كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن قذف رجل رجلا والمقذوف غائب فقام عليه أجنبي من الناس فطلب أن يأخذ للغائب بالقذف ورفعه إلى السلطان، أيضربه الإمام الحد في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا، ولا يمكن ذلك. قلت: لم؟ أليس هذا حدا لله وقد بلغ الإمام؟ قال: هذا حد للناس لا يقوم به عند الإمام إلا صاحبه.

في هيئة ضرب الحدود
قلت: أرأيت الضارب في الحد أو التعزير، هل يرفع يده أم يضم عضده إلى جنبه في قول مالك؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال: ضرب غير مبرح. فلا أدري ما رفع اليد ولا ضم العضد إلى جنبه، ولم أسمع من مالك في ذلك شيئا. قلت: فهل يجزئ القضيب أو الدرة أو الشراك أو نحو ذلك مكان السوط في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك يقول في الحدود إلا السوط. قلت: فدرة عمر بن الخطاب؟ قال: إنما كان يؤدب بها الناس فإذا وقعت الحدود قرب السوط.

في الحامل يجب عليه الحد
في الحامل يجب عليها الحد
قلت: أرأيت البكر الحامل من الزنا، أتجلد وهي حامل من الزنا؟ أم تؤخر حتى تضع حملها في قول مالك؟ قال: تؤخر حتى تضع حملها عند مالك. قلت: فإذا وضعت، أتضربها أم حتى يجف دمها وتتعالى من نفاسها في قول مالك؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال في المريض إذا خيف عليه: إنه لا يعجل عليه ويؤخر ويسجن. قال: فأرى النفاس مرضا من الأمراض وأرى أن لا يعجل عليها. قلت: أرأيت إن كان حدها الرجم وهي حامل؟ قال: قال مالك: تمهل حتى تضع ما في بطنها. قلت: فإذا وضعت ما في بطنها؟ قال: فإن أصابوا للصبي من يرضعه أقيم عليها الحد ولم تؤخر، وإن لم يصيبوا للصبي من يرضعه لم يعجل عليها حتى ترضع ولدها. ألا ترى أنهم إن لم يصيبوا للصبي من يرضعه أنهم رجموها وتركوا الصبي مات فتكون قد كففت عنها وهي حامل لمكان الصبي وقد قتلته بعد الولادة بتركك إياه بلا رضاع. قلت: أرأيت امرأة زنت فقالت: إني حبلى أيعجل عليها الرجم أو الجلد أم لا في قول مالك؟ وكيف إن كان الشهود بالزنا أربعة عدول شهدوا أنهم رأوها تزني منذ شهرين أو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر فقالت: أنا حبلى لا تعجلوا علي؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكني أرى أن ينظر إليها النساء، فإن كان حقا ما قالت لم يعجل عليها وإلا أقيم عليها الحد.

في المرأة يشهد عليها بالزنا فتقول أنا عذراء أو رتقاء
قلت: أرأيت إذا شهد عليها بالزنا أربعة عدول فقالت إني عذراء أو رتقاء، أيريها النساء في قول مالك أم لا؟ وكيف إن نظر إليها النساء فقلن: إنها عذراء أو قلن: إنها

في المرأة يشهد عليها بالزنا فتدعي الحمل وزوجها غائب أو تزني وهي حامل وفي نفي الولد بلا لعان ولا استبراء
في المرأة يشهد عليه بالزنا فتدعي الحمل وزوجها غائب أو تزني وهي حامل وفي نفي الولد بلا لعان ولا استبراء
قلت: أرأيت أربعة شهدوا على امرأة بالزنا فقالوا: نشهد أنها زنت منذ أربعة أشهر، وقد غاب زوجها منذ أربعة أشهر فقالت: أنا حامل. وشهد النساء أنها حامل. فأخرها الإمام حتى وضعت ما في بطنها ثم رجمها، فقدم زوجها فانتفى من ولدها، أيكون ذلك له أم لا في قول مالك؟ قال: إن كانت هي قد قالت قبل أن ترجم إن الولد ليس للزوج صدق الزوج عند ذلك ودفع الولد عن نفسه بغير لعان إذا قالت المرأة قد كان استبرأني قبل أن أحمل بهذا الحمل، وإنما هذا الحمل من غيره، لأنه كف عني وحضت حيضة وادعى الزوج مثل ما قالت المرأة، فهذا الولد يدفعه الزوج عن نفسه بغير لعان. فإن لم تقل المرأة قبل موتها ما ذكرت لك من الاستبراء، أو ادعى الزوج الاستبراء أو نفاه، فلا بد للزوج من اللعان لينفي به الولد عن نفسه، ولا ينفيه ههنا إلا باللعان لأن مالكا سئل عن الرجل يتزوج المرأة فيظهر بها حمل قبل أن يدخل بها فيقول الزوج: ليس مني وتصدقه بأنها زنت وأنه لم يطأها. قال: قال مالك: لا لعان بينهما ولا يلحق به الولد ويقام عليها الحد. قال ابن القاسم: وإن كانت بكرا جلدت الحد وكانت امرأته ولم يكن الولد ولده وهي امرأته، إن شاء طلق وإن شاء أمسك. قلت: أرأيت إن قدم الزوج في مسألتي التي سألتك عنها وقد رجمت المرأة ولم تقل شيئا، فقال الزوج: ليس الولد ولدي ولم يدع الاستبراء؟ قال: يلتعن وينفي الولد. قلت: أوليس من قول مالك إن من لم يدع الاستبراء فنفى الولد ضرب الحد وألحق به الولد؟ قال: لا، ولكن قال لي مالك: إذا رأى الرجل امرأته تزني وإن كان في ذلك يطؤها، لاعن ونفى الولد عنه ولم يضره ما أقر به من الوطء قبل ذلك إلا أن يطأها بعد الرؤية، فإنه إن وطئ بعد الرؤية أكذب قوله وجلد الحد ويلحق به الولد. قلت: فإن كانت حاملا من زوجها، فكانت في تسعة أشهر ثم زنت فقال: رأيتها اليوم تزني وما جامعتها منذ رأيتها تزني؟ قال: يلتعن

ويلحق به الولد إذا كان حملها بينا مشهودا عليه أو مقرا به قبل ذلك، لأنه لا ينفي من الحمل وإنما رآها تزني اليوم، فقد صار إن لم يلتعن قاذفا لها ويلحق به الولد، وهو الذي أخبرني عنه غير واحد من أصحابه ممن أثق به.

في العبد تجب عليه الحود ويشتغل ثم يعلم أنه قد كان عتق قبل ذلك
في العبد تجب عليه الحدود ويشتغل ثم يعلم أنه قد كان عتق قبل ذلك
قلت: أرأيت إن أعتقت عبدي ولم يعلم بعتقي إياه، وكنت عنه غائبا أو حاضرا إذا أشهد الشهود على عتقه فزنى، أيقام عليه حد الحر أم حد العبد قال مالك: يقام عليه حد الحر ولا يلتفت في ذلك إلى معرفة العبد. قلت: وكذلك إن شرب الخمر أو افترى أقيم عليه حد الحر؟ قال: نعم. قلت: وحد العبد في الخمر والسكر والفرية أربعون جلدة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن افترى عليه رجل وهو لا يعلم بعتق سيده إياه؟ قال: قال مالك: يضرب قاذفه الحد. قلت: وكذلك القصاص له وعليه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت شهادة النساء على عتق العبد أتجوز؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة النساء في العتق. قلت: وهل تجوز شهادة النساء في الأنساب؟ قال: سألت مالكا عن ذلك فقال: لا تجوز شهادة النساء في الأنساب. قلت: أرأيت إذا شهد الشهود أن هذا الرجل قد أعتق عبده هذا منذ سنة وكان الشاهدان غائبين وقد قذفه رجل والسيد ينكر عتقه؟ قال: تجوز شهادتهم ويجلد قاذفه لأن عتق السيد قد كان منذ سنة وبذلك شهدت البينة. قلت: أوليس إنما يعتقه الساعة؟ إنما أحول بين السيد وبينه الساعة وأجعل عتقه يوم أعتقه السيد. قلت: فإن كان قد طلق امرأة له تطليقتين جعلت له عليها تطليقة أخرى إذا كان طلاقه إياها من بعد العتق؟ قال: نعم إلا في كسبه وحده، أنه إن كان عمل للسيد بعد العتق أو خارج له أو كاتبه فأخذ منه السيد مالا، ثم قامت البينة أنه أعتقه منذ سنة، كان للسيد ما أخذ قبل ذلك إذا كان السيد منكرا للعتق، وسقط عنه ما بقي عليه من يوم يقضي له بالعتق. قلت: ولم جعل مالك كسبه هكذا، ولم يجعل ما سوى ذلك بمنزلة كسبه؟ قال: سئل مالك عنها فقال في كسبه مثل ما قلت لك، لأن كسبه بمنزلة خدمته. ولو لم يجعل كسبه كما أخبرتك لجعل له أن يرجع على سيده بخدمته.
قلت: أرأيت الذمي يقتل الذمي، أيقتل به في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن جرحه أو قطع يده أو رجله، أيقتص له في قول مالك؟ قال: قال مالك: ما تظالم به أهل الذمة بينهم أخذ ذلك لبعضهم من بعض قلت: ولا تقبل في هذا شهادة أحد من أهل الكفر؟ قال: نعم، لا تقبل شهادة أحد من أهل الكفر.
قلت: أرأيت النصراني يسرق من النصراني أو من المسلم فتقوم عليه البينة من المسلمين؟ قال: قال مالك: يقطع.

في الرجل يفضي امرأته أو أمته أو يغتصب حرة أو يزني بها فيفضيها
قلت: أرأيت الرجل يأتي امرأته فيفضها فتموت ماذا عليه؟ قال: قال مالك في الرجل يدخل بامرأته البكر فيفتضها ومثلها يوطأ فتموت من جماعه. قال: إذا علم أنها ماتت من جماعه كانت عليه الدية تحملها العاقلة. قال: فأرى في مسألتك أن يكون على الزوج الذي افتضها ما شأنها به. قال: وقد جعل بعض الفقهاء فيها ثلث الدية. والذين جعلوا فيها ثلث الدية إنما جعلوها بمنزلة الجائفة. قلت: أفتحمله العاقلة في قول مالك؟ قال: من رأى أن فيها ثلث الدية حملته العاقلة، وأنا أرى في ذلك الاجتهاد، فإذا بلغ الاجتهاد في ذلك ثلث الدية فصاعدا حملته العاقلة. قلت: أرأيت إن كان زنى بها فأفضاها أو اغتصبها فأفضاها؟ فقال: أما التي مكنت من نفسها فلا شيء لها، وأما التي اغتصبت فعليه لها صداقها وما شأنها به. قلت: أرأيت الرجل يجامع أمته فيفضيها، أتعتق عليه؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يضرب عبده على وجه الأدب فيفقأ عينه أيعتق عليه؟ قال: قال مالك: لا يعتق عليه. فمسألتك مثل هذا وإنما يعتق على سيده ما كان على وجه العمد. قلت: أليس قول مالك فيمن أفضى زوجته أنه إن شاء طلق وإن شاء أمسك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وما كنا نشك أنها زوجة من الأزواج إن شاء طلق وإن شاء أمسك وهو رأيي. قلت: أرأيت الرجل يأتي المرأة في دبرها زنا ولم يجامعها في فرجها؟ قال: قال مالك: هو وطء يغتسل منه. قال ابن القاسم: وأرى فيه الحد قال الله تعالى: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [سورة العنكبوت: 28] قال: فقد جعله الله وطئا. قال الله تعالى: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} [سورة الأعراف: 81] وقال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [سورة النساء: 15] وقال تعالى: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [سورة النساء: 16] فجعله ههنا فاحشة وههنا فاحشة فأراه قد سمى هذا كما سمى هذا. قلت: أرأيت إذا جامعها فأفضاها وهي مغتصبة أيكون عليه مع الصداق ما أفضاها يدخل بعض ذلك في بعض في قول مالك؟ قال: إذا أفضاها وقد اغتصبها فعليه الصداق وعليه ما يجب عليه في الإفضاء مع الصداق، ولا يدخل بعض ذلك في بعض لأن مالكا قال في رجل أوضح رجلا فسقطت عينه من ذلك، أن عليه ما عليه في الموضحة وعليه دية العين، ولا يدخل بعض ذلك في بعض، وكذلك الإفضاء.

فيمن قذف صبية لم تحض
فيمن قدف صبية لم تحض
قلت: أرأيت لو أن صبية لم تحض ومثلها يجامع فأمكنت من نفسها رجلا فجامعها حراما فأقمت الحد على الرجل، ثم إن الجارية حاضت فقذفها رجل بعدما حاضت، أيجلد قاذفها في قول مالك؟ قال: نعم يجلد قاذفها لأن الفعل الذي فعلته في الصبا لم

يكن بزنا. قلت: أرأيت إن قذف صبية مثلها يجامع فقذفها رجل بالزنا إلا أنها لم تحض؟ قال: قال مالك: إذا كان مثلها يجامع فعلى قاذفها الحد وإن لم تحض. قلت: وإن كان غلاما قد بلغ الجماع إلا أنه لم يحتلم فقذفه رجل، أيقام عليه الحد في قول مالك؟ قال: لا، ليس عليه الحد.

في المولي يجامع فيما دون الفرج
قلت: أرأيت الرجل يولي من امرأته فيجامعها في دبرها أو فيما دون الفرج، أيحنث أم لا؟ قال: أما من جامع في الدبر فقد حنث، لأن مالكا جعله جماعا. وإذا حنث وجبت الكفارة وسقط الإيلاء. وأما من جامع فيما دون الفرج فإن مالكا سئل عن رجل حلف أن لا يطأ جاريته شهرا فجامعها فيما دون الفرج، فسئل عنها مالك وأنا بالمدينة فقال له: إن كانت لك نية أنك أردت الفرج بعينه فلا أرى عليك شيئا وإلا فإني أراك حانثا، لأن الرجل إذا حلف على هذا إنما وجه ما يحلف عليه أن يجتنبها، فإن كانت له نية فهو ما نوى وإلا فهو حانث. قال: وبلغني عن مالك أنه قال في رجل حلف بطلاق امرأته أن لا يجامعها شهرين أو ثلاثة فجامعها فيما دون الفرج، أتراه قد حنث؟ فقال له مالك: كما فسرت لك عنه في الجارية التي سمعت منه. قلت: أرأيت هذا الذي جامع فيما دون الفرج وقد كان آلى ولم تكن له نية حين آلى فأوجبت عليه الكفارة في قول مالك، أيسقط عنه الإيلاء أم لا؟ قال ابن القاسم: نعم، إن كفر سقط عنه الإيلاء، ومما يبين لك ذلك أنه لو كفر قبل أن يطأ لسقط عنه الإيلاء، فكيف إذا كفر للإيلاء؟
قلت: فلو أن رجلا آلى من امرأته ثم كفر ولم يجامع، أيسقط عنه الإيلاء في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عنه فقال: نعم. قال: وقال مالك: ولكن الصواب من ذلك أن لا يكفر حتى يجامع، فإن كفر قبل أن يجامع أجزأ عنه وسقط عنه الإيلاء. قلت أرأيت هذا الذي جامع في دبرها، أيسقط عنه الإيلاء وهو لم يكفر أم لا؟ قال: نعم، لأن هذا جماع عند مالك لا شك إلا أن يكون نوى الفرج بعينه حين حلف، فلا تكون عليه كفارة في الدبر وهو مول بحاله. قلت: أرأيت الكافرين إذا زنيا، أيقيم مالك عليهما الحد حد الزنا؟ قال: لا، وأرى أن يردهما إلى أهل دينهما وينكلهما الإمام إذا أعلنا بذلك. قال: وقال مالك: إذا وجد الإمام أهل الكتاب سكارى أو على زنا تركوا إلا أن يظهروا ذلك فيعاقبوا.

الشهادة على الزنا
قلت: أرأيت أربعة شهدوا على رجل بالزنا فقالوا: تعمدنا النظر إليهما لنثبت

رجوع القاضي عن قضيته وإقامة الرجل الحد على عبيده
قلت: أرأيت القاضي إذا رجم وقطع الأيدي وضرب الرجال فقال بعد ذلك: حكمت بالجور قال: قال مالك: ما تعمد الإمام من جور فيجاريه على الناس فإنه يقاد منه. قال: وقال مالك: وقد أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر من أنفسهم. قلت أرأيت القاضي إذا قضى بقضية ثم تبين له أنه قد أخطأ فيها، أترى له أن يردها أم لا؟ قال. نعم يردها وينقض قضيته تلك ويبتدئ النظر فيها. قال: قال مالك: وقد فعل ذلك عمر بن عبد العزيز. قال: فقيل لمالك: فلو ولي غيره من القضاة بعده، أيردها أم لا يردها؟ قال: قال مالك: أما ما اختلف الناس فيه فلا ينقضه، وأما ما كان من جور بين أو خطأ بين لم يختلف الناس في خطئه فإنه يرده ولا يمضيه.

في السيد يقيم على عبده الحدود والقصاص والإمام يشهد على الحدود
قلت: أرأيت الحر، أيقيم على مملوكه حد الزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم، يقيم ذلك كله عليهم إلا السرقة، فإن السرقة لا

في الشهود وما يجرحون به
قلت: أرأيت لو أن قوما شهدوا عند القاضي على رجل بحد من الحدود أو بحق للناس، فأقام المشهود عليه البينة أن هؤلاء الشهود يلعبون بالشطرنج ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك: أما المدمن على اللعب بالشطرنج فلا أرى أن تقبل شهادته. قلت: ويمكن المشهود عليه من إقامة البينة على الشهود أنهم يلعبون بالشطرنج في قول مالك؟

قال: إذا قال: أنا أجرحهم. أمكن من ذلك، فإذا أمكن من ذلك، فإن أقام البينة عليه بشيء أنه فيه مما لو شهد به عند القاضي ابتداء فعلمه القاضي منه أبطل به شهادته، فإن هذا المشهود عليه إن جرحه بذلك بطلت شهادته. قلت: فلو أن شاهدا شهد على رجل وهو آكل ربا أو شارب خمر أو أنه يلعب بالحمام، أيبطل مالك شهادته أم لا؟ قال: نعم إذا كان يقامر بالحمامات فشهادته باطلة، والذي يعصر الخمر ويبيعها وإن كان لا يشربها فإن شهادته لا تجوز. قلت: أرأيت إن أراد أن يجرحهم، فادعى الذي يريد أن يجرح الشهود بمعرفتهم أنهم غيب بموضع بعيد؟ قال: لا ينظر في قوله لأن حق هؤلاء قد وجب، وإنما يتلوم له القاضي في التجريح بقدر ما يرى، فإن جرحهم. وإلا أمضى الحكم عليه. قلت: أرأيت إن جرح واحد من الشهود وقد شهدوا عليه بالزنا وهم أربعة، أيحدهم جميعا حد الفرية في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي، لأن مالكا قال إذا كان أحدهم مسخوطا جلد وجلد الثلاثة معه.

في المشهود عليه بالزنا يقذف الشهود
قلت: أرأيت لو أن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فقذفهم بالزنا المشهود عليه فطلبوا حدودهم قبله حد الفرية، أتقيم عليه حد الفرية في قول مالك وتقيم عليه حد الزنا بشهادتهم، أم تقيم حد الفرية وتجعلهم خصماء وتبطل شهادتهم عنه في الزنا؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، ولكني لا أرى أن تبطل شهادتهم، وأرى أن يقيم بشهادتهم حد الزنا ويضرب لهم حد الفرية.

في كتاب القاضي إلى قاض في الشهادة على الحدود والحقوق
قلت: أرأيت إذا كتب إلى قاض بشهادة شهود شهدوا عنده وعدلوا، وشهدوا على فلان ابن فلان بحق أو بحد أو قصاص أو غير ذلك، أيقبل هذا القاضي الذي جاءه الكتاب البينة الذين في الكتاب على هذا المشهود عليه، ويقيم عليه تلك الأشياء ويقضي بها عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: وسمعناه يقول في القاضي يكتب بالكتاب إلى قاض آخر فيه الشهود على ما يقضي به وكتب بعدالة الشهود: إن القاضي الذي جاءه الكتاب يقضي به وينفذه، ولم يفسر لنا مالك حدا ولا قصاصا أو غير ذلك وما شككنا أنه كله سواء. قال: قال مالك: وإن عزل القاضي الذي كتب إليه الكتاب أو مات فولي غيره في موضعه. قال: إن هذا الذي ولي بعده ينبغي له أن ينفذ ما فيه وإن كان الذي كتبه قد عزل أو مات فإنه ينبغي للقاضي الذي جاءه الكتاب أن ينفذ ذلك، ولا ينظر في عزل الذي كتب به إليه ولا في موته. قلت: أرأيت كتاب القاضي إلى القاضي، أيجوز عند

فيمن تجوز له إقامة الحدود في القتل من الولاة
قلت: هل يقيم الحدود في القتل والي بعض المياه؟ قال: قال مالك: يجلب إلى بعض الأمصار في القتل. قلت له: فمصر كلها لا يقام القتل فيها إلا بالفسطاط؟ قال: نعم، أو يكتب إلى والي الفسطاط فيكتب إليه يأمره بإقامة ذلك.

كتاب الأشربة
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأشربةقلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره المسكر من النبيذ؟ قال: قال مالك: ما أسكر من الأشربة كلها فهو خمر يضرب صاحبه فيه ثمانين. وفي رائحته إذا شهد عليه بها أنها رائحة مسكر، نبيذا كان أو غيره، فإنه يضرب فيه ثمانين. قلت: من حنطة كان هذا النبيذ أو من شعير؟ قال: نعم، والسكركة وغيرها فإنها عنده خمر إذا كانت تسكر. قلت: أرأيت عكر المسكر، أيجعل في شيء من الأشربة أو من الأطعمة في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن دردي النبيذ المسكر فقال مالك: لا يحل أن يجعل شراب يضر به، فكذلك الطعام عندي لا يجعل فيه. قلت: أرأيت النبيذ إذا انتبذته، أيصلح لي أن أجعل فيه عجينا أو دقيقا أو سويقا أو ما يشبه، ليشتد به النبيذ قليلا أو ليعجل به النبيذ؟ قال: سألت مالكا عنه فأرخص فيه وقال: لا أرى به بأسا، ثم سألته بعد فنهى عنه. قال: وقال لي مالك: وقد قال لي أهل المغرب إن ترابا عندهم يجعلونه في العسل، وإن هذه أشياء يريدون بها إجازة الحرام فكرهه. قال ابن القاسم: وأنا لا أرى به بأسا ما لم يسكر. قلت: أرأيت البسر والتمر أو الرطب والتمر أو الزبيب والتمر، أيجمعان في النبيذ جميعا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: لا ينبذان جميعا وإن نبذا مختلفين شربا حلالا، ولا أحب أن يخلطا في إناء واحد ثم يشربا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر والتمر جميعا، أو يشرب الزهو والتمر جميعا. قال: فهذه الأشياء كلها لا يجمع منها شيئان في الانتباذ، ولا يجمع منها شيئان في إناء واحد يخلطان فيشربان جميعا وإن كانا حلالين كلاهما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه. قلت: وكذلك الحنطة والشعير لا يجمعان في الانتباذ ولا في الشرب؟ قال: نعم في رأيي. قلت: أرأيت إن مزج نبيذه بالماء، أيكون هذا قد جمع شيئين في قدح واحد؟ قال: لا، لأن الماء ليس بنبيذ، وإنما يكره أن

يخلط به كلما كان نبيذا أو كان شرابا ينبذ منه، وإن لم يكن نبيذا. وأما الماء فإنه ليس بنبيذ، ولكن به ينبذ وإنما النبيذ غير الماء وبالماء يكون، ولا بأس بالماء بأن يخلطه بشرابه فيشربه. قلت: أرأيت إن خلط عسلا بنبيذ، أيصلح له أن يشربه في قول مالك؟ قال: لا يصلح له أن يشربه في قول مالك، لأن العسل هو نبيذ وهو شراب قبل أن ينبذ وليس هو بمنزلة الماء، لأن الماء لا ينبذ كما ينبذ العسل، وقد وصفت لك ذلك. قلت: أفيؤكل الخبز بالنبيذ؟ قال: نعم، لا بأس بذلك لأن الخبز ليس بشراب. قلت: أينقعه في نبيذه ويدعه يوما أو يومين فيشربه قبل أن يسكر؟ قال: قد أخبرتك عن الجذيذة وما أشبهها أن مالكا كرهها في قوله الآخر، فهذا يشبه ما وصفت لك من قوله في الجذيذة في أول قوله وفي آخره. قلت: لم كره مالك أن يجمع بين الزبيب والتمر أو الرطب والتمر أو البسر والتمر في الانتباذ؟ قال: للأثر الذي جاء. قلت: فهل كان مالك يكره أن ينبذ البسر المذنب الذي قد أرطب بعضه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه إلا الحديث: نهى أن ينبذ الزهو والرطب جميعا ولا يعجبني إلا أن يكون بسرا كله أو رطبا كله.

طبخ الزبيب
قلت: أرأيت الزبيب، أكان مالك يوسع في أن ينبذ نقيعا ولا يطبخه؟ قال: ما سمعت من مالك في مطبوخ الزبيب ولا نقيعه شيئا إلا أن نبيذ الزبيب، وغيره حلال عنده ما لم يسكر. قلت: أرأيت الزبيب إذا كان نقيعا فعلا أما تخاف أن يكون هذا من الخمر؟ قال: قال لنا مالك في عصير العنب: إنه يشرب ما لم يسكر. قال: فقلنا لمالك: ما حده؟ قال: قال مالك: حده إذا لم يسكر. قال: فأرى الزبيب بهذه المنزلة أنه يشرب ما لم يسكر وإن غلا. قلت: فالعصير، أيشربه إذا غلا وإن كان لا يسكر؟ قال: قال مالك: حده ما لم يسكر، ولم أر حده عند مالك الغليان ولم يقل لي مالك في العصير. غلا أو لم يغل، إنما قال لنا: حده ما لم يسكر. فهو عندي بمنزلة نبيذ التمر. وهو عند مالك نبيذ كله، العصير ونبيذ التمر وجميع الأنبذة حلال ما لم يسكر، فإذا أسكرت فهي خمر كلها. فالعصير وجميع الأنبذة سواء ليس تحرم بغليانها إنما تحرم إذا كان يسكر لأن العصير حلال عند مالك حتى يسكر، والنبيذ حلال عند مالك حتى يسكر، فإذا أسكرا كانا حراما، وهما قبل أن يسكرا سبيلهما واحد لا يحرمان بالغليان، وإنما يحرمان إذا خرجا إلى ما يسكر. قلت: أرأيت الظروف، هل كان مالك يكره أن ينبذ في شيء منها؟ قال: سألت مالكا عنها فقال: الذي ثبت عندنا والذي آخذ به، أن الدباء والمزفت لا يصلح النبيذ فيهما ولا ينبذ فيهما. قلت: فهل كان مالك يكره من الفخار شيئا غير المزفت؟ قال: لا، إنما كان يكره الدباء والمزفت. قلت: وكان مالك يكره مزفت الدباء وغير

مزفته؟ قال: نعم، يكره المزفت من كل شيء، الزقاق المزفتة والفخار المزفت وكل ظرف زفت كان يكرهه. قلت: أي شيء الزفت؟ قال: الناس يعرفونه، الذين يزفتون به قلالهم وظروفهم، قلت: فهل كان مالك يكره شيئا من الظروف سوى ما ذكرت لي؟ قال: لا. قلت: أرأيت المطبوخ، ما يكره منه مالك وما لا يكره؟ قال: سألت مالكا عن المطبوخ فقال: الذي كنت أسمع به إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه. قال: فقلت لمالك: فما حده عندك؟ قال: حده عندي إذا طبخ حتى لا يسكر. قال: فلم أر مالكا يلتفت إلى ثلث. ولا إلى ثلثين. قلت: أرأيت ما سألتك عنه من هذه الأشربة كلها إذا فسدت وصارت خمرا، أيحل إصلاحها وهي عند مسلم يخللها أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الخمر إذا ملكها المسلم فليهرقها، فإن اجترأ عليها فخللها حتى صارت خلا فليأكلها وبئس ما صنع. قال: وسألت مالكا عن الخمر يجعل فيها الحيتان فتصير مريا؟ قال: قال مالك: لا أرى أكله وكرهه. قال سحنون: إذا عملها للخمر فلا تؤكل وإن تخللت وقال مثل قول سحنون الحسن البصري. قلت: أرأيت الظروف، أليس قد ذكر مالك فيها عن ربيعة عن أبي سعيد الخدري عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن الظروف ثم وسع فيها1؟ قال: قال مالك: ثبت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت2.
تم كتاب الأشربة من المدونة الكبرى ويليه كتاب السرقة.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الأشربة باب 8. الترمذي في كتاب الأشربة باب 6 النسائي في كتاب الأشربة باب 33، 35. أحمد في مسنده [3/ 481].
2 رواه في الموطأ في كتاب الأشربة حديث 5 عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت. ورواه مسلم في كتاب الأشربة حديث 31، 32.

كتاب السرقة
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب السرقةقال سحنون: قلت لابن القاسم: أرأيت الرجلين يشهدان على الرجل بالسرقة، أيسألهما الحاكم عن السرقة ما هي وكيف هي في قول مالك ومن أين أخذها وإلى أين أخرجها؟ قال: لم أسمع مالكا يحد في ذلك حدا، ولكن أرى للإمام أن يسألهما لأن مالكا سئل عن القوم يشهدون على الرجل بالزنا فقال ينبغي للإمام أن يسألهم عن شهادتهم، يريد بذلك كيف؟ رأوه وكيف صنع؟ فإن كان في ذلك ما يدرأ به الحد عنه درأه، فهذا يدلك على مسألتك في السرقة، لأنهم إن شهدوا بالسرقة وإن كان في قيمتها ما يقطع في مثله، فعسى أن يكون في سرقته أمر لا يجب فيه القطع. وإنما القطع حد من الحدود فينبغي للإمام أن يكشف فيه الشهود كما يكشفهم في الزنا.

في رجل سرق ما يجب فيه القطع فظفر به وقيمته ما لا يجب فيه القطع
قلت: أرأيت من سرق ما يسوى ثلاثة دراهم ذلك اليوم وهو لا يسوى ربع دينار اليوم لارتفاع صرف الدينار، أيقطع فيه في قول مالك؟ قال: قال مالك، نعم يقطع إذا سرق قيمة ثلاثة دراهم اليوم. قال مالك: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في ثلاثة دراهم، وأن عثمان قطع في ثلاثة دراهم وأن عمر قوم الدية اثني عشر ألف درهم، فلا ينظر إلى الصرف في هذه الأشياء إن ارتفع الصرف أو انخفض، وإنما ينظر في هذا إلى، ما مضت به السنة. قلت: أرأيت إن اتضع الصرف صرف الذهب فسرق ربع دينار من ذهب، وهو لا يسوى ثلاثة دراهم، أتقطع يده لأنه ربع دينار؟ قال: نعم، وإنما تقوم الأشياء كلها

بالذهب والفضة. قلت: أرأيت إن سرق سلعة، فأنت إن قومتها بالذهب تبلغ ربع دينار، وإن قومتها بالفضة بلغت ثلاثة دراهم، أتقطع يده في قول مالك؟ قال: نعم تقطع عند مالك. وإنما تقوم هذه الأشياء بالدراهم. وكذلك إن كانت هذه السلعة، إن قومتها بالذهب بلغت ربع دينار وإن قومتها بالفضة لم تبلغ ثلاثة دراهم. قال: قال مالك في السلع: لا تقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم، قل الصرف أو كثر.
قال: فقيل لمالك: أرأيت لو أن رجلا سرق سرقة فقومت بدرهمين وهو ربع دينار لانخفاض الصرف يومئذ، أتقطع يده؟ قال: قال مالك: تقطع يده حتى تبلغ سرقته ثلاثة دراهم. قال ابن القاسم: وإنما قال مالك تقطع في وزن ربع دينار فصاعدا إذا سرق الذهب بعينه وإن كانت قيمته أقل من ثلاثة دراهم، لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "القطع في ربع دينار فصاعدا" 1 . وإن عمر بن عبد العزيز كتب: من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا قطع. وإن عائشة قالت: ما طال علي وما نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا. قال ابن القاسم: ولو لم أقطعه في وزن ربع دينار ذهبا، إذا سرق الذهب ما قطعته لا في ثلث ولا في نصف ولا في الدينار كله إذا كانت قيمته أقل من ثلاثة دراهم. ولقد أتى على الناس زمان، وصرف الناس ثلث دينار أقل من ثلاثة دراهم، إنما صرفهم سبعة دراهم وثمانية دراهم.
قلت: أرأيت إن سرق رجل سرقة فرفعه أجنبي من الناس إلى السلطان والمسروق منه المتاع غائب أيقطعه السلطان في قول مالك أم ينتظر رب المتاع حتى يقدم؟ قال: إذا شهد الشهود أنه سرقه قطعت يده عند مالك. قال: ولقد أخبرني أوثق أصحابي عندي أن مالكا سئل عن رجل كان يسكن الشام وله متاع بمصر فأتى رجل فسرق متاعه الذي بمصر، وقامت عليه البينة بأن السارق أخذ المتاع سرا فقال السارق: صاحب المتاع أرسلني، فقال مالك: أرى أن تقطع يده. فقيل لمالك: فإن سئل صاحب المتاع فقال: أنا أرسلته؟ فقال: لا ينظر في قول صاحب المتاع وتقطع يده. ولقد سألنا مالكا عن الرجل يلفى من جوف الليل ومعه المتاع فيؤخذ فيقول: فلان أرسلني إلى منزله فأخذت له هذا المتاع. قال مالك: أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان الرجل الذي معه المتاع يعرف له انقطاع إلى رب المتاع ويشبه ما قال لم يقطع، وإن لم يعرف منه مثل ما ذكرت لك. قال مالك: رأيت أن تقطع يده ولا يقبل. قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يسرق فيعفو عنه صاحب المتاع ثم يرفعه بعد ذلك غيره إلى السلطان؟ قال أرى أن يقطع يده، وليس للسلطان أن يعفو إن انتهت إليه الحدود، وليس عفو المسروق منه بشيء. قلت: أرأيت إذا شهد على السارق بالسرقة، هل يحبس السارق حتى يزكى الشهود إن لم يعرفهم القاضي، أم يكفله القاضي في قول مالك؟ قال: لا يكفله عند مالك ولكن يحبسه، وليس في الحدود والقصاص كفالة عند مالك.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الحدود حديث 24 عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ما طال علي وما نسيت "القطع في ربع دينار فصاعدا" ورواه البخاري في كتاب الحدود باب 13. ومسلم في كتاب الحدود حديث 1-4.

قلت: أرأيت إذا شهد الشهود على سرقة أو زنا فغابوا قبل أن يزكوا ثم زكوا، أيقيم القاضي الحد أم لا يقيمه حتى تحضر الشهود فيقيمه بحضرة الشهود؟ قال: يقيم الحدود ولا يلتفت إلى مغيب الشهود، إذا شهدوا وأثبتوا الشهادة أقام الحد وإن غابوا. قلت: أرأيت إن شهدوا ثم ماتوا فزكوا وهم موتى، أيقيم الحدود والقصاص بشهادتهم. في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وإن خرسوا أو عموا أو جنوا قال: نعم، هذا كله يقيم الإمام الحد ولا يلتفت إلى الذي أصابهم من ذلك في رأيي. قلت: فإن ارتد الشهود عن الإسلام وقد حبسه القاضي، أيقيم الحدود في قول مالك؟ قال: لا يقام الحد إن ارتدوا لأنهم ههنا قد عادوا إلى حال لا تجوز فيه شهادتهم. وفي مسائلك الأول لم يعودوا إلى حال فسق ولا إلى حال ارتداد وإنما ابتلوا بغير ذلك. قلت: أرأيت إن فسق هؤلاء الشهود أو وجدوا يشربون الخمر أو ما أشبه هذا، أو فسدت حالهم بعدما زكوا أو أمر القاضي بإقامة الحد إلا أن الحد لم يقم بعد. قال: يقام الحد عليه إذا كانت الشهادة قد ثبتت وقد قضى بها. قلت: فكيف هذا في حقوق الناس؟ قال: إذا قضى القاضي بالحقوق للناس ثم صاروا إلى ما ذكرت من الحال السيئة إلى الارتداد أو إلى الفسق، فإن القضاء قد نفذ ههنا. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: فكيف هذا في القصاص إذا قضى القاضي في القصاص ثم ارتد الشهود عن الإسلام قبل أن يقتص المجروح؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يقتص منه لأنه من حقوق الناس إذا كان قد قضى به وأنفذه. قلت: أرأيت إن غاب المسروق منه وشهد الشهود على السرقة، أتقطعه والمسروق منه غائب؟ قال: أرى أن تقطع يده ولا يلتفت إلى غيبة المسروق منه المتاع. ألا ترى أن مالكا قال في المتاع الذي أخبرتك أنه بمصر وصاحبه بالشام: إن السارق يقطع، قلت: أرأيت إن قال المسروق منه المتاع، لم يسرق مني شيء. وشهد الشهود أنه سرق، أيقطع أم لا؟ قال: نعم. يقطع في رأيي.

تفرقة الشهود عن الشهادة والقوم يجتمعون على حمل السرقة والوديعة والسارق يسرق من السارق
قلت: هل يفرق الوالي بين الشهود إذا شهدوا على الحدود؟ قال: لا يفرق بينهم إلا أن يستنكر الإمام شيئا إذا كانوا عدولا بينة عدالتهم إلا ما أخبرتك من حد الزنا، فإن مالكا قال: ينبغي للإمام أن يسألهم عن شهادتهم، فإن وجد فيها ما يدرأ الحد درأه. فلا أدري أراد بذلك تفرقتهم أم يسألهم عن تحقق الزنا، ولا أرى أن يفرقهم ولكن يسألهم عن تحقق الزنا. قلت: أرأيت لو أن مسلما أقام شاهدين كافرين على كافر أنه سرق منه متاعا يقطع في مثله؟ قال: لا يقضى له بالمتاع ولا بشيء ولا يقضى على الكافر بالحد لأن

مالكا قال: لا تجوز شهادة النصارى ولا المشركين كلهم على شيء من الأشياء. قلت أرأيت الشاهدين إذا شهدا على رجلين أنهما سرقا هذا المتاع جميعا والمتاع قيمته ثلاثة دراهم، أيقطعان أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، يقطعان جميعا وإن لم يكن في قيمة المتاع إلا ثلاثة دراهم قطعا، ولو كانوا عشرة إذا حملوه جميعا قال أو جعلوه جميعا على واحد منهم ولم يكله بعضهم إلى بعض فإنهم يقطعون جميعا قال: وإن دخلوا جميعا للسرقة، فحمله واحد منهم فخرج به وهم معه ولم يحملوه عليه ولم يحملوه جميعا، لم يقطع إلا من حمله وحده وإن دخلوا للسرقة جميعا. قال: وإن خرجوا جميعا وقد أخذ كل إنسان منهم شيئا يحمله وهم شركاء فيما أخرجوا، فمن خرج منهم بقيمة ثلاثة دراهم قطعت يده، ومن خرج منهم بقيمة أقل من ثلاثة دراهم لم يقطع، لأن هؤلاء لم يتعاونوا على ما حمل كل واحد منهم، إنما حمل كل واحد منهم ما حمل وحده ولم يحمل عليه صاحبه ولم يحمل معه. قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: نعم قال: وإنما مثل ذلك مثل القوم يدخلون جميعا فيحملون السرقة على واحد منهم، فيخرج بها واحد منهم يحملها وهم الذين حملوها عليه فيقطعون جميعا بمنزلة ما لو حملوا المتاع في حرزه على دابة على بعير أو حمار فخرجوا به، إلا أنهم اجتمعوا في حمله على الدابة أنهم يقطعون جميعا. قال ابن القاسم: وإنما ذلك في كل ما يحتاج إلى حمله لثقله أو لكثرته، فأما ما يحمله منهم واحد فلا قطع على من أعانه منهم، مثل الثوب وما أشبهه والصرة ونحوها. وإنما يقطع في هذا الذي خرج بها وأعين على حملها ولا قطع على من أعان. قلت: أرأيت الثوب إن كان بين رجلين سرقه رجل وقيمته ثلاثة دراهم، أيقطع أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يقطع عند مالك. قلت: أرأيت إن أبى أرباب المتاع أن يقوموا على السارق ورفعه أجنبي من الناس، أيقيم عليه الإمام الحد أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يقيم عليه الحد. قلت: أرأيت من سرق متاعا، والمتاع مستودع عند المسروق منه أو عارية أو بإجارة، أيقطع السارق في قول مالك أم لا؟ قال: نعم يقطع. عند مالك. قلت: لم؟ قال: لأن الذي كان المتاع في يده كان حرزا للمتاع. قلت أرأيت إن سرق رجل متاعا فسرقه منه سارق آخر، ثم سرق من ذلك السارق ذلك المتاع سارق آخر، أتقطعهم جميعا في قول مالك؟ قال: نعم، ولو كانوا سبعين قطعوا كلهم وكذلك قال مالك. قلت: أرأيت لو سرق متاعا فقطع فيه ثم سرقه ثانية، أتقطعه الثانية في ذلك المتاع وقد قطعته مرة في قول مالك؟ قال: نعم.

الزناة يقوم بهم الأجنبي والقائم على القاذف بعد العفو والعفو إذا أراد سترا
قلت: أرأيت الزناة من رفعهم إلى السلطان، أيقيم الحد السلطان عليهم في قول مالك؟ قال: نعم مثل السرقة، وأما القذف فليس ذلك عنده كذلك. قال ابن القاسم: ولقد أتى مالكا قوم وأنا عنده في رجلين قال أحدهما لصاحبه: يا مخنث. فأراد أن يرفعه إلى السلطان فطلب إليه حتى عفا عنه، ثم إنه وقع بينهما بعد ذلك شر، فأراد أن يرجع فيما عفا عنه فأتوا مالكا فسألوه عنه فقال: لا أرى له أن يرجع في ذلك. قال ابن القاسم: وأخبرني من أثق به أنه سمع مالكا يقول في الرجل يقذف الرجل بالزنا ثم يعفو عنه قبل أن ينتهي به إلى الإمام ثم يريد أن يقوم عليه بذلك. قال: ليس ذلك له قال مالك: ولو أن قوما سمعوا رجلا يقذف رجلا، فأتوا إلى الإمام فرفعوا ذلك إليه، لم ينبغ للإمام أن يأخذه به حتى يكون صاحبه الذي يطلبه به. قال مالك ولو أن الإمام سمع رجلا يقذف رجلا بالزنا ومعه من يثبت شهادته عليه أقام الإمام عليه الحد. قال ابن القاسم: وسألناه غير مرة عن الرجل يقذف الرجل بالزنا، ثم يريد أن يعفو عنه قبل أن يأتي السلطان أله ذلك؟ قال: نعم، وقد كان يقوله قبل ذلك. وقاله لي غير مرة، وإن أبى السلطان فله أن يعفو في نفسه، وكان يأخذ بقول عمر بن عبد العزيز في ذلك، ثم رجع عن رأيه في ذلك وقال: إذا بلغ السلطان فلا عفو له إلا أن يريد بذلك سترا.

في الذي يسرق ويزني وينقب البيت ويدخل يده ويلقي المتاع خارجا ثم يؤخذ والشهادة على السرقة والشفاعة للسارق
قلت: أرأيت إن شهدوا على رجل من أهل الذمة بالسرقة، أيقطعه أم لا في قول مالك؟ قال: نعم تقطع يده. قال ابن القاسم: لأن السرقة من الفساد في الأرض وليست مما ينبغي أن يترك أهل الذمة عليها. قال: وليس السرقة في أهل الذمة بمنزلة شرب الخمر والزنا إلا أن مالكا قال: لا يقطع ذمي ولا مسلم سرق خمرا ولا خنزيرا، وإن كانت الخمر والخنزير لذمي لم يقطع فيه ذمي ولا مسلم. قلت: أرأيت الذمي إذا زنى، أيقيم مالك عليه الحد أم لا؟ قال: لا يقيمه عليه وأهل دينه أعلم به. قلت: أرأيت إن أراد أهل الذمة أن يرجموه في الزنا، أيتركون وذلك؟ قال: قال لي مالك: يردون إلى أهل دينهم، فأرى أنهم يحكمون بما شاءوا ولا يمنعون من ذلك ويتركون على دينهم. قلت: أرأيت إن شهدوا عليه أنه نقب البيت فأدخل يده فأخرج ثوبا، أيقطع أم لا؟ قال: قال مالك: يقطع. قال مالك: ولو أدخل قصبة فأخرجه قطع. قلت: أرأيت إن دخل حرزا

فألقى المتاع خارجا من الحرز ثم خرج في طلب المتاع؟ قال: قال مالك: يقطع. قلت: فإن رمى بالمتاع خارجا من الحرز ولم يخرج هو حتى أخذ في داخل الحرز أيقطع؟ قال: شك مالك فيها وأنا أرى أن يقطع. قلت: أرأيت الشاهدين إذا شهدا على السرقة، استحسن مالك لهما أن يشهدا على المتاع أنه متاع المسروق منه، ولا يشهدان أنه سرق حتى لا يقام على هذا الحد؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أني أرى أنه لا يحل لهما إذا رفع السارق إلى الإمام أن يكفا عن شهادتهما على السرقة. قال. وسألنا مالكا عن السارق يشفع له قبل أن يصل إلى الإمام، أترى ذلك؟ قال: أما كل من لم يعرف منه أذى للناس وإنما كانت تلك منه زلة، فإني لا أرى بأسا أن يتشفع له ما لم يبلغ الإمام أو الشرط أو الحرس. قال مالك: والشرط عندي والحرس بمنزلة الإمام، ولا ينبغي إذا وقع بيد الشرط أو الحرس أن يتشفع له أحد من الناس. قال: قال مالك: وأما من عرف شره وفساده فلا أحب أن يشفع له أحد، ولكن يترك حتى يقام عليه الحد. قلت: أرأيت إن شهدوا على سارق أنه نقب بيت هذا الرجل ودخل وأخرج هذا المتاع من هذا البيت، ولا يدري لمن هذا المتاع ألرب الدار أم لا؟ قال: يقطع ويجعل المتاع لرب البيت. قلت: ولا يسعهم أن يشهدوا أن المتاع لرب الدار؟ قال: لا ولكن يشهدون بما عاينوا، وعرفوا، والحكم يجعل المتاع لرب الدار. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

الشهود على السرقة والغصب
قلت: أرأيت إن نظر رجل إلى رجل عليه ثوب، فأتاه رجل فغصبه منه أيسع الشاهد أن يشهد أن الثوب للمغصوب منه؟ قال: يشهد أن الثوب غصبه هذا من هذا. قلت: ولا يشهد أن الثوب ثوب المغصوب منه؟ قال: لا يشهد إلا بما عاين وعرف قبل هذا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا والإمام يرد الثوب إلى المغصوب منه. قلت: أرأيت إن ابتاع رجل من رجل سلعة ففلس المبتاع، أيسع الشهود أن يشهدوا أن هذا المتاع متاع البائع أم لا؟ قال: يشهدون أن هذه السلعة بعينها اشتراها هذا المفلس من هذا الرجل ولا يشهدون إلا بما عاينوا وعلموا.

في السارق يوجد في الحرز والدار مشتركة
قلت: أرأيت إن جمع المتاع وحمله فأدرك في الحرز قبل أن يخرجه، أيقطع في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يقطع. قلت: فإن أخرجه من البيت إلى الدار، والدار مشتركة مأذون فيها، والبيت محجور عن الناس؟ قال: قال مالك: يقطع إذا أخرجه إلى

فيمن سرق مصحفا أو شيئا من الطعام والفواكه
قلت: أرأيت إذا سرق مصحفا؟ قال: يقطع. قلت أرأيت الطعام، البطيخ واللحم والقثاء وما أشبهه من الطعام الذي لا يبقى في أيدي الناس، إذا سرق رجل منه ما يبلغ قيمته ربع دينار؟ قال مالك: نعم يقطع. قال: وقال مالك الأترنجة التي قطع فيها عثمان بن عفان إنما كانت أترنجة تؤكل ولم تكن ذهبا. قلت: أرأيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع، فيما بلغ ثمن المجن" 1 . هل أريد بالثمر المعلق طعام لا يبقى في أيدي الناس فمن ثم دفع الحد؟ قال: ليس هكذا إنما أريد بذلك الحرز. ألا ترى أن الحريسة في الجبال لا يقطع فيها، فإذا أواها المراح قطع سارقها؟ فهذا يدلك على أنه إنما أريد الحرز ولم يرد الطعام الذي يبقى في أيدي الناس أو لا يبقى. وقد قال مالك في جذع من النخل قائم في النخل قد ذهب رأسه، فقطعه رجل فسرقه، أنه لا يقطع. وإن كان في حرز، وإن كان صاحبه قد قطعه ووضعه في حائطه وأحرزه فسرقه رجل قطع. قلت: أرأيت إن سرق بغلا، أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان قد أواه الحرز ما لم يكن قائما. قلت: أرأيت إذا سرق رجل زرنيخا أو نطرونا أو نورة أو حجارة، وقيمة ذلك ثلاثة دراهم أيقطع في قول مالك؟ قال: إذا سرق ما قيمة ذلك ثلاثة دراهم، قطع عند مالك في جميع ذلك. قلت: أرأيت إن سرق الماء وقيمة الماء ثلاثة دراهم أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الحدود حديث 22 عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي. النسائي في كتاب قطع السارق 11، 12.

فيمن سرق خمرا أو شيئا من مسكر النبيذ
قلت: أرأيت إن سرق خمرا أو خنزيرا من أهل الذمة أو من غير أهل الذمة؟ قال: قال مالك: لا يقطع سارق الخمر والخنزير، وإن سرقه من أهل الذمة يقطع وأغرم ثمنه لهم إذا كان سرقه من ذمي أو معاهد.
قلت: أرأيت إن سرق مسكر النبيذ؟ قال: هذا خمر عند مالك. قلت: أرأيت إن سرق شيئا من الطير، بازيا أو غيره؟ قال مالك: من سرق شيئا من الطير قطع. قلت: أرأيت إن سرق السباع التي لا تؤكل لحومها، أيقطع في قول مالك؟ قال: أرى أن ينظر، فإن كان في جلودها ما لو ذكيت كان فيها قيمة ما يقطع فيه لرأيت أن يقطع، لأن مالكا قال: لا بأس بجلود السباع إذا ذكيت يصلى بها وعليها وتؤكل أثمانها، فإن كانت كذلك فقد كان له أن يذكيها ويبيع جلودها وليست مثل جلود الميتة. قال: ولقد قال مالك في جلود الميتة: لا قطع فيها. فقيل. له: فإن دبغت ثم سرقت؟ قال: إن كان فيها من صنعتها ما يكون قيمته ثلاثة دراهم سوى جلودها رأيت أن يقطع. قال ابن القاسم: فكذلك جلود السباع ولحومها، مثل ما قال مالك في جلود الميتة المدبوغة. قلت: أرأيت من سرق كلبا؟ قال: بلغني عن مالك ممن أثق به أنه

قال: لا يقطع في الكلب. قلت: صائدا كان أو غير صائد؟ قال: نعم. وهو رأيي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ثمنه. قلت: أرأيت الرجل يسرق النخلة بأصلها فيها ثمرة، أيقطع في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يقطع إذا كانت قائمة ثابتة والشجر كلها. قال مالك: بهذه المنزلة، فإن كان صاحبها قطعها ووضعها في الجنان فكان ذلك حرزا لها قطع سارقها.
قلت: أرأيت الجرين إذا جمع فيه الحب والتمر فغاب عنه صاحبه، وليس عليه حائط ولا باب ولا غلق، فسرق منه سارق، أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم يقطع عند مالك. ألا ترى أن الأمتعات التي في الأفنية التي تباع، أن سارقها يقطع، كان عندها صاحبها أو لم يكن عند مالك، ليلا كان أو نهارا، ألا ترى أن الحريسة إذا أواها المراح وإن كان مراحها في غير الدور، وليس عليها حيطان ولا أغلاق، وبات أهلها في بيوتهم، فسرق منها سارق، أنه يقطع في قول مالك. وكذلك الدواب التي في مرابطها المعروفة، وإن لم يكن دونها أبواب ولا أغلاق، ولا أهلها عندها، فإن سارقها يقطع وكذلك قال مالك. قلت: أرأيت المسافر إذا سافر فوضع متاعه في خبائه أو خارجا من خبائه، فذهب لاستقاء الماء أو لحاجته وترك متاعه فسرقه سارق، أيقطع أم لا؟ قال: قال مالك: يقطع، والإبل إذا كانت في رعيها لم يقطع سارقها، فإن أواها مراحها قطع من سرقها من هناك. قلت: فلو ضرب فسطاطه في السفر فسرق الفسطاط سارق، أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم يقطع. ألا ترى أنه يقطع في المتاع الموضوع في غير خباء، فكذلك الخباء. قلت: أرأيت إن أتى إلى قطار فاحتل منه بعيرا أو سرق من محمل شيئا؟ قال: قال مالك: يقطع من احتل بعيرا من القطار، أو أخذ من المحمل شيئا على وجه الاستسرار قلت: أرأيت إن أخذ غرائر على البعير أو شقها فأخذ منها المتاع، أيقطعه في الوجهين جميعا في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: وإن أخذ ثوبا ملقى على ظهر البعير مستسرا بذلك قطع. قلت: فإن أخذه غير مستسر قال: إذا أخذه مختلسا لم يقطع عند مالك قلت: لم لا يقطع مالك المختلس؟ قال: مضت به السنة وقد قاله زيد بن ثابت: لا يقطع المختلس. قلت: أرأيت النباش أيقطع في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم إذا أخرجه من القبر قطع. وقد قال مثل قول مالك سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وربيعة وعطاء والشعبي.
قلت: أرأيت الرفقاء في الأسفار ينزل كل قوم على حدة فيسرق بعضهم من بعض؟ قال: سألت مالكا عنها فقال يقطعون. قال مالك: وإنما ذلك عندي بمنزلة الدار فيها المقاصير والسكان متحاجزين، فيسرق بعضهم من بعض أنه يقطع. قلت: أرأيت لو أن رجلا طرح ثوبا له في الصحراء وذهب لحاجته وهو يريد الرجعة إليه ليأخذه فسرقه سارق مستسرا، أيقطع أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه إن كان

منزلا نزله في ذلك الموضع الذي وضع فيه ثوبه قطع في رأيي، وإن لم يكن منزلا نزله لم يقطع سارقه. قلت: وإنما ينظر في هذا إلى المنازل والبيوت والدور، وهي الحرز فمن سرق منها قطع؟ قال: نعم. قلت: نعم إن غاب أربابها أو حضروا. قال: وإنما ينظر في هذا إلى المواضع التي جعلت هذه الأشياء حرزا لها، فمن سرق من هناك قطع. وظهور الدواب إذا وضع عليها المتاع حرز لذلك المتاع عند مالك وكذلك القطار يقاد فيأخذ منه رجل بعيرا فذلك حرزه. قلت: فإن احتل البعير فأخذ مكانه، أيقطع أم حتى ينحيه؟ وكيف إن كان إنما نحاه قليلا؟ قال: لم يحد لنا مالك في ذلك حدا إلا أنه إذا احتله عن مربطه وسار به وصار في يديه قطع. قلت: أرأيت النباش، ما فرق ما بينه وبين الذي طرح ثوبه في الصحراء؟ قال: لأن القبر حرز لما فيه. قلت أرأيت إذا طر من كم رجل أو من ثيابه ثلاثة دراهم من داخل الكم أو من خارج الكم، أيقطع في قول مالك؟ قال: قال مالك: يقطع. قلت: وكذلك إن أخرج من خفه دراهم، أيقطع أم لا؟ قال: نعم في رأيي.
قلت: أرأيت الصبي الحر إذا سرقه رجل، أيقطع في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا سرقه من حرزه قطع. قلت: والحر والعبد في هذا عند مالك سواء؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن سرق ثوبا لا يسوى ثلاثة دراهم أو خرقة لا تسوى ثلاثة دراهم، وفي ناحية الثوب أو الخرقة ثلاثة دراهم مصرورة، أيقطعه أم لا؟ قال: قال مالك: من سرق ثوبا أو ما أشبهه مما يعلم الناس أن في مثله يسترفع الذهب والورق قطع، وإن كان لم يعلم أن ذلك فيه حين سرقه قطع ولا ينفعه جهالته. وما كان من شيء مثله لا يرفع فيه الذهب ولا الورق، مثل الخشبة والحجر والعصا، فسرقه سارق وفيه ذهب أو فضة وقيمة الذي سرق ليس يقطع في مثله إلا أن فيه ذهبا كثيرا أو فضة كثيرة، فإنه لا يقطع حتى يكون قيمة الذي سرق بعينه سوى ما فيه ربع دينار فصاعدا.قلت: أرأيت إن سرق عبدا كبيرا أعجميا، أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كان عبدا كبيرا فصيحا، أيقطع أم لا في قول مالك إذا سرقه؟ قال: لا يقطع. قلت: أرأيت إن شهد أحد الشاهدين أنه سرق نعجة، وشهد الآخر أنه سرق كبشا أيقطعه؟ قال: لا يقطع لأن شهادتهما قد اختلفت. قلت: ولا يراهما قد اجتمعت شهادتهما على السرقة وإن اختلفت في الذي سرق. ألا ترى أنهما قد شهدا أنه سارق، اجتمعا في ذلك وافترقا في الذي سرق؟ قال: إذا افترقا في الذي سرق عند مالك لم أقطعه؛ لأنهما لم يشهدا على عمل واحد، والسرقة عمل من الأعمال ليس بإقرار، فلا يقطع بشهادة واحد قلت: وكذلك إن شهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس وشهد الآخر أنه سرق يوم الجمعة؟ قال: نعم لا يقطع. قلت: وهذا كله في قول مالك؟ قال: نعم.

قلت: أرأيت إن دخل سارق فسرق طعاما فأكله قبل أن يخرج من حرزه فخرج وقد أكله، أيقطعه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يقطع. قلت: أرأيت إن أخذ دهنا قيمته ثلاثة دراهم فدهن به رأسه ولحيته في الحرز ثم خرج به وقد استهلكه في رأسه ولحيته، أيقطع في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن كان ما خرج به في رأسه ولحيته من الدهن إن سلت بلغ ربع دينار فيقطع وإلا لم يقطع. قلت: أرأيت إن دخل الحرز فذبح شاة فأخرجها مذبوحة، أو دخل الحرز فحرق ثيابا ثم أخرجها محرقة، أو أفسد طعاما في الحرز أخرجه وقد أفسده؟ قال: قال مالك: ينظر إلى قيمته. خارجا من الحرز حين أخرجه، فإن كانت قيمته ربع دينار فصاعدا قطع، ولا ينظر إلى قيمته داخل الحرز. قلت: أرأيت إن أخذ وقيمة المتاع الذي أخرج من الحرز ثلاثة دراهم وكان قيمته يوم أخرجه من الحرز درهمين، أيقطع أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إنما ينظر إلى قيمة السرقة يوم سرقها ولا ينظر إلى قيمتها بعد ذلك غلت أو رخصت فإن كان قيمتها يوم أخرجها من حرزها ما يقطع في مثله قطع، وإن لم يكن في قيمتها يوم أخرجها ما يقطع في مثله لم يقطع.
قلت: أرأيت إن سرق مرة بعد مرة، أتقطع يده اليمنى ثم رجله اليسرى ثم يده اليسرى ثم رجله اليمنى في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: فإن سرق بعد ذلك ضرب وحبس. قلت: أرأيت إن سرق وليس له يمين؟ قال: قال مالك: تقطع رجله اليسرى ولم أسمعه أنا منه، ولكن بلغني ذلك عنه بعد ذلك ممن أثق به أنه قال: تقطع يده اليسرى. وقد كان وقف على قطع رجله بعدما قاله ثم قال: تقطع اليد وقوله في الرجل أحب إلي وهو الذي آخذ به. قلت: أرأيت الذي لا يدين ولا رجلين له إذا سرق وهو عديم لا مال له، فاستهلك سرقته فأخذ، أتضربه وتسجنه وتضمنه السرقة في قول مالك؟ قال: نعم ولم أسمعه أنا منه. قال: وقال مالك: إذا سرق وهو عديم لا مال له فاستهلك الرجل الحر السرقة وهو موسر، ثم أخذ فقطعت يده وقد استهلك السرقة، فإن كان يوم قطعت يده معسرا لم يتبع بها، وإن كان يسره ذلك قد ذهب منه ثم أعسر ثم قطعت يد السارق وقد أيسر ثانية بعد العسر لم يؤخذ أيضا منه شيء، وإن سرق وهو معسر ثم أخذ وهو موسر قطعت يده ولم يؤخذ منه شيء، وإنما يؤخذ منه إذا سرق وهو موسر فتمادى به ذلك اليسر إلى أن قطع، فهذا الذي يضمن السرقة في يسره ذلك، فأما إذا انقطع ذلك ثم أيسر بعد ذلك فقطع لم يضمن تلك السرقة إذا كان قد استهلكها وكذلك لو سرق وهو موسر ثم أيسر بعد ذلك قطع ولم يضمن إذا كان قد استهلك السرقة.

الرجوع عن الشهادة وخطأ الإمام
قلت: أرأيت الرجل يشهد عليه شاهدان أنه سرق، ثم أتيا بآخر قبل أن يقطع القاضي هذا المشهود عليه الأول فقالا: وهمنا هو هذا الآخر؟ قال لا أرى أن يقطع هذا ولا هذا. قلت: أتحفظه عن مالك أن ما أخطأ به الإمام أن ذلك في بيت المال؟ قال: حرصنا أن نسمع من مالك في ذلك شيئا فأبى أن يجيبنا، وأرى أن يكون ذلك على عاقلته مثل خطأ الطبيب والمعلم والخاتن. قلت: أرأيت إن شهدا على رجل بالسرقة، ثم رجعا عن شهادتهما قبل أن يقضي القاضي بشهادتهما؟ قال: ذلك لهما عند مالك. قلت: وكل من شهد على شهادة فرجع عنها قبل أن يقضى بها فله ذلك في قول مالك، ولا يكون عليه شيء في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وأما الشاهدان إذا رجعا، إن كانا عدلين بينة عدالتهما، وأتيا من أمرهما بأمر يعرف به صدق قولهما، وأنهما لم يتعمدا فيه حيفا، لم أر أن يقال لهما شيء، وأقيلا وجازت شهادتهما بعد ذلك إذا تبين صدق ما قالا، وإن كانا على غير ذلك من بيانه ومعرفة صدقه، لم أر أن تقبل شهادتهما فيما يستقبلان، ولو أدبا لكانا لذلك أهلا. قلت: أرأيت إن رجعا عن شهادتهما بعدما قضى القاضي بشهادتهما، وقد شهدا في دين أو طلاق أو حد من الحدود أو عتاق أو غير ذلك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وما سمعت أحدا من أصحابنا يحكي عن مالك فيه شيئا، إلا أني أرى أن يضمنا ذلك في الدين، ويكون عليهما العقل في القصاص في أموالهما، وتكون عليهما قيمة العتق. وفي الطلاق، إن كان دخل بها فلا شيء عليهما، وإن كان لم يدخل بها فعليهما نصف الصداق. وقد بلغني عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه قال في الأموال: أرى ذلك عليهم غرم ذلك في أموالهم، أخبرني به من أثق به من أصحابي.
قلت: أرأيت المشهود عليه إذا زكيت البينة الذين شهدوا عليه عند القاضي، أيقول القاضي للمشهود عليه إنهم قد شهدوا، وقد زكوا، فعندك ما تدفع به شهادتهم عنك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال: ينبغي للإمام أن يسأل عن الشهود في السر. قال ابن القاسم: وأرى إن كان الذي شهدت عليه الشهود، يعرف وجه التجريح ولا يجهل ذلك، لم أر على الإمام أن يقول جرح إن شئت. وإن كان يجهل ذلك وهو ممن لا يعرف أن له أن يجرحهم، مثل المرأة الضعيفة أو الرجل الجاهل، رأيت له أن يقول له القاضي ذلك ويخبره أن له أن يجرحهم ويدفع شهادتهم عن نفسه، لعل عنده ما يدفع به عن نفسه من العداوة بينه وبينهم، أو شركة مما لا يعلمه المعدلون. وذلك أني سألت مالكا عن الرجل يدعي على الرجل حقا وقد كانت بينه وبينه مخالطة، فيقال للمدعى عليه: احلف وابرأ فينكل عن اليمين، أترى أن يقضي عليه بالحق أم يقول

الإمام للمدعي: احلف واستحق. والمدعى عليه لم يطلب يمين المدعي؟ قال مالك: فأرى للإمام أن لا يقضي بالحق على المدعى عليه حتى يقول للمدعي: احلف أن الحق حقك، فإن حلف وإلا لم يقض له بشيء. قال مالك: وذلك لأن الناس ليس كلهم يعرف أن اليمين ترده على المدعي، فلا ينبغي للإمام أن يقضي على المدعى عليه إذا نكل عن اليمين حتى يستحلف المدعي، فكذلك مسألتك في التجريح إن كان ممن يجهل ذلك، رأيت أن يعلمه الإمام الذي له في ذلك قبل أن يقضي عليه. قال مالك: وإذا أراد القاضي أن يقضي على رجل يقضيه، فوجه ذلك أن يقول القاضي للمقضي عليه: أبقيت لك حجة؟ فإن قال: لا، قضى عليه. فإن جاء بعدما قضى عليه يطلب بعض ذلك، لم يقبل القاضي ذلك منه، إلا أن يأتي بأمر يستدل به على ما قال، مثل أن يكون لم يعلم ببينته هي له أو ما أشبه ذلك وإلا لم يقبل منه. قلت: أرأيت إن أقام البينة المشهود عليه على الشهود بعدما زكوا، أنهم شربة الخمور أو أكلة الربا أو مجان أو نحو هذا، أو أنهم يلعبون بالشطرنج أو بالنرد أو بالحمام، أيكون هذا مما تجرح به شهادتهم في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قال المشهود عليه: أنا أقيم البينة أنهما قد حدا في القذف؟ قال: سئل مالك عن الرجل المحدود في القذف الذي يعرف بالصلاح والحالة الحسنة قبل القذف، فكيف تعرف توبته حتى تقبل شهادته؟ قال: إذا ازداد خيرا على حالته التي كان عليها، والناس يزيدون في الخير. وقد كان عمر بن عبد العزيز عندنا بالمدينة رجلا صالحا، ثم ولي الخلافة فزاد على حالته التي كان عليها وزهد في الدنيا. فبهذا يعتبر إن كان داعرا حين ضرب الحد في القذف فعرفت توبته فهذا تقبل شهادته، فأرى إن أقام على الشهود البينة أنهم جلدوا في القذف، فإن القاضي ينظر إلى حالتهم اليوم وإلى حالتهم قبل اليوم، فإن عرف منهم تزايدا في الخير أو التوبة عن حالة كانت لا ترضى قبل شهادتهم.
قلت: فهل يحد النصراني في القذف في قول مالك؟ قال: نعم إذا قذف مسلما حد. قلت: والعبد قال: نعم. قلت: وكم حدهما في قول مالك في الفرية؟ قال: قال مالك: النصراني حده ثمانون في الفرية، والعبد حده أربعون في الفرية. قلت: أرأيت إن أسلم هذا النصراني، أتقبل شهادته وقد كان حد في الفرية ثم أسلم بحضرة ما حد وشهد؟ قال: نعم تقبل شهادته. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قال: لأن الله تعالى قال في كتابه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. قلت: فهل تجوز شهادة العبيد في شيء من الأشياء الحدود والجراحات أو شيء من الحقوق قل أو كثر؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة العبد في شيء من الأشياء. قلت: أرأيت إن شهد رجل وامرأتان أن هذا الرجل سرق متاع فلان

أتقبل شهادة النساء في الحدود وتضمنه السرقة، عديما كان أو موسرا في قول مالك؟ قال: قال مالك في الشاهد الواحد يشهد على الرجل أنه سرق متاع فلان: إن الحد لا يقام بشهادة الشاهد الواحد، ولكن يحلف المشهود له مع شاهده فيستحق متاعه ويدفع القطع. فالرجل والمرأتان تجوز شهادتهم لرب المتاع، فيضمن السارق قيمة ذلك ولا قطع عليه ولا يمين على صاحب المتاع، فإذا حلف مع شاهده، فإن كان المتاع قائما بعينه أخذه، وإن كان مستهلكا ضمن ذلك المشهود عليه. قلت: أرأيت، إن كان عديما أيضمن أم لا؟ قال: نعم يضمن في رأيي. قلت لابن القاسم: تجوز أتجوز شهادة الشهود على شهادة الشهود في السرقة؟ قال: قال لي مالك: تجوز شهادة الرجلين على الرجل في الفرية والحدود كلها والسرقة حد من الحدود.
قلت: أرأيت إن شهد الشهود على رجل غائب أنه سرق، فقدم ذلك الرجل الغائب وغاب الشهود، أو كانوا حضورا فقدم هذا الذي شهدوا عليه بالسرقة وهو غائب، أيقطعه الإمام أم لا حتى يعيد عليه البينة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أنه يقطع إذا كان الإمام قد استأصل البينة في إتمام الشهادة، لأن مالكا يجيز الشهادة على الغائب. قلت: أرأيت إن شهد الشهود على رجل بشيء من الحقوق التي للناس، أو الحدود التي لله، فلم يطعن المشهود عليه على الشهود بشيء، أيحكم مالك على المشهود عليه مكانه إذا لم يطعن المشهود عليه في شهادة الشهود أم لا يحكم حتى يسأل عن الشهود؟ قال: أرى أن لا يحكم حتى يسأل عن الشهود. قلت: أرأيت إن تقادمت السرقة فشهدوا عليه بعد حين من الزمان، أيقطع في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، يقطع عند مالك وإن تقادم. قلت: وكذلك الحدود كلها شرب الخمر والزنا؟ قال: نعم لا يبطل الحد في شيء مما ذكرت وإن تقادم ذلك وطال زمانه أو تاب السارق وحسنت حاله، وهذا الذي سمعت وهو رأيي. قلت: وكذلك إن تقادم بعد طول من الزمان؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن شرب الخمر وهو شاب في شبيبته، ثم تاب وحسنت حاله وصار فقيها من الفقهاء عابدا، فشهدوا عليه، أيحد أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يحد. قلت: أرأيت السكران يؤتى به إلى الإمام، أيضربه مكانه أم يؤخره حتى يصحو في قول مالك؟ قال مالك: حتى يصحو.
قلت: أرأيت السرقة إذا سرقها السارق فباعها فأخذ السارق ولا مال له فقطعت يده ثم أصابوا السرقة التي باع قائمة عند مشتريها. قال مالك: قال لي مالك: تؤخذ السرقة من المشتري ويتبع المشتري السارق بالثمن الذي دفع إليه. قلت: أرأيت المسروق منه، أيكون له أن يتبع المشتري بقيمة السرقة إن كان المشتري قد أتلفها في قول مالك؟ قال: نعم، إن كان هو أتلفها أكلها أو حرقها أو باعها وإن كان إنما أصابها تلف من السماء

فلا شيء عليه، وهذا قول مالك. قلت: أرأيت رجلا سرق من رجل ثوبا فصبغ الثوب أحمر، فأخذ السارق ولا مال له غير الثوب فقطع، أيكون لرب الثوب أن يأخذ الثوب أم لا؟ قال: أرى إن أحب صاحب الثوب أن يعطي السارق قيمة الصبغ ويأخذ ثوبه. فذلك له، وإن أبى بيع الثوب، فإن كان في ثمنه وفاء لقيمة الثوب يوم سرقه السارق كان ذلك لرب الثوب المسروق منه الثوب، وإن كان أكثر من ذلك أعطى الفضل السارق، وإن كان أقل لم يكن للمسروق منه على السارق شيء إذا لم يكن للسارق مال. قلت: فإن قال رب الثوب المسروق منه: أنا آخذ ثوبي وأدفع إليه قيمة صبغه؟ قال: ذلك له وكذلك الغاصب. قلت: أرأيت إن سرق ثوبا فجعله ظهارة جبة أو ظهارة قلانس أو بطائن للجباب، ثم أخذ السارق، ولا مال له غير ذلك فقال رب الثوب: أنا آخذ ثوبي وإن كان مقطوعا وأفتقه؟ قال: ذلك له في رأيي، لأن مالكا قال: لو سرق خشبة فأدخلها في بنيانه أو عمودا فأدخله في بنيانه، إن لرب ذلك الشيء أن يأخذه وإن كان فيه خراب بنيان هذا، فكذلك الذي سألت عنه. قلت: فإن أبى أن يأخذ ثوبه فاسدا؟ قال: يصنع به إذا كما وصفت لك في الذي صبغ الثوب. قلت: أرأيت إن سرق حنطة فطحنها سويقا ولتها، ثم أخذ ولا مال له غيرها فقطع يده وقال رب الحنطة: أنا آخذ هذا السويق؟ قال: هو كما وصفت لك، يباع هذا السويق ويعطى حنطة مثل حنطته تشترى له من ثمن السويق.
قلت: أرأيت إن سرق نقرة فضة فصاغها حليا أو ضربها دراهم، ثم أخذ ولا مال له غيرها فقطع، كيف يصنع بهذا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أنه لا شيء له إلا وزن فضته لأني إن أجزت له أن يأخذها بلا شيء كنت قد ظلمت السارق عمله، وإن قلت للمسروق منه أعطه قيمة عمله كانت فضة بفضة زيادة فهذا الربا. قلت: أرأيت إن سرق مني نحاسا فصنعه قمقما أو قدرا، فأخذ فقطعت يده ولا مال له غير ذلك؟ قال: هذا يكون بمنزلة الفضة، ويكون له مثل وزن نحاسه. وقد سألت مالكا عما استهلك من النحاس أو الحديد والتبر والفضة مما يوجد مثله، أهو مثل الذهب والورق والطعام؟ قال مالك: نعم، ليس له في هذه الأشياء إلا مثل ما استهلك له. قلت: أرأيت إن سرق خشبة فصنعها بابا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يكون عليه في الخشبة قيمتها. قلت: أرأيت إن سرق من رجل غنما فقدمه فقطعت يده ولا مال له وقد باع الغنم، ثم أصابها المسروق منه عند رجل قد ولدت الغنم عنده أولادا؟ قال: قال مالك: يأخذ الغنم وأولادها المسروق منه ويرجع المشتري بالثمن على السارق. قلت: أرأيت إن سرق واليمين شلاء؟ قال: عرضناها على مالك فمحاها وأبى أن يجيبنا فيها بشيء، ثم بلغني عن مالك أنه قال: تقطع يده اليسرى ويبتدأ بها. قال ابن

القاسم: وكأنه ذهب إلى هذه الآية {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [سورة المائدة: 38] قال ابن القاسم: وقوله الأول الذي تركه أحب إلي وهو الذي آخذ به أنه تقطع رجله اليسرى.
قلت: فإن سرق واليدان والرجلان شلل قال: يضرب ويحبس ولا يقطع منه شيء، لأن مالكا قال: لا يقطع شيء من الشلل. قلت: فإن سرق وإصبعه اليمنى، الإبهام ذاهبة، أو إصبعان أو ثلاثة أو جميع أصابع كفه اليمنى ذاهبة، أيقطع في قول مالك كفه أو رجله اليسرى؟ قال: أما الإصبع إذا ذهب فأرى أن يقطع، لأني سألت مالكا عن الرجل يقطع يد الرجل اليمنى، وإبهام يده اليمنى مقطوعة. قال: لا أرى أن تقطع يده. قال مالك: والإصبع يسيرة، فأرى أن تقطع يده على ما قال مالك؟ قال مالك: وأما إذا لم يبق إلا إصبع أو إصبعان لم أر أن تقطع يده، لأن من لم يبق له إلا إصبع أو إصبعان فهو مثل الأشل، فتقطع رجله اليسرى إذا كان أشل اليدين بحال ما وصفت لك. قلت: وكذلك لو كانت أصابع يديه ورجليه بحال ما وصفت لك لم تقطع وضرب وسجن وضمن السرقة؟ قال: مثل الأشل اليدين.
قلت: أرأيت إن سرق فحبسه القاضي ليقطع يده بعدما زكيت البينة، فوثب عليه رجل من السجن فقطع يده اليمنى؟ قال: قال مالك: ينكل الذي قطع يده، ولا شيء على السارق ولا على القاطع إلا أن السلطان يؤدبه فيما صنع. قلت: فإن سجنه القاضي، وقد شهدوا عليه بسرقة ولم تزك البينة، فوثب عليه واثب في السجن فقطع يده، أيقطعه في قول مالك أم لا؟ قال ابن القاسم: أرى أن القاضي يكشف عن شهادة هؤلاء الشهود، فإن زكوا درأ عن القاطع القصاص وأدبه ولم يقطع من السارق شيئا لأنه قد قطعت يده وإن لم تزك البينة وبطلت أمكنته من القصاص من صاحبه. قلت: أرأيت إن أمر القاضي بقطع يمينه فأخطأ القاطع فقطع شماله؟ قال: قال مالك: يجزئه ولا تقطع يمينه، وكذلك بلغني عن علي بن أبي طالب قلت: فهل يكون على القاطع شيء؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى على القاطع شيئا ولو كان يكون على القاطع عقل السارق لقطعت يد السارق اليمنى بسرقته.

باب رد السارق السرقة وتركه ثم رفعه بعد ذلك
قلت: أرأيت إن سرق فأخذه أرباب السرقة فرد عليهم سرقتهم فتركوه، ثم رفعه قوم أجنبيون أو هم إلى السلطان بعد ذلك بزمان وقد رد السرقة؟ قال: يقطع، وقد أخبرتك أن مالكا قال في الذي يعفو عنه أولياء المتاع عند القاضي ثم يرفعه أجنبي، أنه يقطع فهذا مثل ذلك قلت: فإن ذلك لم يذكر فيه عن مالك أنه رد المتاع وهذا رد

المتاع، أفيقطع بعد رد المتاع؟ قال: نعم يقطع، رد المتاع أو لم يرده وذلك عنده سواء ويقطع. قلت: أرأيت إن قطعه في سرقة، أيكون هذا القطع لما كان قبله من كل سرقة سرقها؟ قال: قال مالك: نعم، ولكل قصاص وجب عليه في يمينه من قطع في سرقة أو جناية على أحد، وكذلك لو ضرب في شرب خمر أو أقيم عليه حد الزنا فهو. لما كان قبله، فإن فعل بعد ذلك شيئا أقيم ذلك عليه، وأما ما كان قبل ذلك فهذا الضرب والقطع لذلك كله ولا شيء عليه في الحد لما كان قبل ذلك. قلت: أرأيت إن رفعه هذا المسروق منه فقطعه ولا مال عنده إلا قيمة سلعته التي سرق، وقد كان سرق قبل ذلك من ناس شتى، فلما قطع لهذا الذي رفعه وأخذ منه قيمة متاعه، قدم الذين سرق منهم قبل ذلك فقاموا على هذه القيمة التي أخذها هذا الذي قطع يد السارق؟ قال: أرى إن كان ذلك اليسر الذي وجده عنده لم يزل دائما منذ سرق منهم كلهم فإنهم شركاء في تلك القيمة، وإن كان يسرا حدث نظر إلى كل سرقة سرقها في يسره ذلك الذي حدث، فكانوا في هذه القيمة شركاء، يضرب لكل واحد منهم بقيمة سرقته، وليس للذين سرق منهم قبل ذلك اليسر في هذه القيمة قليل ولا كثير، لأن هذا يسر حدث بعد سرقته، لأنه لو قطع له وحده لم يكن له في هذا اليسر قليل ولا كثير، وإنما كان يدخل مع هؤلاء في هذه القيمة لو أن يسره تمادى به من يوم سرق منه إلى يوم قطع. قلت: ولا ينظر إلى من قضى له بالقيمة وأصحابه غيب فيجعلها له دونهم، لأنه قد حكم له بها دونهم؟ قال: لا، لأنه بمنزلة رجل فلس، ولرجل غائب عليه دين، فقضى هؤلاء الحضور وترك الغائب وقدم، فإنه يدخل فيما أخذ هؤلاء الحضور، يضرب في ذلك بمقدار دينه. ولو داينه قوم آخرون بعد إفلاسه لم يكن للغائب في ماله قليل ولا كثير، وإنما يتبع الأولين الذين فلسوه وقسم لهم ماله وكذلك السارق.

الاختلاف في السرقة
قلت: أرأيت إن سرق سرقة فاختلف الناس في قيمة السرقة، فقال بعضهم: ثلاثة دراهم. وقال بعضهم: درهمان؟ قال: قال مالك: إذا شهد رجلان عدلان من أهل المعرفة بقيمة تلك السلعة، أن قيمتها ثلاثة دراهم قطع. قلت: أيقطع بقيمة رجل واحد؟ قال: لا يقطع حتى يقومها رجلان عدلان، لأن مالكا قال: إذا شهد على قيمتها رجلان عدلان من أهل المعرفة بقيمة تلك السلعة قطعت يده. قلت: أرأيت الشهود إذا شهدوا عند القاضي، أيأمر القاضي أن يسأل عنهم في السر، فإن زكوا سأل عنهم في العلانية؟ قال: نعم يسأل عنهم، فإن زكوا أجاز شهادتهم ولا أبالي في السر سأل عنهم أو في العلانية، إذا زكوا، إن شاء في السر وإن شاء في العلانية، وحكم بشهادتهم إذا كان من

يزكيهم عدلا إلا أن يجرحهم المشهود عليه. قلت: وهذا في حقوق الناس وفي الحدود التي هي لله وفي القصاص سواء في قول مالك؟ قال: نعم. قال: ولا يجوز في التزكية في السر والعلانية، إلا رجلان عدلان. ولو أن القاضي اختار رجلا يسأل له عن الشهود، جاز قوله وقبل ما رفع إليه، ولا ينبغي له ولا للقاضي أن يقبل منه إلا ما زكاه عنده رجلان عدلان. قال ابن القاسم: وهذا الذي سمعت. قلت: أرأيت من سرق من السفن، أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم، لأن مالكا قال: المواضع حرز لما كان فيها، والسفينة عند مالك حرز لما فيها. قلت: أرأيت من سرق سفينة، أيقطع أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أنه مثل من سرق دابة، لأنها تحبس وتربط وإلا ذهبت. وإن كان معها من يمسكها فسرقها سارق فهي بمنزلة الدابة عند باب المسجد أو في السوق إذا كان معها من يمسكها قطع سارقها، وإن لم يكن معها من يمسكها لم يقطع. قلت: وكذلك السفينة إذا سافروا فيها فنزلوا منزلا فربطوا السفينة فسرقها رجل، فإنه يقطع، كان معها صاحبها أو ذهب عنها صاحبها في حاجته؟ قال: نعم. قلت: أرأيت كل ما درأت به الحد في السرقة، أيضمن السارق قيمة السرقة وإن كان عديما في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت مسلما سرق من حربي دخل بأمان، أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت الحربي إذا دخل بأمان فسرق، أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي.

إقامة الحدود في أرض الحرب ومن أكل لحم الخنزير والشرب في رمضان والإقرار بالزنا والسرقة
قلت: أرأيت أمير الجيش إذا دخل أرض الحرب، فسرق بعضهم من بعض في دار الحرب أو شربوا الخمور أو زنوا، أيقيم عليهم أميرهم الحدود في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: يقيم عليهم الحدود - في أرض الحرب - أمير الجيش وهو أقوى له على الحق، كما تقام الحدود في أرض الإسلام. قلت: أرأيت لو أن تجارا من المسلمين دخلوا أرض الحرب بأمان فسرق بعضهم من بعض، ثم شهدوا على السارق بالسرقة حين خرجوا إلينا، أيقام الحد على السارق أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك في الجيش إذا كانوا في أرض الحرب: إنه يقام على السارق الحد، فكذلك هؤلاء الذين دخلوا بأمان، ولأن مالكا لا يلتفت إلى اختلاف الدارين، وهؤلاء مسلمون مقرون بأحكام المسلمين ليسوا بمنزلة المشركين الذين لا يقرون بأحكام المسلمين. قلت: وكذلك إن زنى في دار الحرب بعض هؤلاء التجار، أو شرب الخمر فشهدوا عليه بعدما خرج، أيقيم الإمام عليه الحد؟ قال: نعم في رأيي. قلت: أرأيت من أكل لحم الخنزير من

المسلمين، أتكون عليه العقوبة أم ماذا عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: ذلك عليه أن يعاقبه الإمام لما اجترأ في أكله. قال: وقال مالك: ومن شرب الخمر في رمضان جلد ثمانين ثم يضربه لإفطاره في رمضان. قلت: وكم يضرب لإفطاره في رمضان؟ قال: يعاقب، لأني سألت مالكا عن ذلك فقال: ذلك إلى الإمام. قلت: ويجمع الإمام ضرب حد الخمر والضرب الذي يضربه لإفطاره في رمضان جميعا، أم إذا جف ضرب الحد ضربه لإفطاره في رمضان؟ قال: سألته عن ذلك فقال: ذلك إلى الإمام، إن شاء جمع الضرب وإن شاء فرقه. قال: ويؤدبه لأكله الخنزير على ما يرى الإمام ويجتهد فيه. قلت: أرأيت إن شهدوا عليه أنه أقر بالسرقة أو بالزنا وهو ينكر، أيقيم الإمام عليه الحد في الوجهين جميعا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن أتى بأمر يعذر به، مثل أن يقول أقررت بأمر كذا وكذا قبل منه ذلك. قلت: أرأيت إن جحد الإقرار أصلا أيقال؟ قال: أرى أن يقال. قلت: أرأيت العبيد والمكاتبين والمدبرين وأمهات الأولاد إذا أقروا بالسرقة، أتقطع أيديهم أم لا في قول مالك؟ قال: تقطع أيديهم - عند مالك - إذا غيبوا قلت: فإن كانت السرقة التي أقروا بها في أيديهم وزعموا أنهم سرقوها من هذا الرجل وقال سيدهم: كذبتم بل هذا متاعي. قال: سئل مالك عن سلعة كانت مع جارية أتت بها لترهنها، فقال رجل: أنا دفعت إليها هذه السلعة لترهنها لي. وقالت الجارية: صدق هو دفع ذلك إلي. وقال سيدها: السلعة سلعتي؟ قال: قال مالك: إن كان للمدعي بينة أنه دفع إلى الجارية لترهنها، وإلا لم يكن له من السلعة شيء وكانت السلعة لسيد الجارية. قلت: فهل يحلف سيد الجارية لهذا الرجل؟ قال: نعم. ولم أسمعه من مالك.

باب القطع مما يجب على الصبي وفيمن أقر بسرقة بتهديد والشهادة على السرقة وإقامة القطع والضرب في البرد
قلت: أرأيت الصبي إذا سرق أو زنى أو أصاب حدا وقد بلغ سن من يحتلم - ومن الصبيان من يبلغ ذلك السن فلا يحتلم، ويحتلم بعد ذلك بسنة أو سنتين أو ثلاثة - أينتظره حتى يبلغ من السن ما لا يجاوزه أحد من الغلمان إلا احتلم، أم يقام عليه الحد إذا بلغ أول سن الاحتلام في قول مالك؟ قال: لا أقيم عليه الحد حتى يبلغ من السن ما لا يجاوزه غلام إلا احتلم إذا لم يحتلم قبل ذلك. قلت: والجارية إذا لم تحض كذلك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أنبت الغلام ولم يحتلم ولم يبلغ أقصى سن الاحتلام، أيحد في قول مالك أم لا؟ قال: قد قال مالك: يحد إذا أنبت، وأحب إلي أن لا يحد وإن أنبت حتى يحتلم أو يبلغ من السن ما لا يجاوزه غلام إلا احتلم. قال ابن القاسم: وقد كلمته في الإنبات فرأيته يصغى إلى الاحتلام. قلت: أرأيت إن أقر بشيء من الحدود بعد

التهديد أو القيد أو الوعيد أو السجن أو الضرب، أيقام عليه الحد أم لا؟ قال: قال مالك: من أقر بعد التهديد أقيل، فالوعيد والقيد والسجن والضرب تهديد كله وأرى أن يقال. قلت: والوعيد والتهديد - عند مالك - بمنزلة السجن والضرب؟ قال: قد أخبرتك بقوله في التهديد فما سألت عنه عندي مثله. قلت: أرأيت إن أقر بعد القيد والضرب، ثم ثبت على إقراره، أيقيم عليه مالك الحد وإنما كان أصل إقراره غير جائز عليه؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا إلا ما أخبرتك أنه قال: يقال. وأنا أرى أنه ما كان إقراره بعد أمن من عقوبة يعرف ذلك، فأرى أن يقام عليه الحد أو يخبر بأمر يعرف به وجه صدق ما أقر به وعين، وإلا لم أر أن يقطع لأن الذي كان من إقراره أول مرة قد انقطع، وهذا كأنه إقرار حادث بل هو إقرار حادث. قلت: أيخلى عنه إذا كان إقراره إنما كان خوفا منه - في قول مالك - وهو لم يرجع عن إقراره؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى أن يخلى عنه، ولكن أرى أن يحبس حتى يستبرئ أمره. قلت: فإن ضرب وهدد فأقر فأخرج القتيل، أو أخرج المتاع الذي سرق، أيقيم عليه الحد فيما أقر به أم لا وقد أخرج ذلك؟ قال: لا أقيم عليه الحد إلا أن يقر بذلك آمنا لا يخاف شيئا. قلت فإن جاء ببعض المتاع وأتلف بعض المتاع، أتضمنه بقية المتاع إذا جاء بوجه يعذر به؟ قال: لا. قلت: أفتضمنه الدية إذا جاء بوجه يعذره به السلطان؟ قال: لا أضمنه الدية. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا هو رأيي.
قلت: أرأيت السارق إذا شهدوا عليه بالسرقة، أتستحسن للإمام أن يقول له: قل ما سرقت؟ قال: لم أسمعه من مالك ولم أسمع أحدا يذكره عنه، ولا أرى للإمام أن يقول له شيئا من ذلك. قلت: أرأيت إن كان البرد الشديد أو الحر الشديد، فأتى بالسارق فشهدوا عليه بالسرقة، فخاف الإمام إن قطعه أن يموت لشدة الحر أو البرد، أيرى مالك أن يؤخره الإمام؟ قال: بلغني أن مالكا كان يقول في البرد الذي يخاف منه أن يكز فيه أن الإمام يؤخره، وأرى إن كان الحر أمرا يعرف خوفه لا يشك فيه أنه بمنزلة البرد فأراه مثله. قلت: أرأيت إن شهدوا عليه بالسرقة، فأراد الإمام قطعه، فشهد آخرون عليه بالقتل، أيأتي القتل على السرقة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن شهدوا عليه بسرقة وشهد عليه آخرون بقتل عمدا فعفا أولياء القتيل، أتقطعه أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يقطع في رأيي. قلت: أرأيت إن قطع يمين رجل وسرق لم يقطع يمينه؟ قال: قال مالك: للسرقة. قلت: فهل تكون لهذا الذي قطعت يمينه الدية في ماله أم لا؟ قال: قال مالك: من قطع يمين رجل فأتى رجل فأصاب القاطع بلاء من السماء فذهبت يمينه، أنه لا شيء للمقطوعة يمينه على القاطع، لا من دية ولا من غيرها، لأن الذي كان حقه فيه قد ذهب. فكذلك الذي سرق وقطع يمين رجل إذا قطع في السرقة، فلا شيء

للمقطوعة يمينه. قلت: ولم قطع مالك يمينه للسرقة ولم يقطعها ليمين المقطوعة يده؟ قال: قال مالك: إذا اجتمع حد للعباد وحد لله، يكون للعباد أن يعفوا عنه وحدود الله لا يجوز للعباد العفو عنه، فإنه يقام الحد الذي هو لله الذي لا يجوز العفو عنه. قلت: أرأيت لو أن رجلا سرق وقطع شمال رجل فرفع إلى السلطان، أيقطع للسرقة ويقتص من شماله؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو رأيي، لأن من سرق - عند مالك - أقيم عليه حد السرقة، ومن قطع متعمدا اقتص منه. قلت: فهل يجمع القطعان عليه جميعا أم تقطع يمينه ثم يؤخره حتى إذا برئ قطع شماله في القصاص؟ قال: سألت مالكا عن الحد والنكال، يجمعان جميعا على الرجل؟ قال: قال مالك: ذلك إلى الإمام على ما يرى. إن رأى أن يجمعهما جميعا جمعهما، وإن رأى أن يفرق فرق. قال: قال مالك: وما سمعت في هذا بحد.
قلت: أرأيت إن اجتمع على رجل القصاص والحدود التي هي لله، بأيها يبدأ؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك في القطع والسرقة إذا اجتمعا في اليد الواحدة، أخذ الحد الذي هو لله. فأرى أن يبدأ بما هو لله فيؤخذ. فإن عاش أخذ ما للعباد، وإن مات كان قد أخذ منه ما هو لله، لأن الحدود التي هي لله لا عفو فيها. فلذلك ينبغي أن يبدأ بها ويعجل قبل القصاص، وإن لم يخف الإمام عليه شيئا جمع ذلك عليه، وإن خاف عليه الموت فرق ذلك عليه مثل ما قال لي مالك في الضرب والنكال. قلت: أرأيت إن قال: سرقت من فلان، وقال فلان: ما سرقت مني شيئا قط؟ قال: أقيم عليه الحد. قلت: أرأيت إن أقمت الحد عليه، أيقول للذي أقر بالسرقة: احمل متاعك. فيجعل المتاع متاعه ويقطعه؟ قال: نعم، إلا أن يدعيه رب المتاع فيكون ذلك له. قلت: أرأيت إن قال: سرقت هذا المتاع من فلان. وقال فلان: بل المتاع متاعك ولم تسرقه مني، أو قال له: إنه كان استودعنيه، وقوله أنا سرقته إنما أخذ متاعه؟ أو قال: إنما بعث بهذا المتاع معي إليه. وهو يقر على نفسه بالسرقة؟ قال: الذي سمعت من مالك وهو رأيي، أنه يقطع ولا يلتفت إلى قوله الآخر، لأن هذا مقر بالسرقة. قلت: أرأيت من سرق من بيت المال هل يقطع؟ قال: قال لي مالك: نعم. قلت: أرأيت من سرق من مغنم وهو من أهل ذلك المغنم؟ قال: قال لي مالك: يقطع. قلت: لم قطعه مالك وله فيه نصيب؟ قال: قال لي مالك: كم حصته من ذلك.
قلت: أرأيت المكاتب يسرق من مال سيده؟ قال: قال لي مالك: لا قطع عليه. قلت: فلو سرق السيد من مال مكاتبه، أيقطع أم لا؟ قال: قال مالك: ما أخبرتك في المكاتب أنه إذا سرق من مال سيده ولم يقطع فالسيد إذا سرق من مال مكاتبه أحرى أن لا يقطع. قلت: فأم الولد إذا سرقت من مال سيدها؟ قال: قال مالك: لا يقطع العبد

إذا سرق من مال سيده ولا المكاتب، فأم الولد بهذه المنزلة. قلت: أرأيت الرجل والمرأة في القطع والإقرار بهذه المنزلة بالسرقة سواء عند مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الأخرس، أيقطع وإذا سرق وأقر بالسرقة؟ قال: إذا شهدت عليه الشهود بالسرقة، قطع إذا أقر، فإن كان إقراره أمرا يعرف ويعين قطع وإلا لم يقطع. قلت: أرأيت من سرق سرقة فلم يرفع إلى السلطان حتى ورثها السارق، ثم رفع إلى السلطان والسرقة له من وراثة ورثها بعد السرقة، أيقطع في قول مالك أم لا؟ قال: يقطع إذا رفع إلى السلطان. وإن كان قد ورث السلعة قبل ذلك أو وهبت له أو تصدق بها عليه أو اشتراها فإن هذا كله وما أشبهه لا يدرأ به عنه الحد في رأيي.

فيمن سرق وديعته التي جحدها المستودع وفيمن سرق من رجلين وأحدهما غائب
قلت: أرأيت لو أني استودعت رجلا متاعا فجحدني، فسرقت ذلك المتاع وكانت لي بينة أني كنت استودعته هذا المتاع نفسه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن لا يقام عليه الحد ههنا. قلت: أرأيت لو أن رجلا سرق من رجلين سلعة، قيمتها ثلاثة دراهم، وأحد الرجلين المسروق منهما غائب، أيقطع أم لا؟ قال نعم يقطع في رأيي قلت: أفيقضى لهذا الحاضر بنصف قيمة السرقة إذا كانت مستهلكة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن قدم الغائب وأصاب السارق عديما؟ قال: إن كان يوم قطعت يده مليا ثم أعدم بعد ذلك، فإنه يأخذ نصف ما أخذ الشريك ويتبعان جميعا السارق بنصف قيمة السلعة الباقية. وإن كان يوم قطعت يده لم يكن له من المال إلا مقدار ما أخذ شريكه، رجع عليه فشاركه ولم يرجع على السارق بشيء ولم يتبع به. وهذا مثل ما قال مالك في الشريكين، يكون لهما الدين على الرجل يطلبه أحدهما بحصته فيأخذ حصته، ثم يقدم صاحبه الغائب فيصيب الذي كان عليه الدين عديما، أنه يرجع على شريكه بنصف ما قبض فيأخذه منه.

باب فيمن ادعى السرقة على الرجل وفيمن أقر بالسرقة ثم نزع
قلت: أرأيت لو أن رجلا ادعى على رجل أنه سرق منه ولا بينة له، فقال: استحلفه لي، أيستحلفه له في قول مالك؟ قال: إن كان المدعى عليه متهما بذلك موصوفا به استحلفه وامتحن وهدد، وإن كان على غير ذلك لم يعرض له ولم يصنع به من ذلك شيء. قال: ولقد قال مالك في المرأة تزعم أن فلانا استكرهها فجامعها ولا يعرف ذلك إلا بقولها. قال: قال مالك: تضرب المرأة الحد إن كانت قالت ذلك لرجل لا يشار إليه

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المحاربين

ما جاء في المحاربين
قال سحنون: قلت لابن القاسم: أرأيت أهل الذمة وأهل الإسلام إذا حاربوا فأخافوا ولم يأخذوا مالا ولم يقتلوا فأخذوا، كيف يصنع بهم الإمام في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا أخافوا السبيل كان الإمام مخيرا إن شاء قتل وإن شاء قطع. قال مالك: ورب محارب لا يقتل وهو أخوف وأعظم فسادا في خوفه ممن قتل. قلت فإن أخذه الإمام وقد أخاف ولم يأخذ مالا ولم يقتل، أيكون الإمام مخيرا فيه يرى في ذلك رأيه، إن شاء قطع يده أو رجله وإن شاء قتله وصلبه أم لا يكون ذلك للإمام؟ قال: قال مالك: إذا نصب وأخاف وحارب - وإن لم يقتل - كان الإمام مخيرا. وتأول مالك هذه الآية قول الله تبارك وتعالى في كتابه: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [سورة المائدة: 32] قال: فقد جعل الله الفساد مثل القتل. قلت: وكذلك إن أخاف فقط ولم يأخذ المال؟ قال: إن أخاف ونصب ولم يأخذ المال فإن الإمام مخير. قال مالك: وليس كل المحاربين سواء. قال مالك: منهم من يخرج بعصا أو بشيء فيؤخذ على تلك الحال ولم يخف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل. قال: فهذا لو أخذ فيه بأيسره لم أر في ذلك بأسا. قلت: وما أيسر عند مالك؟ قال أيسره وأخفه أن يجلد وينفى ويسجن في الموضع الذي نفي إليه. قلت: وإلى أي موضع ينفى هذا المحارب إليه إذا أخذ بمصر؟ قال: قد نفى عمر بن عبد العزيز من مصر إلى شغب. ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه قال: قد كان ينفى عندنا إلى فدك أو خيبر، وقد كان لهم سجن يسجنون فيه. قلت: وكم يسجن حيث ينفى؟ قال مالك: يسجن حتى تعرف له توبة.

قلت: أرأيت إن أخذه الإمام وقد قتل وأخذ الأموال وأخاف السبيل، كيف يحكم فيه؟ قال: يقتله ولا يقطع يده ولا رجله عند مالك. قلت: ويصلبه؟ قال: قال مالك: لم أسمع أحدا صلب إلا عبد الملك بن مروان، فإنه كان صلب الذي كان يقال له الحارث الذي كان تنبأ صلبه عبد الملك. قال: وقال مالك: وذلك إلى الإمام يجتهد في ذلك على أشنع ذلك. قلت: وكيف يصلبه في قول مالك، أحيا أم ميتا؟ قال: لم أسمع من مالك إلا ما أخبرتك مما ذكر عن عبد الملك بن مروان، فإنه صلب الحارث وهو حي وطعنه بالحربة بيده. قال: وأنا أرى أن يصلب حيا ويطعن بعد ذلك. قلت: أرأيت الذي أخذه الإمام ولم يقتل ولم يفسد ولم يخف السبيل إلا أنه قد حارب، خرج بخشبة أو ما أشبه هذا، أيكون للإمام أن يعفو عن هذا؟ قال: لا يكون للإمام أن يعفو عن هذا عند مالك. ولا عن أحد من المحاربين. قلت: فكم يضربه في قول مالك؟ قال: يجتهد الإمام برأيه في ضربه ونفيه.
قلت: أرأيت المحاربين من أهل الذمة وأهل الإسلام في قول مالك أهم سواء؟ قال: نعم، والنصارى والعبيد والمسلمون في ذلك الحكم فيهم واحد عند مالك إلا أنه لا نفي على العبيد. قلت: أرأيت إن أخذ وأخاف السبيل وأخذ المال؟ قال: قال مالك: إذا خرج ولم يخف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل، وأخذ بحضرة ما خرج أو خرج بخشبة أو ما أشبه ذلك ولم ينصب ويعلو أمره، فإن الإمام يجلد هذا وينفيه. قال مالك: وإن هو خرج وأخاف السبيل وعلا أمره ولم يأخذ المال، فإن الإمام مخير إن شاء قتله وإن شاء قطع يده ورجله. قلت: فهل يجتمع مع القتل أو القطع الضرب؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى ذلك. قلت: أرأيت إن هو قتل وأخذ المال وأخاف، أيكون للإمام أن يقطع يده ورجله ولا يقتله؟ قال: لا يكون ذلك إلى الإمام إذا قتل وأخذ المال. قال مالك: فأرى أن يقتل إن رأى ذلك الإمام إذا أخذ المال ولم يقتل أن يقتله قتله، لأن الله يقول في كتابه: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [سورة المائدة: 32] فأخذ المال من الفساد في الأرض، وإنما يجتهد الإمام في الذي يخيف ولا يقتل ولا يأخذ مالا ويؤخذ بحضرة ذلك قبل أن يطول زمانه. قال مالك: والذي تقطع يده ورجله، ولا أرى أن يضرب إذا قطعت يده ورجله. قلت: فإن قتل وأخذ المال، أيقطع يده ورجله ويقتله، أو يقتله ولا يقطع يده ورجله في قول مالك قال: القتل يأتي على ذلك كله. قال: وإنما يخير الإمام عند مالك إذا خاف ولم يأخذ مالا ولم يقتل فأخذ بحضرة ذلك، فإنما من طال زمانه ونصب نصبا شديدا، فهذا لا يكون الإمام فيه مخيرا ويقتله الإمام. قال: وأما الذي أخذ بحضرة الخروج، فإن مالكا قال في هذا: لو أن الإمام أخذ بأيسره لم أر بذلك بأسا، وقد فسرت لك ذلك فهذا أصل قول مالك في هذه الأشياء.

قلت: أرأيت إن أخذ المحاربون من المال أقل مما تقطع فيه اليد، أقل من ثلاثة دراهم؟ قال: ليس حد المحاربين مثل حد السارق. والمحارب إذا أخذ المال، قليلا كان أو كثيرا، فهو سواء، والسارق لا يقطع إلا في ربع دينار. قلت: أرأيت إن قطعوا على المسلمين أو على أهل الذمة، أهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم، ولقد بلغني عن مالك، أخبرني عنه من أثق به عن غير واحد، أن عثمان قتل مسلما قتل ذميا على وجه الحرابة، قتله على مال كان معه، فقتله عثمان. قلت: أرأيت إن تابوا من قبل أن يقدر عليهم، وقد كانوا أخافوا وأخذوا الأموال وجرحوا الناس؟ قال مالك: يوضع عنهم كل شيء إلا أن يكونوا قتلوا فيدفعون إلى أولياء القتلى، وإن أخذوا المال أغرموا المال. قلت: وكذلك الجراحات؟ قال: نعم. قلت: ويدرأ عليهم القتل والقطع في الذي كان يجب عليهم لو أخذوا قبل أن يتوبوا، فأما ما صنعوا في أموال الناس وفي دمائهم وفي أبدانهم، فهم يؤخذون بذلك عند مالك إلا أن يعفو عنهم؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن كانوا محاربين قطعوا على الناس الطريق فقتلوا رجلا قتله واحد منهم، إلا أنهم كانوا أعوانا له في تلك الحال، إلا أن هذا الواحد منهم ولي القتل حين زاحفوهم، ثم تابوا وأصلحوا، فجاء ولي المقتول يطلب دمه، أيقتلهم كلهم أم يقتل الذي قتل وليه وحده؟ قال: قال مالك: يقتلوا كلهم إذا أخذوا على تلك الحال. قال ابن القاسم: فإن تابوا قبل أن يؤخذوا، فأتى أولياء المقتول يطلبون دمه، دفعوا كلهم إلى أولياء المقتول فقتلوا من شاءوا وعفوا عمن شاءوا وأخذوا الدية ممن شاءوا. وقد ذكر مالك عن عمر بن الخطاب حين قال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا. فهذا يدلك على أنهم شركاء في قتله. فذلك إلى أولياء المقتول يقتلون من شاءوا منهم ويعفون عمن شاءوا منهم.
قال: ولقد قال لي مالك في قوم خرجوا فقطعوا الطريق، فتولى رجل منهم أخذ مال كان مع رجل ممن أخذ أخذه منه والآخرون وقوف إلا أنه بهم قوي وأخذ المال، فأراد بعض من لم يأخذ المال التوبة وقد أخذ المال الذي أخذه ودفع إلى الذي لم يأخذ حصته، ماذا ترى عليه حين تاب، أحصته الذي أخذ أم المال كله؟ قال بل أرى المال كله عليه، لأنه إنما قوي الذي أخذ المال بهم والقتل أشد من هذا فهذا يدلك على ما أخبرتك به من القتل. ولقد ذكر عن عمر بن الخطاب أن بعضهم كان ربيئة للذين قتلوه، فقتله عمر معهم. قلت: أرأيت إن كانوا قد أخذوا المال، فلما تابوا كانوا عدماء لا مال لهم، أيكون ذلك لأصحاب المال دينا عليهم في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن أخذوا قبل أن يتوبوا، أقيم عليهم الحد فقطعوا أو قتلوا ولهم أموال أخذت أموال الناس من أموالهم، وإن لم يكن لهم يومئذ مال لم يباعوا بشيء مما أخذوا بمنزلة السرقة؟ قال: نعم، وهو قول مالك فيما بلغني ممن أثق به وهو رأيي. قلت: أرأيت إن أخذهم الإمام

وقد قتلوا أو جرحوا وأخذوا الأموال، فعفا عنهم أولياء القتلى وأولياء الجراحات وأهل الأموال، أيجوز عفوهم في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز العفو ههنا ولا يجوز للإمام أن يعفو، لأن هذا من حدود الله قد بلغ السلطان، فلا يجوز فيه العفو ولا يصلح لأحد أن يشفع فيه لأنه حد من حدود الله.
قلت: فإن تابوا وأصلحوا وقد قتلوا أناسا من أهل الذمة ولم يقتلوا أحدا غيرهم؟ قال: أرى أن الدية في أموالهم لأولياء القتلى، لأن المسلم لا يقتل بذمي عند مالك. قلت: فإن كانوا ذميين كان عليهم القود في قول مالك؟ قال: نعم، لأن مالكا قال: يقتل النصراني بالنصراني. قلت: وكيف تعرف توبة هؤلاء النصارى المحاربين في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى إن تركوا ما كانوا عليه قبل أن يقدر عليهم فلا أرى أن يقام عليهم حد المحاربين.
قلت: أرأيت إن كانت فيهم امرأة، أيكون سبيلها - في قول مالك - سبيل الرجل أم لا، وهل يكن النساء محاربات في قول مالك؟ أم لا؟ قال: أرى أن النساء والرجال في ذلك سواء. قلت: والصبيان قال: لا يكونون محاربين حتى يحتلموا عند مالك، لأن الحدود لا تقام عليهم عند مالك، والحرابة حد من الحدود. والنساء إنما صرن محاربات، فإن مالكا قال: تقام عليهن الحدود، والحرابة حد من حدود الله. قلت: أرأيت إن قطعوا الطريق في مدينتهم التي خرجوا منها فأخذوا، أيكونون محاربين في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن خرج مرة فأخذه الإمام فقطع يده ورجله، ثم خرج ثانية فأخذه الإمام، أيكون له أن يقطع يده الأخرى ورجله الأخرى؟ قال: نعم إن رأى أن يقطعه قطعه، قلت: وسمعته من مالك؟ قال: لا، إلا أني أراه مثل السارق. ألا ترى أنه يقطع يده ثم رجله ثم يده الباقية ثم رجله، فكذلك المحارب تقطع يده ورجله. فإن خرج ثانية فإن رأى الإمام أن يقطعه قطع يده الباقية ورجله. قلت: أرأيت إن أخذ الإمام هذا المحارب وهو أقطع اليد اليمنى، فأراد قطعه ورأى أن يقطعه، كيف يقطعه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أن قول مالك في السارق إذا كان أقطع اليد اليمنى أو أشل اليد اليمنى، قطع رجله اليسرى وترك يده اليسرى. فكذلك المحارب إذا لم تكن يده اليمنى قائمة، قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى. فهذا عندنا بين لأن الله تبارك وتعالى قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [سورة المائدة: 33]. فالقطع في المحارب في يده ورجله جميعا إنما هما جميعا شيء واحد، بمنزلة القطع في يد السارق أو رجله إنما هو شيء واحد. فإذا أصاب إحدى اليدين شلاء أو قطعاء رجع إلى اليد الأخرى التي تقطع معها، لأنهما في القطع بمنزلة الشيء الواحد في المحارب، ألا ترى أن السارق إذا أصيب أقطع اليد اليمنى أو أشل اليمنى رجع الإمام إلى رجله

اليسرى، وإن أصابه أيضا أقطع أصابع اليمنى قطع رجله اليسرى ولم يقطع بعض اليد دون بعض. فكذلك إذا كانت اليد ذاهبة في المحارب لم تقطع الرجل التي كانت تقطع معها. ولكن تقطع اليد الأخرى والرجل التي تقطع معها حتى تكون من خلاف كما قال الله.
قلت: أرأيت المحارب يخرج بغير سلاح، أيكون محاربا أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى إن فعل ما يفعل المحارب من تلصصهم على الناس وأخذ أموالهم مكابرة منه لهم فأراه محاربا. قلت: أرأيت الرجل الواحد، هل يكون محاربا في قول مالك؟ قال: نعم، وقد قتل مالك رجلا واحدا كان قد قتل على وجه الحرابة وأخذ مالا وأنا بالمدينة يومئذ. قلت: أرأيت القوم يشهدون على المحاربين أنهم قد قطعوا الطريق عليهم وقتلوا منهم ناسا وأخذوا أموالهم منهم؟ قال: سألت مالكا عنهم؟ فقال مالك: ومن يشهد على المحاربين إلا الذين قطع عليهم الطريق؟ قال نعم، تجوز شهادتهم عليهم فيما شهدوا به عليهم إذا كانوا عدولا، من قتل أو أخذ مال أو غير ذلك. قلت: ويعطيهم هذه الأموال التي شهدوا عليها أن هؤلاء المحاربين قطعوا عليهم السبيل وأخذوها منهم، أيعطيهم مالك هذا المال بشهادتهم؟ قال: نعم في رأيي إذا شهد بعضهم لبعض، ولا تقبل شهادة أحد في نفسه في مال أخذ منه.
قلت: أرأيت المحاربين اللصوص إذا أخذوا ومعهم الأموال، فجاء قوم يدعون تلك الأموال وليست لهم بينة؟ قال: سألت مالكا عنها فقال مالك: أرى للإمام أن يقبل قولهم في أن المال لهم، ولكن لا أرى أن يعجل بدفع ذلك المال إليهم، ولكن ليستأن قليلا ولا يطول حتى ينتشر ذلك. فإن لم يجئ للمال طالب سواهم دفعه إليهم وضمنهم. قال: فقلت لمالك: أبحميل؟ قال: لا، ولكن يشهد عليهم ويضمنهم في أموالهم بغير حميل إن جاء لذلك طالب. قلت: أفيستحلفهم في قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك، وأرى أن يحلفهم. قلت: أرأيت القوم يخرجون تجارا إلى أرض الحرب فيقطع بعضهم الطريق على بعض وكلهم مسلمون، إلا أنهم قد قطعوا الطريق في دار الحرب على مسلمين مثلهم أو ذميين دخلوا دار الحرب بأمان؟ قال: قال مالك في هؤلاء الخناقين الذين يخرجون مع الجيش إلى أرض الحرب فيخنقون الناس على أموالهم في دار الحرب في الطوائف. قال: بلغني عن مالك أنه قال: يقتلون. قلت: والخناق محارب عند مالك؟ قال: نعم. الخناق محارب، إذا خنق على أخذ مال.

في الذين يسقون السيكران
قال: وقال مالك: وهؤلاء الذين يسقون الناس السيكران إنهم محاربون إذا سقوهم

ليسكروا فيأخذوا أموالهم. قال: قال مالك: هم محاربون يقتلون. قلت: هذا يدلني على قول مالك، إن من حارب وحده بغير سلاح أنه محارب؟ قال: نعم يستدل بهذا. قلت: أرأيت محاربين أخذوا وقد أخذوا أموالا وأخافوا ولم يقتلوا، فرأى الإمام أن تقطع أيديهم وأرجلهم ولا يقتلهم، فقطع أيديهم وأرجلهم ولم يقتلهم، أيضمنهم المال الذي أخذوا وقد استهلكوه في أموالهم أم لا؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: هو مثل السرقة، وأنهم يضمنون إن كان لهم مال يومئذ ولا يتبعون به دينا إذا لم يكن لهم مال. قلت: أرأيت من قتل قتل غيلة ورفع إلى قاض من القضاة، فرأى أن لا يقتله وأن يمكن أولياء المقتول منه، ففعل فعفوا عنه، ثم استقضى غيره فرفع إليه، أفترى أن يقتله القاضي الثاني أم لا يقتله لأنه قد حكم به قاض قبله في قول مالك؟ قال: لا أرى أن يقتله. لأنه مما اختلف الناس فيه. قال: وقال لي مالك: من دخل على رجل في حريمه على أخذ ماله، فهو عندي بمنزلة المحارب يحكم فيه كما يحكم في المحارب. قلت: أرأيت قوما محاربين شهد عليهم الشهود بالحرابة، فقتلهم رجل قبل أن تزكى البينة وقبل أن يأمر القاضي بقتلهم، كيف يصنع مالك بهذا الذي قتلهم؟ قال: قال مالك: إن زكيت البينة أدب هذا الذي قتلهم ولم يقتل. قلت: أرأيت إن لم تزك البينة وبطلت الشهادة أيقتله؟ قال: نعم في رأيي. قلت: أرأيت المحاربين، أجهادهم عند مالك جهاد؟ قال: قال مالك: نعم جهادهم جهاد. قلت: فإن شهدت الشهود بإقراره بالحرابة وهو منكر، أيقيم الإمام عليه الحد حد الحرابة أم لا؟ قال: لا يقام ذلك عليه ويقال.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجراحات

باب تغليظ الدية
قال سحنون: قلت لابن القاسم: هل كان يعرف مالك شبه العمد في الجراحات أو في قتل النفس؟ قال: قال مالك: شبه العمد باطل، وإنما هو عمد أو خطأ ولا أعرف شبه العمد. قلت: ففي أي شيء يرى مالك الدية مغلظة؟ قال: قال مالك: في مثل ما صنع المدلجي بابنه فقط، لا يراه إلا في الوالد في ولده إذا قتله فحذفه بحديدة أو بغير ذلك مما لو كان غير الوالد فعل ذلك به قتل به، فإن الوالد يدرأ عنه ذلك القود، وتغلظ عليه الدية، على الوالد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة. قال ابن القاسم: والخلفة: التي في بطونها أولادها. قلت: فهل ذكر لكم مالك أن أسنان هؤلاء الخلفات ما بين ثنية إلى بازل عامها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا يبالي أي الأسنان كانت. قلت: فهل تؤخذ هذه الدية حالة أم في ثلاث سنين؟ قال بل حالة. ألا ترى أن عمر بن الخطاب قال لسراقة بن جعشم المدلجي: أعدد على قديد عشرين ومائة بعير. قال: وقال مالك: ولا تغلظ الدية في أخ ولا زوج ولا زوجة ولا في أحد من الأقارب. قال: وبلغني عمن أثق به عن مالك في الجد، أنه يراه مثل الأب تغلظ عليه الدية. قال ابن القاسم: وأنا أرى ذلك، وأرى الأم مثل ذلك أيضا، التغليظ وهي أقعدهما. قلت لابن القاسم: فهل تغلظ الدية في ولد الولد؟ قال: نعم كذلك بلغني عن مالك أنه قال: أراه مثل الأب. قال: وقال مالك: لا تغلظ الدية في الشهر الحرام. قال: ولا تغلظ الدية على من قتل خطأ في الحرم؟ قال: وقال مالك: لا، ولا تغلظ الدية عليه.
قلت: أرأيت التغليظ في قول مالك على أهل الورق والذهب كيف هو؟ قال: ننظر

كم قيمة الثلاثين جذعة والثلاثين حقة والأربعين خلفة. فنعرف كم قيمتهن. ثم ننظر إلى دية الخطأ أخماسا من الأسنان، عشرين بنات مخاض وعشرين ابن لبون ذكور وعشرين بنات لبون وعشرين حقة وعشرين جذعة، فننظر كم قيمة هذه. ثم ننظر كم فضل ما بين القيمتين ما بين قيمة دية التغليظ ودية الخطأ، فيزاد في الدية على قدر ذلك إن كان خمسا أو سدسا أو ربعا. قلت: ولم يذكر لكم مالك أن هذا شيء قد وقت فيما مضى، ولا يكون لأهل زماننا أن ينظروا في زيادته اليوم؟ قال: لا، لم يذكر لنا مالك ذلك. قال: وأرى أن ينظر إلى ذلك في كل زمان، فيزاد في الدية قدر ما بين القيمتين على ما وصفت لك. وتفسير قول مالك أن ينظر كم دية المغلظة، فإن كان قيمتها ثمانمائة دينار ودية الخطأ ستمائة، فالعقل من دية الخطأ الثلث حمل على أهل الدية المغلظة. قلت: فالدية من الورق، قال: فانظر أبدا ما زادت دية المغلظة على دية الخطأ كم هو من دية الخطأ فاحمله على أهل الذهب والورق، وننظر كم هو من دية المغلظة وهذا تفسير قول مالك. قال ابن القاسم: وكذلك الجراحات فيما تغلظ فيه. قلت: فإن غلت أسنان المغلظة حتى صارت تساوي مثلي دية الخطأ، أيزاد في الدية دية أخرى مثلها وإن كان أكثر من ذلك زدت عليها؟ قال: نعم وهو رأيي. قال: وقال مالك، في جراحات الوالد ولده، إن كان بحال ما صنع المدلجي بابنه في التغليظ مثل ما في النفس، وإذا قطع الرجل يد ابنه وعاش الولد كانت نصف الدية مغلظة، خمس عشرة جذعة وخمس عشرة حقة وعشرون خلفة في بطونها أولادها، فعلى هذا فقس جراحاتها كلها. قلت: وما بلغ من جراحات الوالد ابنه الثلث، حملته العاقلة مغلظة، وما لم يبلغ الثلث في مال الوالد مغلظا على الوالد؟ قال: لا أرى أن تحمله العاقلة على حال، وأراه في مال الوالد، ولا تحمل العاقلة منه شيئا، فإن كان أكثر من ثلث الدية فهو في مال الأب مغلظا على الوالد.
قلت: ولا يرث الأب من ديته شيئا في قول مالك؟ قال: نعم، ألا ترى أن عمر بن الخطاب قال: أين أخو المقتول؟ فدفع إليه الدية دون الوالد. قلت: أفيرث من ماله وقد قتله بحال ما فعل المدلجي بابنه؟ قال ابن القاسم: أرى أن لا يرث من ماله قليلا ولا كثيرا، لأنه من العمد وليس من الخطأ. ولو كان من الخطأ لحملته العاقلة، وهو مما لو كان من غيره لم يرث من ماله، فهو والأجنبيون في الميراث سواء، وإن صرف عنه القود والأب ليس كغيره في القود. ولقد قال ناس: وإن عمد للقتل فلا يقتل، فهذا يدلك على هذا. ولو أن رجلا عمد لقتل ابنه فذبحه ذبحا ليس مثل ما صنع المدلجي، أو والدة فعلت ذلك بولدها متعمدة لذبحه، أو لتشق بطنه مما يعلم الناس أنها تعمدت للقتل نفسه لا شك في ذلك، فأرى في ذلك القود، يقتلان به إذا كان كذلك إلا أن يعفو من له العفو

والقيام بذلك. قلت: والوالدة في ولدها إذا صنعت ذلك مثل ما صنع المدلجي بابنه، فهي في ذلك بمنزلة الوالد لا قود عليها والدية مغلظة في قول مالك؟ قال: نعم وهي أعظم حرمة.

تفسير العمد والخطأ
قلت: أرأيت ما تعمدت من ضربة بلطمة أو بلكزة أو ببندقة أو بحجر أو بقضيب أو بعصا أو بغير ذلك، أفيه القود إذا مات من ذلك عند مالك أم لا؟ قال: قال مالك: في هذا كله القود إذا مات من ذلك. قال مالك: وقد تكون أشياء من وجه العمد لا قود فيها، مثل الرجلين يصطدعان فيصدع أحدهما صاحبه، أو يتراميان بالشيء على وجه اللعب أو يأخذ برجله على حال اللعب فيسقط فيموت من هذا كله، فإنما في هذه الدية دية الخطأ أخماسا على العاقلة. قال: وقال مالك: ولو تعمد هذا على غير وجه اللعب، ولكن على وجه القتال فصرعه فمات، أو أخذ برجله فسقط فمات كان في هذا كله القصاص.

دية الأنف
قلت: أرأيت الأنف، ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك: فيه الدية كاملة. قلت: فإن قطع من المارن؟ قال: قال مالك: إذا قطع من العظم وهو تفسير المارن، ففيه الدية كاملة. قلت: فمن قطع المارن أو من أصله إذا قطعه الرجل من أصله أو قطعه من المارن فذلك سواء؟ قال: نعم، إنما فيه الدية كاملة، بمنزلة رجل قطع حشفة رجل ففيها الدية كاملة. وإن قطع ذكر رجل من أصله ففيه الدية كاملة. فدية الحشفة ودية الذكر كله سواء عند مالك، وكذلك المارن والأنف إذا قطع من أصله فذلك في الدية سواء. قلت: أرأيت إن خرم أنفه، أفيه شيء أم لا في قول مالك؟ قال: الذي سمعت من مالك أنه قال: في كل نافذة في عضو من الأعضاء إذا برئ وعاد لهيئته من غير عثل، فلا شيء فيه، لا حكومة ولا غير ذلك. وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد. وأرى في الأنف إن برئ على غير عثل أنه لا شيء فيه، وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد. قلت: ولا يعرف مالك في هذا القول في كل نافذة عضو من الأعضاء ثلث دية ذلك العضو؟ قال: قال مالك: ليس العمل عليه عندنا.

عقل الموضحة
قلت: أرأيت الموضحة إذا برئت على غير عثل وثبت الشعر في موضع الشجة، أيكون فيها نصف عشر الدية عند مالك وإن برئت على غير عثل؟ قال: نعم. قلت: وإن برئت على عثل؟ قال: قال مالك: وإن برئت على شين كان في ذلك الشين الاجتهاد مع

دية اللسان
قلت: أرأيت اللسان ما منع منه الكلام، أفيه الدية كاملة في قول مالك؟ قال: نعم. قال: فإن قطع اللسان من أصله فإنما فيه دية واحدة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت ما قطع من اللسان مما لا يمنع الكلام؟ قال: إنما الدية في الكلام ليس في اللسان، بمنزلة الأذنين إنما الدية في السمع وليس في الأذنين، فكذلك اللسان إنما تكون الدية فيه إذا قطع منه ما يمنع الكلام. قلت: فإن قطع من لسانه ما نقص من حروفه؟ قال: ينظر فيه فيكون عليه من الدية بقدر ذلك، ولا أقوم على حفظ الحروف عن مالك. قلت: فما ترى في الباء والتاء والثاء والراء والزاي، أكل هذا سواء، وينظر إلى تمام الحروف العربية فيحصيها، فما نقص من لسان هذا الرجل إذا كان لسانه يتكلم بالحروف كلها جعلت على الجاني بقدر ذلك، فإن بلغ الثلث حملته العاقلة إذا كان خطأ، وإن كان أقل من الثلث جعلته في ماله؟ قال: لا أدري ما هذا، ولكن إنما ينظر إلى ما نقص من كلامه، لأن الحروف بعضها أثقل من بعض فيكون عليه ما نقص. قلت: فهل يقول مالك في عمد اللسان القود؟ قال: قال مالك: إذا كان يستطاع القود منه ولم يكن متلفا، مثل الفخذ والمنقلة وما أشبه ذلك، أقيد منه. وإن كان متلفا مثل الفخذ والمنقلة لم يقد منه.

دية الذكر
قلت: أرأيت الحشفة، أفيها الدية في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم. قلت: فإن قطع الذكر من أصله ففيه الدية في قول مالك دية واحدة؟ قال: قال مالك: نعم. قلت: فإن قطعت حشفة رجل خطأ فأخذ الدية، ثم قطع رجل آخر بعد ذلك عسيبه؟ قال: قال مالك: فيه الاجتهاد. قلت: فإن قطع رجل حشفة رجل خطأ، أينتظر به أم لا ينتظر به؟ قال: ينتظر به حتى يبرأ. قال: لأني سمعت مالكا يقول: لا يقاد من الجارح عمدا إلا بعد البرء وحتى يعرف إلى ما صارت جراحاته إليه، فلا يعقل الخطأ إلا بعد البرء وحتى يعرف إلى ما صارت إليه جراحاته. قلت: أرأيت هذا المقطوع حشفته إن قال: لم تحبسني عن أن تفرض لي ديتي من اليوم، وإنما هي دية كاملة، إن أنا مت أو عشت، وأنت إنما تحبسني خوفا من هذا القطع أن تصير نفسي فيه؟ قال: لأني لا أدري إلى ما يئول هذا القطع، لعل أنثييه أو رجليه أو بعض جسده سيذهب من هذا القطع، فلا أعجل حتى أنظر إلى ما تصير إليه شجته. ألا ترى أن الموضحة - إن طلب المجني عليه ديتها وقال: لا تحبسني بها - أني لا أعجلها له حتى أنظر إلى ما تصير شجته، ألا ترى أن المجني عليه - موضحة - إن قال: عجل لي دية موضحتي، فإن آلت إلي أكثر من ذلك زدتني، وإن لم تؤل إلى أكثر من ذلك كنت قد أخذت حقي، إنه لا يعجل له ولا يلتفت إلى قوله هذا. وإنما في هذا الاتباع والتسليم للعلماء، أو لعله أن يموت فتكون فيه القسامة. ولقد سمعت أهل الأندلس سألوا مالكا عن اللسان إذا قطع وزعموا أنه ينبت فرأيت مالكا يصغي إلى أن لا تعجل له فيه حتى ينظر إلى ما يصير إليه إذا كان القطع قد منعه الكلام. قلت: في الدية أو في القود؟ قال: في الدية. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: القود في اللسان إن كان يستطاع قود ذلك، ولا يخاف منه ففيه القود. يريد مثل خوف المأمومة والجائفة، فإن هؤلاء لا قود فيهن لما يخاف فيهن، فإن كان اللسان مما يخاف فلا قود فيه. قلت: أرأيت ما قطع من طرف الحشفة، أي شيء فيه، أبحساب الذكر أم إنما يقاس من الحشفة، فيجعل على الجاني بحساب ما يصيب ما قطع من الحشفة من الدية؟ قال: إنما تقاس الحشفة، فينظر إلى ما قطع منها فيقاس، فما نقص من الحشفة كان عليه بحساب ذلك من الدية. قلت: ولا يقاس من أصل الذكر؟ قال: لا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، ألا ترى أن اليد لو قطعت من المنكب كان عقلها قد تم، فإن قطع منها أنملة من الأنامل إنما هي على حساب الأصابع ولا ينظر إلى اليد كلها وكذلك الحشفة. قلت: أرأيت ما قطع من الأنف، من أين يحسب إذا كان من طرفه أمن أصله أم من المارن؟ قال: قال مالك: يحسب بحساب ما ذهب منه من المارن بمنزلة الحشفة.

ما جاء في الصلب والهاشمة والباضعة وأخواتها
قلت: أرأيت الصلب إذا ضربه الرجل فحدب، أتكون فيه الدية؟ قال: قال مالك: في الصلب الدية. قال ابن القاسم: إنما تكون الدية في الصلب إذا أقعده فلم يقدر على القيام، مثل اليد إذا شلت، فأما إذا مشى فأصابه في ذلك عثل أو حدب فإنما يجتهد له فيه. قلت: أرأيت الصلب إذا كسره رجل فبرأ وعاد لهيئته، أتكون فيه الدية أم لا؟ قال: ليس فيه دية عند مالك، لأن مالكا قال: في كل كسر خطأ، أنه إذا برأ أو عاد لهيئته، أنه لا شيء فيه إلا أن يكون عمدا يستطاع القصاص فيه فإنه يقتص منه، وإن كان عظما - إلا في المأمومة والمنقلة والجائفة وما لا يستطاع أن يقتص منه - فلا شيء فيه من القود إلا الدية في عمد ذلك مع الأدب في العمد. قلت: أرأيت الهاشمة، أفيها القود عند مالك، في الرأس كانت أو في عظم من الجسد؟ قال: قال مالك: أما عظام الجسد ففيها القود من الهاشمة إلا ما كان مخوفا، مثل الفخذ وما أشبهه فلا قود فيه. وأما الرأس، قال ابن القاسم: فلم أسمع فيه شيئا ولا أرى فيه قودا لأني لا أجد هاشمة تكون في الرأس إلا كانت منقلة، وأما الباضعة والملطأة والدامية وما أشبهها وما يستطاع منه القود ففيه القود في العمد، كذلك قال لي مالك. قال ابن القاسم: والهاشمة في الرأس مما لا يستطاع منه القود.

ما جاء في دية العقل والسمع والأذنين
قلت: أرأيت مالكا، هل كان يقول مالك إن في العقل الدية؟ قال: قال مالك: نعم في العقل الدية. قال مالك: وقد تكون الدية فيما هو أيسر من العقل. قلت له: ما يقول مالك في الأذن إذا اصطلمت أو ضربت فشدخت؟ قال: قال مالك: ليس فيها إلا الاجتهاد. قلت: فإن ضربه فذهب سمعه واصطلمت أذناه، أتكون فيهما دية وحكومة في قول مالك؟ قال: قال مالك: في الأذنين إذا ذهب سمعهما ففيه الدية، اصطلمتا أو لم تصطلما. قلت: أرأيت الأذنين إذا قطعهما رجل عمدا فردهما صاحبهما فثبتتا، أو السن إذا أسقطها الرجل عمدا فردها صاحبها فبرئت وثبتت، أيكون القود على قاطع الأذن أو القالع السن؟ قال: سمعتهم يسألون عنها مالكا فلم يرد عليهم فيها شيئا. قال: وقد بلغني عن مالك أنه قال: في السن القود وإن ثبتت وهو رأيي، والأذن عندي مثله، أن يقتص منه. والذي بلغني عن مالك في السن - لا أدري أهو في العمد يقتص منه أو في الخطأ - أن فيه العقل إلا أن ذلك كله عندي سواء في العمد والخطأ.

باب ما جاء في الأسنان والأضراس
قلت: أرأيت الأسنان والأضراس عند مالك سواء؟ قال: نعم. قلت: فكم في كل

ما جاء في الأليتين والثديين وحلق الرأس والحاجبين
قلت: أرأيت أليتي الرجل والمرأة، أفيهما الدية عند مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قوله في هذا، والذي أرى أن في هذا الحكومة. قلت: لم؟ وهذا زوج من الإنسان وعلى ما قلته. قال: لأن مالكا قال: ليس في ثديي الرجل إلا الاجتهاد وكذلك هذا عندي. قلت: أرأيت الرأس إذا حلق فلم ينبت، أي شيء فيه في قول مالك؟ قال: ما سمعت فيه شيئا. قلت: فاللحية؟ قال: ما سمعت من مالك فيها شيئا، وأرى فيهما جميعا حكومة على الاجتهاد. قلت: أرأيت إن حلقهما عمدا، حلق الرأس واللحية عمدا، أيكون فيهما القصاص؟ قال: لا، إلا الأدب، والحاجبان مثل ذلك في رأيي. قلت: أرأيت العين إذا ابيضت أو انخسفت أو ذهب بصرها وهي قائمة؟ قال: قال مالك: إن كان هذا كله خطأ ففيه الدية، وإن كان عمدا فخسفها خسفت عينه. وإن لم تنخسف وكانت قائمة وذهب بصرها كله، فإن مالكا قال: إن كان يستطاع منه القود أقيد وإلا فالعقل. قال: والبياض عندي مثل القائم العين إن كان يستطاع منه القود أقيد وإلا فالعقل. قلت: أرأيت إن ضربها فنزل الماء فأخذ الدية، أو ابيضت فأخذ الدية، فبرئت بعد ذلك، أترد الدية إليه؟ قال: أرى ذلك وما سمعته من مالك. قلت: فكم ينتظر بالعين؟ قال: قال مالك: سنة. قلت: فإن مضت السنة، والعين منخسفة لم يبرأ جرحها؟ قال: أرى أن ينتظر حتى يبرأ الجرح، لأنه لا قود إلا بعد البرء. وكذلك في الدية أيضا إنما هي بعد البرء. قلت: وهل كان مالك يقول في العين إذا ضربت فسال دمعها فلم يرقأ؟ قال: لم أسمع إلا في العين إذا ضربت فدمعت أنه ينتظر بها سنة قلت: فإن لم يرقأ دمعها؟ قال: أرى فيها حكومة.

ما جاء في شلل اليد والرجل
قلت: أرأيت اليد إذا شلت أو الرجل، ما قول مالك فيهما؟ قال: قال مالك: قد تم عقلهما. قلت: فإن كانت الضربة عمدا فشلت يده، هل فيها القصاص في قول مالك؟ قال: نعم في اليد والرجل القود، ويضرب الضارب كما ضرب يقتص لهذا

باب دية الشفتين والجفون وثديي المرأة والصغيرة
قلت: أرأيت الشفتين، أهما سواء عند مالك؟ قال: نعم هما سواء، في كل واحدة نصف الدية، وليس يأخذ بحديث سعيد بن المسيب. قلت: أرأيت جفون العينين، أفيهما الدية عند مالك؟ قال: ليس في الجفون إلا الاجتهاد. قلت: وأشفار العينين كذلك في قول مالك إنما فيهما الاجتهاد؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الحاجبين، أفيهما الدية أم لا؟ قال: قال مالك: ليس فيهما إلا الحكومة إذا لم ينبتا. قلت: أرأيت طرف

ثديي المرأة، أفيهما الدية في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ففي حلمتيهما الدية أيضا؟ قال: لم أسمع من مالك فيهما شيئا، ولكن إن كان قد أبطل مخرج اللبن أو أفسده ففيه الدية كاملة في رأيي. قلت: أرأيت الصغيرة إذا قطع ثدياها والكبيرة، أهما سواء في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان قد استيقن أنه قد أبطل ثدييها ولا يكون لها ثدي أبدا رأيت عليه الدية، وإن شك في ذلك رأيت أن يوضع لها العقل ويستأنى بها مثل السن، فإن نبتت فلا عقل لها، وإن لم تنبت ففيهما الدية وإن انتظرت فيبست ففيهما الدية أيضا، وإن ماتت قبل أن يعلم ذلك كانت فيهما لها الدية. قلت: أرأيت ثديي الرجل، ما فيهما في قول مالك؟ قال: حكومة.

باب حد الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة
قلت: صف لي ما حد الموضحة في قول مالك؟ قال: ما أفضى إلى العظم وإن كان مثل مدخل إبرة، وإن كان ما هو أكثر من ذلك فإنما هي موضحة. قلت: فما حد المنقلة في قول مالك؟ قال: قال مالك: ما أطار فراش العظم وإن صغر فهي منقلة. قلت: فما حد المأمومة في قول مالك؟ قال: ما يخرق العظم إلى الدماغ وإن مدخل إبرة فهي مأمومة. قلت: فما حد الجائفة؟ قال: ما أفضى إلى الجوف وإن مدخل إبرة. قلت: أرأيت الجائفة إذا أنفذت، أيكون فيها ثلثا الدية أم ثلث الدية؟ قال: اختلف قول مالك في ذلك وأحب إلي أن يكون فيها ثلثا الدية.

دية الإبهام والكف وتقطيع اليد
قلت: أرأيت المفصلين من الإبهام كم فيهما؟ قال: عقل الأصبع تماما في كل مفصل من الإبهام نصف عقل الأصبع وهو قول مالك. قلت: فإن قطع رجل إبهام رجل فأخذ دية الأصبع، ثم قطع رجل بعد ذلك العقدة التي بقيت من الإبهام في الكف؟ قال: قال مالك: ليس فيه إلا الحكومة. قلت: أرأيت الكف إذا لم يكن فيها أصابع فقطعت، ما فيها في قول مالك؟ قال: الحكومة. قلت وكذلك إن قطع بعض الكف؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قطع أصبعين بما يليهما من الكف؟ قال: إن كان في ضربة واحدة فخمسا دية الكف عند مالك. قلت: ولا يكون له مع ذلك حكومة؟ قال: لا.

باب هل تؤخذ في الدية البقر والغنم والخيل
قلت: أرأيت البقر والغنم والخيل، هل تؤخذ في الدية في قول مالك؟ قال: قال

عقل جراح المرأة
قلت: أرأيت المرأة، إليه كم توازي الرجل، إلى ثلث ديتها هي أم إلى ثلث دية الرجل؟ قال: قال مالك: إلى ثلث دية الرجل ولا تستكملها، أي إذا انتهت إلى ثلث دية الرجل رجعت إلى عقل نفسها. وتفسير ذلك: أن لها في ثلاثة أصابع ونصف أنملة أحدا وثلاثين بعيرا وثلثي بعير، فإن أصيب هذا منها كانت فيه، والرجل سواء، فإن أصيب منها ثلاثة أصابع وأنملة رجعت إلى عقل نفسها وكان لها في ذلك ستة عشر بعيرا وثلثا بعير. وكذلك مأمومتها وجائفتها إنما لها في ذلك ستة عشر بعيرا وثلثا بعير في كل واحدة منهما، لأنها قد وازنت الرجل في هذا كله إلى الثلث، فترد إذا بلغت الثلث إلى ديتها. قال: وقال لي مالك: وإذا قطعت أصبع من كف المرأة أخذت عشرا من الإبل، فإن قطعت لها أخرى بعد ذلك من تلك الكف أيضا أخذت عشرا أخرى، فإن قطعت لها أخرى بعد ذلك من تلك الكف أيضا أخذت عشرا، فإن قطعت أخرى بعد ذلك الكف لم يكن فيها إلا خمس من الإبل، وإن قطعت الخامسة بعد ذلك لم يكن لها إلا خمس من الإبل. قال مالك: وإن قطعت ثلاثة أصابع في مرة واحدة من كف واحدة كان لها

فيها ثلاثون بعيرا، فإن قطعت بعد ذلك من تلك الكف الأصبعان الباقيان - جميعا معا أو مفترقين - لم يكن لها في ذلك إلا خمس خمس في كل أصبع. فقلنا لمالك: فإن قطع لها ثلاثة أصابع من كف واحدة فأخذت الثلاثين من الإبل ثم قطعت بعد ذلك من الكف الأخرى أصبع أو أصبعان أو ثلاثة أصابع مفترقة أو قطعت جميعا معا؟ قال: يبتدأ فيها الحكم كما ابتدئ في اليد الأخرى. وتفسيره أن لها في الكف الثانية في الثلاثة أصابع ثلاثين بعيرا كما فسرت لك في الكف الأولى. قال مالك: وإن قطع لها أصبعان من كل يد في ضربة واحدة كان لها على حساب عقلها خمس خمس من عقلها في كل أصبع، لأنها أربعة أصابع فقد جاوزت الثلث والقطع معا. قال ابن القاسم: وتفسيره ما قال مالك لنا: فإن قطعت أصبع من إحدى اليدين بعد ذلك أعطيت عشرا من الإبل، وإن قطعت من اليد الأخرى أصبع أخذت عشرا، وإن قطعت جميعا - هاتان الأصبعان - في ضربة واحدة كان لها عشر عشر، فما زاد بعد ثلاثة أصابع من كل كف كان لها خمس خمس - كان القطع معا أو كان مفترقا. فإن قطعت من يد أصبع ومن يد أخرى ثلاثة أصابع في ضربة واحدة أخذت خمسا خمسا، فإن قطع بعد ذلك - من الكف الذي قطع منها ثلاثة أصابع - أصبع، ومن الكف التي قطع منها أصبع واحدة - أصبع أخرى - في ضربة واحدة، أخذت للأصبع التي قطعت من الكف التي كانت قد قطعت منها ثلاثة أصابع خمسا في الأصبع الرابعة، وأخذت للأصبع التي قطعت من الكف التي كانت قد قطعت منها أصبع واحدة عشرا. وإن اجتمعتا في ضربة واحدة أو تفرقا، فذلك سواء ما لم تقطع في ضربة واحدة من اليدين أربعة أصابع. قال: ولو قطعت من الكف التي قطعت منها ثلاثة أصابع أصبع، ومن الكف التي قطع منها أصبع أصبعان في ضربة واحدة، أخذت للأصبعين عشرين من الإبل وأخذت للأصبع خمسا. ورجلاها بهذه المنزلة على ما فسرت لك من اليدين، وهذا كله قول مالك وتفسيره. قال ابن القاسم: ولو قطع منها أصبعان عمدا فاقتضت أو عفت، ثم قطع من تلك الكف أصبعان أيضا خطأ، فإنه يأخذ لها عشرين بعيرا ولا يضاف هذا إلى ما قطع قبله، لأن الذي قطع أولا لم يكن له دية، وإنما كان عمدا وإنما يضاف بعض الأصابع إلى بعض في الخطأ.

شجاج المرأة
قلت: أرأيت إن ضرب رجل رجلا فشجه مأمومات ثلاثا في ضربة واحدة، كم فيهن في قول مالك؟ قال: مأمومات ثلاث فيهن الدية كاملة. قلت: فإن ضرب رجل امرأة فشجها ثلاث منقلات بضربة واحدة؟ قال: لها في ذلك على قدر عقلها، نصف كل منقلة من عقل الرجل لأنها قد جاوزت الثلث. قلت: فإن ضربها فشجها منقلة،

ثم ضربها بعد ذلك ضربة أخرى فشجها منقلة أخرى، ثم ضربها بعد ذلك ضربة أخرى فشجها منقلة أخرى؟ قال: هي في جميع هذا - في قول مالك - بمنزلة الرجل، لها في كل ذلك مثل دية الرجل لا تنقص من ذلك إذا لم يكن في فور واحد، فإن كان في فور واحد فهو على حساب ما فسرت لك وترجع إلى حساب عقلها، فيكون لها نصف كل منقلة من عقل الرجل، وهو قول مالك. قال: ولو ضربها رجل فأوضحها سبع مواضح في ضربة واحدة أو أكثر من ذلك، في فور واحد مواضح أو جراحات كثيرة تكون مع المواضح، فإنها ترد في ذلك إلى عقلها إذا كان جميع ما أصابها به يبلغ ثلث دية الرجل رجعت إلى عقلها. وإن ضربها ضربة بعد ضربة في غير فور واحد، كانت في عقلها في جميع ذلك بمنزلة عقل الرجل. ولو ضربت منقلة فبرئت وأخذت عقلها، ثم ضربت عليها أيضا كانت ديتها منقلة أخرى أيضا بمنزلة منقلة الرجل. وكذلك لو ضربت الثالثة عليها بعد برئها فشجت منقلة ثالثة كان لها عقل منقلة الرجل. قال: وكذلك المواضح. قال: وهذا قول مالك. قال: وليس للمواضح والمنقلات منتهى عند مالك. قال. وإذا أصاب مبلغ الثلث من المرأة في ضربة واحدة، فهو خلاف ما إذا أصاب ذلك منها في ضربات مفترقات إلا ما وصفت لك في الأصابع، فإنه إذا قطع منها ثلاثة أصابع من كف واحدة - معا أو مفترقة - ثم قطع منها الأصبع الرابعة بعد ذلك، فليس لها في الأصبع الرابع إلا الخمس من الإبل، وهذا قول مالك.

في لسان الأخرس والرجل العرجاء واليد والعين الناقصة والسن
قلت: ما قول مالك في لسان الأخرس؟ قال: الاجتهاد. قلت: كم في الرجل العرجاء؟ قال: العرج عند مالك مختلف، ولم أسمع منه في العرج بعينه شيئا إلا أني سمعته يقول: في كل شيء من الإنسان مما له فرض سمي من الإنسان إذا أصيب منه شيء فانتقص ثم أصيب - بعد ذلك - الشيء، فإنما له على حساب ما بقي من ذلك العضو. قال مالك: وما كان من خلقة خلقها الله ولم ينتقص منها شيء، مثل استرخاء البصر أو ضعف البصر، مثل العين الرمدة يضعف بصرها واليد يكون فيها الضعف، إلا أنه يبصر بالعين ويستمتع باليد ويبطش بها، والرجل يستمتع بها ويمشي بها إلا أن فيها ضعفا. قال مالك: في هذا كله الدية كاملة. وأما لو كان ذلك من شيء أصيب به حتى نقص له البصر أو ضعفت اليد أو الرجل حتى أخذ لذلك عقلا، ثم أصيب بعد ذلك فإنما له ما بقي من العقل. قال مالك: والرجل كذلك والعرج عندي مثل ذلك. قلت: فالذي أصيب بأمر من السماء، مثل العرق يضرب في رجل الرجل فيصيبه منه عرج أو يصيبه رمد فيضعف البصر إلا أنه يمشي على الرجل ويبصر بالعين، وقد مسها الضعف، ففيها

الدية كاملة إن أصيبت رجله أو عينه؟ قال: نعم كذلك قال لي مالك. قلت: فإن كان هذا إنما أصابه إنسان خطأ فأخذ لذلك عقلا، ثم أصيب بعد ذلك بعينه أو برجله خطأ، أخذ على حساب ما ذهب من العين واليد وما بقي؟ قال: نعم، وهو قول مالك.

ذكر العين والسن
قلت: أرأيت العين القائمة، ما قول مالك فيها؟ قال: قال مالك فيها الاجتهاد. وقال: وليس يأخذ مالك بقول زيد بن ثابت الذي ذكر أن فيها مائة دينار. قلت: فكم في السن السوداء عند مالك إذا طرحها رجل؟ قال: قال مالك: العقل فيها كامل. قلت: فإن كانت حمراء أو صفراء؟ قال: السوداء أشد من هذا كله ففيها الدية كاملة عند مالك، ففي الحمراء أو الصفراء إذا أسقطها رجل فعليه العقل تاما. قلت: فإن ضربه رجل فاسودت سنة أو احمرت أو اصفرت أو اخضرت، ما قول مالك في ذلك؟ قال: ما سمعنا من مالك إلا إذا اسودت فإن فيها العقل تاما، ولا أدري ما الخضرة أو الحمرة أو الصفرة، فإن كان ذلك مثل السواد فقد تم عقلها، وإلا فعلى حساب ما نقص قلت: أرأيت السن إذا ضربها رجل فتحركت من ضربه؟ قال: قال مالك: إن كانت تضطرب اضطرابا شديدا، فقد تم عقلها، وإن كان تحريكا خفيفا عقل لها بقدر ذلك. قلت: فكم ينتظر بهذه السن التي تضطرب اضطرابا شديدا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ينتظر بها سنة.

جامع جراحات الجسد
قلت: أرأيت الدامية، كم فيها في قول مالك؟ قال: الاجتهاد إن برئت على عثل إن كان خطأ، فإن برئت على غير عثل فلا شيء فيها، وإن كان عمدا كان فيها القصاص مع الأدب وهو قول مالك. قلت: فقول مالك إن في كل عمد القصاص، والأدب مع القصاص؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الباضعة والسمحاق والملطأة، أهؤلاء مثل الدمية في قول مالك؟ قال: لا عقل فيهن إذا برئت على غير عثل؟ قال: نعم في الخطأ، وأما في العمد ففيها كلها القصاص إذا كان يستطاع القصاص فيها. قلت: كم في الضلع إذا انكسر في قول مالك؟ قال: الاجتهاد إذا برئ على عثل، فإن برئ على غير عثل فلا شيء فيه. قال: ولم أسمع منه في القصاص من الضلع شيئا إلا أنه إن كان يخاف منه مثل عظم الفخذ فلا قصاص فيه، وإن كان مثل اليد والساق ففيه القصاص. قلت: أرأيت الترقوة إذا كسرت، أفيها عقل مسمى عند مالك؟ قال: لا. قلت فإن برئت على غير عثل؟ قال: فلا شيء فيها إذا كانت خطأ. قلت: فإن برئت على عثل كان فيها الاجتهاد؟ قال: نعم. قلت: فإن كسرها رجل عمدا، أيقتص منه في قول مالك أم لا؟

ما جاء في دية الكف
قلت: أرأيت الكف إذا ذهب منها أصبعان - ذهبتا من أمر الله أو قطعهما رجل عمدا أو خطأ - فاقتص منه أو أخذ لذلك عقلا، ثم قطع رجل كفه بأصابعه الثلاثة عمدا، أيقتص له في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك في الأصبع الواحدة إذا قطعت من الكف، ثم قطع بعد ذلك رجل كفه هذه المقطوعة الأصبع عمدا. قال: قال مالك أرى له القصاص وأرى أن تقطع يد قاطعه. قلت لابن القاسم: الإبهام كانت المقطوعة أو غيرها؟ قال: ما وقفت مالكا عليه إلا أن ذلك عندي سواء. قال: وأما الأصبعان والثلاثة فقول مالك الذي سمعت وبلغني عنه في الأصبعين والثلاثة، أنه لا يقتص له من قاطعه، ولكن يكون له العقل على قاطعه في ماله. قلت: فلو أن رجلا قطع كف رجل ليس فيها إلا أصبع أو أصبعان خطأ، ما على القاطع من العقل؟ أخمسا الدية أم أكثر من ذلك أم أقل؟ فإن كانت أصبع واحدة فكم عقلها؟ أخمس الدية أم أكثر أم أقل؟ قال: إذا قطع من الأصابع شيء فإنما له بحساب ما بقي من الأصابع في الكف، فأما إذا لم يبق إلا أصبع واحدة فلم أسمع من مالك فيه شيئا، وإني لأستحسن أن يكون له فيما بقي من الكف الحكومة، وفي الأصبع الدية. قلت: أرأيت إن قطع رجل يمين رجل ولا يمين للقاطع، أيكون فيه العقل مغلظا في قول مالك أم لا؟ قال: فيه العقل غير مغلظ مثل عقل دية العمد إذا قبلت في الإنسان مع الأدب، والعقل في ماله ليس على عاقلته منه شيء وهو قول مالك. قلت: أرأيت المأمومة والجائفة إذا كانتا عمدا، أهما في مال الجاني أم على العاقلة؟ قال: كان مالك - مرة - يقول: هي في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فعلى العاقلة. ثم رجع فرأى أنه على العاقلة، وإن كان له مال - وهو مما تحمله العاقلة. قال ابن القاسم: وكلمته فيه غير مرة فقال لي مثل ما أخبرتك، وثبت مالك على ذلك وهو رأيي أنه على العاقلة.
قلت: فما قول مالك في الرجل يقطع يمين الرجل عمدا ولا يمين للقاطع ولا مال، أيكون ذلك على العاقلة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون ذلك على العاقلة، ولكن يكون في مال القاطع يتبع به دينا عليه. قلت: فما فرق بين اليد والمأمومة والجائفة، وقد قال مالك في المأمومة والجائفة: إنهما على العاقلة، وإن كان للجاني مال؟ وقد قال في اليد: إن القاطع إذا قطع يمين الرجل ولا يمين له، إن ذلك في مال القاطع - كان القاطع غنيا أو عديما -؟ قال: قال مالك: كل شيء يجنيه الإنسان على عمد فلا يكون فيه القصاص، وفي جسد الجاني مثل الذي جنى عليه. فلا يكون للمجني عليه أن يقتص منه، فعقل ذلك على العاقلة، وعلى هذا الجاني الأدب. وتفسير هذا إنما هو في مثل الجائفة والمأمومة وما لا يستطاع منه القود، فإنه يكون على العاقلة إذا بلغ من الحكم

ما فيه ثلث الدية، ألا ترى أنه لا يقتص فيهما من الجاني وفي رأسه، وفي جسده موضع المأمومة والجائفة وغير ذلك مما لا يستطاع منه القود، وما جنى الرجل من جناية فيها القصاص أن لو كانت قائمة في الجاني إلا أنها قد ذهبت من الجاني ولا يجد المجني عليه ما يقتص منه، لأنه قد ذهب ذلك من الجاني. ولو كان ذلك فيه قائما لاقتص منه، وإنما منعه من القصاص أن ذلك الشيء ليس في الجاني، فهذا فيه العقل على الجاني في ماله ولا تحمله العاقلة. قال: وتفسير هذا مثل الرجل يقطع يمين الرجل عمدا ولا يمين للقاطع، فالقاطع لو كانت يمينه قائمة لقطعها هذا المقطوعة يده مكان يده، ولكنها ذاهبة فلا يجد ما يقطع. فهذا الذي يكون العقل في ماله ولا تحمله العاقلة - في قول مالك - فهذا فرق ما بينهما.

ما تحمل العاقلة وما لا تحمل
قلت: أرأيت العاقلة في قول مالك، هل تحمل أقل من الثلث؟ قال: لا تحمل في قول مالك أقل من الثلث، ولا تحمل إلا الثلث فصاعدا. قلت: وكل شيء يكون في الجسد يبلغ الثلث من ذهاب بصر أو سمع أو لسان أو شلل أو غير ذلك مما هو في الجسد، فإذا بلغ الثلث حملته العاقلة في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان ذلك خطأ. قال: وقال مالك: ولو ضربه فشجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملته العاقلة، لأن هذا قد بلغ أكثر من الثلث. قلت: فإن شجه ثلاث منقلات في ثلاث ضربات في مقام واحد، أتحمله العاقلة أم يجعل ذلك في مال الجاني؟ قال: إن كان ضربا يتبع بعضه بعضا لم يقلع عنه، فهو بمنزلة الضربة الواحدة تحمله العاقلة. وإن كان شيئا مفترقا في غير فور واحد لم تحمله العاقلة، وكذلك بلغني عن مالك. قلت: أرأيت إن أصبت أصبع رجل خطأ فأخذ عقلها، ثم قطع بعد ذلك رجل كفه خطأ، ما يكون له من العقل على القاطع؟ قال: له أربعة أخماس الدية على العاقلة لأنه قد أخذ عقل الأصبع. قلت: وإن كانت الأصبع إنما ذهبت بأمر من السماء، ولم يأخذ لها عقلا؟ قال: هو كذلك ليس له إلا أربعة أخماس الدية، لأن العقل إنما هو في الأصابع. ألا ترى لو أن رجلا قطع أصابعه الأربعة الباقية بغير كف، لم يكن له إلا أربعة أخماس الدية؟ فالأصبع إذا ذهبت بعقل أخذه فيها أو ذهبت بأمر من أمر الله، فعقل ما بقي من الأصابع في الخطأ وأخذه. قلت: فإن كانت الأصبع إنما قطعت عمدا فاقتص من قاطعه، ثم قطعت كفه بعد ذلك خطأ، أيأخذ ديتها كاملة أم لا؟ قال: ليس له أن يأخذ إلا على حساب ما بقي. قال: قال مالك: في العين يصيبها الرجل بشيء فينقص بصرها أو اليد فيضعفها ذلك - وبصر العين قائم، واليد يبطش بها - ولم يأخذ لها عقلا. قال مالك: أرى على من أصابها بعد ذلك

العقل كاملا. قال: قال مالك: وقد قال ابن المسيب في السن إذا اسودت فقد تم عقلها، وإن أصيبت بعد ذلك ففيها أيضا عقلها كاملا. قال مالك: فالسن قد أخذ لها عقلها، ومنفعتها قائمة. قال: قلت لمالك: فإن كان أخذ لذلك شيئا في نقصان اليد والعين؟ قال: قال مالك: ذلك أشكل يريد أنه ليس له إلا ما بقي ويقاص بما أخذ. وقد قال لي قبل ذلك: ليس له إلا على حساب ما بقي. قال ابن القاسم: ولو أن رجلا أصاب يد رجل خطأ فضعفت وأخذ لها عقلا، وكان يبطش بها ويعمل بها ثم أصابها بعد ذلك رجل عمدا اقتص منه. وكذلك العين لو أصابها رجل خطأ بشيء فأخذ لها عقلا، وقد كان يبصر بها ثم أصابها بعد ذلك رجل عمدا اقتص له منه. فالقصاص والدية في هذا مختلفان، وأما الكف التي يقطع بعضها - عمدا كان أو خطأ - ثم تصاب خطأ بعد ذلك، فليس له إلا على قدر ما بقي منها، قل ذلك أو كثر.

في سن الصبي إذا لم يثغر
قال ابن القاسم: وقال مالك في الصبي إذا لم يثغر ينزع سنه خطأ. قال: يؤخذ العقل كاملا فيوضع على يدي ثقة، فإن عادت لهيئتها رد العقل إلى أهله، وإن لم تعد أعطى العقل كاملا. فإن هلك الصبي قبل أن تنبت السن فالعقل لورثته، وإن نبتت أصغر من قدرها الذي قلعت منه كان له من العقل قدر ما نقصت. قال: وإن كانت إنما نزعت عمدا فإنه يوضع له العقل أيضا ولا يعجل بالقود حتى يستبرأ أمرها، فإن عادت لهيئتها فلا عقل فيها ولا قود، وإن لم تعد اقتص منه وإن عادت أصغر من قدرها أعطي ما نقصت. قال ابن القاسم: وأنا أرى فيها إن لم تعد لهيئتها حتى مات الصبي اقتص منه وليس فيها عقل، لأنه إنما استؤني به النبات فدفع القود. فإذا مات الصبي، فهو بمنزلة من لم تنبت ففيه القصاص بقتل. قال ابن القاسم في المرأة لو قطعت لها أصبعان عمدا فاقتصت أو عفت، ثم قطع من ذلك الكف أيضا أصبعان، فإنه يؤخذ لها عشرون بعيرا، ولا يضاف هذا إلى ما قطع قبله، لأن الذي قطع أولا لم يكن له دية، وإنما كان عمدا، وإنما يضاف بعض الأصابع إلى بعض في الخطأ.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجنايات

في العبد يقتل رجلا له وليان فيعفو أحدهما على أن يكون له جميع العبد
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن عبدا قتل رجلا له وليان، فعفا أحدهما عن العبد على أن يأخذ جميعه، فرضي بذلك سيد العبد ودفعه إليه، أيجوز له جميع العبد أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى، إن دفع سيده نصف الدية إلى أخيه جاز له ما صنع، وإن أبى كان الذي عفا بالخيار، إن أحب أن يكون العبد بينهما كان ذلك له، وإن أبى رده. فإن أحبا أن يقتلا العبد قتلا، وإن أحبا أن يعفوا عفوا، فإن عفوا كان السيد بالخيار، إن شاء أن يفتديه بالدية فعل، وإن شاء أن يسلمه إليهما أسلمه. وقد قال سحنون: وقد قال ابن القاسم أيضا: إن الولي لم يدخل على أخيه في نصف العبد فيكون بينهما لشركتهما في الدم.

في العبد يقتل رجلا، وله وليان فيعفو أحدهما على أن يكون له العبد وزيادة عبد آخر
قلت: أرأيت لو أن عبدي قتل رجلا له وليان، فعفا أحدهما عن العبد على أن دفعت إليه العبد القاتل وزدته عبدا آخر من عندي، أيكون للذي لم يعف أن يدخل في هذا العبد الذي لم يجن؟ قال: يخير السيد، فإن دفع إلى الذي لم يعف نصف الدية تم ما صنع، وإن أبى خير الذي عفا. فإن أحب أن يسلم إلى أخيه نصف العبد القاتل فقط فيكون بينهما تم ذلك، وإن أبى رد العبدين وقتل القاتل إن أحب. قال سحنون: وقد قيل: إن الولي يدخل على أخيه في العبدين جميعا، لأنهما ثمن للدم الذي بينهما، وهو قول جل الرواة.

في العبد يقتل رجلاً اخطأ فيعتقه سيده وقد علم بالقتل
في العبد يقتل رجلا خطأ فيعتقه سيده وقد علم بالقتل
قلت: أرأيت لو أن عبدا لي قتل قتيلا خطأ فأعتقته وأنا أعلم بالقتل، أيكون مجبورا علي غرم الدية في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: يسأل السيد، فإن كان إنما أراد - حين أعتقه - حمل الجناية عن العبد فذلك له، وإن قال: ما أعتقته إلا وأنا أظن أن ذلك يخرجه من الرق، وتكون الجناية عليه يحملها هو، فإنه يحلف على ذلك. فإذا حلف على ذلك أنه ما أعتقه إلا وهو يظن أن الجناية على العبد، وما أراد أن يحملها عنه رد العتق. فإن كان للعبد مال يكون قدر الجناية - أخذ المال منه في الجناية وعتق العبد، وإن لم يكن له مال وقدر العبد على من يعينه من ذوي قرابته أو غيرهم فإنه لا يرد عتقه إذا أعانوه بمال قدر الجناية. قال: وقال مالك في العبد يجرح رجلا حرا ثم يعتقه سيده بعدما جرح، فيريد المجروح أن يعقل السيد الجرح فيقول السيد: ما علمت أن دية الجرح تلزمني إذا أعتقته وما أردت إلا حرز رقبته. قال: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، ما أراد حمل الجناية عنه. فإذا حلف رأيت أن ينظر إلى العبد، فإن كان له مال يكون فيه كفاف دية الجرح، رأيت أن يؤخذ في ذلك ماله ويعتق. وإن لم يكن له مال ووجد أحدا يعينه في ذلك ويحمل عنه ذلك تلوم له في ذلك. فإن جاء به عتق وإن لم يكن له مال ولا أحد من ذوي قرابته ولا ممن يرجى عونه، وكان في رقبته فضل عن الجرح، بيع بقدر الجرح وعتق ما بقي. وإن لم يكن في ثمنه فضل، أسلم إليه كله وبطل العتق، فهو الذي فسر لي مالك.

في العبد يجني جناية ثم يبيعه سيده وقد علم بجنايته
قلت: أرأيت لو أن عبدا جنى جناية ثم باعه سيده وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم بها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن أرى لأولياء الجناية إذا أبى السيد البائع بعد أن يحلف بالله ما أراد حمل الجناية، أن يدفع إليهم دية الجناية، أن يجيزوا البيع ويأخذوا الثمن الذي بيع به وإلا فسخوا البيع وأخذوا العبد، إلا أن السيد إن هو افتكه بدية الجناية، فإن لم يلزم المشتري البيع إذا كان المشتري قد أعلمه السيد بجناية العبد حين باعه. قال: وإن كان لم يعلم يلزمه ذلك. قال سحنون وغيره: وهذا إذا كانت الجناية عمدا لأن هذا عيب في العبد، فإن كانت خطأ فهو كعيب ذهب قبل أن يرده المشتري. وإن لم يجز أولياء الجناية البيع بعد أن يحلف السيد ولم يفتكه السيد وأرادوا فسخ البيع، فقال المشتري: أنا أعطي أرش الجناية وأتمسك ببيعتي، كان ذلك له وكان له أن يرجع على البائع بالأقل مما افتكه به أو من الثمن. وكان رجل من أصحاب مالك يقول: إذا لم يفتكه البائع فالجناية في رقبة العبد، والعبد بها مرهون. فأهل الجناية أولى بفضلها،

كالسيد لو أعتقه والجناية فيه وحلف أنه لم يرد حمل الجناية، كان للمجني عليهم لأنه رهن لهم بالجناية والسيد لم يكن يلزمه الافتكاك، فصارت رقبته وماله لأهل الجناية، فهم أولى بفضله. وقال عبد الرحمن عن مالك في هذا المعنى: إن أبى السيد افتكاك العبد وقد أعتق أخذ ماله، إن كان العبد فيه وفاء للجناية وعتق، وإن لم يكن فيه وفاء وكان له أحد يعينه من قرابته أو غيرهم بما يتم به أرش الجناية عتق، وإلا بيع منه. فإن كان يبقى من رقبته شيء بعد تمام الجناية فيعتق، وإن لم يكن له شيء من هذا فهو لأهل الجناية رقيق لهم.

في عبد جنى على عبد أو على حر فلم يقم ولي الجناية حتى قتل العبد
قلت: أرأيت إن جنى عبدي على عبد أو على حر فلم يقم ولي الجناية على عبدي حتى قتل عبدي، فأخذت قيمته، أيكون لهؤلاء الذين جنى عليهم عبدي في هذه القيمة شيء أم لا؟ قال: نعم، لهم قيمته كلها إلا أن يفتك القيمة قبل الجناية وقيمة العبد المقتول، لأن مالكا، قال في الرجل يقتل الرجل عمدا ثم يقتل القاتل خطأ: إن أولياء المقتول عمدا أولى بديته من أوليائه.

في عبد قتل عبد رجل عمدا فقتل العبد خطأ قتله عبد لرجل
قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان عبدي قتل عبد رجل عمدا فقتل عبدي خطأ، قتله عبد لرجل. قال: سيد العبد الذي قتله عبدك عمدا أولى بقيمة عبدك إلا أن تفتكه بقيمة العبد المقتول عمدا، فيكون لك قيمة عبدك. وإن كان الذي قتل عبدك قتله عمدا أيضا، كان لك أن ترضي سيد العبد الذي قتله عبدك عمدا وتقتل قاتل عبدك إن شئت، وإن شئت استحييته وأخذته إلا أن يفتكه سيده بقيمة عبدك. فإن أبيت أن تعطي سيد الذي قتله عبدك عمدا قيمة عبده، أو أبى هو أن يقبل القيمة، كان أولى بقيمة عبدك إن شاء قتله وإن شاء استحياه، فإن استحياه كان الأمر إلى عمل الخطأ. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في الأحرار: إن الحر إذا قتل رجلا عمدا فقتل القاتل عمدا أيضا: إنه يقال لأولياء القاتل الأول: ارضوا أولياء المقتول الذي قتله وليكم، فإن أرضوهم كانوا أولى بقاتل صاحبهم، إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استحيوه. وإن لم يرضوهم أسلموا قاتل صاحبهم وبرئوا منه، وكان أولياء المقتول الأول أولى به، إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استحيوه، فهكذا العبيد عندي مثل الأحرار.

في العبد يقتل قتيلاً عمداً وله وليان فعفا أحدهما والعبد يقتل قتيلين عمداً فعفا أولياء أحد القتيلين
في العبد يقتل قتيلا عمدا وله وليان فعفا أحدهم والعبد يقتل قتيلين عمدا فعفا أولياء أحد القتيلين
قلت: أرأيت لو أن عبدا قتل قتيلا، وله وليان فعفا أحدهما قال: يقال لسيده: ادفع نصف العبد أو افده بنصف الدية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت لو أن عبدا في يدي عارية أو وديعة أو رهن بإجارة، جنى جناية - ومولاه غائب - ففديته من الجناية ثم قدم مولاه؟ فقال: يقال لمولاه: إن شئت فادفع إليه هذا جميع ما فدى به وخذ عبدك، وإن شئت فأسلمه إليه ولا شيء عليك، لأنه لو لم يفده ثم جاء سيده لقيل له هذا القول وهذا رأيي. قلت: أرأيت لو قتل عبدي قتيلين عمدا فعفا أولياء أحد القتيلين، أي شيء يقال لسيد العبد القاتل؟ أيقال له: ادفع جميع العبد إلى أولياء المقتول الآخر؟ أم يقال له: ادفع نصفه أو افده بالدية كلها؟ ولا أحفظه عن مالك.

في العبد يجرح رجلا حرا فبرأ من جراحته ففداه سيده ثم انتفضت الجراحات فمات
قلت: أرأيت إن جرح عبدي رجلا حرا فبرأ من جراحته ففديت، عبدي، ثم انتفضت جراحات الرجل فمات من ذلك؟ قال: إذا مات منها أقسم ورثة المقتول، فإذا أقسموا، فإن كانت الجراحات عمدا قيل لهم: إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاستحيوه، فإن استحيوه كان بمنزلة ما لو كانت الجراحات خطأ، يقال لمولى العبد: ادفع عبدك أو افده، فإن دفعه أخذ ما كان دفع إلى المقتول، وإن فداه صار له في الفداء بما دفع إلى المقتول. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قاله لي مالك في الحر، وهذا في العبد عندي مثله.

في عبدين لرجل قتلا رجلا خطأ فقال: أنا أدفع أحدهما وأفدي الآخر
قلت: أرأيت لو أن عبدين قتلا رجلا خطأ فقال: أنا أدفع أحدهما وأفدي الآخر؟ قال: قال مالك في العبيد إذا قتلوا حرا خطأ أو جرحوا إنسانا: إنهم مرتهنون بدية المقتول أو المجروح، وتقسم الدية على عددهم، ودية الجرح على عددهم، فمن شاء من أرباب العبيد أن يسلم أسلم، ومن شاء أن يفتك افتك بقدر ما يقع عليه من نصيبه من الدية - كان أقل من ثمنه أو أكثر - لو كانت قيمة العبد خمسمائة والذي وقع عليه عشر الدية غرم عشر الدية وحبس عبده، وإن كانت قيمته عشرة دنانير، والذي وقع عليه من الدية النصف

في العبد تفقأ عيناه أو تقطع يداه
قلت: أرأيت إن فقئت عينا عبدي أو قطعت يداه، ما يقال للجارح؟ قال: يضمنه الجارح ويعتق عليه إذا أبطله هكذا. فإن كان جرحا لم يبطله مثل فقء عين واحدة أو جدع أذن أو قطع أصبع أو ما أشبهه، كان عليه ما نقص من ثمنه، ولم يكن عليه غير ذلك ولم يعتق عليه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو رأيي، وقد سمعت أنه قال: يسلم إلى الذي صنع به ذلك فيعتق عليه، وهذا رأيي إذا أبطله.

في الأمة لها ولد صغير فيجني أحدهما جناية
قلت: أرأيت إن كانت عندي أمة وولدها صغير، فجنى الولد جناية فأردت أن أدفعه، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم يجوز إلا أنه في قول مالك قال للمجني عليه ولسيد الأمة أن يبقيا الأم والولد جميعا ولا يفرقا بينهما، ويكون للمجني عليه قيمة الولد، وعلى سيد الأمة قيمة العبد يقسم الثمن على قيمتها. قلت: فإن كانت لي جارية وولدها صغير فجنى ولدها أو جنت هي جناية، فأردت أن أدفع الذي جنى بجنايته؟ قال: ذلك لك، ويجبران على أن يجمعا بينهما كما وصفت لك من الجمع بينهما فيقسمان الثمن على قدر قيمتها. قال: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت لو أن عبدي جرح رجلا فقطع يده وقتل آخر خطأ؟ قال: قال مالك: إن أسلمه سيده فالعبد بينهم أثلاثا. قال: قال مالك: وإذا أسلم العبد فهو بينهم على قدر جراحاتهم. قلت: فإن استهلك أموالا حاص أهل الجراحات في العبد بقيمة ما استهلك لهم من الأموال؟ قال: نعم في قول مالك.

في عبد قتل رجلاً خطأ أو فقأ عين آخر خطأ والعبد يقتل رجلينن وليهما واحد
في عبد قتل رجلا خطأ أو فقأ عين آخر خطأ، والعبد يقتل رجلين وليهما واحد
قلت: أرأيت إن قتل عبدي رجلا خطأ أو فقأ عين آخر، فقال السيد: أنا أفديه من جنايته في العقل فأدفع إلى صاحب العين الذي يكون له من العبد ولا أفديه؟ قال: يقال له: ادفع إلى صاحب العين ثلث العبد وافد ثلثي العبد بجميع الدية، ويكون شريكا في

في العبد يقتل رجلا له وليان وفي أم الولد إذا جنت ثم جني عليها قبل أن يحكم فيها
قلت: أرأيت إن قتل عبدي رجلا له وليان، فقلت: أنا أفدي حصة أحدهما وأدفع حصة الآخر، أيكون ذلك لي في قول مالك؟ قال: أرى له أن يفدي نصيب من شاء منهما. قلت: أرأيت أم ولدي إذا جنت جناية فجني عليها قبل أن يحكم فيها فأخذت لها أرشا، ما يكون علي؟ أقيمتها معيبة أم قيمتها صحيحة؟ قال: بل قيمتها معيبة يوم ينظر فيها مع الأرش، فإن كانت قيمتها أكثر من أرش الجناية كان عليه أرش الجناية، وإن كان أرش الجناية أكثر كان عليه قيمتها معيبة مع ما أخذ من الأرش. ومما يبين ذلك أن العبد إذا جنى ثم جني عليه فأخذ له سيده أرشا، أنه يخير في أن يسلمه وما أخذ له أو يفتكه بما جنى. فكذلك أم الولد إلا أن أم الولد لا تسلم، وإنما يكون عليه الأقل من قيمتها معيبة، وأرش الجناية معها، أو قيمة الجناية التي في رقبتها، بمنزلة العبد سواء، لأن أم الولد لا يستطيع سيدها أن يسلمها، فيكون عليه الذي هو أقل، لأنها لو هلكت ذهبت جناية المجروح. وكذلك العبد لو هلك قبل أن يحكم عليه ذهبت جناية المجروح أمرهما واحد. قلت: أرأيت لو أن أمة جنت جناية، أيمنع سيدها من وطئها حتى ينظر أيدفع أم يفدي؟ قال: نعم يمنع من وطئها. قلت: ولم قلت هذا؟ قال: لأنها مرتهنة بالجرح حتى يدفعها أو يفديها. قلت: أرأيت إن رهن رهنا عبدا له فأقر الراهن أن عبده هذا الرهن قد جنى جناية أو استهلك مالا وهو عند المرتهن، والسيد موسر أو مفلس؟ قال: إن كان معسرا لم يصدق على المرتهن، وإن كان موسرا قيل للسيد: ادفع وافد. فإن قال: أنا أفديه، فداه وكان رهنا على حاله. وإن قال: لا أفدي، وأنا أدفع العبد. لم يكن له أن يدفعه حتى يحل الأجل. فإذا حل الأجل أدى الدين ودفع العبد بجنايته التي أقر بها، وإن فلس قبل أن يحل الأجل كان المرتهن أولى به من الذين أقر لهم بالجناية. ولا يشبه إقراره ههنا البينة إذا قامت على الجناية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه، ولكن قد قال مالك في جناية العبد إذا كان رهنا فقامت عليه البينة على الجناية ما قد أخبرتك وهو رأيي.

في رجل رهن عبدا فجنى العبد جناية على رجل فقامت على ذلك بينة
قلت: أرأيت إن ارتهنت عبدا بحق لي على رجل فجنى العبد جناية على رجل؟ قال: قال مالك: يقال لرب العبد: افد عبدك، فإن فداه كان على رهنه كما هو، وإن أبى أن يفديه قيل للمرتهن: افده لأن حقك فيه. فإن افتداه وأراد سيده أخذه لم يكن له أن يأخذه حتى يدفع ما افتداه به من الجناية مع ديته، وإن أبى سيده أن يأخذه بيع بما فداه المرتهن من الجناية. فإن قصر ثمنه عن الذي افتداه به المرتهن من الجناية لم يكن للمرتهن على السيد في ذلك شيء إلا الدين الذي ارتهنه به وحده، لأنه افتداه بغير أمره. وإن زاد ثمنه على ما افتداه به من الجناية قضى بالزيادة في الدين على الرهن، وهذا قول مالك. قال ابن القاسم: ولا يباع حتى يحل أجل الدين، ولم أسمع من مالك في الأجل شيئا. قلت: أرأيت إن قالا جميعا - الراهن والمرتهن -: نحن نسلمه فأسلماه، أيكون دين المرتهن بحاله في قول مالك كما هو؟ قال: نعم هو قول مالك. قلت: أرأيت إن أبى الراهن أن يفديه وقال للمرتهن: افتده لي؟ قال: قال مالك: إذا أمره أن يفتدي اتبعه المرتهن بالدين والجناية جميعا. قال مالك: وإن أسلماه جميعا، وله مال، كان ماله مع رقبته في جنايته. وإن افتكه المرتهن لم يكن ماله مع رقبته فيما افتكه به، ولا يزاد على ما كان في يديه من رهن رقبة العبد إذا لم يكن مال العبد رهنا معه أولا.

في العبد يقتل رجلا، وله وليان فعفا أحدهما، ولم يذكر شيئا
قلت: أرأيت لو أن عبدا قتل رجلا عمدا، وله وليان، فعفا أحدهما ولم يذكر أنه يعفو على أن نصيبه من العبد له. قال: إذا عفا واستحياه ولم يذكر أنه يعفو على أن له نصف العبد إلا أنه قال ذلك إنما أردت أن أستحييه على أن آخذه. قال: لا يكون القول قوله إلا أن يأتي بأمر يستدل به على ما قال. فإن أتى بما يستدل به على قوله كان العبد بينهما نصفين إلا أن يفتديه سيده بجميع الجناية أو يفتدي نصفه من أحد بنصف الجناية، ويسلم النصف الآخر إلى المولى الآخر. قلت: أرأيت إن قتلني عبد عمدا أو خطأ، وقيمة هذا العبد أكثر من ثلثي فعفوت على العبد؟ قال: أما في العمد فعفوك جائز، والعبد لمولاه لا ينتزع منه إلا أن يكون المقتول استحياه على أن يكون له، فيكون سيد العبد بالخيار، إن أحب أن يدفع دية المقتول ويحبس عبده فذلك له، وإما أسلمه. وأما في الخطأ فإن عفا عنه - وقيمته أكثر من الثلث - لم يجز إلا قدر الثلث. قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: نعم هذا قول مالك. قال سحنون فيه اختلاف ويقال: إنما ينظر إلى الأقل من قيمته ومن الدية فيحسبه في الثلث.

في العبد يجني جناية فيبيعه سيده قبل أن يؤدي إلى المجني عليه دية جرحه
قلت: أرأيت العبد يجني الجناية فيبيعه سيده، أيجوز بيعه؟ قال: سمعت مالكا وقد سألناه عن العبد يجني الجناية فيقول سيده: اتركوه في يدي أبيعه وأدفع إليكم دية جنايتكم. قال مالك: ليس ذلك له إلا أن يكون ثقة مأمونا فيضمن ذلك، أو يأتي بحميل ثقة فيؤخر اليوم واليومين وما أشبهه. فإن لم يأت بذلك لم يكن ذلك له إلا أن يأتي بدية الجرح أو يسلم عبده. ففي البيع إن أعطى المجني عليه دية الجرح جاز بيعه، وإلا لم يجز وقد فسرت هذه قبل هذا.

في جناية الأمة
قلت: أرأيت لو أن أمة جنت جناية فولدت ولدا من بعد الجناية، أيكون ولدها معها، ويقال للسيد: ادفعها وولدها أو افدهما جميعا في قول مالك؟ قال: بلغني عنه أنه قال: لا يدفع ولدها معها. وقال: وأنا أرى أن لا يدفع ولدها معها مثل ما بلغني عن مالك. قلت: وما حجة من قال: لا يدفع ولدها معها؟ أليس قد استحقها المجني عليه يوم جنت عليه؟ قال: لا، إنما يستحقها المجني عليه يوم يقضى له بها، فالولد قد زايلها قبل ذلك. قلت: أرأيت الأمة إذا قتلت ولها مال، أتدفع بمالها في قول مالك؟ قال: نعم تدفع بمالها، قال سحنون: وهو قول أشهب في الولد: إن الولد ليس معها. قال سحنون: وقال المخزومي: إن ولدها معها مرتهن بالجناية، إما أن يفتكهما، وإما أن يسلمهما، وهي عندي كالرهن.

في العبد يجني جناية ويركبه الدين من تجارة قد أذن له سيده فيها ثم يأسره العدو فيشتريه رجل من المغنم فيسلمه سيده
قلت: أرأيت العبد يجني جناية ويركبه الدين من تجارة قد أذن له فيها سيده، فيأسره أهل الحرب ثم يغنمه المسلمون فيشتريه رجل من المغانم فيسلمه سيده ولا يريد أخذه؟ قال: إذا أسلمه سيده لم يكن للذين جنى عليهم العبد شيء، إلا أن يأخذوه بالثمن الذي صار لهذا الذي أخذه من المغنم فاشتراه من المغانم. قلت: لم؟ قال: لأنه لو أسلمه سيده قبل أن يؤسر لم يكن عليه من الجناية شيء، وإنما كان يقال لمن صار له أنت أولى به بالثمن، فكذلك هو وإن لم يكن له أخذه. قال ابن القاسم: وذلك رأيي. وأما الدين الذي على العبد فهو في ذمته، وإنما يسقط عن العبد والذي يصير له العبد ما كان قبل أن يؤسر العبد في رقبته، وأما ما كان في ذمته فهو ثابت عليه يؤخذ به وهو رأيي.

في العبد يجني جناية بعد جناية
قال: وقال مالك في العبد إذا جنى ثم جنى خير سيده: إما أن يدفع قيمة ما جنى لكل واحد منهما، وإما أن يسلمه. فإن أسلمه تحاصا بقدر جناية كل واحد منهما، وإن جنى ثم افتداه ثم جنى بعد ذلك خير أيضا، إما أن يفتديه وإما أن يسلمه بجريرته، وإنما يجتمع في رقبته ما يتحاصون فيه إذا لم يفتده حتى جنى جناية بعد جنايته الأولى. فأما إن افتداه ثم جنى، فإن على السيد أن يفتديه ثانية أو يدفعه.

في جناية المعتق نصفه
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق نصف عبد له ثم جنى جناية قبل أن يقوم عليه العبد؟ قال: قال مالك: من أعتق شقصا له في عبد فمات قبل أن يعتق السلطان عليه النصف الباقي، فإن النصف الذي لم يعتقه رقيق لورثته، وكذلك قال مالك. قال مالك: إذا أعتق الرجل شقصا له في عبد، فلحق السيد دين قبل أن يقضي السلطان على السيد بعتق جميعه، فإن النصف الذي لم يعتقه السلطان رقيق يباع في الدين. فأرى في مسألتك أن تقسم الجناية نصفين، فيكون نصفها على النصف الذي أعتق، ويكون النصف الباقي في النصف الذي فيه الرق، ثم ينظر أي ذلك كان أقل، نصف الجناية أو نصف قيمة العبد، فيدفع ذلك إلى المجني عليه، لأنه إن كانت الجناية أقل، أخذه ولم يكن له على سيده إلا نصف الجناية، ولأنه إن كانت الجناية أكثر، أسلم إليه النصف ولم يكن على سيده أكثر مما أسلم، ويقوم عليه في الأمرين جميعا ثم يعتق، لأنه إذا أسلم النصف الذي لم يعتق لم يكن له بد من أن يعتق عليه ذلك النصف إذا كان له مال لأنه شريك. قلت: فإن أعتق سيده نصفه ثم جنى العبد جناية ثم مات السيد؟ قال: أرى على النصف الذي أعتق نصف الجناية، ونصف الجناية على النصف الذي لم يعتقه السيد، ويقال للورثة: افتكوه وهو رقيق لكم، أو ادفعوه رقيقا للمجروح. وقد أخبرتك من قول مالك ما تستدل به على هذا.

في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما حصته وهو موسر فجنى العبد جناية قبل أن يقوم عليه
قلت: أرأيت لو أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما حصته وهو موسر، فجنى العبد جناية قبل أن يقوم على المعتق؟ قال: يقال للمتمسك بالرق: إن شئت فأسلم نصف العبد بنصف دية هذه الجناية، وإن شئت فافده بنصف دية الجناية. فإن فداه كان له أن

في الجناية على المعتق نصفه
قلت: أرأيت العبد يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا يجرح؟ قال: قال مالك: نصفه لسيده يأخذه، ونصفه للعبد يقر في يديه. وكذلك لو جرح العبد كان نصف دية الجرح على العبد ونصفه على السيد. قال سحنون: وهو قول أصحاب مالك جميعا. وقد كان لمالك فيها قول إذا جرح: إن جرحه للسيد. ثم قال: هو بينهما. وقال مالك في العبد يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا يجني جناية، وفي يديه مال يفتك سيده نصفه: إن ماله يؤخذ منه في نصف الجناية التي وجبت على المعتق منه.

في جناية الموصى بعتقه
قلت: أرأيت إن أوصى فقال: هو حر بعد موتي بشهر. فمات السيد والثلث لا يحمله؟ قال: يقال للورثة: أجيزوا الوصية وإلا فأعتقوا ما حمل الثلث بتلا. قلت: فإن أجازوا الوصية؟ قال: إذا خدمهم تمام الشهر خرج جميعه حرا، وهو قول مالك. قلت: وإن قال السيد: هو حر بعد موتي بشهر. فأجازت الورثة الوصية. ثم جنى العبد جناية قبل أن يمضي الشهر؟ قال: يقال للورثة: افتكوا خدمته أو أسلموها. قلت: فإن افتكوها

في جناية الموصى بعتقه يجني قبل موت سيده
قلت: أرأيت لو أن رجلا أوصى بعتق عبده فجنى قبل أن يموت السيد، أتنتقض الوصية فيه أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن يخير السيد، فإن دفعه بطلت الوصية، وإن فداه كانت الوصية كما هي. وقال مالك: هو عبد بعد، فله تغيير وصيته ويبيعه ويصنع به ما شاء. فلما قال مالك ذلك، علمنا أنه يجوز له أن يسلمه، فإن لم يسلمه وفداه فالوصية له ثابتة، لأن الوصية تقع بعد الموت إذا لم يغيرها قبل موته، وكذلك بلغني عمن أثق به من بعض أهل العلم. قلت: أرأيت إن أوصى فقال: إذا مت فهو حر. فجنى العبد قبل أن يقوم في الثلث، والثلث يحمله؟ قال: يعتق وتكون الجناية دينا عليه يتبع بها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو مثل ما قال مالك في

المدبر، لأنه عند مالك عبد ما لم يقوم إن كان الثلث يحمله، إلا أن تكون أمواله مأمونة من دور أو أرضين بحال ما وصفت لك، فيكون ذلك على العاقلة. وذلك أن مالكا قال: حدوده وحرمته وقذفه بمنزلة العبد حتى يقوم في الثلث ويخرج من الثلث، لأن مالكا قال: لو أصيب بشيء قبل أن يقوم في الثلث حتى ينقص ذلك من عتقه. نقص من عتقه ورق منه بقدر ما يرق، فذلك يدلك على أنه عبد، وأن العاقلة لا تحمل عن عبد، وأن ما جنى بمنزلة ما جنى عليه. وإنما قال لنا مالك هذا في المدبر، فإذا أوصى بعتقه بعد موته ثم مات فجنى بعد الموت فسبيله سبيل المدبر سواء، لأنه قد ثبت له ما ثبت للمدبر، وكذلك بلغني عمن أثق به. قال سحنون: وقد أعلمتك باختلافهم في المال المأمون. قال سحنون: من أصحابنا من يقول: وإن كان المال مأمونا فهو على حاله حتى يقوم.
قلت: أرأيت إن أوصى بعتقه، ثم جنى العبد جناية فلم يقم عليه ولي الجناية حتى مات السيد والثلث يحمله، أو لم يدع مالا سواه. أترى للورثة ما كان لأبيهم من الخيار في أن يسلم العبد أو يفتكه، أم ترى الحرية قد جرت فيه لما مات السيد، وتجعل سبيله سبيل من جنى بعد الموت؟ قال: المجروح أولى به وهو في رقبته، فإن أسلم كان عبدا للمجروح، وإن افتكوه رجع العبد في الوصية إلى مال سيده فأعتق في ثلثه، بمنزلة ما لو افتكه سيده قبل أن يموت وتكون الورثة فيه بعد الموت بمنزلة السيد قبل أن يموت، لأن الجرح كان في رقبته قبل أن يموت سيده. قلت: أرأيت إن أعتقه بتلا في المرض ولا مال له، فجنى العبد جناية، ثم أفاد أموالا مأمونة في مرضه كثيرة؟ قال: يعتق العبد حين أفادها وتكون الجريرة في ذمته يتبع بها ولا تحملها العاقلة، لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل العاقلة جريرته. قلت: أسمعت هذا من مالك؟ قال: الذي سمعت من مالك في هذا قد أخبرتك به في المسائل الأولى؛ لأن مالكا قال لنا: إذا كانت له أموال مأمونة - ما قد أخبرتك به، فهو إذا أفادها في مرضه - صنعت به حين أفادها في العتق مثل ما كنت أصنع به إذا أعتقه، وله أموال مأمونة.

في رجل أعتق عبدا له في مرضه وبتل عتقه فجرح العبد قبل موت سيده
قلت: أرأيت إن أعتق رجل عبده في مرضه فبتل عتقه فجرح العبد قبل موت سيده؟ قال: عقله عقل عبد إلا أن تكون للسيد أموال مأمونة لا يخاف عليها، مثل الأرضين والدور والنخل، فتكون جراحه جراح حر لأن حرمته قد تمت ههنا، وهذا قول مالك: إنه لا يكون حرا، ولا تكون حرمته حرمة حر حتى تكون هذه الأموال مأمونة لا يخاف عليها وإن كانت كثيرة. قال: والذي قال لنا مالك في المال المأمون: إنه الأرضون

والنخل والدور. قلت: أرأيت لو أني أعتقت عبدا لي في مرضي بتلا، ثم جنى جناية وبرئت من مرضي ذلك أو مت؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك به في المسائل الأول. فإذا كان العبد ممن يوقف إذا كان السيد ممن ليست له أموال مأمونة من الدور والأرضين بحال ما وصفت لك، إن من قتل هذا المعتق في المرض، فإنما عليه قيمة عبد، وجراحه جراحات عبد، وحدوده حدود عبد، فإذا كان بهذه الحالة، فإن العاقلة لا تحمل ما جنى من جنايته، لأن جنايته جناية عبد، لأنه لا تحمل له جريرة حتى يحمل هو مع العاقلة ما لزم العاقلة من الجرائر، فقس على هذا ما يرد عليك من هذه الوجوه. قلت: أرأيت إذا أعتقه السيد في مرضه بتلا فجر جريرة، ثم مات السيد ولا مال له غيره؟ قال: يعتق ثلثه ويرق ثلثاه، ويكون ثلث الجناية على الثلث العتيق، ويقال للورثة: ادفعوا الثلثين أو افتكوه بثلثي الجناية لأن سبيله ههنا سبيل المدبر. قال مالك: والمدبر في مثل ما وصفت لك في هذا سواء.
قلت: فلو أن رجلا أعتق عبده في مرضه بتلا ولا مال للسيد غيره، فجنى العبد جناية بعد ما أعتقه قبل أن يموت سيده؟ قال: يوقف العبد حتى ينظر إلى ما يصير إليه السيد، فإن برأ السيد من مرضه وصح كانت الجناية في ذمة العبد، ويخرج العبد حرا بجميعه، وإن مات السيد من مرضه رق ثلثاه وعتق ثلثه وكانت حاله في الجناية مثل ما وصفت لك في المدبر. قلت: فهل يقال للسيد: إذا أوقفت العبد في العتق المبتل: أسلمه أو افتده؟ قال: لا. قلت: لم؟ قال: لأنه ليس له فيه خدمة ولا رق، وإنما قيل له في المدبر أسلمه أو افده للخدمة التي له فيه؛ لأن له في المدبر الخدمة إلى الموت. قال سحنون: وقال غيره من كبار أصحابنا مثل ما قال: إنه موقوف، لأنه ليس للسيد فيه خدمة فيسلمها. فكل قول تجده له أو لغيره على خلاف هذا فأصله على هذا، فإن هذا أصل قولهم وأحسنه. وقد كان عبد الرحمن ربما قال غير هذا ثم قال هذا وتبين له وثبت عليه. قلت لابن القاسم: أهذه المسائل التي سألتك عنها في العتق، البتل في المرض، أسمعتها من مالك؟ قال: لا، وهذا رأيي. قلت: أرأيت إن أعتقت عبدي في مرضي بتلا ولا مال لي سواه، وللعبد مال كثير، أيؤخذ مال العبد أم يوقف ماله معه؟ قال: يوقف ماله معه. قلت: فإن أوقف معه ماله فجنى جناية ما حال ماله؟ قال: يوقف ماله معه ولا يدفع إلى أولياء الجناية. قلت: ولم أوقفت ماله معه؟ قال: لأنه إن مات السيد، ولا مال له غيره عتق ثلثه وكان عليه ثلث الجناية ورق ثلثاه، فإن اختارت الورثة أن يفتكوا الثلثين بثلثي الدية لم يكن لهم في مال العبد شيء، وكان المال موقوفا مع العبد ليس للورثة أن يأخذوه أيضا، لأنهم إن أسلموا الثلثين إلى أهل الجناية لم يكن لأهل الجناية أن يأخذوا من ماله شيئا، وكان المال موقوفا معه، لأن من دخله شيء من العتق وقف ماله معه، ولم

يكن لساداته الذين لهم بقية الرق فيه أن يأخذوا المال منه ولا شيئا من المال في قول مالك. قال سحنون: وهذه المسألة أصل مذهبهم فلا تعدوها إلى غيرها. قلت: لم أوقف مالك جميع مال العبد معه إذا أعتق منه شقصا؟ لأنه شريك في نفسه، فكل عبد بين اثنين فليس لأحدهما أن يأخذ من مال العبد بقدر نصيبه إلا أن يرضيا جميعا فيأخذا المال.
قلت: فإن كان عبد بين رجلين له مال فقال أحدهما: أنا آخذ حصتي من المال. وأذن له صاحبه وأوقف صاحبه ماله في يد العبد، أيجوز ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه جائزا له؛ لأنها إن كانت هبة منه فهي جائزة، وإن كانت مقاسمة فهي جائزة. قلت: أرأيت إذا باعاه، كيف يصنع هذا الذي ترك نصيبه في يد العبد، وقد اشترط المشتري المال. أيضرب بنصف العبد في الثمن وبقيمة المال الذي ترك في يد عبده ويضرب الآخر بنصف العبد؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأراه بينهما نصفين، لأن المال لا يقع عليه حصة من الثمن والمال ملغى. قلت: أرأيت إن أعتق عبده في مرضه بتلا، وله مال غير مأمون وللعبد مال؟ قال: سبيل هذا العبد سبيل من لا مال له إذا لم يكن للسيد مال مأمون. قلت: أرأيت إن قال: أعتقوا عبدي فلانا بعد موتي، فجنى العبد جناية بعد موته، وقبل أن يعتقوه. أيدفع بالجناية أم تكون الجناية في ذمته؟ قال: هو بمنزلة المدبر. ما جنى بعد ما مات سيده فإنما الجناية فيما لم يحمل الثلث من رقبته في رقبته، وفيما حمل الثلث في ذمته إن خرج من الثلث، وإن لم يحمله الثلث قيل للورثة: ادفعوا ما بقي لكم في العبد بما بقي من الجناية، أو افدوه بأرش ما بقي من الجناية. قلت: فإن قال: اشتروا عبد فلان - يسميه - فأعتقوه عني - لعبد بعينه - فاشتروه فجنى جناية قبل أن يعتقوه بعدما اشتروه؟ قال: هذا والذي أوصى بعتقه سواء، يكون دينا في ذمته. قلت: فإن قال: اشتروا نسمة فأعتقوها عني. ولم يذكر عبدا بعينه. فاشتروا نسمة عن الميت فجنى جناية قبل أن يعتقوه؟ قال: هذا لا يشبه عندي ما ذكرت من الرقبة بعينها، لأن هذا، أن لو أراد الورثة بعدما اشتروه أن لا يعتقوه ويستبدلوا به غيره إذا كان ذلك خيرا للميت كان ذلك لهم. قلت: أتحفظ هذه المسائل كلها عن مالك؟ قال: نعم، منها ما سمعت ومنها ما بلغني عنه.

في الرجل يوصي بخدمة عبده لرجل حياته فيجني العبد جناية
قلت: أرأيت لو أن رجلا أوصى له بخدمة عبد حياته، فجنى العبد جناية. لمن يقال: ادفع أو افد؟ للذين لهم الرقبة أم للموصى له بالخدمة؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل يخدم الرجل عبده سنين معلومة فجرح العبد رجلا جرحا قال: قال مالك يخير سيده الذي له الرقبة، فإن اختار أن يفتديه كان ذلك له، ويستكمل هذا المخدم خدمته، فإذا

قضى الخدمة رجع إلى سيده. وإن أبى قيل للمخدم: إن أحببت أن تفتكه فافتكه، فإن افتكه خدمه، فإن انقضت سنوه لم يكن للسيد إليه سبيل إلا أن يدفع ما افتكه به المخدم، وإلا كان للمخدم بتلا، فمسألتك مثل هذا. قلت: ولم قال مالك: يبدأ بصاحب الرقبة أولا فيقال له: افتكه؟ قال: لأن مرجعه إليه. قلت: أرأيت إن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة وبرقبته لآخر، والثلث يحمله إن جنى جناية، ما يقال لهما؟ قال: يقال لصاحب الخدمة: افتكه، فإن افتكه خدمه إلى الأجل ثم أسلمه إلى الذي بتل له، ولم يكن عليه قليل ولا كثير. فإن أبى قيل لصاحب الرقبة: افتك أو أسلم. فإن افتكه كان له ولم يكن للمخدم فيه شيء، وهذا الذي سمعت وبلغني عن مالك. قال سحنون: قد كان منه في هذا الأصل اختلاف، وأحسن قوله مما جامعه عليه غيره من كبار أصحاب مالك: أنه إذا أخدم رجل عبدا له رجلا سنين، أو أوصى بأن يخدم فلانا سنين ورقبته لآخر، والثلث يحمله، فجنى العبد جناية في يد المخدم بعد الوصية، أو في العطية في صاحب الرقبة، إن العبد جنى يوم جنى، والجناية في رقبته ليس في خدمته، فالمقدم الذي هو بيده للحق الذي له في الخدمة على صاحب الرقبة، وإنه لا سبيل لصاحب الرقبة إليه إلا بعد تمام الخدمة، فيقال له: أتفتك أو تسلم ما كان لك فيه مما أنت المقدم فيه. فإن أسلم سقط حقه وقيل لصاحب الرقبة: أسلم أو افتك، فإن أسلمه صار لصاحب الجناية. وإن افتكه صار له وبطل حق المخدم لتركه إياه، وإن كان صاحب الخدمة افتكه بالجناية اختدمه، فإذا تمت خدمته لم يكن لصاحب الرقبة إليه سبيل حتى يعطيه ما افتكه به، لأنه إنما افتك الرقبة، والجناية في الرقبة. فإن لم يعطه ما افتكه به صار مملوكا للذي افتكه وصار موقفه موقف المجني عليه. فكل ما جاءك من هذا الأصل فرده إلى ما أعلمتك فإنه أصح مذهبهم، وقد أعلمتك بمجامعة غيره عليه له. قلت: أرأيت إن أوصى رجل لرجل بخدمة عبده سنة وبرقبته لآخر والثلث يحمله، فمات السيد وقبضه صاحب الخدمة فقتله رجل خطأ فأخرج قيمته، لمن تكون القيمة؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: قيمته للذي أوصى له برقبته بتلا وهو رأيي. قال سحنون: وقال بعض أصحابنا: إن قيمة العبد المخدم تؤخذ من القاتل ويشترى بها رقبة فتدفع إلى المخدم تختدمه حتى ينقضي الأمد الذي إليه أخدم العبد، ثم يرجع العبد إلى الذي أوصى له بالرقبة. قال بعضهم: بل يؤاجر بقيمة العبد المقتول للمخدم عبد يخدمه إلى انقضاء السنين، فإن بقي من القيمة شيء بعد انقضاء السنين دفع إلى الموصى له بالرقبة، وهو قول مالك وبه يقول سحنون.

فيمن أوصى بخدمة عبده سنين فقتل العبد أو جرح قبل انقضائها
قلت: أرأيت لو أن رجلا أوصى لرجل بخدمة عبده سنين معلومة، فقتل العبد قبل

انقضاء السنين فأخذ قيمته، كيف يصنع بالقيمة؟ قال: قال مالك: القيمة للذي له الرقبة وليس للموصى له بالخدمة شيء. وكذلك لو قطعت يده فأخذ لها دية، فإنما ذلك للذي له الرقبة وليس للموصى له بالخدمة شيء. قال سحنون: أما مالك فهذا قوله لم يزل، واختلف فيه أصحابه. فكل ما سمعت خلاف هذا فرده إلى هذا فهو أصل مذهبهم مع ثبوت مالك عليه.

في جناية المعتق إلى أجل
قلت: أرأيت المعتق إلى سنين إذا جنى جناية. ما يقال لسيده في قول مالك؟ قال: يقال لسيده: ادفع خدمته أو افتد الخدمة. فإن دفع الخدمة خدم، حتى إذا حل الأجل عتق العبد، ونظر إلى ما بقي من أرش الجناية فيكون ذلك على العبد إذا عتق. وإن كان قد استوفى قيمة جنايته من الخدمة قبل أجل العتق، رجع العبد إلى سيده. فإذا حل الأجل عتق العبد، وإن افتكه سيده خدمه بقية الأجل ثم عتق، ولم يتبعه السيد بشيء مما افتكه به من أرش الجناية.

في المدبر يجني على رجل فيدفع إليه يختدمه ثم يجني على آخر
قال: وقال مالك: في المدبر إذا جنى فأسلمه سيده إلى الذي جرحه يختدمه، ثم جرح آخر، وهو عند الذي أخذه يختدمه دخل معه بقدر جنايته يتحاصون في خدمته، هذا بقدر ما بقي له من جنايته، وهذا بجميع جنايته، وليس يخير صاحب المدبر، ولا من أسلم إليه المدبر يختدمه في جنايته كما كان يخير في العبد. من أخذه بجريرته ليس إسلامه خدمة المدبر في جنايته بمنزلة إسلام رقبة العبد المدبر، كلما جنى يدخلون جميعهم في خدمته، والعبد كلما جنى يدفع بجنايته، ثم ما جنى بعد ذلك فإنه يدفع بجنايته أيضا، لأن العبد إذا أسلم إلى المجروح كان مالا من ماله إن شاء باع وإن شاء وهب. قال ابن وهب وابن نافع: وقال مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة في المدبرة: إنها إذا جنت فإن سيدها بالخيار إن شاء أن يخرج ما جنت فيفتدي بذلك خدمتها فعل، وإن هو لم يفعل أسلمت بجنايتها فخدمت وحسب ذلك. فإن أدت جنايتها رجعت إلى سيدها الذي دبرها، فإن مات سيدها فعتقت من ثلثه كان ما بقي من جنايتها دينا عليها. قال مالك وعبد العزيز: قضى بذلك عمر بن عبد العزيز ابن وهب قال مالك وعبد العزيز: وإن أدركها دين يرقها إذا مات سيدها. فالذي جرحت أحق بها إلا أن يفتدوها بما بقي من جراحه إذا كان الدين والجرح يغترق القيمة، فإن لم يغترق القيمة بيع منها للجناية وللدين، ثم عتق ثلث ما بقي.

في جناية المدبر، وله مال وعليه دين
قلت: أرأيت المدبر إذا جنى جناية وله مال؟ قال: قال مالك: يبدأ بماله فيعطاه أهل الجناية، فإن لم يكن فيه وفاء قيل للسيد: أسلم خدمته أو افتد الخدمة بما بقي من أرش الجناية. قلت: فإن كان عليه مع هذا دين؟ قال: قال مالك في العبد يجني جناية وعليه دين، إن دينه أولى بماله وجنايته في رقبته يقال للسيد: ادفع أو افد. فكذلك المدبر دينه أولى بماله وجنايته أولى بخدمته. قلت: أرأيت لو أن مدبرا جنى جناية وعليه دين قال: فالجناية يدفع بها في خدمته - في قول مالك - والدين يتبعه في ذمته. قلت: فلو أن مدبرا مات سيده وعلى السيد دين يستغرق قيمة المدبر وعلى المدبر دين؟ قال: قال مالك: يباع في دين سيده، ويكون دينه في ذمته أو في ماله إن كان له مال، أو يتبع به في ذمته إن لم يكن له مال.

في المدبر يجني جناية وعلى سيده دين يغترق قيمة المدبر أو لا يغترقها
قلت: أرأيت مدبرا جنى جناية وسيده حي لم يمت وعلى السيد دين يغترق قيمة المدبر أو لا يغترق قيمته؟ قال: يدفع إلى صاحب الجناية فيختدمه بقدر جنايته إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه قدر الجناية، ويأخذوا العبد المدبر فيؤاجروه لأنفسهم حتى يوفي دينهم، فإن لم يأخذه الغرماء، وأسلم إلى أولياء الجناية ثم مات السيد، فإنه يصنع في أمره كما إذا كان عليه من الدين، وفي رقبته من الجناية ما يستغرق رقبة المدبر، فقد تسلط البيع على المدبر بعد الموت، لأن التدبير وصية ولا تكون الوصية مع الدين. فالدين يرد التدبير، والجناية أولى من الدين، لأنها في رقبة المدبر إلا أن يزيد أهل الدين على أرش الجناية فيحط ذلك عن الميت فيكونون أولى بالعبد، لأن أهل الجناية إذا استوفوا جنايتهم فلا حجة لهم. قال سحنون: فيكون لهم نماؤه وعليهم نقصانه، وليس للميت من نمائه ولا نقصانه شيء. والعبد رقيق للغرماء إذا زاد على الجناية زيادة يحط بها عن دين الميت. قلت: فلو أن رجلا لا مال له، وعليه دين وله مدبر، فأراد الغرماء أن يأخذوا المدبر فيؤاجروه حتى يستوفوا دينهم؟ قال: ذلك لهم في قول مالك. قلت: أرأيت عبدا دبره سيده، ثم لحق السيد دين يستغرق قيمة المدبر فجنى المدبر جناية ثم مات السيد؟ قال: قال مالك: إن كان الدين يستغرق قيمة العبد المدبر فإنه يقال للغرماء: أهل الجناية أولى منكم، لأن الجناية في رقبة العبد إلا أن تزيدوا على قيمة الجناية فتأخذوه، ويحط عن الميت بقدر الذي زدتم فذلك لكم. وإن أبوا فالجناية أولى، يبدأ بها في العبد. وإن كان إذا بيع من المدبر قدر جنايته وقدر الدين بعد ذلك، ففضل منه فضل،

بيع منه قدر الجناية، ويبدأ بها فيعطى صاحب الجناية حقه، ثم يباع لأهل الدين فيعطون حقوقهم، ثم يعتق من المدبر ثلث ما بقي بعد ذلك، ويكون ثلثا ما بقي بعد ذلك رقيقا. للورثة. قلت: أرأيت إن كان العبد إذا بيع منه مقدار الجناية، ثم بيع منه مقدار الدين أتى ذلك على جميع قيمته ولم يفضل منه فضلة بعد ذلك؟ قال: فأصحاب الجناية أولى به إذا لم يكن فيه فضل إلا أن يزيد أهل الدين على حال ما وصفت لك، وإنما يباع منه لأهل الجناية ثم لأهل الدين إذا كان فيه فضل يعتق، لأنه لو كانت الجناية وحدها ولا دين على سيده عتق ثلثه وكان ثلثاه للورثة رقيقا، ثم خير الورثة في ثلثيهم بين أن يسلموه أو يفتدوه بثلثي الدية. ولو كان على سيده دين أقل من قيمة رقبته، ولم يكن في رقبته جناية، بيع منه قدر الدين ثم عتق منه ثلث ما بقي بعد ذلك الدين، وكان الثلثان رقيقا للورثة. فلما اجتمعت الجناية والدين جميعا وكان فيهما ما يغترق قيمته، كان صاحب الجناية أولى. فأما إذا كان في قيمته فضل عما يجب لهم جميعا فعل به الذي فسرت لك، لأن كل واحدة منهما لو حلت به كان فيه العتق.

في المدبر يجني على سيده
قلت: أرأيت مدبرا جنى على سيده فقطع يد سيده؟ قال: يختدمه سيده في الجناية. قلت: أوليس قد كان يختدمه قبل الجناية؟ قال: أخبرني عبد الحكم بن أعين أنه سأل مالكا عنها فقال مالك: يختدمه ويقضي له في ذلك من الجناية وبطلت خدمة التدبير، لأنه قد حدثت خدمة هي أولى من الخدمة الأولى، لأنه يختدمه في الجناية حتى يستوفي جنايته. فإن مات وبقي على المدبر من الجناية شيء، فإنه يعتق منه مبلغ ثلث مال الميت، فإن حمل ثلث مال الميت جميعه كان ما بقي من الجناية في ذمته. وإن أعتق ثلثاه أتبع ثلثي الجناية وتسقط بقيمتها لأنه رقيق لهم. قلت: فما له حين جنى على السيد لم تبطل جنايته على سيده وهو عبد لسيده، وحين ورث ورثته الذي صار لهم من العبد بطلت الجناية عن الذي صار لهم من العبد؟ قال: لأن السيد حين جنى عليه مدبره كان فيه عتق، وحين صار للورثة نصفه رجع الذي ورثوا منه رقيقا لا عتق فيه وسقطت الجناية عن الذي ورث منه، وما عتق منه كان فيه من الجناية بقدر ذلك يتبع به. ألا ترى لو أن عبدا جنى جناية على سيده لم يكن لسيده عليه شيء، لأنه لا عتق فيه. وإنما جعل ذلك في المدبر لأن الجناية أولى من الخدمة، فلا ينبغي أن يختدمه سيده بالجناية ثم يعتق ويتبعونه بجميع الجناية وهو رأيي. قال سحنون: وقال غيره: لا يختدمه السيد بجنايته لأن له عظم رقبته. ألا ترى أنه إذا جنى جناية على أجنبي ثم افتكه سيده، أنه لا يختدمه بما افتكه به ولا يحاسبه به. فالجناية على السيد أولى أن لا يحاسب بها الذي لم

يجرح فيها شيء، وقد كان المجروح لو لم يفتكه منه اختدمه. فإن لم يستوف حتى مات السيد وعتق المدبر في الثلث، فإنه يتبع المدبر في ذمته بما بقي منه فلم يحل السيد حين افتك المدبر محل المجروح ولم ينزل منزلته، فكذلك لا يكون ما جرح السيد مثل ما جرح الأجنبي. قلت لابن القاسم: أرأيت المدبر إذا جنى على سيده وعلى أجنبي؟ قال: يختدمانه بقدر جنايتهما. وذلك أن مالكا قال: إن جنى على سيده فذلك لازم له، وإن جنى على أجنبي فذلك لازم له. فلما ألزمه مالك الجنايتين ألزمته إياهما إذا اجتمعتا عليه. قلت فلم لا يلزم عبدي ما جنى علي؟ قال: لأن عبدك ليس فيه عتق، والمدبر فيه عتق. قال سحنون: وهذه مثل الأولى.

في المدبر ورجل حر يجنيان جناية خطأ
قلت: أرأيت لو أن مدبرا ورجلا حرا قتلا قتيلا خطأ؟ قال: يلزم المدبر نصف الدية في خدمته ونصف الدية على عاقلة الرجل الحر، وهذا قول مالك ابن نافع عن ابن أبي الزناد أن أباه حدثه عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار مع مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل، وربما اختلفوا في الشيء فآخذ بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا، فكان الذي وعيت عنهم على هذه الصفة أنهم كانوا يقولون في المدبر يجرح: إنه يخير سيده بين أن يسلم ما يملك منه من الخدمة وبين أن يفتكه بدية الجرح. فإن أسلمه اختدمه المجروح وقاصه بجراحه في خدمته، فإن أدى إليه دية جرحه في خدمته قبل أن يموت سيده رجع إلى سيده على ما كان عليه، وإن مات سيده قبل أن يستوفي المجروح دية جرحه عتق المدبر، وكان ما بقي من دية الجرح دينا عليه يتبعه به المجروح. قال: وقال مالك: إنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى في المدبر إذا جرح، أن سيده يسلم ما يملك منه إلى المجروح فيختدمه المجروح ويقاصه بجراحه من دية جرحه، فإن أدى قبل أن يتوفى سيده ورجع إلى سيده. أشهب عن المنذر بن عبد الله الخزامي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: إذا جرح المدبر جرحا أو قتل خطأ أخذ من سيده فآجره الذي له العقل حتى يستوفي عقله، فإن مات سيد المدبر وعتق ولم يستوف صاحب العقل عقله، كتب عليه ما بقي من العقل دينا، وإن استوفى صاحب العقل عقله - والسيد حي - رجع المدبر إلى سيده فكانت له خدمته حتى يموت. قال المنذر: قلت لعبد العزيز: من أين رأى هذا عمر؟ فقال: رآه لأنه لا يؤخذ من السيد إلا ماله فيه إذ لو كان عبدا ما كان على السيد أن يؤخذ منه إلا هو، فإذا لم يكن له الأخذ منه فليس عليه أن يؤخذ منه غيرها.

في المدبر يقتل عمداً فيعفى عنه على أن يأخذوا خدمته
قلت: أرأيت المدبر إذا قتل عمدا فعفا أولياء القتل على أن يأخذوا خدمته، أيكون ذلك لهم؟ قال: نعم إلا أن يفتدي السيد خدمته بجميع الجناية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في العبد ما أخبرتك، وخدمة المدبر عندي بمنزلة رقبة العبد. قلت: أرأيت المدبر يقتل أجنبيا عمدا، أيكون لأولياء القتيل الأجنبي أن يستحيوه على أن يأخذوه؟ قال: لا، ولكن لهم أن يستحيوه ويأخذوا خدمته. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في المدبر يجني جناية ثم يعتقه سيده
قلت: أرأيت المدبر إذا جنى جناية فأعتقه سيده، أيجوز عتقه وتكون الجناية في ذمته يتبع بها؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن يحلف السيد ما أعتقه وهو يريد أن يحمل عنه الجناية، وهو عندي مثل العبد إن كان حين أعتقه أراد أن يضمن الجناية، وإلا حلف بالله ما أعتقه، وهو يريد أن يضمن عنه الجناية. فإن حلف ردت خدمة المدبر وخير بين أن يسلمه أو يفتديه مدبرا، فإن أسلمه وكان للمدبر مال أخذ من المدبر المال فأعطي المجروح، ثم خرج حرا إذا كان في مال المدبر وفاء بجنايته، وإن لم يكن في ماله وفاء بجنايته أخذ منه ما كان له وخدم المجروح بما بقي له، ثم يخرج حرا وإن لم يكن له مال اختدمه المجروح، فإن أدى إليه عقل جرحه - والسيد حي - خرج المدبر حرا، وإن مات السيد قبل أن يستوفي المجروح عقل جرحه وترك مالا يخرج المدبر من ثلثه عتق وأتبعه المجروح بما بقي عليه من الجناية، وإن لم يترك مالا إلا المدبر وحده عتق ثلثه وأتبعه بثلث ما بقي من الجناية سحنون: فإن كان ما بقي من رقبته مثل ما بقي من الجناية، كان ثلثاه رقيقا للمجروح، لأنه أسلمه حين كان له الخيار، وليس للورثة فيه شيء لأن صاحبه قد تبرأ منه وأعتقه. فإن لم يحلف السيد أنه ما أعتقه وهو يريد أن يحمل جنايته، جاز عتق العبد وكانت الجناية على السيد إن كان للسيد مال فيه وفاء بجنايته، فإن لم يكن له مال رد عتق العبد وأسلم العبد إلى المجروح يختدمه فإن أدى في حياة سيده عتق ولم يلحقه دين إن استحدثه السيد إذا انقضت خدمة المجروح، لأن الذي رد عتق العبد من أجله ليس هو هذا الدين، وإن لم يؤد حتى مات السيد وعليه دين يستغرق قيمة المدبر من دين استحدثه بعد عتقه في الجناية عتق ثلث المدبر وكان عليه ثلث ما بقي من الجناية في ذمته، فإن كان ما بقي من رقبته مثل ما بقي من الجناية كان مملوكا للذي جرحه، وإن كان الذي بقي من رقبته أكثر مما بقي من أرش الجناية، فكان له أحد من قرابته أو غيرهم يعينه بأرش الجناية الذي على الثلثين عتق، وإلا بيع من ثلثي رقبته

بقدر ما بقي من الجناية وعتق منه ما بقي. قال سحنون: وقال غيره: يصير الثلثان رقيقا للمجروح - وجد من يعينه أو لم يجد - وكان ما بقي مما يصير على ثلثي الرقبة من الجناية أقل من ثلثي الرقبة أو لم يكن. فذلك رقيق للمجروح قال ابن القاسم: وإن مات سيده وله مال عتق وأتبع مما بقي من الجناية، وإن كان يخرج من ثلث سيده وإن لم يترك السيد مالا غيره، عتق ثلثه ورق ثلثاه للمجروح بتلا. وإن كان دين السيد قبل العتق وقبل الجناية فهو بمنزلة المدبر الذي لم يعجل له عتق سواء، لأن ذلك العتق ليس بشيء وليس بعتق حين كان على السيد دين يستغرقه. وقال غيره: إذا كان عتقه إنما هو بالثلث فالدين المستحدث يرد الثلث، وإن كان عتقه قبل الثلث، والعتق المستحدث بعد العتق لا يضره له. قلت: أرأيت عبدا بين رجلين دبر أحدهما نصيبه فرضي صاحبه بذلك، أيكون نصفه مدبرا على حاله ونصفه رقيقا؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: كذلك بلغني أن مالكا قال: إنما الكلام فيه للذي لم يدبر، فإذا رضي فذلك جائز. قلت: أرأيت إن جنى جناية؟ قال: يقال للمتمسك بالرق: أتدفع نصيبك في نصف الجناية أم تفتدي؟ ويقال للمدبر: أتدفع خدمة نصف العبد في نصف الجناية أو تفدي؟.

فيما استهلك المدبر
.
قلت: أرأيت ما استهلك المدبر من الأموال، أيكون ذلك في خدمته؟ قال: قال مالك: ما استهلك العبد من الأموال فذلك في رقبته، فالمدبر بمنزلته إلا أن ذلك يكون في خدمته لأن استهلاك الأموال - عند مالك - والجنايات سواء. قلت: أرأيت ما استهلك المدبر من الأموال أو جنى، أهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم قلت: وما يقال للسيد في قول مالك في ذلك؟ قال: يقال له في قول مالك: ادفع إليهم جنايتهم وما استهلك من أموالهم، أو ادفع إليهم خدمته. فتكون جنايتهم وما استهلك من أموالهم في خدمته يتحاصون في ذلك، فإذا مات السيد، فإن حمله الثلث عتق وكان ما بقي لهم عليه دينا يتبعونه به، وإن لم يحمله الثلث فضت الجنايات وما استهلك من الأموال على الذي عتق منه وعلى الذي بقي منه في الرق. فما أصاب العتق من ذلك أتبعوا به العبد، وما أصاب الرق من ذلك خير الورثة بين أن يسلموا ما رق من العبد في الذي أصاب حصة الرق من الجنايات وما استهلك من الأموال، وفي أن يدفعوا إليهم قدر ما أصاب الرق من ذلك، إن كان نصفا فنصف، وإن كان ثلثا فثلث، وهذا كله قول مالك.

في المدبرة تجني جناية، ولها مال
قلت: أرأيت المدبرة إذا جنت ولها مال ما يصنع بمالها؟ قال: يؤخذ مالها في قول مالك، فإن كان فيه وفاء بالجناية رجعت إلى سيدها وإلا خدمته بقية أرش الجناية.

في الجناية على المدبر
قلت: أرأيت ما جنى على المدبر، لمن هو في قول مالك؟ قال: للسيد، كذلك قال مالك. قلت: ولا يكون هذا بمنزلة ماله في قول مالك؟ قال: لا. قلت: لم قلت في مهر المدبرة: إنه بمنزلة مالها وجعلتها أحق به إن مات السيد من الورثة؟ قال: لأنه استحل به فرج الأمة. قال: ومما يدلك على ذلك لو أن رجلا زوج عبده أمته لم يزوجها إلا بصداق يدفع إليها.

في مدبر الذمي يجني جناية
قلت: أرأيت مدبر الذمي جنى جناية؟ قال: إذا كان السيد والعبد ذميين جميعا فإنه يخير سيده النصراني، فإن أحب أن يسلمه عبدا أسلمه وكان عبدا لمن جنى عليه، وهذا قول مالك، لأن النصراني لو أراد بيعه لم يحل بينه وبين ذلك ولم يمنع، لأنه قال في عبده الذي أعتق: إذا لم يخرجه من يديه فله أن يبيعه، وكذلك المدبر، وإن افتداه فهو على تدبيره، ولكن إن أسلم مدبر الذمي ثم جنى جناية، فإنه يسلم خدمته - في قول مالك - أو يفتكه منه الذمي فيؤاجر له. قلت: ولم قلت هذا: إنه يؤاجر للذمي إذا افتكه أو يسلم خدمته؟ قال: لأنه إذا أسلم مدبر الذمي، فإني أحكم بين المسلمين والنصارى بحكم الإسلام. فلما أسلم العبد كانت سنته سنة مدبر المسلمين إلا أنه يؤاجر للسيد، ولا يترك وخدمته. قلت: ولا تعتقه عليه؟ قال: لا، ألا ترى لو أن نصرانيا حلف بعتق رقيقه فأسلم، ثم حنث لم يعتق عليه رقيقه الذي حلف بعتقهم في نصرانيته في قول مالك؟ قال: قال مالك: هو بمنزلة طلاقه. قلت: فإن حلف بعتق رقيقه وفيهم مسلمون فحنث، أكنت تعتقهم عليه؟ قال: نعم، لأن مالكا قال: إذا أعتق النصراني عبده المسلم لزمه ذلك، فالحنث عندي بمنزلته، وكذا إذا دبر النصراني عبده النصراني ثم أسلم العبد أنفذت تدبيره.

في مدبر النصراني يسلم ثم يجرح أو يقتل
قلت: أرأيت مدبر النصراني إذا أسلم - وسيده نصراني - فقتل أو جرح هذا المدبر، لمن يكون عقله؟ قال: لسيده النصراني. قال: وهذا رأيي لأن العبد لو مات كان ماله لسيده.

في أم الولد تجرح رجلا بعد رجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا قتلت أم ولده رجلا خطأ فلم يدفع قيمتها حتى قتلت رجلا آخر خطأ؟ قال: يدفع قيمتها فيكون ذلك بينهما نصفين، وهذا قول مالك فيما بلغني. قلت: فإن كان دفع قيمتها ثم قتلت آخر خطأ؟ قال: يخرج قيمتها ثانية فيدفعها

في أم الولد تقتل رجلا عمدا فيعفو عنها أولياء العمد على أن يأخذوا القيمة
قلت: أرأيت أم الولد قتلت رجلا عمدا، فعفا أولياء الدم عن أم الولد على أن

يأخذوا القيمة من السيد؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى لهم على السيد شيئا إذا أبى ذلك، لأن مالكا قال في الحر إذا عفي عنه على أن يتبعوه بالجناية فأبى، فإن ذلك له، فإن أحبوا أن يقتلوه قتلوه، وإن أحبوا أن يعفوا عنه عفوا، وهذا عندي بمنزلة مسألتك. قلت: فإن عفوا عن أم الولد على أن يأخذوا قيمتها من السيد، فأبى السيد أن يدفع لهم القيمة، أيكون لهم أن يقتلوها في قول مالك أم لا؟ قال: لا أحفظ قول مالك فيها، وأرى لهم أن يقتلوها؛ لأنهم إنما عفوا على أن يعطي السيد قيمتها، فلما لم يفعل رجعوا على حقوقهم من الدم. قال ابن القاسم: ألا ترى إلى قول مالك في الذين عفوا عن القاتل على أن يدفع إليهم الدية فأبى أن لهم أن يقتلوه. قال سحنون: وقال غيره: ليس أم الولد كالحر، إنما حكمها حكم العبد. فعلى السيد أن يخرج الأقل من قيمتها أو أرش الجناية. قال سحنون: وغير أشهب أيضا يقوله وهو رأيي سحنون: وكان أشهب يقول في الحر: إن الدية تلزمه على ما أحب أو كره ولا يقتل.

في أم الولد أو المدبرة تجرح رجلاً عمداً فيعفوا أولياء الدم على أن يكون لهم رقبتها
في أم الولد أو المدبرة تجرح رجلا عمدا فيعفو أولياء الدم على أن يكون لهم رقبتها
قلت: فإن جنت أم الولد أو المدبرة جناية عمدا، ثم عفا أولياء الدم على أن يكون لهم رقبة المدبرة أو أم الولد، لم يكن لهم ذلك، وإن رضي السيد، لأن السيد لا يقدر على أن يدفع رقبة المدبر في جنايته، ولا رقبة أم الولد؟ قال: نعم، وهذا قول مالك قال ابن القاسم إلا أن المدبر إذا مات سيده ولم يترك مالا غيره، فقد وصفت لك قول مالك فيه. قلت: أرأيت المدبر إذا قتل عمدا، فعفا أولياء القتيل على أن يأخذوا خدمته، أيكون ذلك لهم؟ قال: نعم إلا أن يفتدي السيد خدمته بجميع الجناية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: قال مالك في العبد ما أخبرتك، وخدمة العبد المدبر عندي بمنزلة العبد.

في أم الولد تقتل رجلا خطأ ثم تلد بعدما جرحت
قلت: أرأيت أم الولد إذا قتلت قتيلا خطأ فولدت بعدما قتلت، ثم قام ولي الجناية، أيكون على السيد أن يخرج قيمتها وقيمة ولدها أو قيمتها وحدها؟ قال: قد أخبرتك بقول مالك في الأمة وولدها والذي بلغني عنه. وهذا عندي مثل الأمة وولدها، إنه ليس على السيد إلا قيمة الأم.

في أم الولد تجني جناية ثم تموت أو يموت سيدها قبل أن يحكم عليه
قلت: أرأيت أم الولد إذا جنت جناية فماتت قبل أن يحكم على سيدها، أيكون على السيد شيء أم لا؟ قال: لا يكون على السيد من ذلك شيء. قلت: أرأيت ما جنت أم الولد من جناية فمات السيد ولا مال له، أيكون على أم الولد من ذلك شيء أم لا؟ قال: قال مالك: لا شيء على أم الولد من ذلك. قلت: وكذلك ما غصبت من الأموال؟ قال: نعم، مثل قول مالك في الجنايات، إنه لا شيء على أم الولد إذا مات سيدها ولم يدع مالا إنما ذلك شيء وجب على السيد. فإن أصابوا للسيد شيئا اقتضوا حقوقهم منه، وإلا فلا شيء لهم على أم الولد. قال سحنون: إذا مات السيد ولم يحكم عليه وإنما قيم عليها بعد موته فلا شيء على السيد، ولا في ماله، وكان ذلك على أم الولد إن كان لها مال وإلا أتبعت به. قال سحنون: وقد قاله لي ابن القاسم لفظا. قال سحنون: فالجناية والغصب واحد. وقال غيره: إنما ذلك إذا قاموا على السيد وهو حي وإلا فلا شيء لهم عليه. ألا ترى أنه إنما يكون على السيد يوم يقام عليه وهي عنده، فلو قاموا وقد ماتت لم يكن لهم عليه شيء. فكذلك إذا مات قبل أن يقوموا فلا شيء عليه، وعليها هي إذا قاموا بعد الموت لأنها هي الجانية فذلك عليها.

في إخراج قيمة أم الولد بأمر القاضي أو بغير أمره
قلت: أرأيت السيد إذا أخرج قيمة أم الولد، إن كان أخرجها بأمر القاضي أو بغير أمر القاضي، أهو سواء؟ قال: نعم، هو عندي سواء ولم أسمعه من مالك، ولم يقل لنا مالك بأمر القاضي أو بغير أمر القاضي، وذلك عندنا كله سواء. قلت: وكيف يخرج السيد قيمة أم الولد؟ قال: قال مالك: يخرج قيمتها أمة. قلت: أقيمة أم الولد أم قيمة أمة؟ قال: بل قيمة أمة إن لو كانت تباع ليس قيمتها أم ولد. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أتقوم بمالها أم بغير مالها؟ قال: بل تقوم بغير مالها. قال: وكذلك بلغني عن مالك أنها تقوم بغير مالها سحنون: ومن أصحابنا من يقول: تقوم بمالها وأشهب يقول: إنما تقوم بغير مالها.

في إلزام أم الولد ما وطئت بدابتها أو حفرت حيث لا ينبغي لها
قلت: أرأيت أم الولد ما أصابت بيدها أو وطئت بدابتها أو حفرت حيث لا ينبغي لها فعطب بذلك أحد، أيكون جميع ذلك على السيد؟ قال: نعم قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا جنت أم الولد فذلك على السيد يخرج قيمتها أو يخرج الأقل منها، فهذا كله جناية عند مالك من العبيد، فهو من أمهات الأولاد جناية أيضا عندي.

في أم الولد تجني جناية، وعلى سيدها دين
قلت: أرأيت أم الولد إذا جنت وعلى السيد دين، أيتحاصون في مال السيد الذي جنت عليهم أم الولد وغرماء السيد؟ قال: نعم، ولا أقوم على حفظه عن مالك وهو رأيي، لأن مالكا قال: ما جنى الرجل الحر فأهل جنايته وأهل دينه يتحاصون في ماله، فكذلك أم الولد.

في الجناية على أم الولد والمدبر والمدبرة والمكاتبة
قلت: أرأيت جراحات أم الولد إذا جني عليها، لمن تكون؟ قال للسيد، وكذلك المدبرة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أن رجلا غصب أمة رجل نفسها، أو أم ولد رجل غصبها نفسها، أيجعل على الغاصب الصداق في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل من غصب حرة أو أمة أو أم ولد أو مدبرة أو مكاتبة فعليه صداقها إن كانت حرة، وإن كانت أمة فعليه ما نقصها. وإن كانت أم ولد أو مكاتبة أو مدبرة فإنما هن محمل الإماء عند مالك، عليه ما نقصها. قلت: أرأيت ما جعلت على هذا الغاصب من نقصان أم الولد أو المدبرة أو المكاتبة، لمن تجعله أللسيد أم لها في قول مالك؟ قال: للسيد إلا في المكاتبة؛ لأن أم الولد لو جني عليها جناية كل ذلك لسيدها عند مالك، وكذلك المدبرة لو جني عليها لكان لسيدها عند مالك. فكذلك هذا الذي نقصها من وطء هذا الغاصب إنما يحمل محمل الجناية عليها، فيكون ذلك للسيد. فإن كانت مكاتبة أخذه سيدها وقاصها به في آخر نجومها. وكذلك قال لي مالك فيما جني على المكاتبة، إن سيدها يأخذه ويقاصها فيما أخذ في آخر نجم من كتابتها. وكذلك المكاتب في الجناية إذا جني عليه، وإنما جعل مالك لسيد المكاتب أخذ ما جني عليه، لأنه يخاف عليه استهلاكه فيرجع معيبا إلى سيده، وقد أتلف ما أخذ من أرش جنايته. قال: وقال لي مالك في المدبر إذا قتل أو جرح أو أصابه ما يكون لذلك عقل، فإن ذلك يقوم قيمة عبد ولا يقوم قيمة مدبر. وكذلك قال مالك في أم الولد، وكذلك قال مالك في المعتقة إلى سنين. قال: وقال مالك في الأمة إذا غصبها رجل نفسها فلم ينقصها ذلك: إنه لا شيء على الغاصب إلا الحد. قال: وكذلك أم الولد والمدبرة والمكاتبة مثل ما قال مالك في الأمة، لأن مالكا قال: جراح أم الولد والمدبرة والمكاتبة جراح أمة، فكذلك هي في كل حالاتها يكون على غاصبهن ما يكون على غاصب الأمة سحنون عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال في عبد افتض أمة فذهب بعذرتها. قال يغرم لأهلها ما بين ثمنها بكرا وثمنها ثيبا. وقال أبو الزناد: رأيت عبدا أسود افتض جارية حرة في عهد أبان بن عثمان فقضى أبان بالعبد للجارية.

في جناية أم الولد على سيدها والمعتق إلى سنين والمدبر
قلت: أرأيت أم الولد إذا جنت على سيدها، ما قول مالك في ذلك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك، ولا أرى عليها شيئا. قلت: فالمعتق إلى سنين إذا جنى على سيده؟ قال: سبيله عندي سبيل ما وصفت لك في المدبر، ولم أسمعه منه. قلت: أرأيت المدبر إذا جنى على سيده وعلى أجنبي؟ قال: يختدمانه بقدر جنايتهما، وذلك أن مالكا قال: إن جنى على سيده فذلك لازم له وإن جنى على أجنبي فذلك لازم له، فلما ألزمه مالك الجنايتين ألزمته إياهما إذا اجتمعتا عليه. قلت: فلم لا يلزم عبدي ما جنى علي؟ قال: لأن عبدك ليس فيه عتق والمدبر فيه عتق. قلت: فأم الولد فيها عتق، فما تقول في جنايتها على سيدها؟ قال: أم الولد ليست عندي بمنزلة المدبر. ألا ترى أن أم الولد إذا جنت على أجنبي إنما يلزم السيد جنايتها، والمدبر لا يلزم السيد جنايته، إنما يكون ذلك في خدمته، وما بقي ففي ذمته إذا عتق. قال سحنون: وقد بينا أمر المدبر.

فيما استهلكت أم الولد وما جنت
قلت: أرأيت ما استهلكت أم الولد من الأموال، وما جنت، أهو سواء عند مالك يكون ذلك على سيدها؟ قال: نعم. قلت: أرأيت ما استهلكت من الأموال أم الولد فكان أكثر من قيمتها، أو جنت جناية تكون أكثر من قيمتها، أيكون الفضل على سيدها أم لا في قول مالك؟ قال: لا يكون على السيد إلا قيمتها، لأن مالكا قال في جناية أم الولد إذا كانت أكثر من قيمتها: لم يلزم السيد إلا قيمتها لأنها لو كانت أمة إنما كان على السيد أن يسلمها، فإذا أخرج قيمتها فكأنه قد أسلمها. قلت: فهل يكون على أم الولد الفضل إذا أعتقت؟ قال: لا، ليس عليها شيء لأنها لو كانت أمة أسلمت ولم يكن عليها إن أسلمت ثم أعتقت يوما فضل الجناية، فكذلك أم الولد إذا أسلم قيمتها، فكأنها قد أسلمت فلا شيء عليها من الفضل. قلت: أرأيت ما استهلكت أم الولد من الأموال - غصبته أو اختلسته - أيكون ذلك في ذمتها أو في رقبتها؟ ويقال للسيد: أخرج قيمتها إلا أن يكون ما وجب في رقبتها من ذلك أقل من قيمتها في قول مالك؟ قال: ذلك في رقبتها - عند مالك - على السيد يقال له: أخرج قيمتها إلا أن يكون ذلك أقل من قيمتها فيخرج الأقل وهذا وجنايتها عند مالك سواء.

في جناية ولد أم الولد
قلت: فإن جنى ولد أم الولد جناية، أيقال للسيد: أخرج قيمته أيضا؟ قال: لا

في جناية أم ولد الذمي
قلت: أرأيت أم ولد الذمي إذا جنت، ما القول فيها؟ قال: أرى أن يعرض عليه أن يفتكها بقيمتها إذا كانت الجناية أكثر من قيمتها، وإن كانت أقل لم يكن عليه إلا الذي هو أدنى، فإن أبى أسلمها بجنايتها، وكانت أمة للذي أسلمت إليه، لأنه لو باعها لم أمنعه من بيعها. قلت: وتكون رقيقا للذي أسلمت إليه وللذي اشتراها من الذمي؟ قال: نعم. قلت: ويحل له وطؤها؟ قال: نعم، إذا كانت له ملكا حل له وطؤها.

في دين أم الولد
قلت: أرأيت إن أذن لأم ولده في التجارة، فتجرت فلحقها دين يستغرق قيمتها، أيكون ذلك على السيد أم في ذمتها في قول مالك؟ قال: قال مالك: في العبد المأذون له في التجارة، ما لحقه من دين في تجارته تلك إن ذلك في ذمته ليس في رقبته، فكذلك أم الولد.

في القود بين الحر والعبد
وقال مالك: ليس يقاد العبد من الحر، ولا تقاد الأمة من الحرة، ولا يقاد الحر من العبد، ولا الحرة من الأمة، إلا أن يقتل العبد الحر فيقتل به إن شاء ولاة الحر. وإن استحيوه فسيده بالخيار، إن شاء أسلمه وإن شاء فداه بالدية ابن وهب: عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: لا قود بين الحر والعبد في شيء إلا أن العبد إذا قتل الحر عمدا قتل

في الأمة تجني جناية ثم يطؤها سيدها فتحمل بعد الجناية
قلت: أرأيت أمة جنت ثم وطئها سيدها فحملت، ولا مال له أو له مال، علم بالجناية أو لم يعلم؟ قال: إن لم يعلم كان على سيدها الأقل من قيمتها أو دية الجرح. فإن علم، وكان له مال أخذ منه دية الجراح، وإن لم يكن له مال أسلمت إلى المجروح ولم يكن عليه في ولدها شيء، لأنها لو ولدت من غير سيدها بعدما جرحت لم يتبعها ولدها في دية الجرح، ولم يكن للمجروح في الولد قليل ولا كثير. وكذلك قال مالك في ولد الأمة إذا جرحت: إن ما ولدت بعد الجرح فلا يدخل في جنايتها. قلت: أرأيت إن جنت جارية على رجل جناية ثم وطئها السيد بعد ذلك فحملت منه؟ قال: إن كان علم

بالجناية - وكان له مال - غرم قيمة الجناية على ما أحب أو كره، وإن كان أكثر من قيمتها، لأن ذلك منه رضا، فإن لم يكن له مال أسلمت إلى أهل الجناية وكان الولد ولده. وإن لم يعلم بالجناية رأيت أن تكون أم ولد ويتبع بقيمتها إلا أن تكون الجناية أقل فيتبع بذلك دينا. وذلك لو أن رجلا هلك وعليه دين يستغرق ماله، وترك جارية وترك ابنا، فوطئ الابن الجارية فحملت منه، إنه كان علم بدين أبيه وبادر الغرماء، رأيت إن كان له مال أن يكون عليه قيمتها في ماله، وإن لم يكن له مال أسلمت إلى الغرماء فباعوها، وإن لم يعلم بدين أبيه رأيتها أم ولد للابن، ورأيت أن يتبع بقيمتها، فهذا مثل مسألتك. قلت: أرأيت هذه الجارية التي ولدت من سيدها، متى تلزمه قيمتها إذا لزمته قيمتها؟ قال: يوم حملت. قال سحنون: وقال غيره: ليس الجارية إذا جنت فكانت مرتهنة بجنايتها لأن الجناية في رقبتها، كالجارية التي هلك سيدها وعليه دين، إذا وطئها السيد والجناية في رقبتها ولا علم له ولا مال له، إن الجناية أملك بها وتسلم إلى المجني عليه، لأنها لو بيعت - ولا علم لهم بالجناية - فأعتقها المشتري لم يكن ذلك فوتا يبطل بذلك حق المجني عليه. ولو أن الورثة باعوا ولا علم لهم بأن على أبيهم دينا يستغرق ماله، ففاتت عند المشتري بعتق أو باتخاذها أم ولد، لم يكن لهم إلى رد العتق سبيل، وإنما لهم الثمن إن وجدوه وإلا اتبعوا به من أخذه.

في القصاص في جراح العبد
قال: وقال مالك: الأمر عندنا في القصاص في المماليك بينهم كهيئته في الأحرار، نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه. قال: وإقادة العبيد بعضهم من بعض في الجراح يخير سيد المجروح، إن شاء استقاد وإن شاء أخذ العقل ابن وهب: عن يونس عن ابن شهاب أنه قال في مملوكين قتلا مملوكا عمدا فأراد ولي المملوك المقتول أن يسترقهما ولا يقتلهما ابن وهب؟ قال ابن شهاب: إن قتلهما قودا خلي بينه وبين قتلهما، وإن أراد استرقاقهما واستحياءهما فليس له فيهما إلا ثمن ما أصاباه. ابن وهب: عن الليث قال: كان ربيعة يقول في مائة عبد لرجل وقعوا على رجل آخر فقتلوه جميعا، فمنهم الباطش ومنهم الآمر، وقد قامت بذلك البينة، فدفعوهم إليه ليقتلهم فأراد استحياءهم واسترقاقهم قال ربيعة: إن كان أراد أن يستحييهم فليس له إلا الدية يستوفيها منهم فقط، وإن أراد قتلهم فله دماؤهم بما اجتمعوا عليه من قتل صاحبهم. وذلك لأن الدم يعلق به من أصابه، وأن الدية لا يعلق بها المال كله، ولا يكون لمن لم يكن له في دم صاحبه إلا العفو إلا دية معلومة مسماة. حدثنا سحنون عن ابن وهب عن شمر بن نمير يحدث عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا جنى العبد فليس على سيده غرم فوق رقبته، وإن أحب أن يفتديه افتداه وإن أحب أن

يسلمه أسلمه ابن وهب عن يزيد بن عياض عن عبد الملك بن عبيد عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقول: العبد لا يغرم سيده فوق نفسه شيئا، وإن كانت دية المجروح أكثر من رقبة العبد فلا زيادة له ابن وهب: عن محمد بن عمرو عن ابن جريج قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن بين العبدين قصاصا في العمد أنفسهما فما دون ذلك من جراحهما ابن وهب: وقال ابن جريج: وقال ذلك سالم بن عبد الله بن عمر ابن وهب: قال ابن جريج: وأخبرني عبد العزيز بن عمرو بن عبد العزيز في كتاب لعمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب أنه قال: يقاد المملوك من المملوك في كل عمد يبلغ نفسه فما دون ذلك من الجراح، فإن اصطلحوا فيه على العقل فقيمة المقتول على أهل القاتل أو الجارح ابن وهب: عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: يقاد العبد من العبد في القتل عمدا ويقاد العبد من العبد في الجراح عمدا، فإن قبل العقل من العبد كان عقل جراح مملوك كل واحد منهما في ثمنه بقيمة عدل. وإن قتل عبد عبدا عمدا أقيد منه في القتل، فإن أراد صاحبه أن يستحيي العبد أعطى قيمة عبده المقتول في ثمن العبد القاتل، لا يزاد على ذلك إلا أن يحب أهله أن يسلموه بجريرته وأهل العبد القاتل أملك بأن يفتدوه بعقل العبد المقتول أو يسلموا العبد القاتل بجريرته إن شاءوا ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال في عبد قتل عبدا عمدا: إنه يسلم القاتل إلى سيد المقتول فيقتله، فإن أراد أن يستحييه فيكون عبدا له لم يكن ذلك له إلا عن طيب نفس سيده.

في عبدي الرجل يجرح أحدهما صاحبه أو يقتله
قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل يكون له العبدان فيجرح أحدهما صاحبه، فيريد أن يقتص من عبده لعبده. قال مالك ذلك له، ولكن لا يكون ذلك إلا عند السلطان. قال: ولم أسمع مالكا يجيز شيئا من الحدود عند غير السلطان إلا السيد في أمته وعبده إن زنيا أو شربا خمرا، فإن سرقا لم يقطعهما إلا السلطان وكذلك قال مالك. قال: وسألت مالكا عن الرجل يكون له العبدان، فيقتل أحدهما الآخر، أله أن يقتص منه؟ قال: نعم، ولكن لا يقتص منه إلا عند السلطان، يريد بذلك حتى تثبت البينة، وأن القاتل ليس يقتل إلا عند السلطان. قال مالك: ولا يقطع إلا السلطان. قلت: فإن قطع السيد عبده في سرقة دون السلطان، أتعتقه عليه وتراه مثله؟ قال: لا يعتق عليه إذا كانت له بذلك بينة، لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أزواج رسول الله قد قطعوا دون السلطان، فلا يعتق العبد وإن قطع دون السلطان. وإنما زجر الناس عن ذلك لئلا يمثل أحد بعبده، فيدعي السرقة فيجترئ الناس من هذا على شيء عظيم، فأرى أن يعاقب

عقوبة موجعة إلا أن يعذر بجهالة. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يقتل وليه عمدا فيعدو على قاتله فيقتله. قال: إن كان هو الذي له العفو إن عفا أو القتل إن أحب أن يقتل، فلا أرى عليه شيئا. وأرى للإمام أن يؤدبه لئلا يجترئ الناس على القتل فالقطع بهذه المنزلة.

في العبد يقتله العبد أو الحر
قال ابن وهب: قال مالك: وبلغني أن مروان بن الحكم كان يقضي في العبد يصاب بالجراح أن على الذي أصابه قدر ما نقص منه ابن وهب عن الليث ويونس عن ابن شهاب أنه قال: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: تقام سلعة من السلع ثم عقله في ثمنه يوم يصاب إن قتل أو جرح، وبعضهم يزيد على بعض في الحديث ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله مثله. ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم وابن قسيط مثله. ابن وهب عن الليث ويونس عن ربيعة مثله. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب مثله ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن سعيد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن معاذ بن جبل مثله. ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكير الأشج عن عمر بن عبد العزيز قال: والمتاع مثله ابن وهب عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن علي بن أبي طالب مثله ابن وهب عن شبيب بن سعيد التميمي عن يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنهم كانوا يقولون: الرقيق مال قيمته بالغة ما بلغت في نفسه وجراحه ابن وهب: وقال ابن غنم فقلت لمعاذ: إنهم كانوا يقولون: لا تجاوز دية الحر. فقال: سبحان الله، إن قتل فرسه كانت قيمته، إنما غلامه مال فهو له قيمته. ابن وهب عن إسماعيل بن عياش أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قيمته ما بلغت إنما هو مال وإن بلغت ثلاثين ألفا. ابن وهب عن الليث بن سعد عن ربيعة أنه قال: يرد على السيد وإن كان الثمن أربعة آلاف دينار أو أكثر من ذلك ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عبد الكريم عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وشريح في دية العبد ثمنه وإن خلف دية الحر. ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن ابن المسيب وسليمان بن يسار أنهما قالا: إذا شج العبد موضحة فله نصف عشر ثمنه ابن وهب. قال مالك: وبلغني عن الليث وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في موضحة العبد نصف عشر قيمته ابن وهب: قال مالك: والجائفة والمأمومة والمنقلة والموضحة في ثمن العبد بمنزلتهن في دية الحر ابن وهب: وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: وجراح العبد قيمته يقام صحيحا ثم يقام مجروحا ثم ينظر إلى ما بين ذلك فيغرمه

الجارح، لا نعلم شيئا أعدل من ذلك. وذلك من أجل أن اليد من العبد والرجل إذا قطعتا تدخل مصيبتهما بأعظم من نصف ثمنه، ثم لا يكون له بعد ثمن. وإن أذنه تدخل مصيبتها بأدنى من نصف ثمنه إذا كان غلاما ينسج الديباج أو الطراز وكان عاملا لغير ذلك مما يرتفع به ثمنه، فإذا أقيمت المصيبة ما بلغت فلم يظلم السيد، ولم يظلم الجاني له، إن كانت تلك المصيبة قليلا فقليل، وإن كانت كثيرا فكثير، لأن موضحة العبد ومنقلته ومأمومته وجائفته لا بد لهن من أن يكون فيهن شيء، فإن أخذن بالقيمة لم يكن لهن قيمة لأنهن لا يرجعن بمصيبة، ولا يكون فيهن عيب ولا نقص إلا ما ذكر له ولهما موضع من الرأس والدماغ. فربما أفضى من العظم منه إلى النفس فيرى أن يجعل في ثمنه على مثل حسابه من عقل الحر. ابن وهب: وقال يونس عن أبي الزناد أنه قال: إذا شج الحر العبد موضحة، فلسيد العبد على الحر الجارح نصف عشر قيمة العبد يوم يصاب.

في العبد يجرح أو يقذف فيقر سيده أنه قد كان أعتقه
قلت: أرأيت عبدا جرحه رجل أو قذفه فيقر سيده أنه قد كان أعتقه عام الأول قبل الجراحة أو قبل القذف؟ قال: لا يصدق على الجراح ولا على القذف - عند مالك - ويكون جرحه جرح عبد وتكون دية الجرح للعبد، لأن السيد مقر أنه لا شيء له فيه. قلت: فإن قامت البينة على أنه أعتقه العام الأول والسيد جاحد، وقد جرح العبد أو قذف بعد ذلك؟ قال: قال مالك: في العبد يجرح أو يقذف فتقوم له بينة أن سيده قد كان أعتقه قبل الجراحة وقبل القذف، أن دية جراحاته دية حر، وحد قذفه ذلك حد قذف الحر. قلت: وإن كان السيد جاحدا للعتق؟ قال: إنما سمعت من مالك ما أخبرتك، ولم أسمعه يقول جاحدا أو غير جاحد، وأرى أن لا يلتفت إلى جحود السيد هاهنا ولا إلى إقراره، وكل ذلك عندنا سواء.

في السيد يعتق عبده ثم يكتمه ذلك حتى يستغله ويخدمه ثم يقر بعد ذلك أو تقوم له بينة وهو جاحد
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق عبدا له فجحده العتق فاستغله أو استخدمه، أو كانت جارية فوطئها ثم أقر بذلك بعد زمان أو قامت عليه البينة بذلك، ما القول في ذلك؟ قال: قال مالك: أما الذي قامت عليه البينة وهو جاحد فليس عليه شيء، وهذا قول مالك في الذي يجحد. وقال مالك في رجل اشترى جارية وهو يعلم أنها حرة فوطئها، إنه إن أقر بذلك على نفسه أنه وطئها وهو يعلم بحريتها فعليه الحد. فمسألتك مثل هذه أقر وأقام على قوله ذلك ولم ينزع، فإن الحد يقام عليه، والعلة مردودة على العبد وله عليه

في جناية العبد في رقبته أو ذمته
قلت: أرأيت لو أن عبدا غصب حرة نفسها، أتجعل الصداق في رقبته أم في ذمته في قول مالك؟ قال: قال مالك: ما غصب العبد من حرة أو أمة غصبهن أنفسهن، إن

ذلك في رقبة العبد في الإماء ما نقصهن كما وصفت لك، وفي الحرائر صداق مثلهن، يقال للسيد: ادفع العبد أو افده بصداق مثلها أو بما نقص الأمة، يفديه بجميع ذلك أو يسلمه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن باع عبدا سارقا كتمه ذلك، فسرق من المشتري الذي ابتاعه، أيكون ذلك له في ذمة العبد أم في رقبته إذا رده على سيده بالعيب؟ قال: يكون في ذمة العبد إن عتق يوما ما، لأنه كان مأذونا له في الدخول في بيت المشتري، وكان مؤتمنا على ذلك، وكذلك قال مالك: إن ذلك في ذمته. قلت: فإن كانت سرقته إنما سرقها من أجنبي، سرقة لا قطع فيها. كان لهذا المشتري أن يرده بالعيب ويقال للسيد البائع ادفع أو افد بحال ما وصفت لك؟ قال: نعم، ولم أسمعه من مالك. قال: ولا تشبه سرقته من المشتري سرقة من الأجنبي، لأن سرقته من المشتري لا قطع عليه فيها، وسرقته من الأجنبي عليه فيها القطع، وإنما يلزم المشتري ما حدث من العيوب عنده من غير العيب الذي دلس له به، وهذا الآخر قول مالك. قال سحنون: كل ما وقعت فيه الدية فدرئ القطع عن العبد والحر، فما سرق الحر ففي ذمته، وما سرق العبد ففي رقبته، وما سرق هذا العبد المدلس له من سيده أو من غير سيده فهو سواء، وهو في رقبته بمنزلة الجناية. فإذا لزم القطع لم يكن ما سرق الحر في ذمته، وما سرق العبد في رقبته، وما أصابه فهو من البائع. قال ابن القاسم: وما سرق العبد من سيده فليس عليه فيه شيء يتبع به عتق أو ورق - قل ما سرق من ذلك أو كثر - قال: وقال مالك في العبد يجني جناية: إن ماله ورقبته في جنايته، ويقال للسيد: ادفعه وماله أو افده بعقل جميع جنايته. فقيل لمالك: فإن كان عليه دين؟ قال: دينه أولى بماله وجنايته في رقبته. قال: وقال مالك في العبد يجر الجريرة، وله مال وعليه دين: إن ماله في دينه وجريرته في رقبته يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في الذي يقع على الصبية فيفتضها ولعله حر أو مملوك. قال ربيعة: إن كان حرا أو مملوكا فعليهما الحد، وإن كان الحر محصنا فأرجمه، وإن كان بكرا فعليه مع الحد العوض لها مما أصابها به بقدر رأي السلطان فيما أفسد من كفاءتها وموضعها لمن أرادها، وإن كان عبدا فهو بعينه لها إلا أن يكون خطرها فيما أصاب منها أيسر من أن يحيط برقبته، فيباع بغير أرضها وتعطى من الثمن عوض ما رأى المسلمون لها، ويرد على سيد العبد فضل إن فضل من ذلك شيء، وكان الحد على الحر والعبد، لأنهما أصابا محرما، وعلى من أصابه من كبيرة أو صغيرة الحد، وكان العوض لها بما استحلا من حرمتها، ولما أدخلا من الشين عليها. ابن وهب: عن عميرة بن أبي ناجية وغيره عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز أتى بعبد افتض جارية وهي كارهة، فجلده عمر ثم باعه بأرض غير أرض المرأة وأعطيت المرأة ثمنه ابن لهيعة: والليث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن

جعفر بن الزبير قال: قضى عمر بن الخطاب فيمن استكره امرأة بكرا بالغرم الحد وإن كان عبدا فكان ثمنه أكثر من ذلك فداه أهله إن أحبوا، وإن كان ثمنه أقل من ذلك فليس لهم إلا العبد. قال ابن أبي الزناد: قال أبو الزناد في عبد افتض أمة فذهب بعذرتها. قال: يغرم لأهلها ما بين ثمنها ثيبا.

في إقرار العبد على نفسه بالجناية
قلت: أرأيت إن أقر العبد أنه غصب هذه المرأة نفسها فجامعها وهي أمة أو حرة ولا يعلم ذلك إلا بقول العبد، أيصدق العبد أم لا في قول مالك؟ قال: لا يصدق العبد إلا أن تؤتى وهي مستغيثة أو متعلقة به، وهي تدمي إن كانت بكرا، وإن كانت ثيبا أدركت وهي تستغيث متعلقة به، فإنه يصدق إن زعم أنه غصبها؛ لأني سمعت مالكا وسئل عن عبد أتي به وقد قطع أصبع صبي من رجله، وأصبع الصبي تدمي فأدرك الصبي وهو متعلق به فأقر العبد أنه وطئ أصبعه. قال: قال مالك: أما ما كان مثل هذا إذا أدرك على مثل هذا الحال، وأصبع الصبي تدمي بحدثان ما قطعت وهو متعلق به فإني أرى أن يقبل إقراره ويكون ذلك في رقبته يسلمه سيده أو يفتكه بالجناية؛ لأنه لا يتهم أن يكون أقر إلى شيء، فكذلك مسألتك في الوطء إن أقر على مثل ما وصفت لك. قال مالك: وما كان على غير هذا مما يقر العبد أنه فعله مما يكون في رقبته، ولا يدري أحق ذلك أم لا ولم يكن على مثل ما وصفت لك، فلا يقبل قوله إلا ببينة تقوم. قلت: فإن أعتق العبد يوما ما وكان إقراره إقرارا لم يقم عليه بينة، ولم يكن بحال ما وصفت لي من تعلقها به، أيكون ذلك دينا على العبد إن أعتق يوما ما في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى أن يكون على العبد شيء من هذا الوطء إن عتق. وكذلك قال مالك في رجل حر أقر بقتل رجل خطأ: إن ذلك على عاقلته، ولا يكون في ماله خاصة مع قسامة أولياء المقتول إن كان الذي أقر له ممن لا يتهم أن يكون أراد به غنى ولد المقتول، فإن كان أراد غنى ولد المقتول لصداقة بينهما أو لقرابة بينهما وهو ممن يتهم أن يكون أراد غناه، لم يكن على العاقلة شيء ولا يكون عليه من إقراره شيء. فهذا يدلك على أن العبد لا شيء عليه من إقراره بالجناية إذا هي لم تلزم السيد، فلا شيء عليه إن عتق بعد ذلك. قلت: أرأيت إن أبت الورثة أن تقسم مع إقراري، أيبطل إقراري ولا يلزم عاقلتي من الدية شيء في قول مالك؟ قال: نعم كذلك قال مالك. قال ابن القاسم: والذي فسرت لك مما لا يلزم العبد من إقراره إذا عتق يوما ما، إنما ذلك فيما غصب من النساء فوطئهن أو جرح أو قتل خطأ، أقر بذلك كله ولم تكن له بينة ولم يكن بحال ما وصفت لك من التعلق بالعبد بحضرة ذلك. فإن هذا لا يكون عليه شيء إن عتق يوما أو أقر العبد باستهلاك مال، ولا يعلم ذلك إلا بقوله أو باختلاس مال، ولا يعلم ذلك إلا بقوله أو

بسرقة لا قطع فيها، لا يعلم ذلك إلا بقوله إنه لا يصدق على سيده. وإن أعتق يوما ما لم يكن ذلك دينا عليه ولم يتبع منه بعد العتق بشيء. وأصل هذا كله أن ينظر إلى كل ما يلزم رقبته من فعله، فإذا هو أقر به ولم يكن على ذلك بينة فلم يجز إقراره، فإنه لا يتبع من ذلك بقليل ولا كثير؛ لأنه إنما أقر بما كان يلزم السيد، فإن ثبت ذلك عليه ثبت على السيد، وإن لم يثبت لم يكن على العبد شيء.
قلت: أرأيت لو أن عبدا أقر أنه قتل ولي رجل عمدا، فقال الذي له الدم: أنا أعفو عن هذا العبد وأستحييه؟ قال: ليس ذلك له، إنما له أن يقتل. فإن عفا على أنه يستحييه لم يكن له من رقبة العبد شيء، وكذلك بلغني عن مالك. قلت: ويكون له أن يقتله بعد ذلك يقول: إذا كنتم لا تجيزون لي هذا فأنا على حقي أقتله؟ قال: نعم إذا كان ممن يظن أن ذلك له. وإنما هو بمنزلة الحر يقتل الحر فيعفو وليه على أن يعطيه الدية، فيأبى أن يعطيه الدية فيكون لولي المقتول أن يقتله، وكذلك قال مالك. قلت: فإن أقر بسرقة، فقال المسروق منه: أنا أعفو عن قطع يده ولا أرفعه إلى السلطان وآخذ الدراهم التي أقر لي بها؟ قال: ليس ذلك له ولا يكون له شيء من ذلك. يونس بن يزيد: عن أبي الزناد أنه قال في اعتراف العبد على نفسه بالسرقة أو القتل: إن كان استرهب أو امتحن فكان اعترافه بعد ذلك، فإنا لا نرى عليه في ذلك قتلا ولا قطعا. وأما ما اعترف به طائعا غير مخوف ولا مسترهب، فاعترف أنه أتى ذلك عمدا فإنه تقطع يده بسرقته، ويقتل بمن قتل إن كان قتل عمدا، وإن قال قتلته خطأ فإنا لا نرى أن يصدق ذلك. قال يونس: وقال ربيعة: كل معترف لا يرى منه ما يصدق به اعترافه فهو موقوف، يستأنى به حتى ينظر في اعترافه، ثم لا يؤخذ بشبهة ولا يترك بعد يقين إلا أن يكون دما أو جرحا يستحقه أهل الدم مع الاعتراف بأيمانهم أو صاحب الجرح بيمينه، فإنه ليس الدم والجرح فيما يدعى عند العبد كالسرقة. قال يونس: وقال ابن شهاب في المملوك أو المكاتب يعترف على نفسه بقتل عمد، قال: إن جاء بأمر بين يعلم أنه قد صدق أخذ بذلك وأقيم عليه الحد، وإن كان اعترف عن امتحان امتحنه أو تفريق فرقه أو أمر زل به لسانه لم يؤخذ في أمر ذلك بشيء، حتى يتبين عليه ولم يؤخذ بشيء من ذلك. وما اعترف في ذلك على نفسه مما يغرم أهله فيه فهو على نحو ذلك. قال: والسرقة مثل ذلك إذا لم يوجد ما قال حقا، فلا سبيل عليه إلا أن يوجد ما دل عليه من نفسه واعترف به على ما وصفت لك فيؤخذ بذلك. قال ابن وهب: وأخبرني من أثق به قال: سمعت رجالا من أهل علم يقولون: مضت السنة على أنه لا يجوز اعتراف المملوك على نفسه بشيء إذا أدخل على سيده غرما حتى تقوم بينة مع قوله إلا الحد، يلفظه ثم يقر به، فإنه يؤخذ به ويقام عليه. واعترافه بالشيء يعاقب به في جسده من قود أو قطع أو قتل في قول مالك.

في القضاء في جناية المكاتب
قلت: أرأيت المكاتب إذا جنى جناية، أيقضى عليه بالجناية كلها أم بقدر قيمته؟ قال: يقضى عليه بجنايته كلها لأنه بمنزلة العبد إذا جنى. فيقال لسيده: أد الجناية كلها أو أسلمه، فكذلك المكاتب، إما أن يؤدي جميع الجناية، وإلا عجز وخير سيده في أن يفتكه بالجناية أو يسلمه بها. قلت: أرأيت المكاتب إذا جنى جناية فقضى القاضي عليه بالجناية أن يؤديها فعجز بعدما قضى عليه القاضي، أيكون ذلك وعجزه قبل أن يقضي عليه سواء؟ قال: نعم، ولم أسمع مالكا يذكر القاضي في شيء من هذا، إنما قال: يقال للمكاتب أد وإلا عجزت، وإنما يقضي القاضي أن يقول له أد وإلا عجزت. قلت: أرأيت مكاتبا جنى على سيده؟ قال: يقال له: أد الجناية فإن عجز عن ذلك فسخت كتابته. قلت: والأجنبي وسيده في هذا سواء؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: إذا جنى المكاتب قيل له أد الجناية وإلا فارجع رقيقا.

في المكاتب يجني جناية عمدا فيصالحه أولياء الجناية على مال فيعجز قبل أن يؤدي المال
قلت: أرأيت المكاتب إذا جنى جناية عمدا، فصالحه أولياء الجناية على مائة دينار فعجز قبل أن يؤدي المائة، أيقال للسيد ادفعه أم افده بالجناية؟ قال: إذا كانت الجناية معروفة، فإنه يقال لسيد المكاتب: ادفعه أو افده بالمائة. إلا أن تكون المائة أكثر من دية الجرح؛ لأن مالكا قال في المكاتب إذا جنى جناية فإنه يقال له: أد الجناية وأقم على كتابتك، فإن هو قوي على ذلك وإلا فسخت كتابته ثم خير سيده، فإن شاء فداه بعقل الجناية وإن شاء دفعه. قلت: أرأيت إن قال: أنا أقوى على أداء الكتابة ولا أقوى على أداء الجناية، أيكون ذلك له في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا قال لا أقوى على أداء الجناية، كان عاجزا مكانه ولا ينتظر به في قول مالك. قال يونس بن يزيد: قال ربيعة: إن أصاب المكاتب جرحا فعتق، فإنما أدى عن نفسه، وإن رق فإنما أدى من مال سيده. قال يونس: وقال أبو الزناد: إذا جرح هو جرحه فإنا نرى عقله على المكاتب في ماله، وإن هو عجز عن ذلك محيت كتابته وخير سيده، فإن شاء أن يعقل عنه عقل الجرح الذي جرح، وإن شاء أن يسلمه إلى المجروح عبدا له أسلمه. قال مالك: أحسن ما سمعت في المكاتب إذا جرح الرجل جرحا يقع عليه فيه العقل، أن المكاتب إن قوي على أن يؤدي عقل ذلك الجرح مع كتابته أداه، وكان على كتابته ولا ينجم عليه كما ينجم على الحر. وإن هو لم يقو على ذلك فقد عجز عن كتابته، وذلك أنه ينبغي له أن يؤدي عقل ذلك الجرح قبل كتابته، وكذلك حقوق الناس أيضا تؤدى قبل الكتابة؛ لأنه لا

يؤدي خراجا والكتابة خراج وعليه أموال الناس. فإن عجز المكاتب عن أداء عقل ذلك الجرح خير سيده، فإن أحب أن يؤدي عقل ذلك الجرح فعل وأمسك غلامه وصار عبدا مملوكا، وإن أحب أن يسلم عبده للمجروح أسلمه وليس على السيد أكثر من أن يسلم عبده. قال سحنون: عن ابن شهاب أنه قال في العبد يكاتبه سيده وعليه دين للناس فكان يقول: يبدأ بدين الناس فيؤدى قبل أن يؤخذ من نجومه شيء. إن كان دينه يسيرا بدئ بقضائه وأقر على كتابته، وإن كان دينه كثيرا تحبس نجومه، وما اشترط من تعجيل منفعته فسيده بالخيار، إن شاء أقره على كتابته حتى يقضي دينه ثم يستقبل نجومه، وإن شاء محا كتابته. يونس عن ربيعة أنه قال: أما دين المكاتب فيكسر كتابته وينزل في دينه بمنزلة العبد المأذون له في التجارة. محمد بن عمرو: عن ابن جريج عن عبد الكريم قال: قال زيد بن ثابت: المكاتب لا يحاص سيده الغرماء، يبدأ بالذي لهم قبل كتابة سيده. قال ابن جريج: قيل لسعيد بن المسيب: كان شريح يقول: يحاصهم بنجمه الذي حل؟ قال ابن المسيب: أخطأ شريح. قال: وقال زيد بن ثابت يبدأ بالذي للديان. وكان ابن شهاب ومجاهد وعطاء يقولون: مضت السنة إذا وجب على المملوك عقل فلا يؤخر ولا ينجم كما ينجم المعاقل ولكنه عاجل.

في المكاتب يقر بقتل خطأ أو عمد فيصالح من ذلك على مال
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا أقر بقتل خطأ أو عمد، فصالح من ذلك على مال دفعه من ماله إلى الذي أقر له بالجناية، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أنه لا يجوز له إعطاء ماله، إلا أن في العمد لهم إن كانت نفسه أن يقتصوا، وإن أبوا أن يقتصوا لم يكن لهم في مال المكاتب شيء ولا في رقبته إن عجز. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في العبد يقر بأنه قد قتل عمدا ولا بينة عليه. قال مالك: إن أحبوا أن يقتلوه قتلوه وإن استحيوه فليس لهم أن يأخذوا العبد، فكذلك مسألتك في المكاتب.

في المكاتب يقتل رجلا خطأ
قلت: أرأيت المكاتب إذا قتل قتيلا خطأ، أي شيء يكون عليه في قول مالك، الدية أم الأقل من قيمته ومن الدية؟ قال: عليه الدية كاملة في قول مالك، وكذلك الجراحات عليه قيمة ما جرح، ولا يلتفت فيه إلى قيمة المكاتب.

في المكاتب يقتل رجلا عمدا وله وليان فيعفو أحدهما ويتماسك الآخر
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا قتل رجلا عمدا له وليان، فعفا أحدهما عن المكاتب

في المكاتب يجني جناية فيؤدي كتابته قبل أن يقوم عليه ولي الجناية
قلت: أرأيت مكاتبا جنى فأدى كتابته إلى سيده قبل أن يقوم عليه ولي الجناية وخرج حرا؟ قال: أرى أن يقال للمكاتب: أد عقل الجناية ويمضي عتقك وإلا رد رقيقا ويخير سيده، فإن شاء فداه وإن شاء دفعه إلى أولياء الجناية. وما أخذ من نجومه بعد الجناية يردها معه ولا يكون له أن يحبسها إذا أسلمه.

في المكاتب يجني جناية ثم يموت عن مال
قلت: أرأيت المكاتب يجني جناية ثم يموت عن مال، من أولى بماله؟ أسيده أم ولي الجناية؟ قال: قال مالك في العبد يجني جناية: إن مال العبد لصاحب الجناية، وهو أولى به من السيد. فكذلك المكاتب عندي إلا أن يدفع السيد - سيد العبد أو سيد المكاتب - إلى المجني عليه دية جنايته. قلت: أرأيت المكاتب يموت عن مال ليس فيه وفاء بكتابته، وعلى المكاتب جناية وليس في المال وفاء بالجناية؟ قال: قال مالك في العبد يجني جناية: إن أهل الجناية أولى بماله. فكذلك المكاتب عندي لأنه مات عبدا، فماله لأهل الجناية دون سيده حتى يستوفوا جنايتهم. قلت: أرأيت إن كان للسيد على عبده دين، أو على مكاتبه دين من غير الكتابة، أيضرب به مع الغرماء؟ قال: نعم.

في المكاتب يجني جناية وله أم ولد فيريد أن يدفعها في جنايته
قلت: أريت المكاتب يجني جناية وله أم ولد فأراد أن يدفع أم ولده؟ قال: إن

في المكاتب يجني جناية وله أولاد حدثوا في كتابته من أم ولده
قلت: أرأيت المكاتب إذا حدث له ولد في الكتابة من أم ولد له، فجنى المكاتب جنايته وعليه دين، أيكون على الابن شيء من ذلك أم لا؟ قال: أما الدين فلا يلزم الابن من ذلك شيء، وأما الجناية فإنها تلزمه لأن الأب والابن لا يعتقان إلا بأداء الجناية. وقال مالك: إذا جنى المكاتب قيل له: أد، فإن لم يقو قيل للابن: أد، فإن لم يقو رجع رقيقا ثم يخير السيد في الذي جنى وحده بين أن يدفعه أو يفديه. قلت: أرأيت إن مات المكاتب الجاني، أيكون على الابن الذي معه في الكتابة من جنايته شيء أم لا؟ قال: ما سمعت فيه. شيئا ولا أرى عليه من جناية الأب شيئا إذا مات الأب؛ لأنه إنما كانت جنايته في رقبته. فإن عجز عنها فقد ذهبت رقبته فلا يكون على الابن شيء. قال سحنون: وقال غيره: الجناية والدين لا يعتق المكاتب إلا بعدهما، والدين يرق العبد ويبطل كتابته كما تبطلها الجناية. فإذا كان على الأب دين فلم يقدر على أداء النجوم لمكان الدين، صار الدين كالجرح إذا لم يقدر على أداء النجوم لمكان الجرح قيل للمكاتب وللابن: لا سبيل لكما إلا بحمالة كل واحد منكما بصاحبه إلى أداء غلته، والدين والجناية قبلكما، فإن قويتما على أداء هذا الدين والجناية فالكتابة قائمة، وإلا فسخت الكتابة وخير في الجاني وحده في إسلامه أو افتكاكه بالجناية وفي الدين يصيران رقيقين، والدين في ذمة الذي كان في ذمته وحده. وإن أديا الدين جميعا أو الجناية جميعا أو أداهما الابن الذي لم يجن ولم يداين، ثم أديا الكتابة لم يرجع على أبيه بما أدى عنه من أرش الجناية أو دين؛ لأنه إنما أعتق الأب بما أدى عنه فصار ذلك كالكتابة التي أداها بعضهم عن بعض؛ لأن العتق إنما كان بأدائهما، ولو لم يؤديا رقا. وكذلك كلما أرقهما من دين أو جناية كما ترقهما الكتابة، فإذا أديا الدين والجناية كان كأداء الكتابة. قال سحنون: فخذ هذا الأصل على هذا إن شاء الله تعالى.

في المكاتب يموت وعليه دين ويترك عبدا فيجني العبد جناية
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا مات وترك عبدا وعلى المكاتب دين حين مات فجنى العبد جناية بعد موت المكاتب أو قبل موت المكاتب. من أولى بهذا العبد، الغرماء أم أولياء الجناية الذين جنى عليهم هذا العبد؟ قال: أولياء الجناية أولى به. قال ابن

في الجناية على المكاتب
قلت: أرأيت لو أني كاتبت عبدي فحدث له أولاد في كتابته من أم ولده ثم قتلته خطأ أو عمدا؟ قال: يقاص الولد السيد بقيمة رقبة المكاتب في آخر نجومهم. قلت: فإن كان في قيمة رقبته وفاء بالكتابة وفضل؟ قال: يكون لهم أن يأخذوا الفضل من السيد، فيكون ميراثا بين ولده الذين كانوا في الكتابة - كانوا ممن كاتب عليهم أو ممن حدثوا معه في الكتابة - وهو قول مالك؛ لأن مالكا قال في السيد إذا شج مكاتبه موضحة، أنه يقاصه بها المكاتب في آخر نجومه، وقال في المكاتب إذا قتل فأخذ السيد قيمته: أن ولده يقاصونه بذلك في آخر كتابتهم، فإن كان في قيمته فضل كان لهم، فإن بقي شيء سعوا في بقية ذلك وعتقوا، فسيده عندي بمنزلة غيره. قال: وإنما يكون على السيد في موضحة المكاتب - في قول مالك - نصف عشر قيمته مكاتبا على حاله في أدائه وقوته. قلت: أرأيت المكاتبة تلد ولدا في كتابتها فقتله السيد؟ قال: سمعت مالكا يقول في مكاتب كاتبه سيده فشجه موضحة. قال: قال مالك: أرى أن يقاص له من آخر كتابته بنصف عشر قيمته. فمسألتك مثل هذا، أن السيد يغرم قيمة الولد، فإن كان فيه وفاء بالكتابة كان قصاصا، وإن كان فيه فضل عن الكتابة أخذت الأم من فضل القيمة قدر مورثها من ذلك. قال: وقال مالك: وإذا قتل المكاتب قوم على هيئته في حاله وملائه والحال التي كان عليها. قال مالك: وكذلك لو وضع عنه ما عليه عند الموت وضع في الثلث الأقل من قيمته، قوم على حاله وهيئته وملائه الذي هو عليها في حسن أدائه، وقلة ذلك وكثرته أو الأقل من قيمة ما عليه، فأيهما كان أقل وضع في ثلث الميت
قلت: أرأيت لو قتلت عبدي أو مكاتبا وعليه دين، أيلزمني شيء أم لا؟ قال: قال مالك الدين في ذمتهم، فلما قتل لم يلزم القاتل شيء لأن الذمة قد ذهبت. قلت: والعبد إذا كان عليه دين فقتله رجل أجنبي فأخذ السيد قيمته، أيكون الدين في هذه القيمة أم لا؟ قال: لا. وقد قال مالك: ليس للغرماء - غرماء العبد - من جراحه شيء، فكيف يكون لهم ثمن

رقبته. لو جعلت لهم في مسألتك قيمة رقبته التي أخذها السيد من القاتل لجعلت لهم الثمن إذا باعه السيد. قلت: فإن قتل المكاتب وقد أدى جميع كتابته إلا دينارا واحدا أو أدنى، كيف يقوم؟ قال: يقال: هذا مكاتب كانت قوته على أداء كتابته كذا وكذا فما يسوي عبدا مكاتبا قوته على الأداء كذا وكذا، ويلزم قاتله تلك القيمة. قال: ولا ينظر في هذا إلى ما أدى المكاتب من الكتابة ولا إلى ما بقي عليه منها. قال: ولو أن مكاتبا أدى جميع كتابته إلا درهما واحدا، وآخر لم يؤد من كتابته شيئا، قتلهما رجل وكانت قوتهما على الأداء سواء وقيمة رقابهما سواء، إلا أن أحدهما قد أدى جميع الكتابة إلا دينارا واحدا، والآخر لم يؤد من كتابته شيئا قال: لا يلتفت إلى ما أدى من الكتابة التي أدى وقيمتها للسيد على قاتلهما سواء، قلت: أرأيت إن اختلفت قيمة رقابهما وكانت قوتهما على الأداء سواء، فقتلهما رجل ولم يؤديا شيئا بعد؟ قال: هذان مختلفا القيمة، فإنما يقوم على قدر قوته على الأداء مع قيمة رقبته، يقال: ما يسوي هذا المكاتب قيمة رقبته كذا وكذا، وقوته على أداء كتابته كذا وكذا، فعلى هذا يقوم المكاتب. قلت: وكذلك الذي سألتك عنه في الذي يترك جميع الكتابة لعبده فقلت: يعتق بالأقل من قيمته ومن قيمة الكتابة في ثلث الميت. قال: نعم، إنما تقوم الكتابة بالنقد. وقيمة رقبته على قدر قوته على أداء الكتابة بمنزلة ما وصفت لك في المكاتب إذا قتله رجل يعتق بالأقل من ذلك. وهذا الذي قال لي مالك في قيمته إذا قتل وفي كتابته كيف يقوم في الوجهين جميعا كما فسرت لك. وقال غيره: لا تقوم الكتابة إنما ينظر إلى الأقل من قيمة رقبته وما بقي من الكتابة فيجعل في الثلث ليس قيمة الكتابة إنما ينظر إلى عدد ما بقي من الكتابة إن كان هو الأقل فيجعل في الثلث ليس قيمة الكتابة إنما ينظر إلى عدد ما بقي من الكتابة إن كان هو الأقل فيجعل في الثلث، وإن كانت قيمة الرقبة أقل جعلت في الثلث.

في الأبوين يكاتبان فيولد لهما ولد فاكتسب الولد مالا وجنى عليه جناية
قلت: أرأيت إن كاتب الرجل عبده وأمته - وهما زوجان - كتابة واحدة فحدث بينهما ولد، فاكتسب الولد مالا وجني على الولد جنايات؟ قال: أما الجنايات فذلك للسيد - عند مالك - يحسب لهم ذلك في آخر كتابتهم، إلا أن يكون في الجناية وفاء كتابته، فيكون ذلك للسيد ويعتق هؤلاء كلهم مكانهم. فإن كان في الجناية فضل فهو للابن ولا يرجع الولد على الأبوين بما أخذ السيد من جنايته في كتابة الأبوين؛ لأن ذوي الأرحام لا يرجع بعضهم على بعض بما أدوا. وأما الذي اكتسب الابن فهو للابن وليس للأبوين أن يأخذا منه ماله، عليه أن يسعى معهم ويؤدي الكتابة على قدر قوته وأداء مثله، فإذا كان للابن مال وخاف الأبوان العجز كان لهما أن يؤديا الكتابة من مال الولد. وكذلك إن كان للأبوين مال فقالا: لا نؤدي، وخاف الولد العجز، فإن الكتابة تؤدى من مال الأبوين ولا

يرجع بعضهم على بعض بشيء مما أدى عن أصحابه؛ لأن مالكا قال: ليس له أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر، فالأبوان إذا كان لهما مال ظاهر فليس لهما أن يعجزا أنفسهما وكذلك الولد. قلت: فإن عدا السيد على الولد فقتله وفي قيمته فضل عن كتابة هؤلاء؟ قال: يعتق الأبوان ولا يكون عليهما من الكتابة شيء؛ لأن قيمة الولد تكون قصاصا بالكتابة ويرجع الأبوان المكاتبان على السيد بالفضل فيكون لهما. قال: وهذا قول مالك؛ لأن مالكا قال فيمن قتل ولد المكاتب أو المكاتب نفسه، فإن السيد يأخذ من ذلك كتابته. فإن كان فضل كان لأبويه اللذين معه في الكتابة، فإن كان قتل الأبوين، فإن السيد يأخذ من ذلك كتابته، وما بقي عن كتابتهم فللولد. وكذلك السيد إذا قتلهم فهو بمنزلة غيره من الناس إذا قتلهم، وقيمتهم قد صارت هاهنا بمنزلة أموالهم. وقد سمعت مالكا يقول في مكاتب جرحه سيده: إن جرحه على سيده يحسبه من آخر كتابته. وقد قال مالك في ابن المكاتب إذا قتل: إن عقله للسيد، إن كان فيه وفاء بجميع كتابتهم ويعتقون، وإن كانت الجناية ليس فيها وفاء بجميع كتابتهم أخذه السيد وحسب ذلك لهم في آخر كتابتهم، والجناية على المكاتب إذا لم يكن فيها وفاء بجميع كتابتهم، أخذ ذلك السيد وحسب ذلك لهم في آخر كتابتهم، فإن كان فيها وفاء أخذه أيضا وحسب لهم أيضا ذلك في آخر كتابتهم. والمال إذا مات أحدهم أخذه السيد إن كان فيه وفاء بكتابتهم، وإن لم يكن فيه وفاء بكتابتهم ترك في أيديهم إن كانوا مأمونين. وهذا في الولد - في قول مالك - وإن كانوا غير ولد، فهذا المال في الموت بمنزلة الجناية يأخذ السيد ما قل منه أو كثر ويحسب ذلك لهم من آخر كتابتهم، فإذا عتقوا أتبعهم السيد بما يصير له عليهم مما حسب لهم من مال الميت إلا أن يكونوا إخوة فلا يتبعهم.
قال سحنون: وقد كان ربيعة يقول: ذكره يونس عنه إذا كاتب على نفسه وولده وأم ولده ثم توفي، وكان فيمن كاتب قوة على الاستسعاء - سعوا وسعى الكبير على الصغير - وذلك لأنهم دخلوا معه في الكتابة فليس لهم أن يعجزوا حتى لا يرجى عندهم سعي. وإن مات أبوهم وترك مالا ليس فيه وفاء فقد كانت لهم معونة ماله، وليس لهم أصله إن قتلوا أو أجرموا جريمة، فالمال يدفع إلى سيده فيقاصون به من آخر كتابتهم ولا يدفع إليهم؛ لأنهم ليس أصله لهم وهو لا يؤمن عليه التلف إذا كان بأيديهم، وإن صغارا لا يقوون فهم أرقاء ولسيدهم ذلك المال. ابن وهب: وكان مالك يقول: إذا كانوا صغارا لا يستطيعون السعي لم ينتظر بهم أن يكبروا وكانوا رقيقا لسيدهم. قال مالك: إلا أن يكون فيما ترك أبوهم ما يؤدي عنهم نجومهم إلى أن يبلغوا ويقووا على السعي فيفعل ذلك بهم. قال مالك: وإن كان الولد صغارا وكانت معهم أم ولد لأبيهم فأرادت السعي، فإنه يدفع إليها مال الميت إذا لم يكن فيه وفاء إذا كان يرى أنها مأمونة على ذلك قوية على

السعي؛ لأنهم إن أخذ المال منهم لم يقووا على السعي والأداء وعجزوا وصاروا عبيدا، فهم بمنزلة أبيهم لهم ما له وعليهم ما عليه. وكذلك إذا كان ولده يحتملون السعي وليس معهم أم ولد؛ أعطوا المال يقوون به على السعي، وإن لم تكن مأمونة ولا قوية على ذلك رجعت هي وولد المكاتب رقيقا للسيد إلا أن يكون فيما ترك المكاتب أو في ثمن أم الولد إذا بيعت ما يؤدي عنهم، فإنها تباع ويعتقون، ويكون فيما ترك وفي ثمنها إذا بيعت ما يؤدي عنهم إلى أن يبلغوا السعي.
ابن لهيعة عن بكير أنه سمع سليمان بن يسار يقول: إذا كاتب الرجل على نفسه وبنيه فمات وعليه كتابة، فإن آنس منهم رشدا دفع إلى بنيه ماله واستسعوا فيما بقي، وإن لم يؤنس منهم رشد لم يدفع إليهم مال أبيهم. مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت عروة بن الزبير واستفتي في مكاتب توفي وعليه فضل من كتابته وترك مالا وترك بنين له أيأخذون ماله إن شاءوا يقضون كتابته ويكونون على نجومه؟ قال: نعم إن استقلوا بذلك، فإن ذلك لهم إن شاءوا. وقال ذلك سليمان بن يسار: إن كانوا صالحين دفع إليهم وإن كانوا أناس سوء لم يدفع إليهم. ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم وسالما عن مثل ذلك فقالا: إن ترك مالا قضوا عنه وهم أحرار، وإن لم يترك مالا وقد آنس منهم الرشد سعوا في كتابة أبيهم، بلغوا من ذلك ما بلغوا. وإن كانوا صغارا لم يستأن بالذي للرجل كبرهم يخشى أن يموتوا قبل ذلك فهم له عبيد. قال يونس: وقال أبو الزناد: إن كان ولده كلهم صغارا لا قوة لهم على الكتابة ولم يترك أبوهم مالا، فإنهم يرقون، وإن ترك أبوهم مالا ليس فيه وفاء أدوا نجومهم عاما بعام. ابن وهب: وقال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أن المكاتب إذا أصيب بجرح له فيه عقل، أو أحد من ولده الذين معه في كتابته، فإن عقلهم عقل العبيد في قيمتهم. وإن ما وجب لهم في عقلهم يدفع إلى سيدهم الذي له الكتابة، ويحسب للمكاتب في آخر كتابته ويوضع عنه ما أخذه سيده من دية جرحه. ولا ينبغي أن يدفع إلى المكاتب شيء من دية جرحه فيأكله أو يستهلكه، فإن عجز رجع إلى سيده أعور ومقطوع اليد أو مغصوب الجسد، وإنما كاتبه على كسبه وماله ولم يكاتبه على أن يأخذ ثمن ولده ولا ما أصيب من جسده فيستهلكه. يونس عن ربيعة أنه قال في المكاتب له عقل جراح: إن أصابته فإن جرح المكاتب فالعقل فيه يأخذه سيده، فإذا بقي على المكاتب من آخر كتابته مثل ذلك العقل قاص به سيده وعتق، وإن عجز كان ذلك المال لسيده؛ وذلك لأن جرح العبد ليس من ماله إنما هو لسيده. وقال ابن شهاب وربيعة: إن أصيب المكاتب بجرح له عقل فعقل ذلك الجرح لسيده يقبضه ويقاصه به من آخر كتابته. قال أنس بن عياض: وقال ابن أبي سلمة مثل قول مالك وكلها لابن وهب.

في جناية عبيد المكاتب
قلت: أرأيت عبيد المكاتب إذا جنوا، أيكون المكاتب فيهم مخيرا بمنزلة الحر يفتكهم بعقل الجرح أو يدفعهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكنه رأيي إذا كان على وجه النظر.

في جناية عبد المكاتب على المكاتب فيريد ولده القصاص ويأبى سيده أو يريد سيده ويأبى الولد
قلت: أرأيت المكاتب إذا قتله عبده؟ قال: قال مالك في العبدين يكونان للرجل فيقتل أحدهما صاحبه أو يجرحه: إن السيد يقتص من العبد لأن العبدين جميعا عبدان له، فأرى هذا مثله أن له أن يقتص إلا أن يكون للمكاتب أولاد معه في الكتابة، فإني أرى أنه ليس للسيد أن يقتص إذا أبى الولد؛ لأن المال قد صار لهم يستعينون به في كتابتهم. قال: ولا أرى للأولاد أن يقتصوا أيضا إذا أبى السيد؛ لأن السيد يقول: لا تتلفوا علي المال فترجعوا إلي وقد أتلفتم المال وهذا رأيي؛ لأن مالكا قال: ليس لهم أن يتلفوا المال خوفا من أن يرجعوا إلى السيد عبيدا وقد أتلفوا المال، فإذا اجتمع السيد وأولاد المكاتب على القتل، فإن ذلك لهم مثل ما قال مالك في العبدين؛ لأنهم حين اجتمعوا إن كان العبد للسيد جاز له القتل، وإن كان للولد جاز لهم القتل، وإن أبى السيد القتل وأراد الولد القتل ثم عتقوا فأرادوا أن يقتلوا بعد العتق كان ذلك لهم، وإن كان السيد هو الذي أراد القتل وأبى ذلك الأولاد ثم عجزوا كان ذلك له، وإن أبى السيد أن يقتل وأراد الولد القتل ثم عجزوا لم يكن للسيد هاهنا قول ولا يقتله؛ لأن ملكه كان عليهم جميعا، فلما ترك ذلك لم يكن له أن يرجع إلى قتله. وكذلك لو تركوا القتل وأراد السيد القتل ثم أدوا لم يكن لهم القتل. وليس لمن ترك منهم القتل ثم رجع العبد إليهم يوما ما أن يقتلوا - لا السيد ولا الولد - ومن لم يترك القتل منهم إذا رجع العبد إليه فله أن يقتل. قال: وقال مالك في المكاتب يجني جناية عمدا فيعفوا أولياء الجناية عنه على أن يكون المكاتب لهم رقيقا، قال: يقال للمكاتب إذا عفوا عنه: ادفع إليهم الدية. فإن عجز عن ذلك قيل لسيده: ادفع إليهم الدية أو أسلم إليهم العبد. وكذلك قال مالك أيضا في العبد يقتل الرجل عمدا فيعفوا عنه أولياء القتيل على أن يكون لهم العبد. قال: قال مالك: يقال للسيد: افتكه بجميع الدية أو أسلمه؛ لأنهم حين عفوا عن العبد على أن يكون لهم صارت الجناية مالا وهو في رقبة العبد، والعبد ملك لسيده، فيقال للسيد: ادفعه بما صار في رقبته أو افده بجميع الدية. قال: وما وجب في رقبة المكاتب من دية جنايته فإنه يقال له: أدها حالة وأقم على كتابتك. فإن أبى وعجز كان رقيقا للسيد، ثم خير السيد بين افتكاكه بدية الجرح وبين إسلامه إلى أهل الجناية.

في جناية المكاتب على عبد سيده أو مكاتب سيده
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا جنى على عبد سيده؟ قال: يكون للسيد على المكاتب قيمة العبد. قال: وكذلك لو جنى هذا المكاتب على مكاتب آخر لسيده وليس معه في الكتابة. وإنما فرق بين المكاتب يجني على عبد سيده وبين العبد يجني على عبد سيده؛ لأن المكاتب لو استهلك مالا لسيده كان عليه غرمه، ولو استهلك عبد مالا لسيده لم يكن عليه غرم؛ لأن المكاتب قد أحرز ماله ورقبته عن السيد. وكذلك لو أن هذا المكاتب جنى على مكاتب معه في كتابته فقتله، كأن يكون للسيد عليه قيمة المقتول، فإن عجز رجع رقيقا وسقط ذلك عنه.

في العبدين يكاتبان كتابة واحدة فيجني أحدهما على صاحبه
قلت: أرأيت لو أن آخرين في كتابة واحدة قتل أحدهما صاحبه عمدا أو خطأ؟ قال: للسيد أن يقتص في العمد، فإن عفا السيد على أن يأخذ منه قيمة المكاتب المقتول فذلك له، ويعتق هذا القاتل فيما أخذ السيد منه من قيمة المقتول. قلت: فلو أن رجلين أجنبيين - في كتابة واحدة - قتل أحدهما صاحبه عمدا أو خطأ؟ قال: يكون في العمد للسيد القصاص إن أحب، فإن استحياه على أن يتبعه بقيمة المقتول فإن ذلك له يأخذ منه قيمة المقتول ويعتق هذا القاتل في قيمة هذا المقتول إن كان فيها وفاء بالكتابة، ثم يرجع السيد على هذا القاتل بحصته من الكتابة. وإن لم يكن في قيمة المقتول وفاء بالكتابة أخذ السيد ذلك وحسب ذلك له من آخر الكتابة، فإن أدى وعتق هذا القاتل رجع عليه السيد بما كان يصيب حصة هذا القاتل مما حسب له من قيمة المقتول في الكتابة. قلت: أرأيت لو أن مكاتبين كوتبا جميعا كتابة واحدة؛ فجنى أحدهما على صاحبه خطأ أو عمدا، كانا ذوي قرابة أو أجنبيين ما حالهما في قول مالك؟ قال: على القاتل قيمة المقتول ويعتق القاتل فيها، ويرجع السيد عليه بحصته من الكتابة ويعتق هذا الباقي ويرجع السيد عليه بحصته. قال: وسواء إن قتله هذا الذي معه في الكتابة عمدا أو خطأ، كانا ذوي قرابة أو أجنبيين، فذلك سواء. ويعتق القاتل في قيمة المقتول ويرجع السيد عليهما جميعا بما عتقا به من قيمة المقتول بما ينوبه في رأيي؛ لأنه لا تهمة على القاتل أن يكون إنما قتله ليتعجل عتقه، وهو قد كان يقدر على أن يتعجل ما أغرمه سيده من قيمة المقتول ويعتق، فليس هاهنا تهمة أتهمه بها فلذلك أعتقه به. وإنما الذي سمعت أنه لا يعتق أن لو كان للمقتول مال يعتق به القاتل فاستحيا لم يعتق إن قتله عمدا في تركته لما اتهم عليه من تعجيل عتقه في مال المقتول، وتكون عليه قيمة المقتول. فإن كان في ذلك كفافا للكتابة عتق وتبعه السيد بما ينوبه منها، وإن لم يكن عنده قيمة

المقتول عجز ورجع رقيقا وعتق في المال إن قتله خطأ؛ لأن الحر يرث من المال ولا يرث من الدية، فكذلك المكاتب في مال المقتول لا يعتق في ماله إن كان قتله عمدا فيما ترك، ويعتق إن كان قتله خطأ فيما ترك؛ لأنه لا تهمة عليه - وهذا أحسن ما سمعت - ويكون عليه قيمة المقتول فكذلك الأجنبيون إلا أن السيد في الأجنبي يتبعه بما أدى عنه من المال الذي تركه المكاتب إذا كان قتله خطأ، ويرجع عليه السيد أيضا بقيمة المقتول ولا يتبع السيد في المال إذا كانا أخوين بما أدى عنه من قيمة الكتابة؛ لأن أحدهما لم يكن يتبعه لو أدى عنه، وإنما يتبع في الدية السيد من كان يتبعه هو ممن كان معه، ويسقط عمن كان لا يتبعه لو أدى عنه في الخطأ، ويكون على الأخ قيمة أخيه لأنه لا يرث من القيمة، فلذلك يكون عليه.

في ذوي القرابة يكاتبون كتابة واحدة ثم يجني بعضهم
قلت: أرأيت جنايات ذوي القرابة إذا جنى أحدهم وجميعهم في الكتابة، فعجز الجاني عن أداء تلك الجناية؟ قال: يقال للذين معه في الكتابة: أدوا الجناية وإلا رجعتم رقيقا. فإن رجعوا رقيقا قيل للسيد: ادفع الجاني وحده بجنايته أو افده. قلت: أرأيت إن أدى عن الجاني قرابته الذين معه في الكتابة - وهم إخوته أو والده - فعتقوا، هل يرجعون عليه بما أدوا عنه من الجناية؟ قال: لا؛ لأنه ملك افتكوه حين أدوا عنه. ألا ترى أنه لو اشتراه وهو مكاتب فعتق لعتق عليه ولم يتبعه بشيء من ثمنه، فكذلك ما افتكه به لا يتبعه بشيء. قلت: أرأيت لو أن مكاتبين كوتبا جميعا كتابة واحدة، فجنى أحدهما على صاحبه خطأ أو عمدا - كانا ذا قرابة أو أجنبيين - ماذا عليهما في قول مالك؟ قال: على القاتل قيمة المقتول، ويعتق القاتل فيها ويرجع السيد عليه بحصته من الكتابة. قال: وسواء إن قتله الذي معه في الكتابة أو قتله أجنبي، كانا ذا قرابة أو أجنبيين، فذلك سواء. قال سحنون: ويعتق القاتل في قيمة المقتول، ولا يتبع الذي عتق بالذي أدى عنه إذا كان ممن لا يجوز له ملكه، وكانت الجناية من أجنبي. قلت: أرأيت المكاتبين إذا جنى أحدهما جناية؟ قال: يقال للجاني: افتك رقبتك بدية جنايتك، فإن عجز قيل لأصحابه: افتكوه بدية الجناية، فإن أبوا صاروا رقيقا كلهم. وإن لم يحل شيء من نجومهم ثم قيل للسيد: ادفع الجاني وحده؛ لأن الجناية إنما هي في رقبته فحيثما زال زالت معه، أو افده بدية الجناية.

في جناية المكاتبة على ولدها
قلت: أرأيت مكاتبة حدث لها ولد في الكتابة فقتلت ولدها عمدا فقال السيد: أنا أقتلها. أيكون ذلك له؟ قال: قال مالك في الوالد يقتل ولده: إنه لا يقاد منه إلا أن يكون

في عبد المكاتب يجرح فيريد المكاتب أن يقتص ويأبى سيده إلا العفو وأخذ العقل
قلت: أرأيت مكاتبا قتل عبد له عمدا، فأراد أن يقتص وأبى سيد المكاتب إلا العفو ويأخذ العقل من القاتل أو قيمة عبده؟ قال: أرى أن يكون ذلك للسيد؛ لأن السيد. يمنعه من هبة ماله ومن صدقته. ولو أراد المكاتب أن يعفو عن قاتل عبده في عمد أو خطأ لم يكن ذلك له إذا أبى السيد، ولكن يقال لسيد العبد القاتل إذا عفا السيد: ادفع عبدك إلى المكاتب أو افده بقيمة عبد المكاتب المقتول. قال: ولقد سألت مالكا عن العبد يجرح العبد عمدا فيقول سيد العبد المجروح: لا أقتص ولكن آخذ هذا الجاني على عبدي، أو يدفع إلي دية جرح عبدي فيقول سيد الجارح: ليس ذلك لك، ولكن اقتص؛ أن القول في ذلك قول سيد العبد المجروح، ويخير سيد الجارح فإما أسلم عبده بجنايته، وإما افتكه بثمن جرح العبد المجروح. قال مالك وكذلك هذا في القتل هو مثل ما وصفت لك فأرى مسألتك تشبه هذا، وليس للمكاتب أن يترك مالا قد وجب له من دية عبد كان له؛ لأنه لا يجوز له معروف في ماله إذا منعه سيده - في قول مالك - إلا أن يؤدي المكاتب جميع ما عليه من الكتابة، ويكون له أن يعفو أو يقتل، وقد كتبنا آثار هذا الأصل قبل هذا.

في سيد المكاتب يجني على مكاتب مكاتبه
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا كاتب عبدا له فولد للمكاتب الثاني أولاد - حدثوا في الكتابة - ثم قتل السيد الأعلى المكاتب الثاني؟ قال: يقال للسيد: ادفع قيمة المكاتب الثاني إلى المكاتب الأعلى. فإن كان في قيمته وفاء بالكتابة - كتابة الثاني - عتق أولاد المكاتب الثاني، وإن لم يكن فيه وفاء سعى أولاد المكاتب الثاني فيما بقي، على أبيهم، ويكون المكاتب الأول على حاله يسعى في بقية كتابته. قلت: ولا يكون للسيد الأول أن يحبس قيمة المكاتب الثاني عن المكاتب الأول؟ قال: لا؛ لأن المكاتب الثاني وولده مال للمكاتب الأول، وليس هو بمنزلة المكاتب الأول ولا بمنزلة ولده، ولأن ولد المكاتب الأول مال للسيد؛ لأن المكاتب لا يملك ولده ولأنه لو كان له عبد فجنى عليه أحد جناية كانت الجناية للمكاتب ولم يكن للسيد الأول من ذلك شيء، وإنما هذا بمنزلة البيع كأنه باعه. وكذلك مكاتب المكاتب إنما هو عبد للمكاتب الأول، ألا ترى أن السيد نفسه لو جنى على عبد لمكاتبه، كان على سيده قيمة جناية العبد يدفعها إلى المكاتب، فكذلك مسألتك. قال: وهذا قول مالك.

في إقرار المكاتب بالجناية والدين
قلت: أرأيت مكاتبا أقر بجناية خطأ أو أقر بدين، أيلزمه ذلك؟ قال: أما الدين فلازم له - عند مالك - في ذمته، وأما الجناية فلا تلزمه؛ لأن مالكا قال: إقرار العبد بالجناية لا يلزمه ذلك، فكذلك المكاتب لا يلزمه إقراره بالجناية. فإن عجز رجع رقيقا ولم يكن على السيد من إقراره بالجناية شيء ويتبعه أصحاب الدين في ذمته، فإن عتق بعدما عجز لم يلزمه إقراره بالجناية. قلت: وكذلك لو أن عبدا أقر بجناية فأعتقه سيده، لم يلزمه عقل الجناية في قول مالك؟ قال: لا.

في المكاتب يموت وعليه دين وجناية
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا مات وترك مالا وعليه دين للناس وجناية خطأ كان جناها؟ قال: أهل الدين أولى بماله من أهل الجناية؛ لأن الجناية في رقبته والدين ليس في رقبته. قلت: فإن مات المكاتب ولا دين عليه وقد جنى جناية خطأ؟ قال: أهل الجناية أولى بماله من سيده؛ لأن جنايته في رقبته وفي ماله. وإن كان جنى وعليه دين فإنما جنايته في رقبته والدين في ماله. وقال مالك: في العبد يجني جناية: إن ماله ورقبته في جنايته يقال للسيد: ادفعه وماله أو افده بجميع عقل جنايته. فقيل لمالك: فإن كان عليه دين؟ قال: دينه أولى بماله وجنايته في رقبته. قلت: فإن عجز المكاتب عن أداء العقل فأداه عنه سيده، أيكون على كتابته أم يكون عبدا في قول مالك؟ قال: إذا لم يقو على أداء الجناية رد رقيقا وخير سيده، فإن شاء افتكه وإن شاء دفعه. وقال مالك في العبد يجر الجريرة وله مال وعليه دين: إن ماله في دينه وجريرته في رقبته، فكذلك كان ما قلت لك. قلت: فإن مات المكاتب وترك ولدا حدثوا معه في الكتابة ولم يترك مالا، وعلى المكاتب دين للناس وجنايات كان جناها؟ قال: قال مالك: الجنايات في رقبة المكاتب، والمكاتب إذا مات وليس له مال بطلت الجناية - عند مالك - إذا لم يكن للمكاتب مال. وأما دين المكاتب، فإن مالكا قال: دينه في ماله، فإن مات هذا المكاتب ولا مال له فلا شيء للغريم وقد بطل دينه. قلت: أفلا يكون لغريم المكاتب فيما في يدي الابن من المال قليل ولا كثير؟ قال: نعم، لا شيء له مما في يدي الابن إذا لم يكن ذلك مالا للأب ولا يلزمه من دينه قليل ولا كثير؛ لأن مالكا قال: دين المكاتب في ماله والابن ليس بماله. فما اكتسب الابن الذي حدث في الكتابة من مال فليس لأبيه أن ينزعه منه إلا أن يعجز ولابنه مال ظاهر فيأخذ من مال الابن الكتابة إذا كانت قد حلت، وإلا فما حل منها. فهذا يدلك على أن دين المكاتب لا يكون على ابنه، وهذا كله منه قول مالك ومنه رأيي ولا يكون على الابن من جناية أبيه شيء. وإذا اجتمعت الجناية والدين على المكاتب وقد مات وله

مال، فديته أولى بماله، فإن فضلت فضلة كانت لأهل الجناية حتى يستوفوا الجناية؛ لأن مالكا قال: كل عبد جنى جناية فإن سيده مخير فيها، فإذا مات العبد قبل أن يخير السيد بطلت الجناية. فالولد في هذا الوجه بمنزلة السيد يخيرون، إن كان أبوهم حيا إذا لم يكن فيه قوة على أداء الجناية في أن يؤدوا أو يعجزوا، فإذا مات أبوهم سقط عنهم ما كان لأولياء الجناية من الجناية، كما يسقط على السيد ما كان لهم من جنايتهم حين مات المكاتب إلا أن يكون له مال. ولو قام بذلك ولي الجناية في حياة الأب واختاروا المضي على الكتابة، فإنه إن مات الأب قبل أن يؤدي الجناية لم يسقط عنهم منها قليل ولا كثير. قال مالك: ولو أن سيد المكاتب عجل له عتقه أو أعتق رجل عبده، فكتب السيد عليهما مالا يدفعانه إلى السيد دينا له عليهما، وعجل لهما العتق وثبتت حرمتهما، ثم ماتا أو أفلسا، لم يدخل السيد على الغرماء، وكان أهل الدين أولى بمالهم من السيد؛ لأن السيد إنما يتبعه بثمن رقبته، وليس له فيما في يدي العبد قليل ولا كثير. وإن بقي له من ماله بقية بعد تأدية الدين حين فلسوه، أخذه السيد الذي عجل له العتق، وإن كان مكاتبا لم يكن للسيد أن يدخل على العبد فيما بقي له وكان على نجومه الأولى، وليس يقدر السيد أن يفلس مكاتبه إلا إذا عجز عن أداء النجوم، فإنه يقوم عند محلها فينظر في حال العبد في العجز والأداء.

في المكاتبة تجني جناية ثم تلد ولدا ثم تموت الأم
قلت: وقال ابن القاسم في مكاتبة جنت جناية ثم ولدت ولدا فماتت: إنه لا يكون على الولد من الجناية شيء إذا ماتت الأم. قال: وبلغني عن مالك أنه قال في الأمة إذا جنت جناية ثم ولدت بعد الجناية وماتت الأم: إنه لا شيء لولي الجناية على الولد ولا على السيد، وإنما حقهم في رقبة الأم فقد ذهبت الأم. قال مالك: والولد ليس بمال لها فيتبعها فيه أولياء الجناية فيكون ذلك في رقبته. قال مالك: ولو لم تكن ماتت لم تكن الجناية إلا في رقبتها، ولا يكون ولدها في جنايتها وإن كانت الجناية قبل أن تلد، أخبرنيه عن مالك غير واحد ممن أثق به.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الديات

ما جاء في ديات أهل الكتاب ونسائهم والعاقلة تغرم الدية في ثلاث سنين
قلت لابن القاسم: كم ديات أهل الكتاب - في قول مالك - ودية نسائهم؟ قال: دية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين؛ رجالهم على النصف من دية رجال المسلمين، ونساؤهم على النصف من دية نساء المسلمين. وأما المجوس، فإن دية رجالهم ثمانمائة درهم، ودية نسائهم أربعمائة درهم، وجراحاتهم في دياتهم على قدر جراحات المسلمين من دياتهم. قال: وهذا كله قول مالك. قلت: أرأيت المسلم إذا قتل الذمي خطأ، هل تحمله العاقلة؟ قال: نعم تحمله العاقلة. قلت: ففي كم تحمله العاقلة: أفي ثلاث سنين أو أقل من ذلك أو أكثر في قول مالك؟ قال: لم أوقف مالكا على هذا، ولكني أرى أن العاقلة تحمله في ثلاث سنين؛ لأن مالكا قال في الدية: تحملها العاقلة في ثلاث سنين. قلت: ودية المرأة المسلمة، في كم تحملها العاقلة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أنه قال في الدية تحمل على العاقلة في ثلاث سنين. وأنا أرى الديات كلها، دية الرجل ودية المرأة ودية النصراني ودية النصرانية إذا وقعت: أنها تنجم في ثلاث سنين. قلت: أرأيت دية المجوسي ودية المجوسية، أتنجم أيضا على العاقلة في ثلاث سنين؟ ودية نساء أهل الكتاب كذلك أيضا؟ قال: نعم، ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك أن مالكا قال: الدية تحملها العاقلة في ثلاث سنين.

ما جاء في المسلم يجني على المسلمة ثلث ديتها أو على المجوسي أو على المجوسية
قلت: أرأيت المرأة المجوسية إذا جنى عليها الرجل المسلم جناية خطأ تبلغ ثلث

ديتها، أتحملها العاقلة؟ قال: نعم، تحمل ذلك العاقلة إذا بلغت الجناية ثلث دية المجني عليه أو ثلث دية الجاني - في قول مالك - لأن مالكا قال في الرجل يجني على المرأة فيبلغ ثلث دية المرأة: إن عاقلة الرجل تحمل ذلك. وتفسير ذلك؛ لو أن رجلا قطع من المرأة أصبعين خطأ حملت ذلك عاقلته؛ لأن عشرين من الإبل أكثر من ثلث دية المرأة. قلت: فلو أن امرأة جنت على رجل فقطعت من الرجل أصبعين خطأ؟ قال: قال مالك: تحمله العاقلة لأنه أكثر من ثلث ديتها، وإنما ينظر في هذا إلى الجاني إذا جنى، فإن كان قد جنى ما يبلغ ثلث ديته فإن ذلك على العاقلة، وإن كانت جنايته لا تبلغ ثلث ديته نظرت، فإن كانت تبلغ ثلث دية المجني عليه حملته العاقلة أيضا. قلت: وأصل هذا إن كانت الجناية تبلغ ثلث دية الجاني أو ثلث دية المجني عليه حملته العاقلة في قول مالك؟ قال: نعم.

ما جاء في المجوسي والمجوسية يجنيان على المسلم ثلث دية والنصراني يجني على المسلم ثلث دية
قلت: فلو أن مجوسية جنت على رجل من المسلمين ما يبلغ ثلث ديتها هي، أيحملها أهل خراجها؟ أو رجلا من المجوس جنى على رجل من المسلمين ما يبلغ ثلث دية المجوس، أيحمل أهل خراجه هذه الجناية أم لا؟ وقد قلت إن مالكا قال: إن لهم عواقل وهم أهل خراجهم. قال: أرى في المرأة أن أهل خراجها يحملون ذلك. قلت: ويحملون جناية نسائهم إذا جنت المرأة منهم ما يبلغ ثلث ديتها؟ قال: نعم، ويحمل الرجل ذلك منهم ولا يكون من ذلك على النساء شيء. قلت لمالك: والنصراني إذا جنى جناية، من يحمل ذلك؟ قال: أهل جزيته وهم أهل كورته الذين خراجه معهم.

ما جاء في قيمة عبد النصارى والمجوس
قلت: أرأيت عبيدهم إذا هم قتلوا، ما على القاتل؟ قال: عبيدهم - عند مالك - سلعة من السلع، على القاتل مبلغ قيمته - ما بلغت - وإن كانت مائة ألف، بمنزلة عبيد المسلمين، على قاتل العبد من عبيدهم قيمته، بالغة ما بلغت وإن بلغت مائة ألف؛ لأن العبد سلعة من السلع. وهذا قول مالك، إلا أن في مأمومته وجائفته، في كل واحدة ثلث ثمنه، وفي منقلته عشر ثمنه ونصف عشر ثمنه، وفي موضحته نصف عشر ثمنه، وفيما بعد هذه الأربع الخصال مما يصاب به العبد ما نقص من ثمنه وهو قول مالك.

ما جاء في أهل الذمة إذا جنى بعضهم على بعض أتحمله العاقلة؟
قلت: أرأيت أهل الذمة إذا قتل بعضهم بعضا، أتحمله عواقلهم ويحكم السلطان

ما جاء في الصبي والمجنون إذا جنوا وفي دي الجنين إذا كان ذكرا
ً
ما جاء في الصبي والمجنون إذا جنوا وفي دية الجنين إذا كان ذكرا
قلت: أرأيت الصبي والمجنون ما جنيا من عمد أو خطأ بسيف أو غير ذلك، أهو خطأ كله؟ قال: قال مالك: نعم تحمله العاقلة إذا كان مبلغ الثلث فصاعدا، وإن كان أقل من الثلث ففي أموالهم، وإن لم يكن لهم مال كان ذلك دينا عليهم يتبعون به، وإن كان المجنون يفيق ويجن، فما أصاب في حال جنونه فهو بمنزلة ما وصفت لك، وما أصاب في حال إفاقته فهو والصحيح سواء، يقام ذلك كله عليه إن كان عمدا، وإن كان خطأ حملته العاقلة إن كان مما تحمله العاقلة. قلت: أرأيت المجنون الذي يجن ويفيق إذا قطع يد الرجل عمدا، أو افترى على رجل أو فقأ عينه وذلك في حال إفاقته، ثم انتظر به براء الجراح؛ فلما برئت الجراح قدم إلى السلطان وهو معتوه في حال جنونه - وهو يجن في رأس كل شهر ثلاثة أيام - أتقيم عليه جرائره هذه، أم تنتظر به حتى يفيق ثم تقيم عليه ما جنى؟ قال: أرى أن يؤخر حتى يفيق وهو قول مالك.

دية الجنين جنين الحرة
قلت: أرأيت الجنين في الدية إن كان الجنين جارية؟ قال: الذكر والأنثى فيه سواء - عند مالك - في الدية، ففيها الغرة، جارية كان أو غلاما. قلت: أرأيت إن ضربها رجل فألقته ميتا، مضغة أو علقة، ولم يتبين من خلقه أصبع ولا عين ولا غير ذلك. أتكون فيه الغرة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا ألقته فعلم أنه حمل وإن كان مضغة أو علقة أو دما ففيه الغرة، وتنقضي به العدة من الطلاق وتكون به الأمة أم ولد. قلت: أرأيت الجنين إذا ضربه رجل فألقته أمه ميتا، أتحمله العاقلة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تحمله العاقلة وإنما هو في مال الجاني.

ما جاء في امرأة من المجوس أو رجل من المجوس ضرب بطن امرأة مسلمة فألقت جنينها ميتا
قلت: فلو أن امرأة من المجوس أو رجلا من المجوس ضرب امرأة من المسلمين

ما جاء في الرجل يأتي بعبد أو وليدة قيمة دية الجنين هل يجبرون على ذلك؟
قلت: أرأيت ما جاء في الجنين من الحديث: إن فيه الغرة، أرأيت إن جاءهم بعبد أو أمة، أيجبرون على أخذ ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان قيمة العبد أو الأمة خمسين دينارا أو ستمائة درهم، وإن كان ذلك أقل من خمسين دينارا أو ستمائة درهم لم يكن ذلك له إلا أن يشاء المجني عليه أن يأخذ ذلك منه. قلت: أرأيت الذي خرج قبل موت أمه ميتا أو حيا فمات قبل موتها ثم ماتت هي بعده، أترث الأم من ديته شيئا أم لا؟ وكيف إن كان حيا فماتت الأم قبله ثم مات هو بعدها وقد استهل صارخا، يرث هذا أمه أم لا؟ نعم يرث بعضهم بعضا في مسائلك هذه. قلت: أرأيت إن ضرب رجل بطن امرأة فألقت جنينا ميتا وقد مات أبوه قبل ذلك، ولأبيه امرأة أخرى حامل فولدت بعد خروج الجنين ولدا حيا، أيرث من دية هذا الجنين شيئا في قول مالك؟ قال: قال مالك:

دية الجنين موروثة على فرائض الله، فأرى لهذا الولد من هذا الأخ الجنين ميراثه منه؛ لأنه كان حيا يوم خروج الجنين ميتا ووجبت فيه الدية ألا ترى أن ميتا لو مات، ولأبيه امرأة حامل، ولا ابن للميت، أن للحمل ميراثه من هذا الميت إذا خرج حيا، فكذلك مسألتك في الجنين. قلت: وكذلك لو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا، ثم خرج آخر حيا فعاش أو استهل صارخا فمات مكانه، كان لهذا الذي خرج حيا ميراثه من هذا الذي خرج ميتا في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: دية الجنين موروثة على فرائض الله. قلت: وسواء إن كان خرج الجنين ميتا قبل أخيه الحي أو بعده؟ قال: نعم هو سواء، وهو يرثه إذا كان خروجه بعده وهو حي. قال: وقال مالك: ولو أن الوالد ضرب بطن امرأته فألقت جنينا ميتا، فإن الأب لا يرث من دية الجنين شيئا ولا يحجب، وهي موروثة على فرائض الله وليس للأب من ذلك شيء. قلت: أرأيت جنين الذمية كم فيه؟ قال: عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه وهو سواء. قلت: الذكر والأنثى في هذا سواء؟ قال نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الذي ضرب بطن امرأته فألقت جنينا ميتا، أعمده وخطؤه سواء في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن ضرب بطنها عمدا فألقت جنينا حيا فمات بعدما استهل صارخا؟ قال: الذي سألت مالكا عنه، إنما هو في الخطأ. وأنا أرى فيه الدية بقسامة إذا كانت الأم مسلمة والأب مسلما. وإن ضرب رجل بطنها عمدا فألقت جنينا حيا ثم استهل صارخا ثم مات، فإن فيه القسامة يقتسمون على من فعل ذلك به ويقتلونه. قال ابن القاسم: لا يكون العمد في المرأة، إلا أن يضرب بطنها خاصة تعمدا، فذلك الذي يكون فيه القصاص بقسامة. قلت: أرأيت إن أسلمت امرأة النصراني وهي حامل، فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا؟ قال: لا قسامة في هذا، وفيه نصف عشر دية أبيه؛ لأن مالكا قال في النصرانية إذا أسلمت وفي بطنها جنين: إن في جنينها ما في جنين النصرانية، كذلك قال لي مالك. قال ابن القاسم: ولو استهل صارخا ثم مات، حلف ورثته يمينا واحدة واستحقوا ديته، وذلك أن مالكا قال في النصراني يقتل فيأتي ولاته بشاهد من المسلمين عدل: إنهم يحلفون يمينا واحدة ويستحقون الدية على من قتله، مسلما كان أو نصرانيا. فكذلك جنين النصرانية إذا استهل صارخا، فإنما فيه يمين واحدة لمات مما فعل به واستحقوا ديته.

ما جاء في قيمة جنين الأمة وأم الولد وفي الأب يجني على ابنه بخطأ
قلت: أرأيت ما جاء في الجنين من الحديث: إن فيه الغرة. أرأيت إن جاءهم بعبد أو أمة، أيجبرون على أخذ ذلك في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان قيمة العبد أو الأمة خمسين دينارا أو ستمائة درهم، فإن كان ذلك أقل من خمسين دينارا أو ستمائة درهم لم

يكن ذلك له إلا أن يشاء المجني عليه أن يأخذ ذلك منه. قلت: أرأيت قيمة الغرة في الدراهم إنما هي ستمائة درهم في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الأمة، كم في جنينها؟ قال: في جنينها عشر قيمتها كجنين الحرة من دية أمه وهو قول مالك. قلت: أرأيت إن كان لجنين الأمة أب، وهو عبد أو حر، هل يلتفت إلى قيمته، أو يجعل فيه نصف عشر قيمة الأب إذا كان عبدا أم لا؟ قال: لا يلتفت في جنين الأمة إلى والده - عبدا كان أو حرا - إنما فيه عشر قيمة أمه وهو قول مالك. إلا أن مالكا قال في جنين أم الولد إذا كان من سيدها: إن فيه ما في جنين الحرة. قلت: أرأيت إن قتل الأب ابنه خطأ، أيكون ذلك على العاقلة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ولا يرث من ديته شيئا؟ قال: نعم، لا يرث من ديته شيئا - عند مالك - ويرث من ماله. قلت: وإذا كان عمدا لم يرث من ديته شيئا ولا من ماله؟ قال: نعم كذلك قال مالك. قلت لابن القاسم ما فرق ما بين الجنين إذا ضربت أمه فألقته ميتا؟ قال مالك: فيه دية الجنين بغير قسامة خطأ كان أو عمدا، وإذا ضربها فألقته حيا فاستهل صارخا ثم مات بعد ذلك، قال مالك: فيه القسامة وديته على العاقلة. قال: بمنزلة رجل ضرب فتكلم وعاش أياما ثم مات ففيه القسامة، والذي لم يتكلم حتى مات فلا قسامة فيه. وكذلك الجنين إذا خرج ميتا فلا قسامة فيه، وأما إذا خرج حيا قد استهل ثم مات، فلا يدري أمن ضربته مات أو من غير ذلك من شيء عرض له بعد خروجه ففيه القسامة. قلت: فإن كان ضربها عمدا فألقته حيا فاستهل ثم مات؟ قال: إنما سألت مالكا عن المرأة إذا ضربها رجل خطأ فألقته حيا فاستهل صارخا ثم مات. قال مالك: فيه القسامة والعقل، وأرى في العمد في مسألتك القسامة والقود.

في رجل وصبي قتلا رجلا عمدا أو ضربه الصبي خطأ والرجل عمدا
قلت: أرأيت إذا اجتمع في قتل رجل صبي ورجل فقتلاه عمدا؟ قال: قال مالك: على عاقلة الصبي نصف الدية ويقتل الرجل. قلت: وكذلك لو كانت رمية الصبي خطأ ورمية الرجل عمدا فمات منهما جميعا؟ قال: الذي أرى وأستحب، أن تكون الدية عليهما جميعا، لأني لا أدري من أيهما مات. وإنما قال مالك إذا كان العمد منهما جميعا. قال ابن القاسم: قال مالك: كل من قتل عمدا - فعفي عنه وكان القتل ببينة أثبتت عليه، أو بقسامة استحق الدم بها قبله عمدا فعفي عنه - قال مالك: فإنه يجلد مائة ويحبس عاما. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: إذا قتل رجل مسلم ذميا عمدا أو عبدا عمدا، فإنه يضرب مائة ويسجن عاما. قلت: وكذلك لو أنه أقر أنه قتل ولي هذا الرجل عمدا فعفا عنه هذا الرجل، أيضرب هذا الرجل مائة ويسجن عاما؟ قال: نعم

كذلك قال مالك: إنه يضرب مائة ويسجن عاما. قلت: أرأيت لو أن رجلا من أهل الذمة، أو عبدا لرجل من المسلمين، أو لرجل من أهل الذمة، قتلا رجلا من المسلمين أو من أهل الذمة، أتضربهما مائة وتحبسهما عاما في قول مالك؟ قال: قال مالك في الذي يقتل عمدا فيعفوا أولياء الدم عنه: إنه يضرب مائة ويحبس عاما، فأرى في هذا أنهما يضربان مائة ويحبسان عاما كل من قتل عمدا إذا عفي عنهم، عبيدا كانوا أو إماء أو أحرارا، مسلمين كانوا أو ذميين أو عبيدا لأهل الذمة، فهم في ذلك سواء. قلت: فإن قتل عبد لرجل وليا لي عمدا فعفوت عنه، ولم أشترط أني إنما عفوت عنه على أن يكون لي أو لسيده، أيكون لي أو لسيده؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يعفو عن الدم في العمد والقاتل حر ولا يشترط الدية ثم طلب الدية بعد ذلك. قال: قال مالك: لا شيء له إلا أن يعرف له سبب أراده، فيحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما عفوت عنه إلا على أخذ الدية، وما كان عفوي عنه تركا للدية، ثم يكون ذلك له. وكذلك العبد ليس فيه شيء إلا أن يعرف أنه إنما عفا عنه ليستحييه لنفسه، فإن عرف ذلك كان ذلك له وكان سيده بالخيار. قلت: فلو عفا ولي الدم، إذا كان عمدا، عن العبد، على أن يأخذه وقال سيد العبد: لا أدفعه إليك إما أن تقتل وإما أن تترك؟ قال: لا ينظر إلى قول سيد العبد، ويأخذه هذا الذي عفا عنه على أن يكون له العبد. كذلك قال مالك إلا أن يشاء رب العبد أن يدفع إليه الدية ويأخذ العبد فذلك له. قلت: أرأيت إن عفوت عن هذا العبد على أن يكون العبد لي - وقد قتل وليي عمدا فأخذته - أيضرب مائة ويسجن عاما في قول مالك؟ قال: نعم وذلك رأيي.

ما جاء في الرجل من أهل البادية ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا
قلت: أرأيت لو أن رجلا من أهل البادية من أهل الإبل ضرب بطن امرأة من أهل البادية فألقت جنينا ميتا، أيكون فيه الإبل أم الدنانير - على الضارب - أم الغرة أم الدراهم؟ قال مالك: في الغرة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمران من الرقيق أحب إلي من السودان إلا أن تكون الحمران من الرقيق قليلة في الأرض التي يقضى فيها بالغرة فيؤخذ من السودان. قال: وقال مالك: والقيمة في ذلك خمسون دينارا أو ستمائة درهم، وليس القيمة عندنا كالسنة التي لا اختلاف فيها، وأنا أرى ذلك حسنا. قال ابن القاسم: ففي هذا - من قول مالك - ما يدلك على أن دية الجنين إذا وقعت على أهل الإبل، أن عليهم غرة وليست بإبل. وقد قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة - والدية يومئذ إبل عند النبي عليه السلام - وإنما قضى بالغرة على أهل الإبل ولم يجعل عليهم الإبل، وإنما قوم

عمر بن الخطاب رحمه الله الدية من الإبل على أهل الذهب والورق حين صارت. أموالهم ذهبا وورقا وترك دية الإبل على أهل الإبل على حالها - والغرة إنما هي سنة من النبي صلى الله عليه وسلم قائمة - عبدا أو وليدة - ألا ترى أن مالكا قال: ليس الخمسون دينارا في الغرة ولا الستمائة درهم كالسنة القائمة واستحسنه، والدية فيه إنما هو عبد أو وليدة. ألا ترى أن في حديث ابن شهاب الذي يذكره عن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بالغرة عبدا ووليدة. وفي حديث سعيد بن المسيب الذي يذكره عنه مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبدا ووليدة1 . وفي حديث مالك عن ربيعة، أن الغرة تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم2. وقال لي مالك في الغرة التي قضى فيها النبي عليه السلام: الحمران أحب إلي من السودان. ورخص في السودان على حال ما وصفت لك إذا كان الحمران بتلك البلدة قليلا، أن يؤخذ السودان. وذكر في التقويم أنه ليس كالسنة، فإنما دية الجنين عبدا ووليدة أينما وقعت من بلاد المسلمين وعلى من وقعت، ولا يلتفت فيه إلى أهل الإبل من غيرهم. وكذلك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة على أهل الإبل في الجنين، ولو كانت على أهل الإبل في الجنين إبل لكان على أهل الورق ورق، وعلى أهل الذهب ذهب، ولكنها على ما قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ومما يبين ذلك أن الدية إنما كانت إبلا، عندما قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأنصاري الذي قتل بخيبر، فإنما وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبل وهو بالمدينة، وقضى في الغرة بعبد أو وليدة وهو يومئذ بالمدينة.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العقول حديث 6 عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة. فقال الذي قضي عليه: كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك بطل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان. ورواه البخاري في كتاب الطب باب 46.
2 رواه في الموطأ في كتاب العقول حديث 6 عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن.

الإقرار بقتل الخطأ
الإقرار بقتل خطأ
قلت: أرأيت إذا أقر الرجل بالقتل خطأ، أتجعله في ماله - في قول مالك - أم على العاقلة؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يقر بالقتل خطأ فقال لي مالك: أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان الذي أقر له ممن يتهم أن يكون إنما أراد غنى ولده - مثل الأخ والصديق - لم أر أن يقبل قوله، وإن كان الذي أقر بقتله من الأباعد ممن لا يتهم فيه، رأيت أن يقبل قوله إذا كان ثقة مأمونا ولم يخف أن يكون أرشي على ذلك ليحابي به أحدا. قال: فقلت لمالك: فعلى من عقله؟ قال: على عاقلته. قال: فقلت لمالك: أفبقسامة أم بغير قسامة؟ قال: بل بقسامة، يقسم ولاة الدم ثم يستحقون الدية قبل العاقلة. قلت: فإن أبى ولاة الدم أن يقسموا، أتجعل الدية في مال هذا المقر؟ قال: لا، ولا أرى لهم شيئا لأن مالكا سئل عن الرجل يضرب فيقول: فلان قتلني خطأ، أترى أن يقبل قوله؟ قال: قال مالك: نعم. قلت: فالعقل على من هو، أعلى القاتل في ماله أم على عاقلته؟ قال: قال مالك: بل على عاقلته إن أقسموا وإلا لم يكن لهم في مال الذي ادعى عليه شيء. فكذلك إقرار هذا بالخطأ؛ لأن الدية لا تجب - في قول مالك - على المقر بإقراره، إنما تجب على عاقلته. ولا تثبت إلا بقسامة، وكذلك قال لي مالك: لا شيء عليه في ماله. قلت:

أرأيت هذا الذي أقر بالقتل خطأ، وأقسم الذين أقر لهم فوجبت الدية لهم على عاقلة هذا الذي أقر بها. أتجعلها عليهم في ثلاث سنين في قول مالك؟ قال: نعم إذا وجبت عليهم، فإنما هي في ثلاث سنين عند مالك. قلت: أرأيت إن اشترك عشرة رجال في قتل رجل خطأ - وهم من قبائل شتى - أتجعل على كل قبيلة عشر الدية في ثلاث سنين؟ قال: نعم كذلك قال مالك. قال: وقال مالك: إذا وقع ثلث الدية على عشرة رجال من قبائل شتى حملته عنهم العاقلة. قال مالك: وإن جنى رجل واحد أقل من الثلث لم تحمله العاقلة لأن الجناية أقل من الثلث، وإنما تحمل العاقلة الجناية إذا كانت الثلث فصاعدا - وقعت على واحد أو على جماعة - فإن العاقلة تحمله بحال ما وصفت لك. قلت: أرأيت إن أقر رجلان بقتل رجل عمدا أو خطأ وقالا: قتله فلان معنا، قال: أما في العمد فلا يقبل قولهما لأنهما غير عدلين؛ لأنهما إنما أقرا، ولا تحمل العاقلة اعترافا لا بقسامة من ولاة الدم. قلت: أفيقسم ولاة الدم على الذي قالا فيه قتله وهو ينكر؟ قال: نعم. قلت: لم؟ قال: لأن قول هذين: قتله فلان معنا لوث بينة، ولو كانت شهادة تامة لجعلتها بغير قسامة وأجزتها كلها. قلت: أرأيت إن قال ولاة الدم: نحن نقسم عليكما وندع هذا المنكر. أيكون ذلك لهم؟ قال: لا. قلت: فإن قالوا: نحن نقسم على ثلثي الدية، أيكون ذلك لهم؟ قال: لا أعرف القسامة تكون إلا في الدية كاملة. قال سحنون: اختلف في هذه المسألة أصحابنا على قولين: المخزومي وغيره. قال بعضهم: لا تحمل العاقلة اعترافا ولا إقرارا وتكون الدية على المقرين في أموالهما. ولا يقبل قولهما: إن فلانا قتله معنا خطأ؛ لأنهما يريدان أن يدفعا عن أنفسهم بعض الغرم بشهادتهما. وقال بعضهم: إن العاقلة تحمل الاعتراف من غير قسامة؛ لأن الدية قد ثبتت بشاهدين. وقال المخزومي: إذا أقر رجل واحد أنه قتل رجلا خطأ، فإنما تكون الدية في ماله، ولا يقبل قوله: إن فلانا قتله معي. فإن كان مع إقراره شاهد واحد يشهد على القتل خطأ، أخرجه الشاهد من الغرم والإقرار وكانت القسامة لأولياء المقتول مع الشاهد. ابن مهدي عن مبارك بن فضالة أن الحسن قال في قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [سورة الدهر: 11] قال: نضرة: حسنا في الوجوه. وسرورا: في القلوب. ابن مهدي عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: صلاح: قلت: صلاح عمل صلاح عمل صلاح فيه. موسى بن معاوية عن يوسف بن عطية عن قتادة عن أنس بن مالك. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فسمع مناديا ينادي: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خرج من النار" فابتدرناه فإذا هو شاب حبشي يرعى غنما له في بطن واد، فأدركته صلاة المغرب فأذن لنفسه.

ما جاء في أعور العين اليمنى يفقأ عين رجل اليمنى وفي القصاص في اليد وفي الأسنان
قلت: أرأيت أعور العين اليمنى فقأ عين رجل اليمنى خطأ، كم يكون عليه؟ قال: نصف الدية على عاقلته وهذا قول مالك. قلت: فإن فقأها عمدا؟ قال ابن القاسم: سألت مالكا عنها؛ فقال لي: إنما هي عندي بمنزلة اليد والرجل، مثل لو أن رجلا قطع اليمنى قطع يمين رجل، أو قطع الرجل اليمنى قطع رجل رجل اليمنى، إنه لا قصاص فيه لكن فيه الدية. قال: فقلت لمالك: فالعين مثل ذلك؟ قال: نعم، واليد والرجل مما لا اختلاف فيه من قوله إنه لا يقتص لليسرى باليمنى ولا لليمنى باليسرى، ففي الذي قال لي مالك دليل على أن العين كذلك أيضا، لا يقتص عين يمنى بيسرى ولا يسرى بيمنى، والأسنان أيضا كذلك: الثنية بالثنية والرباعية بالرباعية والعليا بالعليا والسفلى بالسفلى، ولا تقاد سن إلا بمثلها سواء في صفتها ومواضعها لا غير ذلك. ويرجع ذلك إلى العقل إذا لم يكن له مثل الذي طرح له فيقتص له منه. قلت لابن القاسم: فإذا كان لا قصاص فيه، فكم العقل فيه وعلى من العقل؟ قال: العقل خمسمائة دينار في مال هذا الأعور الجاني وهذا قول مالك.

ما جاء في الأعور يفقأ عين الصحيح
قال: سألنا مالكا عن الأعور يفقأ عين الصحيح. فقال: إن أحب الصحيح أن يقتص اقتص وإن أحب فله دية عينه. ثم رجع بعد ذلك فقال: إن أحب أن يقتص اقتص وإن أحب فله دية عين الأعور، ألف دينار. وقوله الآخر أعجب إلي، إنما هو في الأعور إذا فقأ عين رجل - وعين الأعور الباقية هي مثل تلك العين - تكون عين الأعور اليمنى باقية فيفقأ عين رجل اليمنى، أو تكون اليسرى باقية فيفقأ عين رجل اليسرى. فأما رجل أعور العين فقأ عين رجل اليمنى فهذا قصاص فيه فيما سمعت من مالك وفيما بلغني عنه، وليس له إلا دية عينه. إن كان المفقودة عينه صحيحة عينه فخمسمائة دينار، وإن كان أعور فألف دينار لأنه لا قصاص له في عين الجاني، ولأن دية عين الأعور عند مالك ألف دينار. قلت: أرأيت لو أن رجلا أعمى فقأ عين رجل عمدا أتحمله العاقلة أم يكون ذلك في ماله في قول مالك؟ قال: ذلك في ماله عند مالك ولا تحمله العاقلة. قلت: أرأيت لو أن رجلا ذهب سمع إحدى أذنيه فضربه رجل فأذهب سمع أذنه الأخرى، أتكون عليه الدية كاملة أم نصف الدية في قول مالك؟ قال: بل عليه نصف الدية عند مالك. قال: ولا تكون الدية - عند مالك - في شيء واحد مما هو زوج في الإنسان إلا في عين الأعور وحدها، فإن فيها الدية كاملة عند مالك؟ قلت: فما فرق بين السمع والبصر؟

وقد قال مالك: إن في عين الأعور الباقية الدية كاملة. وقد قال في الذي قد ذهب سمع إحدى أذنيه: إن في سمع أذنه الباقية نصف الدية فما فرق ما بينهما؟ قال: السنة التي جاءت في عين الأعور وحده، أن في عينه الدية كاملة - ألف دينار - وما سوى ذلك مما هو زوج في الإنسان، مثل اليدين والرجلين والسمع وما أشبه هذا، فإن في كل واحدة نصف الدية، ما ذهب منه أول أو آخر، فهو سواء.

ما جاء في الرجل يشج موضحة خطأ أو مأمومة أو جائفة
قلت: أرأيت إذا ضرب رجل رجلا فشجه موضحة خطأ، لم قلت لا يحكم له بدية الموضحة حتى ينظر إلى ما يصير إليه؟ ولم قال مالك ذلك، لا يقضى له بالدية إلا بعد البئر، وهذا المشجوج موضحة يقول: أعطني عقل موضحتي فإن زادت موضحتي زدتني؟ قال: ألا ترى أنه لو مات منها كانت الدية على عاقلته بعد القسامة عند مالك؟ فأنت لا تدري على من وجبت دية الموضحة. قلت: فإن كانت مأمومة خطأ، أليس العاقلة تحمل ذلك؟ قال: نعم. قلت: فإن قال لك: أعطني عقل مأمومتي وتحملها العاقلة فإن مت منها حملت العاقلة تمام الدية؟ قال: لا يكون له ذلك. ألا ترى أن الدية لا تجب إن مات منها إلا بقسامة، فلا بد من أن ينتظر بالعاقلة حتى يعرف ما يصير إليه مأمومته. قلت: أرأيت هذا المشجوج مأمومة، أليس إن مات - وقد انتظرت حتى تعرف ما تصير إليه مأمومته فأبى ورثته أن يقسموا - جعلت على العاقلة ثلث الدية لمأمومته؟ قال: نعم. قلت: فقد أوجبت في الوجهين جميعا إن مات أو عاش على العاقلة ثلث الدية - في قول مالك - فلم تجيبه بذلك؟ قال: هذا الذي سمعنا وإنما هو الإتباع.
قلت: أرأيت من قلع سن صبي خطأ؟ قال: قال مالك: ينتظر به، فإن نبتت وإلا كان عليه عقل سن. قال مالك: ويؤخذ العقل فيوضع على يدي عدل حتى ينظر ما تصير إليه السن، فإن عادت لهيئتها لم يكن فيها شيء. قلت: أرأيت هذا الصبي الذي قلعت سنه، فانتظرت به فمات قبل أن تخرج سنه أو مات قبل أن يثغر، هل يجب عقل السن على الذي قلعها أم لا؟ قال: نعم قد وجب عقلها وهو قول مالك. قلت: أرأيت إن قلع رجل ظفر رجل خطأ، ما عليه في قول مالك؟ قال: إن برأ وعاد لهيئته فلا شيء عليه، وإن برأ على عثم كان فيه الاجتهاد. قلت: فإن كان عمدا، أيقتص منه؟ قال: نعم.

ما جاء في رجل شج رجلا موضحة خطأ أو عمدا فذهب منها سمعه وعقله
قلت: أرأيت إن ضرب رجل رجلا خطأ فشجه موضحة فذهب سمعه وعقله،

ما جاء في قياس النقصان في بصر العين وسمع الأذن
قلت: أرأيت العينين أو الأذنين، كيف يعرف ذهاب السمع والبصر منهما في قول مالك؟ قال: قال لي مالك في العين إذا أصيبت فنقص بصرها، إنه تغلق الصحيحة وتقاس له التي أصيبت بأمكنة تختبر بها، فإذا اتفق قوله في تلك الأمكنة قيست الصحيحة، ثم نظر: كم انتقصت هذه المصابة من الصحيحة فيعقل له قدر ذلك. قال: قال لي مالك: والسمع كذلك. قلت: فكيف يقيسون بصره؟ قال: سمعت أنه توضع له البيضة أو الشيء في مكان. فإن أبصرها حولت إلى موضع آخر ثم إلى موضع آخر، فإن كان قياس ذلك سواء أو يشبه بعضه بعضا صدق، وكذلك قال لي مالك. قلت: فالسمع كيف يقاس؟ قال: يختبر بالأمكنة أيضا حتى يعرف صدقه من كذبه. قلت: أرأيت إن ضربه فادعى المضروب أن جميع سمعه ذهب، أو قال قد ذهب بصري ولا أبصر شيئا، يتصامم ويتعامى: أيقبل ذلك منه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال: الظالم أحق أن يحمل عليه، فأرى إذا لم يعلم ذلك أن القول قول المضروب مع يمينه.

ما جاء في الرجل يضرب رجلا ضربة خطأ فقطع يده أو كفه وشل الساعد
قلت: أرأيت إن ضربه ضربة خطأ فقطع كفه فشل الساعد، ما عليه في قول مالك؟ قال: عليه دية اليد ولا شيء عليه غير ذلك؛ لأنها ضربة واحدة فدخل الشلل والقطع جميعا في دية اليد إذا كانت ضربة واحدة. قلت: أرأيت إذا كان من أهل الإبل فجنى جناية لا تحملها العاقلة لأنها أقل من الثلث، أيكون على الجاني من الإبل شيء أم لا؟ قال: نعم، كذلك قال مالك في الأصبع، إن الجناية على الجاني في الإبل في ماله، ابنتا مخاض وابنتا لبون وابنا لبون وحقتان وجذعتان. قلت: وكذلك لو جنى ما هو أقل من بعير كان ذلك عليه في الإبل؟ قال: نعم، ذلك عليه في الإبل عند مالك. قلت: أرأيت إذا قتل قتيلا عمدا - والجاني من أهل الإبل أو من أهل الدنانير - فصالحوه على أكثر من الدية، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: ذلك جائز على ما اصطلحوا - كان ذلك ديتين أو أكثر من ذلك - فهو جائز على ما اصطلحوا عليه. قلت: أرأيت إن جنى رجل من أهل الإبل جناية خطأ، فصالح عاقلته أولياء الجناية على أكثر من ألف دينار؟ قال: أرى أن ذلك جائز إن قدموا الدنانير ولم يؤخروها؛ لأنه يصير دينا بدين إذا أخروها، ولا أقوم على حفظ قول مالك في هذا ولكن هذا رأيي في الدين بالدين. قلت: أرأيت إن كانت الجناية عمدا فصالحوه على مال إلى أجل؟ قال: هذا جائز لأن هذا ليس بمال وإنما كان دما وهو رأيي. قلت: أرأيت إن صالح الذي جنى أولياء الجناية - والجناية خطأ، وهي مما تحمل العاقلة - فقالت العاقلة: لا نرضى بهذا الصلح ولكنا نحمل ما علينا من الدية؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا، وذلك لهم لأن الدية عليهم وجبت.

ما جاء في الرجل يقول قتلني فلان خطأ أو عمدا وقالت الورثة خلاف ما قال المقتول
قلت: أرأيت إن قال المقتول: دمي عند فلان قتلني عمدا. أيكون لولاة الدم أن يقسموا ويقتلوا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك لو قال المقتول: دمي عند فلان قتلني خطأ، فلولاة الدم أن يقسموا ويأخذوا الدية من العاقلة في قول مالك؟ قال: نعم. وقد سألت مالكا عن ذلك فقال لي مثل ما قلت لك. قلت: فلو قال المقتول: دمي عند فلان قتلني خطأ أو عمدا، وقالت الورثة خلاف ما قال المقتول. أيكون لهم أن يقسموا على خلاف ما قال المقتول؟ قال: ليس لهم أن يقسموا إلا على ما قال المقتول ولم أسمعه من مالك. قلت: أرأيت ما أصاب النائم من شيء، أعلى العاقلة هو؟ قال: إذا

بلغ الثلث فهو على العاقلة عند مالك. قال: وسئل مالك عن امرأة نامت على صبيها فقتلته؟ قال مالك: أرى ديته على العاقلة وتعتق رقبة. قلت: أرأيت إن شهد على إقرار رجل أنه قتل فلانا خطأ رجل واحد، وشهد عليه رجل آخر أنه قتله خطأ، أيكون على المشهود عليه شيء أم لا في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول في الرجل يشهد عليه الرجل الواحد أنه قتل فلانا خطأ: إن أولياء القتيل يقسمون ويستحقون الدية قبل العاقلة، وكذلك لو أقر أنه قتل فلانا خطأ: إن أولياء القتيل يقسمون ويستحقون الدية قبل العاقلة. قلت: فإن شهد رجل واحد على إقرار رجل أنه أقر أنه قتل فلانا خطأ، أيكون لولاة الدم أن يقسموا ويستحقوا الدية، وإنما شهد على إقراره رجل واحد؟ قال: لا يثبت ذلك من إقراره إلا بشاهدين على إقراره ويقتسمون ويستحقون. ولو أن رجلا شهد على رجل أنه أقر لفلان عليه كذا وكذا ثم جحده، كان للذي أقر له بذلك أن يحلف مع الشاهد على الإقرار ويستحق حقه، وهذا عندي مخالف للدم - دم الخطأ - وهو رأيي. قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في العبد يجرح وله مال: إنه مرتهن بماله في جراحه. فإن كان عليه دين فدينه أولى بماله من جرحه؛ لأنه إنما جرحه في رقبته. قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول في المدبر إذا جرح رجلا فأسلم سيده خدمته، ثم جرح آخر بعدما أسلم سيده خدمته: إنهما جميعا يتحاصان في خدمته بقدر ما بقي للأول وبقدر جراحة الثاني. قلت: أرأيت المحدود في قذف إذا حسنت حاله، أتجوز شهادته في الدماء في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا حسنت حال المحدود في قذف جازت شهادته، وأرى شهادته في الدم وغير الدم جائزة؛ لأنه لم يردها في شيء من الأشياء حين قال: إذ حسنت حاله جازت شهادته. قلت لابن القاسم: أرأيت شهادات النساء في الجراحات الخطأ والقتل خطأ، أتجوز في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن شهد النساء مع رجل على منقلة عمدا أو مأمومة عمدا، أتجوز أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأنا أراها جائزا في رأيي؛ لأنه قد أجاز شهادة المرأتين في الخطأ وهو دم. ألا ترى أن مآلها أن تكون مالا؛ إذ المأمومة والمنقلة عمدهما وخطؤهما إنما هو مال ليس فيه قود.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19