والله أعلم .
فصل في القسمة
وهي كما لابن عرفة تصيير مشاع من مملوك مالكين معيناً ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض اه . فقوله : من مملوك يتعلق بمشاع ، ومن للبيان أي المشاع الذي هو مملوك لمالكين ولو حذفهما وجعل مملوكاً صفة لمشاع لكفاه ، وفي بعض النسخ فأكثر بعد قوله مالكين ، وبه يصير الحد جامعاً . وقوله : معيناً مفعول ثان لتصيير ، ومفعوله الأول هو المضاف إليه ، ولم يأت بمعين للإخراج بل للإيضاح والبيان ، لأن قيود الحدود لا يلزم أن تكون كلها للإخراج والاحتراز ، فلا يقال احترز به عما إذا صيره غير معين لأنه لا يمكن ، وقوله : ولو باختصاص الخ . ما قبل المبالغة محذوف وتقديره صيره معيناً باختصاص في الرقاب بقرعة أو تراض ، بل ولو كان التعيين باختصاص في المنافع فقط مع بقاء الأصل مشاعاً كسكنى دار أو خدمة عبد هذا شهراً وهذا شهراً اه . ولهذا كان الأولى أن يؤخر هذه المبالغة عن قوله بقرعة أو تراض ويصير الحد هكذا تصيير مشاع مملوك لمالكين فأكثر معيناً بقرعة أو تراض ، بل ولو باختصاص تصرف فيه . قال ابن عرفة : فيدخل قسم ما على مدين ولو غائباً يعني لقوله في المدونة ؛ وإن ترك ديوناً على رجال لم يجز للورثة أن يقسموا الرجال فيصيروا ذمة بذمة ، وليقسموا ما على كل واحد اه . وهو معنى قول ( خ ) : وجاز أخذ وارث عرضاً وآخر ديناً إن جاز بيعه الخ . ويخرج تعيين معتق أحد عبدين أحدهما أو تعيين مشتر أحد ثوبين أحدهما ، وتعيين مطلق عدد موصى به من أكثر منه بموت الزائد عليه قبل تعيينه بالقسمة اه . وخروج الثلاثة بقوله : مشاع الخ . إذ لا شياع في الثلاثة ، ويحتمل أن تخرج بقوله بقرعة أو تراض إذ لا قرعة في الثلاثة أيضاً . ثم هي ثلاثة أنواع : قسمة قرعة بعد تعديل وتقويم ، وقسمة مراضاة كذلك ، وقسمة مراضاة من غير تعديل ولا تقويم ، فالقسم الأول هو الذي يحكم به وهو بيع عند مالك ، وصوبه اللخمي وقيل : إنها تمييز حق وهو الأصح عند عياض وابن رشد وغيرهما ، وعليه عول ( خ ) إذ قال : وقرعة وهي تمييز حق . وأما القسم الثاني : فبيع على المشهور ، وأما الثالث : فبيع بلا خلاف وإلى هذه الأنواع أشار الناظم بقوله :
ثَلاَثٌ الْقِسْمَةُ فِي الأَصُولِ
وَغَيْرِهَا تَجُوزُ مَعْ تَفْصِيلِ( ثلاث ) خبر عن قوله ( القسمة في الأصول وغيرها ) يعني من العروض والحيوان ثم أجاب عن سؤال مقدر فكأن قائلاً قال : وما حكمها وهل هي جائزة في الأقسام الثلاثة ؟ فقال : ( تجوز مع تفصيل ) فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ثم بين هذا التفصيل فقال :
فَقِسْمَةُ القُرْعَةِ بالتَّقْوِيمِ
تَسُوغُ في تَماثُلِ المَقْسُومِ
( فقسمة القرعة بالتقويم ) لكل حظ ( تسوغ في تماثل المقسوم ) أو تقاربه غير أنه إذا تساوت أجزاء المقسوم فلا يحتاج إلى تقويم لأنه يعرف التساوي بدونه ، ويقسم حينئذ بالذراع والمساحة أو العدد ونحو ذلك . نعم ما تفاوتت أجزاؤه فلا بد فيه من التقويم فتجمع الدور على حدتها ، والأقرحة أي الفدادين على حدتها ، والأجنات على حدتها ، والبقر صغيرها وكبيرها على حدتها ، والإبل كذلك على حدتها ، والرقيق كذلك على حدته ، والحمير صغيرها وكبيرها على حدته ، والبغال كذلك . وهكذا ، ثم يجزأ المقسوم من كل نوع بالقيمة على أقلهم نصيباً ويقترعون ، وليس لهم أن يجعلوا البقر مثلاً في ناحية والعقار أو الإبل التي تعادلها في القيمة في ناحية ويقترعون ، لأن القرعة لا يجمع فيها بين جنسين ولا يفي ذلك من الغرر كما يأتي في قوله : كذاك في اختلاف الأجناس الخ . فإن كان هناك نوع لا يقبل القسمة على أقلهم نصيباً فإنه لا يضم إلى غيره في القرعة ، بل يترك حتى يتراضيا على شيء فيه أو يباع ويقسم ثمنه ويشترط في جمع الدور والأقرحة أن تتساوى رغبة ونفاقاً كما في المدونة وعطف النفاق على الرغبة من عطف التفسير كما حققه طفي ، فالمراد بالنفاق على هذا كون كل من الدور والفدادين في محل مرغوب فيه ، إما عند الشركاء والأجانب ، أو عند الشركاء فقط ، ويجمع البعل للسيح على المشهور ، فإن اختلف في النفاق كما لو كان بعضها مجاوراً للمسجد أو السوق أو نحو ذلك مما يرغب في القرب منه ، وغيره في محل آخر لا يرغب فيه لم يجمع ويقسم كل على حدته إن أمكن وإلاَّ بيع ، وقسم ثمنه إن لم يتراضيا على شيء ، ويشترط أيضاً أن تتقارب أمكنتها في المسافة كميل أو ميلين . اللخمي :فإن كانت الداران في محلة واحدة أو محلتين متقاربتين جمعتا في القرعة ، وسواء كانتا في طرف البلد أو وسطه ، وإن كانت إحداهما في طرفه والأخرى في وسطه أو في طرفيه لم يجمعا ، وإن كانتا في وسطه وتباين ما بين الموضعين كإحداهما في محلة شريفة والأخرى في محلة مرغوب عنها لم يجمعا ، وقد يستحق ذلك في البلد الصغير وإن اختلف الدور في الصفة فكان منها الجديد والقديم الرث ، وهي ذات عدد قسم الجديد على حدة والقديم الرث على حدة ، وإن كانتا دارين جديدة وقديمة جمعتا في القرعة وهي ضرورة ، وليس كالأول لأن الأول له فيه مندوحة اه . ولا تجمع أيضاً دور غير غلة للحوانيت ولا لفندق أو حمام ، وأما دور الغلة فتجمع للحوانيت كما في الشامل . وهذا معنى قول ( خ ) : وأفرد كل نوع وجمع دور وأقرحة إن تساوت قيمة ورغبة وتقاربت كالميل الخ .
تنبيه : إذا كان بعض الفدادين أو الدور طيباً فلا بأس أن يزاد لغير الطيب ضعفه ليقع التعادل ويقترعان . قال في المنتخب ، قلت : فإن كانت دور أو داران بين رجلين وهما في الموضع سواء إلا أن البنيان بعضه أطرى من بعض ، فجعل القاسم مكان البنيان الجديد ضعفه من البنيان الذي قدرتّ وبلي وعدل ذلك كله بالقيمة ، ثم ضرب عليه بالسهم أيجوز هذا ؟ قال : نعم وهذا هو وجه القسمة اه . ثم إذا طلب بعض الشركاء أن يقسم كل فدان على حدته ولا يضم إلى غيره مع وجود شروط الضم أو كل دار على حدتها مع وجود شروط الضم أيضاً وأبى غيره من ذلك وقال : لا بد من الجمع ليخرج حظه مجتمعاً في فدان أو أفدنة أو دار أو دور متحدة ، فإن القول لطالب الضم والجمع ولا مقال لمن قال : أنا لا أخرج من هذه الدار ولا من هذا الفدان ونحو ذلك . وأما الأجنات فإنه يقسم كل صنف منها على حدته أيضاً إن قبل القسمة على أقلهم نصيباً فإن لم يقبلها فإنه يضم حائط التفاح لحائط الرمان ويقسم إن أمكن فإن لم يمكن أيضاً فإنه يباع ويقسم ثمنه وهو معنى قول ( خ ) وأفرد كل صنف كتفاح إن احتمل ، فمفهومه أنه إذا لم يحتمل فإنه يضم إلى غيره ، وإن اختلفا رغبة وهو كذلك إذ الشروط المتقدمة في العقار والرباع لا تشترط في أصناف الثمار كما للأجهوري ، ويفهم من هذا أن الحائط الذي فيه شجر مختلفة مختلطة يقسم ما فيه بالقرعة بالأحرى ، ولا يلتفت إلى ما يصير في حظ أحدهم من الألوان للضرورة ، ثم ما تقدم من أنه لا يجمع فيها بين نوعين ولا بين متباعدين في النفاق والمسافة ، وإن رضوا هو المشهور لما في ذلك من الغرر والخطر . وروى ابن عبدوس عن أشهب أنه يجوز الجمع برضاهم ولو مع اختلال الشروط ، فمن أخذ به لا يعنف عليه ، وأما البز فكأنه صنف واحد أطلقه في الكتاب على كل ما يلبس صوفاً كان أو خزاً أو كتاناً أو قطناً أو حريراً ، ولو كان بعضه مخيطاً فيقوم كل صنف على حدته وتجمع فيه القرعة ما لم يحمل كل نوع القسم بانفراده ، وإلاَّ فلا يجمع على المعتمد ( خ ) : وجمع بز ولو كصوف وحرير الخ .
وَمَنْ أَبَى الْقَسْمَ بِهَا فَيُجْبَرُ
وَجَمْعُ حَظَّيْنِ بِهَا مُسْتَنْكَرُ
( ومن أبى القسم بها ) أي بالقرعة مع وجود شروطها ( فيجبر ) لمن دعا إليها ويحكم عليهبها ( خ ) : وأجبر لها كل إن انتفع كل الخ . وبهذا خالفت القرعة قسمة المراضاة فإن المراضاة كانت مع تعديل وتقويم أم لا . لها حكم البيع في العيب والاستحقاق والقيام بالغبن وعدم الجبر ونحو ذلك . وأما القرعة فتخالفها في الجبر المذكور وفي أنها لا تصح إلا فيما تجانس أو تماثل كما مرّ . وفي القيام بالغبن فيها ( خ ) : ونظر في دعوى جور أو غلط وحلف المنكر ، فإن تفاحش أو ثبت نقضت كالمراضاة إن أدخلا مقوماً الخ . وفي أنها لا يجمع فيها بين حظين كما قال : ( وجمع حظين بها مستنكر ) أي ممنوع وظاهره اتفقت الأنصباء أو اختلفت كانت الورثة ذوي فرض فقط كأم وزوجة وأخوة لأم وأخوات لأب أو ذوي فرض وعصبة أو موصى لهم أو عصبة فقط أو عصبة وموصٍ لهم ، وهو كذلك على قول مالك في المدونة : ولا يجمع حظ رجلين بالقسم وإن أراد ذلك الباقون إلا في مثل هذا أي العصبة مع أهل السهم . عياض : تأوله ابن القاسم على أنه لا يجمع سهم اثنين اتفقا أو اختلفا رضيا أو كرها جمعهم سهم أو فرقهم إلا العصبة إذا رضوا بذلك قالوا : وتأويل ابن القاسم هذا خلاف قول مالك وغير مراده ، وإنما معنى قول مالك : إذا استوت الأنصباء كثلاثة لكل واحد الثلث ، وأما إن اختلفت فكان لقوم الثلث ولآخرين السدس ولآخرين النصف ، فإنه يجمع كل واحد منهم في القرعة وإن كرهوا ذلك كله ، فإذا خرج نصيب كل فريق قسم على رؤوسهم إن أحبوا قالوا : وهذا قول جميع أصحابنا اه . كلام عياض .
والحاصل أن في أهل السهم الواحد قولين : أحدهما لابن القاسم أنهم لا يجمعون وإن رضوا إلا العصبة إذا كانوا مع زوجة فإنهم يجمعون أولاً برضاهم حتى تخرج الزوجة أو نحوها من ذوي الفروض ، ثم يقسمون بينهم . ابن ناجي : ما ذكره في المدونة من أنه لا يجمع حظ اثنين وإن أراد ذلك الباقون هو المشهور الخ . ابن يونس : وإنما لم يجز سهم رجلين في القسم لأن القسم بالقرعة غرر ، وإنما جوز للضرورة إذ كل واحد يحتاج إلى تمييز حظه ولا ضرورة في جمع رجلين فأكثر نصيبهم فمنع منه لاتساع الغرر وخروج الرخصة عن موضعها اه . ونحوه لعبد الحق . وهذا التعليل يدل على أن جمع حظ اثنين لا يجوز ولو رضي العصبة مع نحو كالزوجة فتأمله . ثانيهما : أنهم يجمعون وإن أبوا وهو قول جميع الأصحاب ، وحكى عليه ابن رشدالاتفاق فإن قال : أما أهل السهم الواحد كالزوجات والبنات والأخوات والجدات والموصى لهم بالثلث ، فلا خلاف أحفظه أنه يجمع حظهم في القسمة شاؤوا أو أبوا لأنهم بمنزلة الواحد اه . ونحوه اللخمي . وبحث ابن ناجي وابن عرفة في الاتفاق المذكور بما نقله عياض من الخلاف المتقدم ، فتحصل أن كلاًّ من القولين شهر إذ ما حكى عليه ابن رشد الاتفاق لا أقل أن يكون مشهوراً ، وإن جمع العصبة مع كالزوجة معتبر فيه رضاهم بخلاف جمع أهل السهم كالزوجات ، فإنه لا يعتبر فيه رضاهن على الثاني وكان حق الناظم حيث درج على الأول أن يستثني الزوجة مع العصبة ، وقد جمع ( خ ) بين القولين على ما قرره به ( ز ) فأشار إلى الأول بقوله : ولا يجمع بين عاصبين إلا برضاهم مع كزوجة ، وإلى الثاني بقوله : كذي سهم أو ورثة والتشبيه في مطلق الجمع لا بقيد الرضا . قال ( ز ) : وانظر ما وجه الجمع برضاهم حيث كان معهم صاحب فرض وعدمه حيث لم يكن معهم ذو فرض ، والتعليل بأنه يقل الغرر مع وجود ذي الفرض ويكثر مع فقده لا ينهض اه .
قلت : لا يظهر لمنع الجمع برضاهم وجه لأن العاصبين أو الشريكين إذا رضيا أن يخرجا بالقرعة في محل واحد ، ثم يقسمان أو يستمران على الشركة فلا مقال لغيرهما من العصبة لأن الحق في ذلك لهما ، ولا سيما حيث كان نصيب اللذين رضيا بالجمع لا يقبل القسمة كثلاثة رجال مثلاً لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس ، وكان المقسوم لا يقبل القسمة على ستة ويقبلها مناصفة فرضي صاحب السدس والثلث أن يخرجا بالنصف لأحدهما ثلثاه وللآخر ثلثه ليقل ضرر الشركة أو يخف فهذا لا وجه لمنعه كما لا وجه لمنع الجمع حيث رضيا بجمع نصيبهما في الفرض المذكور مع كون المقسوم يقبل القسمة على ستة . وقد أشارت تبعاً لغيره إلى جواز الجمع مع الرضا مطلقاً . واعتراض الشيخ الرهوني عليه بما تقدم من الغرر لا ينهض لأن الغرر المذكور حاصل حتى مع عدم الجمع ، وحاصل في جمع العصبة مع ذي فرض ، ولا تخلو القسمة بالقرعة عن غرر إذ لا يدري في أي محل يخرج سهمه ، والتعليل بالغرر مبني على أنها بيع ، والمشهور أنها تمييز حق والقسمة إنما شرعت لرفع الضرر أو تخفيفه ، ولا إشكال في رفعه أو تخفيفه بما ذكر ، ولا سيما حيث كان المقسوم لا يقبل القسمة ، إلا مع الجمع المذكور ، إذ قسمته مع الجمع أولى من تفويته عليهما بالبيع ، وأيضاً إذا كان لصاحب السدس والثلث أن يرجعا إلى الشركة بعد القسمة على أقلهم نصيباً فلا يمنعان من بقائهما على الشركة ابتداء والله أعلم . وإنما قلنا التعليل بالغرر مبني على أنها بيع لقول اللخمي : الأصل منع القسم بالقرعة لتضمنها بيع الإنسان ملكه بغير رضاه ، والغرر فيما يصير له ، وإنما استخف ذلك لعظم الضرر في خروج الملك من يده إن لم يمكثا من القسمة اه . .
تنبيه : قول ( خ ) أو ورثة الخ . مثاله : شريكان مات أحدهما عن ورثة فإن الورثة يجمعون في القسم أولاً جبراً فيقسم الملك نصفين نصفه للشريك ونصفه للورثة ، ثم يقسم الورثة ثانياً فيما بينهم . هكذا في ابن الحاجب وضيح وابن سلمون وغيرهم ، وبه تعلم ما في المعيار عن ابن العواد في رجلين كانت بينهما قرية مشاعة نصفين فمات أحدهما عن ورثة فقال شريكهم : تقسم مناصفة ثم اقسموا نصفكم . وقال الآخرون : بل تقسم على أقل الانصباء . فأجاب هو وابن رشدوأصبغ وابن عمر : لا تكون القسمة إذا تشاح الورثة إلا على أقل الانصباء بالقرعة على ما مضى به العمل في القرعة اه .
كَذَاكَ في اخْتِلاَفٍ الأَجْنَاسِ وَفِي
مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ المَنْعُ اقْتُفي
( كذاك في اختلاف الأجناس ) أي كما منع جمع حظين في القرعة كذلك يمنع فيها جمع الأجناس المختلفة أو الأصناف المختلفة ، فلا تجمع الخيل مع البغال أو الرقيق مع العقار كما مرّ في مفهوم قوله : يسوغ في تماثل المقسوم ( وفي مكيل ) كالقمح ( أو موزون ) كاللحم والسمن ( المنع ) مبتدأ ( اقتفي ) خبره والمجرور يتعلق به ، وظاهره أنها تمنع في المكيل والموزون ، سواء قسموا بالكيل والوزن أو بالتحري ، وفي كل خلاف ووجه المنع في الأول أنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن القرعة فلا معنى لدخولها فيه . ابن عرفة عن ابن رشد والباجي : لا تجوز القرعة في شيء مما يكال أو يوزن ، وعزاه ابن زرقون لسحنون قال : وكذا عندي ما قسم بالتحري لأن ما يتساوى في الجنس والجودة والقدر لا يحتاج إلى سهم كالدنانير والدراهم اه . ونقله طفي وقال عقبه : نعلم أن المثلى إذا قسم بالكيل أو الوزن لا تدخل القرعة فيه ، وزاد ابن زرقون : إذا قسم تحرياً على القول بجوازه اه . أي : على القول بجواز قسم المكيل والموزون بالتحري ، وعلى ما لابن رشد والباجي اقتصر صاحب المعين والناظم وهو خلاف ما للخمي من جواز القرعة فيما قسم بالوزن ونحوه لأبي الحسن قائلاً : يقوم من قولها يقسم الحلى بالوزن الخ . جواز القرعة في الوزيعة إذا استوت في الوزن والقيمة ، وكذلك في جميع المدخرات اه . ونقله الشيخ بناني قال : وأما عدم دخولها فيما يقسم بالتحري كما قال ابن زرقون فهو خلاف ما قاله الباجي في قسمة الثمار في رؤوس النخل بالتحري أنها لا تجوز إلا بالقرعة ، واستظهره سيدي عيسى بن علال ، ومسألة الوزيعة تجري عليه ، وذكر عن العبدوسي أنها إن قسمت الوزيعة وزناً فإن شاؤوا اقترعوا أو تركوا على ما للخمي ، وإن قسمت تحرياً فهو موضع القرعة اه .
تنبيه : قال ابن سلمون عن ابن حبيب : أجاز مالك رحمه الله فيما لا يكال من الطعام الذي لا يجوز التفاضل فيه ، وإنما يباع وزناً كاللحم والخبز وفيما لا يباع وزناً ولا كيلاً كالبيض أن يقسم بالتحري ، وذلك فيما قل لأن التحري يحيط به ، فإذا كثر لم يجز اقتسامه بالتحري اه .
قلت : وإذا قسم بالتحري فهل تجب القرعة فيه أو تمنع ؟ يجري فيه ما تقدم عن الباجي وابن زرقون ، وانظر قسمة الوزيعة بالتحري وما فيها عند قول ناظم العمل : وهكذا وزيعة في اللحم الخ .وَلاَ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ شَيْئاً وَلاَ
يُزَادُ في حَظَ لِكَيْ يُعَدَّلاَ
( ولا يزيد بعضهم ) أي لا تجوز القرعة على أن يزيد أحدهما للآخر ( شيئاً ) من الدراهم مثلاً . فإذا كانت قيمة إحدى الدارين مائة وقيمة الأخرى خمسين فلا يجوز أن يقترعا على أن من صارت له ذات الخمسين زاده الآخر خمسة وعشرين ، إذ كل منهما لا يدري هل يرجع أو يرجع عليه . وظاهر النظم أنه لا يجوز ذلك ، ولو قلت الزيادة كنصف العشر وهو كذلك على المشهور كما في القلشاني . ابن ناجي : وعليه العمل . وقال اللخمي : إن كانت قيمة أحدهما مائة والأخرى تسعين لا بأس أن يقترعا على أن من صارت له ذات المائة أعطى صاحبه خمسة لأن هذا مما لا بد منه اه . وصوبه القلشاني واستحسنه ورد اعتراض ابن عرفة عليه وعلى ما للخمي درج ( خ ) إذ قال عاطفاً على المنع أو فيه تراجع إلا أن يقل اه . وانتصر له ابن رحال وغيره والله أعلم . ( و ) كذا ( لا يزاد ) أيضاً من التركة شيء مخالف لجنس المقسوم ( في حظ لكي يعدلا ) أي الحظان معاً ويصيرا في القسمة ، سواء كما لو كانت أحد الدارين بمائة والأخرى بثمانين فيزاد لذات الثمانين عشرون درهماً أو ثوب أو عبد من التركة قيمته عشرون ويقترعان ، فالمزيد في الأول من غير التركة وفي هذه منها . ابن سلمون : ولا يجوز أن تصير الشجرة الواحدة من إحدى السهام في سهم الآخر ولا يزيد دراهم أو دنانير في هذه القسمة بوجه ولا غيرهما من الثياب والحيوان .
وَبَيْنَ أَهْلٍ الْحَجْرِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ
قَسْمٌ بِهَا وَمُدَّعِي الغَبْنَ سُمِعْ
( وبين أهل الحجر ) من صبي أو سفيه أو غيرهما . ( ليس يمتنع ) للوصي والقاضي ومقدمه ( قسم بها ) أي بالقرعة ، بل يجوز ويقضي بها عليه بعد ثبوت ملكيتها للموروث وحيازتها على ما يأتي قريباً ( ومدعي الغبن ) فيها ( سمع ) منه ما يدعيه ويكلف بإثباته ، فإذا أثبته وكان قد قام بالقرب وحده ابن سهل : بسنة نقضت القسمة وإن لم يثبته أو قام بعد العام حلف المنكر ( خ ) ونظر في دعوى جور أو غلط وحلف المنكر ، فإن تفاحش أو ثبت نقضت وأعيدت أي : ما لم يفت المقسوم ببناء أو هدم أو حوالة سوق في غير العقار إلاَّ وجبت في ذلك القمية يقتسمونها ، فإن فات البعض اقتسموا ما لم يفت مع قيمة ما فات . قاله في المتيطية . ابن عرفة : وفوته ببيع لغو ما لم يفت ببناء مبتاعه ، فإن فات به رجع ذو النقص على بائعه فإن وجد عديماً رجع على مبتاعه والجور ما كان عن عمد والغلط بخلافه . أبو الحسن : والثبوت يكون بالبينة من أهلالمعرفة يقولون في هذه القسمة تغابن وإن لم يبلغ الثلث على ظاهرها اه . بل ولو كان يسيراً . وعزاه عياض للمدونة وأشهب وابن حبيب ، وقيل : يعفى عن اليسير كالدينار في العدد الكثير وهو لابن أبي زيد والتفاحش ما ظهر حتى لغير أهل المعرفة . قال ( ز ) : وينبغي أن لا تنقض القسمة فيه ولو قام بالقرب حيث سكت مدة تدل على الرضا ، فإن لم يسكت ما يدل على رضاه حلف لاحتمال اطلاعه عليه ورضاه به ، فيحلف أنه ما اطلع عليه ولا رضيه الخ . الباجي : إذا شهدت البينة بالغبن ولم تفسر أو شهدوا به مجملاً فشهادتهم تامة إذا كانوا من أهل المعرفة والبصر لأنها صناعتهم اه . وإنما تمت شهادتهم ولو لم يفسروها لأن الغبن هنا لا يشترط فيه بلوغ الثلث كما مر ، لأن كل واحد منهم دخل على قيمة مقدرة وكيل معلوم ، فإذا وجد نقصاً فله نقض القسمة بخلاف الغبن في البيع فلا بد من بلوغه الثلث كما مرّ في فصله ، ولا بد من استفسار شهوده إذا أجملوا .
وَهذِهِ القِسْمَةُ حَيْثُ تُسْتَحَقْ
يَظْهَرُ فيها أنَّها تمييزُ حَقْ
( وهذه القسمة ) يعني قسمة القرعة ( حيث تستحق ) وتجب شرعاً بطلب بعض الشركاء لها ( يظهر فيها ) عند ابن رشد وعياض وغيرهما ( أنها تمييز حق ) لا بيع ، ولذا يجبر عليها من أباها أن تماثل المقسوم وتجانس كما مرّ وانتفع كل من الآبي والطالب انتفاعاً مجانساً للانتفاع الأول في سكناه ومدخله ومخرجه ، فإن لم ينتفع كل فلا جبر . ابن رشد : الذي به العمل عندنا أن الدار لا تقسم حتى يكون لكل واحد من الساحة والبيوت ما ينتفع به ويستتر فيه عن صاحبه ، فإن لم تحمل الساحة القسمة واحتملت البيوت قسمت البيوت وأقرت الساحة بينهم يرتفقون بها كالفناء إلى أن يتفقوا على قسمتها اه . وروي عن مالك أن قسمة القرعة بيع ، وصوبه اللخمي وينبني على الخلاف لو ورث ثلاثة أخوة ثلاثة أعبد فاقتسموهم لكل واحد عبد فمات عبد أحدهم واستحق عبد الآخر ، فعلى أنها تمييز حق لا يرجع المستحق من يده على من مات عبده بشيء ، وإنما يرجع على الذي بقي عنده العبد فيكون له ثلثه ولمن بيده العبد ثلثاه ، وعلى أنها بيع يرجع المستحق من يده على الذي مات عبده بثلث قيمته وينبني عليه أيضاً قسم الورثة أضحية موروثهم ، وقسم الثمر في رؤوس الشجر فعلى أنها تمييز لا جائحة وعلى أنها بيع فيه الجائحة إلى غير ذلك . ولما فرغ من الكلام على قسمة القرعة شرع في الكلام على قسمة المراضاة وهي نوعان أشار لأولهما بقوله :
وَقِسْمَةُ الوِفاق والتَّسْلِيمِ
لَكِنْ مَعَ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ
( وقسمة الوفاق والتسليم ) أي توافق الشركاء عليها وسلم كل منهم لصاحبه ما أخذه من غير قرعة ( لكن مع التعديل ) لأجزاء المقسوم ( والتقويم ) المحصل لذلك التعديل إذ لا يحصلالتعديل إلا به ، وظاهره سواء أدخلوا مقوماً يقوم لهم أو قوموا لأنفسهم وهو كذلك فقوله : قسمة مبتدأ خبره .
جَمْعٌ لِحظَيْنِ بِهَا لا يُتَّقَى
وتَشْمَلُ المَقْسُومَ كُلاًّ مُطْلَقا
( جمع لحظين بها لا يتقى ) أي لا يمنع لأنه برضاهما ( وتشمل المقسوم كلاً مطلقا ) اتفق الجنس أو اختلف ، فيجوز أن يتراضيا على أن يأخذ هذا عبداً قيمته عشرة ، وهذا ثوباً قيمته كذلك أو فرساً ، وكذا إن أخذ هذا قمحاً والآخر قطنية مماثلة له في القيمة فإن اتحد جنس الطعام المقسوم فلا بد من المماثلة كيلاً أو وزناً وإلا امتنع كما قال :
في غَيْرٍ ما مِنَ الطَّعامِ الْمُمْتَنِعْ
فِيهِ تَفَاضُلٌ وَفِيهِ تَمْتَنِعْ
( في غير ما ) هو ( من الطعام الممتنع فيه تفاضل ) وهو الجنس الواحد المقتات المدخر كوسق من شعير قوم بستة ونصف وسق من قمح قوم بستة أيضاً ، وتوافقا على أن يأخذ أحدهما القمح والآخر الشعير . ( ففيه تمتنع ) القسمة للتفاضل بين الطعامين لأن قسمة المراضاة بيع فيمتنع فيها ما يمتنع فيه ، وكذا النساء فلا يجوز أن يأخذ أحدهما وسقاً من قمح الآن ليأخذ الآخر مثله من جنسه أو من غير جنسه غداً ، فإن كان غير مقتات أو غير مدخر جاز التفاضل وامتنع النساء ، وظاهر النظم أن التفاضل ممتنع فيما اتحد جنسه ولو تمحض الفضل البين لأحد الجانبين ، والذي في ( خ ) جوازه مع تبين الفضل إذ قال عاطفاً على الجائز : وفي قفيز أخذ أحدهما ثلثيه والآخر ثلثه إلى أن قال : وفي كثلاثين قفيزاً وثلاثين درهماً أخذ أحدهما عشرة دراهم وعشرين قفيزاً . يعني : ويأخذ الآخر ما بقي ، وإنما جاز ذلك لأن أحدهما ترك للآخر فضلاً وهو محض معروف في المسألتين ، وليس ذلك في الثانية من بيع طعام ودراهم بمثلهما ، بل كأنهما قسما الدراهم وحدها على التفاوت والمكيل وحده كذلك ، فترجع الثانية للأولى ، وظاهره أن ذلك جائز ولو بالتراخي . وقد صرح بذلك اللخمي قال : لأن ذلك معروف فهو كمن أخذ مائة دينار قرضاً ليردها بعد سنة وليس ذلك على وجه المبايعة حتى يمنع التراخي ، ونقله أبو الحسن وغيره مسلماً ، وعليه فيجوز ما يقع اليوم بين المتزارعين أن يحمل أحدهما ما تصفى من الزرع لمنزله حتى ليوم آخر يحمل شريكه ما تصفى بعد ذلك إلى داره ، وسيأتي في الكتابة أيضاً أن لأحد الشريكين فيها أن يأخذ النجم الأول بإذن شريكه حتى يأخذ الشريك النجم الآخر . قال ( ق ) : وكذا في قسم الزيتون ونحوه حباً يأخذ أحدهما زيادة عن صاحبه ، ثم يعاوضه في اليوم الذي بعده ، وكذا الحراثون يزرع أحدهما يوماً أو يومين ويزرع الآخر مثل ذلك بعده والله أعلم .تنبيه : ولا يجوز قسم اللبن في ضروع ولو بالمراضاة فلا يجوز للوارثين مثلاً أن يحلب أحدهما بقرة والآخر بقرة أو شاة لأنه مخاطرة وقمار وبيع لبن بلبن من غير كيل إلا لفضل بين ، فيجوز قسمه حينئذ بالتراضي كما مر في القفيز ، وفيه الجواز في المدونة مع الفضل البين بكونه على وجه المعروف ، وكونه إذا هلك ما بيده من الغنم رجع فيما بيد صاحبه قال فيها : لأن أحدهما ترك للآخر حينئذ فضلاً بغير معنى القسم اه . قال أبو الحسن : يظهر من هذا التعليل أنه حيث كان يترك أحدهما للآخر فضلاً بغير معنى القسم أن ذلك لا يمتنع في جميع ما يحرم فيه التفاضل ، وهذا تنبيه على العلة كقوله تعالى : فإنه رجس أو فسقاً } ( الأنعام : 145 ) وذكر الفقيه راشد عن شيخه أبي محمد صالح أنه قال : الأدلة التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر : نص الكتاب وظاهر الكتاب وهو العموم ، ودليل الكتاب وهو مفهوم المخالفة ، ومفهوم الكتاب وهو باب آخر ، وتنبيه الكتاب وهو التنبيه على العلة كقوله تعالى : فإنه رجس أو فسقاً } . ومن السنة أيضاً مثل هذه الخمسة ، فهذه عشرة . والحادي عشر الإجماع ، والثاني عشر والثالث عشر عمل أهل المدينة ، والرابع عشر قول الصحابي ، والخامس عشر الاستحسان ، والسادس عشر الحكم بسد الذرائع . واختلف قوله في السابع عشر وهو مراعاة الخلاف فمرة يراعيه ومرة لا يراعيه . أبو الحسن : ومن ذلك الاستصحاب اه .
وَأُعْمِلَتْ حتَّى عَلَى المَحْجُورِ
حَيْثُ بدا السَّدَادُ في المَشْهُورِ
( وأعملت ) هي أي قسمة الوفاق والمراضاة ولو في الأجناس المختلفة والأصناف المتباينة والبعيدة بعضها من بعض على الناس كلهم ( حتى على المحجور ) منهم كصبي وسفيه ومجنون ومفلس ( حيث بدا ) ظهر ( السداد ) أي وثبت بالبينة ( في المشهور ) المعمول به خلافاً لابن الهندي في قوله : بعدم جواز القسم بها على المحجور ونحوه في العتبية . قال الباجي : وإجازته في المدونة شراء الوصي لبعض ما يليه من بعض . يرد قول ابن الهندي اه . ومحل جوازها على المحجور إذا لم تكن بينه وبين حاجره وإلاَّ فلا يجوز ، ولو ظهر السداد على الراجح المعمول به من أنه لا بد من الرفع للإمام فيقدم من يقسم بينه وبين محاجره ، فإن لم يرفع للإمام فسخت لأنه باع مال محجوره من نفسه ، وانظر ما يأتي عند قول الناظم : فإن يكن مشاركاً لمن حجر الخ . نعم إذا كان مع الحاجر والأيتام شريك أجنبي ، فإنه يجوز له أن يقاسم الأجنبي ويترك نصيبه ونصيب الأيتام على الإشاعة معهم كما يأتي للناظم أيضاً : فإذا أراد أن يقاسمهم رفع إلى السلطان كما مر .
تنبيه : إذا رفع الوصي أو الورثة الأمر إلى الإمام ليقسم بينهم فإنه لا يقسم بينهم حتى يثبتوا أصل الملك للموروث واستمراره وحيازته والموت والإراثة كما لابن فرحون وغيره وذكر في المعيار عن الإمام السنوسي أن العمل عليه ، ويؤيده كما في الارتفاق لابن رحال ما قالوه منإن القاضي لا يمكن المرتهن من بيع الرهن حتى يثبت ملكيته للراهن ، وأنه لا يمكن الغرماء من بيع مال المفلس حتى يثبتوا ملكيته له ، وأنه لا يبيع دار الغائب لنفقة زوجته حتى تثبت ملكيتها له كما قال ( خ ) وبيعت داره بعد ثبوت ملكه الخ . وقال في الحجر أيضاً : وباع بثبوت يتمه وملكه لما بيع الخ . والقسمة بالمراضاة بيع فهذا كله يشهد لصحة العمل الذي في المعيار ، ولكن قال ابن عبد البر كما في المتيطية : إن قسم القاضي بينهم دون أن يثبتوا أصل الملك ، فليذكر في كتاب القسمة أن ذلك إنما كان بإقرارهم اه . واقتصر عليه ( ق ) آخر باب القسمة فدل ذلك على أن ثبوت ملكية الموروث شرط كمال فقط ، ويؤيده ما مر عن الشامل وابن عبد السلام في فصل البيع على الغائب ، إذ الأصل فيمن باع شيئاً أنه له وأنه يملكه ، وكونه تعدى عليه وكونه لغيره خلاف الأصل فقسمة القاضي بين الورثة أو بيعه على الغائب ونحوه دون ثبوت أصل الملك نافذ حتى يثبت أن الملك لغير الغائب والموروث ، ولا ينقض البيع والقسم بمجرد احتمال كون المقسوم والمبيع للغير لأنه احتمال ضعيف كما هو ظاهر والله أعلم .
وما مَزيدُ العَيْنِ بالمَحْظُورِ
ولا سِواهُ هَبْهُ بالتَّأَخِيرِ
( وما ) نافية ( مزيد ) أي زيادة ( العين بالمحظور ) أي الممنوع ( ولا ) زيادة ( سواه ) أي العين كالعرض ( هبة ) أي ذلك المزيد ( بالتأخير ) كدار بمائة وعبد بمائتين فتراضيا على أن يأخذ أحدهما العبد ويزيد للآخر خمسين أو ثوباً نقداً أو إلى أجل .
وَمَنْ أبى القَسْمَ بِهَا لا يُجْبَرُ
وقائِمٌ بالْغَبْنِ فيها يُعْذَرُ
( ومن أبى القسم بها لا يجبر ) لأنها بيع على المشهور ولا يجبر أحد على بيع شيئه ( وقائم بالغبن فيها يعذر ) ويسمع قوله لأنهما لما دخلا على قيمة مقدرة سمعت دعواه الغبن ، فإن أثبته عمل بمقتضاه وإلا حلف المنكر كما تقدم في القرعة ، وظاهره أن الغبن هنا ما نقص عن القيمة نقصاً بيناً ولو لم يبلغ الثلث ، وهو كذلك كما مر في القرعة لأن القائم لم يتسبب في الغبن ، بل المتسبب فيه هو المقوم الأجنبي أو كل الشركاء إن قوموا لأنفسهم ، فلذا كان يقوم به ولو لم يبلغ الثلث ، وهذا إذا قام بالقرب فإن طال كالسنة فلا قيام له كما يأتي له في قوله : والغبن من يقوم فيه بعد الخ . ثم أشار إلى النوع الثاني من نوعي المراضاة فقال :
وقِسْمَةُ الرِّضا والاتِّفاقِ
مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ عَلَى الإطْلاَقِ
( وقسمة الرضا والاتفاق من غير تعديل ) ولا تقويم ( على الإطلاق .كَقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّراضِي
فِيما عَدَا الغَبْنَ مِنَ الأَغْرَاضِ
كقسمة التعديل والتراضي ) فقوله : وقسمة الرضا مبتدأ وكقسمة التعديل خبره ، وعلى الإطلاق حال من الضمير المستقر في الخبر ، ومعناه أن قسمة الرضا من غير تعديل ولا تقويم كائنة كقسمة الرضا بتعديل وتقويم على الإطلاق أي في جميع أحكامها ، فتجوز في الجنس الواحد والمختلف والمكيل والموزون ، ويجمع فيها بين حظين ويحرم التفاضل في المقتات المدخر من طعامها على التفصيل المتقدم ، ولا يمنع فيها زيادة العين أو غيرها إلا أنه لا قيام فيها بالغبن كما قال : ( فيما عدا الغبن من الأغراض ) بالغين المعجمة أي فإنه لا قيام به فيها لأنه لم يأخذ ما خرج به على قيمة مقدرة ولا على ذراع معلوم ، ولا على أنه مماثل لما خرج عنه فهي كبيع المساومة باتفاق وهو لا قيام فيه بالغبن ولو بلغ الثلث على المشهور ، وأما على ما مر للناظم في فصل الغبن فيقام به فيها لأن الحكم عليها بأنها كالبيع يوجب لها حكمه وقد تقدم أنه يقام فيه بالغبن بالشروط المتقدمة على المعمول به ، وإن كان خلاف المشهور فكان على الناظم حيث درج فيما تقدم على أن البيع يقام فيه بالغبن أن لا يستثنيه ههنا ، وقد يقال : إنما استثنى غبن القسمة وهو النقص عن القيمة نقصاً بيناً أي : فالنقص عن القيمة الذي لم يبلغ الثلث لا يقام به في هذا النوع ، بخلاف النوعين قبله ، فإنه يقام به فيهما ، وأما ما بلغ الثلث فإنه يقام به في هذه وفيما قبلها ، وهذا هو الذي يجب حمل الناظم عليه والله أعلم . ومحل عدم قيامه به في هذه مع نقصه عن الثلث إذا لم يكن العاقد للقسمة وكيلاً وإلاَّ فللموكل القيام به إذا ثبت كما لابن زرب وغيره ، وهو الموافق لقول ( خ ) في الوكالة : وتعين نقد البلد وثمن المثل والأخير الخ . وذلك لأن النائب عن غيره لا يمضي من فعله إلا ما هو سداد ومصلحة .
وَمُدْعٍ غَبْناً بها أَوْ غَلَطَا
مُكَلَّفٌ إنْ رَامَ نَقْضاً شَططا
( و ) إذا لم يكن له القيام بالغبن ف ( مدع غبناً بها ) أي بقسمة المراضاة بلا تعديل ( أو ) مدع ( غلطا ) وهو ما صدر من غير قصد ( مكلف ) بكسر اللام المشددة خبر عن قوله مدع ( إن رام ) أي قصد ( نقضاً ) للقسمة ( شططا ) مفعول ثان بمكلف ، والمفعول الأول محذوف ، والتقدير مكلف الحاكم شططاً أي ظلماً وجوراً إن رام نقضها لكون دعوى الغلط والغبن فيها لا تسمع ، وهذا البيت تصريح بمفهوم قوله : فيما عدا الغبن .
وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ مُطْلَقاً عَلَى
مَحْجُورِهِ مَعْ غَيْرِهِ لَنْ تُحْظَلاَ
( وقسمة الوصي ) مبتدأ ( مطلقاً ) حال من الضمير في تحظلا ( على محجور مع غيره ) متعلقانبقسمة ، والضمير المجرور بغير راجع للوصي ( لن تحظلا ) خبر عن المبتدأ ، والمعنى أن المحجور إذا كان مشاركاً لغير حاجره فإن قسمة حاجره عليه لا تحظل ولا تمنع مطلقاً كانت بالقرعة أو بالمراضاة بنوعيها ، لكن مع ظهور السداد ومصادفة الصواب لأن الوصي حينئذ نائب عن محجوره لا يمضي من فعله إلا ما كان سداداً كما مر ( خ ) وقسم عن صغير أب أو وصي وملتقط كقاض عن غائب الخ . وإنما عبر بالإطلاق الشامل لأنواع القسمة الثلاثة مع تقديم حكم القسمة عليه بالقرعة ، أو بالمراضاة مع تعديل لأجل قوله :
فَإنْ يَكُنْ مُشَارِكَاً لِمَنْ حَجَرْ
فِي قِسْمَةٍ فَمَنْعُهُ مِنْهَا اشْتَهَرْ
( فإن يكن ) الوصي أو الأب ( مشاركاً لمن حجر ) سواء شاركهما أجنبي أيضاً أم لا . ( في قسمة ) أي في مقسوم من إطلاق المصدر وإرادة المفعول أي كان مشاركاً له في الشيء المقسوم فقاسم عن نفسه ومحجوره من غير رفع للحاكم ، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي في ذي قسمة ( فمنعه ) أي الوصي ( منها ) أي من القسمة مع محجوره بأنواعها الثلاثة كما هو ظاهره ( اشتهر ) لأنه من بيع الوصي مال محجوره من نفسه ، وهو لا يجوز وإن وافق السداد ( خ ) : في باب الوكالة عاطفاً على الممنوع وبيعه من نفسه ومحجوره الخ . وقيل : يجوز إن ظهر السداد ولم يجاب ، والخلاف مبني على أن المخاطب هل يدخل تحت الخطاب أم لا ؟ التوضيح . والظاهر وإن قلنا إنه يدخل فلا يمضي للتهمة ولا يقال تبين انتفاؤها بالبيع بالقيمة فأكثر لأنا نقول : يحتمل أنه اشتراها بذلك لما رأى أن من الناس من يرغب في شرائها بأكثر اه . وعلى هذا عول في الشامل في باب الوكالة وأنه إذا باع من نفسه فلموكله ومحجوره الخيار ، وهو الموافق للعمل الذي يأتي عن المتيطية في البيتين بعده ، ولما تقدم في فصل مسائل من أحكام البيع من أن بيع الأب مال ولده من نفسه محمول على غير السداد ، وإذا كان هذا في الأب فأحرى في الوصي ، وعلى القول الثاني وهو الجواز إن لم يجاب عول ( خ ) في باب الوصية حيث قال : ولا اشتراه من التركة وإلاَّ تعقب بالنظر فيمضي الأصلح لليتيم ويرد غيره ونحوه للقرطبي في تفسيره وابن العربي في أحكامه قالا : مشهور مذهب مالك الجواز إن لم يحاب ، وعليه اقتصر آخر الكراس الأول من أنكحة المعيار ، وبه أفتى المجاصي لما سئل عن وصي قاسمت عن نفسها ومحجورها مع اشتراكوأخرجت للمحجور نصيبه على حدة ولها نصيبها على حدة ، ثم قام المحجور بعد تفويت بعض الاشتراك نصيبه بالبيع فقال الوصي : لا يقاسم محجوره ، فإن وقع ونزل تعقب بالنظر ، فإن كان سداداً مضى وإلاَّ نقض قاله ابن ناجي في شرح المدونة ، فإن فات بيد المشتري رجع عليه بتمام القيمة أو على البائع وإن تعذر الرجوع على من ذكر كان الرجوع على الوصي العالم لتفريطه قاله أبو إبراهيم الأعرج ، وكذلك إن طالت عمارة المشتري فلا يتعرض له قاله الأستاذ ابن لب ، ومثله لابن سهل قال : ومنه استيلاد الأمة ، وهذا حكم البيع ومثله قسمة المراضاة بوجهيها لأنها بيع من البيوع اه . وفي البرزلي عن ابن أبي زيد في الأب يريد أن يقاسم ولده الصغير قال : ينبغي له الرفع إلى القاضي ليجعل له من يلي القسم مع الأب ، فإن قاسم لنفسه مضى إلا أن تظهر محاباة بينة فللولد القيام إن بلغ اه . ثم استثنى من عموم قوله : مشاركاً لمن حجر لأنه شامل لثلاث صور : لما إذا شاركهما أجنبي ، وخرج كل بنصيبه على حدة ، ولما إذا لم يشاركهما أحد ، ولما إذا شاركهما غيرهما وخرج نصيب المحجور مشاعاً مع وصيه فأخرج هذه الأخيرة من ذلك العموم بقوله :
إلاَّ إَذَا أَخْرَجَهُ مُشاعا
مَعْ حَظِّهِ قَصْداً فَلاَ امْتِنَاعَا ( إلا إذا أخرجه مشاعا مع حظه قصداً فلا امتناعا ) لأنه لا تلحقه تهمة حينئذ ، ومحل المنع في الصورتين الأوليين إذا تولى الوصي القسمة بنفسه ولم يرفع للحاكم كما مرّ ، فإن رفع الأمر إليه وقدم من يقاسمه فلا منع كما قال :
وَيَقْسِمُ القَاضِي عَلَى المَحْجُورِ مَعْ
وَصِيِّهِ عِنْدَ اقْتِفَاءِ مَنْ مَنَعْ ( ويقسم القاضي على المحجور مع وصيه عند اقتفاء ) اتباع ( من منع ) قسمه معه من الفقهاء كابن أبي زمنين وغيره وهو الذي به القضاء وعليه العمل قاله في المعيار عن الإمام السنوسي ، وأصله في المتيطية ، ونص اختصارها : فإن كان الوصي شريكاً للأيتام نظرت فإن كان معهم غيرهم جاز له أن يقاسم عنه وعنهم الأجنبيين ، ويكون نصيبه ونصيبهم على الإشاعة ونصيب الأجنبي منفرداً . وقال ابن أبي زمنين وغيره : لا يجوز ذلك ويفسخ ، وإن كان سداداً فإن الوصي شريكاً لهم وحده فقال ابن أبي زمنين : لا يجوز أن يقسم هو لهم وليرفع للإمام فيقدم من يقاسم عن الأيتام ، فإذا تميز حظهم رجع فيه النظر للوصي ، وقيل : يجوز مقاسمة الوصي له ولهم إذا ضمن الشهود معرفة السداد وهو ظاهر قول مالك في العتيبة قال بعض الموثقين : والأول أولى وبه القضاء اه . وإذا كان العمل والقضاء بقول ابن أبي زمنين ، وهو يقول بوجوب الفسخ فيما إذا قاسم عنه وعنهم الأجنبيين فأحرى أن يقول بالفسخ فيما إذا كان الوصي شريكاً لهم وحده ، فيكون المعمول به من الخلاف المتقدم قريباً فوق هذين البيتين هو الفسخ والله أعلم .كَذَا لَهُ القَسْمُ عَلى الصِّغَارِ
وَغَائِبٍ مُنْقَطِع الأخْبَارِ
( كذا ) أي كما يجب أن يقسم القاضي على المحجور مع وصيه كذلك يجب ( له القسم على الصغار ) الذين لا أب لهم ولا وصي وطلب شركاؤهم القسمة ، ومقدم القاضي كهو فيقاسم عن الأيتام على الأجنبيين أو الأكابر من إخوانهم بمشورة القاضي لأن المقدم لا يبيع ربع اليتيم إلا بمشورة القاضي على المعمول به والقسمة بيع ، وهذا إذا كان يمكنه الرفع إليه ومشاورته ولم يأمره بالقسمة ، ولم يثبت عند القاضي ما يوجب القسم وإلاَّ فقسمته ماضية ولو لم يشاوره قاله في نوازل الصلح من المعيار ( و ) كذا له القسم على ( غائب منقطع الأخبار ) حيث طلب شركاؤه ذلك فإن علم خبره فكذلك إن بعدت غيبته وإلا انتظر ، والظاهر أن القريبة ما كانت على ثلاثة والبعيدة ما فوقها كما يشمله قول ( خ ) في القضاء : والعشرة أيام أو اليومان مع الخوف يقضي عليه معها في غير استحقاق العقار الخ . والقسمة من القضاء عليه في غير الاستحقاق المذكور .
وَحَيْثُ كانَ القَسْمُ للْقُضَاةِ
فَبَعْدَ إثْباتٍ لِمُوجِبَاتِ
( وحيث كان القسم للقضاة ) لكون المقسوم مشتركاً بين الوصي ومحجوره ، أو بين غائب وغيره ، أو بين أجنبي ومحجور لا وصي له ، أو بين ورثة فيهم رشيد ومحجور ، أو بين ورثة رشداء وطلبوا منه القسمة بينهم ( ف ) إن القضاة لا يقسمون إلا ( بعد إثبات لموجبات ) من ثبوت الشركة والحجر والغيبة وبعدها وإهمال اليتيم وطلب الشريك القسمة وملكية الشيء المقسوم كما في ابن سلمون وغيره ، فإن قسم قبل إثباتها فقد تقدم عن السيوري أن بيعه ينقض والقسمة بيع ، ولكن هذا في غير ثبوت الملك لما تقدم عند قوله : وأعملت حتى على المحجور الخ . من إثبات الملكية لا ينقض القسم بعد إثباته فراجعه هناك ، وراجع ما تقدم في البيع على الغائب ، وفي فصل مسائل من أحكام البيع عند قوله : وبيع من وصي للمحجور الخ .
تنبيهان . الأول : في جواز قسم الحاضن كأخ أو عم أو أجنبي عن محضونه أربعة أقوال : أحدها : أنه كالوصي على كل حال فيبيع ويقسم وهي رواية ابن غانم وابن الماجشون عن مالك ، وهذه الرواية جيدة لأهل البوادي لإهمالهم الإيصاء ، وبها العمل كما مر في بيع الحاضن . وثانيها : أنه كالأجنبي وهو مذهبها . وثالثها : لابن وهب كالوصي إن كان أماً أو من الأجداد والجدات ، ورابعها : لابن كنانة كالوصي إن كان من الأجداد والجدات والأخوة لا من غيرهم من القرابات .
الثاني : قال في المدونة : ولا يجوز قسم الأب عن ابنه الكبير وإن غاب ولا الكافر عن ابنته المسلمة البكر كما لا يزوجها ، ولا يجوز قسم الزوج لزوجته البكر ولا قبض مالها ، والأب أووصيه أولى بذلك وإن دخلت حتى يؤنس رشدها بعد الدخول فيدفع إليها حينئذ مالها ، وليس للزوج قبض مالها قبل الدخول ولا بعده ، وإن مات الأب ولم يوص لم يجز للزوج أن يقسم لها إلا بأمر القاضي اه . ويقيد بما تقدم في الوكالة من قوله : والزوج للزوجة كالموكل الخ .
وَيُتْرَكُ القَسْمُ عَلَى الأصاغِرِ
لحال رَشْدٍ أَوْ لِوَجْهٍ ظَاهِ
( ويترك القسم على الأصاغر لحال رشد ) أي إلى أن يرشدوا ( أو لوجه ظاهر ) كأن يكون شريكهم ذا سطوة فلا ينصفهم من حقهم فيترك القسم بينه وبينهم حيث لم يطلبه الشريك إلى أن يملكوا أنفسهم . ابن سلمون : وإذا كانت الأملاك بين الأصاغر وأربابها كلهم محاجير فإنها تترك إلى أن يرشدوا فيقتسمونها ، أو يرشد أحدهم فيطلب ذلك إلا أن يثبت في ذلك النظر لهم ، فحينئذ يقسم بينهم فإن كان عليهم وصي فبادر إليها فقسمها ، فقد أجاز ذلك سحنون والأولى ما تقدم اه .
وَمَنْ دَعَا لِبَيْعِ مَا لاَ يَنْقَسِمْ
لَمْ يُسْمَع إلاَّ حَيْثُ إضْرارٌ حُتِمْ
( ومن دعا ) من الشركاء ( لبيع ما لا ينقسم ) أصلاً كالرقيق الواحد والفرس الواحد أو ينقسم بفساد كالياقوتة الواحدة والخف الواحد والثوب الواحد أو دار أو بستان لا يقسمان على أقل الحظوظ ولا يصير لأصحاب الحظ القليل ما ينتفع به . ( لم يسمع ) قوله : ولا يجاب إلى ما ادعاه ويبيع نصيبه مفرداً إن شاء حيث لم يتحد مدخله مع شريكه ولصاحبه الشفعة إن كان من الأصول لا من العروض كما مرّ في الشفعة فقوله : ما لا ينقسم شامل لجميع ما مرّ ، وسواء كان ما لا ينقسم على أقل الحظوظ من الرباع المتخذة للغلة أو المتخذة للانتفاع بها بعينها ، ثم أخرج هذا الثاني من العموم المذكور بقوله : ( إلا حيث إضرار ) في دوام اشتراكه ( حتم ) لكونه متخذاً للانتفاع به بعينه .
مِثْلُ اشْتِراكِ حائِطٍ أَوْ دَارِ
لا كالرَّحَى وَالْفُرْنُ في المُخْتَارِ
( مثل اشتراك حائط ) أي بستان ( أو دار ) متخذين للانتفاع بهما بعينهما فإنه يجاب من دعا إلى بيعه حيث اتحد مدخله مع شريكه ، وسواء كان المدعي للبيع ذا الحظ الكثير أو القليل ، ومراده بمثلهما كل ما يتخذ للانتفاع به بعينه فيدخل فيه الخف والعبد والثوب والحمام المتخذ للانتفاع به بعينه ونحو ذلك ، وإنما مثل بالحائط والدار لما فيهما من الخلاف لأن مالكاً رحمه الله يرى القسمة فيهما ولو لم يصر لصاحب الحظ القليل ما ينتفع به كما في ابن سلمون ، ومذهب ابن القاسم أنه لا يجوز قسمها إلا إذا صار لكل منهما ما ينتفع به وهو المشهور وبه القضاء ( خ ) : وأجبر لها أي للقرعة كل أن انتفع كل الخ . اللخمي : ولو قيل يمنع قسم الحمام ونحوه ولو رضيا كما يمنعقسم اللؤلؤة لكان وجهاً . ( لا ) ما كان ( كالرحى والفرن ) ونحوهما مما لا يقبل القسمة ، وهو متخذ للغلة فقط لا للانتفاع به بعينه ، فإنه لا يجبر شريكه على البيع معه ، ولو اتحد مدخلهما وهو مثال لما قبل الاستثناء وما قبله مثال لما بعده ( في ) القول ( المختار ) عند ابن رشد وعلى التفريق بين رباع الغلة فلا يجبر ، ولو اتحد مدخلهما بخلاف غيرها فيجبر حيث اتحد المدخل عول ( خ ) إذ قال : وأجبر البيع إن نقصت حصة شريكه مفردة لا كربع غلة أو اشترى بعضاً الخ . والمذهب وهو الذي عليه العمل الإطلاق ، وأنه لا فرق بين رباع الغلة وغيرها كما قاله ابن عبد السلام واليزناسي وابن عرفة وغيرهم ، وهذه هي مسألة الصفقة وصورتها ؛ أن تكون دار مثلاً أو عبد بين رجلين فأكثر فيعمد أحدهم إلى ذلك الملك ويبيع جميعه بغير إذنهم فيثبت الخيار لشركائه بين أن يكملوا البيع أو يضموا لأنفسهم ويدفعوا للبائع مناب حصته من الثمن ولها شروط . أحدها : أن يكون الشيء لا يقبل القسمة ، وأما إن كان يقبلها فمن دعا إلى قسمه أجبر له الذي يريد بيعه كما في المدونة ، وهذا الشرط هو معنى قول الناظم : ومن دعا لبيع ما لا ينقسم . ثانيها : أن يكون ذلك الشيء مما يتضرر بالاشتراك فيه لكونه متخذاً للانتفاع به بعينه كالدار والبستان لا أن كان متخذاً للانتفاع بغلته فقط كالفرن والرحى وهو معنى قول الناظم : مثل حائط أو دار الخ . وهذا على ما لابن رشد ، ورده ابن عرفة بأن المعروف عادة أن شراء الجملة أكثر ثمناً في رباع الغلة وغيرها إلا أن يكون ذلك ببلاد الأندلس وإن كان فهو نادر اه .
قلت : تأمل قوله : فهو نادر هل هو نادر بالنسبة إلى غيرهم أو فيما هو بينهم ؟ فإن كان الأول فلا يجوز لغوه بالنسبة إليهم ، وإن كان الثاني فلغوه ظاهر ، لكن ابن رشد إنما بنى ذلك على عاداتهم فلا يحسن الاعتراض عليه ، فحق ابن عرفة أن يسقط قوله : وإن كان فهو نادر الخ .ثالثها : أن يتحد مدخلهما بأن يشترياه دفعة واحدة أو يرثاه كذلك ، أما إن كان كل منهما اشترى حصته مفردة أو ورثها كذلك فلا يجبر أحدهما للآخر ، وهو معنى قول ( خ ) أو اشترى بعضاً . رابعها : أن ينقص ثمن حصة مريد البيع إذا بيعت وحدها عن ثمن الجملة وإلاَّ فلا جبر . خامسها : أن لا يلتزم الممتنع من البيع أداء النقص الحاصللشريكه . سادسها : أن لا يكون المشترك فيه للتجارة وإلاَّ فلا يجبر على بيعه كما لا يجبر على قسمه على ما للخمي قائلاً : لأنه على الشركة دخل فيه حتى يباع جملة ، ورده ابن عرفة بأن دخوله على بيعه جملة مؤكد لقبول دعواه بيعه جملة ، فكيف يصح قوله : لا يجبر على البيع من أباه وإنما يصح اعتبار ما دخلا عليه من شرائه للتجر إذا اختلفا في تعجيل بيعه وتأخيره ؟ والصواب في ذلك اعتبار معتاد وقت بيع السلعة حسبما ذكره في القراض من المدونة . سابعها : أن لا يبعض طالب البيع حصته بأن يبيع بعضها ثم يريد أن يصفق بالبعض الباقي ، فإنه لا يجاب . ثامنها : أن لا يرضى البائع ببيع حصته مفردة وفي عد هذا من الشروط شيء ، لأن الكلام والموضوع أنه طلب إجمال البيع ، فهذا هو موضوع الشروط . تاسعها : أن يكون المشتري أجنبياً غير شريك ، وإلاَّ فهو تبعيض على نزاع فيه بيناه في حاشية اللامية . وهذا كله على ما للأقدمين ، وأما على ما به عمل المتأخرين فإنه لا يعتبر من هذه الشروط إلا اتحاد المدخل ، وعليه فلو قال الناظم :
ومن دعا لبيع ما لا ينقسم
فغيره بجبره قد يحكم
إن كان مدخل له قد اتحد
وحيث لا فجبره له يرد
لوفى بالمراد ، ومع ذلك يقال : لا مفهوم لقوله ما لا ينقسم بل ما يقبل القسمة كذلك على ما به العمل كما قال ناظمه :
في قابل القسم وما لم يقبل
لا تشترط إلا اتحاد المدخل
ثم إن وجد هذا الشرط على ما به العمل أو وجدت كلها على مقابله ، فلمريد البيع أن يبيع الجميع من غير رفع للحاكم على ما به العمل ، وإن لم يرض شريكه بذلك ، لكن إذا تم بيعه فللممتنع من البيع الخيار إن شاء أمضى وأخذ حصته من الثمن وإن شاء ضم ، وإذا ضم فله أن يبيعه أو ما شاء منه عقب ذلك بالفور ، بخلاف الشفعة فليس له البيع عقب الأخذ بها على أحد قولين تقدما هناك . والفرق أنه هنا مجبور فإن كان المصفق عليه غائباً رفع المشتري أمره للحاكم فيمضي عليه البيع أو يضم له ، وحيث أمضاه مضى ولو كان له مال وإلاَّ أخذ نظر أو مصلحة .
تنبيه : قولهم : لا يشترط إلا اتحاد المدخل الخ . يقتضي أن عدم تبعيض الحصة وهو الشرط السابع لا يشترط ، وأن من باع بعض حصته فله أن يصفق بالباقي ، وليس كذلك . وعليه فحقهم أن يقولوا : لا يشترط إلا اتحاد المدخل وعدم التبعيض ، وأيضاً فإن الشرط الأول لا وجه لإلغائه لأن الضرر يرتفع بالقسمة ، والفرض أن المشترك يقبلها ، وربما كان الممتنع من البيع لا يقدر على أداء ثمن حصة شريكه لارتفاعه فيؤدي إلى تفويت حصته عليه لينتفع شريكه بزيادة الثمن في حصته ، فهم قد راعوا حق مريد البيع وأخلوا بحق المبيع عليه ، إذ لا يضر بأحد لينتفع غيره ولا يرفع ضرر بضرر لقوله عليه السلام : ( لا ضرر ولا ضرار ) . فالواجب في هذا هو التمسك بالمشهور ، وكذا يقال في الشرط الخامس ؛ وهو أن لا يلتزم الممتنع أداء النقص الحاصل لشريكه الخ . لا وجه لإلغائه أيضاً لأن إلغاءه يوجب لحوق الضرر لكاره البيع إذ قد لا تكون له قدرة على أداء ثمن حصة الشريك ، وله قدرة على جبر النقص الحاصل بالانفراد ، فإذا ألزمناه أخذ الجميع مع عدم القدر عليه لزم جبره على البيع من غير ضرر يلحق البائع لأن ضرره قد ارتفع بالتزام النقص ، وكذا يقال : إذا لم ينقص ثمن الحصة عن ثمن الجملة فهذه الشروط الأربع يجب على من راقب الله اعتبارها كاتحاد المدخل ، وقديماً كنت متأملاً في ذلك فلم يظهر لي وجه إلغائها بل هو مخالف للكتاب والسنة والله أعلم .
وَكلُّ ما قِسْمَتُهُ تَعْذَّرُ
تُمْنَعُ كالتي بِهَا تَضَرُّرُ
( وكل ما قسمته تعذر ) بفتح التاء وحذف إحدى التاءين أي تتعذر لقول ابن مالك :
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر
فيه على تا كتبين العبر
( تمنع ) بضم التاء ( ك ) القسمة ( التي بها تضرر ) كياقوتة أو كخفين ، وإذا منعت قسمته فإما أن يتفقا على الانتفاع به مشتركاً وإما أن يباع عليهما حيث طلب أحدهما ذلك واتحد مدخلهما ، فإن لم يتحد باع حصته مفردة كما مر ، ثم إذا قلنا من دعا لبيع ما لا ينقسم فإنه يجاب إلى ذلك حيث اتحد المدخل على ما مر ، فإذا باع الشريك الجميع من غير رفع للحاكم مضى بيعه على ما به العمل كما في اللامية وغيرها . وكان لصاحبه الخيار في الضم وعدمه ، وإن وقع ورفع الأمر للحاكم فإنه ينظر فإن اتحد المدخل أمره ببيع الجميع ويثبت الخيار أيضاً ، وإن لم يتحد أمره بتسويق حصته مفردة ثم لصاحبه الشفعة إذا كان عقاراً على المعمول به من أن الشفعة جارية حتى فيما لا ينقسم منه كما مر ، وأما على مقابله فهو كالعروض ، وحكمها أنه يحكم عليه ببيع حصته مفردة أيضاً لعدم اتحاد المدخل كما هو الموضوع ، فإذا وقفت على ثمن كان لشريكه أخذه بذلك الثمن رفعاً لضرره ، فإن لم يعلم الشريك حتى انعقد البيع فلا شفعة ولا ضم ، وقد فات ذلك عليه وهو قول ابن عرفة : كل مشترك لا شفعة فيه فباع بعض الشركاء نصيبه منه فلمن بقي أخذه بالثمن الذي يعطى فيه ما لم ينفذ البيع اه . وانظر ما تقدم عند قول الناظم في الشفعة : وجملة العروض في المشهور الخ . قال في شرح العمليات : إذا وقف المبيع من عروض أو حيوان على ثمن فيقال للشريك : أنت أحق به فلا يشترى حتى تسلم فيه فإن أخذه بما بلغ منع منه غيره الخ . هذا كله إذا طلب أحدهم البيع وأبى غيره ، ولم يسأل طالب البيع من القاضي فيما إذا اتحد المدخل أن ينادي له على الجميع بل رضي أن يتولى بيع الجملة بنفسه ، وأما إن طلب مريد البيع منه المناداة على الجميع أو طلب جميع الشركاء البيع ولا ينظر في هذه لاتحاد المدخل ولا لعدمه فإنه يجيبهم إلى ما طلبوا في الصورتين .
ويَحْكُمُ القَاضِي بِتَسْوِيقٍ وَمَنْ
يُرِيدُ أَخْذَهُ يَزِيدُ في الثَّمَنْ
( ويحكم القاضي ) حينئذ ( بتسويق ) جميع المبيع ( ومن يريد أخذه ) منهم بما وقف عليه لايمكن منه إلا أن ( يزيد في الثمن ) فإن سلمه له صاحبه فذاك وإلا تزايدا حتى يقف على أحدهما فيأخذه بما وقف به عليه .
وَإنْ أَبَوْا قَوَّمَهُ أَهْلُ البَصَرْ
وآخِذٌ لَهُ يُقَضِّي مَنْ يَذَرْ
( وإن أبوا ) التسويق لكساد سوقه مثلاً ( قومه أهل البصر ) فإذا سلم أحدهما لصاحبه بذلك التقويم فذاك وإلا تزايدا ( وآخذ له ) بما وقف به عليه .
( يقضي ) بفتح القاف أي : يؤدى الثمن ( من يذر ) أي لمن يترك أخذه والزيادة فيه ويريد بيعه لصاحبه بما وقف عليه .
وَإن أبَوْا بِيعَ عَلَيْهِمْ بالْقَضَا
واقَتْسَمُوا الثَّمَنَ كَرْهاً أوْ رِضَا
( وإن أبوا ) أي امتنعوا كلهم من أخذه بما قومه أهل البصر أو بما وقف عليه في التسويق ( بيع عليهم بالقضا واقتسموا الثمن كرهاً أو رضاً ) وما قررنا به النظم هو المتعين الموافق لما به العمل ، والمشهور من اتحاد المدخل الذي درج عليه ( خ ) في قوله : أو اشترى بعضاً . وما نقلوه هنا عن المتيطي والمدونة وغيرهما مما ظاهره أنه يحكم بتسويق ما لا ينقسم من عقار وغيره ، سواء اتحد المدخل أم لا . ومن يريد أخذه يزيد في الثمن مخالف لما تقدم ، اللهم إلا أن يحمل ذلك على ما إذا اتحد مدخله وطلب مريد البيع من القاضي أن ينادي له على الجميع أو توافق الجميع على البيع كما قررنا ، لكن يقال : إذا اتحد المدخل فلا يحتاج الممتنع من البيع إلى المزايدة ، لأن الخيار له في الضم وعدمه ولو أمضى البيع ، وإنما يحتاج إلى المزايدة إذا طلب الجميع المبيع كما هو ظاهره والله أعلم .
وأما إذا لم يتحد المدخل فإنه يحكم عليه ببيع حصته مفردة كما مر ، فقول المتيطية : وإن كان مما لا ينقسم بيع عليهم الخ . يعني حيث اتحد المدخل أو توافق الجميع على البيع وطلبوا منه البيع عليهم كما قررنا قال : إلا أن يريد من كره البيع أن يأخذ ذلك بما يعطى فيه فهو أحق ، فإن اختلفوا في أخذه بعد بلوغه في النداء ثمناً تزايدوا فإن قال بعضهم : ابتداء نتزايد ، وقال بعضهم : يقومه أهل المعرفة ، فالقول لمن دعا للمزايدة ، فإن طلب أحدهم المزايدة والآخر البيع نودي عليه فإذا وقف على ثمن كان لصاحب المزايدة أخذه بذلك إلا أن يزيد عليه الآخر فليتزايد الخ .
قلت : وهذا الذي في المتيطية أحد أقوال ثلاثة ، وانظر شارح العمليات عند قولها صدر البيوع .
ولشريك المبيع بثمن
بلغ دون الغير يرضى حيث عنوعند قولها بعد ذلك :
وليس يجبر على المقاومه
وحظ ما لا يقبل المقاسمه
فإنه قال : كون الشريك يأخذ نصيب شريكه بالثمن الذي أعطى فيه واضح فيما بيع مبعضاً ، وأما ما بيع صفقة فكذلك إن كان الآخذ غير مريد البيع ، وأما مريده ففي أخذه نصيب شريكه المجبور على البيع صفقة بالثمن الذي بلغ ومنعه إلا بزيادة ، ثالثها إن لم يكن قصده إخراج الشريك والاستبداد بالشيء المشترك فله وإلاَّ فلا حتى يزيده اه . يعني : وإذا زاد فلصاحبه الزيادة أيضاً ، ويتزايدان حتى يقف على أحدهما . وذكر في ضيح أن العمل على أنه لا يمكن من أخذه حتى يزيد كان هو طالب البيع أو غيره ، وفي الدر النثير : إن العمل على القول الثالث ، وفي ابن ناجي : إن العمل عندهم على أن مريد البيع لا يأخذه إلا بزيادة بخلاف غيره فيأخذه بدونها .
تنبيه : وحيث حكم لمريد البيع بالتمكن منه وطلب إخلاء الدار للتسويق ، فإنه يجاب إلى ذلك بخلاف الحوانيت وشبهها فإنها لا تخلى . انظر حاشيتنا على اللامية .
والرَّدُّ لِلْقِسْمَةِ حَيْثُ يُسْتَحَقْ
مَنْ حِصَّةٍ غَيْرُ يَسِيرٍ مُسْتَحَقْ
( والرد للقسمة ) مبتدأ ( حيث يستحق ) أي يؤخذ بالاستحقاق ( من حصة ) بيد أحد الشريكين أو الشركاء شيء ( غير يسير مستحق ) خبر المبتدأ أي ثابت ، وحاصل للمستحق منه . وظاهره كان المستحق جزءاً معيناً أو شائعاً في حصة أحدهما أو في بعضها ، وشمل غير اليسير ما زاد على النصف والنصف والثلث ، والحكم في ذلك مختلف على المشهور ، فإن كان المستحق زاد على النصف فيتعين النقض جبراً عليهما ، وإن كان النصف أو الثلث فلا يتعين النقض ، بل إن شاء أبقى القسمة على حالها ولا يرجع على شريكه بشيء ، وإن شاء رجع شريكاً بقدر نصف ذلك مما في يد صاحبه ، ومفهوم قوله : غير يسير إنه إذا استحق اليسير كالربع فدون أنه لا ردله ، وإنما يرجع على شريكه بقيمة نصف ما قابل الجزء المستحق ثمناً ، وهذا هو معنى التخيير في قول ( خ ) : وإن استحق نصف أو ثلث خير لا ربع الخ . كما قاله طفي وغيره ، وهو معنى قول ابن شاس : وإن استحق بعض معين وكان كثيراً كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك مما في يد صاحبه يكون به شريكاً . يعني : وله أن لا يرجع بشيء ويترك القسمة على حالها . قال : وإن كان تافهاً يسيراً رجع بنصف قيمة ذلك دراهم ، ولا يكون شريكاً لصاحبه هذا قول مالك اه . ومثله قول المدونة : نظر أبداً إلى ما استحق فإن كان كثيراً كان له أن لا يرجع بقدر نصف ذلك فيما بيد صاحبه شريكاً فيه إن لم يفت ، وفي اليسير يرجع فيه بنصف قيمة ذلك ثمناً اه . أبو الحسن : مراده بالكثير النصف لأنه يقال فيه كثير وليس بأكثر والثلث كالنصف ، والعيب يطرأ كالاستحقاق . ابن يونس عن بعض أهل القرويين : الذي يتحصل عندي في طرو العيب والاستحقاق بعد القسم أن ينظر ، فإن كان ذلك كالربع فأقل رجع بحصة ذلك ثمناً ، وإن كان نحو النصف أو الثلث فيكون بحصة ذلك شريكاً فيما بيد صاحبه ولا ينتقض القسم ، وإن كان فوق النصف انتقص القسم وابتدأه ، وبالجملة فمالك وابن القاسم اتفقا على نقض القسمة وجوباً في استحقاق الأكثر أو عيبه كالثلثين فأكثر ، وعلى عدم نقضها في الأقل كالربع فدون ، وإن اختلفا في النصف والثلث فابن القاسم حكم لهما بحكم الأقل وأنه لا يرجع بذلك شريكاً وهو تأويل فضل على المدونة ومالك جعل له الخيار في أن يرجع شريكاً أو يتمسك بما بقي ولا شيء له وهو المعتمد . وهذا كله إن لم يفت ما بيد شريكه فإن فات ببيع أو هدم أو نحوهما من حوالة الأسواق في غير الأصول فإنه يرجع بنصف قيمة مقابل ما استحق من غير فرق بين الأكثر والأقل ، فقول الناظم : غير يسير شامل للنصف وما فوقه فيقتضي أن الرد مستحق ثابت فيهما وهو كذلك إلا أنه فيما فوق النصف يتعين الرد وجوباً إذ لا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره فيالبيع والقسمة لها حكمه فيه ، وإن كانت بالقرعة وفي النصف والثلث إن شاء رد وإن شاء تمسك ولا شيء له كما مر ، ومفهوم قوله : من حصة أنه إذا استحق جزء شائع من جميع الحصص لا رجوع لأحدهما على الآخر وهو كذلك لأنه قد استحق من كل مثل ما استحق من الآخر ، وإنما الكلام للمستحق إن شاء أبقى حظه شائعاً مع جميعهم ، وإن شاء نقض القسمة وابتدأها لما عليه من الضرر في تفريق حقه ، وإن استحق نصيب أحدهما بكماله رجع فيما بيد صاحبه شريكاً كأن المالك لم يخلف غيره .
تنبيه : ما زاد على الربع ولم يبلغ الثلث قال الشيخ الرهوني في حاشيته : الذي يفيده النقل أن ما زاد على الربع وقرب من الثلث يعطى حكم الثلث ، واستدل لذلك بأنقال فانظرها فيه .
وَالْغَبْنُ مَنْ يَقُومُ فِيهِ بَعْدَا
أَنْ طَالَ وَاسْتَغَلّ قَدْ تَعَدَّى
( والغبن ) الذي اطلع عليه أحد المتقاسمين بعد القسمة بالقرعة أو بالمراضاة مع التعديل ، وكذا بغير تعديل على ما مر للناظم في فصله من القيام به في البيع على ما به العمل ( من يقوم ) به منهما يخاصم ( فيه ) ويطلب نقض القسمة بسببه ( بعد أن طال ) عاماً فأكثر ( و ) سواء ( استقل ) الحظ المقسوم في ذلك العام أم لا . ( قد تعدى ) في القيام به وطلب نقضها بسببه فلا يسمع منه ذلك ولا تقبل له دعوى ، وكان حقه أن يقدم هذا البيت عند قوله : ومدعي الغبن سمع الخ . أو عند قوله : وقائم بالغبن فيها يعذر فانظر ذلك هناك . ( و ) إذا اختلفا الشركاء فادعى بعضهم قسمة البت وادعى الآخر قسمة المنفعة والاستغلال فالقول لمدعي الاستغلال .
وَالمُدَّعِي لِقِسْمَةِ البَتَاتِ
يُؤْمَرُ في الأَصَحِّ بالإثْبَاتِ
و ( المدعي لقسمة البتات يؤمر في ) القول ( الأصح ) المعمول به ( بالإثبات ) لما ادعاه من البتات فإن أثبته وإلاَّ فلا شيء له إلا اليمين على مدعي الاستغلال . قال في المفيد : وهو الصواب وبه العمل ، وإلى تصويبه أشار الناظم بالأصح ، وهذا إذا لم تمض مدة الحيازة على التفصيل الذي يأتي في حيازة الشريك قريب أو أجنبي ، وإلاَّ فالقول حينئذ لمدعي قسمة البت قاله أبو الحسن ، وذلك لأنه إذا مضت مدة الحيازة صار بمثابة من حاز شيئاً مدة الحيازة المعتبرة وقال : اشتريته منالقائم فإنه يصدق ولا يكلف بإثباته كما يأتي للناظم في فصل الحوز حيث قال : واليمين له . حيث ادعى الشراء منه معمله الخ . وقد علمت أن القسمة بيع ومقابل الأصح لابن الحاج والمشاور أن القول لمدعي البت قالا : لأنهما بمنزلة اختلافهما في البيع على البت أو الخيار ، والقول لمدعي البت فيه لا لمدعي الخيار ، وهذا كله إذا اتفقا على القسم واختلفا في وجهه ، وأما إن اختلفا في أصل القسم فادعاه أحدهما ونفاه الآخر ، وقال : إنما اقتطع كل واحد منا أرضاً يعمرها من غير قسم ، فإن القول لمنكر القسم كما في ابن سلمون ، وظاهره اتفاقاً وهو ظاهر لأن ذلك كاختلافهما في وقوع عقد البيع ، وقد قالوا : إن القول لمنكره اتفاقاً بل إجماعاً ، وهذا ما لم تمض مدة الحيازة أيضاً وإلاَّ فالقول لمدعي البت كما مر .
وَلاَ يَجُوزُ قَسْمُ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرْ
مَعَ الأصُولِ وَالتَّنَاهِي يُنْتَظَرْ
( ولا يجوز ) بالقرعة أو المراضاة ( قسم زرع أو ثمر ) بعد أبارهما وقبل بدو صلاحهما وانتهاء طيبهما أو بعد ذلك ( مع الأصول ) التي هي الأرض والشجر ( ح ) : مشبهاً في الممنوع كقسمه بأصله ، ومحل المنع فيما قبل بدو الصلاح إذا دخلا على السكت أو شرط أن تبقى الثمرة والزرع في الشجر والأرض إلى الجذاذ والحصاد لما يؤول إليه من بيع طعام وعرض بطعام وعرض ، فإن دخلا على شرط قطع الزرع والثمار الآن جاز حيث بلغ حد الانتفاع به لأنه بيع له على القطع فلا تأتي العلة المذكورة . قال في المدونة : وإذا ورث قوم شجراً أو نخلاً وفيها ثمر فلا يقتسموا الثمر مع الأصل ، وإن كان الثمر بلحاً أو طعاماً ولا يقسم الزرع مع الأرض ، ولكن تقسم الأرض والأصول وحدها وتترك الثمرة والزرع حتى يحل بيعهما فيقسموا ذلك حينئذ كيلاً أو يباع ويقسم ثمنه . أبو الحسن : ويدخل في قسم الزرع مع الأرض طعام وعرض بطعام وعرض اه . وإلى قولها : ولكن تقسم الأرض والأصول وتترك الثمرة أشار الناظم بقوله :
( والتناهي ينتظر ) فالجملة من المبتدأ والخبر استئنافية أي : ولكن تقسم الأرض والشجر وحدهما وينتظر بالزرع والثمرة تناهي الطيب أو بدو الصلاح وتقسم كيلاً أو تباع ، ويحتمل أن تكون الجملة حالية قيداً فيما قبلها أي : لا يجوز قسم زرع أو ثمر مع الأصول في حال انتظار تناهي الطيب ، أما في حال عدم انتظاره بل دخلا على قطعه فيجوز كما مر . وهذا الاحتمال هو المتعين فيما يظهر وإلاَّ تكرر هذا مع قوله بعد : ومع مأبور ويصح القسم في الخ . وقولي : بعد أبارهما احترازاً مما إذا كان قبل الأبار فإنه يمنع مطلقاً كما قال :
وَحَيْثُما الإبَّارُ فِيهِمَا عُدِمْ
فَالمَنْعُ مِنْ قِسْمَةِ الأصْلِ مُنْحَتِمْ( وحيثما الإبار فيهما ) أي في الزرع والثمر ( عدم فالمنع من قسمة الأصل منحتم ) لا وحده ولا مع ثمره وزرعه لأن قسمة الأصول وحدها فيه استثناء ثمر وزرع لم يؤبرا ، والمشهور منعه لأنه كاستثناء الجنين في بطن أمه وقسمها بثمرها فيه طعام وعرض بطعام وعرض ، وإنما جعل الثمر الذي لم يؤبر طعاماً لأنه يؤول إليه وسواء اشترطا استثناءه أو سكتا للعلة المذكورة بخلافه في البيع ، فإنه يجوز للمشتري اشتراط غير المأبور ، بل هو له بنفس العقد مع السكت عنه لانتفاء طعام وعرض بطعام وعرض كما تقدم للناظم في بيع الأصول حيث قال :
وغير ما أبر للمبتاع
بنفس عقده بلا نزاع . . الخ
وَمَعَ مَأْبُورٍ يَصِحُّ القَسْمُ في
أُصُولِهِ لاَ فِيهِ مَعْهَا فَاعْرِف
( ومع مأبور ) متعلق بقوله : ( يصح القسم في أصوله ) وحدها وتترك الثمرة والزرع إلى تناهي الطيب أو بدو الصلاح وتقسم كيلاً أو تباع ( لا ) يصح القسم ( فيه ) أي المأبور ( معها ) أي الأصول ( فاعرف ) وهذا الشطر تكرار مع قوله : ولا يجوز قسم زرع أو ثمر مع الأصول على الاحتمال الثاني هناك ، وأما على الاحتمال الأول فالبيت كله تكرار ، فافهم فلو حذفه ما ضر ، وهذا كله في قسمة الأصول وحدها أو مع الثمار ، وأما قسمة الثمار وحدها على رؤوس الأشجار فأشار له بقوله :
وَقَسْمُ غَيْرِ التَّمْرِ خَرْصاً وَالْعِنَبْ
مِمَّا عَلَى الأشْجَارِ مَنْعُهُ وَجَبْ
( وقسم غير التمر خرصاً ) بفتح الخاء أي حزراً جزافاً وتحرياً مصدر خرص من باب قتل والاسم بالكسر ( والعنب ) معطوف على تمر ( مما ) أي من الثمار التي ( على الأشجار ) من زيتون وفول أخضر وجوز وفستق وتين وزرع في الفدادين أو قثاء وغير ذلك ( منه وجب ) لأن القسم بيع ، والشك في التماثل كتحقق التفاضل ، وظاهره بدا صلاحه أم لا . دخلا على قطعه في الحين أم لا . وليس كذلك بل إذا لم يبد صلاحه ودخلا على قطعة جاز قسمه تحرياً كما مر ( خ ) : وثمر أو زرع إن لم يجذاه الخ . ومفهوم غير التمر والعنب أن التمر والعنب يجوز قسمهما في رؤوس أشجارهما خرصاً ، لكن إذا قلا وحل بيعهما واختلفت حاجة أهلهما وإن بكثرة أكل واتحد المقسوم من بسر أو رطب وقسم بالقرعة لا بالمراضاة كما في ( خ ) : عبد الحق : الفرق بين سائرالثمار والنخل والعنب في القسم بالخرص أن ثمرة النخل والعنب متميزة عن الشجر وورقه ، وليس كذلك سائر الثمار لأنها مختلطة بالورق ولا تتميز اه . وهذا هو المشهور ، وقال أشهب ، عن مالك في العتبية : لا بأس بقسم جميع الثمار بالخرص من نخل وعنب وتين وغير ذلك كانت مدخرة أم لا . إن وجد من يحسن الخرص وحل بيعه إلى آخر الشروط ، وقال ابن حبيب : يجوز ذلك في المدخر دون غيره فهي ثلاثة أقوال . واعلم أن الطارىء على القسمة المقتضي لنقضها على ما في النظم خمسة . استحقاق وقد تقدم في كلامه ، وعيب وحكمه حكمه كما مرت الإشارة إليه ، ووارث أو دين أو وصية وإليها أشار بقوله :
وَيَنْقُضُ الْقَسْمُ لِوَارِثٍ ظَهَرْ
أَوْ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فِيما اشْتَهَرْ
( وينقض القسم لوارث ظهر ) كثلاثة عصبة اقتسموا التركة ، ثم طرأ رابع فتنقض القسمة لأجله إذا كان المقسوم مقوماً كدار وحيوان ونحوهما فإن كان عيناً أو مثلياً رجع الطارىء على كل واحد بما أخذه زائداً على حقه ، ولا تنقض القسمة ولا يأخذ ملياً عن معدم ولا حاضراً عن غائب أو ميت ، وسواء علم المطرو عليه بالطارىء أم لا على مذهب المدونة خلافاً لابن الحاجب . ( أو دين ) ظهر بعد قسم الورثة التركة كانت فيها وصية أم لا . فإن القسمة تنقض ، وظاهره كان المقسوم مقوماً كدار أو مثلياً وهو كذلك ، فيكون ما هلك أو نما من جميعهم ، وفائدة نقضها في المثلى كون الضمان من جميعهم إذا تلف بسماوي ، ولو كانت صحيحة فيه ما كان الضمان منهم جميعاً ، ولذا لا نقض في المثلى إن كان قائماً إذ لا فائدة له كما لابن رشد فغير المثلى ينقض مطلقاً والمثلى إنما ينقض مع الهلاك فقط ، وما في ( خ ) من أنها لا تنقض في المثلى خلاف المشهور المنصوص عليه لابن القاسم كما في البيان قاله طفي وغيره . وإذا انتقض القسم على ما هو المشهور فيأخذ المليء عن المعدم والحاضر عن الغائب والميت ما لم يجاوز ما قبضه ، وسواء علموا بالدين أم لا . قال في المدونة : وإذا طرأ الغريم على الورثة ، وقد أتلف بعضهم حظه وبقي في يد بعضهم حظه فلربه أخذ دينه مما بيده اه .
تنبيهان . الأول : قال في المقدمات : لا خلاف بين جميعهم أن الورثة لا يضمنون للغرماء ما تلف بعد القسمة بأمر من السماء ويضمنون ما أكلوه واستهلكوه . قال : وما ادعوا تلفه من الحيوانات التي لا يغاب عليها صدقوا في ذلك مع أيمانهم بخلاف العروض التي يغاب عليها فلا يصدقون إلا ببينة اه . ويفهم منه أنهم قبل القسمة مصدقون مطلقاً ولو فيما يغاب عليه لأنهم لم يحوزوا لأنفسهم شيئاً .
الثاني : إذا باع الورثة التركة بعد القسمة أو قبله فبيعهم ماض لا ينقض كان فيه محاباة أم لا . وإنما اختلف هل يرجع الغريم بالمحاباة على الواهب الذي هو البائع أو على الموهوب له وهو المشتري ؟ وكذا يمضي ما اشتراه الورثة من التركة فحوسبوا به في ميراثهم ، ولو كانت السلعةقائمة بيد المشتري أو كان الورثة معدمين بالثمن فلا مطالبة على المشتري في ذلك كله ، لكن محل إمضاء بيعهم إذا لم يعلم الورثة بالدين حين القسم ، أو جهلوا أن الدين قبل القسم كما فرضه في المدونة ، أما مع علمهم بتقديم الدين فباعوا فللغرماء نقض البيع وانتزاع المبيع ممن هو في يده قاله في كتاب المديان من المدونة انظر طفي . 5 ( أو وصية ) ظهرت بعد قسم الورثة ، فإن القسمة تنقض ( فيما اشتهر ) . وظاهره كانت الوصية بعدد أو بالثلث ، أما الوصية بالعدد فهي كالدين فينقض القسم لأجلها كان المقسوم مقوماً أو مثلياً ، ويكون ما هلك أو نما من جميعهم كما مر ، وأما الوصية بالثلث فإنما ينقض القسم لها إذا كان المقسوم مقوماً كما مر في طرو الوارث على مثله ، ثم محل نقض القسمة في الدين والوصية بعدد إذا لم يلتزم الورثة بأداء الدين وإلاَّ فلا نقض كما قال :
إلا إذَا مَا الوارِثُونَ بَاؤُوا
بِحَمْلِ دَيْنٍ فَلَهُمْ ما شاؤوا
( إلا إذا ما ) زائدة ( الوارثون باؤوا ) رجعوا كلهم ( بحمل دين ) وأدائه لربهم ( فلهم ما شاؤوا ) من إمضاء القسمة وإبقائها على حالها إذ لا حق لرب الدين في عين التركة ، وكذلك إذا تطوع أحدهم بدفع جميع الدين من عنده لاغتباطه بحقه ، فذلك له وتبقى القسمة على حالها أيضاً ، وأما إذا أراد أحدهم أن يدفع ما ينوبه من الدين ويتمسك بحظه فليس له ذلك إلا أن يرضى بذلك غيره . انظر شرح الشامل فيما إذا ثبت الدين بشهادة أحد الورثة . وأصل باء رجع متحملاً ، ومنه قوله تعالى : أن تبوء بإثمي } ( المائدة : 29 ) أي ترجع متحملاً بإثمي ، وبقي على الناظم طرو الغريم على مثله ، أو طرو الموصى له على مثله ، أو طرو موصى له بجزء على وارث ، أو طرو الغريم على الغرماء والورثة ، أو طرو الموصى له بجزء على الموصى له بجزء وعلى الورثة ، أو طرو الغريم على الورثة وعلى الموصى لهم بأقل من الثلث ، فهذه ستة أشار ( خ ) إلى الثلاثة الأول بقوله : وإن طرأ غريم أو موصى له على مثله أو موصى له بجزء على وارث اتبع كل بحصته أي : ولا تنقض القسمة ، وهذا إذا كان المقسوم مثلياً وإلا نقضت كما مرّ في طرو الوارث على مثله . وانظر حكم الثلاثة الباقية في ( ح ) والشامل .
وَالْحَلْيُ لاَ يُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِهِ
إلا بِوَزْنٍ أَوْ بِأَخْذِ كلِّهِ
( والحلى ) المشترك ( لا يقسم بين أهله إلا ) على أحد وجهين ( بوزن ) معتدل حيث أمكن فيه ذلك لتعدده مثلاً ( أو بأخذ كله ) ويأخذ الوارث الآخر عيناً من نوعه بالوزن فتكون مراطلة أوعيناً من غير نوعه على حكم الصرف كما مرّ في بيع النقدين أو عقاراً أو عرضاً لا عرضاً وعيناً من نوعه لما فيه من بيع عين وهو الحلى بعين وعرض وهو ممنوع كما أفاده ( خ ) بقوله : كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما الخ . وكذا عرض وعين من غير نوعه إلا أن يكون الجميع قدر دينار أو يجتمعان فيه .
وأجْرُ منْ يَقْسِمُ أَوْ يُعَدِّلُ
عَلَى الرُّؤُوسِ وَعليْهِ العمَلُ
( وأجر من يقسم ) أو غيرها ( أو يعدل ) أي يقوم المقسوم من أصول وغيرها ، وظاهره أن المعدل غير القاسم وليس كذلك ، بل الظاهر كما في ( ح ) أن القاسم هنا هو الذي يقوم المقسوم ويعد له اه . واعتراض طفي وابن رحال لا ينهض لمن تأمل وأنصف ، بل قال الشيخ الرهوني ما استظهره ( ح ) : يجب الجزم به وما في ( ق ) عن ابن عبدوس عند قوله : إلا كحائط فيه شجر الخ . صريح في أن القاسم هو المقوم . ( على الرؤوس ) . ولو اختلفت الانصباء كنصف وثلث وسدس ( خ ) : وأجره بالعدد أي الرؤوس لأن تعب القاسم في تمييز النصيب القليل كتعبه في تمييز الكثير أو أكثر . قال المتيطي : وبهذا القضاء ، وتبعه الناظم فقال : ( وعليه العمل ) وقيل إنها على قدر الانصباء كالشفعة . قال الباجي في وثائقه : وبه العمل فهما قولان عمل بكل منهما .
كَذلِكَ الكَاتِبُ لِلْوَثِيقَهْ
لِلْقَاسِمِينَ مُقْتَفٍ طرِيقَهْ
( كذلك الكاتب للوثيقه للقاسمين مقتف طريقه ) بالتاء المبدلة هاء للوقف ، وللقاسمين نعت له تقدم عليه فيعرب حالاً ، ومقتف خبر عن الكاتب أي كاتب الوثيقة مقتف طريقة ثابتة للقاسمين حال كونه كائناً كذلك في كون الأجرة على الرؤوس على المعمول به .
قلت : وحاسب الفريضة أي ضاربها ككاتب وثيقة القسمة ، ولكن العمل اليوم في ذلك كله على ما للباجي لا على ما للناظم ، وللمسألة نظائر كنس المرحاض فإنه على الرؤوس وسكنى الحاضنة مع محضونها ، وكذا صيد الكلاب فلا ينظر لكثرة الكلاب ، وإنما ينظر إلى رؤوس الصيادين ، وكذا حارس البساتين وأعدال المتاع وبيوت الطعام على ما قاله البرزلي وغيره ولكن العمل عندنا في الحارس وكنس المرحاض على أنه على قدر الأنصباء كالشفعة والفطرة على العبد المشترك ونفقة الوالدين ، فإنها على قدر اليسار وأجرة الدلالين ونفقة عامل القراض على قدر المالين ، وما طرحه أهل السفينة خوف الغرق على قدر الأموال والساعي يتعدى على الشاة فتؤخذمن البعض ، فهي على قدر الغنم وجناية معتق رجلين على عاقلتيهما بقدر حظيهما والوصية بمجهول ( خ ) في الوصية وضرب لمجهول فأكثر بالثلث ، وهل يقسم على الحصص ؟ قولان . هذا هو الذي يعتمد في هذه المسائل كما هو ظاهر ، وإن كان فيه بعض مخالفة لما قاله طفي وغيره في فصل كاة الفطر .
وَأُجْرَةُ الكيَّالِ في التَّكْسِيرِ
مِنْ بَائِعٍ تُؤْخَذُ في المَشْهُورِ
( وأجرة الكيال في التكسير ) أي في كيل الأرض إذا بيعت على الكيل ( من بائع تؤخذ ) تلك الأجرة ( في المشهور .
كَذَاكَ في الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ
الْحَكْمُ ذَا مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ
كذاك في الموزون والمكيل ) من الطعام أو غيره إذا بيع على الكيل أو الوزن فأجرة ذلك على البائع لقوله تعالى : وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل } ( يوسف : 88 ) والمخاطب بذلك هو يوسف عليه السلام ، إذ هو كان البائع للطعام من إخوته ( الحكم ذا من غير ما تفصيل ) وهذا إذا لم يجر العرف بأن الأجرة في الكيل والوزن على المشتري وإلا فيحكم بها عليه كما عليه العمل اليوم لأن العرف كالشرط .
فصل في المعاوضةوهي بيع العرض بالعرض كحيوان بثوب أو حيوان بمثله أو ثوب بمثله أو أرض بمثلها ونحو ذلك ، وتسميها العامة اليوم المعاملة فهي من أنواع البيع كما قال :
يَجُوزُ عَقْدُ البَيْعِ بالْتَّعْويضِ
في جُمْلَةِ الأصُولِ وَالْعُرُوض
( يجوز عقد البيع بالتعويض في جملة الأصول والعروض ) وظاهره ؛ ولو لم يتعرضا لقيمة كل من العوضين وهو كذلك ، ثم إذا وقعت في غير الأصول أو في الأصول التي لا ثمرة فيها أصلاًفلا إشكال في الجواز كما يستفاد من هذا البيت وما يأتي في قوله : وجائز في الحيوان كله الخ . وأما إن وقعت في الأصول التي فيها ثمرة فإما أن تكون تلك الثمرة غير مأبورة بأن لم ينعقد الثمر ولا خرج الزرع على وجه الأرض ، وإما أن تكون مأبورة فأشار إلى الأول بقوله :
ما لَمْ يَكُنْ في الأَصْلِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرْ
لَمْ يُؤْبَرَا فمَا انْعِقَادُهَا يُقَرْ
( ما لم يكن في الأصل زرع أو ثمر لم يؤبرا ) فإن المعاوضة حينئذ لا تجوز وإن وقعت ( فما انعقادها يقر ) بل يجب فسخها بكل حال ، كما في ابن سلمون ، وذلك لأنه يؤدي إلى بيع طعام وعرض بطعام وعرض كما تقدم في القسمة حيث قال :
وحيثما الإبار فيهما عدم
فالمنع من قسمة الأصل منحتم
وما مر عن ابن فتحون في بيع الأصول بثمرها إنما هو إذا بيعت بعين أو بأصل لا ثمرة فيه أصلاً ، كما تقدم التنبيه عليه ، وأشار إلى الثاني بقوله :
وَصَحَّ بالْمَأْبُورِ حَيْثُ يُشْتَرَطْ
مِنْ جَهَةٍ أوْ بَقِيا مَعاً فَقَطْ
( وصح ) عقد المعاوضة ( بالمأبور ) من الجانبين ( حيث يشترط ) لأحدهما ( من جهة ) دون الأخرى وأفهم قوله بالمأبور أن كلاً من الأصلين فيه مأبور إلا أن أحدهما اشترط لنفسه مأبور الآخر وأبقى مأبور أصله لنفسه أيضاً ، وغايته أنه اشترى أصلاً مع مأبوره بأصل فقط دون مأبوره ولا محذور فيه بمنزلة ما لو اشترى أصلاً مع مأبوره بعين أو ثوب ، وأحرى وأولى في الجواز إذا كان أحد الأصلين لا ثمرة فيه أصلاً فباعه ربه بأصل فيه مأبور واشترط المأبور لنفسه ، وكذا إن كان ثمر أحد الأصلين قد أبر وثمر الآخر لم يؤبر ، فيجوز على أن تكون الثمرة المأبورة تبقى للذي صارت له الثمرة التي لم تؤبر ، ولا يجوز أن يشترطها الآخر قاله ابن سلمون ، وفهم من قوله : من جهة أنه إذا اشترط كل منهما مأبور صاحبه لنفسه لم يجز وهو كذلك ، لأنه عرض وطعام بعرض وطعام أي يؤول إلى ذلك كما تقدم في القسمة قريباً ، وسواء كانا من جنس واحد أو من جنسين كأرض فيها زرع مؤبر بشجرة فيها ثمر مؤبر أيضاً للشك في التماثل في الجنس ، ووجود النسيئة في الصورتين خلافاً للشيخ ( م ) في إجازته صورة الجنسين على جهة الترجي قائلاًلأن المماثلة غير مطلوبة والمناجزة حاصلة لأن النظر إلى الجزاف قبض الخ . لما علمت من أن الثمرة المأبورة ليست طعاماً الآن ، ولأن كون النظر إلى الجزاف قبضاً إنما هو إذا كان مما ينتفع به في الحال وتقطع الثمرة من الآن كما مر في القسمة والله أعلم . ( أو بقيا ) معطوف على يشترط مدخول لحيث أي وصح حيث بقيا أي المأبوران ( معاً ) أي عقدا على أن يبقى لكل واحد منهما مأبور أصله ، لأن المعاوضة حينئذ إنما وقعت في الأصلين ( فقط ) دون الثمرة ، فقوله : فقط راجع لقوله : من جهة وإذا اشترط المأبور من أحد الجانبين فإصابته جائحة فإنها لا توضع عنه لأن شرط وضع الجائحة أن لا تشتري مع أصلها وإلا فلا جائحة فيها كما قال ( خ ) وأفردت أو ألحق أصلها لا عكسه أو معه ، وإذا استحق أحد العوضين في المعاوضة أو رد بعيب انفسخت المعاوضة ورجع كل واحد من العوضين لصاحبه إلا أن يفوت فيرجع بالقيمة كما قال ( خ ) أيضاً . وفي عرض بعرض بما خرج من يده أو قيمته الخ .
وَسَائِغٌ للمُتَعَاوِضَيْنِ
مِنْ جَهَةٍ فَقَطْ مَزِيدُ العَيْنِ
( وسائغ ) أي جائز ( للمتعاوضين من جهة فقط مزيد ) أي زيادة ( العين ) حيث يكون أحد العوضين أكثر من قيمة الآخر ، وهو معنى قوله :
لأَجُلِ ما كانَ مِنَ التَّفْضِيلِ
بالنَّقْدِ وَالْحُلُولِ والتأجيل
( لأجل ما كان من التفضيل ) أي إنما زيدت العين لكون عرض أحدهما يفضل على عرض الآخر في القيمة ، فتزاد العين ليقع التعادل ، وفهم من قوله : من جهة فقط أنه لا يجوز من الجهتين لأنه عين وعرض بعين وعرض ، فالعين مع العرض من الجانبين إن كانت من جنس واحد قد اجتمع فيها المبادلة والبيع ، وذلك مؤد للربا المعنوي المشار إليه بقول ( خ ) : كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما الخ . وإن كانت من جنسين اجتمع فيها البيع والصرف المشار إليه بقوله أيضاً . وحرم بيع وصرف إلا أن يكون الجميع ديناراً أو يجتمعا فيه الخ . والقاعدة الشرعية أن العرض المقارن للطعام طعام والمقارن للعين عين ، ولذلك امتنع بيع عرض وعين بعين من جنسها ، وكذا من غير جنسها حيث لم يكن الجميع ديناراً ولا اجتمعا فيه ( بالنقد ) يتعلق بمحذوف حال من العين أي جازت زيادة العين لفضل أحد العوضين على مقابله في القيمة حال كون العين كائنة بالنقد أي : منقودة ومدفوعة في الحين ( والحلول والتأجيل ) الواو بمعنى ( أو ) فيهما أي أو كانت غير منقودة ولكنها بالحلولمتى طولب بها أداها أو كانت بالتأجيل إلى أجل معلوم أو بعضها بالنقد وبعضها لأجل معلوم أيضاً كل ذلك جائز .
وَجَائِزٌ في الْحَيوَانِ كلِه
تَعَاوُضٌ وإنْ يَكُنْ بِمِثْلِهِ ( وجائز في الحيوان كله ) أي الرقيق والأنعام والدواب ( تعاوض ) كانا من جنسين كعبد بجمل أو جملين نقداً في العوضين أو تعجيل أحدهما وتأجيل الآخر لا أن تأجلا معاً لأنه من ابتداء الدين بالدين أو كانا من جنس واحد كعبد بعبد وهو قوله : ( وإن يكن بمثله ) أي في الجنسية والقدر كانا نقداً معاً أو عجل أحدهما لا أن تأجلا معاً كما مر ، وأما إن اختلف القدر كجمل في جملين مثله جودة ورداءة ، فإن عجل العوضان معاً جاز ، وإن تأخرا معاً امتنع ، وكذا إن تأخر أحدهما لأنه مع تقديم الجملين ضمان بجعل ومع تأخيرهما وتعجيل المنفرد سلف جر نفعاً ، وكذا إن عجل المنفرد وأحد الجملين اللذين في مقابلته لأن المؤجل هو العوض ، والمعجل زيادة لأجل السلف . ابن يونس : كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا ، وهذا هو المشهور الذي درج عليه ( خ ) في السلم حيث قال : لا جمل في جملين مثل عجل أحدهما الخ . ولا مفهوم لجمل في جملين بل غيرهما من الثياب وسائر العروض كذلك ، ومقابل المشهور الجواز لأن تعجيل المنفرد مع أحد الجملين بيع ، والجمل الآخر محض زيادة والقولان لمالك قال في ضيح : والأقرب جرياً على قواعد المذهب القول المشهور ، لأن في هذه المسألة تقديراً يمنع وتقديراً يجيز والأصل في مثله تغليب المنع اه . ابن بشير : جرت في هذه المسألة مناظرة بين المغيرة وأشهب ، فالتزم أشهب الجواز فألزمه المغيرة ذلك في دينار بدينارين عجل أحدهما فالتزمه ، وقد لا يلزمه لأن باب الربا أضيق من غيره ، ولا سيما الشافعي يجيز الزيادة في سلم العروض لأجل اه . فما قاله أشهب مقابل للمشهور ، واعتراض ( ق ) على ( خ ) بما نقله عن المازري مردود بكلام ضيح وابن عبد السلام وعبد الحق وأبي إسحاق ، ومفهوم قول ( خ ) مثله أنهما لو كانا معاً أجود بكثرة حمل أو سبق جاز مطلقاً أجلا معاً أو أحدهما وعجل الآخر لمخالفتهما للمنفرد فصارا كجنسين .
فصل في الإقالة
وهي رجوع كل من العوضين لصاحبه . ابن عرفة : هي ترك المبيع لبائعه بثمنه وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع وهي رخصة وعزيمة اه . يعني رخصة في الطعام قبل قبضه ، والمراد بالعزيمة أحد أقسام الحكم الشرعي وهو الإباحة ههنا فهي رخصة فيما يمتنع بيعه قبل قبضه جائزة فيما عداه لأنها بيع من البيوع تنعقد بما يدل على الرضا وإن بمعاطاة ، ثم إن وقعت بأقل من الثمن أو أكثر فهي بيع اتفاقاً فتمتنع في الطعام قبل قبضه ، وتجوز في غيره مع وجود شروط البيع من كون المقال في مقدوراً على تسليمه غير واقعة وقت نداء الجمعة إلى غير ذلك ، وإن وقعت بمثل الثمن فثلاثة أقوال . ثالثها : المشهور أنها بيع إلا في الطعام فتجوز منه قبل قبضه بناء على أنها نقض للبيع ، وإلاَّ في الشفعة فليست بيعاً ولا نقضاً للبيع ، بل هي باطلة إذ لو كانت بيعاً لخير الشفيع في أن يأخذ بالبيع الأول والثاني ويكتب عهدته على من أخذ ببيعه مع أنه إنما يأخذ بالبيع الأول ويكتب عهدته على المشتري ، ولو كانت نقضاً للبيع لسقطت الشفعة وإلاَّ في المرابحة ، فهي فيها حل بيع ، فمن اشترى سلعة بعشرة وباعها مرابحة بخمسة عشر ، ثم أقال منها ما لم يبعها ثانياً مرابحة إلا على أن رأس ماله عشرة ، ولا يبيعها على أن رأس ماله خمسة عشر إلا إذا بين وهذا معنى قول ( خ ) والإقالة بيع إلا في الطعام والشفعة والمرابحة الخ .
إقالَةٌ تجُوزُ فيما حَلاَّ
بالمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلاًّ
( إقالة ) مبتدأ سوغه قصد الجنس وخبره ( تجوز فيما حلا ) كان الثمن عيناً أو عرضاً أو طعاماً غاب عليه أم لا . للسلامة من التهمة الآتية فيما لم يحل المشار إليه بقوله فيما يأتي : ولا يقال حيث لم يأت الأجل ( بالمثل ) يتعلق بتجوز ( أو أكثر أو أقلا ) وهذا التعميم يجب أن يخصص بغير الطعام قبل قبضه ، وأما فيه قبل قبضه فلا تجوز إلا بالمثل كما تقدم ، وظاهره أنها جائزة فيما حل ولو على تأخير الثمن وهو كذلك إن كان المبيع معيناً كالعبد والثوب ونحوهما ، وأما إن كانالمبيع غير معين كالشيء المسلم فيه ، فإنه يجب فيه رد رأس المال عاجلاً وإلاَّ أدى لفسخ الدين في الدين لأن دينه كان عرضاً ففسخه في دراهم لا يتعجلها الآن بخلاف تأخير رأس المال في غير الإقالة فيجوز كما قال ( خ ) : شرط السلم قبض رأس المال كله أو تأخيره ثلاثاً ولو بشرط ، وذلك لأن اللازم فيه ابتداء الدين بالدين وهو أخف من فسخ الدين في الدين الذي هو لازم في الإقالة ، وظاهره أيضاً جوازها فيما حل ولو من بعضه وهو كذلك إن كان الثمن مما يعرف بعينه كعرض أو مما لا يعرف بعينه ولم يغب عليه وإلاَّ كان مما لا يعرف بعينه كالطعام والعين وغاب عليه غيبة يمكنه فيها الانتفاع به ولم تجز الإقالة إلا من الجميع لا من البعض كان المبيع طعاماً أو غيره حل الأجل أم لا ، لأنه يدخله بيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه لأن الغيبة على المثلى تعد سلفاً ، فإذا أسلم له عشرة دراهم في ثوبين أو وسقين وبعد الغيبة على العشرة أقاله قبل الأجل أو بعده في أحد الثوبين أو الوسقين ورد له خمسة دراهم امتنعت الإقالة لأنه آل الأمر إلى أنه دفع عشرة وغاب عليها خمسة منها في مقابلة الخمسة التي ردها سلف ، وخمسة منها في مقابلة أحد الثوبين أو الوسقين ، فقد اجتمع البيع والسلف في الأمرين وزاد أحد الوسقين بعلة أخرى وهي بيع الطعام قبل قبضه .
تنبيه : إذا باع سلعة فحملها المشتري ثم تقايلا فإن سأل البائع الإقالة فأجرة الحمل في ردها عليه ، وإن سألها المشتري فأجرة الحمل في ردها للبائع عليه قاله البرزلي قال : وعليه تجري مسألة تقع اليوم وهي ما إذا أقاله في أصل باعه إياه قد كان دفع أجرة السمسار فمن طلب الإقالة فالأجرة عليه أما البيع الفاسد فحملها أولاً وآخراً على المشتري سواء دلس البائع أم لا . وكذا في الرد بالعيب نقله ( ح ) .
وَلِلْمُقَالِ صِحَّةُ الرُّجُوعِ
بحَادِثٍ يَحْدُثُ في الْمَبِيعِ
( و ) إذا باع عبداً مثلاً فحدث فيه عيب عند المشتري ثم وقعت الإقالة ف ( للمقال ) الذي هو البائع ( صحة الرجوع ) في الإقالة ويرد العبد على المشتري ( بحادث ) ذلك العيب الذي ( يحدث ) عند المشتري ( في ) ذلك ( المبيع ) لأن الإقالة بيع فالبائع اشترى العبد ولم يطع وقت البيع على العيب الحادث عند المشتري ، فإذا اطلع عليه بعد فله الرد به .
وفي القَدِيم مِنْهُ لا مَحَالَهْ
بِزَائِدٍ إنْ كَانَ فِي الإقَالَهْ
( وفي القديم منه ) أي من العيب وهو ما كان موجوداً وقت البيع ( لا محالة ) يرجع البائع( بزائد ) الثمن ( إن كان ) قد زاده ( في الإقالة ) زيادة على الثمن الأول كما لو باعه له بثمانية فأقاله على عشرة ، ثم اطلع البائع على عيب قديم لم يعلم به وقت البيع الأول ولا المشتري وقت الإقالة فإن للبائع أن يرجع بالاثنين اللذين زادهما للمشتري عند الإقالة ، وقولي : لم يعلم به وقت البيع الأول احترازاً مما إذا علم به وقتئذ ، فإنه لا يرجع على المشتري بالزيادة ولا يرد المبيع على المشتري لعلمه بالعيب وتدليسه به كما قال ( خ ) : وفرق بين مدلس وغيره في أخذه منه بأكثر الخ . وقولي : ولا المشتري وقت الإقالة احترازاً مما إذا علم به المشتري وعدل عن الرد به إلى الإقالة فإنه حينئذ كأنه حدث عنده ، وللبائع حينئذ أن يرده عليه إذا لم يعلم به وقت الإقالة ، وإلاَّ فلا لدخوله عليه ، ومفهوم قوله بزائد أنه إذا أقاله فيه بمثل الثمن أو بأقل لا يرجع بشيء وهو كذلك في المثل ، سواء أقاله بعد اطلاعه على العيب أم لا . كان المقال مدلساً في بيعه الأول أم لا . غير أنه إذا لم يكن مدلساً فله رده على المشتري إذا أقاله بعد اطلاعه عليه لأنه بمنزلة ما حدث عنده كما مر ، وأما في الأقل فإن أقاله المشتري قبل اطلاعه على العيب فإن البائع يجب عليه أن يكمل له الثمن سواء دلس أم لا . وإن أقاله بعد اطلاعه عليه لم يكمل له دلس أم لا . وإلى تفصيل هذه المسألة أشار ( خ ) في العيوب بقوله : فإن باعه أي أقاله بمثل الثمن أو بأكثر إن دلس فلا رجوع وإلاَّ رد ثم رد عليه وبأقل كمل الخ . وإنما يرجع البائع بالزائد فيما إذا أقاله بأكثر .
بَعْدَ اليَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ
يَعْلَمُهُ فِيما مَضَى مِنْ زَمَنِ
( بعد اليمين أنه لم يكن يعلمه فيما مضى من زمن ) وهي يمين تهمة لا تقلب ويثبت الحق بمجرد نكوله عنها ، اللهم إلا أن يحقق المشتري عليه دعوى العلم ، فإنها تقلب ولا تسقط عن المشتري الزيادة حيث نكل البائع إلا بعد يمينه .
وَالْفَسْخُ في إقالَةٍ مِمَّا انْتُهِجْ
بالصَّنْعَةِ التَّغْيِيرَ كَالغَزْل انْتُسِجْ
( والفسخ ) مبتدأ خبره ( في إقالة ) من غزل مثلاً اشتراه ثم أقال فيه بعد أن نسجه ولم يعلم المقال بنسجه ( مما ) أي من أجل ما ( انتهج ) المبيع أي سلك ( بالصنعة ) منهج ( التغيير ) مفعول مطلق على حذف مضاف كما ترى وما مصدرية أي : الفسخ واجب في هذه الإقالة من أجل سلوك المبيع طريق التغيير بسبب الصنعة لأن التغيير فوت ، فلا يلزم المقال أخذه مع فوته إلا برضاه وذلك ( كالغزل ) حالة كونه ( انتسج ) بعد بيعه وأقاله فيه قبل أن يعلم البائع بنسجه كما مر ، فإن علم بنسجه فالإقالة لازمة كانت بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ، فإن تنازعا بعد وقوعها فادعى المشتري أنه أقاله بمثل الثمن ويزيد أجرة نسجه ، وادعى المقال أنه أقاله بالمثل فقطفذلك كاختلاف المتبايعين في الثمن فيتحالفان ويتفاسخان ولا تلزم الإقالة .
إلاَ إذَا الْمُقَالُ بالرِّضَا دَفَعْ
لِمَنْ أَقال أُجْرَةٌ لما صَنَعْ
( إلا إذا المقال بالرضا دفع . لمن أقال أجرة لما صنع ) فتلزم الإقالة حينئذ . ابن سلمون قال ابن الماجشون : من أقال رجلاً في بيع أو ابتياع فوجد شيئاً قد زاد أو نقص أو فات هو لا يعلم لم تلزمه إلا في الطعام وكل ما يوجد مثله فيلزمه قال المشاور : ولا تجوز الإقالة في شيء قد دخلته صنعة من الصنائع كالخياطة في الثوب والدباغ في الجلد ونحو ذلك ويفسخ إلا أن يقول المقيل : أقيلك على أن تعطيني في خياطتي أو دباغتي كذا وكذا فرضي بذلك وإلاَّ فلا اه . فقول المشاور : ولا تجوز الإقالة يعني لا تلزم حيث لم يعلم بتغيره وظهور تغيره كعيب به فلا بد من رضاه به ، وإذا علم بالتغير وسكت عن دفع الأجرة فلا تلزم أيضاً بدليل الاستثناء بعده فيكون موافقاً لابن عيشون لأن الصنعة فوت وتزيد وتنقص فلا تلزم الإقالة للمقال إلا بعد علمه بالتغير ورضاهما على أخذ الأجرة ودفعها أو على تركها ، وإلا فسخت الإقالة . هذا هو المراد فقوله : كالغزل الخ . أخرج به المثلى لأنه وإن تغير وهو لا يعلم بتغيره فالإقالة فيه لازمة ويأخذ مثله ولا كلام لواحد منهما كما تقدم ، وبهذا التقرير ينتفي إشكال الشارح حيث قال : لم يتبين لي وجه فسخ الإقالة إذا رضي المقال بذهاب عمله مجاناً ، فكما يجوز له قبض أجرة ذلك يجوز أن يتركه مجاناً اه . لما علمت أنه ليس مراد المشاور دفع الأجرة حتماً وأنها لا تجوز إلا بدفعها لما علمت من أن الإقالة بيع فتجوز بالمثل أو بأقل أو بأكثر حصل تغير في المبيع كتفصيل الثوب وخياطته أم لا . وإنما مراده أنها لا تلزمه عند التنازع في كونها وقعت على دفع الأجرة أو على تركها إلا مع البيان أو رضا المقال بدفعها بعد علمه بالتغير ، فكلام المشاور تفسير لكلام ابن الماجشون لا أنه مستقل كما فهموه ، وأما قول من قال وجه منعها بعد حدوث الصنعة هو تهمة سلف جر نفعاً فغير سديد لما علمت أن الغيبة على المقوم المعين لا تعد سلفاً كما مر في غير ما موضع ، ويلزم عليه أن من اشترى سلعة وأحدث فيها صنعته لا يبيعها من بائعها إلا بعد دفع أجرة الصنعة ، وهذا لا يقوله أحد ، وقد تحدث الصنعة فيها نقصاً ، وأيضاً أي نفع يحصل للمقترض بالغيبة على الجلد والثوب والغزل حتى يحمله ذلك على الاستقراض ويتهم عليه والله أعلم .
وَلاَ يُقَالُ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ الأَجَلْ
بِثَمنٍ أدْنى وَلاَ وَقْتٍ أَقَلْ
( ولا يقال ) مضارع أقال مبني للمفعول أي لا تجوز الإقالة لمن باع ثوباً بعشرة إلى شهر مثلاً ( حيث لم يأت الأجل ) الذي هو آخر الشهر ( بثمن أدنى ) كثمانية نقداً ( ولا وقت ) أي : ولا لوقت( أقل ) من الشهور .
أَوْ ثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ لأَمَدْ
أبْعَدَ مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُعْتَمدْ ( أو ثمن أكثر منه ) أي من الثمن الأول الذي هو العشرة في المثال المذكور كأن يقيله على اثني عشر ( لأمد ) أجل ( أبعد مما ) أي للأجل الذي ( كان ) هو أي الأمد ( فيه المعتمد ) خبر كان وفيه متعلق به وضميره للبيع أي أو أقاله على ثمن أكثر من الأول لأجل أبعد من الأجل الذي كان هو أي : الأجل معتمداً لهما في البيع ولو قال :
أو ثمن أكثر منه لأجل
أبعد مما كان في البيع حصل
لكان أسهل وأوضح . والحاصل أن من باع سلعة لأجل وأقال بائعه فيها ، فأما أن يقيله بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ، وفي كل إما نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه أو لأبعد منه ثلاث في أربع باثنتي عشرة صورة منع منها ثلاثة وهي ما عجل فيه الأقل كما في ( خ ) وهي المذكورة في النظم ، وعلة المنع فيها تهمة سلف جر نفعاً وضابطها أن يعود لليد السابقة بالعطاء أكثر مما خرج منها ، فإن استوت الأثمان بأن أقاله أو اشترى منه بمثل الثمن ، فالجواز مطلقاً نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه أو لأبعد منه كما قال :
وهْي إذَا كَانَتْ بِمِثْلِ المالِ
جائِزةٌ في كل حَالٍ حَالِ
وكذا تجوز بأقل للأجل أو لأبعد منه أو بأكثر نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه ، فهذه تسع صور من الاثنتي عشرة المتقدمة كلها جائزة لأنه لم يعد لليد السابقة بالعطاء أكثر مما خرج منها ، بل عاد إليها في صور المثل الأربعة مثل ما خرج منها وعاد إليها فيما عداها أقل مما خرج منها ، وفي الصورة الأخيرة وهي بأكثر للأجل نفسه تقع مقاصة ولا يد سابقة هناك فانتفت التهمة ، وهذه المسألة من فصل بيوع الآجال وهو كثير التفاريع وقد تكفل بها ( خ ) وغيره .
تنبيه : في نوازل البرزلي : وأما من عليه دين حل أجله أو قرب فلا يجوز أن يستدين من رب الدين ديناً آخر كان الأول برهن أم لا . ولو زعم أنه لغيره إذا كتبه باسمه ، وسواء كان الغريم ملياً أو عديماً والعلة سلف جر نفعاً . والبرزلي : ظاهر مسائل الصرف من المدونة أنه إذاكانت السلعة الثانية غير الأولى أو الأولى ولم يردها عليه في الحال أو ما قرب ولم يكن بينهما شرط ولا عادة أنه جاهز اه .
وَمُشْتَرٍ أَقَالَ مَهْمَا اشْتَرطا
أَخْذَ الْمبِيع إنْ يَبِعْ تَغَبُّطَا
( ومشتر ) لشيء ( أقال ) بائعه فيه ( مهما اشترطا ) المشتري في إقالته على البائع المقال ( أخذ المبيع ) الذي وقعت فيه الإقالة ( إن يبع ) أي أن يبعه البائع ( تغبطا ) بمعنى المفعول أي متغبطاً به ، وهو حال إما من فاعل اشترط أو فاعل يبع ، ويجوز أن يكون مفعولاً لأجله .
بالثَّمَنِ الأَوَّلِ فهْو جائِزُ
والمُشْتَرِي بهِ المَبِيعُ حَائِزُ
( بالثمن الأول ) متعلق بأخذ ( فهو ) أي اشتراط أخذ المبيع بالثمن الأول إذا بيع ( جائز ) والجملة جواب الشرط الذي هو مهما والشرط وجوابه خبر المبتدأ ( و ) إذا جاز ذلك ( فالمشتري به ) أي بذلك الاشتراط ( المبيع ) مفعول بقوله : ( حائز ) أي وإذا باعه البائع المقال فإن بيعه يفسخ ، ويحوز المشتري المبيع ويأخذه بالثمن الأول بسبب شرطه المذكور قاله ابن القاسم في العتبية ، ونص عليه ابن فتحون ، ونقله ابن سلمون قائلاً : إلا أن يبيعها البائع بعد طول من الزمن ترتفع عنه فيه التهمة فلا شيء للمشتري المقيل وتبعهم الناظم ، وفي المسألة نزاع واضطراب بسطنا الكلام عليه في الثنيا عند قوله : وجاز إن وقع بعد العقد طوعاً بحد أو بغير حد ، فانظره هناك ولا مفهوم لقوله الأول ، بل كذلك إذا شرط عليه المشتري في إقالته أخذه بالثمن الذي يبيعه به البائع ثانياً كما مر هناك ، وعبارة الأجهوري في هذه المسألة هي ما نصه : ذكر الحطاب في التزاماته ما يقتضي أن تعليق الإقالة يجوز بخلاف تعليق البيع في غير الإقالة ، فإذا قال المقيل للمقال : لا أقيلك إلا على أنك متى بعتها لغيري فهي لي بالثمن فرضي بذلك ، فإن ذلك جائز ، ومتى باعها كانت للمقيل بالثمن الأول ، وسواء باعها بالقرب أو بعد بُعد حيث أتى بمتى وينقض البيع فيها وترد للمقيل ، لأن متى لا تقتضي قرب الزمان ، وأما إن أتى بأن أو بإذا فهي له إن باعها بالقرب فقط بخلاف لو وقع هذا الشرط في البيع ، فإذا باعه على أنه متى باعه فهو له بالثمن ولو الأول ، فإن البيع يفسد هذا هو المعول عليه قاله ( ح ) اهثم قال الأجهوري المذكور : والحاصل أن البيع يفسد بهذا الشرط اتفاقاً بخلاف الإقالة ففيها خلاف يعني : والمعول عليه الجواز قال : وهنا أمور ينبغي التنبه لها . الأول ، قال ابن رشد : إنما جاز هذا الشرط في الإقالة لأنها معروف فعله معه واشتراط أن يكافئه عليه بمعروف فلزم ذلك فيها بخلاف البيع اه . وهذا هو وجه الفرق بين البيع والإقالة . الثاني : قال في النوادر : من أقال بائعه من حائط اشتراه على أنه متى باعه البائع فهو للمقيل بالثمن الذي يبيعه به فرضي ثم باعه فقام المقيل بشرطه كان ذلك له ويرد البيع ويأخذه بالثمن الذي باعه به اه
وقوله : كان ذلك له أي كان له القيام بشرطه . وقوله : ويرد البيع ويأخذه أي فهو إنما يأخذه بعد علمه به ، فليس هو من الشراء بثمن مجهول . والحاصل أنه إن قال في مسألة الإقالة : إن بعته فهو لي بالثمن الأول فإنه يكون له بمجرد البيع إلا أن يشاء عدم أخذه ، وأما إن قال : إن بعته فهو لي بالثمن الذي تبيعه به فإنه لا يكون له إن شاء أخذه إلا بعد معرفة الثمن الذي بيع به لا قبل ذلك لئلا يكون من المبيع بثمن مجهول . الثالث : لم يعينوا حد القرب ولا حد البعد في هذا الموضع ، وقد ذكروا في مسألة النكاح أن البعد السنتان كما ذكره الشارح عند قول المصنف ، وفي تشطير هدية الخ . والأنسب تفسير القرب هنا بما فسر به القرب في الثنيا المحدودة بأجل فإنهم فسروا القرب فيها باليوم ونحوه اه . كلام الأجهوري باختصار .
وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فيما اكْتُرِي
إنْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَى الكِرَاءَ الْمُكْتَرِي ( وسوغت إقالة فيما اكتري ) من دار أو دابة أو غيرهما ( إن لم يكن أعطى الكراء المكتري ) . وظاهره جوازها حيث لم يكن أعطى الكراء سواء سكن بعض المدة أو ركب بعض المسافة أو لم يسكن ولم يركب وهو كذلك ، ومفهوم الشرط أن الإقالة بعد نقد الكراء لا تجوز وهو كذلك إن كان سكن بعض المدة أو ركبها لأنه كراء وسلف كسلع باعها وقبض ثمنها وغاب عليه غيبة يمكنه الانتفاع به ، ثم أقال من بعضها لتهمة بيع وسلف كما تقدم في البيت الأول من هذا الفصل ، وهو مفهوم قول ( خ ) في العيوب : وإقالة من الجميع ، فمفهومه إذا كانت من البعض لا تجوز إن كان قد غاب على الثمن الذي لا يعرف بعينه ، وقد أشار في كراء الدابة لذلك أيضاً حيث قال عاطفاً على الجواز وإقالة بزيادة قبل النقد وبعده إن لم يغب ، وإلاَّ فلا إلا من المكتري فقط إن اقتصر أو بعد سير كبير الخ . وأما إن نقد الكراء ولم يسكن ولم يركب فالإقالة جائزة إذ لا يلزم عليها شيء ، فمفهوم الشرط في النظم فيه تفصيل كما ترى .
فصل في التولية
وهي كما لابن عرفة تصيير مشتر ما اشتراه لغير بائعه بثمنه . ( والتصيير ) وهو دفع شيء معين ولو عقاراً في دين سابق .
توْليةُ الْمبيعِ جَازتْ مُطْلقَا
وَلَيْسَ في الطَّعَامِ ذاك مُتَّقَى
( تولية ) الشيء ( المبيع ) لغير بائعه بثمنه ( جازت مطلقاً ) كانت قبل قبض المشتري للمبيع أو بعده ( وليس ذاك في الطعام ) قبل قبضه ( متقى ) أي ممنوعاً ، بل تجوز فيه قبل قبضه كالشركة فيه والإقالة لأن الثلاثة معروف رخص فيها الشارع صلوات الله عليه كما رخص في اشتراء العرية المشار إليها بقوله . ( خ ) : ورخص لمعير أو قائم مقامه اشتراء ثمرة تيبس أن لفظ بالعرية وبدا صلاحها وكان يخرصها ونوعها الخ . وقولنا : لغير بائعه احترازاً مما إذا كان لبائعه فإنه إقالة . وقولنا بثمنه احترازاً مما إذا كان بأقل أو بأكثر ، فإنه بيع فلا تجوز فيه قبل قبضه ، وظاهره أن التولية في الطعام وغيره جائزة ولو على تأخير الثمن لأجل معلوم ، وهو كذلك ما لم يكن الشيء المولى بالفتح سلماً وإلاَّ فلا بد أن يتعجل المولي بالكسر رأس المال ناجزاً لئلا يدخله بيع الدين بالدين ، وهو أشد من ابتداء الدين بالدين لما مر أن ابتداءه يجوز تأخره ثلاثاً ، ولو بشرط .
والشَّرْطُ في التصْيير أنْ يُقَدَّرَا
دَيْنٌ والإنْجَازُ لمَّا تَصَيَّرَا
( والشرط في ) صحة ( التصيير ) وتمامه أمران أحدهما ( أن يقدر دين ) أي يعلم قدره لأنه ثمن للمصير بالفتح ( و ) ثانيهما ( الإنجاز ) لقبض ( ما تصيرا ) ومفهوم الشرط الأول أنه إذا لم يعرفا معاً أو أحدهما قدر الدين لم يجز ، وهو كذلك لأنه مبايعة فلا يجوز مع جهل العوضين أو أحدهما إلا إذا تعذرت المعرفة بكل حال ، فيجوز حينئذ على وجه التحلل كما يأتي في مسألة التمخي آخر الفصل ، وكما تقدم في قوله في الصلح :
وجائز تحلل فيما ادعى
ولم تقم بينة للمدعى
فانظر ذلك هناك ، ومفهوم الشرط الثاني أنه إن تأخر القبض للشيء المصير ولو لبعضه لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت كلها ، فإن التصيير لا يجوز وهو كذلك إن كان الشيء المصير غير معين كأن يصير له في الدين الذي عليه عرضاً أو حيواناً أو طعاماً موصوفاً فيمنع ، ولو وقعالقبض في البعض دون البعض بلا خلاف لأنه فسخ دين في دين ، وأما إن كان المصير معيناً كحيوان أو عرض معينين أو دار كذلك ففيه خلاف واضطراب كثير ، والمشهور المعمول به كما هو ظاهر النظم المنع ، ولو وقع القبض في البعض دون البعض أيضاً ، وبه أفتى ( خ ) في قوله : وككالىء بمثله فسخ ما في الذمة في مؤخر ولو معيناً يتأخر قبضه كغائب ومواضعة ومتأخر جذاذه ومنافع عين الخ .
واعلم أن تصيير المعين في الدين من باب بيع معين يتأخر قبضه ، وقد تقدم تفصيله صدر البيوع في بيع الأصول ، ولذا كان القول بعدم افتقاره للحيازة قوياً صوبه ابن سهل ، ورجحه ابن يونس ، وصححه المتأخرون كما لابن عبد السلام ، ونقله ( ز ) وأفتى به اليزناسني لأنه من ناحية المعاوضات وهي لا تفتقر للحيازة لدخول المعين الحاضر في ضمان المشتري بالعقد ، ومثله العقار الغائب لأنه يدخل في ضمانه بالعقد أيضاً ، والقول بافتقاره لها راعى فيه شبه فسخ الدين في الدين وليس ذلك فسخاً حقيقياً ، ولذا قال الشيخ ( م ) : والجاري على القواعد أن تصيير المعين لا يفتقر إلى قبض إذ المعين لا تحمله الذمم ، وإذا كان كذلك فليس من فسخ الدين في الدين اه .
ولذا قال ابن سلمون أيضاً : وأما إن كانت يعني الدار المصيرة قد نظرت إليها فالتصيير جائز بلا خلاف ، يعني ولو تأخر قبضها . ولعل ما ذكره من عدم الخلاف هو طريقة له ، وفي أواخر الصلح من المعيار جواب لمؤلفه قال فيه ما حاصله : إذا كان التصيير في معين مؤخر والتأخير يسير كالثلاثة الأيام ففي جوازه ومنعه اضطراب ، ومذهب المدونة المنع وساق كلامها ثم قال : وإن كان التأخير كثيراً فإما بشرط أو غيره ، فإن كان بشرط فيبطل وإن كان بغيره فابن القاسم في المدونة يمنع وأشهب في العتبية يجيز ، وبقول ابن القاسم جرى عمل الموثقين والحكام اه . باختصار . ومراده بالتأخير الكثير هو ما يتغير المعين إليه غالباً كما مرّ صدر البيوع ، وإذا أجاز أشهب التأخير الكثير بغير شرط فأحرى أن يجيز اليسير ، وظاهرهم أن التأخير ولو في المعين الحاضر يفسد التصيير على المعمول به ولو لم يدخلا عليه ، ولو كان يسيراً ويفسخ مع القيام ولو قبضه المصير إليه إلا أن يفوت ببيع صحيح ونحوه مما يفوت البيع الفاسد ، وهو كذلك كما قاله سيدي مصباح حسبما في المعيار فيمن صير لزوجته أرضاً في صداقها فلم تقبضها إلا بعد أشهر أو أعوام أو يوم . قال في الجواب الذي اتصل به العمل : أن التصيير لا يتم إلا بالحوز بإثر العقد وإن تراخى القبض عن ذلك كان بيعاً فاسداً يرد مع القيام ، وإن فات بما يفوت به البيع كانت فيه القيمة يوم القبض اه .
قلت : فظاهر قوله في السؤال أو يوم أن التأخير اليسير لا يغتفر ، وسيأتي في البيتين بعده ما يخالفه ، وأيضاً كون التأخير الذي لم يدخلا عليه مفسداً للتصيير مخالف لما في صلح المعيار من أنه إذا وقع الصلح بدنانير عن دراهم أو بالعكس وتأخرت من غير شرط فالصلح جائز قال : وهو صريح قولها أول الكتاب : وإن تأخرت الدنانير من غير شرط جاز اه . وإذا جاز هذا في صرف ما في الذمة مع كون باب الصرف أضيق فأحرى أن يجوز في التصيير ، ولا سيما التصيير في المعين لأنه أمر جر إليه الحال ولم يدخلا عليه ولا قصداه ، ولأنه من بيع المعين الذي يدخلفي الضمان بالعقد ولا تحمله الذمة كما مر ، وعليه فإذا حازه المصير إليه بعد ذلك التأخير الحاصل من غير شرط لم يفسخ ويجبر الآبي على حيازته ، وإنما قلنا ذلك لأن العقد وقع على الصحة أي على أن يقبضه الآن ، والعقد الواقع على الصحة لا يفسخ بما طرأ عليه كما قالوه في مساقاة الحائط الغائب أنه يشترط أن يصله العامل قبل طيبه ، وأنه إن تراخى فوصله بعد طيبه لم تفسد ، فالذي ينبغي اعتماده أو يجب عدم الفسخ فيما إذا حصل التأخير من غير شرط ، ولهذا قال البرزلي في نوازل الإقرار : إذا صير الإنسان لامرأته في كالئها أو في دين يعلم سببه نصف داره وسكن معها إلى أن مات فهو تصيير جائز إذا لم يشترط عليها السكنى فيها ، وقيل مردود والأول أظهر اه . وقال ابن سراج كما في ( ق ) : إذا خدم معك من لك عليه دين بغير شرط فإنه يجوز لك أن تقاصه عند الفراغ من الذي عليه ، وبهذا أفتى ابن رشد لظهوره عنده إذ ما كان يخفى عليه قول ابن القاسم اه . فقوله لظهوره عنده صريح في أنه اعتمد في فتواه قول أشهب ، فيكون ابن القاسم على هذا لا يجيز المقاصة ولو بعد الفراغ لأنه عنده عقد فاسد لاتهامهما على تصيير الخدمة المتأخرة عند الاستيفاء في الدين فلا يصدقان في عدم القصد والشرط ، وإذا فسد العقد عنده فيرجع العامل بأجرة مثله ويتحاسبان لأن مذهبه أن التأخير اليسير ممنوع ، وقول الشيخ بناني معترضاً على الشيخ ( ز ) ما أفتى به ابن رشد من المقاصة موافق لابن القاسم لا مخالف له فيه نظر كما ترى وبعد كتبي ما تقدم عن المعيار والمدونة وقفت على مثله لأبي العباس الملوي في تحريره ، فالحمد لله على الموافقة .
تنبيهات . الأول : إذا شهدت بينة بحوز المصير له شهراً ثم رجع إلى يد المصير بعد ذلك لم يبطل التصيير قال ناظم العمل :
وللحيازة افتقر التصيير
وحوزه شهر وذاك تكثير
وأما إن شهدت إحداهما بحوز المصير له ونزوله في الدار بالمعاينة أو الاعتراف ولم تشهد باستمرار الحيازة شهراً أو شهدت الأخرى بأنه لم يزل بيد المصير وأنه لم يخرج من يده أصلاً فإن الشهادة بعدم خروجه من يده تقدم لأنها أثبتت استمرار عدم الحيازة والأخرى لم تتعرض للاستمرار ، فيمكن أن يكون رجع ليده بعد معاينة الحوز قبل مضي الشهر ، وقد بينا ذلك في حاشية اللامية ، وسيأتي ما فيه من الخلاف في أوائل الحبس إن شاء الله
الثاني : إذا لم تقع حيازة في التصيير حتى مات المصير فحازه المصير له بعد موته وباعه فقام وارث المصير على المشتري محتجاً بفساد التصيير ، فالجاري على ما به العمل أنه بيع فاسد وهو يفوت بالبيع الصحيح لأن الفساد حصل بمجرد التأخير سواء وقع القبض في حياة المصير أو بعد موته كما هو ظاهر من كلام سيدي مصباح المتقدم وغيره ، وفتوى بعضهم بنقض البيع فيه لأن قبضه بعد الموت كالعدم فبيعه بعده تصرف في ملك الغير الخ . غير سديد لأن هذا إنما يتم لو كان التصيير محض هبة ، وقد علمت أنه معاوضة باتفاق ، ولكن تأخير القبض فيه يصيره معاوضة فاسدة على المعمول به يجري على حكمها ، لكن كان القياس أنه يمضي مع الفوات بالثمن لأنه بيع مختلف فيه لا بالقيمة كما قال سيدي مصباح إلا أن يقال ما في ( خ ) من مضي المختلف فيه بالثمن قاعدة أغلبية فقط لأنهم أوردوا على مضي المختلف فيه بالثمن مسائل قاله الملوي .الثالث : اختلف على القول باشتراط الحيازة هل لا بد من المعاينة أو يكفي فيه اعتراف المصير والمصير له ؟ قولان : والثاني منهما هو المشهور المعمول به ، وإذا تنازعا فادعى أحدهما الحوز على الفور وادعى الآخر التأخير جرى على الاختلاف في دعوى الصحة والفساد في البيع ، وقد علمت أن القول لمدعي الصحة قاله أبو عمران ، وبه أفتى العقباني وغيره كما في شرح العمل ، وعليه فقولهم لا بد فيه من فور الحوز أي لا بد أن يثبت بالبينة أو باعترافهما أو يدعيه أحدهما ، وإذا كان القول لمدعي الصحة فمحله إذا لم يغلب الفساد ، وقد قال الملوي في تحريره : الغالب في التصيير للزوجة عدم حوزها فيكون القول حينئذ لمدعي عدم فور الحوز ، فالتصيير مخالف للهبة . ونحوها من التبرعات إذ لا بد فيها من المعاينة كالرهن ومحل هذا إذا لم يكن في التصيير محاباة وغبن وإلاَّ فلا بد من المعاينة لأن المحاباة هبة ، وفي الطرر : وإذا ثبت الغبن والمحاباة في التصيير ولم تصح فيه الحيازة بطل اه . ومحله أيضاً إذا لم يكن الدين ثبت بإقرار وإلاَّ فلا بد من المعاينة لاتهامهما على قصد الهبة والتحيل على إسقاط الحيازة فلا تنتفي التهمة إلا بالمعاينة ، وهذا كله على ما مر من أن المشهور ثبوت الحوز بالاعتراف ، وأما على ما صدر به في المعين من أن الاعتراف بالحوز غير كاف ونحوه في الطرر وابن سلمون قائلاً : به العمل ، فلا فرق بين التصيير والتبرعات في وجوب معاينة الحوز .
( الرابع ) : في البرزلي عن ابن حديد : إذا صير الزوج دار سكناه لزوجته ولم يخلها من متاعه وعمله فذلك دين بدين وبيع فاسد على قول ابن القاسم ، وبه قال شيوخ قرطبة ابن لبابة وغيره وبه العمل اه . باختصار . ونقله في المعيار أيضاً عن بعضهم ونحوه في المتيطية قائلاً : لا يجوز تصيير دار السكنى للزوجة إلا أن يخليها من سكناه وأمتعته فيتم لها قبضها هذا هو المشهور المعمول به اه . وخالف ابن رحال في هذا فقال : إن التصيير في غير مسألة الزوجة شرطه الحوز وإلاَّ فسد ، ومسألة الزوجة فيها خلاف والصواب هو المضي لأن مسألة الزوجة حائزة بعض الحوز ولا كذلك من لم يحز أصلاً بدليل أن الصدقة تحاز مع المصدق وتصح اه . وأشار بقوله : بدليل أن الصدقة تحاز مع المتصدق الخ . إلى ما صدر به ابن سهل حسبما في ( ق ) آخر القرض من أن التصيير لا يحتاج إلى حيازة ، وبه أفتى ابن عتاب وابن القطان وابن مالك في مسألة تصيير نصف دار السكنى قال : وهو الصواب لأنه قول مالك فيمن وهب أجنبياً جزءاً من ماله مشاعاً واعتمر الموهوب له مع الواهب أنه جائز اه . وفيه نظر لأن الزوجة في مسألة تصيير نصف الدار لها أو تصييرها كلها لها لم تعتمر لنفسها شيئاً في الحقيقة إذ سكناها على الزوج والمعتمر في الحقيقة هو الزوج بخلاف مسألة صدقة الجزء المشاع فالمتصدق عليه قد حاز لنفسه .
الخامس : تقدم في النكاح أن عادة البوادي أن يسموا في الصداق عيناً ويدفعوا عنها عرضاً أو حلياً أو شورة أو عقاراً وذلك جائز لا يفتقر لحيازة وأنه ليس من التصيير . قال أبو العباس الملوي بعد نقول ما نصه : قد بان لك من هذا أن من عقد على شيء والمقصود دفع غيره فالعبرة بذلك المقصود وكأن العقد وقع عليه ابتداء ، فإذا تزوج بنقد والمقصود بالشرط أو العادة دفع عقار فكأنه تزوج بذلك العقار ابتداء فلا يحتاج إلى حيازة والعادة دفع الشورة فكأنه تزوج بالشورة ابتداء فيجري على قول ( خ ) : وجاز بشورة الخ اه . وانظر ما يأتي الأول فصل الإجارة ففيه مايوافقه .
السادس : إذا لم يحز المصير له الشيء المصير على الفور فباعه المصير ، فهل يكون بيعه نقضاً للتصيير ؟ قولان . والراجح كما يفيده ( ح ) : أنه نقض للتصيير ويمضي البيع الواقع منه والهبة كالبيع ، وهذا كله حيث وقع البيع قبل فواته بيد المصير له وإلاَّ فبيعه غير معتبر قاله الملوي .
السابع : في أقضية المعيار : من توفي عن زوجة وأولاد صغار فطلبت الزوجة مهرها فصير لها فيه ربع من التركة بغير نداء عليه ولا حاكم فقال : إذا لم يكن بالموضع حاكم واجتمع وجوه الموضع وعدوله وطلبوا الزيادة في مظانها أو لم يشيدوه ، ولكن قوم بقيمة مستوفاة بحيث لا تمكن فيه الزيادة لرشيد فالتصيير ماض ولا مقال للورثة ، ولو لم يكن شيء من ذلك فلهم القيام .
وَالْعَرْضَ صَيِّرْه بِلاَ مُنَازَعَهْ
وَالْحَيَوَانَ حَيْثُ لا مُوَاضَعَهْ
( والعرض ) بالنصب على الراجح من باب الاشتغال ( صيره ) في الدين ( بلا منازعة ) أي بلا خلاف في جواز تصييره ، وإنما الخلاف في كونه يفتقر للحيازة أم لا كما مر . ( والحيوان ) صيره أيضاً بهيمياً كان أو عاقلاً كالرقيق ( حيث لا مواضعة ) تجب في الأمة المصيرة ولم يقع التصيير على عهدة الثلاث أو خيار لأحدهما في الإمضاء والرد ونحو ذلك مما يوجب تأخير قبض الشيء المصير وعدم دخوله في ضمان المصير إليه كما مر في قول ( خ ) ولو معيناً يتأخر قبضه كغائب ومواضعة الخ .
وَجَائِزٌ فيهِ مزِيدُ العَيْنِ
حَيْثُ يَقِلُّ عنه قدْرُ الدَّيْنِ
( وجائز فيه ) أي في التصيير ( مزيد ) مصدر ميمي أي زيادة ( العين ) من المصير له ( حيث يقل عنه ) أي عن ثمن الشيء المصير ( قدر الدين ) بأن يكون الدين مائة ويصير له فيه داراً تساوي مائة وعشرين على أن يزيده رب الدين عشرين ، وظاهر إطلاقه جواز ذلك ولو تأخرت العشرون المزيدة وهو كذلك كما لصاحب التيسير والتسهيل ، وبه قررت كلام الناظم وقول ابن سلمون والمتيطية وغيرها إن كان التصيير في دين وزيادة زادها فلا بد له من القبض الناجز الخ . إنما يعنون قبض الملك المصير لا الزيادة إذ لا وجه لمنع تأخيرها لأجل معلوم خلافاً لما فهمهابن رحال و ( م ) من تناجز قبض الزيادة والله أعلم . وأما عكس النظم وهو ما لو كان الدين مائة ودفع الدار في ثمانين فجائز أيضاً إن بقيت العشرون لأجلها أو قبضها بحضرة العقد وإلا بأن أخره بها عن أجلها امتنع للبيع والسلف .
وَالْخُلْفُ في تصْييرِ مَا كَالسُّكْنَى
أوْ ثَمَرٍ مُعَيَّنٍ لِيُجْنَى
( والخلف في تصيير ما ) هو منفعة ( ك ) تصيير ( السكنى ) في دار أو حانوت أو ركوب دابة أو سفينة ونحو ذلك مما لا يقبض دفعة واحدة بل شيئاً فشيئاً فابن القاسم يمنع ولو شرع في قبض المنفعة أثر العقد لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر عنده ، وأشهب يجيز لأن قبض الشيء عنده قبض لجميع منافعه . قال بعض القرويين : وهو أقيس . قال ابن سراج : يجوز فسخ الدين في معين اليوم ونحوه ، فإذا كان للإنسان دين على آخر فقال له : احرث معي غداً واقتطع لك من دينك ، فهذا جائز على قول أشهب ، ورجحه ابن يونس . وفي المتيطية يجوز في الشيء اليسير أن تعطي غريمك ثوباً يخيطه لك من دينك عليه وشبه ذلك فإن كثر العمل لم يجز اه . وظاهره أن هذا على مذهب ابن القاسم ، وأما على مذهب أشهب فلا فرق بين العمل القليل والكثير فيؤخذ من هذا جواز التأخير اليسير في حيازة التصيير كاليوم واليومين على مذهب ابن القاسم ، إذ فسخ الدين في الدين يغتفر فيه ما قرب كما قال ( خ ) : والأضيق صرف إلى قوله ثم إقالة عروض وفسخ الدين بناء على أن معنى الضيق والسعة في ذلك جواز التأخير اليسير فيما عدا الصرف ، فالتأخير اليسير مع اشتراطه جائز على ما يقتضيه شراحه هنالك ، وأما مع عدم الاشتراط فتقدم أنه لا فرق بين اليسير والكثير . ( أو ثمر معين ليجنى ) فابن القاسم يمنع أن يأخذ عن دينه ثمراً معيناً في رؤوس أشجاره يقتطفه بعد تناهي طيبه لأنه فسخ في معين كما مر ، وأشهب يجيزه كما يجيز أخذ الدابة الغائبة والأمة التي تتواضع والعبد بالخيار ونحو ذلك كما مر .وَامْتَنَعَ التَّصْييرُ لِلصَّبِيِّ
إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيِّ
( وامتنع التصيير ) من مدين عليه دين ( للصبي إن لم يكن ) الصبي ( ذا أب أو وصي ) أو مقدم بل كان مهملاً ، وإنما امتنع لأنه تصيير يتأخر قبضه إذا قبض الصبي كلا قبض فيدخله فسخ الدين في الدين على ما مر . والتعليل بكون قبض الصبي يتعذر لكونه كلا قبض نحوه لابن سلمون عن ابن فتحون ، ومعناه أن الصبي بالخيار في إمضاء عقد التصيير إن رشد كما قال ( خ ) في الحجر : وله إن رشد الخ . فيكون حينئذ تصييراً بخيار وهو ممنوع على المذهب كما مر ، فقبضه حينئذ كالعدم وبهذا يفارق حكم الهبة التي يعتبر فيها قبضه كما يأتي في قوله : ونافذ ما حازه الصغير الخ . وبهذا يعلم أنه لا مفهوم لقوله للصبي ، بل المراد المحجور ولو بالغاً ، ومفهوم الشرط الجواز إذا قبضه الأب أو الوصي من المصير فإن تأخر قبضهما جرى على ما مر ، فإن كان الأب والوصي هما المصيران للمحجور في دين معلوم له عليهما وحازا ذلك له صح وجاز لأن كلاً منهما يحوز لمحجوره ما يعرف بعينه ، وإن لم تشاهد البينة حوزهما بل إقرارهما بالحوز له كاف ، وإن قدما من يحوز له فكذلك قاله في المعيار عن أبي الضياء مصباح وأبي الحسن الصغير قال أبو العباس الملوي : استفيد من ذلك أن حيازة الأب لابنه ما صيره له في دين ترتب له عليه ماض كما استفيد منه أن الاعتراف بالحوز كاف حتى فيما يحوزه الأب أو نائبه للابن ، ويفهم منه أيضاً أن اعتراف المصير وحده كاف ، ولكن المسألة مفروضة في التصيير للمحجور اه .
قلت : تقدم أن الاعتراف بالحوز كاف على المشهور ، ولو كان التصيير لغير المحجور وأنهما إذا اختلفا في فور الحيازة وعدم فوريتها فالقول لمدعي فوريتها لأن ذلك راجع لدعوى الصحة والفساد في البيع ، وهو صريح في أن الاعتراف بالحيازة من أحدهما كاف ولو في غير المحجور فلا حاجة لقوله : ولكن المسألة مفروضة الخ . وقولي في دين معلوم له عليهما احترازاً مما إذا كان الدين مجهولاً أصله أو قدره فيجوز أيضاً كما قال :
والأَبُ كَالْوَصِيِّ في التَّصْييرِ
تَمَخِّيَاً بالجْهْلِ لِلْمَحْجُورِ
( والأب كالوصي في التصيير ) للمحجور ( تمخياً ) أي تبرياً من تمخيت من الشيء إذا تبرأت منه وتحرجت قاله الجوهري وهو مفعول لأجله أي لأجل التمخي ( ب ) سبب ( الجهل ) بقدر ما في الذمة أو بأصله ( للمحجور ) يتعلق بالتصيير أي ويصير الوصي أو الأب لمحجوره ما يتحرى به براءة ذمته حيث جهل قدر الدين أو جهل أصله والأول واجب والثاني مندوب ، ويصح قبضهللشيء المصير ما لم يكن دار سكناه ، وإلاَّ فلا بد من إخلائها كما يأتي في الحبس والهبة فإن قوم كراءها بعدلين واستمر ساكناً بها صح ذلك ولم تبطل الهبة قاله في هبات المعيار . والظاهر أن التصيير كذلك كما أن الظاهر أنه إذا استمر ساكناً بنصفها في التصيير من غير تقويم لكرائها فإنه يبطل ذلك النصف فقط ، وإن سكن الجل بطل الجميع كالهبة والله أعلم . وتقدم في الشفعة أن هذا التمخي لا شفعة فيه .
فصل في السلموهو كما لابن عرفة عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين فقوله : عقد معاوضة جنس يشمل جميع أنواع البيع والكراء ، وقوله : يوجب عمارة أخرج به بيع المعين وكراءه . وقوله : بغير عين أخرج به بيع المعين وكراءه بثمن عين إلى أجل ، وقوله : ولا منفعة أخرج به الكراء المضمون . وقوله : غير متماثل للعوضين أخرج به السلف ، وأما حكمه فقال المشذالي : صرح في المدونة بأنه رخصة مستثنى من بيع ما ليس عندك اه . وقد فهم من قوله : يوجب عمارة ذمة أنه لا بد أن يكون المسلم فيه موصوفاً لأن الذمة لا تعمر إلا بما كان جائزاً شرعاً فيعلم منه أنه لا يجوز في المعينات لأنها لا تحملها الذمم ولا فيما لم تضبطه الصفات ، لأن عدم التعرض لضبط صفاته يؤدي لمبيع مجهول العين والصفة وهو لا يجوز ، ولذا قال :
فيما عدا الأُصُولِ جَوِّزِ السَّلمْ
وَلَيْسَ في المالِ وَلَكِنْ في الذِّمَمْ
( فيما عدا الأصول ) من عروض موصوفة وحيوان وطعام كذلك ( جوز السلم وليس ) هوأي السلم كائناً ( في المال ) المعين بقرينة قوله ( ولكن في الذمم ) جمع ذمة كقربة وقرب أي : ولكن الشرط كون المسلم فيه من عرض ونحوه ديناً موصوفاً في الذمة كما مر ووجه عدم جواز السلم في الأصول أن السلم فيها يؤدي إلى تعيينها إذ لا بد فيها من وصف بما تختلف فيه الأغراض كما يأتي للناظم وكما قال ( خ ) في تعداد شروطه ، وإن تبين صفاته التي تختلف بها القيمة في السلم عادة كالجودة والرداءة الخ . ووصف العقار بما تختلف به القيمة يؤدي إلى تعيين محله ومجاوره لكون القيمة تختلف بذلك ، وتعيينها يؤدي إلى السلم في المعين وهو لا يجوز إذا لم يكن ذلك المعين في ملك المسلم إليه بلا خلاف للغرر ، إذ قد لا يبيعه مالكه وإن كان في ملك المسلم إليه فهو من بيع معين يتأخر قبضه ، فإن كان التأخير بشرط وكان إلى أجل يتغير ذلك المعين إليه كأكثر من ثلاثة أيام في الحيوان والثوب ، وأكثر من عام في الدار ونحوها امتنع للغرر في بقائه على تلك الصفة ، وإن كان لأجل لا يتغير إليه غالباً كثلاثة أيام في الحيوان والثوب وكعام في الدار ونحوها ، لأن ذلك يختلف باختلاف المبيع جاز كما تقدم تحصيله في بيع الأصول ، وأما تأخيره بغير شرط فجائز إذ غايته أن المشتري تركه أمانة عند البائع إلى أي وقت شاء ، ودخل في ضمانه بالعقد كما قال ( خ ) : وجاز تأخير حيوان جعل رأس مال بلا شرط الخ . قالوا : ولو أخر إلى حلول أجل السلم فإنه لا يفسد العقد والثوب المعين مثل الحيوان كما يأتي للناظم آخر الفصل ، وإذا جاز هذا في السلم مع كونه يؤدي إلى شبه ابتداء الدين بالدين فأحرى أن يجوز في بيع معين بثمن نقداً معجلاً ، أو يتأخر قبض المعين بلا شرط كما مرّ في بيع الأصول ، وقول ضيح في تعليل منع السلم في المعين لأنه يلزم فيه ضمان بجعل لأن المسلم يزيد في الثمن ليضمنه له المسلم إليه الخ . يرد بأن المعين يدخل في ضمان المشتري بالعقد كما مرّ ، وقوله أيضاً في تعليل المنع : ولأنه إن لم ينقد اختل شرط السلم الخ . هذا إذا كان عدم النقد مشروطاً وكان إلى أجل يتغير إليه كما مر ولما قال : ولكن في الذمم يعني حقيقة الذمة ما هي ؟ فقال :
وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا
يَقْبَل الالْتِزَامُ وَالإِلْزَاما
( والشرح للذمة وصف ) اعتباري كالطهارة والقضاء يعتبره العقل ويقدره لا حسي كالبياضوالطول ولا عقلي حقيقي كالعلم والحلم ( قاما ) بالإنسان ( يقبل ) هو أي ذلك الوصف الاعتباري الذي يقدر قائماً به ( الالتزام ) بما التزمه اختياراً من نفقة يتيم ونحوها ( و ) يقبل أيضاً ( الإلزاما ) لما ألزمه الشرع إياه من زكاة وأرش جناية ونحو ذلك وظاهره أن الصبي والمحجور لا ذمة لهما إذ لا يلزمهما ما التزماه اختياراً وهذا نحو قول القرافي : الذمة معنى شرعي يقدر في المكلف قابل للالتزام واللزوم أي : الإلزام . وهذا المعنى جعله الشرع مسبباً عن أشياء خاصة منها : البلوغ ، ومنها الرشد فمن بلغ سفيهاً لا ذمة له ، ومنها ترك الحجر كما في الفلس ، فمن اجتمعت له هذه الشروط رتب الشرع عليها تقرير معنى يقبل إلزامه أروش الجنايات وأجر الإجارات وأثمان المعاملات ونحو ذلك من التصرفات ، ويقبل التزامه إذا التزم شيئاً اختياراً من قبل نفسه ، وهذا المعنى المقدر هو الذي تقرر فيه الأجناس المسلم فيها وأثمان المبيعات وصدقات الأنكحة وسائر الديون ومن لا يكون له هذا المعنى مقدراً في حقه لا ينعقد في حقه سلم ولا ثمن إلى أجل ولا حوالة ولا حمالة ولا شيء من ذلك ، ثم قال : الذمة يشترط فيها البلوغ من غير خلاف أعلمه ثم قال : والذي يظهر لي وأجزم به أن الذمة من خطاب الوضع ترجع إلى التقادير الشرعية وهو إعطاء المعدوم حكم الموجود الخ . يعني لأن الذمة ليست موجودة في الخارج ، ولكنها تعطي حكم الموجود فيه ، وهذا الذي ظهر له وجزم به من كونها من خطاب الوضع هو الذي اختاره ابن الشاط قال : والأولى عندي أن الذمة قبول الإنسان شرعاً للزوم الحقوق دون التزامها ، فعلى هذا يكون للصبي ذمة لأنه يلزمه أرش الجنايات وقيم المتلفات ، وما ذاك إلا لكونها من خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه تكليف ولا غيره كما قال ( خ ) : وضمن ما أفسد إن لم يؤمن عليه الخ . وقال في المدونة : ومن أودعته حنطة . فخلطها صبي أو أجنبي بشعير للمودع ضمن الصبي ذلك في ماله ، فإن لم يكن له وقت ذلك مال ففي ذمته ، قال الشيخ المسناوي : وإثبات الذمة للصبي كما قال ابن الشاط صحيح ، وعليه فلا يشترط في الذمة التمييز فضلاً عن التكليف ، فالذمة ثابتة للمميز اتفاقاً ولغيره على الراجح . قال : وابن عاصم إنما درج في تحفته على ما للقرافي وفاقاً للأجهوري وتلميذ ( ز ) لا على ما لابن الشاط خلافاً للشيخ ( م ) كما هو مبين اه . انظر تأليفه المسمى : بصرف الهمة إلى تحقيق معنى الذمة ، وكونه في الذمة هو أول الشروط في النظم ، وثانيهما ما أشار بقوله :
وَشَرْطُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ أَنْ يُرَى
مُتَّصِفاً مُؤَجَّلاَ مُقَدَّرا
( وشروط ما يسلم فيه أن يرى متصفاً ) أي مضبوطاً بالصفة التي تختلف بها الأغراض في السلم اختلافاً يتغابن به عادة بخلاف ما لا يتغابن به لسهولته فلا يحتاج لبيانه ( خ ) : وإن تبين صفاته التي تختلف بها القيمة في السلم عادة كالجودة والرداءة وبينهما واللون في الحيوان والثوبوالعسل ومرعاه الخ . وتعبيره بالقيمة مساو لتعبير غيره بالأغراض كما حققه ابن رحال قائلاً : كل ما تختلف به القيمة تختلف به الأغراض وبالعكس ، وأطال في الاحتجاج لذلك بكلام الأئمة ، ونقلنا كلامه في شرح الشامل ، وثالث الشروط أن يكون المسلم فيه ( مؤجلاً ) بأجل معلوم لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ( من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) ( خ ) : وأن يؤجل بمعلوم زائد على نصف شهر ومراده نصف الشهر فأكثر ، وإنما اشترط فيه الأجل لئلا يؤدي إلى بيع ما ليس عندك المنهي عنه في حديث الترمذي وغيره ، وإنما اشترط كونه نصف شهر فأكثر لأنه مظنة تغير الأسواق غالباً فإن أجل بيومين أو ثلاثة فظاهر المدونة أنه يفسخ ، واختاره ابن المواز . وعن أصبغ أنه لا يفسخ قال : لأنه ليس بحرام بين ولا مكروه بين ، واختاره ابن حبيب ، وأما إن عري عن الأجل رأساً فإنه يفسخ ولا يكون للمسلم إلا رأس ماله إلا أن يكون أجل السلم في ذلك الجنس متعارفاً محدوداً عند أهل البلد لا يختلف فيه فيحملان عليه ولا يفسخ قاله في الوثائق المجموعة . ومحل اشتراط كون الأجل نصف شهر لا أقل إذا لم يشترط قبضه ببلد آخر غير بلد العقد وإلاَّ فلا يطلب فيه نصف شهر ، بل يشترط أن يكون البلد الذي يقبض فيه على مسافة يومين فأكثر لأنه مظنة تغير سوق البلدين وأن يقبض فيه رأس المال بمجلس العقد أو قربه لئلا يؤدي إلى عين الكالىء بالكالىء قاله الباجي ، وأن يشترط الخروج إليه في العقد وأن يخرجا بالفعل ، وأن يكون سفرهما إليه ببر أو بحر بغير ريح كما قال ( خ ) : إلا أن يقبض ببلد كيومين إن خرج حينئذ ببر أو بغير ريح كالمنحدرين احترازاً من السفر بالريح كالمقلعين ، لأنه قد يصل في يوم فيكون من السلم الحال ، وإذا وقع السلم على هذه الشروط فطرأ عذر أو فتنة منعت من السفر فإن كان مما ينكشف عن قريب فهما على سلمهما ، وإن كان مما يطول جرى على حكم من أسلم في ثمرة وانقطع أبانها المشار إليه بقول ( خ ) : وإن انقطع ماله أبان أو من قرية خير المشتري في الفسخ والإنفاء بماء لقابل .
تنبيه : يجوز الشراء من أرباب الحرف وسواء قدم النقد أو أخره ، وذلك بشرط أن يشرع في الأخذ وأن يكون أصل ذلك عند المسلم إليه ، وأن يبين ما يأخذه في كل يوم وليس لأحدهما الفسخ إن وقع الشراء على جملة أرطال يأخذها مفرقة على أيام ، وأما إن عقد معه على أن يشتري منه كل يوم رطلاً مثلاً فلكل الفسخ كما ينفسخ بموت المسلم إليه في الأولى أو مرضه أو فلسه ، ويأخذ بقية رأس ماله في الموت والمرض ويحاص بذلك في الفلس وهو معنى قول ( خ ) : وجاز الشراء من دائم العمل كالخباز وهو بيع ، وإن لم يدم فسلم فلا بد من اعتبار شروط السلم كلها .ورابع الشروط أن يكون المسلم فيه ( مقدراً
مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَذَرْعٍ أَوْ عَدَدْ
مِمَّا يُصابُ غَالِباً عِنْدَ الأَمَدْ
بوزن ) كسمن وقطن ( أو كيل ) كحنطة ( وذرع ) في ثوب وحبل ( أو عدد ) في رمان وبيض ( خ ) : وأن يضبط بعادة من كيل أو وزن أو عدد كالرمان وقيس بخيط والبيض أو بحبل وجرزة في كقصيل الخ . وخامس الشروط أن يكون المسلم فيه ( مما يصاب ) أي يوجد أي مقدوراً على تحصيله ( غالباً عند ) حلول ( الأمد ) أي الأجل المعين بينهما ، وظاهره وإن انقطع قبله وهو كذلك ( خ ) : ووجوده عند حلوله وإن انقطع قبله ، ثم قال : فيجوز فيما طبخ واللؤلؤ والعنبر والجوهر والزجاج والجص والزرنيخ وأحمال الحطب والصوف بالوزن لا بالجزاز الخ . وإن انقطع قبله الخ . يعني المشترط وجوده عند حلول أجله ، ولو انقطع في أثناء الأجل كالثمار ونحوها قال فيها : ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها لا يشترط أخذ سلمه إلا في أبانه ، وإن اشترط أخذه في غير أبانه لم يجز لأنه شرط ما لا يقدر عليه اه . خلافاً لأبي حنيفة في اشتراطه وجوده من حين السلم فيه إلى حلوله لئلا يموت المسلم إليه فيه أو يفلس فتحل ديونه ، وليس هناك ما تقتضي منه الخ . ولم يعتبر مالك وغيره ذلك لندوره ، واحترز بقوله غالباً مما إذا كان لا يوجد غالباً عند الأجل كالسلم في كبار اللؤلؤ الخارج عن العادة لئلا يتردد رأس المال بين كونه تارة ثمناً إن وجد وتارة سلفاً إن لم يوجد ( خ ) : ولا يجوز السلم فيما لا يمكن وصفه كتراب المعدن والجزاف ولا فيما لا يوجد غالباً الخ . وظاهر التعليل بكونه تارة سلفاً وتارة ثمناً أنه جار ولو فيما يعرف بعينه وهو كذلك على ما استظهره في ضيح .
فرع : إذا كان للمسلم فيه أبان فمات المسلم إليه قبله ، فإن التركة يوقف قسمها إلى الأبان . ابن رشد : إلا إن قل السلم وكثرت التركة ، فإن كان عليه ديون أخر فههنا يتحاص في تركته ويضرب لصاحب السلم بما يشترى له به بعد الأبان لا بما يشترى له به الآن ( خ ) في باب الفلس : وقوم مخالف النقد يوم الحصاص واشترى له منًّا بما يخصه ومضى أن رخص أو غلا الخ . ولما فرغ من شروط المسلم فيه وعدها خمسة ذكر ما يشترط في رأس المال فقال :
وَشَرْطَ رأسِ المالِ أنْ لا يُخْظَلاَ
في ذَاكَ دَفْعُهُ وَأَنْ يُعَجَّلا( وشرط رأس المال أن لا يحظلا ) يمنع ( في ذاك ) أي المسلم فيه ( دفعه ) فالمجرور بفي يتعلق بهذا المصدر المضاف إلى ضمير رأس المال ، واحترز به من سلم ذهب في فضة وبالعكس ، أو طعام في طعام أو لحم في حيوان وبالعكس ، أو شيء في أكثر منه أو أجود من جنسه كالعكس كثوب في ثوبين أو ثوبين في ثوب لئلا يؤدي للصرف المؤخر والنسيئة في الطعام ، وبيع اللحم بالحيوان أو سلف جر نفعاً وتهمة ضمان بجعل ، وإنما اعتبروها ههنا وألغوها في بيوع الآجال لأن تعدد العقد هناك أضعفها ( خ ) : ويشترط أن لا يكونا أي رأس المال والمسلم فيه طعامين ولا نقدين ولا شيئاً في أكثر منه أو أجود كالعكس إلا أن تختلف المنفعة كفاره الحمر في الأعرابية الخ . وشرط رأس المال أيضاً أن يقبض كله عند العقد أو ما في حكمه كما قال : ( وأن يعجلا .
وَجَازَ إنْ أَخَّرَ كالْيَوْمَيْنِ
وَالعَرْضُ فِيهِ بِخِلاَفِ العَيْنِ
وجاز إن أخر كاليومين ) والثلاثة وظاهره ولو بشرط وهو كذلك ( خ ) : شرط السلم قبض رأس المال كله أو تأخيره ثلاثاً ولو بشرط الخ . وظاهره أنه لا يجوز تأخيره أو بعضه مع الشرط أكثر من ثلاثة أيام ، ولو قلت الزيادة عليها سواء كان عيناً أو عرضاً أو حيواناً وهو كذلك ويفسد السلم ويرد إليه رأس ماله مع القيام أو قيمته مع الفوات ، وإنما فسد في العرض والحيوان لأنه بيع معين تأخر قبضه لما يتغير إليه غالباً كما مر ، وأما تأخيره أكثر من الثلاثة بغير شرط ففيه تفصيل فإن كان عيناً فسد أيضاً على المشهور لأنه عين الكالىء بالكالىء ( و ) أما ( العرض ) المعين ومثله الحيوان والطعام فيهم ( فيه ) أي في جواز التأخير بلا شرط ( بخلاف العين ) فيجوز تأخيرهم ولو إلى حلول أجل السلم ، إلا أن جواز التأخير في العرض والطعام مصحوب بكراهة ، وهل الكراهة فيهما مطلقاً أو إذا لم يحضر العرض ولم يكل الطعام وإلاَّ جاز تأخيرهما من غير كراهة . قولان . وهو معنى قول ( خ ) وجاز تأخير حيوان بلا شرط ، وهل الطعام والعرض كذلك إن كيل وأحضر أو كالعين ؟ تأويلان . قال في ضيح : وينبغي في العرض إذا أحضر الجواز وفي الطعام إذا لم يكل أن تكون الكراهة للتحريم الخ . وهو ظاهر لأن العرض الحاضر يدخل في ضمان المسلم إليه بالعقد ، فله أن يتركه عند المسلم أمانة إلى أي وقت شاء بخلاف الطعام إذا لم يكل ففيه حق توفية فلا يدخل في ضمانه بالعقد ، فهو حينئذ كالعين لا يجوز تأخيره أكثر من ثلاثة ولو بغير شرط .تتمة : ليس من الشروط أن يذكرا موضع قضاء المسلم فيه ، بل إذا تعرضا لموضع قضائه فإن كان متسعاً كما لو دخلا على قضائه بمصر ولم يسميا موضعاً منها يقبض فيه فسخ لأن مصر متسعة إذ هي ما بين البحر المالح وأسوان ، ومن اسكندرية إلى أسوان وإن لم يتعرضا لموضع قضائه بل سكتا عنه ، فإنه لا يفسد ويقضى بمحل عقده ( خ ) : وإن اختلفا في موضع قضائه صدق مدعي موضع عقده ، وإلاَّ فللبائع وإن لم يشبها حلفا وفسخ كفسخ ما يقبض بمصر وجاز بالفسطاط وقضى بسوقها وإلاَّ ففي أي مكان .
باب الكراءللدور والأرضين والرواحل والسفن وهي في الاصطلاح المعاوضة على منافع غير الآدمي ، والإجارة والجعل ؛ وهما في الاصطلاح المعاوضة على منافع الآدمي . ( وما يتصل به ) من الأبواب المستثناة من الأصول الممنوعة كالمساقاة والمزارعة والمغارسة والقراض وأدمج الشركة بينهما ، وعقد لكل منها فصلاً يخصه كما يأتي ، وغرر هذه الأبواب المستثناة ظاهر للجهل بالعوض ، ولكنه اغتفر لشدة الحاجة إليها ، وما تقدم من أن الإجارة والجعل لمنافع الآدمي والكراء لمنافع غيره هو مجرد اصطلاح كما مر قريباً ، وقد يطلق أحدهما على الآخر . ابن عرفة : الكراء عقد على منافع غير الآدمي أو ما يبان به وينقل غير سفينة اه . فأخرج بغير الآدمي منافع الآدمي ، فإنها إجارة أو جعل . وقوله : أو ما يبان به معطوف على غير مدخول لمنافع ، وأدخل به الدابة والثوب والفأس والمنشار ونحو ذلك ، ولو قال : عقد على منافع غير آدمي من سفينة لكان أخصر وأوضح لأن ما يبان به من الدابة ونحوها داخل في غير الآدمي ، وأخرج بقوله غير سفينة العقد على منافع السفينة فإن ذلك جعالة لأن كراءها إنما يكون على البلاغ فلا يستحق شيئاً إلا به كما في المدونة ، فمن هذا الوجه أشبهت الجعالة وإن كان كراؤها يلزم بالعقد بخلاف الجعل ، ومثل السفينة مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على حفظ القرآن كله أو جزء معين منه ، والمغارسة فإنهاكلها على البلاغ لا يستحق العامل فيها شيئاً إلا بالتمام وتلزم بالعقد كالإجارة قاله ابن عبد السلام وغيره .
يَجُوزُ في الدُّورِ وَشِبْهِهَا الكِرَا
لمُدَّةٍ حُدَّتْ وَشَيْءٍ قُدِّرَا
( يجوز في الدور وشبهها ) من حوانيت وفنادق وأرحية ونحوها ( الكرا ) ويكون على وجهين . أحدهما : أن يكون ( لمدة ) معينة قد ( حدت ) بإشارة إليها أو تسميتها كقوله : أكتريها منك هذه السنة أو هذا الشهر أو هذا اليوم أو يقول له : أكتريها منك شهر كذا أو سنة كذا ، أو يقول : أكتريها منك سنة أو سنتين أو ثلاثاً أو يومين أو ثلاثاً ، أو يقول : أكتريها منك إلى وقت كذا ، وهذه الألفاظ الأربعة كلها لازم الكراء فيها بالعقد إذا وقعت هكذا ( وشيء ) من العوض ( قدرا ) أي فيها لتلك المدة المعينة كدينار أو درهم ويسمى هذا الوجه من الكراء وجيبة .
وَلاَ خُرُوجَ عَنه إلاَّ بالرِّضا
حتى يُرَى أمَدُهُ قدِ انْقَضَى
( ولا خروج عنه ) لواحد منهما قبل انقضاء مدته للزومه لهما بالعقد ( إلا بالرضا ) منهما معاً على فسخه وإلاَّ فلا فسخ ( حتى يرى أمده قد انقضى ) ثم إن عين المبدأ في الوجهين الآخرين من الوجوه الأربعة التي تسمى وجيبة واضح ، والأصح العقد وحمل الأمر على أن أول المدة من حين العقد لأنه لو لم يحمل على ذلك لزم فساد العقد ، لأن الكراء لا يجوز على سنة ونحوها غير معينة ( خ ) : عاطفاً على الجواز وعدم بيان الابتداء وحمل من حين العقد وعليه ، فإن كان العقد في أول الشهر لزمهما الكراء في ذلك الشهر على الهلال من نقص أو تمام ، وإن كان في أثناء الشهر لزمهما الكراء في ثلاثين يوماً من يوم عقداه .
تنبيه : ظاهر قول الناظم لمدة حدت أنه يجوز ذلك ولو طالت المدة ، وهو كذلك إذا كانت تبقى إليها غالباً ، قال في الشامل : ويجوز كراء الدار وشبهها لمدة تبقى فيها غالباً وجاز النقد فيها إن لم تتغير غالباً الخ . فالضابط لجواز العقد والنقد عدم التغير في تلك المدة ، ولذا قال ابن عرفة : المعتبر في أجل منفعة الربع ما لا يتغير فيه غالباً فيجوز فيه العقد والنقد ، وما لا يؤمن تغيره لطول مدته أو ضعف بنائه جاز فيه العقد لا النقد ، وما غلب على الظن بعد بقائه لمدة لم يجز العقد عليه لتلك المدة اه . والوجه الثاني من وجهي الكراء أن يكون العقد وقع بينهمامشاهرة وهو ما ىشار له بقوله :
وَجَائِزٌ أنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ
مُعَيَّنٍ في العام أو في الشَّهْرِ
( وجائز أن يكترى بقدر . معين في العام أو في الشهر ) كأن يقول : أكتري منك دارك كل شهر بدينار أو كل سنة بعشرة أو كل يوم بدرهم ، فإذا عينا المبدأ فواضح وإلاَّ حمل من حين العقد كما مرّ في الوجيبة ، والعقد على هذا الوجه يسمى مشاهرة وهو غير لازم إلا بنقد فبقدره كما قال :
وَمَنْ أرَادَ أنْ يَحُلَّ ما انْعَقَدْ
كانَ لهُ ما لَمْ يَحُدَّ بعَدَدْ
( ومن أراد ) منهما ( أن يحل ) عن نفسه ( ما انعقد ) بينهما من كراء المشاهرة ( كان له ) ذلك وقوله : ( ما لم يحدّ بعدد ) مستغنى عنه لأنه إذا حد بعدد كسنتين أو شهرين أو يومين كان من الوجه الأول الذي هو الوجيبة .
وَحَيْثُمَا حَلَّ الكِرَا يَدْفعُ مَنْ
قَدِ اكترَى مِنْهُ بِقدْر ما سَكَنْ
( وحيثما حل ) عقد ( الكرا ) ء وفسخ في المشاهرة لعدم لزوم العقد لهما فيها حيث لم يكن المكتري نقد شيئاً أو فسخ في الوجيبة برضاهما معاً ( يدفع من قد اكترى منه ) أي من الكراء ( بقدر ما سكن ) حيث كان سكن شيئاً من المدة ، وقولي : حيث لم يكن المكتري نقد شيئاً احترازاً مما إذا كان نقد بعض مدة المشاهرة فإنه يلزمهما الكراء في قدر المنقود حيث سكن شيئاً بعد أن نقد كما قال :
كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الكِرَاءِ قُدِّما
فَقَدْرُهُ مِنَ الكِرَاءِ لَزِمَا
( كذاك ) يلزم عقد الكراء في المشاهرة ( إن بعض الكراء قدما ) فيها وأرادا فسخها بعد أن سكن شيئاً من مدة النقد ، فإن ذلك لا يجوز ويلزمهما إتمام مدة النقد كما قال : ( فقدره ) أي قدر النقد المقدم ( من ) مدة ( الكراء لزما ) لهما ، وظاهره أن قدر مدة النقد لازم لهما ولو تراضيا على الفسخ ، وهو كذلك إن سكن بعض مدة النقد كما قررنا ، فإذا اكترى منه كل شهر بدينار وقدم له دينارين وسكن نصف شهر مثلاً لزمهما إتمام الشهرين اللذين هما قدر المنقود وليس لهما الفسخ فيما بقي من مدة النقد ولو رضيا لأن الفسخ حينئذ إقالة وهي حينئذ لا تجوز لأن المردودمن النقد سلف والمقابل منه لنصف الشهر في المثال المذكور كراء فيؤدي إلى كراء والسلف وهما وإن لم يدخلا على ذلك لكن يتهمان عليه كما مر للناظم في الإقالة حيث قال :
وسوغت إقالة فيما اكترى
ما لم يكن أعطى الكراء المكترى
وأما إذا نقدا وتقايلا برضاهما قبل أن يسكن شيئاً فذلك جائز لانتفاء العلة المذكورة ، وأما إذا أراد أحدهما الفسخ بعد النقد وأبى الآخر ، فإن مريده لا يجاب إليه ولو لم يكن سكن شيئاً كما تقدم أنه ظاهر عموم النظم ( خ ) : ومشاهرة ولم يلزم لهما إلا بنقد فبقدره الخ . وانظر الكراس الثاني من أنكحة المعيار فإنه ذكر فيه أن كراء الدابة كل يوم بدرهم لا يجوز ولا بد من ضرب الأجل كشهر ونحوه ، وانظر إذا أكرى الدار ثم باعها في فصل أحكام الكراء .
تنبيهات . الأول : ظاهر قوله : ومن أراد أن يحل ما انعقد كان له الخ . لا يلزمه في المشاهرة شيء من المدة ولو أقل ما سميا كشهر ، وهو كذلك حيث لم ينقد على المشهور . ورواية ابن القاسم عن مالك وسواء سكن بعض الشهر أم لا إلا أن يكون المكتري أرضاً وحرثها أي قلبها وأحرى لو زرعها فتلزمه السنة بحراثتها ، وليس للمكري إخراجه منها قبل السنة لتعلق حق المكتري بحراثتها ، ومقابل المشهور لمطرف وابن الماجشون أنه يلزمهما أقل ما سمياه ، فإن قال كل شهر بكذا لزمه في شهر أو كل سنة بكذا لزمه في سنة ، واختاره اللخمي وابن حبيب ، وثالثها رواية ابن أبي أوس عن مالك أيضاً أنه يلزمه الأقل إن شرع في السكنى وبهذه الرواية العمل بفاس ، وعليه فإذا سكن بعض الشهر في المشاهرة أو بعض السنة في المسانهة لزم كلاً منها بقية الشهر والسنة وليس لأحدهما الفسخ إلا برضا صاحبه وسواء سكن يوماً أو بعض يوم .
الثاني : يقيد عدم اللزوم في كراء المشاهرة إذا لم ينقد بما إذا لم يجر العرف باللزوم كالذي يكري المطمر ليطمر فيها زرعه كل سنة بكذا ، فليس للمكري أن يخرجه إلا إذا تغيرت الأسواق إلى ما العادة أن يباع بمثله قاله اللخمي ، ونقله أبو الحسن والمكناسي في مجالسه . ابن رحال : وهو صحيح لأن العرف كالشرط اه . ولم يلتفتوا إلى اعتراض ابن عرفة عليه انظره في شرح الشامل .
الثالث : قال ابن رشد : من اكترى داراً مشاهرة فنص في الوثيقة أو غيرها على دفع كراء شهر معين فلذلك براءة للدافع مما قبل ذلك ، لأن البراءة من شيء تقتضي البراءة مما قبله اه .ونقله غير واحد ، ولما نقله في الالتزامات قال : ومثله يقال في الإشهاد على مستحق وقف بوصول معلوم سنة أو شهراً أنه شاهد للدافع بوصول ما قبل ذلك اه . بلفظه . ثم أشار إلى ما إذا كان في الدار نخلة أو دالية ونحوهما واشترى المكتري ثمرتها فقال :
وشَرْطُ ما في الدُّورِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ
إذَا بَدَا الصَلاَحُ فيهِ مُعَتَبَرْ
( وشرط ) المكتري في عقد الكراء أن يكون له ( ما في الدار من نوع الثمر ) جائز ( إذا ) كان قد ( بدا الصلاح فيه ) بالزهو وظهور الحلاوة ولو في حبة منه ( معتبر ) شرطه لذلك مطلقاً زادت قيمته على ثلث الكراء أو نقصت ، إذ غايته أنه اجتمع البيع والكراء وهو جائز فالظرف متعلق بمعتبر الذي هو خبر المبتدأ ، وفهم من قوله : شرط أن المكتري إذا لم يشترطها فهي للمكري وهو كذلك سواء بدا صلاحها أم لا . وظاهره أنه يجوز اشتراطها مع بدو الصلاح كان الكراء وجيبة أو مشاهرة كانت الوجيبة تنتهي قبل طيب الثمرة أو بعد انتهائه وهو كذلك في الوجيبة ، وأما المشاهرة فقد علمت أنها غير لازمة ما لم يسكن فإنه يلزمه أقل ما سماه على ما به العمل ، فإذا سكن ذلك الأقل ولم يكن انتهى طيبها أو لم يسكن شيئاً وأراد الفسخ عن نفسه ، فالذي يظهر أن البيع لازم في الثمرة بما ينوبها من أجرة الكراء والله أعلم . ومفهوم قوله : إذا بدا الصلاح أنه إذا لم يبد لم يجز إلا بشروط نبه الناظم على شرطين منها فقال :
وغَيْرُ بادِي الطَّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرطْ
حَيْثُ يُطيبُ قَبْلَ مَالِهُ ارْتُبِطْ
( و ) الثمر الذي هو ( غير بادي الطيب ) بأن لم يوجد أصلاً أو وجد ، ولكنه لم يبد صلاحه لأن القضية السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ( إن قل ) بأن كانت قيمته ثلث جملة الكراء فدون ( اشترط ) أي جاز اشتراطه ( حيث ) كان ( يطيب قبل ماله ارتبط ) فغير بادي الطيب مبتدأ ، وجملة اشترط بالبناء للمفعول خبره والعائد ضمير المبتدأ وحيث شرطية مجردة عن الظرفية ، والتقدير : وغير بادي الطيب إن قل صح اشتراطه ، وجاز إن كان يطيب قبل الأمد الذي ارتبط إليه والدار أو الأرض المرهونة يجوز اشتراط ثمرتها حيث اشترط المرتهن منفعة الدار لأنها حينئذ مكتراة في الحقيقة ، فهذان شرطان في كلامه أحدهما الغلة بأن تكون قيمة ثلث الكراء فدون ويعرف ذلك بالتقويم بأن يقال : ما قيمة كراء الدار بلا ثمرة فيقال عشرة مثلاً . قيل : وما قيمة الثمرة التي تطعمها هذه الشجرة أو الدالية على المعتاد المتعارف منها كل عام بعد طرح قيمة المؤنة والعمل ؟ فإذا قيل خمسة فأقل جاز وإلاَّ منع ، وثانيهما أن يعلم أن الثمرة ينتهي طيبها قبل انقضاء مدةالكراء وإلاَّ لم يجز اشتراطها ، ويفهم من هذا أن الكراء وجيبة ، فإن كان مشاهرة لم يجز لأن المدة فيها غير محدودة كما مر . وبقي عليه أن يشترط جميعها فإن اشترط بعضها لم يجز على المشهور لأن اشتراط البعض يدل على قصد المعاوضة كاشتراط بعض المأبور وخلفة القصيل كما مر في بيع الأصول لا على قصد دفع الضرر الحاصل بدخول رب الدار لإصلاح ثمرته .
تنبيه : الأرض مثل الدار فيما ذكر وسيأتي قول الناظم في الفصل بعده :
وإن تكن شجرة بموضع
جاز اكتراؤها بحكم التبع
( خ ) : وجاز كراء شجرة للتجفيف عليها لا لأخذ ثمرتها واغتفر ما في الأرض ما لم يزد على الثلث بالتقويم الخ . فإن كانت قيمتها أكثر من ثلث جملة الكراء وكان قد زرع الأرض أو سكن الدار ، فإن الثمرة لربها ويقوم على المكتري كراء الأرض والدار بغير ثمرة ويعطى أجر ما سقى به الثمرة إن كان سقاها إو كان له فيها عمل فإن فاتت الثمرة عنده غرم لربها مكيلتها إن علمت أو قيمتها إن جهلت مكيلتها لفساد الكراء . وهذا كله في الثمرة ، وأما الزرع الموجود في الأرض المكتراة فيجوز اشتراطه أيضاً إن كان دون الثلث لا إن كان ثلثاً قاله في المدونة . والفرق أن الزرع أخفض رتبة من الأصول . ألا ترى أنه لا يجوز مساقاته إلا بشروط ستأتي إن شاء الله .
تنبيهان . الأول : إذا اكترى داراً أو أرضاً سنين وبها شجر اشترط ثمرته فإن كانت قيمته في كل سنة الثلث فأقل جاز ، وإن كانت في سنة الثلث فأقل ، وفي سنة أكثر ، وإذا نظر إلى قيمة جميعه من الكراء في المدة كانت الثلث لم يجز ، ويكون الكراء فاسداً في المدة جميعها ويجري حكمه على ما فوقه .
الثاني : سئل ابن رشد عمن باع شجراً واشترط على المشتري أن لا يقبضه إلا بعد عام وليس الآن فيه ثمر هل يجوز قياساً على شراء الأرض والدار وتراخي القبض إلى هذا القدر أم لا لحدوث الثمرة ؟ فأجاب : هذا يجري على الخلاف في المستثنى هل مبقي على ملك البائع فيجوز أو المشتري فلا يجوز لأنه من بيع الثمرة قبل أن تخلق أو تزهو اه . وتقدم في بيع الأصول أن المستثنى مبقي على المعتمد .
وما كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلقَا
دُخُولُهُ في الاكترَاءِ مُتَّقى
( وما كنحل ) بالحاء المهملة في جبح أو غار في الدار أو الأرض ( أو حمام ) في برج الدار ( مطلقا ) قل أو كثر ( دخوله ) بشرط ( في ) عقد ( الاكتراء متقى ) لقوة الغرر فيه ، ولأنه ليس من نفس الدار ولا من جنسها بخلاف الشجر ، وهذا في الكراء ، وأما في بيع رقبة الدار ببرج حمامها أو بجباح نحلها فيجوز قاله في الطرر وانظر ( ز ) صدر البيوع عند قوله : وحمام ببرج الخ . فإنه ذكر هناك فروعاً مناسبة من كون الحمام والنحل إذا أضرا بالثمار والزرع هل على رب الزرع والثمار حفظها أو يمنع ذو الحمام والنحل من اتخاذه ، وأن الرجل إذا وجد نحلاً في شجرة أوصخرة لا بأس أن ينزع عسلها إذا لم يعلم أنها لأحد إلى غير ذلك ، وانظر ما يأتي في فصل الضرر عند قوله : فإن يكن يضر بالمنافع الخ .
وجازَ شَرْطُ النّقْدِ في الأرْحاءِ
بِحَيْثُ لا يُخْشَى انقِطَاعُ الماءِ ( وجاز شرط النقد في ) كراء ( الأرحاء ) إذا كانت ( بحيث لا يخشى انقطاع الماء ) عنها لكون العادة جارية بدوام جريه وعدم انقطاعه لانقضاء المدة ، ومفهومه أنه إذا كان يخشى انقطاعه لم يجز اشتراط النقد وهو كذلك لتردده بين السلف والكراء ، وإنما يجوز كراؤها حينئذ بدون شرط النقد ، وأما تطوعاً فيجوز أمن عدم انقطاع مائها أو لو يؤمن .
تنبيهان . الأول : إذا أكراها بشرط النقد لوجود الشرط الذي هو عدم انقطاع الماء في غالب الظن والعادة ، فتخلفت تلك العادة وانقطع الماء واكتراها بغير شرط النقد وانقطاع الماء أيضاً ، أو انجلى أهل ذلك المكان عنها لفتنة ونحوها ، أو انقطع الطعام من البلد لمجاعة ونحوها ، فإن الكراء يفسخ إذا لم يرج عوده أو يرجى عن بعد ، وأما إن كان يرجى عن قرب فإنه لا يفسخ ولكن يحط عنه من الكراء بقدر ذلك ، ولا يجوز فيما إذا نقد أن يخلف عوض ما انقطع مما بعد الأجل لأنه فسخ دين في دين لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر وإذا فسخه وهو يرى أنه لا يعود عن قرب فتخلف ظنه ورجع الماء قبل انقضاء المدة عادت عقدة الكراء لتبين خطئه فهو كمن خرص عليه أربعة أوسق فدفع خمسة . اللخمي : إلا أن يكون المكتري بعد الفسخ عقد موضعاً غيره بوجيبة أو غيرها فيمضي الفسخ ، ولا يجبر المكتري على إتمام المدة اه . وإن اختلفا في قدر مدة انقطاعه صدق ربها حيث اختلفا في ابتداء انقطاعه مثل أن يكتري منه سنة أولها المحرم فسكن المحرم وصفر فيقول المكتري : انقطع الماء في ربيع وعاد في جمادى ، ويقول رب الرحا : لم ينقطع إلا في ربيع الآخر وحده فالقول لرب الرحا لأن الساكن مدع عليه في انقطاعه في ربيع الأول ، فلا يصدق في إسقاط الكراء بدعواه ، وأما لو اتفقا على ابتداء انقطاعه واختلفا متى عاد ، فالقول للمكتري بيمينه من غير خلاف لأن رب الرحا قد أقر بانقطاع الماء وسقوط الكراء عنه مدعى عليه إيجاب الكراء بعود الماء قاله ابن يونس . قال في المدونة : وكذا إن اختلفا في انهدام الدار في بعض المدة . انظر شرح الشامل .
الثاني : قال في المدونة : ومن استأجر رحا ماء شهراً على أنه إن انقطع الماء قبل الشهر لزمه جميع الأجرة لم يجز ، وفي العتبية عن ابن القاسم فيمن له موضع رحا فأعطاه رجلاً يعمل فيه رحا على أن للعامل غلة يوم وليلة من كل جمعة فعمل على ذلك نحو ثلاثين سنة ثم علم بفساده قال : تكون الغلة كلها للعامل ويغرم لصاحب الأصل كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها بقدر رغبة الناس أو زهادتهم فيه على النقد ،ويقال لصاحب الأصل : إن شئت أمرته بخلع النفض وإلاَّ فاعطه قيمته مقلوعاً وتكون لك الرحا .
وبالدَّقِيقِ والطّعام تُكتَرَى
والبَدُّ بالزَّيْتِ ويُنْفَذُ الكِرَا ( وبالدقيق ) كصاع منه ( والطعام ) كمد من حنطة أو قسط من زيت ( تكترى ) هي أي الرحا كما في المدونة وهو معنى قول ( خ ) عاطفاً على الجواز وكراء رحا ماء بطعام أو غيره ، وظاهره أنه يجوز كراؤها بذلك نقداً أو إلى أجل وهو كذلك قالوا : وإنما نص على ذلك في المدونة لأنها لما كانت مثبتة في الأرض ويعمل فيها الطعام فقد يتوهم أنه من كراء الأرض بالطعام ( والبدُّ ) بفتح الموحدة وتشديد الدال المهملة أي المعصرة التي يعصر فيها الزيت تكترى ( بالزيت ) كقلة منه نقداً أو إلى أجل ( وينقد ) فيها ( الكرا ) ء بشرط أو غيره . قال في المفيد : وتجوز قبالة معصرة الزيت بالزيت الموصوفة إلى أجل كما تجوز قبالة الملاحة بالملح ، ولا يجوز لصاحب اليد اشتراط النوى لأن بعضه أرطب من بعض ولا يحاط بصفته اه . والمراد بالنوى الفيتور أي التفل والقبالة بفتح القاف أي الكراء ثم قال في المفيد : وإنما جاز كراء الملاحة بالملح لأن الملح ليس يخرج منها ، وإنما يتولد فيها بالصناعة بجلب الماء للأحواض وتركه للشمس حتى يصير ملحاً وتجوز المعاملة فيها على الإجزاء للعامل النصف أو الثلث أو ما اتفقا عليه ولرب الملاحة النصف أو الثلث أو ما اتفقا عليه ، ولا يدخل في هذا عند من أجازه كراء الأرض بما يخرج منها إذ ليست الأرض تنبت الملح ولا يخرج منها وإنما يتولد فيها اه .
قلت : انظر هل يجوز كراء الرحا والمعصرة بعشر زيت ودقيق ما يطحن فيهما من القمح والزيتون كما في الملاحة أم لا ؟ والظاهر عدم الجواز للجهل بالقدر ولاختلاف صفة خروج الزيت والدقيق بخلاف الملح ، فإن لم يختلف الخروج وكان بقسط معلوم كمد منه أو من دقيق جاز كما قال ( خ ) : وصاع دقيق منه أو من زيت لم يختلف الخ . وسيأتي في فصل الإجارة عدم جواز إجارة الدلال بربع عشر الثمن ونحو ذلك ، وهذا كله في الملح التي يجلب ماؤها للأحواض ، وأما ملح المعادن التي لا تحتاج إلى علاج ولا إلى جلب للأحواض كملح المعدن الصحيحة فقد قال في نظم العمل تشبيهاً في الجواز : كذلك الردود للصيادة . للحوت كالملاحة المعتادة الخ . أي : فيجوز كراؤهما لأجل رفع الحجر عنهما مدة معلومة بالملح وغيره انظر شارحه .
فصل في كراء الأرض وفي الجائحة فيه
قال في المقدمات : قد اختلف أهل العلم في جواز كراء الأرض اختلافاً كثيراً فقيل : لا يجوز كراؤها أصلاً بذهب ولا فضة ولا بشيء من الأشياء لنهيه عليه الصلاة والسلام عن كراء المزارع ، وقيل : لا يجوز كراؤها إلا بالدنانير والدراهم خاصة . وقيل : يجوز بكل شيء إذا كان معلوماً ما عدا الطعام ، وقيل : يجوز بكل شيء إذا كان معلوماً ولو طعاماً ، وإنما لا يجوز بالجزء مما يخرج منها لأنه غرر وهو مذهب الشافعي وهو ظاهر قول مالك في المساقاة من موطئه ، وقيل : يجوز بكل شيء ولو طعاماً وبالجزء مما يخرج منها كان طعاماً أم لا . وبه قال الليث . وأخذ به أكثر الأندلسيين وهي إحدى المسائل التي خالفوا فيها مالكاً ، وقيل : وهو مذهب مالك وأكثر أصحابه أنه يجوز كراؤها بالدنانير والدراهم والعروض والثياب والحيوان ما عدا كراءها بالطعام وإن لم تنبته كالسمن والزيت وبما تنبته ولو غير طعام كالقطن والكتان اه باختصار . وتقديم وتأخير وعلى قول مالك وأكثر أصحابه عول ( خ ) ، إذ قال عاطفاً على المتع ما نصه : وكراء الأرض بطعام أو بما تنبته إلا كخشب الخ . وعليه درج الناظم أيضاً فقال :
والأرْضُ لا تُكْرَى بِجُزْءِ تُخْرِجُهْ
والفَسْخُ مَعْ كِرَاءٍ مِثْلِ مَخْرَجُهْ
( والأرض لا تكرى بجزء تخرجه ) ككرائها لمن يحرثها زرعاً أو مقثأة أو قطناً أو كتاناً مثلاً على أن لربها النصف أو الربع من ذلك الذي يخرج منها ( و ) إن وقع ذلك ونزل واطلع عليه قبل حرثها فالفسخ ليس إلا وإن فاتت بحرثها فالزرع أو المقثاة كله للمكتري وعليه لربها كراء المثل عيناً . هذا إن اكتراها لسنة واحدة فإن اكتراها بجزء مما تخرجه سنين واطلع على ذلك في أثنائها ف ( الفسخ ) لباقي الأعوام ( مع كراء مثل ) عيناً لماضيها ( مخرجه ) بفتح الميم والراء أي ذلك هو وجه الخروج منه ، وبهذا التقرير ينتفي ما يقال أن الفسخ لا يجامع كراء المثل كما هو ظاهره إذ كراء المثل إنما يجب مع الفوات لا مع الفسخ كما يقتضيه كلامه إذ الفسخ إنما يجب قبل الفوات .
ولا بِما تنبُتُهُ غَيْرَ الخَشَبْ
مِنْ غَيْرِ مَزْروعٍ بِها أوِ الْقَصَبْ
( ولا ) تكرى أيضاً ( بما تنبته ) ولو غير طعام كقطن وكتان وقصب وتبن وعصفر وزعفران أي مما شأنه أن ينبت فيها ولو لم يصلح لزراعته في هذه الأرض المكتراة فإنه لا يجوز كراؤها به ( غير الخشب ) بفتحتين مستثنى من عموم ما أي : فيجوز كراؤها به ولو كانت تنبته ومثله العودوالصندل والحطب والحشيش والحلفاء والقصب . قيل لسحنون : ولم جاز كراؤها بهذه الأشياء وهي كلها مما تنبته الأرض ؟ فقال : هذه الأشياء يطول مكثها ووقتها فلذلك سهل فيها وقوله : ( من غير مزروع بها ) بيان لما وقوله . ( أو القصب ) عطف على الخشب والتقدير والأرض لا تكرى بجزء تخرجه مما هو مزروع بها ولا بما تنبته من غير مزروع بها كقطن وكتان لا يصلحان للزراعة في هذه الأرض المكتراة بخصوصها وأحرى في عدم الجواز إذا كانا يصلحان للزراعة فيها إلا الخشب والقصب ونحوهما من صندل وحلفاء ، فيجوز كراؤها بذلك فقوله ولا بما تنبته معطوف على بجزء من عطف المغاير لا من عطف عام على خاص كما لا يخفى ، إذ معنى المعطوف أنه أكراها منه بعشرة أرطال من قطن أو كتان كانت الأرض تصلح لزراعتهما وزرعا فيها أو لا تصلح لذلك ، وبهذا تعلم أنه لو حذف قوله من غير مزروع بها لكان أحسن .
ولا بِما كانَ مِنَ المَطْعُومِ
كالشّهْدِ واللّبَنِ واللُّحْومِ
( ولا ) تكرى أيضاً ( بما كان من المطعوم ) وإن لم تنبته ولا خرج منها ( كالشهد واللبن واللحوم ) والنبيذ والملح والفلفل وزريعة الكتان وزريعة الفجل وطير الماء الذي للذبح وشاة اللحم ونحو ذلك كما في ابن عرفة وغيره .
تنبيهات . الأول : كان حق الناظم أن يؤخر قوله : والفسخ الخ . عن هذا البيت وأن يحذف قوله : من غير مزروع بها كما مر فلو قال :
والأرض لا تكرى بجزء تخرجه
أو بطعام هب بما لا تنبته
كذا بما تنبته غير الخشب
وإن يفت فخرج مثل قد وجب
لكان أسهل وأخصر والخرج بسكون الراء لغة في الخراج أي الأجر .
الثاني : تقدم أن مذهب الليث وبه أخذ أكثر الأندلسيين جواز كراء الأرض بما يخرج منها وعليه رد الناظم بقوله :
والأرض لا تكرى بجزء تخرجه الخ . ولكن عمل عامة الناس اليوم على مذهب الليث ومن أخذ به ولا يستطيع أن يردهم عن ذلك راد . ابن العربي : وأما كراء الأرض بجزء مما يخرج منها فهو مذهب فيه أحاديث كثيرة والمقنع فيها قوي ، وذلك أنا رأينا الله تبارك وتعالى قد أذن لمن كان له نقد أن يتصرف في طلب الربح أو يعطيه لغيره يتصرف فيه بجزء معلوم فالأرض مثله ،وإلاَّ فأي فرق بينهما وهذا قوي ونحن نفعله اه . فانظر قوله : ونحن نفعله وهي إحدى المسائل التي خالف أهل الأندلس فيها مالكاً ، ومنها توجيه يمين التهمة مطلقاً إلا فيما كان فيه معرة كالسرقة والغصب ، ومنها توجه اليمين بدون خلطة ، ومنها الحكم باليمين مع الشاهد إلى غير ذلك ، وذكر آخر المفيد منها نحو الثمانية عشر وتقدمت في باب الضمان .
الثالث : قال في المدونة : من أكرى أرضه بدراهم أو دنانير مؤجلة فحلت فلا يأخذ بها طعاماً ولا إداماً وليأخذ ما يجوز أن تكرى به قال : ويجوز أن تكرى أرضك بأصول شجر ليس فيها ثمر ، فإن كان فيها ثمر وقتئذ لم يجز كما كره مالك شراء شجر فيها ثمر بطعام عاجل أو آجل ، ويجوز بيع رقبة الأرض بشجر فيها ثمر كما يجوز أن تباع بطعام عاجل أو آجل اه .
الرابع : قال سحنون : من اكترى أرضاً بما يخرج منها فذلك جرحة في حقه ، وتأوله أبو محمد بما إذا كان عالماً بالمنع وهو مذهبه أو قلد مذهب المانع وإلاَّ فلا انظر ( ح ) والشامل .
وتُكْتَرَى الأرْضُ لِمُدَّةٍ تُحَدْ
مِنْ سَنَةٍ والعَشْرُ مُنْتَهَى الأَمَدْ
( وتكترى الأرض لمدة تحد من سنة ) أو سنتين أو ثلاث ( والعشر ) سنين ( منتهى الأمد ) وظاهره كانت أرض سقي أو بعل اكتريت بشرط النقد أو بدونه ، وظاهره أيضاً أنه لا يجوز كراؤها لأكثر من عشر سنين ، وليس كذلك في هذا الأخير ، ويقيد جواز شرط النقد في الأولين بما إذا كانت مأمونة . اللخمي : الأمد في المستأجر يختلف باختلاف الأمن والخوف في تلك المدة فأوسعها في الأجل الأرضون ثم الدور ثم العبيد ثم الدواب ثم الثياب ، فيجوز كراء الأرض ثلاثين سنة وأربعين بغير نقد إلا أن تكون مأمونة الشرب فيجوز مع النقد ويجوز ذلك في الدور إذا كانت جديدة مأمونة البناء ، وإن كانت قديمة فدون ذلك بقدر ما يرى أنه يؤمن سلامتها إليه في الغالب انظر ( ح ) عند قوله : وعبد خمسة عشر عاماً . وفي المتيطية الذي عليه العمل ، وبه الحكم أنه يجوز كراء الرباع العشر سنين والعشرين عاماً وأزيد من ذلك ولا بأس بتعجيل الوجيبة كلها . هذا مذهب المدونة ، وبه الحكم وذلك إذا كان الشيء المكترى ملكاً للمكري ، وأما إن كان محبساً عليه وعلى غيره وجعل له السكنى فيه حياته ، فلا يجوز أن يكريها بالنقد إلا سنة أو سنيتن ، وجائز له أن يكريها إلى ما شاء من السنين وإن طالت إذا كان الكراء منجماً على المكتري ،فكلما انقضى نجم دفع كراء أو كلما دخل نجم قدم كراء إذا كان النجم يسيراً السنة والسنتين على ما قدمناه اه . وقد أشار ( خ ) إلى ضابط جواز النقد في مثل هذا بقوله : وجاز النقد فيه أي في الشيء المستأجر إن كان لا يتغير في مدة الإجارة غالباً . وقال في المقدمات : الكلام في الأرضين على ثلاثة أوجه جواز عقد الكراء وجواز النقد ووجوبه فأما جواز عقد الكراء فجائز على مذهب المدونة من غير تفصيل كانت أرض مطر أو غيرها مأمونة كانت أم لا . وأما جواز النقد فيها فإن كانت مأمونة كأرض النيل وأرض السقي بالأنهار والعيون والآبار وأرض المطر المأمونة يعني التي لا يتخلف عنها المطر غالباً كأرض المغرب فالنقد فيها للأعوام الكثيرة جائز ، وأما غير المأمونة فلا يجوز النقد فيها إلا بعد أن تروى ويمكن من الحرث كانت من أرض النيل أو المطر أو السقي بالعيون والآبار ، وأما وجوب النقد فإنه إنما يجب ويقضى به على المكتري في أرض النيل إذا رويت لأنها لا تحتاج إلى سقي فيما يستقبل ، وأما أرض السقي والمطر فلا يجب على المكتري دفع الكراء حتى يتم الزرع ويستغني عن الماء ، وكذا إذا كانت أرضاً تزرع بطوناً فلا يلزمه نقد الكراء في البطن حتى يستغني عن الماء اه . باختصار . وبهذا تعلم أنه لا مفهوم لقول الناظم والعشر منتهى الأمد الخ . ولا لقول ( خ ) : وأرض مطر عشراً إن لم ينقد وإن سنة إلا المأمونة كالنيل أو المعينة فيجوز الخ . فقوله : وأرض مطر عشراً الخ . أي : وهي غير مأمونة الخ . وقوله : وإن سنة مبالغة في مفهوم إن لم ينقد أي فإن نقد في غير المأمونة بشرط امتنع ، وإن شرط نقد حصته سنة فقط فشرط النقد مؤثر في المنع سواء نقد بالفعل أم لا . وقوله : فيجوز أي فيجوز العقد والنقد ولو لأربعين سنة كما مر عن اللخمي والمتيطي .
وإن تَكُنْ شَجَرَةٌ بِمَوْضِعِ
جازَ اكتِرَاؤُهَا بِحُكْمِ التَّبَعِ
( وإن تكن شجرة بموضع ) من الأرض ( جاز اكتراؤها ) أي اشتراط ثمرتها ( بحكم التبع ) لكراء الأرض كما مر تفصيله في قوله : وشرط ما في الدار من نوع الثمر إلى قوله : وغير بادي الطيب إن قل اشترط الخ . وهذا مبني على أن التابع يعطي حكم متبوعه أنه لا قسط له من الثمن ، وأما على أنه يعطي حكم نفسه فلا إشكال أن له حصة من الثمن وعليه فلا يجوز اشتراطها لما فيه من شراء الثمرة قبل بدو صلاحها بل وقبل وجودها قاله ( م ) .
تنبيه : قال في الجواهر : وإذا استأجر أرضاً ليزرع فيها صنفاً سماه فله أن يزرع فيها غيرهمما هو أقل ضرراً بالأرض لا ما ضرره أكثر فإن استأجرها للقمح أو غيره فزرع ما هو أضر بالأرض منه فللمالك القلع في الحال ، فإن لم يقلع حتى مضت المدة فله أخذه بالكراء الأول وما بين القيمتين اه . وفي المدونة أن الشعير أضر من القمح ، وفي المتيطية يجوز أن يكتري الأرض ليزرع فيها ما شاء ولا كلام لربها بعد ذلك ، فإن قال ليزرعها وسكت عما يزرع فيها فذلك جائز ولا يزرع فيها إلا ما يشبه أن يزرع في مثلها ، فإن شرط أن يزرعها شعيراً فلا يزرعها إلا ذاك أو ما مضرته كمضرة الشعير أو أقل ، فإن زرعها ما هو أضر بها فلربها كراء الشعير وقيمة زيادة الضرر اه . وقوله : فلربها كراء الشعير الخ . يعني إذا مضت مدة الزراعة وإلاّ فربها مخير كما مر عن الجواهر ، وهذا بمنزلة من اكترى راحلة ليحمل عليها شيئاً فأراد أن يحمل عليها غيره المشار له بقول ( خ ) : وفعل المستأجر ومثله ودونه لا أضر الخ . وقوله : حتى مضت المدة يعني حتى فات إبان الزراعة . ابن عرفة : وحال المكتري في حرثه الأرض كحال مسألة من حرث أرض غيره بغير إذنه .
وحاصلها ، إن قام ربها في الأبان وأقر الحارث بالعداء فلربها أمره بقلعه إن كان ينتفع به ، ولا يجوز له أخذه بقيمته مقلوعاً لأنه بيع له قبل بدو صلاحه ، وأجازه التونسي وهو خلاف مذهبها وإن لم ينتفع به فلربها أخذه مجاناً ، وإن ادعى حرثها بغير اكتراء منه لكن بعلمه وحضوره وهو لا يغير ولا ينكر ، فإن حلف ربها على نفي العلم فكما مرّ ، وإن نكل حلف الحارث وبقي له زرعه ولربها كراء المثل وإن ادعى حرثها باكتراء منه فإن حلف ربها على نفيه فكما مر وإن نكل حلف الحارث لقد أكراها منه بكذا كان ما ادعاه من الكراء قليلاً لا يشبه أو كثيراً أكثر من كراء المثل ، وإنما كان القول قوله حيث ادعى ما لا يشبه لأن ربها قد مكنه من ذلك بنكوله . هذا هو المشهور وإن ادعى أنه اكتراها منه وأنه حرثها بعلمه حلف ربها على نفيهما وخير في أخذه بما أقر به من الكراء وأخذه أرضه ويأمره بقلع زرعه إن انتفع به ، وإن لم يكن له به منتفع أخذه رب الأرض مجاناً ولا يجوز تركه للمكتري بما أقر به من الكراء ولا بكراء المثل لأنه بيع له بما يأخذه من الكراء ، وإن نكل حلف الحارث فإن نكل أخذ رب الأرض أرضه ، ولو قال رب الأرض أحلف أني ما علمت بحرثه ولا أحلف أنه ما اكترى مني لم يمكن من ذلك إلا أن ينكل الحارث عن اليمين ثم قال : ولو قام بعد الأبان فإن صدقه أنه لم يكن منه كراء فله كراء المثل دون يمينه ادعى حرثه بحضوره وعلمه أم لا . وإن ادعى أنه أكراها منه لا أنه حرثها بعلمه حلف ربها ، وأخذ كراء المثل فإن نكل حلف الحارث على ما ادعى من الكراء اه . وقوله : وأجازه التونسي الخ . يعني لأن التونسي قال : الأشبه أن يجوز لرب الأرض شراء ما فيها قبل بدو صلاحه لأن الأرض ملك له فصار مقبوضاً بالعقد وما يحدث فيه من نماء إنما هو في ضمان مشتريه لكونه في أرضه ، وإنما منع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من بيع الثمار قبل بدو صلاحها لكون ضمانها من البائع لأنها في أصوله ، وعلى هذا التعليل أجاز عبد الملك شراء جنان فيه ثمرة بقمح أو بجنان آخر فيه ثمرة تخالفها لأن كل ثمرة مقبوضة . قال العبدوسي : وأخذ الشيوخ مما قاله التونسي جواز شراء صاحب الزرع نصيب الخماس قبل بدو صلاحه لأنه قابض له بنفس الشراء وعلى مذهبها فلا ، وقياس التونسي لا يعول عليه لأنه قياس مع وجود النص من الشارع صلوات الله وسلامه عليه على منع ما لم يبد صلاحه اه .ومُكْتَرٍ أرْضاً وبَعْدَ أَنْ حَصَدْ
أصَابَ زَرْعَهُ انْتِثَارٌ بالبَرَدْ
( ومكتر أرضاً ) فزرعها ( وبعد أن ) طاب زرعها وقبل أن يحصده المكتري أو بعد أن ( حصد ) ه وجعله قثاء في الفدان أو الأندر ( أصاب زرعه ) في الحالتين ( انتثار بالبرد ) ونحوه .
فَنَابِتٌ بَعْدُ مِنَ المُنْتَثِرِ
هُوَ لِرَبِّ الأرْضِ لا للْمُكْتَري
( فنابت بعد ) في السنة القابلة ( من ) ذلك الزرع ( المنتثر هو لرب الأرض ) المالك للفدان أو الأندر ( لا للمكتري ) على الأصح ، وهو مذهب ابن القاسم في العتبية ، وقيل : يكون لزارعه وعليه لرب الأرض كراؤها كما إذا تمت السنة وله زرع أخضر ، وظاهر النظم أنه لرب الأرض ولو انتثر كله بالبرد وهو كذلك ففي سماع عيسى : من اكترى أرضاً فزرعها فلما استحصد زرعه أتاه برد أسقط حبه كله في الفدان فأخلف فهو لرب الأرض لا للمكتري لأن سنته قد انقضت كقول مالك فيمن جر السيل زرعه لأرض غيره فنبت ، ابن رشد القياس صحيح ، ولا فرق بينهما لأن البذر مستهلك في كلتا الحالتين لا يقدر صاحبه على أخذه من أرض غيره ، ومعنى قوله في المدونة : جر السيل زرعه أي بذره لقوله : فنبت لأن الزرع لا يقال فيه نبت اه . وإلى المسألتين أشار ( خ ) بقوله : وإن انتثر للمكتري حب فنبت قابلاً فهو لرب الأرض كمن جره السيل إليه الخ . والضمير في قوله جره يعود على الحب أي البذر ، وأما إذا جره إليه بعد نباته فقيل : هو لرب الأرض أيضاً ، وظاهر الشامل أنه المشهور ، وقيل هو لزارعه ورجحه الرهوني في حاشيته مستدلاً على ذلك بأنقال ، ولكن لا يظهر منها ما أشار له من الترجيح لمن تأمل وأنصف والله أعلم . ولا مفهوم لقول الناظم بالبرد ، بل لو انتثر بسبب الحصاد لكان لرب الأرض أيضاً . أبو الحسن : اتفاقاً لأن شأن الحصاد أن ينتثر منه الحب والعادة أن من تركه لا يعود إليه أي : فلا يجري فيه الخلاف الجاري في المنتثر بالبرد ، ومفهوم قوله : انتثار أنه إذا زرع ولم ينبت في سنة بذره ونبت في السنة القابلة أن الزرع لا يكون للمكتري بل لربه وهو كذلك وعليه كراؤه وكراء العام الذي لم ينبت فيه إن كان لغير عطش قاله ( ز ) وأصله لابن بشير فإن زرع في أرضه خلاف ذلك النوع فنبتا معاً فلكل زرعه إن عرف وتبعيض الكراء عليهما انظر الشامل وشرحه . ومفهوم قوله : فنابت أنه إذا أنجر إليها حب من الأندر ولم ينبت بل لا زال على وجه الأرض فلربه أخذه ولا يكون لرب الأرض ، وأما الشجر يجره السيل لأرض الغير فينبت فيها فليس حكمه حكم الزرع ، بل ينظر فإن كانت إن وقعت وردت إلى أرضه نبتت فيها فله قلعها وإلاَّ فللآخر دفع قيمته حطباً أو أمره بقلعه قاله سحنون .تنبيه : من اشترى قصب فول ليوقده فنزل المطر فحيي القصب واخضر وأثمر فولاً فهل هو للمشتري أو لربه ؟ قال في صدر معاوضات المعيار عن الفقيه الجعد : أنه يفسخ البيع ويكون الفول لرب القصب ويرد الثمن اه . باختصار .
قلت : الجاري على ما تقدم أنه إن حيي القصب نفسه فثمره للمشتري وعليه لرب الأرض كراء المثل مدة بقائه بعد عقد الشراء فيه لأنه إنما اشتراه ليأخذه في الحين فتركه حتى أثمر يوجب الكراء عليه ولا وجه لفسخ البيع فيه ، وإن كان القصب حيي من غير أصوله فلا إشكال حينئذ أن ثمره لرب الأرض ولا يفسخ البيع أيضاً لأن القصب المشترى لا زال يابساً يجزه مشتريه ويأخذه فتأمله والله أعلم .
وَجائِزٌ كِراءُ الأرْضِ بالسَّنَه
وَالشّهْرِ في زَرَاعَةٍ مُعيِّنه
( وجائز كراء الأرض بالسنة ) مسانهة ككل سنة بكذا أو معينة كهذه السنة كما مر في كراء الدور ، ثم إن عينت وحدت باثني عشر شهراً أو بستة أشهر مثلاً فواضح أنها لا تنقضي إلا بتمامها وإن لم تحد ، وإنما قال : أكتري منك أرضك هذه السنة أو السنة التي بعد هذه فإن كانت أرض مطر فتتم السنة فيها بالحصاد للزرع الذي اكتريت له كانت تزرع مرة في السنة أو مراراً ولا ينتظر مرور الاثني عشر والحصاد في كل شيء بحسبه أي بحصده أو قطعه أو جذه أو رعيه كالزرع والبرسيم واللفت والكمون ونحو ذلك ، فلو كان مما يخلف بطوناً فتتم السنة فيها بآخر بطن ، وإن كانت أرض سقي فتتم فيها بالشهور الاثني عشر ، فإن تمت الشهور المعينة أو التي لم تعين حيث كانت أرض سقي وله فيها زرع أخضر فيلزم رب الأرض أن يبقيه فيها إلى تمام طيبه ، وعلى المكتري كراء المثل فيما زاد على تلك الشهور ، وقيل من حساب الكراء الأول ( خ ) : والسنة في المطر بالحصاد ، وفي السقي بالشهور فإن تمت وله زرع أخضر فكراء مثل الزائد الخ . . . وظاهره أن عليه كراء المثل في الزائد ولو علم عند الزراعة أن الزرع إنما يتم بعد السنة بكثير وهو كذلك على المعتمد قاله ( ز ) . قال ( م ) : ومن اكترى داراً أو حانوتاً أو غيرهما لمدة معينة فتمضي ويبقى المكتري ساكناً على المساكنة فيجري حكمه على ما تقدم فالجاري على المشهور أنه يلزمه كراء مثل الزائد ، وقيل من حساب الكراء الأول واستظهرت أن له في هذه بحساب الكراء الأول .
قلت : وهو ما عليه الناس اليوم لأن رب الأرض في الأولى مجبور على بقاء الزرع في أرضه وفي هذه لا جبر على رب الدار والحانوت ونحوهما فتركه ساكناً بعد انقضاء المدة رضاً منه أن له بحساب الأول واستمرار المكتري ساكتاً رضا منه أيضاً بدفع ذلك والله أعلم .
( والشهر ) أي وجائز الكراء لشهر معين أو كل شهر بكذا ، ثم إذا كان كل من السنةوالشهر معيناً كهذه السنة أو هذا الشهر فلا إشكال في لزوم الكراء بالعقد وليس لأحدهما الانحلال إلا برضا صاحبه ، إن كان كل منهما غير معين ككل شهر بكذا أو كل سنة بكذا فلا يلزم بالعقد ولكل الانحلال ما لم يحرث المكتري كما مر في كراء الدور وأول السنة أو الشهر من حين العقد إن كانت خالية من مزروع ، وإلاَّ فمن يوم تخلو منه ، وهذا إذا كانت تزرع في السنة كلها وإلاَّ فأولها وقت الزراعة ( في زراعة معينة ) أي لا بد من تعيين ما يزرعه فيها حيث لم يكن عرف ، وكأن بعض المزروع أضر من الآخر كما مر عن الجواهر .
ومُتَوالِي القَحْطِ والأمْطَار
جائِحةُ الكِراءِ مثْلُ الفَارِ
( وبتوالي القحط والأمطار ) خبر عن قوله ( جائحة الكرا ) ء وقوله ( ومثل الفار ) بالجر عطف على بتوالي ومعناه أن من اكترى أرضاً للزراعة فتوالى إلى القحط عليها أي عدم المطر ولو بعد زراعتها في الأبان أو توالي المطر عليها فغرقت حتى فات أبان حراثتها ، أو هلك زرعها النابت فيها بدود أو فار ، أو وقعت فتنة منعته من زراعتها فإن ذلك كله جائحة توجب سقوط الكراء عن المكتري كما قال :
ويَسْقُط الكِراءُ إمَّا جُمْلَهْ
أَوْ بِحِسَابِ ما الفَسَادُ حَلَّهْ
( ويسقط الكراء ) بما ذكر من القحط وما بعده ( إما جمله ) وذلك إذا أجيح الزرع كله ( أو ) يسقط منه ( بحساب ما الفساد حله ) حيث لم يجح جميعه ، وظاهره ولو قل المجاح فإنه يسقط عنه بحصته وهو كذلك وليس ذلك كجائحة الثمار ، وأما إن أجيح الجل وسلم القليل كخمسة أفدنة أو ستة من مائة فدان فإنه لا كراء عليه أصلاً كما قال ( خ ) : عكس تلف الزرع لكثرة دودها أو فارها أو عطش أو بقي القليل الخ . وظاهر كلام ابن يونس وغيره أنه لا فرق بين أن تكون الفدادين السالمة القليلة في ناحية واحدة أو في نواح متفرقة . وقال اللخمي : إنما يسقط عنه الكراء جملة إذا كانت متفرقة لأن كثيراً من الناس لا يتكلف جمعها ، وأما إن كانت مجتمعة في ناحية فعليه من الكراء ما ينوبها .
وَلَيْسَ يَسْقُطُ الكِرَا في مُوجَدِ
بِمِثْلِ صَرٍ أَوْ بِمِثْلِ بَرَدِ
( وليس يسقط الكرا في ) أي بسبب ( موجد ) بفتح الجيم ( بمثل صر ) وهو البرد الشديد أو الحر الشديد ( أو بمثل برد ) وهو مطر منعقد وأدخل لفظ مثل الطير والجليد والغاصب والسارقوالجيش والجراد لكن محل عدم جائحة الجراد إنما هو إذا أتى بعد أبان الحراثة وإلا بأن أتى في أبانها فمنعته من الزراعة خيفة أن يؤذي هو أو ولده ما يخرج منها فلا كراء عليه قاله الباجي وغيره . ومحل عدم السقوط بما ذكره من البرد وما معه إذا لم تقحط السماء ، وأما إمن أجيح بشيء مما ذكر فقحطت السماء حتى إنه لو لم يجح لم يتم الزرع لأجل القحط فإنها لا تسقط كما أفتى به ابن رشد ، وقال البرزلي : وكذا لو استهلك شخص زرعها ثم أصابه قحط بحيث لو بقي لهلك ذلك الزرع بالقحط فإنه لا يضمن قيمة الزرع على الرجاء والخوف ، وإنما سقط الكراء بالقحط والغرق والفار ولم يسقط بالبرد وما معه ، لأن هذه عاهة لا سبب للمكري فيها من قبل مائه ولا من قبل أرضه ، فذلك كغاصب غصب الزرع خاصة بخلاف القحط وما معه فإن لأرضه سبباً فيه والقحط والفار جائحة مطلقاً بخلاف الغرق ، فإنما هو جائحة إذا كان في الأبان فإن زال قبل فوات الأبان أو حدث بعده لزمه الكراء كما قال ( خ ) : أو غرق بعد وقت الحرث أو عدمه بذراً .
تنبيه : إذا أصابته الجائحة فلا حق للمكتري في قليلها كما يأتي في المزارعة ، والله أعلم .
فصل في أحكام من الكراءلو قال في كراء العروض وأحكام من الكراء لأنهما المذكوران في هذا الفصل لوفى بالمراد .
والعَرْضُ إنْ عُرِفَ عيناً فالكِرا
يَجُوزُ فيهِ كالسُّروجِ وَالفِرَا
( والعرض إن عرف عيناً ) تمييز محول عن النائب أي إن عرفت عينه بحيث لا يلتبس رده برد مثله ( فالكرا يجوز فيه كالسروج ) للدواب ( والفرا ) بكسر أوله وبالمد وقصره ضرورة جمع فرو بفتح الفاء وسكون الراء ، قال في الخلاصة : فعل وفعلة فعال لهما . قال الجوهري : الفرو الذي يلبس والجمع الفراء نقله ( م ) أي : وهو ثوب معلوم يلبسه أهل مصر وغيرهم ، ومفهوم الشرطأن العرض الذي لا يعرف بعينه كقدور الفخار يسودها الدخان حتى لا تعرف بعينها لا يجوز كراؤها ، وهو كذلك على ما لابن العطار وابن الفخار ، ونقله في ضيح مسلماً ، واقتصر عليه في الشامل وابن سلمون قائلاً : لا تجوز فيما لا يعرف بعينه كالدراهم والدنانير وقدور الفخار اه . وظاهر المدونة جواز كرائها كانت تعرف بعينها أم لا . وهو ظاهر إطلاق ( خ ) أيضاً حيث قال : وإجارة ماعون كقصعة وقدر الخ . ابن ناجي : ويجاب بأن قولها عام قابل للتخصيص فيقال معناه فيما يعرف بعينه اه . وعليه فيخصص كلام ( خ ) بذلك أيضاً ، لكن لا يظهر وجه لما قاله ابن العطار ومن وافقه من منع كرائها والتعليل بكونه قد يرد مثلها فيكون سلفاً جر نفعاً لا يتم لأنه إن كان النفع هو عين الأجرة فيتهمان على قصد السلف لأخذ الأجرة . قلنا : كذلك إذا كان العرض يعرف بعينه لأن العرض يجوز فيه رد العين المستقرضة فيكون سلفاً بمنفعة أيضاً ، فما لزم على العرض الذي لا يعرف بعينه يلزم على غيره ، ولعله لذلك ضعف شراح ( خ ) قول ابن العطار الذي درج عليه الناظم ، وتمسكوا بظاهر المدونة و ( خ ) وقالوا : إنه المعتمد المشهور والفرق بين الدنانير والقدور التي لا تعرف أن الدنانير والدراهم لا ينتفع بها إلا باستهلاك عينها فتحقق فيها السلف بنفع بخلاف القدر والله أعلم .
ومُكْترٍ لِذاكَ لا يَضْمَنُ ما
يَتْلَفُ عِنْدَهُ سِوَى أنْ ظَلَمَا
( ومكتر لذاك ) العرض ( لا يضمن ما يتلف عنده ) منه ( سوى أن ظلما ) بفتح الهمزة أي إلا أن يظلم بتعد أو تفريط باعترافه أو بالبينة عليه فيضمن حينئذ ، وظاهره أنه لا ضمان عليه مع عدم التفريط ولو شرط عليه الضمان وهو كذلك كما يأتي النص بذلك في فصل كراء الرواحل ، وأما إن لم يثبت تعديه ولا تفريطه .
وهْو مُصَدَّقٌ مَعَ اليَمِين
وإنْ يَكُنْ مَنْ لَيْسَ بالمأْمُونِ
( فهو مصدق مع اليمين ) لقد ضاع وما أخفاه وأن ضياعه لم يكن بتعد منه ولا تفريط . هذا إذا كان مأموناً بل ( وإن يكن ) المكتري ( من ) بفتح الميم ( ليس بالمأمون ) فإنه يصدق أيضاً لأنه لما أكراه منه فقد أمنه عليه ، ثم إذا صدق في الضياع بيمينه فإنه يلزمه الكراء كله على المشهور ، وقول ابن القاسم : إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع فإذا ادعى تلفها قبل انقضاء مدة الكراء وثبت ذلك ببينة أو ثبت أنه نشدها في ذلك الوقت وحلف على ما ذكر سقط عنه الضمان ، ويغرم من الكراء بقدر ما انتفع إلى وقت التلف ، وقيل : إنه مصدق في الضياع ، وفي الوقت الذي ضاع فيه ولا يلزمه من الكراء إلا بقدر ما انتفع . ابن يونس : وجه قول ابن القاسم أنالأشياء المستأجرة يصدق مكتريها في ضياعها ولا يصدق في دفع كرائها وزواله من ذمته إلا ببينة ، فلما اجتمعا في هذه المسألة أجرى كل على أصل بابه فيرفع عنه الضمان وإغرامه الكراء إلا أن يقيم بينة بما يوجب رفع الكراء عنه ، ووجه قول غيره أنه لما صدقه في الضياع كان ذلك كقيام البينة عليه فوجب أن يسقط عنه كراء ما زاد على الوقت الذي ادعى الضياع فيه وهو الصواب اه باختصار . وقوله : إن الأشياء المستأجرة الخ . يشمل حتى الدابة إذا ادعى ضياعها في أثناء المسافة فإنه لا يضمنها ويلزمه جميع الكراء على المشهور إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع . ابن سلمون : ولا ضمان على المكتري فيما يتلف عنده من الحلى والثياب وغير ذلك إلا أن يتعدى أو يفرط ، ومن اكترى ثوباً يلبسه فسقط عليه شيء أفسده فهو ضامن ، وكذلك إن سقط من يده على جليسه فإن ادعى أنه ضاع أو سرق فالقول قوله بيمينه ويغرم الكراء كاملاً إلا أن تقوم بينة أنه ادعى تلفها قبل مدة الكراء ونشدها إذ ذاك فيغرم من الكراء بقدر ما انتفع ، وكذلك يصدق في رد ذلك إلى صاحبه مع يمينه إلا أن يكون قبضه بإشهاد فلا يبرأ إلا به ، ومن ادعى في حلى ضاع عنده أنه استأجره وقال ربه : بل أعرته إياك فإن كان رب الحلى مثله ممن يكريه فالقول للذي ضاع عنده وإلاَّ فالقول لرب الحلى أنه أعاره ويلزم الآخر ضمانه كما قال : قرض والآخر قراض اه باختصار . ونحوه في نوازل العارية من المعيار ، وانظر مسألة من ضلت له دابة من دواب اكتراها فتبعها فوجد الأخرى قد ضاعت في فصل كراء الرواحل الآتي .
والمُكْتَرِي إنْ ماتَ لَمْ يحِنْ كِرَا
واسْتُؤْنِفَ الكِراءُ كَيْفَ قُدِّرا
( والمكتري ) داراً سنة أو دابة وجيبة بعشرة مثلاً ( إن مات ) أو فلس قبل أن يسكن أو سكن بعض المدة ( لم يحن كرا ) ء أي لم يبلغ حينه أي لم يحل عليه بالفلس أو الموت إذ لا يحل عليه شيء لم يقبض عوضه الذي هو المنفعة ، فإذا اكترى ذلك لسنة وسكن ستة أشهر ثم مات أو فلس فإنما يحل عليه كراء الأشهر الستة الماضية دون الباقية ، وإذا مات أو فلس قبل السكنى لم يحل عليه شيء ابن رشد : هذا أصل ابن القاسم لأنه لا يرى قبض أوائل المنافع قبضاً لأواخرها ، وعلى هذا فإذا كان على المكتري ديون فإن رب الدار إنما يحاصص بكراء ما سكن المكتري فقط ، ويأخذ داره في الفلس ويتنزل الورثة منزلته في الموت لأن من مات عن حق فلوارثه ، فإذا أرادوا أن يلتزموا الكراء في أموالهم فلهم ذلك إلا أن يقول رب الدار : لا أرضى بذممهم فيكون له الفسخ ، وإن لم يلتزموا الكراء في أموالهم فالحكم أن تكرى الدار لما بقي من المدة المضروبة مع الميت فإن نقص عن العشرة التي وقع الكراء بها للميت وقف من التركة قدر النقصان كما قال : ( واستؤنف الكراء ) للدار في المدة أو ما بقي منها ( كيف قدرا ) أي بما أمكن من قليل أو كثير .حَيْثُ أَبَى الوارِثُ إتْمامَ الأمَدْ
واسْتَوْجَبُو أَخْذَ الْمَزِيدِ في العَدَدْ
( حيث أبى الوارث إتمام الأمد ) على أن الكراء في ذمتهم ، ومفهومه أنهم إذا أرادوا إتمام المدة على أن الكراء في ذمتهم لكان لهم ذلك كما مر ( واستوجبوا ) أي استحقوا ( أخذ المزيد في العدد ) الذي اكتريت به للميت كما لو اكتريت في المثال المذكور بخمسة عشر فالخمسة لهم .
والنَّقْصُ بَيْنَ العَدَدَيْن إنْ وُجِدْ
لهُ وَفَاءٌ مِن تُرَاثِ مَنْ فُقِد
( والنقص بين العددين إن وجد ) كما لو اكتريت بثمانية ( له ) أي لذلك النقص ( وفاء من تراث من فقد ) أي مات فيؤخذ من التركه قدر النقصان ويدفع للمكري عند وجوبه له ، وبالجملة إذا أبى الورثة من إتمام المدة على أن الكراء في ذمتهم فإن الدار تكرى بما أمكن من قليل أو كثير والزيادة لهم والنقصان يوقف من التركة بقدره إن كان فيها وفاء به ، ويدفع للمكري عند انقضاء المدة فإن لم يكن فيها وفاء به فقد ضاع الباقي على المكري لعدم وجود من يرجع به عليه هذا كله في الموت .
وأما في الفلس فللمكري أخذ داره كما مرّ ، وما ذكره الناظم تبع فيه ابن رشد في فتواه بذلك ، والمشهور خلافه ( خ ) : وحل به وبالموت ما أجل ولو دين كراء الخ . وإذا قلنا بالمشهور وإنه يحل غير المستوفي منفعته ففي الموت يبقى الكراء لازماً للمكري والورثة ويحاصص المكرى به إن كانت عليه ديون ولا خيار له ، وأما في الفلس فيخير المكري بين أن يسلم المنفعة للغرماء ويحاصص بالكراء ، وبين أن يرجع في عين شيئه كله إن لم يستوف بشيء من المنفعة ، فإن استوفى بعضها حاص بما يقابل ما استوفى منها ويخير فيما إذا لم يستوف في الرجوع فيما بقي من المنفعة وفي إسلامه والمحاصة بما ينوبه من الكراء ، فإذا اكتراها سنة مثلاً باثني عشر ديناراً ونقده ستة دنانير وسكن ستة أشهر وفلس ، فإنه يخير في إسلامه بقية السكنى ويحاصص بالستة دنانير الباقية ، وأخذ بقية السكنى ورد منابها مما قبض وحاص بما رد ، فإن لم ينقده شيئاً فإنه يحاصص بما يقابل ستة أشهر التي سكنها من غير خلاف ويخير في الستة الباقية إن شاء رجع فيها ، ويحاصص بما يقابل الستة المسكونة فقط ، وإن شاء أسلمها وحاص بما يقابلها أيضاً ، ويأخذ ما نابه في الحصاص معجلاً على المنصوص في المدونة ، وهو المشهور فمحل الخلاف والتشهير إنما هو فيما لم تستوف منفعته ، وأما ما استوفيت منفعته فمحل اتفاق .فرع : إن باع صاحب الدار داره بعد عقد الكراء فيها وقبل انقضاء مدته فإما أن يبيعها من المكتري أو أجنبي ، فإن باعها من أجنبي فإن لم يعلم بالكراء فهو عيب إن شاء رد أو تمسك ، وإن علم به فلا رد له ولا كراء إلا أن يشترطه وإن اشترطه ، فإن وجب الكراء للبائع أو بعضه بمضي المدة فلا خلاف في المنع إذا بيعت الدار بذهب وهو ذهب ولا بالورق على قول ابن القاسم إلا أن يكون الثمن نقداً ، ويكون أقل من صرف دينار وإن لم يجب شيء من الكراء على المشتري للبائع المذكور لكونه لم يمض من المدة شيء واشترطه في العقد ، ففي جوازه قولان . فابن رزقون يجيزه ووافقه غيره ، ابن رشد : وهو الأصح ، ومنهم من منعه ونسبه لابن القاسم في الدمياطية ، ومنهم من قال : هو للمبتاع اشترطه أم لا . وأما إن باعها من المكتري فقال أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو عمران الفاسي : هو جائز وهو فسخ لما تقدم من الكراء في قول ابن عبد الرحمن ، ولما بقي من المدة من قول أبي عمران بن سهل ، وجواب أبي بكر أميل إلى الصواب اه . ونقله ابن سلمون إثر ما ذكره الناظم ، وكذا نقله ( ح ) مع زيادة عند قول ( خ ) في الإجارة واستئجار مؤجر الخ . فانظر . ثم ما تقدم في الأجنبي إنما يقول إذا ثبت عقد الكراء فيها قبل بيعها ببينة ، وأما إذا لم تقم بينة وإنما أقر ربها بعقد الكراء فيها قبل بيعها فإن قوله لا يمضي على المشتري لأن ربها يتهم على فسخ البيع فيها كما أشار له ( خ ) في الإجارة بقوله : لا بإقرار المالك الخ . وانظر شرح الشامل عند قوله : أواخر الإجارة ، ولا تنفسخ الإجارة بإقرار ربها ببيعها ونحوه الخ . وانظر الكراس الخامس من بيوع مختصر نوازل البرزلي فيمن باع سلعة بعد بيعها من آخر ، فقد أطال فيها . ومثله إذا واجرها ثم باعها ، وأنه إذا ثبت ذلك ببينة فهي للأول مطلقاً ، وبه تعلم أن ما في معاوضات المعيار عن ابن أبي زمنين من أنها للأول إلا أن يقبضها الثاني ، ويحلف أنه غير عالم بشراء الأول فيكون له خلاف الأصول لأن العاقد هنا متحد وبسبب اتحاده لا يتصور فيه أنه غير عالم بالبيع الأول ، فلا يصح قياسها على ذات الوليين ولا على قول ( خ ) في الوكالة : وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض الخ . فلا تغتر بما لابن أبي زمنين ، وقد ذكر ( ح ) في الضمان عند قوله : ولم يبعد إثباته أن من أخذ كفيلاً بدينه فأقام شخص آخر ببينة أنه كان استأجره قبل ذلك أن الإجارة أولى به ، ولا يحبس في الدين ، وما ذاك إلا لأنه باع منافعه أولاً من زيد فلا عبرة بما يعقده ثانياً مع عمرو مما يؤدي إلى إبطال حق الأول ، وذكر في موت أحد الظئرين عن اللخمي : أن الظئر إذا ثبت أنها تكفلت قبل الإجارة ووجب سجنها سجنت ، وإن تكفلت بعد الإجارة لم تسجن .
وفي امْرِىءٍ مُمَتَّعٍ في المَالِ
يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الاسْتِغْلاَلِ
( وفي امرىء ) خبر مقدم عن قوله قولان بعده ( ممتع في المال ) أي متعته زوجته بعد عقد النكاح بأرض يحرثها مثلاً على أنه لم يشترط عليها ذلك التمتيع أو انطوت ضمائرهما عليه في العقد ، وإلاَّ فسد النكاح كما مرّ في قوله :
ويفسد النكاح بالإمتاع في
عقدته وهو على الطوع اقتفي( يموت ) صفة بالجملة بعد المفرد ( قبل وقت الاستغلال ) الذي هو طيب الزرع وحصاده وبعد الزراعة .
وقامَتِ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الكِرا
قَوْلاَنِ والفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا
( وقامت الزوجة تطلب الكرا ) الواجب لأرضها في الأيام الباقية بعد موت الزوج إلى طيب الزرع لأنها إنما متعت الزوج لا ورثته ( قولان ) أحدهما لا كراء لها . وهو قول ابن حبيب في العمرى التي هي كالتمتيع في هبة المنفعة لمدة مجهولة تنتهي بوقوع أمر مجهول الوقت ، فلا فرق بين أن يسكنه عمره أو حياة فلان ، أو إلى قدومه ، أو يمتعه كذلك فما قيل في أحد هذه الوجوه يقال في بقيتها كما في ( م ) . والقول الثاني لها ما ينوبها من كراء الجملة في المدة التي بين الموت والطيب ، وهو لابن حبيب عن غيره . قال الشارح : ووجهه ظاهر . ( و ) ثالثها ( الفرق ) بين أن يموت بعد فوات أبان الزراعة فلا كراء لها أو قبل فواته فلها الكراء ، وهذا القول ( ل ) بعض ( من تأخرا ) وهو محمد بن بكر شيخ أبي سعيد كما يأتي ، ثم ذكر الناظم أن القول بمنعها من الكراء هو الظاهر ، وأن شيخه أبا سعيد بن لب رحمه الله رجحه فقال :
وحالَةُ المَنْع هِيَ المُسْتَوْضَحَة
وَشَيْخُنا أبُو سعيدٍ رَجّحَه
( وحالة المنع ) من الكراء ( هي المستوضحة ) الظاهرة ( وشيخنا أبو سعيد ) وهو فرج بن قاسم بن لب الثعلبي الأندلسي شيخ شيوخ غرناطة وخطيب جامعها الأعظم انفرد برئاسة العلم ، وكان إليه المفزع في الفتوى كتب إليه بعض ملاعين اليهود ما نصه :
أيا علماء الدين ذمي دينكم
تحير دلوه بأوضح حجة
اذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم
ولم يرضه مني فما وجه حيلتي
قضى بضلالي ثم قال ارض بالقضا
فها أنا راض بالذي فيه شقوتي
دعاني وسد الباب دوني فهل إلى
دخولي سبيل بينوا لي قصتيإذا شاء ربي الكفر مني مشيئة
فهل أنا عاص باتباع المشيئة
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه
فبالله فاشفوا بالبراهين علتي
فأجابه أبو سعيد رحمه الله بنظم طويل حسبما في جامع المعيار وهذا منه :
قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن
ليرضاه تكليفاً لدى كل ملة
نهى خلقه عما أراد وقوعه
وإنفاذه والملك أبلغ حجة
فنرضى قضاء الرب حكماً وإنما
كراهتنا مصروفة للخطيئة
إلى أن قال :
دعا الكل تكليفاً ووفق بعضهم
فخص بتوفيق وعم بدعوة . . . الخ .
ومعنى قوله : فنرضى قضاء الرب الخ . أي : نرضى بقضائه سبحانه من جهة حكمه ونكرهه من جهة كونه خطيئة ، فالرضا بقضائه بالمعصية وحكمه بها مصروف لما مضى من الزمان ، وبالنسبة للمستقبل يجب الإقلاع عنها وعدم الثبات عليها لأن المعصية لم يرض الله تعالى أن يتدين بها عباده ، والإقلاع عنها في طوقهم قال تعالى : ولا يرضى لعباده الكفر } ( الزمر : 7 ) وقال : إنا كل شيء خلقناه بقدر } ( القمر : 49 ) ( رجحه ) لأنه بحرث الأرض وزراعتها حاز منفعة السنة كلها ، فلم يمت إلا والمنفعة في ملكه ، ثم بين القول الثالث المتقدم في قوله : والفرق لمن تأخر فقال :
وشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بنُ بَكرِ
إلى الوَفاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ
( وشيخه ) أي شيخ أبي سعيد وهو القاضي أبو عبد الله ( محمد بن بكر ) بفتح الموحدة وتشديد الكاف المفتوحة ( إلى الوفاة مال عند النظر ) أي مال عند نظره في المسألة إلى اعتبار وقت الوفاة ، ورجح اعتبار ذلك وقال به فالمجرور بإلى يتعلق بالنظر .
فإنْ تَكُنْ وَالاِزْدِرَاعُ قَدْ مَضَى
إبَّانُهُ فَلاَ كِرَاءَ يُقْتَضَى
( فإن تكن ) الوفاة ( و ) الحال أن ( الازدراع قد مضى أبانه فلا كراء يقتضى .
وإنْ تَكُنْ وَوقْتُ الازْدرَاعِ
باقٍ فمَا الكِرَاءُ ذُو امْتنَاعِوإن تكن ووقت الازدراع . باق فما الكراء ذو امتناع ) . ووجه هذا القول الحمل على الاستحقاق ، والظاهر أن القول الأول لا يخالف في هذا إلا أن يقال : إن هذا ينظر لفوات الأبان وعدمه والأول ينظر للزراعة فإذا زرعها فلا كراء عليه ولو لم يفت الأبان والله أعلم .
وفي الطّلاَقِ زرْعُهُ لِلزَّارِعِ
ثُمَّ الكِرَاءُ ما لَهُ مِنْ مَانِعِ
( وفي الطلاق ) يقع من الزوج الممتع بعد أن زرع الأرض ، وقبل الطيب الثلاثة الأقوال المتقدمة اقتصر الناظم فيها على الثاني منها وهو أن ( زرعه للزارع ) وهو الزوج ( ثم الكراء ) لباقي المدة أي ما ينوبها من كراء الجملة ( ما له من مانع ) يمنع وجوبه على الزوج لأن التمتيع وقع في تحسين العشرة وليس بعد الطلاق عشرة يصانع عليها ، فالأقوال الثلاثة التي في موت الزوج جارية في طلاقه ، وباقتصار الناظم على وجوب الكراء هنا يعلم أن الراجح في الموت هو وجوبه أيضاً فحقه أن يقتصر عليه هناك أو يقول : وحالة الكرا هي المستوضحة الخ . فما رجحه أبو سعيد هنالك لا يخلو عن بحث كما قاله الشارح في موت الزوجة . هذا كله إن طلق بعد الزراعة وإن طلق قبل أن يزرعها .
وخُيِّرَتْ في الْحرْثِ إلى إعْطاءِ
قِيمَتِهِ والأخْذِ لِلْكِرَاءِ
( و ) بعد أن حرثها أي قلبها ( خيرت ) الزوجة ( في الحرث ) أي ( في إعطاء قيمته ) وتأخذ أرضها وفي تركه للزوج ( والأخذ للكراء ) واللام للتعدية كقوله تعالى : فعال لما يريد } ومصدقا لما معكم } ( النساء : 47 ) وفي إعطاء بدل مما قبله هذا حكم موت الزوج وطلاقه ، وأما إن ماتت الزوجة فهو قوله :
وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فالكِرا
عَلَى الأصَحِّ لازِمٌ مَنْ عَمَّرَا
( وحيثما الزوجة ) التي متعت زوجها ( ماتت ) بعد الحرث وقبل الزراعة أو بعد الزراعة وقبل الطيب ( فالكرا ) ء كله في الأولى أو ما ينوب باقي المدة ( على الأصح لازم من عمرا ) الأرض وحرثها وهو الزوج لأنها إنما أمتعته منفعة ما تملكه ، وقد زال ملكها بموتها ، اللهم إلا أن يشاء وارثها في موتها بعد الحرث وقبل الزراعة أن يدفع لها قيمة حرثه فله ذلك كما مرّ في الطلاق ، ومقابل الأصح قولان عدم لزوم الكراء أصلاً والفرق بين فوات الأبان وعدم فواته ، فالأقوالالثلاثة التي في موت الزوج جارية في موت الزوجة أيضاً كما في ابن سلمون ، ونقله الشارح قائلاً : ومن هنا يظهر أن من أوجب الكراء في موته يوجبه في موتها لأن الحق قد انتقل للغير في الصورتين ، فما رجحه أبو سعيد في موت الزوجة لا يخلو من بحث اه . بمعناه . ثم إذا قلنا بلزوم الكراء في هذه الصورة فإنما يلزمه من كراء الجملة .
بِقَدْرِ مَا بَقِيَ للحَصَادِ
مِنْ بَعْدِ رَعْي حَظِّهِ الْمُعْتَادِ
( بقدر ) ما ينوب ( ما بقي ) من المدة بعد الموت والطلاق ( للحصاد ) كما مر تقريره إلا أنه في موتها يراعي إرثه منها فيحط عنه من ذلك الكراء اللازم له قدر إرثه منه كما قال : ( من بعد رعي حظه المعتاد ) له في إرثه منها وهو النصف مع فقد الولد والربع مع وجوده فيحط عنه ويلزمه الباقي فقوله : بقدر ما بقي الخ . راجع لجميع ما مرّ وقوله : من بعد رعى حظه الخ . خاص بموت الزوجة ، وقد تبين أن الناظم رجح لزوم الكراء في الطلاق وموتها دون موته هو ، وقد علمت أن عدم لزومه في موته مبحوث فيه .
وإنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الفُرْقَه
فالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ
( وأن تقع ) الفرقة بموتها أو موته أو طلاقه ( و ) الحال أنه ( قد تناهى ) الزرع وطاب ويبس فقوله ( الفرقه ) فاعل تقع ( فالزوج ) أو وارثه ( دون شيء ) من الكراء ( استحقه ) أي الزرع قاله ابن سلمون وغيره .
وَنُزِّلَ الوَارِثُ في التَّأْنِيثِ
وَعَكْسِهِ منْزِلَة المَوْرُوثِ
( ونزل الوارث في التأنيث ) وهو موت الزوجة ( وعكسه ) وهو موت الزوج ( منزلة الموروث ) فلا كراء إن كان الموت بعد الطيب وتجري الأقوال الثلاثة فيما إذا كان قبله . وهذا البيت قليل الجدوى لعلم حكمه مما مر .
تنبيه : فإن أمتعت الزوجة زوجها بكرم أو ثمرة فإن وقعت الفرقة بشيء مما ذكر بعد بدو الصلاح في الكرم أو طيب الثمرة فالغلة للزوج أو لورثته ، وإن كان الفراق قبل ذلك فالغلة للزوجة أو لورثتها قاله ابن سلمون في فصل المتعة أوائل النكاح منه قال : وهكذا حكم الحبس والعمرى المراعى فيهما بدو الصلاح وظهور الطيب ، وكذلك حكم الاستحقاق والرد بالعيبومراده بالحبس الحبس الموقت بحياة المحبس عليه قال : إلا أن الزوج متى كانت الغلة للزوجة أو ورثتها لا يرجع بما سقى وعالج اه . واختار أبو سعيد بن لب أنه يرجع بقيمة سقيه وعلاجه كما في الشارح واليزناسني .
فصل في اختلاف المكري والمكتريوهما كما قال ( ت ) : إما في قدر المدة وعليه تكلم في الأبيات الخمس الأول ، أو في القبض والجنس وعليهما تكلم في البيت الأخير ، أو في قدر الكراء وعليه تكلم فيما بينهما .
القَوْلُ لِلْمُكرِي مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ
في مُدَّةِ الكِراءِ حَيْثُ يَنْتَقِدْ
( القول للمكري مع الحلف ) بسكون اللام ( اعتمد ) فيما إذا اختلفا ( في مدة الكراء ) فقال المكري بدرهم لشهر ، وقال المكتري : بل بدرهم لشهرين وهذا ( حيث ينتقد ) أي يقبض المكري الكراء الذي هو الدرهم في المثال المذكور ، وظاهره سواء سكن المكتري الشهر الذي يدعيه المكري أو لم يسكنه أشبه فيما يدعيه إن قال الناس مثل تلك الدار تكرى بما قال لتلك المدة التي يدعيها أو لم يشبه ، وهو ظاهر ابن سلمون والمتيطي ، وسيأتي ما فيه ، وأما إن سكن الشهرين فالقول قول المكتري ( ح ) : لترجح جانبة بحيازة السكنى التي يدعيها ، ومفهوم قوله : حيث ينتقد أنه إذا لم يكن المكري انتقد الكراء ولا قبضه فإنه تعتبر السكنى حينئذ كما قال :
وَمَعْ سُكْنَى مُكْتَرِ وما نَقَدْ
تحالفا والفَسْخُ في باقي الأَمَدْ
( و ) إن اختلفا ( مع ) وجود ( سكنى مكتر ) بعض المدة ( و ) الحال أنه ( ما نقد ) للمكري شيئاً من الكراء ( تحالفا ) ويبدأ المكري باليمين لأنه البائع للمنافع ( و ) يجب ( الفسخ في باقي الأمد .
ثمَّ يؤدِّي مَا عَليهِ حَلَفا
في أمدِ السّكنَى الذِي قَدْ سَلَفَا
ثم يؤدي ) المكتري ( ما عليه حلفا . في أمد السكنى الذي قد سلفا ) فإن اختلفا بعد أن سكن نصف الشهر في المثال المذكور فإنه يؤدي ربع الدرهم وبعد سكناه الشهر والنصف الآخر يؤدي ثلاثة أرباعه .
وإن يكُونا قبل سُكْنَى اختلَفَا
فالفسخُ مهما نكَلا أو حَلَفا( وإن يكونا قبل سكنى اختلفا ) والموضوع بحاله من كون المكتري لم ينقد شيئاً ( فالفسخ ) أيضاً ( مهما نكلا ) معاً ( أو حلفا ) معاً فإن حلف أحدهما ونكل الآخر في هذه أو في التي قبلها قضى للحالف على الناكل كما قال :
والقَوْلُ في ذلِك قولُ الحالِفِ
في لاحِقِ الزَّمانِ أَوْ في السالِفِ
( والقول في ذلك قول الحالف ) وحده إذا نكل صاحبه سواء اختلفا بعد السكنى أو قبلها وقوله : ( وفي لاحق الزمان أو في السالف ) خاص بالاختلاف بعد السكنى والاختلاف في قدر مدة الأرض المكتراة سنين كالاختلاف في قدر مدة السكنى ، وما ذكره الناظم في هذه الأبيات مثله في ابن سلمون والمتيطية والنوادر ، وظاهرهم أنه لا ينظر في ذلك لشبه ، والظاهر إنه لا بد منه كما قالوه فيما إذا اختلفا في قدر الأجرة وقدر المدة المشار لها بقول ( خ ) : وإن قال اكتريت عشر سنين بخمسين ، وقال المكري : بل خمس سنين بمائة حلفا وفسخ حيث لم يزرع ولم يسكن ، وإن زرع بعض السنين أو سكن بعضها فلربها ما أقرَّ به المكتري أن أشبه وحلف وإلاَّ فقول ربها إن أشبه وإن لم يشبها حلفا ووجب كراء المثل فيما مضى وفسخ الباقي مطلقاً وإن نقدا وأشبها معاً أو المكري فقط فتردد هل هو كالمتقدم في قبول قول المكري بيمينه ويأخذ بحساب دعواه فيما مضى ويفسخ الباقي أو يعمل بقوله ولا فسخ ؟ ويلزم المكتري إتمام المدة بجميع المائة ، وأما إذا نقدا ولم يشبها معاً أو أشبه المكتري فقط فحكم ذلك حكم ما ذكر فيما إذا لم ينقد ، وإنما قلنا : الظاهر إنه لا بد من اعتبار الشبه فيما إذا كان الاختلاف في قدر المدة فقط الذي ذكره الناظم لأنه يلزم من الاختلاف في المدة الاختلاف في قدر الأجرة ، ولذا قالوا : يؤدي فيما سكن بحساب ما قال ، وأيضاً فإنه يلزم من اعتبار الشبه في الاختلاف في قدر الأجرة والمدة اعتباره في قدر الأجرة فقط أو المدة فقط وإنما تركه من تركه للعلم به لأنه معلوم أن الشبه من مرجحات الدعوى ، وعليه فقول الناظم : حيث ينتقد يعني وأشبه ، ويلزم المكتري إن لم يسكن إتمام المدة بما قال المكري : كما هو أحد شقي التردد . وقوله : ثم يؤدي ما عليه حلفاً يعني : إذا أشبه فيما يدعيه من المدة ، وإلاَّ فالقول لربها ويأخذ من الكراء لماضي المدة بحساب ما قال ويفسخ الباقي لأن شراء المنافع كشراء الذوات فما فات منها يصدق فيه المشتري إن أشبه وإلاَّ صدق البائع ويفسخ العقد فيما لم يفت منها وهو معنى قول ( خ ) في البيع : وصدق مشتر ادعى الأشبه وحلف إن فات الخ . وقوله : وإن يكونا قبل سكنى الخ . يعني ولا ينظر هنا لشبه لعدم فوات المنافع والله أعلم . ثم أشار إلى الاختلاف في القدر فقال :
وإن يكُنْ في القَدْر قَبْلَ السُّكْنى
تحالَفا والفَسْخُ بَعْدُ سُنَّا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13