كتاب : البهجة في شرح التحفة
المؤلف : أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي

أو ذي أمة حل وطؤه إياها بمحرم منه أو بظهر أجنبية في تمتعه بهما والجزء كالكل والمعلق كالحاصل الخ . فقوله في تمتعه الخ . هو وجه الشبه وباقيه واضح .
ولما وقع خلاف في مبدأ أجله هل هو من يوم الظهار أو من يوم الرفع أو من تبين الضرر أشار إلى المشهور من ذلك فقال :
وأَجَلُ المُظاهِرِ المَأْثُورُ
مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ ( وأجل المظاهر ) مبتدأ ومضاف إليه ( المأثور ) بالرفع نعت لأجل ( من يوم رفعه ) خبر عن المبتدأ المذكور ( هو المشهور ) مبتدأ وخبر فيؤجل من يوم الرفع أربعة أشهر للحر وشهرين للعبد وقيل أجله من يوم اليمين كالحالف على ترك الوطء ، وقيل من تبين الضرر ( خ ) وهل المظاهر إن قدر على التكفير وامتنع كالأول فالأجل من اليمين وعليه اختصرت أو كالثاني وهو الأرجح أو من تبين الضرر وعليه تؤولت أقوال .
مِنْ بَعْدِ أَنْ يُؤْمَرَ بالتَّكْفِيرِ
وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ لا التَّخْيِيرِ
( من بعد ) يتعلق بالاستقرار المقدر في الخبر قبله ( أن يؤمر ) في تأويل مصدر مضاف إليه ( بالتكفير ) يتعلق بقوله يؤمر والمعنى أن المظاهر المذكور إنما يؤجل من يوم الرفع بعد أن يؤمر بالتكفير فيمتنع ( وهي ) مبتدأ عائد على كفارة الظهار ( على الترتيب ) يتعلق بالاستقرار خبر ( لا ) عاطفة ( التخيير ) معطوف على الترتيب فكفارته عتق رقبة مؤمنة سليمة من قطع أصبع وعمى وشلل وبكم وجنون بلا شوب عوض الخ . فإن عجز عنها فصيام شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام فإطعام ستين مسكيناً فلا ينتقل لمرتبة الأبعد العجز عن التي قبلها لقوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم } إلى قوله : فإطعام ستين مسكيناً } ( المجادلة : 4 ) .كَذَاكَ أَيْضاً مَا لَهُ ظِهارُ
مَنْ لأَعْلَى الْوَطْءِ لَهُ اقْتِدَارُ
( كذاك أيضاً ما له ظهار ، من لأعلى الوطء له اقتدار ) كالشيخ الفاني والمجبوب ونحوهما ممن تقدم أنه لا يصح إيلاؤه فمن مبتدأ موصول ولا نافية عاملة عمل ليس واقتدار اسمها وله خبرها وعلى الوطء يتعلق بالاستقرار في خبرها ، والجملة بتمامها صلة الموصول ، وقوله : أيضاً مصدر آض إذا رجع وهو مع قوله كذاك منصوبان على الحال من ضمير الاستقرار في خبر ظهار وما نافية وظهار مبتدأ خبره في المجرور قبله ، والتقدير : الزوج الذي لا اقتدار كائن له على الوطء فالظهار كائن عليه أيضاً كذاك والإشارة في قوله : كذاك راجعة للمولى الذي لا قدرة له ، ويحتمل أن تكون من الموصولة بدلاً من الضمير المجرور باللام قبلها والتقدير ما ظهار كائن لمن لا اقتدار له على الوطء كذلك أيضاً ، وهذا أقرب والله أعلم .
وَإنْ يَكُنْ مُظَاهِرٌ أَوْ مُولي
عَبْداً يُؤَجَّلُ نِصْفَ ذَا التَّأْجِيلِ
( وإن يكن ) شرط ( مظاهر ) اسم يكن ( أو مولي ) معطوف عليه ( عبداً ) خبر يكن ( يؤجل ) بسكون اللام مبنياً للمفعول ونائبه ضمير العبد ( نصف ) منصوب بإسقاط الخافض أي بنصف ( ذا ) مضاف إليه ( التأجيل ) نعت لذا أو بدل ، ونصفه هو شهران كما مر ، وظاهره أن العبد يؤجل نصف التأجيل المذكور سواء كانت زوجته حرة أو أمة وهو كذلك كما أن الحر يؤجل أربعة أشهر ولو كانت زوجته أمة .
ثُمَّ الطَّلاقُ في انْقِضَاءِ الأَجَلِ
بَعْدَ تَقَضِّي المُوجِبَاتِ الأُوَّلِ
( ثم ) للترتيب الإخباري ( الطلاق ) مبتدأ ( في انقضاء ) خبره وفي بمعنى عند ( الأجل ) مضاف إليه ( بعد ) يتعلق بالاستقرار في الخبر المذكور ( تقضي الموجبات ) مجروران بالإضافة إليهما ( الأول ) بضم الهمزة وفتح الواو المخففة نعت للموجبات أي ثم أخبرك إن الطلاق يوقعه الحاكم عند الأجل المذكور وهو شهران ، لكن بعد وجوب الموجبات من ثبوت الزوجية والظهار والامتناع من التكفير والإيلاء والامتناع من الفيئة ، وهذا في العبد وأما الحر فقد تقدم ذكره في قوله : ويقع الطلاق حيث لا يفي الخ . فلا تكرار .
ولما كان هذا الطلاق رجعياً لقولهم كل طلاق يوقعه الحاكم فهو بائن إلا طلاق المولى والمعسر بالنفقة نبه الناظم على ذلك فقال :
وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فيما أصْدَرَا
مَنْ فَاءَ في العِدَّةِ أَوْ مَنْ كَفَّرَا
( ويملك الرجعة ) مفعول به ( فيما ) يتعلق بالفعل أو بالمصدر وما واقعة على الطلاق ( أصدرا ) بالبناء للفاعل أو المفعول صلة وألفه للإطلاق والعائد محذوف في المبني للفاعل أي في الطلاق الذي أصدره الحاكم والنائب في المبني للمفعول ضمير يعود على ما هو الرابط ( من )واقعة على الزوج فاعل يملك ( فاء ) صلته ( في العدة ) يتعلق به ( أو من ) معطوف على من الأول ( كفرا ) صلته والعائد فاعله المستتر ، والمعنى أن طلاق الحاكم الذي أوقعه على من لحقه الإيلاء رجعي فيملك الزوج رجعتها حيث فاء في العدة أي رجع عما كان عليه من الامتناع كانت يمينه على بر كحلفه لا أطؤها وطلقت بعد الأجل فارتجعها ووطئها في العدة إذ لا يحل له وطؤها إلا بعد الارتجاع لأنها مطلقة وكذا إن لم يطأ ولكن كفر عن يمينه بعد الارتجاع أو قبله في العدة ، وكذا لو ظاهر منها وطلقت بعد الأجل فارتجعها ووطئها في العدة أو كفر قبل الارتجاع أو بعده فيها أيضاً أو كانت يمينه على حنث كحلفه بطلاقها ليدخلن الدار ولحقه الإيلاء وطلقت عليه فدخل الدار وارتجعها في العدة أو ارتجعها ، ثم دخل الدار فيها أيضاً وطلقت فقوله : كفر أي في العدة فهو محذوف من الأواخر لدلالة الأوائل ، وقوله : فاء أي بالوطء أو بتعجيل الحنث كما في الأمثلة إلا أن الوطء لا يكون إلا بعد الرجعة لأنها مطلقة وهي لا يصح الاستمتاع بها إلا بعد الارتجاع ، فإن كفر قبل الارتجاع أو بعده في العدة أو عجل الحنث وارتجع فيه أيضاً ، لكن استمر على الامتناع من الوطء فيهما فيطلق عليه ثانياً لا للإيلاء لأنه قد انحل بل للضرر كما مر في قوله : واشترك التارك للوطء معه الخ ، وفهم من قوله فاء في العدة الخ ، أنه إذا ارتجع بدون فيئة بوطء ولا تكفير ولا تعجيل حنث في العدة لا تصح رجعته وهو كذلك ( خ ) : وتتم رجعته إن انحل وإلا ألغيت ثم إن طلاق المولى إنما يكون رجعياً في المدخول بها لا في غيرها فهو بائن كما في ابن الحاجب وغيره .
فصل في اللعانومعناه لغة البعد لعنه الله أبعده ، واصطلاحاً قال ابن عرفة : اللعان حلف الزوج على زنا زوجته أو نفيه حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض ، فاحترز بقوله اللازم له مما لو أتت به لأقل من ستة أشهر من يوم العقد أو كان خصياً فإنه ينتفي عنه بغير لعان ، وقوله : إن أوجب نكولها حدها مما لو ثبت غصبها فلا لعان عليها واللعان عليه وحده ، وبقوله بحكم قاض مما لو تلاعنا بدون حكم فليس بلعان شرعاً ولا ينبني عليه حكم ، وكذايحترز به عما لو سكت عند الوضع ، ثم أراد أن ينفيه ويلاعن فيه لأن القاضي لا يحكم باللعان في هذه الصورة لأن سكوته دليل على كذبه . وقوله حلف الزوج وحلفها الخ يصدق بما إذا حلف هو يميناً واحدة وحلفت هي كذلك ، لكن قوله : بحكم قاض يخرج ذلك لأنه لا يحكم به إلا على الوجه المشروع . ابن عرفة : ولا نص في حكمه . ابن عات : لاعن ابن الهندي زوجته بحكم صاحب الشرطة وكانت ملاعنتهما في المسجد الجامع بقرطبة سنة ثمان وثمانين وثلثمائة فلما عوتب قال : أردت إحياء سنة دثرت قال : وكان ابن الهندي تلميذ الفقيه أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم عنه أخذ ومعه تفقه ، وكان مقدماً أيضاً عند القاضي محمد بن السليم بن عرفة . إن كان اللعان لنفي الحمل فهو واجب لئلا يلحق بنسبه ما ليس منه فتجري عليه جميع أحكام الأنساب وإلاَّ فالأولى تركه بترك سببه لأنه من الأمور التي نص الشارع بالستر عليها لقوله عليه السلام : ( من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليسترها بستر الله ) ويستحب له طلاقها إن لم تتبعها نفسه ، فإن وقع سببه صدقاً وجب لوجوب دفع معرة الحد والقذف الخ . وفي المعيار عن سراج ابن العربي أن شهادة الرجل على زوجته برؤية الزنا مكروهة إذ لا تفيد أكثر من الفراق والفراق مع الستر أفضل ، وأما شهادته على نفي الحمل فواجب لئلا يلحق بنسبه ما ليس منه . وقول ابن الهندي : إحياء سنة دثرت الخ . قال الشيخ ( م ) مراده إحياء أمر أذنت فيه السنة وأباحته لا أنه مطلوب الفعل فهو كقولهم طلاق السنة . وقال البرزلي : مراده صفة اللعان أي إحياء صفته ، وقد أغنى الله تعالى عنه بما ذكر من صفته في القرآن . والستر أولى وإنما تستر بهذا الكلام حين عوتب قال : وقد وقع في زمن الأمير أبي يحيى رحمه الله تعالى ، وتلاعنا بجامع الزيتونة ، وقد وقع بعد ذلك مرة أخرى ولا غرابة في وقوع سببه في هذا الزمان لكثرة المفاسد نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن اه .
قلت : وقد وقع أيضاً مراراً بعد الأربعين والمائتين والألف بجامع القرويين من فاس صانها الله ، وإذا علمت ما مر من وجوبه فما في لامية الزقاق ونظم العمل من أن العمل جرى بترك اللعان مطلقاً من فاسق وغيره لا يعول عليه لأنه خلاف الكتاب والسنة ولا أبعد من جريان العمل بمحرم الذي هو ترك الواجب ، ولذا اعترض سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي العمل المذكور .
وَإنَّمَا لِلزَّوْجِ أنْ يَلْتَعِنَا
بِنَفْي حَمْلٍ أَوْ بِرُؤْيَةِ الزِّنا
( وإنما ) للحصر ( للزوج ) خبر عن المصدر المؤول من قوله : ( أن يلتعنا بنفي حمل ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ( أو برؤية ) معطوف على بنفي ( الزنا ) مضاف إليه والحصر منصب علىالمجرورات مع الظرف الآتي أي : وإنما الالتعان كائن للزوج لا لغيره كسيد بنفي حمل مع ادعاء الاستبراء أو برؤية الزنا لا بغيرهما من مجرد قذف بغير رؤية ، ولا نفي حمل أو بنفي حمل أمته لا مع ادعاء استبراء وعدم اللعان بمجرد القذف هو أحد المشهورين في قول ( خ ) وفي حده بمجرد القذف أو لعانه خلاف ، فاقتصر الناظم على ذلك . وقوله للزوج حقيقة أو حكماً فيدخل لعان الواطىء بالشبهة فإنه يلاعن في نفي الحمل عنه وإن لم يكن زوجاً لأنه لما كان الولد لاحقاً به إن لم يلاعن ودرىء عنه الحد كان في حكم الزوج وأطلق في الزوج فشمل الحر والعبد والفاسق دخل أم لا . كان نكاحه صحيحاً أو فاسداً ولو مجمعاً على فساده كخامسة ولا يشمل الكافر لأنا لا نتعرض لهم إلا أن يترافعوا إلينا فنحكم لهم بحكمنا . وقوله : بنفي حمل أي : والزوج ممن يمكن وطؤه لحضوره في البلد وعدم صغره وصحة العضو الذي يطأ به فلا لعان على صبي ولا مجبوب ولا على غائب ببلد لا يمكنه الوصول إليها لبعد المسافة ، بل ينتفي في ذلك كله بغير لعان . وقوله : حمل أي وكذلك الولد فيشمل من قدم من غيبته بعد موت زوجته المدخول بها فنفى ما ولدته في غيبته ، وظاهر قوله : أو برؤية الزنا أنه لا بد من ادعاء الرؤية حقيقة وهو كذلك فيمن تتأتى منه الرؤية ( خ ) تيقنه أعمى ورآه غيره اه . وظاهره أيضاً أنه لا يشترط وصف الرؤية بقوله كالمرود في المكحلة بخلاف الشهود وهو كذلك كما في ابن الحاجب والشامل وغيرهما ، وفي المدونة لا يلاعن حتى يدعي رؤية الفرج في الفرج . قال الشيخ طفي : وشهره الأبي وظاهره أيضاً أنه لا يلاعن للرؤية ولو أقام أربعة شهود على زناها وهو كذلك لكن يلاعن وحده إن شاء لينتفي عنه ما تلده لستة أشهر فأكثر من يوم الرؤية ، وإن نكل فلا حد عليه لأنه قذف غير عفيفة ، وأما هي فلا تلتعن لأن حدها قد وجب بالبينة هكذا قيل ، وتأمله مع ما يأتي في البيت بعده من أن اللعان بمجرد الرؤية لا ينتفي به الولد على المعتمد ثم لا بد من ثبوت الزوجية ولا يكفي إقرارهما به إن لم يكونا طارئين فإن كانا طارئين وجب اللعان بإقرارهما بها وقوله :
مع ادِّعائِهِ للاسْتِبْرَاءِ
وَحَيْضَةٌ بَيِّنَةُ الإجْزَاءِ
( مع ادعائه ) يتعلق بيلتعن أي : وإنما يلتعن في نفي الحمل مع الادعاء ( للاستبراء ) لا مع عدم ادعائه وقوله ( وحيضة ) مبتدأ ( بينة الأجزاء ) خبر ومضاف إليه ، والاستبراء أعم من أن يكون بالوضع أو بالمدة أو بالحيض فإذا وضعت حملها ولم يطأها بعده حتى وضعت حملاً آخر وبين الوضعين ستة أشهر فأكثر فإن له أن يلاعن في هذا الثاني لأنه يمضي الستة أشهر لا يمكن أن يكون توأماً للأول ، فيعتمد حينئذ في لعانه على الاستبراء بالوضع الأول ، وكذا لو وطئهاوأمسك عنها فأتت بولد بعد هذا الوطء لأقل من ستة أشهر من يوم الوطء المذكور أو لأكثر من أقصى أمد الحمل كخمس سنين فإنه يعتمد على لعانه في تلك المدة القليلة أو الكثيرة لأن الولد في القليلة ليس هو للوطء المذكور على زعمه لنقصه عن الستة ، ولا أنه توأم للأول لفصل الستة أشهر بينهما ولأنه في الكثيرة على زعمه زاد على أقصى أمد الحمل من يوم وطئه فيعتمد على المدة المذكورة وإن لم يكن هناك حيض ولا وضع ، وأما إن استبرأها بحيضة ولم يطأها بعدها حتى أتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الاستبراء فيعتمد على ذلك ولا إشكال فقوله : وحيضة الخ . أي لكن إن كان الاستبراء بالحيض لا بالوضع ولا بالمدة فحيضة واحدة كافية في الاعتماد عليها ، فقد اشتمل كلامه رحمه الله تعالى على صور الاعتماد الثلاثة التي هي في كلام غيره ، وسواء رآها تزني مع واحدة من تلك الصور أم لا . وما ذكره من الاعتماد على الحيضة الواحدة هو المشهور ، وقيل لا يعتمد عليها لأن الحامل عندنا تحيض واستظهره في ضيح ، ومفهوم قوله مع ادعائه الخ . أنه لا يعتمد في نفي الحمل على عزل ولا على مشابهة لغيره وإن بسواد ولا وطء بين الفخذين إن أنزل ولا وطء بغير إنزال إن أنزل قبله ولم يبل كما في ( خ ) وأنه أيضاً لا يعتمد في نفيه على الرؤية وحدها من غير استبرائها بشيء مما مرّ وهو كذلك على المشهور ، لكن هذا يلاعن للرؤية قطعاً حيث قامت المرأة بحقها في القذف ، وإذا لاعن للرؤية وادعى الوطء قبلها وعدم الاستبراء وأتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الرؤية فهل ينتفي الولد بلعان الرؤية المذكورة وهو الذي في ( خ ) حيث قال : وإن انتفى به أي بلعان الرؤية ما ولد لستة أشهر الخ . أو لا ينتفي به بل هو لازم له وهو ما صدر به ثانياً حيث قال : وإن لاعن لرؤيته وادعى الوطء قبلها فلمالك في إلزامه به الخ . وهذا الثاني هو الذي يجب اعتماده لأنها أتت به لمدة يمكن أن يكون فيها للفراش أو للزنا وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) . قال البرزلي : أجمع أهل العلم على القول به إذا أمكن أن يكون للفراش من مجيئه لستة أشهر فأكثر من يوم العقد ، وإذا كان كذلك فكيف به من مجيئه لستة أشهر فأكثر من يوم الوطء كما في الفرض المذكور ، ولا سيما والشارع متشوف للحوق الأنساب فلا ينتفي حينئذ عنه أصلاً ، ولا يمكن من اللعان فيه لعدم تقدم ما يعتمد عليه من الأمور الثلاثة . وهذا هو ظاهر النظم لأنه كغيره جعل نفي الحمل باللعان إنما هو مع ادعاء الاستبراء بشيء مما مر ، والاعتماد على الرؤية وحدها لا يكفي على المشهور ، وتأمل كيف يرجح القول بنفي الولد بلعان الرؤية مع احتمال كونه للفراش ، وقول الأب إنه من الزنا مجرد دعوى لا دليل عليها بشيء مما يعتمد عليه من الأمور الثلاثة ، بل لو صدقته المرأة عليها لم يفده ذلك لحق الولد فذلك القول مقابل للمشهور ولقول الأكثر القائلين إنه لا ينتفي إلا بلعان ولو تصادقا على نفيه ، واللعان في الفرض المذكور إنما هو لدفع حد القذف لا لنفي الولد إذ لا يمكن من اللعان فيه مع تقدم ما يعتمد عليه والله أعلم . وقوله : وحيضة بينة الأجزاء الخ . هذا إحدى المستثنيات الثلاث من قولهم استبراء الحرة بثلاث حيض كعدتها إلا في اللعان كما هنا وفي الزنا فإنها لا ترجم حتى تستبرأ بحيضة واحدة ، وفي الردة فإن المرتدة المتزوجة أو ذات السيد لا تقتل بعد الاستتابة حتى تستبرأ بحيضة واحدة أيضاً ، وفي ذلك يقول الأجهوري رحمه الله :والحرة استبراؤها كالعده
لا في لعان وزنا ورده
فإنها في كل ذا تستبرا
بحيضة فقط وقيت الضرا
وَيُسْجَنُ القَاذِفُ حتى يَلَتَعِنْ
وَإنْ أَبى فَالْحَدُّ حُكْمٌ يَقْتَرِنْ
( ويسجن ) بالبناء للمفعول ( القاذف ) نائبه ( حتى ) حرف جر ( يلتعن ) منصوب بأن مضمرة بعدها يتعلق بيسجن ( وإن أبى ) شرط ( فالحد ) مبتدأ ( حكم ) خبره ( يقترن ) بالبناء للفاعل صفة لحكم أي فالحد حكم مقرون بإبايته والجملة جواب الشرط . قال في الطرر : يجب على الزوج إذا نفى ولده أو ادعى رؤية الزنا أن يسجن حتى يلاعن ومثله في ابن سلمون ( خ ) بلعان معجل الخ . وظاهره كالناظم ولو مريضين أو أحدهما ولا يؤخر إلى البرء بل يتلاعنان عاجلاً بخلاف الحائض والنفساء فيؤخران معه كما في الشامل ، ومحل وجوب الالتعان إذا رفعته الزوجة ولم يطأ بعد الرؤية ولا سكت بعد علمه بالحمل كما يأتي .
وَمَا بِحَمْلٍ بِثُبُوتِهِ يَقَعْ
وَقَدْ أَتَى عَنْ مَالِكٍ حتَّى تَضَعْ
( وما ) موصولة واقعة على اللعان مبتدأ ( بحمل ) يتعلق بمحذوف خاص صلة ( بثبوته ) يتعلق بقوله ( يقع ) والجملة خبر المبتدأ والتقدير : واللعان الذي وجب بسبب نفي حمل يقع بعد ثبوته بشهادة امرأتين لا قبل ثبوته ، وظاهره اتفاقاً ولا يؤخر اللعان للوضع على المشهور ، وقيل يؤخر وهو معنى قوله : ( وقد أتى عن مالك ) وهو قول أبي حنيفة وابن الماجشون أنه لا لعان ( حتى تضع ) لاحتمال أن يكون ريحاً فينفش ، ورد بحديث الصحيحين وغيرهما ؛ أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لاعن بين العجلاني وزوجته وهي حامل ، وظاهر النظم أنه إذا لاعن بعد ثبوته ثم أنفش لا حدّ عليه وهو كذلك قال في الشامل : لاحتمال إخفاء سقط ، وظاهره أيضاً أنه لا فرق بين المدخول بها وغيرها وهو كذلك لأن غير المدخول بها إذا ظهر بها حمل وادعت أنه كان يصيبها بعد العقد ،وكان مما يمكنه ذلك كما مرّ وكذبها هو فلا ينتفي الحمل إلا بلعان ولا يؤخران للوضع ثم إن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم العقد فاللعان في محله ويترتب عليه آثاره ولها نصف الصداق ، وإن وضعته لأقل من ستة أشهر فلا صداق لها ولا يتأبد تحريمها لأنه لاعن غير زوجة كما يأتي آخر الباب ، وفي البرزلي : أن عياضاً سأل ابن رشد عن امرأة ادعت نكاح رجل وأثبتته وأثبتت ابتناءه بها وخلوته معها وحملها منه وحضر الرجل واعترف بجميع ذلك إلا الحمل فقال : ما وطئتها قط واعترف بالخلوة فاحتجت المرأة بأن في عقد المباراة إشهاده على نفسه بأنه بنى بها فقال : لم أعرف معنى البناء وظننته الزواج وتقيد ذلك عليه ووضعت المرأة حملها فهل يلحق بالزوج وهل يقبل قوله في جهل البناء والابتناء وهو من غير أهل الطلب وهل يلاعن بلا خلاف لإقراره بالبناء فهو كمن قذف ولم يدع استبراء ؟ فأجابه : بأنه يلزمه الولد إلا أن ينفيه بلعان اه .
قلت : حاصله أن الرجل المذكور اعترف بالخلوة وأنكر الوطء وادعته هي وهي مصدقة فيه فلا ينتفي عنه إلا بلعان ، إذ لو لم تكن هناك خلوة وادعت ذلك وكان مما يمكنه الوصول إليها لم ينتف عنه إلا بذلك كما مر ، وأما اعترافه بالبناء فلا يستلزم الوطء إذ هو كالدخول عبارة عن كون المرأة في حجابه كما يدل عليه قول الناظم فيما مر : إلا اعتراضاً كان بعدما دخل . والوطء الخ . فلذلك لم يرتب حكماً على اعترافه به وإلاَّ لو كان البناء هو الوطء أو يستلزمه لم يكن من اللعان أصلاً وإن ادعى جهل معناه فلا يعذر به لتعلق حق الغير وإنما قلنا لا يمكن منه لعدم تقدم ما يعتمد عليه من الاستبراء والله أعلم .
وَيَبْدَأُ الزَّوْجُ بِالالِتعانِ
لِدَفْعِ حَدَ أَرْبَع الأيْمَانِ
( ويبدأ الزوج ) فعل وفاعل ( بالالتعان ) يتعلق به ( لدفع حد ) مجرور ومضاف إليه يتعلق بيبدأ ( أربع ) بالخفض على حذف الجار يتعلق بالالتعان ويجوز نصبه على أنه مفعول بالالتعان لأنه بمعنى الحلف كما مرّ ( الأيمان ) مضاف إليه .
إثْبَاتاً أوْ نَفْياً عَلَى مَا وَجَبَا
مُخَمِّساً بِلَعْنَةٍ إنْ كَذَبَا
( إثباتاً أو نفياً ) مصدر إن بمعنى الفاعل حالان من ضمير الزوج الذي عوضت أل منه في الالتعان أي : ويبدأ الزوج بحلفه أربع أيمان حالة كونه مثبتاً في الرؤية نافياً في الحمل ، ويحتمل أنهما منصوبان على إسقاط الخافض أي على الإثبات والنفي . ( على ما ) موصول على حذفمضاف يتعلق بمحذوف حال ( وجبا ) صلة الموصول أي مثبتاً أو نافياً على حسب ما يجب عليه من ذلك ، ومن الصيغة التي أشهد بالله أو والله ونحوهما . ويحتمل وهو الأقرب أن يكون قوله إثباتاً أو نفياً بياناً لما أي يبدأ الزوج لدفع حد بحلفه أربع أيمان حال كونها على حسب ما وجب عليه من الإثبات والنفي والصيغة والله أعلم . ( مخمساً ) حال من الضمير المذكور ( بلعنة ) يتعلق به ( إن كذبا ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه ، والمعنى أن صفة اللعان بين الزوجين أن يبدأ الزوج باللعان لدفع الحد عنه إن كانت الزوجة حرة مسلمة أو الأب إن كانت أمة أو كتابية فيحلف أربع أيمان على ما وجب عليه من الإثبات في الرؤية أو النفي في نفي الحمل فيقول : أشهد بالله لقد رأيتها تزني أربع مرات أو ما هذا الحمل مني كذلك ، ويصل خامسة بلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيهما ، وظاهره أن الزوج يبدأ بالالتعان وجوباً وهو قول أشهب ، وعليه إذا بدأت هي فتعيده . وقال ابن القاسم : يبدأ الزوج استحباباً فإن بدأت هي فلا تعيد ( خ ) وفي إعادتها إن بدأت هي خلاف ، ومحله ما لم تحلف بصيغة لقد كذب وإلاَّ أعادت بلا خلاف وظاهره أيضاً أنه لا يتعين لفظ أشهد بل لو قال : بالله أو والله لرأيتها تزني أو ما هذا الحمل مني لكفاه وهو قول أصبغ والمشهور تعيينه وأنه لا يجزي غيره كما يأتي عن ( خ ) وظاهره أيضاً أنه لا يشترط زيادة الذي لا إله إلا هو ولا عالم الغيب والشهادة وهو كذلك ، وإنما يشترط كونه في أعظم الأماكن كالمساجد كما قدمه في باب اليمين حيث قال : وما كمثل الدم واللعان الخ .
وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعا
لِتَدْرَأَ الحَدَّ بِنَفْي ما ادَّعَى
( وتحلف الزوجة ) فعل وفاعل ( بعد ) ظرف مقطوع مبني يتعلق بالفعل قبله ( أربعاً ) نائب عن مفعول مطلق أي حلفات أربعاً ( لتدرأ ) منصوب بأن مضمرة بعد اللام وفاعله ضمير الزوجة ( الحد ) مفعول به ( بنفي ) يتعلق بتدرأ والباء سببية ، ويحتمل أنها بمعنى ( على ) تتعلق بحلف ( ما ) موصول مضاف إليه ( ادعى ) صلة ما والرابط محذوف أي تحلف أربعاً على نفي ما ادعاه من الرؤية أو نفي الحمل لتدرأ الحد عنها .
تخْمِيسُها بِغَضَبٍ إنْ صَدَقَا
ثُمَّ إذَا تمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا
( تخميسها ) مبتدأ ( بغضب ) يتعلق به والخبر محذوف للعلم به أي واجب أو ثابت ، ويحتمل أن يكون المجرور يتعلق بذلك الخبر والأول أقرب ( إن صدقا ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال ربطت بالضمير فقط ، والمعنى أن الزوجةتحلف بعد لعان الزوج فتقول : أشهد بالله ما رآني أزني أو ما زنيت أربع مرات ، وأن هذا الحمل منه كذلك أو تقول : لقد كذب فيهما أربع مرات أيضاً وتصل خامستها بغضب الله عليها إن كان من الصادقين أو إن صدق فتبين أنه لا بد من لفظ أشهد في حق الزوج والزوجة خلافاً لظاهر النظم ، ومن لفظ اللعان في حق الزوج والغضب في حق الزوجة ( خ ) ووجب أشهد واللعن والغضب وبأشرف البلد وبحضور جماعة أقلها أربعة وندب إثر صلاة وتخويفها وخصوصاً عند الخامسة والقول بأنها موجبة العذاب الخ . ( ثم ) عاطفة ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( تم اللعان ) فعل وفاعل في محل جر بإضافة إذا ( افترقا ) فعل وفاعل جواب إذا وألفه للتثنية أي : إذا تم التعانهما على الصفة المتقدمة وقعت الفرقة بينهما بلا طلاق كان قبل البناء أو بعده ولها نصف الصداق إن كان قبل البناء كما مر ، وظاهره أنه بمجرد تمام الالتعان تقع الفرقة من غير حكم وهو كذلك على المشهور .
وَيَسْقُطُ الحَدُّ وَيَنْتَفِي الولَدْ
ويحْرُمُ العَوْدُ إلَى طُوله الأَمَدْ
( ويسقط الحد ) فعل وفاعل ( وينتفي الولد ويحرم العود ) جملتان معطوفتان على الأولى ( إلى طول الأمد ) يتعلق بيحرم أي بتمام اللعان يقع الفراق ويسقط حد الزنا عنهما وينقطع نسب الولد من الزوج ويحرم عليهما العود للنكاح أبداً ، لكن ظاهره أن نفي الولد يتوقف على لعان الزوجة وليس كذلك ، بل بمجرد لعان الزوج ينقطع نسبه منه وإن لم تلاعن هي بل نكلت وحينئذ فلعان الزوج تنبني عليه ثلاثة أحكام : درء الحد عنه كما مر في قوله : ويبدأ الزوج بالالتعان لدفع حد الخ . ونفي الولد عنه وإيجاب الحد على المرأة إن لم تلاعن . وهذه الثلاث مفهومة من قول الناظم : لتدرأ الحد الخ . وينبني على لعان الزوجة ثلاثة أيضاً وقوع الفسخ بلا طلاق ، وسقوط الحد عن الزوجة وتأبيد الجرمة ( خ ) وبالتعانهما تأبيد جرمتها ، وإن ملكت أو أنفش حملها أي لاحتمال أن تكون أسقطته فقوله : ويسقط الحد الخ . مستغنى عنه لأنه إن أراد سقوط الحد عنه فقد قدمه في قوله : لدفع حد وإن أراد سقوط الحد عنها فقد قدمه أيضاً في قوله لتدرأ الحد والله أعلم .
والفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي
دُونَ طَلاَقٍ وبِحُكْمِ القَاضي
( والفسخ ) مبتدأ ( من بعد اللعان ) يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( ماض دون طلاق ) يتعلق بمحذوف حال من الضمير في ماض . ( وبحكم ) معطوف على دون والباء بمعنى مع ( القاضي )مضاف إليه والمعنى أن فرقة المتلاعنين هي فسخ بلا طلاق كما مرّ ، لكن مع حكم القاضي فلا تقع حتى يحكم بها وما ذكر من توقفها على حكم الحاكم وإن قاله ابن القاسم ضعيف ، والمذهب ما تقدم من أن النكاح يفسخ بينهما بغير طلاق بمجرد تمام اللعان كما أفاده أولاً . فلو استغنى عن هذا بما مر لكفاه ، ولعله أراد أن يشير إلى أن في المسألة قولين وأن القول بتوقفها على الحكم وإن لم يكن مشهوراً لا ينبغي إهمال ذكره كل الإهمال لكونه قوي الحجة لما ورد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال للمتلاعنين : ( قوما فقد فرقت بينكما ووجبت النار لأحدكما ) فلولا أن الفسخ يحتاج إلى حكم ما قال فقد فرقت بينكما ، ويحتمل وهو الظاهر أن قوله : وبحكم القاضي راجع لأصل اللعان أي لا يوجب التأبيد والفسخ إلا إذا كان بحكم قاض كما مر في حد ابن عرفة .
ومُكْذِبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ التَحِقْ
وَلَدُهُ وَحُدَّ والتَّحْرِيمُ حَقْ
( ومكذب ) من أكذب الرباعي مبتدأ سوغه كونه صفة وتعلق ( لنفسه بعد ) به أي وملاعن مكذب لنفسه بعد التعانهما ( التحق ولده ) فعل وفاعل خبر المبتدأ والعائد محذوف أي به ( وحد ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير المكذب ، والجملة معطوفة على الخبر والمعطوف على الخبر خبر ( والتحريم ) مبتدأ ( حق ) فعل ماض بمعنى وجب خبره والجملة معطوفة على التي قبلها أيضاً .
ورَاجِعٌ قَبْلَ التَّمامِ مِنْهُمَا
يُحَدُّ والنِّكاحُ لَنْ يَنْفَصما
( وراجع ) مبتدأ سوغه ما تقدم ( قبل التمام منهما ) يتعلقان به وجملة ( يحد ) بالبناء للمفعول خبر ( والنكاح ) مبتدأ ( لن ينفصما ) خبره وألفه للإطلاق ، وأصل الفصم القطع بلا إبانة ، وأما القصم بالقاف فهو القطع مع الإبانة وهو هنا كناية عن عدم فسخ النكاح . وحاصل البيتين أن الملاعن المكذب لنفسه بعد تمام اللعان بينهما يلحق به ولده الذي نفاه باللعان ويحد لاعترافه بقذفها ولها العفو عنه ، وأما تأبيد التحريم الحاصل بينهما فواجب لا يرتفع بتكذيبه لنفسه ، ومفهوم بعد أنه إذا كذب أحدهما نفسه قبل التمام وهو معنى قوله : وراجع الخ . فإنه يحد حد القذف إن رجع هو أو حد الزنا إن رجعت هي والنكاح لا ينفسخ فمن مات منهما ولو بالحد ورثه الآخر .
وسَاكِتٌ والحَمْلُ حَمْلٌ بَيِّنُ
يُحَدُّ مُطْلَقاً وَلا يَلْتَعِنُ( وساكت ) مبتدأ سوغه كونه صفة لمحذوف أي وزوج قاذف ساكت ( والحمل ) مبتدأ ( حمل ) خبره ( بين ) صفة له والجملة حالية والرابط الواو ( يحد ) بالبناء للمفعول نائبه ضمير الساكت والجملة خبر عن الساكت ( مطلقاً ) حال ( ولا يلتعن ) جملة معطوفة على جملة الخبر والمعطوف على الخبر خبر إذ يصح أن يقال : والساكت لا يلتعن الخ . والمعنى أن الحمل إذا كان بيناً ظاهراً بالزوجة وسكت عنه الزوج مدة بعد علمه به ، ثم أراد أن ينفيه بلعان فإنه لا يمكن من اللعان ويحد مطلقاً طال سكوته كالشهر أم لم يطل كاليوم واليومين كما في المدونة ما لم يسكت لعذر ، وهذا إذا ثبت سكوته بعد العلم به بإقرار أو بينة على أن علمه به لا يعلم إلا من قوله : وساكت الخ . وأحرى الوطء لأنه إذا كان مجرد السكوت بعد العلم بالحمل يمنع من اللعان فأحرى الوطء ، وإن لم يصحبه سكوت . وقوله : حمل بين وأحرى الساكت بعد الوضع .
وَمِثْلُهُ الواطِىءُ بَعْدَ الرُّؤْيَهْ
وَيُلْحَقُ الوَلَدُ حَدَّ الفِرَّيَهْ
( ومثله ) خبر عن قوله ( الواطىء بعد الرؤيه ) يتعلق بالواطىء ( ويلحق ) بالبناء للمفعول ( الولد ) نائبه ( حد ) مفعول مطلق بيحد في البيت قبله ( الفريه ) مضاف إليه أي يحد حد القذف ، والحد في الواطىء بعد الرؤية مفهوم من قوله ومثله الخ . وقوله : الولد راجع لهما أي الساكت مع علمه بالحمل يحد حد الفرية أي الكذبة مطلقاً ومثله في وجوب الحد وعدم التمكين من اللعان الواطىء بعد رؤية الزنا ويلحق الولد بالزوج فيهما . والحاصل أن الحمل يمنع من اللعان فيه أحد أمرين : السكوت أو الوطء ، وأما الرؤية فلا يمنع من اللعان فيها إلا الوطء وإلى المسألتين أشار ( خ ) بقوله : وإن وطىء أو أقر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع الخ .
وَإنْ تَضَعْ بَعْدَ اللِّعان لأَقَلْ
مِنْ سِتةِ الأَشْهُرِ فالمَهْرُ بَطَلْ
( وأن تضع ) شرط ( بعد اللعان لأقل ) يتعلقان به ( من ستة الأشهر ) يتعلق بأقل ( فالمهر ) مبتدأ خبره ( بطل ) والجملة جواب الشرط .
ولَيْسَ للتَّحْرِيم مِنْ تَأْبيدِ
إذِ النِّكاحُ كان كالمَفْقُودِ
( وليس ) فعل ناقص ( للتحريم ) خبرها مقدم ( من تأبيد ) اسمها جر بمن الزائدة والجملةمعطوفة على جملة الجواب والمعطوف على الجواب جواب ( إذ ) تعليلية يتنازعه قوله : بطل والاستقرار في خبر ليس ( النكاح ) مبتدأ ( كان ) فعل ناقص واسمها ضمير النكاح ( كالمفقود ) خبرها . والكاف بمعنى مثل ، والمعنى أن من عقد على امرأة وقبل الدخول بها أو بعده ظهر بها حمل وزعمت أنه منه فأنكره وتلاعنا فيه بعد ثبوته كما تقدم في قوله : وما بحمل بثبوته يقع الخ . ثم بعد اللعان وضعته كاملاً لأقل من ستة أشهر من يوم العقد قلة بينة كستة أشهر إلا ستة أيام لا خمسة فإنها من حيز الستة فإنها لا مهر لها وإن كان دفع لها نصفه استرده ، وأما المدخول بها فلها المسمى إن لم تكن عالمة بالحمل ولا يتأبد عليه التحريم فيهما من حيث اللعان بل يتأبد عليه التحريم في الثانية من حيث الوطء في العدة حيث لم تكن عالمة كما هو الموضوع ، وإلاَّ فلا يتأبد ، وله العقد عليها بعد وضعها كما في المعيار فانظره . وعلة بطلان المهر في غير المدخول بها وعدم التأبيد فيهما أن النكاح بينهما كان مثل النكاح المفقود الذي لا ينبني عليه حكم لأنها بوضعها لأقل من ستة أشهر تبين فساد العقد لكونها في عدة استبراء فهي غير زوجة شرعاً فلا أثر للعانهما ولا صداق فيما فسخ قبل الدخول ، وبهذا التقرير علم أن قوله : وإن تضع الخ . شامل للمدخول بها وغيرها . وقوله : فالمهر بطل خاص بغير المدخول بها إذ المدخول بها لا يتوهم فيها سقوط المهر ما لم تكن عالمة وحدها بحملها وقت العقد أو الدخول وإلاَّ فهي غارة لا شيء لها إلا ربع دينار وحينئذ فيكون قوله فالمهر بطل راجعاً لهما بقيد الغرور في المدخول بها . وقوله : وليس للتحريم الخ راجع لهما أيضاً والله أعلم . وما ذكره الناظم نقله ابن سلمون عن ابن الماجشون ، ووجهه ظاهر كما تقدم في حد ابن عرفة أول الباب ، لكن تعليل عدم التأبيد يكون النكاح كالمفقود غير بين لأن النكاح المجمع على فساده كالخامسة يتأبد فيه التحريم باللعان كما يدل عليه إطلاق ( خ ) في قوله : إنما يلاعن زوج وإن فسد نكاحه . وفي قوله : وبالتعانهما تأبيد حرمتهما ، وقد حكى ابن سلمون قولين في تأبيد التحريم وعدمه فيما إذا تلاعنا في نفي الحمل بعد البينونة ، وظاهر كلامهم أن التأبيد هو المعتمد وإن لم تكن له زوجة وقت اللعان فالأولى أو الواجب حينئذ تعليل عدم التأبيد بتحقق نفي سبب اللعان من كون الغيب كشف على أن الحمل ليس منه قطعاً ، وأنه ينتفي بلا لعان كما أنه إذا لاعن في حمل وتحقق انفشاشه بعد فلا تأبيد أيضاً فيكون محل التأبيد في كلامهم ما لم يكشف الغيب بصدقها أو صدقه . نعم تعليل بطلان الصداق بكون النكاح كالمفقود ظاهر في غير المدخول بها ، وأما المدخول بها فعلته الغرور كما مر ، ويمكن تمشية الناظم عليه بأن يجعل قوله : إذ النكاح الخ . تعليلاً لبطلان الصداق فقط في غير المدخول بها فقط ويكون ساكتاً عن تعليل عدم التأبيد وعن تعليل بطلان الصداق في المدخول بها والله أعلم .
باب الطلاق والرجعة وما يتعلق بهما
والطلاق لغة حل الوثاق يقال : أطلق الفرس والأسير ، وفي الشرع رفع القيد الثابت شرعاً بالنكاح فخرج بقوله : شرعاً القيد الحسي وهو حل الوثاق ، وبقوله بالنكاح العتق فإنه رفع قيد ثابت شرعاً لكنه لم يثبت بالنكاح قاله القسطلاني . وقال ابن عرفة : الطلاق صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجب تكررها مرتين للحر ومرة لذي الرق حرمتها عليه قبل زوج اه . فقوله : صفة جنس ، وقوله حكمية أخرج به الصفات الحسية لأن الطلاق معنى تقديري اعتباري يقدره الشرح والعقل ويعتبره لا حسي كذا تلقينا من بعض الأشياخ ، وخرج بقوله : ترفع حلية الخ ، الطهارة والقضاء ونحوهما . وقوله حلية لا بد من ذكرها لأن المتعة لا ترفع ، وإنما يرفع المتعلق بها وهو الحلية . وبقوله بزوجته حلية المتعة بغيرها كالأمة . وبقوله موجب تكررها الخ . رفع الحلية بها بالدخول في الإحرام بالحج أو العمرة أو بالدخول في الاعتكاف أو الصلاة ونحو ذلك . فقوله : موجب بالرفع صفة للصفة جرت على غير من هي له .
وفي بعض النسخ بالنصب على الحال من صفة أو من ضمير ترفع وأما الرجعة بكسر الراء في استعمال الفقهاء ، وفي اللغة بالفتح والكسر فقال ابن عرفة : هي رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة بطلاقها فتخرج المراجعة لأن الرجعة من الطلاق الرجعي ، والمراجعة من البائن ، ولذلك يعبرون فيها بالمفاعلة التي لا تكون إلا من اثنين في الغالب وأدخل بقوله : أو الحاكم صورة ما إذا طلق في الحيض وامتنع من الرجعة فإن الحاكم يرتجعها له جبراً عليه ويجوز له بها الوطء كما يأتي في قول الناظم : وموقع الطلاق دون طهر الخ . وخرج بقوله حرمة الخ . رفع الحلية فإنه نفس الطلاق كما مر . وبقوله : بطلاقها المتعلق بحرمة رفع حرمة الظهار بالتكفير ، ثم إن الطلاق على قسمين : سني وبدعي ، فالسني ما اجتمعت فيه شروط أربعة ومهما اختل واحد منها أو كلها فبدعي كما أشار لذلك الناظم بقوله :
مِنَ الطَّلاقُ الطَّلْقةُ السُّنِّيَّهْ
إنْ حَصَلَتْ شُرُوطُها المَرْعيَّهْ
( من الطلاق ) خبر مقدم ( الطلقة ) مبتدأ ( السنية ) نعت له ( إن حصلت ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه ( شروطها ) فاعل ( المرعية ) نعت .
وَهْيَ الوُقُوعُ حَالَ طُهْرٍ وَاحِدَهْ
مِنْ غَيْرِ مَسَ وَارْتِدَافٍ زَائِدَهْ( وهي ) مبتدأ عائد على الشروط ( الوقوع ) خبر ( حال طهر ) ظرف يتعلق بالوقوع أي في وقت الطهر ( واحده ) بالنصب حال أو بالرفع عطف على الوقوع بحذف العاطف ( من غير مس ) يتعلق بمحذوف حال بعد حال أو معطوف بحذف العاطف ( وارتداف ) معطوف على مس ( زائده ) نعت لمحذوف أي : وارتداف طلقة زائدة ، والمعنى أن الطلاق السني له شروط أولها أن يوقعه في وقت الطهر لا في وقت الحيض والنفاس ، وأن يكون طلقة واحدة لا أكثر وأن لا يكون مسها أي وطئها في ذلك الطهر الذي طلقها فيه ، وأن لا يردف في العدة طلقة زائدة على الطلقة الأولى ، وزاد في التلقين شرطين آخرين : أن لا يكون في طهر تالٍ لحيض طلق فيه وأجبر على الرجعة ، وأن تكون المرأة ممن تحيض لا يائسة أو صغيرة اه . ويغني عن الثاني قوله حال طهر لأن الطهر ما تقدمته حيضة وتأخرت عنه أخرى ، وذلك مفقود في اليائسة والصغيرة ، فلو أراد الناظم الإشارة إلى ذلك لقال :
ممن تحيض ليس في طهر تبع
طلاق مجبور على أن يرتجع
قاله ( ت ) وحينئذ فإن توفرت هذه الشروط الخمسة أو الستة كان الطلاق سنياً أو منسوباً لما أذنت فيه السنة وأباحته وليس المعنى أنه يكون مع الشروط سنة يثاب على فعله كما هو المتبادر ، بل المعنى أن السنة والشرع أذنا في فعله وتركه فهو مباح الفعل لا راجحه وفي الحديث : ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) . قال الخطابي تنصرف الكراهة هنا إلى السبب الجالب للطلاق وهو سوء العشرة وقلة الموافقة لأن الطلاق مباح قاله في المتيطية . وعن علي رضي الله عنه : تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش . وعنه أيضاً أنه كان يضجر من كثرة تطليق ابنه الحسن فكان يقول في خطبته على المنبر : إن حسناً رجل مطلاق فلا تنكحوه حتى قام رجل من همدان فقال : والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فإن أحب أمسك وإن أحب ترك . فسر بذلك علي رضي الله عنه . فإن قيل : كيف يكون أبغض الحلال إلى الله الطلاق مع أن الله أباحه ، وفعله عليه الصلاة والسلام فقد طلق حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ثم ارتجعها بأمر من الله تعالى نزل جبريل عليه السلام عليه أن راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة خرجه غير واحد كما في ابن حجر ، وطلق العالية بنت ضبيان وهي التي كان يقال لها أم المساكين ونكحت في حياته قبل أن ينزل تحريم نسائه . وأجيب بجوابين . أحدهما : أن البغض مصروف للسبب الجالب للطلاق كما مرّ ، وثانيهما لابن عرفة أن المعنى أقرب الحلال إلى الله بغض الله الطلاق فنقيضه أبعد عن بغض الله فيكون أحل من الطلاق أي : فيكون تركه عند الله أولىوأرجح ، وقد يعرض وجوبه كما إذا فسد ما بينهما ولا يسلم دينه معها وحرمته إن خيف من ارتكابه وقوع كبيرة ، وكراهته إن كان كل منهما قائماً بحق الآخر ، واستحبابه إن كانت غير صينة ولم تتبعها نفسه ، وأول من طلق إسماعيل عليه السلام .
ثم أشار الناظم إلى أن الطلاق السني ينقسم إلى قسمين فقال :
مِنْ ذَاك بائِنٌ وَمِنْهُ رَجْعِي
وَمَا عَدَا السُّنِّيّ فَهْوَ بِدْعي
( من ذاك بائن ) مبتدأ وخبر ومثاله الطلقة الواحدة التي صادفت آخر الثلاث فهي من حيث وجود تلك الشروط سنية ، ومن حيث إنها صادفت آخر الثلاث بائنة فقد نقل اللخمي عن أشهب جواز طلاق الواحدة المصادفة لآخر الثلاث فتكون سنية بائنة إذ لا تحل له بها إلا بعد زوج ، وكذا الطلاق بعوض وهو طلاق الخلع مع الشروط المذكورة فهو سني بائن ، وأما في الحيض فهو بدعي بائن ككونه بلفظ الخلع بغير عوض أو بلفظ التمليك كما يقتضيه كلام الناظم الآتي في قوله : منه مملك ومنه الخلعي الخ . وطلاق غير المدخول بها ولو في الحيض على مذهب ابن القاسم سني بائن . وقال أشهب : بل هو في الحيض بدعي بائن كما نقل الشارح .
قلت : وهو ظاهر النظم لأنه أطلق في تلك الشروط فلم يفرق فيها بين مدخول بها وغيرها . ( ومنه الرجعي ) كطلقة بعد البناء بالشروط المذكورة لم تصادف الثلاث ( وما ) موصولة واقعة على الطلاق ( عدا السني ) يتعلق بالاستقرار المقدر ( فهو بدعي ) مبتدأ وخبر ، والجملة خبر الموصول ودخلت الفاء في خبره لشبهه بالشرط أي : والطلاق الذي استقر عدا الطلاق السني بدعي ، وهو الواقع في حيض مدخولاً بها أم لا ، على قول أشهب أو في طهر مسها فيه أو أكثر من واحدة أو أردفه في العدة أو في طهر تال لحيض طلق فيه ، وأجبر عن الرجعة والبدعي ممنوع في الحيض مكروه في غيره ( خ ) : طلاق السنة واحدة بطهر لم يمس فيه بلا عدة وإلاَّ فبدعي ، وكره في غير الحيض إلى أن قال : ومنع فيه ووقع وأجبر على الرجعة الخ . وقال في التلقين : الطلاق على ضربين . طلاق سنة وطلاق بدعة . ويتفرعان إلى قسم ثالث وهو أن يعرى عن وصفه بواحد منهما ، فالسني ما وقع على الوجه الذي أباح الشرع إيقاعه عليه ، والبدعي نقيضه وهو الواقع على غير الوجه المشروع ، والسنة والبدعة يرجعان إلى أمرين : إلى الوقت والعدد ، ثم قال : وأما من تتساوى أوقاتها في جواز طلاقها فثلاث : الصغيرة واليائسة والحامل البين حملها ، فطلاق هؤلاء لا يوصف بسنة ولا بدعة من حيث الوقت ويوصف بذلك من حيث العدد اه بنقل بعضهم وينقسم البدعي الذي اختل فيه بعض الشروط إلى رجعي وبائن أيضاً كما قال :ومِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعي
وَذُو الثَّلاث مُطَلِّقاً وَرَجْعِي
( ومنه مملك ) كانت طالق طلقة مملكة أو تملكين بها نفسك وهو طلاق الخلع بغير عوض كما يأتي : ( ومنه الخلعي ) أي الطلاق بلفظ الخلع من غير عوض لأنه وإن كان متحداً مع المملك في المعنى ، لكنهما اختلفا في اللفظ كما يأتي عن المتيطية ، وأما بعوض فهو جائز كما مرّ ( و ) منه ( ذو الثلاث ) في كلمة واحدة ( مطلقاً ) كان قبل البناء أو بعده بلفظ الثلاث أو البتة ولا يدخل فيه الواحدة المصادفة لآخر الثلاث لأنه تقدم جوازها وأنها سنية حيث توفرت الشروط كما لا يدخل فيه الطلاق بعوض مع توفر الشروط أيضاً كما مر ، وبهذا التقرير علم أن البدعي أعم من السني لا نقيضه لأن منه ما اختلت فيه بعض الشروط المتقدمة وما لم تختل فيه كالطلاق المملك أو بلفظ الخلع من غير عوض مع وجود الشروط فيهما ، وقد نص على كون المملك والخلعي غير سنيين . ابن سلمون والمتيطي : نعم لو زادوا في شروط السني كونه غير مملك أو كونه بغير لفظ الخلع لانحصر البدعي في خلاف السني على ما يظهر ، وقوله : وذو الثلاث مبتدأ والخبر محذوف كما قررنا ومطلقاً حال وهو محترز قوله في شروط السني واحدة . ( ورجعي ) خبر لمبتدأ محذوف أيضاً أي ومن البدعي رجعي كطلقة واحدة في حيض أو في طهر مس فيه أو في العدة .
تنبيه : قولهم : إن الطلاق بلفظ الخلع بائن ولو بلا عوض الخ . قيل : إنما كان بائناً لأن من لازم كونه خلعياً جريان أحكام الخلع فيه ، ومن جملتها سقوط النفقة أيام العدة ، فالعوض حينئذ موجود وهو سقوط النفقة ، لكن ظاهر كلامهم أنه خلع ولو لم ترض بإسقاطها مع أنه حق لها يتوقف على رضاها وهو مشكل قاله ابن عاشر .
قلت : رأيت في اختصار مسائل القاضي عبد الوهاب لأبي الحسن بن القصار ما نصه : ويجوز الخلع عندنا بغير عوض ، ويجب أن يكون بلفظ الخلع وطلب الزوجة ذلك وهو أن يقول : قد خالعتك . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يكون خلعاً إلا بعوض فإذا عري عن العوض فهو طلاق اه . فتأمل قوله : وطلب الزوجة ذلك الخ . فيه ينتفي الإشكال المذكور ، وتأمل الطلاق المملك الذي نص عليه ابن سلمون والناظم فإنه مما نحن فيه ويجري ما ذكر فيه أيضاً فلا يكون إلا برضاها لأنه يريد أن يسقط حقها من النفقة فالمملك هو الخلع بلا عوض في المعنى ، وإنما اختلفا في اللفظ . وتأمل هذا المملك فإنه الجاري عند الناس اليوم مع أن البينونة بغير عوض يجب أن تكون بلفظ الخلع ، وأن تكون المرأة طالبة لذلك كما مر عن عبد الوهاب ، فالمملك وارد على قولهم يجب أن تكون بلفظ الخلع إلا أن يقال به أو بما في معناه ، وكذا لو طلقها بلفظ البينونة كما يأتي عن الشامل فقوله : طلقها طلقة واحدة بائنة فإنها بينونة بغير عوض أيضاً من غيرلفظ الخلع . وبالجملة فهذه الألفاظ تبين بها الزوجة وإن لم يكن هناك عوض ، والبينونة وإن كانت هي الثلاث عند الأقدمين كما في ( خ ) لكن عرف الناس اليوم أنها واحدة بائنة كما يأتي ويبقى النظر في النفقة ، والظاهر أنه لا شيء لها وإن لم تكن طالبة كما يدل على ذلك إطلاقاتهم ، ولو كانت لها لوجبت لها في الطلاق ثلاثاً ولم يقل بذلك أحد . وفي المعيار أن سكوت الأئمة عن الشيء يدل على أنه لا عبرة به ، ويدل على أن المملك والخلعي بغير عوض شيء واحد في المعنى على ما يأتي نقله عند قوله : وفي الملك خلاف الخ . وعليه فالبينونة وجبت في لفظ الخلع بغير عوض من أجل أنه نوى به البينونة ، وهكذا المملك لا من أجل كونها في مقابلة النفقة كما قيل والله أعلم .
وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ في الرَّجْعِيِّ
قَبْلَ انْقِضَاءِ الأمَدِ المَرْعِيِّ
( ويملك ) فاعله ضمير الزوج ( الرجعة ) مفعول به وتقدم تعريفها ( في الرجعي ) يتعلق بقوله يملك والرجعي . كما في المتيطية ما وقع بعد الدخول غير مقارن لفداء قاصراً عن الثلاث للحر واثنين للعبد فإن اختل أحد هذه الشروط الثلاث لم يكن رجعياً بل بائناً كما يأتي ، وأطلق في الرجعي فشمل السني والبدعي فالكل يملك الرجعة فيه . ( قبل انقضاء الأمد المرعي ) في بينونتها وهو انقضاء العدة الآتي بيانها من الإقراء أو الشهور أو الوضع فالظرف يتعلق بقوله : يملك والمرعي صفة للأمد فإن زعمت انقضاء عدتها فلا يملك ارتجاعها إن مضى من العدة ما يشبه أن تنقضي فيه ( خ ) وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين ما أمكن الخ . ولا يجري ههنا ما به العمل من أنها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر كما قد يتوهمه قصير الباع ، إذ ليس ذلك في مثل هذا لأن الفروج يحتاط لها . والله أعلم فإن ماتت واختلف الزوج والورثة في انقضاء عدتها وعدمه فانظر حكم ذلك في التنبيه الرابع الآتي عند قول الناظم :
ومن مريض ومتى من المرض
مات فللزوجة الإرث المفترض
وَلا افْتِقَارَ فيهِ لِلصَّدَاقِ
وَالإذْنِ وَالوَليِّ باتِّفَاقِ
( ولا ) نافية للجنس ( افتقار ) اسمها ( فيه ) خبرها وضميره للارتجاع المفهوم من الرجعة ( للصداق ) يتعلق بافتقار ( والإذن ) معطوف على الصداق ( والولي ) كذلك ( باتفاق ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ، والمعنى أن الزوج إذا ارتجع زوجته من الطلاق الرجعي فإنه لا يفتقر لصداق ولا لإذنها ورضاها ولا لعقد الولي عليها ، بل يرتجعها دون شيء من ذلك ، ولكن يستحب الإشهاد ولو ارتجعها على صداق جهلاً لرجع عليها به كما في ( خ ) في فصل الرجعة ، وفي المعيار أيضاً من طلق زوجته رجعياً ثم تزوجها بصداق في العدة أن تزوجه رجعة ولا صداق لها إلا الصداقالأول ويرجع عليها بالثاني اه . ثم الرجعة تصح بأحد أمرين بالقول كلفظ : راجعتك أو أمسكتك أو نحوهما ولو بدون نية على المشهور أو بالفعل كالوطء والقبلة والمباشرة ونحو ذلك بشرط قصد الارتجاع بذلك ( خ ) يرتجع من ينكح بقول مع نية كرجعت وأمسكت أو نية على الأظهر لا بقول محتمل بلا نية ولا بفعل دونها كوطء ولا صداق ، وإن استمر وانقضت لحقها طلاقه على الأصح اه . فقوله : وإن استمر أي استمر على وطئها بدون قصد الارتجاع به حتى انقضت عدتها وطلقها طلاقاً آخر فإنه يلحقه طلاقها على الأصح مراعاة لقول ابن وهب والليث وأبي حنيفة بصحة رجعته بالوطء بدون نية لأن الحكم للظاهر فلا يصدق أنه لم يرد به الرجعة ، وإذا قلنا يلحقه الطلاق واستمر على ذلك حتى كمل ثلاثاً فلا تحل له إلا بعد زوج فإن استمر على وطئها بعد الثلاث من غير عقد أو بعقد قبل زوج فيتعدد عليه الصداق بتعدد الوطء حيث لم تعلم هي بالحرمة أو علمت وأكرهها ، وإلا فهي زانية كما يفيده قول ( خ ) في الطلاق كواطىء بعد حنثه ولم يعلم . وقوله في الصداق كالزنا بها أي بغير العالمة أو بالمكرهة ، وأما حده ولحوق الولد به من الوطء للواقع بعد الثلاث فقد تقدم تفصيله في أول فصل فاسد النكاح .
تنبيهات . الأول : يتفرع على الصحيح من عدم اعتبار وطئه بدون نية أن له مراجعتها بالقول فيما بقي من العدة ، لكن لا يطؤها إلا بعد الاستبراء من الماء الفاسد بثلاث حيض كما أنه لا يراجعها بعد العدة إلا بعقد أيضاً ، وكذلك على مقابله من أنه لا يلحقها طلاقه لأنها بانت بانقضاء عدة الطلاق الأول ، وهو قول ابن أبي زيد فلا يراجعها إلا بعد الاستبراء المذكور ، فإن راجعها وبنى بها قبل الاستبراء على الأصح ومقابله ففي حرمتها عليه للأبد قولان . مشهورهما كما في القلشاني وغيره عدم التأبيد بناء على أن العلة اختلاط الأنساب وهي منتفية ههنا ، لأن الماء ماؤه بخلاف المستبرأة من زنا وغيره ، فالأرجح التأبيد قال في المعيار : ومحل الخلاف بين الأصح وابن أبي زيد إذا جاء مستفتياً فابن أبي زيد لا يلزمه إلا الطلاق الأول وأبو عمران يلزمه ما بعده أيضاً ولو الثلاث قال : وإما إن قامت البينة بالثلاث فلا سبيل له إليها حتى تنكح زوجاً غيره في المال ومن حمل الخلاف بينهما على الإطلاق فقد أخطأ اه .
قلت : تأمل قوله : فقد أخطأ لأن البينة إنما يحتاج إليها عند الإنكار ، وهو إذا أنكر الثلاث وأسرته البينة دل ذلك على كذبه حتى في قوله : وطئتها بدون نية الرجعة . هذا معناه فيما يظهر ، وأما إن كان مقراً بما شهدت به البينة ولم يبق مسترسلاً عليها بعد الثلاث فلا يظهر فرق بين المستفتي وغيره في كون كل منهما من محل الخلاف ، وفي بعض فتاوى ابن مرزوق ما نصه : ومسألة الشيخين في المسترسل قوي عندي إشكال تصورها لأنها من التداخل ، فمتى تنقضي العدة وما رأيت من كشف عنها الغطاء ، وإن زعمه ابن الحاج لكن لم يتبين لي وقال أيضاً في بعض فتاويه : وهذه المسألة يعني مسألة الاسترسال قد كثر السؤال عنها وفاعل ذلك يحتال على تحليل المطلقة ثلاثاً ، والمؤكد به عليكم في مثل هذا أن تسدوا باباً يقع به إحداث بدعة . نسأل الله السلامة والعافية .
الثاني : من هذا المعنى من عادته كثرة الحلف بالطلاق ولما قامت المرأة بالطلاق قال : لم أقصد به طلاق الزوجة ، وإنما ذلك لفظ أجراه الله على لساني من غير قصد للطلاق فلا ينويفي عدم إرادته الطلاق المذكور لصراحة اللفظ إلا إذا دل بساط على عدم إرادته كأن تكون موثوقة وتقول له : أطلقني فيقول لها : أنت طالق وحيث لزمه الطلاق فيلزمه الثلاث للشك في عدده ، فلا تحل له إلا بعد زوج فإن ذكر في العدة أنه إنما طلقها واحدة أو اثنتين صدق ، وإن لم يذكر وتزوجها بعد زوج ثم طلقها واحدة لم تحل له أيضاً إلا بعد زوج ، وهكذا . ولو بعد مائة زوج إلا أن يبت طلاقها . وهذه هي المسألة المسماة بالدولابية قاله الأبار في جواب له ، وبهذا كله تعلم بطلان ما يقوله العامة وبعض الطلبة من أن من كثر منه الطلاق أو الحلف بالحرام أو جرى على لسانه لا يلزمه شيء إذ ذاك لا أصل له ، ولم يقله أحد ممن يعتد به لأنه لا يصدق في الصريح ولا في الكناية الظاهرة كالحرام واليمين ونحوهما ، بل صرح العقباني بأن من كان دأبه الأيمان اللازمة ويستخفها فيتحتم عليه الحكم بالمشهور فيها ، ومن كان ذلك منه فلتة فحسن أن يترك لتقليد قول فيه رحمة اه . ونقل نحوه في المعيار ، ونقله الرباطي في شرح العمل أول باب القضاء ، وكذا صرح ابن عرضون بأن لزوم الواحدة البائنة للحالف بالحرام مشروط بأن لا يكون معتاداً للحلف به وإلاَّ لزمه الثلاث نقله العلمي . وهكذا رأيت ذلك عن غير واحد وأنه يشدد على من اعتاد الحلف بالطلاق . وأما لزوم الصداق له فيجري على ما تقدم قبل التنبيه الأول والله أعلم .
الثالث : في البرزلي ما حاصله : حقيقة من وطىء في العدة ولم ينو بوطئه رجعة أنه لا يكون رجعة ويجب على المرأة شيئان عدة واستبراء ، فالعدة من يوم الطلاق ، والاستبراء من يوم الوطء الفاسد بثلاث حيض ، فإن أراد الرجعة فله ذلك بالقول والإشهاد دون الوطء حتى ينقضي الاستبراء فإن فاتته الرجعة حتى كملت العدة وبقي الاستبراء فلا رجعة ، فإن فعل فسخ ولا يتأبد التحريم لأنه ماؤه وتتداخل العدة مع الاستبراء فيما اتفقا عليه ولا يرتجع في مدة الاستبراء بعد مضي العدة لأنها أجنبية وبعد مدة الاستبراء كان له ولغيره تزويجها ثم قال : وإذا وطىء بعد الحنث ثم أعلم الزوجة فالعدة من يوم إعلامه كالغائب يطلق في غيبته ولا يعلمها بذلك حتى يقدم ، فعلمتها من يوم إعلامه ولا يملك الرجعة فيها إلا من يوم أقر إنه أوقع الطلاق فإن انقضت العدة من ذلك اليوم فلا رجعة اه . فانظر هذا مع قول الإمام ابن مرزوق فيما مر عنه من قوة الإشكال ، وذكر في المعيار عن ابن سهل في امرأة حنث زوجها فيها بالثلاث وبقي مسترسلاً حتى قضى القاضي عليه بالحنث أن العدة من يوم القضاء إن كان الزوجان حاضرين وإن كانا غائبين فالعدة من وقت أمرهما بالفراق فإن كانت قد انقضت من يوم الحكم فلا بد من استئناف ثلاثة قروء للاستبراء اه باختصار فتأمل ذلك كله مع ما مر .
وَمُوقِعُ الطَّلاَقِ دُونَ طُهْرِ
يُمْنَعُ مَعْ رُجُوعِهِ بِالقَهُرِ
( وموقع ) مبتدأ ( الطلاق ) مضاف إليه ( دون طهر ) يتعلق بموقع أو بمحذوف حال منه( يمنع ) بالبناء للمفعول أي فعل ممنوعاً ونائبه ضمير الموقع والجملة خبر ( مع ) بسكون العين يتعلق بمحذوف جواب عن سؤال مقدر فكأن قائلاً قال له : وإذا كان المطلق في الحيض أو النفاس فعل ممنوعاً فما حكمه ؟ فقال : الحكم وقوع طلاقه مع وجوب ( رجوعه ) أي ارتجاعه لها ما دامت في العدة ولو ( بالقهر ) بالتهديد والسجن والضرب بمجلس واحد فإن قهر بذلك ولم يفعل ارتجعها له الحاكم بأن يقول : ارتجعتها لك أو يحكم عليه بها أي يخبره بوجوب الرجعة على وجه الالتزام ، وإن لم يقل ارتجعتها لك كما في طفي ويجوز الوطء بهذا الارتجاع وإن لم تقارنه نية لأن نية الحاكم قائمة مقام نيته ويتوارثان به إن مات أحدهما ، وإذ ارتجعها بنفسه أو ارتجعها عليه فالأحب أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء ، فإن طلقها في الطهر الموالي للحيض الأول مضى مع كراهته ولا يجبر على الرجعة ، ومحل قهره على الارتجاع إذا كان الطلاق رجعياً ، وأما إن كان على عوض أو بلفظ الخلع أو التمليك أو بالثلاث فلا يؤمر بالارتجاع ولا محل لجبره .
وَفي المُمَلِّكِ خِلافُ وَالقَضَا
بِطَلْقَةٍ بائِنةٍ في المُرْتَضَى
( وفي المملك الخلاف ) مبتدأ وخبره ( والقضا ) ء مبتدأ ( بطلقة ) خبره ( بائنة ) صفة لطلقة ( في المرتضى ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ، وظاهره أن الخلاف جار ولو نوى به الثلاث . وفي الرسالة إذا قال : أنت طالق فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر . القلشاني : من نوى الثلاث بقوله : أنت طالق فقد لزمته الثلاث وهو معنى قول الشيخ اه . ومثله يأتي عن المدونة فيمن نوى بقوله : لا رجعة إلى البتات فإنها تلزمه ، وانظر ابن سلمون وفي المعونة : إذا قصد إيقاع الخلع من غير عوض كان خلعاً عند مالك لأنه طلاق قصد أن يكون خلعاً فكان على ما قصده كالذي معه العوض ، وقال أشهب : يكون رجعياً اه .
قلت : لأنه أراد أن يخرج الرجعي عن حقيقته الشرعية بمجرد القصد فهو كاشتراط نفي الرجعة والتزام عدم الرجوع في الوصية فلا يسقط قصده رجعته عند أشهب ، فالخلاف حينئذ معقصد البينونة بذلك أو لا قصد أصلاً ، والظاهر أن مراد الناظم بالمملك ما يشمل الألفاظ الآتية في النقل لا خصوص لفظ التمليك ، بل ويشمل حتى من طلق وأعطى على مذهب المدونة أو خالع وأعطى إذ الكل فيه الأقوال الثلاثة الآتية كما في أبي الحسن . قال ابن سلمون : وأما الطلاق المملك على غير شيء بعد البناء فيكتب فيه عقد طلق فلان زوجه فلانة بعد البناء بها طلقة واحدة ملكها أمرها بها دونه وأشهد بذلك في كذا ثم قال : وهذا الطلاق مكروه لأنه على خلاف السنة . واختلف فيه على ثلاثة أقوال : فقيل طلقة رجعية كمن قال : أنت طالق واحدة لا رجعة لي عليك فيها وهو قول مطرف وأشهب ، وقيل : إنها تكون البتة كن قال : أنت طالق واحدة بائنة فإنها الثلاث وهو قول ابن الماجشون وابن حبيب وقيل : إنها طلقة واحدة بائنة قاله ابن القاسم ، وحكاه القاضي عن مالك وبه القضاء . وكان ابن عتاب رحمه الله يفتي بأن من بارى زوجته هذه المباراة ثم طلقها بعد ذلك في العدة أن الطلاق يرتدف عليه استحساناً ومراعاة لمن يراه طلقه رجعية اه . وقال المتيطي في نهايته وابن هارون في اختصاره ، واللفظ للأول ما نصه : ويكره للرجل أن يطلق امرأته طلقة مباراة أو خلع أو صلح دون أخذ أو إسقاط لوقوعها خلاف السنة فإن فعل ففيها ثلاثة أقوال . فذكر الأقوال التي تقدمت عن ابن سلمون بعينها وكذا نقلها ( ح ) عند قول ( خ ) في الخلع : وبانت ولو بلا عوض نص عليه الخ . وكذا ذكرها القلشاني في شرح الرسالة في طلاق الخلع بغير عوض وذكر عقبها ما نصه : قال ابن عبد السلام : والأقرب المعقول الأول وإلزام البينونة فيه بعد لأنه لا موجب للبينونة إلا العوض أو الثلاث أو كونه قبل البناء والفرض انتفاء كل واحد من هذه الثلاث اه . وقد استفيد من هذا كله أنه إذا قال طلقتها طلاق صلح أو طلاق مباراة أو طلاق تمليك أو طلاق خلع تجري فيه الأقوال الثلاثة ، وإن لم يكن عوض في الجميع لأن معناها واحد بل ذكر في نوازل الطلاق من المعيار عن ابن رشد وغيره أنه إذا قال : أنت طالق ونوى به التمليك فهو على ما نوى ، وعليه فكل طلاق نوى به البينونة فهو على ما نواه كان بلفظ التمليك أو غيره وتجري فيه الأقوال . ولذا قال الشارح المملك هو طلاق الخلع بغيرعوض ، وقال ناظم العمل : المطلق أيضاً وزاد وأنه لا يشترط كونه بلفظ الخلع يريد بل به وبما في معناه من التمليك أو البينونة . قال في الشامل : ولو قال أنت طالق طلقة بائنة فواحدة بائنة على الأصح وثالثها ثلاث اه . ولم يذكر ابن سلمون طلاق خلع بغير عوض أصلاً بل اقتصر على المملك لأنه عينه عنده ، وتبعه الناظم وقد تقدمت الإشارة إلى هذا عند قوله ومنه الخلعي الخ . وبهذا تعلم ما في ( ز ) عند قول ( خ ) في الخلع لا أن اشترط نفي الرجعة بلا عوض من أن طلاق الخلع بغير عوض غير طلاق التمليك وأن طلاق التمليك فيه الرجعة على ما رجحه القرافي ، وبه أفتى جد الأجهوري فلا يعول على شيء من ذلك لأن ما رجحه القرافي ، وأفتى به الأجهوري هو القول الأول الذي استغفر به ابن عبد السلام أيضاً من تلك الأقوال الثلاثة الجارية في الخلع بغير عوض ، كما للقلشاني ، وفيه وفي الصلح والمباراة كما للمتيطي ، وفي المملك كما لابن سلمون والناظم وفيمن طلق وأعطى أو خالع وأعطى كما في أبي الحسن لأن الطلاق فيهما بغير عوض والعطية المقارنة له من الزوج محض هبة ، ولذا قلنا لا يبعد أن يكون الناظم أطلق المملك على ما فيه الخلاف المذكور مما مر ، ومما يأتي من نحو لا رجعة لي عليك فما رجحه القرافي وتبعه الأجهوري مقابل لما به القضاء كما ترى .تنبيهان . الأول : تشبيه الموثقين الطلاق المملك بالطلاق الذي لا رجعة فيه يقتضي أن الذي لا رجعة فيه متفق عليه إذ لا يحتج بمختلف فيه ، وليس كذلك ، بل الخلاف جار في الجميع ، ففي كتاب التخيير والتمليك من أبي الحسن ما نصه اللخمي : اختلف فيمن قال أنت طالق طلاق الصلح أو طلقة بائنة أو طلقة لا رجعة فيها فقيل : هي ثلاث ، وقيل : هي رجعية ، وقيل : هي بائنة لأن الرجعة من حقه فإذا أسقط حقه فيها لزمه وهو أبين اه باختصار . وقال أبو الحسن في كتاب الخلع ما نصه من اختلاف الرواة هنا : يعني فيمن صالح وأعطى أو طلق وأعطى أخذ أبو محمد صالح أن ما يفعله أهل بلدنا في قولهم أنت طالق طلقة مملكة أنها تكون بائنة ، وقد كان ابن العربي يقول : لا تكون بائنة . واحتجوا عليه بهذه الألفاظ صالح وأعطى خالع وأعطى وغير ذلك فقال : إنما أوجبت هذه الألفاظ البينونة لأجل اللفظ وقولهم : أنت طالق طلقة مملكة مثل قوله في كتاب التخيير أنت طالق طلقة ينوي لا رجعة لي عليك فإنه قال هناك له الرجعة اه . وعبارة المدونة في كتاب التخيير هي قولها ما نصه : وإن قال لها أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة عليك فله الرجعة ، وقوله : لا رجعة لي عليك ونيته باطل إلا أن ينوي بقوله : لا رجعة لي عليك البتات اه . اللخمي : يريد هو باطل سواء قال ذلك قولاً أو نواه فقد تبين بهذا أن طلاق الصلح والخلع والتمليك والبينونة والذي لا رجعة فيه ، ومن صالح وأعطى فيه الخلاف المذكور ، والذي به القضاء ما درج عليه الناظم وهو ما اختاره اللخمي في لا رجعة لي عليك وإن كان مذهب المدونة في الطلقة البائنة الثلاث ومذهبها في طلاق الخلعي ونحوه البينونة فقط . وفي لا رجعة لي عليك كونها رجعية وتبعها ( خ ) على ذلك كله فلا يشكل عليك ، فإن الناظم حكى ما به العمل في ذلك وإن خالف المدونة و ( خ ) يتبع المدونة فقال : وبانت ولو بلا عوض وقال بعده : لا أن شرط نفي الرجعة فهي رجعة . وقال أيضاً : أو واحدة بائنة أي فهي ثلاث عنده . قال أبو الحسن : الفرق على مذهبها بين طلاق الخلع بغير عوض هي واحدة بائنة وبين قولها في الواحدة البائنة أنها الثلاث أنه في الأول شبهها بطلاق الخلع وفي الثانية قال بائنة فليست بخلعية ولا شبهها بطلاق الخلع .
الثاني : قال أبو الحسن عند قولها المتقدم عن كتاب التخيير ما نصه : قال ابن عبد الحكم : إذا قال لها أنت طالق ولا رجعة لي عليك فله الرجعة وإن قال لا رجعة لي عليك كانت البتة . قال ابن الكاتب : مسألة ابن عبد الحكم ليست كمسألة المدونة لأن مسألة المدونة قد بين أنه طلقها طلقة واحدة ومسألة ابن عبد الحكم لم يذكر طلقة ، وإنما قال : لا رجعة لي عليك فهي البتات . اللخمي : ولو قال أنت طالق طلاقاً لا رجعة لي عليك فيه لكان ثلاثاً قولاً واحداً لأن طالق يعبر به عن الواحد والثلاث ، فإذا قال طلاقاً لا رجعة فيه كان صفة للطلاق أنه ثلاث اه .
قلت : وهو ظاهر إذا نواه أو لم ينو شيئاً وانظر إذا نوى الواحد التي لا رجعة فيها أعني البائنة ، والظاهر أن له نيته لأن اللفظ ليس صريحاً في الثلاث ولا كناية ظاهره فيه والله أعلم .وَبَائِنٌ كلُّ طَلاَقٍ وَقَعَا
قَبْلَ البِنَاءِ كَيْفَمَا قَدْ وَقَعَا
( وبائن ) خبر عن قوله ( كل طلاق ) وجملة قوله ( وقعا ) صفة لطلاق ، والرابط بين الصفة والموصوف محذوف أي أوقعه وألفه للإطلاق وفاعله ضمير الزوج ( قبل البناء ) يتعلق بأوقعا ( كيفما ) مجردة عن معنى الاستفهام فهي للتعميم في الأحوال بمعنى مطلقاً حال من الضمير في بائن وما زائدة أي كل طلاق أوقعه الزوج قبل البناء فهو بائن في أي حال ( قد وقعا ) أي حال كونه مكيفاً بأي كيفية كانت بكونه في الحيض أو في غيره بعوض أو بغيره واحدة أو أكثر في كلمة أو في كلمات في مرض أو غيره ويجري في الإرث على حكم الطلاق في المرض الآتي في قوله : ومن مريض الخ . ويجب لها نصف الصداق إن كان نكاح تسمية ويبقى على أجله إن كان مؤجلاً وإن كان نكاح تفويض فلا شيء لها فإن طلق قبل البناء بعد أن اشترت الجهاز فلها نصف الجهاز فإن اشترت به ما لا يصلح للجهاز رجع عليها بنصف ما دفع ، وإن أصدقها عقاراً أو عروضاً أو حيواناً فباعت ذلك أو وهبته أو أعتقت الرقيق أو تلف بيدها أو دخله نقص أو زيادة كان له نصف الثمن في الجميع إن لم تحاب فيه ونصف القيمة في الهبة والعتق يوم إحداثها لذاك كما في ( خ ) .
وَبالثَّلاَثِ لاَ تَحِلُّ إلاَّ
مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ لِلَّذِي تَخَلَّى
( وبالثلاث ) يتعلق بمقدر صفة لفاعل قوله ( لا تحل ) وفاعله ضمير الزوجة ( إلا ) استثناء من عموم مقدر ( من ) زائدة والزائد لا يتعلق بشيء كما مرّ ( بعد ) معمول لتحل ( زوج ) على حذف مضاف ومتعلقه ( للذي ) يتعلق به أيضاً ( تخلى ) صلته والرابط ضميره المستتر العائد على الموصول ، والتقدير الزوجة المطلقة بالثلاث يريد : وما في معناها من البتة ونحوها حيث كان عرف الناس فيها الثلاث على ما يأتي في قوله : ويلزم الطلاق بالصريح الخ . لا تحل للذي تخلى عنها إلا بعد وطء زوج بنكاح لازم أو إلا في زمان كائن بعد وطء زوج الخ . وقدرنا وطأ لقوله تعالى : حتى تنكح زوجاً غيره } ( البقرة : 230 ) فإنهم قالوا كل نكاح وقع في كتاب الله ، فالمراد به العقد إلا في هذه الآية . فإن المراد به الوطء مع العقد الصحيح اللازم للحديث الصحيح في امرأة رفاعة القرظي التي قالت له عليه السلام : كنت عند رفاعة فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب ، فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : ( أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) . فهذا الحديث نص على أن المراد الوطء ، ولا بد أن تكون هي مطيقة للوطء ، وأن يكون الوطء لا نكرة فيه ( خ ) والمبتوتة حتى يولج مسلم بالغ قدر الحشفة بلا منع ولا نكرة فيه بانتشار في نكاح لازم وعلم خلوة وزوجةفقط الخ . وخالف الحسن البصري فقال : لا يحلها مغيب الحشفة بل حتى يقع الإنزال لقوله في الحديث : ( حتى تذوقي عسيلته ) . الخ . ورأى غيره أن المغيب هو العسيلة وخالف سعيد بن المسيب فقال : إن العقد عليها يحلها للأول وخطىء بمخالفته للحديث ، وتؤول على أن الحديث لم يبلغه . وخالف ابن الماجشون فقال : تحل بالوطء الحرام كوطئها وهي حائض أو صائمة ، ولا بد أن لا يقصد الزوج الثاني بنكاحه تحليلها . قال في الرسالة : ولا يجوز أن يتزوج رجل امرأة ليحلها لمن طلقها ثلاثاً ولا يحلها ذلك . وقال ( خ ) كمحلل وإن مع نية إمساكها مع الإعجاب ، وظاهر النظم أنها لا تحل ولو ملكها بالشراء وهو كذلك قال في الرسالة : ومن طلق امرأته ثلاثاً لم تحل له بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجاً غيره .
تنبيه : قال ابن رشد : جرت عادة قضاة العصر منع المبتوتة من رجعة مطلقها حتى يثبت دخول الثاني دخول اهتداء وأنه كان يبيت عندها ويتصرف عليها تصرف الأزواج على الزوجات وما علموا في نكاحها ريبة ولا دلسة اه . وقال احلولو العمل عند قضاة تونس اليوم تكليفه عند العقد بإثبات أنه لا يتهم بتحليل المبتوتة فحينئذ يحل له تزوجها ، ثم إن طلقها لم تحل لزوجها إلا بعد ثبوت البناء بها وهو حسن سيما مع فساد الزمان اه . نقل ذلك كله ابن رحال في حاشيته هنا .
وَهْوَ لِحُرَ مُنْتَهَى الطَّلاَقِ
وَحُكْمُها يَنْفُذُ بالإطلاقِ
( وهي ) مبتدأ عائد على الثلاث ( لحر ) يتعلق بالخبر الذي هو ( منتهى الطلاق ) أي غايته ( وحكمها ) مبتدأ ( ينفذ ) بضم الفاء والجملة خبر ( بالإطلاق ) يتعلق به .
هَبْ أَنْها بِكَلْمةٍ قَدْ جُمِعَتْ
أَوْ طَلْقَةٍ مِنْ بَعْدِ أُخْرَىوَقَعَتْ
( هب أنها ) أي الثلاث ( في كلمة ) يتعلق بقوله : ( قد جمعت ) والجملة خبر إن وهي وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي هب ( أو طلقة ) حال من فاعل وقعت ( من بعد أخرى ) يتعلق بمقدر صفة لطلقة ( وقعت ) فاعله ضمير الثلاث . والجملة معطوفة على جملة جمعت والجملتان مفسرتان للإطلاق أي الثلاث هي غاية طلاق الحر ، فالطلاق الزائد عليه غير لازم ، وحكمها الذي هو عدم حليتها إلا بعد زوج نافذ مطلقاً سواء جمعت في كلمة واحدة كقوله : أنت طالق ثلاثاً أو وقعت هي أي الثلاث حال كونها طلقة كائنة بعد طلقة ، وما ذكره من لزوم الثلاث ولو في كلمة هو الذي به القضاء والفتيا كما في المتيطية ، بل حكى بعضهم عليه الاتفاق وبعضهم الإجماع . انظر المعيار فقد أجاد فيه ، وانظر ابن سلمون والمتيطية وغيرهما وما ذكروا فيه من الخلاف داخل المذهب ضعيف جداً حتى قالوا : إن حكم الحاكم به ينقض ولا يكون رافعاًللخلاف ( خ ) أو جعل بتة واحدة الخ . وذكر البرزلي في نوازل الإيمان عن ابن العربي والمازري أنهما قالا : لم ينقل القول الشاذ إلا ابن مغيث لا أغاثه الله قالها ثلاثاً اه . وهذا مبالغة في الإنكار بل قال بعضهم : ما ذبحت ديكاً قط ولو أدركت من يحلل المطلقة ثلاثاً في كلمة لذبحته بيدي ، وظاهر قوله : طلقة بعد طلقة أخرى أنه لا فرق بين أن يكون ذلك نسقاً كأنت طالق أنت طالق أنت طالق أو مفرقاً في مجالس وهو كذلك في الثاني حيث كانت مدخولاً بها ، وكان الطلاق الثاني قبل انقضاء عدة الأول ، وأما الأول فتارة يكون بدون عطف كما مر في المثال وتارة بالعطف بواو أو فاء أو ثم وعلى كل حال يلزمه الثلاث كما هو ظاهر النظم ، سواء كانت مدخولاً بها أم لا . ولا ينوي في إرادته التأكيد فيهما مع العطف ، وإنما ينوي في إرادته فيهما مع عدمه كما قاله ( خ ) وشراحه عند قوله : وإن كرر الطلاق بعطف واو الخ . وظاهر قوله في كلمة الخ . أوقعها في حال الغضب والمنازعة أم لا . ولا ينوي في ذلك ولو مستفتياً وهو كذلك . قال ابن العربي في أحكامه الصغرى عند قوله تعالى : والذين يظاهرون منكم من نسائهم } ( المجادلة : ) الآية ولا يسقط الغضب ظهاراً ولا طلاقاً بل يلزمان الغضبان إذ في حديث خولة كان بيني وبين زوجي شيء ، وهذا يدل على نزاع أخرجه فظاهر اه . وقال ابن عرفة عن ابن رشد : يمين الغضب لازمة اتفاقاً اه . وما وقع في شرح التلقين من أنه إذا طلقها في كلمة أو كلمات في حال الغضب أو اللجاج أو المنازعة لا يلزمه شيء ويدين إذا جاء مستفتياً لأن ذلك من باب الحرج والحرج مرفوع عن هذه الأمة ولقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تعينوا الشيطان على أخيكم المسلم ) ولقول علي بن أبي طالب : من فرق بين المرء وزوجته بطلاق الغصب أو اللجاج فرق الله بينه وبين أحبائه يوم القيامة قاله الرسول عليه السلام اه . كل ذلك لا يصح ولا يعول عليه ، وقد أغلظ المسناوي رحمه الله على من نقل ذلك ولبس به على المسلمين . وقال : إن ذلك من الافتراء على الأئمة المعتبرين المعروفين بالتحقيق التام . قال : فالواجب تعزير من عمل بذلك أو ركن إليه أو أفتى به إن لم يعذر بجهل اه باختصار . وقد كثر السؤال عن ذلك في هذه الأزمنة وقبلها وينسب السائل ذلك لكتاب التقريب والتبيين في شرح التلقين ، وبعضهم للذخيرة عن البيان . أما الذخيرة والبيان فلا شيء فيهما ، وأما التقريب والتبيين فلا زال عقلي يستبعد وجود ذلك فيه حتى منّ الله عليَّ بالوقوف على ذلك فيه الآن ونقلت منه ما تقدم باللفظ وذكر متصلاً بما مر عنه ما نصه : قال محمد بن القاسم ، قلت لمحمد بن سحنون : أيحل لي أن أرد المطلقة ثلاثاً لمن جاءني مستفتياً في ذلك قال : إن كان من أخيار الناس ومن أهل الورع فنعم ترد عليه زوجته سراً ، وإن كان سفيهاً فألزمه الثلاث لئلا يستن بذلك فلا يحرم حراماً اه لفظه . وهذا لا يصح أيضاً بحال ، ولا أظن ذلك يصدر من عالم يعتد بعلمه وهذا الشرح مجهول النسبة عندي فلم أدر صاحبه من هو فلا ينبغي أن يعتمد على ما فيه مما يخالف الجادة والله أعلم . ومفهوم قول الناظم : لحر أن العبد منتهى طلاقه اثنتان فلا تحل له بعدهما حتى تنكح زوجاً غيره ، وسواء كانت الزوجة حرة أو أمة . وقال أبو حنيفة : إذا كانت زوجته حرة فمنتهى طلاقه ثلاث .
فرع : لو قال : أنت طالق أو أنت طالق ثلاثاً إن شاء الله فإنه يقع طلاقه ويلزمه حكمه عند مالك وأصحابه ، وكذلك العتق ولا يعمل قوله : إن شاء الله إلا في اليمين بالله وحدها .وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يقع الطلاق ولا العتق ولا النذر ولا ما دخل فيه قوله : إن شاء الله كاليمين بالله تعالى . وقال أحمد : لا يقع الطلاق ويقع العتق قاله القاضي عبد الوهاب في مسائله .
وَمُوقِعٌ ما دُونَها مَعْدُودُ
بَيْنَهُمَا إنْ قُضِيَ التَّجْدِيدُ
( وموقع ) بفتح القاف صفة لمحذوف أي طلاق موقع ، ويجوز كسرها أي شخص موقع ( ما ) زائدة على الأول وموصوفة على الثاني واقعة على طلاق ( دونها ) يتعلق بموقع على الفتح وصفة لما على الكسر والضمير للثلاث ( معدود ) خبر على الإعرابين حذف متعلقه أي عليه ( بينهما ) يتعلق بتجديد آخر البيت ولا يضر تقدمه على الشرط لأن الظروف يتوسع فيها وضميره للزوجين ( إن قضى ) بالبناء للمفعول والجملة شرطية حذف جوابها للدلالة عليه ( التجديد ) بالجسم نائب ومعناه أن الشخص الموقع لطلاق دون الثلاث معدود عليه ما أوقعه إن قضى الله تعالى بتجديد النكاح بينهما ولو تزوجها أجنبي قبل تجديد النكاح لأن نكاح الأجنبي إنما يهدم الثلاث . قال القاضي عبد الوهاب في مسائله : سواء دخل بها الثاني أم لا ولا يهدم الثاني بوطئه طلاق الأول فإن كان طلقها واحدة عادت في النكاح الثاني على طلقتين وإن كان طلقها اثنتين عادت إليه على طلقة حتى أنه إن طلقها واحدة لم تحل له إلا بعد زوج وهو مذهب عمر وعلي وأبي هريرة وأبي بن كعب والأوزاعي وابن أبي ليلى وابن أبي ذئب والثوري ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة بعد إن كان مخالفاً . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف صاحبه إلى أن الزوج الثاني إن أصابها في نكاحه هدم طلاق الزوج الأول فترجع إليه بعصمة جديدة ، وبه قال من الصحابة ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
فصل في ذكر أحكام الخلعوهو الطلاق بعوض ولو من غير الزوجة أو بلفظ الخلع على ما مر بيانه ، وهذا العوض لا يحتاج إلى حيازة .
والخَلْعُ سَائِغٌ والافْتِدَاءُ
فَالافْتِدَاءُ بالَّذِي تَشَاءُ( والخلع ) مبتدأ ( سائغ ) خبره ( والافتداء ) مبتدأ حذف خبره لدلالة ما قبله عليه فالافتداء مبتدأ والفاء جواب سؤال مقدر أي إن أردت معرفته ( فالافتداء بالذي تشاء ) خبره أي بالذي تشاؤه من مالها .
والْخَلْعُ بِاللاَّزِمِ فِي الصَّدَاقِ
أَوْ حَمْلٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ إنْفَاقِ
( والخلع ) مبتدأ ( باللازم ) خبره ( في الصداق ) يتعلق به أي باللازم له في صداقها من كالىء أو حال أو هما فتسقطه عنه ويطلقها ( أو حمل ) معطوف على الصداق أي اللازم له في حمل إن كان وهو نفقتها الواجبة لها عليه ( أو عدة ) معطوف أيضاً على اللازم في عدة وهو كراء المسكن وعنه يعبر الموثق بقوله : وبخراج عدتها منه ( أو إنفاق ) على ولدها منه بأن يخالعها على أن عليها أجرة رضاعه قبل الحولين أو على أن عليها نفقة مدة زائدة على مدة الرضاع أو على إسقاط حضانتها على الولد أو على إنفاقها على بنين له من غيرها أو على زيد مثلاً كما يأتي ابن عرفة ، وفيها ما الخلع وما المباراة وما الفدية قال مالك : المباراة التي تباري زوجها قبل البناء وتقول : خذ الذي لك وتاركني والمختلعة التي تختلع من كل الذي لها والمفتدية التي تعطي بعض الذي لها وكلها سواء ، ثم قال أبو عمران : الخلع والصلح والفدية سواء وهي أسماء مختلفة لمعان متفقة اه . وحذف الناظم المباراة مع أنها في المدونة مع الخلع والفدية في نسق واحد كما ترى .
تنبيهات . الأول : إذا خالعها على رضاع الولد في الحولين ففي منعها من التزوج أقوال . ثالثها إن كان بشرط ، ورابعها إن كان يضر بالصبي لابن رشد من قولها ذلك في الظئر المستأجر وسماع القرينين وابن نافع مع رواية محمد وسماع عيسى قاله ابن عرفة . وتصديره بالمنع يقتضي أنه الراجح وهو ظاهر البساطي في باب الإجارة في استئجار الظئر قال : وإذا خالعت المرأة زوجها على أن ترضع له الولد حولين فليس لها أن تتزوج فيهما .
قلت : المنع إنما هو لأجل الوطء فإذا أمن من الزوج الوطء فلا أدري يمنع لماذا اه . بنقل بعضهم . واقتصر عليه في الطرر أيضاً فقال ما نصه : إذا صالحت الأم على رضاع ولدها الصغيرففي الجعل والإجارة منها أنها ممنوعة من التزويج حتى تتم مدة الرضاع قاله ابن رشد في كتاب التمليك من شرح العتبية اه ونحوه للتتائي في كبيره ، والبرزلي في نوازله قائلاً هو جار على ما في الرضاع يريد من المدونة ، وذكر ابن ناجي أن شيخه أفتى به وعمل على فتواه قال : وكانت النازلة في كون القاضي لم يطلع على ذلك إلا بعد التزوج فمنعه من الوطء حتى مات الصبي عن قرب ودرج علين ناظم العمل المطلق حيث قال :
ومن بإرضاع الصبي اختلعت
من النكاح بالقضاء منعت
واقتصر في معين الحكام على ذلك أيضاً وكذا في المتيطية واختصارها قالا : وتمنع المرأة المشترط عليها رضاع ولدها عامين من النكاح فيهما لما يخاف من فساد اللبن اه . لكن قال ابن سلمون بعد أن عزا ما مر لدليل المدونة ما نصه : والمعروف من قول مالك في المستخرجة أنها تتزوج وأن شرط عليها في عقد الخلع أن لا تتزوج مدة الرضاع قال في التزاماته عقبه ما نصه : وفي كلام ابن سلمون ترجيح القول بأنه لا يلزم ولو في مدة الرضاع وهو الظاهر خلاف ما يظهر من كلام ابن رشد فتأمله اه . فتبين بهذا رجحان كل من القولين الأولين في كلام ابن عرفة ، لكن الأول أقوى ، ولذا استظهره ابن رحال في شرحه أيضاً . ولا يقال القول الأول إنما هو مخرج فكيف جزم به من تقدم مع أن ( ح ) قال في فصل إزالة النجاسة : المعتمد في كل نازلة على ما هو المنصوص فيها لا على المخرج لأنا نقول : الحكم القائم من المدونة ينزله الشيوخ منزلة نصها كما ينزلون إطلاقاتها وظواهرها منزلة نصها أيضاً ، فيعارضون به كلام غيرها حسبما ذلك منصوص عليه حتى في ( ز ) عند قوله في النكاح : وظاهرها شرط الدناءة . وذكر في نوازل الخلع من المعيار عن ابن عطية الونشريسي ما يفيد ضعف ذلك الترجيح ، ورجح جواز تزويجها في مدة الرضاع كما ضعف أيضاً ما يأتي عن الاستغناء فانظره إن شئت ، وقد يرد بأن الضرر مترقب قطعاً كما رأيته في كلام المتيطية لأنه تعليل بالمظنة وكما هو مشاهد بالعادة ، وكون الغيلة لا تضر على ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام لا يدل على جواز النكاح في مسألتنا كما قيل : لأن مسألتنا فيها معارضة ، ومعلوم ما فيها من التشاح ، وأيضاً فإن تزوجها يمنعها من الاشتغال بأمر الرضيع كما يأتي ، وما ورد عنه عليه الصلاة والسلام إنما هو في أمر عام وهو وطء المرضع والأعم لا دليل فيه على أخص معين ، ولذا قالوا في الظئر المستأجر يمنع زوجها من وطئها حيثما رضي بإجارتها نفسها كما قال ( خ ) ومنع زوج رضي من وطء ، وبهذا تعلم أن قولهم تمنع من النكاح أي من وطئه وإلاَّ فلا يفسخ العقد إن وقع على ما مر عن ابن ناجي ، وسيأتي في التنبيه بعده ما يقتضي ذلك .
الثاني : ظاهر كلام ابن عرفة بل صريحه أن محل الأقوال المتقدمة مع اشتراط عدم التزوج وجعلها في الشامل و ( ح ) في التزاماته مع عدم الاشتراط ، ثم قال ابن عرفة ، إثر ما مر عنه ما نصه : وشرط عدم نكاحها بعد الحولين لغو . ابن رشد اتفاقاً قال ( ح ) في التزاماته . وما ذكره ابن رشد من الاتفاق على أنه لا يلزمها ترك النكاح فيما بعد الحولين مخالف لما ذكره ابن سلمون عن كتاب الاستغناء من أن الأم إذا التزمت حضانة بنيها وتزوجت فسخ النكاح حتى يتم أمد الحضانة قال بعضهم : يريد قبل البناء ثم قال ( ح ) : ولا شك أن ما قاله ابن رشد لم يكن متفقاًعليه فهو الظاهر اه . وتأمل ذلك مع أن ( ح ) نفسه اقتصر في باب الحضانة من المختصر على ما في كتاب الاستغناء من فسخ النكاح ، وكذا ( ز ) هناك .
قلت : وهو ما يفيده قولهم في باب الحضانة أن المرأة إذا تزوجت اشتغلت بأمر الزوج فتسقط حضانتها بذلك ، وهنا قد تعلق حق الولد بل والزوج بحضانتها بنفسها ، وعلى ذلك أرسل العصمة من يده فهو حق تعلق بعين المرأة ، فليس لها أن تشغل نفسها بغير ما وقع عقد الخلع عليه فيكون هذا أرجح من جهة النظر . وقال البرزلي إثر تلك الأقوال ما نصه : وانظر ما يفعلونه اليوم أنها تتحمل به أي الولد عازبة كانت أو متزوجة وإن بدلت الأزواج أو سافرت فلا ينتزع منها هل يوفي بهذا أم لا ؟ وهي عندي تجري على هذا لأن من حق الولد أن لا يجتمعا على ضرره في القول الأول ، وعلى الثاني يكون أحرى في جواز تزويجها لشرطها اه بلفظ الاختصار . وهذا يؤيد ما في كتاب الاستغناء من الفسخ لأن الحق في ذلك للولد كما يؤيد القول الأول من تلك الأقوال ولا إشكال إلا أنه يقال محل الفسخ قبل البناء على القول به إذا لم يتراضيا على تأخير الدخول إلى انقضاء مدة الحضانة . وقال الفشتالي في وثائقه ما نصه : وبعضهم يشترط عليها وتشترط عليه أن لا ينتزع الولد منها تزوجت أو تأيمت أو سافرت أو سافر هو أو أقام ، ثم قال : فإن سقط ذلك الشرط من عقد الخلع وتزوجت سقطت حضانتها ، وكذا إن سافرت أو سافر هو لمكان بعيد أقله على خلاف ما تقصر فيه الصلاة اه . ففيه دليل لرجحان إعمال الشرط المذكور ، بل وصرح بلزومه في الالتزامات في النوع الخامس من الباب الثاث فانظره .
الثالث : إذا خالعته على أن عليها نفقة البنات وأن الأمر لها في تزويجهن ويكون العاقد عليهن غيرها جاز ذلك وهل له عزلها لأنه وكالة منها لها ؟ قال ( ح ) في التزاماته : لا سبيل له لعزلها . نقله ابن رحال ههنا .
الرابع : إذا خالعها بنفقة الولد عازبة كانت أو متزوجة وقلنا لا ينزع منها إن تزوجت على ما مر قريباً فتحمل الزوج الثاني لها بنفقة الولد طوعاً فلا سبيل لرجوع الزوجة على ولدها إن كان له مال بما أنفقه عليه المتحمل المذكور كما هو واضح ، وإنما يبقى الكلام إذا لم تتحمل هي بنفقة الولد وكانت تأخذ نفقته من أبيه ففي البرزلي وقعت مسألة وهي امرأة لها أولاد تأخذ نفقتهم من أبيهم وتزوجت رجلاً وشرطت عليه نفقة الأولاد أجلاً معلوماً أو تطوع به بعد العقد مدة الزوجية ، وأرادت الرجوع بذلك على أبيهم فوقعت الفتيا إن كان ذلك مكتوباً في حقوقها يجب لها الرجوع متى شاءت وإسقاطه لزوجها ، فلها أن ترجع بنفقتهم على أبيهم فإن كان ذلك للولد فلا رجوع على أبيهم بشيء وهو جار على الأصول كأنه شيء وهب للولد فنفقته على نفسه لا على أبيه والأول مال وهب لأمه فإذا أنفقته على الولد رجعت به على أبيه اه . بنقل ( ح ) أول الالتزامات فاستفيد منه أنه حيث فعل الزوج الثاني ذلك حرمة للأم فلها الرجوع على أبيه أو عليه حيث كان له مال وقت تحمل الثاني واستمر لوقت قيامها كما استفيد منه أيضاً أنه إذا تحمل الزوج بنفقة الولد في العقد لمدة معلومة فإن النكاح صحيح وهو الذي رجحه ابن رشد حسبما في الالتزامات في المحل المذكور .
الخامس : إذا قلنا لها التزوج في مدة الرضاع أو مدة الحضانة فلا إشكال أن حضانتهاتسقط بالتزويج ويلزمها أن تدفع أجرة الحضانة لمن انتقلت إليه على ما به العمل من وجوب الأجرة للحاضنة إذ على ذلك وقع إرسال العصمة كما يفيده جواب الوانغيلي في نوازل الخلع من المعيار .
السادس : ذكر في المعيار أيضاً في المحل المذكور عن ابن لب أن نفقة الولد التي وقع الخلع عليها تسقط بطرو المال للولد من إرث أو هبة أو نحوهما ، وذكر أيضاً متصلاً به عن ابن عتاب أن ولد المختلعة التي تحملت بنفقته إذا تعلم صنعة فإن أجرته تستعين بها الأم على نفقته ولا توقف للابن ، إذ ليس للصبي كسب ما دام في الحضانة قالوا : وهو الراجح . وهذا بخلاف الطوع فإن من طاع بالتزام نفقة صغيرة مثلاً كالزوج يلتزم نفقة ربيبه مدة الزوجية فإنما يلزمه الإنفاق ما دام صغيراً لا يقدر على الكسب كما في ابن سلمون والتزامات ( ح ) لكن استشكله البساطي في وثائقه بأنه التزم النفقة مدة الزوجية ، فكيف تسقط عنه بقدرة الولد على الكسب ؟ وأجيب : بأنهم لاحظوا أن سبب التزامه إسقاط كلفتهم عن الأم وبقدرتهم على الكسب انتفت العلة كما قالوا ذلك في المختلعة بنفقة الولد قاله أبو العباس الملوي رحمه الله .
السابع : قال في المتيطية : إذا خالعها عن أن لا تطلبه بشيء فظهر بها حمل فقال مالك تلزمه النقة اه .
الثامن : فإن خالعته على إسقاط نفقة حملها أو ولدها فعجزت فإن الزوج يؤمر بالإنفاق عليها ويتبعها إن أيسرت كما في الالتزامات وهو المشهور وبه العمل ، فإن كانت أشهدت أنها لا تدعي في النفقة عجزاً ولا عدماً فلا تسمع دعواها العجز ولا بينتها إلا أن يشهدوا بذهاب مالها كما في المعيار والالتزامات أيضاً ، لكن قيده في الالتزامات بما إذا كان حال المرأة مجهولاً ، ولم يشهد بعدمها إلا شاهدان أو نحو ذلك ، وأما إن كانت معلومة بالإعسار والعدم بحيث يشهد بذلك غالب من يعرفها ، ويغلب على الظن أن ما أشهدت به من الوفر كذب فلا يلتفت إلى ما أشهدت به من الوفر اه .
قلت : وهذا التقييد ظاهر في كل مدين أشهد بالوفر المشار له بقول ناظم العمل المطلق :
ومن أقر بالملاثم ادعى
بأنه ذو عدم ما انتفعا
بمن له يشهد حتى يعلما
تلف ماله بأمر هجما
ثم ذكر في الشرح عن ابن ناجي أنه لا تنفعه بينته بالعدم وإن كان مجهول الحال أو معلوماً بالفقر لأن إشهاده بالوفر ينزله منزلة معلوم الملاء . قال : وبه العمل اه . فهو يعكر على تقييد ( ح ) وإن كان تقييده أظهر معنى .
التاسع : ذكر في الالتزامات والمعيار عن ابن رشد وابن الحاج أن المرأة إذا خالعت زوجها على تسليم صداقها وعلى أنها إن تزوجت قبل انقضاء عام من تاريخ الخلع فعليها مائة مثقال فإنها إذا تزوجت قبل العام لا شيء عليها ، إذ شرطه باطل والخلع جائز ، ثم نقل عن ابن الضابط أنها إذا خالعته على أنها إن ردت زوجها الأول قبل عشرين سنة فعليها له مائة دينار أن ذلك لازم إذا ردت زوجها الأول فقال ( ح ) ما لابن رشد وابن الحاج جار على المشهور ، وما لابن الضابط مقابل له .قلت : وفرق كثير من الفاسيين وأفتوا به على ما حكاه عنهم أبو العباس الملوي بينهما بأن الأول بمنزلة ما إذا باعه على أن لا يبيع من أحد بخلاف الثانية فإنها بمنزلة ما إذا باعه على أن لا يبيع من زيد مثلاً فالبيع صحيح . قال الشيخ ( ت ) : إنما يتم القياس لو جاز البيع على شرط أن لا يبيع من فلان وإن باعه منه زاده في الثمن كذا اه .
قلت : بل القياس تام لأن المعلق على شرط جائز شرعاً يصح بصحة شرطه بخلاف المعلق على فاسد فيبطل ببطلان المعلق عليه ، فالظاهر ما فرقوا به دون مالح فتأمله .
العاشر : لو خالعها على إسقاط حضانتها فقامت الجدة وأرادت أخذ الولد فقال مالك : إن كان الأب معسراً فليس للجدة أن تأخذه وإن كان موسراً كان للجدة أخذه وتأخذ من الأب أجرة رضاعه على معنى ما في المدونة اه من ابن رشد . وهذا قول في المسألة والثاني أنه لا كلام لغير المسقطة وهو المنصوص في المدونة قال طفي : وهو المعتمد ونقل كلامها فانظره فيه ، لكن اعترض ذلك بعضهم عليه وألف في ذلك وقال : إن هنا مسألتين . الأولى : إذا خالعت الأم بإسقاط حضانتها هل يمضي عليها ذلك ويلزمها ما أسقطته من الحضانة أو يلزم الطلاق ولا تسقط الحضانة ويكون الولد لها ؟ قولان . لها ولعبد الملك بناء على أن الحضانة حق للمحضون وهذه فيها هو المشهور وهو الأول الذي هو مذهبها . والمسألة الثانية : إذا بنيتا على المشهور من سقوط حق الأم وكانت هناك جدة مثلاً فقامت بحقها هل لها ذلك أم لا ؟ قولان . للموثقين وليس فيها مشهور ولا مقابلة . نعم ذكر المتيطي أن العمل على الأول ، وقال غير واحد من الموثقين ، وقال أبو عمران : إنه هو القياس ، قال : بل ذكر ابن غازي وغيره عن غير واحد أن الفتوى فيما إذا أسقطت الجدة ونحوها حضانتها مع الأم حال الخلع أنها لا تسقط ، فكيف إذا لم تسقطها كما في نازلتنا ، ثم ذكر نقولاً تفيد أن المعتمد أن للجدة القيام قال خلافاً لما أفتى به جماعة من أصحابنا من أنه لا قيام للجدة ، وأن الحضانة تنتقل للزوج على المشهور مغترين بما وقع من السهو للعلامة طفي اه . الغرض منه باختصار مع تقديم وتأخير .
قلت : ظاهر هذا القول الذي به العمل المذكور أن الحضانة تنتقل للجدة مطلقاً كان الأب موسراً أو معسراً وذلك ظاهر على القول بأنه لا أجرة للحاضنة وإلاَّ فللنظر فيه مجال .
الحادي عشر : محل جواز الخلع بإسقاط الحضانة ما لم يتعلق الولد بأمه أو يكون عليها في ذلك ضرر وإلا فلا يجوز قاله في المتيطية .
الثاني عشر : محل ما مر من أن الحق ينتقل للجدة والخالة ونحوهما ما لم تسقط الجدة ونحوها حضانتها بعد إسقاط الأم وإلاَّ بأن أسقطت بعدها كما لو قال الموثق ، ثم بعد إسقاط الأم أسقطت الجدة حضانتها فلا كلام لها ، وأما إن كتب أنه خالعها على أن أسقطت حضانتها وأسقطت جدته أو خالته مثلاً حجتها فيما يرجع إليها من الحضانة فإن حضانة الجدة ونحوها لا تسقط لأنه من إسقاط الحق قبل وجوبه إذ الواو لا تقتضي ترتيباً قاله ابن الفخار وبه الفتوى كما مر .
الثالث عشر : لا يجوز الخلع على تأخير الصداق الحال أو بعضه فإن وقع فإن الطلاق نافذ والصداق على حلوله قاله في الكراس السابع من أنكحة المعيار .وَلَيْسَ للأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ
شَيْءٌ وَذَا بِهِ القَضاءُ فِي المُدَدْ
( وليس ) فعل ناقص ( للأب ) خبرها ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه متعلق بالاستقرار في الخبر ( مات الولد ) جملة فعلية في محل جر بإضافة إذا ( شيء ) اسم ليس ( وذا ) مبتدأ ( به ) خبر عن قوله ( القضاء ) والجملة خبر ذا ( في المدد ) جمع مدة كغرفة يتعلق بالاستقرار في الخبر ، والمعنى أن المرأة إذا اختلعت بإرضاع ولدها إلى فطامه أو بنفقته إلى وقت قدرته على الكسب فمات الولد قبل انقضاء المدة المشترطة فإنه لا شيء للأب على المرأة لأن المقصود أن تكفيه مؤنة الرضاع والنفقة وقد كفيت . هذا هو المشهور وبه القضاء كما في المتيطية وابن سلمون وغيرهما . وروي عن مالك أنه يرجع عليها بما ينوب باقي المدة ، وظاهره أنه لا شيء للأب سواء شرط عليها عاش الولد أو مات أم لا . وليس كذلك فإنه مع الشرط المذكور يرجع عليها بباقي المدة كما يأتي ، ومفهوم مات الولد أنها إذا ماتت هي والموضوع بحاله فإنه يوقف من تركتها ما يفي بنفقة باقي المدة ويحاصص به غرماءها كما يأتي في قوله : وإن تمت اختلاع وقفا الخ . وانظر لو التزمت بنفقته وأطلقت فأنفقت عليه ستة أو شهراً وقالت : هذا الذي أردت وخالفها الزوج في ذلك هل القول كما قالوه في المتطوع بنفقة شخص بغير خلع حسبما في أوائل مسائل الالتزام أو يكون القول للزوج لأن هذا من باب المعاوضة ، فيلزمها أن تنفق عليه إلى سقوط نفقته شرعاً ، وهو الظاهر لأن الأصل عدم خروج عصمته من يده إلا على الوجه الذي يقصده فهو مصدق بيمينه ، ولا سيما إن كان عرفهم ذلك والله أعلم .
والخُلْعُ بالإنْفَاق مَحْدُود الأَجَلْ
بَعْدَ الرّضَاعِ بِجَوَازِهِ العَمَلْ
( والخلع ) مبتدأ ( بالإنفاق ) يتعلق به ( محدود الأجل ) بالنصب حال منه ( بعد الرضاع ) يتعلق بالإنفاق أو بمحدود ( بجوازه ) خبر عن قوله ( العمل ) . والجملة خبر المبتدأ الأول ، والمعنى أن العمل جرى بجواز الخلع بالإنفاق المحدود الأجل كأربع سنين أو خمس بعد مدة الرضاع ، أو إلى حد سقوط الفرض عنه شرعاً ونحو ذلك ، وظاهره كان الإنفاق منها أو من غيرها وهو كذلك ( خ ) وبعوض من غيرها إن تأهل ومقابل العمل هو مذهب المدونة . ورواية ابن القاسم عن مالك وأنه لا يجوز ويسقط الزائد على الحولين ، وقوله بعد الرضاع : يقتضي أن هذا في خصوص الولد الذي ترضعه وليس كذلك ، بل لو شرط عليها نفقة نفسه أو نفقة بنين له منها أو من غيرها أعواماً معلومة كخمس عشرة سنة ونحوها لجاز ذلك أيضاً على ما به العمل كما في المتيطية ، ولا يجوز ما زاد على الحولين في ذلك أيضاً على مذهب المدونة كالرضيع سواء بسواء ، وعلى مذهب ابن القاسم في المدونة درج ( خ ) حيث قال : وجاز شرط نفقة ولدها منه مدة رضاعه فلانفقة للحمل وسقطت نفقة الزوج أو غيره وزائد شرط كموته الخ . وفهم من قوله بعد الرضاع أنه في مدة الرضاع يجوز شرطه عليها إنفاق نفسه أو رضيعه أو غيرهما وهو كذلك قال بعضهم اتفاقاً : ومفهوم قوله محدود الأجل أنه إذا لم يكن لذلك أجل محدود لم يجز كتأجيله بقدوم زيد أو يسر الأب مثلاً وتأمله مع قول ( خ ) وعجل أي الخلع المؤجل بمجهول وتؤولت أيضاً بقيمته فإن ابن محرز قال : تعجيله مخالف لجواز الخلع بالغرر ، وقال اللخمي : لا وجه لتعجيله وتعجيله ظلم اه . وظاهره تعجيله ولو حداه بمدة الحياة ، لكن الذي يقتضيه قولهم يجوز الغرر في الخلع هو أنهما إن حداه بمدة الحياة ومات الولد سقطت كما مر ، وإن ماتت هي فيوقف من مالها ما يفي بنفقته إلى تمام سبعين سنة كمن أوصى بنفقة رجل حياته فإنه يوقف من ثلثه ما يقوم به منتهى سبعين سنة كما في ( ح ) أول الالتزام فتأمل ذلك والله أعلم .
وَجَازَ قَوْلاً وَاحِداً حَيْثُ التُزِمْ
ذَاكَ وَإنْ مُخَالِعٌ بِهِ عُدِمْ
( وجاز ) فاعله ضمير الخلع ( قولاً ) منصوب على إسقاط الخافض ( واحداً ) نعت له أي جاز الخلع حال كون جوازه ثابتاً على كل قول ( حيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( التزم ) بالبناء للمفعول ( ذاك ) نائب والإشارة للاتفاق ، والجملة في محل جر بإضافة حيث ( وإن مخالع ) نائب عن فعل مقدر يفسره ما بعده ( به ) يتعلق بمخالع والباء للتعدية لا للسببية وهو من باب الحذف والإيصال أي : وإن عدم مخالع بالاتفاق عليه ( عدم ) أي مات . ومثل هذه الواو الداخلة على أن يسميها ابن غازي واو النكاية ويسميها شراح ( خ ) عاطفة على معطوف مقدر أي عاش الولد أو مات فهي بمعنى ( أو ) وجواب حيث محذوف للدلالة عليه ، ومعناه أن المرأة إذا اختلعت بالإنفاق على ولدها أو غيره مدة معلومة زائدة على الحولين عاش المخالع بنفقته أو مات فإن ذلك جائز اتفاقاً من ابن القاسم وغيره ، ويرتفع الخلاف في القضية حينئذ قاله في النهاية . قال : وهو مثل من باع داراً على أن ينفق المشتري عليه مدة معلومة فهو جائز ، وإذا جاز في البيع فهو في الخلع أجوز اه . ثم إذا مات الولد ونحوه في هذه أخذ وارثه منها باقي المدة مشاهرة حتى يتم الأجل ، وإن ماتت هي أخذ من مالها نفقته في المدة المشترطةمن غير إيقاف لأنه دين حل بموتها ، ولا فائدة في الإيقاف لأنه يؤخذ منها على كل حال ولو مات الولد ونحوه بعدها لورث ذلك ورثته .
ثم اعلم أن الذي يقتضيه الترتيب الطبيعي تقديم هذين البيتين على قوله : وليس للأب الخ . ثم يقول : وإن تمت ذات اختلاع البيتين ثم يقول : ومن يطلق زوجة البيتين أيضاً إذ الكل مفرع على قوله هنا والخلع بالإنفاق الخ . ولعل ناسخ المبيضة قدم وأخر والله أعلم .
تنبيهان . الأول : إذا خالع امرأته على أن سلمت له ولدها منه وأنها إن أرادت أخذه فليس لها ذلك إلا أن تلتزم عن الأب مؤنته فإن ذلك خلع جائز نافذ حتى على قول ابن القاسم قاله في المتيطية .
الثاني : ذكر ( ح ) في التزاماته أن ما يأتي في قول الناظم : ومن يطلق زوجة ويرتجع البيتين يجري حتى في هذه الصورة المذكورة في التنبيه عن المتيطية دون التي في النظم التي هي قوله : وجاز قولاً واحداً الخ . فإن النفقة لا تسقط عنه بارتجاعها .
ولِلأَبِ التَّرْكُ مِنْ الصَّدَاقِ
أَوْ وَضْعُهُ لِلْبِكْرِ فِي الطَّلاَقِ
( وللأب ) خبر عن قوله ( الترك ) وقوله : ( من الصداق ) يتعلق بالترك ( أو وضعه ) بالرفع معطوف على الترك ( للبكر ) يتنازع فيه ترك ووضع ( في الطلاق ) يتعلق بالمعطوف المذكور ، ومعنى الشرط الأول أنه يجوز في نكاح التسمية للأب دون غيره من الأولياء أن يترك بعد العقد وقبل البناء عن الزوج شيئاً من صداق ابنته البكر التي لم يرشدها إذا كان ذلك سداداً ونظراً قاله ابن القاسم . وقال مالك : للأب أن يزوج البكر بأقل من صداق المثل على النظر ، ولا يحط من الصداق بعد العقد إلا على الطلاق ، وهو معنى الشرط الثاني أي يجوز للأب أيضاً دون غيره أن يضع عن الزوج بعد العقد جميع النصف على الطلاق أو بعد وقوع الطلاق قبل البناء كان ذلك نظراً أم لا . لقوله تعالى : إلا أن يعفون } ( البقرة : 237 ) أي المالكات لأمر أنفسهن : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ( البقرة : 237 ) وهو الأب عند مالك وأما السيد فله إسقاط مهر أمته كله قبل الدخول وبعده ، وقبل الطلاق وبعده قاله في الجلاب . قوله : في الطلاق أي في شأنالطلاق أعم من أن يكون عند الطلاق أو بعده ، وهذا أولى من جعل ( في ) بمعنى ( على ) أو ( بعد ) وإلى المسألتين أشار ( خ ) لقوله : وجاز عفو أبي البكر عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق . ابن القاسم : وقبله لمصلحة وهل وفاق ؟ تأويلان . وقولي في نكاح التسمية احتراز من نكاح التفويض فإنه يجوز ذاك للأب قبله وبعده وللوصي قبله كما أفاده ( خ ) بقوله : والرضا بدونه للمرشدة وللأب ولو بعد الدخول وللوصي قبله لا المهملة الخ . وظاهر قوله : الترك من الصداق كان نظراً أم لا . وليس كذلك كما رأيته . وقولي : التي لم ترشد احترازاً من المرشدة فإنها التي تنظر لنفسها ، ومفهوم البكر أن الثيب ليس له ذلك فيها وهو كذلك حيث لم يكن له جبرها على النكاح ، وأشعر قوله البكر أيضاً أنه إن دخل بها لم يكن له ترك شيء من صداقها وهو كذلك كما في الجلاب والقرافي نقله طفي وأشعر قوله الترك أن ذلك بعد العقد كما قررنا ، فيفهم منه أنه يجوز له أن يزوجها ابتداء بأقل من صداق مثلها على وجه النظر بالأحرى وهو كذلك كما في المدونة عن مالك ، وانظر ما تقدم في باب الصلح عند قوله : والبكر وحدها تخص ههنا الخ . وبالجملة فالتأويلان في كلام ( خ ) محلهما كما هو ظاهره إذا تحققت المصلحة ، وهو ظاهر المدونة وظاهر ابن الحاجب أيضاً . قال ابن عبد السلام : وهو الصحيح لا ما قال ابن بشير : من أن الخلاف إنما هو إذا جهلت المصلحة أما إذا تحققت فيتفق مالك وابن القاسم على الجواز ، وإن تحقق عدم وجودها فيتفقان أيضاً على عدم الجواز ، وإنما يختلفان عند الجهل فظاهر قول مالك بعدم الجواز لأن الأصل في إسقاط الأب عدم المصلحة . وظاهر ابن القاسم جوازه لأن أفعال الأب محمولة على المصلحة فإن ذلك لا يعول عليه ، بل مع الجهل يتفقان على منع الإسقاط كما يفيده قولهم بعد الطلاق لأنه يفيد بمفهومه أنه لا يجوز قبله كان لمصلحة أم لا . استثنوا منه صورة المصلحة . فإن ابن القاسم أجازها والمصلحة إذا أطلقت إنما تنصرف للمحققة وغير المحققة لا تسمى مصلحة لعدم وجودها ، وحينئذ فالناظم اعتمد في الشطر الأول التأويل بالوفاق فيستفاد منه أنه الراجح ، وأما الشطر الثاني فلا خلاف فيه .
تنبيهات . الأول : بأدنى تأمل يعلم منع ما يفعله كثير من الناس اليوم من تزويج أبكار بناتهم أو الثيبات من محاجرهم بأقل من صداق المثل لأنه في المدونة إنما أجاز تزويج الأب بأقل من صداق المثل إن كان نظراً ، فإن لم يكن نظراً فيمنع ، والناس اليوم يهدون للأب الهدايا ويعطونه العطايا ليزوجهم بنته بأقل من صداق المثل من غير نظر لها ولا مصلحة ، وذلك منكر . فيجب على القاضي التفطن إليه وحسم مادته فإن لم يطلع عليه فللزوجة أن ترجع على زوجها بتمام صداق مثلها بعد الدخول ويخير الزوج في إتمامه قبله أو يفارق ، ولا شيء عليه . وهذا إن لم تشترط تلك الهدايا وإلا فهي من الصداق فترجع بها الزوجة على الأب كما مر ، وتسمى تلك الهدايا المشترطة عند العامة بالمأكلة والحبا .
الثاني : قال البرزلي في الكراس الثاني من النكاح : إذا قال الزوج للأب أقلني في ابنتك فأقاله فهي مطلقة ولا يتبع الزوج بصداق إن لم يكن دفعه ورده الأب إن قبضه ، وهذا قبل البناء . ابن الحاج : ولو كان بعد البناء فهي إقالة في العصمة ويلزمه الثلاث . البرزلي : تقدم أن ظاهر المدونة لزوم الثلاث مطلقاً قبل البناء وبعده من قولها : وهبتك ورددتك لأهلك ، وتقدملابن عات فيها قول إنه يفسخ بغير طلاق اه .
الثالث : مفهوم قوله في الطلاق أنه لا يجوز له ذلك في موت زوجها قبل البناء وهو كذلك نص عليه المازري في درره قائلاً : وإن تحمل الأب بالدرك فتخير الزوجة في الرجوع على الزوج أو عليه لأن الأب فوت عليها حظها وهو غريم غريمها . نعم إن صالح الأب عن بعض الصداق لعدم ثبوته واحتياجه لطول خصام مضى اه . بنقل طفي ، وقوله : وإن تحمل الخ . لعله في مسألة العفو بعد الدخول على الطلاق إذ فيها يتأتى التحمل بالدرك كما تقدم في فصل الضرر وفي باب الصلح : وإلاَّ ففي مسألة الموت لا يتأتى فيها التحمل المذكور ، نعم يتأتى فيها الرجوع المذكور حيث أعدم أحدهما لأن الأب بإسقاطه عن الزوج وقت قدرته على أدائه حتى أعدم كان مضيعاً فيجب عليه ضمانه ، والله أعلم .
فصل ذكر فيه صريح الطلاق وكنايته وما يتعلق بذلكوَيَلْزَمُ الطَّلاقُ بالتَّصْرِيحِ
وبالْكِنَايَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ
( وينفذ الطلاق ) فعل وفاعل ( بالصريح ) يتعلق به ( وبالكنايات على الصحيح ) يتعلقان بمحذوف عطف على الجملة قبله أي : وينفذ بالكنايات الخ . ولذلك أعاد العامل فهو من عطف الجمل ، وقوله على الصحيح راجع للكنايات فقط . والصريح ما كانت فيه الطاء واللام والقاف أو كان بلفظ الفراق أو التسريح لأن كل ما نطق به القرآن صريح فقال تعالى : فطلقوهن } ( الطلاق : 1 ) وقال أيضاً : أو سرحوهن } ( البقرة : 231 ) وقال أيضاً أو فارقوهن } ( الطلاق : 2 ) وقصره ( خ ) على الأول فقال ولفظه : طلقت أو أنا طالق أو أنت أو مطلقة أو الطلاق لي لازم لا منطلقة وتلزم واحدة إلا لنية أكثر ، وأما الكناية فقسمان : ظاهرة وخفية ، فالظاهرة هي اللفظ الدال عليه عرفاً وليس فيه صيغة الطلاق وما تصرف منه كما أشار لذلك ( خ ) أيضاً بقوله :والثلاث في بتة وحبلك على غاربك أو واحدة بائنة أو نواها بخليت سبيلك أو ادخلي ، والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها في كالميتة والدم ووهبتك ورددتك لأهلك الخ . ثم أشار للكناية الخفية أيضاً بقوله : ونوى فيه وفي عدده في اذهبي وانصرفي أو لم أتزوجك الخ . وكذا يلزم أيضاً بما ليس بصريح ولا كناية إن نوى به الطلاق كقوله : أسقني ماء كما قال أيضاً وحرم بأي كلام نواه الخ . وجعل ابن زرقون نحو أسقني ماء من الكناية أيضاً حيث نوى به الطلاق قال الشارح : قول الناظم وبالكنايات بلفظ الجمع يريد أقسامها الثلاثة على ما مر لابن زرقون . قال الشيخ ( م ) : وهو ظاهر إلا أنه يبقى النظر في مقابل الصحيح ما هو ف الله أعلم بمراده .
ثم اعلم أنه في الصريح لا يقبل منه أنه لم يرد به الطلاق ولو مستفتياً ، وكذا في الكناية الظاهرة ، وإنما يشترط فيهما قصد النطق بذلك اللفظ ، وإن لم يقصد به حل العصمة ، فإن لم يقصد النطق بذلك بأن هذي لمرض أو لقنه بلا فهم معناه لم يلزم . انظر القرافي فإنه قال : القصد لإنشاء الصيغة والنطق بها لا أعلم في اشتراطه خلافاً قال : وأما القصد لإزالة العصمة باللفظ فليس شرطاً في الصريح اتفاقاً ، وكذا ما اشتهر من الكنايات فراجعه إن شئت في شرح ابن رحال وابن غازي فإن فيه طولاً . وقال المتيطي : والطلاق يلزم باللفظ والنية فإن انفردت النية فالصحيح اللزوم لأن اللفظ عبارة عما في النفس ، فإذا أجمع بقلبه على أنه قد طلق لزمه وهو قول مالك في سماع أشهب ، وروي عنه أنه لا يلزم وإن انفرد اللفظ ، فالصحيح أن الطلاق لا يلزم بذلك إلا في الحكم الظاهر لقوله عليه السلام : ( إنما الأعمال بالنيات ) . وفي كتاب التخيير من المدونة ما ظاهره اللزوم وهو خلاف المنصوص اه . لكن ما ذكره من اللزوم بمجرد النية حمله القرافي على الكلام النفسي وهو إنشاء الطلاق بقلبه فقط أي : من غير حركة لسانه به وهو المشار إليه بقول ( خ ) وفي لزومه بكلامه النفسي خلاف الخ . فالصحيح في كلام المتيطي هو أحد المشهورين في النفسي كما أشار لذلك القرافي قائلاً : هو محل الخلاف ، وأما مجرد القصد إليه من غير إنشاء بالقلب بل وقع القصد إليه كما تقصد العبادات فلا يلزم ولو صمم عليه إجماعاً قال : فالنية لفظ مشترك بين النفسي الذي هو الإنشاء بالقلب وبين مجرد القصد اه . فقول الناظم بالصريح أي : اللفظ الصريح أو ما يقوم مقامه من الإشارة والكتابة كما قال ( خ ) ولزم بالإشارة المفهمة وبالكتابة عازماً الخ . وكذا يلزم بالفعل أيضاً كنقل القماش كما أشار له ( خ ) أيضاً في التخيير والتمليك فاحترز باللفظ هنا عن مجرد القصد الذي ليس معه لفظ ، ولا كلام نفسي لا عن الإشارة والكناية والفعل . هذا ما يتعلق بالصريح والكناية الظاهرة .
وأما الخفية فتقبل دعواه أنه لم يرد به طلاقاً وإذا نوى به الطلاق فينوي في عدده كما مر عن ( خ ) بخلاف الكناية الظاهرة ، فإنه لا ينوي فيه ولا في عدده كما مر عنه أيضاً على تفصيلبين المدخول بها وغيرها . وانظر لو نوى بالخفية الطلاق ولم ينو عدداً فهل يلزمه الثلاث ؟ وبه جزم ابن رحال في حاشيته ههنا أو يجري على ما يأتي في قوله : وموقع الطلاق دون نية . وهو الظاهر . وقال ابن عرفة : وإن قال أنت طالق فهو ما نوى فإن لم ينو شيئاً فواحدة اه . وقال في النهاية : فهذه الألفاظ يعني أنت طالق ونحوه يحكم فيها بواحدة نواها أو لم ينو شيئاً اه . وهو قول ( خ ) وتلزم واحدة إلاّ لنية أكثر ، وحينئذ فإذا نوى بالخفية الطلاق فإنه تلزمه واحدة إلا أن ينوي أكثر كما لو قصده بقوله : أنت طالق فليس عليه إلا واحدة أيضاً إلاَّ لنية أكثر ، ويصدق في صفة هذه الواحدة من كونها بائنة أو رجعية كما ذكر المواق عن ابن رشد ، وأنه إذا أراد بقوله : أنت طالق طلقة المباراة أي الطلقة البائنة فتلزمه البينونة ويصدق في ذلك ولا يرتدف طلاقه عليها إن جاء مستفتياً .
تنبيهات . الأول : إذا قلنا تلزمه واحدة إلاَّ لنية أكثر فاختلف هل يصدق في إرادة الواحدة بغير يمين كما هو ظاهر ( خ ) وصححه في الشامل أو بيمين وشهره ابن بشير ؟ وهما قولان على يمين التهمة ، والمشهور توجهها كما مر ، واقتصر في المعين في قوله : فارقتك على وجوب اليمين أنه ما أراد إلا واحدة قال احلولو : ومقتضى ابن بشير وغيره : أن اليمين تتوجه على القول به سواء قال : نويت واحدة أو لم أنو شيئاً . قال ابن رحال في الشرح : وهذا الخلاف إنما هو إذا لم يكن مستفتياً بدليل أن الحلف لأجل التهمة أي : لأن التهمة إنما تتطرق إليه عند المرافعة . وكذا تجب اليمين في الكناية الظاهرة لأنه ينوي فيها كلها أنه أراد بها الواحدة في غير المدخول بها ، لكن بيمينه من غير فرق بين حبلك على غاربك والميتة وغيرهما من الكناية الظاهرة قال : ما عدا لفظ البتة فإنه لا ينوي فيها أنه أراد الواحدة قبل البناء على مذهب المدونة ، وقيل : ينوي أيضاً وكلا القولين قوي اه . وأما المدخول بها فإنه لا ينوي في إرادته أقل كما في المتن . والفرق أن غير المدخول بها تبين بالواحدة والمدخول بها لا تبين إلا بالخلع أو بالطلاق الذي حكم به الحاكم في غير الإيلاء والعسر بالنفقة أو بالثلاث ، وإذا فقد الأولان هنا تعين الثلاث قال : لكن إنما يظهر لزوم الثلاث فيها وعدم تصديقه في إرادته أقل حيث لم يجر العمل بالطلاق المملك ، أما حيث جرى به وأنها تبين بغير عوض على ما عليه الناس الآن ، فإذا قال : نويت بخليت سبيلك أو بميتة أو ببائنة طلاق المباراة أو الطلقة المملكة فيقبل قوله اه . أي : لأن الناس اليوم يقصدون البينونة بدون الثلاث كما قدمناه عند قول الناظم ، وفي المملك خلاف الخ . وتقدم أنه إذا قال : أنت طالق طلقة بائنة فتلزمه واحدة على الأصح وعن المواق ما نصه : قد نصوا أن من طلق طلاق الخلع فهو بائن وهو طلاق زمننا فعليه صار حكم المدخول بها وغيرها سواء ، وبهذا كان أشياخنا وأشياخهم يفتون . وقد نصب ابن بشير على هذا المعنى فانظره اه . وبالجملة فإنما قال الإمام مالك بلزوم الثلاث في المدخول بها لأنه لم يكن في زمنه الطلاق المملك أي البائن بدون خلع ولا حكم ولا ثلاث ، وأما حيث كانت الناس اليوم تستعمل البينونة بغير ذلك وهو الطلاق المملك فتصير المدخول بها وغيرها في التنويه ، سواء قال معناه في المعيار عن أبي عبد الله الفخار وحينئذ فينوي مطلقاً مستفتياً أم لا . دخل أم لا . ولا يختص ذلك بالاستفتاء كما مر عن ابن رشد . ألا ترى أن الحرام ثلاث عند الأقدمين والعمل اليوم على لزوم الواحدة البائنة مطلقاً وما ذلك إلا لما قالوه من العرف وأن عرف الناس اليوم على قصد المملك .الثاني : ذكر الشار ( ح ) ومن تبعه عند قوله : وموقع الطلاق دون نية . الخ أن العامة اليوم لا يعرفون الطلاق الرجعي ، وعليه فإذا قال العامي لزوجته : أنت طالق فتبين منه بذلك لأنه لا يقصد غير البينونة ، ولو سئل عن ذلك لقال : ما قصدت إلا أن لا تطالبني وأن لا حكم لي عليها ولذلك لا تطالبه بنفقة العدة ، وإذا طلبتها لا يجيبها إلى ذلك لما في صميم عقله من أنه لا نفقة لها عليه ، وإذا سألته عن حقيقة الرجعي المتقدمة في تقسيم الطلاق ما عرفها والنفوس لا تقصد ما لم يتقدم لها به أنس ، وعليه فلا يصدق العامي في إرادته الرجعي مع وجود العرف بقصدهم بمطلق الطلاق البينونة إذ الحمل على العرف والعادة واجب كما في ألفاظ الكنايات لأنه إنما لزم فيها ما ذكر لأجل العرف كما يأتي ، وتأمل قول المواق : طلاق الخلع هو طلاق زمننا الخ . وقد قالوا إن الأحكام إنما تترتب على عرف التخاطب أعم من أن يكون لغوياً أو غيره ، وهذا أمر معهود في هذا الباب وما في حاشية ابن رحال عند قوله : وفي المملك خلاف الخ . وقاله في الشرح أيضاً عند قول المتن في الخلع وبانت ولو بلا عوض الخ . مما يقتضي خلاف ما قاله الشارح ، ومن تبعه لا يعول عليه لأن الكلام فيما إذا كان جل العامة لا يعرفون إلا البائن ، وإذا كان كذلك فعرفهم حينئذ هو قصد البينونة بمطلق الطلاق أي : فتلزمه وإن لم ينوها ولا تكون له رجعة عليها ولا يصدق في إرادته الرجعي وهو لا يعرفه كما لو ظن أن البتة واحدة . وقال : أردتها فإنه لا يصدق مع كون العرف عندهم أن البتة ثلاث ، وقول ابن رشد : هل الحمل على اللفظ أو على ما يعلم من قصد الحالف وهو الأشهر الأظهر الخ . لا شاهد له فيه لأن اللفظ هنا لا دلالة فيه على الصفة من كونها بائنة أو رجعية ، وإنما يعلم ذلك من قصد الحالف وإن لم يقصد شيئاً فيحمل على العرف ، وأيضاً فإن ابن رشد لم يقل ذلك فيما نحن فيه بل موضوعه في شيء آخر كما يعلم بالوقوف عليه في كتاب الصداق من ابن عرفة ، واللفظ ههنا لا يقتضيه بفحواه البينونة ولا عدمها وعلى تسليم اقتضائه الرجعة ، فإنما يقصد الناس إلى أعرافهم فقول ابن رشد وهو الأشهر الخ . شاهد لما ذكرناه ، وبالجملة فإذا قال : أنت طالق للمدخول بها ونوى به البينونة لزمته لقول المتن إلا لنيّة أكثر ، ولقول ابن عرفة فهو ما نوى الخ . وإن لم تكن له نية فيحمل على العرف فإذا كان عرفهم في مطلق الطلاق أو شيء من تلك الكنايات البينونة فقط عمل على ذلك ، ولا فرق في ذلك كله بين قوله عليه اليمين أو الحرام أو الأيمان اللازمة أو هي بتة أو حبلها على غاربها وغير ذلك من الكنايات وصفات الطلاق من كونه بائناً أو رجعياً ، فالحمل في ذلك كله على العرف عند فقد النية لأن العرف من المخصصات بعد النية كما في المتن ، ولذا قال القرافي في هذه الألفاظ : من خلية وبرية وحبلك على غاربك أو حرام إنما لزم فيها ما ذكر لعرف سابق ، وأما الآن فلا يحل للمفتي أن يفتي فيها بما ذكر إلا لمن هي عرفه الخ . ونقله المواق وغيره وعليه فمن قال عليه اليمين وهو لا يعرف إلا الطلاق البائن وعرف بلده ذلك لزمته طلقة بائنة ولا يفتي بالرجعي لأنه لا يعرفه ، ومن قال بلزوم الرجعي فيه إنما ذلك على عرف وقتهم ، وبهذا كنت أفتي الناس بلساني في هذه الأزمنة ولو طلب مني الكتابة لكتبت له ذلك ، وكان غيري لا يساعدني .
الثالث : انظر هل لا عبرة بالظن المخالف للعرف فإذا ظن المطلق أن قوله : أنت طالق تقع به البينونة والعرف بخلاف ذلك فإنها لا تقع عليه حيث لم ينوها عند التلفظ إذ العبرة بالعرف ،ويدل لذلك أنهم أناطوا الأحكام بالنية والعرف لا بالظن والاعتقاد ، وقد يظن الإنسان أو يعتقد حكماً ولا ينويه عند التلفظ وهو إذا لم ينوه يرجع فيه للعرف أو يقال تقع عليه البينونة إذ هو لا يقصد غير ظنه فتأمل . وأما العكس كما لو ظن أنها لا تبين بلفظ البتة مثلاً ، وأنها رجعية أو أنها واحدة بائنة والعرف أنها ثلاث فلا إشكال أنه يلزمه ما به العرف ولا ينفعه ظنه كما مر . وقد قال ابن رحال في باب القضاء عند قوله : أو جعل بتة واحدة الخ . الراجح لزوم الواحدة البائنة في لفظ البتة وما ذاك إلا للعرف .
الرابع : قال البرزلي ، قال ابن يونس في كتاب الطلاق : ولو مسها بيده أو ضربها وقال : أردت الطلاق لم تطلق إجماعاً . القرافي : وهو مشكل على الطلاق بمجرد النية فإنه نية وفعل اه . وتأمله أيضاً مع ما مر من أنه يلزم بالفعل ثم إن الناظم لم يذكر من أركان الطلاق إلا اللفظ ، فيفهم منه أن الطلاق لا يلزم بمجرد النية من غير لفظ أصلاً ولا ما يقوم مقامه من كتابة أو فعل على ما مر ، وهو كذلك عند الأكثر . ابن عرفة : وفي لغو الطلاق بمجرد النية الجازمة روايتا الأكثر وأشهب اه . وانظر الفرق بين الكلام النفساني ومجرد القصد عند قوله فيما يأتي : ومالك ليس له بملزم الخ . ومن أركانه أيضاً القصد أي قصد التلفظ بالطلاق أو الكناية مع معرفة معنى ذلك لا أن لم يقصد بل هذي كمرض أو لقن بلا فهم كما مرّ . ويبقى النظر فيما إذا لم يكن اللفظ من الكناية ولا من الصريح وقصد التلفظ به ، وهو يظن أنه يلزم فيه الطلاق ، ولكن لم ينو به وقت التلفظ طلاقاً ففي البرزلي عن تعلقة . ابن العطار : إن الشخص إذا قال : كل ما أعيش فيه حرام وهو يظن أن ذلك طلاق فليس يضره جهله بأن ذلك ليس بطلاق ولا يكون طلاقاً إلا أن يقصد أنها طالق بهذا اللفظ فيكون طلاقاً كما لو قال : ادخلي الدار يريد به الطلاق اه . وهذا إذا لم يجر العرف باستعمال ذلك اللفظ في الطلاق وإلاَّ لزمه الطلاق ، ولو لم ينو به كما مرّ ، وكما ذكره البرزلي في هذا اللفظ بعينه أيضاً . وذكر ( خ ) قولين فيما إذا قال : كل ما أعيش فيه حرام الخ . وظاهره جريانهما كأن يظنه طلاقاً أم لا . وثالثها المحل الذي هو العصمة المملوكة تحقيقاً أو تقديراً كقوله لأجنبية : إن تزوجتك فأنت طالق أو إن دخلت الدار ونوى بعد نكاحها فيلزمه لا إن لم ينو ذلك فلا شيء عليه . ورابعها : الأهل أي الزوج ، وشرطه أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً فلا يصح ولا يلزم طلاق الكافر ولا الصبي ولا فاقد العقل بجنون أو إغماء إلا أن يكون بسكر حرام أدخله على نفسه ، فيلزمه على ما أشار له بقوله :
وَيَنْفُذ الْوَاقِعُ مِنْ سَكْرَانِ
مُخْتَلِطٍ كالْعِتْقِ والأيمَانِ
( وينفذ الواقع ) فعل وفاعل ( من سكران ) يتعلق بالواقع ( مختلط ) صفة لسكران ( كالعتق ) الكاف للتشبيه لا تتعلق بشيء كما مر ( والأيمان ) معطوف عليه ، والتقدير وينفذ الطلاق الواقع من سكران مختلط عقله فيصيب مرة ويخطىء أخرى لكونه معه ضرب من التمييز كما ينفذ العتق الواقع منه ، والأيمان الصادرة منه بطلاق أو غيره كما هو ظاهره ، وظاهره أيضاً أنه ينفذ منه ماذكر ولو سكر بحلال كشربه لبناً حامضاً يعتقد أنه لا يسكره أو دواء ولو علم بإسكاره وليس كذلك فإنه لا يلزمه طلاق كما في الشامل ، ولو كان معه ضرب من التمييز فيقيد كلامه بغير الحلال . ومفهوم مختلط أنه لو كان مطبقاً لا يميز الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة لا يلزمه وهو كذلك اتفاقاً قاله ابن رشد . قال : وتحصيل القول في السكران أنه يلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ، ولا تلزمه الإقرارات والعقود اه . وعليه قول ابن عاشر :
لا يلزم السكران إقرار عقود
بل ما جنى عتق طلاق وحدود
اه .
فلو تنازعا في كون السكر بحلال أو بحرام فقوله بيمينه إن لم تقم قرينة على صدقه لأن الأصل عدم تعمد الحرمة وإن قامت قرينة على الصدق فلا يمين فإن قامت قرينة بكذبه فالقول للمجنى عليه والعبد والزوجة ، ثم إن المجنون يلزمه طلاقه في حال إفاقته كما في المدونة لا في حال إطباقه ، وإذا هذى لسكر بحلال فطلق وادعى أنه كان لا يضبط ما يقول وشكت البينة في ضبطه وعدمه ، فالظاهر أنه يجري فيه ما ذكروه فيمن هذى لمرض لأن السكران مريض فراجع الشراح عند قول ( ح ) أو هذى لمرض والله أعلم .
تنبيه : فهم من قوله : سكران أن الغضبان يلزمه طلاقه بالأحرى لأنه مكلف بالصلاة ونحوها إجماعاً ، ومخاطب بأداء ذلك حال غضبه بخلاف السكران ، وقد تقدم الكلام على ذلك عند قول الناظم : هب أنها في كلمة قد جمعت .
وَمِنْ مَرِيضٍ ومَتَى مِنَ المَرَضْ
مَاتَ فَلِلزَّوْجَةِ الإرْثُ مُفْتَرَضْ
( ومن مريض ) معطوف على سكران ( ومتى ) شرط ( من المرض ) يتعلق بقوله ( مات ) وقوله ( فللزوجة ) خبر عن قوله ( الإرث المفترض ) صفة . والجملة جواب الشرط ودخلت الفاء في الجواب لكونه لا يصلح أن يكون شرطاً .
ما لَمْ يَكُنْ بِخُلْعٍ أَوْ تَخْيِيرِ
أَوْ مَرَضٍ لَيْسَ مِنَ المَحْذُورِ
( ما ) ظرفية مصدرية ( لم يكن ) صلتها واسمها ضمير الطلاق الواقع من المريض ( بخلع ) يتعلق بمحذوف خبر يكن ( أو تخيير ) معطوف عليه ( أو مرض ) معطوف على خلع أيضاً مدخولللباء ( ليس ) فعل ماض ناقص واسمه ضمير المرض ( من المحذور ) يتعلق بمحذوف خبر ، ويحتمل أن تكون من زائدة لا تتعلق بشيء وهو أولى ، والمعنى أن طلاق المريض مرضاً مخوفاً وتمليكه وتخييره وخلعه لازم له كالصحيح ، وإنما يفترقان في الإرث ففي الخلع والتخيير لا ترثه لأن الفراق جاء من قبلها وفي الطلاق ترثه إن مات من مرضه قبل ظهور صحته كان الطلاق بائناً أو رجعياً قبل الدخول أو بعده ، ولو صادف آخر الثلاث كما هو ظاهر النظم ، وظاهره أيضاً ولو كانت يمينه في الصحة وحنث بها في المرض كان الحنث بسببها كحلفه وهو صحيح بطلاقها إن دخلت الدار ، فدخلت وهو مريض أو بسببه كحلفه ليقضين فلاناً حقه في يوم كذا فحنث وهو مريض ، وظاهره أيضاً ولو طال مرضه حتى خرجت من عدتها وتزوجت أزواجاً وهو كذلك في الجميع ، ثم إن ما ذكره الناظم من عدم إرثها في الخلع والتخيير هو تخريج اللخمي في الخلع . ورواية زياد في التمليك والتخيير وذلك ضعيف لأن القول المخرج لا يعمل به في قضاء ولا فتوى ، وإنما يذكر تفقهاً وتفنناً فقط قاله ( ح ) . ولأن رواية زياد مخالفة لمذهب المدونة ، ولذا درج ( خ ) وغيره على وجوب الإرث لها فقال : ونفذ خلع المريض وورثته أي : ولو من المال الذي خالعته به كمملكة ومخيرة فيه ومولى منها وملاعنة أو أحنثته فيه أو أسلمت أو عتقت أو تزوجت غيره وورثت أزواجاً وإن في عصمة ، وإنما ينقطع بصحة بينة الخ . وفهم من قوله : ومتى من المرض مات الخ . أنها إذا ماتت هي لا يرثها وهو كذلك إن كان طلاقها بائناً ، وأما الرجعي فيرثها إن ماتت قبل انقضاء عدتها واحترزت بقولي مخوفاً من غير المخوف كسعال وإقعاد ورمد ووجع ضرس وجذام وفلج يقبل مع ذلك ويدبر ويتصرف لنفسه فإنها لا ترثه لأنه في حكم الصحيح كما أشار له بقوله : أو مرض ليس من المحذور الخ . فقوله : ومن مريض أي مرضاً مخوفاً وهو ما حكم الأطباء بكثرة الموت به كالسل والقولنج والحمى القوية ، ومن في حكم ذلك كحاضر صف القتال والمحبوس لقتل أو قطع يخاف منه الموت ، وكذا حامل ستة فهي كالمريض على المشهور قاله ابن بشير وقيل : كالصحيح لأن الغالب السلامة ومحلها ما لم تكن في حالة الطلق وإلاَّ فيحجر عليها قاله في الذخيرة . واختلف في الطاعون قبل نزوله بالمطلق ونحوه فقال ابن لب : الأظهر أنه ما دام على حال الصحة قبل نزول المرض به فهو على حكم الأصحاء قال : ولا يبعد أن يخرج فيه الخلاف من الخلاف الذي في راكب البحر على حال هوله إذا حصل في اللجة اه . وقال ابن رحال في باب الحجر : إن الملجج في البحر يحجر عليه كالمريض قائلاً وهوالذي تجب به الفتوى عندي ولا أقدر على العدول عنه إذ دفعه محال ولا يفيد معه احتيال اه . وفي مسائل العدة والاستبراء من البرزلي أنه إذا كان ذريعاً في الناس أذهب نصفهم أو ثلثهم فهم كالمرضى وإلاَّ فلا .
تنبيهات . الأول : إذا ارتد المريض بانت منه زوجته ولا ترثه إن مات من مرضه قال التونسي : والطلاق عليه في مرضه لعيب به كجنون أو جذام لا ترثه امرأته كالردة . ابن عرفة : ما قاله التونسي واضح إلا أن في الحكم عليه به في مرضه نظراً والصواب تأخيره . قال ابن رحال : ما قاله ابن عرفة من وجوب التأخير هو المذهب اه .
الثاني : ظاهر قول الناظم ليس من المحذور أن المرض إذا كان حين الطلاق غير مخوف ثم صار مخوفاً إنه يعتبر وقت الطلاق فلا ترثه ، وهو الذي يدل عليه كلام ضيح واللخمي والمدونة وغير واحد ، وهو ظاهر لأن غير المخوف في حكم الصحيح ، والصحيح لو طلق ثم مرض لا ترثه . وقال ابن رحال في الخلع : إذا مات منه وأسند إليه الموت منه فقد تبين أنه مخوف اه . وكأنه أخذه من قول ابن عرفة أن غير المخوف إذا كان عقبه الموت يصير مخوفاً كما ذكره ( ز ) عنه في باب الحجر .
قلت : ما نقله ( ز ) عن ابن عرفة من أن غير المخوف إذا كان عقبه الموت يصير مخوفاً الخ . يقتضي أن المدار على الموت من ذلك المرض كان حين الطلاق أو التبرع مخوفاً أم لا . فهو صريح في إلغاء تقييده بالمخوف وذلك مخالف لتقييد الأئمة له بذلك . قال في المدونة : أما الفالج وصاحب حمى الربع والأجذم والأبرص وذو القروح والجراح فما أقعده من ذلك وأضناه وبلغ به حدّ الخوف عليه ، فله حكم المريض ، وما لم يبلغ به ذلك فله حكم الصحيح اه . ولا معنى لكونه له حكم الصحيح إلا جريان أحكام الصحيح عليه ، وإن زاد على ذلك وصار مخوفاً ولو كان المدار على الموت لقيدوه به لا بالمخوف ، وما ذكروه عن ابن عرفة لم يذكره في باب الحجر ولا في باب الخلع ولعله ذكره في باب الطلاق ، ولم تسعني مراجعة ذلك المحل الآن . وانظر ما يأتي في الهبة . وانظر أيضاً شرح الشامل عند قوله في الحبس ، وبطل لوارث بمرض موته الخ .
الثالث : لم يتكلم الناظم على خلع المريضة وفي المدونة قال مالك : وإن اختلعت منه في مرضها أي المخوف بجميع مالها لم يجز ولا يرثها . قال ابن القاسم : ولو اختلعت منه على أكثر من ميراثها منه لم يجز فأما على مثل ميراثه منها أو أقل فجائز ولا يتوارثان . ابن نافع : يلزمه الطلاق ولا يجوز له من ذلك إلا قدر ميراثه مثل ما فسر به ابن القاسم اه . عياض : وأكثرهم أن قول ابن القاسم تفسير لقول مالك اه . وممن حمله على الخلاف ابن رشد ووجه قول مالك بأن ما خالعت به أرادت أن يأخذه الزوج من رأس مالها عاشت أو ماتت وهو غير وارث فوجب أن يبطل ، وإن كان أقل من ميراثه منها اه . وعلى قول ابن القاسم الذي هو تفسير ففي ابن يونس يوقف ذلك فإن صحت أخذه وإن ماتت أخذ منه قدر ميراثه من التركة يوم ماتت لا يوم الصلح ، وإن كان أقل من ميراثه فله الأقل ولا يحسب عليها ما أنفقت على نفسها في مصالحها إلا ما تلف ويحسب ما صالحته به من التركة وليس لها تعمد تلف مالها من غير مصلحة فإن أوصت بشيء فذلك في ثلث بقية التركة بعد عزل ما صالحت به ثم يضاف إلى ذلك ما بقيبعد الوصايا فيأخذ قدر ميراثه منه إلا أن يكون ما صالح به أقل فيأخذ الأقل . انظر ابن عرفة وأبا الحسن وإلى خلع المريضة أشار ( خ ) بقوله : ولم يجز خلع المريضة وهل يرد أو المجاوز لإرثه يوم موتها ووقف إليه ؟ تأويلان .
الرابع : تقدم في الرجعي أنه يرثها إن ماتت قبل انقضاء عدتها فإن اختلفوا في انقضاء العدة فقال أبو الحسن على قولها في المواضعة وإن هلكت بعد مدة فيها استبراء فهي من المبتاع الخ . يقوم من هذه المسألة أن الرجل إذا طلق امرأته ثم ماتت فقال ورثتها : ماتت بعد انقضاء العدة . وقال الزوج : بل قبل انقضائها واتفقوا على وقت الطلاق ، فإن كان مضى من المدة ما تنقضي في مثله العدة غالباً وذلك ثلاثة أشهر فيحمل الأمر على أنها قد انقضت ولا ميراث له إلا أن يأتي بما يدل على أن عدتها لم تنقض من قولها قبل الموت ، إذ هي مصدقة في ذلك فإن لم يأت بذلك وادعى أن الورثة علموا بذلك لزمهم اليمين ، وإن كان لم يمض ما تنقضي فيه العدة غالباً حمل الأمر على أنها لم تنقض إلا أن يأتي الورثة على قولها ببينة أن عدتها قد انقضت وإن لم يأتوا بذلك فادعوا على الزوج أنه علم بذلك لزمته اليمين ، وإن اختلف الزوج مع الورثة في وقت الطلاق فادعى الزوج مدة لا تنقضي في مثلها العدة فإن القول قول الزوج على معنى ما في سماع عيسى من طلاق السنة ، ولا خلاف في هذا قاله ابن رشد .
والخُلْفُ في مُطَلَّقٍ هَزْلاً وَضَحْ
ثالِثُهَا إلاّ إنِ الهَزْلُ اتَّضَحْ
( والخلف ) مبتدأ ( في مطلق ) يتعلق بوضح ( هزلاً ) مصدر بمعنى الفاعل حال من ضمير مطلق ( وضح ) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير المبتدأ ، والجملة خبر ( ثالثها ) مبتدأ والخبر محذوف تقديره يلزم ( إلا ) استثناء ( أن الهزل ) فاعل بفعل محذوف يفسره ( اتضح ) قال ابن سلمون : وإن طلق هازلاً ففيه ثلاثة أقوال . الأول : أنه لا يلزمه ، والثاني : أنه يلزمه ، والثالث : إن قام دليل على أنه كان هازلاً لم يلزمه وإلاَّ لزمه اه . ومثله في عدها ثلاثة لابن شاس وابن الحاجب قال ابن عبد السلام : والذي حكاه غير واحد إنما هما قولان . والثالث تقييد لأن الهزل لا يثبت بمجرد الدعوى ، والمشهور اللزوم . وعليه عول ( خ ) فقال : ولزم ولو هزلاً الخ . أي : ولو تبين هزله وثبت وأحرى إذا لم يثبت كما في ابن رحال ، وما ذكره ابن عبد السلام من أن الثالث تقييد تعقبه ابن عرفة بأن في كلامهم ما يدل على أن طلاق الهزل لغو مطلقاً إلا بقيد قيام دليله ونحوه في ضيح ، وظاهر النظم أن الخلاف المذكور جار سواء هزل بإيقاعه أو بإيقاع لفظه عليه ، والذي لابن عرفة أن هزل الإيقاع لازم اتفاقاً ، وهزل إطلاق لفظه عليه المعروف لزومه اه .
تنبيه : النكاح والعتق مثل الطلاق في الخلاف المذكور كما في ابن الحاجب ، والمشهور اللزوم البرزلي في المدونة عن ابن المسيب : ثلاث هزلهن جد : النكاح والطلاق والعتق . وجعل في غير المدونة مكان العتق الرجعة ، فهذه أربع هزلها جد كما في ضيح . ابن الحاج : في نكاحالهزل خلاف وعدم لزومه أظهر لقوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } ( البقرة : 225 ) فكما لا كفارة فيه كذلك لا نكاح اه .
قلت : تأمل هذا الاحتجاج بالآية المذكورة فإنه لا يجري على ما فسر به ( خ ) : وغيره اليمين اللغو حيث قال : ولا لغو على ما يعتقده فظهر نفيه ، وأيضاً فإن اللغو خاص باليمين بالله تعالى ، وما ذكره ابن الحاج ذكر القرافي مثله عن الشافعي ، وذكر أن اللغو عندنا خاص بالله تعالى ، ثم قال ابن الحاج : والبيع مثل النكاح . قال البرزلي : إنما هو مثله في جريان القولين لا في مذهب المدونة لأن الهزل في البيع يحلف معه ولا يلزم على مذهب المدونة اه . وانظر الفرق بينهما أي بين البيع والنكاح فيما كتبناه على قول ( خ ) في النكاح ، ولزم وإن لم يرض الخ . وانظر ما قاله الشراح هناك أيضاً ، وانظر أيضاً من باع زوجته أو زوجها وادعى الهزل في ابن عرفة هنا ، وذكر ( خ ) في الخلع أن بيعها وتزويجها يكون طلاقاً بائناً .
تنبيه : قال في الذخيرة ما نصه : لمطلق اللفظ ثلاث حالات تارة يستعمله في موضوعه الذي وضع له فيلزمه مقتضاه في الفتيا وفي القضاء وتارة في غير موضوعه فلا يلزمه في الفتيا ويلزمه في القضاء إلا أن تصدقه قرينة . وقد تقدم الكلام على قوله : يا طالق . وقال : أردت من وثاق أي فيصدق في الفتيا ولا يصدق في القضاء قال : وتارة يطلقه ويقتطعه عن مسماه ولا يصرفه إلى غير مسماه ، بل يطلقه عبثاً من غير إرادة معنى البتة بل مقروناً بنية القطع عن المسمى ، فهذا هو الهازل سواء دلت عليه القرينة أم لا . ولا يكفي في الهزل أنه أطلقه من غير نية لأن الصريح لا يفتقر إلى النية فهذا تحريره فاضبطه اه .
ومالِكٌ لَيْسَ لَهُ بِمُلْزِمِ
لِمُكْرَهٍ في الفِعْلِ أَوْ في القَسَمِ
( ومالك ) مبتدأ ( ليس ) اسمها ضمير يعود على المبتدأ ( له ) يتعلق بخبر ليس المجرور بالباء الزائدة الذي هو ( بملزم ) بكسر الزاي والضمير المجرور عائد على الطلاق وهو في محل نصب على المفعولية بملزم ولضعف العامل تعدى إليه باللام ، والجملة خبر المبتدأ ( لمكره ) بفتح الراء يتعلق بملزم ( في الفعل ) يتعلق بمكره و ( في ) بمعنى ( على ) ( أو في القسم ) معطوف عليه ، والمعنى أن الإمام مالكاً رحمه الله ليس ملزماً الطلاق للمكره على فعل الطلاق أو إيقاعه أو على الإقرار به أو على القسم به أو على فعل ما يحنث به لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) كما في مسلم : ( حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) . وقال فيه أيضاً حسبما في القرافي : ( لا طلاق في إغلاق ) . والإغلاق عند مالك الإكراه لأن الإغلاق هو الإطباق من أغلقت الباب فكأن المكره قهر علىالفعل ، وأغلق عليه حتى فعله خلافاً لمن قال : إن الإغلاق هو الغضب فإنه لا يصح قاله ابن رشد . قال : وطلاق الغضب واللجاج لازم اتفاقاً ، وقد تقدم ذلك عند قوله : وينفذ الواقع من سكران الخ . والإكراه كما قال ( خ ) يكون بخوف مؤلم من قتل أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع لذي مروءة بملأ أو قتل ولده أو ذهاب ماله وهل أن كثر تردد الخ . ومثل الطلاق النكاح والبيع والإقرار في عدم اللزوم بالإكراه ، وظاهر النظم أنه لا يلزمه ولو ترك التورية مع معرفته بها والاعتراف بأنه لم يدهش عنها . وهذا ظاهر الروايات كما في ابن شاس قال ( ز ) : وهو المذهب . وقال اللخمي : للمكره ثلاث حالات فإن طلق باللفظ دون النية لم يلزمه قال : لأن الصحيح من المذهب أن الطلاق بغيرها لا يلزم وإن لم يكن مكرهاً فأحرى المكره وإن نوى الطلاق وهو عالم ذاكر أن له أن يجعله لفظاً بغير نية لزمه لأن النية لا تدخل تحت الإكراه ، فهو طائع بالنية ، والحالة الثالثة : أن يدهش عن النية إما للجهل بها وإما لأن الزمان لم يمهله لشدة الإكراه ، فظاهر المذهب عدم اللزوم قال : ولعل الخلاف بين العلماء يرجع إلى هذه الحالات اه . وجعله صاحب المختصر تقييداً فقال : أو أكره ولو في فعل إلا أن يترك التورية مع معرفتها الخ . ومراده بالتورية أن يأتي باللفظ عارياً عن نية الطلاق كما تقدم عن اللخمي ولا يحتاج إلى أن ينوي معنى بعيداً كطلاق من وثاق مثلاً ونحوه . كما هو مقتضى التورية البيانية والتورية خاصة بالأقوال ، ولا تورية في الأفعال . ولذا قال ( تت ) : لو قدم المصنف الاستثناء على المبالغة لوفى بالمراد .
تنبيه : قال في الذخيرة : النية لفظ مشترك بين الكلام النفساني ، ومعناه أن يقول في نفسه : أنت طالق كما يقول بلسانه وهو مرادهم بالنية ههنا وبين القصد ، وهو المراد في العبادات . وليس مراداً ههنا للإجماع على أن من عزم على طلاق امرأته ونوى ذلك أنها لا تطلق عليه . قال : والذي عفى عنه من حديث النفس الوارد في قوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم ) إنما هو ما هجس عليها من غير عزم ، وأما العازم على الخير والشر والاعتقادات في الكفر وغيره وما يلزمه من الإخبارات فمعتبرة إجماعاً لقوله تعالى : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } ( البقرة : 284 ) وهذا هو طريق الجمع بين الآية والحديث اه . ومراده أن الآية في الكلام النفساني الذي يؤاخذ به المكلف وهو أن يجري ذلك على قلبه ، كما يجري على لسانه من غير تلفظ به . والحديث في مجرد القصد من غير أن يجري ذلك على قلبه .
وحاصل الفرق على ما ذكره أن في النفساني أوقع الطلاق ونحوه بقلبه من غير تلفظ به ، وفي مجرد القصد نوى أن يفعل من غير إيقاع بقلبه فضلاً عن لسانه وإلاَّ فالكل قصد ونية إلا أنه في الأول صاحبها إيقاع في القلب دون الثاني ، وما ذكره من لزومه في النفساني هو أحد قولين مشهورين . والقول الآخر يقول بعدم اللزوم وشهره غير واحد ، واستظهره ابن عبد السلام قائلاً : إنما يكتفي بالنية في التكاليف المتعلقة بالقلب لا فيما كان بين الآدميين كالطلاق ونحوه اه . فتأمل هذا الخلاف مع الإجماع الذي ذكره القرافي ، ثم قال القرافي بعد ما مر : النية في المذهب لها معنيان . أحدهما : الكلام النفسي وهو المراد بقولهم في الطلاق بالنية قولان .وبقولهم إن الصريح لا بد فيه من نية على الأصح مع أن الصريح مستغن عن النية التي هي القصد بإجماع ، وثانيهما القصد الذي هو الإرادة وهو قسمان . أحدهما : القصد لإنشاء الصيغة والنطق بها ولا أعلم في اشتراطه خلافاً ، وثانيهما : القصد لإزالة العصمة في اللفظ وليس شرطاً في الصريح اتفاقاً ، وكذلك ما اشتهر من الكنايات فإذا تحرر هذا فالمكره لم يختل منه القصد للصيغة ، بل قصدها وقصد اقتطاعها عن معناها على قول اللخمي . وأما على ظاهر الروايات كما في الجواهر فلا حاجة لذلك ، ثم قال : سؤال انعقد الإجماع على عدم اشتراط القصد في الصريح ، واللخمي وصاحب المقدمات يقولان : الصحيح من المذهب اشتراط النية ، فكيف الجمع بينهما ؟ وجوابه : أن المشترط النية التي هي الكلام النفساني فلا بد أن يطلق بقلبه كما يطلق بلسانه وهو يسمى نية كما تقدم اه كلامه في ذخيرته .
قلت : وقد يجمع بينهما بأن الإجماع إنما هو بحسب الظاهر أي فلا يصدق في الظاهر أنه لم ينو بالصريح طلاقاً بل يؤاخذ به في الفتوى والقضاء إجماعاً ، وكلام صاحب المقدمات واللخمي إنما هو بحسب ما في نفس الأمر أي : فلا طلاق عليه فيما بينه وبين الله ، فلم يتواردا على محل واحد ، وهذا هو الذي يدل عليه كلام غير واحد ، ولا سيما كلام المتيطي المتقدم عند قوله : وينفذ الطلاق بالصريح الخ . وأما جوابه المتقدم فهو غير واف بالمراد كما يعلم بالتأمل .
تنبيه ثان : أطلق الناظم و ( خ ) في الفعل فظاهرهما سواء حلف لا أدخل الدار مثلاً فأكره على دخولها ، أو حلف ليدخلنها وقت كذا فحيل بينه وبينها حتى ذهب الوقت فلا حنث عليه فيهما على أحد طرق أربعة . ذكرها ابن غازي ، والمشهور عند ابن رشد أنه يحنث في صيغة الحنث لا في صيغة البر وعليه عول ( خ ) في باب اليمين حيث قال : ووجبت به إن لم يكن ببر . وأجاب بعض بأن الإكراه في صيغة الحنث إنما هو على الترك لا على الفعل . فلا يشمل كلام الناظم و ( خ ) الإكراه على الترك ، فلا يكونان درجا على غير المشهور . وهذا في الحالف على فعل نفسه ، وأما الحالف على فعل غيره ، فعن مالك الحنث ، وعن سحنون عدمه ، وبالحنث أفتى أبو الحسن حسبما في الدر النثير : امرأة هربت من زوجها فحلف زوجها لا باتت في المحل الذي هربت إليه فأحنثته وباتت به قهراً عليه فقال : لا ينفع فيه الإكراه لأنه حالف على فعل الغير ، والإكراه فيه لا يرفع حكم اليمين اه .
قلت : ظاهره ولو فعلت ذلك قاصدة تحنيثه ، وفي البرزلي أنه المشهور وهو ما اعتمده شراح ( خ ) عند قوله في النكاح : أو قصداً بالبيع الفسخ الخ . وفي الذخيرة في باب الطلاق ما نصه : قال بعض أصحابنا : إذا قال لامرأته : أنت طالق أو لعبده : أنت حر إن فعلتِ أو فعلت كذا أو إن لم تفعلي أو إن لم تفعل ففعل أو فعلت لقصد تحنيثه لا يلزمه طلاق ولا عتق ، وقيل : يلزمه الطلاق دون العتق اه . فانظر كيف صدر بعدم الحنث ، وحكى مقابله بقبل وشمل قوله في فعل أيضاً الإكراه على المعصية : كأن يحلفه الظالم بالطلاق مثلاً على أن لا يصلي أو على أن يشرب الخمر فيصلي ولا يشرب فلا حنث عليه على المشهور . وهو مذهب سحنون . وقيل : يحنث ويحرم عليه أن يفعل ، والفرق على هذا الضعيف بين الأقوال والأفعال حتى كان الحنث ساقطاً في الأول دون الثاني هو أن المفاسد لا تتحقق في الأقوال لأن المكره على قول ما يكفربه معظم لربه بقلبه بدليل قوله تعالى : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ( النحل : 106 ) بخلاف شرب الخمر ونحوه ، فإن المفاسد في ذلك محققة قال القرافي : وفرق ابن عبد السلام بأن القول لا تأثير له في المعاني ولا في الذوات بخلاف الفعل فإنه مؤثر اه . وكذا إن حلفه على ما ليس بمعصية ولا طاعة كأن لا يدخل السوق مثلاً فدخل فلا حنث أيضاً ، وأما إن حلفه على طاعة كأن يحلفه أن لا يشرب الخمر فشربها ففي الحنث قولان . وتارة يكون الإكراه على أن يحلف أنه ما فعل في الماضي أو أنه فعل ، ويكون على معصية أيضاً وغيرها . انظر تفصيل ذلك في ( ح ) وهذا في المعصية التي لا حق لآدمي فيها كما مرّ في الأمثلة ، وأما ما فيها حق للمخلوق كالقتل والغصب فلا يسعه أن يفعل اتفاقاً وإن فعل فلا يسقط الإكراه القصاص في القتل وهو معنى قول ( خ ) : لا قتل المسلم وقطعه وإن بزنا الخ .
تنبيه ثالث : ظاهر النظم كغيره أن الإكراه المذكور لا فرق بين أن يكون مقارناً لوقت إيقاع الطلاق أو متقدماً عليه ، وهو ما يفيده كلام الشارح في بيع المضغوط قائلاً : حكم الضغط منسحب على البائع وإن تراخى البيع عن وقته بالشهرين ونحوهما ، ونحوه في ابن سلمون عن ابن الحاج وابن رشد وغيرهما خلاف ما أفتى به أبو سعيد بن لب فيمن سلم في ميراثه من أمه لأخيه ثم بعد موت الأخ قام برسم يتضمن أن التسليم كان خوفاً لما كان هدده به أخوه الميت من القتل ، وأنه كان من أهل الشر والحرابة . قال ابن لب : لم أر هذا الرسم كافياً في رد التسليم المذكور لأن المطلوب أن يؤدي الشهود على حضورهم في تاريخه وأنهم سمعوا التخويف إذ ذاك حتى وقع التسليم في موطنه ، ولا يكفي قدم التخويف على التسليم في غير مجلسه ، ولا يعلمون ما اتفق في وقته وتاريخه اه . واعتمد فتواه هذه أبو محمد عبد القادر الفاسي في جواب له نقله العلمي .
وكُلُّ مَنْ يَمينُهُ باللازِمَهْ
لَهُ الثَّلاث في الأَصَحِّ لاَزِمَهْ
( وكل ) مبتدأ ( من ) مضاف إليه ( يمينه ) مبتدأ خبره ( باللازمة ) والجملة صلة الموصول والرابط الضمير المجرور بالمبتدأ ( له ) يتعلق بقوله لازمة آخر البيت ( الثلاث ) مبتدأ ( في الأصح ) يتعلق أيضاً بالخبر الذي هو ( لازمه ) والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الضمير المجرور باللام .
وقِيلَ بَلْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّهْ
مَعْ جَهْلِهِ وَفَقْدِهِ لِلنِّيَّهْ
( وقيل ) مبني للمفعول ، ونائبه الجملة المحكية به لأنها في محل المفعول ، فلما بنى الفعل للمفعول ناب مفعوله الذي هو الجملة المحكية عن فاعله ( بل ) حرف إضراب ( واحدة ) فاعل بفعل محذوف أي تلزمه واحدة ( رجعية ) صفة ( مع ) يحتمل أن تكون خبر المحذوف ، والجملة حالمما قبله أي : وكل هذا كائن مع الخ . ويحتمل أن تكون في محل نصب على الحال أي : وتلزمه واحدة رجعية حال كونه مصاحباً ( مع جهله وفقده للنية ) والجملة من قيل وما بعده استئنافية .
وَقِيلَ بَلْ بَائِنَةٌ وَقِيلَ بَلْ
جَمِيعُ الأَيْمَانِ وما بِهِ عَمَلْ
( وقيل بل بائنة ) إعرابه كالذي قبله ( وقيل بل جميع الأيمان ) إعرابه كالذي قبله أيضاً ( وما ) نافية ( به ) خبر عن قوله ( عمل ) والمعنى أن من حلف بالأيمان اللازمة فقال مثلاً : الأيمان تلزمني لا فعلت أو إن فعلت ، أو قال الأيمان لازمة لي أو جميع الأيمان أو الأيمان كلها أو أيمان المسلمين ، فقد اختلف فيما يلزمه على أربعة أقوال . على ما ذكره الناظم ، وأشار بقوله : الأصح لقول الباجي في المنتقى أنه الأظهر عندي ، وفي المعيار عن العقباني أنه المشهور ، وفي ضيح أنه الصحيح عند التونسي واللخمي وعبد الحميد والمازري وغيرهم ، حتى أن السيوري أفتى بنقض حكم الحاكم إن أفتى بالواحدة وقوله : مع جهله وفقده للنية . يحتمل أن يكون هو موضوع الأقوال أي محل هذه الأقوال إذا جهل مدلول اللفظ وفقد النية أي : وفقد العرف أيضاً وإلاَّ لزمه ما نواه باتفاق ، أو ما جرى به العرف كما في ابن سلمون وغيره ، فإن نوى أمراً والعرف بخلافه قدمت النية لقول ( خ ) وخصصت نية الحالف إلى قوله : ثم عرف قولي الخ . لأن الأعراف أصل معتبر في الأيمان ، وكان الناظم استغنى عنه بالنية لأنه معلوم أنه يخصص كالنية أو فيه حذف الواو مع ما عطفت كما قررنا ، ويحتمل أن سبب اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأعراف ، فكل قال بما جرى به عرف بلده من ثلاث أو غيرها ، فمن جرى عرف بلده بقصد الثلاث فقد دون غيرها ألزمه إياها ، ومن جرى عرف بلده بالرجعي ألزمه إياه أو البائن فقط ألزمه إياه ، وقوله : وما به عمل أي لكون عرفهم لا يقصدون به جميع الأيمان مما عدا الطلاق . وفي ( خ ) من لزوم العتق والثلاث والمشي للحج إلى غير ذلك إنما هو إذا كان عرفهم استعمال اللازمة في الطلاق وغيره مما ذكر أو لا عرف لهم فيها . وكانت عادة الناس الحلف بالصدقة بالثلث والحج والعتق والمشي ونحو ذلك . ووجه الأول ظاهر لأن العرف يخصص اللفظ أو يعمه فإذا كان العرف استعمال اللازمة في الطلاق فقط . فلا يلزمه غيره ، وإذا كان العرف استعمالها في الطلاق والعتق مثلاً أو فيهما . وفي الحج فكذلك أيضاً وهكذا . ووجه الثاني أن اللفظ إذا لم يكن فيه عرف يخصصه أو يعممه فإنه يحمل على مدلوله اللغوي كما هي القاعدة ، ولا شك أن مدلوله لغة جميع الأيمان من طلاق وحج ومشيوغيرها مما عادة البلد الحلف به حتى أنه إذا كانت عادتهم الحلف بالعتق فقط لم يلزمه غيره إذا علمت هذا ، فعلى الاحتمال الأول يكون قول الناظم : وما به عمل الخ في عهدته لما علمت أنه حيث لا نية ولا عرف يلزمه مدلول اللفظ لغة كما مرّ وهو المشار له بقول ( خ ) ثم مقصد لغوي الخ . ولم أقف على ما قال إنه حينئذ لا عمل عليه ، وحمل الناظم على هذا الاحتمال وإن ورد عليه ما ذكر هو الموافق للنقل . قال ابن سلمون : يلزم الحالف بالأيمان اللازمة إذا لم تكن له نية عتق من يملكه والصدقة بثلث ماله . والمشي إلى بيت الله تعالى وكفارة يمين وطلاق نسائه . واختلف فيما يلزمه من الطلاق فذكر الأقوال الثلاثة . الأول في النظم وذكر عن الأبهري أنه لا يلزمه فيها سوى الاستغفار . ثم قال : قال بعض المتأخرين : فإن جرى فيها عرف في بلد من البلاد كان العمل فيها بحسب العرف عند الإطلاق انتهى باختصار . ونحوه في ابن شاس وغيره فقوله : فإن جرى فيها عرف الخ . تقييد لتلك الأقوال كما مرّ في أصل التقرير لأنه عند فقد النية يصار للعرف كما صرح به ابن لب ، وغيره في هذه المسألة وهو ما مر عن ( خ ) في قوله : ثم عرف قولي الخ . وحينئذ فإن كان مراد الناظم هذا الفقه كما هو ظاهره ، ولكن الغالب عليه تبعيته لابن سلمون فيشكل بما مر ، وبأن القول الرابع هو المشهور لأنه المطابق للغة ، فكيف يكون مقابله أصح وبأن قوله مع جهله لا ينبغي أن يكون موضوعاً للأقوال لأنه عند ثبوت جهله بمدلول اللفظ لا يلزمه شيء لا في الفتوى ولا في القضاء كما أشار له ( خ ) بقوله : أو لقن بلا فهم الخ . فلو قال بدله لعدم العرف وفقد النية لسلم من هذا ، وأما على الاحتمال الثاني فللاختلاف بين الأقوال في الحقيقة بل كل قال بما جرى به عرف بلده كما مرّ ، ويشكل القول الرابع أيضاً لأن موضوعه حيث لا عرف فلا تحسن مقابلته بما قبله . وأما قوله : وما به عمل الخ . على هذا الاحتمال فهو في محله لأنه حيث كان العرف استعمال اللفظ المذكور في الثلاث فقط أو في البينونة فقط أو في العتق فقط مثلاً كان لزوم جميع الأيمان مهجوراً لا عمل عليه لا في الفتيا ولا في القضاء ، ففي كلام الناظم إشكال على كلا الاحتمالين .تنبيهات . الأول : إذا قال القائل : الأيمان لازمة له أو الأيمان تلزمه فلا يخفى أن أل للاستغراق وإلا كانت للعهد الذهني ، وحينئذ فإن لم يكن عرف فيها فلا عهد ذهنياً ، ويحمل اللفظ على عمومه كما لو قال : عليه جميع الأيمان أو عليه أيمان المسلمين أو أيمان البيعة ونحو ذلك ، فيلزمه جميع ما اعتاد الناس الحلف به في ذلك كما مرّ سواء اعتاد هو خلافهم أو لم يعتد شيئاً حتى أنه لو كانت عادتهم الحلف بالله فقط لزمه ثلاث كفارات فقط لأنه مدلوله لغة وعرفاً حينئذ ، ولا يمكن أن تخلو بلد من الحلف بالله تعالى وبغيره حتى يقال : إنه إذا لم يكن له نية ولا لأهل بلده عادة لم يلزمه شيء كما في الزرقاني ، وأما إن كان فيها عرف خاص بحيث لا يستعملها أهل البلد إلا في خصوص الطلاق الثلاث أو البائن أو في العتق مثلاً فأل في ذلك للعهد الذهني ، والمعهود ما به العرف ولا ينظر حينئذ لكل ولا لجميع ولا لغيرهما من ألفاظ العموم ولا لصيغة الجمع ، لأنه وإن أتى الحالف بلفظ دال على العموم أو بصيغة الجمع فهو مخصوص بعرف بلد الحالف فلا يلزمه غير ما به عرفهم وصيغة الجمع والعموم ملغاة ، وإلى هذا ترجع فتاوى المتأخرين التي في الشارح وغيره ، وعليه فاللازم فيها في بلدنا اليوم إنما هو الطلاق لأن الناس اليوم لا يعرفون الحلف بالعتق ولا بالمشي ولا بالصدقة فقولهم : أيمان المسلمين أو الأيمان اللازمة لهم كقولهم : عليهم الطلاق ، والظاهر كما للمسناوي و ( تت ) أن يحمل على الواحدة البائنة لأن الناس اليوم لا يعرفون الطلاق الرجعي .
قلت : والظاهر أن يحمل الثلاث لأن أكثر الناس اليوم الحلف بالطلاق الثلاث ، وهم إنما يقصدون بها التشديد والتغليظ كحلفهم بالحرام آخر الثلاث فهي مساوية له عندهم على ما شهدناه منهم ، وعلى تسليم حلفهم بالحرام مجرداً من آخر الثلاث ، وأنه يكثر منهم الحلف به مجرداً ومقروناً بالثلاث ، فحمله في اللازمة على الثلاث أحوط عند عدم النية لأن الفروج يحتاط لها .
الثاني : درج أبو زيد الفاسي في عملياته على ما للأبهري وابن عبد البر من أنه لا يلزمه فيها سوى الاستغفار فقال :
وعدم اللزوم في أيمان
لازمة شاعت مذ أزمان
فظاهره أنه لا يلزمه شيء ولو كفارة يمين بالله ، وهذا إنما هو على الاحتمال الأول في كلام الناظم أي حيث لا نية ولا عرف ، ومع ذلك فهو مقابل للمشهور من حمله حينئذ على مدلول اللفظ لغة ، وإلاَّ فهو إذا كانت له نية لزمه ما نواه اتفاقاً من طلاق أو غيره ، وإن كان لهم فيها عرف لزمه ما هو عرفهم فيها لأنه كالنية كما مر ولا يحل للمفتي أن يفتيه حينئذ بعدم اللزوم إذ ذاك خروج عن أقوال أئمة المذهب وما به العمل لا بدّ أن يوافق قولاً وإن شاذاً .
الثالث : كثير من الناس في هذه الأزمنة يقول عليه ما يلزمه لأفعل كذا ولا يزيد من الأيمان والجاري على ما مر أنه يلزمه ما نواه أو ما به عرفهم ، فإن لم تكن نية ولا لهم عرف في هذا اللفظ ، فالظاهر أنه لا يلزمه شيء لأن الذي يلزمه من صلاة وصيام وزكاة ونحوها هو لازم له بدون يمين ، وغير اللازم له مما ذكر لا دلالة للفظ عليه وقديماً كنت متأملاً فيه ، ثم أجريته على قول ( خ ) : وكأحلف أو أقسم إن نوى بالله الخ . وأنه إذا لم تكن له نية ولا عرف لا شيء عليه .الرابع : تقدم أن من عادته الحلف باللازمة أو بالثلاث أو بالحرام لا يرخص له بل يلزمه ما يلزم غيره ممن وقع ذلك منه فلتة ، ولو أدى إلى تحريمها عليه قبل زوج ولا يعذر لجري ذلك على لسانه ، بل هو أولى بالتشديد لأن ذلك استخفاف منه بالأيمان خلاف ما يعتقده كثير من جهلة الطلبة من عذره ، وقد نص على ذلك في المعيار وغيره . وفي ابن سلمون إثر الأقوال المتقدمة في اللازمة ما نصه : وقد أفتى فيها بعضهم بفتوى غريبة وهي أنه إن كان الحالف بها من أهل العفاف والصلاح ، ولم يعتد الحلف بها ، وإنما خرجت منه على ضجر فتلزمه الواحدة وإن كان من أهل الدعارة والشر ، وممن يحلف بذلك في كل وقت فإنه يلزمه الثلاث ولا وجه لذلك عندي اه . ونحوه في المعيار عن أبي الفضل العقباني قائلاً : فمن هو أهل للعذر وكان الشيء منه فلتة فحسن أن يترك للتقليد لقول فيه رحمة ، وأما من دأبه الأيمان ويستخف بأمرها فينفذ عليه الحكم بالمشهور اه باختصار . فقد علمت أن من دأبه الأيمان أولى بالتشديد عليه ، وإن من وقع ذلك منه فلتة فالمشهور ومذهب الجمهور أنه لا يرخص له أيضاً ، ومقابله وإن أفتى به العقباني شاذ حتى قال ابن سلمون : كما رأيته أنه لا وجه له عنده وهو الصواب إن شاء الله . إذ الأحكام الشرعية لا فرق فيها بين صالح وطالح والله أعلم .
الخامس : في المديان من البرزلي فيمن حلف بالطلاق يعني أو باللازمة أو غيرها ؛ أنه لا مال له وقد ورث مالاً لم يعلم به أنه حانث . ابن رشد : هي على مراعاة الألفاظ دون المقاصد اه باختصار . يعني : ولو روعي المقصد لم يحنث لأن المعنى لا مال له في علمه ، والمذهب أن العبرة بالمقاصد انظر شرح ابن رحال للمختصر في باب الخلع ، وقد تقدم عند قول الناظم : وينفذ الطلاق بالصريح الخ . عن ابن رشد : أن الحمل على القصد هو الأشهر الأظهر .
السادس : إذا حلف باللازمة أو بغيرها لا بقي أو إن بقي في هذه الدار هل هو بمنزلة لا سكنت فلا يرجع أبداً أو بمنزلة لأنتقلن . وفيها قولان . فقيل : ذلك بمنزلة لأنتقلن ، وبه قال اليالصوتي : وقيل ذلك بمنزلة قوله لا سكنت ، وبه قال أبو الحسن القاري ، وهو الذي رجحه أبو العباس سيدي أحمد بن المبارك السجلماسي قائلاً : وما لليالصوتي مخالف للقواعد الأصولية وللمقصد اللغوي عند عدم العرف والنية ، وحينئد فيحنث إن لم يخرج من حينه أو إن رجع لأن الفعل كالنكرة ، فيعم في سياق النفي ولا يعم في سياق الإثبات فعدم خروجه من حينه جزئية موجبة ورجوعه بعد الخروج جزئية أخرى ، وكل منهما يناقض الكلية السالبة التي دل عليها الفعل الواقع في سياق النفي ، وأما الفعل الواقع في سياق الإثبات كلأنتقلن فهو جزئية موجبة فإذا لم يعجل بالخروج أو رجع حصل من ذلك جزئية سالبة وهي لا تناقض الجزئية الموجبة ، فإذا لم يحنث بواحد منهما فحمل قوله : إن بقيت أو لا يبقى على قوله : لا سكنت هو الصواب لأن الفعل عندهم كالنكرة ، ولذا كانت تنعت به النكرات ويقع حالاً من المعارف فهو بعد النفي نكرة منفية وبعد الإثبات نكرة مثبتة ، ولا شك أن حمل النكرة المنفية على النكرة المثبتة كما لليالصوتي سهو لا خفاء فيه وإن تبعه على ذلك السهو البرزلي ، اللهم إلا أن يكون هناك عرف وقت اليالصوتي بأن لا بقيت بمعنى لأنتقلن عندهم ، وذلك هو اللائق بجلالة إمامته اه باختصار . وقوله : إن بقيت الخ . يعني والحال أن إن نافية لا شرطية .السابع : إذا قال الرجل لامرأته : بالله الذي لا إله إلا هو إن خرجت امرأته من هذه الدار فهي عليه حرام ، أو فالأيمان لازمة له أو قال : والله إن خرجت لأطلقنك أو لا كنت لي امرأة أبداً ، أو قال : والله إن قيلت أو بتِّ في هذه الدار لا قيلت أو بت على ذمتي ونحو ذلك فالأمر في ذلك كله على التعليق لا التأكيد بمضمون الشرط ، والجواب فكأنه قال : إن خرجت ولم يحرمها أو لم يطلقها لزمته اليمين بالله هذا هو الذي نسبه ابن عرفة للأكثر ، وأفتى به ابن رشد وأصحابه فيمن قال لامرأته : والله إن تشاررت مع أمي وخرجت لخرجت إلا كخروجها فتشاررت وخرجت الأم فأفتوا بأنه لا يلزمه إلا كفارة اليمين بالله إن أراد البقاء على الزوجية . قاله في نوازل الزياتي عن سيدي العربي الفاسي قائلاً . وفي المعيار وغيره كثير من ذلك ، وقد جزم أبو عبد الله المواق بأن ذلك حكمه حكم مسألة المدونة . ونصها ، قال مالك : من قال لامرأته والله لأطلقنك فليس بمول ولا يمنع من الوطء ، فإن شاء طلق فبر وإن لم يطلق لم يحنث إلا بموته أو موتها ولا يجبر على الكفارة اه . وقد سئل قاضي الجماعة ومفتيها أبو محمد عبد الواحد الونشريسي عمن حلف بالطلاق لامرأته لا كانت له امرأة أبداً . فأجاب له إحناث نفسه بالبقاء على الزوجية ويلزمه الطلاق الواحد إلا أن ينوي أكثر ، وله الرجعة إن أحنث نفسه اه . وانظر نوازل الشهادات من المعيار فيمن شهد عليه واحد بالثلاث وشهد عليه آخر بالأيمان اللازمة هل تطلق أم لا ؟ .
الثامن : قال في المعيار أيضاً : ذكر ابن مرزوق أنه وقع في مجلس ابن عرفة نزاع فيمن وكل أو فوض لامرأته الطلاق فحلفت بالحرام وحنثت هل يلزمه الطلاق أم لا ؟ قال : ولم أتحقق ما قاله الشيخ مما قاله غيره ، فسئل عنها أبو عبد الله القروي فأجاب : بعدم اللزوم لأنه لم يجعل لها إيقاع الطلاق بالحلف ، وتذكر عدم لزوم أيمان الوكيل لموكله اه بالمعنى .
التاسع : في نوازل الشفشاوني في سياق أجوبة لابن لب ما نصه : وسئل أيضاً عمن قال لزوجته : عليه الحرام أو اللازمة لا دخلت دار أبيك هذا العام هل يحمل العام على ما بقي منه أو يستأنف ؟ فأجاب : إن كانت له نية أو بساط عمل عليهما ، وإن لم تكن له نية ولا بساط فيحمل على بقية العام لأنه المحقق والذمة لا تعمر إلا بمحقق اه فتأمله .
والبِكْرُ ذَاتُ الأَبِ لاَ تُخْتَلعُ
إلاَّ بإذْنِ حاجِرٍ وَتُمْنَعُ
( والبكر ) مبتدأ ( ذات الأب ) نعت له وجملة ( لا تختلع ) بالبناء للفاعل خبر ( إلا ) إبطال للنفي ( بإذن ) يتعلق بتختلع ( حاجر ) مضاف إليه ( وتمنع ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير البكر ومتعلقه محذوف أي وتمنع بغير إذنه ، والجملة معطوفة على الجملة قبلها مفسرة لها في المعنى .
وَجازَ إنْ أبٌ عَلَيْهَا أَعْمَلَهْ
كَذَا عَلَى الثَّيِّبِ بَعْدَ الإذْنِ لَهْ
( وجاز ) فاعله ضمير الخلع ( إن ) شرط ( أب ) فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ( عليها )يتعلق بقوله ( أعمله ) وقوله : ( كذا ) خبر لمبتدأ محذوف ( على الثيب ) يتعلق بأعمله محذوفاً لدلالة ما قبله عليه ( بعد الإذن ) يتعلق بأعمله المحذوف ( له ) يتعلق بالإذن . والتقدير : والحكم كائن كذلك إن أعمله الأب على الثيب بعد إذنها له ، ومعناه أن البكر الصغيرة أو البالغ التي لم ترشد ولم يدخل بها زوجها أو دخل وطلقت قبل المسيس ولم تطل إقامتها سنة ومثلها الصغيرة التي ثيبت قبل البلوغ لا يجوز خلعها . وظاهره ولو خالعت بخلع أمثالها ويجب رد المال إن وقع وبانت . نعم إن أعمله الأب عليها بإذنها أو بغيره جاز ، ولزم حيث كان نظراً لأنه معزول عن غير المصلحة ، وظاهره : ولو بجميع صداقها وهو كذلك كما في المدونة وليس ذلك للوصي الغير المجبر ، وأما المجبر فهو كالأب فلو قال الناظم :
والبنت ذات الجبر لا تختلع
إلا بإذن مجبر وتمنع
وجاز إن هو عليها أعمله الخ . لوفى بالمراد ويفهم منه أن الوصي الغير المجبر ، ومثله مقدم القاضي ليس له ذلك في هذه البنت التي لو كان أبوها لجبرها إلا بإذنها فيجوز إن كانت بالغة وكان نظراً لها وأما الصغيرة فلا يجوز خلعها ، ولو أمضاه وصيها المذكور ، وكذا خلع وصيها عنها بإذنها على المشهور المعمول به كما في ابن سلمون ، وظاهر ( خ ) وشراحه أن ذلك يمضي من الصغيرة بإذنه وصرح به ابن رحال فقال : وأما خلع الوصي بموافقة محجورته السفيهة والصغيرة فيجوز اه . وهو أقوى إذ حيث فعلت بإذنه فهو الفاعل لذلك ، وكذا إن أمضاه . وعلى ما لابن سلمون يكون في مفهوم المجبر على الإصلاح المذكور تفصيل بين الإذن وعدمه والصغيرة وغيرها . وقوله : كذا على الثيب الخ . هذا مفهوم قوله : البكر . ومعناه أن الثيب البالغة السفيهة يجوز للأب أن يخالع عنها من مالها بإذنها ، وكذا الوصي ومقدم القاضي لأنه إذا جاز لهما الخلع في البكر البالغ بإذنها كما مر فأحرى في الثيب ، ومفهوم قوله : بعد الإذن أن خلعه عنها بغير إذنها لا يمضي عليها وهو كذلك على المشهور المعمول به ، ولها حينئذ مطالبة الزوج بصداقها والطلاق واقع . ولا يقال إذن السفيه كلا إذن فلم اشترطوه ههنا ؟ لأنا نقول لاحظوا ههنا الضرر البدني ، لكن من حجتها على الأب والوصي أن تقول إسقاطكما مالي عن زوجي لما يتقى من سوء عشرته لا يلزمني لأني أرضى بالبقاء معه على ذلك الحال ، وفهم من قوله بعد الإذن له إنها إذا خالعته وحدها لا يمضي أيضاً ، ولو خالعته بخلع وهو ظاهر قول ( خ ) لا من صغيرة وسفيهة الخ . والمراد بالسفيهة ههنا بكراً كانت أو ثيباً من ثبتت لها حالة السفه لأن العبرة بالحال لا الولاية فمن حالها حال الرشداء مضى خلعها ، ولو كان لها حاجر ، والعكسبالعكس والصغيرة لا تكون رشيدة إذ من شرطه البلوغ كما في ابن رحال . وظاهر كلام الناظم أنه لا فرق في هذه الثيب بين أن تكون ثيبت بوطء هذا المخالع لها أو بوطء غيره قبله ، وأما المجبرة المتقدمة فإنه إذا بنى بها الزوج صارت ثيباً فلا بد من إذنها إلا أن تكون غير بالغة كما مرّ . وتقدم في البيت قبله أنه لا يجوز له العفو بعد البناء لأنها استحقته بالمسيس إلا أن يقال : إن الخلع هنا ليس عفواً لأنه لما يترقب من سوء العشرة ، وفي المدونة إن خالع عنها بجميع الصداق بعد البناء قبل البلوغ جاز .
تنبيهات . الأول : سكت الناظم عن المهملة التي لا وصي عليها ولا مقدم . وفي مضي خلعها أن خالعته خلع أمثالها قولان . عمل بكل منهما كما في المتيطية . قال الرجراجي : المشهور أن خلعها لا يجوز ، وقال في الفائق : المعمول به أنه لا يجوز من فعل المهملة شيء حتى يتم لها مع زوجها العام ونحوه اه . بنقل الشيخ بناني ، وظاهر ذلك ولو خالعت بخلع أمثالها . واقتصر ابن سلمون على العمل بالمضي ، وعزاه لابن القاسم وسحنون وكذا الفشتالي وصاحب الطرر فيفهم منهم أنه الراجح ، ولا سيما وهو قول ابن القاسم وسحنون . وقد قال الشيخ طفي في باب الزكاة عند قول المتن والقراض الحاضر إلخ . أنه اشتهر عند الشيوخ أنه لا يعدل عن قول ابن القاسم مع سحنون إذا اجتمعا ، وظاهر هذا النقل أن ذلك ماض ولو خالعته قبل مضي عام من دخولها ولو معلومة السفه ، وسيأتي عن البرزلي ما يبين لك وجه ذلك ، لكنه لا يتم في معلومة السفه على ما به العمل الآن من أن العبرة بالحال لا الولاية وما مرّ عن ابن سلمون والطرر والفشتالي من العمل المذكور إنما هو في زمانهم من أن المهمل تمضي أفعاله ، وأن العبرة بالولاية لا الحال كما يفيده . نقل ابن عرفة فقف عليه ، وقد علمت أن العمل ليس على ذلك الآن فلا تغتر بذلك . وانظر أيضاً لو خالعت بأكثر من خلع مثلها على ما لابن سلمون ومن معه هل يرد الزائد فقط وهو الظاهر أو يرد الجميع وهو ما يفيده ؟ نقل ابن عرفة . وكذا لو خالع الأب أو الوصي بأكثر من خلع المثل فإنها ترجع على الزوج أو على الأب إن أعدم الزوج بالزائد فقط فيما يظهر لأنه القدر الذي فوت عليها ولا يقال يلزم من كون الخلع نظراً أن يكون بخلع المثل . لأنا نقول قد يكون الخلع نظراً في نفسه لأن النظر فيه مصروف لما يترقب من الزوج من سوء العشرة ، ولكنه أكثر من خلع المثل فتأمله . وذكر ابن رحال ههنا أن ظاهر كلامهم جوازه من الأب ولو بأكثر من خلع المثل اه .
الثاني : قال ابن سلمون : ذكر ابن سعدون في شرح المدونة أن الزوج إذا شرط في خلع من تقدم أنه إن لم يصح له الخلع على ما وقع فالعصمة باقية إن شرطه ذلك ينفعه ، ومتى طلب منه ما أخذ كانت له زوجة كما كانت اه . ومثله في الطرر والبرزلي وابن سلمون واعترضه ( ح ) بأنه خلاف المذهب ، وفي المدونة وإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشترط الرجعة أو خالعها وشرط أنها إن طلبت شيئاً عادت زوجة فشرطه باطل والخلع يلزمه ولا رجعة له إلا بنكاح مبتدأ اه . هذا إذا لم يكن معلقاً ابتداء وإلاَّ فينفعه كما لو قال لصغيرة أو سفيهة أو ذات رق إن صحت براءتك فأنت طالق بعد قولها أبرأتك فلا يقع عليه الطلاق حتى يجيز وليها ذلك .
الثالث : محل الخلاف في قول ( خ ) وفي خلع الأب عن السفيهة خلاف إنما هو في خلعهعنها بغير إذنها لأن أحد المشهورين يقول : لا يجوز إلا بإذنها والآخر يقول بالجواز مطلقاً فقد اتفقا على جوازه مع الإذن ، وحينئذ فقول الناظم بعد الإذن له ليس هو أحد المشهورين في كلام ( خ ) بل محل اتفاق منهما فمنطوق الناظم يتفق عليه المشهوران معاً ، ومفهومه فيه الخلاف المذكور ، لكن المعمول به عدم المضي فقول ابن رحال ههنا : الراجح من الخلاف جواز خلع الأب عنها استقلالاً الخ . خلاف المعمول به .
الرابع : رجح البرزلي كما في المواق أن من فعل فعلاً لو كان رفع إلى القاضي لم يفعل غيره ، فإنه يكون كأن القاضي فعله الخ . فيقتضي بظاهره أن الصغير والسفيهة ذواتا المقدم ، بل والمهملة إذا خالعن خلع أمثالهن ، وكان إيقاع الخلع أحسن لهن أن يمضي ذلك لأنهن لو رفعن أمرهن إلى القاضي لم يفعل غير ذلك ، وهذا وإن كان قولاً قوياً في المذهب كما تقدم عن ابن سلمون في المهملة وقال مثله ابن القاسم في الصغيرة كما في المواق وضيح زاد في ضيح قيل : وبه العمل قال : ويلزم على قول ابن القاسم في الصغيرة أن يمضي خلع السفيهة بذلك ولو مولى عليها الخ . لكنه خلاف المذهب المعتمد من نفوذ الخلع ووجوب رد المال كما مر فلا تغتر بشيء من ذلك والله أعلم .
الخامس : لما نقل ابن عرفة قول المتيطي وابن فتحون للمحجورة أن تخالع بإذن أبيها أو وصيها وتقول بعد إذنه لما رآه من الغبطة قال : فالأرجح عقده على الوصي برضاها لا عليها بإذنه خلاف قصره بعضهم عليها بإذن الوصي اتباعاً منه للفظ الموثقين وأظنه لعدم ذكره قول ابن القاسم فيها وعليه لو بارأ غير الأب عن البكر فقال في اختصار الواضحة : الطلاق نافذ ويرجع الزوج بما يرده للزوجة على من بارأه عنها وإن لم يشترط ضمانه لأنه المتولي وضعه عنه اه بلفظه . وعبارة المتيطية : فإن كانت الزوجة محجوراً عليها لأب أو وصي قلت في مخالعتها على أن أسقطت فلانة أو التزمت له بإذن أبيها كذا وكذا لما رأى في ذلك من الغبطة لها والحيطة عليها اه . ونحوه في ابن سلمون وقول ابن عرفة وعليه لو بارأ غير الأب الخ . هو أحد أقوال ذكرها ابن سلمون فقال : فإن عقد على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض . وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك ؟ فقيل : يرجع وإن لم يضمن لأنه هو الذي أدخله في الطلاق ، وهذا لابن القاسم . وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة . وقول أصبغ في الواضحة والعتبية : وقد تقدم نقل كلامه عند قوله : وإن تكن قد خالعت وأثبتت أضراره الخ . وعلى ما لابن عرفة من كون الراجح عقده على الوصي برضاها يكون الراجح من تلك الأقوال هو الرجوع كما يدل عليه قوله : وعليه الخ .
وَامْتَنَعَ الخُلْعُ على المَحْجُورِ
إلاّ بِإذْنِهِ على المَشْهُورِ
( وامتنع الخلع ) فعل وفاعل ( على المحجور ) يتعلق بالخلع ( إلا ) استثناء ( بإذنه ) يتعلق بالخلع أيضاً أي امتنع الخلع على المحجور الذكر البالغ بكل وجه من الوجوه إلا بإذنه فيجوز حينئذ لوليهأن يخالع عنه ولو مقدماً من قاض ( على المشهور ) ومقابله قول ابن القاسم في الجنايات أنه يجوز لوصيه أن يخالع عنه بغير أمره .
وَالْخُلْعُ جائِزٌ على الأَصاغِرِ
مَعْ أَخْذِ شَيْءٍ لأَبٍ أَوْ حاجِرِ
( والخلع ) مبتدأ ( جائز ) خبره ( على الأصاغر ) يتعلق بالخلع ( مع ) بسكون العين ظرف مضاف لقوله ( أخذ شيء ) وقوله ( لأب أو حاجر ) يتعلق بالخبر المذكور أي : والخلع على الأولاد الأصاغر جائز لأب أو حاجر مع أخذ شيء من الزوجة أو وليها . وهذا إذا كان على وجه النظر كما في ضيح ، وإنما أسقط المصنف هذا لأنه معلوم أن الولي لا يمضي تصرفه على المولى عليه إلا بالنظر . ابن ناجي : ظاهرها أنه لا يجوز خلعه عنه إلا بشرطين النظر مع الأخذ أما إن رآه نظراً دون أخذ فلا . قال : ورأيت شيخنا أبا العباس بن حيدرة حكم بمطلق النظر دون أخذ ، وبه أقول وهو نص اللخمي اه باختصار . ويشمل قوله : أو حاجر خلع السيد عن عبده الصغير . ابن فتوح وابن فتحون : يجوز للأب ووصيه والسلطان وخليفته المباراة على الصغير بشيء يسقط عنه أو يؤخذ له لا غير ذلك . وكذا السيد في عبده الصغير . ابن عرفة : هذا خلاف قول اللخمي يجوز أن يطلق على السفيه البالغ والصغير بغير شيء يؤخذ له ، لأنه قد يكون بقاء العصمة مبدياً لأمر جهل قبل إنكاحه أو حدث بعده من كون الزوجة غير محمودة الطريق أو متلفة ماله اه . وعلى الأول عول ( خ ) حيث قال : وموجبه زوج مكلف ولو سفيهاً وولي صغير أباً أو سيداً أو غيرهما لا أب سفيه وسيد بالغ الخ . وبه تعلم أن ما للخمي ، واختاره ابن ناجي مقابل لما في النظم ، وتعلم أيضاً أن قول ابن سلمون لا يجوز طلاق الأب والوصي على الصغير إلا بشيء يأخذانه له بلا خلاف لا يصح كما مر .
تنبيه : يؤخذ من قول الناظم إلا بإذنه أن السفيه يستقل بالخلع لأن المدار على إذنه ولأن الطلاق بيده وهو كذلك كما مرّ عن ( خ ) ويبقى النظر هل يبرأ المختلع بتسليم المال إليه أم لا ؟ وهل إذا خالع بأقل من خلع المثل يكمل له أم لا . والمذهب أنه لا يبرأ إلا بتسليمه لوليه ، وأنه يكمل له إن خالع بأقل من خلع المثل كما لابن شاس واللخمي ، ورجحه ابن رحال في شرحه لأنه بنفس العقد يكمله ويصير مالاً من أمواله فكيف يبرأ دافعه بدفعه للسفيه المبذر له . ولأنه معاوضة بدليل أنه يكمل له خلع المثل إن خالع بأقل ، ولو كان كالهبة كما قال ابن عرفة : إنه ظاهر الموثقين ما كمل له خلع المثل فانظره .
قلت : وانظر إذا خالع ولي الصغير عنه بأقل من خلع المثل هل يكمل له أو يبطل الطلاق من أصله ، والظاهر الأول لأن حق الصغير لم يبق إلا في التكميل . نعم إذا كان الطلاق عليه من أصله غير نظر ، فلا يمضي عليه حينئذ فالنظر لا بدّ منه على هذا في الطلاق والخلع معاً ، وقد يوجد في أحدهما دون الآخر .
وَمَنْ يُطَلِّقْ زَوْجَةً وَتَخْتَلعْ
بِوَلدٍ مِنْهُ لَهُ وَيَرْتَجِعْ( ومن يطلق ) شرط وفعله ( زوجة ) مفعوله ( وتختلع ) بالجزم عطف على فعل الشرط ( بولد منه ) يتعلقان بتختلع وليس المجرور الثاني صفة للأول ، بل هو مقدم عليه في التقدير ( له ) صفة لولد فصل بينه وبين موصوفه بأجنبي ( ويرتجع ) معطوف على تختلع .
ثُم يُطَلِّقْها فحُكْمُ الشَّرْعِ
أَنْ لا يَعُودَ حُكْمُ ذاك الخُلْعِ
( ثم يطلقها ) معطوف عليه أيضاً ( فحكم ) مبتدأ ( الشرع ) مضاف إليه ( أن لا يعود ) منصوب بأن ( حكم ) فاعل والجملة في تأويل مصدر خبر المبتدأ أي فحكم الشرع عدم عود حكم ( ذاك الخلع ) . والجملة من المبتدأ والخبر جواب الشرط ، وأشار بهذين البيتين إلى ما في أجوبة ابن رشد رحمه الله ، وذلك أنه سأله أهل بطليوس عمن خالع امرأته على أن تحملت بنفقة ابنه منها إلى الحلم ، ثم راجعها بنكاح جديد ، ثم طلقها هل يسقط عن الزوجة ما تحملته بمراجعته إياها أم لا ؟ وكيف إن طلبه بما تحملته وهي في عصمته بالمراجعة التي راجعها هل يقضي بذلك أم لا ؟ فأجاب : إذا راجعها سقط عنها ما تحملته من نفقة ابنه ورجعت النفقة عليه ولا تعود عليها إن طلقها ولم تتحمل له بها ثانية وبالله التوفيق . ونقله ابن عات وغيره بالمعنى وبحث فيه ( ح ) في التزاماته فقال لم يظهر لي وجه سقوط النفقة عنها بمراجعته إياها إلا أن يكون فهم عنها أنها إنما التزمت النفقة على الولد ما لم تكن في عصمة الزوج اه . قال أبو العباس الملوي : وذلك لأنه حق للولد فلا يسقط بمراجعة أبيه أمه قال : ولكن في فائق الونشريسي ما ينتج منه دفع هذا البحث لأن الالتزام في الحقيقة حق للزوج لا للولد اه . من خطه .
قلت : الظاهر عدم دفع البحث المذكور لأن الالتزام وإن كان حقاً للزوج لا للولد لا يسقط عنها إلا بمسقط ولم يوجد ، وأيضاً فإن الصبي قد يكون له مال فالحق حينئذ للولد لأن النفقة ساقطة عن أبيه ، وقد يكون لا مال له فالحق حينئذ للزوج لكنه لم يسقط .
وَإنْ تَمُتْ ذَاتُ اخْتِلاعٍ وُقِفَا
مِنَ مَالِها ما فيهِ لِلدَّيْنِ وَفَا
( وإن تمت ) شرط ( ذات ) فاعل ( اختلاع ) مضاف إليه ( وقفا ) بالبناء للمفعول جواب الشرط ( من مالها ) يتعلق بوقفا ( ما ) موصول نائب الفاعل ( فيه ) خبر مقدم ( للدين ) يتعلق بالاستقرار في الخبر المذكور ( وفا ) مبتدأ مؤخر والجملة صلة ما .
لِلأَمَدِ الّذِي إليْهِ التُزِمَا
وَهْوَ مُشَارِكٌ بِهِ لِلغُرَمَا
( للأمد ) يتعلق بوقفا أو بوفا واللام للغاية بمعنى إلى ( الذي ) نعت للأمد ( إليه ) يتعلقبقوله : ( التزما ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير الإنفاق المفهوم من السياق والجملة صلة ( فهو ) مبتدأ عائد على الأب ( مشارك ) خبره ( به للغرما ) يتعلقان به والضمير المجرور عائد على الدين ، والجملة من المبتدأ والخبر جواب عن سؤال مقدر فكأن قائلاً قال له : وإن كانت عليها ديون فهل يحاصص به ؟ فقال : نعم فهو مشارك الخ . والمعنى أنه إذا خالعها على أن تحملت له بنفقة ولدها أو غير مدة معلومة كخمس عشرة سنة أو إلى البلوغ ونحو ذلك . ثم ماتت في أثناء المدة فإنه يوقف من مالها قدر مؤنة الابن إلى انقضاء المدة التي التزمتها فإن كان عليها ديون غير ما التزمته فإن للزوج محاصة غرمائها بما التزمته من نفقة ولده بأن يقال ما قدر ما يفي بنفقته في المدة الباقية ، فيقال : كذا ويحاصص به مع أرباب الديون ، وفهم من قوله : وقفاً أنه يوضع عند أمين ولا يدفع للأب وهو كذلك لأن الولد إذا مات بعد ذلك فإن الباقي مما وقف يرجع ميراثاً لورثتها أو لأرباب الديون إن بقي لهم شيء من ديونهم كما في الوثائق المجموعة وابن سلمون وغيرهما . ومفهوم قوله : وإن تمت أنها إذا لم تمت بل مات الولد أنه لا شيء للأب وهو كذلك كما مرّ في قوله : وليس للأب إذا مات الولد شيء الخ . وقولي مدة معلومة احترازاً من المجهولة بأن لا يضربا لذلك أجلاً أصلاً أو يضربا لذلك أجلاً مجهولاً كقدوم زيد أو يسر الأب فإن ذلك لا يجوز كما صرّح به ابن رحال في شرحه ، وهو ظاهر لكثرة الغرر ، لكن يبقى النظر إذا وقع ونزل ولا يخفى أن الطلاق نافذ ولا إشكال ، وتقدم ما يجب في ذلك عند قوله : وليس للأب الخ . وعند قوله : والخلع بالإنفاق محدود الأجل الخ . ثم لا يخفى أن ما ذكره الناظم في هذين البيتين وفي اللذين قبلهما مفرع على قول المخزومي ومن معه بجواز الخلع بالنفقة الزائدة على الحولين ، وحينئذ فكان اللائق أن يقدم هذه الأبيات الأربعة ويجعلها بعد قوله : وجاز قولاً واحداً الخ ، كما مر التنبيه عليه .
وَمَوْقِعُ الثَّلاثِ في الخُلْع ثَبَتْ
طَلاقُهُ وَالخُلْعُ رُدَّ إنْ أَبَتْ
( وموقع الثلاث ) مبتدأ ومضاف إليه ( في الخلع ) يتعلق بالمبتدأ ( ثبت طلاقه ) فعل وفاعل خبر المبتدأ ( والخلع ) مبتدأ ( رد ) بضم الراء مبنياً للمفعول خبر المبتدأ ، ويجوز قراءته بكسر الراء على أنه مصدر بمعنى المفعول ، فالخبر حينئذ مفرد لا جملة ( إن أبت ) شرط حذف جوابه للعلم به فقوله : أبت يحتمل أنه من الإباية ، والمعنى عليه أنها إذا أعطته ديناراً مثلاً ليطلقها واحدة أو ليطلقها وأطلقت فطلقها ثلاثاً ، فإن الطلاق واقع والخلع مردود حيث لم ترض بالثلاث قاله ابنسلمون . واستظهره ابن عرفة وابن رشد قائلين لأنه بطلاقه إياها ثلاثاً يعيبها لامتناع كثير من الناس من تزوجها خوف جعلها إياه محللاً فتسيء عشرته ليطلقها فتحل للأول ، لكن قال ابن رحال في شرحه ما في ابن سلمون خلاف ظاهرها . وقال في حاشيته : ههنا يحتمل أن يكون قوله أبت من البتات الذي هو القطع وضميره للزوج لا من الإباية التي هي الامتناع وضميره للزوجة ، ويكون حينئذ أشار إلى مضمون قول ( خ ) إن قال : إن خالعتك فأنت طالق ثلاثاً . وعليه فقول الناظم في الخلع يتعلق بمحذوف أي في التعليق على الخلع اه . وبالجملة فالمسائل ثلاث .
الأولى : أن تقول طلقني بألف مثلاً فيطلقها ثلاثاً وهذه هي التي في النظم وهو تابع في ذلك لابن سلمون واستظهار ابن راشد وابن عرفة والذي في ( خ ) وهو ظاهر المدونة أو نصها على ما في ضيح أن ذلك لازم لها .
الثانية : عكس ما في النظم وهي أن تقول له طلقني ثلاثاً بألف فيطلقها واحدة فإن الألف لازم لها أيضاً لأن المدار على البينونة وهي حاصلة بالواحدة فلا فائدة لاشتراطها الثلاث وبحث فيه ابن عرفة وأبو الحسن وابن عبد السلام : بأن الشرط المذكور قد يكون مفيداً لأن مقصودها بإعطاء العوض البعد منه على أتم الوجوه بحيث لا يبقى له فيها طلب ، وذلك إنما يحصل بالثلاث ، وأما الواحدة فقد يتوصل إلى مراجعتها بشفيع لا يمكنها رده اه . وإلى مسألة الناظم وعكسها أشار ( ح ) عاطفاً على ما يلزم فيه العوض بقوله : أو طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة أو بالعكس .
الثالثة : أن يعلق الثلاث على الخلع وهي التي أشار لها ( خ ) عاطفاً على ما يرد فيه العوض بقوله أو قال إن خالعتك فأنت طالق ثلاثاً فإنه إذا خالعها وقعت الثلاث مصاحبة لخلعه لأن الشرط والمشروط يقعان دفعة واحدة ضرورة اقتران المشروط مع جزء شرطه في الوجود ، كما للوانوغي فلم يصادفها الخلع وهي زوجة فوجب رد المال ، ولما كان كلام الناظم وابن سلمون مخالفاً لما في ( خ ) وظاهر المدونة أو نصها أوله ابن رحال بما مر على هذه المسألة الثالثة وإن كان ذلك بعيداً من لفظهما .
تنبيه : ما ذكره ( خ ) في المسألة الثالثة هو مذهب ابن القاسم ، وذكر ابن رشد عن أشهب أن الزوج لا يرد الخلع قال : وهو المختار والصحيح في النظر والقياس إذ لا يكون المشروط إلا تابعاً لشرطه ،فإذا كانت المصالحة سابقة للطلاق صحت ومضت ولم يرد الزوج ما أخذ فيها وبطل الطلاق المعلق عليها واحداً كان أو ثلاثاً لوقوعه بعد الصلح في غير زوجة اه .
قلت : تأمل قوله وهو المختار ، والصحيح في النظر الخ . فإنه لا يجري على ما قالوه من وجهين أحدهما أنهم قالوا في المسألة السريجية وهي إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً أن الشرط والمشروط يقعان دفعة واحدة ، وجعلوها من المسائل التي ينقض فيها حكم الحاكم . وقوله : إن المشروط تابع لشرطه يوجب عدم وقوع الثلاث فيها وهو خلاف ما قالوه . ثانيهما : إن قوله وبطل الطلاق الخ . مخالف للمشهور ومذهب المدونة من أنه إذا اتبع الخلع طلاقاً من غير صمات نسقاً لزم وارتدف كما لو نسقه في غير المدخول بها ، فهو وإن سلمنا أن المشروط تابع لشرطه كما قال لزم أن يقع الثلاث على المشهور لوقوعها متصلة بالخلع فهو قد اختار وصحح رحمه الله المقابل في الصورتين ، وذلك على عادته في كونه يختار خلاف المذهب لرجحانه عنده فلا اعتراض عليه ، ومثله وقع له فيمن أعتق أم ولده على أن سلمت له ولده الصغير منها فقال ابن القاسم : ذلك لا يجوز ويرد الولد إليها أي والعتق ماض ، وقال مرة : ذلك لازم لها فقال ابن رشد : الأصل في هذا أنه رأى الإسقاط مقدماً على العتق ، ومرة رأى العتق مقدماً على الإسقاط فألزمها إياه والأظهر أنه يلزمها لأنهما إذا وقعا معاً فقد وقع واحد منهما قبل كمال صاحبه اه . على نقل ابن عات ، فاستظهاره وتعليله رحمه الله في هذه موافق لاختياره وتعليله في الأولى . وقال أيضاً في بيانه : لأن الطلاق والعتق لا يقع في الصحيح من الأقوال بنفس تمام اللفظ به ، وإنما يقع بعد مهلة يتعذر فيها وذلك بين من قولها والذي يقول لامرأته قبل الدخول أنت طالق أنت طالق أنت طالق في نسق أنه يلزمه الثلاث ، إذ لو كان الطلاق يقع بتمام اللفظ به لم يلزمه إلا طلقة واحدة اه . وقال في تكميل المنهج :
هل يقع الشرط مع المشروط في
مرة أو مرتين فاقتفي
تعليقه الثلاث بالخلع لذا
كذلك العتق ببيع نفذا
فانظر تمامه . وقوله كذلك العتق هو قول ( خ ) في العتق وعتق على البائع إن علق هو والمشتري الخ . وانظر قواعد القرافي أيضاً .
فصل
وَمَوقِعُ الطَّلاقِ دُونَ نِيَّهْ
بِطَلْقَةٍ يُفَارِقُ الزَّوْجِيَّهْ
( وموقع ) مبتدأ ( الطلاق ) مضاف إليه ( دون نية ) يتعلق بموقع ( بطلقة ) يتعلق ب ( فارق الزوجية ) مفعول به ، والجملة خبر المبتدأ والرابط هو الفاعل بيفارق .
وَقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَقْصَاهُ
وَالأَوَّلُ الأظْهَرُ لا سِوَاهُ
( وقيل ) مبني للمفعول ونائبه الجملة المحكية ( بل ) حرف إضراب ( يلزمه أقصاه ) جملة من فعل وفاعل ومفعول ( والأول ) مبتدأ ( الأظهر ) خبره ( لا ) عاطفة ( سواه ) معطوف والضمير المجرور بسوى عائد على الأول ، والمعنى أن من قال لزوجته أنت طالق مثلاً ولا نية له في واحدة ولا أكثر فقيل : تلزمه واحدة وهو الأظهر عند الناظم من جهة النظر لأنه قد حصل بها مسمى الطلاق فلا وجه بإلزامه أكثر ، وقيل يلزمه الثلاث احتياطاً والقولان ذكرهما ابن رشد في طلاقالسنة كما في ابن سلمون وابن عات ، والخلاف مبني على الخلاف في اللفظ المحتمل لأقل ولأكثر إذا لم تصحبه نية هل يحمل على أقل ما صدقاته أو على أكثرها . وللمسألة نظائر قاله ( م ) ثم ما استظهره الناظم هو المشهور كما أفاده ( خ ) بقوله وتلزم واحدة إلا لنية أكثر . وقال ابن عرفة : وإن قال أنت طالق فهو ما نوى فإن لم ينو شيئاً فواحدة اه . وانظر ما مر عند قوله : وينفذ الطلاق بالصريح الخ . وعلى المشهور فهي رجعية يرتدف عليها كل طلاق أوقعه في عدتها كما لابن رشد وابن لب وغيرهما . وقال الشارح : الأظهر أنها بائنة لعدم معرفة الناس اليوم الطلاق الرجعي وما قاله ظاهر حيث كانوا لا يطلقون الطلاق في عرفهم إلا على البائن لأن ما به العرف في مثل هذا يتعين المصير إليه كما مر قبل هذين البيتين ، وما ذكره ابن رحال عند قول الناظم : وفي المملك خلاف والقضاء الخ . مما يخالف ما الشارح غير ظاهر .
تنبيه : ذكر في الباب السادس عشر من الفائق أن القاضي أبا عبد الله المقري سئل عمن قال على الطلاق لا أفعل أو لأفعلن فحنث ، وله أكثر من واحدة ولم يقصد غير مطلق الطلاق . فأجاب بأنه يختار للطلاق واحدة . قال : ورأيت ذلك أضعف من قوله إحداكن أو امرأتي طالق لأن هذا مقيد لفظاً ومعنى ، وذلك مطلق لفظاً محتمل للتقييد بهن معنى اه . ونقله ( ت ) في حاشيته على ( ز ) عند قول ( خ ) أو إحداكما طالق أو أنت طالق بل أنت طلقتا الخ . وقال عقبه : وعندي فيه نظر بل تطليق الجميع في هذه أولى من مسألة ( خ ) فتأمله اه . ورأيته كتب بخطه في بعض الهوامش في ذلك المحل ما نصه : أفتى المقري بأنه يختار ، وبه أفتى سيدي عبد القادر الفاسي ، ووجهه بتوجيه غير ظاهر ، وأفتى سيدي يحيى السراج بأنه يلزمه في الجميع كمسألة إحداكما طالق وهو الموافق للمشهور اه . قلت : وما قاله من أن هذا هو الموافق للمشهور ظاهر ، وهو الذي يتعين المصير إليه وذلك لأن المطلق لفظاً المحتمل للتقييد معنى أقوى في الدلالة على العموم والشمول ، فهذه أحرى في لزوم طلاق الجميع من مسألة ( خ ) وما قاله المقري معكوس فتأمله ، بل هو مقابل للمشهور قال في الشامل ما نصه : وفي إحداكما أو امرأته طالق ولم ينو معينة طلقتا معاً على المشهور وقيل يختار اه . وقال ابن عرفة : وإن شهد عليه أنه طلق إحدى امرأتيه فهو كمن طلق ولا نية له يعني فيطلق الجميع ، ولا فرق في ذلك بين التعليق كقوله : إن دخلت الدار فعلي الطلاق وغير التعليق كما مرّ عن الشامل و ( خ ) فلا تغتر بما للمقري ، وإن تبعه عليه الشيخ عبد القادر الفاسي والشيخ ( م ) على ما وقف عليه بعضهم في جواب للثاني أيضاً .
وَمَا امْرْؤٌ لِزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ
مِمَّا زَمَان عِصْمَةٍ يَسْتَلْزِمُ
( وما ) موصولة مبتدأ وجملة ( امرؤ لزوجة يلتزم ) صلته والمجرور يتعلق بيلتزم والعائد محذوف أي يلتزمه ( مما ) بيان لما ( زمان عصمة ) ظرف يتعلق بقوله ( يستلزم ) والجملة صلة ما الثانيةوالعائد محذوف أيضاً والتقدير : والذي يلتزمه المرء لزوجته من الأمور الآتية التي يستلزم بها في زمان العصمة .
فَذَا إذَاً دُونَ الثَّلاثِ طَلَّقَا
زَالَ وَإنْ رَاجَعَ عَادَ مُطْلَقَا
( فذا ) مبتدأ ثان ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( دون الثلاث ) ظرف يتعلق بقوله ( طلقا ) وقوله ( زال ) هو جواب إذا ومتعلقه محذوف أي زال عنه ما التزمه بهذا الطلاق ، والجملة من إذا وجوابها خبر ذا ( وإن راجع ) شرط حذف معموله أي راجع الزوجة ( عاد ) جواب الشرط أي عاد عليه ما كان التزمه أولاً ( مطلقاً ) حال من فاعل عاد والجملة من هذا الشرط ، والجواب معطوفة على الجملة قبلها ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره وما عطف عليه خبر المبتدأ الأول ، ودخلت الفاء في الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام .
مِثْلُ حَضَانَةٍ والإنْفَاق عَلَى
أَوْلادِهَا ومِثْلُ شَرْطٍ جُعِلاَ
( مثل ) خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك مثل ( حضانة ) مضاف إليه ( والإنفاق ) بنقل حركة الهمزة معطوف على ما قبله ( على أولادها ) يتعلق بالإنفاق ( ومثل ) معطوف على مثل الأول ( شرط ) مضاف إليه ( جعلا ) بالبناء للمفعول صفة لشرط ، ومعناه أن الزوج إذا التزم لزوجته بعد عقد النكاح عليها مثل الحضانة على أولادها والنفقة عليهم في زمان عصمتها ، أو شرط لها في عقد النكاح أو بعده أن لا يخرجها من بلدها أو لا يغيب عنها أو لا يتزوج ولا يتسرى عليها ، وإن فعل فأمرها بيدها أو فالتي يتزوجها طالق فإنه في ذلك كله إذا طلقها دون الثلاث فإن ذلك يسقط عنه ، وإن راجعها رجع عليه ما كان التزم مطلقاً اشترط رجوع ذلك عليه ثانياً أم لا . كان لها اختيار في الطلاق كما لو طلقها بخلع أم لا . كان الطلاق عليه جبراً لضرره بها أم لا . وظاهره أنه إذا راجعها يعود عليه ذلك ولو راجعها بعد زوج ، ومفهوم دون الثلاث أنه إذا طلقها ثلاثاً ولو في مرات ثم راجعها بعد زوج فإنه لا يعود عليه ذلك إلا بشرط وهو كذلك ، وقولي بعد عقد النكاح احترازاً مما إذا التزم لها الإنفاق في صلب العقد وفات بالدخول فإنه لا يلزمه ذلك في النكاح الأول فأحرى أن لا يعود عليه في المراجعة كما مرّ في فاسد النكاح بخلاف الشروط المتقدمة فإنه لا فرق بين التزامها في العقد أو بعده كما قررنا ، والظاهر أنه لا مفهوم لقوله زمان عصمة ، بل كذلك إذا قال مدة الزوجية أو ما دامت تحته ونحو ذلك كما يقتضيه نص ابن رشد وعليه فلو قال الناظم :
وإن زوج لزوجه يلتزم
مثل حضانة وشرط يبرم
فإن يكن دون الثلاث طلقا الخ .لكان أشمل وأخصر وأبين وما ذكره الناظم في هذه الأبيات هو كذلك في ابن سلمون وابن عات عن ابن رشد ونقله ( ح ) في التزاماته ، واعتمده ( ز ) وغيره عند قول ( خ ) وزائد شرط الخ . وتقدم عكس هذه المسألة في قول الناظم : ومن يطلق زوجة وتختلع الخ .
تنبيهات . الأول : فإن التزم الإنفاق ولم يتعرضا للكسوة فهل تدخل الكسوة ؟ رجح ابن عرفة دخولها قال ( ت ) وفي ذلك قلت :
وتدخل الكسوة في الإنفاق
على المرجح لدى الإطلاق
قلت : ذكر ( ح ) أوائل الالتزامات كلام ابن رشد وابن سهل وغيرهما . وحاصله : أن الملتزم إذا قال : أردت دخولها أو عدم دخولها عند الإطلاق صدق كما يصدق أيضاً إذا قال : أردت شهراً أو سنة عند الإطلاق في المدة أيضاً ، وإن قال لا نية له لا في الدخول ولا في عدمه فالذي يظهر من ابن رشد أن لفظ النفقة يطلق في العرف على الطعام والكسوة وعلى الطعام فقط ، وأن الأول هو المشهور ، فإذا أطلق الملتزم اللفظ ولم تكن له نية حملت على الأول لأنه المشهور وإن ادعى الملتزم أنه أراد الأخير قبل مع يمينه ، وإلى هذا يرجع كلام ابن سهل والمتيطي اه . وبالجملة ؛ فهي داخلة حيث لا نية ولا عرف بتخصيص النفقة بالطعام وإلا لم تدخل ومن تأمل عرف عامتنا اليوم وجدهم لا يطلقونها على الكسوة بحال فلا تلزمه الكسوة عند الإطلاق وعدم النية كما يفيده كلام ( ز ) وغيره أول النفقات وتقدم في الفصل قبل هذا أن العرف يخصص العام ، ويقيد المطلق .
الثاني : ليس لها أن تسقط عن الزوج نفقة أولادها حيث عادت لأنه مال وهب لأولادها لا حق لها فيه كما مر أول الخلع ، وكذا لو كان الشرط طلاق من يتزوجها عليها أو عتق من يتسرى بها لأنه حق لله .
الثالث : قال الشيخ ( م ) ههنا ما معناه انظر إذا تطوع بنفقة أولادها مدة الزوجية هل تنقطع ببلوغه عاقلاً قادراً على الكسب كما تنقطع بذلك عن الأب أو لا تنقطع إلا بموت أحد الزوجين أو فراقهما لقوله في الوثيقة مدة الزوجية وفي التزامات ( ح ) : عن الطرر وابن سلمون أنها تنقطع ببلوغه عاقلاً قادراً قال ( ح ) وهو خلاف ظاهر قوله في معين الحكام ومختصر المتيطية إذا طاع الزوج بنفقة ابن الزوجة جاز بعد ثبوت العقد وإن كان في العقد لم يجز للغرر إلى آخر كلام ( م ) .
قلت : معنى كون ما لابن سلمون والطرر خلاف ظاهر ما للمعين والمتيطية أنه في المعين والمتيطية أطلق في الجواز بعد العقد فظاهرهما أنه لازم مدة الزوجية ولو عاقلاً قادراً على الكسب ، ولهذا زاد ( ح ) إثر ما مر عن المعين والطرر ما معناه : ويحتمل أن يكون ما في ابن سلمون والطرر تقييداً لما في المتيطية والمعين وهو الظاهر اه . ثم رأيت أبا العباس أحمد الملوي رحمه الله نقل عن البساطي في وثائقه أنه استشكل ما لابن سلمون والطرر فإنه التزم النفقة مدة الزوجية فلم أسقطنا عنه النفقة بقدرته على الكسب ؟ قال : وكأنهم لاحظوا أن سبب التزامه إسقاط كلفتهم عن الأم وبقدرتهم على الكسب انتفت العلة كما قالوا فيمن اختلعت بنفقة الولد اه . وبه تعلم أن ما استظهره ( ح ) من التقييد صواب ، وأن المعمول عليه هو ما لابن سلمون والطرر والله أعلم .كَذَا جَرَى العَمَلُ في التَّمْتِيعِ
بأَنَّهُ يَرْجِعُ بالرُّجُوعِ
( كذا ) يتعلق بمحذوف حال من مضمون ما بعده ( جرى العمل ) فعل وفاعل ( في التمتيع ) يتعلق بجرى أو بالعمل ( بأنه ) يتعلق بجرى أيضاً ( يرجع ) خبر إن ( بالرجوع ) يتعلق به ، والتقدير : جرى العمل في التمتيع برجوعه بالرجوع حال كونه كائناً كذلك أي كرجوع ما التزمه الزوج لزوجته .
وَشَيْخُنَا أبُو سَعِيدٍ فَرَّقَا
بَيْنَهُمَا رَدَّاً عَلَى مَنْ سَبَقَا
( وشيخنا ) مبتدأ ( أبو سعيد ) بدل ( فرقا ) فعل وفاعل ( بينهما ) يتعلق به . والجملة خبر المبتدأ ( رداً ) مصدر بمعنى الفاعل حال من فاعل فرق ( على من سبقا ) يتعلق بالحال المذكور .
وَقَالَ قَدْ قَاسَ قِيَاساً فَاسِدا
مَنْ جَعَلَ البَابَيْنِ بَاباً وَاحِدا
( و ) ضمير ( قال ) يعود على المبتدأ المذكور ، والجملة معطوفة على جملة فرقا ( قد قاس ) محكي بقال ( قياساً ) مصدر نوعي ( فاسداً ) نعت له . ( من ) موصول فاعل بقاس ( جعل ) صلة من ( البابين ) مفعول أول بجعل ( باباً ) مفعوله الثاني ( واحداً ) نعت له .
لأنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَدْ أسْقَطَهْ
فَلاَ يَعُودُ دُونَ أَنْ يَشْتَرِطَهْ
( لأنه ) تعليل للفساد ( حق له ) خبر إن ( قد أسقطه ) نعت لحق ( فلا يعود ) جملة من فعل وفاعل معطوفة على جملة قد أسقطه ( دون ) متعلق بيعود ( أن يشترطه ) في تأول مصدر مخفوض بالإضافة .
وَذَاكَ لَمْ يُسْقِطْهُ مُسْتَوْجِبُهُ
فَعَادَ عِنْدَ مَا بَدَا مُوجِبُهُ
( وذاك ) مبتدأ ( لم يسقطه مستوجبه ) جملة من فعل وفاعل خبر المبتدأ . ومعنى مستوجبهمستحقه ولو عبر به لكان أوضح ( فعاد ) جملة معطوفة على جملة لم يسقطه ( عند ) يتعلق بعاد ( ما ) مصدرية ( بدا موجبه ) صلتها . والموصول وصلته في تأويل مصدر مخفوض بالإضافة أي عند بدء موجبه ، وأثبت الناظم صلة غير الفتح في الإضمار ضرورة على حد قوله :
ومهمه مغبرة أرجاؤه
كأن لون أرضه سماؤه
وَالأَظْهَرُ العَوْدُ كَمَنْ تَخْتَلِعُ
فَكُلّ ما تَتْرُكُهُ مُرْتَجَعُ
( والأظهر ) مبتدأ ( العود ) خبره ( كمن ) خبر مبتدأ مضمر ( تختلع ) صلة من والرابط ضمير الفاعل العائد على من ( فكل ) مبتدأ ( ما ) موصولة في محل جر بالإضافة واقعة على الشروط فقط لا عليها وعلى ما تدفعه خلعاً كما يقتضيه عموم ما وبه قرره ولده لأن المخالع به لا يرتجع إلا بنص عليه عند الارتجاع ( تتركه ) صلة ما . وهو بمعنى الماضي أي : فكل ما تتركه من حقها بسبب الطلاق والرابط الضمير المنصوب ( مرتجع ) خبر المبتدأ وهو بفتح الجيم ، ومعنى هذه الأبيات الست أن الزوجة إن أمتعت زوجها بعد عقد النكاح بسكنى دارها أو استغلال ضيعتها ونحو ذلك مدة عصمتها مثلاً ثم طلقها دون الثلاث فلا سكنى له ولا استغلال فإن راجعها رجعت له السكنى والاستغلال إلا إذا طلقها ثلاثاً ، ثم راجعها بعد زوج لم يرجع له شيء حينئذ من التمتيع المذكور فلا فرق بين ما التزمه الزوج لزوجته الذي تقدم الكلام عليه في قوله : وما أمرؤ لزوجة يلتزم الخ . وبين ما التزمته الزوجة لزوجها من السكنى والاستغلال ونحوهما فإن كلاًّ منهما يسقط بالطلاق ويعود بالمراجعة إلا أن يطلق ثلاثاً كذا قال الجزيري في وثائقه وإياه تبع الناظم حيث قال : كذا جرى العمل بالتمتيع الخ . ثم أخبرنا الناظم أن شيخه أبا سعيد رحمه الله فرق بين المسألتين رداً على من سبق وهو الجزيري المذكور ، وقال : إن من قاس مسألة الإمتاع على مسألة التزام الزوج فقياسه فاسد لأنه في مسألة الإمتاع الحق للزوج ، وقد أسقط حقه منه باختياره الطلاق لأنه بيده فلا يعود إليه بالمراجعة إلا بإمتاع ثان ، وأما ما التزمه الزوج لزوجته من الشروط والإنفاق على أولادها فإن الحق فيه للزوجة أو لبنيها وهم لم يسقطوا حقهم ، أما الزوجة فلأنه لا طلاق بيدها حتى تكون به مسقطة حقها . وأما الأولاد فكذلك أيضاً هذا ما فرق به أبو سعيد . قال الناظم رحمه الله : والأظهر عنده العود كما قال الجزيري وشبه ذلك بالمختلعة فيالمسألة السابقة المشار إليها بقوله : وما امرؤ بزوجة الخ . فإنها تفارق باختيارها ولها سبب فيه ، ومع ذلك تعود لها شروطها وهو معنى قوله : فكل ما تتركه الخ .
قلت : ما قاله أبو سعيد رحمه الله أظهر لأن تلك الشروط إن كانت حقاً لله تعالى كطلاق من يتزوجها أو عتق من يتسرى بها عليها أو حقاً لغيرها كنفقة الأولاد وحضانتهم فلا تسقط قطعاً ، ولا يكون اختيارها الطلاق بالخلع سبباً في إسقاط تلك الشروط عند المراجعة ، وإن كانت حقاً لها فقط كجعل أمرها أو أمر الداخلة عليها بيدها فاختيارها الطلاق بالخلع أيضاً مسبوق باختياره ، فلذا عادت الشرط بالمراجعة ويدل على اختيارها الطلاق في الخلع مسبوق باختياره ما قالوه في المختلعة في المرض على ما مرّ ، وذلك لأن الزوج إذا أجاب زوجته للخلع فقد أظهر لها عدم رغبته فيها فلا يسعها حينئذ إلا بدله لأن النساء يأنفن من الإقامة عند من أظهر لهن الرغبة عنهن فلا يتم القياس الذي قاسه الجزيري ، واستظهره الناظم . وبالجملة لم يتمحض اختيارها في الخلع بل هو مسبوق باختياره بخلاف التمتيع فقد تمحض اختياره ، ومن شرط القياس المساواة ، والله أعلم .
فصل في التداعي في الطلاقالفاء للسببية أي التداعي الحاصل بسبب الطلاق قاله ( ت ) وهذا الفصل هو المسمى عند الأقدمين بإرخاء الستور قاله الشارح .
وَالزَّوْجُ إنْ طَلَّقَ مِنْ بَعْدِ البِنَا
ولاِدِّعاءِ الوَطْءِ رَدَّ مُعْلِنا
( والزوج ) مبتدأ ( إن طلق ) شرط ( من بعد البنا ) ء يتعلق بفعل الشرط المذكور ، ومراده بالبناء خلوة الاهتداء ( ولادعاء الوطء ) مفعول بقوله ( رد ) وفاعله ضمير الزوج واللام زائدة لا تتعلق بشيء كما مر ، والجملة معطوفة على جملة الشرط قبلها ( معلنا ) حال من فاعل رد .
فالقَولُ قَوْلُ زَوْجَةٍ وَتَسْتَحِقْ
بَعْدَ الْيَمِينِ مَهْرَها الّذِي يَحِقْ
( فالقول قول زوجة ) مبتدأ وخبر ، والجملة جواب الشرط ولذا دخلت الفاء ( وتستحق ) فاعله ضمير الزوجة ( بعد اليمين ) يتعلق به ( مهرها ) مفعول به ( الذي ) صفة لما قبله ( يحق ) صلة الذي والرابط هو الفاعل بيحق ، والجملة من تستحق وما بعده معطوفة على جواب الشرطوالشرط وجوابه خبر المبتدأ الذي هو الزوج ، ومعناه أن الزوج إذا خلا بزوجته خلوة يمكن شغله منها ، وإن لم يكن هناك ستر ولا غلق باب ثم طلقها بعد تلك الخلوة وهي مراد المصنف بالبناء كما مرّ فادعت هي المسيس وادعى هو عدمه فإن القول للزوجة بيمينها للعرف ، إذ قل أن يفارقها قبل الوطء ، وتستحق جميع مهرها الحال أو ما حل منه عند حلفها ، وأما المؤجل فتستحقه عند حلول أجله ، وظاهر النظم كانت حرة أو أمة رشيدة أو سفيهة تلبست بمانع وقت الاختلاء كحيض أم لا . وهو كذلك في الجميع ( خ ) وصدقت في خلوة الاهتداء ، وإن بمانع شرعي ، وفي نفيه وإن سفيهة أو أمة الخ . ثم لا يتمكن من ارتجاعها لإنكاره الوطء قاله في المتيطية وغيرها . وظاهر النظم أنه لا ينظرها النساء إن كانت بكراً وهو كذلك على المشهور والجاري على ما مرّ في العيوب أن النساء ينظرنها وهو الذي به العمل ، وعليه فإن وجدنها مفتضة فقولها ، وإلا فقوله مع اليمين فيهما أيضاً لأن شهادة النساء وحدهن في المال ، أو ما يؤول إليه لا بد معها من اليمين ، ومفهوم قوله من بعد البناء أنهما إذا اختلفا في المسيس بعد العقد عليها ، ولم تثبت خلوة بينهما فإن القول للزوج حينئذ وهو كذلك قاله ابن حارث . ومفهوم قوله : رد معلناً أنه إذا أقر بالوطء فيه أخذ بإقراره ، ولو أنكرت هي ذلك رشيدة كانت أو سفيهة وهو كذلك في السفيهة ، وكذا في الرشيدة إن رجعت عن إنكارها إلى تصديقه قبل أن ينزع عن إقراره لا إن رجعت بعد نزعه فليس لها إلا نصف الصداق فإن استمر على إقراره واستمرت على تكذيبه ، فهل لها جميع الصداق أو نصفه فقط تأويلان . ومفهوم قوله لادعاء الخ . أنهما إذا اتفقا على نفي الوطء فيعمل على قولهما وإن سفيهة أو أمة وهو كذلك كما مر عن ( خ ) لكن ذلك إنما هو بالنسبة للصداق ، وأما بالنسبة للعدة ونفي الولد فلا إذ العدة تجب بمجرد الخلوة والولد لا ينتفي إن أتت به لستة أشهر فأكثر من يوم العقد ولو لم تعلم خلوة إلا بلعان .
وَإنْ يَكُنْ مِنْها نُكُولٌ فَالْقَسَمْ
عَليهِ وَالواجِبُ نِصْفُ ما التَزَمْ
( وإن يكن ) شرط ( منها ) خبر يكن ( نكول ) اسمها ( فالقسم عليه ) جملة من مبتدأ وخبر جواب الشرط ( والواجب ) مبتدأ ( نصف ما التزم ) خبر ، والجملة معطوفة على جملة الجواب قبلها وما واقعة على الصداق والعائد محذوف أي : نصف الصداق الذي التزمه .
وَيَغْرِمُ الْجَمِيعَ مَهما نَكَلاَ
وَإنْ يَكُن كَالابتِنَاءِ قَدْ خَلا
( ويغرم ) فاعله ضمير الزوج ( الجميع ) مفعوله ( مهما ) اسم شرط ( نكلا ) مجزوم المحل وألفه للإطلاق ، ويصح أن تكون للتثنية . والجملة قبله يليه دليل الجواب ومعنى كلامه واضح وإنماوجب عليه غرم الجميع لأن النكول بالمنكول تصديق للناكل الأول .
ثم أشار إلى ما إذا كانت الخلوة لغير البناء بل لزيارة فقال : ( وإن يكن ) شرط واسمها ضمير الزوج ( لا ) معطوفة على مقدر متعلق بخلا ( لابتناء ) معطوف ( قد خلا ) خبر يكن أي وإن يكن قد خلا لزيارة لا لابتناء .
فالقَوْلُ قَوْلُ زَائِرٍ وَقيلَ بَلْ
لِزَوْجَةٍ وَما عَليهِ مِنْ عَمَلْ
( فالقول ) مبتدأ ( قول زائر ) خبره . والجملة جواب الشرط ، وإذا كان القول للزائر ، فإذا زارته هي وادعت المسيس فالقول قولها بيمينها وإن زارها أو كانا زائرين معاً عند الغير ، فالقول قوله بيمينه لأن الرجل إنما ينشط في بيته غالباً ( وقيل ) مبني للمفعول نائبه الجملة المحكية بعده ( بل ) عاطفة على مقدر أي : وقيل لا يكون القول للزائر بل ( لزوجة ) مطلقاً ( وما ) نافية ( عليه ) خبر عن قوله ( من عمل ) .
وَمَنْ كَسا الزَّوْجَةَ ثُمَّ طَلَّقا
يَأخُذُها مَعْ قُرْبِ عَهْدٍ مُطْلقَا
( ومن ) اسم شرط ( كسا الزوجة ) مفعول أول بكسا ومفعوله الثاني محذوف أي ثوباً ( ثم ) عاطفة الجملة التي بعدها على التي قبلها ( طلقا ) ألفه للإطلاق ( يأخذها ) فعل وفاعل ومفعول ، والجملة جواب الشرط ، والضمير عائد على الكسوة المفهومة من كسا ( مع ) بسكون العين يتعلق بيأخذ ( قرب ) مضاف إليه ( عهد ) كذلك ( مطلقاً ) حال من فاعل يأخذ .
وَالأَخْذُ إنْ مَرَّتْ لها شُهورُ
ثَلاثةٌ فَصاعِداً مَحْظُورُ
( والأخذ ) مبتدأ ( إن مرت لها شهور ) فاعل بمرت ( ثلاثة ) الظاهر أنه خبر كان مقدرة مع اسمها ، والجملة صفة أي يكون عدها ثلاثة ( فصاعداً ) والفاء حينئذ عاطفة ، وأما رفع ثلاثة على أنه نعت أو عطف بيان ، فليس هناك حينئذ ما يعطف عليه فصاعداً لأنه بالنصب ( محظور ) خبر المبتدأ وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه ، والمعنى أن من كسا زوجته ثوباً ونحوه الكسوة الواجبة عليه شرعاً ، ثم طلقها طلاقاً بائناً ولا حمل بها ولما طلقها أراد أن يأخذ الكسوة فإنه يقضي له بها مطلقاً خلقت أم لا . لكن لا بد أن يقرب العهد بحيث يكون بين الطلاق وزمن الكسوة أقل من ثلاثة أشهر ، وأما إن مضى لها ثلاثة أشهر ، فأكثر فأخذه إياها ممنوع بخلاف النفقة إن كان عجلها لها فله أخذها مطلقاً أي : ما بقي منها مضت لها ثلاثة أشهر أو أقل أو أكثر فإن اختلفا فادعت هي أنها مضت لها ثلاثة أشهر فأكثر ، وادعى هو أنه لم يمض لها ذلك ، فالقول قوله وعليها إقامة البينة على ما ادعت لأنها تريد استحقاق الثوب قاله في الوثائقالمجموعة ، ويأتي للناظم قريباً في قوله : وحيثما خلفهما في الزمن الخ . ثم ما ذكره الناظم في الطلاق يجري في الموت ( خ ) وردت النفقة لا الكسوة بعد أشهر الخ . وهذا في الكسوة الواجبة عليه كما مر سواء كانت تأخذها بفرض القاضي بأن رفعت أمرها إليه حتى فرضها لها أم لا . وأما الكسوة الغير الواجبة بأن أعطاها لها على وجه الهدية فهي لها في الطلاق موروثة عنها في الموت لأنها عطية قد حيزت . فإذا اختلفا فقال الزوج : هذه الكسوة هي الواجبة عليَّ وقالت هي أو ورثتها : بل هدية فهو ما أشار له الناظم بقوله :
وَإنْ يَكونا اختَلَفا في المَلْبَسِ
فالقَوْلُ قَوْلُ زَوْجَةٍ في الأَنْفَسِ
( وإن يكونا ) شرط وألفه اسمها ( اختلفا ) خبرها ( في الملبس ) بضم الميم وفتح الباء اسم مفعول من ألبس يتعلق باختلف ( فالقول قول زوجة ) مبتدأ وخبر ( في الأنفس ) يتعلق بالخبر ، والجملة جواب الشرط .
وَالقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِثوْبٍ مُمْتَهَنْ
وَلُبْسُ ذاتِ الحَمْلِ بالحَمَلِ اقْتَرَنْ
( والقول ) مبتدأ ( للزوج ) خبره ( بثوب ) يتعلق بالخبر أيضاً وباؤه للظرفية ( ممتهن ) صفة له والمعنى أنهما إذا اختلفا في الكسوة وهي مراده بالملبس فقالت : هي هدية وقال هو : بل هي الواجبة عليَّ فإنه ينظر فإن كانت رفيعة لا يفرض مثلها على مثله ، فالقول للزوجة بيمين أنها هدية ، وإن كانت مما يفرض مثلها على مثله ويكسو مثله بها زوجته فالقول له مع اليمين ، فالمراد بالممتهن ما يكسو به مثله زوجته ، ويحتمل وهو الظاهر أن المراد بالممتهن المستخدم الذي لم تمض له ثلاثة أشهر كما يأتي ، وعلى الأول فما ذكره من كون القول لها في الأنفس ظاهر إذا كان لها ثوب آخر على ظهرها تبتذله بدليل ما قبله ولم يدع هو أنه قد دفعه لها للتزين به فقط ، وأما إذا لم يكن لها غيره على ظهرها أو كان عليها غيره ، ولكن ادعى هو أنه دفعه للتزين فقط فالقول له إذ قد يكسو الرجل زوجته بأحسن صفة من كسوة أمثاله لها فيجري فيه التفصيل المتقدم بين مضي ثلاثة أشهر أم لا . وقد يدفعه لها للتزين حيث كان لها غيره إذ الزوج حينئذ قد علم أصل ملكه فلا يخرج من يده إلا على الوجه الذي قصده كما مر آخر الاختلاف في متاع البيت ، اللهم إلا أن يكون هناك عرف بأن مثله يهديه الزوج لزوجته . قال في الطرر قبل ترجمة اللعان ما نصه : قالابن تليد : إن ابتاع الرجل لزوجته كسوة مثل ثوب أو فرو ، ثم تموت فيريد أخذها لم يكن له ذلك وهو موروث عنها ، وكذلك قال بعض الشيوخ في الموت والطلاق ، وبه العمل قال : وهذا إذا كانت لغير البذلة اه . فهو ظاهر بل نص في أن لها ثوباً آخر عليها تبتذله بدليل قوله : وهذا إذا كانت الخ . وظاهر أيضاً في أنها ادعت أو وارثها أن ذلك هدية كما هو نص الوثائق المجموعة ، إذ لو قالت : هو لي لجرى على الاختلاف في متاع البيت ، وبالجملة فأما أن تدعي أنه لها فهو ما مرّ في الاختلاف في متاع البيت ، وأما أن يدعي هو أنه أهداه لها وهذا فيه وجهان . أحدهما : أن يدعي هو أنه من الكسوة الواجبة عليه كما مر ، وثانيهما أن يدعي أنه دفعه لها للتزيين فقط ثم قال في الطرر إثر ما مر ، قال ابن لبابة : وما اشتراه الرجل لزوجته أو اشترته لنفسها من ماله ولا ينكر عليها إذا تزينت به فإنه لها عاش أو مات . وقال أيضاً إنه لورثة الرجل إن مات عنها إلا أن تقيم البينة على هبة أو عطية قال غيره : وكذلك إن كان حياً بيمين وهو أحسن اه بلفظه ، فقد حكى عن ابن لبابة قولين . والثاني منهما هو الذي رجحه ، وعلى هذا الترجيح جرى الشاطبي في فتواه المنقولة في الشرح ، حيث سئل عن امرأة قالت بعد وفاة زوجها في ثياب تشاكلها أن زوجها المتوفي ساقها لها أو أهداها لها وخالفها الورثة فقال : لا يسمع دعوى المرأة إلا ببينة وعلى الورثة اليمين أنهم لا يعلمون أن تلك الثياب من مال المرأة وليست هذه المسألة من الاختلاف في متاع البيت لأن المرأة مقرة بأن الثياب بأعيانها للزوج . قال : ولكن يبقى النظر في لباسها تلك الثياب وامتهانها يعني بحضرة المتوفي قال : والصحيح أن الرجل ليس له أخذ كسوة المرأة عند فراقها إذا كانت متبذلة فإن لم تبتذل كان له ارتجاعها ، فهذه الثياب مثلها إن كانت الزوجة قد ابتذلتها فهي لها وإلاَّ صارت ميراثاً اه باختصار . وثياب البذلة هي ثياب المهنة المستخدمة وعليه فما صححه هذا الإمام هو ما مر عن ( خ ) فمرادهم بالبذلة ما كثر لبسها له بحضرة زوجها حتى خلق وبلي ، ولو كان من ثياب الزينة . وأحرى إذا كان على ظهرها تبتذله كل يوم كما هو الظاهر من هذه الفتوى ، فما في النظم حينئذ مخالف لإطلاق ( خ ) لا الكسوة بعد أشهر ، وما في الطرر عن ابن تليد وابن لبابة في أول قوله مخالف بظاهره لذلك أيضاً ، لكن ما لابن لبابة يمكن حمله على ما في ( خ ) بل يقيد بما إذا لم يمض لها ثلاثة أشهر فأكثر وهي تبتذلها بحضرته وإلاَّ فهي لها ، وأما ما لابن تليد وهو ظاهر النظم فمخالف لإطلاق ( خ ) قطعاً اللهم إلا أن يكون قوله : وهذا إذا كانت لغير البذلة معناه . وهذا إذا لم تبتذل ويمضي لها ثلاثة أشهر فيوافقه حينئذ ويكون معنى قول الناظم في الأنفس أي الذي ابتذل ومضت له المدة المذكورة ، ومراده بالممتهن أي الذي يكسى مثله لمثلها أو لا يكسى ، ولكن لم يبتذل ولم تمض له تلك المدة فالقول فيه للزوج حينئذ فتأمله والله أعلم . لكن كان الناظم في غنى عن هذين البيتين بالبيتين قبلهما ، وقد تقدم الكلام على هذا آخر الاختلاف في متاع البيت .
( ولبس ) مبتدأ ( ذات الحمل ) مضاف إليه ( بالحمل ) يتعلق بقوله : ( اقترن ) والجملة خبر ، والمعنى أن المطلقة طلاقاً بائناً وهي حامل تجب لها الكسوة بظهور الحمل وحركته كالنفقة على المشهور المعمول به ، وروي عن مالك أنه لا شيء لها حتى تضع ثم تفرض لها النفقة والكسوةمدة الحمل السابقة خيفة أن يكون ريحاً فينفش ( خ ) : ولا نفقة بدعواها ، بل بظهور الحمل وحركته فتجب من أوله إلى آخره . ابن العطار : يفرض لها في الكسوة ما تحتاج إليه من الجبة والكساء وغير ذلك قال : وينظر إلى غالب مدة الحمل ، فإن قيل : تسعة أشهر ، فيقال : كم قيمة الجبة ، وفي كم تبلى فإن كانت تبلى لسنة ونصف دفع إليها نصف قيمتها تعمل به ما شاءت ، وكذا في الكساء ويدفع لها القميص والمقنعة . انظر البرزلي أوائل النفقات . وقولنا بائناً احترازاً مما إذا كان رجعياً فإنها كالزوجية في النفقة والكسوة .
وَحَيثُما خُلْفُهما في الزَّمَنِ
يُقَالُ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ بِيِّنِي
( وحيثما ) اسم شرط وفعل الشرط محذوف أي حيثما وقع ( خلفهما ) اسم مصدر بمعنى اختلاف فاعل بوقع المقدر ( في الزمن ) يتعلق بخلف ( يقال للزوجة ) نائب عن الفاعل ( فيه ) يتعلق بيقال ( بيني ) فعل أمر وفاعله ياء المؤنثة المخاطبة ، والجملة من فعل الأمر وفاعله محكية بيقال والجملة من يقال : وما بعده جواب الشرط . والمعنى أنهما إذا اختلفا في الزمن فقالت : مضى للكسوة ثلاثة أشهر وأنكر هو ذلك فإن القول للزوج ، ويقال للمرأة أقيمي البينة على ما تدعيه كما مرّ عن الوثائق المجموعة ، فإن عجزت حلف الزوج وله قلبها عليها كما قال :
وَعَجْزُها يَمِينَ زَوْجٍ يُوجِبُ
وَإنْ أرَادَ قَلْبَها فَتُقْلَبُ
( وعجزها ) مبتدأ ( يمين زوج ) مفعول بقوله ( يوجب ) والجملة خبر ( وإن أراد ) شرط ( قلبها ) مفعول به ( فتقلب ) جواب الشرط ، وإنما قلبت لأنها دعوى تحقيق ، فإن حلفت استحقت وإلا فلا شيء لها لأن النكول بالنكول تصديق للناكل الأول .
فصل
وَمَنْ يُطَلِّقْ طَلْقَةً رَجْعِيَّهْ
ثُمَّ أرَادَ العَوْدَ لِلزَّوْجِيَّهْ
( ومن يطلق ) شرط ( طلقة ) مفعول مطلق ( رجعية ) نعت له ( ثم ) عاطفة الجملة التي بعدها ( أراد العود ) جملة من فعل وفاعل ومفعول ( للزوجية ) يتعلق بالفعل .
فَالقَوْلُ للزَّوْجَةِ واليَمِينُ
عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ تَبِينُ
( فالقول ) مبتدأ ( للزوجة ) خبره والجملة جواب الشرط ( واليمين ) مبتدأ ( على انقضاء عدة )يتعلق باليمين ( تبين ) بضم التاء مضارع أبان خبر عن اليمين أي : أن يمينها على انقضاء العدة تبين عصمتها وتخرجها من العدة قاله ( م ) ويحتمل أن خبر اليمين محذوف أي : واليمين على انقضاء عدتها واجبة عليها ولا تصدق بمجرد دعواها الانقضاء ، وتبين حينئذ بفتح التاء مضارع بان إذا ظهر صفة لعدة وحاصل معنى البيتين أن الطلاق إذا كان رجعياً واختلفا في انقضاء العدة ، فالقول للزوجة مع يمينها على ما درج عليه الناظم ، وحكاه ابن الهندي عن مقالات ابن مغيث . والمشهور أن لا يمين عليها ( خ ) : وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين ما أمكن اه . واختلف فيما يمكن انقضاء عدتها فيه فقال سحنون : أقل ما تصدق فيه أربعون يوماً . وقال ابن الماجشون : خمسون يوماً . وفي اختصار المتيطية قال في غير المدونة : ولا تصدق في أقل من خمسة وأربعين يوماً . قال : وبه جرى عمل الشيوخ انظره في باب الرجعة ، ولعل الناظم إنما اعتمد القول باليمين مع أن المتيطي قد صرح إثر ما مرّ عنه بأنه ليس العمل على أن تحلف لفساد الزمان فقد قال ابن العربي : قلت الأديان بالذكران فكيف بالنسوان ؟ فلا تمكن المطلقة من التزويج إلا بعد ثلاثة أشهر من يوم الطلاق ، ولا تسأل هل كان الطلاق أول الطهر أو آخره وعليه صاحب اللامية حيث قال : وذات قرء في اعتداد بأشهر الخ . أي لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر لا أنها تخرج من العدة بثلاثة أشهر ، ولو لم تحصل الإقراء الثلاث فإن هذا خلاف نص القرآن كما مرّ عند قول الناظم : ويملك الرجعة بالرجعي إلى قوله : وفي المملك الخلاف الخ . ثم محل كونها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر على ما به العمل اليوم إنما هو إذا أرادت التزويج كما مر ، وأما بالنسبة للرجعة التي الكلام فيها فإنها تصدق في كل ما يمكن انقضاؤها فيه كالشهر ونصفه على ما مر أن العمل عليه ، بل ولو في الشهر فقط على ما مر في المدونة من أنها تصدق إذا قالت النساء إن ذلك ممكن وإلا لزم القدوم على فرج مشكوك ، والفروج يحتاط لها . ولا سيما وقد علمت أنه روعي حق الله في عدم تصديقها في أقل من ثلاثة أشهر بالنسبة للتزوج على المعمول به اليوم فيقال : كذلك يراعى حق الله أيضاً في تصديقها فيما يمكن بالنسبة للرجعة بالأحرى ، نعم إذا ادعت انقضاءها فيما لا يمكن أصلاً كأقل من شهر فلا تصدق وله ارتجاعها كما قال .
ثُمَّ لَهُ ارْتِجَاعُها حَيْثُ الكذِبْ
مُسْتَوضَحٌ مِنَ الزّمَانِ المُقْتَرِبْ
( ثم ) للترتيب الذكري ( له ارتجاعها ) مبتدأ وخبر ( حيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( الكذب مستوضح ) مبتدأ وخبر والجملة في محل جر بإضافة حيث ( من ) للتعليل أي لأجل ( الزمان ) يتعلق بمستوضح ( المقترب ) صفة للزمان ، وهو اسم فاعل من اقترب ، والمعنى أنه إذا تبين كذبها بأن ادعت الانقضاء فيما لا يمكن كأقل من شهرفإنها لا تصدق وله ارتجاعها جبراً عليها ، وهذا كله فيمن تعتد بالأقراء ، وأما التي تعتد بالأشهر كالمتوفي عنها واليائسة والصغيرة فلا تصدق واحدة منهن إلا ببينة على تاريخ الوفاة والطلاق بالنسبة للتزوج ، وأما بالنسبة للرجعة حيث كان الطلاق بغير تاريخ فانظر هل تصدق المرأة اليائسة في الانقضاء وهو الظاهر أم لا ؟ وانظر ما تقدم في التنبيه الرابع عند قوله ومتى من المرض الخ .
تنبيه : ذكر البرزلي في مسائل العدة والاستبراء أن الزوج إذا خاف أن تجحد مطلقته الحيض ، فله أن يجعل معها أمينة صالحة تتعرف منها ذلك وتعرف إقراءها ، وهل يعمل على قولها الخ .
قلت : وانظر إذا خشي أن تدعي الحيض في أقل ما يمكن فهل له ذلك لأنه يخشى أن تسقط رجعته وهو ما يقتضيه كلام البرزلي المتقدم أم لا .
وَما ادَّعَتْ مِنْ ذلِكَ المُطَلَّقَهْ
بالسِّقْطِ فَهْيَ أبَداً مُصَدَّقَهْ
( وما ) اسم شرط ( ادعت ) فعله ( من ذلك ) يتعلق به ( المطلقة ) فاعل ادعت ( بالسقط ) حال من اسم الإشارة العائد على الانقضاء ( فهي ) مبتدأ ( أبداً ) منصوب على الظرفية يتعلق بالخبر الذي هو قوله : ( مصدقة ) والجملة جواب الشرط ، ويحتمل أن تكون ما موصولة مبتدأ وصلتها ادعت والعائد محذوف أي ادعته والمجرور بيان لما ، والجملة من قوله فهي أبداً الخ . خبر الموصول ودخلت الفاء في خبره لشبهه بالشرط في العموم والإبهام كقراءة ابن كثير قوله تعالى : إنه من يتقِّ ويصبر فإن الله لا يضيع } ( يوسف : 90 ) الآية . والمعنى أن المطلقة إذا ادعت انقضاء عدتها بوضع سقط أسقطته وأولى بوضع كامل فهي مصدقة أبداً قرب الزمان أو بعد ، وظاهره أنها مصدقة بلا يمين وهو كذلك على المشهور كما مر .
وَلا يُطَلِّقَ العَبِيدَ السَّيِّدُ
إلاَّ الصَّغِيرَ مع شَيءٍ يُرْفَدُ
( ولا ) نافية ( يطلق العبيد ) مفعول بالفعل قبله أو منصوب على إسقاط الخافض وهو أظهر معنى ( السيد ) فاعل يطلق ( إلا ) استثناء من العموم في العبيد ( الصغير ) منصوب على الاستثناءأو على إسقاط الخافض ( مع شيء ) حال ( يرفد ) بالبناء للمفعول صفة للشيء ، والرفد بالكسر العطاء . ومعناه أنه ليس للسيد أن يطلق على عبيده من تزوجوه بإذنه جبراً عليهم ، وإن فعل فلا يمضي طلاقه عليهم إلا طلاقه على الصغير منهم حال كونه مع شيء يرفد أي يعطي للصغير فإنه ماض نافذ عليه ، وظاهره كان المخالع به للصغير منهم من عند الزوجة أو من غيرها ولو من السيد ، وظاهر النظم كغيره أن المخالعة للصغير ماضية عليه ولو بأقل من خلع المثل ومثل العبد الصغير الحر الصغير كما قدمه الناظم في قوله :
والخلع جائز على الأصاغر
مع أخذ شيء لأب أو حاجر
ابن عرفة : يجوز للأب ووصيه والسلطان وخليفته المبارأة على الصغير بشيء يسقط عنه أو يؤخذ له لا غير ذلك ، وكذا السيد في عبده الصغير اه . ومفهوم قوله : مع شيء يرفد أنه ليس له أن يطلق عليه دون شيء يسقط عنه أو يؤخذ له ولو ظهر بالزوجة فساد وهو كذلك . وقال اللخمي : يجوز للولي أن يطلق على السفيه البالغ والصغير بغير شيء يؤخذ له إذ قد يكون بقاء العصمة فساد الأمر جهل قبل نكاحه أو حدث بعده من كون الزوجة غير محمودة الطريق أو متلفة ماله اه .
قلت : وينبغي أن يكون كلام اللخمي تقييداً للمذهب لأن من المصلحة حينئذ الطلاق ، وإن كان غير واحد جعله خلافاً .
وَكَيْفَما شَاءَ الكَبِيرُ طَلَّقَا
وَمُنْتَهاهُ طَلْقَتَانِ مُطْلَقَا
( وكيفما ) اسم شرط مفعول بجوابه الآتي ( شاء ) فعل الشرط ( الكبير ) فاعله ( طلقا ) جواب الشرط ، والمعنى أن العبد الكبير البالغ ولو سفيهاً له أن يطلق زوجته حرة أو أمة كيفما شاء واحدة أو أكثر بخلع أو غيره ، وسواء أذن له سيده في الطلاق أم لا . ( ومنتهاه ) مبتدأ ( طلقتان ) خبره ( مطلقا ) حال ، والمعنى أن منتهى طلاق العبد طلقتان مطلقاً سواء أوقعهما معاً في حال رقه أو واحدة في حال رقه ، والأخرى في حال عتقه لأن الواحدة التي أوقعها في حال رقه قائمة مقام واحدة ونصف فتكمل عليه لأنه لا يتشطر وتبقى له واحدة هي التي أوقعها في حال عتقه وسواء أيضاً كان قناً خالصاً أو ذا شائبة ، وسواء كانت زوجته حرة أو أمة ، وهذا كله هو معنى الإطلاق الذي في النظم .
لكِنَّ في الرَّجْعِيِّ الأَمْرُ بِيَدِهْ
دُونَ رِضَا ولِيِّهَا وَسَيِّدِهُ( لكن ) حرف استدراك ( في الرجعي ) يتعلق بالاستقرار في خبرها ( الأمر ) بالنصب اسمها ( بيده ) يتعلق بالاستقرار في خبرها والضمير المضاف إليه راجع للعبد ( دون ) يتعلق بمحذوف حال ( رضا ) مضاف إليه ( وليها ) كذلك ( وسيده ) معطوف على وليها ، والمعنى أن العبد القن ومن فيه شائبة رق إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً وقد مر تفسيره أول باب الطلاق فإن الأمر في الارتجاع وعدمه ثابت بيد العبد فإن شاء ارتجعها قبل انقضاء عدتها ولا يحتاج لإذن سيده في الارتجاع ولا لرضاها بل يرتجعها جبراً عليها وعليه ، وإن شاء لم يرتجعها وإنما كان لا يحتاج لذلك لأن الرجعة ليست كابتداء النكاح ، ولذا صحت ولو في المرض والإحرام ( خ ) : يرتجع من ينكح ولو بكإحرام ومرض وعدم إذن سيد طلاقاً غير بائن في عدة صحيح حل وطؤه بقول مع نية الخ . ومفهوم قوله في الرجعي أنه إذا طلقها طلاقاً بائناً أو رجعياً وانقضت العدة فلا يراجعها إلا بإذن سيده ورضاها وهو كذلك لأن المراجعة حينئذ ابتداء نكاح .
والحُكْمُ في العَبِيد كالأَحْرَارِ
في غَايَةِ الزَّوْجَاتِ في المُخْتَارِ
( والحكم ) مبتدأ ( في العبيد ) يتعلق به ( كالأحرار ) خبر ( في غاية الزوجات ) يتعلق بالاستقرار المقدر في الخبر وكذا قوله ( في المختار ) . والمعنى : أن حكم العبيد حكم الأحرار في غاية الزوجات على القول المشهور ، وهو قول مالك ومقابله لابن وهب أن الثالثة للعبد كالخامسة للحر قياساً على طلاقه ، ووجه المشهور عموم قوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ( النساء : 3 ) الآية . قال في الذخيرة : للعبد مع الحر أربع حالات : تشطير كالحدود ومنه الطلاق ومساواة كالعبادات ومختلف فيه كعدد الزوجات وأجل الاعتراض والإيلاء والفقد وحد القذف ، فعلى العبد النصف في جميع ذلك كله عند مالك وقيل بالمساواة وحالة سقوط كالحج والزكاة اه .
وَيَتْبَعُ الأولادُ في اسْتِرْقَاقِ
لأُم لا لأَبِ بالإِطْلاَقِ( ويتبع الأولاد ) بالرفع فاعل يتبع ( في استرقاق ) يتعلق به ( للام ) يتعلق به أيضاً ( لا ) عاطفة ( للأب ) معطوف ( بالإطلاق ) يتعلق بمحذوف حال من الأم أي يتبعونها في الرق والحرية مطلقاً كانوا من نكاح أو من ملك اليمين حيث كان أبوهم قناً ، ويحتمل أنه حال من الأب أي لا يتبعون الأب مطلقاً حراً كان أو عبداً .
وحاصل المعنى أن الولد تابع لأبيه في الدين والنسب ولأمه في الحرية والرقية فإن كان الفراش بملك اليمين فالولد تابع لأبيه حراً كان أو عبداً وإن كان الفراش بنكاح فالولد تابع لأمه كما قال الناظم ، وهو قول الرسالة : وكل ذات رحم فولدها بمنزلتها أي إن كانت حرة فولدها حر ولو كان الأب عبداً وإن كانت قناً أو ذات شائبة فولدها كذلك ، ولو كان أبوه حراً ولا يستثنى من ذلك إلا الموطوءة بملك سيدها الحر والغارة الحر كما قال ( خ ) وولد المغرور الحر فقط حر .
وَكِسْوَةٌ لِحُرَّةٍ وَنَفَقَه
عَليهِ والخُلْفُ بِغَيْرِ الْمُعْتَقَه
( وكسوة ) مبتدأ سوغه عمله في ( لحرة ونفقه ) معطوف على المبتدأ ( عليه ) خبره ( والخلف ) مبتدأ خبره ( بغير المعتقه ) . والمعنى أن العبد إذا تزوج حرة فإن عليه نفقتها وكسوتها كالحر واختلف إذا تزوج بأمة أو مدبرة أو معتقة لأجل فقيل ذلك عليه أيضاً وهو المشهور ، ويقال له أنفق أو طلق وقيل : نفقتها وكسوتها على سيدها ، ولو قال الناظم : هكذا بغير المعتقة لكان منبهاً على المشهور المذكور ، لكنه حاول على أن ينبه على أن الحرة متفق عليها والأمة مختلف فيها . ومعلوم أن كتابه ليس موضوعاً لبيان الخلاف ، بل للمشهور وما به العمل ، وما أفاده من أن الحرة متفق عليها صرح به ابن المواز قائلاً : لا خلاف أن العبد ينفق على زوجته الحرة ، وظاهر كلام اللخمي أن الخلاف جار في الحرة أيضاً لأنه قال : ويختلف إذا كانا عبدين فعلى القول بأنه لا نفقة على العبد للحرة لا نفقة عليه إذا كانت أمة ، وعلى القول إن عليه ذلك للحرة يختلف إن كانت أمة .
تنبيهان . الأول : حيث وجبت النفقة عليه فهي كما قال ( خ ) في غير خراجه وكسبه ، والخراج وهو ما نشأ لا عن مال بل عن كإيجار نفسه والكسب هو ما نشأ عن مال أتجر به ، وبالجملة فعطف الكسب على الخراج من عطف العام على الخاص والنفقة والكسوة في غير الإجارة التي يؤاجر بها نفسه ، وفي غير ما ينشأ عن مال كتجارة بمال سيده وغلة ماله ، وأما ربح مال نفسه وغلته فله النفقة منهما كما له ذلك أيضاً من مال وهب له أو أوصي له به ، وقول ابن عاشر : الخراج هو ما يقاطع على إعطائه لسيده كأن يقاطعه على دينار في كل شهر ، والكسب هوما نشأ عن عمله وقد يكون أحدهما أكثر من الآخر الخ ، لا يخالف ما مرّ لأنه إذا لم تكن مقاطعة فالخراج هو ما مرّ ثم ما تقدم من أن ربح مال السيد لا نفقة له فيه إنما هو في غير المأذون وأما المأذون فله النفقة من ربح مال السيد الذي بيده فهو يخالف غيره في هذا الوجه .
الثاني : محل كونهما في غير الخراج والكسب إذا لم يكن عرف وإلاَّ فهي فيهما كما في ( خ ) أيضاً ، وربما يفهم أن العبد إذا اشترط كونهما في الخراج والكسب فيعمل بذلك بالأحرى ، ولا يقال اشتراط ذلك في صلب العقد يفسد النكاح فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بالمثل ويبطل الشرط كما مرّ ، لأنا نقول هذا إنما يظهر إذا اشترطت النفقة على السيد لا إن اشترط عليه أن تكون في خراج العبد وكسبه ورضي بذلك فلا يفسد ، ولو فسد في هذا لفسد في العرف أيضاً لأنه كالشرط ، وعليه فإذا امتنع السيد من إجراء النفقة من الخراج والكسب ولا شرط ولا عرف ، فالعبد إما أن ينفق من غيرهما وإلاّ طلّقت عليه . وقد علمت أن اشتراط النفقة في خراج العبد وكسبه لا يوجب فساداً إذ غايته أن السيد التزم عدم مؤاخذة العبد بما يسع نفقته من خراجه وكسبه وذلك هبة منه لعمل كله أو بعضه والله أعلم . والعرف عند الناس اليوم على ما شهدناه أن نفقة زوجته وكسوتها حرة كانت أو أمة في خراجه وكسبه إذ عادتهم أن العبد يصرف همته في خدمة سيده وسيده يجري النفقة عليه وعلى زوجته .
وَلَيْسَ لازماً لَهُ أَنْ يُنْفِقَا
على بنِيه أعْبُداً أوْ عُتَقَا ( وليس ) فعل ناقص ( لازماً ) خبرها مقدم ( له ) يتعلق به ( أن ينفقا ) اسمها مؤخر ( على بنيه ) يتعلق بينفقا ( أعبداً ) خبر كان محذوفة أي كانوا أعبداً ( أو عتقا ) ء جمع عتيق كشريف وشرفاء لأنهم إن كانوا أحراراً فنفقتهم في مالهم إن كان لهم مال ، وإلاَّ فعلى المسلمين وإن كانوا أرقاء فعلى سيدهم ، ولا يجوز للعبد أن يتلف مال سيده وعلى هذا فصواب التعبير وليس جائزاً لا وليس لازماً قاله ( م ) و ( ت ) .
قلت : ويمكن أن يجاب بأن معناه وليس لازماً له أن ينفق عليهم من غير الخراج والكسب كما ينفق على زوجته من غيرهما ، فالتعبير بنفي اللزوم حينئذ في محله ، وعلم من هذا أن أولاد العبد من أمته يجوز له الإنفاق عليهم من مال سيده لأن المال لسيده وأولاده مملوكون له أيضاً .
فصل في المراجعةأي : بعد الطلاق البائن كما مر عند قوله ومنه الرجعي .وكابْتِدَاءِ ما سِوَى الرَّجْعِيِّ
في الإذْنِ والصَّدَاقِ والولِيِّ
( وكابتداء ) خبر مقدم والتنوين فيه عوض من مضاف إليه تقديره وكابتداء النكاح ( ما ) مبتدأ واقعة على المراجعة ( سوى الرجعي ) صلتها ( في الإذن ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ( والصداق والولي ) معطوفان عليه ، والمعنى أن المراجعة من الطلاق الذي هو رجعي كائنة كابتداء النكاح في اشتراط الإذن من الزوجة غير المجبرة ووجود الصداق والولي والإشهاد عند الدخول ، وغير ذلك على نحو ما مرّ في باب النكاح حرفاً حرفاً .
ولا رجوعَ لِمَرِيضَةٍ ولاَ
بِالحَمْلِ ستَّةَ الشُّهُورِ وَصَلاَ
( ولا ) نافية للجنس ولو أتى بالفاء بدل الواو لكان أولى لأن هذا مفرع عما قبله ومسبب عنه ( رجوع ) اسمها ( لمريضة ) خبرها ( ولا ) تأكيد للنفي الأول ( بالحمل ) معطوف على مريضة والباء بمعنى مع ( ستة الشهور ) بالنصب مفعول بقوله ( وصلا ) بالبناء للفاعل ، والجملة في محل نصب على الحال من الحمل ، والمعنى أنه حيث اشترط في المراجعة ما يشترط في ابتداء النكاح فلا رجوع لمريضة مرضاً مخوفاً ولا لحامل بلغت ستة أشهر لأنها مريضة في الحقيقة ، والمرض مانع من عقد النكاح ( خ ) : وهل يمنع مرض أحدهما المخوف وإن أذن الوارث الخ . وما ذكره الناظم في حامل ستة أشهر هو المعروف في المذهب كما لابن بشير وغيره ، ودرج عليه في المختصر حيث قال في الحجر عاطفاً على المخوف وحامل ستة الخ . وقال السيوري : لزوجها مراجعتها . وقال المازري : وهو الذي نختاره لأن المرجع إلى العوائد والهلاك من الحمل قليل ، ولو دخلت بلداً فسألتهم عن أمهاتهم لوجدتهم أحياء أو موتى بغير نفاس إلا النادر اه . نقله ( ق ) ابن عبد السلام : وما قاله المازري صحيح إن اعتبر في هذا المرض كون الموت عنه غالباً ، وأما إن اعتبر فيه كونه أكثرياً على ما لابن الحاجب وغيره لم يلزم ما قاله المازري اه . ومفهوم قول الناظم : ما سوى الرجعي أن الرجعة من الرجعي ليست كابتداء النكاح وهو كذلك كما قدمه في قوله :
ويملك الرجعة في الرجعي
قبل انقضاء الأمد المرعي
ولا افتقار فيه للصداق الخ .وبالجملة لا يشترط في المرتجع إلا كونه ممن يصح نكاحه في الجملة ولا يشترط فيه انتفاء موانعه من إحرام ومرض ونحوهما ، ولذا قال ( خ ) : يرتجع من ينكح وإن بكإحرام ومرض وعدم إذن سيد الخ . ولا يرد عليه الصبي المميز لأنه وإن كان يصح نكاحه في الجملة ويتوقف على إجازة وليه لكن لا يتصور منه الطلاق الرجعي أصلاً ، إذ شرط الرجعي أن يتقدمه وطء معتبر ووطء الصبي كلاوطء ، وأيضاً لا يطلق على الصبي إلا بعوض كما مر ، وذلك كله يوجب كونه بائناً ولا يرد المجنون أيضاً لأنه إن طلق في حال جنونه فلا يصح طلاقه ولا يلزم كما لا يصح نكاحه أيضاً في تلك الحالة ، وإن طلق في حال إفاقته ثم طرأ جنونه فلوليه أن يرتجع له حيث كان لا ترجى إفاقته في العدة ولفظ من صادق عليه لأن الولي له أن يجبره على ابتداء النكاح كما قال ( خ ) وجبر وصي وحاكم مجنوناً احتاج الخ . فكيف بالجبر على الرجعة وإن كانت ترجى إفاقته في العدة فلا يرتجع إلا إذا أفاق . وبالجملة فالمجنون بالإصالة لا يصح طلاقه كما لا يصح نكاحه وإن طلق عليه وليه بعوض فالطلاق حينئذ بائن لا رجعي ، فهذا المجنون خارج بقول ( خ ) من ينكح ، وأما إن كان طرأ جنونه بعد الطلاق فهو داخل في قوله : من ينكح لأنه إن لم ترج إفاقته فلوليه أن يرتجع له ووليه ممن له إنكاحه ، وإن رجيت إفاقته فلا يرتجع إلا في حالتها وهو ممن فيه أهلية النكاح أيضاً في تلك الحالة وبهذا كله تعلم سقوط اعتراض شراح ( خ ) عليه وما لهم في ذلك من الخبط ، وتعلم أن معنى قوله : من ينكح أي من فيه أهلية صحة النكاح ، وهو العقل خاصة لا البلوغ كما لابن عبد السلام خلافاً لما في ضيح والله أعلم . ثم إن الارتجاع لا يصح إلا بالقول الصريح ولو هزلاً وبقول محتمل مع نية لا بفعل دونها كوطء كما في ( خ ) وقد مر ذلك عند قول الناظم : ويملك الرجعة في الرجعي الخ . وتقدم أنه لا افتقار فيه للصداق ولو قبضته ردته كما نص عليه في المعيار ، ونص عليه أيضاً شراح ( خ ) عند قوله في الرجعة ولا صداق ، وأما عكسها وهو من ملك زوجته أمرها إن لم يقدم من سفره عند رأس السنة فإن انقضت السنة ولم يحضر فقال لها والد الزوج : اتركي صداقك وتزوجي من شئت ففعلت فقال في المعيار أيضاً : إن كانت عالمة بأن لها فراقه بغير شيء لزمها ما فعلته من ترك الصداق وإن ظنت أنها لا تملك الفراق بهذا التمليك ومثلها يجهل ذلك حلفت ولها الرجوع ، ولو مضت السنة ولم تقض بشيء حتى طال ذلك لم يلزم الزوج ما فعله الأب من الفراق إلا أن يرضى اه باختصار .
تنبيه : ذكر في المعيار قبل نوازل الرضاع عن سيدي عيسى بن علال في الوطء بين الفخذين في عدة الطلاق الرجعي غيرنا ، وبه الرجعة ثم تزوجها قبل تمام الاستبراء وبعد انقضاء العدة هل يفرق بينهما أم لا ؟ فقال : التفريق بينهما ينبني على الاختلاف في هذا الوطء هل يلحق به الولد أم لا ؟ فعلى القول بلحوق الولد يفسخ النكاح لأنه ناكح في الاستبراء ، وعلى القول بعدم لحوقه لا يفسخ ويترجح هذا الثاني بقول من قال إن وطء الرجعية رجعة وإن لم ينو به الرجعة اه . والخلاف المشار إليه في لحوق الولد نقله عياض في آخر الاستبراء من التنبيهات ،وانظره أيضاً في مسائل العدد من المازري . وذكر في المعيار أيضاً قبل الإيلاء فيمن وطىء ولم ينو الرجعة أنه يجب على المرأة أمران : عدة واستبراء ، فإن أراد ارتجاعها قبل انقضاء العدة فله ذلك لكونه بالقول والإشهاد فقط لا بالوطء لأنه ممنوع منه حتى ينقضي الاستبراء من فاسد وطئه ، فإن لم يرتجعها في العدة لم يكن له سبيل إلى غير ذلك فيما بقي من حيض الاستبراء اه باختصار .
فإن قلت : ارتجاعه لها في العدة والاستبراء مخالف لقول ( خ ) ولا يطأ الزوج ولا يعقد الخ . قلت : هذا الارتجاع ليس بعقد بدليل عدم الاحتياج إلى رضاها ورضا الولي والصداق والإشهاد مستحب فقط .
وَزَوْجَةُ العَبْدِ إذَا ما عُتِقَتْ
وَاخْتَارَتِ الفِراق مِنْهُ طُلِّقَتْ
( وزوجة العبد ) مبتدأ ومضاف إليه ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط ( ما ) زائدة ( عتقت ) بفتح العين والتاء وفاعله ضمير الزوجة ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ( واختارت الفراق ) فعل وفاعل ومفعول ( منه ) يتعلق بالفراق ، والجملة معطوفة على جملة عتقت أو حال من فاعل عتقت ( طلقت ) بفتح الطاء واللام ، ومفعوله محذوف أي نفسها . والجملة جواب إذا وهي وجوابها خبر المبتدأ .
بما تَشَاؤُهُ وَمَهْما عَتَقَا
فَمَا لَهُ مِن ارْتِجاعٍ مُطْلَقَا
( بما ) يتعلق بطلقت ( تشاؤه ) صلته ( ومهما عتقا ) جملة شرطية وألفه للإطلاق ( فما ) نافية ( له ) خبر مقدم ( من ارتجاع ) مبتدأ جر بمن الزائدة ( مطلقاً ) حال والجملة جواب الشرط ، ولذا دخلت الفاء عليها وجوباً لأنها لا تصلح أن تكون شرطاً ، ومعنى البيتين أن زوجة العبد ولو بشائبة رق إذا عتقت عتقاً ناجزاً فلها الخيار في البقاء والفراق ، ويحال بينه وبينها حتى تختار فإن اختارت البقاء معه فلا إشكال وإن اختارت الطلاق وقالت : طلقت نفسي فيلزمه واحدة بائنة إلا أن تنوي أكثر فيلزمه اثنان إذ هما منتهى طلاق العبيد ، وهو معنى قوله : بما تشاؤه إذا عتق هو بعد أن طلقت نفسها فلا رجعة له جبراً عليها مطلقاً عتق في العدة أو بعدها طلقت نفسها واحدة أو اثنتين نعم له مراجعتها برضاها بالشروط المتقدمة ، ولا بد من دخول زوج بها فيما إذا كانت طلقت نفسها أكثر من واحدة على ظاهر النظم و ( خ ) وهذا إذا اختارت قبل أن يعتق العبد وإلا فلا خيار لها كما أشار له ( خ ) بقوله : أو عتق قبل الاختيار ، وكذا يسقط خيارها إن قبض السيد الصداق وأعتقها قبل البناء ، والحال أنه الآن عديم لأن خيارها يبطل عتقها ، إذ ليس للسيدغيرها فلو اختارت نفسها لوجب للزوج الرجوع بالصداق على السيد ، والفرض أنه عديم فيؤدي لبيعها لأن الدين الذي هو الصداق سابق على عتقها ، فلذا ارتكب أخف الضررين فينفذ العتق وتبقى حرة تحت عبد وهذا معنى قول ( خ ) أيضاً ، وسقط صداقها والفراق إن قبضه السيد وكان عديماً الخ . وظاهر النظم أن لها الخيار في الطلاق والبقاء رشيدة أو سفيهة أو صغيرة وهو كذلك في الرشيدة ، وكذا السفيهة إن بادرت لاختيارها نفسها فإن لم تبادر أو كانت صغيرة فإن الحاكم ينظر لهما في الأصلح قاله ( ز ) ويفهم منه أن الصغيرة إذا بادرت للطلاق لا يلزمه طلاق ، بل حتى ينظر الحاكم فيأمرها به إذا رآه نظراً ، وبالجملة فالصغيرة لا يلزم طلاق باختيارها بادرت له قبل الرفع للحاكم أم لا ، وكذا السفيهة إن لم تبادر بل تأخر أمرها حتى رفعت للحاكم فاختارت حينئذ الفراق ، ورأى هو البقاء لكونه نظراً لها فإن اختار كل من الصغيرة والسفيهة البقاء قبل الرفع لم يلزمها ذلك على قول ابن القاسم إذا لم يكن ذلك نظراً . وقوله بما تشاؤه هذا هو القول المرجوع إليه ، وعليه درج ( خ ) حيث قال : ولمن كمل عتقها فراق العبد فقط بطلقة بائنة أو اثنتين الخ . فأوفى كلامه للتخيير كما لمصطفى ، وكان مالك يقول أولاً لا تختار إلا واحدة وعليه أكثر الرواة . ابن عرفة : وظاهر نقل اللخمي وغير واحد أن اختلاف قول مالك فيما زاد على الواحدة إنما هو بعد الوقوع أي : وأما قبل الوقوع فإنما تؤمر بواحدة من غير خلاف . ابن عرفة : وهو الصواب وهذا التصويب يعكر على إطلاق قول الناظم بما تشاؤه كما يعكر عليه جعل أو في كلام ( خ ) للتخيير وعلى المرجوع عنه يمضي الزائد وهو ما صوبه اللخمي .
تنبيه : إذا مكنته من نفسها عالمة بالعتق سقط خيارها ، ولو جهلت الحكم على المشهور . وقال ابن القصار : ونحوه لمالك في المختصر أنه لا يسقط خيارها حيث مكنته جاهلة بأن لها الخيار بعتقها . قال في ضيح : والأقرب أنه تقييد .
فصل في الفسخأي : فسخ النكاح الفاسد هل يعد طلاقاً أم لا ؟ وهل يرث أحد الزوجين الآخر إذا مات قبل الفسخ أم لا ؟ وهل تلزم فيه العدة أم لا ؟ والأنسب إدراج هذا الفصل في فصل حكم فاسد النكاح كما تقدم ذلك هناك .
وَفَسْخُ فاسِدٍ بِلا وِفَاقِ
بِطَلْقَةٍ تُعَدُّ في الطَّلاَقِ
( وفسخ فاسد ) مبتدأ ومضاف إليه ( بلا وفاق ) في موضع الصفة لفاسد ( بطلقة ) خبر ( تعد في الطلاق ) صفة لطلقة .وَمَنْ يَمُتْ قَبْلَ وُقُوعِ الفَسْخِ
في ذا فما لإرْثِهِ مِنْ نَسْخِ ( ومن ) اسم شرط مبتدأ ( يمت ) فعله ( قبل ) يتعلق بفعل الشرط ( وقوع الفسخ ) مضاف إليهما ( في ذا ) يتعلق بوقوع والإشارة للفاسد بلا وفاق ( فما ) نافية ( لإرثه ) خبر مقدم . ( من نسخ ) اسم جر بمن الزائدة ، والجملة جواب الشرط ، ولذا دخلت الفاء عليها والشرط وجوابه خبر المبتدأ والمعنى : أن النكاح المختلف فيه اختلافاً قوياً ولو خارج المذهب كإنكاح المحرم والعبد والمرأة ووجه الشغار ونكاح المريض والخيار ، فإنه يفسخ بطلاق مراعاة لمن يقول بصحته والخلع إن وقع فيه قبل الفسخ نافذ ومن مات من الزوجين قبل وقوع هذا الفسخ فإن الحي يرثه إلا نكاح المريض والخيار فإنه لا إرث فيهما ولو مات الصحيح منهما في مسألة المريض فلو زاد الناظم إثر البيت الثاني ما نصه :
إلا نكاحاً ذا خيار أو مرض
هب أنه موت الصحيح قد عرض
تنبيه : تقدم أن وجه الشغار من المختلف فيه وإن كان يثبت بعده بصداق المثل ، فهو من الفاسد لصداقه ، ومنه أيضاً من طلق زوجته طلاقاً بائناً بعد أن دفع لها المعجل والمؤجل ، ثم قال لها : لا أراجعك حتى تردي عليَّ ما أخذت مني وتردي الصداق المؤجل على ما كان عليه ، فإنه فاسد لأنه نكاح وسلف ، وكذا لو زادها ربع دينار على ذلك ، وكذا لو كان على أن ترد له جميع ما أعطاها ويعطيها هو مثل ذلك وزيادة ربع دينار لأنه بيع ذهب بذهب وعصمة كما في البرزلي وغيره .
وَفسْخُ ما الفَسادُ فيه مُجْمَعُ
عليه مِنْ غير طَلاَقٍ يَقَعُ ( وفسخ ) مبتدأ ( ما ) مضاف إليه واقعة على النكاح ( الفساد ) مبتدأ ( فيه ) يتعلق به ( مجمع ) خبر عن الفساد ( عليه ) نائب الفاعل بمجمع لأنه اسم مفعول ، والجملة صلة ( ما ) والرابط الضمير المجرور بفي ( من غير طلاق ) يتعلق بقوله ( يقع ) والجملة من يقع وفاعله ومتعلقه خبر فسخ ، والتقدير وفسخ النكاح الذي فساده أجمع عليه يقع من غير طلاق لأن هذا النكاح كالعدم ، ولذا لو عقد شخص عليها قبل الفسخ صح نكاحه وإن وقع الخلع فيه لم ينفذ ،وذلك كنكاح الخامسة ومحرمة بصهر أو رضاع ونكاح المتعة وهو النكاح لأجل ونكاح المعتدة والنكاح على حرية ولد الأمة ونحو ذلك . ومن خالف في بعض هذه الأفراد من العلماء كالظاهرية في الخامسة ، ونكاح المتعة عند بعضهم لا يعتد بخلافه لضعف مدركه فلا يقدح في كونه مجمعاً عليه ، وإذا مات أحد الزوجين في هذا القسم فلا إرث فيه للحي ، وإلى هذا القسم والذي قبله أشار ( خ ) بقوله : وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغار والتحريم بعقده ووطئه وفيه الإرث إلا نكاح المريض لا إن اتفق على فساده فلا طلاق ولا إرث كخامسة وحرم وطؤه فقط الخ .
وتَلْزَمُ العِدَّةُ باتِّفَاقِ
لِمُبْتَنَى بِهَا عَلَى الإِطْلاَقِ
( وتلزم العدة ) فاعل تلزم ( باتفاق ) يتعلق بتلزم وكذا ( لمبتنى ) و ( بها ) يتعلق بمبتنى ( على الإطلاق ) يتعلق بتلزم أو بمحذوف حال ، والمعنى أن النكاح الفاسد إذا وقع فيه دخول أو خلوة يمكن فيها الوطء ثم فسخ ، فإن العدة تلزم فيه مطلقاً كان مختلفاً فيه أو مجمعاً عليه . قال في المقرب : ولو تصادقا على نفي الوطء لحق الله ولا صداق لها لأنها لم تدعه اه . ووجه لزوم العدة في المختلف فيه ظاهر لأنه جار مجرى الصحيح في العدة وغيرها كما مرّ ، وأما المجمع عليه فاللازم فيه الاستبراء بثلاث حيض ، فإطلاق الناظم عليه عدة إنما هو من باب التغليب ، وما وقع في المقرب والمدونة من إطلاق العدة عليه أيضاً فإنما ذلك على وجه المجاز سهله أن استبراء الحرة كعدتها ومفهوم لمبتنى بها فيه تفصيل لأنه إذا مات عنها قبل البناء فلا عدة ولا استبراء في المجمع عليه وعليها عدة الوفاة في المختلف فيه ، فإن مات عنها بعد البناء أو الخلوة وقبل الفسخ ففي المجمع عليه الاستبراء بثلاث حيض ولا عدة وفاة عليها ولا إحداد ، وفي المختلف فيه عدة وفاة .
باب النفقات وما يتعلق بها
من كسوة وإسكان ووجوب وإسقاط واختلاف ورجوع بها إذا أنفش حملها أو طلقها إثر دفعها لها ، وعرفها ابن عرفة بقوله : النفقة ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف اه . فخرج بما به قوام معتاد غير الآدمي ، وما ليس معتاداً في حال الآدمي وما هو سرف فلا يسمى شيء من ذلك نفقة شرعاً ، وهذا الحد شامل للكسوة والطعام والسكنى ، ولا إشكال . فمهما وجبت النفقة بالإصالة كنفقة الزوجة والرقيق والأولاد والآباء وعامل القراض إذا كثر المال وبعد السفر وجبت الكسوة ، وكذا إن تطوع بها على الربيب مثلاً حيث قال : لا نية لي أو تعذر سؤاله لغيبة ونحوها ، فإن قال : نويت الطعام فقط قبل قوله عند ابن سهل ولم يقبل عند ابن زرب وهو المعتمد قاله ( ز ) . وانظر أوائل الالتزامات فإنه يظهر منها ترجيح ما لابن سهل ، وقدمنا حاصل كلامه عند قول الناظم : وما امرؤ لزوجة يلتزم الخ . وفي البرزلي : أن ابن رشد سئل عن المسألة فأجاب بأن الكسوة غير داخلة بعد حلفه في مقطع الحق أنه إنما أراد الطعام دون الكسوة لأن النفقة وإن كانت من ألفاظ العموم فإنها تعرفت عند أكثر الناس في الطعام دون الكسوة . البرزلي : فيكون من باب تخصيص العموم بالعرف ، وفيه خلاف بين الأصوليين اه .
قلت : والذي جرت عليه الأحكام أنه يخصص العام ويعين المبهم ويقيد المطلق كما في المعيار واللامية وغيرهما ، فيكون ما لابن سهل وابن رشد أرجح ، ولذا قال ابن ناجي في شرح المدونة من كتاب الشركة : القول بعدم لزوم الكسوة هو الذي عليه الأكثر وبه الفتوى ونظمه في العمل المطلق فقال :
إن امرؤ نفقة الغير التزم
فاللبس غير داخل في الملتزم
وَيجِبُ الإنْفَاقُ لِلزَّوْجَاتِ
في كُلِّ حَالَةٍ مِنَ الحَالاَتِ
( ويجب الإنفاق للزوجات في كل حالة ) يتعلق بيجب ( من الحالات ) صفة لقوله حالة ، والمعنى أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها بقدر وسعه وحالها غنية كانت أو فقيرة حرة أو أمةبوئت أم لا ؟ ومحل وجوبها إذا دخل أو دعي إلى الدخول وليس أحدهما مشرفاً ، وكان الزوج بالغاً وهي مطيقة كما أفاد ذلك كله ( خ ) بقوله : يجب لممكنة مطيقة للوطء على البالغ وليس أحدهما مشرفاً قوت وأدام وكسوة بقدر وسعه وحالها الخ . فهذه الشروط عامة في المدخول بها وغيرها كما قرر به شراح ( ح ) وهو الذي للقاني في حواشي ضيح ، وهو الذي ينبغي اعتماده لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع كما في ابن سلمون وغيره ، وإن كان ( ح ) استظهر ما في ضيح وابن عبد السلام من اختصاصها بغير المدخول بها ، وأما إن دخل فتجب من غير شرط ، ثم إن الناظم لو زاد بيتاً فقال مثلاً :
إن مكثت والزوج بالغ وهي
مطيقة وليس مشرفاً كهي
لوفى بالمراد وقوله : كهي آخر البيت تشبيه بما قبله أي يشترط فيها عدم الإشراف كما اشترط ذلك فيه .
فرع : على المرأة الخدمة الباطنة كعجن وكنس وفرش واستقاء الماء والحطب إن كانت عادة البلد كما في البرزلي عن الشبيبي قائلاً : لأن نساء البوادي دخلن على ذلك اه .
والفَقْرُ شَرْطُ الأبَوَيْنِ والولَدْ
عَدَمُ مالٍ واتِّصالٌ للأمَدْ
( والفقر شرط الأبوين ) مبتدأ وخبر يعني أن الشرط وجوب نفقة الأبوين على أولادهما الفقر ، فلا يحكم بها إلا بعد إقرار الأولاد المالكين أمرهم به أو بعد ثبوته ببينة ( خ ) وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين المعسرين وأثبتا العدم لا بيمين الخ . أي لأنها عقوق . وإذا حكم بها عليهم فإنها توزع عليهم ذكوراً كانوا أو إناثاً صغاراً أو كباراً على قدر يسارهم على الراجح لا على الرؤوس ولا على قدر الإرث ولا مقال لأزواج البنات المتزوجات وإذا حكم لهما بها على الأولاد بالشرط المذكور فأنفق عليهما أجنبي أو أحد الأولاد بعد الحكم ، فللمنفق المذكور الرجوع على من حكم عليه بها لأنه قام عنه بواجب حيث لم يكن متبرعاً بخلاف ما إذا أنفق عليهما قبل الحكم بها فلا رجوع كما لابن رشد وغيره . وأشار له ( خ ) بقوله وتسقط عن الموسر بمضي الزمان إلا لقضية أو بنفق غير متبرع الخ ، إلا أن ( أو ) في كلامه بمعنى ( الواو ) .
تنبيه : إذا لم يكن للأبوين إلا دار السكنى وطلبا الولد بالنفقة فإنه يقضى لهما بها قاله في الكراس السابع من أنكحة المعيار ، وهذا إن لم يكن في الدار فضل عما يليق بسكناهما وإلا لم يقض بالنفقة عليهما إلا بعد نفوذ ذلك الفضل ، انظر البرزلي في النفقة فيما إذا كان للصغير دار وهو في كفالة أبيه .
( والولد ) مبتدأ ( عدم مال ) خبره أي وشرط وجوب نفقة الولد الحر على أبيه الحر عدم المالأصلاً وعدم وجود صنعة تكفيه ، فإن كانت لا تكفيه أعطي تمام الكفاية . اللخمي : وإذا كسدت الصنعة عادت على الأب ثم إن الأب إذا واجر ولده فإنه ينفق عليه من أجرته وما فضل منها دفعه له الأب مخافة أن يعوقه على الخدمة عائق من مرض أو كساد ، ولا يأكل الأب منه شيئاً وإن كان فقيراً قاله ابن فرحون في الألغاز عن الجزيري ، ثم إن علم أن الولد والزوجة يفرض لهما في مال الغائب المليء وإن لم يكن له مال حاضر ويحسبان ذلك عليه من يوم الفرض وإذا تداينا عليه لزمه أداؤه إن قدم ويرجع عليه المنفق عليهما حيث لم يتبرع أنفق قبل الفرض أو بعده بخلاف الأبوين كما مرّ فإن علم عسره أو جهل حاله لم يفرض لهما إلا أن للزوجة أن تطلق نفسها بعدم النفقة إذا لم تصبر في الصورتين ، فإن صبرت وقدم موسراً في الصورة الثانية فرض لها عليه نفقة مثلها من مثله ، وأما الأبوان فلا يفرض لهما في مال الغائب ، وإن علم يسره إذا لم يكن له مال حاضر ، ولا يتداينان عليه وإن فعلا لم يلزمه من ذلك شيء فإن كان له مال حاضر غير أصل فيفرض لهما فيه ، ويباع لهما في النفقة . وأما أصوله فلا تباع على الراجح من أحد قولين : إلا أن يغيب بعد الفرض عليه فتباع حينئذ كما في ( ح ) عن ابن رشد بخلاف الزوجة والأولاد فإنها تباع أصول الغائب وغيرها في النفقة عليهما كما في ابن سلمون وغيره ، وهذا ما لم تكن الأصول دار السكنى وإلا بيعت للزوجة دون الأولاد لأن نفقتها أقوى إذ هي عليه غنية كانت أو فقيرة في مقابلة الاستمتاع ، وإذا لم تبع للأولاد فنفقتهم على المسلمين أو بيت المال ، وانظر لو أنفق أجنبي مع علمه بالدار فىظهر من هذا أنه لا رجوع له على الأب لأنه فقير حكماً لم يقم عليه الأجنبي بشيء يجب عليه وسيأتي عند قوله : وحكم ما على بنيه أنفقت الخ . أنهما يفترقان في شيء آخر ، هذا تحصيل هذه المسائل فتنبه لاختلافها .
فرع : إذا قضى القاضي على الابن بنفقة الأبوين ، ثم باع الولد بعد ذلك ربعه أو تصدق به ففي مسائل ابن الحاج : إن فعله يرد . البرزلي : أما رد الصدقة فبين وأما رد بيعه ففيه نظر إلا أن يكون قد قصد به إسقاط النفقة فيعامل بنقيض قصده قال : وكثيراً ما يقع في زماننا عكسها ، وهي أن الأب يفوت ربعه بالبيع أو الهبة لبعض الأولاد أو لأجانب فعلوا معه خيراً أو يريد إغاظة ولده بذلك ، فالصواب أن لا يمضي إذا قصد ذلك ، وإن لم يقصد ذلك ففيه نظر ، هل يجب على ابنه نفقته أو لا ؟ كما تقدم في عكسها .
( واتصال ) فاعل بفعل محذوف أي ويجب اتصال نفقة الأب على أولاده الذين لا مال لهم ( للأمد ) الذي ويسقطها ثم بينه بقوله .
ففي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ
وفي الإنَاثِ بالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ
( ففي الذكور للبلوغ ) يتعلقان بقوله ( يتصل ) : ( خ ) ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلاً قادراً على الكسب أي إلا لمعرة عليه أو على وليه أو عليهما بالتكسب فلا تسقط كما لا تسقط إذا بلغمجنوناً أو عاجزاً عن الكسب ( وفي الإناث بالدخول ) يتعلقان بقوله : ( ينفصل ) الإنفاق أي : ينقطع ومثل الدخول الدعاء له كما مرّ ، ولو دخلت أو دعيت له قبل البلوغ فإن تأيمت قبله أيضاً رجعت نفقتها عليه كما لو طرأ لها مال قبل البلوغ ، ثم ذهب قبله أيضاً أو بلغت زمنة وطرأ لها المال ثم ذهب ، فإنها تعود . ومفهوم بالدخول أنها إذا لم تدخل لم تسقط ولو رشدها وهو كذلك ، ومفهوم قوله : تأيمت قبله الخ أنها لو تأيمت بعده أو ذهب المال بعده أو بعد زوال الزمانة لم تعد ( خ ) : لا أن عادت بالغة أو تزوجت زمنة ثم صحت وتأيمت بالغة وعادت الزمانة فلا تعود ، وقولي : الولد الحر إلخ . احترازاً من الولد العبد والأب العبد ، فإن نفقة الأولاد العبيد على سيدهم ونفقة الأحرار أولاد العبيد في بيت المال ، وتقدم في قول الناظم :
وليس لازماً له أن ينفقا
على بنيه أعبداً أو عتقا
تنبيه : قال اللخمي في كتاب المديان : إن المفلس الصانع يداين ليعمل ويقضي من عمله ثم عطل أجبر على العمل فإن ولد استؤجر في صناعته تلك . قال ابن عرفة : فيلزم مثله في الزوج في النفقة إذا ترك صنعته ، وأما نفقة الأولاد فلا خلاف أنه لا يجبر على الصنعة اه . ونقله البرزلي في النكاح .
والحُكْمُ فِي الْكِسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَهْ
ومُؤَنُ العَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَه
( والحكم في ) وجوب ( الكسوة ) وسقوطها ( حكم النفقة ) فمهما وجبت النفقة على أحد ممن تقدم وجبت الكسوة ، ومهما سقطت النفقة سقطت الكسوة إلا في مسألة الالتزام المتقدمة .
فرع : قال ابن عرفة في الشهادات عند النكاح على ترجيح البينات ما نصه : وإن طلبته بالكسوة فقال لها : الثوب الذي عليك لي ، وقالت : بل هو لي ففي كون القول قولها أو قوله نقل في الطرر عن الاستغناء فتوى ابن دحون وابن الفخار حكاهما أبو القاسم اليونباني ، واختار الأول وهما مبنيان على اعتبار كونها في حوز الزوج أو حوزها في نفسها اه . وراجع ما مر في الاختلاف في متاع البيت وفي التداعي في الطلاق . ( ومؤن العبد ) مبتدأ ومضاف إليه واسم ( تكون ) عائد على المؤن وخبرها محذوف أي على السيد ( مطلقة ) حال من اسم تكون ، والمعنى أن مؤن العبد وكذا الأمة من نفقة وكسوة تكون على سيدهما مطلقة غير مقيدة بفقر العبد والأمة ولا بغنى السيد ، ويلزمه تكفينهما إن ماتا فإن امتنع من الإنفاق عليهما بيعا عليه كتكليفهما من العمل ما لا يطيقان ( خ ) : إنما تجب نفقة رقيقه ودابته إن لم يكن مرعى وإلاَّ بيع كتكليفه منالعمل ما لا يطيق الخ . وأما زوجة العبد فنفقتها عليه كما مرّ لا على سيده وينفق عليها من غير خراجه وكسبه ، والمراد بالخراج ما نشأ لا عن مال بل عن كإيجار نفسه ، والمراد بالكسب ما نشأ عن مال اتجر به فهما لسيده ونفقته عليهما من غيرهما من هبة أو وصية ونحوهما إلا لعرف فإنها في الخراج والكسب ، فتكون فيهما فإن عجز طلقت عليه انظر تحقيقه في فصل المراجعة .
وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغيرٍ مُطْلَقا
لَهُ الرُّجُوعُ بالَّذِي قَدْ أنْفَقَا
( ومنفق ) مبتدأ ( على صغير ) يتعلق به ( مطلقا ) حال من صغير أي كان له أب أم لا ( له الرجوع ) مبتدأ وخبره ، والجملة خبر المبتدأ والرابط الضمير المجرور باللام ( بالذي ) يتعلق بالرجوع ( قد أنفقا ) صلة الذي ، والرابط محذوف وألفه للإطلاق .
عَلَى أبٍ أَوْ مَالِ الابْنِ وأُبي
إلاَّ بعلْمِ المَالِ أَوْ يُسْرِ الأَبِ
( على أب ) يتعلق بالرجوع ( أو مال الابن ) معطوف على أب ( وأبي ) بضم الهمزة مبنياً للمفعول ونائب فاعله ضمير الرجوع ( إلا ) حرف استثناء ( بعلم المال ) يتعلق بالرجوع المقدر قبل إلا أي منع رجوع المنفق في كل حال إلا في حال علم المال ( أو يسر الأب ) والجملة من أبي ونائبه ومتعلقه استئنافية والمعنى أن من أنفق على صغير كان له أب أم لا . فإنه يرجع بما أنفق في مال الأب أو الصبي إن كان لهما مال وعلمه المنفق ، ويقدم مال الصبي على مال الأب حيث كان لكل منهما مال علمه المنفق ، فذكر الناظم للرجوع شرطين : أحدهما وجود المال للابن أو للأب ، والثاني علم المنفق به وهما مفهومان من قوله : إلا بعلم المال أو يسر الأب . إذ العلم بالمال فرع وجوده وظاهره أنه لا بد من علم يسر الأب ، فالعلم بالأب دون العلم بيسره لا يكفي وهو كذلك كما لابن رشد خلافاً ل ( ز ) فإن لم يكن لهما مال أصلاً وقت الإنفاق أو كان وتلف فلا تتبع ذمتهما فيما استفاداه بعد ولو شرط المنفق عند الإنفاق أن يرجع في المستفاد لميعمل بشرطه خلافاً لأشهب كما في ( ح ) وكذا إن كان لهما مال ولم يعلم به المنفق فلا رجوع أيضاً .
وبقي للرجوع شرط ثالث وهو أن ينوي المنفق الرجوع بنفقته وهو شرط لا بد منه على المعتمد كان المنفق وصياً أو أجنبياً كما اقتصر عليه ( خ ) في باب النفقة حيث قال : وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف أنه أنفق ليرجع الخ ، وقيل لا يشترط هذا الشرط بل كذلك يرجع إذا لم ينو رجوعاً ولا عدمه وعليه عول ( خ ) في اللقطة حيث قال : والقول له إنه لم ينفق حسبة اه . ونقله ( ق ) أيضاً عن المدونة في باب النفقة . ولعل الناظم عول على هذا القول ، فلذا لم يشترط نية الرجوع وشرط رابع وهو أن تكون النفقة غير سرف بالنسبة للصغير ، وإلا لم يرجع بالسرف ، ولعل الناظم اتكل في ترك هذا الشرط على القواعد لأن كل من تصرف لغيره فإنما يلزم من تصرفه ما فيه مصلحة ولا مصلحة في السرف حتى يرجع به ، وشرط خامس بالنسبة للوصي والأب ومن هو بمنزلتهما وهو أن يكون مال الصبي غير عين ، فإذا أنفق الوصي أو الأب ونحوه ، وتحت يديهما للمحجور عين فليس لهما رجوع عليه ويحملان على التطوع ، لأن اليتيم غير محتاج لسلفهما ، وأما غير الوصي والأب ومن تنزل منزلتهما من كافل أو حاضن فيرجع ، وإن كان مال اليتيم عيناً لأنه ليس بيده وأما الشرط السادس وهو حلفه أنه أنفق ليرجع فسيأتي في قوله : ومع يمين يستحق ماله . وهذا في غير الوصي ، وأما هو فلا يمين عليه كما يأتي للناظم . ومفهوم على صغير أن من أنفق على بالغ له الرجوع ، وإن كان فقيراً وقت الإنفاق وهو كذلك كما في المعيار وغيره ، ثم إذا توفرت الشروط وجب الرجوع سواء كان الصغير ربيباً للمنفق أم لا . وهنا مسألتان . إحداهما : قال في الطرر : لو تزوجت امرأة وتطوع زوجها بنفقة ابنها ثم تريد هي الرجوع بها على ابنها في حياته أو بعد وفاته ، وكان له مال وقت الإنفاق فإنه لا رجوع لها عليه لأنه معروف من الزوج وصلة للربيب والأم لم تترك من حقها شيئاً ، وذكر بعض أصحابنا أنها وقعت في مجلس الشيوخ فأجمعوا على هذا ، وفي مجلس آخر قالوا : سواء كان تطوعاً أو شرطاً في أصل عقد النكاح إذا كان لأجل معلوم . هكذا نقله البرزلي ونحوه في ابن سلمون وابن عرفة . وزاد : فإن مات المتطوع سقط الرجوع ، وإن كان لمدة وبقي من المدة شيء لأنها هبة لم تقبض اه . ونقله ( ح ) في أول التزاماته وقال عقبه : وأما إذا كان تطوعاً فظاهر لأن الهبة تبطل بموت الواهب قبل قبضها ، وأما إذا كان شرطاً في العقد وأجزناه إذا كان لمدة معلومة كما رجحه ابن رشد ، فينبغي أن لا تسقط وأن تحل بموت الزوج أي : ويوقف من تركته مقدار ما يفي بنفقته في بقية المدة كما تقدم .
قلت : وينبغي أيضاً أن ترجع الزوجة على ابنها في مسألة الشرط لأنها تركت من صداقها للشرط المذكور فهي قد تركت من حقها لأجله فتأمله والله أعلم . ولذا حذف الشيخ ( م ) والشارح مسألة الشرط فلم ينقلوها قال ( م ) : وقد كنت لفقت بيتاً فقلت :ومن بإنفاق الربيب طاع لا
رجوع للأم على ابن فاقبلا
ثانيتهما : قال البرزلي إثر نقله مسألة الطرر المتقدمة ما نصه : وقعت مسألة وهي امرأة لها ولد تأخذ عليه النفقة من أبيه فتزوجت رجلاً واشترطت عليه نفقة الولد أجلاً معلوماً أو تطوع بها بعد العقد مدة الزوجية ، وأرادت الرجوع بذلك على أبي الولد ، فوقعت الفتيا بأن ذلك إن كان مكتوباً من حقوقها فيجب لها الرجوع متى شاءت وإسقاطه لزوجها فهي ترجع بنفقته على أبيه ، وإن كان ذلك للولد فلا رجوع لها على أبيه بشيء وهو جار على الأصول ، وكأنه شيء وهب له فينفقه على نفسه لا على ابنه ، والأول مال وهب لأمه ، فإذا أنفقته على ولدها رجعت به على أبيه اه . وتقدم هذا في أول الخلع .
تنبيه : قد تقدم أن من تطوع بنفقة ربيبه مدة الزوجية فإنما يلزمه الإنفاق عليه ما دام صغيراً لا يقدر على الكسب أي : وما لم يطرأ له مال لم يكن له وقت التطوع وإلاَّ لم يلزمه كما في خلع المعيار .
تنبيه آخر : لهذه المسألة في الرجوع نظائر من ذلك من أدى عن رجل ديناً عليه بغير أمره ، فله أن يرجع عليه كما مر في قول الناظم : إذ قد يؤدي دين من لا أذنا . وكذلك من فدى حراً من أيدي العدو ، كما نص عليه ( خ ) في الحرابة وكذلك من كفن ميتاً فله أن يرجع في تركته ، وليس لورثته منعه ، وكذلك من فدى متاعاً من أيدي اللصوص فله حبسه حتى يأخذ ما فداه به كما قاله أبو الحسن ، ونص عليه ( خ ) في الجهاد . قال أبو الحسن : وانظر من أدى عن إنسان ما لم يلزمه لظالم حبسه فيه ، فالمشهور أنه لا يلزمه . وقال ابن كنانة : يلزمه وذلك قربة لمن فعله اه .
ويَرْجِعُ الوَصِيُّ مُطْلَقاً بِمَا
يُنْفِقُهُ وَمَا اليَمِينُ أُلزِمَا
( ويرجع الوصي ) جملة استئنافية ( مطلقاً ) حال ( بما أنفقه ) يتعلق بيرجع ( وما ) نافية ( اليمين )مفعول ثان ب ( أُلزما ) المبني للنائب ومفعوله الأول ضمير الوصي ، والمعنى أن الوصي يرجع بالنفقة مطلقا اشهد أم لا . كان الوصي وصي أب أو قاض كان اليتيم في كفالته أم لا ؟ بدليل قوله : وغير موص يثبت الكفالة . إذ مفهومه أن الوصي لا يثبتها وهو تابع في عدم اليمين وعدم إثبات الكفالة ، أو الإنفاق لابن سلمون لأنه قال ما حاصله : وإن كان المنفق وصياً فله الرجوع دون يمين تلزمه ، ولا إثبات للإنفاق أي ولا لكونهم في حضانته وكفالته ، وإن كان غير وصي فلا بد من إثبات حضانته وكفالته ويمينه بعد ذلك ، ولا يحتاج إلى أن يشهد اه . وهو خلاف المعتمد من أنه لا بد من يمينه بعد أن يثبت الإنفاق عليهم أو كونهم في حجره إلا ما استحسنه . اللخمي : من أن الأم إذا كانت فقيرة محتاجة ويظهر على الولد أثر النعمة والخير أن الوصي يصدق ، وإن لم يكونوا في حجره قال في المدونة : ويصدق في الإنفاق عليهم إن كانوا في حجره ولم يأت بسرف ، وظاهرها في زكاة الفطر أنه لا يشترط كونهم في حجره ، والمذهب اشتراطه كما مرّ ، وما تقدم من وجوب يمينه هو المعتمد ، واختلف إذا أراد أن يحسب أقل ما يمكن فإن كان الإنفاق من مال الوصي كما هو موضوع النظم فله ذلك ، ولا إشكال وإنما يحلف أنه أنفق ليرجع وإن كان الإنفاق من مال الصبي واختلفا في قدره فالقول للوصي مع يمينه ، فإن قال : احسب أقل ما يمكن واسقط الزائد فقال أبو عمران : لا يمين ، وقال عياض : لا بد منها ، فلو قال الناظم إثر قوله : أو يسر الأب ما نصه :
وكونه عيناً وليس في يده
أو عرضاً مطلقاً بقصد أوبته
ومع يمين يستحق ماله
إن أثبت الإنفاق والكفالة
والواو في قوله : والكفالة بمعنى ( أو ) وبالجملة فلا فرق بين الوصي وغيره المشار له بقوله :
وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الكَفَالَهُ
وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ
من أنه لا بد من إثبات كونهم معه على مائدة واحدة أو إثبات الإنفاق عليهم ويحلف بعد ذلك أنه أنفق ليرجع فيشهد الشهود أنه كان يدفع النفقة إلى حاضنتهم فلانة كذا وكذا ديناراً وقمحاً وشعيراً وسمناً مثلاً في كل شهر مدة من كذا عاماً بمحضرهم ومعاينتهم أو بإقرارالحاضنة لديهم ، أو يشهدون أنهم يعرفون الصبي فلاناً يتيماً في حضانة قريبه فلان مثلاً منذ كذا وكذا عاماً ، وفي كفالته وعلى مائدته لا يعلمونه انتقل عن ذلك حتى الآن أو بطول المدة المذكورة ، ولا يقولون ينفق عليه من ماله الخاص به كما يفعله عوام العدول عندنا اليوم ، فإن قالوه بطلت شهادتهم لأنه محض زور إذ من أين لهم أنها من ماله الخاص به ، ثم إذا ثبت أحد الرسمين يقول : بالله الذي لا إله إلا هو لقد أجريت النفقة والكسوة على الصبي المذكور طول المدة المذكورة من مالي الخاص بي لا رجع بذلك ، وأحاسب الصبي المذكور وما قبضت منها شيئاً قليلاً ولا كثيراً ، ولا وهبت ولا أسقطت ولا أحلت ولا استحلت ولا أخذت كفيلاً ولا حميلاً ولا رهناً ولا عوضاً ولا خرجت عن ذلك ، ولا عن شيء منه بوجه حتى الآن ، ثم تكتب له هذه اليمين في ظهر رسم الإنفاق على هذه الكيفية كما في ابن سلمون وسيأتي في الوصية :
وإن أب من ماله قد أنفقا
على ابنه في حجره ترفقا
الخ .
فالكلام هنا عام في الأب وغيره إلا في اليمين فلا يحلفها الأب وما يأتي خاص بالأب وورثته ، وهذا إذا كانت عادة الآباء الرجوع بالنفقة على أولادهم ، فقد سئل السيوري عن الرجوع بالنفقة على الابن ؟ فأجاب : يسألون عن عادة بلدهم في النفقة على أولادهم ، فإن كان شأنهم الرجوع فالحكم على ذلك ، وإن كانت عادة أمثالهم غالباً عدم الرجوع فالحكم على ذلك ، وإن كان يختلف وهو مساوٍ أو متقارب فيرجع بعد يمين من يرث الطالب أنهم لا يعلمون أنه أنفق لا ليرجع إن كانوا ممن يشبه أن يعلموا اه . وهو واضح لأن العرف كالشاهد الواحد أو الشاهدين ، فعلى أنه كالشاهدين لا يحلف إن كانت عادتهم الرجوع .
فصل في التداعي في النفقةومَنْ يَغِبْ عَنْ زَوْجَةٍ ولَمْ يَدَعْ
نَفَقَةً لهَا وَبَعْدَ أَنْ رَجَعْ
( ومن ) اسم شرط مبتدأ ( يغب ) فعل الشرط ( عن زوجة ) يتعلق به ( ولم يدع ) معطوف على يغب ( نفقة ) مفعول ( لها ) يتعلق بنفقة أو بيدع ( وبعد أن رجع ) يتعلق بقوله :
نَاكَرَهَا فِي قَوْلِهَا لِلْحِينِ
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع الْيَمِينِ
( ناكرها في قولها في الحين ) متعلقان بناكرها أيضاً ( فالقول ) مبتدأ ( قوله ) خبر ( مع اليمين )يتعلق به والجملة جواب الشرط والشرط وجوابه خبر من .
مَا لَمْ تَكُنْ لأَمْرِهَا قَدْ رَفَعَتْ
قَبْلَ إيَابِهِ لِيَقْوَى ما ادَّعَتْ
( ما ) ظرفية مصدرية متعلقة بقوله المتقدم ( لم تكن ) اسمها ضمير الزوجة ( لأمرها ) يتعلق بقوله ( قد رفعت ) والجملة خبر تكن والجملة من تكن وما بعده في محل جر بإضافة ما إليها والتقدير مدة عدم رفعها لأمرها ( قبل إيابه ) يتعلق برفعت والضمير المجرور بالإضافة يرجع للزوج ( ليقوى ) منصوب بأن مقدرة بعد اللام والجملة تسبك بمصدر متعلق برفعت أيضاً ( ما ) موصول فاعل بيقوى ( ادعت ) صلة ما وفاعله ضمير الزوجة والرابط محذوف أي ادعته .
فَيَرْجِعُ القَوْلُ لَهَا مَعَ الحَلِفْ
والرَّدُ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا عُرِفْ
( فيرجع القول لها ) جواب شرط مقدر أي فإن رفعت فيرجع القول لها الخ ( مع الحلف ) في محل نصب على الحال ( والرد ) مبتدأ ( لليمين فيهما ) متعلقان به وجملة ( عرف ) بالبناء للمفعول ومعنى الأبيات الأربع أن الزوج إذا غاب عن زوجته ولم يترك لها نفقة على زعمها وبعد رجوعه ناكرها وادعى أنه تركها لها أو أرسلها إليها ، فإن القول قوله في ذلك مع يمينه ما لم تكن رفعت أمرها للحاكم في مغيبه لتقوي دعواها ، ولم يجد الحاكم له مالاً يفرض لها فيه فأذن له بالإنفاق على نفسها ورضيت أو وجد له مال ولم تسمح ببيعه ورضيت أن تسلفه نفقتها ، فيكون حينئذ القول قولها مع يمينها من حين الرفع وتحاصص الغرماء بما أنفقت على نفسها من حين رفعها في الدين الحادث دون القديم ، وكذا بما أنفقته على أولادها الصغار ، ولمن وجبت عليه اليمين ردها وقلبها على صاحبه في الصورتين ثم أنه إذا حلف في مسألة الإرسال فيحلف لقد قبضتها لا بعثتها كما في ( خ ) وظاهر النظم أن الرفع للعدول والجيران لا يكفي وهو كذلك على المشهور ، وإنما قلنا هذا ظاهره لأن الرفع إذا أطلق إنما ينصرف للرفع للحاكم . وذكر ابن عرفة أن العمل استمر عندهم على مقابل المشهور وأن شكواها للعدول كالرفع للحاكم ، وأما للجيران فلغو لكن قال ( خ ) في تكميله العمل بفاس على المشهور فلا بدّ من الرفع للحاكم ، لكن هذا مع تيسر الرفع له وإلا فينبغي أن العدول والجيران كالحاكم لعذرها حينئذ ، ومفهوم ومن يغب أن الحاضر يكون القول قوله من غير تفصيل ، وإنما كان القول قوله حيث كان حاضراً أو غائباً ولم ترفع لأنها في حوزه ، والقول قول الحائز قاله البرزلي . ولذا لو كانت في غير داره وحوزه فالقول قولها في عدم بلوغها ومحل قبول قوله حيث ادعى أنه كان ينفق أو يدفع النفقة في زمنها شيئاً فشيئاً أو ادعى دفعها لها جملة واحدة في أول المدة المتنازع فيها أما إذا ادعى دفعها جملة واحدة بعد تجملها عليه لما مضى فلا يقبل قوله إجماعاً قاله ابن رشد ثم لها أن تطلبه عند إرادة السفر بنفقة المستقبل ليدفعها لها أو يقيم لها كفيلاً قاله ( خ ) وغيره .وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ
كَحُكْمِ ما لِنْفِسهَا قَدْ وثَّقَتْ
( وحكم ما على بنيه أنفقت ) مبتدأ ومضاف إليه وما واقعة على الإنفاق وأنفقت صلته والرابط محذوف ( كحكم ما لنفسها قد وثقت ) خبر عن المبتدأ والمعنى أن حكم الزوجة إذا أنفقت على أولادها الصغار من زوجها الغائب كحكم إنفاقها على نفسها فإن رفعت أمرهم كان القول قولها من حين الرفع مع يمينها ، وإلاَّ فالقول قوله مع اليمين ومحل رجوعها بنفقتها في المسألة قبلها وبنفقة بنيها في هذه إن ثبت يسره في غيبته أو خرج موسراً ، وأما إن ثبت عسره في غيبته أو جهل حاله فيها ولكن خرج معسراً وقدم كذلك فلا تتبعه لا بنفقتها ولا بنفقة أولادها ولا تحاص بها الغرماء ، ويفهم هذا الشرط من تنصيصه على مجهول الحال في قوله بعد : فإن يكن مدعياً حال العدم الخ ، فأما إن كانت له أصول في البلد فتباع لها في النفقة إلا دار السكنى ، فإنها تباع للزوجة دون الأولاد كما مر تحصيله أول الباب فيفترقان في هذه كما يفترقان في مسألة أخرى ذكرها ابن فرحون في ألغازه قال : رجل غائب ويسره في غيبته معلوم ، فلما قدم ألزمناه بنفقة الزوجة دون الأولاد فترجع عليه الزوجة بنفقتها على نفسها ، وكذلك لو كان المنفق أجنبياً فإنما يرجع بنفقة الزوجة لأنه يقول : إن كنت عندكم موسراً في ظاهر أمري فأنا أعلم من باطن أمري أن نفقة ولدي لا تلزمني لما أعلمه من عسري ، فالقول قوله في ذلك دون يمين ولا تلزمه نفقة الأولاد اه باختصار . وهو موافق لما مر من أن المنفق على الصغير لا يرجع إلا مع علم ماله أو علم يسر أبيه ، وهذا وإن قدم من غيبته موسراً فهو مصدق في أنه كان وقت الإنفاق معسراً ومن ادعى يسره وقته فعليه الإثبات فقوله : ويسره في غيبته معلوم يعني في ظاهر الحال لكونه خرج موسراً أو قدم كذلك والله أعلم .
فإنْ يَكُنْ قَبْلَ الْمَغِيبِ طَلَّقَا
فَالقَوْلُ قَوْلُهَا بِذَاكَ مُطْلَقَا
( فإن يكن ) شرط واسمها ضمير الزوج ( قبل المغيب ) يتعلق بقوله ( طلقا ) والجملة خبرها ( فالقول قولها ) مبتدأ وخبر والجملة جواب الشرط ( بذاك ) الباء بمعنى في متعلقة بقوله ( مطلقا ) حال وإنما كان القول قولها في نفقتها على نفسها وعلى أولادها مطلقاً رفعت للحاكم أم لا . لأنها ليست في حوزه فلا يمضي قوله عليها كما مر :
إنْ أَعْمَلَتْ فِي ذلِكَ اليَمِينَا
وَأثْبَتَتَ حَضَانَةَ الْبَنِينَا
( إن أعملت في ذلك اليمينا ) شرط في قبول قولها وجوابه محذوف للدلالة عليه ( وأثبتتحضانة البنينا ) هذا يرجع لهذه وللتي قبلها ، وهذا مستغنى عنه بقوله فيما مر ، وغير موص يثبت الكفالة الخ . ثم إذا كان في غيبته موسراً أو معسراً فلا إشكال كما مر ، وإن كان مجهول الحال فهو قوله :
فإنْ يَكُنْ مُدَّعِياً حَالَ العَدَمْ
طُولَ مَغِيبِهِ وحَالُهُ انْبَهَمْ
( فإن يكن مدعياً حال العدم طول ) منصوب على الظرفية يتعلق بمدعيا ( مغيبه ) مضاف إليه ( وحاله انبهم ) مبتدأ وخبر والجملة حالية .
فحَالَةُ القُدُومِ لابْنِ القَاسِمِ
مُسْتند لها قَضَاءُ الحَاكِمِ
( فحالة القدوم ) مبتدأ ( لابن القاسم ) اللام بمعنى عند كقوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس } ( الإسراء : 78 ) ( مستند ) خبر ( لها ) يتعلق به ( قضاء الحاكم ) نائب الفاعل بمستند .
وَمُعْسِرٌ مَعَ اليَمِينِ صُدِّقَا
ومُوسِرٌ دَعْوَاهُ لَنْ تُصَدَّقَا
( فمعسر ) مبتدأ سوغه التفصيل لما قبله . ( مع اليمن ) يتعلق بقوله ( صدقا ) والجملة خبر ( وموسر ) مبتدأ ( دعواه ) مبتدأ ثان ( لن تصدقا ) خبر عن الثاني والثاني وخبره خبر عن الأول والرابط الضمير المجرور بدعواه ، والمعنى إذا قدم الزوج من غيبته وادعى العسرة مدة مغيبه لتسقط نفقتها عنه ، وكانت حاله في الغيبة ووقت خروجه مجهولة لا يدري أكان موسراً وقتئذ أو معسراً ولم تصدقه الزوجة أو المنفق عليها في دعواه ، فالمشهور وهو مذهب ابن القاسم أنه ينظر إلى حال قدومه فإن قدم معسراً صدق مع يمينه ولا يصدق إن قدم موسراً ( خ ) : وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه ، وهذا من الاستصحاب المعكوس وهو ضعيف عند الأصوليين ، وهذا كله في نفقة الزوجة ، وأما نفقة الأولاد فتقدم أنه مصدق وإن قدم موسراً ، وأما الأبوان فتقدم أيضاً أنه لا يفرض لهما مع جهل حال الغائب أو علم عسره وما في ( ز ) من أن نفقة الأولاد والأبوين في هذا كالزوجة غير سديد لأن نفقة الأولاد عنده لا يشترط في الرجوع بها علم يسر الأب كما قدمه عند قوله وحلف أنه أنفق ليرجع وهو مصادم لنقل ابن رشد وغيره والله أعلم . وانظر لو أنفق على الولد أجنبي مع علمه بالدار للأب والظاهر أنه لا رجوع لأنه في حكم الفقير فلم يقم عنه بواجب انظر ما تقدم أول الباب .
وَقِيلَ باعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ
وَالحُكْمُ باسْتِصْحَابِ حَالَهِ حَرِي( وقيل باعتبار وقت السفر والحكم باستصحاب حاله حري ) هذا هو مفهوم قوله : وحاله انبهم فحقه أن لا يحكيه بقيل فلو أخره عن البيت بعده وقال عوضاً منه :
وحاله إن علمت وقت السفر
فالحكم باستصحابها دون نظر
لأجاد كما قاله ولده لأن حاله في وقت السفر إذا علمت كان العمل عليها بلا خلاف حتى يثبت ما يخالفها فذكره في تعداد الأقوال التي موضوعها انبهام الحال غير سديد ، ثم أشار إلى مقابل المشهور بقوله :
وَقِيلَ بالحَمْلِ عَلَى اليَسَارِ
والقَوْلُ بالتَّصْدِيقِ أيْضاً جَارِي
( وقيل ) مبني للمفعول ( بالحمل ) نائبه ( على اليسار ) فلا يصدق فيما ادعى أنه كان في مغيبة معدماً وإن قدم معدماً لأن الغالب الملاء ولأن كل عديم ادعى العدم فعليه البينة ، وهذا القول لابن الماجشون ( والقول ) مبتدأ ( بالتصديق ) يتعلق به ( أيضاً ) مفعول مطلق ( جاري ) خبر أي فيصدق في دعواه الإعسار حالة الغيبة سواء قدم موسراً أو معسراً وهو لسحنون وابن كنانة قال في ضيح : ووجه أن الأصل العدم .
فصل فيما يجب للمطلقات وغيرهن من النفقة وما يلحق بها
كالإرضاع وأجرته .
إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إلى انْقِضَا
عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلاقِ مُقْتَضَا
( إسكان ) مبتدأ ( مدخول ) مضاف إليه ( بها ) يتعلق به ( إلى انقضاء عدتها ) يتعلق بإسكان ( من الطلاق ) البائن صفة لعدتها ( مقتضى ) خبر أي مطلوب بحكم الشرع لقوله تعالى : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } ( الطلاق : 41 ) الآية لأن السكنى حق لله فليس له ولا لها إسقاطها ، ولذا كانت ترجع للسكنى إن خرجت لحجة الضرورة فمات أو طلق على ما هو مبين في ( خ ) وغيره وقد تساهلت الناس اليوم فصارت المرأة إذا طلقها زوجها أو مات عنها تذهب لأهلها ولا يجبرها الحاكم على البقاء في بيتها إلى انقضاء عدتها ، وإذا قضى عليها بالمقام في بيتها لانقضاء عدتها فأرادت أن تسكن معها أمها أو قريبة لها فلها ذلك ولا تترك وحدها ولا مقال لزوجها كما في ابن سلمون وغيره ، ومفهوم قوله مدخول بها أن غيرها لا سكنى لها وهو كذلك إذ لا عدة عليها من الطلاق .وذَاتُ حَمْلٍ زِيدَتِ الإنْفَاقَا
لِوَضْعِهَا وَالْكِسْوَةَ اتِّفَاقَا
( وذات حمل ) مبتدأ ( زيدت ) مبني للمفعول ونائبه ضمير المبتدأ ( الإنفاقا ) مفعول ثان لزيدت ( لوضعها ) يتعلق بزيدت ( والكسوة ) معطوف على الإنفاق ( اتفاقاً ) حال والمعنى أن المطلقة طلاقاً بائناً إذا كانت حاملاً فإنه يزاد لها على السكنى النفقة والكسوة إلى وضع حملها إذ كل حامل لها النفقة والكسوة إلا المتوفى عنها والملاعنة ، وقوله : لوضعها أي ولو وضعته لخمسة أعوام والنفقة بقدر وسعه وحالها كما مر . وكما يأتي في قوله : بحسب الأقوات والأعيان والسعر والزمان والمكان ( خ ) : فيفرض الماء والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة ، وانظر نوادر الطلاق والرجعة والعدة من نوازلنا التي جمعناها فإن الكلام فيها أوسع ، وأما الكسوة فيفرض لها الدرع أي القميص والخمار أي ما تخمر به رأسها أي ما تغطيه به والإزار وينظر إلى الغالب من مدة الحمل ، فإن قيل غالبه تسعة أشهر قيل : وكم ثمن هذه الكسوة وفي كم تبلى ؟ فإن قيل تبلى في سنتين قسم ثمنها عليه وكسيت بحسبه انظر ما تقدم عند قوله : ولبس ذات الحمل بالحمل اقترن . كما لو طلقها بقرب وضعها فلها بقدر ذلك من الكسوة ثمناً ( خ ) وفي الأشهر قيمة منابها .
وما لها إنْ مَاتَ حَمْلٌ مِنْ بقَا
واسْتثِنْ سُكْنى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا
( وما ) نافية ( لها ) خبر مقدم والضمير للكسوة وأحرى النفقة ( إن مات حمل ) شرط وفاعله وجوابه محذوف للدلالة عليه ( من بقا مبتدأ جر بمن الزائدة ، والمعنى أنه لا بقاء للنفقة والكسوة إن مات الحمل في بطن أمه ، واعترفت بموته لأن النفقة إنما كانت لها لأن الولد يتغذى بغذائها فإذا مات لم يبق له غذاء بهذا . أجاب ابن دحون وابن الشقاق وغيرهما ، وهو المعتمد كما في الأجهوري وما في زمن أن المعتمد هو استمرار نفقتها ومسكنها إن مات في بطنها إلى وضعها إذ بذلك وقع الحكم من القاضي . ابن محرز . وأفتى به آخرون الخ . معترض ، وأما المسكن فيستمرلها وإن مات في بطنها إلى وضعه إذ به تخرج من العدة كما في ( ح ) عن المشذالي وغيره قائلاً هو صريح القرآن الكريم ، وإنما حملنا النظم على ما إذا مات في بطنها ولم تضعه لأنه الذي فيه النزاع وهو المتوهم ، وأما إذا مات بعد وضعه أو وضعته ميتاً فقد خرجت من عدتها فلا يتوهم أحد استمرار شيء من النفقة والكسوة والإسكان لها . ( واستثن ) أمر ( سكنى ) مفعوله ( إن يمت ) شرط ( من ) فاعله ( طلقا ) صلة والمعنى أن المطلق إذا مات قبل وضع الحمل ، أو قبل انقضاء العدة إن لم تكن حاملاً فإن النفقة والكسوة يسقطان وتبقى السكنى للوضع وانقضاء العدة لأنها حق تعلق بذمته فلا يسقطه الموت كسائر الديون كان المسكن له أم لا . نقد كراء أم لا . ويؤخذ الكراء من رأس ماله بخلاف الرجعية أو التي في العصمة فلا يستمر لها السكنى إن مات إلا إن كان له أو نقد كراءه كما يأتي ، وهذا الشطر كالاستثناء المنقطع لأن المستثنى منه موت الحمل وهذا موت الزوج المطلق ، وأيضاً الحكم في المستثنى وهو سقوط النفقة والكسوة وبقاء السكنى هو الحكم في المستثنى منه كما قررنا ، فلو قدم هذا الشطر على الذي قبله لكان مستثنى من قوله : زيدت الإنفاق الخ ، ويكون الضمير في لها عائداً على النفقة لأنها المحدث عنها والكسوة تابعة لها ، ويصح أن يبقى على حاله ويكون مستثنى من مفهوم قوله : إن مات حمل أي فإن لم يمت فيستمران إلا إن مات المطلق فيسقطان وتبقى السكنى أي : واستثنى السكنى مما إذا لم يمت الحمل ومات المطلق ، وإنما سقطت الكسوة والنفقة حينئذ لأن الحمل صار وارثاً ولا نفقة لأمه في ماله أيضاً بل هي التي تنفق على نفسها ولا ترجع بشيء كما في المقصد المحمود وغيره .
وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُكْنى فَقَدْ
في دارِهِ أوْ ما كِرَاءَهُ نَقَدْ
( وفي الوفاة ) يتعلق بقوله ( تجب السكنى ) فاعل ( فقد ) اسم فعل بمعنى اكتف ويصح أن يكون بمعنى حسب ( في داره ) يتعلق بالسكنى ( أو ما ) موصولة معطوفة على داره واقعة على البيت أو المسكن ( كراءه ) مفعول بقوله ( نقد ) ، والجملة صلة والرابط الضمير في كراءه ، والمعنى أن التي توفي عنها زوجها وهي في عصمته أو رجعية تجب لها السكنى فقط كانت حاملاً أم لا بشرطين . أحدهما : أن يكون قد دخل بها فإن لم يدخل بها أصلاً أو دخل بها وهي غير مطيقة فلا سكنى لها لأن الدخول بغير المطيقة كالعدم إلا أن تكون صغيرة لا يوطأ مثلها وأسكنها معه في حياته ثم مات فلها السكنى حينئذ في العدة . عند ابن القاسم ، لأن إسكانها معه بمنزلة دخولها بها . ثانيهما : أن يكون المسكن مملوكاً له أو نقد كراءه قبل موته فإن انقضت مدة النقد قبل انقضاء مدة العدة لم يلزم الوارث سكناها بقية المدة ، وظاهره أن لها السكنى فيما نقده كان الكراء وجيبة أي مدة معينة أو مشاهرة ككل شهر أو يوم أو سنة بكذا وهو كذلك ، ومفهومه أنه إذا لم ينقد لا سكنى لها وجيبة كان أيضاً أو مشاهرة وهو كذلك على المعتمد ، وقيل : لها السكنى في الوجيبة لأنها بمنزلة النقد وإن لم ينقد بالفعل ( خ ) : وللمتوفى عنها السكنى إن دخل والمسكن له أو نقد كراءه لا بلا نقد وهل مطلقاً أو إلا الوجيبة تأويلان اه . فقول الناظم : وفي الوفاة هوعلى حذف مضاف وأل عوض عن الضمير أي وفي عدة وفاته ، ولا تجب عدة الوفاة إلا إذا مات عنها وهي في عصمته أو رجعية ، وأما إن مات عنها وهي مطلقة بائنة فعليها عدة الطلاق وتجب لها السكنى مطلقاً كان المسكن له أو نقد كراءه أم لا كما مر .ولما كانت الحامل قد يطول حملها فتستمر نفقتها وكسوتها وسكناها إن كانت مطلقة أو سكناها فقط إن كانت متوفى عنها احتاج إلى بيان أقصى الحمل فقال :
وَخَمْسَةُ الأَعْوَامِ أقْصى الحَمْلِ
وَسِتَّةُ الأَشْهُرِ فِي الأقلِّ
( وخمسة الأعوام ) ) مبتدأ ( أقصى الحمل ) خبره فإذا مضى للبائن ثلاثة أشهر من طلاقها فقالت إن عدتها لم تنقض وكانت متهمة حلفت سواء كانت محجورة أم لا ، لأن الدعوى عليها في بدنها وتمادت على سكناها إلى انقضاء السنة وللزوج إحلافها في كل ثلاثة أشهر فإذا انقضت السنة نظر إليها النساء فإن أحسسن بريبة وشككن هل حركة ما في بطنها حركة ولد أو حركة ريح حلفت أيضاً أن عدتها لم تنقض وتمادت في السكنى إلى انقضاء خمسة أعوام فتنقطع سكناها ويحل لها التزوج ، وإن قالت أنا باقية على ريبتي لأن خمسة أعوام أمد ينتهي إليه الحمل على المشهور وحكم المتوفى عنها إذا كان المسكن له أو نقد كراءه حكم هذه ثم إنه لا نفقة للمتوفى عنها ولا كسوة كما مر وكذا البائن في هذا الوجه لأن الحمل لم يثبت ، وإنما أحست النساء بالريبة فقط فإن ثبت وشهدت القوابل العارفات بأنهن لمسن بطنها لمساً تاماً شافياً فتحقق أن بها حملاً ظاهراً قد تحرك وفشا الخ . فيزاد لها حينئذ النفقة والكسوة للأمد المذكور ، ويجب لها ذلك من أول الحمل كما مرّ فإن انقضى الأمد المذكور والموضوع بحاله من تحقق الولد لم يحل لها التزوج أبداً كما في ( ح ) عن اللخمي وانظر هل تستمر لها النفقة والكسوة أيضاً وهو الظاهر لقولهم تجب النفقة للحامل ما دام الولد حياً في بطنها أو لا يستمر لها ذلك لطرو الريبة بطول المدة والخروج عن العادة .
تنبيه : نقل ابن سلمون عن الاستغناء أن الزوج إذا خاف أن تجحد مطلقته الحيض لتمام المدة وكانت ممن تتهم فله أن يجعل معها امرأة صالحة تترقب ذلك منها وتتعرف أحوالها ويعمل على قولها اه .
قلت : وهذا ظاهر ولو على القول المعمول به من أنها لا تصدق في انقضاء عدتها في أقل من ثلاثة أشهر ، لأن هذا القول يقول لا تصدق في الانقضاء في أقل من المدة المذكورة ، وأما إذا قالت لم تنقض فهي مصدقة عنده وعند غيره ولكنها تحلف كما مر .
( وستة الأشهر ) مبتدأ ( في الأقل ) خبره يعني أن أقل الحمل ستة أشهر بإجماع العلماء لقوله تعالى : وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } ( الأحقاف : 51 ) مع قوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } ( البقرة : 233 ) وقال أيضاً : وفصاله في عامين } ( لقمان : 14 ) فإذا سقطت مدة الفصال التي في الآيتين الأخيرتين من الثلاثين بقي للحمل ستة أشهر ، فإذا ولدت المرأة لأقل من ستة أشهر من يوم العقد لم يلحق بالزوج وانتفى عنه بغير لعان كما تقدم في باب اللعان .
وَحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّهْ
فِي عِدَّةٍ كَحَالَةٍ الزَّوْجَيَّهْ
( وحال ذات ) مبتدأ ( طلقة ) مضاف بعد مضاف ( رجعية ) نعت لطلقة ( في عدة ) يتعلق بحال ( كحالة الزوجية ) خبر .
مِنْ وَاّجبٍ عَلَيْهِ كالإنْفَاقِ
إلاَّ فِي الاسْتِمْتاعِ بالإطْلاَقِ
( من واجب ) من بمعنى في تتعلق بالاستقرار في الخبر ( عليه ) يتعلق بواجب ( كالإنفاق ) خبر لمبتدأ محذوف ( إلا ) استثناء من عموم كحالة الزوجية ( في الاستمتاع ) يتعلق بما تعلقت به من الظرفية المتقدمة ( بالإطلاق ) حال من الاستمتاع ، والمعنى أن حال الرجعية وقت عدتها كحال الزوجة التي في العصمة في وجوب النفقة لها وجواز إرداف الطلاق عليها ولزوم الظهار والإيلاء منها وثبوت الميراث وانتقالها لعدة الوفاة في موته عنها وغير ذلك من الأحكام إلا في الاستمتاع بها ولو بنظرة لذة ، فإنه يحرم ولا تكون فيه كالزوجة حتى يرتجعها بنية ، قال ابن الحاجب : ولو قال نسائي طوالق اندرجت الرجعية ( خ ) : والرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع والدخول عليها والأكل معها . 5
وَحَيْثُ لاَ عِدَّةَ لِلْمُطَلَّقَهْ
فَلَيْسَ مِنْ سُكْنى وَلا مِنْ نَفَقَهْ
( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( لا ) نافية للجنس ( عدة ) اسمها ( للمطلقة ) خبرها ، والجملة في محل جر بإضافة حيث إليها ( فليس ) جواب الشرط ( من سكنى ) اسمها جر بمن الزائدة ( ولا من نفقة ) معطوف على ما قبله وخبرها محذوف للعلم به

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13