كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

فيمن كاتب نصف عبده أو عبدا بينه وبين رجل
قلت: أرأيت إن كاتبت نصف عبدي أتجوز الكتابة أم لا؟ قال: لا تجوز هذه الكتابة ولا يكون شيء منه مكاتبا. قلت: وهذا قول مالك، قال: هذا رأيي وقد قال مالك في العبد يكون بين الرجلين فيكاتبه أحدهما بغير إذن شريكه: إن تلك الكتابة ليست بكتابة. قال مالك: فإن غفل عنه حتى يؤدي الكتابة إلى الذي كاتبه فهو رقيق كله ولا يكون شيء منه عتيقا ويرجع السيد الذي لم يكاتب على السيد الذي كاتب فيأخذ منه نصف ما أخذ من العبد من ماله ويكون العبد بينهما رقيقا على حاله الأولى، فهذا يدلك على مسائلك أنه لا يكون مكاتبا إذا كاتب نصفه ولا يعتق إذا أدى.
قلت: أرأيت إن كاتبه أحدهما بغير إذن شريكه أتجوز الكتابة في قول مالك؟ قال: لا تجوز وإن أدى ذلك فإنه لا يكون مكاتبا ويكون رقيقا.
قلت: فما حال ما أخذ السيد منه؟ قال: يكون بينهما.
قلت: وهذا قول مالك، قال نعم، كذلك قال لنا مالك ونزلت وكتب بها إليه في الرجل يأذن لشريكه بكتابة عبد بينهما أنه يفسخ ذلك وإن اقتضى الكتابة كلها.
قلت: فإن كان قد اقتضى مالا أيكون بينهما؟ قال: نعم، وقال غيره من الرواة: إن اجتمعا على أخذه أخذاه، ومن أراد رده على العبد، رده لأنه لا يجوز لهما اقتسام مال العبد إلا برضا منهما، وقد ذكر هذا عن مالك ألا ترى أن من عيب كتابة أحد الرجلين نصيبه بإذن شريكه وإن كان الشريك قد أذن لشريكه أن يأخذ من مال بينهما لم يكن يجوز لأحدهما أن يأخذ منه شيئا دون صاحبه لاختلاف الحرية بلا قيمة؛ لأن الكتابة عقد قوي ثابت وليس هي من حقائق الحرية، فيقوم على المعتق إذا أعتق المكاتب بأدائها، وإنما عتق المكاتب بالعقد الأول، ولم يحدث له السيد عتقا إنما صار عتقه على أصل عقده، وأدائه الذي يفتح له عتقه، ولم يكن على المكاتب قيمة؛ لأنه منع القيمة أن تكون؛ لأنه قد يعجز فيكون قد أقيم على المستمسك عبده إلى رق لا إلى حرية وذلك خلاف لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أعتق شركا له في عبد فإنهما أيضا يتحاصان في ماله بحالتين مختلفتين يأخذ هذا بنجوم ويأخذ هذا بخراج، فأحدهما لا يدري يوم أذن له في شرطه لما أذن له من النجوم؛ لأنه لم يحدد عليه في شرطه ما يأخذ المستمسك بالرق من الخراج، وأنه إذا كاتب نصف عبد هو له فإن أصل الكتابة لا تكون إلا على المراضاة؛ لأنها بيع. ألا ترى أن العبد لو أراد أولا قبل أن يكاتب منه شيء أن يكاتبه سيده بغير

رضاه ما لزم سيده مكاتبته بكتابة مثله ولا بقليل ولا بكثير، فلذلك لا يلزم السيد أن يكاتب ما بقي بعدما كاتب إلا بالرضا كما كان يدين الكتابة، وأنه لو أدى المكاتب ما كوتب عليه في نصفه لم يكن عتقا؛ لأن السيد لم يستحدث له عتقا إنما عقد كتابة ثم كان الأداء يصير به إلى العتق، فهو لم يعتق لو لم يكن أدى شيئا، فلذلك إذا أدى كان لا يعتق إلا بهذا العقد؛ لأن عقده كان ضعيفا ليس بعقد.

المكاتب يكاتب عبده أو يعتقه على مال
قلت: أرأيت إن كاتب رجل عبدا له فكاتب المكاتب عبدا له على وجه النظر لنفسه والأداء، فعجز المكاتب الأعلى قال: يؤدي المكاتب الأسفل إلى السيد الأعلى، فإن أعتق السيد المكاتب الأعلى بعدما عجز لم يرجع عليه بشيء مما أدى هذا المكاتب الأسفل؛ لأنه حين عجز صار رقيقا وصار ماله للسيد فما كان له على مكاتبه فهو مال للسيد؛ ولأن مالكا قال: إذا عجز المكاتب الأعلى فولاء المكاتب الأسفل إذا أدى وعتق للسيد الأعلى ولا يرجع إلى المكاتب الأول على حال أبدا.
قلت: أرأيت مكاتبا قال لعبد له: إذا جئتني بألف درهم فأنت حر؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يصنع في هذا ما يصنع في الكتابة ويجوز في هذا ما يجوز في الكتابة إن كان ذلك منه على وجه ابتغاء الفضل وطلب المال لزيادة المال جاز ذلك، وإن لم يكن كذلك لم يجز وينظر ويتلوم للعبد كما كان يتلوم في الحر لو قال ذلك لعبده، ولا تنجم كما تنجم الكتابة إذا كان قول المكاتب لعبده: إن جئتني بألف درهم على وجه النظر لنفسه.

في المديان يكاتب عبده
قال ابن القاسم: لو أن عبدا كاتبه سيده وعلى السيد دين، وقد جنى العبد جناية قبل الكتابة ثم قاموا عليه بعد الكتابة فقال المكاتب: أنا أؤدي الدين الذي من أجله تردونني به من دين سيدي أو من عقل جنايتي وأكون على كتابتي كما أنا كان ذلك له.
قلت: فإن كاتب رجل أمته وعليه دين يستغرق قيمة الأمة فولدت في كتابتها ولدا ثم قام الغرماء فإن الكتابة تفسخ وتكون الأمة رقيقا وولدها إلا أن يكون في قيمة الكتابة إذا بيعت بالنقد وفاء للدين فلا تغير الكتابة وتباع الكتابة في الدين. قال: وقال مالك: إذا أفلس سيد العبد بدين رهقه بعد الكتابة بيعت الكتابة للغرماء فيعاضوا حقوقهم إن أحبوا.

في النصراني يكاتب عبده ثم يريد أن يسترقه
قلت: أرأيت النصراني إذا كاتب عبده أتجوز كتابته؟ قال: قال مالك: إذا أسلم مكاتب النصراني بيعت كتابته، فهذا يدلك على أنه يجوز عند مالك، إلا أنه إن أراد بيعه وهما في حال نصرانيتهما لم يعرض له ولم يمنع من ذلك.

كتابة الذمي
قلت: أرأيت الذمي إذا كاتب عبده فأراد أن يفسخ كتابة عبده ويأبى العبد وقال: أنا أمضي على كتابتي قال: ليس هذا من حقوقهم التي يتظالمون فيها فيما بينهم ولا أمنعه من ذلك ولا أعرض له في ذلك والعتق أعظم حرمة، ولو أعتقه ثم رده في الرق لم أعرض له فيه ولم أمنعه من ذلك، فكذلك الكتابة والعتق إذا أراد تغيير ذلك كان له إلا أن يسلم العبد؛ وقال بعض الرواة: ليس له نقض الكتابة؛ لأن هذا من التظالم الذي لا ينبغي للحاكم أن يتركهم لذلك.

مكاتب النصراني يسلم
قلت: أرأيت النصراني يكاتب عبده النصراني ثم يسلم المكاتب قال: بلغني عن مالك أنه قال: تباع كتابته.
قلت: فإن اشترى عبدا مسلما فكاتبه، قال: تباع كتابته. لأن مالكا قال أيضا في النصراني يبتاع المسلم: إنه يباع عليه ولا يفسخ شراؤه، فهو إذا اشتراه ثم كاتبه قبل أن يبيعه بيعت كتابته فبيع كتابته كأنها بيع له؛ لأنه إن رق فهو لمن اشتراه وإن عتق كان حرا وكان ولاؤه لجميع المسلمين، فإن أسلم مولاه بعد ذلك لم يرجع إليه ولاؤه. قال: وقال مالك: في الذي يكاتب عبده وهو نصراني والعبد نصراني ثم أسلم المكاتب فبيعت كتابته فأدى الكتابة لمن ولاؤه قال: ولاؤه لجميع المسلمين، فإن أسلم مولاه الذي كاتبه رجع إليه ولاؤه؛ لأنه عقد كتابته وهما نصرانيان جميعا، والأول إنما عقد كتابة عبده والعبد مسلم فلا يكون له الولاء أبدا وإن أسلم السيد ولا يشبه هذا الذي عقد كتابة عبده وهما نصرانيان قال: وسألنا مالكا عن النصراني يشتري المسلم، قال مالك: لا يرد بيعه، ولكن يجبر هذا النصراني على بيعه، قال: فإن كان كاتبه هذا النصراني قبل أن يباع عليه، أجبر النصراني على بيع الكتابة.
قال سحنون: لو كاتبه بخمر أو خنزير فأدى نصف كتابته ثم أسلم سقط عنه باقي الكتابة وأتبعه بنصف قيمته قيل له: فإن أسلم ولم يسلم العبد فقال: هو على ما أخبرتك:

أم ولد النصراني تسلم أو يسلم عبده فيكاتبه
قلت: فما قول مالك إذا أسلمت أم ولد النصراني؟ قال: تعتق عليه، ولا شيء عليها من السعاية ولا غير ذلك؛ لأنه لا رق له عليها إنما كان له الوطء، فلما أسلمت لم يكن له أن يطأها فقد انقطع الذي كان له فيها قال مالك: فأمثل شأنها أن تعتق عليه. قال ابن القاسم: ورددت هذه المسألة على مالك منذ لقيته فما اختلف فيها قوله، وأكثر الرواة يقولون: تكون موقوفة إلا أن يسلم فيطؤها.
قلت: أرأيت إن أسلم عبد النصراني فكاتبه النصراني بعدما أسلم العبد، قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، ولكن أرى أن تباع كتابته لأنا إن نقضنا كتابته رددناه رقيقا للنصراني فبعناه له، فنحن نجيز كتابته ونبيع كتابته؛ لأن فيها منفعة للعبد؛ لأنه إذا أدى عتق، وإن عجز كان رقيقا لمن اشتراه إلا أن ولاء هذا المكاتب إذا أدى مخالف للمكاتب الأول الذي كاتبه مولاه قبل أن يسلم العبد؛ لأن هذا الذي كاتبه مولاه قبل أن يسلم العبد ولاؤه لجميع المسلمين، فإن أسلم النصراني يوما ما رجع ولاؤه إليه، فإن كان له ولد مسلمون ثم عتق العبد كان ولاؤه لهم؛ لأن الولاء قد ثبت لأبيهم، وأما هذا الذي كاتبه بعد إسلامه فإن أدى وعتق لم يكن للنصراني من ولائه قليل ولا كثير وولاؤه لجميع المسلمين ولا يكون لولده أيضا من ولائه قليل ولا كثير وإن كانوا مسلمين، لأن الولاء لم يثبت لأبيهم فإن أسلم النصراني يوما ما لم يرجع إليه من ولائه قليل ولا كثير؛ لأنه كاتبه والعبد مسلم فلا يكون ولاؤه لهذا النصراني، وكذلك إن أعتقه بعدما أسلم لم يكن للنصراني من ولائه قليل ولا كثير ولا لولده المسلمين والنصارى، وولاؤه لجميع المسلمين.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، هذا قوله في الولاء بحال ما وصفت لك.
قلت: وكذلك إن أسلمت أمة هذا النصراني فوطئها بعد إسلامها فولدت منه ولدا أعتقتها عليه ويجعل ولاؤها لجميع المسلمين؟ قال: نعم، وأما التي كانت أم ولد لهذا النصراني فأسلمت عتقت عليه وكان ولاؤها للمسلمين إلا أن يسلم النصراني يوما ما فيرجع إليه ولاؤها قال:

قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي في التي وطئت بعدما أسلمت، وأما أم الولد النصرانية فهو قول مالك.

في النصراني يكاتب عبدين له نصرانيين فيسلم أحدهما
قلت: أرأيت النصراني إذا كاتب عبدين له نصرانيين كتابة واحدة فأسلم أحدهما قال: أحسن ذلك عندي أن تباع كتابتهما جميعا.
قلت: ولم لا تباع كتابة المسلم وحده وتفض الكتابة عليهما فيباع ما كان من الكتابة على هذا المسلم، قال: لا أستطيع أن أفرق كتابتهما؛ لأن كل واحد منهما حميل بما على صاحبه، فهذا الذي ثبت على النصرانية يقول: لا تفرقوا بيني وبينه في الكتابة؛ لأنه حميل عني بكتابتي ويقول المسلم ذلك أيضا، فهذا ما لا يجوز أن يفرق بينهما رضي المكاتبان بذلك أو سخطا.
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا كاتب عبدا له نصرانيا فولد للمكاتب ولد في كتابته من أمته ثم أسلم بعض ولده والمكاتب على النصرانية قال: هو مثل المكاتبين يسلم أحدهما، فإنه تباع كتابتهما جميعا وهذا وولده بمنزلة هذين تباع كتابتهما جميعا المسلم منهم والنصراني.

مكاتب الذمي يهرب إلى دار الحرب فيغنمه المسلمون
قلت: أرأيت مكاتب الذمي إذا أغار أهل الشرك فهربوا به أو هرب المكاتب إليهم ثم ظفر به المسلمون هل يكون فيئا؟ قال: قال مالك: كل مال لأهل الإسلام أو لأهل الذمة إن ظفر به المسلمون، وقد كان أهل الشرك أحرزوه قال: قال مالك: يرد إلى الذمي كما يرد إلى المسلمين ولا يكون فيئا كان سيده غائبا أو حاضرا بعد أن يعلموا أنه مال المسلم أو الذمي وعرف صاحبه.
وقال ابن القاسم: إن عرفوا أنه مكاتب ثم عرفوا سيده رد إليه، وإن عرفوا أنه مكاتب ولم يعرفوا سيده أقر على كتابته وكانت كتابته فيئا للمسلمين. ويدخل ذلك في مقاسمهم، فإن أدى إلى من صار له، كان حرا وكان ولاؤه للمسلمين، وإن عجز كان رقيقا لمن صار له.

الدعوى في الكتابة
بعد، قال: القول قول المكاتب؛ لأن مالكا قال في المتكاري يتكارى من الرجل الدار فيقول رب الدار: أكريتك سنة وقد مضت السنة، ويقول المتكاري: لم تمض، قال مالك: القول قول المتكاري.
قلت: لا يشبه هذا المكاتب؛ لأن المكاتب قد قبض ما اشترى، إنما اشترى رقبته فقد قبضها وادعى أن الثمن عليه إلى أجل كذا وكذا، وقال سيده: بل كان إلى أجل كذا وكذا، وقد حل، قال المكاتب: يشبه الرجل يشتري من الرجل السلعة بمائة دينار إلى أجل سنة فيتصادقان أن الأجل قد كان سنة وقال البائع: قد مضت السنة وقال المشتري: لم تمض السنة قال: هذا عند مالك القول قول المشتري، ولا يصدق البائع على أن الأجل قد مضى فكذلك سيد المكاتب لا يصدق على أن الأجل قد مضى والقول قول المكاتب.
قلت: أرأيت إن قال العبد: نجمت علي كل شهر مائة، وقال السيد: بل نجمت عليك كل شهر مائتين، قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن القول قول العبد؛ لأن الكتابة قد انعقدت فادعى السيد أن أجل المائة الزائدة التي ادعى قد حلت، وقال العبد: لم تحل؛ فالقول قول المكاتب فيما أخبرتك.
قلت: أرأيت إن تصادقا على أصل الكتابة السيد والعبد أنها ألف درهم وقال السيد: نجمتها عليك خمسة أنجم كل شهر مائتين وقال المكاتب: بل نجمتها علي عشرة أنجم كل شهر مائة وأقاما جميعا البينة قال: ينظر إلى أعدل البينتين فيكون القول قول من كانت بينته أعدل.
قلت: فإن اتفقت البينتان في العدالة قال: هما كمن لا بينة لهما ويكون القول قول المكاتب.
وقال أشهب مثل قول عبد الرحمن، وقال غيره: ليس هذا من التكافؤ والبينة بينة السيد، ألا ترى أن بينة السيد قد زادت فالقول قولها ألا ترى أن لو قال السيد بألف درهم وقال المكاتب بتسعمائة درهم أن القول قول المكاتب، فإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة السيد؛ لأنها شهدت بالأكثر.
قلت: أرأيت إن قال المكاتب: كاتبني بألف درهم وقال السيد: بل كاتبتك بألف دينار، قال: القول قول المكاتب إذا كان يشبه ما قال؛ لأن الكتابة فوت، لأن مالكا قال فيمن اشترى عبدا فكاتبه أو دبره أو أعتقه ثم اختلفا في الثمن: أن القول قول المشتري؛ لأنه فوت، قال: وقد كان مالك مرة يقول: من اشترى سلعة من السلع فقبضها وفاز بها

أن القول قول المشتري وإن كانت قائمة بعضها، ثم رجع عن ذلك فقال: أرى أن يتحالفا ويترادا إذا لم تفت بعتق أو تدبير أو بيع أو موت أو اختلاف أسواق أو نماء أو نقصان، فهذا يدلك على مسألتك في الكتابة؛ لأن الكتابة فوت لأنها عتق.
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا بعث بكتابته مع رجل أو امرأة اختلعت من زوجها بمال بعثت به أيضا فدفع ذلك كله وكذبه المبعوث إليه بذلك قال: قال مالك: في الدين ما أخبرتك، وهذا كله محمل الدين وعليهم أن يقيموا البينة وإلا ضمنوا

الخيار في الكتابة
قلت: أرأيت الرجل يكاتب عبده على أن السيد بالخيار يوما أو شهرا أو على أن العبد بالخيار يوما أو شهرا قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى به بأسا وأرى الخيار في الكتابة جائزا.
قلت: أرأيت لو أن رجلا كاتب أمته على أنه بالخيار ثلاثا فولدت في أيام الخيار فاختار السيد الكتابة ما حال هذا الولد أيكون مكاتبا أم يكون رقيقا؟ قال: قال لي مالك في الرجل يبيع عبده: على أنه بالخيار أياما سماها فدخل العبد عيب أو مات أن ضمان ذلك على البائع، قال مالك: ونفقة العبد في أيام الخيار على البائع، فأرى هذا الرجل إذا باع أمته على أنه بالخيار ثلاثا فوهب لأمته مالا أو تصدق به عليها أن ذلك المال للبائع؛ لأن البائع كان ضامنا للأمة وكان عليه نفقتها.
قلت: وسواء إن كان المشتري بالخيار أو البائع إذا ابتاع فاختار الشراء وقد ولدت الأمة في أيام الخيار قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى الولد مع الأم، ويقال للمشتري: إن شئت فخذ الأم والولد بجميع الثمن أو دع. قال: وقال مالك في الرجل يبيع العبد فتقطع يده عند المشتري أو تجرح عند المشتري في الأيام الثلاثة: إن عقل ذلك الجرح للبائع قال: ولقد قال مالك في الرجل يبيع عبده وله مال ورقيق وحيوان وعروض وغير ذلك فيشترط المشتري مال العبد فيقبض مشتري العبد رقيق العبد ودوابه فيتلف المال في أيام العهدة الثلاثة قال مالك: ليس للمشتري أن يرجع على البائع بشيء من ذلك ولا يرد العبد.
قلت: فإن هلك العبد في يد المشتري أينتقض البيع فيما بينهما ولا يكون للمشتري أن يحبس مال العبد، ويقول: أنا أختار البيع وأدفع الثمن، قال: نعم، لأن العبد إذا مات في أيام العهدة انتقض البيع فيما بينهما، وإن أصاب العبد عور أو عمى أو

شلل أو دخله عيب فإن المشتري بالخيار إن أحب أن يرد العبد وماله على البائع وينتقض البيع، فذلك له، وإن أراد أن يحبس العبد بعينه ويحبس ماله ولا يرجع على البائع فذلك له.
قلت: فإن أراد أن يحبس العبد وماله ويرجع على البائع بقيمة العيب الذي أصاب العبد في أيام العهدة قال: ليس ذلك له؛ لأن ضمان العبد في أيام العهدة الثلاثة من العيوب والموت من البائع ويكون المشتري بالخيار إن أحب أن يقبل العبد مجنيا عليه والعقل للبائع فذلك له، وإن أحب أن يرد العبد فذلك له، فلما قال لي مالك في عقل جناية العبد في أيام العهدة: إنها للبائع علمت أن الجناية على العبد أيضا في أيام الخيار للبائع إذا أجاز البيع ويكون المشتري بالخيار إن شاء قبل العبد بعينه ويكون العقل للبائع وإن شاء ترك فالولد إذا ولدته الأمة في أيام الخيار مخالف لهذا عندي أراه للمبتاع إن رضي البيع وكذلك المكاتب والمكاتبة عندي أبين أن ولدها إذا ولدته قبل الإجازة أنه يدخل في الكتابة معها وتكون هي على الكتابة وولدها إن أحبت بجميع ذلك في كتابتها وإن كرهت رجعت رقيقا إذا كان الخيار لها قال: فإن كان الخيار للسيد كان له أن يجيز الكتابة لها ويدخل ولدها معها على ما أحبت أو كرهت بالكتابة الأولى فإن أراد أن يردها هي وولدها في الرق فذلك له.
وقال غيره من رواة مالك: إن الولد ليس مع الأم في الكتابة؛ لأن الولد زايلها قبل تمام الكتابة وإنما تمت الكتابة بعد زواله، وكذلك كل ما أصابت من جناية أو أصيبت به أو وهب لها فهو للذي كان يملكها قبل وجوب الكتابة والبيع إلا أن في البيع إن ولدت فالولد للبائع ولا ينبغي للمشتري أن يختار الشراء للتفرقة.

الرهن في الكتابة
قلت: أرأيت ارتهان السيد من مكاتبه رهنا بكتابته عندما كاتبه وقيمة الرهن والكتابة سواء وهو مما يغيب عليه السيد فضاع عند السيد أيكون السيد ضامنا لذلك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى أن يعتق ويكون قصاصا بالكتابة.
قلت: فإن رهق السيد دين فأفلس أيحاص العبد المكاتب غرماء سيده؟ قال: إن كان ارتهن منه الرهن في أصل الكتابة لم يحاص؛ لأن ذلك كأنه انتزاع من السيد بمنزلة ما لو أنه كاتبه على أن يسلفه العبد دنانير أو باعه سلعة بثمن إلى أجل، فإن ذلك كله إذا أفلس السيد لم يدخل المكاتب على غرماء سيده، ولو أن المكاتب حل نجم من نجومه

فسأل سيده أن يؤخره على أن يرهنه رهنا ففعل، فارتهنه ثم فلس السيد، فإن المكاتب إن وجد رهنه بعينه كان أحق به، وإن لم يجده ووجده قد تلف فإنه يحاص غرماء سيده بقيمة رهنه فيكون من ذلك قضاء ما حل عليه وما بقي من قيمة الرهن إن لم يوجد للسيد مال كان ذلك على سيده يقاص به المكاتب في أداء ما يحل من نجومه.
قلت: أرأيت لو وجد رهنه بعينه في المسألة الأولى وقد فلس سيده قال: فلا يكون له قليل ولا كثير ولا محاصة له في ذلك ولا شيء لغرماء المكاتب من هذا الرهن وإن مات سيده فكذلك أيضا لا يكون له منه شيء من الأشياء كان الرهن قد تلف أو لم يتلف. وقال غيره من الرواة: كان الرهن في أصل الكتابة أو بعدها ليس هو انتزاعا والسيد ضامن له إن تلف ولا يعلم ذلك إلا بقوله: فإن كانت قيمته دنانير والذي على المكاتب دنانير كانت قصاصا بما على المكاتب؛ لأن وقفها ضرر عليهما جميعا ليس لواحد منهما في وقفها منفعة إلا أن يتهم السيد بالعداء عليها ليتعجل الكتابة قبل وقتها فيغرم ذلك ويجعل على يدي عدل، وإن كانت الكتابة عروضا أو طعاما فالقيمة موقوفة لما يرجو من رخص ما عليه فيشتريه باليسير من العين وهو يحاص بالقيمة الغرماء في الموت والفلس ولا يجوز أن يكاتبه ويرتهن الثمن من غير مكاتبه فيكون مثل الحمالة بالكتابة وذلك ما لا يجوز.

باب الحمالة في الكتابة
قال: وسمعت مالكا، وسئل عن رجل كاتب جاريته فأتى رجل له فقال: أنا أضمن لك كتابة جاريتك وزوجنيها، واحتل علي بما كان لك عليها من الكتابة ففعل وزوجه إياها واحتال عليه به، ثم إن الجارية ولدت من الرجل بنتا ثم هلك الرجل بعد ذلك قال: قال مالك: تلك الحمالة باطل والأمة مكاتبة على حالها وابنته أمة لا ترث أباها وميراثه لأقرب الناس منه سواها.

في الأخ يرث شقصا من أخيه مكاتبا
قلت: أرأيت لو أني وأخا لي من أبي ورثنا مكاتبا من أبينا وهو أخي لأمي أيعتق علي أم لا؟ قال: أما نصيبك منه فهو موضوع عن المكاتب من سعايته ويسعى لأخيك في نصيبه ويخرج حرا، لأن مالكا قال: من ورث شقصا من ذوي رحم من المحارم الذين يعتقون عليه إذا ملكهم لم يعتق عليه إلا ما ورث من ذلك ولم يعتق عليه نصيب صاحبه؛ لأنه لم يبتدئ فسادا ولو أوصى له بنصف هذا المكاتب فقبله أو وهب له أو تصدق به

في المكاتب يولد له في كتابته أو يشتري ولده بإذن السيد أو بغير إذنه فيتجرون ويتقاسمون بإذن المكاتب أو بغير إذنه
قلت: أرأيت أولاد المكاتب إذا أحدثوا في الكتابة فبلغوا رجالا فاتجروا وباعوا وقاسموا أيجوز ذلك وإن كان بغير إذن الأب؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك إذا كانوا مأمونين.
قلت: أرأيت إذا اشترى المكاتب ابنه أو أباه أيدخلان معه في الكتابة أم لا؟ قال: قال مالك: إذا اشترى ابنه دخل معه في الكتابة والأب عندي مثله، وأنا أرى أن كل ذي محرم يعتق عليه إذا اشتراه الحر فكذا إذا اشتراه المكاتب بإذن السيد دخل معه في الكتابة وما اشترى من ذوي محارمه ممن لا يعتق عليه أن لو اشتراه وهو حر فلا أرى أن يدخل في الكتابة ولو اشتراه بإذن سيده، قال: وإذا اشتراهما الأب أو الابن بإذن السيد دخلا معه في الكتابة.
قلت: فإن اشتراهما بغير إذن السيد أيدخلان معه في الكتابة أم لا؟ قال: أرى أن لا يدخلا معه في الكتابة.

قلت: أفيبيعهما إن أحب؟ قال: لا أرى أن يبيعهما إلا أن يعجز عن الأداء فيبيعهما بمنزلة أم الولد.
قلت: أرأيت إن اشتراهما بغير إذن السيد فاتجرا وقاسما بغير إذن المكاتب أيجوز شراؤهما وبيعهما ومقاسمتهما بغير إذن المكاتب أم لا؟ قال: لا أحفظ هذا عن مالك، ولكن أرى أنه لا يجوز لهما أن يتجرا إلا بإذن المكاتب ألا ترى أن أم الولد ليس له أن يبيعها وليس لها أن تتجر إلا بأمره فعلى أم الولد رأيت هذين.
قلت: أرأيت إذا اشترى أباه أو ابنه بإذن سيده ثم اتجرا وقاسما شركاءهما بغير إذن المكاتب أيجوز هذا؟ قال: نعم هذا جائز وإن لم يأذن له في ذلك المكاتب؛ لأنه قد دخل في كتابته حين اشتراه وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن احتاج أو عجز وقد اشترى أباه وابنه بإذن السيد أيكون له أن يبيعهما أم لا؟ قال: ليس له أن يبيعهما، وإذا عجز وعجزوا كانوا كلهم رقيقا لسيده.
قلت: وهذا قول مالك، قال: قال مالك: إذا اشترى المكاتب ابنه أو أباه بإذن سيده دخل في الكتابة.
قال ابن القاسم: وأنا أرى إن اشتراهما بغير إذن سيده أن له أن يبيعهما إن خاف العجز.
قلت: أرأيت إن اشترى أمه قال: لم أسمع من مالك فيها شيئا وأرى الأم بمنزلة الأب.
قلت: وكل من اشتراه إذا دخل معه في كتابته جاز شراؤه وبيعه ومقاسمته شركاءه ومن لم يدخل مع المكاتب في الكتابة إذا اشتراه لم يجز شراؤه ولا بيعه ولا مقاسمته إلا بإذن المكاتب، قال: نعم.

في اشتراء المكاتب ابنه أبويه
في اشتراء المكاتب ابنه أو أبويه
قلت: أرأيت المكاتب يشتري ابنه قال: لا يجوز له ذلك إلا أن يأذن له سيده، فإن أذن له سيده جاز ذلك وكان هو والمكاتب في الكتابة إلا أن يكون عليه دين فلا يدخل في كتابة الأب، وإن أذن له سيده وكذلك بلغني عن بعض من أرضاه.
قلت: أرأيت المكاتب يشتري أبويه أيدخلان معه في الكتابة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أني أراهما بمنزلة الولد.

قلت: أرأيت المكاتب إن اشترى ولد ولده بإذن سيده أيدخلون معه في الكتابة؟ قال: نعم أرى ذلك، وإنما الذي بلغني في ولده.
قلت: فإن اشترى ابنه بإذن بغير إذن سيده؟ قال: لم يبلغني عن مالك فيه شيء، ولكن لا أرى أن يدخل في كتابته ولا أرى أن يفسخ البيع إذا كان بغير إذن السيد؛ لأنه ليس للمكاتب أن يدخل في كتابته أحدا إلا برضا سيده، ولا يشبه هذا ما ولد له في الكتابة؛ لأن سيده لا يقدر أن يمنعه من وطء جاريته، وما حدث من ولد في كتابته فإنما هو شيء منه بعد الكتابة فهو بمنزلته، ألا ترى أن العبد المعتق إلى سنين أو المدبر إنما ولده من أمته الذين ولدوا له بعدما عقد له من ذلك بمنزلته، وأما ما اشترى من ولده الذين ولدوا قبل ذلك فليسوا بمنزلته إلا أن السيد إذا مات ولم ينتزع ماله أو مضت سنو المعتق ولم ينتزع سيده ماله تبعه ما اشترى من ولده وكانوا أحرارا عليهم إذا عتقوا، وكذلك ولد المكاتب إذا اشتراه بغير إذن سيده فإنه حر إذا أدى جميع كتابته، وليس للمكاتب أن يبيع ما اشترى من ولده إلا أن يخاف العجز، فإن خاف العجز جاز له بيعهم بمنزلة أم ولده فلا يمكن من بيعها إلا أن يخاف العجز، وأما المدبر والمعتق إلى سنين فلهم أن يبيعوا ما اشتروا من أولادهم إذا أذن لهم في ذلك ساداتهم.
قال ابن القاسم: وولد المعتق والمدبر من أمتيهما بمنزلتهما وما اشتريا من أولادهما مما لم يولد في ملكهما فقد أعلمتك أن السيد إذا أذن في ذلك جاز بيعهم إياهم إلا أن يكون أذن السيد عند تقارب عتق المعتق إلى سنين أو يأذن في مرضه للمدبر في بيع ما اشترى من ولده في مرضه فلا يجوز، وإنما يجوز ذلك لهم بإذن ساداتهم في الموضع الذي لو شاء ساداتهم أن ينتزعوهم انتزعوهم.
قلت: فإن اشترى المكاتب أبويه بإذن سيده أيدخلان معه في الكتابة؟ قال: نعم، وكل من اشترى ممن يعتق على الرجل إذا ملكه، فإن المكاتب إذا اشتراه بإذن سيده دخل معه في كتابته ويصير إذا اشتراه بإذن سيده كأنه كاتب عليه وكأن السيد كاتبهم جميعا كتابة واحدة، وهو رأيي وقد سمعته من غيري واستحسنته.
قلت: أرأيت المكاتب إذا اشترى ابنه صغيرا أو كبيرا أيجوز شراؤه وبيعه إياه في قول مالك أم لا؟ قال: بلغني عن مالك قال: لا يشتري ولده إلا بإذن سيده، فإن اشتراه بإذن سيده دخل معه في كتابته وذلك إذا لم يكن على المكاتب دين، فإن كان عليه دين لم يجز شراؤه إلا بإذن أهل الدين.

قال ابن القاسم وأنا أرى: أن كل من يعتق على الرجل، فإن المكاتب إذا اشترى أحدا منهم بإذن سيده دخل معه في الكتابة.
قلت: أرأيت إن اشترى ولده بغير إذن سيده قال: لا يباعون ولا يدخلون معه في الكتابة وإن احتاج إلى بيعهم وخاف العجز باعهم في كتابته.
قلت: أرأيت ولد الولد إذا اشتراهم المكاتب بإذن السيد أيكونون في كتابته؟ قال: نعم بمنزلة الولد يكونون في كتابته إذا اشتراهم بإذن السيد ولا يكون له أن يبيعهم.
قلت: فإن اشترى ولد ولده بغير إذن سيده قال: لا أرى له أن يبيعهم ولا يدخلون معه في كتابته ويوقفون، فإن احتاج إلى بيعهم في الأداء عن نفسه كان ذلك له.
قال ابن القاسم: وأصل هذا أن تنظر إلى كل من إذا اشتراه الرجل الحر من قرابته عتق عليه فإذا اشتراهم المكاتب بإذن السيد دخلوا معه في الكتابة وإن اشتراهم بغير إذن السيد لم يجز له أن يبيعهم ويحبسهم عليه، فإن عتق عتقوا بعتقه إلا أن يكون يحتاج إلى بيعهم في الأداء عن نفسه إذا خاف العجز فلا بأس أن يبيعهم.

المكاتب يشتري عمته أو خالته
قال: وقال مالك: في العمات والخالات إذا اشتراهن الرجل الحر باعهن، وكذلك الأعمام، فكذلك المكاتب.
وقال أشهب عن مالك: يدخل الولد والوالد إذا اشتراهم بإذن السيد ولا يدخل الأخ.
قال ابن نافع وغيره: لا يدخل في الكتابة إلا الولد فقط إذا اشتراهم بإذن السيد؛ لأن المكاتب له أن يستحدث الولد في الكتابة فإذا اشتراه بإذن سيده فكأنه استحدثه، ولا يدخل الوالد ولا غيره في كتابته وإن اشتراهم بإذن سيده.

سعاية من دخل مع المكاتب إذا أدى المكاتب
قلت: أرأيت من دخل في كتابة المكاتب إلا أنه لم يعقد الكتابة عليه فمات الذي عقد الكتابة أيكون لهؤلاء الذين دخلوا في الكتابة أن يسعوا على النجوم بحال ما كانت أم يؤدون الكتابة حالة في قول مالك؟ قال: يسعون في الكتابة على نجومها.

في ولد المكاتب يسعون معه في كتابته
قلت: أرأيت إن كاتبت أمة لي فولدت في كتابتها ولدا ألي سبيل على ولدها في السعاية؟ قال: أما ما دامت الأم على نجومها فلا سبيل لك إلى ولدها وللأم أن تسعيهم معها، فإن أبوا وآجرتهم فإن كان في إجارتهم مثل جميع الكتابة والأم قوية على السعي لم يكن لها أن تأخذ من عمل الأولاد مما في أيديهم إلا ما تقوى به على أداء نجومها وتستعين بهم على نجومها، فإن ولد لها ولدان في كتابتها ثم ماتت سعى الولدان فإن زمن أحد الولدين فإن الآخر الصحيح يسعى في جميع الكتابة ولا يوضع عنه لموت أمه ولا لزمانة أخيه شيء عند مالك.

باب في سعاية أم الولد
قلت: أرأيت مكاتبا ولد له ولدان في كتابته ثم كبرا فاتخذ كل واحد منهما أم ولد إلا أن أولاد الولدين هلكوا جميعا ثم مات الأب ما حال أم ولد الأب؟ قال: تسعى عند مالك مع الولدين، فإذا أدوا عتقت معهم.
قلت: فإن مات أحد الولدين قبل الأداء فترك أم ولده قط ولم يترك ولدا وقد هلك والده قبل ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأراها أمة تعتق في ثمنها هذا الباقي الآخر ولا يرجع عليها السيد بشيء
قال سحنون: لأن حرمتها لسيدها ولولده منها أو من غيرها فإذا ذهب الذي به ثبتت حرمتها قبل أن تتم له حرمة صارت أمة يستعان بها في الكتابة.

في المكاتب يولد له ولد من أمته فيعتقه سيده هو بعينه
قلت: أرأيت المكاتب إذا ولد له من أمته بعد الكتابة ثم أعتق السيد الأب قال مالك: لا يجوز عتقه إن كان قويا على السعي، وإن كان لا يقوى على السعي جاز عتقه، فإن كان للأب ما يؤدي عنهم أخذ من ماله وعتقوا.
وقال غيره: إذا رضي العبد بالعتق إذا كان له مال يعتق فيه الولد فليس ذلك له؛ لأن السيد يتهم أن يكون إنما أراد تعجيل النجوم قبل وقتها.
قال ابن القاسم: وإن لم يكن له من المال ما يعتقون به وفيه ما يؤدي عنهم إلى أن يبلغوا السعي أخذ ذلك وأدى عنهم إلى أن يبلغوا السعي ويسعون، فإن أدوا عتقوا وإن

في الرجل يكاتب عبده وهو مريض
قلت: أرأيت إن كاتب عبده وهو مريض وقيمة العبد أكثر من الثلث، قال: يقال لهم: امضوا الكتابة، فإن أبوا أعتقوا من العبد مبلغ ثلث مال الميت بتلا وذلك إذا لم يبلغ الثلث قيمة العبد قال: وقال لي مالك: ما باع المريض أو اشترى فهو جائز إلا أن يكون حابى، فإن حابى كان ذلك في ثلثه.
قلت: فإن كاتب عبده وهو مريض ولم يحابه فأدى كتابته قبل موت السيد أيعتق ولا يكون عليه شيء بمنزلة بيع المريض وشرائه في مرضه في قول مالك أم ماذا يكون على المكاتب؟ قال: ما أراه إلا مثل البيع إنه حر ولا سبيل للورثة عليه ولا كلام لهم فيه، وقال غيره: الكتابة في المرض بمحاباة أو بغير محاباة من ناحية العتق وليس من وجه البيع، وكذلك قال عبد الرحمن في الذي عليه الدين: إنه لا يكاتب؛ لأن كتابته على وجه العتق ليس على وجه البيع.
وقال غيره: والمكاتب في المرض يكون موقوفا بنجومه، فإن مات السيد والثلث

يحمله جازت كتابته وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في أن يجيزوا له الكتابة أو يعتقوا منه ما حمل الثلث بما في يديه من الكتابة وهذا قول أكثر الرواة.
قلت: فإن كاتب عبده وهو صحيح ثم مرض السيد فأقر في مرضه أنه قبض جميع الكتابة؟ قال: إن كان للسيد أولاد فلا يتهم السيد أن يكون مال بالكتابة عن ولده إلى مكاتبه بقوله: قد قبضت جميع الكتابة، فذلك جائز وهو في جميع ذلك مصدق وهو حر وإن لم يكن له ولد وكان الثلث يحمله قبل قوله ولا يتهم؛ لأنه لو أعتقه جاز عتقه وإن كان يورث كلالة ولم يحمله الثلث لم يقبل قوله إلا ببينة.
وقال غيره: إذا اتهم بالميل معه والمحاباة له حمله الثلث أو لم يحمله لم يجز إقراره له؛ لأنه في إقراره لم يرد به الوصية فيكون في الثلث وإنما أراد أن يسقطه من رأس المال فلما لم يسقط من رأس المال لم يكن في الثلث ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وقد قاله عبد الرحمن أيضا غير مرة.
قلت: فإن كان إنما كاتبه في مرضه وأقر في مرضه أنه قد قبض منه جميع الكتابة؟ قال: أرى إن كان ثلث الميت يحمله عتق كان له ولد أو لم يكن له ولد وكان بمنزلة من ابتدأ العتق في مرضه، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة، فإن أحبوا أن يمضوا كتابته فذلك لهم؛ لأنه لو أعتقه فلم يجيزوا عتق ثلثه وإن أبوا عتق ثلثه وكان ثلثاه رقيقا لهم.
وقد قال غيره: إن الكتابة في المرض من الثلث؛ لأنها عتاقة، والعتاقة موقوفة والمكاتب موقوف بالنجوم.
قال سحنون: وقد أنبأتك أنها ليست من ناحية البيع؛ لأن ما يؤدي المكاتب إنما هو جنس من الغلة.

فيمن كاتب عبده في مرضه ويوصي بكتابته لرجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا كاتب عبدا له في مرضه بألف درهم وقيمة العبد مائة درهم فأوصى بكتابته لرجل، والثلث لا يحمل الكتابة وهو يحمل الرقبة؟ قال: أرى أن الرقبة تقوم، فإن خرجت من الثلث جازت كتابته؛ لأن الميت إنما كاتبه في مرضه، وجازت وصية الموصى له بمنزلة الذي يوصي بعتق عبده إلى عشر سنين وبخدمته لآخر، فإن حمل الثلث جازت وصية العتق والخدمة؛ لأن الوصيتين واحدة دخلت وصية الخدمة في الرقبة.

قلت: فإن كانت رقبة العبد أكثر من الثلث والمسألة بحال ما وصفت لك فأبت الورثة أن يجيزوا الكتابة؟ قال: يقال للورثة: أعتقوا من العبد مبلغ ثلث مال الميت حيثما كان.
قلت: فإن أعتقوا من العبد مبلغ الثلث من مال الميت حيثما كان أتسقط وصية الموصى له بالكتابة؟ قال: نعم؛ لأن العتق مبدأ على الوصايا، وقد كان في وصية هذا عتق ووصية بمال فلما صارت عتقا بطلت الوصية بالمال.
قلت: أرأيت لو أن رجلا كاتب عبده في مرضه وقيمة العبد أكثر من ثلثه وورثة الميت كبار كلهم فأجازوا في مرض الميت قبل موته ما صنع من كتابة عبده ذلك، فلما مات الميت قالت الورثة: لا نجيز، قال: ليس ذلك لهم عند مالك وكتابته جائزة عليهم.

في الوصية لرجل بمكاتب
قال: وقال مالك: لو أن رجلا أوصى لرجل بكتابة مكاتبه وقيمة مكاتبه نفسه مائة درهم وعليه من الكتابة ألف درهم وترك من المال مائتي درهم قال: إن حمله الثلث كانت الكتابة للموصى له بحال ما وصفت لك؟ قال: وقد حمل الثلث الوصية ألا ترى أنه إذا أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع كتابته فإنما ينظر إلى الأقل من قيمة الرقبة أو قيمة الكتابة.
قال عبد الرحمن وابن نافع: قيمة الكتابة، وقال أكثر الرواة: ليس قيمة الكتابة ولكن الكتابة، قالوا كلهم: فأي ذلك حمل الثلث جازت الوصية بالعتق، فكذلك إذا أوصى لرجل برقبة المكاتب أو بما عليه فكما وصفت لك.
وقال مالك: وإذا أوصى رجل لرجل بثلث ماله كان الموصى له شريكا للورثة في كل ما ترك الميت من دار أو عرض أو أرض أو شيء من الأشياء وهو كأحد الورثة بوصيته التي أوصى له بها، فالمكاتب بمنزلة ما سواه من مال الميت يكون الموصى له شريكا فيما على المكاتب.

في الرجل يوصي بأن يكاتب عبده
قال: وقال مالك: إذا أوصى رجل أن يكاتب عبده والثلث يحمله فذلك جائز، ويكاتب كتابة مثله في قوته وأدائه. وليس كل العبيد سواء أن منهم من عنده الصنعة والرفق في العمل والحرفة ومنهم من ليس ذلك عنده، وإنما يكاتب على قدر قوته. قال

في الوصية للمكاتب
قلت: أرأيت إن وهب له سيده نجما من أول نجومه أو من آخرها أو من وسطها أو تصدق به عليه أو أوصى له به وذلك كله في مرضه ثم مات السيد؟ قال: قال مالك: يقوم ذلك النجم، فينظر كم قيمته من جميع الكتابة ثم يعتق من العبد بقدر ذلك النجم ويسقط ذلك النجم بعينه إن وسعه الثلث، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة، فإن أحبوا أن يضعوا ذلك النجم بعينه عن المكاتب ويعتقوا قدره من المكاتب وإلا عتق من المكاتب ما حمل الثلث من مال الميت ووضع عنه من الكتابة كلها ما حمل الثلث ويوضع عنه من كل نجم قدر ذلك ولا يكون ما وضع عنه في ذلك النجم بعينه إن لم يسعه الثلث إذا لم يجيزوا؛ لأن الورثة لما لم يجيزوا الوصية بطلت الوصية في ذلك النجم بعينه وعادت الوصية إلى الثلث، فلما عادت إلى الثلث عتق من رقبة العبد مبلغ ثلث مال الميت وقسم ما عتق من المكاتب على جميع النجوم، فإن كان الذي عتق من المكاتب في ثلث مال الميت الثلثين وضع عنه من كل نجم ثلثاه، وإن كان أقل من ذلك أو أكثر فعلى هذا يحسب.
قلت: فكيف يقوم هذا النجم؟ قال: يقال: ما يسوى نجم كذا وكذا من كتابة هذا المكاتب يسمى المكاتب وهو كذا وكذا ومحله إلى كذا وكذا بالنقد، وما يسوى جميع النجوم بالنقد ومحل كل نجم إلى كذا وكذا وهي كذا وكذا بالنقد فينظر ما ذلك النجم من هذه النجوم كلها، فإن حمله الثلث عتق من المكاتب بقدره من النجوم ووضع عنه ذلك النجم بعينه عن المكاتب وسعى فيما بقي.
قلت: أرأيت المكاتب إذا أوصى له سيده بعتقه كيف يقوم؟ قال: ينظر إلى الأول من قيمة كتابته أو قيمة رقبته، فإن كانت قيمة كتابته أقل قومت كتابته فجعلت تلك القيمة في الثلث وإن كانت رقبته أقل قوم على حاله عبدا مكاتبا، وقوته على الأداء كذا وكذا يقوم على حال قوته على الأداء وجزائه فيها كما لو أن رجلا قتله قومت رقبته بحال قوته على كتابته.

المكاتب يوصي بدفع الكتابة
قال: وقال مالك: إن أدى المكاتب كتابته في مرضه جازت وصيته في ثلث ما بقي

في بيع المكاتب أم ولده
قلت: أرأيت المكاتب إذا ولدت منه أمته بعد الكتابة أو قبلها وكانت حين كاتب عنده أم ولد له أيضا أخرى أيكون له أن يبيع واحدة منهما؟ قال: أما التي ولدت قبل الكتابة فليست بأم ولد له؛ لأنها ولدت قبل الكتابة فليست بأم ولده وله أن يبيعها. ألا ترى أن ولدها لغير المكاتب وهي بمنزلة أم ولد العبد يعتقه سيده فلا تكون بذلك الولد أم ولد والعتق أوكد من الكتابة، وأحرى أن تكون أم ولد، فليس ذلك لها في العتق فكيف في الكتابة؟ وأما التي ولدت منه بعد الكتابة فإن مالكا قال: إذا ولدت بعد الكتابة فهي أم ولد ولا يستطيع بيعها إلا أن يخاف العجز وهو رأيي، ومما يستدل به على القوة في هذا القول أنه قد أعتقها مالك بعد موت المكاتب إذا ترك المكاتب مالا فيه وفاء بالكتابة وترك ولدا تعتق بعتقهم، وإن هو لم يترك مالا سعت أم الولد على ولد المكاتب منها ومن غيرها إذا كانت تقوى على السعي مأمونة عليه وهم لا يقوون، فإنها تسعى في الوجهين جميعا معهم وعليهم، وهذا قول مالك. قال مالك: فإن هلك المكاتب ولم يترك ولدا معه في الكتابة وترك مالا فيه وفاء لكتابته وترك أم ولده كانت رقيقا لسيد المكاتب وكان جميع المال لسيد المكاتب ولا عتق لأم الولد؛ لأن المكاتب لم يترك ولدا يعتق بعد موته فتعتق أم الولد بعتق ولده.
قلت: أرأيت المكاتب إذا اشترى أمة فولدت منه أو اشترى أمة قد كان تزوجها فاشتراها وهي حامل منه فوضعت في ملكه أيجوز له أن يبيعها في قول مالك؟ قال: قال مالك: المكاتب لا يبيع أم ولده إلا أن يخاف العجز، فإن خاف العجز كان له أن يبيعها.
قلت: فإن أراد أن يشتري المكاتب أمة قد كان تزوجها وهي حامل منه أللسيد أن يمنعه من شرائها؛ لأن السيد يقول: لا أدعك أن تشتري جارية لا تقدر على بيعها؟ قال: ليس للسيد أن يمنعه من ذلك؛ لأنها لا تكون أم ولد ولأن الولد لا يدخل في كتابته إذا لم يأذن له سيده فليس للسيد أن يمنعه من شرائها، ولو اشتراها بإذن سيده فولدت ذلك الولد في كتابته كانت به أم ولد؛ لأنه دخل في كتابته.
يونس بن يزيد، عن ربيعة في مكاتب قد قضى أكثر الذي عليه أو بعضه أو دون

ذلك استسرر وليدة فولدت له كيف يفعل بها وبولدها إن مات المكاتب، ولعله أن يكون قد ترك دينا عليه للناس أو ترك مالا أو لم يترك؟ قال ربيعة: إن ترك المكاتب مالا يعتق فيه ولدا ويكون فيه وفاء من الذي عليه، عتق ولده وعتقت أمهم؛ لأنه لا ينبغي لولدها أن يملكوها إذا دخلت عليهم فضلا في ماله، وإن توفي أبوهم معدما كان ولده أرقاء لسيده وكانت أم ولده في دينه وذلك لأن أم ولده من ماله وأن ولده ليس بمال له.

في المكاتب يموت ويترك ولدا أو أم ولد فخشي الولد العجز أيبيع أم ولد أبيه أمة كانت أو غيرها
قلت: أرأيت المكاتب إذا مات وترك ابنا حدث في الكتابة وأم الولد حية وهي أم ولد المكاتب فخشي الابن العجز أيكون له أن يبيع أمه في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كانت مع أمه أمهات أولاد للمكاتب فأراد الابن أن يبيع بعضهم إذا خشي العجز أيكون له أن يبيع أيتهن شاء أمه كانت أو غيرها وهل له أن يبيع جميعهن وفي ثمنهن فضل عن الكتابة؟ قال: قال مالك: إذا خيف عليه العجز بيعت أمهم كانت أو غير أمهم إنما ينظر إلى الذي فيه نجاتهم فتباع كانت أمهم أو غيرها، وأرى أن لا يبيع أمه إذا كان في سواها من أمهات أولاد أبيه كفاف بما يعتق به إلا أن يخاف العجز فيبيع أمه وغيرها.
ابن وهب، عن يونس، عن أبي الزناد أنه قال: تباع معهم أم ولد المكاتب في دينه، فأما ولده فإنهم لسيد المكاتب؛ لأن أم ولده من ماله وليس من ولده من ماله.
ابن وهب، عن يونس، عن ربيعة أنه قال: في مكاتب اشترى أمة بعد كتابته فولدت له أولادا فأعدم بدين عليه أو عجز عن كتابته أو كانت له يوم كاتب فهي بمنزلة ماله تصير إلى ما يصير إليه ماله من غريم أو سيد إن باعها وإن كانت قد ولدت له، وإنما تكون عتاقة أم الولد لمن ثبتت حرمته وكان حرا يجوز له ما يجوز للحر في ماله؟ وإن كاتب على نفسه وولده وأم ولده ثم توفي وكان فيمن كاتب قوة على الاستسعاء سعوا وسعى الكبير على الصغير وذلك لأنهم دخلوا معه في الكتابة فليس لهم أن يعجزوا حتى لا يرجى عندهم شيء. قال: وإن كان أبوهم ترك مالا فقد كانت لهم معونة ماله وليس لهم أصله إن أفلسوا أو أجرموا جريمة، فالمال يدفع إلى سيده فيقاضون به من آخر كتابتهم، فإن أدوا كل ما عليه بعده فلا يدفع إليهم؛ لأنه ليس لهم أصله وهو لا يؤمن عليه التلف إذا كان بأيديهم، فإن كانوا صغارا لا يقوون فهم أرقاء ولسيدهم ذلك المال، وإن

كان فيهم من يقوى استسعى بقوته وبذات يده على نفسه وعلى من دخل في الكتابة معه وكانت معونة ما ترك أبوهم قصاصا لهم من آخر كتابته. قال: وإن ترك مالا وسرية قد ولدت ولدا فماتوا فهي والمال لسيده وذلك لأن سيدها توفي وهم على حال من الحرمة لا يجوز لهم عتاقة، فلذلك لا تعتق؛ لأن حرمة ولدها الهالك وسيدها لم تبلغ أن يعتق بمنزلتهم أحد لا ولد ولا أم ولد.

المكاتب يموت ويترك ولدا حدثوا في الكتابة ومالا وفاء بالكتابة وفضلا
قال: وقال مالك: إذا كاتب الرجل عبده فحدث له أولاد في الكتابة من أمة له فهم معه في الكتابة لا يعتق منهم أحد إلا بأداء جميع الكتابة، فإذا أدوا جميع الكتابة عتقوا كلهم، وإن عجزوا عن الكتابة فذلك لهم كلهم رق، فإن مات الأب عن مال فيه وفاء بالكتابة وفضل أدى إلى السيد الكتابة وكان ما بقي للولد الذين حدثوا في الكتابة على فرائض الله لا يرث في ذلك ولد المكاتب الأحرار ولا زوجته ولا لسيده في تلك الفضلة شيء إذا كان الولد الذي حدث في الكتابة ذكرا؛ لأنه يجوز جميع الميراث بعد أداء الكتابة، فإن كان الولد ذكورا وإناثا فإن للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كن إناثا كلهن أخذن مواريثهن وكان ما بقي للسيد بالولاء، وأصل قولهم حين منعوا السيد فضلة المال بعد أداء الكتابة؛ لأنهم قالوا: لم يمت المكاتب عاجزا فلا يكون للسيد بعد أداء الكتابة من مال العبد شيء إلا أن يعود إلى السيد عاجزا، فهو لما مات وترك من يقوم بالأداء لم يمت عاجزا فلا يكون للسيد في هذا المال قليل ولا كثير إلا كتابته وما بقي فهو لمن قام بأداء الكتابة إذا كان وارثا، ولا يكون للأحرار من ورثته الذين لم يكونوا معه في هذه الكتابة من هذا الميراث شيء؛ لأن المكاتب مات قبل أن تتم حرمته ولم يمت عاجزا، فلم يجعل للورثة الأحرار من الميراث الذي ترك بعد أداء الكتابة شيء، ولا يكون للسيد من الذي ترك بعد أداء الكتابة شيء؛ لأنه لم يمت عاجزا فصار بقية مال الميت بعد أداء الكتابة لولده الذين كانوا معه في الكتابة أو لولد إن كان عقد الكتابة معه أو لوارث إن كان عقد الكتابة معه دون ورثته الأحرار ودون السيد الذي عقد له الكتابة؛ لأن لهم ماله من عقد الحرية مثل ما كان في المكاتب. وفيهم من الرق مثل ما كان في المكاتب وقد مات المكاتب وعقد الحرية التي عقد السيد هي فيه لم يبطل ذلك العقد ولا يبطله إلا العجز والمكاتب مات غير عاجز ألا ترى أنه إذا عجز رجع رقيقا، وهو لما مات وترك من يقوم بأداء الكتابة لم يمت عاجزا؛ لأن العقد لم ينحل ولا يرثه ورثته الأحرار؛ لأن في المكاتب

الميت بقية من الرق لم تتم حرمته قبل موته ولا يرث الأحرار من مات وفيه من الرق شيء، وقد بينت لك من أين منع مالك ورثته للرق الذي بقي فيه، ومن أين منع السيد من بقية المال بعد أداء الكتابة؛ لأنه لم يمت عاجزا ولم تنحل العقدة التي جعل فيه سيده من الحرية فورثه ورثته الذين هم بمنزلته وفيهم من الرق مثل الذي في الميت وفيهم من عقد الحرية مثل الذي في الميت، وإن كان المكاتب الميت لم يترك إلا بنتا واحدة كانت في الكتابة وترك مالا فيه وفاء بالكتابة وفضل فإنه يؤدي إلى رب الكتابة كتابته ويكون للبنت نصف ما بقي وللسيد ما بقي، وإن كان له ولد أحرار ليسوا في الكتابة لم يرثوا ما بقي من المال بعد الذي أخذت الابنة ألا ترى لو أن البنت لم تكن فمات المكاتب وله ولد أحرار كان جميع المال للسيد دون ولده الأحرار، فالسيد يحجب ولده الأحرار ولم يحجب البنت عن نصف جميع ما ترك المكاتب فنحن إن جعلنا لولده الأحرار ما بقي من المال بعد الذي أخذ السيد من كتابته وأخذت البنت من ميراثها رجع السيد عليهم فقال: أنا أولى بهذا المال منكم؛ لأني لو انفردت أنا وأنتم بمال هذا المكاتب بعد موته كنت أنا أولى بالمال منكم فلي أنا فضلة المال بعد ميراث الابنة؛ لأنه مات ولي فيه بقية من الرق.
قال مالك: وإن مات المكاتب عن مال فيه وفاء وفضل ولم يترك معه في الكتابة من ورثته أحدا وله ورثة أحرار فالمال للسيد دون ورثته الأحرار؛ لأن المكاتب مات ولم يفض إلى الحرية ولم يترك من يقوم بأداء الكتابة فمات عاجزا فلذلك جعلنا المال للسيد لأنه قد عجز حين لم يترك في كتابته من يقوم بدفع الكتابة ولا ترثه ورثته الأحرار للرق الذي كان فيه، فإن مات هذا المكاتب عن وفاء وفضل ومعه في الكتابة أجنبيون ليسوا له بورثة فإنه يؤدي إلى السيد الكتابة كلها من مال الميت ويعتق جميعهم وتكون فضلة المال إذا أدى الكتابة للسيد لأنهم لا رحم بينهم يتوارثون بها، ولا يكون لورثة الميت الأحرار من المال الذي بقي بعد أداء الكتابة شيء؛ لأن الذين معه في الكتابة إن كانوا قد قاموا بأداء الكتابة فلم يمت عاجزا بعد، ومات وفيه من الرق بقية ورثة من له فيه بقية ذلك الرق ويرجع السيد على الذين كانوا معه في الكتابة بقدر حصصهم الذي أدوا من مال الميت.
ابن وهب، عن الليث بن سعد أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: إذا توفي المكاتب وقد بقي عليه من كتابته شيء وله ولد من أمة له كان ولده بمنزلته يسعون في كتابته حتى يوفوها على ذلك أدركنا أمر الناس.
ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أنه قال: إن كانوا ولدوا بعد كتابته

استسعوا في الذي على أبيهم فإن قضوا فقد عتقوا وهم بمنزلة أبيهم لهم ماله وعليهم كتابته، وإن كانوا ولدوا وهو مملوك ثم كاتب عليهم فقد دخلوا في كتابته وهم بتلك المنزلة، وإن لم يكن كاتب عليهم ولم يدخلوا في كتابته فهم عبيد لسيدهم.
ابن وهب، عن يحيى بن سعيد، عن يحيى بن أيوب مثله.
ابن وهب، عن محمد بن عمرو، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: المكاتب لا يشترط أن ما ولد له من ولد فإنه في كتابته ثم يولد له ولد قال: هم في كتابته، وقاله عمرو بن دينار.
قال ابن جريج وأخبرني محمد بن أبي مليكة: أن أمة كوتبت ثم ولدت ولدين ثم ماتت فسئل عنهما عبد الله بن الزبير فقال: إن قاما بكتابة أمهما فذلك لهما فإن قضياها عتقا، وقاله عمرو بن دينار
قال ابن وهب: وبلغني عن عبد الله بن المغيرة عن أبي بردة أن مكاتبا هلك وترك مالا وولدا أحرارا وعليه بقية من كتابته فجاء ولده إلى عمر بن الخطاب فذكروا أن أباهم هلك وترك مالا وعليه بقية من كتابته أفنؤدي دينه ونأخذ ما بقي؟ فقال لهم عمر: أرأيتم لو مات أبوكم ولم يترك وفاء أكنتم تسعون في أدائه؟ فقالوا: لا. فقال عمر: فلا إذا.
ابن وهب، عن موسى، عن علي، عن ابن شهاب، قال: إذا توفي المكاتب وعليه شيء من كتابته وله أولاد من امرأة حرة وترك مالا يكون فيه وفاء وفضل فكل ما ترك من المال لسيده الذي كاتبه لا يحمل ولد الأحرار شيئا من غرمه ولا يكون لهم فضل ماله، وإن توفي وله ولد من أمهات أولاده وترك من المال ما فيه وفاء لكتابته وفضل، فالفضل عن الكتابة لولده الذين من أمهات أولاده، وإن لم يترك وفاء لكتابته سعى الولد في الذي كان على أبيهم.
ابن وهب، عن عبد الجبار، عن ربيعة، أنه قال: في المكاتبة تقضي بعض كتابتها ثم تهلك وتترك أولادا فقال: إن تركت شيئا فهو لولدها ويسعون في بقية كتابتها.
ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد في رجل حر تزوج أمة وقد كاتبها أهلها فأدت بعض كتابتها وبقي بعض فتوفيت عن مال هو أكثر مما عليها ولها أولاد أحرار، قال يحيى: إن كان لها أولاد أحرار كان ما تركت من قليل أو كثير لأهلها الذين كاتبوها ولا يرث الحر العبد، وإن كانوا مملوكين قد دخلوا في كتابتها أخذ أهلها بقية

كتابتها وكان ما بقي لولدها من كان مملوكا منهم، وذلك أنهم يعتقون بعتقها ويرقون برقها.
قال: وقال مالك: إذا مات المكاتب وترك وفاء بجميع الكتابة فقد حلت كتابته كلها وإن قال ولد المكاتب الذي ولد بعد الكتابة: أنا آخذ المال وأقوم بالكتابة لم يكن ذلك له.
قال مالك: وإن لم يكن في ذلك المال وفاء وكان الابن مأمونا دفع إليه ما ترك المكاتب وقيل له: اسع وأد النجوم على محلها.
قال: ولا تحل الكتابة إذا كان المال الذي ترك المكاتب ليس فيه وفاء بجميع الكتابة ويسعى فيما بقي من الكتابة على مال الميت.
قال ابن القاسم: وإذا ترك وفاءه من الكتابة لم يترك المال في يديه ويكون على نجومه لأن ذلك تغرير إذا دفع إلى الابن لأنا لا ندري ما يحدث في المال في يد الابن، فإذا أخذه السيد عتق الابن مكانه وسلموا من التغرير لأن هذا عتق معجل.
يونس، عن ابن أبي الزناد، قال: يكون ولد المكاتب من سريته، وسريته جميعا بمنزلة المكاتب يقتضون ماله ويؤدون عنهم وعنه نجومه سنة بسنة قد مضت بهذا السنة في بلدنا قديما، وإن لم يترك مالا كان ولده من سريته وأم ولده بمنزلته وعلى مكاتبه يرقهم ما أرقه ويعتقهم ما أعتقه ويؤدون نجومه.

المكاتب يموت ويترك مالا ومعه أجنبي في الكتابة
قلت: أرأيت إن مات المكاتب وترك مالا ومعه في الكتابة أجنبي؟ قال: فإن ما ترك المكاتب يأخذه السيد من قليل أو كثير، فإن كان فيه وفاء للكتابة خرج هذا الباقي من الكتابة حرا ويتبعه سيده بجميع ما عتق به فيما ينوبه عن الكتابة مما أخذ من مال هذا الميت؛ لأنه كان ضامنا، وإن كان المال الذي ترك ليس فيه وفاء من كتابته أدى عنه ولم يعطه ثم سعى الباقي فيما بقي حتى يؤديه ثم يخرج حرا ثم يتبعه السيد بالذي صار عليه من مال المكاتب الميت بقدر ما ينوبه فيما حوسب به السيد، فإن أفلس الباقي بعد العتق حاص السيد الغرماء بذلك ولا يشبه هذا المعتق بذهب يكون عليه بعد العتق، فإن كان للمكاتب الميت ولد تبعوا المكاتب الباقي بنصف ما أدوا عنه من مال أبيهم إذا كانت الكتابة بينهم سواء إن كان السيد أخذ جميع الكتابة من مال الميت.

قال: وقال مالك: لا ترث امرأة المكاتب من زوجها المكاتب شيئا إذا ترك المكاتب مالا كثيرا فأدوا نجومه وإن كانت كتابتهم واحدة، ولا يرجع ولد المكاتب من غيرها عليها بما يصير عليها من الكتابة ولا السيد وإنما يرجع ولد المكاتب والسيد بما كان يرجع به المكاتب أن لو أدى عنهم، فالمكاتب لو كان حيا فأدى عنهم لم يرجع على امرأته بشيء وإنما يرجع ولد المكاتب وسيده على من كان يرجع عليه المكاتب، فإن كانا أخوين فهلك أحدهما وترك مالا فيه وفاء فإن السيد يأخذ جميع ما عليهما من الكتابة ويكون ما بقي للأخ دون السيد ولا يتبع السيد الأخ بشيء مما أخذ من مال المكاتب الميت؛ لأن الأخ لو كان حيا فأدى عن أخيه لم يتبعه بشيء.

مكاتب يهلك وله أخ معه أو أحد من قرابته وولد أحرار وترك مالا
قال: وقال مالك: إذا هلك المكاتب وله أخ معه في الكتابة وولد أحرار وترك مالا فيه فضل عن كتابته كان ما فضل بعد الكتابة للأخ الذي معه دون ولده الأحرار.
قلت: وكذلك لو كان معه في الكتابة جده أو عمه أو ابن عمه وله ولد أحرار؟ قال: الذي سمعت من مالك إنما هم الولد والإخوة، فأرى الوالدين والجد بمنزلة الولد وولد الولد والإخوة فأما غير هؤلاء فلا، وهو الذي حفظت من قول مالك: ولا يرث بنو العم ولا غيرهم من المتباعدين، قال مالك: ولا زوجته.
قال ابن القاسم: وأصل هذا الذي سمعت من مالك وسمعت عنه في القرابة إذا كانوا في كتابة واحدة فعجز بعضهم أن كل من كان يتبعه إذا أدى عنه فذلك الذي لا يرثه إذا مات وكل من كان لا يتبعه إذا أدى عنه فذلك الذي يرثه إلا الزوجة.

قال: ولو كاتب رجلا هو وخالته وعمته أو ابنة أخيه أو ما أشبه هذا أو رجلا وخاله فأدى بعضهم فعتق، فإنه يرجع الذي أدى على صاحبه بحصتهم من الكتابة ويرجع بعضهم على بعض عند مالك.

رجل كاتب عبده فهلك السيد ثم هلك المكاتب
قلت: أرأيت لو أن رجلا كاتب عبدا له فهلك السيد ثم هلك المكاتب بعده عن مال كثير فيه فضل عن كتابته وليس معه أحد في كتابته ولا ولد له؟ قال: قال مالك: ما ترك هذا المكاتب من مال فهو موروث بين ورثة سيده على فرائض الله من الرجال والنساء وتدخل زوجة سيده في ذلك فتأخذ ميراثها.
قلت: فإن كانت المسألة على حالها وترك بنتا؟ قال: فإن للبنت النصف بعد أداء الكتابة، والنصف الباقي بين ورثة سيده عند مالك ذكرهم وإناثهم وزوجته وأمه وجميع ورثته لأنهم إنما ورثوا النصف الذي كان لسيده، فلذلك قسم بين الورثة وبين كل من كان يرثه على فرائض الله.
ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج أنه سمع سليمان بن يسار يقول: إذا كاتب الرجل عبده على نفسه وبنيه فمات وعليه كتابة فإن أنس منهم رشدا دفع إلى بنيه ماله واستسعوا فيما بقي، وإن لم يؤنس منهم رشدا لم يدفع إليهم مال أبيهم.
ابن وهب، عن مخرمة بن بكير عن أبيه، قال: سمعت عروة بن الزبير واستفتي في مكاتب توفي وعليه فضل من كتابته وترك بنين له أيأخذون مال أبيهم إن شاءوا ويتمون كتابته ويكونون على نجومه؟ قال: نعم، إن اشتغلوا بذلك فإن لهم ذلك إن شاءوا.
وقال ذلك سليمان بن يسار إذا كانوا أناسا صالحين دفع إليهم، وإن كانوا أناس سوء لم يدفع إليهم.
ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم وسالما عن مثل ذلك فقالا: إن ترك مالا قضوا عنه وهم أحرار، وإن لم يترك مالا وقد أنس منهم الرشد سعوا في كتابة أبيهم بلغوا من ذلك ما بلغوا، وإن كانوا صغارا لم يستأن بالذي للرجل كبرهم يخشى أن يموتوا قبل ذلك فهم له عبيد.
ابن وهب، عن يونس، عن أبي الزناد قال: إن كان ولده كلهم صغارا لا قوة لهم بالكتابة ولم يترك أبوهم مالا فإنهم يرقون، وإن ترك أبوهم مالا أدوا نجومهم عاما بعام.

ابن وهب، عن محمد بن عمر وعن ابن جريج، عن عطاء سئل عن ذلك فقال: لا ينتظر كبر ولده بالمال فقيل له: يحمل عنهم بالمال فقال عطاء: لا، فأين نجوم سيده.
يونس، عن ابن شهاب قال: أرى أن يقضي دين الناس قبل أن يقضي أهله، فإن بقي له مال فأهله أحق به، وإن لم يبق له مال فبنوه ووليدته لأهله.

مكاتب مات وترك أم ولد لا ولد معها
قلت: أرأيت لو أن عبدا كاتب على نفسه وعلى أخ له صغير لا يعقل ثم بلغ ثم إن الذي لم يكاتب وإنما كاتب عليه أخوه هلك عن أم ولد له لا ولد معها أو هلك الذي كاتب عن أم ولد له لا ولد معها؟ قال: أراهم إماء، وما سمعت من مالك فيه شيئا وليس أحد من أمهات أولاد المكاتبين تترك تسعى إلا أم ولد هلك عنها سيدها ومعها ولد منها أو من غيرها في كتابة كانت عليهم، أو حدثوا في كتابته وهم صغار أو كبار أو كاتب هو وهم جميعا كتابة واحدة فأم الولد ههنا لا ترد في الرق إلا أن يعجز الأولاد أو يموتوا قبل الأداء.
قال: ولو أن مكاتبا كاتب معه أم ولد له في كتابة فاتخذ ولده أمهات أولاد ثم هلك ولده ولا ولد لهم وتركوا أمهات أولادهم قال: أراهم رقيقا لأبيهم يبيعهم حين لم يترك الأولاد أولادا كانوا معه في الكتابة أو كاتب عليهم أو حدثوا بعد الكتابة فأمهات الأولاد رقيق، وإن ترك الأولاد مالا كثيرا إلا أن يتركوا أولادا معهن فيعتقن بعتق السيد ويسعين بسعي الولد إن لم يكن في المال وفاء، ولو أن رجلا كاتب عبدا له كتابة على حدة وكاتب امرأته كتابة على حدة ثم ولد للمكاتب من امرأته هذه المكاتبة ولد أن الولد يدخل معها في كتابتها ولا يدخل مع الأب، فإن عتق الأب ولم تعتق الأم المكاتبة فولدها بحالها يعتق بعتقها ويرق برقها وقد مضى من قول ربيعة وغيره ما دل على هذا كله أو بعضه.
تم كتاب المكاتب من المدونة الكبرى بحمد الله وعونه ويليه كتاب التدبير.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وسلم
كتاب التدبير

ما جاء في التدبير
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: التدبير أي شيء هو في قول مالك أيمين هو أم لا؟ قال: هو إيجاب أوجبه على نفسه والإيجاب لازم عند مالك.
قلت: والتدبير والعتق بيمين أمختلف؟ قال: نعم، لأن العتق بيمين إذا عتق عليه إلا أن يكون جعل عتقه بعد موت فلان أو بعد خدمة العبد إلى أجل كذا وكذا فيكون كما قال.
وأخبرني ابن وهب، عن سفيان بن سعيد الثوري وغيره، عن أشعث، عن الشعبي، عن علي بن أبي طالب: أنه كان يجعل المدبر من الثلث.
قال: وأخبرني عن رجال من أهل العلم عن شريح الكندي وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد وبكير بن الأشج وغيرهم من أهل العلم مثله، وأخبرني ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ربيعة أنه قال في رجل دبر عبدا له ثم مات السيد وليس له مال قال: لا يرد في الرق ولكن يعتق ثلثه.
ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب وأبي الزناد: يعتق ثلثه.

في اليمين بالتدبير
قلت: أرأيت إن قال في مملوك: إن اشتريته فهو مدبر فاشترى بعضه قال: يكون مدبرا ويتقاومانه هو وشريكه مثل ما أخبرتك في التدبير.

قال سحنون: فإن أحب الشريك أن يضمه ولا يقاومه كان ذلك له للفساد الذي أدخل فيه، وإن أحب أن يتمسك فعل لأنه يقول: لا أخرج عبدي من يدي إلى غير عتق تام ناجز، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال قوم عليه"1 فذلك صريح العتق بخروج العبد من الرق إلى حرية تتم بها حرمته وتجوز شهادته ويوارث الأحرار، والتدبير ليس بصريح العتق، فأقوم عليه من يثبت له الوطء بالملك، ومن يرده الدين عن العتق فأنا أولى بالرق منه لأنه أراد بما فعل أن يخرج ما في يدي إلى غير عتق ناجز فيملك مالي ويقضي به دينه ويستمتع إن كانت جارية وليس كذلك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ابن وهب، عن يونس بن يزيد أنه سأل ربيعة عن عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه عن دبر منه قال ربيعة: عتاقته رد.

في الرجل يقول لعبده وهو صحيح أنت حر يوم أموت أو بعد موتي أن يموت فلان
في الرجل يقول لعبده وهو صحيح أنت حر يوم أموت أو بعد موتي أو موت فلان
قلت: أرأيت إن قال رجل لعبده: أنت حر يوم أموت وهو صحيح قال: سئل مالك عن رجل قال لعبده: أنت حر بعد موتي وهو صحيح فأراد بيعه بعد ذلك قال: قال مالك: يسأل فإن كان إنما أراد به وجه الوصية فالقول قوله، وإن كان إنما أراد به التدبير منع من بيعه والقول قوله في الوجهين جميعا.
قال ابن القاسم: وهي وصية أبدا حتى يكون إنما أراد به التدبير، وكان أشهب يقول: إذا قال مثل هذا في غير إحداث وصية السفر أو لما جاء من أنه لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته.
قلت: أرأيت إن قال لعبده: أنت حر بعد موتي وموت فلان. قال: هذا يكون من الثلث وكذلك بلغني عن مالك قال: لأن هذا إن مات فلان قبل موت السيد فهو من الثلث لأنه لا يعتق إلا بعد موت سيده، وإن مات السيد قبل موت فلان فهو من الثلث أيضا لأنه إنما قال: إن مت فأنت حر بعد موت فلان، وإن مات فلان فأنت حر بعد موتي وكذلك يقول أشهب.
قلت: أرأيت إن قال لعبد: أنت حر بعد موتي إن كلمت فلانا فكلمه أيكون حرا بعد موته؟ قال: نعم في ثلثه ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أراه مثل من حلف بعتق عبده إن فعل كذا وكذا أو حلف إن فعل فلان كذا وكذا فعبده حر، فهذا يلزم عند

مالك، فأرى العتق بعد الموت لازما له لأنه قد حلف بذلك فحنث فصار حنثه بعتق العبد بعد الموت شبيها بالتدبير.
قلت: أرأيت إن قال: أنت حر بعد موتي بيوم أو يومين أو شهر أو شهرين أيكون هذا مدبرا أم لا في قول مالك أم يكون معتقا إلى أجل من جميع المال؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه من الثلث لأنه إذا قال: أنت حر بعد موتي فإنما يكون من الثلث، فكذلك إذا قال: بعد موتي بشهر أو بيوم أو أكثر من ذلك قال: ومما يدل على ذلك أن الدين يلحقه وأن الآخر الذي أعتقه بعد موت فلان لا يلحقه دين وهو من رأس المال إذا كان ذلك في الصحة.
قال سحنون: وقد بينا آثار العتق إلى أجل.

في عتق المدبر الأول فالأول
قلت: أرأيت إذا دبر في مرضه ثم صح ثم دبر في صحته ثم مرض فدبر في مرضه أيضا ثم مات من مرضه ذلك؟ قال: قال مالك: في التدبير الأول فالأول أبدا إلا أن يكون التدبير في كلمة واحدة قال: وقال لي مالك: من دبر في الصحة فإنما يبدأ بمن دبر أولا ثم الذي بعده، وكذلك هذا في المرض يبدأ بمن دبر أولا ثم الذي بعده أبدا الأول فالأول حتى يأتوا على جميع الثلث، فإذا لم يبق من الثلث شيء رق ما بقي منهم ولم يكن لهم من الوصية شيء. قال: وقال مالك: وإذا دبروهم جميعا في كلمة واحدة فإنهم يعتقون جميعهم في الثلث.
قال سحنون كل تدبير يكون في الصحة وإن شيئا بعد شيء فهو في منزلة ما لو دبروهم في كلمة واحدة إذا كان ذلك قريبا ولم يتباعد ما بينهم لأن له أن يعتق بعد تدبيره ويهب ويتصدق ولا يبيع، ولا يقال له: أدخلت الضرر على المدبر، فكذلك إذا دبر بعد تدبيره الأول لا يقال له: أدخلت الضرر على الأول انتهى كلام سحنون.
قال ابن القاسم: إن حملهم الثلث عتقوا جميعهم وإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغ الثلث، فإن أتى الثلث على نصفهم أو ثلاثة أربعهم أعتق منهم مقدار ذلك، وإنما يفض ثلث الميت على قيمتهم فيعتق منهم مبلغ الثلث منهم جميعا بالسوية فإن كان الميت لم يدع مالا غير هؤلاء المدبرين عتق من كل واحد منهم ثلثه ورق ثلثاه وذلك أنا إذا فضضنا ثلث الميت على قيمتهم ولم يدع مالا غيرهم فإنه يعتق من كل واحد منهم ثلثه.

وقال مالك: في الذي يدبر عبده في الصحة ثم يمرض فيعتق بتلا قال: يبدأ بالمدبر في الصحة على بتل في المرض.
قال سحنون: وقد حدثني ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: إذا قصر الثلث فأولاهما بالعتاقة الذي دبر في حياته، وأخبرني ابن وهب، عن الليث عن يحيى بن سعيد مثله.

في المديان يموت ويترك مدبرا
قلت: أرأيت لو أن رجلا مات ولم يترك إلا مدبرا وعليه من الدين مثل نصف قيمة المدبر قال: قال مالك: يباع من المدبر نصفه ويعتق منه ثلث النصف الباقي ويرق منه ثلثا النصف الذي بقي في يدي الورثة.
قلت: فإن أحاط الدين برقبته بيع في الدين في قول مالك؟ قال: نعم، فإن باعه السلطان في الدين ثم طرأ للميت مال قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى أن ينقض البيع ويعتق إذا كان ثلث ما طرأ يحمله.

في المدبر يموت سيده ويتلف المال قبل أن يقوم
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك مالا ومدبرا فلم يقوم المدبر عليه حتى تلف المال فلم يبق إلا المدبر وحده؟ قال: قال مالك: يعتق ثلث المدبر ويرق الثلثان وما تلف من المال قبل القيمة فكأنه لم يكن وكأن الميت لم يترك إلا هذا المدبر وحده لأن المال قد تلف ولم يبق إلا هذا المدبر وحده.

في المدبر يموت سيده متى تكون قيمته أيوم يموت سيده أو يوم ينظر في قيمته
قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: حدوده وحرمته ومواريثه على مثل العبيد أبدا حتى يخرج حرا بالقيمة.
قلت: ومتى يقوم هذا المدبر في قول مالك أيوم مات سيده أم اليوم وقد حالت قيمته بعد موت سيده؟ قال: قال مالك: يقوم اليوم ولا ينظر إلى قيمته يوم مات سيده.

فيما ولدت المدبرة بعد التدبير وقبله أيكون بمنزلتها
قلت: أرأيت المدبرة إذا دبرت وفي بطنها ولد وولدت بعد التدبير أهم بمنزلتها يعتقون بعتقها في قول مالك؟ قال: نعم.
قال: وقال مالك: كل أمة مدبرة أو أم ولد أو معتقة إلى أجل أو مخدمة إلى سنين وليس فيها عتق فولدها بمنزلتها.
قلت: والعبد المدبر أو المعتق إلى سنين إذا اشترى جارية فوطئها فولدت منه أيكون ولده بمنزلته في قول مالك؟ قال: قال: نعم ولده بمنزلته في هذا الموضع.
قال: وقال مالك: كل ولد ولدته بعد التدبير قبل موت السيد أو بعد موت السيد فإنه يقوم معها فيعتق منها ومن جميع ولدها ما حمل الثلث ولا يقرع بينهم.
قال: وقال مالك: وإن كانت أمة غير مدبرة أو أوصى بعتقها فما ولدت قبل موت السيد فهم رقيق لا يدخلون معها، وما ولدت بعد موته فهم بمنزلتها يقومون معها في الثلث فيعتق من جميعهم ما حمل الثلث؛ وما ولد للعبد المدبر بعد تدبيره قبل موت سيده أو بعده من أمته فهم بمنزلته يقومون معه في الثلث؛ وما ولد للعبد الموصى بعتقه من أمته قبل موت سيده فهم رقيق. وما ولد له بعد موت سيده فهم يقومون معه، وهذا قول مالك كله وهو رأيي.
قال سحنون: وحدثنا عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: ولد المدبرة بمنزلتها يرقون برقها ويعتقون بعتقها.
رجال من أهل العلم، عن علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وابن شهاب وطاوس وعطاء بن أبي رباح مثل قول ابن عمر.
قال مالك: قد بلغني أن عبد الله بن عمر كان يقول: ولد المدبر من أمته بمنزلته يعتقون بعتقه ويرقون برقه1.
ابن وهب، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: ولد المدبر من أمته بمنزلته يرقون برقه ويعتقون بعتقه.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العتق حديث"1" لكن منسوبا إليه وليس لابن عمر وبلفظ: "إن ولدها ـ أي المدبرة ـ بمنزلتها، وإنما ذلك بمنزلة رجل أعتق جارية له وهي حامل ولم يعلم بحملها. قال: فالسنة فيها أن ولدها يتبعها ويعتق بعتقها.

وقال مالك في عبد دبره سيده ثم توفي ولم يترك شيئا غيره فأعتق ثلثه ثم وقع العبد على جارية له فولدت أولادا ثم توفي العبد وترك مالا كثيرا ولم يترك شيئا غيره قال: أرى ولده على مثل منزلته يعتق منه ما عتق وما بقي فهو رقيق له يستخدمهم الأيام التي له ويرسلهم الأيام التي لهم أو ضريبة على نحو ذلك.
قال يونس بن يزيد، عن ابن شهاب وأبي الزناد مثل ذلك.
رجال من أهل العلم، عن ابن المسيب ويحيى بن سعيد وابن قسيط وأبي الزناد وسليمان بن يسار أنه لا يصلح وطء أمة معتقة أعتقت إلى أجل أو وهب خدمتها إلى أجل.
قال يحيى بن سعيد وربيعة وأولادها بمنزلتها.
قال ربيعة وذلك لأن رحمها كان موقوفا لا يحل لرجل أن يصيبها إلا زوج.

في مال المدبر يقوم عليه
قلت: أرأيت المدبرة لمن غلتها وعقلها وعملها ولمن مهرها إن زوجها سيدها في قول مالك؟ قال: قال مالك: أما غلتها وعقلها فلسيدها، وأما مالها ففي يديها إلا أن ينتزعه السيد منها في صحة منه فيجوز ذلك له ومهرها بمنزلة مالها، قال فإن أخذه السيد جاز ذلك له وإن لم يأخذ منها حتى مرض كان بمنزلة سائر مالها وكذلك قال مالك.
قال: وقال مالك في مهرها: أنه بمنزلة سائر مالها.
قلت أرأيت إن لم ينتزع السيد شيئا من هذا حتى مات أتقوم الجارية ومالها في ثلث مال الميت في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وكيف تقوم في الثلث؟ قال: يقال: ما تسوى هذه الجارية ولها من المال كذا وكذا ومن العروض كذا وكذا.
قلت: فإن لم يحمل الثلث شيئا منها إلا نصفها؟ قال: يعتق نصفها ويقر المال كله في يديها فهذا كله قول مالك.
قلت: وكل ما كان في يد الأمة قبل التدبير لم ينزعه السيد من يد الأمة حتى مات أيكون بمنزلة ما اكتسبت الأمة بعد التدبير في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت الرجل أيكون له أن يأخذ أم ولد مدبرة فيبيعها؟ قال: قال مالك:

نعم، ينزعها فيبيعها ويأخذ لنفسه ماله أيضا ما لم يمرض السيد، فإذا مرض السيد لم يكن له أن يأخذ مال مدبره ولا مال أم ولده لأنه إنما يأخذه لغيره.
قال: وقال مالك: والمعتق إلى أجل يأخذ ماله ما لم يتقارب ذلك فإذا تقارب ذلك لم يكن له أن يأخذ لغيره.

ما جاء في الأمة بين الرجلين يدبرها أحدهما بغير رضا الآخر
قلت: أرأيت أمة بين رجلين دبرها أحدهما كيف يصنع فيها؟ قال: قال مالك: يتقاومانها، فإن صارت للمدبر كانت مدبرة كلها، وإن صارت للذي لم يدبر كانت رقيقا كلها. قال: قال مالك إلا أن يشاء الذي لم يدبر أن يسلمها إلى الذي دبر ويتبعه بنصف قيمتها فذلك له.
قلت: أرأيت عبدا بين ثلاثة نفر دبره أحدهم وأعتقه الآخر وتمسك الآخر بالرق والمعتق معسر؟ قال: أرى أن للمدبر والمتمسك بالرق أن يتقاوماه بينهما إذا كان التدبير بعد العتق، فإن كان العتق قبل التدبير والمعتق معسر لم يتقاوماه هذا المدبر والمتمسك بالرق لأن المدبر لو بتل عتقه لم يضمن لصاحبه المتمسك بالرق شيئا لأن الأول هو الذي ابتدأ الفساد والعتق، وأصل هذا أن كل من يلزمه عتق نصيب صاحبه إذا أعتق نصيبه لزمته المقاومة في التدبير ومن لا يلزم عتق نصيب صاحبه إذا أعتق لأنه معسر لم يلزمه المقاومة إن دبر لأن تدبيره ليس بفساد لما بقي منه لأنه لم يزده إلا خيرا.

قلت: أرأيت إذا دبر صاحبي نصيبه ورضيت أنا وتمسكت بنصيبي ولم أدبر نصيبي أيكون لي أن أبيع نصيبي في قول مالك؟ قال: نعم، ذلك لك في قوله، قال: ولكن لا تبع حتى تعلم المشتري أن نصف العبد مدبر.
قلت: أرأيت لو أن المشتري قال للمدبر: هلم حتى أقاومك قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك أنه بلغني عنه ولا أرى أن يقاومه.

في الأمة بين الرجلين يدبرانها جميعا
قلت: أرأيت الأمة بين الرجلين يدبرانها جميعا قال: سألت مالكا عنها فقال: هي مدبرة بينهما والتدبير جائز لأنهما قد دبرا جميعا.
قلت: وكذلك لو دبرها أحدهما ثم دبرها الآخر بعده؟ قال: هذا لا شك فيه أنه جائز.

في الأمة بين الرجلين يدبرانها جميعا ثم يموت أحدها ولا يدع مالا غيرها
الأمة بين الرجلين يدبرانها جميعا ثم يموت أحدهما ولا يدع مالا غيرها
قلت: أرأيت الأمة بيني وبين رجل دبرناها جميعا فمات أحدنا ولم يترك مالا سواها فيعتق ثلث النصف الذي كان له وبقي ثلثا النصف رقيقا في يدي الورثة فقالت الورثة: هذا الذي في أيدينا غير مدبر فنحن نريد أن نقاومك أيها المدبر أيكون ذلك لهم أم لا في قول مالك؟ قال: لا يكون ذلك لهم لأن المقاومة إنما كانت تكون أولا فيما بين السيدين الأولين فأما فيما بين هؤلاء فلا مقاومة.
قال سحنون: لأن العتق قد وقع في العبد فما كان من تدبير فإنما هو خير للعبد.
قلت: أرأيت أمة بين رجلين دبراها جميعا أتكون مدبرة عليهما جميعا في قول مالك؟ قال: سألنا مالكا عنها فقال: نعم هي مدبرة عليهما جميعا.
قلت: فإن مات أحدهما؟ قال: تعتق عليه حصته في ثلثه.
قلت: ولا يقوم عليه نصيب صاحبه في ثلثه في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: ولم؟ قال: لأنه لم يبتدئ بفساد أو لأن ماله قد صار لغيره، ولأنه لم يبتل عتق نصيبه منها في حياته.
قلت: فإن كان ثلث ماله لا يحمل حصته منها؟ قال: يعتق من نصيبه في قول

في العبد بينالرجلين يدبر أحدهما أو يدبرانه جميعا ويعتقه الآخر بعده
في العبد بين الرجلين يدبر أحدهما أو يدبرانه جميعا ويعتقه الآخر بعده
قلت: أرأيت لو أن عبدا بين رجلين دبره أحدهما وأعتقه الآخر بعدما دبره شريكه؟ قال: قال مالك في المدبر بين الرجلين: يعتقه أحدهما: أنه يقوم على الذي أعتق حصة شريكه فمسألتك مثل هذا، وأرى أن يقوم على المعتق نصيب الذي دبر.
قال سحنون: وكذلك يقول جميع الرواة لأنه صار إلى أفضل مما كان فيه لأن الذي دبره وأعتقه من الثلث وربما لم يكن لسيده ثلث.
قلت: وكيف يقوم هذا النصيب على هذا الذي أعتق المدبر الذي دبراه جميعا أيقوم عليه مدبرا أو مملوكا غير مدبر؟ قال: إنما يقوم عليه عبدا.
قلت: ولم قومه مالك عبدا، وإنما هو في يد هذا الذي لم يبت عتقه مدبر؟ قال: لأن ذلك التدبير قد انفسخ ولأن مالكا قال في المدبر إذا قتل أو جرح أو أصابه ما يكون لذلك عقل: فإن ذلك يقوم قيمة عبد ولا يقوم قيمة مدبر، وكذلك قال مالك في أم الولد، وكذلك في المعتقة إلى سنين.
قلت: أرأيت إن دبرا عبدا بينهما ثم أعتق أحدهما نصيبه قال: قال لي مالك: يقوم على الذي أعتق.
قلت: وكيف يقوم أمدبرا أو غير مدبر؟ قال: يقوم قيمة عبد غير مدبر لأن التدبير في قول مالك قد انفسخ.
قلت: ولم كان هذا هكذا؟ قال: لأنه إنما ينظر إلى أوكد الأشياء في الحرية فيلزم ذلك سيده الذي أعتقه؛ ألا ترى أن أم الولد أوكد من التدبير والعتق كذلك هو أوكد من التدبير؟.

في المدبرة يرهنها سيدها
قلت: أرأيت المدبرة هل يجوز أن يرهنها سيدها في قول مالك؟ قال: نعم.

في بيع المدبرة
قلت: أرأيت المدبرة أيجوز أن أمهرها امرأتي؟ قال: لا يجوز ذلك لأن المدبرة لا تباع، فكذلك لا تمهر لأن التزويج بها بيع لها.
قلت: أرأيت لو أني بعت مدبرة فأصابها عند المشتري عيب ثم علم بقبيح هذا الفعل فرد البيع أيكون للبائع على المشتري قيمة ما أصابها عنده من العيب والنقصان في البدن؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أني سمعت مالكا يقول في المدبرة إذا باعها سيدها ثم ماتت عند المشتري أن المصيبة من المشتري، وينظر البائع في ثمنها فيحبس منه قدر قيمتها لو كان يحل بيعها على رجاء العتق لها وخوف الرق عليها ثم يشتري بما بقي بعد ذلك بها رقبة فيدبرها أو يعين به في رقبته إن لم يبلغ ثمن رقبة، فأما مسألتك فلم أسمع من مالك فيها شيئا، وأنا أرى أن يرجع بما أصابها عند المشتري من العيوب المفسدة.
قال: وقال مالك: لا بأس أن يعطي سيد المدبر مالا على أن يعتقه هو نفسه ويكون الولاء لسيده الذي دبره.
قال: قال مالك: لا أحب أن يبيع مدبره ممن يعتقه إنما يجوز في هذا أن يأخذ مالا على أن يعتقه.
قال سحنون: وأخبرني ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أنه قال: لا يباع المدبر إلا من نفسه.
مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، مثله ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج: أن رجلا سأل سعيد بن المسيب عن رجل أعتق عبده عن دبر فاستباع سيده فقال ابن المسيب: كاتبه فخذ منه ما دمت حيا فإن مت فله ما بقي عليه وهو حر، وحدثني ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد بذلك.

قال ابن وهب: وأخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أنه سئل عن مدبر أو مدبرة سأل سيده أن يبيعه أو يكاتبه، قال ابن شهاب: إن عجل له العتق بالشيء يعطيه فلا بأس بذلك، وأما أن يبيعه من أحد غير نفسه فلا.
قال ابن وهب، وأخبرني يونس بن يزيد، عن أبي الزناد قال: ليس بأن يقاطعه بأس.
يونس، عن ربيعة مثل قول ابن المسيب.
قال ربيعة: وإن أعتق قبل موت سيده فذلك له بما أعطاه ويعجل لابن وهب.

في المدبر يباع فيموت عند المشتري أو يعتقه المشتري
قلت: أرأيت المدبر إذا باعه سيده فمات عند المشتري؟ قال: أما المدبر، فقال مالك فيه: إنه إذا مات عند المشتري فإنه ينظر إلى قيمته التي لو كان يحل بيعه بها مدبرا على حاله من الغرر بمنزلة من يستهلك الزرع فيقوم عليه على الرجاء والخوف، فينظر البائع إلى ما فضل بعد ذلك فيجعله في عبد يشتريه فيدبره.
قلت: فإن لم يبلغ الفضل ما يشتري به عبدا؟ قال: هذا الذي سمعت من مالك ولم أسمع منه غير هذا، فأرى إن لم يبلغ أن يشارك به في رقبة.
قلت: فلو أن مشتري المدبر أعتقه؟ قال: قال مالك: إذا أعتقه المشتري فالثمن كله للبائع وليس عليه في ثمنه شيء.
قلت: وموت المدبر عند المشتري وعتقه مختلف؟ قال: نعم، إنما العتاقة عند المشتري بمنزلة أن لو قتله رجل فلسيده أن يأخذ جميع قيمته عبدا لا تدبير فيه ويصنع به ما شاء.
قال: فقلت لمالك: أفلا يكون على قاتله قيمته مدبرا؟ قال: لا، ولكن على قاتله قيمة عبد.
قلت: أرأيت إن باع مدبرة فأعتقها المشتري؟ قال: العتق جائز وينقض التدبير، والولاء للمعتق.
قلت: فلا يرجع هذا المشتري بشيء على البائع؟ قال: لا.
قلت: أفيكون على البائع أن يخرج الفضل من قيمتها كما وصفت لي في الموت عن مالك؟ قال: لا.

قلت: فإن اشتراها فوطئها فحملت منه؟ قال: ينقض التدبير أيضا وتكون أم ولد للمشتري وهو بمنزلة العتق وهو قول مالك.
قلت: فلم لا يوضع عن المشتري من الثمن ما بين قيمتها مدبرة وقيمتها غير مدبرة؟ قال: لا، ألا ترى أن مالكا قال: لو أن المدبر قتله رجل غرم قيمته عبدا ليس فيه تدبير، وأخبرني يونس، عن ابن شهاب وربيعة وأبي الزناد أنهم قالوا: يكره بيع المدبر، فإن سبق فيه بيع ثم أعتقه الذي ابتاعه فالولاء للذي عجل له العتق.
قال ابن وهب: وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد بذلك.
قال يحيى: ولا يباع المدبر وسيده أولى بماله ما كان حيا، فإذا توفي سيده فمال المدبر له وولده من أمته لورثة سيده لأن ولده ليس من ماله.

في المدبر يكاتبه سيده ثم يموت السيد
قلت: أرأيت لو أن رجلا دبر عبده ثم كاتبه ثم مات السيد وله مال يخرج منه العبد في ثلث ماله أتنتقض الكتابة وتعتقه بالتدبير في قول مالك؟ قال: نعم، إذا حمله الثلث.
قلت: فإن لم يحمله الثلث؟ قال: يعتق منه ما حمل الثلث ويوضع عنه من الكتابة بقدر ذلك ويسعى فيما بقي منها، وتفسير ما يوضع عنه أنه إن أعتق نصفه وضع عنه من كل نجم نصفه وإن أعتق ثلثه وضع عنه من كل نجم ثلثه وهو قول مالك.
قلت: أرأيت إن كان المدبر الذي كاتبه سيده موسرا له مال أيؤخذ ماله في الكتابة؟ قال: لا، ولكن يقوم بماله في ثلث مال الميت، فإن خرج عتق وسقطت عنه الكتابة كلها لأن الذي صنع به الميت من الكتابة حين كاتبه لم يكن ذلك فسخا للتدبير إنما هو تعجيل عتق بمال.
قلت: أرأيت مدبرا كاتبه سيده أتجوز كتابته في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن مات السيد أيعتق في ثلثه أم يمضي على الكتابة؟ قال: يعتق في ثلثه إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث نظر إلى ما يحمل الثلث من المدبر فيعتق منه بقدر ذلك ويوضع عنه من الكتابة بقدر الذي يعتق منه إن أعتقه نصفه وثلثه أو ثلثاه، وضع من كل نجم بقي عليه بقدر ما أعتق منه ويسعى فيما بقي، فإن أداه خرج جميعه حرا.
قلت: فإن لم يترك الميت مالا غيره وهو مدبر مكاتب؟ قال: يعتق ثلثه ويوضع عنه من كل نجم بقي عليه ثلثه.

قلت: أرأيت إن كان قد أدى جميع كتابته إلا نجما واحدا ثم مات السيد؟ قال: يعتق ثلثه بالتدبير ويوضع عنه ثلث النجم الباقي ويسعى في بقيته، فإن أدى خرج حرا.
قال سحنون: حدثني ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج أن رجلا سأل ابن المسيب عن رجل أعتق عبده عن دبر فاستباع سيده قال ابن المسيب: كاتبه فخذ منه ما دمت حيا فإن مت فلك ما بقي عليه وهو حر.
قال ابن وهب وأخبرني يونس عن ربيعة مثل قول ابن المسيب.
قال ربيعة: وإن أعتق قبل موت سيده فذلك له بما أعطاه ويعجل.
قلت لابن القاسم: ولا يلتفت إلى ما قبض السيد منه قبل ذلك؟ قال: نعم، لا يلتفت إلى ذلك وهذا كله قول مالك.
قلت: فإن مات السيد وعليه دين يغترق قيمة العبد ما حال العبد في قول مالك؟ قال: هو مكاتب كما هو، وتباع كتابته للغرماء فإن أدى إلى المشتري أعتق وولاؤه لسيده الذي عقد كتابته، فإن عجز كان رقيقا للمشتري.
قلت: فإن مات السيد وعليه دين لا يغترق قيمة العبد؟ قال: قال مالك في المدبر إذا مات سيده وعليه دين ودينه أقل من قيمة العبد: بيع منه بقدر الدين ثم عتق منه ثلث ما بقي بالتدبير وكان ما بقي رقيقا للورثة فمسألتك عندي على مثل هذا القول يباع من كتابة هذا المدبر إذا كان مكاتبا بقدر الدين ثم يعتق منه بالتدبير ثلث ما بقي بعد الدين، ويوضع من كل نجم بقي عليه بعد الذي يباع من كتابته في الدين ثلث كل نجم لأنه قد أعتق منه ثلث ما بقي بعد الذي بيع من كتابته في الدين فلذلك وضع عنه ثلث كل نجم بقي عليه بعد الذي يباع من كتابته، فإن أدى جميع ما عليه خرج حرا وكان الولاء للذي عقد الكتابة وإن عجز رد رقيقا وكان الذي أعتق منه بعد الذي بيع من كتابته في الدين حرا لا سبيل لأحد على ما أعتق منه وكان ما بقي رقيقا للذي اشترى من الكتابة ما اشترى يكون له بقدر ذلك من رقه ويكون للورثة بقدر ما كان لهم من الكتابة بعد الذي اشترى من الكتابة وبعد الذي عتق منه ويكون العبد رقيقا لهم بحال ما وصفت لك وتكون الحرية بحال ما وصفت لك.

في مدبر وعبد كوتبا كتابة واحد ثم مات السيد
قلت: أرأيت مدبرا لي وعبدا كاتبتهما كتابة واحدة ثم مت؟ قال: بعض الكتابة يوم

كاتبتهما على حال ما وصفت لك من قوتهما على الأداء فيكون على المدبر حصته من ذلك ثم ينظر إلى ثلث الميت فإن حمله الثلث عتق ويسعى المكاتب الآخر في حصته من الكتابة.
قال سحنون وقال غيره: لا تجوز كتابتهما لأنها تئول إلى خطر، ألا ترى أن الكتابة إذا كانت منعقدة عليهما لم يجز له أن يعتق أحدهما لأنه إذا أعتق أحدهما كان في ذلك رق لصاحبه لأن بعضهم حملاء عن بعض وإن رضي بذلك صاحبه لم يجز لأنه لا يجوز له أن يرق نفسه.
قلت: أرأيت إن لم يحمل المدبر الثلث؟ قال: يعتق منه مبلغ الثلث ويوضع عنه من الكتابة بقدر ذلك ويسعيان جميعا فيما بقي من الكتابة.
قلت: ويسعى هذا المدبر مع الذي لم يدبر في جميع ما بقي من الكتابة؟ قال: نعم، ولا يعتق بقيته التي يسعى فيها إلا بصاحبه ولا صاحبه إلا به عند مالك.
قلت: ويرجع عليه هذا المدبر بما يؤدي عنه؟ قال: نعم، إلا أن يكون بينهما رحم يعتق بها بعضهم على بعض إذا ملكه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: أرأيت الرجل إذا كاتب عبده ومدبره كتابة واحدة؟ قال: ذلك جائز، فإن هلك السيد وكان له مال يخرج المدبر من الثلث عتيقا عتق ويوضع عن صاحبه حصة المدبر من الكتابة ويسعى العبد المكاتب فيما بقي من الكتابة.
قلت: ولا يلزم هذا المدبر أن يسعى مع هذا الآخر فيما بقي؟ قال: لا.
قلت: لم وأنت تقول: لو أن السيد كاتب عبدين له كتابة واحدة فأعتق أحدهما وهو قوي على السعاية إن عتقه غير جائز إلا أن يسلم صاحبه المعتق ويرضى بذلك؟ قال: لأن المدبر لم يعتقه السيد بأمر يبتدئه بعد الكتابة إنما أعتق على السيد لأمر لزوم السيد قبل الكتابة، فلا بد من أن يعتق على السيد على ما أحب صاحبه أو كره، وتوضع عن صاحبه حصة المدبر من الكتابة، وتسقط عنه حصة المدبر من الكتابة.
قلت: ولم لا يسعى المدبر مع صاحبه وإن خرج حرا أليس هو ضامنا لما على صاحبه من حصة صاحبه من الكتابة وصاحبه أيضا كان ضامنا لما على المدبر من حصته من الكتابة فلم لا يلزمه السعاية بالضمان؟ قال: لأن صاحبه قد علم حين دخل معه في

الكتابة أنه يعتق بموت السيد ولا يجوز أن يضمن حر كتابة مكاتب لسيده لأن السيد لم يعتقه لأمر يبتدئه بعد الكتابة إنما أعتق على السيد بأمر لزمه على ما أحب صاحبه أو كره فلا ينبغي أن يضمن حر كتابة المكاتب وإن لم يخرج المدبر من الثلث عتق منه ما حمل الثلث وسقط عنه من الكتابة بقدر ذلك، وسعى هو وصاحبه في بقية الكتابة لأنه لا عتق لواحد منهما إلا بصاحبه فأيهما أدى منهما رجع على صاحبه بما يصيبه مما أدى عنه، وإنما يسعى من المدبر ما بقي فيه من الرق فيه.
قال سحنون وقال أشهب: لا يجوز أن يعقد كتابة عبدين له أحدهما مدبر والآخر غير مدبر لأنه غرر.
قلت لابن القاسم: فلو أن مكاتبين في كتابة واحدة دبر السيد أحدهم بعد الكتابة ثم مات السيد وثلثه يحمل العبد المدبر؟ قال: إن كان هذا المدبر قويا على الأداء يوم مات السيد فلا يعتق بموت السيد إلا أن يرضى أصحابه الذين معه في الكتابة بذلك، فإن رضي أصحابه كانوا بحال ما وصفت لك في العتق، وإن كان يوم مات السيد المدبر زمنا وقد كان صحيحا فإنه يعتق ولا يكون للذين معه في الكتابة ههنا قول، ولا يوضع عنهم حصة هذا المدبر من الكتابة لأن مالكا قال في الزمن يكون مع القوم في الكتابة فيعتقه سيده: أنه لا يوضع عنهم بذلك شيء وكل من أعتق من صغير أو كبير زمن، فإنه عتيق إن شاءوا وإن أبوا لا يوضع عنهم من الكتابة شيء وكل من عتق ممن له قوة فلا عتق لهم إلا برضاهم فذلك الذي يوضع عنهم قدر ما يصيبه من الكتابة ويسعون فيما بقي.

في رطء المدبرة بين الرجلين
في وطء المدبرة بين الرجلين
قلت: أرأيت مدبرة بين رجلين وطئها أحدهما فحملت منه قال: قال مالك: تقوم على الذي حملت منه ويفسخ التدبير، قال: وإنما ينظر في هذا إلى ما هو أوكد فليلزم ذلك سيدها، وأم الولد أوكد من التدبير وكذلك قال لي مالك، وكذلك يقول لي جميع الرواة مثل ما قال مالك، وقال غيره: وإن كان الواطئ معسرا فالشريك بالخيار إن شاء ضمنه نصف قيمتهما وكانت أم ولد للواطئ وإن أبى وتمسك بنصيبه كان ذلك له واتبع الواطئ بنصف قيمة الولد يوم تلده أمه، فإن أفاد الواطئ مالا لم يلزم ضمان نصيب صاحبه لأنه سقط عنه التقويم إذا كان لا مال له، ولا يلزم الشريك قيمة نصيبه وتشبث بنصيبه واتبع الواطئ بنصف قيمة الولد، وإن مات الواطئ ولا شيء عنده بقي نصيب المتمسك بالرق مدبرا كما هو وكان نصيب الميت حرا من رأس المال لأنه بمنزلة أم الولد، وإن مات الذي لم يطأ وقد كان تشبث بنصيبه وترك أن يضمنها شريكه وليس له

مال وعليه دين يرد التدبير فبيعت في الدين، فإن اشتراها الشريك الذي كان وطيء ليس حدث حل له وطؤها، فإن مات فنصفها حر بمنزلة أم الولد، والنصف الذي اشترى رقيق للورثة ألا ترى أن الرجل يعتق مصابته من عبده ولا شيء عنده فلا يقوم عليه لعسره ويبقى نصيب صاحبه رقيقا، ثم يحدث للمعتق المعسر مال فيشتري النصف الرقيق أنه رقيق كما هو ولا يعتق عليه فكذلك المسألة الأولى.

في الأمة يدبر سيدها ما في بطنها أله أن يبيعها أو يرهنها
قلت: أرأيت إن دبر رجل ما في بطن أمته أله أن يبيعها أو يرهنها؟ قال: هو كقوله ما في بطنك حر.
قلت: أفيكون له أن يرهنها في قول مالك؟ قال: نعم، لأن المدبرة عند مالك ترهن.

في ارتداد المدبر
قلت: أرأيت العبد إذا دبره سيده ثم ارتد العبد ولحق بدار الحرب فيظفر المسلمون به ما يصنعون به في قول مالك؟ قال: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
قلت: فإن تاب أيباع في المقاسم أم لا؟ قال: لا، ويرد إلى سيده عند مالك ولا يباع في المقاسم إذا عرفوا سيده أو علموه أنه لأحد من المسلمين بعينه.
قلت: فإن لم يعلموا حتى قسموا كيف يصنع في قول مالك وقد جاء سيده بعدما قسم؟ قال: يخير سيده، فإن افتكه كان على تدبيره فإن أبى أن يفتكه خدم العبد في الثمن الذي اشتري به في المقاسم، فإذا استوفى ثمنه المشتري وسيده حي رجع إلى سيده على تدبيره، وإن هلك السيد قبل ذلك فكان الثلث يحمله خرج حرا وأتبع بما بقي من الثمن وإن لم يحمله الثلث أعتق منه ما حمل الثلث وكان ما بقي منه رقيقا لمن اشتراه لأن السيد قد كان أسلمه له، وليس للورثة فيه شيء، وقال غيره: إن حمله الثلث عتق ولم يتبع بشيء، وإن لم يحمله الثلث فما حمل منه الثلث يعتق ولم يتبع العتيق منه بشيء وكان ما بقي منه رقيقا لمن اشتراه لأنه كان اشترى عظم رقبته، وإن لحق السيد دين أبطل الثلث حتى يرد عتقه كان مملوكا لمن اشتراه وليس ما اشتريت به رقبته كجنايته التي هو فعلها، فما أعتق منه اتبع بما يقع عليه من الجناية لأنه فعل نفسه وجنايته.

في مدبر الذمي يسلم
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا اشترى مسلما فدبره ما يصنع به؟ قال: أما الذي سمعت من مالك في النصراني يدبر العبد النصراني ثم يسلم العبد، فإنه يؤاجر فأرى هذا يشبهه وهو مثله عندي، ومما يدلك على ذلك أن لو قال له: أنت حر إلى سنة مضى ذلك عليه وأوجر له ولم يكن إلى رد العتق سبيل.
قلت: أرأيت إن أسلم مدبر النصراني قال: يؤاجر فيعطي إجارته حتى يموت النصراني، فإن مات النصراني وله مال يخرج المدبر من ثلثه عتق المدبر وكان ولاؤه لجميع المسلمين وإن لم يترك النصراني وفاء عتق منه ما عتق وبيع منه ما بقي من المسلمين.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قال ابن القاسم: فإن أسلم النصراني قبل أن يموت رجع إليه عبده وكان له ولاؤه، فإن أسلم بعض ولد النصراني أو أخ له ممن يجر ولاء مواليه ويرثه كان ولاء المدبر له يرثه دون جماعة المسلمين.
قلت: أرأيت إن أسلم العبد ثم دبره مولاه النصراني؟ قال: أرى العمل فيه مثل الذي فعل بالذي دبر وهو نصراني يؤاجر لأنا إن بعناه كان الذي يعجل النصراني من هذا العبد منفعة له ومضرة على العبد ولأن العبد إن أخطأه العتق يوما كان أمره إلى البيع فلا يعجل له البيع لعله يعتق يوما ما، وليس للنصراني فيه أمر يملكه إذا أجرناه من غيره إلا الغلة التي يأخذها، إلا أن ولاء هذا أيضا إن عتق للمسلمين لا يرجع إلى النصراني. وإن أسلم ولا إلى ولد له مسلمين وقد ثبت ولاؤه للمسلمين.
قال سحنون وقال بعض الرواة: لا يجوز اشتراء النصراني مسلما لأني لو أجزت شراءه ما بعته عليه، ولكن لما لم يجز له ملكه ابتداء لم يجز له شراؤه وإن أسلم عبده ثم دبره فإنه يكون حرا لأنه إذا أسلم العبد بيع على سيده، فلما منع نفسه بالتدبير الذي هو له من البيع والمدبر لا يباع عتق عليه.

في مدبر المرتد
قلت: أرأيت الرجل يدبر عبده ثم يرتد السيد ويلحق بدار الحرب أيعتق مدبره أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول في الأسير يتنصر: إن ماله موقوف إلى أن يموت، فكذلك

في مسألتك مدبر المرتد موقوف ولا يعتق إلا بعد موته.
قلت: أرأيت المرتد إذا ارتد وله عبيد فدبرهم ولحق بدار الحرب؟ قال: قال مالك: ماله موقوف فرقيقه بمنزلة المال عندي.

في الدعوى في التدبير
قلت: أرأيت إن ادعى العبد على السيد أنه دبره أو كاتبه وأنكر المولى ذلك أتستحلفه للعبد في قول مالك؟ قال: لا يستحلف، وهذا من وجه العتق فإذا أقام شاهدا واحدا أحلف له السيد فإن نكل عن اليمين حبس حتى يحلف.

في المعتق إلى أجل أيكون من رأس المال
قلت: أرأيت إن قال لعبده: أنت حر بعد موت فلان أيكون هذا مدبرا أم لا في قول مالك؟ قال: ليس هذا تدبيرا عند مالك، ولكن هذا معتق إلى أجل، وهذا أحرى إذا مات فلان أن يعتق من جميع المال ولا يكون من الثلث.
قلت: وسواء إن مات السيد قبل فلان فالعبد حر إذا مات فلان من جميع المال يخدم الورثة بقية حياة فلان ثم هو حر؟ قال: نعم إذا كان هذا القول أصله في صحة سيده، فإن كان هذا القول من سيده في مرضه كان العبد في ثلثه، فإن حمله الثلث خدم الورثة بقية حياة فلان ثم هو حر بعد موت فلان، وإن لم يحمله الثلث قيل للورثة: إما أمضيتم ما قال الميت وإما أعتقتم ما حمل الثلث الساعة.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: كل من عاد في وصيته على ثلثه فأبت الورثة أن يجيزوا وصيته فإنه يقال لهم: أسلموا ثلث مال الميت إلى أهل الوصايا وأنفذوا ما قال الميت.
قلت: أرأيت إن قال: أنت حر بعد موت فلان بشهر أيعتق من جميع المال أم من الثلث؟ قال: هذا أجل من الآجال قد أعتق عبده إلى ذلك الأجل فهو حر إلى ذلك الأجل من جميع المال بحال ما وصفت.
قلت: أرأيت إن قال لعبده: أنت حر إذا خدمتني سنة فخدمه العبد بعض السنة ثم مات السيد؟ قال: يخدم الورثة بقية السنة في قول مالك.
قلت: فإن لم يمت السيد ولكنه وضع عنه الخدمة؟ قال: هو حر مكانه مثل المكاتب إذا وضع عنه سيده كتابته.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وسلم
كتاب أمهات الأولاد

القضاء في أمهات الأولاد
أخبرنا سحنون بن سعيد قال: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن أقر رجل بوطء أمته فجاءت بولد أيلزمه ذلك الولد في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم يلزمه الولد إلا أن يدعي استبراء يقول: حاضت حيضة فكففت عنها فلم أطأها بعد تلك الحيضة حتى ظهر هذا الحمل فليس هو مني فله ذلك ولا يلزمه ذلك الولد إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر بعد الاستبراء.
قلت: فإن لم يدع الاستبراء إلا أنه يقر أنه وطئها منذ أربع سنين فجاءت بهذا الولد بعد وطئه أيلزمه هذا الولد أم لا؟ قال: قال لنا مالك: يلحقه الولد ولم يوقفه على سنة ولا على أربع سنين فأرى أن يلزمه الولد إذا جاءت به لما يشبه أن يكون من وطء السيد وذلك إذا جاءت به لأقصى ما يحمل به النساء إلا أن يدعي الاستبراء.
قال سحنون: وقد ذكر مالك بن أنس وغير واحد أن نافعا أخبرهم عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يدعونهن يخرجن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد وطئها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن1.
وأخبرني ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن نافع أن ابن عمر قال: من وطئ أمته ثم ضيعها فأرسلها تخرج ثم ولدت فالولد منه والضيعة عليه. قال نافع: فهذا قضاء عمر بن الخطاب وقول عبد الله بن عمر. قال: وأخبرني عبد الله بن عمر، عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا وطئ جارية له جعلها عند صفية بنت أبي عبيد ومنعها أن تخرج
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث 25.

حتى يستمر بها حمل أو تحيض قبل ذلك وقال عبد العزيز مثل قول مالك: إن أقر بالوطء لزمه الولد إلا أن يدعي الاستبراء وإن ولدته لمثل ما تحمل له النساء إلا أن يدعي الاستبراء.

في الرجل يقر بوطء أمة في مرضه فجاءت بولد لما يشبه أن يكون من وطء السيد أيلزمه أم لا
قلت: أرأيت إن أقر رجل في مرضه أن هذه الأمة حملها منه وأقر بولد أمة له أخرى فقال: ولدها مني وقال في أمة له أخرى: قد وطئتها ولم يذكر الاستبراء بعد الوطء، وكل هذا في مرضه فجاءت هذه التي أقر بوطئها بولد يشبه أن يكون من وطء السيد قال: يلزم الولد في هؤلاء كلهم وأمهاتهم أمهات أولاد وتعتق أمهات الأولاد من جميع المال وإن لم يكن له مال سواهن فهم أحرار وأمهاتهم أمهات أولاد عند مالك ويعتقن.
قال: وهذا كله قول مالك، قال: وسألت مالكا عن الرجل يقر عند موته بالجارية أنها ولدت منه ولا يعلم ذلك أحد إلا بقوله أترى أن يصدق في ذلك؟ قال: فقال لي مالك: إن كان الرجل ورثته كلالة إنما هم عصبة ليسوا هم ولده فلا أرى أن يقبل قوله إلا ببينة تثبت على ما قال، وإن كان له ولد رأيت أن يعتق.
قال: فقلت لمالك: أفمن رأس المال أم من الثلث؟ فقال: لا، بل من رأس المال.
قال: فقلت لمالك: فالذي ورثته كلالة إنما هم عصبة ليسوا ولدا أفلا ترى أن تعتق في الثلث؟ قال: لا، وهذه أمة إلا أن يكون لها على ما قال بينة.
قلت: وهذا إذا لم يكن مع الأمة ولد يدعيه السيد؟ قال: نعم.
قلت: فإن كان مع الأمة ولد يدعيه السيد جاز قوله في ذلك وكانت أم ولده في قول مالك. قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت قول مالك إذا كان ورثته كلالة لم يصدق إذا قال في جارية له عند موته: أنها أم ولده أيجعل مالك الإخوة والأخوات كلالة في هذا الوجه أم لا؟ قال: الإخوة والأخوات عند مالك هو كلالة في غير هذا الموضع، وإنما قال مالك الذي أخبرتك مبهما قال لنا: إن كان ورثته كلالة فالأخ والأخت ههنا في أمر هذه الجارية التي

أقر بها أنها ولدت منه بمنزلة الكلالة لا يصدق إذا كان ورثته إخوة أو أخوات.
قال سحنون: وقد قال: إذا أقر في مرضه لجارية بأنها ولدت منه وليس معها ولد كان ورثته كلالة أو ولدا فلا عتق لها من ثلث ولا من رأس المال، وإنما قوله: قد ولدت مني ولا ولد معها يلحق نسبه مثل قوله: هذا العبد قد كنت أعتقته في صحتي فلا يعتق في ثلث ولا في رأس مال لأنه أقر، وقد حجب عن ماله إلا من الثلث ولم يرد به الوصية ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الوصية أو فعله في المرض وليس له أن يعتق من رأس ماله في مرضه وقد قال أبو بكر لعائشة: لو كنت حزته لكان لك ولكنه اليوم مال وارث وهذا كله قول مالك وأكثر الرواة.

في الرجل يبيع الجارية ويدعي ولدها
في الرجل يبيع الجارية ثم يدعي ولدها
قلت: أرأيت لو أني بعت جارية فجاءت بولد لما يشبه أن يكون من وطء جارية جاءت به لسنة أو سنتين أو ثلاث فادعيت ولدها وأنكر المشتري أن يكون ولدي قال: سئل مالك عن رجل باع جارية له وهي حامل فادعى أنه ولده قال مالك: أمثل ذلك عندي إذا لم يكن في ذلك تهمة أن يلحق الولد به وتكون أمه أم ولد فكذلك إذا أقر بالوطء وادعى الولد أنه يلحق به عند مالك لأنه ادعى أن ماءه فيها حين أقر بالوطء، فإذا جاءت بولد لما يشبه أن يكون من الماء جعلته ولده.
قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يبيع الجارية له ومعها الولد فيدعيه عند الموت بعد سنين كثيرة كيف ترى فيه؟ قال: قال مالك: أرى أن يلحق به إن لم يتهم على انقطاع من الولد إليه يكون الرجل لا ولد له فيتهم على أنه إنما أراد أن يميل بميراثه إليه لأن الصبي له إليه انقطاع فلا يقبل قوله إذا كان. كذلك إذا كان ورثته كلالة ليس ورثته أولاده.
قال سحنون: وقد قال بعض الرواة منهم أشهب: إذا ولد عنده من أمته ولم يكن له نسب يلحق به فإقراره جائز ويلحق به الولد وتكون الأمة أم ولد ويرد الثمن كان ورثته كلالة أو ولدا وهو قول أكثر كبار أصحاب مالك.

الرجل يقر بوطء أمته ثم ينكر ولدها
قلت: أرأيت إن أقر رجل بوطء جاريته ثم باعها قبل أن يستبرئها فجاءت بولد لما يشبه أن يكون من وطئه ذلك فأنكر البائع أن يكون منه؟ قال: هو ولده لأنه مقر بالوطء ولا

الرجل يهلك ويترك أم ولده أو أمة أقر بوطئها، ثم تأتي بولد بعد موته لما يشبه أن يكون تلد لمثله النساء
قلت: أرأيت أم الولد إذا أعتقها سيدها أو مات عنها فجاءت بولد لأربع سنين أو لما تجيء به النساء أيلزم السيد الولد أم لا؟ قال: نعم، الولد له لازم إلا أن يدعي الاستبراء لأن كل من أقر بوطء أمة له عند مالك فجاءت بولد لما يشبه أن يكون حملا لذلك الوطء فالولد ولده إلا أن يدعي الاستبراء بعد الوطء.
قلت: وهذا مصدق في الاستبراء في قول مالك؟ قال: نعم.

المديان يقر بولد أمته أنه ابنه
قلت: أرأيت لو أن رجلا عليه دين يحيط بماله فقال: هذا الولد ولدي من أمتي هذه. قال: أراها أم ولده ولا يلحقها الدين، والولد ولده، وكذلك قال مالك في أمهات الأولاد: إن الدين لا يلحقهن ولا يردهن ولا يجعلهن بمنزلة الرجل يعتق عبده وعليه دين.
قال سحنون: وهذا قول الرواة كلهم لا أعلم بينهم فيه اختلافا وهذا يدل على المسألة الأولى في الذي ادعى الولد وورثته عصبة والولد له انقطاع إلى المدعي وناحية فالمقر بالولد والدين غالب عليه أولى بالتهمة لإتلافه أموال الناس ولكن استلحاق الولد يقطع كل تهمة.
وقال ذلك بعض كبار رواة مالك منهم أشهب: ألا ترى أن الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ويزعم أنه لم يمسها فالطلقة بائن ولا يجوز له ارتجاعها إلا

في الرجل يزوج أمته فتلد ولدا لستة أشهر فأقل فيدعيه
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا زوج أمته من عبده أو من رجل أجنبي فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فادعاه السيد لمن الولد؟ قال: قال مالك في الرجل يزوج أمته ثم يطؤها السيد فتجيء بولد: إن الولد ولد الزوج ولا يكون ولد السيد إلا أن يكون زوجها قد اعتزلها ببلد يعرف أن في إقامته ما كان استبراء لرحمها في طول ذلك فالولد يلحق بالسيد، وسئل مالك عن رجل زوج أمته عبده ثم وطئها السيد فجاءت بولد قال: الولد للعبد إلا أن يكون العبد معزولا عنها فإن الولد يلحق بالسيد لأنها أمته يدرأ عنه فيها الحدود وكذلك يلحق به الولد إذا كان الزوج معزولا عنها.
قلت: أرأيت إن زوج أمته فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر وقد دخل بها زوجها أيفسد نكاحه في قول مالك؟ قال: نعم، ويلحق الولد بالسيد إذا كان السيد مقرا بالوطء إلا أن يدعي الاستبراء.

في الرجل يطأ أمة مكاتبه فتحمل
قلت: أرأيت الرجل يطأ أمة مكاتبه فتحمل فجاءت بولد أيعتق الولد أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك في هذه المسألة شيئا إلا أني سمعت مالكا يقول: لا يجتمع النسب والحد، فإذا درئ الحد ثبت النسب فأرى في مسألتك هذه لا بد من أن يدرأ الحد ولا أحفظه عن مالك فإذا درئ الحد ثبت النسب.
قلت: فهل يكون للمكاتب في الابن القيمة على أبيه يوم حملت وتكون الأمة أم ولد له بتلك القيمة أم لا تكون له أم ولد وترجع إلى المكاتب أمة؟ قال: أحسن ما جاء فيه عندي أنها تقوم عليه يوم حملت بمنزلة الذي يطأ جارية ابنه أو ابنته أو شريكه ولا يكون هذا في أمة مكاتبه أشد مما يطأ جارية على الشريك في حصة شريكه وتكون أم ولد له ولا يصلح أن يلحق الولد به وتكون أمه أمة لمكاتبه.
قلت: فإن لم يكن له مال وليس فيما بقي على مكاتبه قدر قيمتها أتكون أم ولد ويعتق المكاتب ويتبع سيده بفضل القيمة أم تكون أمة للمكاتب ويقاص السيد بقيمة الولد فيما بقي عليه من كتابته؟ قال: أرى أن يكون ذلك على السيد ويقاص المكاتب سيده

في الرجل يطأ جارية ابنه
قلت: أرأيت الرجل يطأ جارية ابنه أتقوم عليه في قول مالك أم لا؟ وكيف إن كان ابنه صغيرا أو كبيرا أو حملت أو لم تحمل الجارية من الأب؟ قال: قال مالك: تقوم عليه جارية ابنه إذا وطئها حملت أو لم تحمل كبيرا كان أو صغيرا، وهو قول مالك الكبير والصغير في ذلك سواء تقوم عليه إذا وطئها وإن لم تحمل، ولا حد عليه فيها لأن مالكا قال في الجارية بين الشريكين: إذا وطئها أحدهما قومت عليه يوم حملت إلا أن يحب الشريك إن هي لم تحمل أن لا تقوم على شريكه فذلك له، ولا أرى أنا الابن بمنزلة الشريك إذا هي لم تحمل، وإن كان الابن كبيرا وليس للأب مال فإنها تقوم على الأب على كل حال مليا كان أو معدما وتباع عليه إن لم تحمل لابنه، وكذلك المرأة تحل جاريتها لزوجها أو لابنها أو لغيرهما وكذلك الأجنبيون هم بمنزلة سواء.
قلت: أرأيت إن وطئ جارية ابنه وقد كان ابنه وطئها قبل ذلك أتقوم على الأب أم لا؟ فقال مالك: تقوم على الأب. فقلت: فهل للأب أن يبيعها في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن حملت من وطء الأب؟ قال: قال مالك: تقوم على الأب وتخرج حرة ويلحقه الولد لأنها حرمت على الأب لأن الابن قد كان وطئها قبل ذلك وإنما كان للأب فيها المتعة فلما كانت عليه حراما عتقت. قال: ولم أسمعه من مالك ولكن أخبرني عنه بعض من أثق به.
قلت: أرأيت الأب إن وطئ أم ولد ابنه أتقوم عليه أم ماذا يصنع به في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن أرى أن تؤخذ القيمة من الأب قيمة أم الولد فتدفع

إلى الابن وتعتق الجارية على الابن ولا تعتق على الأب لأن الولاء قد ثبت للابن وإنما ألزمنا الأب القيمة للفساد الذي أدخله على الابن ولا آمر الابن أن يطأها فإذا نهيت الابن عن الوطء وحرمت عليه بوطء الأب أعتقتها عليه وقد بلغني ذلك عن مالك.
قلت: لم حرمت هذه الجارية على الابن وقد قال مالك لو أن رجلا وطئ امرأة ابنه لم تحرم على الابن؟ قال: لا تشبه الحرة في هذا الأمة لأن الرجل لو وطئ امرأة ابنه لرجمته إن كان محصنا وإن كان لم يحصن بامرأة قط حددته حد البكر ولست أحده في أم ولد الابن فلما لم أحده في أم ولد ابنه حرمتها على الابن فكذلك أم ولد الابن لأنها أمة إذا وطئها الأب دفعت عنه الحد وحرمتها على الابن وألزمت الأب قيمتها وأعتقتها على الابن.
قلت: أرأيت إن جاءت هذه الجارية بولد بعدما وطئها الأب. قال: ينظر في ذلك فإن كان الابن غائبا يوم وطئها الأب وقد غاب الابن قبل ذلك غيبة يعلم أن في مثلها استبرأ لطول مغيبه فالولد ولد الأب لأن مالكا قال: لو أن رجلا زوج غلاما له أمة له فوطئها سيدها بعدما دخل بها زوجها فولدت ولدا قال مالك: إن كان العبد غير معزول عنها فالولد للعبد وإن كان معزولا عنها أو غائبا قد استيقن في ذلك أنها قد حاضت بعده واستبرأ رحمها قال مالك: رأيت أن يلحق الولد بالسيد وترد الجارية إلى زوجها فكذلك الأب في جارية الابن.

في الرجل يتزوج الأمة فتلد منه ثم يشتريها أتكون بذلك أم ولد أم لا
قلت: أرأيت إن تزوج الرجل أمة والده فولدت ثم اشتراها أتكون أم ولد بذلك الولد أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل من تزوج أمة ثم اشتراها وقد كانت ولدت منه قبل أن يشتريها أنها لا تكون أم ولد بذلك الولد إلا أن يشتريها وهي حامل، فتكون بذلك الولد أم ولد ألا ترى أن الولد الذي ولدته قبل أن يشتريها أنه لسيدها الذي باعها وأن الذي اشتراها وهي حامل به يكون له فتصير أم ولد ولا تصير بالذي ولدت قبل الشراء أم ولد لأنه رقيق، وأما ما سألت عنه من اشتراء الولد امرأته من أبيه وهي حامل فإني لا أراها أم ولد وإن اشتراها وهي حامل منه لأن الولد قد عتق على جده في بطنها وإنما تكون أم ولد إذا اشتراها وهي حامل منه بمن لم يعتق عليه وهو في بطنها، فأما ما ثبتت فيه الحرية يعتق على من ملكه فاشتراها وهي حامل به فلا تكون به أم ولد، ألا ترى أن سيدها لو أراد أن يبيعها لم يكن ذلك له لأنه قد عتق عليه ما في بطنها وأن الأمة التي

لغير أبيه لو أراد بيعها وهي تحت زوجها باعها وكان ما في بطنها رقيقا فهذا فرق ما بينهما.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت أمة قد كان أبي تزوجها وهي حامل من أبي؟ قال: يعتق عليك ما في بطنها ولا تستطيع أن تبيعها حتى تضع ما في بطنها ولا تعتق عليك الأمة.
قلت: فإن رهقني دين بعدما اشتريتها أتباع أم لا؟ قال: نعم تباع عليك وتباع بالولد وذلك أنه إنما يعتق عليك إذا خرج إلا أنك لا تستطيع أن تبيعها لما عقد لولدها من العتق بعد الخروج.
قال سحنون: وقال أشهب مثل قول عبد الرحمن بن القاسم وقال بعض رواة مالك: لا تباع في الدين حتى تضع لأن عتق هذا ليس هو عتق اقتراف من السيد إنما أعتقته السنة وعتق السنة أوكد من الاقتراف وأشد.
قلت: فإن اشتريتها وهي حامل من أبي وأبي حي وهي تحته أتكون أم ولد لأبي بذلك الولد ويفسخ التزويج؟ قال: لا، لا تكون أم ولد بذلك الولد وهي أمة للابن ولا تكون أم ولد بذلك الولد لأن الولد إنما عتق على أخيه ولم يعتق على أبيه ولم يكن للأب فيها ملك وتحرم على الأب بملك ابنه إياها لأن الأب لا ينبغي له أن يتزوج أمة ابنه.
قلت: فإن كانت حاملا من أخي فاشتريتها؟ قال: تكون هي وولدها رقيقا لك لأن الرجل لا يعتق عليه ابن أخيه.
قال سحنون: وقد قال غيره في الابن الذي تزوج جارية أبيه فحملت منه ثم اشتراها من أبيه إن ذلك لا يجوز لأن ما في بطنها قد عتق على جده ولا يجوز أن تباع، ويستثنى ما في بطنها لأن ذلك غرر لأنه وضع من ثمنها لما استثنى وهو لا يدري أيكون لها ولد أم لا يكون، فكما لا يجوز له بيع ما في بطنها لأنه غرر فكذلك إذا باعها واستثنى ما في بطنها لأنه وضع من الثمن لمكانه ألا ترى أن عتق ما في بطنها لا يتسلط عليه الدين ولا يلحقه الرق لأنه عتق سنة وليس هو عتق اقتراف.

في أم ولد المرتد ومدبره
قلت: أرأيت لو أن مسلما ارتد ولحق بدار الحرب وله عبيد قد دبرهم وأمهات أولاد في دار الإسلام أيعتقون عليه حين لحق بدار الحرب كافرا؟ قال: قال مالك في

الأسير يتنصر: إنه لا يقسم ماله الذي في دار الإسلام بين ورثته فهذا يدلك على أن أمهات أولاد المرتد لا يعتقن عليه بلحاقه بدار الحرب لأن من لا يقسم ماله بين ورثته لا تعتق عليه أمهات أولاده فلما كان الأسير إن تنصر لم يقسم ماله بين ورثته فكذلك المرتد إذا ارتد في دار الإسلام ولحق بدار الحرب فهذا بمنزلة الأسير الذي تنصر فإن رجع إلى دار الإسلام فتاب ثم مات كان ميراثه بين ورثته وعتق عليه أمهات أولاده ومدبره، وإن مات على الارتداد كان ماله لجميع المسلمين، وأما مدبروه فإنهم يعتقون وليس هي وصية استحدثها لأنه أمر عقده في الصحة ولم يكن يستطيع أن ينقضه وهو مسلم فلذلك جاز عليه، وأما كل وصية لو شاء أن يردها وهو مسلم ردها فإنها لا تجوز إذا ارتد وكذلك الأسير إذا تنصر ولو جاز له ما أوصى به وهو مسلم ولو شاء أن يرده رده لجاز له أن يحدث في ارتداده وصيه فهذا وجه ما سمعت.
قلت: أرأيت المرتد إذا ارتد وله أمهات أولاد أيحرمن عليه في حال ارتداده في قول مالك قال: نعم.
قلت: فهل يعتقن عليه إذا وقعت الحرمة؟ قال: لا أحفظ قول مالك في العتق ولكني لا أرى أن يعتقن عليه لأن الحرمة التي وقعت ههنا من قبل ارتداده ليست كحرمة النكاح لأن النكاح عصمة تنقطع منه بارتداده وهذه عصمة ليس لها من عصمة تنقطع وهذه قد تحل له إن رجع عن ارتداده إلى الإسلام فأراها موقوفة إن أسلم كانت أم ولده بحال ما كانت قبل أن يرتد.

في أم ولد الذمي تسلم
قلت: أرأيت أم ولد الذمي إذا أسلمت ما عليها في قول مالك؟ قال: تعتق، وقد قال مالك: توقف حتى يموت أو يسلم فتحل له ثم رجع إلى أن تعتق.
قلت: ولا تسعى في قيمتها في قول مالك؟ قال: لا لأن الذمي إنما كان له فيها الاستمتاع بوطئها فلما أسلمت حرم فرجها عليه فصارت حرة.
قلت: أرأيت إن أسلمت أم ولد النصراني ثم أسلم النصراني مكانه بعد إسلامها أتجعلها أم ولده كما كانت أم تعتقها عليه؟ قال: إن أسلم قبل أن يعتقها السلطان عليه بعدما أسلمت كانت أم ولد له، قال: والذي أرى في أم ولد الذمي إذا أسلمت إن عقل عنها ولم يرفع أمرها حتى أسلم سيدها النصراني وقد طال زمانها أن سيدها أولى بها إن أسلم ما لم يحكم عليه السلطان بعتقها لأنه أمر قد اختلف الناس فيه.

معها أولادها وهم كبار قد استغنوا عن أمهم بلغوا الحلم أو لم يبلغوا أتعتقهم أم لا؟ قال: لا عتق للولد الكبار أسلموا مع إسلام أمهم أو قبلها أو بعدها، ولا إسلام للولد الصغار بإسلام أمهم استغنوا عنها أو بلغوا الإثغار أو لم يبلغوا، ولا عتق لهم ولا لجميع ولدها إن أسلموا إلا إلى موت سيدها، ولا يعتق منهم بالإسلام إلا الأم وحدها وذلك أن الأم إذا جنت أجبر سيدها على افتكاكها وأن ولدها لو جنوا جناية لم يجبر السيد على افتكاكهم وإنما عليه أن يسلم الخدمة التي له فيهم فيختدمهم المجروح إلى أن يستوفي جرحه قبل ذلك فيرجعون إلى سيدهم، فهذا فرق ما بينهما، وإنما إسلام الأم بمنزلة ما لو عجل لها سيدها العتق دون ولدها فلا عتق لولدها إذا أسلموا إلا إلى موت سيدها. ولقد قال مالك: الأولاد تبع للآباء في الإسلام في الأحرار وقال: في أولاد العبيد في الرق أنهم تبع للأمهات في الرق ولم أسمعه قال في إسلامهم شيئا إلا أني أرى أن لو أن أمة لنصراني لها ولد صغير فأسلمت بيعت وما معها من ولد صغير ولا يفرق بينها وبين ولدها لأنه لا يستغني عنها.
قلت: فإن كان قد استغنى عنها؟ قال: لا يباع معها.
قلت: ولا يكون مسلما بإسلامها صغيرا كان أو كبيرا؟ قال: إذا استغنى عنها فلا أراه عندي مسلما بإسلامها وإن لم يستغن عنها بيع معها من مسلم فأما إسلامه فلا أراه مسلما إذا كان أبوه نصرانيا ولا لسيده الذي اشتراه مع أمه أن يجعله مسلما إذا كره ذلك أبوه. قال: ولقد سمعت مالكا وهو يسأل عن الرجل المسلم يكون له العبد والأمة على النصرانية فتلد أولادا أترى أن يكره الأولاد على الإسلام وهم صغار؟ قال: ما علمت ذلك استنكارا أن يكون ذلك لسيدهم.
قلت: أرأيت المكاتب النصراني إذا كان مولاه مسلما فأسلمت أم ولد هذا النصراني المكاتب قال: أرى أن توقف، فإن عجز المكاتب كانت حاله مثل حال النصراني يشتري الأمة المسلمة وإن كان السيد نصرانيا ثم أسلمت أم ولد المكاتب النصراني أوقفت، فإن أدى المكاتب عتقت عليه وإن عجز كانت رقيقا وبيعت عليه.

أم الولد يكاتبها سيدها
قلت: أرأيت أم الولد أيصلح أن يكاتبها سيدها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا

يكاتبها سيدها إلا بشيء يتعجله منها فأما أن يكاتبها يستسعيها في الكتابة فلا يجوز ذلك.
قلت: وإنما يجوز عند مالك في أم الولد أن يعتقها على مال يتعجله منها قط. قال: نعم.
قلت: أرأيت إذا كاتب الرجل أم ولده أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز.
قلت: فإن فاتت بأداء الكتابة أتعتقها أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن لا ترد في الرق بعدما عتقت.
قلت: أرأيت أم الولد إذا كاتبها سيدها على مال فأدته إلى السيد فخرجت حرة أيكون لها أن ترجع على السيد بذلك فتأخذه منه في قول مالك لأن مالكا قال: لا يجوز للرجل أن يكاتب أم ولده؟ قال: لا ترجع على سيدها بشيء مما دفعت لأن مالكا قال: للسيد أن يأخذ مال أم ولده منها ما لم يمرض، فإذا مرض لم يكن له أن يأخذ مالها منها لأنه إنما يأخذه الآن لورثته. قال: وقال مالك أيضا: لا بأس بأن يقاطع الرجل أم ولده على مال يتعجله منها ويعتقها، فهذا يدلك على أنها لا ترجع بما أدت من ذلك إلى السيد.
قلت: فلم جوز مالك القطاعة في أم الولد ولم يجوز الكتابة؟ قال: لأن القطاعة كأنه أخذ مالها وأعتقها، وقد كان له أن يأخذ مالها ولا يعتقها، وأما الكتابة فإذا كاتبها فكأنه باعها خدمتها ورقها فلا يجوز أن يبيعها بذلك ولا يستسعيها لأن أمهات الأولاد لا سعاية عليهن إنما فيهن المتعة لساداتهن. قال: وقال مالك: ليس لسيد أم الولد أن يستخدمها ولا يجهدها في مثل استقاء الماء والطحين وما أشبهه ولا يكاتبها، ولو أن رجلا كاتب أم ولده فسخت الكتابة فيها إلا أن تفوت بأدائها الكتابة فتكون حرة.
قلت: أرأيت أم الولد إذا كاتبها سيدها؛ قال: تفسخ كتابتها وقال في أم الولد إذا كوتبت فأدت أنها حرة لأن مالكا قال: لا بأس بأن يقاطع الرجل أم ولده فإذا كان لا بأس بالقطاعة فهي إذا أدت حرة لا شك في ذلك ولا ينبغي كتابتها ابتداء.
قال سحنون، وأخبرني ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أنه قال: إذا أرادت أم الولد أن تتعجل العتق بأمر صالحها عليه فهو جائز فأما الكتابة كتابة المملوك فلا، ولكن تصالح من ذات يدها ما يثبت لها العتق، وأخبرني ابن وهب، عن الليث، عن يحيى بن سعيد بذلك.

قال يحيى: ولو مات سيدها وعليها الدين الذي اشترت به نفسها كان ذلك دينا عليها تتبع به لأنها اشترت رقا كان عليها تعجلت العتق بما كتب عليها ولو أنها كاتبت على كتابة معلومة ونجم عليها تلك الكتابة الشهور والسنين ثم مات الرجل عتقت وبطل ما بقي عليها من الكتابة.
قال ابن وهب، وأخبرني يونس بن يزيد عن أبي الزناد بنحو ذلك.
قال ابن وهب، وأخبرني يونس عن ربيعة أنه قال في رجل كاتب سريته قال: فإن كانت جاءته بمال تدفعه إليه على عتق تتعجله يكون بعض ذلك لبعض، فذلك جائز لها وأنكر ربيعة أن يكاتبها وقال: إن كاتبها مخالفة لشروط المسلمين فيها.

في الرجل يعتق أم ولده على مال يجعله عليها دينا برضاها أو بغير رضاها
قلت: أرأيت من أعتق أم ولده على مال يجعله عليها دينا برضاها أو بغير رضاها أيلزمها ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك إلا أن مالكا قال: ليس له أن يستعملها ولا يكاتبها، فإذا لم يكن له أن يستعملها ولا يكاتبها فليس له أن يعتقها ويجعل عليها دينا بغير رضاها وإذا كان برضاها فليس به بأس عندي، إنما هي بمنزلة امرأة حرة اختلعت من زوجها بدين جعله عليها فكذلك أم الولد لأنه إنما كان لسيدها المتاع فيها مثل ما كان له في الحرة من المتاع.

في أم ولد الذمي يكاتبها ثم يسلم
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا كاتب أم ولده نصرانية فأسلمت أم ولده أتسقط الكتابة عنها وتعتق في قول مالك؟ قال: نعم، لأنه قال: إذا أسلمت أم ولد النصراني عتقت عليه.
قلت: أرأيت لو أن ذميا كاتب أم ولده الذمية ثم أسلمت. قال: قال مالك في أم ولد الذمي: إذا أسلمت أنها حرة، فأرى هذه بتلك المنزلة أنها حرة وتسقط عنها الكتابة.

بيع أم الولد وعتقها
قلت: لم وهذا العتق آكد من أم الولد؟ قال: لأن ذلك قد ثبت في أم الولد ولا يشبه التدبير لأن التدبير من الثلث وأم الولد حرة من رأس المال إلا أن له فيها المتعة فهي مردودة على كل حال أم الولد للبائع، فإن ماتت في يدي المشتري قبل أن ترد فمصيبتها من البائع ويرجع المشتري إلى ماله فيأخذه
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع أم ولده فأعتقها المشتري أيكون هذا فوتا؟ قال: لا يكون هذا فوتا ولا تكون حرة وترد إلى سيدها.
قلت: وإن ماتت فذهب المشتري فلم يقدر عليها ما يصنع بالثمن. قال: يتبعه فيطلبه حتى يرده إليه، وإن قدر عليه وقد ماتت الجارية أم الولد في يدي المشتري رد عليه جميع الثمن ولم يتبعه بشيء لأن أم الولد إنما كان لسيدها فيها المتاع بالوطء لا بغيره وهي معتوقة من رأس المال على سيدها فلا يأكل ثمن حرة.
قلت: فإن مات سيدها وقد ماتت أم الولد قبله أو بعده أو لم تمت؟ قال: يرد الثمن إلى مشتريها على كل حال ويكون ثمنها دينا على بائعها إن لم يكن عنده وفاء ماتت أو لم تمت مات سيدها أو لم يمت مات سيدها قبلها أو بعدها أفلس أو لم يفلس.

العبد المأذون له يعتق وله أمة أو أم ولد حامل
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا اشترى جارية فوطئها بملك اليمين بإذن السيد أو بغير إذن السيد فولدت ثم أعتق العبد بعد ذلك فتبعته كما تبعه ماله أتكون بذلك الولد أم ولد أم لا؟ قال: قال مالك: لا تكون به أم ولد وله أن يبيعها وكل ولد ولدته قبل أن يعتقه سيده أو أعتقه سيده وأمته حامل منه لم تضعه، فإن ما ولدت قبل أن يعتقه سيده وما في بطن أمته رقيق كلهم للسيد ولا تكون بشيء منهم أم ولد لأنهم عبيد، وأما أمهم فبمنزلة ماله لأنه إذا أعتقه سيده تبعه ماله.
قال ابن القاسم: إلا أن يملك العبد ذلك الحمل الذي في بطن جاريته منه قبل أن تضعه فتكون به أم ولد له.
قال: فقلت لمالك: فلو أن العبد حين أعتقه سيده أعتق هو جاريته وهي حامل منه؟ قال: قال لي مالك: لا عتق له في جاريته وحدودها وحرمتها وجراحها جراح أمة حتى تضع ما في بطنها فيأخذه سيده وتعتق الأمة إذا وضعت ما في بطنها بالعتق الذي أعتقها به العبد المعتق ولا تحتاج الجارية هاهنا إلى أن يجدد لها العتق. قال مالك ونزل هذا ببلدنا وحكم به.

قال ابن القاسم: وسأله بعض أصحابه ابن كنانة بعدما قال لي هذا القول بأعوام: أرأيت المدبر إذا اشترى جارية فوطئها فحملت منه ثم عجل سيده عتقه وقد علم أن ماله يتبعه أترى ولده يتبع المدبر؟ قال: لا، ولكنها إذا وضعته كان مدبرا على حال ما كان عليه الأب قبل أن يعتقه السيد والجارية للعبد تبع لأنها ماله.
قلت: وتصير ملكا له ولا تكون بهذا الولد أم ولد له؟ قال: قد اختلف قول مالك في هذه بمنزلة ما اختلف في المكاتب وجعله في هذه الجارية بمنزلة المكاتب في جاريته، والذي سمعت من مالك أنه قال: تكون أم ولد إذا ولدته في التدبير أو في الكتابة.
قال: فقلت لمالك: وإن لم يكن لها يوم تعتق ولد حي؟ قال: نعم، وإن لم يكن لها ولد حي يوم تعتق.
قال سحنون: وقد قال أكثر الرواة: لا تكون أم ولد المدبر أم ولد إذا عتق المدبر كان له ولد يوم يعتق أو لا ولد له لأنه قد كان للسيد أخذ ماله وليس هي مثل أم ولد المكاتب لأن المكاتب كان ماله ممنوعا من سيده فبذلك افترقا وأم ولد المكاتب أم ولد إذا أدى وعتق.
قلت: ما حجة مالك في التي في بطنها ولد من هذا العبد الذي أعتقه سيده؟ فقال المعتق: هي حرة لم جعلها مالك في جراحها وحدودها بمنزلة الأمة وأن ما في بطنها ملك للسيد فهي إذا وضعت ما في بطنها كانت حرة باللفظ الذي أعتقها به العبد المعتق. قال: لأن ما في بطنها ملك للسيد فلا يصلح أن تكون حرة وما في بطنها رقيق، فلما لم يجز هذا أوقفت فلم تنفذ لها حريتها حتى تضع ما في بطنها. قال: ومما يبين لك ذلك أن العبد إذا كاتبه سيده وله أمة حامل منه أن ما في بطنها رقيق ولا يدخل في كتابة المكاتب إلا أن يشترطه المكاتب.
قال سحنون: وهذا قول الرواة كلهم ما علمت لأحد منهم خلافا في هذا إلا أشهب فإنه قال: إذا كاتب الرجل عبده وله أمة حامل منه دخل حملها معه في الكتابة إلا أن يشترطه السيد.

في أو ولد المدبر يموت سيده فيعتق في ثلثه
في أم ولد المدبر يموت سيده فيعتق في ثلثه
قال: وقال مالك في أم ولد المدبر إذا مات سيده فعتق في ثلث مال الميت: أن أم ولده أم ولد له بالولد الذي كان في التدبير، وولده الذين ولدوا بعد التدبير من أم ولده بمنزلته يعتقون في ثلث مال الميت.

قال ابن القاسم: وإن أراد المدبر أن يبيع أم ولده قبل موت سيده لم يكن ذلك له إلا بإذن السيد، وإن أراد السيد انتزاعها كان ذلك له.
قال: فقلت لمالك: فإن كان أعتق المكاتب أو المدبر ولا ولد له يوم أعتق؟ قال: نعم أراها أم ولده بما ولدت في التدبير والكتابة.
قال ابن القاسم: وإنما تكون أم ولده لأن ولدها بمنزلة والدهم فقد جرى في ولدها مثل ما جرى في أبيهم، فهذا يدلك أيضا على أنه يجري فيها ما يجري في ولدها.
قال: وقال مالك: في المدبر إذا مات سيده فعتق في ثلث ماله: أن أم ولده أم ولد له بالولد الذي حملت به في تدبيره كانوا معها يوم يعتق أبوهم أو ماتوا قبل ذلك.
قال ابن القاسم: تكون أم ولد لأن ولدها بمنزلة أبيهم لأنه جرى العتق في الولد كما جرى في الوالد فكذلك أيضا يجري فيها كما جرى في ولدها.
قال سحنون: قد أعلمتك بهذا الأصل قبل هذا.

المدبر يموت قبل سيده فيترك ولدا وأم ولد
قلت: أرأيت لو أن رجلا له مدبر فولد للمدبر ولد من أمة، ثم مات المدبر ثم مات السيد قال: لما مات المدبر كانت أم ولده أمة للسيد وجميع ما ترك المدبر مالا للسيد وأما الولد فإنه مدبر يقوم في ثلث مال الميت بعد موته.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

الرجل يدعي الصبي في ملك غيره أنه ولده
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع صبيا صغيرا في يديه ثم أقر بعد ذلك أنه ابنه أيصدق في قول مالك ويرد الصبي؟ قال: نعم إذا كان قد ولد عنده. وأخبرني ابن دينار أنها نزلت بالمدينة فقضي بها بعد خمس عشرة سنة وكذلك قال مالك.
قلت: فإن كان الصبي لم يولد عنده؟ قال: قال مالك: القول قوله أبدا إلا أن يأتي بأمر يستدل به على كذبه. قال مالك: فما ادعى مما يعرف كذبه فيه فهو غير لاحق به.
قلت: أرأيت لو أن رجلا ادعى ابنا فقال: هذا ابني، ولم تكن أمه في ملكه ولا كانت له زوجة أيصدق في ذلك إذا كان الابن لا يعرف نسبه؟ قال: قال مالك: من ادعى ولدا لا يعرف كذبه فيما ادعى ألحق به الولد إذا لم يكن للولد نسب ثابت.
قلت: ومن يعرف كذبه ممن لا يعرف كذبه؟ قال: الغلام يولد في أرض الشرك

الرجل يدعي الملقوط أنه ابنه
قلت: أرأيت إن التقطت لقيطا فجاء رجل فادعى أنه ولده أيصدق أم لا؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لا يصدق إلا أن يكون لذلك وجه مثل أن يكون رجلا لا يعيش

له ولد فيسمع قول الناس أنه إذا طرح عاش فيطرح ولده فالتقط، ثم جاء يدعيه، فإن جاء من مثل هذا ما يعلم أن الرجل كان لا يعيش له ولد وقد سمع منه ما يستدل به على صدق قوله ألحق به اللقيط وإلا لم يلحق به اللقيط ولم يصدق مدعي اللقيط إلا ببينة أو بوجه ما ذكرت لك أو ما أشبهه.
قال سحنون، وقال غيره: إذا علم أنه لقيط لم تثبت فيه دعوى لأحد إلا ببينة تشهد.
قلت: أرأيت الذي هو في يده إن أقر أو جحد أينفع إقراره أو جحوده؟ قال: لم أسمع فيه شيئا وأراه شاهدا، وشهادة واحد في الأنساب لا تجوز وهي غير تامة عند مالك ولا يمين مع الشاهد الواحد في الأنساب.
قلت: أرأيت الذي التقطه لو ادعاه هو لنفسه أيثبت نسبه منه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه هو وغيره فيه سواء لا يثبت نسب الولد منه بقوله إذا عرف أنه التقطه.
قلت: أرأيت إذا ادعت المرأة لقيطا أنه ولدها أيقبل قولها؟ قال: لا أرى أن يقبل قولها. وقال أشهب: أرى قولها مقبولا، وإن ادعته أيضا من زنا إلا أن يعرف كذبها.

الذي يدعي الصبي في ملكه أنه ابنه
قلت: أرأيت رجلا قال لعبد له أو لأمة: هؤلاء أولادي أيكونون أحرارا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: القول قول السيد فيهم ما لم يأت بأمر يستدل به على كذب السيد في قوله هذا، فإذا جاء بأمر يستدل به على كذب السيد لم يكن قوله بشيء.
قلت: أرأيت إن كان لهؤلاء أب معروف أو كانوا محمولين من بلاد أهل الشرك أهذا مما يستدل به على كذبه؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت صبيا ولد في ملكي ثم بعته ومكثت زمانا ثم ادعيت أنه ولد لي أتجوز دعواي؟ قال: إن لم يستدل على كذب ما قال فهو ولده ويترادان الثمن.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كان المشتري قد أعتق الغلام فادعاه البائع وقد كان ولد في ملكه أتجوز دعواه وينتقض البيع فيما بينهما وينتقض العتق؟ قال: قال: إن لم يستدل على كذب البائع كان القول قول البائع.

قال سحنون: وهذه المسألة أعدل قوله في هذا الأصل.
قلت: أرأيت لو أن صبيا ولد في ملكي من أمتي فأعتقته ثم كبر الصبي فادعيت أنه ولدي أتجوز دعواي ويثبت نسبه؟ قال: نعم.
قلت: فإن أكذبني الولد؟ قال: نعم، تجوز الدعوى ولا يلتفت إلى قول ولده.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك: تجوز دعواه إذا لم يتبين كذبه.
قلت: فإن اشترى جارية فولدت عنده من الغد فادعى الولد لم تجز دعواه حتى يكون أصل الحمل عنده وهذا مما يستدل به على كذبه في قول مالك؟ قال: نعم، لا يجوز أن يدعي الولد ولا يثبت نسبه إلا أن يكون أصل الحمل عنده في ملكه، فإذا كان أصل الحمل في ملك غيره لم تجز دعواه في قول مالك في الولد إلا أن يكون كان تزوجها ثم اشتراها وهي حامل فهذا تجوز دعواه.

الأمة تدعي ولدا من سيدها
قلت: أرأيت إن قالت أمة له: ولدت منك وأنكر السيد أتحلفه لها أم لا؟ قال: لا أحلفه لها لأن مالكا لم يحلفه في العتق، فكذلك هذه لا شيء لها إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء، ثم تقيم امرأتين على الولادة فهذا إذا أقامته صارت أم ولد وثبت نسب ولدها إن كان معها ولد إلا أن يدعي السيد استبراء بعد الوطء فيكون ذلك له.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: فإن أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء وأقامت امرأة واحدة على الولادة أيحلف السيد؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا، وأرى أن يحلف لأنها لو أقامت امرأتين ثبتت الشهادة على الولادة فهي إذا أقامت امرأة واحدة على الولادة رأيت اليمين على السيد.

المسلم يلتقط اللقطيط فيدعي الذمي أنه ابنه
المسلم يلتقط اللقيط فيدعي الذمي أنه ابنه
قلت: أرأيت اللقيط من أقام عليه بينة أيقضى له به وإن كان في يد مسلم فأقام ذمي البينة من المسلمين أنه ابنه أتقضي به لهذا الذمي وتجعله نصرانيا في قول مالك؟ قال: قال مالك في اللقيط يدعيه رجل: أن ذلك لا يقبل منه إلا ببينة أو يكون رجلا قد عرف أنه لا يعيش له ولد فيزعم أنه فعله لذلك فإن من الناس من يفعل ذلك، فإذا عرف

الحملاء يدعي بعضهم مناسبة بعض
قلت: أرأيت الحملاء إذا أعتقوا فادعى بعضهم أنهم إخوة بعض وادعى بعضهم أنهم عصبة بعض أيصدقون أم لا؟ قال: قال مالك: أما الذين سبوا أهل البيت أو النفر اليسير يتحملون إلى الإسلام فيسلمون فلا أرى أن يتوارثوا بقولهم، ولا تقبل شهادة بعضهم لبعض، وأما أهل حصن يفتح أو جماعة لهم عدد كثير فيتحملون يريدون الإسلام فيسلمون فأنا أرى أن يتوارثوا بتلك الولادة وتقبل شهادة بعضهم لبعض، وبلغني عن مالك أنه قال: لا تقبل شهادة هؤلاء النفر القليل الذين يتحملون بعضهم لبعض إلا أن يشهد شهود مسلمون قد كانوا ببلادهم. قال: فأرى أن تقبل شهادتهم ولم أسمعه من مالك، ولكن بلغني عنه وهو رأيي.
قال: قال مالك: حدثني الثقة عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب أبى أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب1. قال مالك: وذلك الأمر المجتمع عليه عندنا.
وأخبرني ابن وهب، عن مخرمة ويزيد بن عياض، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن ابن المسيب، عن عمر بن الخطاب مثله.
قال ابن وهب: وأخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وعمرو بن عثمان بن عفان وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مثله.
قال ابن وهب: وأخبرني يحيى بن حميد المعافري، عن قرة بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب أنه قال: قد قضى بذلك عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان.

الأمة بين الردلين يطآنها جميعا فتحمل فيدعيان ولدها
الأمة بين الرجلين يطئانها جميعا فتحمل فيدعيان ولدها
قلت: أرأيت الأمة تكون بين العبد والحر فتلد ولدا فيدعيان ولدها جميعا.

في الرجلين يطآن الأمة في طهر واحد فتحمل
قلت: أرأيت الأمة تكون بين الحر والعبد فتلد ولدا فيدعيان ولدها جميعا. قال: قال مالك في الجارية توطأ في طهر فيدعيان جميعا ولدها أنه يدعى لولدها القافة.
قلت: وكيف هذه الجارية التي وطآها جميعا في طهر واحد أهي ملك لهما أم ماذا؟ قال: إذا باعها هذا وقد وطئها فوطئها المشتري في ذلك الطهر فهذه التي قال مالك: تدعى لولدها القافة، فالتي هي لهما جميعا فوطآها في طهر واحد فإني أرى أن يدعى لهما القافة كانا حرين أو عبدين.
قلت: أرأيت إن وطئها هذا في طهر ثم وطئها هذا في طهر. قال: الولد للآخر منهما إذا ولدته لستة أشهر فأكثر من يوم وطئها لأن مالكا قال في الرجل يبيع الجارية فتحيض عند المشتري حيضة فيطؤها المشتري فتلد: إن ولدها للمشتري إذا ولدته لستة أشهر، وكذلك إذا كانت ملكا لهما فوطئها هذا ثم وطئها هذا بعد ذلك في طهر آخر أن الولد للذي وطئها في الطهر الآخر إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا وتقوم عليه.

قلت: أفيجعل مالك عليه نصف الصداق؟ قال: لا أعرف من قول مالك نصف الصداق ولا أرى ذلك.
قلت: أفتجعل عليه نصف قيمة الولد مع نصف قيمة الأم؟ قال: إن كان موسرا كان عليه نصف قيمتها يوم وطئها ولا شيء عليه من قيمة الولد، وإن كان معسرا كان عليه نصف قيمتها يوم حملت ونصف قيمة ولدها، ويباع نصفها للذي لم يطأ في نصف القيمة، فإن كان ثمنه كفافا بنصف القيمة أتبعه بنصف قيمة الولد وإن كان أنقص أتبعه بما نقص مع نصف قيمة الولد ولا يباع من الولد شيء ويلحق بأبيه ويكون حرا وهو قول مالك.
قلت: أرأيت الجارية يبيعها الرجل فتلد ولدا عند المشتري فيدعيه البائع والمشتري وقد جاءت بالولد لما يشبه أن يكون من البائع ومن المشتري؟ قال: قال مالك في الجارية يطؤها المشتري والبائع في طهر واحد فتلد ولدا: أنه يدعى لولدها القافة فأرى مسألتك إن كان وطآها في طهر واحد دعي لولدها القافة وإن كان بعد حيضة وولدت لأقل من ستة أشهر فهو للأول، وإن كانت ولدته لستة أشهر أو أكثر من ذلك فهو للمشتري وهذا قول مالك.
قال سحنون، وأخبرني ابن وهب، عن الليث بن سعد: أن ابن شهاب حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: "ألم تر أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض"1.
قال ابن وهب، وحدثني رجال من أهل العلم، عن أبي موسى الأشعري وكعب بن ثور الأزدي وكان قاضيا لعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز: أنهم قضوا بقول القافة وألحقوا به النسب.
قال ابن وهب: قال يونس، قال أبو الزناد: يعاقبون ويدعى لولدها القافة فيلحق بالذي يلحقونه به منهم والوليدة والولد للملحق به.
وقال يحيى بن سعيد قال: كان سلفنا يقضون في الرهط يتداولون الجارية بالبيع أو الهبة فيطئونها قبل أن يستبرئوها بحيضة فتحمل فلا يدرى ممن حملها إن وضعت قبل ستة أشهر فهو من الأول، وتعتق في ماله ويجلدون خمسين خمسين كل واحد منهم، فإن بلغت ستة أشهر ثم وضعت قبل ستة أشهر دعي لولدها القافة فألحقوه بمن ألحقوه ثم
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب المناقب باب 23. كتاب فضائل أصحاب النبي باب 17. كتاب الفرائض باب 31. مسلم في كتاب الرضاع حديث 38، 40. أبو داود في الطلاق باب 31. الترمذي في كتاب الولاء باب 5. النسائي في كتاب الطلاق باب 51. ابن ماجه في كتاب الأحكام باب 21. أحمد في مسنده"6/82، 226".

أعتقت في مال من ألحقوا به الولد ويجلد كل واحد منهم خمسين جلدة، وإن أسقطت سقطا معروفا أنه سقط قضي بثمنها عليهم وعتقت وجلد كل واحد خمسين جلدة، وإن ماتت قبل أن تضع فهي منهم جميعا ثمنها عليهم كلهم. قال: فمضى بهذا أمر الولاة.
قال ابن وهب، وأخبرني الخليل بن مرة، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يغش رجلان امرأة في طهر واحد".
قال ابن وهب، وأخبرني أسامة بن زيد، عن عطاء بن أبي رباح قال: أتي عمر بن الخطاب بجارية قد تداولها ثلاثة نفر كلهم يطؤها في طهر واحد ولا يستبرئها فاستمر حملها فأمر بها عمر فحبست حتى وضعت ثم دعا لها القافة فألحقوه برجل منهم فلحق به، وقضى عمر عند ذلك أن من ابتاع جارية قد بلغت المحيض فليتربص بها حتى تحيض. قال: ونكلهم جميعا.
قال ابن وهب، وأخبرني ابن أبي ذئب ويونس، عن ابن شهاب مثله. قال يونس: قال ابن شهاب: فأيهم ألحق به كان منه وأمه أم ولد.

في الأمة بين الرجلين يطؤها أحدهما فتحمل أو لا تحمل
قلت: أرأيت جارية بين رجلين وطئها أحدهما فلم تحمل أيكون على الذي وطئها شيء في قول مالك؟ قال: قال مالك: أرى أن تقوم على الذي وطئها حملت أو لم تحمل إلا أن يحب الذي لم يطأها إذا هي لم تحمل أن يتمسك بحقه منها ولا يقومها على الذي وطئها فذلك له.
قلت: ومتى تقوم إذا هي لم تحمل في قول مالك أيوم وطئ أم يوم يقومونها؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولكن أرى أن تقوم يوم وطئها. قال: وقال مالك: ولا حد على الذي وطئ ولا عقر عليه وليس نعرف نحن العقر من قول مالك، وإنما قلت: إنها تقوم عليه يوم وطئها من قبل أنه كان ضامنا لها إن ماتت بعد وطئه حملت أو لم تحمل فمن أجل ذلك، رأيت عليه قيمتها يوم وطئها.
قلت: أرأيت إذا هي حملت والذي وطئها موسر؟ قال: قال مالك: تقوم على الذي وطئها إن كان موسرا.
قلت: ومتى تقوم أيوم حملت أم يوم تضع أم يوم وطئها؟ قال: قال مالك: تقوم عليه يوم حملت.

قلت: فإذا قومت عليه أتكون أم ولد للذي حملت منه في قول مالك ويكون ولدها ثابت النسب منه؟ قال: نعم.
قلت: وإن كان الذي وطئها عديما لا مال له؟ قال: بلغني أن مالكا كان يقول قديما ولم أسمعه من مالك أنها تكون أم ولد للذي وطئها وإن كان عديما ويكون نصف قيمتها دينا على الذي وطئ يتبع به.
قلت: فهل يكون عليه في قول مالك القديم نصف قيمة الولد. قال: لا يكون عليه من قيمة الولد شيء لأنها حين حملت ضمن فولدت وهو ضامن لها ألا ترى أنها لو ماتت حين حملت كان ضامنا لشريكه نصف قيمتها، وأما الذي هو قوله منذ أدركناه نحن والذي حفظناه من قوله: أنه إن كان موسرا قومت عليه وكانت أم ولده وإن لم يكن موسرا بيع نصفها للذي لم يطأ فيدفع إلى الذي لم يطأ، وإن كان فيه نقصان عن نصف قيمتها يوم حملت كان الذي وطئ ضامنا لما نقص وولدها حر، ويتبع أيضا هذا الذي وطئ بنصف قيمة الولد ويثبت نسب الولد ولا يباع نصف الولد وليس هو مثل أمه في البيع هذا رأيي والذي آخذ به.
قلت: فهل يكون هذا النصف الذي بقي في يدي الذي وطئ بمنزلة أم الولد أم حرة في قول مالك؟ قال: أرى أن يعتق هذا النصف الذي بقي في يديه لأنه لا متعة له فيها ولأن سيد أم الولد ليس له فيها إلا المتعة بها وليس له أن يستخدمها فلما بطل الاستمتاع بالجماع من هذه ولم يكن له أن يستخدمها عتق عليه ذلك النصف وصار النصف الآخر رقيقا لمن اشتراه.
قال ابن القاسم: ولقد سئل مالك وأخبرني من أثق به أن مالكا سئل عن رجل وطئ أمة له وهي أخته من الرضاعة فحملت منه. قال مالك: يلحق به الولد ويدرأ عنه الحد بملكه إياها وتعتق عليه لأنه إنما كان له في أمهات الأولاد الاستمتاع بالوطء وليس له أن يستخدمهن، فإذا كان لا يقدر على أن يطأها ولا يستخدمها فهي حرة. قال: ونزلت بقوم وحكم فيها بقول مالك هذا.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت أنا ورجل أمة بيننا فجاءت بولد فادعيت الولد. قال: تقوم الأمة يوم حملت فيكون عليه نصف قيمتها يوم حملت.
قلت: ولا يكون عليه نصف الصداق في قول مالك؟ قال: لا.
قال سحنون: وقال غيره: إذا كانت الأمة بين رجلين فعدا عليها أحدهما فوطئها

فولدت قال: لا حد عليه ويعاقب إن لم يعذر بجهالة وتقوم عليه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال كان الشريك بالخيار إن شاء ثبت على حقه منها وكأن حق الشريك بحساب أم ولد وأتبع الذي لم يطأ شريكه بنصف قيمة الولد دينا عليه، وإن شاء أن يضمنه ضمنه وأتبعه في ذمته وليس هو بمنزلة من أعتق نصيبا له في عبد بينه وبين رجل ولا شيء عنده فأراد الشريك أن يضمنه فليس ذلك له عليه ولم يكن كالواطئ لأن الواطئ وطئ حقه وحق غيره فأفسد حقه وحق شريكه، وأن الذي أعتق لم يحدث في مال شريكه إذا أعتق نصيبه وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم عليه إن كان له مال وإلا فقد عتق منه ما عتق، فإن أراد الشريك أن يحبس نصيبه ويبقي نصيب شريكه بحساب أم ولد فذلك له ولا يعتق على الشريك الواطئ نصيبه لأنه قد يشتري النصف الباقي إن وجد مالا فيكون له وطؤها إلا أن يعتق المتمسك بالرق نصيبه، فيعتق على الواطئ نصيبه لأنه لا يقدر على وطئها وليس له خدمتها.
قلت: فإذا أيسر الشريك الذي وطئ ولم يكن عنده مال ولم يضمن شيئا فأراد المتمسك بالرق أن يضمنه أو أراد هو أن يقوم عليه لليسر الذي حدث أو أطاعا بذلك هل يكون نصفها الذي كان رقيقا بحساب أم ولد حتى يكون جميعها أم ولد؟ قال: لا تكون بذلك أم ولد لأنه لم يكن يلزم الواطئ إن وجد مالا أن تلزمه القيمة للرق الذي يرد فيها فكذلك لا يلزم الذي له الرق أن يؤخذ بغير طوعه ولا تكون أم ولد إلا بما يلزم الواطئ بالحرة ويلزم الشريك بالقضية وهذه مسألة كثر الاختلاف فيها من أصحابنا وهذا أحسن ما علمت من اختلافهم.

في الرجل يقر بالولد من زنا
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: زنيت بهذه الأمة فجاءت بهذا الولد وهو مني فجلدته الحد مائة جلدة ثم اشترى الأمة وولدها أيثبت نسبه منه ويعتق عليه في قول مالك أم لا؟ قال: لا يثبت نسبه منه ولا يعتق عليه عند مالك.
قلت: فإن كان الولد جارية فأراد أن يطأها بعدما أقر بما أخبرتك أيكون له أن يطأها في قول مالك؟ قال: لا يحل له وطؤها أبدا.

في الرجل يخدم الرجل جاريته سنين ثم يطؤها السيد فتحمل
قال: وسألته عن الرجل يخدم الرجل جاريته عشر سنين ثم يطؤها سيدها فتحمل

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الولاء والمواريث

في ولاء العبد يعتقه الرجل بأمره أو بغير أمره
قلت: أرأيت إن أعتقت عن رجل عبدا بأمره أو بغير أمره لمن الولاء في قول مالك؟ قال: قال مالك: الولاء للمعتق عنه.
قلت: وسواء إن كان المعتق عنه حيا أو ميتا فهو سواء، وولاء هذا المعتق للذي أعتق عنه في قول مالك. قال: نعم. ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك سعد بن عبادة؛ أخبرنا بذلك مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن أمه أرادت أن توصي ثم أخرت ذلك إلى أن تصح فهلكت وقد كانت همت بأن تعتق قال عبد الرحمن: فقلت للقاسم بن محمد: إن أمي هلكت أينفعها أن أعتق عنها؟ قال القاسم: إن سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي هلكت وليس لها مال أينفعها أن أعتق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم فاعتق عنها"1.
قال ابن وهب: قال جرير بن حازم: أنه سمع الحسن يذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتق عنها وتصدق فإنه سينالها"1 وأن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت عن عبد الرحمن بن أبي بكر رقابا كثيرة بعد موته.
ابن وهب وأخبرني عقبة بن نافع، عن يحيى بن سعيد أنه قال: من أعتق رقبة عن أحد فالولاء لمن كانت العتاقة عنه، وإن من الدليل على أن ولاءه للذي أعتق عنه وميراثه له أن السوائب الذين يعتقون سائبة لله أن ولاءهم للمسلمين، فميراثهم لهم، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقوا السوائب ولم يرثوهم وكان ولاؤهم وميراثهم للمسلمين، قال ذلك ابن أبي الزناد عن أبيه: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله أن يجعل
ـــــــ
1 رواه في كتاب العتق حديث 13. أحمد في مسنده"1/176" "6/7".

ميراثهم في بيت مال المسلمين وأن سالما أعتقته امرأة من الأنصار سائبة فقتل ولم تأخذ ورثتها ميراثه وذكر ذلك سفيان بن عيينة عن أبي طوالة الأنصاري، وأن عمر بن الخطاب قال: ميراث السائبة لبيت المال ويعقل عنه المسلمون وقال أبو الزناد وربيعة وابن شهاب: ميراثه لبيت المال، وقال قبيصة بن ذؤيب: كان الرجل إن أعتق سائبة لا ترثه، وأن عبد الله بن عمر أعتق سائبة فلم ترثه، وقال هؤلاء: يعقل عنهم المسلمون.
ابن وهب، عن ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث أنه قال: أعتق عبد الله بن عياش رجلا يقال له: العلمس سائبة، وكان عبد الله بن عياش لا يقر بولائه لأنه سائبة وإنما معنى السائبة كأنه أعتق عن المسلمين إذ كانوا يرثونه ويعقلون عنه ولو بان ولاؤه للذي أعتقه لورثه ولكان العقل على عاقلته ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز وابن شهاب وربيعة يجعلون عقله على بيت المال لأن الميراث لهم.

في ولاء العبد يعتقه الرجل عن العبد
قلت: أرأيت إن أعتقت عبدي عن عبد رجل لمن ولاؤه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكني أرى أن ولاءه لسيد المعتق عنه.
قلت: أرأيت إن أعتق العبد المعتق عنه بعد ذلك أيجر ولاءه؟ قال: لا، لأن مالكا قال في عبد أعتق عبده بإذن سيده ثم أعتقه سيده بعد ذلك: أنه لا يجر الولاء، وذكر ابن وهب أن إبراهيم النخعي سئل عن عبد كان لقوم فأذنوا له أن يبتاع عبدا فيعتقه ثم باعوا العبد بعد ذلك فقال: الولاء لمواليه الأولين الذين أذنوا له.
وقال أشهب: يرجع إليه الولاء لأن عقد عتقه يوم عقده ولا إذن للسيد فيه ولا رد.

في ولاء العبد يعتقه سيده عن الرجل على مال
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: اعتق عبدك على ألف درهم أضمنها لك أيكون عليه الألف إن أعتق الرجل عبده أم لا؟ قال: نعم المال عليه عند مالك.
قلت: ولمن الولاء؟ قال: للذي أعتق في قول مالك.
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل: اعتق عبدك على أن أدفع إليك كذا وكذا تنجمها علي وتعجل للعبد العتق. قال: لا بأس بذلك والمال لازم للرجل كان نقدا أو إلى أجل، وإن كان عتق العبد إلى أجل والمال حال أو إلى أجل فلا خير فيه لأني سألت مالكا عن الرجل يعطي للرجل مالا على أن يدبر عبده. قال مالك: لا خير في ذلك لأنه لا يدري

في ولاء العبد يعتقه الرجل عن امرأة العبد بإذنها أو بغير إذنها
ي ولاء العبد يعتقه الرجل عن امرأة العبد بإذنها أو بغير إذنها
قلت: أرأيت لو أن امرأة حرة تحت عبدي أعتقت عبدي عنها أيفسد النكاح أم لا قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى أن يفسد النكاح لأنها لم تمكنه، وإنما جعلنا الولاء لها بالسنة والآثار.
قلت: أرأيت إن قالت امرأة حرة تحت عبد لسيد زوجها: أعتقه زوجي عني بألف درهم أيفسد النكاح في قول مالك؟ قال: أرى أن يفسد النكاح ولم أسمع من مالك فيه شيئا لأنها في هذا الباب قد اشترته حين أعطته ألف درهم على أنه حر عنها، وقولها له: اعتقه عني بألف درهم إنما هذا اشتراء ولها ولاؤه، وقد قال أشهب: لا يفسد النكاح لأنها لم تملكه.

في ولاء العبد يعتقه الرجل على ابنه أو أخيه النصراني
قلت: أرأيت من أعتق عبدا عن أبيه وهو نصراني أو مسلم أو عن أخيه وهو نصراني أو مسلم، قال: قال مالك: الولاء للذي أعتق عنه إذا كان المعتق عنه مسلما. قال ابن القاسم: وأرى إن أعتق عبدا مسلما عن النصراني فلا ولاء له هو لجماعة المسلمين وهو بمنزلة النصراني يعتق المسلم إن كان المعتق مسلما فإن كان المعتق نصرانيا فولاؤه لأبيه إن أسلم أبوه.

في ولاء العبد النصراني يعتقه النصراني ثم يسلم بعد عتقه
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا أعتق عبدا له نصرانيا فأسلم العبد بعدما أعتق وللسيد ورثة مسلمون أيكون ولاء هذا العبد المعتق حين أسلم لورثة هذا النصراني إذا كانوا

في ولاء أم ولد النصراني تسلم
قلت: أرأيت أم ولد الذمي إن أسلمت فأعتقت عليه في قول مالك لمن يكون ولاؤها؟ قال: لجميع المسلمين.
قلت: أرأيت إن أسلم سيدها بعد ذلك هل يرجع إليه ولاؤها؟ قال: نعم لأن مالكا قال في مكاتب الذمي إذا أسلم فأدى كتابته: إن ولاءه للمسلمين، فإن أسلم سيده بعد ذلك رجع إليه ولاؤه لأنه عقد كتابته وهو على دينه فكذلك أم الولد.

في ولاء العبد المسلم يعتقه النصراني
قلت: أرأيت عبد النصراني إذا أسلم فأعتقه سيده لمن ولاؤه في قول مالك؟ قال: لجميع المسلمين.
قلت: فإن أسلم السيد بعد ذلك أيرجع إليه ولاؤه أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يرجع إليه ولاؤه.

في ولاء مدبر النصراني يسلم
قلت: فمدبر الذمي إذا أسلم؟ قال: قال مالك: يؤاجر وتكون الأجرة للسيد ولا يترك يخدم النصراني، فإن مات النصراني على نصرانيته وله مال يخرج هذا المدبر من ثلثه عتق عليه، وإن لم يكن له مال يخرج من ثلثه عتق عليه مبلغ ثلثه ورق من المدبر ما بقي، فإن كان ورثة النصراني نصارى بيع عليهم ما رق من المدبر، وإن لم يكن له ورثة من النصارى فما رق من هذا المدبر فهو لجميع المسلمين وهذا قول مالك.
قلت: فإن كان ورثة هذا النصراني مسلمين أيكون لهم ولاؤه؟ قال: نعم لهم الولاء لأن الأب قد ثبت له الولاء بالتدبير الذي كان في النصرانية.

ولاء العبد يعتقه العبد بإذن سيده أو بغير إذنه
قال: وقال مالك: ما أعتق العبد بإذن سيده فولاؤه لسيده ولا يرجع إلى العبد، وإن أعتق العبد فهو مخالف للمكاتب في هذا، وما أعتق العبد من عبيده مما لم يأذن له فيه سيده فلم يعلم به حتى عتق العبد جاز عتقه وولاؤه للعبد دون السيد.
قال ابن القاسم: وذلك لأن العبد حين أعتقه سيده تبعه ماله فحين تبعه ماله جاز عليه عتق عبده الذي كان أعتقه لأن سيده لم يكن رده قبل ذلك في الرق وأعتقه حين أعتقه ولم يستثن ماله فجاز عتق العبد في عبده الأول، ولو استثنى السيد مال عبده فسخ عتق العبد الذي كان أعتق بغير أمر سيده ورد رقيقا إلى السيد لأن السيد قد استثناه ولأن السيد كان له أن يرده إذا علم بذلك قبل أن يعتق عبده.
قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وكان مالك يجيز عتق العبد إن أعتق عبده بإذن سيده؟ قال: نعم.
قلت: وكان مالك يجيز عتقه إذا أعتقه بغير إذن السيد ثم أعتق السيد العبد الأعلى قبل أن يعلم بعتق العبد الثاني؟ قال: نعم كما فسرت لك.

في ولاء العبد المسلم يكاتبه النصراني
قلت: أرأيت النصراني إذا كاتب عبده والعبد مسلم ثم أسلم السيد قبل أداء الكتابة. قال: فإن ولاء المكاتب إذا أدى لجميع المسلمين ولا يرجع إلى السيد ولاؤه، وإنما ينظر إليه يوم عقد له العتق ولا ينظر إلى العتق يوم وقع ألا ترى لو أن نصرانيا كاتب نصرانيا ثم أسلم العبد بيعت كتابته، فإذا أدى أعتق وكان ولاؤه للنصراني إذا أسلم؟ قلت: لم نظرت إلى حاله يوم عقد له العتق ولا تنظر إلى حاله يوم وقع العتق؟ قال: لأنه حين عقد له ما عقد صار لا يستطيع رده ووجب له، وإنما ينظر إلى حالته تلك يوم وجب ولا ينظر إلى ما بعد ذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا يدلك على ما أخبرتك من عتق النصراني وتدبيره وكتابته العبد النصراني قبل أن يسلم العبد ثم أسلم العبد.

في ولاء العبد النصراني يكاتبه المسلم
قلت: أرأيت عبدا نصرانيا لمسلم كاتبه فاشترى هذا العبد النصراني عبدا نصرانيا

في ولاء ولد الأمة تعتق وهي حامل به وأبوه حر
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق أمة له وهي حامل وأبيه حر لمن ولاء هذا الولد الذي في بطنها في قول مالك؟ قال: للمولى الذي أعتق الأم لأن ما في بطنها قد أصابه الرق.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق أمة له وهي حامل من زوج حر فولدت ولدا لمن ولاء هذا الولد في قول مالك؟ قال: للمولى الذي أعتقها.
ابن وهب قال: أخبرني محمد بن عمرو، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح في حر تزوج أمة فأعتق ما في بطنها قال: ولاؤه لمن أعتقه وميراثه لأبيه، قال: وأخبرني يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد أنه قال في عبد وامرأته أمة لهما ولد فعتق قبل أبيه ثم أعتقت أمه قال: فإن أبويه يرثانه ما بقيا، فإذا هلك أبواه صار ولاؤه إلى من أعتقه ولا يجر الوالد ولاء ولده وقاله ابن شهاب، وقال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} .

في ولاء العبد تدبره أم الولد أو تعتقه بإذن سيدها أو بغير إذنه
قلت: أرأيت أم الولد أيجوز عتقها عبدها أو تدبيرها أو كتابتها؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك.
قلت: فإن لم يعلم السيد بذلك حتى أعتقها أو مات عنها، قال: سبيلها على ما وصفت لك في عتق العبد، إن أذن لها السيد كان الولاء للسيد ولم يرجع إليها، وإن لم يأذن لها السيد كان الولاء لها.
قلت: فالمكاتب إذا أذن له السيد في عتق عبده فأعتقه ثم أعتق المكاتب أيرجع ولاؤه إلى المكاتب في قول مالك؟ قال: نعم.
قال سحنون: قد قيل: لا يجوز للمكاتب أن يعتق عبده وإن أذن له سيده، فإنه ليس له أن يرق نفسه فهو إذا أعتق عبده هذا أعان على نفسه وإرقاقها، وقد أخبرني أيضا ابن نافع عن مالك في العبيد يكاتبون كتابة واحدة فيأذنون للسيد بعتق أحدهم ممن له القوة على أداء الكتابة والسعاية إن ذلك لا يجوز لأنهم يريدون يرقون أنفسهم ولا يتركون على ذلك ولا على أن يعجزوا أنفسهم ولهم القوة.
قلت لابن القاسم: فما فرق ما بينها وبين المكاتب؟ قال: لأن المكاتب لم يكن

للسيد أن ينزع ماله وأم الولد كان له أن ينزع مالها فلذلك كان ما وصفت لك في عتقها.

في ولاء عبيد أهل الحرب يسلمون بعدما أعتقهم ساداتهم ثم يسلم ساداتهم بعد ذلك
قلت: أرأيت لو أن قوما من أهل الحرب أعتقوا عبيدا لهم ثم أن العبيد خرجوا إلينا فأسلموا ثم خرج ساداتهم بعد ذلك فأسلموا، أيرجع إليهم ولاؤهم أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الولاء ههنا بمنزلة النسب إذا قامت البينة على عتقهم إياهم مثل أهل حصن أسلموا جميعا ثم شهد بعضهم لبعض بعتق هؤلاء، أو كان في أيديهم قوم من المسلمين أسارى أو تجار فشهدوا على عتقهم إياهم رجع إليهم الولاء بمنزلة النسب إذا ثبتت البينة على النسب ألحقته بنسبه فكذلك الولاء.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: كذلك قال مالك في النسب والولاء بمنزلة النسب ههنا.

في ولاء عبيد أهل الحرب إذا خرجوا إلينا فأسلموا
قال ابن القاسم: بلغني أن مالكا قال في عبيد أهل الحرب: إذا أسلموا وخرجوا إلينا مسلمين ثم إن ساداتهم أسلموا وخرجوا إلينا بعدهم مسلمين قال: العبيد أحرار ولا يردون في الرق. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: ولاؤهم لأهل الإسلام ولا يرجع إلى ساداتهم.
قلت: أرأيت لو أن عبيدا من عبيد أهل الحرب خرجوا إلينا فأسلموا ثم قدم ساداتهم بعد ذلك فأسلموا قال: قد ثبت ولاء العبيد لأهل الإسلام فلا يرجع إلى ساداتهم الولاء أبدا في قول مالك إن ولاءهم حين أسلموا ثبت لأهل الإسلام كلهم.
قلت: فلم رددت الولاء في المسألة الأولى؟ قال: لأن المسألة الأولى قد كانوا أعتقوهم ببينة ثبتت قبل إسلام العبيد فلما أسلموا رجع إليهم الولاء لأنهم هم أعتقوهم، وفي هذه المسألة إنما أعتق العبيد الإسلام ولم يعتقهم ساداتهم فلذلك لا يرجع إليهم الولاء.

في ولاء العبد النصراني يعتقه النصراني فيسلم المعتق ويهرب السيد إلى دار الحرب فيسبيه المسلمون
قلت: أرأيت لو أن رجلا من النصارى من أهل الذمة أعتق عبيدا له وهم نصارى

في ولاء العبد النصراني يعتقه النصراني فيسلم المعتق ويهرب السيد إلى دار الحرب فيسبيه المسلمون فيصير في سهمان عبده فيعتقه
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا أعتق عبدا له فأسلم العبد المعتق وهرب السيد نصرانيا ناقضا للعهد إلى دار الشرك فسبي بعد ذلك فصار في سهمان عبده الذي أعتق فأعتقه بعد ذلك وأسلم أيكون ولاء كل منهما لصاحبه؟ قال: نعم لأن الولاء بمنزلة النسب فقد كان ولاء هذا العبد المعتق للنصراني الذي هرب ثم سبي فصار له رقيقا فأعتقه فأسلم فصار ولاؤه للعبد المعتق فقد صار ولاء كل واحد منهما لصاحبه مثل النسب يرث كل واحد منهما صاحبه إن هلك عن مال قال: والولاء إنما هو نسب من الأنساب وكذلك سمعت مالكا يقول: الولاء نسب ثابت.

في ولاء العبد يبتاعه الرجل ثم يشهد مشتريه على بائعه بعتقه
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى عبدا من رجل فشهد هذا المشتري أن البائع كان قد أعتقه والبائع منكر؟ قال: قال مالك: لو أن رجلا شهد على رجل بأنه أعتق عبدا له أو على أبيه بعد موته أنه أعتق عبدا له في وصيته فصار العبد إليه في قسمة أو اشترى الشاهد العبد أنه يعتق عليه.
قلت: ولمن ولاؤه قال: للذي زعم هذا أنه أعتقه.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، وإنما قال لي مالك أنه يعتق عليه وأما الولاء فهو رأيي.
قلت: أرأيت إن اشترى رجل أمة من رجل فأقر أنها قد كانت ولدت من سيدها الذي باعها. قال: سمعت مالكا يقول: من اشترى عبدا وأقر أنه حر فإنه يعتق عليه، فأرى أم الولد إذا أقر لها رجل بأنها أم ولد لبائعها وقد اشتراها الذي أقر أنها بهذه المنزلة أنه يؤخذ بإقراره إلا أني لا أرى أن تعتق عليه الساعة حتى يموت سيدها لأني أخاف أن يقر سيدها بما قال هذا المشتري فتصير أم ولد له، ولا أرى للذي اشتراها عليها سبيلا.
قلت: أرأيت إن أقررت أني بعت عبدي هذا من فلان وأن فلانا أعتقه وفلان يجحد ذلك؛ قال: أراه حرا لأن مالكا قال في رجل شهد على رجل بعتق عبده فردت شهادته ثم اشتراه بعد ذلك، قال: يعتق عليه بقضاء.
قلت: ولمن ولاؤه؟ قال: للذي شهد له أنه أعتقه.
قال أشهب: لا يعتق عليه إلا أن يقر بعدما اشتراه بأن سيده قد كان أعتقه فإن ولاءه للذي أعتق عليه وليس للأول من ولائه شيء، فأما الولاء فليس قول أشهب إلا أنه قول كثير من أصحابنا.

في ولاء العبد يدبره المكاتب أو يعتقه بإذن سيده أو بغير إذن سيده
قلت: أرأيت المكاتب إذا دبر عبده أيجوز أم لا؟ قال: إن علم بذلك السيد فرد تدبيره بطل التدبير، وإن لم يعلم بذلك حتى أدى الكتابة وعتق كان العبد مدبرا.
قلت: وكذلك لو دبر عبد عبدا له كان بهذه المنزلة؟ قال: نعم هو مثل الذي أخبرتك من عتق العبد.

قلت: أرأيت المكاتب أيجوز عتقه أم لا في قول مالك؟ قال: لا يجوز عتقه عند مالك.
قلت: أرأيت إن أعتق المكاتب عبدا له فلم يعلم سيده بما صنع من ذلك حتى أدى كتابته وعتق أينفذ عتق عبده ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: إذا لم يعلم سيده حتى يؤدي كتابته فإن عتق ذلك العبد جائز وليس له أن يرده.
قلت: وكذلك صدقة ماله إن علم بذلك السيد كان له أن يرده؟ قال: نعم، كذلك قال مالك قال: وما رد السيد من ذلك من عتق أو صدقة ثم عتق المكاتب لم يلزم المكاتب ذلك إلا أن يشاء.
قلت: وهذا المكاتب الذي أجزت عتق عبده حتى أدى كتابته لمن تجعل ولاء ذلك العبد المعتق؟ قال: قال مالك: ولاؤه للمكاتب. قال: قال مالك: وإن أعتق المكاتب أيضا عبده بإذن سيده ثم عتق المكاتب فإن الولاء يرجع إليه إذا عتق.

في ولاء العبد يعتقه المكاتب عن غيره على مال
قلت: أرأيت إن أعتق المكاتب عبده على مال أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا أعتقه على مال يدفعه إليه من غير مال هو للعبد فذلك جائز إذا كان على وجه النظر لنفسه، وإن كان إنما أعتقه على مال للعبد يأخذه منه فإن ذلك لا يجوز لأن هذا إنما أعتق عبده وأخذ منه مالا كان له، فلا يجوز له هذا العتق لأن المكاتب لو أعتق عبده بغير إذن سيده لم يجز لأن مالكا قال في المكاتب: إذا كاتب عبده على وجه النظر لنفسه فإن ذلك جائز وكذلك عتقه إياه على مال يأخذه منه من غير ماله.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أتى إلى مكاتب أو إلى عبد مأذون له في التجارة فقال: اعتق عبدك هذا عني ولك ألف درهم ففعل أيجوز العتق في قول مالك؟ قال: قال مالك: بيعهما جائز فأرى هذا بيعا وأراه جائزا.
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا أتاه رجل فقال: اعتق عبدك هذا أيها المكاتب على ألف درهم ولم يقل عني أيجوز هذا العتق أم لا؟ قال: العتق جائز إذا كانت الألف ثمنا للعبد أو أكثر من ثمنه.
قلت ولمن الولاء قال: للمكاتب إن أدى فعتق كان الولاء له، وإن عجز المكاتب كان الولاء لسيد المكاتب ولا يكون للذي أعطى الألف من الولاء قليل ولا كثير ويلزمه الألف الدرهم.

قلت: ولم جعلت الألف درهم لازمة له ولم تجعل له من الولاء شيئا؟ قال: ألا ترى لو أن رجلا أتى إلى رجل فقال: اعتق عبدك ولم يقل عني على ألف درهم فأعتقه أن الألف لازمة له وأن الولاء للذي أعتق لأنه لم يقل عني، فكذلك المكاتب هو في ذلك بمنزلة الحر لأن المكاتب لو كاتب عبدا له على وجه النظر جازت الكتابة وإن كره ذلك السيد، فإن أدى المكاتب كتابته كان له ولاء مكاتبه الذي كاتب وإن عجز كان ولاء مكاتبه لسيده وهذا الآخر قول مالك وما قبله رأيي.

في ولاء العبد النصراني يعتقه المسلم فيهرب إلى دار الحرب
ثم يسبيه المسلمون فيصير في سهمان رجل فيعتقه
قلت: أرأيت النصراني إذا أعتقه رجل من المسلمين فهرب النصراني إلى دار الشرك فسبي بعد ذلك أيكون رقيقا في قول مالك؟ قال: نعم يكون رقيقا لأنه كل من نصب الحرب على أهل الإسلام ممن لم يكن على دين الإسلام فهو فيء.
قلت: فإن سبي بعد ذلك فأعتقه الذي صار في سهمانه لمن يكون ولاؤه أللأول أو للثاني؟ قال: لم أسمع فيه شيئا وأرى ولاءه للثاني.
قلت: فإن كان قبل أن يلحق بدار الشرك مراغما لأهل الإسلام كان أعتق عبيدا له نصارى في بلد المسلمين قبل لحاقه فلحق بعدما أعتقهم أو كان تزوج بنصرانية حرة فولدت له أولادا ثم أسلموا لمن يكون ولاء مواليه أولئك وولاء ولده أيكون ذلك للمولى الثاني أو للمولى الأول؟ قال: أراه للمولى الأول ولا يكون للمولى الثاني من ذلك الولاء شيء، لأن ذلك الولاء قد ثبت لمولاه الأول قبل أن يلحق النصراني بدار الحرب فلا ينتقض ذلك الولاء بلحوقه إلى دار الحرب لأن الولاء ثبت، وإنما ينتقض ولاؤه نفسه لأنه قد عاد إلى الرق وليس ذلك الولاء مما يجره إذا وقع في الرق ثانية فأعتق لأن مواليه أولئك أعتقهم وهو حر وولده أولئك ولدوا وهو حر فثبت ولاؤهم للمولى الأول، وإنما يجر الولاء إذا كان عبدا فتزوج حرة فما ولدته في حال العبودية فهو يجر ولاؤهم إذا أعتق وإن تداوله موال وكانت امرأته هذه تلد منه وهو في ملك أقوام شتى يتداولونه فاشتراه رجل فأعتقه فهذا يجر ولاء أولاده كلهم الذين ولدوا له من هذه الحرة لأنهم ولدوا له وهو في حال الرق وما ولد له في حال الحرية أو أعتقهم ثم مسه الرق بعد ذلك فإنه لا يجر ولاءهم لأن ولاءهم قد ثبت للمولى الأول.

في ولاء العبد يشتريه أخوه أو ابنه أو أبوه فيعتق عليهم
قلت: أرأيت لو أني اشتريت أخي فعتق علي أيكون لي ولاؤه؟ قال: نعم لك ولاؤه عند مالك.
قلت: وكذلك لو أن امرأة اشترت والدها فعتق عليها أيكون مولاها؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: لو أن امرأتين اشترتا أباهما فعتق عليهما فهلك فإنهما يرثان الثلثين بالنسب والثلث بالولاء إذا لم يكن ثم وارث غيرهما.

في ولاء ولد المكاتبة من المكاتب وولد المدبرة من المدبر
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا لرجل تزوج مكاتبة لرجل آخر فولدت أولادا في كتابتها ثم أدى الأب والأم الكتابة فأعتقا وأعتق الولد لمن ولاء الولد في قول مالك؟ قال: لموالي الأم لأنهم إنما عتقوا بعتق أمهم وإنما كانوا في كتابة الأم، وكذلك المدبر لو تزوج مدبرة لغير مولاه فولدت له أولادا كانوا على تدبير أمهم يعتقون بعتقها ويرقون برقها، وكذلك ولد المكاتبة ويكون ولاء ولد المدبرة وولاء ولد المكاتبة لموالي الأم وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت لو أن مكاتبة تحت حر أو تحت مكاتب حملت في حال كتابتها فأدت وهي حامل به ثم وضعته بعدما أدت لمن ولاء هذا الولد؟ قال: ولاؤه لسيد الأمة لأنه قد مسه الرق حين كانت به حاملا وهي مكاتبة لأنها إن وضعته قبل أن تؤدي كتابتها فهو معها في كتابتها وإن وضعته بعد أداء الكتابة فقد مسه الرق إذ هو في بطنها. ألا ترى لو أن رجلا أعتق أمته وهي حامل فوضعته بعدما عتقت ووالده عبد ثم عتق أن هذا الولد مولى لموالي الأمة لأن الرق قد مسه ولا يجر الأب ولاءه وهذا قول مالك في هذا الآخر.

في ولاء الحربي يسلم
قلت: أرأيت لو أن امرأة من أهل الحرب قدمت بأمان فأسلمت لمن ولاؤها في قول مالك؟ قال: لجميع المسلمين.
قلت: فإن سبي والدها بعد ذلك فأعتق وأسلم أيجر ولاءها في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، وما سمعت من مالك فيها شيئا.
قلت: ولم قلت في هذه: إنه يجر ولاءها، وقلت في المسألة الأولى: إذا لحق بدار الحرب فسبي ثم أعتق أنه لا يجر ولاء ولده الذين ولدوا في حال حريته؟ قال:

وفي ولاء أولاد المكاتب الأحرار من المرأة الحرة يموت ويدع وفاء بكتابته
قلت: أرأيت مكاتبا مات وترك أولادا حدثوا في الكتابة وأولادا من امرأة أخرى حرة وترك وفاء بالكتابة فأدى عنه ولده الذين حدثوا في الكتابة كتابته أيجر العبد ولاء ولده الأحرار الذين من الحرة؟ قال: لا يجر ولاءهم لأن مالكا قال: إذا مات وعليه شيء من كتابته، فإن ترك ولدا حدثوا في الكتابة ومالا فيه وفاء لكتابته فإنما مات عبدا فهو لا يجر الولاء في مسألتك ولا يجر إليه الولد الذين حدثوا في الكتابة ولا إخوتهم.
قلت: أرأيت مكاتبا هلك وله ولد حدثوا في الكتابة وولد أحرار من امرأة حرة وترك مالا فيه وفاء بكتابته فأدى عنهم وخرج ولده أحرارا ولم يترك مالا يعتقون فيه فسعوا فأدوا، لمن ولاء ولده الأحرار؟ قال: قال مالك: لا يجره إلى سيده في الوجهين جميعا قال: ومما يدل على ذلك أن مالكا قال في الرجل يكاتب عبده ويكاتب المكاتب عبدا له آخر فيهلك المكاتب الأول وله ولد حدثوا في الكتابة أو كاتب عليهم وله ولد أحرار فيسعون ولده الذين في الكتابة حتى يؤدوها: إن ولاء المكاتب الثاني لولد المكاتب الأول الذين كوتبوا معه دون ولده الأحرار فجعل ولاؤه بمنزلة ماله إذا مات عن مال فيه فضل عن كتابته كان ما بقي بعد الكتابة لولده الذين معه في الكتابة.

في ولاء مكاتب المكاتب يؤدي الأسفل قبل المكاتب الأعلى
قلت: أرأيت المكاتب الأعلى إذا كاتب مكاتبا فأدى المكاتب الأسفل قبل المكاتب الأعلى، ثم أدى المكاتب الأعلى بعد ذلك أيرجع إليه الولاء في قول مالك؟ قال: نعم إذا أدى رجع إليه ولاء مكاتبه الأسفل عند مالك.

في ولاء العبد المسلم يعتقه المسلم والنصراني
قلت: أرأيت عبدا مسلما بين نصراني ومسلم أعتقاه جميعا معا لمن ولاء حصة هذا النصراني؟ قال: لجميع المسلمين.

في ولاء الذمي وجنايته إذا أسلم
قلت: أرأيت من أسلم من أهل الذمة أعقلهم في بيت المال أم لا في قول مالك؟ قال: نعم عقلهم في بيت المال في قول مالك.
قلت: وكذلك جريرة مواليهم يكون ذلك في بيت المال في قول مالك؟ قال: نعم لأن مالكا قال فيهم أنفسهم: إن جريرتهم في بيت المال فمواليهم بمنزلتهم.
قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم، عن زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود ويحيى بن سعيد وعطاء بن أبي رباح أنهم كانوا يقولون فيمن يموت ولا يعرف له عصبة ولا أصل يرجع إليه: إنه يرثه المسلمون، وقد كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب يذكر أن ناسا يموتون عندهم ولا يتركون رحما لهم ولا ولاء فكتب عمر أن ألحق أهل الرحم برحمهم فإن لم يكن لهم رحم ولا ولاء فأهل الإسلام يرثونهم ويعقلون عنهم.
قال يزيد بن عياض: سئل عمر بن عبد العزيز عمن يسلم من أهل الجزية من اليهود والنصارى والمجوس فقال: من أسلم من أهل تلك الملل فهو مسلم عليه ما على المسلمين وله ما للمسلمين وليست عليه الجزية وميراثه لذي رحم إن كان فيهم مسلم يتوارثون كما يتوارث أهل الإسلام، فإن لم يكن له وارث مسلم فميراثه في بيت مال الله يقسم بين المسلمين، وما أحدث من حدث ففي مال الله الذي بين المسلمين يعقل عنهم منه.
وقال مالك: من أسلم من الأعاجم البربر والسودان والقبط ولا موالي لهم فجر جريرة فعقلهم على جماعة المسلمين وميراثه لهم وقد أبى عمر أن يورث من الأعاجم إلا

في ولاء العبد العبد يوصي به لمن يعتق عليه
قلت: أرأيت من أوصى لرجل بمن يعتق عليه إذا ملكه فقبل أو لم يقبل؟ قال: هو حر على كل حال قبل أو لم يقبل إذا حمله الثلث والولاء للموصى له إن قبل أو لم يقبل فهو للموصى له ويبدأ على أهل الوصايا كأنه إنما أوصى أن يعتق عليه ويبدأ على أهل الوصايا. قال مالك: وأرى إن لم يحمله الثلث، فإن قبل عتق منه ما حمله الثلث وقوم عليه ما بقي فيه وكان الولاء له وإن لم يقبل. قال علي بن زياد عن مالك: سقطت الوصية.
قال ابن القاسم: وإن أوصى له بشقص منه فهو مثل ذلك سواء إن قبل عتق عليه وقوم عليه ما بقي وكان له الولاء وإن لم يقبل لم يعتق من العبد إلا ما أوصى به وإن كان الثلث يحمله فلا يعتق منه إلا الجزء الذي أوصى له به ويبدأ على الوصايا، ولا يقوم عليه ما بقي، وإن أوصى لسفيه أو ليتيم بشقص ممن يعتق عليه أو أوصى له به كله فلم يحمله الثلث فقبله وليه لم يعتق منه إلا ذلك ولم يقوم عليه، ولا سبيل إلى الولي أن يقول: لا أقبله، وأن يرده والولاء لليتيم فيما عتق عنه.
قلت: أرأيت إذا أوصى رجل لرجل بأبيه أو بابنه فأبى أن يقبل الوصية فمات الموصي والموصى له يقول: لا أقبل الوصية أيعتق أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يعتق وإن لم يقبله الموصى له ويبدأ على أهل الوصايا كما يبدأ العتق على أهل الوصايا وكان الولاء له. وقال أشهب: لأنه في ترك قبول الوصية مضارة إذا كان الثلث يحمله وليس يلزمه فيه تقويم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" 1.
ـــــــ
1 تقدم في ص 480 هامش رقم"1".

في ولاء العبد يعتقه القرشي والقيسي وجنايته وإلى من ينتمي
في ولاء العبد النصراني يعتقه المسلم وجنايته
قلت: أرأيت لو أن عبدا نصرانيا أعتقه رجل من المسلمين فجر المعتق النصراني جريرة أيعقل عنه هذا المسلم وقومه أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى أن يعقل عنه قوم الذي أعتقه جريرته.
قلت فعلى من عقله؟ قال: أراه على جميع المسلمين لأن ميراثه لجميع المسلمين، لأن مالكا قال: ليس على النصراني إذا أعتقه المسلم جزية. قال مالك: وميراثه لجميع المسلمين إذا لم يكن له قرابة يرثونه من أهل دينه، قال مالك: ولا أرى عليه الجزية فلم يجعله مالك من أهل الجزية، لم يحمل عنه أهل الجزية جريرته إذا لم يكن له منهم ذمة، ولا يجعل مالك ميراثه للذي أعتقه فتكون جريرته على سيده وإنما جريرته على جميع المسلمين لأنهم ورثته، ولو أن رجلا قتله كان العقل على الذي قتله لجميع المسلمين يرثونه ذلك ويكون ذلك العقل على قوم القاتل إن كان من المسلمين وله عاقلة تعقل عنه، وهذا قول مالك.
ألا ترى أن مالكا وغير واحد ذكر أن يحيى بن سعيد حدثهم عن إسماعيل بن أبي حكيم أخبرهم أن عمر بن عبد العزيز أعتق عبدا له نصرانيا فتوفي قال إسماعيل: فأمرني عمر بن عبد العزيز أن آخذ ميراثه فأجعله في بيت مال المسلمين، وإنما لم يرثه المولى الذي أعتقه لاختلاف الدينين.
ألا ترى أن ابن عمر ذكر عنه يحيى بن أيوب، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: لا يرث مسلم كافرا إلا الرجل عبده أو مكاتبه، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين" 1 ولقول عمر بن الخطاب: "لا نرث أهل الملل ولا يرثونا".

في ولاء العبد النصرا يعتقه القرشي والنصراني وجنايته
في ولاء العبد النصراني يعتقه القرشي والنصراني وجنايته
قلت: أرأيت لو أن عبدا نصرانيا بين رجل من أهل الذمة ورجل من قريش أعتقاه جميعا فجنى جناية أيكون نصفها على قريش ونصفها على أهل الذمة إذا كان العبد نصرانيا؟ قال: لا، ولكن نصفها على أهل خراج مولاه الذي أعتقه أهل بلده الذين يؤدون معه خراجه ونصفها على بيت المال، لأن هذا المسلم لا يرث هذا العبد لأنه نصراني.
قلت: فإن أسلم العبد قبل أن يجني جناية ثم جنى؟ قال: يكون نصف عقل جنايته في بيت المال ونصفها على قريش قوم مولاه.
قلت: لم؟ قال: قال: لأن القرشي حين أسلم العبد صار وارثا لما أعتق، والذي انقطعت وراثته من حصته التي أعتقها لإسلام العبد وصار ذلك لجميع المسلمين فصار في بيت المال جريرة ذلك النصف.
قلت: فإن أسلم مولاه النصراني بعد ذلك؟ قال: يرجع إليه ولاؤه ويكون ما جنى بعد ذلك خطأ نصفها في بيت المال ونصفها على قوم القرشي.

في ولاء الملقوط والنفقة عليه وجنايته
قلت: أرأيت مالكا أليس كان يقول: اللقيط حر؟ قال: نعم، وولاؤه للمسلمين يعقلون عنه ويرثونه. قال: وقال مالك: من أنفق على اللقيط فإنما نفقته على وجه الحسبة ليس له أن يرجع عليه بشيء.
قلت: فإن كان للقيط مال وهب له أيرجع عليه بما أنفق في ماله؟ قال: نعم يرجع عليه.
قلت: أرأيت اللقيط أيكون ولاؤه لمن التقطه؟ قال: قال مالك: يكون ولاؤه للمسلمين كلهم ولا يكون لمن التقطه ولاؤه.
قلت: أرأيت جناية اللقيط على من هي؟ قال: هي على بيت مال المسلمين.
قلت: وميراثه للمسلمين؟ قال: نعم، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت اللقيط أيكون ولاؤه للذي التقطه في قول مالك أم لا؟ قال: لا.
قلت: ولمن ولاؤه قال: لجميع المسلمين عند مالك.
قلت: أرأيت اللقيط أيكون له أن يوالي من شاء في قول مالك؟ قال: لا، وولاؤه

لجميع المسلمين عند مالك وأن علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز قالا: اللقيط حر. قال عمر بن عبد العزيز: ونفقته على بيت المال.

في ولاء العبد يشترى من الزكاة فيعتق
قال: وقال مالك: إنما تفسير {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] أن يشتري رقبة يفتديها فيعتقها فيكون ولاؤها لجميع المسلمين. قال: ولقد سألت مالكا عن عبد تحته حرة لها منه أولاد أحرار يشترى من الزكاة فيعتق لمن ولاء ولده؟ قال مالك: ولاؤه لجميع المسلمين ويجر ولاء ولده الأحرار.
قال: وقال مالك: ولو أن عبدا تزوج حرة فولدت له أولادا فاشتري العبد من زكاة المسلمين فأعتق فإن ولاء ولده تبع له فيصير ولاؤه وولاء ولده لجميع المسلمين.

في ولاء موالي المرأة وعقل مواليها
قلت: أرأيت المرأة على من عقل مواليها ولمن ميراثهم في قول مالك؟ قال: قال: مالك: عقل ما جرموا إليها من جريرة على قومها وما تركوا من ميراثهم فهو لولد المرأة إن كان لها ولد وإن كانت ميتة، فإن لم يكن لها ولد فلولد ولد الذكور من ولدها وولد ولدها الذكور دون الإناث.
قلت: وإلى من ينتمي مولى هذه المرأة إلى قوم ولدها أو إلى قوم المرأة وكيف تكتب شهادته؟ قال: ينتمي إلى قوم المرأة كما كانت المرأة تنتمي.
ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: أخبرني رجال من أهل العلم أن عليا والزبير اختصما في موالي أم الزبير وهي صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير فقال علي: أنا عصبتها وأنا أولى بمواليها منك يا زبير. وقال الزبير: أنا ابنها وأنا أرثها وأولى بمواليها منك يا علي. فقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه للزبير بموالي صفية أم الزبير وهم آل إبراهيم منهم عطاء ومسافر بن إبراهيم.
قال ابن شهاب: ثم اختصم الناس فيهم حين هلك ولد المرأة الذكور وولد ولدها فردوا إلى عصبة أمهم ولم يكن لعصبة ولد المرأة من ولائهم شيء.
قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم أن عمر بن الخطاب قضى بالميراث للزبير بالعقل على عصبتها، فإن مات الزبير رجع إلى عصبتها.
مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أن أباه أخبره أنه كان

في ولاء ولد المعتقة من ارجل المسلم
في ولاء ولد المعتقة من الرجل المسلم
قلت: أرأيت إن أعتقت أمة لي فزوجتها من رجل أسلم من أهل الذمة فولدت منه أولادا لمن ولاء الأولاد أللأب أم لموالي الأم في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل حرة تزوجها حر فالولاء للأب كان من أهل الذمة فأسلم أو من عليه بالعتق فأسلم، ويرث ولده عند مالك كل من كان يرث أباه إذا كان الأب ميتا.
قلت: أرأيت رجلا أسلم وكان ولاؤه لجميع المسلمين فتزوج امرأة من العرب أو من الموالي معتقة فولدت أولادا ثم مات ومات الأولاد بعده لمن ميراثهم ولمن ولاؤهم في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كل ولد يولد للحر من الحرة فهو تبع للأب فولاء هؤلاء لجميع المسلمين وميراثهم لجميع المسلمين عند مالك.
قلت: أرأيت رجلا أسلم من أهل الذمة فتزوج امرأة معتقة أو امرأة من العرب فولدت له أولادا لمن ولاء الولد؟ قال: لجميع المسلمين وإنما الولد ههنا تبع للأب وهذا قول مالك.

في بيع الولاء وهبته وصدقته
قلت: أرأيت بيع الولاء وهبته وصدقته أيجوز في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك.
ابن وهب قال: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عباس وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب أن الولاء لحمة كالنسب لا يباع ولا يوهب. وقال ابن مسعود: أيبيع أحدكم نسبه. وقاله ابن شهاب ومكحول وربيعة بن أبي عبد الرحمن.

في انتقال الولاء
قلت: أرأيت المرأة الحرة إذا كانت تحت المملوك فولدت له أولادا فأعتق المملوك أيجر ولاء ولده في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت الجد إذا أعتق أيجر ولاء ولد ولده في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وجد الجد إذا أعتق أيجر ولاء ولد ولد ولده إذا أعتق؟ قال: قال لنا مالك: الجد يجر ولاء ولد ولده فجد الجد بمنزلة الجد.
مالك بن أنس، عن هشام بن عروة وربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن الزبير بن العوام اشترى عبدا فأعتقه ولذلك العبد أولاد من امرأة حرة فلما أعتقه قال الزبير: هم موالي، وقال موالي الأم: هم موالينا، فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقضى بولائهم1 للزبير بن العوام إلا أن هشاما ذكره عن أبيه.
ابن وهب قال: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وأبي أسيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز وربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن الأب يجر الولاء إذا أعتق الأب.
قال سعيد بن المسيب: إن مات أبوهم وهو عبد فولاء ولده لموالي أمهم، وقال مالك: الأمر المجمع عليه عندنا على ذلك، وإنما مثل ذلك مثل ولد الملاعنة ينسب الزمان من دهره إلى موالي أمه فيكونون هم مواليه، إن مات ورثوه وإن جر جريرة عقلوا عنه ثم إن اعترف به أبوه ألحق بأبيه وصار إلى موالي أبيه وصار ميراثه إليهم وعقله عليهم ويجلد أبوه الحر إذا اعترف به، وكذلك ولد الملاعنة من العرب إذا اعترف به أبوه صار بمنزلة هذا الذي وصفنا وإنما ورثه من ورثه من قبل أن يعترف به أبوه لأنه لم يكن له نسب ولا عصبة فلما ثبت نسبه صار إلى أصله وعصبته.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العتق حديث 21.

في شهادة النساء في الولاء
قلت: أرأيت شهادة النساء أتجوز على الولاء في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة النساء على الولاء ولا على النسب.
قلت: أرأيت إن شهدن على السماع في الولاء أتجوز شهادتهن في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى أن تجوز على السماع ولا على غيره في الولاء ولا في النسب، لا تجوز شهادتهن على الولاء ولا على النسب على حال من

الحالات. ألا ترى أن شهادتهن في العتق لا تجوز فكيف في الولاء؟ والولاء هو نسب.
وقد قال ربيعة وابن شهاب: لا تجوز شهادتهن في العتق. وقال مكحول: لا تجوز شهادتهن إلا حيث أجازها الله في الدين.

في الشهادة على الشهادة في الولاء وفي الشهادة على السماع في الولاء
قلت: أرأيت الشهادة على الشهادة أتجوز في الولاء في قول مالك؟ قال: نعم. قال مالك: وشهادة الرجلين تجوز على شهادة عدد كثير.
قلت: أرأيت إن شهدا على أنهما سمعا أن هذا الميت مولى لفلان هذا لا يعلمون له وارثا غير هذا. قال: قال مالك: إذا شهد شاهدان على السماع أو شهد شاهد واحد أنه مولاه أعتقه ولم يكن إلا ذلك من البينة، قال: فإن الإمام لا يعجل في ذلك حتى يثبت فإن جاء أحد يستحق ذلك وإلا قضى له بالشاهد الواحد مع يمينه بالمال.
قال: قال مالك: وقد نزل هذا ببلدنا وقضي به. قال مالك: إن لم يكن إلا قوم يشهدون على السماع فإنه يقضى له بالمال مع يمين الطالب ولا يجر بذلك الولاء.
وقال أشهب بن عبد العزيز: ويكون له بذلك ولاؤه وولاء ولده بشهادة السماع، وكذلك لو أقر رجل أن فلانا مولاي ثم مات ولم يسأل أمولى عتاقة رأيته مولاه يرثه بالولاء.
قلت لابن القاسم: فإن كان شاهد واحد على السماع أيحلف ويستحق المال في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى أنه لا يحلف مع الشاهد الواحد على السماع ولا يستحق به من المال شيئا لأن الشهادة على السماع إنما هي شهادة على شهادة، فلا تجوز شهادة واحدة على شهادة غيره.
قال سحنون: وقال غيره: ألا ترى لو شهد له شاهد واحد على الولاء بالبت أو على النسب بالبت لم يكن له أن يحلف مع شاهده ويستحق المال، لأن المال لا يستحق حتى يثبت النسب، والنسب والولاء لا يثبت بأقل من اثنين ألا ترى أن مالكا يقول في الأخ يدعيه أحد إخوته: إنه لا يحلف معه ولا يثبت له شيء من المال في جميع المال لأنه لا يثبت له المال إلا بإثبات النسب، والنسب لا يثبت إلا باثنين فلا يكون لهذا أن يحلف ولكن يكون له في ما في يد أخيه ما يصيبه منه على الإقرار به مثل أن يكونا أخوين أقر أحدهما بأخ وأنكره الآخر، فإنه يكون للمقر له فيما في يد المقر ثلث ما في يديه وهو

السدس من الجميع، وقال غيره: وإنما استحسن في المال أن يكون له مع يمينه إن لم يكن للمال طالب لأنه ليس ثم نسب يلحقه في المولى الذي شهد فيه شاهد على أنه مولاه أو شهد شاهدان على السماع، ألا ترى أن الأخ يقر بالأخ وليس له غيره أن ذلك يوجب له المال ولا يثبت له النسب.

في شهادة ابني العم لابن عمهما في الولاء
قلت: أرأيت إن شهد أعمامي على رجل مات أنه مولاي وأن أبي أعتقه؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن ابني عم شهدا على عتق لابن عمهما قال مالك: إن كانا ممن يتهمان على قرابتهما أن يجرا بذلك ولاء فلا أرى ذلك يجوز، وإن كانا من الأباعد ممن لا يتهمان أن يجرا بذلك ولاء ولعل ذلك يرجع إليهما يوما ما ولا يتهمان عليه اليوم.
قال مالك: فشهادتهما جائزة، ففي مسألتك إن كان إنما هو مال يرثه وقد مات مولاه ولا ولد لمولاه ولا موالي فشهادتهما جائزة لأنهما لا يجرون بشهادتهم إلى أنفسهم شيئا، فإن كان لموالي الميت ولد وموال يجر هؤلاء الشهود بذلك إلى أنفسهم شيئا يتهمون عليه لقعدتهم لمن شهدوا له لم أر شهادتهم تجوز في الولاء.

في الإقرار في الولاء
قلت: أرأيت لو أن رجلا أقر أنه أعتق هذا الرجل وأنه مولاه وقال الآخر: صدق هو أعتقني أيصدق وإن كذبه قومه؟ قال: أرى القول قوله، ويكون ثابت الولاء ولا يلتفت إلى إنكار قومه ههنا إلا أن تقوم عليه البينة بخلاف ما أقر به، فإن قامت عليه البينة بخلاف ما أقر به أخذ بالبينة وترك قوله.
قلت: أرأيت الرجل تحضره الوفاة فيقول: فلان مولاي أعتقني وهو وارثي ولا يعلم ذلك إلا بقوله أيصدق في قول مالك أم لا؟ قال: نعم يصدق إلا أن يأتي أحد يقيم بينة على خلاف ما قال، وقاله أشهب بن عبد العزيز.
قلت: أرأيت إن أقر رجل على أبيه أن أباه أعتق عبده هذا في مرضه أو في صحته ولا وارث لأبيه غيره أيجوز إقراره على أبيه بالولاء ويعتق هذا العبد ويجعل ولاؤه لأبيه في قول مالك؟ قال: نعم يلزمه العتق، فإن كان إقراره بأن أباه أعتقه في المرض والثلث يحمله جاز العتق.
قلت: أفلا تتهمه في جر الولاء قال: لا لأنه لو أعتقه عن أبيه كان الولاء لأبيه

في الدعوى في الولاء
قلت: أرأيت إن أعتقت أمة وهي تحت حر فولدت له ولدا فقالت: أعتقت وأنا حامل بهذا الولد وقال الزوج: بل حملت به بعد العتق فولاؤه لموالي. قال: القول قول الزوج.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قال: وقال أشهب وغيره: ولو أقر الزوج بما قالت لم يصدق إلا أن يكون المعتق واقعها وهي حامل بينة الحمل أو تضع بعد العتق لأقل من ستة أشهر.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن أقمت البينة أن فلانا أعتقني وفلان يجحد ذلك ويقول: لا أعرفك وما كنت لي عبدا، أو قال: ما أنت لي بمولى أيلزمه ولائي وتمكنني من إيقاع البينة عليه في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذه المسألة ولكن هذا عندي بمنزلة النسب، ألا ترى لو أن رجلا ادعى أنه ابن هذا الرجل وجحد ذلك الرجل أنه ابنه فأقام عليه البينة فإني أمكنه من ذلك وأثبت نسبه منه.
قلت: أرأيت إن أنكر مولاه أني أعتقته وجحد ولائي فأردت أن أوقع عليه البينة عند القاضي أيمكنني القاضي من ذلك أم لا؟ قال: نعم يمكنك من إيقاع البينة عليه حتى يثبت أنه مولاك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أزل أسمع هذا.
قلت: وكذلك الأنساب لو أن رجلا جحد ابنه أو ابنا جحد أباه فأراد أن يوقع البينة عليه أتمكنه من ذلك؟ قال: نعم.

قلت وكذلك الأم والولد قال: نعم. قلت: وكذلك الأخ والأخت إذا جحد بعضهم بعضا فأراد المجحود أن يوقع البينة أتمكنه من ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أن رجلا مات وترك ابنتين فادعى رجل أنه أعتق هذا الميت وأنه مولاه فصدقته إحدى الابنتين وأنكرت الأخرى ذلك؟ قال: لا أرى للمولى شيئا في إقرار هذه من المال لأنه لا يدخل عليها في الثلث الذي صار لها في إقرارها للمولى شيء وأما الولاء فإني لا أرى أن يثبت الولاء له حتى يكون ولاء تحمل العاقلة جريرتها، وأما الميراث فإني أرى أن يحلف إذا ماتت ولم تدع وارثا غيره أو عصبة يحلف ويأخذ الميراث. قال: ويحلف مع الابنتين ويأخذ الثلث الباقي إن لم يأت أحد بأحق مما شهدتا له به وذلك إذا كانتا عدلتين.
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك ابنتين فادعى رجل أنه مولاه وأنكرت البنتان أن يكون هذا الرجل مولى لأبيهما؟ قال: لا يكون مولاه إلا أن يقيم البينة في قول مالك.
قلت: فإن أقرت البنتان أنه مولى أبيهما؟ قال: إذا لم يكن لأبيهما عصبة ولا من يستحق الثلث الباقي بولاء معروف ولا نسب حلف وهذا مع إقرار البنتين واستحق المال ولا يستحق الولاء ألا ترى أن الرجل يهلك ويترك ابنا فيقول الابن: إن هذا أخوه ولم يكن للمقر له بينة أنه يستحق المال ولا يثبت نسبه، وقال غيره: لا يحلف مع البنتين في الثلث الباقي لأنهما شهدتا على عتق وشهادتهما في العتق لا تجوز ولا يثبت المال إلا بإثبات الولاء وشهادتهما في الولاء لا تجوز، ولو أقرتا له بالولاء أنه مولاهما ورثهما إذا لم يكن يعرف باطل قولهما بمنزلة الرجل يقر للرجل أنه مولاه ولا يعرف باطل قوله فهو مولاه.
قلت: أرأيت لو ادعى رجل على رجل فقال: أنت مولاي أعتقتني وأنكر الرجل ذلك وقال: لا أعرفك أيكون عليه اليمين في قول مالك؟ قال: لا يكون عليه اليمين.
قلت: فإن أقام شاهدا واحدا أحلفته في قول مالك، فإن أبى حبسته حتى يحلف؟ قال: لا أحبسه ولكن أقول لهذا أقم شاهدا آخر وإلا فلا ولاء له عليك.
قلت: أرأيت لو أن رجلين أقاما البينة على رجل كل واحد منهما يقيم البينة أنه مولاه وكلتا البينتين في العدالة سواء والمولى مقر بالولاء لأحدهما ومنكر للآخر؟ قال: أراه مولى للذي أقر له بالولاء لأن البينتين لما تكافأتا في العدالة كانتا بمنزلة من لا بينة لهما فيكون الولاء للذي أقر له به. وقال مالك: إذا تكافأت البينتان والحق في يدي أحدهما

فالحق لمن هو في يديه فإقرار هذا بمنزلة من في يديه الحق.
قلت: فإن كانت بينة الذي ينكره المولى أعدل من بينة الذي يقر له بالولاء؟ قال: فهو مولى لصاحب البينة العادلة ولا ينظر في هذه إلى إقراره.
قلت: أرأيت لو أن رجلا مات فأخذت ماله وزعمت أني وارثه وأنه مولاي فأتى رجل بعد ذلك فأقام البينة أنه مولاه وأقمت أنا البينة أنه مولاي وتكافأت البينتان في العدالة أيكون المال للذي في يديه في قول مالك؟ قال: المال بينهما.
قلت: ولم ذلك وقد قال مالك: إذا تكافأت البينتان فالمال للذي هو في يديه.
قال: إنما ذلك في مال في يديه ولا يعرف من أين أصله فأما إذا عرف أصله فهو للذي له أصل المال وقد أقاما جميعا البينة أنهما استحقا جميعا هذا المال من الذي كان له أصل هذا المال فهو بينهما.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتاب المواريث

في ميراث الأقعد فالأقعد في الولاء
قلت: ما قول مالك في ميراث الولاء إذا مات رجل وترك مولاه وترك ابنين فمات أحد الابنين وترك ولدا ذكرا ثم مات المولى؟ قال: قال مالك: الميراث لابن الميت المعتق ولا شيء لولد ولده مع ولده لصلبه لأنه أقعد بالميت، وإنما الولاء عند مالك لأقعدهم بالميت ولو استويا في القعود كان الميراث بينهما بالسواء. وأخبرني مالك قال: بلغني عن ابن المسيب أنه قال في رجل هلك وترك بنين له ثلاثة وترك موالي أعتقهم هو ثم إن رجلين من بنيه هلكا وتركا ولدا فقال سعيد: يرث الموالي الباقي من ولد الثلاثة، فإذا هلك فولده وولد أخويه في الموالي شرعا سواء.
ابن وهب قال: وأخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن ابن قسيط وأبي الزناد مثله.
ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج أن عمرو بن عثمان وأبان بن عثمان ورثا أباهما عثمان بن عفان، فكان يرثان الموالي سواء ثم توفي عمرو بن عثمان فخلص الميراث لأبان بن عثمان ثم توفي أبان بن عثمان فرجع الولاء لبني أبان وبني عمرو بن عثمان فكانوا فيه شرعا سواء، وأنه قضي بمثل ذلك في ولد سالم وعبيد الله وواقد بني عبد الله بن عمر فيمن هلك من موالي ابن عمر.
أشهب، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن عبد الله بن عمر أنه استفتي في رجل هلك وترك ابنين فورثا ماله ومواليه ثم توفي أحدهما وترك بنين ثم توفي مولى أبيهم فقال

عمهم: أنا أحق بهم. وقال بنو أخيه: إنما ورثت أنت وأبونا المال والموالي فقال ابن عمر: ميراثهم للعم.
ابن وهب وأخبرني من أرضى من أهل العلم عن طاووس مثله.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن امرأة ماتت وتركت ثلاثة إخوة أخا لأب وأم وأخا لأب وأخا لأم وتركت موالي فمات الموالي لمن ميراثهم في قول مالك؟ قال: قال مالك: ميراثهم لأخيها لأمها وأبيها وليس لأخيها لأمها ولا لأخيها لأبيها من ولاء مواليها قليل ولا كثير، ولا لأخيها لأبيها من ميراث الموالي مع أخيها لأبيها وأمها قليل ولا كثير لأن الأخ للأب والأم أقرب إليها بأم. قال مالك: فلو كان الأخ للأب والأم مات وترك ولدا كان الأخ للأب أقعد بها وكان ميراث الموالي لأخيها لأبيها دون ولد أخيها لأبيها وأمها، وإن مات الأخ للأب والأم ومات الأخ للأب وكلاهما قد ترك ولدا ذكورا فميراث الموالي إذا هلكوا لولد الأخ للأب والأم دون ولد الأخ للأب لأنهم أقرب إلى الميت بأم، فإن هلك ولد الأخ للأب والأم وترك ولدا وولد أخ لأب حيا كان الميراث لهم دون ولد ولد الأخ للأب والأم لأنهم أقعد بالميتة، وليس للأخ للأم ولا أخته لأمه قليل ولا كثير، وإن لم تترك أحدا غيره كان ميراث مواليها لعصبتها، فإن كان الأخ للأم من عصبتها كان له الميراث كرجل من عصبتها وهذا قول مالك.
ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن محمد بن زيد بن المهاجر أنه قال: حضرت القاسم بن محمد بن أبي بكر وطلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهما يختصمان إلى عبد الله بن الزبير في ميراث ابن عمر وذكوان مولى عائشة وكان عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وارث عائشة دون القاسم لأن أباه كان أخاها لأبيها وأمها وكان محمد أخاها لأبيها ثم توفي عبد الله فورثه ابنه طلحة ثم توفي ذكوان أبو عمرو فقضى به ابن الزبير لطلحة فسمعت القاسم بن محمد يقول: سبحان الله إن الموالي ليس بمال موضوع يرثه من ورثه إنما الموالي في قول مالك عصبة.
قلت لابن القاسم: أرأيت إذا مات رجل وترك موالي وترك من القرابة ابن عمه لأبيه وأمه وابن عمه لأبيه من أولى بولاء هؤلاء في قول مالك؟ قال: بنو عمه لأبيه وأمه أولى من ابن عمه لأبيه لأنهم أقرب إلى الميت بأم.
قلت: أرأيت رجلا هلك وترك ابنا وأبا وموالي لمن ولاء هؤلاء الموالي ولمن ميراثهم إذا ماتوا؟ قال: سئل مالك عن رجل هلك وترك مولى فهلك المولى وترك أبا

مولاه وترك ابنه قال: الميراث لابنه ليس لأبيه منه شيء. قال مالك: وولاء هؤلاء لولد الميت الذكور دون والده وكذلك لو لم يكن له ولد لصلبه ولكن له ولد ولد ذكور ووالد، فإن ولاء مواليه لولد ولده الذكور دون والده لا يرث الوالد من ولاء الموالي مع الولد ولا مع ولد الوالد إذا كانوا ذكورا قليلا ولا كثيرا عند مالك.
قلت: أرأيت إن مات وترك أخاه وجده وترك موالي؟ قال: قال مالك: الأخ أحق بولاء الموالي من الجد. قال: قال مالك: وبنو الأخ وبنو بني الأخ أحق بولاء الموالي من الجد، ولو أن رجلين أعتقا عبدا بينهما فمات أحدهما وترك عصبة وبنين ثم مات المولى المعتق وترك أحد مولييه وترك عصبة الآخر وولده قال مالك: الميراث بين المولى الباقي وبين ورثة الميت الذكور.
قلت: أرأيت رجلا مات وترك موالي وترك ابن ابن وترك أخا لمن الولاء في قول مالك؟ قال: ليس للإخوة من الولاء مع ولد الولد الذكور شيء عند مالك.
قلت: أرأيت رجلا أعتق عبدا له ثم مات وترك ولدين له فمات الولدان جميعا وترك أحدهما ابنا واحدا وترك الآخر أربعة أولاد ذكور كيف الولاء بينهم في قول مالك؟ قال: الولاء بينهم عند مالك أخماس لكل واحد منهم خمس الميراث إذا مات المولى لأنهم في العقود والقرابة من الميت سواء.
ابن وهب، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن عبد الرحمن، عن أبيه: أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لأم وأب آخر لعلة فهلك أحد الاثنين اللذين هما لأم وأب وترك مالا وموالي فورثه أخوه لأمه وأبيه ورث ماله وولاء مواليه ثم هلك الذي ورث المال والموالي وترك ابنه وأخا لأبيه فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبي أحرزه من المال وولاء الموالي، وقال أخوه: ليس كذلك إنما أحرزت المال فأما ولاء الموالي فلا.
قلت: أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا فاختصما إلى عثمان بن عفان فقضى لأخيه بولاء الموالي1.
ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه قال: الولاء للأخ دون الجد.
ابن وهب قال عبد الجبار وقال ذلك ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
قال مالك: وبنو الأخ أولى بولاء الموالي من الجد.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العتق حديث 23.

ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه قال: سمعت سليمان بن يسار واستفتي هل ترث المرأة ولاء موالي زوجها فقال: لا، ثم سئل هل يرث الرجل ولاء موالي امرأته؟ فقال: لا. قال بكير، وقال ذلك عبد الله بن أبي سلمة.
ابن وهب. قال بكير: سمعت سليمان واستفتي هل يرث الرجل من ولاء موالي أخيه لأمه شيئا؟ فقال: لا وقال ذلك عبد الله بن أبي سلمة، وقال سليمان بن يسار وإن لم يترك أحدا من الناس إلا أخا لأمه لم يرثه وإن لم يترك غيره.

في ميراث النساء في الولاء
قلت: أرأيت رجلا هلك وترك ابن ابن وابنته لصلبه وترك موالي؟ قال: الولاء لابن الابن وليس لابنته من الولاء شيء.
قلت: وكذلك لو ترك الميت بناتا وعصبة وترك موالي وكان ولاؤهم للعصبة دون النساء في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ولا يرث البنات من ولاء موالي الآباء ولا من ولاء موالي الأولاد ولا من موالي إخوتهن ولا من موالي أمهاتهن شيئا في قول مالك؟ قال: نعم، وإن مات موالي من ذكرت ولم يدع الموالي من الورثة إلى من ذكرت من قرابة مواليهم من النساء كان ما ترك هؤلاء الموالي لبيت المال عند مالك، ولا يرث النساء من الولاء شيئا عند مالك إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن وقد وصفت لك هذا.
قلت: أرأيت موالي النعمة أهم أولى بميراث الميت من عمة الميت وخالته في قول مالك؟ قال: نعم، والعمة والخالة لا يرثان عند مالك قليلا ولا كثيرا إذا لم يترك الميت غيرهما ويكون ما ترك للعصبة. قال: وأخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يرث موالي عمر دون بنات عمر. قال: وأخبرني أشهل بن حاتم عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: مات مولى لعمر بن الخطاب فسأل ابن عمر زيد بن ثابت فقال: أتعطي بنات عمر شيئا فقال: ما أرى لهن شيئا، وإن شئت أعطيتهن، قال: وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني سعيد بن المسيب أن النساء لا يرثن الولاء إلا أن تعتق امرأة شيئا فترثه.

في ميراث النساء من أعتقن أو أعتق من أعتقن
في ميراث النساء ولاء من أعتقن أو أعتق من أعتقن
قال: وقال مالك: لا يرث النساء من الولاء شيئا إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن

ميراث الغراء
قلت: أرأيت الغراء هل تكون إلا إذا كانت أختا وأما وزوجا وجدا؟ قال: نعم لا تكون إلا كذلك عند مالك.
قلت: فإن كانت أم وزوج وأختان وجد؟ قال: هذه لا تكون غراء في قول مالك.
قلت: لم؟ قال: لأن الأم إذا أخذت السدس وأخذ الزوج النصف وأخذ الجد السدس فإنه يبقى هاهنا للأخوات السدس فإذا بقي من المال شيء فإنما للأخوات ما بقي ولا تكون غراء، وإنما الغراء إذا بقيت الأخت وليس في المال فضل فيربى لها بالنصف لأن الفريضة إذا كانت أختا وأما وزوجا وجدا كان للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وبقيت الأخت وليس في المال فضل فيربى لها بالنصف، وفي المسألة الأخرى فضل للأختين فإذا كان في المال فضل فإنما للأخوات ما بقي ولا يربى لهما بشيء غير السدس وهو قول مالك.

في مواريث العصبة
قلت: أرأيت كل من التقى هو وعصبته إلى جد جاهلي أيتوارثان في ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: في كل بلاد افتتحت عنوة وكانت دارهم في الجاهلية ثم سكنها أهل الإسلام ثم أسلم أهل تلك الدار أنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانت في الجاهلية وهم على أنسابهم التي كانوا عليها يريد بذلك كما كانت العرب حين أسلمت، فأما كل قوم تحملوا فإن كان لهم عدد وكثرة فإنهم يتوارثون وكذلك الحصن يفتتح وما يشبه ذلك وإن كانوا قوما لا عدد لهم فلا يتوارثون بذلك إلا أن تقوم لهم بينة عادلة على ذلك مثل الأسارى من المسلمين يكونون عندهم فيخرجون فيشهدون لهم فإنهم يتوارثون بذلك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك من العرب من قيس يعلم أنه من أنفسهم وليس له وارث ولا يعلم من عصبته من قيس دنية أو هو من سليم ولا يعلم من عصبته من سليم

في الميراث بالشك
قلت: أرأيت لو أن رجلا معه امرأته وابنه وأخ لامرأته فماتت المرأة وابنه واختلف الزوج والأخ في ميراث المرأة فقال الزوج: ماتت المرأة أولا، وقال الأخ: بل مات الابن أولا، ثم ماتت أختي بعد. قال: لا ينظر إلى من هلك منهما ممن لا يعرف هلاكه قبل صاحبه، ولا يورث الموتى بعضهم من بعض إذا لم يعرف من مات منهم أولا؛ ولكن يرثهم ورثتهم الأحياء عند مالك. قال مالك: وإنما يرث كل واحد منهم ورثتهم من الأحياء، وإنما يرث المرأة ورثتها من الأحياء ولا ترث المرأة الابن ولا يرث الابن المرأة. قال: وقال مالك: لا يرث أحد أحدا إلا بيقين.
قلت: أرأيت لو أن أمة تحت رجل حر مات عنها زوجها فقالت الأمة: أعتقني مولاي قبل أن يموت زوجي، وقال المولى: صدقت، أنا أعتقتها قبل أن يموت زوجها، وقالت الورثة: بل أعتقك بعد موته. قال: أرى أنه لا ميراث لها لأن مالكا قال: لا يورث بالشك ولا يورث أحد إلا بيقين.
قلت: أرأيت لو أن امرأة أعتقت رجلا فمات ومات المولى ولا يدرى أيهما مات أولا ولم يدع وارثا غيرهما. قال: لا ترثه مولاته في قول مالك ويكون ميراثه لأقرب الناس من مولاته من الذكور.
قلت: وهكذا في المواريث كلها وفي الآباء إذا مات الرجل وابنه ولا يدرى أيهما مات أولا فإنه لا يرث واحد منهما صاحبه في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ويرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: لا يورث أحد بالشك.
قلت: ولا يرث المولى الأسفل المولى الأعلى في قول مالك؟ قال: نعم لا يرثه.
ابن وهب، عن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب: أن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب امرأة عمر بن الخطاب وابنها زيد بن عمر بن الخطاب هلكا في ساعة واحدة فلم يدر أيهما هلك قبل صاحبه فلم يتوارثا قال مالك: سمعت ربيعة وغيره ممن أدركت من العلماء يقولون: لم يتوارث أحد من قبل يوم الجمل وأهل الحرة وأهل صفين وأهل قديد، فلم يورث بعضهم من بعض؛ لأنه لم يدر من قتل منهم قبل صاحبه1.
ابن وهب، عن عبد الجبار بن عمر، عن أبي الزناد حدثه عن عمر بن عبد العزيز:
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الفرائض حديث 15.

أنه كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بالعراق، في القوم يموتون جميعا لا يدرى أيهم مات قبل، أن ورث الأقرب فالأقرب الأحياء منهم من الأموات ولا تورث الأموات من الأموات.
ابن وهب، عن سفيان الثوري، عن داود بن أبي هند، عن عمر بن عبد العزيز مثله. قال ابن شهاب وعطاء بن أبي رباح مثله.
قال ابن وهب: وبلغني عن علي بن أبي طالب قضى بذلك.
ابن وهب، عن سفيان الثوري أن أبا الزناد حدثه قال: قسمت مواريث أصحاب الحرة فورث الأحياء من الأموات ولم يورث الأموات من الأموات.

في الدعوى في الميراث
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك ابنين أحدهما مسلم وآخر نصراني فادعى المسلم أن أباه مات مسلما وقال الكافر: بل مات أبي كافرا، القول قول من؟ وكيف إن أقاما البينة جميعا على دعواهما هذه وتكافأت البينتان؟ قال: كل مال لا يعرف لمن هو يدعيه رجلان فإنه يقسم بينهما، فأرى هذا كذلك إذا كانت بينة المسلم والنصراني مسلمين.
قلت: أوليس هذا قد أقام البينة أن أباه مات مسلما وصلى عليه ودفنه في مقبرة المسلمين فكيف لا تجعل الميراث لهذا المسلم؟ قال: ليست الصلاة شهادة. قال: فأما المال فأقسمه بينهما وأما إذا لم يكن لهما بينة وعرف الناس أنه كان نصرانيا فهو على النصرانية حتى يقيم المسلم البينة أنه مات على الإسلام، لأن أباه نصراني يعرف الناس أن أباه كان نصرانيا فهو كذلك حتى يقيم المسلم البينة أنه مات على الإسلام لأنه مدع، وقال غيره: إلا أن يقيما جميعا البينة كما ذكرت لك وتتكافأ البينتان فيكون المال للمسلم.

في الشهادة في الميراث
قلت: أرأيت إن شهد قوم على رجل ميت أن فلانا ابنه وهو وارثه لا يعلمون له وارثا غيره أيقضى له بالمال في قول مالك أم لا يقضى له بالمال حتى يشهدوا على البتات أنه لا وارث له غيره؟ قال: إذا شهدوا أنه ابنه لا يعلمون له وارثا غيره قضي له بالمال. قال: وهو قول مالك.

في ميراث ولد الملاعنة
قلت: أرأيت ابن الملاعنة إذا مات وترك موالي أعتقهم فماذا ترى في مواليه؟ وهل ترث الأم من ميراث موالي ابنها الذي لاعنت به شيئا في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: فهل يرث أخواله ولاء مواليه هؤلاء في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: فمن يرثهم؟ قال: ولده أو ولد ولده أو موالي أمه لأنهم عصبته.
قلت: فإن كانت أمه من العرب؟ قال: فولده الذكور أو ولد ولده الذكور، فإن لم يكن أحد من هؤلاء فجميع المسلمين.
قلت: أرأيت هذا القول عصبة ابن الملاعنة عصبة أمه؟ قال: إنما قال مالك: إذا كانت أمه من الموالي فهلك ابن الملاعنة عن مال ولم يدع إلا أمه، فإن لأمه الثلث

ولمواليها ما بقي، ولا يرثه جده لأمه ولا خال ولا ابن خال وإن كان له أخ لأم فله السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فلهم الثلث حظ الذكر في ذلك مثل حظ الأنثى لقول الله: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وللأم مع الأخرين السدس ومع الواحد الثلث وإن كانت من العرب فللأم الثلث ولا يرثه خاله ولا جده لأمه وما بقي فلبيت المال إذا لم يكن له ولد يحرز ميراثه، فإن كان له ولد ذكور فلأمه السدس وما بقي فلولده الذكور، وكذلك إن ترك ولد ولد ذكورا وإن ترك أخاه لأمه فليس له من ولاء الموالي قليل ولا كثير، فمعنى هذا القول عصبة ابن الملاعنة عصبة أمه إنما هو إذا كانت من الموالي فمواليها عصبته وإن مات عن مال ولا وارث له غير موالي أمه ورثوه كذلك. قال مالك: إذا لم يكن ثم من يرثه غيرهم فإن جميع المال لهم. ألا ترى أن ابن الحرة إذا كان زوجها عبدا أن ولاء ولدها لمواليها الذين أنعموا عليها وعلى ابنها، فكذلك ابن الملاعنة فبهذا القول يستدل أن عصبته إنما هم موالي أمه. وقال عروة بن الزبير وسليمان بن يسار مثل قول مالك: إذا كانت أمه مولاة أو عربية وكذلك ولد الزنا.
ابن وهب، وأخبرني محمد بن عمرو، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح وابن شهاب وربيعة والحسن بنحو ذلك.
ابن وهب قال: وأخبرني يونس، عن ربيعة أنه قال في ولد الزنا مثل قول عروة وسليمان بن يسار سواء.
قال سحنون: وهو قول مالك أيضا، وهو مثل ولد الملاعنة إذا كانت أمه عربية أو مولاة. قال: وأخبرني الخليل بن مرة، عن قتادة، عن خلاس أن عليا وزيد بن ثابت قالا في ولد الملاعنة العربية: لأمه الثلث وبقيته في بيت مال المسلمين.
سعيد بن أبي أيوب أنه بلغه عن الحسن في ولد الملاعنة مثل قول عروة وسليمان بن يسار سواء.

في ميراث المرتد
قلت: أرأيت المرتد إذا لحق بدار الحرب أيقسم ميراثه في قول مالك؟ قال: قال مالك: يوقف ماله أبدا حتى يعرف أنه مات، فإن رجع إلى الإسلام كان أولى بماله، وإن مات على ارتداده كان ذلك لجميع المسملين ولا يكون لورثته.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق عبدا له ثم ارتد السيد الذي أعتق العبد فمات العبد المعتق عن مال وللمرتد ورثة أحرار مسلمون لمن يكون هذا الميراث الذي تركه هذا

العبد المعتق؟ قال: لورثة المرتد لأنهم موالي هذا المعتق ولأن ولاءه كان ثبت للمرتد يوم أعتقه.
قلت: فإن أسلم المرتد بعد موت مولاه أيكون له ميراثه؟ قال: لا لأن الميراث قد ثبت لأقرب الناس من المرتد يوم مات المولى.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك: في المرتد إذا مات أنه لا يرثه ورثته المسلمون ولا النصارى فكذلك إذا مات بعض ورثته، فإنه لا يرثهم هو أيضا وإن أسلم بعد ذلك لم يرثهم لأنه إنما ينظر في هذا الميراث يوم وقع فيجب لأهله يوم يموت الميت.
قلت: ولده كان أو غير ولده هم في هذا سواء؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: في المسلم يأسره العدو فيرتد عن الإسلام عندهم أنه لا يقسم ميراثه حتى يعلم موته. قال مالك: وإن علم أنه ارتد طائعا غير مكره فإن امرأته تبين منه، وإن ارتد ولا يعلم أطائعا أو مكرها فإن امرأته تبين منه وإن علم أنه ارتد مكرها فإن امرأته لا تبين منه.
ابن وهب، عن عقبة بن نافع، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في اليهودي والنصراني يموت أحدهما وله ولد على دينه فيسلم ولده بعد موته وقبل أن يقسم ماله أو المسلم يموت وله أولاد فيتنصرون بعد موت أبيهم وقبل أن يقسم ماله قال: أما اليهودي والنصراني فإن الميراث لولده وذلك لأنهم وقع ميراثهم حين مات أبوهم فلم يخرجهم منه الإسلام إذا أسلموا بعد ثبوت الميراث لهم، وأما المسلم الذي يتنصر ولده بعد موته وقبل قسمة ماله فإنه تضرب أعناق أولاده الذين تنصروا إن كانوا قد بلغوا المعاتبة والحلم من الرجال والمحيض من النساء ويجعل ميراثهم من أبيهم في بيت مال المسلمين وذلك لأنه وقع ميراثهم من أبيهم في كتاب الله وهم مسلمون ثم تنصروا بعد أن وقع الميراث لهم من أبيهم وأحرزوه فليس لأحد أن يرث ما ورثوا إذا قتلوا على الكفر بعد الإسلام مسلم ولا كافر.
عباد بن كثير، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب أنه قال: ميراث المرتد عن الإسلام في بيت مال المسلمين.

في ميراث أهل الملل
ميراث أهل الملل
قلت أرأيت أهل الملل من أهل الكفر هل يتوارثون في قول مالك؟ قال: ما

سمعت من قول مالك فيه شيئا ولا أرى أن يتوارثوا وقد سمعت من غير مالك أنهم لا يتوارثون.
ابن وهب: وأخبرني الخليل بن مرة، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر ولا يتوارث أهل ملتين شيئا" 1.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الفرائض باب 10. الترمذي في كتاب الفرائض باب 16. ابن ماجه في كتاب الفرائض باب 6. الدارمي في كتاب الفرائض باب 29. أحمد في مسنده"2/187، 195" "5/201، 202، 209".

في تظالم أهل الذمة في مواريثهم
قلت: أرأيت أهل الذمة إذا تظالموا في مواريثهم هل تردهم عن ظلمهم في قول مالك؟ قال: لا يعرض لهم.
قلت: وتحكم بينهم بحكم الإسلام؟ قال: إذا رضوا بذلك حكمت بينهم بحكم أهل الإسلام.
قلت: فإن قالوا لك: فإن مواريثنا القسم فيه بخلاف قسم مواريث أهل الإسلام، وقد ظلم بعضنا بعضا فامنع من ظلمنا من الظلم واحكم بيننا بحكم أهل ديننا واقسم مواريثنا بيننا على قسم أهل ديننا؟ قال: لا يعرض لهم ولا يقسم بينهم ولكن إن رضوا أن يحكم بينهم بحكم المسلمين حكم بينهم بحكم المسلمين، وإن أبوا ذلك لم يحكم بينهم ورجعوا إلى أهل دينهم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال لي مالك: لا يحكم بينهم في مواريثهم إلا أن يرضوا بذلك، فإن رضوا بذلك حكم بينهم بحكم أهل الإسلام إذا كانوا نصارى كلهم وإن كانوا مسلمين ونصارى لم يردوا إلى أحكام النصارى وحكم بينهم بحكم دينهم ولم ينقلوا عن مواريثهم، ولا أردهم إلى أهل دينهم.
حيوة بن شريح أن محمد بن عبد الرحمن القرشي حدثه أن إسماعيل بن أبي حكيم كاتب عمر بن عبد العزيز أخبره أن ناسا من المسلمين والنصارى من أهل الشام جاءوا عمر بن عبد العزيز في ميراث بينهم فقسم بينهم على فرائض الإسلام وكتب إلى عامل بلدهم إن جاءوك فاقسم بينهم على فرائض الإسلام، فإن أبوا فردهم إلى أهل دينهم.

في مواريث العبيد إذا ارتدوا
قلت: أرأيت العبد إذا ارتد فقتل على ردته لمن ماله في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول في العبد النصراني يموت على مال: إن سيده هو أحق بماله فكذلك المرتد والمكاتب، إن سيده أحق بماله إذا قتل على ردته وليس هذا بمنزلة الوراثة إنما مال العبد إذا قتل مال لسيده. قال: وقال مالك: من ورث من عبد له نصراني ثمن خمر أو خنزير فلا بأس بذلك، قال: وإن ورث خمرا أو خنازير أهريق الخمر وسرح الخنازير.
ابن وهب، عن عبد الجبار بن عمر، عن رجل من أهل المدينة أن غلاما نصرانيا لعبد الله بن عمر توفي وكان يبيع الخمر ويعمل بالربا فقيل لعبد الله ذلك فقال: قد أحل الله ميراثه وليس الذي عمل به في دينه بالذي يحرم علي ميراثه. وقال ابن شهاب: لا بأس به.

في ميراث المسلم والنصراني
قلت: أرأيت إن مات رجل من المسلمين وبعض ورثته نصارى فأسلموا قبل قسم الميراث أو كان جميع ورثته نصارى فأسلموا بعد موته قبل أن يؤخذ ماله. قال: قال مالك: إنما يجب الميراث لمن كان مسلما يوم مات، ومن أسلم بعد موته فلا حق له في الميراث. قال: فقيل لمالك: فإن مات نصراني وورثته نصارى فأسلموا قبل أن يقسم ماله علام يقتسمون، أعلى وراثة الإسلام أم على وراثة النصارى؟ قال: بل على وراثة النصارى التي وجبت لهم يوم مات صاحبهم، وإنما سألنا مالكا للحديث الذي جاء "أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام". قال مالك: وإنما هذا الحديث لغير أهل الكتاب من المجوس والزنج وغير ذلك، وأما النصارى فهم على مواريثهم، ولا ينقل الإسلام مواريثهم التي كانوا عليها.
وقال ابن نافع وغيره من كبار أهل المدينة: هذا لأهل الكفر كلهم وأهل الكتاب وغيرهم.
ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما كان من ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وما كان من ميراث أدركه الإسلام ولم يقسم فهو على قسم الإسلام" 1. وقال ابن وهب أنه سمع ابن جريج يحدث عن عطاء بن أبي رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الناس على ما أسلموا عليه من نكاح أو طلاق.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجه في كتاب الفرائض باب 16.

في الإقرار بوارث
قلت: أرأيت إن هلك رجل وترك ابنين فادعى أحدهما أختا أتحلف الأخت مع هذا الأخ الذي أقر بها في قول مالك؟ قال: لا، ولا تحلف في النسب مع شاهد واحد عند مالك.
قلت: فما يكون لهذه الأخت؟ قال: يقسم ما في يد هذا الأخ الذي أقر بها على خمسة أسهم فيكون للذي أقر بها أربعة وللجارية واحد لأنها قد كان لها سهم من خمسة أسهم، فأضعف ذلك فصار لها سهمان من عشرة أسهم فصار في يد الأخ الذي أقر بها سهم من حقها وفي يد الأخ الذي جحدها سهم من حقها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن هلك رجل وترك ابنين فأقر أحدهما بزوجة لأبيه وأنكرها الآخر؟ قال: يعطيها قدر نصيبها مما في يديه وذلك نصف الثمن.
قلت: أرأيت إن هلكت امرأة وتركت زوجا وأختا فأقر الزوج بأخ وأنكرته الأخت؟ قال: لا شيء على الزوج في إقراره عند مالك ولا شيء على الأخت التي أنكرت، ولا يكون لهذا الأخ الذي أقر به الزوج قليل ولا كثير.

في الشهادة على الولاء ولا يشهدون على التعق
في الشهادة على الولاء ولا يشهدون على العتق
قلت: أرأيت إن مات رجل فشهد رجلان على أن هذا الميت مولى هذا الرجل لا يعلمان للميت وارثا غير مولاه هذا ولا يشهدون على عتقه إياه. قال: لا تجوز هذه الشهادة على الولاء حتى يشهدا أن هذا الرجل أعتق الميت أو يشهدا أنه أعتق أبا هذا الميت وأنهما لا يعلمان للميت وارثا غير هذا أو أقر الميت أن هذا مولاه أو شهدا على شهادة أحد أن هذا مولاه فأبيا أن يقولا: هو مولاه ولا يشهدان على عتقه ولا على إقراره ولا على شهادة أحد فلا أرى ذلك شيئا، وقد قال أشهب: إن قدر على كشف الشهود لم أر أن يقضي للمشهود له بشيء أن يكشفوا عن شهادتهم، فإن لم يقدروا على ذلك من قبل أن يموت الشهود رأيته مولاه وقضي له بالمال وغيره.
تم كتاب الولاء والمواريث والحمد لله رب العالمين وبه يتم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث وأوله كتاب الصرف.

المجلد الثالث
كتاب الصرف

التأخير والنظرة في الصرف
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصرف
التأخير والنظرة في الصرف
قلت: أرأيت إن اشتريت حليا مصوغا فنقدت بعض ثمنه ولم أنقد بعضه أتفسد الصفقة كلها ويبطل البيع بيننا؟ قال: نعم. قال: وهو عند مالك صرف.
قلت: أرأيت لو أن لرجل علي مائة دينار ذهبا فقلت: بعني المائة دينار التي لك علي بألف درهم أدفعها إليك, ففعل, فدفعت إليه تسعمائة درهم ثم فارقته قبل أن أدفع إليه المائة الباقية قال: قال مالك: لا يصلح ذلك وترد الدراهم وتكون الدنانير عليه على حالها, قال مالك: ولو قبضها كلها كان ذلك جائزا.
قلت: وكذلك لو أن رجلا له علي ألف درهم من ثمن متاع إلى أجل فلما حل الأجل بعته بها طوقا من ذهب فافترقنا قبل أن يقبض الطوق قال: قال مالك: لا خير في ذلك ويرد الطوق ويأخذ دراهمه لأنهما افترقا قبل أن يأخذ الطوق قال مالك: والحلي في هذا والذهب والدنانير سواء لأن تبر الذهب والفضة بمنزلة الدنانير والدراهم في البيع لا يصلح في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة إلا أن يكون ذلك يدا بيد.
قلت: أرأيت إن صرفت مائة دينار بألفي درهم كل عشرين درهما بدينار فقبضت الألف درهم ودفعت خمسين دينارا ثم افترقنا أيبطل الصرف كله أم يجوز من ذلك حصة الدنانير النقد؟ قال: قال مالك: يبطل ذلك كله ولا يجوز منه حصة الخمسين النقد.
قلت: أرأيت إن كنت دفعت إليه المائة دينار وقبضت منه الألفي درهم ثم أصاب بعد ذلك من الدنانير خمسين منها رديئة فردها أينتقض الصرف كله في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا ينتقض من الصرف إلا حصة ما أصاب من الرديئة.

قلت: فما فرق بين هذا حين أصاب خمسين رديئة جوزت الخمسين الجيادية وبين الذي صرف فلم ينقد إلا خمسين, ثم افترقا أبطل مالك هذا وأجازه إذا أصاب خمسين منها رديئة بعد النقد أجاز منها الجياد وأبطل الرديئة؟ قال لأن: الذي لم ينقد إلا الخمسين وقعت الصفقة فاسدة فيه كله, وهذا الذي أنقد المائة كلها وقعت الصفقة صحيحة, ألا ترى أنه إن شاء قال: أنا أقبل هذه الرديئة ولا أردها, فيكون ذلك له, فهو لما أصابها رديئة فردها انتقض من الصرف بحساب ما أصاب فيها رديئة, ألا ترى أن مخرمة بن بكير ذكر عن أبيه قال: سمعت عمرو بن شعيب يقول: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لا تبيعوا الذهب بالورق إلا هاء وهاء1", فإذا افترقا من قبل تمام القبض كانا قد فعلا خلاف ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ألا ترى أن عمر بن الخطاب قال: فإن استنظرك إليه أن يلج بيته فلا تنظره, فكيف بمن فارقه وإن عبد الجبار بن عمر قال عمن أدرك من أهل العلم أن الرجل إذا صرف دينارا بدراهم فوجد منها شيئا لا خير فيه فأراد رده انتقض صرفه كله ولا يبدل ذلك الدرهم وحده ألا ترى أنه لو لم يرد رده لكان على صرفه الأول, ألا ترى أن ابن شهاب قد كان يجيز البدل إذا كان على غير شرط, وإن كان لا يقول مالك بقوله, ولكنه دليل على أنهما إذا تقابضا وافترقا ثم أصاب رديئا أن ذلك ليس مما يبطل عقدهما ألا ترى أن عطاء بن أبي رباح كان يقول في رجل اصطرف ورقا فقال له: اذهب بها فما ردوا عليك فأنا أبدله لك قال: لا, ولكن ليقبضها منه, وقاله سعيد بن المسيب وربيعة ويحيى بن سعيد وقالوا: لا ينبغي لهما أن يفترقا حتى يبرأ كل واحد من صاحبه.
ابن وهب, وأن ابن لهيعة ذكر عن يزيد بن حبيب أن ابن حريث كان يقول: لو صرف رجل فقبض صرفه كله ثم شرط أن ما كان فيها ناقصا كان عليه بدله كان ذلك ربا قلت: أرأيت إن صرفت دينارا عند رجل بعشرين درهما فقلت له: أعطني عشرة دراهم وأعطني بالعشرة الأخرى عشرة أرطال لحم كل يوم رطل لحم قال: قال مالك: لا خير في ذلك من قبل أنه إذا وقع مع الدراهم شيء بصرف هذا الدينار لم يجز أن يتأخر شيء من ذلك, وتأخير في ذلك بمنزلة تأخير بعض الدراهم, فإن كانت السلعة مع الدراهم يدا بيد فلا بأس به قال مالك: ولو أن رجلا ابتاع من رجل سلعة إلى أجل بنصف دينار ينقده النصف الدينار والسلعة إلى أجل فلما وجب البيع بينهما ذهب به ليصرف ديناره وينقده النصف الدينار والسلعة إلى أجل فقال البائع: عندي دراهم فادفع إلي الدينار وأنا أرد إليك النصف دراهم ولم يكن ذلك شرطا بينهما قال مالك: لا خير فيه
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "38" عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء, والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء, والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء, والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء. ورواه البخاري في كتاب البيوع باب 76 ومسلم في كتاب المساقات حديث 79.

قلت: لم كرهه مالك؟ قال: لأنه رآه صرفا وسلعة تأخرت السلعة لما كانت إلى أجل فلا يجوز ذلك.
قلت: أليس قد قلت: لا يجوز صرف وبيع في قول مالك؟ قال: بلى.
قلت: فهذا بيع وصرف في المسألة الأولى وقد جوزه مالك في الذي يأخذ عشرة دراهم بدينار وسلعة مع الدراهم يدا بيد قال: ألم أقل لك إنما ذلك في الشيء اليسير في العشرة الدراهم ونحوها يجيزه, فإذا كان كثيرا واجتمع الصرف والبيع لم يجز ذلك, كذلك قال مالك فيهما.
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا فأخذت بنصفه دراهم ونصفه فلوسا قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا وذهبا صفقة بدراهم فنقدت بعض الدراهم أو كل الدراهم إلا درهما واحدا ثم افترقنا قبل أن أنقده الدرهم الباقي قال: البيع باطل عند مالك لأنه لم ينقده جميع الدراهم وإنما تجوز الصفقة في هذا عند مالك إذا كان الذهب الذي مع الثوب شيئا يسيرا لا يكون صرفا وأما إذا كان الذهب كثيرا فلا خير فيه وإن انتقد جميع الصفقة.

التأخير في صرف الفلوس
قلت: أرأيت إن اشتريت فلوسا بدراهم فافترقنا قبل أن نتقابض قال: لا يصلح هذا في قول مالك وهذا فاسد, قال لي مالك في الفلوس: لا خير فيها نظرة بالذهب ولا بالورق, ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة.
قلت: أرأيت إن اشتريت خاتم فضة أو خاتم ذهب أو تبر ذهب بفلوس فافترقنا قبل أن نتقابض أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا في قول مالك لأن مالكا قال: لا يجوز فلس بفلسين, ولا تجوز الفلوس بالذهب والفضة ولا بالدنانير نظرة.
ابن وهب, عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: الفلوس بالفلوس بينهما فضل فهو لا يصلح في عاجل بآجل وإلا عاجل بعاجل ولا يصلح بعض ذلك ببعض إلا هاء وهاء
قال: الليث بن سعد, عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما كرها الفلوس بالفلوس

وبينهما فضل أو نظرة وقالا: إنها صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم
الليث, عن يزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر قالا: وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف الفلوس بالدنانير والدراهم إلا يدا بيد.
وقال يحيى بن أيوب: قال يحيى بن سعيد: إذا صرفت درهما فلوسا فلا تفارقه حتى تأخذه كله.

في مناجزة الصرف
قلت: أرأيت إن قلت لرجل ونحن جلوس في مجلس: بعني عشرين درهما بدينار فقال: نعم قد فعلت, وقلت أنا أيضا: قد فعلت, فتصارفنا, ثم التفت إلى إنسان إلى جانبه فقال: أقرضني عشرين درهما والتفت أنا إلى آخر إلى جانبي فقلت: أقرضني دينارا ففعل, ودفعت الدينار إليه ودفع إلي العشرين درهما أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا خير في هذا.
قلت: أرأيت إن نظرت إلى دراهم بين يدي رجل إلى جنبي فقلت: بعني من دراهمك هذه عشرين درهما بدينار فقال: قد فعلت, وقلت: قد قبلت فواجبته الصرف ثم التفت إلى رجل إلى جنبي فقلت له: أقرضني دينارا ففعل فدفعت إليه الدينار وقبضت الدراهم أيجوز هذا الصرف في قول مالك أم لا؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يدفع الدينار إلى الصراف يشتري به منه دراهم فيزنه الصراف ويدخله تابوته ويخرج دراهم فيعطيه قال: لا يعجبني هذا, وليترك الدينار على حاله حتى يخرج دراهمه فيزنها ثم يأخذ الدينار ويعطي الدراهم فإن كان هذا الذي اشترى هذه الدراهم كأنما استقرض شيئا متصلا قريبا بمنزلة النفقة يحلها من كمه ولا يبعث رسولا يأتيه بالذهب ولا يقوم إلى موضع يزنها أو يتناقدان في مجلس سوى المجلس الذي تصارفا فيه وإنما يزنها مكانه ويعطيه ديناره مكانه فلا بأس بذلك لأن مالكا قال: لو أن رجلا لقي رجلا في السوق فواجبه على دراهم معه ثم سار معه إلى الصيارفة لينقده قال مالك: لا خير في ذلك فقيل له: فلو قال له: إن معي دراهم فقال له المبتاع: اذهب بنا إلى السوق حتى نريها ثم نزنها وننظر إلى وجوهها فإن كانت جيادا أخذتها منك كذا وكذا درهما بدينار, قال: لا خير في هذا أيضا ولكن يسير معه على غير موعد فإن أعجبه شيء أخذه وإلا تركه.
قلت: أكان مالك يكره للرجلين أن يتصارفا في مجلس ثم يقومان فيزنان في مجلس آخر؟ قال: نعم قال: وقال مالك: ولو أن قوما حضروا ميراثا فبيع فيه حلي

فاشتراه رجل ثم قام به إلى السوق إلى الصيارفة ليدفع إليه نقده ولم يتفرقا قال: لا خير فيه, ورأيته منتقضا إنما بيع بالذهب والورق أن يأخذ ويعطي بحضرة البيع ولا يتأخر شيء من ذلك عن حضور البيع.
مخرمة بن بكير, عن أبيه قال: سمعت عمرو بن شعيب يقول: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا عينا بعين ولا الورق بالورق إلا عينا بعين إني أخشى عليكم الربا, ولا تبيعوا الذهب بالورق إلا هاء وهاء ولا الورق بالذهب إلا هاء وهاء"1
قلت: أرأيت لو أني صرفت من رجل دينارا بعشرين درهما فلما قبضت الدينار منه قلت: له أسلفني عشرين درهما فأسلفني فدفعتها إليه صرف ديناره قال: هذا لا خير فيه, وهذا رجل أخذ عشرين درهما ثم ردها إلى صاحبها وصار إليه دينار فإنما هو رجل أخذ دينارا في عشرين درهما إلى أجل, ولا يجوز هذا ; وقد كره مالك ما هو أبعد من هذا ألا ترى أن مالكا قال: لو أن رجلا بادل رجلا دنانير تنقص خروبة خروبة بدنانير قائمة فراطله بها وزنا بوزن فلما فرغا أخذ وأعطى فأراد أن يصطرف أحدهما من صاحبه دينارا مما أخذ منه؟ قال مالك: لا خير فيه, ولو أن رجلا كان يسأل رجلا ذهبا فأتاه بها فقضاه فردها إليه مكانه في طعام إلى أجل قال مالك: لا يعجبني هذا, وهو عندي مثل الصرف قال مالك: أو يكون للرجل على الرجل الدنانير فيسلفه دنانير في طعام إلى أجل بغير شرط أن يقضيه إياها فلما قبض ذهبه ووجب له البيع بينهما قال: هذا قضاء من ذهبك الذي تسألني قال مالك: لا خير في ذلك وهذا كله عندي وجه واحد أكره ذلك بحدثانه.
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دراهم إلى أجل فلما حل الأجل بعتها من رجل بدنانير نقدا أيصلح ذلك؟ قال مالك: لا يصلح ذلك إلا أن يأخذ الدنانير وينقده الذي عليه الدين الدراهم مكانه يدا بيد لأن هذا صرف, وإنما يجوز بيع الدين في قول مالك بالعروض نقدا فأما إذا وقعت الدنانير والدراهم حتى تصير صرفا فلا يصلح حتى يكون يدا بيد.
ابن وهب, عن الليث بن سعد أن يحيى بن سعيد حدثهم قال: إني أكره أن آتي رجلا عنده ذهب نواقص بذهب وازنة فأصرف منه بذهبي الوازنة دراهم ثم أصرف منه دراهمي التي أخذت منه بذهبه النواقص.
وقال نافع مولى ابن عمر تلك المدالسة. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: إذا أردت
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب المساقات حديث 80, النسائي في كتاب البيوع باب 50 أحمد في مسنده "3/58"

أن تبيع ذهبا نقصا بوازنة فلم تجد من يراطلك فبع نقصك بورق ثم ابتع بالورق وازنة ولا تجعل ذلك من رجل واحد, فإن ذلك ذهب بذهب وزيادة ألا ترى أنك قد رددت إليه ورقه وأخذت منه ذهبا وازنة بنقصك.
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا من رجل وكلانا في مجلس واحد ثم جلسنا ساعة فنقدني ونقدته ولم نفترق أيجوز هذا الصرف في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا الصرف في قول مالك قال: وقال مالك: لا يصلح إذا صارفت الرجل إلا أن تأخذ وتعطي قال مالك: ولا يصلح أن تدفع إليه الدينار فيخلطه بدنانيره ثم يخرج الدراهم فيدفعها إليك.
قلت: أرأيت إن اشتريت سيفا محلى كثير الفضة نصله تبع لفضته بعشرة دنانير فقبضته ثم بعته من إنسان إلى جانبي ثم نقدت الدنانير صاحبه قال: لا يصلح لصاحب السيف أن يدفع السيف حتى ينتقد ولا يصلح للمشتري أن يقبض السيف حتى يدفع الثمن, فأما البيع إذا وقع بينهما في مسألتك وكان نقده إياه معا مضى, ولم أر أن ينتقض البيع ورأيته جائزا.
قلت:أرأيت إن اشتريت سيفا محلى نصله تبع لفضته بدنانير ثم افترقنا قبل أن أنقده الدنانير وقد قبضت السيف منه ثم بعت السيف فعلم بقبيح ذلك قال: أرى أن بيع الثاني للسيف جائز, وأرى للبائع الأول على الثاني قيمة السيف من الذهب يوم قبضه قال سحنون: وإنما كان هذا هكذا من قبل أن ربيعة كان يجيز إذا كان ما في السيف أو المصحف من الفضة تبعا له أن تبتاع بذهب إلى أجل, وكان مالك يكرهه وما يشدد فيه ذلك التشديد لأنه أنزله بمنزلة العرض لما كان يجوز اتخاذه ولأن في نزعه مضرة.
قلت لابن القاسم: أجعلت هذا مثل البيع الفاسد؟ قال: نعم.
قلت: فإن تغيرت أسواقه عندي قبل أن أبيع السيف أتحمله محمل البيع الفاسد وتضمنني قيمته ولا تجعل لي رده وإن كان لم يخرج من يدي؟ قال: إذا لم يخرج من يديك فلا أجعله مثل البيع الفاسد وأرى لك أن ترده, لأن الفضة ليس فيها تغيير أسواق وإنما هي ما لم تخرج من يديك بمنزلة الدراهم فلك أن تردها.
قلت: فإن أصاب السيف عندي عيب انقطع أو انكسر الجفن قال: فأنت ضامن لقيمته يوم قبضته. قال سحنون: هذا من الربا وينتقض في البياعات كلها حتى يرد إلى ربه إلا أن

يتلف ألبتة ويذهب فيكون على مشتريه قيمة الجفن والنصل ووزن ما فيه من الفضة لأن الفضة ليس فيها فوت. وكذلك إذا انقطع السيف أو انكسر الجفن فإنما عليه قيمة النصل والجفن ووزن الورق وليس كما قال ابن القاسم: إن عليه قيمته من الذهب وإذا كانت حلية السيف الثلث فأدنى حتى تكون الحلية تبعا بيع السيف بالدنانير والدراهم نقدا وإلى أجل ولو استحقت حلية السيف في مثل هذا ما نقضت به البيع ولا أرجعته بشيء من قبل أنه لا حصة له من الثمن كمال العبد.

الحوالة في الصرف
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا عند رجل بعشرين درهما فدفعت إليه الدينار واشتريت من رجل سلعة بعشرين درهما فقلت للذي صرفت الدينار عنده: ادفع إليه هذه العشرين درهما وذلك كله معا قال: سألت مالكا عن الرجل يصرف عند الصراف الدينار بعشرين درهما فيقبض منه عشرة دراهم ويقول له ادفع العشرة الأخرى إلى هذا الرجل, قال مالك: لا يعجبني حتى يقبضها هو منه ثم يدفعها إلى من أحب فهذا مثل ذلك, ألا ترى أنهما افترقا قبل أن يتم قبضهما.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يصرف لي دينارا بدراهم فلما صرفه أتيته قبل أن يقبض فقال لي اقبض الدراهم من هذا الرجل فقد صرفت لك دينارك عنده وقام فذهب قال: لا خير في ذلك لأن مالكا قال: لا يصلح أن يصرف ثم يوكل من يقبض له ولكن يوكل من يصرف له, فهذا إنما صرف له الوكيل ليس رب الدينار ثم وكل الوكيل رب الدينار أن يقبض الدراهم فلا يصلح ذلك قال مالك: لا أحب للرجل أن يصرف ويوكل من يقبض له ولكن يوكل من يصرف له.
مخرمة بن بكير, عن أبيه قال: سمعت ابن قسيط يقول واستفتى في رجل صرف دينارا ففضل له منه فضلة هل يتحول بفضله على آخر؟ قال: لا من حديث ابن وهب, وقاله عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, وقال بكير: ويقال أيما رجل صرف دينارا بدراهم فلا يتحول به.

في الرجل يصرف من الرجل دينارا عليه
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دراهم فقلت له: صرفها لي بدنانير وجئني بذلك قال: قال مالك: لا خير في ذلك.
قلت: لم كرهه مالك؟ قال: لأنه إنما فسخ دراهمه في دنانير يأخذها بها ليس يدا

في الرجل يدفع إلى الرجل الدراهم يصرفها يقتضيها من دينه
قلت: أرأيت لو أن لرجل علي ألف درهم فدفعت إليه عروضا بعدما حل علي أجل دينه فقلت له: بع هذه العروض أو طعاما, فقلت له بع هذا الطعام فاستوف حقك قال: قال مالك: لا بأس بذلك إلا أن يكون الذي باعك بالألف درهم مما لا يجوز تسليفه في العروض التي أعطيته يبيعها يستوفي حقه منها لما يدخل ذلك من التهمة في أن يأخذ ذلك لنفسه فيكون قد أخذ عروضا إلى أجل بعروض مثلها من صنفها سلفا فيصير العرض بالعرض من صنف واحد إلى أجل إلا أن يكون مثل صنف عرضه في صفته وجودته وعدده أو أقل عددا أو أدنى صفة لأنه لا تهمة عليه فيه لو احتبسه لنفسه إن كان أدنى وإن كان مثلا صار بمنزلة الإقالة.
قلت: فلو أن لرجل علي ألف درهم فدفعت إليه دنانير فقلت: صرفها وخذ منها حقك قال: سألت مالكا عنها غير مرة فقال: لا يعجبني ذلك إذا دفع إليه دنانير فقال: صرفها وخذ حقك منها.
قلت: لم كرهه مالك؟ قال: قال مالك: أخاف أن يحبس الدنانير لنفسه, واستثقله وكرهه غير مرة لأنه يكون مصرفا لها من نفسه.
قلت: فلو أن لرجل علي ألف درهم فدفعت إليه فلوسا فقلت له: صرفها وخذ حقك منها قال: هذا مكروه.

في الرجل يصرف دنانيره بدراهم من رجل ثم يصرفها منه بدنانير
قلت: هل كان مالك يكره أن يصرف الرجل عند الرجل دراهم بدنانير ثم يشتري منه بتلك الدنانير دراهم سوى دراهمه وسوى عيونها؟ قال: نعم كان يكره ذلك.
قلت: فإن جئته بعد يوم أو يومين فصرفتها منه؟ قال: كان مالك يكره أن يصرفها منه أيضا بعد يوم أو يومين.
قلت: فإن كان أبعد من ذلك؟ قال: لا أدري ما قوله, ولا أرى أنا به بأسا إذا تطاول زمان ذلك وصح أمرهما فيه وقد بينا هذا في موضع الدنانير النقص بالوازنة

الصرف من النصارى والعبيد
قلت: أرأيت عبدا لي صرفيا نصرانيا أيجوز لي أن أصارفه؟ قال: نعم لا بأس بذلك وعبدك وغيره من الناس سواء عند مالك.
قال سحنون: وقد كره مالك أن يكون النصارى واليهود في أسواق المسلمين لعملهم بالربا واستحلالهم له ورأى أن يقاموا من الأسواق.

في صرف الدراهم بالفلوس والفضة
قلت: أرأيت إن اشتريت بدرهم بنصفه فلوسا وبنصفه فضة وزن نصف درهم أيجوز في قول مالك؟ قال: لا بأس بهذا وهو بمنزلة العروض.
قلت: أرأيت إن اشتريت بنصف درهم طعاما وبنصفه فضة كل ذلك نقدا أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كان الثلثان فضة والثلث طعاما أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز.
قلت: فإن كان الثلثان طعاما وثلثه فضة أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم يجوز في قول مالك.
قلت: لم كرهه مالك إذا كانت الفضة أكثر من الطعام وجوزه إذا كان الطعام أكثر من الفضة؟ قال: لأن الطعام إذا كان أكثر من الفضة لم يرد به الفضة في قول مالك وإنما يراد به الطعام وجعله مثل شراء سلعة وفضة بدراهم وجعل الفضة تبعا للسلعة. وإن كانت الفضة أكثر من السلعة حمله مالك محمل ورق وسلعة بورق وجعل السلعة تبعا

في الرجل يغتصب الدنانير فيصرفها قبل أن يقبضها
قلت: أرأيت إن اغتصبت رجلا دنانير فلقيته بعد ذلك فقلت له: هذه الدنانير التي غصبتك في بيتي فبعنيها بهذه الدراهم ففعل ودفعت إليه الدراهم أيجوز هذا أم لا؟ قال: أراه جائزا لأنه كان ضامنا للدنانير حين غصبها؟ فإنما اشترى منه دنانير دينا عليه فلا بأس بذلك؟ وقوله الدنانير في بيتي وسكوته عنها سواء لأنه قد غاب عليها وهي دين عليه.
قلت: وكذلك لو اغتصبت من رجل جارية فانطلقت بها إليه بعض البلدان فأتيته فقلت له: إن جاريتك عندي في بلد كذا وكذا فبعنيها ففعل أيجوز هذا أم لا؟ قال: أراه جائزا إذا وصفها لأنه كان ضامنا لما أصاب الجارية من عور وشلل أو نقصان بدن بعد وجوب البيع بينهما وقبل الوجوب لأن ضمانها حين غصبها منه, فلا بأس بأن يشتري جارية قد ضمن ما أصابها قال: والدنانير عندي أوضح من الجارية وأبين.

في الرجل يستودع الرجل الدراهم ثم يلقاه فيصرفها منه وهي في بيته
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا دراهم ثم لقيته بعد ذلك فصارفته والدراهم في بيته أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا مائتي درهم ثم لقيته بعد ذلك فقلت له: أعطني مائة درهم واهضم عنك مائة درهم فأعطاني مائة درهم من غير المائتين والمائتان في بيته أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: لا يعجبني, وإنما يجوز إن أعطاه منها عبدي, ألا ترى أنه لا يجوز صرفها فكيف يجوز البدل بها وهي غير حاضرة
قلت: فلو استودعت رجلا دنانير أو دراهم أو حليا مصوغا من الذهب والفضة فلقيني بعد ذلك فقال: بعني الوديعة التي عندي وهي فضة بهذه الدنانير وهي فضة أو هي ذهب بهذه الدراهم قال: لا يجوز ذلك عند مالك إلا أن تكون الوديعة حاضرة لأن هذا ذهب بفضة ليس يدا بيد.

في الرجل يبتاع الثوب بدينار إلا درهما
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بعينها بدينار إلا درهما أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: إن كان كله نقدا فلا بأس به عند مالك.
قلت: فإن كان الدينار نقدا والسلعة نقدا والدرهم إلى أجل؟ قال: لا يصح ذلك عند مالك.
قلت: فإن كانت السلعة إلى أجل والدراهم إلى أجل والدينار نقدا؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك أيضا.
قلت: فإن كان الدينار نقدا والدرهم نقدا والسلعة مؤخرة؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك, وروى أشهب أنه جائز قال: ابن القاسم: قال مالك: لأنه لم يرد به الصرف إذا كان الدرهم مع الدينار معجلا أو مؤخرا فهو سواء. ابن وهب, وذكر عن مالك, عن سالم في بيع صكوك الجار بدينار إلا درهما

يعجل الدينار ويأخذ الدرهم والصك مؤخر يأخذ الدراهم مع الدينار.
قلت: لابن القاسم: لم كرهته؟ قال: لأنه يدخله الفضة بالذهب إلى أجل.
قلت: فإن كان الدينار نقدا والدرهم نقدا والسلعة إلى أجل؟ قال: لا يصلح ذلك لأنها صفقة واحدة ذهب بفضة وسلعة بفضة لا يصلح أن تكون السلعة مؤخرة والدرهم نقدا.
قلت: فإن كانت السلعة نقدا والدينار إلى أجل والدرهم إلى أجل أيجوز ذلك أم لا؟ قال: ذلك جائز إذا كان أجل الدينار والدرهم واحدا.
قلت: فإن كان اشترى السلعة بدينار إلا درهمين فهو مثل الذي اشترى السلعة بدينار إلا درهما في جميع ما سألتك عنه في قول مالك؟ قال: نعم قال ابن القاسم: كان مالك يقول: الدرهم والدرهمان والشيء الخفيف قال ابن القاسم: قال مالك: وأما الثلاثة فلا أحبه ولا خير فيه عندي.
قلت: فإن اشتريت سلعة بدينار إلا عشرة دراهم؟ قال: قال مالك: لا خير فيه إلى أجل, ولا بدينار إلا ستة دراهم, ولا بدينار إلا خمسة دراهم إلا أن يكون ذلك نقدا.
قلت: فإن كان الدينار والعشرة دراهم أو الخمسة أو الستة إلى أجل واحد والسلعة نقدا؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك ولا يحل.
قلت: لم وقد جوزه في الدرهم والدرهمين إذا كان الدينار والدرهم والدرهمان إلى أجل واحد؟ قال: لأن الدرهم والدرهمين تافه ولا غرر فيه ولا تقع فيه المخاطرة, وإن الدينار إلى ذلك الأجل أكثر من هذين الدرهمين لا شك فيه قال: وما جوز مالك الدرهم والدرهمين إذا استثناهما إلا زحفا لأنهما لا يكونان أكثر من الدينار وللآثار قال: والعشرة الدراهم لا يدري لعله إذا حل الأجل تغترق جل الدينار ويحول الصرف إلى ذلك الأجل فهذا مخاطرة وغرر فلذلك لم يجوزه في العشرة والخمسة, وهو في الدرهم والدرهمين إذا كان أجلهما وأجل الدينار واحدا فليس ذلك بخطر.
قال ابن وهب: وذكر ذلك عن خالد بن حميد, عن عقيل, عن ابن شهاب أنه قال في بيع الثوب بدينار إلا ربع دينار أو بدينار إلا درهمين: لا بأس به.
ابن وهب, عن عبد الجبار بن عمر, عن ربيعة أنه كان يقول في الرجل يبيع الشيء بدينار إلا درهمين ويستأخر الثمن عليه فكان ربيعة يقول: لا بأس به أن يأتي الرجل

بالدينار يقبضه ثم يأخذ من البائع درهمين ولا يراه صرفا قال: ربيعة وإن فيها لمغمزا وليس به بأس.
ابن وهب. قال الليث قال ربيعة: في الرجل يشتري الثوب بدينار إلا درهما قال ربيعة: ما زال هذا من بيوع الناس, وأنه لا يكون الرد والثمن إلا إلى أجل واحد وأن فيه لمغامزكم من الصرف قال الليث: قال ربيعة: وإن باع بدينار إلا درهما ورقا فدفع الدينار وأخذ الثوب ولم يجد عنده درهما قال: هذا مثل أن يأخذ الدرهم مع الدنانير يخشى أن ينزل بمنزلة الصرف قال الليث: وقال يحيى بن سعيد: إن أشبه الأمور بعمل الصالحين أن لا يفارقه حتى يأخذ الدرهم ولا يكون في شيء من ذلك نظرة.
ابن وهب, عن الليث, عن طلحة بن أبي سعيد, عن صخر بن أبي غليط حدثه: أنه كان مع أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف فابتاع أبو سلمة ثوبا بدينار إلا درهما فأعطاه أبو سلمة الدينار وقال: هلم الدرهم, فقال: ليس عندي الآن درهم حتى ترجع إلي فألقى إليه أبو سلمة الثوب وقبض الدينار منه وقال: لا بيع بيني وبينك.
قال الليث: وكتب إلي يحيى بن سعيد يقول: سألت عن الرجل يشتري قمحا أو غير ذلك بنصف دينار أو بثلث دينار فيدفع إلى بائعه دينارا فيأخذ فضلته دراهم ويؤخر ما اشترى منه حتى يأتيه في يوم آخر فيأخذه منه, أو اشترى تلك السلعة بدرهمين أو ثلاثة فيدفع إليه دينارا ويأخذ فضله من صرف الدينار دراهم وأخر السلعة حتى يلقاه فيها من يوم آخر.
قال يحيى: لم أزل أسمع أنه يكره أن يبتاع ببعض دينار شيئا ويأخذ فضله ورقا ويترك ما ابتاع لأن ذلك يرى صرفا.
ابن لهيعة, عن عقيل, عن القاسم بن محمد وابن شهاب أنهما قالا: إذا اشتريت من رجل بيعا ببعض دينار ثم دفعت إليه الدينار ففضل لك عنده ثلث أو نصف فلا عليه أعجله لك أو أخره. وإنما معناه أنه قبض السلعة.
قال مالك: إذا قال له المشتري بعدما يجب البيع ويثبت هذا دينار ففيه ثلثاك وأمسك ثلثي عندك وانتفع به أن ذلك لا بأس به إذا صح ذلك, ولم يكن على شرط عند البيع ولا وأي ولا عادة ولا إضمار منهما.
قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الرجل يقدم البلد من البلدان ومعه الدراهم مثل أهل إفريقية يقدمون الفسطاط ومعهم الدراهم فيكون مع التاجر عشرة آلاف درهم أو أكثر

ورقيق وأمتعة ونقار فضة فيقول الرجل: قد ابتعت منك دراهمك ونقارك ورقيقك هذه بألفي دينار نقدا واستوجب ذلك منه صفقة واحدة وتنقده, قال مالك: لا خير في ذلك, لا يكون مع الصرف بيع شيء من السلع.
قلت لمالك: فالرجل يشتري الثوب وعشرة دراهم بدينار قال: لا بأس بهذا ولم يره مثل الآخر قال: ورأيت مالكا يرى أن هذا تبع للدينار.
قال: ابن القاسم وأخبرني الدراوردي عن ربيعة وغيره من علماء المدينة ممن مضى أنه يكره ذلك ويقول: لا يكون صرف وبيع ولا مساقاة وبيع ولا شركة وبيع ولا نكاح وبيع.
قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: لا يكون صرف وبيع ولا جعل وبيع ولا قراض وبيع قال ابن القاسم: وأخبرني ابن الدراوردي أن غير واحد من علمائهم أو بعض علمائهم كان يقول مثل قول مالك في هذا إلا النكاح لم أحفظه عن ابن الدراوردي لا يكون صرف وبيع.

في الرجل يبتاع السلعة بخمسة دنانير إلا درهما أو درهمين فيدفع أربعة ويحبس دينارا حتى يدفع إليه الدرهم ويأخذ الدينار
قال: وقال مالك في الرجل يشتري السلعة بخمسة دنانير إلا درهما أو درهمين أو ثلاثة فيدفع إليه أربعة دنانير ويؤخر الدينار الباقي حتى يلقاه فيدفع إليه الدرهم أو الدرهمين أو الثلاثة ويأخذ الدينار قال مالك: لا خير في ذلك, فقيل لمالك: فإن دفع دينارا واحدا وأخذ الدرهم وأخر الأربعة حتى يقضيها إياها قال: لا خير فيه أيضا وهو بمنزلة الأول, فقيل لمالك: فإن كانت خمسة دنانير إلا خمسا أو أربعا فنقد الأربعة وأخر الدينار الباقي حتى يأتيه بخمس أو بربع ويدفع إليه الدينار قال: لا بأس بهذا, أليس هذا مثل الدرهم؟ قيل له: فإن دفع إليه دينارا واحدا وأخذ منه خمسة وكانت الأربعة قبله؟ قال: لا بأس بذلك.
قال ابن القاسم: لأن الدراهم عند مالك لما وقعت على السلعة صار للدراهم حصة من الذهب كلها, فلذلك كره مالك أن ينقد بعض الذهب ويؤخر الدراهم أو ينقد الدراهم ويؤخر بعض الذهب قال: وإن نقد الدراهم وأخر الذهب فلا خير في ذلك وإنما جوز مالك الخمس والربع لأن ذلك إنما هو جزء من دينار واحد ليس للخمس والربع حصة من الدنانير كلها, فلا بأس أن يعجل الدنانير الصحية ويؤخر الدينار الكسر

أو يقدم الدينار ويأخذ فضله دراهم ويؤخر الدنانير وهذا كله قول مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا بدينار إلا عشرة دراهم قال: إن كانت الدراهم العشرة نقدا فلا بأس به, وإن كانت إلى أجل فلا خير فيه لأنه يدخله بيع الذهب بالورق إلى أجل كأنه رجل اشترى ثوبا وعشرة دراهم بدينار فلا يصلح في ذلك أن يؤخر الدراهم وهذا مخاطرة لأنه لا يدري ما تبلغ العشرة الدراهم من الدينار.
قلت: أرأيت إن بعت هذا الثوب بدينار إلا قفيز حنطة أيجوز هذا البيع إن كان نقدا أو إلى أجل؟ قال: لا بأس بذلك لأنه كأنه باعه الثوب وقفيز حنطة بدينار فلا بأس أن يكون ذلك الدينار نقدا أو إلى أجل.
أشهب, إلا أن يكون الثوب أو القفيز ليس عنده وقد باعه إياهما بالنقد فلا يصلح ذلك لأنه يشتريهما ثم يبيعه إياهما بنقد أو إلى أجل فيكون ذلك من بيع ما ليس عنده وهو من وجه العينة المكروهة.

في الرجل يبتاع الورق والعروض بالذهب
قلت: أرأيت إن أعطى ذهبا بفضة وسلعة مع الفضة أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز إذا كانت الفضة قليلة فذلك جائز لأن الذهب بالفضة جائز واحد بعشرة وكذلك إذا كانت مع الفضة الكثيرة سلعة من السلع يسيرة.
قلت: فكذلك إن كان مع الذهب سلعة من السلع أو كان من الذهب والفضة مع كل واحدة منهما سلعة من السلع؟ قال: أما الذهب بالفضة إذا كان مع الذهب العرض اليسير فلا بأس به يجوز من ذلك ما يجوز مع الفضة ويكره من ذلك ما يكره مع الفضة, وإن كان مع كل واحدة منهما عرض وكانت كل واحدة منهما مع صاحبتها تبعا فلا أرى به بأسا ولا يكون صرفا وبيعا إذا كان تبعا وكانت يسيرة, وكذلك إذا كان مع الذهب والورق مع كل واحد منهما عرض, فإن كان ذلك من الذهب والورق يسيرا أو كان الغرضان يسيرين فلا أرى به بأسا وإن كانت الذهب والورق والعرضان كثيرا فلا خير فيه.
قلت: أرأيت إن اشتريت دراهم وثوبا بدينار فقلت للبائع: أنقدك من الذهب حصة الدراهم وأجعل حصة الثوب إلى أجل قال: لا يصلح ذلك لأنه صرف وبيع فلا يتأخر منه شيء.
قلت: فإن كان مع الثوب دراهم قليلة أقل من الدينار حتى لا يكون أريد به الصرف في قول مالك فقال المشتري: أنا أنقدك من الدينار حصة هذه الدراهم وهي

خمسة دراهم أو ستة وأؤخر قيمة الثوب إلى أجل قال: لا يصلح هذا في قول مالك إذا وقعت الذهب والفضة مع السلعة, ولو كانت الفضة قليلة حتى لا يكون صرفا لم يصلح التأخير في ذلك في قول مالك, ألا ترى أن الفضة عجلت مع العرض وقد صار لها حصة من جميع الذهب فلا يصلح أن يتأخر من الذهب شيء إذا قدمت الفضة.

في الصرف والبيع
قلت: أيجمع في قول مالك صرف وبيع في صفقة واحدة؟ قال: قال مالك: لا.
قلت: فإذا كانت هذه السلعة معها دراهم قليلة لم يجز أن أبيعها بدراهم لمكان تلك الدراهم القليلة؟ قال: نعم.
قلت: ولا يجوز أن أبيعها بدنانير نسيئة في قول مالك لتلك الدراهم؟ قال: نعم.
قلت: ولم يره مالك صرفا إذا باع بالدنانير يدا بيد؟ قال: نعم جوزه مالك واستحسنه إذا كانت دراهم قليلة مع السلعة أن تباع بالذهب يدا بيد وبالعروض إلى أجل ولا تباع بالورق يدا بيد ولا إلى أجل.
ابن لهيعة عن يحيى بن أبي أسيد أن أبا البلاط المكي حدثه أنه قال لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن إننا نتجر في البحرين ولهم دراهم صغار فنشتري البيع هنالك فنعطي الدراهم فيرد إلينا من ذلك الدراهم الصغار, فقال: لا يصلح.
قال أبو البلاط: فقلت له: إن الدراهم الصغار لو وزنت كانت سواء فلما أكثرت عليه أخذ بيدي حتى دخل في المسجد فقال: إن هذا الذي ترون يريد أن آمره بأكل الربا.
مالك, عن محمد بن عبد الله, عن ابن أبي مريم أنه سأل ابن المسيب فقال: إني رجل أبتاع الطعام فربما ابتعت منه بدينار ونصف درهم فأعطي بالنصف الدرهم طعاما فقال له سعيد بن المسيب: لا, ولكن أعط أنت درهما وخذ ببقيته طعاما1 قال: وإنما كره سعيد أن يعطي دينارا ونصف درهم لأن النصف درهم إنما هو طعام فتكره له أن يعطي دينارا وطعاما بطعام.
قال مالك: ولو كان نصف الدرهم ورقا أو فلوسا غير الطعام ما كان بذلك بأس.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث53.

في الرجل يصرف الدينار دراهم على أن يأخذ بالدراهم سلعة
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا بعشرين درهما فأخذت منه عشرة دراهم وأخذت بعشرة منها سلعة قال مالك: لا بأس بذلك.

في الذهب والورق والذهب والعروض بالذهب
قلت: هل تجوز الفضة والذهب بالذهب في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تجوز.
قلت: وكذلك لو كان إناء مصوغا من ذهب اشتريته بذهب وفضة لم يصلح ذلك؟ قال: نعم لا يصلح ذلك عند مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت فضة وسلعة بذهب؟ قال: إن كانت الفضة قليلة حتى لا يكون صرف العشرة الدراهم وما أشبهها فلا بأس بذلك. وإن كانت الفضة كثيرة فلا يصلح ذلك لأن مالكا قال: لا يصلح بيع وصرف.
ابن القاسم قال: أخبرنيه ابن الدراوردي عن ربيعة وعن غيره.
قلت: لم كره مالك الصرف والبيع في صفقة واحدة؟ قال: أما مالك فقال: لا يصلح أن يكون الصرف والبيع في صفقة واحدة قال: وأما ابن الدراوردي فأخبرني عن ربيعة وغيره أنه قال: إنما كرهه ربيعة من قبل أنه لو أصاب بالسلعة عيبا فجاء ليردها انتقض الصرف فلذلك كرهه ربيعة.
قلت: أرأيت إن بعت ثوبا ودرهما بعبد ودرهم فتقابضنا قبل أن نفترق قال: لا يجوز ذلك عند مالك لأن الفضة لا تجوز إلا مثلا بمثل فهذا لما كان مع هذه الفضة غيرها ومع هذه الفضة غيرها لم يجز ذلك.
قلت: وسواء إن كانت الفضة تافهة يسيرة والسلعتان كثيرتا الثمن؟ قال: نعم ذلك سواء, ويبطل البيع بينهما عند مالك لما ذكرت لك.
قلت: فأصل قول مالك: إن الفضة بالفضة مع إحدى الفضتين سلعة أو مع الفضتين جميعا مع كل واحدة منهما سلعة من السلع إن ذلك باطل ولا يجوز؟ قال: نعم.
قلت: فأصل قول مالك إن كانت سلعة وذهب بسلعة وفضة إذا كانت الذهب والفضة شيئا يسيرا أجازه ولم يجعله صرفا ولا يجوز فيه النسيئة وإن كانت الفضة والذهب قليلة؟ قال: نعم وقد بينا هذا قبل هذا.

في الميراث يباع فيه الحلي من الذهب والفضة فيمن يزيد فيشتريه بعض الورثة أو غيرهم ويكتب عليه الثمن
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك فباع ورثته ميراثه فكان إذا بلغ الشيء الثمن فيمن

يزيد أخذه بعضهم وكتب على نفسه الثمن حتى يحسب ذلك عليه في حظه فبيع في الميراث حلي ذهب وفضة أو بعض ما فيه الذهب والفضة مثل السيف وما أشبهه والفضة أقل من الثلث فبيع ذلك واشتراه بعض الورثة وكتب على نفسه؟ قال: قال مالك: لا يباع من ذلك ما فيه الذهب والفضة إلا بنقد من الورثة أو غيرهم ولا يكتب ذلك عليهم ولا يؤخر النقد قال: لأن مالكا احتج وقال: أرأيت إن تلف بقية المال أليس يرجع عليهم فيما صار عليهم فيقتسمونه فلا يجوز إلا بالنقد؟ قال مالك: فالوارث في بيع الحلي بمنزلة الأجنبي.

في بيع السيف المفضض بالفضة إلى أجل
قلت: أرأيت السيف المحلى تكون حليته فضة الثلث فأدنى أيكون لي أن أبيعه بدراهم نسيئة؟, قال: لا يجوز عند مالك أن تبيعه بنسيئة لا بذهب ولا بورق إذا كان فيه من الذهب أو الفضة شيء قليلا كان ذلك أو كثيرا.
قلت: أرأيت إن اشتريت سيفا محلى نصله تبع لفضته بدنانير ثم افترقنا قبل أن أنقده الدنانير وقد قبضت السيف منه ثم بعت السيف فعلم بقبيح ذلك؟ قال: أرى أن بيع الثاني للسيف جائز وأرى للبائع الأول على الثاني قيمة السيف من الذهب يوم قبضه.
قلت: وحملت هذا محمل البيوع الفاسدة؟ قال: نعم.
قلت: فإن تغيرت أسواقه عندي قبل أن أبيع السيف أتحمله محمل البيوع الفاسدة وتضمنني قيمته ولا تجعل لي رده وإن كان لم يخرج من يدي؟ قال: إذا لم يخرج من يديك فلا أحمله محمل البيوع الفاسدة وأرى أن ترده لأن الفضة ليس فيها تغير أسواق وإنما هي ما لم يخرج من يديك بمنزلة الدراهم فلك أن تردها.
قلت: فإن أصاب السيف عندي عيب انقطع أو انكسر الجفن قال: فأنت ضامن لقيمته يوم قبضته.
قلت: أرأيت إن اشتريت سيفا محلى بفضة حليته أقل من ثلث السيف بفضة إلى أجل أو بذهب إلى أجل أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال: مالك: لا يجوز بيعه بفضة ولا بذهب إلى أجل.
قلت: أفنبيعه بفضة أو بذهب نقدا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: لم إذ جوزه مالك بالنقد في الفضة لم يلتفت إلى الفضة التي في السيف

وهي عنده ملغاة وجعلها تبعا للسيف فلم لا يجوزه بفضة إلى أجل وقد جعل الفضة التي في السيف ملغاة وجعلها تبعا للسيف فلم لا يبيعه بفضة إلى أجل؟ قال: قال مالك: لأن هذه لم تجز إلا على وجه النقد قال: فقلنا لمالك: فالحلي يكون فيه الذهب والورق, ولعل الذهب يكون الثلثين والورق يكون الثلث أو يكون الورق الثلثين والذهب الثلث أيباع بأقلهما؟ قال: لا أرى أن يباعا بشيء مما فيهما ولا يباعا بذهب ولا ورق ولكن يباعان بالعروض والفلوس.
قال أشهب: لا بأس أن يشتري إن كان الذهب الثلث فأدنى اشترى بالذهب, وإن كان الورق الثلث فأدنى اشترى بالفضة قال: وقال علي بن زياد مثل قول أشهب ورواه عن مالك.
قلت: أرأيت اللجام المموه والخرز المموه أو القدح المفضض أو السرج المفضض أو ما أشبه هذه الأشياء إذا كان ما فيها من الفضة قيمة ثلث ذلك الشيء الذي هو فيه أيصلح لصاحبه أن يبيعه بفضة نقدا؟ قال: قال مالك: إذا كانت الفضة في القدح أو السكين فلا يجوز أن يبيع ذلك بفضة. وإن كان ما فيه من الفضة أقل من الثلث؟ قال: وأرى الركاب واللجام كذلك أيضا لا يصلح أن يباع بالفضة إذا كان مموها أو مخروزا عليه ولم يره مثل السيف والمصحف والحلي, فالذي سألت عنه من السرج وغيره هو مثل الأشياء التي كرهها مالك, فأرى هذه الأشياء إنما فعلها الناس على وجه الصرف وليست عنده بمنزلة الحلي ولا بمنزلة السيف المحلى ولا الخاتم ولا بمنزلة المصحف, قال: وكان مالك لا يرى بأسا أن يحلى المصحف.
قال ابن القاسم: رأيت لمالك مصحفا محلى بفضة وسئل عن الحلي أو السيف المحلى يكون ما فيه من الحلي الثلث يباع بالفضة أو بالذهب إلى أجل فينقض المشتري حليته ويفرقها قال: قد نزلت بمالك, ورأى أن البيع جائز ولم يرد البيع وأنا أرى ذلك إذا وقع مثل هذا, وقد كان ربيعة يجيز بيع السيف المحلى بالفضة تكون الفضة تبعا بالذهب إلى أجل, ولكني أرى إن أدرك ولم ينقصه وهو قائم فسخ البيع.
قال: وقلت لمالك أرأيت السيف المحلى إذا كان النصل تبعا للفضة أيجوز أن يباع هذا السيف بحليته بشيء من الفضة؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يباع هذا السيف بحليته بشيء من الفضة وقد كره أن يباع بالفضة غير واحد.
وكيع, عن محمد بن عبد الله الشعيثي, عن أبي قلابة, عن أنس بن مالك قال:

أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأرض فارس أن لا تبيعوا السيوف فيها حلية الفضة بدراهم.
وكيع, عن فضيل بن غزوان, عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر لا يبيع سيفا ولا سرجا فيه فضة حتى ينزعه ثم يبيعه وزنا بوزن.
وكيع, عن زكريا, عن عامر الشعبي قال: سئل شريح عن طوق ذهب فيه فصوص يباع بدنانير قال: تنزع الفصوص ثم يباع الذهب بالذهب وزنا بوزن.
قال سحنون: فكيف بمن يريد أن يجيز بيع ذهب وعرض بذهب وليس في ذلك مضرة في تفريقه وقد كره من ذكرت لك بيع هذه الأشياء حتى تنزع وفي نزعها مضرة في تفريقه وقد أجاز الناس اتخاذ بعضها وتحليته وقد أعلمتك بقول ربيعة وما جوز من ذلك وقوله: إذا كانت الفضة تبعا وإن ذلك إنما أجيز لما أجاز للناس اتخاذه. وإن في نزعه مضرة, وإنه إن كان تبعا كانت الرغبة في غيره ولم تكن الرغبة فيه ولا الحاجة إليه, وقد جوز أهل العلم ما هو أبين من هذا من بيع الثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين إذا كان دفع الدرهم مع قبض الدينار لأنهم لم يروا ذلك رغبة في الصرف واستحسنوه واستخفوه واستثقلوا ما كثر من ذلك.
قال وكيع, عن الربيع, وذكر عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسا ببيع السيوف المحلاة بالفضة وجوزه أيضا إبراهيم النخعي مثل قول الحسن ولم يذكره الحسن إلا مسجلا, فذلك فيما ترى للناس فيه من المنافع ولما في نزعه من المضرة ولأنهم مأذون لهم في اتخاذ مثله.

في الرجل يبتاع إبريق الفضة بدنانير ودراهم ثم تستحق الدراهم
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل إبريق فضة بدنانير أو دراهم فاستحقت الدراهم أو الدنانير أينتقض البيع بيننا في قول مالك وتجعله صرفا؟ قال: نعم أراه صرفا وينتقض البيع بينكما, قال: وكان مالك يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة والذهب مثل الأباريق, وكان مالك يكره مداهن الفضة والذهب ومجامر الذهب والفضة سمعت ذلك منه, والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة وإن كانت تبعا فلا أرى أن تشترى.
قلت: أرأيت إن صرفت منه دراهم بدنانير فاستحقت الدراهم بعينها أينتقض الصرف أم لا؟ قال: أرى الصرف منتقضا, وكان أشهب يقول: إن كانت دراهم بأعيانها أراها إياه فهو منتقض وإن كان لم يره إياها, وإنما باعه من دراهم عنده لزمه أن يعطي ما

كان عنده تمام صرفه مما بقي في كيسه أو تابوته وذلك ما لم يفترقا.
قلت: فإن استحقت ساعة صارفه صاحبه فقال له صاحبه: خذ مكانها مثلها أيصلح هذا؟ قال: إن كان ذلك مكانه ساعة صارفه فلا أرى بذلك بأسا وإن تطاول ذلك وافترقا انتقض الصرف.
قلت: أرأيت إن اشتريت خلخالين من رجل بدنانير أو بدراهم فاستحقهما رجل من يدي بعدما افترقنا أنا وبائعي فقال الذي استحق الخلخالين: أنا أجيز البيع وأتبع الذي أخذ الثمن قال: لا يصلح هذا لأن هذا صرف فلا يصلح أن يعطي الخلخالين ولا ينتقد.
قلت: فإن كانا لم يفترقا مشتري الخلخالين وبائعهما حتى استحقهما رجل فقال المستحق: أنا أجيز بيع الخلخالين وآخذ الدنانير؟ قال: ذلك جائز إذا أجاز المستحق البيع والخلخالان حاضران وأخذ رب الدنانير الدنانير مكانه.
قلت: فإن كان الخلخالان قد بعث بهما مشتريهما إلى البيت؟ قال: لا يجوز ذلك.
قلت: ولا ينظر في هذا إلى افتراق البائع والمشتري بعدما اشترى الخلخالين إذا استحقهما رجل والخلخالان حاضران حين استحقهما وأجاز البيع؟ فقال له مشتري الخلخالين أو بائعهما: أنا أدفع الثمن حين أجزت البيع وكان ذلك معا قال: نعم ذلك جائز ولا ينظر في هذا إلا إلى حضور الخلخالين والنقد مع إجازة هذا المستحق البيع, فإذا كان هذا هكذا جاز وإلا فلا. وقد قال أشهب مثل قوله وقال: إنما هو استحسان والقياس فيه أنه مفسوخ لأنه حين باعك الخلخالين قد كان لصاحبهما فيهما الخيار فقد انعقد البيع على خيار, فالقياس فيه أنه يفسخ ولكني أستحسن أنه جائز لأن هذا مما لا يجد الناس منه بدا وإنكما لم تعملا على هذا باع البائع ما يرى أنه له جائز واشتريت أنت ما ترى أنه جائز لك شراؤه فذلك جائز لا بأس به.

في الرجل يبتاع الدراهم بدنانير ونقد دنانير البلد مختلف
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل دراهم بين يديه كل عشرين درهما بدينار وأخرجت الدنانير لأدفعها فلما نقدته قال: لا أرضى هذه الدنانير قال: له نقد البلد في قول مالك.
قلت: فإن كان نقد البلد في الدنانير مختلفا؟ قال: فلا صرف بينهما إلا أن يسميا الدنانير التي تصارفا بها.

في الرجل يصرف بعض دينار أو يصرفه من رجلين
قلت: أرأيت إن أردت أن أصرف نصف دينار أو ثلثه بعشرة دراهم أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يصرف نصف دينار ولا ثلث دينار ولا ربع دينار ولا يجوز إلا أن يصرف الدينار كله فيدفعه ويأخذ دراهمه فأما إذا صرف نصفه أو ثلثه أو ربعه فهذا لا يستطيع أن يدفع ثلثه ولا ربعه ولا نصفه.
قلت: فإن قال بائع نصف الدينار: أنا أدفع إليك الدينار كله وآخذ منه صرف النصف حتى تكون قابضا لنصف الدينار قال: قال مالك: لا يجوز ذلك ولا يكون قابضا لنصف الدينار وإن دفع إليه الدينار كله لأنه لا يبين بنصفه منه.
وقال أشهب: ألا ترى أن الصرف على المناجزة فقد بقي بينهما عمل من سبب الصرف وهو شركتهما في الدينار وإنهما إن اقتسماه مكانهما, فإنما اقتسمهما إياه دراهم فيكون يعطيه دراهم بدراهم فهذا لا يصلح.
قلت: فإن صرف الدينار رجل من رجلين فقبضه أحدهما بأمر صاحبه وهو حاضر؟ قال: قال مالك: ذلك جائز.
قلت: فلو أن رجلين صرفا دينارا من رجلين فقبض الدينار أحد الرجلين قال مالك: هذا جائز.
قلت: فإن صرف رجلان من رجل دينارا فدفعاه إليه أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فكذلك لو كان مكان الدينار نقرة ذهب أو فضة كان مسلكه مسلك الدينار في بيعه؟ قال: نعم.
قلت: فلو كانت نقرة بيني وبين رجل فبعت نصيبي منه قال: ذلك جائز إذا انتقدت.
قلت: فإن بعت نصيبي من غيره؟ قال أشهب: إن قبض المشتري جميع النقرة رأيته جائزا وإن لم يقبض لم يكن فيه خير.

في الرجل يصرف الدينار دراهم فيقبضها ثم يرجع إليه فيستزيده في بعض الصرف فيزيده
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا عند رجل بعشرين درهما ثم لقيته بعد ذلك فقلت.

له: إنك قد استرخصت مني الدينار فزدني فزادني درهما أينتقض الصرف في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع منه فيه شيئا وأرى أن لا ينتقض الصرف بينكما.
قلت: وكذلك إن زاده الدرهم إلى شهر أو إلى شهرين؟ قال: نعم لا أرى بذلك بأسا ولا ينتقض الصرف بينهما.
قلت: لم؟ قال: لأني لا أرى هذا الدرهم مما يقع عليه الصرف.
قلت: فإن قبضه منه صاحبه أترى الصرف واقعا عليه؟ قال: لا.
قلت: فإن أصاب بهذا الدرهم الهبة عيبا أيكون له أن يرده؟ قال: لا لأن الصرف لم يقع عليه وإنما ذلك الدرهم عندي هبة.
قلت: فإن أصاب صاحبه بالدينار عيبا فرده أيرجع عليه بالدراهم كلها وبالدرهم الزائد مع الدراهم؟ قال: نعم.
قلت: لم والدرهم الزائد عندك هبة؟ قال: لأنه إنما وهبه لذلك الصرف فلما انتقض الصرف انتقضت الهبة التي كانت بينهما لمكان ذلك الصرف.
قلت: وكذلك لو أني بعت من رجل سلعة فجاءني بهبة فوهبها لي فقال: هذا لموضع ما بعتني سلعتك فقبلت هبته ثم أصاب بالسلعة عيبا فردها علي أيرجع علي بالهبة مع الثمن؟ قال: نعم لأنه إنما وهب لك الهبة من أجل البيع فلما انتقض البيع لم يترك الهبة لأن الذي لمكانه كانت الهبة قد انتقض حين صار غير جائز.
قلت: فإن كان أسلم إليه في طعام أو سلعة إلى أجل فزاده بعدما افترقا ومكثا شهرا أو شهرين زاده المشتري في السلم دينارا أو درهما أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا بأس به.

في الرجل يكون له على الرجل دراهم دينا إلى أجل فيريد أن يصرفها منه بدينار نقدا
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دراهم دينا من قرض أو من بيع إلى أجل فأخذت بها منه دنانير نقدا أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز هذا, وهذا مما لا يحل وهو من بيع الدراهم إلى أجل بدنانير نقدا ولو كانت حالة لم ير به بأسا.
قلت: أرأيت إن صارفته قبل محل الأجل على دينارين وشرطت عليه أن يدفعهما

إلي مع محل أجل الدراهم أيجوز هذا أم لا؟ قال: هذا حرام في قول مالك قال: وكذلك إن كان في مكان هذه الدنانير عرض من العروض بعينه أو مضمونا أو موصوفا إلى ذلك الأجل لم يحل لأنه دين بدين, قال: ولو كان العرض نقدا ما كان به بأس في البيع والسلف إلا أن يكون العرض الذي يعطيه من صنف العرض الذي باع ويكون أجود منه أو أكثر حل أجل الدين في ذلك أو لم يحل.
ابن وهب, عن ابن لهيعة, عن خالد بن أبي عمران وبكير بن عبد الله عن سليمان بن يسار قال: إذا كان لرجل على رجل ذهب كالئة فلا يصلح له أن يقاطعه على ورق ينقده.
قال الليث, عن يحيى بن سعيد مثله. وقال يحيى ولا فلوس, قال: يحيى فإن أعطاك عرضا قبل محله فلا بأس به.
ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه أنه كان يبتاع بالذهب فإذا تقاضاه أصحابه قال: إن شئتم أعطيتكم الورق بصرفها وإن شئتم صرفتها لكم فقضيتكم الذهب فأي ذلك اختار الرجل أعطاه إياه.
ابن وهب, عن عبد الله بن عمر عن نافع أن رجلا كان له على عبد الله بن عمر ذهب سلفا فجاءه يتقاضاه فقال يا نافع اذهب فاصرف له أو أعطه بصرف الناس.
قلت: أرأيت إن أراد أن يأخذ مني قال: إذا قامت على سعر فأحب أن يأخذها فأعطه إياها وقال مثل ذلك القاسم بن محمد وسالم وسليمان بن يسار وبشر بن سعيد ويحيى بن سعيد وعطاء بن أبي رباح وبكير بن الأشج.
ابن لهيعة وحيوة بن شريح, عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم وسالما عن الرجل يسلف الرجل عشرة دنانير سلفا فأراد أن يأخذ بها منه زيتا أو طعاما أو ورقا بصرف الناس فقال: لا بأس به. وقاله جابر بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وابن المسيب وربيعة: أنه لا بأس باقتضاء الطعام والعروض في السلف.

في الرجل يصرف بدينار دراهم فيجدها زيوفا فيرضاها ولا يردها
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا بدراهم فلما افترقنا أصبتها زيوفا فرضيتها أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: نعم لا بأس بذلك إن رضيت في قول مالك.
قلت: وكذلك إن وجدت الدراهم نقصا فرضيتها قال: قال مالك: إذا وجدتها

نقصا فرضيتها فهو جائز مثل الزيوف قال: قال مالك: وإن تأخر من العدد درهم فرضي أن يأخذ لم يجز ذلك لأن الصفقة وقعت على ما لا خير فيه, وقال أشهب في الزلل مثل قول ابن القاسم.
قلت: أرأيت إن اشتريت فلوسا بدرهم فلما افترقنا أصبت فيها عشرة أفلس رديئة لا تجوز أينتقض الصرف أم يبدلها في قول مالك؟ قال: إنما قال مالك في الفلوس: أكرهها, ولم يرها في جميع الأشياء بمنزلة الدراهم بالدنانير ولم أسمع من مالك في هذا شيئا, وقوله في الصرف: إن الصرف ينتقض وأرجو أن يكون خفيفا ألا ترى أن ابن شهاب يجيز البدل في صرف الدنانير وإن كنا لا نأخذ بقوله, فكيف به في الفلوس مع كثرة اختلاف الناس فيها؟ وقول مالك وليست كالحرام البين ولكني أكره التأخير فيها وهو قول أشهب.
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا؟ عند رجل فأصبت درهما في الدراهم مردودا لعيبه وهو فضة طيبة أيكون لي أن أرده في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وينتقض الصرف فيما بيننا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت له: إنه فضة طيبة قال: ذلك سواء إذا كان فضة طيبة إلا أنه مردود لعيبه أو كان لا يجوز بجواز الدراهم عند الناس أو أصاب فيها درهما زائفا فذلك عند مالك كله سواء يرده إن أحب وينتقض الصرف بينهما إلا أن يشاء أن يقبل الدراهم بعيوبها فيكون ذلك له.
قلت: أرأيت إن صرفت دينارا عند رجل بدراهم فأخذت منه الدراهم ثم أصبت بالدراهم عيبا فرددت الدراهم أيصلح لي أن أؤخره بالدينار؟ قال: إذا ثبت الفسخ بينهما فلا أرى بأسا أن يؤخره بالدينار وإن لم يثبت الفسخ بينهما كرهته ورأيته صرفا مستقلا قد كتب في الرسم الأول ما يدل على هذا.

في الرجل يصرف الدنانير من الرجل بدراهم فلما وجب الصرف سألني الرجل أن أقرضه الدنانير فيدفعها إليه أو يقومان من مجلسهما ذلك فيتوازنان في مجلس آخر
قلت: أرأيت إن قلت لرجل ونحن في مجلس جلوسا بعني عشرين درهما بدينار قال: نعم قد فعلت وقلت له أنا قد فعلت فتصارفنا ثم التفت إلي إنسان فقال أقرضني عشرين درهما والتفت أنا إلى رجل آخر فقلت له: أقرضني دينارا ففعل فدفعت إليه الدينار ودفع إلي العشرين درهما أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا خير فيه.

قلت: أرأيت إن نظرت إلى دراهم بين يدي رجل فقلت له: بعني من دراهمك هذه عشرين درهما بدينار فقال قد فعلت وقلت أنا: قبلت فواجبته الصرف ثم التفت إلي رجل إلى جنبي فقلت له: أقرضني دينارا ففعل فدفعت إليه الدينار وقبضت منه الدراهم أيجوز هذا الصرف في قول مالك أم لا؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يدفع الدنانير إلى الصراف فيشتري بها دراهم فيزنها الصراف ثم يدخلها تابوته ويخرج دراهمه ليعطيه قال: ما يعجبني ذلك وليترك الدنانير على حالها حتى يخرج الدراهم فيزنها ثم يأخذ الدنانير ويعطي الدراهم فإن كان هذا الذي اشترى هذه الدراهم كان ما استقرض نسقا متصلا قريبا بمنزلة النفقة يحلها من كمه ولا يبعث رسولا يأتيه بالذهب ولا يقوم إلى موضع يزنها وينتقدان في غير المجلس الذي تصارفا فيه, وإنما يزنها مكانه ثم يعطيه دنانيره مكانه فلا بأس بذلك وقد قال أشهب: لا خير فيه لأنكما عقدتما بيعكما على أمر لا يجوز من غيبة الدنانير.
قال ابن القاسم: لأن مالكا قال: لو أن رجلا لقي رجلا في السوق فواجبه على دراهم معه ثم سار معه إلى الصيارفة لينقده قال مالك: لا خير فيه فقيل له فلو قال: له إن معي دراهم فقال المبتاع اذهب بنا إلى السوق حتى نرى وجوهها ثم نزنها فإن كانت جيادا أخذتها منك كذا وكذا درهما بدينار قال: لا خير في هذا أيضا ولكن يسير معه على غير موعد فإن أعجبه شيء أخذه وإلا ترك.
قلت: أفكان مالك يكره للقوم أن يتصارفوا في مجلس ثم يقوموا إلى مجلس آخر؟ قال: نعم قال مالك: ولو أن قوما حضروا ميراثا فبيع فيه حلي اشتراه رجل ثم قام به إلى الصيارفة ليدفع إليه نقده ولم يتفرقا قال: لا خير في ذلك إنما يباع الورق بالذهب أن يأخذ ويعطي بحضرة البيع ولا يتأخر بشيء من ذلك عن حضرة البيع, فإنه لا خير فيه. وأراه منتقضا ألا ترى أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالورق إلا هاء وهاء"1 وأن عمر قال: وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء هو الربا.
ـــــــ
1 تقدم في ص 7 رقم "1"

في قليل الصرف وكثيره بالدنانير
قلت: أرأيت إن اشتريت بدينار مائة درهم أو دينارا بدرهمين أو بدرهم أيجوز هذا الصرف في قول مالك؟ قال: قال: نعم قال: ولقد سئل مالك عن رجل كان يسأل رجلا ذهبا فلما حل أجلها قال الذي عليه الدين: خذ مني بذهبك دراهم وقال الذي له الدين: لا أقبل منك إلا كذا وكذا زيادة على الصرف قال مالك: لا بأس بذلك.

قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا دينارا فوهبت له نصف ذلك الدينار ثم أردت أن آخذ منه نصف الدينار الذي بقي لي عليه فآتاني بنصف دينار دراهم فقلت لا أقبل الدراهم إنما لي عليك ذهب فلا أبيع ذهبي إلا بمائة درهم قال: إذا أعطاه صرف الناس أجبر على أن يأخذ ذلك قال: وقال مالك: في رجل باع من رجل سلعة بنصف دينار فآتاه بنصف دينار دراهم أجبر البائع على أخذها ولم يكن له غير ذلك فالذي أقرض دينارا ووهب نصفه وبقي نصفه هو بمنزلة هذا سواء.

في بيع الفضة بالذهب جزافا
قلت: أرأيت إن اشتريت سوار ذهب لا أعلم ما وزنه بفضة لا أعلم ما وزنها أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان شراؤه إياها بغير دراهم مضروبة.
قلت: أيصلح أن أبيع الذهب جزافا بالفضة جزافا؟, قال مالك: لا بأس بذلك ما لم تكن سكة مضروبة فإن كانت سكة مضروبة دراهم ودنانير فلا خير في ذلك لأن ذلك يصير مخاطرة وقمارا إذا كان ذلك سكة مضروبة دراهم أو دنانير.

في الرجل يتسلف الدراهم بوزن وعدد فيقضي بوزن أقل أو أكثر وبعدد أقل أو أكثر
قلت: أرأيت إن تسلفت من رجل مائة درهم عددا ووزنها نصف درهم نصف درهم عددا فقضيته مائة درهم وازنة على غير شرط أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: فإذا قضيته تسعين درهما وازنة؟ قال: لا خير فيه.
قلت: ولم والتسعون أكثر من المائة الدرهم الأنصاف؟ قال: لأن هذا بيع إذا كان السلف عددا.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ومن أين جعله مالك بيعا؟ قال: لأن الرجل إذا أسلف الرجل عشرة دنانير تنقص سدسا سدسا من كل دينار أو ربعا ربعا من كل دينار ثم أعطاه عشرة دنانير قائمة كان إنما ترك له الذي قضاه فضل وزنها فهذا لا بأس به إذا لم يكن في ذلك وأي ولا موعد ولا سنة جريا عليها إذا استوى العدد وإن أعطاه تسعة وكانت أكثر من وزنها فهو بيع الذهب بالذهب متفاضلا فلا خير فيه لأنه لما اختلف العدد صار بيعا ولا يصلح إذا كانت عددا بغير كيل إلا أن يستوي العددان فيكون الفضل في أحدهما فلا بأس بذلك.

في الرجل يقرض الرجل الدراهم يزيدية فيأتيه بمحمدية فيأبى أن يأخذها
قلت: أرأيت لو أني أقرضت رجلا مائة درهم يزيدية إلى سنة فأتاني بمائة محمدية قبل السنة فقال: خذها. وقلت لا آخذها إلا يزيدية قال: ذلك لك أن لا تأخذها إلا يزيدية ولو حل الأجل أيضا فجاء بمحمدية فقال لا أقبل إلا يزيدية كان ذلك له لأنه يقول لا آخذ إلا مثل الذي لي قال: لأن الدراهم والطعام عند مالك سواء ألا ترى أنه لو تسلف محمولة فأتاه بسمراء وهي خير من المحمولة فقال: لا أقبلها ولا آخذ إلا محمولة كان ذلك له.
قلت: والدراهم إن كانت من قرض أو من ثمن بيع كانت سواء في مسألتي حل الأجل أو لم يحل إذا رضي أن يأخذ محمدية من يزيدية جاز ذلك له في قول مالك. قال: لا أقوم على حفظه ولا أرى بذلك بأسا لأنها ورق كلها وكذلك الدنانير, وكذلك الدنانير والدراهم وليست جنوسا كجنوس الطعام, وإنما هي سكة وهي ذهب وفضة كلها والطعام جنوس وإن كانت حنطة كلها لأن الحنطة لها أسواق تحول إليها فتصير إلى تلك الأسواق والدراهم ليست لها أسواق تحول إليها مثل الطعام فلا يجوز أن يأخذ قبل محل

الأجل سمراء من محمولة وإن كانت خيرا منها وإن كان أسلفه المحمولة سلفا فلا يجوز, وكذلك قال لي مالك: في القمح المحمولة والسمراء وفي الشعير.
أشهب, وقد قال: إنه جائز إذا لم يكن في ذلك وأي ولا عادة وهو أحسن إن شاء الله.
قال ابن القاسم: وإن كانت لك سمراء على رجل إلى أجل فأخذت منه محمولة قبل محل الأجل لم يجز لأن هذا من وجه ضع وتعجل وكذلك الدراهم إن أخذت يزيدية من محمدية قبل محل الأجل لم يصلح وهذا في الدراهم مثل الطعام فإن أخذت محمدية من يزيدية قبل محل الأجل لم يكن بذلك بأس ومثل ذلك أن يكون له دنانير هاشمية فيعطيه عتقاء قبل محل الأجل فلا يكون بذلك بأس قال: ولأن مالكا قال في الدين يكون على الرجل إلى أجل فيقول ضع عني وأعجل لك إن ذلك لا يجوز فهذا يدلك على مسألتك هذه أيضا.
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا دراهم محمدية مجموعة فلما حل الأجل قضاني في يزيدية مجموعة أكثر من وزنها أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا لأن هذا إنما أخذ فضل عيون المحمدية على اليزيدية في زيادة وزن اليزيدية فلا يجوز هذا.
قلت: فلو قضاني يزيدية مثل وزن المحمدية أو دون وزنها؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: فلو كنت أقرضته يزيدية مجموعة فقضاني محمدية مجموعة أقل من وزنها؟ قال: لا يجوز هذا لأنه أخذ ما ترك من وزن اليزيدية في عيون المحمدية.
قلت: فلو قضاني محمدية مجموعة مثل وزن اليزيدية؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يكن ذلك منهما عادة.
قلت: فلو قضاني محمدية مجموعة أكثر من وزن اليزيدية التي أقرضته؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: وكذلك لو قضاني يزيدية مجموعة أكثر من وزن اليزيدية التي أقرضته قال: فلا بأس بذلك.
قلت: والدنانير مثل ما وصفت لي في الدراهم؟ قال: نعم.

في الرجل يتسلف الدراهم فيقضي أوزن أو أكثر
قلت: أرأيت إن استقرضت مائة درهم يزيدية كيلا فقضيته مائة درهم وعشرين

درهما يزيدية كيلا أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يتسلف من الرجل مائة درهم فيعطيه عند القضاء عشرين ومائة درهم على غير موعد ولا شرط أو يتسلف منه مائة إردب قمح لما أتى ليقضيه قمحه وحل أجله قضاه عشرين ومائة إردب مثل حنطته؟ قال مالك: لا يعجبني أن يقضيه فضل عدد لا في ذهب ولا في طعام عندما يقضيه ولو كان ذلك بعد ذلك لم أر بذلك بأسا إذا لم يكن في ذلك عادة ولا موعد ومعنى قوله بعد ذلك أي بعد مجلس القضاء الذي يقضيه فيه يزيده بعد ذلك وأما حين يقضيه فلا يزيده في ذلك المجلس ولكن يزيده بعد ذلك فمسألتك في الدراهم الكيل تشبه هذا لا يصلح أن يزيده عندما يقضيه ولكن إن أراد أن يزيده فليزده بعدما يقضيه ويتفرقان إلا أن يكون رجحانا في الوزن بشيء يسير فلا بأس بذلك أو نقصانا وإن كثر فلا بأس به وهو قول مالك قال مالك: وإنما يجوز من ذلك مثل ما فعل ابن عمر زاده في فضل وزن الدراهم التي قضاه وكان محمل قول مالك أن ابن عمر إنما قضى مثل العدد وزاد في وزن الدراهم التي قضى كانت دراهم ابن عمر أوزن من دراهم صاحبه وعددهما سواء ولم يعطه عشرين ومائة بمائة ولا عشرة ومائة بمائة.

في اقتضاء المجموعة من القائمة
قلت: سمعتك تقول الدنانير المجموعة لا تصلح بالدنانير القائمة قلت: ما القائمة وما المجموعة وما معنى ذلك القول أنه لا يصلح؟ قال: قال مالك: لو أنك أسلفت رجلا مائة دينار قائمة أو بعته بها بيعا فثبت لك عليه مائة دينار قائمة فأراد أن يدفع إليك مائة مجموعة يدخل في عددها عشرة ومائة أو أقل من ذلك أو أكثر إلا أن عدد المجموعة أكثر من القائمة قال: لا خير فيه إلا أن تكون أسلفت القائمة بمعيار اتخذته عندك أو أسلفته إياها بوزن مثاقيل جمعتها في ذلك الوزن أو اشترطت في البيع الكيل فلا بأس بأن تقتضي مجموعة وإن كانت أكثر عددا إذا كنت حين أسلفتها قد أخذت لها عندك معيارا من الكيل أو وزنتها مجموعة فعرفت كيلها أو اشترطت كما أخبرتك الكيل مع العدد فأما إن تسلفتها عددا فلا خير في ذلك إلا أن تأخذ مثل عددها وإن كانت كيلا أو أنقص منها في الوزن فلا بأس بذلك إذا كانت في عددها قال: وقال مالك: وما بعت بفرادى فلا تأخذه كيلا وما بعت كيلا فلا تأخذه فرادى وما بعت بفرادى واشترطت كيله مع العدد فلا بأس أن تأخذه كيلا أقل عددا أو أكثر عددا ومن ذلك أن يبيع الرجل سلعته بمائة درهم بكيل ويشترط عددها داخل المائة خمسة وكيلها مائة فيكون عددها خمسة ومائة درهم فلا بأس أن يأخذ أكثر من عددها أو أقل من عددها كيلا إذا اشترطت العدد مع

الكيل؟ قال: وبلغني أن مالكا قال: وإذا بعت رجلا أو أقرضته مائة دينار مجموعة فجاء ليقضيك فدفع إليك مائة دينار قائمة عددا فقال: هذا قضاؤك ولم يكلها لك قال: لا بأس بذلك لأنه قد عرف أن في كيل القائمة أكثر من مائة كيلا وفضلا فلا بأس بذلك وهو بين لا بأس به قال: فقلت لمالك: فإن قضاه مائة دينار مثاقيل أفرادا والأفراد إذا اجتمعت نقصت عن مائة دينار مجموعة؟ قال: لا خير في ذلك لأنه إنما يجوزها لفضل عيونها على وزن المجموعة لأن الأفراد بحبة حبة لها فضل في عيونها على المجموعة قال: فقلت لمالك: أفيبيع الرجل السلعة بمائة دينار مجموعة ولا يشترط ما دخل فيها من الوزن وهو يعلم أنه يدخل فيها الدينار بالحبتين والخروبة والنصف والثلث والثلثين ولا يدري عدد ما يدخل له من صنوف تلك الدنانير قال: فلا بأس بذلك ما لم يدخل له من الذهب التي لا تجوز بين الناس.
قلت: أي شيء الدنانير المجموعة قال: المقطوعة النقص تجمع فتوزن فتصير مائة كيلا.
قلت: فما القائمة؟ قال: القائمة الجياد.
قلت: فلم أجزت أن يؤخذ من المجموعة القائمة؟ قال: لأن القائمة الجياد عدد تزيد على المجموعة في المائة الدينار دينارا لأنك لو أخذت مائة دينار عددا قائمة فوزنتها بوزن المجموعة زادت في الوزن دينارا فصارت في الوزن مائة دينار ودينارا وهي مائة دينار عددا.
قلت: فما الفرادى؟ قال: المثاقيل قال: الفرادى إذا أخذت مائة فوزنتها كانت أنقص من المائة المجموعة لا تتم مائة تصير تسعة وتسعين وزنا وإن وزنت مائة قائمة كيلا زاد عددها على مائة دينار فرادى.
قلت: لم لا يصلح أن يأخذ من الدرهمين الفرادى إذا كانا لم يجمعا في الوزن وقد عرفت وزن كل واحدة منهما على حدة لم لا يجوز أن يأخذ بوزنهما تبر فضة مكسورة إذا كانا في الجودة مثله أو دونه وقد جوزته في الدرهمين المجموعين وقد جوز مالك مثل هذا في موضع آخر في الطعام, ألا ترى أن مالكا قد أجاز لي أن آخذ سمراء من محمولة أو محمولة من سمراء إذا حل الأجل, فلم كرهتم هذا في الدرهمين الفردين بوزنهما من التبر المكسور؟ قال: أما ما ذكرت من الطعام وأخذه المحمولة من السمراء أو السمراء من المحمولة إنما جوزه مالك لأن الطعام كله يكال, فإنما أخذ من سمراء كيلا محمولة أو من كيل محمولة مجموعة سمراء وليس في الطعام فرادى ولا يباع القمح وزنا بوزن,

وأما ما ذكرت من مجموع الفضة بمجموع الفضة فلا بأس بذلك لأن هذا يعلم أنه قد أخذ مثل وزن فضته وجودة فضته أو دونها في الجودة وإنما كره مالك أن يأخذ من الفرادى مجموعة لأنه لا يأخذ مثل وزن الفرادى إذا أخذ وزن الفرادى مجموعة لأنه لا بد من أن يزيد وزن المجموعة على الفرادى الحبة والحبتين وما أشبه ذلك أو ينقص وإنما كرهه مالك لموضع أنه لا يكون مثلا بمثل فلهذا كرهه.
قلت: أرأيت إن كان لرجل على رجل درهمان مجموعان فأعطيته وزنهما تبر فضة, والتبر الذي أعطيته أجود من فضة الدرهمين أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز.
قلت: لم لا يجوز هذا, وهذا كله مجموع الفضتين جميعا مجموعتين, وأنت قد جوزت مثله في قول مالك في الطعام جوزت لي أن آخذ من محمولة سمراء ومن سمراء محمولة فلم لا يجوز أن أعطيه فضة تبر أجود من فضة دراهمه؟ قال: لا يشبه الطعام في هذا الدراهم, لأن الدراهم لها عيون وهذا إنما أعطاه جودة فضته بعيون دراهم الآخر فلا يجوز هذا, فالطعام ليس فيه عيون مثل عيون الدراهم, ألا ترى أن العين في الدراهم إنما هو شيء غير الفضة وأن جودة الفضة إنما هي من الفضة وليس فيها غيرها, فلذلك كرهها له أن يعطي هذه الفضة الجيدة بفضة دونها مع الفضة الدون بشيء غيرها وهي السكة ألا ترى أن السكة التي في الدراهم المضروبة إنما هي شيء غير الدراهم استزاده مع فضة الدراهم الرديئة بفضته الجيدة فأخذ فضل جودة فضته على فضة صاحبه في عيون دراهمه وهي السكة التي في فضة صاحبه, وأن الطعام إنما جودة المحمولة من الطعام ليس من غير الطعام, وجودة السمراء من الطعام أيضا ليس من شيء غير الطعام فهذا فرق ما بين الدراهم والطعام.
قلت: فلو كان لرجل علي تبر فضة مجموعة فصالحته منها على مثل وزنها تبر فضة إلا أن الذي أعطيته أجود من فضته أو دونها أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا بأس بهذا وهذا جائز.
قلت: والفضة إذا كانت تبرا مكسورا كلها فأخذت بعضها قضاء عن بعض وإن كان بعضها أجود من بعض فلا بأس بذلك ما لم يدخل ذلك سكة مضروبة قال: نعم إذا لم يكن في الفضة سكة مضروبة دراهم ولا فضل في وزن فلا بأس بذلك.
قلت: ويكون مثل الطعام الذي ذكرت لي أنه لا بأس به أن يأخذ السمراء من المحمولة والمحمولة من السمراء؟ قال: نعم الفضة التبر المكسور لا بأس أن يأخذ بعضه

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19