كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

سلعة قائمة في البز. وإنما تكون الشركة بينهما في سلعة قائمة, يكون فيها النماء والنقصان والصبغ سلعة قائمة بعينها, والكراء ليس بسلعة قائمة, وإنما الكراء هاهنا سلف أسلفه العامل رب المال فإن رضي رب المال بذلك, أداه, وإلا قيل للعامل: اقبضه من مال القراض
قال: وقال مالك في الرجل يدفع إلى الرجل ألف دينار قراضا, فيبتاع بألفي دينار على رب المال: إن رب المال بالخيار, إن أحب أن يدفع إليه ألف دينار, وإلا كان المبتاع شريكا. وجعل مالك في الذي يشتري المتاع بمال قراض, فيتكارى له من عنده ثم يبيعه, أنه يرجع بالكراء في المال القراض, إلا أن يكون الكراء أكثر من قيمة المتاع, فلا يكون له على رب المال شيء أكثر من ثمن المتاع فعلى هذا رأيت لك أيضا الكراء. وعلى قول مالك في الكراء والمرابحة, حين لم يجعله بمنزلة الشيء القائم بعينه قال سحنون: وقال غيره: إن دفع رب المال إلى العامل قيمة الصبغ, لم يكن الصبغ على القراض, وإن أراد أن يضمنه قيمة الثياب, ضمنه إلا أن يكون فيها فضل, فيكون له من القيمة قدر رأس المال وربحه. وإن أبى أن يضمنه كان شريكا بقيمة الصبغ من قيمة الثياب وإنما لم ير إن أعطاه قيمة الصبغ أن يكون على القراض الأول ; لأنه لا يجوز لرجل أن يدفع إلى رجل مالا قراضا فيشتري به سلعا, ثم يدفع إليه مالا آخر قراضا على أن يخلطه المال الأول. فكذلك لا يجوز وإن رضي رب المال أن يعطيه فيه قيمة الصبغ, فلا أرى أن يكون على القراض ; لأن الصبغ مشترى بعد ما اشترى بالمال الأول الثياب, والمال الأول ربما ربح فيه, وربما خسر فيه. فلما لم يجز في الابتداء أن يعطيه رب المال مالا ثانيا بعد ما أشغل الأول على أن يخلطه, فكذلك لم يجز أن يجاز فعل العامل بعد ما شغل المال الأول, بأن يخلط الثاني بالأول والله أعلم. ولا يشبه هذا مسألة مالك, التي قال في الرجل يعطي الرجل مالا على القراض, فيزيد العامل من عنده مالا من قبل أن يشتري شيئا, فيشتري بجميعه سلعة يريد بما زاد سلف رب المال ; لأن المالين جميعا حين اشترى بهما جميعا صفقة واحدة, بمنزلة ما لو أن صاحب المال زاد العامل قبل أن يشتري شيئا لم يكن بذلك بأس.
قلت: أرأيت لو اشتريت بزا بجميع مال القراض, ثم اكتريت لنفسي من مالي وأنفقت على نفسي من مالي, أيكون لي كرائي وما أنفقت من مالي على نفسي دينا أرجع به في ثمن المتاع؟ قال: نعم, وهو قول مالك. قلت: أليس قد قلت لي في الذي يخرج وينفق من عنده: إنه يحسب نفقة مثله في المال القراض, فيفض ذلك على المال القراض, وعلى نفقة مثله؟ قال: إنما قال ذلك مالك: إذا أراد أن يخرج في حاجة نفسه

ويجهز, ثم أتاه رجل فدفع إليه مالا قراضا, فخرج في حاجة نفسه وفي القراض, وهذا إنما خرج في القراض وحده.

في الرجل يأخذ المال القراض من الرجل كيف تكون نفقته
قلت: أرأيت المقارض, إذا أخذ ألف درهم قراضا فسافر بها, وبعشرة آلاف من عنده أو بعشرة آلاف قراضا فسافر بها, وبألف درهم من ماله, كيف تكون النفقة التي ينفقها على نفسه في سفره؟ قال: على قدر المالين نفض النفقة على المالين, فينفق على نفسه بحساب ذلك من العشرة آلاف عشرة أجزاء, ومن الألف جزءا واحدا.قلت: أرأيت إن دفع رجل إلى رجل مالا قراضا, كيف تكون نفقته؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, إلا الذي أخبرتك أني سألته عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا, فتجهز فيه في جهاز نفسه وسفره, وتكارى يريد أن يخرج به إلى بلد من البلدان يشتري هناك متاعا, فأتاه رجل في تلك الليلة فرفع إليه مالا قراضا, على من ترى نفقته؟ قال مالك: نفقته من المالين جميعا, فأما مسألتك, فقد تجهز بالمال واشترى وتكارى على البز, فهذا كله على رب البز وحده. وأما نفقة العامل وكراؤه, فهو على المالين جميعا مثل الذي أخبرتك.

في زكاة القراض
قال: وقال مالك: لا يخرج العامل زكاة القراض إلا بحضرة رب المال, وإن كانت الزكاة قد وجبت منذ قبضها العامل فإن ربح فيها العامل وحال الحول عنده, فإنه لا يخرج شيئا من زكاة رأس المال, ولا من ربحه, حتى يحضر رأس المال ويحضر رب المال ; لأنه عند مالك, لا ربح له حتى يستوفي رب المال رأس ماله. وقال: إنما يخرج الزكاة عند المقاسمة قال: فقلت لمالك: أفيزكيه مرة واحدة لما مضى من السنين, أو لكل سنة مضت زكاة؟ قال: بل لكل ما مضى من السنين, لكل سنة زكاة, وإنما ذلك عندي في المال الذي يدار, إذا كان العامل يديره. وإنما يزكي لكل سنة قيمة ما كان في يده من المتاع لكل سنة إن كان - أول السنة - قيمة المتاع مائة, والسنة الثانية مائتين, والسنة الثالثة ثلاثمائة, فإنما يزكي كل سنة قيمة ما كان يسوي المتاع. فإنما يزكي أول السنة مائة, والسنة الثانية مائتين, والسنة الثالثة ثلاثمائة, إلا ما ينقصه الزكاة كل سنة.
قلت: فلو ربح العامل دينارا واحدا في المال, والمال تسعة عشر دينارا وإنما عمل في المال يوما واحدا فربح هذا الدينار, فبدا له أن يرد القراض, وقد كانت إقامة التسعة

في القراض يتلف ثم يعمل بما بقي فيربح فيه
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم قراضا, فلم يعمل بالمال حتى ضاع منه خمسمائة درهم, ثم عمل فربح أكثر من رأس المال؟ قال: قال مالك: يجبر رأس المال من الربح, وإن لم يعمل بالمال حتى ضاع منه. قلت: فلو أن رجلا عمل في المال فخسر, فأتى إلى رب المال فقال: قد وضعت في المال فقال له رب المال: اعمل بما بقي عندك, فعمل فربح, أيجبر رأس المال؟ قال: نعم, فإن قال العامل: لا أعمل به حتى تجعل هذا الباقي رأس مالك, وتسقط عني ما قد خسرت فقال رب المال: نعم, اعمل بهذا, وقد أسقطت عنك ما قد خسرت؟ قال: أرى أنه على قراضه أبدا, ما لم يدفع إلى رب المال ماله ويفاصله, وهو رأيي. ولا ينفعه قوله: إلا أن يدفع إليه ويتبرأ منه ثم يدفع إليه الثانية إن أحب. قال ابن القاسم: ولو أحضره وحاسبه ما لم يدفعه إليه, فهو على القراض الأول حتى يقبضه, وكذلك سمعت عن مالك.
قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا, فذهب اللصوص بنصف رأس المال, أو سقط مني نصف المال قبل أن أعمل في المال, ثم عملت في النصف الباقي, فربحت فيه مالا, كيف يكون هذا في قول مالك؟ قال مالك: يتم رأس المال الذي أخذت اللصوص, والذي ضاع من الربح, ويكون الربح بعد ذلك بينهما على ما اشترطا, ولا

يكون في المال ربح حتى يتم رأس المال. قلت: ما فرق بين هذا وبين الذي أكله العامل في المال؟ قال: لأنه إذا أكله فقد ضمنه, وإذا سقط فلا ضمان عليه فيه, وكذلك إذا أخذته اللصوص فلا ضمان عليه فيه, فإن ربح في بقية المال, كان عليه أن يجبر رأس المال فإذا أكله فهو ضامن لما أكل فالذي ضمن هو تمام رأس المال, إلا أنه لا ربح للذي ضمن ; لأنه لم يعمل فيه. قال: وما أخذ العاشر منه ظلما, فهو بمنزلة ما أخذت اللصوص؟ قال: وقد قال مالك: ما أخذت اللصوص من القراض فهو من القراض, وليس على العامل شيء.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم قراضا, فأكل خمسمائة منها, ثم تجر في المال فربح كيف يكون هذا؟ قال: قال مالك, في رجل دفع إليه رجل مالا قراضا, فتسلف منه مالا ثم عمل بما بقي. قال مالك: هو ضامن لما تسلف, وما بقي في يديه يعمل به, والذي فيه القراض وليس الذي تسلف منه على القراض فمسألتك أرى: الخمسمائة الذي عمل بها, هي رأس مال القراض, فربحها على ما اشترطا. والعامل ضامن للخمسمائة التي أكلها, ولا يحسب لها ربح, ولا شيء على العامل فيها, إلا أن يخرجها قط.قلت: فإن أخذ ألف درهم مالا قراضا, فتجر في المال فربح ألفا أخرى, فأكل ألف درهم منها, ثم تجر في الألف الباقية التي في يديه فأصاب مالا. قال: هو ضامن للألف التي أكل, وما بقي في يديه وما ربح بعد ذلك فهو بينهما على ما اشترطا. قلت: فإن ضاع ما في يديه فلم يبق في يديه إلا الألف التي أكلها؟ قال: هو ضامن لتلك الألف لرب المال, ويجعل تلك الألف رأس المال ; لأنه لا ربح في المال, إلا بعد ما يستوفي رب المال رأس ماله, وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت عبدا من مال القراض بألف درهم, وهو جميع المال, وقيمة العبد ألف درهم, فجنى رب المال على العبد جناية, بنقص العبد ألفا وخمسمائة, فباع العامل العبد بعد ما جنى عليه رب المال بخمسمائة, فعمل بالخمسمائة فربح فيها ربحا كثيرا أو وضع, أيكون ما صنع السيد بالعبد اقتضاء لرأس ماله وربحه؟ قال: لا يكون اقتضاء إلا أن يفاصله ويحاسبه فيحسب ذلك عليه, فإن لم يفعل وعمل بما بقي عنده, فهذا الذي بقي عنده وعمل فيه فهو على القراض كما كان, وما صنع السيد, فذلك دين عليه. ولا أقوم على حفظه عن مالك.

في المقارض يبتاع السلعة بمال القراض فإذا ذهب بنقد وجد القراض قد تلف أو قطع عليه الطريق
قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا, على أن أعمل فيه على النصف, فاشتريت به

عبدا أو سلعة, فجئت لأنقد البائع المال, فوجدت المال قد ضاع؟ قال: يقال لرب المال: إن أحببت فادفع الثمن, وتكون السلعة قراضا على حالها, وإن أبى لزم المقارض أداء ثمنها وكانت له. فإن لم يكن له مال بيعت عليه, وكان عليه النقصان وله الربح. قلت: فإن نقد رب المال المال في ثمن السلعة, كم يكون رأس ماله, أيكون رأس ماله المال الذي تلف, أو هذا المال الذي نقد؟ قال: لا يكون رأس ماله عند مالك, لا المال الآخر الذي نقد رب المال في ثمن السلعة, هو رأس ماله فقط.
قلت: أرأيت إن اشتريت بالمال القراض سلعة, فضاعت السلعة وضاع الثمن قبل أن أنقد الثمن؟ قال: لا شيء على رب المال ويغرم المقارض. قلت: أرأيت إن اشتريت جارية, فأردت أن أنقد الثمن, فقطع علي الطريق فذهب المال, أهذا وضياع المال سواء؟ قال: نعم, إذا كان في المال بقية, فعمل بعد ذلك, جبر به رأس المال, وإن لم يكن في المال بقية, قيل لرب المال: ادفع الثمن إن شئت, وتكون الجارية على القراض, وإن كرهت فلا شيء عليك. فإن دفع إليه كان رأس مال القراض المال الذي يدفع رب المال إلى رب السلعة, وإن لم يدفع, لزم الثمن المشتري العامل, وكانت السلعة له وربحها له ونقصانها عليه.

في العامل المقارض يخلط ماله بالقراض
قلت لابن القاسم: أرأيت الرجل يدفع إلى الرجل المال القراض, فيعمل به وله مال فيتجر به لنفسه فيتخوف, إن قدم ماله وأخر مال الرجل, وقع الرخص في الأول, أو يخاف أن يقدم مال الرجل ويؤخر ماله, فيقع الرخص في الآخر, فكيف تأمره أن يعمل؟ قال: الصواب من ذلك, أن يخلطهما جميعا ثم يشتري بهما جميعا. قال مالك: ولكن لا يصلح له أن يقارضه, على أن يخلط المقارض ماله بمال القراض قال مالك: فهذا لا يجوز. قلت: أرأيت إن لم يشترط رب المال أن يخلط مالي بماله, فخلطت ماله بمالي أأضمن؟ قال: قال مالك: لا تضمن له.قلت: أرأيت إن اشتريت بمال القراض وبمال من عندي, من غير أن يكون اشترط علي رب المال أن أخلطه بمالي, أيجوز هذا؟ قال: لا بأس بذلك. كذلك قال لي مالك: وتكون السلعة على القراض وعلى ما نقدت فيها, فتكون حصة القراض رأس مال القراض, وتكون حصتك أنت ما نقدت فيها من مالك.

المقارض يشارك بمال القراض
قال: وقال مالك: لا يجوز للمقارض أن يشارك أحدا, وإنما سألنا مالكا عن

في المقارض يبضع من القراض
قال ابن القاسم: من قول مالك, إن أبضع المقارض فهو ضامن. قلت: فإن دفع إلى رجل مالا قراضا, فلما أخذت المال منه, طلبت إليه أن يأذن لي أن أبضعه فأذن لي, أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا أحفظه عن مالك, وأرجو أن لا يكون به بأس إذا لم يأخذه على أن يبضع به. قال: ولا يجوز لك أن تبضع مع عبد لرب المال اشترطته في القراض ; لأنه إنما أعانك بغلامه, ولم يأذن لك أن تبضع معه بالمال.

في المقارض يستودع غيره من مال القراض
قلت: أرأيت المقارض, إذا أذنت له أن يبيع بالنقد وبالنسيئة, أيكون له أن يستودع غيره؟ قال: لا, إلا على خوف, مثل ما يجوز لصاحب الوديعة الذي يستودعها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في الوديعة إن استودعها غيره: إنه ضامن, إلا من عذر, من خراب منزل أو إرادة سفر, أو لا يكون منزله حريزا, أو لا يكون عنده من يثق به, فيستودعه فلا ضمان عليه, فمسألتك مثله.
قلت: أرأيت العامل, أله أن يستودع مال القراض؟ قال: لا يكون له ذلك, إلا على وجه خوف, أو إنما فعله نظرا لخوف, تخوفه بمنزلة الوديعة تكون عند الرجل ومنزله معور. قال مالك في مثل هذا: إذا استودعه غيره من خوف دخل عليه. قال مالك: فلا ضمان عليه إن استودعه, إذا كان بهذا الحال, فالقراض عندي بمنزلة الوديعة.

في المقارض يقارض غيره
قال: وقال مالك: ولا يجوز للعامل أن يقارض غيره إلا بأمر رب المال. قال:

في المقارض يوكل من يتقاضى له دين القراض فيتلف
قلت: أرأيت مقارضا وكل وكيلا يتقاضى له دينا من مال القراض فتقاضاه فتلف منه, أيجوز هذا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, إلا أن مالكا قال: إذا قارض المقارض بغير إذن رب المال, ضمن. فهذا أراه ضامنا إن تلف المال في يد الوكيل, إلا أنه لو استودع من غير خوف ضمن.

في المقارض يستأجر غلامه بمال القراض
قلت: أرأيت المقارض إن أرسل غلامه إلى بلد من البلدان ببعض مال القراض يتجر له, أو يشتري له هناك بعض السلع, أيضمن في قول مالك؟ قال: هو ضامن ; لأنه ليس له أن يبضع إلا أن يأذن له رب المال بذلك.
في العامل بالقراض يبيع بالنقد ويؤخر رب المال
قلت: أرأيت لو أن مقارضا باع سلعة من رجل من مال القراض فأخره رب المال, أيجوز ذلك؟ قال: نعم, ذلك جائز في حظ رب المال, ولا يجوز في حظ المقارض. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه منه. قال: وإن نوى حظ رب المال, وقد اقتضى العامل في المال حقه, لم يكن لرب المال أن يرجع عليه بشيء,. قلت: وكذلك إن وهب؟ قال: نعم, يجوز ذلك في حظه.

في المأذون له يأخذ مالا قراضا
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة, أيجوز له أن يأخذ مالا قراضا أو يعطي؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن العبد المأذون له في التجارة إذا أخذ مالا قراضا فتلف. قال مالك: لا ضمان عليه. فهذا يدلك على أنه لا بأس به. قلت: ويعطي مالا قراضا؟ قال: نعم. قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة, أيجوز له أن يأخذ مالا قراضا أو يعطيه؟ قال: قال مالك: لا بأس أن يأخذ العبد المأذون له في التجارة المال قراضا. ولم أسمع منه في أن يعطي هو المال قراضا شيئا, ولا بأس به أيضا عندي ; لأنه يبيع بالدين ويشتري.

في المقارض يأخذ من رجل آخر مالا قراضا
قلت: أرأيت إن أخذ رجل مالا قراضا من رجل, أيكون له أن يأخذ مالا آخر من رجل آخر قراضا؟ قال: قال مالك: نعم, له أن يأخذ من غير الأول إذا لم يشغله عن

في الذي يقارض عبده أو أجيره
قلت: أرأيت إن دفع الرجل إلى عبده مالا قراضا؟ قال: ذلك جائز عند مالك. قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا للخدمة, فدفعت إليه مالا قراضا, أيجوز ذلك؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال: لا بأس أن يدفع الرجل إلى عبده مالا قراضا, فإن كان الأجير مثل العبد, فذلك جائز.

في مقارضة من لا يعرف الحلال والحرام
قال: وقال مالك: لا أحب للرجل أن يقارض رجلا لا يعرف الحلال والحرام, وإن كان رجلا مسلما, فلا أحب له أن يقارض من يستحل شيئا من الحرام في البيع والشراء قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن سعيد بن المسيب قال: لا يصلح أن يقارض الرجل اليهودي والنصراني. قال الليث: وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: لا ينبغي له أن يقارض رجلا يستحل في دينه أكل الحرام.

في العبد والمكاتب يقارضان بأموالهما
قلت: أرأيت المكاتب, أيجوز له أن يبضع, أو يأخذ مالا قراضا, أو يعطي مالا مقارضة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا حدا أخذه, إلا أنه يجوز للمكاتب كل ما كان على وجه الفضل, فهذا كله جائز.

في أخذ المسلم المال من النصراني قراضا
قال: وسألت مالكا وابن أبي حازم, عن الرجل المسلم, أيأخذ من النصراني المال قراضا؟ فكرها ذلك جميعا, قال: وما أظن أنهما كرها ذلك, إلا أنهما كرها للمسلم أن يؤجر نفسه من النصراني, لئلا يذل نفسه فأظنهما من هذا الوجه كرها ذلك. قال: وقال مالك: لا بأس أن يدفع المسلم إلى النصراني كرمه مساقاة, إذ لم يكن النصراني يعصر حصته خمرا. قال: ولم أسمع من مالك في المسلم يأخذ من النصراني مساقاة شيئا, إلا أن مالكا قال: أكره للمسلم أن يأخذ من النصراني مالا قراضا. ولا أرى أن يأخذ المسلم من النصراني مساقاة بمنزلة ما كره مالك من القراض قال ابن القاسم: ولو أخذه لم أره حراما.

في القراض الذي لا يجوز
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مائتي دينار قراضا, على أن يعمل بكل مائة منهما على حدة, على أن ربح مائة منهما بيننا, وربح المائة الأخرى للعامل, أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا ; لأنهما قد تخاطرا, ألا ترى أنه إن لم يربح في المائة التي جعل ربحها بينهما, وربح في الأخرى, كان قد غبن العامل رب المال وإن ربح في المائة التي أخذها بينهما, ولم يربح في الأخرى, كان رب المال قد غبن العامل فيه, فقد تخاطرا على هذا. قال ابن القاسم: وأرى أنه أجبر في المائتين ويكون له أجرة مثله. قلت: أرأيت إن دفعت إليه ألف درهم قراضا, على أن ما رزق الله في خمسمائة منها بعينها فذلك للمضارب, وما رزق الله في خمسمائة منها بعينها فذلك لرب المال, فعمل بكل مال على حدة؟ قال: لا خير في هذا, لأني سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل مائتي دينار, على أن إحداهما على النصف والأخرى على الثلث, يعمل بهذه على حدة وهذه على حدة؟ قال مالك: لا خير في هذا. قال مالك: وكذلك الحائطان, لا يصلح أن يأخذهما مساقاة, هذا على النصف وهذا على الثلث يساقيهما جميعا صفقة واحدة, إلا أن يكونا جميعا على النصف, أو جميعا على الثلث. قلت: ولم كره مالك هذا في المساقاة وفي القراض؟ قال: قال مالك: لأن فيه خطرا ; لأن الحائطين ربما قل ثمر هذا أو كثر ثمر هذا. فكأنما خاطره وقال له: اعمل لي هذا الحائط بثلث ما يخرج منه, فقال: لا أعمل لك بالثلث في هذا الحائط, إلا أن تعطيني حائطك هذا الآخر أعمل فيه بالنصف, فقد تخاطرا إن أخرج هذا الحائط الذي بالثلث وأثمر, كان العامل قد غبن رب الحائط في الحائط الذي أخذه منه بالنصف, وإن لم يخرج الحائط الذي أخذه على الثلث, كان رب المال قد غبنه فيه.

في المقارض يشترط لنفسه شيئا من الربح خالصا له دون العامل
قلت: أرأيت إن أخذ المال, على أن لرب المال درهما من الربح خاصا, وما بقي بعد ذلك فهو بينهما, فعمل على ذلك فربح أو وضع؟ قال: يكون الربح لرب المال, والنقصان عليه, ويكون للعامل أجر مثله. قلت: ويكون العامل أحق بربح المال من غرماء صاحبه إن فلس حتى يستوفي أجر عمله؟ قال: لا, وهو أسوة غرماء المفلس بأجرته في المال الذي كان في يديه من رأس ماله, وفي جميع مال المفلس. قلت: فإن ضاع المال كله بعد ما عمل أيكون للعامل على رب المال أجر مثله أيضا؟ قال: نعم. قال سحنون: وقد كتبنا شرط الزيادة في أول الكتاب ومن قاله.

في المقارض يشترط لنفسه سلفا أو يشترط على نفسه ضمانا
قال: وقال مالك في الذي يعطي المال قراضا لرجل, على أن يسلفه رب المال سلفا قال: قال مالك: فللعامل أجر مثله وجميع الربح لرب المال قال: وسألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا, على أن العامل ضامن للمال؟ قال مالك: يرد إلى قراض مثله ولا ضمان عليه. قال: وكذلك إن أعطي مالا قراضا إلى سنة, رد فيه أيضا إلى قراض مثله. قلت: لم قال مالك: إذا كان في القراض شرط سلف, إنه يرد إلى إجارة مثله؟ وقال في القراض: إذا اشترط العامل الضمان, أن يرد إلى قراض مثله؟ وقال ذلك أيضا فيه: إذا كان إلى أجل سنة, إنه يرد إلى قراض مثله؟ فما فرق بينهما؟ قال في بعض: يرد إلى قراض مثله, وفي بعضه إلى إجارة مثله؟ قال: لأن سلفه زيادة ازدادها أحدهما في القراض, ولأن الأجل في القراض لم يزدده, فرد إلى قراض مثله, والضمان أمر قد ازداده, ولكنه أمر إنما كان في المال لم تكن منفعته خارجة منه في ربح ولا سلف, فحمل على سنة القراض, وفسخ عنهما ما اشترطا في ذلك من غير سنته, ورد إلى قراض مثلهما ممن لا ضمان عليه, كما يرد من شرط الضمان, وهذا وجه ما استحسنت مما سمعت من مالك. وقد ذكر الليث بن سعد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن, أنه كان يقول في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا يتجر فيه سنة, ثم يتحاسبان فيكون الربح بينهما. قال: لا يحل أن يضرب للمقارض أجلا, ولا يشترط في ربحه خاصة مضمونة لأحدهما دون صاحبه. قال: ومن وضع القراض على غير الذي وضع القراض عليه, فلا يصلح فيه شرط, إلا أن يشترط أن لا يضع ماله في شيء يخشى غرره, فإن ذلك مما كان يشترط في القراض, وقد قال ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران قال: سألت القاسم وسالما عن القراض والبضاعة, يكون ذلك بشرط؟ فقالا: لا يصلح ذلك من أجل الشرط الذي دخل فيه.

في المقارض يشترط عليه أن يخرج من عنده مثل القراض يعمل فيهما
قلت: لم كره مالك أن أدفع إلى رجل ألف درهم, وأشترط عليه أن يخرج من عنده ألفا أخرى يعمل بهما جميعا, على أن لي ربع ما يخرج في جميع المال؟ قال: لأنه إذا اشترط عليه ذلك, اغتزى كثرة البيع والشراء, ولا يجوز هذا ; لأنه يدخل في ذلك منفعة لرب المال. فلا يجوز أن يقارض بماله ويشترط منفعة لنفسه من غير ربح المال. قال: وقال مالك: لا يصلح أن يقول: أقارضك بألف, على أن تخرج من عندك ألف درهم أو أقل أو أكثر, على أن تخلطهما بألفي هذه تعمل بها جميعا, فكره مالك

هذا. قلت: ولم كره مالك هذا, أن يدفع الرجل إلى الرجل ألف درهم قراضا, على أن يخرج المقارض ألفا من عنده, فيخلطها بها يعمل بهما جميعا؟ قال: لاستغزار الشراء ألا ترى أنه إذا كان المال كثيرا, كان أعظم للتجارة وأكثر للشراء وأحرى أن يقدر على ما يريد من الشراء وأكثر لربحه وفضله؟ فيصير الذي دفع المال قراضا, قد جر إلى نفسه منفعة مال غير ماله, بمقارضة ماله فهذا لا يجوز أن يجر إلى نفسه منفعة غير ماله.

في المقارض يأخذ مالا قراضا ويشترط أن يعمل به معه رب المال
قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا, على أن يعمل معي رب المال في المال؟ قال: قال مالك: لا خير في هذا. قلت: فإن نزل هذا؟ قال: يرد العامل إلى إجارة مثله عند مالك. قلت: فإن عمل رب المال بغير شرط؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا كره ذلك, إلا أن يكون عملا يسيرا, وهو قول مالك.قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا, فاشتريت به جواري, فأخذ رب المال جارية فباعها؟ قال: ليس له أن يبيعها, وبيعه فيها باطل, إلا أن يجيزه العامل وهو قول مالك. وقال سحنون: وقد كتبنا ما كره عبد العزيز من اشتراط عون رب المال في أول الكتاب.

في المقارض يشترط على رب المال غلاما يعينه
قال: وقال مالك: لا بأس أن يشترط العامل على رب المال الغلام يعينه في المال, إذا لم يشترط أن يعينه في غيره, وكذلك الدابة قال ابن القاسم: والدابة عندي مثله. قال: ولم أسمعه من مالك, ولكن بلغني عنه ذلك في الدابة, أنه أجازها في المساقاة. وهي عندي في القراض والمساقاة - إذا اشترطها - جائزة. قلت: أرأيت إن اشترط رب المال على العامل عون دابته أو غلامه, أيصلح؟ قال: لا يصلح, وقد قال الليث مثل قول مالك في اشتراط العامل على رب المال الغلام يعينه: إنه لا بأس به. قال سحنون: وقال غيره: أحب إلي أن لا يشترط شيئا, أو أن يكون القراض على سنته, فإن وقع جاز.

في المقارض يدفع إليه المال على أن يخرج به إلى بلد يشتري به
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا, على أن يخرج بالمال إلى بلد من البلدان يشتري في ذلك الموضع تجارة؟ قال: سألت مالكا عن ذلك فقال: لا خير فيه. قال مالك: يعطيه المال ويقوده كما يقود البعير قال: وإنما كره مالك من هذا, أنه يحجز عليه, أنه لا يشتري إلا أن يبلغ ذلك البلد.

في المقارض يدفع إليه المال على أن يبتاع به عبد فلان ثم يبيعه فيبتاع بثمنه بعد ما شاء
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا على النصف, على أن يشتري عبد فلان, ثم يشتري بعد ما يبيع عبد فلان ما شاء بثمنه من السلع؟ قال: أما قوله: يشتري عبد فلان, فهذه أجرة ليس فيها قراض عند مالك. وأما ما كان بعد ذلك, فهو قراض بمنزلة الرجل يقارض الرجل بالعرض يكون له أجر مثله في بيعه العروض وتقاضيه الثمن, ثم يكون بعد ذلك فيما عمل على قراض مثله, ولا يلتفت إلى ما شرطا من الشرط فيما بينهما نصفا ولا ثلثا ولا غير ذلك ; لأن العقدة التي كان بها القراض كانت فاسدة ; لأنه لا يقارض بالعروض, فلذلك رد إلى قراض مثلهما, ولم يلتفت إلى ما اشترطا فيما بينهما وجعل له فيما باع أجر مثله, فكذلك مسألتك. ولقد سمعت مالكا يقول في الرجل يدفع إلى الرجل نخلا مساقاة وفيها ثمرتها قد طابت, على أن يسقيها فتكون في يدي العامل سنين مساقاة, على أن هذا الثمر الذي في رءوس النخل مساقاة بينهما. قال: قال مالك: يقام للعامل قيمة ما أنفق في هذه الثمرة وأجر عمله فيها, وتكون الثمرة كلها لصاحبها. قال: فقيل لمالك: أيكون له أجر مثله إن عمل؟ قال مالك: لا, ولكن يكون على مساقاة مثله فيما بعد ذلك. قال سحنون: وقد أخبرتك بالشرط الذي كرهه القاسم وسالم وربيعة, فهذا من تلك الشروط.

في المقارض يقول للعامل اشتر وأنا أنقد عنك أو يضم معه رجلا أمينا عليه أو ابنه يبصره بالتجارة
قلت: هل يجوز لرب المال أن يحبسه عنده ويقول للعامل: اذهب واشتر, وأنا أنقد عنك واقبض أنت السلع, فإذا بعت قبضت الثمن, وإذا اشتريت نقدت الثمن؟ قال: لا يجوز هذا القراض عند مالك, وإنما القراض عند مالك أن يسلم المال إليه قال: وقال لي مالك: ولو ضم إليه رجلا جعله يقتضي المال وينقد, والعامل يشتري ويبيع ولا يأمن العامل وجعل هذا أمينا. قال: لا خير في هذا ولقد سألت مالكا عن الرجل يدفع المال قراضا إلى رجل له أمانة وبصر, ويضم ابنه معه ولا بصر لابنه ولا أمانة, وإنما يدفع إلى الرجل المال, لأن يضم ابنه إليه, ولولا ذلك لم يدفع إليه قراضا ; لأن ابنه لا بصر عنده ولا يأمن ابنه؟ قال: فقال مالك: لا خير في هذا القراض. قال: وإنما كرهه مالك ; لأن لرب المال فيه المنفعة, يخرج له ابنه ويعلمه. قلت: فإن كان مكان ابنه رجل أجنبي ليس قبله بصر بالتجارة, فجعله رب المال مكان ابنه؟ قال: فإني لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك, فإن كان لرب المال فيه المنفعة مثل ما كانت في ابنه, أن

يكون صديقا له أراد أن ينفعه في تخريجه وتعليمه, فلا أرى ذلك جائزا. قال سحنون: وهذا مما يفسد من اشتراط الزيادة والشرط في القراض.

في المقارض يدفع إليه ألف درهم على النصف فربح فيها ألفا أخرى فيأتيه رب المال بألف أخرى على أن يخلطها على النصف
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم قراضا بالنصف, فعمل بها فربح ألفا أخرى, ثم أتاه رب المال فقال له: هذه ألف درهم أخرى خذها قراضا بالنصف واخلطها بالمال الأول, أيجوز هذا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا, إلا أن هذا لا يجوز من قبل أنه حين قال له اخلطها وفي المال ربح, فكأنه قال: اخلطها بالمال الأول. فإن وضعت في هذا المال الثاني, جبرته من الربح الذي في يديك من المال الأول, فهذا لا يجوز ولقد سألت مالكا عن الرجل دفع إلى رجل مالا قراضا, فابتاع به سلعة, ثم دفع بعد ذلك إلى رب المال مالا آخر, فابتاع به سلعة أخرى, ثم باع السلعتين جميعا فربح في إحداهما وخسر في الأخرى؟ فقال: قال مالك: كل مال منهما على قراضه, ولا يجيز نقصان هذا المال من ربح هذا المال.
قلت: فإن دفعت إليه مالا قراضا على النصف, فلم يعمل به حتى دفعت إليه مالا آخر قراضا بالثلث, على أن يخلط المالين جميعا, أيجوز هذا؟ قال: قد أخبرتك أني سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المائتي دينار, على أن واحدة من المائتين - قراضا - على الثلث, والأخرى قراضا على النصف قال مالك: لا خير فيه إذا كان لا يخلطهما. قال سحنون: وإذا كان على أن يخلطهما فهو جائز ; لأنه يرجع حسابه إلى جزء معروف, وكذلك الذي دفع مالا بعد مال. قلت: فإن دفع إليه مالا قراضا على النصف, فاشترى به سلعة من السلع, ثم أتاه بعد ذلك بمال آخر فدفعه إليه قراضا بالنصف, على أن يخلطه بالمال الأول, أيجوز هذا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولا يعجبني هذا ; لأنه خطر بين ألا ترى أنه إن نقص في المال الآخر وربح في المال الأول جبره بربح المال الأول وقد كان ربحهما للعامل؟ وإن نقص في المال الأول وربح في الآخر كان ذلك أيضا؟ قلت: فإن لم يكن في قيمة السلعة فضل عن رأس المال الأول؟ قال: هذا لا يعرف ; لأن الأسواق تتحول, ولا يعجبني على حال. قلت: فإن دفع رجل إلى رجل مالا قراضا, فلم يعمل به حتى زاده مالا آخر قراضا على أن يخلطه بالمال الأول؟ قال: لا أرى به بأسا, وهذا كأنه دفعه إليه كله جملة قال: ولم

أسمعه من مالك. وأنا أرى أنه لا بأس به.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا بالنصف, فاشترى به سلعة, ثم جئته بعد ذلك فقلت له: خذ هذا المال أيضا قراضا واعمل به على حدة بالثلث أو بالنصف, أيجوز هذا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى به بأسا. قلت: وكذلك إن باع السلعة ولم يأمره بأن يخلطه بالمال الأول, فنض في يده المال الأول, وفيه خسارة أو ربح أو مثل رأس ماله سواء, فجاء رب المال بمال آخر فقال: خذ هذا قراضا؟ قال: إن كان باع برأس المال - سواء - فلا بأس أن يدفع إليه مالا على مثل قراضه المال الأول لا زيادة فيه ولا نقصان, وإن كان باع بربح أو وضيعة, فلا خير في أن يدفع إليه مالا على مثل ما قارضه, ولا بأدنى ولا بأكثر. قلت: وإن اشترط عليه بأن يخلطه بالمال الأول لم يعجبك أيضا؟ قال: هذا بين الفساد لا خير فيه, إذا كان خسر في المال الأول أو ربح قال سحنون: وقال غيره لا بأس أن يدفع إليه مالا آخر على مثل قراض الأول, نقدا لا يخلطه بالأول إذا كان فيه ربح.
قلت لابن القاسم: أرأيت إذا دفعه إليه على أن يعمل بكل مال على حياله, وقد اشترى بالمال الأول سلعة من السلع؟ قال: هذا جائز. قلت: وإن باع السلعة ونض في يديه ثمنها, فجاء رب المال بمال آخر على أن يعمل به قراضا وقد نض في يديه ربح أو وضيعة؟ قلت: لا يجوز هذا إذا اشترط أن يخلطه بالمال الأول, أو اشترط أن لا يخلطه. قلت: فيه أنه لا يصلح على حال لم كرهته؟ قال: لأن مالكا قال في الرجل إذا دفع إلى الرجل مالا قراضا فابتاع به سلعة, ثم دفع إليه مالا آخر بعد ذلك فابتاع به سلعة أخرى قال مالك: كل مال على حدة ولم ير بهذا بأسا قال: وهكذا قال لنا مالك في الرجل يدفع المالين قراضا, على أن يكون كل مال على حدة, وربح هذا على النصف وربح هذا على الثلث, ولا يخلطهما: إن ذلك مكروه ولو كان المال الأول قد صرفه في عرض من العروض, كان للعامل أن يمنعه من رب المال حتى يبيعه, فإذا نض المال الأول, وكان عينا في يد العامل, ثم زاده مالا آخر, فلا بأس بذلك إذا لم يكن في رأس المال الأول زيادة ولا نقصان, فإن كان فيه زيادة أو نقصان, لم يصلح حتى يقبض ماله فيقاسمه رب المال, ثم يدفعه إليه ويزيده من عنده ما شاء, فيكون قراضا مبتدأ.

في المقارض يؤمر أن لا يبيع إلا بالنسيئة فيبيع بالنقد
قلت: فإن دفعت إلى رجل مالا قراضا, وأمرته أن لا يبيع إلا بالنسيئة, فباع بالنقد, أيضمن أم لا؟ قال: لا يكون هذا القراض جائزا, ولم أسمع من مالك فيه شيئا,

ولا أراه جائزا. وقال غيره: هذا متعد, وإنما ذلك مثل ما لو أن رجلا أعطى رجلا قراضا, على أن لا يشتري إلا صنف كذا وكذا, الصنف غير موجود كان قراضا لا يجوز فلو اشترى غير ما أمرته ضمن ; لأنه متعد, ويكون الفضل إن كان فيه فضل لرب المال. وإن كانت وضيعة فعليه, ولا أجر له في الوضيعة ويعطى من الفضل إذا كان في السلعة على قراض مثله, لأني إن ذهبت أعطيه أجر مثله وقد تعدى, فلعل أجر مثله يذهب بالفضل وبنصف رأس المال, فيكون هذا قد نال بتعديه وجه ما طلب وأراد وقد قال ربيعة في المتعدي في القراض: إن وضع ضمن, وإن ربح أدب, بأن يحرم الربح الذي أراد, ويعطى منه على قدر شرطه. فالمتعدي في القراض الفاسد كذلك إن شاء الله تعالى.

في المقارض يبيع بالنسيئة
قال: وقال مالك: لا يجوز للمقارض أن يبيع بالنسيئة إلا بإذن رب المال, وهو ضامن إذا باع بالنسيئة بغير أمره.

في المقارض يشترط أن يشتري بماله إلا سلعة كذا وكذا
قال: وقال مالك: إذا أمره أن لا يعدو البز يشتريه بمقارضته, فلا يعدوه إلى غيره قال: وقال مالك: ولا ينبغي له أن يقارضه على أن لا يشتري إلا البز, إلا أن يكون البز موجودا في الشتاء والصيف.
قلت: أرأيت إن أمره أن لا يشتري إلا البز فاشتراه, فأراد أن يبيع البز بالعرض, أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا أرى أن يجوز له ذلك ; لأنه إذا جاز له ذلك فقد صار له أن يشتري غير البز.
قلت: فإن دفعت إلى رجل مالا قراضا, فجئته قبل أن يصرفه في شيء, فقلت له: لا تتجر بها إلا في البز؟ قال: ذلك لك إذا كان المقارض لم يصرفها في شيء, وكان البز موجودا لا يخلف في شتاء ولا صيف ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة بن شريح عن محمد بن عبد الرحمن الأسدي عن عروة بن الزبير عن حكيم بن حزام, أنه كان يدفع المال المقارضة إلى الرجل, ويشترط عليه أن لا ينزل به بطن واد, ولا يبتاع به حيوانا, ولا يحمله في بحر, ولا يشتري بليل, فإن فعل شيئا من ذلك فقد ضمن المال, وإن تعدى أمره ضمن من فعل ذلك, وكان السبعة يقولون ذلك, وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مع مشيخة سواهم أهل فضل وفقه

في المقارض يشترط أن لا يشتري بماله سلعة كذا وكذا
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, فنهيته عن أن يشتري سلعة من السلع, فاشترى ما نهيته عنه, أيكون ضامنا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: هو ضامن إن كنت إنما دفعت إليه المال حين دفعته على النهي وتنهاه عن تلك السلعة قال ابن القاسم: وأنا أرى, إن كنت إنما نهيته بعد ما دفعت المال إليه قبل أن يشتري به, إنه ضامن أيضا. قلت: أرأيت إن اشترى ما نهاه عنه, كيف يصنع؟ قال: قال مالك: إن أحب أن يضمنه ماله ضمنه, وإن أحب أن يقره على القراض فذلك له, وإن كان قد باع ما اشترى, فإن كان فيما باع فضل, كان على القراض, وإن كان فيه نقصان, كان ضامنا لرأس المال. قلت: ولم قال مالك هذا؟ قال: لأنه قد فر بالمال من القراض حين تعدى ليكون له ربحه قلت: أرأيت لو أني دفعت إلى رجل مالا قراضا, ونهيته أن لا يشتري حيوانا فاشترى, فكان قيمة الحيوان أقل من رأس المال, أو تجر بها تعديا فخسر, فجاءني, ومعه سلع ليس فيها وفاء برأس مالي, أو جاء, ومعه دنانير أو دراهم أقل من رأس مالي, فأردت أن أضمنه وآخذ ما وجدت في يديه وأتبعه بما بقي من رأس مالي. وقامت الغرماء على العامل وقالوا: نحن في هذا المال وأنت أسوة ; لأنك إذا ضمنته فلست أولى بهذه السلع منا ولا هذه الدنانير ولا هذه الدراهم, وأنت أولى بها منا لو لم تضمنه؟ قال مالك: أما الدنانير والدراهم, فرب المال أولى بها. وإن كان باع أو اشترى ; لأن مالكا قال في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا, فاستسلفه العامل مالا فاشترى به سلعة لنفسه, قال: إن باع فربح فلصاحب المال ربحه على شرطه, وإن نقص كان ضامنا لما نقص من رأس المال, فأراه أولى بالدنانير والدراهم, وأما السلع فإن أتى بالسلعة لم يبعها, خير رب المال, قال مالك: فإن أحب أن يشركه فيها, إن شاء خلى بينه وبينها وأخذ رأس المال, أي ذلك شاء فعل. فأرى في السلع, إن خلى بينه وبينها أنه أسوة الغرماء فيها سحنون عن ابن وهب قال: أخبرني رجال من أهل العلم عن عطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبي الزناد ونافع أنهم قالوا: إذا خالف ما أمره به فهلك ضمن, وإن ربح فلهم. قال يحيى بن سعيد: قد كان الناس يشترطون على من قارضوا مثل هذا. وقال عطاء بن أبي رباح: الربح بينك وبينه ; لأنه عصى ما قارضته عليه والضمان عليه.

في المقارض يشترط عليه أن لا يسافر بالمال
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, وأمرته أن لا يخرج من أرض مصر فخرج به إلى أفريقية وتعدى, إلا أنه لم يشتر بالمال شيئا, ولم يحركه حتى رجع إلى مصر فتجر في المال في أرض مصر, فخسر أو ضاع منه لما رجع إلى أرض مصر قبل أن

يتجر؟ قال: لا شيء عليه ; لأنه قد رده إلى الموضع الذي لو تلف فيه لم يضمن. ألا ترى لو أن وديعة استودعها رجل رجلا, بمصر لم يكن للمستودع أن يخرجها من مصر, فإن أخرجها كان ضامنا لها إن تلفت, وإن لم تتلف حتى يردها إلى الموضع الذي استودعه فيه رب المال سقط عنه الضمان وكذلك قال لي مالك في الرجل يستودع الرجل المال فيأخذ منه بعضه فينفقه, أو يأخذها كلها فينفقها ثم يردها مكانها فتضيع: إن الضمان من رب المال, وإنه حين ردها سقط عنه الضمان فكذلك القراض الذي سألت عنه, وكذلك الوديعة التي خرج بها من غير أمر ربها ثم ردها.قلت: فلو أن رجلا دفع إلى رجل مالا قراضا, فاشترى العامل به متاعا وجهازا يريد به بعض البلدان, فلما اشتراه أتاه رب المال فنهاه أن يسافر به؟ فقال: ليس لرب المال أن يمنعه عند مالك ; لأنه قد اشترى وعمل. فليس لرب المال أن يفسد ذلك ويبطل عليه عمله, ألا ترى أنه عند مالك أيضا, أنه إن اشترى به سلعا, ثم أراد رب المال أن يبيع على العامل السلع مكانه, أنه ليس ذلك لرب المال. ولكن ينظر السلطان في ذاك, فإن كان إنما اشتراها لسوق يرجوه, فليس ذلك لرب المال أن يجبره على بيع تلك السلع. ولكن يؤخرها إلى تلك الأسواق التي يرجوها لئلا يذهب عمل هذا العامل باطلا ابن وهب وقال الليث مثله, إلا أن يكون طعاما يخاف عليه السوس أو ما أشبهه فيتلف رأس المال, فإنه يؤمر حينئذ بالبيع.قلت: فإن تجهز العامل واشترى متاعا يريد به بعض البلدان فهلك رب المال, أيكون للعامل أن يخرج بهذا المتاع؟ قال: نعم.

في المقارض يسافر بالقراض إلى البلدان
قلت: فإن دفعت إليه مالا قراضا, ولم أقل له: اتجر به هاهنا ولا هاهنا دفعت إلى المال وسكت عنه, أيكون له أن يتجر به في أي المواضع أحب, ويخرج به إلى أي البلدان شاء فيتجر به؟ قال: نعم, عند مالك له أن يسافر به. قلت: أرأيت المقارض, أله أن يسافر بالمال إلى البلدان؟ قال: نعم, إلا أن يكون نهاه, وقال له رب المال حين دفع إليه المال بالفسطاط: لا تخرج به من أرض مصر ولا من الفسطاط.

المقارض يدفع إليه المال على أن يجلس به في حانوت أو قيسارية أو يزرع به أو لا يشتري إلا من فلان أو إلا سلعة بعينها
قال: وسألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المال قراضا, على أن يجلس به في حانوت من البزازين أو السقاطين وما أشبه ذلك يعمل فيه ولا يعمل في غيره؟ قال: قال مالك: لا خير فيه. قال ابن القاسم: وقع ذلك كان فيه أجيرا يقام له أجر عمل مثله, وما كان من ذلك من ربح أو نقصان فعلى رب المال, وله وهو بمنزلة ما لو قال: على

في المقارض يزرع بالقراض أو يساقي به
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا, فاشترى به أرضا أو اكتراها أو اشترى زريعة وأزواجا فزرع فربح أو خسر, أيكون ذلك قراضا ويكون غير متعد؟ قال: نعم, إلا أن يكون خاطر به في موضع ظلم أو عدو يرى أن مثله قد خاطر به فيضمن, وأما إذا كان في موضع أمن وعدل فلا يضمن.
قلت: أوليس مالك قد كره هذا؟ قال: إنما كرهه مالك إذا كان يشترط إنما يدفع إليه المال قراضا على هذا. قلت: أرأيت إن أعطيته مالا قراضا, فذهب وأخذ نخلا مساقاة فأنفق عليها من مال القراض, أيكون هذا معتديا أم تراه قراضا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا, ولا أراه معتديا وأراه يشبه الزرع.

في المقارض يشتري سلعة بالقراض كله ثم يشتري أخرى بمثل القراض على القراض
قلت: أرأيت لو دفع إلي رجل ألف درهم قرضا, فاشتريت سلعة من السلع بألف درهم, ولم أنقد حتى اشتريت سلعة أخرى بألف درهم على القراض, أتكون السلعة الثانية على القراض أم لا؟ وإنما في يدي من المال القراض ألف درهم؟ قال: سألت

في المقارض بألف يبتاع عبدين صفقة واحدة بألفين نقدا أو بألف نقدا وألف إلى أجل
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم مقارضة, فذهب فاشترى عبدين صفقة واحدة بألفين؟ قال: يكون شريكا مع رب القراض, يكون نصفها على القراض ونصفها للعامل عند مالك. وقال: عبد الرحمن بن القاسم, في رجل دفع إلى رجل مائة دينار قراضا, فاشترى سلعة بمائتي دينار فنقد مائة, ومائة إلى سنة, قال: أرى أن تقوم السلعة بالنقد, فإن كانت قيمتها خمسين ومائة, كان لرب المال الثلثان من السلعة, وكان للعامل الثلث, فهذه تشبه مسألتك التي فوق هذه, إلا أن مسألتك شراؤه بالنقد. قال سحنون: إنما تقوم المائة الآجلة وتفض قيمة السلعة عليها وعلى المائة النقد.

في الرجل يبتاع السلعة فيقصر ماله عنها فيأخذ عليه قراضا يدفعه في ثمنها
قال: وسألت مالكا عن الرجل يبتاع السلعة فيقصر ماله عنها, فيأتي إلى رجل فيقول له: ادفع إلي مالا قراضا, وهو يريد أن يدفع ماله في ثمن بقية تلك السلعة التي اشترى ويجعله قراضا؟ قال مالك: إني أخاف أن يكون قد استغلاها, فيدخل مال الرجل فيه فلا أحب ذلك. قال مالك: ولو أن رجلا ابتاع سلعة, فأتى إلى رجل فقال: ادفع إلي مالا أدفعه في ثمنها ويكون قراضا, قال مالك: لا خير في هذا, فإن وقع لزم صاحب السلعة رد المال إلى صاحبه, ويكون له ما كان فيها من ربح وعليه ما كان فيها من وضيعة, وأراه بمنزلة رجل أسلف رجلا مائة دينار, فنقدها في سلعة اشتراها, على أن له نصف ما ربح فيها وعليه ما كان فيها من وضيعة.

في المقارض يبيع السلعة فيوجد بها عيب فيضع من الثمن أكثر من قيمة العيب أو أقل
قلت: أرأيت المقارض إذا باع سلعة, فظهر عليه بعيب فحط من الثمن أكثر من

في المقارض يبتاع العبد فيجد به عيبا فيريد رده ويأبى ذلك رب المال
قلت: فلو دفعت إلى رجل ألف درهم قراضا, فاشترى بها عبدا, ثم أصاب العامل به عيبا ينقصه مائة درهم, فأراد رد العبد وأبى ذلك رب المال؟ قال: لا أرى لرب المال هاهنا قولا ; لأن العامل يقول: إن أنا أخذته - وقيمته تسعمائة - ثم علمت به كان علي أن أجبر رأس المال ; لأنه لا ربح لي إلا بعد رأس المال, فهذا يدخل على العامل الضرر, لا أن يقول رب المال للعامل: إن أبيت فاترك القراض واخرج ; لأنك إنما تريد رده وأنا أقبله فذلك له. قلت: فلو أن مقارضا اشترى عبدا به عيب لم يعلم به, ثم علم بالعيب بعد ذلك فقبل العبد, أيكون العبد على المقارضة أو تراه متعديا؟ قال: إن حابى فهو متعد, وإن قبله على وجه النظر فهو على القراض وقال مالك في المقارض يبيع ويحابي: إن ذلك غير جائز, إلا أن يكون له فيه نصيب, فيجوز قدر نصيبه.

في المقارض يبيع بالقراض ويحتال بالثمن
قلت: أرأيت لو أن رجلا أخذ مالا قراضا, فاشترى به وباع. فلما باع بعض السلعة احتال بالثمن على رجل مليء أو معسر إلى أجل, أتراه ضامنا؟ قال: قال مالك: إذا باع العامل بالدين من غير أن يأمره رب المال بذلك, فهو ضامن. فأراه إذا احتال بذلك إلى أجل فهو ضامن كمن باع بالدين.

في المقارض يبتاع السلعة وينقد ثمنها فإذا أراد قبضها جحده رب السلعة الثمن
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, فاشترى به سلعة من السلع فنقد الثمن رب السلعة, فأراد قبض السلعة فجحده رب السلعة أن يكون قبض الثمن منه, أيكون عليه شيء أم لا؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا, وأراه ضامنا ; لأنه أتلف مال رب المال حين لم يشهد على البائع حين دفع إليه الثمن. قلت: فإن وكلت وكيلا ودفعت إليه دنانير يشتري لي بها عبدا بعينه أو بغير عينه, فاشترى لي عبدا, فدفع إليه الثمن فجحده البائع وقال: لم آخذ الثمن, أيكون على الوكيل شيء أم لا؟ قال:

في العاملين بالقراض لرجل واحد يبيع أحدهما من صاحبه سلعة
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا على النصف, ودفعت إلى آخر مالا قراضا على النصف, فباع أحدهما سلعة من صاحبه فحاباه فيها؟ قال: لا يجوز ذلك ; لأن الذي حابى إذا لم يكن فيما في يديه فضل في المال, فلا يجوز له أن يحابي في رأس المال ; لأن للمحاباة حصة فيما حاباه به هذا, وإن كان هذا المحابي إنما حاباه من فضل في يديه على رأس المال فلا يجوز ذلك أيضا ; لأنه إن وضع فيما يستقبل, جبر رأس المال بذلك المال الذي حاباه فيه. ولو كان في يديه لجبر به رأس المال, وهو حين حاباه لم يجعله كله لرب المال

في المقارض يشتري من رب المال سلعة
قال: وسألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا, فهل للعامل أن يشتري من رب المال سلعة إن وجدها عنده؟ قال: ما يعجبني ذلك ; لأنها إن صحت من هذين الرجلين, فأخاف أن لا تصح من غيرهما ممن يقارض. فلا يعجبني أن يعمل به ووجه

في المقارض يشتري ولد رب المال أو والده أو ولد نفسه أو والده
قلت: أرأيت إن اشترى العامل ولد رب المال, أو والده, أو ولد نفسه, أو والده, علم بذلك أو لم يعلم, والمقارض معسر أو موسر؟ قال: إن اشترى والد نفسه أو ولد نفسه وكان موسرا وقد علم, رأيت أن يعتقا عليه ويدفع إلى رب المال رأس ماله وربحه إن كان فيه ربح على ما قارضه, وإن لم يكن علم وكان فيهم فضل, يكون للعامل فيهم نصيب ما عتقوا عليه, ويرد إلى رب المال رأس ماله وربحه على ما قارضه, وإن لم يكن فيهم فضل بيعوا, وأسلم إلى رب المال رأس ماله ولم يعتق عليه منهم شيء, وإن كان لا مال للعامل, وكان فيهم فضل بيع منهم بقدر رأس المال, وربح رب المال فدفع إلى رب المال, ويعتق منهم ما بقي, علم أو لم يعلم إذا لم يكن له مال. قلت: فإن اشترى أبا صاحب المال, أو ابنه وهو يعلم أو لا يعلم؟ قال: إن لم يكن يعلم, عتقوا على رب المال وإن كان فيهم ربح دفع إلى العامل من مال صاحب المال بقدر نصيبه على ما قارضه عليه, وإن كان قد علم العامل وله مال, رأيت أن يعتقوا عليه ويؤخذ من العامل ثمنهم, فيدفع إلى رب المال والولاء لرب المال ; لأنه قد علم حين اشتراهم, أنهم يعتقون على رب المال, فأراه ضامنا إذا ابتاعهم بمعرفة منه, وإن لم يكن له مال بيعوا, فأعطى رب المال رأس ماله وربحه وعتق منهم حصة العامل وحده. قال سحنون: وهذه مسألة قد اختلف فيها, وهذا أحسن ما سمعت واخترت لنفسي.

في المقارض يعتق من مال القراض عبدا
قلت: أرأيت إن اشترى العامل عبدا بمال القراض, قيمته مثل مال القراض أو أكثر من ذلك أو أقل, فأعتقه العامل وهو موسر أو معسر؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا, ولكن الذي حفظنا عن مالك في العامل يشتري الجارية فيطؤها فتحمل منه, أنه إن كان له مال أخذ منه قيمتها, فيجبر به رأس المال وأما مسألتك في العتق, فإني أرى إن كان العامل موسرا أعتق عليه وغرم لرب المال رأس ماله وربحه إن كان فيه فضل, وإن كان معدما لا مال له, لم يجز عتقه وبيع منه بقدر رأس مال رب المال وربحه إن كان فيه فضل, ويعتق منه نصيب العامل قلت: فإن أعتقه رب المال؟ قال: يجوز عتقه ويضمن

في المقارض يبتاع العبد من مال القراض فيقتل العبد عبد رجل عمدا
قلت: أرأيت إن قتل عبد من مال المقارضة عمدا, قتله عبد رجل, فأراد رب المال أن يقتص وقال العامل: أنا أعفو, على أن آخذ العبد, أو قال العامل: أنا أقتل, وقال رب المال أنا أعفو على أن آخذ العبد؟ قال: القول قول من عفا منهما على الرقبة, ولا يلتفت إلى من أراد القصاص, ولا أحفظ عن مالك. قلت: فمن عفا منهما على أن يأخذه, أيكون هذا العبد على القراض كما كان العبد المقتول؟ قال: نعم. وكذلك إن قتله سيده, فقيمة العبد في القراض. قلت: أرأيت إن لم يكن في العبد فضل عن رأس المال, فقال سيده: أنا أقتص, وأبى ذلك العامل؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, وأرى القول لرب المال, وإنما ذلك في القتل.

في المقارض والعبد المأذون له يبيعان الجارية بثمن إلى أجل ويبتاعها رب المال أو السيد بأقل قبل الأجل
قلت: أرأيت لو أن مقارضا باع جارية بألف دينار إلى سنة, وقد أذن له رب المال أن يبيع بالدين, فاشتراها رب المال بمائة دينار قبل الأجل, أو عبدا مأذونا له في التجارة باع سلعة بمائة دينار إلى أجل, ألسيده أن يشتريها بخمسين دينارا نقدا قبل الأجل؟ قال: أما مسألتك هذه في العبد, فلا بأس بذلك إذا كان العبد إنما يتجر بمال نفسه, وإذا كان العبد إنما يتجر بمال سيده, فلا يصلح, وكذلك المقارض لا خير فيه. قال سحنون: وذلك ; لأن العبد ماله له دون سيده. وقال غيره: ألا ترى أن العبد إذا جنى أسلم بماله, وإن أعتق تبعه ماله إلا أن يستثنيه سيده؟ أو لا ترى أن الرجل يحنث بالعتق في عبيده, فلا يعتق عليه في ذلك عبيد عبيده ويبقون في أيدي عبيده, الذين أعتقوا عبيدا لهم؟ أو لا ترى أن العبد ليس عليه في ماله زكاة, نظائر له كثيرة؟

الدعوى في القراض
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا, فقال المدفوع إليه: أودعتني, وقال رب المال: أقرضتك المال قراضا؟ قال: القول قول صاحب المال ; لأن مالكا قال لي في الرجل يدفع إلى الرجل مالا, فقال المدفوع إليه: إنما أخذته قرضا, وقال رب المال: أعطيتك المال قراضا, قال مالك: القول قول رب المال مع يمينه. قلت: فإن ادعى العامل أنه قراض, وقال رب المال بل أبضعته معك لتعمل به لي؟ قال: القول قول رب المال بعد أن يحلف, وعليه للعامل إجارة مثله, إلا أن تكون إجارة مثله أكثر من نصف ربح القراض, فلا يعطي أكثر مما ادعى. فإن نكل, كان القول قول العامل مع يمينه إذا كان مما يستعمل مثله في القراض
قال ابن القاسم, في رجل دفع إلى صباغ ثوبا, فقال صاحبه, استودعتك, إياه ولم آمرك بالعمل, وقال الصباغ: بل استعملتنيه, قال: القول قول الصباغ, وأما في القراض, فإذا قال رب المال هو قرض, وقال الآخر بل هو قراض, قال مالك: القول قول رب المال. قال ابن القاسم: لأنه قد قال: أخذت مني المال على ضمان, وقال العامل: إنما أخذته منك على غير ضمان فقد أقر له بمال قبله, ويدعي أنه لا ضمان عليه, فالقول قول رب المال إلا أن يأتي العامل بمخرج من ذلك. قلت: أرأيت إن قال رب المال: استودعتك, وقال العامل: بل أخذته قراضا قال: القول قول رب المال ; لأن العامل مدع يريد طرح الضمان عن نفسه أيضا. قلت: فإن قال رب المال: أعطيتك المال قراضا وقال العامل: بل سلفا؟ قال: القول قول العامل ; لأن رب المال مدع هاهنا في الربح فلا يصدق.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: لك عندي ألف درهم قراضا, وقال رب المال: بل هي سلف, القول قول من؟ قال: قال مالك: القول قول رب المال. قلت: فهل يلتفت إلى قول هذا: أخذت منك وأخذت مني؟ قال: لا.
قلت: أرأيت إن اختلفا في رأس المال - العامل ورب المال - فقال رب المال: رأس مالي ألفان, وقال العامل: رأس المال ألف درهم؟ قال: القول قول العامل ; لأنه مدعى عليه وهو أمين. قلت: فإن دفعت إلى رجل مالا قراضا, فعمل فخسر. فقلت له: قد تعديت, وإنما كنت أمرتك بالبز وحده, وقال العامل: لم أتعد ولم تنهني عن شيء دون شيء؟ قال: القول قول العامل.قلت: أرأيت إن قال رب المال: لم أقتض منك رأس مالي, وقال العامل: قد دفعته إليك وهذا الذي معي ربح؟ قال: أرى القول قول رب المال ما دام في المال ربح, حتى يستوفي رأس ماله, وعلى العامل البينة. قلت: ولم؟ وأنت تجعل القول قول العامل في الذي يدعي أنه عمل على الثلثين وخالفه رب

المال. فلم لا تجعل القول قول العامل في مسألتي؟ أنه قد دفع المال وأن هذا الذي معه ربح؟ قال: ليس من هاهنا أخذته ; لأن هذا المال هو رأس المال أبدا حتى يستيقن أنه قد دفع رأس المال ; لأن هذا كله مال واحد, وهو مدعى عليه حين يقول قد دفعته إليك فلا يصدق إلا ببينة.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, فسافر به ثم قدم ومعه ربح ألف درهم, إلا أنه قال: أنفقت من مالي مائة درهم في سفري, على أن آخذها من مال القراض, أو جاء برأس المال وحده وقال: لم أربح وقد أنفقت مائة درهم على أن أرجع بها في مال القراض؟ قال: سألت مالكا عن هذا كله فقال لي: ذلك له وهو مصدق, ويرجع بما قال: أنفقته في مال القراض إذا كان يشبه - ما قال - نفقة مثله. قال ابن القاسم: ولو دفع ذلك إليه وقاسمه, ثم جاء بعد ذلك يدعي ذلك, لم يكن له شيء ولم يقبل قوله.

في المقارض يبدو له في أخذ ماله قبل العمل وبعده
قلت: أرأيت ما لم يعمل المقارض بالمال, أيكون لرب المال أن يأخذ ماله؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المال قراضا, ثم يريد أن يأخذه منه, قال: إذا كان المال على حاله, أخذه منه, وإن كان المقارض قد اشترى بالمال أو تجهز بالمال يخرج به إلى سفر, فليس لرب المال أن يرده. قلت: أرأيت إن كان قد مضى معه في بعض سفره, فقال له رب المال: ارجع ورد علي مالي وأنا أنفق عليك في رجعتك حتى تبلغ؟ قال: ليس ذلك له ; لأنه قد خرج به.قلت: أرأيت إن اشترى العامل بالمال سلعة, فنهيته عن العمل في القراض بعد ما اشترى, وقلت له: اردد علي مالي, أيكون لي أن أجبره على بيع ما بقي في يديه من السلع, وآخذ الثمن في قول مالك؟ قال: ليس ذلك لك عند مالك, ولكن ينظر فيما في يديه من السلع, فإن رأى السلطان وجه بيع باع فأوفاك رأس مالك, وكان ما بقي من الربح على ما اشترطتما, وإن لم ير السلطان وجه بيع, أخر السلع حتى يرى وجه بيع قلت: وما الذي تؤخر له السلع؟ قال: السلع لها أسواق تكرى إليه في إبان شرائها, وتحبس إليه إبان سوقها, فتباع في ذلك الإبان, بمنزلة الحبوب التي تشترى في أيام الحصاد, فيرفعها المشتري إلى إبان نفاقها, ومثل الضحايا تشترى قبل أيام النحر, فيرفعها إلى أيام النحر رجاء نفاقها وما أشبهه.
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا, فبعثت إليه قبل أن يشتري بالمال شيئافقلت: لا تشتر بالمال شيئا ورده علي, فتعدى فاشترى به سلعة فربح فيها؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا, إلا أني أرى أن هذا ليس بفار من القراض, وأراه ضامنا

للمال والربح له. وإنما هذا بمنزلة رجل عنده وديعة, فتعدى فاشترى بها سلعة فربح فيها. فالربح له وهو ضامن للوديعة, وإنما يكون فارا من القراض إذا قال له: لا تشتر سلعة كذا وكذا, فذهب فاشتراها. فهذا الذي فر من القراض إلى هذه السلعة التي نهاه عنها ليذهب بربح المال فجعل مالك الربح على قراضهما والوضيعة على العامل لتعديه.

في العامل يبدو له في ترك القراض والمال على الرجال أو في السلع
قلت: فإن باع العامل أو اشترى, وقد أذن له رب المال أن يبيع بالنقد وبالنسيئة, فاشترى وباع حتى صار جميع مال القراض دينا على الناس وفيه وضيعة, فقال العامل لرب المال: أنا أحيلك عليهم ولا أقتضي ولا أعمل فيه؟ قال: يجبر على ذلك, ولا يكون له أن يقول لا أقتضي ولا أقبض, إلا أن يرضى رب المال بالحوالة, وهو قول مالك:. قلت: فإن كان فيه ربح وقد صار كله دينا فقال لا أقتضيه, أيجبر على الاقتضاء في قول مالك؟ قال: نعم, إلا أن يشاء أن يسلم جميع ذلك ويرضى بذلك رب المال. قلت: وإن كان المال دينا في بلد, فأجبرته على أن يقتضيه وقد خسر فيه, أتجعل نفقته إذا سافر ليقتضيه في المال؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن اشترى سلعا بجميع المال يرجو بها الأسواق, فقال رب المال للعامل: أنا آخذ قيمة رأس مالي من هذه السلع, وأقاسمك ما بقي على ما اشترطنا من الربح ويأبى ذلك العامل؟ قال: ذلك إلى العامل ; لأنه يقول: أنا أرجو في هذه السلع التي يأخذها رب المال بقيمتها اليوم, إن ازداد فيها إذا جاءت أسواقها, لأني سمعت مالكا يقول في العامل يريد بيع ما معه, فيقول رب المال: أنا آخذها بما تسوى: قال مالك: هو وأجنبي من الناس سواء

في المقارض يموت أو المقارض
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجلين مالا قراضا فهلك الرجلان وقد عملا؟ قال: قال مالك: في الرجل يدفع إليه المال قراضا يعمل فيه ثم يموت المقارض, قال: إن كان ورثته مأمونين, قيل لهم: تقاضوا هذا المال, وبيعوا ما بقي في يدي صاحبكم من السلع, وأنتم على الربح الذي كان لصاحبكم, وإن كانوا غير مأمونين, فأتوا بأمين ثقة كان لهم ذلك. وإن لم يأتوا بأمين ثقة, ولم يكونوا مأمونين, أسلم المال الدين أو العروض وجميع مال القراض إلى رب المال, ولم يكن لورثة الميت من الربح قليل ولا كثير. فالذي سألت عنه, يقال لورثة الميت منهما مثل ما قيل لورثة هذا. قلت: فإن مات رب المال؟

في المقارض يموت وعنده ودائع وعليه ديون
قال: وقال مالك في رجل هلك, وقد كان أخذ مالا قراضا, وعنده ودائع للناس, وعليه ديون ولم يوجد القراض ولا الودائع عنده بعينه, ولم يوص بشيء, قال مالك: يتحاص أهل الودائع وأهل القراض وأهل الدين فيما ترك ابن وهب وأخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج, أن عطاء بن أبي رباح قيل له: رجل كان عنده قراض لرجل فأفلس. قال: للقراض هيئة ليست لما سواه, لا يحاص الغرماء بقراضه ولكن يستوفيه, وإن كان الدين الذي عليه للناس قبل القراض أو معه أو بعده؟ قال: نعم إذا لم يكن الدين في القراض ابن وهب وقاله الليث.

في إقرار المريض في مرضه بالوديعة والقراض
قلت: أرأيت إن أقر بدين في مرضه, ثم أقر بوديعة أو بمال قراض بعينه بعد ما أقر بالدين؟ قال: كل شيء من هذا أقر به بعينه, فلا أبالي كان إقراره قبل الدين أو بعد الدين, أصحابه أولى به ; لأنه لا يتهم في هذا. وكل شيء من هذا أقر به بغير عينه, فهو والدين سواء, وهذا رأيي ; لأن مالكا قال: إذا أقر بوديعة بعينها, أو بمال قراض في مرضه وعليه دين في صحته ببينة, إن إقراره جائز بما أقر به, ويأخذ أهل الوديعة وديعتهم وأهل القراض قراضهم سحنون عن ابن وهب عن الليث بن سعد ويحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد, أنه قال في رجل كان قبله مال قراض وعليه دين, فأخذه غرماؤه, فقال يحيى: صاحب القراض إن عرف ماله فهو أولى به. قال يحيى بن أيوب: قال يحيى بن سعيد: وإن لم يعرف ماله بعينه فتقوم عليه البينة فهو أسوة الغرماء.
تم كتاب القراض من المدونة الكبرى وبه يتم الجزء الثالث, ويليه الجزء الرابع وأوله كتاب الأقضية.

المجلد الرابع
كتاب الأقضيةكتاب الأقضية
قلت لابن القاسم: ما قول مالك في الخصمين إذا أتيا إلى القاضي، فتبين للقاضي الحق لأحدهما، فأراد أن يحكم على الذي اتضح الحق عليه؟ قال: سمعت مالكا وهو يقول من وجه الحكم في القضاء، إذا أدلى الخصمان بحجتهما، وفهم القاضي عنهما، فأراد أن يحكم القاضي بينهما، أن يقول لهما: أبقيت لكما حجة؟ فإن قالا: لا فصل بينهما وأوقع الحكم، فإن أتيا بعد ذلك يريدان نقض ذلك لم يقبل ذلك منهما، إلا أن يأتيا بأمر يرى أن لذلك وجها. قلت: ما معنى قول مالك يرى لذلك وجها؟ قال: معناه، أنه إذا أتى بشاهد عند من لا يرى الشاهد واليمين، وقال الخصم لا أعلم لي شاهدا آخر، فوجه القاضي عليه الحكم، ثم قدر على شاهد آخر بعد ذلك، أنه يقضي بهذا الآخر، وما أشبه هذا مما قال مالك يعرف به وجه حجته.
قلت: أرأيت إذا هلك الرجل في السفر، وليس معه من أهل الإسلام أحد، أتجوز شهادة أهل الكفر الذين معه إن أوصى بوصية؟ قال: لم يكن مالك يجيز شهادة أحد من أهل الكفر، في سفر ولا حضر، ولا أرى أن تجوز. قلت: أرأيت إن سمع رجل رجلا يقول: لفلان على فلان كذا وكذا، أو يقول: فلان قتل فلانا، أو يقول: سمعته قذف فلانا أو يقول: سمعت فلانا طلق فلانة ولم يشهده، إلا أنه مر به فسمعه وهو يقول هذه المقالة، أيشهد بها وإنما مر فسمعه يتكلم بها ولم يشهده؟ قال: لا يشهد بها، ولكن إن مر فسمع رجلا يقذف رجلا، وسمع رجلا يطلق امرأته ولم يشهداه, قال مالك: فهذا الذي يشهد به وإن لم يشهداه. قال: فيأتي من له الشهادة عنده، فيعلمه أن له عنده شهادة. قال: وسمعت من مالك هذا في الحدود، أنه يشهد بما سمع من ذلك إذا كان معه غيره, قال: فأما قولك الأول, فإني سمعت مالكا وسئل عن الرجل يمر بالرجلين وهما يتكلمان في الشيء ولم

يستشهداه، فيدعوه أحدهما إلى الشهادة، أترى أن يشهد بها؟ قال: لا. قال ابن القاسم: إلا أن يكون استوعب كلامهما، إلا أنه إن لم يستوعبه لم يجز له أن يشهد؛ لأن الذي سمع لعله كان قبله كلام يبطل ما بعده. قلت: أرأيت شهادة النساء في قتل الخطأ، أتجوز في قول مالك: قال: نعم.
قلت: أرأيت إن ادعيت قبل رجل القصاص، أو أنه ضربني بالسوط، أو ما أشبه هذا، أتستحلفه لي في قول مالك؟ قال: لا، ولا يستحلف، لك إلا أن تأتي بشاهد عدل فيستحلف لك. قلت: أرأيت إن ادعى رجل قبل رجل أنه قطع يده عمدا وأقام عليه شاهدا واحدا؟ قال: قال مالك: يحلف مع شاهده يمينا واحدة وتقطع يد القاطع. قال: القاسم: فإن نكل المقطوعة يده عن اليمين, استحلف له القاطع. فإن حلف برئ وإلا حبس حتى يحلف. قلت لابن القاسم: فإن أقام عليه شاهدا واحدا أنه قتل وليه، أيحلف مع شاهده؟ قال: إذا كان عدلا، أقسم هو وبعض عصبة المقتول الذين هم ولاته خمسين يمينا ويقتل. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ولم قلت يقسم هو وآخر؟ قال: لأن القسامة في العمد لا تكون بأقل من اثنين. قلت: لم لا يكون له إن أقام شاهدا واحدا أن يحلف في العمد مع شاهده يمينا واحدة ويقتل، كما يحلف في الحقوق، وهل اليمين إلا موضع الشاهد؟ قال: قال مالك: مضت السنة أنه لا يقسم في القسامة في القتل، وإن كان على القاتل شاهد واحد عدل، إلا أن يقسم مع الشاهد رجلان فصاعدا يقسمان خمسين يمينا.
قال ابن القاسم: والشاهد الواحد العدل في القسامة، إنما هو لوث ليست شهادة؛ لأنهما إذا كانا اثنين فأقسما، فإنما هما موقع الشهادة التامة، وبالقسامة تمت الشهادة، وأما قبل ذلك فإنما هو لوث. كذلك إذا قال: دمي عند فلان. وأما في الحقوق فإنما جاءت السنة بشاهد ويمين، فالشاهد في الحقوق قد تمت به الشهادة، إلا أن معه يمين طالب الحق، وجعل في القسامة لا يقسم أقل من اثنين؛ لأنهما جعلا جميعا موقع الشهادة، واللوث الذي كان قبل ذلك لم يكن شهادة. فهذا فرق ما بين اليمين في القسامة وبين اليمين في الحقوق. قال: وقال مالك: لا يقسم في الدم إلا مع شاهد عدل، أو أن يقول المقتول: دمي عند فلان، ولا يقسم الشاهد إذا كان غير عدل. قلت: أرأيت إن كان المقتول أبي، وليس له وارث غيري من يقسم معي؟ قال: يقسم معك عمك أو ابن عمك، أو رجل من عصبته الذين يكونون ولاته لو لم يكن هو حيا، إن لم يكن واحد من الأعمام أو بني الأعمام حضورا. قلت: فإن كان الأعمام وبنو الأعمام حضروا معه فأبوا أن يحلفوا معه، أيكون لي أن أحلف مع رجل من بني العشيرة؟ قال:

لا، ولا يقسم معه في العمد إلا عصبة المقتول الذين يقومون بالدم، ويكونون هم ولاته لو لم يكن هو حيا، وهذا قول مالك.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن أقام رجل شاهدين على حق له على رجل، وقال المشهود عليه: أحلفه لي مع شاهديه؟ قال: قال مالك: لا يحلف له وليس عليه يمين، إذا أقام شاهدين على حق له على رجل، إلا أن يدعي أنه قضاه فيما بينه وبينه، فأرى أن يحلف الطالب على ذلك، فإن نكل حلف المطلوب وبرئ. قلت: أرأيت القاضي، كيف يستحلف المدعى عليه، أيستحلفه بالله الذي لا إله إلا هو، أم يزيد على هذا: الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية؟ قال: قال مالك: يستحلف بالله الذي لا إله إلا هو، لا يزيد على هذا. وعلى هذا العمل وبه مضى أمر الناس. قلت: وكذلك الذي يأخذ بيمينه مع شاهده ويستحق حقه، فإنما يحلف بالله الذي لا إله إلا هو في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال لنا مالك. قلت: فأين يحلفان الذي يدعى قبله الحق والذي يستحق بيمينه مع شاهده أين يستحلفهما في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل شيء له بال، فإنه يستحلف فيه هذان جميعا في المسجد الجامع. فقيل لمالك. عند المنبر؟ قال: لا أعرف المنبر إلا منبر النبي عليه الصلاة والسلام، فأما مساجد الآفاق فلا أعرف المنبر فيها، ولكن للمساجد مواضع هي أعظم. فأرى أن يستحلفوا في الموضع الذي هو أعظم عندهم. قال مالك: وعندنا بالمدينة لا يستحلف عند المنبر إلا في ربع دينار فصاعدا.
قال: فقلت: فالقسامة، أين يستحلف فيها؟ قال: قال مالك: في المساجد وعلى رءوس الناس وفي دبر الصلوات. قلت: فاللعان؟ قال: قال مالك: في المسجد وعند الإمام. قلت: ولم يذكر لكم مالك أنهما يلتعنان في دبر صلاة؟ قال: ما سمعته يذكر أنهما يلتعنان في دبر صلاة، وإنما سمعته يقول في المسجد وعند الإمام.
قال ابن القاسم: قلت لمالك: فالنصرانية تكون تحت المسلم أين تلتعن؟ قال مالك: في كنيستها وحيث يعظمون وتحلف بالله. قلت: وهل ذكر لكم مالك أن النصراني والنصرانية يحلفان في شيء من أيمانهما في دعواهما؟ أو إذا ادعي عليهما أو في لعانهما، بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى؟ قال: ما سمعته يقول إلا يحلفوا بالله فقط. قلت: فاليهود، هل سمعته يقول إنهم يحلفون بالله الذي أنزل التوراة على موسى؟ قال: اليهود والنصارى عند مالك سواء. قلت: فهل يحلف المجوسي في بيت نارهم؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى أن لا يحلفوا إلا بالله حيث يعظمون.
قال ابن القاسم: سألت مالكا عن القسامة في أهل القرى أين يحلفون؟ قال: أما

أهل مكة والمدينة وبيت المقدس، فأرى أن يجلبوا إليها فيقسمون فيها. قال: وأما أهل الآفاق، فإني أرى أن يستحلفوا في مواضعهم، إلا أن يكون مواضعهم من المصر قريبا العشرة الأميال ونحوها فأرى أن يجلبوا إلى المصر فيحلفوا في المسجد. قلت: أرأيت ما ذكر عن مالك، من أنهم يجلبون إلى هذه المساجد الثلاثة مكة والمدينة وبيت المقدس في القسامة؟ من أين يجلبون إلى هذا؟ أو من مسيرة كم من يوم أو من مسيرة عشرة أيام؟ قال: لم أوقف مالكا عليه، ولم أشك أن أهل عمل مكة حيث ما كانوا يجلبون إلى مكة، وأهل عمل المدينة حيث ما كانوا يجلبون إلى المدينة، وأهل عمل بيت المقدس حيث ما كانوا يجلبون إلى بيت المقدس.
قلت: أرأيت الحالف، هل يستقبل به القبلة في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى ذلك عليه. قلت: أرأيت النساء العواتق وغير العواتق، والإماء والعبيد وأمهات الأولاد والمكاتبين والمدبرين، أيحلفون في المساجد؟ قال: إنما سألت مالكا عن النساء أين يحلفن فقال: أما كل شيء له بال فإنهن يخرجن فيه إلى المساجد. فإن كانت امرأة تخرج بالنهار أخرجت نهارا فأحلفت في المسجد، وإن كانت ممن لا تخرج أخرجت ليلا فأحلفت فيه. قال: وإن كان الحق إنما هو يسير لا بال له، أحلفت في بيتها إذا كانت ممن لا تخرج، وأرسل القاضي إليها من يحلفها لطالب الحق، فأما ما سألت عنه من المكاتب والمدبر وأمهات الأولاد، فسنتهم سنة الأحرار، إلا أني أرى أن أمهات الأولاد بمنزلة الأحرار: منهن من تخرج ومنهن من لا تخرج. قلت: هل يجزئ في هذه المرأة التي تستحلف في بيتها رسول واحد من القاضي يستحلفها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى أن يجزئ.
قلت: أرأيت الصبيان، هل عليهم يمين في شيء من الأشياء، أيحلفون إذا ادعي عليهم، أو يحلفون إذا كان لهم شاهد واحد في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحلف الصبيان في شيء من الأشياء، ادعوا أو ادعي عليهم حتى يبلغوا. قال: وقال مالك، في الرجل يهلك ويترك أولادا صغارا، فيوجد للميت ذكر حق فيه شهود، فيدعي الحي أنه قد قضى الميت حقه، قال: قال مالك: لا ينفعه ذلك. قال: فقيل لمالك: أفيحلف الورثة؟ قال: قال مالك: إن كان فيهم من قد بلغ ممن يظن أنه قد علم بالقضاء أحلف، وإلا فلا يمين عليهم. قلت: فإن نكل هذا الذي يظن أنه قد علم بالقضاء عن اليمين، أيسقط الدين كله في قول مالك؟ قال: لا يسقط الدين كله، ولكن يسقط من الدين قدر حقه إذا حلف الذي عليه الحق أنه قد قضى الميت.
قلت: أرأيت الطلاق، أيحلف فيه في قول مالك إذا ادعته المرأة على زوجها؟

قال: قال مالك: لا يحلف لها إلا أن تأتي بشاهد واحد، فيحلف لها، وإن أبى قال مالك: آخر ما لقيناه. قال: يسجن حتى يحلف، وثبت على هذا القول. وقد كان مالك مرة يقول لنا: يفرق بينهما إذا أبى أن يحلف. قال ابن القاسم: وأنا أرى إن أبى أن يحلف وطال حبسه؛ أن يخلى سبيله ويدين في ذلك. قال وقد بلغني ذلك عن مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا بيني وبينه خلطة، ادعيت عليه حقا من الحقوق واستحلفته؟ قال: قال مالك: إن حلف برئ. قلت: وإن أبى أن يحلف وقال أنا أرد اليمين عليك؟ قال: قال مالك: إذا أبى أن يحلف لم يقض للمدعى عليه بالحق أبدا، حتى يحلف المدعي على حقه. ولا يقضي القاضي للمدعي بالحق إذا نكل المدعى عليه عن اليمين، حتى يحلف المدعي. وإن لم يطلب المدعى عليه يمين الطالب، فإن القاضي لا يقضي للطالب بالحق إذا نكل المطلوب عن اليمين، حتى يستحلف الطالب وإن لم يكن يدعي المطلوب يمين الطالب. قال ابن القاسم: وقال لي ابن أبي حازم: ليس كل الناس يعرف هذا، أنه إذا نكل المطلوب عن اليمين أن اليمين على الطالب. قلت: أرأيت إن نكل المدعى عليه عن اليمين، ونكل المدعي أيضا عن اليمين؟ قال: قال مالك: يبطل حقه إذا لم يحلف.
قلت: أرأيت إن ادعيت قبل رجل حقا فاستحلفته فحلف، ثم أصبت عليه بينة بعد ذلك، أيكون لي أن آخذ حقي منه في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، له أن يأخذ حقه منه إذا كان لم يعلم بينته. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: إذا استحلفه وهو يعلم ببينته تاركا لها فلا حق له. قلت: فإن كانت بينة الطالب غيبا ببلد آخر، فأراد أن يستحلف المطلوب وهو يعرف أن له بينة ببلاد أخرى فاستحلفه، ثم قدمت البينة، أيقضى له بهذه البينة ويرد يمين المطلوب التي حلف بها أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، إلا أني أرى أنه إذا كان عارفا ببينة وإن كانت غائبة عنه ورضي باليمين من المطلوب تاركا للبينة، لم أر له حقا وإن قدمت بينته. قلت: وما معنى قول مالك: تاركا للبينة؟ أرأيت إن قال: لي بينة غائبة، فأحلفه لي فإن حلف فقدمت بينتي، فأنا على حقي ولست بتارك لبينتي؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أني أرى للسلطان أن ينظر في ذلك، فإن ادعى بينة بعيدة وخاف على الغريم أن يذهب، أو أن يتطاول ذلك. أرأيت أن يحلفه له ويكون على حقه إذا قدمت بينته؟ قلت: وإن كانت البينة ببلاد قريبة؟ قال: فلا أرى أن يستحلفه له إذا كانت بينته قريبة اليوم واليومين والثلاثة، ويقال له: قرب بينتك وإلا فاستحلفه على ترك البينة.
قلت: أين تحلف النصارى واليهود؟ قال: قال مالك: في كنائسهم حيث

يعظمون. وقال مالك: ولا يحلفون إلا بالله. قلت: أرأيت شهادة الرجل، هل تجوز للصديق الملاطف؟ قال: قال مالك: شهادة الرجل تجوز لأخيه إذا كان عدلا ولمواليه، فالصديق الملاطف بهذه المنزلة. قال مالك: إلا أن يكون في عياله أحد من هؤلاء يمونه، فلا تجوز شهادتهم له. قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة السائل ولا الأجير لمن استأجره، إلا أن يكون بين العدالة وإنما الذي لا تجوز فيه شهادة السؤال، في الشيء الكثير مثل الأموال وما أشبهها. وأما الشيء التافه اليسير فهو جائز إذا كان عدلا، وأما الأجير، فإن كان في عياله فلا تجوز شهادته، وإن لم يكن في عياله جازت شهادته إذا كان عدلا.
قلت: أرأيت المحدود في القذف، هل تجوز شهادته إن تاب في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت شهادة المغنية والمغني والنائحة، أتجوز شهادتهم؟ قال: سألنا مالكا عن الشاعر أتقبل شهادته؟ قال: إن كان ممن يؤذي الناس بلسانه، ويهجوهم إذا لم يعطوه، ويمدحهم إذا أعطوه، فلا أرى أن تجوز شهادته؟ قال مالك: وإن كان لا يهجو، وهو إن أعطي شيئا، أخذ، وليس يؤذي أحدا بلسانه، وإن لم يعط لم يهج، فأرى أن تقبل شهادته إذا كان عدلا. فأما النائحة والمغنية والمغني، فما سمعت فيهم شيئا إلا أني أرى أن لا تجوز شهادتهم إذا كانوا معروفين بذلك.
قلت: أرأيت الشاة، إذا باعها الرجل، أو البعير أو البقرة، واستثنى منها ثلثا أو ربعا أو نصفا، أو استثنى جلدها أو رأسها أو فخذها أو كبدها أو صوفها أو شعرها أو أكارعها، أو استثنى بطونها كلها أو استثنى منها أرطالا مسماة كثيرة أو قليلة، أيجوز هذا البيع كله في قول مالك أم لا ؟. قال: أما إذا استثنى ثلثا أو ربعا أو نصفا فلا بأس بذلك عند مالك، وأما إذا استثنى جلدها أو رأسها فإنه إن كان مسافرا فلا بأس بذلك، وأما إن كان حاضرا فلا خير فيه. قلت: لم أجازه مالك في السفر وكرهه في الحضر؟ قال: السفر إذا استثنى البائع فيه الرأس والجلد فليس لذلك عند المشتري ثمن. قال مالك: وأما في الحضر، فلا يعجبني ولا ينبغي؛ لأن المشتري إنما يطلب بشرائه اللحم. قلت: أرأيت إن قال المشتري إذا اشترى في السفر واستثنى البائع جلدها ورأسها، فقال المشتري لا أذبحها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا قال في الرجل يبيع البعير الذي قد قام عليه بيعه من أهل المياه، ويستثني البائع جلده ويبيعهم إياه لينحروه فاستحيوه، قال مالك: أرى لصاحب الجلد شروى جلده. قال: فقلت لمالك: أو قيمة الجلد؟ قال مالك: أو قيمته، كل ذلك واسع. قال: قلت: ما معنى شروى جلده عند مالك؟ قال: جلد مثله. قال: فقيل لمالك: أرأيت إن قال صاحب الجلد: أنا أرضى أن أكون شريكا في البعير بقدر الجلد؟ قال مالك: ليس له ذلك، يبيعه على الموت ويكون شريكا على الحياة، ليس ذلك له. وليس له إلا قيمة جلده أو شرواه. فمسألتك في المسافر مثل

هذا. قال: وأما إذا استثنى فخذها، فلا خير فيه. قلت: وهذا قول مالك في الفخذ؟ قال: نعم. قال: وأما إذا استثنى كبدها، فإن مالكا قال: لا خير في البطون، فالكبد من البطون. قال: وأما إذا استثنى صوفها أو شعرها، فإن هذا ليس فيه اختلاف أنه جائز. قال: وأما الأرطال إذا استثناها؟ قال مالك: إن كان الشيء الخفيف، الثلاثة الأرطال والأربعة، فذلك جائز. قلت: أرأيت إذا استثنيت أرطالا فقال المشتري لا أذبح؟ قال: أرى أن يذبح على ما أحب أو أكره.
قلت: أرأيت لو أن عبدي شهد لي شهادة وهو عبدي، ثم أعتقته فشهد لي بها أتجوز؟ قال: قال مالك: شهادة المولى لمولاه جائزة، إذا كان عدلا. فأرى شهادة هذا جائزة للذي قال مالك من شهادة المولى لمولاه. قلت: أرأيت شهادة رجل وامرأتين، أتجوز على شهادة رجل في القصاص؟ قال: لا تجوز؛ لأن مالكا قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في القصاص ولا في الطلاق ولا في النكاح، ولا تجوز شهادتهن فيه على شهادة غيرهن في شيء من هذه الوجوه. وتجوز شهادتهن على شهادة، إذا كان معهن رجل، في الأموال وفي الوكالات على الأموال. وكذلك قال لي مالك: لا تجوز شهادتهن وإن كثرن على شهادة امرأة ولا رجل إذا لم يكن معهن رجل. كذلك قال مالك: وإنما تجوز من النساء إذا شهد امرأتان، على مال مع يمين صاحب الحق، فإذا كانت الشهادتان على شهادة كانتا بمنزلة الرجل يشهد على شهادة رجل، فلا تجوز إلا ومعه غيره. فكذلك هنا لا تجوز إلا ومعهما رجل. وشهادة امرأتين على شهادة رجل وما أكثر منهن بمنزلة واحدة لا تجوز إلا ومعهن رجل إلا أن يشهدن هن أنفسهن على حق، فيكن بمنزلة الرجل مع اليمين، وهو قول مالك. قلت: أرأيت ما لا يراه الرجال، هل يجوز فيه شهادة امرأة واحدة؟ قال مالك: لا تجوز في شيء من الشهادات أقل من شهادة امرأتين. لا يجوز شهادة امرأة واحدة في شيء من الأشياء.
قلت: أرأيت استهلال هلال رمضان، هل تجوز فيه شهادة رجل واحد في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تجوز فيه شهادة رجل واحد وإن كان عدلا. قلت: فشهادة رجلين؟ قال: جائزة في قول مالك. قلت: أرأيت هلال شوال؟ قال: كذلك أيضا، لا يجوز فيه أقل من شهادة شاهدين. وتجوز شهادة الشاهدين إذا كانا عدلين، كذلك قال مالك. قلت: أرأيت العبيد والإماء والمكاتبين وأمهات الأولاد، هل تجوز شهادتهم في هلال رمضان أو شوال؟ قال: ما وقفنا مالكا على هذا، وهذا مما لا يشك فيه أن العبيد لا تجوز شهادتهم في الحقوق، ففي هذا أبعد أن لا تجوز فيه. قال: وقال مالك: في الذين قالوا إنه يصام بشهادة رجل واحد، قال مالك: أرأيت إن أغمي عليهم هلال

شوال, كيف يصنعون؟ أيفطرون أم يصومون إحدى وثلاثين؟ فإن أفطروا خافوا أن يكون ذلك اليوم من رمضان؟ قلت: أرأيت هلال ذي الحجة؟ قال: سمعت مالكا يقول في الموسم: إنه يقام بشهادة رجلين إذا كانا عدلين.
قلت: أرأيت القاضي إذا أخذ شاهد زور، كيف يصنع به وما يصنع به؟ قال: قال مالك، يضربه ويطوف به في المجلس. قال ابن القاسم: حسبت أنه يريد به المجالس في المسجد الأعظم. قلت: وكم يضربه؟ قال: قدر ما يرى. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: ولا تقبل شهادته أبدا وإن تاب وحسنت حالته وهو رأيي. قلت: أرأيت إن أقمت شاهدا على مائة وآخر على خمسين؟ قال: إن أردت أن تحلف مع شاهدك الذي شهد لك بمائة وتستحق المائة فذلك لك، وإن أبيت أن تحلف وأردت أن تأخذ خمسين فذلك لك.قلت: أرأيت إن أقمت شاهدا واحدا على حق لي، وأبيت أن أحلف ورددت اليمين على الذي عليه الحق فأبى أن يحلف؟ قال: يغرم عند مالك. قلت: ويغرمه ولا ترد اليمين علي؟ قال: نعم، إذا أبيت أن تحلف مع شاهدك ورددت اليمين عليه، فإن أبى أن يحلف غرم ولم يرجع اليمين عليك، وهو قول مالك. قال: وهذا مخالف للذي لم يأت بشاهد؛ لأن اليمين إنما كانت مع الشاهد للمدعي، وإذا لم يحلف ردت على المدعى عليه، فإن حلف وإلا غرم ولأن اليمين في الذي لا شاهد له إنما كانت على المدعي لا عليه، فإن حلف وإلا ردت اليمين على المدعي، فإن حلف وإلا فلا شيء له. قال: وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت الأجير، هل تجوز شهادته لمن استأجره؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة من في عيال الرجل للرجل، فأرى الأجير بهذه المنزلة إلا أن يكون أجيرا لا يكون في عياله ولا مؤنته. قلت: أرأيت إن شهد رجلان أن لهما ولفلان معهما على فلان ألف درهم، أتجوز شهادتهما لفلان بحصته من الدين؟ قال: لا تجوز. قال: وبلغني عن مالك أنه قال في رجل إذا شهد لرجل في ذكر حق له فيه شيء لم تجز شهادته له ولا لغيره وهذا مخالف للوصية ولا أعلمه إلا من قول مالك: ولو شهد رجل على وصية قد أوصى له فيها، فإن كان الذي أوصى له به شيئا تافها يسيرا لا يتهم عليه، جازت شهادته له ولغيره. وإن كان شيئا كثيرا يتهم عليه لم تجز له ولا لغيره، والحقوق ليست كذلك إذا أردت شهادته في حق له وإن لم تجز لغيره. وذلك أنه لا ينبغي أن يجاز بعض الشهادة ويرد بعضها. ولو أن رجلا شهد على وصية رجل وفيها عتق ووصايا لقوم، لم تجز شهادته في العتق، وجازت للقوم مع أيمانهم. وإنما ترد شهادته إذا شهد لغيره إذا كان يشهد لنفسه، ولذلك الرجل فيه حق. فهذا الذي ترد شهادته له ولغيره، وهذا أحسن ما سمعت. قلت لابن القاسم: فإن أحلفتهم مع الشاهد في الوصية وفيها العتق والثلث

لا يحمل؟ قال: إنما يكون لهم بأيمانهم ما فضل عن العتق.
قلت: أرأيت إن مات عندنا ميت، فأتى رجل فأقام البينة بأنه ابن الميت، ولم تشهد الشهود بأنهم لا يعلمون له وارثا غيره، أتجيز شهادتهم ويعطى هذا الميراث أم لا يعطى من الميراث شيئا؟ وهل تحفظ قول مالك في هذا الوجه؟ قال: وجه الشهادة عند مالك في هذا، أن يقولوا إنه ابنه لا يعلمون له وارثا غيره. قال ابن القاسم: فإذا لم يشهد الشهود أنهم لا يعلمون له وارثا غيره، فأرى أن ينظر السلطان في ذلك ويسأل وينظر. قلت: أرأيت إن أقمت البينة على دار أنها دار جدي، ولم تشهد الشهود أن جدي مات وتركها ميراثا لأبي، وأن أبي مات وتركها ميراثا لورثته، لم يحددوا المواريث بحال ما وصفت لك؟ قال: سألنا مالكا عنها فقال: ينظر في ذلك، فإن كان المدعي حاضرا بالبلد التي الدار بها، وقد حيزت دونه السنين يراهم يسكنون ويحوزون بما تحاز به الدور، فلا حق له فيها. وإن كان لم يكن بالبلد الذي الدار به، وإنما قدم من بلاد أخرى فأقام البينة على أنها دار أبيه ودار جده؛ قال سحنون: وحددوا المواريث حتى صار ذلك إليه. قال ابن القاسم: قال مالك: يسأل من الدار في يديه، فإن أتى ببينة على أصل شراء، أو الوجه الذي صارت به إليه، وإلا فسماع من جيرانه أو من غير جيرانه، أن جده أو والده كان اشترى هذه الدار، أو هو نفسه إذا طال الزمان، فقالوا: طال سمعنا أنه اشتراها، فههنا عندنا دور يعرف لمزاولها تقادم الزمان، وليس على أصل الشراء بينة، وإنما هو سماع من الناس أن فلانا اشترى هذه الدار. قلت: أرأيت إن أتى الذي الدار في يديه ببينة، يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الرجل الذي في يديه الدار، اشترى هذه الدار أو اشتراها والده أو اشتراها جده، إلا أنهم قالوا: سمعنا أنه اشتراها ولكنا لم نسمع بالذي اشتراها منه من هو؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، ولا أرى ذلك حتى يشهدوا على سماع صحة أنه اشتراها من فلان أبي هذا المدعي أو جده.
قلت: أرأيت الحيازة، هل وقت مالك فيها سنين مسماة عشرة أو أقل أو أكثر؟ قال: لا، لم يوقت لنا مالك في الحيازة أكثر من أن قال: على قدر ما يعلم أنها حيازة إذا حازها السنين. قال: وقال مالك: إذا طرأ رجل على قوم من بلد ولا يعرفونه فقال: أنا رجل من العرب، فأقام بينهم أمرا قريبا، فقال له رجل: لست من العرب قال: قال مالك: لا يضرب هذا الذي قال له لست من العرب الحد، إلا أن يتطاول زمانه مقيما بين أظهرهم الزمان الطويل، يزعم أنه من العرب، فيولد له أولاد ويكتب شهادته ويحوز نسبه، ثم يقول بعد ذلك له رجل: لست من العرب. قال: فهذا الذي يضرب من قال له لست من العرب الحد؛ لأنه قد حاز نسبه هذا الزمان كله ولا يعرف إلا به.

قلت: أرأيت كل من انتهى هو وعصبته إلى جد جاهلي، أيتوارثون بذلك أم لا؟ قال: قال مالك: في كل بلاد افتتحت عنوة أو صلحا، وكانت دارهم في الجاهلية، ثم سكنها أهل الإسلام، ثم أسلم أهل الدار: إنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وهم على أنسابهم التي كانوا عليها، يريد بذلك كما كانت العرب حين أسلمت. قال: وأما قوم تحملوا، فإن كان لهم عدد وكثرة توارثوا به، وكذلك الحصن يفتح، فإنهم يتوارثون بأنسابهم. وأما النفر اليسير يتحملون مثل العشرة ونحوه، فلا يتوارثون بذلك، إلا أن تقوم لهم بينة عادلة على الأصل، مثل الأسارى من المسلمين يكونون عندهم فيخرجون فيشهدون لهم. فإنهم يتوارثون. قال ابن القاسم: قال لي مالك في شهادة السماع في الولاء: إنها جائزة. قال سحنون: يريد في المال ليس في الولاء. قلت: أرأيت لو أن دارا في يدي ورثتها عن أبي، فأقام ابن عمي البينة أنها دار جدي وطلب مورثه؟ قال: هذا من وجه الحيازة التي أخبرتك.
قال: وسمعت مالكا واختصم إليه في أرض احتفر فيها رجل عينا، فادعى فيها رجل دعوى فاختصموا فيها إلى صاحب تلك المياه، فأوقفهم حتى يرتفعوا إلى المدينة. فأتى صاحب العين الذي كان عليها فشكا ذلك إلى مالك، فقال مالك: قد أحسن حين أوقفها ورآه قد أصاب. قال: فقال له صاحب الأرض: اترك عمالي يعملون فإن استحق الأرض فليهدم عملي. قال مالك: لا أرى ذلك، وأرى أن يوقف، فإن استحق حقه أخذه وإلا ثبتت. قلت: وهل يكون هذا بغير بينة وغير شيء توقف هذه الأرض؟ قال ابن القاسم: لا أرى أن توقف، إلا أن يكون يرى لقول المدعي وجه فتوقف عليه الأرض.
قلت: أرأيت إن شهد اثنان على نسب، ثم رجعا عن شهادتهما، أتثبت النسب أم ترده؟ قال: كل شيء قضى به القاضي ثم رجعا عن شهادتهما فيه، فالقضاء نافذ ولا يرد قلت: أرأيت الشاهد، بم يجرح في قول مالك؟ قال: يجرح إذا أقاموا البينة أنه شارب خمر أو آكل ربا، أو صاحب قيان، أو كذب في غير شيء أو نحو هذا. قلت: أرأيت إن اختلط دينار لي بمائة دينار لك؟ قال: سمعت مالكا يقول: يكون شريكا له فيما ضاع منهما، هذا بجزء من مائة جزء وجزء، وصاحب المائة بمائة جزء، كذلك بلغني عن مالك. قال ابن القاسم: وأنا أرى، أن لصاحب المائة تسعة وتسعين دينارا، ويقسم صاحب المائة وصاحب الدينار الدينار الباقي نصفين؛ لأنه لا يشك أحد أن تسعة وتسعين منها لصاحب المائة، فكيف يدخل صاحب الدينار فيما يستيقن أنه لا شيء له فيه؟ وكذلك بلغني عن عبد العزيز بن أبي سلمة.

كتاب القضاء
قلت: هل كان مالك يرى للقاضي إذا قضى بقضية، ثم تبين له أن غير ما قضى به أصوب مما قضى به، أله أن يرد قضيته ويقضي بما رأى بعد ذلك، وإن كانت قضيته الأولى مما قد اختلف فيها العلماء؟ قال: إنما قال مالك: إذا تبين له أن الحق في غير ما قضى به رجع فيه، وإنما الذي لا يرجع فيما قضت به القضاة مما اختلف الناس فيه. قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره للقاضي، إذا دخله وهم أو نعاس أو ضجر أن يقضي وقد دخله شيء من هذه الأشياء؟ قال: سمعت مالكا يقول: لا ينبغي للقاضي أن يكثر جدا إذا تخلط، يريد بهذا أن لا يحمل على نفسه. قلت لابن القاسم: هل سمعت مالكا يقول: أين يقضي القاضي، أفي داره أم في المسجد؟ قال: سمعت مالكا يقول: القضاء في المسجد من الحق وهو من الأمر القديم. قال: وقد كان ابن خلدة وقاضي عمر بن عبد العزيز يقضيان في المسجد. قال مالك: وهذا إذا كان في المسجد رضي بالدون من المجلس، ووصل إليه الضعيف والمرأة وإذا احتجب لم يصل إليه الناس.
قال: فقلنا لمالك: أفيضرب القاضي في المسجد؟ قال: أما الأسواط اليسيرة مثل الأدب فلا بأس، وأما الحدود وما أشبهها فلا. قلت: هل سمعت مالكا يقول: يضرب القاضي الخصم على اللدد؟ قال: نعم، يضرب إذا تبين له أنه قد ألد وأنه ظالم. قلت: هل كان مالك يقول: لا يقضي القاضي بشهادة الشهود حتى يسأل عنهم؟ قال: قال مالك: نعم، يسأل في السر عنهم. قلت: فهل يقبل تزكية واحد؟ قال: قال مالك: لا يقبل في التزكية أقل من رجلين. قال ابن القاسم: قال مالك: من الناس من لا يسأل عنهم وما يطلب منهم من التزكية لعدالتهم عند القاضي. قلت: ويزكى الشاهد وهو غائب عن القاضي؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إذا زكوا في السر أو العلانية، أيكتفي بذلك مالك؟ قال: نعم، إذا زكاه رجلان أجزأه. قلت: هل كان مالك يقيل الشاهد إذا جاء يستقيل شهادته؟ قال: أما إذا كان ذلك بعد أن يحكم بشهادته فلا يقيله، إلا أنه كان يقول: لا تجوز شهادته فيما يستقيل. وأما إذا استقال قبل أن يقضى بشهادته، فإني لم أسمع أن أحدا شك في أنه يقال ولا تفسد بذلك شهادته إذا ادعى الوهم والشبهة، إلا أن يعرف منه كذب في شهادته فترد شهادته في هذه وفيما يستقيل.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا رأى خطه في كتاب، عرف أنه خطه وفيه شهادته بخط نفسه فعرف خط نفسه ولا يذكر شهادته تلك؟ قال: قال مالك: لا يشهد بها حتى يستيقن الشهادة ويذكرها. قلت: فإن ذكر أنه هو خط الكتاب ولم يذكر الشهادة؟ قال: هكذا سألت مالكا أنه يذكر الكتاب ويعرفه ولا يذكر الشهادة. قال مالك: لا يشهد بها

ولكن يؤديها هكذا كما علم. قال: فقلت لمالك: أفتنفعه هذه الشهادة إذا أداها هكذا؟ قال: لا. فقلت: أرأيت إذا عزل القاضي أو مات، وقد شهدت الشهود عند المعزول أو الميت وأثبت ذلك في ديوانه، أينظر هذا الذي ولي القضاء في شيء من ذلك ويجيزه؟ قال: لا يجيز شيئا من ذلك إلا أن تقوم عليه بينة، فإن لم تقم عليه بينة لم يجز شيء من هذا، وأمرهم هذا القاضي المحدث أن يعيدوا شهاداتهم. قلت: فإن قال القاضي المعزول: كل شيء في ديواني قد شهدت به الشهود عندي؟ قال: لا أرى أن يقبل قوله ولا أراه شاهدا، وكذلك بلغني أن مالكا قاله. قلت: أفيكون لي على المشهود عليه اليمين بالله الذي لا إله إلا هو، ما هذه الشهادة التي في ديوان القاضي مما شهدت الشهود عليك؟ قال: نعم، يلزمه اليمين, فإن نكل عن اليمين أمضيت عليه تلك الشهادة. قال: وإذا نكل عن اليمين أحلف المشهود له الطالب, ويثبت له الشهادات، وينظر فيه القاضي المحدث بحال ما كان للمعزول ينظر فيها؟ قال: وما سمعت هذا من مالك.
فقلت: أرأيت إذا عزل القاضي أو مات، وقد شهدت الشهود عند المعزول أو الميت وأثبت ذلك في ديوانه، أينظر هذا الذي ولي القضاء في شيء من ذلك ويجيزه؟ قال: لا يجيز شيئا من ذلك إلا أن تقوم عليه بينة، فإن لم تقم عليه بينة لم يجز شيء من هذا، وأمرهم هذا القاضي المحدث أن يعيدوا شهاداتهم. قلت: فإن قال القاضي المعزول: كل شيء في ديواني قد شهدت به الشهود عندي؟ قال: لا أرى أن يقبل قوله ولا أراه شاهدا، وكذلك بلغني أن مالكا قاله. قلت: أفيكون لي على المشهود عليه اليمين بالله الذي لا إله إلا هو، ما هذه الشهادة التي في ديوان القاضي مما شهدت الشهود عليك؟ قال: نعم، يلزمه اليمين، فإن نكل عن اليمين أمضيت عليه تلك الشهادة. قال: وإذا نكل عن اليمين أحلف المشهود له الطالب، ويثبت له الشهادات، وينظر فيه القاضي المحدث بحال ما كان للمعزول ينظر فيها؟ قال: وما سمعت هذا من مالك. قلت: أرأيت كل حكم يدعي القاضي المعزول أنه قد حكم به، أيكون شاهدا ويحلف المحكوم له مع القاضي أم لا؟ قال: قال مالك: لا تقبل شهادته في هذا؛ لأنه هو الحاكم بهذا.
قلت: أرأيت القاضي، أيكره له مالك أن يتخذ كاتبا من أهل الذمة؟ قال: سمعت مالكا يقول: لا يستكتب أهل الذمة في شيء من أمور المسلمين. قلت: أرأيت إن كتب قاض إلى قاض، فمات الذي كتب الكتاب قبل أن يصل الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه، أو عزل أو مات المكتوب إليه، أو عزل وولي القضاء غيره، أيقبل هذا الكتاب في قول مالك أم لا، وإنما كتب الكتاب إلى غيره؟ قال: سمعت مالكا يقول: ذلك جائز، ولا أدري موت أيهما ذكر، موت الذي كتب أو موت المكتوب إليه، وهذا كله جائز عند مالك. من عزل منهما أو مات منهما أو مات فالكتاب جائز، ينفذه هذا الذي ولي وإن كان الكتاب إنما كتب إلى غيره. قلت: أرأيت كتب القضاة، أتجوز في قول مالك في الحدود والقصاص؟ قال: قال مالك: شهادة الشهود على الحدود وغيرها جائزة. ففي هذا ما يدلك أن كتب القضاة في ذلك جائزة في رأيي. قلت: أرأيت إن أقمت البينة على حق لي على رجل غائب، فقدم بعدما أوقعت البينة عليه وهو غائب، ثم قدم، أيأمرني القاضي بإعادة بينتي أم لا؟ قال مالك: يقضي القاضي على الغائب، فلما قال لنا مالك: يقضي القاضي على الغائب، رأيت أن لا يعيد البينة، وهو رأيي أن لا يعيد البينة، ولكنه يعلم الخصم أنه قد شهد عليه فلان وفلان، فإن كانت عنده حجة وإلا حكم عليه.

قلت: أرأيت مثل والي الإسكندرية إن استقضى قاضيا فقضى بقضاء، أو قضى والي الإسكندرية نفسه بقضاء، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: كانوا يأتون إلى مالك فيسألونه عن أشياء قد قضت به ولاة المياه، فرأى مالك أنه يجوز ذلك، إلا أن يكون جورا بينا. قلت: أرأيت ما حكم به الوالي، والي الفسطاط أمير الصلاة، أيجوز وينفذ كما تجوز القضاة في قول مالك؟ قال: نعم، إلا أن يكون جورا بينا فيرده القاضي. قال: ولقد سئل مالك عن رجلين حكما بينهما رجلا فحكم بينهما. قال: قال مالك: أرى للقاضي أن يمضي قضاءه بينهما، ولا يرده إلا أن يكون جورا بينا قلت: أرأيت ما ذكرت لي من قول مالك في الذي يشتري الدابة، فتعرف في يده فأراد أن يطلب حقه؟ قال: يخرج قيمتها فتوضع على يدي عدل، وتدفع إليه الدابة بطلب حقه. قلت: أرأيت إن رد الدابة وقد حالت أسواقها أو تغيرت بزيادة أو نقصان بين، أيكون له أن يردها ويأخذ القيمة التي وضعها على يدي عدل. قال: قال مالك: إن أصابها نقصان فهو لها ضامن، يريد بذلك مثل العور والكسر والعجف. قال: وأما حوالة الأسواق فله أن يردها عند مالك. قلت: أرأيت هذا، هل هو في الإماء والعبيد مثله في الدابة؟ قال: قال مالك: نعم، إلا أني سمعت مالكا يقول في الأمة: إن كان الرجل أمينا ودفعت إليه الجارية، وإلا فعليه أن يستأجر لها رجلا أمينا يخرج بها. قال مالك: ويطبع في أعناقهم. قال: فقلت لمالك: ولم قلت يطبع في أعناقهم؟ قال: لم يزل ذلك من أمر الناس القديم. قلت: أرأيت إن كانت ثيابا أو عروضا، أيمكنه منها ويأخذ القيمة؟ قال: نعم في رأيي.
قلت: أرأيت أجر القسام، أعلى عدد الأنصباء أم على عدد الرءوس؟ قال: كان مالك يكرهه، فأنا أرى إن وقع ذلك أن يكون على عدد الرءوس إن لم يشترطوا بينهم شيئا. قلت: أرأيت القسام إذا شهدوا أنهم قسموا هذه الدار بينهم؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى أن يجوز إنما ذلك مثل شهادة القاضي؛ لأنهم شهدوا على فعل أنفسهم ليجيزوه. قلت لابن القاسم: أرأيت إن قسموا فادعى بعضهم الغلط في القسمة، أيقبل قوله في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: فيمن باع ثوبا فادعى الغلط يقول: أخطأت به، أو باعه مرابحة فيقول: أخطأت: إنه لا يقبل قوله إلا ببينة أو أمر يستدل به على قوله أن ثوبه ذلك لا يؤخذ بذلك الثمن، فأرى القسمة بهذه المنزلة؛ لأن القسمة بمنزلة البيوع. قلت: أرأيت لو أن القاضي دفع مالا إلى رجل، وأمره أن يدفعه إلى فلان، فقال المبعوث معه المال: قد دفعت المال الذي أمرني به القاضي، وأنكر الذي أمره القاضي أن يدفع إليه، أنكر أن يكون قبض المال؟ قال: أرى أن يكون ضامنا إلا أن يقيم البينة.

قلت لابن القاسم: أرأيت القاضي، أينبغي له أن يتخذ قاسما من أهل الذمة أو عبدا أو مكاتبا؟ قال: لا ينبغي له ذلك؛ لأن مالكا قال في كتاب أهل الذمة ما قد أعلمتك. قال ابن القاسم: ولا ينبغي له أن يتخذ في شيء من أمور المسلمين إلا العدول المرضيين، وهذا رأيي. قال: وقال مالك: كان خارجة بن زيد ومجاهد يقسمان في زمانهما ولا يأخذان على ذلك أجرا. قلت: أرأيت القاضي إذا رأى من يزني أو من يسرق أو من يشرب خمرا، أيقيم عليه الحد أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا وجد السلطان أحدا من الناس على حد من حدود الله رفع ذلك إلى الذي فوقه. قلت: أرأيت إن رآه السلطان الأعلى الذي ليس فوقه سلطان؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكني أرى أن يرفعه إلى القاضي. قلت: أرأيت مثل أمير مصر، إن رأى أحدا على حد من حدود الله، أيرفعه إلى القاضي أو إلى أمير المؤمنين؟ قال: يرفعه إلى القاضي ويكون الأمير شاهدا. قلت: أرأيت إن سمع القاضي رجلا يقذف رجلا، أيقيم عليه الحد أم لا؟ قال: بلغني أن مالكا قال: إن سمع السلطان رجلا يقذف رجلا، فإنه لا يجوز فيه العفو. قال ابن القاسم: وذلك إذا كان مع السلطان شهود غيره فإنه لا يجوز فيه العفو، إلا أن يكون المقذوف يريد سترا يخاف إن لم يجز عفوه عن القاذف أن يأتي القاذف بالبينة أنه كذلك. فقيل لمالك: فكيف يعرف ذلك؟ قال: يسأل الإمام في السر ويستحسن ذلك، فإذا أخبر أن ذلك أمر قد سمع أجاز عفوه.
قلت: أرأيت إن رأى القاضي بعدما ولي القضاء رجلا يأخذ مال رجل أو يغصبه سلعة من السلع، أيقضي بذلك وليس عليه شاهد غيره؟ قال: لا أرى أن يقضي به إلا ببينة تثبت إن أنكره من فعل ذلك؛ لأن مالكا سئل عن الخصمين يختصمان إلى القاضي وليس عنده أحد، فيقر أحدهما بالشيء ثم يأتيان بعد ذلك فيجحد أحدهما وقد أقر عنده قبل ذلك، أترى أن يقضي القاضي بما أقر به؟ قال مالك: هو عندي مثل الحد يطلع عليه، ولا أرى أن يقضي به إلا ببينة تثبت سواه عنده، أو يرفعه إلى من هو فوقه، فيكون شاهدا، وذلك أن أهل العراق فرقوا بين ما أقر به عند القاضي قبل أن يستقضي وبعدما يستقضي، فسئل مالك عن ذلك، فرآه واحدا. ورأى أن لا يقضي به ورآه مثل الحد الذي يطلع عليه في حد الفرية، إلا أن يرفعه إلى من هو فوقه فيكون شاهدا. قال ابن القاسم: أخبرني بهذا عن مالك من أثق به. قلت لابن القاسم: أرأيت القاضي إذا باع مال اليتامى، أو باع مال رجل مفلس في الدين، أو باع مال ميت وورثته غيب، على من العهدة؟ قال: قال مالك في الوصي: إنه لا عهدة عليه، فكذلك القاضي لا عهدة عليه. قلت: فعلى من عهدة المشتري إذا باع الوصي تركة الميت؟ قال: في مال اليتامى. قلت : فإن

ضاع الثمن، أو ضاع مال اليتامى ولا مال لليتامى غير ذلك واستحقت السلع التي باع؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لا شيء عليهم. قال: وأخبرني بذلك عن مالك من أثق به.
قلت: أرأيت إذا عزل القاضي عن القضاء، وقد حكم على الناس بأحكام، فادعوا أنه قد جار عليهم في تلك الأحكام؟ قال: لا ينظر فيما قالوا، وما حكم القاضي به جائز عليهم، وليس بينهم وبين القاضي خصومة ولا غير ذلك، إلا أن يرى القاضي الذي بعده من قضائه جورا بينا فيرده، ولا شيء على القاضي الأول. قلت: أرأيت إذا ولي القضاء رجل، أينظر في قضاء القضاة قبله؟ قال: قال مالك: لا يعرض لقضاء القضاة قبله إلا أن يكون جورا بينا. قلت: هل كان مالك يكره أن يلي القضاء من ليس بفقيه؟ قال: ذلك كان رأيه؛ لأنه ذكر لنا مالك ما قال عمر بن عبد العزيز، فكان يعجبه فيما رأيت منه قال: قال عمر بن عبد العزيز: لا ينبغي للرجل أن يلي القضاء حتى يكون عارفا بآثار من مضى، مستشيرا لذوي الرأس قلت: أرأيت، هل كان مالك يكره للرجل أن يفتي حتى يستبحر في العلم؟ قال: بلغني أنه قال لعبد الرحيم: لا ينبغي لمن طلب العلم أن يفتي الناس حتى يراه الناس أهلا للفتيا، فإذا رآه الناس أهلا للفتيا فليفت. قال مالك: ولقد أتى رجل فقال لابن هرمز: إن هذا السلطان قد استشارني أفترى أن أفعل؟ قال فقال ابن هرمز: إن رأيت نفسك أهلا لذلك ورآك الناس أهلا لذلك فافعل.
تم كتاب الأقضية من المدونة الكبرى بحمد الله وعونه ويليه كتاب الشهادات

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الشهادات

في شهادة الأجير
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت الأجير، هل تجوز شهادته لمن استأجره؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة من هو في عيال الرجل للرجل. قال ابن القاسم: إلا أن يكون أجيرا لا يكون في عياله ولا في مؤنته. قال عبد الرحمن بن القاسم: لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره، إلا أن يكون مبرزا في العدالة. وهذا قول مالك، وإذا كان الأجير في عياله فلا تجوز شهادته، وإن كان ليس في عياله جازت شهادته. قال سحنون: وإنما رددت شهادته إذا كان في عياله؛ لأنه يجر إليه وجره إليه جر إلى نفسه، ألا ترى أن الأخ إذا كان في عيال أخيه لم تجز شهادته لجره إليه، وجره إليه جر إلى نفسه. فإذا لم يكن في عياله وكان مبرزا في حاله، جازت شهادته له في الأموال والتعديل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه" أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن شريح أنه قال: لا أجيز شهادة القريب ولا الشريك لشريكه، ولا الأجير لمن استأجره، ولا العبد لسيده، ولا الخصم ولا دافع المغرم.

في شهادة السؤال
قال عبد الرحمن بن القاسم: لا تجوز شهادة السؤال وهذا قول مالك، وإنما الذي لا تجوز فيه شهادة السؤال في الشيء الكثير الأموال وما أشبهها، وأما الشيء التافه اليسير فهي جائزة إذا كان عدلا قال ابن وهب: وأخبرني بعض أهل العلم قال: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: لم يكن السلف الذين مضوا يجيزون شهادة القانع. قال ابن وهب: وكان بعض من مضى لم يكن يجيز شهادة السائل.

في شهادة المغني والمغنية والنائحة والشاعر
قلت: أرأيت شهادة المغنية والمغني والشاعر والنائحة أتقبل؟ قال: سألت مالكا عن الشاعر، أتقبل شهادته؟ قال: إن كان ممن يؤذي الناس بلسانه، وهو يهجوهم إذا لم يعطوه، ويمدحهم إذا أعطوه، فلا أرى أن تقبل شهادته. قال مالك: وإن كان ممن لا يهجو أحدا، وهو ممن إذا أعطي شيئا أخذه، وليس يؤذي أحدا بلسانه، وإن لم يعط لم يهج؛ فأرى أن تقبل شهادته إذا كان عدلا. وأما النائحة والمغنية والمغني، فما سمعت فيه شيئا إلا أني أرى أن لا تقبل شهادتهم إذا كانوا معروفين بذلك.

في شهادة اللاعب بالشطرنج والنرد
قلت: أرأيت الذي يلعب بالشطرنج والنرد، أتقبل شهادته في قول مالك؟ قال: قال مالك في الذي يلعب بالشطرنج المدمن عليها، فلا تقبل شهادته قال: وإن كان إنما هو المرة بعد المرة، فأرى أن تقبل شهادته إذا كان عدلا. قلت: وكان مالك يكره أن يلعب بالشطرنج قليلا أو كثيرا. قال: نعم، كان يراها أشد من النرد. قال: وسألت مالكا عن هذا كله، فأخبرني بما أخبرتك.

في شهادة المولى لمولاه
قلت: أرأيت لو أن عبدي شهد لي على شهادة وهو عبد ثم أعتقته فشهد لي بها، تجوز شهادته؟ قال: قال مالك: شهادة المولى لمولاه جائزة إذا كان عدلا. فأرى شهادته جائزة للذي قال مالك من شهادة المولى لمولاه، إذا كان ما شهد له به لا يجر به إلى نفسه شيئا ولا يدفع به عنها شيئا.

في شهادة الرجل لعبد ابنه والرجل لامرأته
قلت: أرأيت شهادة الرجل لعبد ابنه أتجوز؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة الرجل لابنه، فعبده بمنزلته. قلت: أرأيت لو أن أمة شهد لها بالعتق زوجها ورجل أجنبي؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة الزوج لامرأته ولا المرأة لزوجها. قال: فلو شهد رجل لامرأته ورجل أجنبي، أن سيدها أعتقها، لكان أحرى أن لا تقبل شهادته، وقد بينا هذا أسفل.

في شهادة الصبي والعبد والنصراني
قلت: أرأيت الصبي إذا شهد بشهادة وهو صغير فردها القاضي، أو العبد أو النصراني إذا شهدوا فرد القاضي شهادتهم، فكبر الصبي وأعتق العبد وأسلم النصراني

في شهادة ذوي القرابة بعضهم لبعض
قلت: أرأيت إن شهد لي أبي أو ابني، أن فلانا هذا الميت أوصى إلي، أتجوز شهادتهم في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة الأب لابنه ولا شهادة الابن لأبيه. قلت: تحفظ عن مالك في شهادة ولد الولد لجدهم، أو شهادة الجد لولد الولد؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة، ولا أرى أن تجوز.قلت: فهل تجوز شهادة الرجل لمكاتبه؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك فيه، ولا أراها جائزة.قلت: أرأيت شهادة الزوج لامرأته، أو المرأة لزوجها، أتجوز في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تجوز. قلت: أفتجوز شهادة الأم لابنها، أو الابن لأمه في قول مالك؟ قال: لا. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الرجل لامرأته، ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة، وكان ذلك من الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان. يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد مثله. قال ابن وهب: وأخبرني من أثق به عن شريح الكندي، وغيره من أهل العلم من التابعين مثل قول ابن شهاب في الولد والوالد والزوجين والأخ. ابن مهدي عن شيبان بن عبد الرحمن عن جابر عن الشعبي عن شريح قال: هؤلاء دافعوا مغرم، فلم يكن يجز شهادتهم الولد والوالد والزوج والمرأة. وقد قال في الشهادات: وما لا يجوز منها لذوي القرابات وغيرهم، فقال ذلك يرجع كله إلى جر المرء إلى نفسه ودفعه عنها، أنه لا يشهد ولد لوالد ولا والد لولد ولا زوج لامرأته ولا امرأة لزوجها. من ذلك شهادته له بالمال وشهادته له بالتعديل، وجرحته عنه من شهد عليه وهو من دفعه عنه ودفعه عنه جر إليه، وذلك يرجع إليه أن المرء فيمن كان بهذه المنزلة منه كأنه يدفع عن نفسه ويجر إليها، والدفع عنها جر إليها؛ لأنه إذا جر إلى ابنه وأبيه أو أمه وزوجته، فإنه يدفع عنهم، ودفعه عنهم جر إليهم وجره إليهم لموضعهم منه جر إلى نفسه.

في شهادة الصديق والأخ والشريك
قلت: أرأيت شهادة الرجل، هل تجوز للصديق الملاطف؟ قال: قال مالك: شهادة الرجل تجوز لأخيه إذا كان عدلا ولمولاه، فالصديق الملاطف بهذه المنزلة. قال مالك: إلا أن يكون في عياله أحد من هؤلاء يمونه، فلا تجوز شهادته له. قلت: أرأيت الشريكين المتفاوضين، إذا شهد أحدهما لصاحبه بشهادة من غير التجارة، أتجوز شهادته؟ قال: ذلك جائز إذا كان لا يجر إلى نفسه بذلك شيئا. قلت: وهو قول مالك ؟: قال: لا أقوم على حفظه الساعة. ابن مهدي وإن عمر بن عبد العزيز وشريحا وإبراهيم النخعي والحسن قالوا: تجوز شهادة الأخ لأخيه. قال عمر بن عبد العزيز: إذا كان عدلا. وقيل للشعبي: ما أدنى ما يجوز من شهادة ذوي الأرحام؟ فقال: الأخ لأخيه. قال: وسمعت مالكا يقول: لا تجوز شهادة الأب لابنه، ولا الابن لأبيه، ولا الزوج لامرأته، ولا المرأة لزوجها. فأما الأخ إذا كان غناه له غنى إن أفاد شيئا أصابه منه شيء، أو كان في عياله، فإني لا أرى شهادته له جائزة، فأما إذا كان منقطعا منه لا تناله صلته ولا فائدته. قد استغنى عنه ولا بأس بحاله رأيت شهادته له جائزة. فقيل لمالك: أرأيت الرجل ذا الود للرجل، المصافي له يصله ويعطف عليه، قلت: لا أرى شهادته له جائزة، وإذا كان لا يناله معروفه ولا صلته فأرى شهادته له جائزة.

في شهادة الكافر للمسلم
قلت: أرأيت إذا هلك الرجل في السفر وليس معه من أهل الإسلام أحد، أتجوز شهادة أهل الكفر الذين معه إن أوصى بوصية؟ قال: لم يكن مالك يجيز شهادة أحد من أهل الكفر، لا في سفر ولا في حضر، ولا أرى أن تجوز شهادتهم. قال ابن وهب: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: لا تجوز شهادة اليهودي ولا النصراني فيما بين المسلمين حتى يسلموا. قال يونس: وقال ربيعة: ليس لأهل الكفر على المسلمين شهادة، ولا يجتمع حكم يكون بين مسلم وبين كافر، إلا كان ذلك على الإسلام وأمر أهل الإسلام. ولا تجوز شهادة النصراني في حكم الإسلام ولا في أمر أهل الإسلام.

في شهادة الكافر على الكافر
قلت: أرأيت أهل الذمة، تجوز شهادتهم بعضهم على بعض، في شيء من الأشياء في قول مالك؟ قال: لا. الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: لا تجوز شهادة أهل الملل بعضهم على بعض، وتجوز

في شهادة نساء أهل الذمة في الاستهلال
قلت: هل تجوز شهادة نساء أهل الذمة في الولادة في قول مالك؟ قال: لا. وقال: شهادة رجالهم لا تجوز في شيء من الأشياء، فكيف تجوز شهادة نسائهم. وقد رد شهادة أهل الذمة غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين.

شهادة النساء في الاستهلال
قلت: أرأيت الاستهلال، هل تجوز فيه شهادة النساء أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، قال: وقال مالك: شهادة امرأتين في الاستهلال جائزة. قلت: كم يقبل في الشهادة على الولادة من النساء؟ قال: قال مالك: شهادة امرأتين. قال سحنون: وقال ربيعة: تجوز شهادتهن على الاستهلال، وذلك أن الاستهلال سنة، ومما يكون أنه لا تشهد المرأة عند النفاس إلا النساء. وقد رأى الناس أن قد تم أمره وكمل جسده إلا الاستهلال لا يبقى كما يبقى الجسد، فيرى ويشهد عليه. فشهادة من حضر النفاس من النساء جائزة على الاستهلال.

شهادة المرأة الواحدة على الاستهلال
قلت: أرأيت ما لا يراه الرجال، هل تجوز فيه شهادة امرأة واحدة؟ قال: قال مالك: لا تجوز في شيء من الشهادات أقل من شهادة امرأتين. لا تجوز شهادة امرأة واحدة في شيء من الأشياء. قلت: ولا تقبل شهادة المرأة الواحدة على الولادة؟ قال: قال مالك: لا تقبل شهادة امرأة واحدة في شيء من الأشياء مما تجوز فيه شهادة النساء وحدهن. قلت: أرأيت الولادة، أيجيز مالك فيها شهادة امرأة واحدة؟ قال: قال مالك: كل شيء يقبل فيه شهادة النساء وحدهن، فإنه لا يقبل فيه أقل من امرأتين ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء، قال: تجوز شهادة النساء فيما لا ينظر إلى الرجال أربع نسوة. ابن وهب عن سفيان عن منصور عن الحكم بن عيينة قال: امرأتان. ابن مهدي وقال الشعبي: تجوز شهادة أربع نسوة فيما لا يراه الرجال. قال سحنون: فكيف بمن يريد أن يجيز شهادة امرأة

في شهادة المحدود في القذف
قلت: أرأيت المحدود في القذف، هل تجوز شهادته إن تاب في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المحدود في القذف، هل تجوز شهادته في الطلاق؟ قال: قال مالك: نعم، تجوز شهادته إذا ظهرت توبته وحسنت حاله. قال: وأخبرني بعض إخواننا أنه قيل لمالك في الرجل الصالح الذي هو من أهل الخير يقذف فيجلد فيما قذف، أتجوز شهادته بعد ذلك وعدالته، وقد كان من أهل الخير قبل ذلك؟ قال: إذا ازداد درجة إلى درجته التي كان فيها. قال مالك: ولقد كان عمر بن عبد العزيز عندنا ههنا رجلا صالحا عدلا، فلما ولي الخلافة ازداد وارتفع وزهد في الدنيا فارتفع إليه فوق ما كان فيه، فكذلك هذا. ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أجاز عمر بن الخطاب شهادة من تاب من الذين جلد المغيرة بن شعبة. وأن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن قسيط وابن شهاب وشريحا وعطاء قالوا: تجوز شهادة المحدود في القذف إذا تاب. ابن مهدي عن ابن المبارك عن ابن شريح عن عمران بن موسى قال: شهدت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف مع آخر معه ابن مهدي عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب استتاب الثلاثة، فتاب اثنان وأبى أبو بكرة، فجازت شهادة اللذين تابا ولم تجز شهادة أبي بكرة.

الشهادة على الشهادة
قلت: أتجوز الشهادة على الشهادة في الطلاق في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وتجوز الشهادة على الشهادة في قول مالك في الحدود والفرية؟ قال: قال لي مالك: الشهادة على الشهادة جائزة في الحدود والطلاق والفرية وفي كل شيء من الأشياء، الشهادة على الشهادة فيه جائزة في قول مالك، وكذلك قال لي مالك: قلت: أرأيت الشهادة على الشهادة، أتجوز في الولاء في قول مالك؟ قال: نعم، قال مالك: وشهادة الرجلين تجوز على شهادة عدد كثير.

شهادة الشاهد على الشاهد
قلت: وتجوز شهادة الشاهد على الشاهد في قول مالك؟ قال: لا يجوز إلا شاهدان على شاهد. قلت: ولا يجوز أن يشهد شاهد على شاهد واحد، ويحلف المدعي مع هذا الشاهد على شهادة ذلك الشاهد الذي أشهده؟ قال: لا يحلف في قول مالك؛ لأنها ليست بشهادة رجل تام، وإنما هي بعض شهادة فلا يحلف معها المدعي. قال سحنون: وإنما يجوز اليمين مع الشاهد في المال، وإن حلفه مع الشاهد على الشاهد ليس بمال، فلذلك لا يجوز. قال سحنون: كل موضع تجوز فيه اليمين مع الشاهد، فشهادة النساء فيه جائزة. وقال غيره: ألا ترى أنه لو جاز حتى يثبت له الشاهد، لم يصل إلى قبض ذلك المال إلا بيمين ثانية، فصارت عليه يمينان؟ فلذلك لا يجوز. وإنما جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين مع الشاهد، واليمين واحدة ولا يكون يمينين.

في شهادة النساء على الشهادة
قلت: أرأيت شهادة رجل وامرأتين، أتجوز على شهادة رجل في القصاص؟ قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القصاص ولا في الطلاق ولا في النكاح، ولا تجوز شهادتهن فيه على شهادة غيرهن في شيء من هذه الوجوه. قال: وتجوز شهادتهن على الشهادة إذا كان معهن رجل، في الأموال وفي الوكالات على الأموال، وكذلك قال لي مالك: لا تجوز شهادتهن وإن كن عشرين امرأة، على شهادة امرأة ولا رجل إذا لم يكن معهن رجل، كذلك قال مالك: وإنما يجوز من النساء إذا شهدت امرأتان على مال مع يمين صاحب الحق، فأما إذا كانت الشاهدتان على شهادة رجل، كانتا بمنزلة الرجل يشهد على شهادة رجل، فلا يجوز إلا ومعه غيره، فكذلك هما لا يجوزان إلا ومعهما رجل. وشهادة امرأتين على شهادة رجل وما كثر منهن سواء بمنزلة واحدة، لا تجوز إلا ومعهن رجل، إلا أن يشهدن هن أنفسهن على حق، فيكن بمنزلة الرجل مع اليمين، وهذا كله قول مالك. وقال أشهب مثل قول ابن القاسم في شهادتهن على الشهادة. سحنون وقد قال كبار أصحاب مالك: إن شهادتهن لا تجوز على شهادة ولا على وكالة في مال، وهو وإن شاء الله عدل من القول. ولا تجوز تزكية النساء في وجه من الوجوه، لا فيما تجوز فيه شهادتهن ولا في غير ذلك. ولا يجوز للنساء أن يزكين النساء ولا الرجال. قال مالك: وليس للنساء من التزكية قليل ولا كثير، ولا تقبل تزكيتهن على مال ولا على غير ذلك.

شهادة النساء في قتل الخطأ
قلت: أرأيت شهادة النساء في قتل الخطأ أتجوز في قول مالك؟ قال: نعم; لأنه

شهادة النساء في جراح العمد والحدود والطلاق والنكاح والأنساب والولاء والمواريث
قلت: أرأيت شهادة رجل وامرأتين، أتجوز على شهادة رجل في القصاص؟ قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في القصاص في القتل، ولا في الطلاق، ولا في النكاح، ولا تجوز شهادتهن على شهادة غيرهن عندي في شيء من هذه الوجوه. قلت: أرأيت شهادة امرأتين مع رجل على العفو عن الدم، أتجوز أم لا؟ قال: لا تجوز شهادتهن على العفو من الدم. قلت: لم؟ قال: لأن شهادتهن لا تجوز في دم العمد، فكذلك لا تجوز في العفو عن الدم، قلت: أرأيت شهادة النساء، هل تجوز في المواريث والأنساب في قول مالك؟ قال: قال مالك: شهادة النساء جائزة في المواريث وفي الأموال، ولا تجوز في الأنساب في قول مالك. قال سحنون: وإنما جازت في اختلافهم في المال في الميراث؛ لأنه مال والنسب معروف بغير شهادتهن. قلت: أرأيت شهادة النساء، هل تجوز على الولاء في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادتهن على الولاء ولا على النسب. قلت: أرأيت إن شهدت على السماع في الولاء، أتجوز شهادتهن في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى أن تجوز على السماع ولا على غير السماع في الولاء ولا في النسب؛ لأنه لا تجوز شهادتهن في الدعوى ولا في النسب على حال من الحالات. سحنون عن ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن أرطاة عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده، أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق والحدود. سحنون قال ابن وهب: وذكره أيضا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده، أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق والحدود إلا أن عقيلا لم يذكر الخليفتين.

ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في الطلاق ولا في القتل. قال ابن شهاب: مضت السنة بذلك بأن لا تجوز شهادة امرأتين مع الرجل في القتل والنكاح والطلاق والحدود. ابن وهب عن عبد الجبار عن ربيعة أنه قال: لا تجوز شهادة النساء في القتل والحدود والطلاق والنكاح والعتاقة. قال ابن شهاب من حديث مالك ولا في العتاقة. ابن وهب عن سفيان عن مكحول قال: لا تجوز شهادتهن، إلا في الدين. وقال مالك: لا تجوز إلا حيث ذكرها الله في الدين، أو ما لا يطلع عليه أحد إلا هن للضرورة إلى ذلك. ابن مهدي عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود، والطلاق من أشد الحدود. ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي حصين عن إبراهيم قال: لا تجوز شهادة النساء في الفرقة والنكاح. وقال الحسن: لا تجوز في الحدود، والطلاق من الحدود.

شهادة الصبيان بعضهم على بعض
قال: وسئل مالك عن غلامين لم يبلغا الحلم اقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فقال الميت: فلان قتلني وشهد على لسانه واعترف القاتل الحي أنه فعل ذلك به، أترى أن يؤخذ بقول الميت ويقسم عليه، أو باعتراف القاتل الحي لصاحبه؟ فقال مالك: لا ينفعك هذا إلا بالشهود ولا ينفعك قول الميت ولا إقرار الحي. فقال له صاحبه، لا يكون في هذا قسامة فقال: لا أرى ذلك. قلت: أرأيت قول مالك: تجوز شهادة الصبيان بعضهم على البعض ما لم يتفرقوا، أو يدخل بينهم كبير أو يخببوا في أي شيء كان ذلك؟ قال: في الجراحات والقتل إذا شهد فيه اثنان فصاعدا قبل أن يتفرقا، وكان ذلك صبيان كلهم. ولا تجوز فيه شهادة واحد ولا تجوز شهادة الإناث أيضا من الصبيان في الجراحات فيما بينهم، ولا تجوز شهادة الصبيان الكبيران، كانوا شهدوا له على صبي أو على كبير، وليس في الصبيان قسامة فيما بينهم بعضهم لبعض، إلا أن يقتل رجل كبير صبيا فشهد رجل على قتله، فتكون القسامة على ما يشهد به الشاهد من عمد أو خطأ. سحنون وقد قال غير واحد من كبار أصحاب مالك، منهم أشهب: أنه لا تجوز شهادتهم في القتل ولا تجوز شهادة الإناث. سحنون وقد قال كبير من أصحاب مالك وهو المخزومي: إن الإناث يجزن، وإن شهادة الصبيان في القتل جائزة. قال سحنون: وقال ابن نافع وغيره، في الصبي يشهد عليه صبيان أنه ضرب صبيا أو جرحه، فيموت من ذلك الضرب، أو يتراخى ذلك الجرح فيموت، فإن أولياء الدم يقسمون لمن ضربه مات ويستحقون الدية. قال سحنون: وقال ابن نافع: وهذا الصواب والذي يعتمد عليه. وذكر ابن وهب أن علي بن أبي طالب وشريحا وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وابن قسيط وأبا بكر بن حزم

وربيعة، أنهم كانوا يجيزون شهادة الصبيان فيما بينهم ما لم يتفرقوا أو ينقلبوا إلى أهلهم أو يختلفوا، أو يؤخذ بأول قولهم. وقال بعضهم: ولا تجوز على غيرهم. ابن مهدي عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستجيزون شهادة الصبيان فيما بينهم، وكان إبراهيم لا يجيزها على الرجال، وقاله الحسن البصري من حديث ابن وهب عن ابن المبارك عن الحسن. وقال الشعبي من حديث ابن مهدي عن إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة، وقال أبو الزناد: إنها السنة. وقاله عمر بن عبد العزيز من حديث ابن وهب.

شهادة الوصيين أو الوارثين بدين على الميت
قلت: أرأيت الوصيين إذا شهدا بدين على الميت، أتجوز شهادتهما أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: تجوز شهادة الوصي على الميت. قلت: أرأيت إن شهد وارثان بدين على الميت، أو شهد وارث واحد، أيجوز في قول مالك؟ قال: نعم، وإن كان إنما شهد له شاهد واحد مع شاهده واستحق حقه إذا كان عدلا، وإن نكل وأبى أن يحلف معه، أخذ من شاهده قدر الذي يصيبه من الدين. فإن كان سفيها. لم تجز شهادته ولم يرجع عليه في حظه بقليل ولا كثير.

شهادة الوصيين والوارثين بوصي ثالث
قلت: أرأيت إن أوصى إلى رجلين، فشهد الوصيان بعد موت الموصي أنه أوصى إلى فلان أيضا معنا، أتجوز أم لا؟ قال: قال مالك: نعم تجوز. سحنون وقال غيره: تجوز إن ادعى ذلك الوصي الثالث إذا لم يكن لهما فيما أدخلاه به على أنفسهما منفعة لهما؛ لأنه لا يجوز شهادة أحد يجر إلى نفسه، وكذلك شهادة الوارثين مثل شهادة الوصيين. قلت: أرأيت إن شهد رجلان من الورثة أن أباهما أوصى إلى فلان؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأراه جائزا؛ لأن مالكا قال: لو شهد الوارثان على نسب يلحقانه بأبيهما، أو بوصية لرجل بمال أو بدين على أبيهما جاز ذلك، فكذلك الوصية. قال: ولقد سئل مالك عن الوارثين يشهدان على عتق ومعهما أخوات؟ قال: إن كانا من الرقيق الذين لا يتهمان على جر الولاء إليهما في دناءة الرقيق وضعتهم؛ جاز ذلك وعتق الرقيق من رأس المال. وإن كان من العبيد الذين يرغب في ولائهم، ويتهمان على جر ولاء هؤلاء العبيد دون أخواتهما، أو امرأة أبيهما أو ما أشبه ذلك، لم يجز ذلك. قلت: أرأيت إن شهد النساء للوصي أنه أوصى إليه هذا الميت، أتجوز شهادتهن مع الرجل؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك، ولكن إن كان في شهادتهن عتق وإيضاع النساء، فلا أرى أن تجوز. قال سحنون: وقد أخبرتك قبل هذا أن شهادة النساء على غير المال ليس بجائزة،

في شهادة الوصي بدين للميت أو للوارث
قلت: أرأيت إن شهد الوصي بدين للميت على الناس، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا. قلت: لم؟ قال: لأنه يجر إلى نفسه. قلت: أرأيت إن كان الورثة كلهم كبارا، أتجوز شهادة الوصي؟ قال: إن كان الورثة عدولا، وكان لا تجر شهادته شيئا يأخذه، فشهادته جائزة. قلت: أرأيت إن شهد الوصي لورثة الميت بدين لهم على أحد من الناس، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك؛ لأنه هو الناظر لهم. قلت: فإن كانوا كبارا قال: إذا كانوا كبارا وكانوا عدولا يلون أنفسهم، فأرى شهادته جائزة لهم؛ لأنه ليس يقبض لهم الوصي شيئا، إنما يقبضون هم لأنفسهم إذا كانت حالتهم مرضية.

في اليمين مع شهادة المرأتين
قلت: أرأيت إن شهدت امرأتان أنه أوصى لهذا الرجل بكذا وكذا، أتجوز شهادتهما في قول مالك؟ قال: نعم جائزة، فإن لم يكن غيرهن حلف معهن واستحق حقه. قال: وامرأتان ومائة امرأة في ذلك سواء، يحلف معهن ويستحق حقه. قلت: ويحلف مع المرأة الواحدة في قول مالك؟ قال: لا. قلت: فإن شهدت امرأتان لعبد أو لامرأة أو لصبي، أيحلفون ويستحقون؟ قال: أما العبد والمرأة فنعم، يحلفون ويستحقون. وأما الصبي فلا يحلف حتى يكبر وهو قول مالك. قلت: فإن كان في الورثة كبير واحد أو كبيران، أيحلفان؟ قال: من حلف منهم فإنما يستحق مقدار حقه، ولا يستحق الأصاغر شيئا. وإنما يستحق كل من حلف مقدار حقه من ذلك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قلت: فإن نكل الأكابر عن اليمين، وبلغ الصغار، كان لهم أن يحلفوا ويستحقوا حقهم في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الذمي إذا شهد له امرأتان بحق من الحقوق على رجل مسلم، أيحلف الذمي مع شهادة هؤلاء النسوة ويستحق حقه في قول مالك؟ قال: نعم، قال مالك: سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: شهادة المرأتين جائزة في الدين يستحلف مع شهادتهما صاحب الحق. قال ابن وهب: وقاله يحيى بن سعيد.

شهادة الرجل والمرأتين على السرقة
قلت: أرأيت إذا شهد رجل وامرأتان على سرقة، أتضمنه المال ولا تقطعه في قول مالك؟ قال: نعم هو قول مالك، أن يضمن المال ولا يقطع؛ لأن مالكا قال في العبد يقتل العبد عمدا أو خطأ، أو يأتي سيده بشاهد واحد: أنه يحلف يمينا واحدا ويستحق العبد ولا يقتله وإن كان عمدا؛ لأنه لا يقتل بشاهد واحد، وأرى في الرجل يشهد وحده على الرجل بالسرقة، أنه لا يقطع بشهادة الشاهد الواحد ويحلف المسروق منه المتاع مع شاهده ويستحق متاعه ولا يقطع. وكل جرح لا يكون فيه قصاص فإنما هو مال، فلذلك جازت فيه اليمين مع الشاهد، مثل جرح الجائفة والمأمومة ومثلهما، مما لا قود فيه مما هو مخوف ومتلف قال سحنون: وكل جرح فيه قصاص، فشهادة الرجل ويمين الطالب يقتص بهما؛ لأن القسامة لا تكون في الجراح وفي النفس القسامة. فلما كانت النفس تقتل بشاهد واحد مع القسامة، فلذلك اقتص المجروح بشهادة رجل مع يمينه إذا كان عدلا، وليس في السنة في الجراح قسامة. ابن وهب وقد قال عمر بن عبد العزيز: وقضى باليمين مع الشاهد الواحد في الجراح في العمد والخطأ، وذكر ذلك أبو الزناد.

الشاهدان يختلفان يشهد أحدهما على مائة والآخر على خمسين
قلت: أرأيت إن أقمت شاهدا على مائة وآخر على خمسين؟ قال: قال مالك: إن أردت أن تحلف مع شاهدك الذي يشهد لك بمائة وتستحق المائة فذلك لك، وإن أبيت أن تحلف وأردت أن تأخذ الخمسين بغير يمين، فذلك لك. سحنون عن ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر، عن غير واحد من أهل العلم أنهم كانوا يقولون كلهم، في الرجلين يختلفان في الشهادة على الحق، فشهد هذا بمائة دينار وشهد هذا بخمسين، أنه يقضى له بخمسين؛ لأن شهادتهما قد اجتمعت على الذي هو أدنى.

في الرجلين يشهدان لأنفسهما ولرجل معهما بمال في وصية أو غير وصية
قلت: أرأيت إن شهدا أن فلانا تكفل لأبيهما ولرجل أجنبي بألف درهم، أتجوز شهادتهما في قول مالك؟ قال: لا تجوز شهادتهما عندي؛ لأن الشهادة كلها باطل. قال سحنون: ولأن فيها جرا إلى أبيهما. قلت: أرأيت إن شهد رجلان أن لهما ولفلان معهما على فلان ألف درهم، أتجوز شهادتهما لفلان بحصته من الدين في قول مالك؟ قال: لا. قال: وبلغني عن مالك أنه قال في الرجل إذا شهد لرجل في ذكر حق له فيه شيء:

الرجل يكون في يديه المال فيشهد أن صاحب المال تصدق به على رجل حاضر أو غائب
الرجل في يديه مال فيشهد أن صاحب المال تصدق به على رجل حاضر أو غائب
قلت: أرأيت لو أني أقررت أن فلانا دفع إلي ألف درهم وأنها لفلان لرجل آخر؟

قال: يحلف هذا الذي زعمت أنها له ويستحق حقه؛ لأن إقرارك هذا إنما هي شهادة إذا كان المقر له حاضرا، فإن كان غائبا لم تجز شهادتك له؛ لأنك تقر بشيء يبقى في يديك فتتهم. قال: وبلغني عن مالك أنه قال في الرجل يشهد في الشيء قد جعل على يديه المال أو غيره: أن فلانا الذي وضعه على يديه قد تصدق به على فلان، ورب المال ينكر، قال مالك: إن كان الذي يشهد له حاضرا، فأرى شهادته جائزة. وإن كان غائبا لم أر أن تجوز شهادته؛ لأنه يتهم ههنا؛ لأن المال يبقى في يديه. قال ابن القاسم: وذلك إذا كان المشهود له غائبا، وإنما هي الغيبة التي ينتفع فيها بالمال.

في شهادة السماع في القتال والقذف والطلاق
قلت: أرأيت إن سمع رجل رجلا يقول: لفلان على فلان كذا وكذا، أو يقول رأيت فلانا قتل فلانا، أو يقول: سمعت فلانا يقذف فلانا أو يقول: سمعت فلانا طلق فلانة، ولم يشهده إلا أنه مر فسمعه وهو يقول هذه المقالة، أيشهد بها وإنما مر فسمعه يتكلم بها ولم يشهده؟ قال: لا يشهد بها، ولكن إن مر رجل فسمع رجلا يقذف رجلا، أو سمع رجلا يطلق امرأته، ولم يشهداه، قال مالك: فهذا الذي يشهد به وإن لم يشهداه قال: ويأتي من له الشهادة عنده فيعلمه أن له عنده شهادة. قال: وسمعت هذا من مالك في الحدود، أنه يشهد بما سمع من ذلك. وأما قول مالك الأول فإنما سمعت مالكا، وسئل عن رجل يمر بالرجلين وهما يتكلمان في الشيء ولم يشهداه، فيدعوه بعضهما إلى الشهادة، أترى أن يشهد؟ قال: لا. قال ابن القاسم: إلا أن يكون استوعب كلامهما؛ لأنه إن لم يستوعبه لم يجز له أن يشهد؛ لأن الذي سمع لعله قد كان قبله كلام يبطله أو بعده. ابن وهب وقد قال إن السماع شهادة إبراهيم النخعي والشعبي. ابن مهدي قال سفيان: وقال ابن أبي ليلى: إذا قال سمعت فلانا يقول لفلان علي كذا وكذا أخذته له منه، وإذا قال سمعت فلانا يقول لفلان على فلان كذا وكذا لم أقبله، وبه يأخذ سفيان، وكان رأي سفيان أن السماع شهادة.

في شهادة السماع في الولاء
قلت: أرأيت إن شهدا على أنهما سمعا أن هذا الميت مولى فلان هذا، لا يعلمان له وارثا غير هذا؟ قال: قال مالك: إذا شهد شاهدان على السماع، أو شهد شاهد واحد على أنه مولاه، أعتقه ولم يكن إلا ذلك من البينة. فإن الإمام لا يعجل في ذلك حتى يثبت إن جاء أحد يستحق ذلك، وإلا قضى له بالشاهد الواحد مع يمينه. قال: وقال لنا

الشاهدان يشهدان على الولاء ولا يشهدان على العتق
قلت: أرأيت إن مات رجل فشهد رجلان على أن هذا الميت مولى هذا الرجل، لا يعلمان للميت وارثا غير مولاه هذا، ولا يشهدان على عتقه إياه؟ قال: لا تجوز هذه الشهادة على الولاء، حتى يشهدا أن هذا الرجل أعتق الميت، أو يشهدا أنه أعتق أبا هذا الميت، وأنهما لا يعلمان للميت وارثا غير هذا، أو يشهدا أن الميت أقر أن هذا مولاه، أو يشهدا على شهادة آخر أن هذا مولاه. فأما أن يقولا هو مولاه ولا يشهدا على عتقه إياه ولا على إقراره ولا على شهادة أحد، فلا أرى ذلك شيئا، ولا تجوز هذه الشهادة.

في شهادة ابني العم لابن عمهما في الولاء
قلت: أرأيت إن شهد بنو أعمامي على رجل مات، أنه مولى أبي وأن أبي أعتقه؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن ابني عم شهدا على عتق لابن عمهما، قال مالك: إن كانا ممن يتهمان على قرابتهما أن يجرا بذلك الولاء، فلا أرى ذلك يجوز. وإن كانا من الأباعد ممن لا يتهمان أن يجرا بذلك ولاء مواليه، ولعل ذلك يرجع إليهما يوما ما، ولا يتهمان عليه اليوم. قال مالك: فشهادتهما جائزة. قال ابن القاسم: ففي مسألتك، إن كان إنما هو مال يرثه وقد مات مولاه ولا ولد لمولاه ولا موالي، فشهادتهما جائزة؛ لأنهما لا يجران بشهادتهما إلى أنفسهما شيئا يتهمان عليه. فإن كان للمولى الميت ولد وموال، يجرون هؤلاء الشهود بذلك إلى أنفسهم شيئا يتهمون عليه لقعودهم لمن يشهدوا له، لم أر شهادتهما تجوز في الولاء.

في شهادة السماع في الأحباس والمواريث
قلت: أرأيت إن شهد شاهد واحد على السماع، شهد أن هذا الميت مولى فلان، لا يعلم له وارثا غيره، أيحلف ويستحق المال في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى أن لا يحلف مع الشاهد الواحد على السماع، ولا يستحق به من المال

شهادة السماع في الدور المتقادم حيازتها
قلت: أرأيت إن كانت الدار في يدي رجل قد أنسئ له في العمر، أقام فيها خمسين سنة أو ستين سنة، ثم قدم رجل فادعاها وأثبت الأصل، فقال الذي الدار في يديه اشتريتها من قوم قد انقرضوا وانقرضت البينة، وجاء بقوم يشهدون على السماع أنه اشتراها؟ قال: سمعت مالكا يقول: إذا جاء بقوم يشهدون على السماع أنه اشترى، ولم يقل لي مالك من صاحبها الذي ادعاها كان أو من غيره، وقد أخبرتك بالذي سمعت منه وليس وجه السماع الذي يجوز على المدعي. والذي حملنا عن مالك إلا أن يشهدوا على سماع شراء من أهل هذا المدعي الذي يدعي الدار بسببهم، أو يكون في ذلك قطع لدعوى هذا المدعي، بمنزلة السماع في الأحباس فيما فسر لنا مالك. قال: ومعنى

قول مالك حتى يشهدوا على سماع يكون فيه قطعا لدعوى هذا المدعي، إنما هو أن يشهدوا أنا سمعنا أن هذا الذي الدار في يديه أو أباه أو جده، اشترى هذه الدار من هذا المدعي أو من أبيه أو من جده أو من رجل يدعي هذا المدعي أنه ورث هذه الدار من قبله. قال: نعم، أو اشترى ممن اشترى من جد هذا المدعي، وقد بينت لك ذلك من قول مالك. قال: وقال مالك: ههنا دور تعرف لمن أولها بالمدينة، قد تداولها قوم بعد قوم في الاشتراء وهي اليوم لغير أهلها. فإذا كان على مثل هذا فالسماع جائز على ما وصفت لك، وإن لم تكن شهادة قاطعة. قال ابن القاسم: وكان مالك يرى الشهادة على السماع أمرا قويا. قلت: أرأيت إن أتى الذي الدار في يديه ببينة يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الرجل الذي في يديه الدار اشترى هذه الدار، أو اشتراها جده، أو اشتراها والده، إلا أنهم قالوا سمعنا أنه اشتراها، ولكنا لم نسمع بالذي اشتراها منه من هو؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى ذلك يجوز حتى يشهدوا على سماع صحة أنه اشتراها من فلان أبي هذا المدعي أو جده.

في الشهادة على السماع في الدار القريبة حيازتها
قلت: أرأيت إن أتى رجل، فادعى دارا في يدي رجل وثبت ذلك، فقال الذي في يديه الدار: أنا آتي بقوم يشهدون على السماع، أن أبي اشتراها من خمس سنين أو ما أشبه ذلك، أتقبل البينة في تقارب مثل هذا على السماع؟ قال: لا أرى أن ينفع السماع في مثل هذا، ولا تنفعه شهادة السماع إلا أن يقيم بينة تقطع على الشراء. وإنما تكون شهادة السماع جائزة، فيما كثر من السنين وتطاول من الزمن. ولقد قال مالك في الرجل يقر لقوم أن أباهم كان أسلفه مالا وأنه قد قضاه والدهم، قال مالك: إن كان الذي ادعى من ذلك أمرا حديثا من الزمان والسنين، لم يتطاول ذلك، لم ينفعه قوله قد قضيت إلا بينة قاطعة على القضاء. وإن كان قد تطاول زمان ذلك، أحلف المقر وكان القول قوله. فهذا يدلك أيضا على تطاول الزمان في شهادة السماع أنها جائزة، وما قرب من الزمان أنها ليست على الغائب بقاطعة،؛ لأنه غائب لم يجز عليه شيء دونه، فتكون الحيازة دونه إلا أن مالكا قال في الذي يقر بالدين، فيما بلغني عنه ولم أسمعه منه: لو كان إقراره ذلك على وجه الشكر، مثل ما يقول الرجل للرجل: جزى الله فلانا خيرا قد جئته مرة فأسلفني وقضيته، فالله يجزيه خيرا على نشر الجميل والشكر له، لم أر أن يلزمه في هذا شيء مما أقر به وقرب زمان ذلك أو بعد.

في الرجل يقيم شاهدا واحدا على رجل بالكفالة
قلت: أرأيت إن أقمت شاهدا واحدا، على أن فلانا تكفل لي بمالي على فلان,

في الرجل يقيم شاهدا واحدا على رجل بدين
قلت: أرأيت إن أقام رجل شاهدين على رجل بدين له عليه، وأقمت أنا عليه شاهدا واحدا بدين لي عليه، فحلفت مع شاهدي، أيثبت حقي كما يثبت حق صاحب الشاهدين، ونتخلص في مال هذا الغريم بمقدار ديني ومقدار دينه؟ قال: نعم.

في الرجل يجب عليه اليمين مع الشاهد فيردها على المدعى عليه وينكل
قلت: أرأيت إن أقمت شاهدا واحدا على حق لي، وأبيت أن أحلف وردت اليمين على الذي عليه الحق، فأبى أن يحلف؟ قال: يغرم. قلت: وتغرمه ولا ترد اليمين علي؟ قال: نعم، إذا أبيت أن تحلف مع شاهدك ورددت اليمين عليه، فإن أبى أن يحلف غرم ولم ترجع اليمين عليك، وهذا قول مالك. قال: وهذا مخالف للذي لم يأت بشاهد؛ لأن اليمين إنما كانت مع الشاهد للمدعي وإذا لم يحلف ردت اليمين على المدعى عليه، فإن حلف وإلا غرم؛ ولأن اليمين في الذي لا شاهد له، إنما كانت على المدعى عليه، فإن حلف وإلا ردت اليمين على المدعي، فإن حلف وإلا فلا شيء له. قال: وهذا قول مالك.

في الرجل يدعي قبل الرجل حقا بغير شاهد فيجب اليمين على المدعى عليه فيأباها ويردها على المدعي فينكل
قلت: أرأيت لو أن بيني وبين رجل خلطة، ادعيت عليه حقا من الحقوق فاستحلفته؟ قال مالك: إن حلف برئ. قلت: فإن أبى أن يحلف وقال: أنا أرد اليمين عليك؟ قال: قال مالك: إذا أبى أن يحلف، لم يقض على المدعى عليه بالحق أبدا حتى يحلف المدعي على حقه. ولا يقضي القاضي للمدعي بالحق إذا نكل المدعى عليه عن اليمين حتى يحلف المدعي على حقه، وإن لم يطلب المدعى عليه يمين الطالب، فإن القاضي لا يقضي للطالب بالحق إذا نكل المطلوب، حتى يستحلف الطالب وإن لم يطلب المدعى عليه يمين الطالب. قال عبد الرحمن بن القاسم: وقال لي ابن

في المدعى عليه يحلف ثم تقوم عليه البينة
قلت: أرأيت إن ادعيت قبل رجل حقا، فاستحلفته ثم حلف فأصبت عليه بينة بعد ذلك، أيكون لي أن آخذ حقي في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، له أن يأخذ حقه منه إذا كان لم يعلم ببينته. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: إذا استحلفه وهو يعلم ببينته تاركا له فلا حق له.
قلت: فإن كانت بينة الطالب غيبا ببلد آخر، فأراد أن يستحلف المطلوب وهو يعلم أن له بينة ببلد آخر فاستحلفه، ثم قدمت بينة، أيقضى له بهذه البينة وترد يمين المطلوب الذي حلف بها أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، إلا أني أرى إذا كان عارفا ببينته وإن كانت غائبة عنه، فرضي باليمين من المطلوب تاركا لبينته، لم أر له حقا وإن قدمت له بينة. قلت: وما معنى قول مالك تاركا لبينته؟ أرأيت إن قال: لي بينة غائبة فأحلفه لي، فإن حلف وقدمت بينتي فأنا على حقي ولست بتارك حقي لبينتي؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أني أرى للسلطان أن ينظر في ذلك. فإن ادعى بينة بعيدة وخاف على الغريم أن يذهب أو يتطاول ذلك، رأيت أن يحلفه له ويكون على حقه إذا قدمت بينته، وإن كانت البينة ببلاد قريبة، فلا أرى أن يستحلفه له إذا كانت بينته قريبة، اليوم واليومين والثلاثة، ويقال له: قرب بينتك وإلا فاستحلفه على ترك البينة. ابن مهدي قال سفيان الثوري: وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا حلفته فليس لك شيء.

في الرجل يدعي قبل الرجل الكفالة لا خلطة بينهما أتجب عليه اليمين أم لا
قلت: أرأيت الرجل يدعي قبل الرجل بكفالة، ولا خلطة بينهما، أيكون له عليه اليمين في قول مالك؟ قال: سئل مالك عن رجلين ابتاعا من رجل سلعة، فقضى أحدهما نصف الحق حصته، ثم لقي الآخر، فقال له: اقضني ما عليك وأراد سفرا فقال: قد دفعته إلى فلان، لصاحبه الذي اشترى معه السلعة، ثم مضى الرجل إلى سفره، ثم لقي الطالب صاحبه الذي اشترى مع الذاهب، فقال له: ادفع إلي ما دفع إليك فلان فقال ما

في الرجل يدعي أنه اكترى منه دابة
قلت: أرأيت لو أن رجلا أتى إلى رجل، ادعى أنه اكترى منه دابته وأنكر رب الدابة أتحلفه؟ قال: لهذا وجوه: إن كان رب الدابة مكاريا يكري دابته من الناس، رأيت عليه اليمين. وإن كان ليس بمكار ولا مثله يكري، لم أر عليه اليمين. وإن كان هو المكاري ادعى أنه أكرى دابته من رجل وأنكر المدعى عليه ذلك، فلا يمين للمكاري عليه؛ لأن هذه الوجوه لا يشاء رجل فيها أن يستحلف رجلا بغير حق إلا استحلفه.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الدعوى

في المرأة تدعي أن زوجها طلقها وتقيم على ذلك امرأتين أو رجلا
قلت لابن القاسم: أرأيت المرأة تدعي طلاقها على زوجها وتقيم عليه امرأتين، أيحلف لها أم لا؟ قال: قال مالك: إن كانتا ممن تجوز شهادتهما عليه أي في الحقوق رأيت أن يحلف الزوج وإلا لم يحلف. قلت: أرأيت إن أقامت شاهدا واحدا على الطلاق؟ قال: قال مالك: يحال بينه وبينها حتى يحلف. قلت: فالذي وجب عليه اليمين في الطلاق، أيحال بينه وبين امرأته حتى يحلف في قول مالك أم لا؟ قال: نعم في قول مالك. قلت: فإن أتت بشاهد واحد، فأبى أن يحلف، أتطلق عليه؟ قال: لا، ولكني أرى أن يسجن حتى يحلف أو يطلق. فقلنا لمالك: فإن أبى أن يحلف؟ قال: فأرى أن يحبس حتى يحلف أو يطلق، ورددناها عليه في أن يمضي عليه الطلاق فأبى. قال: وقد بلغني عنه أنه قال: إذا طال ذلك من سجنه خلي بينه وبينها وهو رأيي وإن لم يحلف. قال: وقال مالك: وإذا شهد رجل لعبد أن سيده أعتقه، أو لامرأة أن زوجها طلقها، أحلف الزوج أو السيد إن شاء، وإن أبيا فإن لم يحلفا سجنا حتى يحلفا. وقد كان مالك يقول في أول قوله: إن أبى أن يحلف طلقت عليه وعتق عليه، ثم رجع فقال لنا: يسجن حتى يحلف، وقوله الآخر أحب إلي، وأنا أرى إن طال حبسه أن يخلى سبيله ويدين ولا يعتق عليه ولا يطلق. ابن مهدي عن سفيان عن عطاء بن السائب قال: أتينا إبراهيم في رجل شهد عليه نسوة ورجل في طلاق، فلم يجز شهادتهم واستحلفه ما طلق.

في المرأة تدعي أن زوجها طلقها ولا تقيم شاهدا أتحلف أم لا
قلت: أرأيت إن ادعت المرأة على زوجها أنه طلقها وقالت استحلفه لي؟ قال: قال

مالك: لا يحلف لها إلا أن تقيم المرأة شاهدا واحدا. قلت: أرأيت إن لم يكن لها شاهد أتخليها وإياه في قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يدعي على الرجل أنه والده أو ولده أيحلف أم لا
قلت: أرأيت لو أني ادعيت على رجل أنه والدي أو ولدي فأنكر، أيكون عليه اليمين؟ قال: ما سمعنا من مالك في هذا شيئا، ولا أرى عليه يمينا.

في الرجل يدعي قبل المرأة نكاحاً ولا يقيم شاهداً أو يقيم شاهداً واحداً أتحلف له المرأة أم لا
في الرجل يدعي قبل المرأة نكاحاً ولا يقيم شاهداً أو يقيم شاهداً واحداً له المرأة أم لا
قلت: أرأيت إن ادعى الرجل قبل المرأة النكاح وأنكرت المرأة، أيكون له عليها اليمين، وإن أبت اليمين جعلته زوجها؟ لا إباءها اليمين مما يوجب له النكاح عليها، ولا يكون النكاح إلا ببينة؛ لأن مالكا قال في المرأة تدعي على زوجها أنه قد طلقها، قال: لا أرى أن يحلف إلا أن تأتي بشاهد واحد، فلما أبى مالك أن يحلف الزوج إذا ادعت المرأة قبله طلاقا إلا أن تأتي المرأة بشاهد واحد، فكذلك النكاح عندي إذا ادعى قبلها نكاحا، لم أر له عليها اليمين قلت: أرأيت إن أقام الزوج على المرأة شاهدا واحدا أنها امرأته وأنكرت المرأة ذلك، أيستحلفها له مالك ويحبسها كما صنع بالزوج في الطلاق؟ قال: لا أحفظه عن مالك، ولا أرى أن تحبس ولا أرى إباءها اليمين وإن أقام الزوج شاهدا واحدا، أنه يوجب له النكاح عليه إلا بشاهدين والله أعلم.

في العبد يدعي أن مولاه أعتقه ويقيم شاهدا أيحلف له أم لا
قلت: أرأيت إن ادعى العبد أن مولاه أعتقه، أتحلفه له؟ قال: قال مالك: لا، إلا أن يأتي العبد بشاهد. قال: ولو جاز هذا للنساء والعبيد، لم يشأ عبد ولا امرأة إلا أوقفت زوجها وأوقف العبد سيده كل يوم فأحلفه. قال: فقلنا لمالك: فإن شهدت امرأتان في الطلاق، أترى أن يحلف الزوج؟ قال: إن كانتا ممن تجوز شهادتهما عليه، رأيت أن يحلف. يريد بذلك أن لا يكونا من أمهاتها أو بناتها أو أخواتها أو جداتها، أو ممن هن منها بظنة. قلت: وكذلك هذا في العتق؟ قال: نعم، مثل ما قال لي مالك في الطلاق.
قلت: أرأيت لو أن عبدا ادعى أن مولاه كاتبه أو دبره، أيكون على السيد اليمين إذا أنكر؟ قال: لا؛ لأنه لو ادعى العتاقة عند مالك لم يستحلف له السيد، إلا أن يقيم شاهدا، وكذلك الكتابة والتدبير.

في الأمة تدعي أنها ولدت من سيدها وينكر السيد أيحلف لها أم لا
قلت : أرأيت إن قالت أمة لسيدها: قد ولدت منك، وأنكر السيد أتحلفه لها أم لا؟ قال: لا أحلفه لها؛ لأن مالكا لم يحلفه في العتق فكذلك هذه، ولا شيء لها إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء، ثم تقيم امرأتين على الولادة، فهذه إذا أقامته صارت له أم ولد، وثبت نسب ولدها إن كان معها ولد، إلا أن يدعي السيد استبراء بعد الوطء فيكون ذلك له. قلت: فإن أقامت شاهدا واحدا على إقرار السيد بالوطء أو امرأتين؟ قال: رأيت أن يحلف السيد كما يحلف في العتاق. قلت: فإن أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء، وأقامت امرأة واحدة على الولادة، أيحلف السيد؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا، وأرى أن يحلف؛ لأنها لو أقامت امرأتين ثبتت الشهادة على الولادة، فهي إذا أقامت امرأة واحدة على الولادة رأيت اليمين على السيد.

في الرجل يدعي عبدا أنه له ويقيم شاهدا واحدا
قلت: أرأيت إن ادعيت أن هذا الرجل عبدي، فأردت أن أستحلفه، أيكون لي ذلك؟ قال: ليس لك ذلك. قلت: فإن أقمت شاهدا واحدا، أحلف مع شاهدي ويكون عبدي في قول مالك؟ قال: نعم، ولم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا قد قال في كتبه في الرجل يعتق العبد، فيأتي الرجل بشاهد يشهد له بحق على الرجل الذي أعتقه: أن صاحب الحق يحلف ويثبت حقه، ويرد عتق العبد. فإذا كان هذا عند مالك هكذا، رأيته يسترقه باليمين مع شاهده. قال سحنون: وقال غيره: إذا كان معروفا بالرق.

في الرجلين يشهدان على رجل أنه أمرهما أن يزوجاه وأنهما قد زوجاه وهو ينكر التزويج ويقر بالوكالة
قلت: أرأيت لو أن رجلين شهدا على رجل، أنه أمرهما أن يزوجاه فلانة وأنهما قد زوجاه فلانة، وهو يجحد؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادتهما؛ لأنهما خصمان. قلت: وكذلك إن شهدا أنه أمرهما أن يبتاعا له بيعا، وأنهما قد فعلا والرجل ينكر ذلك؟ قال: نعم، لا تجوز شهادتهما عليه؛ لأنهما خصمان. قلت: أرأيت إن قال: قد أمرتهما أن يبتاعا لي عبد فلان وإنهما لم يفعلا، وقالا: قد فعلنا، قد ابتعناه لك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، والقول قولهما أنهما قد ابتاعا له العبد؛ لأنه قد أقر أنه أمرهما بذلك، فالقول قولهما.

في القوم يشهدون على الرجل أنه أعتق عبده والعبد والسيد جميعا ينكران
قلت: أرأيت لو أن قوما شهدوا على رجل أنه أعتق عبده هذا، والعبد ينكر والسيد ينكر؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا، وهو حر؛ لأنه ليس له أن يرق نفسه.

في الشاهدين يشهدان على الرجل بعتق عبده فيرد القاضي شهادتهما فيشتريه أحدهما
قال: قال مالك: إذا شهد رجلان على رجل، أنه أعتق عبده فرد القاضي شهادتهما عنه، ثم اشتراه أحدهما بعد ذلك، أنه يعتق عليه حين اشتراه.

في الرجل يدعي على الرجل أنه قذفه ويدعي بينة قريبة
قلت: أرأيت الذي يدعي قبل الرجل حدا من الحدود، فيقدمه إلى القاضي ويقول بينتي حاضرة أجيئك بها غدا أو العشية، أيحبس السلطان هذا أم لا يحبسه؟ قال: إن كان ذلك قريبا أوقفه ولم يحبسه؛ إذ رأى السلطان لذلك وجها وكان أمرا قريبا، إلا أن يقيم الطالب عليه شاهدا واحدا، فيحبسه له ولا يأخذ به كفيلا. وكذلك القصاص في الجراحات وفيما يكون في الأبدان، لا يؤخذ به كفيل.

في الرجل يدعي عبدا قد مات في يد رجل ويقيم البينة أنه عبده
قلت: أرأيت لو أقمت البينة على عبد في يدي رجل وقد مات في يديه أنه عبدي، أيقضى لي عليه بشيء في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا شيء على الذي مات العبد في يديه إلا أن يقيم المدعي البينة أنه غصبه؛ لأنه يقول اشتريته من سوق المسلمين فمات في يدي فلا شيء عليه.

في الرجل يدعي عبداً قد مات في يد رجل ويقيم البينة أنه عبده
في الرجل يدعي العبد الغائب ويقيم البينة أنه عبده
قلت: أرأيت العبد يكون في يدي رجل، فيسافر العبد أو يغيب، فيدعيه رجل والعبد غائب فيقيم البينة على ذلك العبد أنه عبده، أيقبل القاضي بينته على العبد وهو غائب، وكيف هذا في المتاع والحيوان إذا كان بعينه، أيقبل القاضي البينة على ذلك أم لا؟ قال: نعم، يقبل البينة إذا وصفوه وعرفوه، ويقضي له بذلك.

في اليمين مع الشاهد الواحد على الإقرار
قال ابن القاسم: لو أن رجلا شهد على رجل أنه أقر أن لفلان عليه كذا وكذا، ثم جحد، كان للذي أقر له بذلك أن يحلف مع الشاهد على الإقرار ويستحق حقه، وهذا مخالف عندي للدم الخطأ أو العمد وهو رأيي. قال سحنون: وقد قضى باليمين مع الشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضى بذلك علي بن أبي طالب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل من عند الله يأمرني بالقضاء باليمين مع الشاهد" 1 وقضى بذلك عمر بن عبد العزيز، وكتب بذلك إلى عماله أن يقضي باليمين مع الشاهد. وكان السلف يقولون ذلك، ويرون القضاء باليمين مع الشاهد العدل في الأموال والحقوق، وكانوا يقولون: لا يكون اليمين في الفرية مع الشاهد، ولا في الطلاق، ولا في العتاق، ولا في أشباه ذلك. وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار.
ـــــــ
1 رواه أبوداود في كتاب الأقضية باب 21.

في الرجل يدعي داراً في يد رجل ويقيم بينة ويقيم شاهداً واحداً أو لا يقيم شاهداً
قلت: أرأيت لو أني ادعيت قبل رجل عبدا، فأقمت شاهدا واحدا، فأردت أن آخذ بالعبد كفيلا حتى آتي بشاهد آخر؟ قال: قال مالك: إذا أقام شاهدا واحدا عدلا، دفع إليه العبد إذا وضع قيمته، ذهب به إلى موضع بينته إن أراد وأخذ من يدي الذي هو في يديه. قال: فقلت لمالك: فإن لم يقم شاهدا، وادعى بينة قريبة بمنزلة اليوم واليومين والثلاثة، فقال: ادفعوا العبد إلي حتى أذهب به إلى بينتي وأنا أضع قيمته؟ قال مالك: لا أرى ذلك له، ولكن إن أتى بشاهد أو سماع، رأيت أن يدفع إليه العبد بعد أن يضع قيمته، ويذهب بالعبد حيث يشهد عليه بينته قال: قلت عند من تشهد تلك البينة؟ قال: عند السلطان الذي يكون في ذلك الموضع. قال مالك: ولو جاز ذلك للناس بغير بينة أو سماع اعترضوا أموال الناس ورقيقهم ودوابهم. قال مالك: ولكن إن أقام شاهدا واحدا، أو أتى بسماع قوم يشهدون، أنهم قد سمعوا أنه قد سرق له مثل ما يدعي، فإنه يدفع إليه إذا وضع قيمته وإن لم تكن شهادة قاطعة، كذلك قال مالك. قال مالك: وإن لم يأت بسماع ولا بشهادة لم يدفع إليه. قلت: أرأيت إن قال: أوقفوا العبد حتى آتي ببينتي؟ قال: لا، ليس ذلك له إلا أن يقول للقاضي: إن بينتي حضور أو سماع، يثبت له به دعوى. فإن القاضي يوكل بالعبد ويوقفه حتى يأتيه بالبينة، أو بما يثبت به دعوه فيما قرب من يومه وما أشبهه، فإن أتى على ذلك برجل أو سماع، ثم سأل أن يوقف له العبد حتى

يأتي ببينته، فإن ادعى بينة بعيدة وفي إيقافه مضرة على المدعى عليه، استحلف السلطان المدعى عليه وخلى سبيله، ولا يأخذ عليه كفيلا. وإن ادعى شهودا حضورا على حقه، رأيت أن يوقف له ما بينه وبين الخمسة إلى الجمعة، وهذا التحديد في الوقف ليس لابن القاسم. قال ابن القاسم: ثم يوقف له؛ لأن مالكا حين قال: يدفع إليه، رأيت الوقف له إذا قال الطالب: أنا آتي ببينتي، إذا كان قد أثبت بسماع قد سمعوا، أو جاء بشاهد. قال: فقلت لمالك: فإن أوقفته، فعلى من النفقة، أعلى الذي هو في يديه أم على الطالب؟ قال: على الذي يقضى له به. وقال غيره: وإنما توقف هذه الأشياء؛ لأنها تحول وتزول. وإنما يشهد على عينها وكذلك هذا في كل ما ادعي بعينه من الرقيق والحيوان والعروض.
قلت: أرأيت إن كانت دورا أو أرضين أو نخلا أو فاكهة، أو ما يكون له الغلة، لمن الغلة التي تغتل منها في قول مالك، وهل توقف هذه الأشياء؟ قال: الغلة للذي كانت في يديه حتى يقضى بها للطالب؛ لأنها لو هلكت كان ضمانها من المطلوب. قال سحنون: وهذا إذا كان المطلوب مشتريا، أو صارت إليه من مشتر. قال ابن القاسم: وإنما الوقف فيما يزول، فأما الرباع التي لا تزول ولا تحول، فليست توقف مثل ما يزول، ولكن توقف وقفا يمنع من الأحداث فيها. سحنون: وقال غيره: إذا كلف المدعى عليه ما ينتفع به بما يثبت المدعي، وقفت هذه الأشياء حتى يقضى بها أو لا يقضى بها. وقال غيره: فإن ادعى عليه دينا أو شيئا مستهلكا، وسأل القاضي أن يأخذ له منه كفيلا، فإن القاضي يسأل الطالب: هل له بينة على مخالطة أو حق أو معاملة أو ظنة. فإن قال: نعم، رأيت أن يسأله: أحضور هم أم غيب؟ فإن قال: هم حضور، فإن كانوا على المخالطة والمعاملة والظنة؛ رأيت أن يوكل بالرجل حتى يأتي بالبينة على ما يستحق به اللطخ، فيما قرب من يومه وما أشبهه، فإن أتاه بهم وغيبة شهوده على الحق غيبة تبعد رأيت أن يستحلف القاضي المدعى عليه، ولا يأخذ عليه كفيلا. فإن ادعى شهودا حضورا على حقه، رأيت أن يأخذ له به كفيلا بنفسه ما بينه وبين الخمسة الأيام والسبعة إلى الجمعة. فإن قال المدعي للقاضي: خذ لي منه كفيلا بالمال، أو بالعقار إن قضيت لي به عليه، لم يأخذ منه كفيلا بذلك المال، إنما يأخذ الكفيل، ويوقف الحيوان والعروض؛ لأنه يحتاج الشهود إلى حضوره ليشهد عليه الشهود بعينه، فلذلك أخذ منه كفيلا كما يأخذ كفيلا بنفسه بمحضر، فشهد عليه الشهود. فأما ما لم يحتج الشهود إلى حضوره ليشهدوا عليه، فإن القاضي لا يأخذ منه كفيلا به، وإن كان الذي ادعى المدعي ما لا يبقى ويسرع إليه الفساد، مثل الفاكهة الرطبة واللحم، وأقام لطخا لم يوجب به إيقافه أو بينة، ولم يعرف القاضي البينة، فاحتاج إلى المسألة عنهم، فقال الجاحد للقاضي وهو البائع أو المشتري وهو

المدعي: أنا أخاف فساده وإن لم يقولاه له إن ترك حتى يزكي البينة، فإن كان إنما يشهد للمدعي شاهد واحد وأثبت لطخا وقال: لي بينة حاضرة، فإن القاضي يؤجل للمدعي بإحضار شاهده إذا قال عندي شاهد. ولا أحلف أو بينة ما لم يخف الفساد على ذلك الذي ادعى عليه أو اشترى، فإن أحضر ما ينتفع به وإلا خلى ما بين المدعى عليه وبين متاعه، إن كان هو البائع، ونهى المشتري أن يعرض له. وإن كان أقام شاهدين، وكان القاضي ينظر في تعديلهما وخاف عليه الفساد، أمر أمينا فباعه وقبض ثمنه، ووضع الثمن على يدي عدل، فإن زكيت البينة، قضى للمشتري بالذي بيعت به السلعة إن كان هو المدعي، وأخذ من المشتري الثمن الذي شهدت به الشهود فدفع إلى البائع، كان أقل أو أكثر، ويقال للبائع: أنت أعلم بما زاد ثمن المشتري الذي جحدته البيع عن ثمن سلعتك التي بعت، فإن لم تزك البينة على الشراء أخذ القاضي الثمن، فدفعه إلى البائع؛ لأن بيع القاضي إنما كان نظرا منه، فطاب للبائع. وإن ضاع الثمن قبل أن يقضي به لواحد منهما، فهو لمن قضى له به، ومصيبته منه كان تلفه قبل الحكم أو بعد الحكم.

في الوكيل والرسول بالقبض والاقتضاء فيدعيان أن قد قبضا وقضيا وينكر ذلك المقضي ولا يقيمان بينة
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا بعثت به معه إلى رجل بعينه، فقال: قد دفعته إليه وكذبه المبعوث إليه المال، أو بعثت به معه صدقة أو هبة إلى رجل بعينه، فقال المبعوث معه المال: قد دفعت المال وكذبه المتصدق عليه بالمال؟ قال: قال مالك: على الرسول البينة في الوجهين جميعا وإلا غرم. قلت: فإن قال له: تصدق بها على المساكين، فقال: قد فعلت وكذبه رب المال؟ قال: القول قول المأمور في هذا الوجه إذا قال له تصدق بها على المساكين. قلت: وما فرق ما بين هذا وما قبله في قول مالك؟ قال: لأن المساكين أمر لا يشهد عليهم فيما يتصدق به عليهم، وقد رضي بأمانته في الصدقة على المساكين. وأما إذا بعث بالمال إلى قوم بأعيانهم صدقة لهم أو هبة لهم، فهذا المبعوث معه هذه الأشياء عليه البينة أنه قد دفع ذلك وإلا غرم؛ لأنه لم يأمره بأن يتلف ماله، وفي الصدقة على المساكين قد أمر بتفريقها، فلا غرم عليه. قلت: أرأيت إن كان لي على رجل دين. فأمرته أن يدفع ذلك الدين إلى رجل بعينه، فقال المأمور: قد دفعت ذلك الدين إلى الذي أمرتني به، وكذبه الذي أمره أن يدفعه إليه؟ قال: عليه الغرم عند مالك، إلا أن تكون له بينة. قال: وقال لي مالك: ولو أقر بالقبض الذي أمر أن يدفع إليه المال وقال: قد قبضت وهلك مني، لم يصدق الذي كان عليه الدين إلا أن تكون له بينة أنه قد دفعه إليه وإلا غرم المال.قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يقبض لي ما لي على

فلان، فقال الوكيل: قد قبضته وضاع مني، وقال الذي عليه المال: قد دفعته؟ قال: قال مالك: يقيم الذي عليه الحق البينة وإلا غرم. قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يقبض لي مالي على فلان، فقال الوكيل: قد قبضت المال، أو قال: قد برئ إلي من المال أيبرأ الذي عليه الحق بقول الوكيل في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يبرأ إلا أن تقوم بينة أن الذي عليه الحق قد دفع المال إليه أو يأتي الوكيل بالمال. قال: قال مالك: إلا أن يكون وكيلا يشتري ويبيع ويقتضي ذلك مفوضا إليه، أو وصيا فهو مصدق وإنما الذي لا يصدق أن يوكله على أن يقبض له مالا على أحد فقط.

في الرجلين يدعيان السلعة وهي في يد أحدهما ويقيمان جميعا البينة
قلت: أرأيت لو أن سلعة في يدي رجل، ادعى رجل أنها له وأقام البينة، وادعى الذي هي في يده أنها له وأقام البينة، لمن هي؟ قال: للذي هي في يديه عند مالك إذا تكافأت البينتان في العدالة. قال ابن القاسم: وعليه اليمين. قلت: فإن كانت السلعة في يد رجل يدعيها لنفسه وهي دار، فأقمت البينة أنها لي، وأقام رجل آخر البينة أنها له، وتكافأت بينتي وبينته؟ قال: لا تؤخذ الدار من الذي هي في يديه؛ لأن بينة هذين قد أكذبت كل واحدة منهما صاحبتها وجرحتها فسقطتا. وقال غيره: ليس هذا تجريحا، ولكنهما لما تكافأت البينتان صارا كأنهما لم يأتيا بشيء ويقران على دعواهما.

في الرجلين يدعيان السلعة ليست في يد واحد منهما ويقيمان البينة
قلت: أرأيت لو أن سلعة في يدي، ادعى رجل أنها له وأقام البينة، وادعيت أنا أنها لي وهي في يدي، وأقمت البينة؟ قال: قال لي مالك: هي للذي هي في يده إذا تكافأت البينة. قال ابن القاسم: وعليه اليمين. قلت: فإن كانت السلعة ليست في يد واحد منهما، فادعى رجل أنها له وأقام البينة على ذلك، وادعى رجل آخر أنها له وأقام على ذلك البينة؟ قال: بلغني عن مالك، أنه سئل عن الرجل يدعي الشيء ويأتي غيره يدعيه، وليس هو في يد واحد منهما فيأتي هذا ببينة وهذا ببينة؟ قال: قال مالك: ينظر إلى أعدل البينتين وإن قلوا فيقضي بالحق لصاحبهم، فإن كانوا سواء، وكان الذي شهدوا فيه مما يرى الإمام ومنعهم إياه، منعهم حتى يأتوا ببينة أعدل منها. قال: وإن كان مما لا ينبغي للإمام أن يقره، ويرى أنه لأحدهما، قسمه بينهما بعد أيمانهما، كالشيء الذي لم يكن فيه شهادة. وإن كان ما ادعيا شيئا قد اختاره أحدهما دون صاحبه فهو له.

في التكافؤ في البينة هل هو عند مالك في العدد أو في العدالة
قلت: أرأيت التكافؤ في البينة، أهو في العدد عند مالك أو في العدالة؟ قال: ذلك عند مالك في العدالة وليس في العدد. قلت: فرجلان عدلان في هذه الشهادة ومائة رجل سواء عند مالك، إذا كانت عدالة الرجلين وعدالة المائة سواء؟ قال: نعم. وحدثنا سحنون عن ابن وهب عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة الثعلبي قال: اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان في بعير، فجاء هذا بشاهدين وجاء هذا بشاهدين، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما1. قال ابن وهب: قال يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد: إنه إذا كان الشهداء في العدالة سواء ليس لبعضهم على بعض فضل، استحلفا جميعا على ما ادعيا، ثم جعله بينهما. وإنما قاله يحيى بن سعيد في رجلين أتيا جميعا يمسكان برأس دابة. ابن مهدي عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي الزناد: أن رجلين ادعيا فرسا فأقام كل واحد منهما بينة ذوي عدل على أنها فرسه، فقضى بها بينهما بنصفين.
ـــــــ
1 رواه أبوداود في كتاب الأقضية باب 22.

في تكافؤ البينتين
قلت: أرأيت لو أن رجلا أقام البينة على دور في يدي، أو عروض أو عبيد أو دنانير أو دراهم أو غير ذلك من الأشياء، أنها له. وأقمت أنا البينة أنها لي. من أولى بذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا تكافأت البينتان في العدالة بحال ما وصفت لك فالذي هي في يديه أولى بذلك قال: ولا ينظر مالك في ذلك إلى كثرة العدد، إنما لعدالة عنده أن يكون هؤلاء وهؤلاء عدولا، وهم في العدالة عند الناس سواء. وإن كانت بينة أحدهما اثنين والآخر مائة، فكان هذان في العدالة وهؤلاء المائة سواء، فقد تكافأت البينتان فهي للذي في يديه قلت: أرأيت لو أن أحدهما أقام رجلا وامرأتين، وأقام الآخر مائة شاهد، وكانت المرأتان والرجل في العدالة مثل المائة الرجل، أليس قد تكافأتا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا والبينتان قد تكافأتا عندي إذا كانت الشهادة

في الشهادة على الحيازة
قلت: أرأيت إن شهدوا على دار أنها في يد رجل منذ عشر سنين، يحوزها ويمنعها ويكريها ويهدم ويبني، وأقام آخر البينة أن الدار داره، أيجعل مالك الذي أقام البينة على الحيازة وهي في يديه، بمنزلة الذي يقيم البينة وهي في يديه أنها له فيكون أولى بها في قول مالك، ويجعل مالك الحيازة إذا شهدوا له بها بمنزلة الملك؟ قال: قال مالك: إذا كان حاضرا يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له، وإن كان غائبا سئل الذي الدار في يديه، فإن أتى ببينة أو سماع قد سمعوا أن أباه أو جده قد اشترى هذه الدار، إذا كان أمرا قد تقادم فأراها له، دون الذي أقام البينة أنها له. قال مالك: لأن ههنا دورا قد عرفت لمن أولها قد بيعت، وتداولتها المواريث وحيزت منذ زمان فلو سئل أهلها البينة على أصل الشراء، لم يجدوا إلا السماع. فإذا كان مثل ما وصفت لك في تطاول الزمان، فأتى بالسماع مع الحيازة فأراها له. كذلك قال مالك: وإن لم يأت بالسماع ولا بالشهادة، وكان الذي يطلب الدار غائبا، فقدم فأقام البينة أنها له رأيتها له. قال مالك: وإن كان حاضرا إذا حازها المشتري دونه، فلا شيء للذي يدعيها. قلت: هل كان مالك يوقت في الحيازة عشر سنين؟ قال: ما سمعت مالكا يحد فيه عشر سنين ولا غير ذلك، ولكن على قدر ما يرى أن هذا قد حازها دون الآخر فيما يكرى ويهدم ويبنى ويسكن.
قلت: أرأيت الدواب والثياب والعروض كلها، والحيوان كله، هل كان مالك يرى أنها إذا حازها رجل بمحضر من رجل، فادعاها الذي حيزت عليه، أنه لا حق له فيها؛ لأن هذا قد حازها دونه؟ وهل كان يقول في هذه الأشياء مثل ما يقول في الدور والحيازة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أن ذلك عندي مثل ما قال مالك في الدور,

إذا كانت الثياب تلبس وتمتهن، والدواب تكرى وتركب. ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب، يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حاز شيئا عشر سنين فهو له" قال عبد الجبار: وحدثني عبد العزيز بن المطلب عن زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. قال عبد الجبار: عن ربيعة أنه قال: إذا كان الرجل حاضرا وماله في يد غيره، فمضت له عشر سنين وهو على ذلك؛ كان المال للذي هو في يديه بحيازته إياه عشر سنين، إلا أن يأتي الآخر ببينة على أنه أكرى أو أسكن أو أعار عارية، أو صنع شيئا من هذا وإلا فلا شيء له. قال ربيعة: ولا حيازة على غائب.

باب ما جاء في الشهادات في المواريث
ما جاء في الشهادات في المواريث
قلت: أرأيت إن مات عندنا ميت، فجاء رجل فأقام البينة أنه ابن الميت، ولم يشهد الشهود أنهم لا يعلمون له وارثا غيره أتجيز شهادتهم وتعطي هذا الميراث أم لا تعطيه من الميراث شيئا؟ وهل تحفظ قول مالك في هذا؟ قال: وجه الشهادة عند مالك في هذا: أن يقولوا: إنه ابنه لا يعلمون له وارثا غيره، فأرى أن تبطل الشهادة في ذلك ويسأل وينظر. قلت: أرأيت إن أقمت البينة أن هذه الدار دار أبي وجدي ولم يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لي أيقضي لي بها السلطان في قول مالك أم لا؟ قال: لا، حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لا يعلمون أنه أحدث فيها شيئا، ولا خرجت عن يده. وجل الدور تعرف لمن كان أولها، ثم قد تداولها أقوام بعد ذلك. فهم إن شهدوا يشهدون ولا علم لهم بما كان فيها، ولا تجوز شهادتهم حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره، إذا شهدوا أن هذا وارث جده أو وارث أبيه. قلت: أرأيت إن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة آخرين؟ قال: لا يعطى هذا إلا حظه. قلت: فحظوظ إخوته، أتؤخذ من يد هذا الذي هي في يديه، فيضعها السلطان على يدي عدل؟ قال: أرى أن لا يعطى لهذا منها إلا بمقدار حظه وما استحق من ذلك، ويترك السلطان ما سوى ذلك في يدي المدعى عليه، حتى يأتي من يستحقه ولا يخرجه من يديه. قال سحنون: وقد كان يقول غير هذا. وروى أشهب عن مالك أنه قال: ينتزع من يد المطلوب ويوقف. قلت: أرأيت لو أن قوما شهدوا على أن هذه الدار دار جدي، وأن هذا المولى مولى جدي، ولم يحددوا المواريث، لم يشهدوا أن جدي مات فورثه أبي وأن أبي مات فورثته أنا؟ قال: سأل مالكا بعض أصحابنا وسمعته يسأل عن الرجل يقيم البينة أن هذه الدار دار جده، ويكون فيها رجل قد حازها منذ سنين ذوات عدد؟ قال: قال مالك: أما إن كان الرجل المدعي حاضرا، فلا أرى له فيها حقا لأجل حيازته إياها، إذا كان قد حازها سنين ذوات عدد، وأما إذا كان المدعي غائبا وثبتت المواريث حتى صارت

له، فإني أرى أن يسأل الذي هي في يديه من أين صارت له، فإن أتى ببينة على شراء أو سماع على الاشتراء، وإن لم يكن أحد يشهد على معاينة الشراء ولا من يشهد على البتات إلا على السماع، فأرى الشهادة جائزة للذي هي في يديه بالسماع بالاشتراء، وإن لم يكن في أصل الشهادة شهادة تقطع على البيع. قال مالك: لأن ههنا دورا تعرف لمن أولها قد بيعت، ولا يوجد من يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع ثم قال لنا: تلك منها هذه الدار التي أنا فيها، قد باعها أهلها وليس أحد يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع فإذا أتى الذي في يديه الدار بأصل الشراء، أو بقوم يشهدون على سماع الاشتراء فذلك. قلت: فإن لم يأت الذي في يديه الدار بشيء من هذا، لا بقوم يشهدون على السماع، ولا بقوم يشهدون على الشراء أتجعلها للذي أقام البينة أنها لجده على ما ثبت في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، تكون للذي أقام البينة أنها لجده إذا كان غائبا. قلت: وشهادة السماع ههنا إنما هو أن يشهدوا أنهم سمعوا أن هذا اشترى هذه الدار من جد هذا المدعي، قال: إذا تقادم ذلك؛ جازت شهادتهم على السماع وإن كان المشتري حيا؛ لأن المشتري يشتري ويتقادم ذلك حتى يكون لشرائه هذا أربعون سنة أو خمسون سنة أو ستون سنة أو نحو ذلك. ولم أوقف مالكا على أنه هو اشتراه بعينه، إلا أن الذي ذكر لي مالك، إنما هو في الشراء الذي يتقادم. قال: وأما في الولاء، فإن مالكا قال: أقضي بالسماع إذا شهدت الشهود على السماع أنه مولاه بالمال، ولا أقضي له بالولاء.
قلت: أرأيت إن أقام البينة أن الدار دار أبيه، وقالت البينة لا نعرف كم الورثة، أيقضى له بشيء من الدار في قول مالك؟ وكيف إن قال الابن إنما أنا وأخي ليس معنا وارث غيرنا، أو قال: أنا وحدي الوارث ليس معي وارث غيري، أيصدق في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا، ولا أرى أن يقضي له السلطان بشيء حتى يقيم البينة على عدة الورثة. قلت: أرأيت إن أقمت البينة على أنها دار جدي، ولم يشهد الشهود أن جدي مات وتركها ميراثا لأبي، وأن أبي مات وتركها ميراثا لورثته، ولم يحددوا المواريث بحال ما وصفت لك؟ قال: سألنا مالكا عنها فقال: ينظر في ذلك، فإن كان المدعي حاضرا بالبلدة التي الدار فيها، وقد حيزت دونه السنين يراهم يسكنون، ويحوزون بما تحاز به الدور، فلا حق له فيها. وإن كان لم يكن بالبلد التي الدار بها، وإنما قدم من بلاد أخر فأقام البينة على أنها دار أبيه أو دار جده وثبتت المواريث، وسئل من الذي الدار في يديه، فإن أتى ببينة على أصل الشراء، أو الوجه الذي صارت به إليه، أو سماع من جيرانه أو من غير جيرانه أن جده أو والده كان اشترى هذه الدار، أو هو بنفسه إذا طال الزمان فقالوا: سمعنا أنه اشتراها وههنا دور تعرف لمن أولها وقد تقادم الزمان، وليس على أصل الشراء بينة وإنما هو سماع من الناس أن فلانا قد اشترى هذه

الدار وإن لم تثبت يعني المواريث لم يسأل الذي الدار في يديه عن شيء. قلت: أرأيت إن أتى الذي في يديه الدار ببينة، يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الرجل الذي في يديه الدار أنه اشترى هذه الدار، أو اشتراها جده أو اشتراها والده، إلا أنهم قالوا سمعنا أنه اشتراها ولكنا لم نسمع بالذي اشتراها منه من هو ؟. قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى ذلك حتى يشهدوا على سماع صحة أنه اشتراها من فلان أبي هذا المدعي أو جده.

في إيقاف المدعى عليه في الأرض عن العمل فيها
قلت: أرأيت لو أن دارا في يدي ورثتها عن أبي فأقام ابن عمي البينة أنها دار جده وطلب مورثه؟ قال: هذا من وجه الحيازة التي أخبرتك. قال: وسمعت مالكا واختصم إليه في أرض احتفر رجل فيها عينا، فادعى فيها رجل دعوى، فاختصموا إلى صاحب المياه فأوقفهم حتى يرتفعوا إلى المدينة، فأتى صاحب العين الذي كان عملها فشكا ذلك إلى مالك، فقال مالك: قد أحسن حين أوقفها وأراه قد أصاب. قال: فقال له صاحب تلك الأرض: اترك عمالي يعملون، فإن استحق الأرض فليهدم عملي. فقال مالك: لا أرى ذلك، وأرى أن توقف، فإن استحق حقه وإلا بنيت. قلت: وهل يكون هذا بغير بينة وبغير شيء توقف هذه الأرض؟ قال: لا توقف إلا أن يكون لدعوى هذا المدعي وجه.

في الرجل يدعي داراً في يد رجل ويقيم بينة غير قاطعة فيريد المدعى عليه أن بييع أو يهب
في الرجل يدعي داراً في يد رجل ويقيم بينة غير قاطعة فيريد المدعى عليه أن يبيع أو يهب
قلت: أرأيت رجلا ادعى دارا في يد رجل فأنشب الخصومة فيما بينه وبينه وأقام البينة، إلا أن بينته لم تقطع بعد. فأراد الذي في يديه أن يبيع الدار أو يهبها، أيمنع من ذلك في قول مالك للذي أوقع صاحبه عليه من البينة وللذي أنشب من الخصومة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن له أن يبيع ويصنع بها ما شاء ما لم يقض بها؛ لأن بيعه ليس مما يبطل حجة هذا، ولا تبطل بينته التي أوقع. فهذا رد المسألة الأولى في الوقف. وقال غيره: ليس له أن يبيع؛ لأن البيع غرر وخطر.

في الرجل تقوم له البينة على متاعه أيحلف أنه ما باع ولا وهب
قلت: أرأيت لو أني ادعيت عبدا في يدي رجل، فأقمت عليه البينة أنه عبدي، أيحلفني القاضي بالله أني ما بعت ولا وهبت، ولا خرج من يدي بوجه من الوجوه مما

في الرجل يقضي له القاضي القضية هل يأخذ منه كفيلا
قلت: أرأيت إن أقمت البينة أن هذه الدار دار أبي أو جدي، أو أن هذا المتاع متاع أبي، مات وتركه ميراثا لا وارث له غيري، فقضى لي به القاضي، هل كان مالك يأمر القاضي أن يأخذ مني كفيلا إذا أراد أن يدفع إلي ذلك الشيء في قول مالك؟ قال: إن الكفيل الذي يأخذه القاضي في هذا، إنما هو جور وتعد، وليس عليهم إذا استحقوا حقوقهم أن يأتوا بكفلاء قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، بل يعطون حقوقهم بغير كفالة.

في الاستحلاف على البتات
قلت: أرأيت لو أني بعت من رجل سلعة فاقتضيت الثمن وجحدته الاقتضاء فادعيت قبله الثمن وأردت أن أستحلفه على أنه لم يشتر مني سلعة كذا وكذا بكذا وكذا، وقال: أنا أحلف لك أنه لا حق لك علي؟ قال: سألت مالكا عنها فقال: لا تقبل منه

في الشريكين يكون لهما الدين على الرجل فيجحده فيريد أحدهما أن يستحلفه فيحلف على الكل ثم يريد الشريك الآخر أن يستحلفه الثانية على مصابته
قلت: أرأيت لو أن متفاوضين، ادعى أحدهما قبل رجل دينا من شركتهما، فجحده الرجل ذلك فأراد أحد المتفاوضين أن يستحلفه فقال الرجل المستحلف: أنا أحلف لك على حصتك ولا أحلف لك على حصة صاحبك؟ قال: أرى أن يحلف على حصته وحصة صاحبه؛ لأنه في حصة صاحبه موكل بالقبض، مفوض إليه أن يشتري ويبيع ويقبض الثمن في حصة صاحبه. قلت: فإن حلف لهذا، ثم أتى صاحبه فأراد أن يستحلفه أيضا على حصته أيكون ذلك له أم لا؟ قال: لا يكون ذلك له؛ لأنه قد حلف لشريكه، فلا يكون للوالي أن يستحلفه. قلت: وكذلك لو وكلت وكيلا بقبض ما لي على فلان، فجحد فلان المال، فقدمه وحلف له، ثم لقيته بعد ذلك، لم يكن لي أن أستحلفه؛ لأن وكيلي قد استحلفه؟ قال: نعم.

استحلاف مدعي الحق إذا ادعي قبله القضاء
قلت: أرأيت إن أقام رجل شاهدين على حق له، فقال المشهود عليه: أحلفه لي مع شاهديه؟ قال: قال مالك: لا يحلف، وليس عليه يمين إذا أقام شاهدين إلا أن يدعي أنه قضاه فيما بينه وبينه فأرى أن يحلف الطالب على ذلك، فإن نكل حلف المطلوب وبرئ.

في استحلاف المدعى عليه
قلت: أرأيت القاضي، كيف يحلف المدعى عليه؟ أيحلفه بالله الذي لا إله إلا هو أم يزيد على هذا: الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية؟ قال: قال مالك: يستحلف بالله الذي لا إله إلا هو ولا يزيد على ذلك، كذلك قال مالك. ابن مهدي عن سلام بن سلمان عن عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس قال: جاء خصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فادعى أحدهما على الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمدعي: "أقم بينتك على حقك" . فقال ليست لي بينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للآخر: "احلف بالله الذي لا إله إلا هو، ما له عندك شيء" فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندي شيء1. قلت: فأين يحلف الذي يدعي قبله؟ والذي يستحق بيمينه مع شاهده، أين يستحلفهما في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل شيء له بال فإنهما يستحلفان فيه هذان جميعا في المسجد الجامع. فقيل لمالك: أعند المنبر؟ قال مالك: لا أعرف المنبر إلا منبر النبي صلى الله عليه وسلم وأما مساجد الآفاق فلا أعرف المنبر فيها، ولكن للمساجد مواضع هي أعظم من بعض، فأرى أن
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الخصومات باب 4. أبو داود في كتاب الإيمان باب 25. الترمذي في كتاب البيوع باب 42. ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 7. أحمد في مسنده [5/ 211].

في استحلاف النساء والعبيد في المسجد
قلت: أرأيت العواتق من النساء وغير العواتق، والعبيد والإماء وأمهات الأولاد والمكاتبين والمدبرين، أيحلفون في المساجد؟ قال: إنما سألت مالكا عن النساء أين

يحلفن؟ قال: أما كل شيء له بال، فإنهن يخرجن فيه إلى المساجد. فإن كانت امرأة تخرج بالنهار أخرجت بالنهار فأحلفت في المسجد، وإن كانت ممن لا تخرج أخرجت ليلا فأحلفت فيه. قال: وإن كان الحق إنما هو شيء يسير لا بال له، أحلفت في بيتها إذا كانت ممن لا تخرج، أرسل القاضي إليها من يستحلفها لصاحب الحق. فأما ما سألت عنه من المكاتب والمدبر وأمهات الأولاد، فسنتهن سنة الأحرار. قال: إلا أني أرى أن أمهات الأولاد بمنزلة الحرائر، منهن من تخرج ومنهن من لا تخرج. قلت: هل يجزئ في هذه المرأة التي تستحلف في بيتها رسول واحد من القاضي يستحلفها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى أن يجزئ.

في استحلاف الصبيان
قلت: أرأيت الصبيان، هل عليهم يمين في شيء من الأشياء يحلفوا إذا ادعي عليهم، أو يحلفون إذا كان لهم شاهد في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحلف الصبيان في شيء من الأشياء حتى يبلغوا.

في استحلاف الورثة على ذكر حق أبيهم إذا ادعى الغريم أنه قد قضى الميت
قال: وقال مالك: في الرجل يهلك ويترك أولادا صغارا فيوجد للميت ذكر حق فيه شهود فيدعي الذي عليه الحق أنه قد قضى الميت حقه؟ قال مالك: لا ينفعه ذلك. قال: قلنا لمالك: أفتحلف الورثة؟ قال: قال مالك: إن كان فيهم من قد بلغ ممن يظن أنه قد علم بالقضاء، أحلف وإلا، فلا يمين عليهم. قلت: فإن نكل هذا الذي يظن أنه قد علم بالقضاء عن اليمين، أيسقط الدين كله، في قول مالك؟ قال: لا يسقط الدين كله ولكن يسقط من الدين قدر حقه أن لو حلف عن الذي عليه الحق.

في استحلاف اليهود والنصارى والمجوس
قلت: هل ذكر لكم مالك، أن النصراني أو النصرانية يحلفان في شيء من أيمانهما في دعوهما، وإذا ادعي عليهم أو في لعانهم، أنهم يحلفون بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى؟ قال: سمعته يقول: لا يحلفون إلا بالله فقط. قلت: واليهود، هل سمعته يقول يحلفون بالله الذي أنزل التوراة على موسى؟ قال: اليهود والنصارى عند مالك سواء. قلت: فهل يحلف المجوس في بيت نارهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن يحلفوا بالله حيث يعظمون. قلت: أين يحلف النصارى واليهود؟ قال: قال مالك: في كنائسهم حيث يعظمون. وقال مالك: لا يحلفون إلا بالله. ابن وهب عن

في تعديل الشهود
قلت: هل كان مالك يقول: لا يقضي القاضي بشهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السر؟ قال: نعم. قلت: فهل يقبل تزكية واحد؟ قال: قال مالك: لا يقبل في التزكية أقل من رجلين. قال: وقال مالك: ومن الناس من لا يسأل عنهم، وما تطلب منهم التزكية لعدالتهم عند القاضي. قلت: ويزكى الشاهد وهو غائب عن القاضي؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن زكوا في السر أو العلانية، أيكتفى بذلك عند مالك؟ قال: نعم، إذا زكاه رجلان أجزأه.

في تجريح الشاهد
قلت: أرأيت الشاهد، بم يجرح في قول مالك؟ قال: يجرح إن أقاموا عليه البينة أنه شارب خمر أو آكل ربا أو صاحب قيان أو كذاب في غير شيء واحد ونحو هذا، ولا يجرحه إلا اثنان عدلان. ابن وهب قال يونس: وسألت ربيعة عن صفة الذي لا تجوز شهادته؟ فقال ربيعة: ترد شهادة الخصم الذي يجر إلى نفسه، والظنين والمغموص عليه في خلائقه وشكله ومخالفته أمر العدول في سيرته، وإن لم يوقف على عمل يظهر به فساده وترد شهادة العدو الذي لا يؤمن على ما شهد به في كل أمر لا يبقى فيه عليه.

في شهادة الزور
قلت: أرأيت القاضي إذا أخذ شاهد زور كيف يصنع فيه وما يصنع به؟ قال:

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المديان

في حبس المديان
قال سحنون: قلت: لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت القاضي هل يحبس في الدين في قول مالك بن أنس؟ قال: قال مالك: لا يحبس الحر ولا العبد في الدين ولكن يستبرئ أمره، فإن اتهم أنه خبأ مالا أو غيبه، حبسه. وإن لم يجد له شيئا ولم يخبئ شيئا لم يحبسه وخلى سبيله، فإن الله تبارك وتعالى يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [سورة البقرة: 280] إلا أن يحبسه قدر ما يتلوم من اختباره ومعرفة ماله، وعليه أن يأخذ عليه حميلا. قلت: فإن عرفت له أموال قد غيبها أيحبسه السلطان أم لا؟ قال: نعم يحبسه أبدا حتى يأتي بماله ذلك. قلت: أرأيت الدين هل يحبس فيه مالك؟ قال: قال مالك بن أنس: إذا تبين للقاضي الإلداد من الغريم حبسه. قلت: ما قول مالك في الإلداد؟ قال: قال مالك: إذا كان له مال فاتهمه السلطان أن يكون غيبه قال مالك: أو مثل هؤلاء التجار الذين يأخذون أموال الناس فيقعدون عليها، فيقولون: قد ذهبت منا ولا نعرف ذلك إلا بقولهم وهم في مواضعهم لا يعلم أنه سرق مالهم ولا احترق بيتهم، أو مصيبة دخلت عليهم ولكنهم يقعدون على أموال الناس. فإن هؤلاء يحبسون حتى يوفوا الناس حقوقهم. قلت: هل لحبس هؤلاء حد عند مالك؟ قال: لا، ليس لحبس هؤلاء حد عند مالك، ولكنه يحبسهم أبدا حتى يوفوا الناس حقوقهم، أو يتبين للقاضي أنه لا مال لهم. فإذا تبين له أنهم لا مال لهم أخرجهم ولم يحبسهم. قلت: فإذا أخرجهم من بعد ما تبين للقاضي إفلاسهم، أيكون للطالب أن يلزمهم ويمنعهم من الخروج يبتغون من فضل الله، ولا يفارقهم أو يوكل من يلزمهم في قول مالك؟ قال: ليس

ذلك، له عند مالك أن يلزمهم، ولا يمنعهم من الخروج يبتغون من فضل الله ولا يوكل بهم من يلزمهم. حدثنا سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن عمر بن عبد العزيز كان لا يسجن الحر في الدين يقول: يذهب فيسعى في دينه خير من أن يحبس. وإنما حقوقهم في مواضعها التي وضعوها فيها، صادفت عدما أو ملاء. محمد بن عمرو عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب كانا يستحلفان المعسر الذي لا يعلم له مال، وما أجد له قضاء في قرض ولا عرض، ولئن وجدت له قضاء حيث لا تعلم لنقضينه. ابن وهب قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه، أن الحر إذا أفلس لا يؤاجر، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [سورة البقرة: 280].

في حبس الوالدين في دين الولد والولد في دين الوالد والزوجين كل واحدمنهما في دين صاحبه والأجداد والحر والعبد
في حبس الوالدين في دين الولد والولد في دين الوالد والزوجين كل واحد منهما في دين صاحبه والأجداد والحر والعبد
قلت: أرأيت الوالد، هل يحبس في دين الولد؟ والمرأة هل تحبس في دين الزوج؟ أو الزوج في دين المرأة؟ أو الولد في دين الوالد؟ أو في دين الجد أو الجدة؟ أو الجد في دين ولد الولد؟ أو العبد هل يحبس في الدين؟ قال: قال مالك: الحر والعبد في الحبس في الدين سواء، إذا تبين للقاضي الإلداد. فالولد أراه يحبس في دين الوالد لا شك فيه، ولا أقوم على حفظ قول مالك فيه. وأما الوالد فلا أرى أن يحبس في دين الولد، وأما الزوج والمرأة فإنهما يحبسان بعضهما لبعض في الدين، وكذلك من سوى الوالد والوالدة، فإنه يحبس بعضهم لبعض في الدين، إذا تبين الإلداد للسلطان من المطلوب. قال ابن القاسم: ولا ينبغي للسلطان وإن لم يحبس الوالد والوالدة في دين الولد أن يظلم الولد لهما، وإنما رأيت أن لا يسجنا له؛ لأن مالكا قال، فيما بلغني في الابن يريد أن يستحلف أباه في الشيء قال: لا أرى أن يحلف، فإذا لم يحلف له فالحلف أيسر من السجن. قلت: أرأيت أهل الذمة في الدين والتفليس مثل المسلمين سواء في الحبس؟ قال: قال مالك: ذلك في الحر والعبد سواء، والنصراني عندي بتلك المنزلة.

في حبس النساء والعبيد في الدين وفي القصاص وفي الحر يؤاجر في الدين
قلت: أرأيت النساء والرجال في ذلك سواء في قول مالك؟ والعبيد والإماء والمكاتبين والمدبرين وأمهات الأولاد؟ قال: نعم، كلهم سواء عندنا مثل الأحرار، وهو

في حبس سيد المكاتب لمكاتبه في دين مكاتبه عليه
قلت: أرأيت المكاتب إذا كان له على سيده دين أيحبس له السيد في دينه؟ قال: قال مالك: دين المكاتب على سيده دين من الديون. قال ابن القاسم: فالمكاتب وغيره في هذا سواء. قال: وأرى أن يحبس إن ألد به.

في حبس المكاتب إذا عجز عن نجم من نجومه
قلت: أرأيت المكاتب إذا عجز عن نجم من نجومه أيحبسه السلطان لمولاه في السجن في قول مالك؟ قال: إنما قال مالك في المكاتب: يتلوم له ولم يقل يسجن. قال ابن القاسم: ولا أرى أن يحبس. قال سحنون لأن الكتابة ليست بدين في ذمته وإنما الكتابة جنس من الغلة.

في الوصي أو الورثة يقضون دين الغرماء بعضهم دون بعض
قلت: أرأيت رجلا هلك وترك مالا وترك ديونا للناس عليه، وليس في ماله هذا الذي ترك وفاء لحق واحد من الغرماء. فأخذ الوصي المال أو أخذته الورثة فقضوه رجلا واحدا، وهم يعلمون بالذين لهم الدين، أو كانوا لا يعلمون فقضوا واحدا من الغرماء دون بقيتهم؟ قال: إذا لم يعلموا ببقية الغرماء، ولم يكن الميت موصوفا بالدين، فلا شيء على الوصي ولا على الورثة. وإن علموا أو كان موصوفا بالدين فعليهم ما يصيب هؤلاء إن تحاصوا، أو يتبع الورثة أو الوصي الذي اقتضى المال بما غرموا لهؤلاء الغرماء. وإن كانوا لم يعلموا فإنما يتبع الغرماء الذين استوفوا المال، ولا يكون على الوصي ولا على الورثة شيء. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله.

في الوصي يقضي بعض غرماء الميت وفي المال فضل ثم يتلف المال قبل أن يقضي بقيتهم
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك ديونا للناس عليه، وفي ماله وفاء بالدين فقضى الوصي بعض الغرماء ثم تلف ما بقي من المال. قال: ليس لهؤلاء أن يتبعوا الذي

في الورثة يتبعون تركة الميت فيستهلكونها ثم يأتي الغرماء
قلت: أرأيت إن باع الورثة تركة الميت فأكلوها واستهلكوها، ثم قدم قوم فأقاموا البينة على دين لهم على الميت؟ قال: قال مالك: إن كان الرجل الميت معروفا بالدين فبادر الورثة الغرماء فأخذوا ماله فباعوه واقتسموه وأكلوه، كان للغرماء أن يأخذوا مال

الميت حيثما وجدوه، ولا يجوز بيع الورثة، واتبع الذين اشتروا الورثة. وإن كان الرجل الميت لا يعرف بالدين، فباعوا كما تبيع الناس تركة ميتهم اتبع الغرماء الورثة ولم يكن لهم على من اشترى منهم سبيل، ولا يأخذون من الذين اشتروا ما في أيديهم. قال ابن القاسم: أخبرني بهذا عن مالك غير واحد من أصحابنا وهو رأيي. قال ابن وهب: قال مالك في الرجل يهلك وهو مديان أو غير مديان معروف كلاهما في حاله، ثم يبيع الورثة أمواله فيقتسمونها، ثم يأتي دين على هذا الميت، فيوجد المال بأيدي الناس الذين اشتروا، قال: أما الذي يعرف بالدين ولا يجهل أمره، فإن الغرماء يأخذون ما وجدوا بأيدي الناس الذين اشتروا ويتبع الذين اشتروا الورثة بأموالهم. وأما الذي لا يعرف بالدين ولا يظن به الدين فإنما يتبع غرماؤه الورثة بثمن ما باعوا، كان فيه وفاء أو لم يكن.

في المريض يقضي بعض غرمائه دون بعض
قلت: أرأيت إذا مرض الرجل، أيكون له أن يقضي بعض غرمائه دون بعض؟ قال: لا؛ لأن قضاءه الساعة إنما هو على وجه التوليج وكذلك قال مالك إذا كان الدين يغترق ماله. قلت: أرأيت إن قضى بعض غرمائه دون بعض في مرضه، أيجوز ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك إذا كان الدين يغترق ماله؛ لأن ذلك على وجه التوليج. قال سحنون: وقال غيره: المريض لم يحجر عليه في التجارة. وهو كالصحيح في تجارته وفي إقراره بالدين لمن لا يتهم.

في المديان يرهن بعض غرمائه
قلت: أرأيت من رهن رهنا وعليه دين يحيط بماله إلا أن الغرماء لم يقيموا عليه، أيجوز ما رهن؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل يتاجر الناس فيكون عليه الدين، فيقوم رجل عند حلول الأجل بحقه، فيلزمه بحقه فيرهنه في ذلك رهنا، أتراه له دون الغرماء؟ قال: قال مالك: نعم ما لم يفلسوه. قال: وقد كان روي مرة عن مالك خلاف هذا: أنهم يدخلون معه وليس بشيء. والقول الذي سمعت منه وقال لي، هو الذي عليه جماعة الناس، وهو أحق به. فإنما الرهن بمنزلة القضاء، أن لو قضى أحدا منهم قبل أن يقوموا عليه ويفلسوه، فقضاؤه جائز، ولا أبالي بحدثان ذلك قاموا عليه أو غيره، إذا كان قائم الوجه يبيع ويتاجر الناس فقضاؤه وبيعه جائز. ابن وهب وقال الليث مثل قول مالك.

في الدين يكون للرجلين على الرجل فيؤخره أحدهما بحصته
قلت: أرأيت لو أن لرجلين على رجل دينا، أخره أحدهما بحصته، أيجوز هذا أم

في الدين يكون للرجلين فيقبض أحدهما حصته بإذن شريكه أو بغير إذنه
قلت: أرأيت لو أن دينا لي ولرجل على رجل بإفريقية فخرجت في اقتضاء نصيبي وأقام شريكي أيكون لشريكي أن يتبعني بشيء في قول مالك؟ قال: نعم، وإنما لا يكون له فيما اقتضيت أنت شيء، إذا كنت قد عرضت عليه الخروج فأبى.

القضاء في الدين
قلت: أرأيت لو أن والدنا هلك وعليه دين مائة دينار، فعزلنا المائة دينار من ميراثه واقتسمنا ما بقي فضاعت المائة ممن ضياعها؟ قال: ضياعها عليكم والدين بحاله. قلت: أسمعته من مالك؟ قال: هذا رأيي. قال: وإن كان السلطان قبضها للغائب وقسم ما بقي من ميراث الميت فضاعت فهي في مال الغريم وهو قول مالك.

في الرجلين يكون لهما الدين فيبيع أحدهما نصيبه من المديان فيريد شريكه في الدين أن يتبعه نصيبه
قلت: أرأيت لو أن دينا لي ولرجل آخر بكتاب واحد على رجل، بعت نصيبي من ذلك الدين من الذي عليه الدين بعرض أيكون لشريكي أن يتبعني بشيء أم لا؟ قال: نعم، أرى أن يرجع عليك فيأخذ نصف ما بعت به، فإذا استوفى حقه رجعت فأخذت منه مقدار ما أخذ منك ومضى الصلح عليك. وذلك أنه يأخذ منه مما اقتضى نصف قيمة العرض، الذي أخذ منه يوم أخذ ذلك من الذي عليه الدين وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو أن أحد الشريكين اقتضى خمسة وكان حقها عشرين دينارا لكل واحد عشرة، فاقتضى أحدهما خمسة وترك خمسة، فإنه يأخذ الشريك الذي لم يدع شيئا من الذي أخذ الخمسة دينارين ونصفا، ثم إذا اقتضى صاحبه العشرة رجع عليه بالدينارين ونصف فأخذهما منه. ولو كان إذا أخذ منه نصف ما اقتضى وجب له بذلك نصف حق صاحبه الذي بقي لكان إذا اقتضى صاحبه العشرة أخذ منه خمسة، وإنما دفع إليه دينارين ونصفا، فهذا لا يستقيم. قال سحنون: وقد قيل: إنه إذا أخذ أحد الغريمين في نصيبه عرضا، أن الشريك بالخيار إن شاء جوز له ما أخذ واتبع الغريم بجميع حقه، وإن شاء

في الرجل يموت وبينه وبين رجل خلطة فيدعي بعض ورثته أن له على الخليط ديناً فيصالحه منه على حقه فيريد الورثة أن يتبعوه بنصيبهم
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك، وقد كانت بينه وبين رجل خلطة، فادعى ولد الهالك أن لأبيهم على هذا الرجل الذي كانت فيما بينه وبين أبيهم خلطة دينا، فأقر أو أنكر، فصالحه أحدهم على حقه، فدفع إليه دنانير أو دراهم، أو دفع إلى أحدهم عرضا من العروض على إنكار من الذي يدعي قبله أو على إقرار، أيكون لإخوته أن يدخلوا معه في الذي أخذ من هذا الرجل؟ قال: قال لي مالك: كل ذكر حق كان لقوم بكتاب واحد فاقتضى بعضهم دون بعض، فإن شركاءهم يدخلون معهم فيما اقتضوا، وإن كان كتب كل إنسان منهم ذكر حقه على حدة، وإن كانت صفقة واحدة، فإن من اقتضى من حقه شيئا لا يدخل معه الآخرون بشيء. قال: وقال مالك: وإن كان لقوم ذكر حق واحد على رجل وهو غائب فأراد بعضهم أن يخرج إليه في حقه وأبى الآخرون. قال: يعرض الذي أراد الخروج على الذي أبى وأقام الخروج، فإن وكل معه وكيلا أو خرج كان شريكا فيما اقتضى وإن أبى أشهد عليه وخرج وكان ما اقتضى له دون شريكه، فهذا يدلك على مسألتك التي سألت عنها. قلت: فإن كان لي ولصاحبي دين على رجل في ذكر حق واحد، فأخذت أنا بذكر حقي عرضا من العروض، أيكون لشريكي أن يدخل معي في هذا العرض والدين إنما كان دراهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أني أرى ذلك له إن أراد.

في المريض يؤخر غرماءه في مرضه
قلت: أرأيت لو أن رجلا مريضا كان ماله كله دينا على رجل فأوصى المريض أن يؤخر ذلك الدين عنه إلى أجل سماه، فمات. فقالت الورثة: لا نجيز إلا الثلث فإنا نؤخر الثلث عنك إلى ذلك الأجل وأما الثلثان فعجله لنا. وقال الموصى له بالتأخير: أخروني بجميع المال أو أبرئوا إلي بجميع ثلث المال؟ قال: إن لم يفعلوا ويؤخروه بجميع

في المريض يقر أنه قد قبض دينه من غريمه
قلت: أرأيت إن أقر في مرضه أنه قد قبض دينه الذي كان له على فلان، أيجوز أم لا؟ قال: إن كان وارثا وكان ممن يتهم أنه أراد أن يولج ذلك إليه، لم يقبل قوله. وإن كان من الأجنبيين الذين لا يتهم عليهم جاز ذلك. قلت: أرأيت إن كان الصداق على الزوج ببينة أنه مؤخر، فأقرت المرأة في مرضها أنها قد قبضت صداقها؟ قال: لا يقبل قولها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: بلغني ذلك عنه.

في إقرار المريض لوارث بدين
قلت: أرأيت لو أقر لوارث بدين في مرضه الذي مات فيه، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك إلا ببينة قال: فقيل له: فالرجل يقر لامرأته في مرضه بالمهر يكون عليه أو بالدين؟ قال: ينظر في ذلك، فإن كان لا يعرف منها إليه ناحية ولا انقطاع وله ولد من غيرها، جاز ذلك. وإن كان يعرف منه انقطاع ومودة إليها، وقد كان الذي بينه وبين ولده متفاقما ولعل لها الولد الصغير، قال مالك: فلا أرى أن يجوز ذلك.
قلت: أرأيت الورثة، أهم بهذه المنزلة على ما وصفت لي في أمر المرأة، يكون بعضهم له إليه الانقطاع والمودة، وآخر قد كان يعرف منه إليه البغضاء، أيكونون بحال ما وصفت لي في المرأة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يجوز ذلك. وإنما رأى مالك ذلك في المرأة وقال: لا يتهم إذا لم يكن له منها ولد ولا ناحية مودة، يعرف أنه يفر بماله من ولده إلى غيرهم. فأما الولد أو الإخوة كلهم، إذا كانوا هم ورثته فلا أرى ذلك، ولو كان يترك ابنته ويترك عصبة يرثونه بولاء أو قرابة يلقونه، فأقر لهم بمال لم يتهم أن يقر إلى العصبة دون ابنته ويترك عصبة بولاء أو قرابة. قال ابن القاسم: وأصل ما سمعت من مالك بن أنس: إنما يريد بذلك التهمة، فإذا لم تقع التهمة لفرار يفر به إليه دون من يرثه معه لم يتهم وجاز. فذلك يجزيك من ذلك كله. سحنون عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال: أيما امرئ قال لفلان في مالي كذا وكذا مال يسميه دينا عليه، قال: إن كان وارثا بطل. وقال: يحيى بن سعيد: من ذكر عند الموت أنه تصدق بصدقة من ماله ولو كان عدلا أو غير عدل لم يجز ذلك، إلا أن يجيزه الورثة، فإن شاءوا ردوها وإن شاءوا أجازوها. وقال شريح الكندي: لا يجوز إقرار الميت بدين لوارث. قال ابن وهب: وقال إبراهيم النخعي: لا يجوز إلا ببينة.

في المديان يقر في مرضه بدين لوارث
قلت: أرأيت إن هلك رجل وعليه دين لرجل ببينة فأقر في مرضه بدين لصديق ملاطف أو لامرأته، والدين عليه ببينة يغترق ماله؟ قال: قال مالك: لا يقبل قوله. وقد سئل مالك عن رجل كان عليه دين، فأقر لأخت له بدين عليه. قال: قال مالك: لا يجوز ذلك إلا أن يكون لها بينة على الدين. فقيل لمالك: إنها قد كانت تقتضيه منه في حياته؟ قال: إن كانت لها بينة أنها كانت تقتضي قال سحنون: معنى قول مالك أن ذلك لها ويلزمه الإقرار لها بالدين.

في إقرار الوارث بدين على الميت
قلت: أرأيت إن هلك أبي وتركني وأخا لي وترك ألفي درهم فأقر أحدنا أن لهذا الرجل على أبينا ألف درهم وأنكر الأخ الآخر؟ قال: قال مالك: يحلف مع هذا الذي أقر له ويستحق حقه إذا كان الذي أقر له عدلا ويكون الميراث فيما بقي بعد حقه. قال مالك: وإن أبى أن يحلف أخذ من هذا الذي أقر له نصف دينه، وهو خمسمائة درهم؛ لأن الذي أقر بما أقر، إنما أقر أن دينه في حقه وفي حق أخيه.

في إقرار الرجل للرجل عليه ببضعة دراهم
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لفلان علي بضعة عشر درهما، كم البضع عند مالك؟ قال: ما بين الثلاث إلى التسع. قال مالك: وإن اختلفوا في البضع لم يعط فيه إلا ثلاثة دراهم إذا زعم ذلك المقر له بها أيضا.

في الشهادة على الميت بدين
قلت: أرأيت إن شهد وارثان بدين على الميت، أو شهد واحد، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم وإن كان إنما شهد له شاهد واحد، حلف مع شاهده واستحق حقه، إذا كان عدلا. فإن أبى أن يحلف معه أخذ من شاهده قدر الذي يصيبه من الدين، وإن كان سفيها لم تجز شهادته، ولم يرجع عليه في حظه بقليل ولا كثير. قلت: أرأيت إن أقام رجل على رجل شاهدين بدين له عليه، وأقمت أنا شاهدا واحدا بدين لي عليه، فحلفت مع شاهدي، أيثبت حقي كما يثبت حق صاحب الشاهدين، ونتحاص في مال هذا الغريم بمقدار ديني ومقدار دينه؟ قال: نعم.

فيمن قال لرجل ادفع إلى فلان مائة درهم صلة مني له وليس له على المأمور دين
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل: ادفع إلى فلان مائة درهم صلة مني له، فقال: نعم. وليس للذي وصل قبل الذي أمره بأن يدفع دين، فمات الذي أمر، قبل أن يدفع المأمور الصلة إلى المأمور له بالصلة؟ قال: قال مالك في الرجل يبعث إلى الرجل بالهدية فيموت الباعث قبل أن تصل الهدية إلى المبعوث إليه، قال مالك: إن كان الذي بعث بها أشهد عليها حين بعث بها، فهي للذي بعث بها إليه، وإن مات الذي بعث بها قبل أن تصل إلى المبعوث إليه. قال: وقال مالك، في الرجل يتصدق على الرجل بدين له على رجل ويشهد له بذلك، ثم يموت الذي تصدق قبل أن يقبض الذي تصدق به عليه قال مالك: هي للمتصدق عليه وإن مات الذي تصدق بها قبل أن يقبضها، فهي للمتصدق بها عليه. وهذا في مسألتك: إن كان قد أشهد على هذه الصلة، ورضي بأن تكون سلفا عليه من قبل المأمور بالدفع، وأشهد على ذلك، فهي حيازة جائزة من الذي وصل بها، وما قبل هذا يدلك على هذا. ومن ذلك أيضا أن مالكا، قال في الرجل يزوج الرجل ويصدق عنه فيموت الذي أصدق عنه قبل أن تقبض المرأة صداقها: إن ذلك في رأس ماله دينا عليه، وإن لم تقبض المرأة مهرها حتى مات، فهو دين في جميع ماله. قال سحنون: وقال غيره: إذا مات الذي وصلها، قبل أن يقبضها الذي وصل بها، فتصير دينا على الذي وصل بها فليس للذي وصل بها شيء.

فيمن استقرض من رجل دراهم فأمر رجلاً له عليه دراهم أن يدفعها إليه فأعطاه مكان الدراهم دنانير بم يرجع
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دراهم، فأتاني رجل آخر فقال: أقرضني دراهم، فأمرت الذي لي عليه الدراهم أن يدفعها إليه قرضا مني فأعطاه مكان الدراهم التي كانت لي عليه دنانير، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فبم يرجع عليه الذي أقرض رب الدين؟ قال: اختلف قول مالك في هذا، وأحب ما فيه إلي أن يأخذ منه الدراهم؛ لأنه إنما أقرضه دراهم، فباعها قبل أن يقبضها بدنانير. ولو أراد المقرض أن يمنعه أن يبيع تلك الدراهم، التي أقرضه من الذي أمره أن يدفعها إليه، لم يكن ذلك للمقرض بعد أن أسلفها إياه.
قلت: وكذلك لو أنه أخذ بها بيعا؟ قال: نعم، وهو قول مالك. قلت: أرأيت لو أن رجلا أتاني فقال لي: أقرضني خمسة دنانير. فأمرت رجلا لي عليه خمسة دنانير أن يدفعها إلى هذا المستقرض مني ولهذا الرجل الذي أمرته أن

يدفع إليه الخمسة دنانير على هذا الرجل المستقرض مني مائة درهم. فقال الذي أمرته أن يدفع إليه الخمسة دنانير: أنا أقاصك بالمائة درهم التي لي عليك، أيصلح هذا في قول مالك؟ قال: هذا جائز، إذا كانت المائة التي على المستقرض الدنانير، قد حلت للذي أمر أن يعطيه إياه.

في الرجل يأمر الرجل أن ينقد عنه غريمه دراهم فيبيعه بها جارية فيريد أن يرجع عليه بم يرجع عليه
قلت: أرأيت لو أني أمرت رجلا أن ينقد عني فلانا ألف درهم، فباعه بها جارية أو عرضا من العروض، أو شيئا مما يكال أو يوزن غير الورق والدنانير، فأراد أن يرجع علي بم يرجع علي؟ قال: ليس له إلا مثل ما أمرته به في جميع ذلك، كان الذي دفع إلى المأمور له ورقا أو كان ذهبا أو عرضا أو غير ذلك؛ لأنه قد أسلفه الذي أمر بالدفع سلفا منه للذي أمره. قال سحنون: وقد ذكر عن مالك فيه اختلاف، أنه لا يربح في السلف. قال سحنون: وهو بيع حادث، لو شاء الذي أمرته أن لا يأخذ إلا الدنانير أخذها على ما أحب أو كره. قال سحنون: قال لي ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت.

في الرجل يأمر الرجل أن ينقد عنه غريمه ديناً فيموت القائل قبل أن يأخذ الغريم ماله
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: انقد عني فلانا ألف درهم، فمات القائل قبل أن يأخذ فلان المال؟ قال: قال مالك، في الرجل يقول للرجل ادفع إلى فلان عني مائة دينار فأنعم له بذلك، قال: إن كان أهل الدين اقتعدوا على موعد، من الذي قال له الميت ادفع عني قرضي بذلك، ورضوا به وانصرفوا على موعد منه، لزمه الغرم لهم، فكذلك مسألتك. قال سحنون: وهذه حمالة.

في تعجيل الدين قبل محله
قلت: أرأيت لو أن لرجل على رجل دينا، من دراهم أو دنانير أو عروض إلى أجل من الآجال، من قرض أو من ثمن بيع فأراد الذي عليه الدين أن يعجله قبل محل أجله، وقال الذي له الدين لا أقبله حتى يحل الأجل؟ قال: قال مالك: إذا كان الدين عينا، فإنه يجبر الذي له الدين على أخذه، وإن لم يحل أجله، من قرض كان الدين أو من بيع. قال مالك: وإن كان الدين عرضا من قرض طعاما أو حيوانا، أجبر على أخذه قبل الأجل، وإن كان الدين من بيع ابتاعه، وهو عرض أو طعام أو حيوان إلى أجل، لم يجبر الذي له الدين على أن يأخذه قبل محل أجله. قال: وهذا الذي ذكرت، إذا كان عرضا

في الرجل يموت وعليه دين فيضمن رجل دينه فيريد أن يرجع به أو يبدو له فيما ضمن
في الرجل يموت وعليه فيضمن رجل دينه فيريد أن يرجع به أو يبدو له فيما ضمن
قلت: أرأيت لو أن رجلا مات، وعليه دين وله مال، أو لا مال له، فقال رجل: أنا ضامن لدينه، أيكون له أن يرجع في مال الميت، إذا أدى دين الميت؟ وكيف إذا لم يكن للميت مال فقال: لا أدفع ما ضمنت، أيلزمه ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: أما إذا كان للميت مال، فإن له أن يرجع في مال الميت؛ إذ قال إنما أديت لأن أرجع في ماله، فإذا لم يكن له مال، فإن ذلك لازم له وليس له أن يأبى من الداء. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قول مالك إذا كان له مال. قال: ولو ضمن ذلك عن الميت، ولا مال للميت وهو عالم بذلك، ثم بان للميت مال بعد ذلك لم يرجع فيه بشيء، ورأيته غرما غرمه على وجه الحسبة. قلت: أرأيت لو أن رجلا مات وعليه دين، فقال رجل: أنا ضامن لدينه، ثم قال بعد ذلك قد بدا لي أيلزمه ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، ذلك لازم عند مالك. ألا ترى أن المعروف إذا أشهد به لرجل على نفسه عند مالك لازم له. قال ابن وهب: وقد سمعت عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج يحدث أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحميل غارم" 1 .
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 99. الترمذي في كتاب البيوع باب 39. ابن ماجة في كتاب الصدقات باب 9. أحمد في مسنده (5/ 267، 293) بلفظ "الزعيم غارم"

في رجل قضى ديناً على رجل كان عليه فأراد أن يرجع به على المديان
قلت: أرأيت لو أتى رجل إلى رجل فقال له: أنا أؤدي لك دينك الذي لك على فلان، فأداه عن فلان، ولم يكن فلان الذي عليه الدين أمره بذلك، فأراد أن يرجع به على الذي كان عليه الدين بما أدى عنه، أيكون ذلك له في قول مالك أم لا؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن رجل ابتاع دينا على رجل، وقد كان بين المشتري وبين الذي عليه الدين عداوة. قال: إن علم أنه إنما أراد بذلك ضرره وتعبه وعنته في ذلك، فلا أرى أن يمكن من ذلك. فهذا يشبه عندي، إن علم أنه إنما أداه عنه بغير أمره، يريد بذلك ضرره وعنته وسجنه، وأنه لا شيء عنده منع من ذلك، وإن كان ذلك منه على وجه المرفق بالذي عليه الدين فذلك جائز. قال ابن القاسم: إذا علم أنه إنما أراد ضرره لم يجز ذلك البيع ورد. قلت: وكذلك إن قال رجل لامرأة، أنا أؤدي المهر الذي لك على زوجك، وقد دخل بها أو لم يدخل بها أهو مثل هذا؟ قال: نعم، هو عندي مثله، لا يجوز إذا عرف أنه يريد عنته.

في الرجل يوكل وكيلاً يقبض دينه فيدعي أنه قد قبض وضاع منه
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يقبض مالا لي على فلان، قال: قد قبضته وضاع مني، وقال الذي عليه المال قد دفعته؟ قال: قال مالك: يقيم الذي عليه الحق البينة وإلا غرم. قلت: أرأيت إن أمرت رجلا يقبض مالي على فلان، فقال الوكيل: قد قبضت المال، أو قد قال برئ إلي من المال أيبرأ الذي عليه الأصل بقول الوكيل في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يبرأ إلا أن تقوم بينة أن الذي عليه الأصل قد دفع المال إليه، أو يأتي الوكيل بالمال. قال: وقال مالك: لا يبرأ إلا أن يكون وكيلا، يشتري ويبيع ويقبض، ذلك مفوض إليه، فهو مصدق. وإنما الذي لا يصدق أن يوكله ليقبض له مالا على أحد فقط.

في الوصي يدعي أنه قبض دين الميت
في الوصي أنه قبض دين الميت
قلت: أرأيت لو أن رجلا أوصى إلى رجل، وللميت على الناس دين، فقال الوصي للغرماء: قد برئتم إلي من المال، وقد قبضت المال، ثم كبر اليتامى فقالوا للغرماء: سلموا ما دفعتم من المال، أيبرأ الغرماء من الدين بقول الوصي؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: وأخبرني ابن أبي حازم، أن ابن هرمز سئل عن رجل، أوصى إليه رجل وله ديون على الناس، فتقاضى الوصي من الغرماء فقالوا: قد دفعناها إليك وأنكر وأراد الغرماء أن يحلفوه. قال لهم: أن يحلفوه، فإن نكل عن اليمين ضمن المال وذلك رأيي فإن أقر الوصي بالقبض سقط الدين عن الغرماء. قال: وسألت مالكا عنها فقال: إن كان الشيء اليسير، فالوصي ضامن إن نكل عن اليمين. فأما إذا كثر المال، قال مالك: لا أدري. قال ابن القاسم: ورأيي مثل قول ابن هرمز، كل ذلك عندي سواء كثر أو قل. فإن لم يحلف ضمن قلت: لم هرب مالك؟ فقال: لا أدري إذا كثر المال؟ قال: خوفا من أن يبطل أموال اليتامى، قال: وخوفا من أن يضمن الوصي؛ لأنه أمين لهم، فوقف عنها وقال لا أدري. قلت: ففي مسألتي، إذا قال: قد قبضت فسقط الدين عن الغرماء بقوله، أرأيت إن قال مع ذلك قد قبضته من الغرماء وضاع، أيصدق؟ قال: نعم.

في الوصي يدفع إلى غرماء الميت ديونهم بغير بينة
قلت: أرأيت إن أوصى رجل إلى رجل وعليه للناس ديون، فباع الوصي تركته وأوفى الغرماء مالهم على الميت بغير بينة، فجحدوه ما قبضوا وطلبوا دينهم، والوصي يقول قد قضيتكم، أيضمن الوصي؛ لأنه دفع بغير بينة؟ قال: إن لم يقم الوصي البينة

في اليتيم يحتلم فيبيع ويشتري أو يهب أو يتصدف أو يعتق ولم يؤنس منه الرشد
في اليتيم يحتلم فيبيع ويشتري أو يهب أو يتصدق أو يعتق ولم يؤنس منه الرشد
قلت: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ} [النساء: 6] قال: قال مالك: لو خضب بالحناء ولم يؤنس منه الرشد، لم يدفع إليه ماله ولم يجز له في ماله بيع ولا شراء ولا هبة ولا صدقة ولا عتق، حتى يؤنس منه الرشد وما وهب أو تصدق أو أعطى قبل أن يؤنس منه الرشد، ثم أنس منه الرشد فدفع إليه ماله، قال مالك: لا يلزمه ذلك العتق ولا تلك الصدقة ولا تلك الهبة بقضاء، ولكنه إن فعل ذلك من عند نفسه، فأجاز ما كان صنع فذلك جائز. قال: وأنا أرى الصدقة والهبة لغير الثواب، بمنزلة العتق في هذا استحب له أن يمضيه، ولا أجبره في القضاء على ذلك. يونس بن يزيد أنه سأل ربيعة عن عبد الرحمن: ما صفة السفيه؟ وما يجوز عليه من نكاح أو غيره؟ قال: الذي لا يثمر ماله في بيعه ولا ابتياعه، ولا يمنع نفسه لذتها وإن كان سرفا لا يبلغه قوامه ويسقط في المال سقوط من لا يعد المال شيئا، وهو الذي لا يرى له عقل في ماله. قال يونس: قال ابن شهاب: يجوز طلاقه ولا يجوز نكاحه إلا بإذن وليه. وأخبرني ابن أبي ذئب أن سفيها طلق امرأته، وأراد أن يأخذ ماله، وكان القاسم بن محمد وليه، فأجاز القاسم عليه الطلاق ومنعه ماله. قال يونس: عن ربيعة أما العتاقة فلا تجوز، إلا أن يكون ولدت منه السرية. وذلك أن السفيه يولى عليه ماله ومن ولي عليه ماله فلا عتاقة له ولا بيع ولا هبة. وأما كل شيء ليس للسفيه منه إلا المتعة، من زوجة أو أم ولد، فرأي السفيه فيه جائز، طلاقه جائز، وعتقه أم ولده جائز.

فيما وهب للمحجور وما استفاد هل يحجر عليه
قلت: أرأيت ما وهب للمحجور عليه من مال أيدخل ذلك المال في مال المحجور عليه فيه؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: لو أن سفيها تجر فأصاب مالا، يحجر

في اشتراء المحجور طعامه وما يصلحه
قلت: أرأيت المحجور عليه، هل يجوز له أن يشتري اللحم بالدرهم والبقل والخبز لبنيه أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأراه جائزا أن يشتري هذا ومثله؛ لأنه يسير وهو يدفع إليه نفقته فيشتري بها ما يصلحه.

في استئجار العبد بغير إذن مولاه وأم الولد والمرأة بغير إذن زوجها
قلت: أرأيت أم الولد إذا أرادت أن تتجر، فمنعها السيد من ذلك، أيكون ذلك للسيد أم لا؟ قال: ذلك للسيد عند مالك؛ لأن مالكا قال: أن ينزع مال أم ولده، فلما كان له أن ينزع مالها، كان له أن يمنعها من التجارة. قلت: أرأيت امرأة رجل أرادت أن تتجر، ألزوجها أن يمنعها من ذلك؟ قال مالك: ليس له أن يمنعها من التجارة، ولكن له أن يمنعها من الخروج.

في الوصي يدفع إلى المولى عليه مالاً يتجر به
في الوصي يدفع إليه المولى عليه مالا يتجر به
وسألت مالكا عن الوصي يحتلم الغلام الذي قد أوصي به إليه، ويرى منه بعض ما يريد أن يختبره به في حالاته فيدفع إليه الخمسين الدينار أو الستين الدينار ليتجر بها فيرهقه في ذلك دين، أترى ذلك الدين عليه؟ قال: قال مالك: لا أرى أن يتبع المولى عليه بشيء من ذلك الدين الذي لحقه، لا مما في يديه من الستين الدينار التي أعطاه وصيه يتجر بها ولا في ماله الذي في يد الوصي. قال: فقيل له يا أبا عبد الله إنه قد أمكنه وصيه من بعض ماله ودفعه إليه، وأمره أن يتجر بها وأذن له أن يتاجر الناس بها. قال مالك: هو مولى عليه حيث لم يدفع إليه ماله، وليس ذلك الإذن بإذن. قال ابن القاسم: والعبد مخالف لهذا، لو أن السيد دفع إليه مالا ليتجر به كان مأذونا ولا يشبه الوصي. قال سحنون: وقال غيره في اليتيم: إنه يلحق الدين المال الذي في يديه الذي أعطاه وليه يختبره به.

في الوصي يأذن للصبي بالتجارة إذا كان يعقل التجارة
قلت: أرأيت الصبي إذا كان يعقل التجارة، فأذن له أبوه أو وصيه في التجارة، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا أرى ذلك جائزا؛ لأن الصبي مولى عليه، فإذا كان مولى عليه، فلا أرى الإذن له في التجارة إذنا. قلت: لم لا يجوز عليه الشراء والبيع إذا أذن له وليه، والعبد المحجور مولى عليه فإذا أذن له سيده جاز ذلك عليه؟ قال: لأن العبد ليس بسفيه، إلا أن ملكه بيد غيره فإنما منع التجارة؛ لأن ملكه بيد غيره، كما يمنع النكاح وغير ذلك من الأشياء. فإذا أذن له سيده جاز عليه. والصبي ليس ملكه بيد أحد. ولقد سئل مالك عن يتيم قد بلغ واحتلم، لا يعلم منه وليه إلا خيرا، فأعطاه ذهبا بعد احتلامه ليختبره وأذن له في التجارة ليختبره بذلك أو يعرف ، فداين الناس فرهقه دين قال مالك: لا أرى أن يعدى عليه في شيء من ماله. لا ما في يديه ولا ما في غير ذلك. قال: فقيل لمالك: إنه قد أمكنه وأذن له في التجارة، أفلا يكون ذلك على ما في يديه؟ قال: لا، لم يدفع إليه ماله، المال محجوب عنه، وإن كان دفعه إليه ليختبره فهو محجور عليه، فالصبي إذا أذن له في التجارة عنده أضعف شأنا من هذا.

فيمن دفع إلى عبد محجور عليه أو إلى يتيم محجور عليه مالاً ليتجر به للرجل الدافع
قلت: أرأيت إن دفعت إلى عبد رجل أجنبي محجور عليه مالا وأمرته أن يتجر لي به، أو إلى يتيم محجور عليه ففعل ثم لحق العبد دين، أو اليتيم أيكون ذلك في ذمتهما؟ قال: قال مالك: إنه لا يكون ذلك في ذمتهما. قلت: ويكون ذلك في المال الذي دفعت إليهما؟ قال: نعم، يكون ذلك في المال الذي دفع إليهما يتجران به ولا يكون ذلك إلا في ذلك المال. فما زاد على ذلك المال فهو باطل، لا يكون في ذمتهما، ولا في مال من دفع إليهما المال، ولا ذمة من دفع إليهما المال وأمرهما أن يتجرا به إلا أن يكون مالا لليتيم دفعه إليه وصيه ليختبره به، فرهقه دين، فلا يكون على اليتيم مما في يديه مما دفع إليه ليختبر به، ولا فيما في يدي وصيه من ذلك الدين قليل ولا كثير. قال: فقلت لمالك: إنه قد دفعه إليه ليختبره وليتجر به. قال: لم يؤمن على ماله وهو مولى عليه، فلا أرى ذلك يلزمه، لا فيما في يديه مما اختبره به، ولا في ماله الذي في يدي وصيه ولا في ذمته. قال: وهذا قول مالك.

في الحجر على المولى عليه
قلت: أرأيت الذي يحجر عليه من الأحرار ممن لا يحجر عليه، من هم؟ صفهم

في رجل دفع إلى رجل مالاً فقال المدفوع إليه كانت لي عليه سلفاً وقال الدافع إليه بل أسلفتها إياك
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: ادفع إلى فلان ألف درهم عني أو لم يقل عني فدفعها كما أمره، ثم جاء يطلبه بها فقال الآمر: كانت لي عليك دينا، وقال المأمور: لم يكن لك علي شيء، ولكني دفعتها سلفا عنك؟ قال: القول قول المأمور. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: هذا رأيي والله أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب التفليس

في الرجل يقوم عليه بعض غرمائه بتفليسه
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن كان لرجل على رجل مال، فقام عليه فأراد أن يفلسه؟ قال: ذلك له عند مالك. قلت: فإن قال الذي عليه الدين: إن علي أموالا لقوم غيب؟ قال: لا يصدق إذا لم يكن أقر بذلك قبل التفليس، فإن كان أقر بذلك بعد التفليس لم يصدق إلا ببينة، فإن قامت له البينة بما قال عزل حظ الغيب من ماله، ولم يأخذ هذا الحاضر من مال هذا الغريم، إلا قدر المحاصة أو يكون قد أقر له قبل التفليس فيلزمه ذلك ويحاص به المقر له. قال: وسألت مالكا عن الرجل يفلس، فيقوم عليه غرماؤه فتباع أمواله، ثم يقتسمون بالحصص، ثم يأتي غريم لم يحاصهم، كيف يرجع عليهم؟ قال: يرجع عليهم بقدر حقه، ومن وجد منهم غنيا أخذ منهم بقدر ذلك، ومن وجد منهم عديما ولا شيء عنده لم يكن له أن يأخذ من هذا الغني إلا ما أخذ منه مما يصيبه واتبع هذا المفلس في ذمته، والموت والتفليس في هذا بمنزلة واحدة.
قلت: والواحد إذا قام بالتفليس كان ذلك له؟ قال: لم أسمع مالكا يقول في الرجل الواحد إذا قام أنه يفلس له، ولكن الرجل الواحد عندي والجماعة بمنزلة سواء، أنه يفلس له ابن وهب وقال مالك بن أنس، في الذي يغيب في بعض المخارج فيهلك، فيأتي رجل بذكر حق على الميت، فيريد أخذه ويقول الورثة: نخشى أن يكون عليه دين سوى هذا، قال: إن كان الميت رجلا ليس معروفا بالدين، قضى هذا حقه ولم ينتظر به. وإن كان ممن يعد مديانا في ظاهر معرفة الناس، ويخاف كثرة دينه، لم يعجل بقضاء هذا حتى يستبرأ أمره. قال عبد الرحمن وغيره من الرواة: إذا قام به رجل، أوقف وضرب على يديه واستقصى أمره، ثم يباع له ماله، وهو والميت سواء إذا كان معروفا بالدين لم

يعجل بقضاء من حضر، وأوقف حتى يستبرأ أمره، ويجتمع أهل دينه، أو يعرفوا فيضرب لهم بحقوقهم، فهذا أعدل روايتهم عن مالك. قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان معه في المصر غرماء له، ففلس هذا المديان بعض غرمائه ولم يقم عليه من بقي من الغرماء، وهم في المصر قد علموا به حين فلس، فقاموا بعد ذلك على الذين اقتضوا حقوقهم، أيكون لهم أن يتبعوهم فيحاصوهم في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكن مالكا قال في الرجل يعتق عبده، وعليه دين يغترق ماله، فلا يقوم عليه الغرماء إلا بعد ذلك وقد علموا بالعتق، فلم يقوموا عليه حين أعتق، فإنه لا يرد لهم العتق بعد ذلك؛ لأنهم تركوا القيام عليه حين أعتق عبده وقد علموا بذلك، وكذلك مسألتك؛ لأنهم حين تركوا أن يقوموا عليه عندما فلس وهم حضور، وقد علموا بالتفليس، فقد رضوا أن يكون حقهم في ذمة الغريم في المستقبل، ورضوا أن يتركوا المحاصة مع هؤلاء الذين أخذوا المال. قال سحنون: وقد قيل إنه يوقف لهم حقوقهم؛ لأنه قد ضرب على يديه ووقف ليقسم ماله، والحاضر والغائب سواء، إلا أن يتبين من الحاضر أنه تارك لحقه في ذمة الغريم، وراض باقتضاء هؤلاء حقوقهم.

في المفلس يقر بالدين لرجل
قلت: أرأيت لو كان على رجل دين في الصحة، ببينة أو بإقرار منه، ثم أقر في مرضه بدين لوارث أو لغير وارث، أيتحاصون في ماله؟ قال: إن أقر في مرضه بدين لوارث، أو لذي قرابة أو لصديق ملاطف، لم يقبل قوله إلا ببينة، وإن كان إنما أقر في مرضه لأجنبي من الناس، فإنه يحاص الغرماء الذين ديونهم ببينة والذين أقر لهم في الصحة، وهو قول مالك. ولو فلس، ولقوم عليه حق ببينة ثم أقر بعد التفليس بدين لم يقبل إقراره إلا أن تكون لهم بينة، ولو أقر لقوم قبل التفليس تحاص الذين لهم عليه الدين ببينة.
قلت: أرأيت إن قام عليه الغرماء ففلسوه، فأقر لرجل بمائة دينار ولا يعلم ذلك إلا بقوله. قال: إذا لم يكن له بينة، أو يكون إقراره هذا قبل التفليس، فلا شيء للذي أقر له بالدين إلا أن تكون له بينة. قلت: ويتحاص أهل الدين في ماله هذا دون المقر له؟ قال: نعم. قلت وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: فإن أفاد بعد ذلك مالا وقد بقي لأهل الديون بقية من دينهم أيضرب المقر له معهم؛ لأنه ليس له ههنا موضع تهمة، إنما كانت التهمة في المال الأول؟ قلت: فإن أفاد مالا بعدما فلسوه، فلم يقم الغرماء ولا هذا المقر له على ما أفاد من المال، حتى أقر لرجل آخر بدين، أيجوز إقراره له بالدين أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى إقراره لهذا بالدين بعد التفليس جائزا، إذا أقر قبل أن يقوم الغرماء

الأولون الذين لهم الدين ببينة، والذين أقر لهم المفلس أولا على ما في يديه فيفلسونه ثانية، فأرى أن هذا الآخر الذي أقر له بعد التفليس، أولى بما في يديه من الغرماء الأولين؛ لأن ما في يديه مال حادث. قال سحنون: وذلك إذا كان قد عومل بعد التفليس الأول وباع واشترى وقد قال مالك في المفلس إذا داين الناس بعد التفليس، ثم فلس ثانية فالذين داينوه بعد التفليس أولى بما في يديه من الغرماء الأولين؛ لأن هذا مالهم. فإقراره فيما أفاد بعدما فلس بدين فذلك جائز عليه، بمنزلة ما يثبت بالبينة، وإن كان ما أفاد من المال بعد التفليس، من صلة أو ميراث أو جناية جنيت عليه، ضرب أهل التفليس الأول بما بقي لهم، ومن أقر لهم في المال المفاد. قلت: فلم أجزت إقراره وأنت لا تجيز هبته ولا صدقته؟ قال: ألا ترى أن الرجل المديان ما لم يفلس، لو تصدق أو وهب أو أعتق لم يجز ذلك في قول مالك؟ وإن أقر لرجل بدين وعليه دين ببينة، فإقراره جائز. وكذلك قال مالك فيما أقر به قبل التفليس ما لم يفلس. فكذلك إذا فلس، ثم أقر بدين لرجل بعد التفليس قبل أن يفلس الثانية فإقراره جائز، بمنزلة ما لو كان ببينة. ولا تجوز صدقته ولا هبته ولا عتقه وهو بحال ما وصفت لك من الرجل المديان إذا كان لا وفاء له.
قلت: أرأيت إذا سجنه السلطان فأقر في السجن بدين لرجل، أيجوز إقراره في قول مالك؟ قال: إذا صنع به غرماؤه هذا، ورفعوه إلى السلطان وقاموا عليه حتى سجنوه، فهذا وجه التفليس، ولا يجوز إقراره بالدين؛ لأن مالكا قال: إذا فلس فلا يجوز إقراره بالدين. قال: وكذلك قال مالك: إذا قام غرماؤه عليه على وجه التفليس، فلا يجوز إقراره بالدين، إلا أن تقوم بينة لمن أقر له بالدين. قلت: ويبيع السلطان ما ظهر له من مال إذا رفع إليه أمره، فتتوزع الغرماء فيما بينهم بالحصص، ويسجنه في الذي بقي عليه من أموالهم، إذا عرف منه وجه الإلداد الذي وصفت لي في قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن وهب: وأخبرني إسماعيل بن عياش قال: كان إبراهيم النخعي يقول في الحر يفلس: إنه لا يجوز له بيع ولا عتاقة ولا صدقة ولا اعتراف بدين ولا بشيء يفعله. وقال الليث بن سعد مثله. قال إسماعيل بن عياش: كان شريح يقضي به. وقال الليث بن سعد: وإن قضى بعض غرمائه وترك بعضا جاز له، وإن رهن رهنا جاز له ذلك ما لم يقم به غرماؤه. وكان ابن أبي سلمة يقول بقول مالك الأول، وقول مالك الأول إذا تبين فلسه ولم يقم به غرماؤه، فليس له أن يقضي بعض غرمائه ولا يرهنه.

في الرجل يفلس وبعض غرمائه غيب
قلت: أرأيت إذا فلس الرجل ولقوم غيب عليه دين أيعزل القاضي أنصباءهم أم لا في

قول مالك؟ قال: نعم، يعزل القاضي أنصباءهم عند مالك. قلت: فإن ضاع أنصباء الغيب بعدما عزلها القاضي لهم، كان ضياعها منهم؟ قال: قال مالك: نعم. قال: وقال مالك: ولو كان له غريم لم يعلم به، ثم قدم، رجع عليهم جميعا بقدر حصته، فأخذ من كل واحد منهم بقدر الذي أخذ من نصيبه الذي يصير له في المحاصة. وتفسير ذلك: لو أن رجلا أفلسه رجلان، لكل واحد منهما عليه مائة درهم، ولرجل غائب عليه مائة درهم أيضا، ولم يعلم بالغائب. ففلسوا هذا الغريم، فلم يجدوا له إلا مائة درهم، فقسمت المائة بين هذين الرجلين، فأخذ هذا خمسين وهذا خمسين، ثم قدم الغائب وأثبت دينه، فإنه يصير له في المحاصة من المائة ثلاثة وثلاثون وثلث درهم، وقد أخذ كل واحد منهما خمسين، فقد أخذ صاحباه فضلا على حقه سبعة عشر إلا ثلث درهم، فيصير له على كل واحد سبعة عشر إلا ثلث درهم. فيقال لهما: ادفعا إليه كل واحد منكما سبعة عشر درهما إلا ثلث درهم ما استفضلتماه به، وهو مقدار حصته في المحاصة. فإن أصاب أحدهما عديما، لم يكن له قبل هذا الذي أصاب مليا، إلا سبعة عشر درهما غير ثلث؛ لأن بقية حقه إنما أتلفه الآخر، ويكون ذلك دينا على الذي أتلفه يتبعه به، وهو قول مالك. وقال ابن القاسم في الرجل يمرض فيقر في مرضه بدين لأجنبي، وبدين لابن له، وقد ترك بنين سواه وترك مائة دينار، فأقر أن للأجنبي عليه مائة دينار، ولابنه عليه مائة دينار، ولا مال له غير المائة، قال: الابن والأجنبي يتحاصان في المائة الدينار، فما صار للأجنبي أخذه، وما صار للوارث، فإن أجازه له الورثة كان أولى به، وإلا كان ميراثا بينهم. وإنما يحاص الوارث الأجنبي من قبل أنه لا تهمة في إقراره للوارث حين لم يترك إلا المائة؛ لأنه لو شاء أن لا يقر للأجنبي لفعل، فليس للأجنبي ههنا حجة على الميت أن يقول: أقر عني بالمائة، وإنما الحجة له أن لو كان دينه ببينة، فأدخل عليه من يتهم عليه، فيكون له حينئذ حجة وهو الذي سمعت من قول مالك.

في المفلس يريد بعض غرمائه حبسه وتفليسه ويأبى بعضهم
قلت: أرأيت إن قال بعضهم: نحن نسجنه، وقال بعضهم: نحن لا نسجنه، ولكنا نحبسه بطلب الفضل حتى يقضينا حقوقنا؟ قال: إذا تبين الإلداد للسلطان، وطلب واحد من الغرماء أن يحبسه له سجنه، فإن شاء أولئك الذين لم يريدوا أن يحبسوه، أن يقوموا على حقوقهم فيحاصوا هذا الغريم الذي حبسه في مال المحبوس المطلوب فذلك لهم، وإن شاءوا أخذوه، وإن شاءوا أقروه في يدي المطلوب، ولا يكون للغريم الذي سجنه وأخذ حقه أن يأخذ هذا الذي رده أصحابه في يد المطلوب وأقروه، إلا أن يفيد مالا غيره، أو يكون فيه ربح فيأخذ حقه من ذلك ويكون هو وهم في ذلك المال الذي يفيده أسوة فيما بقي من

دينهم. قلت: وهذا قول مالك كله؟ قال: هو قوله لي إلا قولي لك: أو يربح فيما أقر في يديه، فإنه رأيي. قلت: أرأيت الذي ذكرت من المحبوس في الدين، إذا طلبه واحد من الغرماء بحقه فسجنه وقال بقية الغرماء: نحن نخليه؟ قال: يحاصون هذا الغريم الذي سجنه إن أحبوا، ثم إن أرادوا ردوا ما صار لهم في المحاصة في يد المطلوب، فكان في يديه. ولم يكن للغريم الذي لم يرد إليه ما اقتضى من حقه من هذا الذي رده هؤلاء على المطلوب شيء إلا أن يفيد مالا.
قلت: أرأيت إذا أفاد مالا، والذي رد الغرماء عليه قائم في يده، فأراد الذي لم يرد عليه شيئا أن يقتضي حقه مما أفاد؟ قال: يقتضي حقه مما أفاد، ولا يقتضي ما رد عليه أصحابه شيئا، ويحاصه أصحابه في الذي أفاده المطلوب. قلت: أفيحسب عليهم هذا الغريم الذي لم يرد على المطلوب ما في يد الغريم المطلوب من دينهم الذي أخذوه وردوه إليه، ثم يحاصهم بما بقي لهم بعد ذلك في هذا الذي أفاد هذا المطلوب إن كان هذا الذي ردوا قائما بعينه؟ قال: نعم، كذلك هؤلاء يحاسبونه بما ردوا إليه، فإن كان ذلك نصف حقوقهم وكان كفافا اليوم، لما ردوا إليه ذلك اليوم؛ لأن ردهم إليه المال الذي أخذوا منه، كأنه بيع حادث بايعوه فينظر إلى مبلغ الذي ردوا ما هو اليوم من حقوقهم التي ردوا، فإن كان أقل، ضربوا بما نقص وبما بقي لهم قبل ذلك في هذه الفائدة. سحنون: ويحاصهم الأول الذي لم يرد إليه شيئا في ذلك بما بقي له من دينه الأول، وكذلك لو ذهب ما ردوا إليه جميعه، ثم أفاد مالا حاصوا الذي لم يرد إليه شيئا في هذه الفائدة بجميع دينهم، ويضربون هم فيها بجميع دينهم ما ردوا إليه وما بقي لهم قبل ذلك، ويضرب فيها الذي لم يرد إلى المطلوب شيئا بما بقي من جميع دينه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قال: قال مالك: من أراد أن يقر حقه في يد المفلس أقره، ومن شاء أن يأخذه أخذه. قال مالك: وليس للذين اقتضوا أن يرجعوا فيما ترك هؤلاء في يد المفلس مما حاصوهم؛ لأنه بمنزلة ما داينوه بعد التفليس. ألا ترى لو أن مفلسا داينه قوم بعد التفليس، أن الذين داينوه بعد التفليس أولى بما في يديه من الذين فلسوه، إلا أن يكون فيما في يديه فضل عن حقوق الذين داينوه بعد التفليس الأول؟ فكذلك الذين ردوه إليه حصصهم أحق بما في يديه حتى يقبضوا ما ردوا إليه، إلا أن يفضل فضله فيتحاص فيها من لم يرد ومن رد بما بقي لهم عند التفليس الأول. ومما يبين لك ذلك، لو أن ما رد الذين ردوا على المفلس نقص، ذلك بعدما ردوه إليه، حاصوا الغرماء بما نقص مما ردوا بما بقي لهم من حقوقهم في المحاصة الأولى في فائدة، إن كانت من هبة أو صدقة أو ميراث، والهبة والصدقة والجناية والميراث في هذا بمنزلة واحدة سواء. قال: وما كان من فائدة، فالذين فلسوه والذين داينوه في ذلك أسوة الغرماء

فيما لهم عليه من الدين. قال: وهذا قول مالك. فهذا أيضا يدلك على ذلك كله.
قلت: أرأيت إن تجر المفلس في المال الذي رده عليه غرماؤه وربح فيه، أيكون هذا الربح بمنزلة الفائدة، يشرع فيه جميع الغرماء؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: ما داينه الآخرون بعد الأولين، فالآخرون أولى به إلا أن يفضل من دينهم فضلة، فيكون الأولون والآخرون يتحاصون فيه بقدر ديونهم، فما أقر هؤلاء في يديه بمنزلة ما لو داينه غيرهم بعد التفليس، وما بقي في يديه بعد الذي أقروا في يديه فهو بمنزلة ما لو فضل في يديه، بعد مداينة هؤلاء الذين داينوه بعد التفليس. قلت: وإنما ينظر إلى ما بقي في يديه فيقيمه قيمة إن كان عروضا، فما كان فيه من فضل عن الدين الذي تركوا في يديه، فذلك لفضل الذي يشرع فيه الغرماء بما بقي لهم يوم فلسه هؤلاء جميعا في قول مالك؟ قال: نعم. وحدثنا سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن معاذ بن جبل وهو أحد قوم بني سلمة كثر دينه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماءه على أن خلع لهم ماله1 . ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية ويزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب قال: مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاذ بن جبل بأن خلعه من ماله ولم يأمره ببيعه1، في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. ابن وهب عن عمرو بن الحارث والليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا عليه" ، فتصدق عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" 2 . قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه، أن الحر إذا أفلس لا يؤاجر، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] مالك وعبد الله بن عمرو عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني عن أبيه: أن رجلا من جهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل، فيغلي ثم يسرع السير فيسبق الحاج، فأفلس. فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقام عمر فقال: أما بعد أيها الناس، فإن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال له سبق الحاج. ألا وإنه قد كان معرضا فأصبح قد دين به، فمن كان له عليه حق فليأتنا بالغداة حتى نقسم ماله بين غرمائه بالغداة. ثم إياكم والدين فإن أوله هم وآخره حزن. سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز قضى في رجل غرق في دين، أن يقسم ماله بين الغرماء ويترك حتى يرزقه الله. الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد مثل ذلك.
حدثنا سحنون عن ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال: إذا فلس الرجل
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 25.
2 رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث 18. أبو داود في كتاب البيوع باب 58. الترمذي في كتاب الزكاة باب 24. النسائي في كتاب البيوع باب 30، 95. ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 25. أحمد في مسنده [3/ 36، 58].

وتحاص غرماؤه ماله، فمن بايعه بعد ذلك فإنما بايعه في غير أموال الغرماء الذين فلسوه، وإنما بايعوه في ذمته وفيما يستقبل من رزق الله وإفادته، فإن أعدم الثانية، فالذين بايعوه بعد عدمه الأول، أحق بماله فيتحاصون فيه دون الغرماء الأولين، إلا أن يكون عقل في ذمة أو ميراث ورثة فأما كل عمل أداره أو كان مما رجعت به الأرزاق عليه، فهو للذين بايعوه بعد عدمه؛ لأن ذلك لهم خاصة لما خرجت فيه أموالهم؛ لأنه لم يكن يستطيع أن يبلغ في الناس إلا بمعايشة من عايشه ومداينة من داينه وابتغائه الرزق من ربه بالإدارة والتجارة. فأما الذين يفلسون غريمهم، فإن حقوقهم تدخل في فضول إن كانت بيديه بعد قضاء حقوق الآخرين.

في الرجل يفلس ولغلامه عليه دين
قلت: أرأيت لو أن رجلا عليه دين ولغلامه عليه دين، وليس على العبد دين، فقام الغرماء عليه ففلسوه، أيضرب العبد مع الغرماء بدينه؟ قال: لا؛ لأن العبد يباع في دين السيد، فلا يضرب مع الغرماء وسيده أحق بماله منه؛ لأن ماله له، ألا ترى الحديث الذي جاء "من باع عبدا وله مال فماله للبائع, إلا أن يشترطه المبتاع" . قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك.

في الرجل يفلس ولعبده عليه دين وعلى العبد دين لأجنبي أيضرب مع الغرماء
قلت: أرأيت إن كان لي عبد له علي دين وعلى عبدي دين لأجنبي، فقامت غرمائي علي ففلسوني، أيضرب عبدي مع غرمائي بدينه الذي له علي؟ قال: نعم ويكون غرماء العبد أولى بما ضرب به العبد وبما بقي في يديه من مال حتى يستوفوا حقوقهم، ويكون رقبة العبد لغرماء السيد حتى تباع لهم في ذلك ويكون ما بقي على العبد من دين في ذمته. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قوله. قلت: أرأيت إن ارتهنت جارية من رجل، قيمتها خمسمائة بخمسمائة درهم أسلفتها إياه، ثم جاءني بعد ذلك فقال: أسلفني خمسمائة درهم أخرى؟ قلت: لا، إلا أن ترهنني جاريتك فلانة الأخرى بجميع الألف وقيمتها ألف درهم؟ قال مالك: لا خير فيه؛ لأنه سلف جر منفعة، ألا ترى أنه أقرضه على أن زاده في سلفه الأول ذهبا؟ قلت: وكذلك، وأن رجلا أتى إلى رجل له عليه دين فقال له: أنا أقرضك أيضا، على أن ترهنني رهنا بجميع حقي الأول والآخر، قال: قال مالك: لا خير فيه.

في الرجل يرهن رهنين بسلفين مختلفين أحدهما بالسلف الأول والآخر بالسلف الأول والثاني
قلت: أرأيت الرجل يرهن رهنين من سلفين مختلفين، أحدهما بالسلف الأول والآخر بالسلف الأول والثاني فوقع هذا؟ قلت: أرأيت إن وقع هذا بحال ما وصفت لك فاسدا، جهلوا ذلك حتى قامت الغرماء، ففلسوا المستسلف أو مات فقامت الغرماء، أيكون هذا الرهن الثاني الذي كان فاسدا رهنا أم لا ويكون المرتهن أولى به حتى يستوفي حقه في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن لا أراه رهنا إلا بالسلف الآخر، ولا يكون الرهن في شيء من السلف الأول؛ لأنه سلف جر منفعة. وقال أشهب مثله.

في الرجل يجني جناية فيرهن فيها رهنا ثم يفلس
قلت: أرأيت إن جنى رجل على رجل جناية لا تحملها العاقلة، فرهنه بتلك الجناية رهنا وعليه دين يحيط بماله، وهذا قبل أن تقوم عليه الغرماء، فقامت عليه الغرماء ففلسوه، فقالت الغرماء: إن هذا الرهن الذي رهنته من صاحب الجناية، إنما هو أموالنا وإنما دين صاحب الجناية من غير بيع ولا شراء ولا قرض، ولا يكون له الرهن دوننا، ونحن أولى به، فهل تحفظ من مالك فيه شيئا؟ قال: قال مالك في الرجل يجني جناية لا تحملها العاقلة، ثم يقوم الغرماء عليه فيفلسونه: إن صاحب الجناية يضرب بدينه مع الغرماء، فأي الرهن جائز للمرتهن المجني عليه على مثل هذا القول.

في المفلس يكون عليه دين حال ودين إلى أجل
قلت: أرأيت المفلس إذا كانت عليه ديون إلى أجل وعليه ديون قد حلت، ففلسه الذين حلت ديونهم، أيكون للذين لم تحل ديونهم عليه أن يدخلوا في قول مالك؟ قال: نعم، ولكن ما كان للمفلس من دين إلى أجل على الناس فهو إلى أجله. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت المفلس إذا كانت عليه ديون للناس إلى أجل، أتحل إذا فلس في قول مالك أم لا؟ قال: إذا فلس فقد حلت ديونهم في قول مالك. قلت: أرأيت إن فلس هذا المفلس، وله ديون على الناس، أتباع ديونه الساعة نقدا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أفلا ينتظر به ويتلوم له حتى يقبض دينه ويوفيهم؟ قال: قد حل دين الغرماء، فذلك إلى الغرماء إن شاءوا أخروا وإن شاءوا لم يؤخروا. قال ابن وهب: وقال مالك بن أنس: من مات أو فلس فقد حل دينه وإن كان إلى أجل. قال ابن وهب: وأخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثله. قال ابن وهب: وأخبرني

في الرجل يفلس وله زرع مرهون
قال عبد الرحمن بن القاسم: ولو فلس رجل أو مات وقد ارتهن منه رجل زرعا لم يبد صلاحه، قال: يحاص الغرماء بجميع دينه في مال المفلس أو الميت واستؤني بالزرع. فإذا حل بيعه، بيع ونظر إلى قدر الدين وثمن الزرع. فإن كان كفافا رد ما أخذ في المحاصة وكان بين الغرماء، وكان له ثمن الزرع إذا كان كفافا، فإن كان فيه فضل، رد الفضل مع الذي أخذ في المحاصة فكان بين الغرماء، وإن كان ثمن الزرع لا يبلغ دينه، نظر إلى ما بقي من دينه بعد مبلغ ثمن الزرع وإلى دين الميت أو المفلس، فضرب به مع الغرماء في جميع مال المفلس أو الميت، من أوله فيما صار في يديه وأيدي الغرماء. فما كان له في المحاصة أخذه ورد ما بقي فصار بين الغرماء بالحصص.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله فيما بلغني.

في المفلس يريد أن يتزوج بعدما فلس
قلت: أرأيت المفلس، أيكون له أن يتزوج بعدما فلسوه قال: أما في المال الذي فلسوه فيه، فلا يكون له أن يتزوج فيه وأما فيما يفيد بعد ذلك فله أن يتزوج فيه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

في الموهوب له يفلس والهبة قد تغيرت في يديه بنماء أو نقصان
قلت: أرأيت إن وهبت هبة للثواب فتغيرت الهبة في يد الموهوب له بزيادة بدن أو نقصان، ففلس الرجل والهبة عنده فقام عليه الواهب فقال: أنا أولى بهبتي؟ قال: ذلك له في قول مالك بن أنس، إلا أن يرضى الغرماء أن يعطوه قيمة الهبة فيكونون أولى بها.

فيمن باع سلعة من رجل فمات المشتري فوجد البائع سلعته بعينها ولم يدع الميت مالاً سواها
قلت: أرأيت من مات وعليه دين وقد اشترى سلعة وهي قائمة بعينها أيكون الغرماء، وهذا الرجل الذي باع السلعة أسوة الغرماء في هذه السلعة إذا لم يدع الميت

في الرجل يبتاع الجارية أو الشاة من الرجل فتلد أولاداً ثم تموت الأم ويفلس المشتري
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع من رجل جارية، فولدت عنده أولادا فماتت الأم ثم أفلس الرجل؟ قال مالك: إن أحب أن يأخذ ولدها بجميع ماله كان له ذلك، وإن أبى أسلمهم وكانوا أسوة الغرماء، فإن أراد أخذهم فقالت الغرماء: نحن نؤدي الدين الذي لك عليه من ثمن هذه الجارية كله ونأخذ الولد فذلك لهم.
قلت: أرأيت إن بعت من رجل غنما فولدت عنده أولادا، أو حلبها فاتخذ سمونها وجبنها وجز أصوافها ثم أفلس. فجاء صاحب الغنم البائع فقال: أنا آخذها وما جز من أصوافها وما أخذ من لبنها، وآخذ أولادها؟ قال: قول مالك: إن أصوافها وألبانها غلة ليس للبائع من ذلك شيء، وأما أولادها فله أن يأخذها مع الأمهات؛ لأن مالكا قال في الزكاة: إن أصواف الغنم فائدة. قال ابن القاسم: وأولادها عند مالك ليست بفائدة، وهي مثل رقاب الأمهات. ألا ترى لو أن رجلا اشترى وليدة فولدت عنده، ثم أصاب بها عيبا ردها وولدها، وما استغل منها لم يكن عليه أن يرده؟ ولو أنه آجرها ترضع فأخذ لذلك أجرا؛ لم يكن عليه أن يرده معها إذا أصاب بها عيبا فاللبن في جميع ما وصفت لك والصوف فائدة، إلا ما كان على ظهور الغنم إذا كان الصوف قد تم على ظهورها يوم اشتراها. وكذلك الثمرة تكون في رءوس النخل حين يشتري النخل قد أبر، فيوجد بالنخل عيب فيريد ردها وقد جد الثمرة، فليس له أن يرد النخل دون الثمرة. قال سحنون: وقال أشهب في النخل إذا جد الثمرة؛ فهي غلة وليس عليه ردها، وقال: الصوف كذلك.

في المساقي والراعي والصناع يفلس من استعملهم
قال: وقال مالك: كل من استؤجر في زرع أو نخل أو أصل يسقيه فسقى ثم فلس صاحبه، فساقيه أولى به من الغرماء حتى يستوفي حقه، وإن مات رب الأصل أو الزرع، فالمساقي أسوة الغرماء. قال مالك: ومن استؤجر في إبل يرعاها أو يرحلها، أو دواب فهو أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا. وكل ذي صنعة، مثل الخياط والصباغ والصائغ وما يشبههم، فهم أحق بما في أيديهم من الغرماء في الموت والفلس جميعا. وكل من تكوري على حمل متاع فحمله إلى بلد من البلدان، فالمكرى أولى بما في يديه من الغرماء في الموت والفلس جميعا. قال: فقلت لمالك: فحوانيت يستأجرها الناس يبيعون فيها الأمتعات فيفلس مكتريها، فيقول أهل الحوانيت: نحن أحق بما فيها حتى نستوفي كراءنا، ويقول الغرماء: بل أنتم أسوتنا؟ قال: هم أسوة الغرماء، وإنما كراء الحوانيت عندي بمنزلة رجل تكارى دارا ليسكنها، فأدخل فيها متاعه وعياله ورقيقه، أفيكون صاحب الدار أولى بما فيها من المتاع من الغرماء أو لا يكون أولى؟ وليس هذا بشيء وهو أسوة الغرماء. قلت: أرأيت إن أكرى رجل إبله فأسلم الإبل إلى المتكاري، فمات المتكاري أو فلس لم يدع مالا، إلا حمولته التي حمل على الإبل، أيكون الجمال أسوة الغرماء أو يكون أولى بها؟ قال: الجمال أولى بها. قلت: لم، ولم يسلم إلى الجمال المتاع وإنما كان الذي أسلم إليه المتاع أولى به؛ لأنه بمنزلة الرهن في يديه؟ قال: ليس الذي قال لنا مالك إنما هو من أجل أنه أسلم المتاع إليه، إنما هو من أجل أنها بلغت إلى ذلك الموضع على إبله. قال ابن القاسم: ألا ترى أن الجمال بعينه، لو كان في الإبل وكان معه رب المتاع وهو مع المتاع، أن الجمال أولى به حتى يستوفي حقه فهذا يدلك على مسألتك. قال مالك: والجمال بمنزلة الصناع، غاب رب المتاع أو حضر. حدثنا سحنون عن ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال: إذا فلس الرجل وله حلي عند صائغ قد صاغه له، كان هو أولى بأجره ولم يحاصه الغرماء بمنزلة الرهن في يديه.

في الرجل يفلس وله أم ولد ومدبرون أيأخذ الغرماء أموالهم
قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الرجل يفلس، وله أم ولد ومدبرون ولهم أموال، أفترى أن يجبره الغرماء على أخذ أموالهم؟ قال مالك: ليس ذلك لهم أن يجبروه على أخذ أموالهم في أداء دينه حين أفلس، ولا يكون ذلك للغرماء. قال مالك: ولو أراد أن يأخذ أموالهم على غير هذا الوجه أخذها وإن أراد أن يأخذها لنفسه، فإن ذلك له قال: قال مالك: ولو أراد أن يأخذه هو فيقضي دينه من غير أن يجبره الغرماء على ذلك، لم أمنعه من ذلك. قلت: أرأيت أم الولد إذا كان لها مال، أيكون لسيدها أن يأخذ ذلك

المال منها؟ وقد قلتم في قول مالك: إنه ليس لسيدها فيها إلا الاستمتاع منها ببضعها. قال: قال مالك: نعم، له أن يأخذ مالها ما لم يمرض أو يفلس، فليس للغرماء أن يأخذوا مالها ولا يجبروا السيد على أخذه، والمدبر والمدبرة بتلك المنزلة. قال: فقلنا لمالك: فالمعتق إلى سنين، ألسيده أن يأخذ ماله؟ قال: نعم، ما لم يتقارب ذلك. قال: فقلت لمالك: فإن بقيت سنة؟ قال: له أن يأخذه ما لم يتقارب ذلك أو يمرض، ولم ير السنة قريبا.
قلت: وما حجة مالك في هذا؟ حين قال: إذا مرض فلا يأخذ مال أم ولده ولا مدبرته؟ قال: قال مالك: لأنه يأخذه لغيره وإنما يأخذه للورثة وقد أشرف هؤلاء على عتقهم. والذي يفلس فلا يجبر الغرماء السيد على أن يأخذ مالهم لغيره، ولو أراد أن يأخذه من غير أن يجبره الغرماء على أخذه، فإن أراد ذلك كان ذلك له يأخذه ويقضي به دينه، وإنما الذي لا يكون له ذلك إن أراد الغرماء أن يلزموه ذلك، فليس ذلك لهم ولذلك قال مالك.
قلت: أرأيت إن مرض ففلس وهو مريض أيأخذ مال المدبر الغرماء أم لا؟ وإنه لو مات سيده ولم يدع مالا يعتقه وماله للغرماء؟ قال: لا أرى أن يأخذ ماله إلا أن يموت سيد المدبر، فيباع بماله؛ لأن مالكا قال لي: لا يؤخذ مال هذا المدبر للغرماء، فالصحة والمرض عندي سواء.

في العبد يفلس ولسيده عليه دين
قال: قال مالك: يجوز مبايعة الرجل عبده المأذون له في التجارة، ويكون دين السيد دينا يحاص به الغرماء. قلت: أرأيت المكاتب إذا مات وعليه دين للناس ودين لسيده، أيكون لسيده أن يضرب مع الغرماء بدينه؟ قال: قال مالك: إذا كان دينه من غير كتابة، فإنه يضرب بذلك الدين مع الغرماء. وإن كان دينه من الكتابة لم يضرب به مع الغرماء.

في دين المرتد
قلت: أرأيت إن ارتد رجل وهرب إلى دار المشركين ولرجل عليه دين، فغزا تلك الدار المسلمون، وقاتل ذلك الرجل مع المشركين فقتل، فظهر المسلمون على ماله، فقام الغريم يطلب حقه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى دينه في مال هذا الغريم المرتد المقتول، ولا يقع في المقاسم حتى يستوفي هذا الغريم حقه، فإذا استوفى حقه كان ما بقي بعد ذلك في المقاسم.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المأذون له في التجارة

في المأذون له في التجارة
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن أذنت لعبدي في نوع من أنواع التجارة، أيكون له أن يتجر في غير ذلك النوع؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، إلا أنه إذا خلى بينه وبين الشراء والبيع، فهذا يلزمه ما داين الناس به من جميع أنواع التجارات في ذمته، وهذا يتجر فيما شاء؛ لأنه قد أقعده للناس، فما يدري الناس لأي أنواع التجارة أقعده فيلزمه ما داين الناس به من جميع أنواع التجارة في ذمته.

في العبد المأذون له يبيع بالدين
قلت: أرأيت إن أقعده قصارا وأمره أن يعمل القصارة، أيكون مأذونا له في التجارة في جميع التجارات؟ قال: ليس بمأذون له ولا يشبه هذا البزاز؛ لأن هذا عامل بيديه وقد عرف الناس حال هذا، وإن هذا لم يأمر الناس بمداينته. في العبد المأذون له يبيع بالدين قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا باع سلعة ثم أخر بالثمن، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك في الرجل يكون ببعض البلد، أن يجهز إلى عبده إلى بلد آخر فيبيع العبد، قال مالك: إذا باع فوضع من الثمن عن المشتري إن لهذا وجوها، فأما العبد المفوض إليه الذي يريد بذلك استئلاف الناس إليه في تجارته، سئل ما تصنعون فيخفف عنهم أو لا يربحون فيربحهم يريد بذلك استئلاف الناس إليه، إن ذلك جائز. وأما ما كان على غير هذا ولا يعرف به وجه، فإن ذلك لا يجوز. قال مالك: وكذلك الوكيل. قال: فقيل لمالك: فالرجل يوكل الرجل يبيع بعيره في السوق أو جاريته فيجب البيع، ثم يسألوه الوضيعة فيضع؟ قال مالك: ليس ذلك له، ولم يره مثل ما وصفت لك. فالعبد المأذون له الذي سألت عنه إذا صنع ما يصنع التجار فإن ذلك جائز عندي.

في المأذون له في التجارة يدعو إلى طعامه أو يعير شيئا من ماله
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة، إذا دعا إلى طعامه أو أعار بعض ثيابه أو أعار دابته، أيجوز له هذا أم لا؟ قال: سئل مالك عن العبد يكون له المال الواسع من الرقيق أو غير ذلك، فيولد له فيريد أن يعق عن ولده ويصنع له صنيعا ويطعم عنه، أترى ذلك له؟ قال: لا، إلا أن يكون يعلم أن أهله لا يكرهون ذلك. قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة، أو غير المأذون له في التجارة إذا كان لهما مال، أيجوز لهما أن يعيرا شيئا من أموالهما بغير إذن السيد في قول مالك؟ قال مالك: لا يجوز للعبد أن يعطي شيئا من ماله بغير إذن سيده، مأذونا له في التجارة أو غير مأذون، فأرى العارية بهذه المنزلة. قلت: ولا يجوز للعبد أن يصنع طعاما فيدعو إليه الناس؟ قال: نعم، لا يجوز له في قول مالك، إلا أن يأذن سيده، لا أن يكون عبدا مأذونا له في التجارة، فيصنع ذلك ليجتر به إليه الرجل المشتري المشترى منه، فيكون ما صنع إنما يطلب بذلك المنفعة في شرائه وبيعه، فيكون هذا من التجارة، فذلك جائز عندي.

المأذون له في التجارة يستهلك الوديعة
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة، إذا استودعه رجل وديعة فاستهلكها، أيكون ذلك دينا عليه؟ قال مالك: ذلك في ذمته. قلت: وليس للسيد أن يسقط ذلك من ذمته؟ قال: نعم، ليس له أن يسقط ذلك من ذمته، والدين لازم له في ذمته. قلت: لم، وهذا إنما استودعه، الوديعة ليست من التجارة؟ قال: كذلك قال مالك: إنها في ذمته. قلت: أرأيت عبد الرجل إذا استدان دينا ولم يؤذن له في التجارة؟ قال: لا يتبعه شيء من ذلك إلا أن يعتق يوما فيتبعه في ذمته، إلا أن يكون سيده قد فسخ ذلك عنه وأعلن به؛ لأن مالكا قال في العبد: ما استودعه الناس أو ائتمنوه عليه، وكل ما آتاه الناس فيما بينهم وبينه طائعين، فإن ذلك يكون في ذمته، ولا يكون في رقبته إذا كان مأذونا له في التجارة، وليس لسيده أن يفسخ ذلك عنه. فالمحجور أولى أن يكون ذلك في ذمته، إلا أن يفسخ ذلك السيد؛ لأن الدين إذا ثبت في ذمته فهو عيب، فليس لمن داينه بغير إذن سيده أن يوجب في رقبته عيبا، وهو الذي أضاع ماله.

في أم ولد العبد التاجر وولده يباعون في دينه
قلت: أرأيت العبد التاجر إذا ولدت منه أمته ولدا، أيكون ابنه ملكا له ولا يباع في دينه؟ قال: أما ولده فلا يباع في دينه، وأما أم ولده فإنها تباع في دينه. قلت: وهذا قول

في صدقة العبد والمكاتب وأم الولد وهبتهم بغير إذن سيدهم
قلت: أرأيت المكاتب والمدبر وأم الولد والعبد، إذا تصدقوا أو وهبوا هبة فاستهلكها المتصدق عليه أو الموهوب عليه، ثم علم بذلك السيد فرد صدقتهم أو هبتهم، كيف يصنع بالمتصدق عليه أو الموهوب له؟ قال: تكون قيمة ذلك لهؤلاء دينا على المتصدق عليه أو الموهوب له، إلا أن يكون ذلك من السيد انتزاعا من أم ولده والمدبر والعبد، فيكون ذلك لسيدهم. فإن مات السيد أو أفلس قبل أن ينتزعه، وقد كان رد ذلك وأقره لهم على حال ما كان قبل ذلك؛ فذلك لهم.
قلت: فإن أعتقهم السيد قبل أن يقبض ذلك من المتصدق عليه أو الموهوب له، أيكون ذلك دينا لهؤلاء عليهم؟ قال: نعم، إذا كان قد رده وأقره لهم كما هو ولم ينتزعه، فإن كان رده واستثناه لنفسه؛ كان ذلك للسيد إلا في المكاتب فإنه للمكاتب ليس للسيد فيه شيء؛ لأنه لا يجوز له أن ينتزع من ماله منه، وهو يجوز للسيد أن ينتزع مال عبده ومدبره وأم ولده ما لم يمرض، فإن مرض لم يجز له أن ينتزع مال أم ولده ولا مال مدبره، فإن كان إنما رد ذلك في مرضه، فهو لأم الولد والمدبر ولا ينتزعه السيد منه. قال: وهذا رأيي في هبة العبد وصدقته، إذا ردها السيد قبل أن يعتق العبد.

في دين العبد المأذون له وتفليسه
قلت: أرأيت إن كان مع العبد مال للسيد، قد دفعه إليه يتجر به وأذن له في التجارة فلحق العبد دين، أيكون الدين الذي لحق العبد في مال العبد ومال السيد، الذي دفعه إلى العبد يتجر به في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم. يكون الدين الذي لحق العبد في مال السيد الذي دفعه إلى العبد يتجر به وفي مال العبد، ولا يكون في رقبة العبد، ويكون بقية الدين في ذمة العبد، ولا يكون في ذمة السيد من ذلك الدين شيء. قلت: أرأيت إن داينه السيد أيضرب بدينه مع الغرماء؟ قال: قال مالك: نعم، يحاص به الغرماء إذا داينه مداينة صحيحة. قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا داينه سيده، أيلزم العبد ذلك ويكون ذلك لسيده على عبده ويضرب به مع الغرماء؟ قال مالك: نعم، ما لم يحاب العبد به سيده. قلت: أرأيت السيد أيضرب مع الغرماء بدينه في مال العبد، وفي ماله الذي في يد العبد الذي كان دفعه إليه يتجر به، وقد جعلته أنت للغرماء، أم لا يضرب إلا في مال العبد وحده؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يحاص الغرماء فيما في يدي العبد من ماله ومال سيده؛ ألا ترى أن السيد لو منع من المحاصة؛ لذهب مال السيد الذي باعه أو أسلفه إياه؟ فهذا يدلك على ذلك وهو رأيي.
قلت: أرأيت إذا أمرته بالتجارة ودفعت إليه مالا يتجر به فتجر فركبه الدين؟ قال: الدين في ذمته وفي المال الذي في يديه من مال السيد؛ لأنه أمره أن يداين الناس عليه حين أذن له أن يتجر به. قال: وقال مالك: في العبد يستتجره سيده، ثم يفلس وعليه دين للناس: إن سيده لا يحاص الغرماء بما كان في يد العبد من ماله الذي استتجره به، إلا أن يكون إنما أسلفه سلفا أو باعه بيعا، فإنه يحاص به الغرماء. وإن كان رهنه رهنا فهو أولى برهنه، وإن كان باعه بيعا لا يشبه البيع في كثرة ما زاد العبد من الثمن الذي باعه به السيد، ويعلم أنه إنما أراد العبد أن يولج إلى سيده، وأراد السيد أن يجر المال إلى نفسه، فالغرماء إذا كان كذلك أولى بما في يد العبد، إلا أن يبيعه بيعا يشبه البيع مال العبد فهو يحاص به الغرماء.
قلت: أرأيت لو أذنت لعبدي في التجارة فاغترقه الدين، فوهب للعبد مال، من أولى بما وهب للعبد، أسيده أم الغرماء؟ قال: الغرماء أولى به.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن دينه في ذمته والمال قد صار ملكا للعبد، فالغرماء أولى به وإنما يكون سيده أولى بعمله وكسبه، فأما ما وهب له من الأموال، فالغرماء أولى بذلك. قلت: أرأيت إن أذنت لعبدي في التجارة فلحقه دين، فوهب للعبد هبة أو جرح العبد جرحا له

أرش، لمن يكون الأرش ولمن تكون الهبة في قول مالك؟ قال: الهبة للغرماء والأرش للسيد، وهو قول مالك. قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا اغترقه الدين فقتل، فأخذ سيده قيمته، أيكون للغرماء شيء في قيمة العبد أم لا في قول مالك؟ قال: لا شيء لهم من قيمة العبد عند مالك.
قلت: أرأيت كل ما لزم ذمة العبد، أيكون للغرماء أن يأخذوا ذلك من العبد بعدما يأخذ السيد خراجه من العبد إن كان عليه خراج؟ قال: قال مالك: ليس لهم من خراج العبد شيء. قال ابن القاسم: ولا من الذي يبقى في يد العبد بعد خراجه قليل ولا كثير. قال مالك: وإنما يكون ذلك لهم في مال، إن وهب للعبد أو تصدق به عليه أو أوصي له به فقبله العبد، فأما عمله فليس له فيه قليل ولا كثير، وإنما يكون دينهم الذي صار في ذمة العبد في مال العبد، إن طرأ للعبد مال يوما ما بحال ما وصفت لك. وإن أعتق العبد يوما ما؛ كان ذلك الدين عليه يتبع به، وهذا قول مالك. وكل دين لحق العبد وهو مأذون له في التجارة، فهذا الذي يكون في المال الذي في يديه أو كسبه من التجارة بحال ما وصفت لك، وليس لهم من عمل يده وخراجه قليل ولا كثير، وإن كان للسيد عليه دين ضرب بدينه مع الغرماء وقد حدثني ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال: يصير في مال سيد العبد. ما ادان لسيده من تجارة يستدين فيها بمال سيده ويداين فيها بماله. وكل ذلك يديره لسيده قد علم بذلك وأقر له به. قال: وما تحمل به سيده عنه فهو على سيده، ويصير في مال العبد وفي عمله ما خلي بين العبد وبين التجارة فيه لنفسه. وأخبرني ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال: إذا استجر الرجل عبده، ثم ادان، لم يكن على سيده غرم شيء من دينه، ويأخذ الغرماء كل ما وجدوه من مال في يدي العبد فيجعل بينهم. قال: وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال: ليس على السيد شيء إلا أن يكون تحمل به، فإن وجد للعبد مال أخذ منه. إسماعيل بن عياش قال: كان الحكم بن عتيبة يقول: إذا أفلس العبد فلا يقضى دينه إلا بشهود. وسألت الليث فقال مثل ذلك.

في المأذون له يفلس وفي يديه سلعة أو سلم لسيده بعينه
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة، أو باعه مولاه سلعة بعينها، ثم أفلس العبد والسلعة قائمة بعينها في يد العبد؟ قال: السيد أحق بذلك، إلا أن يرضى الغرماء أن يدفعوا إلى السيد الثمن قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل مائة دينار في ألف إردب من حنطة، أو إلى عبدي مائة دينار في ألف إردب

حنطة - وهو مأذون له في التجارة - فقام الغرماء على العبد ففلسوه، أو قام على الرجل غرماؤه ففلسوه، والدنانير التي أسلمت إليه في يده بعينها قائمة يشهد الشهود عليها أنها بعينها؟ قال: إن شهد شهود أنهم لم يفارقوه، وأن الدنانير هي بعينها، فصاحبها أولى بها من الغرماء،
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، فيما بلغني. قال ابن وهب: قال مالك، في رجل اشترى من رجل روايا زيت، ثم انطلق بها فصبها في جرار له فيها زيت كثير، ومعه شهود ينظرون حتى أفرغها في زيته، ثم جاء رجل يطلبه بحق بان فيه إفلاسه، فقام الرجل يريد أن يأخذ زيته، فقال غرماؤه: ليس هو زيتك بعينه قد خلطه بزيت غيره، قال: أرى أن يأخذ زيته، وهو عندي بعينه، ليس خلطه إياه بالذي يمنعه أن يأخذ زيته. ومثل ذلك مثل رجل وقف على صراف، فدفع إليه مائة دينار فصبها في كيسه والناس ينظرون إليه ثم بان فلسه مكانه أو البز يشتريه الرجل فيرقه ويخلطه ببز غيره ثم يفلس، فليس هذا وأشباهه بالذي يقطع عن الناس؛ أخذ ما وجدوا من متاعهم إذا فلس من ابتاعه إذا كانوا على هذا. وإن كان أشهب يقول: ليس العين مثل العرض، ليس له على العين سبيل وهو فيه أسوة الغرماء، وهو أحق بالعرض إذا وجده من الغرماء.

في العبد المأذون له يقر على نفسه بالدين
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا أقر بدين، أيلزمه ذلك؟ قال: قال مالك: وهو في إقراره بمنزلة الحر إذا قامت عليه الغرماء، لم يجز عليه إقراره كما لم يجز إقرار الحر إذا قام عليه غرماؤه وفلسوه. وكذلك العبد هو بمنزلة الحر في مداينته الناس. قال مالك: إلا أن يكون إقراره قبل التفليس، فيكون إقراره جائزا عليه، يحاص به الغرماء إن فلسوه بعد ذلك. قلت: أرأيت العبد إذا أذنت له في التجارة، ثم حجرت عليه وفي يديه مال وأقر بديون للناس. أيجوز إقراره عليه في ما في يديه من المال؟ قال: نعم. قال: وسمعت مالكا وسئل عن العبد التاجر يقر للناس بديون، أيجوز ذلك؟ قال: نعم، قد وضعه بموضع ذلك إذا أقر لمن لا يتهم عليه، ولم أسمع في مسألتك شيئا. قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا أقر في مرضه بدين، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك لي: إذا كان ممن لا يتهم عليه؛ جاز إقراره له. قال لي مالك: والعبد في هذا والحر بمنزلة سواء.

في عهدة ما يشتري العبد المأذون له في التجارة
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة، أيكون على سيده من عهدة ما يشتري العبد ويبيع شيء أم لا؟ قال: لا إلا أن يكون قال للناس بايعوه وأنا ضامن له، فإنه

في الرجل يستتجر عبده النصراني
قلت: أرأيت العبد النصراني، أيجوز لسيده أن يأذن له في التجارة؟ قال: قال مالك: لا أرى للمسلم أن يستتجر عبده النصراني، ولا يأمر ببيع شيء لقول الله: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: آية161].

في العبد بين الرجلين يأذن له أحدهما في التجارة
قلت: أرأيت عبدا بيني وبين شريكي، أذنت له في التجارة دون شريكي؟ قال: لا يجوز أن يأذن له أحدهما في التجارة دون صاحبه.
قلت: أرأيت العبد بين الرجلين، هل يجوز لأحدهما أن يأذن له في التجارة أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك؛ لأن مالكا قال في العبد يكون بين الرجلين له مال فأراد أحدهما أن يقاسم صاحبه مال العبد ويأبى الآخر. قال: ليس له أن يقاسمه إلا أن يرضى شريكه بذلك؛ لأن ذلك يكسر ثمن العبد؛ لأن صاحبه يقول: أنا أريد أن أترك مال العبد في يد العبد يتجر به ولا آخذه منه؛ لأني إذا أخذته منه كان كسرا لثمنه، فكان ذلك قولا وحجة. قلت: فإن أنت منعت هذا من القسم، أتجبرهما على البيع أم لا؟ قال: إذا تداعيا إلى البيع، أو دعا أحدهما إلى البيع، أجبر على البيع إلا أن يتقاوماه فيما بينهما. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، هذا قول مالك.

الدعوى في مال العبد المأذون له في التجارة
قلت: أرأيت إن قال عبدي المأذون له في التجارة - لمال في يديه -: هذا مالي، وقال السيد: بل هو مالي، وعلى العبد دين يحيط بماله؟ قال: القول قول العبد في رأيي. قلت: فإن كان محجورا عليه؟ قال: القول قول السيد، لأني سمعت مالكا يقول في عبد كان معه ثوب، فقال: فلان استودعني إياه وقال: السيد بل الثوب ثوبي، قال مالك: القول قول السيد، إلا أن يقيم الذي أقر له العبد البينة أن الثوب ثوبه.

في المأذون له في التجارة يحجر عليه سيده
قلت: هل سمعت مالكا يقول في الحجر، كيف يحجر السيد على عبده المأذون له في التجارة؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال في الرجل يريد أن يحجر على وليه، قال:

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الكفالة والحمالة

ما جاء في الحميل بالوجه يغرم المال
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن تكفل رجل بوجه رجل، أيكون هذا كفيلا بالمال في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: من تكفل بوجه رجل إلى رجل، فإن لم يأت به غرم المال. قلت: أرأيت إن تكفل له بوجه إلى أجل، فمضى الأجل ورفعه إلى السلطان، أيغرمه أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يتلوم له السلطان، فإن أتى به وإلا غرم المال. قلت: أرأيت إن تكفلت لرجل بوجه رجل إلى أجل، فغاب لما حل الأجل؟ قال: إن كان سافر سفرا بعيدا غرم، وإن كان قريبا - اليوم وما أشبهه - لوم له كما يتلوم في الحاضر، فإن أتى به بعد التلوم له، فلا شيء عليه وإلا غرم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت إن تكفلت بوجه رجل إلى أجل، فلما حل الأجل لم آت به فغرمت المال، ثم وجدته بعد ذلك فأتيت به، أيكون لي أن أرجع على الذي أخذ مني المال؟ قال: لا، ولكن تتبع الذي عليه الدين الذي تحملت له بما غرمت عنه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، هذا قول مالك. قلت: أرأيت إن تكفلت لرجل برجل إلى أجل، فأتيت به إلى ذلك الأجل، أيكون علي شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليك. قلت: ولا يكون علي من دينه شيء وإن كان عديما؟ قال: نعم، ولا شيء عليك لأنك قد أتيت به. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أخذت بنفسه كفيلا إلى غد، ثم أتى به من الغد، أيبرأ من المال في قول مالك؟ قال: نعم، يبرأ من المال في رأيي. قال ابن القاسم: وسمعت عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج يحدث، أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحميل غارم" 1 .
ـــــــ
1 نفسه رقم 1 في صفحة 70.

في الحميل بالوجه لا يغرم المال
قلت: أرأيت إن قال: أنا أتكفل بوجهه إلى أجل كذا وكذا، فإن لم آت به وإلا فعلي طلبه حتى آتي به فأما المال فلا أضمنه. أيكون عليه من المال شيء إن مضى الأجل ولم يأت به في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه ويكون كما اشترطه. قلت: أرأيت إن تكفلت لرجل بوجه رجل إلى كذا وكذا، فإن لم أوافه به إلى ذلك الأجل فلا شيء له علي من المال، ولكنني حميل له بوجهه أطلبه حتى آتيه به. قال: قال مالك: هو على شرطه الذي اشترطه، ليس عليه إلا طلب وجهه هو شرط لنفسه ما ذكرت. وقال غيره: إذا تحمل الرجل بالرجل أو بالحق أو بعينه، فالحمالة لازمة كالدين وذلك كله سواء، إلا أنه إذا تحمل بالرجل أو بالعين ولم يقل بالمال، فجاء بالرجل فقد برئ من جميع حمالته، وإن لم يأت به أغرم الحميل كما يغرم من تحمل بالمال. فالحمالة بنفس الرجل وبالمال سواء، إذا لم يأت بالرجل، وحميل المال لا يبرئه أن يأتي بالرجل. ومن اشترط في الحمالة بالوجه أني لست من المال في شيء، فإنه لا يكون عليه من المال شيء، أجاء بالرجل أو لم يأت به؛ لأن المحمول له لم يؤكد ما ينتفع به إلا أن يكون ذلك الذي اشترط لنفسه أني لست من المال في شيء، كان قادرا على الإتيان بالرجل الذي تحمل به، ففرط في ذلك وتركه وهو يمكنه حتى غاب، فيكون قد غرم ولم يؤخذ بذلك، وإنما أخذ ليجمعه على صاحبه - وليس هذا من شروط المسلمين - وإن تحمل بعين الرجل فلم يأت به إلى الأجل الذي تحمل به إليه، فطلبه منه المحمول له، ورفعه إلى الحاكم، فلم يقض عليه بالمال حتى أتى به، فقد برئ من المال ومن عين الرجل، وإن حكم عليه بالمال حين لم يأت بالرجل على قدر ما رآه السلطان، فقد لزمه المال ومضى الحكم، وإن حبس الغريم المحمول بعينه في الحبس، وقد كفل به رجل فأخذ به فدفعه إليه وهو في السجن، فقد برئ الحميل؛ لأنه يقدر على أخذه في السجن، فيحبس له في حقه. وإن كان قد انقضى ما سجن فيه فهو يحبس له في حقه. وكذلك إذا أمكنه منه في موضع حكم وسلطان، فإنه يبرأ. وإن دفعه في موضع لا يستطيع حبسه ولا يبلغ به سلطانا؛ لأنه موضع لا سلطان فيه، أو في حال فتنة أو في مفازة أو في موضع يقدر الغريم على الامتناع، لم يبرأ منه حتى يدفعه حيث تمضي الأحكام ويكون السلطان، وإن كان غير بلده؛ لأنه إنما تكفل له بنفسه فقد أمكنه من نفسه في السجن، أو حيث تجوز الأحكام. وكذلك لو مات الغريم؛ لأنه إنما تحمل له بنفسه، وهذه نفسه قد ذهبت وإنما تحمل به ما كان حيا وإن كان أخذ الحميل بالغريم - والغريم غائب - فحكم على الحميل وأغرم المال، ثم طلعت للحميل بينة أن الغريم كان ميتا قبل أن

يحكم على الحميل، ارتجع ماله؛ لأنه لو علم أنه ميت حين أخذ به الحميل لم يكن عليه شيء؛ لأنه إنما تحمل له بنفسه، وهذه نفسه قد ذهبت. وإنما تقع الحمالة بالنفس ما كان حيا. ولو أن الغريم أمكن الطالب من نفسه، وأشهد أني قد دفعت نفسي إليك من حمالة فلان بي، وهو في موضع يقدر عليه يبرئه ذلك، وكان كأنه دفعه إليه رجل أجنبي ليس بوكيل للحميل، ولا يبرأ الحميل حتى يدفعه هو نفسه أو وكيله. وإن أبى الطالب أن يقبل ذلك، فأشهد عليه الحميل أو وكيل الحميل، فقد برئ الحميل. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحميل غارم" 1 وقال أيضا: "الزعيم غارم"1 والزعيم هو الحميل. فإذا قال: أنا ضامن لك، أو حميل لك، أو قبيل لك، أو زعيم لك، أو هو لك عندي، أو هو لك علي، أو هو لك إلي، أو هو لك قبلي، فهذا كله ضامن لازم. والضمان حمالة والحمالة لازمة كالدين وإن كان في هذه الوجوه كلها يريد الحق فهو لازم. وإن كان يريد الرجل فهو لازم، فخذ هذا على هذا.
ـــــــ
1 المصدر السابق.

فيمن يدعي حقا قبل رجل والمدعى عليه ينكر فيقول الرجل أنا ضامن بوجهه إلى غد فإن جئتك به وإلا فأنا ضامن للحق
قلت: أرأيت إن ادعى رجل قبل رجل حقا والمدعى عليه ينكر. فقال رجل للطالب: أنا كفيل لك بوجهه إلى غد، فإن لم آتك به فأنا ضامن للمال فلم يجئ به بعد الغد؟ قال: يقال لهذا الطالب: أثبت حقك وأقم البينة على حقك وإلا فلا شيء لك. ولا يكون له أن يأخذ من الكفيل شيئا إلا أن يقيم البينة على حقه. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا.

في الرجل يدعي قبل رجل حقاً والمدعى عليه ينكر فيقول أجلني اليوم فإن لم أوفك غداً فالحق الذي تدعي قبلي حق
قلت: أرأيت إن ادعيت قبل رجل حقا فأنكر. ثم قال: أجلني اليوم فإن لم أوفك غدا فالحق الذي تدعي هو لك قبلي؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا، وأرى هذا مخاطرة ولا شيء عليه.

في رجل له ألف درهم على رجل فيقول له رجل آخر أنا لك حميل بها ثم ينكره
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لي على فلان ألف درهم، قال له رجل: أنا لك بها كفيل، فجاء فلان فأنكر أن يكون عليه شيء. قال: لا شيء على الكفيل إلا أن يقيم البينة على حقه؛ لأن الذي عليه الحق قد جحده.
قلت: تحفظه عن مالك ؟. قال: لا

تحمل الرجل بحق عن صبي فدفعه هل يرجع على الصبي
؟
قلت: أرأيت الصبي يدعي رجل قبله حقا، فيتكفل به رجل فيقضي بذلك الحق على الصبي فأخذه الطالب من الكفيل، أيكون للحميل أن يرجع بذلك على الصبي أم لا في قول مالك؟ قال: يرجع به في مال الصبي؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا أدى عن رجل دينا كان عليه بغير أمره، أن له أن يرجع بذلك على الذي كان عليه المال. فهذا يدلك على أصل قول مالك في هذا الوجه كله إذا كان ذلك حقا.
قلت: أرأيت لو أن صبيا أفسد متاعا لرجل، فألزمه بقيمة ذلك المتاع فأدى عنه رجل بغير أمر الصبي وبغير أمر الولي، فأراد أن يتبع بذلك الصبي، أيكون ذلك له أم لا؟ قال: نعم، يلزمه ذلك في رأيي، لأن مالكا قال: ما أفسد الصبي أو كسر أو اختلس فهو ضامن عليه.

القضاء والدعوى في الكفالة
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل ألف درهم من قبل كفالة، وألفا من قبل قرض، فدفع إلي ألف درهم فقال: الألف التي دفعتها إليك من قبل القرض وقال الآخر: بل هي من الكفالة؟ قال: قال مالك: يقسم بينهما، فيكون نصفها من الكفالة ونصفها من القرض وقال غيره: القول فيها قول المقتضي مع يمينه؛ لأنه مدعى عليه وقد ائتمنه حين دفع إليه، وقد كان قادرا على أن يتوثق مما دفع ويتبرأ مما عليه. وكذلك الورثة أيضا، لا قول لورثة الذي قضى مع المقتضي إلا مثل الذي كان للذي ورثهم. قلت: لابن القاسم: أرأيت إن مات الدافع فاختلف ورثته والمدفوع إليه المال؟ فقال: ورثته عندي بمنزلته، يقسم المال بين القرض والكفالة، ولم أسمع من مالك في الورثة شيئا.

في أخد الحميل بالحق والمتحمل به مليء غائب أو حاضر
في أخذ الحميل بالحق والمتحمل به مليء غائب أو حاضر
قلت: أرأيت إن تحملت برجل أو مال على رجل، أيكون للذي له الدين أن

في الحميل أو المتحمل به يموت قبل محل الأجل
قلت: أرأيت إن تكفلت لرجل بماله على رجل إلى أجل، فمات الكفيل أو المكفول له؟ قال: قال مالك: إذا مات الكفيل قبل محل الأجل كان لرب الحق أن يأخذ حقه من مال الكفيل، ولا يكون لورثة الكفيل أن يأخذوا من الذي عليه الحق شيئا حتى يحل أجل المال. قال مالك: فإن مات الذي عليه الحق قبل محل الأجل، كان للطالب أن يأخذ حقه من ماله، فإن لم يكن له مال، لم يكن له أن يأخذ الكفيل بالحق حتى يحل الأجل. قلت: أرأيت إن مات الكفيل قبل محل أجل الكفالة، وعلى الكفيل دين يغترق ماله، أيكون للمكفول له أن يضرب مع الغرماء بمقدار دينه؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، هذا قوله إذا لم يكن عليه دين وقال مالك ما أخبرتك وقال: فإن كان عليه دين ضرب مع الغرماء.

في المتحمل به يموت قبل أجل الحق والمتحمل له وارثه
قلت: أرأيت لو أني تكفلت عن رجل بمال، أو أحاله علي رجل بمال، فمات المطلوب الغريم والطالب وارثه؟ قال: إن مات ولا مال له فالكفيل ضامن للمال، وإن مات وله مال فيه وفاء فلا شيء على الكفيل؛ لأنه إن رجع الطالب على الكفيل، يرجع الكفيل في مال المطلوب الهالك والطالب وارثه، فقد صار له المال فصار ذلك قصاصا

في الرجل يتحمل لهما بحق فيأخذ أحدهما والآخر غائب فيقدم هل يرجع بحصته
قلت: أرأيت لو أني تكفلت لرجلين بحق لهما، فغاب أحدهما وحضر الآخر، فأخذ مني الحاضر بحصته من الدين فقدم الغائب، أيكون له أن يرجع بحصته على الذي أخذ حصته فيما أخذ؟ قال: قال مالك: في الدين يكون بين الرجلين في صك واحد على رجل واحد، فيقتضي أحدهما نصيبه من الدين دون صاحبه، قال مالك: يشاركه صاحبه فيما اقتضى إذا كان ذكر الحق واحدا، فكذلك مسألتك إلا أن يكون الشريك رفع ذلك إلى السلطان، واستعدى عليه وأمره أن يخرج معه في اقتضائه، أو يوكل فأبى فأذن له في ذلك السلطان، أو يكون قد أشهد عليه وإن لم يأت السلطان بأن يخرج أو يوكل فلا يفعل، فيخرج على ذلك فيستقضي، فهذا لا يرجع معه فيه وهذا قول مالك
قلت: ولو رفع ذلك إلى السلطان - والشريك الآخر غائب - فقضى السلطان أن يأخذ حقه فأخذه، وقبل الغريم وفاء بحق صاحبه، فأعدم الغريم بعد ذلك، ثم قدم الغائب فطلب شريكه بنصف ما اقتضى؟ قال: لا يكون ذلك له. قال: ولو قام الحاضر عليه ولم يجد عنده إلا قدر حقه فقط، أخذ الحاضر من ذلك ما ينوبه في المحاصة لو كان صاحبه معه، فإن جهل السلطان فقضى له بأخذ حقه، فإن قدم الغائب طالب الحاضر بنصف ما اقتضى؛ لأنه بمنزلة التفليس؛ لأنه قد بيع ماله وخلع ماله كله. وقال غيره: إذا لم يكن عنده إلا مقدار حق أحد الرجلين، فقضى له بما ينوبه في الحصاص، أو قضى له بجميع حقه، فهو سواء إذا قدم الغائب طالب شريكه بما ينوبه؛ لأنه بمنزلة التفليس.

في الرجل يتحمل للرجل بما قضى له على غريمه
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل وهو يخاصم رجلا في طلب حق له، فقال رجل للطالب ماذا لك على فلان الذي تخاصمه، فأنا كفيل به فاستحق قبله مالا، أيكون هذا الكفيل ضامنا له في قول مالك؟ قال: نعم. قال مالك: وكذلك كل من تبرع بكفالة فإنها له لازمة، وهذا له لازم في مسألتك قال: ولقد سئل مالك عن رجل قال لرجل وهو

في الرجل يتحمل لرجل بحمالة وهو غائب عنه
قلت: أرأيت لو أن لرجل حقا على رجل، فقال رجل غائب عنهما من غير أن يخاطبه أحد: اشهدوا أني كفيل لفلان بماله على فلان، أيلزمه هذا في قول مالك قال: لا أقوم على حفظ قول مالك وأراه لازما له.

في الرجل يتحمل ثم يموت قبل أن يستحق قبله شيئاً ثم يستحق قبله الحق بعد موته
في الرجل يتحمل ثم يموت قبل أن يستحق قبله شيئا ثم يستحق بعد موته
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: ما زاد لك قبل فلان فأنا كفيل به، فمات الذي قال أنا كفيل به قبل أن يستحق هذا قبل فلان شيئا، ثم استحق قبله الحق بعد موت الذي قال أنا كفيل، أيكون ذلك في ماله أم لا؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك في هذا؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا إلا أن هذا رأيي.

في رجل قال لرجل داين فلانا فما ذاب لك قبله فأنا به حميل
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: بايع فلانا فما بايعته به من شيء فأنا ضامن للثمن، أيلزمني هذا الضمان أم لا؟ قال: نعم، يلزمك ذلك إذا ثبت ما بايعه به. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: نعم، وقال أشهب: وإنما يلزم من ذلك، كل ما كان يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه ويبايع به.

في الرجل يقول للرجل داين فلانا وأنا لك حميل ثم يرجع قبل المداينة
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: داين فلانا فما داينته به من شيء فأنا ضامن لذلك، فلم يداينه حتى أتاه فقال لا تفعل فإنه قد بدا لي، أيكون ذلك له أم لا؟ قال: نعم وما سمعت من مالك فيه شيئا. قلت: أليس قد قال مالك في الذي قال احلف وأنا ضامن للحق الذي تدعيه على أخي، ثم قال بعد ذلك لا تحلف فإني لا أضمن، فقال مالك: هذا لا ينفعه؟ قال ابن القاسم: لأن هذا حق قد لزمه. قال: وهذا لا يشبه مسألتك.

في الرجلين يتحملان بالحمالة يغيب أحدهما والمتحمل والذي عليه الحق فيريد الحميل أن يتبع صاحبه بما أدى عنه وصاحب الحق مليء
في الرجلين يتحملان بالحمالة يغيب أحدهما والمتحمل به فيؤدي الحاضر المال ثم يعدم المتحمل والذي عليه الحق فيريد الحميل أن يتبع صاحبه بما أدى عنه وصاحب الحق مليء
قلت: أرأيت لو أن رجلين كفيلين تكفلا عن رجل بألف درهم، وكل واحد كفيل ضامن بما على صاحبه، فغاب الذي تكفل عنه وغاب أحد الكفيلين، فلزم الكفيل الحاضر وأدى المال، ثم قدم الذي عليه الأصل والكفيل الآخر وكلاهما مليء، فأراد الكفيل أن يتبع الكفيل الآخر بنصف ما أدى عنه، أيكون ذلك له والذي عليه الأصل مليء؟ قال: نعم. قلت: ولم وقد قال مالك في الذي عليه الأصل: إذا كان مليا، لم يكن للطالب أن يأخذ الكفيل بالمال؟ قال: لا يشبه الكفيلين ههنا الذي عليه الأصل؛ لأن الكفيلين إذا أدى أحدهما عن صاحبه، وكل واحد منهما كفيل ضامن بما على صاحبه، فإنه يرجع على أيهما شاء، على صاحب الأصل أو على الكفيل الذي تكفل معه؛ لأنه حين أدى صار دينا له عليهما.
قلت: وهذا في قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

في القوم يتحملون بالحمالة فيعدم المطلوب فيريد طالب الحق أن يأخذ من وجد من الحملاء بجميع الحق
قلت: أرأيت إن تكفل لي ثلاثة رجال بمال لي على فلان، فأعدم فلان الذي عليه الحق، أيكون لي أن آخذ من قدرت عليه من هؤلاء الكفلاء الثلاثة بجميع حقي في قول

في الغريم يؤخذ منه حميل بعد حميل
قلت: أرأيت إن كان لي على رجل ألف درهم، فأخذت منه كفيلا بتلك الألف، ثم لقيته بعد ذلك فأخذت منه كفيلا آخر بتلك الألف، أيكون لي أن آخذ أيهما شئت بجميع الألف إذا أعدم الذي عليه الأصل؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى ذلك له. ولا يشبه هذا الكفيلين إذا تكفلا في صفقة واحدة، ولم يجعل بعضهما كفيلا عن بعض.
قلت: أرأيت إن تحمل رجل لرجل بماله على فلان ثم لقي الذي له الحق الذي عليه الحق فأخذ منه كفيلا آخر، أيكون لرب الحق أن يأخذ أي الحميلين شاء وقدر عليه بجميع الحق؟ قال: نعم ذلك له؛ لأنهما لم يتحملا في صفقة واحدة، وإنما تحمل كل واحد على حدة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت أولا ترى أن أخذه الحميل الثاني من الذي عليه الحق إبراء للحميل الأول؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن أخذت من فلان كفيلا بمال عليه، ثم لقيته بعد ذلك فأخذت منه كفيلا آخر، أتسقط الكفالة في الأول، أو تسقط كلها أو يسقط نصفها؟ قال: لا يسقط منها شيء. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: هذا رأيي، وهما جميعا كفيلان: كل واحد بالجميع.

باب في الحميل يؤخذ منه الحميل
قلت: أرأيت إن تكفل لي رجل بحق على رجل، فأخذت من الكفيل كفيلا آخر، أيلزم كفيل الكفيل الكفالة أم لا؟ قال: نعم يلزمه.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا. وقال غيره: وكذلك لو تحمل رجل بنفس رجل، وتحمل آخر بنفس الحميل، أن ذلك جائز. وكذلك لو تحمل ثلاثة رجال بنفس رجل، وكل واحد حميل بصاحبه فهو جائز.

في الغريم يؤخذ منه الحميل فإذا حل الأجل أخر طالب الحق الغريم أيكون ذلك تأخيراً عن الحميل؟
قلت: أرأيت إن كان لي على رجل حق إلى أجل وقد أخذت منه كفيلا، فلما حل الأجل أخرت الذي عليه الأصل، أيكون هذا تأخيرا عن الكفيل أيضا، وكيف إن أخرت الكفيل، أيكون ذلك تأخيرا للذي عليه الأصل؟ قال: أما إذا أخر الغريم فهو تأخير للكفيل، إلا أنه إذا أخر الذي عليه الأصل فقال الحميل: لا أرضى، لأني أخاف أن يفلس ويذهب ماله، كان ذلك له، ويكون صاحب الحق بالخيار، إن أحب أن يؤخر صاحب الحق - ولا حمالة على الحميل - فذلك له، وإن أبى لم يكن له ذلك إلا أن يرضى الحميل. وإن سكت الحميل - وقد علم بذلك - فالحمالة له لازمة. وإن لم يكن علم حتى يحل أجل ما أخره إليه، حلف صاحب الحق بالله ما أخره، ليبرئ الحميل من حمالته وكانت حمالته عليه لازمة. وأما إذا أخر الكفيل، فإني أراه تأخيرا على الذي عليه الأصل، إلا أن يحلف صاحب الحق بالله الذي لا إله إلا هو: ما كان مني ذلك تأخيرا للحق عن صاحبه، ولا كان ذلك مني إلا للحميل. فإن حلف؛ كان له أن يطلب صاحب الحق، وإن أبى أن يحلف لزمه التأخير، وذلك أنه لو وضع عن الحميل حمالته لكان له أن يتبع صاحب الحق إذا قال: إنما أردت وضع الحمالة واتباع غريمي، فالتأخير بمنزلته سحنون: وقال غيره: إذا أخر الغريم وهو مليء موسر - تأخيرا بينا - فالحمالة ساقطة عن الحميل. فإن أخره ولا شيء عنده، فلا حجة للكفيل، وله القيام على الكفيل وله أن يقف عنه.

باب في الحميل يدفع عن حمالته غير ما تحمل به عن الغريم
قلت: أرأيت إن تكفلت لرجل بألف درهم هاشمية، فرضي صاحب الحق بألف درهم دمشقية فقضيت ذلك، بم أرجع على صاحبي الذي عليه الأصل؟ قال: ترجع عليه بألف درهم دمشقية؛ لأنك كذا أديت.
قلت: أرأيت لو أني تكفلت عن رجل بألف درهم، فغاب ولزمني الذي تكفلت له فأعطيته بالألف الدرهم، دنانير أو عرضا من

في الرجل يشتري الجارية أ, السلعة ويتحمل له رجل بما أدركه فيها من درك
في الرجل يشتري الجارية أو السلعة ويتحمل له رجل بما أدركه فيها من درك
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى، جارية فتكفلت له بما أدركه في الجارية من درك، أتكون هذه كفالة؟ وأكون ضامنا لما أدركه في الجارية من درك في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أني بعت من رجل بيعا وأعطيته بها كفيلا بما أدركه من درك، أتجوز هذه الكفالة أم لا؟ قال: إن كان أعطاه كفيلا بما أدرك من درك فقال: ما أدركك فيها من درك فعلي أن أرد الثمن، فالكفالة في هذا جائزة، وإن كان إنما أعطاه على أنه إن أدركه فيها درك فعليه أن يخلصها بالغة ما بلغت، فالكفالة في هذه باطلة؛ لأن هذا لا يلزم البائع. قال: والكفالة لا تلزم أيضا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قوله وهو رأيي. وقال غيره: لا يخرج من الكفالة لما رضي أن يلزمه نفسه، وهو الذي أدخل المشتري في دفع ماله ثقة منه به، فعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق أو الثمن الذي أعطى إلا أن يكون الغريم موسرا حاضرا فلا يكون عليه شيء. سحنون: وخذ هذا

الأصل على هذا في مثل هذا وشبهه. قلت لابن القاسم: أرأيت من باع بيعا واشترط المشتري على البائع الخلاص، وأخذ منه بالخلاص كفيلا، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: لا يحل ذلك وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو أن رجلا باع دارا ليست: له فقال للمشتري: اشترها، فإن لم يسلم ذلك صاحبها فعلي خلاصها لك، فهذا لا يجوز، وهذا قول مالك، والبيع فيها مردود. ولولا أن الناس اشترطوا هذه الشروط في البيع الأول، على أنهم لا يريدون بذلك الخلاص، إنما كتبوه على وجه الوثيقة والتشديد؛ لنقضت به البيع ولو عمل رجل فاشترط فقال: إن أدركني درك في الدار فعليك أن تخلص لي الدار بما يكون من مالك، أو تخلصها بما بلغت وكيف شئت، وعلى ذلك اشترى وبه عقد بيعه؛ لكان هذا فاسدا لا يحل ولنقضت به البيع.

في الحمالة في البيع بعينه وبيع الغائب
قلت: أرأيت ما كان بعينه مما اشتريته، أيجوز أن آخذ به كفيلا أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك عندي، ولم أسمعه من مالك، إلا أن مالكا قال: لا يجوز أن يشترط أن يكون ضامنا إذا باع سلعة بعينها، أو يكون ضامنا لها إن تلفت فعليه شراؤها، فكذلك الكفالة. وقال غيره: وهذا من الأصل الذي بينته قبل هذا.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتريت منه عبدا أو دابة غائبة وأخذت منه كفيلا بها؟ قال: لا يكون في هذا كفالة؛ لأنه إنما اشترى منه غائبا بعينه. ألا ترى أنه لو ماتت الدابة أو العبد لم يضمن البائع شيئا، ولا يصلح النقد فيه؟
قلت: فإن كانت غيبة قريبة مما يصلح النقد فيها لم تصلح الكفالة فيها أيضا؟ قال: نعم.

في الرجل يعتق عبده على مال ويأخذ منه بالمال كفيلا
قلت: أرأيت إن أعتقت عبدي على ألف درهم وأخذت منه بها كفيلا، أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك، وأما الذي لا تجوز الكفالة فيه فكتابة المكاتب.

في الكفالة بكتابة المكاتب
قلت: أرأيت الكفالة لرجل بكتابة مكاتبه، أتجوز أم لا؟ قال: قال مالك: لا تجوز.
قلت: أرأيت إن كاتبت عبدي على مال فأتى رجل فقال لي عجل عتقه وأنا كفيل لك بكتابته ففعلت أتلزمه الكفالة أم لا في قول مالك؟ قال: الكفالة له لازمة؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا أعتق عبده على مال، على أن تكفل بذلك المال رجل، إن ذلك

في الغريم يؤخذ منه قبل محل الأجل أو بعد محل الأجل حميل أو رهن على أن يؤخر إلى أبعد من الأجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعطى غريمه حميلا قبل محل أجل دينه، على أن يؤخره إلى أبعد من الأجل؟ قال: قال مالك: لا يصلح ذلك. قال: وإن حل حقه فلا بأس أن يأخذ منه كفيلا ويؤخره إلى أبعد من الأجل. قال مالك: وكذلك لو رهنه قبل الأجل، على أن يؤخره فلا يصلح. وإن رهنه بعد ما حل الأجل على أن يؤخره فلا بأس به. وقال غيره: إذا كان الرهن أو الحميل قبل محل الحق، على أن يؤخره إلى أبعد من الأجل فهذا لا يجوز. ولهذا لا يكون الرهن به رهنا وإن كان مقبوضا، ولا يكون قبضه له قبضا إن فلس الغريم، أن يكون أحق به من الغرماء، ولا يكون على الحميل شيء أيضا؛ لأنه لم يخرج بما ارتهن ولا بما أخذ له الحميل شيء مبتدأ، إنما كان دين في ذمته لم يكن يجوز له أخذه. فلا يجوز أن يبقي في يديه الوثيقة منه؛ لأنه يشبه سلفا أجر منفعة، وهو باق في الذمة كما كان.
قلت: أرأيت إن حط عنه بعض ماله عليه قبل الأجل، على أن أعطاه حميلا أو رهنا ببقية الحق إلى أجله؟ قال: لا بأس به.
قلت: فإن أعطاه عشرة دنانير قبل الأجل، على أن رهنه أو أعطاه حميلا بالحق إلى أجله؟ قال: هذا لا بأس به. قال: وقال مالك: كل من كان له حق على رجل إلى أجل من الآجال، فأخذ منه حميلا قبل محل الأجل، أو رهنه به رهنا على أن يؤخره إلى أبعد من الأجل، فلا خير فيه.
قال ابن القاسم: لأن ذلك عنده كأنه سلف أسلفه على أن يزداد في سلفه. قال: وإذا حل الأجل فلا بأس به.
قال ابن القاسم: لأن ذلك حينئذ بمنزلة من أسلف سلفا عن ظهر يد وأخذ به حميلا. قال مالك: والرهن مثله إذا رهنه قبل محل الأجل، على أن يؤخره إلى أبعد من محل الأجل، لا يجوز ولا يحل، وإن كان بعد محل الأجل فلا بأس به.

في الغريم إلى أجل يؤخذ منه حميل أو رهن بالقضاء قبل محل الأجل
قلت: أرأيت إن أخذت منه حميلا قبل محل الأجل، على أن يوفيني قبل محل الأجل؟ قال: لا بأس بذلك؛ لأنه لا تهمة ههنا وكذلك الرهن.
قلت: وكذلك إن أعطاني حميلا أو رهنا قبل محل الأجل على أن يعطيني حقي عند محل الأجل، أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا بأس به.
قلت: أرأيت إن أخذت منه حميلا قبل محل الأجل، وكان ديني

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19