كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

في الحميل يأتي بالغريم بعد محل الأجل قبل أن يقضي على الحميل بالمال
قلت: أرأيت إن قلت لرجل أنا كفيل لك بفلان إلى غد، فإن لم أوافك به، فأنا ضامن للمال فمضى الغد فقلت: قد وافيتك به. وقال: لم توافني به؟ قال: يقيم البينة أنه قد وافاه به وإلا غرم المال.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: فإن وافاه بعد ذلك قبل أن يحكم السلطان عليه؟ قال: ذلك له جائز، ويبرأ من المال ولا يكون عليه غرم. سحنون: وكذلك يقول غيره من الرواة.

في الرجل يطلب قبل الرجل حقا فيطلب منه حميلا بالخصومة
قلت: أرأيت لو أن رجلا طلب قبل رجل حقا، وقد كانت بينهما خلطة في معاملة، فقال الطالب للمطلوب: أعطني كفيلا حتى أقيم البينة عند القاضي؟ قال: لا أرى ذلك عليه ولكن يطلب بينته. قلت: وليس له أن يأخذ عليه كفيلا بوجهه حتى يثبت حقه؟ قال: لا. وقال غيره: إذا أثبتت المعاملة بينهما فله عليه كفيل بنفسه ليوقع البينة على عينه.
قلت: فإن قال أعطني وكيلا بالخصومة حتى أقيم بينتي؟ قال: لا أرى أن يعطيه وكيلا بالخصومة إذا لم يرد المطلوب أن يوكل؛ لأنا نقبل بينة هذا الطالب على المطلوب وإن كان غائبا، فلا يلزم المطلوب أن يقيم وكيلا إلا أن يشاء المطلوب أن يوكل من يدفع عنه.
قلت: فإن قال: أعطني كفيلا بالحق حتى أقيم بينتي ولا أريد نفسا، أيلزمه أن يعطيه كفيلا أم لا يلزمه؟ قال: لا أرى ذلك إلا أن يقيم شاهدا، فيطلب الكفيل فذلك له. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لست أقوم على سماعي هذا كله من مالك، ولكن هذا ما يعرف من قوله إلا أن يكون المدعي يدعي بينة حاضرة يرفعها من السوق، أو من بعض القبائل، فأرى للسلطان أن يوقف المطلوب عنده، ويقول للطالب: مكانك ائت ببينتك فإن أتى بها وإلا خلى سبيله. سحنون: وهذا الأصل في كتاب الشهادات قد بين.

في الرجل يقضي له القاضي بالقضية أيأخذ منه كفيلا
قلت: أرأيت إن أقمت البينة أن هذه الدار دار أبي أو جدي، أو أن هذا المتاع

في الرجل يكون له على الرجل الطعام إلى أجل فيأخذ منه به كفيلا فيصالحه الكفيل قبل الأجل أو بعده على أدنى أو أقل أو أجود
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل طعاما إلى أجل، من سلم أو قرض أخذت منه كفيلا، فلما حل الأجل أعطاني الكفيل بعض طعامي، على أن تركت له بعضا، أو قبل أن يحل الأجل أعطاني بعض الطعام، على أن تركت له بعض الطعام، قال: لا يصلح ذلك إذا لم يحل الأجل؛ لأنه يدخله ضع عني وتعجل. فأما إذا حل الأجل فلا بأس بذلك، ولا يرجع الكفيل على الذي عليه الحق إلا بما أدى إلى الطالب؛ لأن مالكا قال في الذي عليه الحق: لو أخذ بعض حقه منه على أن ترك له ما بقي قبل الأجل لم يجز هذا؛ لأنه وضع وتعجل، فإذا حل الأجل فلا بأس به فكذلك الكفيل عندي مثل الذي عليه الأصل
قلت: أرأيت الكفيل إذا صالح الذي له الحق على حنطة، مثل كيل حنطته قبل أن يحل الأجل، إلا أنها أجود من شرط الطالب أو أدنى من شرطه؟ قال: لا يجوز ذلك؛ لأن مالكا قال: لا يجوز أن يصالح الذي عليه الحق الطالب قبل الأجل، على حنطة مثل كيل حنطته إذا كانت أجود من حنطته أو أدنى.
قلت: فإن حل الأجل؟ قال: لا خير في ذلك إذا حل الأجل، أن يصالحه الكفيل على مثل كيل حنطته أو أجود إذا كانت من صنفها أو أدنى منها، إذا كانت التي عليه سمراء كلها أو محمولة كلها، وإن أخذ أيضا أجود من حنطته وأدنى من كيلها، فلا خير فيه وإن كانت من صنف واحد وإذا أخذ مثل كيل طعامه، فلا خير في أن يأخذ أجود إذا كانت من الصنف أو أدنى منه فلا بأس أن يصالح الطالب - إذا حل الأجل - الذي عليه الحق على مثل كيل حنطته أجود منه أو أدنى. والكفيل إذا صالح بأجود أو أدنى، صار يتبع بغير ما أعطى فصار في التسليف بيع الطعام قبل استيفائه، والذي عليه الأصل ليس كذلك؛ لأن ذلك يصير بدلا وتبرأ ذمته. وإذا أعطى الكفيل غير ما تحمل به، كان الذي عليه الدين بالخيار إن شاء أعطاه مثل ما أعطى الكفيل وإن شاء أعطاه مثل ما كان عليه فصار بيع الطعام قبل الاستيفاء. ولا بأس على الكفيل أن يعطي أجود أو أدنى من الصنف في القرض، مثل المكيلة إذا حل الأجل. وإن لم يحل الأجل فلا خير في أن يعطي القرض أجود أو أدنى.

في الرجل يدرك قبل الطالب حقا يدفع إليه ولا يؤخذ منه حميل
قلت: أرأيت إن أقمت البينة على رجل غائب بحق لي - وللغائب مال حاضر - أيبيعه القاضي ويوفيني حقي من غير أن يأخذ مني كفيلا؟ قال: الذي كنا نسمع من قول مالك، أنه كان ينكر أن يأخذ منه كفيلا بحقه الذي حكم له به. وأما ما ذكرت من مال الغائب، فإنه يباع لهذا إذا أثبت حقه. قلت: رباعا كانت أمواله أو غير رباع، فإنها تباع في قول مالك؟ قال: نعم.

الدعوى في الحمالة
قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن ثلاثة نفر اشتروا سلعة من رجل، وكتب عليهم أيهم شئت أخذت بحقي، - كل واحد حميل بما على صاحبه - فمات أحد الثلاثة، فادعى ورثة الهالك أنه قد دفع المال كله إلى بائع السلعة وأقاموا شاهدا. قال: يحلفون مع شاهدهم ويبرءون، ويرجعون على الشريكين الباقيين بما أدى صاحبهما عنهما.
قلت: فإن أبى الورثة أن يحلفوا، أترى للشريكين أن يحلفا؟ قال: لا؛ لأنهما يغرمان إلا أن يقولا نحن أمرناه ووكلناه بالدفع عنه وعنا ودفعنا ذلك إليه، وإنما هو حق علينا وإنما الشاهد لنا فيحلفان ويبرآن قلت: أرأيت إن قلت لك أنا كفيل لك بفلان إلى غد، فإن لم أوافك به فأنا ضامن للمال، فمضى الغد فقلت: قد وافيتك به وقال: لم توافني به؟ قال: يقيم البينة أنه قد وافاه به وإلا غرم المال
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

الحمالة في الحدود
قلت: أرأيت الحدود، أفيها كفالة؟ قال: لا كفالة في الحدود. قلت: أرأيت لو أن رجلا شتمني ولم يقذفني، فأخذت منه كفيلا بنفسه فهرب الرجل؟ قال: هذا إنما هو أدب، ولا تجوز الكفالة في هذا، ولم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن هذا رأيي أنه لا كفالة في الحدود ولا في التعزير. ابن وهب وأخبرني مخرمة عن أبيه أنه قال: لا تقبل حمالة في دم ولا في زنا ولا في سرقة ولا في شرب خمر ولا في شيء من حدود الله، وتقبل فيما سوى ذلك.

في كفالة الأخرس
قلت: هل تجوز كفالة الأخرس في قول مالك أم لا؟ قال: لا أقوم على حفظ قول

في الرجل يقر في مرضه بالكفالة لوارث أو غير وارث
قلت: أرأيت إن هو أقر أنه تكفل في مرضه، أتجوز الكفالة في ثلاثة؟ قال: نعم إذا كان أجنبيا؛ لأن المعروف إنما يجوز للمريض في ثلثه للأجنبي، ولا يجوز للوارث من ذلك شيء.
قلت: أرأيت إن كان هذا الذي أقر له بالكفالة في مرضه، أنه تكفل له في مرضه صديقا ملاطفا، أيجوز له الإقرار في ثلث الميت؟ قال: نعم، ذلك جائز لأن الوصية له جائزة في الثلث، كذلك قال مالك. إلا أن يكون عليه دين يغترق ماله فلا يجوز. وكذلك إذا أقر له بدين فإنما يرد إذا كان عليه دين يغترق ماله، ولا يرد إذا كان يورث بغير دين؛ لأنه لو أوصى له مع الورثة جازت وصيته، ولو أوصى له مع الدين الذي يغترق ماله لم تجز. فلذلك اتهم إذا كان صديقا ملاطفا إذا أقر له مع الدين؛ لأنه لا تجوز له وصية ولا يتهم إذا أقر له من غير دين وكان يورث بولد أو كلالة فالوصية، له جائزة في الثلث، وهذا أحسن ما سمعت.
قلت: فإن كان الورثة أباعد إنما هم عصبة؟ قال: نعم، الوصية له جائزة في مسألتك هذه في قول، مالك
قلت: أرأيت إن أقر في مرضه فقال: قد كنت أعتقت عبدي في مرضي هذا، أيجوز هذا في ثلثه؟ قال: كل ما أقر به أنه فعله في مرضه فهو وصية، وما أقر به في الصحة فهو خلاف ما أقر به في مرضه. فإن قام الذي أقر له بذلك وهو صحيح، أخذ ذلك منه. وإن لم يقم حتى يمرض أو يموت فلا شيء لهم. وإن كانت لهم بينة إلا العتق والكفالة، فإنه إن أقر به في الصحة وقامت على ذلك بينة، أعتق في رأس ماله. وإن كانت الشهادة إنما هي بعد الموت، أخذت الكفالة من ماله وارثا كان أو غير وارث؛ لأنه دين قد ثبت عليه في صحته.
قلت: أرأيت من أقر في مرضه بكفالة، أو قال: كنت تكفلت في الصحة عن هذا الرجل بكفالة، والرجل وارث أو غير وارث؟ قال: قال مالك: إقراره لوارث بالدين في مرضه لا يجوز منه شيء. قال: وقال مالك: في الرجل يقر في مرضه فيقول: قد كنت تصدقت على فلان بداري أو بدابتي في الصحة، أو كنت حبست في صحتي خادمي أو داري على فلان، أو قد كنت أعتقت عبدي في صحتي. قال: قال مالك: لا يكون هذا في ثلث ولا غيره وإقراره باطل كله قال مالك: وإن كان أوصى، كانت الوصايا في ثلث ما بقي بعد ذلك الشيء، فإن قصر الثلث عن وصيته لم يكن لأهل الوصايا في ذلك

شيء، ولم تدخل الوصايا في شيء من ذلك الذي أقر له، وإنما الوصايا فيما بعد ذلك؛ لأنا قد علمنا أنه لم يرد أن يكون وصيته فيما أقر به، وذلك الذي أقر به يرجع إلى الورثة ميراثا.
قلت: ولا تكون وصية لمن أقر له بذلك؟ قال: نعم، لا يكون له وصية.

في كفالة المريض
قلت: أرأيت المريض إذا تكفل بكفالة، أتجوز كفالته؟ قال: ذلك جائز في ثلثه. ألا ترى أن مالكا قد قال في المرأة، تكون تحت الزوج فتتكفل بكفالة: إن ذلك في ثلثها إذا لم تجاوز الثلث؛ لأنها محجورة عن جميع مالها وكذلك المريض قد حجر عنه جميع ماله، وإنما يجوز له من ماله الثلث، والكفالة معروف فإنما يجوز ذلك في ثلثه كما يجوز للمرأة ذات الزوج معروفها في ثلثها عند مالك.
قلت: أرأيت إن تكفل في مرضه بكفالة، وداين الناس بعد الكفالة حتى اغترق الدين ماله، أتسقط الكفالة ولا يحاص بها الغرماء في قول مالك؟ قال: قال مالك: هكذا ينبغي؛ لأن الدين أولى من الكفالة؛ لأن الكفالة في الثلث والدين من رأس المال، وكل شيء يكون في الثلث وآخر يكون في جميع المال، فالذي يكون في جميع المال أولى بذلك. ألا ترى لو أن رجلا أوصى لرجل بثلث ماله، فركبه دين اغترق ماله، أن الوصية تبطل في قول مالك؟ فكذلك الكفالة؛ لأنها معروف من المريض في مرضه.
قلت: أرأيت إن تكفل في مرضه لوارث أو لغير وارث، فصح من مرضه ذلك، أتلزمه الكفالة أم لا؟ قال: نعم تلزمه الكفالة.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي؛ لأنه لو تصدق على وارث في مرضه بأمر بتله له ثم صح، لزمته الصدقة إذا لم يكن على وجه الوصية، وهذا قول مالك.

في الرجل يستأجر الأجير يخدمه ويأخذ منه بالخدمة حميلا
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا لخدمتي شهرا وأخذت منه كفيلا بالخدمة؟ قال: لا خير في هذا عند مالك. قال: لأني سألت مالكا عن الغلام يستأجر سنة فيموت، فيريد أن يأخذ مكانه غلاما يعمل له عمله، ويقول سيد الغلام: أنا أدفع إليك غلاما يعمل لك مكانه. قال: لا خير في هذا من قبل الدين بالدين؛ لأنك تفسخ دينك في دين لا تستوفيه مكانك. فالحمالة في مثل هذا لا تجوز أيضا؛ لأنه لو مات الغلام، لم يكن على الحميل أن يأتي بغلام آخر يخدمه.

في الرجل يستأجر الخياط يخيط له ويأخذ منه بالخياطة حميلا
قلت: أرأيت إن دفعت ثوبي إلى خياط، وشرطت عليه أن يخيطه هو نفسه، أيجوز في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك جائز عند مالك. قلت: أرأيت إن أخذت منه حميلا بالعمل؟ قال: إن كنت أخذت منه حميلا بالعمل، إن مات الخياط أو عاش فلا خير في ذلك. وإن كنت أخذت منه حميلا على الحياة حتى يعمله لك، فلا خير في ذلك وهو مثل الحميل بالخدمة. قال سحنون: وقد بينا هذا الأصل قبل هذا.

في الرجل يكتري الراحلة بعينها ويأخذ من المكري كفيلا بالحمولة
قلت: أرأيت إن استأجرت راحلة بعينها وأخذت من ربها كفيلا بالحمولة، أيجوز أم لا؟ قال: الحمالة بالحمولة لا تجوز في كراء الراحلة بعينها، وأما إن أعطاه حميلا بالكراء إن ماتت الراحلة رد عليه ما بقي له، فالحمالة جائزة. وإن كانت الحمالة في كراء مضمون، فذلك جائز عند مالك. قال سحنون: وكذلك أجير الخياطة والخدمة.

في الرجل يكتري كراء مضمونا ويأخذ حميلا بالحمولة
قلت: أرأيت إن كانت الحمالة في كراء مضمون، أيجوز ذلك؟ قال: ذلك جائز عند مالك.
قلت: أرأيت إن اكتريت من رجل كراء مضمونا إلى مكة، وأخذت منه حميلا بالحمولة، ففر المكاري وأخذت الحميل، فاكترى لي إبلا إلى مكة، فحملني عليها بضعف ما اكتريت من صاحبي الذي فر، ثم رجع صاحبي فقدر عليه الحميل، بم يرجع عليه؟ قال: يرجع الحميل عليه بما اكترى الحميل، ولا ينظر إلى الكراء الأول. والكراء الأول للمكري الهارب، وعلى الهارب أن يرد إلى الحميل المال الذي اكترى به الحميل للمتكاري.
قلت: وهذا قول مالك قال: قال مالك: المكري إذا هرب اكترى عليه ولزمه ما اكترى عليه به. فهذا يدلك على الذي سألت عنه من قول مالك: قلت: أرأيت إن اكتريت ولم آخذ منه حميلا ثم هرب المكاري فأتيت السلطان، أيتكارى لي عليه السلطان؟ قال: نعم. قلت: وأرجع عليه بما تكاريت به عليه؟ قال: نعم.

في كفالة العبيد بغير إذن ساداتهم
قلت: أرأيت العبد التاجر والمكاتب، هل تجوز كفالتهم؟ قال: لا تجوز كفالتهم،

في كفالة العبيد بإذن ساداتهم
في كفالة العبيد بإذن سادتهم
قلت: أرأيت حمالات العبيد ووكالاتهم في الخصومات، أو غير ذلك بإذن ساداتهم، أجائزة هي في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأني سمعت مالكا وسئل عن رجل يوكل عبده بقضاء دينه، فيأتي العبد بشاهد واحد أنه قد قضاه، قال مالك: يحلف العبد ويبرأ السيد ولا يحلف السيد. قال مالك: والعبد عندي في هذه الوكالة بمنزلة أن لو كان حرا، فهذا يدلك على مسألتك. قلت: أرأيت ما تحمل به العبد من دين بإذن سيده. أين يكون ذلك أفي ذمته أم في رقبته؟ قال: إن كان تحمل لسيده فأفلس السيد أو مات، بيع العبد إن طلب صاحب الدين دينه قبل السيد، وإن رضي أن يترك السيد ويتبع العبد، كان ذلك له في ذمة العبد. وإن كان إنما تحمل بالدين عن أجنبي بأمر السيد؛ كان ذلك في ذمته ولا يكون ذلك في رقبته.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. وقال غيره: ليس ذلك كله، وإنما يكون على العبد ما عجز عنه مال سيده، فيكون في ذمته يتبع بذلك الدين حيث كان.
قلت: فإن أذن له السيد بذلك؟ قال: ذلك جائز؛ لأن ذلك معروف منهم، والمعروف من العبيد والمكاتبين وأمهات الأولاد والمدبرين جائز، إذا أذن لهم ساداتهم. وقال غيره: لا يجوز أن يجاز معروف المكاتب؛ لأن ذلك داعية إلى رقه، وليس له أن يرق نفسه بهبته ماله، وليس ذلك لسيده.
قلت لابن القاسم: فإن تكفل هؤلاء لسيدهم، أيجوز ذلك؟ قال: نعم، ذلك جائز عليهم؛ لأن معروف هؤلاء جائز إذا أذن لهم سيدهم. فإن تكفلوا به فذلك جائز عليهم لأن ذلك بأمره. قلت: ويجبرهم

سيدهم على أن يتكفلوا به؟ قال: لا، ليس ذلك عليهم، ولا يجبر أحد من هؤلاء على أن يتحمل به لا أن يرضوا بذلك، وإن تكفلوا له على استكراه منهم لم يلزمهم.

في كفالة العبد المديان بإذن سيده
قلت: أرأيت العبد يكون عليه دين يغترق ماله، فيأمره سيده فيتكفل بكفالة، أيلزمه ذلك أم لا؟ وهل لسيده أن يدخل على أهل الدين ما يضر بهم في الدين في قول مالك؟ قال: قال مالك: في الحر يكون عليه دين يغترق ماله أنه لا يجوز عتقه ولا هبته ولا صدقته ولا كفالته؛ لأن هذا معروف، والكفالة عنده من المعروف، فلا يجوز أيضا. فأرى العبد بهذه المنزلة مثل الحر، إذا كان الدين الذي على العبد قد اغترق ماله.

في الرجل يجبر عبده على أن يكفل عنه
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لعبده: اكفل عني بهذا المال، فقال العبد: لا أكفل فقال السيد اشهدوا أني قد جعلته كفيلا بهذا المال. أيلزم العبد ذلك أم لا، والعبد يقول: لا أرضى لأنه يقول: إن عتقت لزمتني هذه الكفالة فلا أرضى قال: ذلك عندي غير لازم للعبد. قال: وقال مالك: في الرجل يعتق عبده على أن عليه مائة دينار: إن ذلك لازم للعبد وإن كره العبد ذلك.

في السيد يكفل عن عبده بالكفالة
قلت: أرأيت الرجل يبيع من عبده سلعة من السلع بدين إلى أجل، أو يتكفل عن عبده بكفالة فيؤدي السيد ذلك المال عن عبده فيعتقه، أيكون ذلك المال دينا على العبد يتبعه به سيده أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، يكون ذلك دينا عليه يتبعه به؛ لأن مالكا قال لي في عبد باعه سيده وعلى العبد دين لسيده الذي باعه فأراد أن يتبعه بذلك الدين، فقال المشتري ليس ذلك لك، إنما هو دينك قد بعتنيه ولم تبينه لي. قال: قال مالك: الدين لازم للعبد يتبعه به البائع، فإن رضي المشتري أن يقبل العبد وعليه دين فذلك له، وإن كره رد العبد وأخذ الثمن.

في السيد يكون له على عبده الدين فيأخذ منه به كفيلا
قلت: أرأيت لو أن رجلا كان له على عبده دين، أخذ منه بذلك الدين كفيلا، أيلزم

في الحمالة إلى غير أجل
قلت: أرأيت إن قال إن لم يوفك فلان حقك فهو علي ولم يضرب لذلك أجلا، متى يلزم الكفيل ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكني أرى أن يتلوم له السلطان على قدر ما يرى، ثم يلزمه المال، إلا أن يكون الذي عليه الدين حاضرا مليا.

في الحمالة إلى موت المتحمل عنه
قلت: أرأيت إن قلت: إن لم يوفك فلان حقك حتى يموت فهو علي، أيكون له أن يأخذ مني قبل موت فلان ذلك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أنه ليس له ذلك إلا بعد موت فلان؛ لأن هذا بمنزلة الأجل يضربه لنفسه.

في الحمالة إلى خروج العطاء
قلت: أرأيت إن قال: أنا كفيل بما لك على فلان إلى خروج العطاء؟ قال: سألت مالكا عن الذي يبيع إلى العطاء، قال مرة: كان ذلك جائزا؛ لأن العطاء كان معروفا ثم تحول فلا يعرف. ولا يعجبني. ثم سمعته بعد ذلك يقول فيه: مرفق للناس ولا يجوز، أعجب إلي أن يكون معروفا، فأما الحمالة فلا بأس به. وإن لم يكن العطاء معروفا، إذا لم يكن على أصل بيع، إنما هو سلف أو دين أنظر به بعد بيعه وقد كانت عقدة البيع صحيحة فلا بأس به.

في الرجل يريد أن يأخذ المال من المتحمل عنه قبل أن يطلب منه
قلت: أرأيت إن تكفلت بمال على رجل، أيكون لي أن آخذ منه قبل أن يأخذ المال مني ويقضي لي بذلك عليه؟ قال: لا يقضي لك عليه، ولكن إن تطوع بذلك فذلك جائز، ولم أسمعه من مالك وذلك لأنه لو أخذ منه ثم أعدم الحميل أو أفلس؛ كان للذي له الحق أن يتبع الذي عليه الأصل.

في الحميل يقتضي من المتحمل عنه ثم يضيع منه
قلت: أرأيت لو أن رجلا تكفل بمال علي فدفعته إلى الكفيل، فضاع من الكفيل،

في كفالة المرأة البكر التي قد عنست ورضي حالها
قلت: أرأيت الجارية البكر التي قد بلغت وعنست في أهلها تكفلت بكفالة، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: في هبتها وصدقتها: لا تجوز إذا كانت بكرا وإن كانت قد عنست، فكذلك كفالتها في هذا.
قلت: لم لا يجوز ذلك؟ قال: لأن بضعها بيد أبيها.
قلت: أليس قد كان مالك مرة يقول: إذا عنست جاز أمرها؟ قال: لم أسمعه أنا قط، ولكن وجدته في كتاب عبد الرحيم.

في حمالة الجارية البكر التي قد عنست ولم يرض حالها
قلت: أرأيت جارية بكرا في بيت أبيها، أتجوز كفالتها؟ قال: لا تجوز كفالتها ولا بيعها ولا صدقتها ولا عتقها. قلت: أرأيت إن أجاز الوالد كفالة الجارية البكر، أيجوز في قول مالك؟ قال: لا يجوز معروف الجارية البكر. وإن أجازه الوالد؛ لم ينبغ للسلطان أن يجيزه، فكذلك كفالتها، وهذا قول مالك وهو رأيي.
قلت: أرأيت الجارية البكر تتكفل بكفالة بإذن، والدها وذلك بعد ما حاضت، أتجوز كفالتها أم لا في قول مالك؟ قال: هي عندي بمنزلة الصبي وبمنزلة المولى عليه، ولا يجوز هذا عند مالك؛ لأن الصبي لو تكفل بكفالة عن رجل بإذن الوالد لم يجز ذلك؛ لأن الوالد ليس له أن يهب مال الولد الصغير ولا مال الجارية التي قد حاضت، فكذلك لا تجوز كفالتهم وإن كان بإذن الوالد؛ لأن الكفالة ههنا معروف فلا يجوز ذلك وإن كان بإذن الوالد.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله.
قلت: فإن كانت بكرا في بيت أبيها، فأعطت الوالد أو الوالدة من مالها شيئا، أيجوز ذلك لهما؟ قال: لا يجوز لهما من ذلك شيء، وهما في ذلك بمنزلة الأجنبيين. فإذا أعطت الأجنبيين وهي بكر في بيت أبيها لم تجز عطيتها. فكذلك والدتها ووالدها
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: والبكر لا تجوز كفالتها؛ لأنه لا يجوز لها أن تصنع المعروف في مالها، وإنما الكفالة معروف وهي أيضا لا يجوز لها قضاء في مالها.

في كفالة المرأة ذات الزوج بغير إذن زوجها
قلت: هل تجوز كفالة المرأة ذات الزوج؟ قال: قال مالك: تجوز كفالتها فيما بينها

في كفالة المرأة بغير إذن زوجها بأكثر من ثلثها
قال: وقال مالك: الحمالة معروف من المرأة ذات الزوج، فلا يجوز لها إذا زادت على الثلث قليل ولا كثير، لا ثلث ولا غيره، وإنما يجوز أن لو كانت الكفالة الثلث فأدنى إذا كانت ذات زوج وكانت لا يولى عليها.
قلت: وكل ما فعلته المرأة ذات الزوج من معروف في مالها، أو تصدقت أو وهبت أو أعتقت أو تكفلت، فكان ذلك أكثر من الثلث، لم يجز منه قليل ولا كثير في قول مالك؟ قال: نعم، إلا أن تكون إنما زادت الدينار أو الشيء الخفيف، فهذا يعلم أنها لم ترد به الضرر، فهذا يمضى.
قلت: أرأيت هذا الدينار الذي زادته على ثلثها، أتمضيه في قول مالك أم ترده وتمضي الثلث؟ قال: بل يمضى، وإنما أمضيته؛ لأنه ليس على وجه ضرر تعمدته.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، ولقد كتب رجل من القضاة إلى مالك يسأله عن رجل أوصى في جارية له إن وسعها الثلث أن تعتق، وإن لم يسعها الثلث فلا تعتق، فماذا ترى فيها؟ قال: أرى فيها كما قال، إلا أن يكون الذي خس من ثمنها عن الثلث الدينار والديناران، فلا أرى أن

تحرم العتق. قال ابن القاسم: فأرى إن كان الذي زاد على الثلث الشيء اليسير أن تغرمه الجارية وإن لم يكن ذلك عندها اتبعت به دينا تؤديه إلى الورثة.
قلت: ولم قال مالك: إذا تصدقت المرأة بثلثها فأدنى جاز ذلك، إذا كانت ذات زوج. فإن زادت على ثلثها أبطل جميع ذلك؟ قال: لأنه إذا كان الثلث فأدنى، لم يكن ذلك عنده ضررا، وإن كان أكثر من الثلث رآه ضررا، أبطل جميعه ولم يجز منه شيء. قال: ولقد سئل مالك عن امرأة حلفت بعتق رقيقها في شيء أن لا تفعله - وهي ذات زوج - ففعلته. قال مالك: أراها قد حنثت. فإن كان الرقيق يحملهم الثلث عتقوا وإن كانوا جل مالها، فلزوجها أن يرد جميع ذلك، ولا يعتق منهم قليل وكثير. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: إن مات زوجها أو فارقها، رأيت أن يعتقهم ولا يسترقهم. قال: وهو رأيي. ولا تجبر على ذلك بقضاء.
قلت: أرأيت ولدها ووالدها أهي في عطيتها إياهم بمنزلة الأجنبيين في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان لها زوج.

في كفالة المرأة ذات الزوج بإذن زوجها
قلت: أرأيت إن أجاز الزوج كفالة امرأته، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، يجوز عند مالك إذا كانت مرضية.

في كفالة المرأة عن زوجها بما يغترق مالها كله بغير إذن زوجها
قلت: أرأيت المرأة إذا تكفلت عن زوجها بما يغترق فيه جميع مالها ولم يرض الزوج، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى أنه يجوز لا ثلث ولا غيره.
قلت: الثلث. لم لا تجيزه؟ قال: ما تصدقت به المرأة ذات الزوج، أو أعتقت أو وهبت مما هو أكثر من الثلث، فلا يجوز منه ثلث ولا غيره. قال مالك: والحمالة معروف من المرأة ذات الزوج، فلا يجوز لها إذا زادت على الثلث قليل ولا كثير لا ثلث ولا غيره. وإنما يجوز أن لو كانت الكفالة الثلث فأدنى. قال سحنون: لأنها إذا جاوزت ما أذن لها فيه، صارت كالمحجور عليه والمضروب على يديه، وكانت في حالها كحال المولى عليه.

في كفالة المرأة عن زوجها بما يغترق مالها بإذن زوجها
قلت: أرأيت لو أن امرأة تكفلت لرجل عن زوجها؟ قال: قال مالك: عطية المرأة

في كفالة المرأة عن زوجها ثم تدعي أنه أكرهها
قلت: أرأيت لو أن امرأة تكفلت لرجل بزوجها، ثم قالت بعد ذلك: أكرهني، أيقبل قولها أم لا؟ قال: قال مالك: عطية المرأة لزوجها المال جائز عليها وإن أحاط ذلك بمالها كله، وكفالتها في جميع مالها وإن أعطته أكثر من ثلثها فذلك جائز وإن بلغت جميع مالها. قال مالك: وكفالة المرأة لزوجها إذا كانت مرضية حالها فهي جائزة وإن ادعت الإكراه في العطية إذا أعطته زوجها لم تصدق، فكذلك الكفالة إلا أن يعلم ذلك وتقوم عليه ببينة فتسقط عنها، كما سقطت عطيتها على الإضرار.

في كفالة المرأة الأيم غير ذات الزوج
قلت: أرأيت كفالة المرأة، أتجوز عند مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إذا لم يكن لها زوج فذلك جائز بمنزلة الرجل. قال: وقال مالك: في التي ليس لها زوج: تجوز كفالتها في جميع مالها.
قلت: أرأيت إن كانت المرأة أيما لا زوج لها تكفلت بكفالة، أيجوز ذلك عليها؟ قال: نعم عند مالك؛ لأن معروفها جائز إذا كانت لا يولى عليها.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحوالة

في الرجل المحتال يموت وعليه دين فيريد الذي أحيل أن يرجع على الذي أحاله بحقه
قلت: أرأيت الحوالة، أيكون للذي احتال بحقه على رجل إن مات هذا المحتال عليه فلم يجد عنده شيئا، أيكون للذي له الحق أن يرجع على الذي أحاله بحقه أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كانت إحالة الذي أحاله وله على المحتال عليه دين، ولم يغره من فلس عليه من غريمه الذي أحاله عليه، فلا يرجع عليه. قال: قال مالك: وإن كان غره أو لم يكن عليه شيء، فإنه يرجع عليه إذا أحاله، وليس له على الذي أحال عليه دين، فإنما هي حمالة. ابن وهب: قال مالك وابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم ومن أتبع على ملي فليتبع" 1 ابن وهب عن عبد الجبار عن ربيعة أنه قال: إذا أحال الرجل رجلا بحق له على رجل، فرضي أن يحتال عليه، فليس له إن أفلس المحتال عليه قبل الذي أحاله شيء. ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال - في رجل أحال على رجل فلم يحل الحق حتى أفلس -: قال ابن شهاب إذا أحاله فأبرأه فليس له شيء مفلسا كان أو مليا.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 84. البخاري في كتاب الحوالات باب 1. مسلم في كتاب المساقاة حديث 33.

في الرجل يحتال بدينه على رجل فيموت المحيل قبل أن يقبض المحتال دينه فيريد غرماء المحيل أن يدخلوا على المحتال في غرمه
قلت: أرأيت الرجل يحيل الرجل على أحد بما له عليه، وللرجل الذي أحال عليه دين، فمات الذي أحال وعليه دين من قبل أن يقتضي المحتال دينه، أيكون لغرماء الذي

أحال في هذا الدين الذي على المحتال عليه شيء، أم يكون الرجل الذي احتال به أولى من غرماء المحيل وإن لم يكن قبضه؟ قال: إذا أحاله على رجل وله على المحتال عليه دين، فالمحال أولى بما على المحتال عليه؛ لأنه قد صار يشبه البيع. ألا ترى أنه لا يرجع على الذي كان عليه الأصل بدينه، إن توى ما على المحتال عليه فهو أولى به من غرماء الميت؛ لأن الذي أحاله حين أحاله سقط ما كان على المحتال عليه من دين، وصار ذلك الدين للذي أحيل عليه وحازه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يحيل الرجل على الرجل وليس له عليه دين فيرضى المحتال أن يبرئه من الدين
في الرجل يحيل الرجل على الرجل وليس له عيه دين فيرضى المحتال أن يبرئه من الدين
قلت: أرأيت إن أحالني غريم لي على رجل، وليس للغريم على هذا المحتال، عليه مال وشرط الذي عليه الأصل أنه برئ من المال الذي عليه، أو قال الذي له الحق: أحلني على فلان وأنت بريء من المال الذي عليك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه إلا ما أخبرتك في الحوالة، إذا لم يكن على المحتال عليه للذي أحال عليه دين. فإنما هي حمالة والحوالة عند مالك تبرئة، إذا كان له على الذي أحال عليه دين. فأرى في مسألتك أنه، إذا علم أنه ليس له عليه دين فرضي بأن يحتال عليه وأبرأه من ذلك، أنه لا يرجع عليه ويؤخذ هذا بما أقر به. وإن كان لم يعلم فله أن يرجع. وقال ابن وهب عن مالك في رجل كان له على رجل حق فلزمه، فتحمل له رجل من الناس فقال: أنا لك بمالك. فخرق ذكر الحق عنه، واطلبني بما عليه من غير أن يكون تحول عليه بحق؛ كان للغريم حمالة، فشق صحيفته وأشهد عليه وصار يطلبه بحقه، حتى أفلس أو مات ولم يترك وفاء. قال: يرجع صاحب الحق إلى غريمه الأول؛ لأن المحتمل إنما هو رجل وعد رجلا أن يسلفه ويقضي عنه، فهو لا يثبت له على صاحبه حتى يقضي غريمه عنه. ومما يبين لك ذلك، أن غرماء المفلس الحميل لو قالوا للذي تحمل عنه: هلم هذا الذي تحمل به صاحبنا عنك نقسمه، لم يكن لهم ذلك، ولم يكن على هذا الذي تحمل عنه أن يؤخذ ماله بغير شيء أخذه ولا قضى عنه، فكل شيء كان من الحمالة فهو يرجع، ولكن ما كان من الحوالة فهو الذي يثبت، وذلك أن يكون للرجل على الرجل ذهب، ويكون للذي عليه الذهب على رجل آخر ذهب مثل تلك الذهب، فيحيل الذي عليه الذهب غريمه الذي يطلبه على الذي عليه الحق، فيحتال صاحب الحق على غريم صاحبه فيفلس، فذلك الذي لا يرجع.
قلت: لابن القاسم: أرأيت إن أحالني على رجل ليس له على ذلك الرجل الذي أحالني عليه دين، أيكون لي أن آخذ الذي أحالني عليه بحقي، أو آخذ الذي احتلت عليه؟ قال: قال مالك: كل من أحال على رجل ليس له على الذي أحال عليه دين، فإنما هي حمالة، سبيله سبيل ما وصفت لك في الحمالة.

في الرجل يكتري الدار من رجل بعشرة دنانير نقداً ثم يحيله بالكراء قبل أن يسكن
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا سنة بعشرة دنانير، على أن أحيله بها على رجل ليس لي عليه دين؟ قال: لا بأس بهذا عند مالك؛ لأن الحوالة ههنا إنما هي حمالة؛ لأن كل حوالة لا يكون فيها للمحيل على المحال عليه دين قبل ذلك فليست بحوالة، وإنما هي حينئذ حمالة. فلا بأس أن يكريه الدار على أن يتحمل له فلان بالكراء، فهو إن أخذ الكراء من الذي أكرى منه الدار، وإلا رجع به على الحميل إن أفلس متكاري الدار.
قلت: ولا يكون له أن يرجع على الحميل إلا أن يفلس المتكاري أو يموت ولا يترك شيئا؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم

في الرجل يكتري الدار بعشرة دنانير ويحيله بها على رجل ليس له عليه دين
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا من رجل سنة بعشرة دنانير نقدا، ثم أحلته بالكراء قبل أن أسكن؟ قال: لا بأس بذلك.

في الرجل يكتري الدار بعشرة دنانير ولا يشترط النقد ثم يحيله بها على رجل له عليه دين
في الرجل يكتري الدار بعشرة دنانير ولا تشترط النقد ثم يحيله بها على رجل له عليه دين
قلت: أرأيت إن اكتريتها بعشرة دنانير ولم يشترط أنها نقد، وأحلته بها على رجل لي عليه دين؟ قال: لا خير في ذلك؛ لأنه يفسخ دينا عليه لم يحل في دين قد حل، أو لم يحل. ولو كان كراؤهم بالنقد، وإن لم يذكروه كان بمنزلة ما اشترطوا فيه النقد، ويجوز ذلك.

في الرجل يكتري الدار والأجير على أن يحيله بالكراء على رجل له عليه دين
قلت: أرأيت إن تكاريت دارا بدين لي على رجل، أيصلح ذلك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يتكارى الأجير، يعمل له سنة بدين له على رجل يحيله عليه، يكون ذلك الدين إجارته؟ قال: لا بأس به، وقد كان بعض أصحابنا أخبرنا عنه: أنه يجيزه. وذلك إذا كان الذي عليه الحق حاضرا وأحاله عليه، كان الدين الذي على الرجل حالا أو إلى أجل إذا شرع في السكنى.

في الرجل يبيع عبده ويحيل غريماً له على المشتري ثم يستحق العبد قبل أن يغرم المشتري الثمن
قلت: أرأيت إن بعت عبدا لي بمائة دينار ولرجل علي مائة دينار، فأحلت الذي له

في المكاتب يحيل سيده بكتابته على مكاتب له
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا لي أحالني على مكاتب له بالكتابة التي لي على مكاتبي، أتجوز هذه الحوالة أم لا؟ قال: لا أراها حوالة إلا أن يكون السيد بت عتق مكاتبه ورضي بذلك منه فإنه يعتق، وإن عجز مكاتب مكاتبه؛ رجع مملوكا لسيد المكاتب الأعلى ولم يكن له أن يرجع على المكاتب الأعلى؛ لأن الحوالة كالبيع وتمت حرية المكاتب الأعلى وإن كان لم يبت عتقه وإنما أحاله مكاتبه على مكاتبه، فالحوالة ههنا باطل.

في المكاتب يحيل سيده بكتابته على رجل أجنبي
قلت: أيجوز لي أن أحتال بكتابة مكاتبي على رجل أجنبي، أو أكاتبه على أن يضمن لي كتابته عنه غيره في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل حوالة يحتال بها رجل على رجل، وكان للمحيل على المحتال عليه دين، فإن الحوالة جائزة، وهي حوالة. وإن لم يكن له عليه دين فأحاله، فإنما هي حمالة وليست بحوالة. وإن أفلس هذا الذي أحيل عليه، رجع على الذي أحاله بدينه. فالمكاتب إذا أحال سيده على رجل أجنبي، فإن كان للمكاتب على ذلك الرجل دين، فالحوالة جائزة، وإن لم يكن له عليه دين، فإنما هي حمالة، ولا تجوز الحمالة لسيد المكاتب، بكتابة مكاتبه، وهي باطل عند مالك؛ لأنه لم يتحمل للسيد بأصل دين له؛ لأن كتابة المكاتب ليست بدين للسيد على المكاتب؛ ألا ترى أنه لا يضرب بالكتابة مع غرماء المكاتب؟
قلت: فإن كان للمكاتب على هذا الذي أحال سيده عليه دين، فرضي سيده بالحوالة عليه، أيعتق المكاتب مكانه أم لا؟ قال: لا تجوز الحوالة إذا كانت الكتابة لم تحل، وقال غيره: يعتق مكانه. وتجوز الحوالة؛ لأن ما على المكاتب ليس بدين ثابت وإنما هو كأنه قال لمكاتبه وعليه دنانير إلى أجل فعجل له عتقه على دراهم إلى أجل أو حالة فكأنه لم يكن له من مكاتبه شيء وإنما صار عتيقا بالذي أخذ منه؛ ألا ترى لو أن رجلا قال لعبده: إن جئتني بألف درهم فأنت حر، ثم قال له: إن جئتني بمائة درهم فأنت حر، أو قال له: إن جئتني بعشرة دنانير فأنت حر. فإن جاء بها كان حرا ولم يقل له فسخت دينا كان لك في أقل منه أو بعت دراهم

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الرهن

في الرهن يجوز غير مقسوم
قال سحنون: قلت لابن القاسم: ما قول مالك في الرهن، أيجوز غير مقسوم أم لا يجوز إلا مقسوما مقبوضا؟ قال: نعم، يجوز غير مقسوم إذا قبضه صاحبه وحازه مع من له فيه شرك، وكان يكريه ويليه مع من له فيه شرك فهو جائز وإن كان غير مقسوم، وهذا قول مالك.

فيمن ارتهن رهناً فلم يقبضه حتى قام على الراهن الغرماء وفي رهن مشاع غير مقسوم من العروض والحيوان
قلت: أرأيت إن رهنت رجلا رهنا فلم يقبضه حتى قامت الغرماء علي، أيكون أسوة الغرماء أم يكون أولى بالرهن في قول مالك قال: قال مالك: هو أسوة الغرماء. قلت: أرأيت إن ارتهنت من رجل سدس دار، أو سدس حمام، أو نصف سيف، أو نصف ثوب، أيجوز، وكيف يكون قبضي لذلك؟ قال: قال مالك: ذلك جائز. وقبضه أن يحوزه دون صاحبه. قال ابن القاسم: في رجل ارتهن نصف دار من رجل. وتكارى الراهن النصف الآخر من شريكه، قال: أرى رهنه فاسدا حين سكن فيه الراهن؛ لأنه إذا لم يقم المرتهن بقبض نصف الدار ويقاسمه؛ لأنه قد صار ساكنا في نصف الدار، والدار غير مقسومة، فصار المرتهن غير حائز لما ارتهن. قال ابن القاسم: ولو قال الشريك الذي لم يرهن: أنا أكري نصيبي من الراهن، وأبى إلا ذلك، لم يمنع من ذلك، وقسمت الدار فيما بينهما، فحاز المرتهن نصيب الراهن وأكرى الشريك نصيبه ممن شاء ولم يفسخ.

فيمن ارتهن نصف دابة أو نصف ثوب فقبض جميعه فضاع الثوب
قلت: أرأيت إن ارتهنت نصف دابة، كيف يكون قبضي لها؟ قال: بقبض جميعها
قلت: فإن كانت الدابة بين الراهن ورجل آخر؟ قال: يقبض حصة الراهن.
قلت : فإن شاء المرتهن أن يجعله على يدي شريك الرهن، فذلك جائز؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قوله. قلت: أرأيت إن ارتهنت نصف ثوب فقبضته كله، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن ضاع الثوب عندي، أأضمن نصفه أم كله في قول مالك؟ قال: لا أحفظ من مالك فيه شيئا، ولكن أرى أن لا يلزمه إلا نصفه؛ لأن مالكا سئل عن رجل كان يسأل رجلا نصف دينار، فأعطاه دينارا يستوفي منه النصف ويرد النصف الباقي، فزعم أنه ضاع. قال: قال مالك: النصف من المقتضي والنصف هو فيه مؤتمن. قلت: وعليه اليمين إن اتهمه. قال: نعم، إن كان متهما أحلف وإلا لم يحلف.

فيمن ارتهن رهنا فاستحق بعضه والرهن مشاع غير مقسوم
قلت: أرأيت إن ارتهنت دابة أو دارا أو ثيابا، فاستحق نصف ما في يدي من الرهن، والرهن مشاع غير مقسوم؟ قال: يكون ما بقي في يديك رهنا بجميع حقك عند مالك.
قلت: فإن كان ثوبا فاستحق نصفه، فقال المستحق: أنا أريد أن أبيع حصتي؟ قال: يقال للمرتهن وللراهن: بيعا معه. ثم يكون نصف الثمن رهنا في يدي المرتهن.
قلت: فإن قال الذي استحق: لا أبيع وأنا أدعه بحاله بيننا فضاع الثوب. كم يذهب من الدين؟ قال: إن كان في يدي المرتهن حتى ضاع، ضمن نصف قيمته للراهن. قال: وإن كان الراهن والمرتهن قد وضعاه على يدي المستحق، أو على يدي غيره فلا ضمان على المرتهن، والدين كما هو، بحاله على الراهن.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

فيمن ارتهن رهناً فجعله الراهن والمرتهن على يدي عدل فاستحق نصفه لمن يقال بع معه
قلت: أرأيت إن ارتهنت ثوبا من رجل، فجعلناه على يدي عدل أنا والراهن، فضاع الثوب، ممن ضياعه؟ قال: من الراهن عند مالك.
قلت: أرأيت إن استحق رجل نصف الثوب وهو رهن، فأراد البيع لمن يقال بع معه، أللراهن أم للمرتهن؟ قال: إنما يقال ذلك للراهن، ويقال للمرتهن لا تسلم رهنك وهو في يدك حتى يباع، فتقتضي نصف

في ضياع الرهن من الحيوان والعروض إذا ضاع ضياعا ظاهرا أو غير ظاهر
قلت: أرأيت الحيوان كله إذا ارتهنه الرجل، فضل أو أبق أو مات أو عمي أو أصابه عيب ممن ضمان ذلك؟ قال: من الراهن عند مالك. قلت: أرأيت ما يغيب عليه المرتهن، إذا ضاع ضياعا ظاهرا، أيكون ذلك من الراهن؟ قال: كل شيء يصيبه أمر الله تقوم على ذلك بينة لم تأت من سبب الذي هو على يديه فهو من الراهن.
قلت: فإن شهدت شهود للمرتهن، أن رجلا وثب على الثياب فأحرقها فغاب ولم يوجد، ممن مصيبة؟ ذلك قال: من الراهن عند مالك. قال: وكل شيء يصيب الرهن تقوم عليه بينة، أن هلاكه كان من غير سبب المرتهن، فلا ضمان على المرتهن في ذلك. قلت: فإن أحرقه رجل فغرم قيمته، أتكون القيمة رهنا مكانه في قول مالك؟ قال: أحب ما فيه إلي إن أتى الراهن برهن ثقة مكانه؛ أخذ القيمة وإلا جعلت هذه القيمة رهنا.

في بيع الراهن الرهن بغير أمر المرتهن أو بأمره
قال: وقال مالك: إذا رهن الرجل رهنا فباعه الراهن بغير إذن المرتهن. قال: فلا يجوز بيعه، فإن أجازه المرتهن جاز البيع وعجل للمرتهن حقه، ولم يكن للراهن أن يأتي ذلك إذا باع الراهن بغير إذن المرتهن فأجاز ذلك المرتهن. قال سحنون: إنما يكون للمرتهن أن يجيز البيع أو يرد إذا باعه الراهن بأقل من حق المرتهن. فأما إذا باعه بمثل حق المرتهن أو أكثر فلا خيار له؛ لأن المرتهن أخذ حقه، فلا حجة له. قال مالك: فإن باعه بإذن المرتهن فقال المرتهن: لم آذن للراهن في البيع ليأخذ الراهن الثمن. قال: يحلف فإن حلف، فإن أتى الراهن برهن ثقة يشبه الرهن الذي باع أخذه المرتهن ووقفا له رهنا وأخذ الراهن الثمن فإن لم يقدر على رهن مثل رهنه الأول، تكون قيمته قيمة الرهن الأول، وقف هذا الثمن إلى محل أجل دينه ولم يعجل للمرتهن الدين.
قلت: وما ذكرت من أن المرتهن إذا أذن للراهن في البيع، لم يكن ذلك نقضا للرهن، إنما ذلك إذا باع الراهن، والرهن في يدي المرتهن، لم يخرج من يده. قال: نعم.
قلت: فإن أمكن المرتهن الراهن من الرهن ليبيعه، وأخرجه من يديه إليه، أيكون الرهن قد خرج من المرتهن؟ قال: نعم أراه قد نقض رهنه حيث أسلمه إلى الراهن وأذن له فيما أذن له فيه من البيع.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قول مالك.

فيمن ارتهن طعاما مشاعا
قلت: أرأيت إن ارتهنت نصف هذا الطعام من الراهن والطعام، بين الراهن وبين غيره؟ قال: إذا ارتهنته فحزته فذلك جائز عند مالك. قلت: فإن أراد شريك الراهن في الطعام البيع؟ قال: يقتسمونه، فيكون نصفه رهنا في يدي المرتهن،
قلت: ومن يقاسمه؟ قال: إن كان الراهن حاضرا، أمر أن يحضر فيقاسم شريكه، والرهن كما هو في يدي المرتهن لا يخرجه من يده، فتكون حصته إذا قاسم شريكه رهنا ويدفع النصف إلى شريكه، فإن شاء باع وإن شاء حبسه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قول مالك:
قلت: فإن لم يكن رب الرهن حاضرا؟ قال: يرفعه إلى السلطان فيقاسمه السلطان أو يأمر بذلك.

فيمن ارتهن ثمرة لم يبد صلاحها أو بعدما بدا صلاحها أو زرعاً لم يبد صلاحه
قلت: أرأيت إن ارتهنت ثمرة نخل قبل أن يبدو صلاحها، أو بعد ما بدا صلاحها، هل يجوز في قول مالك أم لا؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك إذا حزته وقبضته وكنت أنت تسقيه، أو جعلته على يدي رجل بإذن الراهن يسقيه ويليه ويحوزه لك. قلت: فأجر السقي على من يكون؟ قال: على الراهن
قلت: وهذا قول مالك في أجر السقي على الراهن؟ قال: نعم هذا قول مالك. قال: وقال مالك في الدابة والعبد والوليدة إذا كانوا رهنا إن نفقتهم وعلوفتهم وكسوتهم على أربابهم فكذلك النخل قلت: وكذلك الزرع الذي لم يبد صلاحه إذا ارتهنه الرجل. قال: الزرع الذي لم يبد صلاحه، والثمرة التي لم يبد صلاحها محمل واحد عند مالك. قلت: أرأيت الذي ارتهن الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، أيأخذ النخل معها؟ قال: نعم؛ لأنه لا يقدر على قبض الثمرة إلا بقبض النخل، والنخل ليست رقابها برهن، ولكنه لا يقدر على حوز الثمرة وسقيها إلا والنخل معها؛ لأن الثمرة في النخل. فإن أفلس الراهن وقد حازها المرتهن بما وصفت لك من سقيها والقيام عليها، فالثمرة له دون الغرماء والنخل للغرماء.
قلت: فالزرع الذي لم يبد صلاحه مثل ما وصفت لي في النخل. لا يكون قبض الزرع إلا مع الأرض التي الزرع فيها؟ قال: نعم، قال: وليس الأرض برهن مع الزرع، فيكون الأمر فيه كما وصفت لك في النخل.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قوله.

فيمن ارتهن شجرا هل تكون ثمرتها رهنا معها؟ أو دارا هل تكون غلتها رهنا معها؟
قلت: أرأيت إن ارتهنت نخلا وفيها ثمر يوم ارتهنتها، قد أزهى أو لم يزه، أبر أو لم يؤبر، أتكون الثمرة رهنا مع النخل أم لا؟ قال: قال مالك: لا تكون الثمرة رهنا مع النخل، إلا أن يشترط ذلك المرتهن.
قلت: وكذلك كل ثمرة تخرج في الرهن بعد ذلك فليست برهن إلا أن يشترطها المرتهن، فإن اشترط ذلك المرتهن فإن الثمرة تكون رهنا مع النخل، كانت في رءوس النخل أو لم تكن، أو خرجت بعد ذلك؟ قال: نعم، وهذا قول مالك.
قلت: لم قال مالك في الثمرة: لا تكون رهنا مع النخل، وهو يقول في الولادة: إنها رهن مع الأم؟ فما فرق ما بينهما قال: لأنه من باع جارية حاملا، في بطنها ولد، فهو لمن اشترى الجارية، ومن باع نخلا فيه ثمر قد أبر، فثمرته للبائع إلا أن يشترطه؟ المبتاع فهذا فرق ما بينهما.
قلت: والثمرة وكراء الدور في الرهن بمنزلة واحدة في قول مالك قال: نعم.
قلت: وكذلك إجارة العبد، كل ذلك للراهن ولا يكون شيء في الرهن إلا أن يشترطه المرتهن؟ قال: نعم.

فيمن تكفل لرجل برجل ورهنه رهنا وذلك بغير أمر الذي عليه الدين
قلت: أرأيت إن تكفلت لرجل بكفالة وأعطيته بذلك رهنا، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك. قلت: أرأيت إن كان رهن الكفيل قد ضاع عند المرتهن؟ قال: إذا كان قيمة الرهن والدين سواء، وكان مما يغيب عليه المرتهن فقد استوفى المرتهن حقه؛ لأن الضياع منه إذا كانت الصفة كما وصفت لك، ويكون للكفيل أن يرجع على الذي عليه الحق بقيمة رهنه؛ لأن قيمة الرهن والدين سواء.
قلت: فإن كنت إنما تكفلت بهذا الحق، بغير أمر الذي عليه الحق وأعطيته الرهن، بغير أمره فضاع الرهن وهو مما يغيب عليه المرتهن، وكان قيمة الرهن والدين سواء، أيكون لي أن أرجع على الذي عليه الدين بالدين الذي عليه؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي، وهذا مخالف للمسألة التي فوقها في القضاء؛ لأنه لا يرجع ههنا على الراهن، ويرجع بها على المرتهن؛ لأن رهنه قد تلف عنده. قلت: فإن كنت قد رهنته بغير أمر الذي عليه الدين أو بأمره، والرهن أكثر قيمة من الدين، فضاع الرهن وهو مما يغيب عليه المرتهن؟ قال: إذا ضاع عند المرتهن، وكنت قد رهنته بأمر الذي عليه الدين، فلك أن ترجع بقيمة رهنك كله على الذي عليه الدين، وإن شئت اتبعت المرتهن

بفضل قيمة رهنك على الدين، ورجعت على الذي كان عليه الدين بالدين ويكون الخيار في ذلك إليك، تتبع بفضل قيمة رهنك على الدين أيهما شئت منهما. وأما مبلغ الدين من رهنك فإنما ترجع به على الذي أمرك بذلك، وتبطل حق المرتهن. فإن أنت رجعت بفضل قيمة رهنك على الذي أمرك، رجع آمرك بذلك على المرتهن فأخذه منه؛ لأن المرتهن كان ضامنا لجميع الرهن حين قبضه، ولم يكن في دينه وفاء بجميع قيمة الرهن. فلما هلك الرهن عنده، قص له من الرهن مقدار دينه وغرم البقية، وإن كان رهنه بغير أمر الذي عليه الدين، وقيمته أكثر من الدين فضاع الرهن عند المرتهن فإن الذي رهن بغير أمر الذي عليه الدين، يرجع بالدين على الذي عليه الدين، ويرجع بفضل قيمة رهنه على المرتهن الذي له الدين، وليس له أن يرجع بالفضل من قيمة رهنه على الذي عليه الدين؛ لأنه لم يأمره بذلك.
قلت: أرأيت الدم الخطأ، أتجوز فيه الكفالة؟ قال: سمعت مالكا وسأله رجل عنه وقد كان تكفل لرجل بدم خطأ، فأعطاه بعض الدية، ثم سأل عن ذلك مالكا فقال: لا تلزمه الكفالة ويتبعون به العاقلة.
الرهن في الدم الخطأ
قلت: فهل يجوز الرهن في الدم الخطأ؟ قال: لا يجوز إن كان رهنه وهو يظن أن الدية لازمة له وحده. وإن كان إنما رهنه عن قتيله، وهو يعلم أن الدية تجب على القتيل، فالرهن جائز.

الرهن في الدم الخطأ
قلت: فهل يجوز الرهن في الدم الخطأ؟ قال: لا يجوز إن كان رهنه وهو يظن أن الدية لازمة له وحده. وإن كان إنما رهنه عن قتيله، وهو يعلم أن الدية تجب على القتيل، فالرهن جائز.
فيمن استعار دابة ورهن بها رهنا

فيمن استعار دابة ورهن بها رهنا
قلت: أرأيت إن استعرت دابة فرهنته بها رهنا، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: من استعار دابة فمصيبتها من ربها، فأرى الرهن فيها لا يجوز. قلت: أفيجوز أن يستعير الرجل الدابة على أنها مضمونة عليه، أيجوز في قول مالك أم لا؟ قال: أرى أنه لا يضمن؛ لأن مالكا قال في الرجل يرتهن من رجل رهنا مما يغيب عليه، فيشترط عليه أنه مصدق فيه ولا ضمان عليه فيه، فيقول بعد ذلك: قد ضاع مني. قال مالك: شرطه باطل وهو ضامن.

فيمن استعار متاعا فرهنه
قلت: أرأيت المتاع أستعيره وأعطيه به رهنا، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، يجوز ذلك في قول مالك لأنه ضامن. قلت: أرأيت إن استأجرت عبد رجل وأعطيته بالإجارة رهنا، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم عند مالك.

فيمن أعار دابة وارتهن بها رهنا فضاع الرهن
قلت: أرأيت إن أعرته دابتي وأخذت منه بها رهنا مما أغيب عليه، وضاع الرهن مني عندي قال: أراك ضامنا للرهن؛ لأن أصل ما أخذته عليه على الضمان ولم تأخذه مني على وجه الأمانة.

في رجل ادعى قبل رجل بألف درهم فأخذ منه رهناً فضاع الرهن وقد أقر المدعي أنه لا حق له فيما كان ادعى قبله
قلت: وكذلك لو ادعيت قبل رجل بألف درهم، فرهنني بها رهنا مما أغيب عليه، فضاع الرهن عندي، فتصادقنا أن الذي ادعيت قبله كان باطلا وكنت قد اقتضيته ولم أعلم بذلك؟ قال: أنت ضامن لقيمة الرهن؛ لأنك لم تأخذه على وجه الأمانة. قال: ولقد سئل مالك عن رجل كان يسأل رجلا دنانير فتعلق به، فدفع إليه دراهم حتى يصارفه بها فأتاه فقال قد ضاعت الدراهم مني؟ قال مالك: هو ضامن لها؛ لأنه لم يعطها إياه على وجه الائتمان له. قال: وقال مالك في الرجل يدفع إلى الرجل الصائغ الخاتم يعالج به فصه، أو شيئا يصلحه له فيه، أو القلادة يصلح له فيها الشيء بغير حق على وجه المعروف. قال مالك: هو ضامن وإن لم يأخذ عليها أجرا. قلت: وكذلك جميع الصناع كلهم في قول مالك، الخياطين والصباغين وغيرهم من أهل الصناعات، ما دفع إليهم بغير أجر فقالوا قد ضاع فإنهم يضمنون؟ قال: نعم يضمنون ذلك عند مالك. قلت: وكذلك لو دفع إلى خياط قميصا له ليرقعه له، فضاع القميص عند الخياط؟ قال: نعم هو ضامن له، كذلك قال مالك.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل رهنا فقلت: هذا لك رهن بكل ما أقرضت فلانا من شيء، أيجوز هذا؟ قال: نعم.

فيمن ارتهن أمة وهي حامل فولدت في الرهن هل يكون ولدها رهنا معها؟
قلت: أرأيت الأمة إذا ارتهنها رجل وهي حامل فولدت ثم ولدت بعد ذلك أيضا أتكون أولادها معها رهنا قال: قال مالك: نعم ما ولدت من ولد بعد الرهن فولدها رهن معها.

فيمن ارتهن غنماً فولدت في الرهن، هل تكون أولادها وصوفها ولبنها معها في ارهن؟
فيمن ارتهن غنماً فولدت في الرهن، هل تكون أولادها وصوفها ولبنها معها في الرهن؟
قلت: أرأيت أصواف الغنم وألبانها وسمونها وأولادها، أيكون ذلك رهنا معها قال: أما أولادها فهي رهن مع الأمهات عند مالك. وأما الأصواف والألبان والسمون فلا تكون رهنا معها إلا أن يكون صوفا كان عليها يوم ارتهنها، فأراه رهنا معها إذا كان يومئذ قد تم؛ ألا ترى لو أن رجلا ارتهن دارا أن غلتها لا تكون رهنا معها، وإذا ارتهن غلاما أن خراجه لا يكون رهنا معه، ولو اشتراهما كانت غلتهما له، فالرهن لا يشبه البيوع.

في الرهن يجعل على يدي عدل أو يكون على يدي المرتهن، فإذا حل الأجل باعه العدل أو المرتهن بغير أمر السلطان
قلت: أرأيت إن ارتهنت رهنا وجعلناه على يدي عدل، أو على يدي المرتهن إلى أجل كذا وكذا، فإن جاء الراهن بحقه إلى ذلك الأجل، وإلا فالذي على يديه الرهن مسلط على بيعه، ويأخذ المرتهن من ذلك حقه؟ قال: قال مالك: لا يباع الرهن وإن اشترط ذلك، كان على يدي المرتهن أو على يدي عدل إلا بأمر السلطان. قال ابن القاسم: وبلغني ممن أثق به أن مالكا قال: وإن بيع نفذ البيع ولم يرد، وذلك رأيي. قال مالك: وإن لم يشترط أنه يبيعه إذا حل الأجل، فإنه إذا حل الحق رفعه المرتهن إلى السلطان، فإن أوفاه حقه وإلا باع له الرهن فأوفاه حقه.

فيمن ارتهن رهناً فأرسل وكيله يقبض له الرهن فقبضه فضاع الرهن من الرسول ممن ضياعه؟
قلت: أرأيت إن ارتهنت رهنا فبعثت وكيلا يقبض الرهن فضاع الرهن - وهو مما يغيب عليه المرتهن - أيكون الضياع من الراهن لأن الوكيل قبضه، أو تجعله بمنزلة الرهن إذا كان على يدي عدل، أو تجعل ضياعه من المرتهن لأن وكيله قبضه؟ قال: قبض الوكيل إذا وكله المرتهن فإنما هو كقبض المرتهن، فضياعه من المرتهن. وإنما يكون العدل الذي يتراضيان به جميعا - المرتهن والراهن - أن يجعلا الرهن على يديه، فهذا الذي يكون عدلا ويكون ضياع الرهن فيه من الراهن، فأما رسول المرتهن فليس يكون بمنزلة العدل في هذا.

فيمن رهن عبدا على من نفقته أو كفنه ودفنه إذا مات
قلت: أرأيت إن رهنت عبدا عند رجل، فمات عند المرتهن، على من كفنه ودفنه قال: على الراهن عند مالك. قال مالك: ونفقته وكفنه ودفنه على الراهن.

في الرهن إذا كان على يدي عدل فدفعه العدل إلى الراهن أو المرتهن
قلت: أرأيت الرهن إذا كان على يدي عدل، فدفعه العدل إلى الراهن أو المرتهن فضاع، وهو مما يغيب عليه، أيضمن أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، يضمن إن دفعه إلى الراهن ضمن للمرتهن وإن دفعه إلى المرتهن ضمن ذلك للراهن؛ لأن الراهن لم يرض أن يكون رهنه عند المرتهن، فإن كان الرهن كفافا بحق المرتهن سقط بذلك حق المرتهن إذا تلف الرهن في يديه، وإن كان في قيمته فضل، غرم ذلك العدل للراهن؛ لأن الراهن لم يرض أن يكون رهنه عند المرتهن.

في الرهن يجعل على يدي عدل فيموت العدل فيوصي إلى رجل، هل يكون الرهن على يديه وفي المرتهن يدفع الرهن إلى السلطان فيأمر السلطان رجلاً يبيعه فيضع الثمن من المأمور؟
في الرهن يجعل على يدي عدل فيموت العدل فيوصي إلى رجل، هل يكون الرهن على يديه وفي المرتهن يدفع الرهن إلى السلطان فيأمر السلطان رجلا يبيعه فيضع الثمن من المال المأمور؟
قلت: أرأيت إذا مات العدل - والرهن على يديه - فأوصى إلى رجل - أيكون الرهن على يدي الوصي؟ قال: لا، ولكن يتراضيان - الراهن والمرتهن - بينهما كيفما أحبا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي؛ لأن هذا ليس له أن يوصي فيه لأن أربابه أحياء قيام فهم أملك لشيئهم.
قلت: أرأيت لو أن المرتهن رفع رهنه إلى السلطان وقد حل الأجل، فأمر السلطان رجلا يبيع الرهن حتى يدفع إلى المرتهن حقه، فباع ذلك الرجل الذي أمره السلطان ببيع الرهن، فضاع الثمن من يد المأمور الذي أمره السلطان، ممن يكون ضياعه وهل يكون على المأمور شيء أم لا؟ قال: لا ضمان على المأمور عند مالك والقول في الضياع قوله، فإن اتهم كانت عليه اليمين.

في المفلس يأمر السلطان ببيع ما له للغرماء فيضيع الثمن ممن ضياعه
في المفلس يأمر السلطان ببيع ماله للغرماء فيضيع الثمن ممن ضياعه
قال: وقال مالك في المفلس: إنه إذا باع السلطان للغرماء ماله فضاع الثمن بعدما

في الذي يأمره السلطان ببيع الرهن يقول قد قضيت المرتهن حقه ويقول المرتهن لم أقبض شيئا
ً
قلت: أرأيت لو أن الذي أمره السلطان بالبيع وأن يدفع إلى المرتهن حقه، باع الرهن فقال: قد دفعت إلى المرتهن حقه وكذبه المرتهن وقال: لم آخذه؟ قال: القول قول المرتهن، لأن مالكاً يقول في رجل دعل إلى رجل مالاً ليدفعه إلى غيره فقال: قد دفعته إليه، لم يصدق إلا ببينة، فكذلك هذا.

فيمن ارتهن رهنا، فلما حل الأجل دفعه إلى السلطان فباعه وقضاه حقه ثم استحق الرهن رجل وقد فات من يد المشتري
قلت: أرأيت الرجل إذا ارتهن رهنا، فلما حل الأجل دفع ذلك إلى السلطان فباعه له فأوفاه حقه، ثم أتاه رجل فاستحق الرهن وقد فات الرهن عند المشتري، وغاب المشتري ولا يدري أين هو؟ قال: أرى أن هذا الذي استحق الرهن، إن أجاز البيع أخذ الثمن من المرتهن ورجع المرتهن على الراهن بحقه؛ لأنه ثمن سلعته. وكذلك قال مالك: في البيوع إذا باع رجل سلعة فاستحقها، صاحبها وقد دارت في أيدي رجال، أنه يأخذ الثمن من أيهم شاء.

في الرهن إذا كان على يدي عدل فقال بعته بمائة وقضيتك إياها أيها المرتهن وقال المرتهن بل بعت بخمسين وقضيتني خمسين
قلت: أرأيت العدل إذا باع بأمر السلطان الرهن فقال: بعته بمائة وقضيتك إياها أيها المرتهن. وقال المرتهن: بل بعت بخمسين وقضيتني الخمسين؟ قال: أرى أن العدل ضامن الخمسين؛ لأنه قد أقر أنه باع بمائة، وهذه الخمسون منها قد تبين

الدعوى بين الراهن والمرتهن في حلول أجل الدين
قلت: أرأيت إن قال المرتهن: قد حل أجل المال، وقال الراهن لم يحل أجل المال؟ قال: القول قول الراهن لأن المرتهن قد أقر أن الحق إلى أجل، وهذا إذا أتى الراهن بأمر لا يستنكر بأن ادعى أجلا يشبه أن يكون القول قوله، لا يدعي أجلا بعيدا يستنكر، فإن ادعى من ذلك ما لا يشبه لم يصدق. قلت: وهذا قول مالك قال: أخبرني بعض من أثق به أنه سأل مالكا عن الرجل يبيع من الرجل السلعة، فتفوت عنده السلعة فيقتضيه ثمنها، فيقول الذي عليه الحق: ثمنها إنما هو إلى أجل كذا وكذا، ويقول الذي له الحق: ديني حال. قال مالك: إن ادعى الذي عليه الحق أجلا قريبا لا يستنكر، رأيته مصدقا. وإن ادعى أجلا بعيدا لم يقبل قوله: قال ابن القاسم: وأنا أرى أن لا يصدق المبتاع في الأجل، ويؤخذ بما أقر به من المال حالا إلا أن يكون أقر بأكثر مما ادعى البائع، فلا يكون للبائع إلا ما ادعى. فهذا لم يزعم أنه باع إلى أجل فقد جعل مالك القول قول مدعي الأجل إذا أتى بأمر لا يستنكر. ففي مسألتك أحرى أن يكون القول قول من ادعى الأجل قال سحنون: إنما معنى قول مالك: إن ادعى أجلا قريبا يريد بذلك ما يرى أن تلك السلعة قد تباع بذلك إلى ذلك من الأجل الذي ادعى، ومعنى قوله: "إن ادعى أجلا بعيدا لم يقبل قوله" إنما يريد بذلك إن ادعى أنه ابتاع إلى أجل، يرى أن تلك السلعة لا تباع إلى ذلك من الأجل فهذا لا يقبل قوله؛ لأنه قد ادعى ما لا يمكن، بمنزلة ما يدعي الرجل في السلعة فيقول: اشتريتها بخمسة دراهم، ومثلها لا يبتاع بخمسة دراهم، وهي ثمن عشرة دنانير أو خمسة عشر، فهذا لا يقبل قوله، فهكذا هذه المسألة التي وصفت لك.

في الإمام يأمر الرجل ببيع رهن هذا الراهن فيبيعه بعروض
قلت: أرأيت إن أمر الإمام رجلا ببيع رهن هذا الراهن ويوفيه حقه، فباع المأمور الرهن بحنطة أو شعير أو بعرض من العروض، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز

في الرهن يرجع إلى الراهن بوديعة أو بإجارة
قلت: أيجوز للرجل أن يرتهن رهنا فيقبضه، ثم يجعله على يدي الراهن قال: لا يجوز ذلك عند مالك لأنه إذا رده إليه بوديعة أو أجرة من الراهن، أو بوجه من الوجوه حتى يكون الراهن هو الحائز له، فقد خرج من الرهن.

في الرجل يرتهن رهنا فلا يقبضه حتى يموت الراهن
قلت: أرأيت إن ارتهن الرجل رهنا فلم يقبضه حتى مات الراهن، أيكون أسوة الغرماء في الرهن في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن كان الحق إلى أجل فأخذ به رهنا فمات الراهن قبل حلول أجل المال؟ قال: يباع الرهن ويقضي المرتهن حقه؛ لأنه إذا مات الذي عليه الدين فقد حل المال، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت لو ارتهنت ثوبا بألف، - وقيمته ألف - فلقيني المرتهن فوهب لي دينه ذلك، ثم رجع ليدفع إلي الثوب، فضاع الثوب؟ قال: هو ضامن لقيمة الثوب. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن رجلا رهن امرأته رهنا قبل البناء بها بجميع الصداق، أيجوز أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا عقد النكاح فقد وجب لها الصداق كله إلا أن يطلقها قبل البناء بها، فهذه إنما أخذت الرهن بمال جميعه لها وهو جائز. قلت: أرأيت إن طلقها الزوج قبل البناء، فأراد أن يرجع عليها فيأخذ منها نصف الرهن، أيجوز ذلك له أم لا في قول مالك؟ قال: لا يأخذ منها من الرهن شيئا حتى يوفيها نصف الصداق، وقد

في الرجل يرهن رهنا وعليه دين يحيط بماله
قلت: أرأيت من رهن رهنا وعليه دين يحيط بماله إلا أن الغرماء لم يقوموا عليه، أيجوز ما رهن؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يتاجر الناس فيكون عليه الديون، فيقوم رجل عند حلول الأجل بحقه، فيلزمه بحقه فيرهنه في ذلك رهنا، أتراه له دون الغرماء؟ قال: نعم ما لم يفلسوه. قال: ابن القاسم: وقد كان روي مرة عن مالك خلاف هذا، أنهم يدخلون معه وليس هذا بشيء. قال ابن القاسم: والقول الذي سمعت منه وقال لي، هو الذي عليه جماعة الناس، وهو أحق به. وإنما الرهن بمنزلة القضاء، أن لو قضى أحدهم قبل أن يقوموا عليه ويفلس فقضاؤه جائز، ولا أبالي كان بحدثان ذلك قاموا عليه أو غيره، إذا كان قائم الوجه يبايع ويتاجر الناس فقضاؤه وبيعه جائز.

فيمن كان له قبل رجل مائتا دينار فارتهن منه بمائة منها رهنا ثم قضاه مائة دينار ثم ادعى أن الرهن إنما كان بالمائة التي قضى وادعى المرتهن أن الرهن إنما هو عن المائة التي بقيت
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل مائتي دينار، فرهنني بمائة دينار منها رهنا، وبقيت عليه مائة أخرى لا رهن فيها، فقضاني مائة دينار ثم قام عليه الغرماء بعد ذلك أو لم يقوموا، فقال: أعطني الرهن، فإن المائة التي قضيتك إنما هي المائة التي فيها الرهن، وقال المرتهن بل المائة التي قضيتني إنما هي المائة التي كانت لي عليك بغير رهن. القول قول من؟ قال: قال مالك: تقسم المائة التي قضاه بين المائة التي فيها الرهن وبين المائة التي لا رهن فيها، فيكون نصفها قضاء عن هذه ونصفها قضاء عن هذه. قال سحنون: القول قول المرتهن؛ لأن الراهن قد ائتمنه على قبضها حين دفعها ولم يشهد، والراهن مدع، وهو قول أشهب.

فيمن أسلم سلما وأخذ بذلك رهنا
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في طعام إلى أجل، وأخذت منه بذلك رهنا، فلما حل الأجل تقايلنا، أو قبل حلول الأجل تقايلنا، أو بعد حلوله والرهن في يدي المرتهن، أتجوز الإقالة من غير أن يقبض رأس المال لمكان الرهن الذي في يدي الذي أسلم في الطعام؟ قال: لا تجوز الإقالة إلا أن يعطيه رأس المال مكانه قبل أن يتفرقا، وإلا فهذا بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قول مالك قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في طعام، أيصلح لي أن أبيعه قبل أن أقبضه؟ قال: لا يصلح عند مالك أن تبيعه قبل أن تقبضه، إلا أنه لا بأس بأن توليه أو تقيل صاحب الطعام أو تشرك فيه وتقبض رأس المال، قبل أن تفارق الذي وليته أو أقلته أو أشركته في ذلك. قلت: إذا جوزت لي التولية والشركة والإقالة في ذلك، فلا بأس أن أؤخره برأس المال؟ قال: لا؛ لأنك إذا أخرته برأس المال دخله بيع الطعام قبل استيفائه؛ لأنه قد صار في التأخير معروفا. فإذا دخله المعروف فليس هذا بتولية ولا إقالة ولا شركة، وإنما التولية والإقالة والشركة أن يأخذ منه مثل رأس ماله بغير معروف يصطنعه، ويدخله أيضا عند مالك بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ لأنه إذا أخره برأس المال وقبض المشتري الطعام فهذا بيع الطعام قبل أن يستوفى.

في الرهن في الصرف واختلاف الراهن والمرتهن
قلت: أرأيت إن صرفت عند رجل دراهم بدنانير، فقبضت الدراهم وأعطيته بالدنانير رهنا فضاع الرهن عنده بعدما افترقنا وهو مما يغيب عليه وجهلنا السنة في ذلك، أيكون عليه ضمان الرهن؟ قال: نعم في رأيي؛ ألا ترى أن من اشترى بيعا فاسدا ضمن ذلك إن ضاع عنده عند مالك؟ فكذلك الرهن والرهن أيضا لم يقبضه إلا على الضمان فعليه غرمه.
قلت: وأي شيء يكون غرم هذا الرهن، الدنانير التي وجبت عليه في الدراهم التي أخذ، أو قيمة الرهن وترد الدراهم؟ قال: إن كان قيمة الرهن والدراهم سواء فلا شيء، عليه وإن كان في الدراهم فضل أو قيمة الرهن تراد الفضل بينهما.
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دينا، فأخذت به منه رهنا فأوفاني حقي، فضاع الرهن عندي بعد ما أوفاني حقي، ممن الضياع؟ قال: أنت ضامن للرهن عند مالك حتى ترده.
قلت: أرأيت الرهن في قول مالك، أهو بما فيه؟ قال: لا، ولكن المرتهن ضامن لجميع قيمة الرهن. قال سحنون: قال ابن وهب: وهو قول علي بن أبي طالب، وهو أيضا قول عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وابن شهاب. قال سحنون: وإنما كتبت هذا حجة على من قال: إن الرهن بما فيه.

فيمن رهن رهناً قيمته مائة فقال المرتهن ارتهنته منك بمائة وقال الراهن رهنتككه بخمسين القول قول من ؟
فيمن رهن رهنا قيمته مائة فقال المرتهن ارتهنته منك بمائة وقال الراهن رهنتكه بخمسين القول قول من؟
قلت أرأيت إن ارتهنت رهنا قيمته مائة دينار، فقال المرتهن: ارتهنته بمائة دينار، وقال الراهن: بل رهنتكه بخمسين؟ قال مالك: القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن. قلت: فإن ادعى أكثر من قيمة الرهن؟ قال: لا يصدق المرتهن، وعلى الراهن اليمين، فإذا حلف برئ مما زاد على قيمة الرهن وأدى قيمة رهنه وأخذ رهنه إن أحب، وإلا فلا سبيل له إلى رهنه.
قلت: فإن ضاع الرهن عند المرتهن فاختلفا في قيمة الرهن ؟. قال: يتواصفانه ويكون القول في الصفة فيما رهن به قول المرتهن مع يمينه، ثم يدعى لتلك الصفة المقومون، ويكون القول فيما رهن به الرهن قول المرتهن إلى مبلغ قيمة هذه الصفة، وهذا قول مالك.
لا.

فيمن ادعى سلعة في يدي رجل أنها عارية وقال الذي هي في يديه رهنتنيها وفيمن ارتهن عبدا فجنى جناية
قلت: أرأيت إن ادعيت أن هذه السلعة التي في يدي رهن، وقال ربها: بل أعرتكها؟ قال: قال مالك: القول قول رب السلعة. قلت: أرأيت إن ارتهنت عبدا بحق لي على رجل، فجنى العبد جناية على رجل؟ قال: قال مالك: يقال لرب العبد: افد عبدك فإن فداه كان على رهنه كما هو، وإن أبى أن يفديه قيل للمرتهن، افده؛ لأن حقك فيه. فإن فداه فأراد سيده أخذه لم يكن له أن يأخذه حتى يدفع ما افتداه به من الجناية مع دينه، فإن أبى سيده أن يأخذه، بيع فبدئ بما فداه به المرتهن من الجناية، فإن قصر ثمنه عن الذي أدى فيه المرتهن من الجناية، لم يكن للمرتهن على السيد في ذلك شيء إلا الدين الذي ارتهنه به وحده؛ لأنه افتداه بغير أمره، وإن زاد ثمنه على ما افتداه به من الجناية قضى بالزيادة في الدين الذي على الراهن، وهذا قول مالك. قال ابن القاسم: ولا يباع حتى يحل أجل الدين، ولم أسمع من مالك في الأجل شيئا.
قلت: أرأيت إن قالا جميعا - الراهن والمرتهن - نحن نسلمه فأسلماه أيكون دين المرتهن بحاله في قول مالك كما هو؟ قال: نعم هو قول مالك:
قلت: أرأيت إن أبى الراهن أن يفديه وقال للمرتهن افتده لي. قال: قال لي مالك: إذا أمره أن يفديه، اتبعه المرتهن بالدين والجناية جميعا. قال مالك: وإن أسلماه جميعا وله مال، كان ماله مع رقبته في جنايته. وإن افتكه المرتهن لم يكن ماله مع رقبته فيما افتكه به، ولا يزاد على ما كان في يديه من رهن رقبة العبد إذا لم يكن مال العبد رهنا معه أو

في ارتهان فضلة الرهن وازدياد الراهن على الرهن
قلت: أرأيت إن ارتهنت من رجل رهنا بدين لي عليه، فلقيته بعد ذلك فقال: أقرضني مائة درهم أخرى على الرهن الذي لي عندك ففعلت، أتكون هذه المائة التي أقرضته في الرهن أيضا في قول مالك؟ قال: قال مالك في رجل ارتهن عبدا قيمته مائة دينار بخمسين دينارا، فأتى رب العبد إلى رجل من الناس فقال: أقرضني خمسين دينارا أو أكثر من ذلك أو أقل، فقال الرجل: لا أقرضك إلا على أن ترهنني فضل العبد الرهن الذي في يدي فلان. قال مالك: إن رضي فلان - الذي في يديه العبد - بذلك فإن ذلك جائز، وإن لم يرض لم يجز، ويكون الفضل الذي في العبد عن رهن الأول رهنا للمقرض الثاني، فكذلك مسألتك إذا جاز هذا ههنا، فهو في مسألتك أجوز.
قلت: ويكون المرتهن الأول حائزا للمرتهن الثاني قال: نعم إذا رضي بذلك، كذلك قال مالك. قلت: فإن ضاع الرهن عند المرتهن الأول بعد ما ارتهن المرتهن الثاني فضلة الرهن، والرهن مما يغيب عليه المرتهن وليس هو عبدا، كيف يكون ضياع الرهن، وممن يكون؟ قال: يضمن الأول من الرهن قيمة مبلغ حقه، ويكون فيما بقي مؤتمنا؛ لأنه كان لغيره رهنا يرجع المرتهن الآخر بدينه على صاحبه؛ لأن فضل الرهن هو على يدي، عدل والعدل هنا هو المرتهن الأول.

في نفقة الراهن على الرهن، هل تكون رهنا مع الرهن وفيمن أنفق على الرهن؟
قلت: أرأيت ما أنفق المرتهن على الرهن بإذن الراهن أو بغير إذنه، أتكون تلك النفقة في الرهن في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: النفقة على الراهن. قال ابن القاسم: فإن كان أنفق المرتهن بأمر الراهن، فإنما هو سلف، ولا أراه في الرهن إلا أن يكون قال له أنفق على أن نفقتك في الرهن، فإن قال له ذلك رأيتها له في الرهن، وله أن يحتسبه بنفقته وبما رهنه فيه إلا أن يكون له غرماء، فلا أراه أحق بفضلها عن دينه لأجل نفقته، أذن له في ذلك أو لم يأذن له إلا أن يكون اشترط أن النفقة التي ينفقها الرهن بها أيضا.

فيمن أنفق على ضالة وفي الوصي يرهن لليتيم رهناً في مال اليتيم
فيمن أنفق على ضالة وفي الوصي يرهن لليتيم رهنا من مال اليتيم
قلت: أرأيت الضالة، أليس له ما أنفق عليها، وليس لصاحبها أن يأخذها حتى

في الوصي هل يجوز له أن يعمل بمال يتيمه مضاربة وفي الرهن في المضاربة
قلت: فهل يجوز للوصي أن يعمل بمال اليتيم مضاربة هو نفسه في قول مالك؟ قال: لا أحفظ قول مالك فيه، ولا يعجبني ذلك إلا أن يتجر لليتيم فيه، أو يقارض له من غيره فيتجر له. قلت: أفيعطي مال اليتيم مضاربة؟ قال: نعم. قلت: أيجوز للرجل أن يعطي مالا مضاربة ويأخذ به رهنا في قول مالك؟ قال: لا خير في هذا عند مالك. قلت: أرأيت إن ضاع هذا الرهن؟ قال: أراه ضامنا؛ لأنه لم يأخذه على وجه الأمانة.

فيما رهن الوصي لليتيم
قلت: أرأيت الوصي، هل يجوز له أن يرتهن مال اليتيم بدين يقرضه اليتيم في قول مالك؟ قال: قال مالك في الوصي: يجوز له أن يسلف اليتيم مالا ينفقه عليه، أو يجعله في مصلحته إذا كان لليتيم عروض ثم يبيع ويستوفي. فإن لم يكن لليتيم مال فقال أنا: أسلفه وأنفق عليه، فإن أفاد اليتيم مالا اقتضيت منه، فما أنفق عليه، إذا لم يكن لليتيم عروض وأموال فنفقته عليه على وجه الحسبة ولا يتبعه بشيء منه، فإن أفاد اليتيم بعد ذلك مالا؛ لم يلزمه ما أسلفه على هذا الشرط إلا أن يكون له مال حين أسلفه، وأما ما سألت عنه من الرهن أن الوصي يرتهن لنفسه عروض اليتيم، فليس ذلك له، إلا أن يكون تسلف مالا لليتيم من غيره وأنفقه عليه، فلا يكون أحق بالرهن من الغرماء؛ لأنه لا يجوز لنفسه من نفسه دون الغرماء، وهو والغرماء فيه ههنا سواء. قال سحنون: وقال غيره: ليس ذلك له، وليس للوصي أن يقبض من نفسه لنفسه.

نذر صيام
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لله علي أن أصوم شهرا متتابعا، فصام يوما، أيجزئه البيات بعد ذلك، ولا يحتاج إلى أن يبيت كل ليلة الصوم؟ قال: نعم، يجزئه. ولقد سئل مالك عن رجل شأنه صيام الاثنين والخميس، فمر به وهو لا يعلم حتى يطلع عليه الفجر، أيجزئه صيامه؟ قال: نعم؛ لأنه قد كان على بيات من صومه هذا قبل الليلة.
قلت: أرأيت الوصيين، أيجوز لأحدهما أن يرهن متاعا لليتيم دون صاحبه في قول مالك، أو يبيع أحدهما دون صاحبه متاعا لليتيم؟ قال: قال مالك: لا يجوز إنكاح أحد الوصيين إلا باجتماع منهما، فإن اختلفا في ذلك نظر السلطان في ذلك، فأرى البيع والرهن بهذه المنزلة.

في الورثة يعزلون ما على أبيهم من الدين ويقتسمون ما بقي فيضيع ما عزلوا وفي الراهن يستعير من المرتهن الرهن
قلت: أرأيت لو أن والدنا هلك وعليه مائة دينار، فعزلنا مائة دينار من ميراثه واقتسمنا ما بقي فضاعت المائة، ممن ضياعها؟ قال: ضياعها عليكم والدين بحاله.
قلت: سمعته من مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه وهو رأيي قال: وإن كان السلطان قبضها للغائب وقسم ما بقي من ميراث الميت فضاعت، فهي من مال الغريم وهو قول. مالك
قلت: أرأيت إن زوجت أمتي من رجل، فأخذت جميع مهرها قبل أن يبني بها زوجها، فأعتقتها ثم طلقها زوجها قبل البناء، بها وقد كان السيد استهلك المهر، ولا مال للسيد غير الأمة؟ قال: لا أرى أن يرد عتقها؛ لأن السيد - يوم أعتقها - لم يكن عليه دين وإنما وجب الدين عليه حين طلق الزوج امرأته. قال: وقال مالك: وليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز، ولكن يجهزها به مثل الحرة؛ ألا ترى أن مهرها في جهازها؟!

في رعاية الرهن من المرتهن
قلت: أرأيت إن رهنت رهنا فاستعرته من المرتهن، أتراه خارجا من الرهن؟ قال: هو خارج من الرهن عند مالك.
قلت: أفيكون له أن يرده بعد ذلك، وللمرتهن أن يقوم على الرهن فيأخذه منه ويرده في الرهن؟ قال: لا، إلا أن يكون أعاره على ذلك، فإن أعاره على ذلك فاستحدث دينا أو مات قبل أن يقوم عليه، كان أسوة الغرماء.

فيمن رهن سلعة لأولاده في حاجة نفسه
قلت: أرأيت إن استدنت دينا فرهنت به متاعا لولدي صغارا، ولم أستدن الدين على ولدي، أيجوز ذلك عليهم أم لا؟ قال: لا أراه جائزا. قلت: لم؟ أليس بيعه جائزا عليهم؟ قال: إنما يجوز بيعه عليهم على وجه النظر لهم. قلت: وكذلك الوصي؟ قال: نعم. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة عن مالك، ولكنه رأيي لأن مالكا قال: ما أخذ الوالد من مال ولده على غير حاجة فلا يجوز ذلك له.
قلت: أرأيت إذا اشترى الرجل من مال ابنه وهو صغير لابن له صغير، أيجوز هذا الشراء؟ قال: نعم، ولا أقوم على حفظه عن مالك قلت: أرأيت، أهو بهذه المنزلة؟ قال: نعم.

ما يجوز للمرتهن أن يشترطه من منفعة الرهن
قلت: أرأيت المرتهن، هل يجوز له أن يشترط شيئا من منفعة الرهن؟ قال: إن كان من بيع فذلك جائز، وإن كان الدين من قرض فلا يجوز ذلك؛ لأنه يصير سلفا جر منفعة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، إلا أن مالكا قال لي: إذا باعه وارتهن رهنا واشترط منفعة الرهن إلى أجل، قال مالك: لا أرى به بأسا في الدور والأرضين. قال مالك: وأكرهه في الحيوان والثياب. قال ابن القاسم: ولا أرى به بأسا في الحيوان وغيره إذا ضرب لذلك أجلا. قلت: لم كرهه مالك في الحيوان والثياب؟ قال: لأنه يقول: لا أدري كيف ترجع إليه الدابة والثوب به. قال ابن القاسم: وليس هذا بشيء لا بأس به في الحيوان وفي الثياب وغير ذلك إذا ضرب لذلك أجلا؛ ألا ترى أنه يجوز له أن يستأجره إلى أجل. ولا أدري كيف يرجع، وإنما باع سلعته بثمن قد سماه، وبعمل هذه الدابة أو ليس هذا الثوب إلى أجل، فاجتمع بيع وكراء، فلا بأس به.

في المرتهن يبيع الرهن وفي المرتهن يؤاجر الرهن أو يعيره بأمر الراهن
قال ابن القاسم: قال مالك فيمن ارتهن رهنا فباعه أو رهنه: إنه يرده حيث وجده فيأخذه ربه ويدفع ما عليه فيه ويتبع الذي اشتراه الذي غره فيلزمه بحقه.
قلت: أرأيت لو أن المرتهن أجر الرهن بأمر الراهن، إلا أن المرتهن هو الذي ولي الإجارة، أيكون الرهن خارجا من الرهن في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: وكذلك لو أعاره بأمر الراهن إلا أن الذي ولي العارية إنما هو المرتهن؟ قال: نعم، هو في الرهن على حاله؛ لأن الذي ولي ذلك هو المرتهن.
قلت: فإن ضاع عند المستأجر هذا الرهن وهو مما يغيب عليه؟ قال:

في الرجل يرتهن الأمة فتلد في الرهن فيقوم الغرماء على ولدها
قلت: أرأيت إن ارتهنت أمة فولدت أولادا فماتت الأم فقامت الغرماء على الولد؟ قال: الولد رهن بجميع الدين وهذا قول مالك.

فيمن ارتهن دنانير أو دراهم أو فلوساً أو طعاماً ارتهن مصحفاً
فيمن ارتهن دنانير أو دراهم أو فلوسا أو طعاما وفيمن ارتهن مصحفا
قلت: هل يجوز في قول مالك إن ارتهن دنانير أو دراهم أو فلوسا؟ قال: قال مالك: إن طبع عليها وإلا فلا. قلت: أرأيت الحنطة والشعير وكل ما يكال أو يوزن، أيصلح أن يرهن؟ قال: لا بأس أن يرهن عند مالك، ويطبع عليه ويحال بين المرتهن وبين أن يصل إلى منفعته كما يفعل بالدنانير والدراهم، وكذلك سمعته من مالك.
قلت: والحلي يرهن؟ قال: نعم عند مالك. قلت: أفلا يخاف أن ينتفع بلبسه؟ قال: لا، لأن هذا يدخل فيه إذا الثياب وغيره فلا بأس بهذا. قلت: فما فرق فيما بين منفعة الحلي في الرهن ومنفعة الطعام والدراهم؟ قال: الطعام والدراهم يأكله وينفق الدراهم ثم يأتي بمثله، والثياب والحلي ليس يأتي بمثله، إنما هو بعينه ليس يأتي بمثله.
قلت: أرأيت المصحف، أيجوز أن يرهن في قول مالك؟ قال: نعم ولا يقرأ فيه. قلت: فإن لم يكن في أصل الرهن شرط أن يقرأ فيه، فيوسع له رب المصحف أن يقرأ فيه بعد ذلك؟ قال: قال مالك: لا يعجبني ذلك.
قلت: أرأيت إذا كان الرهن من قرض أو بيع؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأراه سواء من قرض كان أو من بيع.

في ارتهان الخمر والمنزير وفيمن ارتهن حلي ذهب أو فضة
في ارتهان الخمر والخنزير وفيمن ارتهن حلي ذهب أو فضة
قلت: أرأيت المسلم، أيجوز له أن يرتهن من ذمي خمرا أو خنزيرا؟ قال: لا يجوز ذلك.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن ارتهنت خلخالين فضة أو

فيمن ارتهن رهناً فقال له الراهن إن جئتك بالثمن إلى أجل كذا وكذا وإلا فالرهن لك بما لك علي
قلت: أرأيت إن رهنته رهنا وقلت له: إن جئتك إلى أجل كذا وكذا، وإلا فالرهن لك بما أخذت منك. قال: قال مالك: هذا الرهن فاسد وينقض هذا الرهن ولا يقر. قال

مالك: من قرض كان أو من بيع، فإنه لا يقر ويفسخ. وإن لم يفسخ حتى يأتي الأجل الذي جعله الراهن للمرتهن بما أخذ من المرتهن إلى ذلك الأجل، فإنه لا يكون للمرتهن، ولكن الرهن يرد إلى ربه يأخذ المرتهن دينه. قلت: أفيكون للمرتهن أن يحبس هذا الرهن حتى يوفيه الراهن حقه، ويكون المرتهن إن أفلس هذا الراهن أولى بهذا الرهن من الغرماء في قول مالك؟ قال: نعم، وإنما معنى قوله: إنه يفسخ أنه إن كان أقرضه إلى سنة على أن ارتهن به هذا المتاع، فإن حل الأجل ولم يوفه فالسلعة للمرتهن بما قبض منه الراهن، فإن هذا يفسخ قبل السنة ولا ينتظر بهما السنة. فهذا معنى قول مالك إنه يفسخ. فأما ما لم يدفع إليه الراهن حقه فليس له أن يخرجه من يده، والمرتهن أولى به من الغرماء. وكذلك لو كان إنما رهنه من بيع فهو والقرض سواء. قال: وقال لي مالك في هذه المسألة: فإن مضى - الأجل والرهن في يد المرتهن أو قبضه - من أحد جعله على يديه بما شرط من الشرط في رهنه. قال: قال مالك: فإن أدرك الرهن بحضرة ذلك رد، وإن تطاول ذلك وحالت أسواقه وتغير بزيادة بدن أو نقصان بدن لم يرده، ولزمته القيمة في ذلك يوم حل الأجل وضمنه. قال سحنون: إنما تلزمه بالقيمة السلعة أو الحيوان؛ لأنه حين أخذها على أنه إن لم يأت بالثمن فهي له بالثمن، فصار إن لم يأت رب السلعة بما عليه فقد اشتراها المرتهن شراء فاسدا، فيفعل بالرهن ما يفعل بالبيع الفاسد. قال ابن القاسم: وقاصه بالدين الذي كان للمرتهن على الراهن من قيمة السلعة ويترادان الفضل. قال مالك: وهذا في السلع والحيوان، وأما الدور والأرضون قال مالك: فليس فيهما فوت وإن حالت أسواقهما وطال زمانهما، فإنها ترد إلى الرهن ويأخذ دينه. قال: وهو مثل البيع الفاسد، كذلك قال مالك: قلت: فإن انهدمت الدار أو بني فيها؟ قال: هذا فوت. وكذلك قال مالك: الهدم فوت والبنيان فوت والغرس فوت.
قلت: فإن هدمها هو أو انهدمت من السماء فذلك سواء في قول مالك؟ قال: نعم
قلت: وهذا في البيع الحرام مثل هذا في قول مالك؟ قال: نعم، ويلزمه قيمتها يوم حل الأجل، وهو يوم قبضها وهذا بيع حرام.

فيمن أسلف فلوساً فأخذ بها رهناً ففسدت الفلوس بعد السلف أو اشترى بفلوس إلى أجل
قلت: أرأيت إن سلفت رجلا فلوسا وأخذت بها رهنا ففسدت الفلوس قال: قال مالك: ليس لك إلا فلوس مثل فلوسك فإذا جاء بها أخذ رهنه؛ لأن مالكا قال: من أسلف فلوسا أو اشترى بفلوس إلى أجل فإنما له نقد الفلوس يوم اشترى، ولا يلتفت

إلى فسادها ولا إلى غير ذلك. قلت: أرأيت إن أتيت إلى رجل فقلت: أسلفني درهم فلوس ففعل، والفلوس يومئذ مائة فلس بدرهم ثم حالت الفلوس ورخصت حتى صارت مائتا فلس بدرهم قال: إنما يرد ما أخذ ولا يلتفت إلى الزيادة. قال: وقال مالك: الشرط باطل، وإنما عليه مثل ما أخذ.

فيمن ارتهن رهناً من غريم فضاع الرهن فقام الغرماء على المرتهن هل يكون الراهن أولى بما عليه من الغرماء
فيمن ارتهن رهنا عن غريم فضاع الرهن فقام الغرماء على المرتهن هل يكون الراهن أولى بما عليه من الغرماء
قلت: أرأيت لو أني ارتهنت من رجل رهنا مما أغيب عليه في طعام أسلفته إياه، أو في دراهم أسلفتها إياه، أو في ثياب أسلفتها إياه، أو في حيوان أو كان ذلك من شيء بعته منه إلى أجل، فضاع الرهن عندي ولا مال لي غير الدين الذي لي عليه من سلم أو قرض، فقامت الغرماء علي وقال الذي لي عليه الحق: أنا أولى بما له علي، من قبل أن رهني قد ضاع في يديه وأنا حائز لما علي، وأنا أولى بقيمة رهني أستوفيه من هذا الدين الذي له علي، فإن فضل عن ديني شيء كان لكم؟ قال: هو أسوة الغرماء؛ لأنه دين كان له عليه ولم يكن هو رهنا عن شيء دفعه إليه. فأرى أن يرجع بقيمته والغرماء فيما عليه من الدين يتحاصون ويتبعونه بما بقي. ولقد سئل مالك عن الرجل يستلف من الرجل سلفا - مائة دينار - فيبتاع الذي أسلف من الذي استسلف سلعة بمائة دينار، ولم يسم أنها في ثمن سلعته، فيفلس أحدهما. قال مالك: هو دين له يحاص الغرماء، أيهما أفلس وليس له أن يقول: لي عليه مثله فأنا أحق به، فكذلك مسألتك.

في المتكفل يأخذ رهنا
قلت: أرأيت الرجل يتكفل عن الرجل بحق عليه ويأخذ بذلك رهنا من الذي تكفل عنه، أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، هذا جائز؛ لأنه إنما تكفل بحق.

الدعوى في الرهن
قلت: أرأيت إن ارتهنت رهنا قيمته مائتا دينار، فقلت: ارتهنته بمائتي دينار، وقال الراهن: بل رهنتكه بمائة ولك علي مائتا دينار إلا أن مائة منها لم أرهنك بها رهنا؟ قال: القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن مثل ما قال مالك: إذا ارتهن رهنا بحق له وأنكر الراهن، وقال هو رهن من بأقل من قيمتها، فكذلك إذا أقر له الراهن بما قال

الدعوى في الرهن وقد حالت أسواقه بزيادة أو نقصان
قلت: أرأيت إن ارتهنت من رجل سلعة قيمتها ألف درهم، ثم حالت أسواق السلعة فصارت تساوي ألفي درهم، فتصادقا على قيمتها - الراهن والمرتهن - أن قيمتها يوم قبضها ألف درهم، وأن أسواقها حالت بعد ذلك فصارت تساوي ألفي درهم، أو نمت السلعة في يديهما حتى صارت تساوي ألفي درهم، وادعى الراهن أنه إنما كان رهنها بألف درهم، وقال المرتهن بل ارتهنتها بألفي درهم، والمرتهن مقر أنه إنما كانت قيمتها يوم ارتهنها ألف درهم بكم تجعلها رهنا، فالقول قول من؟ قال: قال مالك: إنما ينظر إلى قيمة الرهن يوم يحكم فيها، فيكون القول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن يوم يحكم فيها، ولا ينظر إلى قيمتها يوم قبضت، ولم أسمعه يقول في قيمتها: إنهما تصادقا ولم يتصادقا ولكن إن تصادقا في ذلك أو لم يتصادقا، فإن القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمتها يوم يحكم عليهما؛ ألا ترى أن مالكا لم يقل - إذا اختلفا في القيمة -: إنه ينظر إلى قيمتها يوم قبضها، فيسأل أهل المعرفة عن قيمتها يومئذ، فلو كان ينظر إلى قولهما إذا تصادقا على القيمة يوم قبضها؛ لقال ينظر في قيمتها يوم قبضها إذا اختلفا.

الدعوى في قيمة الرهن
قلت: أرأيت لو رهنت رجلا ثوبين بمائة درهم، فضاع أحدهما فاختلفا في قيمة الذاهب، القول قول من؟ قال: قال مالك: القول قول المرتهن في قيمة الرهن إذا هلك بعد الصفة مع يمينه، ويذهب من الرهن مقدار قيمة الثوب الذاهب.
قلت: وهذا قول

فيمن باع سلعة من رجل على أن يأخذ عبده رهنا فافترقا قبل أن يقبضه من المشتري أو باعه المشتري قبل أن يقبضه
قلت: أرأيت إن بعت سلعة من رجل على أن آخذ عبده ميمونا رهنا بحقي، فافترقنا قبل أن أقبض ميمونا، أيفسد الرهن بافتراقنا قبل القبض؟ قال: لا. قلت: فإن قمت عليه بعد ذلك كان لي أن آخذ منه الغلام رهنا أم لا؟ قال: نعم. قلت: فإن قامت عليه الغرماء قبل أن آخذه منه أكون فيه أسوة الغرماء؟ قال: نعم قلت: فإن باعه قبل أن أقبضه منه؟ قال: بيعه جائز.
قلت: أفيلزمه أن يعطيني رهنا مكانه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه أنه يعطيك رهنا مكانه، إلا أن مالكا قال: إن أمكنه من الرهن فباعه فبيعه جائز، وليس له إلى الرهن سبيل، فهو حين تركه في يديه فلم يقبضه منه حتى باعه فقد تركه. قلت: وكل هذه المسائل التي سألتك عنها في ميمون في هذا الرهن هو قول مالك؟ قال: نعم. قلت لم أجزت بيع الراهن لهذا العبد الذي قد شرط هذا المرتهن حين باعه السلعة، أنه يأخذه رهنا؟ ولماذا أجزت بيع الرهن للعبد لم لا يفسخ البيع بينهما؛ لأن البائع شرط في عقد البيع أنه يأخذ ميمونا رهنا بحقه؟ قال: إنك تركته في يديه حتى باعه، فكأنك تركت الرهن الذي كان لك. قال سحنون: وهذا إذا كان تركه في يد المولى تركا، يرى أن تركه رضا منه بإجازة البيع بلا رهن.

فيمن باع من رجل سلعة على أن يأخذ منه رهناً فلما تم البيع لم يجد ما يأخذ منه
قلت: أرأيت إن بعت رجلا سلعة إلى سنة، على أن يعطيني منه رهنا وثيقة من حقي، فمضيت معه فلم أجد عنده رهنا؟ قال: أنت أعلم، إن أحببت أن تمضي البيع بلا رهن، وإن شئت أخذت سلعتك ونقضت البيع.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه.

في اختلاف الراهن والمرتهن
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل: عبداك هذان اللذان عندي هما جميعا عندي رهن بألف درهم لي عليك فقال له الرجل: أما ألف درهم لك علي فقد صدقت أن لك

فيمن رهن رجلا نمطا وجبة فادعى المرتهن أن النمط كان وديعة وقد ضاع منه وادعى الراهن الجبة كانت وديعة والنمط رهنا
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ثوبين، أحدهما نمط والآخر جبة، فقال المدفوع إليه الثوبان: أما النمط فكان وديعة وقد ضاع، وأما الجبة فرهن وهي عندي. وقال رب الثوبين: بل كان النمط رهنا والجبة وديعة، القول قول من في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن أرى هذه المسألة مثل المسألة الأولى، القول قول الراهن في أن الثوب الباقي ليس برهن، ولا تكون دعوى المرتهن شيئا ههنا إلا ببينة، ولا يلزم المرتهن من ضياع الثوب الذاهب شيء؛ لأنه قال: إنما كان وديعة عندي، وكل واحد منهما مدع على صاحبه. قال سحنون: فليس يصدق صاحب الثوبين فيما ادعى أن الثوب الذاهب، كان رهنا وليس على الذي كان في يديه من غرمه شيء، وليس يصدق الذي في يديه الثوب أن الباقي هو الراهن وليس هو برهن، ولكن يأخذ صاحب الثوب ثوبه، ويبرأ هذا من ضمان الثوب الذي ذهب؛ لأنه زعم أنه كان وديعة، ويتبعه بدينه الذي له عليه.

فيمن ارتهن زرعا لم يبد صلاحه أو ثمرة لم يبد صلاحها
قلت: هل يجوز في قول مالك، أن أرتهن مالا يحل بيعه؟ قال: نعم، مثل الزرع الذي لم يبد صلاحه والثمرة التي لم يبد صلاحها.
قلت: فإن كان الدين إلى أجل، فارتهنت ثمرة لم يبد صلاحها، أو زرعا لم يبد صلاحه، فمات الراهن قبل حلول الأجل - والذي في يدي من الرهن لم يبد صلاحه - أيكون ديني قد حل - في قول مالك - حين مات الراهن؟ قال: نعم قلت: ويباع لي هذا الرهن قبل أن يبدو صلاحه؟ قال: لا، ولكن إن كان للراهن مال أخذت حقك ورددت عليهم شيأهم، وإن لم يكن للميت مال انتظرت فإذا حل بيعه بعته وأخذت حقك وهو قول مالك، لأن مالكا قال في الديون

فيمن ارتهن عبدا فادعى أنه أبق أو حيوانا فادعى أنها ضلت وفي تظالم أهل الذمة في الرهن وما يجوز للمكاتب من الرهن والعبد المأذون له في التجارة
قلت: أرأيت إن ارتهنت عبدا فادعيت أنه أبق قال: القول قولك عند مالك.
قلت: أرأيت إن ارتهنت حيوانا فادعيت أنها قد ضلت مني، قال: القول قولك ودينك كما هو على الراهن. قلت: أرأيت الرهون إذا تظالم أهل الذمة فيما بينهم أيحكم بينهم في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت المكاتب إذا رهن أو ارتهن، أيجوز في قول مالك؟ قال: نعم إذا أصاب وجه الرهن؛ لأنه جائز الشراء والبيع. قال سحنون: إذا ارتهن في مال أسلفه فليس بجائز؛ لأنه لا يجوز له، أن يصنع المعروف، فإن ارتهن في مال أسلفه فهو جائز.
قلت: أرأيت إن وجد السيد مع المكاتب مالا قبل حلول أجل الكتابة وفيه وفاء من الكتابة أو أقل من الكتابة، أيجوز له أن يأخذه منه في قول مالك أم لا؟ قال: ليس له ذلك
قلت: أرأيت إن رهنني رجل بكتابة مكاتبي رهنا، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا تجوز الحمالة للسيد بكتابة مكاتبه عند مالك، فكذلك الرهن عندي لا يجوز مثل الحمالة.
قلت: أرأيت العبد التاجر، أيجوز ما رهن وما ارتهن في قول مالك؟ قال: نعم. قال سحنون: إلا في الفلس؛ لأنه لا يجوز له أن يسلف. قلت: أرأيت المكاتب أيجوز له أن يرهن ولده أو أم ولده في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن خاف العجز جاز له أن يبيع أم ولده، وليس له أن يبيع ولده وإن خاف العجز، فأراه إن خاف العجز جاز له أن يرهن أم ولده، وليس له أن يرهن ولده مثل قول مالك في البيع.

فيمن رهن جارية فأعتقها أو دبرها أو كاتبها
قلت: أرأيت إن رهنت أمتي فأعتقتها وهي في الرهن، أو كاتبتها أو دبرتها؟ قال: قال مالك: إن أعتقها وله مال، أخذ المال منه فدفع إلى المرتهن وعتقت الجارية. والتدبير جائز، وتكون رهنا بحالها؛ لأن الرجل يرهن مدبره عند مالك إن أحب. وأما الكتابة فهي عندي بمنزلة العتق، إن كان للسيد مال أخذ منه ومضت الكتابة. قال سحنون: فالتدبير بمنزلة العتق سواء ويعجل له حقه، كذلك قال مالك: ذكره ابن وهب عن مالك. وكذلك الكتابة إن كان له مال، إلا أن يكون في ثمن الكتابة إذا بيعت وفاء للدين، فتكون الكتابة جائزة.

فيمن وطيء أمة وهي في الرهن بإذن أو بغير إذن
فيمن وطئ أمة وهي في الرهن بإذن أو بغير إذن
قلت: فإن وطئها الراهن فأحبلها قال: قال مالك: إن كان وطئها بإذن المرتهن، - أذن له في الوطء - أو كانت مخلاة تذهب في حوائج المرتهن وتجيء، فهي أم ولد للراهن ولا رهن للمرتهن فيها. وإن كان وطؤه إياها على وجه الاغتصاب لها والتسور عليها بغير إذن؛ فكان له مال، أخذ منه المال فدفع إلى المرتهن وكانت الجارية أم ولد للراهن، وإن لم يكن له مال بيعت الجارية بعد أن تضع ولم يبع ولدها، فإن نقص من ثمن الجارية عن حق المرتهن اتبع السيد بذلك، ولم يبع الولد ويتبع الولد أباه. قال سحنون: وإن كانت تذهب وتجيء في حوائج المرتهن إذا لم يأذن له المرتهن في الوطء، فهو كالمتسور عليها؛ لأنه وطئ بغير إذن ولا أمر من المرتهن. قلت: أرأيت إن أعتق السيد الجارية وهو موسر، ودين المرتهن لم يحل بعد، أتأمره أن يخرج رهنا فيجعله مكانها ثقة من حق المرتهن، أم تأمر الراهن أن يقضي المرتهن حقه قبل حلول الأجل في قول مالك؟ قال: قال مالك: يعجل له حقه وتعتق الجارية.

فيمن رهن عبدا فأعتقه وهو في الرهن
قلت: أرأيت إن أعتقت العبد الذي رهنت وأنا معسر، أيكون العبد رهنا على حاله إلى محل الأجل في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن أفدت مالا قبل محل الأجل؟ قال: يؤخذ منك الدين ويخرج العبد حرا مكانه، وهذا قول مالك. قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق عبده، ولا مال له، وعلى السيد دين، فأراد الغرماء بيع العبد فقال العبد: خذوا دينكم مني ولا تردوني في الرق، أو قال لهم أجنبي من الناس: خذوا دينكم مني

في الرجل يستعير السلعة ليرهنها
قلت: أرأيت الرجل يستعير السلعة ليرهنها، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن استعرتها لأرهنها، فرهنتها فضاعت عند المرتهن وهي مما يغيب عليها المرتهن؟ قال: قال مالك، في رجل يرتهن متاعا لغيره وقد أعيره ليرهنه: إن الراهن إن لم يؤد الدين باعه المرتهن في حقه إذا حل الأجل، واتبع المعير المستعير بما أدى عنه من ثمن سلعته دينا عليه. وقال مالك في ضمانها: إنها إذا هلكت، أن للمعير أن يتبع المستعير بقيمتها دينا عليه. قال: وأما كل ما لا يغيب عليه فإنه ضمان على من استعاره ليرهنه، فرهنه، ولا على من كان في يديه، ولا يتبع من أعاره الذي استعاره منه بشيء من قيمته.

في رجل رهن عبداً ثم أقرأنه لغيره وفي العبد يكون رهناً فيجني جناية
في رجل رهن عبدا ثم أقر أنه لغيره وفي العبد يكون رهنا فيجني جناية
قلت: أرأيت إن رهنت عبدا فأقررت أنه لغيري، أيجوز في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز إقرارك في هذا.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الآن. قلت: أرأيت ما جنى العبد عند المرتهن، أيلزم المرتهن من ذلك شيء في قول مالك أم لا؟ قال: لا يلزم المرتهن من ذلك شيء عند مالك. قلت: فإن كان موسرا فأقره الذي أقر له رهنا فهو بحاله إلى أجله، وإن أبى إلا أخذه وعجل للمرتهن حقه؟ قال: نعم، وإن كان المقر معسرا لم يجز إقراره على المرتهن، وكان المقر له بالخيار، إن شاء ضمن الراهن قيمته واتبعه بها، وإن شاء وقف. فإن أفاد الراهن مالا، أخذ عبده وقضى المرتهن حقه، وإن لم يفد مالا حتى يحل الأجل ويباع في الدين ويقضي المرتهن ثمنه. فإن شاء أخذه من الراهن أو قيمته يوم نقد وإن شاء أخذ منه ثمنه الذي قضى عن نفسه إن أفاد يوما مالا.

فيمن رهن رجلا سلعة سنة فإذا مضت السنة فهو خارج من الرهن
قلت: أرأيت رجلا رهن رجلا رهنا جعله هذه السنة رهنا، فإذا مضت السنة خرج من الرهن، أيكون هذا رهنا أم لا؟ قال: لا يعرف هذا من رهون الناس، ولا يكون هذا رهنا.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا ولا أراه رهنا.
قلت: أرأيت إذا قال الرجل لعبده: أد الغلة إلي، أيكون هذا مأذونا له في التجارة في قول مالك؟ قال: لا يكون مأذونا له بهذا.

فيمن استعار عبدا ليرهنه فأعتقه السيد وهو في الرهن
قلت: أرأيت لو استعرت عبدا لأرهنه، فرهنته فأعتقه سيده وهو موسر أيجوز العتق أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا رهن عبد نفسه ولم يستعره فأعتقه سيده وهو موسر، كان عتقه جائزا. فأرى في مسألتك أن عتق المعير جائز إذا كان موسرا ويقال للمعير: قد أفسدت الرهن على المرتهن فأد الدين وخذ عبدك، إلا أن تكون قيمة العبد أقل من الدين، فلا يكون عليه إلا قيمته؛ لأنها كأنها هو، فإن كان الدين قد حل رجع المعير بما أدى على المستعير، وإن كان الدين لم يحل؛ لم يرجع به المعير على المستعير حتى يحل الدين، فإذا حل الدين رجع عليه بالدين.

في العبد المأذون له في التجارة يشتري أبا مولاه
قلت: أرأيت لو أن عبدا مأذونا له في التجارة اشترى أبا مولاه أو ابنه، أيعتق أم لا؟ قال: قال مالك: إذا ملك العبد العبد من لو ملكهم سيده عتقوا على سيده، فإنهم يعتقون في مال العبد.
قلت: فلو أن العبد اشتراه وهو يعلم أنه أبا مولاه أو ابنه، أو هو لا يعلم ذلك، أهو سواء، يعتقون عليه إذا ملكهم العبد أم لا؟ - والبائع يعلم أو لا يعلم - قال: أرى إن باعه البائع - والبائع يعلم أو لا يعلم - فذلك سواء، وينفذ البيع ويعتقون على العبد، وليس على البائع أن يعلمه ذلك ولا يجبره؛ لأنه لو باع رجل رجلا أبا نفسه أو ابنه، لم يكن عليه أن يعلمه، وسواء علم السيد أو لم يعلم، فإنهم يعتقون. فإن كان العبد قد علم بذلك فاشتراه على ذلك وهو يعلم فإن ذلك لا يجوز، وإنما ذلك بمنزلة أن لو أعطاه سيده مالا يشتري له عبدا فاشترى أبا مولاه، فإن ذلك لا يجوز على سيده وليس له أن يتلف مال سيده.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل سلعة يبيعها فباعها وأخذ

فيمن ارتهن عصيرا فصار خمرا وهل يجوز له أن يعالجه حتى يصير خلا
قلت: أرأيت لو ارتهن رجل عصيرا فصار خمرا، كيف يصنع؟ قال: يرفعها إلى السلطان فيأمر السلطان بها فتهراق.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يوصي إلى الرجل فتكون في تركته خمر. قال: قال مالك: أرى أن يهريقها الوصي. ولا يهريقها إلا بأمر السلطان خوفا من أن يتعقب بأمر من يأتي بطلبه فيها، وكذلك مسألتك. قال مالك: وإذا ملك المسلم خمرا أهريقت عليه ولم يترك أن يخللها.
قلت: فإن أصلحها فصارت خلا؟ قال: قد أساء ويأكله، كذلك قال مالك.

فيمن رهن جلود السباع والميتة
قلت: أرأيت جلود الميتة إذا دبغت، أو جلود السباع إذا كانت ذكية، أيجوز أن يرهنها الرجل؟ قال: أما جلود الميتة فلا يجوز أن يرهنها الرجل؛ لأنه لا يجوز بيعها عند مالك وإن دبغت. وأما جلود السباع إذا كانت ذكية فلا بأس ببيعها عند مالك، فأرى أنه لا بأس برهنها.
قلت: إذا كانت جلود السباع ذكية؛ جاز البيع فيها والرهن دبغت أو لم تدبغ؟ قال: نعم، وكذلك قال مالك في الصلاة بها، والبيع والرهن عندي مثل ذلك.
قلت: لم لا تجيز جلود الميتة في الرهن وإن كنت لا تجيز بيعها، بمنزلة ما أجزت في الزرع قبل أن يبدو صلاحه، والثمرة قبل أن يبدو صلاحها في الرهن في قول مالك، ومالك لا يجيز هذا في البيع؟ وما فرق بين جلود الميتة وهذا؟ قال: لأن الثمرة والزرع قد يحل بيعهما يوما ما إذا أزهت، وجلود الميتة لا يحل بيعها عند مالك على حال من الحالات، فهذا فرق ما بينهما.

في المقارض يشتري بجميع مال القراض عبدا ثم يشتري آخر فيرهن الأول وفي الرجل يرهن الجارية فيطؤها المرتهن
قلت: أرأيت المقارض، أيجوز له أن يشتري بالدين على المقارضة في قول مالك؟ قال: لا. قلت: فإن اشترى بجميع مال المقارضة عبدا، ثم اشترى عبدا آخر بألف درهم، فرهن العبد الذي اشتراه بمال المقارضة مكان هذا العبد، أيجوز أم لا؟ وهل ترى أنه اشترى بالدين؛ لأن جميع مال المضاربة قد نقده في العبد الأول؟ قال: لا أرى أن يجوز ذلك.
قلت: أرأيت إن قال له رب المال: اشتر على المقارضة بالدين، أيجوز هذا؟ قال مالك: هذه مقارضة لا تحل، قال ابن القاسم: ولا ينبغي له هذا؛ لأنه لو جاز هذا جاز أن يقارض الرجل الرجل بغير مال؛ ألا ترى أنه لما قال له ما اشتريت به من دين فهو على القراض، فهو كرجل قارض على غير مال، فهذا لا يجوز قلت: أرأيت إن أعرت رجلا سلعة ليرهنها، وأمرته أن يرهنها بكذا وكذا درهما، فرهنها بطعام ولم يرهنها بدراهم، أتراه مخالفا؟ وتراه ضامنا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن ارتهنت أمة فوطئتها فولدت مني، أيقام علي الحد في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ويكون الولد رهنا معها في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ولا يثبت نسب الولد من المرتهن في قول مالك؟ قال: نعم، لا يثبت نسبه عند مالك. قلت: أرأيت السيد، هل يكون له على المرتهن مهر مثلها في قول مالك، مع الحد الذي عليه إن كانت طاوعته الجارية أو أكرهها؟ قال: إنما على الرجل في قول إذا أكره جارية رجل فوطئها ما نقصها بكرا كانت أو ثيبا.
قلت: أرأيت هذا الذي وطئ الجارية فولدت وهي رهن عنده، إن اشتراها أو اشترى ولدها أيعتق عليه ولدها في قول مالك أم لا؟ قال: لا يعتق عليه؛ لأنه لم يثبت نسبه منه.

فيما وهب للأمة وهي رهن
قلت: أرأيت ما وهب للأمة وهي رهن، أيكون رهنا معها في قول مالك؟ قال: لا يكون ذلك رهنا معها في قول مالك، ويكون ذلك موقوفا بمنزلة مالها إلا أن ينتزعه السيد.
قلت: أرأيت لو ارتهنها ولها مال، أيكون مالها رهنا معها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون مالها رهنا معها إلا أن يشترطه المرتهن
قلت: أرأيت إن اشترط مالها رهنا معها والمال مجهول، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: نعم لأن مالكا أجازه في البيع.

فيمن ارتهن زرعا لم يبد صلاحه أو نخلا ببئرهما فانهارت البئر
قلت: أرأيت لو ارتهنت زرعا لم يبد صلاحه ببئره، أو نخلا في أرض ببئرها فانهارت البئر، وقال الراهن: لا أنفق على البئر. فأراد المرتهن أن ينفق ويصلح رهنه ويرجع عليه بما أنفق على الراهن؟ قال: ليس له أن يرجع على الراهن بشيء؟ ولكن يكون ما أنفق في الزرع وفي رقاب النخل، إن كان إنما أنفق عليها خوفا من أن يهلك ويستوفي ما أنفق ويستوفي دينه، ويبدأ بمان أنفق قبل دينه، ثم يأخذ دينه بعد ذلك، فإن بقي شيء كان لربه؛ لأن مالكا قال في الرجل يستكري الأرض يزرع فيها فتتهور بئرها أو تنقطع عينها أو يساقي الرجل الرجل فتتهور البئر أو تنقطع العين. قال: إن أحب المساقي أو المستكري أن ينفق على العين، أو البئر حتى تتم الثمرة فيبيعها ويستوفي ما أنفق من حصة صاحب النخل في المساقاة، ويقاص المستكري من كراء تلك السنة التي تكاراها بما أنفق، وإن تكاراها سنين فليس له أن ينفق الإكراء سنة واحدة يقاصه بكراء سنة، فإن فضل مما أنفق لم يبلغه كراء السنة، أو حصة صاحبه في المساقاة؛ لم يكن له أن يتبعه بأكثر من ذلك. فأرى في مسألتك إذا خاف هلاك الزرع أو النخل فأنفق، رأيت ذلك له ويبدأ بما أنفق. فإن فضل فضل كان في الدين بمنزلة الزرع الذي يرهنه الرجل، فيخاف الهلاك فيعرض الراهن على المرتهن أن ينفق فيه فيأبى، فيأخذ مالا من رجل آخر فينفقه فيه، فيكون الآخر أحق بهذا الزرع حتى يستوفي حقه من المرتهن الأول، فإن فضل فضل كان للمرتهن الأول.
قلت: أرأيت إن لم يخرج الزرع إلا تمام دين الآخر أين يكون دين المرتهن الأول؟ قال: يرجع الأول بجميع دينه على الراهن قلت: أرأيت الثمرة، أتكون رهنا مع النخل إذا كانت في النخل يوم يرتهنها، أو أثمرت بعد ما ارتهنها في قول مالك؟ قال: لا تكون رهنا وإن كانت في النخل يوم ارتهنها، أو أثمرت بعد ما ارتهنها - بلحا كانت أو غير بلح - ولا ما يأتي بعد من الثمرة إلا أن يشترطه المرتهن. قال: وهذا قول مالك. قلت: أرأيت لو أن رجلا رهن أرضا فيها نخل ولم يسم النخل في الرهن، أيكون النخل مع الأرض في الرهن أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: في رجل أوصى لرجل بأصل نخل، فقال الورثة: إنما أوصى له بالنخل، والأرض لنا؟ قال مالك: الأصل من الأرض والأرض من الأصل، فكذلك مسألتك في الرهن إذا رهنه الأصل، فالأرض مع الأصل، فإذا رهنه الأرض فالنخل مع الأرض. قال: ومما يبين لك ذلك، لو أن رجلا اشترى نخل رجل أن الأرض مع النخل.

فيمن ارتهن أرضاً فأذن للراهن أن يزرعها أو يؤاجرها
فيمن ارتهن أرضا فأذن للراهن أن يزرعها أو يؤجرها
قلت: أرأيت إن ارتهنت أرضا فأتاني السلطان فأخذ مني خراجها، أيكون لي أن أرجع على ربها بذلك؟ قال: لا، إلا أن يكون حقا عليه وإلا فلا.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: أرأيت أرضا ارتهنتها فأذنت للراهن أن يزرعها فزرعها، أتكون خارجة من الرهن أم لا؟ قال: نعم.
قلت: فإن زرعها ربها ولم يخرجها من يدي؟ قال: إذا زرعها ربها فليست في يديك، وإنما ذلك بمنزلة الدار يرتهنها ثم يسكنها ربها، أو العبد يرهنه ثم يخدم العبد ربه، فهذا كله خروج من الرهن، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن أكراها الراهن بأمر المرتهن؟ قال: هذا خروج من الرهن، وهذا إسلام من المرتهن إلى الراهن.

في الرجلين يرتهنان الثوب بيد من يكون منهما؟
قلت: أرأيت إن ارتهنا ثوبا أنا وصاحب لي، على يدي من يكون؟ قال: إن رضيتما ورضي الراهن معكما أن يكون على يدي أحدكما فذلك جائز، والذي ليس في يديه شيء تكون حصته من ذلك في الضياع على الراهن، وحصة الذي الثوب على يديه في الضياع منه، وهذا رأيي قلت: فإن ارتهنا الثوب ولم يجعله الراهن على يدي أحدهما، كيف يصنعان به هذان وعند من يكون؟ قال: يجعلانه حيث شاء وهما ضامنان له.

في الرجلين يكون لهما دين مفترق دين أحدهما من سلم والآخر من قرض أو دين أحدهما دراهم والآخر شعير فأخذا بذلك رهنا
ً
في الرجلين يكون لهما دين مفترق دين أحدهما من سلم والآخر من قرض أو دين أحدهما دراهم والأخر شعير فأخذ بذلك رهنا
قلت: أرأيت إن كان لرجلين على رجل دين مفترق، دين أحدهما من سلم، ودين الآخر من قرض، أو دين أحدهما دراهم، ودين الآخر شعير، فأخذا بذلك رهنا واحدا، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: هذا جائز عند مالك، إلا أن يكون أحدهما أقرضه قرضا على أن يبيع الرجل الآخر بيعا ويأخذ بذلك جميعا رهنا، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا قرض جر منفعة. وأما إن كان الدين قد وجب من بيع ومن قرض، ولم يقع بينهما شيء من هذا الشرط، فلا بأس بما ذكرت. وإن كانا أقرضاه جميعا معا واشترطا على أن يرهنهما، فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن قضى أحدهما دينه أيكون له أن يأخذ حصته من الرهن أم لا؟ في قول مالك قال: قال مالك: في الرجلين تكون بينهما الدار فيرهناها بمائة دينار، فيأتي أحدهما بحصته من الدين ويريد أن يفتك نصيبه من الدار. قال: قال مالك: ذلك له، فمسألتك مثل هذا، إلا أن في مسألتك إن كان كتابهما في ذكر حق واحد، وكان دينهما واحدا، فليس لواحد منهما أن يقتضي حصته دون

في رجل جنى جناية فرهن بها رهنا
قلت: أرأيت إن جنى رجل على رجل جناية لا تحملها العاقلة، فرهنه بتلك الجناية رهنا وعليه دين يحيط بماله، وهذا قبل أن تقوم عليه الغرماء، فقامت عليه الغرماء ففلسوه، فقالت الغرماء: إن هذا الرهن الذي ارتهنه من صاحب الجناية إنما هو من أموالنا، وإنما دين صاحب الجناية من غير بيع ولا شراء ولا قرض؛ فلا يكون له الرهن دوننا، ونحن أولى به، هل تحفظ من مالك فيه شيئا؟ قال: قال مالك: في الرجل يجني جناية لا تحملها العاقلة، ثم تقوم الغرماء عليه فيفلسونه: إن صاحب الجناية يضرب بدينه مع الغرماء. قال ابن القاسم: فأرى الرهن جائزا للمرتهن المجني عليه مثل هذا القول.
قلت: أرأيت لو أن رجلا رهن عبدين عند رجل. فقتل أحدهما صاحبه، بكم يفتك الراهن الباقي؟ قال: بجميع الدين؛ لأن مصيبة العبد من الراهن.

فيمن رهن رهناً فأقر الراهن أنه جنى جناية أو استهلك مالاً وهو عند المرتهن
قلت: أرأيت إن رهن رجل عبدا له، فأقر الراهن أن عبده هذا الرهن قد جنى جناية، أو استهلك مالا وهو عند المرتهن، والسيد موسر أو معسر؟ قال: إن كان معسرا لم يصدق على المرتهن وإن كان موسرا قيل للسيد: ادفع أو افد فإن قال: أنا أفديه فداه وكان رهنا على حاله، وإن قال: لا أفدي وأنا أدفع العبد، لم يكن له أن يدفعه حتى يحل له الأجل. فإذا حل الأجل أدى الدين ودفع العبد بجنايته التي أقر بها، وإن أفلس قبل أن يحل الأجل كان المرتهن أولى به من الذين أقر لهم بالجناية. ولا يشبه إقراره ههنا البينة إذا قامت على الجناية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه، ولكن قد قال مالك - في جناية العبد إذا كان رهنا فقامت عليه البينة على الجناية -: ما قد أخبرتك وهذا رأيي.

فيمن حبس على ولده دارا وهم صغار أو تصدق بدار وهو فيها ساكن حتى مات
قلت: أرأيت إن حبست على ولدي دارا لي وهم صغار، أو تصدقت عليهم وهم صغار في حجري بدار لي، وأشهدت لهم إلا أني فيها ساكن حتى مت أيجوز ذلك أم لا؟ في قول مالك. قال: قال مالك: في الرجل يهب لولده الصغار وهم في حجره دارا، أو يتصدق بها عليهم أو يحبسها عليهم: إن حوزه لهم حوز، وصدقتهم وهبتهم والحبس عليهم ثابت جائز، إلا أن يكون سكن فيها كلها حتى مات. فإن كان ساكنا فيها كلها حتى مات، فهي موروثة على فرائض الله، وإن كانت دارا كبيرة فسكن القليل منها وجلها الأب يكريه، فحوزه لهم فيما سكن وفيما لم يسكن حوز كله وتجوز الهبة والحبس والصدقة في الدار كلها إذا كان إنما سكن الشيء الخفيف منها. قال مالك: وإن كانت دارا سكن جلها والذي يكري منها القليل؛ لم يجز للولد منها قليل ولا كثير، لا ما أكرى ولا ما سكن. قال: والأحباس والهبة والصدقة كلها سواء. قال مالك: وإن حبس ذلك في دور مفترقة فسكن في دار منها ليست تلك الدار التي سكن جل حبسه ولا أكثره، وهي في هذه الدور التي حبس خفيفة؛ رأيت الحبس جائزا للولد فيما سكن من ذلك وفيما لم يسكن. قال مالك: وإن كانت الدار التي سكن، هي جل الدور وأكبرها قال مالك: فلا يجوز من الدور ههنا للولد قليل ولا كثير، لا ما سكن ولا ما لم يسكن. قال سحنون: الكبار غير الصغار؛ لأنه يسكن القليل للصغار، فيحوز الباقي لهم، فيكون حاز الحوز، وأما إذا كانوا كبارا يلون أنفسهم، فقبضوا لأنفسهم وبقي يسكن من ذلك المعظم فإن ذلك غير جائر. وقال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول في حيازة الدور: إذا حبسها الرجل على ولده الصغار أو الكبار، وسكن منها المنزل وهي ذات منازل، فحاز الكبار سائر الدار أو كانوا أصاغر فكانت الدار في يديه إلا أنه ساكن في منزل منها كما ذكرت لك. قال مالك: إن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت حبسا جميعا داريهما، وكانا يسكنان فيهما حتى ماتا منزلا منزلا منها، قال مالك: فنفذ حبسهما ما سكنا وما لم يسكنا قال مالك: وإذا كان الشيء على ما وصفت لك إذا سكن من حبسه أقله؛ جاز ذلك كله، وإن كان سكن أكثره أو كله؛ لم يجز منه قليل ولا كثير.

في الرجل يغتصب الرجل عبدا فيجني عنده أو يرتهن عبدا فيعيره
قلت: أرأيت إن غصبني رجل عبدا فجنى عنده جناية، ثم رده علي وفي رقبته الجناية؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، إلا أني أرى أن سيد العبد مخير، إن أحب أسلم العبد وأخذ قيمته من الغاصب فذلك له، وإن أحب أن يفتكه بدية الجناية فذلك له، ولا يتبع الغاصب من ذلك بشيء مما دفعه فيه. قال سحنون: وقول ابن القاسم أحسن وهو أحب إلي.

في رجل ارتهن عبدا فأعاره بغير أمر الراهن
قلت: أرأيت لو أني ارتهنت من رجل عبدا، فأعرته رجلا بغير أمر الراهن، فمات العبد عند المعار، أيضمن المرتهن قيمته أم لا؟ قال: إن لم يعطب في عمل استعمله المستعير فيه فلا ضمان على واحد منهما، وإذا مات من أمر الله فلا ضمان على واحد منهما، لا على المرتهن ولا على المستعير. قلت: لم أوليس هذا المرتهن غاصبا حين أعار العبد بغير إذن سيده؟ قال: لا قلت: تحفظه عن مالك، أن المرتهن لو استودعه رجلا بغير أمر الراهن لم يضمن؟ قال: لا، وهو رأيي إلا أن يكون الذي استودعه أو استعاره أو استعمله عملا أو بعثه مبعثا مما يعطب في مثله فيضمن. قال سحنون: هو ضامن، كان هلاكه بأمر من الله أو غيره، فإنه إنما هلك بعد التعدي وبعد أن ضمن قيمته؛ لأنه حين تعدى فقد ضمن.

في الرجل يرهن أمته ولها زوج، أيجوز أن يطأها أو يزوج أمته وقد رهنها قبل ذلك أو يرهن جارية عبده
قلت: أرأيت لو أني ارتهنت جارية لها زوج، أيكون لي أن أمنع زوجها من الوطء في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس له أن يمنع زوجها من الوطء. قال: وقال مالك: أرأيت لو باعها، أيكون للمشتري أن يمنع زوجها من الوطء؟ أي ليس له أن يمنعه، فكذلك المرتهن. قال: وقال مالك: ولو أن رجلا رهن جارية عبد له؛ لم يكن لسيد هذا العبد أن يطأها. قال مالك: وكذلك لو رهنهما جميعا - عبده وأمته - لم يكن للعبد أن يطأها. قال أشهب: إن وطئ العبد جاريته بأمر المرتهن فقد أفسد رهنه. قلت: أرأيت إن افتكهما السيد، أتكون الجارية للعبد كما هي في قول؟ مالك قال: نعم. قلت: وسواء إن كان رهنها السيد وحدها ثم افتكها، أو رهنها هي وسيدها العبد ثم افتكهما، أهما سواء؟ أتكون الجارية للعبد؟ قال: قال مالك: إنه إذا افتكها السيد رجعت إلى العبد بحال ما كانت قبل الرهن، وكذلك إذا رهنهما جميعا فافتكهما هو أبين منه حين رهنها دونه.
قلت: أرأيت إن زوج أمته وقد رهنها قبل ذلك، أيجوز هذا التزويج في قول مالك؟ قال: لا يجوز تزويجه إياها؛ لأن التزويج عيب يلحق الجارية، فليس للسيد أن يدخل في الرهن ما ينقصه إلا أن يرضى بذلك المرتهن فإن رضي بذلك جاز.

في الرهن بالسلف
قلت: أرأيت إن ارتهنت من رجل جارية، قيمتها خمسمائة درهم بخمسمائة درهم أسلفته إياها، ثم جاءني بعد ذلك فقال: أسلفني خمسمائة أخرى. فقال: لا، إلا أن ترهنني جاريتك

في ارتهان الدين يكون على الرجل
قلت: لابن القاسم: هل يجوز - في قول مالك - أن يرتهن الرجل الدين يكون له على رجل ويبتاع من رجل بيعا، أو يستقرض منه قرضا فيقرضه ويرتهن منه الدين الذي له على ذلك الرجل؟ فقال: قال مالك: نعم له أن يرتهن ذلك فيقبض ذكر الحق ويشهد. قلت: فإن لم يكن كتب ذكر حق؟ قال: يشهد وتجزئه. قلت: فإن كان لرجل علي دين فبعته بيعا وارتهنت منه الدين الذي له علي، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم وهو أقواهما. قال: وقال مالك فيمن ارتهن دينا على غيره: إن ذلك جائز، فهذا جائز لما عليه.

كتاب الغصب
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الغصبقلت لابن القاسم: أرأيت لو أني كسرت صحفة لرجل كسرا فاسدا صيرتها فلقتين، أو كسرتهما كسرا غير فاسد، أو كسرت له عصا كسرا فاسدا أو غير فاسد، أو شققت له ثوبا فأفسدت الثوب، شققته بنصفين أو شققته شقا قليلا؟ قال: قال مالك في رجل أفسد لرجل ثوبا، قال مالك: إن كان الفساد يسيرا رأيت أن يرفوه ثم يغرم ما نقصه بعد الرفو، وإن كان الفساد كثيرا فإنه يأخذ الثوب ويغرم قيمته يوم أفسده لرب الثوب. وكذلك المتاع مثل ما قال مالك في الثوب، فكل الذي سألت عنه هو عندي على مثل هذا المحمل. قلت: فإن قال رب الثوب: لا أسلم الثوب وقد أفسده فسادا فاحشا، فقال لا أسلمه ولكني أتبعه بما أفسده من ثوبي؟ قال: هو مخير في ذلك، إن أحب أن يسلمه ويأخذ قيمته فعل، وإن شاء احتبسه وأخذ ما نقصه. وإنما فرق ما بينه إذا أفسده فسادا كثيرا وإذا أفسده فسادا يسيرا، أن اليسير لا مضرة فيه على صاحبه. فلذلك لم يكن له خيار ولم يلزم من فعل ذلك به، وإنه حين أفسده فسادا كثيرا، فصاحبه يحتج يقول أبطل علي ثوبي فلذلك يخير. قال: ولقد كان مالك - دهره - يقول لنا في الفساد يغرم ما نقصه ولا يقول يسيرا ولا كثيرا، ثم وقف بعد ذلك فقال هذا القول في الفساد الكثير. وهو أيضا لا مضرة فيه على الذي أفسده؛ لأنه إنما يطرح عنه بقدر الذي بقي في يدي صاحب الثوب، وهو قيمته التي كان يغرم. وليس هذا بيعا من البيوع يخير فيه، إنما هذه جنايات، فالمجني عليه هو الذي يخير كما وصفت لك.

فيمن اغتصب جارية فزادت عنده ثم باعها أو وهبها أو قتلها
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب جارية من رجل وقيمتها ألف درهم، فزادت عنده حتى صارت تساوي ألفين، ثم باعها بعد ذلك بألف وخمسمائة أو وهبها أو قتلها أو تصدق بها

ففاتت الجارية، ما يكون على الغاصب؟ وهل يكون رب الجارية مخيرا في هذا، في أن يضمنه قيمتها يوم غصبها أو قيمتها يوم باعها أو وهبها أو تصدق بها أو يجيز بيعه؟ هل يكون مخيرا في هذا كله في قول مالك أم لا؟ قال: أما إذا فاتت الجارية عنده وقد زادت قيمتها، فليس عليه في الزيادة عند مالك شيء، ولكن عليه قيمتها يوم غصبها. وأما إذا باعها، فرب الجارية بالخيار، إن شاء ضمنه قيمتها يوم غصبها، وإن شاء أجاز بيعه وأخذ الثمن. وأما إن قتلها الغاصب وقد زادت عنده، فليس عليه إلا قيمتها يوم غصبها، ألا ترى أنها لو نقصت لكان ضامنا لقيمتها يوم غصبها، فكذلك إذا زادت، ولا يشبه الأجنبي إذا قتلها عند الغاصب، فليس على الأجنبي إلا قيمتها يوم قتلها، وتكون القيمة لصاحب الجارية، إلا أن تكون القيمة أقل من قيمتها يوم غصبها الغاصب، فيكون على الغاصب تمام قيمتها يوم غصبها.

فيمن اغتصب جارية فباعها من رجل فماتت عند المشتري فأتى سيدها
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب من رجل جارية، فباعها من رجل فماتت عند المشتري فأتى سيدها، ما يكون له في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس لسيدها على هذا الذي اشتراها قليل ولا كثير؛ لأنها قد ماتت وتكون لسيدها على الذي اغتصبها قيمتها يوم غصبها إن أحب، وإن أراد أن يمضي البيع ويأخذ الثمن الذي باعها به الغاصب فذلك له.
قلت: فهل يكون له أن يضمن الغاصب قيمة الجارية يوم باعها في قول مالك؟ قال: لا. قلت: ولم أجزت له أن يجيز بيع الغاصب الجارية بعد موتها، وإنما يقع البيع الساعة حين يجيز سيدها البيع والجارية ميتة، وبيع الموتى لا يحل؟ قال: ليس هذا بيع الموتى، إنما هذا رجل أخذ ثمن سلعته، ولا يلتفت في هذا إلى حياتها ولا إلى موتها إذا رضي أن يأخذ الثمن الذي بيعت به، وهو قول مالك.

فيمن اغتصب جارية من رجل فباعها فاشتراه رجل وهو لا يعلم بالغصب فقتلت عنده فأخذ لها أرشاً ثم قدم سيدها
فيمن اغتصب جارية من رجل فباعها فاشتراها رجل وهو لا يعلم بالغصب فقتلت عنده فأخذ لها أرشا ثم قدم سيدها
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب من رجل جارية، فباعها في سوق المسلمين فاشتراها رجل وهو لا يعلم أنها مغصوبة، فقتلت عنده فأخذ لها أرشا، ثم قدم سيدها فاستحقها؟ قال: سيدها مخير في قول مالك، إن شاء أخذ قيمتها من الغاصب يوم غصبها، وإن شاء أخذ الثمن الذي باعها به الغاصب. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن لسيدها أيضا، إن شاء أن يأخذ من المشتري العقل الذي أخذه من الذي قتل الجارية، يرجع المشتري إن أخذ السيد منه ذلك العقل على البائع بالثمن. قلت: فإن كان المشتري هو نفسه قتلها، فأراد سيد الجارية حين استحقها أن يضمنه قيمة جاريته؛ لأنه هو

فيمن اشترى جارية في سوق المسلمين فقطع يدها أو فقأ عينها فاستحقها رجل
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية في سوق المسلمين فقطعت يدها أو فقأت عينها فاستحقها رجل، أيكون له أن يأخذ الجارية ويضمنني ما نقصها في قول مالك؟ قال: قال مالك في الثوب يشتريه الرجل في سوق المسلمين، فيلبسه فيتغير من لبسه ثم يستحقه رجل: إنه يأخذه ويضمن المشتري ما نقص لبسه الثوب، إلا أن يشاء أن يمضي البيع فذلك له، فكذلك مسألتك في هذا مثل الثوب، له أن يأخذ جاريته ويضمنك ما نقصها جنايتك.
قلت: أرأيت مشتري الثوب إذا أخذ رب الثوب الثوب، وأخذ منه ما نقصه اللبس، أيرجع بالثمن على البائع في قول مالك؟ قال: نعم.

فيمن اشترى جارية مفصوبة ولا علم له فأصابها أمر من السماء
فيمن اشترى جارية مغصوبة ولا علم له فأصابها أمر من السماء
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية في سوق المسلمين وهي مغصوبة - ولا أعلم - فأصابها عندي عيب من السماء؟ - ذهاب عين أو ذهاب يد - أيكون لسيدها إذا استحقها أخذها، ويضمنني ما نقصها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا، ولكن له أن يأخذها إن شاء ناقصة، ولا شيء له على الغاصب، وإن شاء أن يأخذ الثمن الذي باعها به الغاصب ويسلمها، وهذا في الثمن قول مالك، وإن شاء أن يضمن الغاصب قيمتها يوم غصبها، وهذا أيضا قول مالك. قلت: ولم لا تجعله يأخذ جاريته، ويأخذ ما نقصها العيب الذي حدث بها عند المشتري من الغاصب؟ قال: لأن الغاصب لو لم يبعها وكانت الجارية عنده فذهبت عينها من أمر من السماء، لم يكن لرب الجارية أن يأخذ جاريته، ويضمن الغاصب ما نقصها عنده، إلا أن يأخذها معيبة ولا شيء له، أو يضمنه قيمتها يوم غصبها. قلت: فلم قلت إذا باعها الغاصب فحدث بها عند المشتري عيب: إنه يأخذ جاريته، ولا شيء له على الغاصب ولا على المشتري مما نقصها العيب؟ قال: أما المشتري فلا شيء عليه من العيب الذي أصابها عنده من السماء؛ لأنه اشترى في سوق المسلمين. وأما

فيمن غصب دابة فباعها في سوق المسلمين فقطع يدها أو فقأ عينها فاستحقها رجل
فيمن اغتصب دابة فباعها في سوق المسلمين فقطع يدها أو فقأ عينها فاستحقها رجل
قلت: أرأيت لو أني اغتصبت من رجل دابة أو جارية، فبعتها من رجل، فأتى ربها فاستحقها وهي عند المشتري بحالها لم تحل عن حالها، فأراد أن يضمنني قيمتها؟ قال: ليس ذلك له عند مالك، إنما له أن يأخذها أو يجيز البيع؛ لأنها لم تتغير عن حالها. ألا ترى أنها لو كانت عند الغاصب لم تتغير عن حالها، فأراد المستحق أن يضمنه قيمتها يوم غصبها، لم يكن له ذلك وليس له إلا جاريته أو دابته أو ثمنها، إن أجاز البيع يأخذه من الغاصب. قال: وقال لي مالك في الدابة: إلا أن يكون استعملها فأعجفها أو أدبرها أو نقصها، فإن له أن يأخذ من الغاصب قيمة دابته يوم غصبها. فقلت له: أفله أن يأخذها ويأخذ كراء ما استعملها؟ قال: لا، إنما له أن يأخذها إن وجدها على حالها، أو يأخذ قيمتها يوم غصبها إذا كان دخلها نقص، ولا شيء له من عملها. قال: وكذلك إذا خرجت من يده إلى غيره ببيع باعها فلم تتغير، فليس لربها إذا وجدها بحالها إلا سلعته، أو الثمن الذي باعها به الغاصب. ولا ينظر في هذا وإن حالت الأسواق. وكذلك قال مالك في هذه المسألة الأولى في حوالة الأسواق في الغصب: إنه لا يلتفت إلى ذلك.

فيمن اغتصب جارية فأصابها عيب مفسد ثم جاء ربها أو ولدت عنده فأتى ربها
قلت: أرأيت إن غصبني رجل جارية أو عبدا، فأصابها عنده عيب قليل غير مفسد، فاستحقها ربها، فأردت أن أضمنه قيمتها يوم غصبها. وقال الغاصب: ليس ذلك لك، إنما لك أن تأخذ جاريتك وأضمن لك ما نقصها العيب؛ لأن العيب غير مفسد. ما القول في هذا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: ليس له إلا جاريته إلا أن تنقص في بدنها،

ما جاء في اغتصاب الجواري
قلت: أرأيت إن اغتصب رجل جارية صغيرة، فكبرت عنده حتى نهدت فماتت، وقيمتها يوم اغتصبها مائة دينار، وقيمتها اليوم حين ماتت ألف دينار؟ قال: لا أرى أن يضمن إلا قيمتها يوم غصبها ولا يضمن الزيادة. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: ما أحفظه عن مالك الساعة.
قلت: أرأيت إن غصبني رجل جارية شابة، فكبرت عنده حتى صارت عجوزا، ثم أقمت عليه البينة فأردت أن أضمنه قيمتها يوم غصبها مني. وقال الغاصب هذه جاريتك خذها؟ قال: الهرم فوت، وله القيمة عند مالك؛ لأنه لو غصبها فأصابها عند الغاصب عيب مفسد، كان لربها أن يضمنه جميع قيمتها عند مالك يوم غصبها، وكذلك الهرم، هو بمنزلة العيب المفسد، وكذلك قال مالك في الهرم: إنه في البيوع فوت، فكذلك هو في الغصب عندي.

فيمن أقام شاهداً واحداً على أن فلاناً غصبه جاريته أو أقام شاهداً آخر أنه أقر أنه غصبها
قلت: أرأيت إن أقمت شاهدا واحدا، على أن هذا الرجل غصبني هذه الجارية

فيمن اغتصب من رجل جارية فباعها فضاع الثمن عنده فأجاز البيع، أيكون على الغاصب شيء أم لا؟
قلت: أرأيت إن غصبني رجل جارية فباعها، فضاع الثمن عنده فأجزت البيع، أيكون على الغاصب من الثمن شيء أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، عليه الثمن؛ لأن مالكا قال: إن أراد أن يجيز البيع فذلك له ويأخذ الثمن من الغاصب.
قلت: ولا تراه إذا أجاز البيع قد جعل الغاصب مؤتمنا في الثمن؟ قال: لا؛ لأن الغاصب لم يزل ضامنا للجارية حين غصبها، أو للثمن حين باعها إن أراد رب الجارية أن يجيز البيع، فلا يبرئه من ضمانه الذي لزمه الأداء.

فيمن غصب جارية رجل فباعها فولدت عند المشتري فأتى ربها فأجاز البيع
قلت: أرأيت إن غصبت جارية من رجل فبعتها، فولدت عند المشتري، فأتى ربها فأجاز البيع، أيجوز أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز؛ لأن مالكا قال: إذا باعها الغاصب فأراد بها أن يجيز البيع كان ذلك له، ولست ألتفت إلى ولادتها عند المشتري. ألا ترى أنها لو ماتت هي نفسها، فأجاز سيدها البيع أخذ الثمن، وكان ذلك جائزا؟ فلست ألتفت إلى نقصان الجارية ولا إلى زيادتها إذا أجاز البيع؛ لأنه إنما يجيز اليوم أمرا قد كان قبل اليوم، فإذا أجاز اليوم فالجارية لم تزل للمشتري من يوم اشتراها، فنماؤها له ونقصانها على المشتري، وله من يوم اشتراها إذا أجاز رب الجارية البيع.

فيمن غصب جارية بعينها بياض فباعها الغاصب ثم ذهب البياض
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصبني جارية - وبعينها بياض - فباعها الغاصب. ثم ذهب البياض عند المشتري، فجاء ربها فأجاز البيع، ثم علم بعد ذلك أن البياض قد

فيمن باع الجارية فأقر أنه اغتصبها من فلان أيصدق على المشتري؟
قلت: أرأيت إن بعت جارية، ثم إني أقررت أني قد غصبتها من فلان، أأصدق على المشتري في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أني لا أرى أن يصدق عليه، وأراه ضامنا لقيمتها للمغصوب منه يوم غصبها، إلا أن يشاء المغصوب أن يأخذ الثمن الذي باعها به فذلك له.
قلت: أرأيت إن اغتصبت جارية من رجل فبعتها من رجل، ثم لقيت الذي اغتصبتها منه فاشتريتها منه، ثم أردت أن آخذها من المشتري الذي اشتراها مني؟ قال: لا أرى ذلك لك، وأرى بيعك فيها جائزا وإن كان البيع قبل اشترائك إياها؛ لأنك إنما تحللت صنيعك في الجارية من الذي اغتصبتها منه، فكأنه أخذ منك قيمة الجارية حين اشتريتها منه ولست أنت في هذا كغيرك، وأرى البيع الذي كان فيما بينك وبين مشتري الجارية منك جائزا، ليس لك أن تنقضه، وليس لأحد أن ينقض بيعك إلا المغصوب منه الجارية، أو مشتريها منك إن أراد أن يردها عليك إذا علم أنها غصب، وكان المغصوب منه غائبا؛ لأن رب الجارية إن أحب أخذ جاريته فذلك له، ويكون هذا نقضا للبيع الذي باعها به الغاصب، ولأن المشتري إن كان رب الجارية بعيدا فقال: أنا أردها ولا أضمنها، فيكون ربها علي بالخيار إذا جاء، فيكون ذلك له وهو رأيي. وإن وجدها ربها عند رجل، فباعها من رجل قد رآها وقد عرف شأنها أيضا من غير

الغاصب، ومن غير الذي اشتراها من الغاصب، فهو أيضا نقض لبيع الغاصب؛ لأن الذي اشتراها من ربها، له أن يأخذها من الذي اشتراها من الغاصب.
قلت: فإن علم المشتري أن الجارية مغصوبة، وأتى ربها فقال: قد أجزت البيع، وقال المشتري: لا أقبل الجارية؛ لأنها غصبت. قال: يلزمه البيع. قال: ولقد سئل مالك عن الرجل يفتات على الرجل فيبيع سلعته وهو غائب، فيعلم بذلك المشتري فيريد ردها ويقول بائعها: أنا أستأني رأي صاحبها فيها. قال مالك: ليس ذلك له، وله أن يردها. قال: فإن كان المغصوب منه غائبا كان بحال من افتيت عليه، وإن كان حاضرا فأجاز البيع جاز، وليس للمشتري أن يأبى ذلك إذا أجازه رب السلعة، وإنما له أن يرد إذا كان رب السلعة غائبا؛ لأنه يقول لا أوقف جارية في يدي أنفق عليها وصاحبها علي بالخيار فيها. وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن أقمت البينة على رجل أنه غصبني جارية، والجارية مستهلكة ولا يعرف الشهود ما قيمتها، أيقال لهم: صفوها فيدعى لصفتها المقومون؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن قالوا: نشهد أنه غصب منه جارية، ولا ندري الجارية أهي المغصوبة منه أم لا؟ قال: إذا شهدوا أنه غصبها منه فهي عندنا له، وقال: أرأيت لو أن قوما شهدوا على رجل أنه نزع هذا الثوب من هذا الرجل، غصبه إياه الساعة، ولكن قالوا: لا ندري الثوب للمغصوب منه أم لا، أما كنت ترده عليه؟ فالأمة بهذه المنزلة.

فيمن غصب جارية فادعى أنه قد استهلكها أو قال هلكت فاختلفا في صفتها
قلت: أرأيت إن غصبني رجل جارية فادعى أنه استهلكها، أو قال: هلكت الجارية، فاختلفنا في صفتها أنا والغاصب؟ قال: القول قول الغاصب في الصفة إذا أتى بما يشبه مع يمينه، فإن أتى بما لا يشبه، فالقول قول المغصوب منه الجارية في الصفة مع يمينه. قلت: فإن ضمنها قيمتها، ثم ظهرت الجارية عند الغاصب بعد ذلك، أيكون للمغصوب منه أن يأخذها ويرد القيمة؟ قال: إن علم أن الغاصب أخفاها على المغصوب منه، فله أن يأخذ جاريته. وإن لم يعلم ذلك فليس له أن يأخذها إلا أن يكون الغاصب حلف عن صفتها وغرم قيمة تلك الصفة، فظهرت الجارية بعد ذلك مخالفة لتلك الصفة خلافا بينا، فيكون للمغصوب منه الجارية أن يرد ما أخذ ويأخذ جاريته، وإن شاء تركها وحبس ما أخذ من قيمة جاريته؛ لأنه إنما جحده بعض القيمة، فلذلك رجع عليه بالذي جحده. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قال: ولقد سئل مالك عن رجل انتهب من رجل صرة دنانير وناس ينظرون إليه، فادعى الذي انتهبت منه أن فيها كذا وكذا، وقال الذي انتهبها: إنما فيها كذا وكذا أقل عددا من الذي ادعى المنهوبة منه. قال: قال مالك: القول قول المنتهب مع يمينه، فكذلك هذا.

فيمن أقام بينة على رجل أنه غصبه جارية وقد ولدت من الغاصب أو من غيره
قلت: أرأيت إن أقمت البينة على رجل أنه غصبني هذه الجارية، وقد ولدت أولادا من الغاصب أو من غير الغاصب، أيقضى بها وبولدها للذي استحقها في قول مالك؟ قال: نعم، ويقام على الغاصب الحد إذا أقر بوطئها، ولا يثبت نسب ولده منها. وأما ولدها من غيره فإن كان بتزويج أو شراء، فإنه يثبت نسبه من الذي تزوجها أو اشتراها، ويكون الولد في التزويج رقيقا لسيد الجارية، ويكون في الشراء على أبيهم - قيمتهم يوم يحكم فيهم - إلا أن يكون الذي تزوجها تزوجها على أنها حرة، فيكون عليه قيمتهم بمنزلة التي تغر من نفسها أنها حرة.
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى جارية في سوق المسلمين، فأعتقها أو ولدت منه أولادا، فأتى رجل فأقام البينة أنها له سرقت منه أو غصبت منه، أو أقام البينة أنها له ولم يشهدوا على سرقة ولا غصب، أيأخذ الجارية في قول مالك أم لا؟ قال: أما في العتق فله أن يأخذها عند مالك ويردها رقيقا، وأما إذا ولدت من المشتري فقد اختلف قول مالك فيها، وأحب قوليه إلي أن يأخذها ويأخذ قيمة ولدها.
قلت: أرأيت إن ماتت بعدما ولدت من المشتري قبل أن يأتي سيدها، فأتى سيدها فاستحقها وهي ميتة، أيضمن قيمتها المشتري أم لا؟ قال: لا يضمن قيمتها إلا أن يدركها حية، فيأخذها ويأخذ قيمة ما أدرك من ولدها حيا.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم
قلت: أرأيت إن قضيت على المشتري بقيمة الولد، أيقضى له على بائعه بتلك القيمة أم لا؟ قال: لا أقضي عليه بقيمة الولد. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، وما سمعت مالكا يذكر أنه يقضى على البائع بقيمة الولد.

فيمن غصب من رجل أمة وقيمتها ألف درهم فزادت قيمتها فباعها الغاصب بألف وخمسمائة فذهب بها
قلت: أرأيت إن اغتصب رجل من رجل أمة، وقيمتها يوم اغتصبها منه ألف درهم، فزادت قيمتها حتى صارت تساوي ألفين، فباعها الغاصب بألف وخمسمائة فذهب بها المشتري فلم يعلم بموضعها، أيكون لربها أن يضمن الغاصب أي القيمتين شاء، وإن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن في قول مالك؟ قال: ليس له إلا قيمتها يوم غصبها أو الثمن. قال: وقال مالك في رجل غصب رجلا ثوبا فباعه، فاشتراه رجل في سوق المسلمين فلبسه المشتري حتى أبلاه، ثم جاء ربه فاستحقه: فإنه إن شاء ضمن المشتري قيمة الثوب يوم لبسه، وإن شاء ضمن الغاصب قيمة الثوب يوم غصبه إياه؛ لأن الثوب قد

تلف، وإن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن. فالغاصب لا يشبه من اشترى؛ لأن الغاصب لو أصابه عنده أمر من الله لكان ضامنا، والمشتري لو أصابه عنده أمر من الله لم يكن له ضامنا فليس على الغاصب أكثر من قيمته يوم غصبه أو ثمنه، ولو كان يكون عليه أكثر من قيمتها يوم غصبها، لكان عليه قيمتها يوم ماتت إذا كانت أكثر من قيمتها يوم غصبها، فليس عليه إذا ماتت في يديه أو فاتت إلا قيمتها يوم غصبها، أو ثمنها إذا كان أخذ لها ثمنا.

فيمن اغتصب عن رجل طعاماً أو إداماً فاستهلكه
فيمن اغتصب من رجل طعاما أو إداما فاستهلكه
قلت: أرأيت لو أن رجلا اغتصب من رجل طعاما أو إداما فاستهلكه، ماذا عليه في قول مالك؟ قال: عليه مثله في موضعه الذي أخذه منه. قال مالك: فإن لقيه في غير الموضع الذي غصبه فيه، فليس له أن يأخذ منه في الموضع الذي لقيه فيه شيئا.
قلت: ولا يكون له أن يأخذ منه في الموضع الذي لقيه فيه قيمة الإدام أو الطعام الذي استهلكه له، أو يأخذ منه قيمته في بلاده حيث غصبه. قال: لا إنما له قبله طعام أو إدام، في الموضع الذي غصبه فيه منه، وليس له قبله قيمة عند مالك.

فيمن استهلك ثياباً أو حيواناً أو غروضاً مما لا يكال ولا يوزن
فيمن استهلك ثيابا أو حيوانا أو عروضا مما لا يكال ولا يوزن
قلت: أرأيت إن كان استهلك له ثيابا أو حيوانا أو عروضا مما لا يكال ولا يوزن؟ قال: عليه قيمته عند مالك.
قلت: فإن لقيه بغير البلد الذي اغتصبه فيه؟ قال: عليه قيمته يوم اغتصبه - قيمته في البلاد التي غصبه فيها - أو يأخذه بالقيمة حينما وجده. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وإنما يجعل عليه قيمته يوم اغتصبه، ولا يلتفت إلى قيمته إن كانت قد زادت بعد ذلك أو نقصت. قال: قال مالك: من اغتصب حيوانا فإنما عليه قيمته يوم اغتصبه، فلست ألتفت إلى نقصان قيمة الحيوان أو زيادته بعد ذلك.

فيمن استهلك لرجل سمنا أو عسلا
قلت: أرأيت إن استهلكت لرجل سمنا أو عسلا في بعض المواضع، فلم أجد له في الموضع الذي استهلكته فيه سمنا ولا عسلا، أيكون علي قيمته أم لا؟ قال: ليس عليك إلا مثله، تأتي به ذلك لك لازم إلا أن تصطلحا على شيء؛ لأن مالكا قال لي: إنما عليه مثل ما استهلك في الموضع الذي استهلكه فيه.

فيمن اغتصب جارية فأعورت عنده أو حالت أسواقها أو جني عليها
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب من رجل جارية، فأصابها عنده عور أو عمى أو

فيمن اغتصب من رجل نخلا أو شجرا فأثمرت أو غنما فتوالدت
قلت: أرأيت إن اغتصبت من رجل نخلا أو شجرا أو غنما أو إبلا، فأثمرت الشجر عندي وتوالدت الغنم أو الإبل، فجززت أصوافها وشربت ألبانها وأكلت سمونها وجبنها، ثم قدم ربها فاستحقها، أله أن يضمنني ما أكلت من ذلك، ويأخذها مني بأعيانها في قول مالك؟ قال: نعم، إلا ما كان من ذلك يكال أو يوزن، فعليه مثل مكيلته أو وزنه.
قلت: فإن كانت قد ماتت، أله أن يضمنني قيمتها وقيمة ما أكلت منها في قول مالك؟ قال: لا؛ لأنه بلغني عن مالك أنه قال: لو أن رجلا غصب دابة أو جارية فولدت عنده أولادا، ثم هلكت الأم، فأراد ربها أن يأخذ ولدها وقيمة الأم منه، لم يكن ذلك له. وإنما له قيمة الأم ويسلم الأولاد أو يأخذ الأولاد، ولا قيمة له في الأمهات. فكذلك ما أكل أو باع إذا ماتت أمهاتها، فإنما له قيمة أمهاتها أو الثمن الذي باع به، أو قيمة ما أكل. بمنزلة ما لو

وجد أولادها وقد هلكت أمهاتها، فما أكل أو باع فهو بمنزلة الأولاد إذا وجدهم، وهو رأيي الذي آخذ به، ألا ترى أن المغتصب باعها من رجل فولدت عنده، ثم هلكت أمهاتها فأتى ربها، لم يكن له أن يأخذ أولادها، وقيمة الأم من المغتصب؟ وإنما له أن يأخذ الأولاد، ويتبع المغتصب المشتري بالثمن، أو يأخذ الثمن من الغاصب، أو قيمتها يوم غصبها ويترك الولد في يدي المشتري، ولا يجتمع على المغتصب قيمتها ويتبع بالثمن. فالمغتصب في موت أمهاتها ومن ماتت عنده ممن اشتراها من المغتصب بمنزلة سواء. إذا ماتت أمهاتها، وهذا الذي سمعت وبلغني من قول مالك ممن أثق به.
قلت: وهذه النخل وهذه الشجر وهذا الحيوان الذي غصبته فأكلت ثمرته، إن كنت قد سقيته وعالجته وعملت فيه ورعيت الغنم وأنفقت عليها في رعايتها ومصلحتها، أيكون ما أنفقت في ذلك لي؟ قال: لا شيء لك فيما أنفقت على النخل، ولا فيما رعيت الغنم، ولكن يكون ذلك لك فيما عليك من قيمة الغلة، إلا أن يكون ما أنفقت أكثر مما اغتنمت. ألا ترى لو أن رجلا سرق دابة فحلبها أشهرا وأنفق عليها، ثم أتى ربها فاستحقها، أنه لا شيء له فيما علف وسقى، وكذلك الغاصب.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، ولكن هذا رأيي.

فيمن غصب دورا ورقيقا ودواب فاستحق ذلك
قلت: أرأيت الدور والعبيد إذا غصبهم رجل زمانا، والأرضين فاكترى ذلك كله، أو زرع الأرض أو سكن أو لم يسكن، ولم يكر ولم يزرع الأرض، فأتى رجل فاستحق أنه غصبها منه وكذا وكذا سنة، أيكون له على الغاصب كراء هذه الدور وهذه الأرضين وهؤلاء العبيد هذه السنين في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك في الرجل يغتصب الرجل الدابة فتقيم عنده أشهرا فيستعملها: أنه لا كراء عليه فيها، فكذلك العبيد عندي بمنزلة الحيوان. قال سحنون: وأما الدور والأرضون، فإن كان زرعها أو سكنها فإن عليه كراءها، وإن لم يكن سكن ولا أكرى ولا زرع فلا شيء عليه من الكراء، وهو قول من أرضى من أهل العلم. قال سحنون وقد روى علي وأشهب عن مالك: أنه يرجع عليه بالغلة. قال سحنون: وهو أحسن، وإن كان أكراها غرم ما أخذ من الكراء، بمنزلة ما لو سكن أو زرع.
قلت: أرأيت العبد إن كان استخدمه، أيكون عليه كراؤه في قول مالك؟ قال: لا كراء عليه.
قلت: أرأيت العاقلة، هل تحمل دية العبد إذا قتله رجل عمدا كان أو خطأ؟ قال: قال مالك: لا تحمل العاقلة دية العبد خطأ كان أو عمدا عند مالك.

فيمن اغتصب دارا فلم يسكنها وانهدمت من غير سكنى
قلت: أرأيت إن اغتصبت دارا فلم أسكنها، فانهدمت من غير سكناي، أأضمن

فيمن استعار دابة أو أكثر فتعدى عليها
قلت: أرأيت إن استعارها مني إلى موضع من المواضع فتعدى عليها، أيكون عليه كراء ما تعدى إليه في قول مالك وآخذ دابتي؟ قال: قال مالك: نعم، إن كان تعديه ذلك تعديا بعيدا، كان رب الدابة بالخيار في قيمة دابته يوم تعدى، أو في كراء ما تعدى فيه ويأخذ دابته. قلت: فإن ردها بحالها أو أحسن حالا؟ قال: قال مالك: وإن كان ردها بحالها أو أحسن حالا فذلك له؛ لأنه قد حبسها عن أسواقها ومنافعها. قلت: وكذلك الكراء إذا تعدى فيه في قول مالك؟ قال: الكراء والعارية إذا تعدى فيهما في قول مالك فهما سواء، القول فيهما واحد عند مالك. قال: فقلنا لمالك: إذا كان تعديه في الكراء مثل الأميال أو البريد أو اليوم أو ما أشبهه، ثم أتى بها وهي على حالها، فأراد ربها أن يلزمه قيمتها؟ قال: لا أرى ذلك له إلا أن تعطب فيه، وليس له إلا كراء ما تعدى عليها إذا أتى بها على حالها.
قلت: فإن أصابها في ذلك البريد الذي تعدى فيه عيب، أيكون لرب الدابة أن يضمنه قيمة الدابة؟ قال: نعم، إذا كان عيبا مفسدا. وإن كان العيب اليسير، فأرى ذلك بمنزلة من تعدى على بهيمة رجل فضربها. وإن كان عيبا يسيرا فعليه ما نقص من ثمنها، وإن كان عيبا مفسدا لزمه جميع قيمتها وأخذها؛ لأن مالكا لم ير البريد وما أشبهه تعديا يضمن بتعديه بذلك قيمتها إذا ردها على حالها، وإنما ضمنه إذا عطبت في ذلك التعدي. فهو في هذا البريد إذا تعدى فأصابها فيه عيب، بمنزلة رجل تعدى على دابة رجل، فبقرها أو ضربها. لأنه حين تعدى هذا البريد لم يضمن قيمتها بالتعدي ساعة تعدى، وإنما يضمن ما حدث فيها من عيب.
قلت: فما الفرق ما بين الغاصب والسارق يسرق الدابة فيستعملها، ويريد ربها أن يأخذها منه ويأخذ كراء ما استعملها فيه؟ قال مالك: لا أرى ذلك، وليس له إلا دابته إذا كانت على حالها. فإذا كان أعجفها أو نقصها، فربها مخير، إن أحب أن يأخذ قيمتها فذلك له، وإن أحب أن

يأخذها معيبة فذلك له. قال: فقلت له: فما فرق ما بين الغاصب والسارق وبين المستعير والمتكاري؟ قلت في المتكاري والمستعير: إنه إذا رد الدابة وقد تعدى عليها فأصابها العيب، إن رب الدابة مخير في أن يأخذ الدابة بعينها ويأخذ كراءها، وبين أن يضمن المتكاري والمستعير قيمتها يوم تعدى عليها. وإن ردها صحيحة وكان تعديه ذلك ببريد وما أشبهه، ولكن أكثر من ذلك، فله أن يضمنه أيضا إن شاء قيمتها يوم تعدى عليها، وإن شاء أخذ دابته وأخذ كراءها. وقلت في السارق والغاصب: إنه لا يضمن الكراء، إنما لرب الدابة أن يأخذ دابته إذا وجدها بعينها، وليس له غير ذلك إذا كانت بحالها يوم غصبت أو سرقت. وإن كانت أسواقها قد حالت، فليس له إلا دابته معينة أو قيمتها يوم غصبها أو سرقها، ولا كراء له، وليس له على السارق والغاصب في واحد من الوجهين كراء. قال ابن القاسم: لأن مالكا قال في المتكاري: إذا حبسها عن أجلها الذي تكاراها له، كان عليه كراء ما حبسها فيه، وإن لم يركبها وهي على حالها قائمة على مداودها، وإن كان حبسها عن أسواقها فلربها أن يضمنه قيمتها يوم حبسها. قال: وقال لي مالك في السارق إذا سرقها فحبسها عن أسواقها ومنافعها، فوجدها صاحبها على حالها، لم يكن له على سارقها قيمة ولا كراء، ولم يكن له إلا دابته بعينها. فهذا فرق ما بينهما عند مالك. والمغتصب بمنزلة السارق، والمستعير بمنزلة المتكاري. ولولا ما قال مالك، لجعلت على السارق مثل ما أجعل على المتكاري من كراء ركوبه إياها، وأضمنه قيمتها إذا حبسها عن أسواقها، ولكني أخبرتك بقول مالك فيها، وهو الذي آخذ به فيها. ولقد قال جل الناس: إنما السارق والمستعير والغاصب والمتكاري بمنزلة واحدة، لا كراء عليهم وليس عليهم إلا القيمة، أو يأخذ دابته. فكيف يجعل على المغتصب والسارق كراء؟ قلت له: أرأيت الأرض والدور، أليس قد قال مالك في الأرض: إذا غصبها رجل فزرعها إن عليه كراءها ويردها؟ قال: نعم،
قلت: والدور عند مالك بهذه المنزلة إن سكنها الذي غصبها، فعليه كراء ما سكن؟ قال: نعم.
قلت: فالدابة إذا سرقها فركبها، لم قلت لا كراء عليه فيها في قول مالك؟ فما فرق ما بين الدابة والدور والأرضين؟ قال: كذلك سمعنا من مالك؛ لأن الدابة، لو أن رجلا سرقها فحبسها حينا فأنفق عليها وكبرت الدابة - والجارية والغلام بهذه المنزلة - فاستحقهم صاحبهم، أنه يأخذهم بزيادتهم ولا نفقة لمن أنفق عليهم في طعامهم ولا كسوتهم ولا علوفة الدواب وإن الدور لو أحدث فيها عملا، والأرض، ثم جاء صاحبها فاستحقها، أخذ الغاصب ما كان له فيها، ولهذه الأشياء وجوه تنصرف.

فيمن سرق دابة من رجل فأكراها
وأخذ السارق كراءها، أيكون لرب الدابة أن يأخذ دابته، ويأخذ كراءها في قول مالك؟ وكيف إن كان السارق حابى في الكراء، أيضمن ما حابى به في قول مالك أم لا؟ قال: سألنا مالكا عن السارق يسرق الدابة، فيجدها صاحبها عنده وقد نقصها واستعملها، ماذا ترى له فيها؟ قال: أرى له قيمتها يوم سرقها. قلت لمالك: فإن أراد أن يأخذها وكراء ما استعملها فيه؟ قال: ليس ذلك له، فأرى أن يأخذ دابته، ولا كراء له إذا كانت الدابة لم تتغير عن حالها. وإن كانت قد نقصت كان على السارق قيمتها يوم سرقها، ولا كراء لصاحبها فيما أكراها به السارق؛ لأني لو جعلت لصاحبها كراء، لجعلت له فيما استعملها السارق كراء؛ لأنه كان ضامنا لها، ولجعلت للسارق في قيامه عليها على ربها كراء، وأعطيته نفقته التي أنفق عليها. ولا يشبه الحيوان الدور ولا الأرضين فيما سكن أو زرع، وإنما الدور والأرضون فيما سكن أو زرع، بمنزلة ما أكل الغاصب أو لبس، وهذا رأيي في السارق. والسارق والغاصب مخالفان للمكاري وللمستعير، وقد وصفت لك ذلك.

فيمن استعار أو اكتراها فتعدى عليها
قلت: أرأيت إن استعرت دابة رجل أو اكتريتها إلى موضع من المواضع، فتعديت عليها فنفقت الدابة؟ قال: قال مالك: رب الدابة مخير في أن يأخذ منك قيمة دابته يوم تعديت عليها، أو يأخذ منك كراء ما تعديت به عليها، ولا شيء له من قيمة الدابة. فإن كان إنما أكراها منه فتعدى عليها فماتت، فإن رب الدابة مخير في أن يأخذ منه قيمتها يوم تعدى عليها، أو الكراء من الموضع الذي ركب منه إلى الموضع الذي تعدى فيه، ولا يكون عليه فيما ركبها في حال تعديه قليل ولا كثير. وإن أحب أن يأخذ منه كراءها إلى الموضع الأول الذي تعدى، وكراء ما تعدى، ولا شيء له من قيمة الدابة فذلك له. قال: ولقد سأل رجل مالكا - وأنا عنده - عن رجل استعار دابة ليشيع عليها الحاج إلى ذي الحليفة، فلما أتى ذا الحليفة تنحى قريبا من ذي الحليفة، فنزل ثم رجع فنفقت الدابة في رجوعه. قال: قال مالك: إن كان الموضع الذي تنحى إليه منزلا من منازل الناس التي ينزلونها من ذي الحليفة فلا شيء عليه، وإن كان تعدى منازل الناس فأراه ضامنا.

فيمن وهب لرجل طعاما أو ثيابا أو إداما فأتى رجل فاستحق ذلك وقد أكله
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل طعاما أو ثيابا أو إداما، فأتى رجل فاستحق ذلك - وقد أكله الموهوب له أو لبس الثياب فأبلاها - فضمنه المستحق قيمة ما أبلى أو أكل،

فيمن استعار ثوبا أو استأجره فاستحق في يديه
قلت: أرأيت إن استعرت من رجل ثوبا شهرين لألبسه، فلبسته شهرين فنقصه لبسي، فأتى رجل فاستحق الثوب، والذي أعارني الثوب عديم لا شيء له، أيكون للذي استحقه أن يضمنني ما نقص لبسي الثوب؟ قال: نعم في رأيي، مثل ما قال مالك في الاشتراء.
قلت: فإن ضمنني، أيكون لي أن أرجع بذلك على الذي أعارني في قول مالك؟ قال: لا أرى لك أن ترجع عليه بشيء؛ لأن الهبة معروف، ولأنه لم يأخذ لهبته ثوابا فيرجع عليه بالثواب. قال: ولم أسمع هذا من مالك؟
قلت: أرأيت إن كنت استأجرت الثوب فلبسته فنقصه لبسي، فأتى رب الثوب، أيكون له أن يضمنني؟ قال: نعم. مثل ما قال مالك في شراء الثوب: إنه إذا لبسه وقد اشتراه فنقصه لبسه، إنه ضامن لما نقصه لبسه، وكذلك الإجارة هي عندي مثل البيع.
قلت: فهل يرجع على الذي آجره الثوب بما أخذه منه من الإجارة؟ قال: نعم كما يرجع في البيع بالثمن. ألا ترى أنه إذا لبس الثوب وقد اشتراه فنقصه اللبس، فضمن مالك المشترى ما نقص اللبس الثوب وأخذ ثوبه، أنه يرجع على البائع بجميع الثمن فكذلك هذا في الإجارة، وهو في البيع قول مالك، والإجارة رأيي.

فيمن ادعى قبل رجل أنه غصبه ألف درهم
قلت: أرأيت لو ادعيت قبل رجل أنه غصبني ألف درهم، أيكون لي أن أستحلفه في قول مالك؟ قال: قال لي مالك في امرأة ادعت أن فلانا استكرهها على نفسها. قال مالك: إن كان الرجل لا يشار إليه بشيء من هذا، رأيت على المرأة الحد. وإن كان ممن يشار إليه بالفسق، رأيت أن ينظر السلطان في ذلك، فكذلك الغصب في الأموال، إذا ادعى رجل قبل رجل غصبا، فإن السلطان ينظر في ذلك، فإن كان المدعى عليه ممن لا يتهم بشيء من هذا، رأيت للسلطان أن يؤدب الذي ادعى ذلك، وإن كان ممن يتهم بذلك، نظر السلطان في ذلك وأحلفه.
قلت: أرأيت لو أن هذا الغاصب كان ممن

اختلاف الغاصب والمغصوب منه في الصفة
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب من رجل ثوبا، فادعى الغاصب أنه غصبه منه خلقا، وقال المغصوب منه: غصبتنيه جديدا؟ قال: القول قول الغاصب مع يمينه.
قلت: فإن استحلفه المغصوب منه فحلف، وأخذ المغصوب منه الثوب خلقا، ثم وجد بينة بعد ذلك يشهدون أنه غصبه منه جديدا، أتجيز بينته بعد اليمين في قول مالك؟ قال: نعم، إذا لم يكن علم أن له بينة يوم استحلفه؛ لأنه بلغني عن مالك أنه قال في رجل ادعى قبل رجل حقا ولم يأت ببينة يعلم بها، فاستحلفه ورضي بيمينه عند السلطان، أو عند غير السلطان، ثم أراد أن يقيم البينة عليه بعد ذلك. قال: فلا شيء له؛ لأنه قد ترك البينة ورضي بيمينه. قال: وسمعت مالكا يقول في رجل له على رجل دين، فجحده فاستحلفه وهو لا يعلم أن له بينة، فحلف المدعي قبله، ثم أصاب بعد ذلك بينة يشهدون له. قال: قال مالك: تقبل بينته ويقضى له بحقه؛ لأن هذا لم يعلم ببينة حين أحلفه، فمسألتك مثل هذا.

فيمن اغتصب من رجل سويقا فلته بسمن أو ثوبا فصبغه أو قمحا فطحنه
قلت: أرأيت لو أني اغتصبت من رجل سويقا فلتته بسمن، فأتى رجل فاستحق ذلك السويق؟ قال: تضمن له سويقا مثل ذلك السويق.
قلت: فإن اغتصب رجل من رجل ثوبا فصبغه أحمر أو أصفر، فأتى رجل فاستحقه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأراه مخيرا بين أن يدفع إلى الغاصب قيمة صبغه ويأخذ ثوبه وبين أن يسلمه إلى الغاصب ويأخذ قيمته يوم غصبه.
قلت: أرأيت إن غصبت من رجل حنطة فطحنتها دقيقا؟ قال: أحب ما فيه إلي، أن يضمن له حنطة مثل حنطته.

فيمن سرق من رجل دابة فأنقصها
قال ابن القاسم: سألت مالكا عن السارق الذي يسرق الدابة، فيجدها صاحبها

فيمن اغتصب من رجل سوار ذهب فاستهلكها ماذا عليه؟
قلت: أرأيت لو أن رجلا اغتصب من رجل سوار ذهب فاستهلكه، ماذا عليه؟ قال: قال مالك: عليه قيمته مصوغا من الفضة.
قلت: فيصلح له إذا ضمنه قيمته أن يؤخره في قول مالك؟ قال: لا بأس به، وإنما هو حكم من الأحكام. وإنما هو بمنزلة رجل غصب ثوبا من رجل فحكم عليه بقيمته دراهم، فلا بأس أن يؤخره. قال: فإن قال قائل: ليس هو مثله؛ لأن الثياب بالدراهم إلى أجل لا بأس بها، والذهب بالورق إلى أجل لا خير فيه، فقد أخطأ؛ لأنه حين استهلكه لم يكن له عليه ذهب، إنما كان له عليه ورق. فما كان يكون عليه في القضاء فلا بأس به إن أخره أو عجله؛ لأنه ليس ببيع وإنما هو حكم من الأحكام.
قلت: أرأيت إن كسرت لرجل سواري فضة؟ قال: أرى عليك قيمة ما أفسدت، ويكون السواران لربهما وإنما عليك قيمة صياغتهما.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا وإنما رأيت هذا الذي قلت لك؛ لأنه إنما أفسد عليه صياغته، فليس عليه إلا تلك الصياغة. ألا ترى لو أن رجلا كسر لصائغ سوارين من ذهب قد صاغهما لرجل بكراء، كان عليه قيمة الصياغة وليس له عليه غير ذلك؟ وليس فساد الصياغة تلفا للذهب، كما يكون في العروض إذا أفسدها فسادا فاحشا أخذها وضمن قيمتها.

فيمن ادعى وديعة لرجل أنها له
قلت: أرأيت السلعة تكون عند الرجل وديعة أو عارية أو بإجارة فيغيب ربها، ثم يدعيها رجل ويقيم البينة أنها له، أيقضى له بها وربها غائب في قول مالك؟ قال: نعم، يقضى على الغائب بعد الاستيناء والاستبراء، وكذلك قال مالك، إلا أن يكون ربها بموضع قريب، فيتلوم له القاضي ويأمر أن يكتب إليه حتى يقدم.

فيمن غصب من رجل حنطة ومن آخر شعيرا فخلطهما أو خشبة فجعلها في بنيانه
قلت: أرأيت إن اغتصبت من رجل حنطة ومن آخر شعيرا فخلطتهما، ما علي؟

فيمن غصب من رجل خشبة فعمل منها مصراعين
قلت: فإن اغتصب من رجل خشبة فعمل منها مصراعين؟ قال: هذا يكون لرب الخشبة قيمتها. قال: ولم أسمع هذا من مالك.
قلت: فما فرق ما بين هذا وبين الذي أدخلها في بنيانه؟ قال: الذي أدخلها في بنيانه، قد بلغني عن مالك ما أخبرتك. وفرق بينهما أنه لم يغير الخشبة التي أدخلها في البنيان، وهذا الذي عمل منها مصراعين، قد غيرها وصار له ههنا عمل، فلا يذهب عمله باطلا، وإنما عليه قيمتها؛ لأنه إن ظلم فلا يظلم.

فيمن اغتصب فضة فضربها دراهم أو شجرا فغرسها أو خمرا فخللها
قلت: أرأيت إن اغتصب رجل من رجل فضة فضربها دراهم، أو صنع منها حليا؟ قال: عليه فضة مثلها. قال: وما أحفظ أني سمعت من مالك فيه شيئا. قلت: أرأيت إن غصبت من رجل ترابا فجعلته ملاطا لبنياني، ماذا له علي؟ قال: عليك مثله. قلت: أرأيت لو غصبت من رجل وديا من النخل صغارا، أو شجرا صغارا فقلعتها وغرستها في أرضي فكبرت فأتى ربها؟ قال: يأخذها.
قلت: يأخذها بعدما صارت كبارا؟ قال: نعم. قلت: فلو غصبت من رجل حنطة فزرعتها فأخرجت حنطة كثيرة؟ قال: أرى عليك قمحا مثله.
قلت: أرأيت النخلة الصغيرة إذا اغتصبها فصارت نخلة كبيرة، لم قلت يأخذها ربها؟ قال: ألا ترى إذا غصب دابة صغيرة فكبرت عنده، إن ربها يأخذها، فكذلك النخلة.
قلت: أرأيت إن غصب مسلم مسلما خمرا فخللها فأتى ربها، أيكون له أن يأخذها في قول مالك؟ قال: قال مالك في مسلم كان عنده خمر، قال: أرى أن يهريقها، فإن اجترأ فلم يهرقها حتى صيرها خلا فيأكلها، فأرى أنها للمغصوبة منه.

فيمن اغتصب جلود الميتة والصلاة عليها
قلت: أرأيت إن اغتصبت من رجل جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفته، أيكون علي شيء أم لا في قول مالك؟ قال: عليك قيمته. قلت: لم قلت عليك قيمته، وقد قال مالك: لا تباع

في الغاصب يكون محاربا
قلت: أرأيت الغاصب، هل يكون محاربا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس كل غاصب يكون محاربا. أرأيت السلطان إذا غصب رجلا متاعا أو دارا، أيكون هذا محاربا؟ قال: لا يكون هذا محاربا في قول مالك، إنما المحارب من قطع الطريق أو دخل على رجل في حريمه، فدافعه على شيئه فكابره، فهذا المحارب. أو لقيه بالطريق فضربه أو دفعه عن شيئه بعصا أو بسيف أو بغير ذلك، فهؤلاء المحاربون في قول مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا مات وعليه دين للناس وترك دنانير ودراهم، فأتى قوم فشهدوا لرجل أنه اغتصب منه هذه الدنانير أو هذه الدراهم بأعيانها من هذا الرجل، أيكون أحق بها من الغرماء؟ قال: إن عرفوها بأعيانها وشهدوا عليها، فهو أحق بها من الغرماء في رأيي.
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب من رجل سلعة، فاستودعها رجلا فتلفت عنده، فأتى ربها فاستحقها، أيكون له على المستودع شيء أم لا في قول مالك؟ قال: لا شيء عليه إلا أن تتلف من فعله.

منع الإمام الناس الحرس إلا بإذن والذي يغتصب الثوب فيجعله ظهارة أو الخشبة أو الحجر فيجعلهما في بنيانه
منع الإمام الناس الحرس إلا بإذن والذي يغتصب الثوب فيجعله ظهارة أو الخشبة أو الحجر فيجعلها في بنيانه
قال ابن القاسم: قلت لمالك: يا أبا عبد الله، إنا نكون في ثغورنا بالإسكندرية، فيقولون لنا: إن الإمام يقول: لا تحرسوا إلا بإذن. قال: قال مالك: ويقول أيضا لا تصلوا إلا بإذن، أي ليس قوله هذا بشيء وليحرس الناس ولا يلتفتوا إلى قوله هذا.
قلت: أرأيت لو

فيمن اغتصب أرضا فغرسها أو شيئا مما يوزن أو يكال فأتلفه
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب أرضا فغرس فيها شجرا فاستحقها ربها؟ قال: يقال للغاصب: اقلع شجرك إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذها بقيمتها مقلوعة، وكذلك البنيان إذا كان للغاصب في قلعه منفعة، فإنه يقال له: اقلعه إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا فأما ما ليس للغاصب فيه منفعة، فليس له أن يقلعه، وليس له في حفر حفرة في بئر في الأرض ولا تراب ردم به حفرا في الأرض أو مطامير حفرها، فليس له في ذلك شيء؛ لأن هذا مما لا يقدر الغاصب على أخذه، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن اغتصبت من رجل حديدا أو نحاسا أو رصاصا أو ما أشبه هذا مما يوزن أو يكال فأتلفته، أيكون علي مثله؟ قال: قال مالك: من اشترى بيعا جزافا مثل ما سألت عنه فأتلفه، فعليه مثله. فكذلك الغصب هو بمنزلة هذا.
قلت: أرأيت إن اغتصبت من رجل حديدا أو نحاسا، فصنعت منه قدرا أو سيوفا، أيكون للمغصوب منه أن يأخذ ذلك أم لا؟ قال: لا أرى له إلا وزنا مثل نحاسه أو حديده.

الحكم بين أهل الذمة والمسلم يغصب نصرانيا خمرا
قلت: أرأيت أهل الذمة إذا تظالموا فيما بينهم في الخمر يأخذها بعضهم من بعض، أو يفسدها بعضهم لبعض، أيحكم فيما بينهم أم لا؟ قال: نعم، يحكم فيما بينهم في الخمر؛ لأنها مال من أموالهم.
قلت: أليس قد قال مالك: إذا تظالموا بينهم حكمت بينهم ودفعتهم عن الظلم؟ أفليس الخمر من أموالهم التي ينبغي أن يدفع بعضهم عن ظلم بعض فيها؟ قال: بلى، كذلك أرى أن يحكم بينهم فيها. قال: قال مالك: ولا يحكم بينهم في الربا، إذا تظالموا فيه فتحاكموا إلينا لم أحكم بينهم.
قلت: أرأيت إذا رضوا أن يحكم بينهم في الخمر والربا - ظالمهم ومظلومهم - أيحكم بينهم ويردهم إلى رءوس أموالهم؟ قال: سمعت مالكا وسأله رجل عن الحكم بين النصارى فقال: يقول

فيمن استحق أرضا وقد عمل المشتري فيها عملا
قلت: أرأيت إن اشترى رجل أرضا، فحفر فيها مطامير أو آبارا أو بنى فيها ثم أتى ربها فاستحقها، ما يكون له في قول مالك؟ قال: يقال للذي استحقها: ادفع قيمة العمارة والبناء إلى هذا الذي اشتراها، وخذ أرضك وما فيها من العمارة، وهذا قول مالك. قال: وقال مالك في الرجل يشتري الأرض فيعمرها بأصل يضعه فيها، أو البئر يحفرها فيها، ثم يأتي رجل فيدرك فيها حقا فيريد أن يأخذها بالشفعة. قال: لا شفعة فيها إلا أن يعطيه قيمة ما عمر فإن أعطاه كان أحق بشفعته وإلا فلا حق له فيها. قال: وقال مالك في الأرض الموات: إذا أتى رجل إلى أرض فأحياها، وهو يظن أنها موات وأنها ليست لأحد، ثم استحقها رجل، قال مالك في قضاء عمر بن الخطاب: أنا آخذ به، وأرى أنه إذا أبى هذا وأبى هذا، أنهما يكونان شريكين بقدر ما أنفق هذا من عمارته، وبقدر قيمة الأرض يكونان شريكين في الأرض والعمارة جميعا. وهذه المسألة قد اختلف فيها، وهذا أحسن ما سمعت وأحب ما فيه إلي، وأنا أرى أن الذي اشترى الأرض فبنى فيها، إذا أتى الذي استحقها أن يغرم له قيمة عمارته ويأخذها، أو يقال للذي اشتراها اغرم له قيمة بقعته وحدها واتبع من اشتريت منه بالثمن، فإن أبى كانا شريكين، صاحب العرصة بقيمة عرصته، والمشتري بقيمة ما أحدث، يكونان شريكين فيهما على قدر مالهما، يقتسمان أو يبيعان. وكذلك الذي يريد أن يأخذ بالشفعة فيما استحق أنه يقال للمستحق: ادفع إليه قيمة ما عمر وخذ بالشفعة، فإن أبى قيل للمشتري: ادفع إليه نصف

قيمة البقعة التي استحق، فإن فعل كان ذلك له ويرجع على البائع بنصف الثمن، فإن أبى أن يدفع قيمة ما استحق، وأبى المستحق أن يدفع إليه قيمة ما عمر ويأخذ بالشفعة، نظر إلى نصف الدار التي اشترى المشتري وإلى نصف ما أحدث فيكون له، ثم ينظر إلى قيمة ما أحدث في حصة المستحق وينظر إلى قيمة حصة المستحق فيكونان شريكين في ذلك النصف، لصاحب البنيان بقدر نصف قيمة البنيان الذي بنى في حصة المستحق، ويكون للمستحق بقدر نصيبه فيما استحق، فيكونان شريكين في ذلك النصف بقدر ما لكل واحد منهما من القيمة، فيكون للمشتري النصف الذي اشتراه ونصف جميع قيمة ما أحدث من البنيان. وهذا أحسن ما سمعت وتكلمت فيه مع من تكلمت، ولم أوقف مالكا فيهما على أمر أبلغ فيه حقيقته. ألا ترى أنه مما يبين لك هذا أن المستحق يستحق الدار، أو المستحق لنصف الدار بالشفعة إذا لم يجد ما يعطي، أكان هذا يذهب حقه، ويقال له اتبع من باع؟ ولعله أن يكون معدما، وليس ذلك كذلك. فلا بد له من أخذ حقه، فإذا لم يأخذ أسلم وإذا أبى المشتري أن يأخذ حملا على الشركة على ما فسرت لك، وهذا أحسن ما سمعت، والله أعلم بالصواب.

كتاب الاستحقاق
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الاستحقاققال سحنون: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن استأجرت أرضا من رجل سنين، على أن أسكن فيها أو أبني أو أغرس، ففعلت فبنيت وغرست وزرعت، ثم استحق الأرض رجل قبل انقضاء الأجل؟ فقال: لا شيء على الذي آجره إن كان الذي آجره الأرض إنما كان اشترى الأرض، فالكراء له؛ لأن الكراء له بالضمان إلى يوم استحق ما في يديه من السكنى، فإن كانت للزرع فاستحقت وقد فات إبان الزرع، فليس للمستحق من كراء تلك السنة شيء، وهو مثل ما مضى وفات.
قلت: وإن كان مضى من السنين شيء، وإن كان إبان الزرع لم يفت، فالمستحق أولى بكراء تلك السنة وإن كانت من الأرض التي يعمل فيها السنة كلها، فهي مثل السكنى. إنما يكون له من يوم استحق وما مضى فهو للأول، ويكون المستحق بالخيار فيما بقي من السنين. فإن شاء أجاز الكراء إلى المدة، وإن شاء نقض. فإن أجاز إلى المدة، فله إن شاء إذا انقضت المدة أن يأخذ النقض والغرس بقيمته مقلوعا، وإن شاء أمر صاحبه بقلعه. فإن أبى أن يخير وفسخ الكراء، لم يكن له أن يقلع البناء ولا يأخذه بقيمته مقلوعا، ولكنه بالخيار، إن شاء أعطاه قيمته قائما وإن أبى قيل للباني أو الغارس: أعطه قيمة الأرض. فإن أبيا كانا شريكين وهكذا هذا الأصل في البنيان والغرس. وأما الأرض التي تزرع مرة في السنة، فليس له فسخ كراء تلك السنة التي استحق الأرض فيها؛ لأنه قد وجب كراؤها له، وإن كانت أرضا تعمل السنة كلها، فله من يوم يستحقها وإن أراد الفسخ لزمه تمام البطن التي هو فيها على حساب السنة وفسخ ما بقي؛ لأن المكتري ليس بغاصب ولا متعد، وإنما زرع على وجه الشبهة، ومما يجوز له. وإن كان رجل ورث تلك الأرض، فأتى رجل فاستحقها أو أدرك معه شريكا، فإنه يتبع الذي أكراها بالكراء؛ لأنه لم يكن ضامنا لشيء،

وإنما أخذ شيئا ظن أنه له، فأتى من هو أحق به منه، مثل الأخ يرث الأرض فيكريها فيأتي أخ له لم يكن عالما به، أو علم به، فيرجع على أخيه بحصته من الكراء إن لم يكن حابى في الكراء، فإن حابى رجع بتمام الكراء على أخيه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال رجع على المكتري سحنون: وغير ابن القاسم يقول: يرجع على المكتري ولا يرجع على الأخ بالمحاباة، كان للأخ مال أو لم يكن له مال، إلا أن يكون للمكتري مال فيرجع على أخيه. وهذا إذا علم بأن له أخا، فإن لم يعلم، فإنما يرجع بالمحاباة على المكتري. قال ابن القاسم: وإن كان إنما يسكنها ويزرعها لنفسه، وهو لا يظن أن معه وارثا غيره، فأتى من يستحق معه، فلا كراء عليه فيها؛ لأني سألت مالكا عن الأخ يرث الدار فيسكنها فيأتي أخ له بعد ذلك. فقال: إن كان علم أن له أخا أغرمته نصف كراء ما سكن، وإن كان لم يعلم، فلا شيء، وكذلك في السكنى. وقد قال عبد الرحمن بن القاسم: وأما الكراء عندي فهو مخالف للسكنى، له أن يأخذ منه نصف ما أكراها به - علم أو لم يعلم - لأنه لم يكن ضامنا لنصيب أخيه، ونصيب أخيه في ضمان أخيه ليس في ضمانه، وإنما أجيز له السكنى إذا لم يعلم على وجه الاستحسان؛ لأنه لم يأخذ لأخيه مالا، وعسى أنه لو علم لم يسكن نصيب الأخ، ولكان في نصيبه من الدار ما يكفيه سحنون: وقد روى علي بن زياد عن مالك: أن له عليه نصف كراء ما سكن.

في الرجل يكتري الأرض فيزرعها ثم يستحقها رجل في أيام الحرث وغير أيام الحرث
قلت: أرأيت إن اكتريت من رجل أرضا سنة واحدة بعشرين دينارا لأزرعها، فلما فرغت من زراعتها - وذلك في أيام الحرث بعد، فأتى رجل فاستحقها، أيكون له أن يقلع الزرع في قول مالك أم لا؟ قال: ليس له أن يقلع زرع هذا الزارع إذا كان الذي أكراه الأرض لم يكن غصبها، وكان المكتري لم يعلم بالغصب؛ لأنه زرعها لأمر كان يجوز له ولم يكن متعديا.
قلت: ولم لا يكون هذا الذي استحق أن يقلع زرع هذا الزارع، وقد صارت الأرض أرضه؟ قال: قد أخبرتك؛ لأن هذا الزارع لم يزرع غاصبا وإنما زرع على وجه شبهة. وقد قال مالك فيمن زرع على وجه شبهة: إنه لا يقلع زرعه ويكون عليه الكراء.
قلت: فلمن يكون هذا الكراء، وقد استحقها هذا الذي استحقها في إبان الحرث وقد زرعها المتكاري؟ قال: إذا استحقها في إبان الحرث، فالكراء للذي استحقها. كذلك قال لي مالك بن أنس؛ لأن مالكا قال: من زرع أرضا بوجه شبهة، فأتى صاحبها

فاستحقها في إبان الحرث، لم يكن له أن يقلع الزرع وكان له كراء الأرض على الذي زرعها، فإن استحقها وقد فات إبان الزرع، فلا كراء له فيها، وكراؤها للذي اشتراها أو ورثها، وهو بمنزلة ما استغل قبل ذلك أو زرع أو سكن. وإن كان غصبها الزارع، قلع زرعه إذا كان في إبان تدرك فيه الزراعة، وإنما يقلع من هذا ما كان على وجه الغصب. فأما ما كان على وجه شبهة، فليس له أن يقلعه وإنما يكون للذي استحق الكراء. قلت: فإن مضى إبان الحرث وقد زرعها المكتري، أو زرعها الذي اشترى الأرض، فاستحقها رجل آخر، أيكون له من الكراء شيء أم لا؟ قال: لا يكون له من الكراء شيء؛ لأن الحرث قد ذهب إبانه.
قلت: وتجعل الكراء للذي أكراها؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم فيما بلغني إذا لم يكن غصبها قال: وهذا بمنزلة الدار يكريها فيأخذ غلتها، ويسكن هذا المتكاري حتى ينقضي أجل السكنى، ثم يستحقها مستحق بعد انقضاء السكنى، فيكون الكراء للذي اشترى الدار وأكراها؛ لأنه صار ضامنا للدار. فالأرض إذا ذهب إبان الحرث، بمنزلة ما وصفت لك في كراء الأرض. والدار إذا انقضى أجل السكنى فاستحقها رجل، كذا سمعت إذا لم يكن غاصبا.
قلت: أرأيت إن كان هذا الذي أكرى، لا يعرف أنه اشتراها فأكراها وزرعها المتكاري، فأتى رجل فاستحقها في إبان الحرث؟ قال: هو بمنزلة ما لو أنه اشتراها حتى يعلم أنه غصبها؛ لأن مالكا قال: من زرع على وجه شبهة فليس لمن استحق الأرض أن يقلع زرعه. قلت: أرأيت إن كان إنما ورث الأرض عن أخيه، فأتى رجل فادعى أنه ابن أخيه وأثبت ذلك - وذلك في إبان الحرث - أيكون له أن يقلع الزرع؟ قال: ليس له أن يقلع الزرع ولكن له الكراء.
قلت: فإن كان قد مضى إبان الحرث فاستحق الأرض، لمن يكون الكراء؟ قال: أما في الموارثة، فأرى الكراء للذي استحق الأرض كان في إبان الحرث أو غير إبان الحرث؛ لأن ضمانها إنما كان من الذي استحق الأرض؛ لأن الأرض لو غرقت أو كانت دارا فانهدمت أو احترقت لم يضمنها هذا الذي كانت في يديه، وإنما كان ضمانها من الغائب الذي استحقها. فلذلك كان له الكراء؛ لأن ضمانها كان في ملكه. وإن الذي اشترى الدار أو ورثها من أبيه فاستحقها رجل بغير وراثة دخل معه، فإنما له الكراء من يوم استحقها على ما وصفت لك، ولا كراء له فيما مضى. وإنما الذي يرجع على الورثة في الكراء والغلة، الذي يدخل بسبب مع من كانت في يديه، يكون هو وأبوهم ورثوا دارا. فأما أن يستحقها بوراثته وقد كانت في يدي غيره بغير وراثة، فإنه لا حق له إلا من يوم استحق إلا أن يعلم أنه كان غاصبا، وهو الذي سمعت واستحسنت وفسر لي.

في الذي يكتري الأرض بالعبد أو بالثوب ثم يستحق العبد أو الثوب أو بحديد أو برصاص أو نحاس بعينه ثم يستحق ذلك
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا بعبد أو بثوب، فزرعت الأرض فاستحق العبد أو الثوب، ما يكون علي في قول مالك؟ قال: عليك قيمة كراء الأرض.
قلت: أرأيت إن اكتريتها بحديد بعينه، أو برصاص بعينه، أو بنحاس بعينه، فاستحق ذلك الحديد أو النحاس أو الرصاص، وقد عرفنا وزنه، أيكون علي مثل وزنه، أو يكون علي مثل كراء الأرض؟ قال: إن كان استحقاقه قبل أن يزرع الأرض أو يحرثها، أو يكون له فيها عمل، أو زرع انفسخ الكراء، وإن كان بعدما أحدث فيها عملا أو زرعا، كان عليه مثل كراء تلك الأرض. قال: وسألت مالكا عن الرجل يبتاع من الرجل الطعام بعينه، فيفارقه قبل أن يكتاله، فيتعدى البائع على الطعام فيبيعه؟ قال مالك: للمبتاع على البائع أن يأتيه بطعام مثله. قال: فقلت لمالك: فإن قال المشتري: أما إذا بعت طعامي فاردد لي دنانيري. قال: قال مالك: ليس له ذلك إلا أن يكون عليه بالخيار إن شاء طعامه وإن شاء دنانيره، وإنما عليه أن يأتيه بطعام مثله. قال مالك: ولكن لو أصابه أمر من أمر الله، من نار أهلكت الطعام، أو سارق أو سيل أو ما أشبه هذه الوجوه، فهذا ينتقض البيع فيه بينهما، ويرد عليه دنانيره. وليس على البائع أن يأتيه بطعام مثله، وليس للبائع أن يقول: أنا آتيك بطعام مثله.

في الرجل يكري داره سنة يسكنها المكتري ستة أشهر ولم يقتض منه الكراء ثم يستحقها رجل
قلت: أرأيت إن أكريت دارا سنة بمائة دينار، ولم أقبض الكراء حتى سكن المتكاري نصف سنة، ثم استحق رجل الدار، لمن يكون كراء الشهور الماضية في قول مالك؟ قال: للمكري الذي استحق الدار من يديه، وللذي استحق الدار أن يخرجه وينتقض الكراء، فإن أحب الذي استحق الدار أن يمضي الكراء أمضاه، ولم يكن للمتكاري أن ينقض الكراء، وإن رضي أمضى ذلك الكراء مستحق الدار. قلت ولم يكن للمتكاري أن ينقض الكراء وهو يقول: إنما كانت عهدتي على الأول، فلا أرضى أن تكون عهدتي عليك أيها المستحق. قال: يقال له: ليس ذلك لك. ولا ضرر عليك في عهدتك، اسكن، فإن انهدمت الدار، وجاء أمر لا تستطيع السكنى معه، من هدم الدار وما أشبهه، فأد من الكراء قدر ما سكنت واخرج.
قلت: فإن كان المتكاري قد نقد الكراء كله، فاستحقها هذا الرجل بعد ما سكنها هذا المتكاري نصف سنة؟ قال: يرد نصف النقد إلى المستحق، وإن كان غير مخوف عليه فإن لم يكن وجه خوف، لكون

الرجل كثير الدين ونحو هذا، دفع إليه بقية الكراء، ولم يرد ما بقي من الكراء على مكتري الدار، ولزمه الكراء. وهذا إذا رضي بذلك مستحق الدار، وهذا رأيي.

في الرجل يكري داره من رجل فيهدمها المتكاري أو المكري تعدياً ثم يستحقها رجل
قلت: أرأيت لو أني أكريت داري من رجل سنة، فهدمها المتكاري تعديا وأخذ نقضها فاستحقها رجل؟ قال: تكون الدار للمستحق، ويكون قيمة ما هدم المتكاري للمستحق.
قلت: فإن كان المكري قد ترك قيمة الهدم للمتكاري قبل أن يستحقها هذا المستحق؟ قال: يرجع المستحق بقيمة الهدم على المتكاري الذي هدمها.
قلت: فإن كان معدما، أيرجع على المكري بالقيمة التي ترك له؟ قال: لا، إنما هو بمنزلة عبد اشتراه رجل في سوق المسلمين، فسرق منه فترك قيمته للسارق، ثم استحق، فلا يكون لمستحقه على الذي وهبه شيء، إنما يتبع الذي سرقه؛ لأنه هو الذي أتلفه. وإنما عمل هذا المشتري ما كان يجوز له ولم يتعد. قال: ولو كان المكتري باع نقض الدار بعد هدمه إياها، فإن المستحق بالخيار، إن شاء أخذ قيمة النقض من المكتري الذي هدم الدار، وإن شاء أخذ الثمن الذي باع به النقض هو في ذلك بالخيار. قلت: فإن كان المكري هو الذي هدم الدار ثم استحقها هذا المستحق؟ قال: فلا شيء له على المكتري إلا أن يكون هو الذي باع نقضها. فإن كان باع نقضها أخذ منه ثمن ما باع به، وإن كان إنما هدم منها شيئا قائما عنده أخذه منه. قلت: والذي سألتك عنه من أمر المكري الذي ترك الهدم للمتكاري، أهو قول مالك؟ قال: هو رأيي.

في الرجل يكري الدار فيستحق الرجل بعضها أو بيتا منها
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا فاستحق بعضها أو بيت منها؟ قال: قال مالك في رجل ابتاع دارا فاستحق بيت منها أو بعضها. قال: إن كان البيت الذي استحق منها هو أيسر الدار شأنا، فأرى أن يلتزم البيع ويرد من الثمن مبلغ قيمة ذلك البيت من الثمن. قال مالك: ورب دار لا يضرها ذلك، وتكون دارا فيها من البيوت بيوت كثيرة ومساكن رجال فلا يضرها ذلك. والنخل كذلك، يستحق منها الشيء اليسير النخلات، فلا يفسخ ذلك البيع إذا كان النخل لها عدد وقدر، وإن كان الذي استحق منها نصفها أو جلها أو كان أقل من نصفها، ما يكون ضررا على المشتري. فإن أحب أن يردها كلها ردها وأخذ الثمن كان ذلك له، وإن أحب أن يتماسك بما لم يستحق منها على قدر قيمته من الثمن،

في الرجل يشتري الدار أو يرثها فيستغلها زمانا ثم يستحقها رجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى دارا أو ورثها فاستغلها زمانا ثم استحقها رجل؟ قال: الغلة للذي كانت الدار في يديه، وليس للمستحق من الغلة شيء. قلت: لم؟ قال: لأن الكراء بالضمان وإنما هذا ورث دارا أو غلمانا، لا يدري بما كانوا لأبيه، ولعله ابتاعهم فكان كراؤهم له بالضمان.
قلت: فإن كانت الدار والغلمان، إنما وهبوا لأبيه لم يتبعهم أبوه، فورثهم عن أبيه ثم استحق جميع ذلك رجل، أيكون عليه غلة الغلمان والكراء فيما مضى من يوم وهبوا لأبيه إلى يوم استحقه المستحق له؟ قال: إن علم أن الواهب لأبيه هو الذي غصب هذه الأشياء من هؤلاء الذين استحقوا هذه الدار وهذه الغلة وهؤلاء الغلمان، أو غصب هذه الأشياء من رجل هذا المستحق وارثه، فجميع هذه الغلة والكراء للمستحق.
قلت: ولم قلت في الواهب: إذا كان لا يدري أغاصبا أم لا؟ قال: لأني لا أدري لعل هذا الواهب اشترى هذه الأشياء من سوق المسلمين. ألا ترى لو أن رجلا اشترى في سوق المسلمين دارا أو عبدا، فاستعملهم ثم استحق ذلك رجل لم يكن له من الغلة شيء؟ قلت: فإن كان الذي باعها في السوق هو الذي غصب هذه الأشياء، أتكون الغلة للمشتري في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، إذا لم يعلم المشتري بالغصب.
قلت: فإن وهبها هذا الغاصب لرجل وهو لا يعلم بالغصب، أو علم به فاغتل هذه الأشياء الموهوبة له، أو أخذ كراءها ثم استحقها رجل؟ فقال: الكراء للذي استحقها إن كان الموهوب له علم بالغصب، كانت الغلة التي اغتل مردودة إلى الذي استحقها، وإن كان لم يعلم بالواهب له أنه غصب هذه الأشياء نظر، فإن كان الغاصب الذي غصب هذه الأشياء مليا، كان غرم ما اغتل هذا الموهوبة له هذه الأشياء على الغاصب إذا كان مليا، وإذا لم يكن للواهب مال، كان على الموهوب له أن يرد جميع الغلة. بمنزلة ما لو أن رجلا اغتصب ثوبا أو طعاما فوهبها لرجل، فأكله أو لبس الثوب فأبلاه، أو كانت دابة فباعها وأكل ثمنها، ثم استحقت هذه الأشياء. فإن كان عند الواهب مال أغرم وأسلم للموهوب له هبته إذا لم يعلم بأن الواهب كان غاصبا، وهذا إذا فاتت في يد الموهوب، وإن لم يكن للواهب مال أغرم الموهوب له، وهذا مثل الأول. قال ابن القاسم: ألا ترى

أن الغاصب نفسه، لو اغتل هذا العبد أو أخذ كراء الدار، كان لازما له أن يرد جميع الغلة والكراء إلى مستحق الدار. فلما وهب هذه الأشياء فأخذها هذا الموهوب له بغير ثمن، فكأنه هو الغاصب نفسه في غلتها وكرائها إذا لم يكن للواهب مال. ألا ترى لو أن الغاصب مات فتركها ميراثا، فاستغلها ولده، كانت هذه الأشياء وغلتها للمستحق؟ فكذلك الموهوبة له هذه الأشياء، لا يكون أحسن حالا من الوارث فيها إذا لم يكن للغاصب الواهب مال. أولا ترى لو أن رجلا ابتاع قمحا أو ثيابا أو ماشية، فأكل القمح ولبس الثياب فأبلاها وذبح الماشية فأكلها، ثم استحقها رجل أن يغرم المشتري ثمن ذلك كله، ولا يوضع عنه لاشترائه في سوق المسلمين، وإنما يوضع عنه ما كان من الحيوان مما هلك في يديه أو دارا احترقت أو انهدمت؛ لأنه كان ضامنا لثمنها ومصيبتها منه، وإن كانت هذه الحنطة والثياب لم يأكلها ولم يبلها حتى أتت عليها جائحة من السماء فذهبت بها، وله على ذلك البينة، فلا شيء عليه. فكما كان من اشترى في سوق المسلمين طعاما أو ثيابا أو ماشية فأكلها أو لبسها لم يضع الشراء عنه الضمان، فكذلك الموهوب له حين وهب له ما ليس هو لمن وهبه له، إنما اغتصبه واستغله الموهوب له، لم يكن له ضمان لثمن أخرجه فيه، كان عليه أن يؤدي ما استغل إذا لم يكن للغاصب الواهب مال؛ لأنه أخذ هذه الأشياء بغير ثمن. ومما يبين لك ذلك، أن الغلة للذي استحق هذه الأشياء، إن كان وهبها هذا الغاصب. ولو أن عبدا نزل بلدا من البلدان، فادعى أنه حر، فاستعانه رجل فبنى له دارا أو بيتا، أو وهب له مال فأتى سيده فاستحقه، أنه يأخذ قيمة عمل غلامه في تلك الدار والبيت إذا كان الشيء له بال، إلا أن يكون الشيء الذي لا بال له، مثل سقي الدابة وما أشبهه، ويأخذ جميع ماله الذي وهب له، إن كان أكله الموهوب له أو باعه فأخذ ثمنه فعليه غرمه، إلا أن تكون هذه الأشياء تلفت من يد الموهوب له من غير فعله قد علم ذلك فلا غرم عليه.
قلت: ولم لا يكون الضمان على الموهوب له هذه الأشياء إذا تلفت عنده، وقد جعلت أنت الغلة للمستحق؛ لأنك
قلت: الموهوب له في الغلة بمنزلة الغاصب إذا لم يكن للواهب مال؛ لأن الغاصب لو اغتل هذه الأشياء أخذ الغلة المستحق منه لهذه الأشياء، فجعلت الموهوبة له بمنزلة الغاصب في الغلة إذا لم يكن للواهب مال، فلم لا يكون الموهوبة له هذه الأشياء، بمنزلة الغاصب إذا لم يكن للغاصب مال في التلف؛ لأنك تقول في الغاصب لو تلفت هذه الأشياء عنده بموت أو تلفت من غير فعله كان عليه الضمان؟ فلم لا يكون ذلك على الموهوب له هذه الأشياء إذا لم يكن للغاصب مال؟ قال: لأن الموهوبة له هذه الأشياء لم يتعد والغاصب قد تعدى حين غصبها، إلا أن يكون الموهوبة له هذه الأشياء قد علم بالغصب، فقبلها وهو يعلم بالغصب فتلفت عنده، أنه يضمن؛ لأنه مثل الغاصب أيضا.

قلت: أرأيت ما اشتريت من الدور والأرضين والحيوان والثياب وجميع ما يكرى، وله الغلة أو نخل فأثمرت عندي، فاستحق جميع ذلك مني رجل أقام البينة، أن البائع غصبه، ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك: الغلة للمشتري بالضمان.
قلت: وجعل مالك ثمر النخلة بمنزلة غلة الدور والعبيد، جعل ذلك للمشتري؟ قال: نعم. قلت: فإن وهب الغاصب هذه الأشياء هبة فاغتلها هذا الموهوبة له، أتكون غلتها للمستحق؟ قال: نعم، ولا تطيب الغلة له؛ لأنه لم يؤد في ذلك ثمنا. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في الهبة الساعة، ولا أشك أن الغلة للمستحق إذا كانت في يدي هذا بهبة من الغاصب بحال ما وصفت لك، ويعطى هذا الموهوبة له هذه الأشياء قيمة عمله فيها وعلاجه.
قلت: ما فرق ما بين الهبة وبين البيع؟ قال: لأن في البيع تصير له الغلة إلى الضمان، والهبة ليس فيها ضمان. قلت: وما معنى الضمان؟ قال: معنى الضمان، أن الذي اشترى هذه الأشياء، وإن اشتراها من غاصب إذا لم يعلم أنه غاصب، أن هذه الأشياء إذا تلفت في يدي المشتري بشيء من أمر الله، كانت مصيبتها من المشتري وتلف الثمن الذي أعطى فيها، والموهوب له ليس بهذه المنزلة إن تلفت هذه الأشياء من يديه لم يتلف له فيها شيء من الثمن، فإنما جعلت الغلة للمشتري بالثمن الذي أدى في ذلك. وكانت الغلة له بالضمان بما أدى منها. والموهوب له لا تطيب له الغلة؛ لأنه لم يؤد في ذلك شيئا إذا لم يكن للغاصب مال.

الرجل يبتاع السلعة بثمن إلى أجل فإذا حل الأجل أخذ مكان الدنانير دراهم ثم يستحق رجل تلك السلعة
قلت: أرأيت إن بعت سلعة بدنانير إلى أجل، فلما حل الأجل أخذت منه بالدنانير دراهم، فاستحقت السلعة التي بعتها، بم يرجع على صاحبها؟ قال: قال لي مالك في الرجل يبيع السلعة بمائة دينار فيأخذ بثمنها دراهم، ثم يجد بها عيبا فيردها، ثم يرجع على صاحبها. قال: بالدراهم. قال: فقلنا له: فإن أخذ بها عرضا، ماذا عليه إذا ردها له؟ قال: له عليه مائة دينار. قال: ورأيته يجعله إذا أخذ العين من العين الدنانير من الدراهم، أو الدراهم من الدنانير، لا يشبه عنده ما إذا أخذ من العين الذي وجب له عرضا، فمسألتك التي سألت عنها مثلها سواء؛ لأنه لما أخذ بمائة دينار، كانت له عليه من ثمن سلعة ألف درهم، فلما استحقت السلعة من يدي المشتري رجع على البائع بالذي دفع إليه، وذلك ألف درهم؛ لأن مالكا جعل العين بعضه من بعض، فإذا كان إنما باعه سلعة بمائة دينار، فأخذ منه بالمائة الدينار سلعة من السلع دابة أو غير ذلك، ثم

استحقت الدابة أو السلعة التي أخذ في ثمن الدنانير من يديه، رجع على صاحبه بمائة دينار؛ لأنه إنما أخذ هذه السلعة التي استحقت من يديه بمائة دينار، كانت له على صاحبه ولم تكن هذه السلعة ثمنا للسلعة الأخرى، وإنما هي عندي بمنزلة ما لو قبض الذهب، ثم ابتاع بها من صاحبها سلعة أخرى فاستحقت السلعة من يديه، فإنما يرجع عليه بالذهب.

الرجل يشتري الجارية ثم يستحقها رجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى جارية في سوق المسلمين، فوطئها فاستحقها رجل أنها أمة أو استحقت أنها حرة، وقد وطئها السيد المشتري، أيكون عليه للوطء شيء أم لا؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه.
قلت: أرأيت من اشترى جارية فوطئها فافتضها، أو كانت ثيبا فوطئها فاستحقت أنها حرة، أو استحقها رجل أنها أمته؟ قال: قال مالك: لا شيء على الواطئ، بكرا كانت أو ثيبا.

الرجل يشتري الجارية فتلد منه ولداً فيقتله رجل خطأ أو عمدا ثم يستحقها سيدها
قلت: أرأيت الرجل يشتري الجارية في سوق المسلمين، فتلد منه ولدا عند السيد، فيقتله رجل خطأ أو عمدا، ثم يأتي رجل فيستحق الأمة، وقد قضي على القاتل بالدية أو بالقصاص أو لم يقض عليه بعد ذلك؟ قال: أما الدية، فإن مالكا قال في ديته: هي لأبيه كاملة؛ لأنه حر ويكون على أبيه قيمته لسيد الأمة، إلا أن تكون القيمة أكثر من الدية، فلا يكون على الأب أكثر مما أخذ. وأما في العمد، فهو حر وفيه القصاص، ولا يضع القصاص عن القاتل استحقاق هذه الأمة؛ لأنه حر.
قلت: وكذا إن جرح؟ قال: نعم، كذلك إن جرح أو لم يجرح؛ لأنه حر وهو قول مالك. قلت: أرأيت الأب إذا اقتص من قاتل ابنه هذا، ثم أتى سيد الأمة، هل يغرم له الأب شيئا أم لا؟ قال: لا.
قلت: أرأيت الولد إذا كان قائما عند والده، أيكون لمستحق الأمة على والده قيمته بالغة ما بلغت وإن كانت أكثر من ديته؟ قال: كذلك قال لي مالك: إنما يغرم قيمته أن لو كان عبدا يباع على حالته التي هو عليها يومئذ.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قطع يده خطأ، وقيمة الولد أكثر من ألف دينار، فأخذ الأب نصف دية ولده ثم استحق رجل أمة؟ قال: يغرم والده قيمة الولد أقطع اليد يوم يحكم له فيه، ويقال له: ما قيمته صحيحا وقيمته أقطع اليد يوم جني عليه؟ فينظر كم بينهما، فإن كان بين قيمته أقطع اليد وبين قيمته

في الرجل يشتري الجارية فتلد منه فيستحقها رجل
قلت: أرأيت الرجل تكون عنده الجارية قد اشتراها فتلد منه، فيأتي رجل فيقيم البينة أنها أمته؟ قال: يأخذ المستحق الجارية وقيمة ولدها من والدهم، وهذا قول مالك، وهو أحب قوليه إلي والذي آخذ به وعليه جماعة الناس. وقد كان مالك مرة يقوله ثم رجع عنه، وقال: يأخذ قيمة الجارية؛ لأن في ذلك ضررا على المشتري؛ لأنها إذا ولدت منه فأخذت، كان ذلك عار على سيدها الذي ولدت منه وعلى ولدها. وفي قوله الآخر: أنه إن أخذها، فإنه يأخذ معها قيمة الولد أيضا، فهذا الضرر ويمنع من ذلك.
قلت: فهل يرجع مشتري الجارية على البائع بقيمة الولد الذي غرم في قوله هذا؟ قال: لا.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا، إلا أن مالكا قال في رجل باع من رجل عبدا سارقا، دلس له فأدخله بيته فسرق العبد مال المشتري: إنه لا يرجع بما سرق له على البائع. قلت: أرأيت إن أقام هذا المستحق البينة، أن الذي ولدت منه الجارية غصبها له؟ قال: يأخذها ويأخذ ولدها ويحد غاصبها.
قلت: أرأيت الذي يشتري الجارية فتلد منه، ثم يستحقها رجل فيقوم الأب قيمة الولد على ما أخبرني من أثق به من قول مالك في القول الأول، أيرجع بما أدى من قيمة الولد على الذي باعه الجارية بتلك القيمة في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه رجوعا ولا غير ذلك، ولا أرى ذلك له.

ولو كان له أن يرجع على البائع بقيمة الولد لسمعناه من مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا زوج أمته رجلا غيره منها وزعم أنها حرة، فاستحقها رجل وقد ولدت من الزوج؟ قال: يأخذ السيد ويأخذ قيمة الولد من أبي الولد، ويرجع الزوج على الذي غره بالصداق الذي دفعه إليها.
قلت: ولا يرجع الزوج على الذي غره منها بقيمة الولد؟ قال: لا.
قلت: فلم جعلته يرجع بالصداق ولا يرجع بقيمة الولد؟ قال: لأنه غره منها، فلذلك يرجع بالصداق. ولو كانت هي التي غرته لم يرجع الزوج عليها بقليل ولا بكثير، إلا أن يكون ما أعطاها أكثر من صداق مثلها فيرجع عليها بالفضل.
قلت: أرأيت إن رجع بالصداق على الذي غره، أيترك له قدر ما استحل به فرجها؟ قال: لا. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: إنما قال لنا مالك: يرجع بالصداق على الذي غره، ولم يقل لنا مالك: يترك له شيئا. وأصل قول مالك: إنما يرجع بالصداق على الذي غره؛ لأنه كأنه باعه بضعها، فاستحق من يده البضع، فيرجع بالثمن الذي دفعه في البضع وهو الصداق، ولا يرجع بقيمة الولد؛ لأنه لم يبعه الولد، فهذا أصل قولهم. قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا فأعتقته، أو أمة في سوق المسلمين فاتخذتها أم ولد، فأتى رجل فاستحق رقابهما، أيرد البيع ويفسخ عتق العبد وتصير الأمة أم ولد لهذا الرجل، أو أمة لهذا المستحق؟ قال: قال مالك: أما في العبد فيفسخ عتقه ويرد رقيقا، وأما الجارية فإنها ترد ما لم تحمل، فإذا حملت كان على سيدها الذي حملت منه قيمتها للذي استحقها. قال ابن القاسم: وقد قال لي قبل ذلك: يأخذها ويأخذ قيمة ولدها من الأب قيمتهم يوم يحكم فيهم. قال ابن القاسم: وهذا أحب قوليه إلي.

الرجل يشتري الجارية فتلد منه ثم يستحقها رجل والسيد عديم والوالد قائم موسر
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى جارية في سوق المسلمين فولدت ولدا من السيد، فاستحقها رجل والسيد المشتري عديم؟ قال: يأخذ جاريته وتكون قيمة ولدها دينا على الأب عند مالك.
قلت: فإن كان الأب موسرا فأدى قيمة الابن، أيكون له أن يرجع على الابن بقيمته التي أدى عنه في قول مالك يتبعه بها؟ قال: لا.
قلت: فإن كانا موسرين، أتؤخذ قيمة الابن من مال الأب أم من مال الابن؟ قال: بل من مال الأب.
قلت: فيرجع بها الأب في مال الولد إذا كان الولد موسرا أو بنصفه أو بشيء منه؟ قال: لا.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كان الأب عديما والولد موسرا، أتؤخذ القيمة من مال الابن؟ قال: نعم. قال سحنون: وقال غيره: لا يكون على الابن شيء، وذلك على

الأب في اليسر والعدم. قال سحنون: وهذا أحسن. قلت لابن القاسم: أفيرجع به الابن على الأب؟ قال: لا.
قلت: أفتؤخذ قيمة الأم من مال الولد إذا كان الأب عديما والولد موسرا؟ قال: لا تؤخذ قيمة الأم من الولد على حال ابن وهب: عن يونس عن ابن شهاب أنه قال في رجل ابتاع وليدة مسروقة أو آبقة فتلد منه، ثم يأتي سيد الجارية فيقبضها ويريد أخذ ولدها. قال ابن شهاب: نراها لسيدها الذي أبقت منه أو سرقت، ونرى ولدها لأبيهم الذي ابتاع أمهم بقيمة عدل، يؤدي قيمتهم إلى سيد الجارية سحنون: عن ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال: ما رأيت الناس يرون إلا أن الرجل إذا أدرك وليدته وأقام البينة أنها مسروقة، يأخذ وليدته ويكون الولد لوالدهم بالقيمة يؤدي الثمن إلى سيد الوليدة، ولا نرى عليه غير ذلك. ولو أخذ السارق كان أهلا للعقوبة الموجعة والغرامة، والناس لا يرون في الحيوان من الماشية إذا أخذت في الصحراء قطعا، ولا في الرقيق قطعا.

الرجل يبني داره مسجدا ثم يأتي رجل فيستحقها
قلت: أرأيت لو أن رجلا بنى داره مسجدا، ثم يأتي رجل فيستحقها، أيكون له أن يهدم المسجد في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يعتق عبدا له فيأتي رجل فيستحق العبد: إن العتق يرد، وإنه يرجع رقيقا، فكذلك المسجد، له أن يهدمه مثل العتق له أن يرده.

في الرجل يشتري سلعاً كثيرة أو يصالح على سعل كثيرة ويأتي رجل فيستحق بعضها
في الرجل يشتري سلعاً كثيرة أو يصالح على سلع كثيرة ويأتي رجل فيستحق بعضها
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى من رجل سلعا كثيرة، أو صالحته من دعوى ادعيتها على سلع كثيرة، فقبضت السلع أو لم أقبضها حتى استحق رجل بعضها؟ قال: ينظر، فإن كان ما استحق منها ذلك الرجل وجه ذلك البيع، كان له أن يرد جميع ذلك. فإن لم يكن وجه ذلك لزمه ما يفي بحصته من الثمن، وكذلك قال مالك بن أنس: وسواء إن كان قبض أو لم يقبض، كذلك قال مالك في الاستحقاق والعيوب جميعا. قال مالك: ولو أن العيوب والاستحقاق وجدت في عيون ذلك، فرضي البائع والمبتاع أن يسلما ما ليس فيه عيوب بما يصيبه من جملة الثمن كله، لم يحل ذلك لواحد منها، وكان مكروها؛ لأن الصفقة قد وجب ردها كلها، فكأنه باعهم بثمن لا يدري ما يبلغ أثمانهم من الجملة.
قلت: أرأيت إن اشتريت حنطة أو شعيرا أو عروضا كثيرة، صفقة

في الرجل يتزوج المرأة على عبد فيستحقه رجل
قلت: أرأيت إن تزوجت امرأة على عبد فاستحقه رجل أنه حر؟ قال: لا أرى لها إلا قيمته وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن تزوجت امرأة على جارية بعينها، فاستحقت الجارية أنها حرة أو أصابت المرأة بها عيبا؟ قال: تردها وتأخذ المرأة قيمة الجارية من زوجها.
قلت: ولم لا تأخذ مهر مثلها إذا استحقت الجارية أنها حرة أو أصابت بها عيبا فردتها؟ قال: ليس هذا الوجه يشبه البيوع في قول مالك. قال: قال مالك: ولو أن امرأة تزوجت بشقص من دار، فأتى الشفيع ليأخذها بشفعته.
قلت لمالك: فأي شيء يكون للمرأة إذا أخذ الشفيع الدار بالشفعة، أصداق مثلها أم قيمة الشقص؟ قال: بل قيمة الشقص. قلت: وكذلك إن خالعها زوجها على عبد دفعته إليه، فأصاب به عيبا رده وأخذ قيمة العبد في قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يشتري الصبر من القمح والشعير بالثمن الواحد فيستحق أحدهما
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى صبرة من حنطة وصبرة من شعير - صفقة واحدة - بمائة دينار، على أن كل صبرة منها بخمسين دينارا، فنقده الثمن واكتال الشعير والحنطة، ثم استحق الشعير أو الحنطة، بم يرجع على بائعه؟ أيرجع عليه بخمسين ثمن صبرة الشعير، كأن الذي استحق الشعير أو الحنطة؟ قال: لا، ولكن يقسم الثمن على قيمة الحنطة وقيمة الشعير، فيوضع عن المشتري من الثمن مقدار ما استحق من ذلك، لأنها صفقة واحدة. وكذلك لو اشترى رقيقا وثيابا - صفقة واحدة - على أن كل واحد من الرقيق وكل واحد من الثياب بدينار دينار، فاستحق بعض ذلك، أنه لا ينظر إلى ما سميا من أن لكل عبد دينارا، أو لكل ثوب دينارا، ولكن يقسم الثمن على جميع الصفقة، فما أصاب الذي استحق من الصفقة من الثمن وضع عن المشتري. قلت: وهذا قول مالك؟

في الرجلين يصطلحان على الإقرار أو الإنكار ثم يستحق ما في يدي أحدهما
قلت: أرأيت إن اصطلحا على الإقرار، فاستحق ما في يدي المدعي، أيرجع على صاحبه بالذي أقر له به؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: إنما الصلح عند مالك بيع من البيوع، فهذا والبيع سواء إذا كان قائما لم يفت، وكان عرضا أو حيوانا. فإن فات بزيادة أو نقصان أو حوالة أسواق، رجع عليه بقيمة ما أقر له به. فإن كان عينا، فإنه يرجع على صاحبه بالذي أقر له به، وإن كان عرضا وكان قائما لم يفت، فإن فات رجع عليه بقيمته.
قلت: فإن اصطلحا على الإنكار فاستحق ما في يد المدعى عليه، أيرجع على المدعي شيء أم لا؟ قال: نعم، يرجع بقيمة ما دفع إليه إن كان عرضا أو حيوانا، قد فات بنماء أو نقصان أو حوالة أسواق، وإن كان قائما بعينه لم يفت رجع عليه فأخذه منه. قلت: أرأيت لو أن لي على رجل ألف درهم، فصالحته على أن حططت عنه خمسمائة درهم، على أن يعطيني بالخمسمائة درهم الباقية عبده ميمونا، أيجوز هذا في قول مالك؟ وكيف إن استحق العبد، بم أرجع عليه في قول مالك، أبالخمسمائة أم الألف كلها؟ قال: شراء العبد جائز، وفي الاستحقاق يرجع بالألف كلها، ولم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا قال لي: إن ابتاع الرجل سلعة بشيء من الأشياء، على أن يعطي بتلك السلعة سلعة أخرى، كانت تلك السلعة الأخرى نقدا أو إلى أجل، فإنما وقع البيع

على تلك السلعة الآخرة، كان ذلك ذهبا أو ورقا أو طعاما أو عرضا، وكان الكلام الذي كان قبل ذلك حشوا. قال مالك: إنما ينظر في ذلك إلى الفعل ولا ينظر إلى الكلام، فإذا صح الفعل لم يضرهم قبح كلامهم.

في الرجل يجب له على الرجل دم عمد فيصالح على عبد فيستحق العبد
قلت: أرأيت الرجل يجب له على الرجل دم عمد، فيصالحه من ذلك العمد على عبد، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن استحق العبد؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى له أن يرجع بقيمة العبد، ولا سبيل له إلى القتل. ألا ترى أن مالكا قال في الرجل يتزوج المرأة على عبد فيستحق العبد. إنه في النكاح ترجع المرأة على الزوج بقيمة العبد، ولا سبيل للمرأة على نفسها وهي زوجته على حالها. فكذلك القتل العمد، هو بهذه المنزلة مثل ما قال مالك في النكاح.
قلت: فالخلع بتلك المنزلة عندك؟ قال: نعم.

في الرجل يبتاع العبد فيجد به غيباً فيصالح من العيب على عبد آخر فيستحق أحد العبدين
في الرجل يبتاع العبد فيجد به عيبا فيصالح من العيب على عبد آخر فيستحق أحد العبدين
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا فأصبت به عيبا، ثم صالحني من العيب على عبد دفعه إلي، أيجوز أم لا يجوز؟ قال: ذلك جائز؛ لأن مالكا جوز ذلك بالدنانير.
قلت: فإن استحق أحد العبدين؟ قال: يفض الثمن عليهما، ثم يكون سبيلهما سبيل ما وصفت لك فيمن اشترى عبدين صفقة واحدة فأصاب بأحدهما عيبا، أو استحق أحدهما، فهذا جائز؛ لأن مالكا قال: الصلح بيع من البيوع.

في الرجل يشتري العبد بالعرض فيموت ثم يستحق العرض
قال: قال مالك: إذا اشترى الرجل عبدا بثوب فأعتق العبد واستحق العرض، فإنه يرجع على بائع الثوب بقيمة العبد.
قلت: أرأيت لو اشتريت جارية بعبد، فولدت الجارية عندي أولادا ثم استحق العبد، أيكون علي أن أرد الجارية وأولادها في قول مالك؟ قال: لا؛ لأنها قد تغيرت وفاتت عندك، فليس عليك إلا قيمتها يوم قبضها، والنماء والنقصان لك وعليك.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بعبد، فزوجت الجارية من يومي أو من الغد، فاستحق العبد أو أصاب صاحبه به عيبا، أيكون هذا في الجارية فوتا

في الرجل يهب للرجل الهبة فيعوضه من هبته فتستحق الهبة أو العوض
قلت: أرأيت لو وهبت لرجل هبة فعوضني فاستحقت الهبة، أيكون له أن يرجع في عوضه في قول مالك؟ قال: نعم، وهذا بمنزلة البيع. قلت: أرأيت إن استحق العوض، أيكون لي أن أرجع في هبتي؟ قال: نعم في قول مالك، إلا أن يعوضك عوضا آخر يكون قيمة الهبة أو أكثر، فليس لك أن ترجع في الهبة إن أعطاك عوضا مكان العوض الذي استحق.
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل هبة فعوضني منها عوضا ضعف قيمة الهبة، ثم استحق هذا العوض، فأردت أن أرجع في هبتي، فقال الموهوب له: أنا أعطيك قيمة الهبة عوضا من هبتك. وقلت: لا أرضى إلا أن تعطيني قيمة العوض، وقيمة العوض الذي استحق ضعف قيمة الهبة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى له إلا قيمة الهبة؛ لأن الذي زاده أولا في عوضه على قيمة هبته، إنما كان ذلك معروفا منه تطاول به عليه، فلما استحق لم يكن له عليه إلا قيمة الهبة.
قلت: أرأيت لو أني بعت سلعة لي من رجل بسلعة أخرى، فاستحقت إحدى السلعتين أو قامت البينة أنها حرة واستحقها رجل، وقد تغيرت السلعة الأخرى بحوالة الأسواق أو بزيادة بدن أو نقصان بدن؟ قال: قال لي مالك: إذا استحقت إحدى السلعتين أنها حرة، أو استحقها رجل وقد تغيرت السلعة

الأخرى بزيادة بدن أو نقصان بدن أو بحوالة الأسواق، فليس له على الذي تغيرت السلعة في يديه إلا قيمة هذه السلعة التي تغيرت يوم قبضها؛ لأنها قد فاتت. ولو لم تفت أخذها، فلما فاتت صار له قيمتها يوم قبضها؛ لأنه لا يجتمع لأحد - في قول مالك - الخيار في الضمان وفي أخذ سلعته مثل هذا.
قلت: وكذلك إن وهبت لرجل هبة على عوض فعوضني من الهبة التي وهبت له، ثم استحقت الهبة وقد زاد العوض في يدي أو نقص أو حالت أسواقه، فإنما للموهوب له قيمة عوضه يوم قبض عوضه، ولا يجتمع له - في قول مالك أن يكون له الخيار في أخذ سلعته وفي أن يضمنني قيمتها؟ قال: نعم هذا قول مالك.

في الرجل يشتري الغلام بجارية فيعتق الغلام ثم يستحق نصف الجارية
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بغلام، فتقابضا ثم أعتقت الغلام فاستحق نصف الجارية ذلك بعد يوم أو يومين أو ثلاثة قبل أن تحول أسواق الجارية؟ قال: قال لي مالك: الذي استحق نصف الجارية في يديه بالخيار إن شاء رد النصف الذي بقي في يديه من الجارية، وأخذ جميع قيمة الغلام من الذي أعتق هذا الغلام يوم قبضه، وإن شاء حبس نصف الجارية ورجع على صاحبه بنصف قيمة الغلام.
قلت: وسواء كان الغلام هو الذي استحق نصفه، أو الجارية هي التي أعتقت في قول مالك؟ قال: نعم، ذلك سواء في قول مالك على ما فسرت لك.

في الرجل يهلك ويوصي بوصايا فتنفذ وصاياه ويقسم ماله ثم يستحق رجل رقبته
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وأوصى أن يحج عنه فأنفذ الوصي ذلك، ثم أتى رجل فاستحق رقبة الميت، هل يضمن الوصي أو الحاج عن الميت؟ أو كيف بما قد بيع من مال الميت فأصابه قائما بعينه؟ قال: أرى إن كان الميت حرا عند الناس يوم بيع ماله، فلا يضمن له الوصي شيئا ولا الذي حج عن الميت، ويأخذ ما أدرك من مال الميت. وما أصاب مما باعوا من مال الميت قائما بعينه، فليس له أن يأخذه إلا بالثمن، ويرجع هو على من باع تلك الأشياء، فيقبض منه ثمن ما باع من مال عبده. قال: لأن مالكا قال في رجل شهد عليه أنه مات فباعوا رقيقه ومتاعه وتزوجت امرأته ثم أتى الرجل بعد ذلك، فقال: إن كانوا شهدوا عليه بزور، ردت إليه امرأته ويأخذ رقيقه حيث وجدهم، أو الثمن الذي بيعوا به إن أحب ذلك. قال مالك: وإن كانوا شبه عليهم، وكانوا عدولا ردت عليه امرأته، وما وجدوا من متاعه أو من رقيقه - لم يتغير عن حاله وقد بيع - أخذه بعد أن يدفع الثمن إلى من ابتاعه، وليس له أن يأخذ ذلك حتى يدفع الثمن

في الرجل يسلف الدراهم أو السلعة في طعام فاستحقت الدراهم أو السلعة أو يستحق الطعام إذا قبضه
قلت: أرأيت إن أسلفت دراهم في طعام، فاستحقت الدراهم بعدما قبضها المسلف إليه أيبطل السلف أم يرجع عليه بدراهم مثلها ويكون سلفا على حاله؟ قال: يرجع عليه بدراهم مثلها عند مالك، ويكون السلف على حاله.
قلت: فإن كان إنما أسلفه سلعة بعينها، دابة أو ثوبا أو عبدا أو جارية أو ما سوى هؤلاء من السلع في حنطة موصوفة إلى أجل معلوم، فاستحقت السلعة التي سلفها في الطعام، أو وجد بها عيبا قبل أن يقبض الطعام، أو بعدما حل الأجل وقبض الطعام؟ قال: ينتقص السلف، ويرجع عليه بمثل طعامه إن كان قد استهلك الطعام، وإن كان الطعام قائما بعينه أخذه منه.
قلت: ما فرق بين السلعة إذا كانت رأس مال السلم وبين الدراهم في قول مالك؟ وقد قلت في الدراهم إذا كانت رأس مال السلم فاستحقت قبل أن يقبض ما سلف فيه، أو بعدما قبض ما سلف فيه: إنه يرجع بدراهم مثلها ولا ينتقض السلم، وقلت في السلعة:

إذا استحقت بطل السلم ورجع بطعامه أو بمثل طعامه؟ قال: لأن الدراهم إنما هي عين وأثمان. ألا ترى لو أن رجلا اشترى سلعة بعينها بدراهم بعينها، فاستحقت. الدراهم من يده، أنه يرجع بدراهم مثلها ولا ينتقص البيع. ولو اشترى سلعة بسلعة، فاستحقت إحدى السلعتين بحضرة ذلك، رجع صاحب السلعة الباقية التي لم تستحق في سلعته، فإن تطاول ذلك قبل أن تستحق ثم استحقت بعد ذلك، وكانت السلعة الباقية التي لم تستحق قد دخلها تغيير في بدنها بزيادة أو نقص أو تغير سوق، بغلاء تلك السلعة أو رخصت عما كانت عليه يوم تبايعا، مضى البيع فيما بينهما ورجع عليه بقيمة سلعته التي تغيرت؛ لأن البيع قد تم. وليس يشبه السلع في هذا الدراهم والدنانير، فكذلك هذا في السلم. ومما يبين لك ذلك أيضا فرق ما بين السلع والدراهم في الأثمان، أن من باع سلعة بسلعة، إنما يقع ذلك على سلعة بعينها. ومثل من باع سلعة بدراهم، فإنما يقع البيع على السلعة بعينها وعلى دراهم ليست بأعيانها، فلذلك لما استحقت الدراهم رجع بدراهم مثلها ولم ينتقض السلم.
قلت: أرأيت إن أسلفت سلعة في طعام إلى أجل، فلما حل الأجل قبضت الطعام، فاستحق الطعام من يدي، أينتقض السلف وأرجع في سلعتي، أم يكون لي طعام مثل طعامي ولا ينتقض السلف في قول مالك؟ قال ابن القاسم: يكون لك طعام مثل طعامك، ترجع به على الذي كان عليه السلف، ولا ينتقض السلف، والسلف إنما كان دينا اقتضيته، فلما استحق رجعت بدينك عليه ولم ينتقض ما كان بينكما من السلف، فهذا والدراهم إذا كانت ثمنا فاستحقت سواء. قلت: أرأيت إن أسلفت شيئا مما يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب، أو لا يؤكل ولا يشرب، أو دنانير أو دراهم أو فلوسا، في سلعة من السلع موصوفة إلى أجل معلوم، فاستحق رأس المال، أيبطل السلم في قول مالك ؟. قال: أرى أن السلم جائز إذا كان رأس المال دنانير أو دراهم أو فلوسا. قال: وأما إذا كان رأس المال طعاما يكال، أو يوزن أو لا يوزن ولا يكال، فإن السلم ينتقض ولا يرجع عليه بمثل كيله ولا وزنه. ومما يدلك على ذلك، أنه لو اشترى طعاما كيلا أو وزنا، فتلف قبل أن يقبضه، لم يكن على البائع أن يأتي بمثله، فكذلك هذا في السلم إذا كان رأس مال السلم طعاما، إن استحق لم يكن للمشتري أن يلزم البائع أن يأتيه بمثله.

في الرجل يبتاع السلعة على أن يهب له البائع هبة فتستحق السلعة وقد فاتت الهبة
في الرجل يبتاع السلعة على أن يهب له البائع هبة فاستحق السلعة وقد فاتت الهبة
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل سلعة، على أن يهب لي البائع هبة أو يتصدق علي بصدقة؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان الذي يهب لك أو يتصدق به عليك شيئا

معروفا.
قلت: فإن استحقت السلعة وقد فاتت الهبة؟ قال: يقسم الثمن - عند مالك - على الهبة والسلعة التي اشتريت، فيرجع المشتري على البائع بحصة السلع من الثمن - عند مالك - والهبة ههنا والصدقة، إذا قال: أشتري منك هذه السلعة على أن تتصدق علي بكذا وكذا، وتهب لي كذا وكذا، فإنما وقع البيع - في قول مالك - على السلعة التي اشترى وعلى ما اشترط من الهبة والصدقة عند مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن قال: أبيعك عبدي هذا بخمسة أثواب موصوفة إلى أجل، أيهما رأس المال في قول مالك؟ قال: العبد رأس المال. قلت: فإن قال لي رجل: أشتري عبدك منك بعشرة أثواب موصوفة إلى أجل، أيهما رأس المال في قول مالك؟ قال: العبد رأس المال في قول مالك، وإنما ينظر في هذا إلى فعلهما ولا ينظر إلى لفظهما، وهو حين قال أشتري منك عبدك هذا بعشرة أثواب موصوفة إلى أجل، إنما هذا سلم وإنما أخطأ في اللفظ، ورأس المال ههنا إنما هو العبد.
قلت: فإن استحق العبد ههنا، وقد كان قال له أشتري منك عبدك هذا بعشرة أثواب موصوفة إلى أجل، أتبطل الأثواب أم لا؟ قال: تبطل الأثواب عند مالك؛ لأن العبد هو رأس المال، فلما استحق العبد بطلت الأثواب. قلت: أرأيت إن أسلمت ثوبا في عشرة أرادب حنطة إلى شهر، وعشرة دراهم إلى شهر آخر، فأسلمت الثوب في هذه الأشياء كلها، وجعلت آجالها مختلفة كما ذكرت لك؟ قال: لا بأس بذلك، مختلفة جعلت آجالها أو مجتمعة. قلت: أرأيت إن استحق نصف هذا الثوب الذي أسلمت في جميع هذه الأشياء؟ قال ابن القاسم: المسلم إليه هذا الثوب مخير في: أن يرد النصف الباقي الذي بقي في يديه ويبطل جميع السلم، وفي أن يقبل النصف الباقي الذي لم يستحق بنصف الذي أسلم الثوب فيه.
قلت: وعلى ماذا قلته؟ قال: لأن مالكا قال لي: لو أن رجلا ابتاع عبدا أو ثوبا بثمن فاستحق نصف ذلك، فإن المبتاع بالخيار، إن شاء أن يرده كله وإن شاء أن يكون له نصف بنصف الثمن، ويرجع على البائع بنصف الثمن، فيأخذ ذلك منه. وليس للبائع أن يأبى ذلك، فهذا عندي مثله.
قلت: وسواء في قول مالك هذا، استحق نصف الثوب عند الذي أسلم في تلك الأشياء، قبل أن يدفع الثوب أو بعدما دفعه؟ قال: نعم ذلك سواء.
قلت: فإن أسلم ثوبين في فرس موصوف، فاستحق أحد الثوبين؟ قال: لا أحفظه عن مالك. قال: وأرى إن كان الثوبان متكافئين، أو كان المستحق هو وجه ما اشترى وفيه الفضل، انتقض السلم، وإن كان تافها ليس من أجله اشترى، ولا فيه رجاء الفضل، كان عليه قيمة ما استحق وثبت السلم. قال ابن القاسم: والسلم في هذا وما اشترى يدا بيد بعضه ببعض فهو سواء ما يفسخ في بيع يدا بيد يفسخ في السلم أمرهما واحد، وكذلك قال مالك فيمن اشترى يدا بيد في هذه المسألة فيما استحق، أو يوجد به عيب، فمسألتك في السلم عندي مثل

هذا.
قلت: أرأيت ما أسلمت فيه من الحيوان إلى أجل، فقبضته ثم زاد في يدي ثم استحقه مستحق، بم أرجع على الذي أسلمت إليه، أبقيمته يوم استحق في يدي أو بصفته التي أسلمت فيها؟ قال: بصفته التي أسلمت فيها، ولا ترجع بالزيادة التي زاد عندك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قوله.
في الرجل يبتاع الحلي بذهب أو ورق ثم يستحق
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل إبريق فضة بدنانير أو دراهم فاستحقت الدراهم أو الدنانير، أينقض البيع بيننا في قول مالك وتجعله صرفا؟ قال: نعم، أراه صرفا وينتقض البيع بينكما. قال: وكان مالك يكره هذه الأشياء التي تجعل من الفضة مثل الأباريق؟ قال: وكان مالك يكره هذا من الفضة والذهب ومجامير الفضة والذهب - سمعت ذلك منه - والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة، وإن كانت تباع فلا أرى أن تشترى.
قلت: أرأيت إن صرفت دراهم بدنانير فاستحقت الدراهم بعينها، أينتقض الصرف أم لا؟ قال: أرى الصرف ينتقض. قلت: فإن استحقت ساعة صارفته؟ فقال له صاحبها: خذ مكانها مثلها، أيصلح ذلك أم لا؟ قال: إن كان ذلك مكانه ساعة صارفه، فلا أرى بذلك بأسا. وإن تطاول ذلك وافترقا، انتقض الصرف.
قلت: أرأيت إن اشتريت خلخالين من رجل بدنانير أو بدراهم، فاستحقها رجل في يدي بعدما افترقنا - أنا وبائعي - فقال الذي استحق الخلخالين: أنا أجيز البيع وأتبع الذي أخذ الثمن؟ قال: لا يصلح هذا؛ لأن هذا صرف، فلا يصلح أن يعطى الخلخالين ولا ينتقد الثمن.
قلت: فإن كانا لم يفترقا - مشتري الخلخالين وبائعهما - حتى استحقهما رجل، فقال المستحق: أنا أجيز بيع الخلخالين وآخذ الدنانير؟ قال: ذلك جائز إذا أجاز المستحق البيع والخلخالان حاضران - وأخذ الدنانير مكانه. قال: ذلك جائز. قلت: فإن كان الخلخالان قد بعث بهما مشتريهما إلى البيت؟ قال: لا يجوز ذلك.
قلت: ولا ينظر في هذا إلى افتراق البائع والمشتري بعدما اشترى الخلخالين إذا استحقهما رجل، والخلخالان حاضران حين استحقهما وأجاز البيع، فقال له مشتري الخلخالين أو بائعهما: أنا أدفع إليك الثمن حين أجزت البيع وكان ذلك معا؟ قال: نعم ذلك جائز، ولا ينظر في ذلك إلا إلى حضور الخلخالين والنقد مع إجازة هذا المستحق البيع، فإذا كان هكذا جاز وإلا فلا.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الشفعة الأول

باب تشافع أهل الذمة
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: هل لأهل الذمة شفعة في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن المسلم والنصراني تكون بينهما الدار فيبيع المسلم نصيبه، هل للنصراني فيه شفعة؟ قال: نعم أرى ذلك له، مثل لو كان شريكه مسلما.
قلت: فلو كان ذميان شريكين في دار فباع أحدهما، أتكون لصاحبه الشفعة أم لا؟ قال: إن تحاكما إلى المسلمين حكم بينهما بالشفعة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: إذا تراضيا فأرى أن يحكم بينهما بالشفعة.

باب تشافع أهل السهام
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك ثلاثة بنين، اثنان منهم لأم وأب والآخر لأب وحده، وترك دارا بينهم فلم يقتسموا، فباع أحد الأخوين اللذين لأم وأب حصته، أتكون الشفعة لأخيه لأبيه وأمه دون الأخ للأب في قول مالك؟ قال: قال مالك: الشفعة لأمه وأبيه وأخيه لأبيه جميعا، ليست الشفعة لأحدهما دون الآخر.
قلت: فإن كان هذا الأخ لم يبع، ولكن ولد لأحدهم أولاد، ثم مات الذي ولد له، فباع واحد من أولاد هذا الميت حصته؟ قال: قال مالك: الشفعة لأخويه أولاد هذا الميت دون أعمامهم؛ لأن هؤلاء قد صاروا أهل وراثة دون أعمامهم.
قلت: فكل قوم ورثوا رجلا وبعض الورثة أقعد ببعضهم من بعض، وإنما تعددهم من قبل أن بعضهم أقرب بأمه، وهم أهل سهم واحد أولاد علات أو إخوة مختلفون، فباع رجل منهم حصته، فالشفعة لجميعهم - في قول مالك - ولا تكون الشفعة للذي هو أقعد بهذا البائع؟ قال: نعم كذلك قال مالك لأنهم أهل

سهم واحد جميعهم، فالشفعة بينهم جميعهم، فلا ينظر في هذا إلى من هو أقعد بالبائع من صاحبه. قلت: فإن ولد لأحدهم ولد فمات، وباع أحد ولده، أينتقل هذا الأمر، ويصيرون شفعاء - بعضهم لبعض - دون أهل السهم الأول في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن هؤلاء قد انتقلوا من حال السهم الأول إلى وراثة بعد ذلك، فبعضهم أولى بشفعة بعض، فإن سلم هؤلاء شفعتهم فالشفعة لأعمامهم عند مالك. وإن باع بعض الأعمام فالشفعة بين جميعهم إخوته وولد إخوته جميعا، من قبل أن والدهم كان في ذلك السهم الذي ورثه الأعمام؛ لأن والدهم كان في ذلك السهم وليس الأعمام معهم في شفعتهم؛ لأنهم قد صاروا أهل وراثة دون الأعمام، وهو قول مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك ابنتين وأختين وترك دارا، فلم يقتسمن الدار حتى باعت إحدى الابنتين حصتها من الدار؟ قال: قال مالك: الشفعة لأختها دون عمتيهما؛ لأنها وأختها أهل سهم دون عمتيهما، وإنما عمتاهما هنا عند مالك عصبة. قلت: فإن لم تبع الابنة ولكن باعت إحدى الأختين حصتها؟ قال: فالشفعة لأختها وللابنتين، كذلك قال مالك. قلت: ولم جعل مالك الشفعة للبنات دون الأخوات، وجعل شفعة الأخوات للبنات وللأخوات جميعا؟ قال: لأن مالكا قال: إذا كان أهل سهم ورثوا رجلا، وورثت معهم عصبتهم، فباع بعض أهل السهم حصته، فأهل السهم أحق بالشفعة من عصبته. وإن باع أحد من العصبة حصته فأهل السهم والعصبة في الشفعة جميعا؛ لأن أهل السهم هو لهم شيء مسمى في كتاب الله، والعصبة ليس لهم ذلك مسمى وليس لهم سهم مسمى.
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك نصف دار له - شركة بينه وبين شريكه في الدار مشاعة غير مقسومة، فورثه عصبته، فباع رجل من العصبة حصته من الدار، أتكون الشفعة للعصبة دون شركائهم في الدار في قول مالك؟ قال: نعم. قال مالك: الشفعة للعصبة دون شركائهم في الدار، فإن سلم العصبة الشفعة فالشفعة لشركائهم.
قلت: لم والعصبة ههنا ليسوا أهل سهم مسمى؟ قال:؛ لأنهم أهل وراثة واحدة وإن لم يكن لهم سهم مسمى. قلت: أرأيت لو هلك رجل وترك ابنتين وعصبة، وترك نصف دار شركته فيها مشاعة غير مقسومة، فباعت إحدى الابنتين حصتها فسلمت أختها الشفعة، أتكون الشفعة للعصبة دون الشركاء في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن العصبة والبنات أهل وراثة دون الشركاء. قلت: فالجدتان إذا ورثتا السدس، أتجعلهما أهل سهم؟ وتحملهما محمل أهل السهم؟ أم تجعلهما بمنزلة العصبة في قول مالك؟ قال: قال مالك: هما بمنزلة أهل السهم، الشفعة لهما دون من ورث الميت معهما؛ لأن الجدتين أهل سهم.

قلت: ولا يرث في قول مالك أكثر من جدتين؟ قال: نعم، لا يرث في قول مالك من الجدات أكثر من جدتين. قلت: فإن كن أخوات لأم، معهن ورثة سواهن، فباعت إحدى الأخوات للأم حصتها من الدار؟ قال: فالأخوات للأم أحق بالشفعة؛ لأنه من أهل سهم دون سواهن من الورثة. قلت: فالأخوات للأب إذا أخذت الأخت للأم أو الأب النصف، وأخذ الأخوات للأب السدس تكملة الثلثين، فباعت إحدى الأخوات حصتها، فطلبت الأخت للأب والأم أن تدخل معهن في الشفعة، وقال الأخوات للأب: الشفعة لنا دونك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، وأرى الشفعة للأخت للأب والأم مع الأخوات للأب؛ لأنه من أهل سهم واحد. ألا ترى أن السدس الذي صار للأخوات للأب، إنما هو تكملة الثلثين، فإنما هذا سهم واحد.

باب اقتسام الشفعة
قلت: ما قول مالك في الشفعة، أتقسم على عدد الرجال أم على قدر الأنصباء؟ قال: قال مالك: إنما الشفعة على قدر الأنصباء وليس على عدد الرجال. قال ابن القاسم: وأخبرني ابن الدراوردي عن سفيان الثوري عن علي بن أبي طالب أنه قال: الشفعة على قدر الأنصباء.

باب التشافع والشركة في الساحة والطريق
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن قوما اقتسموا دارا بينهم، فعرف كل واحد منهم بيوته ومقاصيره، إلا أن الساحة بينهم لم يقتسموها، أتكون الشفعة بينهم أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك لا شفعة بينهم إذا اقتسموا. قلت: فإن لم يقتسموا الساحة، قد اقتسموا البيوت، فلا شفعة بينهم في قول مالك؟ قال: نعم، قال: وقيل لمالك: أرأيت إذا كانت الساحة واسعة، فأرادوا قسمتها فيأخذ كل إنسان منهم قدر حصته يحوزه إلى منزله فيرتفق به؟ قال: إذا كانت كذلك ولم يكن ضررا رأيت أن يقسم. قلت: أرأيت السكة غير النافدة تكون فيها دور لقوم، فباع أحدهم داره، أيكون لأصحاب السكة الشفعة في ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: لا شفعة لهم عند مالك. قلت: ولا تكون الشفعة - في قول مالك - بالشركة في الطريق؟ قال: نعم، لا شفعة بينهم إذا كانوا شركاء في الطريق. ألا ترى أن مالكا قال: لا شفعة بينهم إذا اقتسموا الدار وإن كانت الساحة بينهم لم يقتسموها.

باب ما لا تقع فيه الشفعة
قلت: أرأيت ما سوى الدور والأرضين والنخل والشجر، أفيه الشفعة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا شفعة إلا في الدور والأرضين والنخل والشجر. فلت: والشجر؟ قال: الشجر بمنزلة النخل. قال: وقد جعل مالك في الثمر الشفعة. قلت: ولا شفعة في دين ولا حيوان ولا سفن ولا بز ولا طعام ولا في شيء من العروض ولا سارية ولا حجر ولا في شيء من الأشياء، سوى ما ذكرت لي كان مما يقسم أو لا يقسم في قول مالك؟ قال: نعم، لا شفعة في ذلك، ولا شفعة إلا فيما ذكرت لك.

الشفعة في النقض
قلت: أرأيت لو أن رجلا أذن لرجلين في أن يبنيا في عرصة له، فبنيا بأمره، فباع أحدهما حصته من النقض، أتكون في ذلك الشفعة أم لا في، قول مالك ولمن تكون الشفعة؟ قال: قال مالك في رجل أذن لرجل أن يبني في عرصته، فأراد الخروج منها ويأخذ نقضه. قال: قال مالك: صاحب العرصة عليه بالخيار، إن أحب أن يدفع إليه قيمة النقض ويأخذها فذلك له، وإن أبى أسلمها إلى صاحبها ينقضها. قال: وسئل مالك عن قوم حبست عليهم دار فبنوا فيها، ثم إن أحدهم مات، فأراد بعض ورثة الميت أن يبيع نصيبه من ذلك البنيان، فقال إخوته: نحن نأخذه بالشفعة. أفترى في مثل هذا شفعة لهم؟ فقال مالك: ما الشفعة إلا في الدور والأرضين، وإن هذا الشيء ما سمعت فيه شيئا، وما أرى إذا نزل مثل هذا إلا ولهم في ذلك الشفعة. ونزلت بالمدينة فرأيت مالكا استحسن أن يجعل في مثل ذلك الشفعة. فمسألتك، إن أحب صاحب الدار أن يأخذ نقضه بالقيمة أخذ ذلك، ولم ينظر في ذلك إلى ما باع به صاحب النقض إن كان أكثر من قيمته؛ لأنه لو أراد أن يأخذ النقض ويدفع إلى رب النقض قيمة نقضه، كان ذلك له إلا أن تكون قيمة النقض أكثر مما باع به، فيكون لصاحب الأرض أن يأخذ النقض بهذا الثمن الذي باع به، وإن كان أقل من قيمته؛ لأن البائع قد رضي بهذا، فإن أبى رب الأرض أن يأخذ، فالشريك أولى من المشتري؛ لأن مالكا قال في الشركاء الذين بنوا في حبسهم فباع بعضهم: أنه رأى لهم الشفعة لأن ذلك يدخل على الباقي منهم إذا تركه صاحب الأرض مضرة إذا صار هذا يهدم نصف كل بيت فيدخل في ذلك فساد. قال: وإنما أصل الشفعة إنما جعلت للمضرة.

شفعة العبيد
قلت: هل للعبيد شفعة في قول مالك؟ قال: نعم، لهم الشفعة عند مالك.

شفعة الصغير
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن صبيا وجبت له الشفعة، من يأخذ له بالشفعة في قول مالك؟ قال: الوالد. قلت: فإن لم يكن له والد؟ قال: فالوصي. قيل: فإن لم يكن له وصي؟ قال: فالسلطان. قلت: فإن كان في موضع لا سلطان فيه، ولا أب له ولا وصي؟ قال: فهو على شفعته إذا بلغ. قال: وهذا كله قول مالك. قلت: فإن كان لهذا الصغير والد، فلم يأخذ له بالشفعة، ولم يترك حتى بلغ الصبي، وقد مضى لذلك عشر سنين، أيكون الصبي على شفعته إذا بلغ أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى للصغير فيه شفعة؛ لأن والده بمنزلته. ألا ترى أن الصبي نفسه لو كان بلغ فترك أن يأخذ شفعته عشر سنين، لكان ذلك قطعا لشفعته وكذلك مسألتك؛ لأن والده بمنزلته.

في أجل شفعة الغائب والحاضر
قلت: أرأيت لو أن شفيعا علم بالاشتراء فلم يطلب شفعته سنة، أيكون على شفعته؟ قال: وقفت مالكا على السنة فلم يره كثيرا، ولم ير السنة مما تقطع به الشفعة. وقال: التسعة الأشهر والسنة قريب، ولا أرى فيها قطعا للشفعة. قال: فقلت لمالك: فلو كان هذا الشفيع قد كتب شهادته في هذا الاشتراء، ثم قام يطلب شفعته بعد ذلك؟ قال مالك: وإن كان قد كتب شهادته، فلا أرى في ذلك ما تقطع به شفعته. قال: ولم أسأله عن ما وراء ذلك. قال مالك: وأرى إن أخذ بالشفعة، أن يستحلف ما كان وقوفه تركا للشفعة إذا تباعد هكذا.

باب أخذ الشفعة الجد لابن ابنه وشفعة المكاتب وأم الولد
قلت: أيأخذ الجد للصبي بالشفعة إذا لم يكن له والد ولا وصي في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى، أن يرفع ذلك إلى السلطان فينظر في ذلك. قلت والمكاتب وأم الولد، ألهما الشفعة في قول مالك؟ قال: نعم، ألا ترى أن العبيد لهم الشفعة عند مالك.

باب اختلاف المشتري والشفيع في الثمن
قلت: أرأيت إن اختلف الشفيع والمشتري في الثمن الذي اشتريت به الدار، القول قول من في قول مالك؟ قال: قال مالك: القول قول المشتري، إلا أن يأتي بما

باب عهدة الشفيع
قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا في دار، فلم أقبض الشقص ولم أدفع الثمن حتى قام الشفيع على شفعته، فأراد أن يأخذها ممن يأخذ الدار؟ وإلى من يدفع الثمن؟ وعلى من تكون عهدته في قول مالك؟ قال: قال مالك: من أخذ شقصا في دار بشفعة، فإنما عهدته على المشتري وليس على البائع. قال: ولم يختلف عند مالك، قبض أو لم يقبض. قال: ولقد سمعت عنه ولم أسمعه منه: أن من حجته في أن عهدته على المشتري، أن الشفيع يقول: قد عرفت أنه يبيع ولكنه رجل سيئ المخالطة، ولم أدر ما يلحق الدار وقال هو: مديان أو ما أشبهه، فأحببت أن تكون تباعتي على ثقة. فرأى مالك أن هذا له حجة، وأنه جعل تباعة هذا الشفيع على المشتري. قلت: فإن كان هذا المشتري لم ينقد الثمن ولم يقبض الدار وغاب المشتري، كيف يصنع هذا الشفيع؟ قال: ينظر فيه السلطان. قلت: أرأيت إن اشترى منه ولم ينقده، أيكون للبائع أن يمنعه من قبض الدار حتى ينتقد الثمن في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن قال الشفيع: هذا الثمن وادفعوا إلي الدار، وقال رب الدار: لا أدفع الدار حتى أنتقد الثمن كيف يصنع بهذا الثمن والمشتري لم يدفع إلى البائع؟ قال: لا تؤخذ الدار عند مالك من بائعها حتى يقبض الثمن. قال: فإن أحب الشفيع أن يدفع الثمن إلى البائع، دفع وقبض الدار وتكون عهدته على المشتري، ولأن دفعه الثمن ههنا إنما هو قضاء عن المشتري عندي. قلت: فإن كان على مشتري الدار دين كثير، ولم يقبض الدار ولم يدفع الثمن، فقال الشفيع: أنا آخذ بالشفعة، وقال الغرماء: نحن نريد ديننا، وقال رب الدار: لا أدفع الدار حتى استوفي ثمنها؟ قال: يقال للشفيع: ادفع الثمن إلى رب الدار قضاء عن المشتري واقبض الدار. ولا يكون ههنا للغرماء شيء؛ لأن بائع الدار، له أن يمنع الدار حتى يقبض الثمن، ولأن الشفيع يقول: لا أدفع الثمن إلى المشتري لأني أخاف أن يستهلكه، وإنما أدفع الثمن لأقبض الدار بشفعتي، فلا يكون ههنا للغرماء شيء. ولأن الشفيع، لو أسلمها بيعت الدار، فأعطى صاحب الدار الثمن الذي بيعت به الدار، وكان أحق بذلك الثمن من الغرماء، إلا أن يقوم به الغرماء فيفلسونه، فيكون رب الدار أولى بداره، إلا أن يضمن

له الغرماء الثمن، وهذا قول مالك، فهذا يدلك على ما ذكرت ويبين لك.

في طلب الشفيع الشفعة والمشتري غائب
قلت: أرأيت لو أن المشتري غاب وحضر الشفيع، أيقضى له بالشفعة والمشتري غائب في قول مالك؟ قال: نعم، ولا يلتفت إلى مغيب المشتري؛ لأن القضاء على الغائب جائز عند مالك، ويكون الغائب على حجته إذا قدم. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار بثمن إلى أجل من الآجال، فقال الشفيع: أنا آخذ الدار وأنقد الثمن، لمن يكون هذا الثمن؟ أللمشتري إلى الأجل أم للبائع؟ والمشتري يقول: إنما الثمن علي إلى الأجل فلا أعجله. لمن يكون هذا الثمن قبل الأجل في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يبتاع الشقص من الدار إلى أجل: إن الشفيع إن كان مليا، فله أن يأخذها إلى ذلك الأجل، وإن لم يكن مليا فأتى بحميل ملي ثقة، فذلك له في قول مالك. فأرى فيما سألت عنه، أنه إنما يدفع الثمن إلى المشتري ليس إلى البائع؛ لأن الثمن قد وجب للبائع على المشتري. وإنما يجب للمشتري الثمن على الشفيع. ألا ترى أن الشفيع إنما وجب عليه الثمن للمشتري، والمشتري قد وجب عليه الثمن للبائع، وقد قبض المشتري الدار، وهو إن لم يكن قبض فليس له للبائع أن يمنعه قبض الدار. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن بائع شقص الدار - الذي باع إلى أجل - قال للمشتري: أنا أرضى أن يكون مالي على الشفيع إلى الأجل؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك؛ لأن الثمن قد وجب للبائع على المشتري، فلا يصلح أن يفسخه بدين على رجل آخر، فيصير هذا دينا بدين وذمة بذمة.

باب اشتراك الشفعاء في الشفعة
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار لها شفيعان، فقال أحد الشفيعين: أنا آخذ بالشفعة، وقال الآخر: أنا - أسلم الشفعة. فقال المشتري للشفيع الذي قال أنا آخذ: خذ الجميع أو اترك. وقال الشفيع: لا آخذ إلا حصتي؟ قال: قال مالك: يأخذ الشفيع الجميع أو يترك، وليس للشفيع أن يأخذ إلا الجميع إذا ترك ذلك صاحبه، فقد صارت الشفعة له كلها، فليس له أن يأخذ بعضها دون بعض. قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى حظوظ ثلاثة رجال من دار مشتركة - صفقة واحدة - وشفيعها رجل واحد، فقال شفيعها: أنا آخذ حظ رجل واحد وأسلم حظوظ الاثنين، وقال المشتري: خذ الجميع أو أترك؟ قال: قال مالك: يقال للشفيع: خذ الجميع أو أترك، وليس له أن يأخذ بعض ذلك دون بعض؛ لأنها صفقة واحدة. قلت: فإن كان إنما اشترى منهم صفقات

باب اشتراء الشقص وعروض معه صفقة واحدة
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار وعروضا صفقة واحدة، فقال الشفيع: أنا آخذ الشقص بشفعتي من الدار ولا آخذ العروض، وقال المشتري: خذ الجميع أو دع؟ قال: قال مالك: ذلك للشفيع أن يأخذ الدار ويدع العروض، لا يأخذها ويقسم الثمن على قيمة الشقص من الدار وعلى قيمة العروض، فيأخذ الشفيع الشقص بما أصابه من الثمن. قلت: ومتى يقوم هذا الشقص، أيوم يقوم الشفيع للأخذ بالشفعة، أم يوم اشترى المشتري في قول مالك؟ قال: قال مالك: يقوم هذا الشقص يوم وقع الاشتراء ولا يقوم اليوم. قلت: أرأيت إن كان المشتري قد سكن هذا الشقص حتى أبلى المساكن وانهدمت بسكناه؟ قال: قال مالك: لو هدمها هذا المشتري، ثم أراد الشفيع أخذها بالشفعة، لم يكن له أن يأخذها إلا بجميع ما اشتراها به المشتري، فكذلك هذا الذي اشترى الشقص والعروض في صفقة، إذا أراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة، فإنما يقوم هذا الشقص قيمته يوم وقع الاشتراء، فيأخذه بحصته من الثمن.

باب اشتراء الرجلين الشقص والشفيع واحد
قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان بائع الشقص رجلا واحدا والمشتري رجلين، فقال الشفيع: أنا آخذ حصة أحدهما، وقال المشتريان: بل خذ الجميع أو دع؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أني أرى أن الشفيع ليس له أن يأخذ إلا الجميع أو يدع،

باب رجوع الشفيع في الشفعة بعد تسليمه إياها
قلت: أرأيت إن أخبر الشفيع بأن المشتري اشترى بكذا وكذا درهما، فسلم الشفعة، فنظر فإذا هو قد اشترى بأقل من ذلك فطلب شفعته، فقال: له الشفعة عند مالك ويحلف بالله ما سلم الشفعة إلا لمكان الثمن الكثير، فأما إذا كان بهذا الثمن فأنا آخذه؛ لأنه بلغني عن مالك أنه سئل عن رجل باع شقصا له في دار، فقال شريكه: أشهدكم أني قد أخذت، ثم بدا له أن لا يأخذ، فقال: إن كان علم بكم بيعت به الدار، فذلك يلزمه حتى يباع فيها ماله. وإن كان لم يعلم فقال إنما قلت أنا آخذ، فأما إن كان بهذا الثمن فلا آخذ. قال مالك: فذلك له. فلذلك رأيت الأول مثل ما وصفت لك. قلت: أرأيت إن أسلم الشفعة قبل الاشتراء، فأتاه رجل فقال: إني أريد أن أشتري الحصة التي أنت شفيعها، فقال: اشتر فقد سلمت لك شفعتي. فلما اشترى المشتري قال الشفيع: أنا آخذ بشفعتي؟ فقال: قال مالك: ذلك له يأخذ بشفعته.

باب اختلاف الشفيع والمشتري والبائع في الثمن
قلت: أرأيت إن قال المشتري: اشتريتها بمائة دينار، وقال الشفيع: بل اشتريتها بخمسين دينارا، وقال البائع: بل بعتها بمائتي دينار؟ قال: إن كانت الدار في يدي البائع أو يد المشتري، ولم تفت بطول الزمان، أو بهدم الدار أو تغيير المساكن أو ببيع أو بهبة أو بصدقة، أو بما تخرج به من ملك المشتري، فالقول قول البائع. وإن تغيرت الدار بما ذكرت لك، وهي في يدي المشتري وقد قبضها، فالقول قول المشتري. وهذا قول مالك في البيوع، ثم يأخذ الشفيع على مثل ذلك. قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار بألف درهم، ثم جاء الشفيع فأخذها بالشفعة، فوضع البائع عن المشتري تسعمائة درهم بعدما أخذها الشفيع بالشفعة؟ قال: ينظر في قيمة الدار، فإن كان يشبه أن يكون ثمنها عند الناس مائة درهم إذا تغابنوا بينهم، أو اشتروا بغير تغابن، قيل للمشتري: أنت لم تشتر بألف درهم، ولكن هذه ذريعة فيما بينكما. وإنما أردتما قطع الشفعة عن هذا الشفيع، فلا يكون لكما لك. وإن كانت قيمة هذه الدار عند الناس، لا تشبه أن تكون بهذه المائة، فالذي ترك البائع للمشتري هبة، ولا يرجع الشفيع على المشتري بشيء من

باب فيمن اشترى شقصاً فقاسم شركاءه أو وهبه أو باعه أو تزوج به ثم قدم الشفيع
باب فيمن اشترى شقصاً فقاسم شركاءه أو هبه أو باعه أو تزوج به ثم قدم الشفيع
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار مشتركة، لها شفيع غائب فقاسم شركاءه ثم قدم الشفيع فقال: أنا آخذ بالشفعة وأرد القسمة؟ قال: ذلك له؛ لأن المشتري لو باع لكان للشفيع أن يرد بيعه، فكذلك مقاسمته. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قول مالك: إنه يرد البيع الثاني، فإذا كان للشفيع أن يرد البيع الثاني، فله أن يرد القسمة. قلت: أرأيت إن كان المشتري قد وهب ما اشترى من الدار فقدم الشفيع فقال: أنا آخذ بالشفعة. لمن يكون هذا الثمن، للموهوب له أم للمشتري في قول مالك؟ قال: للموهوب له، ولا يشبه هذا ما استحق، ولا ما كان حرا من العبيد؛ لأن هذا حين وهبه، قد علم أنه يؤخذ منه بالشفعة، فكأنه إنما وهب له الثمن. والذي استحق إنما وهبه بعينه، ولم يرد أن يهب له الثمن، والحرية كذلك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار مشتركة فباعها من غيره، ثم باعها المشتري الثاني أيضا من غيره، ثم قدم الشفيع، أيكون له أن يأخذها بأي الأثمان شاء في قول مالك؟ قال: نعم، له عند مالك أن يأخذها بأي ثمن شاء، إن شاء بما اشتراها المشتري الأول ويفسخ ما كان بعد ذلك من بيوعهما، وإن شاء أخذها بالبيع الثاني ويفسخ البيع الثالث، وإن شاء أخذها بالبيع الثالث وتثبت البيوع كلها بينهم. قلت: وكذلك لو أن المشتري تصدق

بما اشترى، ثم جاء الشفيع فقال: أنا آخذ بالشفعة، أتفسخ الصدقة في قول مالك ويأخذ بالشفعة؟ قال: نعم، والثمن للمتصدق عليه بالشقص. قلت: أرأيت إن كان المشتري قد تزوج بما اشترى، ثم جاء الشفيع فأخذه بالشفعة، بم ترجع المرأة على زوجها في قول مالك؟ قال: ترجع عليه بقيمة ما أخذ منها يوم نكحها به.

باب من اشترى شقصاً بثمن ثم زاد البائع على ذلك الثمن أو وضع عنه البائع منه ثم قدم الشفيع
قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار مشتركة، ثم أتاني البائع فقال: استرخصت فزدني في الثمن فزدته، ثم جاء الشفيع ليأخذ بشفعته؟ فقال: يأخذ بالثمن الأول ولا يلتفت إلى الزيادة؛ لأن هذا حق قد وجب عليه. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، إلا أن مالكا قال: لو اشترى منه شقصا من دار، ثم أقاله، كانت الشفعة للشفيع، وكانت الإقالة باطلا إلا أن يسلم الشفيع الشفعة، فتكون الإقالة جائزة. قلت: ولا تكون الإقالة بيعا من البيوع، فيكون للشفيع أن يأخذها بعهدة الإقالة؟ قال: ليست الإقالة في قول مالك في هذا الموضع بيعا من البيوع. قلت: فالإقالة بيع من البيوع في قول مالك؟ قال: نعم، الإقالة في كل شيء بيع حادث. إلا أن مالكا قال في الإقالة في الشفعة ما أخبرتك. قلت: أرأيت ما حط البائع عن المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة أو بعد ما أخذ؟ قال: إذا وضع عنه ما يرى أن مثل ذلك مما يوضع في البيوع، فذلك يوضع عن الشفيع. وإن كان شيئا لا يوضع مثله، فإنما ذلك هبة، ولا يوضع عن الشفيع من ذلك شيء. قلت: أرأيت إن اشترت امرأة شقصا من دار مشتركة، فخالعت المرأة زوجها بذلك الشقص، فأتى الشفيع فأخذ ذلك من الزوج بالشفعة، على من تكون عهدته؟ قال: تكون العهدة للشفيع، إن شاء على المرأة وإن شاء على الزوج. قلت: فإن أراد أن يأخذه من المرأة؟ قال: يأخذ بالثمن الذي اشترت به أولا. قلت: فإن أخذ من الزوج؟ قال: يأخذها من الزوج بقيمة الشقص يوم خالعته المرأة على الدار، وتكون عهدته على الزوج. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يشتري الشقص من الدار، فيتزوج به امرأة، فيقدم الشفيع: إن الشفيع مخير، إن شاء فسخ عطية الزوج المرأة الدار التي في صداقها، وأخذ الدار بما اشتراها الزوج، وكانت عهدته على الزوج. وإن شاء أجاز عطية الزوج امرأته الشقص في صداقها، وأخذ الشفعة بقيمة الشقص، يوم أعطيت المرأة ذلك في صداقها، وتكون عهدته على المرأة، فكذلك مسألتك في الخلع.

باب تلوم السلطان على الشفيع في الثمن وانهدام الدار وأخذ الشفعة من الغائب
قلت: أرأيت إن أراد الأخذ بالشفعة ولم يحضر نقده، أيتلوم له القاضي في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: رأيت القضاة عندنا، يؤخرون الأخذ بالشفعة في النقد اليوم واليومين والثلاثة. قال: ورأيت مالكا استحسنه وأخذ به ورآه. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار مشتركة، فقام الشفيع وأخذ بالشفعة فلم يقبض مني الشقص حتى انهدم، فقال: أنا أترك ولا آخذه؛ لأن الدار قد انهدمت، أيكون ذلك له أم لا في قول مالك؟ قال: لا يكون للشفيع أن يترك عند مالك؛ لأنه قد أخذ وقد وجبت له الشفعة، فما أصاب الدار من شيء فهو من الشفيع. قلت: وكذلك هذا في البيع إذا انهدمت الدار بعد الصفقة قبل أن يقبض المشتري، فما أصاب الدار من شيء فهو من المشتري، ليس من البائع في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار لرجل غائب، أيكون للشفيع أن يأخذ بالشفعة في قول مالك؟ قال: نعم له أن يأخذ؛ لأن مالكا يرى أن يقضي على الغائب. قلت: وهل يجوز لي أن أوكل من يأخذ لي شفعتي وأنا غائب أو حاضر في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قيل لي: إن فلانا اشترى نصف نصيب شريكك فسلمت شفعتي، ثم قيل لي: إنه قد اشترى جميع نصيبه، فقلت: قد أخذت بالشفعة، أيكون ذلك لي أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى ذلك له. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار، فأصابها هدم من السماء أو حرق أو غرق، فأراد الشفيع الأخذ بالشفعة؟ قال: قال مالك: يأخذها بجميع الثمن أو يدع. قلت: فإن اشتريت شقصا من دار فهدمتها، فأتى الشفيع ليأخذ بالشفعة؟ قال: قال مالك: يأخذها بالشفعة مهدومة بجميع الثمن ويأخذ هذا النقض مهدوما، ولا يكون له على المشتري قليل ولا كثير. قال مالك: وإن هدمها المشتري ثم بناها، قيل للشفيع: خذها بجميع ما اشترى وقيمة ما عمر فيها، فإن أبى لم تكن له شفعة.

باب اشتراء دار فباع نقضها ثم استحق رجل نصفها
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى دارا من رجل فهدمها فباع نقضها، ثم قدم رجل فاستحق نصف الدار كيف يصنع؟ قال: إن لم يجز البيع، فإنه يأخذ ما استحق من الدار ونصف الثمن الذي باع به النقض؛ لأنه قد استحقه. ثم إن أراد الأخذ بالشفعة، فإنه يقسم الثمن على ما باع منها وما بقي يوم وقعت الصفقة، ولا ينظر إلى ثمن ما باع منه. فإن كان قيمة النقض الذي باع يوم وقعت الصفقة هو الثلثين، والذي بقي من الدار ثلث

الثمن. فيدفع نصف الثلث ويأخذ العرصة بالشفعة، ويكون له نصف ثمن النقض الذي بيع من حصته؛ لأنه هو له؛ لأنه كان له نصف الأرض ونصف البنيان، وأما النصف الآخر من النقض فهو للمشتري، ولا يرجع عليه فيه بشيء؛ لأنه بيع قد جاز له، لم يكن للآخذ. بالشفعة فيه شيء وفات البيع، فإنما يرجع على ما بقي بالشفعة على ما فسرت لك، وهذا الذي بلغني عمن أثق به من قول مالك. قال: وإنما كان له نصف ثمن النقض؛ لأن المبتاع باع شيئا نصفه للآخذ بالشفعة. وإنما أجيز بيع نصف النقض الذي اشتراه المشتري؛ لأنه باع شيئا هو له لم يكن للآخذ بالشفعة فيه حق، إلا أن يدركه لم يفت، فلما فات رجع إلى العرصة فأخذها بحصتها مما يبقى، وقد فسرت لك ما بلغني. قال: وإن لم يكن المشتري باع من النقض شيئا قيل للمستحق: إن شئت خذ نصف الدار مهدومة ونصف هذا النقض، وليس لك على هذا المشتري الذي هدم من قيمة البنيان الذي هدم قليل ولا كثير؛ لأنه إنما هدم على وجه الشبهة ووجه الاشتراء، وهو لم يبع من النقض شيئا، فيكون لك أن تتبعه بما باع من النقض. فإن أبى أن يأخذ ما استحق منها مهدوما قيل له: لا شيء لك واتبع الذي باع، فخذ منه الثمن الذي باع به حصتك إن أحببت. قلت: فإن أخذ حصته التي استحق وقال: أنا آخذ بالشفعة؟ قال: ذلك له. قلت: فهل يتبع المشتري إذا أخذ بالشفعة بشيء مما هدم من الحظ الذي يأخذه هذا المستحق بالشفعة؟ قال: لا، لا يضمن له شيئا مما هدم. قلت: فإن كان المشتري قد باع شيئا من النقض؟ قال: يضمن له نصف ما باع من ذلك إذا أخذ المستحق بالشفعة. قلت: فالمشتري إذا باع مما نقض شيئا، أخذ المستحق ذلك منه، نصفه باستحقاقه نصف الدار ونصفه بالشفعة؟ قال: نعم، إذا كان ما باع من النقض حاضرا لم يفت، فإن فات النقض فليس له أن يرجع عليه بشيء مما يصيبه من الثمن، وإنما له أن يأخذ الشفعة بما يقع عليها من الثمن. قلت: وما لم يبع من ذلك لم يضمن له شيئا من ذلك؟ قال: لا يضمن له ما هدم من حظ النصف الذي استحقه المستحق، ولا يضمن له حظ النصف الذي يأخذه المستحق بالشفعة. قال: نعم لا يضمن له شيئا من هذا، إلا أن يبيع شيئا من ذلك فيضمن له بحال ما وصفت لك. قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: نعم.

ما جاء فيمن اشترى أنصباء
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى نصيبا من دارين صفقة واحدة وشفيعهما واحد، فقال الشفيع: أنا آخذ إحدى الدارين وأسلم الأخرى، وقال المشتري: خذ الجميع أو دع؟ قال: قال مالك: يقال للشفيع: خذ الجميع أو دع قلت: فإن كان المشتري اشترى هذين النصيبين من رجلين مختلفين صفقة واحدة؟ فقال: قال مالك: ليس للشفيع أن

يأخذ حظ أحد الرجلين دون الآخر؛ لأن الصفقة وقعت واحدة والمشتري واحد. فإما أن يأخذ الجميع أو يدع. قلت: وكذلك إن كانوا ثلاثة رجال، لأحدهم نخل وأرض وللآخر قرية وللآخر دور، فباعوا جميع ذلك صفقة واحدة من رجل واحد - شفيع هذه القرية وهذه النخل وهذه الدور رجل واحد - فقال الشفيع: أنا آخذ هذه النخل بحصتها من الثمن ولا أريد القرية ولا الدور، وقال المشتري: خذ الجميع أو دع؟ فقال: سألت مالكا عن الشريكين في الدور والأرضين والنخل وذلك مفترق، يبيع أحدهما نصيبه من ذلك كله، فيأتي الشفيع فيقول: أنا آخذ بعض ذلك دون بعض؟ فقال مالك: ليس له إلا أن يأخذ الجميع أو يدع، وليس له أن يختار، عليه أن يأخذ ما يحب ويدع ما يكره. قال ابن القاسم: لأن الشفعة تكون فيه كله، وهو كله مما تجري فيه الشفعة، وكذلك مسألتك في الثلاثة نفر، ليس له إلا أن يأخذ الجميع أو يدع؛ لأنها صفقة واحدة ومشتريها رجل واحد وشفيعها رجل واحد. قال: وسألت مالكا عن الرجل يبتاع من ثلاثة نفر أو من أربعة حظوظهم في صفقة واحدة، فيأتي شفيع لهم في ذلك كله فيريد أن يأخذ حظ بعضهم دون بعض؟ فقال لي مالك: إذا كانت الصفقة واحدة، فليس له إلا أن يأخذ ذلك كله أو يسلمه، فمسألتك مثل هذه بعينها. قلت: فإن كانوا ثلاثة رجال اشتروا من ثلاثة رجال دارا وأرضا ونخلا، وشفيع هذه الدار والنخل والأرض رجل واحد، فأتى الشفيع فقال: أنا آخذ حظ أحدهم وأسلم حظ الاثنين؟ قال: لم أسمع من مالك، فيه شيئا، وليس ذلك له إلا أن يأخذ ذلك كله أو يسلمه كله، وهو اشتراء ثلاثة نفر من ثلاثة نفر أو ثلاثة نفر من واحد أو واحد من ثلاثة؛ لأن واحدا لو اشترى من ثلاثة، لم يكن إلا أن يأخذ ذلك كله أو يسلمه كله، وذلك إذا كان ذلك في صفقة واحدة. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دارين صفقة واحدة، وشفيع كل دار على حدة، فسلم لي أحدهما الشفعة وأراد الآخر الأخذ بالشفعة، فقلت له: خذ الصفقة كلها أو دع، فقال: لا آخذ الذي أنا فيه شفيع، أيكون ذلك له في قول مالك أم لا؟ قال: قال لي مالك: للشفيع أن يترك تلك التي لا شرك له فيها؛ لأنه ليس بشفيع لها ويأخذ التي له فيها شرك؛ لأنه شفيعها.

ما جاء فيمن اشترى شقصا فوهبه ثم استحق بشفعة أو غيرها
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى دارا فوهبها لرجل فهدمها، أو وهب نقضها لرجل فهدمه، ثم أتى رجل فاستحق نصف الدار فقال: هذا والبيع سواء. ألا ترى لو أن المشتري باع من غيره فهدمها المشتري الآخر، أنه لا شيء للشفيع عليه من قيمة البناء، إلا أن يكون الهادم باع شيئا من ذلك، فبيعه على ما فسرت لك فيمن باع نقضا؟ وكذلك الهبة في هذا؛ لأن الموهوب له لم يكن غاصبا، إنما هدم على وجه الهبة والاشتراء، فلا

شيء عليه إلا أن يكون باع شيئا من ذلك فيكون بحال ما وصفت لك؟ قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: قال لي مالك: ذلك في المشتري، فالموهوب له مثله. قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى دارا من رجل، فوهبها الرجل فأتى رجل فاستحق نصفها وأخذ النصف الباقي بالشفعة، لمن يكون ثمن هذا النصف الذي يأخذه المستحق بالشفعة، أللواهب أو للموهوب له؟ قال: للواهب. قلت: لم؟ قال: لأنه إنما وهب له الدار ولم يهب له الثمن. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو قوله، وأما الذي سمعت أنا منه إنما هو في رجل وهب لرجل جارية، ثم هلك الموهوب له الجارية، ثم استحقت الجارية بحرية، فقيل لمالك: لمن هذا الثمن الذي أخذ من بائعها، ألورثة الموهوب له أم للمشتري الواهب؟ فقال مالك: بل للواهب، وليس للموهوب له ولا لورثته شيء. قال: وقد بلغني عن مالك أنه كان يقول في الاستحقاق أيضا: إن الثمن للواهب إذا وهب عبدا فاستحق العبد أنه مسروق قلت: أرأيت إن اشترى رجل شقصا من دار فوهبها الرجل، فأتى الشفيع فأخذ بالشفعة، لمن يكون الثمن؟ قال: إذا وهبها وهو يعلم أن للذي وهب من الدار شفيعا يأخذ ذلك إن شاء أو يترك، فأرى للموهوب له. قلت: وما فرق بين هذه المسألة والمسألة التي قبلها في الذي اشترى جميع الدار فوهبها فاستحق نصفها، فقلت الثمن للواهب، وقلت ههنا الثمن له؟ قال: لأن الواهب إنما وهب الدار كلها ولم يهب الثمن، وإن الذي وهب الشقص من الدار قد عرف أن لها شفيعا، إنما وهبها له وقد عرف أن الشفيع إن شاء أخذ وإن شاء ترك، فليس له من الثمن شيء.

باب الرجوع في الشفعة بعد تسليمها وأخذ الشفعة بالبيع الفاسد
قلت: أرأيت إن اشترى رجلان حصة رجل واحد، فأخبر الشريك أن حصة صاحبك قد اشتراها فلان لأحدهما، ولم يذكر له أن الآخر قد اشترى مع الذي ذكر له فقال: قد سلمت له الشفعة، فقيل له بعد ذلك: إنه لم يشتر هو وحده وإنما اشترى هو وفلان، فقال: أنا آخذ بشفعتي، وقال الذي سلم له الشفعة: قد سلمت لي فلا أعطيك حصتي؟ فقال: أرى أن يأخذهما جميعا، حصة الذي سلم له الشفعة وحصة الآخر الذي لم يسلم له الشفعة؛ لأن الرجلين إذا اشتريا من رجل حصته، لم يكن للشفيع إلا أن يأخذ بالشفعة كلها أو يترك البيع. قلت: أرأيت البيع الفاسد، أفيه الشفعة أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن إن كان لم يفت البيع الفاسد رد بعينه ولا شفعة فيه، حتى وإن فات حتى تصير الدار على المشتري بالقيمة رأيت الشفعة للشفيع.

باب حوالة الأسواق في الدور
قلت: أرأيت حوالة الأسواق، أهي في الدور فوت أم لا في قول مالك؟ قال: ليست بفوت. قلت: فتغيير البناء من غير هدم؟ قال: لا أعرف هذا، وإنما الفوت في البناء إذا كان الهدم، فهذا فوت عند مالك. قلت: ويكون المشتري قد بنى فيها بنيانا - البيوت والقصور - فهذا فوت أيضا؟ قال: والغرس أيضا فوت أو يشتريها وفيها غرس فيموت الغرس فهذا أيضا فوت. قلت: أرأيت البيع الفاسد إذا ولاه رجل، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: إن ولاه فقال: أوليك كما اشتريت، فهذا لا يصلح وينتقض البيع أيضا؛ لأنه إن كان المشتري الأول قد وقعت في صفقته بيع وسلف، فقال للذي ولاه: أوليك هذه السلعة كما اشتريتها، فهذا لا يصلح؛ لأن هذا الثاني أيضا قد وقع في مثل ما وقع فيه الأول في بيع وسلف فلا يجوز. قلت: فإن قال: قد قامت علي هذه السلعة بمائة دينار وأنا أبيعكها بذلك؟ قال: هذا قد كذب، لم تقم عليه بمائة دينار؛ لأنه إن كان أخذها بمائة دينار على أن يتم عشرة دنانير وقيمة السلعة خمسون دينارا فلم تقم السلعة عليه بمائة دينار، فهذا قد كذب، فيكون المشتري بالخيار إن أحب أن يأخذ بالمائة أخذ وإن أحب أن يرد رد، فإن فاتت في يد المشتري قبل أن يختار قومت السلعة، فإن بلغت القيمة أكثر من المائة لم يزد عليها؛ لأنه قد رضي بها أولا، وإن كانت أقل من المائة فله ذلك. قلت: فإن اشتراها بيعا فاسدا وباعها بيعا صحيحا؟ قال: هذا فوت أيضا في البيع الفاسد، وله أن يأخذ بالبيع الصحيح وليس له أن يأخذ بالبيع الفاسد.

ورثة الشفعة
قلت: أرأيت الشفعة، هل تورث في قول مالك؟ قال: نعم.

باب تنازع الشفيع والغرماء في الدار
قلت: أرأيت الرجل يشتري شقصا من دار مشتركة فيموت وعليه دين، أو يقوم عليه الغرماء ولم يمت، فيأتي الشفيع بحضرة ذلك فيريد أن يأخذ بالشفعة في قيمة الدار فضلا عما اشتراها به، وقال الغرماء: نحن نأخذ الدار؛ لأن فيها فضلا عما اشتراها به؟ قال: الشفيع أولى من الغرماء. قال ابن القاسم: ولقد سئل مالك عن رجل عليه دين وله شريك في دار، فباع شريكه حصته منها فقام غرماؤه فقالوا: خذ بشفعتك فإن فيها فضلا، فقال: لا آخذ، فقال له الغرماء: أنت مضار، فنحن نأخذ إذا كانت لك الشفعة فإن فيها فضلا تستوفيه، فقال مالك: ذلك للشفيع إن شاء أن يأخذ أخذ وإن شاء أن يترك ترك، وليس للغرماء ههنا حجة.

ما جاء في بيع الشفعة
قلت: أرأيت إن أسلم الشفيع الشفعة بمال أخذه من المشتري، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إذا أسلم الشفعة بعد وجوب الصفقة بمال أخذه فذلك جائز، وإن أسلم شفعته قبل وجوب البيع للمشتري بمال أخذه فذلك باطل لا يجوز؛ لأنه لم تجب له الشفعة بعد، وهو مردود، وهو على شفعته ههنا، إن أحب أن يأخذ شفعته أخذ وإن شاء أن يترك ترك. قال ابن القاسم: وكذلك إن سلمها بمال قبل الوجوب فهو كذلك ويرد ما أخذ. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار مشتركة، فأتى رجل إلى الشفيع فقال: خذها بشفعتك ولك منها مائة دينار ربحا أربحك فيها. قال ابن القاسم: قال مالك: لا خير فيه ولا يجوز. قلت: أرأيت لو أن شفيعا وجبت له الشفعة، فباع قبل أن يأخذ بشفعته، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: هو قول مالك.

شفعة الغائب
قلت: أرأيت الغائب إذا علم بالاشتراء - وهو شفيع - فلم يقدم يطلب بالشفعة، حتى متى تكون له الشفعة؟ قال: قال مالك: لا نقطع عن الغائب الشفعة لغيبته. قلت: علم أو لم يعلم؟ قال ابن القاسم: ليس ذلك عندي إلا فيما علم، أما فيما لم يعلم فليس فيه كلام ولو كان حاضرا. قلت: أرأيت لو أني اشتريت شقصا من رجل من دار بإفريقية وأنا بمصر وشفيعها معي بمصر، فأقام معي زمانا من دهره لا يطلب شفعته، ثم خرجنا إلى إفريقية فطلب شفعته، أيكون ذلك له أم لا؟ قال: لا أحفظ قول مالك فيها، وأرى الدار الغائبة والحاضرة عندي سواء أن ذلك له - قام بمصر أو بإفريقية - فإن ذلك له ما لم يطل ذلك حتى يرى أنه تارك للشفعة. وفي مسألتك التي ذكرت أنه مقيم معك زمانا من دهره ولا يطلب ذلك، فلا أرى له الشفعة إذا كان تاركا لذلك بعد علمه به، حتى يطول ويكون أكثر من السنة بما يرى أنه تارك لها، والدار الحاضرة والغائبة عندي في ذلك سواء. قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يشتري لي شقصا من دار وهو شفيعها، أو وكلته أن يبيع لي شقصا من دار وهو شفيعها ففعل، فباع أو اشترى، أتكون له الشفعة في الوجهين؟ قال: نعم. ولا أقوم على حفظ سماعي هذا من مالك فيه.

باب الدعوى في الدور
قلت: أرأيت إن كانت دار في يدي رجل، فأقام رجل البينة أنه اشتراها من هذا

اختلاف البيعين في الثمن
قلت: أرأيت إن اشتريت دارا فبنيت فيها بيوتا أو قصورا، أو وهبتها أو بعتها ثم اختلفنا - أنا والبائع - في الثمن، القول قول من؟ قال: هذا فوت، والقول قول المشتري عند مالك. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار لها شفيعان، فسلم لي أحدهما الشفعة وقال الآخر: أنا آخذ جميع الشفعة، وقال المشتري: لا أعطيك إلا قدر حصتك؟ قال: للشفيع أن يأخذ جميع ذلك عند مالك، وإن قال المشتري: خذ الجميع، وقال الشفيع: لا آخذ إلا حصتي، لم يكن ذلك له، إما أن يأخذ الجميع وإما أن يدع، وهذا قول مالك.

ما جاء في الشركة في الشفعة
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار مشتركة لها شفعاء وكلهم غيب إلا واحدا حاضرا، فقال الحاضر: أنا آخذ الجميع بشفعتي، وقال المشتري: لا أدفع إليك حظوظ الغيب. أو قال المشتري: خذ الجميع، وقال الشفيع: لا آخذ إلا قدر حصتي من الشفعة؟ قال: قال مالك: يأخذ هذا الحاضر جميع ذلك أو يترك في الوجهين جميعا. قلت: فإن قدم الغيب وقد أخذ هذا الحاضر الجميع بالشفعة؟ قال: يدخلون بالشفعة معه إن أحبوا كلهم، فيأخذون بقدر ما كان لهم من الشفعة، وإن أخذ بعضهم وأبى بعض لم يكن للآخذ أن يأخذ بقدر حصته ويدع ما بقي، وليس له إلا أن يكون شريكا يقاسمه جميع ما اشترى فيأخذ أو يدع. قال: وقال مالك: ولو أن هذا الحاضر أبى أن يأخذ الجميع وقال: لا آخذ إلا قدر حصتي، فترك أن يأخذ الجميع، لم يكن له شيء. فإن قدم الغيب كان لهم أن يأخذوا جميع ذلك بالشفعة، فإن أخذوا ذلك بالشفعة لم يكن لهذا الحاضر فيما أخذ الغيب شفعة؛ لأنه قد ترك ذلك أولا، فلا يكون له في ذلك شيء، ولهؤلاء الذين قدموا أن يأخذوا جميع ذلك أو يتركوا. قال: وقال مالك: وليس لهذا الحاضر أن يقول أنا آخذ بقدر حصتي من الشفعة، وأترك حصص أصحابي حتى يقدموا، فإن أخذوا بشفعتهم وإلا أخذت ذلك. قال مالك: فليس ذلك له، ولكن إما أن يأخذ وإما أن يترك، فإذا قدم هؤلاء الغيب فترك جميعهم الشفعة إلا واحدا، قيل له: خذ الجميع أو دع.

الكفالة في بيع الدور
قلت: أرأيت إن بعت دارا وأخذ مني المشتري كفيلا بما أدركه من درك، فبنى في الدار ثم استحقها مستحق، أيكون للمشتري على الكفيل من قيمة ما بنى شيء أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى على الكفيل إلا ما ضمن له أولا، ولا يكون عليه من قيمة ما بنى المشتري في الدار قليل ولا كثير، ولكن يقال لهذا المستحق: ادفع إلى هذا المشتري قيمة ما بنى أو خذ قيمة دارك. فإن دفع إليه قيمة ما بنى وأخذ داره رجع المشتري على البائع بالثمن أو على الحميل بالثمن، والمشتري في ذلك مخير وهو قول مالك.

الرجوع عن أخذ الشفعة بعد الأخذ
قلت: أرأيت رجلا قال: اشهدوا أني قد أخذت بشفعتي، ثم قال قد بدا لي؟ قال: قال مالك: إذا كان قوله ذلك بعد الاشتراء وقد علم بالثمن فقد لزمه ذلك، وإن كان لم يعلم بالثمن فله أن يترك إن أحب.

فيمن اشترى شقصا بعبد فمات العبد قبل أن يأخذ الشقص
قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا في دار بعبد، فمات العبد في يدي قبل أن أدفعه؟ قال: قال مالك: المصيبة من رب الدار؛ لأن العبد قد وجب له. قلت: أفيأخذ الدار الشفيع بالشفعة بقيمة العبد؟ قال: نعم عند مالك. قلت: وتكون عهدة الشفيع على رب الدار الذي باعها؟ قال: لا، ولكن العهدة على المشتري. قلت: فمتى تجب الشفعة للشفيع في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن الشفعة تجب للشفيع ساعة تقع الصفقة نقدا ولم ينقد، قبض الدار أو لم يقبض إذا أحب أن يأخذ بالشفعة.

أخذ الشفعة بالبيع الفاسد
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار بيعا فاسدا فأخذ الشفيع ذلك بالشفعة، ثم علم بفساد ذلك البيع؟ قال: ترد الدار إلى البائع ولا يأخذها الشفيع ولا المشتري؛ لأن البيع فاسد.

فيمن باع شقصا من دار بعبد فأخذ الشقص بالشفعة ثم أصاب بالعبد عيبا
قلت: أرأيت لو اشتريت شقصا من دار بعبد وأخذها الشفيع بالشفعة، ثم أصاب بائع الدار بالعبد عيبا؟ قال: يرده ويأخذ قيمة الدار من مشتري الدار وقد مضت الدار للشفيع بالشفعة. قلت: ولم أمضيت الدار ههنا للشفيع بالشفعة؟ قال هذا المشتري إذا دفعها إلى الشفيع، فهو بمنزلة ما لو باعها من غيره. قلت: فلم لا تجعله في البيع الفاسد بهذه المنزلة؟ قال: لأن البيع الفاسد كان مردودا من الآخر والأول. ألا ترى لو أن رجلا باع بيعا فاسدا، ثم باعه من آخر بيعا فاسدا، ردا جميعا إلا أن يتطاول أو يتغير بالأبدان أو بالأسواق، فتكون في ذلك كله القيمة ولا يرده، فهذا فرق ما بينهما. قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: منه قوله ومنه رأيي. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار بعبد فأخذ الشفيع ذلك الشقص بشفعته، ثم استحق العبد من يدي بائع الدار؟ قال: قد مضت الدار للشفيع، ويرجع بائع الدار على المشتري بقيمة الشقص. قلت: أرأيت إن كانت قيمة العبد ألفا وقيمة الشقص ألفين، فرجع بائع الشقص على المشتري بألفين، وإنما أخذ المشتري من الشفيع ألف درهم، فأراد المشتري أن يرجع على الشفيع بألف آخر؛ لأنه قد صارت الدار على المشتري بألفين وهو قيمتها وإنما أخذها الشفيع منه بألف درهم؟ قال: لا يرجع المشتري على الشفيع بقليل ولا كثير؛ لأن الأخذ بالشفعة، إنما هو بيع من البيوع. وكذلك أن لو كانت قيمة العبد ألفي درهم وقيمة الشقص ألف درهم، فلما أخذها الشفيع بقيمة العبد وهي ألفا درهم استحق العبد، فرجع البائع على المشتري بألف درهم، فليس للشفيع أن يرجع على المشتري بالألف التي فضلت عنده. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أحفظه عن مالك وهو رأيي.

اختلاف الشفيع والمشتري في صفة عرض ثمن شقص
قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار بعرض من العروض، فمضى لذلك زمان والعرض قائم بعينه عند بائع الدار أو مستهلك، فاختلف الشفيع والمشتري في قيمة العرض، أينظر إلى قيمة العرض إن كان قائما بعينه اليوم أم لا؟ قال: إنما ينظر عند مالك إلى قيمته يوم وقع الشراء ولا ينظر إلى قيمته اليوم. قلت: فإن كان مستهلكا؟ قال: فالقول قول المشتري مع يمينه. قلت: فإن أتى بما لا يشبه؟ قال: لم أسمعه من مالك، ولكن رأيي أنه مثل البيوع، أنه إن أتى بما لا يشبه لم يقبل قوله وكان القول قول الشفيع إذا أتى بما يشبه، فإن أتى أيضا بما لا يشبه، قيل للذي استهلكه وهو

المشتري: صف العرض ويحلف على الصفة، ثم يقوم على صفته بعد يمينه ثم يقال للشفيع: خذ أو اترك. قلت: فإن نكل عن اليمين المشتري على الصفة التي وصف؟ قال: يقال للشفيع: صف واحلف، فإذا وصف وحلف أخذها بقيمة تلك الصفة وهذا مثل البيوع.

فيمن اشترى شقصا بحنطة فاستحقت الحنطة
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار بحنطة بعينها فاستحقت الحنطة، أيرجع بائع الشقص فيأخذ الشقص، أم يأخذ حنطة مثل الحنطة التي استحقت من يده، وهل فيه شفعة؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا بعينه شيئا، ولكن لو أن رجلا اشترى حنطة بعينها فاستحقت الحنطة، لم يكن على صاحب الحنطة أن يأتي بحنطة مثلها عند مالك. فأرى في مسألتك إن أخذها الشفيع بالشفعة قبل أن يستحق الطعام لم يرد البيع ويغرم له مثل طعامه، وإن كان إنما استحق قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة فلا شفعة للشفيع. قال: وكذلك الرجل يشتري الدار بعبد بعينه فيستحق العبد قبل أن يقوم الشفيع فلا شفعة له،؛ لأنه لم يتم البيع وترد الدار إلى صاحبها ويفسخ البيع، ولو أخذت بالشفعة ثم استحق العبد رجع بقيمة الدار ولم يؤخذ من الشفيع ما أخذ. قال: واشتراء الطعام بالدراهم وبالدنانير سواء إذا استحق أنه يرجع بالدنانير، ولا بيع بينهما والدار عندي بمنزلته.

فيمن أقر أنه باع وأنكر المشتري فأراد الشفيع أن يأخذ بإقرار البائع
قلت: أرأيت إن أقر البائع بالبيع وجحد المشتري البيع وقال: لم أشتر منك شيئا، ثم تحالفا وتفاسخا البيع، فقام الشفيع فقال: أنا آخذ الشفعة بما أقررت لي أيها البائع؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى فيه شفعة؛ لأن عهدته على المشتري، فإذا لم يثبت للمشتري ما اشترى فلا شفعة له.

ما جاء فيمن باع عبداً بشقص ودراهم ثم جاء الشفيع ليأخذ الشقص
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع عبده بشقص من دار وبألف درهم، فأتى الشفيع ليأخذ بالشفعة وقيمة العبد ألف درهم وقيمة الشقص ألف درهم، فبكم يأخذها الشفيع في قول مالك؟ قال: يأخذها الشفيع - في قول مالك - بخمسمائة درهم عند مالك؛ لأن ثمن العبد هو الألف درهم، يقسم على ثمن الشقص وهو الألف درهم على الألف درهم، فيصير نصف ههنا ونصف ههنا. فيأخذ الشفيع الشقص بنصف قيمة العبد وذلك خمسمائة درهم.

باب ما لا الشفعة فيه من السلع
باب ما لا شفعة فيه من السلع
قلت: أرأيت سفينة بيني وبين رجل، أو خادما بيني وبين رجل، بعت حصتي من ذلك، أيكون شريكي أولى بذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا يكون شريكك أولى بذلك عند مالك، إنما يقال لشريكك بع معه أو خذ بما يعطي. فأما إذا باع ورضي أن يبيع وحده فليس لشريكه فيه شفعة وهذا قول مالك

الشفعة في العين والبئر
قلت: أرأيت لو أن أرضا بيني وبين رجل، ونخلا وعينا لهذه الأرض، وهذه النخل، فقاسمت شريكي في النخل والأرض ثم بعت حصتي من العين؟ قال: قال مالك: لا شفعة لشريكك فيما بعت من العين. قلت: فإن هو لم يقاسمه النخل والأرض، ولكنه باع نصيبه من العين ولم يبع نصيبه من الأرض؟ قال: قال مالك: فلشريكه الشفعة في العين ما دامت الشركة في الأرض والنخل. قال: فقلت لمالك: أرأيت الحديث الذي جاء "لا شفعة في بئر"1 ما هو؟ قال: هو إذا قسم أصحابه الأرض والنخل ثم باع حصته من العين والبئر. قال: قال مالك: فهذا الذي جاء فيه الحديث "لا شفعة في بئر"1 . قال: وإن هو لم يقسم كانت فيه الشفعة، باع حصته من الأرض والبئر، أو باع العين أو البئر وحدها ففيها الشفعة. قلت: أرأيت العين هل يقسم في قول مالك شربها؟ قال: قال مالك: نعم يقسم. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من أرض فزرعتها أو غرستها فأتى الشفيع ليأخذ بالشفعة؟ قال: قال مالك: له أن يأخذ بالشفعة، والزرع للزارع. قلت: فهل يكون للشفيع من الكراء شيء أم لا؟ قال: لا يكون له من الكراء شيء. قلت: فإذا كان قد غرسها نخلا أو شجرا؟ قال: إذا غرسها نخلا أو شجرا، فإنه يقال للشفيع إن شئت فخذها واغرم قيمة ما فيها من الغرس قائما، فإن أبى لم تكن له شفعة، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا بينه وبين شريكه أرض ونخل، فاقتسما النخل وتركا الأرض لم يقتسماها، فباع أحدهما ما صار له من النخل، أتكون لشريكه فيها الشفعة أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول في النخلة تكون للرجل في حائط الرجل، فيبيعهما، أنه لا شفعة لرب الحائط وكذلك مسألتك؛ لأن كل ما قسم عند مالك فلا شفعة فيه. قلت: أرأيت لو أني اشتريت أرضا من رجل بزرعها قبل أن يبدو صلاح الزرع بمائة دينار. فأتى رجل فاستحق نصف الأرض فطلب الأخذ بالشفعة، كيف يصنع فيما بينهما في قول مالك؟ قال: إذا استحق نصف الأرض. بطل البيع في النصف الذي استحقه هذا المستحق فيما بين البائع والمشتري في الأرض وفي الزرع؛ لأن نصف الزرع الذي صار
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الشفعة حديث 4 عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن حزم بن عثمان بن عفان قال: إذا وقعت الحدود في الأرض فلا شفعة فيها، ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل.

ما جاء في الشفعة في الثمرة
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى نخلا وفي النخل طلع لم يؤبر، فأتى رجل فاستحق نصفه وطلب النصف الباقي بالشفعة؟ فقال: إن أتى الشفيع يوم باع البائع، أخذ النصف الذي استحق ورجع المشتري على البائع بنصف الثمن وأخذ النصف الباقي بشفعته إن أحب بما فيها. قلت: فإن لم يأت حتى عمل المشتري في النخل وسقى وأبرت النخل وصارت بلحا؟ قال: يقال للشفيع: خذ النصف بالاستحقاق وخذ النصف الباقي إن شئت بالشفعة واغرم للمشتري عمله فيما سقى وعالج في جميع ذلك فيما استحققته وفيما أخذت بالشفعة، فإن أبى أن يأخذ بالشفعة، كان له نصف الحائط ونصف الثمرة ويكون عليه نصف قيمة ما عمل المشتري وسقى إن كان له فيه عمل، فإن أبى أن يغرم ذلك لم يكن له أن يأخذ نصف ما استحق ويرجع على البائع بنصف الثمن. قلت: فإن لم يأت هذا المستحق ولم يستحق إلا بعدما أزهى هذا الطلع؟ قال: يأخذ نصف النخل ونصف الثمرة بالاستحقاق ويغرم نصف العمل كما وصفت لك، ويأخذ النصف الباقي إن أحب بالشفعة بنصف ثمن الجميع، وتكون له ثمرة هذا النصف الذي يأخذه بالشفعة إذا أزهت ما بينها وبين أن تيبس، فإذا يبست فلا حق للشفيع فيهما. وكذلك قال مالك في الرجلين تكون بينهما الثمرة: إن أحدهما إن باع حظه منها بعد أن أزهت، أن للشريك أن يأخذ بالشفعة ما لم تيبس وتستجد، فإذا يبست واستجدت فباع بعد ذلك فلا شفعة له فيها، فمسألتك عندي مثلها. قال ابن القاسم: والذي يشتري النخل ثم يسقيها حتى تثمر ثم يفلس وفي النخل ثمرة، أن البائع أحق بالنخل وبالثمرة ما لم تجد الثمرة إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه الثمن ويكون لهم النخل والثمرة، وهذا عندي مخالف للشفعة. قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى نخلا وفي النخل ثمر قد أزهى وحل بيعه، فأتى رجل فاستحق نصف تلك النخل؟ فقال: يأخذ نصف تلك النخل وما فيها من الثمرة، ويرجع المشتري على البائع بنصف الثمن ويغرم المستحق للمشتري نصف قيمة

ما عمل إن كان عالج شيئا في ذلك وسقى. قلت: فإن أراد أن يأخذ بالشفعة، أيكون له أن يأخذ بالشفعة النخل والثمرة جميعا؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال في قوم شركاء في ثمرة كان لهم الأصل أو كانت النخل في أيديهم مساقاة، أو كانت نخلا حبسا على قوم فأثمرت هذه النخل وحل بيعها، فباع أحد ممن سميت لك من أهل الحبس أو أحد من المساقين أو ممن كانت النخل بينهم، فباع حصته من الثمرة ولم يبع الرقاب، فإن شركاءه في الثمرة - كان لهم الأصل أو لم يكن لهم الأصل - يأخذون الذي باع شريكهم في الثمرة بالشفعة بما باع به، فلذلك رأيت للمستحق أن يأخذ النخل والثمرة جميعا بالشفعة. وإن كانت الشفعة إنما هي بعدما أزهت الثمرة، فله أن يأخذ بالشفعة؛ لأن البائع لو باع الثمرة وحدها بغير أصل كان هذا الذي استحق نصف النخل شفيعا في الثمرة عند مالك، ولذلك كان له هناك أن يأخذ النخل والثمرة. قال: وقال مالك في الحائط إذا اشتراه رجل ولا ثمرة فيه، ففلس مشتري الحائط وفيه ثمر قد طاب وحل بيعه: إن الثمرة لصاحب الحائط ما دامت في رءوس النخل وإن أزهت إلا أن يدفع إليه الثمن الغرماء. قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى هذه النخل وفيها ثمرة قد أبرت ولم تزه، فاستثناها البائع ثم أزهت عند المشتري وقام الغرماء؟ قال: فلا شيء للغرماء في الثمرة ولا في النخل، ويقال للبائع خذ حائطك بثمرته إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليك الثمن الذي بعت به، فيكونوا أولى بالنخل وبثمرته فذلك لهم.
قلت: أرأيت إن اشترى أرضا وفيها زرع قد بدا صلاحه، اشترى الأرض والزرع جميعا، فأتى رجل فاستحق نصف الأرض فأخذها، أتكون له الشفعة في النصف الآخر في الزرع والأرض في قول مالك؟ قال: قال مالك في الشريكين في الزرع يبيع أحدهما نصيبه بعدما ييبس ويحل بيعه: إنه لا شفعة له في الزرع إذا حل بيعه. قلت: فلم قال مالك في الثمرة إذا طابت فاشتراها رجل من النخل، إن فيها الشفعة؟ قال: لا أدري، إلا أن مالكا كان يفرق بينهما ويقول: إنه لشيء ما علمت أنه قاله في الثمرة أحد من أهل العلم قبلي أن فيها الشفعة، ولكنه شيء استحسنته ورأيته، فأرى أن يعمل به وقال: الزرع عندي لا يشبه الثمرة. قال ابن القاسم: وبلغني عنه وهو رأيي أنه قال: ما بيع من الثمار مما فيه الشفعة مثل التمر والعنب والثمار كلها سوى الزرع مما ييبس في شجره، فباع نصيبه إذا يبست واستجدت، فلا شفعة في ذلك مثل الزرع. وذلك أن ما بيع من الثمار بعدما يبس واستجد فلا جائحة فيه، وكذلك الزرع لا جائحة فيه وأمرهما واحد. قلت: أرأيت إن اشتريت نخلا فأكلت ثمرتها سنين، ثم جاء الشفيع يطلب شفعته؟ فقال: إن كان اشتراها وليس فيها ثمرة يوم اشتراها، ثم أثمرت بعد ذلك فأكلها سنين، فإن مالكا قال: لا شيء للشفيع من ذلك؛ لأن الشفيع إنما صار له النخل الساعة حين أخذها، فما كان قبل ذلك

مما أثمرت النخل وهي غير ملك الشفيع فلا شيء للشفيع من ذلك. قلت: فإن كان المشتري اشترى النخل وفي رءوس النخل ثمرة يوم اشتراها؟ قال: قد وصفت لك ذلك، إن كانت لم تزه فأزهت عند المشتري، أخذ الشفيع النخل والثمرة بالثمن، وإن كان المشتري اشترى النخل وفيها ثمرة قد طابت وحل بيعها فلم يأخذ الشفيع بالشفعة حتى صرم المشتري النخل، فإن الثمن يقسم على قيمة النخل وعلى قيمة الثمرة يوم وقعت الصفقة، فيأخذ الشفيع بالشفعة النخل بما أصاب النخل من الثمن، ويوضع عن الشفيع ما أصاب الثمرة من الثمن؛ لأن الصفقة حين وقعت وقع للثمرة حصة من الثمن، وهذا قول مالك. قلت: فإن أدرك الشفيع النخل والثمرة قبل أن يجدها المشتري، وقد كان اشتراها المشتري بعدما أزهت وطابت؟ قال: يأخذ النخل والثمرة جميعا عند مالك بالشفعة. قال: وقال مالك: وإن أدرك الشفيع النخل وفيها ثمرتها لم تزه بعد أخذ الشفيع النخل والثمرة بالثمن بعد أن يدفع إليه قيمة ما أنفق.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت أرضا ونخلا وأكريت الأرض وأثمرت النخل عندي، فأكلت ذلك فأردت أن أبيع الأرض والنخل مرابحة؟ قال: قال مالك في الثياب والحيوان: إذا حالت أسواقه عند المشتري فلا يبيعه مرابحة حين يبين أنه اشتراه في زمان كذا وكذا، فأرى الأرض والنخل عندي بتلك المنزلة.

فيمن اشترى وديا فصار نخلا ثم استحق بالشفعة
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى نخلا صغارا وديا، فلم يأت الشفيع ليأخذ بالشفعة حتى صار نخلا كبارا بواسق، فجاء الشفيع يطلب الشفعة؟ قال: يغرم قيمة ما عمل المشتري، ويأخذ الشفيع النخل وإن كانت قد كبرت. قلت: أرأيت إن اشترى أرضا وزرعا صفقة واحدة لم يبد صلاحه، ثم جاء الشفيع فاستحق الشفعة بعدما طاب الزرع، أيكون للشفيع في الزرع الشفعة أم لا؟ قال: لا شفعة له في الزرع. قلت: فبم يأخذ الشفيع الأرض، أبجميع الثمن أم يوضع عن الشفيع للزرع شيء أم لا؟ وهل وقع للزرع حصة من الثمن في الصفقة أم لا؟ قال: قد وقع للزرع حصة من الثمن، فيقسم الثمن على قيمة الأرض وقيمة الزرع يوم اشتراه المشتري بين الرجاء والخوف، ثم يوضع عن الشفيع ما أصاب الزرع من الثمن ويأخذ الأرض بما أصابها من الثمن. قلت: ولم كان هذا في الزرع هكذا، وقد قلت في الطلع إنه إذا استحق الشفيع الشفعة في النخل وقد انتقل الطلع إلى حال الإثمار واليبس، أنه يأخذ النخل بالشفعة ولا يوضع عن الشفيع للثمرة شيء، ولا حصة للثمرة من الثمن يوم وقعت الصفقة؟ قال: لأن الثمرة حبل ما كانت في رءوس النخل. ألا ترى أن النخل لو باعها بائع وفيها طلع لم يؤبر فاستثنى

البائع الطلع لم يجز استثناؤه، وإن باع أرضا وفيها زرع لم يبد صلاحه كان الزرع للبائع إلا أن يشترطه المشتري؟ فهذا فرق ما بينهما.
قلت: فإن النخل إذا أبرت فباعها ربها فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، فقد صار للثمرة بعد الإبار حصة من الثمن إذا جاء الشفيع فاستحق بالشفعة وقد انتقلت الثمرة إلى حال اليبس والإثمار، فلم لا تجعل للثمرة حصة كما جعلت للزرع حصة من الثمن، ولأن الأرض قد يبيعها صاحبها ويبقى الزرع لصاحبها، فكذلك النخل إذا كانت الثمرة قد أبرت، فإن صاحبها يبيعها وتكون الثمرة له، فما فرق ما بين هذين؟ قال: سمعت مالكا يقول في الشفيع إذا جاء ليأخذ بالشفعة وقد أبرت النخل: إنه يدفع إلى المشتري ما أنفق في السقي والعلاج ويأخذ الثمرة بالشفعة. قال: ومما يبين لك أيضا فرق ما بينهما، أن الثمرة نصفها للآخذ بالشفعة وأن الزرع ليس للآخذ بالشفعة منه قليل ولا كثير؛ لأن الثمرة ولادة وليس الزرع بولادة، فهذا الذي سمعت من مالك. وبلغني عنه قال: وأما إذا اشترى النخل وفيها ثمرة قد أبرت فاستثنى ثمرتها، ثم جاء الشفيع ليأخذ بالشفعة وقد يبست الثمرة. قال سحنون: يأخذ الثمرة ويعطي المشتري قيمة السقي والعلاج. إنما جعلته يأخذ الثمرة؛ لأنه لم يقع لها حصة من الثمن، ولو جعلت لها حصة من الثمن، جعلت الشفيع يأخذ النخل بما وقع عليها من الثمن، وجعلت للثمرة حصة من الثمن، وكان بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، وإنما هو ملغي وتبع للنخل. ألا ترى لو أن رجلا اشترى عبدا له مال واشترط ماله، ثم أصيب المال وأصاب بالعبد عيبا، رده ولم يكن عليه للمال شيء؛ لأنه ملغي وتبع ولم يقع عليه حصة من الثمن، ولو وقع عليه حصة من الثمن لما رجع إذا رد العبد بالعيب بجميع الثمن؟ فهذا أصح أقاويله. قال: الشفيع لا يأخذ الثمرة، ولكن يقسم الثمن على قيمة الثمرة وقيمة النخل، فيوضع عن الشفيع ما أصاب الثمرة من الثمن. ويأخذ النخل بما أصابها من الثمن. وهذا والزرع سواء ليس بينهما فرق، وإنما الذي قلت لك: الأول لا حصة له من الثمن إذا يبست الثمرة، فإنما ذلك إذا اشترى النخل - وفيها طلع لم يؤبر أو لم يكن في النخل ثمرة - فهذا الذي إذا يبست الثمرة فأخذ الشفيع النخل بالشفعة، فلا شيء له من الثمرة ولا يكون للثمرة حصة من الثمن؛ لأن هذه الثمرة ههنا بمنزلة الحبل، ألا ترى أنه لا يجوز لصاحب النخل أن يبيع النخل ويستثني ذلك.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الشفعة الثاني

الشفعة في الأرحاء
قلت: أرأيت الرحا - رحا الماء - هل فيها شفعة في قول مالك أم لا؟ قال مالك: لا شفعة في الأرحية. قلت: أرأيت إن كانت الأرض التي نصب بيت الرحا فيها بين الشريكين، والنهر يخرق تلك الأرض وجعلا الرحا فيه؟ قال: إذا باع البيت مع الرحا والأرض بينهما، فأرى في الأرض والبيت الشفعة، وأما في الرحا فلا شفعة فيها. قلت: ولا ترى الرحا من البنيان؟ قال: لا؛ لأن مالكا قال: لا شفعة في رحا الماء. قال ابن القاسم: وإنما هي عنده بمنزلة عرصة بين رجلين نصبا فيها رحى، فكانا يعملان فيها فباع أحدهما نصيبه من العرصة مع الرحا، فليس في الرحا شفعة وليس الرحا من البنيان، إنما هي بمنزلة حجر ملقى في الدار. قال: فالرحا في الأرض ما كان يجره الماء أو الدواب، فهو بمنزلة واحدة لا شفعة فيها وإنما الشفعة في الأرض.

الشفعة في الحمام والعين والنهر والبئر
قلت: أرأيت الحمام، هل فيه شفعة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت النهر والعين والبئر إذا اشترى الرجل شقصا منه، هل فيه شفعة؟ قال: قال مالك: لا، إلا أن يكون لها أرض لم تقسم أو يبيعها وأرضها، فتكون الشفعة فيهما جميعا في العين والبئر والنهر والأرض. فإن اشترى الماء وحده ولا بياض له معه فلا شفعة فيه، وكذلك قال لي مالك: كل بئر لا بياض معها ولا نخل، فإن كانت مما يسقى بها الزرع والنخل فلا شفعة فيها. والنهر والعين مثلها، إنما يكون في ذلك كله الشفعة إذا كانت الأرض معها، وهذا لم يختلف فيه قول مالك قط. قال: وقال لي مالك: لو أن بئرا كانت بين

رجلين ولها بياض ونخل، فباع أحدهما نصيبه من الماء وترك نصيبه من النخل لم يقاسم صاحبه النخل، كان شريكه في النخل أحق بشفعته في هذا الماء إذا كان البائع باع أصل الماء إذا كانت النخل والأرض لم تقسم. قلت: وإن اقتسموا النخل والأرض ثم باع بعد ذلك حظه من الماء فلا شفعة له؟ قال: نعم؛ لأنه لو باع حصته من الماء والنخل لم يكن لشريكه فيه شفعة بعد أن يقاسمه، وكذلك لو كان لها بياض بغير نخل كان مثل ما وصفت لك في النخل؛ لأن النخل قد قسم.

فيمن اشترى شربا فغار بعض الماء
قلت: هل يجوز - في قول مالك - أن أشتري شرب يوم أو يومين من هذا النهر لأسقي به زرعي ولم أشتر أصل الماء؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك قال: قال مالك: إن اشترى رجل شرب يوم أو يومين أو شهر أو شهرين يسقي به زرعه في أرض نفسه، فغار الماء، فعلم أن الذي غار من الماء هو ثلث الشرب الذي اشترى أو أقل أو أكثر، فإنه يوضع عن المشتري ما قل منه أو كثر. قال: وإن كان أدنى من الثلث، إذا كان ما غار من الماء يضر به في سقيه وجاء من نقصانه ضرر بين، فإنه يوضع عنه ولا ينظر إلى الثلث. قال ابن القاسم: وأرى أن كل ما كثر من الماء حتى قطع ذلك سقيه وضع عنه؛ لأن مالكا قال لي: ما أصيب من الثمار من قبل الماء وإن كان أقل من الثلث، رأيت أن يوضع عنه، ولم ير ما هلك من الماء مثل ما يصيبه من أمر الله من الجراد والبرد وأشباه ذلك. قال: وأرى الماء من سبب ما باع به البائع فأرى أن يوضع وإن كان أقل من الثلث، فكذلك الماء عندي إذا أتى منه ما يضره وينقطع عنه بعض ما اشتراه له، إلا أن يكون الذي فسد من ذلك الشيء التافه اليسير الذي لا خطب له.

ما جاء في الرجل يشتري الأرض وفيها زرع أو نخل لم يشترطه
قلت: أرأيت إن اشتريت أرضا وفيها زرع ولم أذكر الزرع لمن يكون الزرع؟ قال: الزرع زرع البائع إلا أن يشترطه المبتاع. قلت: فإن اشتريت أرضا وفيها نخل ولم أشترط النخل ولم أذكر النخل عند ابتياعي إياه، لمن تكون النخل؟ قال: إذا اشترى رجل أرضا وفيها شجر، فالشجر تبع للأرض، فهي للمشتري إلا أن يقول البائع أبيعك الأرض بغير شجر. ألا ترى أن الرجل إذا اشترى الدار، كان جميع ما في الدار من البنيان للمشتري وإن لم يسموا البنيان في الشراء. ألا ترى أن لو اشترى كرما، أما كان يكون له ما فيه من

فيمن اشترى أرضا بعبد فاستحق نصف الأرض ثم أتى الشفيع
قلت: أرأيت إن اشتريت أرضا بعبد فاستحق نصف الأرض من يومي أو من الغد قبل أن تحول أسواق العبد، فقال مشتري الأرض أنا آخذ العبد وأرد البيع؟ قال: قال مالك: ذلك له. قلت: فإن قال المستحق أنا آخذ بالشفعة؟ قال: قال مالك: ذلك له. قلت: وعلى من تكون عهدة الشفيع؟ قال: على المشتري. قلت: وبم يأخذ النصف بالشفعة؟ قال: بنصف قيمة العبد. قلت: أرأيت لو أنى اشتريت نخلا لها شفيع، أو شقصا من أرض أو شقصا من دار، فأتى الشفيع فاكترى الأرض مني أو عاملني في النخل أو اكترى الدار مني أو ساومني بجميع ذلك ليبتاعه منى، ثم طلب بعد ذلك الشفعة، أتكون له الشفعة في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: الشفيع على الشفعة حتى يترك أو يأتي من طول الزمان ما يعلم أنه تارك للشفعة. قال فقلت لمالك: فالستة الأشهر والتسعة الأشهر والسنة؟ قال: أما ما هو دون السنة فلم يشك فيه أن له أن يأخذ بالشفعة. وقال مالك: السنة ما هو عندي بالكثير. قال ابن القاسم: فأرى ما سألت عنه من قولك أنه اكترى منه أو ساقاه أو ساومه بذلك ليشتريه، فهذا تسليم منه لشفعته ولا أرى له فيها شفعة. قلت: أرأيت إن اشتريت نخلا لأقلعها، ثم أشتري الأرض بعد ذلك فأقررت النخل فيها، ثم أتى رجل فاستحق نصفها وأراد أخذ ما بقي بالشفعة، فقلت له إنما اشتريت النخل لأقلعها، ثم اشتريت الأرض فتركتها. فأما إذا صرت تأخذ بالشفعة فخذ الأرض، فأما النخل فإني أقلعها؟ قال: لا يستطيع أن يقلع النخل؛ لأن المستحق قد صار شريكا له في جميع النخل، فإن رضي الشفيع أن يأخذ بالشفعة أخذ جميع الأرض والنخل، وإن أبي أن يأخذ إلا حصته التي استحق، كان المشتري مخيرا، إن أحب أن يأخذ نصف الأرض ونصف النخل فذلك له، وإن أحب أن يرد رد. إذا أخذ الشفيع شفعته في نصف الأرض ونصف النخل، أخذه بما يقع عليه من الثمن الأول الذي اشتراه به المشتري.

فيمن اشترى نقض شقص والشريك غائب
قلت: أرأيت إن اشتريت نقض شقص في الدار والشريك غائب، أيجوز ذلك أم

في الرجل يشتري الدار فيهدمها أو يهدمها رجل تعديا ثم تستحق
قلت: أرأيت إن اشتريت دارا فهدمتها ثم بنيتها، أو هدمها رجل أجنبي من الناس، أو تهدمت من أمر من السماء، ثم أتى رجل فاستحق نصفها، أيكون له على المشتري فيما هدم شيء أم لا؟ قال: قال مالك: لا شيء له على المشتري فيما هدم المشتري مما أراد أن يبنيه أو أراد أن يتوسع به. قال ابن القاسم: وإن كان هدم فباع النقض، فإن له نصف ثمن النقض ويفض الثمن الذي اشترى به المشتري على قيمة النقض الذي باع وعلى قيمة قاعة الدار، فينظر إلى النقض الذي باع كم هو من الدار ثلث أو ربع أو نصف، فيكون له فيما بقي أن يأخذه بالشفعة بما يصيبه من حصة الثمن، وينظر إلى قيمة النقض من قيمة العرصة كم كان منها، فيفض الثمن عليهما ثم يأخذ العرصة بالذي يصيبها من حصة الثمن. قال: وهذا رأيي وقد بلغني عن مالك. قال ابن القاسم: وإن هدمها إنسان ظلما فلم يأخذ المشتري منه ثمنا حتى استحق هذا نصف الدار، فض الثمن على ما هدم منه وما بقي منه، ثم أخذ العرصة بما يصيبها من حصة الثمن، ثم أتبع المشترى الغاصب بنصف قيمة ما قلع وكان له وكان بمنزلة ما باع وأتبعه المستحق بمثل ذلك. قلت: فإن كان المشتري قد كان ترك للهادم قيمة ما هدم، ثم استحقها هذا المستحق؟ قال: فللمستحق على الهادم نصف قيمة ذلك وسقطت عنه حصة المشتري. قلت: فإن كان عديما، أيرجع المستحق على المشتري بذلك؟ قال: لا. قال: وليس ما انهدم بأمر من الله مما لا شيء للمشتري فيه، بمنزلة ما هدم فباعه أو غصبه غاصب أو هدمه هادم على وجه الظلم، فقد صار ما هدم ضامنا للمشتري فجرى عندي مجرى البيع. قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى عبدا في سوق من أسواق المسلمين، فوهبه لرجل ثم أتى رجل فاستحقه؟ قال: يقال للمستحق: إن شئت فاتبع البائع بالثمن وإلا فاطلب العبد، فإن وجدته أخذته ولا شيء لك على المشتري الواهب. قلت: والنصف الذي استحق والنصف الذي يأخذ بالشفعة سواء عندك وسواء مسألتي في النقض؟ قال: نعم. ذلك سواء؛ لأنه لم يهدم ما هدم من ذلك على وجه التعدي، لا في النصف الذي استحق ولا في النصف الذي أخذ المستحق بالشفعة؛ لأنه هدم جميع ذلك على وجه أنه له ملك وليس بغاصب ولا متعد.

الشفعة فيما وهب للثواب
قلت: أرأيت إن وهبت شقصا لي في دار على عوض، أو تصدقت به على عوض، أو أوصيت به على عوض، أتكون فيه الشفعة في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، وهذا كله بيع عند مالك وفيه الشفعة. قال مالك: ومن تصدق على عوض فهو بائع. قلت:

ويأخذها الشفيع في جميع هذا بقيمة العوض في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن كانت الدار في يد الواهب لم يدفعها بعد، أيكون للشفيع أن يأخذها بالشفعة؟ قال: إن كان وهب الدار على عوض قد سماه، فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بقيمة ذلك العوض، إن كان عرضا وإن كان دراهم أو دنانير أو ورقا أو ذهبا أخذها بذلك. قال: وإن كان اشتراه بحنطة أو بشعير أو زيت أو ما أشبه ذلك من الطعام أو الإدام، أخذه بمثل ذلك وبمثل كيله وبمثل صنفه قبض الموهوب له هبته أو لم يقبض؛ لأن هذا بيع قال: وإن كان إنما وهب الدار على عوض يرجوه ولم يسمه، فليس للشفيع أن يأخذ بالشفعة إلا بعد العوض. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن وهبت شقصا في دار على ثواب أرجوه، أيكون لرب الدار أن يأخذ الدار ويرجع فيها من قبل أن يثاب أم لا في قول مالك؟ قال: إذا أثابه الموهوب له بقيمتها لم يكن له أن يرجع فيها. وإن هو أثابه أقل من قيمتها كان له أن يرجع فيها فيأخذها، وهذا قول مالك. قال: وإن كانت الدار على حالها لم تتغير بنماء ولا نقصان، فلرب الدار أن يأخذها إذا لم يثبه الموهوب له بقيمتها، وليس له على الذي وهبت له أن يجبر على ثواب إن كانت الدار لم تتغير عن حالها؟ قال: فإن كانت الهبة غير الدار، فوهب حيوانا أو غيره فهو سواء أيضا مثل ما وصفت لك. وإنما يقال لصاحب الدار: خذها إن شئت ولا شيء لك غير ذلك إلا أن تقبل ما أثابك به إن كان أثابك بأقل من القيمة، وإن كان لم يثبك بشيء لم يجبر الموهوب له على ثواب، إلا أنه يجبر على رد الهبة إن كانت لم تتغير، فإن كانت قد تغيرت بنماء أو نقصان لم يكن لرب الدار أن يأخذها ولا رب الهبة، فإن كانت تغيرت الدار أجبر الموهوب له على قيمتها يوم قبضها على ما أحب أو كره، ويقال للشفيع: خذ الآن بالشفعة أو دع إذا قضى على الموهوب له بقيمتها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن وهبها له رجل جاء الثواب، فتغيرت الدار في يدي الموهوب له، ثم أثابه الموهوب له بأكثر من قيمة الدار أضعافا، أيقال للشفيع خذ بجميع ذلك أو دع أو يأخذها الشفيع بقيمتها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن أرى أن يأخذها بجميع ما أثابه به؛ لأن الناس إنما يهبون الهبات للثواب رجاء أن يأخذوا أكثر من قيمة ما أعطوا، وإنما رجعوا إلى القيمة حين تشاحوا بعد تغيير السلعة. ألا ترى أن الهبة لو كانت على حالها لم تتغير ردت إلا أن يمضيها الواهب بغير شيء. ولو كانت عند الناس هبة الثواب إنما يطلبون بها كفاف الثمن لما وهب أحد لثواب، ولحملها على وجه السوق فانتقد الثمن، ولكنهم رجوا الفضل في ذلك عند أهل الفضل. قلت: أرأيت إن وهبت، شقصا في دار رجاء الثواب، فقال الشفيع: أنا آخذها الساعة بالقيمة أيكون ذلك للشفيع؟ قال

قال مالك: من وهب هبة رجاء الثواب، لم يكن للشفيع أن يأخذها بالشفعة إلا بعد الثواب. قلت: أرأيت إن أوصيت أن يباع شقص لي من دار من فلان بكذا وكذا درهما فلم يقبل الموصى له بالبيع ذلك، أيكون للشفيع الشفعة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني لا أرى له الشفعة، وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو قال رجل: اشهدوا أني قد بعت شقصي هذا من فلان بكذا وكذا درهما إن قبله، فيقول: لا أقبل، فلا تكون للشفيع الشفعة. ومما يبين ذلك أن مالكا قال في الرجل يبيع من الرجل شقصا من دار على أن المشتري بالخيار: إنه لا شفعة لشريكه في ذلك حتى يأخذ المشتري أو يدع. قلت: وكذلك إن كان الخيار للبائع؟ قال: الخيار إذا كان للبائع فهذا لا شك فيه أنه لا شفعة فيه.

باب الهبة لغير الثواب
قلت: أرأيت إن وهبت هبة لغير الثواب ولا لرجاء الثواب، فعوضني منها فقبلت عوضه، أيكون هذا بيعا وتجب فيه الشفعة أم لا؟ قال: إن كانت الهبة على وجه الصلة للرحم أو على وجه الصدقة، لا يريد بها ثوابا ثم أثابه صاحبه بعد ذلك بأمر لم يكن يلزم الموهوب له فيه قضاء من القاضي، فلا شفعة فيه ولم أسمع من مالك فيه شيئا. وقد قال مالك في رجل تصدق على رجل بصدقة، فأثابه الذي تصدق عليه بثواب، ثم أتى الرجل بعد ذلك يطلب ثوابه وقال: إني ظننت أن ذلك يلزمني، فأما إذا كان لا يلزمني فأنا أرجع فيه. قال: قال مالك: إن أدرك ذلك بعينه فله أن يأخذ ذلك، وإن فات لم أر على صاحبه شيئا. فهذا مما يدلك على مسألتك أنه إذا كان له أن يأخذ ثوابه إذا وجده، فإن مسألتك أنه إنما هو شيء تطوع به الواهب لم يكن يلزم الموهوب له فيه ثواب. قلت: أرأيت إن وهبت شقصا من دار كان لابني وابني صغير في عيالي - على عوض، أتجوز هذه الهبة وتكون فيها الشفعة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن حابى الأب الموهوب له، أتجوز محاباته في مال ابنه؟ وذلك أنه أخذ من العوض أقل من قيمة الشقص الذي وهب من مال ابنه. قال: لا تجوز محاباته عند مالك؛ لأن مالكا قال: لا تجوز هبته في مال ابنه. قلت: وكيف يصنع بهذا الشقص الذي حابى فيه الأب، أيجوز منه شيء أم لا؟ قال: لا يجوز منه شيء ويرد كله. قلت: ولم رددته كله؟ قال: لأنه ليس ببيع، وإنما يجوز بيع الأب مال ابنه على وجه النظر له وابتغاء الفضل له، فإذا كان على غير ذلك لم يجز ذلك. وكذلك سمعت من مالك يقول: لا يجوز ما وهب الأب ولا ما حابى ولا ما تصدق من مال ابنه ولا ما أعتق، إلا أن يكون الأب موسرا في العتق

وحده، وإن كان موسرا جاز ذلك على الأب في العتق وضمن قيمته في ماله ولا يجوز في الهبة وإن كان موسرا.
قلت: أرأيت الوصي إذا وهب شقصا في دار الصبي للثواب، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا ينبغي للوصي أن يبيع رباع اليتامى إلا أن يكون لذلك وجه، مثل السلطان يكون جارا له أو الرجل الموسر يكون جارا لهذا اليتيم، فيعطيه بنصيبه من الدار أو بداره أو بقريته أو بحائطه أكثر من ثمنها، مما يعرف أن بيعها غبطه في ذلك ونظر للصبي، أو يكون ليس في غلتها ما يحمله، فيجوز ذلك عليه، وما كان على غير هذا الوجه لم يجز. فمسألتك إن كان الذي وهب له على عوض على مثل هذا فذلك جائز، وللشفيع فيه الشفعة، وما كان على غير هذا الوجه فليس يجوز. قلت: أرأيت إن وهب المكاتب شقصا له في دار على ثواب، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: هذا بيع، وهو جائز إذا لم يكن يحابي عند مالك، وتكون للشفيع فيه الشفعة كما وصفت لك. قلت: وكذلك العبد المأذون له في التجارة؟ قال: نعم، إذا كان هذا بيعا فهو من التجارة. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار على أني بالخيار ثلاثا، فبيع الشقص الآخر بيعا بتله بائعه بغير خيار، لمن الشفعة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أني أرى الشفعة للمشتري الأول الذي كان له الخيار إن قبل البيع، وكان أولى بالشفعة فيما اشترى صاحبه. وإن رد أيضا الذي كان له الخيار البيع، كان بائعه أولى بالشفعة فيما باع صاحبه. قلت: أرأيت إن اشتريت دارا على أني بالخيار ثلاثا، فانهدمت الدار في أيام الخيار، أيكون لي أن أردها أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، لك أن تردها عند مالك، ولا يكون عليك فيما انهدم منها شيء. قلت: ولا يكون للشفيع فيها شفعة؟ قال: نعم، لا شفعة فيها ولو ردها وهي قائمة عند مالك، فكذلك إذا انهدمت فردها فلا شفعة فيها أيضا.
قلت: أرأيت إن تزوجت على شقص في دار أو خالعت امرأتي على شقص من دار، أتكون فيه الشفعة في قول مالك؟ قال: نعم، مثل النكاح والخلع. قلت: فإن صالحت من دم عمد كان قد وجب علي بشقص لي في دار، أتكون فيه الشفعة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وبماذا يأخذه الشفيع في النكاح والخلع والصلح في دم العمد الشقص الذي يأخذه الشفيع؟ قال: أما في النكاح والخلع قال لي مالك: يأخذ الشفيع الشقص بقيمته. قال: وأرى الدم العمد مثل ذلك يأخذه بقيمته. قلت: فإن كان الدم خطأ فصالح من ذلك على شقص له في دار؟ قال: يأخذها الشفيع بالدية؛ لأن الذي أخذها به هذا الذي وجب له الدم إنما أخذ الشقص بمال قد وجب له وهي الدية. قلت:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19