كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

هذا، ولكني أرى أنه لا بأس أن يؤخره. قلت: فإن كان الطعامان جميعا من سلم فحلا جميعا فأحاله به، أيجوز هذا؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك لأن هذا بيع الطعام قبل أن يستوفى. قلت: ومن أي وجه كان بيع الطعام قبل أن يستوفى؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه"1 وأنت إذا أسلمت في طعام وقد أسلم إليك في طعام فحل الأجلان جميعا، فإن أحلته بطعامه الذي له عليك على الذي لك عليه الطعام، كنت قد بعته طعامك قبل أن تستوفي بالذهب الذي أخذت من الذي له عليك الطعام. وإذا كان قرضا وسلما فليس هذا بيع الطعام قبل أن يستوفي، لأنك إن كنت أنت الذي أسلمت في طعام والذي له عليك هو قرض فحلا جميعا فأحلته فلم تبع الطعام الذي اشتريته، ولكنك قضيت الطعام الذي اشتريت رجلا كان له عليك طعام من قرض، وإن كنت أنت الذي أقرضت وكان هو الذي أسلم إليك، فإنما هو أيضا، لما حل الأجل قضيته طعاما كان له عليك من قرض كان لك قد حل أجله، فليس يدخل ههنا بيع الطعام قبل استيفائه في واحد من الوجهين إذا حل أجل الطعامين جميعا.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 40عن نافع عبد الله بن عمر . البخاري في كتاب البيوع باب 51. مسلم في كتاب البيوع حديث 32.

القرض في جميع العروض والثياب والحيوان وجميع الأشياء
قلت: أرأيت قرض الثياب والحيوان وجميع الأشياء، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم إلا الإماء وحدهن فإن مالكا يحرمهن. قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا ثوبا فسطاطيا موصوفا واشتريت منه ثوبا فسطاطيا إلى أجل، أيجوز أن أبيعه من غيره بثوب فسطاطي، أتعجله قبل حلول أجل ثوبي؟ قال: هذا ليس ببيع إنما هذا رجل عجل للذي له الدين سلعة كانت له على رجل على أن يحتال بمثلها على الذي عليه الدين، فإن كانت المنفعة فيه للذي يأخذ الثوب ليعجله الذي كان له الدين، وإنما أراد الذي عجل الثوب أن ينفعه بذلك وأن يسلفه وأن يحتال عليه بدينه على رجل آخر فلا بأس بذلك، وذلك جائز للذي يحيل، لأن الثوب الدين الذي له على صاحبه إنما هو من قرض أو شراء، فلا بأس أن يبيعه قبل أن يستوفيه في رأيي. قلت: فإن كانت المنفعة هاهنا للذي تعجل الثوب هو الذي طلب ذلك وأراده؟ قال: لا خير في ذلك في رأيي، وإنما أسلفه سلفا واحتال به لمنفعة يرجوها لأسواق يرجو أن يتأخر إلى ذلك ويضمن له ثوبه، فهذا لا خير فيه لأن هذا سلف جر منفعة. وإنما يجوز من ذلك أن يكون الذي له الحق هو الذي طلب إلى هذا الرجل ذلك، وله فيه المنفعة والرفق، فإن كان على غير ذلك فلا يجوز. قلت: وكذلك هذا في قرض الدنانير لو أقرضته دنانير على أن يحيلني على غريم له بدنانير مثلها إلى أجل من الآجال، وإنما أردت أن يضمن لي دنانيري إلى ذلك من الأجل؟ قال: لا خير في ذلك كانت المنفعة للذي أسلف أو للذي يسلف. وكذلك بلغني عن مالك أنه قال: أراه بيع

الذهب بالذهب إلى أجل قال سحنون: قال ابن القاسم: لا بأس بهذا إذا كانت المنفعة للذي يقبض الدنانير وهو سهل إن شاء الله تعالى. قال سحنون: وهو عندي أحسن. قلت: أرأيت إن أقرضت رجلا ثوبا فسطاطيا، أو اشتريته من رجل إلى أجل، فبعته من رجل قبل حلول أجله بثوب مثله إلى أجل من الآجال، أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا، لأن هذا دين بدين وخطر في رأيي. قلت: وأي شيء معنى قولك وخطر، وأين الخطر ههنا؟ قال: ألا ترى أنهما تخاطرا في اختلاف الأسواق، لأنهما لا يدريان إلى ما تصير الأسواق إلى ذينك الأجلين.

في العبد المأذون له في التجارة يهب الهبة للعوض
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة، أيجوز له أن يهب الهبة للعوض؟ قال: إنما هو بيع من البيوع، فذلك جائز في رأيي.

الرجل يهب لابن لي صغير فعوضته في مال ابني
قلت: أرأيت إن وهب رجل لابن لي صغير هبة، فعوضته من مال ابني، أيجوز أم لا؟ قال: ذلك جائز في رأيي إن كان إنما وهبها الواهب للعوض لأن هذا بيع من البيوع. قلت: وكذلك إن وهب لي مال ابنه وهو صغير على عوض فذلك جائز؟ قال: نعم.، لأن هذا كله بيع من البيوع، وبيع الأب جائز على ابنه الصغير في رأيي.

الرجل يهب لي الهبة فتهلك عندي قبل أن أعوضه
قلت: أرأيت إن وهب لي هبة فهلكت عندي قبل أن أعوضه، أتكون على قيمتها أم لا في قول مالك؟ قال: عليك قيمتها عند مالك. قلت: أرأيت إن وهبت لرجل هبة فعوضني منها عوضا، ثم أصاب بالهبة عيبا، أيكون له أن يردها ويأخذ عوضها؟ قال: نعم. في رأيي لأن الهبة على العوض بيع من البيوع. قلت: فإن عوضني فأصبت عيبا بالعوض؟ قال: إن كان العيب الذي أصبت به ليس مثل الجذام والبرص، ومثل العيب الذي لا يثبته الناس فيما بينهم، فإن كان العيب في العوض تكون قيمة العوض به قيمة الهبة، فليس لك أن ترجع عليه بشيء، لأن الزيادة على قيمة هبتك كانت تطوعا منه لك. قلت: فإن كان العوض. قيمته وقيمة الهبة سواء، فأصبت به عيبا فصارت قيمته بالعيب أقل من قيمة الهبة؟ قال: إن أتم لك الموهوب له قيمة الهبة لم يكن لك عليه سبيل، وليس لك أن ترد العوض إلا أن يأبى أن يتم لك قيمة هبتك. قلت: وهذا قول

الرجل يهب شقصا من دار أو أرض على عوض سمياه أو لم يسمياه
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل شقصا من دار أو أرض على عوض - سميناه أو لم نسمه - ولها شفيع، فأراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة قبل أن يثاب الواهب، أيكون ذلك له أم لا؟ أو أراد أن يأخذ بالشفعة قبل أن يقبض الموهوب له الهبة، أيكون ذلك له أم لا؟ قال: ليس له أن يأخذ بالشفعة حتى يثاب، وقد فرغت لك من تفسير هذا في كتاب الشفعة قلت: أرأيت إن وهبت لرجل عبدين في صفقة واحدة فأثابني من أحدهما ورد علي الآخر، أيكون ذلك له أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى للواهب أن يأخذ العبدين إلا أن يثيبه منهما جميعا لأنهما صفقة واحدة.

في الرجل يهب حنطة فيطحنها الموهوب له فيعوض من دقيقها
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل حنطة فطحنها فعوضني من دقيقها؟ قال: لا يجوز هذا في رأيي، لأن مالكا قال: من باع حنطة فلا يأخذ في ثمنها دقيقا وإن كانت مثل كيلها أو لم تكن، لأن الطعام لا يصلح إلا يدا بيد، وقد فسرت لك هذا قبل هذا.

في موت الواهب أو الموهوب له قبل قبض الهبة أو بعدها
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل هبة يرى أنها للثواب فمت قبل أن يقبض الموهوب له هبته؟ قال: فورثة الواهب مكانه يأخذون الثواب ويسلمون الهبة، لأن هذا بيع من البيوع وهذا رأيي. قلت: فإن وهبت له هبة يرى أنها لغير الثواب، فأبيت أن أدفع إليه هبته فخاصمني فيها فلم يحكم علي بدفع الهبة حتى مت، أتكون لورثتي أم يأخذها الموهوب له إذا أثبت بينته وزكيت؟ قال: إن كان قام على الواهب - والواهب صحيح -

في الرجل يهب للرجل داراً فيبني فيها أو أرضاً فيغرس فيها فأبى الموهوب له أن يثيب منها
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل دارا فبنى فيها بيوتا، أو وهبت له أرضا فغرس فيها شجرا، فأبى الموهوب له أن يثيبني أترى ما صنع فيها فوتا في قول مالك، وتكون له الأرض وتكون عليه القيمة؟ قال: نعم.، أراه فوتا وتلزمه الهبة بقيمتها، لأن مالكا قال في البيع الحرام في الأرضين والدور. قال مالك: لا يكون فيها فوت إلا أن يهدم أو يبني فيها أو يغرس في الأرضين. قلت: فإن قال الموهوب له إنما أقلع بنياني أو غرسي وأدفع إليه أرضه وداره؟ قال: ليس ذلك له وعليه قيمتها. قلت: وكذلك مشتري الحرام إذا قال: أنا أنقض بنياني وأقلع غرسي ولا أريد الدار وأنا أردها، أيكون ذلك له قال: ليس ذلك له ويكون عليه قيمتها ولا تكون عليه بالخيار فيه: إن شاء هدم بنيانه وإن شاء أعطاه القيمة وهذا أمر قد فات بمنزلة النماء والنقصان في الثياب والحيوان والهبة مثل البيع

سواء وإنما رأيت ذلك فوتا لأن صاحب الهبة للثواب حين بنى وغرس قد رضي بالثواب، لأنه قد حولها عن حالها فليس له أن يرجع فيها بعد أن حولها عن حالها ورضي بذلك. قلت: أرأيت إن وهبت له ثوبا فصبغه بعصفر أو قطعه قميصا ولم يخطه قال: هذا فوت في رأيي لأن مالكا قال: إذا دخله نماء أو نقصان فهو فوت.

في الرجل يهب ديناً له على رجل فيأبى الموهوب له أن يقبل أيكون الدين كما هو؟
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل دينا لي عليه فقال: لا أقبل أيكون الدين كما هو أم لا؟ قال: الدين كما هو. قال: ولقد سئل مالك عن رجل أعار رجلا ثوبا فضاع الثوب عند المستعير، فقال: المستعير للمعير: إن الثوب قد ضاع. فقال: له المعير: فأنت في حل. فقال المستعير امرأتي طالق ألبتة إن لم نغرمه لك. وقال المعير: امرأتي طالق ثلاثا إن قبلته منك. قال: قال مالك: إن كان المستعير حين حلف يريد يمينه ليغرمنه له يقول لأغرمنه لك قبلته أو لم تقبله ولم يرد يمينه لتأخذنه مني، فلا أرى عليه حنثا إذا غرمه فلم يقبله منه ولا على الآخر حنثا أيضا، لأنه لم يقبله. وإن كانت يمينه على وجه لتأخذنه مني فإن لم يأخذه منه فهو حانث، ولا يكره صاحب الثوب على أخذ الغرم ويبر صاحب الثوب. قال مالك: وإن كان ذلك من دين كان له عليه، فأتى بالدين فحلف صاحب الحق أن لا يأخذه وحلف الذي عليه الحق أن يأخذه منه فإنه يحنث الذي له الحق ويجبر على أخذ الدين ولا يحنث الذي عليه الحق. قلت: فما الفرق فيما بينهما في قول مالك؟ قال: لأن العارية ليست كالدين إلا أن يشاء المعير أن يضمنه قيمتها إذا ضاعت، ألا ترى أنه لو أعار عارية فضاعت لم يكن على المستعير شيء إلا أن يشاء المعير أن يضمن المستعير فيما يغيب عليه، والدين ليس بهذه المنزلة.

في الرجل يهب للرجل الهبة يرى أنها للثواب فباعها الموهوب له أتكون عليه القيمة
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل هبة يرى أنها للثواب فباعها الموهوب له، أتكون عليه القيمة ويكون بيعه إياها فوتا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن وهبت لعبد رجل هبة فأخذها سيده من العبد - وللعبد مال فيه وفاء لقيمة الهبة - أترى أخذ السيد الهبة من العبد فوتا في قول مالك؟ قال: أرى أن يحكم على العبد بقيمة الهبة في ماله ولم أسمع من مالك فيه شيئا.

الرجل يهب دارا للثواب فباع الموهوب له نصفها
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل دارا للثواب فباع الموهوب له نصفها؟ قال: يقال للموهوب له: اغرم القيمة. فإن أبى قيل للواهب: أنت بالخيار إن شئت أخذت نصف الدار الذي بقي وضمنته نصف القيمة، وإن شئت أسلمت الدار كلها وأخذت القيمة كلها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي مثل ما قال مالك: في البيع إذا استحق نصف الدار وبقي نصفها في يد المشتري. قلت: فإن وهبت له عبدين للثواب فباع أحدهما وأبى أن يثيبني؟ قال: إن كان الذي باعه الموهوب له هو وجه الهبة، وفيه كثرة الثمن، فالموهوب له ضامن لقيمتها جميعا، وإن كان ليس هو وجه الصفقة أخذ الواهب الباقي ويتبعه بقيمة الذي باع يوم قبضه. وهذا رأيي مثل ما قال مالك في البيع إذا استحق أحدهما أو وجد به عيب. قال ابن القاسم: أو باع أحدهما. قلت: أرأيت لو وهب لرجل هبة دارا للثواب فباعها الموهوب له، ثم اشتراها فقام عليه الواهب فأبى أن يثيبه وقال: خذ هبتك؟ قال: قد لزمته القيمة حين باع ولا يأخذ الهبة، ولكن على الموهوب له القيمة يغرمها. قلت: وهذا قول مالك: قال: لا أحفظه عنه وهو رأيي.

في الرجل يهب للرجل جارية للثواب فولدت عنده فأبى أن يثيبه منها الواهب
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل جارية فولدت عنده ولدا فأبى أن يثيبني؟ قال: قد لزمته القيمة، لأن هذا فوت، لأن مالكا قال: إذا فاتت بنماء أو نقصان في الهبة فقد لزمت الموهوب له القيمة.

في الرجل يهب الهبة فلم يقبضها الموهوب له وهي لغير الثواب فأتى رجل فادعى أنه اشتراها منه وأقام الموهوب له بينة
في الرجل يهب الهبة فلم يقبضها الموهوب له وهي لغير الثواب فأتى رجل فادعى أنه اشتراها منه وأقام البينة وأقام الموهوب له بينة
قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب لي هبة فلم أقبضها منه وهي لغير الثواب، فأتى رجل فادعى أنه اشتراها منه وأقام البينة وقمت أنا على الهبة لأقبضها منه؟ قال: صاحب الشراء أولى. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: قال مالك: من حبس على ولد له صغار حبسا فمات وعليه دين، لا يدرى الدين كان قبل أو بعد الحبس، فقام الغرماء فقالوا نبيع هذا فنستوفي حقنا. وقال ولده: قد حبسه علينا وقد حازه لنا أبونا ونحن صغار في حجره قال: بلغني أن مالكا قال: إن أقام ولده البينة أن الحبس كان قبل الدين فالحبس لهم،

الرجل يقول غلة داري هذه في المساكين صدقة وهو صحيح
قلت: أرأيت إن قال: غلة داري هذه في المساكين صدقة - وهو صحيح - فمات ولم يخرجها من يديه وكان هو في حياته يقسم غلتها في المساكين؟ قال: قال مالك: إن لم يخرجها من يديه حتى يموت وإن كان يقسمها للمساكين، فالدار لورثته لأنه لم يخرجها من يديه.

الرجل يقول غلة داري هذه في المساكين صدقة وهو مريض
قلت: أرأيت إن قال: غلة داري هذه في المساكين صدقة - في مرضه - فمات قبل أن يخرجها من يديه؟ قال: تخرج من ثلثه عند مالك، وما كان في المرض من صدقة أو حبس فهو في الثلث بمنزلة الوصية، يجوز من ذلك ما يجوز من الوصية. قال ابن القاسم: ما كان في المرض على الوصية أو البتات فهو جائز كله في الثلث، إلا أن البتات في المرض لا يمكن من بتت له من قبضها إلا بعد الموت إلا أن تكون له أموال مأمونة من دور وأرضين فبتت له، ولا يشبه ذلك من بتت له في الصحة، لأن من بتت له في الصحة، إن قام على صدقته أخذها. وإن المريض إذا قام الذي بتت له على أخذها لم يكن ذلك له حتى يموت المريض إلا أن يكون ذا أموال مأمونة من دور أو أرضين فذلك بمنزلة العتق. قلت: أرأيت إن قال: داري في المساكين صدقة - وهو صحيح - أيجبره السلطان على أن يخرجها إلى المساكين أم لا في قول مالك؟ قال: أما ما كان من ذلك على وجه اليمين للمساكين أو لرجل بعينه فلا يجبره السلطان على أن يخرجها، وما كان من ذلك على غير اليمين وإنما بتله لله فليخرجه السلطان إن كان لرجل بعينه أو للمساكين.

في الرجل يقول كل ما أملك في المساكين صدقة أيجبر على إخراج ماله أم لا؟
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: كل ما أملك في المساكين صدقة. أيجبر على إخراج ماله أم لا؟ قال: لا يجبر على ذلك ولكن يؤمر بأن يتصدق بثلث ماله. قلت:

في الرجل يعمر الرجل داره حياته أو عبده أو دابته
قلت: أرأيت إن قال: قد أعمرتك هذه الدار حياتك أو قال: هذا العبد أو هذه الدابة؟ قال: هذا جائز عند مالك وترجع بعد موته إلى الذي أعمرها أو إلى ورثته. قلت: فإن أعمر ثوبا أو حليا؟ قال: لم أسمع من مالك في الثياب شيئا وقد أخبرتك بقول مالك، وأما الحلي فهو بمنزلة الدور. قلت: أرأيت إن قال: داري هذه لك صدقة سكناها؟ قال: فإنما له سكناها صدقة وليس له رقبتها. قلت له: أتحفظه عن مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت إن قال: قد حبست عبدي هذا عليكما، ثم يقول: هو للآخر منكما؟ قال: هذا جائز عند مالك، وهو للآخر منهما يبيعه ويضع به ما شاء، لأنه إنما حبس عليهما ما داما حيين، فإذا مات أحدهما فهو هبة للآخر يبيعه ويصنع به ما شاء.

في الرجل يقول قد أسكنتك هذه الدار وعقبك فمات ومات عقبه
قلت: أرأيت إن قلت: قد أسكنتك هذه الدار وعقبك من بعدك، فمات ومات عقبه، أترجع إلي أم لا؟ قال: نعم. ترجع إليك إلا أن تقول قد حبستها على فلان وعلى عقبه حبسا صدقة فإذا قال ذلك ولم يقل سكنا لك ولولدك، فإنه إذا انقرض الرجل وعقبه رجعت إلى أقرب الناس بالمحبس حبسا عليه. قلت: فإن كان المحبس حيا؟ قال: لا ترجع إليه على حال من الحالات، ولكن ترجع على أقرب الناس إليه حبسا عليهم. قلت: رجالا كانوا أو نساء قال: نعم. ترجع إلى أولى الناس به من ولده أو

في الرجل يهب عبداً للثواب وفي عينه بياض أو به صمم ثم يبرأ
في الرجل يهب عبدا للثواب وفي عينيه بياض أو به صمم ثم يبرأ
قلت: أرأيت إن وهبت عبدا للثواب وفي عينيه بياض أو به صمم فبرئ، أتراه فوتا وتلزمه القيمة؟ قال: أراه فوتا. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: الصمم قد سئل مالك عنه فقال: أراه عيبا مفسدا، فإذا كان عيبا مفسدا فهو إذا ذهب فهو نماء، وأما البياض إذا ذهب فلست أشك أنه نماء وتلزمه القيمة.

في المريض يهب عبدا للثواب أيجوز ذلك أم لا؟
قلت: أرأيت إن وهب المريض عبدا له للثواب، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: ذلك جائز عند مالك وهذا والبيوع سواء. قلت: فإن باع المريض عبدا فقبضه المشتري فباعه

في الرجل يهب عبدا للثواب فيجني العبد جناية عند الموهوب له
قلت: أرأيت إن وهب لرجل عبدا للثواب فجنى العبد عند الموهوب له جناية، أتكون فوتا وتكون القيمة على الموهوب له قال: نعم.، لأن مالكا قال في النماء والنقصان. إنه فوت. فهذا حين جنى أشد الفوت لأنه قد دخله النقصان.

في الرجل يهب ناقته للثواب أو يبيعها فيقلدها الموهوب له
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل ناقة للثواب أو بعته ناقة فقلدها أو أشعرها ولم يعط الثمن ولا مال له؟ قال: قال مالك: العتق يرد وهذا أحرى أن يرد، وتحل قلائدها وتباع في دين المشتري في البيع، وأما في الهبة فإنها ترجع إلى ربها. قلت: أرأيت لو أن رجلا في مرضه وهب لرجل هبة أو تصدق على رجل بصدقة فلم يقبض صدقته الموهوب له ولا المتصدق عليه، حتى مات الواهب في مرضه، أتجعلها وصية أو هبة أو صدقة غير مقبوضة وتبطلها؟ قال: أجعلها وصية، لأن مالكا قال: ما تصدق به المريض أو أعتق فهو في ثلثه.

في المريض يهب الهبة فيبتلها أو يتصدق بصدقة فيبتلها أيقبض ذلك الموهوب له أو المتصدق عليه قبل أن يموت الواهب
في المريض يهب الهبة فيبتلها أو يتصدق بصدقة فيبتلها أيقبض ذلك الوهوب له أو المتصدق عليه قبل أن يموت الواهب
قلت: أرأيت ما وهب المريض فبتله في مرضه أو تصدق به فبتله، أيقدر الموهوب له أو المتصدق عليه أن يقبض ذلك قبل موت المريض قال: لا يجوز له ذلك وللورثة أن يمنعوه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.، إلا أن تكون له أموال مأمونة مثل ما وصفت لك في الأموال المأمونة، فيكون له أن يقبض ذلك وكذلك هذا في العتق، ألا ترى أنه يعتق عبده في مرضه فيبتله، فإذا كانت له أموال مأمونة من دور أو أرضين تمت حرية العبد مكانه، فكذلك الهبة والصدقة.

في الرجل يوصي بوصية لرجل فيقتل الموصى له الموصي عمدا
قلت: أرأيت لو أوصي لرجل بوصية فقتل الموصى له الموصي عمدا، أتبطل وصيته أم لا؟ قال: أراها تبطل ولا شيء له من الوصية قلت: أرأيت إن قتلني خطأ، فأوصيت له بعدما ضربني بثلث مالي أو أوصيت له بديتي أو ببعض مالي، والثلث يحمل ذلك؟ قال: قال مالك: ذلك جائز. قلت له: أليس قد قلت لا وصية لقاتل. قال: إنما ذلك إذا كانت الوصية أولا فقتله بعد الوصية عمدا فلا وصية له، لأنه يتهم أن يكون طلب تعجيل ذلك. قال: وإن كان قتله خطأ، فحملت الوصية ثلث المال غير الدية فذلك جائز له، ولا تدخل وصيته في الدية. ألا ترى أن الوارث إذا قتله خطأ ورث من المال ولم يرث من الدية، فكذلك هذا.

في الرجل يوصي بدار له لرجل والثلث يحمل ذلك فقال الورثة لا نجيز ولكنا نعطيه ثلث المال
قلت: أرأيت إن أوصى له بدار والثلث يحمله فقال: الورثة: لا نجيز ذلك ولكنا نعطيه ثلث مال الميت حيث ما كان؟ قال: ليس ذلك للورثة، وله أن يأخذ الدار إذا كان الثلث يحمل الوصية وهذا قول مالك. ألا ترى أن الدار لو غرقت حتى تصير بحرا بطلت وصية الموصى له، فهذا يدلك على أنه أولى بها. قلت: أرأيت ما كان بين المسلم والنصراني من صدقة أو هبة تصدق بها أحدهما على صاحبه، أو وهبها أحدهما لصاحبه، أيحكم بينهما بحكم الإسلام في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل أمر يكون بين مسلم ونصراني فأرى أن يحكم بينهما بحكم الإسلام، فأرى مسألتك بتلك المنزلة.

في العبد توهب له الهبة
قلت: أرأيت العبد توهب له الهبة يرى أنها للثواب، أيكون على العبد الثواب في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى إن كان مثله يثيب ويرى أنه إنما وهبها للثواب، فأرى عليه الثواب إذا كان ممن قد خلى سيده بينه وبين التجارة.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الهبة

في الرجل يهب الهبة من مال ابنه الصغير
قلت: أرأيت من وهب من مال ابنه شيئا - والابن صغير - أيجوز هذا في قول مالك أم لا قال: لا يجوز ذلك في قول مالك. قلت: فإن تلفت الهبة، أيكون الأب ضامنا في قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يهب للرجل نصف دار له أو نصف عبد له
قلت: أرأيت لو أن رجلا تصدق على رجل بنصف دار له بينه وبين رجل أو وهب له نصف داره غير مقسومة، أتجوز هذه الهبة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الهبة جائزة وإن لم تكن مقسومة. قلت: فكيف يقبض هذا هبته أو صدقته؟ قال: يحل محل الواهب ويحوز ويمنع مع شركائه ويكون هذا قبضه قلت: وكذلك هذا فيما لا يقسم في العبد إذا وهب نصفه لرجل فهو جائز في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ويكون قبضه مثل ما ذكرت في الدار قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. إذا حاز ما وهب له دون صاحبه فقد قبض.

في الرجل يهب للرجل دهنا مسمى من جلجلان بعينه
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل عشرة أقساط من دهن جلجلاني هذا؟ قال: الهبة جائزة، لأن مالكا يجيز أن يهب الرجل للرجل ثمر نخله قابلا، فإن ذلك جائز، فهذا الذي ذكرت من دهن الجلجلان أحرى. قلت: أرأيت إن قال رب الجلجلان: لا أعصره؟ قال: يلزمه عصره ذلك قلت: فلو قال: أنا أعطيك من غيره زيتا مثل زيته

في الرجل يهب للرجل مورثه من رجل لا يدري كم هو
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل مورثي من رجل، ولا أدري كم هو مورثي من ذلك الرجل سدسا أو ربعا أو خمسا أتجوز الهبة؟ قال: من قول مالك إن ذلك جائز.

في الرجل يهب للرجل نصيبه من دار أو جدار لا يدري كم هو
قلت: أرأيت إن وهبت نصيبي من هذه الدار ولا أدري كم هو أيجوز أم لا؟ قال: هذا والأول سواء وأراه جائزا قلت: أرأيت إن وهبت نصيبا لي من جدار، أيجوز أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز.

في الرجل يهب للرجل نصيباً له من دار ولا يسميه له
قلت: أرأيت إن وهبت له نصيبا، من داري ولم أسمه ثم قام الموهوب له؟ قال: يقال للواهب: أقر له بما شئت مما يكون نصيبا، ولم أسمعه من مالك.

في الرجل يهب للرجل الزرع والثمر الذي لم يبد صلاحه
قلت: أرأيت هبة ما لم يبد صلاحه من الزرع والثمر، هل يجوز ذلك في قول مالك؟ قال نعم. إذا لم يكن للثواب.

في المديان يموت فيهب رب الدين دينه لبعض ورثة المديان
قلت: أرأيت لو كان لي على رجل دين، فمات الذي عليه الدين فوهبت ديني لبعض ورثته، أيكون ما وهبت له جائزا، أو يكون ذلك له دون جميع الورثة؟ قال: نعم.

في الرجل يهب للرجل الهبة فيموت الموهوب له قبل أن يقبض
قلت: أرأيت إذا وهب رجل لعبدي فمات العبد، أيكون لي أن أقوم على الهبة فآخذها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن تقوم عليها فتأخذها، لأن مالكا قال: كل من وهب هبة لرجل فمات الموهوب له قبل أن يقبض، فورثته مكانه يقبضون هبته، وليس للواهب أن يمتنع من ذلك، وكذلك سيد العبد عندي.

في الرجل يهب للرجل عبده المديان أو الجاني
قلت: أرأيت عبدا لي مأذونا له في التجارة اغترقه الدين فوهبته لرجل، أتجوز هبتي فيه أم لا في قول مالك قال: هبتك جائزة وبيعك إياه جائز في قول مالك إذا بينت أن عليه دينا حين تبيعه. قلت: أرأيت إن جنى عبدي جناية أو أفسد مالا لرجل، فوهبته أو بعته أو تصدقت به، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وما أرى أن يجوز إلا إن شاء سيده أن يحتمل الجناية، فإن أبى أحلف بالله ما أراد أن يحتمل جنايته، فإن حلف رد وكانت الجناية أولى به في رقبته. سحنون: وهذا إذا كانت هبته أو بيعه بعد علمه بالجناية فلذلك أحلف.

في الرجل يبيع عبده بيعا فاسدا ثم يهبه البائع لرجل آخر
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع عبدا له من رجل بيعا فاسدا ثم وهبه البائع لرجل أجنبي، أيجوز أم لا؟ قال: إن وهبه بعد البيع بيوم أو يومين قبل أن تحول أسواقه، وقام الموهوب له على قبض هبته ورد البائع الثمن فذلك جائز ويجبر البائع على رد الثمن ويقال للموهوب له: خذ هبتك وإن كانت أسواقه قد تغيرت لم تجز الهبة فيه لأنه قد صار للمشتري ولزمت المشتري فيه القيمة، لأن مالكا جعل البيع بينهما فيه مفسوخا ما لم يتغير. فالبيع الفاسد إذا فسخ فإنما يرجع العبد إلى البائع على المالك الأول، فالهبة فيه جائزة، لأنه ملك واحد قال: ولو أن البائع أعتق العبد قبل أن تتغير أسواقه بنماء أو نقصان جاز عتقه في العبد إذا رد الثمن، لأن البيع بينهما مفسوخ قبل أن تحول أسواقه أو

في الرجل يرهن عبده ثم يهبه لرجل
قلت: أرأيت إن رهنت عبدا لي ثم وهبته لرجل، أتجوز الهبة فيه أم لا قال: الهبة جائزة إن افتككته، لأن الموهوب له متى ما شاء فأقام على هبته فله أن يأخذها ما لم يمت الواهب فهو إذا افتكها كان للموهوب له أن يأخذها، وإن قام على هبته قبل أن يفتكها أجبر الواهب على افتكاكها إن كان له مال وقبضه الموهوب. قلت: فهل يكون قبض المرتهن قبضا للموهوب له إن مات الواهب؟ قال: لا يكون قبض المرتهن قبضا للموهوب له. قلت: ولم؟ وقد قال مالك في العبد المخدم إن قبضه قبض للموهوب له. قال: لأن المخدم لم يجب له في رقبة العبد حق، والمرتهن إنما حقه في رقبة العبد، فلا يكون قبض المرتهن قبضا للموهوب له. وقد وافقه أشهب في كل ما قال: من أمر قبض المرتهن وقبض المخدم.

في الرجل يغتصب عبده ثم يهبه لرجل وهو عند الغاصب
قلت: أرأيت ان غصبني رجل عبدا فوهبته لرجل آخر والعبد مغصوب أتجوز الهبة في قول مالك؟ قال: نعم إن قبضها الموهوب له قبل أن يموت الواهب قلت: ولا يكون قبض الغاصب قبضا للموهوب له قال: لا يكون ذلك قبضا قال سحنون وقال غيره هو قبض مثل الدين قلت: لابن القاسم لم والهبة ليست في يد الواهب قال: لان الغاصب لم يقبض للموهوب له ولم يأمره الواهب أن يحوزها للموهوب له فيجوز إذا كان غائبا فإن كان الموهوب له حاضرا غير سفيه وأمر الواهب رجلا يقبض ذلك له ويجوز له لم يجز هذا فالغاصب ليس بحائز لهذا فهذا يدلك على ما فسرت لك ألا ترى لو أن رجلا استخلف على دار له خليفة ثم تصدق بها على رجل آخر وهي في يد الخليفة ان قبض الخليفة ليس بحيازة للموهوب له ولا للمتصدق عليه.

في المسلم يهب للذمي الهبة أو الذمي للمسلم أو الذمي للذمي
قلت: أرأيت إذا وهب المسلم للمشرك هبة، أهما بمنزلة المسلمين في الهبة؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن وهب ذمي لمسلم هبة، فأراد المسلم أن يقبضها فأبى الذمي

في الرجل يهب للرجل صوفاً على ظهور الغنم أو اللبن في الضروع أو الثمر في رؤوس النخل
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل صوفا على ظهور غنمي، أيجوز؟ أو لبنا في ضروعها أيجوز؟ أو ثمرا في رءوس النخل؟ قال: نعم. ذلك جائز كله في قول مالك. قلت: وكيف يكون قبضه اللبن في الضروع والصوف على الظهور أو الثمر في رءوس النخل؟ قال: إن حاز الماشية ليجز أصوافها أو ليحلبها أو حاز النخل حتى يصرمها فهذا قبض. قلت: وعلى ما قلته من قول مالك، ولم جعلته قبضا وهو لم يبن بما وهب له ولم يتخلصه من مال الواهب؟ قال: قلته على المرتهن من قول مالك، إن الرجل إذا ارتهن الثمرة في رءوس النخل فحاز الحائط إن ذلك قبض، كذلك قال مالك. والرهن في قول مالك، لا يكون إلا مقبوضا، فكذلك الهبة والصدقة بهذه المنزلة. قال: وقال مالك: في الرجل يرتهن الزرع قبل أن يبدو صلاحه: إن ذلك جائز إذا قبض، وقبضه أن تسلم إليه الأرض، فإذا حاز الأرض التي فيها الزرع فقد قبض، فعلى هذا قلت لك مسألتك. وأما قولك إن الهبة لم يتخلصها من الواهب فهذا ما لا يضره. ألا ترى أنه قد قبض هبته وقبض معها مالا هو للواهب، فإنما يؤمر أن يتخلص هبته ويرد مال الواهب إلى الواهب. قال: وأما اللبن، فإن قول مالك إن الرجل إذا منح الرجل لبن غنمه شهرا أو أكثر من ذلك فقبض الغنم إن قبضه للغنم حيازة له، ألا ترى أيضا أنه لو أخدمه عبده شهرا فقبض الغلام، فهو قابض للخدمة. وكذلك لو أسكنه داره سنة فقبض الدار، لقبضه الدار قبض للسكنى.

في الرجل يثب لرجل ما في بطون غنمه أو جاريته
في الرجل يهب لرجل ما في بطون غنمه أو جاريته
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل ما في بطون غنمي أو ما في بطن جاريتي، أتجوز

في الرجل يهب للرجل الجارية ويشهد له بالقبض ولم يعاين الشهود القبض فيموت وفي يده الجارية
قلت: أرأيت لو أني وهبت جاريتي لرجل وأشهدت له أنه قد قبضها مني ولم يعاين الشهود القبض، ثم مت والجارية في يدي فأنكر الورثة أن يكون الموجوب له قبض الجارية؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يتصدق على ولد له كبار بعبد وكتب لهم كتابا، وكتب في كتابه أنه قد دفعه إليهم وقبضوه. وكان الولد كبارا وقد بلغوا الحيازة ومثلهم يحوز، فهلك الأب وقد كانت صدقته في صحته، فلما هلك الأب قال بقية الورثة: لم تقبضوا وقال: المتصدق عليهم: قد قبضنا. واحتجوا عليهم بشهادة الشهود وإقرار المتصدق بالذي في الكتاب، فسئل الشهود أعلمتم أنهم حازوا؟ وقالوا لا علم لنا إلا ما في هذا الكتاب من الإقرار، ولا ندري أحازوا أو لم يحوزوا. فقال لي مالك: إن لم تكن لهم بينة أنهم قد حازوا - وفي صحة منه - فهي موروثة على فرائض الله فكذلك مسألتك.

في الرجل يهب لابنه الصغير ولرجل أجنبي عبدا له ويشهد لهما بذلك ولم يقبض الأجنبي حتى مات الواهب
قلت: أرأيت إن وهبت لابني وهو صغير ولرجل أجنبي عبدا وأشهدت لهما بذلك، فلم يقبض الأجنبي الهبة حتى مت، أيجوز نصف العبد لابني أم لا؟ قال: قال مالك في رجل حبس على ولده حبسا وأشهد لهم بذلك وهم صغار وكبار، فلم يقبض الكبار الحبس حتى مات الأب. قال مالك: الحبس باطل ولا يجوز للكبار ولا للصغار، لأن الكبار لم يقبضوا الحبس. وقال مالك: لا نعرف إنفاذ الحبس للصغار ههنا إلا بحيازة الكبار، فكذلك الهبة. وليس هذا عنده مثله إذا حبس عليهم وهم صغار كلهم، فإن هذا جائز لهم إذا مات، فالحبس لهم جائز. وقال ابن نافع، وعلي بن زياد عن مالك: أنه إذا تصدق على ابن له صغير وكبير أو أجنبي، فنصيب الصغير جائز ونصيب الكبير غير جائز. وإذا حبس فالحبس باطل من قبل أن الصدقة تقسم إذا كانت لهم وتصير مالا من أموالهم. فمن هنالك تم للصغير ما يصير له لأنه قد قبض عليه من هو له جائز القبض، وإن الحبس لو أسلم إلى من يقبضه لهم أو أسلم إلى الكبير لم تجز فيه المقاسمة، وإنما يبقى في أيديهما ينتفعان به. فمن هنالك لم يتم قبض الأب للصغير لأنه مما لا يقسم ولا يجز، أو يكون ذلك داعية إلى أن يحبس الرجل الحبس على البالغ، فيكون في يديه حتى يموت ثم ينفذ من رأس المال فلا نعرف، إنفاذ الحبس ولا قبضه إذا كان من حبس عليه يقبض لنفسه وهو مما ليس من سنته أن يقسم ويجزأ، فيصير مالا لهم يتوارثونه ويباع إلا بأن يخرج من يدي الذي حبسه ويقبض منه ويبين.

في الرجل يهب للرجل الأرض
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل أرضا، كيف القبض في قول مالك؟ قال: الحيازة إذا حازها فقد قبضها عند مالك. قلت: فإن تصدقت عليه بأرض لي بإفريقية، وأنا وهو بالفسطاط فقال: اشهدوا أني قد قبلت وقبضت، أيكون هذا قبضا في قول مالك أم لا؟ قال: لا يكون قبضا إلا بالحيازة. وقوله: قد قبضت وهو بالفسطاط، لا يكون هذا قبضا لأني سألت مالكا عن الحبس يحبسه الرجل ويكتب في حبسه قد قبضوا ذلك ويشهد الشهود على الكتاب وعلى قوله فيهلك صاحب الحبس فيسأل الشهود هل قبضوا فقالوا: إنما شهدنا على إقراره ولا ندري هل قبضوا أو لم يقبضوا. قال: قال لي مالك: لا ينفعهم ما شهد به الشهود حتى يقيموا البينة على أنهم قبضوا أو حازوا.

في الرجل يهب للرجل الذي له عليه دين أو غيره
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل دينا لي عليه كيف يكون قبضه؟ قال: إذا قال قد قبلت فذلك جائز له وهذا قبض لأن الدين عليه وهذا قول مالك وإذا قبل سقط. قلت: فإن وهبت دينا لي على رجل لرجل آخر؟ قال: قال مالك: إذا أشهد له وجمع بينه وبين غريمه ودفع إليه ذكر الحق فهذا قبض. قلت: فإن لم يكن كتب عليه ذكر حق كيف يصنع؟ قال: إذا أشهد له وأحاله عليه فهذا قبض في قول مالك. قلت: فإن كان الغريم غائبا ووهب للرجل ماله على غريمه وأشهد له بذلك ودفع إليه ذكر الحق وأحاله عليه، أيكون هذا قبضا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الدين إذا كان على رجل وهو بإفريقية وأنا بالفسطاط، فوهبت ديني ذلك الذي لي بإفريقية لرجل معي بالفسطاط وأشهدت له وقبل، أترى ذلك جائزا؟ قال: نعم. قلت: لم أجزته في قول مالك؟ قال: لأن الديون هكذا تقبض وليس هو شيئا بعينه يقبض إنما هو دين على رجل فقبضه أن يشهد له ويقبل الموهوب له هبته.

في الرجل يؤاجر الرجل دابته أو يعيره إياها ثم يهبها لغيره
قلت: أرأيت إن آجرت دابتي من رجل ثم وهبتها لرجل آخر أو أعرتها لرجل ثم وهبتها لرجل آخر، فقبضها هذا المستعير أو هذا المستأجر، أيكون قبضه قبضا للموهوب له، وتكون الهبة للموهوب له إذا انقضى أجل الإجارة وأجل العارية في قول مالك أم لا؟ وكيف إن مات الواهب قبل انقضاء أجل الإجارة وأجل العارية، أيكون الموهوب له أحق بالهبة لأن قبض المستأجر والمستعير قبض له؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يخدم الرجل الجارية سنين ثم يقول بعد ذلك هي لفلان بعد خدمة فلان هبة بتلا وقد قبضها المخدم. قال مالك: قبض المخدم للخادم قبض للموهوب له وهي من رأس المال، إن مات قبل ذلك، وكذلك مسألتك في العارية وأما الإجارة فلا تكون قبضا إلا أن يكون أسلم الإجارة له معه فيكون ذلك قبضا وإلا فلا شيء له، لأن الإجارة كأنها في يدي الواهب إلا أن تكون بحال ما وصفت لك. وأرى أن كل من تصدق على رجل بأرض فكانت الأرض حين تصدق بها تحتاز بوجه من الوجوه، من كراء يكريه أو حدث يحدثه أو غلق يغلق عليها ولم يفعله حتى مات، وهو لو شاء أن يحوزها بشيء من هذه الوجوه حازها، فلا شيء له وإن كانت أرضا قفارا من الأرض وليست تحتاز بغلق ولا كراء تكراه، ولم يأت إبان زرع فيزرعها أو يمنحها بوجه يعرف حتى مات الذي وهبها قبل أن يبلغ شيئا من ذلك، فهي للذي وهبت له، وهذا أحسن ما سمعت فيه. وكل من وهب دارا

حاضرة أو غائبة فلم يحزها الذي وهبت له أو تصدق بها عليه فلا حق له وإن كان لم يفرط في قبضها لأن لهذه حيازة تحتاز بها. قال عمر بن الخطاب: فإن لم يحزها فهي مال الوارث وكذلك قال لي مالك ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يقول للرجل قد أعمرتك هذا العبد حياتك؟ قال ابن شهاب: تلك المنحة وهي مؤداة إلى من استثنى فيها. قال ابن شهاب: وإن قال: ثم هو لفلان بعدك، فإنه ينفذ ما قال إذا كان هبة للآخر. قال ابن شهاب: وإن قال ثم هو حر بعدك. قال: ينفذ ما قال ثم هو حر ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن القرشي أنه قال: من قطع من ماله قطيعا فسماه لناس، ثم إذا انقرضوا فهو لفلان جاز ذلك لا يباع ولا يملك حتى يصير إلى آخرهم كما سمى لا ينكر هذا. قال الليث: وسمعت يحيى بن سعيد يقول: إن أعمر رجل رجلا عبدا وجعله من بعده حرا، ثم عجل هذا الذي جعل له العبد عمره عتقه، كان ولاؤه للذي أعتق أول مرة وإنما ترك له خدمته.

في الرجل يؤاجر دابته ثم يعيرها إياه ثم يهبها له وهما غائبان عن موضع العارية والوديعة
قلت: أرأيت إن استودعني رجل ودائع أو آجرني دورا أو دواب أو رقيقا، وأعارني ذلك وأنا وهو بإفريقية، والشيء الذي أعارني واستودعني وآجرني بإفريقية ثم خرجنا أنا وهو إلى الفسطاط فوهب لي ذلك كله بالفسطاط فقبلت ذلك، أيكون قولي قد قبلت لذلك قبضا لأن ذلك الشيء في يدي في قول مالك؟ قال: نعم. قبولك قبض لذلك كله. قلت: أرأيت لو أن رجلا استودعني وديعة ثم وهبها لي فلم أقل قد قبلت حتى مات الواهب؟ قال: القول في هذا أن تكون الهبة لورثة الواهب لأنه لم يقبل هبته. وقال غيره: ذلك قبض إذا كانت في يديه في قول مالك، لأن كونها في يديه أحوز الحوز. قلت: أرأيت النحل والعمرى والعطية والهبة والصدقة والحبس بمنزلة واحدة في قول مالك في القبض؟ قال: نعم. هذا كله بمنزلة واحدة في قول مالك في القبض.

الهبة للثواب يصاب بها العيب
قلت: أرأيت إن وهبت هبة للثواب وأخذت العوض فأصاب الموهوب له بالهبة عيبا، أله أن يرجع في عوضه ويرد الهبة؟ قال: نعم، الهبة على العوض بيع من البيوع يصنع فيها وفي العوض ما يصنع بالبيع. قلت: وهذا قول مالك؟ قال نعم، الهبة على العوض في قول مالك مثل البيوع محمل واحد إلا أن الهبة على العوض، إن لم يثبه ولم

في الرجل يهب لرجلين حاضر وغائب
قلت: أرأيت إن وهبت أرضا لرجلين أجنبيين، أحدهما حاضر والآخر غائب، فقبض الحاضر جميع الأرض، أيكون قبض الحاضر قبضا للغائب، ولم يستخلفه الغائب على القبض ولم يعلم الغائب بالهبة؟ قال: قال مالك: نعم.، قبض الحاضر قبض للغائب علم أو لم يعلم. قلت: أرأيت إن وهبت لرجل هبة وهو غائب، فأمرت رجلا أن يقبضها للغائب، أيكون هذا قبضا للغائب؟ قال: قال مالك: من تصدق بصدقة على غائب فأخرجها فجعلها على يدي رجل لذلك الغائب، فحازها هذا الذي جعلت على يديه

لذلك الغائب المتصدق عليه، فذلك جائز. وحيازة هذا حيازة للمتصدق عليه فكذلك الهبة. قال سحنون: ويدلك على جواز ذلك وصحته ما مضى من أمر الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم في تحاوز الأحباس، أن قابض الأحباس يجوز قبضه على الكبير الحاضر البالغ المالك لأمره والطفل الصغير والغائب، ومن لم يأت من ولد الوالد مما يحدث ويولد. قلت: أرأيت العبيد والحيوان والعروض والحلي، كيف يكون قبضه؟ قال: بالحيازة.

في حوز الهبة للطفل والكبير
قلت: أرأيت الطفل الصغير إذا كان له ولد وأوصى، فوهب له رجل هبة بتلها له وجعلها على يدي رجل من الناس، أيكون هذا حوزا للصبي ووالده حاضر أو وصيه؟ قال: نعم.، أراه حوزا له إذا كان إنما وضعه له إلى أن يبلغ وترضى حاله وأشهد له بذلك. ويدفع ذلك إليه إذا بلغ. قلت: فما فرق ما بين الصغير إذا كان له والد وبين الكبير إذا وهبت له الهبة وجعلها الواهب على يدي هذا الرجل؟ قال: خوفا من أن يأكلها الوالد أو يفسدها، فيجوز ذلك إلى أن يبلغ الصغير فيقبضها. وأما الكبير المرضي فعلى أي وجه حازها هذا له أو إلى أي أجل يدفع إليه إلا أن يكون على وجه الحبس يجري عليها غلتها، فهذا فرق ما بينهما. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يهب الهبة على أن لا يبيع ولا يهب؟ قال: قال مالك: لا تجوز هذه الهبة. قال: فقلت لمالك: فالأب في ابنه إذا اشترط هذا الشرط؟ قال مالك: لا يجوز إلا أن يكون صغيرا أو سفيها، فيشترط ذلك عليه ما دام الولد في تلك الحال. فأما أن يشترط عليه أن لا يبيع ولا يهب إن كبر، أو اشترط على السفيه أن لا يبيع وإن حسنت حاله، فإن ذلك لا يجوز وإنما يجوز شرطه إذا اشترطه ما دام سفيها أو صغيرا. سحنون. قال: وأخبرني ابن وهب عمن حدثه عن ابن عمر أنه سئل عن الرجل يهب الهبة للرجل على أن لا يبيعها ولا يهبها، فكره ابن عمر ذلك. قال ابن وهب: وأخبرني أن الليث كرهها أيضا مع مالك، إلا أن مالكا فسر لي التفسير الذي فسرت لك. فهذا يدلك على أن الهبة للكبير إذا جعلها على يدي غيره وهو مرضي ولم يحبسها عنه لسوء حاله ولا لغلة أجراها عليه وحبس الأصل. فهذا يدلك على أن حوز هذا الذي جعلت على يديه ليس بحوز له. وقال سحنون وقد قال: كثير من أصحاب مالك وقال: ألا ترى أن الصغير والسفيه لهما وقت يقبضان الهبة، وهو البلوغ في الصغير مع حسن الحال، وحسن الحال في السفيه. وإنما يراد من الصدقة أن تخرج من يد المعطي إلى غيره، فيكون الذي صارت إليه قابضا لها كما تقبض الحبس، يقبض على من لم يأت ممن هو آت، وأن هذا الرجل البالغ الذي قد أعطى عطية تكون له مالا

تراثا، منع من قبضها لغير شيء عقد فيها مما مثله يعقد في الصدقات يدل على أنه لم يرد أن يبتلها له ويعطيه إياها.

في حوز الأم
فيما لو وهبت لولدها الصغار هبة وهم في حجرها قلت: أرأيت لو أن الأم وهبت لولدها الصغار هبة وهم في حجرها، وأشهدت لهم، أهي في الحيازة مثل الأب في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تكون حائزة لهم إلا أن تكون وصية لهم، فإن كانت وصية فذلك جائز. قلت: فإن كانت وصية للوالد أو وصية وصي الوالد فذلك جائز؟ قال: نعم.، لأن وصي الوصي بمنزلة الوصي، وهي وصية عند مالك، قلت: فالأم تكون حائزة صدقتها أو هبتها على ولدها الصغار في قول مالك؟ قال: لا، إلا أن تكون وصية وقد أخبرتك بذلك، قلت: أرأيت الجارية إذا حاضت وليس لها والد، ووهبت لها أمها هبة والأم وصيتها وهي في حجر أمها، أتكون الأم حائزة لها هبتها أم لا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك الوصي؟ قال: نعم. وقال غيره: ألا ترى أن أفعالها لا تجوز في هبتها وصدقتها حتى يبرز وجهها ويؤنس منها الرشد، وهي فيما يقبض لها كغيرها ممن لا يجوز أمره على نفسه، وقد قال عمر بن الخطاب وربيعة ويحيى بن سعيد في صدر الكتاب ما قالوا.

في حوز الأب
قال: وقال لي مالك في الأب إنه يحوز لابنته وإن طمثت إذا تصدق هو عليها بصدقة فهو الحائز لها. قلت: فإن تزوجت فلم تقبض صدقتها حتى مات الأب، أيبطل ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كانت حسنت حالها في بيت زوجها وجاز أمرها فلم تقبض حتى مات الأب، فلا شيء لها، وإن كانت بحال سفه جاز ذلك لها، لأن مالكا قال: الأب يحوز لابنه الكبير إذا كان سفيها سحنون: ألا ترى أن الله تبارك وتعالى قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وبلوغ النكاح بالاحتلام والحيض. فقد منعهم الله من أموالهم مع الأوصياء بعد البلوغ إلا بالرشد، فكيف مع الآباء الذين هم أملك بهم من الأوصياء وإنما الأوصياء بسبب الآباء. ابن وهب: وقد قال ابن عباس: إنه يتيم بعد البلوغ إذا كان سفيها. وقال شريح: اليتيمة تستشار في نفسها ولا تستشار في نفسها إلا بالغ، وقد سماها شريح يتيمة وهي بالغ، وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفى بقوله حجة من حديث ابن وهب عن أبي هريرة. قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليتيمة تستشار في نفسها" 1 .
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 22، 25. الترمذي في كتاب النكاح باب 18. النسائي في كتاب النكاح باب 31، 36، الدارمي في كتاب النكاح باب 12، أحمد في مسنده [1/ 261، 334] [2/ 259، 475] [4/ 394، 408، 411] بلفظ "تستأمر اليتيمة ...".

في حوز الأب لابنه العبد
قلت: أرأيت إن كان ابني عبدا لرجل وهو صغير، فوهبت له هبة وأشهدت له، أتكون حيازتي له حيازة أم لا في قول مالك؟ قال: لا، لأن الصبي له من يحوز له دونك، لأن سيده يحوز له ماله دون والده، ولأني سمعت مالكا يقول في رجل تصدق على صغير بصدقة: إن حيازته ليست بحيازة إلا أن يكون وصيا أو واحدا يحوز له، ولا تكون صدقة مقبوضة إلا أن تزول من يد صاحبها إلا والد أو وصي لمن يلي. قلت: فإن أخرج الهبة والد الصبي العبد إلى رجل غير مولى الصبي فجعلها على يديه يحوزها للصبي، أتجوز الهبة في قول مالك؟ قال: نعم، رضي بذلك سيده أو لم يرض. وقد قال مالك: من وهب هبة لغائب فأخرجها من يده وجعلها على يدي رجل يحوزها له، فحوزه لها حيازة لهذا الغائب. وكل من حبس حبسا على كبار أو صغار أو وهب هبة لغائب إذا كان كبيرا، أو وهب هبة لصغير وليس هو والده ولا وصيه، فجعل ذلك كله على يد غيره حتى يكبر الصغير فيعطيه الذي جعل له، أو يقدم الغائب فيأخذه، أو كبار حضور تجري

عليهم غلة الحبس، فإن ذلك جائز عندي فيما حملت عن مالك. فأما أن يهب رجل لرجل هبة والموهوب له حاضر مرضي ليس بسفيه ولا صغير، ويأمره أن لا يدفعه إليه، فلا أرى هذه حيازة، لأنه قد قبلها الموهوب له، والموهوب له حاضر مرضي ولم يسلمها إليه، إنما يجوز مثل هذا إذا كان قد حبس الأصل وجعل الغلة له واستخلف عليها من يجري ذلك عليه.

في حوز الزوج
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج جارية بكرا قد طمثت أو لم تطمث وهي في بيت أبيها، فتصدق الزوج عليها بصدقة أو وهب لها هبة وأشهد عليها إلا أنه لم يخرجها من يده، أيكون حائزا لها في قول مالك؟ قال: لا يكون حائزا لها إلا أن يخرجها من يديه فيجعلها لها على يدي من يحوزها لها. قلت: أرأيت إن كان قد دخل بها وهي سفيهة أو مجنونة جنونا مطبقا، فبنى بها زوجها ثم تصدق عليها زوجها بصدقة، أو وهب لها زوجها هبة وأشهد لها بذلك، أيكون هو الحائز لها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه لا يكون هو الحائز لها ما تصدق به عليها هو. قلت: لم قلت ذلك؟ قال: لأن من تصدق بصدقة على غيره، أو وهب هبة، فلا يكون هو الواهب وهو الحائز إلا أن يكون والدا أو وصيا أو من يجوز أمره عليه في قول مالك. وقد فسرت لك ذلك، ولا أرى الزوج ههنا ممن يجوز أمره عليها. ألا ترى أنه لو باع مال امرأته لم يجز بيعه في ذلك، ولا أرى له أن يجوز أمره عليها ولا يكون حائزا لها ما يتصدق هو عليها به وأبوها الحائز لها وإن دخلت منزل زوجها، ما دامت سفيهة أو في حال لا يجوز لها أمر، ولا يكون زوجها الحائز لها فيما وهب لها إلا أن يضع ذلك على يدي أجنبي يقبضه لها، وأما صدقته هو أو هبته لها فلا.

اعتصار الأم
قلت: أرأيت ما وهبت الأم لولدها، أيجوز لها أن تعتصر منه شيئا أم لا إذا كانت هي الوصية والولد صغار في حجرها؟ قال: قال لي مالك: إذا وهبت الأم لولدها أو نحلتهم ولهم أب، فإن الأم تعتصر ذلك كما يعتصره الأب ما لم يستحدثوا دينا أو ينكحوا. وما نحلت أو وهبت الأم لولدها الصغار ولا أب لهم، فإنها لا تعتصر ذلك. وليس يعتصر ما يوهب لليتامى ولا ما ينحلون. قال لي مالك: إنما ذلك عندي بمنزلة الصدقة. وما نحل الأب أو وهب لولده الصغار، فإنه يعتصر ذلك ولو لم تكن لهم أم،

في اعتصار الأب
قلت: فإن وهب لهم الأب وهم صغار فبلغوا رجالا ولم يحدثوا دينا ولم ينكحوا، فأراد الأب أن يعتصر هبته، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يهب لولده الكبار هبة، ثم يريد أن يعتصرها: إن ذلك له ما لم يستحدثوا دينا أو ينكحوا، فكذلك إذا وهب لهم وهم صغار ثم بلغوا، فله أن يعتصر هبته ما لم يحدثوا دينا أو ينكحوا أو تتغير عن حالها. قال مالك: ولو أن رجلا نحل ابنا له جارية فوطئها ابنه لم يكن له أن يعتصرها. قلت: أرأيت ما وهب للصبي إذا وهبه له رجل أجنبي، أيجوز للأب أن يعتصره؟ قال: لا يجوز ذلك له. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم.، ألا ترى أنه مال من مال الصبي لا يجوز له أن يعتصره، وإنما يجوز له أن يعتصر ما وهبه هو، بحال ما وصفت لك. قلت: فإن تصدق والد على ولده وهم صغار أو كبار بصدقة، أيجوز له أن يعتصرها؟ قال: قال مالك: الصدقة مبهمة ليس يجوز لأحد فيها اعتصار، لا والد ولا والدة. قلت: أرأيت العطية والعمرى والنحل إذا فعله الرجل بابنه، أيجوز له أن يعتصره كما يجوز له في الهبة، أم تجعله بمنزلة الصدقة؟ قال: العطية بمنزلة الهبة، والنحل بمنزلة الهبة، والعمرى فهي بمنزلة الصدقة والحبس، لأن مالكا قال: ليس له أن يعتصر في الصدقة وحدها. قلت: والحبس، أيكون له أن يعتصره في قول مالك؟ قال: إن كان الحبس على وجه الصدقة فليس له أن يعتصره، وإن كان على غير وجه الصدقة فله أن يعتصره. قلت: ويكون حبسا أو عمرى على غير وجه الصدقة؟ قال: نعم. يحبس الدار على ابنه أو يعمره شهرا أو شهرين ثم مرجعها إليه، فإن هذا ليس على وجه الصدقة

وهذا سكنى. قلت: مرجعها إليه في قول مالك مال من ماله؟ قال: نعم ابن وهب عن ابن جريج عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد"1 . قال طاوس: وبلغني أنه قال صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الذي يهب الهبة ثم يعود فيها كمثل الكلب يعود في قيئه" 2 . ابن وهب عن سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الذي يعود في هبته لعائد في قيئه ليس لنا مثل السوء" 3. ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: أيما رجل نحل ولدا له كان في حجره فهو حائز له، وإن كان له أهل فلا يجوز إلا أن يحوز. وإن نحل ابنه أو ابنته قبل أن ينكحا ثم نكحا على ذلك، فليس له أن يرجع فيه. وإن كان نحله بعد أن نكح، فإن الأب يرجع فيما أعطى ابنه ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن موسى بن سعد حدثه أن سعدا مولى آل الزبير نحل ابنته جارية له، فلما تزوجت أراد ارتجاعها فقضى عمر: أن الوالد يعتصرها ما دام يرى ماله ما لم يمت صاحبها فتقع فيها المواريث. أو تكون امرأة فتنكح. قال يزيد: وكتب عمر بن عبد العزيز: أن الوالد يعتصر ما وهب لابنه ما لم يداين الناس أو ينكح أو يموت ابنه فتقع فيه المواريث. وقال في ابنته إذا هي نكحت أو ماتت ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت سليمان بن يسار قال: يعتصر الوالد من ولده ما دام حيا، وما أرى عطيته بعينها وما لم يستهلكها وما لم يكن فيها ميراث ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عطاء بمثل قضاء عمر بن عبد العزيز ابن وهب عن الليث بن سعد أن نافعا مولى ابن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب قال: الصدقة لا يرتد فيها صاحبها. قال ابن وهب: وقال عمر بن عبد العزيز وربيعة وأبو الزناد وعبد الرحمن بن القاسم ونافع مولى ابن عمر ويزيد بن قسيط مثله ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إليه أيوب بن شرحبيل: أن الصدقة عزمة بتة بمنزلة العتاقة لا رجعة فيها ولا مثنوية ابن وهب عن يونس بن يزيد عن أبي الزناد أنه قال في رجل تصدق على ولده ثم عقه، أله أن يرجع في ذلك؟ قال: لا يرجع في صدقته. وقال ربيعة: لا يعتصر الرجل صدقته على ابنه وإن عقه، وقاله مالك.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الهبة باب 30. النسائي في كتاب الهبة باب 2. ابن ماجه في كتاب الهبات باب 2. أحمد في مسنده [2/ 182].
2 وراه البخاري في كتاب الهبة باب 14، 30. كتاب الجهاد باب 137. كتاب الحيل باب 14. مسلم في كتاب الهبات حديث 7، 8. أبو داود في كتاب البيوع باب 81. النسائي في كتاب الهبة باب 2، 4. ابن ماجه في كتاب الهبات باب 5. أحمد في مسنده [1/ 217، 250، 280، 291، 339، 345]، [2/ 182، 208، 430].
3 رواه البخاري في كتاب الهبة باب 30. كتاب الحيل باب 14. الترمذي في كتاب البيوع باب 61.

في اعتصار ذوي القرابة
قلت: هل يجوز لأحد من الناس أن يعتصر - في قول مالك - هبة جد أو جدة أو خال أو خالة أو عم أو عمة أو غيرهم، أيجوز لهم أن يعتصروا؟ قال: لا أعرف الاعتصار

يجوز في - قول مالك - لأحد من الناس إلا والدا أو والدة، ولا أرى ذلك لأحد غيرهما ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: كان رجال من أهل العلم يقولون: ليس للولد أن يعتصر من والده شيئا لأجل فضيلة حق والده على فضيلة حقه. قال يونس: وقال ربيعة: لا يعتصر الولد من الوالد.

في الهبة للثواب
قلت: أرأيت إن وهبت هبة لرجل فقبضها بغير أمري، أيجوز قبضه؟ قال: نعم - في قول مالك - لأنك لو منعته ثم قام عليك كان له أن يقبضها منك إذا كانت لغير الثواب. قلت: فإن كانت الهبة للثواب فله أن يمنعه هبته حتى يثيبه منها. قال: نعم وهذا مثل البيع.قلت: أرأيت إن وهب لي سلعة للثواب فقبضتها قبل أن أثيبه، أيكون لي أن أردها إليه حتى أثيبه في قول مالك؟ قال: يوقف الموهوب له، فإما أثابه وإما رد سلعته إليه ويتلوم في ذلك لهما جميعا مما لا يكون عليهما في ذلك ضرر ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: الهبة للثواب عندنا مثل البيوع، يأخذها صاحبها إذا قام عليها، فإن هي نمت عند الذي وهبت له فليس للواهب إلا القيمة، قيمتها يوم وهبها.

الثواب في هبة الذهب والورق
قلت: أرأيت الدنانير والدراهم إذا وهبها فقير لغني، أيكون فيها الثواب في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس في الدنانير والدراهم ثواب. قلت: فإن وهبها وهو يرى أنه وهبها للثواب؟ قال: قال مالك: إذا وهب دنانير أو دراهم، ثم ادعى أنه إنما وهبها للثواب، قال مالك: لا يقبل قوله ولا ثواب له. قلت: فإن وهب له دراهم أو دنانير واشترط الثواب؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا إلا ما أخبرتك، وأرى له فيها الثواب إذا اشترطه عرضا أو طعاما وقال مالك: وسئل عن هبة الحلي للثواب قال مالك: أرى للواهب قيمة الحلي من العروض في الثواب ولا يأخذ دراهم ولا دنانير. قلت: فإن كان وهب حليا فضة فلا يأخذ في الثواب دنانير؟ قال: نعم عند مالك. قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل الغني يقدم من سفر، فيهدي له جاره الفقير الهدية الرطب والفاكهة وما أشبههما حين يقدم، ثم يقول بعد ذلك ما أهديت لك إلا رجاء الثواب أن تكسوني أو تصنع بي خيرا. قال: قال مالك: لا شيء له. قلت له: وإن كانت هديته قائمة فلا شيء له فيها؟ قال: لا شيء له فيها وإن كانت قائمة بعينها، ألا ترى أنه

في الثواب فيما بين ذوي القرابة وبين المرأة وزوجها
قلت: أرأيت من وهب لذي رحم هبة، أيكون له أن يرجع فيها في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس بين الرجل وامرأته ثواب في الهبة إلا أن يكون يعلم أنها أرادت بذلك ثوابا، مثل أن يكون الرجل الموسر والمرأة لها الجارية الفارهة، فيطلبها منها فتعطيه إياها - تريد بذلك استقرار صلته وعطيته - والرجل مثل ذلك يهب الهبة لامرأته، والابن لأبيه يرى أنه إنما أراد بذلك استقرار ما عند أبيه، فإذا كان مثل ذلك مما يرى الناس أنه وجه ما طلب لهبته تلك رأيت بينهما الثواب، فإن أثابه وإلا رجع كل واحد منهما في هبته، وإن لم يكن وجه ما ذكرت لك فلا ثواب بينهم، فعلى هذا فقس ما يرد عليك من هذا. قلت: أرأيت إن وهبت لعمتي أو لعمي أو لجدي أو لجدتي أو أختي أو ابن عمي هبة، أو وهبت لقرابتي ممن ليس بيني وبينهم محرم، أو لقرابتي ممن بيني وبينهم محرم، أيكون لي أن أرجع في هبتي؟ قال: أما ما وهبت من هبة يعلم أنك إنما وهبتها تريد بها وجه الثواب، فإن أثابوك وإلا رجعت في هبتك وأما ما وهبت من هبة يعلم أنك لم ترد بها وجه الثواب فلا ثواب لك مثل أن تكون غنيا فتصل بعض قرابتك فقراء، فتزعم أنك أردت بها الثواب، فهذا لا تصدق على ذلك ولا ثواب لك ولا رجعة لك في هبتك. قال: وهذا كله قول مالك سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: ليس بين الرجل وامرأته - فيما كان من أحدهما إلى صاحبه من عطاء أو صدقة بت - ليس بينهما في ذلك ثواب، وليس لأحدهما أن يرتجع فيما أعطى صاحبه، وذلك لأنه من الرجل إذا أعطى امرأته حسن صحبة فيما ولاه الله من أمرها وأوجب عليه من نفقتها وإفضائه من المعروف إليها، ولأنه من المرأة إلى زوجها مواساة ومعونة له على صنيعته وصنيعتها، فليس بينهما ثواب فيما أعطاه أحدهما صاحبه، ولا عوض إلا أن يشترط أحدهما على صاحبه شرطا وأخبرني ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن سعيد بن المسيب وغير واحد من أهل العلم مثله. وقال مالك: والليث مثله.

في الثواب بين الغني والفقير والغنيين
قلت: وكذلك هذا في الأجنبيين في قول مالك؟ قال: نعم، لو وهب لأجنبي هبة - والواهب غني والموهوب له فقير - ثم قال بعد ذلك الواهب: إنما وهبتها له للثواب، لم يصدق على ذلك ولم يكن له أن يرتجع في هبته، وهذا قول مالك. قال: وإن كان فقيرا وهب هبة لغني فقال: إنما وهبتها للثواب قال: هذا يصدق ويكون القول قوله، فإن أثابه وإلا رد إليه هبته قلت: أرأيت إن كانا غنيين أو فقيرين، وهب أحدهما لصاحبه هبة ولم يذكر الثواب حين وهب له، ثم قال بعد ذلك الواهب: إنما وهبته للثواب: وكذلك الآخر، أيكون القول قول الواهب أم لا في قول مالك قال: لا أقوم على حفظه في هذا، ولكني لا أرى لمن وهب لفقير ثوابا وإن كان الواهب فقيرا إذا لم يشترط في أصل الهبة ثوابا، وأما غني وهب لغني فقال: إنما وهبت للثواب. فالقول قول الواهب إن أثيب من هبته وإلا رجع في هبته. وقال مالك: قال عمر بن الخطاب: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه الصدقة، فإنه لا يرجع فيها. ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب، فهذا على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها. قال: وسمعت حنظلة بن أبي سفيان يقول سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول عن أبيه عن عمر بن الخطاب مثل ذلك. وحدثني عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب بذلك. قال ابن وهب: وأخبرني غيرهم عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وغيره عن عمر بن الخطاب بذلك. وقال عمر: وإن هلكت أعطاه شرواها بعد أن يحلف بالله ما وهبها إلا رجاء أن يثيبه عليها ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: المواهب ثلاثة: موهبة يراد بها وجه الله، وموهبة يراد بها وجه الناس وموهبة يراد بها الثواب، فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إن لم يثب منها.

في الرجوع في الهبة
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل هبة فعوضني منها، أيكون لواحد منا أن يرجع في شيء مما أعطى في قول مالك؟ قال لا. قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب لرجلين عبدا فعوضه أحدهما عوضا من حصته، أيكون له أن يرجع في حصة الآخر؟ قال: نعم. له أن يرجع في حصة الآخر، وما سمعت ذلك من مالك، ولكنه مثل البيوع في قول مالك إذا باع العبد من رجلين صفقة واحدة فنقده أحدهما وأفلس الآخر، كان له أن يأخذ نصيب الآخر يكون أولى به من الغرماء، هذا قول مالك. قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب لرجل هبة فعوضه فيها أجنبي غير الموهوب له عن تلك الهبة عوضا، فأراد المعوض أن يرجع

في عوضه، أيكون ذلك له أم لا؟ قال: لا يكون له ذلك، ولكن ينظر، فإن كان المعوض إنما أراد بالعوض حين عوض الواهب عن الموهوب له - أراد بذلك العوض هبة للموهوب له - يرى أنه إنما أراد بها الثواب، فأرى له أن يرجع على الموهوب له بقيمة العوض إلا أن يكون العوض دنانير أو دراهم، فليس له أن يرجع عليه بشيء. وإن كان إنما أراد بعوضه السلف فله أن يتبع الموهوب له. قلت: وإن كان بغير أمر الموهوب له؟ قال: نعم وإن كان بغير أمره. قال: وإن كان أراد بعوضه هبة عن الموهوب له، يرى أنه لم يرد بها وجه الثواب ولا وجه يرى أنه إنما عوضه ليكون سلفا على الموهوب له، فليس له أن يرجع على الموهوب له بشيء. قلت: أرأيت الهبة إذا تغيرت بنماء أو نقصان بدن فليس له أن يرجع فيها؟ قال: لا، ليس له أن يرجع فيها وإن نقصت، ولا للموهوب له أن يردها وإن زادت وقد لزمته القيمة فيها. قلت: أرأيت إذا وهبت هبة فحالت أسواقها، أيكون لي أن أرجع فيها؟ قال: لا أدري ما يقول مالك فيها في حوالة الأسواق، ولا أرى له شيئا إلا هبته، إلا أن تفوت في بدنها بنماء أو نقصان. قال ابن وهب: قال مالك: إن شاء أن يمسكها وإن شاء أن يردها. قال ابن وهب: أخبرني من أثق به عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب أتي برجل وهب جارية فولدت أولادا فرجع فيها. قال: يرجع في قيمتها يوم وهبها ونماؤها للذي وهبت له. قال ابن وهب: قال إسماعيل بن أمية: وقضى عمر بن عبد العزيز في رجل وهب غلاما عند صاحبه وشب. قال: له قيمته يوم وهبه.

في الثواب أقل من قيمة الهبة أو أكثر وقد نقصت الهبة أو زادت أو حالت أسواقها
قلت: أرأيت هذا الذي وهب هبة للثواب إذا اشترط الثواب، أو يرى أنه إنما أراد الثواب فأثابه الموهوب له أقل من قيمة الهبة، قال: قال مالك: إن رضي بذلك وإلا أخذ هبته. قلت: فإن أثابه قيمة هبته، فأبى أن يرضى والهبة قائمة بعينها عند الموهوب له؟ قال: قال مالك: إذا أثابه قيمة الهبة أو أكثر من ذلك فليس للواهب على الهبة سبيل. قلت: فإن كانت الهبة قد تغيرت في يد الموهوب له، بزيادة أو نقصان، فأثابه الموهوب له أقل من قيمة الهبة؟ قال: قال مالك: إذا تغيرت في يد الموهوب له، بزيادة أو نقصان، فالقيمة لازمة له. قلت: فإن أراد أن يأخذ هبته ناقصة وقال لا أريد القيمة؟ قال: ليس ذلك له أن يأخذها إذا نقصت إنما تكون له القيمة على الذي وهبت له إلا أن يشاء الموهوب له ذلك. قلت: فإن أبى أن يثيبه ورضي أن يدفعها إليه؟ قال: ليس ذلك للموهوب له إلا أن يشاء الواهب أن يقبلها ابن وهب: عن عمر بن قيس عن عدي الكندي قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز: من وهب هبة فهو بالخيار حتى يثاب منها

يرضى، فإن رضي منها بدرهم واحد فليس له إلا ما رضي به. قال: وسمعت عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري يحدث، أن عمر بن عبد العزيز كتب: أيما رجل وهب هبة ثم لم يثب منها، فأراد أن يرجع في هبته، فإن أدركها بعينها عند من وهبها له - لم يتلفها أو تلفت عنده - فليرجع فيها علانية غير سر، ثم ترد عليه إلا أن يكون وهب له شيئا مثيبا، فحبس عند الموهوب له فليقض له بشرواها يوم وهبها له إلا من وهب لذي رحم، فإنه لا يرجع فيها، أو الزوجان أيهما أعطى صاحبه شيئا طيبة بذلك نفسه لا رجعة له في شيء منها وإن لم يثب. وإن عطاء بن أبي رباح سئل عن من وهب لرجل مهرا فنمى عنده ثم عاد فيه الواهب، فقال عطاء: تقام قيمته يوم وهبه قال سليمان بن موسى: فعل ذلك رجل بالشام فكتب عمر بن عبد العزيز: أن اقضه قيمته يوم وهبه، أو شروى المهر يوم وهبه فليدفعه الموهوب له إليه. من حديث ابن وهب الحديثان.

في الموهوب له يموت أو الواهب قبل أن يثاب من هبته
قلت: فإن مات الموهوب له قبل أن يثيب الواهب من هبته، فورثته مكانه في قول مالك، يكون لهم من ذلك في هذه الهبة ما كان للموهوب له وعليهم من الثواب ما كان على الموهوب له؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك إن مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب له هبته، والهبة فيها شرط للثواب أو لا شرط فيها، ولكن يرى أنه إنما وهبها للثواب، أتنتقض الهبة وتكون الهبة لورثة الواهب أم لا تنتقض؟ قال: نعم تنتقض لأنها للثواب. قلت: ويكون محملها محمل البيع في قول مالك؟ محملها محمل البيع لأنها إذا كانت للثواب فإنما هي بمنزلة. البيع قال ابن القاسم: وإذا وهبت الهبة للثواب فلم تتغير في بدنها، أنه لا يكون لصاحبها إلا سلعته إذا لم يثبه الذي قبضها قدر قيمتها، لأن عمر بن الخطاب قال: إن لم يرض من مثوبة هبته، فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض، منها وهذا قول مالك فالهبة في هذا الموضع مخالفة للبيع يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: كل من وهب هبة للثواب فالثواب واجب له على الذي وهب له إن عاش أو مات وإن وهب رجل هبة على غير الثواب فليس له ثواب إن عاش الذي وهبت له أو مات، وليس له أن ينزع إن أعمر الموهوب له، وإن لم يعمر، وليس لورثة الواهب الميت أن يتعقبوا عطاءه.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحبس والصدقة

في الحبس في سبيل الله
قال سحنون: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن حبس الرجل في سبيل الله، فأي سبيل الله هذا؟ قال: قال مالك: سبيل الله كثيرة، ولكن من حبس شيئا في سبيل الله فإنما هو في الغزو. قلت: فالرباط مثل الإسكندرية وما أشبهها من مواجيز أهل الإسلام، أهي غزو؟ ويجوز لمن حبس فرسه في سبيل الله أو متاعه أن يجعله فيه في قول مالك؟ قال: نعم، ولقد أتى رجل مالكا - وأنا عنده قاعد - فسأله عن رجل جعل مالا في سبيل الله، أوصى به فأراد وصيه أن يفرقه في جدة فنهاه مالك عن ذلك وقال: لا، ولكن فرقه في السواحل. قال ابن القاسم: يريد سواحل الشام ومصر. قلت ما بال جدة أليست ساحلا؟ قال: ضعفها مالك، وقالوا لمالك: إنهم قد نزلوا بها. قال: فقال مالك: إنما كان ذلك شيئا خفيفا فضعف ذلك مالك. قال: ولقد سأله قوم - وأنا عنده قاعد - أيام كان من دهرك ما كان، وكانوا قوما قد تجهزوا يريدون الغزو إلى عسقلان والإسكندرية أو بعض هذه السواحل، واستشاروه أن ينصرفوا إلى جدة فنهاهم عن ذلك وقال لهم: الحقوا بالسواحل. قال سحنون: قال ابن وهب: قال يونس: قال ربيعة: كل ما جعل صدقة، حبس أو حبس ولم يسم صدقة، فهو كله صدقة تنفذ في مواضع الصدقة وعلى وجه ما ينتفع بذلك فيه، فإن كانت دواب ففي الجهاد، وإن كانت غلة أموال فعلى منزلة ما يرى الوالي من وجوه الصدقة. قال ابن القاسم: وقد سئل مالك عن رجل أوصى بوصية فأوصى فيها بأمور، وكان فيما أوصى به أن قال: داري حبس ولم يجعل لها مخرجا، ولم يدر أكان ذلك منه نسيانا أو جهل الشهود أن يذكروه ذلك، فقال مالك: أراها حبسا في الفقراء والمساكين. فقيل له: فإنها بالإسكندرية وجل ما يحبس

الناس بها في سبيل الله؟ قال: ينظر في ذلك ويجتهد فيه فيما يرى الوالي، وأرجو أن يكون له سعة في ذلك إن شاء الله.

في الرجل يحبس رقيقا في سبيل الله
قلت: أرأيت إن حبس رقيقا له في سبيل الله أتراهم حبسا؟ قال: نعم. قلت: وما يصنع بهم؟ قال: يستعملون في سبيل الله. قلت: ولا يباعون؟ قال: لا. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه.

في الرجل يحبس ثيابا في سبيل الله
قلت: أرأيت الثياب، هل يجوز أن يحبسها رجل على قوم بأعيانهم أو على مساكين أو في سبيل الله في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى به بأسا أن يحبس الرجل الثياب والسروج. قلت: أرأيت ما ضعف من الدواب، المحبسة في سبيل الله أو بلي من الثياب، كيف يصنع بها؟ قال: قال مالك: أما ما ضعف من الدواب حتى لا يكون فيها قوة للغزو، فإنه يباع ويشترى بثمنها غيرها من الخيل فيجعل في سبيل الله. قال ابن القاسم: فإن لم يكن في ثمنه ما يشترى به فرس أو هجين أو برذون، رأيت أن يعان به في ثمن فرس، والثياب إن لم تكن فيها منفعة بيعت واشتري بثمنها ثياب ينتفع بها، وإن لم يكن في ثمنها ما يشترى به شيء ينتفع به فرق في سبيل الله. قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول في الفرس الحبيس في سبيل الله إذا كلب: إنه لا بأس أن يباع ويشترى فرس مكانه سحنون: وقد روى غيره: أن ما جعل في السبيل من العبيد والثياب أنها لا تباع. قال: ولو بيعت لبيع الربع المحبس إذا خيف عليه الخراب، وهذه جل الأحباس قد خربت فلا شيء أدل على سنتها منها. ألا ترى أنه لو كان البيع يجوز فيها ما أغفله من مضى، ولكن بقاؤه خرابا دليل على أن بيعه غير مستقيم. وبحسبك حجة في أمر قد كان متقادما بأن تأخذ منه ما جرى الأمر عليه، فالأحباس قديمة ولم تزل، وجل ما يؤخذ منها بالذي به لم تزل تجري عليه فهو دليلها. قال سحنون: فبقاء هذه خرابا دليل على أن البيع فيها غير مستقيم؛ لأنه لو استقام لما أخطأه من مضى من صدر هذه الأمة، وما جهله من لم يعمل به حين تركت خرابا وإن كان قد روي عن ربيعة خلاف لهذا في الرباع والحيوان إذا رأى الإمام ذلك. قال ابن وهب: عن الليث أنه سمع يحيى بن سعيد سئل عن فرس حبس دفعت إلى رجل فباعها؟ فقال يحيى: لم يكن لينبغي له أن يحدث فيها شيئا غير الذي جعلت فيه، ألا يخاف ضعفها وتقصيرها عما جعلت له، فلعل ذلك أن يخفف بيعها ثم يشتري مكانها فرسا تكون بمنزلتها حبسا.

في الرجل يحبس الخيل والسلاح في سبيل الله فلا يخرج ذلك من يده حتى يموت
قلت: أرأيت من حبس الخيل فلم ينفذها ولم يخرجها من يده إلى أحد حتى مات، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا وهي ميراث كلها، كذلك قال مالك. قال: وقال مالك في السلاح إذا حبسه - وهو صحيح - ولم ينفذه بحال ما وصفت لك ولم يخرجه من يده حتى مات فهو ميراث بين الورثة. قال مالك: وإذا حبس سلاحا كان يخرجه ويرجع إليه فهو جائز، وما لم يكن كذلك لم يخرجه حتى مات فهو ميراث، وإن أخرج بعضه فأنفذه وبقي بعضه، فما أخرج منه فهو جائز وما لم يخرج فهو ميراث. قال ابن القاسم: وقد قال مالك: من حبس حبسا من عرض أو حيوان في سبيل الله ثم وليه حتى مات ولم يوجهه في الوجوه التي سمى، غير أنه كان يقوم عليه ويليه حتى مات. قال: أما كل حبس له غلة فإنه إن وليه حتى مات وهو في يديه رأيته ردا في الميراث؛ لأنه لو شاء رجل لانطلق إلى ماله فحبسه ويأكل غلته، فإذا جاءه الموت قال قد كنت حبسته ليمنعه من الوارث، فلا أرى أن يجوز مثل هذا من الأحباس حتى يستخلف عليها الذي حبسها رجلا غيره ويتبرأ إليه منها. وأما كل حبس لا غلة له مثل السلاح والخيل وأشباه ذلك، فإنه إذا وجهه في تلك الوجوه التي سمى وأعمله فيها فقد جاز، وإن كان يليه حتى مات فهو من رأس ماله، وإن لم يكن وجهه في شيء من تلك الوجوه فلا أراه إلا ميراثا.

الرجل يحبس على الرجل وعلى عقبه ولا يدكر في حبسه صدقة وكيف يرجع الحبس
الرجل يحبس على الرجل وعلى عقبه ولا يذكر في حبسه صدقة وكيف يرجع الحبس؟
قال: وقال مالك في الرجل يحبس الحبس على الرجل وعقبه، أو عليه وعلى ولده وولد ولده، أو يقول رجل: هذه الدار حبس على ولدي ولم يجعل له مرجعا بعدهم فانقرضوا: إن هذا الحبس موقوف لا يباع ولا يوهب ويرجع إلى أولى الناس بالمحبس يكون حبسا عليه. قال ابن القاسم: قال مالك: إذا تصدق الرجل بداره على رجل وولده ما عاشوا ولا يذكر لها مرجعا إلا صدقة هكذا إلا شرط فيها فيهلك الرجل وولده. قال: أرى أن ترجع حبسا على أقاربه في المساكين ولا تورث. ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال: من حبس دارا أو تصدق بها قال: الحبس والصدقة عندنا بمنزلة واحدة. قال: فإن كان صاحب ذلك الذي حبس تلك الدار لم يسم شيئا، فإنها لا تباع ولا توهب وليسكنها الأقرب فالأقرب منه. قال سحنون: وقال بعض رجال مالك:

كل حبس أو صدقة كانت عن مجهول من يأتي فهو الحبس الموقوف، مثل أن يقول: على ولدي ولم يسمهم، فهذا مجهول. ألا ترى أنه من حدث من ولده بعد هذا القول يدخل فيه، وكذلك لو قال على ولدي وعلى من يحدث لي بعدهم، فهذه أيضا على مجهول من يأتي. وإذا سمى فإنما هم قوم بأعيانهم وقد فسرنا ذلك ابن وهب: وقال بعض من مضى من أهل العلم: إذا تصدق الرجل على الرجل وعقبه من بعده فهو الحبس الذي لا يباع ولا يوهب يجوزه صاحبه حياته، فإذا مات كان الحبس لعقبه ولعقب عقبه ما بقي منهم أحد، ثم يرجع إذا انقرض العقب إلى ما سمى المتصدق بها وسبلها عليه. قال ابن وهب: وقال رجال من أهل العلم - منهم ربيعة -: إذا تصدق الرجل على جماعة من الناس لا يدري بعددهم ولا يسميهم بأسمائهم فهي بمنزلة الحبس. وقال ربيعة: والصدقة الموقوفة التي تباع إن شاء صاحبها إذا تصدق الرجل على الرجلين أو الثلاثة أو أكثر من ذلك إذا سماهم بأسمائهم. قال سحنون: ومعناه ما عاشوا ولم يذكر عقبا، فهذه الموقوفة التي يبيعها صاحبها إن شاء إذا رجعت إليه. قلت لابن القاسم: أرأيت الرجل: يقول داري هذه حبس على فلان وعلى عقبه من بعده، ولم يقل صدقة. أتكون حبسا كما يقول أو صدقة؟ قال: أصل قوله الذي رأيته يذهب إليه، أنه إذا قال حبس ولم يقل صدقة فهي حبس إذا كانت على غير قوم بأعيانهم. قال سحنون: وإذا كانت على قوم بأعيانهم فقد اختلف قوله فيها، وقد كان يقول إذا قال حبسا على قوم بأعيانهم ولم يقل صدقة، أو قال حبسا ولم يقل لا تباع ولا توهب، فهذه ترجع إلى الذي حبسها إن كان حيا، أو إلى ورثته الذين يرثونه فتكون مالا لهم. وقد قال لا ترجع إليه ولكنها تكون محبسة، بمنزلة الذي يقول لا تباع، وأما إن قال حبسا لا تباع، وقال حبسا صدقة وإن كانوا قوما بأعيانهم، فهذه الموقوفة التي ترجع بعد موت المحبسة عليه إلى أقرب الناس بالمحبس، ولا ترجع إلى المحبس وإن كان حيا. قال سحنون: وهو الذي يقول أكثر الرواة عن مالك وعليه يعتمدون، ولم يختلف قوله في هذا قط أنه إذا قال حبس صدقة، أو قال حبس لا تباع وإن كانوا قوما بأعيانهم، إنما الموقوفة التي ترجع إلى أقرب الناس بالمحبس إن كان ميتا أو كان حيا ولا ترجع إلى المحبس على حال ابن وهب: عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: يقال لو أن رجلا حبس حبسا على أحد، ثم لم يقل لك ولعقبك من بعدك، فإنها ترجع إليه. فإن مات قبل الذين حبس عليهم الحبس ثم ماتوا كلهم أهل الحبس، فإنها ترجع ميراثا بين ورثة الرجل الذي حبس على كتاب الله. ابن وهب: عن يونس عن ربيعة أنه قال: من حبس داره على ولده وولد غيره فجعلها حبسا فهي حبس عليهم يسكنونها على قدر مرافقهم، وإن انقرضوا أخذها ولاته دون ولاة من كان منهم مع ولده إذا كانوا ولدا أو ولد ولد أو غيرهم. قال ربيعة: وكل من حبس دارا

على ولده فأولادهم بمنزلة الولد، والذي يحدث منهم بمنزلة من كان يوم تصدق إلا أن يأخذ قوم بفضل أثره وكثرة عياله في سعة المساكن وقوة المرافق وليس بينهم أثرة إلا بتفضيل حق يرى. سحنون: وأخبرني ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال في الرجل يترك المال حبسا على ولده ثم يموت بعض ولده من صلبه وله ولد. قال ربيعة: إن الصدقة والحبس الذي يجري فيه الولد وولد الولد يكون قائما لا يباع، وأما ما ذكرت من ولد الولد مع الولد فإنما يقع ذلك على الاجتهاد ويكون في المال فلا يحصى، وذلك الولد مع أعمامهم ويكون المال قليلا مستوفى، فتكون الأعمام أحق به من ولد أخيهم، ويكون العسر واليسر فينظر الناس في ذلك كله. وقال يحيى بن سعيد: من حبس داره على ولده فهي على ولده وولد ولده - ذكورهم وإناثهم - إلا أن ولده أولى من ولد ولده ما عاشوا إلا أن يكون فضل فيكون لولد الولد فذلك حق لحاجتهم. وقال يحيى بن سعيد: من حبس داره على ولده وولد ولده فهي على ما وضعها عليه إلا أنه يبدأ بولده قبل ولد ولده وليس لولد البنات فيها حق. وقال مالك: من قال: داري حبس على ولدي فإن ولد الولد يدخلون مع الآباء ويؤثر الآباء، وإن قال: ولدي وولد ولدي. دخلوا أيضا ويبدأ بالولد وكان لهم الفضل إن كان فضل. قال سحنون: وكان المغيرة وغيره يسوي بينهم. وقال مالك: ليس لولد البنات شيء إذا قال الرجل: هذه الدار حبس على ولدي. فهي لولده وولد ولده وليس لولد البنات شيء. قال الله في كتابه :{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سورة النساء: 11] فاجتمع الناس أنه لا يقسم لولد البنات في الميراث شيء إذا لم يكن له بنات من صلبه؛ لأن بني البنين الذكور والإناث يقسم لهم الميراث ويحجبون من يحجبه من كان فوقهم إذا لم يكن فوقهم أحد. وأخبرني ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل أبا الزناد عن رجل حبس على رجل وولده حبسا ما عاشوا ألا يباع ولا يوهب ولا يورث. قال أبو الزناد: فهي على ما وضعها عليه ما بقي منهم أحد، فإن انقرضوا صارت إلى ولاة الذي حبس وتصدق. قال ربيعة ويحيى وابن شهاب: إن الحبس إذا رجع إنما يرجع إلى ولاة الذي حبس وتصدق.

في الرجل يحبس داره في مرضه على ولده وولد ولده ويهلك ويترك زوجته وأمه وولده وولد ولده
قلت: أرأيت لو أن رجلا حبس على ولده في مرضه وولد ولده داره - ولثلث يحملها - وهلك وترك زوجته وأمه وولده وولد ولده؟ قال: تقسم الدار على عدد الولد وعلى عدد ولد الولد، فما صار لولد الأعيان دخلت الأم معهم والزوجة، فكان ذلك بينهم على فرائض الله. حتى إذا ما انقرض ولد الأعيان رجعت الدار كلها على ولد الولد.

قلت: فإن انقرض واحد من ولد الأعيان؟ قال: يقسم نصيبه على من بقي من ولد الأعيان وعلى ولد الولد؛ لأنهم هم الذين حبس عليهم، ثم تدخل الزوجة الأم وورثة الميت من ولد الأعيان في الذي أصاب ولد الأعيان من ذلك على فرائض الله. قلت: فإن هلكت الأم أو الزوجة أو هلكتا جميعا، أيدخل ورثتهما في حظوظهما ما دام أحد من ولد الأعيان حيا؟ قال: نعم وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إن انقرضت الأم والزوجة أولا، أيدخل ورثتهما مكانهما؟ قال: نعم. قلت: فإن انقرض واحد من ولد الأعيان بعد ذلك؟ قال: يقسم نصيبه على ولد الولد وعلى من بقي من ولد الأعيان، ويرجع من بقي من ورثة الهالك من ولد الأعيان وورثة الزوجة وورثة الأم في الذي أصاب ولد الأعيان فيكون بينهم على فرائض الله. قلت: فإن مات ورثة الزوجة والأم وبقي ورثة ورثتهم؟ قال: يدخلون في ذلك ورثة ورثتهم وورثة من هلك من ولد الأعيان أبدا ما بقي من ولد الأعيان أخذ بحال ما وصفت لك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قوله. قلت: فإن انقرض الولد وولد الولد رجعت حبسا على أولى الناس بالمحبس في قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يحبس الدار وشترط على المحبس عليه مرمتها
في الرجل يحبس الدار ويشترط على المحبس عليه مرمتها
قلت: أرأيت الرجل يحبس داره على رجل وعلى ولده وولد ولده، ويشترط على الذي حبس عليه أن ما احتاجت إليه الدار من مرمة فعلى المحبس عليه أن ينفق في مرمتها من ماله؟ قال: لا يصلح ذلك، وهذا كراء وليس بحبس. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا، إلا أن مالكا قال في الفرس تحبس على الرجل ويشترط على المحبس عليه حبسه سنة وعلفه فيها. قال مالك: لا خير فيه. وقال: أرأيت إن هلك قبل أن تستكمل السنة كيف يصنع أيذهب علفه باطلا؟ قلت: فما يصنع، أتجعل الفرس والدار حبسا إذا وقع مثل هذا الشرط أم يبطل ذلك؟ قال: لا أدري إلا أن مالكا قال في الفرس لا خير فيه. ووجه كراهيته عنده؛ لأنه غرر وقال: أرأيت لو مات قبل السنة أكان تذهب نفقته؟ قال مالك في الرجل يبيع عبده على أنه مدبر على المشتري: إنه لا خير فيه. قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه يجوز تدبيره؛ لأنه بيع قد فات بالتدبير ويرجع البائع على المشتري بتمام الثمن إن كان البائع هضم له من الثمن لذلك شيئا، وهذا قول مالك في التدبير. فأرى في الفرس أنه يخير صاحبه الذي حبسه، فإن أحب - إن لم يفت الأجل - أن يضع الشرط ويبتله لصاحبه فعل أو يدفع إليه ما أنفق ويأخذ فرسه، فإن فات الأجل لم أر أن يرد، وكان للذي بتل له بعد السنة بغير قيمة، وأرى في الدار تكون حبسا على ما جعل ولا يلزمه مرمة وتكون مرمتها من غلتها؛ لأنها فاتت في سبيل الله ولا تشبه البيوع إلا أن مالكا يكره له ذلك.

في الحبس على الولد وإخراج البنات وإخراج بعضهم عن بعض وقسم الحبس
سحنون: قال ابن وهب: وأخبرني حيوة بن شريح أن محمد بن عبد الرحمن القرشي أخبره قال: حبس عثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله دورهم. وأخبرني غيره من أهل العلم عن علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص وغيرهم مثله. قال سعيد بن عبد الرحمن وغيره عن هشام بن عروة أن الزبير بن العوام قال في صدقته على بنيه: لا تباع ولا تورث، وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضار بها. وإن يزيد بن عياض ذكر عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن يفحص له عن الصدقات وكيف كانت أول ما كانت، قال: فكتبت إليه أذكر له صدقة عبد الله بن زيد وأبي طلحة وأبي الدحداحة، وكتبت إليه أذكر له أن عمرة بنت عبد الرحمن ذكرت لي عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت صدقات الناس اليوم وإخراج الرجال بناتهم منها تقول: ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله عز وجل: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} [الأنعام:139] قالت: والله إنه ليتصدق الرجل بالصدقة العظيمة على ابنته فترى غضارة صدقته عليها وترى ابنته الأخرى، وإنه ليعرف عليها الخصاصة لما أبوها أخرجها من صدقته. وإن عمر بن عبد العزيز مات حين مات وإنه ليريد أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها النساء. وإن مالكا ذكر أن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت حبسا على أولادهما دورا، وإنهما سكنا في بعضها. فهذا يدل على قول عائشة أن الصدقات فيما مضى إنما كانت على البنين والبنات حتى أحدث الناس إخراج البنات، وما كان من عزم عمر بن عبد العزيز على أن يرد ما أخرجوا منها البنات، يدل على أن عمر ثبت عنده أن الصدقات كانت على البنين والبنات.
قال مالك: من حبس على ولده دارا فسكنها بعضهم ولم يجد بعضهم فيها مسكنا، فيقول الذي لم يجد منهم مسكنا أعطوني من الكراء بحساب حقي قال: لا أرى ذلك له ولا أرى أن يخرج أحد لأحد، ولكن إن غاب أحد منهم أو مات سكن فيه، وهكذا حبس ابن عمر وزيد بن ثابت لا يخرج أحد لأحد ولا يعطى من لم يجد مسكنا كراء. قال ابن القاسم: قال مالك: إن غاب أحد أي إن كان يريد المقام في الموضع الذي غاب إليه، وأما إن كان رجلا يريد أن يسافر إلى موضع ليرجع فهو على حقه قال سحنون: وقال علي بن زياد في روايته: إن غاب مسجلا ولم يذكر ما قال ابن القاسم. ابن وهب: عن محمد بن عمر وعن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في صدقة الرباع: لا يخرج أحد من أهل الصدقة لأحد إلا أن يكون عنده فضل من المساكن.وسئل مالك عن رجل حبس حبسا على ولده وعلى

أعقابهم - وليس له يومئذ عقب - فأنفذه لهم في صحته ثم هلك بعد ذلك وهلك ولده، ثم بقي بنو بنيه وبنو بني بنيه، هل لبني بنيه مع آبائهم في الحبس شيء؟ قال: أرى أن يعطى بنو بنيه من الحبس كما يعطى بنو بنيه إذا كانوا مثلهم في الحال والحاجة والمؤنة، إلا أن الأولاد ما داموا صغارا ولم يبلغوا ولم يتزوجوا ولم يكن لهم مؤنة فإنما يعطي الأب بقدر ما يمون ومن بلغ منهم حتى يتزوج، وتكون حاجته ومؤنته مثل حاجة البنين فهم فيه شرعا سواء إذا كان موضعا، وإن كانوا صغارا فإنه لا يقسم لهم ويعطى آباؤهم على قدر عيالهم.

في المحبس عليه يموت وقد رمى في الحبس مرمة ولم يذكرها أو ذكرها
قلت: أرأيت لو أن رجلا حبس دارا له على ولده وعلى ولد ولده، ثم إن أحد البنين بني في الدار بنيانا، أو أدخل خشبة في بناء الدار، أو أصلح فيها شيئا ثم مات ولم يذكر لما أدخل في الدار ذكرا؟ قال: قال مالك: لا أرى لورثته فيها شيئا. قلت: فإن كان قد ذكر الخشبة التي أدخل أو ما أصلح فقال: خذوه فهو لورثتي، أو أوصى به، أيكون ذلك له؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وذلك له. قلت: فإن كان قد بنى بنيانا كثيرا ثم مات ولم يذكر ذلك؟ قال: الذي أخبرتك عن مالك أنه قال: إذا بنى أو أدخل خشبة فأرى مالكا قد ذكر البناء، وذلك عندي كله سواء. وقد قال المخزومي: لا يكون من ذلك محرما ولا صدقة إلا الشيء اليسير، مثل السترة وما أشبهها من الميازيب ما لا يعظم خطره ولا قدره، فأما الشيء اليسير الذي له القدر فهو مال من ماله يباع في دينه ويأخذ ورثته.

في الرجل يحبس حائطه في المرض فلا يخرج من يده حتى يموت
قلت: أرأيت إن حبس رجل نخل حائطه على المساكين في مرضه ولم يخرج من يديه حتى مات، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان الثلث يحمله؛ لأن هذه وصية، كأنه قال: إذا مت فحائطي على المساكين حبس لهم تجري عليهم غلتها، ولأن كل فعل فعله في مرضه من بت صدقة أو بت عتق ليس يحتاج فيه إلى أن يقبض من يديه، ولأنه لو قبض من يديه كان موقوفا لا يجوز لمن قبضه أكل غلته إن كانت له غلة، ولا أكله إن كان مما يؤكل حتى يموت، فيكون في الثلث أو يصح، فينفذ البتل كله إن كان لرجل بعينه، وإن كان للمساكين أو في سبيل الله أمر بإنفاذ ذلك، وإن فعل الصحيح ليس يجوز منه إلا ما قبض وحيز قبل أن يموت المتصدق أو يفلس. قال سحنون: وقد كان له قول في فعل المريض إذا كانت له أموال مأمونة.

في الرجل يحبس حائطه في الصحة ولا يخرجه من يديه حتى يموت
قلت: أرأيت إن حبس نخل حائطه أو تصدق به على المساكين في الصحة فلم يخرجها من يديه حتى مات؟ قال: لا يجوز؛ لأن هذا غير وصية، فإذا كان غير وصية لم يجز إلا أن يخرجها من يديه قبل أن يموت، أو يوصي بإنفاذها في مرضه فتكون من الثلث. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: ومن تصدق بصدقة أو وهب هبة على من يقبض لنفسه فلم يقبضها حتى مرض المتصدق أو الواهب، كان المتصدق عليه وارثا أو غيره لم يجز له قبضها وكانت مال الوارث، وكذلك العطايا والنحل. قال سحنون: قال ابن وهب: ألا ترى أن الحارث بن نبهان ذكر عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب وذكر محمد بن عبيد الله عن ابن أبي مليكة وعطاء بن أبي رباح أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس قالوا: لا تجوز صدقة حتى تقبض. وقال شريح ومسروق: ولا تجوز صدقة إلا مقبوضة ذكره أشهل. وإن يونس ذكر عن ابن وهب أنه قال: ما تصدق به وهو صحيح فلم يقبضه من تصدق به عليه إلا أن يكون صغيرا فهو للورثة، ولا تجوز صدقة إلا بقبض. وإن مالكا ويونس بن يزيد ذكرا عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن عثمان بن عفان قال: من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحلة فأعلن بها وأشهد عليها فهي جائزة وإن وليها أبوه. ابن وهب: وإن رجالا من أهل العلم ذكروا عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وشريح الكندي وابن شهاب وربيعة وبكير بن الأشج مثله. قال شريح: هو أحق من وليه. قال ابن وهب: وإن مالك بن أنس ويونس بن يزيد ذكرا عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما بال رجال ينحلون أولادهم نحلا ثم يمسكونها، فإن مات ابن أحدهم قال مالي بيدي لم أعطه أحدا، وإن مات هو قال هو لابني قد كنت أعطيته إياه. من نحل نحلة لم يحزها الذي نحلها حتى تكون إن مات لورثته فهو باطل1. سحنون: ألا ترى أن أبا بكر الصديق نحل عائشة ابنته أحدا وعشرين وسقا، ولم تقبض ذلك حتى حضرت أبا بكر الوفاة فلم يجز لها ذلك. وإنما أبطل عمر النحل التي لم تقبض في الكبير الذي مثله يقبض لنفسه، ألا ترى أنه جوزه للصغير وجعل الأب قابضا له ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب إن علي بن أبي طالب قال: المواهب ثلاثة: موهبة يراد بها وجه الله وموهبة يراد بها وجه الناس وموهبة يراد بها الثواب. فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثبت. وإن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه الصدقة، فإنه لا يرجع فيها. ومن وهب هبة يرى أنه أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث 41.

في الرجل يحبس داره على المساكين فلا تخرج من يديه حتى يموت
قلت: أرأيت إن حبس غلة دار له على المساكين، فكانت في يديه يخرج غلتها كل عام فيعطيها المساكين حتى مات وهي في يديه، أتكون غلتها للمساكين بعد موته أم تكون ميراثا؟ قال: قال مالك: إذا كانت في يديه حتى يموت لم يخرجها من يديه حتى مات فهي ميراث، وإن كان يقسم غلتها إلا أن مالكا قال لنا في الخيل والسلاح: إنه مخالف للدور والأرضين إذا كان له خيل أو سلاح فجعلها في سبيل الله، فكان يعطي الخيل يغزى عليها أيام غزوها، وإذا قفلت ردت إليه فقام عليها وأعلفها والسلاح مثل ذلك. قال مالك: إذا أنقذها في حياته هكذا وإن كانت ترجع إليه عند القفل، فأراها من رأس المال، وهي جائزة. ولا يشبه هذا عندي النخل ولا الدور والأرضين.

في الرجل يحبس ثمرة حائطه على أجل فيموت المحبس عليه وفي النخل ثمر قد أبرت
قلت: أرأيت إن حبست ثمرة حائطي على رجل بعينه حياته، فأخذ النخل فكان يأخذ ثمرها، ثم إن المحبس عليه مات وفي رءوس النخل ثمر لم يبد صلاحه، لمن يكون الثمر، ألورثة المحبس عليه أو لورثة رب النخل؟ قال: سئل مالك عن رجل حبس حائطا له على قوم بأعيانهم، فكانوا يسقون ويقومون على النخل، فمات بعضهم وفي رءوس النخل ثمر لم يبد صلاحه وقد أبرت؟ قال: قال مالك: أراها للذين بقوا منهم يتقوون بها على سقيه وعمله، وليس من مات فيها شيء ولو طابت الثمرة قبل أن يموت أحد كان حق من مات منهم فيها ثابتا يرثه ورثته، فمسألتك مثل هذا إن مات المحبس عليه قبل أن تطيب الثمرة فهي ترجع إلى المحبس، فإن مات بعدما تطيب الثمرة كانت لورثة الميت المحبس عليه. قال بعض الرواة: هذا إذا كانت صدقة محبسة وكانوا هم يلون عملها. قال: ولقد سئل عنها مالك غير مرة ونزلت بالمدينة فقال مثل ما أخبرتك وإن كانت ثمرة تقسم عليهم غلتها فقط، وليسوا يلون عملها فنصيب من مات منهم رد على صاحبه المحبس. قال ابن القاسم: وقد كان رجع مالك فقال: يكون على من بقي وليس يرجع نصيب من مات إلى المحبس. قال سحنون: وروى الرواة كلهم عن مالك ابن القاسم وابن وهب وابن نافع وعلي المخزومي وأشهب أنه قال: من حبس غلة دار أو

في الرجل يسكن الرجل منزلا على أن عليه مرمته
قلت: أرأيت لو أن رجلا أسكن منزله رجلا سنين معلومة أو حياته على أن عليه مرمته، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا؛ لأن هذا قد صار كراء غير معلوم.

في الرجل يسكن الرجل دارا له على أن ينفق عليه حياته
قال: وسئل مالك عن رجل أعطى رجلا دارا له على أن ينفق عليه الرجل حياته؟ قال: قال مالك: لا يجوز، وما استغلها فذلك له وترد الدار إلى صاحبها والغلة بالضمان، وما أنفق على الرجل غرمه الرجل له وأخذ داره.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصدقة

في الرجل يتصدق بالصدقة فلا تقبض منه حتى يبيعها
قلت: أرأيت لو أن رجلا تصدق على رجل بدار فلم يقبضها المتصدق عليه حتى باعها المتصدق ما قول مالك في ذلك؟ قال: قال مالك: إذا كان الذي تصدق بها عليه قد علم بصدقته فلم يقبضها حتى باعها المتصدق نفذ البيع ولم يرد وكان له الثمن يأخذه، وإن كان لم يعلم فالبيع مردود إذا كان الذي تصدق بها حيا والمتصدق عليه أولى بالدار، وإن مات المتصدق قبل أن يعلم الذي تصدق بها عليه فلا شيء له ولا يرد البيع؛ لأنه لو لم يبعها حتى مات ولم يعلم الذي تصدق بها عليه لم يكن له شيء. وقال أشهب: ليس للمتصدق عليه شيء إذا خرجت من ملك المتصدق بوجه من الوجوه وحيزت عليه.

في الرجل يتصدق على الرجل في المرض فلم يقبض صدقته حتى مات المتصدق
قلت: أرأيت كل هبة أو عطية أو صدقة في المرض كانت، فلم يقبضها الموهوب له ولا المعطى ولا المتصدق عليه حتى مات الواهب من مرضه ذلك، أتكون هذه وصية؟ أم تكون هبة أو صدقة أو عطية لم يقبضها صاحبها حتى مات الواهب فتبطل وتصير لورثة الواهب؟ قال: قال مالك: هي وصية. قال مالك: وكل ما كان مثل هذا الذي ذكرت في المرض فإنما هي وصية من الثلث. قال سحنون: وقد بينا هذا في الرسم الذي قبله.

في الرجل يبتل صدقته في مرضه ثم يريد أن يرجع في صدقته
قلت: أرأيت المريض إن بتل هبته أو عطيته أو صدقته في مرضه وقبضها الموهوب

في الرجل يتصدق على ابنه الصغير بصدقة ثم يشتريها من نفسه
قلت: أرأيت الرجل يتصدق بالجارية على ابنه وهو صغير فيتبعها نفسه، أيكون له أن يشتريها؟ قال: قال مالك: نعم، يقومها على نفسه ويشهد ويستقصي للابن. قلت: فلو أن أجنبيا تصدق على أجنبي بصدقة، أيجوز له أن يأكل من ثمرتها أو يركبها إن كانت دابة أو ينتفع بشيء منها في قول مالك؟ قال: لا. قلت: فإن كان الأب؟ قال نعم إذا احتاج وقد وصفت لك ذلك. قلت: فالأم تكون بمنزلة الأب؟ قال: نعم في رأيي ولم أسمعه من مالك؛ لأنهما إذا احتاجا أنفق عليهما مما تصدقا على الولد سحنون: عن ابن وهب عن جرير بن حازم عن أيوب عن محمد بن سيرين أن رجلا تصدق على ابنه بغلام، ثم احتاج الرجل إلى أن يصيب من غلة الغلام شيئا فسأل عمران بن الحصين صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ما أكل من غلته فليس له فيه أجر وقال عبد الله بن مسعود: دعوا الصدقة والعتاقة ليومهما. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة في الفرس التي تصدق بها على المساكين فأقاموها للبيع - وكانت تعجب زيدا - فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتريها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله، فأضاعه صاحبه وأضر به وعرضه للبيع، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنه يبيعه برخص أفأشتريه؟ فقال: "لا وإن أعطاكه بدرهم إن الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه" 1 . وقال مالك: لا يشتري الرجل صدقته، لا من الذي تصدق بها عليه ولا من غيره.
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الهبات حديث 6. أحمد في مسنده [2/ 289].

في الرجل يتصدق على الرجل المرضي بالصدقة ويجعلها له على يدي رجل فيريد المتصدق عليه أن يقبضها
قلت: أرأيت إن تصدقت على رجل بدراهم، والرجل الذي تصدقت بها عليه

في الدعوى في الرجل يتصدق على الرجل بالحائط وفيه ثمرة قد طابت
قلت: أرأيت الرجل يتصدق على الرجل بالحائط وفيه ثمرة قد طابت فقال المتصدق: إنما تصدقت عليه بالحائط دون الثمرة؟ قال: قال مالك: القول قول رب الحائط من حين تؤبر الثمرة. قلت: فهل يحلف؟ قال: لا وما سمعت من مالك فيه شيئا. قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الرجل يهب النخل للرجل وفيه ثمر؟ قال: قال مالك: إن كانت الثمرة لم تؤبر فهي للموهوب له، وإن كانت قد أبرت رأيت القول فيها قول الواهب فإن قال: إنما وهبت النخل وحدها واحتبست الثمرة فذلك له وهو مصدق. قلت: فكيف يكون وجه الحيازة المعروفة التي إذا حاز النخل فهي حيازة وإن كان ربها يسقيها لمكان ثمرته؟ قال: إن كان خلي بين الموهوب له وبين سقيها، فإن حيازة الموهوب له النخل حيازة، ولم أسمع من مالك يحد في هذه المسألة في الحيازة شيئا.

في الرجل يهب النخل للرجل وشترط ثمرتها لنفسه سنين
في الرجل يهب النخل للرجل ويشترط ثمرتها لنفسه سنين
قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب نخلا لرجل واشترط لنفسه ثمرتها عشر سنين، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: إن كان سلم النخل للموهوب له يسقيها بماء نفسه وللواهب ثمرتها، فإن هذا لا يصلح؛ لأنه كأنه قال له: اسقها إلى عشر سنين ثم هي لك وهو لا يدري أتسلم النخل إلى ذلك الوقت أم لا. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل الفرس يغزو عليه سنتين أو ثلاثة، ينفق عليه المدفوع إليه الفرس من عند نفسه، ثم هو للمدفوع إليه بعد الأجل ويشترط عليه أن لا يبيعه قبل الأجل؟ قال مالك: لا خير فيه وكرهه وبلغني عنه أنه قال: أرأيت إن مات الفرس قبل السنتين أتذهب نفقته باطلا؟ قال مالك: فهذا غرر لا خير فيه، فهذا يدلك على مسألتك في النخل. قال ابن القاسم: وإن كانت النخل في يد الواهب يسقيها ويقوم عليها ولم يخرجها من يده، فإنما هذا رجل وهب نخله بعد عشر سنين، فذلك جائز للموهوب له إن سلمت النخل إلى ذلك الأجل ولم يمت ربها ولم يلحقه دين، فله أن يقوم عليها فيأخذها، وإن مات ربها أو لحقه دين فلا حق له فيها ابن وهب: عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب في رجل أتى قوما فأعطوه إلى العطاء وكتبوا له ودفعوا إليه الكتاب فبلغ ما أعطى فنزع رجال. قال ابن شهاب: قضى عمر بن عبد العزيز أن الصدقة جائزة، ليس لصاحبها أن يرجع فيها. وقد قال أشهب في الفرس عارية لك سنين: إن شرطه ليس مما يبطل عطيته له. ألا ترى لو أن رجلا قال لرجل: هذا الفرس عارية لك سنين تركبه ثم هو لفلان بعدك بتلا، فيترك المعار عاريته لصاحب البتل: إن حقه يجب، وتصير الفرس له. فهو إذا جعله عارية ثم صيره إليه سقطت العارية ووجبت الرقبة له ولم يكن فيها خطر.

في صدقة البكر
قلت: أرأيت الجارية التي تزوجت ولم يدخل بها زوجها، أتجوز لها صدقتها أو عتقها في ثلثها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز لها شيء حتى يدخل بها زوجها، فإذا دخل بها زوجها جاز لها ذلك إن علم منها صلاح. قلت: أرأيت إن دخل بها، هل يوقت لها مالك وقتا يجوز إليه صنيعها في ثلثها؟ قال: لا، إنما وقته دخوله بها إذا كانت مصلحة. قال: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، إنما قال مالك: إذا دخل بها وعرف من صلاحها. قال ابن وهب: وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب قال: لا تجوز لامرأة موهبة لزوجها ولا لغيره حتى تعلم ما ينقصها وما يزيدها. ابن وهب: عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه سئل عن المرأة تعطي زوجها أو تتصدق عليه ولم تمر بها سنة أو تعتق.. قال يحيى: إن كانت المرأة ليست بسفيهة ولا ضعيفة العقل فإن ذلك يجوز لها. ابن وهب: عن يونس بن يزيد قال: قال ربيعة: وكل امرأة أعطت وهي في سترها فهي بالخيار إذا برزت. فإن أقامت على التسليم والرضا لما أعطت بعد أن يبرز وجهها بها فعطاؤها جائز، وإن أنكرت رد عليها ما أعطت والله أعلم.

كتاب الوديعة
في الرجل يستود الرجل المال فيدفعه إلى امرأته أ, أجيره أو جاريته أو أم ولدهبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الوديعةفي الرجل يستودع الرجل المال فيدفعه إلى امرأته أو أجيره أو جاريته أو أم ولده
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت الرجل إذا استودع الرجل مالا فوضعه في بيته أو في صندوقه أو عند زوجته أو عند عبده أو عند خادمه أو أم ولده أو أجيره أو من هو في عياله أو وضعه عند من يثق به ممن ليس في عياله فضاع أيضمن أم لا، قال: قال مالك: في الرجل يستودع الوديعة فيستودعها غيره. قال: إن كان أراد سفرا فخاف عليها فاستودعها ثقة فلا ضمان عليه، وإن كان لغير الذي يعذر به فهو ضامن، فكل ما علم أنه إنما كان من عورة يخافها على منزله أو ما أشبه ذلك فلا ضمان عليه. قال: ولقد سئل مالك عن رجل استودع رجلا مالا في سفر، فاستودعه غيره في السفر فهلك المال فرآه ضامنا ورأى أن السفر ليس مثل البيوت، لأنه حين دفعه إليه في السفر إنما دفعه إليه ليكون معه، وفي البيوت إنما تدفع الوديعة إلى الرجل ليحرزها في البيت، فأرى على هذا القول أنه إن استودع امرأته أو خادمه ليرفعاها في بيته، فإن هذا لا بد للرجل منه، ومن يرفع له إلا امرأته أو خادمه وما أشبههما إذا رفعوها له على وجه ما وصفت لك فلا ضمان عليه، ألا ترى أن مالكا قد جعل له إذا خاف فاستودعها غيره أنه لا يضمن، فكذلك امرأته وخادمه اللتان يرفعان له أنه لا ضمان عليه إذا دفعها إليهما ليرفعانها له في بيته. قال: وأما العبد والأجير فهما مثل ما أخبرتك. وقد بلغني أن مالكا سئل عن رجل استودع مالا فدفعه إلى امرأته ترفعه له فضاع فلم ير عليه ضمانا، وأما الصندوق والبيت فإني أرى: إن رفعه فيه أو في مثله فلا ضمان عليه في قول مالك. قلت: ويصدق في أنه

دفعه إليها أو أنه استودعه إذا ذكر استودعه على هذه الوجوه التي ذكرت أنه لا يضمن فيها، أيصدق في ذلك وإن لم يقم على ما ذكر من ذلك بينة؟ قال: نعم. قلت: ويصدق أنه خاف عليها أو أراد سفرا فخشي عورة فاستودعها لذلك؟ قال: لا، إلا أن يكون مسافرا وعرف من منزله عورة فيصدق، كذلك قال مالك: وإلا فلا.

فيمن استودع وديعة فخرج بها معه في السفر
قال: ولقد سئل مالك عن امرأة ماتت بالإسكندرية وكانت ورثتها بالمدينة، فأوصت إلى رجل فكتب الرجل وصي المرأة إلى ورثتها فلم يأته منهم جواب، وطلب فلم يأته منهم أحد ولا خبر، فخرج الرجل حاجا وخرج بالنفقة معه ليطلب ورثتها ليدفعها إليهم فضاعت منه في الطريق؟ قال: قال مالك: أراه ضامنا حين أخرجها بغير أمر أربابها. فقالوا: إنه خرج بها ليطلبهم فيدفعها إليهم قال مالك: هو عرضها للتلف، فلو شاء لم يخرجها إلا بإذنهم قلت: أرأيت لو أن رجلا استودعني وديعة فحضر مسيري إلى بعض البلدان فخفت عليها فحملتها معي فضاعت، أأضمن في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكيف أصنع بها؟ قال: تستودعها في قول مالك ولا تعرضها للتلف.

فيمن استودع دراهم أو حنطة فخلطها بمثلها
قلت: أرأيت رجلا استودع رجلا ألف درهم فخلطها المستودع بدراهمه فضاعت الدراهم كلها أيكون عليه ضمان أم لا؟ قال: لا أرى عليه ضمانا في رأيي، لأن وديعته قد ضاعت. ولو أن رجلا خلط دنانير كانت عنده وديعة في دنانير عنده فضاعت الدنانير كلها فإنه لا يضمن.

فيمن استودع حنطة فخلطها بشعير
قلت: فلو استودعت رجلا حنطة فخلطها بشعير له فضاع جميع ذلك، أيكون ضامنا لجميع الحنطة في قول مالك؟ قال: نعم، لأنه خلط الحنطة بالشعير فقد ضمن له الحنطة حين خلطها. قلت: ولا يشبه هذا الدراهم إذا خلطها؟ قال: لا، لأن الحنطة التي خلطها بالشعير لا يقدر على أن يتخلصها من الشعير، والدراهم التي خلطها إنما هي دراهم ودراهم، فلهذا منها بقدر دراهمه ولهذا منها بقدر دراهمه. قال: هذا إذا كانت معتدلة في الجودة والحال. قلت: أرأيت إن استودعت رجلا حنطة فخلطها بحنطة مثلها فضاعت الحنطة كلها، أيضمن في قول مالك شيئا أم لا؟ وهل يرى هذا مثل الدراهم؟ قال: إذا كانت الحنطة واحدة يشبه بعضها بعضا فخلطها على وجه الرفع والحرز، فلا أرى عليه في قول مالك ضمانا قلت: فإن كانت الحنطة لا تشبه حنطته؟ قال: أراه ضامنا في قول مالك، لأنه أتلفها حين خلطها بما لا يشبهها لأنها قد تلفت بمنزلة الحنطة في الشعير.

فيمن خلط دراهم فضاعت
قلت: أرأيت الدراهم إذا خلطها فضاع بعضها، أيكون الضياع منهما جميعا ويكونان شريكين فيما بقي بقدر ما لهذا فيها وبقدر ما لهذا فيها قال: نعم إذا كان لا يقدر على أن يتخلص دراهم هذا من دراهم هذا. قال: فإن كانت دراهم هذا تعرف من دراهم هذا فمصيبة كل واحد منهما منه، لأن دراهم كل واحد منهما معروفة.

فيمن استودع رجلا حنطة فخلطها صبي بشعير
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا حنطة فخلطها صبي بشعير للمستودع أيضمن أم لا؟ قال: قال مالك في الصبي: ما استهلك الصبي من متاع أو أفسده فهو ضامن فإن كان له مال أخذه من ماله، وإن لم يكن له مال فهو في ذمته دينا يتبع به. فالجواب في مسألتك أن الصبي ضامن لشعير مثل شعير المستودع، وضامن لحنطة مثل حنطة المستودع إلا أن يشاءا أن يتركا الصبي ويكونان في الحنطة والشعير شريكين، هذا بقيمة حنطته وهذا بقيمة شعيره. قلت: أبقيمة حنطته بالغة ما بلغت؟ قال: لا، ولكن ينظر إلى كيل حنطة هذا فتقوم، وإلى كيل شعير هذا فيقوم فيكونان. شريكين قلت: أرأيت إن قال أحدهما لصاحبه: أنا أغرم لك مثل شعيرك هذا أو مثل حنطتك وآخذ هذا كله، أيكون ذلك له أم لا قال: لا يكون ذلك له ولا يحل هذا إلا أن يكون هو الذي خلطه، فيكون ذلك له ويكون ضامنا لمثل الحنطة التي خلطها. قلت: لم أحللته ههنا إذا كنت أنا الذي خلطته ولم تحله في الوجه الآخر؟ قال: لأن هذا قضاء قضاه حنطة وجبت عليه، وفي الوجه الآخر إنما هو بيع فلا يحل. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

فيمن استودع دراهم وحنطة فأنفقها
قلت: أرأيت لو أني استودعت رجلا دراهم وحنطة فأنفق بعض الدراهم أو أكل بعض الحنطة أيكون ضامنا لجميع الحنطة ولجميع الدراهم في قول مالك أم لا؟ قال: لا يكون ضامنا إلا لما أكل أو ما أنفق، وما سوى ذلك فلا يكون ضامنا له. قلت: فإن رد مثل الحنطة التي أكلها في الوديعة ومثل الدراهم التي أنفقها في الوديعة أيسقط الضمان عنه أم لا؟ قال: قال مالك: نعم، يسقط عنه الضمان في الدراهم والحنطة عندي بمنزلتها. قلت: أفيكون القول قوله في أنه قد رد ذلك في الوديعة؟ قال: نعم، ويحلف. كذلك قال مالك. قلت: ولم جعل مالك القول قوله؟ قال: ألا ترى أنه لو قال: لم آخذ منها قليلا ولا كثيرا، أو قال قد تلفت كان القول قوله قلت: أرأيت إن كان قد تسلف الوديعة كلها فرد مثلها مكانها، أيبرأ من الضمان في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال لي مالك في الدراهم، فالودائع كلها مثل هذا إذا رد مثلها إذا كان يقدر على مثله مثل الكيل أو الوزن في رأيي.

فيمن استودع ثيابا فلبسها أو أتلفها ثم رد مثلها في موضعها فضاعت
قلت: أرأيت إن استودعني ثيابا فلبستها فأبليتها أو بعتها أو أتلفتها بوجه من الوجوه ثم اشتريت ثيابا مثل صفتها ورفعتها وطولها وعرضها فرددتها في موضع الوديعة، أيبرئني من الضمان أم لا؟ قال: لا يبرئك ذلك من الضمان. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي، لأن الرجل لو استهلك لرجل ثوبا فإنما عليه قيمته، فلما ضمن هذا المستودع باستهلاكه القيمة لم يجزه أن يخرج ثيابا مكان القيمة ولا يبرأ بذلك.

فيمن استودع رجلاً أو قارضه ثم أتى يطلبها فقال قد رددتها إليك أو ضاعت مني
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا وديعة أو قارضته، فلما جئت أطلبها منه قال: قد دفعتها إليك أيصدق ويكون القول قوله أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: في الرجل يستودع الرجل الوديعة أو يقارضه. قال: إن كان إنما دفع إليه المال ببينة، فإنه لا يبرئه من المال إذا قال قد دفعته إلا أن يكون له بينة، وإن كان رب المال دفع المال بغير بينة فالقول قول المستودع والمقارض إذا قال: قد رددتها إليك. قلت: أرأيت إن دفعت المال إليه قراضا أو استودعته ببينة فقال قد ضاع المال مني، أيكون مصدقا في ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: هو مصدق في ذلك. قلت: وكذلك إن قال قد سرق مني؟ قال: نعم.

فيمن دفع إلى رجل مالا ليدفعه إلى رجل آخر
قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المال ليدفعه إلى رجل ببعض البلدان، فيقدم الذي بعث معه المال فيقول له صاحب المال ما فعلت بالمال فيقول له: قد دفعته إلى الذي أمرتني. وينكر الذي بعث بالمال إلى أن يكون هذا قد دفع إليه شيئا. قال: قال مالك: إن لم يكن للمأمور بالدفع بينة أنه دفع وإلا غرم. قلت: ببينة دفع إليه أم بغير بينة، أهو سواء في هذا عند مالك في الوجهين؟ قال: نعم قال: ابن القاسم: فقلت لمالك: أرأيت إن كان حين أخذه منه قال: له إني أدفعه إليه بغير بينة وأنا أستحي أن أشهد عليه، ثم زعم أنه قد دفعه إليه وأنكر الآخر. قال: إن صدقه رب المال على هذه المقالة، أو كانت له بينة على رب المال بهذه المقالة، فالقول قوله ولا ضمان عليه قال: فقلت لمالك: فإن قال المأمور قد رجعت بها ورددتها إليك ولم أجد صاحبك الذي بعثت بها معي إليه، وأنكر رب المال أن يكون ردها إليه؟ قال: القول قول المأمور مع يمينه ولا شيء عليه. قلت: فإن كان قبضها منه بغير بينة أو كان قبضها منه ببينة، أهو سواء؟ قال: إن كان قبضها من ربها ببينة، فأرى أنه لا يبرأ إلا أن يكون له بينة

فيمن بعث معه مال إلى رجل فهلك الرسول قبل أن يبلغ أو بعدما بلغ
فيمن بعث معه مال إلى رجل فهلك الرسول قبل أن يبلغ أو بعد ما بلغ
قال: ولقد سئل مالك عن رجل بعث إلى رجل بمال في بلد، فقدم البلد فهلك الرسول بذلك البلد بعد ما قدمه، ثم إن صاحب البضاعة كتب إلى الرجل يسأله: هل قبضتها فكتب إليه أنه لم يدفع إلي شيئا قال: يحلف ورثة الرسول إن كان فيهم كبير بالله ما يعلم له سببا ولا شيء لرب المال في مال الرسول. قال: فقلت لمالك: أفرأيت إن هلك الرسول في الطريق ولم يوجد له أثر فقال: مالك ما أحراه أن يكون في ماله ثم كلمته بعد ذلك في الرسول إذا مات في الطريق؟ قال: أراه في ماله وضمانه عليه إذا هلك قبل أن يبلغ البلد الذي فيه المبعوث إليه بالمال. قال: وقال مالك: ولو أن رجلا هلك ببلد وقبله قرض دنانير وقراض وودائع فلم يوجد للودائع ولا للقراض سبب، ولم يوص بشيء من ذلك. قال: أهل القراض وأهل الودائع والقراض يتحاصون في جميع ماله على قدر أموالهم. قال: فقلنا لمالك فإن ذكرها قبله عند موته أن هذا مال فلان الذي قارضني به وهذه وديعة لفلان. قال: إن كان ممن لا يتهم فالقول قوله في ذلك وذلك للذي سمي له.

فيمن بعث معه بمال صلة أو صدقة فقال قد دفعته
قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يبعث بالمال مع رجل صلة لرجل ليدفعه إليه، فيقول: قد دفعته إليه. ويقول المبعوث إليه: لم يدفعه إلي؟ قال: إن لم يكن للرسول بينة على دفعه إياه غرم. قال: والصدقة إذا بعث بها إلى رجل، أو بعث معه بمال إلى رجل ليدفعه إليه وليس بصدقة فهو سواء، لا يبرأ بقوله إنه قد دفع إلا أن يكون له بينة إلا أن يكون أمره أن يفرقها على وجه الصدقة يقسمها لم يأمره أن يدفعها إلى رجل بعينه، فالقول قوله أنه قد فرقها ويحلف. وإنما سألت مالكا عن ذلك لأن بعض الناس ذكر أن الصدقة - وإن كانت مبعوثة إلى رجل - فإنها مخالفة لقضاء القرض والشراء والبيع وما أشبهه. قال: قال مالك: الصدقة إذا كانت إنما بعثت لرجل والقرض والاشتراء والبيع كله سواء، إلا أن يكون أمره أن يفرقها في غير قوم بأعيانهم، فيكون القول قول الرسول مع

فيمن دفع إلى رجل مالأ قراضاً أو وديعة بينة أو بغير بينة
فيمن دفع إلى رجل مالا قراضا أو وديعة ببينة أو بغير بينة
قلت: أرأيت ما ذكرت عن مالك أنه قال: إذا دفع إليه المال وديعة أو قراضا ببينة، فقال الذي أخذ المال بعد ذلك: قد رددته أنه لا يبرأ بقوله إني قد رددته إلا أن يكون له بينة. قلت: لم قال مالك ذلك أليس أصل أخذه هذا المال أمانة؟ فلم لا يبرأ بقوله إني قد رددته، وقد قلت: قد قال مالك: إذا قال قد ضاع مني: أنه يصدق وإن كانت عليه بينة، فلم لا يصدق إذا قال: قد رددته؟ قال: لأنه حين دفع إليه المال قد استوثق منه الدافع، فلا يبرأ حتى يتوثق هو أيضا إذا دفع، وإن كان أصل المال أمانة فإنه لا يبرأ إلا بالوثيقة. قلت: فلم قال مالك: إذا بعث بالمال معه ليدفعه إلى رجل، فقال: قد دفعته إلى من أمرتني. أنه لا يصدق إلا ببينة أنه قد دفعه، وإن كان رب المال حين بعث بالمال معه دفعه إلى الرسول ببينة أو بغير بينة، فهو سواء لا يبرأ الرسول حتى يدفع المال إلى المبعوث إليه ببينة، لم قال مالك هذا؟ أوليس هذا المبعوث معه بالمال أمينا؟ قال: قال مالك: ليس له أن يتلف ماله إلا ببينة تقوم له أنه قد دفعه، ألا ترى أن المبعوث إليه بالمال إن كان ذلك المال دينا له على الذي أرسله إليه أن هذا الرسول إن لم يشهد عليه بدفعه إليه فقد أتلفه، وكذلك لو كان أرسل إليه بهذا المال ليشتري له به سلعة، فأعطاه الرسول المال من غير أن يشهد فقد أتلفه. قلت: أرأيت إن قال المقارض أو المستودع: قد بعثت إليك بالمال مع رسولي أيضمن أم لا في قول مالك قال: نعم، يضمن إلا أن يكون رب المال أمره بذلك.

فيمن استودع رجلا مالا فاستودعه غيره ثم رده فضاع عنده
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا مالا فاستودعه غيره، ثم أخذه منه فضاع عنده، أيضمن أم لا في قول مالك قال: قال مالك: إذا أنفق منها ثم رد ما أنفق في الوديعة، أنه لا يضمن. فكذلك هذا في مسألتك أنه لا يضمن.

فيمن استودع رجلا فجحده فأقام عليه البينة
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا ببينة فجحدني وديعتي ثم أقمت عليه البينة، أتضمنه

في الدعوى في الوديعة ادعى أحدهما أنها وديعة وقد ضاعت وادعى الآخر أنه قرض وأنه سلف
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل استودعتني ألف درهم فضاعت مني، وقال رب المال: بل أقرضتكها قرضا؟ قال مالك: القول قول رب المال. قلت: فإن قال رب المال لم أستودعكها ولكنك غصبتنيها؟ قال: الغصب عندي لا يشبه القرض لأن الغصب من وجه التلصص. قال: وهذا يدعي عليه في الغصب باب فجور، فلا يصدق عليه. قلت: أفلا يصدقه في ضمان المال؟ قال: لا إذا قال غصبتني، لأني إذا أبطلت قوله في بعض أبطله في كله. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: فإن قال: استودعني ألف درهم فضاعت مني، وقال رب المال بل أوفيتكها من قرض كان لك علي؟ قال: القول قول رب المال في رأيي. قلت: فإن قال رب المال لم أستودعك ولكني رددتها عليك من مال المقارضة التي كانت لك عندي؟ قال: القول قوله. قلت: أرأيت إن قال: لم أستودعك ولكنك سرقتها؟ قال: لا أرى أن يقبل قوله أنه سرقها، لأن في هذا باب فجور يرميه ولم أسمعه من مالك. قلت: أرأيت إن كان لي على رجل ألف درهم من قرض. ولي عنده ألف درهم وديعة، فأعطاني ألف درهم أو بعث بها لي، ثم لقيني بعد ذلك فقال: الألف التي بعثت بها إليك هي السلف الذي كان لك علي وقد ضاعت الوديعة، وقال رب المال: بل إنما بعثت إلي الوديعة التي كانت لي عندك، والسلف لي عليك على حاله؟ قال: القول قول المستودع. ألا ترى أنه مصدق في ذهاب الوديعة وهو يقول: قد ذهبت الوديعة عندي ولم أبعث بها إليك، وهو مصدق. فالألف التي قبضها رب المال تصير هي الدين الذي كان على المستودع.

فيمن استودع صبيا وديعة فضاعت
قلت: أرأيت لو أن رجلا استودع صبيا صغيرا وديعة فضاعت، أيضمن الصبي أم لا؟ قال: لا يضمن قلت: بأمر أربابه أو بغير أمر أربابه. قال: ذلك سواء عندي. قال: وهذا قول مالك قال: وقال مالك: في الرجل يبيع الصبي السلعة فيتلفها الصبي أنه لا شيء على الصبي من ثمن السلعة، ولا يضمن له الصبي قيمة السلعة. وإن باع الصبي منه سلعة فأخذ الصبي منه الثمن فأتلفه، إن الرجل ضامن للسلعة ولا يضمن الصبي الثمن الذي أتلف، لأنه هو الذي سلط الصبي على ذلك وأتلف ماله، فكذلك الوديعة.

فيمن استودع عبدا محجورا عليه أو مأذونا له وديعة فأتلفها
قلت: أرأيت إن استودع رجل عبدا محجورا عليه وديعة فأتلفها، أيضمن أم لا في قول مالك؟ قال: إن فسخها عنه السيد سقطت عنه ولم تعد عليه أبدا وإن أعتق، لأن السيد قد فسخها عنه. وإن لم يفسخها السيد عنه حتى عتق فهي دين عليه يتبع بها في ذمته إن أعتق يوما ما، وهذا إذا لم يبطلها السيد وهذا رأيي.

في العبد المأذون له في التجارة يستودع الوديعة فيتلفها
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا استودع وديعة فأتلفها، أيكون ذلك في ذمته في قول مالك أم في رقبته؟ قال: بل ذلك في ذمته في قول مالك لأن أرباب هذه السلعة استودعوه وائتمنوه عليها. قلت: أفيكون لسيد العبد المأذون له أن يفسخ ذلك الدين من ذمته مثل ما لسيد العبد المحجور عليه. قال: لا لأن مالكا قال في العبيد الصناع الصباغين والقصارين والصواغين والخياطين ما أفسدوا مما يدفع إليهم ليعملوه فأتلفوه. قال مالك: غرم ذلك عليهم في أموالهم وذمتهم، لا يلحق ذلك ساداتهم ولا شيء مما يأتوا به هؤلاء العبيد فيما بينهم وبين الناس إذا دفعوا ذلك إليهم وهم طائعون، أو ائتمنوهم عليه أو أسلفوهم أو استعملوهم. فما كان من ذلك من شيء فلا يلحق ذلك رقبة العبد ولا ما في يديه من مال سيده، فهذا يدلك على مسألتك أن الوديعة لا تكون في رقبته إذا أتلفها العبد، لأن سيد الوديعة دفعها إليه. وقد قال مالك: في الصناع إن ذلك في ذمتهم فالمأذون له في التجارة والصناع سواء فيما ائتمنهم الناس عليه، وليس لساداتهم أن يفسخوا ذلك عنهم في قول مالك. قلت: فإن كان غير مأذون له، فاستودعه رجل وديعة فأتلفها فأسقطها عنه سيده، أتسقط عنه؟ قال: نعم، تسقط عنه إذا أسقطها السيد. قلت: أرأيت قيمة العبد إذا قتله رجل أهي على عاقلته أم في ماله في قول مالك؟ قال: في ماله - في قول مالك - ولا تحمله العاقلة. قلت: أحال أم لا في قول مالك؟ قال: حال في قول مالك.

في العبد والمكاتب وأم الولد والمدبر والصبي تدفع إليهم الودائع
في العبد والمكاتب وأم الوالد والمدبر والصبي تدفع إليهم الودائع
قلت: أرأيت العبد والمكاتب والصبي وأم الولد والمدبر إذا قبضوا الودائع بإذن ساداتهم فاستهلكوها، أيكون ذلك في ذمتهم أم في رقاب العبيد؟ قال: قال مالك: كل شيء قبضوه بإذن أربابهم فأتلفوه فإنما هو دين في ذمتهم ولا يكون في رقابهم. قلت: والصبي ما دفع إليه من الودائع بإذن والده فاستهلكها، أيكون ذلك عليه دينا أم لا؟ قال: أما الصبي فلا يلزمه من ذلك شيء، ولم أسمع من مالك في الصبي شيئا في هذه المسألة، وليس مما ينبغي للأب أن يفعله بابنه، ولا يلزمه الأب مثل هذا ولا أرى أن يلزمه.

في الرجل يستودع الوديعة فيتلفها عبده أو ابنه في عياله
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا وديعة فأتلفها عبده أو ابنه صغيرا في عياله؟ قال: إن استهلكها عبده فهي جناية في رقبة العبد وليس في ذمته - في قول مالك - إلا أن يفتكه سيده، وإن استهلكها ابنه فذلك دين في مال الابن إن كان له مال وإلا اتبع بها دينا عليه.

فيمن استودع رجلا وديعة فجاء يطلبها فقال أمرتني أن أدفعها إلى فلان
قلت: أرأيت إن استودعني رجل وديعة فجاء يطلبها فقلت له: إنك أمرتني أن أدفعها إلى فلان وقد دفعتها إليه، وقال رب الوديعة: ما أمرتك بذلك؟ قال: هو ضامن إلا أن يكون له بينة أنه أمره بذلك وكذلك سمعت مالكا. قال: وسئل مالك عن الرجل يبعث بالمال إلى الرجل فيقول المبعوث إليه: إنك تصدقت به علي، ويقول الرسول لرب المال: بذلك أمرتني. ويجحد صاحب المال ويقول: ما أمرتك بالصدقة؟ قال مالك: يحلف المبعوث إليه بالمال مع شهادة الرسول ويكون المال له صدقة. قال: فقلنا لمالك: كيف يحلف المبعوث إليه بالمال وهو غائب يوم بعث به إليه، ولم يسمع قول رب المال يوم بعث إليه المال ولم يحضر ذلك؟ قال: كيف يحلف الصبي الصغير إذا بلغ على دين كان لأبيه يقوم عليه شاهد واحد. قال مالك فهذا مثله.

في رجل باع ثوباً فقال البزاز لغلام له أو أجير له اقبض من ه الثمن فرجع فقال قد دفع إلي وضاع مني
في رجل باع ثوبا فقال البزاز لغلام له أو أجير له اقبض منه الثمن فرجع فقال قد دفع إلي وضاع مني
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع من رجل ثوبا فقال البزاز لغلام له أو لأجيره: اذهب مع هذا الرجل فخذ منه الثمن وجئني به، فذهب الغلام معه فرجع فقال قد دفع الثمن إلي وضاع مني، وقال مشتري الثوب قد دفعت إليه الثمن. وقال البزاز: أقم البينة أنك دفعت إليه الثمن. وقال الرجل: أنت أمرتني فما أصنع بالبينة والغلام يصدقني؟ قال: سألت مالكا عنها فقال لي: إن لم يقم المشتري البينة أنه دفع الثمن إلى الرسول فهو ضامن للثمن ولا يبرأ، ولم أر فيها شكا عند مالك. قلت: أليس قد قال مالك - في الرجل يبعث مع الرجل بالمال ويأمره أن يدفعه إلى فلان فيدفعه إلى فلان بغير بينة ويصدقه فلان بذلك - أنه لا ضمان عليه؟ قال: نعم، قد قال هذا مالك. قلت: فما فرق ما بين هذه المسألة والمسألة الأولى؟ قال: ليس ما دفع إليك من المال فأمرت أن تدفعه إلى غيرك بمنزلة ما أمر غيرك أن يدفعه إليك من دين كان عليه فصدقته، فإنك لا تصدق على الذي كان له الدين.

فيمن استودع رجلا وديعة في بلد فحملها إلى عياله في بلد آخر فتلفت عندهم
قلت: أرأيت إن استودعت رجلا بالكوفة وديعة فحملها إلى عياله بمصر فوضعها عندهم فضاعت، أيضمن أم لا؟ قال: هو ضامن - في قول مالك - لأن مالكا قال: إن سافر الوديعة ضمن إن تلفت فكذلك هذا. وهذه إن استودعك بالكوفة فأنت إن أخرجتها إلى مصر ضمنتها إن لم تردها. قلت: أرأيت إن استودعني رجل بالفسطاط وديعة فأردت أن أنتقل إلى إفريقية؟ قال: أرى أن صاحبها إن لم يكن حاضرا فتردها عليه أنك تستودعها ولا تحملها. قلت: أرأيت إن استودعت رجلا جارية فوطئها فحملت منه فولدت، أيقام عليه الحد ويكون ولده رقيقا في قول مالك؟ قال: نعم.

فيمن استودع رجلاً وديعة فجاءه رجل فقال ادفع إلي وديعة فلان فقد أمرني أن أقبضها
قلت: أرأيت لو أن رجلا أودعته وديعة، ثم جاءه رجل فقال: إن فلانا أمرني أن آخذ هذه الوديعة منك، فصدقه ودفعها إليه فضاعت، أيضمن في قول مالك؟ قال: نعم يضمن، ولا أقوم على حفظ قول مالك فيه. قلت: لم؟ أليس قد قلت إذا أمره أن يدفع المال إلى فلان ودفعه وصدقه المبعوث إليه المال أنه يبرأ؟ قال: هذا لا يشبه ذلك، إذا أمره أن يدفع لا يشبه إذا جاءه رسول فقال: إذا دفع إلي فصدقه. قلت: فإذا ضمنه رب المال الوديعة، أيضمن هذا الذي أخذها منه؟ قال: نعم، أرى له أن يضمنه.

فيمن استودع رجلين وديعة عند من تكون؟
قلت: أرأيت الرجل يستودع الرجلين أو يستبضع الرجلين، عند من يكون ذلك منهما؟ وهل يكون ذلك عندهما جميعا؟ قال: قال مالك في الوصيين: إن المال يجعل عند أعدلهما ولا يقسم المال. قال مالك: وإن لم يكن فيهما عدل وضعه السلطان عند غيرهما، وتبطل وصيتهما إذا لم يكونا عدلين. قال مالك ولا تجوز الوصية إليهما إذا لم يكونا عدلين. قال: ولم أسمع من مالك في الوديعة والبضاعة شيئا وأراه مثله.

فيمن استودع رجلا ماشية فأنفق عليها
قلت: أرأيت إن استودعني رجل إبلا أو غنما أو بقرا فأنفقت عليها بغير أمر السلطان، أيلزم ذلك ربها أم لا؟ قال: سئل مالك عما يشبه هذا، عن رجل استودع رجلا دابة فمات صاحبها وقد أنفق المستودع عليها. قال مالك: يرفع ذلك إلى السلطان فيبيعها

فيمن استودع رجلا ماشية فأنزى عليها
قلت: أرأيت لو أن رجلا استودع رجلا نوقا أو أتنا أو بقرات أو جواري، فحمل على الأتن أو على النوق أو على البقرات - أنزى عليهن فحملن - فمتن من الولادة، وزوج الجواري فحملن الجواري فمتن من الولادة، أيضمن في قول مالك شيئا أم لا؟ قال: أراه ضامنا في ذلك كله. قلت: أرأيت إن حمل الفحل عليها فعطبت تحت الفحل أيضمن؟ قال: نعم قلت: أتحفظه عن مالك: قال لا.

فيمن استودع إبلا فأكراها
قلت: أرأيت إن استودعني رجل إبلا فأكريتها إلى مكة، أيكون لربها من الكراء شيء أم لا؟ قال: كل ما كان أصله أمانة فأكراه فربه مخير إن سلمت الإبل ورجعت بحالها، في أن يأخذ كراءها ويأخذ الإبل، وفي أن يتركها له ويضمنه قيمتها، ولا شيء له من الكراء إذا كان قد حبسها عن أسواقها ومنافعه بها، وهذا بمنزلة رجل أعاره رجل دابة أو أكراه دابة إلى موضع من المواضع فتعدى عليها، لأن أصل هذا كله لم يضمنه إلا بتعديه فيه. فهذا كله باب واحد، فهذا في الوديعة وفي الدين على نحو قول مالك مثل الذي يستعير الدابة فيتعدى، ومثل الذي يتكارى الدابة فيتعدى عليها، وهذا في الكراء والعارية قول مالك. قلت: أرأيت إن استودعت رجلا وديعة فقدمت أطلبها منه فقال: قد أنفقتها على أهلك وولدك وصدقه أهله وولده؟ قال: أراه ضامنا للوديعة ولا ينفعه إقرار أهله وولده بالنفقة، إلا أن يقيم على ذلك بينة فيبرأ إذا كان ما أنفق عليهم يشبه ما قال، ولم يكن صاحب الوديعة يبعث إليهم بالنفقة.

فيمن استودع جارية أو ابتاعها فزوجها بغير أمر صاحبها
قلت: أرأيت إن استودعني رجل جارية فزوجتها بغير أمر صاحبها فنقصها التزويج أترى أني ضامن لما نقصها قال: نعم. قلت: فإن ولدت ولدا فكان في الولد وفاء لما نقصها التزويج أيضمن أم لا - في قول مالك - ما نقصها التزويج؟ قال: لا، لأن مالكا قال في الرجل يشتري الجارية فيجد بها عيبا وقد زوجها من عبده بعدما اشتراها فأراد ردها قال: قال مالك: يردها ويرد معها ما نقصها التزويج. قال مالك وربما ردها وهي

فيمن استودع طعاما فأكله ورد مثله
قلت: أرأيت إن استودعني رجل طعاما فأكلته ورددت في موضع الوديعة طعاما مثله، أيسقط عني الضمان أم لا في قول مالك؟: قال: نعم يسقط عنك الضمان في رأيي، مثل قول مالك في الدنانير والدراهم، لأني سمعت مالكا يقول في الذي يستودع الدنانير والدراهم فيتلف منها بعضها أو كلها بغير أمر صاحبها ثم يرد في موضع الوديعة مثلها، أنه يسقط الضمان عنه فكذلك الحنطة. قلت: وكذلك كل شيء يكال أو يوزن؟ قال: نعم، كل شيء إذا أتلفه الرجل للرجل، فإنما عليه مثله. فهذا إذا رد مثلها في الوديعة سقط عنه الضمان، وإذا كان شيء إذا أتلفه ضمن قيمته، فإن هذا إذا تسلفه من

الوديعة بغير أمر صاحبها فهو لقيمته ضامن، ولا يبرئه من تلك القيمة إلا أن يردها على صاحبها، ولا يبرئه منها أن يخرج القيمة فيردها في الوديعة. قلت: أرأيت قوله إذا استودعه فتسلفها بغير أمر صاحبها، إنه إذا ردها في الوديعة يبرأ. أرأيت إن أخذها على غير وجه السلف فأتلفها فردها بعد ذلك، أيبرأ في قول مالك؟ قال: إنما سألنا مالكا عنها إذا تسلفها بغير أمر صاحبها رد مثلها مكانها أنه يبرأ، ولم نسأله عن هذا الوجه الذي سألت عنه وهو عندي مثل السلف سواء.

فيمن استودع رجلا مالا أو أقرضه فجحده ثم استودعه الجاحد مثله
قلت: أرأيت لو أن رجلا استودعته ألف درهم أو أقرضته إياها قرضا أو بعته بها سلعة فجحدني ذلك، ثم إنه استودعني بعد ذلك ألف درهم أو باعني بها بيعا، فأردت أن أجحد لمكان حقي الذي كان جحدني وأستوفيها من حقي الذي لي عليه؟ قال: سئل مالك عنها غير مرة فقال: لا يجحده. قال: فقلت: لم قال مالك ذلك؟ ظننت أنه قال للحديث الذي جاء: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" 1 .
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 79. الترمذي في كتاب البيوع باب 37. الدارمي في كتاب البيوع باب 57. أحمد في مسنده [3/ 414].

فيمن استودع رجلا وديعة فغاب
قلت: أرأيت لو أن رجلا استودعني وديعة ثم غاب، فلم أدر أحي هو أم ميت، ولا أعلم له موضعا ولا أعرف ورثته؟ قال: قال مالك: إذا طال زمانه فأيس منه تصدق بها عنه. قلت: أرأيت لو أن وديعة استهلكتها كان قد أودعنيها رجل، ثم جاء يطلبها فادعيت أنه وهبها إلي وهو يجحد، أيكون القول قوله أم قولي؟ قال: القول قول رب الوديعة: قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت لو أن رجلا استودعني عبدا فبعثته في حاجة لي في سفر أو غير ذلك فذهب فلم يرجع؟ قال: إن بعثته في سفر أو في أمر يعنته يعطب في مثله فأنت ضامن في رأيي، وإن كان أمرا قريبا لا يعطب في مثله، يقول له: اذهب إلى باب الدار اشتر لنا بقلا أو نحو هذا، فإن هذا لا يضمن لأن الغلام لو خرج في مثل هذا لم يمنع من هذا.

في العبد يستودع الوديعة فيأتي سيده يطلبها
قلت: أرأيت إن استودعني عبد لرجل وديعة، وأتى سيده فأراد أخذ الوديعة والعبد غائب، أيقضى له بأخذ الوديعة أم لا؟ قال: نعم، يقضى له بأخذ الوديعة لأن مالكا قال:

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العارية

فيمن استعار دابة يركبها إلى سفر بعيد
قلت: أرأيت لو أن رجلا استعار من رجل دابة ليركبها حيث شاء، أو يحمل عليها ما شاء وهو بالفسطاط فركبها إلى الشام أو إلى إفريقية؟ قال: ينظر في عاريته، فإن كان وجه عاريته إنما هو إلى الموضع الذي ركب إليه وإلا فهو ضامن، ومن ذلك أنه يأتي إلى الرجل فيقول له: اسرج لي دابتك لأركبها في حاجة لي، فيقول: اركبها حيث شئت. فهذا يعلم الناس أنه لم يسرجها له إلى الشام ولا إلى إفريقية. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا، هذا رأيي. قال: ووجدت في مسائل عبد الرحيم، أن مالكا قال فيمن استعار دابة إلى بلد فاختلفا فقال المستعير. أعرتنيها إلى بلد كذا وكذا. وقال المعير: إلى موضع كذا وكذا. قال: إن كان يشبه ما قال المستعير فعليه اليمين، فهذا يدلك على ما فسرت لك.

فيمن استعار دابة ليحمل عليها حنطة فحمل عليها غير ذلك
قلت: أرأيت لو أن رجلا استعار دابة ليحمل عليها حنطة فحمل عليها حجارة فعطبت، أيضمن أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يكتري دابة من رجل. ليحمل عليها أو ليركبها فأكراها من غيره فعطبت. قال: إن كان أكراها في مثل ما اكتراها له، وكان الذي اكتراها عدلا أمينا لا بأس به فلا ضمان عليه، وإن كان ما حمل على الدابة مما يشبه أن يكون مثل الذي استعارها له فعطبت فلا ضمان عليه، وإن كان ذلك أضر بالدابة فعطبت فهو ضامن. قال: ومما يبين لك ذلك أنه لو استعارها ليحمل عليها بزا، فحمل عليها كتانا أو قطنا، أو استعارها ليحمل عليها حنطة فحمل عليها عدسا، أنه.

لا يضمن - في قول مالك - وإنما يضمن إذا كان أمرا مخالفا فيه ضرر على الدابة، فهذا الذي يضمن إن عطبت. قلت: فإن استعرت دابة لأحمل عليها حنطة، فركبتها أنا ولم أحمل عليها فعطبت، أأضمنها أم لا؟ قال: ينظر في ذلك، فإن كان ركوبك أضر بالدابة من الحنطة وأثقل ضمنتها، وإلا فلا ضمان عليك.
قلت: أرأيت إن استعرت من رجل دابة لأركبها إلى موضع من المواضع، فركبتها وحملت خلفي، رديفا فعطبت الدابة ما علي؟ قال: ربها مخير في أن يأخذ منك كراء الرديف ولا شيء له عليك غير ذلك وفي أن يضمنك قيمتها يوم حملت عليها رديفا. قلت: أجميع قيمتها أو نصف قيمتها؟ قال: جميع قيمتها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: سئل مالك عن رجل تكارى بعيرا ليحمل عليه وزنا مسمى، فتعدى فحمل عليه أكثر مما شرط في الوزن، فعطب البعير فهلك أو أدبره أو أعنته؟ قال: قال مالك: ينظر في ذلك، فإن كان الذي زاد عليه الرطلين والثلاثة وما أشبه ذلك مما لا يعطب في مثل تلك الزيادة، كان له كراء تلك الزيادة إن أحب، ولا ضمان على المتكاري في البعير إن عطب. قال: فإن كان في مثل ما زاد عليه ما يعطب في مثله كان صاحب البعير مخيرا، فإن أحب كان له قيمة بعيره يوم تعدى عليه، وإن أحب كان له كراء ما زاد على بعير مع الكراء الأول، ولا شيء له من القيمة، فكذلك هذا في العارية.

فيمن استعار ثوبا أو عرضا فضاع يضمنه أم لا؟
قلت: أرأيت إن استعرت ثوبا من رجل فضاع عندي، أأضمنه أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: هو ضامن. قلت: وكذلك العروض كلها؟ قال: قال مالك في من استعار شيئا من العروض فكسره أو خرقه أو ادعى أنه سرق منه أو احترق. قال مالك: فهو ضامن له. قال: وإن أصابه أمر من قبل الله بقدرته، وتقوم له على ذلك بينة، فلا ضمان عليه في شيء من ذلك إلا أن يكون ضيع أو فرط، فإنه يضمن إذا جاء التفريط أو الضيعة من قبله. كذلك وجدت هذه المسألة في مسائل عبد الرحيم وقال ابن القاسم: قال مالك فيما تلف من عارية الحيوان عند من استعارها: إن الأمر. عندنا أنه لا ضمان على الذي استعارها فيما أصابها عنده إلا أن يتعدى أمر صاحبها، أو يخالف إلى غير ما أعاره إياها عليه. قال ابن القاسم: وقال مالك لي: ومن استعار دابة إلى مكان مسمى فتعدى ذلك فتلفت الدابة. قال: أرى صاحبها مخيرا بين أن يكون له قيمتها يوم تعدى بها، وبين أن يكون له كراؤها في ذلك التعدي. قلت: فإن استعار ثوبا فتخرق، أيضمن؟ قال: هذا يضمن في قول مالك في العروض إذا تخرقت أو أصابها حرق أو سرقت. قال: قد أمليت عليك قول مالك إملاء: إنه ضامن لما نقصه إلا أن يكون فسادا كثيرا فيضمنه كله، وذلك إذا لم يكن له بينة على ما ادعى من ذلك.

فيمن أمر رجلا يضرب عبدا له فضربه فمات
قلت: أرأيت إن أمرت رجلا أن يضرب عبدي عشرة أسواط فضربه عشرة أسواط فمات العبد منها، أيضمن الضارب أم لا؟ قال: قال مالك: لا ضمان عليه. قال مالك واستحب له أن يكفر كفارة الخطأ. قلت: أرأيت إن أمرته أن يضربه عشرة أسواط فضربه أحد عشر سوطا أو عشرين سوطا فمات من ذلك؟ قال: ما سمعت فيه شيئا، ولكنه إن كان زاده زيادة يخاف أن تكون أعانت على قتله فأراه ضامنا.

فيمن أذن لرجل أن يغرس أو يبني أو يزرع في أرضه ففعل ثم أراد إخراجه
قلت: أرأيت إن أذنت لرجل أن يبني في أرضي أو يغرس، فبنى وغرس، فلما بنى وغرس أردت إخراجه مكاني أو بعد ذلك بأيام أو بزمان، أيكون ذلك لي فيما قرب من ذلك أو بعد في قول مالك أم لا؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: أما ما قرب من ذلك الذي يرى أن مثله لم يكن ليبني على أن يخرج في قرب ذلك وهو يراه حين بنى فلا أرى له أن يخرجه إلا أن يدفع إليه ما أنفق قائما حيا، وإلا لم يكن له ذلك حتى يستكمل ما يرى الناس أنه يسكن مثله في قدر ما عمل. وأما إذا كان قد سكن الزمان الطويل فيما يظن أن مثله قد بنى، على أن يسكن مثل ما سكن هذا، فأرى له أن يخرجه ويعطيه قيمة نقضه منقوضا إن أحب، وإن لم يكن لرب الأرض حاجة بنقضه قيل للآخر: اقلع نقضك ولا قيمة لك على رب الأرض. قال: وهذا قول مالك. قلت: أرأيت لو أني أعرت رجلا يبني في أرضي أو يغرس فيها، وضربت له لذلك أجلا فبنى وغرس، فلما. مضى الأجل أردت إخراجه؟ قال: قال مالك: يخرجه ويدفع إليه قيمة نقضه منقوضا إن أحب رب الأرض، وإن أبى قيل للذي بنى وغرس: اقلع نقضك وغراسك ولا شيء لك غير ذلك. قلت: وما كان لا منفعة له فيه إذا نقضه، فليس له أن ينقضه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن كنت قد وقت له وقتا فبنى وغرس، أيكون لي أن أخرجه قبل مضي الوقت فأدفع إليه قيمة بنيانه أو غرسه في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: فإن أعرته على أن يبني ويغرس، ثم بدا لي أن أمنعه وآخذ أرضي وذلك قبل أن يبني شيئا وقبل أن يغرس؟ قال: إن كنت ضربت لذلك أجلا فليس لك ذلك في قول مالك لأنك قد أوجبت ذلك له. قلت: فإن لم أضرب له أجلا، وأعرته أرضي على أن يبني فيها ويغرس، فأردت إخراجه قبل أن يبني ويغرس؟ قال: ذلك لك. ألا ترى أن مالكا قال في الذي أذن له أن يبني ويغرس، فبنى وغرس، ولم يكن ضرب له أجلا، فأراد إخراجه بحدثان ذلك: إن ذلك ليس له إلا أن يدفع إليه قيمة ما أنفق، فهو إذا لم

يبن ولم يغرس كان له أن يخرجه، فهذا يدلك على ذلك. قلت: أرأيت إن أعرته أرضي يبني فيها ويغرس، ولم أسم ما يبني فيها ولا ما يغرس، وقد سميت الأجل فأردت إخراجه؟ قال: ليس ذلك لك - في قول مالك - وليس لك أن تمنعه مما يريد أن يبني ويغرس إلا أن يكون شيء من ذلك يضر بأرضك. قلت: أرأيت إن أراد - الذي بنى أو غرس - أن يخرج قبل الأجل، أله أن يقلع نقضه وغراسه قبل الأجل في قول مالك؟ قال: نعم، ذلك له إلا أن لرب الأرض أن يأخذ البناء والغرس بقيمته ويمنعه نقضه إذا دفع إليه قيمة ما له فيه منفعة، ويمنعه أن ينقض ما ليس له فيه منفعة، وهذا قول مالك. قلت: أرأيت كل ما ليس للذي بنى وغرس فيه منفعة إذا قلعه، فأراد رب الأرض أن يعطيه قيمة عمارته ويمنعه من القلع، أيعطيه قيمة هذا الذي إن أقلعه لم يكن له فيه منفعة في قول مالك؟ قال: لا، لا يعطيه قيمة هذا الذي لا منفعة له فيه على حال من الحالات، لأنه لا يقدر على قلعه صاحب العمارة، فكيف يأخذ له ثمنا. قلت: أرأيت إن أعرته أرضي يزرعها، فلما زرعها أردت أن أخرجه منها، أيكون ذلك لي أم لا؟ قال: ليس لك ذلك حتى يتم زرعه، لأن الزرع لا يباع حتى يبدو صلاحه فتكون فيه القيمة، فلذلك خالف البناء والغرس. قلت: فهل يجعل لرب الأرض الكراء من يوم قال للمستعير اقلع زرعك في قول مالك؟ قال: لا، ألا ترى أنه ليس لرب الأرض أن يقلع زرعه فلما لم يكن له أن يقلع زرعه لم يكن له أن يأخذ عليه كراء إلا أن يكون إنما أعاره الأرض للثواب، فهذا بمنزلة الكراء.
قلت: أرأيت إن استعرت من رجل دابة فركبتها إلى موضع من المواضع، فلما رجعت قال صاحبها: إنما أعرتك إلى دون الموضع الذي ركبتها إليه وقد تعديت في ركوبك دابتي؟ قال: قد أخبرتك بقول مالك الذي وجدته في مسائل عبد الرحيم: إن كان يشبه القول قول المستعير كان القول قوله مع يمينه. قلت: وكذلك إن اختلفا فيما حمل عليها؟ قال: كذلك ينبغي أن يكون وذلك رأيي، ألا ترى أن المستعير لو استعار مهرا فحمل عليه عدل بز، إنه لا يصدق، أنه إنما استعاره لذلك ولو كان بعيرا صدق، فهذا هكذا ينبغي أن يكون.
قلت: أرأيت إن استعرت أرضا من رجل على أن أبنيها وأسكنها عشر سنين ثم أخرج منها ويكون البنيان لرب الأرض؟ قال: إن كان بين البنيان ما هو وضرب الأجل فذلك جائز، لأن هذا من وجه الإجارة، وإن لم يكن البنيان ما هو فهذا لا يجوز لأنه غرر. قلت: فإن بين البنيان ما هو إلا أنه قال: أسكن ما بدا لي فإذا خرجت فالبناء لك؟ قال: إن لم يضرب الأجل فهذا مجهول لا يجوز، لأن هذا في الإجارة لا يجوز. قلت:

أرأيت إن بنى على هذا وأنت لا تجيزه، ما يكون لرب البناء وما يكون على صاحب الأرض فلا يكون النقض لرب النقض، وإن كان قد سكن عليه كراء الأرض. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال لا. قلت: فلو قال له: أعرني أرضك هذه عشر سنين على أن أغرسها شجرا، ثم هي بعد العشر السنين لك بما غرست فيها. قال: هذا لا يستقيم، ليس للشجر حد يعرف به، وإنما يجوز من الشجر أن يغرس له شجرا على وجه الجعل، يقول صاحب الأرض للغارس: اغرسها أصول نخل أو كرم أو تين أو فرسك أو ما أشبه ذلك، ويشترط رب الأرض في ذلك إذا بلغت الشجر كذا وكذا، فهي بيني وبينك على ما شرطت نصفا أو ثلثا، أو أقل من ذلك أو أكثر فهذا هو الجائز. وأما أن تقول أعطيكها سنتين أو ثلاثة، فإذا خرجت من الأرض فما فيها من الغراس فهو لي، فهذا لا يشبه البنيان، لأن الغراسة غرر لا يدرى ما ينبت منه وما يذهب منه وهذا رأيي. قال: ومما يبين لك، أنه لو استأجره أن يبني له بنيانا مضمونا يوفيه إياه إلى أجل. جاز ذلك. وإن اشترط عليه أن يغرس له كذا وكذا شجرة مضمونة عليه يوفيه إياها إلى أجل من الآجال لم يجز ذلك، لأن ذلك ليس مما يضمنه أحد لأحد. قلت: أرأيت الرجل يعير الرجل المسكن عشر سنين فيقبضه فيموت المعار، أيكون ورثته مكانه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك إن مات المعار قبل أن يقبض عاريته، فورثته مكانه في قول مالك؟ قال: نعم. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يعير الرجل المسكن، أو يخدمه الخادم عشر سنين فيموت قبل أن يتمها؟ قال: قال مالك: ورثته مكانه. قلت: وإن لم يقبض؟ قال: وإن لم يقبض. قلت: فإن مات الذي أعاره قبل أن يقبض المعار عاريته؟ قال: لا شيء له في قول مالك. قلت: فإن كان قد قبض ثم مات رب الأرض؟ قال: فلا شيء لورثة رب الأرض حتى يتم هذا سكناه، لأنه قد قبض وهذا قول مالك. وكذلك العارية والهبة والصدقة.

في العمرى والرقبى
قلت: أرأيت العمرى أيعرفها مالك؟ قال: نعم. قال مالك: من أعمر رجلا حياته فمات المعمور رجعت إلى الذي أعمرها. قال: وقال مالك: الناس عند شروطهم. قلت: فإن أعمر عبدا أو دابة أو ثوبا أو شيئا من العروض؟ قال: أما الدواب والحيوان. كلها والرقيق، فتلك التي سمعنا فيها العمرى. قال: وأما الثياب فلم أسمع فيها شيئا، ولكنها عندي على ما أعاره عليها. قلت: أرأيت الرقبى هل يعرفها مالك؟ قال: سأله بعض أصحابنا ولم أسمعه أنا منه عن الرقبى فقال: لا أعرفها. ففسرت له فقال: لا خير فيها. قلت: وكيف سألوه عن الوقت؟ قال: قالوا له: الرجلان تكون بينهما الدار

فيحبسانها على أيهما مات فنصيبه للحي حبسا عليه قال: فقال لهم مالك: لا خير فيه. يزيد بن محمد عن إسماعيل ابن علية عن ابن أبي يحيى عن طاوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا رقبى ومن أرقب شيئا فهو لورثة المرقب"1 قال ابن القاسم: وسألناه عن العبد يحبسانه جميعا على أنه حر بعد آخرهما موتا، على أن أولهما موتا نصيبه من العبد يخدم الحي حبسا عليه إلى موت صاحبه ثم هو حر؟ قال: قال مالك: لا خير في هذا. قلت: هل ترى العتق قد لزمهما؟ قال: قال مالك: العتق لازم لهما. ومن مات منهما أولا فنصيبه من العبد يخدم ورثته، فإذا مات الآخر منهما خرج العبد حرا، وإنما يخرج نصيب كل واحد منهما من ثلثه. قلت: لم جعلتم نصيب كل واحد منهما من ثلثه، أليس هذا عتقا إلى أجل حين قال: إذا مات فلان فنصيبي من هذا العبد حر، أليس هذا فارغا من رأس المال في قول مالك؟ قال: إنه لم يقل كذلك. إنما قال: كل واحد منهما إذا أنا مت فنصيبي يخدم فلانا حياته ثم هو حر، فإنما هو كرجل أوصى إذا مات أن يخدم عبده فلانا حياته ثم هو حر فهذا من الثلث، ولو كان قال: إنما هو حر إلى موت فلان، لعتق على الحي منهما نصيبه حين مات صاحبه من رأس المال. أو لا ترى أن أحدهما إذا مات فنصيب الحي الذي كان حبسا على صاحبه، تسقط الوصية فيه ويصير نصيبه مدبرا يعتق بعد موته قال: وإذا مات الأول أيضا سقطت وصيته بالخدمة لصاحبه لأنها كانت من وجه الخطر. قلت: وهذا قول مالك؟ قال نعم يشبه قوله وهذا رأيي كله.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجه في كتاب الهبات باب 4. النسائي في كتاب العمرى باب 1، 3. أحمد في مسنده [2/ 26، 34، 73].

في عارية الدنانير والدراهم
قلت: أرأيت إن استعار رجل دنانير أو دراهم أو فلوسا؟ قال لا تكون في الفلوس والدراهم عارية ولا في الدنانير، لأنا سألنا مالكا عن الرجل يحبس على الرجل المائة الدينار، السنة أو السنتين، فيأخذها فيتجر فيها فينقص منها؟ قال مالك هو ضامن لما نقص منها، وإنما هي قرض فإن شاء قبضها على ذلك وإن شاء تركها قلت: وتكون هذه الدنانير حبسا في قول مالك أم يبطل الحبس فيها؟ قال: هي حبس إلى الأجل الذي جعلها إليه حبسا وإنما هي حبس قرض. قلت: فإن أبى الذي حبست عليه قرضا أن يقبلها؟ قال: ترجع إلى الورثة ويبطل الحبس فيها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: ولقد سئل مالك عن امرأة هلكت وأوصت لبنت بنت لها بأن تحبس عليها الدنانير، وأوصت بأن ينفق عليها منها إذا أرادت الحج، أو في نفاس إذا ولدت. فأرادت الجارية بعد ذلك أن تأخذها فتصرفها في بعض ما ينتفع به وتنقلب بها وتقول: اشترطوا علي أني ضامنة لها حتى أنفقها في الذي قالت جدتي. قال: قال مالك: لا أرى أن تخرج الدنانير

عن حالها، وأرى أن ينفق عليها فيما أوصت بها جدتها. قلت: أرأيت إن استعار رجل طعاما أو إداما، أيكون هذا عارية أو قراضا؟ قال: كل شيء لا ينتفع به الناس إلا للأكل أو الشراب فلا أراه إلا قراضا. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يستعير من الرجل عشرة دنانير. قال: هو ضامن لها ولم يره من وجه العارية.

فيمن اعترف دابة وأقام البينة أبسأله القاضي ما باع ولا وهب ؟
فيمن اعترف دابة وأقام البينة أيسأله القاضي ما باع ولا وهب؟
قلت: أرأيت إن اعترفت دابة لي وأقمت البينة أنها دابتي، أيسأل القاضي البينة أني لم أبع ولم أهب؟ قال: يسألهم أنهم لم يعلموا أنه باع ولا وهب ولا تصدق، وإنما يسألهم عن علمهم. فإن شهدوا أنه ما باع ولا وهب ولا تصدق، قضى له بالدابة بعد أن يحلف الذي اعترف الدابة بالله لا إله إلا هو، ما باع ولا وهب ولا تصدق ولا أخرجها عن يده بشيء مما يخرج به الدابة من ملك الرجل ثم قضى له بها. قلت: فإن لم تشهد الشهود على أنهم لا يعلمون أنه ما باع ولا وهب ولا تصدق، ولكنهم شهدوا على أنها دابته، أتحلفه أنه ما باع ولا وهب ولا تصدق ثم يقضي له بالدابة؟ قال: نعم قلت: وهذا قول مالك؟ قال: إنما سمعته يقول: إنه يسألهم عن علمهم أنه ما باع ولا وهب. قال مالك: ولا يشهدون على البتات إنما يسألهم عن علمهم. قال مالك: ولو شهدوا على البتات لرأيت شهادتهم شهادة غموس، ورأيت أنهم شهدوا بباطل، وأنهم قد شهدوا بزور وما يدريهم أنه ما باع ولا وهب قال: وقال مالك: ويستحلف هو على البتة أنه ما باع ولا وهب ثم يقضي له بالدابة. قلت: أرأيت إن استأجرت دابة من رجل إلى بعض المواضع فعطبت تحتي ثم جاء ربها فاستحقها، أيكون له أن يضمنني ويجعلني - إذا عطبت تحتي - بمنزلة رجل اشترى في سوق المسلمين طعاما فأكله، ثم جاء رجل فاستحقه أن له أن يضمنه، فهل يكون الذي ركب الدابة بهذه المنزلة؟ قال: لا.

في العبد المأذون له أو غير المأذون له يعير ماله أو يدعو إلى طعامه بغير إذن مولاه
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة وغير المأذون له في التجارة، أيجوز له أن يعير الدابة من ماله أو غير الدابة، أيجوز ذلك له أم لا؟ قال: لا أرى أن يجوز ذلك له إلا بإذن سيده. قلت: أرأيت العبد يدعو إلى طعامه أيجاب أم لا؟ قال: سئل مالك عن العبد يولد له فيريد أن يعق عن ولده ويدعو عليه الناس. قال مالك: لا يعجبني ذلك إلا بإذن سيده، فكذلك مسألتك.

فيمن استعار سلاحا ليقاتل به فتلف
قلت: أرأيت إن استعرت من رجل سلاحا أو استعرت منه سيفا لأقاتل به فضربت به فانقطع، أأضمن أم لا؟ قال: لا يضمن - في قول مالك - إذا كانت لك بينة، أو يعرف أنه كان معه في القتال، لأنه فعل ما أذن له فيه فانقطع السيف من ذلك، وإن لم تكن له بينة ولا يعرف أنه كان معه في القتال فهو ضامن.

فيمن استعار دابة إلى موضع فتعدى عليها ذلك الموضع بعيدا أو قريبا فعطبت
قلت: أرأيت إن استعرت دابة إلى موضع من المواضع فلما بلغت ذلك الموضع تعديت على الدابة إلى موضع قريب مثل الميل أو نحوه، ثم رددتها إلى الموضع الذي استعرتها إليه، ثم رجعت وأنا أريد ردها على صاحبها فعطبت في الطريق وقد رجعت إلى الطريق الذي أذن لي فيه، أأضمن أم لا في قول مالك؟ قال سمعت مالكا وسئل عن رجل تكارى دابة إلى ذي الحليفة فتعدى بها، ثم رجع فعطبت بعدما رجع إلى ذي الحليفة وإلى الطريق. قال: إن كان تعديه ذلك مثل منازل الناس فلا أرى عليه شيئا، وإن كان جاوز ذلك مثل الميل والميلين فأراه ضامنا.

فيمن بعث رجلا يستعير له دابة إلى موضع فاستعارها إلى غير ذلك
قلت: أرأيت إن بعثت رسولا إلى رجل ليعيرني دابته إلى برقة، فجاءه الرسول فقال: يقول لك فلان: أعرني دابتك إلى فلسطين. وأعطاه الدابة فجاءني بها فركبتها فعطبت أو ماتت تحتي، فقال الرسول: قد كذبت فيما بينهما؟ قال: الرسول ضامن، ولا ضمان على الذي استعارها لأنه لم يعلم ما تعدى به الرسول. قلت: فإن قال الرسول: لا والله ما أمرتني أن أستعير لك إلا إلى فلسطين. وقال المستعير: بل أمرتك أن تقول إلى برقة؟ قال: لا يكون الرسول ههنا شاهدا في قول مالك لأن مالكا قال في رجل أمر رجلين أن يزوجاه امرأة فأنكر ذلك وشهدوا عليه بذلك. قال: لا تجوز شهادتهما عليه لأنهما خصمان له. قال ابن القاسم: وكذلك لو اختلفا في الصداق فقالا: أمرتنا بكذا وكذا. وقال الزوج: بل أمرتكما بكذا وكذا، لما دون ذلك. لم يجز قولهما عليه، لأنهما خصمان ويكون المستعير ههنا ضامنا إلا أن تكون له بينة على ما زعم أنه أمر به الرسول. قلت: أرأيت لو أن رجلا ركب دابتي إلى فلسطين، فقلت: أكريتها منك وقال: بل أعرتنيها؟ قال: القول قول صاحب الدابة إلا أن يكون ممن ليس مثله يكري الدواب، مثل الرجل الشريف المنزلة الذي له القدر والغنى وهذا رأيي والله أعلم.

كتاب اللقطة والضوال
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب اللقطة والضوالقلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا التقط لقطة دراهم أو دنانير أو ثيابا أو عروضا أو حليا مصوغا أو شيئا من متاع أهل الإسلام، كيف يصنع بها وكيف يعرفها في قول مالك؟ قال: قال مالك: يعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا لم آمره بأكلها. قلت: والقليل والكثير في هذا عند مالك سواء، الدراهم فصاعدا؟ قال: نعم إلا أن يحب بعد السنة أن يتصدق بها، ويخير صاحبها إذا هو جاء في أن يكون له أجرها أو يغرمها له. قال: وهذا قول مالك. قلت: أفكان مالك يكره أن يتصدق بها قبل السنة؟ قال: ذلك رأيي إلا أن يكون الشيء التافه اليسير.

العبد يلتقط اللقطة يستهلكها قبل السنة أو بعد السنة
قلت : أرأيت العبد إذا التقط اللقطة فأكلها أو تصدق بها قبل السنة، أيكون ذلك في ذمته أم في رقبته؟ قال: قال مالك: إذا استهلكها قبل السنة فهي في رقبته لا في ذمته. قلت: فإن استهلكها بعد السنة؟ قال: قال مالك: إذا استهلكها بعد السنة فهي في ذمته. قلت: لم قال مالك إذا استهلكها بعد السنة فهي في ذمته وهو لا يرى أن يأكلها؟ قال: للذي جاء فيها من الاختلاف، لأنه قد جاء فيها يعرفها سنة. فإن لم يجئ صاحبها فشأنه بها، فلذلك جعلها في ذمته بعد السنة. قلت: هل سمعت مالكا يقول في اللقطة، أين تعرف؟ وفي أي المواضع تعرف؟ قال: ما سمعت من مالك فيها شيئا، ولكني أرى أن تعرف في المواضع التي التقطت فيها، أو حيث يظن أن صاحبها هناك. وحديث عمر بن الخطاب أنه قال له رجل: إني نزلت منزل قوم بطريق الشام، فوجدت صرة فيها ثمانون دينارا فذكرتها لعمر بن الخطاب، فقال عمر: عرفها على أبواب المساجد وأذكرها

لمن يقدم من الشام سنة، فإذا مضت سنة فشأنك بها. فقد قال له عمر: عرفها على أبواب المساجد. فأرى أن يعرف اللقطة من التقطها على أبواب المساجد وفي موضعها أو حيث يظن أن صاحبها هناك.
قلت: أرأيت ما أصيب من أموال أهل الجاهلية لقطة على وجه الأرض يعلم أنه من أموال أهل الجاهلية، أيخمس؟ أم يكون فيه الزكاة في قول مالك؟ قال: يخمس، وإنما الزكاة في المعادن في قول مالك. وما أصيب في المعادن بغير كبير عمل مثل الندرة وما أشبهها فذلك بمنزلة الركاز، فيه الخمس. قلت: أرأيت دفن الجاهلية ما نيل منه بعمل ومؤنة؟ قال: فيه في قول مالك الخمس، والركاز كله فيه - في قول مالك - الخمس ما نيل منه بعمل وما نيل بغير عمل. قال: ولقد سئل مالك عن تراب على ساحل البحر يغسل فيوجد فيه الذهب والفضة، وربما أصابوا فيه تماثيل الذهب والفضة؟ قال مالك: أما التماثيل ففيها الخمس، وأما تراب الذهب والفضة الذي يخرج من ذلك التراب ففيه الزكاة، وهو بمنزلة تراب المعادن.
قلت: أرأيت إن التقطت لقطة فأتى رجل فوصف عفاصها ووكاءها وعدتها، أيلزمني أن أدفعها إليه في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيها شيئا، ولا أشك أن هذا وجه الشأن فيها وتدفع إليه. قلت: أرأيت إن جاء آخر بعد ذلك فوصف لي مثل ما وصف الأول، أو جاء فأقام البينة على أن تلك اللقطة كانت له، أيضمن الذي التقط تلك اللقطة وقد دفعها إلى من ذهب بها؟ قال: لا، لأنه قد دفعها بأمر كان ذلك وجه الدفع فيها، وكذلك جاء في الحديث: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها فإن جاء طالبها أخذها" 1 . ألا ترى أنه إنما قيل له اعرف العفاص والوكاء، أي حتى إذا جاء طالبها ادفعها إليه، وإلا فلماذا قيل له اعرف العفاص والوكاء قلت: وترى أن يجبره السلطان على أن يدفعها إليه إذا اعترفها هذا ووصف صفاتها وعفاصها ووكاءها؟ قال: نعم، أرى أن يجبره. وقاله أشهب وزاد عليه اليمين، فإن أبى عن اليمين فلا شيء له.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث 46 عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال: اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها. قال: فضالة الغنم يا رسول الله؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب. قال: فضالة الإبل؟ قال: مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل من الشجر حتى يلقاها ربها. ورواه البخاري في كتاب اللقطة باب 4. مسلم في كتاب اللقطة حديث 1.

التجارة في اللقطة والعارية
قلت: أرأيت رجلا حرا التقط لقطة، أو مكاتبا أو عبدا تاجرا، أيتجر بها في السنة التي يعرفها فيها في قول مالك؟ قال: قال مالك: في الوديعة: لا يتجر بها. فأرى اللقطة بمنزلة الوديعة في السنة التي يعرفها لا يتجر بها ولا بعد السنة أيضا، لأن مالكا قال: إذا مضت السنة لم آمره بأكلها. قلت: أرأيت تعريفه إياها في السنة، أبأمر الإمام أم بغير أمره؟ قال: لا أعرف الإمام في قول مالك، إنما جاء في الحديث: "يعرفها سنة" 1 فأمر الإمام وغيره في قول مالك سواء في هذا

في لقطة الطعام
قلت: أرأيت إن التقطت ما لا يبقى في أيدي الناس من الطعام؟ قال: قال مالك: يتصدق به أعجب إلي. قلت: وإن كان شيئا تافها؟ قال: التافه وغير التافه يتصدق به أعجب إلى مالك. قلت: فإن أكله وأتى صاحبه أو تصدق به أيضمنه؟ قال: لا يضمنه، مثل قول مالك في الشاة يجدها في فيافي الأرض إلا أن يجدها في غير فيافي الأرض. قلت: وهل كان مالك يوقت في الطعام الذي كان يخاف عليه الفساد وقتا في تعريفه؟ قال: لم يكن مالك يوقت فيه وقتا. قلت: أرأيت من التقط شاة في فيافي الأرض أو بين المنازل؟ قال: سألت مالكا عن ضالة الغنم يصيبها الرجل. قال: قال مالك: أما ما كان قرب القرى فلا يأكلها وليضمها إلى أقرب القرى إليها يعرفها فيها. قال: وأما ما كان في فلوات الأرض والمهامه، فإن تلك يأكلها ولا يعرفها. فإن جاء صاحبها فليس له عليه من ثمنها قليل ولا كثير. وكذلك قال مالك، قال: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"1 .
ـــــــ
1 المصدر السابق.

في لقطة الإبل والبقر والدواب
قلت: أرأيت البقر، أهي بمنزلة الغنم في قول مالك؟ قال: أما إذا كانت. بموضع يخاف عليها فنعم، وإن كانت بموضع لا يخاف عليها السباع ولا الذئاب فهي بمنزلة الإبل. قلت: وما قول مالك في الإبل إذا وجدها الرجل ضالة في فلوات الأرض؟ قال: إذا أخذها عرفها وإن أراد أكلها فليس له ولا يعرض لها. قال مالك: وإن أخذها فعرفها ولم يجد صاحبها فليخلها بالموضع الذي وجدها فيه. قلت: أرأيت الخيل والبغال والحمير، أهي بمنزلة الإبل؟ قال: الخيل والبغال والحمير لا تؤكل. قلت: فإن التقطها؟ قال: يعرفها فإن جاء ربها ردها. قلت: فإن عرفها سنة فلم يجئ ربها؟ قال: أرى أن يتصدق بها. قال: ولم أسمعه من مالك. قلت: فإن جاء ربها وقد أنفق على هذه الدواب، أيكون عليه نفقتها؟ قال: قال مالك: نعم، على صاحبها ما أنفق هذا عليها ولا يأخذها حتى يعطيه ما أنفق عليها. وقال مالك في الإبل إذا اعترفها ربها وقد كان أسلمها وقد أنفق عليها: إن له ما أنفق عليها إن أراد صاحبها أن يأخذها، وإن أراد أن يسلمها فليس عليه شيء. قلت: وكذلك الغنم والبقر إذا التقطها في فلوات الأرض أو في غير فلوات، فأنفق عليها فاعترفها ربها، أيكون له نفقته التي أنفق عليها في قول مالك؟ قال: قال مالك في المتاع يلتقطه الرجل فيحمله إلى موضع من المواضع ليعرفه فيعرفه ربه. قال مالك: هو لصاحبه ويدفع إليه هذا الكراء الذي حمله، فكذلك الغنم والبقر إذا التقطها رجل فأنفق عليها، ثم أتى ربها فإنه يغرم ما أنفق عليها الملتقط إلا أن يشاء ربها

أن يسلمها. قلت: أرأيت ما أنفق هذا الملتقط على هذه الأشياء التي التقطها بغير أمر السلطان، أيكون ذلك على رب هذه الأشياء إن أراد أخذها في قول مالك؟ قال: نعم، إن أراد ربها أخذها لم يكن له أن يأخذها حتى يغرم لهذا ما أنفق عليها، بأمر السلطان أو بغير أمر السلطان.

في الآبق ينفق عليه من يجده وفي بيع السلطان الضوال
قلت: أرأيت الآبق إذا وجده الرجل، ما يصنع به في قول مالك؟ قال: قال مالك: يرفعه إلى السلطان فيحبسه السلطان سنة، فإذا جاء صاحبه وإلا باعه وحبس له ثمنه. قلت: من ينفق عليه في هذه السنة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن أرى أن ينفق عليه السلطان، ويكون فيما أنفق بمنزلة الأجنبي، إلا أن السلطان إن لم يأت ربه باعه، وأخذ من ثمنه ما أنفق عليه وجعل ما بقي في بيت المال. قلت أرأيت الإبل الضوال إذا رفعت إلى الوالي، هل كان مالك يأمر الوالي أن يبيعها ويرفع أثمانها إلى أربابها كما يصنع عثمان في ضوال الإبل، باعها وحبس أثمانها على أربابها؟ قال: قال مالك: لا تباع ضوال الإبل، ولكن تعرف، فإن لم توجد أربابها ردت إلى المواضع التي أصيبت فيها. قال: وكذلك جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: أرسلها في المواضع التي وجدتها فيها. وإنما كان مالك يأخذ بحديث عمر في هذا. قال مالك وقد استشارني بعض الولاة فأشرت عليه بذلك. قلت: لم قال مالك في الأباق إنهم يباعون بعد السنة إذا حبسهم الإمام، ولم يجعلهم بمنزلة ضوال الإبل، يدعهم يعملون ويأكلون حتى يأتي أربابهم؟ قال: الأباق في هذا ليسوا بمنزلة الإبل، لأنهم يأبقون ثانية. قلت أرأيت الآبق إذا أصابه الرجل في المصر أو خارجا من المصر، أفيه جعل عند مالك أم لا؟ قال: سألنا مالكا عن الآبق إذا وجده الرجل فأخذه فطلب جعله، أترى فيه جعلا؟ قال: قال مالك: أما من كان ذلك شأنه وطلبه وهو عمله فأرى أن يجعل له جعل. قال مالك: وعندنا قوم شأنهم هذا، وفي هذا منافع للناس. وأما من لم يكن ذلك شأنه وإنما وجده فأخذه فإنما له فيه نفقته ولا جعل له. قلت: هل كان مالك يوقت في الجعل شيئا؟ قال: ما سمعت أنه وقت فيه شيئا، وأرى أن يعطي على قدر بعد الموضع الذي أخذه فيه بالاجتهاد. قلت: أرأيت إن كان رجلا هذا شأنه يطلب الإباق والدواب الضوال والأمتعات ويردها على أربابها، أيكون له في قول مالك شيء؟ قال: لم أسمعه من مالك، وينبغي أن يكون له جعله لأن في ذلك منافع للناس. قال: ولم يوقت لنا مالك في الآبق شيئا في المصر أو خارجا من المصر إلا أنه قال لنا ما أخبرتك.
قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن هذه السفن التي تنكسر في البحر، فيلقي البحر

متاعهم فيأخذه بعض الناس، ثم يأتي بعد ذلك أصحاب المتاع؟ قال مالك يأخذون متاعهم ولا شيء لها ولا الذين أصابوه. قلت: أرأيت إذا التقط لقطة فعرفها سنة ثم باعها بعد السنة فأتى ربها، أيكون له أن يفسخ البيع وإنما باعها الذي التقطها بغير أمر السلطان؟ قال: معنى شأنكم بها أنه مخير في أن يحبسها وفي أن يتصدق، فأرى أن البيع جائز ويكون له الثمن ممن قبضه. قلت: أرأيت من التقط لقطة فضاعت منه فأتى ربها، أيكون عليه شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليه. فإن قال له رب المتاع إنما التقطتها لتذهب بها. وقال الذي التقطها: إنما التقطتها لأعرفها؟ قال: فالقول قول الذي التقطها. قلت: أسمعته من مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن رجلا التقط لقطة ليعرفها، ثم بدا له فردها في موضعها فضاعت، أيضمن أم لا في قول مالك؟ قال: سأل رجل مالكا عن رجل التقط كساء وبين يديه رفقة، فصاح بهم ألكم الكساء فقالوا: لا. فرده في موضعه. قال مالك: لا أرى عليه شيئا، وقد أحسن حين رده في موضعه. فأرى أنا أن من أخذ من ذلك ممن ليس هو على هذا الوجه حتى يسير به من ذلك الموضع الذي التقطه فيه، ثم أتى به فوضعه في موضعه الذي وجده فيه أو في غير موضعه الذي وجده فيه، بعد أن ذهب به ومكث في يديه فهو ضامن له. والذي أراد مالك إنما رده مكانه من ساعته، وإنه صاح بالقوم يظنه لهم مثل الرجل يمشي في أثر الرجل فيجد الشيء فيأخذه ويصيح به ألك هذا، فيقول له لا، فيتركه فهذا لا ضمان عليه. وأما ما أخذه فأحرزه ثم بدا له فرده فهو ضامن له، وكذلك سمعت، فيما يشبهه.

في السارق يسرق من دار فيها ساكن أو لا ساكن فيها ثم يدع الباب مفتوحا
قلت: أرأيت لو أني أتيت إلى دواب رجل مربوطة في مذاودها فحللتها. فذهبت الدواب، أأضمن أم لا؟ قال: قال مالك: في السارق يسرق من الحانوت وهو مغلق، لا يسكن فيه أحد فيفتحه ثم يدعه مفتوحا وليس ربه فيه، فيذهب ما في الحانوت: إن السارق ضامن لما ذهب من الحانوت لأنه فتحه، فكذلك الدواب بهذه المنزلة مثل هذا في قول مالك. قلت: أرأيت إن كانت الدواب في دار، ففتح الباب رجل فذهبت الدواب، أيضمنها أم لا في قول مالك؟ قال: إن كانت دار الدواب مسكونة فيها قومة الدواب فلا ضمان عليه، وهو بمنزلة ما لو سرق منه وترك بقيته مباحا للناس، وإن لم يكن رب الدواب في الدار ضمن. قلت: أرأيت إن كان رب الدواب في الدار نائما، أيضمن أم لا؟ قال: لا يضمن. قلت: لم وهو نائم؟ قال: ألا ترى لو أن سارقا دخل بيت قوم وهم نيام، ففتح بابهم وقد كانوا أغلقوه، فسرق بعض متاعهم ثم خرج وترك الباب مفتوحا فسرق ما فيه

بعده، أنه لا يضمن ذلك في قول مالك. كذلك قال مالك: لأن أرباب البيت إذا كانوا في البيت - نياما كانوا أو غير نيام - فإن السارق لا يضمن ما ذهب بعد ذلك، وإنما يضمن من هذا إذا ترك الباب مفتوحا وليس أرباب البيت في البيت. قلت: فلو كان بيت تسكنه امرأة، فخرجت إلى جارة لها زائرة وأغلقت على متاعها الباب، فأتى السارق وفتح الباب وسرق ما فيه وتركه مفتوحا، فسرق ما بقي في البيت بعده، أيضمن أم لا؟ قال: يضمن في قول مالك. قلت: والحوانيت إن سرق منها رجل بالليل وترك الباب مفتوحا فسرق ما في الحوانيت بعده، أيضمن السارق في قول مالك أم لا؟ قال: نعم يضمن في قول مالك. قلت: والحوانيت مسكونة أم لا؟ قال: ليست مسكونة.

في الرجل يفتح قفصاً فيه طير أو قيداً فيه عبد وفي الآبق يأخذه الرجل ثم يهرب منه أو يرسله هو
في الرجل يفتح فقصاً فيه طير أو قيدا فيه عبد وفي الآبق يأخذه الرجل ثم يهرب منه أو يرسله هو
قلت: أرأيت لو أني أتيت إلى قفص فيه طير، ففتحت باب القفص. فذهب الطير، أأضمن أم لا؟ قال: نعم أنت ضامن في رأيي. قلت: أرأيت لو أن رجلا أتى إلى عبد لي قد قيدته أخاف إباقه، فحل قيده فذهب العبد، أيضمنه أم لا في قول مالك؟ قال: يضمنه في رأيي. قلت: أرأيت لو أن رجلا التقط لقطة فعرفها سنة فلم يجد صاحبها، فتصدق بها على المساكين فأتى صاحبها وهي في أيدي المساكين، أيكون لصاحبها أن يأخذها وهي في أيدي المساكين أم لا؟ قال: نعم. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا قلت: أرأيت إن أكلها المساكين فأتى ربها فأراد أن يضمنهم؟ قال: لا أرى ذلك له. قلت: أليس قد قال مالك في الهبة: إذا استحقها صاحبها عند الموهوبة له وقد أكلها، إن له أن يضمنه إياها؟ قال: ليست اللقطة بمنزلة الهبة. ألا ترى أنهم قد قالوا في اللقطة يعرفها سنة ثم شأنه بها. قال: ولم أسمع من مالك فيه شيئا، والله أعلم.

كتاب الآبق
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الآبققلت: أرأيت إن أخذت عبدا آبقا فأبق مني، أيكون علي شيء أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا شيء عليك. قال: وقال مالك: وإن أرسله بعدما أخذه ضمنه، كذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن اعترفت عبدا آبقا عند السلطان، فأتيت بشاهد واحد، أأحلف مع شاهدي وآخذ العبد؟ قال: نعم. قلت: هل كان مالك يرى أن يستحلف طالب الحق مع شاهدين؟ قال: لا، إذا أقام شاهدين لم يستحلف. قلت: أرأيت إذا ادعى هذا الآبق رجل فقال: هو عبدي وقال العبد: صدق أنا عبده. ولا بينة للسيد. أيعطى السيد بقوله وبإقرار العبد له بالعبودية؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هكذا ينبغي أن يكون قوله من قبل، إن مالكا قال في اللصوص إذا أخذوا ومعهم الأمتعة، فأتى قوم فيدعون ذلك المتاع، ولا يعلم ذلك إلا بقولهم وليست لهم بينة. قال مالك: يتلوم لهم السلطان، فإن لم يأت غيرهم دفعه إليهم. قلت: أرأيت الآبق إذا حبسه الإمام سنة ثم باعه، فجاء سيده والعبد قائم عند المشتري، أيكون للسيد أن ينقض البيع ويأخذ العبد؟ قال: ليس ذلك له، كذلك قال مالك إنما له أن يأخذ. ثمنه. قلت: لم؟ قال: لأن السلطان باعه عليه وبيع السلطان جائز.

في بيع السلطان الآباق
قلت: أرأيت لو أن السلطان باع هذا الآبق بعدما حبسه سنة، ثم أتى سيده فاعترفه فقال: قد كنت أعتقته بعدما أبق، أو قال قد كنت دبرته بعدما أبق؟ قال: لا يقبل قوله على نقض البيع إلا ببينة تقوم له، لأن بيع السلطان بمنزلة بيع السيد. ألا ترى أن السيد

لو باع العبد ثم أقر بعد ذلك أنه قد كان أعتقه لم يقبل قوله على نقض البيع إلا ببينة وهذا رأيي. قلت: أرأيت إن قال: قد كنت أعتقته قبل أن يأبق مني أو دبرته قبل أن يأبق مني؟ قال: أما التدبير فلا يقبل قوله فيه، وأما العتق فلا أرى أيضا أن يقبل قوله، لأنه لو باعه هو نفسه ثم قال: قد كنت أعتقته لم يقبل قوله. قلت: أرأيت إذا أتى سيدها وهي أمة له وقد كان باعها السلطان بعدما حبسها سنة، فقال سيدها: قد كانت ولدت مني وولدها قائم؟ قال: أرى أن ترد إلى سيدها إذا كان ممن لا يتهم على مثلها، لأن مالكا قال في رجل باع جارية له وولدها. ثم قال بعد ذلك: هذا الولد الذي بعت معها هو مني، قال مالك: إذا كان ممن لا يتهم على مثلها ردت عليه. وقال في العتق: إن أقر أنه كان أعتقها لم يصدق ولم ترد عليه إلا ببينة. قلت: فإن لم يكن معها ولد فقال بعدما باعها: قد كانت ولدت مني؟ قال: أرى أن ترد إذا لم يتهم في مثلها، كذلك بلغني عن مالك.

فيمن اغتصب عبدا فمات
قلت: أرأيت لو أن رجلا اغتصب عبدا فمات عند الغاصب موتا ظاهرا، أيضمن الغاصب قيمته في قول مالك؟ قال: قال مالك: هو ضامن لقيمته. قلت: أرأيت العبد الآبق، أيجوز تدبير سيده فيه وعتقه؟ قال: نعم، لأنه لم يزل ملكه عنه بإباق العبد. قلت: أرأيت العبد الآبق، أيبيعه سيده وهو آبق؟ قال: قال مالك: لا. قلت: أرأيت من وهب عبدا له آبقا، أتجوز فيه الهبة أم لا؟ قال: إذا كانت الهبة لغير الثواب جازت في قول مالك. قال: وإن كانت للثواب لم تجز في قول مالك، لأن الهبة للثواب بيع من البيوع وبيع الآبق لا يجوز لأنه غرر، فكذلك الهبة للثواب.

في إقامة الحد على الآبق
قلت: أرأيت الآبق إذا زنى أو سرق أو قذف، أيقام عليه الحد في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن الآبق إذا سرق قطع، فالحدود عندي بمنزلة السرقة. قلت: أرأيت لو أن رجلا أتى إلى قاض بكتاب من قاض: أنه قد شهد عندي قوم أن فلانا صاحب كتابي إليك قد هرب منه عبد، صفته كذا وكذا، فوصفه وجلاه، وعند القاضي عبد آبق محبوس على هذه الصفة التي كتب بها القاضي إليه، أترى أن يقبل كتاب القاضي وشهادة الشهود الذين شهدوا فيه على الصفة التي كتب بها القاضي إليه يدفع العبد إليه أم لا؟ قال: أرى أن يقبل الكتاب والبينة التي فيه ويدفع العبد إليه قلت: وترى للقاضي الأول أن يقبل منه البينة على الصفة ويكتب بها إلى قاض آخر؟ قال: نعم. قلت:

في اعتراف الدواب والرقيق
قلت: أرأيت لو أن رجلا اعترف دابة له في يد رجل، فأقام البينة أنها دابته وحكم له بها السلطان، فادعى الذي في يديه الدابة أنه اشتراها من بعض البلدان وأراد أن لا يذهب حقه؟ قال: قال مالك يؤمر هذا الذي كانت الدابة في يديه أن يخرج قيمة الدابة، فتوضع القيمة على يدي عدل، ويمكنه القاضي من الدابة ويطبع له في عنق الدابة، ويكتب له إلى قاضي ذلك البلد كتابا أني قد حكمت بهذه الدابة. لفلان، فاستخرج لفلان ماله من بائعه إلا أن تكون للبائع حجة. قال: وقال مالك: فإن تلفت الدابة في ذهابه أو مجيئه أو أعورت أو انكسرت فهي من الذاهب بها، والقيمة التي وضعت على يدي عدل للذي اعترفها. قلت: إن أنقصها في ذهابه أو مجيئه؟ قال: كذلك أيضا في قول مالك، القيمة لهذا الذي اعترفها إلا أن يرد الدابة بحالها. قلت: وكذلك الرقيق؟ قال: قال مالك: نعم، كذلك الرقيق إلا أن تكون جارية. فإن كانت جارية فكان الذي يذهب بها أمينا لا يخاف على مثله أعطيها وذهب بها، وإن كان على غير ذلك كان عليه أن يستأجر أمينا يذهب بها وتكون معه وإلا لم تدفع إليه. قلت: أرأيت إن اعترفها رجل وهو على ظهر سفر يريد إفريقية، فاعترف دابته بالفسطاط وأقام عليها البينة فاستحقها، فقال الذي هي في يديه: اشتريتها من رجل بالشام أتمكنه من الدابة يذهب بها إلى الشام ويعوق هذا عن سفره في قول مالك؟ هذا حق من الحقوق، والمسافر في هذا وغير المسافر سواء. ويقال لهذا المسافر: إن أردت أن تخرج فاستخلف من يقوم بأمرك. قلت: أرأيت إن قال هذا المسافر: إني قد استحققت دابتي، وقول هذا الذي وجدت دابتي في يديه إنه اشتراها بالشام باطل، لم يشترها بالشام، ولكنه أراد أن يعوقني عن سفري. أيقبل قول الذي اعترفت الدابة في يديه أنه اشتراها أم لا يقبل قوله إلا ببينة؟ قال: سألنا مالكا عنها. فقال: إذا قال صاحبها اشتريتها أمكن مما

وصفت لك ولم يقل لنا مالك إنه يقال له أقم البينة، ولو كان ذلك عند أهل العلم أنه لا يقبل قوله إلا ببينة لبينوا ذلك. قلت: أرأيت قول مالك يحبس الآبق سنة ثم يباع، من أين أخذ السنة؟ قال: قال مالك: لم أزل أسمع أن الآبق يحبس سنة. قلت: أرأيت القاضي إذا جاءه البغل مطبوعا في عنقه، وجاء بكتاب القاضي، أيأمر هذا الرجل الذي جاء بالبغل أن يقيم البينة أن هذا البغل هو الذي حكم به عليه وهو الذي طبع القاضي في عنقه؟ قال: لم أسمع هذا، ولكن إذا كان البغل موافقا لما في كتاب القاضي من صفته، وخاتم القاضي في عنقه، وأتى بشاهدين على كتاب القاضي جاز ذلك، ولا أرى أن يسأله البينة أن هذا البغل هو الذي حكم به القاضي عليه.

في شهادة الغرباء وتعديلهم
قلت: أرأيت لو أن قوما غرباء شهدوا في بعض البلدان على حق من الحقوق لرجل منهم غريب معهم، أو شهدوا شهادة لغير غريب والشهود لا يعرفون في تلك البلدة، أيقبل القاضي شهادتهم في قول مالك أم ماذا يصنع؟ قال: لا يقبل، شهادتهم، لأن البينة لا تقبل في قول مالك إلا بعدالة. ولقد سمعت مالكا، وسئل قوم شهدوا في حق فلم يعدلهم قوم تعرف عدالتهم، فعدل المعدلين آخرون، أترى أن يجوز في ذلك تعديل على تعديل؟ فقال: قال مالك: إن كان الشهود غرباء رأيت ذلك جائزا، وإن كانوا غرباء - وهم من أهل البلد - لم يجز ذلك حتى يأتوا بمن يزكيهم. فبهذا يستدل على أنهم وإن كانوا غرباء لا يحكم بشهادتهم إلا بعد العدالة. قلت: أرأيت قولك إن لم يعرف القاضي المعدلين الأولين. قال: ليس القاضي يعرف كل الناس وإنما يعرف القاضي بمعرفة الناس. وإنما قلت لك في قول مالك، إنه لا يقبل القاضي عدالة على عدالة إذا كانوا من أهل البلد حتى تكون العدالة على الشهود أنفسهم عند القاضي.

فيمن وجد آبقا أيأخذه وفي الآبق يؤاجر نفسه والقضاء فيه
قلت: أرأيت من وجد آبقا أو آبقة، أيأخذه أم يتركه في قول مالك قال: سألت مالكا عن الآبق يجده الرجل، هل ترى أن يأخذه أم يتركه؟ قال: إن كان لجار أو لأخ أو لمن يعرف، رأيت أن يأخذه. وإن كان لمن لا يعرفه فلا يقربه. ومعنى قوله رأيت أن يأخذه إذا كان لأخ أو لجار فإنه إن لم يأخذه أيضا فهو في سعة، ولكن مالكا كان يستحب له أن يأخذه. قلت: أرأيت الآبق إذا لم أعرف سيده إلا أن سيده جاءني فاعترفه عندي، أترى أن أرفعه إليه أم أرفعه إلى السلطان في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى لك أن ترفعه إلى السلطان إذا لم تخف ظلمه. قلت أرأيت عبدا آبقا آجر نفسه من رجل في بعض الأعمال، فعطب في ذلك العمل، والرجل الذي

في إباق المكاتب والعبد الرهن
قلت: أرأيت المكاتب إذا أبق، أيكون ذلك فسخا لكتابته في قول مالك؟ قال: لا يكون ذلك فسخا لكتابته - في قول مالك - إلا أن يغيب عن نجم من نجومه فيرفعه سيده إلى السلطان فيتلوم له، فإن لم يجئ عجزه، فإذا عجزه السلطان كان ذلك فسخا لكتابته.

ما جاء في عتق الآبق
قلت: أرأيت عبدا آبقا أعتقه سيده عن ظهاره، أيجزئه في قول مالك؟ قال: ما سمعت أن أحدا يقول إن الآبق يجزئ في الظهار، ألا ترى أن سيده لا يعلم أحي هو أم

في الآبق إلى دار الحرب يشتريه رجل مسلم
قلت: أرأيت لو أن آبقا أبق من رجل من المسلمين فدخل إلى بلاد المشركين، فدخل رجل من المسلمين بلادهم فاشتراه؟ قال: قال مالك: يأخذه سيده بالثمن الذي اشتراه به. قلت: وكذلك إن كان سيده أمره بالشراء أو لم يأمره فإنه لا يأخذه منه إلا أن يدفع إليه الثمن الذي اشتراه به؟ قال: نعم. قلت: وعبيد أهل الذمة في هذا وعبيد المسلمين سواء؟ قال: نعم. - في قول مالك لأن مالكا جعل الذمي إذا أسر بمنزلة الحر، إذا ظفر به المسلمون ردوه إلى جزيته. قال مالك: - وقع في المقاسم أو لم يقع - فإنه يرد إلى جزيته لأنه لم ينقض عهده ولم يحارب، فلما جعله مالك بمنزلة المسلم في هذا كان ماله بمنزلة مال المسلمين. قلت: أرأيت إن كان الذي اشترى العبد في دار الحرب قد أعتقه، أيجوز عتقه إياه في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، عتقه جائز. ولا أرى أن يرد عتقه، فإن أراد سيده أن يأخذه بالثمن فليس ذلك له، وليس هو بمنزلة رجل اشترى عبدا في سوق المسلمين ولا يعلم أن له سيدا غير الذي باعه، فأعتقه فأتى سيده

فاستحقه أنه يأخذه، لأن هذا يأخذه بغير ثمن، والذي اشترى من العدو لا يأخذه إلا بثمن وكان مخيرا فيه، فالعتق أولى به لأنه لا يدري أكان يأخذه سيده أم لا. قلت: وكذلك إن كان هذا الذي اشترى في دار الحرب، كانت أمة فوطئها فولدت منه، ثم أتى سيدها فاستحقها؟ قال: أرى أنها أم ولد للذي اشتراها في دار الحرب ووطئها، وليس لسيدها الأول إليها سبيل، وكذلك بلغني عن بعض أهل العلم. قلت: أرأيت ما أبق إليهم وما غنموا من عبيد أهل الإسلام أسواء عندك؟ قال: نعم هو سواء، كذلك قال مالك.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب حريم الآبار

ما جاء في حريم الآبار والمياه
قلت لابن القاسم: هل للبئر حريم عند مالك، بئر ماشية أو بئر زرع أو غير ذلك من الآبار؟ قال: لا، ليس للآبار عند مالك حريم محدود ولا للعيون إلا ما يضر بها. قال مالك: ومن الآبار آبار تكون في أرض رخوة وأخرى تكون في أرض صلبة أو في صفا، فإن ذلك على قدر الضرر بالبئر. قلت: أرأيت إن كانت في أرض صلبة أو في صفا، فأتى رجل ليحفر قربها فقام أهلها فقالوا: هذا عطن لإبلنا إذا وردت، ومرابض لأغنامنا وأبقارنا إذا وردت. أيمنع الحافر من الحفر في ذلك الموضع وذلك لا يضر بالبئر؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن يمنع من ذلك، لأن هذا حق للبئر ولأهل البئر إذا كان هذا يضر بمناخهم، فهو كالإضرار بمائهم. قلت: فإن أراد رجل أن يبني في ذلك الموضع، أكان لهم أن يمنعوه كما كان لهم أن يمنعوه من الحفر فيه، قال: نعم، ولم أسمع هذا من مالك، ولكن لما قال مالك إذا كان يضر بالبئر منع من ذلك، فهذا كله ضرر بالبئر وبأهله.

في منع أهل الآبار الماء المسافرين
قلت: أرأيت لو أن قوما مسافرين وردوا ماء، فمنعهم أهل الماء من الشرب، أيجاهدونهم في قول مالك أم لا؟ قال: ينظر في ذلك، فإن كان ماؤهم مما يحل لهم بيعه مثل البئر يحفرها الرجل في داره أو أرضه قد وضعها لذلك يبيع ماءها، كان لهم أن يمنعوهم إلا بثمن إلا أن يكونوا قوما لا ثمن معهم. فإن منعوا إلى أن يبلغوا ماء غير ذلك خيف عليهم، فأرى أن لا يمنعوا وإن منعوا جاهدوهم. وأما ما لم يكن لهم في ذلك

ضرر يخاف عليهم، فلم أر أن يأخذوا ذلك منهم إلا بثمن. قال: وكل بئر كانت من آبار الصدقة، مثل بئر المواشي والشفة، فلا يمنعون من ذلك بعد أن يروي أهلها. وإن منعهم أهل الماء بعد ريهم فقاتلوهم لم أر عليهم في ذلك حرجا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع نفع بئر ولا يمنع فضل الماء" 1 . قال ابن القاسم: ولو منعوهم الماء حتى مات المسافرون عطشا - ولم يكن للمسافرين قوة على مدافعتهم - كان على عاقلة أهل الماء دياتهم، والكفارة على كل نفس منهم على كل رجل من أهل الماء، والأدب الموجع من الإمام في ذلك لهم.
ـــــــ
1 هذا الحديث يجمع حديثين: الأول قوله "لا يمنع نقع بئر" رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث 30 عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن. والثاني قوله: "لا يمنع فضل" وقد أورده كاملاً في الباب التالي.

في فضل آبار الماشية وفي منع الكلأ
قلت: أرأيت الحديث الذي جاء: "لا يمنع فضل الماء والكلأ والناس فيه شركاء"1. هل كان يعرفه مالك أو كان يأخذ به؟ قال: سمعت مالكا يقول في الأرض إذا كانت للرجل: فلا بأس أن يمنع كلأها إذا احتاج إليه وإلا فليخل بين الناس وبينه. قلت: أرأيت الحديث الذي جاء: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ"2. قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أحسبه إلا في الصحاري والبراري وأما في القرى والأرضين التي قد عرفها أهلها واقتسموها وعرف كل إنسان حقه، فلهذا أن يمنع كلأها عند مالك إذا احتاج إليه.
ـــــــ
1روى هذا الحديث أبو داود في كتاب البيوع باب 60. ابن ماجه في كتاب الرهون باب 16. أحمد في مسنده [5/ 264] بلفظ "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار".
2رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث 29 عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. البخاري في كتاب الشرب والمساقاة باب2. مسلم في كتاب المساقاة حديث 36.

في فضل آبار الزرع
قلت: أرأيت لو أن بئرا لي أسقي منها أرضي، وفي مائي فضل عن أرضي، وإلى جانبي أرض لرجل ليس لها ماء، وأراد أن يسقي أرضه بفضل ماء فمنعته؟ قال: ليس لصاحب الأرض أن يأخذ ماءك إلا أن يشتريه منك اشتراء إلا أن يكون لك جار وقد زرع زرعا على بئر له، فانهارت بئره فخاف على زرعه الهلاك قبل أن يحيي بئره، فهذا الذي يقضى له عليك بأن يشرب فضل مائك إن كان في مائك فضل، وإلا فأنت أحق به وهذا قول مالك. قلت: أفيقضى عليه بثمن أو بغير ثمن قال: قال مالك: يقضي عليه، وذلك عندي بغير ثمن، وغيره يقول بثمن. قال: ولقد سألناه عن ماء الأعراب، يرد عليهم أهل المواشي يستقون فيمنعهم أهل ذلك الماء؟ قال مالك: أهل ذلك الماء أحق بمائهم حتى يرووا، فإن كان فضلا سقى هؤلاء بما فضل عنهم. قال مالك: أما سمعت الحديث: "لا يمنع فضل ماء" فإنما هو ما يفضل عنهم ولو كان الناس يشاركونهم ما انتفعوا بمائهم دون غيرهم.

في فضل ماء بئر الماشية والزرع
قلت: فلم قال مالك في بئر الماشية: الناس أولى بالفضل؟ وقلت أنت في بئر الزرع: إن صاحب البئر أولى بالفضل؟ فما فرق ما بينهما؟ وقد قال مالك أيضا في الذي يغور ماؤه أو ينهار بئره: إنه يقضى عليه بفضل ماء جاره حتى يصلح بئره. فلم قلت أنت فيمن زرع ولا بئر له إلى جانب من له بئر وفي مائه فضل: لم لا يجعل ما فضل من الماء لهذا الذي زرع إلى جانبه؟ قال: لأن هذا الذي زرع فانهارت بئره إنما زرع على أصل ماء كان له، فلما ذهب ماؤه شرب فضل ماء صاحبه لئلا يهلك زرعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لاضرر ولا ضرار" 1 إلا أنا لما خفنا موت زرعه جعلنا له فضل ماء جاره، بمنزلة بئر الماشية، إنه يكون للأجنبيين فضل ماء أهل الماء يسقون به ماشيتهم، فكذلك زرع هذه البئر إذا انهارت. وأن الذي زرع إلى جانب رجل على غير أصل ماء إنما يريد أن يجتر بذلك فضل ماء جاره، فهذا مضار، فليس ذلك له إلا أن يشتري. ألا ترى أن البئر تكون بين الرجلين، أو العين فتنهار البئر أو تنقطع العين، فيعملها أحدهما ويأبى الآخر أن يعمل، فلا يكون للذي لم يعمل من الماء قليل ولا كثير، وإن كان فيه فضل ولا يسقي به أرضه إلا أن يعطي شريكه نصف ما أنفق، وهذا قول مالك. فهذا يدلك على أن الذي زرع على غير أصل ماء لا يجبر جاره على أن يسقيه بغير ثمن.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث 31 عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه. ابن ماجه في كتاب الأحكام باب 17.

في بيع شرب يوم أو يومين
قلت: أرأيت إن اشترى شرب يوم أو يومين بغير أصل إلا أنه اشترى شرب يوم أو يومين والأصل لرب الماء؟ قال: قال مالك: ذلك جائز قلت فإن اشترى أصل شرب يوم أو يومين من كل شهر، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم، قلت: أرأيت إن اشتريت شرب يوم من كل شهر بغير أرض، من قناة أو من بئر من عين أو من نهر، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ذلك جائز. قال: وهذا الذي قال مالك لا شفعة فيه لأنه ليس معه أرض. قال: وقال مالك: وإذا قسمت الأرض وترك الماء، فباع أحدهم نصيبه الذي صار له من أرضه بغير ماء ثم باع نصيبه بعد ذلك من الماء، فإن مالكا قال في مثل هذا الماء: لا شفعة فيه والأرض أيضا لا شفعة فيها، وإنما الشفعة في الماء إذا كانت الأرض بين النفر فلم يقتسموها فيبيع أحدهم ماءه بغير أرضه. قال مالك: ففي هذا الشفعة إذا كانت الأرض لم تقسم. قلت: أرأيت إن باع أحدهم حصته من الماء، ثم باع آخر بعده حصته من الماء، أيضرب البائع الأول معهم في الماء بحصته من الأرض. قال: لا، فكذلك إن باع حصته من الأرض وترك حصته من الماء، ثم باع بعد ذلك بعض شركائه حصته من الأرض، لم يكن له فيها شفعة

لمكان ما بقي له من الماء. قلت: أرأيت لو أن قوما اقتسموا أرضا، وكان بينهم ماء يسقون به، وكان لهم شركاء في هذا الماء، فباع أحد من أولئك الذين لهم الماء حصته، من الماء، أيضرب مع شركائه في الشفعة بحصته من الأرض؟ قال: لا.

في الرجل يسوق عينه إلى أرضه في أرض رجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا له ماء وراء أرضي - وأرضه دون أرضي - فأراد أن يجري ماءه إلى أرضه في أرضي فمنعته؟ قال: قال مالك: ذلك لك. قال: وقال مالك: ليس العمل على حديث عمر بن الخطاب في هذا. قال: ولقد سئل مالك عن الرجل يكون له مجرى ماء في أرض رجل، فأراد أن يحوله في أرض ذلك الرجل إلى موضع هو أقرب من ذلك المجرى إلى أرضه؟ قال: قال مالك: ليس له ذلك وليس له أن يحوله عن موضعه. قال مالك: وليس العمل على حديث عمر بن الخطاب. قال: وإنما جاء حديث عمر في هذا بعينه، إنه كان له مجرى في أرض رجل فأراد أن يحوله إلى موضع آخر أقرب إلى أرضه من ذلك الموضع، فأبى عليه الرجل، فأمره عمر بن الخطاب أن يجريه.

ما جاء في اكتراء الأرض بالماء
قلت: أرأيت إن اكتريت منك شرب يوم من كل شهر في هذه السنة من قناتك هذه بأرضي هذه تزرعها سنتك هذه؟ قال: لا بأس بهذا، لأنه لو اكترى أرضه بدين لم يكن بذلك بأس، فكذلك إذا أكراها لشرب يوم من القناة في كل شهر.

في العين والبئر بين الشركاء يقل ماؤها
قلت: أرأيت إن كانت قناة بيننا ونحن أشراك، فاحتاجت القناة إلى الكنس فقال بعضنا: نكنس. وقال بعضنا: لا نكنس. وفي ترك الكنس الضرر بالماء وانتقاصه ما حالهم؟ قال: إن كان في مائهم ما يكفيهم، أمر الذين يريدون الكنس أن يكنسوا ويكون لهم فضل الماء الذي زاد بالكنس دون الذين لم يكنسوا. وذلك أني سمعت مالكا. وسئل عن قوم بينهم ماء فقل ماؤهم فكان لأحدهم نخل يسيرة. فقال الذي له هذه النخل اليسيرة: في مائي ما يكفيني ولا أعمل معكم. قال مالك: يقال للآخرين: اعملوا. فما جاء من فضل الماء عن قدر ما كان له كان لكم أن تمنعوه إلا أن يعطيكم حصته من النفقة، ويكون له من فضل الماء على قدر حصته. قلت: أرأيت بئر الماشية إذا قل ماؤها فقال بعضهم: نكنس وقال بعضهم: لا نكنس. فقال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه

في بئر الماشية إذا بيعة وبئر الزرع وفيما أفسد الماء أو النار من الأرض
في بئر الماشية إذا بيعت وبئر الزرع وفيما أفسد الماء أو النار من الأرض
قلت: أيصلح بيع بئر الماشية في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تباع بئر الماشية وإن احتاج أهلها إلى بيعها ولا بأس ببيع بئر الزرع. قلت: أرأيت لو أني أرسلت ماء في أرضي فخرج الماء من أرضي إلى أرض جاري فأفسد زرعه وما في أرضه، أيكون علي شيء أم لا؟ أو أرسلت النار في أرضي فأحرقت ما كان في أرض جاري، أيكون علي شيء أم لا؟ قال: أخبرني بعض أصحابنا عن مالك أنه قال: إذا أرسل النار في أرضه، وذلك عند الناس أنه إذا أرسل النار في أرضه كانت أرض جاره مأمونة من هذه النار بعيدة عنها، فتحاملت النار أو حملتها الريح فأسقطتها في أرض جاره هذا فأحرقت، فلا شيء على الذي أرسل النار وإن كانت النار إذا أرسلها في أرضه علم أن أرض جاره لم تسلم من هذه النار لقربها فهو ضامن، وكذلك الماء هو مثل النار وهو رأيي. قلت: أرأيت إن أحرقت هذه النار ناسا، أيكون ذلك في مال الذي أرسل النار أم على عاقلته قال: على عاقلته.

ما جاء في ممر الرجل إلى مائه في أرض غيره
قلت: أرأيت لو أن لي أرضا، وإلى جانب أرضي أرض لغيري، وعين لي خلف أرض جاري، وليس لي ممر إلا في أرض جاري، فمنعني من الممر إلى العين؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن رجل له أرض وحواليه زرع للناس في أرضهم، فأراد صاحب تلك الأرض أن يمر بماشيته إلى أرضه في زرع القوم. قال: إن كان ذلك يفسد زرعهم فلهم أن يمنعوه.

في بيع صيد السمك من غدير الرجل أو من أرضه
قلت: أرأيت إن كان في أرضي غدير فيه السمك، أو عين لي فيها السمك، فأردت أن أمنع الناس من أن يصيدوا ذلك؟ قال: سألت مالكا عن بحيرات تكون عندنا

ما جاء في بيع الخصب والكلأ
قلت: أرأيت لو أن لي خصبا في أرضي، أيصلح لي أن أبيعه ممن يرعاه في قول مالك؟ قال: نعم، قال مالك: لا بأس أن يبيعه عامه ذلك ولا يبيعه عامين ولا ثلاثة. قلت: وإنما جوز مالك بيعه بعدما ينبت؟ قال: نعم.

ما جاء في إحياء الموات
قلت: أرأيت من أحيا أرضا ميتة بغير أمر الإمام، أتكون له أم لا تكون له حتى. يأذن له الإمام في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا أحياها فهي له وإن لم يستأذن الإمام. قال مالك: وإحياؤها شق العيون وحفر الآبار وغرس الشجر وبناء البنيان والحرث. إذا فعل شيئا من ذلك فقد أحياها. قال: ولا يكون له أن يحيي ما قرب من العمران. وإنما. تفسير الحديث: "من أحيا أرضا مواتا" 1 إنما ذلك في الصحاري والبراري. وأما ما قرب من العمران وما يتشاح الناس فيه، فإن ذلك لا يكون له أن يحييه إلا بقطيعة من الإمام. قلت: أرأيت مالكا، هل كان يعرف هذا الذي يتحجر الأرض أنه يترك ثلاث سنين، فإن أحياها وإلا فهي لمن أحياها؟ قال: ما سمعت من مالك في التحجر شيئا، وإنما الإحياء عند مالك ما وصفت لك الأول. قال مالك: ولو أن رجلا أحيا أرضا مواتا ثم أسلمها بعد حتى تهدمت آبارها وهلك شجرها، وطال زمانها حتى عفت بحال ما وصفت لك، وصارت إلى حالها الأول. ثم أحياها آخر بعده، كانت لمن أحياها بمنزلة الذي أحياها أول مرة. قال ابن القاسم: وإنما قول مالك في هذا لمن أحيا في غير أصل كان له، وأما أصول الأرضين إذا كانت للناس تخطط أو تشرى فهي لأهلها، وإن أسلمت فليس لأحد أن يحييها، وهو تأويل حديث حميد بن قيس الذي ذكره عن عمر بن الخطاب. قلت: أرأيت لو أن قوما أتوا أرضا من أرض البرية فنزلوا فجعلوا يرعون ما حولهم، أيكون هذا إحياء؟ قال: لا يكون هذا إحياء. قلت: فإن حفروا بئرا لماشيتهم، أيكون هذا إحياء لمراعيهم؟ قال: لا أرى أن يكون هذا إحياؤهم أحق بمائهم حتى يرووا، ثم يكون فضلة للناس وهم والناس في المرعى سواء. ألا ترى أنه قد جاء في الحديث أنه: "لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ" 2 . فالكلأ لا يمنعه إلا رجل له أرض قد عرفت له، فهذا الذي يمنع كلأها ويبيع كلأها إذا احتاج إليه فيما سمعت من مالك. وأما ما ذكرت، فلا يكون
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الحرث باب 15.
2 نفسه هامش رقم 3 صفحة 469.

فيمن حفر بئرا إلى جنب بئر جاره
قلت: أرأيت لو أن رجلا حفر بئرا بعيدة عن؛ بئر جار له، وكان أحياها قبل ذلك فانقطع ماء البئر الأولى وعلم أنه إنما انقطع من حفر هذه البئر الثانية، أيقضى له على هذا بردم البئر الثانية أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: للرجل أن يمنع ما يضر ببئره، فإذا كان له أن يمنع فله أن يقوم على هذا فيردم بئره التي حفرها. قلت: أرأيت من حفر بئرا في غير ملكه في طريق المسلمين، أو حفرها في أرض رجل بغير أمر رب الأرض، أو حفرها إلى جنب بئر ماشية وهي تضر ببئر الماشية بغير أمر رب البئر فعطب رجل في تلك البئر، أيضمن ما عطب فيها هذا الذي حفرها من دابة أو إنسان؟ قال: قال مالك: من حفر بئرا حيث لا يجوز له فهو ضامن لما عطب فيها. قلت أرأيت الآبار التي تكون في الدور، أيكون لي أن أمنع جاري من أن يحفر في داره بئرا يضر ببئري التي في داري أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول في الرجل يكون له في داره بئرا إلى جنب جداره، فحفر جاره في داره بئرا إلى جنب جداره من خلفها. قال: إن كان ذلك يضر ببئر جاره منع من ذلك. قلت: وكذلك لو أحدث كنيفا أيضا يضر ذلك ببئري منع من ذلك في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك لو كانت بئري في وسط داري، فحفر جاري في وسط داره بئرا يضر ببئري منع من ذلك؟ قال: نعم. وسط الدار وغير وسطها سواء يمنع جاره من أن يحدث في داره بئرا تضر ببئر جاره عند مالك.

في الرجل يفتح كوة في داره يطل منها على جاره
قلت: فلو أن رجلا بنى قصرا إلى جنب داري ورفعها علي وفتح فيها أبوابا وكوى، يشرف منها على عيالي أو على داري، أيكون لي أن أمنعه من ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، يمنع من ذلك وكذلك بلغني عن مالك. قال ابن القاسم: وقد قال عمر بن الخطاب. أخبرنا ابن لهيعة أنه كتب إلى عمر بن الخطاب في رجل أحدث غرفة على جاره، ففتح عليه كوى فكتب إليه عمر في ذلك: أن يوضع وراء تلك الكوى سرير، أو يقوم عليه رجل. فإن كان ينظر إلى ما في دار الرجل منع من ذلك، وإن كان لم ينظر لم يمنع من ذلك. ورأى مالك أنه ما كان من ذلك ضررا منع، وما كان من ذلك مما

ما جاء في قسمة العين
قلت: أرأيت لو أن أرضا بين قوم قد عرف كل واحد منهم حصته من الأرض، ولهم غيرهم فيها شركاء هي شرب لأرضهم، أراد أحدهم أن يصرف شربه إلى أرض له أخرى، أيكون له ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجلين يكون بينهما الأرض قد اقتسماها، ولهما بئر تشرب الأرض منها، فاقتسما الأرض فأراد أحدهما أن يبيع ماءه من رجل يسوقه إلى أرض له أخرى. قال: ذلك له، ولا شفعة لصاحب البئر. فهذا يدلك على أنه إن أراد أن يسقي بها أرضا له أخرى، أو يؤاجر الشرب ممن يسقي أرضا له أخرى، أن ذلك جائز له. قلت: أرأيت لو أن رجلا غصبني أرضا فزرعها، أو بئرا فسقى منها أرضه وزرعه، أو دورا فسكنها، أيكون عليه كراء ما سكن وما زرع من الأرض أو ما شرب من الماء في قول مالك؟ قال: قال مالك في الأرض عليه كراء ما زرع، والدور والبئر عندي بتلك المنزلة عليه كراء ذلك. قلت: فلم قلت في الحيوان إنه إذا غصب فركب فلا كراء عليه؟ قال: كذلك سمعت من مالك. قلت: أرأيت لو أني ارتهنت عينا أو قناة أو جزءا من شرب بئر أو جزءا من شرب عين أو جزءا من شرب نهر، أيكون لرب البئر أو لرب النهر أو رب العين أو رب القناة أن يكري ذلك أم لا؟ قال: لا يكون لرب الأرض أن يكريها، ولا يكون هذا الذي ذكرت رهنا حتى يقبض، فإذا قبض صار رهنا. قلت: وكيف يكون قبض هذا لهذا الذي سألتك عنه؟ قال: قبضه أن يحوزه ويحول بين صاحبه وبينه، فإذا قبضه وحازه صار مقبوضا. قلت: أفيكون للمرتهن أن يكري ماء هذه البئر أو ماء هذه القناة أو ماء هذه العين من غير أن يأمره ربها بذلك؟ قال: إن لم يأمره ربها بذلك، بأن يكري ترك، ولم يكره، وإن أمره بذلك أكراه وكان الكراء لرب الأرض. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يرتهن الدار. قال مالك: فليس لرب الدار أن يكريها، ولكن للمرتهن أن يكريها بأمر صاحب الدار ويلي المرتهن الكراء، ويكون الكراء لرب الدار. قلت: ولا يكون الكراء رهنا في حقه؟ قال مالك: لا يكون الكراء رهنا إلا أن يشترطه المرتهن، فيكون له رهنا مع الدار إذا اشترطه. قال مالك: وإن

اشترط أن يكريها ويأخذ كراءها في حقه قال مالك: فإن كان دينه ذلك من، بيع فلا يجوز شرطه هذا، وإن كان دينه من قرض فذلك جائز. قلت: ولم قال مالك إذا كان ذلك من بيع لم يكن جائزا؟ قال: لأنه لا يدري ما يقبض أيقل أم يكثر أم تنهدم الدار قبل أن يقتضي. قلت: وإنما كره مالك هذا إذا كان البيع وقعت صفقته على أن يرتهن هذه الدار أو يكريها ويأخذ حقه من كرائها؟ قال: نعم. قلت: فإن لم تقع صفقة البيع على أن يرتهن الدار أو يكريها ويأخذ حقه من كرائها، ولكني بعته بيعا ثم ارتهنت منه الدار بعد ذلك، فأمرني أن أكريها وآخذ كراءها حتى أستوفي؟ قال: لا بأس بهذا عند مالك. قلت: أرأيت إن ارتهنت قناة أو بئرا وإلى جنبها أرض فيها زرع لصاحب البئر، فأراد أن يسقي فمنعه المرتهن من ذلك، أيكون له ذلك أم لا؟ قال: نعم، ذلك. للمرتهن لأنه إن لم يكن له أن يمنعه من ذلك، فليس هذا الرهن مقبوضا وهذا رأيي. قلت: أرأيت إن أذن المرتهن للراهن أن يسقي زرعه، أيكون خارجا من الرهن في قول مالك؟ قال: قال مالك في الدار يرتهنها الرجل فيأذن لربها أن يسكن فيها. قال مالك: إذا أذن في ذلك فقد خرجت من الرهن فكذلك مسألتك. قلت: وكذلك الدار إذا أذن له أن يكريها فأكراها؟ قال: نعم، لأن من قول مالك إذا سكنها فقد خرجت من الرهن، سكنها بكراء أو بغير كراء؟ قلت: فمتى تخرج من الرهن إذا سكن أو إذا أذن له؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن إذا أذن له أن يسكن أو يكري فقد خرجت من الرهن.

في الرجل يشتري البئر على أنه بالخيار عشرة أيام فانخسفت البئر في ذلك
قلت: أرأيت إن اشتريت بئرا على أني بالخيار فيها عشرة أيام فانحسفت البئر في أيام الخيار؟ قال: قال مالك: ما كان من مصيبة في أيام الخيار فهي من البائع. قال مالك: ولا يصلح النقد في بيع الخيار. قال مالك: وسواء إن كان الخيار للبائع أو للمبتاع فالمصيبة من البائع. قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا على أني بالخيار أياما، فقتل العبد رجلا، أيكون لي أن أرده في قول مالك؟ قال: نعم. قلت أرأيت إن اشتريت من رجل سلعة، ثم لقيته بعد يوم أو يومين فجعلت له الخيار أو جعل لي الخيار، أيلزمني الخيار أم لا؟ قال: نعم، إذا كان أمرا يجوز في مثله الخيار. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، وهو رأيي والله تعالى أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحدود في الزنا والقذف

الحدود في الزنا والقذف
قلت: أرأيت لو أن قوما شهدوا على رجل أنه وطئ هذه المرأة، وقالت الشهود لا ندري هل هي امرأته أم أمته أو غير ذلك. أيقيم عليه القاضي الحد أم لا يقيم عليه الحد في قول مالك؟ قال: أرى أنه يقيم عليه الحد إلا أن يقيم البينة أنها امرأته أو جاريته، إلا أن يكون قدم بها من بلد غير ذلك البلد، فلا أرى عليه شيئا إذا قال: هي امرأتي أو جاريتي وأقرت له بذلك، في شيء عليه إلا أن تقوم البينة على خلاف ما قال. قلت: أرأيت أهل الذمة إذا افتروا على المسلمين، أتحدهم حد الفرية في قول مالك؟ قال: نعم، يحدون حد الفرية ثمانين. قال: وأخبرني من أثق به عن ابن شهاب أنه كان يقول في النصراني: إذا قذف المسلم ضرب الحد ثمانين. قلت: أرأيت من تزوج خامسة أو امرأة طلقها - وقد كان طلقها ثلاثا ألبتة قبل أن تنكح زوجا غيره - أو أخته من الرضاع أو النسب أو نساء من ذوات المحارم عامدا عارفا بالتحريم، أيقام عليه الحد في قول مالك؟ قال: نعم يقام عليه الحد. قلت: فإن جاءت بولد قال: إذا تعمد كما وصفت لك لم يلحق به الولد، لأن مالكا قال: لا يجتمع الحد وإثبات النسب. قلت: والذي يتزوج المرأة في عدتها عامدا يعاقب ولا يحد، وكذلك الذي يتزوج المرأة على خالتها أو على عمتها، وكذلك نكاح المتعة عامدا لا يحدون في ذلك ويعاقبون؟ قال: نعم. قلت: أرأيت كل وطء درأت فيه الحد عن الرجل وإن كان ذلك الوطء لا يحل، أليس من قذفه يضرب له الحد؟ قال: نعم ذلك في رأيي.

فيمن وطىء جارية لرجل أو امرأة وقال قد اشتريتها أو تزوجتها
فيمن وطئ جارية لرجل أو امرأة وقال قد اشتريتها أو تزوجتها
قلت: أرأيت لو أن رجلا وطئ أمة رجل، فقال الواطئ: اشتريتها من سيدها، وقال سيدها: لم أبعها منك، ولا بينة بينهما قال: يحد إذا لم تقم له بينة على الشراء، وتحد الجارية معه، قال: ولو جاز هذا للناس لم يقم حد أبدا لأن مالكا قال في الرجل يوجد مع المرأة يزني بها فيقول: تزوجتها. وتقول: تزوجني. وهما مقران بالوطء ولا بينة له أن عليهما الحد، فكذلك مسألتك في الأمة. قلت: أرأيت لو أن الذي وطئ الأمة، ادعى أنه اشتراها من سيدها - وسيدها منكر - فقال لك: استحلف لي سيدها أنه لم يبعها مني. فاستحلفته فنكل عن اليمين، أيجعل الجارية للمشتري قال: أرد اليمين - في قول مالك - على الذي ادعى الشراء إذا نكل المدعي قبله الشراء عن اليمين، فإذا حلف المدعي جعلت الجارية جاريته ودرأت عنه الحد، لأنها قد صارت ملكه وثبت شراؤه. قلت: والذي وطئ المرأة فادعى أنه تزوجها وقالت المرأة: تزوجني، وقال الولي: زوجتها منه برضاها إلا أنا لم نشهد بعد ونحن نريد أن نشهد، أيدفع الحد عن هؤلاء في قول مالك أم لا؟ قال: لا يدفع الحد عن هذين إلا أن يشهد على النكاح غيرهم. قال: وكذلك بلغني أن مالكا قال: إذا شهد عليهما بالزنا، ثم زعم أبوها أو أخوها أنه زوجها لم يقبل قوله إلا أن تقوم بينة على إثبات النكاح. قلت: أرأيت إن حددتهما - وهما بكران - ثم قالا: نحن نقر على نكاحنا الذي حددنا فيه. وقال الولي: قد كنت زوجتها ولم أشهد وأنا الآن أشهد لها. أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا. وأرى أنه لا يجوز إلا أن يحدثا نكاحا جديدا بعد الاستبراء. قلت: لم؟ قال: من قبل أنهما قد حدا في ذلك الوطء. قلت: هل يستحلف الرجل مع امرأتين ويستحق حقه قال: نعم، في الأموال كلها التي تجوز فيها شهادة النساء من الديون والوصايا فإنه يحلف معهما ويستحق حقه. قلت: أرأيت إن وطئ جارية ثم قال: اشتريتها من سيدها، وأقام امرأة تشهد على الشراء، أتقيم الحد على الواطئ أم لا؟ قال: نعم يقام عليه الحد، لأنه لم يأت بأمر يقطع به شيئا، وشهادة المرأة الواحدة ولا شيء عند مالك سواء، لأن مالكا حدثني أن امرأة أتت عمر بن الخطاب فقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي يطأ جاريتي. فأرسل إليه عمر، فاعترف بوطئها وقال: إنها باعتنيها. فقال عمر: لتأتيني بالبينة أو لأرجمنك بالحجارة. فاعترفت المرأة أنها باعتها منه فخلى سبيله فهذا يدلك على أن من ادعى أنه اشترى هذه الجارية التي وطئها - وسيدها ينكر البيع - أنه يقام عليه الحد إذا شهدوا على الرؤية واعترف أنه وطئها وادعى الشراء وأنكر سيدها البيع. قال سحنون: قال أشهب: يقام عليه الحد وإن أقر سيدها أنه باعها منه وأنكر سيدها البيع.

فيمن دفع إلى امرأته نفقة سنة ثم مات أحدهما
قلت: أرأيت لو أن رجلا دفع إلى امرأته نفقة سنة، وقد فرض عليه القاضي نفقتها أو لم يفرض عليه، ولكنه هو الذي دفع ذلك إليها أو كساها كسوة السنة بفريضة. من القاضي أو بغير فريضة، ثم ماتت المرأة بعد ذلك بيوم أو يومين أو شهر أو شهرين، أو مات الرجل بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين؟ قال: قال مالك: أيهما مات فإنه يرد بقدر ما بقي من السنة، ويكون له قدر ما مضى من السنة إلا الكسوة، فإني رأيت مالكا يستحسن في الكسوة أن لا تتبع بشيء منها إذا ماتت المرأة أو مات الرجل بعد الأشهر، ولم يجعل الكسوة بمنزلة القمح والزيت ولا غير ذلك من النفقة. قال مالك: في هذا كله يرد على حساب ما بقي من السنة. قال مالك: فأما الكسوة فلا أرى فيها شيئا - لا دراهم ولا غيرها - ونزلت بالمدينة وأنا عنده فحكم فيها بما أخبرتك وكان من آخر ما سمعت منه. قلت: أرأيت إن ماتت بعدما دفع إليها الكسوة بعشرة أيام أو نحو ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن هذا قريب، والوجه الذي قال مالك إنما ذلك إذا مضى للكسوة الأشهر.

فيمن له شقص في جارية فوطئها
قلت: أرأيت الرجل يكون له الشقص في الجارية فيطؤها، فيقر أنه وطئها وهو يعلم أنها لا تحل له، أيقام عليه الحد في قول مالك؟ قال: لا حد عليه عند مالك وتقوم عليه إلا أن لا يحب شريكه أن تقوم عليه ويتمسك بحصته فذلك له، فإن هي حملت قومت عليه وكانت أم ولد له. قلت: فهل يكون عليه إذ قومت عليه من الصداق شيء؟ قال: لا، ليس عليه من الصداق شيء عند مالك إلا أنه إن كان أتى ذلك وهو غير جاهل أدب. قلت: أرأيت إن هي لم تحمل، وتماسك شريكه بحصته منها ولم يرض أن يقومها عليه، أيجعل له عليه من الصداق شيء أم لا؟ قال: لا يكون لهذه - عند مالك - من الصداق شيء. قلت: ولا ما نقص من ثمنها؟ قال: نعم، ولا ما نقص من ثمنها لأن القيمة كانت له فتركها وتماسك بنصيبه ناقصا. قلت: ولم جعلت لشريكه أن يقومها عليه في قول مالك إذا هي لم تحمل وهذه لم تفت؟ قال: لأني درأت الحد فيه فجعلت شريكه مخيرا، إن شاء قومها عليه وإن شاء تماسك بحصته منها، وكذلك قال مالك. قلت: أرأيت الجارية تكون بين الشريكين، فيعتق أحدهما حصته - ولا مال له أو له مال - فيطؤها المتماسك بالرق من قبل أن تقوم على شريكه إن كان له مال، أتقيم عليه الحد في قول مالك أم لا؟ قال: لا لمكان الرق الذي له فيها، لأنها لو ماتت قبل أن تقوم عليه وإن كان شريكه موسرا فلا شيء له على شريكه، وأدرأ الحد عنه بالشبهة. قلت: أرأيت إن كانت طاوعته، أيكون عليه من الصداق شيء أم لا أو مما نقصها؟ قال: لا يكون عليه

شيء في الوجهين جميعا إذا طاوعته. ألا ترى أنه إن كان وطؤه إياها عيبا دخلها فإنما ذلك على السيد الذي وطئ، لأن الرق له. وهي إذا طاوعته فلا شيء عليه في النصف الذي كان يكون لها مما ينقصها من قيمتها، وإن هو استكرهها كان عليه نصف ما نقص من ثمنها ولا شيء عليه من الصداق، لأن مالكا قال لي في الأمة يكون نصفها حرا ونصفها مملوكا، فيجرحها رجل: إن عقل ذلك الجرح بينها وبين سيدها الذي له فيها الرق، وإنما قيمة جرحها قيمة جرح أمة. وقال: قال لي مالك أيما رجل غصب أمة فوطئها فإنما عليه ما نقصها مع الحد. فهذه وإن كان نصفها حرا، فالذي وطئها ليس عليه إلا ما نقصها إذا كان استكرهها، لأنه لو أن أجنبيا غصبها لم يكن عليه أيضا إلا ما نقص من ثمنها، لأن الحر منها تبع للرق منها. فإذا أخذت ذلك، كان لها النصف وللسيد المتمسك بالرق النصف، وإنما أعطينا السيد المتمسك بالرق النصف لأنها لو جرحت جرحا ينقصها كان له نصفه، ولو جرحت هي كان عليه نصف ما جرحت أو يسلم نصفه، وكذلك ما وجب لها في اغتصابها نفسها إن ذلك بينها وبين سيدها بمنزلة. جراحاتها، لأن مالكا جعل في اغتصابها نفسها ما نقصها، وفي الجراحات إنما فيها ما نقصها ولا يشبه ما قضى لها به في الاغتصاب مهرها الذي تتزوج به بإذن سيدها، لأن مهرها بمنزلة الأموال التي تستفيدها ومهرها موقوف في يديها، بمنزلة ما استفادت من الأموال. قلت: ومن يزوج هذه الأمة في قول مالك؟ قال: سيدها المتمسك بالرق، وليس للآخر في تزويجها قليل ولا كثير. قال مالك: ولا يزوجها هذا المتمسك بالرق إلا برضاها. قلت: أرأيت هذه الأمة، لو أن أحدهما أعتق جميعها فوطئها الباقي وللمعتق مال أو لا مال له؟ قال: إن لم يكن له مال لم يحد الواطئ للرق الذي له فيها، لأنه لا عتق لشريكه فيها إذا كان، معدما. وإن كان المعتق موسرا نظر، فإن كان الواطئ ممن يعذر بالجهالة ولا يرى أن عتق الموسر يلزمه لم يكن عليه حد، وإن كان ممن يعلم أن ذلك يلزمه وكان المعتق موسرا رأيت عليه الحد، وذلك أني سألت مالكا عن الجارية تكون بين الرجلين يعتقها أحدهما كلها. قال مالك: ذلك يلزم شريكه إذا كان للمعتق مال وليس لشريكه أن يأبى ذلك عليه. قال ابن القاسم: ولو أعتق الشريك الباقي حصته بعد عتق المعتق الجميع لم يكن له فيها عتق، فلذلك رأيت عليه الحد. قلت: فلو أن الذي أعتق جميعها - وهو موسر - لم يقم عليه بتضمين نصف القيمة حتى أعسر وصار معدما؟ قال: إن كان السيد المتمسك علم بعتقه فتركه ولو شاء أن يقوم بذلك عليه فيأخذه وأخذه، فالعتق ماض ويصير نصف القيمة دينا عليه. وإن كان غائبا أو لم يعلم بالعتق حتى أعسر المعتق رأيته على حقه منها، وإنما لا يكون له شيء إذا ترك أن يأخذ حقه، ولو شاء أن يقوم على ذلك أخذه فتركه حتى أعسر، فالعتق ماض ونصف القيمة دين عليه.

في الرجل يطأ مكاتبته طوعا أو غصبا
قلت: أرأيت الرجل يطأ مكاتبته - يغتصبها أو تطاوعه - أيكون عليه الحد في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا حد عليه، وينكل إذا كان ممن لا يعذر بالجهالة. قلت: أفيكون عليه ما نقصها من ثمنها إن غصبها نفسها أو صداق مثلها في قول مالك؟ قال: أرى أن عليه ما نقصها إذا اغتصبها. وقال لي مالك: ولا أرى لها في ذلك صداقا قال ابن القاسم: ولم أسأله عن الاغتصاب وإنما سألته عن الرجل يطأ مكاتبته فقال: لا صداق لها. قلت: أرأيت المكاتبة بين الرجلين يطؤها أحدهما، أيكون عليه الحد في قول مالك؟ قال: لا حد عليه. قلت: أرأيت الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيطؤها في العدة ويقول: ظننت أنها تحل لي. أو يعتق أم ولده فيطؤها في العدة ويقول: ظننت أنها تحل لي؟ قال: قال مالك في الرجل يطلق امرأته تطليقة قبل البناء بها فيطؤها بعد التطليقة ويقول: ظننت أن الواحدة لا تبينها مني وأنه لا يبرئها مني إلا الثلاث. قال: قال مالك: لها صداق واحد. قال ابن القاسم: وليس عليه الحد إن عذر بالجهالة. فأرى في مسألتك إن كان ممن يعذر بالجهالة أن يدرأ عنه الحد، لأن مالكا قال في الرجل يتزوج الخامسة: إن كان ممن يعذر بالجهالة وممن يظن أنه لم يعرف أن ما بعد الأربع ليس مما حرم الله، أو يتزوج أخته من الرضاع على هذا الوجه، فإن مالكا درأ عنه الحد وعن هؤلاء. قلت: أرأيت الذي وطئ في العدة بعد الطلاق ثلاثا، أو أم ولد بعد عتقها ووطئها في عدتها، أيكون عليه صداق سوى الصداق الأول، وتوجب لأم ولده عليه الصداق أم لا؟ قال: أرى أن لا يكون عليه إلا الصداق الأول. ألا ترى لو أن رجلا حلف بطلاق امرأته ألبتة، ثم حنث ونسي يمينه ثم وطئها بعد الحنث زمانا، ثم ذكر أنه قد حنث منذ زمان وأقر بذلك. قال مالك: إنما عليه صداق واحد، الصداق الذي سمى وكذلك مسألتك. قلت: هذا في الطلاق، أدخلت الوطء الثاني في الصداق المسمى أولا. أرأيت الذي عتق أم ولده، أيدخل وطء الحرية في الملك؟ قال: نعم إذا عذر بالجهالة. ألا ترى لو أن رجلا حلف بعتق جارية له أو أم ولد له، فحنث وهو لا يعلم أو نسي يمينه فحنث ثم وطئها بعد ذلك زمانا ثم ذكر أنه قد حنث أنه لا صداق عليه ويعتق عليه ولا شيء عليه، فكذلك مسألتك في أم الولد. قلت: أرأيت الرجل ترتد أم ولده فيطؤها وهو فقيه عالم لا يجهل أنها لا تحل له في حال ارتدادها أتقيم عليه الحد في قول مالك أم لا؟ قال: لا يحد في رأيي، لأن ما ملكت اليمين عند مالك لا حد على السيد في ذلك وإن كانت لا تحل له، ولو كانت أمه أو أخته من الرضاع أو كانت خالته، فوطئها بملك اليمين عامدا عارفا بالتحريم. قال: قال مالك: لا حد عليه ويلحق به الولد، وإنما دفع الحد عنه ههنا للملك الذي له في ذلك، ولكن ينكل عقوبة موجعة.

فيمن شهد عليه بالزنا ثلاثة وواحد على شهادة غيره
قلت: أرأيت إن شهد ثلاثة على الزنا على الرؤية، وواحد على شهادة غيره، أيحد هؤلاء الشهود في قول مالك؟ قال: نعم، لأن الشهادة لم تتم. قلت: فإن شهد ثلاثة على الرؤية واثنان على شهادة غيرهما، أيحد هذا المشهود عليه حد الزنا؟ قال: نعم، إذا كانت شهادتهم كلهم على وطء واحد ووصفوه وعرفوه وفي موضع واحد. قلت: أرأيت إذا شهد على المرأة أربعة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال: قال مالك: يضرب الثلاثة ويلاعن الزوج. قلت: لم؟ أليس الزوج شاهدا؟ قال: لا، لأن الزوج عند مالك قاذف. وكذلك قال مالك: الزوج قاذف. قلت: أرأيت إن قذف رجل رجلا فقال القاذف - حين قذف إلى القاضي: أنا آتي بالبينة أنه زان، أيمكنه مالك من ذلك؟ قال: نعم، ولكن لا يجوز في ذلك إلا بأربعة شهود عند مالك وهو رأيي. قلت أرأيت الرجل يقول عند الإمام: زنيت بفلانة، أو عند غير الإمام يقر بذلك. قال مالك: إن أقام على قوله ذلك ضرب للمرأة حد الفرية وأقيم عليه حد الزنا، وإن رجع عن ذلك أقيم عليه حد الفرية للمرأة وسقط عنه حد الزنا إذا قامت عليه بذلك بينة. قلت: ويقبل رجوعه قال: نعم، إذا قال: إنما أقررت لوجه كذا وكذا. قلت: أرأيت إن نزع ولم يقل لوجه كذا أو وجه كذا؟ قال: قال مالك: إذا نزع عن قوله قبل منه ولم يحد. قلت أرأيت الإقرار بالزنا، أيقيم مالك الحد في إقراره مرة واحدة أم حتى يبلغ أربع مرات؟ قال: قال مالك: إذا أقر مرة واحدة أقيم عليه الحد، إن ثبت على ذلك ولم يرجع. قلت: والرجم والجلد في ذلك سواء، يقام عليه بإقراره مرة واحدة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إذا أقر على نفسه بالزنا، هل تكشفه عن الزنا كما تكشف البينة في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن الذي جاء عن النبي عليه السلام أنه لم يسأله إلا أنه قال: "أبصاحبكم جنة"؟. قلت: أرأيت إذا رجع المرجوم عن إقراره بعدما أخذت الحجارة مأخذها، أو رجع عن إقراره إذا كان بكرا بعد ما أخذت السياط مأخذها، أو بعدما ضرب أكثر الحد، أيقبل منه رجوعه؟ قال: ما سمعت من مالك شيئا وأرى أن يقال. قلت: أرأيت لو أن امرأة ظهر بها الحمل فقالت: هذا الحمل من فلان تزوجني؟ قال: قال مالك: إن أقامت البينة على ذلك وإلا أقيم عليها الحد. قلت. وكذلك إن قال الزوج: صدقت قد تزوجتها؟ قال: لا يقبل قول الزوج في ذلك عند مالك حتى تكون البينة بينهما. قلت: أفيثبت نسب هذا الولد قال: قال مالك: إذا أقيم الحد لم يثبت مع الحد النسب.

في الذي يزني بأمه أو عمته أو خالته
قلت: أرأيت الذي يزني بأمه التي ولدته أو بعمته أو بأخته أو بذات رحم محرم منه

أو بخالته؟ قال: أرى أنه زنا، إن كان ثيبا رجم، وإن كان بكرا جلد مائة وغرب عاما وهو رأيي وهو أحسن ما سمعت. قلت: أرأيت من زنى بأمة إنسان ذي رحم محرم منه، أيقام عليه الحد وإن كانت أمة أمه أو أمة أبيه؟ قال: قال مالك: نعم، يقام عليه الحد إلا الأب في أمة ابنه أو ابنته. قلت: فالجد، أيحد في أمة ولد ولده؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى أن يحد الجد في أمة ولد ولده، لأن مالكا قال في الجد. لا أرى أن يقاد منه في ولد ولده إذا قتله، كما لا يقاد في الأب إذا فعل به الجد مثل ما فعل الأب، ويغلظ في الدية كما يغلظ على الأب، فأحب إلي أن يدرأ عنه الحد.

فيمن أحل جاريته لرجل فوطئها
قلت: أرأيت لو أن امرأة ذات رحم محرم من رجل، أو رجلا ذا رحم محرم منه، أو أجنبيا من الناس أحل جاريته لرجل منه بقرابة، أو أحل جاريته لأجنبي من الناس فوطئها هذا الذي أحلت له؟ قال: كل من أحلت له جارية - أحلها له أجنبي أو ذو قرابة له أو امرأته - فإنه تقوم عليه إذا وطئها ويدرأ عنه الحد - جاهلا كان الذي وطئ أو عالما، حملت أو لم تحمل. فإن كان له مال أخذ منه قيمتها، وإن لم يكن له مال وحملت. منه كان دينا عليه يتبع به، وإن لم تكن حملت منه بيعت في ذلك، فإن كان فضلا كان له، وإن كان نقصانا كان عليه. قلت: أرأيت إن أحلت له امرأته جاريتها فلم يطأها فأدركت قبل الوطء؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن الفوت عندي لا يكون. حتى يقطع الوطء، لأن وجه تحليل هذه الأمة عند مالك إنما هو عارية فرجها وملك رقبتها للذي أعارها، ولم يكن على وجه الهبة فهي ترد إلى الذي أعار الفرج أبدا ما لم يطأها الذي أحلت له، فإذا وطئها درئ عنه الحد بالشبهة ولزمته القيمة فيها. قلت: فإن رضي سيدها الذي أحلها أن يقبلها بعد الوطء قال: ليس ذلك له، ولا يشبه هذا الذي يطأ الجارية بين الشريكين، لأن هذا وطء بإذن من سيدها على وجه التحليل، فلما وقع الوطء صارت بمنزلة البيع ولزمته القيمة. وإن الشريك الذي وطئ إنما وقع الخيار فيه للشريك إذا لم تحمل، لأنه لم يحلها له ويقول لشريكه ليس لك أن تتعدى علي بأمر فتخرجها من يدي ولي الخيار عليك، وهذا ما لم يقع الحمل، فإذا وقع الحمل لم يكن بد من أن تقوم على الذي وطئها. قلت: فهل يكون على هذا الشريك الذي وطئ ولا مال له - فحملت منه من قيمة ولده في قول مالك شيء؟ قال: إن كان موسرا قومت عليه يوم حملت ولم يكن عليه من قيمة الولد شيء، وإن كان معسرا رأيت أن يباع نصفها بعدما يضع حملها فيما لزمه من نصف قيمتها يوم حملت. فإن كان ثمن النصف الذي بيع به النصف وفاء بما لزمه من نصف قيمتها يوم حملت، أتبع بنصف قيمة ولدها دينا عليه.

وإن نقص ذلك من نصف قيمتها يوم حملت أتبعه بما نقص من نصف قيمتها يوم حملت مع نصف قيمة ولدها. ولو ماتت هذه الأمة قبل أن يحكم فيها كان ضامنا لنصف قيمتها على كل حال، ولم يضع عنه موتها لزمه ويتبع بنصف قيمة ولدها، ولو أراد الشريك الذي لم يطأ إذا كان الذي وطئ معسرا أن يتماسك بالرق ويبرئه من نصف قيمتها، فذلك له ويتبعه بنصف قيمة ولدها ويترك نصف هذه الأمة، وهو نصيب الذي وطئ منها، فتكون بمنزلة أمة أعتق نصفها ويلحق الولد بأبيه، وهذا قول مالك. وقول مالك أيضا: أن يباع حظ الذي لم يطأ ويتبعه بما نقص من نصف قيمتها وبنصف قيمة الولد وهذا قول مالك.

في المسلم يقر بأنه زنا في كفره والمسلم يزني بالذمية والحربية
قلت: أرأيت الرجل يسلم ثم يقر أنه قد كان زنى في حال كفره؟ قال: قال مالك: إذا زنى الكافر أنه لا يحد في كفره، وإن أسلم لم يكن عليه في ذلك حد. فكذلك إقراره، لا حد عليه في ذلك إذا أقر أنه زنى في حال كفره. قلت: أرأيت لو أن أربعة مسلمين شهدوا على رجل مسلم أنه زنى بهذه الذمية، أيحد المسلم وترد الذمية إلى أهل دينها أم لا في قول مالك؟ قال: نعم ترد إلى أهل دينها عند مالك ويحد المسلم. قلت: أرأيت لو أن مسلما دخل دار الحرب بأمان فزنى بحربية، فقامت عليه بذلك بينة من المسلمين أو أقر بذلك على نفسه؟ قال: يحد في رأيي. قلت: أرأيت العبد إذا أقر بشيء من حدود الله التي يحكم فيها في بدنه، أيقيمها عليه الإمام في قول مالك بإقراره؟ قال: نعم، إلا أن يقر بأنه جرح عبدا أو قتل حرا أو عبدا. فإن أحب سيد العبد المجروح أن يقتص اقتص وليس لسيد العبد المجروح أن يقول: أنا أعفو وآخذ العبد الذي أقر لي إذا كان لي أن أقتص، لأنه حينئذ يتهم العبد أنه إنما أراد أن يخرج من يد سيده إلى هذا فلا يصدق ههنا. وكذلك إن أقر أنه قتل عبدا أو حرا عمدا فأراد أولياء المقتول المقر له بقتله أن يستحيوه ويأخذوه فليس ذلك لهم، إنما لهم أن يقتلوه بقتله أو يتركوه في يد سيده ولا يأخذوه، وإنما جاز لهم أن يقتصوا منه بإقراره، لأن هذا في بدن العبد. فكل ما أقر به العبد مما يقام عليه في بدنه، فذلك لازم للعبد عند مالك مما هو قصاص أو حد لله تعالى.

في الرجل تجتمع عليه الحدود في القصاص
قلت: أرأيت إذا وجب على الرجل القصاص في بدنه للناس وحدود الله - اجتمع ذلك عليه - بأيهما يبدأ؟ قال: يبدأ بما هو لله، فإن كان فيه محتمل أن يقام عليه ما هو

ترك إقامة الحد على من تزوج في العدة
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة في عدتها وادعى أنه عارف بتحريم ذلك لم يجهله أتقيم عليه الحد في قول مالك أم لا قال: لا أقوم الساعة على حفظ قول مالك إلا أني أرى أن يدرأ الحد، لأنه لا يشبه من تزوج خامسة، لأن عمر بن الخطاب ضرب في هذا ولم يقم الحد، ولم يقل حين خطب من تزوج امرأة في عدتها لا يدعي الجهالة: أقيم عليه الحد. وإنما قال: من تزوج امرأة في عدتها فرق بينهما ولم تحل له أبدا. وإنما ضربهما عمر بالمخفقة ضربات. قلت: أرأيت من أتى امرأة أجنبية في دبرها، وهي ليست له بامرأة ولا بملك يمين، أيحد حد الزنا في قول مالك؟ قال: نعم يحد حد الزنا لأن مالكا قال: هو وطء. قلت: أرأيت إن اغتصبها فجامعها في دبرها، أيوجب عليه المهر مع الحد أم لا؟ قال: نعم في رأيي. قلت: أرأيت إن فعل ذلك رجل بصبي، أوكبير

بكبير، ما حدهم قال: قال مالك: من فعل ذلك بصبي رجم ولم يرجم الصبي، وإن فعل ذلك كبير بكبير رجما جميعا وإن لم يحصنا. قال: قال مالك: ولا يرجم حتى يشهد عليه أنهم نظروا إليه كالمرود في المكحلة من البكر والثيب يرجمان جميعا قلت: أرأيت إن اغتصب المفعول به قال: لا شيء عليه لأنه مغصوب. قلت: أفيكون له الصداق لأنه مغصوب؟ قال: لا، لأن هذا ليس من النساء، وإنما الصداق للنساء. والنساء اللاتي يجب الصداق لهن في النكاح، وليس يجب لهذا الصداق في النكاح وهذا لا يعقد نكاحه بالمهر كما يعقد نكاح النساء، وإنما رجم بالفاحشة التي أذنبها، فإن كان مغصوبا فلا شيء عليه ولا مهر له. قلت: أرأيت الرجل يأتي البهيمة، ما يصنع به في قول مالك؟ قال: أرى فيه النكال ولا أرى فيه الحد. قلت: فهل تحرق البهيمة في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى أن تحرق، لأن مالكا سئل عن حديث يذكره بعض أهل الشام عن غير واحد: أن من غل أحرق رحله. فأنكر ذلك إنكارا شديدا، وأعظم أن يحرق رحل رجل من المسلمين. قلت: فهل يضمن هذا الرجل البهيمة التي جامعها؟ قال: لا يضمن ولم أسمع من مالك فيه شيئا وهو رأيي. قلت: فهل يؤكل لحمها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى بذلك بأسا، وليس وطؤه إياها مما يحرم لحمها.

فيمن قذف رجلا بعمل قوم لوط أو بهيمة
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: يا لوطي أو يا عامل عمل قوم لوط؟ قال: قال مالك: إذا قال الرجل للرجل: يا لوطي. جلد حد الفرية. قلت: أرأيت من قذف رجلا ببهيمة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولم يبلغني عنه إلا أني أرى أنه لا يضرب الحد، ويؤدب قائل ذلك له أدبا موجعا لأن من قول مالك: إن الذي يأتي البهيمة لا يقام عليه فيه الحد. قال ابن القاسم: وكل ما لا يقام فيه الحد فليس على من رماه بذلك حد الفرية. قلت: فهل كان مالك يستحب للقضاة أن يستشيروا العلماء؟: قال سمعته يقول: إن عمر بن عبد العزيز قال: لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا حتى يكون عارفا بما مضى مستشيرا لذوي الرأي. قلت: أرأيت لو أن رجلا قذف رجلا، فلما قدمه ليأخذ منه حد الفرية قال القاذف: استحلفه لي أنه ليس بزان؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا يكون عليه اليمين، وما سمعت أحدا يقول يحلف في هذا، ولكن يضرب القاذف الحد ولا يحلف المقذوف. ولقد بلغني عن مالك ممن أثق به أنه سئل عن الرجل يقال له: يا زان وهو يعلم من نفسه أنه قد كان زنى. أترى أن يحل له أن يضربه أم يتركه؟ قال: بل يضربه ولا شيء عليه وهو رأيي. قلت: أرأيت إن أتى بشاهد واحد على السرقة، أيستحلفه مع شاهده وتقطع يمينه في قول مالك؟ قال: يحلف ويستحق حقه ولا تقطع

يمينه. قلت: القصاص، هل فيه كفالة - في قول مالك - أو الحدود؟ قال: قال مالك: لا كفالة في الحدود ولا في القصاص. قلت: أرأيت إن شهد شاهد أنه قال لفلان يوم الخميس: يا زاني. وشهد الآخر أنه قال لفلان - ذلك الرجل - يوم الجمعة: يا زاني. قال: قال مالك: يحد، لأن الشهادة ههنا إنما هي واحدة لم تختلف شهادة هذين لأنه كلام. قلت: وكذلك الطلاق والعتاق قال: قال مالك: وكذلك الطلاق والعتاق هو مثل ذلك ما لم يكن في يمين، فإن كانت في يمين في شهادة فاتفقت الشهادة واختلفت الأيام، مثل ما يقول: إن دخلت دار فلان فهي طالق ألبتة. فشهد عليه بذلك رجل يوم السبت، وشهد عليه آخر يوم الاثنين أنه حلف بتلك اليمين فإنه إن حنث طلقت عليه بشهادتهما. قال: وقال مالك: ولو شهد عليه رجل أنه طلق عنده امرأته في رجب، وآخر في رمضان، طلقت عليه. ولو شهد رجل أنه حلف إن دخل دار فلان فامرأته طالق ألبتة، وشهد الآخر أنه حلف إن ركب دابة فلان فامرأته طالق ألبتة فشهد عليه شهود أنه دخل الدار وركب الدابة. قال مالك: لا تطلق عليه امرأته، وكذلك العتق هو مثل ذلك سواء.
قلت: أرأيت إن شهد شاهد على رجل أنه شج فلانا موضحة، وشهد آخر عليه أنه شجه موضحة؟ قال: يقضي بشهادتهما لأن الإقرار ههنا والفعل إنما هو شيء واحد، ولكن لو اختلف الفعل والإقرار لم يقض بشهادتهما. لو قال هذا: أشهد أنه ذبح فلانا ذبحا. وقال الآخر: أشهد أنه أقر عندي أنه أحرقه بالنار. ورأيت الشهادة باطلا، وإنما إقراره على نفسه شهادة، بمنزلة ما لو عاين الشهود ذلك، فلما أقر به أو شهد الشهود على إقراره بذلك فوافق الإقرار الشاهد الذي شهد على الفعل، فذلك الذي يؤخذ به وما اختلف من ذلك مثل ما لو اختلفت البينة نفسها فأبطلتها، كان ذلك في الإقرار والبينة باطلا أيضا، وهذا قول مالك في البينة والإقرار والشهادات وهو رأيي.

صفة ضرب الحدود والتجريد
قلت: أيجرد الرجل في الحدود والنكال حتى يكشف ظهره بغير ثوب. في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك، وأما المرأة فلا تجرد. قلت: فهل تضرب المرأة وعليها قميصان؟ قال: قال مالك: المرأة لا تجرد، فما كان من ثيابها مما اتخذت عليها ما يدفع الحد عنها أو يكون عليها من الثياب ما يدفع الحد، فإن ذلك في قول مالك ينزع وما كان غير ذلك فلا ينزع. وقال أشهب: لا يترك عليها من الثياب إلا ما يواريها. قلت: أرأيت القاذف إذا قذف ناسا شتى في مجالس شتى فضربته لأحدهم ثم رفعه أحدهم بعد ذلك؟ قال: قال مالك: ذلك الضرب لكل قذف كان قبله، ولا يضرب لأحد منهم إن قام بعد ذلك جميعا كان قذفهم أو مفترقين في مجالس شتى. قلت: أرأيت القذف، أتصلح فيه

الشفاعة بعدما ينتهي إلى السلطان؟ قال: قال مالك: لا تصلح فيه الشفاعة إذا بلغ السلطان أو الشرط أو الحرس. قال: ولا يجوز فيه العفو إذا بلغ الإمام إلا أن يريد سترا. قال مالك: والشرط والحرس عندي بمنزلة الإمام، إذا وقع في أيديهم لم تجز الشفاعة بعد، ولا يجوز لهم أن يخلوه فإن عفا المقذوف عن ذلك بعد بلوغ السلطان لم يجز عفوه عند مالك إلا أن يريد سترا. قلت: أرأيت الشفاعة في التعزير أو النكال بعد بلوغ الإمام، أيصلح ذلك أم لا؟ قال: قال مالك في الذي يجب عليه التعزير أو النكال فيبلغ به الإمام. قال مالك: ينظر الإمام في ذلك، فإن كان الرجل من أهل المروءة والعفاف وإنما هي طائرة أطارها تجافى السلطان عن عقوبته، وإن كان قد عرف بذلك وبالطيش والأذى ضربه النكال، فهذا يدلك على أن العفو والشفاعة جائزة في التعزير وليست بمنزلة الشفاعة في الحدود.

فيمن عفا عن قاذفه ثم أراد أن يقوم عليه
قلت: أرأيت إن عفا عن قاذفه، ثم أتى به بعد زمان فأراد أن يحده ولم يكن كتب عليه بذلك كتابا؟ قال: قد أخبرتك عن مالك أنه قال: لا يحد والعفو جائز. قال: وقال مالك في رجل قال لآخر: يا مخنث. إنه يجلد الحد إن رفعه إلى الإمام إلا أن يحلف القائل يا مخنث، بالله، أنه لم يرد بذلك قذفا. فإن حلف عفا عنه بعد الأدب ولم يضرب حد الفرية، فإن هو عفا عنه قبل أن يأتي السلطان ثم طلبه بعد ذلك فإنه لا يحد له. قال سحنون: وقد ذكر بعض الرواة عن مالك أن القاذف إنما تقبل يمينه إذا زعم أنه لم يرد بذلك قذفا إذا كان المقذوف، فيه تأنيث ولين واسترخاء، فحينئذ يصدق ويحلف أنه لم يرد قذفا وإنما أراد تأنيثه ذلك. وأما إذا كان المقذوف، ليس فيه شيء من ذلك، ضرب الحد ولم تقبل يمينه إذا زعم أنه لم يرد بذلك قذفا، وهو عندي أفضل من رواية ابن القاسم. قيل له: إن عندنا بالأندلس لا يعرفون من قال هذا القول أراد به إلا الفعل، فأرى أن يحد ولا تقبل منه يمينه. قال: وقد بلغني عن مالك في رجل قذف رجلا فعفا عنه قبل أن يبلغ به إلى السلطان، ثم بدا له أن يقوم به قال مالك: ليس ذلك له ولا حد عليه. وقد أخبرني بذلك من أثق به وهو رأيي. قلت: أرأيت القذف، أيقوم به من قام به من الناس؟ قال: لا يقوم به عند مالك إلا المقذوف. قلت: فلو أن قوما شهدوا على رجل أنه قذف فلانا وفلان يكذبهم ويقول: ما قذفني؟ قال لا يلتفت إلى شهادة الشهود عند مالك. قلت: أرأيت إن ادعى المقذوف أن القاذف قذفه وأقام على ذلك البينة عند السلطان، ثم إن المقذوف قال للسلطان بعدما شهدت شهوده: إنهم شهدوا بزور؟ قال: هذا قد بلغ الإمام وقد شهد الشهود عند الإمام بالحد وهو مدع للقذف، فلما وجب الحد قال: كذبت بينتي. فلا ينظر في قوله لأن الحد قد وجب، فهذا يريد إبطاله ألا ترى أنه

لو عفا لم يجز عفوه، فكذلك إكذابه البينة لا ينظر في ذلك بعدما وجب الحد عند السلطان، ويضرب القاذف الحد وهو رأيي، ولم أسمعه من مالك. قلت: أرأيت إن قال: لم يقذفني؟ قال: هذا وما فسرت لك سواء. قلت: أرأيت إن قال الشهود بعدما وجب الحد: ما شهدنا إلا بزور؟ قال: يدرأ الحد عنه. قلت: لم درأته برجوع الشهود ولم تدرأه بتكذيب المدعي إياهم؟ قال: لأن هذا الأمر كان للمدعي حتى يبلغ السلطان، فلما بلغ السلطان وقامت البينة انقطع ما كان لهذا المقذوف فيه من حق، وصار الحق لله فلا يجوز له ههنا قول. والبينة إن رجعت عن شهادتهما لم أقدر أن أقيم الحد ولا بينة ثابتة عن الشهادة. قلت: تحفظ هذا عن مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت القصاص الذي هو للناس، إن عفوا عن ذلك بعد بلوغهم السلطان، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يشهد على الرجل بالحد ويأتي بمن يشهد معه
قلت: أرأيت الرجل يشهد على الرجل بشرب الخمر أو الزنا فيقول. للقاضي: أنا آتيك بالشهود أيضا على ذلك؟ قال: إن كان أمرا قريبا في الحضر حبسه القاضي، وإن كان أمرا بعيدا لم يحبسه القاضي، وينكل إذا رماه بشرب الخمر. وأما الزنا فلا يخرجه إلا أربعة شهداء سواء، ولا يخرجه ثلاثة وإن كان هو رابعهم، لأنه قد صار الآن قاذفا ويحد الحد إن لم يأت بأربعة شهداء. قال: قال مالك في الرجل يقول للرجل: يا سارق، على وجه المشاتمة: إن ذلك ينكل. فإن قال له: سرقت متاعي ولم تكن له بينة، وكان الذي قبل ذلك من أهل التهمة، فإن ذلك لا شيء عليه من قبل أنه لم يرد بقوله ذلك الشتم. قلت: أرأيت من قال لرجل: يا زاني ثم جاء بثلاثة يشهدون. معه على الزنا؟ قال: الأول قاذف عند مالك فلا يخرجه عن حد القذف إلا أن يأتي بأربعة شهداء سواء، يشهدون على هذه الفرية لأنه قد صار خصما حين كان قاذفا، ويضرب الحد ويضرب الشهود الثلاثة أيضا. قلت: أرأيت هذا الذي شهد بالحد وحده وقال: أنا آتيك بالبينة. أيوقف هذا المشهود عليه؟ قال: نعم، إن ادعى أمرا قريبا حاضرا أوقف هذا المشهود عليه والشاهد أيضا، وقيل للشاهد: ابعث إلي من تزعم أنه يشهد، معك فإن أتى به أقيم على المشهود عليه الحد، وإن لم يأت به أو ادعى شهادة بعيدة أدب أدبا موجعا إلا في الزنا، فإنه قال رأيته يزني قيل له: ائت بأربعة شهداء. سواك وإلا ضربت الحد، ويتوثق منه كما يتوثق من الأول. فإن جاء بهم بحضرة ذلك وإلا ضرب الحد. قلت: ويوقفه ولا يأخذ منه كفيلا؟ قال: لا يؤخذ في الحدود كفالة.
قلت: أرأيت كتب القضاة إلى القضاة، هل يجوز في الحدود التي هي لله في القصاص وفي الأموال

وفي الطلاق والعتاق في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي ذلك جائز، لأن الشهادة على الشهادة عند مالك في هذا كله جائزة، ولما كانت الشهادة على الشهادة في هذا جائزة جازت كتب القضاة على ذلك.

فيمن قال لامرأته زنيت وأنت مستكرهة أو صبية أو نصرانية أو أمة
قلت: أرأيت إن قال لزوجته: زنيت وأنت مستكرهة. أيلاعن أم لا؟ وهل يكون من قال لامرأة أجنبية زنيت وأنت مستكرهة، أو زنيت وأنت صبية أو زنيت وأنت نصرانية، أو قال ذلك لرجل، هل يكون هذا قاذفا في قول مالك أم لا؟ قال: يلاعن الزوج امرأته ويجلد الحد لهؤلاء كلهم، لأنه لا يخلو إما أن يكون قاذفا أو يكون معرضا إلا في الأمة والعبد إذا عتقا ثم قال زنيتما في حال العبودية، فإنه لا يضرب إذا أقام البينة أنهما زنيا وهما عبدان، فإن لم يقم البينة أنهما زنيا في العبودية ضرب الحد. قال: وإن قال لهما أيضا: يا زانيان. ولم يقل: زنيتما في العبودية وقد كان زنيا في العبودية فإنه لا حد عليه في فريته لأنهما قد زنيا ووقع عليهم اسم الزنا. قال: ومن قال لنصراني أسلم: يا زان. وقد كان زنى في نصرانيته جلد الحد حد الفرية، لأن من زنى في نصرانية لا يعد ذلك زنا لأنه لا يضرب فيه الحد. وكذلك الصبي لا يكون بفعله زانيا وإن فعل ذلك في صباه. قال: والذي قال: زنيت وأنت مستكرهة. إن لم يقم البينة ضربته الحد وإن أقام البينة لم أضربه الحد، وإن كان اسم الزنا بالاستكراه غير واقع عليها، فإني لا أضربه الحد أيضا لأني أعلم أنه لم يرد إلا أن يخبر بأنها قد وطئت غصبا ولم يرد أن يقول لها إنها زانية، فهذا يخالف النصراني والصبي. وقال في رجل شهد على رجل بالسرقة. فقال: رأيته يسرق متاع فلان. قال: يحلف صاحب المتاع ويستحق متاعه ولا تقطع يد السارق بشاهد واحد. ولو أن شاهدا شهد على رجل بالسرقة وليس للسرقة من يطلبها ولا من يدعيها، وكان الشاهد من أهل العدالة، مثل أن يقول رأيته دخل دارا فأخذ منها شيئا، لم يكن عليه عقوبة. وإن كان الذي زعم أنه رآه وشهد عليه أنه دخل دارا فأخذ منها شيئا ليس من أهل العدل وليس للمتاع طالب، رأيت أن يعاقب الشاهد إلا أن يأتي بالمخرج من ذلك. قلت: أرأيت من عرض بالزنا لامرأته إلا أنه لم يصرح بالقذف، أتضربه الحد إن لم يلتعن في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أنه يضرب الحد إن لم يلتعن. قلت: ويكون الذي قذف التي أسلمت أو التي أعتقت أو الصغيرة التي بلغت أو امرأته قاذفا حين تكلم بذلك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قال: رأيتك تزني وأنت نصرانية؟ قال: أراه قاذفا الساعة. قلت: وهذا عندك سواء قوله: زنيت وأنت نصرانية وقوله: رأيتك تزني وأنت نصرانية؟ قال: نعم. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا، إلا أن

الذي فسرت لك في قول الرجل للمرأة النصرانية التي أسلمت، قوله لها: يا زانية بعد أن أسلمت وقد كانت زنت في نصرانيتها فقال الرجل: إنما أردت زناها في نصرانيتها. قال مالك: نضربه الحد ولا نخرجه من القذف وإن كانت زنت في نصرانيتها لأن الله تعالى يقول في كتابه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [سورة الأنفال: 38] قلت: أرأيت من قال لامرأة أسلمت: قد كنت قذفتك بالزنا وأنت نصرانية؟ قال: أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان أتى متوخيا يسألها أن تغفر له ذلك، أو يخبر بذلك أحدا على وجه الندم مما مضى من ذلك فلا أرى عليه شيئا، وإن لم يكن لك وجه يرى أنه قاله له رأيت أن يضرب الحد، لأن من قول مالك: من عرض بالقذف أكمل له الحد. قلت: أرأيت الميت إذا قذف من يقوم بحده بعده وله أولاد وأولاد أولاد وأب وأجداد؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أني أرى لولده وولد ولده وأبيه وأجداده لأبيه وأمه أن يقوموا بذلك، من قام منهم أخذ بحده وإن كان ثم من هو أقرب منه لأن هذا عيب يلزمهم. قلت: أفتقوم العصبة بحده مع هؤلاء؟ قال: لا. قلت: فإن لم يكن من هؤلاء أحد، أتقوم العصبة بحده؟ قال: نعم. قلت: ويقمن البنات بحده والجدات والأخوات؟ قال: نعم. قلت: ويقوم الأخ والأخت بحده وثم ولده وولد ولده؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن لم يكن لهذا الميت المقذوف وارث ولا قرابة فقام بحده رجل من المسلمين، أيمكن من ذلك أم لا؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن رجلا قذف رجلا وهو غائب وولده حضور، فقام ولده بحد أبيهم وهو غائب؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وما علمت أن أحدا من أصحابنا حكى عن مالك في هذا بعينه شيئا، ولا أرى أن يمكن أحد من ذلك. قلت: أرأيت لو أن رجلا قذف رجلا فمات المقذوف وقام ولده بحده، أيكون ذلك لهم في قول مالك، وهو تورث الحدود في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن قذف ومات ولا وارث له فأوصى في وصيته أن يقام بحده؟ قال: نعم ذلك له يقوم به الوصي. قلت: أسمعته من مالك؟ قال: لا ولكنه رأيي. قلت: أرأيت من وطئ أمة له مجوسية، أو امرأة له وهي حائض، فقذفه رجل. أيحد قاذفه في قول مالك؟ قال: نعم يحد قاذفه في رأيي.

في فذف الصبي والصبية
في قذف الصبي والصبية
قلت: أرأيت الصبي إذا بلغ الجماع ولم يحتلم بعد فقذفه رجل بالزنا، أيقام على قاذفه الحد في قول مالك؟ قال: لا يقام على قاذفه الحد. وقال مالك: لا يقام على الصبية تزني، أو الصبي يزني الحد حتى يحتلم أو تحيض الجارية أو ينبتا الشعر أو يبلغا من الكبر ما يعلم الناس أن أحدا لا يجاوز تلك السنين إلا احتلم. قلت أرأيت إن أنبت

الشعر وقال: لم أحتلم، ومثله من الصبيان في سنه يحتلم ومنهم من هو في سنه لا يحتلم، أتقيم عليه الحد بإنبات الشعر أم لا تقيمه، وإن أنبت الشعر حتى يبلغ من السنين ما لا يجاوزه صبي إلا احتلم؟ قال: أرى أنه وإن أنبت الشعر فلا حد عليه حتى يحتلم أو يبلغ من السنين ما يعلم أن مثله لا يبلغه حتى يحتلم فيكون عليه الحد. ولقد كلمت مالكا غير مرة في حد الصبي، متى يقام عليه الحد؟ فقال: إلى الاحتلام في الغلام والحيضة في الجارية

فيمن قذف نصرانية أو أمة ولها بنون مسلمون
قلت: أرأيت من قذف ذميا أو عبدا بالزنا؟ قال: قال مالك من قذف عبدا بالزنا أدب، أو قذف نصرانية ولها بنون مسلمون أو زوج مسلم نكل بإذاية المسلمين، لأن أولادها وزوجها مسلمون. والذي قذف النصراني الذي ذكرت أرى أن يزجر عن أذى الناس كلهم. قلت: أرأيت من افترى على أم الولد؟ قال: قال مالك: ينكل. قلت: أرأيت إن قال لرجل مسلم وأبيه نصراني وأمه نصرانية: لست لأبيك؟ قال قال مالك: يضرب ثمانين. قال مالك: وكذلك إن كان أبوه عبدا. قال: قال مالك: يحد هذا لنفيه عن أبيه ولقطع النسب. قلت: ولم جلده مالك ههنا، وإنما وقعت الفرية على أمه الكافرة؟ قال ابن القاسم: قال مالك: لم يقع الحد على أمه وإنما وقع الحد عليه لقوله لست لأبيك لأنه نفاه من نسبه. قلت لابن القاسم: أرأيت لو قال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست لأبيك. أكان يسقط الحد عنه؟ وإنما كانوا أولاد مشركين وبدء الحدود فيهم كانت وهم أقاموها؟ قال: وقال مالك: ولكن لو أن رجلا قال لرجل كافر: يا ولد زنا أو لست لأبيك وله ولد مسلمون، لم يكن على قائله حد لولده المسلم، وإنما الحد أن يقول لولده المسلم لست لأبيك. قلت: أرأيت المكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق إلى سنين أو المعتق منه شقصا إذا زنوا؟ قال: حدهم - عند مالك - حد العبيد. قلت وإذا افتروا قال: كذلك أيضا حدهم عند مالك في الفرية حد العبيد أربعون.

المحارب يقذف في حرابته والحربي يدخل بأمان فيقذف
قلت: أرأيت لو أن محاربا في حال حرابته قذف رجلا من المسلمين ثم تاب وأصلح فقام المقذوف بحده، أتحده له أم لا في قول مالك؟ قال: نعم نحده له لأن حقوق الناس تؤخذ منه عند مالك إذا تاب وأصلح.
قلت: أرأيت الرجل من المشركين حربيا في دار الحرب قذف رجلا من المسلمين بالزنا ثم أسلم بعد ذلك وأسر فصار عبدا، أيحد لهذا الرجل حد الفرية في قول مالك أم لا؟ قال: القتل عنه موضوع عند

في الرجل يقول للمرأة يا زانية وتقول زنيت بك والذي يقول يا حبيث يا فاسق يا فاجر
في الرجل يقول للمرأة يا زانية وتقول زنيت بك والذي يقول يا خبيث يا فاسق يا فاجر
قلت: أرأيت لو أن امرأة قال لها رجل: يا زانية فقالت: زنيت بك. قال: يضرب الحد للرجل ويقام عليها حد الزنا إلا أن تنزع عن قولها، فتضرب للرجل حد القذف ويدرأ عنها حد الزنا، ويدرأ حد القذف عن الرجل لأنها قد صدقته وهذا قول مالك. قال أشهب: تسأل، فإن كان قولها زنيت بك إقرارا منها بالزنا كان عليها حد الزنا وحد الفرية، وإن قالت ما قلت ذلك إلا على وجه الجواب لم أر ذلك قذفا للرجل ولا إقرارا منها وكان على الرجل الحد. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: يا فاجر يا فاسق يا خبيث؟ قال: ينكل في قوله يا فاجر ويا فاسق، وأما في قوله: يا خبيث فيحلف بالله إنه ما أراد القذف ثم ينكل. قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى أن يجلد الحد. قلت: فإن أبى أن يحلف ونكل عن اليمين قال: ينكل. قلت: وكذلك لو قال رجل لرجل: يا ابن الفاجرة أو يا ابن الفاسقة أو يا ابن الخبيثة؟ قال: ليس عليه في قوله يا ابن الفاجرة ويا ابن الفاسقة إلا النكال، وأما قوله يا ابن الخبيثة فإنه يحلف أنه ما أراد قذفا، فإن أبى أن يحلف رأيت أن يحبس حتى يحلف فإن طال حبسه نكل. قلت: فكم النكال عند مالك في هذه الأشياء؟ قال: على قدر ما يرى الإمام، وحالات الناس في ذلك مختلفة. فمن الناس من هو معروف بالأذى، فذلك ينبغي أن يعاقب العقوبة الموجعة. وقد يكون الرجل تكون منه الزلة وهو معروف بالصلاح والفضل، فإن الإمام ينظر في ذلك. فإن كان قد شتم شتما فاحشا أقام عليه السلطان في ذلك قدر ما يؤدب مثله في فضله، وإن كان شتما خفيفا فقد قال مالك: يتجافى السلطان عن الفلتة التي تكون من ذوي المروآت.

فيمن قال له رجل يا شارب الخمر أو يا حمار أو يا فاجر
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: يا شارب الخمر أو يا خائن أو يا آكل ربا؟ قال: ينكله السلطان عند مالك. قلت: أرأيت إن قال: يا حمار أو يا ثور أو يا خنزير؟ قال:

فيمن قال لرجل جامعت فلانة حراما أو باضعتها حراما
قلت: أرأيت إن قال لرجل: جامعت فلانة حراما أو قال: باضعتها حراما أو قال: وطئتها حراما ثم قال لم أرد بذلك أنك زنيت بها، ولكني أردت أنك تزوجتها تزويجا حراما، أو قال ذلك لنفسه إني قد جامعت فلانة حراما أو وطئت فلانة حراما أو باضعت فلانة حراما، فقامت فلانة تطلبه بحد فريتها فقال: إني لم أرد الافتراء عليها إنما أردت أني قد كنت تزوجتك تزويجا فاسدا فوطئتك؟ قال: عليه الحد حد الفرية في ذلك كله إلا أن يعلم أنه قد كان نكحها في عدة أو تزوجها تزويجا حراما كم قال، فيقيم البينة على ذلك. فإن أقام البينة على ذلك أحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه لم يرد إلا ذلك ودرئ عنه الحد. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: إني قد جامعت أم الآخر، أيكون عليه حد الفرية أم لا؟ قال: نعم عليه حد الفرية في رأيي: قلت أرأيت إن قال: تزوجتها فجامعتها ولم أرد القذف؟ قال: يقيم البينة على التزويج، فإن أقام البينة على التزويج لم يكن عليه الحد وإلا ضرب الحد.

في التعريض بالقذف
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: ما أنا بزان. أو يقول: قد أخبرتك أنك زان؟ قال: يضرب الحد في رأيي لأن مالكا قال في التعريض الحد كاملا. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل عند الإمام أو عند غير الإمام: أشهدني فلان أنك زان؟ قال: يقال له: أقم البينة أن فلانا أشهدك وإلا ضربت الحد، لأنه بلغني عن مالك أنه قال في الرجل يقول للرجل: إن فلانا يقول إنك زان. يقيم البينة وإلا ضرب الحد، وهذا عندي يشبهه. قلت: أرأيت الرجل الحر يقول للعبد: يا زان. فيقول له العبد: لا بل أنت زان؟ قال: ينكل الحر عند مالك ويجلد العبد حد الفرية. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: زنى فرجك؟ قال: عليه الحد عند مالك. قلت: أرأيت إن قال: زنى فوك أو زنت رجلك؟ قال: أرى فيه الحد

في الرجل يقول للرجل لست بابن فلان لجده
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: لست بابن فلان، لجده - وجده كافر -؟ قال: يضرب الحد عند مالك لأنه قد قطع نسبه. قلت: أرأيت لو أن رجلا نظر إلى رجل من ولد عمر بن الخطاب فقال: لست ابن الخطاب؟ قال: يضرب الحد كاملا عند مالك. قلت: فلو قال: ليس أبوك الكافر ابن أبيه. ولم يقل هذا القول لهذا. المسلم الذي من ولد الكافر؟ قال: لا يضرب الحد عند مالك. قال: وقد أخبرني من أثق به من أصحاب مالك وأفضلهم عندي أن مالكا قال: لو أن رجلا قال لرجل كافر - له ولد مسلمون - فقال للكافر أبي المسلم: ليس أبوك فلانا لأب له كافر أو بابن زانية لم يكن عليه حد، وإن كان للمقذوف أولاد مسلمون حتى يقول ذلك لولده المسلمين، فإذا قال ذلك لولده المسلمين ضرب الحد. قلت: أرأيت إن قال لابنه المسلم: لست بابن فلان - لجده - ثم قال: لم أرد بهذا قطع نسبك إنما أردت أنك لست ابنه لصلبه لأن دون جدك والدك؟ قال: لا يصدق أحد في هذا، وأرى على من قال ذلك الحد، ولو جاز هذا لجاز أن يقول ذلك في كل جد مسلم وبينه وبينه أب، فلا يصدق أحد في هذا كان جده كافرا أو مسلما ويضرب الحد ثمانين. قلت: أرأيت إن قال: أنت ابن فلان. نسبه إلى جده، أيحد أم لا؟ قال: لا حد عليه. قلت: كان في مشاتمة أو غير مشاتمة؟ قال: نعم لا حد عليه. قلت: أرأيت إن نسب رجل رجلا إلى عمه فقام عليه الرجل بالحد، أتضربه الحد؟ قال: نعم أضربه الحد. قلت: وكذلك الخال؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قال له: أنت ابن فلان. نسبه إلى زوج أمه؟ قال: أرى أن يضرب الحد لأنه قد قطع نسبه. قلت: وفي العم والخال رأيته قد قطع نسبه؟ قال: نعم. قال أشهب: عليه الحد إن كان في مشاتمة، يعني الجد والعم قال سحنون: إذا نسبه إلى جده من قبل أبيه أو أمه أو عمه أو خاله على وجه المشاتمة حد قائل ذلك. قلت: فلو قال له: أنت ابن فلان. - لجده من أمه -؟ قال: لا يحد هذا، والجد ههنا بمنزلة الأب وقد قال الله تعالى في كتابه: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [سورة النساء: 22] فما نكح الجد للأم فلا يصلح لابن ابنته أن ينكحه من النساء.

ما جاء في النفي
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل من العرب: لست من بني فلان للقبيلة التي هو منها؟ قال: إن كان من العرب جلد الحد، وإن كان من الموالي لم يضرب الحد بعد أن يحلف أنه لم يرد النفي، لأنه من عرض بقطع نسب رجل فهو كمن عرض بالحد. وإن قال لرجل من الموالي: لست من موالي بني فلان - وهو منهم - ضرب الحد وكذلك قال

مالك لأنه قد قطع نسبه. قلت: على من أوقعت القذف إذا قال له لست من بني فلان وهو رجل من العرب، أعلى أمه دنية أو على امرأة جده الجاهلي؟ قال: إنما يقام الحد لهذا المسلم لقطع نسبه. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: لست ابن فلان وأمه أم ولد؟ قال: قال مالك: يضرب الحد ثمانين. قلت: أرأيت إن كان أبواه عبدين فقال: لست لأبيك؟ قال: يضرب الحد عند مالك.

في الرجل يقذف عبده وأبواه حران مسلمان
قلت: أرأيت الرجل يقول لعبده - وأبواه حران مسلمان: يا ابن الزانية أو يا ابن الزاني؟ قال مالك: يضرب سيده الحد. قلت: فإن كان أبوا العبد قد ماتا ولا وارث لهما أو لهما وارث، فقام هذا العبد على مولاه بحد أبويه، أيكون له ذلك ويقيم الحد على سيده أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، يكون للعبد ذلك ويقام على سيده الحد، قلت: أرأيت إن قال لعبده: لست لأبيك - وأبواه حران مسلمان -؟ قال: يضرب الحد. قلت: أرأيت إن قال لعبده: لست لأبيك - وأبيه مسلم وأمه كافرة، أو أمة - أتضربه الحد أم لا؟ قال: سألت مالكا عنها فأبى أن يجيبني فيها بشيء، وأرى أن يضرب الحد لأنه إذا قال ذلك للعبد فقد حمل أباه على غير أمه، فقد صار قاذفا لأبيه.

فيمن قال للميت ليس فلان أباه
قلت: أرأيت الرجل يقول لرجل ميت: ليس فلان لأبيه - وأبو الميت حي - فقام الأب بالحد وقال: قطع نسب ولدي مني. أيكون ذلك له أم لا؟ قال: نعم عليه الحد. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل - على وجه السباب والغضب - أنت ابن فلان. نسبه إلى غير أبيه. أيضرب الحد في قول مالك أم لا؟ قال: نعم يضرب الحد. قلت: فإن قال له ذلك على غير وجه الغضب ولا على وجه السباب أيضرب الحد في قول مالك؟ قال: نعم يضرب الحد إلا أن يكون استخبره فيقول له: أنت ابن فلان على وجه السؤال.

فيمن نسب رجلا من العرب أو من الموالي إلى غير قومه
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل من العرب: يا نبطي. أيضرب الحد في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم يضرب الحد. قلت: فلو قال ذلك لرجل من الموالي: يا نبطي؟ قال: يستحلف عند مالك بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد نفيه من آبائه ولا قطع

في الرجل يقذف ولده أو ولد ولده
قلت: أرأيت الرجل يقذف ولده أو ولد ولده بالزنا من قبل الرجال أو النساء، أتحده

لهم في قول مالك؟ قال: أما ابنه فإن مالكا كان يستثقل أن يحده فيه ويقول ليس ذلك من البر. قال ابن القاسم: وإن أقام على حقه كان ذلك له وعفوه عنه جائز عند الإمام. قال: وأما ولد ولده، فإني لم أسمعه من مالك، وأرى أن يكون مثل ولده. قلت: أرأيت الأب، أيقتص منه لولده أو لولد ولده في قول مالك؟ قال: سئل مالك عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به؟ قال: أما ما كان من العمد الذي يكون فيه القصاص من غير الأب الذي يكون بين الناس، مثل أن يضرب الرجل الرجل بالعصا أو يرميه بالحجارة أو يحذفه بالسيف أو بالسكين فيموت منه، فيكون على الأجنبي فيه القصاص، فإني لا أرى أن يقتص من الأب في شيء من هذا إلا أن يعمد الأب لقتل ابنه، مثل أن يضجعه فيذبحه ذبحا أو يشق جوفه، فهذا وما أشبهه مما يعلم الناس أنه إنما أراد القتل بعينه عامدا له، فهذا يقتل بابنه إذا كان هكذا. وأما ما كان من غير هذا مما وصفت لك، مما لو فعله غير الأب به كان فيه القصاص أو القتل فإن ذلك موضوع عن الأب وعليه فيه الدية المغلظة، وأرى الجراح بمنزلة القتل ما كان من رمية أو ضربة فلا قصاص على الأب فيه، وتغلظ عليه فيه الدية مثل النفس. وما كان مما تعمده مثل أن يضجعه فيدخل إصبعه في عينه أو يأخذ سكينا فيقطع أذنه أو يده، فأرى أن يقتص منه. وكذلك قال مالك في النفس والجد في ولد ولده بمنزلة الولد في ولده. وكذلك بلغني عن مالك في الجد وهو رأيي. قلت: أرأيت إن قال لابنه: يا ابن الزانية. فقام بحد أمه، أيحد له الأب في قول مالك أم لا؟ قال: نعم يحد له، لأن الحد ههنا ليس له، إنما الحد لأمه، وإنما قام هو بالحد لأمه قال: وهذا إذا كانت الأم ميتة، فأما إذا كانت الأم حية فليس للولد أن يقوم بذلك إلا أن توكله. قال: ولقد سمعت مالكا، وسأله قوم عن امرأة كانت لرجل ففارقها وله منها ولد فتزوجت رجلا فولدت له ولدا فكان بينه وبين ولده منها كلام فقال: أشهدكم أنهم ليسوا بولدي. فقام إخوتهم لأمهم - بنو المرأة من غيره - فقالوا: نأخذك بحد أمنا لأنك قذفتها وقامت الأم بذلك. قال مالك: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد قذفا، وما قال لهم ذلك إلا كما يقول الرجل لولده: لو كنتم ولدي لأطعتموني وما يشبه هذا مما يقوله الرجل لولده، فإن حلف سقط عنه الحد. قال ابن القاسم: وأرى أنه إن لم يحلف جلد الحد. قلت: أرأيت إذا قذفت المرأة وهي ميتة أو غائبة فقام بحدها ولد أو ولد ولد أو أخ أو أخت أو ابن أخ أو عم أو أب، أيمكن هؤلاء من ذلك؟ قال أما في الموت فنعم وأما في الغيبة فلا.

في الرجل يقذف الرجل عند القاضي
قلت: أرأيت الرجل يقذف الرجل بين يدي القاضي وليس له عليه شاهد إلا

القاضي، أيحده القاضي أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يقيم الحدود القاضي إذا لم يكن شاهد غيره، وإن كان معه شاهد آخر أيضا لم يقم الحد، ولكن يرفع ذلك إلى من هو فوقه فيقيم الحد. قلت: أرأيت القاضي إذا نظر إلى رجل اغتصب من رجل مالا ولم يره غيره، أيحكم له عليه أم لا في قول مالك؟ قال: لا أرى أن يحكم به وإنما هو شاهد فليرفع إلى من هو فوقه، ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا لما سئل عما يختصم الناس فيه فيما بينهم عند القضاء فيقر بعضهم لبعض ثم يجحدون ولا يحضر ذلك أحد إلا القاضي، أترى أن يقضي بما أقروا به ويمضي ذلك عليهم؟ قال: لا، وما أقروا به مما لم يعلمه غيره بمنزلة ما اطلع عليه من حدود الناس، فلا يجوز له في إقرار بحق ولا حد يشهد عليه وحده إلا بشهود غيره، أو بشاهد يكون معه فيرفعه إلى من فوقه. وذلك أن ناسا ذكروا عن أهل العراق أنهم فرقوا بين الحدود والإقرار فقالوا: ينفذ الإقرار في ولايته ولا ينفذ ما أقر به عنده قبل أن يلي أو يشهد عليه ومن كان شهد عليه، فسئل مالك، فلم ير ذلك كله إلا واحدا.

في الرجل يقول للرجل يا ابن الزانيين أو ينفي لولد من أمه
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: يا ابن الزانيين. كم يضرب؟ أيضرب حدا واحدا أو حدين في قول مالك؟ قال: حدا واحدا. أرأيت إن قال: لست لفلانة - لأمه - أيكون عليه الحد أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا حد عليه. قلت: أرأيت الرجل إذا قال لامرأته في ولدها منه: لم تلدي هذا الولد مني. وقالت المرأة: بل قد ولدته؟ قال: إن كان أقر به قبل ذلك كان ولده ولم يكن له أن يلاعن فيه وليس بقاذف، لأن مالكا قال: إذا قال الرجل للرجل: لست لأمك. لم يكن عليه شيء. قلت: ولا تراه قد قطع نسب ابنه هذا حين قال له: لست لأمك؟ قال: لا، ليس فيه قذف ولا قطع نسب، ولو كان هذا يكون في ابنه قاطعا لنسب ابنه كان من قال لرجل أجنبي: لست لأمك قاطعا لنسبه من أبيه، فلما كان في الأجنبي لا يكون قاطعا لنسبه من أبيه ولا قاذفا لأمه إذا قال له: لست لأمك، فكذلك الأب في ولده. قلت: أرأيت إن كان لم يقر به قط ولم يعلم بالحبل. فلما ولدته قال: ليس هذا ولدك ولم تلديه. وقالت المرأة: الولد ولدي، ولدته على فراشك؟ قال: الولد ولده إلا أن ينفيه منه، لأن من أقر بالوطء في قول مالك فالولد ولده، فإن نفاه التعن. وإن نكل عن اللعان كان الولد ولده ولم يجلد الحد، وكان بمنزلة ما وصفت لك في الذي قال لرجل: لست لأمك. قلت: أرأيت لو أن رجلا وطئ أمته فأقر بوطئها، ثم إنها جاءت بولد. فقال لها سيدها. لم تلديه، وليس هذا الولد ولدك. وقالت الأمة: بلى، قد ولدته منك وهو من وطئك إياي وأنت مقر لي بالوطء؟ قال: قال مالك: من أقر بوطء أمته فجاءت بولد فالولد لازم للسيد، ولا يستطيع

أن ينفيه إلا أن يدعي الاستبراء قبل الحمل. فأما إذا قال: لم تلديه. ولم يدع الاستبراء، لم يلتفت إلى قوله لأن الجارية مصدقة في الولادة حين أقر السيد بالوطء، لأن ولده في بطنها. فلما قالت: هو هذا قد ولدته كان ولده، لأن كل من أقر بالوطء فالولد ولده، والقول قول المرأة في الولادة إلا أن يدعي الاستبراء قبل الحمل. قلت: أرأيت لو أن امرأة نظرت إلى رجل فقالت: هذا يا ابني - ومثله يولد لمثلها - فقال: صدقت هي أمي. أيثبت نسبه منها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني لا أرى أن يثبت نسبه، لأنه ليس ههنا أب يلحق به. وهذا خلاف مسألتك الأولى، لأن مسألتك الأولى، هناك أب يلحق به ووطء يثبت فيه النسب، ههنا ليس أب وإنما يدعي ولدا بغير أب فلا يصدق ولا يثبت نسبه منها.

فيمن قال لرجل يا ابن الأقطع أو با ابن الأسود
فيمن قال لرجل يا ابن الأقطع أو يا ابن الأسود
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: يا ابن الأقطع - ووالده ليس بأقطع - أيحد أم لا في قول مالك؟ قال: بلغني أن مالكا قال: إن لم يكن في آبائه أقطع ضرب الحد، وإن كان في آبائه أقطع فلا شيء عليه. قلت: أرأيت إن قال له: يا ابن الحجام أو يا ابن الخياط قال: قال مالك: إن كان من العرب ضرب الحد إلا أن يكون من آبائه أحد عمل ذلك العمل. قال مالك: وإن كان من الموالي رأيت أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد به قطع نسبه، ولا حد عليه وعليه التعزير. قلت لم فرق في هذا بين العرب. والموالي قال: لأنها من أعمال الموالي. قلت: فإن قال له: يا ابن الأسود قال: يضرب الحد عند مالك عربيا كان أو مولى إلا أن يكون في آبائه أسود. قلت: أرأيت إن قال له: يا ابن المقعد أو يا ابن الأعمى؟ قال: هذا وقوله يا ابن الأقطع سواء. قال: وسمعت مالكا، وسئل عن رجل قال لرجل: يا ابن المطوق، يعني الراية التي تجعل في العنق؟ قال مالك: ممن هو؟ قالوا: من الموالي - فلم ير عليه الحد - وكأني رأيته ذلك اليوم يرى أن لو كان من العرب لضربه الحد، ولكنه لما قيل له إنه من الموالي قال: لا حد عليه، وسكت عن العرب. قلت: أرأيت إن قال له: يا ابن الأحمر أو يا ابن الأزرق أو يا ابن الأصهب أو يا ابن الآدم - وليس أبوه كذلك - قال: لم أسمع ذلك من مالك إلا أنه إن لم يكن في آبائه أحد كذلك ضرب الحد.

فيمن قال لرجل أبيض يا أسود أو يا أعور وهو صحيح
قلت: أرأيت رجلا نظر إلى رجل أبيض فقال له: يا حبشي؟ قلت: إن كان من العرب ضرب الحد عند مالك لأن الحبشة جنس. قلت: فإن كان من الموالي قال:

فيمن قال لرجل يا يهودي أو يا مجوسي أو يا نصراني
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: يا يهودي أو يا نصراني أو يا مجوسي أو يا عابد وثن؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذه الساعة إلا أن هذا ينكل. وقد قال مالك فيما هو أدنى من هذا النكال أيضا. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: يا ابن اليهودي أو يا ابن النصراني أو يا ابن المجوسي أو يا ابن عابد وثن؟ قال: أرى فيه الحد إلا أن يكون كان أحد من آبائه على ما قيل له، فإن كان أحد من آبائه كذلك نكل. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: يا حمار أو يا ابن الحمار؟ قال: لا شيء عليه في هذا عند مالك إلا النكال. قلت: فهل كان يحد لكم مالك في هذا النكال كم هو؟ قال: لا.

فيمن قال جامعت فلانة في دبرها أو بين فخذيها
قلت: أرأيت إذا قال الرجل: جامعت فلانة بين فخذيها أو في أعكانها؟ قال: أخاف أن يكون هذا من وجه التعريض الذي يضرب فيه حد الفرية كاملا، وإنما أراد أن يستتر بفخذيها أو بالأعكان، ولم أسمع من مالك في هذا بعينه شيئا إلا أن مالكا قال: لا حد عندنا إلا في نفي أو قذف أو تعريض، يرى أن صاحبه أراد به قذفا، فلا تعريض أشد من هذا. قال ابن القاسم: فأرى فيه الحد. قال سحنون: وقال غيره، لا حد عليه لأنه صرح بما رماه به. وقد ترك عمر زيادا الذي قال: رأيته بين فخذيها. قلت: أرأيت إن قال: فعلت بفلانة في دبرها فقامت تطلب بحدها؟ قال: ذلك لها. قلت: فإن ثبت هذا على إقراره حددته أيضا حد الزنا؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

فيمن قذف فارتد عن الإسلام
قلت: أرأيت إن قذفت رجلا فارتد المقذوف ثم رجع إلى الإسلام فطلبني بالحد، أتضربني له أم لا؟ قال: لا حد على قاذفه. قال ابن القاسم: فإن قذفه ثم ارتد، أو قذف وهو مرتد، أقيم عليه الحد في حال ارتداده، وإن تاب أقيم عليه الحد أيضا. وإن قذفه أحد وهو مرتد ثم تاب فلا حد عليه، وإن قذفه أحد قبل أن يرتد ثم ارتد فلا حد على قاذفه إن تاب، وإنما هو بمنزلة رجل قذف بالزنا فلم يؤخذ له بحده حتى زنى فلا حد على من قذفه.

فيمن قذف ملاعنة أو ابنها
قلت: أرأيت رجلا قذف ملاعنة معها ولد، وإنما التعنت بغير ولد، أيحد قاذفها في قول مالك؟ قال: نعم، إذا قذف ملاعنة التعنت بولد أو بغير ولد، أو كان معها ولد أو لم يكن، ضرب الحد. قلت: أرأيت إن قال لولد الملاعنة: لست لأبوك. أيحد القائل له هذا؟ قال: إن قال له هذا في مشاتمة ضرب الحد، وإن كان إنما يخبر خبرا، فلا حد عليه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: كذلك قال مالك في المشاتمة مثل ما أخبرتك. قلت: أرأيت الرجل يستعير الجارية أو يستودعها أو يستأجرها أو يرتهنها فيطؤها، أيحد أم لا؟ قال: قال مالك: من ارتهن جارية فوطئها إنه يقام عليه الحد، فما سألت عنه بهذه المنزلة.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الرجم

في كشف الشهود عن الشهادة في الزنا
قلت: أرأيت أربعة شهدوا على رجل بالزنا، أينبغي للإمام أن يسألهم هل زنى بامرأة أم لا في قول مالك؟ قال: قد أخبرتك بما قال مالك في ذلك. ولم أسمعه يذكر المرأة إلا أنه قال: يكشفهم عن شهادتهم، فإن رأى في شهادتهم ما يبطل به الشهادة أبطلها. قلت: أرأيت إن شهدوا عليه بالزنا - وهم أربعة عدول - والقاضي لا يعرف، أبكر هو أم ثيب، أيقبل قوله إنه بكر ويحده مائة جلدة؟ قال: نعم قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا أحفظه، ولكنه رأيي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الذي أقر، أبكر أنت أم ثيب.

في الشهادة على الإحصان
قلت: فإن قام عليه شاهدان بالإحصان، رجمته في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فهل تجوز شهادة النساء مع رجل في الإحصان في قول مالك؟ قال: لا تجوز، لأن شهادتهن في النكاح لا تجوز.

في الرجل يزني وقد كان تزوج امرأة ودخل بها فأنكر مجامعتها وإحصان الصغيرة والمجنونة والذميين
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة وتطاول مكثه معها بعد الدخول بها فشهدوا عليه بالزنا؟ فقال الرجل: ما جامعتها منذ دخلت عليها. قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال لي في شيء كلمته فيه، فقال: إنه يقال: ادرءوا الحدود بالشبهات. فهذا إذا لم يعلم أنه قد جامعها بعد طهر أو بإقراره أو بأمر سمع من الزوج بالإقرار بالوطء، فلا

أرى أن يقام عليه الرجم. وإن كان قد سمع ذلك منه قبل ذلك أنه مقر بوطئها، رأيت أن يقام عليه الحد.
قلت: أرأيت إن تزوج جارية لم تبلغ الحيض ثم جامعها ثم زنى، أترجمه في قول مالك؟ قال: قال مالك: تحصنه ولا يحصنها. قلت: فالمجنونة تحصنه في قول مالك إذا جامعها؟ قال: نعم في رأيي لأنها زوجة، والزوج لا يحصنها إذا كانت ممن لا تفيق. قلت: أرأيت الذميين إذا أسلما وهما زوجان ثم زنيا بعد الإسلام قبل أن يطأها، أيرجمان عند مالك أم لا؟ قال: لا يرجمان عند مالك حتى يطأها بعد الإسلام.

في الذي تجمع عليه الحدود ونفي الزاني
قلت: هل يجتمع الحد والرجم في الزنا على الثيب في قول مالك؟ قال: لا يجتمع عليه، والثيب حده الرجم بغير جلد، والبكر حده الجلد بغير رجم بذلك مضت السنة. قلت: أرأيت الحد حد الزنا في البكر وحد شرب الخمر وحد الفرية، أين يضرب في قول مالك؟ أعلى الظهر وحده أم على جميع الأعضاء؟ قال: بل على الظهر، ولا يعرف مالك الأعضاء. قلت: أرأيت البكرين إذا زنيا، هل ينفيان جميعا - الجارية والفتى - في قول مالك أم لا نفي على النساء في قول مالك؟ وهل يفرق بينهما في النفي، ينفى هذا إلى موضع وهذه إلى موضع آخر، وهل يسجنان في الموضع الذي ينفيان. إليه في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا نفي على النساء ولا على العبيد ولا تغريب. قلت: فهل يسجن الفتى في الموضع الذي نفي إليه في قول مالك أم لا؟ قال: نعم يسجن، ولولا أنه يسجن لذهب في البلاد. قال مالك: لا ينفى إلا زان أو محارب، ويسجنان جميعا في الموضع الذي ينفيان إليه، يحبس الزاني سنة والمحارب حتى تعرف له توبة.

فيما لا يحصن من النكاح وما لا يحصن
فيما لا يحصن من النكاح وما يحصن
قلت: أرأيت النكاح الذي لا يقر على حال، هل يكون الزوجان محصنين في قول مالك أم لا؟ قال: كل نكاح حرام لا يقر عليه أهله، أو نكاح يكون للولي أن يفسخه، أو وطء لا يحل وإن كان في نكاح حلال يقر عليه، مثل وطء الحائض والمعتكفة والمحرمة، فهذا كله سمعت مالكا يقول في بعضه، وبلغني عنه في بعضه: إنهما لا يكونان به محصنين، ولا يكونان محصنين إلا بنكاح ليس إلى أحد فسخه أو إثباته، ووطء بوجه ما يحل ويجوز. قلت: أرأيت إن تزوج أمة بغير إذن سيدها دخل بها فوطئها فزنى، أيكون بهذا النكاح محصنا أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا وقد بلغني من قوله: إنه لا يكون محصنا.
قلت: أرأيت المرأة الحرة، هل يحصنها العبد في قول مالك؟ قال: نعم إذا كانت مسلمة. قلت: وكذلك المجنون الذي يجامع قال: نعم في رأيي.

فيمن شهدوا على رجل بالزنا فرجمه الإمام ثم رجعوا عن شهادتهم والمقذوف يمكث بعدما قذف ثم يموت هل لورثته القيام بذلك والفرية على المرجوم والمحدود ؟
فيمن شهدوا على رجل بالزنا فرجمه الإمام ثم رجعوا عن شهادتهم والمقذوف يمكث بعد ما قذف ثم يموت هل لورثته القيام بذلك والفرية على المرجوم والمحدود؟
قلت: أرأيت إن شهدوا على رجل بالزنا فرجمه الإمام ثم رجعوا عن شهادتهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يحدوا ويضمنوا ديته في أموالهم. قلت: أرأيت لو أن رجلا قذف رجلا، فخاصمه إلى القاضي في القذف فأراد أن يوقع عليه البينة بالقذف، فمات المقذوف قبل أن يوقع البينة عليه، أيكون لورثته أن يقوموا بالحد ويوقعوا البينة في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، ذلك لهم إذا قاموا أو أثبتوا القذف، أقيم لهم الحد عليه. قلت: فإن قذف رجل رجلا فلم يقم عليه الحد ولم يسمعوا منه العفو، فتركه سنة أو أقل أو أكثر ثم مات المقذوف، فقام ورثته يطلبون قذفه، أيكون ذلك لهم أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى ما لم يتطاول ذلك ويرى أن صاحبه قد تركه، فأرى ذلك لورثته. أما إذا تطاول ذلك حتى يرى أنه قد كان تاركا لذلك، فلا أرى لورثته فيه شيئا، ولا يشبه قيام الورثة بذلك قيام المقذوف بعد طول الزمان لأن المقذوف بعد طول زمان يحلف بالله ما كان تاركا لذلك ولا كان وقوفه إلا على أن يقوم بحقه إن بدا له، فأرى إن تطاول ذلك من أمره حتى يموت لم أر لورثته فيه دعوى، ولا يؤخذ لهم به إلا ما كان قريبا مما لا يتبين من المقذوف ترك لذلك، فهذا الذي أرى أن يكون ذلك لورثته بعد موته. قال: ولقد سمعت مالكا، وسأله قوم وأنا عنده قاعد عن رجل قتل وله أم وعصبة فماتت الأم. فقال مالك: أرى أن ورثة الأم إن أحبوا أن يقتلوا قتلوا، ولم يكن للعصبة أن يعفوا دون أمرهم، كما لو كانت الأم باقية. فجعلهم مالك في ذلك مكانها بعد موتها.

في قاذف المحدود ومن زنى بعض جداته
قلت: أرأيت من افترى على رجل مرجوم في الزنا أو محدود في الزنا، أيحد حد الفرية أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا حد عليه. وقال مالك في رجل قذف رجلا فقال له: يا ابن الزانية. وفي أمهاته من جداته من قبل أمه امرأة قد زنت. فقال: إنما أردت جدتك تلك التي قد زنت. قال مالك: إذا كان أمرا معروفا أحلف أنه ما أراد غيرها، ولا حد عليه وعليه العقوبة. قلت: فهل ينكل في قذفه هؤلاء الزناة في قول مالك قال إذا آذى مسلما نكل.

أربعة شهدوا في الزنا على رجل ثم رجع أحدهم قبل أن يقيم الإمام الحد عليه هل عليهم حد الفرية؟
قلت: أرأيت لو أن أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجع واحد منهم قبل أن يقيم الإمام عليه الحد، أيجلده الحد ويجلد الثلاثة معه في قول مالك أم لا يجلد إلا الراجع وحده؟ قال: نعم، يجلد الراجع ويجلدون الثلاثة كلهم حد الفرية. قلت: أرأيت إن رجع أحدهم بعد إقامة الحد؟ قال: قد أخبرتك أني لم أسمعه من مالك. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يجلد الراجع وحده ولا يجلد الذين بقوا الثلاثة. قلت: أرأيت إن شهدوا أربعة على الزنا وأحدهم مسخوط أو عبد، أيحدهم كلهم القاضي؟ قال: قال مالك: يحدون كلهم حد الفرية. قلت: أرأيت إن شهد عليه أربعة بالزنا أحدهم عبد أو مسخوط فلم يعلم الإمام بذلك حتى أقام على المشهود عليه الحد رجما أو جلدا ثم علم بهم بعد ذلك؟ قال: أرى أن يحد هؤلاء الشهود كلهم إذا كان أحدهم عبدا، وإن كان أحدهم مسخوطا لم يحدوا. والمسخوط في هذا مخالف للعبد لأنه حر، وقد اجتهد الحاكم في تعديله وتزكيته، فلا أرى عليهم ولا عليه حدا. ولا يشبه العبد هؤلاء الذين رجع منهم واحد بعد إقامة الحد وقد كانوا عدولا، لأن الشهادة أولا قد ثبتت بعدالة الذين جرحوا، وإن الذين كان منهم العبد لم تثبت لهم شهادة، إنما كان ذلك خطأ من السلطان. قلت: أفيكون لهذا المرجوم على الإمام دية أم لا؟ قال إن كان الشهود علموا بذلك رأيت الدية عليهم، وإن لم يعلموا رأيته من خطأ الإمام، والدية على عاقلة الإمام، ولا يكون على العبد في الوجهين شيء.

الأعمى، هل تجوز شهادته في الزنا والإمام يخطىء في حد من حدود الله
الأعمى، هل تجوز شهادته في الزنا والإمام يخطئ في حد من حدود الله
قلت: أرأيت الأعمى، هل تجوز شهادته على الزنا في قول مالك؟ قال: لا تجوز الشهادة على الزنا عند مالك إلا على الرؤية. قلت: أفيحد هذا الأعمى؟ قال: نعم. قلت: أرأيت ما أخطأ به الإمام من حد هو لله، أيكون في بيت المال أم على الإمام في ماله أم يكون ذلك هدرا؟ قال: ما سمعت هذا من مالك ولا بلغني فيه شيء وأرى ذلك من خطأ الإمام، وتحمل العاقلة من ذلك الثلث فصاعدا، وما كان دون الثلث ففي مال الإمام خاصة. قلت: أرأيت لو أن رجلين شهدا على رجل بمال لرجل فحكم القاضي بشهادتهما، ثم تبين أن أحد الشاهدين عبد أو ممن لا تجوز شهادته، أيرد القاضي ذلك المال إلى المحكوم عليه في قول مالك؟ قال: أرى أن يحلف مع شهادة الباقي ويترك له المال. قال: فإن نكل حلف الآخر ما عليه شيء، ويرد المال إليه. وقد بلغني عنه ما

يشبهه. قلت: أرأيت إن كان شهدا عليه بقطع يد رجل عمدا، فقضى القاضي. بشهادتهما فقطع يد المشهود عليه، ثم تبين أن أحد الشاهدين عبد أو ممن لا تجوز شهادته، أيكون لهذا الذي اقتص منه على الذي اقتص له شيء أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى عليه شيئا. قلت: أفيكون له على الذي اقتص له دية يده مثل ما قلت في المال؟ قال: لا، وأرى هذا من خطأ الإمام.

فيمن شهدوا على رجل بالزنا فرجمه الإمام ثم أصابوه مجبوباً هل يحدهم الإمام؟
قلت: أرأيت أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجمه الإمام ثم أصابوه مجبوبا، أيحد الإمام الشهود في قول مالك أم لا؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: من قال لمجبوب: يا زاني لم يحد، لأنه ليس معه متاع الزنا. فهؤلاء الشهود الذين ذكرت لا حد عليهم. قلت: فما تصنع في رجمه وديته؟ قال: أرى عليهم العقل في أموالهم مع الأدب الموجع والسجن الطويل ولا يقصر في عقوبتهم.

في تزكية الشهود وقد غابوا أو ماتوا
قلت: أرأيت إذا شهدوا على الحدود فماتوا أو غابوا أو عموا أو خرسوا ثم زكوا بعد ذلك، أيقيم الحد على المشهود عليه في قول مالك وهذا في حقوق الناس أيضا بهذه المنزلة؟ قال: لم أسمع من مالك يحد لنا في هذا حدا، وأرى أن يقيم الحد إذا زكوا - وهذا إذا استأصل الشهادة - لأن مالكا قال: ينبغي للإمام أن يكشفهم عن الشهادة، لعل فيها ما يدرأ به عن المشهود عليه الحد. قال: وقد قال مالك في الغائب في الفرية والحدود: إن الشهادة على شهادة هذا الغائب جائزة، فلما جوز الشهادة على الشهادة في الحدود علمنا أن شهادة هؤلاء الذين ذكرت أولا جائزة إذا زكوا بعدما ذكرت لك من استئصال الشهادة. قال: وما علمت أن مالكا فرق بين الحدود وبين الحقوق، فهذا يدلك على ذلك أن الشهادة على الشهادة جائزة إذا خرسوا أو عموا أو غابوا.

في هيئة الرجم والصلاة على المرجوم والحفر للمرجوم
قلت: فهل ذكر لكم مالك أن الإمام يبدأ فيرجم ثم الناس إذا كان إقرار أو حبل، وإذا كانت البينة فالشهود ثم الإمام ثم الناس؟ قال: لم يكن مالك يعرف هذا. وقال مالك: يأمر الإمام برجمه. وإنما الرجم حد مثل القطع والقتل يأمر الإمام بذلك. قلت:

في المرأة تقول: هذا الرجل زنى بي ويقول الرجل: بل تزوجتها ولا بينة بينهما والمرأة تزني بمجنون أو بصبي مثله يجامع
قلت: أرأيت لو أن امرأة أقرت بالزنا على نفسها أنها زنت بهذا الرجل. وقال الرجل: بل تزوجتها. ولا بينة بينهما وأقر بوطئها؟ قال: سئل مالك عن امرأة ورجل وجدا في بيت واحد فيزعم أنه تزوجها ويقران بالوطء. قال مالك: إن لم يأتيا ببينة أقيم عليهما الحد، فأرى في مسألتك مثل هذا. قلت: أرأيت الرجل يزني بالصبية التي مثلها يجامع والمجنونة، أيقام عليه الحد في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك في الصبية التي مثلها يجامع: أقيم الحد على من زنى بها. وقال: لم أسمع منه في المجنونة شيئا. والمجنونة عندي مثل الصبية أو أشد. قلت: أرأيت امرأة زنت بصبي مثله يجامع إلا أنه لم يحتلم؟ قال: قال مالك: ليس هو زنا. قلت: أرأيت المرأة تزني بالمجنون، أيقام عليها الحد في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي. قلت: أفيجلد قاذف المجنون في قول مالك؟ قال: نعم.

في المسلم يزني بالذمية
قلت: أرأيت المسلم إذا زنى بامرأة من أهل الذمة؟ قال: قال مالك: يحد الرجل وترد المرأة إلى أهل دينها. قلت: أرأيت إن أراد أهل دينها أن يرجموها، أكان يمنعهم مالك من ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال: يردون إلى أهل دينهم. فأرى أنهم يحكمون عليها بحكم أهل دينهم عليهم، ولا يمنعون لأن ذلك من الوفاء لهم بذمتهم عند مالك.

في الرجل يغتصب امرأة أو يزني بمجنونة أو نائمة
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب امرأة أو زنى بصبية مثلها يجامع أو زنى بمجنونة أو أتى نائمة، أيكون عليه الحد والصداق جميعا في قول مالك؟ قال: قال مالك في الغصب: إن الحد والصداق يجتمعان على الرجل. فأرى المجنونة التي لا تعقل. والنائمة بمنزلة المغتصبة. وقد قال مثل قول مالك في الحد والغرم علي بن أبي طالب وابن مسعود وسليمان بن يسار وربيعة وعطاء وقال عطاء: إن كان عبدا ففي رقبته. وقال ربيعة في النائمة: إن على من أصابها الحد. قلت: أرأيت الرجل يرتهن الجارية فيطؤها ويقول: ظننت أنها تحل لي؟ قال: قال مالك: من وطئ جارية هي عنده رهن إنه يقام عليه الحد. قال ابن القاسم: ولا يعذر في هذا أحد ادعى الجهالة. قال: وقال مالك: حديث التي قالت زنيت بمرعوش بدرهمين إنه لا يؤخذ به. وقال مالك: أرى أن يقام الحد ولا يعذر العجم بالجهالة. قال ابن القاسم: سئل مالك عن الجلد في الحد، هل يجلد في الأعضاء؟ قال: ما سمعت بذلك. قال: وما أدركت أحدا من أهل العلم يعرفه. قال ابن القاسم: وقال مالك: لا يضرب إلا في الظهر. قال: وقال مالك: يجرد الرجل في الحد والنكال ويقعد ولا يقام ولا يمد، وتجلد المرأة ولا تجرد وتقعد. قال: وقال مالك: وقد كان بعض الأئمة يجعل قفة تجعل فيها المرأة، فرأيت مالكا يعجبه ذلك. قال مالك: ولقد كانت ههنا امرأة حدث وقد جعلت على ظهرها قطيفة أو لبدا. قال: فقلت لمالك: أترى أن ينزع مثل هذا؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: وإنما رأيته يرى أن يترك عليها ثوبها وما لا يقيها من الثياب، فأما ما يمنع الضرب منها فلا يترك. قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشترى حرة. فوطئها وهو يعلم أنها حرة؟ قال: قال مالك: من اشترى حرة وهو يعلم أنها حرة فوطئها أقيم عليه الحد إذا أقر بوطئها.

في الشهود في الزنا يختلفون في المواضع
قلت: أرأيت أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فشهد اثنان منهم أنه زنى بها في قرية كذا وكذا، وشهد اثنان منهم أنه زنى بها في قرية كذا وكذا؟ قال: قال مالك: إذا شهدوا على الزنا فاختلفوا في المواطن أقيم على الشهود حد الفرية، ولا يقام على المشهود عليه حد الزنا. قلت: أرأيت إن دعاني إمام جائر من الولاة إلى الرجم فقال لي: إني قضيت عليه بالرجم. أو دعاني إلى قطع يده وقال: إني قد قضيت عليه بقطع يده في السرقة. أو حرابة دعاني إلى قطع يده أو رجله أو إلى قتله وأنا لا أعلم ذلك إلا بقوله؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى لهذا الذي أمر، إن علم أنهم قد قضوا بحق أن يطيعهم في ذلك إذا علم أنهم قد كشفوا عن الشهود وعدلوا وعلم أنهم لم يجوروا، فأرى أن يطيعهم، وإن علم غير ذلك فلا يطيع. قلت: فإن كان الإمام عدلا ممن وصف بالعدالة

من الولاة، أترى أن يطيعه إذا أمره ويقبل قوله؟ قال: نعم، ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز لو قالا لرجل: اقطع يد هذا فإنا قد قضينا عليه بالسرقة. أكان يسعه أن لا يفعل وقد عرفت عدالتهما؟ ألا ترى أن علي بن أبي طالب قد كان يضرب الحدود بأمر عمر بن الخطاب، يأمره فيضرب ويقيمها، ويأمر أبو بكر بالرجم، وعمر وعثمان، فيطيعهم الناس يرجمون ولا يكشفون عن البينة. وإنما ذلك على الوالي فإذا كان الولي يعدل، قد عرف الناس ذلك منه مع معرفتهم بمعرفة الإمام بالسنة. فلا يسع الناس أن يكفوا عما أمرهم به من إقامة الحدود، والكشف في البينات على الإمام دون الناس، ففي هذا ما يكتفي به من معرفتهم، وأما من عرف جوره، فإن اتضح لك أنه حكم بحق في حد الله في صواب مع البينة العادلة التي قامت فافعل، ولا ينبغي إبطال الحد وينبغي أن تطيعه في ذلك، ألا ترى أنك تجاهد معهم.

كشف القاضي البينات على الشهادة في الزنا
قلت: أرأيت أربعة شهدوا على رجل بالزنا فقال لهم القاضي: صفوا الزنا. فوصفه منهم ثلاثة وشهدوا على رؤيته، وقال الرابع: رأيته بين فخذيها - ولم يشهد على الرؤية - أيحدون كلهم في قول مالك؟ قال: نعم يحدون كلهم، ويعاقب الذي قال رأيته بين فخذيها لأنه لم يشهد على الزنا. قلت: أرأيت إن شهدوا عليه بالزنا وهم أربعة فقال لهم القاضي: صفوا الزنا. فقالوا: لا نزيد على هذا، أتقبل شهادتهم؟ قال: قد أخبرتك بقول مالك أنه قال: يكشفهم الإمام، فإن وجد في شهادتهم ما يدرأ به الحد درأه. قلت: فإن أبوا أن يكشفوا شهادتهم؟ قال: لا يقام الحد إلا بعد كشف الشهادة وذلك رأيي. قلت: فإن درأ الإمام عن المشهود عليه الحد، هل عليهم الحد ههنا حين أبوا أن يكشفوا شهادتهم له، أيقيم حد الفرية على الشهود؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أنه إذا درأ الحد عن المشهود عليه أقيم على الشهود حد الفرية. قلت أرأيت أربعة شهدوا على شهادة أربعة في الزنا، أتقبل شهادتهم في قول مالك قال: نعم. قلت: فإن شهد على شهادة الأربعة رجلان أو ثلاثة؟ قال: لا أدري أن تقبل شهادتهم لأن الحد إنما يقام بشهادتهم، ولا يقام الحد بأقل من أربعة. قلت: فإن شهدوا على شهادة غيرهم - وهم ثلاثة أو اثنان كما ذكرت لك - أتحدهم حد الفرية في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، أحدهم حد الفرية لأنهم قذفة في رأيي. قال: ولو شهد اثنان على اثنين واثنان على اثنين رجمته، ولو شهد ثلاثة على ثلاثة واثنان على واحد رجمته، لأن. الحد قد تم بأربعة شهداء في الأمرين جميعا. ولا يرجم حتى يستكمل الشهادة أربعة بأبدانهم، أو يشهد أربعة يشهدون على جميعهم. وإن تفرقوا على ما وصفت لك لم تجز شهادة واحد على واحد ولا ثلاثة على ثلاثة حتى يشهد على الواحد اثنان.

في شهادة السماع في الزنا والحدود
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: سمعت فلانا يشهد أنك زان، أيحد أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك وغير واحد من أهل العلم: لو أن رجلا قال لرجل: إن فلانا يقول لك: يا زاني. إنه إن أقام البينة أن فلانا قال له ذلك برئ، وإلا أقيم على هذا القائل الحد. قال ابن القاسم: وأما هذا الذي يقول سمعت فلانا يشهد أنك زان، فإنه يضرب الحد عندي إلا أن يقيم البينة على ما قال وذكر. قلت: والبينة الذين شهدوا على شهادة غيرهم إن قالوا: نحن نقيم البينة على أن القوم أشهدونا؟ قال: إن أقاموا البينة أربعة سواهم على شهادة أربعة أشهدوهم سقط الحد عن الشهود الأولين، ويرجم المشهود عليه أو يجلد إن كان بكرا. قلت: أرأيت شهادة السماع، هل يجيزها مالك؟ قال: سئل مالك عن رجل سمع رجلا يقذف رجلا والمقذوف غائب أترى أن يشهد له؟ قال: نعم يشهد له إذا كان معه غيره. قلت: ليس هذه الشهادة على السماع إنما الشهادة على السماع الشهادة على الشهادة يمر الرجل بالرجل فيسمعه يقول: أشهد أن لفلان على فلان مائة درهم ولم يشهده، ثم يحتاج إلى شهادة هذا المار الذي سمع ما سمع ولم يكونوا استشهدوه. قال: لا أرى أن يشهد إلا أن يكون أشهده الرجل. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: سمعت مالكا، وسئل عن الرجلين يتنازعان في الأمر فيقر بعضهما البعض بالشيء، فيمر بهما الرجل فيسمعهما يتكلمان في ذلك ولم يحضراه للشهادة ولم يشهداه، أترى له أن يشهد عليهما؟ قال: قال مالك: لا يشهد عليهما. قال: فقيل لمالك: فالرجلان يحضرهما الرجلان في الأمر بينهما ويقولان لهما: لا تشهدا علينا بأشياء فإنا نتقار بأشياء، فيتكلمان فيما بينهما ويقران بأشياء ثم يفترقان، ثم يجحد كل واحد منهما صاحبه أو أحدهما فيريدان أن يشهدا فيما بينهما، أترى لهما أن يشهدا؟ قال: أرى أن لا يعجلا وأن يكلماهما، فإن أصرا على ذلك وجحدا رأيت أن يشهدا عليهما قال: فقلت لمالك: فالرجل يسمع الرجل يقذف الرجل، أترى أن يشهد له؟ قال: نعم إذا كان معه غيره. فهذا ما قال لنا مالك في هذا. ومما يدلك على أن مالكا لا يرى شهادة السماع التي وصفت لك إذا لم يشهداه، أن مالكا قال في الذي مر فسمع رجلا ينازع رجلا، ويقر بعضهما بشيء لبعض ولم يحضراه لذلك ولم يشهداه أنه أمره أن لا يشهد، فكذلك إذا سمع رجلا يشهد على رجل فهو سواء. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن رجلا استقصى في مثل هذا سماع ما يتقار به الرجلان بينهما أو يتذاكرانه من أمرهما، فشهد ذلك من أمرهما واستقصاه وإن لم يشهداه، فأرى أن يشهد بذلك إذا كان مثل ما وصفت لك. وإنما الذي كره من ذلك ولم يجز ما مر به الرجل من كلام الرجل فسمعه ولا يدري ما كان قبله ولا ما يكون بعده، وإنما بعض ذلك كله من بعض، فهذا الذي

كره، فلا ينبغي له أن يشهد في مثل هذا، ولا ينبغي للقاضي أن يجيز شهادة مثل هذا إذا شهد بها عنده. قال: ولقد سئل مالك عن رجل شهد بين رجلين في حق، فنسي بعض الشهادة وذكر بعضها، أترى أن يشهد؟ قال مالك: لا، إن لم يذكرها كلها فلا يشهد، فهذا مما يدلك على أن المار الذي يسمع ولم يشهداه ولا يشهد، لأن الرجل قد يتكلم بالشيء ويكون الكلام قبله أو بعده مما لا تقوم الشهادة إلا به، أو تسقط الشهادة عن المشهود عليه به. فإن أفرد هذا الكلام وحده كانت شهادة، فهذا يدلك على أنه يجوز إلا أن يشهد على ذلك أو يحضر لذلك.

فيمن شهدوا على رجل بالزنا وأقروا أن شهادتهم ليست على فعل واحد
قلت: أرأيت أربعة شهدوا على رجل بالزنا إلا أنهم مقرون أن شهادتهم ليست على فعل واحد، أيحد الشهود في قول مالك؟ قال: نعم يحدون عند مالك إذا لم يشهدوا على فعل واحد، لأنهم لو شهد كل واحد منهم على زنا على حدة لحدوا كلهم، وإنما يقام الحد على المشهود عليه إذا شهدوا على زنا واحد. قلت: أرأيت الذي يقذف رجلا، فلما ضرب أسواطا قذف آخر أو قذف الذي يجلد له؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا أو أرى أن يضرب الحد ثمانين، يبتدأ ذلك من حين قذف ولا يعتد بما مضى من السياط. قلت: وافتراؤه عندك على هذا الذي يجلد له، وافتراؤه على غيره سواء بعدما قد ضرب أسواطا؟ قال: نعم، وهذا على ما وصفت لك في ذلك كله. قال وقال مالك: ولو أن رجلا قذف رجلا بحد فضرب له، ثم إذا قذفه بعد ذلك ضرب له أيضا، فكذلك هذا عندي يبتدأ به.

ذكر العذاب في الحدود أيهم أشد وجعا ومتى تسقط شهادة القاذف
قلت: أرأيت القاذف، متى تسقط شهادته عند مالك إذا قذف أم حتى يجلد؟ قال: قال مالك في القاذف: إن عفا المقذوف عن القاذف جاز عفوه ما لم يبلغ السلطان فإن أراد المقذوف أن يكتب عليه بذلك كتابا متى ما بدا له أن يقوم عليه بذلك فذلك له. قلت: أفيكون العفو على أنه متى ما بدا له قام في حقه في قول مالك؟ قال: نعم ألا ترى أن مالكا قال: يكتب بذلك كتابا أنه متى شاء أن يقوم قام به، وشهادته جائزة حتى يقوم به وهو رأيي. قلت: فإن مات والكتاب عليه فأراد ولده أن يقوموا بحد أبيهم بعده، أيكون لهم ذلك في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن أرى لهم أن

جامع اجتماع الحدود وكيف يضرب
قلت لابن القاسم : أي الحدود أشد ضربا في قول مالك الزاني أو الشارب أم حد الفرية؟ قال: قال مالك: ضربها كلها سواء. قال مالك: والضرب في هذا كله ضرب بين الضربين ليس بالمبرح ولا بالخفيف. قال: وقال مالك: إذا قذف وسكر، أو شرب الخمر ولم يسكر، جلد الحد حدا واحدا. وإن كان قد سكر جلد حدا واحدا لأن السكر حده حد الفرية، لأنه إذا سكر افترى فحد الفرية يجزئه منها. ألا ترى لو أنه افترى ثم افترى وضرب حدا واحدا كان هذا الحد لجميع تلك الفرية، وكذلك السكر والفرية إذا اجتمعا دخل حد السكر في الفرية والخمر يدخل في حد السكر. ألا ترى أنه لا يسكر منها. حتى يشربها، فلما كان حد السكر داخلا في حد الفرية علمنا أن حد الخمر أيضا داخل في حد السكر، لأنه لا يسكر منها إلا بعد أن يشربها. قال: وقال مالك: وإن اجتمع عليه حد الفرية وحد الزنا أقيم عليه حد الزنا وحد الفرية جميعا. قال: وإن اجتمع عليه حد الزنا وحد الخمر أقيما عليه جميعا. قلت: أيتابع الإمام بين الحدين أم يحبسه بعد ضرب جلد الزنا، حتى إذا خف من ضربه ذلك ضربه حد الفرية؟ قال: قد أخبرتك أن ذلك إلى الإمام في قول مالك، يرى في ذلك رأيه ويجتهد. إن رأى أن يجمعهما عليه جمعهما، وإن رأى أن لا يجمعهما عليه ورأى أن يفرقهما فذلك إليه، وإنما هذا على اجتهاد الإمام لأن مالكا قال في المريض الذي يخاف عليه إن أقيم عليه الحد: يؤخر حتى يبرأ من مرضه. فهذا إذا ضرب أول الحدين إن كان يخاف عليه إن ضرب الحد الثاني أن يموت، أخره الإمام ولم يضربه. وكذلك ذكر مالك في الذي يخاف عليه من البرد إن هو أقيم عليه الحد، أنه يؤخر ولا يضرب ويحبس، وإنما قال في البرد في القطع وليس في الضرب. قال: والضرب عندي بمنزلة القطع في البرد إن خيف عليه، والحر عندي بمنزلة البرد في ذلك كله. قلت: ويضرب حد الزنا عند مالك قبل ضرب حد الفرية إذا اجتمعا على الرجل جميعا لأن حد الزنا لا عفو فيه على حال، وحد الفرية فيه العفو قبل أن ينتهي به صاحبه إلى الإمام؟ قال: أحب ذلك إلي أن يبدأ بحد الزنا، ولم أسمع من مالك فيه شيئا، لأن حد الفرية قد جاء فيه بعض الاختلاف، أن العفو فيه جائز وإن انتهى إلى الإمام، وقد كان مالك يقوله مرة ثم نزع عنه.
قلت: أرأيت حد الفرية إذا عفا عنه المقذوف، فقام عليه رجل من الناس فأقام عند الإمام البينة أنه قذف فلانا أيحد في

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19