كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

قضاء من بعض إذا حل الأجل وإن كان بعضه أفضل من بعض إذا أخذ مثل وزن فضته التي كانت له على صاحبه وهو سواء من المحمولة من السمراء والسمراء من المحمولة.

ما جاء في البدل
قلت: أرأيت الذي يبدل الدراهم كيلا من عند رجل أيجوز له أن يقول: زدني في الكيل مثل ما يقول: زدني في العدد أبدل لي هذا الناقص بوازن قال: لا يجوز لأنه ربا وهو قول مالك.
قلت: وهو في العدد جائز؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك فيما قل مثل الدينارين والثلاثة والدرهمين والثلاثة إذا استوى العدد فإن كثر العدد لم يصح.
قلت: ويجوز لو أني أقرضت رجلا دراهم كيلا فلما قضاني قضاني راجحة أو كانت ناقصة فتجوزتها؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك إذا كان رجحانا يسيرا وأما النقصان فلا أبالي ما كان.
قلت: والقرض مخالف للمضاربة إذا بايعته المال مضاربة كفة بكفة؟ قال: نعم هو مخالف عند مالك لأن المضاربة لا تصلح إلا مثلا بمثل وإن كانت الدنانير مختلفا وزنها إذا استوت الكفتان سواء فلا بأس بذلك ولا يصلح بينهما رجحان ولا نقصان وهذا بيع من البيوع والمعروف فيه لا يجوز, وإنما يجوز المعروف بين الدرهمين إذا تسلف الرجل الدينار الناقص فيقضيه وازنا وإن كان ذلك من ثمن بيع فلا بأس أيضا أن يعطيه أفضل من حقه ولا يجوز هذا في مضاربة الكيل.
قلت: أرأيت لو أني أتيت إلى رجل بدينار ينقص خروبة فقلت له: أبدل لي هذا الدينار بدينار وازن ففعل؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك إذا كان عين الدينارين وسكتهما واحدة.
قلت: فإن كانت سكة الدينار الوازن الذي طلبت أفضل؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يأتي بالدينار الهاشمي ينقص خروبة فيسأل رجلا أن يبدله له بدينار عتيق قائم وازن قال: قال مالك: لا خير فيه فتعجبت من قوله فقال لي طليت بن كامل تتعجب من قوله, فإن ربيعة كان يقول قوله. فلا أدري من أي وجه أخذه وأنا لا أرى به بأسا.
قلت: أرأيت إن أتيته بدينار ناقص؟ فقلت له: أبدله لي بدينار وازن وسكتهما مختلفة وعيونهما مختلفة إلا أن جوازهما عند الناس واحد قال: إذا كانت هاشمية كلها

فلا بأس بذلك عند مالك إلا أن يكون مثل الدينار المصري والعتيق الهاشمي ينقص قيراطا أو حبة فيأخذ به دينارا دمشقيا قائما أو بارا أو كوفيا خبيث الذهب فلا يصلح ذلك وهذه كلها هاشمية, وإنما يرضى صاحب هذا القائم أن يعطيه بهذا الناقص الهاشمي لفضل ذهبه وجودته على ديناره ولكن لو كان الديناران دمشقيين أو مصريين أو عتيقين أو هاشميين لم يكن بذلك بأس أن يكون الوازن بالناقص والناقص بالوازن على وجه المعروف وهذا وجه ما فسر لي مالك.
قلت: أراك قد رددتني إلى سكة واحدة وأنا إنما أسألك عن سكتين مختلفتين أرأيت إن كان الديناران هاشميين جميعا إلا أن أحدهما مما ضرب بدمشق والآخر مما ضرب بمصر وذهبهما ونفاقهما عند الناس سواء إلا أن العين والسكة مختلفة هذا دمشقي وهذا مصري وكلاهما من ضرب بني هاشم فأردت أن يبدل لي دينارا ناقصا مصريا بدينار وازن دمشقي هاشمي وهما عند الناس بحال ما أخبرتك ونفاقهما واحد قال: فلا بأس بذلك عند مالك إذا لم يكن للناقص فضل في عينه ونفاقه على الوازن فلا بأس به وإن كان للناقص فضل في عينه ونفاقه عند الناس فلا خير فيه.
قلت: أرأيت لو أني أتيت بدينار مرواني مما ضرب في زمان بني أمية وهو ناقص فأردت أن يبدله لي بهاشمي مما ضرب في زمان بني هاشم قال: إن كان بوزنه فلا بأس بذلك وإن كان الهاشمي أنقص فلا بأس بذلك عندي أنا, وأما مالك فكرهه بحال ما أخبرتك.
ابن وهب, عن عبد الجبار بن عمر, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان لا يرى بأسا أن يبدل الرجل للرجل الدينار الناقص ويعطيه مكانه أوزن منه على وجه المعروف.
قال عقبة بن نافع عن ربيعة: أنه كره أن يؤخرها عنده إلا أن يكون يدا بيد قبل أن يفارقه. وقاله الليث.
ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ دونها أو فوقها إذا لم يكن ذلك بشرط وكان ذلك معروفا يصنعه الرجل إلى أخيه.
قلت: أرأيت إن بعت رجلا دراهم بفضة أو فضة بفضة أو دراهم بدراهم فلما توازنا رجحت فضتي فقلت له: قد وهبت لك ذلك.
قال مالك: لا يصلح ذلك. ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن سفيان الثوري, عن محمد بن السائب, عن أبي سلمة أو سلمة بن السائب أن أبا بكر الصديق راطل أبا رافع فوضع الخلخالين في

كفة والورق في كفة فرجحت الدراهم فقال أبو رافع: هو لك أنا أحله لك فقال أبو بكر: إن أحللته لي فإن الله لم يحله لي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب وزنا بوزن والورق بالورق وزنا بوزن الزائد والمزاد في النار" 1.
قلت: أرأيت إن كان لي عليه تبر فضة مكسورة فلما حل الأجل أخذت منه أجود من فضتي وهو أقل وزنا من الذي لي عليه؟ قال: لا يجوز هذا لأنه إنما أخذ جودة هذه الفضة لما ترك من وزن فضته لصاحبه.
قلت: فإن أخذت أردأ من فضتي أقل من وزن فضتي قال: لا بأس بذلك.
قلت: لم؟ قال: لأنك أخذت أقل من حقك في جودة الفضة والوزن فلا بأس بذلك.
قلت: فلو كان لي على رجل سمراء فلما حل الأجل أخذت منه محمولة أقل كيلا من حنطتي التي لي عليه من السمراء وقد علم أن السمراء أفضل من المحمولة أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا إذا كان يأخذ المحمولة من جميع حقه.
قال سحنون, وقال أشهب: إنه جائز وهو مثل الفضة. وكذلك لو اقتضى دقيقا من قمح والدقيق أقل كيلا إنه لا بأس به إلا أن يكون الدقيق أجود من قمح الدين قلت لابن القاسم: لم, وقد جوزته في الفضة التبر, ألا ترى أن ما أخذت من الطعام أقل من كيل طعامي وأدنى في الجودة حين أخذت محمولة من سمراء فلم تجوزه لي وقد جوزته لي في الفضة المكسورة إذا أخذت دون وزن فضتي وأدنى منها في الجودة فما فرق ما بينهما قال: لأن الطعام المحمولة والسمراء صنفان مفترقان متباعد ما بينهما في البيوع واختلاف أسواقها عند الناس وإن كانت حنطة كلها ألا ترى أن الشعير قد جعل مع الحنطة أنه لا يصلح إلا مثلا بمثل والسلت كذلك, وافتراقهم في البيع والشراء افتراق شديد وبينهما في الثمن عند الناس تفاوت بعيد والمحمولة من السمراء بمنزلة الشعير من المحمولة ومن السمراء في اقتضاء بعضه من بعض لاختلافهما في الأسواق فإن أخذ في قضاء الشعير من الحنطة أقل من كيل ما كان له من الشعير أو أخذ في قضاء الحنطة من الشعير أقل من كيل ما كان له من الحنطة بشرط أن يأخذ الذي يأخذ بجميع حقه من الآخر لم يصلح ذلك. قال مالك: وكذلك قضاء السلت من الحنطة والشعير وكذلك المحمولة من السمراء إذا كانت بشرط أن يأخذها بجميع حقه من السمراء كان بيع الطعام بالطعام متفاضلا وإن كان من قرض أو تعد فهو سواء والسمراء من المحمولة لا يصلح له أن يأخذ أقل من كيل ما كان له من السمراء المحمولة, وأما الفضة التبر فكلها عند الناس
ـــــــ
1 رواه مسلم في المساقاة حديث 91,89,84,77 أبو داود في كتاب البيوع باب 13. النسائي في كتاب البيوع باب 46,44 أحمد في مسند "2/262" "3/93,51,9" "4/109".

نوع واحد وأمر قريب بعضه من بعض ليس في الأسواق بين الناس في الفضة المكسورة اختلاف في الجودة إن بعضها أجود من بعض, وأنه وإن كان في الفضة ما بعضها أردأ من بعض عند الناس فلا يكون الرديء على حال أجود من ذلك فلذلك يكون بينهما من التفاوت والاختلاف في الثمن مثل ما يكون بين السمراء والشعير فلذلك جاز للذي أخذ فضة دون فضته في الجودة وأخذ دون وزنها جاز له ذلك ولم يقل له: بعت فضتك بفضة أقل من وزنها لاقتراب الفضة بعضها من بعض وإنما هو رجل ترك بعض فضته وأخذ بعضها. وقيل للذي أخذ المحمولة من السمراء بشرط على ما وصفت لك حين أخذ أقل من كيلها: إنما أنت رجل بعت سمراء بمحمولة أقل من كيلها لافتراق ما بين المحمولة وبين السمراء عند الناس وفي أسواقهم لأنه قد تكون السمراء أجود, وربما كانت المحمولة أجود فإذا وجدنا هذا هكذا تكون دخلت التهمة بينهما فإذا دخلت التهمة بينهما فسد ما صنعا ولم يحل فصار بيع الطعام بالطعام متفاضلا وأما ما وصفت لك من أمر الفضة فبعضها قريبة من بعض وأسواقها كذلك فلا تدخل في ذلك التهمة فلما سلما من التهمة جاز لهما ما صنعا إلا أن يكون الذي أخذ من الفضة هي أجود من فضته وأقل وزنا فلا خير فيه.
قلت: والذهب مثل الفضة في جميع ما سألتك عنه قال: نعم.
قلت: أرأيت الدرهم الواحد إذا كان لي على رجل فأخذت منه به فضة تبرا أجود من فضته وأقل من وزنه أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز.
قلت: فإن أخذت منه أجود من فضة الدرهم الذي لي عليه؟ قال: لا يجوز وانظر في الزيادة.
قلت: والدرهم في هذا والدرهمان والمائة درهم سواء؟ قال: نعم لا يجوز لك أن تأخذ دون دراهمك تبرا فضة إذا كانت الفضة أجود من فضة الدراهم؟ قال: ومما يبين لك ذلك أن الرجل إذا أسلف مائة إردب سمراء فأخذ بها خمسين إردبا محمولة أنه لا خير فيه, وأنه لو كان له على رجل مائة إردب سمراء ابتاعها منه فأخذ منه خمسين محمولة ما حلت له, ولكان بيع الطعام قبل أن يستوفى, فإن قال قائل: فإن ذلك من وجه القرض وليس هو من وجه ابتياع الطعام فقد صدق, فهل يجوز لأحد أن يأخذ يدا بيد مائة إردب سمراء بخمسين محمولة وإن كان المعروف عند الناس أن السمراء أجود فهو حرام أيضا لا يحل. فالسمراء من البيضاء إذا وقع هكذا لم ينبغ لأحد أن يأخذ من سمراء محمولة إلا مثل كيلها, ولو جاز في المحمولة لجاز في الشعير فتتفاحش الكراهية فيه

ويتفاحش على من يجيزه, ولقد سألت مالكا عن الرجل يسلف الرجل مائة إردب محمولة أو شعيرا فيريد أن يقضيه قبل الأجل مائة إردب سمراء من محمولة وهي خير من المحمولة والشعير فقال: لا خير فيه لا سمراء من محمولة ولا صيحاني من عجوة ولا زبيب أحمر من أسود وإن كان أجود منه, ولا يجوز في كل من استهلك لرجل طعاما تعدى عليه أو ورقا أو ذهبا دنانير كانت أو دراهم أو فضة في الاقتضاء إلا ما يجوز له في القرض عند حلول الأجل فما جاز له فيما أقرض أن يأخذه إذا حل أجله جاز له أن يأخذ في القضاء من هذا الذي استهلك له على ما وصفت لك. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يقرض الرجل مائة إردب قمحا فيقضيه دقيقا قال: إن أخذ مثل كيله فلا بأس به وهو يكره وله إذا كان أقل من كيل الحنطة التي له عليه ولو جاز أن يأخذ من مائة سمراء أسلفه إياها خمسين محمولة لجاز له أن يأخذ شعيرا أو دقيقا أو سلتا أقل فيصير بيع الطعام بعضه ببعض بينهما تفاضل ولا يجوز من ذلك إذا اختلف النوعان في نسب الطعام وإن كان واحدا إلا ما يجوز من ذلك يدا بيد من البدل وهو مثل بمثل ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا أتى بإردب سمراء إلى رجل فقال له: أعطني بها خمس ويبات محمولة على وجه التطاول من صاحب السمراء عليه أو خمس ويبات شعيرا أو سلتا ما جاز ذلك وكان بيع الطعام بعضه ببعض متفاضلا ولو أتى رجل يبدل دنانير بأنقص منها وزنا أو اشترى عيونا ما كان بذلك بأس على وجه التجاوز إذا كان ذلك على وجه المعروف ولم يكن على وجه المكايسة ولو كان هذا في الطعام فجاء رجل إلى رجل ليبدله طعاما جيدا بأردأ منه ما جاز بأكثر من كيله إلا مثلا بمثل وقد يجوز في الذهب فهذا فرق ما بين ما سألت عنه من التبر والفضة بعضه ببعض والطعام بعضه ببعض بتفاضل, وجل ما فسرت لك في هذه المسألة من حلالها وحرامها قول مالك.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت حليا مصوغا من الذهب بوزنه من الذهب أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس به عند مالك بدنانير مثل وزن الحلي أو بذهب تبر مكسور.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. وقال مالك: وقال ولو أن حليا بين رجلين من ذهب وزناه فأراد أحدهما أخذه فوزناه بعدما كاله ثم كال أحدهما لصاحبه قدر نصفه ذلك ذهبا أو دنانير فأخذ وأعطى كان ذلك جائزا إذا كان ذلك يدا بيد, والنقرة تكون بين الرجلين كذلك وروى أشهب عن مالك في النقرة أنها تقسم لأنه لا مضرة في قسمها ولو جاز هذا في النقرة لجاز هذا أن يكون كيس بينهما فيه ألف درهم مطبوع عليه فيقول أحدهما

لصاحبه: لا تكسر الطابع وخذ مني مثل نصفه دراهم فتكون الفضة بالفضة ليس كفة بكفة وإنما جاز في الحلي لما يدخله من الفساد وأنه موضع استحسان.
قلت: أرأيت إن بعت حليا مصوغا من الذهب بوزن من الذهب بتبر مكسورة والتبر المكسور الذي بعت به الحلي خير من ذهب الحلي قال: لا بأس بذلك يدا بيد.
قلت: وكذلك لو أني بعت هذا الحلي بدنانير مضروبة وتبر الدنانير خير من تبر الحلي أو دون تبر الحلي أيجوز هذا؟ قال: نعم.
قلت: ولا بأس إذا كان يدا بيد إن اشترى الحلي الذهب بوزنه من الذهب أو بوزنه من الدنانير وإن كان بعض الذهب أفضل من بعض كان ذلك جائزا في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان ذلك يدا بيد فذلك جائز.
قلت: فلو أني استقرضت من رجل حليا مصوغا إلى أجل فلما حل الأجل أتيته بتبر مكسور أجود من تبر حليه الذي استقرضت منه مثل وزن حليه فقضيته أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا يجوز هذا لأنه يأخذ فضل صياغة الحلي الذي أقرض في فضل جودة ذهبك الذي تعطيه.
قلت: والصياغة بمنزلة السكة المضروبة في الدنانير والدراهم محملهما واحد يكره في الحلي المصوغ في القرض أن يستوفي منه ذهبا أجود منه من مثل وزنه أو أقرض ذهبا مكسورا إبريزا جيدا فاستوفى منه حليا مصوغا بوزن ذهبه ذهب عمل أصفر قال: نعم لا يصلح ذلك لأنه يأخذ فضل جودة ذهبه في صياغة هذا الذهب الآخر.
قلت: فتكرهه في القرض وتجيزه في البيع يدا بيد؟ قال: نعم.
قلت: لم كرهته في القرض وجعلته بيع تبر الذهب بالذهب متفاضلا وأجزته في البيع إذا كان الذهبان جميعا يدا بيد ولم تجعله بيع الذهب بالذهب متفاضلا؟ قال: لأن الذهبين إذا حضرا جميعا وإن كان فيهما صياغة وسكة كانت الصياغة والسكة ملغاتين جميعا وإنما يقع البيع بينهما على الذهبين ولا يقع على الصياغة ولا على السكة بيع وإذا كان قرضا أقرض ذهبا جيدا إبريزا فأخذ ذهبا دون ذهبه حليا مصوغا أو سكة مضروبة كان إنما يترك جودة ذهبه للسكة أو للصياغة التي أخذ في هذه الذهب الرديئة وإن كان إنما أقرض ذهبا مصوغا أو سكة مضروبة فأخذ أجود من ذهبه تبرا مكسورا اتهمناه أن يكون إنما ترك الصياغة والسكة لجودة الذهب الذي أخذ فلا يجوز هذا في القرض وهو في البيع جائز, والذي وصفت لك فرق ما بين القرض والبيع, وإذا دخلت التهمة في القرض

وقع الذهب بالذهب متفاضلا لمكان السكة والعين, وجعلنا العين والسكة غير الذهب لما خفنا أن يكون إنما طلبا ذلك ألا ترى أنه إذا أسلف حليا من ذهب مصوغا وأتى بذهب مكسور في قضائه مثل ذهبه ليأخذه منه فقال: لا أقبله إلا مصوغا كان ذلك له فلما كان التبر الذي يقضيه مكسورا خيرا من ذهبه عرفنا أنه إنما ترك الصياغة لمكان ما ازداد في جودة الذهب فصار جودة الذهب في مكان الصياغة فصار الذهب بالذهب متفاضلا وإن الذهبين إذا حضرنا جميعا لم يكن أحدهما قضاء من صاحبتها وإنما يقع البيع بينهما على الدرهمين جميعا وتلغى السكة والصياغة فيما بينهما.
قلت: ويجوز التبر الأحمر الإبريز الهرقلي الجيد بالذهب الأصفر ذهب العمل واحد من هذا بواحد من هذا وفضل؟ قال مالك: لا يصلح إلا مثلا بمثل.
قلت: فلو اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهبا جيدا بتبر ذهب أصفر للعمل وزنا بوزن؟ قال: قال مالك: ذلك جائز.
قلت: فإن أصاب في الدنانير ما لا يجوز عينه في السوق وذهبه جيد أحمر أينتقض الصرف بينهما أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى أن ينتقض الصرف بينهما ولا أرى له أن يرد لما دخل الدنانير من نقصان العين لأن ذهبه مثل الذهب التي أعطى وأفضل فليس له أن يرجع بشيء إلا أن يصيب الذهب الدنانير ذهبا مغشوشا فينتقض من ضرب الذهب بوزن الدنانير التي أصابها دون ذهبه ولا ينتقض الصرف كله.
قلت: أرأيت إن اشتريت خلخالين فضة بوزنهما من الدراهم أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن أصاب مشتري الخلخالين بهما عيبا كسرا أو شعبا لم يعلم به حين اشتراهما أله أن يردهما؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن يردهما بالعيب الذي وجد فيهما ويأخذ دراهمه التي دفع في الخلخالين.
قلت: فلم جعلت لصاحب الخلخالين أن يرده ولم تجعل ذلك لصاحب الدنانير الذي اشترى بدنانيره تبرا مكسورا؟ فقال: لأن الخلخالين بمنزلة سلعة من السلع في هذا الموضع ولا بد للناس أن يتبايعوا ذلك بينهم, ولا يصلح لهم أن يدلسوا العيب فيما بينهم في الآنية والحلي. وإنما هو بمنزلة ما لو اشتراه بسلعة أو بذهب فإذا أصاب عيبا رده فهو وإن كان إنما اشتراه بمثل وزنه من الرقة فأصاب به عيبا فلا بد من الرد أيضا ولا يكون الخلخالان في يديه عوضا مما دفع فيهما من وزنهما من الدراهم إذا لم يرض الخلخالين

إذا أصاب بهما عيبا لأن الذي رضي به من دفع دراهمه لموضع صياغة الخلخالين ولكنه جاز في البيع حين أخذهما مثلا بمثل ولم ينظر في صياغة الحلي ولا في عيون الدراهم والدنانير لأنه لو كانت بواحدة منهما زيادة لموضع الصياغة في الحلي أو السكة في الدنانير والدراهم ما جاز أن يشتري تبرا مكسورا بدنانير مضروبة على وجه الاشتراء والمكايسة كيلا بكيل ولا جاز حلي مصوغ بتبر مكسور بوزنه ولا بالدراهم بوزنها ولا بالدنانير بوزنها إن كان الحلي من الذهب ولا يجوز إذا قمح بدقيق لأن معرفة الناس أن القمح يزيد وإنما يعطي معطي القمح بالدقيق لمكان ما كفاه ولمنفعته بالدقيق فلو وجد بالقمح عيبا أو بالدقيق عيبا لرد كل واحد منهما, فكذلك الحلي إذا وجد به عيبا رده.
قلت: فما بال الدنانير التي أصبت بها عيبا لا يجوز لعيبها؟ لم تجعل لمشتريها أن يردها؟ قال: لأن القمح إذا كان معيبا لم يكن دقيقه كدقيق الصحيح, ولأن الحلي إذا كان معيبا لم يكن تبره كالدراهم المضروبة. وإن الدنانير التي وجد بها عيبا لا تجوز وإن لم تكن مغشوشة كان تبره مثل التبر الذي أعطى أو أفضل فليس له أن يرده, وكذلك لو باع خلخالين من ذهب أو فضة بتبر من ذهب أو فضة فوجد في الخلخالين عيبا فردهما منه وكان ذهبهما أو فضتهما مستويتين أو كان الخلخالان أجود ذهبا أو ورقا من الفضة أو الذهب التي دفع فيهما لم يكن له أن يرده ولم يكن له حجة إن قال: أنا أريد تبري يقال له: ما في يديك مثل تبرك أو أفضل فلا حجة لك فيما تريد وإنما يرد من ذلك العيب في الحلي وإن كانت الدنانير التي باعها به مثله أو أجود لأن الناس يعلمون أنه إنما أعطاه دنانيره أو دراهمه لمكان صياغة هذا, ولكنه أمر جوزه الناس وأجازه أهل العلم ولم يروه زيادة في الصياغة ولا في صرف الدنانير, فإذا وقعت العيوب لم يكن بد من الرد وعلى هذا محمل جميع ما يشبه هذه الوجوه

في المراطلة
قلت: أرأيت لو أني صارفت رجلا دنانير سكية مضروبة ذهبا أصفر بذهب تبر مكسور إبريز أحمر وزنا بوزن؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: فلو كانت دنانيري ذهبا أصفر كلها سكية مضروبة فبعتها منه بذهب تبر إبريز أحمر ومعها دنانير ذهب أصفر سكية مضروبة نصفها تبر ونصفها سكية مثل سكة الدنانير الأخرى قال: إذا كانت السكتان نفاقهما عند الناس واحد التي مع الإبريز التبر والتي ليس معها شيء فهو جائز كان التبر أرفع من الدنانير أو دون الدنانير.

قلت: فإن كانت الدنانير التي مع التبر الإبريز دون الدنانير الأخرى؟ قال: لا خير في ذلك لأن صاحب الدنانير التي لا تبر معها أخذ فضول عيون دنانيره على دنانير صاحبه في جودة التبر الإبريز.
قلت: فإن كان الإبريز وما معه من الدنانير دون الدنانير الأخرى في نفاقهما عند الناس؟ قال: لا بأس بذلك أيضا لأنه لم يعترها هنا شيء.
قلت: وكذلك لو كانت الدنانير التي لا تبر معها هنا هي كلها دون التبر ودون الدنانير التي التبر معها؟ قال: لا بأس بذلك أيضا لأنه لم يعترها هنا شيء وإنما هو رجل أعطى ذهبا بذهب أحد الذهبين كلها أنفق عند الناس فهذا معروف منه صنعه لصاحبه.
قلت: فإن كانت إحدى الذهبين كلها أنفق عند الناس لم يكن بذلك بأس؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك إن كانت إحدى الذهبين نصفها مثل الذهب الأخرى ونصفها أنفق منها لم يكن بذلك بأس قال: نعم فإن كان إحدى الذهبين نصفها أنفق من الذهب الأخرى ونصفها دون الذهب الأخرى لم يجز هذا لأنه إنما يأخذ فضل النصف الذهب التي هي أنفق من ذهبه بما يضع في نصف ذهبه التي يأخذ دونها فلا خير في هذا؟ قال: نعم.
قلت: ويدخل في هذا الذهب بالذهب ليس مثلا بمثل لأنه ليس بمعروف؟ قال: نعم.
قلت: ولو كان جودة الذهب من أحدهما كان جائزا لأنه معروف؟ قال: نعم.
قلت: وإن كان أحد الذهبين نصفها أنفق من الذهب الأخرى ونصفها دونها لم يصلح ذلك لأن هذا على غير وجه المعروف وهذا على وجه المكايسة والبيع فصارت الذهب بالذهب ليس مثلا بمثل؟ قال: نعم. وهذا قول مالك كله. قال: وقال مالك فيمن أتى بذهب له هاشمية إلى صراف فقال: راطلني بها بذهب عتيق هي أكثر عددا من عددها وأنقص وزنا من الهاشمية فكان إنما أعطاه فضل عيون القائمة الهاشمية لمكان عدد العتيق وفضل عيونها قال: لا بأس به فإذا أدخل مع الهاشمية ذهبا أخرى هي أشر من عيون العتيق مثل النقص بالثلاث خروبات ونحوه يقول لا أرضى أن أعطيك هذه بهذه حتى أدخل مع ذهبي الهاشمية أشر عيونا من العتيق فلا خير فيه.
وكيع, عن زكريا, عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب وأهوى بأصبعيه

إلى أذنيه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".1
وكيع, عن ابن أبي عروبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: آخر ما أنزل الله على رسوله آية الربا فتوفي ولم يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة.
وكيع, عن المسعودي, عن القاسم قال: قال عمر: إنكم تزعمون أنا نعلم أبواب الربا ولأن أكون أعلمها أحب إلي من أن يكون لي مثل مصر ومثل كورها ولكن من ذلك أبواب لا تخفى على أحد من ذلك أن تباع الثمرة وهي مغضغضة لم تطب وأن يباع الذهب بالورق والورق بالذهب نسيئا قال: وسئل مالك عن رجل باع سلعة بعشرة دنانير مجموعة فوزنها ليقضيها إياه فوجد في وزنها فضلا عن حقه فأعطاه البائع بذلك ورقا أو عرضا في ثمن الذهب, قال: لا بأس بذلك. وهو مما يجوزه بعض أهل العلم ولم يشبهوه بمثل من جاء بذهب فصارف بها ذهبا فكانت أوزن من ذهبه فأعطاه في ذلك فضلا لأن هذا مراطلة وتلك قضاء فهذا فرق ما بينهما, ومثل ذلك اللحم والحيتان والخبز إنما كان حقه في اللحم والحيتان والخبز وأشباه ذلك شرطا كان له على صاحبه وقد وجب له عليه, فإذا وجد فضلا عن وزنه وكان مثل شرطه فلا بأس أن يأخذ ذلك بثمن وهذا بين أن تأخذ فضل وزنك بنقد أو إلى أجل فلا بأس به إذا كان أجل الطعام قد حل, فإن لم يحل فلا خير فيه, وإن اختلفت الصفة فلا يصلح أن تأخذ إلا بمثل وزنك أو كيلك ويترك البائع ذلك للمشتري أو يتجوز المشتري عن البائع بدون شرطه وإن اختلفت الصفة فكانت مثل الوزن أو أكثر من الوزن أو أقل فلا خير في أن يزيد المشتري البائع في فضل الصفة ولا يرد البائع على المشتري لأن الزيادة التي يزيدها المشتري البائع إنما دخلت في فضل الجودة إذا لم تكن زيادة في الوزن والكيل وإن كانت الزيادة في الكيل والوزن فقد دخلت الزيادة في قدر حقه وفي فضل الطعام فصار بيع الطعام قبل أن يستوفي, فإذا كان أدنى من صفته وكان في وزنه وأخذ بذلك فضلا فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى وإن كان فيه فضل من الوزن وهو أدنى منه فأقره وأعطاه فضل ذلك فإنه لا خير فيه لأنه باع صفة أجود مما أخذ بما أخذ وبما أعطى فهذا بيع الطعام قبل أن يستوفى, فلو كان هذا من العروض التي تكال أو توزن وليس من الطعام لم يكن بذلك بأس أو غيرها من الثياب والحيوان فلا بأس بذلك.
ـــــــ
1 رواه أبو داواد في كتاب البيوع باب 3. الترمذي في كتاب البيوع باب1. النسائي في كتاب البيوع 2. كتاب القضاء باب 11. كتاب الأشربة باب 50. ابن ماجه في كتاب الفتن باب 14. الدارمي في كتاب المقدمة باب20. كتاب البيوع باب1. أحمد في مسنده "4/275,271,270,269".

قلت: فلو أقرضت رجلا دراهم يزيدية عددا فقضاني محمدية عددا أرجح لي في كل درهم منها؟ قال: لا بأس بذلك ما لم تكن بينهما عادة.
قلت: وكذلك لو قضاني يزيدية عددا بوزن دراهمي فجعل يرجح لي في كل درهم منها قال: لا بأس بذلك.
قلت: فلو قضاني محمدية عددا أقل من وزن دراهمي قال: لا يصلح ذلك لأنه إنما يأخذ فضل اليزيدية في عيون المحمدية فلا خير في ذلك.
قلت: وكذلك لو أقرضت رجلا درهما يزيديا فلما حل الأجل أتاني بدرهم محمدي أنقص من وزن اليزيدي فأردت أن أقبله قال: لا يجوز لأنك تأخذ ما نقصت في اليزيدي في عين هذا المحمدي.
قلت: وقولكم في القرض فرادى إنما هو على معرفة وزن درهم درهم على حدة ليست بمجموعة ضربة واحدة قال: نعم.
قلت: وعيون الدراهم هاهنا مثل جودة التبر المكسور كما لا يجوز لي أن آخذ في التبر المكسور أجود من تبري الذي أسلفت أقل من وزن ما أسلفت, وكذلك لا يجوز لي أن آخذ دون وزن دراهمي أجود من عيونها؟ قال: نعم.
قلت: وهذا الذي سألتك عنه من الدراهم المجموعة بالدراهم المجموعة والدراهم الفرادى بالدراهم الفرادى قول مالك قال: نعم.
قلت: وهذه المسائل التي سألتك عنها إذا كانت لي على رجل قرضا أو بيعا فهو سواء؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا تبر فضة بيضاء فلما حل الأجل قضاني فضة سوداء مثل وزن فضتي أيصلح ذلك قال: نعم.
قلت: فإن أرجح لي شيئا قليلا قال: لا يجوز.
قلت: فإن قبلت منه أقل من وزن فضتي؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: ولم كرهه في الفضة السوداء أن يرجحها؟ قال: لأنك تأخذ جودة فضتك البيضاء في زيادة وزن فضته السوداء.
قلت: فإن أقرضته فضة سوداء فقضاني بيضاء أقل من وزنها؟ قال: لا يصلح.

قلت: فإن قضاني بيضاء فأرجح لي؟ قال: لا بأس بذلك, وهذا كله في هذه المسائل ما لم يكن بينهما عادة فإن كان بينهما عادة فلا خير في ذلك.
قلت: فإن قضاني بيضاء مثل وزن فضتي والتي عليه سوداء؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك قال: نعم إلا أن يكون في ذلك عادة

في الرجل يقول له: علي الدينار فيقضيه مني مقطعا
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا دينارا فأخذت منه سدس دينار دراهم أيجوز أم لا في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك إذا حل الأجل.
قلت: وكذلك إذا كان إلى أجل فحل أجله جاز أن آخذ بثلث الدينار دراهم أو نصفه أو ثلثيه؟ قال: نعم لا بأس بذلك قال: وكذلك قال مالك: إذا حل الأجل.
قلت: وكذلك إن أخذ بنصفه أو ثلثيه عرضا من العروض؟ قال: نعم لا بأس بذلك وكذلك قال مالك.
قلت: فإن أخذ بما بقي من الدينار ذهبا, قال مالك: لا خير فيه.
قلت: لم؟ قال: لأنه يصير ذهبا وورقا بذهب أو ذهبا وعرضا بذهب فلا خير في ذلك.
قلت: فإن أخذ بما بقي عرضا أو دراهم؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك وإن اجتمع الورق والعرض فلا بأس به إذا حل الأجل, وإن لم يحل الأجل فلا خير في ذلك فيه.
ابن وهب, عن ابن لهيعة, عن خالد بن يزيد, عن ربيعة أنه قال في رجل كان له على رجل دينار فقال: قطعه علي دراهم بسعر الناس اليوم أعطيكه درهما درهما حتى أؤدي فقال: لا يصلح ذلك قد عاد صرفا وبيعا في الدين عاجلا وآجلا فهو بمنزلة الربا في البيع وهو بمنزلة الصرف المكروه إلا أن يقول الذي عليه الدين: أقضيك ثلث دينار أو ربع دينار مسمى فيأخذ منه بصرف الناس يومئذ ويبقى على الغريم ما بقي ليس بينه وبينه فيه صرف فهذا غير مكروه.
ابن وهب. قال الليث: إن ربيعة كان يقول في أجزاء الدينار ذلك, وقاله عمرو بن الحارث

في الدراهم الجياد بالدراهم الرديئة
قلت: أيجوز أن أبيع درهما زائفا أو ستوقا بدرهم فضة وزنا بوزن؟ قال: لا يعجبني ذلك, ولا ينبغي أن يباع بعرض لأن ذلك داعية إلى إدخال الغش على المسلمين, وقد كان عمر يفعل ذلك باللبن أنه إذا غش طرحه في الأرض أدبا لصاحبه, فإجازة شرائه إجازة لغشه وإفساد لأسواق المسلمين.
وقال أشهب: إن كان مردودا من غش فيه فلا أرى أن يباع بعرض ولا بفضة حتى يكسر خوفا من أن يغش به غيره ولا أرى به بأسا في وجه الصرف ولا بأس أن يبيعه موازنة الدراهم الستوق بالدراهم الجياد وزنا بوزن لأنه لم يرد بهذا الفضل بين الفضة والفضة وإنما هذا يشبه البدل.
قلت لأشهب: أرأيت إذا كسر الستوق أيبيعه؟ فقال: لي إن لم يخف أن يسبك فيجعل درهما أو يسال فيباع على وجه الفضة فلا أرى بذلك بأسا, وإن خاف ذلك فليصفه حتى يباع فضته على حدة ونحاسه على حدة.
قلت: فلو أني بعت نصف درهم زائفا فيه نحاس بسلعة قال: قال مالك: لا يعجبني أن يشتري به شيئا إذا كان درهما فيه نحاس ولكن يقطعه.
قلت: فإذا قطعه أيبيعه في قول مالك؟ قال: نعم إذا لم يغر به الناس ولم يكن يجوز بينهم.

في رجل أقرض فلوسا ففسدت أو دراهم فطرحت
قلت: أرأيت إن استقرضت فلوسا ففسدت الفلوس فما الذي أرد على صاحبي؟ قال: قال مالك: رد عليه مثل تلك الفلوس مثل الذي استقرضت منه وإن كانت قد فسدت.
قلت: فإن بعته سلعة بفلوس ففسدت الفلوس قبل أن أقبضها منه؟ قال: قال مالك: لك مثل فلوسك التي بعت السلعة بها الجائزة بين الناس يومئذ وإن كانت الفلوس قد فسدت فليس له إلا ذلك قال: وقال مالك: في القرض والبيع في الفلوس إذا فسدت فليس له إلا الفلوس التي كانت تجوز ذلك اليوم وإن كانت فاسدة.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل أقرضني دينارا دراهم أو نصف دينار دراهم أو

ثلث دينار دراهم فأعطاه الدراهم, ما الذي يقضيه في قول مالك؟ قال: يقضيه مثل دراهمه التي أخذ منه رخصت أم غلت فليس عليه إلا مثل الذي أخذ منه.
ابن وهب, عن ابن لهيعة أن بكير بن عبد الله بن الأشج حدثه: أن ابن المسيب أسلف عمرو بن عثمان دراهم فلم يقضه حتى ضربت دراهم أخرى غير ضربها فأبى ابن المسيب أن يقبلها منه حتى مات فقبضها ابنه من بعده. ابن لهيعة, عن عبد الله بن أبي جعفر, عن محمد بن جعفر, عن سعيد بن المسيب أنه قال: إن أسلفت رجلا دراهم ثم دخل فساد الدراهم فليس لك عليه إلا مثل ما أعيته وإن كان قد أنفقها وجازت عنه, وقاله يحيى بن سعيد وربيعة.
ابن وهب, عن الليث قال: كتب إلي يحيى بن سعيد يقول: سألت عن رجل أسلفه أخ له نصف دينار فانطلقا جميعا إلى الصرف بدينار فدفعه إلى الصراف فأخذ منه عشرة دراهم ودفع خمسة إلى الذي استسلفه نصف دينار فحال الصرف برخص أو غلاء قال: فليس للذي دفع خمسة دراهم زيادة عليها ولا نقصان منها ولو أن رجلا استسلف من رجل نصف دينار فدفع إليه الدينار فانطلق به فكسره فأخذ نصف دينار ودفع إليه النصف الباقي كان عليه يوم يقضيه أن يدفع إليه دينارا فيكسره فيأخذ نصفه ويرد إليه نصفه.
ابن وهب. وقال لي مالك: يرد إليه مثل ما الذي أخذ منه لأنه لا ينبغي له أن يسلف أربعة ويأخذ خمسة, وليس الذي أعطاه ذهبا إنما أعطاه ورقا ولكن لو أعطاه دينارا فصرفه المستسلف فأخذ نصفه ورد عليه نصفه كان عليه نصف دينار إن غلا الصرف أو رخص.

في الاشتراء بالدانق والدانقين والثلث والنصف من الذهب والورق
قلت: أرأيت إن بعت بيعا بدانق أو دانقين أو بثلاث دوانق أو بأربع دوانق أو بخمسة دوانق أو نصف درهم أو بسدس درهم أو بثلث درهم على أي شيء يقع هذا البيع على الفضة أم على الفلوس في قول مالك؟ قال: لا يقع على الفضة هذا البيع.
قلت: فأي شيء أعطيه بالفضة في قول مالك قال: ما تراضيا عليه.
قلت: فإن تشاحنا فأي شيء أعطيه بذلك؟ قال: الفلوس في قول مالك في المواضع التي فيها الفلوس.

قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بدانق فرخصت الفلوس أو غلت كيف أقضيه أعلى ما كان من سعر الفلوس يوم وقع البيع بيننا أو على سعر الفلوس يوم أقضيه في قول مالك؟ قال: على سعر الفلوس يوم تقضيه في قول مالك.
قلت: فإن كان باع سلعته بدانق فلوسا نقدا أيصلح هذا في قول مالك أم لا؟ قال: إذا كان الدانق من الفلوس معروفا كم هو من عدد الفلوس فلا بأس بذلك وإنما وقع البيع بينهما على الفلوس.
قلت: فإن باع سلعته بدانق فلوس إلى أجل؟ قال: فلا بأس بذلك إذا كان الدانق قد سميتما ماله من الفلوس أو كنتما عارفين بعدد الفلوس وأن البيع إنما وقع بالفلوس إلى أجل وإن كانت مجهولة العدد أو لا تعرفان ذلك فلا خير في ذلك لأنه غرر.
قلت: فإن قال: أبيعك هذا الثوب بنصف دينار على أن آخذ به منك دراهم نقدا يدا بيد؟ قال: قال مالك: إذا كان الصرف معروفا يعرفانه فلا بأس بذلك إذا اشترطا كم الدراهم من الدينار.
قلت: فإن بعت سلعة بنصف دينار أو بثلث دينار أو بربع دينار أو بخمس دينار على أي شيء يقع البيع أعلى الذهب أو على الدراهم من صرف الدينار؟ قال: قال مالك: إنما يقع البيع على الذهب ولا يقع على الدراهم من صرف الدينار.
قلت: فما يأخذ منه بذلك الذهب وقع البيع عليه في قول مالك؟ قال: ما تراضيا عليه.
قلت: فإن تشاحا؟ قال: قال مالك: إذا تشاحا أخذ منه ما سميا من الدينار دراهم إن كان نصفا فنصفا وإن كان ثلثا فثلثا.
قلت: فهل ينظر في صرف الدينار بينهما يوم وقع البيع بينهما أم يوم يريد أن يأخذ منه حقه؟ قال: يوم يريد أن يأخذ منه حقه وكذلك قال مالك: وليس يوم وقع البيع لأن البيع إنما وقع على الذهب ولم يزل الذهب على صاحبه حتى يوم يقضيه إياه, قال مالك: وإن باعه بذهب بسدس أو بنصف إلى أجل وشرط أن يأخذ بذلك النصف الدينار إذا حل الأجل دراهم فلا خير في ذلك وهما إذا تشاحا إذا حل الأجل أنه يأخذ منه الدراهم يوم يطلبه بحقه على صرف يوم يأخذه بحقه.
قلت: فلم كره مالك الشرط بينهما وهو إذا طلبه بحقه وتشاحا أخذ منه الدراهم؟ قال: لأنه إذا وقع الشرط على أن يأخذ بالنصف الدينار دراهم فكأنه إنما وقع البيع على الدراهم وهي لا تعرف ما هي من البيع لأن البيع إنما يقع على ما يكون من صرف نصف

الدينار بالدراهم يوم يحل الأجل فهذا لا يعرف ما باع من سلعته.
قال سحنون: قال لي أشهب: وإن كان إنما وجب له ذهب وشرط أن يأخذ فيه دراهم فذلك أحرم له لأنه ذهب بورق إلى أجل وورق أيضا لا يعرف كم عددها ولا وزنها وليس ما نزل به القضاء إذا حل الأجل بمنزلة ما يوجبان على أنفسهما.
قال أشهب: ولو قال: أبيعك هذا الثوب بنصف دينار إلى شهر آخذ به منك ثمانية دراهم كان بيعا جائزا وكانت الثمانية الدراهم لازمة لكما إلى الأجل ولم يكن هذا صرفا وكان ذكر النصف لغوا وكان ثمن السلعة دراهم معدودة إلى أجل معلوم.
قال: قال مالك: ومن باع سلعة بنصف دينار إلى أجل أو بثلث دينار إلى أجل أو أكرى منزله بنصف دينار أو بثلث دينار إلى أجل لم ينبغ له أن يأخذ قبل محل الأجل في ذلك دراهم وليأخذ في ذلك عرضا إن أحبا قبل الأجل فإذا حل الأجل فليأخذ بما أحب.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب السلم الأول

تسليف السلع بعضها في بعض
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: صف لي ما يجوز في قول مالك من الدواب أن يسلف بعضها في بعض أو البقر أو الغنم أو الثياب أو ما أشبه هذه الأشياء قال: الإبل تسلف في البقر والبقر تسلف في الإبل والغنم تسلف في الإبل والبقر والبقر والإبل تسلف في الغنم, والحمير تسلف في الغنم والإبل والبقر والخيل, قال: ورأيت مالكا يكره أن تسلف الحمير في البغال إلا أن تكون من الحمير الأعرابية التي يجوز أن يسلف فيها الحمار الفاره النجيب, فكذلك إذا أسلفت الحمير في البغال والبغال في الحمير فاختلف كاختلاف الحمار النجيب الفاره بالحمارين الأعرابيين فذلك جائز أن يسلف بعضها في بعض والخيل لا يسلم بعضها في بعض إلا أن يكون كبارها بصغارها فلا بأس بذلك, أو يكون الفرس الجواد السابق الفاره الذي قد علم من جودته فلا بأس أن يسلم في غيره مما ليس مثله في جودته وإن كان في سنه فلا بأس بذلك, والإبل كذلك كبارها في صغارها ولا يسلم كبارها في كبارها إلا أن تختلف النجابة أو يكون البعير الذي قد عرف من كرمه وقوته على الحمولة فلا بأس بأن يسلف في الإبل في سنه إذا كانت من حواشي الإبل التي لا تحمل حمولة هذا وإن كانت في سنه, والبقر لا بأس بأن تسلف كبارها في صغارها.
قال ابن القاسم: ولا أرى بأسا أن تسلف البقرة القوية على العمل الفارهة في الحرث وما أشبهها في حواشي البقر وإن كانت من أسنانها.
قال مالك: والغنم لا يسلم صغارها في كبارها ولا كبارها في صغارها ولا معزاها

في ضأنها ولا ضأنها في معزاها إلا أن تكون غنما غزيرة كثيرة اللبن موصوفة بالكرم فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم
قلت: ولم كره مالك صغار الغنم بكبارها إذا أسلفت فيها؟ قال: لأنها ليس فيها منافع إلا اللحم واللبن لا للحمولة قال: وليس بين الصغير من الغنم والكبير تفاوت إلا اللحم فلا أرى ذلك شيئا لأن هذا عنده ليس بكبير منفعة.
قلت: وإنما ينظر مالك في الحيوان إذا أسلف بعضها في بعض إذا اختلفت المنافع فيها جوز أن يسلف بعضها في بعض وإن اختلفت أسنانها أو اتفقت قال: نعم.
قال ابن وهب, عن مالك أن صالح بن كيسان حدثه عن حسن بن محمد بن علي: أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل1.
قال مالك: إن نافعا حدثه أن ابن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه إلى أجل يوفيها صاحبها بالربذة2
قال ابن وهب, عن عثمان بن الحكم أن يحيى بن سعيد أخبره عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس بالحيوان, الناقة الكريمة بالقلائص إلى أجل أو العبد بالوصفاء إلى أجل أو الثوب بالثياب إلى أجل. قال ابن وهب, عن ابن لهيعة والليث بن سعد, عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين أسودين3.
قلت: ولا يلتفت في ذلك إلى الأسنان؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن أسلفت جذوع خشب في جذوع مثلها أيصلح ذلك في قول مالك؟ قال: لا يصلح أن يسلف جذعا في جذعين من صنفه وعلى مثاله إلا أن تختلف الصفة اختلافا بينا فلا بأس بذلك وذلك أن تسلف جذعا من نخل غلظه كذا وكذا وطوله كذا وكذا في جذوع نخل صغار فإذا اختلفت هكذا فلا بأس به لأن هذين نوعان مختلفان وإن كان أصلهما واحدا من الخشب ألا ترى أن العبد التاجر البربري بالأشبانيين لا تجارة لهما لا بأس به والصقلبي التاجر بالنوبيين غير التاجرين لا بأس به وكلهم ولد آدم. قال: وكذلك البربري التاجر الفصيح الكاتب بالنوبيين الأعجميين لا بأس بذلك, وكذلك الخيل لا بأس أن يسلف بعضها في بعض إذا اختلفت أصنافها ونجارها وإن كان أصلها واحدا خيلا كلها, فكذلك الجذوع والثياب وقد وصفت لك الثياب وجميع السلع كلها.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 59.
2 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث60.
3 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 17.

قال ابن القاسم: وإن سلف جذعا في جذع مثله في صفته وغلظه وطوله وأصل ما الجذعان منه واحد وهما من النخل أو من غير ذلك من الشجر إذا كان أصلهما واحدا وصفتهما واحدة فسلف الجذع منه في جذع مثله نظر في ذلك فإن كان إنما أراد به المنفعة في الذي أسلف ذلك لنفسه بطل ذلك ورد ذلك السلف, وإن كانت المنفعة إنما هي للمستلف على وجه السلف أمضى ذلك إلى أجله قال: ولا يصلح أن يسلف الجذع في الجذعين مثله من نوعه إلى أجل ولا يصلح أن يسلم الجذع في نصف جذع لأنه كأنه أعطاه جذعا على أن يضمن له نصف جذع, قال: وكذلك هذا في جميع الأشياء لأنه إنما يزيد النصف لموضع الضمان وكذلك قال مالك في الرجل يسلف الثوب أو الرأس في ثوب دونه أو رأس دونه إلى أجل: إن ذلك لا خير فيه.
قال ابن وهب: وكان يحيى بن سعيد يقول: سألت عن ثوب شطوي بثوبين شطويين من ضربه فقال: أبى ذلك الناس حتى تختلف الأشياء وحتى يكون الثوب الذي يأخذ الرجل مخالفا للذي يعطي, وكذلك الإبل والغنم والرقيق, وإن الناقة الكريمة تباع بالقلائص إلى أجل, وإن العبد الفاره يباع بالوصفاء إلى أجل وإن الشاة الكريمة ذات اللبن تباع بالأعنق من الشاة فالذي ليس في أنفس الناس منه شيء في شأن الحيوان والبزوز والدواب أنه من أعطى شيئا من ذلك بشيء إلى أجل فإذا اختلفت الصفة فليس بها بأس.
قال يحيى: من ابتاع غلاما حاسبا كاتبا بوصفاء يسميهم فليقلل أو يكثر من البربر أو من السودان إلى أجل فليس بذلك بأس قال: ومن باع غلاما معجلا بعشرة أفراس إلى أجل وعشرة دنانير نقدا أخر الخيل وانتقد العشرة دنانير قال: فليس بذلك بأس.
قال يحيى: سألت عن رجل سلف في غلام أمرد جسيم صبيح فلما حل الأجل لم يجد عنده أمرد فأعطاه وصيفين بالغلام الأمرد قال: فليس بذلك بأس ولو أنه حين لم يجد عنده الغلام الأمرد أعطاه مكانه إبلا أو غنما أو بقرا أو رقيقا أو عرضا من العروض وبرئ كل واحد منهما من صاحبه في مقام واحد لم يكن بذلك بأس وهذا الحيوان بعضه ببعض.

التسليف في حائط بعينه
قلت: أرأيت إن سلفت في تمر حائط بعينه في إبانه واشترطت الأخذ في إبانه؟ قال: قال مالك: إذا أزهى ذلك الحائط الذي سلف فيه فلا بأس بذلك ولا يصلح أن يسلف في ثمر حائط بعينه قبل أن يزهي.

قلت: ولا بأس أن يسلف في حائط بعينه بعدما أزهى ويشترط الأخذ بعدما يرطب ويضرب لذلك أجلا؟ قال: نعم لا بأس بذلك في قول مالك قال: فقلت لمالك: إنه يكون بينه وبين أخذه العشرة الأيام والخمسة عشر في الحائط بعينه قال: هذا قريب.
قلت: فإن سلف في هذا الحائط وهو طلع أو بلح واشترط الأخذ في إبان رطبه, أو في إبان بسره, أو في إبان جداد تمره؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يسلف في حائط بعينه حتى يزهي ذلك الحائط.
قلت: فإن سلف في حائط بعينه وقد أزهى واشترط الأخذ تمرا عند الجداد؟ قال: قال مالك: لا يصلح وإنما وسع مالك في هذا أن يسلف فيه إذا أزهى, ويشترط أن يأخذ من ذلك بسرا أو رطبا, فإن اشترط أن يأخذ من ذلك تمرا فلا يجوز.
قلت: ولم لا يجوز أن يشترط أخذ ذلك تمرا؟ قال: لأن الحائط ليس بمأمون أن يصير تمرا ويخشى عليه العاهات والجوائح, وإنما وسع مالك بعدما أزهى وصار بسرا أن يسلف فيه فيأخذ بسرا أو رطبا لقرب ذلك ولموضع قلة الخوف في ذلك, ولأن أكثر الحيطان إذا أزهت فقد صارت بسرا فليس بين زهوها وبين أن ترطب إلا يسير فإذا اشترط أخذ ذلك تمرا تباعد ذلك ودخله خوف العاهات والجوائح فصار شبه المخاطرة. قال مالك: ولا يدري كيف يكون التمر,.
قلت: أرأيت من سلف في تمر حائط بعينه بعدما أزهى واشترط أخذ ذلك رطبا ما قول مالك فيه أيصلح أن لا يقدم نقدا أو أن يضرب للنقد أجلا؟ وهل هذا عند مالك محمل السلف أو محمل البيوع؟ قال: لا بأس به قدم النقد أو لم يقدمه, وذلك أنه يشرع في أخذه حين اشتراه وبعد ذلك بالأيام اليسيرة فلا بأس بذلك عند مالك, وإنما محمل هذا محمل البيوع عنده وليس محمل السلف, فإن كان قد أخذ بعض ما اشترى وبقي بعض حتى انقضى ثمر ذلك الحائط رجع عليه بقدر ما بقي له من الثمن وكان عليه قدر ما أخذ فإن أراد أن يصرف ذلك في سلعة أخرى لم يكن له أن يصرف ما بقي له في سلعة أخرى إلا أن يؤخرها ويقبض تلك السلعة مكانها وليصرفها فيما يشاء من السلع ويتعجل.

التسليف في الفاكهة
قلت: أرأيت. الفاكهة التفاح والرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبه هذه الأشياء من الفاكهة الرطبة التي تنقطع من أيدي الناس إن سلف رجل في شيء منها في

حائط بعينه أيجوز ذلك؟ قال: إذا طاب أول ذلك الذي سلف فيه فلا بأس به ويشترط أخذه, وهذا مثل الحائط بعينه إذا سلف فيه وقد وصفت لك ذلك.
قلت: وإن لم يقدم نقده أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يجوز ويشترط ما يأخذ في كل يوم في هذا وفي الرطب أو يشترط أخذه جميعا في يوم واحد فإذا كان اشترط أخذه في يوم واحد ورضي صاحب الحائط أن يقدم ذلك له قبل محل الأجل فلا بأس بذلك إذا رضي الذي له السلم وكان صفته بعينها.
قلت: وإن لم يسلم في حائط بعينه في هذه الفاكهة الرطبة فلا بأس أن يسلف قبل إبانها ويشترط الأخذ في إبانها في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ما قول مالك في رجل سلف في تمر حائط بعينه أو في لبن أغنام بأعيانها أو في أصوافها, ويشترط أخذ ذلك إلى أيام قلائل فهلك البائع أو المشتري أو هلكا جميعا. قال: قال مالك: قد لزم البيع ورثتهما لأن هذا بيع قد تم فلا بد من إنفاذه, وإن مات البائع والمشتري لأن ذلك البيع قد لزمهما في أموالهما, قال: وحدثني عن ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ربيعة أنه قال في الرجل يبتاع الرطب أو العنب أو التين كيلا أو وزنا. قال ربيعة: لا يسلف رجل في شيء من ذلك يأخذ كل يوم ما أراد حتى يكون الذي يأخذ في كل يوم شيئا معلوما فإذا انقضى ثمرة الرجل التي سلف فيها فليس له إلا ما بقي من رأس ماله بحصة ما بقي له يتبايعان بذلك فيما شاء إلا أن يأخذ ما بايعه به قبل أن يفارقه. قال ابن وهب: قال: أخبرني رجال من أهل العلم عن ابن عباس ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن القاسم ويزيد بن عبد الله وأبي الزناد مثله.

التسليف في نسل أغنام بأعيانها وأصوافها وألبانها
قلت: هل يجوز لي أن أسلف في نسل حيوان بأعيانها في قول مالك بصفة معلومة؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يسلف الرجل من نسل حيوان بأعيانها وإن كانت موصوفة, لا في نسل غنم بأعيانها ولا في نسل بقر بأعيانها, ولا في نسل خيل بأعيانها, ولا في نسل إبل بأعيانها. قال: وإنما يكون التسليف في الحيوان مضمونا لا في حيوان بأعيانها ولا في نسلها.
قلت: فهل يجوز أن يسلف في قول مالك في لبن غنم بأعيانها؟ قال: قال مالك: لا يسلف في لبن غنم بأعيانها إلا في إبان لبنها ويشترط الأخذ في إبانه قبل انقطاعه.

قلت: فإن سلف في ألبانها قبل إبانه واشترط الأخذ في إبانه؟ قال: لا يجوز, وهذه الغنم بأعيانها ولبنها إذا سلف في لبنها بمنزلة ثمر حائط بعينه إذا سلف فيه.
قلت: وإن لم يقدم رأس المال إذا أسلم في لبن هذه الغنم بأعيانها أو ضرب لرأس المال أجلا بعيدا هل يجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك: إذا كان قريبا يشرع في أخذ ذلك يومه ذلك أو إلى أيام يسيرة وإنما هذا عنده بمنزلة البيع ليس بمنزلة السلف.
قلت: فأصواف الغنم إذا سلف في أصواف غنم بأعيانها فهو جائز في قول مالك في إبان جزازها, واشترط أخذ ذلك قريبا إلى أيام يسيرة بمنزلة ثمرة حائط بعينه أو لبن غنم بأعيانها؟ قال: نعم. قال ابن وهب: قال: قال ربيعة وأبو الزناد: لا بأس باشتراء الصوف على ظهور الغنم. قال مالك: إن كان ذلك بحضرة جزازها فلا بأس به إن شاء الله.
قلت: أرأيت إن أسلف رجل في لبن أغنام بأعيانها أو أصوافها أو في ثمر حائط بعينه وليست الغنم ولا الحائط لهذا الرجل الذي سلف فيه؟ قال: قال مالك في الرجل: يبيع السلعة ليست له ويوجب له على نفسه أن يخلصها له من صاحبها بما بلغ قال: لا يحل هذا البيع وهو من الغرر, قال: فأرى مسألتك في ثمر الحائط بعينه وأصواف الغنم وألبانها إذا كانت بأعيانها مثل هذا ولا أراه جائزا لأنه باع ما ليس عنده.
قلت: ما قول مالك فيمن سلف في نسل غنم بأعيانها واشترط من ذلك صفة معلومة وقد حملت تلك الغنم أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز, قال: وإنما مثل هذا مثل رجل سلف في ثمر حائط بعينه بعدما طلع طلعه واشترط أخذ ذلك تمرا فلا يصلح هذا.
قلت: هل يجوز السلف في سمون غنم بأعيانها أو أقطها أو جبنها؟ قال: إن كان ذلك في إبان لبنها وكان يشرع فيه ويأخذه كما يأخذ ألبانها في كل يوم فلا بأس به وإن كان ذلك بعيدا فلا خير فيه وكذلك ألبانها. قال سحنون وأشهب: يكره السمن.

التسليف في ثمر قرية بعينها
قلت: أرأيت إن أسلفت في ثمر قرية بعينها أو في حنطة قرية بعينها قال: قال

مالك: من سلف في ثمر هذه القرى العظام مثل خيبر ووادي القرى وذي المروة وما أشبهها من القرى فلا بأس أن يسلف قبل إبان الثمر, ويشترط أن يأخذ ذلك تمرا في أي الإبان شاء ويشترط أن يأخذ ذلك رطبا في إبان الرطب أو بسرا في إبان البسر. قال: قال مالك: وكذلك القرى المأمونة التي لا ينقطع ثمرها من أيدي الناس أبدا, والقرى العظام التي لا ينقطع طعامها من أيدي الناس أبدا لا تخلو القرية من أن يكون فيها الطعام والثمر لكثرة نخيلها وزرعها فهذه مأمونة لا بأس أن يسلف فيها في أي إبان شاء, ويشترط أخذ ذلك تمرا أو حنطة أو شعيرا أو حبوبا في أي الإبان شاء, وإن اشترط رطبا أو بسرا فليشترطه في إبانه قال: وإنما هذه القرى العظام إذا سلف في طعامها أو في تمرها بمنزلة ما لو سلف في طعام مصر أو في تمر المدينة فهذا مأمون لا ينقطع من البلدة التي سلف فيها وكذلك هذا في القرى العظام إذا كانت لا ينقطع التمر منها لكثرة حيطانها, والقرى العظام التي لا تخلو من الحنطة والشعير والقطاني, فإن كانت قرى صغارا أو قرى ينقطع طعامها منها في بعض السنة أو تمرها في بعض السنة قال: فلا يصلح أن يسلف في هذه إلا أن يسلف في ثمرها إذا أزهى, ويشترط أخذ ذلك رطبا أو بسرا ولا يؤخر الشرط حتى يكون تمرا ويأخذه تمرا لأنه إذا كان بهذه المنزلة في صغار الحيطان وقلتها, وصغار القرى وقلة الأرض, فليس ذلك بمأمون.
قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: بلغني أن ابن عباس كان يقول: لا بأس بالسلف المضمون إلى أجل معلوم.
قلت: أرأيت إن سلف رجل في طعام قرية بعينها لا ينقطع طعامها وليس له في تلك القرية أرض ولا زرع أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن سلفت في ثمر قرية لا ينقطع ثمرها من أيدي الناس سلفت في ذلك إلى رجل ليس له فيها نخل ولا له فيها ثمر أيجوز ذلك أم لا؟ قال: نعم يجوز عند مالك, ولا بأس به وهذا والأول سواء.
قال ابن وهب, عن سفيان الثوري, عن عبد الله بن أبي نجيح المكي, عن عبد الله بن أبي كثير أن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار إلى السنتين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"1 . قال مالك: وبلغني أن ابن عباس سئل عن السلف في الطعام فقال: لا بأس بذلك وتلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: من الآية282] قال مالك: فهذا يجمع لك الدين كله. قال مالك, عن نافع: أن ابن عمر كان يقول: لا بأس أن يبتاع الرجل طعاما مسمى إلى أجل مسمى بسعر معلوم كان
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب السلم باب 7,6,3,2. مسلم في كتاب المساقات حديث 128. أبو داود في كتاب البيوع باب 55. الترمذي في كتاب البيوع باب 68. النسائي في كتاب البيوع باب 23. ابن ماجه في كتاب التجارات باب 59. الدارمي في كتاب البيوع باب 45.

لصاحبه طعام أو لم يكن له, ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه أو ثمر لم يبد صلاحه1, فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار وعن اشترائها حتى يبدو صلاحها.
قال ابن وهب, عن أشهل بن حاتم, عن عبد الله بن أبي مجالد قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السلف في الطعام فقال: كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القمح والشعير والتمر والزبيب إلى أجل معلوم وكيل معدود وما هو عند صاحبه2.
ـــــــ
1رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "49" بلفظ "لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسى......."
2 رواه البخاري في كتاب السلم باب 7,3,2. أبو داود في كتاب البيوع باب 55 النسائي في كتاب البيوع باب 61. أحمد في مسنده "4/354"

التسليف في زرع أرض بعينها أو حديد معدن بعينه
قلت: هل يجوز في قول مالك أن أسلف في زرع أرض بعينها قد بدا صلاحه أو أفرك؟ قال: لا يجوز ذلك ولا يشبه هذا التمر لأن التمر يشترط أخذه بسرا أو رطبا ولا يصلح أن يشترط تمرا, والحنطة والشعير والحب إنما يشترط أخذه حبا فلا يصلح في زرع أرض بعينها ولا يصلح أن يكون التسليف في الحنطة والحب كله إلا مضمونا يكون دينا على من سلف إليه فيه ولا يكون في زرع بعينه وكذلك التمر لا يكون في تمر حائط بعينه إلا مثل ما وصفت لك في الحائط إذا أزهى قال: فقيل لمالك: فلو أن رجلا سلف في حائط بعينه بعدما أرطب أو في زرع بعدما أفرك واشترط أخذ ذلك تمرا أو حنطة فأخذ ذلك وفات البيع أترى البيع مفسوخا ويرد؟ فقال: لا وليس هو عندي من الحرام البين الذي أفسخه إذا فات ولكني أكره أن يعمل به فإذا عمل به وفات فلا أرد ذلك.
قلت: ما قول مالك فيمن أسلم في الحنطة الجديدة قبل الحصاد والتمر الجديد قبل الجداد؟ قال: قال مالك: نعم لا بأس أن يسلم في الحنطة الجديدة قبل الحصاد والتمر الجديد قبل الجداد ما لم يكن في زرع بعينه أو حائط بعينه. قال: وقال مالك: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الحب حتى يشتد في أكمامه"3 , وحدثني عن ابن وهب عن إسماعيل بن عياش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشترى الحب حتى يبيض4 قال مالك: وبلغني أن ابن سيرين قال: لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض.
قال ابن وهب, عن عبد الجبار عن ربيعة قال: لا يسلف في زرع حتى ينقطع عنه شرب الماء وييبس. قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لا يباع الحب حتى ييبس وينقطع عنه شرب الماء حتى لا ينفعه الشرب.
ـــــــ
3 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 22. الترمذي في كتاب البيوع باب 15. ابن ماجه في كتاب التجارات باب 32. أحمد في مسنده "3/250,221".
4 رواه مسلم في كتاب البيوع حديث 50. أبو داود في كتاب البيوع باب 22. الترمذي في كتاب البيوع باب 15.النسائي في كتاب البيوع باب 39. أحمد في مسنده "2/5" "5/121".

قلت: فهل يصلح أن يسلف الرجل في حديد معدن بعينه ويشترط من ذلك وزنا معروفا؟ قال: أرى سبيل المعدن في هذا سبيل ما وصفت لك من قول مالك في السلفة في قمح القرى المأمونة إن كان المعدن مأمونا لا ينقطع حديده من أيدي الناس لكثرته في تلك المواضع, فالسلف فيه جائز إذا وصفه وإلا فلا.

السلف في الفاكهة
.
قلت: أرأيت ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة ما قول مالك فيه أيجوز أن يسلف فيه قبل إبانه ويشترط الأخذ في إبانه؟ قال: نعم هو كما وصفت لك من السلف في الثمار الرطبة, وأما ما لا ينقطع من أيدي الناس فسلف فيه متى ما شئت في أي إبان شئت واشترط أخذ ذلك في أي إبان شئت في قول مالك.
قلت: أرأيت من سلف في إبان الفاكهة واشترط الأخذ في إبانها فانقضى إبانها قبل أن يقبض ما سلف فيه ما قول مالك في ذلك؟ قال: كان مالك مرة يقول: يتأخر الذي له السلف إلى إبانها من السنة المقبلة ثم رجع عن ذلك فقال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله إذا لم يقبض ذلك في إبانه.
قال ابن القاسم: وأرى أنه إن شاء أن يؤخره على الذي عليه السلف إلى إبانه من قابل فذلك له. قال سحنون: ومن طلب التأخير منهما فذلك له إلا أن يجتمعا على المحاسبة فلا بأس بذلك.
قلت: ما قول مالك في التسليف في القصب الحلو أو في الموز أو في الأترج وما أشبه هذا؟ فقال: لا بأس به إذا اشترط من ذلك شيئا معروفا, فإن كان ينقطع من أيدي الناس فسبيل السلف فيه كما وصفت لك, وإن كان لا ينقطع من أيدي الناس فسبيله سبيل ما لا ينقطع من أيدي الناس وقد وصفت لك ذلك.
قلت: فالتفاح والرمان والسفرجل؟ قال: لا بأس بالتسليف فيه كيلا وعددا. قال: أما الرمان فإن مالكا قال: لا بأس بالتسليف في ذلك عددا إذا كان قد وصف مقدار الرمان الذي سلف فيه, قال: وأرى التفاح والسفرجل بمنزلة الرمان في العدد إذا كان ذلك يحاط بمعرفته.
قال ابن القاسم: وإن سلف في التفاح والسفرجل كيلا فلا بأس بذلك أيضا إذا كان أمرا معروفا قال: وكذلك الرمان لا بأس أن يسلف فيه كيلا إن أحبوا.

السلف في الجوز والبيض
قلت: كيف يسلف في الجوز في قول مالك؟ قال: قال مالك: يسلف بصفة أي يصف الجوز. قال: ومعنى ما رأيت في قوله أنه يراه عددا.
قال ابن القاسم: وإن كان الجوز مما يسلف الناس فيه كيلا فلا بأس به.
قلت: ولا بأس بالسلف في الجوز في قول مالك عددا أو كيلا؟ قال: سمعت مالكا يقول: لا بأس بالسلف في الجوز على العدد, فإن كان الكيل أمرا معروفا فلا بأس بذلك. قال: وقال مالك: لا بأس ببيع الجوز جزافا. قال: وقال مالك: لا يسلف في البيض إلا بصفة.
قلت: ولا بأس بالسلف في البيض عددا؟ قال: نعم.

السلف في الثمار بغير صفة
قلت: أرأيت إن سلف في تمر ولم يبين صيحانيا من برني ولا جعرورا ولم يذكر جنسا من التمر بعينه؟ قال: السلف فاسد في قول مالك.
قلت: فإن سلف في تمر برني ولم يقل جيدا ولا رديئا؟ قال: يكون فاسدا في قول مالك حتى يصف.
قلت: وكذلك الحنطة؟ قال: أما هاهنا عندنا بمصر, فإن الحنطة محمولة فإن سلف بمصر في الحنطة ولم يذكر أي جنس من الحنطة فذلك على المحمولة ولا تكون إلا على صفة, فإن لم يصف فهو فاسد, فإن سلف بالشام فذلك على السمراء ولا تكون إلا على صفة.
قلت: فإن كنت سلفت بالحجاز حيث يجتمع السمراء والمحمولة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا, وأرى أن يكون بمنزلة التمر يسلف فيه ولا يذكر أي أنواع التمر سلف فيه, فأرى أن يكون ذلك فاسدا إلا أن يسميها سمراء من محمولة ويصف جودتها فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن سلفت في زبيب ولم أذكر جيدا من رديء؟ قال ابن القاسم, أرى إن كان الزبيب تختلف صفته عند الناس فأراه فاسدا ويفسخ البيع.
قلت: أرأيت إن سلفت في تمر ولم أذكر برنيا ولا صيحانيا ولا غيره فأتاني بأرفع

التمر كله؟ قال: السلف فاسد ولا يجوز وإن أتاه بأرفع التمر كله لأن الصفقة وقعت فاسدة.

التسليف في أصناف الطعام صبرا صفقة واحدة
قلت: أرأيت إن سلفت مائة درهم في أرادب من حنطة وأرادب من شعير وأرادب من سمسم ولم أسم رأس مال كل واحد منها أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: السلف جائز وإن لم يسم لكل واحد منها رأس مال فهو جائز لأنها صفقة واحدة وقعت على جميع هذه الأشياء فلا بأس بذلك قال: ولا بأس أن يجعل أجل هذه الأشياء مختلفا أو يجعل آجالها جميعا إلى وقت واحد.
قلت: وكذلك الثياب والحيوان وجميع صنوف الأمتعة والطعام والشراب وجميع الأشياء؟ قال: نعم إذا وصفت صفتها ونعتها.
قلت: أرأيت إن أسلمت دراهم في حنطة وشعير ولم أسم ما رأس مال الحنطة من رأس مال الشعير أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: من سلف في صفقة في حنطة وشعير وقطنية وثياب ورقيق ودواب ونحو هذا فلا بأس بذلك وإن لم يسم لكل صنف من ذلك رأس ماله من السلف إذا سميا كل صنف وصفته.
قلت: أرأيت إن سلفت في سلعة مختلفة إلى آجال مختلفة أو إلى أجل واحد أسلمت في ذلك دنانير أو دراهم أو عروضا أسلفتها في تلك العروض أو طعاما مختلفا أسلفته في تلك العروض المختلفة, ولم أسم رأس مال كل واحد من تلك العروض, قال: لا بأس بذلك عند مالك وإن لم يسم لكل صنف من العروض التي أسلفت رأس مال على حدة من سلفك, ولا بأس أن يجعل الذي تسلف في هذه العروض المختلفة صفقة واحدة إذا كان يجوز ما تسلف في الذي أسلمت فيه وسميت عدد ما أسلمت فيه من الأصناف بعدد أو وزن.
قلت: أرأيت إن أسلمت دراهم في غير نوع من السلع موصوفة إلى أجل ولم أسم رأس مال كل واحد من الدراهم؟ قال مالك: لا بأس بذلك.
قلت: وكذلك إن كان رأس المال سلعة من السلع؟ قال: نعم إذا كانت تلك السلعة يجوز له أن يسلمها في تلك الأشياء فلا بأس, وإن لم يسم رأس مال كل سلعة من قيمة سلعتك التي أسلمتها في هذه الأشياء.

السلف في الخضر والبقل
قلت: ما قول مالك في السلف في القصيل؟ قال ابن القاسم: إذا اشترط من ذلك جرزا معروفة أو حزما أو أحمالا معروفة فلا بأس بذلك إذا سلف قبل الإبان واشترط الأخذ في الإبان أو سلف في إبانه واشترط الأخذ في إبانه, ولا يجوز أن يسلف في إبانه ويشترط الأخذ في غير إبانه.
قلت: وكذلك القضب الأخضر والقرط الأخضر؟ قال: نعم إلا أن يكون القضب الأخضر لا ينقطع من أيدي الناس فلا بأس أن يسلف فيه في البلاد التي لا ينقطع منها ويشترط الأخذ في أي الإبان شاء.
قلت: فيسلف في البقول في قول مالك؟ قال: نعم إذا اشترط حزما معروفة.
قلت: ولا يجوز أن يشترط فدادين معروفة طولها وعرضها كذا وكذا فيسلف في كذا وكذا فدانا من نوع كذا وكذا من البقول أو القصيل أو القرط الأخضر أو القضب؟ قال: لا يصلح أن يشترط هذا في فدادين لأن ذلك يختلف, منه الجيد ومنه الرديء.
قلت: فإن اشترى كذا وكذا فدانا جيدا أو وسطا أو رديئا؟ قال: لا يحاط بصفة هذا لأن الجيد مختلف أيضا يكون جيدا خفيفا وجيدا ملتفا فلا يكون السلف على هذا إلا على الأحمال والحزم, ولأنه إذا كان فدادين لم يحط بمعرفة طولها وصفتها.

التسليف في الرءوس والأكارع
قلت: ما قول مالك في التسليف في الرءوس؟ قال: قال مالك: من سلف في رءوس فليشترط من ذلك صنفا معلوما صغارا أو كبارا وقدرا معلوما.
قلت: فإن سلف في الأكارع؟ قال: قال مالك: في الرءوس أنه لا بأس به إذا اشترط من ذلك صفة معلومة, فكذلك الأكارع إذا اشترط صفة معلومة.
قلت: فهل يجوز في قول مالك أن يسلف في اللحم والشحم؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك إذا اشترط من ذلك لحما معروفا كما وصفت لك أو شحما معروفا اشترط لحم ضأن أو لحم معز أو لحم إبل أو لحم بقر أو لحم جواميس, والشحوم كذلك, فإن لم يشترط لحما معروفا كما ذكرت لك أو شحما معروفا فلا خير فيه.
قلت: ولم ولحم الحيوان كله عند مالك نوع واحد؟ قال: ألا ترى أن التمر عند مالك نوع واحد, فإن أسلمت فيه ولم تشترط صيحانيا من برني ولا جعرورا من صيحاني

ولا مصران الفار أو جنسا من جنوس التمر لم يصلح ذلك فكذلك هذا.
قلت: فإن سلفت في لحم الحيوان كيف يكون السلم في قول مالك أبوزن أم بغير وزن؟ قال: قال مالك: إذا اشترط وزنا معروفا فلا بأس, وإن اشترط تحريا معروفا بغير وزن فإن ذلك جائز.
قال ابن القاسم: ألا ترى أن اللحم يباع بعضه ببعض بالتحري, والخبز أيضا يباع بعضه ببعض بالتحري, فذلك جائز أن يسلف فيه بغير وزن إذا كان ذلك قدرا قد عرفوه.

التسليف في الحيتان والطير
قلت: أرأيت التسليف في الحيتان الطري أيجوز أن يسلف فيه في قول مالك أم لا؟ قال: نعم إذا سميا جنسا من الحيتان واشترط من ذلك ضربا معلوما صفتها كذا وكذا وطولها كذا وكذا, فلا بأس بذلك إذا سلفت في ذلك قدرا معروفا أو وزنا معروفا.
قلت: فإن سلف في صنف من الحيتان الطري وهو ربما انقطع من أيدي الناس هذا الصنف الذي سلف فيه؟ قال: لا ينبغي أن يسلف فيه في قول مالك إذا كان هكذا إلا في إبانه الذي يكون فيه أو قبل إبانه, وشرط الأخذ في إبانه مثل ما وصفت لك في الثمار الرطبة التي تنقطع من أيدي الناس.
قلت: فإن سلف في هذا الصنف من الحيتان فلما حل الأجل أراد أن يأخذ غيره من جنوس الحيتان أيجوز ذلك أم لا؟ قال: نعم, وهذا مثل ما وصفت لك في اللحم والشحم وجميع لحم الحيوان.
قلت: ما قول مالك في السلف في الطير؟ قال: قال مالك: لا بأس بالسلف في الطير وفي لحومها بصفة معلومة وجنس معلوم.
قلت: وكذلك لو سلف في لحم الدجاج فحل الأجل كان له أن يأخذ لحم الطير كله إذا أخذ مثله وهو مثل ما وصفت لي في التسليف من لحم الحيوان أو لحم الحيتان؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن سلف في دجاج أو في إوز فلما حل الأجل أخذ منه مكان ذلك طيرا من طير الماء؟ قال: لا يجوز.
قلت: فإن سلفت في دجاج فلما حل الأجل أخذت مكانها إوزا أو حماما؟ قال: لا بأس بذلك.

قلت: لم جوز مالك إذا سلفت في دجاج أن آخذ مكانها إذا حل الأجل إوزا أو حماما ولم يجوز لي إذا سلفت في دجاج أن آخذ مكانها إذا حل الأجل طيرا من طير الماء؟ قال: لأن طير الماء إنما يراد به الأكل, وإنما هو لحم, وإنما نهى عنه مالك من وجه أنه لا يباع الحيوان باللحم.
قال أشهب: هو جائز.
قلت: ولم جوز مالك لي إذا سلفت في دجاج فحل الأجل أن آخذ به حماما أو إوزا أو ما أشبه ذلك من الداجن المربوب عند الناس؟ قال: لأنك لو سلفت الذي كنت أسلفت في الدجاج في هذا الإوز والحمام لجاز, فنحن إذا ألغينا الدجاج وجعلنا سلفك في هذا الحمام وهذا الإوز كان جائزا فلذلك جاز, ولأنك لو أنك أخذت دجاجة بدجاجتين يدا بيد جاز ذلك وليس هذا من اللحم بالحيوان, وكذلك العروض كلها ما خلا الطعام والشراب, فإن الطعام والشراب إذا سلفت فيهما لم يصلح أن تبيعهما من صاحبهما ولا من غير صاحبهما الذي عليه الطعام حتى تستوفي الطعام إلا أن تأخذ من صنفه أو من جنسه من الذي عليه الطعام إذا حل أجله.
قلت: ولم كان هذا عند مالك خلاف السلع؟ قال: للأثر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يباع الطعام حتى يستوفى
قال الليث بن سعد, عن يحيى بن سعيد أنه قال: إذا سلفت في ريطة فأعطاك قميصا أو قميصين أو قطيفة أو قطيفتين فلا بأس إن وجد تلك الريطة التي أسلمت فيها أو لم يجدها لأنك لو أسلفت الريطة بعينها فيما أخذت منه لم يكن بذلك بأس. قال: وأخبرني عن إبراهيم بن نشيط أنه سأل بكير بن الأشج عن السلف في الحيتان أعطيه الدنانير على أرطال مسماة قال: خذ منه إذا أعطاك بسعر مسمى. قال: وأخبرني عن الليث بن سعد عن ربيعة أنه قال في رجل أسلف صيادا دنانير على صنف من الطير كل يوم كذا وكذا طائرا فجاءه فلم يجد عنده من ذلك الصنف شيئا, ووجد عنده عصافير فأعطاه عشرة عصافير بطائر واحد مما اشترط عليه قال ربيعة: عشرة من الطير بواحد حلال, وأنا أرى ذلك حلالا كله السلف للصياد وعشرة بواحد.

السلف في المسك واللؤلؤ والجوهر
قلت: ما قول مالك في السلف في المسك والعنبر وجميع متاع العطارين؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك إذا اشترط من ذلك شيئا معروفا.

قلت: ما قول مالك في السلف في اللؤلؤ والجوهر وصنوف الفصوص والحجارة كلها؟ قال: لا بأس بذلك إذا اشترط من ذلك شيئا معروفا وصفة معروفة.

السلف في الزجاج والحجارة والزرنيخ
قلت: هل يجوز السلف في آنية الزجاج في قول مالك؟ قال: إذا كان بصفة معلومة فلا بأس به.
قلت: أيجوز السلف في قول مالك في الطوب والآجر والجص والنورة والزرنيخ والحجارة وما أشبه هذه الأشياء؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك إذا اشترط من ذلك شيئا معروفا وصفة معلومة مضمونة.

السلف في الحطب والخشب
قلت: ما قول مالك فيمن أسلم في الحطب؟ قال ابن القاسم: قال مالك: لا بأس بذلك إذا اشترط قناطير معروفة أو وزنا أو صفة معلومة أو أحمالا معروفة.
قلت: ما قول مالك في السلف في الجذوع أيجوز لي أن أسلم فيها وفي خشب البيوت وما أشبه ذلك من صنوف العيدان والخشب؟ قال: نعم إذا اشترط من ذلك شيئا معلوما.

التسليف في الجلود والرقوق والقراطيس
قلت: أرأيت إن سلفت في جلود البقر والغنم؟ قال: لا بأس بذلك إذا اشترط من ذلك شيئا معروفا.
قلت: فإن سلف في أصواف الغنم فاشترط من ذلك جزز فحول كباش أو نعاج وسط؟ قال مالك: لا يجوز أن يشترط, ولا يجوز أن يسلف في أصوافها إلا وزنا, قال: ولا يسلف في أصوافها عددا جززا إلا أن يشتري عند إبان جزازها, ولا يكون لذلك تأخير وبر الغنم فلا بأس به.
قلت: أرأيت إن سلفت في الرقوق والأدم والقراطيس أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: نعم إذا اشترط من ذلك شيئا معروفا.

السلف في الصناعات
قلت: ما قول مالك في الرجل يستصنع طستا أو تورا أو قمقما أو قلنسوة أو خفين أو لبدا أو استنحت سرجا أو قارورة أو قدحا أو شيئا مما يعمل الناس في أسواقهم من

في السلف في تراب المعادن
قلت: هل يسلم في تراب المعادن في قول مالك؟ قال: لا يسلم في تراب المعادن, ولا بأس أن يشتري يدا بيد.
قلت: فإن أسلم فيه عرضا أيصلح؟ قال: لا يصلح.
قلت: لم؟ قال: لأن صفته غير معروفة.
قلت: فإن كانت صفته معروفة أيكره أن يسلف فيه الذهب والفضة لأنه يدخله الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلى أجل؟ قال: نعم وهو قول مالك.

قلت: أيجوز السلم في تراب الصواغين في قول مالك؟ قال: لا يجوز. قال: وقال مالك: لا يجوز البيع فيه يدا بيد.
قلت: وما فرق ما بين تراب الصواغين في البيع وبين تراب المعادن عند مالك؟ قال: لأن تراب المعادن حجارة معروفة يراها وينظر إليها وتراب الصواغين إنما هو رماد لا يدري ما فيه فلذلك كرهه.

التسليف في نصول السيوف والسكاكين
قلت: أيجوز السلم في نصول السيوف والسكاكين في قول مالك؟ قال: نعم وذلك أن مالكا قال لنا: لا بأس بالسلم في العروض كلها إذا كانت موصوفة, فالسيوف والسكاكين من ذلك.

في تسليف الفلوس في الطعام والنحاس والفلوس والفضة
قلت: ما قول مالك فيمن أسلف فلوسا في طعام؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك.
قلت: فما قول مالك فيمن أسلم طعاما في فلوس؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.
قلت: فإن أسلم دراهم في فلوس؟ قال: قال مالك: لا يصلح ذلك.
قلت: وكذلك الدنانير إذا أسلمها في الفلوس؟ قال: نعم لا يصلح عند مالك.
قلت: وكذلك لو باع فلوسا بدراهم إلى أجل أو بدنانير إلى أجل لم يصلح ذلك؟ قال: نعم.
قلت: لم؟ قال: لأن الفلوس عين, ولأن هذا صرف.
قلت: فإن أسلم فلوسا من نحاس في نحاس قال: قال مالك: لا خير فيه, ولا يدا بيد قال: لأني أراه من المزابنة.
قلت: أرأيت إن أسلم فلوسا في نحاس والفلوس من الصفر؟ قال: لا خير في ذلك عند مالك.
قلت: لم؟ قال: لأن الصفر والنحاس عند مالك نوع واحد.
قلت: وكذلك الرصاص والآنك عند مالك صنف واحد؟ قال: نعم.

تسليف الحديد والصوف والكتان
قلت: فإن أسلم فلوسا من نحاس في حديد إلى أجل؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: أرأيت إن أسلم حديدا يخرج منه سيوف في سيوف أو سيوفا في حديد يخرج منه السيوف؟ قال: لا يصلح لأنه نوع واحد, قال: ولو أجزت السيوف في الحديد لأجزت حديد السيوف في الحديد الذي لا يخرج منه السيوف, ولو أجزت ذلك لأجزت الكتان الغليظ في الكتان الرقيق, قال: ومن ذلك أن الكتان يختلف, فمنه ما يكون يغزل منه الرقيق ومنه ما لا يكون رقيقا أبدا, والصوف كذلك منه ما يخرج منه السيجان العراقية وما أشبهها من الأسوانية, ومن الصوف ما لا يكون منه هذه السيجان أبدا لاختلافه, وهو لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض قال: ولا خير في أن يسلف كتانا في ثوب كتان لأن الكتان تخرج منه الثياب ولا بأس بالثوب الكتان في كتان, ولا بأس بثوب الصوف في الصوف إلى أجل, لأن الثوب المعجل لا يخرج منه كتان وهذا الذي سمعت ممن أثق به.
قلت: أرأيت إن أسلمت السيف في السيفين إذا اختلفت صفاتهما؟ قال: لا يصلح ذلك في رأيي لأن السيوف منافعها واحدة وإن اختلفت في الجودة إلا أن تختلف المنافع فيها اختلافا بينا فلا بأس أن يسلم السيف القاطع في السيفين ليسا مثله في منافعه وقطعه وجودته لأن مالكا قال: لا بأس أن يسلم الفرس الجواد القارح الذي قد عرفت جودته في القرح من الخيل إلى أجل من صنفه ليس مثله في الجودة والسرعة.
قال ابن القاسم: وهي كلها تجري, فكذلك السيوف عندي.
قال مالك: وكذلك البعير البازل الذي قد عرف كرمه وحمولته في بزل إلى أجل لا يعرف من كرمها ولا من حمولتها مثله فلا بأس به.
قال ابن القاسم: وهي تحمل كلها.
قلت: أرأيت إن أسلمت سيفا في سيفين أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا أدري ما أقول لك فيها لأنك قد عرفت ما قال مالك في الثياب: لا يسلم إلا رقيق الثياب

في غليظ الثياب, وفي العبيد لا يسلم إلا العبد التاجر في العبد الذي ليس بتاجر, وإنما جعل مالك السلم في العبيد بعضها في بعض على اختلاف منافعهم للناس, فإن كانت السيوف في اختلاف المنافع مثل الثياب والعبيد فلا بأس أن يسلم السيف الذي منفعته غير منفعة السيوف التي أسلم فيها, قال: وإلا فلا خير في ذلك مثل الفرس الجواد الذي قد عرف بالجودة والسبق, فلا بأس أن يسلم في حواشي الخيل وإن كانت كلها خيلا وكلها تجري, والسيوف كلها تقطع, وإن كان هذا السيف في قطعه وفي جوهره وارتفاعه وجودته يسلم فيما ليس مثله في قطعه ولا في جزائه عند الناس فأرجو أن لا يكون به بأس.
قال ابن وهب: قال الليث: كتب إلي ربيعة: الصفر والحديد عرض من العروض يباع بعضه ببعض عاجل كله حلال بينه فضل وبيع الصفر بعضه ببعض بينه فضل إلى أجل لا يصلح, والحديد بعضه ببعض إلى أجل بينه فضل لا يصلح, والصفر بالحديد بينه فضل عاجل وآجل لا بأس به, والصفر عرض ما لم يضرب فلوسا فإذا ضرب فلوسا فهو بيع الذهب بالذهب والفضة يجري مجراهما فيما يحل ويحرم.
قال يونس, عن ربيعة أنه قال: كل تبر خلقه الله فهو بمنزلة عرض من العروض يحل منه ما يحل من العروض ويحرم منه ما يحرم من العرض إلا تبر الذهب والورق, وإذا ضربت الفلوس دخلت مع ذلك وإذا لم تضرب فإنما هي عرض من العروض
قال ربيعة: والشب والكحل بمنزلة تبر الحديد, والرصاص والعروض يسلف فيه ويباع كما يباع العروض إلا أنه لا يباع صنف واحد من ذلك بعضه ببعض بينه فضل عاجل بآجل.
قال ابن وهب: وقال يحيى بن سعيد في رطل نحاس برطلين مضروبين أو غير مضروبين والحديد والرصاص: لا بأس به يدا بيد وأنا أكرهه نظرة.
قال يحيى بن سعيد في ثوب منسوج بكتان مغزول أو غير مغزول: حاضر بغائب, قال يحيى: لا أرى بالثوب بأسا يغزل. وقال ربيعة: في ثوب واحد منسوج بكتان مغزول أو غير مغزول, قال ربيعة: لا بأس بهذا, وهذا بمنزلة الحنطة بالدقيق وهذا يبين ما بينهما من الفضل ولذلك كره الخبز والسويق بالدقيق, قد اختلفت هذان الآن, وإنما الغزل بالكتان بمنزلة الحنطة بالدقيق وهذا يبين ما بينهما من الفضل فلذلك كره إلا مثلا بمثل يدا بيد.
قال يحيى بن سعيد: والكتان المغزول بالكتان الذي لم يغزل, والكتان الذي قد مشط بالكتان الذي لم يمشط رطل برطلين حاضر بغائب قال: أما الكتان بالغزل يدا بيد

فلا أرى به بأسا وأما عاجل بآجل فلا أحب أن أنهى عنه ولا آمر به وأكرهه أن يعمل به أحد.
قال الليث: وقال ربيعة: لا أحب هذا ولا آمر به إذا كان حاضرا بغائب, وما كان من هذا يدا بيد فلا بأس به.

تسليف الثياب في الثياب
قلت: وكذلك ثياب القطن في قول مالك لا يسلف بعضها في بعض؟ قال: نعم إلا الغلاظ منها الشقايق والملاحف اليمانية الغلاظ في المروي والهروي والقرقبي والعدني فهذا لا بأس به إن أسلم بعضه في بعض. قال مالك: وكذلك الكتان رقيقه كله واحد القرقبي والشطوي والقصبي كله واحد, ولا بأس به في الزيقة والمريسية وذلك أنها غلاظ كلها.
قلت: فكان مالك لا يجيز أن يسلم العدني في المروي؟ قال: لا يجوز عندي.
قلت: وكذلك لم يكن يجيز أن يسلم الشطوي في القصبي؟ قال: قال مالك: نعم لا يجوز.
قلت: فإن أسلمت فسطاطية في مروية معجلة ومروية مؤجلة؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: وكذلك لو أسلمت ثوبا من غليظ الكتان مثل الزيقة وما أشبهه في ثوب قصبي إلى أجل, وثوب قرقبي معجل؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: أرأيت الفسطاطي أهو من غليظ الكتان في قول مالك الذي يجوز أن يسلم في رقيق ثياب الكتان أم لا؟ قال: الفسطاطي بمنزلة القيسي وبمنزلة الزيقة وما أشبهها من الثياب إلا ما كان من الفسطاطي الرقيق المرتفع مثل المعافري وما أشبهه فإن ذلك يضم إلى رقيق الكتان إلى الشطوي والقصبي والقرقبي, وعلى هذا ينظر في ثياب الكتان.
قلت: فلو أسلمت فسطاطية في فسطاطية معجلة ومروية مؤجلة؟ قال: فلا بأس به, ولو كانت المروية معجلة والفسطاطية مؤجلة لم يصلح لأنه سلف وزيادة فسطاطية بفسطاطية قرض وزيادة مروية لما أقرضته فهذا لا يصلح.
قلت: أرأيت إن أسلمت ثوبا فسطاطيا في ثوب فسطاطي إلى أجل قال: إنما ينظر

في هذا في قول مالك إلى الذي أسلم فإن كان إنما أراد بذلك المنفعة لنفسه فالسلم باطل وإن كان إنما أسلفه إياه سلفا لله ومنفعة لصاحبه المستسلف كان ذلك جائزا على وجه القرض.

جامع القرض
قلت: فالقرض في قول مالك جائز في جميع الأشياء البطيخ والتفاح والرمان والثياب والحيوان وجميع الأشياء والرقيق كلها جائزة إلا في الجواري وحدهن؟ قال: نعم القرض جائز عند مالك في جميع الأشياء إلا الجواري وحدهن.
قال ابن وهب: وحدثني يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: الذي يحرم من ذلك الثوب بالثوبين من ضربه, كالرايطة من نسج الولائد بالرايطتين من نسج الولائد وكالسابرية بالسابريتين وأشباه هذا, فهذا الذي يتبين فضله على كل حال ويخشى دخلته فيما أدخل إليه من الشبهة في المراضاة فذلك أدنى ما أدخل الناس فيه من الفسخ والحلال منه كالرايطة السابرية بالرايطتين من نسج الولائد عاجل بآجل, فهذا الذي تختلف فيه الأسواق والحاجة إليه وعسى أن يبور مرة السابري وينفق نسج الولائد ويبور نسج الولائد مرة وينفق السابري, فهذا الذي لا يعرف فضله إلا بالرجاء ولا يثبت ثبوت الرماء وكان هذا الذي اقتاس به الناس ثم رأى فقهاء المسلمين وعلماؤهم أن ينهوا عما قارب ما ذكرت لك من هذا واقتاسوه به وشبهوه به
قال: وأخبرني إبراهيم بن نشيط أنه سأل بكيرا عن الثوب بالثوبين فقال: إذا اختلفت الثياب فلا بأس به كان البيع نقدا أو كالئا, ولو كانت الثياب شيئا واحدا فلا يصلح بيعها إلا بنقد الثوب بالثوبين لا يؤخر من أثمانها شيء.
قال أشهب: عن ابن لهيعة أن بكيرا حدثه أنه سمع القاسم بن محمد وابن شهاب يقولان: لا يصلح بيع الثوب بالثوبين إلا أن يختلفا.
قال ابن وهب: وأخبرني عمرو بن الحارث والليث عن بكير عن سليمان بن يسار أنه قال: لا يصلح ثوبان بثوب إلا يدا بيد.
قال: مخرمة عن أبيه قال: سمعت ابن شهاب يقول في ثوب بثوبين دينا قال: لا يصلح ذلك إلا أن يختلف ذلك.
قال بكير: وقال ذلك عبد الله بن أبي سلمة.

قال ابن وهب: وأخبرني يونس عن ربيعة في السلعتين إحداهما بالأخرى عبد بعبد أو دابة بدابة أو نحو ذلك يتعجلانه وتزيده فضل دراهم على الأخرى إلى أجل مسمى.
قال ربيعة: إذا باعه عرضا بعرض واشترط أحدهما على صاحبه زيادة دراهم أو دنانير كالئة فهو حلال.
قال يونس: وسألت ابن شهاب عن السلعتين إحداهما بالأخرى, عبدا بعبد, أو دابة بدابة يتعجلانها ولأحدهما فضل دراهم على الأخرى إلى أجل مسمى قال: لا أرى بذلك بأسا.
قال ابن وهب: قال مالك: لا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يدا بيد, ولا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم, الجمل بالجمل يدا بيد, والدراهم إلى أجل, ولا خير في الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم, الدراهم نقدا والجمل نسيئة فهو ربا, وإن أخرت الجمل والدراهم فلا خير في ذلك, وذلك أن هذا يكون ربا لأن كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا.
قال ابن وهب قال: وأخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس بنحو ذلك.
قال ابن وهب: وأخبرني عقبة بن نافع عن خالد بن يزيد أن عطاء بن أبي رباح كان يقول بنحو ذلك أيضا.

تسليف الطعام في الطعام والعروض
قلت أرأيت إن أسلمت حنطة في شعير وثوب موصوف أيبطل السلف كله أم يجوز منه بحصة الثوب؟ قال: قال مالك: يبطل ذلك كله.
قلت: فما قول مالك فيمن أسلم عدسا في ثوب إلى أجل وشعير معجل؟ قال: قال مالك: لا يصلح.
قلت: ولم أبطله مالك؟ قال: لأن الطعام بالطعام لا يصلح فيه الآجال, فإذا بيع الطعام بالطعام فكل شيء يضم مع أحد الصنفين أو مع الصنفين جميعا حتى يكون في صفقة واحدة مع الطعام فلا يصلح أن يؤخر السلعة التي مع الطعام في الصفقة كما لا يصلح أن يؤخر الطعام قال: قال مالك: وكذلك الدنانير والدراهم إذا صرف الرجل الدنانير بالدراهم ومع الدراهم ثوب أو سلعة من السلع لم يصلح أن يؤخر السلعة وأن يتعجل الدنانير والدراهم, ولا بأس به أن تكون السلعة مع الذهب أو مع الفضة أو مع كل

واحد منهما سلعة إذا كان ذلك يدا بيد وكان تبعا, وكما لا يصلح الذهب بالفضة إلى أجل, فكذلك لا يصلح الأجل في السلعة التي تكون معها في صفقة واحدة.
قلت: أرأيت إن أسلفت ثوبا في عشرة أرادب حنطة إلى شهر وعشرة دراهم إلى شهر آخر, وأسلفت الثوب في هذه الأشياء كلها وجعلت آجالها مختلفة كما وصفت لك؟ قال: لا بأس بذلك مختلفة كانت آجالها أو مجتمعة. قال: وأخبرني عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل باع بيعا بعضه حلال وبعضه حرام ففطن له فقال: أنا أضع عنك الحرام وأمضي لك الحلال, فقال ابن شهاب: إن كانت الصفقة فيها واحدة تجمعهما فأنا أرى أن يرد ذلك البيع كله وإن كانتا بيعتين شتى لكل واحدة صفقة على حدتها فأنا أرى أن يرد الحرام ويجاز الحلال.

في الرجل يسلف الطعام في الطعام
قلت: أرأيت إن أسلفت الحنطة في البقول أو شيئا من الطعام في البقول؟ قال: لا يجوز لأن هذا يؤكل.
قلت: وكذلك لو سلف حنطة في قصيل أو قصب أو قرط أو فيما يعلف الدواب هل يجوز في قول مالك؟ قال: إن كان يحصده ولا يؤخره حتى يبلغ ويكون حبا فلا بأس بذلك في قول مالك. قال: لأن هذا ليس بطعام.
قلت: أرأيت لو أن رجلا سلف حنطة في حنطة مثلها إلى أجل قال: لا خير فيه إلا إن كان ذلك منه سلفا على وجه المعروف, فالسلف جائز إلى أجله وليس له أن يأخذ منه قبل محل الأجل وهذا عندي قرض إلى أجل, فأما أن يسلف الرجل حنطة في حنطة مثلها إلى أجل على وجه المبايعة فإن كانت المنفعة فيه للقابض فلا خير فيه. ألا ترى إلى الحديث الذي جاء: "البر بالبر ربا إلا هاء وهاء".
قلت: أرأيت إن أسلفت حنطة جيدة في حنطة رديئة إلى أجل أسلفت سمراء في محمولة أو محمولة في سمراء إلى أجل أو أسلفت صيحانيا في جعرور أو جعرورا في صيحاني إلى أجل؟ قال: قال مالك: ذلك حرام لا يحل.
قلت: وكذلك إن سلفت حنطة في شعير أو شعيرا في حنطة إلى أجل؟ قال: قال مالك: كل ذلك حرام لا يحل ولا يجوز. قال: قال مالك: كل من سلف طعاما في طعام إلى أجل فلا يجوز إلا أن يقرض رجل رجلا طعاما في طعام مثله من نوعه لا يكون أجود منه ولا دونه ولا يكون إنما أراد بذلك المنفعة للذي أسلف فهذا يجوز إذا أقرضه إلى

أجله وما سوى ذلك من الطعام قال: لا يصلح أن يسلف بعضه في بعض إذا كان مما يؤكل أو يشرب أو كان مما يكال أو يوزن أو يعد عدا فإنه سواء لا يصلح الأجل فيما بين ذلك,.
قلت: وكذلك إن سلف حنطة في عسل أو في بطيخ أو في قثاء أو في صير أو في جراد أو في شيء من الأشياء مما يؤكل لا يجوز في قول مالك؟ قال: نعم لا يجوز شيء من ذلك.
قلت: أرأيت من سلف حنطة في بقول أو شيئا من الطعام في بقول؟ قال: لا يجوز لأن هذا طعام يؤكل.
قلت: أرأيت إن أسلفت البيض في البيض أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: هذا مثل ما وصفت لك من سلف الحنطة في الحنطة إن كان أسلفه إياها سلفا فلا بأس به على وجه المعروف.
قلت: أرأيت إن أسلفت بيضا في قرص خبز أو في تفاح أو في الفاكهة الخضراء أو في البقول كلها أيجوز أم لا؟ قال: لا يجوز عند مالك لأن هذا طعام كله, قال: وقد أخبرتك بأصل قول مالك: إن الطعام في الطعام لا يجوز أن يسلف بعضه في بعض إلا أن يكون النوع في مثله بحال ما وصفت لك في السلف في الحنطة على القرض بينهما إذا كان في مثله.
قال ابن وهب, وأخبرني الليث وغيره عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أنه سأل ابن المسيب عن الطعام بالطعام نظرة فقال: الطعام كله بالطعام ربا إلا يدا بيد. قال :.
قلت: فإني آتي إلى السقاط وهو البياع فآخذ منه الفاكهة بالحنطة حتى أقتضيه, فقال: لا تفعل, ولكن خذ منه بدرهم حتى توفيه إياه ثم خذ منه درهمك ما بدا لك ثلثه أو نصفه أو ما أحببت منه.

السلف في سلعة بعينها يقبضها إلى أجل
قلت: هل يجوز لي أن أسلف في سلعة بعينها قائمة وأضرب لأخذها أجلا؟ قال: لا يجوز.
قلت: لم كره مالك أن أسلف في سلعة قائمة بعينها وأضرب لأخذها أجلا؟ قال: لأن ذلك عنده غرر لا يدري أتبلغ تلك السلعة إلى ذلك الأجل أم لا, وهو يقدم نقده فينتفع صاحب تلك السلعة بنقده, فإن هلكت تلك السلعة قبل الأجل كان قد انتفع بنقده من غير أن تصل السلعة إليه فهذا مخاطرة وغرر.

قلت: فإن هو لم يقدم نقده؟ قال: إذا لا يصلح السلف وتصير مخاطرة كأنه زاده في ثمنها إن بلغت إلى الأجل على أن يضمنها له وهو غرر ومخاطرة فصار جميع هذه المسألة ووجوهها إلى فساد.
وقال أشهب: لا يجوز لأنه اشتراها وهو يقدر على أخذها بهذا الثمن على أن البائع ضامن لها إلى الأجل فصار للضمان ثمن من الثمن الذي بيعت به تلك السلعة, ولا ينبغي أن يكون للضمان ثمن. ألا ترى أنه لا يصلح أن يقول الرجل للرجل: اضمن لي هذه السلعة إلى أجل ولك كذا لأنه أعطاه ماله فيما لا يجوز لأحد أن يبتاعه, ولأنه غرر وقمار, ولو علم الضامن أن السلعة تموت أو تفوت لم يرض أن يضمنها بضعف ما أعطاه, ولو علم المضمون له أنها تسلم لم يرض أن يضمنها إياه بأقل مما ضمنه إياها به أضعافا بل لم يكن يرض بدرهم واحد. ألا ترى أنها إن سلمت أخذ الضامن من مال المضمون مالا باطلا بغير شيء أخرجه وإن عطبت غرم له قيمتها في غير مال ملكه, ولا كان له أصله ولا جرته له فيه منفعة في حمال ولا معتمل.
وقال أشهب, عن مالك: وإن اشتريت سلعة بعينها قائمة واشترطت أن يقضيها إلى يوم أو نحو ذلك فلا بأس به إن اشترطته على البائع أو اشترطه البائع عليك لأن يومين قريب ولا بأس به, وإن كنتما في سفر وكان ذلك دابة فلك أن تركبها ذينك اليومين وقد أخبرني مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر بن عبد الله بعيرا له في سفر من أسفاره قريبا من المدينة وشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ظهره إلى المدينة.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتريت سلعة بعينها قائمة واشترطت أن أقبضها إلى يوم أو يومين أو نحو ذلك قال: سألت مالكا عن الرجل يشتري الطعام إلى يومين يكتاله أو ثلاثة أيام وذلك الطعام بعينه؟ قال: لا بأس بذلك, وكذلك السلع كلها عندي والسلع أبين أن لا يكون بها بأس
قال ابن وهب: وأخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال: من اشترى من رجل طعاما فأعطاه الذهب وواعده غدا يكتاله إياه فليس هذا بأجل إنما هذا كبيع الناس يدا بيد بالسوق ويعطيه ذهبه قبل أن يكتال طعامه, ولا يجوز له أن يبيع منه طعاما إلا أن يكون عنده. وقد قال مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة: وما اشترى من الحيوان بعينه غائبا فاشترط عليه أن ينقد ثمنه قبل أن يستوفيه فإن ذلك يشبه الربا, وهو من أبواب السلف إلا أن يكون غيبة قريبة جدا, فإن ذلك شيء مأمون ولا يخشى منه ما يخشى من البعيد وإن كان الله يقضي في ذلك كله بما يشاء ولكن حذر الناس وشفقتهم ليست في ذلك على

أمر واحد فتفسير ما كره من ذلك أنه كأنه أسلفه الثمن على أنه إن كانت السلعة حية فهي له بذلك الثمن, وإن كانت فاتت بموت أو غير ذلك كان الثمن سلفا عنده حتى يؤديه إليه ولا يجد أحدا يشتري حيوانا غائبا ويسلف ثمنه بمثل ما يشتري به إذا لم ينقد ثمنه لأن الذي يتسلف منه الثمن يصيب مرفقا من أجل ما يضع لصاحبه من الثمن.

السلف في السلعة في غير إبانها تقبض في إبانها
قلت: أرأيت إن سلف رجل في بطيخ أو في الرطب أو في القثاء أو في التفاح أو ما أشبه هذه الأشياء مما ينقطع من أيدي الناس سلف في ذلك في غير إبانه فاشترط الأخذ في إبانه؟ قال: قال مالك: ذلك جائز.
قلت: فإن سلفت في إبانه واشترطت الأخذ في غير إبانه؟ قال: لا يجوز.
قلت: فإن سلفت في غير إبانه واشترطت الأخذ في غير إبانه؟ قال: لا يجوز إلا أن يسلف في إبانه ويشترط الأخذ في إبانه أو يسلف فيه في غير إبانه ويشترط الأخذ في إبانه.

الرجل يسلف الرجل في الطعام المضمون إلى الأجل القريب
قلت: أرأيت لو أني بعت عبدا لي من رجل بطعام حال وليس عند الرجل الذي اشترى مني العبد طعام ولكني قلت له: بعتكه بمائة إردب حنطة جيدة أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يبتاع الطعام من الرجل إلى يوم أو يومين مضمونا عليه يوفيه إياه قال: لا خير فيه إلا إلى أجل أبعد من هذا, قال: فقلت لمالك: فالحيوان والثياب؟ قال: هو بمنزلته ولا خير فيه إلا إلى أجل بعيد, قال: ولم أقل لمالك: بدنانير ولا بعبد ولا ثياب ولا بشيء, فهذا كله عندي واحد بما ابتاعه به من عبد أو بدراهم أو ثياب فهو سواء, ولا يجوز أن يبيع ما ليس عنده إلا أن يكون على وجه السلف مضمونا إلى أجل معلوم تختلف في ذلك الأسواق ترتفع وتنخفض. قال: ولقد سمعت بعض أهل العلم, وهو الليث بن سعد يذكر عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل أسلف رجلا في طعام مضمون إلى يوم أو يومين أو ما أشبهه قال سعيد: لا إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض.
قلت: وما هذا الذي ترتفع فيه الأسواق وتنخفض ما حده؟ فقال: ما حد لنا مالك فيه حدا وإني لأرى الخمسة عشر يوما والعشرين يوما. قال: فإذا باع ما ليس عنده بدنانير أو بعرض فهو عندي سواء.
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل مائة إردب بمائة دينار فدفعت إليه الدنانير ولم

في المسلم إليه يصيب برأس المال عيبا أو يتلف قبل أن يقبضه البائع
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل دراهم في حنطة وأصابها زيوفا أينتقض السلم بيننا أم لا؟ قال: لا أرى أن ينتقض السلم ويبدلها.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل ثوبا في عشرة أرادب حنطة إلى أجل فأحرق رجل الثوب في يدي قبل أن يقبضه المسلم إليه؟ قال: إن كان إنما تركه وديعة في يده بعدما دفعه إليه فأرى قيمته له على من أحرقه يوم حرقه, والسلم على حاله وإن كان لم يدفعه إليه حتى أحرقه رجل وقامت عليه بينة فللمسلم إليه أن يتبع الذي أحرق الثوب بقيمة الثوب ويكون السلم عليه كما هو.
قلت: فإن أسلمت إلى رجل حيوانا أو دورا في طعام موصوف فلم يقبض الحيوان مني حتى قتله رجل فأراد المسلم إليه أن يتبع الذي قتل الحيوان ويخير المسلم هل يكون له ذلك أم لا؟ قال: ذلك لازم للذي عليه السلم عند مالك إن شاء وإن أبى لأن المصيبة في الحيوان منه والسلم لازم جائز للبائع.
قلت: وكذلك لو أسلم دورا أو أرضين في طعام أو عروض إلى أجل فهدم الدار رجل أو حفر الأرضين فأفسدها كان ضمانها من الذي عليه السلم في قول مالك, والسلم جائز. قال: نعم, والعروض التي يغيب عليها الناس ليست بهذه المنزلة وهي من الذي له السلم حتى يقبضها المسلم إليه فإن هلكت قبل أن يقبضها المسلم إليه انتقض السلم إذا كان ذلك لا يعرف إلا بقوله.
وقال ابن القاسم: إذا لم يعرف ذلك إلا بقوله فالسلم ينتقض.
قلت: أرأيت إن أسلمت في حنطة فلما افترقنا أصاب رأس المال نحاسا أو زيوفا بعد شهر أو شهرين فجاء ليبدل أينتقض السلم أم لا؟ قال: يبدلها ولا ينتقض سلمك.

قال أشهب: إلا أن يكونا عملا على ذلك ليجيزا بينهما الكالئ بالكالئ فينفسخ.
قلت: ولم وقد قال مالك: إنما يجوز أن يؤخر رأس مال السلف ولا يقبضه اليوم واليومين ونحو ذلك ولم يجز أكثر من ذلك فهذا قد مكث شهرين بعد أن قبض هذه الدراهم وهي رصاص فهذا قد فارقه منذ شهرين قبل أن يقبض رأس المال؟ قال: لا يشبه هذا الذي فارق صاحبه قبل أن يقبض رأس المال فأقام شهرا ثم جاء يطلب رأس المال لأن هذا له أن يقبل هذه الدراهم الزيوف والرصاص فأجازها ولم يرد أن يبدلها كان ذلك له, وكان السلف عليه والذي ذكرت لم يقبض شيئا حتى افترقا وحتى مكثا شهرا فهذا فرق ما بينهما.
قلت: أرأيت إن أسلمت دراهم في عروض أو طعام فأتاني البائع ببعض الدراهم بعد شهر أو أيام فقال: أصبتها زيوفا, فقلت: دعها فأنا أبدلها لك بعد يوم أو يومين قال: لا بأس بذلك لأن مالكا قال لي: لو أن رجلا أسلم في طعام أو عروض فلم ينقد يوما أو يومين لم أر بذلك بأسا.
قلت: فإن قال له: سأبدلها لك بعد شهر أو شهرين؟ قال: أرى ذلك غير جائز لأن مالكا قال: لا يصلح أن يشترط في السلم أن يؤخر رأس المال شهرا أو شهرين فكذلك هذا أيضا.
قلت: أرأيت إن جاء يبدلها فقال: الذي دفع الدراهم دفعتها إليك جيادا وأنكر الذي عليه السلم. وقال: هي هذه وهي رصاص؟ قال: قال مالك: القول قول الذي سلف وعليه اليمين ما أعطى إلا جيادا في علمه إلا أن يكون إنما أخذها الذي عليه السلف على أن يريها فإن كان إنما أخذها على أن يريها فالقول قوله وعلى رب السلف أن يبدلها له وعليه اليمين.

فيمن كان له على رجل دين فأمره أن يسلم له في طعام أو غيره
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل ألف درهم من بيع أو من قرض فقلت له: أسلمها إلي في طعام ففعل أيجوز هذا؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل يكون له على الرجل الذهب فيسأله أن يسلفها له في سلعة فقال مالك: لا خير في ذلك حتى يقبضها.
قلت: لم قال لا خير فيه؟ قال: لأنه يخاف أن يكون إنما أخره علي وجه الانتفاع فيصير سلفا جر منفعة ويخاف فيه عليه الدين بالدين.

قال سحنون: ويكون الرجل الذي عليه الدين يعطيه الدين من عنده.
قلت: أرأيت إن قلت له اشتر لي بها سلعة أيجوز أم لا؟ قال: إن كان الآمر والمأمور حاضرين فلا بأس بذلك وإن كانا غائبين فلا خير فيه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم إلا أن مالكا قال في رجل يكتب إلى الرجل: أن يبتاع له سلعة فيما قبله فيفعل ويبعث بها إليه, فإذا بعث بها إليه كتب الذي اشتراها فيسأله أن يشتري له بتلك الذهب الذي اشترى له بها بعض ما يحتاج إليه في موضعه. قال: قال مالك: لا بأس بهذا وهذا من المعروف.
قلت لمالك: فلو أن لرجل على رجل دينا فكتب إليه أن يشتري له بذلك الدين شيئا مما يحتاج إليه في موضعه قال: قال مالك: لا خير فيه إلا أن يوكل في ذلك وكيلا.
قلت: فإن كانت لي على رجل مائة درهم فقلت له: أسلمها لي في طعام أو عرض قال: قال مالك: لا خير فيه, ولا يعجبني حتى يقبض منه دراهمه ويبرأ من التهمة ثم يدفعها إليه إن شاء فيسلمها له بعد ذلك.
قلت: ما كره مالك من ذلك؟ قال: خوف الدين بالدين, قال: وأخبرني ابن نافع وابن وهب عن ابن أبي سلمة أنه قال: كل شيء كان له على غريم كان نقدا ثم لم يقبضه أو إلى أجل فحل الأجل أو لم يحل فأخرته عنه وزادك عليه شيئا من الأشياء قل أو كثر فهو ربا؟ قال: وكل شيء كان لك على غريم كان نقدا فلم تقبضه أو إلى أجل فحل الأجل أو لم يحل فلا تبعه بشيء وتؤخره عنه, فإنك إذا فعلت ذلك فقد أربيت عليه وجعلت ربا ذلك في سعر بلغه لك لم يكن ليعطيكه إلا بنظرتك إياه, ولو بعته بوضيعة من سعر الناس لم يصلح ذلك لأنه باب ربا إلا أن يشتريه منك فينقدك ذلك يدا بيد مثل الصرف ولا يحل تأخيره يوما ولا ساعة فافهم هذا.

فيمن سلف في طعام إلى أجل فأخذ في مكانه مثله من صنفه أو باع طعاما إلى أجل
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى أجل في طعام محمولة فلما حل الأجل أخذت منه سمراء مثل مكيلته؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: فإن بعته طعاما محمولة دفعتها إليه بمائة دينار إلى أجل أيجوز لي أن آخذ بالمائة الدينار إذا حل الأجل سمراء مثل مكيلة المحمولة التي بعت؟ قال: لا يجوز هذا لأن هذا أخذ من ثمن الطعام طعاما فليس هذا بإقالة.

قلت: ويفترق في قول مالك إذا أسلمت إليه في المحمولة فلما حل الأجل أخذت منه سمراء مثل مكيلة المحمولة جوزه لي مالك, فإذا بعته طعاما إلى أجل محمولة فلما حل الأجل أخذت من دنانيري مثل مكيلة المحمولة سمراء كرهه مالك ولم يجوزه. قال: قال: نعم ذلك يفترق في قول مالك.
قلت: لم؟ قال: لأنه في السلم إنما كان لك عليه طعام سمراء فلما حل الأجل أخذت بها بيضاء فكأنك بادلته بها يدا بيد والذي باع البيضاء بالدنانير إلى أجل فأخذ بثمنها سمراء وإن كانت مثل مكيلتها فإنما ألغى الثمن فكأنه باعه بيضاء بسمراء إلى أجل, وكذلك التمر العجوة والصيحاني والبرني والزبيب أسوده وأحمره, وكذلك إذا كان من بيع باعه الطعام بالدنانير إلى أجل فلا ينبغي أن يأخذ في قضائه شيئا من الأشياء كان من صنفه ولا من غير صنفه إذا كان لا يجوز له أن يسلف الطعام الذي اشترى فيه وإن كان أدنى؟ قال: وإن كان من سلم فحل الأجل فأخذ من محمولة سمراء مثل مكيلتها فإنما هذا رجل أبدل طعاما يدا بيد فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن أسلمت في حنطة محمولة فلما حل الأجل أخذت سمراء أيجوز ذلك أو أسلمت في سمراء فلما حل الأجل أخذت محمولة أو شعيرا؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كنت أسلفت في شعير فلما حل الأجل أخذت سمراء أو محمولة؟ قال: لا بأس بذلك وهو قول مالك.
قلت: ولا يرى هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي؟ قال: لا إذا حل الأجل فأخذت بعض هذا من بعض مثل الذي ذكرت لي وأخذت مثل مكيلته فإنما هذا بدل وليس بيع الطعام قبل أن يستوفي, قال: ولا خير في هذا قبل الأجل عند مالك.
قلت: فالدقيق؟ قال: لا خير فيه من بيع ولا بأس به من قرض إذا حل الأجل.
وقال أشهب مثل قول ابن القاسم في الدقيق يقتضي من السمراء أو المحمولة.
قلت: وكذلك لو أسلمت في ألوان التمر فلما حل الأجل أخذت غير اللون الذي أسلمت فيه أهو مثل ما ذكرت من ألوان الطعام في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت أرأيت إن أسلم في لحم فلما حل الأجل أراد أن يأخذ شحما أو أسلف في

لحم المعز فلما حل الأجل أراد أن يأخذ لحم ضأن أو لحم إبل أو لحم بقر؟ قال: لا بأس به في قول مالك.
قلت: لم جوز مالك ذلك أليس هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي قال: ليس هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي لأن هذا نوع واحد عند مالك ألا ترى أنه لا يصلح له أن يشتري لحم الحيوان بعضه ببعض إلا مثلا بمثل فهو إذا أخذ مكان ما سلف فيه من لحم الضأن لحم معز مثله أو دونه أو سلف في شحم فأخذ مكانه لحما فكأنه أخذ ما سلف فيه.
قلت: وكذلك إن سلف في محمولة فلما حل الأجل أخذ مكانها سمراء؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك إن سلف في حنطة فلما حل الأجل أخذ مكانها شعيرا؟ قال: نعم لا بأس به إذا كان مثلا بمثل وكل هذا إنما يجوز بعد محل الأجل أن يبيعه من صاحبه الذي عليه السلف, ولا يجوز أن يبيعه من غير صاحبه الذي عليه السلم بنوعه ولا بشيء من الأشياء ولا بمثل كيله ولا صفته حتى يقبضه من الذي عليه السلف لأنه إن باعه من غير الذي عليه ذلك بمثل كيله وصفته صار ذلك حوالة, والحوالة عند مالك بيع من البيوع, فلذلك لا يجوز أن يحتال بمثل ذلك الطعام الذي سلف فيه على غير الذي عليه السلف لأنه يصير دينا بدين وبيع الطعام قبل أن يستوفي.
قلت: ولم جوز مالك أن يبيع هذا اللحم الذي حل أجله بشحم من الذي عليه السلف بعدما حل الأجل؟ قال: لأن ذلك عند مالك إذا كنت إنما تبيع ذلك من الذي لك عليه السلف بعدما حل الأجل فإنما ذلك بدل ولا بأس أن يبدل الرجل اللحم بالشحم مثلا بمثل, فكذلك هذا, ولا يكون هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي لأنه من نوعه عند مالك. قال: وقال مالك: إذا أسلمت في طعام محمولة فحل الأجل فخذ به إن شئت سمراء وإن شئت شعيرا وإن شئت سلتا مثل مكيلتك يدا بيد. قال: وكذلك إن كنت أقرضت محمولة فلما حل الأجل أخذت منه سمراء مثل مكيلتك التي أقرضته يدا بيد أو شعيرا أو سلتا فلا بأس به وهذا إنما هو حين يحل الأجل ولا خير فيه قبل محل الأجل في سلف ولا بيع وإن كنت إنما بعته طعاما بثمن إلى أجل فلا بأس أن تأخذ منه بذلك الثمن طعاما مثله في صفته وكيله إن كنت بعته محمولة فمحمولة وإن سمراء فسمراء وإن كنت إنما بعته محمولة إلى أجل فلما حل الأجل أردت أن تأخذ بثمن الطعام الذي لك عليه سمراء أو شعيرا أو سلتا مثل مكيلتك التي بعته, فلا يجوز ذلك وإن كان يدا بيد إذا حل الأجل لأنك قد أخذت بثمن الطعام طعاما غير الذي بعته فكأنك بعته المحمولة على أن تأخذ منه سمراء إلى أجل أو شعيرا أو سلتا والثمن ملغى فيما بينكما فلا يجوز ذلك.

قلت: وكذلك إن كنت إنما بعته السمراء فلما حل الأجل أخذت منه محمولة أو شعيرا أو سلتا بالثمن فلا يجوز ذلك, وإن كان الذي تأخذ دون الذي أعطيته لأنك كأنك أعطيته سمراء يضمنها إلى أجل على أن تأخذ منه محمولة إذا حل الأجل, وكذلك هذا في التمر الصيحاني والبرني وألوان التمر بمنزلة ما وصفت لك من الحنطة وألوانها في اقتضاء الطعام من الطعام قال: وقال لي مالك: والزبيب الأسود والأحمر كذلك أيضا مثل ما وصفت لك من التمر والقمح والشعير.
قال سحنون: ولقد خاف عبد العزيز في تسليف الدنانير في عرض إن قال: ومما يشبه الربا أن يسلف الرجل ذهبا أو ورقا في إبل أو غنم أو سلعة غير ذلك فإذا حلت سلعتك أخذت بها من بيعك ذهبا أو ورقا أكثر مما كنت سلفته.
قال عبد العزيز: وأنا أخشى أيضا إذا أخذت أقل مما أعطيته الذريعة والدخلة فإما أن تأخذ مثل ما أعطيت فإنما تلك إقالة وتفسير ما كره من ذلك أنك كأنك أسلفت ذهبا في ذهب أو ورقا في ورق وألغيت السلعة بين ذلك وهي الأثمان وليست بمثمونة, فكيف بما يشترى وهو مثمون؟
قال سحنون: وقد ذكر مالك عن أبي الزناد عن ابن المسيب وسليمان بن يسار أنهما كانا ينهيان أن يبيع الرجل طعاما بذهب إليه أجل ثم يشتري بتلك الذهب تمرا قبل أن يقبضها1 قال مالك: وقال ابن شهاب مثله.
قال ابن وهب: قال مالك والليث عن كثير بن فرقد عن أبي بكر بن حزم مثله, قال: وأخبرني رجال من أهل العلم أن عمر بن عبد العزيز في إمرته على المدينة أمر رجلا وكله في تقاضي دين لرجل توفي من ثمن طعام أن لا يأخذ من ذلك الدين طعاما, وقال ذلك يحيى بن سعيد وبكير بن الأشج وأبو الزناد, وقال مالك وابن أبي سلمة وغيرهما من أهل العلم مثله, وقالوا ذلك بمنزلة الطعام بالثمر إلى أجل فمن هاهنا أكرهه.
قال ابن لهيعة, عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: لا تأخذ إلا مثل طعامك أو عرضا مكان الثمن.
قال ابن وهب, عن عثمان بن الحكم, عن يحيى بن سعيد مثله وقال: لا إلا أن يأخذ من ذلك الطعام مكيلة بمكيلة.
تم كتاب السلم الأول من المدونة الكبرى ويليه كتاب السلم الثاني
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 47.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتاب السلم الثاني

في الرجل يسلف في الطعام سلفا فاسدا فيريد أن يأخذ رأس ماله تمرا أو طعاما أو يصالحه على أن يؤخره برأس ماله
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في حنطة سلما فاسدا أيجوز لي أن آخذ برأس مالي منه تمرا أو طعاما غير الحنطة إذا قبضت ذلك ولم أؤخره؟ قال: نعم لأن السلم كان فاسدا لأن مالكا يقول في السلم: إذا كان فاسدا إنما له رأس ماله.
قلت: أفيجوز أن يصالحه على أن يؤخره برأس ماله؟ قال: لا بأس به إذا كان السلم فاسدا. قال ولقد سئل مالك عن رجل باع دارا له على أن ينفق المشتري على البائع حياته فكره مالك ذلك وقال: إن وقع الشراء على هذا فقبضها المشتري فاستغلها سنين كانت الغلة للمشتري لأنه كان ضامنا لها وترد الدار إلى صاحبها ويغرم البائع للمشتري قيمة ما أنفق عليه المشتري إن كان أنفق عليه شيئا.
قال ابن القاسم: وإن فاتت الدار بهدم أو بناء كان عليه قيمتها يوم قبضها.
قلت: أرأيت السلم الفاسد في الطعام أيجوز لي أن آخذ برأس مالي طعاما سوى ذلك الصنف الذي أسلمت فيه أيعجله ولا أؤخره؟ قال: نعم لأنه إنما لك عليه من رأس مالك وهو قوله.
قلت: أرأيت السلم إذا كان فاسدا فأخذت نصف رأس مالي وحططت عنه ما بقي؟ قال: لا بأس بذلك.

في التسليف إلى غير أجل أو يقدم رأس المال ويؤخر بعضه
قلت: أرأيت إن اشتريت دابة أو بعيرا بطعام موصوف ولم أضرب له أجلا أو ثياب موصوفة ولم أضرب لها أجلا وليس شيء مما اشتريت به البعير أو الدابة عندي أيجوز ويكون شرائي البعير أو الدابة مضمونا إلى أجل أو يكون نقدا؟ قال: هذا بيع حرام لا يجوز أن يكون مضمونا إلى غير أجل وهو بيع ما ليس عندك.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في مائة إردب تمر مائة دينار خمسين أعطيتها إياه وخمسين أجلني بها؟ قال: وقال مالك: لا يجوز هذا وينتقض جميع السلم.
قلت: فإن سلفت في طعام ولم أضرب لرأس المال أجلا فافترقنا قبل أن أقبض رأس المال؟ قال: هذا حرام إلا أن يكون على النقد, قال: وقال مالك: لا بأس بذلك إن افترقا قبل أن يقبض رأس المال إذا قبضه بعد يوم أو يومين أو نحو ذلك.
قلت: أرأيت إن أسلمت عبدا إلي في كذا وكذا كرا من حنطة ولم أذكر الأجل؟ قال: لا خير فيه إذا كان الطعام مضمونا إذا لم يضربا لذلك أجلا.
قلت: وهذا قول مالك قال: نعم.
قلت: فإن أسلم عبدا له في طعام بعينه يقبضه إلى أجل وجعل الأجل بعيدا؟ قال: لا يجوز ذلك أيضا عند مالك.
قلت: لم لا تبطل الشرط هاهنا وتجيز البيع بينهما وتجعله كله حالا لأنه قد قدم العبد في طعام بعينه؟ قال: لا لأنهما قد شرطا الأجل فلا يبطل البيع الشرط, ولكن الشرط يبطل البيع لأن الشرط لما وقع به البيع لم يصلح البيع معه, فلما لم يصلح مع هذا الشرط بطل البيع.
قال: فقلت لمالك: فإن كان الشرط بينهما إلى أجل يوم أو يومين؟ قال: البيع جائز ولا بأس بذلك إذا كانت سلعة بعينها أو طعاما بعينه فإن كان ذلك مضمونا فلا خير فيه إلا أن يتباعد الأجل.
قلت: أرأيت إن سلف في طعام فقدم بعض رأس المال وضرب لبعض رأس المال أجلا أيجوز ذلك في قول مالك أم لا وهل يجوز من ذلك حصة النقد؟ قال: قال مالك: ذلك كله حرام مفسوخ لأن عقدة البيع واحدة.
قلت: فما قول مالك في رجل سلف رجلا ألف درهم في مائة إردب حنطة

خمسمائة منها كانت دينا على المسلف إليه وخمسمائة نقدا نقدها إياه أتصلح حصة النقد أم لا؟ قال: قال مالك: لا يحل هذا السلف لأن بعضه دين في دين, ألا ترى أن الخمسمائة التي كانت عليه كانت دينا فسلفه إياها في دين فصارت دينا في دين فلما بطل بعض الصفقة بطلت كلها, ولا يجوز من ذلك حصة النقد فإذا بطل بعض الصفقة بطلت كلها.
قلت: أرأيت إن بعت عبدا لي بطعام إلى أجل سنة أو سلفته في طعام إلى أجل سنة ثم تفرقنا قبل القبض فلم يقبض العبد مني إلا بعد شهر؟ قال: أرى أنه إن لم يكن شرط أنه يقبض العبد بعد شهر أن البيع جائز ولم يوقت لنا مالك في الشهر إذا لم يقبض العبد إلى ذلك الأجل, ولكن رأيي أنه جائز وإن تأخر العبد إلى ذلك الأجل إذا كان ذلك هربا من أحدهما أو تأخيرا من غير شرط أن ينفذ البيع بينهما.
قلت: أرأيت إن أسلم إلي ثوبا بعينه أو حنطة بعينها في عبد موصوف إلى أجل فافترقنا قبل أن أقبض الحنطة أو أقبض الثوب ثم قبضته منه بعد يوم أو يومين؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: فإن قبضته منه بعد أيام كثيرة؟ قال: كان يكره ذلك مالك ولا يعجبه.
قلت: أتراه مفسوخا إذا تركه الأيام الكثيرة ثم قبضه؟ قال: إن كانا شرطا ذلك فذلك مفسوخ عند مالك.
قلت: فإن تأخر القبض الأيام الكثيرة من غير شرط؟ قال: أحفظ عن مالك الكراهية فيه ولا أحفظ عنه الفسخ.
قال ابن القاسم: وأنا أرى إذا كان ذلك من غير شرط أن ينفذ البيع بينهما.

في السلف الفاسد
قلت: فما قول مالك فيمن سلف في حنطة ولم يذكر جيدة ولا رديئة؟ قال: لا خير فيه إذا سلف في حنطة وقد نقد الثمن وضرب الأجل ولم يذكر جيدة ولا رديئة فلا خير فيه.
قال ابن القاسم: يفسخ ولا خير فيه إلا أن يصفها بجودتها لأن الطعام يختلف في الصفة.
قلت: أرأيت إن أسلف في طعام موصوف إلى أجل معلوم ونقده واشترط الطعام

الذي سلف فيه بمكيال عنده أو عند رجل أو بقصعة أو بقدح؟ قال: قال مالك: لو أن رجلا اشترى طعاما بقدح أو بقصعة ليس بمكيال الناس رأيت ذلك فاسدا ولم أره جائزا, فالسلف فيه بتلك المنزلة أو أشد. قال: قال مالك: وإنما يجوز هذا أن يتبايعوه فيما بينهم بالقدح أو القصعة أو المكيال إذا كان المكيال هكذا بعينه ليس بمكيال السوق والناس لمن يشتري من الأعراب حيث لا يكون ثم مكيال معروف للناس ولا في الأسواق ولا في القرى فيشتري من الأعراب مثل العلف والتبن والخبط, وقال أشهب مثله في الكراهية إلا أنه يقول: إن نزل لم أفسخه.
وقال سحنون: إنما يجوز للناس أن يشترطوا في تسلف الطعام وفي الشراء بالمكيال الذي جعله الوالي للناس في الأسواق وهو الجاري بينهم يوم أسلف ويوم اشترى فأما الرجل يسلف ويشتري ويشترط مكيالا قد ترك وأقيم للناس غيره ولا يعرف قدره ولا معياره من هذا المكيال الجاري بين الناس فإن ذلك لا يجوز وهو مفسوخ.
قلت: أرأيت رجلا سلف تبرا جزافا في سلعة موصوفة إلى أجل أيجوز أم لا؟ قال: ذلك جائز عند مالك.
قلت: فإن سلف دراهم جزافا قد عرفا عددها إلا أنهما لا يعرفان وزنها في سلعة موصوفة إلى أجل؟ قال: لا يجوز عند مالك.
قلت: فما فرق بين التبر والدراهم جزافا؟ قال: لأن التبر بمنزلة السلعة والدراهم ليست بتلك المنزلة إنما الدراهم عين وثمن فلا يصلح أن تباع الدراهم جزافا, وقد يباع التبر المكسور جزافا من الذهب والفضة, والآنية من الذهب والفضة جزافا, والحلي من الذهب والفضة جزافا, فإذا كان ذهبا باعه بفضة وبجميع السلع وإذا كانت فضة باعها بذهب وبجميع السلع فهذا فرق ما بينهما في قول مالك.
قلت: ما قول مالك في الرجل إذا أسلم في طعام دراهم لا يعلم وزنها؟ قال: لا يجوز في قول مالك. قال: وقال مالك: إذا كانت الدراهم لا يعلم ما وزنها فإنما اعتزيا بها وجه القمار والمخاطرة فذلك لا يجوز.
قلت: فإن أسلم نقار فضة وتبرا مكسورا لا يعلم وزنه؟ قال: ذلك جائز وهو بمنزلة سلعة من السلع.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أسلم دراهم قد عرف ما وزنها ودنانير لا يعرف وزنها أسلم جميع ذلك في حنطة موصوفة؟ قال: قال مالك: من أسلم دنانير في حنطة لا يعرف وزنها لم يجز ذلك.

قلت: فهل تجوز حصة الدراهم التي قد عرف وزنها أم لا؟ قال: لا يجوز حصتها في قول مالك لأنهما صفقة واحدة فإذا بطل بعضها بطلت كلها.
قلت: أرأيت هذا الذي لم يعرف وزنه إذا أنت فسخت ما بينهما القول قول من في قول مالك؟ قال: القول قول البائع الذي يرد الدنانير لأنه يقول: لم يدفع إلي إلا هذا والآخر مدع أنه قد دفع أكثر من هذه الدنانير فلا يصدق إلا ببينة وله اليمين على صاحبه, فإن أبى صاحبه أن يحلف ردت عليه اليمين وأخذ ما ادعى.
قلت: أرأيت إن أسلم رجل إلى رجل في حنطة على أن يوفيها إياه بمصر أيكون هذا فاسدا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا بعينه, ولكن إذا لم يسم أي المواضع من مصر يدفع إليه ذلك به فهو فاسد لأن مصرا ما بين البحر إلى أسوان.

القضاء في التسليف
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في حنطة على أن يوفيني بالفسطاط فلما حل الأجل قال: أوفيك بناحية من الفسطاط, وقال الذي له السلم: لا بل بناحية أخرى سماها؟ قال: قول مالك أنه يوفيه ذلك في سوق الطعام.
قال ابن القاسم وكذلك جميع السلع إذا كانت لها أسواق فاختلفا فإنما يوفيه ذلك في أسواقها.
قلت: فما ليس له سوق فاختلفا أين يوفيه؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأراه إذا أعطاه بالفسطاط إذا لم يكن بتلك السلعة سوق فحيثما أعطاه فهو لازم للمشتري.
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل في مائة إردب حنطة فلما حل الأجل قال: هذه مائة إردب قد كلتها فخذها فأردت أن آخذها ولا أكيل وأصدقه؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك, قال مالك: وكذلك لو اشترى مائة إردب من حنطة فكالها البائع فأخبر المشتري أنه قد كالها فأراد أن يصدقه ويأخذها بكيل البائع؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: فإن كالها المشتري بعد ذلك فأصابها تنقص من الكيل الذي أخبره به البائع؟ قال: قال مالك: إن كانت له بينة أنه حين قبض القمح من البائع فكاله قبل أن يغيب عليه رجع بالنقصان في الثمن على البائع إن كان من غير نقصان الكيل, وإن كان

غاب عليه لم يصدق إلا أن يقيم بينة أنه قبضه ناقصا وإن لم يكن له بينة حلف البائع أنه قد وفاه جميع ما سمى له من الكيل إن كان كاله هو, وإن كان إنما جاءه بالطعام رجل فأخبره بكيله فباعه على ذلك الكيل أحلف على أنه قد باعه على ما قيل له من كيله حين جاءه أو كتب به إليه, وكان القول قوله, فإن أبى أن يحلف ردت اليمين على المبتاع فحلف وأخذ النقصان من الثمن فإن أبى أن يحلف فلا حق له.
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل مديا من قمح من سلم فلما حل الأجل قلت له: كله لي في غرائرك أو في ناحية من بيتك أو دفعت إليه غرائري فقلت له: كله لي في هذه ففعل الرجل ذلك ثم ضاع الطعام قبل أن يصل إلي؟ قال: قال مالك: لا يعجبني ذلك.
قال ابن القاسم: فأما أنا فأرى إذا كان قد اكتاله ببينة فضاع بعدما اكتاله كما أمره به فلا شيء له عليه, قال: وإن كان كاله بغير بينة فهو ضامن للطعام كما هو ولا يصدق إلا أن تصدقه, فإن صدقته أنه قد كاله وقال هو: قد ضاع وكذبته أنت في الضياع, فالقول في الضياع قوله ولا شيء عليه لأنك لما صدقته أنه قد كاله كما أمرته فقد صرت قابضا لما قد كاله لك, فإن ضاع فلا شيء لك عليه لأنه إنما ضاع بعد قبضك.
قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا.

في الرجل يسلف ببلد ويشترط أن يقضي بآخر
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في طعام وشرطت عليه أن يوفيني ذلك ببلد من البلدان فلما حل الأجل قال: لي خذ الطعام مني ببلد أخرى وخذ مني الكراء إلى البلد الذي شرطت لك أن أقضيكه فيه قال: قال مالك: لا يصلح ذلك لأن البلدان بمنزلة الآجال, فهذا بمنزلة رجل قدم الطعام الذي عليه قبل محل الأجل إذا كان من بيع وزيادة دراهم أو عرض, فهذا لا يجوز لأنه من بيع الطعام قبل أن يستوفى, والآجال والبلدان في ذلك سواء عند مالك.
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل في طعام يدفعه إلي بالفسطاط فقال: خذه بالإسكندرية وخذ الكراء ففعلت فاستهلكت الطعام والكراء كيف يصنع بما استهلكت؟ قال: ترد مثله في قول مالك مثل الطعام بالإسكندرية, وترد الكراء عليه ثم تأخذ طعامك الذي أسلمت فيه حيث شرطت, وقد فسرت لك لم كرهه مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أسلم في مائة إردب قمح إلى رجل يوفيها إياه بالفسطاط

على أن على المسلم إليه حملانها إلى القلزم؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.
قال سحنون: وقد بينت لك أثر ابن عمر قبل هذا حين اشترى على أن يوفيه إياه بالربذة.

في الرجل يسلف في الطعام إلى أجل فقضي قبل محل الأجل
قلت: فإن أسلم إلي رجل في طعام إلى أجل فأتيته قبل محل الأجل أيجبر الذي له الطعام قبل محل الأجل على أن يأخذه مني في قول مالك أم لا؟ قال مالك: لا,.
قلت: فإن كان ذلك قرضا إلى أجل فأتيته به قبل محل الأجل أيجبر الذي له الطعام على أن يأخذه في قول مالك؟ قال: نعم.

الدعوى في السلف
قلت: أرأيت لو أسلمت إلى رجل في طعام فاختلفنا؟ قال: قال مالك: إذا اختلفا في عدد الكيل واتفقا أن السلم كان في حنطة مضمونة إلى أجل فقال البائع: بعتك ثلاثة أرادب بدينار, وقال المشتري: بل اشتريت منك أربعة أرادب بدينار وذلك عند حلول الأجل؟ قال: القول قول البائع الذي عليه الحق إذا جاء بما يشبه من الحق والقول إلا أن يدعي ما لا يشبه مبايعة الناس, والمشتري مدع وعليه البينة.
قلت: فإن قال: أسلفتك في قمح وقال البائع: بل أسلفتني في شعير أو قال: أسلفتك في حمار, وقال الآخر: بل أسلفتني في بغل تحالفا وترادا الثمن قال: ولم أره يجعله مثل النوع إذا اتفقا عليه.
قال ابن القاسم: وأنا أرى على ما قال مالك: في الحنطة إن كان ما تقارا به من دابة اتفقا عليها أن السلم كان فيها مثل بغل أو حمار أو رقيق أو عرض من العروض اتفقا على التسمية واختلفا في الصفة أن القول قول البائع إذا أتى بما يشبه, ويحلف البائع, والمبتاع مدع, وإن اختلفا في السلعتين تحالفا وفسخ البيع بينهما ورد إلى المشتري رأس ماله. قال: ولقد سأل رجل مالكا وأنا عنده قاعد في رجل باع من رجل حائطا له واشترط فيه نخلات يختارها فقال المشتري: إنما اشترط علي نخلات أراني إياهن, وقال البائع: بل اشترطت عليك الخيار ولم أره نخلات, قال مالك: أرى أن يتحالفا ويفسخ البيع بينهما.
قال: فقلت لمالك غير مرة فالرجل يبيع من الرجل السلعة على النقد فينقلب بها

في المبتاعين يدعي أحدهما حلالا والآخر حراما أو يأتي أحدهما بما لا يشبه
قلت: أرأيت ما اشتريت فانقلبت به من جميع السلع الطعام وغيره من كل ما يبتاع الناس من شيء من دار أو أرض أو حيوان أو رقيق أو غير ذلك فبنت به وزعمت أني قد دفعت الثمن, وقال البائع: لم يدفع إلي الثمن؟ قال: قال مالك: أما ما كان من البيوع مما يتبايعه الناس على وجه الانتقاد شبه صرف مثل الحنطة والزيت واللحم والفواكه والخضر كلها ومما يبتاع الناس في أسواقهم مما يشبه هذه الأشياء, فإن ذلك مثل الصرف فالقول فيه قول المشتري وعليه اليمين, وما كان مثل الدور والأرضين والبزور والرقيق والدواب والعروض فإن القول في الثمن قول البائع وعليه اليمين, وإن قبضه المبتاع فلا يخرجه من أداء الثمن قبضه إياه وبينونته به إلا أن يقيم البينة على دفع الثمن وإلا فالقول قول البائع وعليه اليمين.
قلت: أرأيت إذا أسلمت في سلعة من السلع فادعيت أن الأجل قد حل وقال الذي عليه السلم: لم يحل الأجل؟ قال: قال مالك: القول قول البائع الذي عليه السلم إذا أتى بما يشبه ولم يدع ما لا يشبه من آجال السلم.
قلت: فإن أتى المسلم إليه بما لا يشبه؟ قال: أرى أن القول إذا كان هكذا قول المبتاع الذي له السلم إذا أتى بما يشبه قال: وذلك أن مالكا سئل عن الرجل يبيع السلعة بثمن إلى أجل فيبين بها المشتري وتفوت فيقول البائع بعتكها إلى أجل كذا وكذا ويقول المبتاع: بل اشتريتها منك إلى أجل كذا وكذا لأبعد منه؟ قال: القول قول المبتاع.
قال ابن القاسم: وذلك عندي إذا أتى بما يشبه وإن لم يأت بما يشبه فالقول قول البائع.

قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل فقلت: إني ضربت للسلم أجل شهرين, وقال المسلم إليه: لم تضرب للسلم أجلا يريد فساده, أو قال الذي دفع إليه الدراهم: لم يضرب للسلم أجلا, وقال الذي عليه السلم: قد ضربنا للسلم أجلا؟ قال القول قول من يدعي الصحة والحلال منهما, ولا يلتفت إلى قول من يدعي الفساد والحرام منهما إلا أن يكون له بينة وعليه البينة, فإن لم يكن له بينة أحلف الذي يدعي الصحة وكان القول قوله.
قلت: أرأيت إن تناقدا السلم واختلفا في رأس مال السلم؟ قال: القول قول الذي عليه السلم.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في مائة إردب حنطة فلما حل الأجل قال الذي عليه السلم: لم أقبض رأس المال منك إلا بعد شهر أو شهرين أو قال كنا شرطنا أن رأس المال إنما تدفعه إلي بعد شهر أو شهرين وقال الذي له السلم: بل نقدتك عند عقدة البيع والشراء؟ قال: القول قول من يدعي الصحة منهما.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: أسلمت إليك هذا الثوب في مائة إردب من حنطة وقال الآخر: بل أسلمت إلي هذين الثوبين لثوبين غير الثوب الأول في مائة إردب من حنطة وأقاما جميعا البينة على ذلك؟ قال: تصير له الأثواب الثلاثة في مائتي إردب من حنطة لأن بينة هذا شهدت على سلم غير ما شهدت به بينة هذا, وكذلك الآخر.
قلت: فإن أقاما البينة جميعا أقام هذا على أني أسلمت إليه هذا العبد في مائة إردب حنطة وقال الآخر: بل أسلمت إلي هذا العبد وهذا الثوب في مائة إردب من حنطة قال: هذا يكون سلما واحدا ويكون عليه مائة إردب من حنطة بالثوب والعبد جميعا لأن بينة الذي شهدت بالعبد والثوب جميعا شهدت بالأكثر, فكان ذلك له لأن مالكا قال: لو أن رجلا أقام شاهدا على خمسين وشاهدا على مائة قال: يحلف مع شهادة الذي شهد بالمائة كلها ويأخذ المائة كلها, قال: ولم أسمع من مالك المسألتين جميعا.
قلت: فلو أني أقمت البينة أني أسلمت هذا الثوب إلى هذا الرجل في مائة إردب حنطة وأقام هو البينة أني أسلمت إليه ذلك الثوب وعبدي في مائة إردب شعير؟ قال: أرى أن يتحالفا ويتفاسخا ويترادا إذا تكافأت البينتان, وذلك أن البينة إذا تكافأت في أمر اختلف فيه المدعي والمدعى عليه فتكافأ الشهود كانا بمنزلة من لم يقم لهما بينة يتحالفان ويترادان.

قلت: أرأيت إن اختلف المسلم إليه ورب السلم في الموضع الذي جعلا قبض الطعام فيه فقال المسلم إليه: إنما قبضت منك دراهمك على أن أعطيك الطعام بالفسطاط وقال الذي له السلم إنما دفعت إليك على أن أقبض منك بالإسكندرية, وإنما كان دفع دراهمه بالفسطاط قال ابن القاسم: إذا اختلفا هكذا نظر إلى الموضع الذي أسلم إليه فيه الدراهم فيكون عليه أن يدفع إليه الطعام في ذلك الموضع إن كان أسلم إليه بالفسطاط, فعليه أن يدفع إليه بالفسطاط, وإن كان إنما أسلم إليه بالإسكندرية فعليه أن يدفع إليه بالإسكندرية, ورأى إذا اختلفا في البلدان فادعى الذي عليه السلم غير الموضع الذي دفع إليه فيه الدراهم وادعى الذي له السلم غير الموضع الذي دفع إليه فيه الدراهم أيضا وتصادقا أن السلم إنما دفعه إليه في موضع كذا وكذا وليس يدعي واحد منهما أنه شرط عليه الدفع أو القبض في الموضع الذي كان فيه السلم فالقول قول البائع, لأن المواضع بمنزلة الآجال, وإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه قول كل واحد منهما في قبض السلعة أو قبض الدراهم والدفع فيه احلفا وفسخ ما بينهما.

الدعوى في التسليف
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في طعام فلما حل الأجل اختلفت أنا والذي أسلمت إليه فقلت له: أسلمت إليك عشرة دنانير في مائة إردب حنطة وقال: بل أسلمت إلي العشرة دنانير في خمسين إردبا حنطة قال: قال مالك: القول قول البائع
قال ابن القاسم: وأنا أقول: إن كان لا يشبه ما قال البائع من سلم الناس نظر إليه ما قال المبتاع, فإن كان ما قال يشبه سلم الناس كان القول قوله, وإنما ينتقض هذا إذا قال: أسلمت في خمسين إردبا من شعير وقال صاحبه: بل أسلمت إليك في خمسين إردب حنطة أو قطنية أو غير ذلك, فإذا اختلفت الأنواع تحالفا وترادا, وأما إذا كان نوعا واحدا فاختلفا في الكيل والوزن نظر إلى قول البائع المسلم إليه فإن كان ما قال يشبه أن يكون سلم الناس يوم أسلم إليه فالقول قوله, وإن أتى بما لا يشبه أن يكون سلم الناس يوم أسلم إليه وتبين كذبه فالقول قول المبتاع إذا أتى بما يشبه وليس اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع الذي أسلم إليه فيه كاختلافهما في الأنواع, وإنما اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع الذي أسلم إليه بمنزلة رجلين باع أحدهما جارية من صاحبه فماتت الجارية عند المشتري فاختلفا في ثمنها, فقال المشتري: اشتريتها بخمسين دينارا وقال البائع: بعتها بمائة دينار. قال: قال مالك: القول قول المشتري إلا أن يتبين كذبه يأتي بما لا يشبه أن يكون ثمن الجارية يوم اشتراها فإذا أتى بما لا يشبه

أن يكون ثمن الجارية يوم اشتراها به كان القول قول البائع إذا أتى بما يشبه أن يكون ثمن الجارية يوم باعها
قال: قال مالك: فإن لم يأت البائع بما يشبه أن يكون ثمن الجارية يوم باعها كان على المبتاع قيمتها يوم اشتراها المشتري فلما قال مالك: إذا أتيا جميعا بما لا يشبه كانت عليه قيمتها يوم اشتراها المشتري وقال: في الكيل إذا تصادقا في النوع الذي أسلم إليه فيه فالقول قول البائع إلا أن يأتي بما لا يشبه وإنما اختلافهما في السلم إذا اختلفا في الأنواع فقال البائع أسلمت إلي في حنطة, وقال المشتري: بل أسلمت إليك في قطنية بمنزلة قول بائع الجارية: بعتها منك بمائة إردب حنطة, وقال مشتريها: اشتريتها منك بمائة إردب عدس فهذا إذا كانت قائمة تحالفا وترادا, وإن فاتت كانت قيمة الجارية على المشتري لأن مالكا قال لي في الدنانير إذا رفعت سلما فقال: أحدهما في حمص, وقال الآخر في عدس بعد حلول الأجل وقد أسلمه إلى أجل من الآجال أنهما يتحالفان ويترادان الثمن فلما رد مالك الثمن وفسخ البيع بينهما ولم يكن فوات الزمان عنده تصديقا لقول البائع كانت الجارية كذلك لم يقبل قول واحد منهما فجعلت القيمة كأنها ذهب لأنه لو باعها ثم ماتت أو عورت أو نقصت كان ضامنا لها فله نماؤها وعليه نقصانها يوم قبضها لأنه كان ضامنا لها.
قلت: أرأيت لو أسلمت ثوبا في حنطة فلما حل الأجل أو كان الأجل قريبا ولم تحل أسواق الثوب ولم تتغير اختلفنا في الكيل فقلت: أنا أسلمت إليك الثوب في ثلاثين إردب حنطة وقال المسلم إليه: بل أسلمت إلي في عشرين إردب حنطة والثوب قائم بعينه أيكون القول قول المسلم إليه أم لا؟ قال: لا, ولكن يتحالفان ويترادان إذا كان الثوب قائما بعينه لم يفت بتغير أسواق ولا غير ذلك لأن مالكا قال: إذا لم يفت بتغير أسواق ولا غير ذلك ولا بنماء ولا نقصان ولم يخرج من يده فالقول قول البائع ويتحالفان ويترادان إذا كان الثوب قائما بعينه فكل أجل قريب باعا إليه وتناكرا فيه, وإن بعد الأجل وقبض السلعة ولم يفت بنماء ولا نقصان ولا بتغير أسواق فهو بمنزلة أن لو كانت قائمة فإن قال قائل بل إذا ائتمنه عليها ورضي بالأجل وزاد في الثمن فهو ندم إذا غاب عليها المشتري, فإن مالكا قد قال لي غير مرة ولا عام: يتحالفان ويترادان إذا قبضها وغاب عليها ما لم تفت بتغير كما وصفت لك, ولم يجعل البيع إذا قبضها المبتاع وغاب عليها ندما من البائع, فلو كان يكون إذا باعها إلى أجل فاختلفا في الثمن ندما من البائع ويجعل فيه القول قول المشتري لكان بيع النقد إذا غاب عليها المشتري وقبضها ندما من البائع ولم

يقل لي مالك بدين ولا بنقد إلا أنه قال لي غير مرة: إذا لم تفت بنماء ولا نقصان ولا بعتاقة ولا بهبة ولا بتغير الأسواق فالقول قول البائع ويترادان, ولم يقل لي مالك بنقد ولا إلى أجل وهما في القياس واحد قال: وأصل هذا أن ينظر إلى السلعة ما كانت قائمة بعينها لم تتغير فإنهما يتحالفان ويترادان فإذا تغيرت السلعة في يدي المبتاع فصارت دينا عليه, فالدين الذي صار عليه بمنزلة السلم على الرجل أحملها محملا واحدا يجوز للذي عليه السلم من القول ما يجوز لهذا الذي فاتت الجارية عنده لأن هذا قد صار دينا والسلم دين فمحملها محمل واحد إذا تصادقا في السلعة التي فاتت واختلفا في ثمنها أو اختلفا في الكيل في السلم إذا تصادقا في النوع الذي أسلم فيه فاحملها محملا واحدا.

ما جاء في الوكالة
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: خذ لي دراهم سلما في طعام إلى أجل ففعل الرجل فأخذ لي دراهم في طعام إلى أجل, وإنما أخذ ذلك لي أيلزمني السلم أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك لازم للآمر عند مالك. قال: وقال لي مالك بن أنس: وإن اشترط المشتري على المأمور أنه إن لم يرض فلان وقد سماه له الذي أمره فأنت لبيعي ضامن حتى توفينيه إلى الأجل, قال: ذلك جائز ولا بأس به. قال مالك: وإنما مثل ذلك مثل رجل يقول لرجل: ابتع لي غلاما أو دابة بالسوق أو ثوبا فيأتي المأمور إليه من يشتري منه فيقول له: إن فلانا أرسلني أشتري له ثوبا فبيعوه فقد عرفتموه فيقولون: نحن نبيعه, فإن أقر لنا بالثمن فأنت بريء وإلا فالثمن عليك توفيناه نقدا أو إلى أجل فهذا لا بأس به.
قلت: أرأيت إن أمرت رجلا يشتري لي جارية أو أمرته أن يشتري لي ثوبا ولم أسم له جنس الثوب ولم أسم له جنس الجارية فاشترى لي الجارية أو اشترى لي ثوبا أيلزمني ذلك الأمر؟ قال: إذا اشترى له جارية يعلم أن مثلها من خدم الآمر ومما يصلح أن يكون من جواري الآمر جاز ذلك على الآمر, قال: وإنما ينظر إلى ناحية الآمر, فإن اشترى له ثوبا مما يعلم أن ذلك مما يجوز على الآمر لزم ذلك الآمر, وإن اشترى له جارية يعلم أن مثلها من خدم الآمر ومما يصلح أن يكون من جواري الآمر جاز ذلك عليه وإن اشترى له ما ليس يشبه أن يكون من ثياب الآمر ولا من خدم الآمر لم يجز ذلك على الآمر إلا أن يشاء, ويلزم ذلك المأمور وهذا قول مالك فيما بلغني.
قال: ولقد قلت لمالك: الرجل يبضع مع الرجل في الخادم يشتريها له بأربعين دينارا فيشتريها بثلاثين دينارا أو بأكثر من ذلك ويصف له صفة الخادم؟ قال: أما إذا

اشتراها بأدنى وكانت على الصفة لزمه ذلك وإن اشتراها بأكثر مما أمره به وكان ذلك زيادة الدينار أو الدينارين أو ما يشبه ذلك مما يزاد على مثل ذلك الثمن لزم الآمر أيضا وغرم الزيادة وكانت السلعة للآمر إذا كانت على الصفة, وإن كانت زيادة كثيرة لا يشبه أن تكون تلك الزيادة على مثل ذلك الثمن كان الآمر بالخيار إن أحب أن يعطيه ما زاد فعل وأخذ السلعة وإن أبى لزمت المأمور وغرم للآمر ما أبضع معه؟ فأرى: إن كانت الزيادة كثيرة لا تشبه الثمن ففاتت السلعة أو تلفت قبل أن يرضاها الآمر أن مصيبتها من المأمور ويرجع عليه الآمر بماله وإن كانت الزيادة تشبه الثمن فمصيبتها من الآمر والزيادة له لازمة يرجع عليه بها المأمور لأن السلعة سلعته لا خيار له فيها.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا ليسلمه لي في طعام فأسلم ذلك إلى نفسه أو إلى زوجته أو إلى أبيه أو إلى ولده أو إلى ولد ولده إلى أمه أو إلى جده أو إلى جدته أو إلى مكاتبه أو إلى مدبره أو إلى مدبرته أو إلى أم ولده أو إلى عبده المأذون له في التجارة أو إلى عبيد ولده الصغار الذين هم في حجره أو إلى عبيد زوجته أو إلى عبد أحد من هؤلاء الذين ذكرت لك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى ذلك جائزا كله ما خلا نفسه أو ابنه الصغير أو أحدا ممن يليه في حجره من يتيم أو سفيه أو ما أشبه هؤلاء, وأما ما سوى هؤلاء ممن سألت عنه فأرى السلم جائزا إذا لم تعرف في ذلك محاباة منه وعرف وجه الشراء بالصحة منه.
قلت: فإن أسلم ذلك إلى شريك له مفاوض؟ قال: أرى أن ذلك غير جائز لأنه إذا أسلم إلى شريكه المفاوض فإنما أسلم إلى نفسه.
قلت: فإن أسلم ذلك إلى شريك له شركة عنان ليست شركة مفاوضة؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن وكلت وكيلا يسلم لي في طعام فأسلم ذلك إلى نصراني أو يهودي؟ قال: لا بأس بذلك.

في وكالة الذمي والعبد
قلت: أرأيت إن وكلت ذميا يسلم لي في طعام أو أدم أو رقيق أو حيوان فدفعت إليه الدراهم؟ قال: قال مالك: لا تدفع إلى النصراني شيئا يبيعه لك, ولا يشتري لك شيئا من الأشياء ولا تستأجره على أن يتقاضى لك شيئا ولا تبضع معه ولا يجوز شيء مما يصنعه النصراني للمسلمين في بيع ولا شراء إلا أن يستأجره للخدمة, فأما أن

يستأجره يتقاضى له أو يبيع له أو يشتري له فلا يجوز ذلك, قال: وكذلك عبده النصراني لا يجوز له أن يأمره أن يشتري له شيئا ولا يبيعه ولا يتقاضى.
قال مالك: ولا ينبغي للمسلم أن يمنع عبده النصراني أن يشرب الخمر أو يأكل الخنزير أو يبيعها أو يبتاعها أو يأتي الكنيسة لأن ذلك من دينهم.
قال: قلت لمالك هل يشارك المسلم النصراني؟ قال: لا, إلا أن لا يوكله يبيع شيئا ويلي المسلم البيع كله فلا بأس بذلك.
قال: فقلت لمالك أيساقي المسلم النصراني؟ قال: لا بأس بذلك إن كان لا يعصره خمرا
قال ابن القاسم: يريد مالك بقوله أن لا يوكله بغيب على بيع ولا شراء إلا بحضرة المسلم. قال مالك: ولا أحب للرجل المسلم أن يدفع إلى النصراني مالا قراضا ولا يأخذ المسلم من النصراني مالا قراضا.

في وكالة العبد ووكالة الوكيل
قلت: أرأيت إن وكلت عبدا لرجل وهو مأذون له في التجارة أو محجور في أن يسلم في طعام ففعل؟ قال: أرى ذلك جائزا.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا في أن يسلم لي في طعام فوكل الوكيل وكيلا غيره؟ قال: أراه غير جائز

في تعدي الوكيل
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا في أن يبيع لي طعاما أو سلعة فباعها بطعام أو شعير أو باع الطعام بعرض من العروض نقدا أو انتقد الثمن وفاتت السلعة, أيجوز ذلك على الآمر في قول مالك؟ قال ابن القاسم: أحب إلي أن يكون المأمور ضامنا إذا باع بغير العين ويباع ذلك عليه, فإن كان في قيمتها وفاء فيكون ذلك للآمر وإن كان نقصان فعلى المأمور بما تعدى إلا أن يحب الآمر أن يجيز البيع ويأخذ الثمن فذلك له, وقال غيره إلا أن يشاء الآمر أن يقبض ثمن ما بيع له إن كان عرضا أو طعاما.
قلت: وكذلك إن أمره أن يشتري له سلعة من السلع فاشتراها له بعرض من العروض أو بحنطة أو بشعير أو بشيء مما يوزن أو يكال سوى الدنانير والدراهم؟ قال: لا

في الرجل يوكل الرجل يبتاع له طعاما فيفعل ثم يأتي الآمر ليقبضه فيأبى البائع أن يدفع ذلك إليه
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يسلم لي في طعام ففعل فلما حل الأجل أتيت إلى الذي عليه السلم لأقبض منه السلم فمنعني وقال لي: لم تسلم إلي أنت شيئا ولا أدفع الطعام إلا إلى الذي دفع إلي الثمن.
قال: قال مالك: إن كان الاشتراء قد ثبت للآمر ببينة تقوم أن المأمور إنما اشترى هذا الطعام للآمر لزم البائع أن يدفع ذلك الطعام إلى الآمر ولم يكن له في ذلك حجة, وإن لم يكن دفع ذلك ببينة كان المأمور أولى بقبضه من الآمر.
قلت: فإن دفع الطعام إلى الآمر أيبرأ في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ويدفع الطعام إلى الآمر إذا قامت له البينة كما ذكرت في قول مالك؟ قال: نعم وإن كان لم يحضر المأمور.

الرهن في التسليف
قلت: أرأيت إن أسلفت في طعام إلى أجل وأخذت رهنا بذلك الطعام فهلك

الكفالة في السلم
قلت: أرأيت إن أسلفت مائة دينار في ثياب موصوفة إلى أجل وأخذت منه كفيلا

فصالحت الكفيل قبل محل الأجل على ثياب أو عرض من العروض أو طعام أو دراهم أو دنانير؟ قال: إن كان باع الكفيل إياها بيعا والذي عليه الدين حاضر حتى لا يكون للكفيل على البائع إلا ما عليه فلا بأس به إذا باعها بما يحل وإن كان صالحه بأمر يكون البائع عليه فيه بالخيار إن شاء أجاز صلحه وإن شاء أعطاه ماله عليه فلا خير فيه.
قلت: فإن كان صالحه الكفيل لنفسه على ثياب؟ قال: إن صالحه قبل محل الأجل على ثياب مثل الثياب التي عليه في صفتها وعددها فلا بأس به, وإن كانت أكثر أو أقل أو أجود رقاعا أو أشر فلا خير فيه.
قلت: أرأيت رجلا أسلف رجلا مائة دينار إلى أجل وأخذ منه كفيلا فصالح الكفيل الغريم قبل محل الأجل أو بعد محل الأجل على طعام أو ثياب؟ قال: إن كان ما صالح عليه الكفيل أمرا يكون فيه الذي عليه الحق مخيرا إن شاء دفع إليه ما صالحه عليه وإن شاء دفع إليه ما كان عليه, فلا خير فيه وإن كان ما صالحه يكون ذلك يرجع إلى القيمة لأنه لا يوجد مثله من الثياب والرقيق والدواب فأراه جائزا لأنه كأنه قضاه دنانير لأن ذلك يرجع إليه قيمة الذي عليه إن كان الذي عليه دنانير فيدفع إليه الأقل وإن كان الذي عليه عرضا أو حيوانا فلا خير فيه.
قلت: لم لا يجوز أن يصالح الكفيل على ثياب من صنف التي أسلم فيها أقل منها أو أكثر؟ قال: لأن الثوب بالثوبين مثله إلى أجل ربا. قال: ألا ترى أنه إن صالح الكفيل على ثوبين من نوع ما أسلف فيه وإنما له على الذي أسلم إليه ثوب واحد فقد باع ثوبا إلى أجل بثوبين من نوعه فلا يجوز وإن كان السلم ثوبين فلا يصلح أن يصالح الكفيل على ثوب لأنه إذا فعل ذلك فقد باع الكفيل ثوبين إلى أجل بثوب من نوعه نقدا وهذا الربا بعينه.
قلت: هذا قد علمته إذا كان السلم ثوبين فأخذ من الكفيل ثوبا قبل محل الأجل أنه ربا لم كرهه إذا كان السلم ثوبا إلى أجل فأخذ من الكفيل ثوبين نقدا؟ قال: لأنه لا ينبغي للرجل أن يدفع ثوبين إلى رجل نقدا في ثوب من نوعهما إلى أجل لأنه إنما زاده الثوب على أن يضمن له الثوب الآخر إلى محل الأجل فهذا لا يصلح وكذلك الكفيل مثل هذا.
قال: وقال مالك: وإن أخذ من الكفيل ثوبا قبل محل الأجل هو أرفع من الثوب الذي على الغريم إذا كان من صنفه لم يصلح لأنه إنما زاده على أن وضع عنه الضمان.

قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في حنطة إلى أجل وأخذت منه كفيلا بم يجوز لي أن أصالح الكفيل في قول مالك قبل محل الأجل؟ قال: لا يجوز لك أن تصالح الكفيل قبل محل الأجل بشيء من الأشياء إلا أن تأخذ منه مثل رأس مالك التي أسلفت تولية توليه إياها أو إقالة برضا الذي عليه السلم أو مثل طعامك الذي أسلفت فيه.
قلت: ولا يجوز لي أن آخذ من الكفيل سمراء إذا كان السلم حنطة محمولة؟ قال: لا.
قلت: وكذلك لا يجوز لي أن آخذ منه إذا كان السلم حنطة سمراء فلا يجوز لي أن آخذ منه محمولة أو شعيرا؟ قال: نعم لا يجوز ذلك, ولا يجوز لك أن تأخذ من الكفيل قبل محل الأجل ولا بعد محل الأجل إلا مثل حنطتك التي شرطت.
قلت: فالذي عليه السلم أي شيء يجوز لي أن آخذ منه قبل محل الأجل؟ قال: لا يجوز لك أن تأخذ منه قبل محل الأجل إلا حنطة مثل حنطتك التي أسلفت فيها أو رأس مالك بعينه.
قلت: فإن أخذت من الذي عليه السلم سمراء وكانت محمولة أو أخذت محمولة أو شعيرا أو سلتا وكانت سمراء وذلك قبل محل الأجل؟ قال: لا يجوز ذلك.
قلت: والكفيل والذي عليه السلم قبل محل الأجل أهما سواء لا يجوز لي أن آخذ منهما إلا دراهم مثل دراهمي أو حنطة مثل الحنطة التي أسلمت فيها بصفتها؟ قال: نعم إلا أن الذي عليه السلم يجوز لك أن تقيله ولا يجوز لك أن تقيل الكفيل إلا برضا الذي عليه السلم.
قلت: ولم جوزت لي قبل محل الأجل أن أولي الكفيل؟ قال: لأنك لو وليت أجنبيا من الناس جاز لك ذلك, فالكفيل أولى أن يجوز له ذلك ولك أن تولي من شئت من الناس.
قلت: فلم كرهت لي أن أقيل الكفيل إلا برضا الذي عليه السلم؟ قال: لأني إذا أجزت لك أن تقيل الكفيل بغير رضا الذي عليه الحق كان الذي عليه السلم مخيرا في أن يقول: لا أجيز الإقالة وأنا أعطي الحنطة التي علي, فذلك له أن لا يعطي الحنطة إلا الحنطة التي عليه لا يلزمه غيرها فكأن الكفيل إنما استقال على أن البائع بالخيار إن أحب أن يعطي طعاما أعطاه وإن أحب أن يعطي دنانير أعطاه, فقبحت الإقالة هاهنا لما صار الذي عليه السلم مخيرا وصار الكفيل هاهنا كأجنبي من الناس استقال الذي له الحق

على أن جعل الخيار للذي عليه السلم إن أحب أن يعطي دنانير أعطاه وإن أحب إن يعطي طعاما أعطاه, فصار بين الطعام قبل أن يستوفي لأنه إذا كان الخيار للبائع الذي عليه السلم لم يجز فيه النقد وكان النقد فيه فاسدا فلما نقده الكفيل على أن الذي عليه السلم بالخيار فكأنه أسلفه الذهب سلفا على أن البائع إن شاء رد ذهبا وإن شاء أعطى طعاما فهذا بيع الطعام قبل أن يستوفي لا شك فيه.
قلت: فلم أجزت أن تقيله برضا الذي عليه السلم؟ قال: لأن الإقالة هاهنا إنما تقع للبائع فيصير الكفيل هاهنا كأنه أسلفه الدنانير سلفا وهذا يجوز للأجنبي من الناس أن يعطيني ذهبي على أن أقيل الذي عليه السلم برضاه فإذا رضي فإنما استقرض الذهب قرضا وأوفاني, وإنما يتبع الذي عليه السلم هاهنا بالذهب لا بغير ذلك والكفيل والأجنبي هاهنا سواء.
قلت: لم أجزت لي أن آخذ من الكفيل قبل محل الأجل طعاما مثل طعامي الذي أسلفت فيه وهذا لا يجوز لي أن آخذه من أجنبي غير الكفيل. قال: لأن الكفيل هاهنا إنما قضى على نفسه حنطة عليه إلى أجل قبل محل الأجل فلذلك جاز, حل الأجل أو لم يحل, ولا يجوز للأجنبي من الناس أن يعطيني عن الذي عليه السلم مثل حنطتي الذي عليه وأحيله عليه إلى محل الأجل لأن هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي, فلا يجوز ذلك, حل الأجل أو لم يحل إلا أن يستقرض الذي عليه السلم هذا الطعام من هذا الأجنبي ليوفيني أو يأمر أجنبيا من الناس فيوفيني عنه مثل الطعام الذي لي عليه من غير أن أسأل أنا الأجنبي أن يوفيني ذلك, وأحيله على الذي عليه السلم, فإذا كان كذلك فهو جائز, حل الأجل أو لم يحل, ولا يجوز للأجنبي من الناس وإن حل الأجل أن يوفيني على أن أحيله على الذي عليه السلم ولا أن أتسلف مثل الطعام الذي لي على الذي عليه السلم وأحيل عليه بذلك فهو لا يجوز.
قلت: ولا يجوز أن آخذ من المكيل إذا كانت الحنطة التي أسلمت فيها سمراء محمولة ولا شعيرا ولا سلتا ولا غير ذلك من الأطعمة؟ قال: نعم.
قلت: لا يجوز حل الأجل أو لم يحل؟ قال: نعم.
قلت: ولم؟ قال: لأنه إذا فعل ذلك كان بيع الطعام قبل أن يستوفي.
قلت: فإن حل الأجل أيصلح لي أن آخذ من الكيل سمراء والسلم محمولة أو شعيرا أو سلتا؟ قال: لا يجوز ذلك لأن هذا بيع الطعام أيضا قبل أن يستوفي لأنه يقضي ويتبع بغير ما أعطاني.

قلت: أرأيت الذي عليه السلم يجوز لي أن آخذ منه قبل محل الأجل مثل طعامي الذي لي عليه؟ قال: نعم.
قلت: ويجوز لي أن آخذ منه مثل دراهمي التي أسلمت إليه؟ قال: نعم.
قلت: وهل يجوز لي أن آخذ منه قبل محل الأجل شيئا غير دراهمي أو طعامي الذي عليه بعينه؟ قال: لا يجوز ذلك أن تأخذ منه غير الذي لك.
قلت: أفيجوز لي أن آخذ منه محمولة إذا كان السلم سمراء قبل محل الأجل أو شعيرا أو سلتا؟ قال: لا.
قلت: لم؟ قال: لأن ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفي لأنك لم تأخذ طعامك بعينه, وإنما أخذت منه طعاما غير طعامك الذي لك عليه فصار بيع الطعام قبل أن يستوفي ويدخله ضع عني وتعجل.
قلت: فإن حل الأجل فأخذت منه سمراء عن محمولة أو محمولة عن سمراء أو سلتا أو شعيرا؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: وما فرق ما بين الكفيل وبين الذي عليه السلم إذا حل الأجل؟ قال: إذا حل الأجل فأخذت من الذي كان عليه السلم محمولة من سمراء أو سمراء من محمولة فهذا بدل, ألا ترى أنك إذا أخذت سمراء من محمولة أو محمولة من سمراء بطل الذي كان لك عليه, وإذا أخذت من الكفيل محمولة من سمراء أو سمراء من محمولة إذا حل الأجل لم يبطل عن الذي عليه السلم ما عليه بالذي أخذته من الكفيل واتبع الكفيل الذي عليه السلم بالطعام الذي عليه فهذا بيع الطعام قبل أن يستوفي.
قلت: أرأيت لو أني أسلفت إلى رجل في طعام إلى أجل, وأخذت به كفيلا وأعطاني الكفيل الطعام قبل محل الأجل للكفيل أن يتبع الذي عليه الطعام؟ قال: ليس ذلك للكفيل حتى يحل الأجل, فإذا حل الأجل اتبع الكفيل الذي عليه الطعام لأنه قد أداه عنه.
قلت: فإن حل الأجل ولم يؤد الكفيل الطعام, للكفيل أن يتبع الذي عليه الطعام فيأخذه منه على أن يؤديه إلى الذي له السلم؟ قال: ليس له أن يأخذه منه ولكن له أن يتبعه حتى يؤديه إلى من يحمل له عنه ويبرأ من حمالته.
قلت: أرأيت إن أسلمت في طعام أو عروض وأخذت بذلك كفيلا فحل الأجل

فأردت أن آخذ الكفيل قال: قال مالك: ليس له أن يأخذ الكفيل إلا أن يكون الذي عليه الحق كثير الدين فهو إن قام على حقه خاف أن يحاصه الغرماء أو يأتي غرماء آخرون فيتبعونه, قال: فإن كان كذلك أو كان غائبا فأرى أن يتبع الكفيل, وإن لم يكن كذلك لم أر أن يباع له مال الحميل حتى يستوفي حقه من الغريم, وإن عجز الذي عليه السلم عن حقه أو لم يجد له شيئا اتبع الكفيل.
قلت: أرأيت إن كان الذي عليه السلم مليا بالحق أله أن يأخذ الكفيل فيقول للكفيل: ألزم الذي عليه الحق حتى يعطيني حقي قال: لا أرى ذلك له.
قلت: أرأيت إن حل الأجل فجاءني الكفيل فقال: أد إلي الطعام الذي تحملت به عنك فدفعته إليه ليؤديه عني فتلف عنده؟ قال: هو ضامن له إذا كان إنما أخذه منك على وجه الاقتضاء مما تحمل به عنك.
قلت: كانت له على ضياعه بينة أو لم تكن؟ قال: نعم.
قلت: كان مما يغيب عليه أو مما لا يغيب عليه؟ قال: نعم.
قلت: اقتضاني ذلك أو كنت أنا الذي دفعته إليه قبل أن يقتضيني ذلك؟ قال: نعم إذا كان أخذه على وجه الاقتضاء مما تحمل به عنك وسواء كان ذلك بقضاء من سلطان أو غيره إلا أن يكون الذي عليه الحق دفعه إلى الكفيل من غير اقتضاء منه للحق على وجه الرسالة له فلا يضمن الكفيل.
قلت: أرأيت إن أسلمت في طعام إلى أجل وأخذت منه بذلك كفيلا فحل الأجل ثم إن الذي عليه السلم دفع الطعام إلى الكفيل بعد محل الأجل فباعه الكفيل فأتى الذي له السلم فقال: أنا أجيز بيع الكفيل للطعام الذي قبض لي من الذي عليه السلم؟ قال: لا يجوز ذلك لأنه لم يوكله أن يقبض منه ماله ويدخل هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي.
قلت: أفيكون للذي له السلم أن يرجع بطعامه على الذي عليه السلم؟ قال: نعم.
قلت: وإن شاء أخذ الكفيل بمثل الطعام الذي دفعه إلى الذي عليه السلم ليؤديه عنه؟ قال: نعم إذا كان دفعه إليه على غير اقتضاء ولا ضمان عليه فيه.
قلت: فإن أخذ الذي عليه السلم بطعامه الذي عليه أيرجع الذي عليه السلم على الكفيل الذي باع الطعام بثمن الطعام الذي باع؟ قال: نعم إذا كان دفعه إليه على غير اقتضاء ولا ضمان عليه فيه.

قلت: وإن أحب أن يأخذه بمثل الطعام الذي دفعه إليه ليؤديه عنه أخذه؟ قال: نعم.
قلت: فإن أخذ الذي له السلم الكفيل بمثل الطعام الذي قبضه من الذي عليه السلم وكفله أيسوغ له الثمن الذي باعه به؟ قال: نعم.
قلت: ولا يكون للذي كان عليه السلم أن يقول: أنا آخذ منه الثمن الذي باع به وأرد عليه مثل الطعام الذي أخذ منه رب السلم, قال: نعم لا يكون له ذلك إذا كان أخذ منه على وجه الاقتضاء لأنه كان له ضامنا.
قلت: أرأيت رجلا أسلم إلى رجل في طعام وأخذ منه كفيلا برأس ماله أيكون على الكفيل شيء إن كانت حمالته برأس ماله أنه يأخذ رأس ماله من الحميل إن لم يوفه الذي عليه الطعام حقه؟ قال: لا خير في هذا البيع وهذا حرام.
قلت: أرأيت لو أن لرجل علي ألف درهم إلى أجل من الآجال فأخذ بها مني كفيلا ثم إن الكفيل صالح الذي له الحق من الألف الدرهم التي له بمائة درهم دفعها إليه قبل الأجل أيصلح هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يصلح هذا من صاحبه, فكيف من الكفيل, ولا خير في ذلك لأنه لا يجوز فيما بين الكفيل وبين الذي له الحق إلا ما يجوز بين الذي له الحق وبين الذي عليه أصل الحق, وهذا من وجه ضع عني وتعجل وهذا لا يجوز.
قلت: فإن حل الأجل وصالحه الكفيل على مائة درهم من حقه؟ قال: ذلك جائز عند مالك.
قلت: فبم يرجع الكفيل على الذي عليه أصل الحق؟ قال: بمائة درهم لا يرجع عليه بأكثر من ذلك لأنه لم يؤد عنه إلا مائة.
قلت: ولا ترى هذا بيع ألف درهم بمائة درهم, ألا ترى أنه باع ألف درهم له على الذي عليه أصل الحق بمائة درهم أخذها من الكفيل؟ قال: ليس هذا بيع ألف درهم بمائة درهم إنما هذا رجل أخذ مائة درهم من الكفيل وترك تسعمائة كان سلمها الذي عليه الحق, وإنما جاز له أن يأخذ هذه من الكفيل ويهضم التسعمائة عن الذي عليه أصل الحق لأنه لو جاءه رجل أجنبي فقال له: أنا أدفع إليك مائة درهم على أن تهضم عن فلان تسعمائة درهم ففعل كان ذلك جائزا وإنما رددنا الكفيل عليه بالمائة التي أدى لأنه أداها عنه, لأنه كان كفيلا بها.

قلت: فالذي تطوع فأدى مائة بغير أمره أيرجع بها على الذي عليه الحق؟ قال: نعم يرجع عليه بها.
قلت: فإن قال له الكفيل: أعطيك مائة درهم على أن تكون الألف التي لك على الذي تكفلت عنه لي؟ قال: هذا حرام لا يحل, والمائة مردودة على الكفيل.
قلت: فإن قال الذي له الحق: أنا أحتسبها من حقي وأتبعك بتسعمائة التي بقيت لي عليك؟ قال: لا يكون ذلك له إلا أن يكون الذي عليه الحق معدما أو غائبا, فإن كان كذلك فله أن يحتسبها ثم يطلب الكفيل بما بقي له من حقه إذا كان الذي عليه الأصل غائبا أو معدما قال: فإن كان الذي عليه الأصل موسرا وكان حاضرا رد المائة على الكفيل واتبع الذي عليه الأصل بالألف كلها.
قلت: وإن كان إنما صالحه الذي عليه أصل الحق بعد حلول الأجل على أن يأخذ منه مائة وهضم عنه تسعمائة قال: هذا جائز عند مالك.
قلت: ولا يشبه صلحه الذي عليه أصل الحق في هذه المائة إذا حل الأجل صلحه الكفيل؟ قال: نعم لا يشبهه لأن صلحه الكفيل بيع ورق بأكثر منها, وصلحه الذي عليه الأصل إنما هو شيء تركه له.
قلت: أرأيت إن صالح الكفيل الذي له الحق من هذه الألف على خمسين دينارا؟ قال: لا أراه جائزا على حال من الحال لأنه إذا صالح الكفيل الذي له الحق على دنانير كان الذي عليه الدين مخيرا إن شاء دفع الذهب التي أدى عنه الكفيل وإن شاء أدى الألف الدرهم التي كانت عليه, فلما كان مخيرا في ذلك بطل هذا الصلح.
قلت: ولم أبطلته؟ قال: ألا ترى أن الذي عليه الألف درهم إذا اختار أن يعطي الكفيل الألف الدرهم صارت ذهبا بورق إلى أجل لأن الكفيل إذا أعطى الذي له الحق ذهبا ويأخذ من الذي عليه الحق ورقا فلا يجوز.
قلت: وكذلك إن قال الكفيل للذي له الحق: أشتري منك هذه الألف التي لك على فلان بهذه الخمسين الدينار؟ قال: هذا لا يحل لأن الكفيل يشتري ورقا بذهب ليس يدا بيد.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله.
قلت: فإن كان صالح الكفيل الذي له الحق من الألف على عبد أو على سلعة من السلع؟ قال: الصلح جائز, ويكون للكفيل الذي عليه الحق ألف درهم قيمة سلعته في

الألف التي عليه, فإن بلغت قيمة السلعة التي صالح بها الألف الدرهم كلها أخذها, وإن كانت أقل من الألف لم يكن للكفيل أكثر من قيمة سلعته, وإن كانت قيمتها أكثر من الألف لم يكن له إلا الألف لأنه إنما صالح عنه بها.
قلت: فإن قال الكفيل للذي له الحق: أشتري منك هذه الألف التي لك علينا بهذه السلعة ففعل؟ قال: البيع جائز ويرجع الكفيل على الذي عليه الألف بجميع الألف لأنه قد اشترى الألف بالسلعة اشتراء جائزا.
قلت: والصلح في هذا لا يكون بمنزلة الاشتراء؟ قال: لا لأنه حين صالح بالسلعة إنما قال للذي له الحق: خذ هذه السلعة مني عن فلان, فلا يكون للكفيل إلا قيمة ما دفعه عنه, وأما إذا اشترى الألف بسلعة من السلع فإنما قال له الكفيل: خذ مني هذه السلعة على أن تكون الألف كلها لي فهذا جائز, وتصير الألف له لأنه لو وهب الألف للكفيل جاز ذلك فكذلك إذا جعلها له بسلعة أخذها منه جاز ذلك وكانت الألف كلها له.

في الرجل يسلف رجلا في ثوب إلى أجل ثم يأتيه قبل الأجل أو بعده فيزيده على أن يجعله أتم وأجود من صنفه أو من غير صنفه
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في ثوب فلما حل الأجل زدته درهما على أن يعطيني أطول من ثوبي الذي أسلمت إليه فيه من صنف ثوبي الذي أسلمت فيه أو من غير صنفه فلا بأس بذلك؟ قال: نعم كذلك قال مالك: إذا تعجلت ذلك, وكذلك ذكر لنا عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس بأن يزيد المشتري البائع ما شاء ويأخذ أرفع من ثيابه.
قال مالك: ولا يصلح له أن يأخذ دون ثوبه على أن يسترجع شيئا من الثمن الذي دفع إليه فيه إن كان دفع فيه ذهبا أو ورقا لم يأخذ ذهبا ولا ورقا ويأخذ دون ثوبه, وإن كان رأس المال عرضا لم يجز أن يأخذ ثوبا دون ثوبه ويسترجع من صنف العرض الذي هو رأس المال شيئا, وإن هو أخذ عرضا من غير صنف العرض الذي هو رأس المال فلا بأس بذلك.
قلت: ولم كرهه مالك إذا أخذ من العرض الذي هو من صنف رأس المال؟ قال: لأن الرجل لو سلف حنطة في ثياب موصوفة إلى أجل فلما حل الأجل أخذ دون ثيابه على أن يرد عليه الذي عليه الثياب حنطة لم يصلح هذا وصارت حنطة بحنطة إلى أجل وثوب فيدخله بيع وسلف.

قلت: وأين وجه السلف؟ قال: ما ارتجع من حنطته فذلك السلف.
قلت: فأين يدخله البيع؟ قال: ما أمضى له من حنطته بالثوب فهذا البيع, فصار في هذه الصفقة بيع وسلف فلا يجوز هذا في قول مالك :, قال: وكذلك لو كان رأس المال ثيابا والذي سلف فيه عرض سوى الثياب حيوان أو غير ذلك فلا يصلح ذلك أيضا إذا استرجع شيئا من رأس ماله على أن أخذ بعض سلمه لأنه يدخله ما وصفت لك.
قلت: فإن استرجع بعض رأس ماله بعينه على أن يأخذ سلمه كله الذي كان أسلم فيه أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس به إذا استرجع بعض رأس ماله بعينه إذا كان رأس ماله بزا أو رقيقا أو حيوانا أو صوفا أو عرضا لأن هذا إنما يرد إليه المسلم إليه بعض ما كان أخذه منه ويثبت حق رب السلم كما هو على حاله.
قلت: وإن كان رأس ماله الذي أسلم ذهبا أو ورقا أو طعاما وقد تفرقا فلا يصلح أن يسترجع بعض رأس ماله ويأخذ ما أسلم فيه وإن كان الذي استرجع من ذلك إنما هو من نوع رأس ماله بعينه, فلا يجوز إذا افترقا لأنه لا يعرف أنه هو بعينه, وإن لم يتفرقا فلا بأس به أن يقيله من بعضه ويرد إليه بعض رأس ماله ويترك الحق على الذي عليه الحق كما هو والطعام والدراهم والدنانير في هذا إذا كان رأس المال مخالفا للعروض إذا كان رأس المال عروضا لأن العرض يعرف بعينه, وإن افترقا والذهب والدنانير والطعام لا نعرف أنها بعينها إذا افترقا.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أسلمت إلى رجل مائة درهم في ثوب موصوف إلى أجل فأتيته قبل الأجل فقلت له: زدني في طول الثوب كذا وكذا ذراعا بمائة درهم أخرى ونقدته أيجوز هذا؟ قال: نعم.
قلت: ولم أجزته وقد صارت صفقة واحدة فيها دراهم نقدا ودراهم إلى أجل بثوب إلى أجل؟ قال: ليس هي صفقة واحدة ولكنهما صفقتان ولو كانتا صفقة واحدة ما جاز, وهو قول مالك.
قال: وقال لي مالك: لا بأس به في النسج إذا دفع الرجل الغزل إلى النساج على أن ينسج له ثوبا ستة في ثلاثة فزاده دراهم وزاده غزلا على أن يجعله سبعة في أربع. قال مالك: لا بأس به.

قلت: مسألتي بيع, وهذه إجارة فكيف تكون مثله؟ قال: الإجارة في قول مالك بيع من البيوع يفسدها ما يفسد البيوع في السلف والنقد, ويجيزها ما يجيز البيوع في السلف والنقد, وكذلك قال مالك: في التسليف في الثوب وفي النسج وهذا الذي قال لكم مالك في الغزل أصفقتان هو عند مالك أم صفقة واحدة؟ قال: بل صفقتان.

في السلف في الثياب
قلت: أرأيت إن أسلم الرجل في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه إلى أجل أيجوز ذلك أم لا؟ قال: سئل مالك عن رجل باع ويبة وحفنة بدرهم فقال: إذا أراه الحفنة فلا بأس بذلك لأن الحفنة تختلف, فأرى الذراع بهذه المنزلة لا بأس بذلك لأنه قد أراه الذراع.
قلت: أو لا تراه من التغرير إن هو مات قبل هذا الأجل لم يعرف الذي أسلم كيف يأخذ سلمه؟ قال: ليس ذلك بتغرير وليأخذ قياس ذراعه فليكن ذلك عندهم فإذا حل الأجل أخذوه بذلك.
قلت: أرأيت من أسلم في ثوب حرير اشترط طوله وعرضه ولم يشترط وزنه أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك إذا وصفه ووصف صفاقته وخفته.
قلت: وهو قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك يقول في السلم في الثياب: توزن في حرير ولا خز ولا غير ذلك, وإنما كان قول مالك بصفة معلومة وذراع معلوم طوله وعرضه وصفاقته وخفته ونحوه. ولقد سئل مالك عن السلم في الثياب إذا أراد الرجل أن يسلم فيها أعليه أن يأتيه بثوب فيقول: على صفة هذا أو يجتزئ بالصفة ولا يريه ثوبا ويقول على صفة هذا؟ قال: إن أراه فحسن وإن لم يره أجزته عنه الصفة.
قلت: أيجوز في قول مالك أن أسلم في ثوب فسطاطي صفيق رقيق طوله كذا وكذا وعرضه كذا وكذا جيدا؟ قال: ما أعرف جيدا في قول مالك إنما السلم في الثياب على الصفة, وكذلك الحيوان. قال مالك: إنما السلم فيها على الصفة
قال: ولا أعرف من قول مالك فارها قال: فإذا أتى بهما على الصفة لم يكن للمشتري أن يأبى ذلك.

في الرجل يسلم في الطعام إلى أجل ثم يزيد المسلم إليه المسلف في طعامه إلى الأجل أو أبعد
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل مائة درهم في مائة إردب ثم لقيته بعد ذلك فاستزدته فزادني مائة إردب إلى محل أجل الطعام أو قبل محل أجل الطعام أو إلى أبعد من أجل الطعام أيجوز هذا؟ قال: لا بأس بذلك أن يزيد الرجل الرجل في سلفته, لأنه لو اشترطه في أصل السلف لم يكن به بأس إنما هذا رجل استغلى شراءه فاستزاد بائعه فزاده.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

الإقالة في الصرف
قلت: أرأيت إن صارفت رجلا بدراهم دنانير ثم لقيته بعد ذلك فقال لي: أقلني من الصرف فرفعت إليه دنانيره وافترقنا قبل أن أقبض دراهمي قال: لا يجوز هذا عند مالك.
قلت: فإن اشتريت سيفا محلى كثير الفضة, النصل للفضة تبع بدنانير ثم إنا التقينا بعد ذلك فتقايلنا فدفعت إليه السيف وافترقنا قبل أن أقبض الدنانير أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا لأن مالكا قال: لا يباع هذا إلا يدا بيد فالإقالة هاهنا بيع مستقبل فلا يصلح له أن يقبله ويفترقا قبل أن يقبض دنانيره لأن مالكا قال لي: في الإقالة هي بيع من البيوع يحلها ما يحل البيوع ويحرمها ما يحرم البيوع.

الإقالة في الطعام
قلت: أرأيت لو أني أسلمت في طعام أليس لا يجوز لي أن آخذ إلا رأس مالي أو الطعام الذي أسلمت فيه ولا يجوز غير ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل ثيابا في طعام إلى أجل فأقلته من نصف الطعام الذي لي عليه قبل محل الأجل أو بعدما حل الأجل على أن يرد علي نصف الثياب التي دفعتها إليه بعينها أيجوز هذا؟ وكيف إن كانت قد حالت أسواق الثياب أو لم تحل افترقا أو لم يفترقا؟ قال: لا بأس بذلك ولا تشبه الثياب الدراهم, لأن الدراهم ينتفع بها والثياب لا منفعة فيها إذا ردت بأعيانها, والدراهم لا تعرف بأعيانها لأنه لو أسلف دراهم في طعام إلى أجل فأقاله من نصف ذلك الطعام قبل أن يفترقا على أن رد إليه نصف دراهمه لم يكن بذلك بأس فكذلك إقالة الثياب وقد قاله لي مالك, قال

كتاب السلم الثالث
إقامة المريضبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
كتاب السلم الثالثإقالة المريض
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل مائة درهم في مائة إردب ثمنها مائتا درهم ولا مال لي غيرها فأقلته في مرضي ثم مت أيجوز له من ذلك شيء أم لا؟ قال: يخير الورثة فإن أحبوا أن يقيلوا ويأخذوا رأس المال فذلك جائز لهم وإن أبوا قطعوا له بثلث ما عليه من الطعام وأخذوا ثلثيه, وإن كان الثلث يحمل جميعه جاز ذلك له وتمت وصيته.
قلت: أرأيت إن لم يكن فيه محاباة إنما كان الطعام يساوي مائة درهم وإنما كان رأس مال المريض مائة درهم فأقاله أيجوز أم لا؟ قال: نعم.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا, إلا أن مالكا قال في بيع المريض وشرائه إنه جائز إلا أن تكون فيه محاباة فيكون ذلك في ثلثه.

في الرجل يسلف الجارية في طعام فتلد أولادا ثم يستقيله فيقيله
قلت: أرأيت إن أسلمت جارية إلى رجل في طعام فولدت عنده فاستقلته فأقالني؟ قال: لا يعجبني ذلك لأن مالكا قال: الإقالة فيها جائزة ما لم تتغير في بدنها بنماء أو نقصان, فالولد عندي بمنزلة النماء في البدن لأن الولد نماء.
قلت: ولم لا يجيز الإقالة فيها نفسها ويحبس الآخر ولدها؟ قال: ما سمعت فيه إلا ما أخبرتك عن مالك في نماء البدن أو نقصانه قال: ولا يجوز هذا؟
قلت: ويدخله أيضا التفرقة.

قلت: أرأيت إن أسلم إليه رجل في طعام غنما أو نخيلا أو دورا فأكلت من لبنها أو من ثمرها أو أخذت كراء الدور ثم استقالني فأقلته؟ قال: قد أخبرتك بقول مالك في العبد والدابة: لا بأس أن يقيله بعد شهر أو شهرين إذا لم تتغير في بدنها بنماء أو نقصان, والدابة إذا أقامت شهرين أو ثلاثة وهي تركب, والعبد لا شك فيه أنه يعمل ويشتغل, والدور تسكن فعلى هذا فقس ما يرد عليك.
قلت: أرأيت إن أسلمت عبدا في طعام فأذن له المشتري في التجارة فلحق العبد دين ثم تقايلنا أتجوز الإقالة في قول مالك؟ قال: قال مالك: الدين عيب من العيوب, إذا باعه وعليه دين فإن له أن يرده.
قلت: فإن علم هذا بالدين الذي على العبد فأقاله بعد المعرفة؟ قال: لا يجوز لأن الدين الذي لحق العبد عند مالك عيب.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل ثوبا في طعام إلى أجل فلقيته فاستقلته فأبى فزدته دراهم على أن أقالني قال: لا يصلح هذا في قول مالك ويدخل هذا بيع الطعام قبل استيفائه.
قلت: ما قول مالك فيمن أسلم دراهم في طعام إلى أجل فتقايلا فأخذ منه بالدراهم عرضا من العروض بعدما تقايلا أيجوز ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك حتى يأخذ رأس ماله لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفي لأنه إذا أقاله فلم يأخذ رأس ماله حتى أخذ سلعة من السلع فكأنه إنما باعه سلفه الذي كان له بهذه العروض, وإنما الإقالة لغو فيما بينهما.

في الرجل يبيع السلعة وينتقد ثمنها ثم يستقيله فأقاله وأخر الثمن
قلت: أرأيت إن باعه سلعة بعينها ونقده الثمن ثم استقاله فأقاله فافترقا قبل أن يدفع إليه رأس المال أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال مالك: لا بأس بذلك وإن أقاله على أن جعل الثمن إلى سنة لأنه بيع حادث.
قلت: فالإقالة كلها عند مالك بيع من البيوع؟ قال: نعم. قال مالك: هي بيع من البيوع يحلها ما يحل البيوع ويحرمها ما يحرم البيوع.
قلت: أرأيت إن أسلمت في حنطة أو في عروض فاستقالني فأقلته أو طلب إلى رجل فوليته أو بعت ذلك السلم رجلا إن كان مما يجوز بيعه أيجوز لي أن أؤخر الذي وليت أو الذي أقلت أو الذي بعت يوما أو يومين بشرط أو بغير شرط؟ قال: قال مالك: لا

يجوز أن يؤخره ساعة ولا يتفرقا حتى تقبض ذلك من الذي وليت أو من صاحبك الذي أقلته أو من الذي بعت وإلا لم يصلح وصار دينا في دين, قال: وكذلك الصرف, ولا يصلح في الصرف أيضا أن يتفرقا قبل القبض فكذلك هذا.
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل في طعام فلما حل الأجل أقلته على أن يعطيني برأس المال حميلا أو رهنا أو يحيلني به أو يؤخرني بذلك يوما أو ساعة قال: قال مالك: لا يجوز هذا لأن هذا يصير دينا في دين, وبيع الطعام قبل أن يستوفى, قال: ولو أن رجلا أقال رجلا في طعام ابتاعه منه فلم ينقده الذهب حتى طال ذلك, قال أرى الإقالة منفسخة وأراهما على بيعهما, قال: ولم أسمعه من مالك وهو رأيي؟ قال: ولو أن رجلا أسلم إلى رجل في طعامه فأخر النقد حتى حل الأجل؟ قال: أكره ذلك وأراه من الدين بالدين ولا يجوز هذا وهو رأيي.

في الرجل يسلف الثوب في الطعام إلى أجل ثم استقاله قبل الأجل فأقاله
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل ثوبا في طعام فاستقلته قبل الأجل فأقالني أيجوز أم لا في قول مالك؟ قال: إن كان الثوب لم يتغير بزيادة أو نقصان وهو بحاله فلا بأس به, وإن كانت أسواقه قد حالت لأني سألت مالكا عن الرجل يعطى العبد أو الدابة في طعام إلى أجل فإذا حل الأجل قال له: ما عندي طعام فأقلني وأحسن خذ دابتك أو عبدك؟ قال: قال مالك: إن كان ماله بحاله لم يتغير بنماء أو نقصان فلا أرى به بأسا, وفي الشهرين تحول أسواقه فالثوب أبين عندي أنه لا بأس به.
قلت: لم قلت: إذا زادت السلعة التي أخذها في ثمن الحنطة أو في السلم أو نقصت في بدنها إنه لا تصلح الإقالة فيها رأسا؟ قال: لأنه يصير بيع الطعام قبل أن يستوفي لأن رأس مال هذه الحنطة إذا تغير بنماء أو نقصان فليس هو رأس ماله.
قلت: ولا يلتفت فيه إلى حوالة الأسواق ولا ترى بأسا وإن حالت الأسواق أن يقيله في قول مالك؟ قال: لما قال لي مالك: إنه لا بأس أن يقيله في الحيوان بعد شهرين إذا كان الحيوان رأس مال الطعام علمت أن مالكا لم يلتفت إلى الأسواق لأن الحيوان في شهرين تحول أسواقه فلم يلتفت مالك إلى ذلك.

في رجل يسلف في ثياب موصوفة إلى أجل فلما حل الأجل استقاله فأقاله من النصف على أن يأخذ النصف الآخر
قلت: أرأيت لو أني أسلمت دراهم في ثياب موصوفة إلى أجل فلما حل الأجل

في الرجل يسلف ثوبا في حيوان إلى أجل فإذا حل الأجل أو لم يحل أقاله فأخذ الثوب بعينه وزيادة ثوب معه من صنفه أو من غير صنفه على أن أقاله من الحيوان
قلت: أرأيت إن أسلمت ثوبا في حيوان إلى أجل فلما حل الأجل أو قبل أن يحل الأجل أخذت الثوب من الرجل بعينه وزيادة معه ثوبا من صنفه أو من غير صنفه على أن أقلته من الحيوان الذي أسلمت إليه فيه. قال: لا بأس بهذا, كذلك قال مالك: حل الأجل أو لم يحل.
قلت: أرأيت الثوب إن كان قد تغير في يد المسلم إليه بعيب دخله من خرق أو عوار فأخذ ثوبه ذلك الذي دخله العيب بعينه على أن زاد معه ثوبا من صنفه أو من غير صنفه أو زاده معه دنانير أو دراهم أو حيوانا على أن أقاله من سلفه أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان قد حل الأجل, وإن لم يحل الأجل فلا بأس أيضا في قول مالك, إلا أن يزيده شيئا من صنف السلم الذي كان عليه فإن زاده شيئا من صنفه لم يصلح قبل الأجل ولا بأس به إذا حل الأجل ولا بأس به أن يأخذ المسلف سلعته التي أعطاه وأسلفها في هذا الشيء ببعض ما كان له عليه مما سلفه فيه ويترك بقيته من أجله لا يقدمه قبل الأجل ولا يؤخره بمنزلة ما لو أن رجلا باع عبدا أو دابة بمائة دينار إلى سنة ثم أخذ بعد ذلك الدابة بعينها أو العبد بعينه بخمسين مما له عليه وترك الخمسين الباقية قبله إلى أجلها فهذا لا بأس به, فقس جميع العروض عليها إذا أسلفت فيها.

في الرجل يبتاع العبدين صفقة واحدة كل واحد بعشرة دراهم واستقال من أحدهما على أن يكون له الآخر بأحد عشر درهما
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدين صفقة واحدة كل واحد منهما بعشرة دراهم فاستقلته من أحدهما على أن يكون الباقي علي بأحد عشر درهما أيجوز ذلك أم لا؟ قال: هذا جائز لأنه لا بأس أن يبيعه أحدهما بدرهم أو أقل أو أكثر.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قوله.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في كر حنطة فتقايلنا قبل محل الأجل أو بعدما حل الأجل فأحالني بالثمن على رجل وتفرقنا قبل أن أقبض ما أحالني به؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا وهذا دين بدين.
قلت: فإن أعطاني الذي أحالني عليه الدراهم قبل أن أفارق الذي أقالني؟ قال: لا بأس بذلك لأنك قبضت الدراهم قبل أن تفارقه.
قلت: فإن لم يحلني ولكن أقالني فافترقنا قبل أن أقبض منه الثمن؟ قال: لا يصلح عند مالك وهو دين بدين.
قلت: فإن دفع إلي الثمن قبل أن أفارقه؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن تقايلنا ثم وكلت وكيلا قبل أن نفترق ونقبض الثمن منه وفارقته أو وكل هو وكيلا بعدما تقايلنا على أن يدفع إلي الثمن وذهب أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: أرى إذا دفعه إلى الوكيل مكانه أو دفعه إلى وكيل صاحبك مكانه قبل أن يفترقا فلا بأس به, وإن كان أمرا يستأخر فإنه لا يجوز لأنهما قد افترقا قبل أن يدفع الثمن الذي أقاله به فصار بيع الدين بالدين.
قلت: والعروض كلها إذا كانت رأس مال السلم فتقايلنا لم يجز أن أفارقه حتى أقبض رأس مالي وهو مثل الدراهم والدنانير في ذلك عند مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يبتاع السلعة أو الطعام فيشرك فيها رجلا قبل أن ينقد أو بعدما نقد
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من السلع فأشركت فيها رجلا قبل أن أنقده أو بعدما نقدته أيصلح ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.

قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل اشترى من رجل طعاما بثمن إلى أجل فأتاه رجل فقال: أشركني في هذا الطعام - وذلك قبل أن يكتال طعامه الذي اشترى - قال مالك: لا بأس بذلك إن أشركه على أن لا ينتقد إلا إلى الأجل الذي اشترى إليه الطعام, فإن انتقد فلا خير في ذلك.
قال مالك: وإن اكتال الطعام فأتاه رجل فقال أشركني في هذا الطعام على أن أنقدك لم يكن بذلك بأس أن يشركه في ذلك الطعام انتقد أو لم ينتقد لأن ذلك يصير بيعا مستأنفا إذا اشترط النقد.
قلت: أرأيت إن اكتال طعامه المشتري وقد كان اشتراه إلى أجل ثم أتاه رجل فقال: أشركني في طعامك هذا. فقال: قد أشركتك ولم يشترط النقد. قال: يكون نصف الثمن على المشتري إلى أجل الطعام الذي اشتراه إليه المشتري.
قلت: وكذلك التولية في قول مالك؟ قال: نعم سألت مالكا عن التولية في مسألتك هذه فقال مثل ما وصفت لك في الشركة.

في الذي يبتاع السلعة أو الطعام كيلا بنقد فيشرك رجلا قبل أن يكتال الطعام أو يقبض السلعة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من رجل بنقد فلم أقبضها حتى أشركت فيها رجلا أو وليتها رجلا أيجوز ذلك؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: فإن كان طعاما اشتريته كيلا ونقدت الثمن فوليته رجلا أو أشركته فيه قبل أن أكتاله من الذي اشتريته منه؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك, وذلك الحلال إذا انتقد مثل ما نقد.
قلت: لم جوزه مالك وقد جاء في الحديث عن مالك يذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفي قال: قد جاء هذا وقد جاء عن النبي عليه السلام أنه نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفي إلا ما كان من شرك أو إقالة أو تولية.
قال سحنون: وأخبرني ابن القاسم, عن سليمان بن بلال, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن, عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شرك أو تولية أو إقالة"1 قال: وقال مالك: اجتمع أهل العلم على أنه لا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام قبل أن يستوفي إذا انتقد الثمن ممن يشركه أو يقيله أو يوليه.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "40" عن نافع عن عبد الله بن عمر بلفظ"من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" بدون بقية الحديث. وكذلك رواه بهذا الفظ البخاري في البيوع باب 55,54.51. مسلم في كتاب البيوع حديث 36,34,32,29. أبو داود في كتاب البيوع باب 65. الترمذي في كتاب البيوع باب56. النسائي في كتاب البيوع باب 107,55. ابن ماجه في كتاب التجارات باب 37. الدارمي في كتاب البيوع باب 25. أحمد في مسنده "1/215" "2/46,22"

في الرجل يبتاع الطعام بنقد فيشرك فيه رجلا بثمن إلى أجل
قلت: أرأيت إن اشترى رجل طعاما بنقد فنقد الثمن ولم يكتله حتى ولى رجلا أو أشركه أو أقال البائع ولم ينتقد وشرط على الذي ولى أو أشرك أو أقال أن الثمن إلى أجل.
قال: قال مالك: لا يصلح هذا لأن هذا لما دخله الأجل صار بيعا مستقبلا فصار بيع الطعام قبل أن يستوفي وإنما يصلح ذلك إذا انتقد منه لأنه إذا انتقد فقد صار المشرك والمولى والمقال بمنزلة المشتري فإذا صنع المشرك والمولى والمقال في الطعام في النقد مثل ما صنع المشتري فقد حل محل المشتري فلا بأس بذلك, وإن لم يفعل في النقد مثل ما شرط على المشتري فليس هذا بمنزلته, وهذا بيع الطعام مستقبلا فيصير بيع الطعام قبل أن يستوفي فلا يصلح ذلك وكذلك قال مالك.
وقال لي مالك: وما ابتعت من العروض والحيوان إلى أجل مضمونة على رقاب الرجال فبعتها بربح أو نقصان وانتقدت ثمنها فأفلس الذي عليه المتاع أو الحيوان فليس على هذا الذي باعه قليل ولا كثير, والتباعة للذي اشترى على الذي عليه المتاع, وليس على الذي باعه من التباعة قليل ولا كثير.
قلت: ولم كان هذا هكذا في قول مالك؟ قال: لأنه إنما اشترى دينا على رقاب الرجال فله ذمتهم ولم يشتر سلعة قائمة بعينها.

في الرجل يبتاع السلعة ويشرك فيها رجلا فتتلف قبل أن يقبضها
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من السلع فأتاني رجل فقال: أشركني في سلعتك ففعلت فأشركته فهلكت السلعة قبل أن يقبضها مني المشرك أو قبل أن يقبض منها شيئا؟ قال: هلاكها منهما جميعا عند مالك؟ قال: ولقد سألت مالكا عن رجل اشترى طعاما فاكتاله في سفينة فأتاه رجل فقال: أشركني في طعامك هذا ففعل وأشركه ثم غرقت السفينة وذهب الطعام قبل أن يقاسمه ويقبض حصته؟ قال: قال مالك: هلاك الطعام منهما جميعا ويرجع على صاحبه بنصف الثمن الذي نقده في الطعام.

في الرجل يشتري السلعة ويشرك فيها رجلا ولا يسمي شركته
قلت: أرأيت لو أن عبدا اشتراه رجلان فلقيهما رجل آخر فقال لهما: أشركاني, فأشركاه, كم يكون له من العبد؟ قال: يكون لكل واحد منهما ثلث العبد لأنهما إنما أرادا أن يكون في العبد كأحدهما.

ما جاء في الرجل يشتري السلعة ويشرك فيها رجلا على أن ينقد عنه
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من السلع فأشركت فيها رجلا على أن ينقد عني وذلك بعد أن قبضت ما اشتريت أو قبل أن أقبض؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك في الوجهين جميعا لأن هذا عند مالك بيع وسلف فلا يجوز.
قلت: وكذلك في العروض كلها والطعام سواء في قول مالك, لا يصلح أن يشركه على أن ينقد عنه؟ قال: نعم لا يصلح هذا عند مالك على حال من الأحوال ولو لم تجب له السلعة, فقال له: تعال اشترها وانقد عني لم يكن بذلك بأس

ما جاء في التولية
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في طعام إلى أجل فقال الذي أسلمت إليه بعد ذلك ولني هذا الطعام الذي لك علي ففعلت, هل يجوز وتكون تولية أم لا؟ قال: إنما التولية عند مالك لغير الذي له عليه الطعام والذي عليه الطعام إنما يقال, وليس يولى, فإذا قال: ولني الطعام الذي لك علي ففعل ونقده كان جائزا وتكون إقالة, وليس تكون تولية.
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل طعاما فلما كلته أتاني رجل فقال: ولني فقلت: أوليك بكيلي فقال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: فإن قال: هذا مدي اشتريته فأنا أوليك هذا المد فتولاه مني فأصابه ناقصا؟ قال: للمولى نقصانه وزيادته إذا كان من نقصان الكيل وزيادة الكيل, وليس على هذا الذي ولي من النقصان شيء وليس له من الزيادة شيء.
قلت: أرأيت إن ولي هذا المد الذي اشترى فأصابه هذا الذي قبضه ناقصا نقصانا بينا؟ قال: إذا كان ذلك النقصان من نقصان الكيل فهو للمولي, وإن كان نقصانا أكثر من نقصان الكيل وضع عنه بحساب ما اشترى, ولم يكن على الذي ولي ضمان ما انتقص وإن كانت زيادة يعلم أن زيادته ليس من زيادة الكيل فهو للذي ولى.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك الشركة في جميع هذا؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إذا أشركه وإن لم يكتله فتلف كانت المصيبة بينهما.
قلت: فلو أسلمت في حنطة فوليت بعضها قبل محل الأجل ربعها بربع الثمن

أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم وكذلك جميع العروض.
قلت: وعلى هذا يحمل ما كان من هذه الأشياء؟ قال: نعم.
قلت: أليس قد كان مالك لا يرى بأسا بالشركة والتولية والسلم في جميع الأشياء الطعام وغير ذلك إذا انتقد؟ قال: نعم لم يكن يرى بذلك بأسا.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة عبدا أو غيره فلقيت رجلا فقال لي: ولني السلعة بالثمن الذي اشتريتها به ولم أخبره بالثمن الذي اشتريتها به فقلت: نعم قد وليتك, ثم أخبرته بالثمن أترى البيع فاسدا أو جائزا في قول مالك؟ قال: لا أحفظ عن مالك في هذا شيئا بعينه, ولكني أرى المشتري بالخيار إذا أخبره البائع بما اشتراها به إن شاء أخذ وإن شاء ترك وإن كان إنما ولاه على أن السلعة واجبة له بما اشتراها به هذا المشتري من قبل أن يخبره بالثمن فلا خير في ذلك وهذا من المخاطرة والقمار, فإذا ولاه ولم يوجبه عليه كان المبتاع فيه بالخيار.
قلت: وإن كان إنما اشترى السلعة بحنطة أو شعير أو شيء مما يكال أو يوزن فأخبره بالثمن بعدما ولاه, أترى البيع جائزا؟ قال: نعم والمشتري بالخيار.
قلت: وكذلك إن كان إنما اشترى السلعة بعبد أو دابة أو بحيوان أو بثياب فلقيه رجل فقال: ولني هذه السلعة, فقال: قد وليتك وهذا قبل أن يخبره بما اشتراها به ثم أخبره أنه إنما اشتراها بحيوان أو بعرض؟ قال: أرى المشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك.
قلت: فإن رضي المشتري أن يأخذها؟ قال: يأخذ السلعة بمثلها من العروض والحيوان الذي اشترى بعينه في صفته وجودته ونحوه.
قلت: وكذلك لو أن رجلا قال في مجلس: اشتريت اليوم سلعة رخيصة فقال له رجل: ولني إياها قال: قد فعلت ولم يخبره بالثمن ولا بالسلعة فقال المولي: هو عبد فقال المولى: قد رضيت قال: ذلك لك, فقال المولي: أخذته بمائة دينار, فقال المولى: لا حاجة لي به قال: ذلك له.
قلت: فإن قال: قد أخذته؟ قال: إن كان حين ولاه إنما ولاه على غير وجه الإيجاب على المولى وإنما هو إن رضي أخذ وإن سخط ترك بمنزلة المعروف يصنعه به وإنما يجب البيع على الذي يولي ولا يجب البيع على المولى إلا بعد النظر والمعرفة بالثمن, فإن رضي أخذ وإن سخط ترك.

قال: فلا أرى بهذا البيع بأسا وإن ولاه على أن السلعة قد وجبت للمشتري قبل أن يسميها وقبل أن يعرفها المولى وقبل أن يعرف ما الثمن وإن سماها ولم يجبره بالثمن وهي عليه واجبة فلا خير في هذا لأن هذا قمار ومخاطرة وإنما يجوز من ذلك كله ما كان على وجه المعروف من البائع والمشتري في ذلك بالخيار فلا أرى بهذا بأسا.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا من رجل ولم يخبرني بصفته إلا أنه قال: عبد في بيتي فقال له رجل: قد أخذته منك بمائة دينار من غير أن يصف له العبد أو يكون المشتري قد رأى العبد قبل ذلك هل يكون المشتري بالخيار في قول مالك؟ قال: قال مالك: البيع هاهنا فاسد لا خير فيه.
قلت: فما فرق ما بين هذا وبين ما سألتك عنه من التولية قبل هذا ولم لا تجعل لهذا المشتري الخيار إذا نظر إليه وتجعله بمنزلة المولى السلعة؟ قال: لأن هذا بيع على وجه المكايسة والإيجاب, والذي ولي السلعة لو كان على الإيجاب والمكايسة كان مثل هذا لا خير فيه, وهذا البيع إن كان سميا الخيار فيه وإن كان على وجه المكايسة فلا بأس بذلك أن يقول: عندي غلام قد ابتعته بمائة دينار فانظر إليه, فإن رضيته فقد بعتكه بمائتي دينار فلا بأس بذلك وإن واجبه عليه ولم يجعله بالخيار إذا نظر إليه فلا خير في هذا البيع, وأما التولية فإنما هو معروف صنعه البائع إليه المشتري فلذلك جعلنا الخيار للمشتري إذا نظر, فإن شاء أخذ وإن شاء ترك, والتولية إذا كانت تلزم البائع ولا تلزم المشتري إلا بعد معرفة الثمن والنظر إلى السلعة فإنما هذا معروف صنعه بالذي ولاه السلعة.

في بيع زريعة البقول قبل أن تستوفي
قال: وقال مالك: في زريعة الفجل الأبيض الذي يؤكل وزريعة الجزر وزريعة السلق والكراث والخربز وما أشبهه إذا اشتراه رجل فلا بأس أن يبيعه قبل أن يستوفيه لأن هذا ليس بطعام ولا بأس بواحد منه باثنين من صنف واحد. قال: وأما زريعة الفجل الذي يعصر منه الزيت فلا يصلح أن يبيعه قبل أن يستوفيه لأن هذا طعام ألا ترى أن الزيت فيه, وأما ما وصفت لك من زريعة الجزر والسلق والفجل الذي يؤكل فليس فيه من الطعام شيء فإن قال قائل: أنه يزرع فينبت ما يؤكل قيل له: فإن النوى قد يزرع فينبت النخل منه فيخرج من النخل ما يؤكل.

في بيع التابل قبل أن يستوفى
قال: وقال مالك: كل شيء من الطعام لا يباع إن اشتري حتى يستوفى ولا الملح ولا التابل كله إذا اشتريته كيلا أو وزنا الفلفل والكزبرة والقرنباد والشونيز والتابل كله لا يباع إذا اشتراه الرجل حتى يستوفيه ولا يصلح إلا مثلا بمثل ولا يصلح منه اثنان بواحد من صنف واحد يدا بيد إلا أن تختلف الأنواع منه.

في بيع الماء قبل أن يستوفى
قال: وقال مالك: لا بأس ببيع الماء قبل أن يستوفى.
قال: وقال مالك: لا بأس بالماء واحدا باثنين يدا بيد ولا بأس بالطعام بالماء إلى أجل.

في الرجل يكاتب عبده بطعام إلى أجل فيريد أن يبيعه منه أو من غيره قبل أن يستوفيه
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع عبده من نفسه إلى أجل من الآجال بطعام موصوف أيجوز أن يبيع ذلك الطعام من عبده قبل محل الأجل بعرض ولا يتعجله أو بدنانير لا يتعجلها في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: لم أجازه مالك فيما بين السيد وعبده ولم يجزه فيما بينه وبين الأجنبي؟ قال: لأن السيد لو دبر عبده جاز أن يبيع خدمته من مدبره, ولا يجوز أن يبيع خدمته من أجنبي, فكذلك كتابة عبده يجوز له أن يبيعها من نفسه بدين إلى أجل, والكتابة إلى أجل لا يجوز أن يبيعها بدين إلى أجل من أجنبي, وأن الكتابة فيما بين السيد وبين عبده ليست بدين ولأن الكتابة ليست بدين ثابت. ألا ترى إن مات المكاتب وترك مالا وعليه دين أن السيد لا يضرب بكتابة مكاتبه مع الغرماء فهذا يدلك على أنه ليس بدين ثابت وكذلك إن أفلس المكاتب.
قال سحنون: وإنما يجوز إذا تعجل المكاتب عتق نفسه.
قلت: أرأيت المكاتب إذا كاتبه سيده بطعام إلى أجل أيجوز أن يبيع ذلك الطعام قبل أن يستوفيه من أجنبي؟ قال: لا يجوز ذلك.
في الرجل يكتري على الحمولة بطعام فيريد أن يبيعه قبل أن يستوفيه.
قلت: أرأيت إن اكتريت بعيرا لي بطعام بعينه أو بطعام إلى أجل أيصلح لي أن

في بيع الطعام قبل أن يستوفى
قلت: أرأيت إن أسلفت في طعام موصوف إلى أجل معلوم أيجوز أن أبيع ذلك الطعام من الذي اشتريته منه أو من غيره قبل أن أقبضه في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: لم؟ قال: لأنك أسلفت في طعام بكيل فلا يجوز لك أن تبيعه قبل أن تقبضه إلا أن توليه أو تقبل منه أو تشرك فيه.
قلت: وكذلك كل ما يكال أو يوزن من الأطعمة والأشربة إذا أسلفت فيها لم يصلح لي أن أبيعها حتى أكيلها أو أزنها أو أقبضها في قول مالك؟ قال: نعم إلا الماء وحده.
قلت: وما سوى الطعام والشراب مما سلفت فيه كيلا أو وزنا فلا بأس أن أبيعه قبل أن أقبضه من الذي باعني أو من غيره؟ قال: قال مالك: لا بأس أن تبيع ما سلفت فيه إذا كان من غير ما يؤكل ويشرب من غير الذي عليه ذلك السلف بأقل أو بأكثر أو بمثل ذلك إذا انتقدت, وأما الذي عليه السلف فلا تبعه منه قبل الأجل بأكثر ولا تبعه منه إلا بمثل الثمن أو أقل ويقبض ذلك.
قلت: أرأيت إن سلفت في حنطة أو في عرض من العروض وحل الأجل فأردت أن آخذ بعض رأس مالي وآخذ بعض سلفي؟ قال: قال مالك: لا خير في أن يسلف في شيء من الأشياء عرضا ولا حيوانا ولا طعاما ولا شيئا من الأشياء إلى أجل معلوم فتقبض بعض سلفك وتقيله من بعض لأنك إذا فعلت ذلك كان بيعا وسلفا في العروض والطعام ويصير في الطعام مع بيع وسلف بيع الطعام قبل أن يستوفى, وما سلفت فيه من العروض إلى أجل من الآجال فأردت أن تبيعه من صحبه فلا بأس أن تبيعه منه بمثل الثمن الذي دفعته إليه أو بأدنى منه قبل محل الأجل لأنه لا يتهم في أن تدفع إليه عشرة دنانير وتأخذ ثمانية حل الأجل فيه أو لم يحل, ولا يصلح أن تبيعه من الذي عليه السلف بأكثر مما أعطاه فيه حل في ذلك الأجل أو لم يحل, وإن أردت أن تبيعه من غير صاحبه فلا بأس أن تبيعه منه بما شئت بمثل الثمن أو بأكثر أو بأقل أو ذهب أو ورق أو عرض من العروض أو طعام إلا أن يكون من صنفه بعينه فلا خير فيه, ولا بأس أن تبيعه من صاحبه وإن لم يحل

الأجل بما يجوز لك أن تسلف الذي لك عليه فيه إن كان الذي لك عليه ثياب فرقبية فلا بأس أن تبيعها قبل محل الأجل بثياب قطن مروية أو هروية أو خيل أو غنم أو بغال أو حمير أو بقر أو إبل أو لحم أو طعام تقبضه مكانك ولا تؤخره, فإن أردت أن تأخذ منه ثيابا فرقبية قبل محل الأجل فلا تأخذ منه أكثر من عددها, وإن كانت هذه الذي تأخذ أفضل من رقاعها أو كانت أشر من رقاعها واختلف العدد أو اتفق فلا خير فيه ولا خير في أن تأخذ منها قبل محل الأجل إلا مثل صفتها في جودتها أو إن حل الأجل فخذ منها أرفع من صفتها أو أكثر عددا أو أقل من عددها أو خيرا من صفتها أو أكثر من عددها أو أشر من صفتها فلا بأس به إذا حل الأجل على كل حال من الحالات.

ما جاء في بيع الطعام يشترى جزافا قبل أن يستوفى
قلت: ولم وسع مالك في أن أبيع ما اشتريت قبل أن أقبضه من جميع الأشياء كلها الطعام والشراب إذا كان جزافا والعروض والحيوان وجميع الأشياء, وأبى أن يجيز لي أن أبيع ما اشتريت مما يؤكل ويشرب كيلا أو وزنا حتى أقبضه؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى وهو عندنا على الكيل والوزن وكل شيء ما خلا الطعام والشراب فهو جائز أن تبيعه قبل أن تستوفيه إن كنت اشتريته وزنا أو كيلا أو جزافا فهو سواء, وإن كان الحديث إنما جاء في الطعام وحده.
قلت: ولم وسع مالك في أن أبيع ما اشتريت من الطعام جزافا قبل أن أقبضه من صاحبه الذي ابتعته منه أو من غيره؟ قال: لأنه لما اشترى الطعام جزافا فكأنه إنما اشترى سلعة بعينها فلا بأس أن تبيع ذلك قبل القبض إلا أن يكون ذلك البيع والشراء من قوم من أهل العينة فلا يجوز ذلك بأكثر مما ابتعت.
قلت: أرأيت إن اشتريت عطرا أو زنبقا أو بانا أو مسكا وزنا, أو حديدا أو زجاجا وزنا أو حناء كيلا أو وزنا أو ما أشبه هذه الأشياء مما يوزن ويكال مما لا يؤكل ولا يشرب, أيجوز لي أن أبيع ذلك من صاحبه قبل أن أقبضه في قول مالك؟ قال: نعم إن اشتريت هذه الأشياء وزنا أو جزافا فلا بأس أن تبيعها من صاحبها أو من غير صاحبها قبل أن تقبضها وكذلك الطعام والشراب جزافا, أو كل ما اشتريت من الطعام والشراب وزنا أو كيلا فلا تبعه في قول مالك حتى تقبضه وتزنه أو تكيله. قال: إنما جوز مالك بيع هذه الأشياء قبل أن تقبض من الناس إلا أصحاب العينة فإنه كرهه لهم.
قلت: صف لي أصحاب العينة في قول مالك؟ قال: أصحاب العينة عند الناس قد

ما جاء في الرجل يصالح من دم عمد على طعام فيريد أن يبيعه قبل أن يستوفيه
قلت: أرأيت لو أن رجلا وجب له على رجل دم عمد فصالحه من ذلك على طعام موصوف إلى أجل معلوم أيجوز أن يبيع له هذا الطعام قبل أن يقبضه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولكني أراه بمنزلة من سلف في طعام فلا يبعه قبل أن يقبضه لأن هذا الطعام ليس بقرض, وإنما هو شراء. ألا ترى أنه باع الدم الذي كان له بهذا الطعام.
قلت: وكذلك لو خالع امرأته بطعام إلى أجل؟ قال: نعم كذلك قال أيضا: لا يبعه حتى يستوفيه وهذا كله من وجه من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه.

في الرجل يبتاع الطعام بعينه أو بغير عينه فيريد أن يبيعه قبل أن يقبضه
قلت: أرأيت الطعام يشتريه الرجل والطعام بعينه أو بغير عينه أيبيعه قبل أن يقبضه في قول مالك؟ قال: لا يبيعه حتى يقبضه. قال: ولا يواعد فيه أحدا ولا يبيع طعاما ينوي أن يقبضه من هذا الطعام الذي اشترى كان الطعام بعينه أو بغير عينه.
قلت: فالذي أجازه مالك أن يشتريه رجل من هذا الذي اشتراه بكيل واحد ما هو؟ قال: الرجل يشتري الطعام فيكتاله لنفسه ورجل واقف لم يعده على بيعه فإذا اكتاله لنفسه ورضي هذا الرجل الواقف أن يشتريه منه بهذا الكيل, وكذلك إن لم يشهد كيله وكان غائبا عن كيله فاشتراه منه وصدقه على كيله فذلك جائز إذا كان ذلك منهما على غير موعد كان بينهما ولا وأي وهذا قول مالك؟ قال: فقلت لمالك: فإن صدقه بكيله فأخذه فوجد فيه زيادة أو نقصانا؟ قال: أما ما كان من زيادة الكيل ونقصانه فهو للمشتري وما كان من نقصان يعرف أنه لا ينقص في الكيل فإنه يوضع عن المشتري من الثمن بقدر النقصان ولا يعطي طعاما ولكن يرد عليه من الثمن بقدر ما نقص إذا كان من غير نقصان الكيل. قال: فقلت لمالك فإن قال البائع: لا أصدقك فيما تدعي من النقصان؟ قال مالك: إذا كان المشتري لم يغب عليه وكاله بحضرة شهود حين اشتراه فأرى أن يرجع المشتري على البائع بما نقص من الطعام بقدر ذلك من الثمن, فإن كان قد غاب عليه المشتري ثم جاء بعد ذلك يدعي وكذبه البائع أحلف البائع بالله الذي لا إله إلا هو لقد كان فيه كذا

ما جاء في الرجل يبيع الطعام بعينه كيلا ثم يستهلكه
قلت: أرأيت لو أن رجلا ابتاع طعاما بعينه كيلا فذهب البائع فباعه أو استهلكه؟ قال: قال مالك: فإن على البائع أن يأتي بمثل ذلك الطعام يوفيه المشتري. قال: فقلت أفلا يكون المشتري عليه بالخيار إن أحب أن يلزمه الطعام ألزمه, وإن أحب أن يأخذ ذهبه أخذه. قال: لا, وليس عليه إلا طعام مثل ذلك وليس في هذا خيار إنما هذا بمنزلة رجل استهلك لرجل طعاما بعينه فعليه أن يأتي بمثله.
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل سلفا فلما حل الأجل وكلت ابنه يقبض ذلك أو عبده أو زوجته أو مدبرته أو أم ولده؟ قال: أكره هؤلاء إذا وكلهم لأنهم كأنهم الذي عليه الطعام, فلا يجوز لي أن أوكل الذي عليه الطعام بقبض طعام عليه. قال: وولده إذا كانوا كبارا قد بانوا بالحيازة عنه, فلا أرى بذلك بأسا ويتبعه بقبضهم إن شاء.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في كر حنطة إلى أجل من الآجال ثم أسلم إلي في كر حنطة مثله إلى ذلك الأجل فأردنا أن نتقاص قبل محل الأجل يكون ما له من الطعام علي بما لي عليه من الطعام أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: وكذلك إن حل الأجل؟ قال: نعم.
قلت: ولم؟ قال: لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قلت: إذا حل الأجل علي وعليه والطعامان صفتهما واحدة لم جعله مالك بيع الطعام قبل أن يستوفى؟ قال: ألا ترى أن كر الحنطة الذي لك عليه لم تقبضه منه وإنما بعته ذلك بكر له عليك فلا يجوز هذا, وهذا بيع الطعام قبل أن يستوفى, وهذا بمنزلة أن لو كان على رجلين.

قلت: فلو أقرضت رجلا مائة إردب من حنطة إلى أجل ثم أسلم إلي في مائة إردب من حنطة إلى أجل وأجلهما واحد فقلت له: قبل محل الأجل أقاصك بما لي عليك من الطعام القرض بالذي لك علي من الطعام السلم. قال: لا يصلح هذا, وهو بيع الطعام قبل أن يستوفى. ألا ترى أنه باعك طعاما له عليك من سلم إلى أجل بطعام لك عليه قرضا إلى أجل فهذا لا يصلح وهذا بمنزلة أن لو كان على رجلين.
قلت: فإن حل الأجل فقلت له: خذ الطعام الذي لي عليك من القرض بالطعام الذي لك علي من السلم؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: لم أجازه مالك حين حل الأجل وكرهه قبل محل الأجل؟ قال: لأنه لما حل الأجل إنما له عليك أن توفيه سلمه الذي له عليك وكان لك عليه قرضا قد حل مثل السلم الذي له عليك فقلت له خذ ذلك الطعام بسلمك فلا بأس بذلك لأنه لا يكره لك أن تبيع قرضك قبل أن تستوفيه فكذلك لا يكره لك أن توفيه من طعام عليك من سلم وليس هاهنا بيع شيء من الطعام بشيء من الطعام, وإنما هو هاهنا قضاء سلم كان عليك فقضيته.
قلت: فلم كرهته لي قبل محل الأجل أن أقاصه بذلك؟ قال: لأنه يدخله الدين بالدين وبيع الطعام قبل أن يستوفى, ألا ترى أنك بعته مائة إردب لك عليه قرضا إلى أجل بمائة إردب الذي له عليك من السلم إلى أجل فلا يصلح ذلك.
قلت: وما فرق بينه إذا كان الذي له علي سلما والذي لي عليه من سلم وبينه إذا كان الذي لي عليه قرضا والذي له علي سلم في قول مالك إذا حلت الآجال؟ قال: لأنه إذا كان الذي عليكما جميعا سلما فلا يصلح لواحد منكما بيع ماله على صاحبه من الطعام قبل أن يستوفيه, وإذا كان لأحدكما قرض وللآخر سلم فلا يصلح لصاحب السلم أن يبيعه حتى يستوفيه, ولا بأس أن يبيع صاحب القرض طعامه قبل أن يستوفيه فلما كان يجوز لصاحب القرض بيع طعامه قبل أن يستوفيه جاز له أن يقضيه من سلم عليه إذا حلت الآجال ولا يكون هذا من الذي له السلم بيع سلمه قبل أن يستوفيه, وليس للذي له السلم أن يمتنع من ذلك إذا قال له: خذ هذا الطعام قضاء من سلمك إذا كان مثل سلمه, فكذلك القرض إنما هو قضاء وليس هو بيع الطعام قبل استيفائه.
قال: وسئل مالك عن رجل باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل فاستقرض الذي له الحق من رجل دنانير مثل الدنانير التي له على بائعه أو ابتاع سلعة من رجل بمثل الدنانير

التي له على بائعه من ثمن الطعام فلما حل الأجل أحال الذي أسلفه الدنانير أو باعه السلعة بتلك الذهب على المشتري منه الطعام فأراد الذي أحاله أن يأخذ منه طعاما أو دقيقا أو زبيبا أو تمرا. قال مالك: أما صنف الطعام الذي كان ابتاعه هذا فليأخذ منه مثل مكيلته في صنفه, وأما غير ذلك من التمر والزبيب وما أشبهه أو غير ذلك من الطعام كله فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز لبائعه أن يأخذ منه. قال: ولقد سألت مالكا في غير عام عن رجل ابتاع من رجل طعاما فأسلفه رجلا قبل أن يقضيه فأراد الذي قبضه الذي أسلفه أن يعطي صاحبه فيه ثمنا فقال مالك: لا يعجبني ذلك وأراه من وجه بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قلت: فلو أن لرجل علي كرا من طعام من سلم فلما حل الأجل اشتريت كرا من طعام وقلت للذي له علي السلم اقبضه؟ قال: قال مالك: لا يصلح حتى يستوفيه لأن هذا بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل في مائة إردب حنطة فلما حل أجلها أحالني على رجل له عليه طعام من قرض مثل كيل طعامي الذي لي عليه من سلم أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن حل أجل القرض وقد حل أجل السلم فلا بأس به, وإن لم يحل أجل السلم ولم يحل أجل القرض فلا خير في هذا حتى يحلا جميعا.
قلت: ولا يكون هذا دينا في دين إذا حل الأجل؟ قال: لا.
قلت: لم؟ قال: لأنه فسخ ماله من سلمه فصارت حنطته على هذا الذي احتال عليه ولم يبق على الذي كان عليه السلم شيء فلم يصر هذا دينا في دين.
قلت: أرأيت إن حل أجل الطعامين جميعا وأحالني فأجزت الذي أحالني عليه أيجوز هذا أم لا؟ قال: لم أوقف مالكا على هذا ; ولكن رأيي أنه لا بأس أن يؤخره.
قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول في نصراني ابتاع من نصراني طعاما فأراد أن يبيعه من مسلم قبل أن يستوفيه قال: قال مالك: لا أحب للمسلم أن يبتاعه ولا يدخل فيه.
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل في كر حنطة فلما حل الأجل اشترى هو من رجل كر حنطة فقال لي: اقبضه منه. قال: قال مالك: لا يجوز.
قلت: لم؟ قال: لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى.

قلت: فإن كاله المشتري الذي عليه السلم ثم قال: قد كلته وفيه وفاء حقك أيجوز لي أن آخذه وأصدقه؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك إن كاله الذي عليه السلم لنفسه حتى يستوفيه والذي له السلم قائم يرى ذلك فأخذه بكيله؟ قال مالك: لا بأس بذلك إلا أن يكون فيه موعد من الذي له السلم أن يقول له: اشتر لي هذا الطعام وأنا آخذه منك في مالي عليك فلا خير في ذلك أيضا.
قال ابن القاسم: ووجه ما كره مالك من ذلك فيما رأيت من قوله إن الطعام إنما نهي عن أن يباع قبل أن يستوفى فإذا كان يبتاع لك طعاما ويشترط عليك أخذه قبل أن يشتريه أو قبل أن يستوفيه ثم يشتريه لك على ذلك ويقبضه فهذا كأنه قد وجب لك قبل أن يشتريه ويصير في ملكه فكأنه باع طعاما ليس عنده بعينه, فالكيل فيما بين ذلك إذا كان قد أوجب على الذي له السلم أخذه قبل أن يشتريه له الذي له عليه السلم مما لا يحل ولا يحرم.
قلت: أرأيت لو أني أسلمت إلى رجل دراهم في طعام فلما حل الأجل قال لي: خذ هذه الدراهم فاشتر لي بها من السوق طعاما ثم كله لي ثم استوف حقك منه. قال: قال مالك: لا يصلح هذا.
قلت: وكذلك لو كان الذي أسلم إليه دراهم فأعطاه حين حل الأجل دنانير أو عرضا من العروض فقال: اشتر بها حنطة وكلها لي ثم اقبض حقك منها؟
قال ابن القاسم: لا يصلح هذا أيضا: قال: وسواء إن كان دفع إليه الذي عليه السلم دنانير أو دراهم أو عرضا حين حل الأجل فقال: اشتر بها طعاما فكله لي حين يحل الأجل ثم استوف حقك منه فذلك كله سواء, ولا يصلح عندي وكذلك العروض عند مالك.
قلت: ولم لا يصلح هذا في قول مالك؟ قال: لأنه كأنه إنما استوفى من الطعام الذي كان له عليه دراهم أو دنانير أو عرضا فاشترى بذلك طعاما لنفسه فلا يصلح هذا لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى.

في الرجل يبتاع الطعام جزافا فيستلف قبل أن يقبضه أو يستهلكه البائع
قلت: أرأيت إن اشتريت طعاما مصبرا اشتريت الصبرة كلها, كل قفيز بدرهم فهلك الطعام قبل أن أكتاله, من مصيبته؟ قال: مصيبته من البائع.

قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن بايعته الصبرة جزافا فضاعت؟ قال مالك: ضياعها من المشتري إذا اشتراها جزافا.
قال ابن القاسم: من ابتاع طعاما جزافا صبرة فإن تلفت قبل أن يقبضها فإن مصيبتها من المشتري قال: فإن كان الذي باعها هو الذي استهلكها فعليه قيمتها من الذهب والفضة لأن مالكا قال لي: من استهلك صبرة طعام فعليه قيمتها من الذهب والفضة. قال: وإن كان غيره استهلكها فعلى الذي استهلكها قيمتها من الذهب والفضة وهذا قول مالك. قال: وإن اشترى صبرة طعام كل قفيز بدرهمين فأصابها أمر من السماء فتلفت رد البائع على المشتري الدراهم وهذا قول مالك.
قال: ولو كان البائع هو الذي أتلفها فعليه أن يأتي بطعام مثله حتى يوفيه المشتري بما شرط له من الطعام وهذا قول مالك. قال ابن القاسم: ويتحرى الصبرة فيأتي بطعام مثله فيكيله للمشتري. قال: وفرق مالك بين الصبرة جزافا وبينها إذا بيعت كيلا.
قلت: أرأيت هذه الصبرة التي باعها صاحبها كيلا إن تعدى عليها رجل فاستهلكها قبل أن يكيلها المشتري؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأرى للبائع القيمة على الذي استهلك الصبرة وأرى أن يشتري بالقيمة طعاما ثم يكيله البائع للمشتري على شرطهما وذلك لأنه لو عرف كيلها لغرم كيلها المتعدي وكان للمشتري أن يقبضه على ما اشترى فلما لم يعرف كيلها وأخذ مكان الطعام القيمة اشترى له طعاما بتلك القيمة فأخذه المشتري على ما اشترى.
قلت: ولا يخشى أن يكون هاهنا بيع الطعام قبل أن يستوفى؟ قال: لا لأن التعدي إنما وقع هاهنا على البائع ألا ترى أنه لو عرف كيله لكان التعدي على المشتري.

بيع الطعام قبل أن يستوفى
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل طعاما من شراء فقلت له: بعه لي وجئني بالثمن. قال: قال مالك: لا يجوز ذلك.
قلت: لم كرهه مالك حين قلت للذي لي عليه الطعام: بعه وجئني بالثمن؟ قال: لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى فكأنه باعه من الذي عليه الطعام بالدنانير التي يأتيه بها فلا يصلح له أن يبيعه الطعام حتى يستوفيه لا من الذي عليه الطعام ولا من غيره, وقد

يدخله أيضا أن يكون ذهبا بذهب إلى أجل أكثر منها فإن كان أصل شرائه الطعام بذهب أو بورق فيدخله الورق بالذهب إلى أجل.
قال: وقال مالك: ولا أحب للرجل أن يبتاع من رجل طعاما ولا سلعة إلى أجل, فإذا حل الأجل قال الذي عليه الحق للذي له الحق: خذ هذه الدنانير لدنانير هي أكثر منها فابتع بها طعامك أو سلعتك.
قلت: فإن كان الثمن أقل أو مثل الذي أخذ في الطعام الذي عليه؟ قال: إذا كان مثل الثمن الذي دفع إليه فلا بأس به إذا كان مثله في عينه ووزنه وجودته, وإن كان أقل من الثمن فهو حرام لا يحل لأنه يصير غير إقالة وإنما يجوز منه ما كان على وجه الإقالة في الطعام خاصة فأما إذا كان الدين على الذي عليه الحق سلعة من السلع ليس بطعام فكان الذي يعطيه من الذهب على أن يشتري لنفسه السلعة التي له عليه مثل الذهب التي أخذ أو أقل فلا بأس بذلك لأن مالكا قال: إذا أعطاه في ثمن الطعام مثل ذهبه فأقاله فلا بأس به, فإنما هو رجل أقاله وأخذ طعاما أقل من حقه فلا بأس بالوضيعة في الطعام إذا أعطاه رأس ماله وإن كان رأس ماله لا يساوي الطعام الذي عليه لأنه لو هضم عنه بعض الطعام وأخذ بعضا كان جائزا. قال: وإن كانت الدنانير أقل من الثمن فأقاله عليه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى, وأما في السلع التي ابتاع منه فإنه إن أعطاه أقل من الثمن الذي دفع إليه أو أقاله عليه فلا بأس بذلك, وكذلك قال مالك: وهو في السلع لا يتهم إذا كان أقل من الثمن أو مثله فإن زاده فلا خير فيه لأنه يتهم أن يكون أعطاه دنانير في أكثر منها.
قال: وقال مالك: وإذا أعطاه الذي عليه السلم دنانير يشتري بها الذي له السلم سلعة فيقبضها لم يصلح أن يعطيه دنانير أكثر من دنانيره التي دفعها إليه في السلم أول مرة, وكذلك لا يصلح أن يدفع أكثر من الدنانير التي أخذ في جميع الأشياء كلها.

ما جاء في رجل ابتاع سلعة على أن يعطي ثمنها ببلد آخر
قلت: أرأيت إن ابتعت سلعة بدنانير إلى أجل على أن أوفيه الدنانير بإفريقية فحل الأجل وأنا وهو بمصر أيقضى له علي بالدنانير وأنا بمصر؟ قال: قال مالك: يأخذ الدنانير بمصر إذا حل الأجل أو حيثما وجده, قال: وكذلك الدراهم.
قال: وقال مالك: والدنانير والدراهم لا تشبه السلع لأن الدنانير والدراهم عين والسلع ليست بعين وأثمانها مختلفة في البلدان ولا يكون له أن يأخذ منه إلا في البلد الذي شرط أن يوفيه فيه.

قلت: فإن كان أسلم إليه في سلعة ليس لها حمل ولا مؤنة مثل اللؤلؤة الموصوفة أو قليل المسك الموصوف أو العنبر أو ما أشبهه مما ليس له حمل ولا مؤنة؟ قال: لم أسمع من مالك في اللؤلؤ ولا في المسك ولا في العنبر هكذا بعينه شيئا, ولكني أرى أنه ليس له أن يأخذه إلا في البلد الذي شرط لأن سعر هذا في البلدان مختلف.

في الرجل يشتري الطعام بالفسطاط على أن يوفيه بالريف
قال ابن القاسم: سألت مالكا عن الرجل يبتاع الطعام الموصوف المضمون بالفسطاط على أن يوفيه الطعام بالريف مسيرة ثلاثة أيام أو نحوها فقال: لا بأس بذلك.
قلت: لم أجازه مالك؟ قال: لأنه جعل موضع البلدان بمنزلة الآجال ولم يجعله مثل الرجل يشتري الطعام الموصوف إلى يوم أو يومين أو ثلاثة بموضعه الذي سلف فيه فهذا لا يجوز عند مالك, والذي ذكرت من البلدان مسيرة ثلاثة أيام جوزه مالك.
قلت: لم جوزه وكره هذا في البلد؟ قال: لم أسمع من مالك فيه فرقا إلا أني أرى ذلك لاختلاف أسواق البلدان لأن البلد الواحد لا تختلف أسواقه عنده في يومين ولا ثلاثة ألا ترى أن السلم لا يجوز أن يكون أجله عند مالك إلا إلى أجل تختلف فيه الأسواق.
قال ابن القاسم: قلت لمالك: لو أن رجلا ابتاع من رجل طعاما يوفيه إياه بقرية بينها وبين الموضع الذي اشترى منه فيه الطعام مسيرة ثلاثة أيام أو أربعة مضمونا عليه أن يوفيه إياه بتلك القرية قال: لا بأس بهذا ولم يره مالك مثل الذي يعطيه إياه على أن يوفيه ببلدة بعد يوم أو يومين أو ثلاثة.
قلت: أرأيت إن اشتريت طعاما من رجل بالإسكندرية وشرطت عليه الحملان إلى الفسطاط أو اشتريت من رجل طعاما بالإسكندرية وهو طعام بعينه وشرطت عليه أن يوفيني ذلك الطعام بالفسطاط في منزلي قال: قال مالك: إذا اشتريته بالإسكندرية وهو طعام بعينه وشرطت عليه أن يوفيك إياه بالفسطاط فهذا لا يصلح لأن هذا اشترى سلعة بعينها من السلع إلى أجل واشترط ضمانها عليه وإن اشتراه بالإسكندرية على أن يحمله له إلى الفسطاط وهو يستوفيه بالإسكندرية؟ قال: فلا بأس به عند مالك لأن هذا اشترى هذا الطعام وكراء حملانه من الإسكندرية إلى الفسطاط في صفقة واحدة ولا بأس أن تجمع الصفقة الواحدة شراء سلعة وكراء وكذلك قال لي مالك.

قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بطعام على أن أوفيه إياه بأفريقية وضربت لذلك أجلا؟ قال مالك: ذلك جائز ولا يكون له أن يأخذه بذلك الطعام إلا بأفريقية إذا حل الأجل وفرق مالك بين قرض الطعام على أن يقضي ببلد آخر وبين اشتراء الطعام على أن يقضي ببلد آخر لأن القرض إذا كان على أن يقضيه ببلد آخر ربح الحملان فلا يصلح ذلك, وأما شراء الطعام على أن يقضيه في بلد آخر وضرب لذلك أجلا فلا بأس بذلك لأن الناس قد يسلفون في الطعام إلى أجل على أن يقضوا الطعام في بلد كذا وكذا.
قلت: فإن أبى أن يخرج الذي عليه الطعام من سلم إذا حل الأجل أو بعد الأجل؟ قال: يجبر على ذلك أو يوكل وكيلا يدفع إلى الذي له الطعام الطعام في ذلك البلد.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قوله إلا أن مسألتك يجبر على الخروج فإني لم أسمعه من مالك إلا أن ذلك رأيي لأن مالكا قال: وليس له أن يقضيه في غير ذلك البلد, وإن فات الأجل فمن هاهنا رأيت أن يجبر على الخروج إلى ذلك البلد أو يوكل من يدفع إلى الرجل طعامه ولأن مالكا قال في الرجل يكون عليه الدين فيريد السفر فيمنعه صاحب الحق قال: إن كان سفرا بعيدا يحل الأجل قبل أن يأتي منع من ذلك ولم يكن له أن يسافر وإن كان سفرا قريبا يبلغه ويرجع قبل حلول الأجل فلا يمنع من ذلك فلما منعه مالك من السفر البعيد كان عليه أن يخرج أو يوكل على ما أحب أو كره لقضاء حقه في ذلك الموضع.

في الاقتضاء من الطعام طعاما
قلت: أرأيت إن بعت من رجل مائة إردب حنطة دفعتها إليه سمراء بمائة دينار إلى أجل فلما حل الأجل أخذت منه بالمائة الدينار التي وجبت لي عليه خمسين إردبا سمراء. قال: قال مالك: لا يصلح ذلك.
قلت: لم وإنما أخذت أقل من حقي, وقد كان يجوز لي أن آخذ من المائة الدينار مائة إردب سمراء فلما أخذت خمسين إردبا سمراء لم يجز لي؟ قال: لأن مالكا قال: أخاف أن تكون الخمسون ثمنا للمائة الإردب أو تكون المائة إردب سمراء بخمسين إردبا سمراء إلى أجل, فكذلك إن باع سمراء إلى أجل فأخذ في ثمنها حين حل الأجل محمولة أو شعيرا لم يجز ذلك, وكذلك لو لم يحل الأجل, وكذلك لو باعه برنيا بثمن إلى أجل فأخذ من البرني عجوة أو صيحانيا لم يجز ذلك إلا أن يأخذ من الصنف الذي باعه مثل مكيلة ما باعه به في جودته وصفته.

قلت: وكذلك لو باعه مائة إردب سمراء إلى أجل بمائة دينار فلما حل أجل الدنانير أتاه فقال له: أعطني خمسين إردبا من الحنطة التي بعتك وأقيلك من الخمسين على أن ترد علي الخمسين دينارا. قال: قال مالك: لا يصلح هذا, وهذا بيع وسلف لأنه باعه الخمسين إردبا بخمسين دينارا على أن أقرضه الخمسين الإردب التي ترجع إليه.
قلت: أرأيت إن بعت ثوبا بمائة درهم إلى شهر أيصلح لي أن أشتريه بخمسين درهما قبل الأجل في قول مالك؟ قال: لا خير فيه.
قلت: لم؟ قال: لأن ثوبه رجع إليه ويصير كأنه أسلفه خمسين نقدا في مائة إلى أجل.
قلت: أرأيت إن اشتراه بثوب نقدا أو بعرض من العروض وقد كان باعه بمائة درهم إلى أجل؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان الذي اشتراه به من العروض نقدا فإن كان العروض التي يشتريه بها إلى أجل أدنى من أجل المائة الدرهم أو إلى أجلها أو إلى أبعد من أجلها فلا خير في ذلك وهذا من الكالئ بالكالئ.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وذلك جائز إذا كان ثمن الثوب الذي يشترى به الثوب الذي كان باعه بمائة أقل من المائة درهم أو أكثر, قال: نعم.
قلت: فلو كانت لي عليه مائة إردب سمراء إلى أجل فأخذت منه لما حل الأجل خمسين إردبا محمولة وحططت عنه خمسين أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: إن كان إنما هو صلح يصالحه على وجه المبايعة فلا يجوز وإن كان إنما أخذ منه خمسين محمولة اقتضاء من خمسين سمراء ثم حط عنه من غير شرط ولا صلح للخمسين الأخرى لم يكن بهذا بأس.قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كان لي عليه مائة إردب محمولة فلما حل الأجل أخذت منه سمراء خمسين إردبا ثم حططت عنه الخمسين الأخرى من غير شرط أيجوز هذا؟ قال: أرجو أن لا يكون بهذا بأس.
قلت: أرأيت إن كانت لي عليه مائة إردب سمراء فلما حل الأجل صالحته على مائة إردب محمولة إلى شهرين. قال: لا يجوز هذا في قول مالك لأن هذا بيع الطعام بالطعام ليس يدا بيد ألا ترى أنه قد باع سمراء له قد حلت بمحمولة إلى أجل فلا يجوز, وإنما يجوز هذا إذا أقبضه قبل أن يتفرقا لأن الطعام لا بأس به الحنطة بالحنطة

وإن اختلفت أجناسه مثلا بمثل إذا كان يدا بيد ويدخل في مسألتك أيضا بيع الطعام قبل أن يستوفى.

في بيع التمر والرطب في رءوس النخل بالحنطة
قلت: أرأيت إن اشتريت تمرا في رءوس النخل أو رطبا أو بسرا بحنطة نقدا أيجوز هذا؟ قال: إن جد ما في رءوس النخل مكانه وقبضه قبل أن يتفرقا بحضرة ذلك فلا بأس به عند مالك وإن لم يجده بحضرتهما قبل أن يتفرقا فلا يصلح ذلك لأنه بيع الطعام بالطعام مستأخرا فلا يصلح ذلك إلا يدا بيد, وهذا إذا لم يجده بحضرة ذلك قبل أن يتفرقا عند مالك فليس ذلك يدا بيد.
قلت: فإن اشتريت ما في رءوس هذه النخل من التمر أو الرطب أو البسر بدراهم أو بدنانير أو بعرض من العروض ما خلا الطعام إلى أجل أيجوز ذلك وإن لم يجده قبل أن يتفرقا بحضرة ذلك فلا بأس بذلك؟ قال: نعم.
قلت: ولا يرى هذا الدين بالدين لأنك زعمت أن ما في رءوس النخل ليس بنقد إذا لم يجده بطعام حاضر إلا أن يجده؟ قال: لا لأن الثمار قد حل بيعها إذا طابت فإذا حل بيعها بيعت بنقد أو بدين ولم يمنع صاحبها منها وإنما كرهه مالك بالطعام إذا لم يجده مكانه لأن فيه الجوانح, وإنما يراه إذا كان بيعه ما في رءوس النخل بالطعام ولا يجده بحضرة ذلك, ولم يقبضه أنه من وجه بيع الطعام بالطعام إلى أجل.
قال: وسئل مالك عن الرجل يأتي إلى البياع بالحنطة يبتاع منه بها خلا أو زيتا أو سمنا فيكتال الحنطة على باب حانوته ويدخل الحانوت ليخرج الخل من حانوت أو من زق يكون فيه ذلك إلا أنه في الحانوت قال مالك: لا يعجبني, ولكن ليدع الحنطة عند صاحبها وليخرج الخل أو السمن أو الزيت أو ما أراد أن يبيعه منه بذلك الطعام ثم يبتاعه منه فيأخذ ويعطي.
قال ابن القاسم: فمن اشترى تمرا بحنطة ولم يجده مكانه فهذا أشد وأبين أنه لا خير فيه وهذا مما لا اختلاف فيه أنه لا يصلح.

في بيع الطعام بالطعام غائبا بحاضر
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع تمرا بحنطة والتمر حاضر والحنطة غائبة في دار صاحبها فقال: ابعث إلي الحنطة فأت بها قبل أن يفترقا أيجوز هذا في قول مالك؟ قال:

ما جاء في الرطب بالبسر والبسر بالنوى
قلت: ما قول مالك في الرطب بالتمر واحد بواحد أو بينهما تفاضل؟ قال: قال مالك: لا يصلح التمر بالرطب لا واحد بواحد ولا بينهما تفاضل.
قلت: وكذلك البسر بالتمر لا يصلح على حال عند مالك؟ قال: نعم.
قلت: فالبسر بالرطب؟ قال: لا خير فيه أيضا على حال لا مثلا بمثل ولا متفاضلا.
قلت: فالرطب بالرطب؟ قال: قال مالك: لا بأس به مثلا بمثل.
قلت: فالبسر بالبسر؟ قال: لا بأس به مثلا بمثل.
قلت: أرأيت النوى بالتمر أيجوز هذا؟ قال: قد اختلف قول مالك فيه, ولا أرى به بأسا يدا بيد ولا إلى أجل لأن النوى ليس بطعام.
قلت: فالنوى بالطعام أو بالحنطة أو غير ذلك لا بأس به عند مالك ولم يختلف قوله فيه؟ قال: نعم.
قلت: فالبلح بالتمر ما قول مالك فيه؟ قال: أما البلح الصغار بالتمر والرطب فلا بأس به واحد بواحد واثنان بواحد يدا بيد.
قلت: فالبلح الصغار بالبسر؟ قال: كذلك لا بأس به واحد بواحد واثنان بواحد يدا بيد.
قلت: والبلح الكبار؟ قال: قال مالك: لا خير فيه في البلح الكبار بالتمر ولا بالرطب واحد بواحد ولا اثنان بواحد ولا يصلح البلح الكبار واحد باثنين من صنفه ولا بأس بصغاره بكباره اثنين بواحد يدا بيد.
قلت: فالبلح الكبار بالبسر؟ قال: لا خير فيه أيضا على كل حال.

ما جاء في اللحم بالحيوان
قلت: صف لي قول مالك في اللحم بالحيوان ما يجوز فيه وما يكره منه مالك؟ قال: قال لي مالك: الإبل والبقر والغنم والوحش كلها صنف واحد لا يجوز من لحومها واحد باثنين والطير كلها صغيرها وكبيرها وحشيها وإنسيها لا يصلح من لحمها اثنان بواحد, والحيتان كلها صنف واحد ولا يصلح لحم الإبل والبقر والغنم والوحش كلها بشيء منها أحياء ولا لحوم الطير بشيء منها أحياء ولا بأس بلحوم الطير بالأنعام والوحش كلها أحياء, ولا بأس بلحوم الأنعام والوحش بالطير كلها أحياء والحيتان كلها مثلا بمثل صغارها بكبارها, ولا بأس بلحوم الحيتان بالطير أحياء وما كان من الطير والأنعام, ومن الوحش مما لا يحيا وشأنه الذبح فلا خير فيه بالحيتان إلا يدا بيد ولا في شيء من اللحم إلا يدا بيد, وما كان من الأنعام والطير والوحش مما يستحيا فلا بأس به بلحم الحيتان إلى أجل. قال: وقال مالك: كل شيء من اللحم يجوز فيه واحد باثنين فلا بأس أن يشتري بذلك اللحم حيه بمذبوحه لأنه إذا جاز فيه واحد باثنين جاز فيه الحي بالمذبوح.
قال ابن القاسم: ولم أر تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم عنده في اللحم بالحيوان إلا من صنف واحد لموضع الفضل فيه والمزابنة فيما بينهما, فإذا كان الفضل في لحومها جائزا لم يكن بأس بالفضل في الحي منه بالمذبوح.
قال: فقلت لمالك: فالرجل يريد ذبح العناق الكريمة أو الحمامة الفارهة أو الدجاجة فيقول له رجل: خذ هذا الكبش أو هذه الشاة اذبحها مكان هذه العناق وأعطني إياها أقتنيها وهو يعلم أنه إنما يريدها للذبح؟ قال: لا بأس بهذا وليس هذا عندي مثل المدقوقة العنق أو المدقوقة الصلب أو الشارف أو ما كان مثل ذلك مما يصير إلى ذبح أو لا منفعة فيها إلا اللحم, فهؤلاء وإن عاشوا وبقوا فلا أحب شيئا منها بشيء من اللحم يدا بيد ولا بطعام إلى أجل, وأما ما وصفت لك من تلك الأشياء الأخرى فلا بأس به وإن ذبح مكانه لأن هذا لم يرد به شأن اللحم وإنما كان على وجه البدل.
قال ابن القاسم: فهذان لو استبقيا جميعا كانت فيهما منفعة سوى اللحم.
قلت: فأي شيء محمل الجراد عندك أيجوز أن أشتري الجراد بالطير؟ قال: لا بأس بذلك عندي, قال: ولم أسمعه من مالك إلا أن مالكا قال: وليس هو لحما.
قلت: فهل يجوز واحد من الجراد باثنين من الحيتان؟ قال: نعم يدا بيد.

في بيع الشاة بالطعام إلى أجل
قلت: أرأيت إن اشتريت شاة أريد ذبحها بطعام موصوف إلى أجل أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: إن كانت الشاة حية صحيحة مثلها يقتنى ليس شاة لحم فلا بأس به, وإن كانت شاة لحم فلا خير فيه إلى أجل وكذلك قال لي مالك.

في اللحم بالدواب والسباع إلى أجل
قلت: ما قول مالك في الدواب والخيل والبغال والحمير باللحم؟ قال: قال مالك: لا بأس به يدا بيد, وإلى أجل لأن الدواب ليس مما يؤكل لحومها.
قلت: ما قول مالك في اللحم بالهر والثعلب والضبع وما أشبه هذه الأشياء؟ قال: سمعت مالكا يكره أكل الهر والثعلب والضبع ويقول إن قتلها محرم وداها, وإنما كرهها على وجه الكراهية من غير تحريم قال: ولم أره جعل هذه الأشياء في الكراهية بمنزلة البغل والحمار والبرذون لأنه قال: تودى إذا قتلها المحرم.
قال ابن القاسم: وأكره اللحم بالضبع والهر والثعلب لما رأيت من قول مالك في كراهية هذه الأشياء لأنها ليست عنده كالحرام البين ولما أجازه بعض أهل العلم من أكلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أكرهه ولا يعجبني.

في اللبن المضروب بالحليب
قلت: أرأيت اللبن المضروب باللبن الحليب؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك مثلا بمثل.
قلت: وكذلك لبن اللقاح بلبن الغنم الحليب لا بأس به مثلا بمثل, وفي لبن الغنم الزبد وفي لبن اللقاح لا زبد فيه فكذلك المضروب والحليب, وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت لبن الإبل ولبن البقر ولبن الغنم هل يباع من هذا واحد باثنين يدا بيد؟ قال: قال مالك: لا يجوز من هذه الألبان إلا واحد بواحد مثلا بمثل يدا بيد كما لا يجوز هذا إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك ألبانها.
قال: فقلت لمالك: فلبن الحليب بلبن الماخض وقد أخرج زبده واحد باثنين؟ قال: لا خير فيه إلا مثلا بمثل قيل له: أفتراه مثلا بمثل لا بأس به؟ قال: نعم لا بأس به.
قال ابن القاسم: ولو كان ذلك مكروها لكان لبن الغنم الحليب بلبن الإبل لا خير

في بيع السمن بالشاة اللبون والشاة غير اللبون بالجبن وبالسمن إلى أجل وباللبن والصوف
قال: وقال مالك: ولا بأس بالسمن بالشاة اللبون يدا بيد ولا يصلح ذلك نسيئة, ولا بأس بالشاة التي ليس فيها اللبن بالسمن إلى أجل أو بلبن.
قلت: أرأيت إن اشتريت شاة لبونا بلبن؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك إذا كان يدا بيد وإن كان فيه الأجل لم يصلح. قال: وقال مالك: لا تشتري شاة لبون بلبن إلى أجل, وإن كانت الشاة غير لبون فلا بأس بذلك.
قال: وقال مالك: ولا بأس بالشاة اللبون بالطعام إلى أجل وفرق بين اللبن وبين الطعام وقال: لأن اللبن يخرج من الغنم والطعام لا يخرج منها.
قلت: فالجبن بالشاة اللبون إلى أجل؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك.
قلت: وكذلك الحالوم والزبد والسمن؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن كان سمن أو جبن ودراهم أو عرض مع السمن والجبن والحالوم بشاة لبون إلى أجل؟ قال: فلا يصلح ذلك, قال: فلا يصلح في قول مالك أن يشتري شاة لبونا بشيء مما يخرج منها بسمن أو جبن أو حالوم, فإن جعل مع السمن والحالوم والجبن دراهم أو عرضا لم يصلح أيضا إذا وقع في ذلك الأجل.
قال: ولقد سألته عن الشاة اللبون بالسمن إلى أجل فقال: لا خير فيه.
قلت: أرأيت إن اشتريت شاة بجزة صوف وعلى الشاة جزة صوف كاملة. قال: قال: لا أرى بذلك بأسا ولم أسمعه من مالك.

في بيع القصيل والقرط والشعير والبرسيم
قلت: ما قول مالك فيمن اشترى قصيلا يقصله على دابة بشعير نقدا؟ قال: لا

في الزيتون بالزيت والعصير بالعنب
قلت: هل يجوز في قول مالك زيت الزيتون بالزيتون؟ قال: لا.
قلت: وإن كان الزيتون له زيت أو لا زيت له؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك الجلجلان بزيت الجلجلان؟ قال: نعم لا يجوز في قول مالك.

قلت: وكذلك العصير بالعنب؟ قال: سألت مالكا عن النبيذ بالتمر فقال: لا يصلح ذلك والعصير عندي مثله.
.

ما جاء في رب التمر بالتمر ورب السكر بالسكر
قلت: فهل يباع رب القصب بالقصب الحلو؟ قال: لا يعجبني.
قلت: لم؟ قال: لا يصلح ذلك إلا أن يدخل ذلك كله أبزار وما أشبهها فيكون كاللحم المطبوخ إذا دخله الأبزار فصار صنعة, ولا بأس بذلك متفاضلا.
قلت: فرب التمر بالتمر؟ قال: لا خير فيه.
قلت: وأي شيء صنعة رب التمر؟ قال: يطبخ فيخرج ربه فهو إذا منعقد.

ما جاء في الخل بالخل
قلت: هل يجوز خل العنب بخل التمر واحد باثنين؟ قال: قال مالك: لا يصلح خل التمر بخل العنب إلا واحدا بواحد. قال مالك: لأن منفعتهما واحدة, وقال مالك: هو عندي مثل نبيذ الزبيب ونبيذ التمر لا يصلح إلا مثلا بمثل لأنه قد صار نبيذا كله وصارت منفعته واحدة.
قال: ولم أر مالكا يجعل النبيذ والخل مثل زيت الزيتون وزيت الفجل وزيت الجلجلان لأن هذه مختلفة ومنافعها شتى.

ما جاء في خل التمر بالتمر
قلت: هل كان مالك يجيز خل التمر بالتمر؟ قال: بلغني أن مالكا قال: لا بأس به.
قلت: فخل العنب بالعنب؟ قال: لم يبلغني عن مالك فيه شيء وأراه مثل خل التمر بالتمر.
قال: واحتج مالك في الخل وقال: إن زمان الخل يطول ولمنافع الناس فيه.

في الدقيق بالسويق والخبز بالحنطة
قلت: هل يجوز في قول مالك الدقيق بالسويق؟ قال: سألت مالكا عن الدقيق بالسويق قال: لا بأس به متفاضلا وهو مثل القمح بالسويق لا بأس بذلك اثنين بواحد

في الحنطة المبلولة بالمقلوة والمبلولة
قلت: فالحنطة المبلولة بالحنطة المقلوة؟ قال: لا أرى به بأسا. قال: وقد بلغني عن مالك فيه بعض المغمز حتى يطحن, وأنا لا أرى به بأسا.
قلت: هل يجيز مالك الحنطة المبلولة بالسويق اثنين بواحد؟ قال: نعم.

قلت: فهل يجيز مالك الحنطة اليابسة بالحنطة المقلوة اثنين بواحد؟ قال: لا أرى به بأسا.
قلت: وكذلك الحنطة المقلوة بالدقيق واحد باثنين لا بأس بذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فالأرز المبلول أو اليابس بالأرز المقلو؟ قال: لا أرى به بأسا مثلا بمثل ومتفاضلا.
قلت: ما قول مالك في فريك الحنطة الرطبة بالحنطة اليابسة؟ قال: قال مالك: لا يصلح ذلك لا مثلا بمثل ولا متفاضلا لأن الفريك رطب لم يجف. قال: وقال مالك: لا يصلح السمن بالزبد مثلا بمثل ولا بينهما تفاضل.
قلت: فهل يجيز مالك الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة مثلا بمثل أو بينهما تفاضل؟ قال: قال مالك: لا يصلح ذلك.
قلت: وكذلك لا تصلح الحنطة المبلولة بالشعير والسلت مثلا بمثل ولا بينهما تفاضل؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت الأرز المبلول أيجوز منه واحد باثنين من جميع الحبوب والقطاني في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان ذلك يدا بيد.
قلت: والأرز المبلول بالأرز المبلول أو اليابس لا يصلح؟ قال: نعم لا يصلح في قول مالك.

في الحنطة المبلولة بالقطاني
قلت: أتجوز الحنطة المبلولة في قول مالك بالقطنية كلها وبالدخن وبالسمسم وبالأرز وبالذرة وبجميع هذه الأشياء من الحبوب والطعام ما خلا الحنطة والشعير والسلت واحد باثنين أو واحد بواحد يدا بيد؟ قال: نعم ذلك جائز في رأيي واحد باثنين أو أكثر إذا كان يدا بيد.
قلت: ولم كره مالك الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة؟ قال ألا ترى أن الفريك الرطب لا يصلح بالحنطة اليابسة فكذلك الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة.
قلت: والشعير والسلت لم كرهه مالك بالحنطة المبلولة؟ قال: لأنهما صنف واحد مع الحنطة. ألا ترى أنهما يجمعان في الزكاة مع الحنطة فلذلك كرهه.

قلت: أرأيت العدس المبلول أيصلح بالفول واحد بواحد أو اثنان بواحد في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان يدا بيد.
قلت: ولم وأنت تجمعه في الزكاة وتراه في الزكاة نوعا واحدا وأنت تجيز المبلول منه إذا كان عدسا باليابس من الفول؟ قال: لأن هذين في البيع عند مالك صنفان مختلفان, ألا ترى أن العدس اليابس لا بأس به بالفول واحد باثنين, وكذلك المبلول منه, أو لا ترى أن الحنطة اليابسة لا تصلح بالشعير والسلت في قول مالك لا مثلا بمثل فلذلك كره مالك المبلول من الحنطة بالشعير مثلا بمثل أو بينهما تفاضل.
قال: ولقد رأيت مالكا غير سنة كره القطنية بعضها ببعض بينهما تفاضل, ففي قوله الذي رجع إليه أخيرا أنه كره التفاضل بينهما فالمبلول من القطنية لا يصلح بشيء من القطنية اليابسة لأنه نوع واحد, وقوله الأول أحب إلي وهو الذي كتبته أول مرة فأنا آخذه.
قلت: فالعدس المبلول بالعدس اليابس في قول مالك؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك وإنما هذا مثل الرطب بالتمر أو الفريك بالحنطة أو الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة, وقد وصفت لك ذلك.
قلت: فالعدس المبلول بالعدس المبلول هل يجوز في قول مالك؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك لأنه ليس مثلا بمثل لأن البلل يختلف فيكون منه ما هو أشد انتفاخا من صاحبه فلا يصلح على حال.
قلت: وكذلك الحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة عند مالك؟ قال: نعم لا يصلح.

ما جاء في اللحم باللحم
قلت: ما قول مالك في اللحم النيء بالقديد واحد باثنين أو مثلا بمثل؟ قال: قال مالك: لا خير فيه واحد بواحد ولا بينهما تفاضل.
قال: فقلت لمالك وإن تحرى؟ قال: فلا خير فيه وإن تحرى.
قلت: ولم كرهه مالك؟ قال: رأيت مالكا لا يرى أن ذلك مما يبلغ معرفته عند الناس أن يكون مثلا بمثل لأن هذا جاف وهذا نيء, وقد كان مالك فيما ذكر عنه بعض الناس أنه أجازه في أول زمانه ثم رجع عنه وأقام على الكراهية فيه غير مرة ولا عام.
قلت: له فهل يجوز اللحم الممقور باللحم النيء في قول مالك مثلا بمثل أو

متفاضلا؟ قال: قال مالك: لا يصلح اللحم النيء بالممقور متفاضلا ولا مثلا بمثل يتحرى.
قلت: وكذلك السمك الطري بالسمك المالح لا يصلح مثلا بمثل ولا متفاضلا في قول مالك؟ قال: نعم ولا يتحرى.
قلت: وهكذا القديد باللحم النيء؟ قال: نعم لا يصلح مثلا بمثل في قول مالك ولا متفاضلا ولا يتحرى.
قلت: فالمنكسود بالنيء أيجوز في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: لا يجوز النيء بالمالح متفاضلا ولا مثلا بمثل والمنكسود إنما هو عندي لحم مالح فلا يجوز على حال.
قلت: فما قول مالك في اللحم المشوي باللحم النيء؟ قال: قال مالك: لا يعجبني واحد بواحد, ولا بينهما تفاضل, قال: وهذا أيضا مما رجع عنه وأقام على الكراهية فيه مثل القديد وهو أحب قوله إلي. وقد قال مالك: ولا يتحرى.
قلت: لم لا يجيز مالك اللحم النيء بالمشوي واحدا بواحد ولا بينهما تفاضل؟ قال: لأن المشوي عنده بمنزلة القديد إنما جففته النار عنده كما جففت الشمس القديد.
قلت: فما قول مالك في القديد بالمطبوخ؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, والقديد أيضا إنما جففته الشمس بلا تابل ولا صنعة صنعت فيه فلا بأس به واحد باثنين من المطبوخ.
قلت: فالقديد يابس بالمشوي؟ قال: لا خير فيه وإن تحرى لأن يابس المشوي رطب لا يكون كيابس القديد.
قلت: فما قول مالك في المشوي بالمطبوخ؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن كل شيء لم يدخله صنعة مثل ما يعمل أهل مصر في مقاليهم التي يجعلون فيها التابل والزيت والخل وما أشبه هذا حتى ربما كان لها المرقة ويكون شبيها بالمطبوخ فهذا عندي طبيخ إذا كان كذلك, ولا يعجبني ذلك بالمطبوخ ولا بأس به بالنيء على حال لأنه مطبوخ, وإن كان إنما النار جففته وحده بلا تابل فأرجو أن لا يكون به بأس واحد باثنين بالمطبوخ ولا خير فيه بالنيء على حال.
قلت: فما قول مالك في لحم القلية بالعسل والقلية بالخل وباللبن واحد باثنين قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا, ولكن هذا عندي نوع واحد لأنه مطبوخ كله وإن اختلفت صنعته واسمه فلا يصلح منه واحد باثنين.

قلت: فاللحم الطري بالمطبوخ ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك: لا بأس به واحد باثنين أو مثلا بمثل إذا غيرته الصنعة.
قلت: هل يجيز مالك الصير بلحم الحيتان متفاضلا؟ قال: سألنا مالكا عن صغار الحيتان بكبارها متفاضلا قال: لا خير فيه, وهي حيتان كلها قال: وكذلك الصير كله عندي لا خير فيه.
قلت: أرأيت الشاة المذبوحة بالشاة المذبوحة أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا في قول مالك لأن اللحم بعضه ببعض لا يجوز في قول مالك إلا مثلا بمثل إذا كان نيئا, وهاتان الشاتان لما ذبحتا فقد صارتا لحما فلا يجوز إلا مثلا بمثل على التحري.
قلت: وهل يتحرى هذا وهما غير مسلوختين حتى يكونا مثلا بمثل؟ قال: إن كانا يقدران على أن يتحريا ذلك حتى يكونا مثلا بمثل فلا بأس به كما يتحرى اللحم وهذا مما لا يستطاع أن يتحرى.
قلت: فالكرش والكبد والقلب والرئة والطحال والكليتان والحلقوم والشحم أهذا كله عندك بمنزلة اللحم لا يصلح منه واحد باثنين باللحم؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك خصي الغنم؟ قال: لم أسمع من مالك في خصي الغنم شيئا وأراه لحما, لا يصلح منه واحد باثنين من اللحم ولا يصلح الخصي باللحم إلا مثلا بمثل لأنه لحم.
قلت: وكذلك الرءوس والأكارع في قول مالك هو لحم لا يصلح ذلك اللحم إلا مثلا بمثل؟ قال: نعم.
قلت: فما قول مالك في الطحال أيؤكل أم كان يكرهه؟ قال: ما علمت أن مالكا كان يكرهه ولا بأس به.
قلت: فهل يصلح الرأس بالرأسين؟ قال: لا يصلح في قول مالك لا وزنا بوزن أو على التحري؟
قلت: وإن دخل رأس في وزن رأسين أو دخل ذلك في التحري لا بأس به؟ قال: نعم لا بأس به عند مالك.

ما جاء في البقول والفواكه بعضها في بعض
قلت: فما قول مالك في البقول واحد باثنين وإن كان من نوعه أو من غير نوعه يدا بيد مثل الفجل والسلق والكراث وما أشبه ذلك؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك كان من نوع واحد أو من غيره.
قلت: وكذلك التفاح والرمان والبطيخ وما أشبه هذا من الفاكهة الخضراء أهو مثل ما وصفت من البقول؟ قال: نعم.

ما جاء في الطعام بعضه ببعض
قلت: أي شيء كره مالك واحد باثنين من صنفه يدا بيد من جميع الأشياء وأي شيء وسع فيه مالك واحد باثنين من صنفه يدا بيد من جميع الأشياء؟ قال: قال مالك: كل شيء من الطعام يدخر ويؤكل ويشرب فلا يصلح منه اثنان بواحد من صنفه يدا بيد, وأما ما لا يدخر ولا يؤكل ولا يشرب فلا بأس به واحد باثنين من صنفه يدا بيد من جميع الأشياء. قال مالك: وكذلك كل طعام لا يدخر وهو يؤكل ويشرب فلا بأس بواحد منه باثنين يدا بيد وهو عندي مثل ما لا يؤكل ولا يشرب في هذا الوجه.
قال مالك: والذهب بالذهب مثلا بمثل لا زيادة فيه يدا بيد وكذلك الفضة بالفضة, قال: والفلوس لا يصلح إلا مثلا بمثل عددا ويدا بيد ولا يصلح بعضها ببعض كيلا.
قال: وقال مالك: وما كان مما لا يدخر من الفاكهة مثل الرمان والتفاح والخوخ وما أشبه هذا فلا بأس به واحد باثنين يدا بيد وإن ادخر.
قال: فقلت لمالك: أرأيت السكر بالسكر؟ قال: لا خير فيه اثنين بواحد.

في الصبرة بالصبرة والإردب بالإردب
قلت: هل تجوز صبرة حنطة بصبرة شعير؟ قال: قال مالك: لا يجوز إلا كيلا مثلا بمثل.
قلت: أرأيت إن اشتريت إردب حنطة وإردب شعير بإردب حنطة وإردب شعير أيجوز ذلك وتجعل الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وما يعجبني هذا وما أراه جائزا لأنه لا يصلح عند مالك مد من حنطة ومد من دقيق بمد حنطة ومد دقيق كانت بيضاء كلها أو سمراء كلها, وكذلك أيضا إن كانت

في الفلوس بالفلوس
قال ابن القاسم: قال مالك: لا يصلح الفلوس بالفلوس جزافا ولا وزنا مثلا بمثل ولا كيلا مثلا بمثل يدا بيد ولا إلى أجل ولا بأس بها عددا فلس بفلس يدا بيد, ولا يصلح فلس بفلسين يدا بيد ولا إلى أجل, والفلوس هاهنا في العدد بمنزلة الدراهم والدنانير في الورق. وقال مالك: أكره ذلك في الفلوس ولا أراه حراما كتحريم الدنانير والدراهم.

قلت: أرأيت إن اشتريت فلسا بفلسين أيجوز هذا عند مالك؟ قال: لا يجوز فلس بفلسين.
قلت: فمراطلة الفلوس بالنحاس واحد باثنين يدا بيد؟ قال: لا خير في ذلك, قال: لأن مالكا قال: الفلس بالفلسين لا خير فيه لأن الفلوس لا تباع إلا عددا فإذا باعها وزنا كان من وجه المخاطرة فلا يجوز بيع الفلوس بالفلوس جزافا فلذلك كره رطل فلوس برطلين من النحاس, قال: ولو اشترى رجل رطل فلوس بدراهم لم يجز ذلك؟ قال مالك: كل شيء يجوز واحد باثنين من صنفه إذا كايله أو راطله أو عاده فلا يجوز الجزاف فيه بينهما لا منهما جميعا ولا من أحدهما لأنه من المزابنة إلا أن يكون الذي يعطي أحدهما متفاوتا يعلم أنه أكثر من الذي أخذ من ذلك الصنف بشيء كثير فلا بأس بذلك, ولا يجوز أن يكون أحدهما كيلا ولا وزنا ولا عددا والآخر جزافا, وإن كان مما يصلح اثنان بواحد إلا أن يتفاوت ما بينهما تفاوتا بعيدا فلا بأس بذلك وهو إذا تقارب عند مالك ما بينهما كان من المزابنة وإن كان ترابا.

في الحديد بالحديد
قلت: أيصلح الحديد بالحديد واحد باثنين يدا بيد وما أشبه الحديد من الرصاص والنحاس؟ قال: قال مالك: نعم لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن اشتريت رطلا من حديد عند رجل بعينه والحديد بعينه برطلين من حديد عندي بعينه على أن يزن لي وأزن له ثم تفرقنا قبل أن نتقابض وقبل أن نزن؟ قال: لا بأس بذلك لأنه حديد بعينه ليس هذا دينا بدين وهذا شيء بعينه.
قلت: فإذا التقينا أجبرتني على أن أعطيه وأزن له وأجبرته على أن يعطيني ويزن لي؟ قال: نعم.
قلت: فإن تلف الحديدان أو أحد الحديدين قبل أن نجتمع؟ قال: فلا بيع بينكما ولا شيء لواحد منكما على صاحبه.
قلت: فلو أني حين اشتريت حديده منه الذي ذكرت بحديدي الذي ذكرت لك فوزنت له حديدي وافترقنا قبل أن يزن لي حديده, وذلك الحديد الذي تبايعنا بعينه ثم رجعت إليه لأقبض منه الحديد الذي اشتريته منه فأصبته قد تلف؟ قال: ترجع فتأخذ حديدك الذي دفعت إليه.
قلت: وهذا قول مالك قال: نعم
تم وكمل كتاب السلم الثالث من المدونة الكبرى, ويليه كتاب بيوع الآجال.

كتاب الآجال
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الآجالقلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت لو أني بعت ثوبا بمائة درهم إلى أجل ثم اشتريته بمائة درهم إلى ذلك الأجل أيصلح ذلك في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس بذلك. قال :قلت: فإن اشتريته إلى أبعد من الأجل بمائة درهم؟ قال لا بأس بذلك أيضا.
قلت: فإن اشتريته بأكثر من الثمن إلى أبعد من الأجل بعت بمائة إلى شهر واشتريته بمائة وخمسين إلى شهرين؟ قال لا يصلح ذلك إلا أن يكون مقاصة إذا حل الأجل قاصه مائة بمائة وبقيت عليه الخمسون كما هي إلى أجلها ثم يأخذها فأما أن يأخذ المائة التي باعه بها الثوب أولا عند أجلها ويكون عليه خمسون ومائة إلى أجل البيع الثاني فهذا يدخله مائة درهم إلى شهر بخمسين ومائة إلى شهرين فهذا لا يصلح.
قلت: أرأيت إن بعت ثوبا بمائة درهم محمدية إلى شهر فاشتريته بمائة درهم يزيدية إلى محل ذلك الأجل أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا خير في هذا كأنه باعه محمدية بيزيدية إلى أجل.
قلت: أرأيت إن بعتك عبدين بمائة دينار إلى سنة فاشتريت منك أحدهما بدينار قبل الأجل قال: لا بأس بذلك إن كان الدينار مقاصة مما على الذي عليه الحق, فإن كان الدينار غير مقاصة إنما ينقده الدينار فلا يجوز, وهذا كله قول مالك.
قلت: فإن اشتريت أحد العبدين بتسعة وتسعين دينارا نقدا؟ قال: لا يجوز ذلك.

قلت: فإن اشتريته بمائة دينار نقدا؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ولم كرهته إذا أخذته بأقل من الثمن ولم يجزه إلا أن يؤخذ بجميع الثمن؟ قال: لأنك إذا أخذته بأقل من جميع الثمن دخله بيع وسلف.
قلت: والموضع يدخله بيع وسلف؟ قال: لأنك إذا أخذته بخمسين نقدا صار الباقي منهما بخمسين وصار يرد إليك الخمسين التي أخذ منك الساعة نقدا إذا حل الأجل ويصير سلفا ومعه بيع, فلا يجوز ذلك وقد ذكر ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة وأبي الزناد أنهما قالا: إذا بعت شيئا إلى أجل فلا تبتعه من صاحبه الذي بعته منه ولا من أحد تبيعه له إلى دون ذلك الأجل إلا بالثمن الذي بعته به منه أو أكثر منه ولا ينبغي أن تبتاع تلك السلعة إلى فوق ذلك الأجل إلا بالثمن أو بأقل منه وإذا ابتاعه إلى الأجل نفسه ابتاعه بالثمن أو بأكثر منه أو بأقل إذا كان ذلك إلى الأجل فإن ابتاعه الذي باعه إلى أجل بنقد بمثل الذي له في ذلك الأجل فهو حلال وإن كان الذي ابتاعه إلى أجل هو يبيعه بنقصان فلا ينبغي له أن يعجل النقصان ولا يؤخره إلى ما دون الأجل إلا أن يكون ذلك إلى الأجل الذي ابتاع منك تلك السلعة إليه.
وكيع, عن سفيان الثوري, عن هشام بن عروة, عن ابن سيرين, عن ابن عباس قال: إياك أن تبيع دراهم بدراهم بينهما جريرة.
وكيع, عن سفيان, عن سليمان التيمي, عن حبان بن عمير القيسي, عن ابن عباس أنه قال: في الرجل يبيع الحريرة إلى أجل فكره ذلك أن يشتريها نقدا يعني بدون ما باعها به.
قال ابن وهب: وأخبرني جرير بن حازم, عن أبي إسحاق الهمداني, عن أم يونس, عن عائشة زوج النبي عليه السلام قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن الأرقم الأنصاري: يا أم المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم. فقالت: نعم قالت: فإن بعته عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه قبل محل الأجل بستمائة فقالت بئسما شريت وبئسما اشتريت, أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب قالت: فقلت: أرأيت إن تركت المائتين وأخذت ستمائة؟ قالت: فنعم من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف
قلت: أرأيت إن بعته ثوبا بعشرة دراهم فاشتريته قبل محل الأجل بخمسة دراهم

نقدا وثوب من نوعه أو شيء من غير نوعه؟ قال: لا خير فيه لأن هذا بيع وسلف لأنه ثوبه يرجع إليه وكأنه أسلفه خمسة دراهم إلى شهر على أن باعه ثوبه الذي بخمسة دراهم إلى شهر فصار إذا حل الأجل أخذ خمسة قضاء من خمسته التي دفع قبل الأجل وخمسة من ثمن الثوب الباقي فهذا يدلك على أنه بيع وسلف.
قلت: أرأيت إن بعت ثوبين بعشرة دراهم إلى شهرين فاشتريت أحدهما بثوب نقدا وبخمسة دراهم نقدا؟ قال: لا يصلح هذا.
قلت: لم؟ قال: لأنه يدخله بيع وسلف ويدخله أيضا فضة وسلعة نقدا بفضة إلى أجل فأما البيع والسلف فكأنه باعه ثوبين إلى أجل بخمسة دراهم وأقرضه خمسة دراهم نقدا على أن يقبضها منه إذا حل الأجل, وأما فضة وسلعة نقدا بفضة إلى أجل فكأنه باعه ثوبين وخمسة دراهم نقدا بعشرة دراهم إلى أجل فلا يصلح هذا وذلك أنا جعلنا الثوب الذي باعه ثم رجع إليه لغوا.
قلت: أرأيت إن بعت ثوبا بعشرة دراهم إلى شهر فاشتريته بخمسة دراهم إلى الأجل وبثوب نقدا؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: لم؟ قال: لأن ثوبه رجع إليه وباعه ثوبا بخمسة دراهم إلى شهر وسقطت عنه خمسة بخمسة فصارت مقاصة.
قلت: أرأيت إن بعته ثوبا بعشرة دراهم محمدية إلى شهر فاشتريته بثوب نقدا أو بخمسة دراهم يزيدية إلى شهر؟ قال: لا خير فيه لأن ثوبه الأول رجع إليه فألغي وصار كأنه باعه ثوبه الثاني بخمسة دراهم محمدية على أن يبذل له إذا حل الأجل خمسة يزيدية بخمسة محمدية.
قلت: أرأيت إن بعته ثوبا إلى شهر بعشرة دراهم فاشتريته بثوبين من صنفه إلى أجل أبعد من الأجل؟ قال: لا خير في ذلك لأنه يصير دينا بدين.
قلت: وكذلك لو ابتعته بثوب من صنفه إلى أبعد من الأجل أيصير هذا دينا بدين؟ قال: لا خير في ذلك.
قلت: فإن بعته ثوبا بعشرة دراهم إلى شهر فاشتريته بثوب من صنفه إلى خمسة عشر يوما أيجوز هذا؟ قال: لا يجوز هذا.
قلت: لم؟ قال: لأن هذا دين بدين.

قلت: وكيف كان هذا دينا بدين؟ قال: لأنه رجع ثوبه إليه فصار لغوا وباعه ثوبا إلى خمسة عشر يوما بعشرة دراهم إلى شهر فصار الدين بالدين.
قلت: أرأيت إن بعت ثوبا بثلاثين درهما إلى شهر فاشتريته بدينار نقدا أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا.
قلت: لم؟ قال: لكونه رجع إليه فصار لغوا وصار كأنه أعطاه دينارا دينارا نقدا بثلاثين درهما إلى شهر.
قلت: أرأيت إن بعته ثوبا بثلاثين درهما إلى شهر فاشتريته بعشرين دينارا نقدا؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: ولا يدخل هذا الذهب نقدا بالفضة إلى أجل؟ قال: لا لأنهما قد سلما من التهمة لأن الرجل لا يتهم على أن يعطي عشرين دينارا نقدا بثلاثين درهما إلى شهر.
قلت: وإنما ينظر في هذا إلى التهمة فإذا وقعت التهمة جعلته ذهبا نقدا بفضة إلى أجل وإذا لم تقع التهمة أجزت البيع بينهما؟ قال: نعم.
قلت: فإن باعه ثوبه بأربعين درهما إلى شهر فاشتراه بدينارين نقدا وصرف الأربعين درهما بدينارين أيصلح هذا أم لا؟ قال: لا يعجبني هذا حتى يبين ذلك ويسلما من التهمة لأن الأربعين درهما من الدينارين قريب.
قلت: فإن اشتراه بثلاثة دنانير نقدا؟ قال: هذا لا يتهم لأن الثلاثة الدنانير عند الناس بينة أنها خير من أربعين درهما وأكثر فلا يتهم هذا هاهنا.
قلت: أرأيت إن بعته ثوبا بأربعين درهما إلى شهر فاشتريته بدينار نقدا وبثوب نقدا أيجوز هذا؟ قال: لا خير في هذا لأنه ذهب وعرض بفضة إلى أجل فلا خير في هذا.
قلت: أرأيت إن بعته ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل فاشتريته بثوب نقدا وبفلوس نقدا أيصلح هذا أم لا؟ قال: لا يعجبني هذا لأنه لا يصلح أن تشتري الدراهم إلى أجل بفلوس نقدا.
قلت: أرأيت إن بعت حنطة محمولة مائة إردب بمائة دينار إلى سنة فاحتجت إلى شراء حنطة محمولة فاشتريت من الرجل الذي بعته الحنطة إلى أجل مائتي إردب حنطة محمولة بمائة دينار نقدا أيصلح هذا البيع أم لا في قول مالك وذلك بعد يوم أو يومين من

مبايعتي إياه أو من بعد شهر أو شهرين أو ستة أشهر؟ قال: لا يصلح هذا البيع الثاني لأنه رد إليه طعامه أو مثل طعامه وزاد عليه زيادة على أن أسلفه مائة دينار سنة نقده إياها فهذا لا يصلح, قال: ولقد قال لي مالك: لو أن رجلا باع من رجل طعاما إلى أجل ثم لقيه بعد ذلك يبيع طعاما فقال: لا أحب له أن يبتاع منه طعاما من صنف طعامه الذي باعه إياه أقل من كيل طعامه الذي باعه إياه, ولا مثل كيله بأقل من الثمن الذي باعه به نقدا, قال مالك: ولا أرى بأسا أن يبتاعه بمثل الثمن الذي باعه به أو أكثر إذا كان مثل كيل طعامه وكان الثمن نقدا وهذا الذي كره مالك من هذا وهي تشبه مسألتك التي سألتني عنها لأن مالكا جعل الطعام إذا كان من صنف طعامه الذي باعه إياه كأنه هو طعامه الذي باعه إياه وخاف فيما بينهما الدلسة أن يقع السلف والزيادة فيما بينهما على مثل هذا ولم يجعل الثياب مثلها.
قلت: والطعام كله كذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك كل ما يوزن ويكال مما لا يؤكل ولا يشرب, ومما يؤكل ويشرب أهو بهذه المنزلة؟ قال: نعم.
قلت: فلو أني بعت من رجل ثوبا فسطاطيا أو فرقبيا بدينارين إلى شهر فأصبت معه ثوبا يبيعه من صنف ثوبي مثله في صنفه وذرعه قبل محل أجل ديني عليه من ثمن ثوبي فاشتريته منه بدينار نقدا أيصلح هذا أم لا؟ قال: لا بأس بهذا وليس الثياب في هذا بمنزلة الطعام.
قلت: ما فرق ما بين الطعام والثياب في هذا؟ قال: لأن الطعام إذا استهلكه رجل كان عليه مثله فإذا كان من صنف طعامه فكأنه هو طعامه الذي باعه بعينه وأن الثياب من استهلكها كان عليه قيمتها فهو إذا لقيه ومعه ثوب من صنف ثوبه إذا لم يكن ثوبه بعينه فليس هو ثوبه الذي باعه إياه, ولا بأس أن يشتريه إن كان من صنفه بأقل أو بأكثر نقدا أو إلى أجل قال: ولو كرهت هذا لجعلت ذلك في الحيوان مثل الثياب وهذا يتفاحش ولا يحسن؟ قال: وذلك أن مالكا قال: لو أن رجلا باع ثوبين بثمن إلى أجل فأقاله من أحدهما وأخذ ثمن الآخر لم يكن بذلك بأس ما لم يعجل الذي عليه قبل محل الأجل أو يؤخره عن أجله وإن كان قد غاب على الثوبين.ولو باع رجل من رجل إردبين من حنطة إلى أجل فغاب المبتاع عليه فأقاله من إردب قمح لم يكن فيه خير حل الأجل أو لم يحل فالطعام بمنزلة العين في البيوع.
قلت: فإن أقاله بحضرة البيع من إردب؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يغب المشتري

على الطعام وما لم يشترط إذا أقاله أن يعجل له ثمن الإردب الباقي قبل محل الأجل أو على أن ينقده الساعة.
قلت: فإن غاب المبتاع على الطعام ومعه ناس لم يفارقوه يشهدون أن هذا الطعام هو الطعام الذي بعته بعينه؟ قال: إذا كان هكذا لم أر بأسا أن يقيله من بعضه ولا يتعجل ثمن ما بقي قبل محل الأجل.
قلت: لم كرهه مالك أن يقيله من بعضه على أن يعجل له ثمن ما بقي قبل محل الأجل؟ قال: لأنه يدخله تعجيل الدين على أن يوضع عنه منه قبل محله, ألا ترى أن البائع قال للمبتاع: عجل لي نصف حقي الذي لي عليك على أن أشتري منك نصف هذا الطعام بنصف الدين الذي عليك فيدخله بيع على تعجيل حق. قال مالك: ويدخله أيضا عرض وذهب بذهب إلى أجل.
قلت: ألا ترى أن البائع وجبت له مائة دينار من ثمن طعامه إلى أجل فأخذ خمسين إردبا وترك الخمسين الأخرى فكأنه باعه الخمسين التي لم يقله منها وخمسين دينارا حطها بخمسين دينارا تعجلها وبالخمسين الإردب التي ارتجعها فيدخله سلعة وذهب نقدا بذهب إلى أجل.
قلت: فما باله إذا أقاله من خمسين ولم يشترط أن يعجل له ثمن الخمسين الباقية لم لا يدخله أيضا هذا لم لا يكون كأنه رجل باعه مائة دينار له عليه إلى أجل بخمسين إردبا وخمسين دينارا أرجأها لم يفسده بهذا الوجه؟ قال: لأنه لم يغب عليه فيتهم أن يكون سلفا جر منفعة ولم يشترط تعجيل شيء يفسد به بيعهما وهذا إنما هو رجل أخذ منه خمسين إردبا كان باعها إياه بخمسين دينارا فأخذها منه بخمسين وأرجأ عليه الخمسين الدينار ثمنا للخمسين الإردب التي دفعها إليه على حالها إلى أجلها فلا بأس بهذا وهذا قول مالك.

في الرجل يسلف دابة في عشرة أثواب فأخذ منه قبل الأجل خمسة أثواب وبرذونا أو خمسة أثواب وسلعة غير البرذون ويضع عندما بقي
قلت: أرأيت رجلا أسلم برذونا إلى رجل في عشرة أثواب إلى أجل فأخذ منه قبل الأجل خمسة أثواب وبرذونا على أن هضم عنه الخمسة الأثواب التي بقيت عليه أو أخذ منه خمسة أثواب قبل محل الأجل وسلعة سوى البرذون؟ قال: قال مالك: لا يصلح هذا لأنه يدخله ضع عني وتعجل, ويدخله أيضا بيع وسلف.

قلت: وأين يدخله بيع وسلف في قول مالك؟ قال: دخله سلف وبيع أنه لما أعطاه البرذون في عشرة أثواب إلى أجل فأتاه بخمسة أثواب قبل محل الأجل فكان الذي عليه الحق أسلف الطالب خمسة أثواب على أن يقبضها الذي عليه السلم من السلم الذي عليه إذا حل أجل الثياب التي عليه على إن باعه البرذون أو السلعة التي دفعها إلى الطالب بخمسة أثواب مما عليه فهذا بيع وسلف.
قلت: وأين دخله ضع عني وتعجل؟ قال: ألا ترى لو أن الطالب أتاه فقال له: عجل لي حقي قبل محل الأجل؟ فقال الذي عليه الحق لا أعطيك ذلك إلا أن تضع عني, فقيل لهما إن ذلك لا يصلح فقال الطالب للمطلوب: أنا أقبل منك سلعة تساوي أربعة أثواب وخمسة أثواب معها فأعطاه سلعة تساوي أربعة أثواب أو أعطاه البرذون الذي كان رأس مال السلم وقيمته أربعة أثواب وخمسة أثواب فهذا ضع عني وتعجل.
قلت: أرأيت إن كانت السلعة التي أعطاه مع الخمسة الأثواب قيمتها عند الناس لا شك فيه مائة ثوب من صنف ثياب السلم؟ قال: لا خير فيه أيضا, ألا ترى لو أن رجلا أعطى رجلا خمسة أثواب وسلعة قيمتها أكثر من قيمة الخمسة الأثواب التي معها بعشرة أثواب إلى أجل من صنف الخمسة الأثواب التي أعطاه إياها لم يحل هذا, فهذا كذلك لا ينبغي أن يأخذ خمسة قضاء من العشرة ويأخذ بالخمسة سلعة أخرى وهو قول مالك.
قال ابن وهب: وبلغني عن ربيعة أنه قال: كل شيء لا يجوز لك أن تسلف بعضه في بعض فلا يجوز لك أن تأخذه قضاء منه مثل أن يبيع تمرا فلا تأخذ منه بثمنه قمحا لأنه لا يجوز لك أن تسلف الحنطة في التمر ومثل الذي وصفت لك أنه لا يجوز لك أن تعطي سلعة وثيابا في ثياب مثلها إلى أجل فهذا كله يدخله في قول ربيعة.
قلت: أرأيت الذي سلف البرذون في العشرة الأثواب إلى أجل فأخذ سلعة وخمسة أثواب قبل محل الأجل أيدخله خذ مني حقك قبل محل الأجل وأزيدك؟ قال: نعم يدخله دخولا ضعيفا, وأما وجه الكراهية فيه فهو الذي فسرت لك عن مالك وقيل لربيعة في رجل باع حمارا بعشرة دنانير إلى سنة ثم استقاله المبتاع فأقاله البائع بربح دينار عجله له وآخر باع حمارا بنقد فاستقاله المبتاع فأقاله بزيادة دينار أخره عنه إلى أجل, قال ربيعة: إن الذي استقالاه جميعا كان بيعا إنما الإقالة أن يترادا البائع والمبتاع ما كان بينهما من البيع على ما كان البيع عليه فأما الذي ابتاع حمارا إلى أجل ثم رده بفضل تعجله إنما ذلك بمنزلة من اقتضى ذهبا يتعجلها من ذهب, وأما الذي ابتاع الحمار بنقد ثم جاء

فاستقال صاحبه فقال الذي باعه: لا أقيلك إلا أن تربحني دينارا إلى أجل, فإن هذا لا يصلح لأنه أخر عنه دينارا وأخذ الحمار بما بقي من الذهب فصار ذهبا بذهب لما أخر من نقده ولما ألقى له الذي رد الحمار من عرضه ولو كان في التأخير أكثر من دينار أضحى لك قبحه وهاتان البيعتان مكروهتان.
قال ابن وهب, عن مالك بن أنس, عن أبي الزناد, عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهما كانا ينهيان أن يبيع الرجل طعاما إلى أجل ثم يشتري منه بتلك الذهب تمرا قبل أن يقبضها1. وقال ابن شهاب مثله.
قال ابن وهب: وقال عمر بن عبد العزيز مثله, وقال لي مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة وغيرهما من أهل العلم مثله, وقالوا ذلك بمنزلة الطعام بالتمر إلى أجل فمن هناك كره.
قال ابن وهب, عن ابن لهيعة عن أبي الزناد عن جابر بن عبد الله أنه قال: لا تأخذ إلا مثل طعامك أو عرضا مكان التمر.
قلت: أرأيت إن بعت سلعة بعشرة دنانير إلى أجل شهر فاشتراها عبد لي مأذون له في التجارة بخمسة دنانير قبل الأجل قال: إذا كان قد أذن السيد لعبده في التجارة فكان إنما يتجر لنفسه العبد بمال عنده فلا أرى بذي بأسا وإن كان العبد إنما يتجر للسيد بمال دفعه السيد إليه فلا يعجبني.
قلت: أسمعت هذا من مالك؟ قال: لا.
قلت: فإن بعتها بعشرة دنانير إلى شهر فاشتريتها لابن لي صغير بخمسة دنانير قبل الأجل أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا يعجبني ذلك.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا.
.قلت: أرأيت إن باع عبدي سلعة بعشرة دنانير إلى أجل فاشتريتها بخمسة دنانير قبل الأجل أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وما يعجبني ذلك إن كان العبد يتجر لسيده.
قلت: فإن بعت سلعة بعشرة دنانير إلى شهر فوكلني رجل أن أشتريها له قبل محل الأجل بخمسة دنانير أيجوز ذلك أم لا؟ قال: ما يعجبني ذلك؟ قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار إلى أجل فإذا وجب البيع بينهما قال المبتاع للبائع:
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 47.

بعها لي من رجل بنقد فإني لا أبصر البيع, قال: لا خير فيه ونهى عنه.
قلت: فإن سأل المشتري البائع أن يبيعها له بنقد فباعها له بنقد بأكثر مما اشتراها به المشتري؟ قال: هذا جائز لأنه لو اشتراها هو لنفسه بأكثر من عشرة دنانير جاز, فكل شيء يجوز للبائع أن يشتريه لنفسه فهو جائز أن يشتريه لغيره إذا وكله.

في رجل باع عبده من رجل بعشرة دنانير إلى أجل شهر على أن باعه الآخر عبده بعشرة دنانير
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا من رجل بعشرة دنانير على أن أبيعه عبدي بعشرة دنانير قال: قال مالك: ذلك جائز.
قلت: ولا يكون هذا عبدا ودنانير بعبد ودنانير, وقد أخبرتني أن مالكا لا يجيز الذهب بالذهب مع إحدى الذهبين سلعة أو مع الذهبين جميعا مع كل واحد منهما سلعة, وقد أخبرتني أيضا أن مالكا قال: لا يكون صرف وبيع في صفقة واحدة.
قال ابن القاسم: قال مالك: ليس هذا صرفا وبيعا ولا ذهبا وسلعة بذهب وسلعة لأن هذا عبد بعبد, والعشرة دنانير بالعشرة دنانير ملغاة لأنها مقاصة.
قلت: فإن لم يكن يقاصه بها ولكنه أعطاه عبدا وعشرة دنانير من عنده وأخذ من صاحبه عبده وعشرة دنانير إذا اشترط أن يخرج الدنانير كل واحد منهما من عنده؟ قال: هذا لا يحل لأن هذه دنانير وعبد بدنانير وعبد.
قلت: وإنما ينظر مالك إلى فعلهما ولا ينظر إلى لفظهما؟ قال: نعم إنما ينظر إلى فعلهما فإن تقاصا بالدنانير كان البيع جائزا وإن لم يتقاصا بالدنانير وأخرج هذا الدنانير من عنده وهذا الدنانير من عنده فهذا الذي لا يحل إذا كان مع الذهبين سلعة من السلع أو مع إحدى الذهبين سلعة من السلع إذا كان بذلك وجب بيعهما.
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل عبده بعشرة دنانير على أن أبيعه عبدي بعشرة دنانير وضميرنا على أن يخرج كل واحد منه الدنانير من عنده فيدفع إلى صاحبه عبده وعشرة دنانير من عنده فأردنا بعد ذلك أن نتقاص بالدنانير ولا نخرج الدنانير ويدفع عبده وأدفع عبدي أيجوز هذا البيع في قول مالك أم لا؟ قال: إذا كان ذلك الضمير هو عندهم كالشرط فلا خير فيه وإن تقاصا, فالبيع بينهما منتقض لأن مالكا قال: لو اشترطا أن يخرج كل واحد منهما الدنانير من عنده كان البيع باطلا ولم يجز لهما أن يتقاصا بالدنانير لأن العقدة وقعت حراما, فلا يجوز هذا البيع على حال من الأحوال.

قلت: فلو بعته عبدي بعشرة دنانير على أن يبيعني عبده بعشرين دينارا؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك إنما هو عبد بعبد وزيادة عشرة دنانير.
قلت: فإن كانا اشترطا أن يخرج كل واحد منهما الدنانير من عنده؟ قال: أرى ذلك حراما لا يجوز.
قلت: فإذا وقع اللفظ من البائع والمشتري فاسدا لم يصلح هذا البيع في قول مالك بشيء؟ قال: نعم لأن اللفظ وقعت به العقدة فاسدة.
قلت: وكذلك إن كان اللفظ صحيحا ووقع القبض فاسدا فسد البيع في قول مالك؟ قال: قال مالك: إنما ينظر في البيوع إلى الفعل ولا ينظر إلى القول, فإن قبح القول وحسن الفعل فلا بأس به وإن قبح الفعل وحسن القول لم يصلح.
قلت: أرأيت إن باع سلعة بعشرة دنانير إلى أجل على أن يأخذ بها مائة درهم أيكون هذا البيع فاسدا أم لا؟ قال: لا يكون فاسدا ولا بأس بهذا عند مالك.
قلت: لم؟ قال: لأن اللفظ هاهنا لا ينظر إليه لأن فعلهما يئوب إلى صلاح وأمر جائز.
قلت: وكيف يئوب إلى صلاح وهو إنما شرط الثمن عشرة دنانير يأخذ بها مائة درهم؟ قال: لأنه لا يأخذ بها الدنانير أبدا إنما يأخذ دراهم, فقوله عشرة دنانير لغو فلما كانت العشرة في قولهما لغوا علمنا أن ثمن السلعة إنما وقع بالمائة درهم وإن لفظا بما لفظا به.
قلت: فالذي باع سلعة بعشرة دنانير على أن يشتري من صاحبه سلعة أخرى بعشرة دنانير على أن يتناقدا الدنانير فلم يتناقدا الدنانير وتقابضا السلعتين لم أبطلت البيع بينهما, وإنما كان اللفظ لفظ سوء والفعل فعل صحيح؟ قال: لأنهما لما اشترطا تناقد الدنانير نظر إلى فعلهما هل يئوب إلى فساد إن أرادا أن يفعلا ذلك قدرا عليه فإن كان يئوب إلى فساد إذا فعلا ذلك ويقدران على أن يفعلاه, فالبيع باطل باللفظ, وإن لم يفعلاه لأنهما إذا كانا يقدران على أن يفعلا ذلك فيكون فاسدا فإنهما وإن لم يفعلا فكأنهما قد فعلاه وقد وقعت العقدة عقدة البيع على أمر فاسد يقدران على فعله.
قلت: والأول الذي باع سلعته بعشرة دنانير على أن يأخذ بالدنانير مائة درهم لم فرقت بينهما وبين هذين؟ قال: لأن لفظ هذين كان غير جائز ولفظهما يئوب إلى صلاح ولا يئوب إلى فساد لأنهما لا يقدران على أن يجعلا في ثمن السلعة في فعلهما إلا الدراهم لا يقدران على أن يجعلا في ثمن السلعة دنانير ثم دراهم لأنه شرط ثمن السلعة

دنانير على أن يأخذ بها دراهم فإنما يئوب فعلهما إلى صلاح حتى يصير الذي يأخذ في ثمن السلعة دراهم لا يقدران على غير ذلك فلذلك جاز.
قال ابن القاسم: وكذلك لو قال: أبيعك ثوبي هذا بعشرة دنانير على أن تعطيني بها حمارا إلى أجل صفته كذا وكذا فلا بأس إنما وقع الثوب بالحمار والدنانير لغو فيما بينهما.

في الرجل يكون له على الرجل الدين إلى أجل فإذا حل أخذ به سلعة ببعض الثمن على أن يؤخره ببقيته إلى أجل
قلت: أرأيت إن كان لي على رجل دين إلى أجل فلما حل الأجل أخذت منه سلعة ببعض الثمن على أن أؤخره ببقية الثمن إلى أجل أيصلح هذا؟ قال: قال مالك: هذا بيع وسلف لا يصلح هذا لأنه باعه السلعة ببعض الثمن على أن يترك بقية الثمن عليه سلفا إلى أجل من الآجال؟ قال: قال مالك: وإن أخذ ببعض الثمن سلعة وأرجأ عليه بقية الثمن حالا كما هو فلا بأس بذلك.
قال سحنون: وقول ربيعة دليل على هذا أنه لا يجوز.
قلت: أرأيت إن أقرضته حنطة إلى أجل فلما حل الأجل بعته تلك الحنطة بدين إلى أجل؟ قال: قال مالك: لا يحل هذا لأنه يفسخ دينا في دين.

في الرجل يكون له الدين الحال على رجل أو إلى أجل فيكتري منه به داره سنة أو عبده
قلت: أرأيت لو أن دينا لي على رجل حال أو إلى أجل أيصلح لي أن أكتري به من الذي لي عليه الدين داره سنة أو عبده هذا الشهر؟ قال: قال لي مالك: لا يصلح هذا كان الدين الذي عليه حالا أو إلى أجل لأنه يصير دينا في دين فسخ دنانيره التي له في شيء لم يقبض جميعه.
قلت: فلو كان لي على رجل دين فاشتريت به ثمرته هذه التي في رءوس النخل بعد ما حل بيعها أو زرعه بعد ما استحصد؟ قال: قال مالك: إذا كان حين أزهت أو أرطبت فلا ينبغي وإن كانت الثمرة قد استجدت وليس لاستجدادها تأخير, وقد تستجد الثمرة ولاستجدادها استئخار, وقد ييبس الحب ولحصاده استئخار, فإذا استجدت الثمرة واستحصد الحب وليس لشيء من ذلك تأخير فلا أرى به بأسا وإن كان لاستجدادها تأخير

في الرجل يسلف الرجل الدنانير في طعام محمولة إلى أجل فيلقاه قبل الأجل فيسأله أن يجعلها في سمراء إلى الأجل بعينه
قلت: أرأيت لو أني أسلفت إلى رجل في محمولة إلى أجل فلقيته قبل الأجل فقلت له: هل لك أن تحسن تجعلها لي سمراء إلى أجل ففعل؟ قال: لا يجوز ذلك في قول مالك لأنك تفسخ محمولة في سمراء إلى أجل, فلا يجوز ألا ترى أنك فسخت دينا في دين.
قلت: فلو حل الأجل لم يكن بذلك بأس أن آخذ من سمراء محمولة أو من المحمولة سمراء؟ لا بأس به في قول مالك إذا كان يدا بيد لأنه يشبه البدل.

في البيع والسلف إذا وقع
قلت: أرأيت لو بعت عبدا من أجنبي بمائة دينار وقيمته مائتا دينار على أن أسلفني المشتري خمسين دينارا؟ قال: البيع فاسد وتبلغ قيمته به إذا فات مائتي دينار.
قلت: لم؟ قال: لأن العقدة وقعت فاسدة لأن فيها بيعا وسلفا, ولأن البائع يقول أنا لم أرض أبيع عبدي بمائة دينار وقيمته مائتا دينار إلا بهذه الخمسين التي أخذتها سلفا فهذا يبلغ بالعبد هاهنا قيمته ما بلغت إذا فاتت إذا كان أبدا مثل مسألتك هذه فانظر إلى القيمة, فإن كانت القيمة فوق الثمن فإنه يبلغ للبائع قيمة العبد وإن كان الثمن أكثر فله الثمن يبلغ بالعبد الأكثر من القيمة أو الثمن.
قلت: فلو باع العبد بمائة دينار وقيمته مائتا دينار على أن أسلف البائع المشتري خمسين دينارا؟ قال: هذا لا يزاد على الثمن إن كانت القيمة أكثر ويرد السلف لأن البائع

في السلف الذي يجر منفعة
قلت: أرأيت إن أسلمت ثوبا في ثوب مثله إلى أجل أو أقرضت ثوبا في ثوب مثله إلى أجل؟ قال: إن كان ذلك سلفا فذلك جائز وإن كان إنما اعتزيا منفعة البائع أو المقرض أو طلب البائع أو المقرض منفعة ذلك لنفسه من غير أن يعلم ذلك صاحبه فلا يجوز.
قلت: وكذلك إن أقرضته دنانير أو دراهم طلب المقرض المنفعة بذلك لنفسه ولم يعلم بذلك صاحبه إلا أنه كره أن يكون في بيته, وأراد أن يحرزها في ضمان غيره فأقرضها رجلا؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا.
قلت: وهذا في الدنانير والدراهم والعروض وما يكال أو يوزن وكل شيء يقرض فهو بهذه المنزلة؟ قال: نعم عند مالك.
قلت: أرأيت إن قال: المقرض إنما أردت بذلك منفعة نفسي أيصدق في قول

مالك ويأخذ حقه قبل الأجل؟ قال: لا يصدق, ولكنه قد خرج فيما بينه وبين خالقه.
قلت: وإن كان أمرا ظاهرا معروفا يعلم أنه إنما أراد المنفعة لنفسه أخذ حقه حالا ويبطل الأجل في قول مالك؟ قال: نعم لأنه ليس بسلف, والتمام إلى الأجل حرام وهو يعجل له وإنما مثل ذلك الذي يبيع البيع الحرام إلى أجل فيفسخ الأجل ويكون عليه قيمته نقدا إذا فاتت السلعة ولا يؤخر القيمة إلى الأجل. قال: وسمعت مالكا يحدث أن رجلا أتى عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إني أسلفت رجلا سلفا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته, فقال عبد الله ذلك الربا, فقال كيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟ قال: السلف على ثلاثة وجوه سلف تريد به وجه الله فلك وجه الله, وسلف تريد به وجه صاحبك فليس لك إلا وجه صاحبك, وسلف تسلفه لتأخذ خبيثا بطيب فذلك الربا, قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟ فقال أرى أن تشق الصحيفة فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته وإن أعطاك دون ما أسلفته فأخذته أجرت وإن هو أعطاك فوق ما أسلفته طيبة به نفسه فذلك شكر شكره لك ولك أجر ما أنظرت1. ا هـ.
قال ابن وهب, عن ابن لهيعة, عن يزيد بن أبي حبيب, عن أبي شعيب مولى الأنصار أنه استسلف بإفريقية دينارا جرجيريا من رجل على أن يعطيه بمصر منقوشا فسأل ابن عمر عن ذلك فقال: لولا الشرط الذي فيه لم يكن به بأس قال ابن عمر إنما القرض منحة وقال القاسم وسالم: إنه لا بأس به ما لم يكن بينهما شرط; وقال ابن عمر من أقرض قرضا فلا يشترط إلا قضاءه.
قال ابن وهب, عن رجال من أهل العلم, عن ابن شهاب وأبي الزناد وغير واحد من أهل العلم: إن السلف معروف أجره على الله فلا ينبغي لك أن تأخذ من صاحبك في سلف أسلفته شيئا ولا تشترط إلا الأداء ; وقال عبد الله بن مسعود: من أسلف سلفا واشترط أفضل منه وإن كان قبضة من علف فإنه ربا ذكره عنه مالك بن أنس2.
قلت: أرأيت إن أقرضتك حنطة بالفسطاط على أن توفينيها بالإسكندرية؟ قال: قال مالك: ذلك حرام؟ قال: وقال مالك: نهى عنه عمر بن الخطاب, وقال: فأين الحمال. قال: وقال مالك: كل ما أسلفت من العروض والطعام والحيوان ببلد على أن يوفيك إياه في بلد آخر فذلك حرام لا خير فيه. قلت له فالحاج يسلف من الرجل السويق والكعك يحتاج إليه فيقول: أوفيك إياه في موضع كذا وكذا في مكان كذا وكذا لبلد آخر؟ قال لا خير في ذلك, قال ولكنه
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديبث92.
2 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 94.

يسلفه ولا يشترط, قال: ولقد سئل مالك عن الرجل يكون له المزرعة عند أرض رجل وللآخر عند مسكن الآخر أرض يزرعها فيحصدان جميعا فيقول أحدهما لصاحبه: أعطني هاهنا طعاما بموضعي الذي أسكن فيه من زرعك وأنا أعطيك في موضعك الذي تسكن فيه من زرعي. قال: لا خير في ذلك, ولقد سئل مالك عن الرجل يأتي إلى الرجل قد استحصد زرعه ويبس وزرع الآخر لم يستحصد ولم ييبس وهو يحتاج إلى طعام فيقول له: أسلفني من زرعك هذا الذي يبس فدانا أو فدانين أحصدهما وأدرسهما وأذريهما وأكيلهما فأعطيك ما فيها من الكيل, قال: قال مالك: إذا كان ذلك من المسلف على وجه المرفق بصاحبه وطلب الأجر فلا بأس به. قال: ومن ذلك أنه يحصد الزرع القليل من الزرع الكثير فيقرض منه الشيء اليسير فليس يخف عنه بذلك مؤنة ولا ذلك طلب فلا أرى به بأسا وإن كان يحصده له ويدرسه له ويذريه إذا كان ذلك من المسلف على وجه الأجر وطلب المرفق بمن أسلف, وإن كان إنما أسلفه ليكفيه مؤنته وحصاده وعمله فهذا لا يصلح. قال فقلنا لمالك: فالدنانير والدراهم يتسلفها الرجل ببلد على أن يعطيها إياه ببلد آخر؟ فقال: إن كان ذلك من الرجل المسلف على وجه المعروف والرفق بصاحبه ولم يكن إنما أسلفها ليضمن له كما يفعل أهل العراق بالسفتجات فلا أرى به بأسا إذا ضرب لذلك أجلا وليس في الدنانير حمال مثل الطعام والعروض إذا كان على وجه المرفق.
قال ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب أنه قال: إن أسلفت سلفا واشترطت أن يوفيك بأرض فلا يصلح وإن كان على غير شرط فلا بأس به.
قال: وكان ربيعة وابن هرمز ويحيى بن سعيد وعطاء بن أبي رباح وعراك بن مالك الغفاري وابن أبي جعفر كلهم يكرهه بشرط, وذكر خالد بن حميد أن ربيعة قال في امرأة أعطت صاحبها صاعا من دقيق بمكة إليه أن تقدم أيلة فقال ابن وهب, عن ربيعة: لا يعطيها إلا بمكة.
قال يزيد بن عياض, عن ابن السباق, عن زينب الثقفية: إنها سألت عمر بن الخطاب عن تمر تعطيه بخيبر وتأخذ مكانه تمرا بالمدينة؟ قال: لا, وأين الضمان بين ذلك أتعطي شيئا على أن تعطاه بأرض أخرى.

في رجل استقرض إردبا من قمح ثم أقرضه رجلا بكيله أو باعه
قلت: أرأيت إن استقرضت إردبا من حنطة وكلته ثم أقرضته رجلا على كيلي؟

قال: لا يصلح لأنه كأنه أخذ هذه الحنطة على أن عليه ما نقص من كيل الإردب الذي كاله له صاحبه وله ما زاد على أن عليه إردبا من حنطة والكيل يكون له نقصان وريع فهذا لا يصلح إلا أن يقرضه إياه قبل أن يكيله ثم يستقرضه له من رجل آخر فيأمره أن يكيله لنفسه فتكون هذه الحنطة بكيل واحد دينا على الذي قبضها للذي استقرضها ودينا للذي أقرضها على الذي استقرضها, وإن استقرض هذه الحنطة ثم كالها ورجل ينظر ثم أقرضها من هذا الذي قد رأى كيلها بذلك الكيل لم يكن بذلك بأس.
قلت: فإن استقرضت إردبا من حنطة وكلته ثم بعته بكيلي ذلك ولم يكله المبتاع ولم ير كيلي حين استقرضته؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك إذا باعه بنقد, فإن كان بدين فلا خير فيه.
قلت: ولم جوزته إذا باعه بنقد على أن يدفعه بكيله الأول ورضي بذلك المبتاع شهد هذا الكيل أو لم يشهده ولم يجز له إذا أقرضه أن يدفعه بكيله إذا رضي المستقرض ذلك إلا أن يكون قد شهد كيله الأول؟ قال: قال لي مالك في البيع: إن ما كانت فيه من زيادة أو نقصان فهو للبائع وهو وجه له زيادة ونقصان قد عرف الناس ذلك فإذا جاء منه ما قد عرف الناس أنه من زيادة الكيل ونقصانه فذلك لازم للمشتري وليس له أن يرجع على البائع بشيء, وما كان من زيادة أو نقصان يعلم أنها من غير الكيل فإن البائع يرجع بالزيادة فيأخذها والمشتري يرجع بالنقصان فيأخذه من رأس ماله وليس له أن يأخذ ذلك النقصان حنطة ; قال: والقرض عندي إنما يعطيه بكيل يضمنه له على أن يأخذه منه كيلا قد عرف الناس أنه يدخله الزيادة والنقصان على أن يعطيه كيلا يضمنه له, ولا ينبغي إلا أن يكون المستقرض قد شهد كيله فأعطاه ذلك الطعام بحضرة ذلك قبل أن يغيب عليه أو يكون الذي يقرض يقول للذي أقرضه: كله فأنت مصدق على ما فيه فإن قال له ذلك فلا بأس به ويكون القول في ذلك قول المستقرض.

في الرجل أقرض رجلا طعاما ثم باعه قبل أن يقبضه بطعام أو غيره
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا طعاما إلى أجل أيجوز أن أبيعه منه قبل محل الأجل وأقبض الثمن؟ قال: نعم لا بأس به أن تبيعه منه قبل محل الأجل بجميع السلع عند مالك ما حاشا الطعام والشراب كله, فإذا حل الأجل فلا بأس أن تبيعه طعامه ذلك بما شاء من الطعام بأكثر من كيل طعامه إلا أن يكون من صنف طعامه الذي أقرض, فلا يجوز أن تبيعه بأكثر من كيله الذي أقرضه إياه.
.قلت: فإن أقرضت رجلا طعاما فلما حل الأجل قال لي: خذ مني مكان طعامك

صبرة تمر أو زبيب؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك. قال: وقال لي مالك: وإن كان الذي أقرضه حنطة فأخذ دقيقا حين حل الأجل فلا يأخذ إلا مثلا بمثل. قال: وكذلك إن أخذ شعيرا أو سلتا فلا يأخذ شعيرا ولا سلتا إلا مثلا بمثل, وأما قبل الأجل فلا تأخذ إلا مثل حنطته التي أقرضه ولا شعيرا ولا سلتا ولا دقيقا ولا شيئا من الطعام قبل الأجل لأن ذلك يدخله بيع الطعام بالطعام إلى أجل ويدخله ضع عني وتعجل.
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا حنطة إلى أجل فلما حل الأجل بعته تلك الحنطة بدنانير أو بدراهم نقدا وافترقنا قبل القبض أيفسد ذلك أم لا؟ قال: لا يصلح إلا أن تنتقد منه أو يقول لك اذهب بنا إلى السوق فأنقدك, أو يقول لك: اذهب بنا إلى البيت فأجئك بها, فهذا لا بأس به, فأما إذا افترقتما وذهبتما حتى يصير يطلبك بذلك فهذا لا خير فيه لأنه يصير دينا بدين.
وأخبرني ابن وهب, عن ابن لهيعة وحيوة بن شريح, عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم وسالما عن الرجل يسلف الرجل عشرة دنانير سلفا فأراد أن يأخذ منه زيتا أو طعاما أو ورقا بصرف الناس قال: لا بأس به. وقال ابن وهب, عن رجال من أهل العلم, عن جابر بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وربيعة وابن المسيب: أنه لا بأس باقتضاء الطعام والعرض في السلف.
وقال مالك: لا بأس بأن يقضيه دراهم من دنانير إذا حلت, ولا بأس بأن يقضيه تمرا بالقمح الذي أسلفه أو أفضل منه, وإنما الذي نهى عنه الطعام الذي يبتاع ولم يعن بهذا السلف. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه"1.
ـــــــ
1 تقدم في صفحة "127" رقم "1"

في رجل أقرض رجلا دنانير ثم اشترى بها منه سلعة غائبة أو حاضرة
قلت: أرأيت لو أن لرجل علي ألف درهم إلى أجل فلما حل الأجل بعته بالألف سلعة بعينها حاضرة فرضيها ثم قام فدخل بيته قبل أن يقبضها مني؟ قال: أرى البيع جائزا, ويقبض سلعته إذا خرج, قال: لأن مالكا قال لي إذا كان لك على رجل دين فلا تشتر به منه سلعة بعينها إذا كانت السلعة غائبة, ولا تشتر بذلك الدين جارية لتتواضعاها للحيضة, ولا تشتر به منه سلعة على أن أحدكما بالخيار فيها, وهذه السلعة التي سألت عنها إن كانت حاضرة يراها حين اشتراها لم يكن لبائعها أن يمنعه من قبضها فإنما هو رجل ترك سلعة وقام عنها, فإذا رجع أخذ سلعته. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يكون له على الرجل دين فيبتاع به طعاما فيكثر كيله فيقول له بعد مواجبة البيع بالدين

الذي لي عليه: اذهب فآتي بدوابي أحمله أو أكتري له منزلا أجعله فيه أو آتي بسفن أتكاراها لهذا الطعام فيكون في ذلك تأخير اليوم واليومين.
قال: قال مالك: لا بأس بذلك وهو خفيف, فقلت لمالك: فإن كاله فغربت الشمس وبقي من كيله شيء فتأخر إلى الغد حتى يستوفي؟ قال: لا بأس بهذا ليس في هذا دين بدين فأراه خفيفا, ولكني أرى ما كان في الطعام تافها لا خطب له في المؤنة والكيل مما يكال أو يوزن أو يعد عدا مثل الفاكهة وما أشبهها, أو قليل الطعام, فإن ذلك إذا أخذه بدينه لم يصلح له أن يؤخره إلا ما كان يجوز له في مثله أن يأتي بحمال يحمله أو مكتل يجعله فيه فعلى هذا فاحمل أمر الطعام في قول مالك وقول ابن أبي سلمة دليل على هذا. قال: كل شيء كان لك على غريم نقدا فلم تقبضه أو إلى أجل فحل الأجل أو لم يحل فلا تبعه منه بشيء وتؤخر عنه.

قرض العروض والحيوان
قلت: هل يجوز القرض في الخشب والبقول والرياحين والقضب والقصب وما أشبه ذلك في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك, وذلك جائز في قول مالك, وكل شيء يقرض فهو جائز إذا كان معروفا إلا الجواري.
قال مالك بن أنس, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من الصدقة فأمر أبا رافع أن يعطي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا, فقال: "أعطه إياه إن خيار الناس أحسنهم قضاء"1.
قلت: أيصلح أن أستقرض تراب فضة في قول مالك؟ قال: لا يصلح عندي.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 89. مسلم في كتاب المساقات حديث 118.

هدية المديان
قلت: ما يقول مالك في رجل له على رجل دين أيصلح له أن يقبل منه هديته؟ قال: قال مالك: لا يصلح أن يقبل منه هديته إلا أن يكون رجلا كان ذلك بينهما معروفا, وهو يعلم أن هديته ليس لمكان دينه فلا بأس بذلك. قال ابن وهب, عن محمد بن عمرو, عن ابن جريج أن عطاء بن أبي رباح قال له رجل: إني أسلفت رجلا فأهدى إلي قال: لا تأخذه, قال: قد كان يهدي إلي قبل سلفي, قال: فخذ منه قال الرجل: فقلت: قارضت رجلا مالا, قال: مثل السلف سواء.

في رجل استقرض رجلا خبزا من خبز الفرن برطل من خبز التنور
قلت: أرأيت إن استقرضت رجلا رطلا من خبز الفرن برطل من خبز التنور أو برطل من خبز الملة أيجوز هذا أم لا؟ قال: لم أسمعه من مالك, ولا أراه جائزا لأنه أسلفه وشرط أن يقضيه غير الذي أسلفه ألا ترى لو أني أقرضه دينارا دمشقيا على أن يعطيه دينارا كوفيا لم يجز؟ قال: وكذلك لو أقرضه محمولة على أن يعطيه سمراء أو سمراء على أن يعطيه محمولة لم يجز ذلك في قول مالك وكذلك الخبز.
قلت: فإن لم يكن بينهما شرط لم يكن بأس أن يقبض خبز الفرن من خبز التنور إذا تحريا الصواب في ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك لأن مالكا قال: إذا حل الأجل فلا بأس أن يأخذ المحمولة من السمراء والسمراء من المحمولة إذا كان من غير شرط إذا حل الأجل.

في رجل استقرض حنطة فلما حل الأجل اشترى طعاما فقال لصاحبه: اقتضها في حنطتك
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا حنطة إلى أجل فلما حل الأجل اشترى حنطة من السوق فقال: اقبضها في حنطتك التي لك علي؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.
قلت: وكذلك لو اشتريت من رجل حنطة مضمونة وله على رجل آخر حنطة مثلها قد أقرضها إياها فقال لي: اقبضها منه؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.
قلت: وكذلك لو كان لرجل علي طعام من قرض فلما حل الأجل قلت له: خذ هذه الدراهم فاشتر بها طعامك واقبض حقك؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.

في رجل أقرض رجلا دينارا أو طعاما على أن يوفيه ببلد آخر
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا دنانير أو دراهم على أن يقضيني دنانير أو دراهم في بلد آخر أيجوز هذا أم لا؟ قال: إذا ضربت للقرض أجلا فلا بأس أن يشترط أن يقضيه في بلد آخر إذا لم يكن للذي سلف في ذلك منفعة إذا كان الأجل مقدار المسير إلى البلد الذي اشترط إليه القضاء.
قلت: فإن أبى المستقرض أن يخرج إلى ذلك البلد قال: إذا حل الأجل أخذه منه حيثما وجده.
قلت: فإن قال: أقرضك هذه الدراهم على أن تقضيني بإفريقية ولم يضرب لذلك أجلا؟ قال مالك: لا يعجبني ذلك.
قلت: فإن نزل؟ قال: أجيز السلف, واضرب له قدر المسير إلى إفريقية.
قلت: فإن استقرض رجل من رجل قمحا وضرب لذلك أجلا على أن يقضيه بإفريقية؟ قال: هذا فاسد في قول مالك وإن ضرب لذلك أجلا.
قلت: فما فرق بين الدراهم والطعام في قول مالك؟ قال: لأن الطعام له حمل والدنانير لا حمل لها فلذلك جوزه مالك.

قضاء من سلفين حل أجلهما أو أحدهما أو لم يحلا
قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا كرا من حنطة إلى أجل وأقرضني كرا من حنطة إلى أجل وأجلهما واحد وصفتهما واحدة فقلت له قبل محل الأجل: خذ الطعام الذي لي عليك بالطعام الذي لك علي قضاء وذلك قبل محل الأجل؟ قال: لا بأس بذلك في رأيي.
قلت: لم؟ قال: لأنه إنما عجل كل واحد منهما دينا عليه من قرض فلا بأس به أن يعجل الرجل دينا عليه من قرض قبل محل الأجل.
قلت: فإن حل أجل الطعامين الذي لي على صاحبي والذي له علي فتقاصصنا وذلك من قرض, أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: لم جوزته إذا حل الأجل أو لم يحل؟ قال: ليس هاهنا بيع الدين بالدين, وإنما هو قضاء قضاه كل واحد منهما صاحبه من دين عليه قد حل أو لم يحل.

قلت: فإن حل أجل أحد الطعامين ولم يحل الآخر وهما جميعا من قرض أيصلح لنا أن نتقاص في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس بذلك, وإنما هو رجل عليه طعام إلى أجل فقدمه فقضى صاحبه فلا بأس بذلك.
قلت: وكل دين يكون من قرض يكون علي من ذهب أو طعام أو فضة, أو شيء مما يوزن ويكال مما يؤكل أو يشرب, ومما لا يؤكل ولا يشرب, وكان لي على الذي له علي هذا الدين مثله إلى أجله أو أبعد من أجله أو أدنى من أجله فحلت الآجال أو لم تحل أو حل أحدهما ولم يحل الآخر فلا بأس أن يتقاصا إذا كانت كلها من قرض وهي من نوع واحد. قال: نعم, والذهب والورق والعروض كلها إذا كانت من بيع أو قرض والآجال مختلفة إلا أنها من نوع واحد فلا بأس أن يتقاصا حلت الآجال أو لم تحل أو حل أحدهما ولم يحل الآخر, وأما الطعام فليس يصلح أن يتقاصا إذا كانا جميعا من سلم حلت الآجال أو لم تحل حتى يتقابضا.
قلت: وإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم فحل أجل السلم ولم يحل أجل القرض أيصلح لنا أن نتقاص؟ قال لا لأن أجل القرض لم يحل, وهذا بيع الطعام قبل أن يستوفي كذلك قال مالك.
قلت: فإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم والآجال مختلفة أو سواء؟ قال: فلا يصلح لهما أن يتقاصا حتى يحل الأجلان, فإذا حل الأجلان جاز لهما أن يتقاصا.
قلت: فإن كان قد حل أجل السلم ولم يحل أجل القراض أيصلح أن أقاصه؟ قال: لا لأن أجل القرض لم يحل وهذا بيع الطعام قبل أن يستوفي, وهذا لا يصلح عند مالك.
قلت: فإن كان الطعام من قرض وكان الذي علي محمولة والذي لي على صاحبي سمراء والآجال مختلفة وهو كله من قرض أيصلح لنا أن نتقاص؟ قال: لا يصلح لهما أن يتقاصا اختلفت الآجال أو اتفقت إلا أن يحل الأجلان جميعا فيتقاصان, فلا بأس به لأنه إنما هو بدل إذا حل الأجلان, وإنما كرهه قبل الأجلين وإن كان أحد الأجلين قد حل لأنه سمراء ببيضاء أو بيضاء بسمراء إلى أجل فهو بيع السمراء بالمحمولة إلى أجل, ومما يبين لك ذلك أنك لو أسلفت رجلا في محمولة إلى أجل أو شعيرا أو أقرضته ذلك ثم أردت أن يقضيك سمراء من محمولة قبل محل الأجل أو محمولة من شعير قبل محل الأجل وكان ذلك سلفا؟ قال: قال مالك: لا ينبغي ولا يصلح, فلذلك إذا كانت السمراء والمحمولة أجلهما مختلفين فلا تكون المقاصة فيها جائزة. قال مالك: وإذا كان لرجل

عليك عرض ولك عليه خلاف الذي له عليك من العرض, فإن حل أجلهما فلا بأس أن تقاصه عرضك بعرضه, وإن كان أجل عرضك وعرضه سواء وأجلهما واحد ولم يحل فلا بأس بأن تقاصه وإن اختلف أجلهما ولم يحلا فلا خير في أن تقاصه به.
قال ابن القاسم: وإن حل أجل أحدهما ولم يحل الآخر فلا بأس به.
قال مالك: والدنانير والدراهم إن حلت آجالها فلا بأس به, وإن لم تحل وكانت آجالهما واحدة فلا خير فيه لأنه بيع ذهب بورق إلى أجل, وإن حل أحد الأجلين ولم يحل الآخر فلا خير فيه لأنه بيع الذهب بالورق أيضا إلى أجل.
قال ابن القاسم: ولا يجوز للرجل أن يبيع عرضا إلى أجل بعرض مثله إلى أجل لأن الذمم تلزمهما ويصير دينا بدين, قال: وإن كان ذلك الدين عليهما إلى أجل ولكل واحد منهما على صاحبه مثل الذي له عليه في صفته فتتاركا والأجلان مختلفان فتتاركا فلا بأس به لأن ذمتهما تبرأ ولا يشبه هذا الأول لأن ذمة دينك تنعقد ويصير دينا في دين وذمة هذين تبرأ فهذا فرق ما بينهما, قال: وهذا رأيي. قال: وإنما قلت لك: والطعام والعروض إذا كان الذي على كل واحد منهما صفة واحدة أن يتتاركا فلا بأس به إذا كان ذلك قبل محل الأجل إذا كان ذلك في الطعام من قرض وكانت العروض من بيع أو قرض, قال: لأن مالكا قال: لو أن رجلا كان له على رجل ذهب إلى شهر وللآخر عليه ذهب إلى سنة وهي مثل وزنها فتقاصا قال: قال لي مالك: لا بأس به فقست أنا العروض والطعام على هذا الذي لا شك فيه إن شاء الله, ولو كأن يكون في الطعام إذا كانا من قرض جميعا إذا تقاصا إذا اختلفت آجالهما, ولم يحلا بيع الطعام بطعام إلى أجل لكان في الذهب إذا لم يحلا بيع ذهب بذهب إلى أجل فلا بأس به فيهما.
قلت: والتمر والحبوب إذا اختلفت ألوانه فهو مثل الحنطة في جميع ما وصفت لك من العروض والسلم فيه إذا أردنا أن نتقاص؟ قال: نعم.
قلت: والزيت وما أشبهه على هذا القياس؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أني أقرضت رجلا إردبا من حنطة إلى أجل وأخذت منه حميلا وأقرضني إردبا من حنطة بغير حميل إلى أجل أبعد من أجل طعامي الذي لي عليه فأردنا أن نتقاص؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك.
قلت: أرأيت لو أن لرجل علي مائة إردب من حنطة سلما فلما حل الأجل قلت لرجل: أقرضني مائة إردب حنطة ففعل, فقلت للذي له علي السلم: اقبضه منه, أيجوز

هذا في قول مالك أن يكون بكيل واحد قرضا علي وأداء عني من سلم علي في قول مالك؟ قال: نعم.
قال ابن وهب: أخبرني يونس بن يزيد, عن ابن شهاب قال: إذا كان لرجل عليك قمح أو شعير بيعا فجاءك يلتمس قمحه فابتعت قمحا بسلف وقلت لصاحبك: اقبض منه, قال: لا أرى ذلك يصلح حتى تأخذه أنت منه فتقبضه منه ثم تعطيه.
وعن بكير بن الأشج وابن أبي جعفر مثله.
قال ابن أبي جعفر: ولا يكره إذا كان عليك سلف قمح غير بيع أن تقول للبائع: أوف هذا كذا وكذا.
قال الليث: وقال يحيى مثله, وقال مالك في هذا: إن أمر المشتري أن يذهب إلى رجل كان له قبله طعام ابتاعه منه قبل أن يستوفيه فإن ذلك لا يصلح, وذلك بيع الطعام قبل أن يستوفي. قال مالك: وإن كان ذلك الطعام سلفا وكان حالا فلا بأس أن يحيل الذي عليه الطعام غريمه في طعام له على رجل آخر لأن ذلك ليس ببيع, وإنما هو رجل ابتاع طعاما فلم يبعه من أحد إنما قضى به دينا عليه.
قد كمل كتاب الآجل من المدونة الكبرى ويليه كتاب البيوع الفاسدة.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم
كتاب البيوع الفاسدة

البيوع الفاسدة
قلت: أرأيت من اشترى ثيابا بيعا فاسدا أو حيوانا أو رقيقا فطال مكثها عنده ولم تتغير أسواقها أله أن يرد ذلك وقد طال مكثها عنده؟ قال: قال مالك: أما الحيوان فإنها لا تثبت على حالها لأنها تتغير فإن طال مكثها عند المشتري كان ذلك فوتا, وأما الثياب والعروض كلها غير الحيوان والرقيق, فإن تغيرت أسواقها أو دخلها العيب فقد فاتت.
قلت: أرأيت إن تغيرت أسواق هذه العروض ثم رجعت إلى أسواقها يوم اشتراها المشتري أله أن يردها وقد عادت إلى أسواقها يوم قبضها؟ قال: ليس له أن يردها لأنها قد تغيرت بالأسواق, فلما تغيرت لزمته القيمة, فليس تسقط بذلك القيمة عنه وإن عادت إلى أسواقها.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثيابا أو عروضا بيعا فاسدا فبعتها ثم اشتريتها أو ردت علي بعيب ولم تتغير هذه العروض ولا هذه الثياب بزيادة ولا نقصان سوق أيكون لي أن أردها على الذي باعني؟ أم ترى بيعي فوتا؟ قال: له أن يرد ذلك على البائع, وقال: عند مالك إذا رجعت السلعة إليه باشتراء أو بهبة أو بصدقة أو بميراث أو ردت إليه بعيب إذا كانت عروضا لم تتغير بالأبدان ولا بالأسواق وليس بيعه إياها إذا رجعت إليه على أسواقها فوتا وله أن يردها.
وقال أشهب: ليس له أن يردها لأنه قد لزمته القيمة فيها.
قلت: فإن كانت حين باعها تغيرت عن أسواقها ثم رجعت إليه بهبة أو ميراث أو

صدقة أو وصية أو شراء, أو ردت عليه بعيب فرجعت إليه يوم رجعت وهي على أسواقها يوم اشتراها أله أن يردها على البائع؟ قال: لا لأنها لما تغيرت أسواقها كان ذلك فوتا حين تغيرت عنده أو عند غيره.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بجاريتين غير موصوفتين؟ قال: البيع باطل عند مالك.
قلت: فإن قبضت الجارية على هذا البيع فذهبت عينها عندي ألصاحبها الذي باعها مني أن يأخذها مني ويأخذ ما نقصها؟ فقال لا, إلا أن تشاء أنت أن تدفعها إليه وما نقصها.
قلت: وما يكون علي؟ قال: عليك قيمتها يوم قبضتها لأنك قبضتها على بيع فاسد, فلما حالت بتغير بدن لزمتك قيمتها عند مالك.
قلت: وكذلك إن كان سوقها قد تغير لزمتني القيمة فيها ولم يكن لي أن أردها في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن قال الذي باعها: أنا آخذها عوراء أرضى بذلك, أو قال: أنا آخذها وإن كانت أسواقها قد نقصت وأبيت أنا أن أدفعها إليه فقلت له: أدفع إليك قيمتها, أيكون ذلك لي أم يلزمني أن أدفعها إليه بنقصانها في قول مالك؟ قال: ذلك إلى المشتري إن شاء دفعها ناقصة كما طلبها منه بائعها وإن أبى إلا أن يعطيه القيمة فذلك عند مالك.
قلت: وكذلك إن زادت في بدنها أو زادت في سوقها فقال المشتري: أنا أدفعها إليك أيها البائع بزيادتها, وقال البائع: لا أقبلها ولكن آخذ قيمتها؟ قال: ذلك للبائع عند مالك إن شاء قبلها كما رضي المشتري بزيادتها وإن أبى لم يجبر على ذلك وكانت له القيمة على المشتري وتكون الجارية للمشتري.
قلت: وكذلك إن كانت هذه الجارية على حالها إلا أنها قد ولدت عند مشتريها؟ قال: الولد فوت.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قال: قال مالك: إذا ولدت الأمة فهو فوت في البيع الحرام وليس الولد فوتا في العيوب وإن وجد بها مشتريها عيبا, والبيع صحيح وقد ولدت عنده ردها وولدها, وليس

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19