كتاب : البهجة في شرح التحفة
المؤلف : أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي

تقديره لها على الزوج ، والمعنى أن المطلقة إذا كانت لا عدة عليها لكونها طلقت قبل البناء أو كانت غير مطيقة وإن وطئت بالفعل لأن وطء غير المطيقة كالعدم أو كان الزوج مجبوباً فإنه لا نفقة لها ولا كسوة ولا سكنى وقد بانت وحلت للأزواج من حينها .
والحاصل أنه كلما انتفت العدة انتفى لازمها من السكنى والنفقة ولا عكس ، لأنه إذا وجبت العدة فقد ثبتت النفقة والسكنى كما إذا كانت المطلقة حاملاً أو رجعية وقد ينتفيان كما إذا لم تعلم خلوة بينهما وادعت المسيس أو علمت في زيارته لها فعليها العدة لإقرارها بسببها في الأولى ولعلم الخلوة في الثانية وإن لم تقر بالوطء . ( خ ) : تعتد حرة بخلوة بالغ ولا نفقة لها ولا سكنى لأنها مطلقة قبل البناء على زعمه فهي بائن غير حامل ، فإن ظهر بها حمل والموضوع بحاله فإن لاعن فيه فلا شيء لها ، وإلا فلها النفقة والسكنى كما مر ما لم تضعه لأقل من ستة من يوم العقد وإلا انتفى بغير لعان كما مر .
وَلَيْسَ لِلرَّضِيعِ سُكْنَى بالْقَضَا
عَلَى أبِيهِ وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى
( وليس للرضيع سكنى ) اسم ليس خبرها في المجرور قبله ( بالقضا على أبيه ) يتعلقان بالاستقرار في الخبر ( والرضاع ) مبتدأ ( ما ) نافية ( انقضى ) خبر والجملة حالية مقرونة بالواو يريد أن من طلق زوجته وله معها ولد رضيع ، فإنه لا سكنى للرضيع على أبيه لأن مسكنه في مدة الرضاع هو حجر أمه في الغالب قاله ابن عات وغيره . نعم على أبيه نفقته إن كان يأكل مع الرضاع وفهم من قوله والرضاع ما انقضى الخ . أنه إذا انقضت له مدة الرضاع تكون له السكنى على أبيه وهو كذلك على أحد قولين ، وبه العمل فيلزم الأب حظه من كراء البيت ( خ ) وللحاضنة قبض نفقته والسكنى بالاجتهاد ويكون عليه أيضاً إخدامه بعد تمام الرضاع إذا كان حاله يتسع لذلك كما في ابن سلمون قال : ولا خدمة للحامل ولا للرضيع على زوجها وإن كانت مخدمة قبل الطلاق على ما به العمل إلا أن المرضع يزاد لها ما تتقوى به في الأجرة بسبب اشتغالها بالولد اه ( خ ) وتزاد المرضع ما تقوى به .
وَمُرْضَعُ لَيْسَ بِذِي مَالٍ عَلَى
وَالِدِهِ مَا يَسْتَحِقُّ جُعِلاَ
( ومرضع ) بفتح الضاد اسم مفعول مبتدأ ( ليس ) اسمها ضمير المبتدأ ( بذي مال ) خبرها جر بالباء الزائدة ، والجملة صفة للمبتدأ ( على والده ) يتعلق بجعلا آخر البيت ( ما ) مبتدأ ثان ( يستحق ) صلة والرابط محذوف ( جعلا ) بالبناء للمفعول خبر ما وما وخبرها خبر الأول ، والمعنى أنالرضيع الذي لا مال له يكون جميع ما يحتاج إليه من أجرة الرضاع وغيرها على أبيه الغني ، وفهم من قوله : ليس بذي مال الخ . أن مال الابن يقدم على مال الأب ولو في حياته ، وهو كذلك على الراجح من إحدى الطريقتين لأن أجرة الرضاع كالنفقة يبدأ فيها بمال الابن وسيصرح بهذا في قوله : ومن له مال ففيه الفرض حق . وكلام الناظم فيما إذا كانت أمه في العصمة أو رجعية بدليل ما بعده ، لكنه أطلق فيشمل علية القدر والتي لا لبن لها لمرض ونحوه وغيرهما مع أن الحكم المذكور خاص بعلية القدر والتي لا لبن لها . وأما غيرهما ولو رجعية فيجب عليها إرضاع ولدها بلا أجر ( خ ) : وعلى الأم المتزوجة إرضاع ولدها بلا أجر إلا لعلو قدر كالبائن الخ فلو زاد الناظم بيتين فقال مثلاً :
إن ذات قدر هي أو مريضه
وغيرها ترضعه فريضه
واستأجرت من مالها إن أعدما
أب وكان درها قد عدما
لوفى بالمراد والدر اللبن ، وبالجملة فعلية القدر التي مثلها لا يرضع ولده لعلم أو سرف أو صلاح أو جاه لا يلزمها إرضاع ولدها فإن أرضعته ولو قبل غيرها كانت لها أجرة الرضاع في مال الولد إن كان له مال فإن لم يكن له مال ففي مال الأب فإن لم يكن لهما مال لزمها إرضاعه مجاناً ، وإن لم يكن لها لبن استأجرت من يرضعه من مالها ، وأما غير علية القدر التي لا لبن لها فإن الأب يستأجر من يرضعه من ماله فإن لم يكن له مال استأجرت من يرضعه من مالها أيضاً .
وَمَعْ طلاقٍ أُجْرَةُ الإرْضَاعِ
إلى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ
( ومع طلاق ) يتعلق بالاستقرار في الخبر المحذوف . ( أجرة الإرضاع ) مبتدأ خبره محذوف للعلم به أي وأجرة الرضاع واجبة لها عليه مع طلاقها البائن ( إلى تمام مدة الرضاع ) وهو الحولان وحذف الناظم نعت طلاق كما ترى وهو وارد في التنزيل كقوله تعالى : إنه ليس من أهلك } ( هود : 46 ) أي الناجين ، وقوله : الآن جئت بالحق } ( البقرة : 71 ) أي البين ومن قوله مع طلاق يفهم أن البيت الذي قبله إنما هو في التي في العصمة أو من في حكمها وهي الرجعية كما مر فإن لم ترض هذه البائن بما فرض لها كان للأب أخذه ويدفعه لمن يرضعه ، فإن لم يقبل غيرها كان عليها إرضاعه بما فرض لها بالقضاء فإن كان الأب معسراً لا يقدر على أجرة كان عليها إرضاعه مجاناً أو بما يقدر عليه واستأجرت من مالها إن لم يكن لها لبن كما مر ، وإذا وجد الأب من يرضعه مجاناً أو بأقل من الأجرة المفروضة فلا ينزعه منها ويلزمه لها أجرة المثل كما أشار له ( خ ) بقوله ولها إن قبل غيرها أجرة المثل ولو وجد من ترضعه عندها مجاناً على الأرجح في التأويل .وَبَعْدَهَا يَبْقَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهْ
حَتَّى يُرَى سُقُوطُهُ بِمُوجِبِهْ
( وبعدها ) يتعلق بقوله ( يبقى ) والضمير المؤنث لمدة الرضاع ( الذي ) فاعل بيبقى ( يختص به ) صلة والرابط هو الضمير الفاعل بيختص وضمير به للولد ( حتى ) جارة بمعنى إلى وأن مقدرة بعدها ( يرى ) بالبناء للمفعول منصوب بأن المقدرة ( سقوطها ) نائب الفاعل ( بموجبه ) يتعلق بسقوط ، وأن وما دخلت عليه تسبك بمصدر مجرور بحتى يتعلق بيبقى ، والمعنى أنه يبقى الذي يختص بالولد بعد مدة الرضاع من نفقة وكسوة وسكنى لازماً لأبيه إلى رؤية سقوطه عنه بموجبه وهو بلوغ الذكر عاقلاً قادراً على الكسب ودخول الزوج بالأنثى كما مرّ في قوله :
ففي الذكور للبلوغ يتصل
وفي الإناث بالدخول ينفصل
تنبيه : إذا طلق وادعى العسر بنفقة الولد أو أجرة رضاعه ، فإن دعواه لا تقبل ولو أثبتها لأنه قبل الطلاق كان ينفق عليها وعليه واليوم عليه فقط ، فهي أخف ، اللهم إلا أن يثبت بالبينة أن حالته تغيرت عما كان عليه قبل الطلاق فيحلف حينئذ أنه ما كتم شيئاً ولا يستطيع من النفقة شيئاً ثم يكون رضاعه على الأم ونفقته على المسلمين أو بيت المال قال معناه اللخمي .
وَإنْ تَكُنْ مَعْ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ
زِيدَتْ لهَا نَفَقَةٌ بالْعَدْلِ
( وإن تكن ) شرط واسمها ضمير المطلقة ( مع ذاك ) يتعلق بتكن والإشارة إلى كونها مرضعاً ( ذات حمل ) خبر تكن ( زيدت ) بالبناء للمفعول ( لها ) يتعلق به ( نفقة ) نائب الفاعل ( بالعدل ) .
بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحَيْثُ بالْقَضَا
تُؤْخَذُ وَانَفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى
( بعد ثبوته ) يتعلقان بزيدت أيضاً ، والمعنى أن المطلقة إذا كانت ذات حمل مع كونها مرضعاً فإنه يزاد لها نفقة الحمل والسكنى على أجرة الرضاع لقوله تعالى : فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ( الطلاق : 6 ) الآية وقوله : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ( الطلاق : 6 ) وليس واجب الإرضاع مسقطاً ما يجب لها لأجل الحمل ( ح ) : وإن كانت مرضعة فلها نفقة الرضاع أيضاً ثم هذه النفقة التي تزاد لها تكون بالعدل بقدر وسعه وحالها والبلد والسعر ، وإنما تزاد لها نفقة الحمل بعد ثبوته بشهادة القوابل إنهن لمسن بطنها لمساً تاماً شافياً فتحققن أن بها حملاً ظاهراً قد تحرك وفشا الخ . فإن سقط من شهادتهن قد تحرك لم يعمل بها لقول ابن رشد المشهور في المذهب أن يحكم للحمل بحركته في وجوب النفقة واللعان عليه ، وفي كون الأمةحرة به اه . وقال أيضاً : لا يتبين الحمل في أقل من ثلاثة أشهر ولا يتحرك تحركاً بيناً يصح القطع به على حركته في أقل من أربعة أشهر وعشر اه . فإذا شهدن أنه يتحرك وهو من شهرين أو ثلاثة من يوم حاضت أو ولدت لم يعمل بها أيضاً ، وإذا وجبت لها النفقة بحركته فتحاسبه بما مضى من أربعة أشهر من طلاقها . ( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( بالقضا ) ء يتعلق بقوله : ( تؤخذ ) ونائبه ضميرالنفقة ، والجملة في محل جر بإضافة حيث ( وانفش ) معطوف على تؤخذ وفاعله ضمير الحمل ( فمنها ) يتعلق بقوله ( تقتضى ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير النفقة والجملة جواب حيث والفاء رابطة .
وَإنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلا سُلْطَانِ
فَفِي رُجُوعِهِ به قَوْلاَنِ
( وإن يكن ) شرط ( دفع ) اسمها ( بلا سلطان ) خبرها ( ففي رجوعه به ) خبر ( قولان ) مبتدأ والجملة جواب الشرط ، والمعنى أن الحامل إذا ثبت حملها وأخذت النفقة بحكم الحاكم ثم بعد ذلك أنفش حملها ، وتبين أنه لا حمل بها ، وإنما هو ريح أنفش فإن النفقة التي أخذت تقتضي منها أي تؤخذ منها كلها ، وكذا الكسوة ولو بعد أشهر وإن كانت النفقة دفعت لها بغير حاكم وهو مراده بقوله بلا سلطان ، وأنفش الحمل كما هو الموضوع فهل يرجع الزوج بها أم لا ؟ قولان في المذهب ، والمشهور منهما الأول كما هو ظاهر قول ( خ ) وردت النفقة كانفشاش الحمل الحمل الخ ، وظاهره أيضاً أنفق عليها بعد ظهوره وثبوته أو قبلهما ، وهو كذلك كما لشراحه . ومفهوم قول الناظم : أنفش أنه إذا لم ينفش بل ولدته ومات أو أسقطته ميتاً فلا رجوع عليها بشيء ، وهو كذلك ، وإذا تنازعت مع الزوج فادعت أنها أسقطته وادعى هو أنه ريح أنفش ، فالقول قولها ولو لم يوجد له أثر بلا يمين كما أشار له ( خ ) أيضاً بقوله وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين .
وَمَنْ لهُ مَالٌ فَفيهِ الْفَرْضُ حَقْ
وَعَنْ أبٍ يَسْقُطُ كلُّ مَا اسَتَحَقْ
( ومن ) مبتدأ موصول واقع على الولد الصغير ( له مال ) مبتدأ وخبر صلته ( ففيه ) يتعلق بحق آخر البيت ( الفرض ) مبتدأ ( حق ) بضم الحاء فعل ماض ونائبه ضمير الفرض ، والجملة خبر عن الفرض ، والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول ودخلت الفاء في خبره لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام ( وعن أب ) يتعلق بقوله ( يسقط كل ) فعل وفاعل ( ما ) مضاف إليه موصول وصلته جملة ( استحق ) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير من والرابط محذوف ، والمعنى أن كل ولد صغير كان له مال ورثه من أمه أو تصدق به عليه ونحو ذلك فإن لأبيه أن يفرض نفقتهوكسوته وأجرة رضاعه فيه وسواء كان المال عيناً أو عرضاً ، ويرجع الأب بما أنفق عليه من ماله الخاص به إن كان مال الابن عرضاً فقط ، وجرت عادة البلد برجوع الآباء على الأبناء كما مرّ عند قوله : ومنفق على صغير مطلقاً إلى آخر الأبيات ، وإذا أنفق عليه في ختنه وعرسه وعيده فلا يلزمه إلا ما كان معروفاً لا ما كان سرفاً ( خ ) : والنفقة على الطفل بالمعروف ، وفي ختنه وعرسه وعيده . ابن القاسم : ما أنفقه على اللعابين في عرسه ونحوه لا يلزم الولد .
وكُلُّ مَا يَرْجِعُ لافْتِرَاضِ
مُوَكَّلٌ إلى اجْتِهَادِ القَاضِي
( وكل ) مبتدأ ( ما ) مضاف إليه ( يرجع ) صلة والرابط الفاعل بيرجع ( لافتراض ) يتعلق به ( موكل ) بفتح الكاف خبر ( إلى اجتهاد القاضي ) يتعلق بالخبر المذكور .
بِحَسَبِ الأَقْوَاتِ والأَعْيَانِ
وَالسِّعْرِ وَالزّمَانِ وَالمَكَانِ
( بحسب ) حال من اجتهاد أو يتعلق بمحذوف أي فيجتهد بحسب إلى آخره ، والمعنى أن كل ما يفرض ويقدر من نفقة وكسوة وإسكان وإخدام فهو موكل إلى اجتهاد القاضي حال كون اجتهاده كائناً بحسب جنس ( الأقوات ) المعتاد أكلها في البلد من قمح أو شعير أو أرز أو ذرة وغير ذلك ( و ) بحسب ( الأعيان ) المفروض لها وعليها من غنى وغيره ، فلا يلزم الموسر أن ينفق على الفقيرة كنفقته على الغنية ولا يكتفي من غير متسع الحال في إنفاقه على الغنية بما يكفيه في الفقيرة .
واعلم أن الأعيان أربعة : غني ومتوسط ومقل وعديم ، ولكن فرض عامة الناس عندنا بفاس حرسها الله كما في الشيخ ( م ) : وهو الذي رأيت عملهم اليوم عليه فرض الإقلال كان الزوج رفيعاً أو وضيعاً ولو كان تاجراً إلا إذا أثبت عدمه فيفرض عليه فرض العديم ولا تطلق عليه كما قال ( خ ) لا أن قدر على القوت وما يواري العورة وأن غنية أي فلا تطلق عليه قال ابن سلمون : فإن ادعى أنه معسر فلا يفرض عليه فرض المعسر حتى يثبت هذا الرسم الذي نصه يعرف شهوده فلاناً ويعلمونه ضعيف الحال بادي الإقلال مقدوراً عليه في رزقه وحاله متصلاً على ذلك حتى الآن وبذلك قيدوا شهادتهم في كذا ، فإذا ثبت هذا العقد سقط عنه الإنفاق الذي يلزم الموسر ، وكان عليه غليظ الثياب والقوت من الدقيق أو الخبز إن كان لا يستطيع الدقيق وسقط عنه الإدام ويدفع ذلك بالشهر أو بالجمعة أو باليوم اه . فإن ادعى العجز حتى عن الدقيق والخبز يعني بغير إدام فإنها تطلق عليه كما يأتي في الفصل بعده ، فإذا علمت هذا فالمتوسط عندنا بفاس هو المقل ، ولذا حمل عامة الناس عليه عندنا والعديم قسمان عديم لا يقدر على شيء من النفقة بحال وعديم يقدر على القوت بغير أدام وما يواري العورة من غليظ الثياب فلا تطلق عليه ( و ) بحسب ( السعر ) فيوسع في الرخاء دون الغلاء ( و ) بحسب ( الزمان ) فليس زمان الشتاء كالصيف( و ) بحسب ( المكان ) إن كان أكل أهل بلدها الشعير ونحوه أكلته وأمر الإدام كذلك فيفرض الماء والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة لمتسع ومرة في كل جمعة لمتوسط ولا يفرض عسل ولا سمن ولا فاكهة إلا أن يكون السمن إداماً لأهل بلدها كما عندنا بفاس فيفرض ، وأما أهل البادية فينقص لهم الوقود والصابون والزيت وما عداه يلزمهم . ابن الفخار : يلزم المليء في نفقة زوجته مدان في كل يوم بمده عليه الصلاة والسلام والمتوسط يلزمه مد ونصف اه . ابن الحاجب : وقدر مالك المد في اليوم وقدر ابن القاسم ويبتين ونصفاً في الشهر إلى ثلاثة لأن مالكاً بالمدينة وابن القاسم بمصر ، ضيح : المراد بالمد هنا الهاشمي وهو المنسوب إلى هاشم بن إسماعيل المخزومي وكان أميراً بالمدينة في خلافة هشام بن عبد الملك وقدره مد وثلثان بمده ( صلى الله عليه وسلم ) ، والويبة اثنان وعشرون مداً بمده ( صلى الله عليه وسلم ) اه . وما تقدم في قدر المد الهاشمي هو المشهور ، وقيل هو مد وثلث وقيل مدان حكى هذه الأقوال ابن الحاجب ، وأمر الكسوة يعتبر فيه ما تقدم في النفقة من الأعيان والسعر والزمان والمكان فإن كانت حديثة عهد بالبناء فليس عليه سوى شورتها التي تجهزت بها إليه من ملبس وغطاء ووطاء ، وإن لم يكن في صداقها ما تتشور به أو لقلته أو بعد عهدها بالبناء حتى خلقت شورتها فعليه كسوتها يفرض لها في الصيف ما يليق به ، وفي الشتاء ما يليق به وليس المراد أن يكسوها في كل صيف وشتاء بل حتى تخلق كسوة كل منهما ابن سلمون قال بعض المفتين : إن كان الصداق واسعاً فلا كسوة لها عليه قبل العام ، وإن كان ضيقاً فعليه الكسوة معنى طلبتها اه .
قلت : الظاهر أن المعتمد هو الأول وإن ذلك لا يضبط بعام ولا بغيره وإنما المدار على اختلاف شورتها ، ثم إن الحاكم مخير إن شاء آخذ الزوج بما يفرض عليه بعينه ، وإن شاء آخذه بثمنه ( خ ) : ويجوز إعطاء الثمن عما لزمه لزوجته من الأعيان المفروضة . ابن بشير : لو أراد الزوج أن يدفع إلى المرأة ما فرض لها وطلبت هي ثمنه لكان لها ذلك اه . والعادة عندنا بفاس أن تفرض الأثمان إلا الطعام فيفرض بعينه ، وإذا فرضت الأعيان وقبضتها فإنها تدخل في ضمانها بالقبض ( خ ) وضمنت بالقبض كنفقة الولد إلا لبينة الخ . وللقاضي العدل سيديمحمد بن سودة رحمه الله نظم فيما يفرض رأيت إثباته هنا زيادة للإيضاح ، وإن كان فيه مخالفة لبعض ما تقدم ونصه :
وفرض بالغ ومن قد رهقا
من الرجال والنسا توافقا
فقوت الإقلال بنصف شهر
خمسة آصع دقيقاً فادر
ونصف رطل من نقي سمن
ومثله زيتاً عليه فأبن
كذا من الشحم أو الخليع
نصيف رطل فاصغ للتوزيع
واللحم نصف ربع وحنا
ثمن رطل ربع رطل جبنا
لبانه أو ضعفه زيتونا
ونصف رطل للنقا صابونا
أوقية سكية لصرف ما
يفرض من ملح ولحم لزما
وزينة مثل سواك كحل
مشط وغاسول ودهن بقل
وزد أكولة ومرضعاً على
مقدار خمسة لها وكملا
وإن تشأ أثمان كل المآكل
وضف إليها الصرف ثم أجمل
وذا به العمل في ذا العصر
في فرض نائب قضاة المصر
والخادم البالغ في ذا الجنس
لولد أو والد أو عرس
قدر من الأربعة الأخماس
من فرض بالغ بلا التباس
فصل في الطلاق بالإعسار بالنفقة وما يلحق بهامن الإعسار بالصداق والإخدام .
الزَّوْجُ إنْ عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِ
لأَجْلِ شَهْرَيْنِ ذُو اسْتِحْقَاقِ
( الزوج ) مبتدأ ( إن عجز ) بفتح الجيم وكسرها كما في القاموس شرط حذف جوابه للدلالة عليه ( عن إنفاق ) يتعلق به ( لأجل ) يتعلق باستحقاق ( شهرين ) بدل ( ذو استحقاق ) خبر المبتدأ ، والمعنى أن الزوج إذا عجز عن نفقة زوجته بعد أن دخل بها أو بعد أن دعي إلى البناء أي عجز عن القوت أو ما يواري العورة كما مرّ في البيت قبل الفصل وكما يأتي فإنه يؤجل شهرين .
بعْدَهُمَا الطَّلاَقُ لا مِنْ فِعْلِهِ
وَعَاجِزٌ عَنْ كِسْوَةٍ كَمِثْلِهِ
( بعدهما ) خبر عن قوله ( الطلاق لا ) عاطفة على محذوف أي من فعل الحاكم لا ( من فعله )أي الزوج وهذا إذا امتنع الزوج من الطلاق ، فحينئذ يطلق الحاكم عليه أو يأمرها به فتوقعه كما مرّ في الضرر والعيوب وكما يأتي قريباً في قوله وباختيارها يقع . ( وعاجز عن كسوة ) مبتدأ سوغه عمله في المجرور ( كمثله ) خبره أي كمثل العاجز عن الإنفاق في التأجيل المذكور فإذا قدر على القوت وعجز عما يواري العورة فيؤجل الأجل المذكور فإن أتى بما يواريها فذاك وإلاَّ أمر بطلاقها ، فإن أبى طلقها الحاكم أو أمرها به فتوقعه كما مر .
ولما كان الأجل المذكور غير محتم بحيث لا يعدل عنه بل هو من جملة الآجال التي هي موكولة لاجتهاد الحكام فيوسعونها على من يرجى يسره ولا يوسعونها على من لا يرجى منه ذلك وعلى ما يرونه من حاجة صبر المرأة وعدم صبرها قال :
وَلاجْتِهَادِ الحَاكِمِينَ يُجْعَلُ
في العَجْزِ عَنْ هذَا وَهذَا الأَجَلُ
( ولاجتهاد الحاكمين يجعل في العجز عن هذا ) أي الإنفاق ( وهذا ) اللباس المعبر عنه بالكسوة ( الأجل ) نائب فاعل يجعل والمجروران يتعلقان به والإشارة الأولى للإنفاق والثانية للكسوة وذكره باعتبار اللباس .
وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ
كَمثلِ عِصْمَةٍ وَحالِ مَنْ طُلِبْ
( وذاك ) مبتدأ والإشارة إلى ما ذكر من التطليق والتأجيل ( من بعد ثبوت ما يجب ) خبره وفاعل يجب ضمير يعود على ما وهو على حذف مضاف أي من بعد ثبوت ما يجب ثبوته ( كمثل ) اتصال ( عصمة ) بين الزوجين ( و ) مثل ( حال من ) أي الزوج الذي ( طلب ) بالنفقة والكسوة من ثبوت عسره بهما وحلفه أنه لا مال له ، وأنه لا يقدر على ما فرض عليه ، فحينئذ يؤجل ثم تطلق عليه بعده فقول الناظم : الزوج إن عجز الخ . أي ادعى العجز فإن وافقته المرأة فلا يحتاج إلى ثبوته بالبينة وإن كذبته فلا بد من ثبوته بها ، وظاهره أنه إذا ادعاه لا يسجن ولا يؤاخذ بضامن حتى يثبته إذ لا يكلف بضامن إلا لو كان يسجن إذا عجز عنه وهو كذلك ( خ ) : فيأمره الحاكمإن لم يثبت عسره بالنفقة والكسوة أو الطلاق . وإلا بأن ثبت أي بالبينة أو بإقرارهما تلوم له بالاجتهاد ، وزيد إن مرض أو سجن ثم طلق عليه وإن غائباً أو وجد ما يمسك الحياة اه . وفي البرزلي ولا يحبس في نفقة زوجته ويجبر بين النفقة أو التطليق وإن ثبت عدمه ضرب له السلطان أجل شهرين فإن لم يوسر طلقت عليه وتكون معه في خلل التأجيل ، وإذا علم له مال وظهر لدده سجنه السلطان في أمر الزوجة والأولاد ولو طلبته بنفقة أنفقتها على نفسها فيما مضى لوجب سجنه لها لأنها دين تحاص به الغرماء وتسقط بها الزكاة ، وفي المستقبل لا تسقط يعني ولا تطلق بعجزه عن النفقة الماضية ( خ ) : ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة لا ماضية الخ . وقال : أعني البرزلي قبيل ما مرّ عنه سئل ابن الحاج عن المليء إذا قال : لا أنفق على زوجتي هل تطلق عليه ؟ فأجاب : ينفق عليها من ماله حتى يطلقها ويحتمل أن يقال له أنفق فإن قال لا قيل له طلق فإن أبى طلق عليه . البرزلي : وحكى عياض عن المبسوطة فيمن له مال ظاهر وهو حاضر أيؤخذ من أمواله فيدفع لها النفقة ؟ قال : بل يفرض لها عليه ويأمره بالدفع لها فإن فعل فذاك وإلاَّ وقف فإما أنفق أو طلق عليه . وفي الواضحة إن لم يكن له مال ظاهر وعرف ملاؤه فرض عليه ، وإن عرف عدمه لم يفرض عليه وهي مخيرة في الصبر بلا نفقة أو تطلق نفسها عليه ، وكذلك إذا جهل حاله ، وفي المدونة احتمال القولين اه . أي احتمال القولين اللذين أشار لهما ابن الحاجب من أنه يؤخذ من ماله وينفق عليها منه حتى يطلقها أو يقال له أنفق الخ . والظاهر أنه إذا قال : أنا أنفق فإنه يؤاخذ بالضامن لأنه حينئذ بمنزلة من اعترف بأنه مليء بها قادر عليها وذلك بمنزلة من له مال وهو ظاهر ، وفي ابن سلمون فإن ادعى العجز عن النفقة وكذلك عن القوت وعن ما يواري العورة من الكسوة وادعى العدم فلا يحبس حتى تقوم عليه شبهة يظهر بها لدده وعليه إثبات ذلك إن كذبته المرأة ، فإذا أثبت ذلك حلف أنه لا مال له ، وأن الذي يفرض عليه لا يقدر عليه فإذا حلف أجل في الكسوة إن قدر على النفقة دون الكسوة وفرق بينهما بعد الشهرين ونحوهما ، وإن لم يقدر على واحد منهما فلا يؤجل إلا دون ذلك وذلك إلى اجتهاد الحاكم ، وإذا أثبت ذلك أو أقر بالعجز ووافقته الزوجة أجله الحاكم في الإنفاق عليها الشهر ونحوه ، وتكون معه في خلل التأجيل ولا يتبعه بنفقة زمن الإعسار ، وإن علم له مال وظهر لدده كان للسلطان أن يسجنه اه .
فرع : تقدم عن البرزلي أنه إذا كان له مال ظاهر سجن في نفقة الزوجة وفي نفقة أولاده ، وأما إذا عجز عن نفقة الأولاد دون الزوجة فإن الزوجة لا تطلق عليه بعسره عن نفقة صغار الأولاد كما في ابن سلمون وغيره ، وتكون نفقة الصغار حينئذ في بيت مال المسلمين أو على جميعهم .
وَوَاجِدٌ نَفَقَةً وَمَا ابْتَنَى
وَعَنْ صَدَاقٍ عَجْزُهُ تَبَيَّنَا
( وواجد ) مبتدأ ( نفقة ) مفعوله ( وما ابتنى ) جملة حالية ( وعن صداق ) يتعلق بقوله ( عجزه )وجملة ( تبينا ) خبر عجزه ، والجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على الجملة الحالية قبلها ( تأجيله ) .
تَأْجِيلُهُ عَامَانِ وَابْنُ الْقَاسِمِ
يَجْعَلُ ذَاكَ لاجْتِهَادِ الحَاكِمِ
مبتدأ ثان ( عامان ) خبره والجملة خبر واحد ( وابن القاسم ) مبتدأ خبره ( يجعل ذاك لاجتهاد الحاكم ) ومعناه أن من قدر على إجراء نفقة زوجته التي لم يدخل بها حين دعته إليه فطالبته بالصداق ، فأثبت عجزه عنه بالبينة أو بإقرار الزوجة وأبى الطلاق وسأل التأخير لتحصيله ، فإنه يؤجل لذلك سنتين على ما لمالك في المختصر ، وعن ابن القاسم أن ذلك موكول لاجتهاد الحاكم ، وعليه اقتصر ( خ ) حيث قال : وإن لم يجده أي الصداق أجل لإثبات عسرته به ثلاثة أسابيع ، ثم إذا أثبتها تلوم بالنظر وعمل بسنة وشهر ، ثم طلق عليه ووجب نصفه اه . فقوله : وعمل بسنة وشهر جزئي من جزئيات قوله : ثم تلوم بالنظر أي : ومن النظر أن القضاة والموثقين تلوموا بسنة وشهر وفيهم إسوة لمن اقتدى بهم فلو قال الناظم :
وعاجز عن مهرها قبل البنا
تأجيله عام وشهر عينا
إن كان منفقاً بذا التأجيل
وغيره طلق بلا تعجيل
ونصفه وجب بالطلاق
تتبعه به لدى الحذاق
وظاهره أنه يؤجل بما ذكر كان ممن يرجى يسره أم لا ، وهو كذلك على الصحيح ( خ ) وفي التلوم لمن لا يرجى وصحح أو لا يتلوم لمن لا يرجى تأويلان ، ومفهوم تبينا أنه إذا لم يتبين عجزه ، ولكن ادعاه فقط فإنه يؤجل لإثباته وبيانه بثلاثة أسابيع كما مر عن ( خ ) لكن إذا أجل لإثباته فلا بد من حميل بالوجه خشية تغيبه وإن لم يأت به سجن كسائر الديون بخلاف النفقة فلا يسجن فيها كما مر فوق هذين البيتين ثم إذا انقضت ثلاثة أسابيع ولم يثبته وطلبت الزيادة فلا يسجن إن استمر الحميل على الحمالة ، وإلا سجن ، ثم أخرج المجهول إن طال حبسه كالدين فإن أثبت العدم ابتداء أو بعد التأجيل بثلاثة أسابيع تلوم له بسنة وشهر على ما به العمل أو بالعامين على ما صدر به الناظم بغير حميل ، لأنه ثبت عدمه فلا معنى لتكليفه بالحميل حينئذ خلافاً للزرقاني ، فإن هرب طلقها الحاكم عليه عند انقضاء أجل التلوم ، وهذا كله في المجهول كما أفهمه قوله : تبينا أي تبين عجزه بالبينة العادلة لا بغيرها ، فعن ابن أبي زيد في رجل طولببصداق امرأته فأتى بشهود منهم من يتوسم فيه الخير شهدوا بفقره ولم يجد غيرهم فقال : لا يقضي في عدالة الشهود بمثل هذا التوسم ، ولكنه يكون حبسه بمقدار قوة الظن بتصديق الشهود وضعفه اه . وأما إن كان معلوم الملاء وله مال ظاهر فإن المهر يؤخذ منه ويؤمر بالبناء من غير تأجيل كما يفيده ( ح ) . وصدر به الشارح خلافاً لما ذكره في آخر تقريره من أن معلوم الملاء يؤديه أو تطلق عليه ، وأما ظاهر الملاء فإنه يحبس إلا أن يأتي ببينة تشهد بعسره حيث لم تطل المدة بحيث يحصل الإضرار لها بذلك ، وإلاَّ طلقت نفسها ، وأما من غلب على الظن عسره كالبقال ونحوه فلا يؤجل لإثباته كما في الشارح ، وفي التلوم له التأويلان المتقدمان ، ومفهوم واجد نفقة أنه إذا لم يجدها فلا يؤجل بالعامين ولا بغيرهما ، ولها أن تطلق نفسها من حينها وهو كذلك على الراجح ، وعن ابن حبيب إذا لم يجد النفقة أجل من الأشهر إلى السنة ، ومفهوم وما ابتنى الخ أنه إذا بنى بها لا تطلق بعسره عن الصداق ( خ ) : ولها منع نفسها وأن معيبة من الدخول والوطء بعده إلى تسليم ما حل من الصداق لا بعد الوطء إلا أن يستحق الخ فما في ( ز ) وتبعه ( ت ) من نسبة ذلك ل ( تت ) غفلة ظاهرة عما في المصنف .
تنبيه : فإن طلق الحاكم عليه قبل التلوم له بسنة وشهر أو بالعامين فينظر فإن كان ممن يرجى يسره وحصل له اليسر بالفعل في مدة التلوم على تقدير أن لو تلوم له فلا يمضي طلاقه لأنه وقع في غير محله لأن من يرجى يتلوم له اتفاقاً وإن كان ممن لا يرجى فحصل اليسر في مدة التلوم أيضاً فكذلك عند من يقول يتلوم له وهو الراجح ، ويمكن أن يقال يمضي طلاقه لأنه حكم بمختلف فيه لكن قضاة اليوم لا يمضي حكمهم بخلاف المشهور أو الراجح أو المعمول به .
وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ حَيْثُ أَمَّلَتْ
فِرَاقُ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أُجِّلَتْ
( وزوجة الغائب ) مبتدأ خبره أجلت آخر البيت ( حيث ) ظرف يتعلق بأجلت ( أملت فراق زوجها ) الجملة في محل جر بإضافة حيث ( بشهر ) يتعلق ب ( أجلت ) . والمعنى أن زوجة البعيد الغيبة على عشرة أيام فأكثر كان معلوم الموضع أو مجهوله أسيراً أو غيره دخل بها أم لا . على المعتمد كما هو ظاهر النظم في ذلك كله إذا طلبت فراق زوجها بسبب النفقة لكونه غاب عنها ولم يترك لها نفقة ، ولا ما تعدى فيه فإنها تجاب إلى ذلك وتؤجل شهراً بعد ثبوت الغيبة وكونه غاب قبل البناءأو بعده بموضع كذا أو لا يعلمون موضعه ، وأنه غاب منذ كذا ولا يعلمونه ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئاً تمون به نفسها ولا ما تعدى فيه ولا أنه آب إليها ولا بعث بشيء ورد عليها في علمهم إلى حين تاريخه ، ثم يؤجله القاضي في الإنفاق عليها شهراً ، كما اقتصر عليه ابن فتحون في وثائقه وعليه عول الناظم حيث قال : وبشهر أجلت . وصفته ؟ أجل قاضي مدينة كذا وهو أعزه الله وحرسها الزوج المشهود بغيبته أعلاه أو حوله في الإياب لزوجته المذكورة من غيبته المذكورة وإجراء النفقة والكسوة ، وسائر المؤن كلها أجلاً مبلغه شهر واحد مبدؤه من غد تاريخه استقصاء لحجته وإبلاغاً في الإعذار إليه شهد عليه من أشهده به وهو بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر وفي كذا فإذا انقضى الأجل ولم يقدم خير ( ت ) : فإن شاءت حلفت وطلقت نفسها بكراً كانت أو ثيباً وليس لأبيها القيام عنها إلا بتوكيلها كما في ابن عرفة وابن سلمون وتكتب في ذلك لما انصرم الأجل أعلاه أو حوله ، ولم يقدم الزوج المذكور من غيبته المذكورة وسألت الزوجة من يجب سدده الله النظر لها في ذلك ، فاقتضى نظره إحلافها على جميع ما تقدم لما شهدت به بينة الغيبة فحلفت على جميع ذلك بنصه بحيث يجب وكما يجب يميناً . قالت فيها بالله الذي لا إله إلا هو لقد غاب عني زوجي فلان الخ . ولما تم حلفها وكملت يمينها وثبت ذلك لديه أذن لها في تطليق نفسها فطلقت نفسها عليه طلقة واحدة قبل البناء ملكت بها أمر نفسها أو بعد البناء يملك بها رجعتها إن قدم موسراً في عدتها وأمرها بالاعتداد وإرجاء الحجة للغائب متى قدم فمن حضر اليمين المنصوصة واستوعبها من الزوجة ويعرف الإذن فيها ، وفي الطلاق من القاضي المذكور وأشهدته الحالفة المذكورة بما فيه عنها وعرفها بأتمه قيده شاهداً به في كذا وهو معنى قوله :
وبانْقِضَاءِ الأجَلِ الطَّلاَقُ مَعْ
يَمِينِهَا وَباخْتِيَارِهَا يَقَعْ
والباء في قوله وبانقضاء للمصاحبة أو للسببية أو بمعنى مع خبر مقدم عن قوله الطلاق ومع في محل نصب على الحال أي والطلاق واقع على الزوج مصاحباً لانقضاء الأجل أي بسببه أو معه في حال كونه مع يمين الزوجة ، وقوله وباختيارها يقع جملة مستأنفة قاله اليزناسني .
تنبيهات . الأول : تقدم في فصل الضرر إذا حلفت بعد مضي التأجيل من غير إذن القاضي لها في الحلف ولا في الطلاق فإن ذلك نافذ فانظره هناك .الثاني : تقدم أيضاً في المحل المذكور أن الزوج إذا تعصب بمحل لا تناله الأحكام فحكمه حكم الغائب فيجري عليه حكمه ولزوجته الطلاق بعدم النفقة إذ الهاربة من زوجها المقيم في بلد لا تناله الأحكام فيه لا تسقط نفقتها عنه .
الثالث : الغائب الذي لا مال له ولكن لا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة لعدم من ينصفها كما في البوادي ورؤوس الجبال لتعذر الأحكام الشرعية فيهما غالباً حكمه حكم العاجز الحاضر كما لابن فتحون ، ونقله ابن عات في طرره ، واعتمده ابن عبد السلام وهو الصواب خلافاً لما في الوثائق المجموعة من أنه إذا كان له مال لا يمكنها الوصول إليه يفرض لها النفقة وكان ذلك لها ديناً عليه تأخذه به إذا قدم لأنه لا معنى لإلزام المرأة أن تسلفه النفقة على نفسها من مالها أو من غيره لترجع في المال الذي بيد الغائب إن علم ، أو في المال الذي لا يتوصل إليه إلا بمشقة ولو مأموناً كالعقار مع احتمال سلامة الزوج والمال ووصولها إلى ذلك وعدم وصولها لاستغراق الديون له ، ولذا قال ابن رحال في شرحه ما في الوثائق المجموعة خلاف المذهب ، وإن كان نحوه في البيان ، واعترض به ابن عرفة على ابن عبد السلام فلا يسلم له الاعتراض .
الرابع : إذا قدم الزوج وجرح شهود الغيبة ، ولم تجد المرأة غيرهم ردت إليه وفرق بينها وبين الزوج الثاني قاله غير واحد وهو معنى قول ( خ ) عاطفاً على ما ترد فيه الزوجة للأول والمطلقة لعدم النفقة ، ثم ظهر إسقاطها خلافاً لما في ابن رشد في بينة شهدت بمغيب الزوج وأنه لا مال له تعدى فيه الخ . ثم بعد أن حلفت المرأة وطلقت نفسها قالت البينة المذكورة أن له أنقاض حجرة قيمتها سبعة مثاقيل أو نحوها وأنهم كانوا يعرفون ذلك وقت الشهادة وجهلوا أن الأنقاض تباع في نفقتها أو شهد بذلك غير بينة الغيبة فقال : الطلاق نافذ لا يرد برجوع البينة سواء شهد بالأنقاض البينة التي حكم بها أو غيرهم ففتوى ابن رشد هذه مخالفة للمذهب وإن سلمها ابن عرفة والأجهوري .
الخامس : إذا عجزت المرأة عن إثبات غيبة زوجها لغربتها وعدم من يعرف زوجها فإن القاضي يحلفها اليمين المتقدمة وتطلق نفسها إن شاءت ويسمي الحاكم في حكمه الزوج الذي ذكرت ويصفه بما ذكرت فإن قدم وأنكر الزوجية لم يضر وإن أقر بها وقع عليه الطلاق قاله اللخمي والسيوري وغيرهما كما في البرزلي ونقله ( ح ) .
السادس : إذا أثبتت الزوجة عيبة زوجها وعدم ما تنفق منه على نفسها فتطوع قريب أو أجنبي بنفقتها فقال أبو بكر بن عبد الرحمن وغيره وهو المعتمد ليس لها أن تطلق نفسها لأن سبب الفراق وهو عدم النفقة قد ارتفع وزال خلافاً لابن الكاتب في قوله إن لها أن تفارقه .
وَمَنْ عَنِ الإخْدامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ
فَلاَ طَلاَقَ وَبِذَا الحُكْمُ اشْتَهَرْ
( ومن ) مبتدأ موصول ( عن الإخدام ) يتعلق بقوله ( عجزه ) وهو مبتدأ ( ظهر ) خبره والجملةصلة الموصول ( فلا ) نافية للجنس ( طلاق ) اسمها وخبرها محذوف أي عليه والجملة خبر الموصول ( وبذا ) يتعلق بما بعده ( الحكم ) مبتدأ خبره ( اشتهر ) أي إذا كانت الزوجة من أهل الإخدام فإنه يجب عليه إخدامها ولو لم يشترط في عقد النكاح كما في ( خ ) وغيره فإذا قدر على النفقة والكسوة وعجز عن الخدمة وأثبت عجزه عنها بالبينة أو بإقرار الزوجة فإنها لا تطلق عليه وسقط حقها في الخدمة على المشهور المعمول به كما في المتيطية وغيرها ، ومحل هذا إذا لم يكتب عليه الموثق في وثيقة النكاح أن الزوج علم بأن زوجته هذه ممن لا تخدم نفسها لمالها ومنصبها فطاع بالتزام خدمتها وأقر أنه ممن يلزمه ذلك وأن ماله متسع لإخدامها وإلاَّ فلا يقبل قوله إنه عاجز عن إخدامها ولو شهدت له البينة به لم ينفعه لاعترافه بسعة ماله إلا أن يعلم أنه أصابه أمر أذهب ماله كما قالوه في الغريم يعترف لرب الدين بملائه به ثم يقيم بينة بعدمه به قاله في المتيطية ونقله ابن عرفة .
تنبيه : تقدم في البيتين قبله أنه ليس للأب أن يخاصم عن ابنته في النفقة إلا بتوكيل منها ولو سفيهة لأن لها أن تقيم معه بغير نفقة ، بل إذا رضيت بسكنى زوجها معها في دارها وإنفاقها على نفسها من مالها فإنها تجاب إلى ذلك ولا مقال لحاجرها لأن من حجتها أن تقول إن كلفته بنفقتي طلقني ورجعت أسكن بداري وحدي وأنفق على نفسي من مالي ولا أتزوج سواه فبقائي مع زوجي بداري وإنفاقي على نفسي أحسن لي قاله عياض عن شيوخ الأندلس ونقله ابن عرفة وغيره .
فصل في أحكام المفقودينالأربعة لأن الفقد إما أن يكون في أرض كفر أو إسلام وحكم كل إما في غير حرب أو فيه ، ولكل واحد منهم حكم يخصه ابن عرفة المفقود من انقطع خبره ممكن الكشف عنه اه . فخرج الأسير لأنه معلوم خبره وخرج المحبوس الذي لا يستطاع الكشف عنه لأنه يمكن الكشف عنه إذ عدم التوصل إليه إنما هو لشدة حراس السجن ونحو ذلك فأشار الناظم إلى القسم الأول فقال :
وَحُكْمُ مَفْقُودِ بِأَرْضِ الكُفْرِ
في غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ مَنْ فِي الأسْرِ
( وحكم مفقود بأرض الكفر في غير حرب حكم من في الأسر ) أي الأسير المجهول الحياة ، وحكم الأسير المذكور باعتبار زوجته وماله أن ماله لا يورث حتى تأتي عليه مدة التعمير ،وكذا زوجته لا تتزوج حيث دامت نفقتها إلا بعد أجل التعمير ، فكذلك المفقود في أرض الكفر بغير حرب لا يورث ماله ولا تتزوج زوجته إلا بعد التعمير كما قال :
تَعْمِيرُهُ فِي المَالِ وَالطَّلاَقُ
مُمْتَنِعٌ مَا بَقِي الإنْفَاقُ
( تعميره ) أي المفقود المذكور ( في ) الزوجة و ( المال ) واجب كتعمير الأسير فيهما فلا يورث عنه ماله وتنفق منه زوجته حتى تنقضي مدة التعمير ولا تطلق عليه مع وجود ما تنفق منه كما قال : ( والطلاق ممتنع ما بقي الإنفاق ) ومحل امتناع الطلاق إذا لم يكن لها شرط في المغيب ، وإلاَّ فلها تطليق نفسها بشرطها وإلى هذا القسم أشار ( خ ) بقوله : وبقيت أم ولده وماله وزوجة الأسير ومفقود أرض الشرك للتعمير الخ . والشاهد في قوله : وزوجة الأسير ومفقود أرض الشرك يعني أهلها ، ومفهوم قوله : ما بقي الإنفاق أنه إذ لم يبق فلها التطليق وهو معنى قوله :
وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِي
بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُعْسِرِ
( وكل من ليس له مال ) من أسير أو مفقود بأقسامه الأربعة ( حري ) أي حقيق ( بأن يكون حكمه ) في التطليق عليه ( كالمعسر ) الغائب الذي لم يترك لزوجته نفقة فتؤجل شهراً كما مر للناظم وتحلف وتطلق نفسها كما مرّ .
تنبيه : ظاهر كلام الناظم و ( خ ) المتقدم أنه بمضي الشهور في مدة التعمير الآتية يورث ماله وتعتد زوجته ولا يتوقف ذلك على الحكم بموته والمعتمد كما لابن عرفة والمازري أن مستحق إرثه وارثه يوم الحكم حتى أنه إذا مات أحد من قرابته بعد دخول الثبوت للقاضي وقبل خروجه لا يرثه . ابن عرفة : وأقوال أهل المذهب بأن مستحق إرثه وارثه يوم الحكم بتمويته لا يوم بلوغه تمويته حسبما يدل عليه لفظ اللخمي والمتيطي وابن كوثر وابن الهندي وغيرهم . وبه افتيت حين ذكر أنها نزلت وأفتى بعض الناس بإرثه مستحقه يوم بلوغه لا يوم الحكم اه .
قلت : ما ذكره ابن عرفة من أن مستحق إرثه وارثه يوم الحكم واضح إذا لم يتأخر الحكم عن أعلى مدة التعمير كمائة وعشرين على القول بها وإلاَّ بأن تأخر عنها إلى مائة وأربعين مثلاً لغفلة الورثة ونحو ذلك كما يقع في البوادي لتعذر الأحكام عندهم ، فينبغي أن مستحق إرثه هو وارثه يوم مشهور التعمير لئلا يؤدي إلى حرمان من يرث وتوريث من لا يرث على كل الأقوال ،وأيضاً فإن الظاهر من فتوى المازري المنقولة في البرزلي وغيره أنهم إنما أناطوا ذلك بالحكم لما في مدة التعمير من الخلاف وهو لا يرتفع عند الأقدمين إلا بالحكم ، وأما على ما عند المتأخرين من أنه يتعين الحكم بالمشهور أو الراجح أو ما به العمل فلا يتوقف إرثه ولا اعتداد زوجته على الحكم بتمويته ، بل إذا قسموا يوم بلوغه مدة التعمير الذي هو السبعون على ما هو المشهور فيه فقسمهم ماض فلا يحرم من مات بعده وقبل الحكم لأن الخلاف حينئذ مرفوع بوجوب اتباع المشهور ، والقاعدة أن من فعل فعلاً لو رفع إلى القاضي لم يفعل غيره ففعله ماض كما تقدمت الإشارة إليه في غير ما موضع فتأمله والله أعلم .
ثم أشار إلى مفهوم قوله في غير حرب فقال :
وإن يَكُنْ في الحَرْبِ فالمشْهُورُ
في مالِه والزَّوْجَةِ التَّعمِيرُ
( وإن يكن ) فقد بأرض الكفر ( في ) وقت ( الحرب ) والقتال معهم ( فالمشهور ) من قولين كما لابن رشد في البيان ( في ماله والزوجة التعمير ) لأن الأصل هو الحياة فيحمل أمره على الأصل فلا يقسم ماله ولا تتزوج زوجته إلا بعده وبعد الحكم بموته على ما مر تفصيله في المفقودين في غير الحرب والأسير المتقدمين ، ثم أشار إلى أن أمد التعمير فيه خلاف فقال :
وَفِيهِ أَقْوَالٌ لَهُمْ مُعَيَّنَهْ
أصَحُّهَا الْقَوْلُ بِسَبْعِينَ سَنَهْ
( وفيه ) أي أمد التعمير في جميع ما مر ( أقوال لهم معينة ) فقال ابن القاسم وأشهب ومالك مرة سبعون سنة وهو أصحها كما قال : ( أصحها القول بسبعين سنة ) وبه صدر ( خ ) حيث قال : وهو أي التعمير سبعون واختار الشيخان ثمانين وقال مالك وابن القاسم مرة ثمانون واختاره الشيخان وابن محرز كما مر عن ( خ ) قال ابن سلمون : وبه القضاء والعمل . وقال ابن الماجشون ، ومالك : مرة : تسعون ، وعند أشهب وابن الماجشون أيضاً : مائة ، وللداودي عن محمد بن عبد الحكم : مائة وعشرون ، وعلى الأول إذا فقد وهو ابن سبعين زيد له عشرة أعوام ، وكذا إن فقد وهو ابن ثمانين ، وإن فقد وهو ابن خمس وتسعين زيد له خمس سنين ، وإن فقد وهو ابن مائة اجتهد القاضي فيما يزاد له ، وقيل يزاد له عشر ، وقيل العام والعامان وإن فقد وهو ابن مائة وعشرين تلوم له العام ونحوه قاله ابن عرفة .
ثم أشار إلى القول الثاني وهو مقابل المشهور المذكور فقال :
وَقَدْ أَتَى قَوْلٌ بِضَرْبِ عَامِ
مِنْ حِينَ يَأْسٍ مِنْهُ لاَ القِيَامِ
( وقد أتى قول ) في المفقود في القتال الذي بين المسلمين والكفار ( بضرب عام ) بعد البحثمن الحاكم والتفتيش وسؤال من يظن به معرفته ، فإذا أيس من خبر ضرب له أجل سنة واستمرت نفقتها في ماله إلى انقضائها وتعتبر السنة ( من حين يأس منه ) كما في المتيطية وابن سلمون وغيرهما ( لا ) من حين ( القيام ) فإذا انقضت السنة قسم ماله واعتدت زوجته كما قال :
وَيُقْسَمُ المَالُ عَلَى مَمَاتِهِ
وَزَوْجَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ
( ويقسم المال على ) حكم ( مماته وزوجة تعتد ) عدة الوفاة ( من ) أجل ( وفاته ) ابن سلمون : فإذا انقضى الأجل الذي هو السنة ولم تثبت حياته ولا موته اعتدت زوجته وورثه ورثته الأحياء إذ ذاك وتنقطع النفقة عن الزوجة وغيرها ممن تلزمه نفقته ، ولا يحتاج في ذلك إلى تجديد حكم اه . أي : كما أن المفقود الآتي بأرض الإسلام في غير قتال لا يحتاج فيه إلى تجديد حكم بعد انقضاء الأربع سنين . ابن رشد : ولا فرق بينهما في جميع الأحكام إلا أن هذه تؤجل سنة بعد الاستقصاء وتلك أربع سنين بعد الاستقصاء أيضاً .
وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي الأَنْدَلُسِ
لِمَنْ مَضَى فَمُقْتَفِيهِمْ مُؤْتَسِي
( وذا ) أي هذا القول الذي هو تأجيلها سنة من حين اليأس منه رجحه ابن رشد في المقدمات وشهره ( خ ) حيث قال : في الفقد بين المسلمين والكفار تعتد بعد سنة بعد النظر و ( به القضاء في الأندلس ) كما في ابن سلمون وغيره ( لمن مضى فمقتفيهم ) أي متبعهم في الحكم به كخليل وغيره ( مؤتس ) أي مقتد بقدوة ووجه هذا القول كما في ابن سلمون أنه رجح فيه الغالب على الأصل . ألا ترى أنه لا يحكم له بالحكم المذكور إلا إذا ثبت أنه رؤي في المعترك بين الصفين ، ولذا يكتب فيه يعرف شهوده فلاناً ، ويعلمون أنه حضر الواقعة بين المسلمين والنصارى بموضع كذا ، وعاينوه في ذلك المكان في معترك القتال هنالك بين الصفين وفقد هنالك وعمي أثره ، فلا نعلم حياته من وفاته حتى الآن وبذلك قيدوا شهادتهم في كذا ، فإذا ثبت هذا ولم تعلم حياته بعد الأجل والبحث عنه فإن الغالب عليه الموت فرجح على الأصل الذي هو الحياة ، ولذا رجحوه على ما شهره الناظم تبعاً لصاحب البيان ، وأما إذا لم تشهد البينة بمعاينته في المعترك ، بل شهدت بأنه خرج مع الجيش فقط فلا يكون حكمه ما تقدم بل حكمه حكم المفقود بأرض الإسلام في غير حرب ، وهو القسم الثالث من أقسام المفقود الأربعة المشار إليه بقوله :
وَمَنْ بِأَرْضِ المُسْلِمِينَ يُفْقَدُ
فَأَرْبَعٌ مِنْ السَّنِينَ الأَمَدُأي التأجيل ، فإذا فقد بأرض الإسلام في غير قتال فيفصل فيه بين الزوجة والمال فالزوجة لها أن ترفع أمرها إلى القاضي أو الوالي أو لجماعة المسلمين ، فتؤجل أربع سنين والعبد نصفها بعد البحث عن خبره ، وسؤال من يظن به معرفته ويعتبر الأجل من وقت العجز عن خبره لا من يوم الرفع ، وأجرة البحث عليها لأنها الطالبة كما صوبه ابن ناجي ، فإن لم يكن لها مال فالأجرة من بيت المال ، فإن تعذر الوصول إليه كما عندنا اليوم ، فالظاهر كما قال بعض : أنه ينتظر به مدة التعمير ، وهذا كله إذا كان له مال تنفق منه في الأجل وإلاَّ طلقت نفسها كما قدمه في قوله : وكل من ليس له مال حري . البيت . فإذا انقضت الأربع للحر أو السنتان للعبد اعتدت كالوفاة من غير احتياج إلى تجديد حكم كما مر قريباً وهو معنى قوله :
وَباعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الحَكْمُ جَرَى
مُبَعَّضَاً وَالمَالُ فِيهِ عُمِّرَا ( وباعتداد الزوجة ) بعد الأجل المذكور ( الحكم جرى ) حال كونه ( مبعضاً ) بالنسبة إليها دون المال إذ المال يجب على القاضي أن يحصره ويقدم من قرابته أو غيرهم من ينظر فيه إلى أن يثبت موته أو حياته أو تمضي مدة التعمير ولا تمكن الورثة من قسمه عند انقضاء الأربع سنين قبل التعمير كما قال : ( والمال فيه عمِّرا ) فحكم الزوجة والمال في هذا المفقود مختلف لأنه يقدر بعد الأجل المذكور بالنسبة للزوجة كأنه مات فأمرت بالاعتداد ، وبالنسبة للمال كأنه حي فلم يورث ماله ولم يقسم حتى تنقضي مدة التعمير وهو معنى قوله : مبعضاً . ووجه ذلك أن الزوجة لما لحقها الضرر قدم في حقها الغالب على الأصل لأن الأصل في المفقود الحياة والغالب من عدم ظهور خبره بعد البحث والتأجيل الموت ، فقدم الغالب بالنسبة إليها للضرر دون المال إذ لا ضرورة تدعو إلى قسمه وإلى هذا القسم من أقسام المفاقيد أشار ( خ ) بقوله : ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء ، وإلاَّ فلجماعة المسلمين فيؤجل الحر أربع سنين إن دامت نفقتها والعبد نصفها من العجز عن خبره ، ثم اعتدت كالوفاة وسقطت بها النفقة ولا تحتاج فيها لإذن إلى أن قال : وبقيت أم ولده وماله وزوجة الأسير ومفقود أرض الشرك للتعمير الخ .
تنبيهان . الأول : فإن بقيت زوجته بلا تزوج بعد اعتدادها منه إلى انقضاء مدة التعمير فلا ميراث لها منه وإن كان لو أتى هو في تلك المدة كان أحق بها لأنها قد بانت منه بعد الأجل وحكم بموته في حقها ، وكذلك لو ماتت هي بعد دخولها في العدة وقبل انقضاء مدة التعمير فلا يوقف للزوج ميراثه منها إلا أن تثبت حياته بعدها ، ويظهر خطأ الحكم بموته وتكون هي لم تتزوج غيره قاله ابن سلمون وغيره .الثاني : إذا كانت الزوجة غير مدخول بها فهل يكمل لها الصداق وبه القضاء أو لا ؟ روايتان . وإذا قدم فهل ترد نصف ما قبضته أم لا ؟ وبه القضاء . وإذا كان الصداق مؤجلاً فهل يعجل وهو لمالك أم لا ؟ وهو لسحنون وهو الراجح قولان . قال جميعه ( ز ) وانظر قوله أولاً وبه القضاء الخ فإن الذي لابن عرفة عن الموازية أن ابن القاسم اختار الرد والله أعلم .
ثم أشار إلى القسم الرابع من أقسام المفاقيد فقال :
وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْفِتَنِ
فِي المالِ وَالزَّوْجَةِ حُكْمُ مَنْ فَنِي
( وحكم مفقود بأرض الفتن ) والقتال الواقعين بين المسلمين ( في المال والزوجة حكم من فني ) ومات بالفعل فتعتد زوجته من ذلك اليوم ويرثه ورثته الأحياء يومئذ من غير أجل . قال ابن سلمون ، قال مالك : ولكن يتلوم له أمد يسير بقدر ما يرجع من انصراف أو هرب إلى موضعه اه . وهذا يختلف بحسب قرب المواضع وبعدها واستمرار الهزيمة وردها ، وهو معنى قوله :
مَعَ التَّلَوُّمِ لأَهْلِ المَلْحَمَهْ
بِقَدْرِ مَا تَنْصَرِفُ المُنْهَزِمَهْ
( مع التلوم ) أي حال كون الحكم المذكور مصاحباً بالتلوم ( لأهل الملحمة ) أي القتال ( بقدر ما تنصرف المنهزمة ) وهو أحد التفسيرين والتفسير الآخر أنها تعتد بعد انفصال الصفين من غير تلوم ( خ ) : واعتدت في مفقود المعترك بين المسلمين بعد انفصال الصفين . وهل يتلوم ويجتهد ؟ تفسيران الخ . وظاهره كشروحه أنه لا فرق بين بعد أماكن القتال كالخارجين مع السلطان لقتال البغاة ونحو ذلك ، أو قربها وهو كذلك على المعتمد فقول الناظم :
وَإنْ نَأْتْ أَمَاكِنُ الْمَلاَحِمِ
تَرَبُّصُ الْعَامِ لَدَى ابن القَاسِمِ
( وإن نأت ) أي بعدت ( أماكن الملاحم ) جمع ملحمة أي التحام الصفين ( تربص العام ) أي تربصت زوجته سنة والعدة داخلة فيها ( لدى ابن القاسم ) ضعيف مقابل للمعتمد ، ثم إن الناظمحذف الفاء مع ما لا يصلح أن يكون شرطاً كقولهم : من يفعل الحسنات الله يشكرها ، وهذا إذا أعرب تربص مبتدأ والخبر في الظرف بعده ، ويحتمل أن يقرأ بضم التاء على أنه فعل ماض والعام نائبه وهو أولى .
وَأَمَدُ الْعِدَّةِ فِيهِ إنْ شُهِدْ
أن قد رَأَى الشُّهُودُ فيها مَنْ فُقِدْ
( وأمد العدة ) داخل ( فيه ) أي في العام المذكور على القول المذكور ، ثم محل كونها تعتد بعد انفصال الصفين مع التلوم أو دونه أو تتربص العام مع البعد ( إن شهد ) العدول ( أن ) على حذف الجار ( قد رأى الشهود ) فاعل رأى ( فيها ) أي الملحمة ( من ) مفعول برأى ( فقد ) صلة أي لا بد أن يشهدوا بمعاينته في المعترك كما مر في المفقود في الحرب بين المسلمين والكفار وسواء كانت شهادة أصل أو شهادة نقل كما يقتضيه كلام الناظم لأنه تكلم على شهادة النقل فيفهم جواز شهادة الأصل بالأحرى ، ويحتمل أن يكون الشهود فاعل يشهد المبني للفاعل وأن وما بعدها مفعوله أي أنه شهد الشهود إن قدر أو أمن فقد في المعركة ، فيكون قد تكلم على شهادة الأصل فقط ، وفيه ضعف من جهة أن الشهود يتنازع فيه رأى وشهد فأعمل الأولى على هذا الاحتمال ، وأعمل الثاني في ضميره وحذفه مع أنه عمدة لا يحذف ، ويحتمل أن يقرأ شهد بالبناء للمفعول وأن وما بعدها نائبه أي إن شهد برؤية الشهود من فقد في المعركة وهو في المعنى هو الاحتمال الأول ، وإنما اختلف في كون شهد مبنياً للفاعل أو المفعول ، ومفهوم الشرط أنهم إذا لم يشهدوا برؤيته في المعركة لم يكن حكمه ما مر من الخلاف المذكور ، بل حكمه حكم المفقود بأرض الإسلام بغير حرب اتفاقاً فتؤجل زوجته أربع سنين ويبقى ماله للتعمير كما مرّ .
فصل في الحضانةمأخوذة من حضانة الطير إذا غطى أولاده بأجنحته وهي في الشرع الكفالة والتربية والقيام بأمور المحضون ، وإليه يرجع قول ابن عرفة : هي محصول قول الباجي حفظ الولد في مبيتهومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه أه . وهي واجبة إجماعاً لأن في تركها تضييعاً للولد . ابن رشد : لأنه خلق ضعيف يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه فهي فرض كفاية إن قام بها قائم سقط عن الباقين ولا تتعين إلا على الأب والأم في حولي رضاعه إن لم يكن له أب ، أو كان ولا يقبل غيرها .
الحَقُّ لِلْحَاضِنِ فِي الحَضَانَه
وَحَالُ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَبَانَه
( الحق للحاضن في الحضانة . وحال هذا القول ) أي ووجهه ودليله ( مستبانة ) أي بينة والحال يذكر ويؤنث ولذا أخبر عنه بالمؤنث .
لِكَوْنِهِ يُسْقِطُهَا فَتَسْقُطُ
وقيلَ بِالْعَكْسِ فما إنْ تَسْقُطُ
( لكونه يسقطها ) بضم الياء من أسقط الرباعي ( فتسقط ) بفتح التاء من سقط الثلاثي والضمير المضاف إليه كون يعود على الحاضن أي إنما كان حال هذا القول بيناً لكون الحاضن إذا أسقط الحضانة بعوض الخلع أو بغير عوض أصلاً فإنها تسقط ولو كانت حقاً للمحضون أو حقاً لله أو لهما ما سقطت بإسقاطه ولكونه أيضاً لا أجرة للحاضن على الحضانة إذ الإنسان لا يأخذ أجراً على فعل شيء واجب عليه ، ولو كانت حقاً للمحضون لكانت له الأجرة . وهذا على المشهور من أنه لا أجرة له كما قال ( خ ) : ولا شيء لحاضن لأجلها أي لأجل مجرد الحضانة التي هي حفظ الولد في بيته كما تقدم ، وأما خدمته من طحن وعجن وسقي ماء وطبخ وغسل ثياب فلها الأجرة على ذلك لأن الأب يلزمه إخدام ولده . وفي وصايا المتيطية ما نصه : ولا أجرة للحاضنة على الحضانة وإنما لها الأجرة إن كفته مؤنة الخدمة اه . ونحوه في البرزلي قائلاً ، وأما كلفة المؤنة فلها الأجرة إن خدمتهم وإن استغنى الولد بالخادم عن خدمتها فلا شيء لها من أجرة الكفالة . ( وقيل بالعكس ) وهو أن الحق للمحضون وعليه ( فما ) نافية ( أن ) زائدة ( تسقط ) أي فلا تسقط بإسقاطه وهما روايتان . وقيل : الحق لهما وهو اختيار الباجي وابن محرز ، واستظهرهالشارح ، وقيل : الحق لله تعالى وعليهما فلا تسقط ومما بنوه على الخلاف إذا قبضت الحاضنة كسوة الولد ونفقته فادعت أنهما تلفا فعلى الثاني تحلف وهما على الأب وعلى الأول ضمانهما منها إلا ببينة على الضياع ، وعليه العمل كما في ابن عات . ونقله ابن عرفة ومما بنوه عليه أيضاً إذا طلق الرجل امرأته ، ثم أخذت بعد ذلك عوضاً عن إسقاط الحضانة فعلى أن الحق لها يجوز ولا رجوع لها فيه وهو المعتمد ، وعلى أنه حق للولد لا يلزمها ذلك ولها الرجوع في العوض كما في البرزلي عن ابن رشد ، ومما بنوه أيضاً أن الأم إذا أسقطت الحضانة للأب مثلاً فإن الجدة للأم تأخذه ، وهذا إنما يتفرع على الثاني دون الأول ، ومن ذلك أيضاً إذا قال الأبعد : أنا أنفق عليه مالي ولا أبيع له شيئاً من أمتعته بل تبقى موقوفة له إلى بلوغه ، ولا أرجع عليه بشيء وأبى الأقرب إلاّ بيع أمتعته وإنفاقها عليه فالذي رجحه ابن لب وغيره نقل الحضانة للأبعد حيث لا ضرر على المحضون ولا نقص مرفق لظهور المصلحة العظمى بصون ماله ، وهذا إنما يتفرع على الثاني أيضاً دون الأول .
تنبيه : تقدم أن الحاضن إذا كانت له خدمة غير الحضانة ، فله الأجرة على ذلك ، وأما المحضون إذا كانت له خدمة فهل يرجع بها الأب على الحاضنة أم لا ؟ ففي البرزلي عن ابن الرماح : أن المحضونة إذا كانت تخدم نفسها فلا مقال لأبيها وإن كانت تخدم الحاضنة خدمة لها بال فيرجع على الحاضنة بأجرة مثلها اه . البرزلي : هذا بيِّن إن لم تكن الحاضنة أمها فإن كانت فالصواب أن لا أجرة لها كما تجب على أمها إن كان للمحجورة مال وأما لو كانت لها صناعة من غزل أو غيره فإنه يرجع بذلك على الحاضنة اه . يريد الحاضنة غير الأم بدليل ما في المعيار من أنه اختلف ابن عتاب وابن القطان في الصبية المحضونة إذا كانت لها صنعة فاجتمع لها من صنعتها دنانير ، فأرادت أمها المختلعة المتحملة أن تستعين بها في نفقتها فقال ابن عتاب : إن ذلك للأم تستعين به في نفقتها . وقال ابن القطان : لا يكون لها بل يوقف للابنة ، وقول ابن عتاب أولى ، وفيه أيضاً لا كسب للمحضون بمعنى أن كسبه ينفق عليه ، وقيل لا ينفق عليه وهو أصح اه . ففرق بين الأم وغيرها فالأم تستعين بخدمة المحضون دون غيرها كما ترى .
وَصَرْفُهَا إلَى النِّسَاءِ ألْيَقُ
لأَنَهُنَّ في الأُمُورِ أَشْفَقُ
( وصرفها ) أي الحضانة ( إلى النساء أليق لأنهن في الأمور ) أي في أمور الحضانة أعرف من الرجال لأن الحضانة من مقتضيات طباعهن ، فلذلك قدمهن الشارع صلوات الله وسلامه عليه على غيرهن لأنهن ( أشفق ) بالمحضون وأرأف وأدرى بمصالحه ، وقاعدة الشرع كما للقرافي أن يقدم في كل ولاية من هو أدرى بمصالحه ، ففي الحرب من هو شجاع يسوس الناس ، وفيالقضاء من هو فقيه متأيد بالدين والفراسة ، وفي ولاية الأيتام من هو عارف بتنمية المال ، وقد يكون المقدم في باب مؤخراً في غيره ، فالمرأة مؤخرة في الإمامة مقدمة في الحضانة لمزيد شفقتها وصبرها فهي أقوم بمصالح الطفل .
وَكَوْنُهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ
شَرْطٌ لَهُنَّ وَذَوَاتِ مَحْرَمِ
( وكونهن من ذوات الرحم شرط لهن ) خبر عن كون ( وذات محرم ) معطوف على ذوات الرحم أي شرط حضانة النساء أن يكن ذوات رحم من المحضون كالأم والخالة والجدة ونحوهن ، وأن يكن محرمات عليه كالخالة ومن معها فإن لم يكن ذوات رحم منه كالأم والأخت من الرضاع وزوجة أبيه ونحوها من المحرمات بالصهر فلا حضانة لهن ، وكذلك إن كن ذوات رحم منه ولم يكن محرمات عليه كبنتي الخالة والعمة ونحوهما فلا حضانة لهن أيضاً ، وفهم منه أن هذا الشرط خاص بالنساء ، وأما الرجال فيستحقون الحضانة بمجرد الولاية ولا يشترط فيهم إلا الشروط الآتية في قوله : وشرطها الصحة والصيانة الخ . فالرجال يستحقونها بالشروط الآتية كانوا من ذوي رحمه المحرم كالجد والعم ، أو من ذوي رحمه الذي ليس بمحرم كابن العم ، أو لم يكونوا من ذوي رحمه أصلاً كالوصي والمولى ومقدم القاضي ، وهذا البيت تقييد للعموم في البيت قبله أي إنما يليق صرفها للنساء بشرط كونهن من ذات رحمه وذوات محرم منه .
وَهْيَ إلى الإثْغَارِ فِي الذُّكُورِ
والاحْتِلاَمُ الحَدُّ في المَشْهُورِ
( وهي ) أي الحضانة أي حدها مستمر ( إلى الإثغار في الذكور ) أي في قول أبي مصعب ومن معه وهو ضعيف بدليل قوله : ( والاحتلام ) مبتدأ خبره ( الحد في المشهور ) ( خ ) : وحضانة الذكر للبلوغ والأنثى كالنفقة الخ . وهو معنى قوله :
وفي الإنَاثِ لِلدُّخُولِ المنتهَى
والأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا بِهَا
( وفي الإناث للدخول المنتهى ) مبتدأ خبره في المجرور قبله أي تستمر الحضانة في الأنثىلدخول زوجها بها كما تستمر نفقتها لدخولها كما قال في النفقات :
ففي الذكور للبلوغ يتصل
وفي الإناث بالدخول ينفصل
فتزف المحضونة لزوجها من بيت حاضنتها ولا مقال للأب بخلاف الختان ، فإنه يختن الولد عند أبيه ثم يرد إلى حاضنته . ابن عرفة : ومستحقها أبو الولد زوجان هما وفي افتراقهما أصناف . الأول الأم ونساؤها من لها عليه ولادة بسببها ، وأول فصل منها أي من هذه التي لها عليه ولادة ، فالخالة أحق من الجدة للأب لأنها أول فصل ممن لها عليه ولادة . الثاني : نساء الأب من لها عليه أمومة كما مر . الثالث : الوصي . الرابع : العصبة اه . والضمير في هما خبر عن قوله مستحقها . وجملة وأبو الولد زوجان مبتدأ وخبر حالية خلت من الواو ، وفهم منه أن الأصناف المذكورة هي على الترتيب المذكور فلا كلام للصنف الثاني مع وجود الأول ، وهكذا .
وأما ترتيب أفراد كل صنف فهو ما أشار له الناظم بقوله : ( فالأم أولى ) من باقي قرابتها وأحرى من الأصناف التي بعدها ( ثم ) إن لم تكن أم أو تزوجت أجنبياً ف ( أمها ) وهي جدة الطفل أولى ( بها ) أي الحضانة فإن لم تكن أو تزوجت .
فأُمُّهَا فَخَالَةٌ فَأُمُّ الأبْ
ثُمَّ أبٌ فَأُمُّ مَنْ لَهُ انْتَسَبْ
( فأمها ) أي أم أمها أو أم أبيها فإن اجتمعتا فأم أمها أحق بها أي بالحضانة من أم أبيها فإن لم تكن واحدة منهما فأم أم أمها أو أم أم أبيها أو أم أبي أبيها أو أم أبي أمها ، فإن اجتمع الأربع فأم أم أمها أحق ثم أم أبي الأم وأم أم الأب بمنزلة واحدة ثم أم أبي الأب ، وعلى هذا الترتيب أمهاتهن ما علون قاله ابن عرفة . فإن لم تكن واحدة ممن تقدم . ( فخالة ) وهي أخت الأم الشقيقة ثم التي للأم ثم التي للأب فإن لم تكن واحدة منهن فأخت جدة الطفل وهي خالة أمه وخالة خالته الشقيقة ثم التي للأم ، ثم التي للأب كما مر في أخت الأم . وهي خالة الطفل ، فإن لم تكن واحدة منهن فأخت الجد للأم وهي عمة الأم وعمة الخالة ، وعلى هذا الترتيب ما بعد النسب من الأم . وهنا انتهى الكلام على ترتيب الصنف الأول وهو مقدم على الصنف الثاني الذي بعده إجماعاً .
تنبيهان . الأول : كل من انتقلت له الحضانة من هذه الأفراد يشترط في استحقاقه للحضانة أن لا يسكن مع من سقطت حضانته بتزوج أو غيره كما في ( خ ) وغيره .
الثاني : قال في المدونة : وللأب تعاهد ولده عند أمه وأدبه وبعثه للمكتب ولا يبيت إلا عند أمه . ابن عرفة : ويجب كون الظرف الذي هو عند أمه في موضع الحال من ولده لأنه معمول للفظ تعاهد لأن ذلك ذريعة لاتصاله بمطلقته مع زيادة ضرر زوجها بذلك .قلت : ومنه يعلم الحكم فيما يقع كثيراً من تنازع الزوج ومطلقته في الولد الصغير كالرضيع والفطيم فتريد هي أن يأتي إليه أبوه لينظر حالته وما هو عليه عندها ويطلب هو أن ترسله إليه لينظر ذلك ، فالقول له لا لها كما يدل عليه قوله لأن ذلك ذريعة لاتصاله بمطلقته الخ . وبه كنت أفتيت لما سألني عن ذلك بعض أولاد الأمراء حين تنازع مع مطلقته في ذلك .
ثم أشار إلى ترتيب أفراد الصنف الثاني بقوله : ( فأم الأب ) أي جدة الطفل من جهة أبيه ( ثم ) إن لم تكن أمه أو كان لها زوج أجنبي ف ( أب ) فإن لم يكن ( فأم من له انتسب ) وهي جدة الأب من أمه أو أبيه وإن علت ، وهذا على ما في ابن سلمون من أن المشهور أن الأب مقدم على غيره من قرابته ، ومذهب المدونة أن الأب مؤخر عن أمه وعن أم أمه وأم أبيه وأم أمه أحق من أم أبيه إن اجتمعتا ، فإن لم تكن له واحدة منهما فأم أم أمه أو أم أم أبيه أو أم أب أبيه أو أم أبي أمه كما مرّ في قرابات الأم فإن لم تكن واحدة منهن فالأب حينئذ هذا مذهبها وهو المشهور ، وبه أفتى ( خ ) ثم جدة الأب ثم الأب الخ . وعليه فلو قال الناظم : ثم بعيد جدة ثم الأب لوافق المذهب .
فَالأَخْتُ فَالعَمَّةُ ثم ابنَةُ الأَخْ
فابْنَةُ أُخْتٍ فَأَخٌ بَعْدُ رَسَخْ
( فالأخت ) للطفل على مذهبها أيضاً ( فالعمة ) له أي وهي أخت الأب فإن لم تكن فعمة الأب فإن لم تكن فخالة الأب فإن لم تكن ( فابنة الأخ ) وقد علمت أن الناظم أسقط خالة الأب كخليل مع أنها مقدمة على ابنة الأخ كما في المقدمات وغيرها . فإن لم توجد بنت الأخ أو قام بها مانع ( فابنة الأخت ) على المعتمد كما يفيده نقل ( ق ) وإن كان ( خ ) حكى أقوالاً في كونها تقدم على بنت الأخ أو تؤخر أو لا حضانة لها من غير ترجيح لشيء منها فإن لم تكن أو قام بها مانع انتقل الحق للصنف الثالث وهو الوصي لأنه أحق من العصبة كما يأتي فإن لم يكن الوصي ولا وصي وصيه انتقل الحق للصنف الرابع ، وأشار إلى ترتيب أفراده بقوله : ( فأخ ) للطفل ( بعد رسخ ) أي ثبت بعد من ذكر .
وَالعصَبَاتُ بَعْدُ وَالْوَصِيُّ
أَحَقُّ والسِّنُّ بهَا مَرْعِيُّ
( والعصبات ) أي بقيتهم ( بعد ) الأخ الأقرب فالأقرب فالجد من قبل الأب بعد الأخ ثم ابنالأخ ثم العم ثم ابنه ثم المولى الأعلى ثم الأسفل وهو عتيق أبي المحضون ( والوصي أحق ) أي من الأخ وسائر العصبة ، وظاهره كان الوصي ذكراً أو أنثى وهو كذلك إلا أنه إذا كان أنثى فله الحضانة مطلقاً ، وأما إن كان ذكراً فإنما له حضانة الذكر أو الأنثى التي لا تطيق الوطء أو أطاقته ولكنه تزوج بأمها أو بجدتها حتى صار محرماً ، وإلا فلا حضانة له على أحد قولين مرجحين ، وهو الذي يجب اعتماده في زمننا هذا من غير نظر لكونه مأموناً أم لا لغلبة الفساد ، بل وكذلك ينبغي في العاصب الذي ليس بمحرم كابن العم ونحوه فبقاء المطيقة مع زوج أمها أحسن لأنه ذو محرم منها . والوصي وابن العم كلاهما غير محرم . وفي المتيطية التصريح بذلك في الوصي وابن العم كذلك فيما يظهر ، وتأمل ما يأتي عند قوله : والسن بها مرعي والله أعلم . وشمل قوله : والوصي الخ مقدم القاضي فإنه يقدم على العصبة كما في أقضية الزرقاني ، ولكن أنت خبير بفساد قضاة الوقت كما تقدم في الأقضية والشهادات ، فيقدمون من لا يستحق التقديم ، بل ولا تكون فيه شروط تولية القضاء متوفرة في الغالب وعليه فلا ينبغي أن يقدم مقدمه على العصبة والله أعلم .
( والسن بها مرعي ) أي إذا تعدد الحاضن وهو في درجة واحدة كأخوين أو أختين مثلاً ، فالأكبر سناً مقدم على من هو أصغر منه لأنه أقرب للصبر والرفق بالمحضون ، وكذا إذا تعدد بوجود الشقيق ، والذي للأم فإنه يقدم الشقيق ، ثم الذي للأم ثم الذي للأب فتقدم العمة الشقيقة ، ثم التي للأم ثم التي للأب ، وهكذا ( خ ) وقدم الشقيق ثم للأم ثم للأب في الجميع ، فإن تساووا فيقدم الصيِّن الأسن فإن تساووا قدم الأسن فإن تساووا فالقرعة ، فإن كان في أحدهما صيانة ، وفي الآخر شفقة فيقدم الصيِّن على الأشفق ، فإن تساووا قدم الأسن ، فإن تزوجت أمه عمه فأراد عمه الأشفق أخذه لم يكن له ذلك لأن كونه مع أمه وعمه أولى من كونه عند عم له زوجة أجنبية ، وإن تزوجت خالته عمه فأراد أبوه أخذه لم يكن له ذلك لأن كونه مع أمه وعمه أحسن من كونه عند أبيه الذي زوجته أجنبية ، لأن الغالب منها عليه الجفاء ، والغالب من الأب أن يكله إليها قاله ( ز ) وهو داخل في قول الناظم :
وفي الإناث عدم الزوج عدا
جداً لمحضون بها زوجاً غدا
وفي قول ( خ ) عاطفاً على ما تسقط به الحضانة أو يكون محرماً ، وأن لا حضانة له كالخال أو ولياً كابن العم الخ .وَشَرْطُهَا الصَّحَةُ والصِّيَانَهْ
وَالحِرْزُ وَالتَّكْلِيفُ وَالديّانَهْ
( وشرطها ) أي الحضانة زيادة على ما تقدم في قوله : وكونهن من ذوات الرحم شرط الخ . ( الصحة ) أي صحة جسم الحاضن فالمريض الضعيف القوة لا حضانة له ، وكذا الأعمى والأصم والأخرس والمقعد لأنه لا يقوم بمصلحة نفسه ، فكيف يقوم بمصلحة غيره ؟ اللهم إلا أن يكون عنده من يحضن كما يفيده الزرقاني في المقعد ، والظاهر أن غيره ممن ذكر كذلك ، وكذا من يخاف من مرضه العدوى على ما جرت به العادة كالجذام والبرص والجرب الدامي والحكة ، ومن ذلك المسمى عندنا بالمرض الكبير وهو حب الإفرنج ، ولو كان في المحضون مثله لأنه قد تحصل زيادة بانضمامه لمن به ذلك ، ولو كان عنده من يحضن لاحتمال اتصاله بالمحضون بخلاف القسم الأول الذي قبله . ( والصيانة ) فلا حضانة لغير الصيِّن للحوق المعرة بعدم الصون وظاهر كلامهم ولو كان عنده من يحضن ( والحرز ) أي مكان حرز لئلا يلحقه الضياع كأن يكون بطرف العمارة بحيث يخشى عليه من السباع وتصيبه المتوقعات المحذورة كسارق يسرقه أو يسلبه ثيابه وكدخول الفساق على البنت أو الولد ( والتكليف ) فلا حضانة لغير عاقل ولا لغير بالغ لأنه لا يمكن أن يكون المحضون معهما في حفظ وصيانة . وفي الفائق : أن الصبي الصغير له الحضانة وحاضنه يحضن له قال أبو إبراهيم الأعرج : وبه الفتوى اه بنقل ( تت ) ومثله في ( ز ) عند قول المصنف : ورشد لا إسلام الخ . وكذا ذكره طفي عند قول المصنف ، وشرط الحاضن العقل الخ . ونظمه في العمل المطلق .
قلت : ولعل هذا خاص بالحاضن الذكر ، وأما الأنثى فلا لأنه قد تكون حضانتها ليست محرماً من محضون الصبي ولا أشفق عليه إلا أن تكون حاضنته ممن تستحق حضانة الصبي المحضون إلا أنها متأخرة في المرتبة فتأمله .
( والديانة ) فلا حضانة لفاسقة ولا لفاسق ، فرب أب شريب يذهب يشرب الخمر ويترك ابنته يدخل عليها الرجال ولا يشترط كون الحاضنة مسلمة على المشهور ، بل للذمية من الحضانة ما للمسلمة إن كانت في حرز ولم يخش عليها من تغذيتهم الخمر والخنزير كما في ( ح ) وشروحه .تنبيهان . الأول : ظاهر قول الناظم والتكليف والديانة الخ . أنه لا يشترط في الحاضنة أن تكون رشيدة ، وهو كذلك حيث كانت حافظة لما تقبضه من نفقة محضونها ، أو كان لها ولي وإلاَّ فلا كما أفتى به ابن هارون ، وهو الصواب كما في ابن عرفة . انظر شراح المتن ونظم العمل المطلق .
الثاني : ظاهر النظم أيضاً أن الحاضن إذا نوزع في شرط من هذه الشروط فإن عليه إثباته لأن الأصل عدم الشروط حتى يثبت وجودها ، وهذا هو الذي صرح به ( خ ) في الأمانة حيث قال : وأثبتها أي يجب على الحاضن أن يثبت الأمانة إن نوزع فيها ، ولا مفهوم للأمانة بل غيرها من الشروط مما عدا الصحة كذاك ، وأما الصحة فإن القول لمدعيها لأنها الأصل في الناس ومدعي خلافها عليه الإثبات . وقد اقتصر ابن رحال في حاشيته هنا لما في ( خ ) من وجوب الإثبات مصرحاً بأنه المذهب .
قلت : وهو الظاهر لأنه الذي تشهد له القواعد والظواهر ، واعتراض الشيخ الرهوني عليه في حاشيته على المختصر بأنه لا مستند لخليل إلا كلام ابن القصار وابن الهندي وابن فتوح ، ومن وافقهم . وهؤلاء إنما اعتمدوا في ذلك على أخذهم إياه من المدونة وليس أخذهم منها بمسلم الخ . غير ظاهر كما يعلم ذلك بمراجعة المطولات وملاحظة القواعد واعتراضه أيضاً بأنه لو كلف الحاضن بإثبات الأمانة لكلف بذلك الأب عند انتقال الحضانة إليه يرد بأن الأب هو الأصل لما جبل عليه من الحنانة والشفقة ، ولأنه الدافع للمال ، وقد كان الولد في حفظه ونفقته فلا يلزمه دفع الولد والنفقة للحاضنة ، أماً كانت أو غيرها حتى تثبت أمانتها وديانتها لئلا يضيع عليه ماله أو ولده ، فلا يقال : إن إثبات ذلك لازم له أيضاً إذا أراد الحضانة بنفسه لأنا نقول الكلام إنما هو في نقل الشيء عن أصله أي : فلا ينقل عنه ولا يحكم عليه الشرع بدفعه إلا لمن يوثق به ، ولو كان هو مسخوطاً غير مرضي الحال ، وإلاَّ لزم الخروج من سخطة إلى مثلها أو أقبح منها ، وذلك من العبث الذي لا يحكم به الشرع وهو بالنسبة للطفل ، وأما بالنسبة للنفقة فلا إشكال أنه لا يلزمه دفعها إلا لموثوق به كما مر ، وهكذا أيضاً يقال في كل من طلب انتقالها إليه لأن الكلام إنما هو مفروض عند التشاح والحائز للولد إن مات الأب مثلاً لا يلزمه دفع الولد إلا لموثوق به لكون الشارع أمره بذلك لئلا يوقع الولد في مضيعة فلا يخرج الولد من يد من ثبت له عليه محافظة ولو لحظة إلى أمر محتمل مشكوك في كونه أسوأ حالاً من الحائز أو مثله والله أعلم .
وفي الإنَاثِ عَدَمُ الزَّوْج عَدَا
جدًّا لِمَحْضُونٍ لهَا زَوْجاً غَدَا
( و ) شرطها ( في الإناث ) بخصوصهن زيادة على ما تقدم ( عدم الزوج ) فإن الحاضنة إذا تزوجت ودخل بها زوجها سقطت حضانتها ( عدا ) فعل دال على الاستثناء ، ومعناه جاوز وفاعله ضمير عائد على المصدر المفهوم من الكلام السابق ( جداً ) مفعول بعدا ( لمحضون ) صفة لجد ( لها )صفة في الأصل للنكرة بعده إلا أنه لما قدم عليها يعرب حالاً لأن الصفة لا تتقدم على الموصوف ( زوجاً ) مفعول لقوله ( غدا ) والجملة صفة لجد أيضاً ، والتقدير وشرطها في الإناث عدم الزوج ، فإن وجد سقطت وجاوز السقوط جد المحضون صار زوجاً لها أي للحاضنة ويلحق بالجد كل ولي للمحضون ولو ولي المال ، وإن لم يكن محرماً له كابن العم والوصي وكل محرم ، وإن لم تكن له الحضانة كالخال ، فإن تزوج الحاضنة بواحد من هؤلاء كتزوجها بالوصي أو ابن العم أو كتزوج عمة الطفل بخالة لا يسقط حضانتها ولو كان للمحضون هناك حاضنة أقرب إليه منها فارغة من الزوج كما مر عند قوله : والسن بها مرعي خلافاً لما في اليزناسني هنا . ولما في ( ز ) عند قول ( خ ) أو ولياً كابن العم . وبيانه أنا إذا قلنا : إنما تبقى حضانتها بعد تزوجها بالولي المحرم إذا لم يكن هناك من يستحقها قبل ابن العم مثلاً كما يقوله اليزناسني و ( ز ) كان الاستثناء في النظم و ( خ ) ضائعاً ولو قال الناظم :
وفي الإناث عدم الزوج عدا
ولياً محرماً لها زوجاً غدا
لشمل كل ولي وكل محرم ، ويكون لفظ محرماً معطوفاً بحذف العاطف وضمير عدا يعود حينئذ على من ذكر . وحاصله : أن الزوج الثاني إما أن يكون محرماً أو لا . وفي كل منهما إما أن تكون له الحضانة أو لا . فالأقسام أربعة تسقط حضانة المتزوجة بواحد وهو ما إذا كان غير محرم ولا حضانة له كابن الخال والأجنبي ولا تسقط في الباقي وهو المحرم الذي له الحضانة كالعم ، والذي لا حضانة له كالخال وغير المحرم الذي له الحضانة كابن العم ( خ ) : وللذكر من يحضن وللأنثى الخلو عن زوج دخل إلا أن يعلم ويسكت العام أو يكون محرماً وأن لا حضانة له كالخال أو ولياً كابن العم الخ فقوله : وللذكر من يحضن أي يشترط في الحاضن الذكر أن يكون عنده من يحضن له من زوجة أو سرية أو متبرعة ، وأن يكون المحضون ذكراً أو أنثى غير مطيقة ، وأما المطيقة للوطء فلا حضانة له عليها ولو مأموناً ذا أهل خلافاً لأصبغ ، وقوله : إلا أن يعلم مستثنى من مفهوم دخل كما أن الاستثناء في النظم من مفهوم عدم الزوج كما قررنا ، ومفهومه أنه إذا لم يعلم مستحق الحضانة بعدها بتزوجها ودخولها ، أو علم ولم يسكت أو سكت أقل من عام لم تسقط حضانته ، وهو كذلك كما في اللخمي وغيره ، وانظر لو علم بتزوجها ودخولها وسكت عاماً إلا أنه جهل كون سكوته مسقطاً لحقه ففي ( ز ) أن ذلك عذر يوجب له عدم سقوط حقه في الحضانة ، واعترضه الشيخ الرهوني في حاشيته بأنه لم يره منصوصاً قال : والجاري على ما يأتي من سكوت الشفيع أنه لا يعذر بالجهل بالحكم اه .
قلت : قد يقال من حفظ حجة على من لم يحفظ ولا يقاس سكوت الحاضنة على سكوت الشفيع لشهرة حكم سكوت الشفيع عند الناس دون حكم سكوت الحاضنة والله أعلم . ثم إذا سكت العام فهل تسقط حضانتها وحضانة من علم أيضاً وهو في المرتبة بعدها كما قالوا فيالشفعة : إن سكوت الأقرب يسقط شفعته وشفعة من علم وهو في المرتبة بعده أو لا تسقط في الحضانة إلا حضانة الأقرب ، ويستأنف للأبعد عام آخر كما في الفائق عن ابن زرب ونحوه في البرزلي عن أحكام الشعبي ، ونقله الشيخ أحمد بابا مسلماً اه . وتقدم أن من خالع زوجته على أن تسقط هي وأمها الحضانة أنها لا تسقط في الجدة لأنها أسقطت ما لم يجب لها وهذا إذا لم يقل في الوثيقة ثم بعد إسقاط الأم أسقطت الجدة حقها ، وإلاَّ فلا كلام لها انظر ما تقدم في الخلع ومحل سقوط الحضانة بالتزوج إذا لم يتعلق الولد بأمه ، ويكون عليه ضرر في نزعه منها ، وإلا لم تسقط حضانتها ولم ينزع منها للضرر اللاحق في الولد ، وقد نص ( ز ) أيضاً على هذا عند شرحه للنص المتقدم عند قوله : إلا لكمرض أو موت جدة الخ . وبه يعلم أن الرضيع لا ينزع من أمه إن طلقت وتزوجت لما عليه في ذلك من الضرر الفادح ، وكذا قريب الفطام حيث اعتلق بها ولم يصبر عنها ، وقد شاهدنا كثيراً من الناس يطلب نزع الرضيع من مطلقته إن تزوجت فيمتع من ذلك لما يخاف من موت الولد ، ولا سيما إن كان الأب فقيراً إذ لا يجد في الغالب من يرضعه ويقوم به كأمه ، وإن وجده في وقت فلا يجده في وقت آخر فيؤدي ذلك لضياع الولد كما وقع ذلك بالمشاهدة ، بل ولا يجوز الخلع حينئذ على إسقاط حضانتها للولد المذكور ولو تراضيا عليه كما قدمناه في الخلع .
وما سُقُوطُهَا لِعُذْرٍ قَدْ بَدَا
وَارْتَفَعَ الْعُذْرُ تَعُودُ أَبَدَا
( وما ) موصولة واقعة على الحضانة مبتدأ ( سقوطها ) مبتدأ ( لعذر ) يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( قد بدا ) والجملة صلة ما ( وارتفع العذر ) جملة من فعل وفاعل معطوفة على جملة الصلة ( تعود أبداً ) خبر الموصول ، والتقدير والحضانة التي سقوطها قد بدا لعذر من مرض أو انقطاع لبن أو حجة فرض أو سافر بها جدها وهو جد الصبيان أو غيره من الأولياء غير طائعة ، ولا يمكنها حمل المحضون معها أو جهلت أن الحق انتقل في الحضانة لها أو سافر الولي بالمحضون سفر نقلة أو خرجت لطلب ميراثها وارتفع ذلك العذر بأن برئت من المرض أو رجع إليها لبنها أو رجعت من سفر الحج والزوج ، أو علمت أن الحق في الحضانة لها ، أو رجع الولي من سفره بالمحضون ، أو رجعت من طلب ميراثها فإن الحضانة تعود لها في ذلك كله لأنها تركت حقها في الحضانة في ذلك كله بغير اختيارها ، فهي معذورة وحقها إنما سقط حال وجود العذر ، فإذا زال رجعت إليها الحضانة إلا أن تتركه بعد زوال العذر حتى طال الأمد السنة ونحوها مختارة فلا تأخذه ممن هو بيده أو يكون ألف من هو عندها أو شق نقله عنها كما مرّ في البيت قبل هذا .تنبيهان . الأول : يفهم من قولهم : إذا خرجت الحاضنة لطلب ميراثها لا تسقط حضانتها أنها إذا خرجت للصيفية ولقط السنبل لفقرها كذلك لا تسقط حضانتها أيضاً . وفي البرزلي : إذا أرادت الخروج للصيفية ولقط السنبل ومنعها الأب من الخروج بالمحضون فإن ذلك له ، ويكون المحضون عنده مدة غيبة الحاضنة في الصيفية فإذا رجعت أخذته من الأب . ابن رشد : ويحتمل أن لا يقضى للأب بمنعها من الخروج به على ما جاءت به الرواية أن لها الخروج به للمسافة القريبة التي لا تقصر فيها الصلاة . قال : وأما خروج المطلقة في العدة والمتوفى عنها لجمع السنبل فلها ذلك إن كانت محتاجة اه . وقال : أعني البرزلي قبل هذا ما نصه : وسئل أبو محمد المرسي عن من طلق زوجته وله منها بنات فخرجت بهن للصائفة يعني بغير إذنه أتسقط النفقة عنه مدة مقامها بهن هناك أم لا ؟ فقال : ذلك ساقط عنه مدة إقامتها بهن زمن الصائفة اه . قال البرزلي : هذا ظاهر إن قلنا إن الحضانة من حقها ، وإن قلنا إنها حق للولد أو حق لله فيجب رجوعها عليه بنفقتهن وهي تجري عندي على مسألة المحجور إذا خرج به وليه لحج الضرورة أو لغير ضرورة ، وعلى خروج المرأة لزيارة أهلها أو لتطوع حج هل نفقتها واجبة أو لا ؟ وأما القدر الزائد لأجل السفر فلا خلاف أنه ساقط عنه اه .
قلت : ويؤيد رجوعها عليه في مسألة الخروج للصائفة ما مرّ عن ابن رشد من قوله : ويحتمل الخ . وذكر ( ح ) آخر الباب الثاني من التزاماته ما نصه : اختلفوا في سقوط النفقة عن الأب إذا خرجت بهم إلى المكان القريب الذي يجوز لها الخروج بهم إليه ولا تسقط حضانتها فقال في ضيح ، قال ابن راشد القفصي : حيث قلنا تخرج بهم فحقهم في النفقة باق على أبيهم في ظاهر المذهب ، وحكي في الطراز عن ابن جماهير الطليطلي أن الأم إذا خرجت ببنيها للصائفة يسقط الفرض عن أبيهم مدة مقامهم اه . قال ( ح ) : واقتصر ابن عرفة على ما حكاه صاحب الطرر ورجح في الشامل الأول ، وحكى الثاني بقيل اه . وقد تبين بهذا رجحان القول بعدم سقوط نفقتهم عن أبيهم في خروجها بهم لقريب المكان الذي لا تقصر فيه الصلاة كما مر عن ابن رشد وكما قاله القفصي عن ظاهر المذهب ، ورجحه في الشامل والله أعلم .
الثاني : إذا ترك الأب ولده عند حاضنته بعد تزوجها سنة فأكثر فليس له نزعه منها ، بل يتركه عندها وتجب عليه نفقته ، اللهم إلا أن يثبت تضييع الحاضنة للولد أو كون زوجها يستخدمه ويستعمله فله نزعه حينئذ قاله ابن رشد ، ونقله ابن البرزلي أيضاً .
وهي عَلَى المَشْهُورِ لاَ تَعُودُ إنْ
كانَ سُقُوطُهَا بِتَزْوِيجٍ قَمِنْهذا مفهوم قوله في البيت قبله لعذر ، والمعنى أن سقوط الحضانة إذا كان لغير عذر كما لو تزوجت بعد أن انتقلت الحضانة لها أو أسقطت حقها منها بعد وجوبها لها أو سكتت عاماً بعد انتقالها إليها مع علمها بذلك ، فإن الحضانة لا تعود لها في ذلك كله ، ولو زال التزويج في المسألة الأولى بطلاق أو موت أو فسخ وأراد بالتزويج الحقيقي وهو دخول الزوج إذ لا تسقط حضانتها قبله وشمل قوله : تزويج ما حدث بعد الانتقال كما قررنا ، وما كان موجوداً وقت الانتقال فإذا تزوجت الأم والجدة متزوجة أيضاً بأجنبي وانتقلت الحضانة للخالة مثلاً ثم تأيمت الجدة ، فإنه لا ينزع من الخالة ويرد للجدة على المشهور كما قاله البدر ، لأن الجدة لما اتصفت بالمانع وقت تزوج الأم انتقل الحق لغيرها وتعلق حق ذلك الغير بها وما في ( ز ) عند قوله : أو ولياً كابن العم مما يقتضي نزعه من الخالة ورده للجدة في المثال المذكور ونحو في ( ت ) ههنا حاكياً عليه الاتفاق مردود بما تقدم عن البدر ، كما نبه عليه بعض المحشيين والتعليل المتقدم الذي نقله ( ز ) وغيره عند قول المتن ولا تعود بعد الطلاق شاهد للمشهور المذكور ، وظاهر النظم أنها لا تعود حيث سقطت بتزويج ولو ماتت الحاضنة التي بعدها بعد تأيم المتزوجة ، وهو كذلك على المشهور عند ابن سلمون ونصه : ولا تعود الحضانة لها إن طلقت بعد ذلك على القول المشهور ، وهي رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة والعتبية ، وقيل عنه في غيرهما أنها تعود إن طلقها الزوج أو مات عنها . قال ابن رشد : وهو قول المغيرة وابن دينار وابن أبي حازم ، ووجه هذا القول إنه رأى أن التزوج من الأمور الضروريات فجعله عذراً كالمرض وانقطاع اللبن قال : وقد قيل إن حقها في الحضانة يسقط بالتزوج إلا في جهة من حضن الولد في حال كونها مع الزوج فإن خلت من الزوج ثم مات ذلك الحاضن كان لها أخذ ولدها ، وكانت أحق بحضانته من غيرها اه . الغرض منه وبالقول الأول صدر ابن رشد وغيره ، ولما نقل ابن عبد السلام هذه الأقوال قال : وهذا القول الثالث راجع عندي إلى القول الثاني المقابل للأول . قال اليزناسني في شرحه لهذا المحل : هذا القول الثالث نقله في ضيح عن الموازية وابن محرز والمتيطي ، وعليه اقتصر في مختصره حيث قال : ولا تعود بعد الطلاق إلا لكمرض أو لموت جدة والأم خالية الخ . فاستثنى من عدم العود موت الجدة والأم خالية ، وليس هذا القول الثالث مشهوراً على ما عند ابن الحاجب وابن عبد السلام وغيرهما كما في ابن عرفة وابن سلمون قال : وقد وقعت مثل هذه النازلة فأفتى فيها بعضهم بما في المختصر فنازعته وقلت له : إن ذلك القول غير مشهور ، بل المشهور على ما نقله ابن الحاجب وابن عاصم وغيرهما أن التزوج يسقط الحضانة جملة فلا تعود لها أبداً حسبما تقدم اه . كلام اليزناسني بتقديم وتأخير واختصار ، وبالجملة فما في المختصر ضعيف نقلاً ونظراً أما الأول فظاهر مما مر ، وأما الثاني فلأن الأم بتزوجها كانت مختارة لإسقاط حقها ، والحاضنة إذا أسقطت حقها لا تعود لها مطلقاً كما مر .
وَحَيْثُ بِالمَحْضُونِ سَافَرَ الْوَلِي
بِقَصْدِ الإِسْتِيطَانِ وَالتَّنْقُّلِ
( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط معمول لجوابه و ( بالمحضون ) يتعلق بقوله ( سافر الولي ) والجملة في محل جر بإضافة حيث ( بقصد الاستيطان والتنقل ) يتعلق بمحذوف حال .فَذَاكَ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الحَاضِنَهْ
إلاَّ إذَا صَارَتْ هُنَاكَ ساكِنَهْ
( فذاك ) مبتدأ ( مسقط ) خبره ( لحق الحاضنة ) يتعلق به والجملة جواب حيث ( إلا ) استثناء ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط ( صارت هناك ساكنة ) في محل جر بإضافة إذا ، وجواب إذا محذوف للدلالة عليه أي : فلا تسقط حضانتها . ومعناه أن الولي أباً كان أو وصياً أو غيرهما من أخ أو عم ونحو ذلك إذا أراد السفر بالمحضون بقصد الانتقال والاستيطان في البلد المنتقل إليه ، فإن ذلك السفر مسقط لحق الحاضنة في جميع الأحوال إلا في حالة واحدة وهي أن تنتقل مع محضونها وتصير ساكنة معه في البلد المنتقل إليه فإن حضانته لا تسقط حينئذ ، وأطلق الناظم في المحضون فظاهره ولو رضيعاً ، وهو كذلك على المشهور حيث قبل غير أمه وأطلق أيضاً في الاستيطان فظاهره ولو سنة . وفي الشامل : وهل يحصل الاستيطان بسنة أو لا ؟ قولان . وأطلق أيضاً في الولي ، والمحضون فظاهره ولو كانا عبدين وليس كذلك بل لا بد أن يكونا حرين فلو كانا عبدين أو أحدهما لم يكن الحكم ما ذكره ، وأطلق في السفر فظاهره ولو أقل من ستة برد وليس كذلك ، بل لا بد أن يكون سفره ستة برد فأكثر وإلا لم ينزعه منها على المعتمد لإمكان النظر مع قرب المسافة ، وفهم من قوله بقصد الاستيطان أن سفره إذا كان لتجارة أو نزهة لا ينزع منها وهو كذلك ، وكذلك إذا سافرت هي بقصد النزهة أو التجارة أو طلب ميراثها فإنه لا ينزع منها ، بل تأخذه معها إن قرب وإن بعد كستة برد فللأب أو الولي منعها كما مر ، فإن سافرت بغير إذنه في البعيد فنفقة الولد عليها كما أشار له ( خ ) بقوله في العدة : كنفقة ولد هربت به الخ . وفهم من قوله بقصد الاستيطان أنه يصدق في دعوى الاستيطان مع يمينه ، إذ لا يعلم قصده لذلك إلا من قبله وهو كذلك على المعتمد . قال في الشامل : ولا يكلف أن يثبت ببلد الحاضنة أنه قد استوطن البلد الذي رحل إليه على الأرجح ، بل يحلف على ذلك فقط اه . ونحوه في ( خ ) فما في ( ت ) و ( م ) عن ضيح من أنه يكلف بإثبات ذلك عند الحاكم لا يعود عليه ، وبقي على الناظم شرطان : وهما أن يكون البلد المنتقل إليه مأموناً تجري فيه الأحكام الشرعية على مقتضاها ، وأن يكون الطريق مأموناً فيه على نفسه وماله وعلى المحضون ، وهذان الشرطان لا بد من إثباتهما وهما مشترطان أيضاً في سفر الزوج لزوجته كان سفره للاستيطان أم لا . ويزاد عليهما شروط كونه مأموناً في نفسه محسناً إليها . قال في العتبية : إذ ليس له أن يخرجها لذلك البلد ثم يطعمها شرك الحيتان ، وظاهر كلام المعين أنه محمول على الإساءة وعدم الأمانة عند الجهل ، وهو الذي لأبي محمد صالح ، وبه جزم ابن ناجي قائلاً : وبه حكمت غير ما مرة ، واقتصر عليه ناظم العمل المطلق حيث قال :ومن له زوج أراد يظعن
يثبت أنه إليها يحسن
الخ .
والذي لابن رشد والباجي أنه محمول على الأمانة وعدم الإساءة حتى يثبت خلافها ، واقتصر عليه ابن عرفة والوانوغي والفشتالي في وثائقه وكان هذا ينظر للأصل الذي هو عدم العداء والأول ينظر للغالب إذ الغالب في الناس الجرحة وعدم الأمانة ، والقاعدة أنه إذا تعارض الأصل ، والغالب فالحكم للغالب وكون البلد المنتقل إليه قريباً ولا يضبط القرب بستة برد ، ولا بأقل . بل بحيث لا يخفى على أهلها خبرها ، وهذا الشرط ذكره أبو إبراهيم مقيداً به المدونة . ونقله أبو الحسن مسلماً . وخالف فيه البرزلي وابن ناجي فلم يشترطاه وأبقيا المدونة على ظاهرها وكونه حراً وهي حرة أيضاً ، وكونها قادرة على الركوب أو المشي ، وكونها صحيحة لا مريضة ، وأن يكون قد دخل بها وإلاَّ فلأهلها ولها المنع حتى تزف إليه فإن توفرت هذه الشروط وقالت : لا أرتحل معه حتى آخذ صداقي فإن كان قد بنى بها فلا يلتفت إلى قولها حيث كان عديماً به لأنه دين في ذمته ، والفرض أن البلد المنتقل إليه تجري فيه الأحكام الشرعية ، وأما إن كان موسراً فظاهر المدونة كذلك ، والذي لابن يونس وارتضاه بعض قائلاً وهو المعول عليه أن لها الامتناع حتى تقبضه لأنه إذا كان موسراً لا يلزمها تأخير قبضه للبلد المنتقل إليه . قال ابن ناجي : وظاهر المدونة أن الحضرية مع توفر الشروط تخرج إلى القرى كعكسها وهو ظاهر كلامهم ، وبه أفتى أبو عبد الله محمد ابن أمير المؤمنين أبي العباس أحمد ، وأفتى الشيخ أبو القاسم الغبريني وأبو علي بن قداح وبعض شيوخنا وشيخنا حفظه الله بعدم خروجها حيث يكون عليها معرة أو مضرة وبه أقول اه .
قلت : وكثيراً ما يقع النزاع في إخراج الحضرية من فاس أو غيرها من الحواضر إلى أهل العمود أو بعض القرى ، وقد كنت رأيت بعض القضاة لا يحكم بإخراجها ، ولعل مستنده ما مر ولا سيما في هذه الأزمنة التي كثر فيها السرقة والغصب في القرى فضلاً عن أهل العمود فهي لا تخلو عن مضرة فضلاً عن المعرة .
وَيُمْنَعُ الزَّوْجَانِ مِنْ إخْرَاجِ مَنْ
مِنْ حِينِ الابْتِناءِ مَعْهُمَا سَكَنْ
( ويمنع الزوجان ) نائب فاعل يمنع بضم الياء ( من إخراج ) يتعلق بيمنع ( من ) موصول مضاف إليه ( من حين الابتناء معهما ) بسكون العين وهو والمجروران قبله يتعلقان بقوله : ( سكن ) والجملة صلة الموصول .
منْ ولدٍ لِوَاحِدٍ أوْ أمِّ
وفي سِواهُمْ عكْسُ هذَا الحُكْمِ
( من ولد ) بيان للموصول المذكور ( لواحد ) نعت لولد ( أو أم ) معطوف على ولد ( وفيسواهم ) خبر عن قوله : ( عكس هذا الحكم ) والضمير في سواهم عائد على من الموصولة وجمع الضمير باعتبار معنى ما وقعت عليه والتقدير ، ويمنع الزوجان من إخراج ولد أو أم لأحدهما سكن معهما من حين الابتناء ، فإذا بنى الرجل بزوجته ومعها ولدها صغير أو وجدت هي عنده ولداً له صغيراً وسكن ذلك الولد معهما ، ثم أراد أحدهما إخراج ولد الآخر فليس ذلك له ولا لها ويجبر الممتنع منهما على السكنى مع ذلك الولد ، لأنه قد أسقط حقه فيه بسكوته حين سكناه وقت الابتناء ، وكذلك أم أحدهما إذا سكنت معهما من حين الابتناء ، ثم امتنع أحدهما من بقائها ساكنة معهما فإنه لا كلام له على ما في النظم وهو معترض كما يأتي ، وأشار بقوله وفي سواهم الخ . إلى مفهوم ولد أو أم وإلى مفهوم من حين الابتناء أي : فإذا كان قريب أحد الزوجين غير ولد ولا أم بل كأخ أو ابنه أو كان ولداً أو أماً ولم يسكن معهما من حين الابتناء ، ولكن أراد أحدهما أن يأتي بعد الابتناء بولده أو أمه ليسكن معهما وأبى الآخر ، فإن الآبي لا يجبر على سكناه معه ، وظاهر النظم أنه لا يجبر ولو لم يكن للولد أو للأخ مثلاً حاضن وليس كذلك ، بل إنما لا يجبر الممتنع على سكناه معه حيث لم يدخل عليه ابتداء إذا كان للولد حاضن يمكن دفعه إليه كما قاله ابن زرب وغيره ، وإلا أجبر الممتنع على سكناه معه ، وإن لم يدخل عليه ابتداء وظاهره أيضاً أن الأم كالولد في التفصيل المذكور بين أن تسكن الأم معهما في حين الابتناء فلا كلام لواحد منهما في إخراجها عنهما أو لا . فلكل منهما إخراجها وليس كذلك أيضاً . بل لكل منهما إخراجها مطلقاً كانت معهما حين الابتناء أم لا . ولو حلف أن لا يخرج أمه عن زوجته لم يعذر بذلك وحمل على الحق أبره ذلك أو أحنثه قاله ابن الماجشون . اللهم إلا أن تكون وضيعة القدر أو ذات صداق يسير أو شرط عليها السكنى مع أهله كما المتيطي وغيره ، فإنها تجبر على السكنى مع أهله .
وقد تحصل أن الأولاد يفرق فيهم بين الابتناء وعدمه ، وأن الأم وغيرها من الأقارب يفرق فيهم بين الوضيعة وغيرها . وقد أجاد ( خ ) في المسألة حيث قال : ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه إلا الوضيعة كولد صغير لأحدهما إن كان له حاضن إلا أن يبني وهو معه اه . إلا أنه أطلق في الوضيعة وهو مقيد بما إذا لم يتحقق ضرر أهله بها وإلاَّ فتعزل عنهم ، وكذا ذاتالشرط والصداق اليسير فإنه إذا تحقق الضرر وثبت وجب العزل ، وأما غيرهن فلا يلزمهن السكنى معهم ، وإن لم يثبت ضرره ولا تحقق . وهذا كله إذا لم يدع الزوج الخوف عليها من فعل المكروه إذا عزلت عن أهله ، ولا سيما حيث كانت غير مأمونة كما هو الغالب في نساء زمننا اليوم ، وإلاَّ فليجتهد القاضي في ذلك فيسكن الوضيعة ومن معها في ثبوت ضررهم بها مع ثقة له امرأة أمينة أو فيسكنهما بين قوم صالحين قاله ابن رحال .
قلت : وهو ظاهر فإن أثبت الوضيعة ومن معها ضررهم بشهادة من سكنها معهم زجر الظالم بالسجن والضرب ، ولا يعزل واحدة منهن عن الأهل ، لأن غالب النساء في هذا الزمان يرمن الانفراد ليتوصلن للمكروه والفساد . وانظر ما مر في ضرر الزوجين ، والله أعلم .
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم آمين
تم الجزء الأول من البهجة في شرح التحفة للعلامة علي بن عبد السلام التسولي و يليه الجزء الثاني أوله باب البيوعالجزء الثانى
باب البيوع
أتى بجمع الكثرة لتعدد أنواع البيع لأن الذوات المبيعة إما عيناً بعين أو عرضاً بعرض أو عيناً بعرض وبالعكس ، فالعين بالعين إن كانت نوعاً واحداً كالفضة بمثلها والذهب بمثله يشترط فيهما أمران : التناجز والتساوي ، ثم إن بيعت بالميزان سمي ذلك مراطلة ، وإن بيعت بالعدد سمي مبادلة ، وإن كانت نوعين كذهب بفضة اشترط فيهما التناجز فقط ويسمى صرفاً وحكم بيع الطعام بالطعام كالعين في الشروط المذكورة ، كما يأتي للمصنف في فصلي بيع الطعام وبيع النقدين ؛ وأما العرض بالعرض وهو ما سوى العين والطعام وما سوى الأصول أيضاً على ما عند الناظم كما يأتي في فصله ، فيشترط أن لا يؤجلا معاً لأنه من الدين بالدين المنهى عنه فإن عجلا معاً صح بجميع وجوهه كان أجل أحدهما وعجل الآخر ، ويسمى حينئذ سلماً إن توفرت شروطه كما يأتي في فصل السلم ، وكذا حكم العين بالعرض يمنع تأجيلهما ، ويجوز تعجيلهما وإن عجلت العين دون العرض يسمى سلماً ، وبالعكس يسمى بيعاً لأجل قاله ابن بشير وغيره ، فعبر الناظم بلفظ الجمع إشارة إلى أنه أنواع ستة المذكورة في قوله : ما يستجاز بيعه الخ . وكلها داخلة في التقسيم المتقدم وتكون صحيحة وفاسدة ، ثم إن البيع مما يتعين الاهتمام بمعرفة أحكامه لعموم الحاجة إليه إذ لا يخلو المكلف من بيع وشراء فيجب أن يعلم حكم الله فيه قبل التلبس به ، قال ابن العربي في القبس على موطأ مالك بن أنس : البيع والنكاح عقدان يتعلق بهما قوام العالم لأن الله سبحانه خلق الإنسان محتاجاً إلى الغذاء ومفتقراً إلى النساء وخلق له ما في الأرض جميعاً ، ولم يتركه سدى أي هملاً يتصرف كيف شاء فيجب على كل مكلف أن يعلم ما يحتاج إليه من بيع أو غيره ، ثم يجب عليه أن يعمل بما علم فيتولى أمر شرائه وبيعه بنفسه إن قدر وإلاَّ فغيرهبمشورته ولا يتكل على من لا يعرف الأحكام أو يعرفها ويتساهل في العمل بمقتضاها اه . وفي القباب : لا يجوز للإنسان أن يجلس في السوق حتى يتعلم أحكام البيع والشراء فإن علم ذلك حينئذ فرض واجب عليه ، ولا يجوز أن يعطي قراضاً لمن لا يعرف أحكامه ، ولا أن يوكل الذمي على البيع ونحوه . ولا أن يشاركه إلا إذا لم يغب عنه .
والبيع لغة مصدر باع الشيء إذا أخرجه عن ملكه بعوض أو أدخله فيه فهو من أسماء الأضداد يطلق على البيع والشراء كالقرء يطلق على الحيض والطهر ، لكن لغة قريش كما للزناتي في شرح الرسالة استعمال باع إذا أخرج واشترى إذا أدخل . قال : وهي أفصح . وعلى ذلك اصطلح العلماء تقريباً للفهم . وقال الجزولي في شرح الرسالة : إن كل واحد من المتعاوضين بائع لما خرج من يده مشتر لما أخذ من يد غيره ، واصطلح الفقهاء أن آخذ العوض يسمى مشترياً وآخذ العين يعني الدنانير والدراهم يسمى بائعاً اه . قال ابن عبد السلام : ومعرفة حقيقته ضرورية حتى للصبيان أي : وما كان كذلك لا يحتاج إلى تعريف إذ إنما يحتاج للتعريف الأمور النظرية . ورده ابن عرفة بأن المعلوم ضرورة هو وجوده عند وقوعه لكثرة تكرره ولا يلزم منه علم حقيقته ثم قسمه إلى أعم وإلى أخص فقال : البيع الأعم عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة فتخرج الإجارة والكراء والنكاح وتدخل هبة الثواب والصرف والمراطلة والسلم ثم قال : والغالب عرفاً أخص منه بزيادة ذو مكايسة أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير العين فيه فتخرج الأربعة اه . وقوله : ولا يلزم منه علم حقيقته الخ . قد يقال : يلزم من وجود الحقيقة وتكرر وقوعه بين يديه علمها فتأمله . ولما ذكر البرزلي حد ابن عرفة واعتراضه على ابن عبد السلام وعلى من عرفه بأنه دفع عوض في عوض ، وبأنه نقل الملك بعوض قال ما نصه : ظاهر هذه الاعتراضات تدل على طلب علم حقيقة الشيء وماهيته في هذا الباب وغيره مع أن حقائق الأشياء لا يعلمها إلا الله فهو المحيط بها من جميع الجهات فهو العالم بما يصلحها والمطلوب في معرفة الحقائق الشرعية وغيرها إنما هو تمييزها من حيث الجملة عما يشاركها في بعض حقائقها حتى يخرج منها ما يسري إلى النفس دخوله مثل أن يقال : ما الانسان ؟ فيقال : منتصب القامة فيحصل له تمييزه عن بقية الحيوانات التي يسرع إلى النفس دخولها في الإنسان لا عن كل حقيقة لأنه يدخل فيه الحائط والعمود وكل منتصب القامة ، لكن لما كان غير مقصود بهذا الكلام ولم يقع الاحتراز منه . قال بعض حذاق المنطقيين : وهذا المعنى كثيراً ما يقع من حكماءالمتقدمين لأن قصدهم التنبيه على ما يحسن به التمييز في النفس ولو بأدنى خاصية فيعترض عليهم المتأخرون لاعتقادهم أنهم يأتون بالحقائق التي تشتمل على جميع الذاتيات وهم لا يقصدن ذلك لأنه لا يعلم حقائق الأشياء إلا الله سبحانه ، فكل من عرف البيع ونحوه بما عرفه به إنما هو تصور معرفة الماهية من حيث الجملة لا من جميع جهاتها والله أعلم اه كلام البرزلي . وبه يسقط اعتراض ابن عرفه على غيره ، واعتراض غيره عليه في بعض حدوده كاعتراض ( ح ) عليه في حده المتقدم وغيره . الغرناطي : تذكر في الوثيقة تسمية المتبايعين وما به يعرفان من صفاتهما وتذكر البيع وموضعه وحدوده وتذكر حقوقه ومرافقه وشجره وشرب ما له شرب ووصف المبيع وعدم شرط الثنيا والخيار وقدر الثمن وصفته ، وقبض البائع له أو حلوله أو تأجيله إلى مدة لا تجاوز أربعين عاماً ، ومعرفة المتبايعين بقدر ذلك وحلول المبتاع محل التبايع ، والتبرىء من العيوب ورضا المبتاع بما حاشا الوظائف فلا تعقد التبرىء منها إلا بعد تمام البيع كالثنيا وتذكر عقد الإشهاد على المتبايعين ووصفهما بالطوع والصحة والجواز ، وتضمن في بيع الأب على ابنه الصغير معرفة صغر الابن أو كونه في حجره بتجديد سفه أو تقديم قاض إن كان كبيراً ، وإن باع ذلك لنفسه ذكرت معرفة حاجته ، ولا بد أن تقول فيه ممن يعرف أصل المال للابن وابتياعه بمال وهبه له جائز ، وإن لم تعرف الهبة قبل ذلك ولا يثبت التوليج إلا بإقرار المشتري وتضمن في بيع الوصي معرفة الإيصاء ومعرفة السداد في الثمن والوجه الذي يبيع ذلك لأجله ، وتضمن في بيع الحاضن معرفة الحاضنة وصغر المحضون وفاقته وتفاهة المبيع . وأنه أحق ما يباع عليه ، والسداد في الثمن وأنه عشرون ديناراً فأقل ومعاينة قبض الثمن ، وتضمن في بيع الوكيل معرفة الوكالة ولا بد من معاينة القبض في كل من قبض لغيره كالوصي والوكيل والحاضن ، وكذلك قبض المحجور نفقته أو مالاً لاختباره في التجر ، وقبض العانس صداقها والأصم والأبكم اه .
أما تسمية المتبايعين فلا بد منها لأنهما ركنان فإن سقط واحد منهما بطل الرسم ، وأما ما يعرفان به من صفاتهما فإنما ذلك عند عدم معرفتهما فإن سقطت المعرفة والتعريف والوصف بطل الرسم كما مر عند قوله : وغالب الظن به الشهادة . الخ ( خ ) : ولا على من لا يعرف إلا على عينه وصفته وحليته ، وأما ذكر المبيع وموضعه فلا بد منه ، فإن سقط بطل الرسم . وأما حدوده فإن سقوطها لا يضر كما يأتي في قوله : وناب عن حيازة الشهود الخ . لأنه قد يشهد بالحدود غيرهما فلا يفسد البيع بعدم ذكر الحدود كما يأتي قريباً في التنبيه الثاني ، وأما ذكر حقوقه ومرافقه فلا يضر سقوطها بحال ، وكذا ذكر شجره لأن ذكر الأرض يتناولها كما يأتي عند قوله : كذا قليب الأرض للمبتاع . وأما شرب الماء فلا بد من ذكره وإلاَّ لم يدخل إلا إن كان عيناً أو بئراً في وسط الأرض ، كما يأتي في البيت المتقدم . وأما وصف المبيع فإنما يحتاج إليه إذا كان غائباً عن موضع العقد ، فإن وصف حينئذ وإلاَّ بطل البيع ، وأما عدم شرط الثنيا والخيار فلا يضر سقوطه أيضاً لأن الأصل عدم ذلك ، وأما قدر الثمن فلا بد من ذكره ، فإن سقط فيجري على ما مر عند قوله في الشهادة : ولم يحقق عند ذاك العدد . وأما قبض البائع له . فلا يضر سقوطه والأصل هو بقاؤه كما يأتي في اختلاف المتبايعين ، وكما يأتي في التنبيه الثالث عند قوله : بأضرب الأثمان والآجال . وأما حلوله أو تأجيله فإنهما إن سقطا لم يضر ، ويحمل على الحلول كما يأتي في اختلاف المتبايعين أيضاً ، وكذا حلول المبتاع محل البائع لا يضر سقوطه أيضاً لأنالعقد يوجبه كما يأتي في الاعتصار عند قوله : وحيث جاز الاعتصار يذكر الخ . وكذا التبرىء من العيوب لأن الأصل عدم وجودها وسيأتي عند قول الناظم : والبيع مع براءة إن نصت الخ . فراجعه هناك . وأما قوله : ورضا المبتاع بما حاشا الوظائف الخ . الوظائف : جمع وظيفة وهي ما قدر على الأرض من الخراج والمغرم ، فلا يجوز بيع الأرض بشرط أن يتحمل المبتاع ما عليها من المغرم والخراج على مذهب ابن القاسم ، وبه العمل كما في ابن سلمون ، وإذا لم يجز ذلك في صلب العقد فيجوز التطوع به كالثنيا كما يأتي ذلك في فصلها إن شاء الله . وأما قوله : وتذكر عقد الإشهاد على المتبايعين الخ . فمراده أنك تقول في آخر الوثيقة شهد على إشهادهما بما فيه عنهما الخ . فإن لم تذكر إشهاداً لا في صلب الوثيقة ولا في آخرها ، وإنما قلت تشهد بمعرفة فلان وأنه قد باع أو ابتاع كذا أو شرط كذا أو تطوع بكذا فإن شهادته لا تجوز إن لم يقل إن علمه لذلك بإشهاد فلان له عليه به إلا إن كان عالماً بما تصح به الشهادة ، وكان من أهل العلم والتبريز فتجوز حينئذ ، ويحمل على أنه علم ذلك بإشهادهما كما قاله في أوائل هذه الوثائق ، وتقدم الكلام على هذا عند قوله : وغالب الظن به الشهادة . وسيأتي في الحبس أنه لا بد من الإشهاد في كل ما ليس فيه معاوضة ، وأما ذكر الطوع والجواز والصحة فإنه لا يضر سقوطه لأنه الأصل ومن ادعى خلافها فعليه البيان كما يأتي في اختلاف المتبايعين حيث قال :
وبيع من رشيد كالدار ادعى
بأنه في سفه قد وقعا . . . الخ
وكما تقدم في تعارض البينتين عند قوله : وقدم التاريخ ترجيح قبل الخ . وأما معرفة صغر الابن في بيع الأب عليه ، فالظاهر أنه لا يضر سقوطه أيضاً لأن المشتري يدعي صحة العقد بسبب صغر الابن والابن يدعي فساده ، وتقرر أن القول لمدعي الصحة كما يأتي في قوله : والقول قول مدع للأصل . وكما تقدم في تعارض البينتين أيضاً ، وأما معرفة حاجة الابن في شراء الأب متاع ابنه فلا بد منها للتهمة كما يأتي في فصل مسائل من أحكام البيع عند قوله : وفعله على السداد يحمل . الخ . وأما معرفة أصل مال الابن فلا يضر سقوطها كما نبه عليه بقوله : وابتياعه بمال وهبه الخ . انظر فصل التوليج من اللامية ، وانظر ما يأتي عند قوله : وبيع من حابى من المردود الخ . وأما معرفة الإيصاء ومعرفة السداد في الثمن فسقوطها مضر كما يأتي في قوله :
وبيع من وصي للمحجورإلا لمقتضى من المحظور
وكذا معرفة الحاضنة لا بد منها مع شروط أخر تأتي عند قوله : وجاز بيع حاضن الخ . وأما صغر المحضون ؛ فيجري فيه ما تقدم قريباً ، وأما معاينة القبض في كل من قبض لغيره حاضناً كان أو غيره فلا بد منها وإلا لم يبرأ الدافع من الثمن كما قال ( خ ) في الوكالة : وإن قال قبضت وتلف برىء ولم يبرأ الغريم إلا ببينة الخ . وكذا لا بد من معاينة القبض في بيع الأصم والأبكم وإلاَّ لم يبرأ الدافع ، وكذا لا بد من معرفة الوكالة ولا بد أن تكون بإشهاد من الموكل ، وإلا لم تصح كما يأتي في الحبس عند قوله : ونافذ تحبيس ما قد سكنه الخ . قال : أعني الغرناطي أول وثائقه : والإشهاد واجب على كل من باع شيئاً لغيره ، فإن لم يشهد ضمن اه . وتقدم نحو هذا في باب اليمين عند قوله : والبالغ السفيه بان حقه الخ . وأن كل من ولي معاملة لغيره فإنه يحلف إن توجهت عليه اليمين وإلاَّ غرم وما ذاك إلا لعدم إشهاده .( وما شاكلها ) أي شابهها في كونه عقد معاوضة وذلك كالمقاصة والحوالة والشفعة والقسمة والإقالة والتولية والتصيير والسلم ، ونحو ذلك مما أدمجه الناظم في هذا الباب ، وفصل بين أنواعه بالفصول دون الأبواب ، وليس المراد بما شاكلها الفصول الستة المشار لها بقوله : أصول أو عروض أو طعام . إلى قوله : أو حيوان ، لأن هذه الفصول الستة هي التي جمعها أولاً بقوله البيوع خلافاً ل ( ت ) ومتبوعه حيث أدخل الصرف ههنا .
ما يُسْتَجَازُ بَيْعُهُ أَقْسَامُ
أصُولٌ أَوْ عُروضٌ أَوْ طَعَامُ
( ما يستجاز ) أي ما يعد بيعه جائزاً أو ما يوجد بيعه جائزاً ، فالسين والتاء للعد أو للإصابة والوجدان كاستحسنه واستعظمه واستغفله أي وجده كذلك أو عده قاله ( ت ) عن التسهيل . ويحتمل أن يكونا زائدتين أي ما يجوز ( بيعه ) في نظر الشارع صلوات الله وسلامه عليه . ( أقسام ) ستة ( أصول ) كالدور والأرضين والبساتين والفنادق والحوانيت ونحوها ( أو عروض ) كالثياب والسلاح ونحوهما ( أو طعام ) كالبر والسمن ونحوهما من بصل وملح وغيرهما .
أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ ثَمَرُ
أَوْ حَيَوانٌ والْجميعُ يُذْكَرُ
( أو ذهب أو فضة ) بأن يباع أحدهما بصنفه وهو المراطلة أو المبادلة أو أحدهما بالآخر وهو الصرف كما مر قريباً . ( أو ثمر ) كالفواكه والمقاثي والبقل ، وأفردها عن الطعام لما اختصت به من اشتراط بدو الصلاح في جواز بيعها ، وغير ذلك . ( أو حيوان ) كالرقيق والدواب والأنعام والطير والوحش ( والجميع ) أي : وكل واحد منها ( يذكر ) في فصل على حدته مع الأحكام المختصة به كالعيوب الموجبة للقيمة في الأصول والرد في العهدتين في الرقيق والحيوان والربا في النقدين والطعامين ونحو ذلك ، فهذه فائدة تقسيم المبيعات إلى الأقسام الستة المذكورة ، ثم إن أصل البيع الجواز إجماعاً لقوله تعالى : وأحل الله البيع } ( البقرة : 275 ) وقد يعرض له الوجوب كمن اضطر لشراء طعام أو شراب المشار له بقول ( خ ) في الزكاة : وترك مواساة وجبت وفضل طعام أو شراب لمضطر وعمد وخشب فيقع الجدار وله الثمن إن وجد الخ . والندب كمن أقسم على إنسانأن يبيع له سلعته لا ضرورة عليه في بيعها فيندب إلى إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرورة مندوب إليه ، والكراهة كبيع الهر والسبع لا لجلده والتحريم كالبيوع المنهي عنها قاله ( ح ) . وأركانه خمسة . المتعاقدان والثمن والمثمن والصيغة . وهي راجعة إلى ثلاثة : العاقد والمعقود عليه والصيغة . ولكل شروط . فالصيغة هي كما قال ( خ ) : ما يدل على الرضا وإن بمعاطاة بأن يعطيه المشتري الثمن ويعطيه البائع المثمن من غير لفظ ، وانظر إذا ادعى أحدهما الهزل في البيع عند قول الناظم : والخلف في مطلق هزلاً الخ . وأما العاقد ؛ فشرط صحة عقده التمييز وشرط لزومه التكليف كما في ( خ ) وغيره . وأما المعقود عليه فشرطه كما في ( خ ) وغيره الطهاره والانتفاع به والقدرة على تسليمه وعدم جهل بمثمن أو ثمن إلى غير ذلك ، ولم يتعرض الناظم لهذه الأركان ولا لشروطها إلا ما ذكره من بعض شروط المعقود عليه في قوله : وتحبس صفقته محظورة . ومن شروط العاقد في قوله في بيع الأصول : ممن له تصرف في المال .
فرع : يجوز شراء الملاحة وإن كان ما يخرج منها مجهول القدر والصفة ، لأن ذلك في مقابلة رفع اليد عنها ، وكذا يجوز أخذ شيء من الدراهم ونحوها في مقابلة إباحة صيد من بركة ماء أو واد ونحوهما قاله ( ز ) عند قول المتن في السلم لا فيما يمكن وصفه كتراب المعدن الخ . قلت : وفي المواق عند قول المصنف : وجاز سؤال البعض ليكف عن الزيادة أنه يجوز للإنسان أن يقول لآخر : كف عني ولك دينار ويلزمه الدينار اشترى أم لا . ومن هذا المعنى بيع الجلسة والجزاء الذي جرى به عمل المتأخرين المشار له بقول ناظم العمل : وهكذا الجلسة والجزاء الخ . انظر شرحه .
تنبيهات . الأول : من الجهل في الثمن جمع الرجلين سلعتهما في البيع لأن ذلك من الجهل في التفصيل كما في ( خ ) حيث قال : ولو تفصيلاً الخ . وقال في الشامل : ولو جهل كعبدين لرجلين بثمن واحد فالأشهر المنع وفسخ إن نزل فإن فات مضى بالثمن مفضوضاً على القيمة ، فإن سميا لكل ثمناً أو قوما أو دخلا على التساوي قبل التقويم أو بعده جاز اه . ونحوه في شراح المتن . قلت : من هنا يعلم أن قولهم : ولا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره أو عيب أكثره لأنه من التمسك بثمن مجهول الخ . معناه أنه لما استحق الأكثر أو عيب انتقض البيع فيه ، والأقل تابع فلا يجوز التمسك قبل أن يعلم ما ينوب الباقي من الثمن ، فإن كان التمسك بعد التقويم صح لما مر من أن للرجلين أن يجمعا سلعتهما في البيع بعد التقويم فالتمسك عقد ثان ، وبهذا ينتفي الإشكال وهو أنه لا يعمل الأكثر من الأقل إلا بالتقويم ، وإذا قوِّم فيجوز التمسك فما وجه المنع ؟ والجواب : أن العلّة وهي الجهل بالثمن سابقة على التمسك ضرورة إن كل علة سابقة على معلولها فحرمة التمسك إنما هي للجهل ولا يقع إلا قبل التقويم بأن يقطع ابتداء بأن هذاالمستحق هو الأكثر أو المعيب ، فيتمسك بالأقل قبل أن يعرف ما ينوبه ، وأما بعد التقويم فلم يتمسك إلا بعد معرفته لما ينوبه ، وبالجملة فالتمسك بالأقل بعد التقويم لا يكون إلا برضاهما لأن الفرض أن العقد قد انفسخ ويبعد كل البعد أن يمنع التمسك بعد التقويم بما ينوبه إذ لو منع ذلك لمنع بيعه بيعاً مستأنفاً وهو لا يقوله أحد ، وأما إن استحق الأقل أو عيب ، فإن البيع لا ينقض في الأكثر والأقل تابع له فلا ينفسخ العقد فالتمسك به قبل التقويم غير ممنوع لقلة الغرر فيه هذا هو التحرير في هذه المسألة والله أعلم . وقد نص شراح ( خ ) عند قوله في الشفعة : وبما يخصه إن صاحب غيره الخ . على أن التمسك بأقل بعد التقويم جائز ، وقالوا أيضاً عند قوله في الشفعة : وإن اتحدت الصفقة وتعددت الحصص الخ . أن حرمة التمسك بأقل إنما هو إذا تمسك قبل التقويم والله أعلم .
الثاني : من اشترى ملكاً وقال في عقد شرائه : يحده قبلة فلان وجنوباً فلان وشرقاً فلان ، واختلف المشتري مع جيرانه فالحكم في ذلك أنه إن خالفهم البائع والمشتري معاً فالبيع صحيح ويجري ما استحق من تلك الحدود على حكم الاستحقاق إذا حكم به ، والذي يخاصم هو المشتري إلا أن يسلم بينة الاستحقاق من أول الأمر فيخاصم البائع حينئذ كما بيناه في حاشية اللامية ، وإن صدقهم البائع وخالفهم المشتري فلا كلام للبائع ولا شهادة له ، ولكن ينظر فإن علم ما عمره كل واحد منهم من تلك الحدود فالقول للحائز مع يمينه ، وإلا تحالفا وقسم بينهما ، إن البيع لا يفسده إدخال البائع غير ملكه في المبيع عند تحديده لأن غرضه أن مبيعه لم يخرج عن تلك الحدود لا أنه ملك جميع محدوده والله أعلم . قاله بعض الموثقين يعني : ولكن المشتري إن كان يعتقد أنه يملك الجميع فالقول له ويخير والله أعلم ، ويصدق في أنه كان يعتقد ذلك إذ لا يعلم إلا من قوله .
الثالث : لا بد من تسمية الخط المشاع وبيان قدره وإلاَّ فسد البيع لأنه مجهول كما في نوازل العلمي وابن سلمون ، وبه تعلم فساد ما يقع كثيراً من بيع بعض الورثة نصيبه في الميراث من غير بيان قدره ، ولا سيما مع تناسخ الوراثات وهو لا يعرف ضرب الحساب فإنه يصدق مدعي جهله من المتعاقدين ويفسخ البيع ، ولو نص في الوثيقة على أنهما عرفا قدره إذ لا تمكنه معرفته إلا بضرب حساب ، والفرض أنه لا يعرفه . وما ذكره ابن رشد وغيره من أن الموثق إذا نص في الوثيقة على معرفتهما بقدر المبيع لا يصدق مدعي الجهل منهما ولا يمين له على صاحبه إنما ذلك فيما إذا كان مثله ممن يعرف قدر المبيع ، وبالجملة إذا سقط من الوثيقة معرفة القدر فإنهما يحملان على المعرفة لأن القول لمدعي الصحة ما لم تكن قرينة تدل على صدق مدعي الجهل كبيع جميع النصيب في الوراثة وهو لا يعرف الحساب ، فإنه يصدق في ذلك ولو كتب الموثق معرفة القدر لأن شاهد الحال يكذبه . وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في حاشيتنا على ( ز ) وعلى مثل هذه المسألة يحمل قول شارح العمل عند قوله :
والقول قول زوجة في عدم
القبض للصداق بعد القسم
ما نصه : إن قول الموثق عرفاً قدره جار مجرى التلفيق الخ . لا أنه من التلفيق مطلقاً وإلا لم يقف عقد على ساق ، وفي جواب للقوري نقله العلمي : أنه من لا يعمل بمقتضى المسطرةوالتلفيق إلا في الموثق الذي عرف منه أنه لا يقدر معرفة القدر على المتبايعين .
فرع : قال ( ح ) عن ابن فرحون : المتعاقدان محمولان على المعرفة حتى يثبت الجهل ، وعلى جواز الأمر حتى يثبت السفه ، وعلى الرضا حتى يثبت الإكراه وعلى الصحة حتى يثبت السقم ، وعلى الملاء حتى يثبت الفقر ، وعلى الحرية حتى يثبت الرق ، وعلى الإسلام حتى يثبت الكفر ، وعلى العدالة حتى يثبت الجرح ، والغائب محمول على الحياة حتى يثبت الموت قال ( خ ) : وما قاله ظاهر إلا ما قاله في مسألة العدالة فالمشهور العكس .
والبَيْعُ والشَّرْطُ الْحَلالُ إنْ وَقَعْ
مُؤَثِّراً في ثَمَنٍ مِمَّا امْتَنَعْ
( والبيع ) مبتدأ ( والشرط ) معطوف عليه لا منصوب على المعية لفقد الجملة قبله ( الحلال ) نعت ( إن وقع ) ذلك الشرط حال كونه ( مؤثراً ) جهلاً ( في ثمن مما امتنع ) خبر المبتدأ وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه ، ومثال ما أشار له الناظم أن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع ذلك الشيء المبيع ولا يهبه فنفس الشرط ، وهو كون المشتري يتمسك بما اشترى ولا يبيعه ولا يهبه حلال جائز ، واشتراط الدخول عليه ممنوع لأنه يؤثر في الثمن جهلاً إذ البيع على هذا الوجه لا يخلو عن نقص في الثمن غالباً لو لم يكن ذلك الشرط ، ومقدار ما انتقص من الثمن لأجل الشرط المذكور مجهول وفيه علة أخرى للمنع وهي كون ذلك المؤثر من باب اشتراط ما يوجب الحكم خلافه لأن الحكم يوجب جواز تصرف المشتري في مشتراه على أي وجه شاء ، فالتحجير عليه بأن لا يبيع ولا يهب شرط مناقض لمقتضى عقد البيع فيفسد البيع به ، وعلى هذه العلة اقتصر ( خ ) حيث قال : وكبيع وشرط يناقض المقصود كأن لا يبيع الخ . وهي أظهر لئلا يرد علينا اشتراط الرهن والحميل فإنه مؤثر جهلاً مع أنه جائز كما يأتي ، ومثل اشتراطه أن لا يبيع اشتراطه أن لا يخرجها من البلد أو لا يجيزها البحر أو على أن يتخذ الجارية أم ولد أو على أن يعزل عنها أو على أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن الذي تباع به ، أو الذي باعها به الآن كما يأتي في فصل الإقالة ، فكل ذلك مما يؤثر في الثمن جهلاً . ومن الشرط المناقض كما مرّ . وهذا إذا اشترط أن لا يبيعه عموماً أو إلاَّ من نفر قليل ، وأما على أن لا يبيع من شخص معين أو من بني فلان وهم قليلون فيجوز ، وإذا وقع شيء من هذه الشروط فيفسخ البيع إلاَّ أن يسقط ذو الشرط شرطه فيصح كما قال ( خ ) : وصح إن حذف شرط السلف أو حذف شرط كالتدبير ، وهذا إذا لم يفتوإلاَّ فقد قال أيضاً : وفيه إن فات أكثر الثمن والقيمة . وقال أيضاً : وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض ورد ولا غلة تصحبه ، وظاهره : ولو كان المشتري عالماً بالفساد وهو كذلك انظر ما يأتي في الحبس عند قوله : ومن يبيع ما عليه حبساً الخ . وهذا كله إذا كان التحجير في مسألة أن لا يبيع من البائع على المشتري ، وأما العكس فقد قال ابن رشد في مسألة الأنكحة من أجوبته : لو اشترى رجل من رجل نصف بقعة على أن لا يقسمها معه ولا يبيعها ويشتركان في حرثها لوجب أن يجوز البيع ويبطل الشرط ولا يفسد البيع بالتحجير على البائع اه . ونقله البرزلي فظاهره أن الشرط باطل في هذه ولو تمسك به المشتري ، ولا تتوقف صحة البيع على إسقاط المشتري شرطه .
وكلُّ ما لَيْسَ لَهُ تَأثيرُ
في ثَمَنٍ جَوَازُهُ مَأْثورُ
( وكل ما ) أي شرط ( ليس له تأثير في ) جهل ( ثمن ) كشرط رهن أو حميل أو كون الثمن إلى أجل معلوم غير بعيد جداً ( جوازه ) مبتدأ ثان خبره ( مأثور ) والجملة خبر الأول أي : مروي صحيح ، ويشمل كلامه ما يقتضيه العقد كشرط تسليم المبيع والرجوع بدرك العيب والاستحقاق فإن اشتراط ذلك مؤكد .
فإن قلت : شرط الأجل مما يزيد في الثمن وشرط الرهن والحميل مما ينقص منه ومقدار الزيادة والنقصان مجهول . قلت : شرط أن لا يبيع ونحوه لا يعود بمصلحة على أحدهما ، بل بمضرة على المشتري بخلاف الحميل والرهن والأجل ، فإن لكل منهما فيه مصلحة من توثق ونقص في الثمن وزيادته ولا ترد علينا مسألة إن باعها فهو أحق بها بالثمن لأن فيها تحجيراً أو نفعاً لأن النفع الذي للبائع في الشرط المذكور غير محقق لأن السلعة قد تؤول إلى رخص فيبيعها المشتري بأقل من الثمن الأول ، فإذا أخذها البائع بالثمن الأول لم يكن له نفع والنفع الغير المحقق كلا نفع وأحرى لو كان على أن يأخذها بما بيعت به ، إذ لا يدري بأي ثمن تباع ، وأما مسألة اشتراط السلف في البيع ولو ضمناً كبيعه ممن له عليه دين على شرط أن ينقده الثمن ولا يقاصه به مع حلول دينه ، فالمنع فيها ليس لخصوص التأثير في الثمن ، بل لما فيها من الربا لأن المسلف ينتفع على سلفه بنقص الثمن أو زيادته وذلك عين الربا ، ولذا كان يظهر لنا نقص في قول ( خ ) : أو يخل بالثمن كبيع وسلف الخ . وأن حقه أن يقول : أو يخل بالثمن وفيه ربا كبيع وسلف لتخرج مسألة الأجل وما معها لأنها تخل بالثمن ، ولكن لا ربا فيها بل فيها مصلحة لأن هذا انتفع بالأجل والآخر انتفع بزيادة في الثمن أو التوثق . ولذا ورد الشرع بجوازها هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل والله أعلم . فلو قال الناظم :والبيع والشرط المنافي إن وقع
لما من التحجير ذا فيه امتنع
وكل ما ليس فيه تحجير
ولا ربا جوازه مأثور
لتنزل على ما ذكرنا .
وَالشَّرْطُ إنْ كانَ حَرَاماً بَطَلاَ
بهِ المبيعُ مُطْلَقاً إنْ جُعِلا
( والشرط إن كان حراماً ) كشرط عدم منع الجارية الرفيعة من الدخول والخروج أو شرط أنها مغنية وقصد بذلك الزيادة في الثمن بإقرار أو بينة لا أن قال : قصدت بذلك التبرىء من عيب الغناء أو شرط الخيار إلى أمد بعيد لا يجوز مثله في تلك السلعة ، أو بيع الدار على شرط أن تكون مجمعاً لأهل الفساد أو باعها على شرط أجل مجهول كقوله : لا نؤديك الثمن حتى تبيع سلعتك أو أشتري سلعة بثمن مؤجل على أنه إن مات فالثمن صدقة عليه ، أو اشتري جارية على أنه إن وطئها فهي حرة أو عليه دينار أو باع الدابة ونحوها على شرط الحمل ، أو باع الثوب على شرط أن لا يقلبه ولا ينشره أو على أنه بعشرة نقداً أو أكثر لأجل بشرط الإلزام ، وهي مسألة بيعتين في بيعة ، أو يبيعه على أن يعطيه شيئاً من الثمن ويشترط على المشتري أنه إن كره البيع لم يعد إليه ما دفعه ، وإن أحبه حاسب به من الثمن وهي مسألة بيع العربان وتصويرهم لها يدل على أن البيع وقع على الخيار كما ترى ، وهو نص المتيطية . وأما إن كان على اللزوم ويدفع بعض الثمن ويترك السلعة تحت يد البائع حتى يكمل له ، فهذا لا يمنع وهو الواقع في زمننا كثيراً فإذا لم يرجع المشتري فهو ظالم فيرفع البائع أمره إلى الحاكم فيبيع السلعة ويقبضه بقية ثمنها بعد أن يثبت الشراء على الحلول وغيبة المشتري ويتبعه بالباقي إن لم يوف متى لقيه أو اشتراه على شرط أن البائع إذا أتاه بالثمن فالمبيع مردود عليه وهي مسألة الثنيا ، وستأتي . فهذا كله مما يدخل في النظم فإذا وقع شيء من ذلك ( بطلا به المبيع ) بمعنى البيع فهو من إطلاق المفعول وإرادة المصدر كالمفتون بمعنى الفتنة ، وتقدم نظير ذلك قبيل باب اليمين ( مطلقاً ) حذف الشرط أم لا أثر في الثمن خللاً أم لا . وإن كان الشرط من حيث هو في الحقيقة لا يخلو عن تأثير لأنه إن كان من البائع أثر الزيادة ، وإن كان من المشتري أثر النقصان ، ولا يقصد المتبايعان في الغالب ، إلى اشتراط ما لا يترتب عليه نقص أو زيادة والله أعلم . ( إن جعلا ) أي وقع وقد تحصل مما مرّ أن الشرط الحرام يبطل معه البيع ولو حذف ، والشرط المنافي للمقصود وشرط السلف في البيع يبطل معه البيع ما لم يحذف الشرط ، وإذا بطل فيرد ولا غلة تصحبه ، ولو علم المشتري بالفسادكما يأتي في الحبس والشرط الحلال الذي لا ينافي العقد بل يعود عليه بمصلحة كالرهن ونحوه يصح فيه البيع والشرط ؛ فهذه ثلاثة أقسام وبقي قسم رابع فيصح فيه البيع ويبطل الشرط وهو ما أشار له ( خ ) في التناول بقوله : والعبد ثياب مهنته . وهل يوفي بشرط عدمها وهو الأظهر أو لا . كمشترط زكاة ما لم يطب وأن لا عهدة أي إسلام من عيب أو استحقاق أو لا مواضعة أو لا جائحة ، أو إن لم يأت بالثمن لكذا فلا بيع الخ . أي : فالبيع في ذلك كله صحيح والشرط باطل ، ومعنى الأخير منها ما قاله أبو الحسن في شرح خلع المدونة عند قولها : أو الوعد إن ورطها . قال : يقوم منها أن من باع سلعة بشرط أن لا ينعقد البيع إلا عند دفع الثمن أن ذلك جائز كما قال في الخلع بخلاف ما إذا انعقد البيع بينهما ، ثم قال : إن لم تأت بالثمن لكذا فلا بيع ؛ فهذا يبطل فيه الشرط ويصح فيه البيع اه . ابن عرفة : والبيع بشرط أن لا يبيع إن لم ينعقد إلى أجل قريب في فسخه وتمامه بشرطه تمامه بإبطاله . رابعها : يوقف المشتري إن نقد مضى وإلا رد ثم قال في البيوع الفاسدة منها لمالك : من اشترى سلعة على أن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام ، وفي موضع آخر إلى عشرة أيام ، فلا بيع بيننا لا يعجبني البيع على هذا فإن نزل جاز البيع وبطل الشراء اه . وضمان السلعة وإن كانت حيواناً من البائع حتى يقبضها المبتاع بخلاف البيع الصحيح تحبس فيه بالثمن ، فإن هلاكها من المبتاع بعد عقده البيع اه كلامه . فظاهره أن السلعة إذا هلكت قبل قبضها في المسألة المذكورة فإن ضمانها من المبتاع لحكمه لصحة البيع فيها على هذا القول ، ولا معنى للصحة إلا ترتيب آثارها عليها وغيره فتأمله والله أعلم .
تنبيه : بيع الجارية لمن يعلم أنه يسامحها في الزنا ولا يمنعها الدخول والخروج ممنوع ، وإن لم يشترط البائع ذلك عليه ، وكذا بيع العنب لمن يعصرها خمراً وبيع السلاح من الكفرة وعصاة الإسلام وغير ذلك من كل ما يتأذى به مسلم ، وكذا بيع الدار لمن يعلم أنه يتخذها مجمعاً لأهلالفساد وإن لم يشترط عليه أن يتخذها أو يتخذها كنيسة ، وكذا الخشبة لمن يتخذها صليباً والنحاس لمن يتخذه ناقوساً وكل شيء يعلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز . ولما ذكر أنه لا يجوز اجتماع البيع مع الشرط الحرام أو المنافي للمقصود ذكر أنه لا يجوز أيضاً اجتماعه مع شيء من عقود ستة فقال :
وَجَمْعُ بَيْعٍ مَعَ شَرْكةٍ وَمَعْ
صَرْفٍ وَجُعْل وَنِكاحٍ امْتَنعْ
وَمَعْ مُسَاقَاةٍ وَمَعْ قِرَاضِ
وَأَشْهَبُ الجَوازُ عَنْهُ مَاضِ أي : لا يجوز اجتماع البيع مع واحد من هذه العقود الستة خلافاً لأشهب لتنافي أحكامها لأن حكم الصرف المناجزة ، ويجوز في البيع التأخير والمناجزة ، وإذا استحقت السلعة المبيعة مع الصرف لم يجز التمسك بالصرف ، ولا يجوز الخيار في الصرف ، ويجوز في البيع ويجوز التصديق في البيع ولا يجوز في الصرف . وأما الجعل ؛ فحكمه عدم اللزوم بخلاف البيع ولا يكون في الجعل أجل بخلاف البيع والجعل على الأمانة بخلاف البيع ، ويجوز فيه الغرر المنفرد به بخلاف البيع . وأما النكاح ؛ فعلة عدم اجتماعه أيضاً مع البيع أن النكاح على المكارمة والبيع على المكايسة ، ويجوز أن لا يدخل بالمرأة إلى سنة لموجب من صغر ونحوه ، ولا يجوز تأخير القبض في المبيع المعين الحاضر . وأما المساقاة فلأنه يجوز فيها الغرر دون البيع وفيها بيع التمرة قبل الطيب ، ولا يجوز ذلك في البيع وهي مستثناة من الإجارة المجهولة والبيع أصل في نفسه . وأما الشركة ؛ فلأنها على الأمانة ولا كذلك البيع ، ويجوز فيه الأجل دون الشركة فلا تكون إلى أجل . وأما القراض ؛ فلأنه على الأمانة دون البيع وهو مستثنى من الإجارة المجهولة بخلاف البيع فهو أصل في نفسه . هذا معنى تنافي الأحكام ، ووجه قول أشهب بجواز اجتماع هذه العقود أنه لما جاز كل عقد على انفراده جاز مجتمعاً . ابن الحاج : من اشترى نصف كرم واشترط على البائع زيادة في الغرس والتزريب لا يجوز لأن المغارسة من ناحية الجمل قارنها بيع فلا يجوز اجتماعهما ، فإن فاتت وجب تصحيحها بالقيمة في نصف الكرم يوم القبض على المبتاع وغراسه له ، وللمبتاع قيمة الغرس في النصف الآخر على البائع قائماً يوم الحكم على حاله اه من البرزلي . القرافي : ويجمعها قولك : جص مشنق ونظمها بعضهم فقال :
عقود منعناها مع البيع ستة
ويجمعها في اللفظ جص مشنقفجعل وصرف والمساقاة شركة
نكاح قراض منع هذا محقق
وزاد أبو الحسن القرض أي السلف ، فلا يجتمع مع البيع ، ويمكن أن يكون استغنى عنه الناظم بدخوله فيما قبله من الشرط الحرام ، وكما لا يجتمع البيع مع واحد من هذه السبع بزيادة القرض ، كذلك لا يجتمع اثنان منها في عقد واحد لافتراق أحكامها كما علمته مما مرّ أيضاً ، وعليه فينبغي أن يقال : ثمانية عقود لا يجتمع اثنان منها في عقد واحد ونظمها ( ح ) فقال :
عقود منعن اثنين منها بعقدة
لكون معانيها معاً تتفرق
فجعل وصرف والمساقاة شركة
نكاح قراض قرض بيع محقق
قال : وقرض يقرأ بغير تنوين ومعاً بمعنى جميعاً . قلت : وكما لا يجتمع الصرف مع واحد مما ذكر كذلك لا يجتمع مع الهبة . البرزلي : وكذا لا يجتمع بيع الخيار وبيع البت ولا بيع السلم وبيع النقد قال :
وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَه
وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَه ( ونجس ) بفتح الجيم أي عين النجاسة كالميتة وجلدها ولو دبغ أو متنجس لا يقبل التطهير كالزيت المتنجس ونحوه من سائر المائعات التي حلتها النجاسة ( صفقته محظورة ) أي ممنوعة على المشهور ، وقيل : بجواز بيعه وهي رواية ابن وهب انظر شارح العمل عند قوله : والغسل بالصابون قد صنعه الخ . وأما المتنجس الذي يقبل التطهير كالثوب المتنجس فيجوز بيعه مع البيان إن كان جديداً مطلقاً كغيره إن أفسده الغسل ، وإن لم يبين فلمشتريه الرد لأنه عيب ، فإن كان غير جديد ولا يفسده الغسل فليس بعيب ، ولكن يجب البيان خشية أن يصلي فيه خصوصاً إن كان بائعه ممن يصلي قال ( ح ) : وانظر أواخر بيوع العلمي فإنه ذكر أن العمل جار على جواز بيع الزيت المتنجس ممن يصلح به القناة أو يستصبح به أو يعمل منه الصابون ، وذلك كله إذا كان المشتري ممن يوثق به ولا يغش ، ونحوه في العلميات حيث قال : والغسل بالصابون الخ . ( ورخصوا في الزبل ) أي فضلات الدواب الغير المأكولات اللحم ورجيع بني آدم ( للضرورة ) أيالانتفاع به ، والماء المضاف بالنجاسات كالزبل في جواز بيعه للسقي به لضرورة الناس إليه قاله في المقرب . قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يكره بيع رجيع بني آدم ولم أسمع منه في الزبل شيئاً ولا أرى به بأساً اه . وفي النوادر عن ابن القاسم : لا بأس بأكل ما زبل به أي برجيع بني آدم . وقال أشهب : أكره بيع رجيع بني آدم إلا من اضطر إليه ، والمبتاع أعذر في شرائه من بائعه . قال ( ح ) : ويتحصل في بيع العذرة أربعة أقوال . المنع لمالك على فهم الأكثر من أن الكراهة على التحريم والكراهة على فهم أبي الحسن وهو ظاهر اللخمي من أن الكراهة على بابها والجواز لابن الماجشون . والفرق بين الاضطرار فيجوز وعدمه فيمنع لأشهب . قال : وأما الزبل ففيه ثلاثة أقوال . قاسه ابن القاسم على العذرة في المنع عند مالك ، وعليه درج ( خ ) في قوله : لا كزبل الخ . وقول ابن القاسم بجوازه ، وقول أشهب المتقدم وأن المشتري أعذر من البائع ، وعلى ما ذكره أبو الحسن وهو ظاهر اللخمي من أن الكراهة على بابها تكون الأقوال في الزبل أربعة أيضاً اه . ببعض اختصار ، وزيادة في الإيضاح ، وعليه فلا يبعد أن يكون الناظم أراد بالزبل ما يشمل العذرة كما قررنا ، وأما بيع زبل المأكول اللحم وهو الأنعام من بقر وإبل وغنم فجائز اتفاقاً في المذهب .
تنبيه : ما تقدم من عدم جواز بيع جلد الميتة ولو دبغ هو المشهور ، وقال ابن وهب : يجوز بيعه بعد الدبغ بشرط البيان ، وعلى المشهور من عدم جواز بيعه فإن وقع واشترى بثمنه غنماً مثلاً فتوالدت وتعذر رده فإنه يتصدق بالثمن فقط نقله ( ح ) . ومن استهلكه قبل الدبغ أو بعده فعليه قيمته . قال ابن ناجي في آخر كتاب الضحايا عند قولها : وإن كان أي الكلب مأذوناً في اتخاذه وقته غرم قيمته ما نصه : يقوم منها أن من قتل أم ولد رجل يغرم قيمتها ، وأن من استهلك لحم أضحية فكذلك ، وكذلك من استهلك زيتاً نجساً أو جلد ميتة أو زرعاً قبل بدو صلاحه اه . وانظر تكميل المنهج أول البيوع .
فصل في بيع الأصولالأرض وما اتصل بها فيشمل الدور والحوانيت والفنادق والجنات .
البَيْعُ في الأُصُولِ جَازَ مُطْلَقَا
إلاَّ بِشَرْطٍ فِي البُيُوعِ مُتَّقَى( البيع ) الذي عقد معاوضة كما مر ( في الأصول ) المذكورة ( جاز مطلقا ) يأتي تفسيره في البيت بعده ( إلا بشرط في البيوع يتقى ) يمنع لكونه ينافي المقصود أو حراماً كما مر . وانظر ما تقدم عند قوله في الضمان : ويسقط الضمان في فساد الخ . وهذا الاستثناء مستغنى عنه بما مر ، ولعله إنما ذكره لئلا يتوهم شمول الإطلاق له .
بِأَضْرُبِ الأَثْمَانِ وَالآجَالِ
مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي المَالِ
( بأضرب الأثمان ) يتعلق بجاز وهو وما بعده تفسير للإطلاق أي : يجوز بيع الأصول بأصول مثلها أو بعين أو بعرض أو طعام أو حيوان عاقل أو غير عاقل بالحلول ( و ) ب ( الآجال ) المعلومة نصاً أو عرفاً كان المؤجل هو المثمن كقول ( خ ) في الإجارة : وبيع دار لتقبض بعد عام أو الثمن كبيعها بعشرة إلى شهر مثلاً . ابن عرفة : فمجهول الأجل فاسد ومعروفه بالشخص واضح ، وبالعرف كاف . روى محمد : لا بأس ببيع أهل السوق على التقاضي وقد عرفوا ذلك بينهم ، ثم قال : وبعيد الأجل ممنوع فيها ، ويجوز بيع السلعة إلى عشر سنين أو عشرين ، وسمع أصبغ ابن القاسم : أكره العشرين ولا أفسخه ولو كان للسبعين لفسخته أنظر ( ح ) أوائل بيوع الآجال . وقوله : وقد عرفوا قدر ذلك بينهم الخ . في البيوع الفاسدة من المدونة عن ابن عمر رضي الله عنه ، أنه كان يبتاع ويشترط على البائع أنه يعطيه الثمن إذا خرجت غلته أو إلى خروج عطائه . ابن عتاب : العطاء كان وقتئذ مأموناً خروجه في وقته المعلوم لا يتخلف في الأغلب . وذكر ابن حبيب في كتابه عن أشهب ، أنه سئل عمن باع رزقه الذي يخرج له سنتين ثم مات فقامالغريم على الورثة في ذلك أيكون ذلك حلالاً ؟ قال : نعم ذلك له عليهم من مال الميت يعطونه قمحاً مثل القمح الذي باعه من رزقه وعلى صفته قال فضل : هذا يدل على أنه إذا قطعه السلطان عنه بعد ما باعه فإن البائع يؤخذ بمثل ذلك عند الأجل الذي هو وقت خروجه اه . نقله البرزلي .
تنبيهات . الأول : العروض مثل الأصول في هذا العموم الذي في النظم بخلاف الطعام ، وبعض الحيوانات كبيع صغير بكبير من جنسه إلى أجل يصير فيه الصغير كبيراً أو يلد فيه الكبير صغيراً .
الثاني : إن تعددت السكك في البلد ولم يبين فإن اتحدت رواجاً قضاه من أيها شاء ، وإن اختلفت قضاه من الغالب إن كان وإلاَّ فسد البيع لعدم البيان وهو قول ( خ ) وجهل بمثمن أو ثمن ، وانظر ما مر عند قوله : وكل ما يصح ملكاً يمهر . فقد نقلنا هناك كلام المتيطية . البرزلي : هذا إذا كانت تختلف اختلافاً كثيراً وإن كان يسيراً جداً جاز لأنه من الغرر اليسير الذي قل أن تخلو منه المبيعات على ما أصله الفقهاء . انظر الورقة الثامنة عشر من أنكحته .
الثالث : لو اختلف البائع والمشتري في قبض الثمن بعد مضي عام ونحوه من يوم البيع فقال المشتري : دفعته لك . وقال البائع : لم تدفعه لي فإن القول للمشتري على المعتمد كما في حاشية الصعيدي و ( ز ) عند قول ( خ ) في العيوب ، ثم قضاه إن أثبت عهدة مؤرخة الخ . خلافاً لابن القاسم في قوله : إن القول قول البائع إلى عشر سنين أو عشرين ، وعليه اقتصر ابن سلمون فإنه ضعيف .
الرابع : ظاهر قول الناظم . بأضرب الأثمان والآجال . أنه لا فرق بين أن يكون الأصل هو المؤجل أو الثمن هو المؤجل ، وهو كذلك كما قررنا ، ولكن إذا كان الأصل هو المؤجل فهو من بيع معين يتأخر قبضه وفيه تفصيل فإن تأخر لما يتغير فيه امتنع وإلاَّ جاز ، فالدار مثلاً يجوز بيعها لمدة لا تتغير فيها غالباً وذلك يختلف باختلاف صحتها وجدتها وعدم ذلك فلا مفهوم لعام في قول ( خ ) : ودار لتقبض بعد عام فالمعتبر في أجل منفعة الربع ما لا يتغير فيه غالباً ، فيجوز فيه العقد والنقد وما لا يؤمن تغيره لطول مدته أو ضعف بنائه جاز فيه العقد لا النقد ، وما غلب على الظن عدم بقائه لمدة لم يجز العقد عليه لتلك المدة قاله ابن عرفة . وكذا الأرض يجوز بيعها لتقبض بعد عشرين سنة كما في ( خ ) أيضاً فاغتفر ذلك فيهما لانتفاء الغرر إذ لا يتغيران في تلك المدة غالباً وإنما جاز ذلك فيهما لغلبة سلامتهما في تلك المدة ، وأما الحيوان فيجوز بيعه واستثناء ركوبه الثلاثة لا جمعة وكره المتوسط ، ويجوز كراء الدابة واستثناء ركوبها شهراً إن لم ينقد كما في ( خ ) ففرق بين البيع والكراء ففي البيع لا يجوز إلا استثناء الثلاثة ، وفي الكراء يجوز استثناء الشهر إن لم ينقد كما ترى . والفرق أن ضمانها في مدة الاستثناء من المشتري بخلافه في الكراء فضمانها من المالك ، وعلى كل حال ففي ذلك بيع ذات المعين أو منفعته يتأخر قبضه ، وأما غير ذلك من السلع فيجوز إلى ثلاثة أيام . قال في السلم الأول من المدونة : وإن شرط قبض السلعة المبيعة بعد اليومين جاز بقرب الأجل ولو شرط في طعام بعينه كيله إلى ثلاثة أيام جاز ، وكذا السلع كلها شرط ذلك البائع أو المبتاع اه . هذا ضابط ما يمتنع فيه بيع معين بشرط تأخير قبضه فقد دعتنيالقريحة إلى تحصيله لأن كلام الفقهاء مشحون به ، وقد تعرض إلى تفصيله ابن عرفة مع ذكر الاختلاف والمعتمد ما تقدم . قال طفي عند قول ( خ ) في الصداق : ووجب تسليمه أن تعين ما نصه ظاهره أن وجوب التسليم حق لله وأن العقد يفسد بالتأخير ، وهذا إنما يأتي إذا وقع العقد بشرط التأخير وإلاَّ فالحق في التعجيل ولا محظور في ذلك لدخوله في ضمانها بالعقد فلها أن تتركه عند الزوج على وجه الأمانة ، ومحل فساده باشتراط التأخير حيث لم يكن مؤجلاً بأجل معلوم يجوز التأخير إليه كبيع دار لتقبض بعد عام الخ . وقال طفي أيضاً قبل بيوع الآجال بعد نقله كلام ابن عرفة ما نصه : ويفهم من منعه تأخير المعين مع الشرط أن من اشترى شيئاً معيناً ولم يقبضه لا محظور فيه وهو كذلك إذا لم يأخذه في دين ففي البيوع الفاسدة منها وإن ابتعت ثوباً بعينه بدينار إلى أجل فتأخر قبض الثوب فلك قبضه والبيع تام اه . فظاهره ولو تأخر أكثر من خمسة عشر يوماً .
قلت : ولذا قالوا يجوز تأخير رأس المال المعين في السلم بلا شرط ولو إلى حلول أجل السلم كما في ( ح ) وغيره . وسيأتي إن شاء الله في فصل السلم . وأما المأخوذ في الدين فلا يجوز التأخير بشرط أو غيره على ظاهر كلامهم الآتي في فصل التصبير ، وسيأتي هناك ما يدل على جواز التأخير بلا شرط في المأخوذ عن الدين أيضاً فانظره هناك وفي البيوع الفاسدة أيضاً ، ولا بأس أن يشتري زرعاً قد استحصد كل قفيز بكذا نقدته الثمن أم لا . وإن تأخر جذاذه إلى خمسة عشر يوماً ، وكذا في قسم الصوف على ظهر الغنم اه . باختصار ، وبعض زيادة للإيضاح ، ثم اذا هلك المشترط تأخيره في المدة الجائزة فضمانه من المشتري وفي غيرها من البائع لأنه بيع فاسد فلا ينتقل ضمانه إلا بالقبض .
الخامس : إذا وقع العقد بثمن إلى أجل في وثيقة بيع أو سلف ونحوه وبعد انقضاء الأجل بمدة طويلة كالثلاثين سنة والأربعين مع قيام الأحكام وحضور رب الدين والمدين قام يطلبه بتلك الوثيقة فقال المدين : قضيتك وباد شهودي ونحو ذلك فهل يصدق المدين ؟ وعليه اقتصر ابن سلمون في أول وثيقة من البيوع ، وفي أنكحة الزياتي عن بعضهم أنه الذي جرى به العمل ، ومثله في الكراس الثاني من بيوع البرزلي عن المازري ، أو لا يصدق ويقضى عليه بدفعه لعموم قوله عليه السلام : ( لا يبطل حق امرىء مسلم وإن قدم ) . وفي أنكحة الزياتي أيضاً عن العبدوسي ونحوه في دعاوى المعيار أن به القضاء والعمل قال ( ت ) : وبه أفتى شيوخنا .
قلت : يجب أن يقيد القول الثاني بقيود أن يكون الدين ثابتاً بإشهاد المدين كما أشرنا في أصل المسألة فإن كان بغير كتاب أصلاً أو بكتاب شهدت بينة بالمداينة على جهة الاتفاق لا بإشهاد المدين إياها ، فإن القول للمدين ولو لم يطل إلا العام والعامين كما مرّ في التنبيه الثالث ، وذكر الامام الخرشي في شرحه عند قوله في الإقرار أو بقرض شكراً على الأرجح ما نصه : فلو أقر أنه كان تسلف من فلان الميت مالاً وقضاه إياه ، فإن كان ما يذكره من ذلك حديثاً لم يطل زمنه لم يقبل قوله ، قضيته إلا أن يقيم بينة بالقضاء ، وإن كان زمن ذلك طويلاً حلف المقر وبرىء اه . القيد الثاني : أن لا يكون رب الدين معلوماً بالحرص على قبض ديونه إذا خلت كما هي عادة كثير من تجار زمننا اليوم ، وإلاَّ فالقول لمدعي القضاء . القيد الثالث : أن لا يكون وقع بين ربهوالمدين شنآن وخصومة وإلا فالقول للمدين أيضاً ففي أنكحة المعيار في من طلق زوجته فماتت وقام وارثها عليه بصداقها فادعى الزوج دفعه أنه لا يقبل قوله إلا أن يثبت أنه كان بينهما شنآن والله أعلم .
السادس : إذا وقع عند المعاملة إلى أجل فتغيرت السكة الجارية وقت العقد لزيادة أو نقصان أو بطلت بالكلية قبل الأجل أو بعده ، فإنه يجب على المشتري أو المتسلف أن يقضيه من تلك السكة ولا يعتد بزيادتها كما لا يغرم نقصانها ( خ ) : وإن بطلت فلوس فالمثل أو عدمت فالقيمة الخ . وقيد الوانوغي عدم غرمه نقصانها أو غرمها من أصلها إذا أبطلت السكة بالكلية بما إذا لم يحصل من المشتري أو المتسلف مطل بعد حلولها ، وإلا بأن حصل منه مطل بعد الحلول فتغيرت في مدة مطله فإنه يغرم لأنه متعد ظالم لقوله عليه الصلاة والسلام : ( مطل الغني ظلم ) . وارتضى تقييده المذكور ابن غازي وغيره ، وبحث فيه البدر القرافي وتبعه الشيخ بناني وغيره بأن المماطل لا يكون أسوأ حالاً من الغاصب ، وقد قال ( خ ) في الغاصب : والمثلى ولو بغلاء بمثله الخ .
قلت : يرد بحثهم بأن المسألة من باب التعدي لا من باب الغصب ، والمتعدي يضمن ما آل الأمر إليه . ألا ترى أن المتعدي على المنفعة يضمن الذات آل الأمر إلى تلفها ، والمطل من ذلك لأنه يماطله لينتفع ويتوسع حتى آل إلى التلف للكل أو البعض ، وقد علمت أنه لا يقاس التعدي على الغصب ولا العكس لاختلاف أحكامهما ، وبحثهم أيضاً بأن تقييد الوانوغي خلاف ظاهر المدونة ، وقد تقرر أن ظاهرها كالنص عندهم الخ . يرد بأن المطلق على إطلاقه ما لم يقم دليل على تقييده ، وقد قام الدليل على تقييدها من مواضع لا تحصى ، ألا ترى أن المماطل تسبب بمطله في إتلاف الثمن أو بعضه على ربه فهو كمانع مدية الذكاة حتى تلف المذكى ، وكالملد يتسبب في غرم الطالب أجرة العون ، وكالولي يؤخر دفع مال اليتيم إليه بعد رشده حتى تلف ، وكالمودع عنده يؤخر دفع الوديعة لربها بعد طلبه إياها فوجب الغرم على المتسبب في ذلك كله ، بل ذكر السيوطي أن ناظر الوقف إذا قبض كراء ربع الوقف وأخر صرفه لأربابه عن وقته المشروط صرفه فيه مع إمكانه حتى تغير النقد بنقص فإنه يضمن النقص في ماله لتعديه ، وهو نص في النازلة جار على مذهبنا لما مر فيمن أخر مال اليتيم ، وكذا لو بور الولي رباع اليتيم حتى دثرت مع إمكانه صيانتها فإنه ضامن لتعديه بعدم فعل ما وجب عليه . وقد نص الإمام مالك وأصحابه على مثل التقييد المذكور في نظير المسألة ففي المسائل الملقوطة . ونقله ( ح ) أواخر العيوب مسلماً ما معناه : ومن عليه طعام ومكنه من ربه مراراً فأبى ربه من قبضه حتى غلا قال مالك : ليس لربه المكيلة وإنما له قيمته يوم امتنع من أخذه ولم يختلف في هذا اه . فهذه وقع المطل فيها من القابض وما نحن فيه وقع فيه المطل من الدافع وهما سواء في المعنى ، فالقيد المذكور سلمه الأكابر ووجهه ظاهر ، ولا سيما على ما مر عن المسائل الملقوطة من عدم الاختلاف في ذلك والتفريق بين مطل الدافع ومطل القابض عملاً باليد لا يصح بحال وبحثهم أيضاً بأن ربه كان له طلبه عند الحاكم وأنه دخل على أن يماطله أو يفلس كله لا يخفى ما فيه لأن المماطل إنما ضمن بسبب تعديه بترك فعل ما وجب عليه من الأداء بعد طلبه ، ومطل الغني ظلم ، ولا يخفى أنه لم يدخل معه علىالمماطلة المؤدية لتلف شيئه ، ولو كان عدم الدفع للحاكم حجة لم يكن لمطل القابض أثر ولم يضمن الولي بتأخير الدفع للرشيد لأنه لم يرفعه والله أعلم .
السابع : إذا وقع عقد المعاملة في وقت يتسامح الناس في اقتضاء الدراهم الناقصة ، وكان القضاء بعد النداء على التعامل بالوازن فقال ابن لب : يجب أن ينظر إلى زمن العقد فإن كانت الدراهم يومئذ ناقصة وكاملة قضى بالكاملة لأن قبضه للناقصة يومئذ إنما هو معروف ولا يقضى به ، وإن كانت كلها يومئذ ناقصة لم يقض عليه إلا بها اه . .
قلت : قوله يتسامح الناس الخ . فيه إشعار بأن الناس كانوا يقبضون الناقص على وجه التسامح والمعروف ، ويفهم منه أنهم إذا كانوا يقبضونه لا على التسامح بل لكونه يروج عندهم ، فالحكم هو ما تقدم في التنبيه الثاني لأنه من تعدد السكك حينئذ والله أعلم .
الثامن : إذا وقع البيع فاسداً لبعد أجله ونحو ذلك وفات المبيع بالقيمة ، فأجرة المقوم على البائع كما نص عليه في أقضية المعيار : ( ممن له تصرف في المال ) متعلق بمقدر بعد قوله : جاز أي عقد المعاوضة في الأصول جاز ولزم ممن له تصرف في المال الخ . وهو الرشيد الذي لا حجر عليه فلا يلزم عقد المعاوضة من غير الرشيد وإن كان عقده جائزاً صحيحاً حيث كان مميزاً ، ولا من الرشيد المحجر عليه كالمفلس ، بل يتوقف لزوم بيعهما وشرائهما على إجازة الولي والغرماء . وهذا الشرط ليس خاصاً ببيع الأصول بل هو عام فيها وفي غيرها ، فإن غفل الولي عن رد تصرف محجوره فله هو رده بعد رشده ، والغلة الحاصلة فيما بين تصرفه ورد فعله للمشتري إن لم يعلم بحجره فإن علم رد الغلة ويرد الغنم مع نسلها والأرض ولو بنيت وله قيمة بنائه وغرسه مقلوعاً لأنه كالغاصب ، وأما المشتري من غير المميز فيرد الغلة مطلقاً علم أو لم يعلم لأن بيعه باطل لم يصح ، ثم محل الرد للمحجور بعد رشده إذا صرف الثمن فيما له غنى عنه ، وأما إن صرف فيما لا غنى له عنه بحيث لو رفع إلى الحاكم لكان يفعله فإنه يمضي بيعه ولا قيام له قاله في الاستغناء . ونقله ( ت ) في اختلاف المتبايعين وهو جار على القاعدة التي ذكرها البرزلي وغيره وهي أن كل من فعل فعلاً لو رفع إلى الحاكم لم يفعل غيره ففعله ماض ونقلها ( ق ) عند قول المتن في الخلع : وجاز من الأب عن المجبرة .
وَجائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى الهَواءُ
لأَنْ يُقَامَ مَعَهُ الْبِنَاءُ
( وجائز أن يشترى الهواء ) بالمد وهو ما بين السماء والأرض ، وأما بالقصر فهو ما تحبه النفس وتهواه . قال ابن مالك في قصيدته في المقصور والممدود : أطعت الهوى فالقلب منكهواء أي : تلطف قلبك ولان حتى صار كالهواء الذي بين السماء والأرض . قسا كصفا قد بان عنه صفاء . ( لأن يقام معه البناء ) أي : يجوز شراء عشرة أذرع مثلاً من هواء فوق سقف بيت موجود لأجل أن يقيم المشتري في ذلك الهواء بناء موصوفاً ، فمع بمعنى ( في ) . وكذا يجوز شراء هواء فوق هواء كشراء عشرة أذرع مثلاً فوق عشرة أذرع يبنيها البائع إذا وصف البناء الأسفل والأعلى في هذه لرغبة صاحب الأعلى في وثاقة بناء الأسفل ، ورغبة صاحب الأسفل في خفة بناء الأعلى ويملك صاحب الأعلى ما فوقه من الهواء في الصورتين ، ولكن لا يبني فيه إلا برضا صاحب الأسفل . وهذا يفيد أن من ملك أرضاً يملك هواءها إلى ما لا نهاية له . ولذا جاز له بيعه ، وكذا يملك باطنها على المعتمد ، إذا تهدم بناء الأسفل فيقضي عليه أو على وارثه أو المشتري منه بإعادته لأنه مضمون كما قال ( خ ) : وهواء فوق هواء إلى قوله وهو مضمون إلا أن يذكر المدة بإجارة تنفسخ بانهدامه .
وَمَا على الجِزَافِ والتَّكْسِيرِ
يُبَاعُ مَفْسُوخٌ لَدَى الجُمْهُورِ
( وما ) مبتدأ ( على الجزاف والتكسير ) أي الكيل يتعلق بقوله : ( يباع مفسوخ ) خبرها ما وهي واقعة على الأصول لأن الفصل معقود لها أي : والأصول التي يباع بعضها على الجزاف وبعضها على التكسير صفقة واحدة مفسوخ بيعها كقوله : أبيعك هذه القطعة من الأرض جزافاً بدرهم على أن تشتري مني القطعة الأخرى كل ذراع أو فدان أو مرجع منها بدرهم أو قال : أبيعك هذه الأرض كل ذراع بدرهم على أن تشتري مني الشجر الفلاني أو الكرم الفلاني بدينار ، ومفهوم الأصول أن غيرها يجوز بيعه على الجزاف والتكسير وهو كذلك على تفصيل ، فيجوز بيع أرض جزافاً مع طعام كيلاً أو وزناً لمجيء كل منهما على الأصل ويمتنع بيع حبه جزافاً مع حب أو أرض كيلاً ، فالصور أربع يمتنع منها ثلاث وهي أرض جزافاً مع أخرى كيلاً وهي منطوق النظم ، أو حب جزافاً مع حب أو أرض كيلاً . وهاتان داخلتان في مفهومه وهما ممنوعتان أيضاً ، وتدخل فيه صورة أخرى وهي أرض جزافاً مع حب كيلاً أو وزناً ، وهي جائزة فقد اشتمل منطوقه على واحدة ، ومفهومه على ثلاث يمتنع منها اثنتان أيضاً ، وتجوز واحدة . وقد استوفاها ( خ ) عاطفاً على الممنوع بقوله : وجزاف حب مع مكيل منه أو أرض مع مكيلة لا مع حب الخ . وحاصلها أنه إذا اجتمع معلوم ومجهول فإن جاء كل واحد منهما على أصله ، فالجواز ، فإن خرجا عن أصلهما أو أحدهما فالمنع كالصور الثلاث ، وعلة المنع فيها الخروج عن الرخصة لأن الأصل في الجزاف المنع فإضافة غيره إليه كما في الصور الثلاث خروج عن المحل الوارد فيه قاله ( تت ) وعلله المازري بأن المكيل معلوم مبلغه والجزاف مظنون ، واجتماع معلوم ومظنون في عقد واحد يصير في المعلوم غرراً لم يكن فيه اه . وأما الصورة الجائزة فليس فيها خروجعن الرخصة لأن الأصل في الأرض الجزاف ، وفي الحب الكيل ، فإذا قال : أبيعك هذه القطعة من الأرض بدرهم على أن تشتري مني هذه الصبرة كل قفيز بكذا جاز والله أعلم . ( لدى الجمهور ) وهو المعمول به كما في ابن سلمون ، وفهم منه أن غير الجمهور من العلماء يقول بجواز ذلك . وتقدم أن الوزن كالكيل فلا يجوز بيع آنية من سمن جزافاً مع أخرى وزناً ، ولا شراء قربة لبن جزافاً بدرهم على وزن زبدها كل رطل بدرهم ، وإنما يشتري الجميع جزافاً أو اللبن كيلاً على حدته والسمن وزناً كذلك قال ( ق ) : انظر مسألة تعم بها البلوى وهي أن المرء يشتري من العطار وزناً معلوماً من شيء ويفضل له درهم فيقول له : أعطني به أبزاراً والأبزار بالدرهم تكون جزافاً ، فهذا جائز إن لم يدخلا على ذلك في أصل العقد اه . .
تنبيه : قال ابن العطار : لا يجوز بيع الأرض على التكسير حتى يعرف طيب الأرض ومتوسطها من رديئها كالذي يشتري صبرة شعير وصبرة قمح كل قفيز بدرهم ولا يعرف كيل كل صبرة ، فإنه لا يحل ذلك كبيع الأرض المختلفة الأثمان على التكسير اه . ونقله ابن سلمون .
قلت : قال في النكت : إنما لم يجز بيع صبرة قمح وصبرة شعير كل قفيز بكذا لما في ذلك من التخاطر بين المتعاقدين لأن المشتري يطمع أن يكون القمح أكثر فيكون أخذه بسعر الشعير ، والبائع يطمع أن يكون الشعير أكثر فيكون باعه بسعر القمح اه . والأرض المختلفة في الجودة والرداء كذلك . هذا وجه ما قاله ابن العطار وهو ظاهر . وقوله : ولا يعرف كيل كل صبرة يعني وقت العقد ، ومفهومه أنه إذا كان كيل كل صبرة محصوراً عنده معروفاً جاز ، وكذا لو باع له بعشرة مثلاً قطعة أرض جزافاً مع أربعة أذرع مثلاً من أخرى بعد كيلها كل ذراع بدرهم لأنهما يعلمان أن الأربعة الأذرع ينوبها من العشرة أربعة ، والباقي وهو ستة للأرض الجزاف فلا جهل فيجوز فيما يظهر ولم أقف عليه منصوصاً والله أعلم .
وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ
لِبَائِعٍ إلاَّ بِشَرْطِ الْمُشْتَرِي( وآبر ) بمعنى مأبور كدافق بمعنى مدفوق وهو صفة لمحذوف أي : وثمر آبر ( من زرع أو من شجر ) وسيأتي للناظم أن التأبير في الزرع هو ظهوره للعيان ، وفي ثمار الشجر عقدها وثبوت ما يثبت منها فمن باع أرضاً فيها زرع أو شجراً فيها ثمر ولم يتعرض للثمار ولا للزرع فما كان من ذلك مؤبراً فذلك كله ( لبائع إلا بشرط المشتري ) إدخاله في البيع لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ) اه . وأبرت في الحديث الكريم بضم الهمزة وتشديد الموحدة ، ولأبي ذر : أبرت بضم الهمزة وتخفيف الموحدة وهو الأكثر قاله القسطلاني ، وإنما جاز للمشتري اشتراطه مع أنه لا يصح بيعه لعدم بدو صلاحه لأنه حينئذ تبع للأصل وليس بمقصود في نفسه ، ولهذا لا بد أن يشترط جميع الثمر أو الزرع ، فإن اشترط بعض ما أبر وترك غيره فسد البيع كما قال :
وَلاَ يَسُوغُ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِهِ
وَإنْ جَرَى فَلا غِنَى عَنْ نَقْضِهِ
( ولا يسوغ ) البيع ( باشتراط بعضه وإن جرى ) أي : وقع اشتراط البيع ( فلا غنى عن نقضه ) وفسخ ذلك البيع من أصله لأنه باشتراط بعضه قصد لبيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، وكذا لا يجوز اشتراطها إذا اشترى الأصل بطعام أو شراب أبرت أم لا ، إلا أن يشترط الجذ مكانه .
تنبيه : إذا أبرّ البعض دون البعض فإن كان المأبور قدر الثلث فدون كان تابعاً للأكثر ويكون الجميع للمبتاع ، وإن كان المأبور الأكثر كان للبائع إلا بشرط المبتاع ، وإن تساويا نظرت فإن كان المأبور على حدة كان للبائع وما لم يؤبر كان للمبتاع ، وإن كان مختلطاً فقيل للبائع وقيل للمبتاع ثالثها للعتبية والموازية أن البيع لا يجوز إلا أن يرضى البائع أن يسلم الجميع للمبتاع . قال ابن العطار : أو يرضى المبتاع أن يترك ذلك للبائع فيصح به البيع . المتيطي : وبهذا القضاء اه .
وَغَيْرُ مَا أُبِّرَ لِلْمُبْتَاعِ
بِنَفْسِ عَقْدِهِ بِلاَ نِزَاعِ
( وغير ما أبر ) من زرع أو ثمر فهو ( للمبتاع بنفس عقده ) على الأصل من غير احتياج إلى شرطه ( بلا نزاع ) بين الفقهاء أخذاً بمفهوم الحديث المتقدم لأنه لما قال فيه : تكون للبائع دل ذلك على أنها تكون للمبتاع إذا لم تؤبر ، واشتراط المبتاع له زيادة تأكيد كما هو ظاهر . قال ابن فتحون : وإذا كان في الشجر ثمرة لم تؤبر أو زرع لم يظهر فلا يجوز للبائع استثناء ذلك كالجنين في بطن أمه وهو للمشتري بمقتضى العقد ، ولا يجوز للمبتاع اشتراطه لئلا تقع له حصة من الثمن ، وقد يمكن أن لا يثبت فيكون من الغرر اه . ونحوه في المتيطية قال ابن عتاب : وفي نوازل سحنون أنه جاز اشتراطه في العقد ، ولم يذكر ابن رشد غيره اه .قلت : وهو ظاهر لأنه إذا كان غير المأبور يجب للمشتري بالعقد فاشتراطه زيادة تأكيد ، وقولهم : اشتراطه يوجب له حصة من الثمن يقال عليه كونه له حصة من الثمن ثابت بانعقاد ضمائرهما عليه ، ولو لم يكن هناك اشتراط إذ البائع يقصد إلى بيع الأرض ببذرها والمشتري كذلك ، فهذا وجه ما لسحنون . واقتصر عليه ابن رشد ولا ينبغي العدول عنه إذ الأحكام إنما تدور على المقاصد ولو خالفت الألفاظ فكيف إذا وافقتها .
وَلاَ يَجُوزُ شَرطهُ لِلْبَائِعِ
وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ فِي الْوَاقِعِ
( ولا يجوز شرطه للبائع ) أي لا يجوز للبائع أن يشترط على المشتري إبقاء غير المأبور من الثمر والزرع لنفسه ( والبيع مفسوخ به ) أي بشرط غير المأبور للبائع ( وفي الواقع ) لأنه استثنى حينئذ في الزرع ما في بطن الأرض ، وذلك لا يجوز كما لا يجوز بيع الحامل واستثناء جنينها ، وأما في الثمر فإنما يتمشى على القول بأن المستثنى مشترى لأنه حينئذ يكون فيه شراء الثمرة قبل بدو صلاحها بل وقبل أبارها لا على القول الآخر من كون المستثنى مبقى . قال الشارح : وهو الأظهر والأول مشكل ، وبالجملة فالشارح استظهر كون المستثنى مبقى وضعف كونه مشترى ، وظاهره في هذه المسألة وفي غيرها وهو الذي يجب اعتماده .
وفي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الإِبَّارُ
والزّرْعُ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ
( وفي الثمار ) يتعلق بالخبر بعده ( عقدها ) مبتدأ خبره ( الأبار و ) الأبار في ( الزرع أن تدركه الأبصار ) . حاصله أن الأبار في النخل تذكيره أي تعليق الذكر على الأنثى ، وفي سائر الأشجار العقد وثبوت ما يثبت منه بعد سقوط ما يسقط وهو المعبر عنه في قول القدماء باللقاح ، وفي الزرع خروجه من الأرض وإدراكه بالأبصار قاله في المفيد وغيره .
كَذَا قَلِيبُ الأَرْضِ لِلمُبْتَاعِ
دُونَ اشْتِرَاط فِي الابْتِيَاعِ
( كذا ) حال من الاستقرار بعده والإشارة لما لم يؤبر ( قليب الأرض ) مبتدأ ( للمبتاع ) خبره ( دون اشتراطه ) يتعلق بالاستقرار أيضاً ( في الابتياع ) يتعلق باشتراطه والتقدير قليب الأرض كائنللمبتاع دون اشتراطه كالثمرة التي لم تؤبر . ابن عات : وإن كان في المبيع أرض مقلوبة فالقليب للمبتاع وإن كان لم يشترطه ولا كلام فيه للبائع قاله حمديس وغيره وبه الفتوى . ونحوه في ابن سلمون ، وعليه فالمراد بالقليب أن تكون الأرض مقلوبة أي محروثة بلا بذر فيبيعها ربها بعد حرثها وقبل بذرها فلا كلام للبائع في أن القليب لم يدخل في الابتياع وأنه ينتفع بزراعة قليبه ، ثم يسلم الأرض لمشتريها حيث لم يشترط ذلك في العقد فإن اشترطه كان له شرطه لأنه يجوز بيع الأرض على أن تقبض بعد عشر سنين فدون كما مر ، ويحتمل أن يكون المراد بالقليب البئر التي تسقى بها الأرض ، والإضافة حينئذ على معنى ( في ) أي فمن باع أرضاً وفيها بئر لم يستثنها ، فإن العقد يتناولها وتكون للمبتاع كتناول الأرض للأشجار والنقل شاهد لكل من الاحتمالين ، لأن الأول نص عليه ابن عات وغيره كما مرّ ، والثاني هو قول ( خ ) وتناولتهما أي تناولت الأرض أي بيعها ما فيها من بناء وغرس وبئر وعين وغير ذلك إلا أن يستثنيه البائع عند العقد ، لكن الحمل الأول يضعف من جهة أنه إذا كان الزرع الغير المأبور للمبتاع فأحرى القليب المذكور لأن غايته أنه صفة للمبيع فهو مفهوم مما قبله بالأخرى بخلاف الحمل الثاني والله أعلم .
والماءُ إنْ كانَ يَزِيدُ وَيَقِلْ
فَبَيْعُهُ لِجَهْلِهِ لَيْسَ يَحِلْ
( والماء إن كان يزيد ) أي يكثر في بعض الأوقات ( ويقل ) في بعضها ( فبيعه ) استقلالاً ( لجهله ليس يحل ) قال ابن سلمون : فإن كان المبيع شرب عين أو حظاً من ماء فتقول : اشتري جميع شرب العين أو البئر أو نصفه أو ربعه ، ثم قال ابن فتحون : وتقول في النص أي في الوثيقة بعد الوقوف على قلة الماء وكثرته والاختبار له في كل وقت وزمان وإحاطة علم المشتري به وإن كان يقل ويكثر ولا يوقف على الحقيقة منه لم يجز بيعه لأنه مجهول اه . ونحوه في نقل الشارح على المتيطية وقال عقبه : هذا مما يشكل عليه بيع شراب مواضع من المرية وغيرها فإنها تقل في السنين الجدبة وتكثر في غيرها والظاهر جواز المعاوضة فيها لارتباطها بما أجرى الله تعالى من العادة فيها ، فالمتعاقدان يعلمان ذلك ويدخلان عليه ، فهذا كالغرر المغتفر في بيع الأصول ، إذ قد لا تكون لها غلة في بعض السنين ، ويحمل البيت والنص على ما إذا جهل المتعاقدان معاً قلته وكثرته ويكون من التلون بحيث لا يأخذه الضبط اه . فقوله : إذ قد لا تكون لها غلة الخ .الصواب حذفه لأن المشترى هو الأصول لا الغلة قاله ابن رحال قال : وما استظهره الشارح من جواز المعاوضة فيه هو المتعين اه .
قلت : ما استظهره الشارح هو عين ما مرّ عن ابن سلمون لأنهم إنما أناطوا منع بيعه بعدم علم حقيقته بحيث يقل في أيام الشتاء ويكثر في بعضها يوماً بيوم وشهراً بشهر ، وكذا هو حكمه وعادته في سائر السنة ولا تضبط قلته ولا كثرته فيهما فمثل هذا هو الذي لا تعلم حقيقته ، وأما إن علمت بالاختبار وعلم المشتري بقلته في بعض الأوقات كالصيف وكثرته في بعضها كالشتاء والربيع على ما هو المعتاد فلا منع إذ ذاك إذ لا يجهله المتعاقدان ، وكذا قلّته في السنين الجدبة وكثرته في غيرها لا يخفى على أحدهما لأن المياه في السنين الجدبة ربما يبست بالكلية فضلاً عن قلتها ، والسنون الجدبة بالنسبة لغيرها نادرة فلا حكم لها ، وحينئذ فلا محل للإشكال ولا للاستظهار لأنه استظهار في محل النص والله أعلم . ابن سلمون : إثر ما مرّ ولا يجوز بيع الأنهار العامة إلا أن يصرف منها شيء ويملك بالإسداد فيجوز بيعه .
وَشَرْطُ إبْقَاءِ المَبِيعِ بِالثَّمَنْ
رَهْناً سِوَى الأَصُولِ بِالمَنْعِ اقْتَرَنْ ( وشرط إبقاء المبيع ) المصدران مضافان لمفعوليهما ( في الثمن ) يتعلق بقوله ( رهناً ) بمعنى مرهون مفعول ثان بإبقاء ( سوى الأصول ) حال من المبيع ( بالمنع ) يتعلق بقوله ( اقترن ) والجملة خبر شرط والتقدير ؛ وشرط البائع أن يبقي بضم الياء المبيع مرهوناً في الثمن بيده أو بيد أمين حال كون المبيع غير الأصول اقترن بالمنع ، وظاهره كان البيع حالاً أو لأجل وليس كذلك ، بل محله إذا كان لأجل لا يجوز استثناء منفعة المبيع إليه على ما مر تفصيله في أول هذا الفصل ، وأما إذا كان حالاً فللبائع أن يحبس سلعته إلى أن يقبض ثمنها ولو لم يشترط ذلك كما قال ( خ ) : وبرىء المشتري للتنازع الخ . فاشتراطه ذلك حينئذ مؤكد ، وإذا هلكت وقت حبسها فيضمنها البائع ضمان الرهان كما قال ( خ ) : وضمن بالعقد إلا المحبوسة للثمن فكالرهن .
وَقِيلَ بالجَوَازِ مَهْمَا اتّفَقَا
في وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا
أصلاً كان أو غيره وهو مستغنى منه لأن الكلام في غير الأصول كما هو موضوعه ، قال ابن سلمون : ولا يجوز للبائع أن يشترط على المشتري أن تبقى الدابة رهناً بيده في الثمن إلىأجله ، وكذلك لا يجوز في سائر الحيوان والعروض والبيع على ذلك مفسوخ روى ذلك ابن وهب عن مالك في الحيوان . وقاله ابن القاسم في العروض . قال ابن رشد : وذلك جائز في الأصول كلها لأنه يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل قال : فإن وضعت هذه الأشياء التي لا يجوز ارتهانها عند بيعها على يد عدل كان ذلك جائزاً ، وقيل : إنه لا يجوز أن يبيع الرجل شيئاً من الأشياء على أن يكون رهناً بحقه إلى أجل وإن وضع ذلك بيد عدل ، وهو قول أصبغ . ورواه عن أشهب وسماع سحنون اه .
قلت : قد علمت مما مرّ في أول الفصل أن إبقاء المبيع رهناً في الثمن لأجله هو من بيع معين يتأخر قبضه وتقدم هناك تحصيله وعليه فيفصل في الأجل ، فإن كان يتغير المبيع إليه غالباً كما لو زاد على الشهر في الحيوان وعلى ثلاثة أيام في العروض وعلى العشر سنين في الأرض ونحوها ، فيمنع ذلك ويفسخ معه البيع وهو مراد الناظم وغيره ههنا وإن كان المبيع لا يتغير إلى ذلك الأجل غالباً كما لو قصر الأجل عن تلك الحدود جاز إبقائه رهناً إذ لا غرر في ذلك ، وإذا تقرر هذا فظاهر رواية ابن وهب في الحيوان ، وقول ابن القاسم في العروض أن ذلك لا يجوز يعني للأجل الذي يتغيران إليه كان بيد عدل أو عند البائع وهو المعتمد لأنه غرر ، وقول ابن رشد يجوز ذلك إن وضعت تحت يد عدل لا يجري على ما تقدم لأن الأجل الذي يتغير إليه المبيع لا يجوز على الراجح ، ولو وضع بيد عدل ، ولا يحمل كلامه على الأجل الجائز لأن الجائز يجوز اشتراطه ولو بقي بيد البائع . وقوله في الأصول لأنه يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل الخ . يعني الأجل الذي لا تتغير إليه كالعشر ، والكلام إنما هو فيما يتغير إليه كالعشرين ، وحينئذ فكان على الناظم أن لا يتبعه في الوضع عند أمين وأن لا يستثني الأصول ، وأن يقتصر على صريح القول الآخر في كلام ابن سلمون من أن ذلك لا يجوز في الأصول وغيرها لأن النكرة في سياق النفي تعم ، ولأن الأجل في كلامهم محمول على ما يتغير المبيع إليه غالباً وذلك يختلف باختلاف المبيع فلو قال :
وشرط إبقاء المبيع مرتهن
لأجل بعطب فيه فامنعن
لوفى بما مر .
وَجَائزٌ في الدَّارِ أنْ يُسْتَثْنَى
سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى
( وجائز في الدار ) أن تباع إلى أجل بل ولو نقداً ونقد بالفعل كما في ( ق ) عن سماع يحيى( ان يستثنى ) بضم الياء مبنياً للمفعول ( سكنى بها ) مدة لا تتغير فيها غالباً ( كسنة أو أدنى ) أو أكثر كسنتين وقيل غير ذلك . قال في ضيح : والخلاف خلاف في حال فإن كانت المدة لا تتغير فيها غالباً جاز انتهى . ونحوه في ( ق ) عن المدونة فالتحديد بالسنة في النظم و ( خ ) غير معتمد كما مرّ في أول الفصل . ابن سلمون : فإن التزم المشتري أن لا يبيعها حتى ينصف البائع من الثمن ، ومتى فعل ذلك فقد حل عليه الثمن فلا يجوز ذلك إلا أن يكون طوعاً بعد العقد ، ثم قال : فإن اختلفا فقال البائع : وقع طوعاً . وقال المشتري : بل شرطاً في العقد فالقول قول مدعي الشرط إن كان يدعي الفساد لأنه العرف اه .
تنبيه : فإن انهدمت الدار فضمانها في مدة الاستثناء الجائز من المشتري ولا رجوع للبائع على المبتاع بما اشترطه من السكنى في قول ابن القاسم إلا أن يبيعها المبتاع في أثناء المدة الجائزة فلا يخرج منها البائع حتى يستوفي مدته . وأما إن تهدمت في استثناء المدة الغير الجائزة فضمانها من البائع إلا أن تنهدم بعد أن قبضها المشتري ، ولو قبل انقضاء مدة الاستثناء فضمانها منه لأنه بيع فاسد يضمن بالقبض . ولما قدم في قوله : وآبر من زرع أو من شجر . حكم من اشترى أرضاً فيها زرع في عقد واحد أو شجر فيها ثمر ، كذلك أشار هنا إلى ما إذا اشترى الأرض وحدها ثم اشترى زرعها أو الشجر وحدها ثم ثمرها فقال :
وَمُشْتَرِي الأصْلِ شِرَاؤُهُ الثَّمرْ
قَبْلَ الصَّلاح جائِزٌ فيما اشْتَهَرْ
( ومشتري الأصل ) ووجد فيه ثمر مؤبر لم يشترطه وبقي لبائعه ( شراؤه ) ذلك ( الثمر ) المؤبر بعد ذلك ( قبل ) بدو ( الصلاح ) فيها ( جائز ) مطلقاً قرب ما بين العقد على الأصل والثمار أم لا . ( فيما اشتهر ) من أقوال ثلاثة . ثانيها : المنع مطلقاً . ثالثها : يجوز إذا قرب ما بين العقدين كالعشرين يوماً لا فيما بعد .
والزَّرْعُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الشَّجَرِ
ولا رُجُوعَ إنْ تُصِبْ لِلْمُشْتَرِي
( فالزرع ) المؤبر الذي لم يشترطه المبتاع عند شراء أرضه يجري ( في ) جواز شرائه منه بعد ( ذلك مثل ) ما جرى في شراء ثمر ( الشجر ) بعد شرائها وحدها من جريان الأقوال المذكورة ( خ ) : وصح بيع ثمر ونحوه بدا صلاحه وقبله مع أصله أو ألحق به الخ . فقوله : مع أصله هو ما تقدمللناظم في قوله : إلا بشرط المشتري . وقوله : أو ألحق به هو ما ذكره الناظم ههنا ، فكل منهما تكلم على الصورتين رحمهما الله ، ووجهه في الأولى أنهما تبع للأصل ، وفي الثانية أن اللاحق للعقد كالواقع فيه ، وفهم منهما أنه لو اشترى الزرع أو الثمر قبل بدوه أولاً ثم اشترى الأرض والشجر لم يجز وهو كذلك ، وإذا أجيحت الثمرة المشتراة مع الأصل أو التي ألحقت به فلا قيام له بالجائحة كما قال : ( ولا رجوع أن تصب ) بضم التاء وفتح الصاد مبنياً للمفعول ونائبه ضمير الثمر ومتعلقه محذوف أي بالجائحة ( للمشتري ) خبر لا وعلل عدم الرجوع بالجائحة فيها لأنها تبع للأصل ، وما كان تبعاً لا جائحة فيه . وفي طرر ابن عات عن ابن محرز أن الجائحة لم تسقط هنا عن البائع لأجل أن الثمرة تبع للمبيع ، وقول من قال ذلك فاسد ويدل على ذلك أنه لو اشترى ثمرة ومعها عروض كثيرة فكانت الثمرة تبعاً لجميع الصفقة لكانت فيها الجائحة ، وإنما سقطت الجائحة هنا لانقطاع السقي عن البائع ، ويدل على ذلك أن الثمرة لو بيعت وحدها وقد استغنت عن السقي لم يكن فيها جائحة اه .
وَبَيْعُ مِلْكٍ غَابَ جَازَ بِالصِّفَهْ
أَوْ رُؤْيَةٍ تَقَدَمَتْ أَوْ مَعْرِفَهْ
( وبيع ملك ) بكسر الميم وضمها الشيء المملوك عقاراً كان أو غيره إلا أنه لا يستعمل بالضم إلا في مواضع الكثرة وسعة السلطان يقال لفلان ملك عظيم أي مملوك كبير قاله أبو البقاء في إعراب القرآن ( غاب ) عن مجلس العقد أو البلد كما هو ظاهره ولم يبعد جداً كخراسان من إفريقية ( جاز ) بيعه على اللزوم ( بالصفة ) الكاشفة لأحواله ككونه إن كان أرضاً قريباً من الماء أو بعيداً ، وكون أرضه مستوية أو معلقة ذات حجارة أو دونها قريبة من العمارة أو بعيدة عنها وإن أذرعها ، كذا وأن مساحة الدار إن كان داراً كذا وكذا ذراعاً وأن طولها كذا وعرضها كذا ، وطول بيتها القبلي كذا وعرضه كذا وعلوه كذا ، وبناؤها بالحجارة أو الآجر أو طابية وأن لون الحيوان إن كان حيواناً كذا وسنه كذا ، وهكذا حتى يأتي على جميع الأوصاف التي تختلف بها الأغراض في السلم لأن بيع الغائب مقيس على السلم ، وسواء كان الوصف من غير البائع أو من البائع كما هو ظاهره أيضاً ، لكن لا يجوز النقد فيه بوصف البائع ربعاً كان أو غيره . ( أو ) ب ( رؤية تقدمت ) قبل عقد البيع بحيث لا يتغير بعدها ولم يبعد جداً كما في ( ز ) . ( أو معرفة ) من عطف العام على الخاص وكأنه أراد بالرؤية مرة أو مرتين وبالمعرفة ما هو أكثر ، فإن كان يتغيربعدها قطعاً أو شكاً أو بعدت مسافته جداً كخراسان من إفريقية لم يجز بيعه باللزوم استناداً للرؤية السابقة . نعم يجوز بيعه على خياره بالرؤية .
واعلم أن بيع الغائب لا يخلو من ثلاثة أوجه : إما أن يكون على الخيار بالرؤية أو على الصفة باللزوم أو على رؤية سابقة ، فالقسم الأول لم يتعرض له الناظم لأنه على خيار المشتري فالبيع لازم للبائع منحل من جهة المشتري فله أن يرجع قبل الرؤية وبعدها كما في النقل قاله ( ز ) ولا يشترط فيه وصف ولا رؤية سابقة ولا عدم البعد جداً . وأما القسم الثاني ، وهو ما بيع على الصفة باللزوم فيشترط فيه عدم البعد جداً كما مر ولا يشترط فيه الغيبة عن البلد ، بل عن المجلس فقط على المعتمد كان حاضراً بالبلد أو على مسافة عشرة أيام أو على أكثر مما لم يبعد جداً ، وسواء وصفه للبائع أو غيره كما مرّ . نعم إذا كان حاضراً مجلس العقد فلا بد من رؤيته ولا تكفي فيه الصفة إلا إذا كان في فتحه مشقة كعدل البرنامج الذي يشق فتحه وشده أو فساد كقلل الخل المطينة . وأما القسم الثالث ، وهو ما بيع على رؤية سابقة فيشترط أن لا يتغير من وقت الرؤية لوقت العقد وأن لا يبعد جداً كما مر ويظهر لي أن عدم التغير بعدها يغني عن البعد جداً لأنه يلزم من البعد جداً تغيره تحقيقاً أو شكاً فتأمله . ولا يشترط فيه غيبته عن المجلس ، بل يجوز ولو حاضراً بالمجلس ، وبهذا تعلم أن الناظم أخل بقيد عدم البعد جداً في القسمين الأخيرين معاً على ما فيه ويقيد عدم التغير في الرؤية السابقة .
وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي المَشْهُورِ
وَمُشتَرٍ يَضْمَنُ لِلْجُمْهُورِ
( وجاز شرط النقد في ) العقار المبيع على اللزوم برؤية سابقة أو بوصف غير البائع وإن بعد لا جداً ، وأما بوصف البائع فلا يجوز النقد فيه ولو تطوعاً على ( المشهور ) خلافاً لأشهب في منعه اشتراط النقد فيه مع البعد لا جداً ، وسواء على المشهور بيع العقار جزافاً أو مذارعة لأن المقصود من الذرع في العقار إنما هو وصفه وتحديده كما مرّ قاله طفي ، وكذا لا يجوز شرط النقد في المبيع غائباً غير العقار إن قرب كاليومين كما في ( خ ) .( تنبيهان . الأول ) : إذا اجتمع البيع بوصف أو برؤية سابقة مع الخيار بالرؤية فالحكم للخيار بالرؤية .
الثاني : ضمان المبيع غير العقار من البائع في الأقسام الثلاثة حتى يقبضه المشتري ، فإذا هلك قبل القبض في البيع على رؤية سابقة فضمانه من بائعه ، وإذا تغير وتنازعا فقال البائع : هذه الصفة التي هو عليها الآن أي وقت القبض هي الصفة التي كان عليها وقت رؤيتك إياه ، وقال المشتري : بل تغير عن الصفة التي كان عليها وقت الرؤية فالقول للبائع ، وأما العقار فضمانه من المشتري كما قال :
( ومشتر ) عقاراً غائباً برؤية سابقة أو بوصف ( يضمن ) ما هلك منه قبل قبضه حيث تحقق أن العقد أدركه سالماً ( للجمهور ) وهو ما حكاه الناس عن مالك أولاً وأنه كان يقول الضمان من المشتري إلا أن يشترطه على البائع ، ثم رجع إلى العكس وأنه من البائع إلا أن يشترطه على المشتري ، وفي ( ق ) لم يختلف قول مالك في الرباع والدور والأرضين والعقار أن ضمانها من المبتاع من يوم العقد وإن بعدت ، وقولي حيث تحقق أن العقد أدركه سالماً أي بإقرارهما أو بقيام البينة احترازاً مما إذا تنازعا فقال المشتري : أدركته الصفقة معيباً . وقال البائع : بل سالماً ، فإن القول للمشتري في المبيع على صفة وللبائع في المبيع على رؤية سابقة كما مرّ . فإن قلت : ما الفرق بينهما ؟ قلت : قال في ضيح : الفرق بينهما أن البيع في مسألة الرؤية معلق على بقاء صفة المبيع الذي رآه عليها والأصل بقاؤها ، فمن ادعى الانتقال منهما فهو مدع وهو المشتري بخلاف البيع على الصفة ، فإن الأصل عدم وجود تلك الصفة وهو الموافق لقول المشتري .
والأَجْنَبِيُّ جَائزٌ مِنْهُ الشَرَا
مَلتزِمَ العُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى
( والأجنبي جائز منه الشرا ) ء لغيره حال كونه ( ملتزم العهدة فيما يشترى ) قال الشارح ما حاصله : لفظ الشراء محتمل لمعناه المتبادر منه عرفاً ، والمعنى عليه أنه يجوز للرجال أن ينوب عن غيره في شراء دابة ونحوها ويلتزم له عهدةالعيب والاستحقاق ، وأنه إن حصل أحدهما غرم له الثمن ، ويحتمل لأن يكون بمعنى البيع على حد قوله تعالى : وشروه بثمن بخس } ( يوسف : 20 ) أي باعوه ، والمعنى عليه أن الأجنبي يجوز البيع منه حيث اشترى لغيره حالة كونه ملتزم عهدة العيب والاستحقاق فيما يشتريه لذلك الغير ، وأنه إن حصل عيب أو استحقاق غرم له الثمن أيضاً ، وقد علمت منه أن مآل الاحتمالين واحد وأن الأجنبي مشتر على كل حال ، وإنما تغاير الاحتمالان عنده من جهة أن الشراء في كلام الناظم هل هو بمعناه العرفي فيجوز للأجنبي أن يشتري لغيره دابة مثلاً ملتزماً العهدة له ، أو بمعنى البيع فيجوز لشخص أن يبيع من الأجنبي دابة يشتريها لغيره ملتزماً العهدة له أيضاً فجاء الاحتمالان باعتبار متعلق الجواز وذلك باختلاف معنى الشراء في النظم ، وهذا قليل الجدوى والصواب أن يقال : أن كلاًّ من المتعاقدين بائع لما خرج من يده مشتر لما بيد غيره كما تقدم أول الباب ، فالأجنبي حينئذ بائع مشتر فتارة يلتزم العهدة لمن اشترى له وتارة يلتزمها لمن اشترى منه ، فالأجنبي النائب عن غيره إذا اشترى مثلاً دابة من عمرو لخالد بثوب أو دراهم فهو بائع للثوب أو الدراهم مشتر للدابة ، فتارة يلتزم العهدة في الدابة للذي اشترى له وهو خالد ، وتارة يلتزم العهدة في الثوب أو الدراهم للذي اشتراهما منه وهو عمرو ، وسواء حينئذ حملنا الشراء في النظم على معناه العرفي أو على البيع . ولذا بنى الناظم يشترى للمفعول ليشمل ما إذا التزم العهدة فيما يشتريه للغير أو فيما يشتريه الغير منه كما ترى ، وسواء التزم في هذا الثاني العهدة ابتداء أو انتهاء كما إذا لم يعلم المشتري منه بأنه وكيل في البيع عن غيره ، ثم أثبت أنه وكيل فإن المشتري يخير في الرد أو التماسك لأن من حجته أن يقول : إنما اشتريت على أن تكون عهدتي على متولي البيع ، ولا أرضى أن تكون على المنوب عنه لعسره وقلة ذات يده أو لدده ، فإذا رضي الوكيل بأن تكون العهدة عليه سقط الخيار ولزم البيع للمشتري ، وهذا هو المراد بالالتزام انتهاء ، وإنما قلنا ثم أثبت أنه وكيل الخ . احترازاً مما إذا لم يثبت ذلك فإن العهدة لا تنتفي عنه ولا يثبت الخيار لأنه يتهم أن يكون هو المالك ، ولكنه ندم في البيع فادعى أنه نائب فيه عن غيره ، لعل المشتري لا يرضاه ويفسخ البيع فكلام الناظم شامل لهذا كله إلا أنه أطلق الجواز على حقيقته وذلك في الالتزام ابتداء وعلى مجازه وذلك في الالتزام انتهاء لأن الجواز فيه بمعنى اللزوم ، والله أعلم .
تنبيه : التزام الأجنبي للعهدة المذكورة هو من ضمان درك العيب والاستحقاق أي ضمان ما يترتب عليهما وهو جائز كما تقدم أول باب الضمان ، والله تعالى أعلم .
فصل في بيع العروض
جمع عرض وهو في الاصطلاح ما عدا العين والطعام من الأشياء كلها ، والناظم أراد به هنا ما عدا الأمور الخمسة المذكورة في قوله : ما يستجاز بيعه أقسام الخ . ولذا قال : ( من الثياب وسائر السلع ) ، بيان لما قبله :
بَيْعُ العُروضِ بالعُرُوضِ إنْ قُصِدْ
تَعاوُضٌ وَحُكْمُهُ بَعْدُ يَرِدْ
( بيع العروض بالعروض ) مبتدأ ( إن قصد ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه ( تعاوض ) خبر المبتدأ وهذا هو المختار في مثل هذا التركيب كقوله تعالى : وإنا إن شاء الله لمهتدون } ( البقرة : 70 ) ويجوز أن يكون تعاوض خبراً لمبتدأ محذوف جواب الشرط أي : فهو تعاوض ، والجملة من الشرط وجوابه خبر المبتدأ . وعليه اقتصر اليزناسني . ( وحكمه بعد يرد ) وحاصل صوره ثمانية لأن العرض بالعرض إما يداً بيد وإما أن يتأخر أحدهما ، وفي كل إما أن يكونا واحداً بواحد أو بأكثر ، وفي كل إما أن يكونا من جنس واحد أو من جنسين .
فإنْ يَكُنْ مَبيعُهَا يَداً بِيَدْ
فإنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ
( فإن يكن مبيعها ) أي العروض ( يداً بيد ، فإن ذاك جائز ) مع اتحاد الجنس واختلافه والتماثل والتفاضل ( كيف انعقد ) فإن كان واحداً بواحد كثوب هروي بهروي أو مروي بمروي أو واحد بمتعدد كهروي بمرويين فأكثر أو مرويين فأكثر ، وهذه أربع صور ، ومفهوم قوله : يداً بيد صورتان إحداهما أن يكونا مؤجلين معاً وفيهما أربع صور زيادة على الثمان المتقدمة ، ولم يتعرض لها الناظم . وليس فيها إلا المنع لابتداء الدين بالدين ، والثانية أن يعجل أحدهما ويؤجل الآخر وهو ما أشار إليه بقوله :
وَإنْ يَكُنْ مُؤَجَّلاَ وَتَخْتَلِفْ
أجُنَاسُهُ فَما تَفَاضُلُ أُنِفْ
( وإن يكن ) أحد العوضين ( مؤجلاً ) والآخر نقداً أي حالاً فإما أن تتحد أجناسه وسيأتي في البيت بعده : ( و ) إما ( تختلف أجناسه ) كتعجيل ثوب من حرير في ثوب أو ثوبين فأكثرمن صوف ، أو تعجيل هروي في مروي أو مرويين فأكثر ( فما تفاضل أنف ) أي منع كما لا يمنع التماثل بالأحرى إذ لا موجب للمنع مع اختلاف الجنس ، وهاتان صورتان من الأربع الباقية . ثم أشار إلى مفهوم قوله : وتختلف أجناسه وفيه صورتان وبهما تتم الصور الثمان فقال :
وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِلأَمَدْ
مُمْتَنِعٌ فِيهِ تَفاضُلٌ فقدْ
( والجنس ) أي وبيع الجنس ( من ذاك ) المذكور من العروض ( بجنس ) مماثل له ( لأمد ) أي لأجل : ( ممتنع فيه تفاضل فقد ) فحسب أي لا غير كثوب من حرير معجل في ثوبين منه إلى أجل للسلف بمنفعة وعكسه لضمان بجعل ، ومفهوم تفاضل أنه مع التماثل كثوب من صوف معجل في ثوب مثله ، ولم يشترط عليه أجود من المعجل ولا أدنى جائز لأنه محض سلف ، ثم استثنى من منع التفاضل في الجنس الواحد فقال :
إلاّ إذَا تَخْتَلِفُ المنافِعُ
وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبضٍ مَانِعُ
( إلا إذا تختلف المنافع ) كسيف قاطع معجل في اثنين دونه في القطع والجوهرية إلى أجل ، وكجذع من الخشب طويل غليظ معجل في جذع أو جذوع صغار إلى أجل ، وكثوب غليظ من الكتان معجل في ثوب رقيق منه إلى أجل ، أو غزل غليظ في رقيق من جنسه وبالعكس فإن ذلك كله جائز لاختلاف المنفعة لأن اختلافها يصير الجنس الواحد كجنسين ، ولا يدخل في النظم هنا بيع صغير بكبير من جنسه وعكسه إلى أجل ، لأن الكلام في العروض لا في الحيوان ( وما لبيع قبل قبض مانع ) مبتدأ والمجرور قبله خبره ، والمعنى أنه يجوز بيع العروض قبل قبضها كان المعجل فيها عرضاً أيضاً أو دراهم أو حيواناً أو طعاماً من بيع أو سلم بخلاف الطعام ، فإنه لا يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً حيث كان من معاوضة لا من قرض فيجوز نقداً فقط وظاهره أنه يجوز بيع العرض قبل قبضه لمن هو عليه ولغيره نقداً وإلى أجل قبل حلوله وبعده وليس كذلك بل فيه تفصيل ، فإن كان لمن هو عليه فيجوز بعد حلول أجله وقبله بشرط أن يكون الثمن المأخوذ في العرض نقداً وأن يكون مما يصح بيعه بالثمن المعجل في العرض المذكور فإذا عجل دراهم أو حيواناً في ثوب من صوف لأجل مثلاً ، فيجوز أن يأخذ عن الثوب بعد الحلول أو قبله ثوباً من كتان وحرير لا دنانير أو لحماً غير مطبوخ من جنسه لما فيه من الصرف المؤخر فيما إذا كان المعجل دراهم والمأخوذ دنانير وبالعكس ، ولما فيه من بيع اللحم بالحيوان فيما إذا كان المعجل حيواناً والمأخوذ لحماً من جنسه وبالعكس ، وقولي نقداً احترازاً مما إذا كان لأجل فإنه لا يجوز لمافيه من فسخ الدين في الدين حيث كان المأخوذ أكثر مما في الذمة أو من غير الجنس فإن كان مثل ما في الذمة جاز بعد الأجل ولا إشكال لأنه قضاء عما فيها وكذا قبل الأجل حيث كان القضاء في محله أي بلده لا إن كان بغير محله فلا يجوز ، وإن حل لما فيه من سلف جر نفعاً لأن المعجل قبل البلد يعد مسلفاً كالمعجل قبل الأجل فقد انتفع بإسقاط الحمولة عنه . هذا محصل ما أشار له ( خ ) في آخر السلم بقوله : وبغير الجنس إن جاز بيعه الخ . وبقوله قبله وجاز قبل زمانه قبول صفته فقط كقبل محله في العرض . الخ . وهذا كله فيما إذا باعه لمن هو عليه ، وأما إذا باعه لغير من هو عليه فيجوز قبل الأجل وبعده أيضاً بشرط أن يكون الثمن نقداً لا مؤجلاً فيمنع مطلقاً لأنه من بيع الدين بالدين ، وأن يكون من هو عليه حاضراً مقراً وبيع بغير جنسه وليس ذهباً بفضة ولا عكسه ، وليس بين مشتريه وبين من هو عليه عداوة ولا قصد إعانته كما أشار له ( خ ) أيضاً بقوله : ومنع بيع دين ميت وغائب ولو قربت غيبته وحاضر إلا أن يقر الخ .
وَبَيْعُ كُلَ جَائِزٌ بالْمَالِ
عَلَى الْحُلُولِ وَإلى الآجالِ
( وبيع كل ) من العروض ( جائز بالمال ) من الذهب والفضة والحيوان العاقل وغيره ، وأما بيعه بعرض آخر فهو ما قبله ( على الحلول وإلى الآجال ) المعلومة غير البعيدة جداً كالسبعين والستين سنة كما مرّ عند قوله : بأضرب الأثمان والآجال الخ .
وَمَنْ يُقَلِّبْ مَا يُفيتُ شَكْلَهُ
لَمْ يَضْمَنْ إلاّ حَيْثُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ
( ومن يقلب ما ) أي فخاراً أو زجاجاً أو سيفاً أو دابة ونحو ذلك ( يفيت ) بضم الياء مضارع أفات ، وفاعله ضمير التقليب ومعنى الإفاتة الهلاك ( شكله ) مفعوله ( ولم يضمن ) ما سقط من يده حين التقليب فانكسر ، أو ماتت الدابة حين الركوب ( إلا حيث لم يؤذن له ) في التقليب المذكور والركوب ونحو ذلك أما مع الإذن نصاً فلا ضمان عليه فيما سقط من يده ، وإنما يضمن ما سقط عليه لأنه خطأ وهو كالعمد ( خ ) : وضمن بسقوط شيء من يده عليها الخ . وأما مع الإذن حكماً كأن يقلبها وصاحبها ساكت ينظر . فقولان مشهوران مبنيان على أن السكوت هل هو إذن أم لا ؟ أرجحهما أنه ليس بإذن قال في إيضاح المسالك ، قال ابن رشد في كتاب الدعوى : والصلح من البيان لا خلاف أن السكوت ليس برضا لأن الإنسان قد يسكت مع كونه غير راض ، وإنما اختلف في السكوت هل هو إذن أم لا ؟ ورجح كونه ليس بإذن اه . ابن سلمون : ومن أخذ قوساً أو سيفاً أو آنية ليقلبها فانكسر القوس أو السيف عند الرمي بهأو الفخار ، فإن كان ذلك بإذن صاحبه فلا شيء عليه ، وإن كان بغير إذنه فهو ضامن ، وكذلك الدابة . قال أصبغ : وكذلك إن أخذ الفخار وصاحبه يراه وإن لم يأذن له وسقط وانكسر فلا شيء عليه ، وروى عيسى عن ابن القاسم في ذلك أنه ضامن إلا أن يأذن له اه . وما رواه عيسى هو الذي رجحه ابن رشد كما مرّ ، وكذلك يضمن إن سقط من يده عند التقليب بسبب تغريره كأن يرفع القلة الكبيرة من أذن واحدة أو بأصبع واحد فتنكسر ويضمن ما سقطت عليه على كل حال فإن ادعى عليه رب الزجاجة ونحوها حيث أذن له في تقليبها أنه تعمد طرحها أو فرط حتى سقطت فعليه اليمين فإن نكل غرم بمجرد نكوله لأنها يمين تهمة .
وَالبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ يَنْتَقِدْ
في مَوْضَع آخَرَ إنْ حُدَّ الأَمَدْ
( والبيع جائز على ) شرط ( أن ينتقد ) الثمن أو المثمن ( في موضع ) أي بلد ( آخر ) غير بلد العقد ( إن حدّ الأمد ) أي الأجل وإلاَّ لم يجز ، قال في التهذيب : ومن باع سلعة بعين على أن يأخذه ببلد آخر فإن سمى البلد ولم يضرب لذلك أجلاً لم يجز ، وإن ضرب لذلك أجلاً جاز سمى البلد أو لم يسمها ، فإن حل الأجل فله أخذه بالعين أينما لقيه ، وإن باع السلعة بعرض وشرط قبضه ببلد آخر إلى أجل فليس له أخذه به بعد الأجل إلا في البلد المشترط فإن أبى الذي عليه العرض بعد الأجل أن يخرج إلى ذلك البلد أجبر على أن يخرج أو يوكل من يخرج فيوفي صاحبه اه . وحاصله أن الأجل لا بد منه كما قال الناظم : سواء كان البيع بالعين أو بالعرض إلا أن شرط قبض العين ببلد آخر ملغى غير معتبر بخلافه في العرض فإنه معتبر ، وظاهر النظم كان الأجل نصف شهر أو أقل أو أكثر وهو كذلك لأنه سلم فلا بد أن يكون أجله نصف شهر فأكثر ( خ ) : إلا أن يقبض ببلد كيومين إن خرج حينئذ ببر بغير ريح ، فيجوز أقل من نصف شهر بالشروط المذكورة .
تنبيه : ما مر من أنه لم يضربا لذلك أجلاً فسد البيع حكى عليه عياض الاتفاق كما في ابن عرفة ، ثم ذكر عقبه عن اللخمي أنه إذا قال : أشتري منك بالعين لأقضي بموضع كذا لأن لي به مالاً وإنما معي ههنا ما أتوصل به لذلك الموضع أو ليس معي ما أقضي به ههنا إلا داري أو ربعي ولا أحب بيعه لم يجبر على القضاء إلا بالموضع الذي سمى ، ويجوز البيع وإن لم يضربا أجلاً كمن باع على دنانير بأعيانها غائبة ، وإن شرط البائع القبض ببلد معين لاحتياجه فيه لوجه كذا فعجلها المشتري بغيره لم يلزم البائع قبولها لخوفه في وصولها إلى هناك ، وقد اشترط شرطاً جائزاً فيوفي له به اه . ونقله ( ح ) أول بيوع الأجل مستظهراً له قائلاً : فيقيد به قول المتن في القرض كأخذه بغير محله إلا العين اه .قلت : وكذا يقيد به قول الناظم فيما مر وحيث يلغيه بما في الذمة يطلبه الخ . وتأمل قول اللخمي : ويجوز البيع وإن لم يضربا لذلك أجلاً . وقوله بعد : وإن شرط البائع القبض ببلد معين الخ . فالظاهر حمل ذاك على ما إذا كان بصدد الذهاب للبلد المعين عن قرب وأن مسافته معلومة عندهما لئلا يؤدي ذلك للبيع بأجل مجهول فيخالف ما مرّ من الاتفاق والله أعلم .
وَبَيْعُ ما يُجْهَلُ ذَاتاً بالرِّضا
بالثَّمَنِ البَخْسِ أوِ العالي مَضَى
( وبيع ما يجهل ) بالبناء للمجهول ( ذاتاً ) تمييز محول عن الفاعل ( بالرضا ) يتعلق ببيع وكذا ( بالثمن البخس أو الغالي ) وقوله ( مضى ) خبر عن بيع ، والمعنى أن بيع الشيء الذي يجهل المتعاقدان أو أحدهما ذاته أي حقيقته المتضمن ذلك لجهل قيمته ماض لا يرد حيث سمياه أو أحدهما باسمه العام ، سواء بيع ببخس أو غلاء كما لو قال البائع لشخص : أبيعك هذا الحجر ، أو قال المشتري : بع مني هذا الحجر فيشتريه وهو يظنه ياقوتة أو زبرجدة فيجده غير ياقوتة ، أو يبيعه البائع يظن أنه غير ياقوتة أو زبرجدة فإذا هو غير ذلك ، فيلزم المشتري الشراء في الصورة الأولى ، وإن علم البائع حين البيع أنه غير ياقوتة وكذا يلزم البيع للبائع في الثانية ، وإن علم المشتري حين الشراء أنه ياقوتة لأن كلاًّ منهما سماه في القرض المذكور باسمه العام لأن الياقوت يسمى حجراً ، وهذا إذا كان البائع أو المشتري غير وكيل ، وإلاَّ لم يلزم البيع بلا نزاع ، وأما لو سمي بغير اسمه العام بل باسمه الخاص أو بغير اسمه أصلاً كقوله : أبيعك هذه الياقوتة أو أشتري منك هذه الزجاجة فتبين في الأولى أنها غير ياقوتة ، وفي الثانية أنها ياقوتة ، فللمشتري في الأولى القيام وكذا البائع في الثانية كما قال :
وَمَا يُبَاعُ أنه ياقوتَهْ
أوْ أَنَّهُ زُجَاجَةٌ مَنْحوتَهْ
( وما يباع ) على ( أنه ياقوتة أو ) على ( أنه زجاجة منحوته .
وَيَظْهَرُ العَكْسُ بِكُلَ منْهما
جَازَ به قيامُ مِنْ تَظَلَّمَا
ويظهر العكس بكل منهما جاز به ) أي بسببه ( قيام من تظلما ) أي شكا أنه مظلوم ، وأنه لم يعلم بحقيقة ذلك وقت البيع فإن ادعى عليه العلم فعليه اليمين . والفرق أن التسمية بغير اسمه مظنة الجهل به فكان له القيام بخلاف تسميته باسمه العام فإنها مظنة معرفته فلا يقبل دعواه خلافها لأنه خلاف الغالب وكان من حقه أن يتثبت لنفسه ، والفرق بين حقيقة هذا البيع وبين حقيقة الغبن الآتي في فصله : أن المبيع في الغبن معلوم في الحقيقة والاسم لكل منهما ، والجهل متعلق بالقيمة فقط . وهنا الجهل منهما أو من أحدهما تعلق بحقيقته ، ولكن لما عبر عنها باسمهاالعام لم يصدق مدعي الجهل كما مر قال : معناه ( ز ) ثم . يبقى أن يقال ما الفرق بين الغلط والغبن على ما به العمل من وجوب القيام به كما يأتي . فالجواب : أن الفرق إنما يطلب بينهما لو اختلفا في المشهور أما حيث كان المشهور فيهما عدم القيام فلا ، لكن ينبغي حيث جرى العمل بالقيام بالغبن أن يجري العمل بالقيام بالغلط أيضاً إذ كل منهما يتثبت بالسؤال لنفسه عن حقيقة الأمر ، والخلاف موجود في الغبن والغلط كما في ( خ ) وغيره والله أعلم .
تنبيهان . الأول : قال ابن رشد : واختلف فيما إذا أبهم أحدهما لصاحبه بالتسمية ولم يصرح فقال ابن حبيب : إن ذلك يوجب الرد كالصريح ، وحكي عن شريح القاضي أن رجلاً مر برجل معه ثوب مصبوغ بالصبغ الهروي فقال : بكم هذا الهروي ؟ فقال : بكذا فاشترى ، ثم تبين أنه ليس بهروي وإنما صبغ بالصبغ الهروي فأجاز بيعه قال عبد الملك : لأنه إنما باعه هروي الصبغ حتى يقول هروي النسج فعند ذلك يرده .
الثاني : قال مالك : في البزاز يبيع ثوباً فيأمر بعض خدمته يدفعه إلى المبتاع أو يدفعه هو بنفسه ثم يقول بعد انصراف المبتاع : إن الثوب الذي دفع إليك ليس هو المبيع ، بل وقع غلط فيه قال : إن كان أمر بدفعه حلف ورد ثوبه وإن كان هو الذي دفعه فلا قول له إلا أن يكون عليه رقم أكثر مما باع به أو شهادة قوم عرفوا ذلك . انظر ( ح ) عند قول المتن ولم يرد بغلط إن سمي باسم الخ .
فصل في حكم ( بيع الطعامحاصل حكمه أن بيع الطعام بالطعام بالتأخير ممتنع مطلقاً وهو قوله :
البَيْعُ لِلطَّعام بالطَّعَامِ
دون تناجُزٍ مِنَ الْحَرَامِ
( البيع للطعام بالطعام ) حال كونه ( دون تناجز من الحرام ) كيف ما كان متماثلاً أو متفاضلاً ربوياً كقمح بفول أو شعير ، أو غير ربوي كتفاح بمشمش ، أو أحدهما كقمح بمشمش لحرمة ربا النساء فيه مطلقاً ، ومفهوم قوله : دون تناجز أنه إذا كان يداً بيد فإما أن يكون جنساً واحداً أو جنسين ، وفي كل إما مثلاً بمثل أم لا . فالجنس الواحد مثلاً بمثل كمد من قمح بمثله أو بمد من شعير هو قوله :
والبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ
مِثْلاً بِمِثْلٍ مُقْتَضَى يَداً بِيَدْ( والبيع ) مبتدأ ( للصنف بصنفه ) يتعلقان بقوله ( ورد ) خبر أي ورد جوازه حال كونه ( مثلاً بمثل ) وحال كونه ( مقتضى يداً بيد ) لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : ( البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) ، ومفهوم مثلاً بمثل أنه يمنع التفاضل فيه ، وهو معنى قوله بعد : والجنس بالجنس تفاضلاً منع الخ . لكن محل المنع إن كان مقتاتاً مدخراً وإلا فهو قوله : وغير مقتات ولا مدخر الخ . ومفهوم قوله هنا بصنفه أنه مع اختلاف صنفه يجوز وهو معنى قوله : وفي اختلاف الجنس بالإطلاق الخ . ومعنى الإطلاق فيه سواء كان مثلاً بمثل أم لا . كان مقتاتاً مدخراً أم لا . ربوياً أم لا . وبهذا التقرير ينتفي التداخل والتكرار في كلام الناظم فقوله ههنا : مقتضى يداً بيد هو موضوع هذا البيت والأبيات الثلاثة بعده . أعني قوله : والجنس بالجنس إلى قوله : باتفاق ، وحينئذ فكأنه يقول : فإن لم يكن دون تناجز بل كان مقتضى يداً بيد فإن كان صنفاً بصنفه مثلاً بمثل جاز ، وإن كان ليس مثلاً بمثل امتنع بشرط الاقتيات والادخار ، وإن كان صنفاً بغير صنفه جاز مطلقاً مثلاً بمثل أم لا . مدخراً مقتاتاً أم لا غير أن حقه أن يسقط قوله مع الإنجاز لأنه موضوع الأبيات الأربعة كما ترى كما أن حقه يؤخر عنها قوله :
والبَيْعُ لِلطَّعام قَبْل القَبْضِ
مُمْتَنِعٌ ما لَمْ يَكُنْ عنْ قَرْضِ
( والبيع للطعام ) ربوي كقمح وشعير وزيت ولبن أو غيره كتفاح ورمان ( قبل القبض ) له بكيل أو وزن أو عد حيث اشترى على ذلك أو أخذ في صداق أو خلع أو في صلح عن دم عمداً ، وفي كراء دابة أو في رزق قاض أو جند أو إمام مسجد أو مؤذن أو مدرس ونحو ذلك . فكل ذلك ( ممتنع ) لا يجوز بيعه قبل قبضه بكيل ونحوه لا ممن هو عليه ولا من غيره ، وسواء كان معيناً أو مضموناً في الذمة كطعام السلم لا إن وجب للمرأة في نفقتها أو نفقة أولادها فيجوز لها أن تبيعه قبل أن تقبضه من زوجها بكيل ونحوه ، ولا إن اشترى جزافاً لأنه مقبوض بنفس العقد وليس فيه حق توفية ، ولا إن أخذ عن طعام مستهلك عمداً أو خطأ فيجوز أيضاً ( ما لم يكن )الطعام ترتب ( عن قرض ) وأحرى من هبة أو صدقة فيجوز لمن تسلف طعاماً أن يبيعه قبل أن يقبضه من مقرضه ، ثم لا يبيعه مشتريه حتى يستوفيه لأن ضابط المنع أن يتوالى عقدتا بيع لم يتخللهما قبض ، وكذا يجوز لمن اشترى طعاماً أن يسلفه لغيره قبل أن يقبضه هو من الذي باعه له ولكن لا يبيعه لمتسلفه ولا لغيره إلا بعد قبضه ، وكذا يجوز لمن اشتراه أيضاً أن يقضي به طعاماً في ذمته قبل أن يقبضه من البائع أيضاً ولا يبيعه المقتضي له إلا بعد قبضه لئلا يتوالى عقدتا بيع لا قبض بينهما كما مرّ . وهذه التي قبلها ليستا من البيع قبل القبض بل من السلف قبل القبض أو القضاء قبل القبض وكذا يجوز لمن سلف لغيره طعاماً أن يبيعه قبل قبضه من المتسلف ، فهذه الفروع الأربعة لا يشمل كلام الناظم منها إلا الأولى والرابعة ، وأما الطعام الهبة والصدقة فلا إشكال في جواز بيعهما قبل قبضهما من المواهب والمتصدق ثم لا يبيعه مشتريه إلا بعد قبضه أيضاً ، وحيث جاز البيع قبل القبض فيما ذكر فلا بد من تعجيل الثمن لئلا يؤدي لبيع الدين بالدين وتجوز الإقالة والتولية والشركة في الطعام قبل قبضه لأنها معروف فاغتفر فيها ذلك .
ثم رجع الناظم لإتمام أقسام بيع الطعام مشيراً لمفهوم مثلاً بمثل في البيت الثاني فقال :
والجِنْسُ بالجِنْسِ تَفَاضُلاً مُنِعْ
حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يجْتَمِعْ
( والجنس بالجنس ) أي وبيع الجنس بجنسه أي بصنفه كقمح بشعير لا مثلاً بمثل بل ( تفاضلاً ) كمد قمح بمدين من الشعير ( منع حيث اقتيات ) وهو أن تقوم به البنية أي عنده لا به ( وادخار ) وهو أن يحبس ولا يفسد لمدة حدها بعضهم بستة أشهر فأكثر ( يجتمع ) خبر عن اقتيات وادخار ، وأفرد الضمير باعتبار ما ذكر ، والجملة في محل جر بإضافة حيث إليها وجوابها محذوف للدلالة عليها أي منع بيع الجنس بجنسه متفاضلاً حيث اقتيات وادخار يجتمعان فيه فيمنع .
وغَيْرُ مُقْتَاتٍ ولا مُدَّخَرِ
يجُوزُ مَعْ تَفاضُلٍ كَالْخُضَرِ
( وغير مقتات ولا مدخر ) كمشماش وقثاء أو مقتات غير مدخر كلفت أو مدخر غير مقتات كلوز وجوز ، وأما التين فهو مقتات مدخر على المذهب ولو لم ييبس خلافاً لما في ( خ ) من عدم ربويته ( يجوز ) بيعه ( مع تفاضل ) اتحد الجنس كقنطار من تفاح بقنطارين منه وأحرى لو اختلف ( كالخضر ) من قثاء ونحوها بمشماش .
وفي اخْتِلاَفِ الجِنْسِ بالإِطْلاَقِ
جَازَ مَعَ الإنْجَازِ باتِّفَاقِ
( وفي اختلاف الجنس بالإطلاق ) يتعلقان بقوله : ( جاز مع الإنجاز باتفاق ) أي : وجازالتفاضل في اختلاف الجنس مطلقاً من غير تقييد بربوي ولا غيره بشرط المناجزة لأن المناجزة هي موضوع هذه الأبيات كما مرّ تحصيله في البيت الثاني ، وإنما جاز مع اختلاف الجنس لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم : ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إن كان يداً بيد ) . قال العلماء : لما نص عليه الصلاة والسلام على الأربعة المسماة في الحديث ، أضاف العلماء إليها ما كان في معناها على ما فهموا من خطابه وعللوها بأنها مقتاتة مدخرة للعيش غالباً فنصه ( صلى الله عليه وسلم ) على البر والشعير تنبيه على كل مقتات مدخر كالذرة والدخن والأرز والسمسم والقطاني كلها كالفول والعدس واللوبيا وكرسنة والحمص ، وكل واحد من هذه الأفراد جنس على حدته ما عدا القمح والشعير فهما جنس واحد على المشهور ، وكذلك الأدم كلها كاللحوم والخلول والألبان والزيوت والرب كل واحد جنس على حدته ، وكذا البصل والثوم لهما حكم المقتات المدخر وكل منهما جنس على حدته ، ونصه عليه الصلاة والسلام على التمر تنبيه منه على كل حلاوة مقتاتة مدخرة للعيش غالباً فيلحق به التين والزبيب والعسل والسكر ، وما في معناها . وكل واحد جنس على حدته ونصه عليه الصلاة والسلام على الملح تنبيه على مصلح الطعام المقتات فيلحق به التوابل من فلفل وكزبرة وكراوياء وأنيسون وهو المسمى بحبة الحلاوة عندنا وشمار كسحاب وكمونين ونحوها .
وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بما قَدْ جُهِلاَ
مِنْ جِنْسِهِ تَزَابُنٌ لَنْ يُقْبَلاَ
( وبيع ) شيء ( معلوم ) قدره بكيل أو وزن أو عدد ( بما ) أي شيء ( قد جهلا ) قدره ومبلغه ( من جنسه ) أي من جنس المبيع به ( تزابن ) أي يسمى بذلك ( لن يقبلا ) شرعاً أي لا يجوز ولو كان يداً بيد مأخوذ من الزبن بمعنى المخاطرة أو بمعنى الدفع لأن كلاً من المتعاقدين يخاطر صاحبه أو يدافعه عن مراده ويعتقد أنه الغالب ومنه الزبانية لدفعهم الكفار في النار ، وإذا امتنع بيع المعلوم بالمجهول فأحرى بيع المجهول بالمجهول . وفي صحيح مسلم ، نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن المزابنة وهي بيع العنب بالزبيب كيلاً . المازري : المزابنة عندنا بيع معلوم بمجهول أو مجهول من جنس واحد . ابن عرفة : يبطل عكسه بيع الشيء بما يخرج منه ويكون في الربوي وغيره الخ . فمن المزابنة في الربوي بيع الرطب باليابس كشراء رطب تمر أو تين أو عنب في شجرهبيابس من جنس كل كيلاً لأن الرطب مجهول قدره إذ لا يدري قدره بعد يبسه هل هو قدر كيل التمر اليابس أو التين اليابس أو الزبيب أو أقل أو أكثر ، ومنها أيضاً بيع زرع قائم أو محصود بكيل من البر أو زيتون في شجره بكيل من الزيتون رطباً أو جافاً ، ومنها في غير الربا بيع قنطار من مشماش بصبرة منه غير معلومة الوزن أو بما في رؤوس شجره لأنه وإن جاز فيه التفاضل لكن منع لما فيه من الغرر والمخاطرة والمغالبة ، ولذا إذا كثر أحدهما كثرة بينة بحيث لا يشك أحد أن أحد الجهتين أكثر جاز لانتفاء الغرر والمخاطرة ، ومنها في غير المطعومين بيع قنطار من كتان أو حرير بكتان أو حرير مجهولي الوزن إلا أن يكثر أحدهما كثرة بينة كما مر في الذي قبله ، ومنها أيضاً سلم الشيء فيما يخرج منه كسلم حديد في سيف أو شعر في غزله ولو كانا معلومين وزناً ، وكذا سلم حب في دهنه ولو علما ، وبهذا اعترض ابن عرفة على المازري بأن حده للمزابنة غير جامع إذ لا يشمل بيع الشيء بما يخرج منه مع أنه مزابنة ، وعدم شموله إنما هو من جهة أن بيع الشيء بما يخرج منه لا يتقيد بكونهما مجهولين أو مجهول أحدهما ، بل يمتنع ذلك ، ولو علما كما مر ، ومفهوم قول الناظم من جنسه إنما هو بغير جنسه جائز وهو كذلك فيجوز بيع العنب بيابس التمر صبرة ، وكذا بيع صبرة تفاح بصبرة مشماش مثلاً لكن بشرط المناجزة كما تقدم لامتناع النساء فيهما ، ويجوز أيضاً بيع قنطار من صوف بشيء من الحرير مجهول الوزن بالمناجزة أو التأخير ( خ ) عاطفاً على المنهي عنه : وكمزابنة مجهول بمعلوم أو مجهول من جنسه وجاز إن كثر أحدهما في غير ربوي قال ( م ) : فلو زاد الناظم بعد هذا البيت :
كذاك مجهول بمجهول عدا
إن كثر الفضل فلا منع بدا
وسلم الشيء بشيء يخرج
منه تزابن وذاك المنهج
لوفى بيع مجهول بمجهول أو بما يخرج منه .
قلت : والذي ينبغي التنصيص عليه ههنا هو بيع الشيء بما يخرج منه ، وأما المجهول فقدم ما يفيد عدم جوازه في أول الباب إذ من شرط صحة البيع مطلقاً علم عوضه .
فصل في بيع النقدينأي المسكوك من الذهب والفضة . ( والحلى ) أي المصوغ منها ( وشبهه ) وهو المحلى بأحد النقدين أو بهما .
الصَّرْفُ أَخْذ فِضّةٍ بِذَهَب
أَوْ عَكْسُهُ وَمَا تَفَاضَلَ أُبي
( الصرف أخذ ) أي بيع ( فضة بذهب أو عكسه ) أي أخذ فضة في ذهب ، إنما يحتاج للتنصيص على العكس إذا اعتبر آخذ معين وإلا فهو عين ما قبله ( وما تفاضل أُبي ) بضم الهمزةأي لا يمتنع فيه التفاضل فيجوز أوقية من فضة بأوقيتين من ذهب . وإنما يمتنع فيه التأخير كما سيقوله :
والجِنْسُ بالجِنْس هُوَ الْمُرَاطَلَهْ
بالوَزْنِ أو بالعَدِّ فالْمُبَادَلَهْ
( والجنس بالجنس ) أي بيع الذهب بمثله أو الفضة بمثلها ( هو المراطلة ) إذا كان ذلك ( بالوزن ) ولها صورتان إحداهما أن يجعل رطل ذهب في كفة حتى يعتدلا ، والأخرى أن يجعل أحد الذهبين في كفة والحجر في كفة فإذا عادله نزع ويجعل ذهب الآخر مكانه حتى يعادل الحجر أيضاً ، وهذه الصورة كما لابن رشد أرجح ( خ ) : ومراطلة عين بمثله بصنجة أو كفتين الخ . وسواء كانت الصنجة أو الحجر معلومة القدر أم لا كان الذهب والفضة مسكوكين أو أحدهما أم لا . كان التعامل وزناً أو عدداً ، وإنما يشترط أن لا يدور الفضل من الجانبين كسكة متوسطة في الجودة تراطل بأدنى منها أو أجود . ( أو ) أي وأن بيع الجنس بالجنس ( بالعد ف ) هو ( المبادلة ) وهي جائزة في القليل والكثير إذا اتفق وزن الآحاد وكان التعامل بها عدداً فإن كان التعامل بالوزن لم يجز إلا بالوزن وتعود مراطلة كما في ضيح ، وإن كان أحد العوضين أو بعضه أوزن من العوض الآخر بسدس فأقل والبعض الآخر مساوٍ امتنعت إلا في اليسير وهو ستة فدون على المشهور ( خ ) : وجازت مبادلة القليل المعدود دون سبعة بأوزن منها الخ . وعليه فإذا بادله عشرين بعشرين وعشرة منها أوزن بأن يكون كل دينار أو درهم منها يزيد بسدس فأكثر على مقابله من الجانب الآخر امتنعت ، وإن كان ستة منها فدون يزيد كل واحد منها بسدس فدون على مقابلة جازت بشرط أن يكون التعامل بالعدد كما مر ، وأن تكون بلفظ المبادلة وأن يكون الزائد لمحض المعروف وأن تكون في مسكوك لا في مكسور وتبر ، ولا يشترط اتحاد السكة كما في ( ز ) وأن تكون واحداً بواحد أو اثنين باثنين وهكذا إلى ستة لا واحد باثنين على مذهب مالك لأنه كره إبدال الدينار بأربعة وعشرين قيراطاً ولم يرخص فيه ، وقال ابن القاسم : لا أرى به بأساً . ابن رشد : معناه في القراريط التي تضرب من الذهب كل قيراط من ثلاث جهات فتكون زنة المثقال أي الدينار أربعة وعشرين قيراطاً فيعطى الرجل المثقال ويأخذ أربعة وعشرين قيراطاً فكره ذلك مالك إذ لا يخلو من أن تزيد على المثقال أو تنقص عنه لأن الشيء إذا وزن مجتمعاً ثم فرق زاد أو نقص فقول مالك بكراهة ذلك هو القياس ، لا سيما والصيرفيون يزعمون أن الدراهم إذا وزنت مفترقة ثم جمعت نقصت فيكون صاحب القراريط إنما ترك فضل عدد قراريطه لفضل الدينار الوازن وما يرجوه من زيادة وزنه على وزن قيراطه ، وأجازه ابن القاسم استحساناً على وجه المعروف في الدينار الواحد كما أجازوا مبادلة الدينار الناقص بالوازن على وجه المعروف اه . قال القباب : فحاصله أن في الدنانير بالقراريط غير مراطلة قولين ، وإذا قيل بالجواز في دينار بأربعة وعشرين قيراطاً فبكبير من الدراهم بصغيرين أحرى في الجواز ، وكذا كبير من الدراهم بأربعة قراريط فضة ما لم يتبين أن الدنانير أنقص من القراريط أو بالعكس فتقبح المسألة اه .
وحاصله : أن كلام ابن رشد وتعليله بدوران الفضل يدل على أن محل الخلاف إذا اتحد وزنالدينار والقراريط فمالك منعه لدوران الفضل وابن القاسم أجازه على وجه المعروف ومراده بالفضل الفضل المترقب لا الحاصل كما يدل عليه قوله : وما يرجوه من زيادة وزنه الخ . قاله أبو العباس الملوي في بعض طرره ، وقول القباب ما لم يتبين أن الدينار أنقص الخ . ظاهره ولو كان أنقص بسدس فدون فتمتنع المسألة لأنه اجتمع للمنع علتان دوران الفضل ، وكون الدينار أو القراريط أنقص ولا يلزم اغتفار أحد الأمرين مع اتحاده اغتفاره إذا اجتمع مع غيره ، وهذا الذي فهمه القباب نحوه في نوازل البرزلي قال : اختلف في استصراف الجملة بالأجزاء مثل أن يعطي دينارين فيأخذ نصفين أو درهماً بقيراطين فأجازه ابن القاسم دون وزن كبدل الناقص بالوازن على وجه المعروف وكرهه مالك الخ . ثم قال : بيع الدرهم بقيراطين دون مراطلة جائز وإن احتمل أن يكون بينهما تفاضل في الوزن إذ الغالب التساوي الخ . ثم ذكر في موضع آخر عن ابن عرفة أنه سئل هل يجوز صرف الدينار بالربيعيات من سكة بغير مراطلة اعتماداً على دار السكة ؟ فأجاب بأن فعل ذلك من غير مراطلة اتكالاً على دار الضرب لا يجوز قبل اليوم وأحرى اليوم لظهور فعل الفسقة بالقطع من موزونات دار الضرب ذهباً أو فضة في الأجزاء وغيرها اه . البرزلي : وما ذكره من منع اقتضاء الأجزاء اليوم واضح وأحرى إذا بادل بها من غير مراطلة ، ومسألة ابن القاسم في العتبية هي مع السلامة من النقص اه . بنقل الملوي فقف على قوله ، ومسألة ابن القاسم . . . الخ . فكلام البرزلي هذا موافق لما مر عن القباب ، وأن معنى مسألة ابن القاسم إذا اتفقت الأجزاء مع الدينار في الوزن ، وصريح كلام ( م ) ههنا مع من تبعه وهو ظاهر فتوى الإمام القصار . وكلام غير واحد من شراح ( خ ) أن مسألة ابن القاسم أعم مما إذا تساوى العوضان وزناً أو كان أحدهما أوزن لأن الشراح قالوا : إذا تساوى العوضان وزناً جازت المبادلة في القليل والكثير ولا يشترط فيهما واحد بواحد ولا غير ذلك من الشروط المتقدمة ، وظاهرهم اتفاقاً فلا يعتبر الدوران حينئذ ولا غيره ، وكذا الإمام القصار أطلق في فتواه على ما نقلوه عنه فظاهره العموم وصرح به ( م ) ههنا فقال بعد نقله كلام ابن رشد المتقدم ما نصه : هذا صريح في جواز إبدال الدينار بنصفي دينار أو بأربعة أرباعه وإن لم يتساو العوضان في الوزن ، وعلى هذا اعتمد الإمام أبو عبد الله القصار في فتواه بجواز إبدال ريال كبير بعشرين موزونة . يعني : أو بأكثر حين صغرت الدراهم وذلك في ريال واحد لا في أكثر ، ومأخذه في ذلك ظاهر والله أعلم اه .
فهؤلاء الأئمة فهموا مسألة ابن القاسم على العموم كما ترى ووجهه ظاهر لأنه إذا اغتفر ابن القاسم دوران الفضل على ما قرره ابن رشد ، فكذلك يغتفر النقص المقارن له من أحد الجانبين الذي اتفق هو ومالك على اغتفاره لأنه الموضوع ، إذ اغتفار الدوران معروف عنده ، واغتفار السدس فدون كذلك عند الجميع ، فإذا اغتفر ابن القاسم كلاًّ على الانفراد فكذلك عند الاجتماع والله أعلم ، ويمكن أن يقال معنى قول القباب : ما لم يتبين أن الدينار أنقص الخ . يعني بأكثر من سدس فيوافق حينئذ هؤلاء على أن اللخمي والمازري والجلاب وصاحب التلقين وغير واحد كلهم أطلقوا القول في قدر النقص فلم يحدوه بسدس ولا غيره ، وأجازوا مبادلة الستة فدون بأنقص منها ، وما ذاك والله أعلم ، إلا لكون الزيادة غير منتفع بها ولو كانت أكثر من سدس وخلافهم رحمة والله أعلم ، ويترجح حينئذ حمل مسألة ابن القاسم على العموم وهو ماعليه العامة الآن ولا يستطيع أن يردهم عن ذلك أحد ، وانظر ما وجه المنع في إبدال ريالين مثلاً باثنين وثلاثين درهماً حيث كان صرفه بستة عشر درهماً كما في زمننا هذا مع اتحاد الجانبين في الوزن أو كون أحدهما أزيد بسدس ، والظاهر الجواز مع اتحاد الوزن مطلقاً أو إلى ستة مع زيادة أحد الجانبين بسدس فدون لأن المسألة إنما أجيزت على مذهب ابن القاسم للمعروف وهو لا يختص بالواحد والله أعلم .
وبالجملة فاشتراط لفظ المبادلة إنما هو لكونه دالاً على عدم المماكسة ، وفيه إشعار بقصد المعروف ، ولكن العامة اليوم يعبرون عنها بلفظ الصرف فيقولون : صرِّف لي هذه الدراهم بمثلها أو بريال مثلاً ، والظاهر أنه لا ينقض عقدهم لإخلالهم بالشرط المذكور لأن المدار في العقود على المقاصد والمعاني لا الألفاظ ، وأما الريال بالدراهم الصغار فعلى ما لهؤلاء إن كان الريال يوافق وزن العدد فلا إشكال وإن كان هو أزيد بسدس فدون فكذلك ، وإن كانت الدراهم أي مجموعها أزيد بسدس فكذلك أيضاً ، وإن كان ظاهر المصنف المنع لأنها أزيد من ستة وإن كان كل واحد من أفرد الدراهم يزيد بسدس فيحتمل المنع لأن الدراهم الستة عشر تكون زائدة على الريال بثلاثة دراهم غير ثلث درهم ، وذلك لا تسمح به النفوس غالباً ، ويحتمل الجواز وهو الظاهر لأن الزيادة المذكورة غير منتفع بها كما لا يجوز إبدال ستة ريالات بستة أخرى أو بدراهم مع كون كل واحد من ريال إحدى الجهتين زائداً على مقابله بسدس ، فيجتمع في تلك الأسداس ريال كامل ، وكذلك الدنانير ولو شرعية يجتمع فيها دينار كامل وذلك مما لا تسمح به النفوس ، ولكنك قد علمت أن المدار على كون الزائد لا ينتفع به في التعامل ، وكل ما كان كذلك تسمح به النفس غالباً ، ويحتمل الجواز فتأمل ذلك . ولو شك في أحد الجانبين هل هو أوزن من الآخر بسدس أو أكثر أو مساوٍ ؟ فينظر للغالب فإن غلب التقصيص في الدراهم امتنع وإلاَّ جاز كما تقدم ، ودراهم زمننا اليوم لا تزيد عليه ولا يزيد عليها في الغالب إلا بالشيء التافه .
فرع : وفي المعيار عن التونسي : يجوز مراطلة الدراهم القديمة وهي أكثر فضة بالجديدة قائلاً لأن معطى الجديدة متفضل لا انتفاع له بما في القديمة من زيادة الفضة ، إذ لو سكت القديمة لخسر فيها ويغرم عليها لتصير جديدة قال : ويجوز قضاء الجديدة عن القديمة ، ومن باع قبل قطعها فليس له إلا هي اه باختصار . ونقله ( ح ) قال ( ت ) : وهذه الفتوى مخالفة للمشهور اه .
قلت : وجه مخالفتها دوران الفضل من الجانبين .
والشَّرْطُ في الصَّرْفِ تَناجُزٌ فَقَطْ
وَمَعَهُ المثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ
( والشرط في الصرف ) المذكور أولاً ( تناجز ) فلا يجوز التأخير في القبض للعوضين أو أحدهما مع افتراق ولو قريباً فإن كان التأخير بالمجلس من غير افتراق فيمنع الطويل ويكرهالقريب . قال في المدونة في الذي يصرف ديناراً من الصيرفي فيدخله تابوته ثم يخرج الدراهم : لا يعجبني ، ولكن يتركه حتى يرى الدراهم فيأخذ ويعطي . ( فقط ) أي انته عن الزيادة على اشتراط التناجز في الصرف فلا تشترط فيه المماثلة ، إذ يجوز فيه التفاضل كدرهم بدينارين ( ومعه المثل ) مبتدأ والظرف قبله مع المجرور في قوله ( بثان ) يتعلقان بقوله ( يشترط ) والجملة خبر والباء ظرفية بمعنى ( في ) أي : والمثل يشترط مع التناجز في الثاني وهو بيع الجنس بالجنس فلا يجوز فيه التأخير ولا التفاضل معدودين كانا أو مصوغين أو مختلفين إلا ما تقدم من رخصة المبادلة في ستة فدون بشروطها المتقدمة فوق هذا البيت .
وبَيْعُ مَا حُلِّيَ مِمَّا اتُّخِذَا
بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِنَقْدٍ نفَذا
( وبيع ) مبتدأ ( ما ) شيء ( حلي ) بذهب أو فضة وكان يخرج منه شيء منهما عند سبكه أيحرقه وكان مستمراً بحيث لا ينزع إلا بفساد ( مما اتخذا ) يتعلق بمحذوف حال من ما ( بغير جنسه ) يتعلق ببيع وكذا ( بنقد ) وقوله ( نفذا ) خبر المبتدأ وهو بالبناء للمفعول مع تشديد الفاء ، ويجوز بناؤه للفاعل مع تخفيف الفاء والتقدير : وبيع شيء محلى حال كونه مما يجوز اتخاذه كالمصحف مطلقاً والسيف للرجال والثوب للمرأة بغير جنسه بمعجل نافذ جائز كانت الحلية تابعة أو متبوعة ولا يشترط أن يكون الجميع ديناراً أو يجتمعا فيه للضرورة فرخص فيه لذلك ، واحترزت بقولي : وكان يخرج منه الخ . مما إذا كان لا يخرج منه شيء عند الحرق فإنه لا يعتبر حينئذ من الذهب والفضة ويباع بمؤجل ومعجل بصنفه وبغيره وبقولي : مسمراً الخ . مما لو كان غير مسمر كقلادة مثلاً أو لا فساد في نزعه فإنه لا يباع بجنسه ولا بغيره إلا على حكم اجتماع البيع والصرف . نعم بالعرض يجوز وبقوله : مما اتخذا الخ . مما إذا لم يجز اتخاذه كدواة محلاة أو سرج ونحوهما ، فإنه لا يجوز بصنفه ولا بغيره بل بعرض إلا أن يقل عن صرف دينار كاجتماع البيع والصرف أيضاً ، وبقوله : بغير جنسه يعني كالمحلى بالذهب يباع بالفضة وبالعكس احترازاً مما لو بيع بجنس غير الحلية التي فيه كبيع المحلى بذهب أو المحلى بفضة ، فإنه لا يجوز لما فيه من بيع ذهب وعرض بذهب أو فضة وعرض بفضة وهو الربا المعنوي المشار له بقوله . ( خ ) : كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما هذا كله مع تحقق التماثل فكيف به مع الشك فيه كما هنا لأن الحلية لا يتأتى معرفة قدرها إلا بالتحري كما يأتي ، اللهم إلا إذا كانت الحلية الثلث فدون لأنها حينئذ تبع ، وهل يعتبر الثلث بالقيمة أو بالوزن ؟ خلاف فإن كان وزن الحلية عشرين ولصياغتها تساوي ثلاثين ، وقيمة النصل أربعون فالمجتمع سبعون ، فإذا نسبت قيمة الحلية وهي ثلاثون للسبعين كانت أكثر من الثلث فلا يجوز على الأول وجاز على الثاني لأنه يعتبر الوزن ووزنها عشرون وهي ثلث ، ثم إن الوزن على القول به يعتبر بالتحري فإن لم يكن تحريه لعدم وجود من هو أهل صنعته فتعتبر القيمة حينئذ اتفاقاً ، واحترز بقوله : بنقد أي بمعجل مما لو بيع بمؤجل ، فإنه لا يجوز بصنفه ولا بغيره لما فيه من ربا النساء . نعم يجوز بعرض وإلى المسألة بشروطها أشار ( خ ) بقوله : وجاز محلى وإن كان ثوباً يخرج منه عين إن سبك بأحد النقدين إن أبيحت وسمرت وعجل بغير صنفه مطلقاً وبصنفه إن كانت الثلث فأقل وهل بالقيمة أو بالوزن ؟ خلاف .وكُلُّ ما الْفِضّةُ فيهِ والذَّهبْ
فبالعُرُوضِ البَيْعُ في ذَاكَ وجَبْ
( وكل ما ) أي محلى ( الفضة فيه والذهب فبالعروض البيع فيه قد وجب ) نقداً أو إلى أجل ، ولا يجوز بذهب ولا فضة ولو نقداً لما يلزم عليه من الربا المعنوي ، لأنه حينئذ بيع ذهب وفضة وعرض بذهب أو بيع فضة وعرض وذهب بفضة ، اللهم إلا أن يكون مجموعهما تبعاً لقيمة المحلى ، فيجوز حينئذ بيعه بأحدهما لا بهما معاً ، ومحل جوازه بأحدهما مع التبعية إذا توفرت الشروط الثلاثة التي هي الإباحة والتسمير والتعجيل ( خ ) : وإن حلي بهما لم يجز بأحدهما إلا أن تبعا الجوهر .
فصل في بيع الثمار وما يلحق بهامن المقاثي والخضر وذي النور كالورد ونحوه .
بَيْعُ الثِّمَار والمَقاثي والْخُضَرْ
بَدْوُ الصَّلاَحِ فِيهِ شَرْطٌ مُعْتَبَرْ
( بيع الثمار ) من عنب أو تمر أو تفاح أو مشمش ( والمقاثي ) كالبطيخ والفقوس ( والخضر ) كاللفت والجزر والبصل والفجل ( بدو ) أي ظهور ( الصلاح ) ( خ ) : وهو الزهو وظهور الحلاوة والتهيؤ للنضج ، وفي ذي النور بانفتاحه والبقول بإطعامها ( فيه ) أي في جواز بيع جميع ما ذكر ( شرط معتبر ) لا بد منه ( خ ) : وصح بيع ثمر ونحوه بدا صلاحه إن لم يستتر ولا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه كما قال :
وحَيْثُ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُها امْتَنَعْ
مَا لَمْ يَكُنْ بالشَّرْطِ لِلْقَطْعِ وَقَعْ
( وحيث لم يبد صلاحها امتنع ) بيعها ، وأما بدوه في بعض جنس ولو في نخلة واحدة أو دالية أو اسوداد عنقود أو حبات منه ، فذلك كاف في ذلك الجنس كله وفي مجاوره إن لم تكن باكورة . ( خ ) : وبدوه في بعض حائط كاف في جنسه إن لم تبكر الخ . ويدخل في الثمار الحبوب كالقمح ونحوه . وبدو الصلاح فيها اليبس فإن بيع قبله فلا يجوز إلا أن يكون البيع فيه وقع بعد الإفراك على أن يتركه حتى ييبس أو يكون ذلك لعرف فيه فيمضي بقبضه كما قال ( خ ) : ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه ، وأما إن لم يشترط تركه ولا كان العرف ذلك فالبيع فيه جائزوإن تركه مشتريه حتى ييبس قاله ابن رشد ، ( ما لم يكن ) البيع للذي لم يبد صلاحه ( بالشرط للقطع وقع ) فإنه يجوز بشروط ثلاثة . أن ينتفع به في الحين كالحصرم والفول الأخضر والفريك ، وأن يضطر أي يحتاج المتبايعان أو أحدهما لبيعه كذلك ، وأن لا يقع من غير أهل محله أو أكثرهم التوافق على بيعه للقطع قبل بدوه أو يعتادون ذلك ، فان اختل شرط من هذه الثلاثة لم يجز لما في ذلك من الفساد وإضاعة المال فتحصل مما هنا ومما مرّ أن الثمرة يجوز بيعها قبل بدو صلاحها في ثلاثة مواضع . أحدها : إذا بيعت مفردة على شرط القطع كما هنا . ثانيها وثالثها : أن تباع مع أصلها أو تلحق به كما مرّ في قوله :
ومشتري الأصل شراؤه الثمر
قبل الصلاح جائز فيما اشتهر
( خ ) : وصح بيعه قبل الصلاح مع أصله أو ألحق به أو على قطعه إن نفع واضطر له ولم يتمالأ عليه لا على التبقية أو الإطلاق .
وَخِلْفَةُ القَصيل ملْكُهُ حَرِي
لِبَائِعٍ إلاّ بِشَرْطِ المُشْتَرِي
( وخلفة القصيل ملكه حري ) أي حقيق ( البائع ) فإذا بيع القصيل ونحوه مما يجز ويخلف كالقرط والقضب فخلفته مملوكة للبائع ، وإنما يملك المشتري الجزة الأولى ( إلا بشرط المشتري ) عند العقد أنه يشتري القصيل بخلفته فتكون له الخلفة حينئذ ، ثم إنه يشترط في جواز شراء القصيل شرطان : أحدهما : أن يبلغ حد الانتفاع به ، وثانيهما : أن لا يشترط تركه إلى أن يحبب لأنه حينئذ بيع للحب قبل وجوده ، فإذا وجد الشرطان وبيع بخلفته فيشترط في جواز اشتراطها ثلاثة شروط . أن تكون مأمونة كأرض سقي بغير مطر ، وأن يشترطها كلها لا بعضها ، وأن لا يشترط ترك الخلفة إلى أن تجب أيضاً للعلة المتقدمة ، وكذا تشترط هذه الثلاثة فيما إذا اشترى الخلفة بعد شراء القصيل ، لكن إنما يجوز له شراؤها بشروطها المذكورة قبل جز القصيل لا بعده لأنه حينئذ غرر غير تابع ، فإن اختل شرط من شرطي القصيل فسد العقد وفسخ إلا أن يفوت ففيه القيمة ، وكذا إن اختل شرط من شروط الخلفة ، وكلام ( ز ) فيه خلل والله أعلم . والقضب بفتح القاف وسكون الضاد ما يقضب أي يقطع مرة بعد مرة ، والقرط بضم الطاء العشب الذي تأكله الدواب ، ثم إن أرض المغرب ملحقة عندهم بأرض السقي ، وعليه فإذا كان القصيل في فصل الشتاء بلغ حد الانتفاع به فيجوز بيعه مع خلفته التي يخلفها قبل فصل الصيف لأنهم جعلوا أرض المغرب مما يجوز كراؤها بشرط النقد كما يأتي في الإجارة إن شاء الله .وَلا يَجُوزُ في الثِّمَار الأجَلُ
إلاّ بِما إثْمارُه مُتَّصِلُ ( ولا يجوز في ) بيع ( الثمار ) التي تطعم بطوناً كالمقاثي والياسمين ( الأجل ) كأن يبيعه ما تطعمه المقاثي أو الياسمين شهراً لاختلاف حملها قلة وكثرة كما في المدونة ، بل إنما يجوز شراؤها على الإطلاق ، ويكون المشتري جميع بطونها ولو لم يشترطها ( إلا بما ) أي إلا في الشجر الذي ( إثماره متصل ) لا ينقطع في سائر السنة كالموز فلا بد فيه من ضرب الأجل لاستمرار إطعامه وعدم تمييز بطونه ( خ ) : وللمشتري بطون كياسمين ومقثاة ، ولا يجوز بكشهر ووجب ضرب الأجل إن استمر كالموز .
وَغَائِبٌ في الأرْضِ لا يُبَاعُ
إلاّ إذَا يَحْصُلُ الانْتِفَاعُ
( وغائب في الأرض ) كاللفت والجزر والفجل والبصل والثوم ( لا يباع إلا إذا ) بدا صلاحه وبدوه كما للباجي أن يستقل ورقه ويتم و ( يحصل الانتفاع ) به ولم يكن في قلعه فساد ، وهذا فيه نوع تكرار مع ما قدمه أول الفصل .
وَجَائِزٌ في ذَاكَ أنْ يُسْتُثْنَى
أكْثَرُ مِنْ نِصْفٍ لَهُ أَوْ أَدْنَى
( وجائز في ذاك ) المبيع المتقدم من التمر والمقاثي والخضر ( أن يستثنى ) البائع منه ( أكثر من نصف له ) أي لنفسه ( أو أدنى ) من نصف كربع وثلث ، وهذا في استثناء الشائع بدليل قوله :
وَدُونَ ثُلْثِ إنْ يَكُنْ ما اسْتُثْنِي
بِعَدَدٍ أوْ كَيْلٍ أَوْ بِوَزْنِ
( ودون ) صوابه وقدر كما في ( خ ) الخ . ( ثلث إن يكن ما ) أي القدر الذي ( استثني ) معيناً محصوراً بدليل قوله : ( بعدد ) كأن يبيعه بستان الجوز ويستثني منه عشرة آلاف جوزة أو يبيعه مقثاة ويستثني منها مائة بطيخة ( أو ) محصوراً ب ( كيل ) كبيعه فدان زرع قائم بعد يبسه ويستثني منه وسقاً ( أو بوزن ) كبيعه ثمر حائطه ويستثني منه قنطاراً أو نحوه ، فإن حزر أن عشرة آلاف من الجوز هي قدر ثلث البستان فدون ، والمائة بطيخة قدر ثلث المقتاة فدون ، والوسق قدر ثلث زرع الفدان فدون جاز الاستثناء المذكور وإلاَّ امتنع لكثرة الغرر ، إذ لا يدري المشتري ما يبقى له بعد دفعه المستثنى فتحصل من النظم أن القدر الشائع يجوز استثناؤه مطلقاً وأن القدر المعين المحصور بعدد ونحوه يجوز استثناؤه إذا كان قدر ثلث فدون وإلى المسألتين أشار ( خ ) عاطفاً على الجائز بقولهوبيع صبرة وثمرة واستثناء قدر ثلث الخ . ثم قال : وجزء مطلقاً .
تنبيه : إذا كانت الثمرة أنواعاً واستثنى من نوع منها أكثر من ثلثه إلا أنه ثلث الجميع فأقل فاختلف فيه قول مالك ، وأخذ ابن القاسم وأشهب بالمنع نقله ( ز ) قال : ومثل الاستثناء في العقد إذا أراد لما ذكر بعد العقد قبل قبض الثمن أو بعده وقبل التفرق الخ . أي فإنه يجوز إذا كان العدد أو الوزن المشترى قدر الثلث فدون لأن اللاحق للعقد كالواقع فيه انظره .
وَإنْ يَكُنْ لِثَمَراتٍ عَيَّنا
فَمُطْلَقاً يَسُوغُ مَا تَعَيَّنَا
( وإن يكن ) البائع ( لشجرات عينا ) أي استثنى ثمر شجرات بأعيانها ( فمطلقاً يسوغ ) استثناء ( ما تعينا ) من الشجرات كهذه النخلة وهذه كان قدر الثلث أو أكثر لأن المبيع هو ما سواه وهو معين أيضاً ، فهذه ثلاث مسائل : استثناء الجزء الشائع كربع ونحوه ، واستثناء القدر المحصور بعدد أو كيل أو وزن ، واستثناء نخلات بأعيانها ، وبقيت مسألة رابعة لم يذكرها الناظم وهي : أن يبيعه أصل حائطه مع ثمرته أو ثمرته فقط على أن للبائع ثمر خمس نخلات أو سبع ونحوها يختارها منه ، فيجوز بشرط أن تكون ثمرتها قدر الثلث فدون ( خ ) : إلا البائع يستثنى خمساً من جنابه أي فيجوز إلا أنه لا مفهوم للخمس في كلامه ، بل المدار على كون ثمرة ما يختاره ثلثاً فدون كما في المتيطية وغيرها .
وفي عَصيرِ الكَرَمِ يُشْرَى بالذَّهَبْ
أوْ فِضَّةٍ أخْذُ الطَّعَامِ يُجْتَنَبْ
( وفي عصير الكرم ) أو غيره من الأطعمة والأشربة ما عدا الماء ( يشرى ) أي يباع ( بالذهب أو فضة ) أو عرض ( أخذ الطعام ) كقمح أو تفاح أو غيرهما ( يجتنب ) لما فيه من اقتضاء الطعام عن ثمن الطعام وهو ممنوع للتهمة على بيع الطعام بالطعام نسيئة فلا مفهوم لعصير الكرم . قال في المدونة : لا يجوز لمن باع طعاماً أن يقبض فيه طعاماً من صنفه أو من غير صنفه إلا أن يأخذ منه ما باعه صفة وقدراً إن محمولة فمحمولة وإن سمراء فسمراء وهي إقالة اه . وسواء أخذ ذلك قبل الأجل أو بعده . ابن عرفة في بيوع الآجال : ضابطة جعل المقتضى ثمناً للمبيع ، ولذا امتنع أخذه عن كراء أرض بعين أو عرض ، وكذا أخذ اللحم عن ثمن الحيوان من جنسه وعكسه اه . وكذا لو أخذ الدراهم عن الذهب الذي هو ثمن الثوب وعكسه ، أو أخذ ثوب القطن عن غزله إذا كان بعد مدة يمكن أن ينسج فيها لأنهما يتهمان على بيع الشيء بما يخرج منه وهو مزابنة كما مر .تنبيه : قال فيها أيضاً : وإن أحلت على ثمن طعام لك من له عليك مثل الثمن من بيع أو من قرض لم يجز للمحال به أن يأخذه له من الطعام إلا ما كان يجوز لك أن تأخذه من غريمك اه .
تنبيه آخر : قال البرزلي : كان شيخنا يعني ابن عرفة يجيز لمن عليه طعام أن يرسل من يشتري طعاماً بمال الطالب ثم يتقاضاه منه الطالب قال : وظاهره ولو كان من ناحيته وسببه ولعله خففه مراعاة لمن يجيز أن يقتضي من ثمن الطعام طعاماً وهو قول خارج المذهب والله أعلم . ونقله العلمي في نوازله وفي البرزلي أيضاً سئل المازري عمن اضطرته الحاجة إلى اقتضاء الطعام من ثمن الطعام ؟ فأجاب بأنه لا يجوز ثم قال في آخر كلامه : ولكن إن لم يقدر على خلاص الثمن إلا بالطعام فيفعلانه على وجه سائغ يأخذ الطعام ويوكل به من يبيعه على ملك ربه فينفذه للحاضر ويقضي البائع ويفعله بإشهاد من غير تحيل على إظهار ما يجوز وإبطال ما لا يجوز .
قلت : مثله يقع اليوم عندنا يعطي الزرع للبادية فلا يجد ما يأخذه فيعطيه الحيوان والسؤال كالسؤال والجواب كالجواب اه . ونقله الملوي في مسائل التصيير .
فصل في الجائحة في ذلكأي في الثمار وما ألحق بها .
وكُلُّ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ
جَائْحَةٌ مِثْلُ الرِّياح المُرْسَلَه
( وكل ما ) أي شيء ( لا يستطاع الدفع له ) والاحتراز منه إذا أصاب الثمر فأتلف ثلثها فأكثر فهو ( جائحة ) لها وذلك ( مثل الرياح المرسله ) تسقط الثمرة بها والثلج والبرد والمطر الغالب والعفن والجراد والدود والطير والفأر والنار وغاصب وسارق .
وَالجَيْشُ مَعْدُودٌ مِع الجَوائِحِ
كَفِتْنَةٍ وكالعَدُوِّ الكاشِحِ
( والجيش ) يمر بالنخل ليأخذ ثمرته ( معدود من الجوائح ) لأنه لا يستطاع دفعه ( كفتنة ) تقع في البلد فينجلي عنه أهله أو يقل وارده بسببها فلا يجد مشتري الثمرة من يبيعها له كمن اكترى فندقاً أو حماماً فانجلى أهل البلد عنه أو قل وارده ولم يجد من يسكنه فلا كراء علية انظر شرحالشامل . ( وكالعدو الكاشح ) يمنع مشتري الثمرة من الوصول إليها حتى سقطت الثمرة وتلفت ، والكاشح المضمر للعداوة ولبعضهم في نظم الجوائح ما نصه :
جوائح أشجار الثمار كثيرة
وعدتها ست وعشر فهاكها
فقحط وثلج ثم غيث وبردها
وعفن وريح والجراد وفارها
ودود وطير غاصب ثم سارق
وغرق وجيش والمحارب نارها والمحارب داخل في العدو ، والكاشح وقد ذكر ( خ ) منها أموراً زائدة على هذا فانظر ولا بد ومحل كون السارق والجيش جائحة ما لم يعرف السارق أو واحد من الجيش وإلا اتبع السارق بقيمة ما سرق ولو معدماً ولا يكون جائحة ، وكذا الواحد من الجيش يتبع بالجميع لأنهم كالحملاء عن بعضهم بعضاً ما لم يكن ذلك الواحد معدماً غير مرجو يسره عن قرب ، فالأظهر أنه جائحة قاله ابن عرفة .
فإنْ يَكُنْ مِنْ عَطَشٍ ما اتَّفَقَا
فالوَضْعُ لِلثَّمن فِيهِ مُطْلَقَا
( وإن يكن من عطش ما اتفقا ) أي وإن يكن ما وقع من الجائحة حصل من العطش ( فالوضع للثمن فيه مطلقا ) بلغ الثلث أو لا . كأن المجاح ثمرة أو ما ألحق بها من بقول ونحوه لأنه لما كان سقي الثمرة على البائع أشبه ما فيه حق توفية قاله في ضيح .
وإنْ تَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرْ
ما بَلَغَ الثُّلْثَ فَأَعْلَى المُعْتَبرْ
( وإن تكن ) الجائحة ( من غيره ) أي العطش ( ففي الثمر ) والفول الأخضر والفريك ونحوها لا يوضع منها إلا ( ما بلغ الثلث ) من مكيله ( فأعلى ) لأن ثلث المكيلة فأكثر هو ( المعتبر ) عندهم في وضعها مما ذكر ( خ ) وتوضع جائحة الثمار إلى قوله : إن بلغت ثلث المكيلة الخ . أي : ولا توضع فيما نقص عن ثلث المكيلة ولو كانت قيمته ثلثاً فأكثر كما لو أجيح سدس الثمرة الذي طاب أو لا . وقيمته لغلائه عشرة وقيمة ما بقي لرخصه بتأخيره في الطيب عشرون لم توضع على المشهور .
وَفي البُقولِ الوَضْعُ في الكَثِيرِ
وَفي الَّذِي قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ
( وفي البقول ) وهي التي يؤكل ما خرج منها فوق الأرض دون الداخل فيها وذلك كالكرنب والخس والهندبا ونحو ذلك ( الوضع في ) المجاح ( الكثير ) الذي بلغ الثلث فأكثر ( وفي الذي قل ) عن الثلث كالسدس ونحوه ( على المشهور ) وإنما وضعت في البقول مطلقاً لأن غالبها من العطش وحمل ما أجيح منها بغيره عليه .وَألْحَقُوا نَوْعَ المَقَاثي بالثَّمَرْ
هِنَا وَمَا كالْيَاسَمِين والجَزَرْ
( وألحقوا نوع المقاثي ) وهي التي تطعم بطناً بعد بطن كبطيخ وفقوس وقرع وباذنجان ونحوها ( بالثمر هنا ) فلا توضع الجائحة فيها إلا إذا بلغت الثلث ( و ) ألحقوا بها أيضاً ( ما ) كان ( كالياسمين ) والورد من كل ما يجنى ويبقى أصله ( و ) ألحقوا بها أيضاً مغيب الأصل كالبصل ( والجزر ) واللفت ونحوها . وهذا القول من أن مغيب الأصل كالجزر واللفت والفجل ملحق بالثمار . قال في المتيطية : هو الذي القضاء ومقابله أنها كالبقول وهو المشهور ومذهب الدونة ، قال فيها : وأما جائحة البقول والسلق والبصل والجزر والفجل والكراث وغيرها فيوضع قليل ما أجيح منه وكثيره اه . وعليه اقتصر ( خ ) إذ قال : وتوضع جائحة الثمار وإن قلت كالبقول والزعفران والريحان والقرط وورق التوت ومغيب الأصل كالجزر الخ . فتحصل أن المقاثي وهي ما تطعم بطناً بعد بطن ملحقة بالثمار وأن مغيب الأصل كالبصل والكراث والجزر فيه قولان . وأن الجائحة توضع من العطش مطلقاً وإن كانت من غيره ففي الثمار والمقاثي لا يرجع بها إلا إذا بلغت الثلث ، وفي البقول وهي التي يؤكل ما خرج منها فوق الأرض يرجع بها مطلقاً .
والقَصَبُ الحُلْوُ بِهِ قوْلانِ
كَوَرَقِ التُّوتِ هُما سِيَّانِ
( والقصب الحلو به ) أي فيه ( قولان ) مذهب المدونة ، وعليه اقتصر ( خ ) أنه لا جائحة فيه لأنه إنما يباع بعد بدو صلاحه بظهور الحلاوة فيه فهو بمنزلة ما تناهى طيبه وما أجيح بعد تناهي الطيب لا جائحة فيه كما يأتي . وقال ابن القاسم : توضع الجائحة في القصب الحلو . ابن يونس : وهو القياس ، وصحح في الشامل أنه كالبقول إذ قال : وتوضع من بقول وقصب سكر أو غيره ، وإن قلت على الأصح وثالثها كالثمار اه . وانظر ما مراده بقوله : أو غيره لأن غير القصب الحلو هو القصب الفارسي وهو لا جائحة فيه لأنه خشب ( كورق التوت ) التشبيه في القولين ( هما ) أي القولان ( سيان ) في القصب الحلو وورق التوت من غير ترجيح ، وقد علمت أن المشهور منهما في القصب الحلو عدم الجائحة وأن المشهور منهما في ورق التوت هو الجائحة كما مر عن ( خ ) .
تنبيه : موت دود الحرير هو من جائحة ورقة كمن اكترى حماماً فلم يجد من يسكنه كمامرّ ، ولما كانت الجائحة إنما توضع إذا حصلت قبل انتهاء الطيب كما قال ( خ ) إن تناهت الثمرة فلا جائحة الخ . نبه الناظم على ذلك فقال :
وَكُلُّهَا البَائِعُ ضَامِنٌ لها
إنْ كانَ ما أُجِيحَ قَبْلَ الانْتِهَا
( و ) الثمار ( كلها البائع ضامن لها وإن كان ما أجيح قبل الانتها ) ، فمفهومه إنه إذا أجيحت بعده فلا ضمان عليه وظاهره كظاهر ( خ ) أنها بانتهاء الطيب تخرج من ضمان البائع وإن لم يمض من الزمان ما يمكن قطعها فيه وهو أحد أقوال ثلاثة . والثاني حتى يمضي ذلك ، والثالث حتى يمضي ذلك ويمضي ما يجري العرف بالتأخير إليه ، وأشار إلى هذا الخلاف ابن عرفة بقوله : ففي كون ضمان الثمرة من مبتاعها بتناهي طيبها وإن لم يمض ما يمكنه فيه جذها أو بمضيها ثالثها بمضي ذلك وما يجري العرف بالتأخير إليه اه . وهذا القول هو المعتمد وعليه اقتصر اللخمي فقال : وكذلك العنب إن أجيح قبل أن تستكمل عسيلته كان ضمانه من البائع ، وإن استكملها وكان بقاؤه ليأخذه على قدر حاجته لئلا يفسد عليه إن قطعه دفعة واحدة كان على البائع أيضاً إن كانت العادة بقاءه لمثل ذلك ، وإن كانت العادة جذه حينئذ جميعاً فأخره ليأخذه على قدر حاجته كان من المشتري اه . وعليه فإذا أخرها بعد انتهاء طيبها ومضى ما يمكن جذها فيه لجريان عرف الناس بالتأخير لبقاء النضارة والرطوبة فيأخذها بقدر حاجته ، فالجائحة فيها وهي رواية سحنون وهو المذهب كما يفيده ( خ ) وغيره ، ويفيده كلام المتيطي في نهايته لقوله : إذا أجيحت بعد انتهاء طيبها وإمكان جذاذها بمضي مدة يمكنه جذها فيها قبل بلوغ الحد ، الذي يعرف من التراخي في جذها فتجب الجائحة على قول مالك بالجائحة في البقول اه . وأما إن كان تأخيره لشغل عرض له أو لسوق يرجو إنفاقها فلا جائحة كما في ( خ ) والبرزلي وغيرهما ، فمفهوم الناظم فيه تفصيل بين أن تجتاح بعد انتهاء الطيب وبعد مضي ما جرت العادة بالتأخير إليه فلا ضمان على البائع وبين أن تجتاح قبل مضي ما جرت العادة بالتأخير إليه فالضمان منه ، وأما منطوقه فمسلم لأن ما أجيح قبل انتهاء الطيب ضمانه من البائع اتفاقاً ، ثم اعلم أن الثمار على قسمين : ما شأنه أن ييبس ويدخر ويحبس أوله على آخره كالتمر والعنب والزيتون والجوز واللوز ، فهذا إذا أجيح منه ثلث المكيلة فأكثر وضع على المشتري بنسبة ذلك فإن أجيح الثلث وضع عنه ثلث الثمن أو النصف فنصف الثمن وهكذا ، ولا يلتفت هنا إلى القيمة اتفاقاً وإنأجيح أقل من الثلث فلا يوضع عنه شيء . الثاني : ما لا يحبس أوله على آخره كالمقاثي والورد والياسمين والتفاح والرمان والخوخ والتين والعنب في بعض البلدان ونحو ذلك مما تختلف أسواقه في أول مجناه ووسطه وآخره فإن كان الذاهب ثلث المكيلة أو وزنه أو عدده فإنه ينسب في ذلك قيمة ما أجيح إلى قيمة ما بقي سليماً وتعتبر قيمة المجاح في زمنه وقيمة غيره في زمنه أيضاً ، فإذا أجيح بطن من مقثاة اشتريت بتسعة مثلاً فإنه يحفظ عدده ، ثم إذا جنى بطنين وانقطعت فإنه يحفظ عددهما أيضاً وينظر حينئذ إلى البطن المجاح من البطنين السالمين ، فإن كان المجاح ثلث عدد بطون المقثاة أو ثلث وزنها إن كانت تباع وزناً فيقال حينئذ : ما قيمة البطن المجاح يوم الجائحة وما قيمة الثاني والثالث يوم جذاذهما ؟ فإذا قيل قيمة الأول يوم الجائحة ثلاثة لغلائه في وقته ، وقيمة الثاني في زمنه اثنان لرخصه عن الأول ، وقيمة الثالث في زمنه أيضاً واحد فإنه يرجع عليه بنصف التسعة ، وكذا إن كانت قيمة الثلث المجاح خمسة أسداس القيمة فإنه يرجع عليه بخمسة أسداس الثمن . وهكذا . وأما إن كان المجاح أقل من الثلث فإنه لا يوضع شيء هذا حكم ما له بطون ، وكذا النوع الواحد الذي لا يحبس أوله على آخره كالعنب ونحوه في بعض البلدان لأنه قد تكون عادتهم جارية باستعجال بيع ما طاب منه وأن كل ما طاب منه شيء أتى به للسوق فيكون حكمه كذوي البطون .
تنبيهان . الأول : قال في النهاية : فإن ادعى البائع أن المبتاع كان جذ قبل الجائحة كثيراً من الثمرة لو أضيف إلى ما بقي بعد الجائحة لم يبلغ المجاح منها الثلث فهنا يقال للمبتاع : أثبت أن ما أدركته الجائحة في الثمرة ووقف الشهود عليه هو جميع ما ابتعته منها فإن قدر على ذلك دون مدفع للبائع فيه حكم له بالجائحة وإن عجز عن إثبات ما ادعاه من أنه لم يجذ من الثمرة شيئاً أو جذ منها شيئاً يسيراً حلف له البائع ولا تحط له الجائحة وله قلب اليمين عليه اه . وعن ابن الحاج أن أرباب المعرفة يتحروا التحقيق فيما جنى المبتاع قبل ويقولون في شهادتهم أن الذي أذهبت الجائحة ثلث ثمر الجنة المبيعة مع ما أكل المبتاع قبل الجائحة ، فإذا شهدوا هكذا وجب الحكم بالجائحة وإن قصروا في تخمين ما أكله المبتاع . وإنما شهدوا أن الجائحة في ثلث ما بقي فهي شهادة ناقصة والواجب أن يحلف البائع أن الجائحة أقل من ثلث الباقي مع ما جنى المبتاع وتسقط الجائحة ، فإن نكل حلف المبتاع أنها في الثلث وحكم بها ولو أجيحت الجنة كلها فاختلفا ، فالبائع يدعي أن المبتاع جنى منها والمبتاع ينفي ذلك أو يدعي قليلاً ، فإن القول للمبتاع في ذلك . ولو اختلف المقومون هل المجاح الثلث أو أقل فيحتمل أن يقضي بأعدل البينتين أو يحكم ببينة الثلث لإيجابها حكماً ، وهو الأظهر إلا أن يقال ينظر للأعدل مراعاة لمن يقول لا جائحة ، ولأن الشهادة في عين واحدة كالشهادة على قدم الضرر وحدوثه اه . وذكر ابن فتحون أن تقدير جائحة الثمرة يكون بوجهين . أحدهما : تقديرهم ما تحمل هذه الثمرة على التوسط من حملها في السنين فيقال وهو كذا . والثاني : تقديرهم أن هذا الذي عاينوه مجاحاً ساقطاً في أصول الثمرة أو فاسداً في رؤوسها هو الثلث الذي قدروه من حملها على التوسط وأما لو قدروا هذا المجاح فيما بقي صحيحاً في رؤوس الثمرة بحسب ما أعطاهم ما عاينوه فيها من السالم أو المجاح لم يعمل هذا العقد شيئاً بمجرده وافتقر إلى تسليم البائع أن المبتاع لم يجذ من الثمرة شيئاً اه . وقد تحصل من هذا كله أن الثمرة إذا أجيحت كلها فالقول للمبتاع أنه لم يجذ منها شيئاً بيمينه أو أنهجذ شيئاً قدره كذا ، وأما إن أجيح بعضها وادعى البائع أن المبتاع قد جذ من الثمرة قبل الجائحة وأنكر المبتاع ذلك أو ادعى أنه جذ شيئاً يسيراً ، فإن المبتاع يكلف بإثبات ذلك كما مرّ عن المتيطية ، وكيفية إثباته إما بأن يشهد الشهود بأنهم عاينوا الثمرة وقت المبيع والساقط منها الآن والباقي في رؤوسها وأن ذلك كله هو القدر الذي رأوه أولاً . وإن كان الساقط هو نصف ما كان وقت البيع والباقي في رؤوسها هو ربعه فيكون ما جناه المبتاع هو الربع الآخر ، وإما بأن يتحروا التحقيق فيما جنى المبتاع حيث لم يعاينوها وقت البيع كما مرّ عن ابن الحاج . وكيفية تحريه هو ما ذكره ابن فتحون فيقولون : ما تحمله هذه الثمرة على التوسط من حملها في السنين قنطاراً أو وسقاً مثلاً ، وقدر الباقي منه ربعه والساقط بالجائحة نصفه فيكون الربع الآخر جناه المبتاع ، وهكذا إذا أقر المبتاع بأنه قد جنى منها أو نكل عن اليمين التي قلبها عليه البائع وإن ادعى أنه لا يدري قدر ما جنى أو غاب أو مات ، فإن الشهود يتحرون التحقيق فيما جناه كما قال ابن الحاج . وكيفية التحري لذلك هو ما تقدم عن ابن فتحون . هذا ما ظهر لي في فهم هذه الأنقال والتوفيق بينها ، وإنما أطلت في هذه المسألة لأنها كثيرة الوقوع .
الثاني : لا بد من قطع الشهود بحصول السبب الذي أجيحت ولا يكفي قولهم : ظهر لنا أنها أجيحت من العطش ونحوه إذ قد يكون إنما عطش من عدم إيصال الماء وقد قال في النهاية في صفة الشهادة بذلك ما نصه : فمن علم نزول المطر أو البرد في الجهة المذكورة وأن الجائحة كانت بسببه قيده لسائله الخ . وقال في العطش : وإنها قحطت بذهاب سد نهرها الذي كانت تسقى منه أو بانهرار بئرها أو تغوير مائها وقد رأوأ ما ذكر من ذهاب السد وانهرار البئر وتغوير الماء الخ .
فصل في بيع الرقيق وسائر الحيوانوبدأ بالأول فقال :
بَيْعُ الرَّقِيقِ أَصْلُهُ السَّلامَهْ
وَحَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فَلاَ مَلاَمَهْ
( بيع الرقيق أصله السلامة ) من جميع العيوب الآتية وحينئذ ، فإذا نص في العقد على السلامة فلا إشكال أنه يقوم بكل عيب قديم يجده ( وحيث لم تذكر ) السلامة في العقد ولا شرطها ولم تذكر البراءة أيضاً ( ف ) إن للمشتري أن يقوم بكل عيب يجده و ( لا ملامة ) عليه في ذلك لأن شراءه محمول على السلامة حيث لم تذكر هي ولا البراءة كما قال :
وَهُوَ مُبِيحٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَمَا
يُوجِدُ عَيْبٌ بِالمَبِيعِ قَدُمَا( وهو ) أي البيع المحمول على السلامة ( مبيح للقيام ) بالعيب ( عندما يوجد عيب بالمبيع قدما ) بضم الدال فإن اشترى على شرط البراءة فلا قيام له حينئذ بما يظهر من عيب قديم إلا أن يثبت علم البائع به حين العقد فللمشتري القيام لأن البائع مدلس حينئذ كما يأتي في قوله : والبيع مع براءة إن نصت الخ . وكذا لا قيام للمشتري إذا بين البائع له عيوبه ووصفها حيث كانت تخفى كإباق وسرقة وصفاً كاشفاً شافياً وحيث كان ظاهراً أراه إياه أو وقفه عليه ولم يجمله في نفسه كسارق أو آبق حتى يبين جنس سرقته وقدر إباقه ولا مع غيره بأن يقول : سارق آبق وهو سارق فقط أو آبق فقط لأن المشتري قد يعلم براءته من الأول فيظن أن الثاني كذلك ( خ ) : وإذا علمه بين أنه به ووصفه أو أراه له ولم يجمله اه . وفي المعيار : إن كان العيب يتفاوت فلا بد من التوقيف على مقداره طولاً وعرضاً وعمقاً وإن كان لا يتفاوت في نفسه فالمذهب أنه يكتفي فيه بذكره اه . ونحوه في ابن عرفة قال : البراءة من العيب المعين إن لم يقبل التفاوت برىء بذكره الباجي : كالعور يعني والزنا وإلا لم يبع حتى يبين قدره كالكي المتفاحش وغيره ولا يبرأ إلا أن يخبره بشنيع الكي أو يريه إياه اه . والإباق والسرقة من العيوب المتفاوتة ، فلذلك كان لا يكتفي بقوله سارق بل حتى يبين قدرها ، إذ ربما تكون عادته سرقة الشيء القليل كالرغيف ونحوه فقوله : سارق حينئذ إنما ينفعه في سرقة الشيء القليل دون الكثير ، وكذا الإباق إذ قد تكون عادته الإباق للموضع القريب دون البعيد ، وكذا لو قال له : أبيعك عبداً معيباً بجميع العيوب أو عظاماً في قفة ونحو ذلك فلا ينفعه ذلك . قال في المدينة : لو كثر في براءته من ذكر أسماء العيوب لم يبرأ إلا من عيب يريه إياه ويوقفه عليه وإلاَّ فله الرد إن شاء ، وقد منع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن يذكر في البراءة عيوباً ليست في المبيع إرادة التلفيق قال اللخمي : لو قال له أبيعك لحماً على بارية لم يبرأ حتى يسمي العيب . قال شريح : حتى يضع يده عليه . عياض : بارية قيل الحصير يقطع عليه اللحم اه .
تنبيهان . الأول : الإباق والسرقة عيب ولو وقعا من صغير في حال صغره كما يأتي عن اللخمي عند قوله : والإباق .
الثاني : هل يصح التبرىء من عيب يشك في برئه ، فذكر ابن عرفة في عيوب الزوجين عن اللخمي : إن من اشترى عبداً بعيب مشكوك في زواله وبرئه منه أنه لا رد له بعدم برئه منه اه . وهذا مما يقع كثيراً يشتري الرجل الدابة أو العبد وبهما ورم مشكوك في برئه فإنه لا رد له به إذا لم يبرأ ، اللهم إلا أن يشترط عليه رده إذا لم يبرأ فيعمل بشرطه . وفي البرزلي فيمن اشترى بغلةبها ورم تبرأ له منه البائع وأراه إياه ، وشهد أهل المعرفة بأنه لا يمكن التبرؤ منه لعدم الإحاطة به . قال : إن قال أهل المعرفة بعيوب الدواب أن الأورام التي تكون في هذا الموضع تختلف فتبرأ في بعضها ولا تبرأ من بعض ، فلا تصح البراءة مما تبرأ منه إلا ببيان اه . يعني : إلا ببيان أنها تبرأ من بعض ولا تبرأ من بعض فتجري على ما مر عن اللخمي ولا رد له لأنه بمنزلة من اشترى مريضاً لم يبلغ حد السياق ومثله في المعيار والله أعلم .
وَالْعَيْبُ إمَّا ذُو تَعَلُّقٍ حَصلْ
ثُبُوتُهُ فِيمَا يُبَاعُ كالشَّلَلْ
( والعيب ) في الرقيق لا يخلو من ثلاثة أوجه لأنه ( إما ذو تعلق ) واتصال ( حصل ثبوته فيما ) الرقيق الذي ( يباع ) لا ينتقل عنه بحال ( كالشلل ) والقطع والكي والعور والبرص والعمى والحول والقتل ، وهو قريب من الحول والميل ، وهو أن يميل أحد الخدين إلى جهة الأذن ، والصور وهو أن يميل العنق إلى أحد الشقين ، والدور وهو أن يميل المنكب إلى أحد الشقين ، والصدر وهو أن يكون في الصدر إشراف ونتوء ، والعجر وهو كالحدبة في الظهر ، والعسر وهو البطش باليد اليسرى ، والحبط وهو أثر الجرح بعد البرء إذا خالف لون الجسد ونحو ذلك قاله في المتيطية .
أَوْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ لَكِنَّه
مُنْتَقِلٌ عَنْهُ كَمِثْلِ الْجِنَّهْ
( أو ما ) أي عيب ( له تعلق ) بالرقيق واتصال به ( لكنه منتقل عنه ) يفارقه في بعض الأوقات دون بعض ( كمثل الجنة ) أو البول في الفراش والأمراض المختلفة في بعض الأوقات ونحو ذلك .
أَوْ بائِنٌ كالزَّوْجِ وَالإباقِ
فالرَّدُّ في الجَمِيعِ بالإطْلاَقِ
( أو ) عيب ( بائن ) عنه أي ليس متعلقاً به حساً بل معنى فقط ( كالزوج ) والسرقة ( والإباق ) وظاهره ولو من صغير وهو كذلك . اللخمي : والعبد الكبير إذا بيع وقد أبق في صغره فذلك عيب وكذلك السرقة فيرد بذلك لأنه باق على تلك العادة إلا أن تكون من الصغير بحيث لواختبر ذلك منه فلا ينقص من ثمنه اه . ونقله ( ح ) ونحوه في المتيطية والمفيد وإذا أثبت المشتري شيئاً من هذه الوجوه الثلاثة ( فالرد ) ثابت له ( في الجميع بالإطلاق ) كان عارفاً بالعيوب أم لا . قلب أم لا . ثم استثنى العارف بالعيوب من الوجه الأول فإنه لا رد له بالعيب الظاهر منه حيث رأى المبيع وقلبه فقال :
إلاَّ بِأَوَّلِ بِمَا مِنْهُ ظَهَرْ
لِمَنْ يَكُونُ بِالْعُيُوبِ ذَا بَصَرْ
( إلا بالأول ) أي إلا في الوجه الأول ( فما ) أي فالعيب الذي ( منه ظهر ) لا رد به ( لمن يكون بالعيوب ذا بصر .
وَالخُلْفُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ وَالحَلِفْ
يَلْزَمُ إلاَّ مَعَ تَدَيُّنِ عُرِفْ
والخلف في الخفي منه ) أي من القسم الأول أي : والموضوع بحاله من كون المشتري ذا بصيرة ، فروى ابن حبيب وغيره عن مالك أنه لا رد له ، وقال ابن القاسم : يرده بعد أن يحلف ما رآه إلا أن يكون مع بصره غير متهم لتدينه فله الرد في الظاهر والخفي دون يمين وهو معنى قوله : ( والحلف يلزم إلا مع تدين عرف ) وهكذا نقله ابن سلمون ، وتبعه الناظم ، وظاهرهما أن غير ذي البصيرة بالعيوب له الرد بالعيب الظاهر والخفي مع أن العيب الظاهر قسمان . قسم منه لا يخفى على كل من قلب المبيع كان ذا بصيرة أم لا . كالإقعاد وقطع اليدين أو الرجلين ، وقسم يخفى عند التقليب على من لم يتأمل ، ولا يخفى غالباً على من تأمل كالحول والفتل ونحوهما مما تقدم ، والعيب الظاهر يطلق عندهم على القسمين معاً ، فالقسم الأول لا رد به للجاهل فضلاً عن العارف ، والقسم الثاني يثبت الرد به على ما لابن عرفة معترضاً على ابن عبد السلام إذ قال ما نصه : وكلام المتقدمين والمتأخرين يدل على أن العيب الظاهر مشترك أو مشكك يطلق على الظاهر الذي لا يخفى غالباً على كل من اختبر المبيع تقليباً ككون العبد مقعداً أو مطموس العينين ، وعلى ما يخفى عند التقليب على من لم يتأمل ولا يخفى غالباً على من تأمل ككونه أعمى وهو قائمالعينين ، فالأول لا قيام له به والثاني يقام به اتفاقاً فيهما اه . والتثنية في قوله فيهما ترجع للأول والثاني فقول الناظم : فما منه ظهر الخ . شامل للقسمين المذكورين مع أن القسم الأول لا رد به للجاهل ولا للعارف ، ثم قال ابن عرفة . إثر ما مر عنه ما نصه : ثم وقفت على نقل ابن الحاج في نوازله عن ابن أبي زمنين قال ما نصه : من اشترى شيئاً وأشهد على نفسه أنه قلب ورضي ثم وجد عيباً مثله يخفى عند التقليب حلف ما رآه ، ورده إن أحب وإن كان ظاهراً مثله لا يخفى عند التقليب لزمه ولا رد له ، وإن لم يشهد أنه قلب ورضي رد من الأمرين معاً قاله عبد الملك وأصبغ اه .
قلت : فالمراد بالعيب الظاهر في كلام ابن أبي زمنين هو العيب الظاهر الذي يخفى على من لم يتأمل ولا يخفى على غيره وهو القسم الثاني في كلام ابن عرفة بدليل قوله فيما بعد رد من الأمرين معاً فيكون قادحاً في الاتفاق الذي حكاه ابن عرفة على الرد في القسم الثاني ولعله لذلك قال : ثم وقفت الخ . وقوله عن ابن أبي زمنين : حلف ما رآه ورده الخ . ظاهره أنه يحلف مطلقاً كان ديناً أم لا . وهو الموافق للمشهور المعمول به من أن يمين التهمة تتوجه اليوم مطلقاً وما مر عن ابن سلمون والناظم مبني على أن يمين التهمة لا تتوجه إلا على أهل التهم ، وقوله مثله لا يخفى عند التقليب الخ . يعني على ذي البصيرة والله أعلم . وبالجملة ، فالتقليب والتأمل بمعنى واحد ، فالعيب الظاهر الذي لا يخفى على كل من له نظر إلى المبيع لا قيام به مطلقاً كما مرّ في القسم الأول عن ابن عرفة ، والعيب الظاهر الذي لا يخفى على من تأمل وقلب وهو القسم الثاني في كلام ابن عرفة فإن ثبت تقليبه وتأمله وكان المشتري ذا بصيرة فلا رد له أيضاً كما قال الناظم وابن سلمون ، وبه يقيد إطلاق ابن أبي زمنين كما مرّ ولا يعول على ظاهر الاتفاق الذي لابن عرفة بعدم الرد وإن كان المشتري ليس ذا بصيرة فله الرد لأنه يقول لا علم لي بأن ذلك عيب كما أن له الرد إذا لم يشهد بالتقليب والتأمل كان ذا بصيرة أم لا . هذا كله في القسم الثاني من قسمي الظاهر ، وأما الخفي فحكى الناظم قولين في ذي البصيرة ، وظاهر ابن أبي زمنين أنه يرد من غير خلاف فيدل ذلك على أن الراجح هو الرد هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل ، وعليه فيستثنى من كلام الناظم العيب الظاهر الذي لا يخفى على كل من اختبر المبيع وهو القسم الأول عند ابن عرفة ، وقول ابن عرفة والثاني يقام به يعني بعد اليمين وقوله اتفاقاً فيهما ظاهره أن له القيام في القسم الثاني كان ذا بصيرة أم لا . وفيه مخالفة لما مر عن ابن سلمون والناظم وابن أبي زمنين ، اللهم إلا أن يحمل الاتفاق على غير ذي البصيرة ، وانظر فصل العيوب فقد نقلنا عن المازري أن كتب الموثق قلب ورضي هو من التلفيق الذي لا يعتد به .
تنبيهات . الأول : لا خصوصية للرقيق بهذا التفصيل الذي في النظم بل غيره من الحيوان والعروض كذلك .
الثاني : قال ابن عرفة : روى محمد ، إن ابتاع نخاس غلاماً فأقام عنده ثلاثة أشهر حتى صرع ونقص حاله فلا رد له لأنه يشترى فإن وجد ربحاً باع وإلا خاصم اه . يعني لأنه محمول على أنه اطلع على العيب ورضيه ، وهذا في العيب الظاهر المتعلق بالمبيع الذي لا يخفى عند التقليب كما مرّ عن الناظم وغيره ، وأما غيره مما يخفى كالجنون والإباق ونحوهما فله القيام بعد اليمين .الثالث : إذا تنازعا فقال البائع : لقد علم بالعيب ورضيه وأنكر المشتري ذلك فطلب البائع يمينه أنه ما علمه ولا رضيه ففي ( خ ) ولم يحلف مشتر ادعيت رؤيته إلا بدعوى الإراءة ولا الرضا به إلا بدعوى مخبر الخ . قلت : وهذا مبني والله أعلم على أن يمين التهمة لا تتوجه ، وهذا أحد قولين فيها والمعمول به توجهها مطلقاً وعليه فله أن يحلفه وإن لم يدع إراءاته إياه ولا إخبار غيره أنه رضيه .
الرابع : من ابتاع دابة وبقي عليه بعض الثمن فاطلع فيها على عيب وقام ليرد فقال البائع : ادفع ما بقي لي وحينئذ أحاكمك فيه ، فينظر فإن كان العيب ظاهراً لا طول في القيام به فلا يدفع له الباقي حتى يحاكمه ، وإن كان خفياً فيه طول فقولان قاله ابن عات ونظمه في اللامية .
الخامس : سئل القاضي أبو يحيى بن عاصم ولد الناظم رحمهما الله عمن ابتاع سلعة فوجد فيها عيباً فطلب من البائع الإقالة فأبى أن يقيله ، ثم أراد أن يقوم عليه بالعيب ؟ فقال : ذلك له ويحلف ما كان ذلك منه رضا بالعيب ويرده اه . وإذا اختلفا في قدم العيب وحدوثه فالقول للبائع في نفي قدمه كما قال .
وَحَيْثُ لا يَثْبُتُ فِي الْغَيْبِ الْقِدَمْ
كانَ عَلَى الْبَائِعِ في ذَاكَ الْقَسَمْ
( وحيث لا يثبت في العيب القدم ) الذي ادعاه المشتري وادعى البائع حدوثه ( كان على البائع في ) دعواه ( ذاك ) الحدوث ( القسم ) لأن القول له في نفي العيب ونفي قدمه وكيفية قسمه أن يقول في غير ذي التوفية : لقد بعته وما هو به ، وفي ذي التوفية : لقد بعته وأقبضته وما هو به بثاً في العيب الظاهر وعلى نفي العلم في العيب الخفي كما قال :
وَهْوَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا يَخفى وفي
غَيْرِ الخَفِيِّ الحَلْفُ بِالْبَتِّ اقْتُفِي
( وهو ) أي القسم ( على ) نفي ( العلم بما ) أي في العيب الذي ( يخفى ) كالزنا والسرقة والبول في الفراش ( وفي غير ) العيب ( الخفي ) وهو القسم الثاني من قسمي الظاهر ككونه أعمى وهو قائم العينين أو في عينه حَوَل أو فتل ونحو ذلك . ( الحلف ) بسكون اللام ( بالبت اقتفي ) أي اتبع ، وأما القسم الأول من قسمي الظاهر فلا رد به ولا يمين فيه على البائع .
وفي نُكول بَائِعٍ مَنِ اشْترى
يَحْلِفُ وَالحَلْفُ عَلَى مَا قُرِّرَا ( وفي نكول بائع ) يتعلق بيحلف ( من اشترى ) مبتدأ خبره ( يحلف ) أي من اشترى يحلف فينكول بائع على ما ادعاه أن العيب قديم ( والحلف ) منه كائن ( على ما قررا ) في حلف البائع ، فإذا كان العيب ظاهراً فيحلف على البت أنه قديم ، وإذا كان خفياً فيحلف على نفي العلم فيقول : ما أعلمه حدث عندي وهذا هو الذي في كتاب محمد ، وبه القضاء . وقيل : يحلف على البت فيهما ، وقيل : على نفي العلم فيهما .
وَلَيْسَ في صَغِيرَةٍ مُوَاضِعَهْ
وَلاَ لِوَخْشٍ حَيْث لاَ مُجَامَعَهْ فيها أي في الوخش فأطلق في الصغيرة ، والمراد بها التي لا تطيق الوطء كبنت ثمانية أعوام ، وظاهره أنه لا مواضعة فيها مطلقاً علياً كانت أو وحشاً أقر البائع بوطئها أم لا للأمن من حملها إذ وطؤها قبل الإطاقة كالعدم ، وأما الوخش فلا مواضعة فيها أيضاً حيث لم يقر البائع بوطئها ، ومفهومه أنه إذا كانت علياً تراد للفراش وليست صغيرة وجبت المواضعة سواء أقر البائع بوطئها أم لا . بل ولو كان البائع لا يتأتى منه الوطء كالصبي والمرأة ، وكذا تجب إذا كانت وخشاً أقر البائع بوطئها ( خ ) : وتتواضع العلية أو وخش أقر البائع بوطئها اه . ابن عرفة : المواضعة جعل الأمة مدة استبرائها في حرز مقبول خبره عن حيضتها . قال في المدونة : والشأن كونها على يد امرأة فإن وضعت على يد رجل له أهل ينظرونها أجزأ ، وكذا لا مواضعة أيضاً في متزوجة ولا حامل ومعتدة وزانية كمردودة بعيب أو فساد أو إقالة إن لم يغب المشتري كما في ( خ ) وغيره .
وَلاَ يَجُوزُ شَرْطُ تَعْجِيلِ الثَّمَنْ
وَإنْ يَكنْ ذَاكَ بِطَوْعٍ فَحَسَنْ
( ولا يجوز ) لبائع الأمة التي تحتاج إلى المواضعة ( شرط تعجيل الثمن ) على المشتري فإن باعها بشرط تعجيله فسد البيع لتردده بين السلفية إذا ماتت أو لم تحض والثمنية إذا سلمت وحاضت وكل ما تردد بين السلفية والثمنية يرجح فيه جانب السلفية لأن الشيء إذا دار بين المنع والجواز يغلب فيه جانب المنع ، وحينئذ فكأنه اشترط السلف في العقد صراحة فينفسد العقد بالشرط وإن لم ينقد بالفعل ( وإن يكن ذاك ) التعجيل للثمن ( بطوع ) من المشتري بعد العقد ( فحسن ) أي فجائز ( خ ) : وفسد إن نقد بشرط لا تطوعاً الخ . إلا أن صوابه وفسد بشرط النقدلأن المضر هو الشرط ، وإن لم ينقد بالفعل كما مرّ ، وعبارته غير موفية بذلك لأنها تقتضي أنه إنما يفسد إذا نقد بالفعل بسبب الشرط ، ولفساد النقد بالشرط وجوازه بالطوع نظائر أشار لها ( خ ) في باب الخيار بقوله : وفسد أي بيع الخيار بشرط نقد كغائب وعهدة ثلاث ومواضعة وأرض لم يؤمن ريها ، وجعل وإجارة محرز زرع وأجير تأخر شهراً الخ . فهذه المسائل تفسد البيع بشرط النقد فيها ويجوز تطوعاً .
والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ
مع اعترافٍ أو ثُبوتِ عِلْمِهِ
( والبيع مع براءة ) من كل عيب قديم يظهر بالمبيع ولا علم به للبائع ( إن نصت ) أي شرطت في أصل العقد أو جرت العادة بها لأنها كالشرط ( على الأصح بالرقيق ) يتعلقان بقوله : ( اختصت ) وفاعله ضمير البراءة على حذف مضاف أي اختص بيعها ، والجملة خبر عن البيع ، ومفهوم براءة أن البيع إذا وقع على غير شرطها فللمبتاع القيام بكل عيب قديم يجده إلا أن يكون البائع قد بينه له ولم يجمله كما تقدم أول الفصل ، وما ذكره الناظم من أن الأصح اختصاصها بالرقيق هو المشهور ، ومذهب المدونة ومقابله يأتي في قوله : وبعضهم فيها الجواز أطلقا ، ومحل عدم جوازها في غيره إذا لم يتطوع بها بعد العقد وإلاَّ جاز حيث لم يكن التطوع بها في مقابلة إسقاط شيء من الثمن ، وإلاَّ لم يجز كما في شارح العمل عند قوله في الجامع : وترك شيء للتطوع فشا الخ . فانظره وانظر شراح اللامية ، ثم إذا وقع بيع الرقيق على شرط البراءة المذكورة فلا قيام للمشتري بعيب قديم يجده إذا لم يكن البائع عالماً به ، فإن كان عالماً به فهو قوله :
والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ
مع اعترافٍ أو ثُبوتٌ عِلْمِهِ ( والفسخ ) لبيع البراءة ( إن ) بدا ( عيب ) قديم ( بدا ) كائن ( من حكمه ) فالمجرور يتعلق بمحذوف خبر عن قوله : والفسخ ، ولفظ عيب فاعل بفعل محذوف يفسره بدا كقوله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك } ( التوبة : 6 ) ( مع اعتراف ) من البائع بعلم قدمه ( أو ثبوت علمه ) لقدمه ببينة فإن لم تكن بينة ولا إقرار وادعى المشتري أن البائع عالم بقدمه ودلس ، وادعى البائع أنه جاهل لقدمه فإنما على البائع اليمين كما قال :
وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَع جَهل الخَفِي
بِالْعِلم وَالظّاهِرُ بِالْبَتِّ حَفِي( ويحلف البائع مع جهل ) أي مع دعوى جهله العيب . ( الخفي بالعلم ) يتعلق بيحلف وباؤه بمعنى على كقوله تعالى : ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار } ( آل عمران : 75 ) ( والظاهر ) مبتدأ ( بالبت ) يتعلق بقوله ( حفي ) بالحاء المهملة والبناء للمفعول خبر المبتدأ ، ومعنى حفي أظهر واستخرج أي : والعيب الظاهر حفيت وأظهرت يمين البائع فيه على البت ، وهذه التفرقة لابن العطار ، واعترض عليه ابن الفخار وقال : يحلف بائع البراءة على العلم أنه لم يعلم به ظاهراً كان العيب أو خفياً لأنه إنما تبرأ مما لم يعلم وإنما تفترق اليمين في العيب الظاهر والخفي فيما بيع من العبيد بغير البراءة اه . فما ذكره الناظم تبعاً لابن العطار لا يعول عليه ، ثم إذا نكل البائع عن اليمين المذكورة فإن المبيع يرد عليه بمجرد نكوله لأنها يمين تهمة لا تنقلب كما قال :
وَحَيْثُمَا نُكُولُهُ تَبَدَّا
به المَبِيعُ لا الْيَمِينُ رُدَّا
( وحيثما نكوله ) أي البائع ( تبدا ) أي ظهر ( به ) أي بسبب نكوله ( المبيع لا اليمين ردا ) بالبناء للمفعول خبر عن المبيع أي رد عليه المبيع بسبب نكوله لا اليمين فلا ترد على المشتري لأنها غير منقلبة ، ثم أشار إلى مقابل الأصح فقال :
وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الجَوَازَ أطْلَقَا
وَشرطُهَا مَكْثٌ بِمِلْكٍ مُطْلَقَا
( وبعضهم ) وهو ابن وهب ورواه ابن حبيب عن مالك ( فيها الجواز ) مفعول بقوله : ( أطلقا ) فقال : إن البراءة جائزة في كل شيء ولعبد الوهاب أنها لا تجوز في شيء ، وفي الموطأ أنها جائزة في الحيوان مطلقاً ذكر هذه الأقوال ابن سلمون . فإن وقع ونزل واشترطت في غير الرقيق فقال اللخمي : واختلف بعد القول بالمنع إذا وقع البيع بشرط البراءة في غير الرقيق فقال أشهب في كتاب محمد : إن وقع في الحيوان لم أفسخه وفي العروض يفسخ إلا أن يفوت فلا يفسخ ، وقال ابن القاسم : البيع صحيح والشرط باطل . قال محمد : وفسخ الجميع أحسن اه بنقل المتيطية . وما تقدم في النظم من اختصاصها بالرقيق على الأصح هو الذي اقتصر عليه ( خ ) حيث قال : وتبرأ غيرهما فيه أي في الرقيق مما لم يعلم إن طالت إقامته الخ . وإلى شرط طولالإقامة أشار الناظم بقوله : ( وشرطها ) أي البراءة في الرقيق ( مكث ) لذلك الرقيق زماناً ( بملك ) البائع بحيث يغلب على الظن أنه لو كان به عيب لظهر كستة أشهر ( مطلقا ) اختصت بالرقيق أم لا . وفهم منه أنه لو لم يطل مكثه عند البائع بل باعه بالبراءة بفور شرائه أنها لا تنفعه ، وهو كذلك على المشهور . وقيل : تنفعه وبه العمل بفاس فلا يشترط عندهم طول المكث عند البائع كما قال ناظم العمل :
ومنع الإشهاد في بيع الرقيق
إلا على براءة كما يليق
أي : منع الشهود أن يشهدوا في بيع الرقيق على العهدة ، وإنما يشهدون على البراءة ولو لم تطل الإقامة ، وظاهر العمل المذكور أنها جارية في جميع عيوب الرقيق والذي عول عليه عملهم اليوم في حدود الخمسين بعد الألف والمائتين أنها معمول بها فيما عدا عيوب أربعة ، ولذا يكتب موثقهم في ذلك ما نصه : وعلى البراءة مما عدا الحمل والجنون والجذام والبرص أي : فإذا اطلع المشتري على قدم واحد من الأربعة فإنه يرجع به ، ثم إذا اشترط البائع بالبراءة سقوط اليمين المتقدمة عنه ثم عثر المبتاع على عيب قديم فروى أشهب وابن نافع عن مالك في المستخرجة ؛ أنه ينفعه شرطه . المتيطي عن ابن الهندي : وبه كان يفتي ابن لبابة وابن زرب ، وقيل : لا ينفعه شرطه إن كان متهماً . المتيطي : وتعقد في الجائز من ذلك على ما تقدم من رواية أشهب وابن نافع المعمول بها ما نصه : وعلى أن لا يمين تلحقه فيما يطلع عليه المبتاع من عيب قديم اه .
تنبيهات . الأول : مفهوم قوله إن نصت أنها إذا لم تشترط حقيقة ولا حكماً لا يعمل بها ، وهو كذلك كما مر إلا فيما يبيعه القاضي على مفلس ونحوه أو يبيعه الوصي لإنفاذ وصية أو وارث لقضاء دين فهو بيع براءة ، وإن لم تشترط كما يأتي للناظم في فصل مسائل من أحكام البيع حيث قال :
وكلما القاضي يبيع مطلقا
بيع براءة به محققا
إلا أن ظاهره هناك أن بيع القاضي بيع البراءة في الرقيق وغيره ، والمشهور أن بيعه بيع براءة في الرقيق فقط كما قال ( خ ) ومنع منه أي من الرد بالعيب بيع حاكم ، ووارث رقيقاً فقط الخ . وسيأتي ما في ذلك إن شاء الله تعالى .
الثاني : ذكرنا ناظم العمل إثر ما مر عنه أنه لا عهدة في سنة ولا ثلاث عند أهل فاس ومحل ذلك إذا لم يكن شرط ولا عادة إما مع الشرط فتلزمان به ولو فيمن عرفهم البيع على البراءة كأهل فاس ، وأما مع العادة فتلزم عهدة الثلاث أيضاً لأنها يرد فيها بكل حادث ، وأما عهدة السنة فكذلك بالنسبة لما حدث في السنة من جنون وجذام وبرص ، وكذا بما كان قديماً من هذه الثلاثة على ما مرّ أن عادتهم اليوم البيع على البراءة مما عدا الحمل وهذه الثلاثة .
الثالث : ظاهر قول الناظم : إن نصت الخ . وقول ناظم العمل : ومنع الإشهاد الخ . إن البراءة تنفع في سائر العيوب حتى في حمل الرائعة ، والمشهور كما في المتيطية والالتزامات أنحمل الرائعة لا تصح البراءة منه حتى يكون ظاهراً وإلاَّ فسد البيع لأن الرائعة ممن يتنافس في ثمنها وينقص الجمل من ثمنها نقصاً كثيراً ، وربما أتى على معظم قيمتها فإذا لم يكن ظاهراً فقد دخل البائع والمشتري على غرر ، ولذا قال في المدونة : ولا يجوز بيع أمة رائعة بالبراءة من الحمل ولا بأس بذلك في الوخش اه . وفي المتيطية عن اللخمي : ولم يختلف أن العلى من الجواري لا يبعن على البراءة من الحمل ، وسواء في ذلك بيع السلطان وغيره إلا أن تكون لامرأة أو صبي أو بيعت في السبي اه .
قلت : وهذا في غير ما عليه العمل في فاس اليوم لما مر أن البراءة عندهم إنما هي فيما عدا العيوب الأربعة ، وأما هي فلا براءة فيها عندهم من غير فرق بين وخش ورائعة .
الرابع : من اشترى بالبراءة لا يبيع بالعهدة وإن فعل فللمشتري الخيار إذا علم لأنه يقول : قد تعدم فلا أجد من أرجع عليه غيرك لأن غريم الغريم غريم وهو معنى قول ( خ ) كبيعه بعهدة ما اشتراه ببراءة الخ . وكذلك الحكم فيمن باع عبداً قد وهب له ولم يبين ذلك عند البيع إذ لا عهدة على الواهب قاله في المتيطية ، وأما العكس وهو أن يبيع بالبراءة ما اشتراه بالعهدة ففيه قولان . أرجحهما الجواز على ما يظهر من كلامهم إذ لم يشترطوا في بيع البراءة إلا طول المكث ، ومع ذلك العمل على خلافه ولو كان يشترط في بيع البراءة أن لا يشتريه بالعهدة لنبهوا عليه والله أعلم .
الخامس : تقدم أن البراءة إذا لم تشترط ولم تجر بها عادة فله القيام بكل عيب قديم يجده وظاهره ولو اطلع عليه بعد مدة طويلة . وذكر الإمام الأبار في حاشيته على المختصر : إن العمل جرى بعدم الرد في الرقيق بعد ستة أشهر ، وبعدم الرد في الربع والعقار بعد سنة كما لا ترد الدواب بعد شهر .
قلت : وما ذكر هو اللائق بهذه الأزمنة فلا ينبغي أن يعدل عنه إذ تلك المدة مظنة الاطلاع والرضا وإن كان ناظم العمل لم يتعرض للأولين وإنما تعرض للثالث حيث قال :
وبعد شهر الدواب بالخصوص
بالعيب لا ترد فافهم النصوص
إذ لا يلزم من عدم تعرضه لذلك عدم صحة العمل المذكور فيهما إذ الإمام الأبار أمين ، ولا يحكي إلا ما ثبت فلعل العمل الذي قاله الأبار في الرقيق والربع لم يطلع عليه ناظم العمل ، إذ لا يلزم أن يطلع على جميع ما به العمل في وقته ، ثم محل عدم الرجوع بعد المدة المذكورة إذا لم يكن البائع مدلساً وإلاَّ وجب الرجوع كما نقله شارح نظم العمل .
وَالْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ في المَرْكُوبِ
وَشِبْهِهِ اسْتُثْنِيَ لِلرُّكوبِ( واليوم ) مبتدأ ( واليومان ) معطوف عليه ( في المركوب ) يتعلق باستثنى ( وشبهه ) بالجر معطوف على المركوب ، ويحتمل رفعه بالعطف على اليومين ، وأفرد الضمير باعتبار ما ذكر ( استثني ) بالبناء للمفعول ونائبه يعود على اليوم واليومين ، وأفرده أيضاً باعتبار ما ذكر ( للركوب ) يتعلق بما قبله ، والتقدير واليوم واليومان وشبههما وهو الثلاثة استثني هو أي ما ذكر من اليوم واليومين في المركوب وشبهه كالثور والثوب لأجل الركوب أو الحرث أو اللبس ( خ ) : وجاز بيعها واستثناء ركوبها الثلاثة لا الجمعة وكره المتوسط الخ . فإن تلفت الدابة فضمانها من المبتاع فيما يجوز استثناؤه ولا رجوع للبائع على المبتاع بما ينوب الركوب أو الحرث أو اللبس في الثوب ، وفيما لا يجوز استثناؤه ضمانها من البائع إلا أن تهلك بيد المشتري فإن قبضها ولو قبل مدة الشرط فالضمان منه لأنه بيع فاسد يضمن بالقبض .
وَلَمْ يَجُزْ فِي الحَيَوانِ كُلِّهِ
شِرَاؤهُ عَلَى اشْتِرَاطِ حَمْلِهِ
( ولم يجز في الحيوان كله ) عاقلاً أم لا مأكولاً أم لا ( شراؤه على اشتراط حمله ) لأنه بالشرط يكون قد أخذ للجنين ثمناً فيكون من بيع الأجنة وهو ممنوع للغرر ، والشرط المذكور في غير العاقل لا يكون إلا للاستزادة في الثمن في العادة بخلافه في العاقل فإنه تارة يكون للاستزادة في الثمن فيمنع ، وسواء كان المشترط هو البائع كأن يقول : أبيعكها بشرط أنها حامل ، أو كان المشترط هو المشتري وتارة للتبرىء من حملها وخشاً كانت أو علياً فلا يمنع لأن الحمل عيب في الرقيق بالإطلاق كما يأتي في قوله : والحمل عيب قيل بالإطلاق الخ . فإن لم يعلم هل قصد بالشرط التبرىء أو الاستزادة فالذي للخمي كما لابن عرفة أنه ينظر لعادة أمثالهم من الرغبة في الحمل كأهل البادية فشرطه محمول على الاستزادة ، ومن عدم الرغبة فيه كأهل الحاضرة فشرطه محمول على التبرىء ( خ ) : وكبيع الحامل بشرط الحمل الخ . وظاهره كالناظم أن ذلك لا يجوز لو كانت ظاهرة الحمل ، وهو قول ابن القاسم وروايته في المدونة ، وصرح غير واحد بأنه المشهور . وقال أشهب : يجوز ذلك مطلقاً وله ردها إن لم يجدها حاملاً . وقال سحنون : يجوز ذلك إن كانت ظاهرة الحمل . واستظهره ابن رشد ولعل وجهه أن اشتراطه في ظاهرة الحمل إخبار بمعلوم فلا يؤثر اشتراطه منعاً ، واحتمال كونه ينفش مع ظهوره ظهوراً بيناً نادر ، والنادر لا حكم له ، فالحمد لله على اختلاف العلماء فإن اشتراط الحمل قد ارتكبه العوام كثيراً .
ولما تضمن هذا البيت أنه لا يجوز بيع ما فيه غرر ، وكان بعض البيعات يتوهم فيها الغرر كالحامل التي قرب وضعها والمريض والعبد الآبق رفع ذلك التوهم بقوله :
وَذَاتُ حَمْلٍ قَدْ تَدَانَى وَضْعُهَا
لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الأصَحِّ بَيْعُهَا( و ) أمة ( ذات حمل ) من نعتها وصفتها ( قد تدانى ) أي قرب ( وضعها ) بأن مضت له ستة أشهر فأكثر ( لم يمتنع على الأصح بيعها ) مصدر مضاف للمفعول أي : لم يمتنع أن تباع وإن احتمل موتها من الولادة فإن ذلك نادر ( خ ) وجاز بيع هر وحامل مقرب الخ . .
قلت : وتفهم مسألة الحامل المقرب من مسألة المريض في غير السياق بالأحرى التي أشار إليها بقوله :
كَذَا الْمريضُ في سِوَى السِّياقِ
يَصِحُّ بِيْعُهُ عَلى الإطْلاَقِ
( كذا المريض في سوى ) حد ( السياق ) أي لم يشرف على الموت ( يصح بيعه ) مصدر مضاف للمفعول أيضاً ( على الإطلاق ) كان مأكول اللحم أم لا ، ومفهومه أنه إذا بلغ حد السياق لم يجز بيعه مطلقاً أيضاً ، وهو كذلك للغرر في حصول الغرض من حياته أو صيرورته لحماً في حصول ذكاته لاحتمال عدم حركته بعد ذبحه قاله ابن عرفة خلافاً لما في ( خ ) حيث قال : وانتفاع به لا كمحرم أشرف الخ . وصوابه لا كحيوان أشرف أي بلغ حد السياق فلا يجوز بيعه ليوافق المنصوص لابن عرفة وغيره .
تنبيه : قال ابن رحال : السياق عند الفقهاء ليس هو أن صاحبه يموت قطعاً بحسب العادة ، وإنما هو عندهم أعلى المرض وإن كان يعيش في بعض الأحيان ، ويدل له قول ابن يونس : إذا مرض العبد فبلغ حد السياق فرجع مشتريه بقيمة العيب ثم صح أن ذلك حكم مضى اه .
وَالعَبْدُ في الإباق مَعْ عِلْم مَحَلْ
قَرَارِهِ مِمَّا ابْتياعٌ فِيهِ حَلْ
( والعبد ) حال كونه ( في الإباق مع علم محل قراره ) وعلم أنه موقوف لمالكه ومع علم صفته ولو بوصف بائعة كما مر في بيع الغائب ( مما ابتياع فيه حل ) خبر المبتدأ أي مما يجوز فيه البيع والشراء .وَالبائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يُقْبَضَا
وَإنْ تَقَعْ إقَالَةٌ لاَ تُرْتَضى
( والبائع ) هو ( الضامن ) له إن هلك ( حتى ) إلى أن ( يقبضا ) وهذا نص المتيطية قال فيها : ويجوز بيع العبد الآبق إذا علم المبتاع موضعه وصفته فإن وجد هذا الآبق على الصفة التي علمها المبتاع قبضه وصح البيع فيه ، وإن وجده قد تغير أو تلف كان من البائع ويسترجع المبتاع الثمن . وقال سحنون : إنما يجوز ابتياع الآبق إذا كان في وثاق اه . ومثله في ابن سلمون وقال المتيطي : ويجوز بيع الحيوان الغائب على الصفة إذا علم صاحبه مكانه وصفته اه . ثم محل ما في النظم كما لأبي محمد صالح وغيره إذا كان الذي عنده الآبق قد أوقفه لمالكه وعلم أنه له كما قررنا وإلاَّ كان من شراء ما فيه خصومة وهو ممنوع على المشهور ، فقول سحنون : إنما يجوز بيعه إذا كان في وثاق تقييد للمذهب لا خلاف له كما يقتضيه المتيطي أي إلا إذا كان موقوفاً لأجل مالكه وهو معنى قوله في وثاق ولذا قال في الوثائق المجموعة : ولم يجز سحنون بيع الآبق وإن عرف المبتاع موضعه إلا أن يكون موقوفاً لصاحبه عند غير ذي سلطان لا خصومة فيه لأحد ، فإن وقف عند السلطان أو كانت فيه خصومة لأحد لم يجز بيعه اه . وبهذا يقيد إيضاً قول ( خ ) وقدرة عليه لا كآبق وإبل أهملت الخ أي إنما يمتنع بيع الآبق إذا لم يكن موقوفاً لمالكه ، أو كان موقوفاً عند سلطان أو عند من يخاصم فيه كما لشراحه فلا مخالفة بينه وبين ما في النظم والله أعلم .
( وإن تقع إقالة ) في المبيع غائباً مطلقاً رقيقاً كان أو غيره ( لا ترتضى ) جواب الشرط أي : فلا تجوز قال في الوثائق المجموعة : لم يختلف قول مالك ولا ابن القاسم أن الإقالة في بيع الغائب غير جائزة لأنه من وجه الدين بالدين . قال ابن سلمون : لأن الثمن قد ثبت على المشتري فلا يجوز أن يصير فيه شيئاً غائباً لا ينجز قبضه ويجوز بيعه من غيره إذا لم ينتقد اه . ومفهوم قوله : لأن الثمن قد ثبت الخ . أنه إذا كان المشتري قد دفع الثمن ولو بشرط في العقار أو في غيره إن قرب كاليومين جازت الإقالة وهو كذلك لانتفاء العلة المذكورة ، ومفهوم قوله : إذا لم ينتقد الخ . مفهوم موافقة لأنه يجوز حينئذ بالأحرى .
وَامْتَنَعَ التَّفْرِيقُ لِلصِّغَارِ
مِنْ أُمِّهِمْ إلاَّ مَعَ الإثْغارِ
( وامتنع التفريق للصغار من أمهم ) أي لا يجوز للسيد أن يفرق بين أمة وولدها الصغير بأن يبيع الأم دون ولدها أو العكس أو الأم لرجل والولد لرجل آخر وإن لعبده ( خ ) : وكتفريق أمفقط من ولدها بقسمة لحديث : ( من فرق بين الأم وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ) اه . ( إلا مع الإثغار ) وهو تمام نبات بدل رواضعه كلها بعد سقوطها ولا يكتفي بنبات البعض ولو المعظم فحينئذ تجوز التفرقة على المشهور ، وقال ابن حبيب : يفرق بينهما إذا بلغ سبع سنين ، وفي كتاب محمد إذا بلغ عشراً . وروى ابن غانم لا يفرق بينهما قبل البلوغ ولابن عبد الحكم ما عاشا . حكى هذه الأقوال صاحب الجواهر ومنشأ الخلاف هل محمل حديث التفرقة على عمومه وغايته أو على أقله الحديث : ( ألا لا توله والدة ) الخ . وبه يفهم ما في ( ق ) عن القرافي من قوله : ولها نظائر تحريم الزوجة وحكايات الأذان والإقرارات وغسل الذكر من المذي ومسح اليدين في التيمم والصعيد الطيب فإن آنستم منهم رشداً فتلزم الثلاث في التحريم ويحكي الأذان كله ، ويلزم أكثر الجمع في الإقرار بدراهم مثلاً ويغسل الذكر كله ويمسح اليدين إلى المرفقين ويتيمم على الصعيد الطاهر المثبت وكمال الرشد ، أو يحمل على أقل ذلك في الجميع اه . ومعنى الكمال في الرشد كونه رشيداً في المال والدين وأدناه الرشد في المال فقط ، وهو مذهب مالك ثم المعتبر في الإثغار هو الوقت المعتاد لا أن تعجل أو تأخر عنه .
ثُمَّ بالإجْبارِ عَلَى الْجَمْعِ القَضَا
وَالخَلْفُ إنْ يَكُنْ مِنَ الأمِّ الرِّضَا
( ثم ) إن وقعت التفرقة المنهي عنها أجبر المتبايعان على أن يجمعاهما في ملك بأن يبيع أحدهما الآخر ما في يده أو يبيعا معاً لثالث وإلاَّ فسخ العقد الذي حصلت به التفرقة كما قال ثم : ( بالإجبار على الجمع القضا ) ء مبتدأ خبره بالإجبار ( خ ) : وفسخ ما لم يجمعاهما في ملك ( والخلف ) في جواز التفرقة ( إن يكن من الأم الرضا ) بها فقيل تجوز بناء على أن الحق في الحضانة للحاضن ، وصرح المازري وغير واحد هنا بمشهوريته وعليه عول ( خ ) حيث قال : ما لم ترض ، وبه أيضاً صدر الناظم في الحضانة حيث قال : الحق للحاضن في الحضانة الخ . وقيل الحق للمحضون ، وقيل لله تعالى وعليهما فلا تجوز التفرقة ولو رضيت الأم . وفي ( ت ) عن القلشاني أنه المشهور وهو اختيار ابن يونس ، ومفهوم قول الناظم من أمهم أن التفرقة من الأب جائزة وفهم منه أيضاً أن التفرقة في الحيوان البهيمي جائزة وبه صرح ابن سلمون قال : ولا يجوز أن يفرق بين الأم وولدها الصغير بخلاف غيرها من الحيوان اه . ونحوه لابن ناجي قال : وروىعيسى عن ابن القاسم أنها لا تجوز وأن الحد فيه أن يستغني عن آبائه بالرعي نقله التادلي .
وَالْحَمْلُ عَيْبٌ قِيْلَ بالإطْلاَقِ
وقيلَ في عَلْيةِ ذِي استْرْقَاقِ ( والحمل عيب قيل بالإطلاق ) وفي وخش الرقيق وعليه وهو قول مالك وابن القاسم وعليه عمل الناس اليوم ( وقيل ) إنما هو عيب ( في علية ذي استرقاق ) وهو قول ابن كنانة ، ويفهم ضعفه من عدم تصدير الناظم ، وانظر ما تقدم عند قوله : ولم يجز في الحيوان كله الخ . وعند قوله : وشرطها مكث بملك الخ .
والافْتِضَاضُ في سِوَى الوَخْشِ الدَّني
عَيْبٌ لها مُؤَثَّرٌ في الثَّمن ( والافتضاض في سوى الوخش الدني ) القبيحة المنظر التي تراد للخدمة وغيرها هي الرائعة ( عيب لها مؤثر في الثمن ) وظاهر أن الثيوبة في الرائعة عيب مطلقاً كانت ممن يفتض مثلها أم لا ، وليس كذلك . وإنما هي عيب فيمن لا يفتض مثلها وإلاَّ فهي محمولة على الافتضاض ( خ ) : عاطفاً على ما لا رد فيه وثيوبة إلا فيمن لا يفتض مثلها الخ . وبالجملة فالثيوبة عيب في العلى الغير المطيقة فقط وليست بعيب في الوخش مطلقاً ولا في العلى المطيقة إلا بشرط خلافاً لظاهر ( خ ) أيضاً من أنها عيب حتى في الوخش التي لا يفتض مثلها .
والحَمْلُ لا يَثْبُتُ في أقَلَّ مِنْ
ثَلاَثَةٍ مِنَ الشُّهْورِ فَاسْتَبِنْ
( والحمل ) لحرة أو أمة ( لا يثبت في أقل من ثلاثة من الشهور فاستبن .وَلاَ تَحَرُّكَ لهُ يَثْبُتُ فِي
ما دُونَ عِدَّةِ الوَفَاةِ فاعْرِفِ
ولا تحرك له يثبت في ما دون عدة الوفاة فاعرف ) هذا كقول ابن عرفة عن ابن رشد : لا شك أن الحمل عيب ويثبت بشهادة النساء ولا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر ولا يتحرك تحريكاً بيناً يصح القطع على تحريكه في أقل من أربعة أشهر وعشر ، فإذا شهدت امرأتان أن بها حملاً بيناً لا يشكان فيه من غير تحريك ردت الأمة فيما دون ثلاثة أشهر أي من يوم الشراء ، ولا ترد فيما زاد على ذلك لاحتمال كونه حادثاً عند المشتري أي : إلا إذا وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الشراء فترد حينئذ ، وإذا شهدتا أن بها حملاً يتحرك ردت فيما دون أربعة أشهر وعشر ولم ترد فيما فوق ذلك لاحتمال كونه حادثاً ما لم تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم الشراء فإن ردت ثم وجد ذلك الحمل باطلاً لم ترد إلى المشتري إذ لعلها أسقطته اه ببعض زيادة للإيضاح . ونقله ( ح ) وزاد عن النوادر ما نصه : ومن ابتاع أمة فادعت الحمل فليستأن بها ، وإذا قالت النساء أنها حامل ردت بذلك ولا ينتظر بها الوضع ، ثم إن أنفش فلا تعاد إلى المبتاع اه . قال ( م ) فلو زاد الناظم هنا فقال مثلاً :
فإن بين حمل قبيل أشهر
ثلاثة من دون تحريك حري
ردت به كذا إذا تحركا
من قبل أربع وعشر فاسلكا
فإن به ردت وبعد ينتفي
لا رد لاحتمال سقط قد خفي لكان قد صرح بنتيجة معرفة زمن يثبت فيه الحمل أو التحرك اللذان في النظم ثم ما ذكره الناظم تبعاً لمن ذكر مخالف بظاهره لقول القرافي في قواعده : الولد يتحرك لمثل ما يتخلق له ويوضع لمثلي ما يتحرك فيه وهو يتخلق في العادة تارة لشهر فيتحرك لشهرين ويوضع لستة ، وتارة لشهر وخمس ليال فيتحرك لشهرين وثلث ويوضع لسبعة ، وتارة لشهر ونصف فيتحرك لثلاثة ويوضع لتسعة وهو الغالب ، ومع ذلك فالأحكام مبنية على الأول فهو مما قدم فيه النادر على الغالب وله نظائر اه . ويمكن الجمع بينه وبين ما مر عن ابن رشد بأن كلام القرافي إنما هو في مطلق التحرك أعم من أن يكون تحركاً بيناً أم لا . وكلام ابن رشد في التحرك البين الذي يصح القطع عليه وهو لا يتبين في أقل من المدة المذكورة كما يمكن الجمع بينه وبين ما في الحديث الكريم ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع : برزقه وأجله وشقي أم سعيد ) .ولم يذكر الرابع . وجاء في رواية : أنه ذكر أو أنثى اه . بأن الذي في الحديث هو جميع خلقه أي كماله ، والذي في كلام القرافي . أول جزء من التخلق فتأمله والله أعلم .
وَيُثْبِتُ العُيُوبَ أَهْلُ المَعْرِفَهْ
بِهَا ولا يُنْظَرُ فيهمْ لِصَفَهْ العدالة عند تعذرها ( خ ) وقيل للضرورة غير عدول وإن مشركين والواحد كاف كما مر عند قوله :
وواحد يجزىء في باب الخبر
واثنان أولى عند كل ذي نظر وانظر ما يأتي في فصل العيوب عند قوله : ثم العيوب كلها لا تعتبر الخ .
فصل
وَاتَّفَقُوا أنَّ كِلاَبَ المَاشِيَهْ
يَجُوزُ بَيْعُها كَكَلْبِ البادِيَهْ
( واتفقوا أن كلاب الماشية ) المتخذة لحراستها وحفظها مما يعدو عليها من السارق والسبع ونحوهما ( يجوز بيعها ككلب ) أهل ( البادية ) الذي يحرس دورهم وأمتعتهم ليلاً ونهاراً ، وما ذكره من الاتفاق هو ظاهر ابن سلمون أيضاً حيث قال : ويجوز بيع كلب الحرس والماشية وفي كلب

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13