كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

ما جاء في فسخ الكراء
قلت: أرأيت إن استأجرت ثورا يطحن لي كل يوم إردبين بدرهم فوجدته لا يطحن إلا إردبا واحدا؟ قال: لك أن ترده.
قلت: أرأيت إن كنت قد طحنت عليه إردبا أول يوم كم يكون له علي من الكراء؟ قال: نصف درهم ; لأنه إنما استأجره على طحين إردبين بدرهم.
قلت: أرأيت إن استأجرت دابة بعينها أو بعيرا بعينه فإذا هو عضوض أو جموح أو لا يبصر بالليل أو دبر تحتي دبرة فاحشة يؤذيني ريحها أيكون هذا مما يفسخ به الكراء فيما بيننا أم لا؟ قال: أما ما ذكرت من العضوض والجموح والذي لا يبصر بالليل إن كان ذلك مضرا بالراكب يؤذيه فله أن يقاسمه الكراء إن أحب, والدبرة التي ذكرت إن كانت مضرة بالراكب تؤذيه فأرى أن يفاسخه الكراء إن أحب.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو مما يفسخ به الكراء عندنا ; لأنها عيوب لا يستقيم أن يلزمها الناس في كرائهم إلا أن يرضوا بذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت عبدا للخدمة فمرض أو دابة لأركبها إلى موضع كذا وكذا فاعتلت أيكون هذا عذرا وأناقضه الإجارة؟ قال: نعم إلا أن العبد إن صح في بقية من وقت الإجارة عمل لك ما صح فيه من ذلك, فكان عليك كراء ما عمل لك ويسقط عنك كراء ما مرض فيه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قال: والدابة عندي ليست بهذه المنزلة ; لأن الدابة إذا اعتلت وقد تكاراها إلى إفريقية لم يتخلف عليها فهي, وإن صحت قبل أن يبلغ صاحبها الذي تكاراها إلى إفريقية لم يلزمه الكراء ; لأن الذي اكترى لا يقدر على المقام عليها, وإن صحت بعده لم تلحقه, وهي وإن صحت ولحقته لعله أن يكون قد اكترى غيرها, فإن لزمه هذا أيضا فقد دخل عليه في ذلك ضرر, وذلك أنه مخالف للخدمة.
قلت: أرأيت إن قال المكتري أنا أقيم على الدابة حتى تفيق من علتها ثم أركبها وقال ربها: لا تقيم عليها وأنا أريد بيعها إذا صارت لا تحمل ولا أقدر على المقام عليها والنفقة؟ قال: ينظر في ذلك ; لأن الأمراض تختلف, فإن كان مرضا يرجى برؤه بعد يوم أو يومين أو الأمر القريب لا يكون فيه ضرر على المكري, فهذا يحبس رب الدابة على دابته حتى ينظر إلى ما يصير أمرها إليه وإن كان مريضا لا يرجى برؤه إلا بعد زمان

ويتطاول أمرها ويكون في ذلك ضرر على صاحبها في إقامته عليها ببلاد لعل السفر فيها يجحف بالمكري ويقطعه عن عياله فلا يصلح الضرر بينهما, وإنما ينظر في هذا إلى ما لا ضرر فيه عليهما.
ابن وهب, عن ابن لهيعة, عن ابن أبي جعفر, عن محمد بن جعفر بن الزبير, عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى أيما رجل تكارى من رجل بعيرا فهلك البعير فليس للمتكاري على المكري أن يقيم له مكانه غيره وليس عليه في الكراء ضمان.
ابن وهب, عن شمر بن نمير, عن حسين بن عبد الله الهاشمي, عن أبيه, عن جده, عن علي بن أبي طالب أنه قال: من تكارى وشرط البلاغ ثم قصرت الدابة استكرى عليه بما قام, وإن لم يشترط البلاغ فمن حيث قصرت الدابة حسب لصاحبها بقدره.

في المكري يريد أن يردف خلف المكتري أو يجعل متاعا
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة إلى موضع من المواضع فأراد ربها أن يحمل تحتي متاعا أو يحمل معي رديفا أيكون ذلك له أم لا؟ قال: ليس ذلك له ; لأن الرجل يركب الدابة يتكاراها فتصير الدابة كلها له ; لأنه قد تكاراها بعينها, فقد اشترى ركوبها, وكذلك السفينة يتكاراها الرجل فليس لربها أن يحمل فيها شيئا ; لأن ذلك قد صار للمكتري.
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة بعينها إلى موضع كذا وكذا فحمل صاحبها في متاعي متاعا له بكراء أو بغير كراء أيكون لي كراء ما حمل في متاعي؟ قال: إن كان إنما أكراك الدابة فحمل عليها متاعا في متاعك فلك كراء المتاع الذي حمل في متاعك وإن كان إنما أكراك ليحمل لك أرطالا مسماة فحمل لك تلك الأرطال المسماة ثم زاد عليها لم يكن لك كراء تلك الزيادة.
وقال غيره: إن كان أكراه ليحمله ببدنه أو يحمله ويحمل متاعا معه ثم حمله هو أو حمله ومتاعه ثم أدخل المكري متاعا مع متاعه بكراء أو بغير كراء هو لرب الدابة ; لأن رب الدابة قد وفاه شرطه وقد كان للمتكاري إذا تكارى الدابة ليركبها ببدنه أن يمنع رب الدابة من الزيادة عليها.

في المكتري يكري من غيره
قلت: أرأيت إن اكتريت دابة فحملت عليها غيري أأضمن أم لا؟ قال: لا ضمان

في الرجل يكتري الدابة فيتعدى فيحبسها
قال: وقال مالك في الرجل يتكارى الدابة من الرجل فيحبسها عنه: أنه إن شاء ضمنه قيمتها يوم تعدى عليه, وإن شاء أخذ دابته وكراء ما تعدى إليه إلا أن يكون إنما تعدى شيئا يسيرا لم يحبسها فليس له إلا كراء دابته إذا لم تتغير وأتى بها على حالها,فقلت: فقيمتها يوم تعدى عليها أو قيمتها يوم ركبها؟ قال: بل قيمتها يوم تعدى كذلك قال مالك..

قلت: أرأيت لو أن رجلا اكترى دابة يوما فحبسها شهرا ماذا عليه؟ قال: عليه كراء يوم, ورب الدابة مخير في التسع وعشرين يوما إن شاء أخذ كراءها فيما حبسها فيه على قدر ما استعملها أو حبسه إياها بغير عمل. وإن شاء أخذ قيمتها من بعد اليوم الذي كان عليه بالكراء.
وقال غيره: إن كان معه في المصر فهي عليه بالكراء الأول على حساب ما أكراه ; لأن رب الدابة حين انقضت وجيبته فلم يردها إليه وهو معه وهو يقدر على أخذها كأنه راض بالكراء الأول, وإن كان ذلك في غير مصره فأتى بالدابة على حالها فربها مخير إن شاء أخذ الدابة وكراءها لليوم أو الأكثر من كراء مثلها فيما حبسها إن كان كراء مثلها فيما حبسها أكثر من كراء اليوم كان ذلك لرب الدابة وإن كان كراء ما حبسها على حساب كراء اليوم الذي أكراها أقل كان لرب الدابة على حساب الكراء الأول عمل عليها أو لم يعمل, وإن شاء ضمنه قيمتها يوم حبسها ولا شيء له من كرائها إلا كراء اليوم الذي أكراها.
قلت لابن القاسم: وإن لم تتغير الدابة؟ قال: وإن لم تتغير فهو مخير, وهذا كله قول مالك.
قال ابن القاسم: إلا أن يكون حبسها اليوم ونحوه ثم يردها بحالها لم تتغير في بدنها فيكون عليه كراؤه ولا يضمن, وذلك ; لأن مالكا قال في الرجل يتكارى الدابة فيتعدى عليها الأميال: إنه يردها ولا يضمنها ويكون عليها كراء تلك الأميال إذا ردها على حالها.

ما جاء في التعدي في الكراء
قلت: أرأيت إن تكاريت بعيرا لأحمل عليه محملا فحملت عليه زاملة؟ قال: ينظر في ذلك فإن كانت الزاملة أثقل من المحمل أو أكثر كراء فهو ضامن إن أعطب البعير, ويكون عليه كراء ما زاد فرب البعير مخير في ذلك, فإن كانت الزاملة دون المحمل فلا شيء عليه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في رجل تكارى بعيرا على أن يحمل عليه حمل كتان فحمل عليه حمل صوف فعطب قال: ينظر في ذلك, فإن كان الذي حمل عليه هو أجفى على البعير وأتعب وربما كان الشيئان وزنهما واحد أو أحدهما أتعب لجفائه أو لشدة ضمه على جنبي البعير مثل الرصاص والنحاس, فإن كان الذي حمل

عليه ليست فيه مضرة ولا تعب على الذي اشترط فلا ضمان عليه. وإن كان هو أتعب وأضر به فهو ضامن.
قال ابن القاسم: إلا أنه مخير في الضمان, فإن أحب كان له كراء فضل ذلك الحمل على تعبه بما يسوى, وإن أحب فله قيمة بعيره يوم حمله ولا كراء.
قلت: وكذلك لو تكاريت بعيرا لأركبه أنا نفسي فحملت عليه غيري؟ قال: إن كان مثلك أو دونك فلا ضمان عليك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم إذا كان هو يكريه في مثل ما اكتراه.
قلت: أرأيت إن استأجرت رحى على أن لا أطحن فيها إلا الحنطة فجعلت أطحن فيها الشعير والعدس والفول والقطنية والذرة والدخن فانكسرت الرحى؟ قال: إن كان طحين الشعير والعدس وما ذكرت ليس بأضر من الحنطة فلا أرى عليه ضمانا, وإن كان ذلك هو أضر فهو ضامن.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو رأيي مثل الذي قال مالك في الذي يكتري البعير على أن يحمل عليه خمسمائة رطل من بز فيحمل عليه خمسمائة رطل من دهن: إنه لم يكن الدهن أضر بالبعير من البز فلا ضمان على المكتري إن عطب البعير.
قلت: أرأيت إن استأجرت دابة لأحمل عليها حنطة فحملت عليها شعيرا أو ثيابا أو دهنا؟ قال: إذا حمل عليها ما يكون مثل وزن الذي اكتراها عليه فذلك جائز ولا يضمن ; لأن مالكا قال: له أن يكريها ممن يحمل عليها مثل ذلك وله أن يحمل عليها خلاف الذي سمى مثل أن يتكاراها يحمل عليها كتانا فلا بأس أن يحمل عليها من البز وزن ذلك أو من القطن وزن ذلك إلا أن يكون من ذلك شيء أضر على الدابة من الذي تكاراها له, وإن كان بوزن ذلك ; لأنه قد يكون شيء أجفى على الإبل والدواب أو أضغط لظهورها, وإن كان الوزن واحدا مثل الرصاص والحديد.
ألا ترى أن الزوامل أثقل من جل المحامل في الوزن, والزوامل أرفق بالإبل, فإذا لم يكن في اختلاف المتاع مضرة فلا بأس أن يحمل عليها خلاف ما سمى.
قلت: أرأيت إن اكتريت دابة لأحمل عليها عشرة أقفزة من حنطة فحملت عليها أحد عشر قفيزا فعطبت الدابة أأضمن أم لا؟ قال: لا ضمان عليك في قول مالك إذا كان القفيز إنما فيه الشيء اليسير الذي لا يفدح الدابة يعلم أن مثله لا تعطب فيه الدابة..

قلت: أفيكون لرب الدابة أجر هذا القفيز الزائد؟ قال: نعم في قول مالك.
قلت: وكيف يكون أجرة أتجعل أجره مثل قفيز من الأقفزة أم أجرة مثله بالغا ما بلغ؟ قال: ينبغي في قول مالك أن يكون له مثل أجر القفيز الزائد, ولا يكون مثل قفيز من العشرة ; لأن مالكا قال: إذا كان تكارى إلى موضع فتعدى عليه إلى أبعد منه كان عليه قيمة كراء ما تعدى, وليس على قدر ما تكارى عليه أولا, فالقفيز الزائد والتعدي سواء.
قال سحنون: وقد بينا قول مالك وغيره مثل هذا في أول الكتاب.
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة إلى برقة ذاهبا وراجعا فلما بلغت برقة تعديت عليها إلى إفريقية ثم رددتها إلى مصر ما يكون لرب الدابة في قول مالك؟ قال: رب الدابة مخير بين أن يكون له الكراء إلى برقة ذاهبا وراجعا ومثل كراء دابته من برقة إلى إفريقية ذاهبا وراجعا إلى برقة فيكون له من مصر إلى برقة ذاهبا وراجعا الكراء الذي سميا بينهما ويكون له من برقة إلى إفريقية ذاهبا وراجعا قيمة كرائها, وإن أحب رب الدابة أن يأخذ نصف كراء دابته إلى برقة ذاهبا ويضمنه قيمتها ببرقة يوم تعدى عليها إلى إفريقية ولا يكون له في الكراء في ذهابه بدابته إلى إفريقية ذاهبا وراجعا إلى مصر قليل ولا كثير فذلك له.
قلت: ولا يكون له الكراء فيما بين برقة إلى مصر في رجعته؟ قال: نعم إذا رضي أن يضمنه قيمة دابته يوم تعدى عليها لم يكن له من الكراء فيما بينه وبين برقة إلى مصر في رجعته قليل ولا كثير.
قلت: أرأيت إن رد الدابة على حالها يوم تعدى عليها أو ردها وهي أسمن وأحسن حالا؟ قال: قال مالك: رب الدابة بالخيار إن شاء ضمنه وإن شاء أخذ دابته وأخذ الكراء الذي ذكرت لك.
قال مالك: لأن الأسواق قد تغيرت فسوق هذه الدابة قد تغير وقد حبسها المكتري عن أسواقها وعن منافع فيها
فقلت: أرأيت إن تكاريت دابة لأحمل عليها خمسمائة رطل من دهن فحملت عليها خمسمائة رطل من رصاص فعطبت الدابة أأضمن أم لا؟ قال: ينظر في ذلك, فإن كان الرصاص هو أتعب عليها وأضر بها, فهو ضامن وإلا فلا ضمان عليه وهذا قول مالك.

قال: وقال مالك: له أن يكريها في مثل ما اكتراها فيه ويحمل عليها غير ما اكتراها عليه إذا كان الذي يحمله عليها ليس فيه مضرة على الذي تكاراها عليه فإذا كان الرصاص في الوزن مثل وزن الدهن وليس هو أكثر من مضرة الدهن فلا شيء عليه.
قلت: أرأيت إن استأجرت ثورا أطحن عليه كل يوم إردبا فطحنت عليه إردبين فعطب الثور؟ قال: رب الثور بالخيار إن شاء أخذ كراء إردب وضمن الطحان قيمة ثوره حين ربطه في طحين الإردب الثاني, وإن شاء أخذ كراء الإردبين جميعا ولا شيء على الطحان من قيمة الثور.
وقال ابن القاسم, وابن وهب: قال مالك: إذا تكارى دابة إلى مكان مسمى ذاهبا وراجعا ثم تعدى حين بلغ البلد الذي تكارى إليه, فإنما لرب الدابة نصف الكراء الأول وذلك أن الكراء نصفه في المسير ونصفه في الرجعة فتعدى المتعدي بالدابة ولم يجب عليه إلا نصف الكراء الأول, ولو أن الدابة هلكت حين بلغ البلد الذي تكارى إليه لم يكن على المستكري ضمان ولم يكن للمكري إلا نصف الكراء, فإن تعدى المكتري المكان الذي تكارى إليه فرب الدابة مخير إن أحب أن يضمن دابته المكتري يوم تعدى بها ضمنه إياها بقيمتها يوم تعدى بها وله الكراء إلى المكان الذي تعدى منه, وإن أحب صاحب الدابة أن يأخذ كراء ما تعدى إلى المستكري ويأخذ دابته فذلك له, وكذلك الأمر عندنا في أهل التعدي والخلاف لما أخذوا عليه الدابة.
قال ابن وهب: وأخبرني يونس بن يزيد, عن ابن شهاب, أنه سأله عن رجل استكرى دابة فأجاز بها الشرط أيضمن؟ قال: نعم, وأخبرني رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب ويحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد وعطاء بن أبي رباح مثله ثم فسروا بنحو من تفسير مالك في الكراء الأول وكراء التعدي وضمان الدابة.
ابن وهب, عن محمد بن عمر, وعن ابن جريج, عن عطاء قال له رجل: زدت على المكان الذي استكريت إليه قليلا ميلا أو أدنى فماتت؟ قال: تغرم.
قلت: لعطاء فزدت على الحمل الذي اشترطت قليلا فماتت؟ قال: تغرم.
قلت: فأكريته من غيري بغير أمر سيد الظهر فحمل عليه مثل شرطي, ولم يتعد؟ قال: لا يغرم, وقال ذلك عمرو بن دينار.
ابن نافع عن ابن أبي الزناد, عن أبيه, عن سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير, وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وخارجة بن زيد بن

ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, وسليمان بن يسار مع مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فضل وفقه وربما اختلفوا في الشيء فأخذ يقول أكثرهم وأفضلهم رأيا أنهم كانوا يقولون: من استكرى دابة إلى بلد ثم جاوز ذلك البلد إلى بلد سواه, فإن الدابة إن سلمت في ذلك كله أدى كراءها وكراء ما تعدى بها, وإن تلفت في تعديه بها ضمنها وأدى كراءها الذي استكراها به.

ما جاء في الدعوى في الكراء
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة إلى إفريقية فاختلفنا قبل الركوب أنا وصاحب الدابة فقال: إنما أكريتك إلى برقة بمائة وقلت أنا: إنما أكريت منك إلى إفريقية بمائة؟ قال: قال مالك: يتحالفان ويتفاسخان نقد الكراء أو لم ينقد إذا كان قبل الركوب أو ركب ركوبا دونا لا يكون فيه ضرر في رجوعهما,
وقال غيره: إذا انتقد وكان يشبه ما قال, فالقول قوله مثل ما لو بلغا إلى برقة فاختلفا فيها ; لأن النقد المقبوض فوت وصار القابض مقرا بما عليه والمكتري مدع للأكثر ألا ترى لو قال: بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة وقال المشتري بل اشتريت منك بها مائتي إردب إلى سنة وكان ما قال البائع يشبه أن القول قوله ; لأنه مقر والمشتري مدع.
قلت: أرأيت إن بلغت برقة فقال رب الدابة: اكتريتك إلى برقة بمائة درهم وقلت أنا: اكتريتني إلى إفريقية بمائة درهم. قال: قال مالك: إن كان قد نقد المتكاري الكراء كان القول قول المكري إذا كان يشبه قوله أن يكون كراء الناس إلى برقة بمائة درهم مع يمينه.
قلت: فإن كان لا يشبه أن يكون الكراء إلى برقة بمائة درهم ويشبه أن يكون إلى إفريقية بمائة درهم؟ قال: يتحالفان ويتفاسخان ويعطى رب الدابة قدر كرائه إلى برقة ولا يكون للمكتري أن يلزمه الكراء إلى إفريقية بعد يمين رب الدابة.
قلت: أرأيت إن كان المكتري لم ينقد, وكان يشبه الكراء ما قال المكري والمكتري ; لأن ذلك مما يتغابن الناس فيه؟ قال: يتحالفان ويقسم الكراء على قدر الطريق من مصر إلى إفريقية فيكون لرب الدابة ما يصيب الطريق إلى برقة ولا يلزم رب الدابة الكراء إلى إفريقية بعد أيمانهما, وأيهما نكل كان القول قول من حلف.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو قوله..

قلت: أرأيت إن اختلفنا قبل الركوب بمصر فأقمنا البينة جميعا أنا ورب الدابة أو لما بلغنا برقة اختلفنا فأقمنا البينة أنا ورب الدابة؟ قال: البينة لأعدلهما إلا أن تتكافأ البينة في العدالة, فإن تكافأت في العدالة قبل الركوب تحالفا وتفاسخا ; لأن مالكا قال: إذا اختلفا في الكراء قبل الركوب ولا بينة بينهما تحالفا وانفسخ الكراء بينهما.
وقال غيره: إن أقاما بينة فالبينة بينة مدعي الفضل وليس هذا من التهاتر, وكذلك قال عبد الرحمن في رجل باع من رجل سلعة فاختلفا قبل القبض فقال البائع: بعتك بمائة, وقال المشتري: اشتريت منك بخمسين: أنهما يتحالفان ويتفاسخان إلا أن تكون لهما بينة. فإن كانت لهما بينة قضي ببينة البائع ; لأنه مدع للفضل ولأنها زادت على بينة المشتري فمسألة الكراء تشبه قوله هذا.
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة من مصر إلى مكة بمائة درهم فنقدته المائة أو لم أنقده ثم ركبت حتى أتيت المدينة فقال رب الدابة: إنما أكريتك إلى المدينة بمائتي درهم وقلت أنا: إنما تكاريتها إلى مكة بمائة درهم قال: إن كان المكتري قد نقده المائة درهم فالقول قول رب الدابة في المائة درهم إلى المدينة إذا كان يشبه ما قال ; لأنه ائتمنه عليها حين دفعها إليه.
قال ابن القاسم: وعلى المكتري اليمين بالله في المائة الأخرى التي ادعاها رب الدابة, ولم أسمع من مالك في هذه المائة الزائدة التي ادعاها رب الدابة في الكراء شيئا ولكن ذلك عندي مثل البيوع, قال مالك: وعلى رب الدابة اليمين بالله أنه لم يكرها منه إلى مكة بمائة درهم.
قلت: فإن أقاما جميعا البينة على ما ادعيا من ذلك فتكافأت البينتان؟ قال: فهما كمن لا بينة له وإن لم تتكافأ البينتان فالقول قول أعدلهما بينة قال: نعم مثل قول مالك في البيوع قلت: فإن كان لم ينقد الكراء حتى بلغ المدينة فاختلفا كما وصفت لك؟ قال: القول قول رب الدابة عند مالك: أنه لم يكره إلا إلى المدينة, والقول قول المكتري في غرم الكراء فتقسم المائة على ما بين مصر إلى مكة فما أصاب ما بين مصر إلى المدينة كان ذلك لرب الدابة وما أصاب ما بين المدينة ومكة حط ذلك عن المكتري مع أيمانهما جميعا, وإن قامت لهما البينة فبحال ما وصفت لك.
وقال غيره: وهو مثل قوله, وذلك إذا كان ما قالا جميعا يشبه, وإن كان ما قال المكري أشبه ولا يشبه ما قال المكتري, فالقول قول المكري مع يمينه على دعوى المكتري.

وقال غيره: وإن أقاما جميعا بينة أجزت بينة كل واحد منهما إذا كانت عدلة ; لأن كل واحد مدع لفضلة أقام عليها بينة فأقضي للمكري بالمائتي درهم وأقضي للمكتري بالركوب إلى مكة وليس هذا من التهاتر وسواء انتقد أو لم ينتقد إذا قامت البينة وهذا أصل قولنا, فخذ هذا الباب ونحوه على مثل هذا.
قلت: أرأيت إن حمل لي المكري حمولة حتى بلغها الموضع الذي شرطت عليه فاختلفنا فقال رب المتاع: قد أديت إليك الكراء وقال الجمال: لم آخذ منك شيئا؟ قال: قال مالك: القول قول الجمال ما دام المتاع في يديه, وإذا بلغ به الموضع فأسلمه إلى صاحبه ثم قال: من بعد ذلك بيوم أو يومين أو أمر قريب؟ قال مالك: رأيت القول قوله أيضا وعلى صاحب المتاع البينة أنه قد أوفاه وإلا حلف الجمال أنه لم يقبض كراءه وغرم له رب المتاع الكراء.
قال: قال لي مالك: وكذلك الحاج حاج مصر إذا بلغوا أهليهم فقام الجمال من بعد قدومهم بلادهم بالأمر القريب الذي لا يستنكر فقال: لم أنتقد كان القول قول الجمال وعليه اليمين.
قال مالك: وما تطاول من ذلك كله ولم يقم الجمال بحدثان قدومه ولم يطلبه حتى تطاول ذلك فأرى القول قول صاحب المتاع والحاج وعليهم اليمين أنهم قد دفعوا إلا أن تكون للجمال بينة.
قال: فقلت لمالك: فالخياط والصانع يدفعون ذلك إلى من استعملهم ثم يأتون يطلبون حقوقهم فقال: هم كذلك إذا قاموا بحدثان ما دفعوا المتاع إلى أهله وإن قبضه أهله وتطاول فأرى القول قول رب المتاع وعليهم اليمين.
قلت: ما قول مالك في رجل اكترى من رجل إبلا من مصر إلى مكة فلما بلغه أيلة اختلفا في الكراء؟ قال: قال مالك: القول قول المكتري إذا أتى بما يشبه.
قلت: وسواء إن كان كراء هذا الرجل إلى مكة في راحلة بعينها أو مضمونا على الجمال ; لأن المضمون ليس في كراء راحلة بعينها فيكون قابضا للراحلة التي اكترى مثل ما قبض متكاري الدار في الدار التي اكترى والمضمون لم يقبض راحلة بعينها؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا بعينه, وأراهما سواء عندي كان في راحلة بعينها أو مضمونا في غير راحلة بعينها ; لأن الجمال إذا حمله على بعير من إبله, قال مالك: فليس للجمال أن ينزع ذلك البعير من تحته إلا أن يشاء المكتري ذلك, قال مالك: ولو أفلس الجمال

كان كل واحد من هؤلاء أحق بما تحته من الغرماء ومن أصحابه حتى يستوفي حقه وإن كان الكراء مضمونا ; لأنه لما قدم له بعيرا فركبه فكان كراؤه وقع في هذا البعير بعينه فليس للجمال أن ينزعه إلا برضا المكتري فهذا يدلك على أن الكراء المضمون والذي في الراحلة بعينها إذا اختلف المكتري ورب الإبل في الكراء كان القول فيهما سواء بحال ما وصفت لك.
وقال غيره: ليس الراحلة بعينها مثل المضمون.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل كتابا من مصر يبلغه إلى إفريقية بكذا وكذا درهما فلقيني بعد ذلك فقال لي: ادفع إلي الكراء فقد بلغت لك الكتاب فقلت له: كذبت لم تبلغه أيكون له الكراء أم لا؟ قال مالك: قد ائتمنته على أداء الكتاب, فإذا قال: قد أديته في مثل ما يعلم أنه يذهب إلى ذلك الموضع ويرجع فله كراؤه.
قلت: وكذا الحمولة والطعام والبز وغير ذلك؟ قال: نعم.
وقال غيره: على المكري البينة أنه قد وفاه حقه وبلغه إلى غايته.

ما جاء في نقد الكراء والقضاء فيه
قلت: أرأيت إن اكتريت إبلا إلى مكة أو إلى موضع من المواضع فطلب الكراء مني المكري قبل أن يحمل لي شيئا أو طلب الكراء مني بعد ما مشى يوما أو يومين فقلت: لا أدفع إليك حتى أبلغ الموضع الذي أكريت إليه؟ قال: قال مالك: إذا كان للناس كراء معروف وسنة في كرائهم ونقد يتناقدونه بينهم إذا اكتروا حملوا على عمل الناس, وإن كراء الناس عندهم إنما نقدهم فيه بعد ما يستوفي المكتري كراءه حملوا على ذلك, وإن كان كراء الناس عندهم يعجلون جميعه إذا اكتروا عجل المكتري كراءه.
قلت: فإن لم يكن عندهم أمر معروف من عمل الناس كيف يصنعون؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه قال في كراء الدور: إن لم يكن بينهما شرط ولا سنة لم يعطه إلا بقدر ما سكن, فإن كان هذا ليس عندهم كراء للناس معروف رأيته بمنزلة الدور.
قلت: أرأيت إن اكتريت من رجل إلى إفريقية فلما اكتريت منه عجلت له الكراء من غير شرط ثم أردت أن أرجع فيما عجلت له من الكراء؟ قال: ليس لك أن ترجع فيما عجلت له من الكراء.

قلت: ما قول مالك في رجل اكترى من رجل دابة من مصر إلى الرملة فلما ورد بلغ الرملة تصادقا أنه لم ينقد الكراء فقال المكري: لي نقد الرملة وقال المكتري: إنما لك علي نقد مصر. قال: قال مالك: إنما عليه نقد مصر حيث وقع الكراء بينهما.

في الذي يكري بدنانير فينقده دراهم أو بطعام فيبيعه قبل أن يقبضه
قلت: أرأيت إن اكتريت من رجل إلى مكة ذاهبا وراجعا بألف درهم فنقدته بالألف درهم مائة دينار مكاني حين أكريت أو خمسين دينارا مكاني أو بعد ذلك بيوم أو يومين أو بعد ما ركبت بيوم أو يومين؟ قال: قال مالك في الرجل يكري إلى مكة بدنانير فأراد أن يعطيه في تلك الدنانير ورقا قال: إن كانت سنة الكراء النقد فلا بأس بذلك وإلا فلا خير فيه ; لأنه يدخله الدراهم بالدنانير إلى أجل.
قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة بمائة درهم إلى مكة على أن أدفع إليه الدراهم بمكة فعجلت له بدلها دنانير الساعة أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا في قول مالك ; لأنها ذهب بورق إلى أجل.
قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة بعينها إلى مكة بدنانير نقدا فنقدته بها دراهم؟ قال: ذلك جائز عند مالك.
قلت: فإن عطبت الراحلة في بعض الطريق بم أرجع عليه إذا ماتت الراحلة في الطريق؟ قال: بالدراهم.
قلت: فإن كنت إنما أعطيته بتلك الدنانير عرضا من العروض بم أرجع إليه إذا ماتت الراحلة في الطريق؟ قال: بالدنانير.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: كذلك قال مالك في البيوع, ورأيت أنا الكراء مثل البيوع.
قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة بعينها بدنانير فأردت أن أعطيه في الدنانير دراهم؟ قال: هذا مثل ما وصفت لك من قول مالك في الكراء المضمون وهذا وذلك سواء.
قلت: وكذلك لو كان لي على رجل دنانير إلى أجل فعجل لي منها دراهم نقدا؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك, قال: ولا يعجل من ذهب إلى أجل فضة نقدا عند مالك

ولا من فضة إلى أجل ذهبا نقدا عند مالك ; لأنه يصير ذهبا بفضة ليست يدا بيد.
قلت: أرأيت إن اكتريت بعيرا بطعام بعينه أو بطعام إلى أجل أيصلح أن أبيعه قبل أن أستوفيه؟ قال: إذا كان الطعام الذي بعينه كيلا فلا يصلح أن يبيعه حتى يقبضه وإن كان الذي بعينه مصبرا جزافا فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه, وأما الذي إلى أجل فلا يبيعه حتى يقبضه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

القضاء في الكراء
قلت: أرأيت إن اكتريت إبلا إلى مكة فقلت للجمال: اخرج بي اليوم, وقال الجمال: لا أخرج بك اليوم ; لأن في الزمان بقية؟ قال: إذا كان في الزمان بقية فللجمال أن يتأخر إلى خروج الناس فإذا كان خروج الناس أجبر الجمال على الخروج به.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا.
قلت: أرأيت إن اكتريت زاملة إلى مكة أحمل عليها خمسمائة رطل فانتقصت الزاملة في بعض الطريق فأراد المكتري أن يتمها وأبى المكري ذلك أو نفدت الزاملة فأراد المكتري أن يتمها وأبى المكري ذلك أو قال المكتري لا آكل منها ولا أحركها حتى أبلغ مكة؟ قال: لم أسمع من مالك فيها شيئا وأرى أن يحملوا على ما يعرفون من أمر الناس وحال الناس عندهم في ذلك فعليه يحملون ولا ينظر إلى قول واحد منهما.
وقال غيره: إن لم يكن للناس سنة يحملون عليها فله حملان على خمسمائة رطل منتهى كرائه.
قلت: أرأيت إن اكتريت دابة أو بعيرا من موضع من المواضع إلى الفسطاط فلما بلغني المكري أولها قال لي: انزل: قلت: لا أنزل إلا في منزلي, ومنزلي أقصى الفسطاط؟ قال: له أن يبلغه إلى منزله ولا ينزله في أول الفسطاط إلا أن يريد ذلك, وهو وجه ما يعرف من الذي يتكارى عليه الناس

في تضمين الأكرياء ما عثرت به الدواب وغير ذلك
قلت: أرأيت لو استأجرت جمالا يحمل لي على إبله أو بغالا يحمل لي على بغاله أو حمارا يحمل لي على حميره استأجرته على أن يحمل لي دهني هذا إلى موضع كذا وكذا فعثرت الدواب فسقطت وانكسرت القوارير فذهب الدهن أو كان طعاما فذهب أو انقطعت

ما جاء في تضمين المكتري
قلت: أرأيت إن اكتريت دابة من موضع إلى موضع فضربتها فأعنتها من ضربي أو كبحتها فكسرت لحييها؟ قال: قال مالك: في الرائض يروض فيضرب الدابة فيفقأ عينها أو يكسر رجلها: إنه ضامن لذلك, فكذلك المكتري عندي إذا ضربها فأعنتها فهو متعد إلا أن يكون ضرب كما يضرب الناس فلا شيء عليه.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا إلا ما أخبرتك في الرائض, وقال مالك: أيضا في الراعي: يضرب الكبش أو يرميه فيفقأ عينيه أو يعنته وكل شيء صنع الراعي ضمن إذا أخذه من غير الوجه الذي لا يجوز له أن يفعله فأصاب الغنم من صنيعه عيب فهو ضامن, وإن صنع ما يجوز له أن يفعله فعيبت الغنم فلا ضمان عليه.

قلت: أرأيت إن استأجرت دابة فكبحتها أو ضربتها فعطبت أأضمن أم لا؟ قال: لا ضمان عليك إذا فعلت من هذا ما يجوز لك أن تفعله.
الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال: ليس على الأجير الراعي ضمان شيء من رعيه إنما هو مأمون فيما هلك أو ضل يؤخذ يمينه على ذلك القضاء عندنا.
يونس عن أبي الزناد أنه قال: ليس على أجير ضمان في سائمة دفعت إليه يرعاها إلا يمينه إلا أن يكون باع أو انتحر, وإن كان عبدا يدفع إليه شيء من ذلك بغير إذن سيده فليس على سيده فيه غرم ولا في شيء من رقبة العبد.
ابن وهب, وأخبرني رجال من أهل العلم عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح وشريح الكندي وبكير مثله, وقال بعضهم: إلا أن تكون له بينة بإهلاكه متعديا.

في الكراء من مصر إلى الشام أو إلى الرملة ومن مكة إلى مصر أو من إفريقية إلى مصر
قلت: أرأيت إن اكتريت دابة من مصر إلى الشام ولم أسم كورة من كور الشام ولا مدينة من مدائن الشام أيكون الكراء فاسدا أم لا؟ قال: الكراء فاسد.
قلت: أرأيت إن اكتريت من إفريقية إلى مصر أو من مكة إلى مصر ولم أسم الفسطاط ولا غير ذلك من مدائن مصر؟ قال: هذا على كراء الناس ; لأن كراء الناس من إفريقية إلى مصر إنما هو إلى الفسطاط, وليس مصر مثل الشام ; لأن الشام أجناد وكور ومصر إنما يقع كراء الناس على الفسطاط, فكراء الناس من مكة إلى مصر إنما هو إلى الفسطاط قد علموا ذلك.
قلت: أرأيت إن اكترى من مصر إلى فلسطين ولم يسم أي مدائن فلسطين أيكون الكراء جائزا أم لا في قول مالك؟ قال: إنما يحمل الناس من ذلك على ما يكون من كراء الناس فيما يعرفون إن كان كراؤهم إن اكتروا إلى فلسطين من مصر إنما يقع كراؤهم على أنه إلى الرملة فذلك جائز, وهو إلى الرملة.
قلت: وكذلك إن اكتريت من مكة إلى خراسان ولم أسم كورة من كور خراسان ولا مدينة؟ قال: هو كما وصفت لك من كور الشام ; لأن خراسان كور كثيرة مختلفة

في الكراء إلى مكة
قلت: أرأيت إن استأجرت محملا لأحمل فيه امرأتين أو رجلين أو جاريتين ولم أره

ما جاء في الكري يهرب
قلت: أرأيت إن أكراني إبله ثم هرب عني وتركها في يدي فأنفقت عليها أيكون لي على المكري النفقة التي أنفقت عليها؟ قال: قال مالك: نعم يكون له عليه ما أنفق عليها, قال مالك: ويكون له أن يتكارى عليها من يرحلها ويرجع بذلك على الكري.
قلت: أرأيت إن اكتريت ولم آخذ منه حميلا ثم هرب المكاري فأتيت السلطان أيتكارى لي عليه السلطان؟ قال: نعم.
قلت: أفأرجع عليه بما تكاريت عليه؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اكتريت دابة بعينها إلى مكة أو كراء مضمونا إلى مكة أو غيرها من البلدان على أن أركب من يومي أو من الغد ففر المكاري فلم أجده إلا بعد ذلك فلما وجدته ألزمني بالركوب وطلب الكراء قال: قال مالك: كل كراء مضمون فإنه يلزم صاحبه الكراء وإن فر عنه المكري وليس له على المكري إلا حمولته, وعليه الكراء لازم له إلا كراء الحاج وحده فإنه يفسخ عنه ويرد كراؤه إن كان قبضه ; لأن الحج إذا ذهب إبانه فات.
قال ابن القاسم: وأما كراء الدابة بعينها فإني لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه بلغني عن مالك في الرجل يتكارى الدابة يركبها من الغد إلى موضع كذا وكذا فيغيب عنه المكري ثم يأتيه بعد يوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال: ليس عليه إلا ركوبه.
وقال غيره: إن رفع أمره إلى السلطان نظر السلطان في ذلك بما لا يدخل فيه الضرر على واحد منهما فإن رأى فسخ الكراء فسخه بمنزلة الدابة تعتل أيضا في الطريق ولا يستطيع المكتري الوقوف عليها لما يدخل عليه من فوت أصحابه أو لما يدخل على رب الدابة في طول مقامه عليها ولعلها لا تصح من علتها فيكون عذرا يفسخ به الكراء بينهما.

قال ابن القاسم: فأنا أستحسن من ذلك أنه إذا كان تكاراها إلى بلد وإن اشترط عليه أن يركبها من الغد فليس له إلا ركوبها, وإن أخلفه أصحابه في البلد الذي تكاراها إليه فله أن يكريها ممن أحب في مثل ذلك, وإن تكاراها أياما بعينها أو شهرا بعينه نقص الكراء فيما بينهما فيما غاب عنه الكري ; لأن مالكا قال في العبد يستأجره الرجل يخدمه أو يعمل له شهرا فيمرض أو يأبق ذلك الشهر: فليس على رب العبد أن يدفع إليه العبد يعمل له شهرا آخر, والأجير كذلك.
قال ابن القاسم: فكذلك الراحلة بعينها إذا اكتراها ليركبها شهرا بعينه إنما تكارى ركوبها ذلك الشهر أو طحينها فإذا مضت تلك الأيام لم يلزم الكري الكراء الذي بعد تلك الأيام ; لأن أصل الإجارة لم يكن دينا مضمونا, والمضمون في هذا والذي في الدابة بعينها مختلف.
قلت: أرأيت إن رفعت إلى السلطان أمري حين هرب المكري أيكتري لي عليه أم لا؟ قال: نعم يكتري لك عليه.
قلت: في كراء مكة وغير كراء مكة قال: نعم.
قلت: وكذلك لو ذهب المكتري فرفع الجمال ذلك إلى السلطان أيكري الإبل على المكتري إلى مكة كان الكراء أو غير ذلك؟ قال: نعم, قال: وأما ما ذكرت لك من الرفع إلى السلطان في الهرب وكراء السلطان عليهما فهو قول مالك.

في المتكاري يهرب
قلت: أرأيت إن أكرى رجل إبله إلى مكة فهرب المكتري ماذا يصنع الجمال؟ قال: قال مالك: يرفع أمره إلى السلطان فيكري الإبل من المتكاري.
قلت: فيقضي السلطان للجمال من كرائه هذا كراءه الذي وجب له على الهارب منه؟ قال: نعم.
قلت: فإن لم يجد السلطان كراء؟ قال: قال لنا مالك: لو أن رجلا اكترى إبلا فبعث بها مع الجمال على أن يحمل له متاع كذا وكذا من بلد كذا وكذا إلى بلد كذا وكذا وكتب إلى وكيله مع الجمال أن يدفع إلى الجمال ذلك المتاع الذي اكتراه على حمولته فقدم الجمال تلك البلدة فلم يجد الوكيل؟ قال: قال مالك: إذا لم يجد الوكيل تلوم له السلطان قدر ما يرى مما لا يكون فيه ضرر على الجمال, فإن جاء الوكيل فدفع

إليه المتاع فحمله, وإلا اكترى عليه السلطان الإبل إلى الموضع الذي اشترط على الجمال أن يحمل إليه المتاع ويكون الكراء للمكتري, فإن لم يجد السلطان كراء إلى ذلك الموضع خلى عن الجمال وجعل الكراء له لازما كاملا.
قلت: فإن لم يقدر على وكيل المكتري ولم يرفع ذلك إلى السلطان حتى رجع؟ قال: إن كان في تلك البلدة سلطان فلم يرفع ذلك إليه فلا يبطل كراؤه ويكون له عليه حمولته ويرجع الثانية يحمل له حمولته.
قلت: وإن كان في بلد ليس فيها سلطان قال مالك: إذا كان في بلد ليس فيها سلطان تلوم له وطلب كراءه وانتظر وأشهد, فإذا فعل هذا, ولم يأت الوكيل, ولم يجد كراء رجع, وكان له الكراء على المكتري كاملا. قال ابن وهب: قال مالك في الرجل يتكارى من الرجل الظهر ويواعده يلقاه بها بمكان كذا وكذا فيأتي صاحب الظهر بظهره فلا يجد المكتري؟ قال: أرى أن يدخل على إمام البلد إلا أن يجد كراء فإن انصرف, ولم يكر ولم يدخل على الإمام لم أر له شيئا إذا كان موضعا فيه الكراء موجودا إلى البلد الذي أكرى إليه, فإن لم يكن كراء موجود أو جهل أن يدخل على الإمام لم أر أن يبطل عليه عمله ويكون له الكراء

الإقالة في الكراء
قال: وقال مالك: من تكارى ظهرا على حمولة إلى بلد من البلدان أو إلى الحج فنقده الكراء أو لم ينقده حتى يبدو للمكاري أو للمتكاري فسأل أحدهما صاحبه أن يقيله برأس المال أو بزيادة؟ قال: أما ما لم يبرحا ولم يرتحلا, فإن كان لم ينقده فلا بأس بالزيادة ممن كانت من المكري أو المتكاري ويفسخ الأمر بينهما. وأما إن كان نقده وتفرقا فلا بأس بالزيادة من المكتري, ولا خير فيها من الكري إن انتقد ; لأنه يصير كأنه أسلفه مائة في عشرين ومائة وكان القول بينهما في الكراء محللا وإن سار من الطريق ما يتهم في قرية ما يخاف أن يكونا إنما جعلاه لعلته تحليلا بينهما وذريعة إلى الربا, فالتهمة بينهما بحالها فلا خير في ذلك, وإن سار من الطريق ما يعلم أنهما لم يقصدا لذلك لبعد ما سارا فلا بأس بأن تكون الزيادة من قبل الكري, وإن كان قد انتقد ; لأنهما لا يتهمان فيه, وإن زاد أكثر مما أعطاه بكثير ولا يؤخره, فإن دخله تأخير كان من وجه الدين بالدين, قال: وإن زاده المكتري فلا بأس بذلك قبل الركوب وبعده, وإن كانا إنما سارا الشيء القليل فزاده الكري فالتهمة بحالها.

قال: وهذا الذي وصفت لك من الإقالة في أمر الكراء هو مخالف للبيوع, وهذا كله قول مالك قال: وإذا أقاله وكان قد نقده مائة دينار كراءه كله فأقاله على أن يزيده المكتري عشرة دنانير على أن يرد المكري إلى المكتري المائة الدينار التي أخذها؟ قال: فلا يصلح أن يعطيه المتكاري العشرة الدنانير التي يزيده إلا أن يعطيه إياها من المائة الدينار التي يأخذها مقاصة ; لأنه يدخله دنانير وعروض بدنانير.
ألا ترى أنه اشترى من المكتري ركوبه وعشرة دنانير بمائة دينار فلا يجوز هذا, فإذا رد عليه من المائة عشرة دنانير فهذا لا يدخله البيع وإنما هذا رجل أقاله من الكراء الذي كان له على أن وضع المكتري عن الكري عشرة دنانير فلا بأس بهذا.
قال ابن القاسم: وهذا الذي ذكرت من أمر الكري والمتكاري كله قول مالك إلا تفسير إذا زاد المكتري الكري عشرة دنانير من غير الذهب التي يأخذها فإنه رأيي.
وقال غيره: لا يزيد الكري المتكاري - إذا غاب على النقد قبل الركوب ولا بعده - القليل منه ولا الكثير, فإنه لا خير فيه ; لأنه سلف جر منفعة.

ما جاء في تفليس المكتري
قلت: أرأيت إن اكتريت دابة على حمولة اكتريتها لأحمل عليها إلى مكة فعرض لي غريم في بعض المناهل فأراد أخذ المتاع؟ قال: قال مالك: الكري أولى بالمتاع الذي معه على دابته حتى يقبض حقه, وللغرماء أن يكروه في مثل ما حمل إلى الموضع الذي أكرى إليه.
قلت: أرأيت إن قال الغرماء: اضرب في هذا المتاع بقدر كرائك إلى هذا الموضع الذي حملته إليه وقال المكري: لا ولكن أضرب بجميع الكراء إلى مكة؟ قال: ليس ذلك للغرماء والمكري أولى بجميع ما حمل حتى يستوفي جميع كرائه إلى مكة وإن لم يكن حمله إلا منهلا واحدا, وإن قبض المتاع ولم يحمله فهو سواء, وهو أولى به من الغرماء, وكذلك الخياطون والقصارون والحدادون والصاغة وأهل الأعمال بأيديهم إذا قبضوا المتاع ففلس رب ذلك المتاع, ولم يعطوا فيه شيئا فهم أولى بما في أيديهم حتى يقبضوا منه جميع حقوقهم ويكون العمل عليهم.
تم كتاب كراء الرواحل والدواب من المدونة الكبرى ويليه كتاب كراء الدور والأرضين.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب كراء الدور والأرضين

في الرجل يكتري الدار وفيها النخل فيشترط النخل
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا وفيها شجرات نخل أو غير ذلك لم تطب ثمرتها أو لا ثمرة فيها فاشترطت ثمرة الشجر؟ قال: قال مالك: إذا كانت شجرات يسيرة فلا بأس بذلك.
قلت: فهل حد مالك فيها إذا كانت ثمرة الشجر قيمة ثلث الكراء فأدنى أنه جائز, قال: سمعت من يذكر ذلك عن مالك. قال: وأما أنا فقد وقفت مالكا عليها فأبى أن يبلغ بي إلى الثلث وقد قال لي أيضا غيري: إنه أبى أن يبلغ به الثلث.
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا وفيها نخل كثير وليس النخل تبعا للدار, فاكتريت الدار واشترطت ما في رءوس النخل من الثمرة؟ قال: إن كان ما في رءوس النخل قد طاب للبيع فذلك جائز, وإن كان ما في رءوس النخل لم يحل بيعه فلا يجوز ذلك, والكراء باطل.
قلت: أرأيت إن كان ما في رءوس النخل قد حل بيعه فاكتريت الدار واشترطت ما في رءوس النخل؟ قال: ذلك جائز.
قلت: فإن اكتريت دارا, وفيها نخلة أو نخلتان أو نخلات فاستثنيت ثمرة هذه النخل أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا كان النخل تبعا للدار, وهو يسير جاز ذلك.
قلت: فهل كان مالك يرى إذا كانت قيمة ثمرة النخل الثلث وكراء الدار الثلثان

جعله تبعا أم لا؟ قال: بلغني عن مالك أنه كان يرى ذلك, ولقد وقفته على ذلك فأبى أن يحد لي فيه الثلث, وأخبرني من أثق به أنه أبى أن يحد فيه الثلث.
قلت: وكيف يعرف أن هذه الثمرة التي تكون في رءوس هذه النخلة الثلث, والكراء الثلثان, وليس في النخل يوم اكترى ثمرة؟ قال: يقال: ما قدر ثمن ثمرة هذه النخل, وما قد عرف في كل عام بعد عملها ومؤنتها إن كان فيها عمل, وما كراء هذه الدار بغير اشتراط ثمرة هذه النخل, فإن كان كراء الدار هو الأكثر. وثمن ثمرة النخل بعد مؤنتها أقل من الثلث - جاز ذلك, وتفسير ذلك: أنه مثل المساقاة إذا كان معها البياض, إذا كان البياض الثلث جازت المساقاة فيه أنه ينظر إلى ثمن ثمرة النخل فيما قد عرف من بيعه فيما مضى من أعوامه ثم ينظر إليه ما ينفق فيه فيطرح من ثمن الثمرة ثم ينظر إلى ما بقي من ثمن الثمرة بعد ما أخرجت قيمة المؤنة ثم ينظر إلى كراء الأرض كم تساوي اليوم لو أكريت, فإن كانت قيمة كراء الأرض الثلث من ثمن الثمرة بعد التي أخرجت من نفقة السقي في النخل والمؤنة جاز ذلك ولا ينظر إلى ثمن الثمرة إذا بيعت من غير أن يحسب قيمة مؤنتها ; لأن النخل قد تباع ثمرتها بثلاثمائة, ويكون مؤنتها في عملها وسقيها مائة, ويكون كراء الأرض خمسين ومائة, فلو لم تحسب مؤنة النخل ومؤنة سقيها جازت فيها المساقاة وإنما ينظر الداخل إلى ما يبقى بعد النفقة, وهذا الذي سمعت.
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا وفيها نخل يسيرة فاشترطت نصف ثمرة هذه النخل, والنصف لرب الدار؟ قال: قال مالك: لا خير في هذا.
قال ابن القاسم: وإنما يجوز من هذا أن تكون الثمرة تبعا للدار أو تلغى, فأما إذا اشترط نصف الثمرة المتكاري فهذا كأنه اشترى نصف الثمرة قبل أن يبدو صلاحها واكترى الدار بكذا وكذا. قال: وكذلك قال مالك: هو بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه.
قال ابن القاسم: وكذلك السيف المحلى يبيعه الرجل بالفضة وفيه من الفضة الثلث فأدنى فباعه السيف واشترط البائع نصف فضة السيف؟ قال: لا يجوز ذلك ; لأنه إنما ألغى الفضة وكان تبعا للنصل, فإذا لم يلغ جميعه فقد صار بيع الفضة بالفضة, وكذلك الخاتم وكل شيء فيه الحلي هو بهذه المنزلة مما يجوز للناس اتخاذه. والنخل إذا أخذتها مساقاة وفيها بياض أنه لا بأس أن يجعلا ما خرج من البياض بينهما إذا كان العمل كله من عند الداخل في الحائط والنخلات تكون في الدار إذا اكتراها الرجل واشترط نصف

ثمر تلك النخلات صار صاحب الدار قد وضع عند المتكاري من كراء الدار لمكان ما اشترط من نصف الثمرة فكأنه بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها, وكذلك قال مالك.
قلت: ما فرق ما بينهما؟ قال: لأن المتكاري أيضا كأنه حين اشترط أن له نصف الثمرة فقد زادت الدار في الكراء لأجل ما اشترط من نصف الثمرة التي اشترط وإذا اشترطها كلها فهي ملغاة.
قلت: والنخل والبياض هي السنة, وكذلك عامل النبي عليه السلام أهل خيبر؟ قال: نعم إلا الذي ذكرت لك من نصف فضة السيف ونصف فضة الخاتم, فإن ذلك عندي لا يجوز.
قلت: أرأيت إن اكتريت البياض وفيه سواد هو الثلث فأدنى فاشترطت نصف السواد؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك
ابن وهب قال: وأخبرني من أثق به عن عثمان بن محمد بن سويد الثقفي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إليه في خلافته وعثمان على أهل الطائف في بيع الثمرة وكراء الأرض أن تباع كل أرض ذات أصل بشطر ما يخرج منها أو ثلثه أو ربعه أو الجزء مما يخرج منها على ما يتراضونه ولا تباع بشيء سوى ما يخرج منها وأن يباع البياض الذي لا شيء فيه من الأصول بالذهب والورق.
قال ابن وهب: وقال لي من أثق به: كان رجال من أهل العلم يقولون في الأرض يكون فيها الأصل والبياض أيهما كان ردفا ألغي وأكريت بكراء أكثرهما إن كان البياض أكثرهما أكريت بالذهب والورق, وإن كان الأصل أكثر أكريت بالجزء مما يخرج من ثمره. وقد قامت بهذا في السواد سنة رسول الله في خيبر قالوا: أيهما كان ردفا ألغي وحمل كراؤه على كراء صاحبه.
قال ابن وهب: قال مالك: وذلك أن من أمر الناس الذي مضى على أنهم يساقون الأصل وفيه البياض تبع ويكرون الأرض البيضاء وفيها الشيء من الأصل فأخبر مالك أنه من عمل الناس, وأنه الذي مضى من أمرهم, والعمل أقوى من الإخبار.

في الرجل يكتري الدار أو الحمام ويشترط كنس التراب والمراحيض والقنوات
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا فاشترطت على رب الدار كناسة المراحيض وكناسة التراب أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا أرى بهذا بأسا..

قلت: أرأيت إن اكتريت منك دارا أو حماما واشترطت عليك كنس مراحيض دارك أو غسالة حمامك؟ قال: أرى ذلك جائزا, وغسالة الحمام وكنس المراحيض سواء فأرى ذلك جائزا إذا اشترط على رب الدار ; لأن ذلك وجه قد عرف.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا.

في الرجل يكري داره سنة على أنها إن احتاجت مرمة رمها المتكاري من الكراء
قلت: أرأيت لو أن رجلا أكرى داره بعشرين دينارا سنة على أنها إن احتاجت الدار إلى مرمة رمها المتكاري من العشرين الدينار؟ قال: سألنا مالكا عنها فقال: لا بأس بذلك.
قلت: فإن أكراه على إن احتاجت الدار إلى مرمة رمها من العشرين الدينار, وإن احتاجت إلى أكثر من ذلك زاد من عنده؟ قال: قال مالك: لا يعجبني هذا ولا خير فيه.
قلت: وإن كان اكترى على أن ما احتاجت الدار إليه من مرمة أنفق عليها المتكاري من الكراء الذي اكترى الدار به فلا بأس بذلك في قول مالك قل أو كثر؟ قال: نعم لا بأس بذلك إذا كان من الكراء بعينه ولم يشترطه من غير الكراء.

في الرجل يكتري الدار والحمام ويشترط مرمة ما وهى ويشترط دخول الحمام والطلاء
قلت: أرأيت لو استأجرت دارا أو حماما على أن علي مرمته أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز إلا أن يشترط المرمة من كراء الدار.
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا على من مرمة الدار وكنس الكنف وإصلاح ما وهى من الجدران والبيوت؟ قال: على رب الدار.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل يكري الدار ويشترط على أنه إن انكسرت خشبة أو احتاجت الدار إلى مرمة يسيرة كان ذلك على المتكاري
قال مالك: لا خير في ذلك إلا أن يشترطه من كرائها فهذا يدلك على أن المرمة كلها في قول مالك على رب الدار.
قلت: أرأيت قدر الحمام إذا اختلف فيه رب الحمام ومتكاري الحمام؟ قال: هو لرب الحمام وذلك أنه عندي بمنزلة البنيان..

في اكتراء الحمام والحوانيت
قلت: أكان مالك يكره إجارة الحمام أم لا؟ قال: قال مالك: لا بأس بكراء الحمامات.
قلت: أرأيت إن استأجرت حمامين أو حانوتين فانهدم أحدهما أيكون لي أن أرد الآخر أم يلزمني بحصته من ثمن الكراء؟ قال: إن كان الذي انهدم هو وجه ما اكتريت ومن أجله اكتريت هذا الباقي, فالكراء مردود وإن كان ما انهدم ليس من أجله اكتريت هذا الباقي فهو يلزمه بحصته من ثمن الكراء.

في الرجل يكري نصف دار أو ثلثها مشاعا
قلت: أيجوز لي أن أستأجر من رجل نصف دار غير مقسوم أو أستأجر منه نصف عبده أو نصف دابته؟ قال: نعم.
قلت: وكيف يكون العبد أو الدابة إذا وقعت الإجارة على نصفهما؟ قال: يكون للمستأجر يوما وللذي له النصف الآخر يوما وكذلك الدابة.
قلت: والدار؟ قال: يكون للمستأجر نصف سكناها وللآخر الذي له النصف نصف سكناها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك إلا أني سألت مالكا عن الرجلين يتكاريان الدار فيريد أحدهما أن يكري نصيبه ألصاحبه الشفعة؟ فقال: لا وقد أجاز مالك في هذه المسألة كراء نصف الدار غير مقسومة وأرى في الدابة والعبد أن

في الرجل يكري داره ويستثني ربعها بربع الكراء أو بغير كراء
قلت: أرأيت إن أكريت منك مساكن لي واستثنيت ربع المساكن بربع الكراء أو استثنيت ربع المساكن بغير كراء أيجوز هذا في قول مالك:؟ قال: لا أرى به بأسا وكذلك الرجل يبيع الدار ويستثني ثلثيها أو ثلاثة أرباعها أنه جائز ; لأنه إنما باع ربعها وهذا قول مالك, وقد أخبرتك بأصل قول مالك أنه إذا صح العمل بينهما لم ينظر إلى لفظهما.

في الرجل يكتري الدار فيخرج منها غصبا
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا فغصبها رجل أو غصبها السلطان؟ قال: أما السلطان إذا غصبك فقد بلغني أن مالكا قال: - ولم أسمعه منه - إنه سئل عن هؤلاء المسودة الذين يقدمون بعض البلدان فيخرجون أهل الدور الذين تكاروها يسكنونها أن ذلك على أرباب الدور, وأنا أرى أن من لم يرفعه إلى السلطان, والسلطان ينصفه لو يخاصمه في ذلك فأقام على الغصب, ولم يرفع ذلك إلى السلطان لينصفه أن الكراء لازم له, ويكون قيمة كراء الدار على الذي غصبه. ويكون الكراء لازما لصاحب الدار على المكتري.

في الرجل يستأجر الدار بسكنى داره
قلت: أرأيت إن استأجرت منك سكنى دارك هذه السنة بسكنى داري هذه أيجوز هذا في قول مالك قال: هو عندي جائز ولا بأس به.

في الرجل يكتري الدار بثوب موصوف أو غير موصوف ولا يضربان لذلك أجلا أو بالعبد الموصوف
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا سنة بعبد موصوف أو بثوب موصوف ولم أضرب لذلك أجلا أيجوز ذلك؟ قال: لا خير في هذا إلا أن يضرب له أجلا, وهذا والبيع سواء
قلت: أرأيت إن اكتريت هذا البيت شهرا بثوب مروي ولم أصفه أيجوز هذا الكراء في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: فإن سكن؟ قال: إن سكن فعليه قيمة كراء الدار.

في الرجل يكتري الدار بثوب بعينه فيتلف قبل أن يقبضه المكري أو يوجد به عيب
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا شهرا بثوب بعينه وشرطنا النقد في الثوب, والثوب في بيتي ووصفته فضاع الثوب بعد ما سكنت أياما قبل أن يقبضه رب الدار؟ قال: أرى أن يرجع بمثل كراء الدار في الأيام التي سكن ; لأن الثوب قد تلف, وكذلك لو كان المكاري قد قبض الثوب فاستحق من يده بعد ما سكن المتكاري كان لرب الدار أن يرجع على المتكاري بقيمة كراء الدار لا قيمة الثوب ولا ثوب مثله قال: وهذا في الاستحقاق هو قول مالك.
قلت: أرأيت من آجر داره سنة بثوب بعينه فلما سكن المتكاري نصف السنة أصاب رب الدار بالثوب عيبا كيف يصنع؟ قال: أرى أن يرده وينتقض الكراء فيما بقي ويرجع عليه بقيمة كراء الدار الستة أشهر التي سكنها.
قلت: فإن قال رب الدار: أنا أقبل الثوب وأرجع بقيمة العيب في كراء الدار؟ قال: ليس له ذلك. وإنما له أن يأخذ الثوب معيبا أو يرده ويكون كما وصفت لك, قال: وأرى إن كان العيب الذي أصاب الثوب خفيفا ليس مما ينقص ثمن الثوب, وإن كان ذلك عند البزازين عيبا فليس له أن يرده ; لأن مالكا قال في الرقيق: من اشترى عبدا فأصاب به عيبا

في كراء الدار مشاهرة
قلت: أرأيت إن استأجرت بيتا شهرا بعشرة دراهم على أني إن سكنت يوما من الشهر فكراء الشهر لازم لي؟ قال: إن كنت شرطت أن الكراء لك لازم فلك أن تكري البيت بقية الشهر إذا خرجت أو تسكنه فهذا جائز ; لأن هذا لازم لكما, وإن لم تشترطاه, وإن شرط عليك أنك إن سكنت يوما ثم خرجت فليس لك أن تكري البيت, والكراء لك لازم فلا خير في هذه الإجارة.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن قلت: أتكارى منك هذه الدار كل شهر بدرهم أيكون لك أن تأخذ مني كلما سكنت يوما بحساب ما يصيب هذا اليوم من الكراء في قول مالك؟ قال: نعم إلا أن يكونا شرطا في الكراء شيئا فيحملان على شرطهما.
قلت: ما قول مالك في الرجل يؤاجر داره رأس الهلال لكل شهر دينار فكان الشهر تسعا وعشرين يوما. قال: قول مالك: إن الإجارة تتم له إذا هل الهلال إن كان الشهر تسعا وعشرين أو ثلاثين فالإجارة تتم له باستهلال الهلال.
قلت: أرأيت إن اكترى الرجل حانوتا كل سنة بدرهم أو كل شهر بدرهم أو في كل

شهر بدرهم أو في كل سنة بدرهم؟ قال: قال مالك: يخرج المتكاري متى شاء ويخرجه رب الدار متى شاء؟ قال مالك: إلا أن يتكارى شهرا بعينه يقول: أتكارى منك هذا الشهر بعينه أو يتكارى سنة بعينها يقول: أتكارى منك هذه السنة فهذا يلزمهما.
قلت: أرأيت إذا قال: أتكارى منك حانوتك كل شهر بدرهم فيسكن يوما لم لا يلزمه كراء هذا الشهر؟ قال: قول مالك في كل شهر, وكل شهر إنما يقع على غير شيء بعينه من الشهور والأيام والسنين ولا أمد له ينتهى إليه فهذا يدلك على أنه لم يقع الكراء على أيام بأعيانها ولا على شهور, ولا على سنين بأعيانها, فإذا لم يقع الكراء على شيء بعينه من الأيام والشهور والسنين كان للمتكاري أن يخرج متى ما أحب ويلزمه من الكراء قدر ما سكن, وكذلك لرب الدار أن يخرجه متى ما أحب. وإذا وقع الكراء على شهر بعينه فليس لواحد منهما أن يفسخ ذلك إلا أن يتراضيا جميعا بفسخه ; لأن هذا قد وقع على شهر معلوم, فإذا وقع الكراء على شهر معلوم أو سنة معلومة فقد اشترى منه سكنى هذا الشهر أو هذه السنة بعينها فهذا فرق ما بينهما عند مالك.
قال سحنون: قال ابن وهب: وأخبرني يونس أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يستكري من الرجل داره عشر سنين ثم يموت الذي أكرى ويبقى المستكري؟ قال: إن توفي سيد المسكن فأراد أهله إخراج من استأجره منه أو بيعه فلا أرى أن يخرجوه إلا برضا منهم, ولكن إن شاءوا باعوا مسكنهم, ومن استأجره فيه على حقه وشرطه في إجارته.
قال ابن شهاب: وإن توفي المستأجر سكن ذلك المسكن أو لم يسكنه فإنا نرى أجر ذلك المسكن فيما ترك من المال تؤديه الورثة بحصصهم.

في اكتراء الدار سنة أو سنين
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا سنة أو سنين, ولم أسم متى أسكنها وسميت الأجر أتجوز هذه الإجارة؟ قال: ذلك جائز, وله أن يسكن الدار ويسكن ذلك من شاء ما لم يجئ من ذلك ضرر بين على رب الدار.
قلت: أرأيت إن أجرت دارا سنة بعد ما مضى عشرة أيام من هذا الشهر كيف تكون الإجارة, وكيف تحسب الشهور أبالأهلة أم على عدد الشهور؟ قال: تحسب هذه الأيام بقية هذا الشهر الذي قد ذهب بعضه ثم يحسب أحد عشر شهرا بعده بالأهلة ثم يكمل مع الأيام التي كانت بقيت من الشهر الأول الذي استأجر الدار فيه ثلاثين يوما فيكون شهرا

واحدا من إجارة هذه الدار على الأيام وأحد عشر شهرا على الشهور.
قال: وهذا مثل ما قال مالك: على عدد النساء في الموت والطلاق والأيمان إذا حلف أن لا يكلمه ثلاثة أشهر أو أربعة وهو في بعض الشهر حين حلف قال مالك في هذا مثل ما وصفت لك في مسألتك في الكراء.
قلت: أرأيت إن أكريت دارا لي ثلاث سنين فمنعتها من المكتري سنة ثم خاصمني بعد السنة فقضي له بالكراء فبكم يقضى له؟ قال: سنتين ويسقط سنة.
قلت: لم؟ قال: لأن الثلاث سنين قد مضت منها سنة وبقي منها سنتان ويكون لرب الدار أجر سنتين.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: أحفظه عن مالك في الرجل يستأجر الأجير فيمرض أو يأبق أنه لا يكون عليه ما بطل الأجير في حال مرضه أو في حال إباقه فكذلك الذي سألت من كراء الدار إذا منعها ربها.
قلت: فإن اكتريت دارا ثلاث سنين ثم أبيت أن أسكنها سنة, وقد أمكنني منها ربها فأبيت أن آخذها؟ قال: إن لم يكن رب الدار ساكنا في الدار أو غيره ساكنا فيها ممن أسكنه رب الدار وخلى رب الدار بينه وبينها فعليه كراء السنين كلها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: أحفظه من قول مالك في الإبل والدواب إذا أكراه إبله أو دوابه فأتاه بالإبل أو الدواب ليركب فأبى أن الكراء على المكتري كاملا فكذلك مسألتك في الدار أيضا.

في الرجل يكري داره ثم يسكن طائفة منها
قلت: أرأيت لو أن رجلا اكترى منزلا من رجل ورب الدار في الدار فسكن المتكاري منزلا منها, ورب الدار في الدار لم يخرج حتى انقضت السنة فطلب رب الدار كراء الدار كلها. وقال المتكاري: أعطيك حصة هذا الموضع الذي أنا فيه وأحسب عليك حصة ما أنت فيه قال: ذلك له.
قلت: وكذلك لو أن رجلا سكن طائفة من داري بغير أمري, وأنا في الطائفة الأخرى قد علمت به فلم أخرجه ولم أكره فلما مضى شهر أو سنة طلبت منه الكراء؟ قال: ذلك لك.
قلت: وإن كان قد علم به؟ قال: وإن كان قد علم به.

في الرجل يكتري الدار ثم يكريها غيره
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا أيكون لي أن أؤاجرها في قول مالك بأكثر مما استأجرتها به فيطيب لي ذلك أو أسكنها غيري؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت قصارا أكراني حانوتا للقصارة فأكراه من حداد أو طحان أيجوز له ذلك؟ قال: إذا كان ذلك ليس بضرر على البنيان أو تكون المضرة في البنيان مثل مضرة القصار في دقه وعمله فكراؤه جائز وإن كان ضرره أكثر من ضرر القصار فلا يجوز ذلك.
مالك, ويونس, وابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه سئل عن الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأفضل مما استأجرها به فقال ابن شهاب: لا بأس به.
رجال من أهل العلم عن أبي الزناد ونافع وعطاء بن أبي رباح مثل ذلك, وقال: بعضهم مثل ذلك.

في الدابة والسفينة
الليث, عن يحيى بن سعيد قال: أدركنا جماعة من أهل المدينة ولا يرون بفضل إجارة العبيد والسفن والمساكن بأسا؟ قال الليث: وسئل يحيى عن رجل تكارى أرضا ثم أكراها بربح قال يحيى: هي من ذلك.

في التعدي في كراء الدور
قلت: أرأيت إن أكريت داري وشرطت عليهم أن لا يوقدوا في داري نارا فأوقدوا فيها نارا لخبزهم وطبخهم فاحترقت الدار؟ قال: أراهم ضامنين إذا احترقت الدار, ولم أسمعه من مالك.
قلت: أرأيت إن أكريت دارا لي من رجل فأكراها الذي اكتراها مني من غيره فهدمها المتكاري الثاني أيكون لرب الدار على المكتري الأول ضمان ما هدم هذا الثاني في قول مالك؟ قال: قد جوز مالك لهذا المكتري الأول أن يكري من غيره ولم يره إذا أكرى من غيره متعديا فإذا جاز له أن يكري من غيره ولا يكون متعديا فلا أرى لرب الدار عليه شيئا, وأرى الضمان على الهادم المتكاري الآخر ; لأنه هو المتعدي.
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا فربطت دابتي في الدار فرمحت فكسرت حائط الدار أو رمحت فقتلت ابن صاحب الدار وهو معي في الدار ساكن أيكون علي شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليك في قول مالك.

في الرجل يكتري الدار فيريد أن يدخل فيها ما أحب من الحيوان أو غير ذلك
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا أيكون لي أن أضع فيها ما شئت من الأمتعة وأدخل فيها من الدواب والحيوان ما شئت, وهل يجوز لي أن أنصب فيها الأرحية والحدادين والقصارين؟ قال: نعم ما لم يكن ضررا بالدار أو تكون دارا لا ينصب ذلك في مثلها لحسنها ولارتفاع بنيانها وشأنها عند الناس تكون مبلطة مجصصة فليس لك أن تدخل في ذلك إلا ما يعلم الناس أن تلك الدار إذا اكتريت يدخل فيها الذي أدخله هذا المتكاري فأمر الدور على ما يعرف الناس فما كان منه ضرر على الدار منع المتكاري. وما لم يكن منه ضرر كان ذلك جائزا للمتكاري.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: أرأيت إن اكتريت بيتي من رجل وشرطت عليه أن لا يسكن معه أحدا فتزوج واشترى رقيقا أيكون له أن يسكنهم معه إذا أبى عليه رب البيت ذلك؟ قال: ينظر في ذلك فإن كان لا ضرر على رب البيت في سكنى هؤلاء معه فلا يكون له أن يمنعه, وإن كان يكون في ذلك على رب البيت ضرر فليس له أن يدخلهم عليه, وقد يكون الرجل يكري الرجل الغرفة وحده ويشترط عليه أن لا يسكنها معه أحد لضعف خشبه التي تحت الغرفة فإن أدخل عليه غيره خشي رب الغرفة أن تنهدم الغرفة فهذا وما أشبهه ينظر في ذلك.

في الرجل يكري داره من اليهود والنصارى
قلت: أرأيت إن اكتريت داري من رجل من النصارى أو من اليهود أو من المجوس أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم ما لم يكرها على أن يبيع فيها الخمور والخنازير..

في امرأة اكترت دارا فسكنتها ثم تزوجت فيها على من الكراء
قلت: أرأيت إن تزوجت امرأة وهي في بيت بكراء فبنيت بها في تلك الدار فانقضت السنة فطلب الكراء أرباب الدار أيكون للمرأة أو لأرباب الدار علي شيء؟ قال: لا إلا أن تكون المرأة بينت لزوجها فقالت: إني بكراء فإن شئت فأد, وإن شئت فاخرج؟ قال: وهذا عندي بمنزلة أن لو تزوجها, وهي في دارها ثم طلبت الكراء من الزوج فلا كراء لها.
وقال غيره: عليه كراء مثلها إلا أن يكون ما اكترت به المرأة أقل.

في اكتراء الدار الغائبة
قلت: أيجوز لي أن أتكارى دارا بإفريقية وأنا بمصر؟ قال: قال مالك: لا بأس أن تشتري دارا بإفريقية وأنت بمصر, فكذلك الكراء ولا بأس بالنقد في ذلك في قول مالك؟ قال: لأن الدار مأمونة.
قلت: أرأيت لو أن رجلا من أهل المدينة اكترى دارا بمصر فلما قدم مصر نظر إليها فقال: هذه حاشية وهذه بعيدة من المسجد فلا أرضاها؟ قال: الكراء لا يصلح إلا أن يكون قد رأى الدار وعرف موضعها أو على صفة الدار وموضعها وإلا فالكراء باطل

في اكتراء الدار تسكن إلى أجل, والنقد في ذلك
قلت: هل يجوز أن أكتري دارا على أن أبتدئ سكناها إلى شهر أو شهرين؟ قال: لا بأس بذلك, وإن نقدت.
قلت: والدار والأرضون المأمونة تخالف للحيوان والرقيق في الكراء في قول مالك؟ قال: نعم.
قال ابن القاسم: لا بأس بكراء الدور يقبض إلى سنة والنقد فيها ; لأنها مأمونة فإن بعد الأجل لم يكن بالكراء بأس ولا أحب النقد فيه.

في الرجل يكتري الدار ولا يسمي النقد, والنقد في البلد مختلف
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا بدراهم أو بدنانير ولم أسم أي دنانير هي أو أي دراهم هي ونقد الناس في البلد مختلف؟ قال: ينظر إلى النقد في الكراء عندهم فيحملون على ذلك.
قلت: فإن كان النقد في ذلك البلد في الكراء مختلفا؟ قال: أراه كراء فاسدا وأرى أن يعطي كراء مثلها فيما سكن ويفسخ الكراء بينهما فيما بقي

في الرجل يكتري الدار عشر سنين ويشترط النقد
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا عشر سنين وشرطوا علي أن أعجل لهم كراء العشر سنين كلها أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم, وفي الغلام أيضا يجوز ذلك, وذلك أني سألت مالكا عن الدار تكترى العشر سنين والجارية الحرة أو الأمة أو العبد يكترون عشر سنين على أن يقدم الكراء في هذا كله؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.

في الرجل يكتري الدار سنة متى يجب عليه الكراء
قلت: أرأيت من اكترى دارا سنة متى تجب الأجرة على المتكاري؟ قال: سألت مالكا عن ذلك فقال لي: إذا لم يكن بينهما شرط دفع إليه بحساب ما اكترى مما سكن.
قلت: فإن كان كراء الدور عندهم على النقد؟ قال: لم أسمع من مالك في كراء الدور في هذا شيئا إلا أنه قال لي في الإبل: يحملون على كراء الناس عندهم إن كان على النقد فعلى النقد فأرى في الدور أيضا إن كان أهل تلك البلد كراؤهم الدور عندهم على النقد أجبر هذا المتكاري على النقد

في إلزام المتكاري الكراء
قلت: أرأيت الكراء في الدور أو الكراء المضمون في الدواب والإبل هل ينتقض بموت أحدهما في قول مالك؟ قال: لا.
قال يونس: وقال ابن شهاب مثله.
قلت: أرأيت إن أجرت داري من رجل فظهرت منه دعارة وفسق وشرب الخمور أيكون لي أن أخرجه من داري وأنقض الإجارة؟ قال: الإجارة بحالها لا تنتقض, ولكن السلطان يمنعه من ذلك ويكف أذاه عن الجيران وعن رب الدار, فإن رأى السلطان أن يخرجه عنهم أخرجه عنهم وأكرى له الدار فأما كراء رب الدار فهو عليه لا ينتقض على حال.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
والقصارون إذا اتخذوا في دورهم ما لا ينبغي من شربهم الخمور واتخاذهم فيها الخنازير منعهم السلطان ولم تنتقض الإجارة؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أن قصارا وحدادا اكتريا حانوتا فيما بينهما, ولم يقع كراؤهما على أن لهذا مقدم الحانوت من مؤخره وصاحبه كذلك لم يقع له موضع من الحانوت في عقدة الكراء واشتجرا فيما بينهما فقال هذا: أنا أكون في مقدم الحانوت, وقال هذا: بل أنا؟ قال: الكراء لهما لازم ويقسمان الحانوت فيما بينهما فإن كان لا يحمل القسم فأرى من

في فسخ الكراء وهطل البيت وهدمه
قلت: أرأيت إن تكاريت بيتا من رجل فهطل علي البيت في الشتاء أيكون لي أن أخرج أم يجبر رب الدار على تطيين البيت؟ قال: إن طينه رب البيت فالكراء لك لازم, وإن أبى أن يطينه كان لك أن تخرج إذا كان هطله ضررا بينا ولا يجبر رب الدار على أن يطينه إلا أن يشاء.
قال سحنون: التطيين وكنس المراحيض مما يلزم رب الدار.
قلت: ويكون للمتكاري أن يطينه من كرائه ويسكن في قول مالك؟ قال: لا ليس ذلك له.
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا فسقط منها حائط أو بيت أو سقطت الدار كلها فقال رب الدار: أنا أبن ما سقط منها أو لا أبنيها والذي سقط من الحائط قد كشف عن الدار أيكون على رب الدار أن يبنيها في قول مالك أم لا؟ قال: ليس على رب الدار أن يبنيها إلا أن يشاء, فإن انكشف من الدار ما يكون ضررا على المتكاري قيل للمتكاري: إن شئت فاسكن وإن شئت فاخرج ولم يجبر رب الدار على أن يبني إلا أن يشاء ذلك, فإن بناها رب الدار في بقية من وقت الكراء, وقد كان المتكاري خرج لم يكن عليه الرجوع لاستتمام ما بقي, وإن كان ما انهدم منها ما لا يضر بسكنى المتكاري فيها ولم يبن ذلك رب الدار لزم المتكاري أن يسكن ولم يكن أن ينقض الإجارة ولا يخرج منها ولا يوضع عنه من الإجارة لذلك شيء إلا أن يكون كان له في ذلك سكنى ومرفق فيوضع عنه من الكراء قدر ذلك.
قلت: فإن كان قد اكترى الدار عشر سنين فلما سكن شهرا واحدا تهدمت الدار أيكون له أن يبنيها من كراء هذه التسع سنين والأحد عشر شهرا التي بقيت وإن اغترق بناء الدار الكراء كله؟ قال: لا يكون له أن يبنيها, ويقال له: إن شئت فاسكن وإن شئت فاخرج إلا أن يشاء رب الدار أن يأذن له بذلك, ولقد سئل مالك عن الرجل يكتري الأرض ثلاث سنين وقد زرع فيها فتغور عينها, ويأبى رب الأرض أن ينفق عليها قال: للمتكاري أن يعمل في العين بكراء سنته تلك وليس له أن يعمل فيها بأكثر من كراء سنة

واحدة, فما عمل في العين بكراء سنة واحدة فذلك لرب الأرض الذي أكراها - لازم, وإن زاد على كراء سنة فهو متطوع في ذلك وليس كذلك الدور.
قال: قال لي مالك: وكذلك المعاملة في الشجر إذا ساقاه سنين مسماة فاستغار ماؤها لم يكن للمساقي أن ينفق فيها إلا قدر ما يصيب صاحب الأرض من الثمرة سنته تلك.
وقال مالك في الرجل يكتري الأرض فيغور ماؤها أو تنهدم بئرها فيأبى رب الأرض أن ينفق عليها: إن للمتكاري أن ينفق عليها من كراء سنته هذه على ما أحب رب الأرض أو كره.
قلت: أرأيت لو انهدم من الدار التي اكتريت بيت أكان للمتكاري أن يبنيه من كراء السنة كما وصفت لي؟ قال: لا.
قلت: فإن انهدم منها شرافات الدار؟ قال: شرافات الدار ليس مما يضر بسكنى المتكاري فلا أرى أن ينفق المتكاري على ذلك شيئا فإن فعل كان متطوعا, ولا شيء له.
قلت: أرأيت إن سقطت الدار أو حائط منها فانكشفت الدار فقال رب الدار: لا أبنيها, وقال المتكاري: وأنا أيضا لا أبنيها أيكون له أن يناقضه الإجارة في قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: وإنما فرق بين الأرض والنخل يغور ماؤها وبين الدار تنهدم ; لأن الأرض فيها زرع الداخل وفي نفقتها إحياء لزرعه ومنفعة لصاحب الأرض, وكذلك الثمرة في المساقاة ; لأنه قد أنفق فيها ماله, فلذلك كان له الثمر وأمر بالنفقة, وإن الدار ليس للمكتري فيها نفقة وليس يرد الساكن به منفعة على صاحب الدار إلا ضررا عليه في نفقته وحبس داره عن أسواقها فهذا فرق ما بين الدور والأرضين التي فيها الزرع.
قال ابن القاسم: ولو انهدمت العين أو البئر قبل أن يزرع ثم أراد أن ينفق فيه كراء سنة لم يكن له ذلك, وكان بمنزلة الدار, وإنما الذي أمر مالك فيه بالنفقة إذا زرع وسقى المساقي فهذا وجه ما سمعت من مالك فيه, وبلغني عنه كما فسرت لك.
قال سحنون: جميع الرواة على هذا الأصل لا أعلم بينهما فيه اختلافا.
قلت: أرأيت إن سقطت الدار والذي أكراها غائب كيف يصنع هذا الذي اكترى؟ قال: يشهد على ذلك ولا شيء عليه.

قلت: أرأيت إن اكتريت دارا هل ينقض الكراء فيها شيء من غرر؟ قال: لا إلا أن تنهدم الدار أو ينهدم منها ما يضر بالساكن فيكون للمستأجر أن يتركها إن أحب فإن بناها صاحبها في بقية من وقت الإجارة لم يلزم المتكاري كراء ما بقي من وقت الإجارة وكذلك سمعت.
قلت: أرأيت دارا استأجرتها فخفت أن تسقط علي أيكون لي أن أناقضه الكراء؟ قال: إذا كان البنيان مخوفا فلك أن تناقضه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قول مالك.

في الرجل يكتري الحانوت من الرجل ولم يسم له ما يعمل فيها
قلت: أرأيت إن اكتريت حانوتا ولم أسم ما أعمل فيها أيجوز هذا الكراء أم لا؟ قال: ذلك جائز.
قلت: أفيعمل فيها وهو حداد أو قصار أو طحان؟ قال: إذا كان ذلك ضررا على البنيان أو فسادا للحانوت فليس له أن يفعله, وإن لم يكن ضررا على البنيان فله أن يعمل ذلك في الحانوت وإن كان قد اشترط المتكاري على رب الحانوت أن يعمل في الحانوت حداد أو قصار أو طحان وكان ذلك ضررا على البنيان فله أن يعمل ذلك في الحانوت وليس لرب الدار حجة من قبل أنه قد أكراها منه, وقد سمى له المتكاري ما يعمل فيه وقد رضي بذلك.
قلت: أرأيت إن أكرى حانوته من رجل فإذا هو جزار أو قصار فنظرنا فإذا هو لا يضر بالبنيان إلا أنه يقذر الحانوت فقال رب الحانوت: لا أرضى أن يقذر علي حانوتي؟ قال: يمنعه إذا كان عمل المتكاري مما يقذر عليه جدارات الحانوت, فإن هذا يقع فيه على رب الحانوت ضرر في الحانوت. وقال سحنون: إذا كانت الأعمال في الحانوت بعضها أضر من بعض وأكثر كراء فلا يجوز الكراء إلا على شيء معروف يعمل فيه وإن كان لا يختلف فلا بأس به.

الدعوى في الكراء
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا سنة فاختلفت أنا ورب الدارفقلت: أنا استأجرتها بمائة إردب من حنطة, وقال رب الدار: بل أجرتك بمائة دينار فاختلفنا قبل أن أسكن الدار؟ قال: القول قول رب الدار ويتحالفان, وهذا مثل البيوع..

دعوى المكتري في الدار مرمة الدار
قلت: أرأيت إن أجرت داري فلما انقضت الإجارة ادعى المتكاري أن فرش الدار له أو خشبة في السقف أو جدارا ستره ادعى أنه بناه وأنكر رب الدار ذلك؟ قال: القول قول رب الدار في كل شيء هو في بنيان الدار أو فرش أو ما هو من البنيان.
قلت: فكل شيء كان في الدار ليس في البنيان من حجر ملقى أو خشبة أو سارية أو باب ملقى فاختلف في ذلك رب الدار والمتكاري؟ قال: أرى القول قول المتكاري.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: هو رأيي.
قلت: أرأيت إن اكتريت دارا سنة فقال رب الدار: أنفق في مرمة الدار من كراء الدار, فلما انقضى الأجل قال المتكاري: قد أنفقت من كراء الدار في مرمة الدار كذا وكذا, وقال رب الدار: لم تفعل, القول قول من؟ قال: القول قول المتكاري إذا كان في الدار أثر يصدق قوله إلا أن يأتي بأمر يستدل به على كذبه وللنفقات وجوه لا تجهل فإذا علم أنه كاذب فيما يقول غرم لرب الدار الكراء.
قلت: ولم جعلت القول في النفقة قول المتكاري؟ قال: لأنه ائتمنه على ذلك.
قلت: أرأيت إن قال رب الدار: قد أمرتك أن تنفق وتبني من كراء الدار فلم تنفق ولم تبن, وقال المتكاري: قد بنيت هذا البيت؟ قال: ينظر في ذلك البيت فإن كان يعلم أنه جديد وأنه مما يشبه أن يكون من بنيان المتكاري كان القول قول المتكاري, وإن استدل على كذبه كان القول قول رب الدار, وقد قال غيره: على الساكن البينة ; لأن الكراء دين عليه فلا يخرجه من الدين إلا البينة, وعلى رب الدار اليمين.

في نقض المتكاري ما عمر إذا انقضى أجل سكناه
قلت: أرأيت إذا انقضى أجل الكراء وقد أحدث المتكاري في الدار بنيانا أو غير ذلك مما كان ينتفع به كأن أحدث ذلك بأمر رب الدار أو بغير أمره, فلما انقضت الإجارة قال المتكاري: أعطني قيمة بنياني هذا؟ قال: قال مالك: ينظر فيما أحدث المتكاري فإن كان له قيمة إن قلعه قيل لرب الدار: أعطه قيمته منقوضا, وما كان في ذلك البنيان من جص أو طين إذا هو قلعه لم يكن للمتكاري فيه منفعة فلا يقوم ذلك إلا أن يكون له فيه منفعة فيقوم, فإن رضي رب الدار أن يأخذه بقيمته منقوضا كان ذلك له ولم يكن للمتكاري أن ينقضه إذا أعطاه رب الدار قيمته منقوضا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا

ضرار" فإن أبى رب الدار أن يعطيه قيمته منقوضا كان للمتكاري أن يقلع بنيانه.
قلت: وهو سواء عند مالك إذا كان أذن له رب الدار أن يحدث ذلك, وإن كان لم يأذن له؟ قال: نعم ذلك سواء ; لأن رب الدار يقول لم آذن لك حين أذنت لك وأنا أريد أن أغرم لك شيئا إنما أذنت لك لترتفق فيكون القول كما فسرت لك ورددته على مالك غير عام فقال مثل ما قلت لك.
قلت: أرأيت لو أني أكريت داري من رجل فبنى في الدار وعمر من غير أن آمره؟ قال: قال مالك: ليس على رب الدار شيء ويقال له: اقلع بنيانك إن كان لك فيه منفعة إلا أن يشاء رب الدار أن يعطيك قيمة ما لك فيه منفعة من بنيانك هذا مقلوعا, والخيار في ذلك إلى رب الدار.

في الرجل يوكل الرجل يكري داره فتعدى فوهبها أو رهنها
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يكري لي منزلا فأكراه بغير الذهب والفضة أو حابى في ذلك؟ قال: هذا عندي بمنزلة البيع وقد أخبرتك في البيع أنه قال: إذا باع بغير ما يتبايع به الناس أو حابى في ذلك فلا يجوز, قال: ومعنى قول مالك بغير ما يتبايع به الناس أنه على غير الذهب والفضة.
قلت: أرأيت إن أمرت رجلا أن يكري داري فأعارها أو وهبها أو تصدق بها أو أسكنها أو حابى فيها ثم جئت أطلب الكراء؟ قال: إن كان الذي أمرته أن يكريها فتصدق أو وهب أو أعار أو أسكن أو حابى مليا أخذ منه كراء الدار, ولم يكن له أن يرجع على ساكنها بما أخذ منه, وإن لم يكن مليا أخذ رب الدار الكراء من الساكن في الدار, وليس للساكن أن يرجع على الذي وهبها له أو تصدق بها أو أسكنها إياه أو أعارها له, وقد أخبرتك به في غير هذا الموضع أيضا.

في متكاري الدار يفلس
قلت: أرأيت رجلا اكترى منزلا سنة فسكن ستة أشهر ثم فلس؟ قال: يكون رب الدار أولى من الغرماء في قول مالك بما بقي من السكنى بنصف الكراء إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إلى رب الدار ما يصيب ما بقي من الشهور على قدر قيمة ذلك, وذلك نصف الكراء أو أقل أو أكثر على قدر قيمة الكراء فيكون ما بقي من هذا من السكنى للغرماء يكرونه في دينهم.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب كراء الأرضين

في الرجل يكتري الأرض سنين ليزرعها فيغور بئرها أو تنقطع عينها
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا من رجل ثلاث سنين أيجوز هذا الكراء في قول مالك؟ قال: نعم, قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يتكارى الأرض ثلاث سنين فيزرعها سنة أو سنتين فتغور بئرها أو تنقطع عينها كيف يحاسب صاحبها, أيقسم الكراء على السنين إن كان تكاراها ثلاث سنين بثلاثين دينارا ويجعل لكل سنة عشرة عشرة؟ قال: قال مالك: لا ولكن يحسب على قدر نفاقها وتشاح الناس فيها.
قال: ثم قال لي: وليس كراء الشتاء والصيف واحدا ورأيته حين فسره لي أن الأرض بمنزلة الدار يتكارى سنة, وللسنة أشهر قد عرف نفاقها في السنة فالمتكاري يعطي الكراء للسنة كلها وإنما جل ما يعطي من الكراء لتلك الأشهر قد عرف ذلك المكري والمتكاري والناس في مثل دور مكة في نفاقها أيام الموسم ومثل فنادق تكون بالمدينة وبمصر ينزلها الناس أيام الحج وأيام الأسواق بالفسطاط فهذا الذي قال لي مالك في الأرضين كلها حين قلت له: أيقسم الكراء على السنين بالسوية؟ فقال لي: لا, ولكن على تشاح الناس فيها ونفاقها عند الناس ; قال مالك: وليس ما ينقد فيه كمن يستأخر نقده.
قال: وقال مالك في كراء الأرضين ليس كراؤها في الصيف والشتاء واحدا إذا أصيبت بقطع الماء.

في الرجل يكتري الأرض ليزرعها فيغرق بعضها قبل الزراعة
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا لأزرعها فغرق بعضها قبل الزراعة أيكون لي أن أرد ما بقي في قول مالك؟ قال: قال مالك في الأرض إذا تكاراها الرجل فعطش بعضها, قال مالك: إن كان الذي عطش منها هو أكثر الأرض, وإنما بقي منها التافه اليسير ردها كلها. وإن كان الذي عطش منها التافه اليسير ليس هو جل الأرض - وضع عنه من الكراء بقدر الذي عطش ولزمه ما بقي من الأرض بحسابه من الكراء, فكذلك ما سألت عنه من الأرض إذا غرقت ; لأن العطش والغرق سواء عند مالك.
قلت: وكيف يوضع عنه بقدر ذلك في قول مالك أينظر إلى قياسه من الأرض أم ينظر إلى كرمها ورغبة الناس فيها وجودتها عند الناس فيما غرق منها وما بقي فيفض الكراء على كرمها وعلى رداءتها؟ قال: نعم إنما ينظر في ذلك إلى كرمها وغير الكرم فيفض الكراء على ذلك عند مالك إذا كانت مختلفة.
قلت: وكذلك إن استحق بعضها وبقي بعضها فهو مثل ما وصفت لي في الغرق إن استحق القليل منها أو الكثير قال: نعم هو رأيي.

في اكتراء أرض المطر سنين والنقد فيها
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا من أرض المطر عشر سنين أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم إذا لم ينقد.
قلت: فإن كانت قد أمكنت للحرث عامها هذا؟ قال: فلا بأس بالنقد في هذا العام الواحد الذي قد أمكنت فيه الحرث.
قلت: فكم ينقده؟ قال: كراء سنة واحدة.
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا من أرض المطر التي لا يصلح فيها النقد وشرط علي صاحبها النقد أيبطل هذا الكراء أم لا في قول مالك؟ قال: نعم الكراء باطل عند مالك.
قلت: أرأيت إن تكاريت منه أرضه هذه السنة, وهي من أرض المطر قرب الحرث ونحن نتوقع المطر أيصلح أن أنقد لقرب ما نرجو من المطر؟ قال: قال مالك: لا يصلح النقد فيها إلا بعد ما تروى, ويمكن من الحرث.

قال سحنون: وقد قال غيره من الرواة: لا تكرى الأرض التي تشرب بالمطر التي تروى مرة وتعطش أخرى إلا قرب الحرث, ووقوع المطر أجازه الرواة ولم يروا فيه تهمة إذا لم ينقد, ولا يجوز كراؤها بنقد حتى تروى ريا متواليا يجزي ويكون مبلغا له كله أو لأكثره مع رجائه لوقوع غيره من المطر, ولا يجوز كراؤها إلا سنة واحدة.
ألا ترى أنهم لم يجيزوا كراءها بغير نقد إلا قرب الحرث ووقوع المطر فكيف تجوز السنة بعد السنة إلا أن تكون أرضا مأمونة كأمن النيل في سقيه, فلا بأس بكرائها وتعجيل النقد وبغير التعجيل قرب إبان شربها وريها.
الليث وابن لهيعة عن ابن أبي حبيب وابن أبي جعفر أن عمر بن عبد العزيز كتب: أن لا تكرى أرض مصر حتى يجري عليها الماء وتروى.
قال الليث: لا أرى أن تكرى الأرض التي تشرب بالمطر ولا كل أرض تروى مرة وتعطش أخرى حتى تروى إلا أن تكون أرضا مأمونة لا يخطئها أن تشرب في كل عام.

في الرجل يكتري أرض المطر وقد أمكنت من الحرث ثم تقحط السماء فلا يقدر على الحرث
قلت: أرأيت الأرض إن أمكنتني الأرض من الحرث فتكاريتها ثم قحطت السماء عنها فلم أقدر على الحرث؟ قال: قال مالك: إن لم يأته من المطر ما يتم به زرعه فلا كراء لرب الأرض, وكذلك العين والبئر إذا انهارت قبل أن يتم زرع الرجل فهلك الزرع بذهاب الماء فلا كراء له, فإن كان أخذه الكراء لأمن البئر والعين وكثرة مائها رده, وإن كان لم يأخذه فذلك عنه موضوع.
قال مالك: ولو جاءها ماء فأقام عليها فلم يستطع أن يزرعها كان بمنزلة القحط الكراء عنه موضوع, ولكن إن زرع فجاء برد فأذهب زرعه كان الكراء عليه ضامنا.
قال مالك: فهذا بمنزلة الجراد والجليد يصيبه, وإنما منع صاحب الأرض الكراء إذا لم يأت من الماء ما يتم به زرع هذا المتكاري ماء السماء كان أو غيره من العيون والآبار, فقيل لمالك: فإن جاءه ماء كفى بعضه وهلك بعضه قال مالك: إن كان الذي حصد شيئا له قدر ومنفعة أعطى من الكراء بحساب ذلك, وإن لم يكن له قدر ولم يكن فيه منفعة لم يكن لرب الأرض من الكراء شيء.
يونس, عن ربيعة أنه قال في الأرض يؤاجرها صاحبها أو يكريها قال: حلال إلا

أن ينقطع ماؤها أو بعضه أو تكون بعلا فيقحط عنه المطر فلا أرى عليه إذا انقطع الماء الذي عليه اكترى شيئا.

في أرض المطر تستغدر, وفيها الزرع
قلت: أرأيت إن زرعها فأصابها مطر شديد فاستغدرت الأرض, وفيها الزرع فأقام الماء فيها العشرة الأيام أو العشرين أو الشهر ونحوه فقتل الماء الزرع أيلزم المتكاري الكراء كله ويجعله مالك بمنزلة البرد والجراد والجليد أم يجعل هذا بمنزلة القحط؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن ذلك إن كان بعد مضي أيام الحرث فهو عندي بمنزلة البرد والجليد وإن كانت الأرض إنما استغدرت في أيام الحرث فقتلت زرعه الذي كان زرع فيها, والماء إن انكشف عنها قدر على أن يزرعها ثانية فلم ينكشف الماء عنها حتى مضت أيام الحرث, فإن هذا مثل الرجل يتكارى الأرض فتغرق في أيام الحرث فلا كراء عليه, وكذلك قال مالك: إن الأرض إذا اكتراها الرجل فجاءه من الماء ما يمنعه الزرع أنه لا كراء عليه, فهذا مثل الذي سألت عنه فإن كان قد زرعها ثم جاءه الماء فغرق زرعه في أيام الحرث وهو لو أن الماء انكشف عن الأرض كان يقدر على الحرث ; لأن إبان الحرث لم يذهب فمنعه الماء من أن يعيد زرعه فلا كراء عليه, وإن كان أصابها في زمان الحرث فهلك زرعه ثم انكشف الماء في إبان يدركه فيه الحرث فالكراء له لازم ; لأنه يدرك أن يزرع وليس هذا بمنزلة ما أصابها بعد ذهاب أيام الحرث, وذلك مثل الجراد والجليد والبرد, والكراء لازم.

في اكتراء أرض النيل وأرض المطر قبل أن تطيب للحرث
قلت: أرأيت الأرض أيجوز أن أتكاراها قبل أن تطيب للحرث في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم ذلك جائز فإن كانت الأرض مثل أرض مصر مأمونة فإنها تروى فالنقد في ذلك جائز.
قال: فقيل لمالك: فأرض المطر أيجوز النقد فيها؟ قال: قال مالك: ليس أرض المطر عندي بينا كبيان النيل, فقيل لمالك: إنا قد اختبرناها فلا تكاد أن تخلف وهي أرض لم تخلف منذ زمان.
قال: قال مالك: النيل عندي أبين شأنا. قال: وإن كانت هذه الأرض أرض المطر بحال ما وصفتم فأرجو أن لا يكون به بأس والنيل أبين.

في الرجل يكري أرض الخراج أو أرض الصلح فتعطش أو تغرق
قلت: أرأيت أرض الخراج مثل أرض مصر إذا زرعها الرجل فغرقت أو عطشت أيكون للسلطان أن يأخذ منه الخراج أم لا في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يتكارى الأرض فتعطش فلا يتم زرعها أو تغرق فيمنعه الماء من العمل؟ فقال: لا كراء لصاحبها, فكذلك أرض مصر عندي إنما هو كراء من السلطان فإن جاء غرق أو عطش لم أر على من زرع كراء إذا لم يتم الزرع من العطش.
قلت: فأرض الصلح التي صالحوا عليها إذا زرعوا فعطش زرعهم أترى عليهم خراج أرضهم؟ قال: نعم, وقال غيره: إذا كان الصلح وضيعة عليهم, وأما إن كان الصلح على أن على الأرض خراجا معروفا فلا شيء عليهم.

في الرجل يكتري الأرض سنين فيريد أن يغرس فيها
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا عشر سنين أيكون لي أن أغرس فيها الشجر؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولكن إن كانت الأرض التي تكاراها إنما هي أرض زرع فأراد أن يغرسها شجرا فإن كان الشجر أضر بالأرض منع من ذلك, وإن لم يكن الشجر أضر بالأرض لم يمنع من ذلك ; لأن مالكا قال في الرجل يتكارى البعير ليحمل عليه الحمل من الصوف أو البز أو الكتان فيريد أن يحمل عليه غير ذلك من الحمولة قال مالك: إن كان حمل عليه ما ليس هو أضر من الذي اكترى البعير له لم يمنع من ذلك, فإن حمل عليه ما هو أضر به وإن كان في مثل وزنه لم يكن ذلك له وكذلك الأرض عندي.

في الرجل يكتري الأرض سنين فيغرسها فتنقضي السنون وفيها غرسه أو يكريها غيره فيغرسها فتنقضي السنون وفيها غرسه فيكريها كراء مستقبلا
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا سنين مسماة فغرست فيها شجرا فانقضت السنون, وفيها شجري فاكتريتها كراء مستقبلا سنين أيضا أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا سنين فأكريتها من غيري فغرس فيها شجرا فانقضت السنون وفيها غرسه فاكتريتها أنا من ربها سنين مستقبلة أيجوز هذا؟ قال: نعم.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا.
قلت: فكيف أصنع فيما بيني وبين هذا الآخر الذي فيها غرسه؟ قال: يقال لرب الغرس: ارض هذا الذي اكترى الأرض أو اقلع غرسك, وهذا رأيي.
وقال غيره: ليس بمستقيم حتى يتعامل رب الأرض ورب الغرس على ما يجوز بينهما ثم يكري أرضه إلا أن يكريه الأرض على أن يقلع عنه الشجر.

في الرجل يكتري الأرض سنين فتنقضي السنون وفيها غرسه, وزرعه أخضر فيريد ربها أن يكريها
قلت: أرأيت إن كان موضع الغرس زرعا أخضر؟ قال: لا يشبه الزرع الشجر ; لأن الزرع إذا انقضت الإجارة لم يكن لرب الأرض أن يقلع الزرع, وإنما يكون له كراء أرضه, وفي الشجر لرب الأرض أن يقلع الشجر, فإذا كان فيها زرع بحال ما وصفت فانقضت الإجارة لم يكن لرب الأرض أن يكريها ما دام زرع هذا فيها ; لأن الأرض قد لزمت هذا الذي زرعه فيها بكرائها إلا أن يكريها إلى تمام الزرع فلا بأس بذلك إذا كانت الأرض مأمونة.

في الرجل يكتري أرضه سنين فتنقضي السنون وفيه زرع لم يبد صلاحه فيريد صاحب الأرض أن يشتريه
قلت: أرأيت إن انقضت السنون وفي الأرض زرع لم يبد صلاحه للذي اكترى الأرض فأراد رب الأرض أن يشتري الزرع؟ قال: لا يحل هذا.
قلت: ما فرق ما بين هذا وبين الذي اشترى الأرض وفيها زرع لم يبد صلاحه

في الرجل يكتري أرضه سنين فتنقضي السنون وفيها غرس المكتري فيكتريها ربها من المكتري بنصف غرسها
قلت: أرأيت إن انقضت السنون, وفيها غرس هذا المتكاري فقال رب الأرض: أنا أصالحك على أن أترك شجرك في أرضي عشر سنين أخرى على أن يكون لي نصف الشجر ولك نصف الشجر؟ قال: لا يجوز هذا.
قلت: لم؟ قال: لأنه أكراه الأرض بنصف هذا الشجر على أن يقبض ذلك بعد مضي عشر سنين فإنه لا خير في هذا ; لأنه لا يدري أيسلم الشجر إلى ذلك الأجل أم لا؟
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: إن أعطاه نصف الشجر الساعة على أن يقر النصف الآخر للمتكاري؟ قال: لا بأس بهذا. وقال غيره: إذا كان للمتكاري قبض نصف الشجر إن شاء, وإن شاء أقرها, وإن لم يقدر على قبض ذلك إلا بعد انقضاء أجل الكراء فلا خير فيه.

في الرجل يكري أرضه سنين على أن يغرسها المتكاري فإذا انقضت السنون فالغراس للمكري
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا من رجل عشر سنين على أن يغرسها شجرا وسمينا

في الرجل يكتري الأرض كل سنة بمائة دينار ولا يسمي سنين بأعيانها
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا لأزرعها كل سنة بمائة دينار أيجوز هذا الكراء في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أفيكون لكل واحد منهما أن يخرج متى شاء ويترك الأرض؟ قال: نعم ما لم يزرع, فإن زرع فليس لواحد منهما أن يترك, وكراء تلك السنة له لازم ويترك ما بعد ذلك إن شاء.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن زرع المتكاري الأرض, فقال له رب الأرض: اخرج عني, وذلك حين زرع زرعه؟ قال: أما إذا زرع فليس له أن يخرجه حتى يرفع زرعه, وإن لم يكن زرع فإن أراد رب الأرض أن يخرجه فله ذلك.
قلت: فإن أراد المتكاري أن يخرج وقد زرع ومضت أيام الحرث فقال: أنا أقلع زرعي وأخرج وخذ من الكراء بحساب ما شغلت أرضك عنك؟ قال: ليس ذلك له, وقد لزمه كراء السنة ; لأنه حين زرع فقد رضي بأخذ الأرض سنته.
قلت: فإن كان ذلك في إبان الحرث فقال الزارع: أنا أقلع زرعي وأخلي لك أرضك وأنت تقدر على زرعها؟ قال: نعم لا يكون له ذلك, وقد لزمه كراء السنة, ومما يبين لك ذلك أنه إذا زرع فأراد رب الأرض أن يخرجه فليس لرب الأرض ذلك ; لأنه إذا لم يكن لأحدهما أن يخرج صاحبه فليس للآخر أن يخرج.

في الرجل يكتري الأرض وفيها زرع ربها يقبضها إلى أجل, والنقد في ذلك
قلت: أرأيت إن تكاريت منك أرضك السنة المستقبلة, ولك فيها زرع أيجوز لي

في الرجل يكتري الأرض سنة بعينها فيزرعها ثم يحصد زرعه منها قبل مضي السنة أو بعد مضي السنة
قلت: أرأيت الرجل يتكارى الأرض سنته هذه ثم يحصد زرعه منها قبل مضي السنة لمن تكون الأرض بقية السنة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن هذا عندي مختلف,

والأرض إذا كانت على السقي التي تكرى على الشهور والسنين التي يعمل فيها الشتاء والصيف فهي للمتكاري حتى تتم السنة. وإذا كانت أرض المطر أو ما أشبهها مما هي للزرع خاصة إنما محمل ذلك عند الناس إنما منتهى سنته رفع زرعه منها فعلى ذلك يحمل ويعمل فيه.
قلت: أرأيت هذا الذي تكارى الأرض من أرض السقي سنة فمضت السنة, وفيها زرع أخضر لم يبد صلاحه فقال له رب الأرض: اقلع زرعك عني أو كان فيها بقل فقال له رب الأرض: اقلع بقلك عني؟ فقال: قال مالك: لا يقلع, ولكن يترك زرعه وبقله حتى يتم ويكون لرب الأرض كراء مثل أرضه.
قلت: أعلى حساب ما أكراه أم كراء مثلها في المستقبل؟ قال: قال مالك: له كراء مثلها على حساب ما كان أكراها منه.
وقال غيره: لم يكن للمكتري إذا لم يبق له من شهوره ما يتم له زرعه أن يزرع, فإن زرع فقد تعدى فيما يبقى من زرعه بعد تمام أجله فعليه كراء مثل الأرض فيما زاد إلا أن يكون ذلك أقل مما يكون عليه على حساب ما كان اكتراها منه فيكون عليه الأكثر ; لأنه راض إذا عملها على حساب ما كان اكتراها وليس في يديه ذلك من ربها فليبلغ لربها الأكثر من ذلك.

في التعدي في الأرض أكترى أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا لأزرعها شعيرا فزرعتها حنطة؟ قال: ما سمعت من مالك شيئا, ولكن إن كانت الحنطة أضر بالأرض فليس له ذلك ; لأن صاحبها يريد أن يحميها.
قلت: فإن أردت أن أزرعها غير الشعير وإنما تكاريتها للشعير, والذي أريد أن أزرعه فيها مضرته ومضرة الشعير سواء هل يجوز ذلك؟ قال: نعم ذلك جائز إذا كان الذي يزرعه فيها مضرته بالأرض مثل مضرة الشعير أو أقل فليس لرب الأرض أن يمنعه من ذلك.

الدعوى في كراء الأرض
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا من رجل فاختلفنا في مدة الكراء, وفي كراء الأرض قال رب الأرض: أكريتك خمس سنين بمائة دينار وقلت أنا: بل أكتريتها عشر سنين بخمسين دينارا؟ قال: الذي سمعت أنه إن كان ذلك بحضرة ما تكاراها تحالفا وفسخ

في تقديم الكراء
قلت: أرأيت إن أكريت أرضا من رجل فقبضها مني أيجب لي الكراء حين قبضها أم إذا زرعها أو حتى يرفع زرعه منها؟ قال: إن كان لأهل البلد سنة في كراء الأرض حملوا على ذلك, وإلا نظر, فإن كانت الأرض مما تزرع مرة واحدة وقد رويت مثل أرض مصر التي إنما ريها من النيل وليست تحتاج إلى المطر, فإذا قبض الأرض وقد رويت لزمه نقد الكراء, فإن كانت مثل الأرضين التي تحتاج إلى السقي ولا يتم الزرع إلا بالسقي بعدما يزرع أو من أرض المطر التي لا يتم زرعها إلا بالمطر فيما يستقبل بعدما زرع لم ينقده الكراء إلا بعد تمام ذلك. وقال غيره: إذا كانت من أرض السقي وكان السقي مأمونا وجب له كراؤه نقدا.
قال ابن القاسم: وإن كانت أرضا تزرع بطونا مثل القضب والبقول وما أشبهه أعطاه

كل ما سلم بطن منها بقدر ذلك, وقال غيره: يعطيه ما ينوب البطن الأول نقدا.
قال ابن القاسم: وإنما خالف كراء الأرض التي تسقى من ماء العيون والآبار والمطر كراء الدور والإبل ; لأن الدور والإبل إذا تشاحوا في النقد ولم يشترطوا ولم تكن لهم سنة يحملون عليها فإنما يعطيه من الكراء بقدر ما سكن في الدار أو سار من الطريق على الإبل ; لأنه لو انهدمت الدار أو ماتت الإبل كان المتكاري قد أخذ بعض كرائه, فإن الأرض التي تسقى إن انقطع ماؤها أو احتبست عنها السماء فهلك زرع المتكاري لم يكن قابضا لشيء مما اكترى من الأرض ولم يكن عليه شيء من الكراء فمن هنا ليس لرب الأرض أن يأخذ من المتكاري كراء حتى يتم بطن فيأخذ منه من الكراء بحال ما وصفت لك وهذا في غير العيون المأمونة ; لأنه لو نقده الكراء ثم قحطت أرضه من الماء أتبعه بما دفع إليه, ولعله لا يجد عنده شيئا, وكذلك الإبل والدور, وإنما منع من النقد رب الإبل والدور ما لم يسكن المتكاري أو يركب ; لأنه لم يقبض ذلك كله, وإنما يكون قابضا لما سكن أو سار ; لأنه لو نقده ثم مات البعير أو انهدمت الدار صار لطلبه به دينا.

في الرجل يكتري الأرض الغرقة والنقد في ذلك
قلت: أرأيت إن أكريته أرضي هذه, وهي غرقة على أنه إن نضب الماء عنها فهي له بما سمينا من الكراء وإن ثبت الماء فلا كراء بيننا؟ قال: هذا جائز إن لم ينقد الكراء, فإن نقد الكراء لم يصلح ; لأن هذا غير مأمون ; لأنها بحال ما وصفت لك غرقة يخاف عليها أن لا ينكشف الماء عنها إلا أن تكون أرضا لا يشك في انكشاف الماء عنها فلا بأس به.
وقال غيره: إذا خيف أن لا ينكشف الماء عنها لم يجز أيضا بغير نقد لما أعلمتك مما يمنع به الرجل ملكه.

في إلزام مكتري الأرض الكراء في الكراء الفاسد
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا أو دارا كراء فاسدا فلم أزرع الأرض ولم أسكن الدار حتى مضت السنة إلا أني قد قبضت ذلك من صاحبه أيكون علي الكراء لصاحبه أم لا في قول مالك؟ قال: يلزمك كراء مثل الدار, وكراء مثل الأرض عند مالك ; لأنك حين قبضت ذلك فقد لزمك الكراء وإن لم تزرع, وإن لم تسكن, وكذلك الدابة إذا اكتريتها كراء فاسدا فاحتبستها.
قلت: فإن لم أقبض الأرض ولا الدار ولا الدابة من صاحبها لم يكن علي شيء؟ قال: نعم لا شيء عليك.

في اكتراء الأرض كراء فاسدا
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا إجارة فاسدا ما علي؟ قال: عليك كراء مثلها عند مالك.
قلت: وإن كان كراء مثلها أكثر أو أقل مما استأجرتها به؟ قال: نعم هذا قول مالك.

في اكتراء الأرض بالطعام والعلف
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا بشيء من الطعام مما لا تنبته الأرض مثل السمن والعسل والجبن واللبن أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك.
قلت: لم كرهه مالك وليس في هذا محاقلة؟ قال: إذا خيف هذا في الكراء أن يكون القمح بالقمح خيف أن يكون أيضا القمح بالعسل والسمن إلى أجل فلا خير في ذلك قال: وكذلك فيما بلغني فسره مالك.
قلت: أرأيت إن تكاريت الأرض بالملح أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك.
قلت: ولا بالأشربة كلها النبيذ وغيره من الأنبذة؟ قال: قال مالك: لا يجوز بالعسل والسمن ولا بالثمر والملح ولا بالصبر فالأنبذة عندي بهذه المنزلة.
قلت: أرأيت إن تكاريت أرضا بزيت الجلجلان أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك ; لأن هذا طعام.
قلت: أيجوز بزيت زريعة الكتان؟ قال: قال لي مالك: لا يجوز أن يتكارى الأرض بالكتان فرأيت بذلك زريعته أشد..

في اكتراء الأرض بالطيب والحطب والخشب
قلت: أرأيت الأرض أيجوز أن أتكاراها بجميع الطيب؟ قال: أما بالزعفران فلا يجوز ; لأنه مما تنبت الأرض فما كان من الطيب مما يشبه الزعفران فلا يجوز ولا يجوز بالعصفر.
قلت: والعود والصندل وما أشبههما أيجوز وهذا مما تنبت الأرض أن أتكارى به الأرض؟ قال: لا أرى بأسا بالعود والصندل وما أشبههما..
قلت: فكذلك إن اكتريت الأرض بالحطب وبالجذوع وبالخشب؟ قال: لا أرى به بأسا.

قلت: أتحفظ هذا الذي سألتك عنه من الطيب والخشب عن مالك؟ قال: أما الخشب فهو قول مالك: إنه لا بأس به, وأما ما سوى هذا فلم أسمعه من مالك, ولكن قد قال مالك ما قد أخبرتك به أنه قال: لا تكرى الأرض بشيء مما تنبت الأرض وإن كان لا يؤكل
مالك بن أنس, والليث وعبد الله بن طريف أبو خزيمة أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثهم عن حنظلة بن قيس الدرقي أنه سأل رافع بن خديج عن كراء المزارع بالذهب والورق فقال: لا بأس بكرائها بالذهب والورق1
ابن وهب, عن عبد الله بن عمر, عن نافع أن ابن عمر كان يكري أرضه بالدنانير والدراهم.
رجال من أهل العلم, عن ابن المسيب وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عمر وسائر ولده وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب وربيعة: أنهم كانوا لا يرون بكراء الأرض البيضاء بالدنانير والدراهم بأسا.
ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة بن الزبير أن الزبير بن العوام كان يكري بياض أرضه.
قال مالك: وبلغني أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا فلم تزل في يديه حتى مات2.
قال ابنه: فما كنت أرى إلا أنها لنا من طول ما مكثت في يديه حتى ذكرها لنا عند موته.
أنس بن عياض, وابن أبي الزناد, عن هشام بن عروة: أن عروة كان يكري أرضا له أربع سنين بثمانين دينارا ; إلا أن ابن أبي الزناد قال: بذهب.
وأخبرني عثمان بن عطاء الخراساني, عن أبيه, عن محمد بن كعب القرظي: "أن عبد الرحمن بن عوف أعطى سعد بن أبي وقاص أرضا له زارعه إياها على النصف فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحب أن تأكل الربا ونهاه عنه".
ابن لهيعة, عن خالد بن يزيد, عن عطاء أنه قال في الرجل يعطي صاحبه الأرض البيضاء على النصف أو الربع فقال: لا يصلح.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأرض حديث "1" بلفظ "....عن حنظلة بن قيس الزرقي عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع.قال حنظلة: فسألت رافع بن خديج: باذهب والورق؟ فقال : أما بالذهب والورق فلا بأس به. وحديث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع" رواه أيضا مسلم في كتاب البيوع حديث 115.
2 رواه في الموطأ في كتاب كراء الأرض حديث 4.

في اكتراء الأرض بالشجر والقصيل
قلت: أرأيت إن تكاريت منك أرضا بشجر لي على أن لك الشجر بأصولها أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا بأس بهذا عندي إذا لم يكن في الشجر يوم تكارى الأرض ثمرة فإن كان فيها ثمرة لم يجز ; لأن مالكا كره شراء الشجر وفيها ثمر بالطعام, وإن كان نقدا أو إلى أجل قال: ولأن مالكا كره استكراء الأرض بشيء من الطعام.
قال ابن القاسم: ولو اشترى أصل الأرض التي تكاراها بتلك الشجر, وفيها ثمر لم يكن به بأس, كذلك قال لي مالك ; لأنه لو ابتاع أرضا بحنطة لم يكن بذلك بأس إذا تعجل الحنطة. قال: وإن أخر الحنطة إلى أجل فلا بأس به أيضا, ولا بأس أن يشتري الرجل من الرجل نخلا بثمر إلى أجل يستأخر فيه الأجل حتى يثمر فيه النخل وهو مثل اشتراء الشاة التي لا لبن فيها باللبن إلى أجل ; لأن اللبن يكون فيها بعد ذلك, ولو أن رجلا باع كتانا بثوب كتان إلى أجل يمكن أن يكون من الكتان ثوب لما كان فيه خير.
قال مالك: وهو من المزابنة, ولو باع ثوب كتان بكتان إلى أجل لم يكن به بأس ; لأن الثوب لا يكون منه كتان والكتان يكون منه ثوب, ولو باع كتانا بثوب إلى أجل لا يمكن أن يكون من ذلك الكتان ثوب إلى ذلك الأجل لقربه فلا بأس به, ومن ذلك الشعير بالقصيل إلى أجل فلا خير فيه ; لأنه يخرج القصيل من الشعير إلا أن يكون إلى الأجل الذي لا يبلغ إليه القصيل فلا بأس به, قال: والقصيل بالشعير إلى أجل لا بأس به بعد الأجل أو قرب.

في اكتراء الأرض بالأرض
قلت: أرأيت إن تكاريت أرضا بأرض أخرى أعطيته أرضي وأعطاني أرضه؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة, ولا أرى به بأسا, وقد سألت مالكا عن الرجل يكري داره بدار فقال: لا بأس به.
قلت: وكذلك إن أكرى أرضه مني نزرعها العام بأرض لي يزرعها هو العام؟ قال: لا أرى بذلك بأسا ولم أسمعه من مالك ولكنه رأيي.
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضك هذه أزرعها العام بنفسي بزراعتك أرضي هذه الأخرى بنفسك قابلا أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك جائز إذا كانت

الأرضون مأمونة ; لأن النقد لا يصلح إلا في الأرضين المأمونة ولأن قبض الأرض نقدا بمنزلة الذهب, وكذلك الذي يبيع السلعة الغائبة بسلعة حاضرة, ولا يجوز أن ينقد الحاضرة وإن كانت عرضا بمنزلة الذهب والورق وكذلك يقول غير واحد من العلماء.

في اكتراء الأرض بدراهم إلى أجل
قلت: أرأيت إن تكاريت أرضك هذه السنة أزرعها بألف درهم أدفعها إليك على عشر سنين على أن أقبض الأرض منك قابلا فأزرعها قابلا أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم.
قال سحنون: قد بينا هذا ومثله في الكراء.
قال: وقال مالك: وكذلك العروض والحيوان وغيرهما, والثمار تكون ببلد فيشتريها من صاحبها على أن يأخذها بذلك البلد, والثمن إلى أجل معلوم أبعد من ذلك. قال: قال مالك: فلا بأس بذلك وليس هذا من وجه الدين بالدين.

في الرجل يكري أرضه بدراهم إلى أجل فإذا حل الأجل أخذ مكانها دنانير
قلت: أرأيت إن أكريت أرضا بدراهم إلى أجل فلما حل الأجل أخذت منه مكان الدراهم دنانير يدا بيد؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.

في الرجل يكري أرضه إلى أجل فإذا حل الأجل أخذ مكانها طعاما أو إداما
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا بدراهم أو بدنانير إلى أجل فلما حل الأجل أخذت بذلك منه طعاما أو إداما أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك, وكل شيء كان لا يجوز لك أن تكري به أرضك فلا يجوز لك أن تصرف فيه كراء أرضك, وما كان يجوز لك أن تكري به أرضك فلا بأس أن تصرف فيه كراء أرضك.

في الرجل يكري أرضه بدراهم ثم يشترط مكانها دنانير إلى أجل
قلت: أرأيت إن آجرت أرضا بدراهم على أن آخذ بها دنانير إلى أجل بكل عشرين درهما دينارا أيجوز هذا الكراء في قول مالك؟ قال: نعم هذا جائز عند مالك إذا سمى عدة الدراهم والدنانير فوقعت الصفقة بها..

في الرجل يكري أرضه بدراهم وخمر صفقة واحدة
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا بدراهم وخمر صفقة واحدة أتجوز حصة الدراهم أم لا؟ قال: إذا بطل بعض الصفقة هاهنا بطلت كلها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قوله.
قلت: وكل صفقة وقعت بحلال وحرام بطلت الصفقة كلها في قول مالك؟ قال: أما في مسألتك التي سألت عنها فإن الصفقة كلها تبطل عند مالك, وأما لو أن رجلا باع عبدا بمائة دينار على أن يقرضه المشتري مائة دينار أخرى فإن هذه الصفقة تبطل جميعها إلا أن يرضى بائع العبد أن يدع السلف ولا يأخذه, فإن أبطل سلفه, ورضي أن يأخذ المائة في ثمن عبده ويترك القرض الذي اشترط جاز البيع.
قلت: فإن قال الذي أكرى أرضه بخمر ودراهم: أنا أترك الخمر وآخذ الدراهم؟ قال: لا يجوز هذا. ألا ترى أنه لو اكترى الأرض بخمر أن ذلك لا يجوز, فكذلك إذا اكترى بخمر ودراهم صارت الخمر مشاعه في جميع الصفقة.

في اكتراء الأرض بصوف على ظهور الغنم
قلت: أرأيت إن آجرت الأرض بصوف على ظهور الغنم أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: هو جائز عند مالك إذا كان يأخذ في جزازها..

في الرجل يكري أرضه بدراهم إلى أجل فإذا حل الأجل فسخها في عرض بعينه إلى الأجل
قلت: أرأيت إن أكريت أرضي هذه بدراهم إلى أجل فلما حل الأجل أخذت منك ثيابا بعينها أقبضها إلى ثلاثة أيام أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز عند مالك إلا أن يقبض الثياب قبل أن يفترقا ; لأن هذا من وجه الدين بالدين.
قلت: فلم, وإنما هذا شيء بعينه, وإنما الدين بالدين ما كان في ذمة الرجل؟ قال: هو وإن لم يكن في ذمته فهو يحمل محمل الدين بالدين, سحنون وكان البائع وضع له من ثمن الثياب على أن يؤخره بما حل عليه من الدين فصار كأنه سلف جر منفعة فصار ما أخر عنه يأخذ به سلعة بعينها إلى أجل.

في الرجل يكري أرضه بثياب موصوفة إلى غير أجل
قلت: أرأيت إن أكريته أرضي بثياب موصوفة ولم أضرب للثياب أجلا أيجوز ذلك أم لا؟ في قول مالك؟ قال: الكراء عند مالك بيع من البيوع, فلا يجوز هذا الذي ذكرت حتى يضرب للثياب أجلا ; لأن الثياب إذا اشتراها الرجل موصوفة ليست بأعيانها لم يصلح إلا أن يضرب لها أجلا عند مالك.

في الرجل يكتري الأرض أو الرجل يشتري السلعة ويشترطان الخيار
قلت: أرأيت كل بيع أو كراء كان فيه المشتري بالخيار أو البائع أو كان الخيار بينهما جميعا, ولم يضربا للخيار أجلا أتكون هذه صفقة فاسدة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, وأرى البيع جائزا والكراء جائزا, ولكن يرفع هذا إلى السلطان فيوقف الذي كان له الخيار, فإما أن يأخذ وإما أن يترك إذا كان قد مضى للبيع مدة ما يختبر السلعة التي اشتراها إليه, وإن كان لم يختبر ضرب له السلطان بقدر ما يرى.
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا أو اشتريت سلعة على أني بالخيار والبائع أيضا معي بالخيار نحن جميعا بالخيار أيجوز هذا الشراء أو الكراء في قول مالك؟ قال: نعم..

في الرجل يكتري الأرض على إن زرعها حنطة فكراؤها مائة درهم وإن زرعها شعيرا فكراؤها خمسون درهما
قلت: أرأيت إن استأجرت من رجل أرضه هذه السنة, فإن زرعتها حنطة فكراؤها مائة درهم, وإن زرعتها شعيرا فكراؤها خمسون درهما؟ قال: لا خير في هذه الإجارة ; لأن الإجارة وقعت بما لا يعلم ما هي واحد منهما لا المتكاري ولا رب الأرض. قال سحنون: وهذا من وجه بيعتين في بيعة.

في الرجل يكري الأرض بالثمنين المختلفين أيهما شاء المكتري أخذ أو المتكاري أعطى
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضك هذه السنة بعشرة أرادب من حنطة أو بعشرين إردبا من شعير على أن تأخذ أيهما شئت أو على أن أعطيك أيهما شئت أنا إن شئت الحنطة وإن شئت الشعير؟ قال: لا يجوز هذا.
قلت: وإن كانت الحنطة أو الشعير حاضرة بعينها أو لم تكن بعينها فذلك سواء ولا يجوز؟ قال: نعم ذلك سواء, ولا يجوز.
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا بهذا الثوب أو بهذه الشاة بخيار أحدهما أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك من وجهين من وجه أنه غرر ومن وجه أنه بيعتان في بيعة.
قال: ولقد سألت مالكا عن الشاة يشتريها الرجل بهذه السلعة أو بهذه الأخرى يختار أيتهما شاء, والسلعتان مما يجوز أن تسلف واحدة منهما في الأخرى؟ قال مالك: لا يجوز هذا إذا كان ذلك يلزم المشتري أن يأخذ بأحد الثمنين أو يلزم البائع أن يبيع بأحد الثمنين فأما إن كان إن شاء البائع باع وإن شاء ترك وإن شاء المشتري أخذ, وإن شاء ترك فلا بأس بذلك.

في الرجل يكري أرضه من رجل يزرعها فما أخرج الله منها فبينهما نصفين
قلت: أرأيت إن أكريت أرضا من رجل يزرعها قضبا أو قصيلا أو بقلا أو قمحا أو

في الرجل يكري أرضه من رجل يزرعها حنطة من عنده على أن له طائفة أخرى من أرضه
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل أرضا لي يزرعها بحنطة من عنده على أن له هذه الطائفة الأخرى من أرضي يزرعها أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا خير في هذا ; لأن هذا أكرى أرضه بما تنبت الأرض فلا خير في ذلك.
قلت: فإن قال له: اغرس لي أرضي هذه نخلا أو شجرا بهذه الطائفة الأخرى من أرضي أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: هذا جائز عند مالك.
قلت: لم أجاز مالك هذا, والنخل والشجر مما تنبت الأرض؟ قال: ليس هذا طعاما وإنما كره مالك أن تكرى الأرض بشيء مما تنبت الأرض من الطعام أو بشيء مما تنبت من غير الطعام أو بشيء مما لا تنبته من الطعام, والأصول عندي بمنزلة الخشب, ولا أرى بأسا أن يكرى بها.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل أرضي يزرعها بحب من عندي على أن له طائفة أخرى من أرضي ليس هو مما يزرع لي؟ قال: قال مالك: هذا جائز.

في اكتراء ثلث الأرض أو ربعها أو اكتراء الأرض الأذرع
قلت: أرأيت إن استأجرت ثلث أرض أو ربعها أيجوز هذا؟ قال: نعم..

في الرجل يكتري الأرض البيضاء للزرع وفيها نخل أو شجر
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا بيضاء للزرع وفيها نبذ من نخل أو شجر لمن تكون ثمرة تلك الشجر ألرب الأرض أم للمستأجر في قول مالك؟ قال: الثمر لرب الأرض إلا أن يكون الشجر الثلث فأدنى فاشترطه المتكاري فيكون ذلك له, فإن كان أكثر من الثلث فاشترطه لم يجز ذلك وكان الكراء فاسدا.
قلت: فإن كانت الثمرة أكثر من الثلث فاشترطها وزرع على هذا؟ قال: الثمرة عند مالك لصاحبها ويقوم على المتكاري كراء الأرض بغير ثمرة ويعطى المتكاري أجر ما سقى به الثمرة إن كان له عمل أو سقي.
قلت: أليس إنما عليه قيمة كراء الأرض التي تزرع؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا, وفيها زرع لم يبد صلاحه أو بقل لم يبد صلاحه, وذلك شيء قليل فاشترطته لنفسي حين اكتريت الأرض أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: إن كان الشيء التافه اليسير جاز ذلك ولست أبلغ به الثلث ; لأن مالكا قال لي في الرجل يتكارى الأرض أو الدار وفيها النخلات أو السدرة أو الدالية وفيها ثمر لم يبد صلاحه ويشترطه لنفسه أو لا ثمر فيها فاشترط ما يخرج من ثمرها لنفسه قال: قال مالك: إذا كان الشيء اليسير لم أر به بأسا.
قال: وقال مالك: لا يجوز في هذه المسألة أن يشترط صاحب الأرض ولا صاحب الكراء نصف ما في شجره أو نصف ما يخرج منها كما يجوز لمساقي النخل أن يشترط نصف ما يزرع في البياض إذا كان البياض تبعا للأصل ولا يجوز في هذا أن يشترط

نصف الثمر أو نصف ما يخرج منها, قال مالك: ; لأن ذلك بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه.

في الرجل يكري أرضه, ويشترط على المكتري تكريبها أو تزبيلها أو يشترط عليه حرثها
قلت: أرأيت إن أكريتك أرضي هذه السنة بعشرين دينارا أو اشترطت عليك أن لا تزرعها حتى تكربها ثلاث مرات فتزرعها في الكراب الرابع, وفي هذا منفعة لرب الأرض ; لأن أرضه تصلح على هذا؟ قال: نعم هذا جائز.
قلت: أرأيت إن أكريته أرضي وشرطت عليه أن يزبلها؟ قال: إذا كان الذي يزبلها به شيئا معروفا فلا بأس بذلك ; لأن مالكا قال: لا بأس بالكراء والبيع أن يجتمعا في صفقة واحدة.
قلت: أرأيت إن استأجرت منك أرضا بكذا وكذا على أن على رب الأرض حرثها أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم يجوز.

في اكتراء الأرض الغائبة والنقد في ذلك
قلت: أرأيت إن اكتريت منك دارا ولم أرها, أو اكتريت منك أرضا ولم أرها أيجوز هذا الكراء في قول مالك أم لا؟ قال: إذا وصفاها فذلك جائز ; لأن مالكا قال: الكراء بيع من البيوع, وقال في البيوع: لا يجوز بيع السلعة الغائبة إلا أن يكون المشتري قد رآها أو اشتراها على صفة, فكذلك الأرض والدور في الكراء إنما يجوز الكراء إذا رآها أو وصفت له. قال: وهذا قول مالك في الدور والأرضين.
قلت: أرأيت إن رأيت أرضا أو دارا منذ عشر سنين فاكتريتها على تلك الرؤية أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز عند مالك إذا كان بين اكترائه ونظره إليها الأمر القريب.
قال ابن القاسم: وقال لي مالك: ولو اشترى رجل دارا في بلد غائبة عنه إذا وصفت فذلك جائز, والنقد في الدور والأرضين لا بأس به ; لأنه مأمون عند مالك.

في الرجل يكري مراعي أرضه
قلت: أرأيت الرجل أله أن يكري مراعي أرضه؟ قال: قال: لا بأس أن يبيع الرجل مراعي أرضه سنة واحدة ولا يبيعها سنتين ولا ثلاثة ولا يبيع مراعي أرضه حتى تطيب

في الرجل يكري أرض امرأته والوصي يكري أرض يتيمه
قلت: أرأيت الرجل يؤاجر أرض امرأته ودورها بغير أمرها أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: لا يجوز.
قلت: أسمعته من مالك؟ قال: لا ولكنه رأيي.
قلت: أرأيت لو أن يتيما في حجري تكاريت أرضه لأزرعها لنفسي أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال: لا أحب للوصي أن يشتري من مال اليتيم شيئا, فهذا مثل ذلك.
قلت: أرأيت إن ترك مثل هذا واكترى الوصي في مسألتي؟ قال: قال مالك: إذا اشترى الوصي من مال اليتيم شيئا لنفسه فأرى أن يعاد في السوق, فإن زادوه باعوه وإلا لزم الوصي بالذي اشترى فكذلك الكراء عندي إلا أن يكون قد فاتت أيام الكراء فيسأل أهل المعرفة بالأرض, فإن كان فيها فضل غرمه الوصي, وإن لم يكن فيها فضل كان عليه الكراء الذي اكترى به.

في الرجل يكري الأرض فيزرعها ويحصد زرعه فينثر من زرعه في أرض رجل فينبت قابلا
قلت: أرأيت إن زرعت أرض رجل شعيرا فحصدت منها شعيرا فانتثر منه حب كثير فنبت قابلا في أرضه لمن يكون ذلك؟ قال: أراه لرب الأرض. ولا يكون للزارع شيء لأني سمعت مالكا وسئل عن رجل زرع أرضا فحمل السيل زرعه إلى أرض رجل آخر فنبت في أرضه ; قال مالك: لا شيء للزارع وأرى الزرع للذي جره السيل إليه.

في الرجل يشتري الزرع الذي لم يبد صلاحه على أن يحصده ثم يكتري الأرض بعد ذلك فيريد أن يتركه
قلت: أرأيت لو اشتريت زرعا لم يبد صلاحه فاستأذنت رب الأرض في أن أترك الزرع في أرضه فأذن لي بذلك أو اكتريت الأرض منه أيصلح لي أن أقر الزرع فيها حتى يبلغ في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت زرعا لم يبد صلاحه على أن أحصده ثم اشتريت الأرض أيجوز لي أن أدع الزرع حتى يبلغ؟ قال: ذلك جائز عندي, ولم أسمعه من مالك.

في الرجل يكتري الأرض بالعبد أو بالثوب أو بالعرض بعينه فيزرع الأرض ثم تستحق الأرض أو العبد أو الثوب
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا بعبد أو بثوب فزرعت الأرض واستحق العبد أو الثوب ما يكون علي في قول مالك؟ قال: عليك قيمة كراء الأرض.
قلت: أرأيت إن اكتريتها بحديد بعينه أو برصاص بعينه أو بنحاس بعينه فاستحق ذلك الحديد أو النحاس أو الرصاص وقد عرفنا وزنه أيكون علي مثل وزنه أو يكون علي مثل كراء الأرض؟ قال: إن كان استحقاقه قبل أن يزرع الأرض أو يحرثها أو يكون له فيها عمل - يفسخ الكراء, وإن كان بعدما أحدث فيها عملا أو زرعا كان عليه كراء مثلها.

في اكتراء الأرض من الذمي
قلت: أرأيت النصراني أيجوز لي أن أكتري أرضه؟ قال: قال مالك: أكره كراء أرض الجزية, قال: وأما إذا أكرى المسلم أرضه من ذمي فلا بأس بذلك إذا لم يكن الذمي يغرس فيها شجرا يعصر منها خمرا.

في الرجل يكري أرضه من رجل سنة ثم يكريها من رجل آخر سنة أخرى بعد السنة الأولى
قلت: أرأيت إن أكريت رجلا أرضي هذه السنة ثم أكريتها من رجل آخر سنة أخرى بعد الأولى؟ قال: ذلك جائز في قول مالك. سحنون: وقد وصفنا مثل هذا.

في الرجل يكتري أرضا من أرض الخراج من رجل فيجور عليه السلطان
قلت: أرأيت الأرض إذا اكتريتها من رجل فأتاني السلطان فأخذ مني الخراج فجار علي أيكون لي أن أرجع بذلك على الذي أكراني الأرض في قول مالك؟ قال: أرى إن كان رب الأرض لم يؤد الخراج إلى السلطان ولم يأخذ السلطان منه شيئا فأرى أن يرجع عليه بخراج الأرض ولا يرجع عليه بما جار عليه السلطان, وإن كان السلطان قد أخذ منه فلا أرى أن ترجع عليه بشيء وإنما يرجع عليه بالحق من ذلك ولا يلتفت إلى ما زاد السلطان على أصل الخراج من ذلك.

في متكاري الأرض يفلس
قلت: أرأيت إن أكريت رجلا أرضا فزرعها ولم أنتقد الكراء ففلس المكتري من أولى بالزرع؟ قال: قال مالك: رب الأرض أولى بالزرع من الغرماء حتى يستوفي كراءه, فإن بقي شيء كان للغرماء.
قلت: ولم قال مالك ذلك؟ قال: لأن الزرع في أرضه وهو أولى به, قال: وكذلك الرجل يكري داره سنة فيفلس المكتري إن الذي اكترى أولى بسكنى الدار, وإن كان لم يسكن فهو أولى بجميع السكنى وكذلك قال مالك في الإبل يتكاراها الرجل يحمل عليها بزه إلى بلد من البلدان فيفلس الجمال أو البزاز أيهما فلس, إن فلس الجمال فالبزاز أولى بالإبل حتى يستوفي ركوبه إلا أن يضمنوا الغرماء حملانه ويكتروا له من أملياء ثم يأخذون الإبل فيبيعونها في دينهم, وإن أفلس البزاز فالجمال أولى بالبز إذا كان في يديه حتى يستوفي كراءه.
قال سحنون: معناه إذا كان مضمونا وقد قال غيره: لا يجوز أن يضمن الغرماء حملانه.
قلت: أرأيت إن كان أكراه إلى مكة ففلس البزاز ببعض المناهل كيف يصنع الجمال؟ قال: الجمال أحق بالبز حتى يستوفي كراءه إلى مكة ويباع البز ويقال للغرماء اكتروا الإبل إلى مكة إن أحببتم في مثل ما كان لصاحبكم وهذا قول مالك.
وقال مالك: ولو تكارى من رجل أرضه ثم مات الزارع كان صاحب الأرض أسوة الغرماء, وإن أفلس الزارع فصاحب الأرض أولى بالزرع, ومن تكارى إبلا فحمل عليها متاعا أو دفع إلى صانع متاعا يصنعه أو يخيطه أو يغسله كان المكري أو الصانع أولى بما في أيديهم في الفلس والموت من الغرماء.

في الإقالة في كراء الأرض بزيادة دراهم
قلت: أرأيت لو أني اكتريت أرضا من رجل فندمت فطلبت إليه أن يقيلني فأبى فزدته دراهم أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس بذلك عند مالك.
تم كتاب الدور الأرضين من المدونة الكبرى ويليه كتاب المساقات.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتاب المساقاة

في المساقاة وما يجوز من استثناء البياض
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن أخذت نخلا مساقاة على أن لي جميع ما أخرج الله منها قال: قال مالك: لا بأس بذلك قلت: لم أجازه مالك؟ قال: لأنه إنما هو بمنزلة المال, يدفعه إليك مقارضة على أن لك ربحه, ولأنه إذا جاز له أن يترك لك نصف الثمرة بعملك في الحائط, جاز أن يترك لك الثمرة كلها قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل نخلا مساقاة, منها ما يحتاج إلى السقي, ومنها ما لا يحتاج إلى السقي, فدفعتها معاملة على النصف كلها صفقة واحدة؟ قال: لا بأس بذلك قلت: أرأيت المساقاة أتجوز على النصف والثلث والربع أو أقل من ذلك أو أكثر في قول مالك؟ قال: نعم. ابن وهب عن عبد الله بن عمر وغيره, عن نافع عن ابن عمر"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر". قال: قال مالك: وكان بياض خيبر تبعا لسوادها, وكان يسيرا بين أضعاف السواد. الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال: لا بأس أن يعطي الرجل الرجل حائطه, يسقيه على النصف أو على الثلث أو أقل من ذلك أو أكثر. فأما أن يساقيه بكيل معروف فلا. ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم, عن عثمان بن محمد بن سويد الثقفي, عن عمر بن عبد العزيز, أنه كتب إليه في خلافته, وعثمان على أهل الطائف في بيع الثمر وكراء الأرض: أن تباع كل أرض ذات أصل بشطر ما يخرج منها, أو ثلثه أو ربعه أو الجزء مما يخرج منها بما يتراضونه. ولا تباع بشيء سوى ما يخرج منها. وأن يباع البياض الذي لا شيء فيه من الأصول بالذهب والورق. ابن وهب وأخبرني من أثق به من أهل العلم قال: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون في الأرض يكون فيها الأصل والبياض: أيهما كان ردفا ألغي, واكتريت بكراء أكثرهما إن كان

البياض أفضلهما اكتريت بالذهب والورق. وإن كان الأصل أفضلهما, اكتريت بالجزء مما يخرج منها من ثمره, وأيهما كان ردفا ألغي وحمل كراؤه على كراء صاحبه.

مساقاة النخل الغائبة
قلت: أرأيت إن ساقيت رجلا حائطا لي بالمدينة, ونحن بالفسطاط أتجوز هذه المساقاة فيما بيننا؟ قال: إذا وصفتما الحائط فلا بأس بالمساقاة فيما بينكما, لأن مالكا قال: لا بأس أن يبيع الرجل نخلا, يكون له في بعض البلدان, ويصف النخل إذا باع, فإن لم يصف النخل حين باع, فلا يجوز البيع. فكذلك المساقاة عندي قلت: أرأيت إن خرجت إلى المدينة, أريد أن أعمل في الحائط الذي أخذته مساقاة. أين نفقتي؟ وعلى من هي؟ قال: عليك نفقتك, ولا يشبه هذا القراض ; لأنه ليس من شأن العامل في الحائط أن تكون نفقته على رب الحائط.

رقيق الحائط ودوابه وعماله
قلت: أرأيت الرجل يأخذ النخل والشجر مساقاة, أيكون جميع العمل من عند العامل في المال في قول مالك؟ قال: نعم, إلا أن يكون في الحائط دواب أو غلمان كانوا يعملون في الحائط, فلا بأس بذلك قلت: أرأيت إن لم يشترطهم المساقي في الحائط, وأراد رب المال أن يخرجهم من الحائط, أيكون ذلك لرب المال في قول مالك؟ قال: قال مالك: أما عند معاملته واشتراطه فلا ينبغي له أن يخرجهم, ولا ينبغي له أن يقول: أدفع إليك الحائط مساقاة, على أن أخرج ما فيه من دوابي وغلماني. ولكن إن أخرجهم قبل ذلك, ثم دفع الحائط مساقاة لم يكن بذلك بأس.
قلت: ولم كره مالك أن يشترطهم رب الحائط على المساقاة, إذا دفع إليه حائطه مساقاة؟ قال ; لأنه يصير من وجه الزيادة في المساقاة.
قلت: أرأيت إن أخذت شجرا مساقاة, أيصلح لي أن أشترط على رب المال, الدلاء والحبال وأجيرا يعمل معي في الحائط, أو عبدا من عبيد رب المال يعمل معي في الحائط؟ قال: كل شيء ليس في الحائط يوم أخذت الحائط مساقاة, فلا يصلح أن يشترط على رب المال شيء من ذلك, إلا أن يكون الشيء التافه اليسير مثل الدابة أو الغلام. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ولم كرهه مالك للعامل أن يشترط على رب المال ما ذكرت لك؟ قال: لأنها زيادة ازدادها عليه قلت: أرأيت التافه اليسير لم جوزته؟ قال: لأن مالكا أيضا, جوز لرب المال أن يشترط على المساقي خم العين, وسرو الشرب, وقطع الجريد, وأبار النخل, والشيء اليسير في الضفيرة يبنيها, ولو عظمت نفقته في الضفيرة, لم يصلح لها

ما جاء في نفقة الحائط ودوابه ونفقة المساقي
قال: وقال مالك: نفقة الرقيق والدواب كانت من عند العامل, أو كانت في الحائط يوم أخذه العامل مساقاة, فالنفقة على العامل ليس على رب الحائط من ذلك شيء قلت: أرأيت نفقة العامل نفسه أتكون نفقته من ثمرة الحائط أم لا؟ فقال: على نفسه نفقته, ونفقة الدواب والعمال, ولا يكون شيء من النفقة في ثمرة الحائط قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن أخذت نخلا مساقاة على أن طعامي على رب النخل؟ قال: لا يجوز عند مالك. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يساقي الرجل, على أن على رب المال علف الدواب. فقال: لا خير فيه.

في أكل المساقي من الثمرة إذا طابت
قلت: أرأيت إذا أثمر الحائط, أيجوز للمساقي أن يأكل منه في قول مالك؟ قال: لا أحفظ من مالك فيه شيئا ولا أرى أن يأكل منه قلت: أرأيت إن أخذت الحائط مساقاة, على من جذاذ الثمرة في قول مالك؟ قال: على العامل قلت: وإذا أخذت زرعا مساقاة, على من حصاده ودراسه؟ قال: سألت مالكا عن مساقاة الزيتون, على من عصره؟ قال: هو على ما اشترطا عليه, إن كان شرط العصر على العامل في الحائط فلا بأس به, وإن كان إنما اشترطا أن يقاسمه الزيتون حبا فلا بأس بذلك. ورأى مالك هذا كله واسعا, ولم أسمع من مالك في الزرع شيئا, إلا أني أرى أنه مثل الذي ذكرت في النخل, أن جذاذه على العامل, فأرى أن يكون حصاد الزرع ودراسه على العامل ; لأنهم لا يستطيعون أن يقسموه إلا بعد دراسه كيلا.
قلت: أرأيت إن اشترط العامل على رب النخل صرام النخل؟ قال: لا ينبغي ذلك ; لأن مالكا جعل الجذاذ مما اشترط على الداخل.

تلقيح النخل المساقي
قلت: أرأيت المساقي إذا اشترط على رب النخل, التلقيح, أيجوز أم لا؟ قال: نعم, وهو قول مالك.
قلت: فإن لم يشترطه, فعلى من يكون التلقيح؟ قال: التلقيح على العامل ; لأن مالكا قال: جميع عمل الحائط على العامل.

مساقاة الثمر الذي لم يبد صلاحه
قلت: أرأيت إن كان في رءوس النخل ثمر لم يبد صلاحه, ولم يحل بيعه, أتجوز المساقاة في قول مالك؟ قال: نعم قلت: وكذلك الشجر كله؟ قال: نعم قلت: أرأيت النخل, إذا كان فيه ثمر لم يحل بيعه, أيجوز فيه المساقاة في قول مالك؟ قال: نعم قلت: وكذلك الثمار كلها التي لم يحل بيعها, المساقاة فيها جائزة وإن كان في الشجر ثمرة يوم ساقاه إلا أن بيعها لم يحل؟ قال: نعم, المساقاة فيها جائرة.

ما جاء في مساقاة الذي قد بدا صلاحه وحل بيعه
قلت: أرأيت إن كان لرجل, حائط فيه نخل قد أطعم, ونخل لم يطعم, أيجوز أن آخذ الحائط كله مساقاة في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك ; لأن فيه منفعة لرب الحائط يزدادها على العامل في الحائط ; لأن بيعه قد حل. ولأن الحائط إذا زها بعضه ولم يزه بعضه حل بيعه.

ما جاء في المساقي يعجز عن السقي بعد ما حل بيع الثمرة
قلت: أرأيت العامل في النخل, التي يأخذها مساقاة, إذا حل بيع الثمرة فعجز المساقي عن العمل فيها, أيكون له أن يساقي غيره؟ قال: إذا حل بيع الثمرة, فليس للعامل أن يساقي غيره, وإن عجز إنما يقال له: استأجر من يعمل. فإن لم يجد إلا أن يبيع نصيبه ويستأجر به فعل قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي قلت: أرأيت إن لم يكن في نصيبه من ثمر النخل ما يبلغ بقية عمل النخل؟ قال: يستأجر عليه في عملها, ويباع نصيبه من ثمر النخل. فإن كان فيه فضل كان له, وإن كان نقصان اتبع به, إلا أن يرضى صاحب النخل أن يأخذه ويعفيه من العمل فلا أرى به بأسا.

ما جاء في المساقي يساقي غيره
ما جاء في المساقي يساقي غيره

ما جاء في المساقي يساقي غيره
قلت: أرأيت إن أخذت نخلا أو زرعا أو شجرا معاملة, أيجوز لي أن أعطيه غيري معاملة في قول مالك؟ قال: نعم قال مالك: إذا دفعها إلى أمين ثقة قلت: أرأيت إن خالف العامل في الحائط فأعطى الحائط من ليس مثله في الأمانة والكفاية قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا. وأرى إذا دفعه إلى غير أمين أنه ضامن. من ابن وهب وأخبرني عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه قال في المساقاة بالذهب والورق مثل بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه. ولا يصلح الربح في المساقاة إلا في الثمر خاصة, يأخذه بالنصف ويساقيه غيره

ما جاء في المساقي يشترط لنفسه مكيلة من التمر
قلت: أرأيت العامل في النخل, إذا اشترط لنفسه مكيلة من التمر مبدأة على رب الحائط, ثم ما بقي بعد المكيلة بينهما بنصفين, أو اشترط رب الحائط مكيلة من التمر معلومة, ثم ما بقي بعد ذلك بينهما, فعمل على هذا. فأخرجت النخل تمرا كثيرا, أو لم تخرج شيئا, ما القول في ذلك؟ قال: العامل أجير وله أجرة مثله أخرجت النخل شيئا أو لم تخرج. وما أخرجت النخل من شيء فهو لرب الحائط قلت: أرأيت إن دفعت إليه نخلا مساقاة, على أن ما أخرج الله منها فبيننا نصفين على أن يقول رب النخل للعامل: لك نخلة من الحائط جعل ثمرة تلك النخلة للعامل دون رب الحائط؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك ; لأن العامل قد ازداد قلت: أرأيت إن أخذت حائطا لرجل مساقاة, على أن لرب الحائط نصف ثمرة البرني الذي في الحائط, وما سوى ذلك فللعامل كله. أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا ; لأنه قد وقع الخطار بينهما.
قلت: أرأيت إن دفع الحائط إليه مساقاة, على أن جميع الثمرة للعامل. أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم قلت: ولم أجزت هذا وكرهت الأول الذي أخذ الحائط مساقاة, على أن لرب الحائط نصف البرني؟ قال: الذي أعطى حائطه مساقاة, على أن جميع ثمرته للعامل, ليس بينهما خطار. وإنما هذا رجل أطعم ثمرة حائطه هذا الرجل سنة, وأما الذي جعل نصف تمرة البرني لرب الحائط وما سوى ذلك فللعامل, فهذا الخطار. ألا ترى أنه إن ذهب البرني كله, كان العامل قد غبن رب الحائط. وإن ذهب ما سوى البرني, كان رب الحائط قد غبن العامل قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي في البرني. قلت: أرأيت إن أخذت النخل معاملة, على أن أخرج من ثمرة الحائط نفقتي ثم ما بقي فبيننا نصفين؟ قال: لا يصلح هذا عند مالك. سحنون وحديث عمر بن عبد العزيز الذي في صدر الكتاب دليل على هذا. وقول عبيد الله بن أبي جعفر دليل على هذا.

ما جاء في المساقاة التي لا تجوز
قلت: أرأيت المساقي إذا اشترط على رب النخل أن يعمل معه فيه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا. وأرى أنه يرد إلى مساقاة مثله ; لأن مالكا قد أجاز - فيما بلغني - الدابة يشترطها يعمل عليها والغلام يشترطه يعمل معه, إذا كان لا يزول, وإن مات أخلفه له. قال: ولقد جاءه قوم قد ساقوا رجلا - وفي النخل ثمرة قد طابت - فساقوه هذه السنة وسنتين فيما بعدها, فعمل فقال مالك: أرى للعامل في الثمرة الأولى: أن يعطى ما أنفق عليها وإجارة عمله, ويكون في السنتين الباقيتين على مساقاة مثله. قال ابن القاسم: وهذا عندي مخالف للقراض. ألا ترى أن العمل والنفقة والمؤنة كلها على العامل؟ وإنما رب الحائط عامل معه ببدنه, بمنزلة الدابة يشترطها على رب الحائط. فهذا الذي سهل مالك فيه, فأرى هذا مثله ويكون على مساقاة مثله. قلت: أرأيت إن أدرك هذا الذي ساقاه وفي النخل ثمرة قد طابت, فأخذها العامل مساقاة ثلاث سنين, إن أدرك هذا قبل أن يعمل العامل في الحائط, أنفسخه في قول مالك أم لا؟ قال: أرى أن يفسخ إذا أدركه قبل أن يعمل العامل في الحائط, أو بعد ما جذ الثمرة ; لأنه إلى هذا الموضع له نفقته التي أنفق, وعمل مثله على رب الحائط. قال: فإن عمل في النخل بعد ما جذت الثمرة, لم يكن لرب المال أن ينزعه منه ; لأن مالكا إنما رده إلى عمل مثله بعد أن عمل سنة. قال: وأرى أن يكمل له ما بقي مما لم يعمله, حتى يستكمل السنتين, فهو عندي: إذا عمل بعد ما جذ الثمرة في النخل, فليس لهم أن يخرجوه حتى يستكمل السنتين جميعا ; لأنه قد عمل في الحائط ; لأن النخل قد تخطئ في العام وتطعم في الآخر. فإن أخذه في أول عام, ولم تحمل النخل شيئا, كنت قد ظلمته. وإن كثر حملها في أول عام, وأخطأت في العام الثاني بعد ما نزعتها من العامل, كنت قد ظلمت صاحبها.
قال: وكذلك القراض إذا قارضه بعرض: أنه إن أدرك قبل أن يعمل بعد ما باع العرض, فسخ القراض بينهما وكان له أجر مثله فيما باع. وإن عمل, كان على قراض مثله, وكان له فيما باع أجر مثله.قلت: أرأيت إن أخذت نخلا معاملة, على أن أبني حول النخل حائطا, أو أزرب حول النخل زربا, أو أخرق في النخل مجرى للعين, أو أحفر في النخل بئرا؟ قال: لا تجوز هذه المساقاة عند مالك قلت: فإن وقعت المساقاة على مثل هذا, أتجعل العامل أجيرا, أم ترده إلى مساقاة مثله؟ قال: أنظر في ذلك, فإن كان إنما اشترط رب المال من ذلك شيئا ازداده بالكفاية حط عنه به مؤنته, ولم يكن الذي اشترط رب المال قدره يسيرا, مثل: خم العين, وسرو الشرب, وسد الخطار,

جعلته أجيرا وإن كان قدر ذلك شيئا مؤنته مثل مؤنته. هذا الذي وصفت لك أجزت المساقاة فيه ; لأن مالكا أجاز هذا الذي ذكرت لك من خم العين ونحوه, أن يشترطه رب النخل على العامل. فرأيت أنا الذي أخبرتك به وأجزته لك مثل قول مالك في خم العين وسرو الشرب. قال: وقد أجاز مالك الدابة والغلام يشترطه العامل على رب المال, فهذا يدلك على ما أخبرتك قلت: وما سرو الشرب؟ قال: تنقية ما حول النخل, الذي يجعل حول النخلة ليستنقع الماء فيها. قلت: وما خم العين؟ قال: كنسها. قلت: وكذلك أخبركم مالك أن خم العين وسرو الشرب ما ذكرت لي؟ قال: لا, ولكن سمعته من تفسيره.
قال: ولقد سألنا مالكا غير مرة, عن الرجل يكون له الحائط, فيهور بئرها, وله جار له بئر. فيقول له: أنا آخذ منك نخلك مساقاة, على أن أسوق ماء إليها أسقيها به. فقال: لا بأس بذلك. سألته عنها غير مرة, فأجاز هذه على وجه الضرورة. قال ابن القاسم: ولولا أن مالكا أجاز هذه المسألة لكرهتها. قلت: ولم تكرهها, قال ; لأن الرجل لو كانت في أرضه عين له يشرب منها, فأتاه رجل فقال له: أنا آخذ منك نخلك هذه مساقاة, على أن أسقيها بمائي, واصرف أنت ماءك حيث شئت, واسق به ما شئت من مالك سوى هذا, لم تجز عندي. فالذي أجازه مالك إنما أجازه على وجه الضرورة. قلت: ولم كرهت ما ذكرت أنه إذا قال له جاره: أنا آخذ منك نخلك معاملة, على أن أسقيها بمائي, وسق أنت ماءك حيث شئت, لم كرهت هذا؟ قال ; لأن لرب النخل فيه منفعة في النخل والأرض من الماء ; لأنها زيادة, ازدادها رب النخل على العامل, حين اشترط الماء من قبل العامل, ألا ترى أنه لو اشترط على العامل دينارا واحدا زيادة يزدادها عليه لم يجز ذلك. فالماء قد يكون ثمنه مالا عظيما, فلا يجوز أن يشترطه رب النخل على العامل, كما لا يجوز أن يشترط فضل دينار. قلت: أرأيت إن دفع إلي نخله مساقاة, أو زرعه مساقاة, على أن أحفر في أرضه بئرا أسقي بها النخل أو الزرع, أو أبني حولها حائطا, أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا. قال سحنون: وفيما كتبت في صدر الكتاب دليل على هذا.

ما جاء في المساقي يشترط الزكاة
قلت: أيحل لرب النخل أن يشترط الزكاة على العامل في الحائط, أو يشترط ذلك العامل على رب الحائط؟ قال: أما أن يشترطه رب الحائط على العامل فلا بأس به ; لأنه إنما ساقاه على جزء معلوم. كأنه قال له: لك أربعة أجزاء ولي ستة.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وإن اشترطه العامل على رب الحائط؟ قال: إن

اشترط أن الصدقة في نصيب رب الحائط, على أن للعامل خمسة أجزاء, ولرب الحائط خمسة أجزاء, وعلى أن الصدقة في جزء رب المال يخرجه من هذه الخمسة الأجزاء, التي هي له, فلا بأس بذلك. قال: وقال لي مالك: في العامل, ما أخبرتك, إذا اشترطه العامل على رب الحائط. وهذا عندي مثله إذا اشترطه في الثمرة بعينها. قلت: فإن اشترطه في غير الثمرة, في العروض أو الدراهم؟ قال: لا يحل شرطهما وهو قول مالك. قلت: أرأيت الزكاة في حظ من تكون؟ قال: يبدأ بالزكاة فتخرج, ثم يكون ما بقي بينهما على شرطهما وهذا قول مالك.

المساقاة إلى أجل
قال: وقال مالك: لا تجوز مساقاة النخل أشهرا ولا سنة وإنما المساقاة إلى الجداد. قلت: أرأيت إن أخذت شجرا معاملة, وهي تطعم في السنة مرتين, ولم أسم الأجل الذي أخذت إليه, أيكون معاملتي إلى أول بطن أو السنة كلها؟ قال: سمعت مالكا يقول: إنما معاملة النخل إلى الجداد, وليس يكون فيها أشهر مسماة, فهو عندي على ما ساقاه, فإن لم يكن له شرط فإنما مساقاته إلى الجداد الأول.

في المساقاة سنين
قلت: أرأيت المساقاة أتجوز عشر سنين؟ قال: قال مالك: المساقاة سنين جائزة, فأما ما يحدد إلى عشر سنين أو ثلاثين أو خمسين, فلا أدري ما هذا, ولم أسمع من مالك فيه شيئا. وأما ما لم يكثر جدا فلا أرى به بأسا.

مساقاة الأرض سنين على أن يغرسها ويقوم عليها
قلت: أرأيت إن دفعت إليه أرضا, على أن يغرسها ويقوم على الشجر, حتى إذا بلغت الشجر كانت في يده مساقاة عشر سنين أيجوز ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك عندي. قلت: لم؟ قال: لأنه غرر.قلت: أرأيت النخل التي لم تبلغ, أو الشجر آخذها مساقاة عشر سنين, أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك عندي. قلت: لم؟ قال ; لأنه غرر. قلت: أرأيت النخل التي لم تبلغ, أو الشجر آخذهما مساقاة خمس سنين, وهي تبلغ إلى سنتين أتجوز هذه المساقاة في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك.

ترك المساقاة
قلت: أرأيت المساقي إذا أخذ النخل ثلاث سنين, فعمل في النخل سنة, ثم أراد

الإقالة في المساقاة
قلت: أرأيت إن أخذت من رجل نخلا معاملة, فندم فسألني أن أقيله, وذلك قبل العمل, فأبيت أن أقيله, فقال: أنا أعطيك مائة درهم على أن تقيلني فأقلته, أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك, لا قبل أن تعمل ولا بعد ما عملت. قلت: ولم كرهه مالك؟ قال ; لأنه غرر, إن تم ثمرة النخل ذلك العام فقد باع هذا هذه الثمرة قبل أن يبدو صلاحها, وإن لم يتم فقد أخذت مال رب الحائط باطلا.

في سواقط نخل المساقات
قلت: أرأيت سواقط النخل, جرائده وليفه لمن تكون؟ قال: أرى أن يكون ذلك بينهما.
قلت: على قدر ما يتعاملان به؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الزرع إذا دفعته معاملة, لمن التبن؟ قال: أراه بينهما بمنزلة سواقط النخل. وقد قال مالك في سواقط النخل بينهما فالتبن بهذه المنزلة عندي.
قلت: أرأيت ما سقط من الثمار, مثل البلح وما أشبهه لمن يكون؟ قال: أراه بمنزلة سواقط النخل.

الدعوى في المساقاة
قلت: أرأيت إن تجاحدا في المساقاة؟ قال: القول قول العامل في النخل إن أتى بما يشبه. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن اختلفا في المساقاة, فادعى أحدهما مساقاة فاسدة, وادعى الآخر مساقاة جائزة؟ قال: القول عندي, قول الذي ادعى الحلال منهما.قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يدفع نخلي مساقاة, فقال: قد دفعتها إلى هذا الرجل وكذبه رب النخل؟ قال: أرى ذلك عندي بمنزلة الرجل يأمر الرجل, يبيع له سلعة من السلع, فيقول المأمور: قد بعتها ويكذبه رب السلعة. قال: القول قول المأمور, فكذلك مسألتك في المساقاة. قلت: فلم قال مالك: إنه إذا بعث معه بمال ليدفعه إلى رجل قد سماه له, فقال: قد دفعته, وأنكر المبعوث إليه بالمال, وقال ما دفع إلي شيئا؟ قلت: على الرسول البينة أنه قد دفع ولا غرم ما فرق بين هذا وبين المأمور بالبيع, جعلت المأمور بالبيع القول قوله, وجعلت المأمور بدفع المال القول قول المبعوث إليه بالمال؟ قال: فرق بين ما بينهما: أن المشتري قد صدق البائع, فلا قول للآمر هاهنا ; لأن المشتري والمأمور قد تصادقا في البيع ; لأن المبعوث إليه بالمال لم يصدق الرسول, وقال: ما أخذت منك شيئا. فهذا فرق ما بينهما, ويقال للرسول: أقم بينتك أنك دفعت إليه ; لأن المبعوث إليه لم يصدقك وإلا فاغرم

في مساقاة الحائطين
قلت: أرأيت إن دفعت إليه نخلا مساقاة, حائطا على النصف وحائطا على الثلث. أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك. قلت: لم؟ قال: للخطار ; لأنهما تخاطرا في الحائطين, إن ذهب أحدهما غبن أحدهما صاحبه في الآخر. قلت: أرأيت إن دفع إليه حائطين, على أن يعملهما: كل حائط منهما على النصف, أو كل حائط منهما على الثلث, أو كل حائط منهما على الربع, أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ولا يكون للخطار هاهنا موضع؟ قال: ليس للخطر هنا موضع؟ قال: وكذلك

ما جاء في النخل يكون بين الرجلين فيساقي أحدهما الآخر
قلت: أرأيت النخل يكون بين الرجلين, أيصلح لأحدهما أن يأخذ حصة صاحبه مساقاة؟ قال: لا أرى بذلك بأسا, ولم أسمعه من مالك وهو رأيي.

مساقاة حائط الأيتام
قلت: أرأيت الوصي, أيجوز له أن يعطي حائط الصبيان مساقاة؟ قال: نعم لأن مالكا قال: بيعه للصبيان وشراؤه جائز.

مساقاة المأذون له في التجارة
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة, أيصلح له أن يأخذ أرضا مساقاة ويعطي أرضه مساقاة؟ قال: لا أرى بذلك بأسا. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا.

مساقاة نخل المديان
قلت: أرأيت إن كان علي دين يحيط بمالي, فدفعت نخلي مساقاة, أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك في الرجل يكون عليه الدين. إنه يكري أرضه وداره ويجوز كراؤه, فإن قامت الغرماء عليه بعد ذلك, لم يكن لهم أن يفسخوا الكراء. قال: وهذا عند مالك بيع من البيوع. قال ابن القاسم: فإن قامت الغرماء عليه, ثم أكرى أو ساقى بعد ذلك, لم يجز كراؤه ولا مساقاته.

مساقاة نخل المريض
قلت: أرأيت المريض, أيجوز له أن يساقي نخله في المرض؟ قال: ما سمعت فيه شيئا, وأراه جائزا ; لأن بيعه وشراءه جائز ما لم يكن فيه محاباة, فإن كان فيه محاباة, كان من الثلث.

مساقاة الرجلين
قلت: أيصلح للرجلين أن يأخذا من رجل نخلا مساقاة؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: وكذلك إن كان أصل الحائط لجماعة قوم, فدفعوه مساقاة إلى جماعة قوم, أيجوز ذلك؟ قال: لا أرى بذلك بأسا.

في المساقي يموت
قلت: أرأيت العامل في النخل, إذا مات ما أنت قائل لورثته؟ قال: يقال لهم: اعملوا كما كان صاحبكم يعمل. فإن أبوا كان ذلك في مال الميت لازما لهم. قلت: أفيسلم الحائط إليهم إذا كانوا غير أمناء؟ قال: لا أرى ذلك, وأرى أن يأتوا بأمين.
قلت: أرأيت إن مات رب النخل؟ قال: لا تنتقض المساقاة بموت واحد منهما, وهو قول مالك.

في المساقي يعري من حائطه
قلت: أرأيت المساقي, أيجوز له أن يعري من حائطه شيئا؟ فقال: كيف يعري وليس له نخلة بعينها, وإنما هو شريك في الثمرة, وإنما يعري النخلة والنخلات, فهذا إن ذهب يعري فليس الذي أعرى له وحده. قلت: أفيجوز حصته من النخلات التي أعراها. أرأيت إن قال: قد أعريتك نصيبي من هذه النخلات؟ قال: نعم, أرى هذا جائزا.

مساقاة البعل
قلت: أرأيت الشجر البعل, أتصح المساقاة فيها مثل شجر إفريقية والشام والأشجار على غير الماء أتجوز المساقاة فيها؟ قال: قال مالك: لا بأس بالمساقاة في الشجر البعل. قلت: أرأيت مثل زرع مصر وإفريقية, أتجوز المساقاة فيه وهو لا يسقى؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا, وأرى أنه يجوز فيه المساقاة, إذا كان يحتاج من المؤنة مثل ما يحتاج إليه في شجر البعل, فإن ترك خيف عليه الضيعة فلا بأس به. وإن كان بعلا لا مؤنة فيه ولا عمل, فلا تجوز فيه المساقاة, إنما هو يقول له: احفظه لي واحصده وادرسه على أن لك نصفه, فهذا لا يجوز عندي ; لأنها أجرة. قلت: لم أجزته في الشجر البعل وكرهته في الزرع البعل؟ قال: لأن الزرع البعل إنما أجازوا المساقاة فيه على وجه الضرورة, فهذا لا ضرورة فيه ; لأنه لا يخاف موته.

مساقاة النخلة والنخلتين
قلت: أرأيت إن دفعت نخلة أو نخلتين مساقاة أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك الشجر كلها؟ قال: نعم
مساقاة المسلم حائط النصراني.
قلت: أرأيت حائط الذمي, أيجوز لي أن آخذه مساقاة؟ قال: كره مالك أن يأخذ المسلم من النصراني مالا قراضا, فكذلك المساقاة عندي. قال: ولو أخذه لم أره حراما.

مساقاة النصراني حائط المسلم
قلت: أرأيت الحائط يكون للمسلم, أيجوز له أن يعطيه النصراني مساقاة؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك, يريد إذا كان النصراني ممن لا يعصره خمرا.

في المساقي يفلس
قلت: أرأيت إن أخذت نخل رجل مساقاة, ففلس رب الحائط, أيكون للغرماء أن يبيعوا النخل وتنتقض المساقاة فيما بينهما في قول مالك؟ قال: المساقاة لا تنتقض, ولكن يقال للغرماء: بيعوا الحائط على أن هذا مساقى كما هو ; لأن الحائط لا يقدر الغرماء أن يأخذوه من العامل ; لأنه قد أخذه مساقاة قبل أن يقوم الغرماء على رب الحائط.قلت: ولم أجزته, ورب الحائط لو أراد أن يبيع الحائط ويستثني ثمرته سنين لم

مساقاة النخل فيها البياض
قلت: أرأيت إن كان في النخل بياض, فاشترط رب النخل على العامل أن يزرع البياض لرب النخل, من عند العامل البذر والعمل, وعلى أن الزرع الذي يزرع العامل في البياض كله لرب النخل. أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك. قلت: فإن قال رب النخل للعامل: خذ النخل معاملة, على أن تزرع لي في البياض, والبذر من عندي والعمل من عندك على أن الزرع كله لي؟ قال: لا يصلح هذا عند مالك. قلت: ولم؟ قال: لأنه قد استفضل على العامل, فهو بمنزلة دنانير رادها العامل لرب النخل. قلت: أرأيت إن قال رب الحائط: خذ النخل مساقاة, على أن تزرع البياض بيننا, على أن البذر من عندك أيها العامل؟ قال: قال مالك: ذلك جائز. قال مالك: وأحب إلي أن يلغي البياض فيكون للعامل. قلت: لم أجازه مالك؟ قال: للسنة التي جاءت في خيبر, أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل البياض والسواد على النصف. قال: قال مالك: في خيبر وقلت له: أكان فيها بياض حين ساقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم, وكان يسيرا فلذلك أجازه مالك إذا اشترط على العامل أن يزرع البياض, والبذر من عند العامل

والعمل, على أن يكون ما يخرج من البياض بينهما. قال مالك: وأحب إلي أن يلغي للعامل.
قلت: أرأيت إن اشترطا أن البذر الذي يبذره العامل في البياض من عندهما, نصفه من عند رب النخل ونصفه من عند العامل, والعمل كله من العامل أيجوز أم لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك.
قلت: ولا يجوز أن يكون شيء من البذر من عند رب النخل في قول مالك؟ قال: نعم, لا يجوز.
قلت: لم كرهه مالك؟ قال: لأنها زيادة ازدادها العامل.
قلت: أرأيت إن اشترط العامل في النخل على رب الحائط حرث البياض, وما سوى ذلك من البذر والعمل فمن عند العامل في النخل؟ قال: قال مالك: إذا كان العمل والمؤنة كلها من عند الداخل فلا بأس بذلك. قال: ففي هذا ما يدلك على مسألتك, أنه لا يصلح أن يشترط العامل على رب النخل حرث البياض, وإن جعلا الزرع بينهما.قلت: أرأيت إن أخذ النخل معاملة, على أن البياض للعامل؟ قال: قال مالك: هذا أحله.قلت: أرأيت إن ساقى الرجل الزرع, وفي وسط الزرع أرض بيضاء لرب الأرض قليلة, وهي تبع للزرع, فاشترط العامل تلك الأرض لنفسه يزرعها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولا أرى بأسا, مثل النخل والبياض, إذا كانت الأرض التي ليس فيها الزرع تبعا للزرع.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل نخلا مساقاة خمس سنين, وفي النخل بياض وهو تبع للنخل, على أن يكون البياض أول سنة للعامل يزرعه لنفسه, ثم يرجع البياض إلى رب النخل يعمله رب النخل لنفسه, وتكون المساقاة في الأرض الأربع سنين الباقية في النخل وحدها؟ قال: لا يجوز هذا عندي ; لأنه خطر. قلت: وكذلك, لو أن رجلا أخذ حائطين معاملة من رجل, على النصف سنتين, على أن يعمل أول سنة في الحائطين جميعا, ثم يرد أحد الحائطين إلى ربه في السنة الثانية, ويعمل الحائط الآخر في السنة الثانية وحده؟ قال: لا يجوز هذا الآخر أيضا. وهذا شبه مسألتك الأولى في النخل والبياض ; لأن المسألتين جميعا خطر ولا يجوز ذلك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك. هذا رأيي.

مساقاة الزرع
قلت: أرأيت المساقاة في الزرع أيجوز؟ قال: قال مالك: المساقاة في الزرع لا تجوز, إلا أن يعجز عنه صاحبه يعجز عن سقيه, فهذا يجوز له أن يساقي. قلت: أرأيت الزرع, إذا بذره صاحبه, ولم يطلع من الأرض. أتصلح المساقاة فيه إذا عجز صاحبه عنه أم لا في قول مالك؟ قال: لا تصلح المساقاة فيه, إلا بعد ما يبدو ويستقل,

وكذلك قال مالك. قلت: أرأيت إذا سنبل الزرع, أتجوز المساقاة فيه؟ قال: نعم, ما لا يحل بيعه فالمساقاة فيه جائزة, إذا كان يحتاج إلى الماء ; لأنه لو ترك لمات. قلت: أرأيت صاحب الزرع إذا كان له الماء, أيجوز له أن يساقي في زرعه, وتراه عاجزا وله ماء؟ قال: نعم ; لأن الماء لا بد له من البقر, ومن يسقيه, والأجراء. قلت: وإن كان الماء سيحا مثل العيون, أتجعله عاجزا إن عجز عن الأجراء وتجيز مساقاته في ذلك؟ قال: ينظر في ذلك, فإن علم أنه عاجز جازت مساقاته. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: إنما قال مالك: إذا عجز فانظر أنت, فإذا كان عندك عاجزا جازت مساقاته.قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل زرعا مساقاة, وشجرا مفترقا في الزرع, أيجوز هذا؟ قال: لا أرى بهذا بأسا, إذا كان تبعا للزرع ولم يكن فيها من الاشتراط خلاف الزرع. قلت: أرأيت إن أخذت زرعا مساقاة, وفي الزرع شجرات قلائل, فاشترط العامل في الزرع, أن: ما أخرج الله من الثمرة فهي للعامل دون رب الشجر, أيجوز هذا؟ قال: لا. قلت: فإن اشترط على: أن ما أخرج الله من الشجر فهو لرب الشجر؟ قال: هذه مساقاة فاسدة ; لأنه قد ازداد على العامل سقي الشجر.قلت: هذه المسائل قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الشجر التي في الزرع, إذا أخذ الزرع مساقاة, والشجر الثلث فأدنى مخالف للبياض الذي هو تبع للنخل في المساقاة؟ قال: نعم.

مساقاة كل ذي أصل والياسمين والورد
قلت: أرأيت المساقاة, أتجوز في قول مالك في الشجر كلها؟ قال: قال مالك: المساقاة جائزة في كل ذي أصل من الشجر. قال: قال مالك: وتجوز المساقاة في الورد والياسمين. قال: وقال لي مالك: لا بأس بمساقاة الياسمين والورد والقطن.

مساقاة المقاثي
قال: وسألت مالكا عن المقاثي: هل تجوز فيها المساقاة؟ فقال: تجوز فيها المساقاة إذا عجز عنها صاحبها بمنزلة الزرع. قال ابن القاسم: وأنا أرى البصل مثل المقاثي, وقصب السكر بمنزلة الزرع ; لأنها ثمرة واحدة. قلت: أرأيت المقاثي, أليس قد قال مالك: تصلح المساقاة فيها إذا عجز عنها صاحبها, وهي إنما يطعم بعضها بعد بعض وقد يحل للرجل أن يشتريها إذا حل بيعها. ويشترط ما يخرج منها حتى ينقطع فكيف أجاز المساقاة فيها وبيعها حلال؟ قال: لا تجوز المساقاة في المقاثي إذا حل بيعها, وتجوز المساقاة فيها قبل أن يحل بيعها. قال: والمقاثي, قال لي مالك: إنما هي شجرة

مساقاة القصب والقرظ والبقول
قلت: أرأيت المساقاة, هل تجوز في الزرع والبقول والقصب الحلو أو القصب أو في البصل أو في القرظ؟ قال: قال مالك: لا تجوز المساقاة في الزرع, إلا أن يعجز عنه صاحبه ويعجز عن سقيه, فهذا يجوز له أن يساقيه. قال: وسألت مالكا عن القصب الحلو, أتجوز فيه المساقاة؟ قال: هو عندي مثل الزرع, إذا عجز عنه صاحبه جازت المساقاة فيه. قال: وأما القصب, فليس ثمره بمنزلة ثمرة المقاثي, إنما هو بطون تأتي, وإنما تقع المساقاة في القصب فيه نفسه, وقد حل بيعه فلا يجوز. ألا ترى أن الثمرة إذا حل بيعها لم تجز المساقاة فيها؟ وكذلك قال مالك. قال ابن القاسم: وأما القرظ والبقل فإنه لا يصلح فيه المساقاة ; لأنه مثل القصب. وقد قال مالك: لا تصلح المساقاة في القصب ; لأنه جزة بعد جزة وليست بثمرة تجنى مرة واحدة. والذي يريد أن يساقيها, فليشترها وليشترط لنفسه خلفتها.
قلت: أرأيت الشجرة, إذا كانت تثمر في العام الواحد مرتين, أتصلح المساقاة فيها في قول مالك؟ قال: نعم ; لأنه يجوز له أن يساقيها سنين. قلت: فما فرق بين هذا وبين القصب الذي ذكرت أن مالكا كرهه؟ قال: لأن الشجرة لا يحل بيع ثمرتها قبل أن يبدو صلاحها وتطيب, والقصب يحل بيعه وبيع ما يأتي بعده, فلا تصلح فيه المساقاة. قال: وقال مالك: لا تصلح المساقاة في البقول, ولا في الموز ولا في القصب. قال مالك: لا تصلح المساقاة فيها ; لأنها تباع بطونا. قلت لمالك فالزرع؟ قال: إذا عجز عنه صاحبه, جازت المساقاة فيه, وإن لم يعجز عنه فلا تجوز. قال: فقلت لمالك: فالمقاثي؟ قال: هي مثل الزرع إذا عجز عنه صاحبه. قال: فقلت لمالك: فقصب السكر؟ ووصفته له, وإنما يسقى سنة, فربما عجز عنه صاحبه قال: أراه مثل الزرع إذا عجز عنه صاحبه.

مساقاة الموز
قلت: أرأيت الموز, أتصلح المساقاة فيه؟ قال: قال مالك: لا تصلح المساقاة فيه. وهو عندي بمنزلة القصب.قلت: أرأيت إن عجز عن عمله وهو شجر ليس فيه ثمر أتصلح فيه المساقاة قال: لم أسمع من مالك فيه أكثر من أن قال لنا: المساقاة في الموز

كتاب الجوائح
ماجاء في جائحة المقاثيبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجوائحما جاء في جائحة المقاثي
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت المقاثي هل فيها جائحة في قول مالك؟ قال: نعم, إذا أصابت الثلث فصاعدا, وضع عن المشتري ما أصابه من الجائحة. قلت: أرأيت إن اشتراها وفيها بطيخ وقثاء, فأصابت الجائحة جميع ما في المقثأة من ثمرتها, وهي تطعم في المستقبل كيف يعرف ما أصابت الجائحة منها؟ قال ابن القاسم: تفسير ذلك, أنه يكون مثل كراء الأرضين والدور. أنه ينظر إلى المقثأة, كم كان نباتها من أول ما اشترى إلى آخر ما تنقطع ثمرتها. فينظر كم قطف منها وكم أصابت الجائحة منها. فإن كان ما أصابت الجائحة منها ثلث الثمرة, نظر إلى قيمة ما قطف منها, فإن كانت قيمته النصف أو أقل من الثلث, لم يكن له إلا قدر ذلك. لأن حملها ونفاقها في الأشهر مختلف, فتقوم ويقوم ما بقي من النبات مما لم يأت بعد في كثرة نباته ونفاقه في الأسواق, مما يعرف من ناحية نباته. فينظر إلى الذي حده فيقوم على حدته, ثم يقوم الذي أصابته الجائحة على حدته, فينظر ما مبلغ ذلك من جميع الثمرة. فإن كانت الثمرة التي أكلها المشتري هو نصف القيمة أو أقل من ذلك أو أكثر, وربما كان طعام المقثأة أوله هو أقله وأغلاه ثمنا, تكون البطيخة والفقوسة أو القثاة بعشرة أفلس أو بنصف درهم أو بالدرهم, والبطيخة مثل ذلك. وفي آخر الزمان تكون بالفلس والفلسين والثلاثة, فيكون القليل الذي كان في البطن الأول أكثر المقثأة ثمنا, لنفاقه في السوق. وعلى هذا يقع شراء الناس. إنما يحمل أوله آخره وآخره أوله. ولو كان إنما يقع الشراء على كل بطن على حدته, لكان لكل بطن جزء مسمى من الثمن, فإنما يحسب بطون المقثأة التي تطعم فيها بقدر إطعامها على قدر نفاقها في الأسواق في كل بطن, ثم يقوم

كل ما أطعمت في كل زمان على قدر نفاقه في الأسواق في كل بطن, ثم يقسم الثمن على جميع ذلك. فإن كان البطن الأول هو النصف أو الثلثين, رد بقدر ذلك وإن كان البطن الآخر الذي انقطع منه هو النصف أو الثلثين, رد بقدر ذلك. ولا يلتفت إلى نباتها في إطعامها, فيقسم على قدر كثرته وعدده من غير أن ينظر إلى أسواقه, ولكن ينظر إلى كثرته ونفاقه في الأسواق.
قال ابن القاسم: وكذلك الورد والياسمين وكل شيء يجنى بطنا بعد بطن, فهو على ما فسرت لك في المقثأة. وما كان يطيب بعضه بعد بعض, فعلى هذا يحسب أيضا مما ينبت جميعا, مثل التفاح والخوخ والتين والرمان وما أشبهه من الفاكهة. وذلك أن الرمان والخوخ وما أشبهه من الفاكهة مما لا يخرص, إنما يشترى إذا بدا أوله لأنه يعجل بيعه, فيكون له في أول الزمان ثمن, لا يكون آخره في نفاقه عند الناس وأسواقه وكثرته في اجتماعه في آخر الزمان, فإنما يشتري المشتري على ذلك ويعطي ذهبه, لأن يكون له آخره مع أوله. ولو أفرد ما يطيب كل يوم أو كل جمعة, حتى يباع على حدته, لاختلفت أثمانها. وإنما يشتري المشتري على أنه يحمل الغالي منه على رخيصه, والرخيص منه على غاليه. فإذا أصابت الجائحة منه ما يبلغ الثلث فصاعدا, نظر إلى ما قبض ثم نظر إلى الذي أصابت الجائحة فإن كان الذي أصابت الجائحة ثلث الثمرة التي اشترى, وضع عنه ما يصيبها من الثمن, كان ذلك في أول الثمرة أو في وسطها أو في آخرها, فإن كانت ثلث هذه الثمرة التي أصابتها الجائحة يكون حظها من القيمة تسعة أعشار القيمة, وضع عن المشتري تسعة أعشار الثمن وإن لم يكن حظ ثلث الثمرة من الثمن إلا عشر الثمن الذي اشترى به جميع الثمرة, وضع عن المشتري عشر الثمن. وإنما ينظر في هذا, إلى الجائحة إذا أصابت. فإن أصابت ثلث الثمرة, نظر إلى ما كان يصيب هذا الثلث من الثمن على حال ما وصفت لك من غلائه ورخصه. فيوضع عنه ما يصيب ذلك الثلث من الثمن كان أقل من ثلث الثمن أو أكثر. فإن أصابت الجائحة أقل من ثلث الثمرة, وكان حظ ما أصابت الجائحة من الثمن يبلغ تسعة أعشار الثمن, لم يوضع عن المشتري قليل ولا كثير ولا يوضع المشتري فيما فسرت لك, حتى تبلغ الجائحة ثلث الثمرة. فإذا بلغت ثلث الثمرة, وضع عن المشتري حظها من الثمن كان أقل من ثلث الثمن أو أكثر. وهذا تفسير ما وصفت لك. قال سحنون: وقد قال أشهب, إنما ينظر في البطون إلى ما أذهبت الجائحة, فإن كان يكون قيمة ما يصير له ثلث الثمن وضع, وإن كان من الثمرة عشرها, فإن كانت قيمة ما أتلفت الجائحة لا يصير لها من الثمن ثلثه, وإنما يصير لها من الثمن أقل, لم يوضع

عن المشتري شيء. وإن كان من الثمرة تسعة أعشارها, وإنما يكون مصيبة إذا أذهبت مثل ثلث الثمن. وليس يلتفت إلى ثلث الثمرة, لأنه ربما كان ثلث الثمرة إنما غلته عشر الثمن, فلا يكون مصيبة, وربما كان عشر الثمرة ويكون لها من الثمن نصف الثمن, فيكون مصيبة. فلذلك توضع الجوائح إذا وقعت المصائب. قال سحنون: وأما البطن الواحد وهو صنف واحد, فإن ثلث الثمرة بثلث الثمن إذا كان صنفا واحدا من الثمرة, فاجتمعت المصيبة من الوجهين جميعا فلذلك وضع. قال ابن القاسم: وما كان مما يخرص من النخيل والأعناب وما أشبههما, أو مما لا يخرص مما ييبس ويدخر فإنما ينظر إلى ثلث الثمرة, فيوضع من الثمن ثلثه. ولا ينظر فيه إلى اختلاف الأسواق, لأن هذه الأشياء يشتريها المشتري, فمنهم من يحبسها حتى يجدها يابسة فيدخرها, ومنهم من يتعجل أكلها, ومنهم من يدخر بعضها أو يبيع بعضا. فالبائع حين يبيع إنما يبيع على أن المشتري إن شاء حبس وإن شاء جد. فإنما في ثلث الثمرة إذا أصابتها الجائحة ثلث الثمن
سحنون: وكذلك إذا كان الثمر صنفا واحدا, فإن كان الثمر أصنافا مختلفة, مثل البرني والعجوة وعذق ابن زيد والشقم, فأصابت الجائحة من الثمر الثلث, فإن كان الذي أصابت من البرني أو العجوة, نظر إلى قيمته وقيمة غيره, فيقسم الثمن على القيم لاختلاف الثمر في القيم. فيصير حكمه حكم البطون في اختلاف أثمانها. وإن الرمان والتفاح والخوخ والأترج والموز والمقاثي وما أشبهها, إنما يشترى على أن طيب بعضه بعد بعض. ولو ترك من يشتريه أوله لآخره حتى يطيب كله لكان فسادا لأوله. قال: وقال لي مالك: وإنما جعل الله طيب بعضه بعد بعض رحمة, ولو جعل طيبه واحدا لكان فسادا. والمشتري حين يشتري ما يطيب. بعضه بعد بعض, فالبائع يعرف, والمشتري أنه إنما يستجنيه كل ما طاب بمنزلة المقاثي وغيرها. وإن الذي يخرص ليس كغيره من الثمار, ولا ما يقدر على تركه حتى تجد جميعه معا فهذا مثل الذي يخرص سواء, فمحملهما في الجائحة سواء سحنون: فكل ما يقدر على ترك أوله على آخره ولا يكون فسادا حتى ييبس, فهو بمنزلة النخل والعنب. وكل ما لا يستطاع ترك أوله على آخره حتى ييبس في شجره, فسنته سنة المقاثي. قال سحنون: فهذا أصل قوله, وكل ما في هذا الكتاب فإلى هذا يرجع.

ما جاء في جائحة القصيل
قال: وكذلك القصيل إذا اشتري جزة واحدة, فإن أصابت الجائحة منه الثلث,

وضع عنه ولم ينظر إلى غلاء أوله أو آخره أو رخصه, لأن قصله قصلة واحدة إن أراد أن يقصله وقد أدرك جميعه حين اشتراه. والفاكهة لم تدرك جميعها ولا المقاثي ولا الياسمين, إلا أن يشتري القصيل وخلفته التي بعده. فتصاب الأولى وتثبت الأخرى, أو تصاب الأخرى وتسلم الأولى, فيحسب كما وصفت لك. ينظر كم كان نبات الأولى من الأخرى في رخص آخره أو غلائه, أو في رخص أوله أو غلائه, وحال رغبة الناس فيه وغلائه عندهم في أوله وآخره, إذا كان الذي أذهبت الجائحة منه ثلثا, فإن كان الأول هو ثلثي الثمن وهو في النبات الثلث, رد ثلثي الثمن فبقدر ذلك يرد, وإن كان الآخر نصف الثمن أو ثلاثة أرباعه في نفاقه عند الناس وقيمته, رد من الثمن بقدر ذلك.وكذلك قال مالك في الأرض: تتكارى ثلاث سنين أو أربعا, فيزرع الرجل السنة أو السنتين فيعطش أولها أو آخرها أو وسطها, وقد تكاراها أربع سنين كل سنة بمائة دينار صفقة واحدة فيعطش سنة منها. قال مالك: تقوم كل سنة بما كانت تساوي من نفاقها عند الناس, وتشاح الناس فيها ثم يحمل بعض ذلك على بعض, فيقسم الكراء على قدر ذلك, ويرد من الكراء على قدر ذلك, ويوضع عنه بقدر ذلك. ولا ينظر إلى قدر السنين فيقسم الكراء عليها, إن كانت أربع سنين لم يقسم الثمن عليها أرباعا ولكن على قدر الغلاء والرخص.

في الرجل يكتري الدار سنة فتهدم قبل مضي السنة
قال: قال لي مالك: وكذلك الدار يتكاراها في السنة بعشرة دنانير, فيكون فيها أشهر كراؤها غال, وأشهر كراؤها رخيص, مثل كراء دور مكة في إبان الحج وغير إبان الحج. والفنادق تتكارى سنة, ولها إبان نفاقها فيه ليست كغير ذلك من الإبان, فيسكنها الأشهر ثم تنهدم أو تحترق فإنما يرد من الكراء بقدر ذلك من الأشهر. حتى إن الشهر ليعدل الأربعة الأشهر والخمسة أو جميع السنة, ولا ينظر في ذلك إلى السنة. فيقسم الثمن على اثني عشر شهرا ولكن على ما وصفت لك. وكل ما فسرت لك من هذه الجائحة, فهو تفسير ما حملت عن مالك. قلت: والذي شبهه مالك من الفاكهة في جائحته بالنخل مما يخرص, أهو مما ييبس ويدخر مثل الجوز واللوز والفستق والجلوز وما أشبه هذه الأشياء؟ قال: نعم. قلت: والتين هو مما ييبس أيضا ويدخر, وهو مما يطعم بعضه بعد بعض, وهو مما ييبس فكيف يعرف شأنه؟ قال: يسأل عنه أهل المعرفة به.
قلت: أرأيت إن اشتريت مقثأة, وفيها بطيخ وقثاء, فأصابت الجائحة جميع ما في المقثأة من الثمرة وهي تطعم في المستقبل؟ قال ابن القاسم: ينظر إلى هذا البطن الأول

الذي أصابته الجائحة, فيعرف كم نبات ثمرته, وتقوم أيضا فيعرف كم قيمته على غلائه ورخصه وفيما يأتي بعد, فيعرف كم نباته وقيمته في كثرة حمله, وينظر إلى قيمته أيضا. هكذا يقوم بطنا بعد بطن ويضم بعضه إلى بعض, ويعرف النبات فإن كان البطن الذي أصابته الجائحة هو الثلث, ثلث الثمرة التي اشترى, نظر إلى ما كانت قيمة هذا البطن الذي أصابته الجائحة, فيطرح عن المشتري قدرها من الثمن. وتفسير ذلك أنه لما أصابت الجائحة البطن الأول فيعرف قدر نبات ثمرته, عرف قيمته في غلائه ورخصه. ثم ينظر إلى ما يأتي من نباتها في المستقبل, فيعرف قدر كل بطن وقيمته على غلائه ورخصه, فضمت القيمة قيمة كل بطن بعضها إلى بعض. ثم ينظر إلى البطن الذي أصابته الجائحة ما هو من جميع نبات ثمرة هذه المقثأة. فإن كان ذلك الثلث ثلث الثمرة, وضع عن المشتري من الثمن قدر قيمته من ذلك البطن الذي أصابته الجائحة, فإن كان ثمن ذلك نصف جميع نبات ثمرة المقثأة أو ثلثيه أو ثلاثة أرباعه أو أقل أو أكثر, طرح من الثمن بقدر ذلك, وسواء كان الذي أصابت الجائحة منه في أول أو في آخر أو في وسط. إنما ينظر, فإن كان الذي أصابت الجائحة في وسط نظر إلى ما كان أكل المشتري فعرف قدر نباته وقيمته في غلائه ورخصه, وينظر إلى الذي أصابت الجائحة, فيعرف قدر نباته وقيمته. وينظر إلى الذي يأتي بعد ذلك حتى تنقطع المقثأة. فإن كان الذي أصابت الجائحة هو ثلث نبات الثمرة, قيل كم قيمة الذي أصابت الجائحة من جميع القيمة؟ فإن كان ذلك نصف القيمة أو ثلثيها, وضع عن المشتري من الثمن نصفه أو ثلثاه, لأنه قد عرف ما أكل المشتري وما أصابت الجائحة وما جاء بعد ذلك, فلما كان ذلك ثلث الثمرة وقد كنت أقمت من ذلك البطن الذي أصابت الجائحة, والذي أكل المشتري والذي جاء بعد ذلك, فعرفت قيمة ذلك في قدر غلاء أوله وآخره ورخصه ورغبة الناس فيه, فوضعت عن المشتري من الثمن بقدر قيمة الجائحة.
وتفسير ذلك لو أن رجلا اشترى مقثأة بمائة دينار وخمسين دينارا, وأصابت الجائحة بطنا منها الأول أو الأوسط الآخر, أنها إن كانت أول البطن الذي أصابته الجائحة, عرف قدر نباته أقيم. فإن كانت قيمته مائة دينار وعرف ناحية نباته, نظر إلى الذي يأتي بعد, فيقام بطنا بعد بطن على ما فسرت لك من رغبة الناس فيه ورخصه وغلائه, فإن كانت قيمة هذا البطن الثاني ستين دينارا وقد عرف ناحية نباته أيضا, نظر إلى البطن الثالث فأقيم أيضا. فإن كانت قيمته أربعين دينارا وانقطعت الثمرة فلم يكن فيها إلا ثلاثة بطون وقد عرف ناحية البطن الآخر, قيل انظروا كم ثمرة كل بطن بعضه من بعض, فإن قالوا: النبات في كل بطن في الثمرة سواء, فالذي أصابت الجائحة هو الثلث من الثمرة وقيمته مائة دينار, وقيمة البطن الثاني ستون دينارا والآخر أربعون دينارا, فذلك مائتا دينار. وقد

كان الشراء بخمسين ومائة دينار. قلنا: فانظروا إلى مبلغ البطن الذي أصابت الجائحة وهو ثلث الثمرة, فإذا هو مائة دينار. قلنا: فأي شيء مائة دينار من جميع قيمة المقثأة؟ قيل: النصف, لأن البطن الأول الذي كانت فيه الجائحة قيمته مائة دينار, والثاني ستون دينارا, والآخر أربعون دينارا, فذلك مائتا دينار. فقد صار قيمة الذي أصابته الجائحة من جميع قيمة المقثأة النصف. قلنا: فارجع على البائع بنصف الثمن إن كنت نقدته الثمن, وإن كنت لم تنقده الثمن, فعلى هذا فقس جميع ما يرد عليك من هذا

في جائحة التين والخوخ والرمان وجميع الفواكه
قال: وكذلك الفاكهة: التين والخوخ والرمان والتفاح, وكل ما يكون بطنا بعد بطن, إنما ينظر إلى أوله وآخره. فيقوم فيعرف قيمته وقدر ثمرته, فينظر إلى الذي أصابته الجائحة, فإن كان ذلك ثلث الثمرة, وكانت قيمة البطن الذي أصابته الجائحة هو نصف جميع قيمة الثمن أو ثلثاه, طرح عن المشتري من الثمن نصفه أو ثلثاه, فعلى هذا يكون ذلك. قال: وأخبرني ابن وهب عن يزيد بن عياض عن رجل حدثه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري, أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ابتاع الرجل الثمرة فأصابتها جائحة فذهبت بثلث الثمرة. فقد وجب على صاحب المال الوضيعة" ابن وهب: وأخبرني يزيد بن عياض عن عبد الرحمن بن القاسم وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبي الزناد عن القاسم بن محمد قال: إذا أصيب المتاع بثلث الثمرة فقد وجب على البائع الوضيعة. قال: وأخبرني أنس بن عياض, أن أبا إسحاق مقدم مولى أم الحكم ابنة عبد الملك حدثه: أن عمر بن عبد العزيز قضى في ثمرة حائط باعته مولاته, فأصاب الثمر كله جائحة إلا سبعة أوسق, وكانت قد استثنت سبعة أوسق. فقال لي عمر, وخاصمت إليه في ذلك: اقرأ على مولاتك السلام وقل لها: قد أغناك الله في الحسب والمال عن أن تأكلي ما لا يحل لك. لا تجوز الجائحة بين المسلمين, وقضى اليمين على المبتاع أن لا يكتم شيئا وعليه ما أكل عماله. قال مقدم: فما صار لنا إلا سبعة أوسق, وهي التي بقيت. قال ابن وهب: وأخبرني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة وأبي الزناد أنهما قالا: لا وضيعة في جائحة فيما دون الثلث إذا أصيب. قال: وأخبرني عثمان بن الحكم عن يحيى بن سعيد أنه قال: لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال. قال يحيى: وذلك في سنة المسلمين. قال: وأخبرني عثمان بن الحكم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق

جائحة البقول
قلت: أرأيت البقول والكراث والسلق وما أشبه هذا, والجزر والبصل والفجل, إذا اشترى الرجل هذه الأشياء التي ذكرت لك وما أشبهها فأصابتها جائحة أقل من الثلث, هل يوضع للمشتري شيء أم لا؟ قال: قال مالك: أرى أن يوضع عن المشتري كل شيء أصابت الجائحة منها قل ذلك أو كثر, ولا ينظر في ذلك إلى الثلث. قال سحنون: وقد ذكر علي بن زياد عن مالك: أن البقل إذا بلغت جائحته الثلث وضع عن المشتري, وإن لم تبلغ الثلث, لم يوضع عنه شيء. وقد ذكره ابن أشرس أيضا عن مالك

جائحة الخضر
قلت: أرأيت من اشترى الفول الأخضر وما أشبهه من القطنية التي تؤكل خضراء, واشترط أن يقطعها خضراء؟ قال: قال مالك: الشراء جائز. قلت: فإن أصابته جائحة؟ قال: أرى إن أصابت الجائحة الثلث, وضع عنه ثلث الثمن لأن هذه ثمرة. قلت: فإن اشترى الفول والقطنية التي تؤكل خضراء بعد ما طابت للأكل قبل أن تيبس, واشترط أن يترك ذلك حتى تيبس؟ قال: لا عند مالك وهو مكروه.

جائحة الزيتون
قلت: أرأيت الزيتون عند مالك أهو مما يخرص على أهله؟ قال: ليس يخرص الزيتون على أهله عند مالك, ولكن ما أصابت الجائحة منه يحمل محمل ما يخرص, لأن مشتريه يقدر على أن يؤخره حتى يجنيه جميعا.

جائحة القصب الحلو
قلت: أرأيت القصب الحلو ليس مما هو يدخر وييبس, إذا أصابته الجائحة؟ قال: لا يوضع منه شيء في الجائحة قليل ولا كثير. وذلك أن بيعه إنما هو بعد ما يمكن قطفه, وليس مما يأتي بطنا بعد بطن. فهو عندي بمنزلة الزرع إذا يبس, ولا يجوز بيعه حتى يطيب ويؤكل. ولقد سألت مالكا عن مساقاته؟ فقال: هو عندي مثل الزرع, تجوز مساقاته إذا عجز عنه صاحبه قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: توضع عنه جوائحه وهو أحسن من هذا

جائحة الثمار التي قد يبست واستحصدت
قال: وقال مالك: كل ما أشتري من النخل والعنب, بعدما ييبس ويصير زبيبا أو تمرا ويستجذ ويمكن قطافه فليس فيه جائحة وما بيع من الحب من القمح والشعير والفول والعدس والقطنية كلها, والسمسم وحب الفجل للزيت وما أشبهه فليس فيه جائحة, لأنه إنما يباع بعد ما ييبس فهو بمنزلة ما لو باعه في الأندر فلا جائحة فيه. وهذا قول مالك. قلت: وما بيع من النخل والعنب أخضر بعد ما طاب فيبس, ثم أصابته الجائحة بعد ذلك فلا جائحة فيه, وهو بمنزلة ما اشتري وهو يابس؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثمرة نخل قد حل بيعه, فتركته حتى طاب للجداد وأمكن, ثم أصابته جائحة تبلغ الثلث فصاعدا؟ فقال: لا يوضع عنه قليل ولا كثير عند مالك, لأن الجداد قد أمكنه. قلت: ويصير هذا بمنزلة رجل اشتراها في رءوس النخل وقد أمكنت للجداد؟ قال: نعم, كذلك قال مالك: يصير بمنزلة الذي اشترى ثمرة قد أمكنت للجداد وتيبس فلا جائحة في ذلك. قال: وقال لي مالك: كل ما اشتري من الأصول وفيه ثمرة قد طابت, مثل النخل والعنب وغير ذلك, فاشتري بأصله فأصابته جائحة فلا جائحة في ثمره. وإنما الجوائح إذا اشتريت الثمار وحدها بغير أصولها.
قلت: وكذلك لو اشترى رقاب النخل, وفيها ثمر لم يطب ولم يحل بيعه ولم يؤبر, أو قد أبرت وقد اشترط المبتاع ثمرة ما قد أبر, فأصابت هذه الثمرة جائحة, أيوضع عنه في قول مالك لما أصابت الجائحة من الثمرة شيء أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يوضع عنه شيء. قلت: فهذا قول مالك في الذي يشتري رقاب النخل وفيها ثمرة لم تؤبر فبلغت فأصابتها جائحة. أنه لا يوضع عن المشتري شيء. هذا وقد علمنا أنه لا يوضع عن المشتري شيء, لأن الثمرة تبع للنخل, لأنها للمشتري وإن لم يشترطها. أرأيت كل ثمرة كانت تكون للبائع إذا اشتراها المشتري إلا أن يشترطها المشتري, لم لا يكون لها حصة من الثمن ويلغى عنه ما أصابت الجائحة إذا بلغت ما أصابت الجائحة ثلث الثمرة؟ قال: لأن مالكا جعل كل ثمرة اشتريت مع الرقاب تبعا للرقاب فلا جائحة فيها. قال: وكذلك الرجل يكتري دارا ويشترط ثمرة نخلات فيها, وفي النخل ثمرة لم تطب أو طلع, فالكراء جائز. وما أصابت الجائحة من ذلك الثمر وإن أصابته كله لم يوضع عن المتكاري قليل ولا كثير, لأن الثمرة تبع للكراء, ولا يقع على الثمرة حصة من الكراء. ومما يبين لك ذلك, أن الرجل يشتري العبد وله مال, فيستثني ماله معه, ولو لم يستثنه كان للبائع فيشتريه, ويشترط ماله فيصاب مال العبد, ثم يجد به عيبا أو يستحق, فيرجع المشتري بالثمن كله فيأخذه ولا يوضع عن البائع شيء لمال العبد الذي تلف.

وهو مما لو لم يستثنه كان للبائع وفيه زيادة في الثمن فلا يوضع عنه شيء. فالثمرة بمنزلة مال العبد, وكذلك سمعت مالكا يقول في الثمرة ومال العبد
قلت: أرأيت لو أني اشتريت زرعا لم يبد صلاحه على أن أحصده, ثم اشتريت الأرض, أيجوز لي أن أدع الزرع حتى يبلغ؟ قال: ذلك جائز عندي, ولم أسمعه من مالك, ولكن مالكا قال في الرجل يشتري النخل وفيها ثمر قد أبر ولم يشترطه, ثم اشتراه بعد ذلك في صفقة أخرى على حدة قبل أن تزهى ويحل بيعه: أن شراءه جائز. فهذا يدلك على مسألتك أنه جائز له أن يترك الزرع. لأن مالكا قال في الثمرة: كل شيء كان يجوز لك أن تشتريه معه فلم تشتره في الصفقة معه, ثم اشتريته بعد ذلك في صفقة على حدة, فذلك جائز كما يجوز لك أولا أن تستثنيه. قلت: فإن أصابته جائحة في هذه الثمرة أيقضي فيها بشيء أم لا؟ قال: لا يقضي فيها بشيء, لأن مالكا قال: من اشترى النخل والثمرة في صفقة واحدة, فأصابت الثمرة جائحة فلا شيء على البائع. قلت: فإن كانت بلحا أو بسرا أو رطبا أو تمرا يوم اشتراها مع النخل؟ قال: نعم, لا جائحة فيها عند مالك, لأنه اشترى الأصل معها فكانت تبعا للأصل. وكذلك الذي اشترى الأصل ثم اشترى الثمرة سحنون: الجواب صحيح إلا أن الحجة فيها, أن البائع إذا باع الثمرة وقد بدا صلاحها في رءوس النخل, أن عليه سقي النخل. وإذا باع النخل بأصولها, وباع منه بعد ذلك ثمرتها, أنه لا سقي على البائع.

في الذي يشتري ثمرة نخلة واحدة فتصيبها جائحة
قلت: أرأيت إن اشتريت ثمرة نخلة واحدة, فأصابت الجائحة ثلث ما في هذه النخلة, أيوضع عني شيء أم لا؟ قال: أرى أن يوضع عنك - إن أصابت الجائحة - ثلث ما في رأس النخلة من الثمرة

في الذي يعري حائطه كله ثم يأخذه بخرصه فتصيبه جائحة
قلت: أرأيت رجلا أعرى حائطه من رجل, فأخذ ذلك منه بخرصه, فأصابته جائحة أيوضع عنه شيء أم لا؟ قال: قال مالك: يوضع عنه مثل ما يوضع عنه في الشراء سواء

الذي يسلم في ثمر حائط بعينه تصيبه الجائحة
قلت: أرأيت إن أسلمت في ثمر حائط بعينه في إبان ثمرة ذلك الحائط, فأصاب الحائط جائحة أتت على ثلث الحائط, أيلزم المشتري شيء أم لا في قول مالك؟ قال:

اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها على أن يجدها فأصابتها جائحة قبل أن يجدها
قلت: أرأيت إن اشتريت ثمرة نخل قبل أن يبدو صلاحها, على أن أجدها من يومي أو من الغد, فأصابها جائحة قبل أن أجدها, أيوضع عني من الجائحة شيء أم لا؟ وهل يكون هذا بمنزلة البقول أو الفاكهة الخضراء في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولكني أرى أن يوضع عنه إن أصابت الجائحة الثلث, فصاعدا. قلت: ولا نراه بمنزلة البقول؟ قال: لا أراه بمنزلة البقول, ولكن أراه بمنزلة الثمار. قلت: وكذلك إن اشترى بلح الثمار كلها, التين واللوز والجلوز والفستق, على أن يجده قبل أن يطيب فأصابته الجائحة, أيوضع عنه لذلك شيء أم لا في قول مالك؟ قال: نعم, إن أصابت الثلث فصاعدا, وإن لم تصب الثلث لم يوضع عنه شيء.

في جائحة الجراد والريح والجيش والنار وغير ذلك
قلت: أرأيت الجراد أهو جائحة في قول مالك؟ قال: قال: الجراد جائحة عند مالك. قلت: وكذلك النار في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك البرد والمطر والطير الغائب - يأتي فيأكل الثمرة - والدود وعفن الثمرة في رءوس الشجر, والسموم - يصيب الثمرة - والعطش - يصيب الثمرة من انقطاع مائها - أو سماء احتبست عن الثمرة حتى ماتت, أترى هذا من الجوائح؟ قال مالك في الماء: إذا انقطع عن الثمرة ماء العيون,

جائحة الحائط المساقي
قلت: أرأيت إن دفعت نخلا إلى رجل مساقاة, فلما عمل أصابت الثمرة جائحة برد أو جراد أو ريح فأسقطه, ما تقول في ذلك؟ وهل سمعت من مالك فيه شيئا؟ قال: سألت مالكا عن ذلك فقال: أراه جائحة توضع عنه. وذكر سعد بن عبد الله عن مالك قال: إذا كان الذي أصابه أقل من الثلث, لم يوضع عنه سقي شيء من الحائط, ولزمه عمل الحائط كله, وإذا أصابت الثلث فصاعدا, كان بالخيار, إن شاء سقى الحائط كله وإن شاء وضع عنه سقي الحائط كله. ولقد تكلم به مالك وأنا عنده قاعد فلم أحفظ تفسيره, وكان سعد أقرب إليه مني فأخبرني به سعد.

الرجل يكتري الأرض وفيها النخل فتصيبها جائحة
قلت: أرأيت إن اكتريت أرضا بيضاء وفيها سواد, فاشترطت السواد أيكون ذلك جائزا قال: قال مالك: نعم, إذا كان السواد الثلث فأدنى. قلت: فإن كان السواد الثلث فأدنى, فاكترى الأرض واشترط السواد, فأثمر السواد, فأصابته جائحة أتت على جميع الثمر, أيوضع عن المتكاري شيء أم لا في قول مالك؟ قال: لا يوضع عنه شيء للجائحة, لأن السواد إنما كان ملغى وكان تبعا للأرض.
قلت: وكذلك أيضا, الدار يكتريها الرجل وفيها نخلات يسيرة فاشترطها المتكاري, فأصابت الثمرة جائحة, أنه لا يوضع للمتكاري شيء من الكراء للذي أصابته الجائحة من الثمرة؟ قال نعم, كذلك

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الشركة

في الشركة بغير مال
قلت: لابن القاسم: هل تجوز الشركة في قول مالك بغير مال من واحد من الشريكين, يقول أحدهما لصاحبه: هلم نشترك: نشتري ونبيع, يتفاوضان في ذلك وقد فوض هذا إليه هذا وهذا إليه هذا. فما اشترى هذا فقد فوض هذا إليه وقبل شراءه وضمن معه, وإن اشترى هذا أيضا كذلك, أتجوز هذه الشركة فيما بينهما؟ قال: لا تجوز عندي, لأن مالكا قال في رجلين ليس لهما رأس مال, أو لهما رأس مال قليل, خرج أحدهما إلى بلد من البلدان وأقام الآخر. فقال له صاحبه: اشتر هناك وبع, فما اشتريت وبعت فأنا له ضامن معك, وما اشتريت أنا وبعت فأنت له ضامن معي. قال: قال مالك: لا تجوز هذه الشركة, وأحدهما يجهز على صاحبه, فكذلك مسألتك لا تجوز وإن كانا مقيمين. قال ابن القاسم: لأن هذا عندي يكره من هذا الوجه لأن هذا يقول له تحمل عني بنصف ما اشتريت, على أن أتحمل عنك بنصف ما اشتريت, فلا يجوز هذا وإنما الشركة على الأموال أو على الأعمال بالأبدان إذا كانت الأعمال واحدة.قلت: أرأيت إن اشتركا بغير مال, على أن يشتريا الرقيق بوجوههما, فما اشتريا فهو بينهما لهما ربحه وعليهما وضيعته؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا, ولا تعجبني هذه الشركة, مثل ما قال في الشريكين اللذين أخبرتك بهما, يشتريان ويبيعان, هذا في بلد وهذا في بلد, ولا رأس مال لهما.
قلت: فإن اجتمعا في صفقة واحدة, فاشتريا رقيقا بوجوههما وليس لهما رأس مال؟ قال: قال مالك: كله جائز, والشركة في هذه الرقيق إذا اجتمعا في شرائهما في صفقة واحدة, كانت الرقيق بينهما وهما شريكان في هذه الرقيق. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم,

هذا قول مالك, لأن رجلين لو اشتريا رقيقا بنسيئة, كان شراؤهما جائزا وكان الرقيق بينهما. قلت: فإن اشتريا هذه الرقيق في صفقة بالدين, على أن كل واحد منهما حميل بما على صاحبه, أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك. قلت: فما فرق ما بين هذين اللذين اجتمعا في شراء هذه الرقيق في صفقة واحدة, وبين اللذين اشتركا في شراء الرقيق وبيعها, على أنهما شريكان في كل ما يشتري كل واحد منهما من الرقيق ويبيع؟ جوزت الشركة للذين اجتمعا في صفقة واحدة, ولم تجزها لهذين اللذين اشتركا وفوض بعضهما إلى بعض؟ قال: لأن البائع هاهنا, إنما وقعت عهدته عليهما جميعا إذا اشتريا في صفقة واحدة, ثم رضيا على أن كل واحد منهما حميل ضامن بما على صاحبه بعضهما على بعض. وأما اللذان فوض بعضهما إلى بعض, فالبائع إنما باع أحدهما ولم يبع الآخر, وإنما اشتركا هذان اللذان تفاوضا بالذمم. وليس تجوز الشركة بالذمم وإنما تجوز الشركة بالأموال أو بالأعمال بالأيدي.
قلت: أرأيت إن أقعدت رجلا في حانوتي وقلت له: أتقبل عليك المتاع وتعمل أنت, على أن ما رزق الله فبيننا نصفين؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك. قلت: أرأيت الشركة بغير مال أتجوز؟ قال: الذي سمعت من مالك, أن الشركة لا تجوز إلا على التكافؤ في الأموال, وما سمعت منه في الذمم شيئا. قال: وقد كره مالك الشركة بالذمم. قال ابن القاسم: ولا تصلح الشركة إلا في المال والعين والعمل, ولا تصلح الشركة بالذمم إلا أن يكون شراؤهما في سلعة حاضرة أو غائبة, إذا حضرا جميعا الشراء وكان أحدهما حميلا بالآخر. قلت: فإن اشتركا بغير مال اشتركا بوجوههما, على أن يشتريا بالدين ويبيعا. فاشترى كل واحد منهما سلعة على حدة, أيلزم كل واحد منهما نصف ما اشترى صاحبه أم لا؟ قال: لا تعجبني هذه الشركة. قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة, وقد أخبرتك في أول مسائل الشركة بما حفظت عن مالك في هذا. قال ابن وهب: عن عامر بن مرة اليحصبي عن عمرو بن الحارث عن ربيعة أنه قال في رجلين اشتركا في بيع بنقد أحدهما, قال ربيعة: لا يصلح هذا وقال الليث مثله.

في الصناع يشتركون على أن يعملوا في حانوت واحد وبعضهم أعمل من صاحبه
قلت: أرأيت الصباغين أو الخياطين, إذا اشتركوا على أن يعملوا في حانوت واحد, وبعضهم أفضل عملا من بعض, أتجوز الشركة بينهم؟ قال مالك: إذا اشتركوا على أن يعملوا في حانوت واحد, فالشركة جائزة. قال ابن القاسم: والناس في الأعمال, لا بد أن يكون بعضهم أفضل عملا من بعض.

في الصانعين يشتركان بعمل أيديهما
قلت: أرأيت الحدادين والقصارين والخياطين والخرازين والصواغين والسراجين والفرانين وما أشبه هذه الأعمال, هل يجوز لهم أن يشتركوا؟ قال: قال مالك: إذا كانت الصناعة واحدة, خياطين أو قصارين أو حدادين أو فرانين, اشتركا جميعا على أن يعملا في حانوت واحد, فذلك جائز. ولا يجوز أن يشتركا فيعملان هذا في حانوت, وهذا في حانوت, أو هذا في قرية, وهذا في قرية أخرى, ولا يجوز أن يشتركا, وأحدهما حداد والآخر قصار, وإنما يجوز أن يكونا حدادين جميعا أو قصارين جميعا على ما وصفت لك. قلت: أرأيت إن اشتركا على عمل أيديهما وهما قصاران ولا يحتاجان إلى رأس مال, فاشتركا على أن على هذا من العمل الثلث, وعلى هذا الثلثين, على أن لصاحب الثلث من كل ما يصيبان الثلث, ولصاحب الثلثين من كل ما يصيبان الثلثين, وعلى أن على صاحب الثلث ثلث الضياع, وعلى صاحب الثلثين ثلثي الضياع؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك. مثل الشركة في الدراهم. لأنهما إذا اشتركا بعمل أيديهما, جعل عمل أيديهما مكان الدراهم. فما جاز في الدراهم جاز في عمل أيديهما. قلت: وكذلك إن اشترك جماعة قصارون, أو جماعة حدادون في حانوت واحد في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن احتاج الصباغون إلى رأس مال أو أهل الأعمال ممن سواهم, كيف يشتركان؟ قال: يخرجان رأس المال بينهما بالسوية, فيشتركان في أعمالهما يعملان جميعا. قلت: فإن أخرج أحدهما من رأس المال الثلثين, وأخرج الآخر من رأس المال الثلث, على أن يعملا جميعا فما أصابا فهو بينهما نصفين؟ قال: لا تجوز هذه الشركة عند مالك, وإن اشتركا فأخرج أحدهما الثلث من رأس المال, والآخر الثلثين, فاشتركا على أن على صاحب الثلثين من العمل الثلثين, وعلى صاحب الثلث من العمل الثلث, والربح بينهما على الثلث والثلثين: لصاحب الثلث الثلث, ولصاحب الثلثين الثلثان, فذلك جائز عند مالك. وقال مالك في الرجلين يشتركان على أن يخرج أحدهما الثلث من رأس المال, ويخرج الآخر الثلثين, على أن العمل عليهما نصفان والربح بينهما نصفان, قال مالك: لا خير في هذه الشركة. قال وإن اشتركا على أن يكون من عند أحدهما ثلثا رأس المال, ومن الآخر الثلث, على أن على صاحب الثلثين ثلثي العمل, وعلى صاحب الثلث ثلث العمل, والربح بينهما على الثلث والثلثين, لصاحب الثلثين الثلثان ولصاحب الثلث الثلث, والوضيعة بينهما على ذلك, قال مالك: هذا جائز, وكذلك الشريكان في القصارة والخياطة والصباغة وجميع أهل الأعمال الذين يعملون بأيديهم, إذا احتاجوا إلى رأس مال يعملون به مع عملهم بأيديهم. قال ابن القاسم: ومن الأعمال أعمال لا يحتاجون فيها إلى رأس مال, فلا بأس أن يشتركوا في عمل أيديهم.

في القصارين يشتركان على أن المدقة والقصارى من أحدهما والحانوت من عند الآخر على أن ما رزق الله بينهما نصفان
قلت: أرأيت لو أن قصارين اشتركا, على أن المدقة والقصارى ومتاع القصارة من عند أحدهما, والحانوت من عند الآخر, على أن ما رزق الله بينهما نصفان؟ قال: لا يعجبني هذا, ولم أسمعه من مالك. إلا أني سمعت مالكا يقول في الرجل يأتي بالدابة والآخر بالرحا, فيعملان كذلك, اشتركا على أن ما رزق الله بينهما نصفان: أن ذلك غير جائز. فأرى مسألتك مثل هذا, أنه غير جائز إذا كانت إجارتهم مختلفة. قلت: أرأيت إن اشترك قصاران, من عند أحدهما المدقة والقصارى, وجميع الأداة تطاول بذلك على صاحبه, على أن ما رزق الله بينهما نصفان, أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا خير في هذه الشركة إذا كان للأداة قدر وقيمة كبيرة, لأن مالكا قال في الرجلين يشتركان في الزرع, وتكون الأرض لأحدهما, لها قدر من الكراء, فاشتركا على أن يلغي صاحب الأرض كراءها لصاحبه, ويخرجا ما بعد ذلك من العمل والبذر بينهما بالسوية, قال: لا خير في ذلك, إلا أن يخرج الذي لا أرض له نصف كراء الأرض ويكون جميع العمل والبذر بينهما بالسوية. فكذلك الشركة في العمل بالأيدي لا تصلح, إلا أن تكون الأداة منهما جميعا. قلت: أرأيت إن كانت أداة العمل من عند أحدهما, فاستأجر شريكه الذي لا أداة عنده نصف تلك الأداة, واشتركا على أن ما رزق الله بينهما نصفان؟ قال: هذا جائز, مثل الشريكين في الزرع - والأرض من عند أحدهما - على أن نصف كراء الأرض على شريكه. قلت: أرأيت إن تطاول عليه بالشيء القليل من أداة القصارة مثل المدقة والقصرية؟ قال: إن كان شيئا يسيرا تافها لا قدر له في الكراء, فلا أرى به بأسا. لأن مالكا قال في الشريكين في الزرع, يكون لأحدهما الأرض, ولا خطب لها في الكراء فرب بلدان, لا تكون للأرض عندهم كبير كراء, مثل بعض أرض المغرب وما أشبهها, تكون الأرض العظيمة كراؤها الشيء اليسير. قال مالك: فلا أرى بأسا أن يلغي كراء الأرض, فلا يأخذ لها كراء, إذا كان كراؤها تافها يسيرا, ويكون ما بقي بعد كراء هذه الأرض بينهما بالسوية.

في الرجال يأتي أحدهم بالبيت وآخر بالرحا والآخر بالبغل فيشتركون على أن ما أطعم الله بينهم بالسوية
قلت: أرأيت إن اشتركنا ثلاثة نفر: لي بيت ولصاحبي الرحا ولصاحبي الآخر

البغل على أن ما أصبنا من شيء فهو بيننا سواء. وجهلنا أن يكون هذا غير جائز, فعملنا على هذا فأصبنا مالا؟ قال: يقسم المال بينهم أثلاثا إن كان كراء البيت والدابة والرحا معتدلا. قلت: فإن كان مختلفا قال: يقسم المال بينهم أثلاثا, لأن رءوس أموالهم عمل أيديهم, فقد تكافئوا فيه. ويرجع من له فضل كراء في متاعه على صاحبه. قلت: فإن لم يصيبوا شيئا؟ قال: يترادون الفضل فيما بينهم, ويرجع بذلك بعضهم على بعض, إن لم يصيبوا شيئا بفضل الكراء, وهو عندي مثل ما قال مالك في الرجلين يشتركان, يأتي أحدهما بمائة درهم والآخر بخمسين درهما, على أن الربح بينهما بنصفين. قال مالك: لا خير فيه ويقسمان الربح على قدر رءوس أموالهما, ويقام لصاحب الخمسين الزائدة عمله في خمسة وعشرين درهما. لأن الخمسين الزائدة عملا فيها جميعا, فعمل صاحب الخمسين الزائدة في خمسة وعشرين منها, وعمل صاحبه في خمسة وعشرين منها من الخمسين الزائدة, فله أجرة مثله فيما عمل. فإن لم يربحا ووضعا, كانت الوضيعة عليهما على قدر رءوس أموالهما, ويكون لصاحب الخمسين أجر عمله في الخمسة والعشرين الزائدة التي عمل فيها.
قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يأتي بالرحا ويأتي الآخر بالدابة, يعملان جميعا, على أن ما اكتسبا فهو بينهما. قال مالك: لا خير في ذلك, فلما قال مالك: لا خير في ذلك, فسرنا ما سألتنا عنه من المسألة التي كرهها مالك. قلت: أرأيت إن اشتركوا على أن الرحا من أحدهم والبيت من آخر والدابة من آخر, على أن على رب البغل العمل فعمل على هذا؟ قال: العمل كله لصاحب الدابة الذي عمل, وعليه أجر الرحا والبيت. قلت: وإن لم يصب شيئا؟ قال: نعم, وإن لم يصب شيئا.
قلت: لم جعلت جميع العمل لهذا الذي شرطوا عليه العمل, ولم تجعل أصحابه معه شركاء في الرحا والبيت, وقد أشركت بين الذين عملوا بأيديهم في المسألة الأولى؟ قال: لأن أولئك لم يسلم بعضهم إلى بعض ما في يديه, وكان بعضهم آجر بعضا سلعته, على أن اشتركوا في العمل بأيديهم. وأن هذا الذي سألت الذي شرط عليه العمل وحده ولم يعمل أصحابه معه, أسلم إليه الرحا والبيت فعمل بها, فهو كأنه أعطى رحا وبيتا, وقيل له اعمل فيه, على أن لك نصف ما تكتسب ولنا النصف أو الثلث, فإنما هو استأجر هذه الأشياء بثلث أو بنصف ما يكتسب فيها. فالإجارة فاسدة فعليه أجرة مثلها.
قال: وقال مالك في الرجل يدفع إلى الرجل دابته أو سفينته, يعمل عليها على أن نصف ما يكسب عليها, قال: ما أصاب على الدابة أو السفينة فهو له, ويعطي رب الدابة أجر مثلها. فالرحا والبيت عندي مثل الدابة التي يعمل عليها على النصف عند مالك.

وإنما قسمت المال في هذه المسألة على الأبدان, وجعلت الأبدان رءوس أموالهم. لأن ما أخرجوا من المتاع له أجرة, وقد تكافئوا في عملهم بأيديهم. فإذا كان إجارة ما أخرجوا من المتاع معتدلا, فقد أكرى كل واحد منهم متاعه بمتاع صاحبه, وكانت الشركة صحيحة. ألا ترى لو أن هؤلاء الثلاثة أرادوا أن يشتركوا - والمتاع من عند أحدهم - فاكتروا منه ثلثي ما في يديه, لجازت شركتهم إذا اعتدلت هذه الأشياء بينهم؟ فكذلك إذا كان لكل واحد منهم شيء على حدة, وكراؤهم معتدلا, أن كل واحد منهم كأنه أكرى متاعه بمتاع صاحبه, وإن كان مختلفا أعطى من له فضل ما بقي من فضله, ولم تكن الدواب رءوس أموال مثل الدنانير والدراهم إذا اختلفت, بأن يخرج هذا مائتين وهذا مائة ويكون الربح بينهما شطرين والوضيعة كذلك, فيكون الربح لرأس المال لأنه مما لا يجوز أن يؤاجر والرجال يؤاجرون, فيقسم الفضل على المال ويعطي الرجال الذين تجوز إجارتهم عمل مثلهم, فيما أعانوا من له الفضل في رأس ماله, كان في ذلك ربح أو وضيعة. أو لا ترى لو أن صاحب المائتين, شرط على صاحب المائة العمل لكان فاسدا. فإن وقع فضل أو كانت وضيعة, فعلى المال وللمال, لأنه لا يؤاجر وهو رأس المال. وأعطى العامل أجرة مثله فيما عمل في صاحب المائتين؟ أو لا ترى أن الذين اشتركوا بأيديهم وأخرجوا الرحا والبيت والبغل, لما شرطوا العمل على رب البغل, كان الربح له والوضيعة عليه وكان عليه أجر الرحا والبيت, لأن لهم أجره وصار عمله كأنه رأس المال؟ وهذا مذهب أصل قول مالك

في الصانعين المشتركين بعمل أيديهما يمرض أحدهما أو يغيب
قلت: أرأيت لو أن قصارين أو حدادين أو أهل الصناعات كلهم اشتركا, أهل نوع, على أن ما رزق الله بينهما, فمرض أحدهما وعمل الآخر؟ قال: قال مالك: إذا اشتركا وكانا في حانوت, فمرض أحدهما وعمل الآخر, والعمل بينهما فلا بأس بذلك. وكذلك إن غاب أحدهما اليوم واليومين وما أشبهه, وعمل الآخر, فالعمل بينهما, لأن هذا أمر جائز بين الشركاء. قال ابن القاسم: ولكن إن مرض فتطاول به مرضه أو ما أشبهه, وغاب فتطاول ذلك, فهذا يتفاحش. فإن عمل الحاضر والصحيح, فأحب أن يجعل نصف العمل لشريكه الغائب أو المريض من غير شرط, كان بينهما في أصل الشركة أنه: من مرض منا المرض الطويل, أو غاب مثل الغيبة البعيدة, فما عمل الآخر فهو بينهما. فإذا لم يكن هذا الشرط, وأراد العامل أن يعطي المريض أو الغائب نصف ما عمل, فلا بأس بذلك. وإن كان الشرط بينهما فالشركة فاسدة. قلت: تحفظ هذا عن مالك في المرض الطويل والغيبة الطويلة؟ قال: لا, إلا أن مالكا قال: يتعاون الشريكان

في المرض والشغل فحملت أنا ذلك على المرض الخفيف والغيبة القريبة. قلت: فإن كان هذا الشرط بينهما وأفسدت هذه الشركة بينهما, كيف يصنع بما عملا؟ قال: يكون ما عملا إلى يوم مرض أو غاب, بينهما على قدر عملهما. وما عمل الصحيح بعد المريض أو الحاضر بعد الغائب فذلك للعامل, ولا يكون لصاحبه فيه شيء.

في الصانعين الشريكين بعمل أيديهما يضمن أحدهما ما دفع إلى شريكه يعمله
قلت: أرأيت لو أن قصارين اشتركا أو خياطين, أيضمن كل واحد منهما ما يقبل صاحبه؟ قال: نعم. لأن مالكا قال: شركتهما جائزة. فأرى ضمان كل واحد منهما جائزا على صاحبه, وصاحبه ضامن لما ضمن هذا. فأرى أن على كل واحد منهما ضمان ما ضمن صاحبه من عملهما.

في الصانعين الشريكين بعمل أيديهما يدفع إلى أحدهما العمل يعمله فيغيب أو يفاصل شريكه أيلزم بما دفع إلى شريكه
قلت: أرأيت إن دفعت إلى خياط ثوبا ليخيطه, فغاب الذي دفعت إليه الثوب فأصبت شريكه, أيكون لي أن ألزمه بخياطة الثوب في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن افترقا, فلقيت الذي لم ادفع إليه الثوب, أيكون لي أن ألزمه بخياطة الثوب في قول مالك قال: نعم. قلت: لم وقد افترقا؟ قال: لأن عهدتك وقعت عليهما قبل فرقتهما, فلك أن تأخذ أيهما شئت بعملك, لأن كل واحد منهما ضامن عن صاحبه.قلت: وكذلك لو أني بعت أحد الشريكين سلعة من السلع بدين إلى أجل, ثم افترقا, فلقيت الذي لم أبعه شيئا بعد فرقتهما, أيكون لي أن آخذه بالدين؟ قال: نعم, لأن عهدتك وقعت عليهما قبل فرقتهما. وكل واحد منهما ضامن لما على صاحبه

في شركة الأطباء والمعلمين
قلت: هل تجوز شركة الأطباء, يشترك رجلان على أن يعملا في موضع واحد, يعالجان ويعملان, فما رزق الله فبينهما نصفين؟ قال: سألت مالكا عن المعلمين يشتركان في تعليم الصبيان, على أن ما رزق الله فبينهما نصفان؟ قال: إن كانا في مجلس واحد فلا بأس به. قال: وإن تفرقا في مجلسهما فلا خير في ذلك. قال: وكذلك الأطباء عندي, إذا كان ما يشتريانه من الأدوية, إن كان له رأس مال يكون بينهما جميعا بالسوية.

في شركة الحمالين على رءوسهما أو دوابهما
قلت: هل تجوز الشركة - في قول مالك - بين الجمالين والبغالين والحمالين على رءوسهم وجميع الأكرياء الذين يكرون الدواب؟ قال: لا يجوز ذلك. قلت: لم لا يجوز ذلك؟ ولم لا يجعل هذا بمنزلة الشركة في عمل الأيدي؟ قال: ألا ترى أن مالكا, لم يجوز الشركة في عمل الأيدي إلا أن يجتمعا في حانوت واحد, ويكون عملهما نوعا واحدا, سراجين أو خياطين, ودواب هذا تعمل في ناحية, ودواب هذا تعمل في ناحية, فهذا غير جائز, إلا أن يعملا في موضع واحد لا يختلفان, مثل أن يتقبلا الشيء يحملانه جميعا, ويتعاونان فيه جميعا. ألا ترى أيضا أن الشركة لا تجوز بين أهل الصناعات إذا كانت الأداة لأحدهما دون الآخر؟ ولم يجوز الشركة بينهما أيضا إذا كانت الأداة بعضها من هذا وبعضها من هذا, إذا كانت الأداة كثيرة لها قيمة مختلفة, حتى يكونا شريكين في جميع الأداة. فتكون الأداة التي يعملان بها بينهما جميعا, فما ضاع منها أو تلف, فمنهما جميعا. وما سلم منها فمنهما جميعا. وإن كانت الأداة تافهة يسيرة, فلا بأس أن يتطاول بها أحدهما على صاحبه. فهذا أيضا يدلك على أن الشركة بالدواب غير جائزة ولو استأجر الذي لا أداة له من شريكه نصف الأداة, واشتركا كان ذلك جائزا على مثل الشركة في الأرض. وقد فسرت لك ذلك.قال سحنون: وقد روى ابن غانم في شركة الحرث عن مالك اختلافا فيما يخرجان من البقر والأداة, ذكره بعض الرواة عن مالك: أن ذلك لا يجوز حتى يكون البقر والأداة بينهما, فتكون المصيبة منهما جميعا. وروى غيره - وهو ابن القاسم - إذا كان ما يخرج هذا من البقر والأداة, ويخرج من الممسك والأرض مستوية في كرائه, أن ذلك جائز بعد أن يعتدلا في الزريعة. قلت: فما تقول في الدابة, تكون لرجل, فيأتيه رجل فيستأجر نصفها, ثم يشتركان في العمل عليها, فما أصابا فبينهما؟ قال: لا بأس به. وما سمعت في هذا شيئا. قلت: أرأيت إن كان لي بغل ولصاحبي بغل, فاشتركنا على الحمولة التي تحمل على البغلين؟ قال: ما أرى بأسا إذا كانا يحملان جميعا. فيحملان على دابتيهما, لأن هذين يصير عملهما في موضع واحد. وهذا رأيي, مثل أن يتقبلا الشيء يحملانه إلى موضع واحد, وإن كانا يعمل كل واحد منهما على حدة فلا خير فيه.

في الرجلين يشتركان على أن يحتشا أو يحتطبا على أنفسهما أو دوابهما
قلت: هل يجوز للشريكين أن يشتركا, على أن يحتطبا الحطب, فما احتطبا من شيء فهو بينهما نصفين؟ قال: إن كانا يعملان جميعا معا في موضع واحد فلا بأس بذلك وذلك جائز, وإن كانا يحتطبان كل واحد منهما على حدة, فما حطب هذا فهو بينهما وما

حطب هذا فهو بينهما, فهذا لا يجوز, مثل ما قال في الخياطين يعملان, هذا في حانوت وهذا في حانوت. قلت: وكذلك إن اشتركا على أن يحتشا الحشيش, أو يجمعا بقل البرية وأثمار البرية فيبيعانه, فما باعا به من شيء فهو بينهما, أو اشتركا على أنهما إذا جمعا ذلك اقتسماه بينهما؟ قال: إن كانا يعملان ذلك معا, فما احتشا اقتسماه بينهما, أو ما جمعا من الثمار أو باعا من ذلك, فالثمن بينهما فلا بأس بذلك. قلت: أرأيت إن اشتركا على أن يحتطبا على دوابهما, أو على غلمانهما, أو يحتشا عليهم, أو يلقطا الحب أو الثمار, أو يحملاه على الدواب فيبيعان ذلك, أتجوز هذه الشركة في قول مالك أم لا؟ قال: إذا كانا جميعا, يعملان في عمل واحد لا يفترقان, فذلك جائز. وهذا بمنزلة لو عملا بأيديهما في شيء واحد. وقد قال مالك في الزرع يشتركان فيه, فيأتي كل واحد منهما بثوره وبغلامه وما أشبه هذا من أداة الحرث قال مالك: هذا جائز, وهذا بمنزلته.قلت: فما تقول في الرجلين يخرجان دابتيهما, على أن يكرياهما, ويعملا جميعا معا, فما رزق الله بينهما؟ قال: لا يعجبني هذا, لأن الكراء, ربما أكرى أحدهما ولم يكر الآخر, وليس هو أمرا يدوم العمل عليهما, مثل الرجلين اللذين يعملان بأيديهما, ذانك يعملان فيما قل أو كثر مما استعملا, ولو أجزت لك هذا لأجزت لك أن يشترك الرجلان, على أن يحملا على رقابهما. فهذا لا يجوز على أن يكونا حمالين عندي, لأن هذا يحمل إلى حارة بني فلان, وهذا إلى حارة بني فلان, والعمل مفترق. ولا تجوز الشركة فيه, وكراء الدواب كذلك عندي, وهو مفترق. ولا أحفظ من مالك فيه شيئا أقوم لك عليه الساعة, إلا أن يكونا مجتمعين في كل ما يعملان ولا يفترقان, فلا بأس به. وإن كان ذلك لا يقدر عليه ولا بد من افتراقهما فلا خير فيه.

في الرجلين يشتركان في صيد السمك أو الطير أو الوحش في نصب الشرك وصيد البزاة والكلاب
قلت: وكذلك إن اشتركا على صيد السمك وصيد الطير وصيد الوحش؟ قال: نعم, وذلك جائز إذا كانا يعملان جميعا بحال ما وصفت لك. قلت: وكذلك إن اشترك صيادان, يصيدان السمك أو الطير بالشباك أو الشرك أو الوحش, فهو على ما وصفت لي؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن اشتركا في نصب الشرك والحبالات للطير والوحش, أيجوز ذلك؟ قال: إذا كانا يعملان جميعا فلا بأس به. قلت: أرأيت إن اشتركا في صيد البزاة وصيد الكلاب, على أن ما صادا ببازيهما أو بكلبيهما فذلك بينهما نصفين, أيجوز ذلك؟ قال: لا أرى ذلك, إلا أن تكون البزاة والكلاب بينهما, أو يكون البازان يتعاونان والكلبان, فيكون طلبهما واحدا وأخذهما واحدا, فلا يفترقان في ذلك.

في الشركة في حفر القبور والمعادن
قلت: أرأيت إن اشتركا في حفر القبور وحفر المعادن والآبار والعيون وبناء البنيان وعمل الطين وضرب اللبن وطبخ القراميد وقطع الحجارة من الجبال؟ قال: ذلك جائز كله عند مالك لأنهما يجتمعان في هذا جميعا معا. فإن كان يعمل هذا في ناحية وهذا في ناحية, فلا يجوز ذلك, لأن الشريكين في الأعمال بالأيدي, لا يجوز لهما أن يعملا, إلا في حانوت واحد. فكذلك هذان, لا يجوز لهما أن يعملا إلا في موضع واحد. قلت: أرأيت إن اشتركا في حفر المعادن؟ قال: ما أرى به بأسا, إذا كانا يعملان جميعا في موضع واحد, يحفران فيه, ولا يعمل هذا في غار وهذا في غار. قلت: فإذا عملا في المعادن جميعا, فما أدركا من نيل فهو بينهما في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن مات أحدهما بعد ما أدركا النيل؟ قال: قال مالك: في المعادن لا يجوز بيعها, لأنها إذا مات صاحبها الذي عملها, أقطعها السلطان لغيره, فلذلك لا يجوز بيعها. فأرى المعادن لا تورث, لأنه إذا مات صاحبه رجع إلى السلطان يرى فيه رأيه, ويقطعه لمن يرى. وينبغي له أن ينظر في ذلك لجميع المسلمين. وقد سئل مالك عما ظهر من المعادن, مثل معادن إفريقية ماذا ترى فيها؟ قال: أرى ذلك إلى الإمام يقطعها للناس يعملونها, ولا يراها لأهل البلد. قلت: أرأيت إن اشتركا في حفر الكحل والزرنيخ, فمات أحدهما, أيكون للسلطان أن يجعله مثل المعادن في قول مالك؟ أم يجعله لورثة الميت؟ وما كان من معادن النحاس والرصاص والجوهر كله, كيف يكون سبيله؟ قال: أرى سبيله مثل ما وصفت لك في معادن الذهب والفضة, إذا مات العامل صنع السلطان فيها, مثل ما يصنع في معادن الذهب والفضة.

في الشركة في طلب اللؤلؤ والعنبر وما يقذف البحر
قلت: أتجوز الشركة في استخراج اللؤلؤ من البحر, وطلب العنبر على ضفة البحر, وجميع ما يقذف به البحر, والغوص في البحر؟ قال: لا بأس بذلك, إذا كانا يعملان جميعا بمنزلة ما يكونان في المركب, يركبان جميعا ويقذفان جميعا ويتعاونان جميعا. وكذلك الصيادان يخرجان جميعا في المركب, فيقذفان جميعا ويصطادان ويتعاونان جميعا فيما يحتاجان إليه. قال: فلا بأس به وإذا كانا يعملان في موضع واحد مثل ما وصفت لك

الشركة في طلب الكنوز
قلت: فإن اشتركا على أن يطلبا الكنوز والركاز وكل ما كان من دفن الجاهلية أو

في الشركة في الزرع
قلت: أرأيت لو كانت الأرض من عندي, والبقر من عند شريكي, والبذر من عندنا جميعا, والعمل علينا جميعا, أتجوز هذه الشركة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا كان كراء الأرض وكراء البقر سواء, جازت الشركة بينكما. قلت: أرأيت إن كانت البقر أكثر كراء, أو الأرض أكثر كراء, أتجوز هذه الشركة فيما بينهما؟ قال: قال مالك: لا أحبها حتى يعتدلا. قال: وقد كان مالك يقول في الأرض التي لا كراء لها - مثل أرض المغرب التي لا تكرى -: إنما يمنحونها. قال مالك: لو أن رجلا أخرج أرضا من هذه الأرض فألغاها, وتكافآ بعد ذلك من النفقات والبذر والعمل, لم أر بذلك بأسا. وأما كل أرض لها كراء, قال مالك: فلا يعجبني أن تقع الشركة بينهما إلا على التكافؤ.قلت: أرأيت إن اشتركا, فأخرج أحدهما البذر من عنده, وأخرج الآخر الأرض من عنده وتكافئا فيما سوى ذلك من العمل, وكراء الأرض وقيمة البذر سواء؟ قال: قال مالك: لا خير فيه. قلت: ولم؟ وقد تكافئا في العمل, وقيمة كراء أرضه مثل قيمة بذر هذا؟ قال: لأن هذا, كأنه أكراه نصف أرضه بنصف بذره, فلا يجوز أن يكريه الأرض بشيء من الطعام.
قلت: ولا تصلح الشركة في الزرع عند مالك, إلا أن يكون البذر بينهما, ويتكافآ جميعا فيما بعد ذلك من العمل؟ قال: نعم, كذلك قال مالك: إذا أخرجا البذر من عندهما جميعا, ثم أخرج أحدهما البقر والآخر الأرض, أو كان العمل من عند أحدهما والبقر والأرض من عند الآخر, وقيمة ذلك سواء, فلا بأس بذلك. وإنما كره مالك ما أخبرتك من البذر, أن يكون من عند أحدهما والأرض من عند الآخر, لأن هذا يصير كراء الأرض بالطعام. فأما ما سوى هذا فلا بأس به, أن يخرج هذا بعض ما يصلحهم من أداة الحرث, وهذا بعض ما يصلحهم, بعد أن يكون قيمة ما يخرج هذا مثل قيمة ما يخرج هذا.قلت: أرأيت إن اكتريا الأرض جميعا من رجل, وأخرج أحدهما البذور وأخرج الآخر البقر وجميع العمل, وكان قيمة البذر وقيمة كراء البقر وجميع عمل الزرع سواء؟ قال: فلا بأس بذلك عند مالك, لأنهما قد سلما من أن يكون هاهنا كراء الأرض بالطعام, وقد تكافئا بحال ما ذكرت. قلت: أرأيت إن اشتركا على الثلث والثلثين, على

أن العمل بينهما كذلك, والبذر من عندهما كذلك على الثلثين والثلث, أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك جائز عند مالك إذا تكافئا على ذلك.
وسئل ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل الأرض يزرعها, ويعطي من البذر للعامل مثل ما يخرج هو لزراعتها على نصفين, يعطيه أرضه على ذلك, وهي أرض مأمونة لا يكاد يخطئها عام, في أن تروى من الماء - فيعمل العامل فيها من سنته - وإنما هي أرض تحرث الآن ليكرمها بالحرث ويتركها, فإذا كان قابلا إذا احتاج إلى زراعتها زرعها؟ قال ابن القاسم: إذا كانت أرضا مأمونة لا يخطئها أن تروى في كل عام, فلا بأس بذلك إن شاء الله. فإن كانت غير مأمونة, فلا خير فيه, لأنه حين حرث الأرض, كان صاحب الأرض قد انتفع بحرث العامل فيها بحرثه إياها, وبكرمه لها بالحرث بما يرجو من زراعتها. فحين حرثها وتأخر المطر عنها ولم ترو انفسخ العمل فيما بينهما وصار هذا قد انتفع بعمل صاحبه فيها. فلا أحبه أنا, وأكرهه كراهية شديدة, ويكون بمنزلة من تعجل النقد في بيع باعه أو كراء أكراه, مما لا يجوز فيه تعجيل النقد, فيكون من تعجل النقد, أنه قد انتفع بما وصل إليه بغير شيء أوصله إلى صاحبه, فهذا لا يجوز.
قلت: أرأيت لو أن ثلاثة نفر, اشتركوا في زرع, فأخرج أحدهم الأرض, والآخر البقر, والآخر العمل, والبذر بينهم أثلاثا؟ قال: هذا جائز عند مالك, إذا تكافئوا في العمل وكان البذر بينهم بالسوية. قلت: أرأيت إن كان البذر من عند رجلين بالسوية, ومن عند الآخر الأرض وجميع العمل؟ قال: لا خير في هذا. قلت: فلمن الزرع؟ قال: لصاحب الأرض ويعطي هذان بذرهما. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. وقال ابن غانم وابن وهب عن مالك: يكون الزرع لصاحبي الزريعة, ويكون عليهما كراء الأرض, وكراء عمل العامل بمنزلة القراض, إذا كان العمل فيه فاسدا, فيكون النماء والربح للمال, ويكون للعامل أجر مثله, لأن كل ما لا يؤاجر فالربح له, والنماء والوضيعة عليه. ولما يؤاجر أجر مثله والله أعلم. وقد ذكر نحو هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الزرع لصاحب الزريعة وللآخرين أجر مثلهم" قال سحنون: وذكر ابن غانم عن مالك مثل هذا, وهو عندي أعدل وبه أقول أنا.

في الشركة بالعروض
قلت: هل تجوز الشركة بالعروض, يكون عندي ثياب وعند صاحبي حنطة أو دواب, فاشتركنا في ذلك, أتجوز الشركة فيما بيننا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم لا بأس بذلك. قال ابن القاسم: وتفسير ذلك عندي, إذا اشتركا على قدر قيمة سلعة كل واحد منهما, ويكون العمل على كل واحد منهما بقدر رأس ماله, ويكون عليه من

الوضيعة بقدر رأس ماله. قلت: أرأيت إن كان رأس مالهما عرضا من العروض وإن كان مختلفا, فلا بأس أن يشتركا به على القيمة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكيف يقومان ما في أيديهما, وكيف يكونان شريكين؟ أيبيع هذا نصف ما في يديه من صاحبه بنصف ما في يدي صاحبه إذا كانت القيمة سواء, أو يقومان ولا يبيع كل واحد منهما نصف ما في يديه من صاحبه بنصف ما في يدي صاحبه؟ قال: إذا قوما ما في أيديهما, وكان قيمة ما في أيديهما سواء, وأشهدا على أنهما قد تشاركا بالنصف, فقد باعه نصف ما في يديه بنصف ما في يدي صاحبه إذا قوما, وكان قيمتهما سواء, ثم أشهدا على الشركة, فقد باعه نصف سلعته بنصف سلعة صاحبه, وإن لم يذكرا البيع
قلت: أرأيت إن اشتركا بسلعتهما, على أن الربح بينهما نصفين, والوضيعة عليهما نصفين, وعلى أن يكون رأس المال من كل واحد منهما بالسوية, واشتركا في هاتين السلعتين, فلما قوما السلعتين, كانت إحداهما الثلثين والأخرى الثلث, كيف يصنعان؟ وكيف تقع الشركة بينهما في قول مالك؟ قال: إن كانا لم يعملا, وأدركت السلعتان ردتا إلى صاحبيهما وفسخت الشركة فيما بينهما, وإن فاتت السلعتان كانا على الشركة على ما بلغته كل سلعة, ويعطى القليل الرأس المال أجره في الزيادة التي عمل فيها مع صاحبه. وإن كانت وضيعة فضت الوضيعة على جميع المال, فما أصاب الكثير الرأس المال كان على صاحب الكثير رأس المال, وما أصاب القليل كان على القليل الرأس المال, والربح إن كان فكذلك أيضا لأن رأس مالهما كان على ما بلغته سلعتاهما, ولم يكن على ما شرطا ولا يكون على صاحب السلعة القليلة ضمان في فضل سلعة صاحبه على سلعته وليس فضل سلعة صاحبه مما وقع بينهما فيه بيع. ومما يبين لك ذلك أن مالكا قال في الرجل يأتي بمائة ويأتي رجل آخر بمائتين, فيشتركان على أن الربح بينهما, والنقصان عليهما بالسوية والعمل عليهما بالسوية, قال مالك: الوضيعة على قدر رءوس أموالهما, والربح على قدر رءوس أموالهما. ويعطى صاحب المائة أجر مثله, فيما أعان صاحب المائتين في فضل المائتين ولم يجعلها سلفا, وإنما أعطاه إياها على أن يشاركه. ولو كان سلفا لكان له ربح الخمسين التي أعطاه إياها, حتى يساويه في رأس المال, ولكان ضامنا أيضا للخمسين. وتكون أيضا شركة فاسدة, لأنها شركة وسلف. وقال مالك: أراه إنما أسلفه الخمسين, على أن أعانه بالعمل. قال: فأراه مفسوخا لا ضمان عليه في الخمسين, وضمان الخمسين على صاحب المائتين وربحها له ووضيعتها عليه, ويكون عليه لصاحب المائة أجره فيما أعانه فيها. فلو كانت الدنانير تكون هاهنا عند مالك سلفا, لكان يكون ضمانها منه إن جاء بنقصان, ولكان المتاع في الشركة الأولى تبعا, يلزم القليل الرأس المال بنصف قيمة ما يفضله به صاحبه. فلما لم يضمن مالك

الشريكين في العين - إذا فضل فضل أحدهما - ولم يجعله سلفا, وأسقط عنه الضمان, وجعل له الأجر, أسقطت أنا عنه نصف قيمة فضل المتاع, وأعطيته لعمله في ذلك مع شريكه نصف عمل مثله, ولم أره بيعا
قلت: أرأيت إن اشتركا بما يوزن أو يكال مما لا يؤكل ولا يشرب, اشتركا بأنواع مختلفة, أخرج هذا مسكا وأخرج هذا عنبرا وقيمتهما سواء, فاشتركا على أن العمل عليهما بالسوية؟ قال: هذا جائز. قلت: ولم؟ وهذا مما يوزن ويكال. قال: إنما كره مالك, ما يؤكل ويشرب مما يكال ويوزن في الشركة, إذا كانا من نوعين, وإن كانت قيمتهما سواء, لأن محملهما في البيوع قريب من الصرف. فكما كره في الدنانير والدراهم الشركة إن كان قيمتهما سواء, فكذلك كره لي مالك, كل ما يؤكل ويشرب مما يكال أو يوزن مما يشبه الصرف.
قلت: أرأيت العروض وما سوى الطعام والشراب, مما يوزن ويكال ومما لا يوزن ولا يكال, هل يجوز مالك الشركة بينهما, إذا كان رأس مالهما نوعين مفترقين, وقيمتهما سواء والعمل بينهما بالسوية؟ قال ; نعم, هذا جائز, لأني سألت مالكا غير مرة ولا مرتين, على العروض يشتركان به في نوعين مفترقين, إذا كانت القيمة سواء والعمل بالسوية؟ فقال مالك: ذلك جائز. قال: ولم أسأل مالكا عما يوزن أو يكال مما لا يؤكل ولا يشرب, ولكن إنما سألته عن العروض فجوزها لي. فمسألتك هي من العروض, فأرى الشركة بينهما جائزة. قلت: فالشركة بالعروض جائزة في قول مالك بحال ما وصفت لي؟ قال: نعم. قلت: وتجوز الشركة في قول مالك, بالعروض وبالدنانير بحال ما وصفت لي؟ قال: نعم. قلت: وتجوز أيضا بالطعام والدراهم في قول مالك بحال ما وصفت لي؟ قال: نعم. قلت: وبالعروض والطعام؟ قال: نعم, ذلك جائز عند مالك.قلت: أرأيت شريكين اشتركا بالعروض, شركة فاسدة أو صحيحة, فافترقا بعد ما قد عملا. كيف يخرج كل واحد منهما رأس ماله؟ أيكون له رأس ماله يوم يقتسمان, أو رأس ماله يوم وقعت الشركة, فاسدة كانت أو صحيحة؟ قال: أما الصحيحة, فعلى قدر رءوس أموالهما على ما قوما عليه سلعتيهما واشتركا. وأما الشركة الفاسدة, فيردان إليه ما بلغ رأس مال كل واحد منهما, مما بلغته به سلعتاهما في البيع, ويقتسمان الربح على قدر ذلك, والوضيعة على قدر ذلك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: أما في الصحيحة فنعم, هو قول مالك. وأما في الشركة الفاسدة, فهو رأيي, مثل ما قال مالك في الدنانير والدراهم, إذا كانت إحداهما أكثر من الأخرى إذا اشتركا بها: إن لكل واحد منهما رأس ماله يوم وقعت الشركة بينهما, والربح على قدر ذلك والوضيعة, فكذلك الشركة الفاسدة في العروض.

قلت: والعروض إذا اشتركا بها شركة فاسدة, وقد كانا قوما العروض؟ قال: لا ينظر إليه ما قوما به عروضهما, ولكن ينظر إليه ما باعا به العروض, فيعطى كل واحد منهما ثمن عرضه الذي بيع به عرضه. قلت: فإن كانت الشركة بالعروض صحيحة, وقد قوما عروضهما, فباع كل واحد منهما سلعته بأكثر مما قوما به سلعته أو بدون ذلك, ثم افترقا, كيف يأخذ كل واحد منهما رأس ماله؟ أيأخذ القيمة التي قوما بها سلعته؟ أم يأخذ الثمن الذي باعا به سلعتيهما؟ قال: إذا كانت الشركة صحيحة, أخذ قيمتها يوم اشتركا إذا تفرقا, ولا ينظر إليه ما باعا به السلعة, لأنهما حين قوما العرضين في الشركة الصحيحة, فكان كل واحد منهما قد باع نصف سلعته بنصف سلعة صاحبه, وضمن هذا نصف سلعة هذا وهذا نصف سلعة هذا, وفي الشركة الفاسدة, لا يقع لواحد منهما في سلعة صاحبه قليل ولا كثير. فلذلك, كان لكل واحد منهما, ثمن سلعته الذي باع به سلعته في الشركة الفاسدة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا مثل ما قال مالك في الشركة الفاسدة بالدنانير والدراهم.

في الشركة بالحنطة
قلت: هل تجوز الشركة بالحنطة, أخرج أنا عشرة أرادب حنطة, وصاحبي عشرة أرادب حنطة, فنشترك, والحنطتان في الجودة سواء؟ قال: أرى أن الشركة فيما بينهما جائزة. قال: وسألنا مالكا عن ذلك فقال لي: لا أرى الشركة جائزة فيما بينهما, فأبى مالك أن يجيز هذه الشركة لنا. قال: وأنا أرى أن هذه الشركة جائزة, إذا اشتركا على الكيل ولم يشتركا على القيمة. ولا يصلح أن يشتركا وإحدى الحنطتين أفضل من صاحبتها. فيشتركان على قيمة الحنطتين أو بكيل الحنطتين, يكون لهذا سمراء ولهذا محمولة, وأثمانهما مختلفة أو سواء. فيشتركان على أن لصاحب السمراء مثل سمرائه إذا افترقا, ولصاحب المحمولة مثل محمولته إذا افترقا. قال: لا يجوز هذا. قلت: وإن اشتركا على أنهما إذا افترقا, أخذ كل واحد منهما قيمة حنطته, وكانت قيمة الحنطتين ليس سواء حين اشتركا؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك, لأن رأس مال هؤلاء لم يستو.
قلت: أرأيت إن اشتركا على قيمة حنطة كل واحد منهما, وعلى أن العمل على كل واحد منهما على قدر رأس ماله؟ قال ابن القاسم: لا تعجبني هذه الشركة, وليست بجائزة بينهما على كيل الحنطة ولا على قيمتها. فلا أرى أن تجوز الشركة في الطعام, إلا على الكيل, يتكافآن في الكيل ويتكافآن في الجودة وفي العمل, وإلا لم تصلح الشركة. قال: ورجع مالك عن إجازة الشركة بالطعام وإن تكافآ, لم يجزه لنا منذ لقيناه. قلت: لم كرهه مالك؟ قال: ما رأيت له فيه حجة, أكثر من أنه كرهه.قلت: أرأيت إن اشتركا, فأخرج هذا حنطة وهذا شعيرا فقوما, فكانت قيمة الحنطة مثل قيمة الشعير

فاشتركا على ذلك, أو باع هذا نصف شعيره من هذا بنصف حنطة هذا, واشتركا على أن الربح بينهما نصفان والوضيعة كذلك, وعلى أن العمل عليهما نصفان, هل تجوز هذه الشركة في قول مالك؟ قال: لا. قلت: لم لا تجوز هذه الشركة في قول مالك؟ قال: لأن الشركة لا تصلح عند مالك على الدنانير والدراهم, إذا كانت الدنانير من عند هذا والدراهم من عند هذا وإن كانت قيمة الدنانير مثل قيمة الدراهم لم تصلح هذه الشركة عند مالك. وإن كانت القيمة سواء, وكذلك الطعامان إذا اختلفا, تمر وشعير أو تمر وزبيب أو حنطة وشعير أو سمن وزبيب, فإنما محمل هذا عند مالك, محمل الذهب والفضة.قلت: لم جوز مالك الشركة في العروض, وكره ذلك في الطعام؟ قال ابن القاسم لأن الطعام عند مالك بمنزلة الصرف والعروض, إنما هو بيع فلا بأس به.
قلت: ولا تجوز الشركة - في قول مالك - بالطعام والشراب على حال, كان نوعا واحدا أو أنواعا مفترقة؟ قال: نعم, لا تجوز الشركة عند مالك في الطعام على حال, إذا كان من عند هذا الطعام ومن عند هذا الطعام نوعا واحدا كان أو مختلفا. قلت: وأصل هذا, قول مالك في الشركة. أن كل ما يوزن ويكال مما يؤكل ويشرب, لا يصلح أن يشتركا به في قول مالك, وإن كان رأس مالهما نوعا واحدا أو مختلفا. وجوزته أنت, إذا كان رأس مالهما نوعا واحدا في الطعام والشراب؟ قال: نعم.
قلت: فإن كانا اشتركا بالطعام شركة فاسدة, فعملا ثم افترقا كيف يخرجان رءوس أموالهما؟ أيعطى كل واحد منهما مكيلة طعامه, أو قيمة طعامه يوم وقعت الشركة بينهما فاسدة؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك, إلا أني أرى, أن يعطى كل واحد منهما ثمن طعامه يوم بيع. قلت: ولم أعطيت كل واحد منهما ثمن طعامه يوم بيع, ولم لا تعطيه مثل مكيلة طعامه؟ قال: لأن هذين, إنما يعطى كل واحد منهما ثمن طعامه يوم بيع, لأن كل واحد منهما كان ضامنا لطعامه حتى باعه, فلما كان ضامنا لطعامه حتى باعه, لم يعطيا - إذا افترقا - إلا الثمن الذي باعا به طعام كل واحد منهما. قلت: فإن كانا قد خلطا طعامهما قبل أن يبيعاه ثم باعاه؟ قال: يعطى كل واحد منهما قيمة طعامه يوم خلطاه.

في الشركة بالمالين المتفاضلين على أن الربح والوضيعة بينهما بالسوية
قلت: أرأيت إن أخرجت ألف درهم, وأخرج رجل آخر ألفي درهم, فاشتركنا, على أن الربح بيننا والوضيعة بيننا نصفين؟ قال: قد أخبرتك أنها فاسدة عند مالك. قلت: فإن عملا على هذه الشركة فربحا؟ قال: قد أخبرتك أن الربح بينهما على قدر رءوس أموالهما عند مالك, ويكون للقليل رأس المال على صاحبه من الأجرة بحال ما

وصفت لك. قلت: فإن عملا فوضعا نصف رأس المال الذي في أيديهما؟ قال: الوضيعة عند مالك عليهما, على قدر رءوس أموالهما, لأن الفضل الذي يفضله به صاحبه على رأس ماله, إنما كان ذلك الفضل في ضمان صاحبه, الذي الفضل له, ولم يضمن له شريكه من ذلك الفضل شيئا. ألا ترى أن ربح ذلك الفضل, إنما هو للذي له الفضل. فهذا يدلك على أن المصيبة في الفضل من الذي له الفضل. قلت: فإن ذهب رأس المال خسارة, أو ركبهما ثلاثة آلاف دينار من تجارتهما بعد وضيعتهما رأس المال كله, كيف تكون هذه الوضيعة عليهما, والشركة فاسدة على ما وصفت لك, وقد كان شرطهما على أن الوضيعة بينهما نصفين؟ قال: أرى الدين الذي لحقهما من تجارتهما, يكون عليهما على قدر رءوس أموالهما, فيكون على صاحب الألف ثلث هذا الدين ويكون على الذي كان رأس ماله ألفين ثلثا هذا الدين, لأن الشركة إنما وقعت بينهما بالمال ليس بالأبدان. فما لحقهما من دين, فض على المال الذي به وقعت الشركة بينهما وهو رأس أموالهما, فيكون على الذي رأس ماله ألف من الدين الذي لحق الثلث, وعلى الذي رأس ماله ألفان الثلثان, ولا يلتفت إلى الشرط الذي شرطاه بينهما, لأن الشرط كان فاسدا. قال: وهذا الآخر لم أسمعه من مالك, ولكنه رأيي, مثل ما قال لي مالك من الوضيعة في رأس المال

في الشركة بالمالين يشترط أحدهما أن يعمل ولا يعمل الآخر
قلت: هل يجوز أن أخرج ألف درهم, ورجل آخر ألف درهم, فنشترك على أن الربح بيننا نصفين والوضيعة علينا نصفين, على أن يعمل أحدنا دون صاحبه؟ قال مالك: لا تجوز هذه الشركة بينهما, إلا أن يستويا في رأس المال وفي العمل. قلت: فإن أخرج أحدهما ألف درهم, والآخر ألفي درهم, فاشتركا على أن الربح بينهما نصفين والوضيعة بينهما نصفين, أو اشترطا أن الوضيعة والربح على قدر رءوس أموالهما, على أن يعمل صاحب الألف بجميع المال وحده, ويكون عليه العمل وحده؟ قال: قال مالك: لا خير في هذه الشركة. وقال ابن القاسم: ويصنع فيها إن عمل صاحب الألف بجميع المال, فربح كما وصفت لك في الشركة الفاسدة, ويأخذ صاحب الألفين رأس ماله ألفين وصاحب الألف رأس ماله ألفا. ثم يقتسمان الربح على قدر رءوس أموالهما, والوضيعة على قدر رءوس أموالهما, وللعامل الذي عمل في المال من الأجر بحال ما وصفت لك. قال: وأصل هذا, أن الشركة لا تجوز عند مالك, إلا أن يجتمعا في العمل, يتكافآن فيه على قدر رءوس أموالهما. قلت: أرأيت صاحب الألف الذي عمل في جميع المال في ألفه وألفي شريكه على أن الربح بينهما, أو على أن له ثلثي الربح, لم لا تجعله

مقارضا في الألفين اللذين أخذهما من صاحبه, وتجعل للعامل صاحب الألف ثلث الربح للألف التي هي رأس ماله, وتجعله كأنه أخذ الألفين من شريكه مقارضة بالسدس, لأنه شرط نصف ربح الألف, فكان ثلث الربح له بألفه, وسدس ربع الجميع بما عمل في رأس مال صاحبه؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك, لأن هذا لم يأخذ الألفين على القراض, إنما أخذها على شركة فاسدة, فيحمل محمل الشركة الفاسدة. ولا يجتمع أيضا عند مالك شركة وقراض. وقال مالك: لا يصلح أن يقول: أقارضك بألف على أن تخرج من عندك ألف درهم أو أقل أو أكثر, على أن تخلطها بألفي هذه نعمل بهما جميعا, فكره مالك هذه. فهذا يدلك على أن مسألتك لا تكون مقارضة. قال ابن القاسم: لو أن رجلين اشتركا على أن أخرج أحدهما ربعا والآخر ثلاثة أرباع, والعمل عليهما على قدر رءوس أموالهما, فتطوع صاحب الربع فاشترى بجميع المال تجارة, لم يكن له في عمله ذلك أجر

في الشريكين بالمال يشترط أحدهما أن يكون المال على يديه دون صاحبه
قلت: أتجوز الشركة بين الشريكين, ورأس مالهما سواء, والربح على المال والوضيعة, على أن يكون المال في يد أحدهما دون الآخر؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذه الساعة. وأرى إن كان هذا الذي اشترط أن يكون المال على يده, هو الذي يشتري ويبيع دون صاحبه, فأرى الشركة على هذا الشرط غير جائزة, لأن الشركة تكون على الأموال والأمانة أيضا. وهذا لم يأتمن صاحبه حين اشترط أن يكون المال عنده دون صاحبه, وهو الذي يشتري ويبيع دون صاحبه. وإن كانا جميعا, هما اللذان يشتريان ويبيعان, غير أن أحدهما الذي يكون المال في يده دون صاحبه, فلا أرى بهذا بأسا وأراها شركة صحيحة

في الشريكين بالمال بالسوية يفضل أحدهما صاحبه في الربح وفي الشركة بالمال الغائب
قلت: أرأيت إن اشتركا ورأس المال سواء, وفضل أحدهما صاحبه في الربح, أتجوز هذه الشركة في قول مالك أم لا؟ قال: لا تجوز هذه الشركة عند مالك.قلت: هل تجوز الشركة بالمال الغائب؟ قال: سئل مالك عن رجلين اشتركا, أخرج هذا ألفا وخمسمائة درهم, وأخرج صاحبه خمسمائة, وقال: لي ألف درهم في مكان كذا وكذا, فأقام أحدهما وهو الذي له ألف وخمسمائة, وخرج الذي كانت ألفه غائبة إلى الموضع الذي فيه الألف التي زعم أنها له هناك, ليجهز بجميع المال على صاحبه, فلم يقدر

في الشريكين في المالين المختلفي السكة
قلت: أرأيت إن اشتركنا, أخرجت أنا مائة دينار هاشمية, وأخرج صاحبي مائة دينار دمشقية, وللهاشمية صرف غير صرف الدمشقية؟ قال: لا أقوم على حفظ هذا الساعة عن مالك, إلا أنه لا يعجبني, إذا كانت للهاشمية صرف غير صرف الدمشقية لها قدر وقيمة كبيرة, فلا يعجبني هذا. وإن كان فضل صرف الهاشمية شيئا قليلا لا قدر له, وليس لها كبير فضل صرف, فلا أرى بالشركة بأسا فيما بينهما. قلت: لم كرهته إذا كان للهاشمية فضل كبير؟ قال: لأن الهاشمية, إذا كان لها فضل كبير, فاشتركا على أن العمل عليهما نصفين, والربح بينهما نصفين, فقد تفضل أحدهما على صاحبه في رأس المال, وذلك الفضل هو في العين الذي تزيد دنانيره الهاشمية على دنانير صاحبه الدمشقية, فلا تجوز الشركة على أن يكون أحدهما أكثر رأس مال من صاحبه, إلا أن يكون الربح على قدر رءوس أموالهما, والعمل عليهما على قدر رءوس أموالهما. فهما إن أرادا أيضا أن يشتركا على قيمة الدنانير الهاشمية والدمشقية, ويكون الربح بينهما على قدر قيمة دنانير كل واحد منهما. والوضيعة عليهما على قدر ذلك, لم يجز ذلك أيضا, لأن الدنانير لا يصلح أن يشتركا بها على القيمة, وإنما تجوز الشركة, الذهب بالذهب والفضة بالفضة على الوزن, ولا تجوز على القيمة.
قلت: أرأيت إن اشتركا, على أن رأس مال أحدهما ألف يزيدية, ورأس مال الآخر ألف محمدية؟ قال: إذا كان لفضل العين قيمة كبيرة, لا تصلح الشركة, وإن كان تافها فلا بأس بذلك. وقد فسرت لك ذلك في غير هذا الموضع. قلت: أرأيت إن اشتركا على رأس مال هذا ألف دينار هاشمية, ورأس مال هذا ألف دينار دمشقية, وهما في الصرف يوم اشتركا سواء؟ قال: الشركة جائزة.
قلت: فإن افترقا وقد حال الصرف غلت الهاشمية ورخصت الدمشقية, ما يكون لصاحب الدمشقية في رأس ماله, وما يكون

لصاحب الهاشمية في رأس ماله؟ قال: لا ينظر إلى ما حال إليها الصرف, ولكن إذا أرادا الفرقة, اقتسما ما في أيديهما بالسوية عرضا كان أو طعاما أو عينا, لأن ما في أيديهما إذا اشتركا على السوية في رءوس أموالهما, فقد صار ما في أيديهما بينهما, وكذلك في العروض على القيمة إذا استوت القيمتان. وكذلك إن كانا شريكين على الثلث والثلثين في رءوس أموالهما.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة ولكن هذا رأيي.

في الشركة بالدنانير والدراهم
قال ابن القاسم: قال مالك: في الشريكين, يخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير, ثم يشتركان بها. أنه لا خير في ذلك. قلت: ولا تجوز الشركة - في قول مالك - بالدراهم من عند هذا والدنانير من عند هذا؟ قال: لا تجوز عند مالك. قلت: وأصل قول مالك في الشركة, أنها لا تجوز, إلا أن يكون رأس مالهما نوعا واحدا من الدراهم والدنانير؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أن رجلين اشتركا, جاء هذا بمائة دينار وجاء هذا بألف درهم, جهلا ذلك, فعملا على هذا حتى ربحا مالا, كيف يصنعان في رأس مالهما؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: يكون لكل واحد منهما رأس ماله, ويضرب له ربحه على قدر ربح الدنانير للعشرة أحد عشر, والدراهم مثله, والوضيعة كذلك. بلغني عن مالك في الدنانير والدراهم, إذا اشتركا: أنه لا خير فيه, فإن فات, كان لكل واحد منهما رأس ماله, ويضرب له الربح على رأس ماله. قلت: فإن كان المتاع قائما بعينه؟ قال: ذلك سواء كان قائما بعينه أو لم يكن قائما بعينه, يباع ويقتسمانه, فيأخذ هذا منه بقدر ألف درهم, وهذا بقدر مائة دينار, فإن كان فضل كان للعشرة دراهم درهم, وللعشرة دنانير دينار, وإن كانت وضيعة فعلى هذا أيضا يكون. والذي بلغني عن مالك أنه قيل له: فإن اشتركا على هذا كيف يكون؟ قال: يكون لهذا رأس ماله من الذهب, ولهذا رأس ماله من الدراهم, ثم يقتسمان الربح على العشرة أحد عشر, للدراهم: للعشرة دراهم درهم, وللدنانير: للعشرة دنانير دينار.
قال سحنون: وقد قال غيره: إن عرف ما اشترى بالدنانير, وعرف ما اشترى بالدراهم, فليس لواحد منهما شركة في سلعة صاحبه, إلا أن تكون رءوس أموالهما لا تعتدل, فيكون لصاحب القليل الرأس المال على صاحب الكثير الرأس المال أجرة مثله فيما أعانه به, وإن لم يعلم ذلك - وفي المال فضل أو نقصان - قسم الفضل على قدر الدراهم من الدنانير, إن كانت الدراهم من الدنانير يوم اشتركا النصف, اقتسماه على النصف. وإن كانت الثلث فعلى ذلك. ويرجع القليل الرأس المال على الكثير

الرأس المال بأجر مثله فيما أعانه, لأنه قد علم أن السلع بينهما على قدر رأس مال كل واحد منهما من صاحبه, وإنما مثل ذلك مثل الطعام إذا اشتركا به شركة فاسدة, فلم يعلم به حتى اختلطا واشتريا به, فإنهما يقتسمان الربح على قدر قيمة قمح كل واحد منهما من قمح صاحبه, على ما في صدر الكتاب. قلت: أرأيت إن أخرجت أنا ألف درهم, وأخرج صاحبي مائة دينار, فبعته خمسمائة درهم بخمسين دينارا, فاشتركنا أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك. قلت: لم قال: لأن هذا صرف وشركة فلا يجوز وكذلك قال لي مالك: لا يجوز ولا خير فيه. قلت: فإن أخرج رجل خمسين دينارا وخمسمائة درهم, وأخرج صاحبه خمسين دينارا وخمسمائة درهم, فاشتركا جميعا, أتجوز هذه الشركة في قول مالك أم لا؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك. قلت: ما فرق بين هذا وبين المسألة الأولى؟ قال: لأن في الأولى مع الشركة صرف, وهذه ليس فيها صرف. قلت: وكان مالك يجيز أن يشتركا, من عند هذا ذهب وفضة, ومن عند صاحبه ذهب وفضة ذهب مثل ذهب هذا, وفضة مثل فضة هذا؟ قال: نعم.

في الشركة بالدنانير والطعام
قلت: أرأيت إن كان من عند أحدهما حنطة, ومن عند الآخر دراهم, بعد أن تكون قيمة الحنطة والدراهم سواء, أترى بأسا أن يشتركا على ذلك, ويكون العمل عليهما, النقصان والربح والعمل بالسوية في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كانت الدراهم الثلثين, وقيمة الحنطة الثلث, فاشتركا على أن على صاحب الدراهم ثلثي العمل, وعلى صاحب الحنطة ثلث العمل, والربح على قدر رءوس أموالهما, فذلك جائز في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك إن كانت قيمة الحنطة الثلثين, والدراهم الثلث, فاشتركا على قدر رءوس أموالهما, وعلى أن على كل واحد من العمل على قدر رأس ماله وربحه؟ قال: ذلك جائز أيضا عند مالك. قلت: فإن كان من عند أحدهما دنانير, ومن عند الآخر عروض, وقيمتهما سواء أو قيمتهما مختلفة, فذلك جائز أيضا في قول مالك, بحال ما وصفت لي في الدراهم والحنطة؟ قال: نعم. قلت: وبالعروض وبالدنانير وبالدراهم, جائز أيضا في قول مالك بحال ما وصفت لي؟ قال: نعم. قلت: ولم جوز مالك الشركة إذا كان من عند أحدهما طعام ومن عند الآخر دراهم, والدراهم الثلثان وقيمة الطعام الثلث, إذا كان العمل على قدر رءوس أموالهما والربح على ذلك؟ قال: لأن هذا لم يدخله قرض وشركة, ألا ترى أن مالكا قد جوز أن يكون من عند أحدهما ألفان, ومن عند الآخر ألف, على أن الربح بينهما على قدر رءوس أموالهما, والعمل على قدر رءوس أموالهما؟ فالطعام والدراهم بهذه المنزلة والعروض والدراهم

بهذه المنزلة, وكذلك الطعام والعروض, إذا زادت قيمة أحدهما بحال ما وصفت لك, أن ذلك جائز, إذا اشترطا العمل عليهما على قدر رءوس أموالهما, والربح على قدر رءوس أموالهما, والوضيعة على قدر رءوس أموالهما.

في الشريكين بالمالين يضيع أحد المالين
قلت: أرأيت إن اشترك رجلان, من عند كل واحد منهما ألف درهم, فأخرج كل واحد منهما ألفه فصرها, وجعل كل واحد منهما ألفه عنده, ولم يخلطاها حتى ضاعت إحدى الألفين؟ قال: سئل مالك عنها فقال: إذا كان في يد كل واحد منهما دراهمه ولم يخلطاها, فضاع منها شيء, فهو من عند صاحبه الذي ضاع منه, لأن هذين لم يخلطا المال الذي اشتركا به. قال مالك: فلو كانا قد صرا كل ألف في خرقة على حدة, ثم جمعاهما عند أحد الشريكين, أو جعلاهما في خرج أحدهما, فضاعت من أحدهما, كانت المصيبة منهما جميعا, وإن كانت كل واحدة منهما في خريطتها لم يخلطاها. قال: وسألنا مالكا عن الرجلين, يشتركان بمائتي دينار, يخرج أحدهما مائة دينار عتقا, وهذا مائة دينار هاشمية, فاشتركا, ثم ضاعت إحدى المائتين وقد كانت كل واحدة منهما في خريطة؟ قال: إن كانتا كل واحدة منهما مع صاحبها, فمصيبتها منه, وإن كانا قد جمعاها في خرج أو مع أحدهما, إلا أن كل واحدة منهما مصرورة على حدة فأصيبت إحداهما. قال مالك: المصيبة منهما جميعا إذا جعلاها عند أحدهما, أو جمعاها في خرج أحدهما. فلو كان هذا عند مالك مكروها لقال لنا لا خير في هذه الشركة, ولكان ينبغي في قوله إن كان هذا مكروها, أن يجعل المصيبة فيه من الذي ذهبت دنانيره. قال: وإنما جوزه مالك عندي, لأنه لا فضل فيما بين العتق والهاشمية في العين, وعلى هذا حمله مالك أنه لا فضل بينهما.
قلت: أرأيت شريكين اشتركا, ورأس مال كل واحد منهما ألف درهم, على أن يشتريا جميعا التجارات. وألف كل واحد منهما معه لم يخلطاها, حتى اشترى أحدهما بألفه جارية على الشركة, وتلفت الألف التي لشريكه قبل أن يشتري بها شريكه سلعة؟ قال: أرى الجارية بينهما, ومصيبة الألف من صاحب الألف. لأن مالكا قال لي غير مرة, في الرجلين يشتركان بمالين, ورأس مال كل واحد منهما ألف, وهي في يدي صاحبها, قال: مصيبة مال كل واحد منهما من نفسه إلا أن يخلطا ذلك أو يجمعا ذلك في خرج واحد, وإن كانت كل ألف مصرورة على حدة, فضاعت ألف أحدهما بعد ما فعلا ما وصفت لك؟ قال مالك: فالمصيبة منهما جميعا. والذي ذكرت أنهما لم يخلطا, فهذا لما اشترى الجارية, فقد فعل في ألفه ما أمره به صاحبه. فمصيبة الجارية منهما جميعا,

وضياع الألف التي لم يفعل فيها صاحبها شيئا من صاحبها. قال سحنون: وقد قال غيره لا ينعقد بينهما شرك, لأن الشرك لا يكون إلا أن يخلطا المال. ألا ترى أن صاحب المائة التي اشترى بها, يقول لم أرض أن يكون له معي نصيب في مالي, إلا أن يكون لي معه نصيب في ماله, فإذا كان لم ينعقد لي في ماله شركة, فلا شيء له في مالي. أو لا ترى أن مالكا قد قال, في الذي أخرج مائتين, وأخرج الآخر مائة, فاشتركا على أن الربح بينهما نصفين, والنقصان عليهما, ففعلا واشتريا على ذلك: لم يكن فعلهما بالذي يوجب لصاحب القليل الرأس المال في مال صاحبه الكثير الرأس المال نصفه, وقد فعلا على الرضا منهما, ولم يكن فعلهما, إن وقعت وضيعة أن يضمن القليل الرأس المال من مال صاحبه الكثير الرأس المال شيئا, فلا تكون شركة إلا ما خلطا وجمعا.

في الشريكين في البلدين يجهز أحدهما على صاحبه كيف نفقتهما
قلت: أرأيت إن اشتركنا بمال كثير, وهو في بلد وأنا في بلد, يجهز علي وأجهز عليه؟ قال: لا بأس بذلك. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: نعم, هذا قول مالك. قلت: أرأيت المتفاوضين, كيف يصنعان في نفقتهما؟ قال: سألنا مالكا عن الشريكين يكونان في بلدين, يجهز أحدهما على صاحبه وأسعارهما مختلفة, فينفق هذا هاهنا وينفق هذا هاهنا, أترى أن يحسب كل واحد منهما ما أنفق؟ قال مالك: لا أرى ذلك, وأرى أن تلغى نفقة هذا ونفقة هذا جميعا, إلا أن يكون الرجل المنفرد بيديه لا عيال له ولا ولد, والآخر له عيال وولد, فإذا كان هذا هكذا, رأيت أن يحسب كل واحد منهما ما أنفق, وإن لم يكونا على ذلك, رأيت أن تلغى النفقة بينهما. قلت: أرأيت إن كانا في بلد واحد قال: قال مالك: إذا كانا في بلدين, فاختلفت الأسعار: إن النفقة تلغى بينهما, فإذا كانا في بلد واحد, فذلك أحرى أن تلغى النفقة بينهما, لا شك في هذا إذا كان لهما عيال.

الشركة في المفاوضة
قلت: هل يعرف مالك شركة عنان؟ قال: ما سمعت من مالك, ولا رأيت أحدا من أهل الحجاز يعرفه. قال ابن القاسم: وما اشتركا فيه, إن كان في جميع الأشياء فقد تفاوضا, وإن كانا إنما اشتركا في أن اشتريا نوعا واحدا من التجارة مثل الرقيق والدواب, فقد تفاوضا في ذلك النوع. فأما العنان, فلا يعرف ولا نعرفه من قول مالك إلا ما وصفت لك. قلت: أرأيت إن اشتركا في شراء الرقيق وحدها, أتراهما متفاوضين في شراء الرقيق؟ قال: نعم, لأن هذا جائز إذا اشتركا على أصل مال.
قلت: أرأيت إن أقام البينة أنه مفاوضة على الثلث أو على الثلثين, أيجوز هذا في قول مالك ويكونان متفاوضين؟ قال: نعم, لأن هذا جائز إن اشتركا عليه عند مالك.

في مال المتفاوضين
قلت: هل يكونان متفاوضين, ولأحدهما مال دون صاحبه عرض أو ناض؟ قال: نعم. قلت: ولا تفسد المفاوضة بينهما, إذا كان لأحدهما دراهم أو دنانير أو عرض دون صاحبه؟ قال: نعم, لا تفسد المفاوضة بينهما. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت لو أن رجلا أقام على رجل البينة أنه مفاوضة في جميع ماله أيكون جميع ما في يدي الذي أقام البينة بينهما, إلا ما أقاما عليه البينة, أنه ورثه أحدهما دون صاحبه, أو وهب له, أو تصدق به عليه, أو كان له من قبل أن يتفاوضا وأنه لم يفاوض عليه؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: ما سمعت هذا من مالك, ولكنه رأيي. قلت: أرأيت إن كان لأحدهما فضل مال, دنانير أو دراهم ورثها, أو وهب له أو تصدق به عليه, أتنقطع المفاوضة بينهما في قول مالك أم لا؟ قال: لا تنقطع المفاوضة بينهما لذلك, ويكون ما ورث أو وهب له أو تصدق به عليه, له خاصة دون صاحبه.

في المتفاوضين يلزم كل واحد منهما ما يلزم صاحبه من الشراء والبيع والمداينة
قلت: أرأيت ما اشترى أحد المتفاوضين من البيع الفاسد, أيلزم شريكه أم لا؟ قال: ذلك لازم لشريكه. قال: وليس كل الناس فقهاء يعرفون ما يشترون وما يبيعون قال ابن القاسم: فذلك لازم لشريكه إذا فات كما كان يلزمه وحده لو لم يكن معه شريك. قلت: أرأيت ما اشترى أحد الشريكين من طعام أو كسوة, لنفسه أو لعياله, أيكون لبائع الطعام أو الكسوة أن يأخذ الثمن من أي الشريكين قدر عليه؟ قال: نعم, لأن مالكا قال لي: ما اشتريا من طعام أو نفقة أنفقاها عليهما أو على عيالهما, كان ذلك في مال التجارة, لأنه يلغي ذلك إذا كانا جميعا لهما عيال. فلما قال مالك: تلغى النفقة بينهما, علمنا أن ما أنفقا إنما هو من مال التجارة والكسوة, لهما أو لعيالهما, إنما هو أيضا من مال التجارة يلغي الكسوة, لأن مالكا قال: تلغى النفقة, فالكسوة من النفقة, إلا أن تكون كسوة ليس مما يبتذلها العيال, وإنما هي كسوة مثل القصبي والشطوي والوشي وما أشبه ذلك, فإن مثل هذه لا يلغى. قلت: أرأيت ما اشترى أحد الشريكين, أيكون للبائع أن يأخذ بالثمن الشريك الآخر, الذي لم يشتر منه شيئا؟ قال: قال مالك: إذا كانا متفاوضين, لزم كل واحد منهما ما اشترى صاحبه. قلت: أرأيت الدين يكون على رجل لأحد المتفاوضين فيقبضه شريكه؟ قال ذلك جائز عند مالك

في مفاوضة الحر والعبد
قلت: هل تجوز مفاوضة الحر والعبد في قول مالك؟ قال: لا أرى به بأسا, وذلك

في شركة المسلم النصراني والرجل المرأة
قلت: أتصلح شركة النصراني المسلم, واليهودي المسلم في قول مالك؟ قال: قال: لا, إلا أن يكون لا يغيب النصراني واليهودي على شيء, في شراء ولا بيع ولا قبض ولا صرف ولا تقاضي دين إلا بحضرة المسلم معه. فإن كان يفعل هذا الذي وصفت لك وإلا فلا. قلت: هل تجوز الشركة بين النساء والرجال في قول مالك؟ قال: ما علمت من مالك في هذا كراهية, ولا ظننت أن أحدا يشك في هذا, ولا أرى به بأسا. قلت: وكذلك شركة النساء مع النساء؟ قال: نعم. قال: وأخبرني أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عباس وسأله رجل: أيشارك المسلم اليهودي والنصراني؟ فقال: فلا يفعل, لأنهم يربون وأن الربا لا يحل لك. قال: وبلغني عن عطاء بن أبي رباح مثله, قال: إلا أن يكون المسلم يشتري ويبيع. وقال الليث مثله.

في الشريكين يتفاوضان على أن يشتريا ويبيعا ويتداينا
قلت: أرأيت إن أخرج أحدهما مالا, وأخرج الآخر مالا مثله, ثم اشتركا وتفاوضا, على أن يشتريا بهذا المال وبالدين أيضا, ويبيعا بالدين أيضا, فما رزقهما الله في ذلك فهو بينهما؟ قال: لا يعجبني أن يتفاوضا على أن يشتريا بأكثر من رءوس أموالهما, لأنه لا تجوز الشركة, إلا على الأموال. فإن فعلا فاشتريا بالدين, كان ما اشتريا بينهما أيضا. قال سحنون: وقد أخبرتك بهذه في رسم الشريكين, اللذين لم يخلطا وهذه التي تحتها مثلها.قلت: فإن اشترى هذا سلعة على حدة بالدين بأكثر من رءوس أموالهما, واشترى صاحبه كذلك, أيكون ما اشترى كل واحد منهما بينه وبين صاحبه, أم يكون ما اشترى كل واحد منهما له خاصة, لأن الشركة على أن يشتريا بالدين بأكثر من رءوس أموالهما لا يعجبك ذلك؟ قال: لا, بل أرى كل ما اشترى كل واحد منهما بينه وبين صاحبه, لأن صاحبه قد أمره أن يشتري عليه, فأرى ما اشترى كل واحد منهما يصير نصفه على صاحبه ونصفه عليه.
قلت: أرأيت إن تفاوض رجلان بمال أخرجاه, على أن يشتريا الرقيق ويبيعا, أو على أن يشتريا جميع السلع ويبيعا تفاوضا, ولم يذكرا بيع الدين في أصل شركتهما. فباع أحدهما بالدين, فأنكر ذلك شريكه, وقال: لا أجيز لك أن تبيع علي بالدين. أيجوز بيعه على شريكه بالدين أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا, وأرى ذلك جائزا على شريكه.

في المتفاوضين يشتري أحدهما لنفسه جارية أو طعاما من الشركة
قلت: فإن تفاوضا في شراء التجارات كلها, بمال اشتركا فيه, وليس لأحدهما مال دون صاحبه, فاشترى أحدهما جارية, فقال شريكه: هي بيني وبينك, وقال المشتري: إنما اشتريتها لنفسي؟ قال ابن القاسم: هي بينهما, ولا يقبل قوله, لأنه إنما اشتراها بما في أيديهما من المال الذي اشتركا فيه. ولو أنه أشهد حين اشتراها, أنه إنما يشتريها لنفسه ما جاز ذلك له, ولكان شريكه عليه بالخيار, لأنهما قد تفاوضا في جميع ما في أيديهما مما يملكان من أموالهما. قلت: أرأيت إن تفاوضا وليس لأحدهما مال دون صاحبه, ثم اشترى أحدهما جارية للوطء أو للخدمة, بمال من شركتهما, أتكون الجارية له أم تكون من الشركة, لأنه إنما اشتراها بمال الشركة؟ قال: سمعت مالكا وسأله رجل من أهل المدينة من أصحابه, في رجلين اشتركا متفاوضين, كانا يشتريان الجواري. فيشتريان من مال الشركة, فيشتري هذا الجارية فيطؤها, فإذا باعها رد ثمنها في رأس المال, ويفعل شريكه كذلك, قال مالك: لا خير في هذا. قال: فقيل لمالك: إنه قيل لهما لا خير في هذا, فكيف يفعلان بما في أيديهما من الجواري مما قد اشتريا على هذا الشراء؟ قال مالك: أرى أن يتقاوماها فيما بينهما, فإن اشتراها الذي هي عنده, كانت عليه برأس مال قد عرفه, والآخر مثل ذلك, فيحل له حينئذ أن يطأها.
قلت: ولم لا يكون المشتري من هذين المتفاوضين, حين اشترى الجارية من مال هو بينهما اشتراها للوطء أو للخدمة, أن لا يجعله مالك غاصبا للدنانير حتى اشترى بها جارية لغير التجارة, ويجعل الجارية جاريته, ويجعل عليه مثل نصف تلك الدنانير؟ وقد قال مالك في رجل غصب من رجل دنانير, فاشترى بها جارية, على أن الغاصب مثل تلك الدنانير, ولا تكون الجارية للذي غصبت منه الدنانير وإن قال المغصوب أنا آخذ الجارية, لأنها إنما اشتريت بدنانيري, لم يكن له ذلك. فما فرق ما بين هاتين المسألتين؟ قال: فرق ما بينهما, أن المفاوض مأمور, لأنه, كأنه رجل أبضع منه بضاعة, أمر أن يشتري بها سلعة, فخالف, فرب المال مخير في أن يأخذ ما اشترى المبضع معه, أو يسلمها ويأخذ رأس ماله. فهذا إنما يشتري بمال الشركة, وهو يرى أن ذلك جائز له. فشريكه مخير إن شاء أنفذها له بما اشتراها المشتري, وإن شاء قاومه إياها. قال: ولم أسمع من مالك: إن شاء أنفذها له بالثمن, ولكن هكذا رأيي.
قلت: فإن قال: الشريك لا أقاومه ولا أنفذها له, ولكني أرد الجارية في الشركة؟ قال: ليس ذلك له, لأن مالكا قال يتقاومانها. قال سحنون: وقد قال غيره: ذلك له. قلت: فهذا خلاف المبضع معه, لأن المبضع معه رب المال, مخير في قول مالك إن

شاء أخذها وإن شاء ضمنه ماله؟ قال: نعم, هو مخالف له. وأما هذا المشتري المفاوض فقد وطئ جارية هي بينهما. وقال مالك: لو أن جارية بين رجلين, وطئها أحدهما ولم تحمل منه, أنها تقوم عليه يوم وطئها. فهذا المفاوض لما وطئ لم يكن لهما بد من أن يتقاوماها, لأنه إنما أخذ مالا بينهما فاشترى به وهو يرى أن ذلك له جائز. وأن المبضع معه إنما اشترى لنفسه ليستأثر بالربح, وليقطع عن صاحبه منفعة ما أبضع معه فيه. وإنما قلت لك هذا, لأن التعدي ليس كله بواحد, ألا ترى لو أن رجلا استودع مالا, ثم اشترى به جارية, لم يكن لصاحب الوديعة من الجارية قليل ولا كثير. فهذا أيضا - في هذا الوجه - مخالف للبضاعة والقراض, وقد كانا جميعا أمينين فيما في أيديهما, مصدقا قولهما فيما في أيديهما من ذلك, فلكل متعد سنة يحمل عليها, فمن غصب دنانير من رجل, فاشترى بها سلعة, لم يكن للمغصوب منه إلا مثل دنانيره. ومن استودع دنانير, فاشترى بها سلعة, لم يكن لرب الدنانير إلا مثل دنانيره أيضا. ومن أبضع معه أو قورض فخالف, كان رب المال بالخيار, وإنما حمل الشريكان, على أن الجارية التي اشتراها للوطء من مال الشركة, أنها بينهما فلذلك أمرهما أن يتقاوماها.
قلت: والذي ذكرت لي من أمر الغصب الوديعة والقراض والبضاعة إذا تعدوا, هو قول مالك؟ قال: نعم.قلت: أرأيت لو أن أحدهما اشترى طعاما ليأكله أو لبيته, فطلب صاحبه أن يشاركه في ذلك الطعام؟ قال: لا أرى ذلك له, ولا أرى هذا من ذلك, لأن كل واحد منهما قد عرف حين اشتركا, أن كل واحد منهما ينفق في منزله, فليس كل من اشترى طعاما لمنزله ليأكله, من قمح أو سمن أو لحم أو ما أشبه ذلك, أو كسوة مما يعرف أنه إنما اشتراها لعياله, ابتغى لصاحبه أن يداركه ويدخل عليه في ذلك, فليس ذلك له.

في أحد المتفاوضين يبيع ويؤخر بالدين ويضع ثمن السلع طلب الفضل والاستغزار
قلت: أرأيت المتفاوضين, باع أحدهما سلعة بالدين إلى أجل, فلما حل الأجل, أخره الشريك الآخر, أو أخره الشريك الذي باعه السلعة, هل يجوز تأخير أحدهما على صاحبه؟ قال: قال مالك في الوكيل يكون للرجل في بعض البلاد, يبيع له متاعه ويقتضي له الثمن, فباع بعض متاعه إلى أجل, فلما حل الأجل أخر الوكيل المشتري بالثمن, قال: إذا كان تأخيره إياه على وجه النظر لرب المتاع, إنما أخره ليستأنفه في الشراء منه, ولم يؤخره لمعروف صنعه الوكيل به, فذلك جائز, لأن تأخير الوكيل هذا, إنما هو نظر لرب المتاع, وإنما هو من التجارة. وإن أخره طلب معروف صنعه الوكيل

بالمشتري, فهذا لا يجوز, لأنه لا يجوز للوكيل أن يصنع المعروف في مال رب المتاع إلا بأمره. فكذلك الشريكان اللذان سألتني عنهما, لا يجوز أن يصنع أحدهما المعروف في مال صاحبه إلا بأمره, وما كان من وجه التجارة فذلك جائز على صاحبه. فإذا أخره إرادة استئلاف المشتري ليشتري منه, فذلك جائز. قلت: وكذلك إن وضع أحدهما للمشتري من رأس المال بعد ما وجب البيع؟ قال: قال مالك, في الوكيل الذي وصفت لك: إنه إذا وضع عن المشتري إرادة الاستغزار في المستقبل لرب المتاع واستئلاف المشتري, فذلك جائز على رب المتاع. فكذلك الشريكان المتفاوضان أيضا, يجوز عليهما عندي ما جوز مالك على رب المتاع, فيما وضع الوكيل عن المشتري.

في أحد المتفاوضين يضع من ثمن السلع ويؤخر بالدين إرادة المعروف
قلت: فإن وضع الوكيل أو الشريك عن المشتري إرادة معروف يصنعه إليه؟ قال: لا يجوز ذلك.
قلت: أرأيت الشريكين, إذا وضع أحدهما عن المشتري على وجه المعروف, أو أخر المشتري على وجه المعروف, أيجوز ذلك في حصته أم لا؟ قال: ذلك جائز في حصته. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة. قلت: أرأيت ما صنع الوكيل على وجه المعروف من التأخير والوضيعة, أيكون ذلك جائزا للمشتري؟ قال: لا يجوز ذلك. قلت: ويرد المشتري ما صنع به الوكيل من ذلك؟ قال: نعم, لرب المتاع أن يرد ما صنع الوكيل في ماله من ذلك. قلت: فإن ضاع ما صنع الوكيل في مال رب المتاع من المعروف, أيضمن الوكيل ذلك؟ قال: نعم. قلت: وهذا الذي سألتك عنه من أمر الوكيل, هو قول مالك كله؟ قال: نعم.

في أحد الشريكين يبيع الجارية بثمن إلى أجل ثم يشتريها الآخر بثمن أقل منه قبل الأجل
قلت: أرأيت لو أن جارية بين شريكين, باعها أحدهما بثمن إلى أجل, أيصلح لشريكه أن يشتريها بأقل من ذلك الثمن قبل الأجل نقدا؟ قال: لا يصلح له ذلك, ولا يصلح له أن يشتريها, إلا بما يصلح لبائعها أن يشتريها به.

في أحد المتفاوضين يبضع البضاعة ثم يموت أحدهما
قلت: أرأيت إن أبضع أحد المتفاوضين مع رجل دنانير من مال الشركة ليشتري بها سلعة من السلع, فمات أحد الشريكين وعلم بذلك المبضع معه؟ فقال: إن كان قد علم أن المال الذي أبضعه معه من شركتهما, فلا يشتري به شيئا ويرده على الباقي وعلى الورثة..

في أحد المتفاوضين يبضع أو يقارض أو يستودع من مال الشركة
قلت: أرأيت المتفاوضين, هل يجوز لهما أن يبضع أحدهما دون صاحبه, أو يقارض دون صاحبه في قول مالك؟ قال: نعم, إذا كانا تفاوضا كما وصفت لك, قد فوض هذا إلى هذا وهذا إلى هذا, وقال كل واحد منهما لصاحبه: اعمل بالذي ترى. قلت: وجائز له أن يستودع؟ قال: إذا احتاج إلى أن يستودع, جاز ذلك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي, وذلك أنا سألنا مالكا عن الرجل, يستودع الرجل الوديعة فيستودعها غيره فتهلك, هل عليه ضمان؟ قال: إن كان رجلا أراد سفرا, أو كان بيته معورا, أو ما أشبه هذا من العذر, فأرى أن لا ضمان عليه, وإن كان ليس له عذر من هذا فأراه ضامنا. قال: فقلنا لمالك: فالمسافر يدفع إلى الرجل البضاعة في سفره يرفعها له فيدفعها إلى غيره؟ قال مالك: هو ضامن, ولم يره مثل الحاضر, لأن المسافر قد عرف ناحيته وأنه في سفر. فالشريك الذي سألتني عنه إذا نزل البلد, فخاف على ما معه فاستودعها رجلا, لأن التجار منازلهم في الغربة ما علمت إنما هي الفنادق والمواضع التي يتخوفون فيها, فلا ضمان عليه إذا كان بهذه الحال. وإن لم يكن على شيء من هذه الحال فاستودعها رأيته ضامنا.
قلت: أرأيت إذا دفع إلي أحد المتفاوضين وديعة من مال الشركة, فرددتها على شريكه, أيكون علي الضمان أم لا؟ قال: لا ضمان عليك إذا صدقك بذلك قلت: أرأيت إن أودعني أحد المتفاوضين وديعة من مال الشركة, أو بايعني, فرددت الوديعة على شريكه, أو دفعت الثمن إلى شريكه بغير أمره وبغير بينة, فكذبني شريكه وقال: لم تدفع لي شيئا؟ قال: أنت ضامن إلا أن تكون لك بينة على هذا الشريك أنه قد قبض منك ذلك الدين أو تلك الوديعة, لأن مالكا قال في رجل دفع إلى رجل مالا, وأمره أن يدفعه إلى وكيله بموضع كذا وكذا, فقال هذا المبعوث معه المال: قد دفعت المال إلى

وكيلك, وأنكر ذلك الوكيل, قال: قال مالك: على الرسول البينة على أنه قد دفع المال إلى الوكيل, وإلا ضمن المال. قلت: والمفاوض إذا قال لشريكه: قد أخذت من فلان الوديعة التي أودعته, أو ثمن السلعة التي بعتها منه, كان فلان ذلك بريئا مما استودع ومما اشترى؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن استودع أحد المتفاوضين وديعة من تجارتهما عند رجل, فقال الرجل المستودع: قد دفعتها إليك, وكذبه الذي أودعه, أيضمن أم لا؟ قال: لا ضمان عليه عند مالك, لأن مالكا قال: القول قول المستودع إذا قال قد رددتها إلى الذي أودعني, إلا أن يكون ببينة استودعه, فلا يبرأ بقوله قد رددتها إلا ببينة, إلا أن يقول قد هلكت, فيكون القول قوله وإن كان قد دفعها إليه ببينة قلت: فلو أن رجلا استودع رجلا وله شريك مفاوض, فاستودع ذلك الرجل ما استودع شريكه؟ قال: هو ضامن, إلا أن يكون له عذر فيما وصفت لك, من عورة بيت أو سفر أراده على مثل ما يجوز له في غير شركة, فإن كان كذلك وإلا فهو ضامن.
قلت: أرأيت لو أني أودعت أحد المتفاوضين وديعة, وهما متفاوضان في جميع الأشياء, ليس لأحدهما مال دون صاحبه, أتكون الوديعة عندهما جميعا, أو عند الذي استودعت؟ قال: لا تكون إلا عند الذي استودعتها إياه. قلت:, فإن مات هذا الذي استودعتها إياه ولا تعرف بعينها؟ قال: تكون دينا في مال هذا الميت المستودع وحده, ولا يكون شيء من هذه الوديعة في مال شريكه المفاوض.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك, في الرجل يستودع الوديعة فتهلك ولا تعرف بعينها عنده: إنه ضامن لها في ماله, فالشريك المستودع في قول مالك ضامن لها إذا لم تعرف بعينها, وإنما جعلتها في ماله دون صاحبه, لأن الوديعة ليست من التجارة قلت: أرأيت إن استودعت رجلا وديعة, أو أبضعت معه بضاعة, أو قارضته بمال فمات, ولا يعلم ما صنع بتلك الأشياء وله مال, أتكون هذه الأشياء دينا في ماله أم لا؟ قال: قال مالك: ذلك كله دين في ماله وإن كان على الميت دين ضرب صاحب هذه الأشياء مع الغرماء.
قلت: أرأيت لو أن أحد المتفاوضين استودع وديعة, فعمل فيها وتعدى فربح, أيكون لشريكه من ذلك شيء أم لا؟ قال: إن كان شريكه قد علم بما تعدى صاحبه في تلك الوديعة, ورضي بأن يتجر بها بينهما, فالربح بينهما, وهما ضامنان للوديعة, وإن لم يعلم بذلك فلا ضمان على شريكه الذي لم يعلم بذلك, ويكون الربح للمتعدي, وعليه الضمان ولا يكون على شريكه الضمان. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا وهو رأيي. قال سحنون: وقال غيره: إن رضي الشريك وعمل معه,

فإنما له أجر مثله فيما أعانه وهو ضامن معه, وإن رضي ولم يعمل معه, فلا شيء له ولا ضمان عليه, لأن رضاه إذا لم يقبضها ويغيب عليها ويقلبها, فليس رضاه بالذي يضمنه, ولا يكون له بالرضا ربح ما لم يعمل, ولا إجارة ما لم يعمل إلا من وجه أن الرجل إذا قال للرجل: لك نصف ما أربح في هذه السلعة, فطلع فيها ربح, فله أن يقوم عليه فيأخذه, ما لم يمت أو يفلس أو يذهب.

في أحد المتفاوضين يشارك رجلا من مال الشركة أو يأخذ مالا أو يفاوضه قراضا
قلت: أرأيت لو أن شريكين متفاوضين, شارك أحدهما شريكا آخر فاوضه بمال بغير أمر شريكه, أيجوز ذلك على شريكه أم لا؟ قال: إن كان إنما يشاركه شركة ليست بشركة مفاوضة, مثل السلعة يشتركان فيها أو ما أشبه ذلك, فذلك جائز, لأن ذلك تجارة من التجارات, وإن كان إنما يشاركه شركة مفاوضة, حتى يكون شريكا لهم في أموالهم وتجاراتهم يقضي في ذلك, فلا يجوز ذلك له إلا بإذن شريكه.قلت: أرأيت المتفاوضين, هل يجوز لهما أن يقارض أحدهما دون صاحبه في قول مالك؟ قال: نعم, إذا كانا تفاوضا كما وصفت لك, قد فوض هذا إلى هذا وهذا إلى هذا يعمل بالذي يرى
قلت: أرأيت أحد المتفاوضين إن أخذ مالا قراضا, أيكون لصاحبه في هذا المال شيء أم لا؟ قال: لا أرى على صاحبه شيئا من ضمان هذه المقارضة إن تعدى أحدهما, ولا أرى له من ربحها شيئا إلا أن يكون أخذها مع صاحبها, لأن المقارضة ليست من التجارة, إنما هو أجير آجر نفسه فيها, فلا يكون لشريكه فيها شيء.

في أحد المتفاوضين يستعير العارية لتجارتهما فتتلف أيضمناها جميعا أم لا
قلت: أرأيت ما استعار أحد المتفاوضين من شيء ليحمل عليها شيئا من تجارتهما أو لغير تجارتهما فتلف, أيضمنانه جميعا؟ أو يكون الضمان على الذي استعار وحده؟ قال: الضمان على الذي استعار وحده, ولا يكون على شريكه من ذلك شيء. لأن شريكه يقول: أنا لم آمرك بالعارية, إنما يجوز لك أن تستأجر علي, لأنك إذا استأجرت لم أضمن. فأما ما يدخل علي فيه الضرر وليس ذلك من التجارة, فليس ذلك لك. فيكون القول ما قال. قال ابن القاسم: لأن الرجل يستعير الدابة قيمتها مائة دينار, والسفينة قيمتها أيضا كذلك, وهو لو تكاراها, كان كراؤها دينارا فهذا يدخل على صاحبه الضرر, فلا يجوز ذلك على صاحبه.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة.

في أحد المتفاوضين يعير أو يهب من مال الشركة
قلت: هل يجوز للشريك أن يعير شيئا من متاع الشركة؟ قال: لا يجوز ذلك, إلا أن يكون قد وسع له في ذلك شريكه, أو يكون ذلك في الشيء الخفيف, مثل الغلام يأمره أن يسقي الدابة لرجل, فهذا أرجو أن لا يكون به بأس. والعارية إنما هي معروف, فلا يجوز لواحد منهما أن يفعل المعروف في مال الشركة إلا بإذن صاحبه, إلا أن يكون أراد به استئلافا. قلت: أرأيت المتفاوضين ما وضع أحدهما أو أعار أو وهب قال: فذلك أيضا لا يجوز عندي, إلا أن يكون إنما صنع ذلك ليجتر به في الشراء والاستغزار من سلعه التي يبيع, فلا يكون به بأس, ولا يكون عليه ضمان فيما ضيع, لأن هذا يصير من تجارتهما. وأما إن صنع ذلك لغير التجارة, وإنما صنعه معروفا منه, فلا يجوز ذلك على شريكه, ويضمن حصة شريكه من ذلك عند مالك إلا ما اجتر به منفعة: قلت. أرأيت إن باع أحد الشريكين جارية من شركتهما, ثم وهب الثمن, أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك إلا في حصته سحنون وقال غيره لا يجوز له أن يعطي شيئا من المال, لا من حصته ولا من غير ذلك, لأنه ينقص من المال, ويدخل الضرر على شريكه, لأنه إذا وهب لرجل من حصته, ثم وضع للآخر في البيع, فقد أضر بصاحبه وأدخل عليه الضعف في رأس المال, فلا أرى أن يجوز فعله وتبقى الشركة, ولكن فعله جائز عليه فيما وهب أو وضع, وتنفسخ الشركة بينهما.

في أحد المتفاوضين يكاتب العبد من تجارتهما أو يأذن له بالتجارة
قلت: أرأيت عبدا بيني وبين رجل من شركتنا ونحن متفاوضان, أذن له أحدنا في التجارة, أيجوز ذلك أم لا؟ قال: ذلك جائز. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا, وهو رأيي أنه يجوز.قلت: أرأيت إن كاتب أحد المتفاوضين عبدا من تجارتهما, أيجوز ذلك على شريكه؟ قال: لا أرى ذلك جائزا, لأنه لا يجوز له أن يعتقه على مال يأخذه منه مما في يد العبد, فكذلك الكتابة عندي, ولو أن رجلا دفع إليه مالا على أن يعتقه, ولم يكن ذلك أقل من قيمته, لرأيت ذلك جائزا, لأنه لو باعه إياه بذلك الثمن, ولم يكن في ذلك الثمن وضيعة عن قيمته, لكان ذلك جائزا. والعتق لم يزد فيه إلا خيرا وإنما هو بيع من البيوع.

في كفالة أحد المتفاوضين وغصبه وجنايته أيلزم شريكه أم لا
قلت: أيلزم كفالة أحد المتفاوضين شريكه أم لا؟ قال: لا يلزم ذلك شريكه, لأن هذا معروف.
قلت: أرأيت ما اغتصب أحد المتفاوضين, أو عقر دابة أو أحرق ثوبا أو تزوج امرأة, أو آجر نفسه فعمل الطين والطوب, أو حمل على رأسه أو نحو هذه الأشياء, أو جنى جناية, أيلزم من ذلك شريكه شيء أم لا؟ قال: لا شيء على شريكه في شيء من هذا, ولا يكون له فيما أصاب شيء.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا, ولكن هذا رأيي.

في أحد الشريكين يبيع الجارية فيجد بها المشتري عيبا فيريد ردها على شريكه الآخر
قلت: أرأيت إن باع أحد الشريكين جارية من شركتهما, فأصاب المشتري بها عيبا, أيكون للمشتري أن يردها على الشريك الذي لم يبعه؟ قال: نعم, إلا أن يكون صاحبه معه مقيما, أو غاب غيبة قريبة, فينظر حتى يأتي لعل له حجة إذا كان إنما غيبته اليوم ونحوه. وإن كان بعيدا, فأقام المشتري البينة, أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام نظر في العيب. فإن كان قديما لا يحدث مثله ردها, وإن كان يحدث مثله قيل له أقم البينة أن العيب كان عند البائع, وإلا حلف شريك البائع بالله ما علمت أن هذا العيب كان بها عندنا ويبرأ. وإن نكل عن اليمين, قيل للمشتري احلف ما حدث عندك ثم ردها عليه.

في المتفاوضين يبيعان السلعة من تجارتهما إلى أجل ثم يفترقان فيقضي المشتري الثمن أحدهما أو يكون لهما الدين فيقضياه أحدهما
قلت: أرأيت لو أن شريكين متفاوضين, باع أحدهما عبدا من تجارتهما بدين إلى أجل, ثم افترقا فعلم المشتري بافتراقهما, فقضى الثمن الذي باعه العبد, أيضمن للشريك الآخر شيئا أم لا؟ قال: نعم, هو ضامن لما استحق للشريك الذي لم يبعه العبد من الثمن. قلت: فإن لم يعلم بافتراقهما, فقضى الذي لم يبعه العبد؟ قال: فلا ضمان عليه إذا قضاه وهو لا يعلم بافتراقهما, وذلك سواء قضى الذي باعه أو الذي لم يبعه لا يضمن, إذا قضى واحدا منهما وهو لا يعلم. قال ابن القاسم: ولو أن رجلا كان وكيلا لرجل, قد فوض إليه تجارته وبيعه وشراءه وبأن يقتضي دينه وأشهد له بذلك, ثم حجر عليه وتبرأ من وكالته, أو أخرجه من وكالته بشهادة الشهود, ولم يعلم ذلك جميع غرمائه, فلقي الوكيل غريما من غرماء الذي كان وكله فقضاه الغريم, أن ذلك لا يبرئه من دين صاحبه ولو كان الوكيل هو الذي باعه فقضاه الغريم, ولم يعلم بأنه قد أخرجه من الوكالة, كان دينا من الدين لا يبرأ منه أيضا وهو رأيي.قلت: أرأيت الرجل يكون عليه الدين لأحد المتفاوضين فيقبضه شريكه الآخر, أذلك جائز عند مالك أم لا؟ قال: نعم. قال سحنون: وقال غيره: إن كان الوكيل قد علم بأنه قد فسخ أمره, فاقتضى بعد هذا والذي قضاه يعلم أو لا يعلم, فالغريم له ضامن وإن كان لم يعلم الوكيل وقضاه الغريم وهو لا يعلم, فلا تباعة عليه, وإن كان الغريم يعلم بفسخ الوكالة والوكيل لا يعلم فالغريم ضامن.

في أحد الشريكين يبتاع من شريكه العبد من تجارتهما
قلت: أرأيت إن اشترى أحد الشريكين عبدا من تجارتهما من شريكه, أيجوز شراؤه؟ قال: نعم, شراؤه جائز. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي, مثل ما قال مالك, في الجارية التي تكون بينهما فيطؤها أحدهما: إنهما يتقاومانها حتى تصير لأحدهما. فهذا يدلك على أن مالكا يجيز شراء أحد الشريكين السلعة, فيشتريها من شريكه وهي من تجارتهما. قلت: وسواء عندك إن اشتراها من شريكه لتجارة أو ليقنيها, قال: نعم ذلك سواء عندي.

في أحد المتفاوضين يبتاع العبد فيجد به العيب فيريد أن يقبله ويأبى ذلك شريكه أيجوز أم لا
قلت: أرأيت إن اشترى أحد الشريكين عبدا من تجارتهما, فأصاب به عيبا فقبله

في أحد المتفاوضين يولي أو يقيل من الشركة
قلت: أرأيت ما باع أحد المتفاوضين أو ولى أو أقال, أليس ذلك جائزا على شريكه, وإن كان بغير أمره في قول مالك؟ قال: نعم, على ما وصفت لك. قلت: أرأيت إذا باع أحد الشركين جارية من شركتهما وأقاله شريكه الآخر أتجوز الإقالة؟ قال: إن كان حاباه في الإقالة, يعلم الناس أن إقالته محاباة, لإبضاع ثمنها وكثرة ما باعها به صاحبه من الثمن, وأن صاحبها الذي اشتراها مليء بالثمن. فلو شاء أن يأخذ الثمن أخذه فأقاله فهذا لا يجوز, ولا يجوز له إلا قدر حصته, ولا يجوز أن يصنع المعروف في مال شريكه, إلا ما يعلم أنه إنما أراد بذلك التجارة وما يجر به إلى التجارة, والمعروف كله لا يجوز له أن يضيفه في مال شريكه, وهو يجوز عليه هو من ذلك قدر حصته, ولو كان إنما أقاله لعدم به خاف أن يذهب الثمن كله فأقاله على وجه النظر لنفسه ولشريكه, فذلك جائز على شريكه, لأن هذا ليس من المعروف, وهذا شراء حادث. قلت: وهو قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

في إقرار أحد الشريكين بدين لذي قرابته أو لغيرهم
قلت: أرأيت إن أقر أحد الشريكين لأبيه ولأمه, أو لولده أو لزوجته, أو لجده بدين أو لجدته من شركتهما, أيجوز ذلك على شريكه أم لا في قول مالك؟ قال: أرى أنه لا يجوز. قلت: ويجوز أن يقر بدين من شركتهما لأبيه؟ قال: يجوز ذلك عندي, ولا يجوز أيضا أن يقر بدين من تجارتهما لصديق ملاطف, ولا كل من يتهم فيه. قلت: وإن أقر لأجنبي؟ قال: ذلك جائز عندي, عليهما جميعا إذا أقر بدين لأجنبي من تجارتهما. قلت: أرأيت لو أن متفاوضين في تجارة, أقر أحدهما بدين من تجارتهما؟ قال: يلزم صاحبه إقراره, إذا كان الذي أقر له بالدين ممن لا يتهم عليه قلت: أرأيت لو أن شريكين في دار أو متاع أو غير ذلك من العروض, أقر أحدهما لرجل أجنبي بنصف ذلك الذي في أيديهما؟ قال: يحلف المقر له مع إقرار هذا المقر ويستحق حقه, لأنها شهادة, ولأن مالكا قال في أحد الورثة إذا أقر بدين على الميت: إن المقر له يحلف مع إقرار هذا ويستحق ذلك على جميع الورثة.

القضاء في أحد الشريكين يموت
قلت: أرأيت إذا مات أحد الشريكين؟ قال: إذا مات أحدهما, لم يكن للباقي منهما أن يحدث في المال الباقي, ولا في السلع قليلا ولا كثيرا, إلا برضا الورثة, لأن الشركة حين مات أحدهما انقطعت فيما بينهما, وصار نصيب الميت للورثة, وهذا رأيي.

الدعوى في الشركة
قلت: أرأيت لو أن شريكين اشتركا شركة صحيحة, فادعى أحدهما أنه قد ابتاع سلعة وضاعت منه وكذبه شريكه؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا, وأرى أن يصدق في قوله الذي قال: اشتريت وضاع مني, لأن الشركة إنما وقعت بينهما, على أن يأتمن كل واحد منهما صاحبه.قلت: أرأيت لو أن متفاوضين مات أحدهما, فقال الباقي منهما: قد رهنا متاعا كذا وكذا, وهو من شركتنا عند فلان, فقالت ورثة الهالك: لم ترهناه ولكنك أعطيته هذا المتاع بعد موت صاحبنا؟ قال: أرى أن يكون للذي في يديه المتاع, حصة الذي أقر له أنه رهن وهو الحي منهما, ويقال للذي في يديه المتاع الرهن: احلف لأن لك شهادة هذا, واستحق النصف الذي للميت أنه رهن في يدك, لأن مالكا قال في رجل هلك وترك أولادا, فأقر بعض ولده بدين على أبيه وأنكر البقية, قال: إن أحب صاحب الدين أن يحلف مع الذي أقر له, لأنه شاهد حلف واستحق دينه كله من مال الميت كله, وإن أبى أخذ حصته من نصيب المقر له, ولم يكن له أن يأخذ دينه كله من حصة هذا الشاهد وحده.
قلت: أرأيت لو أن شريكين متفاوضين, جحد أحدهما صاحبه أن يكون شريكا له, وأقام الآخر عليه البينة. فتلف المال الذي في يد الجاحد, أيضمن حصة صاحبه من ذلك أم لا؟ قال: هو ضامن لذلك, لأنه لما جحد كان مانعا لحصة صاحبه من ذلك, فلا يبرأ من حصة صاحبه حتى يدفع ذلك إليه. قال: فإن هلك قبل أن يدفعه إليه فهو ضامن له, لأنه لما جحده صار مانعا متعديا قلت: أرأيت الشريك إذا مات فأقام صاحبه البينة, أن مائة دينار من الشركة كانت عنده, فلم يجدوها ولم يعلموا لها مسقطا؟ قال: أرى إن كان موته قريبا من أخذها فيما يظن أن مثله لم يشغلها في تجارة, فأرى ذلك في حصته في ماله, وأما ما تطاول من ذلك, فلا شيء عليه, لأن كل واحد منهما يقتضي على صاحبه, ويشتري عليه ويقضي عنه, فلا شيء له في مثل هذا. أرأيت لو أقام عليه البينة أنه قد قبض مالا منذ سنة, وهما يبيعان ويشتريان, أكان يكون ذلك في ماله؟ أي أنه لا شيء عليه
تم كتاب الشركة من المدونة الكبرى ويليه كتاب القراض.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب القراض

القراض بالدنانير والدراهم والفلوس
قال سحنون: قال ابن القاسم: قال مالك: لا تصلح المقارضة إلا بالدنانير, والدراهم. قلت: فهل تصلح بالفلوس؟ قال: ما سمعت فيه شيئا, ولا أراه جائزا, لأنها تحول إلى الكساد والفساد, فلا تنفق. وليست الفلوس عند مالك بالسكة البينة, حتى تكون عينا بمنزلة الدنانير والدراهم. وقد أخبرني عبد الرحيم بن خالد أن مالكا كان يجيز شراءها بالدنانير والدراهم نظرة, ثم رجع عنه منذ أدركته, فقال: أكرهه ولا أراه حراما, كتحريم الدراهم بالدنانير. فمن هاهنا كرهت القراض بالفلوس. وأخبرني ابن وهب, أن يونس بن يزيد أخبره عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: المقارضة التي عليها أصل المقارضة: أن تقارض من قارضته مالا, على أن رأس مالك الذي يدفع إلينا عينا ما دفعت إليه من وزن ذلك وضربه, يبتغي فيه صاحبه ما ابتغى, فيدير ما أدار منه على ما يكون فيه من نفقة أو زكاة, حتى إذا حضرت المحاسبة ونض القراض, فما وجدت بيده أخذت منه رأس مالك, وما كان فيه من ربح تقاسمتماه على ما تقارضتماه عليه من أجزاء الربح, شطرين كان أو غيره لا يحل لواحد منهما أن يضمن لصاحبه ربحا يأتيه به, ولا يحل قراض على الضمان. قال ابن وهب وقال أنس بن عياض قال عبد العزيز بن أبي سلمة: القراض لا يكون لا في العين من الذهب والورق وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لا تكون مقارضة إلا بذهب أو فضة قال وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم أنه كره البز مضاربة.

المقارضة بنقر الذهب والفضة
قلت: أرأيت النقر الفضة والذهب أيجوز القراض بها؟ قال: سألت مالكا عنها, وذلك أنه كان بعض أصحابنا, أخبرنا أن مالكا سهل فيها, وكان الليث يقول: لا يجوز القراض بها وكان يكرهه كراهية شديدة ويقول: لا يجوز القراض إلا بالدنانير والدراهم, فسألت مالكا عن ذلك, فقال لي مالك: لا يجوز القراض بنقر الذهب والفضة.

المقارضة بالحنطة والشعير
قلت: أرأيت القراض بالحنطة والشعير, أيجوز في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن جهلا فأخذا حنطة قرضا فباعها وعمل فربح قال: يعطى أجر مثله في بيعه الحنطة, ويرد إلى قراض مثله يوم ينض المال فيما عمل بعد ذلك. قلت: أرأيت إن كان شرط له نصف الربح قال: لا ينظر إلى ذلك, ولكن يرد إلى قراض مثله. قلت: لم؟ قال: لأن أصله كان فاسدا.قلت: أرأيت القراض بما يوزن ويكال, لم كرهت ذلك؟ قال: لأنه خطر يأخذ الحنطة أو الشعير, وقيمته يوم أخذه مائة درهم, فيعمل به فتصير قيمته يوم يرده ألف درهم, فيغترق ربحه أو تكون قيمتها حين يردها خمسين درهما فيكون قد ربح فيها. وقال ابن وهب وابن نافع وأنس بن عياض, قال عبد العزيز بن أبي سلمة: القراض لا يكون إلا في العين من الذهب والفضة, ولا ينبغي لأحد أن يقارض أحدا مالا على كذا وكذا من الربح, وزيادة كذا وكذا من الذهب والورق, أو بشيء مسمى, أو غير ذلك من الزيادات قال: عبد العزيز: ولا تشترط أيها المقارض الذي لك المال, أنك تعينه بنفسك, ولا تبع معه ولا تبتع منه ولا تعينه بغلام, فإن ذلك بمنزلة الدراهم تزيده إياها مع ما سمى لك من الربح, ولا تخلطن مال القراض بغيره. وليس القراض بأن تدفع إلى صاحبك سلعة أو غيرها ما كانت, ثم تسمي له ما قام به عليك, وتقول ما كان فيه من ربح بعد ذلك فهو بيني وبينك. وليس هذا القراض, ولكن هذا باب من الإجارة لا يصلح. قال: وتفسيره: أنك كأنك استأجرته يبيع لك سلعتك, وله نصف ما كان فيها من الربح, فإن لم يربح ذهب عمله باطلا, وموضع الحق من ذلك, إذا كان يحسب له من يبصر له ذلك أجره بقدر ما عمل, ويكون ما كان في سلعتك من ربح أو نقصان لك وعليك.

القراض بالوديعة والدين
قلت: أرأيت لو كان لي عند رجل وديعة, فقلت له: اعمل بها قراضا على النصف, أيجوز هذا؟ قال: قال لي مالك, في المال إذا كان دينا على رجل, فقال له

في المقارض يدفع الدراهم إلى العامل ويقول له اصرفها دنانير واعمل بها قراضا
قلت: أرأيت إن أعطاه دراهم, فقال اصرفها دنانير واعمل بها قراضا؟ قال: لا يعجبني هذا, لأن في هذا منفعة لرب المال, وهي مثل الأولى التي فوقها فيما وصفت لك من العمل فيه إذا وقع وعمل به.

في المقارض يدفع إليه المال يشتري به جلودا فيعملها خفافا بيده أو نعالا أو سفرا يبيعها على النصف
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, على أن يشتري به جلودا, فيعملها بيده خفافا أو نعالا أو سفرا ثم يبيعها, فما رزق الله فيها فهو بيننا نصفين؟ قال: لا خير في هذا عند مالك. قال ابن القاسم: في رجل دفع إلى رجل مالا, والمدفوع إليه صائغ على أن يصوغ ويعمل, فما ربح في المال فهو بينهما نصفان, واشترط صياغة يده في المال, قال: قال مالك: لا خير فيه. قال: فإن عمل رأيته أجيرا, وما كان في المال من ربح أو وضيعة فلصاحب المال قال سحنون: وأخبرني ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران قال: سألت القاسم وسالما عن المقارضة والبضاعة, يكون ذلك بشرط. فقال: لا يصلح من أجل الشرط الذي كان فيه. قال: وأخبرني يونس عن أبي الزناد أنه قال ; لا يصلح أن تدفع إلى رجل مالا مضاربة, وتشترط من الربح حاصلة لك دونه ولو كان درهما واحدا, ولكن تشترط نصف الربح لك, ونصفه له, أو ثلثه لك وثلثاه له, أو أكثر من ذلك أو أقل ما دام له في كل شيء منه شرك قليل أو كثير, فإن كل شيء من ذلك حلال, وهو قراض المسلمين. قال سحنون: فكيف بمن شرط عمل العامل بيده؟ فذلك أعظم للزيادة, وأنه خارج من قراض المسلمين.

في المقارضة على الأجزاء
قلت: أرأيت المقارضة على النصف أو الخمس أو السدس أو أقل من ذلك أو أكثر قال: فلا بأس بذلك عند مالك. قلت: أرأيت إن أعطيته مالا قراضا على أن الربح للعامل كله؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يعطي الرجل المال, يعمل به على أن الربح للعامل, ولا ضمان على العامل؟ قال: قال مالك: قد أحسن ولا بأس به. قال: وقال مالك, في الرجل يعطي الرجل النخل مساقاة, على أن جميع الثمرة للعامل, قال: لا بأس بذلك.قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, ولم أسم له ثلثا ولا ربعا ولا نصفا, ولا أكثر من أن قلت له: خذ هذا المال قراضا فعمل فربح وتصادق رب المال والعامل على ذلك؟ قال: يرد إلى قراض مثله. قلت: فإن دفعت إلى رجل مالا قراضا على النصف, فلقيته بعد ذلك فقلت له: اجعله على الثلثين لي والثلث لك, أو الثلثان للعامل ولرب المال الثلث, وقد عمل بالمال ففعل؟ قال: لا أرى به بأسا ولم أسمعه من مالك.

في المقارض يدفع إلى الرجلين المال قراضا على أن النصف للمقارض والثلث للآخر والسدس للآخر
قلت: فإن دفعت إلى رجلين مالا قراضا, على أن نصف الربح لي وثلث الربح لأحدهما, وسدس الربح للآخر؟ قال: لا يجوز هذا, لأن العاملين في المال لو اشتركا على مثل هذا لم يجز, وإنما يجوز من هذا, إذا عمل العاملان على مثل ما يجوز في الشركة بينهما. ألا ترى أن أحدهما يأخذ بعض ربح صاحبه بغير شيء؟ قلت: أو ليس قد يجوز لصاحب المال, أن يدفع المال قراضا على النصف أو أقل أو أكثر؟ قال: نعم. قلت: فلم لا يجوز لهذين العاملين, ولم لا تجعلهما كأن رب المال جعل لأحدهما السدس وللآخر السدس وزاد أحدهما السدس؟ قال: ليس هذا هكذا, ولكن هذا كأن رب المال قال للعامل الذي عمل بالثلث: اعمل مع هذا على أن لك ربح بعض عمل هذا.

في المتقارضين يختلفان في أجزاء الربح
قلت: أرأيت إن دفعت إليه المال قراضا على الثلثين, ولم أبين لمن الثلثان ألرب المال أو للعامل؟ قال: قال مالك, في العامل ورب المال إذا اختلفا, فقال: رب المال إنما عملت على أن الثلث لك, وقال العامل: بل عملت على أن لرب المال الثلث

في المقارضين يشترطان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين
قلت: أرأيت المقارضين يشترطان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين أيجوز ذلك؟ قال: نعم.
قلت: فهل يرجعان فيما جعلا من ذلك؟ قال: لا, وليس يقضى بذلك عليهما, ولا أحب لهما فيما بينهما وبين الله أن يرجعا فيما جعلا.

في المقارض يكون له شرك في المال
قلت: أرأيت إن قال له: اعمل, على أن لك شركا في المال أيرد إلى قراض مثله؟ قال: نعم ; لأن هذا بمنزلة من أخذ مالا قراضا, ولم يسم له من الربح, ولا مال رب المال فعمل, فهؤلاء يردون إلى قراض مثلهم. قال سحنون: وقال غيره: إذا قال لك شرك في المال ولم يسم شيئا وتصادقا فذلك النصف.

في أكل العامل من القراض
قال ابن القاسم: إنما يأكل العامل من مال القراض, إذا شخص في المال من بلده, وليس حين يشتري ويتجهر في بلده, ولكن حين يخرج إذا توجه وقال: للعامل إذا سافر النفقة ذاهبا وراجعا وإن لم يشتر شيئا عند مالك, وله أن يرد ما بقي بعد النفقة إلى صاحبه. قلت: أرأيت إن سافر سفرا قريبا, أيأكل من مال القراض؟ قال: قال مالك: نعم, يأكل منه ذاهبا وراجعا. فإذا رجع إلى مصره لم يأكل منه شيئا, ولم يكتس من مال القراض إذا كان سفرا قريبا, إلا أن يكون مقيما بموضع إقامة يحتاج فيه إلى الكسوة قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل غريب قدم الفسطاط مالا قراضا, على أن يتجر به بالفسطاط يقيم بها ; لأنه غريب, وبالفسطاط أعطيته المال, إلا أنه غريب, أيكون له أن ينفق منه؟ قال: لا أحفظ قول مالك في هذا, وإنما قال الذي قال مالك, لا ينفق في المال حتى يطعن من هو في أهله من الفسطاط, أو من هو من أهل الفسطاط, وليس له بها أهل فأما الغرباء الذين احتبسوا على العمل بمال هذا الرجل, فإني أرى أن ينفقوا, إلا أن يكون رجل يسكن البلد وإن لم يكن له بها أهل, أو قدم يسكن فلا أرى له نفقة.
قلت: أرأيت لو أن رجلا ظعن إلى المدينة في مال قراض أخذه ليتجر به, فلما قدم المدينة تزوج بها وأوطن بها, أتكون نفقته على نفسه حين أوطنها؟ قال: نعم.قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا بالفسطاط, ولي أهل بالمدينة وأهل بالفسطاط, فكنت أتجر فيما بين المدينة والفسطاط؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال: من أخذ مالا قراضا في بلد ليس فيه أهله, ثم خرج إلى البلد الذي فيه أهله فتجر هناك. قال: قال مالك: فلا نفقة له في ذهابه إلى أهله, ولكن له النفقة في رجوعه. وأرى في مسألتك أن لا يكون لهذا نفقة, لا في ذهابه ولا في رجوعه ; لأنه ذهب إلى أهله ورجع إلى أهله. قال ابن وهب: وأخبرني ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران, أنه سأل القاسم وسالما عن المقارض, أيأكل من القراض ويركب أو من ماله؟ فقالا: يأكل ويكتسي ويركب من القراض, إذا كان ذلك في سبب القراض, وفيما ينبغي له بالمعروف.
قال ابن وهب: وأخبرني الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال: ذلك إذا كان المال يحمل ذلك, ثم يقتسمان ما بقي بعد الزكاة والنفقة وأخبرني ابن وهب عن ابن لهيعة عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول: لولا أن المقارض يأكل من المال ويكتسي, لم يحل له القراض وقال مالك: إذا كان المال كثيرا, فإنما يكون طعام العامل وكسوته ونفقته من المال في غير سرف, إذا كان المال يحمل ذلك, ولا يحسب ذلك في ربح العامل, ولكن بلغني, وقال الليث مثله. إذا سافر الرجل في المال, وإن كان حاضرا بالبلد

يشتري ويبيع, فلا يستنفق إلا أن يشتغل في السوق يشتري ويبيع, يمنعه أن ينقلب إلى أهله فلا بأس أن يتغدى بالأفلس. قال ابن وهب: وأخبرني بشر ومسلمة أنهما سمعا الأوزاعي يقول: سألت رجلا من أهل العلم عن الرجل يأخذ المال مضاربة, ما يصلح له أن يأكل منه؟ قال: مثل الذي يأكل في أهله في غير إسراف, ولا يضر بنفسه, ولا يهدي منه هدية, ولا يصنع منه طعاما يدعو عليه.

في المقارض يستأجر الأجراء والبيوت من القراض
قلت: أرأيت المقارض, أله أن يستأجر الأجراء يعملون معه في المقارضة, ويستأجر البيوت ليجعل فيها متاع المقارضة, ويستأجر الدواب يحمل عليها متاع القراض؟ قال: نعم, عند مالك هذا جائز.
قلت: أرأيت إن اسفي التاجر الحاج يأخذ مالا قراضا
تأجر أجيرا يخدمه في سفره, أتكون إجارة الأجير من القراض؟ قال: إذا كان مثله ينبغي له أن يستأجر, والمال يحمل ذلك, فذلك له. وقال لي مالك: وجه القراض المعروف الجائز بين الناس: أن يأخذ الرجل المال من صاحبه, على أن يعمل فيه ولا ضمان عليه فيه, ونفقة العامل في المال, وطعامه وكسوته في سفره, وما يصلحه بالمعروف, بقدر المال إذا شخص في المال وكان المال يحمل ذلك. فإن كان مقيما في أهله, فلا نفقة له من المال ولا كسوة, وأن للعامل أن يستأجر من المال إذا كان كثيرا لا يقوى عليه بعض من يكفيه بعض مؤنته, ومن الأعمال أعمال لا يعلمها الذي يأخذ المال, وليس مثله يعملها, فله أن يستأجر من المال إذا كان كثيرا لا يقوى عليه, ولا ينبغي للعامل أن يهب منه شيئا, ولا يولي منه ولا يعطي منه أحدا, ولا يكافئ فيه أحدا. فأما أن يجتمع هو وقوم فيأتون بطعام ويأتي بطعام, فأرجو أن يكون ذلك واسعا - إن شاء الله - إذا لم يتعمد أن يفضل عليهم, فإن تعمد ذلك بغير إذن صاحبه, فعليه أن يتحلل منه, فإن حلله فلا بأس به, وإن أبى أن يحلله فعليه أن يكافئه بمثله, إذا كان ذلك شيئا له مكافأة. وذلك الأمر المجتمع عليه عندنا, وقال الليث مثله.

في التاجر الحاج يأخذ مالا قراضا
قال عبد الرحمن بن القاسم: قلنا لمالك: إن عندنا تجارا قد عرفوا أيام الموسم, يأخذون المال قراضا, فيشترون البغال والرقيق وغير ذلك, فيخرجون فيشهدون بها الموسم, فلولا ذلك ما خرجوا إلى الموسم فيما يظن بهم, أفترى لهم نفقة في مال القراض؟ قال: قال مالك: لا يخرج حاجا, وتكون نفقته من مال القراض فأبى ذلك وقال: لا نفقة له ولا للغازي قال: فقلنا لمالك: ففي رجوعه؟ فقال: ولا في رجوعه

المقارض ينفق على نفسه من ماله في القراض حتى يقدم
قلت: أرأيت لو أن رجلا أخذ مالا قراضا, فخرج به فأنفق من عند نفسه في سفره ليقتضيه من مال القراض, فأنفق ثم ضاع المال؟ قال: قال مالك في رجل اشترى بالمال القراض سلعا, فاكترى لها دواب فحمل عليها فاغترق الكراء السلع وزاد, قال مالك: ليس له على رب المال في الزيادة شيء, فكذلك مسألتك قلت أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, فاشترى المقارض بجميع المال ثيابا, ثم صبغ الثياب أو قصرها بمال من عنده, أيرجع به في ثمن الثياب إذا باع الثياب أم كيف يصنع؟ قال: قال مالك في المقارض إذا اشترى سلعا بمال القراض, فزاد في ثمنها من عنده على صاحب المال. قال: قال مالك: رب المال بالخيار, إن أحب أن يدفع إليه ما زاد, وتكون السلعة كلها على القراض, وإن كره رب المال ذلك كان العامل شريكا لرب المال بما زاد من ماله.
قلت: أرأيت, إن دفعت إلى رجل مالا قراضا, ثم اشترى بجميعه بزا, ثم اكترى على البز من ماله, أي شيء يكون للعامل في القراض؟ أيكون شريكا بالكراء أم ماذا يكون, أم تراه دينا في المال القراض؟ قال: أراه دينا في مال القراض يستوفيه من المال, وإن لم يبق منه شيء فلا شيء له, ولا يكون العامل شريكا لرب المال بهذا الكراء. قلت: فإن صبغ البز بمال من عنده, وقد كان اشترى بجميع مال القراض بزا قال: أما الصبغ فيقال لرب المال: ادفع إليه المال الذي صبغ به, وإلا كان شريكا معك بما صبغ من الثياب قال: والذي يبين لك الفرق فيما بين الصبغ والكراء, أن الصبغ رأس مال, يحسب للصبغ رأس ماله وربحه, مثل ما يحسب لرأس المال في المال وربحه إذا باعه مرابحة, ولم يجعل للكراء ربح إلا أنه قال: يحمل الكراء على المال ولا يجعل للكراء ربح. فإذا لم يكن للكراء في المرابحة ربح, لم يكن به شريكا ; لأنه غير

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19