كتاب : زاد المعاد في هَدْي خير العباد
المؤلف : محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية


فَصْلٌ هَدْيُهُ [صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْجِمَاعِ ]
[مَقَاصِدُ الْجِمَاعِ ]
وَأَمّا الْجِمَاعُ وَالْبَاهُ فَكَانَ هَدْيُهُ فِيهِ أَكْمَلَ هَدْيٍ يُحْفَظُ بِهِ الصّحّةُ وَتَتِمّ بِهِ اللّذّةُ وَسُرُورُ النّفْسِ وَيَحْصُلُ بِهِ مَقَاصِدُهُ الّتِي وُضِعَ لِأَجْلِهَا فَإِنّ الْجِمَاعَ وُضِعَ فِي الْأَصْلِ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ هِيَ مَقَاصِدُهُ الْأَصْلِيّةُ أَحَدُهَا : حِفْظُ النّسْلِ وَدَوَامُ النّوْعِ إلَى أَنْ تَتَكَامَلَ الْعُدّةُ الّتِي قَدّرَ اللّهُ بُرُوزَهَا إلَى هَذَا الْعَالَمِ . الثّانِي . إخْرَاجُ الْمَاءِ الّذِي يَضُرّ احْتِبَاسُهُ وَاحْتِقَانُهُ بِجُمْلَةِ الْبَدَنِ . الثّالِثُ قَضَاءُ الْوَطَرِ وَنَيْلُ اللّذّةِ وَالتّمَتّعُ بِالنّعْمَةِ وَهَذِهِ وَحْدَهَا هِيَ الْفَائِدَةُ الّتِي فِي الْجَنّةِ إذْ لَا تَنَاسُلَ هُنَاكَ وَلَا احْتِقَانَ يَسْتَفْرِغُهُ الْإِنْزَالُ .
[ الْجِمَاعُ مِنْ أَسْبَابِ الصّحّةِ ]
وَفُضَلَاءُ الْأَطِبّاءِ يَرَوْنَ أَنّ الْجِمَاعَ مِنْ أَحَدِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصّحّةِ . قَالَ جالينوس : الْغَالِبُ عَلَى جَوْهَرِ الْمَنِيّ النّارُ وَالْهَوَاءُ وَمِزَاجُهُ حَارّ رَطْبٌ لِأَنّ كَوْنَهُ مِنْ الدّمِ الصّافِي الّذِي تَغْتَذِي بِهِ الْأَعْضَاءُ الْأَصْلِيّةُ وَإِذَا ثَبَتَ فَضْلُ الْمَنِيّ فَاعْلَمْ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُ إلّا فِي طَلَبِ النّسْلِ أَوْ إخْرَاجُ الْمُحْتَقِنِ مِنْهُ فَإِنّهُ إذَا دَامَ احْتِقَانُهُ أَحْدَثَ أَمْرَاضًا رَدِيئَةً مِنْهَا : الْوَسْوَاسُ وَالْجُنُونُ وَالصّرَعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ يُبْرِئُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ كَثِيرًا فَإِنّهُ إذَا طَالَ احْتِبَاسُهُ فَسَدَ وَاسْتَحَالَ إلَى كَيْفِيّةٍ سُمّيّةٍ تُوجِبُ أَمْرَاضًا رَدِيئَةً كَمَا ذَكَرْنَا وَلِذَلِكَ تَدْفَعُهُ الطّبِيعَةُ بِالِاحْتِلَامِ إذَا كَثُرَ عِنْدَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ . وَقَالَ بَعْضُ السّلَفِ يَنْبَغِي لِلرّجُلِ أَنْ يَتَعَاهَدَ مِنْ نَفْسِهِ ثَلَاثًا : أَنْ لَا يَدَعَ الْمَشْيَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ يَوْمًا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدَعَ الْأَكْلَ فَإِنّ أَمْعَاءَهُ تَضِيقُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدَعَ الْجِمَاعَ فَإِنّ الْبِئْرَ إذَا لَمْ تُنْزَحْ ذَهَبَ مَاؤُهَا . وَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ زَكَرِيّا : مَنْ تَرَكَ الْجِمَاعَ مُدّةً طَوِيلَةً ضَعُفَتْ قُوَى أَعْصَابِهِ وَانْسَدّتْ مَجَارِيهَا وَتَقَلّصَ ذَكَرُهُ . قَالَ وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً تَرَكُوهُ لِنَوْعٍ مِنْ التّقَشّفِ فَبَرُدَتْ [ ص 229 ]
[ مَنَافِعُهُ ]
[ مَحَبّتُهُ لَهُ ]
وَمِنْ مَنَافِعِهِ غَضّ الْبَصَرِ وَكَفّ النّفْسِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْعِفّةِ عَنْ الْحَرَامِ وَتَحْصِيلُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ يَنْفَعُ نَفْسَهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ وَيَنْفَعُ الْمَرْأَةَ وَلِذَلِكَ كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَعَاهَدُهُ وَيُحِبّهُ وَيَقُولُ حُبّبَ إلَيّ مِنْ دُنْيَاكُمْ : النّسَاءُ وَالطّيبُ وَفِي كِتَابِ " الزّهْدِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَصْبِرُ عَنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَلَا أَصْبِرُ عَنْهُنّ
[الْحَثّ عَلَى الزّوَاجِ ]
وَحَثّ عَلَى التّزْوِيجِ أُمّتَهُ فَقَالَ تَزَوّجُوا فَإِنّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ . وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : خَيْرُ هَذِهِ الْأُمّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً وَقَالَ إنّي أَتَزَوّجُ النّسَاءَ وَأَنَامُ وَأَقُومُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِي فَلَيْسَ مِنّي . وَقَالَ يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ فَإِنّهُ أَغَضّ لِلْبَصَرِ وَأَحْفَظُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ فَإِنّهُ لَهُ وِجَاءٌ [ ص 230 ] وَلَمّا تَزَوّجَ جَابِرٌ ثَيّبًا قَالَ لَهُ هَلّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " : مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللّهَ طَاهِرًا مُطَهّرًا فَلْيَتَزَوّجْ الْحَرَائِرَ وَفِي " سُنَنِهِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ يَرْفَعُهُ قَالَ لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلَ النّكَاحِ وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا الْمَرْأَةُ الصّالِحَةُ . وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّضُ أُمّتَهُ عَلَى نِكَاحِ الْأَبْكَارِ الْحِسَانِ وَذَوَاتِ الدّينِ وَفِي " سُنَنِ النّسَائِيّ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيّ النّسَاءِ خَيْرٌ ؟ [ ص 231 ] قَالَ الّتِي تَسُرّهُ إذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ
[ الْحَثّ عَلَى نِكَاحِ الْوَلُودِ ]
وَكَانَ يُحِثّ عَلَى نِكَاحِ الْوَلُودِ وَيَكْرَهُ الْمَرْأَةُ الّتِي لَا تَلِدُ كَمَا فِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوّجُهَا ؟ قَالَ " لَا " ثُمّ أَتَاهُ الثّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمّ أَتَاهُ الثّالِثَةَ فَقَالَ تَزَوّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْهُ مَرْفُوعًا : أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ : النّكَاحُ وَالسّوَاكُ وَالتّعَطّرُ وَالْحِنّاءُ رُوِيَ فِي " الْجَامِعِ " بِالنّونِ وَالْيَاءِ وَسَمِعْت أَبَا الْحَجّاجِ الْحَافِظَ يَقُولُ الصّوَابُ أَنّهُ الْخِتَانُ وَسَقَطَتْ النّونُ مِنْ الْحَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْمَحَامِلِيّ عَنْ شَيْخِ أَبِي عِيسَى التّرْمِذِيّ .
[ أُمُورٌ تَتَعَلّقُ بِمَا قَبْلَ الْجِمَاعِ ]
وَمِمّا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى الْجِمَاعِ مُلَاعَبَةُ الْمَرْأَةِ وَتَقْبِيلُهَا وَمَصّ [ ص 232 ] وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُلَاعِبُ أَهْلَهُ وَيُقَبّلُهَا . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُقَبّلُ عَائِشَةَ وَيَمُصّ لِسَانَهَا . وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْمُوَاقَعَةِ قَبْلَ الْمُلَاعَبَةِ .
[ الْغُسْلُ مِنْ الْجِمَاعِ ]
وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُبّمَا جَامَعَ نِسَاءَهُ كُلّهُنّ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَرُبّمَا اغْتَسَلَ عِنْدَ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْهُنّ غُسْلًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ اغْتَسَلْت غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ هَذَا أَزْكَى وَأَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَشُرِعَ لِلْمُجَامِعِ إذَا أَرَادَ الْعَوْدَ قَبْلَ الْغَسْلِ الْوُضُوءُ بَيْنَ الْجِمَاعَيْنِ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضّأْ
[ مَنَافِعُ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَطْءِ ]
وَفِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ النّشَاطِ وَطِيبِ النّفْسِ وَإِخْلَافِ بَعْضِ مَا تَحَلّلَ بِالْجِمَاعِ وَكَمَالِ الطّهْرِ وَالنّظَافَةِ وَاجْتِمَاعِ الْحَارّ الْغَرِيزِيّ إلَى [ ص 233 ] دَاخِلِ الْبَدَنِ بَعْدَ انْتِشَارِهِ بِالْجِمَاعِ وَحُصُولِ النّظَافَةِ الّتِي يُحِبّهَا اللّهُ وَيَبْغَضُ خِلَافَهَا مَا هُوَ مِنْ أَحْسَنِ التّدْبِيرِ فِي الْجِمَاعِ وَحِفْظِ الصّحّةِ وَالْقُوَى فِيهِ .
فَصْلٌ وَقْتُهُ
وَأَنْفَعُ الْجِمَاعِ : مَا حَصَلَ بَعْدَ الْهَضْمِ وَعِنْدَ اعْتِدَالِ الْبَدَنِ فِي حَرّهِ وَبَرْدِهِ وَيُبُوسَتِهِ وَرُطُوبَتِهِ وَخَلَائِهِ وَامْتِلَائِهِ . وَضَرَرُهُ عِنْدَ امْتِلَاءِ الْبَدَنِ أَسْهَلُ وَأَقَلّ مِنْ ضَرَرِهِ عِنْدَ خُلُوّهِ وَكَذَلِكَ ضَرَرُهُ عِنْدَ كَثْرَةِ الرّطُوبَةِ أَقَلّ مِنْهُ عِنْدَ الْيُبُوسَةِ وَعِنْدَ حَرَارَتِهِ أَقَلّ مِنْهُ عِنْدَ بُرُودَتِهِ وَإِنّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَامِعَ إذَا اشْتَدّتْ الشّهْوَةُ وَحَصَلَ الِانْتِشَارُ التّامّ الّذِي لَيْسَ عَنْ تَكَلّفٍ وَلَا فِكْرٍ فِي صُورَةٍ وَلَا نَظَرٍ مُتَتَابِعٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَدْعِيَ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَتَكَلّفَهَا وَيَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَلْيُبَادِرْ إلَيْهِ إذَا هَاجَتْ بِهِ كَثْرَةُ الْمَنِيّ وَاشْتَدّ شَبَقُهُ
[التّحْذِيرُ مِنْ جِمَاعِ الْعَجُوزِ وَالصّغِيرَةِ ]
وَلْيَحْذَرْ جِمَاعَ الْعَجُوزِ وَالصّغِيرَةِ الّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَاَلّتِي لَا شَهْوَةَ لَهَا وَالْمَرِيضَةُ وَالْقَبِيحَةُ الْمَنْظَرِ وَالْبَغِيضَةُ فَوَطْءُ هَؤُلَاءِ يُوهِنُ الْقُوَى وَيُضْعِفُ الْجِمَاعَ بِالْخَاصّيّةِ .
[ جِمَاعُ الثّيّبِ ]
وَغَلِطَ مَنْ قَالَ مِنْ الْأَطِبّاءِ إنّ جِمَاعَ الثّيّبِ أَنْفَعُ مِنْ جِمَاعِ الْبِكْرِ وَأَحْفَظُ لِلصّحّةِ وَهَذَا مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ حَتّى رُبّمَا حَذّرَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عُقَلَاءُ النّاسِ وَلِمَا اتّفَقَتْ عَلَيْهِ الطّبِيعَةُ وَالشّرِيعَةُ .
[ أَسْبَابُ التّرْغِيبِ بِالْبِكْرِ ]
وَفِي جِمَاعِ الْبِكْرِ مِنْ الْخَاصّيّةِ وَكَمَالِ التّعَلّقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُجَامِعِهَا وَامْتِلَاءِ قَلْبِهَا مِنْ مَحَبّتِهِ وَعَدَمِ تَقْسِيمِ هَوَاهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مَا لَيْسَ لِلثّيّبِ . وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِجَابِرٍ هَلّا تَزَوّجْتَ بِكْرًا وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كَمَالِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ أَنّهُنّ لَمْ يَطْمِثْهُنّ أَحَدٌ قَبْلَ مَنْ جُعِلْنَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِشَجَرَةٍ قَدْ أُرْتِعَ فِيهَا وَشَجَرَةٍ لَمْ يُرْتَعْ فِيهَا فَفِي أَيّهِمَا كُنْت تُرْتِعُ بَعِيرَك ؟ قَالَ فِي الّتِي لَمْ يُرْتَعْ فِيهَا [ ص 234 ] وَجِمَاعُ الْمَرْأَةِ الْمَحْبُوبَةِ فِي النّفْسِ يَقِلّ إضْعَافُهُ لِلْبَدَنِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِفْرَاغِهِ لِلْمَنِيّ وَجِمَاعُ الْبَغِيضَةِ يُحِلّ الْبَدَنَ وَيُوهِنُ الْقُوَى مَعَ قِلّةِ اسْتِفْرَاغِهِ وَجِمَاعُ الْحَائِضِ حَرَامٌ طَبْعًا وَشَرْعًا فَإِنّهُ مُضِرّ جِدّا وَالْأَطِبّاءُ قَاطِبَةً تُحَذّرُ مِنْهُ .
[ أَحْسَنُ أَشْكَالِهِ ]
وَأَحْسَنُ أَشْكَالِ الْجِمَاعِ أَنْ يَعْلُوَ الرّجُلُ الْمَرْأَةَ مُسْتَفْرِشًا لَهَا بَعْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْقُبْلَةِ وَبِهَذَا سُمّيَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ قَوّامِيّةِ الرّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ } [ النّسَاءِ 34 ] وَكَمَا قِيلَ
إذَا رُمْتُهَا كَانَتْ فِرَاشًا يُقِلّنِي
وَعِنْدَ فَرَاغِي خَادِمٌ يَتَمَلّقُ
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { هُنّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ } [ الْبَقَرَةِ 187 ] وَأَكْمَلُ اللّبَاسِ وَأَسْبَغُهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَإِنّ فِرَاشَ الرّجُلِ لِبَاسٌ لَهُ وَكَذَلِكَ لِحَافُ الْمَرْأَةِ لِبَاسٌ لَهَا فَهَذَا الشّكْلُ الْفَاضِلُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَبِهِ يَحْسُنُ مَوْقِعُ اسْتِعَارَةِ اللّبَاسِ مِنْ كُلّ مِنْ الزّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ . وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّهَا تَنْعَطِفُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا فَتَكُونُ عَلَيْهِ كَاللّبَاسِ قَالَ الشّاعِرُ
إذَا مَا الضّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا
تَثَنّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسًا
[ أَرْدَأُ أَشْكَالِهِ ]
وَأَرْدَأُ أَشْكَالِهِ أَنْ تَعْلُوَهُ الْمَرْأَةُ وَيُجَامِعَهَا عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ خِلَافُ الشّكْلِ الطّبِيعِيّ الّذِي طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهِ الرّجُلَ وَالْمَرْأَةَ بَلْ نَوْعَ الذّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ أَنّ الْمَنِيّ يَتَعَسّرُ خُرُوجُهُ كُلّهُ فَرُبّمَا بَقِيَ فِي الْعُضْوِ مِنْهُ فَيَتَعَفّنُ وَيَفْسُدُ فَيَضُرّ وَأَيْضًا : فَرُبّمَا سَالَ إلَى الذّكَرِ رُطُوبَاتٌ مِنْ الْفَرْجِ وَأَيْضًا فَإِنّ الرّحِمَ لَا [ ص 235 ] كَانَتْ فَاعِلَةً خَالَفَتْ مُقْتَضَى الطّبْعِ وَالشّرْعِ . وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ إنّمَا يَأْتُونَ النّسَاءَ عَلَى جُنُوبِهِنّ عَلَى حَرْفٍ وَيَقُولُونَ هُوَ أَيْسَرُ لِلْمَرْأَةِ . وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ تَشْرَحُ النّسَاءَ عَلَى أَقْفَائِهِنّ فَعَابَتْ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } [ الْبَقَرَةِ 223 ] . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ إذَا أَتَى الرّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ إنْ شَاءَ مُجَبّيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبّيَةٍ غَيْرَ أَنّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ " وَالْمُجَبّيَةُ الْمُنْكَبّةُ عَلَى وَجْهِهَا وَالصّمَامُ الْوَاحِدُ الْفَرْجُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْحَرْثِ وَالْوَلَدِ .

[تَحْرِيمُ الدّبُرِ ]
وَأَمّا الدّبُرُ فَلَمْ يُبَحْ قَطّ عَلَى لِسَانِ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْ نَسَبَ إلَى بَعْضِ السّلَفِ إبَاحَةَ وَطْءِ الزّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا . [ ص 236 ] لِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ : لَا يَنْظُرُ اللّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا وَفِي لَفْظٍ لِلتّرْمِذِيّ وَأَحْمَدَ مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيّ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ فَقَدْ كَفَرَ وَفِي " مُصَنّفِ وَكِيعٍ " : حَدّثَنِي زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَق لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ وَقَالَ مرّة : " فِي أَدْبَارِهِنّ " . وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ فَإِنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقّ وَفِي " الْكَامِلِ " لِابْنِ عَدِيّ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ الْمَحَامِلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيّ [ ص 237 ] قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ وَرُوِينَا فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ الْجَوْهَرِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ مَرْفُوعًا : مَنْ أَتَى الرّجَالَ أَوْ النّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنّ فَقَدْ كَفَرَ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ اسْتَحْيُوا مِنْ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنّ وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ مِنْ هَذِهِ الطّرِيقِ وَلَفْظُهُ إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا يَحِلّ مَأْتَاكَ النّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ : حَدّثَنَا هُدْبَةُ حَدّثَنَا هَمّامٌ قَالَ سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ الّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ؟ فَقَالَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تِلْكَ اللّوطِيّةُ الصّغْرَى وَقَالَ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " : حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ قَالَ حَدّثَنَا هَمّامٌ أَخْبَرَنَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ فَذَكَرَهُ . [ ص 238 ] وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فِي أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ ائْتِهَا عَلَى كُلّ حَالٍ إذَا كَانَ فِي الْفَرْجِ وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكْت فَقَالَ وَمَا الّذِي أَهْلَكَكَ ؟ " قَالَ حَوّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ قَالَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَوْحَى اللّهُ إلَى رَسُولِهِ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتّقِ الْحَيْضَةَ وَالدّبُرَ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا : لَا يَنْظُرُ اللّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الدّبُرِ وَرُوِينَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَلِيّ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ دُومَا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ يَرْفَعُهُ كَفَرَ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ عَشَرَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ : الْقَاتِلُ وَالسّاحِرُ وَالدّيّوثُ وَنَاكِحُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا وَمَانِعُ الزّكَاةِ وَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجّ وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَالسّاعِي فِي الْفِتَنِ وَبَائِعُ السّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ : حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَلْعُونٌ مَنْ يَأْتِي النّسَاءَ فِي مَحَاشّهِنّ يَعْنِي : أَدْبَارَهُنّ " . [ ص 239 ] مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبّاسٍ قَالَا : خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَهِيَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ حَتّى لَحِقَ بِاَللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَظَنَا فِيهَا وَقَالَ " مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ رَجُلًا أَوْ صَبِيّا حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرِيحُهُ أَنْتَنُ مِنْ الْجِيفَةِ يَتَأَذّى بِهِ النّاسُ حَتّى يَدْخُلَ النّارَ وَأَحْبَطَ اللّهُ أَجْرَهُ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَيُدْخَلُ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ وَيُشَدّ عَلَيْهِ مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : هَذَا لِمَنْ لَمْ يَتُبْ . وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيّ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ وَقَالَ الشّافِعِيّ : أَخْبَرَنِي عَمّي مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ شَافِعٍ . قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلِيّ بْنِ السّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَنّ رَجُلًا سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ إتْيَانِ النّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنّ فَقَالَ حَلَالٌ " فَلَمّا وَلّى دَعَاهُ فَقَالَ " كَيْفَ قُلْت فِي أَيّ الْخَرِبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي أَيّ الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا ؟ فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنّ قَالَ الرّبِيعُ فَقِيلَ لِلشّافِعِيّ فَمَا تَقُولُ ؟ فَقَالَ عَمّي ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلِيّ ثِقَةٌ وَقَدْ أَثْنَى عَلَى الْأَنْصَارِيّ خَيْرًا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْجِلَاحِ وَخُزَيْمَةُ [ ص 240 ] أَنْهَى عَنْهُ . قُلْت : وَمِنْ هَاهُنَا نَشَأَ الْغَلَطُ عَلَى مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْإِبَاحَةُ مِنْ السّلَفِ وَالْأَئِمّةِ فَإِنّهُمْ أَبَاحُوا أَنْ يَكُونَ الدّبُرُ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَيَطَأُ مِنْ الدّبُرِ لَا فِي الدّبُرِ فَاشْتَبَهَ عَلَى السّامِعِ " مِنْ " ب " فِي " وَلَمْ يَظُنّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَهَذَا الّذِي أَبَاحَهُ السّلَفُ وَالْأَئِمّةُ فَغَلِطَ عَلَيْهِمْ الْغَالِطُ أَقْبَحَ الْغَلَطِ وَأَفْحَشَهُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } قَالَ مُجَاهِدٌ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } فَقَالَ تَأْتِيهَا مِنْ حَيْثُ أُمِرْت أَنْ تَعْتَزِلَهَا يَعْنِي فِي الْحَيْضِ . وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ يَقُولُ فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ . وَقَدْ دَلّتْ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي دُبُرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ أَبَاحَ إتْيَانَهَا فِي الْحَرْثِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ لَا فِي الْحُشّ الّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْأَذَى وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللّهُ الْآيَةَ قَالَ { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } وَإِتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآيَةِ أَيْضًا لِأَنّهُ قَالَ أَنّى شِئْتُمْ أَيْ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ مِنْ أَمَامٍ أَوْ مِنْ خَلْفٍ . قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ :
{ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } يَعْنِي : الْفَرْج
[ مَفَاسِدُ إتْيَانِ الدّبُرِ ]
وَاذَا كَانَ اللّهُ حَرّمَ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْأَذَى الْعَارِضِ فَمَا الظّنّ بِالْحُشّ الّذِي هُوَ مَحَلّ الْأَذَى اللّازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتّعَرّضِ لِانْقِطَاعِ النّسْلِ وَالذّرِيعَةِ الْقَرِيبَةِ جِدّا مِنْ أَدْبَارِ النّسَاءِ إلَى أَدْبَارِ الصّبْيَانِ . وَأَيْضًا : فَلِلْمَرْأَةِ حَقّ عَلَى الزّوْجِ فِي الْوَطْءِ وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوّتُ حَقّهَا وَلَا يَقْضِي وَطَرَهَا وَلَا يُحَصّلُ مَقْصُودَهَا . وَأَيْضًا : فَإِنّ الدّبُرَ لَمْ يَتَهَيّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ وَإِنّمَا الّذِي هُيّئَ لَهُ الْفَرْجُ فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إلَى الدّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا . [ ص 241 ] مُضِرّ بِالرّجُلِ وَلِهَذَا يَنْهَى عَنْهُ عُقَلَاءُ الْأَطِبّاءِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنّ لِلْفَرْجِ خَاصّيّةً فِي اجْتِذَابِ الْمَاءِ الْمُحْتَقَنِ وَرَاحَةُ الرّجُلِ مِنْهُ وَالْوَطْءُ فِي الدّبُرِ لَا يُعِينُ عَلَى اجْتِذَابِ جَمِيعِ الْمَاءِ وَلَا يُخْرِجُ كُلّ الْمُحْتَقَنِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَمْرِ الطّبِيعِيّ . وَأَيْضًا : يَضُرّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إحْوَاجُهُ إلَى حَرَكَاتٍ مُتْعِبَةٍ جِدّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلطّبِيعَةِ . وَأَيْضًا فَإِنّهُ مَحَلّ الْقَذَرِ وَالنّجْوِ فَيَسْتَقْبِلُهُ الرّجُلُ بِوَجْهِهِ وَيُلَابِسُهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يَضُرّ بِالْمَرْأَةِ جِدّا لِأَنّهُ وَارِدٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ عَنْ الطّبَاعِ مُنَافِرٌ لَهَا غَايَةَ الْمُنَافَرَةِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُحْدِثُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّفْرَةَ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُسَوّدُ الْوَجْهَ وَيَظْلِمُ الصّدْرَ وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُوجِبُ النّفْرَةَ وَالتّبَاغُضَ الشّدِيدَ وَالتّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَا بُدّ . وَأَيْضًا فَإِنّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لَا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلَاحٌ إلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ بِالتّوْبَةِ النّصُوحِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْمَحَاسِنِ مِنْهُمَا وَيَكْسُوهُمَا ضِدّهَا كَمَا يُذْهِبُ بِالْمَوَدّةِ بَيْنَهُمَا وَيُبْدِلُهُمَا بِهَا تَبَاغُضًا وَتَلَاعُنًا . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ زَوَالِ النّعَمِ وَحُلُولِ النّقَمِ فَإِنّهُ يُوجِبُ اللّعْنَةَ وَالْمَقْتَ مِنْ اللّهِ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ فَاعِلِهِ وَعَدَمَ نَظَرِهِ إلَيْهِ فَأَيّ خَيْرٍ [ ص 242 ] يَرْجُوهُ بَعْدَ هَذَا وَأَيّ شَرّ يَأْمَنُهُ وَكَيْفَ حَيَاةُ عَبْدٍ قَدْ حَلّتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَمَقْتُهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْحَيَاءِ جُمْلَةً وَالْحَيَاءُ هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ فَإِذَا فَقَدَهَا الْقَلْبُ اسْتَحْسَنَ الْقَبِيحَ وَاسْتَقْبَحَ الْحَسَنَ وَحِينَئِذٍ فَقَدَ اسْتَحْكَمَ فَسَادُهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُحِيلُ الطّبَاعَ عَمّا رَكّبَهَا اللّهُ وَيُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ طَبْعِهِ إلَى طَبْعٍ لَمْ يُرَكّبْ اللّهُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بَلْ هُوَ طَبْعٌ مَنْكُوسٌ وَإِذَا نُكِسَ الطّبْعُ انْتَكَسَ الْقَلْبُ وَالْعَمَلُ وَالْهُدَى فَيَسْتَطِيبُ حِينَئِذٍ الْخَبِيثَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْهَيْئَاتِ وَيَفْسُدُ حَالُهُ وَعَمَلُهُ وَكَلَامُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْوَقَاحَةِ وَالْجُرْأَةِ مَا لَا يُورِثُهُ سِوَاهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْمَهَانَةِ وَالسّفَالِ وَالْحَقَارَةِ مَا لَا يُورِثُهُ غَيْرُهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يَكْسُو الْعَبْدَ مِنْ حُلّةِ الْمَقْتِ وَالْبَغْضَاءِ وَازْدِرَاءِ النّاسِ لَهُ وَاحْتِقَارِهِمْ إيّاهُ وَاسْتِصْغَارِهِمْ لَهُ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسّ فَصَلَاةُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ سَعَادَةِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي هَدْيِهِ وَاتّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ وَهَلَاكُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي مُخَالَفَةِ هَدْيِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ .
فَصْلٌ [ أَنْوَاعُ الْجِمَاعِ الضّارّ ]
وَالْجِمَاعُ الضّارّ نَوْعَانِ ضَارّ شَرْعًا وَضَارّ طَبْعًا . فَالضّارّ شَرْعًا : الْمُحَرّمُ وَهُوَ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَشَدّ مِنْ بَعْضٍ . وَالتّحْرِيمُ الْعَارِضُ مِنْهُ أَخَفّ مِنْ اللّازِمِ كَتَحْرِيمِ الْإِحْرَامِ وَالصّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَتَحْرِيمِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التّكْفِيرِ وَتَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَائِضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا حَدّ فِي هَذَا الْجِمَاعِ . [ ص 243 ] وَأَمّا اللّازِمُ فَنَوْعَانِ . نَوْعٌ لَا سَبِيلَ إلَى حِلّهِ أَلْبَتّةَ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَهَذَا مِنْ أَضَرّ الْجِمَاعِ وَهُوَ يُوجِبُ الْقَتْلَ حَدّا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ثَابِتٌ . وَالثّانِي : مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا كَالْأَجْنَبِيّةِ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَفِي وَطْئِهَا حَقّانِ . حَقّ لِلّهِ وَحَقّ لِلزّوْجِ . فَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَفِيهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَهْلٌ وَأَقَارِبُ يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ صَارَ فِيهِ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَارَ فِيهِ خَمْسَةُ حُقُوقٍ . فَمَضَرّةُ هَذَا النّوْعِ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِ فِي التّحْرِيمِ . وَأَمّا الضّارّ طَبْعًا فَنَوْعَانِ أَيْضًا : نَوْعٌ ضَارّ بِكَيْفِيّتِهِ كَمَا تَقَدّمَ وَنَوْعٌ ضَارّ بِكَمّيّتِهِ كَالْإِكْثَارِ مِنْهُ فَإِنّهُ يُسْقِطُ الْقُوّةَ وَيَضُرّ بِالْعَصَبِ وَيُحْدِثُ الرّعْشَةَ وَالْفَالِجَ وَالتّشَنّجَ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَسَائِرَ الْقُوَى وَيُطْفِئُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيّةَ [ ص 244 ]
[أَنْفَعُ أَوْقَاتِهِ ]
وَأَنْفَعُ أَوْقَاتِهِ مَا كَانَ بَعْدَ انْهِضَامِ الْغِذَاءِ فِي الْمَعِدَةِ وَفِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ لَا عَلَى جُوعٍ فَإِنّهُ يُضْعِفُ الْحَارّ الْغَرِيزِيّ وَلَا عَلَى شِبَعٍ فَإِنّهُ يُوجِبُ أَمْرَاضًا شَدِيدَةً وَلَا عَلَى تَعَبٍ وَلَا إثْرَ حَمّامٍ وَلَا اسْتِفْرَاغٍ وَلَا انْفِعَالٍ نَفْسَانِيّ كَالْغَمّ وَالْهَمّ وَالْحُزْنِ وَشِدّةِ الْفَرَحِ . وَأَجْوَدُ أَوْقَاتِهِ بَعْدَ هَزِيعٍ مِنْ اللّيْلِ إذَا صَادَفَ انْهِضَامَ الطّعَامِ ثُمّ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضّأُ وَيَنَامُ عَلَيْهِ وَيَنَامُ عَقِبَهُ فَتَرَاجَعُ إلَيْهِ قُوَاهُ وَلْيَحْذَرْ الْحَرَكَةَ وَالرّيَاضَةَ عَقِبَهُ فَإِنّهَا مُضِرّةٌ جِدّا .

فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الْعِشْقِ
هَذَا مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْأَمْرَاضِ فِي ذَاتِهِ وَأَسْبَابِهِ وَعِلَاجِهِ وَإِذَا تَمَكّنَ وَاسْتَحْكَمَ عَزّ عَلَى الْأَطِبّاء دَوَاؤُهُ وَأَعْيَا الْعَلِيلَ دَاؤُهُ وَإِنّمَا حَكَاهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ طَائِفَتَيْنِ مِنْ النّاسِ مِنْ النّسَاءِ وَعُشّاقِ الصّبْيَانِ الْمُرْدَانِ فَحَكَاهُ عَنْ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي شَأْنِ يُوسُفَ وَحَكَاهُ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ فَقَالَ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْهُمْ لَمّا جَاءَتْ الْمَلَائِكَةُ لُوطًا : { وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ وَاتّقُوا اللّهَ وَلَا تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الْحِجْرِ : 68 :73 ] .
[ سَبَبُ طَلَاقِ زَيْدٍ لِزَيْنَبَ ]
وَأَمّا مَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُقَدّرْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَقّ قَدْرِهِ أَنّهُ اُبْتُلِيَ بِهِ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَنّهُ رَآهَا فَقَالَ سُبْحَانَ مُقَلّبَ الْقُلُوبِ وَأَخَذَتْ بِقَلْبِهِ وَجَعَلَ يَقُول لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ : أَمْسِكْهَا حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ { وَإِذْ تَقُولُ لِلّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللّهُ أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ } [ الْأَحْزَابِ 37 ] فَظَنّ هَذَا الزّاعِمُ أَنّ ذَلِكَ فِي شَأْنِ الْعِشْقِ [ ص 245 ] وَصَنّفَ بَعْضُهُمْ كِتَابًا فِي الْعِشْقِ وَذَكَرَ فِيهِ عِشْقَ الْأَنْبِيَاءِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَهَذَا مِنْ جَهْلِ هَذَا الْقَائِلِ بِالْقُرْآنِ وَبِالرّسُلِ وَتَحْمِيلِهِ كَلَامَ اللّهِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَنِسْبَتِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَا بَرّأَهُ اللّهُ مِنْهُ فَإِنّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَبَنّاهُ وَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمّدٍ وَكَانَتْ زَيْنَبُ فِيهَا شَمَمٌ وَتَرَفّعَ عَلَيْهِ فَشَاوَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَاقِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّهَ } وَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَتَزَوّجَهَا إنْ طَلّقَهَا زَيْدٌ وَكَانَ يَخْشَى مِنْ قَالَةِ النّاسِ أَنّهُ تَزَوّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ لِأَنّ زَيْدًا كَانَ يُدْعَى ابْنَهُ فَهَذَا هُوَ الّذِي أَخْفَاهُ فِي نَفْسِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْخَشْيَةُ مِنْ النّاسِ الّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَلِهَذَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُعَدّدُ فِيهَا نِعَمَهُ عَلَيْهِ لَا يُعَاتِبُهُ فِيهَا وَأَعْلَمَهُ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْشَى النّاسَ فِيمَا أَحَلّ اللّهُ لَهُ وَأَنّ اللّهَ أَحَقّ أَنْ يَخْشَاهُ فَلَا يَتَحَرّجُ مَا أَحَلّهُ لَهُ لِأَجْلِ قَوْلِ النّاسِ ثُمّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سُبْحَانَهُ زَوّجَهُ إيّاهَا بَعْدَ قَضَاءِ زَيْدٍ وَطَرَهُ مِنْهَا لِتَقْتَدِيَ أُمّتُهُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَيَتَزَوّجَ الرّجُلُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ مِنْ التّبَنّي لَا امْرَأَةِ ابْنِهِ لِصُلْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي آيَةِ التّحْرِيمِ { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } [ النّسَاءِ 23 ] [ ص 246 ] وَقَالَ فِي هَذِهِ السّورَةِ { مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } [ الْأَحْزَابِ 40 ] وَقَالَ فِي أَوّلِهَا : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } [ الْأَحْزَابِ 4 ] فَتَأَمّلْ هَذَا الذّبّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَفْعَ طَعْنِ الطّاعِنِينَ عَنْهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ . نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّ نِسَاءَهُ وَكَانَ أَحَبّهُنّ إلَيْهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَلَمْ تَكُنْ تَبْلُغُ مَحَبّتُهُ لَهَا وَلَا لِأَحَدٍ سِوَى رَبّهِ نِهَايَةَ الْحُبّ بَلْ صَحّ أَنّهُ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُتّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَفِي لَفْظٍ وَإِنّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرّحْمَن
فَصْلٌ [ الْإِخْلَاصُ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعِشْق]
وَعِشْقُ الصّوَرِ إنّمَا تُبْتَلَى بِهِ الْقُلُوبُ الْفَارِغَةُ مِنْ مَحَبّةِ اللّهِ تَعَالَى الْمُعْرِضَةُ عَنْهُ الْمُتَعَوّضَةُ بِغَيْرِهِ عَنْهُ فَإِذَا امْتَلَأَ الْقَلْبُ مِنْ مَحَبّةِ اللّهِ وَالشّوْقِ إلَى لِقَائِهِ دَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُ مَرَضَ عِشْقِ الصّوَرِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقّ يُوسُفَ { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [ يُوسُفَ 24 ] فَدَلّ عَلَى أَنّ الْإِخْلَاصَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعِشْقِ وَمَا يَتَرَتّبُ عَلَيْهِ مِنْ السّوءِ وَالْفَحْشَاءِ الّتِي هِيَ ثَمَرَتُهُ وَنَتِيجَتُهُ فَصَرْفُ الْمُسَبّبِ صَرْفٌ لِسَبَبِهِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ الْعِشْقُ حَرَكَةُ قَلْبٍ فَارِغٍ يَعْنِي فَارِغًا مِمّا سِوَى مَعْشُوقِهِ . قَالَ تَعَالَى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } [ الْقَصَصِ 11 ] أَيْ فَارِغًا مِنْ كُلّ شَيْءٍ إلّا مِنْ مُوسَى لِفَرْطِ مَحَبّتِهَا لَهُ وَتَعَلّقِ قَلْبِهَا بِهِ . [ ص 247 ]
[ عِلّةُ الْعِشْقِ ]
وَالْعِشْقُ مُرَكّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ اسْتِحْسَانٍ لِلْمَعْشُوقِ وَطَمَعٍ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ فَمَتَى انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْعِشْقُ وَقَدْ أَعْيَتْ عِلّةُ الْعِشْقِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ وَتَكَلّمَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهِ إلَى الصّوَابِ . فَنَقُولُ قَدْ اسْتَقَرّتْ حِكْمَةُ اللّهِ - عَزّ وَجَلّ - فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ عَلَى وُقُوعِ التّنَاسُبِ وَالتّآلُفِ بَيْنَ الْأَشْبَاهِ وَانْجِذَابِ الشّيْءِ إلَى مُوَافِقِهِ وَمُجَانِسِهِ بِالطّبْعِ وَهُرُوبِهِ مِنْ مُخَالِفِهِ وَنُفْرَتِهِ عَنْهُ بِالطّبْعِ فَسِرّ التّمَازُجِ وَالِاتّصَالِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيّ وَالسّفْلِيّ إنّمَا هُوَ التّنَاسُبُ وَالتّشَاكُلُ وَالتّوَافُقُ وَسِرّ التّبَايُنِ وَالِانْفِصَالِ إنّمَا هُوَ بِعَدَمِ التّشَاكُلِ وَالتّنَاسُبِ وَعَلَى ذَلِكَ قَامَ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فَالْمِثْلُ إلَى مِثْلِهِ مَائِلٌ وَإِلَيْهِ صَائِرٌ وَالضّدّ عَنْ ضِدّهِ هَارِبٌ وَعَنْهُ نَافِرٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [ الْأَعْرَافِ 189 ] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عِلّةَ سُكُونِ الرّجُلِ إلَى امْرَأَتِهِ كَوْنَهَا مِنْ جِنْسِهِ وَجَوْهَرِهِ فَعِلّةُ السّكُونِ الْمَذْكُورِ - وَهُوَ الْحُبّ - كَوْنُهَا مِنْهُ فَدَلّ عَلَى أَنّ الْعِلّةَ لَيْسَتْ بِحُسْنِ الصّورَةِ وَلَا الْمُوَافَقَةِ فِي الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَلَا فِي الْخُلُقِ وَالْهَدْيِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ السّكُونِ وَالْمَحَبّةِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَف وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ امْرَأَةً بِمَكّةَ كَانَتْ تُضْحِكُ النّاسَ فَجَاءَتْ إلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلَتْ عَلَى امْرَأَةٍ تُضْحِكُ النّاسَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ الْحَدِيثَ . [ ص 248 ] وَقَدْ اسْتَقَرّتْ شَرِيعَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنّ حُكْمَ الشّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ فَلَا تُفَرّقُ شَرِيعَتُهُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ أَبَدًا وَلَا تَجْمَعُ بَيْنَ مُتَضَادّيْنِ وَمَنْ ظَنّ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِمّا لِقِلّةِ عِلْمِهِ بِالشّرِيعَةِ وَإِمّا لِتَقْصِيرِهِ فِي مَعْرِفَةِ التّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ وَإِمّا لِنِسْبَتِهِ إلَى شَرِيعَتِهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَانًا بَلْ يَكُونُ مِنْ آرَاءِ الرّجَالِ فَبِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ ظَهَرَ خَلْقُهُ وَشَرْعُهُ وَبِالْعَدْلِ وَالْمِيزَانِ قَامَ الْخَلْقُ وَالشّرْعُ وَهُوَ التّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالتّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ . وَهَذَا كَمَا أَنّهُ ثَابِتٌ فِي الدّنْيَا فَهُوَ كَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فَالَ تَعَالَى : { احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [ الصّافّاتِ 22 ] . قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَبَعْدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ أَزْوَاجُهُمْ أَشْبَاهُهُمْ وَنُظَرَاؤُهُم وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ } [ التّكْوِيرِ 7 ] أَيْ قَرَنَ كُلّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ وَنَظِيرِهِ فَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْنِ فِي اللّهِ فِي الْجَنّةِ وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْنِ فِي طَاعَةِ الشّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ شَاءَ أَوْ أَبَى وَفِي " مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ " وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِبّ الْمَرْءُ قَوْمًا إلّا حُشِرَ مَعَهُمْ [ ص 249 ]
[ أَنْوَاعُ الْمَحَبّةِ ]
وَالْمَحَبّةُ أَنْوَاعٌ مُتَعَدّدَةٌ فَأَفْضَلُهَا وَأَجَلّهَا : الْمَحَبّةُ فِي اللّهِ وَلِلّهِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ مَحَبّةَ مَا أَحَبّ اللّهُ وَتَسْتَلْزِمُ مَحَبّةَ اللّهِ وَرَسُولِهِ . وَمِنْهَا مَحَبّةُ الِاتّفَاقِ فِي طَرِيقَةٍ أَوْ دِينٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ مُرَادٍ مَا . وَمِنْهَا : مَحَبّةٌ لِنَيْلِ غَرَضٍ مِنْ الْمَحْبُوبِ إمّا مِنْ جَاهِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ تَعْلِيمِهِ وَإِرْشَادِهِ أَوْ قَضَاءِ وَطَرٍ مِنْهُ وَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبّةُ الْعَرَضِيّةُ الّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ مُوجِبِهَا فَإِنّ مَنْ وَدّك لِأَمْرٍ وَلّى عَنْك عِنْدَ انْقِضَائِهِ . وَأَمّا مَحَبّةُ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ الّتِي بَيْنَ الْمُحِبّ وَالْمَحْبُوبِ فَمَحَبّةٌ لَازِمَةٌ لَا تَزُولُ إلّا لِعَارِضٍ يُزِيلُهَا وَمَحَبّةُ الْعِشْقِ مِنْ هَذَا النّوْعِ فَإِنّهَا اسْتِحْسَانٌ رُوحَانِيّ وَامْتِزَاجٌ نَفْسَانِيّ وَلَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحَبّةِ مِنْ الْوَسْوَاسِ وَالنّحُولِ وَشَغْلِ الْبَالِ وَالتّلَفِ مَا يَعْرِضُ مِنْ الْعِشْقِ .
[ سَبَبُ كَوْنِ الْعِشْقِ أَحْيَانًا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ ]
فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْعِشْقِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الِاتّصَالِ وَالتّنَاسُبِ الرّوحَانِيّ فَمَا بَالُهُ لَا يَكُونُ دَائِمًا مِنْ الطّرَفَيْنِ بَلْ تَجِدُهُ كَثِيرًا مِنْ طَرَفِ الْعَاشِقِ وَحْدَهُ فَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِاتّصَالَ النّفْسِيّ وَالِامْتِزَاجَ الرّوحَانِيّ لَكَانَتْ الْمَحَبّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا . فَالْجَوَابُ أَنّ السّبَبَ قَدْ يَتَخَلّفُ عَنْهُ مُسَبّبِهِ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ وَتَخَلّفُ الْمَحَبّةِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا بُدّ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ الْأَوّلُ عِلّةٌ فِي الْمَحَبّةِ وَأَنّهَا مَحَبّةٌ عَرَضِيّةٌ لَا ذَاتِيّةٌ وَلَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَحَبّةِ الْعَرَضِيّةِ بَلْ قَدْ يَلْزَمُهَا نُفْرَةٌ مِنْ الْمَحْبُوبِ . الثّانِي : مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمُحِبّ يَمْنَعُ مَحَبّةَ مَحْبُوبِهِ لَهُ إمّا فِي خُلُقِهِ أَوْ فِي خَلْقِهِ أَوْ هَدْيِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ هَيْئَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . [ ص 250 ] الثّالِثُ مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمَحْبُوبِ يَمْنَعُ مُشَارَكَتَهُ لِلْمُحِبّ فِي مَحَبّتِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَانِعِ لَقَامَ بِهِ مِنْ الْمَحَبّةِ لِمُحِبّهِ مِثْلُ مَا قَامَ بِالْآخَرِ فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ وَكَانَتْ الْمَحَبّةُ ذَاتِيّةً فَلَا يَكُونُ قَطّ إلّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْلَا مَانِعُ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالرّيَاسَةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي الْكُفّارِ لَكَانَتْ الرّسُلُ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَمّا زَالَ هَذَا الْمَانِعُ مِنْ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمْ كَانَتْ مَحَبّتُهُمْ لَهُمْ فَوْقَ مَحَبّةِ الْأَنْفُسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ .
فَصْلٌ [ عِلَاجُ الْعِشْقِ بِالزّوَاجِ بِالْمَعْشُوقِ ]
وَالْمَقْصُودُ أَنّ الْعِشْقَ لَمّا كَانَ مَرَضًا مِنْ الْأَمْرَاضِ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ وَلَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْعِلَاجِ فَإِنْ كَانَ مِمّا لِلْعَاشِقِ سَبِيلٌ إلَى وَصْلِ مَحْبُوبِهِ شَرْعًا وَقَدْرًا فَهُوَ عِلَاجُهُ كَمَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " . مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ فَإِنّهُ لَهُ وِجَاءٌ فَدَلّ الْمُحِبّ عَلَى عِلَاجَيْنِ أَصْلِيّ وَبَدَلِيّ . وَأَمَرَهُ بِالْأَصْلِيّ وَهُوَ الْعِلَاجُ الّذِي وُضِعَ لِهَذَا الدّاءِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلَ النّكَاحِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عَقِيبَ إحْلَالِ النّسَاءِ حَرَائِرِهِنّ وَإِمَائِهِنّ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَوْلِهِ { يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } [ النّسَاءِ 28 ] . فَذِكْرُ تَخْفِيفِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِخْبَارِهِ عَنْ ضَعْفِ الْإِنْسَانِ يَدُلّ عَلَى ضَعْفِهِ عَنْ احْتِمَالِ هَذِهِ الشّهْوَةِ وَأَنّهُ - سُبْحَانَهُ - خَفّفَ عَنْهُ أَمْرَهَا بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ مِنْ أَطَايِبِ النّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَأَبَاحَ لَهُ مَا شَاءَ مِمّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ ثُمّ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوّجَ بِالْإِمَاءِ إنْ احْتَاجَ [ ص 251 ]
فَصْلٌ [ وَمِنْ عِلَاجِ العشقِ إشْعَارُ النّفْسِ الْيَأْسَ مِنْهُ إنْ كَانَ الْوِصَالُ
مُتَعَذّرًا قَدْرًا وَشَرْعًا ]
وَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ لِلْعَاشِقِ إلَى وِصَالِ مَعْشُوقِهِ قَدْرًا أَوْ شَرْعًا أَوْ هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلْيِهِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَهُوَ الدّاءُ الْعُضَالُ فَمِنْ عِلَاجِهِ إشْعَارُ نَفْسِهِ الْيَأْسَ مِنْهُ فَإِنّ النّفْسَ مَتَى يَئِسَتْ مِنْ الشّيْءِ اسْتَرَاحَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ مَرَضُ الْعِشْقِ مَعَ الْيَأْسِ فَقَدْ انْحَرَفَ الطّبْعُ انْحِرَافًا شَدِيدًا فَيَنْتَقِلُ إلَى عِلَاجٍ آخَرَ وَهُوَ عِلَاجُ عَقْلِهِ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنّ تَعَلّقَ الْقَلْبِ بِمَا لَا مَطْمَعَ فِي حُصُولِهِ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ وَصَاحِبُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْشَقُ الشّمْسَ وَرُوحُهُ مُتَعَلّقَةٌ بِالصّعُودِ إلَيْهَا وَالدّوَرَانِ مَعَهَا فِي فَلَكِهَا وَهَذَا مَعْدُودٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ فِي زُمْرَةِ الْمَجَانِينِ .
[ إنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذّرًا شَرْعًا فَعِلَاجُهُ إنْزَالُهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذّرِ قَدْرًا وَذِكْرُ عِلَاجَاتٍ أُخْرَى ]
وَإِنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذّرًا شَرْعًا لَا قَدْرًا فَعِلَاجُهُ بِأَنْ يُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذّرِ قَدْرًا إذْ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ اللّهُ فَعِلَاجُ الْعَبْدِ وَنَجَاتُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِنَابِهِ فَلْيُشْعِرْ نَفْسَهُ أَنّهُ مَعْدُومٌ مُمْتَنِعٌ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَأَنّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُحَالَاتِ فَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ النّفْسُ الْأَمّارَةُ فَلْيَتْرُكْهُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمّا خَشْيَةٍ وَإِمّا فَوَاتِ مَحْبُوبٍ هُوَ أَحَبّ إلَيْهِ وَأَنْفَعُ لَهُ وَخَيْرٌ لَهُ مِنْهُ وَأَدْوَمُ لَذّةً وَسُرُورًا فَإِنّ الْعَاقِلَ مَتَى وَازَنَ بَيْنَ نَيْلِ مَحْبُوبٍ سَرِيعِ الزّوَالِ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ وَأَدْوَمَ وَأَنْفَعَ وَأَلَذّ أَوْ بِالْعَكْسِ ظَهَرَ لَهُ التّفَاوُتُ فَلَا تَبِعْ لَذّةَ الْأَبَدِ الّتِي لَا خَطَرَ لَهَا بِلَذّةِ سَاعَةٍ تَنْقَلِبُ آلَامًا وَحَقِيقَتُهَا أَنّهَا أَحْلَامُ نَائِمٍ أَوْ خَيَالٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ فَتَذْهَبُ اللّذّةُ وَتَبْقَى التّبِعَةُ وَتَزُولُ الشّهْوَةُ وَتَبْقَى الشّقْوَةُ . الثّانِي : حُصُولُ مَكْرُوهٍ أَشَقّ عَلْيِهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ بَلْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ أَعْنِي : فَوَاتَ مَا هُوَ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ وَحُصُولَ مَا هُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ فَإِذَا تَيَقّنَ أَنّ فِي إعْطَاءِ النّفْسِ حَظّهَا مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ وَرَأَى أَنّ صَبْرَهُ عَلَى قُوّتِهِ أَسْهَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَيْهِمَا بِكَثِيرٍ فَعَقْلُهُ وَدِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ وَإِنْسَانِيّتُهُ تَأْمُرُهُ بِاحْتِمَالِ الضّرَرِ [ ص 252 ] وَهَوَاهُ وَظُلْمُهُ وَطَيْشُهُ وَخِفّتُهُ يَأْمُرُهُ بِإِيثَارِ هَذَا الْمَحْبُوبِ الْعَاجِلِ بِمَا فِيهِ جَالِبًا عَلَيْهِ مَا جَلَبَ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللّهُ . فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدّوَاءَ وَلَمْ تُطَاوِعْهُ لِهَذِهِ الْمُعَالَجَةِ فَلْيَنْظُرْ مَا تَجْلِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الشّهْوَةُ مِنْ مَفَاسِدِ عَاجِلَتِهِ وَمَا تَمْنَعُهُ مِنْ مَصَالِحِهَا فَإِنّهَا أَجْلَبُ شَيْءٍ لِمَفَاسِدِ الدّنْيَا وَأَعْظَمُ شَيْءٍ تَعْطِيلًا لِمَصَالِحِهَا فَإِنّهَا تَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رُشْدِهِ الّذِي هُوَ مِلَاكُ أَمْرِهِ وَقِوَامُ مَصَالِحِهِ . فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدّوَاءَ فَلْيَتَذَكّرْ قَبَائِحَ الْمَحْبُوبِ وَمَا يَدْعُوهُ إلَى النّفْرَةِ عَنْهُ فَإِنّهُ إنْ طَلَبَهَا وَتَأَمّلَهَا وَجَدَهَا أَضْعَافَ مَحَاسِنِهِ الّتِي تَدْعُو إلَى حُبّهِ وَلْيَسْأَلْ جِيرَانَهُ عَمّا خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنّهَا الْمَحَاسِنُ كَمَا هِيَ دَاعِيَةُ الْحُبّ وَالْإِرَادَةِ فَالْمَسَاوِئُ دَاعِيَةُ الْبُغْضِ وَالنّفْرَةِ فَلْيُوَازِنْ بَيْنَ الدّاعِيَيْنِ وَلْيُحِبّ أَسْبَقَهُمَا وَأَقْرَبَهُمَا مِنْهَا بَابًا وَلَا يَكُنْ مِمّنْ غَرّهُ لَوْنُ جَمَالٍ عَلَى جِسْمٍ أَبْرَصَ مَجْذُومٍ وَلْيُجَاوِزْ بَصَرُهُ حُسْنَ الصّورَةِ إلَى قُبْحِ الْفِعْلِ وَلْيَعْبُرْ مِنْ حُسْنِ الْمَنْظَرِ وَالْجِسْمِ إلَى قُبْحِ الْمَخْبَرِ وَالْقَلْبِ . فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةُ كُلّهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ إلّا صِدْقُ اللّجَأِ إلَى مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إذَا دَعَاهُ وَلْيَطْرَحْ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى بَابِهِ مُسْتَغِيثًا بِهِ مُتَضَرّعًا مُتَذَلّلًا مُسْتَكِينًا فَمَتَى وُفّقَ لِذَلِكَ فَقَدْ قَرَعَ بَابَ التّوْفِيقِ فَلِيَعِفّ وَلْيَكْتُمْ وَلَا يُشَبّبْ بِذِكْرِ الْمَحْبُوبِ وَلَا يَفْضَحْهُ بَيْنَ النّاسِ وَيُعَرّضْهُ لِلْأَذَى فَإِنّهُ يَكُونُ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا .

[ بُطْلَانُ حَدِيثِ " مَنْ عَشِقَ فَعَفّ ... " ]
وَلَا يَغْتَرّ بِالْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي مُسْهِر ٍ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَوَاهُ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ 253 - الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ عَشِقَ فَعَفّ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ عَشِقَ وَكَتَمَ وَعَفّ وَصَبَرَ غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنّةَ فَإِنّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنّ الشّهَادَةَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ اللّهِ مَقْرُونَةٌ بِدَرَجَةِ الصّدّيقِيّةِ وَلَهَا أَعْمَالٌ وَأَحْوَالٌ هِيَ شَرْطٌ فِي حُصُولِهَا وَهِيَ نَوْعَانِ عَامّةٌ وَخَاصّةٌ فَالْخَاصّةُ الشّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللّهِ . وَالْعَامّةُ خَمْسٌ مَذْكُورَةٌ فِي " الصّحِيحِ " لَيْسَ الْعِشْقُ وَاحِدًا مِنْهَا . [ ص 254 ] وَكَيْفَ يَكُونُ الْعِشْقُ الّذِي هُوَ شِرْكٌ فِي الْمَحَبّةِ وَفَرَاغُ الْقَلْبِ عَنْ اللّهِ وَتَمْلِيكُ الْقَلْبِ وَالرّوحِ وَالْحُبّ لِغَيْرِهِ تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ الشّهَادَةِ هَذَا مِنْ الْمُحَالِ فَإِنّ إفْسَادَ عِشْقِ الصّوَرِ لِلْقَلْبِ فَوْقَ كُلّ إفْسَادٍ بَلْ هُوَ خَمْرُ الرّوحِ الّذِي يُسْكِرُهَا وَيَصُدّهَا عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَحُبّهِ وَالتّلَذّذِ بِمُنَاجَاتِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ وَيُوجِبُ عُبُودِيّةَ الْقَلْبِ لِغَيْرِهِ فَإِنّ قَلْبَ الْعَاشِقِ مُتَعَبّدٌ لِمَعْشُوقِهِ بَلْ الْعِشْقُ لُبّ الْعُبُودِيّةِ فَإِنّهَا كَمَالُ الذّلّ وَالْحُبّ وَالْخُضُوعِ وَالتّعْظِيمِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَبّدُ الْقَلْبِ لِغَيْرِ اللّهِ مِمّا تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ أَفَاضِلِ الْمُوَحّدِينَ وَسَادَاتِهِمْ وَخَوَاصّ الْأَوْلِيَاءِ فَلَوْ كَانَ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ كَالشّمْسِ كَانَ غَلَطًا وَوَهْمًا وَلَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَفْظُ الْعِشْقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَلْبَتّةَ . ثُمّ إنّ الْعِشْقَ مِنْهُ حَلَالٌ وَمِنْهُ حَرَامٌ فَكَيْفَ يُظَنّ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلّ عَاشِقٍ يَكْتُمُ وَيَعِفّ بِأَنّهُ شَهِيدٌ فَتَرَى مَنْ يَعْشَقُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ يَعْشَقُ الْمُرْدَانَ وَالْبَغَايَا يَنَالُ بِعِشْقِهِ دَرَجَةَ الشّهَدَاءِ وَهَلْ هَذَا إلّا خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ دِينِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالضّرُورَةِ ؟ كَيْفَ وَالْعِشْقُ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ الّتِي جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لَهَا الْأَدْوِيَةَ شَرْعًا وَقَدْرًا وَالتّدَاوِي مِنْهُ إمّا وَاجِبٌ إنْ كَانَ عِشْقًا حَرَامًا وَإِمّا مُسْتَحَبّ . وَأَنْتَ إذَا تَأَمّلْت الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ الّتِي حَكَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهَا بِالشّهَادَةِ وَجَدْتهَا مِنْ الْأَمْرَاضِ الّتِي لَا عِلَاجَ لَهَا كَالْمَطْعُونِ وَالْمَبْطُونِ وَالْمَجْنُوبِ وَالْغَرِيقِ وَمَوْتِ الْمَرْأَةِ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَإِنّ هَذِهِ [ ص 255 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَلّدْ أَئِمّةَ الْحَدِيثِ الْعَالِمِينَ بِهِ وَبِعِلَلِهِ فَإِنّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ إمَامٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَطّ أَنّهُ شَهِدَ لَهُ بِصِحّةٍ بَلْ وَلَا بِحُسْنٍ كَيْفَ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى سُوَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَمَوْهُ لِأَجْلِهِ بِالْعَظَائِمِ وَاسْتَحَلّ بَعْضُهُمْ غَزْوَهُ لِأَجْلِهِ . قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيّ فِي " كَامِلِهِ " : هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى سُوَيْدٍ وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيّ : إنّهُ مِمّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي " الذّخِيرَةِ " وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي " تَارِيخِ نَيْسَابُورَ " وَقَالَ أَنَا أَتَعَجّبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّهُ لَمْ يُحَدّثْ بِهِ عَنْ غَيْرِ سُوَيْدٍ وَهُوَ ثِقَةٌ وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْرَقُ يَرْفَعُهُ أَوّلًا عَنْ سُوَيْدٍ فَعُوتِبَ فِيهِ فَأَسْقَطَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا . وَمِنْ الْمَصَائِبِ الّتِي لَا تُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا أَلْبَتّةَ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَدِيثِ الْمَاجِشُونِ عَنْ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا وَفِي صِحّتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبّاسٍ نَظَرٌ وَقَدْ رَمَى النّاسُ سُوَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْعَظَائِمِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ هُوَ سَاقِطٌ كَذّابٌ لَوْ كَانَ لِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ كُنْت أَغْزُوهُ وَقَالَ الْإِمَام ُ أَحْمَدُ : مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النّسَائِيّ : لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ الْبُخَارِيّ : كَانَ قَدْ عَمِيَ فَيُلَقّنُ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ وَقَالَ ابْنُ حِبّانَ : يَأْتِي بِالْمُعْضِلَاتِ عَنْ الثّقَاتِ يَجِبُ مُجَانَبَةُ مَا رَوَى . انْتَهَى . وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ الرّازِيّ : إنّهُ صَدُوقٌ كَثِيرُ التّدْلِيسِ ثُمّ قَوْلُ الدّارَقُطْنِيّ : هُوَ ثِقَةٌ غَيْرَ أَنّهُ لَمّا كَبِرَ كَانَ رُبّمَا قُرِئَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِيهِ بَعْضُ النّكَارَةِ فَيُجِيزُهُ انْتَهَى . وَعِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ [ ص 256 ] أَعْلَمُ .

فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ الصّحّةِ بِالطّيبِ
لَمّا كَانَتْ الرّائِحَةُ الطّيّبَةُ غِذَاءَ الرّوحِ وَالرّوحُ مَطِيّةُ الْقُوَى وَالْقُوَى تَزْدَادُ بِالطّيبِ وَهُوَ يَنْفَعُ الدّمَاغَ وَالْقَلْبَ وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنِيّةِ وَيُفَرّحُ الْقَلْبَ وَيَسُرّ النّفْسَ وَيَبْسُطُ الرّوحَ وَهُوَ أَصْدَقُ شَيْءٍ لِلرّوحِ وَأَشَدّهُ مُلَاءَمَةً لَهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الرّوحِ الطّيّبَةِ نِسْبَةٌ قَرِيبَةٌ . كَانَ أَحَدَ الْمَحْبُوبِينَ مِنْ الدّنْيَا إلَى أَطْيَبِ الطّيّبِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ . وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ " أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَرُدّ الطّيبَ وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدّهُ . فَإِنّهُ طَيّبُ الرّيحِ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " وَالنّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدّهُ فَإِنّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ طَيّبُ الرّائِحَةِ وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزّارِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ اللّهَ طَيّبٌ يُحِبّ الطّيبَ نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبّ الْجُودَ فَنَظّفُوا أَفْنَاءَكُمْ وَسَاحَاتِكُمْ وَلَا تَشَبّهُوا بِالْيَهُودِ يَجْمَعُونَ الْأُكُبّ فِي دُورِهِم الْأُكُبّ الزّبَالَةُ . [ ص 257 ] وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَهُ سِكّةٌ يَتَطَيّبُ مِنْهَا وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ إنّ لِلّهِ حَقّا عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلّ سَبْعَةِ أَيّامٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ أَنْ يَمَسّ مِنْهُ وَفِي الطّيبِ مِنْ الْخَاصّيّةِ أَنّ الْمَلَائِكَةَ تُحِبّهُ وَالشّيَاطِينَ تَنْفِرُ عَنْهُ وَأَحَبّ شَيْءٍ إلَى الشّيَاطِينِ الرّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ الْكَرِيهَةُ فَالْأَرْوَاحُ الطّيّبَةُ تُحِبّ الرّائِحَةَ الطّيّبَةَ وَالْأَرْوَاحُ الْخَبِيثَةُ تُحِبّ الرّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ وَكُلّ رُوحٍ تَمِيلُ إلَى مَا يُنَاسِبُهَا فَالْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي النّسَاءِ وَالرّجَالِ فَإِنّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ وَالْمَلَابِسَ وَالرّوَائِحَ إمّا بِعُمُومِ لَفْظِهِ أَوْ بِعُمُومِ مَعْنَاهُ .

فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ صِحّةِ الْعَيْنِ
[ حِفْظُ صِحّةِ الْعَيْنِ بِالِاكْتِحَالِ ]
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدٍ بْنِ هَوْذَةَ الْأَنْصَارِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوّحِ عِنْدَ النّوْمِ وَقَالَ لِيَتّقِهِ الصّائِمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْمُرَوّحُ الْمُطَيّبُ بِالْمِسْكِ . [ ص 258 ] وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَتْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا ثَلَاثًا فِي كُلّ عَيْنٍ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا اكْتَحَلَ يَجْعَلُ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا يَبْتَدِئُ بِهَا وَيَخْتِمُ بِهَا وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ فَهَلْ الْوِتْرُ بِالنّسْبَةِ إلَى الْعَيْنَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فَيَكُونُ فِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَفِي هَذِهِ ثِنْتَانِ وَالْيُمْنَى أَوْلَى بِالِابْتِدَاءِ وَالتّفْضِيلِ أَوْ هُوَ بِالنّسْبَةِ إلَى كُلّ عَيْنٍ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَفِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . [ ص 259 ]
[ فَوَائِدُ الْكُحْلِ لِلْعَيْنِ ]
وَفِي الْكُحْلِ حِفْظٌ لِصِحّةِ الْعَيْنِ وَتَقْوِيَةٌ لِلنّورِ الْبَاصِرِ وَجَلَاءٌ لَهَا وَتَلْطِيفٌ لِلْمَادّةِ الرّدِيئَةِ وَاسْتِخْرَاجٌ لَهَا مَعَ الزّينَةِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَلَهُ عِنْدَ النّوْمِ مَزِيدُ فَضْلٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْكُحْلِ وَسُكُونِهَا عَقِيبَهُ عَنْ الْحَرَكَةِ الْمُضِرّةِ بِهَا وَخِدْمَةِ الطّبِيعَةِ لَهَا وَلِلْإِثْمِدِ مِنْ ذَلِكَ خَاصّيّةٌ . وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ فَإِنّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعْرَ وَفِي " كِتَابِ أَبِي نُعَيْمٍ " : فَإِنّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشّعْرِ مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - يَرْفَعُهُ خَيْرُ أَكْحَالِكُمْ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعْرَ [ ص 260 ]

فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الّتِي جَاءَتْ عَلَى لِسَانِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرَتّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ
حَرْفُ الْهَمْزَةِ
إثْمِدٌ
هُوَ حَجَرُ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ يُؤْتَى بِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ وَهُوَ أَفْضَلُهُ وَيُؤْتَى بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا وَأَجْوَدُهُ السّرِيعُ التّفْتِيتُ الّذِي لِفُتَاتِهِ بَصِيصٌ وَدَاخِلُهُ أَمْلَسُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْسَاخِ . وَمِزَاجُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ يَنْفَعُ الْعَيْنَ وَيُقَوّيهَا وَيَشُدّ أَعْصَابَهَا وَيَحْفَظُ صِحّتَهَا وَيُذْهِبُ اللّحْمَ الزّائِدَ فِي الْقُرُوحِ وَيُدْمِلُهَا وَيُنَقّي أَوْسَاخَهَا وَيَجْلُوهَا وَيُذْهِبُ الصّدَاعَ إذَا اكْتَحَلَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ الْمَائِيّ الرّقِيقِ وَإِذَا دُقّ وَخُلِطَ بِبَعْضِ الشّحُومِ الطّرِيّةِ وَلُطّخَ عَلَى حَرْقِ النّارِ لَمْ تَعْرِضْ فِيهِ خشكريشة وَنَفَعَ مِنْ التّنَفّطِ الْحَادِثِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ أَجْوَدُ أَكْحَالِ الْعَيْنِ لَا سِيّمَا لِلْمَشَايِخِ وَاَلّذِينَ قَدْ ضَعُفَتْ أَبْصَارُهُمْ إذَا جُعِلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمِسْكِ .
أُتْرُجّ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجّةِ طَعْمُهَا طَيّبٌ وَرِيحُهَا طَيّبٌ فِي الْأُتْرُجّ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَهُوَ مُرَكّبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ قِشْرٌ وَلَحْمٌ وَحَمْضٌ وَبَزْرٌ وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِزَاجٌ يَخُصّهُ فَقِشْرُهُ حَارّ يَابِسٌ وَلَحْمُهُ حَارّ رَطْبٌ وَحَمْضُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَبَزْرُهُ حَارّ يَابِسٌ . [ ص 261 ]
[ مَنَافِعُ قِشْرِ الْأُتْرُجّ ]
وَمِنْ مَنَافِعِ قِشْرِهِ أَنّهُ إذَا جُعِلَ فِي الثّيَابِ مَنَعَ السّوسَ وَرَائِحَتُهُ تُصْلِحُ فَسَادَ الْهَوَاءِ وَالْوَبَاءِ وَيُطَيّبُ النّكْهَةَ إذَا أَمْسَكَهُ فِي الْفَمِ وَيُحَلّلُ الرّيَاحَ وَإِذَا جُعِلَ فِي الطّعَامِ كَالْأَبَازِيرِ أَعَانَ عَلَى الْهَضْمِ . قَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : وَعُصَارَةُ قِشْرِهِ تَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْأَفَاعِي شُرْبًا وَقِشْرُهُ ضِمَادًا وَحُرَاقَةُ قِشْرِهِ طِلَاءٌ جَيّدٌ لِلْبَرَصِ . انْتَهَى .
[ مَنَافِعُ لَحْمِ الْأُتْرُجّ ]
وَأَمّا لَحْمُهُ فَمُلَطّفٌ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ قَامِعٌ لِلْبُخَارَاتِ الْحَارّةِ . وَقَالَ الْغَافِقِيّ : أَكْلُ لَحْمِهِ يَنْفَعُ الْبَوَاسِيرَ . انْتَهَى .
[ مَنَافِعُ حَمْضِ الْأُتْرُجّ ]
وَأَمّا حَمْضُهُ فَقَابِضٌ كَاسِرٌ لِلصّفْرَاءِ وَمُسَكّنٌ لِلْخَفَقَانِ الْحَارّ نَافِعٌ مِنْ الْيَرَقَانِ شُرْبًا وَاكْتِحَالًا قَاطِعٌ لِلْقَيْءِ الصّفْرَاوِيّ مُشَهّ لِلطّعَامِ عَاقِلٌ لِلطّبِيعَةِ نَافِعٌ مِنْ الْإِسْهَالِ الصّفْرَاوِيّ وَعُصَارَةُ حَمْضِهِ يُسَكّنُ غِلْمَةَ النّسَاءِ وَيَنْفَعُ طِلَاءً مِنْ الْكَلَفِ وَيَذْهَبُ بِالْقَوْبَاءِ وَيُسْتَدَلّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ فِي الْحِبْرِ إذَا وَقَعَ فِي الثّيَابِ قَلَعَهُ وَلَهُ قُوّةٌ تُلَطّفُ وَتَقْطَعُ وَتُبْرِدُ وَتُطْفِئُ حَرَارَةَ الْكَبِدِ وَتُقَوّي الْمَعِدَةَ وَتَمْنَعُ حِدّةَ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ وَتُزِيلُ الْغَمّ الْعَارِضَ مِنْهَا وَتُسَكّنُ الْعَطَشَ .
[ مَنَافِعُ بَزْرِ الْأُتْرُجّ ]
وَأَمّا بَزْرُهُ فَلَهُ قُوّةٌ مُحَلّلَةٌ مُجَفّفَةٌ . وَقَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ : خَاصّيّةُ حَبّهِ النّفْعُ مِنْ السّمُومِ الْقَاتِلَةِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ وَزْنُ مِثْقَالٍ مُقَشّرًا بِمَاءٍ فَاتِرٍ وَطِلَاءٍ مَطْبُوخٍ . وَإِنْ دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ اللّسْعَةِ نَفَعَ وَهُوَ مُلَيّنٌ لِلطّبِيعَةِ مُطَيّبٌ لِلنّكْهَةِ وَأَكْثَرُ هَذَا الْفِعْلِ مَوْجُودٌ فِي قِشْرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ خَاصّيّةُ حَبّهِ النّفْعُ مِنْ لَسَعَاتِ الْعَقَارِبِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ وَزْنُ مِثْقَالَيْنِ مُقَشّرًا بِمَاءٍ فَاتِرٍ وَكَذَلِكَ إذَا دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ [ ص 262 ] وَقَالَ غَيْرُهُ حَبّهُ يَصْلُحُ لِلسّمُومِ كُلّهَا وَهُوَ نَافِعٌ مِنْ لَدْغِ الْهَوَامّ كُلّهَا .
[ قِصّةٌ عَنْ الْأُتْرُجّ ]
وَذُكِرَ أَنّ بَعْضَ الْأَكَاسِرَةِ غَضِبَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَطِبّاءِ فَأَمَرَ بِحَبْسِهِمْ وَخَيّرَهُمْ أُدْمًا لَا يَزِيدُ لَهُمْ عَلَيْهِ فَاخْتَارُوا الْأُتْرُجّ فَقِيلَ لَهُمْ لِمَ اخْتَرْتُمُوهُ عَلَى غَيْرِهِ ؟ فَقَالُوا : لِأَنّهُ فِي الْعَاجِلِ رَيْحَانٌ وَمَنْظَرُهُ مُفْرِحٌ وَقِشْرُهُ طَيّبُ الرّائِحَةِ وَلَحْمُهُ فَاكِهَةٌ وَحَمْضُهُ أُدْمٌ وَحَبّهُ تِرْيَاقٌ وَفِيهِ دُهْنٌ .
[ تَشْبِيهُ الْمُؤْمِنِ بِالْأُتْرُجّ ]
وَحَقِيقٌ بِشَيْءٍ هَذِهِ مَنَافِعُهُ أَنْ يُشَبّهَ بِهِ خُلَاصَةُ الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَكَانَ بَعْضُ السّلَفِ يُحِبّ النّظَرَ إلَيْهِ لِمَا فِي مَنْظَرِهِ مِنْ التّفْرِيحِ .
أَرُزّ
فِيهِ حَدِيثَانِ بَاطِلَانِ مَوْضُوعَانِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ لَوْ كَانَ رَجُلًا لَكَانَ حَلِيمًا الثّانِي : كُلّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ دَاءٌ وَشِفَاءٌ إلّا الْأَرُزّ فَإِنّهُ شِفَاءٌ لَا دَاءَ فِيهِ ذَكَرْنَاهُمَا تَنْبِيهًا وَتَحْذِيرًا مِنْ نِسْبَتِهِمَا إلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَبَعْدُ فَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَهُوَ أَغْذَى الْحُبُوبِ بَعْدَ الْحِنْطَةِ وَأَحْمَدِهَا خَلْطًا يَشُدّ الْبَطْنَ شَدّا يَسِيرًا وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُدَبّغُهَا وَيَمْكُثُ فِيهَا . وَأَطِبّاءُ الْهِنْدِ تَزْعُمُ أَنّهُ أَحْمَدُ الْأَغْذِيَةِ وَأَنْفَعُهَا إذَا طُبِخَ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي خِصْبِ الْبَدَنِ وَزِيَادَةِ الْمَنِيّ وَكَثْرَةِ التّغْذِيَةِ وَتَصْفِيَةِ اللّوْنِ .
أَرْزٌ
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرّاءِ وَهُوَ الصّنَوْبَرُ ذَكَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ مِنْ الزّرْعِ تُفَيّئُهَا الرّيَاحُ تُقِيمُهَا مَرّةً وَتُمِيلُهَا أُخْرَى وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الْأَرْزَةِ لَا تَزَالُ قَائِمَةً عَلَى أَصْلِهَا حَتّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرّةً وَاحِدَةً وَحَبّهُ حَارّ رَطْبٌ وَفِيهِ إنْضَاجٌ وَتَلْيِينٌ وَتَحْلِيلٌ وَلَذْعٌ يَذْهَبُ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ وَهُوَ عَسِرُ الْهَضْمِ وَفِيهِ تَغْذِيَةٌ كَثِيرَةٌ وَهُوَ جَيّدٌ لِلسّعَالِ وَلِتَنْقِيَةِ [ ص 263 ] الرّئَةِ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُولِدُ مَغَصًا وَتِرْيَاقُهُ حَبّ الرّمّانِ الْمُزّ .
إذْخِرٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فِي مَكّةَ : لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا " فَقَالَ لَه ُ الْعَبّاس رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ " إلّا الْإِذْخِرَ وَالْإِذْخِرُ حَارّ فِي الثّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى لَطِيفٌ مُفَتّحٌ لِلسّدَدِ وَأَفْوَاهِ الْعُرُوقِ يُدِرّ الْبَوْلَ وَالطّمَثَ وَيُفَتّتُ الْحَصَى وَيُحَلّلُ الْأَوْرَامَ الصّلْبَةَ فِي الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ شُرْبًا وَضِمَادًا وَأَصْلُهُ يُقَوّي عَمُودَ الْأَسْنَانِ وَالْمَعِدَةَ وَيُسَكّنُ الْغَثَيَانَ وَيَعْقِلُ الْبَطْنَ .

حَرْفُ الْبَاءِ
بِطّيخٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَأْكُلُ الْبِطّيخَ بِالرّطَبِ يَقُولُ نَكْسِرُ حَرّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هَذَا بِحَرّ هَذَا وَفِي الْبِطّيخِ عِدّةُ أَحَادِيثَ لَا يَصِحّ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَخْضَرُ وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ وَفِيهِ جَلَاءٌ وَهُوَ أَسْرَعُ انْحِدَارًا عَنْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْقِثّاءِ وَالْخِيَارِ وَهُوَ سَرِيعُ الِاسْتِحَالَةِ إلَى أَيّ خَلْطٍ كَانَ صَادَفَهُ فِي الْمَعِدَةِ وَإِذَا كَانَ آكِلُهُ مَحْرُورًا انْتَفَعَ بِهِ جِدّا وَإِنْ كَانَ مَبْرُودًا دُفِعَ ضَرَرُهُ بِيَسِيرٍ مِنْ الزّنْجَبِيلِ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَكْلُهُ قَبْلَ الطّعَامِ وَيُتْبِعُ بِهِ وَإِلّا غَثّى وَقُيّئَ وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ [ ص 264 ]
بَلَحٌ
رَوَى النّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِمَا " : مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلُوا الْبَلَحَ بِالتّمْرِ فَإِنّ الشّيْطَانَ إذَا نَظَرَ إلَى ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُ الْبَلَحَ بِالتّمْرِ يَقُولُ بَقِيَ ابْنُ آدَمَ حَتّى أَكَلَ الْحَدِيثَ بِالْعَتِيقِ . وَفِي رِوَايَةٍ كُلُوا الْبَلَحَ بِالتّمْرِ فَإِنّ الشّيْطَانَ يَحْزَنُ إذَا رَأَى ابْنَ آدَمَ يَأْكُلُهُ يَقُولُ عَاشَ ابْنُ آدَمَ حَتّى أَكَلَ الْجَدِيدَ بِالْخَلَقِ رَوَاهُ الْبَزّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " وَهَذَا لَفْظُهُ . قُلْت : الْبَاءُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى : مَعَ أَيْ كُلُوا هَذَا مَعَ هَذَا قَالَ بَعْضُ أَطِبّاءِ الْإِسْلَامِ إنّمَا أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَكْلِ الْبَلَحِ بِالتّمْرِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ مَعَ التّمْرِ لِأَنّ الْبَلَحَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَالتّمْرَ حَارّ رَطْبٌ فَفِي كُلّ مِنْهُمَا إصْلَاحٌ لِلْآخَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبُسْرُ مَعَ التّمْرِ فَإِنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَارّ وَإِنْ كَانَتْ حَرَارَةُ التّمْرِ أَكْثَرَ وَلَا يَنْبَغِي مِنْ جِهَةِ الطّبّ الْجَمْعُ بَيْنَ حَارّيْنِ أَوْ بَارِدَيْنِ كَمَا تَقَدّمَ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التّنْبِيهُ عَلَى صِحّةِ أَصْلِ صِنَاعَةِ الطّبّ وَمُرَاعَاةِ التّدْبِيرِ الّذِي يَصْلُحُ فِي دَفْعِ كَيْفِيّاتِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَمُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الطّبّيّ الّذِي تُحْفَظُ بِهِ الصّحّةُ . وَفِي الْبَلَحِ بُرُودَةٌ وَيُبُوسَةٌ وَهُوَ يَنْفَعُ الْفَمَ وَاللّثَةَ وَالْمَعِدَةَ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلصّدْرِ وَالرّئَةِ بِالْخُشُونَةِ الّتِي فِيهِ بَطِيءٌ فِي الْمَعِدَةِ يَسِيرُ التّغْذِيَةِ وَهُوَ لِلنّخْلَةِ كَالْحِصْرِمِ لِشَجَرَةِ الْعِنَبِ وَهُمَا جَمِيعًا يُوَلّدَانِ رِيَاحًا وَقَرَاقِرَ وَنَفْخًا وَلَا سِيّمَا إذَا شُرِبَ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِمَا بِالتّمْرِ أَوْ بِالْعَسَلِ وَالزّبْدِ .
بُسْرٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : أَنّ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيْهَانِ لَمّا ضَافَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا جَاءَهُمْ بِعَذْقٍ - وَهُوَ مِنْ النّخْلَةِ كَالْعُنْقُودِ مِنْ [ ص 265 ] فَقَالَ لَهُ " هَلّا انْتَقَيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ فَقَالَ " أَحْبَبْتُ أَنْ تَنْتَقُوا مِنْ بُسْرِهِ وَرُطَبِهِ . الْبُسْرُ حَارّ يَابِسٌ وَيُبْسُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَرّهِ يُنَشّفُ الرّطُوبَةَ وَيَدْبَغُ الْمَعِدَةَ وَيَحْبِسُ الْبَطْنَ وَيَنْفَعُ اللّثَةَ وَالْفَمَ وَأَنْفَعُهُ مَا كَانَ هَشّا وَحُلْوًا وَكَثْرَةُ أَكْلِهِ وَأَكْلِ الْبَلَحِ يُحْدِثُ السّدَدَ فِي الْأَحْشَاءِ .
بَيْضٌ
ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " أَثَرًا مَرْفُوعًا : أَنّ نَبِيّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ شَكَا إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ الضّعْفَ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِ الْبَيْض . وَفِي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ وَيُخْتَارُ مِنْ الْبَيْضِ الْحَدِيثُ عَلَى الْعَتِيقِ وَبَيْضُ الدّجَاجِ عَلَى سَائِرِ بَيْضِ الطّيْرِ وَهُوَ مُعْتَدِلٌ يَمِيلُ إلَى الْبُرُودَةِ قَلِيلًا . قَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : وَمُحّهُ حَارّ رَطْبٌ يُولِدُ دَمًا صَحِيحًا مَحْمُودًا وَيُغَذّي غِذَاءً يَسِيرًا وَيُسْرِعُ الِانْحِدَارَ مِنْ الْمَعِدَةِ إذَا كَانَ رَخْوًا . وَقَالَ غَيْرُهُ مُحّ الْبَيْضِ مُسَكّنٌ لِلْأَلَمِ مُمَلّسٌ لِلْحَلْقِ وَقَصَبَةِ الرّئَةِ نَافِعٌ لِلْحَلْقِ وَالسّعَالِ وَقُرُوحِ الرّئَةِ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةِ مُذْهِبٌ لِلْخُشُونَةِ لَا سِيّمَا إذَا أُخِذَ بِدُهْنِ اللّوْزِ الْحُلْوِ وَمُنْضِجٌ لِمَا فِي الصّدْرِ مُلَيّنٌ لَهُ مُسَهّلٌ لِخُشُونَةِ الْحَلْقِ وَبَيَاضُهُ إذَا قُطِرَ فِي الْعَيْنِ الْوَارِمَةِ وَرَمًا حَارّا بَرّدَهُ وَسَكّنَ الْوَجَعَ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ حَرْقُ النّارِ أَوْ مَا يَعْرِضُ لَهُ لَمْ يَدَعْهُ يَتَنَفّطُ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ الْوَجَعُ مَنَعَ الِاحْتِرَاقَ الْعَارِضَ مِنْ الشّمْسِ إذَا خُلِطَ بالكندر وَلُطّخَ عَلَى الْجَبْهَةِ نَفَعَ مِنْ النّزْلَةِ . وَذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " فِي الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيّةِ ثُمّ قَالَ وَهُوَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُطْلَقَةِ - فَإِنّهُ مِمّا لَهُ مَدْخَلٌ فِي تَقْوِيَةِ الْقَلْبِ جِدّا أَعْنِي الصّفْرَةَ وَهِيَ [ ص 266 ] مَعَانٍ : سُرْعَةُ الِاسْتِحَالَةِ إلَى الدّمِ وَقِلّةُ الْفَضْلَةِ وَكَوْنُ الدّمِ الْمُتَوَلّدِ مِنْهُ مُجَانِسًا لِلدّمِ الّذِي يَغْذُو الْقَلْبَ خَفِيفًا مُنْدَفِعًا إلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَلِذَلِكَ هُوَ أَوْفَقُ مَا يُتَلَافَى بِهِ عَادِيَةُ الْأَمْرَاضِ الْمُحَلّلَةِ لِجَوْهَرِ الرّوحِ .
بَصَلٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْبَصَلِ فَقَالَتْ إنّ آخِرَ طَعَامٍ أَكَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ فِيهِ بَصَلٌ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّهُ مَنَعَ آكِلَهُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ .
[ مَنَافِعُ ال

بصل
]
وَالْبَصَلُ حَارّ فِي الثّالِثَةِ وَفِيهِ رُطُوبَةٌ فَضْلِيّةٌ يَنْفَعُ مِنْ تَغَيّرِ الْمِيَاهِ وَيَدْفَعُ رِيحَ السّمُومِ وَيُفَتّقُ الشّهْوَةَ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُهَيّجُ الْبَاهَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُحَسّنُ اللّوْنَ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيَجْلُو الْمَعِدَةَ وَبَزْرُهُ يُذْهِبُ الْبَهَقَ وَيُدَلّكُ بِهِ حَوْلَ دَاءِ الثّعْلَبِ فَيَنْفَعُ جِدّا وَهُوَ بِالْمِلْحِ يُقْلِعُ الثّآلِيلِ وَإِذَا شَمّهُ مَنْ شَرِبَ دَوَاءً مُسَهّلًا مَنَعَهُ مِنْ الْقَيْءِ وَالْغَثَيَانِ وَأَذْهَبَ رَائِحَةَ ذَلِكَ الدّوَاءِ وَإِذَا اسْتَعَطَ بِمَائِهِ نَقّى الرّأْسَ وَيُقْطَرُ فِي الْأُذُنِ لِثِقَلِ السّمْعِ وَالطّنِينِ وَالْقَيْحِ وَالْمَاءِ الْحَادِثِ فِي الْأُذُنِينَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْمَاءِ النّازِلِ فِي الْعَيْنَيْنِ اكْتِحَالًا يُكْتَحَلُ بِبَزْرِهِ مَعَ الْعَسَلِ لِبَيَاضِ الْعَيْنِ وَالْمَطْبُوخُ مِنْهُ كَثِيرُ الْغِذَاءِ يَنْفَعُ مِنْ الْيَرَقَانِ وَالسّعَالِ وَخُشُونَةِ الصّدْرِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيُلَيّنُ الطّبْعَ وَيَنْفَعُ مِنْ عَضّةِ الْكَلْبِ غَيْرِ الْكَلِبِ إذَا نُطِلَ عَلَيْهَا مَاؤُهُ بِمِلْحٍ وَسَذَابٍ وَإِذَا اُحْتُمِلَ فَتَحَ أَفْوَاهِ الْبَوَاسِيرِ .
[ ضَرَرُ البَصَل ]
وَأَمّا ضَرَرُهُ فَإِنّهُ يُورِثُ الشّقِيقَةَ وَيُصَدّعُ الرّأْسَ وَيُوَلّدُ أَرْيَاحًا وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ وَكَثْرَةُ أَكْلِهِ تُورِثُ النّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الْعَقْلَ وَيُغَيّرُ رَائِحَةَ الْفَمِ وَالنّكْهَةِ [ ص 267 ] وَفِي السّنَنِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ آكِلَهُ وَآكِلَ الثّومِ أَنْ يُمِيتَهُمَا طَبْخًا وَيُذْهِبَ رَائِحَتَهُ مَضْغُ وَرَقِ السّذَابِ عَلَيْهِ.
بَاذِنْجَانٌ
فِي الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ مِمّا يُسْتَقْبَحُ نِسْبَتُهُ إلَى آحَادِ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَبَعْدُ فَهُوَ نَوْعَانِ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ وَفِيهِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ بَارِدٌ أَوْ حَارّ ؟ وَالصّحِيحُ أَنّهُ حَارّ وَهُوَ مُوَلّدٌ لِلسّوْدَاءِ وَالْبَوَاسِيرِ وَالسّدَدِ وَالسّرَطَانِ وَالْجُذَامِ وَيُفْسِدُ اللّوْنَ وَيُسَوّدُهُ وَيَضُرّ بِنَتِنِ الْفَمِ وَالْأَبْيَضُ مِنْهُ الْمُسْتَطِيلُ عَارٍ مِنْ ذَلِكَ .
حَرْفُ التّاءِ
تَمْرٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ تَصَبّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ وَفِي لَفْظٍ مِنْ تَمْرِ الْعَالِيَةِ لَمْ يَضُرّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمّ وَلَا سِحْرٌ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ وَثَبَتَ عَنْهُ أَكْلُ التّمْرِ بِالزّبْدِ وَأَكْلُ التّمْرِ بِالْخُبْزِ وَأَكْلُهُ مُفْرَدًا . وَهُوَ حَارّ فِي الثّانِيَةِ وَهَلْ هُوَ رَطْبٌ فِي الْأُولَى أَوْ يَابِسٌ فِيهَا ؟ . عَلَى [ ص 268 ] تِرْيَاقِيّةٌ فَإِذَا أُدِيمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرّيقِ خَفّفَ مَادّةَ الدّودِ وَأَضْعَفَهُ وَقَلّلَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ فَاكِهَةٌ وَغِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَشَرَابٌ وَحَلْوَى .
تِينٌ
لَمّا لَمْ يَكُنْ التّينُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ لَمْ يَأْتِ لَهُ ذِكْرٌ فِي السّنّةِ فَإِنّ أَرْضَهُ تُنَافِي أَرْضَ النّخْلِ وَلَكِنْ قَدْ أَقْسَمَ اللّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَفَوَائِدِهِ وَالصّحِيحُ أَنّ الْمُقْسَمَ بِهِ هُوَ التّينُ الْمَعْرُوفُ . وَهُوَ حَارّ وَفِي رُطُوبَتِهِ وَيُبُوسَتِهِ قَوْلَانِ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ النّاضِجُ الْقِشْرُ يَجْلُو رَمْلَ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَيُؤَمّنُ مِنْ السّمُومِ وَهُوَ أَغْذَى مِنْ جَمِيعِ الْفَوَاكِهِ وَيَنْفَعُ خُشُونَةَ الْحَلْقِ وَالصّدْرِ وَقَصَبَةِ الرّئَةِ وَيَغْسِلُ الْكَبِدَ وَالطّحَالَ وَيُنَقّي الْخَلْطَ الْبَلْغَمِيّ مِنْ الْمَعِدَةِ وَيَغْذُو الْبَدَنَ غِذَاءً جَيّدًا إلّا أَنّهُ يُوَلّدُ الْقَمْلَ إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ جِدّا . وَيَابِسُهُ يَغْذُو وَيَنْفَعُ الْعَصَبَ وَهُوَ مَعَ الْجَوْزِ وَاللّوْزِ مَحْمُودٌ قَالَ جالينوس : " وَإِذَا أُكِلَ مَعَ الْجَوْزِ وَالسّذَابِ قَبْلَ أَخْذِ السّمّ الْقَاتِلِ نَفَعَ وَحَفِظَ مِنْ الضّرَرِ . وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ أُهْدِيَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَبَقٌ مِنْ تِينٍ فَقَالَ " كُلُوا وَأَكَلَ مِنْهُ وَقَالَ " لَوْ قُلْتُ إنّ فَاكِهَةً نَزَلَتْ مِنْ الْجَنّةِ قُلْت : هَذِهِ لِأَنّ فَاكِهَةَ الْجَنّةِ بِلَا عَجَمٍ فَكُلُوا مِنْهَا فَإِنّهَا تَقْطَعُ الْبَوَاسِيرَ وَتَنْفَعُ مِنْ النّقْرِسِ وَفِي ثُبُوتِ هَذَا نَظَرٌ . [ ص 269 ] وَاللّحْمُ مِنْهُ أَجْوَدُ وَيُعَطّشُ الْمَحْرُورِينَ وَيُسَكّنُ الْعَطَشَ الْكَائِنَ عَنْ الْبَلْغَمِ الْمَالِحِ وَيَنْفَعُ السّعَالَ الْمُزْمِنَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَفْتَحُ سُدَدَ الْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَيُوَافِقُ الْكُلَى وَالْمَثَانَةَ وَلِأَكْلِهِ عَلَى الرّيقِ مَنْفَعَةٌ عَجِيبَةٌ فِي تَفْتِيحِ مَجَارِي الْغِذَاءِ وَخُصُوصًا بِاللّوْزِ وَالْجَوْزِ وَأَكْلُهُ مَعَ الْأَغْذِيَةِ الْغَلِيظَةِ رَدِيءٌ جِدّا وَالتّوتُ الْأَبْيَضُ قَرِيبٌ مِنْهُ لَكِنّهُ أَقَلّ تَغْذِيَةً وَأَضَرّ بِالْمَعِدَةِ . تَلْبِينَةٌ قَدْ تَقَدّمَ إنّهَا مَاءُ الشّعِيرِ الْمَطْحُونِ وَذَكَرْنَا مَنَافِعَهَا وَأَنّهَا أَنْفَعُ لِأَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ مَاءِ الشّعِيرِ الصّحِيحِ .

حَرْفُ الثّاءِ
ثَلْجٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ اللّهُمّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثّلْجِ وَالْبَرَدِ
[ الدّاءُ يُدَاوَى بِضِدّهِ ]
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّ الدّاءَ يُدَاوَى بِضَدّهِ فَإِنّ فِي الْخَطَايَا مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْحَرِيقِ مَا يُضَادّهُ الثّلْجُ وَالْبَرَدُ وَالْمَاءُ الْبَارِدُ وَلَا يُقَالُ إنّ الْمَاءَ الْحَارّ أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الْوَسَخِ لِأَنّ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ مِنْ تَصْلِيبِ الْجِسْمِ وَتَقْوِيَتِهِ مَا لَيْسَ فِي الْحَارّ وَالْخَطَايَا تُوجِبُ أَثَرَيْنِ التّدْنِيسَ وَالْإِرْخَاءَ فَالْمَطْلُوبُ مُدَاوَاتُهَا بِمَا يُنَظّفُ الْقَلْبَ وَيُصَلّبُهُ فَذَكَرَ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَالثّلْجَ وَالْبَرَدَ إشَارَةً إلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ . وَبَعْدُ فَالثّلْجُ بَارِدٌ عَلَى الْأَصَحّ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ حَارّ وَشُبْهَتُهُ تَوَلّدُ الْحَيَوَانِ فِيهِ وَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى حَرَارَتِهِ فَإِنّهُ يَتَوَلّدُ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَارِدَةِ وَفِي الْخَلّ وَأَمّا تَعْطِيشُهُ فَلِتَهْيِيجِهِ الْحَرَارَةَ لَا لِحَرَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَيَضُرّ الْمَعِدَةَ وَالْعَصَبَ وَإِذَا [ ص 270 ] كَانَ وَجَعُ الْأَسْنَانِ مِنْ حَرَارَةٍ مُفْرِطَةٍ سَكّنَهَا .
ثُومٌ
هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْبَصَلِ وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا وَأُهْدِيَ إلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ ثُومٌ فَأَرْسَلَ بِهِ إلَى أَبِي أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ تَكْرَهُهُ وَتُرْسِلُ بِهِ إلَيّ ؟ فَقَالَ إنّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي وَبَعْدُ فَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الرّابِعَةِ يُسَخّنُ تَسْخِينًا قَوِيّا وَيُجَفّفُ تَجْفِيفًا بَالِغًا نَافِعٌ لِلْمَبْرُودِينَ وَلِمَنْ مِزَاجُهُ بَلْغَمِيّ وَلِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْفَالِجِ وَهُوَ مُجَفّفٌ لِلْمَنِيّ مُفَتّحٌ لِلسّدَدِ مُحَلّلٌ لِلرّيَاحِ الْغَلِيظَةِ هَاضِمٌ لِلطّعَامِ قَاطِعٌ لِلْعَطَشِ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ مُدِرّ لِلْبَوْلِ يَقُومُ فِي لَسْعِ الْهَوَامّ وَجَمِيعِ الْأَوْرَامِ الْبَارِدَةِ مَقَامَ التّرْيَاقِ وَإِذَا دُقّ وَعُمِلَ مِنْهُ ضِمَادٌ عَلَى نَهْشِ الْحَيّاتِ أَوْ عَلَى لَسْعِ الْعَقَارِبِ نَفَعَهَا وَجَذَبَ السّمُومَ مِنْهَا وَيُسَخّنُ الْبَدَنَ وَيَزِيدُ فِي حَرَارَتِهِ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيُحَلّلُ النّفْخَ وَيُصَفّي الْحَلْقَ وَيَحْفَظُ صِحّةَ أَكْثَرِ الْأَبْدَانِ وَيَنْفَعُ مَنْ تَغَيّرِ الْمِيَاهِ وَالسّعَالِ الْمُزْمِنِ وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَمَشْوِيّا [ ص 271 ] دُقّ مَعَ الْخَلّ وَالْمِلْحِ وَالْعَسَلِ ثُمّ وُضِعَ عَلَى الضّرْسِ الْمُتَأَكّلِ فَتّتَهُ وَأَسْقَطَهُ وَعَلَى الضّرْسِ الْوَجِعِ سَكّنَ وَجَعَهُ . وَإِنّ دُقّ مِنْهُ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَأُخِذَ مَعَ مَاءِ الْعَسَلِ أَخْرَجَ الْبَلْغَمَ وَالدّودَ وَإِذَا طُلِيَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْبَهَقِ نَفَعَ .
[ مَضَارال

ثوم
]
وَمِنْ مَضَارّهِ أَنّهُ يُصَدّعُ وَيَضُرّ الدّمَاغَ وَالْعَيْنَيْنِ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَالْبَاهَ وَيُعَطّشُ وَيُهَيّجُ الصّفْرَاءَ وَيَجِيفُ رَائِحَةَ الْفَمِ وَيُذْهِبُ رَائِحَتَهُ أَنْ يُمْضَغَ عَلَيْهِ وَرَقُ السّذَابِ .
ثَرِيدٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطّعَامِ وَالثّرِيد ُ وَإِنْ كَانَ مُرَكّبًا فَإِنّهُ مُرَكّبٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَالْخُبْزُ أَفْضَلُ الْأَقْوَاتِ وَاللّحْمُ سَيّدُ الْإِدَامِ فَإِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَا غَايَةٌ .
[ تَنَازُعُ النّاسِ فِي أَفْضَلِيّةِ اللّحْمِ عَلَى الْخُبْزِ ]
وَتَنَازَعَ النّاسُ أَيّهُمَا أَفْضَلُ ؟ وَالصّوَابُ أَنّ الْحَاجَةَ إلَى الْخُبْزِ أَكْثَرُ وَأَعَمّ وَاللّحْمُ أَجَلّ وَأَفْضَلُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِجَوْهَرِ الْبَدَنِ مِنْ كُلّ مَا عَدَاهُ وَهُوَ طَعَامُ أَهْلِ الْجَنّةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِمَنْ طَلَبَ الْبَقْلَ وَالْقِثّاءَ وَالْفُوَمَ وَالْعَدَسَ وَالْبَصَلَ { أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَى بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ } [ الْبَقَرَةِ 62 ] وَكَثِيرٌ مِنْ السّلَفِ عَلَى أَنّ الْفُومَ الْحِنْطَةُ وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ نَصّ عَلَى أَنّ اللّحْمَ خَيْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ .
حَرْفُ الْجِيمِ
جُمّارٌ
قَلْبُ النّخْلِ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جُلُوسٌ إذْ أُتِيَ بِجُمّارِ نَخْلَةٍ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِنْ الشّجَرِ شَجَرَةً مِثْلَ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا الْحَدِيثَ " . [ ص 272 ] وَالْجُمّارُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الْأُولَى يَخْتِمُ الْقُرُوحَ وَيَنْفَعُ مِنْ نَفْثِ الدّمِ وَاسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ وَغَلَبَةِ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ وَثَائِرَةِ الدّمِ وَلَيْسَ بِرَدِيءِ الْكَيْمُوسِ وَيَغْذُو غِذَاءً يَسِيرًا وَهُوَ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَشَجَرَتُهُ كُلّهَا مَنَافِعُ وَلِهَذَا مَثّلَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّجُلِ الْمُسْلِمِ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَمَنَافِعِهِ .
جُبْنٌ
فِي " السّنَنِ " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أُتِيَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجُبْنَةٍ فِي تَبُوكَ فَدَعَا بِسِكّينٍ وَسَمّى وَقَطَعَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَكَلَهُ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ بِالشّامِ وَالْعِرَاقِ وَالرّطَبُ مِنْهُ غَيْرُ الْمَمْلُوحِ جَيّدٌ لِلْمَعِدَةِ هَيّنُ السّلُوكِ فِي الْأَعْضَاءِ يَزِيدُ فِي اللّحْمِ وَيُلَيّنُ الْبَطْنَ تَلْيِينًا مُعْتَدِلًا وَالْمَمْلُوحُ أَقَلّ غِذَاءً مِنْ الرّطَبِ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ مُؤْذٍ لِلْأَمْعَاءِ وَالْعَتِيقُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ وَكَذَا الْمَشْوِيّ وَيَنْفَعُ الْقُرُوحَ وَيَمْنَعُ الْإِسْهَالَ . وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ مَشْوِيّا كَانَ أَصْلَحَ لِمِزَاجِهِ فَإِنّ النّارَ تُصْلِحُهُ وَتُعَدّلُهُ وَتُلَطّفُ جَوْهَرَهُ وَتُطَيّبُ طَعْمَهُ وَرَائِحَتَهُ . وَالْعَتِيقُ الْمَالِحُ حَارّ يَابِسٌ وَشَيّهُ يُصْلِحُهُ أَيْضًا بِتَلْطِيفِ جَوْهَرِهِ وَكَسْرِ حَرَافَتِهِ لِمَا تَجْذِبُهُ النّارُ مِنْهُ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَارّةِ الْيَابِسَةِ الْمُنَاسِبَةِ لَهَا وَالْمُمَلّحُ مِنْهُ يُهْزِلُ وَيُوَلّدُ حَصَاةَ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ وَخَلْطُهُ بِالْمُلَطّفَاتِ أَرْدَأُ بِسَبَبِ تَنْفِيذِهَا لَهُ إلَى الْمَعِدَةِ .
حَرْفُ الْحَاءِ
حِنّاءٌ
قَدْ تَقَدّمَتْ الْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ وَذِكْرِ مَنَافِعِهِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ . [ ص 273 ]
حَبّةُ السّوْدَاءِ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبّةِ السّوْدَاءِ فَإِنّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلّ دَاءٍ إلّا السّامَ وَالسّامُ الْمَوْتُ . الْحَبّةُ السّوْدَاءُ هِيَ الشّونِيزُ فِي لُغَةِ الْفُرْسِ وَهِيَ الْكَمّونُ الْأَسْوَدُ وَتُسَمّى الْكَمّونُ الْهِنْدِيّ قَالَ الْحَرْبِيّ عَنْ الْحَسَنِ إنّهَا الْخَرْدَلُ وَحَكَى الْهَرَوِيّ أَنّهَا الْحَبّةُ الْخَضْرَاءُ ثَمَرَةُ الْبُطْمِ وَكِلَاهُمَا وَهْمٌ وَالصّوَابُ أَنّهَا الشّونِيزُ . وَهِيَ كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ جِدّا وَقَوْلُهُ " شِفَاءً مِنْ كُلّ دَاءٍ " مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى : { تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا } [ الْأَحْقَافِ 25 ] أَيْ كُلّ شَيْءٍ يَقْبَلُ التّدْمِيرَ وَنَظَائِرَهُ وَهِيَ نَافِعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْرَاضِ الْبَارِدَةِ وَتَدْخُلُ فِي الْأَمْرَاضِ الْحَارّةِ الْيَابِسَةِ بِالْعَرْضِ فَتُوَصّلُ قُوَى الْأَدْوِيَةِ الْبَارِدَةِ الرّطْبَةِ إلَيْهَا بِسُرْعَةِ تَنْفِيذِهَا إذَا أَخَذَ يَسِيرَهَا . وَقَدْ نَصّ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " وَغَيْرُهُ عَلَى الزّعْفَرَانِ فِي قُرْصِ الْكَافُورِ لِسُرْعَةِ تَنْفِيذِهِ وَإِيصَالِهِ قُوّتَهُ وَلَهُ نَظَائِرُ يَعْرِفُهَا حُذّاقُ الصّنَاعَةِ وَلَا تَسْتَبْعِدْ مَنْفَعَةَ الْحَارّ فِي أَمْرَاضٍ حَارّةٍ بِالْخَاصّيّةِ فَإِنّك تَجِدُ ذَلِكَ فِي أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا : الأنزروت وَمَا يُرَكّبُ مَعَهُ مِنْ أَدْوِيَةِ الرّمَدِ كَالسّكّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ الْحَارّةِ وَالرّمَدُ وَرَمٌ حَارّ بِاتّفَاقِ الْأَطِبّاءِ وَكَذَلِكَ نَفْعُ الْكِبْرِيتِ الْحَارّ جِدّا مِنْ الْجَرَبِ . وَالشّونِيزُ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ مُذْهِبٌ لِلنّفْخِ مُخْرِجٌ لِحَبّ الْقَرَعِ نَافِعٌ مِنْ الْبَرَصِ وَحُمّى الرّبْعِ وَالْبَلْغَمِيّةِ مُفَتّحٌ لِلسّدَدِ وَمُحَلّلٌ لِلرّيَاحِ مُجَفّفٌ لِبَلّةِ الْمَعِدَةِ وَرُطُوبَتِهَا . وَإِنْ دُقّ وَعُجِنَ بِالْعَسَلِ وَشُرِبَ بِالْمَاءِ الْحَارّ أَذَابَ الْحَصَاةَ الّتِي تَكُونُ فِي الْكُلْيَتَيْنِ وَالْمَثَانَةِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَالْحَيْضَ وَاللّبَنَ إذَا أُدِيمَ شُرْبُهُ أَيّامًا [ ص 274 ] وَطُلِيَ عَلَى الْبَطْنِ قَتَلَ حَبّ الْقَرَعِ فَإِنْ عُجِنَ بِمَاءِ الْحَنْظَلِ الرّطْبِ أَوْ الْمَطْبُوخِ كَانَ فِعْلُهُ فِي إخْرَاجِ الدّودِ أَقْوَى وَيَجْلُو وَيَقْطَعُ وَيُحَلّلُ وَيَشْفِي مِنْ الزّكَامِ الْبَارِدِ إذَا دُقّ وَصُيّرَ فِي خِرْقَةٍ وَاشْتُمّ دَائِمًا أَذْهَبَهُ . وَدُهْنُهُ نَافِعٌ لِدَاءِ الْحَيّةِ وَمِنْ الثّآلِيلِ وَالْخِيلَانِ وَإِذَا شُرِبَ مِنْهُ مِثْقَالٌ بِمَاءٍ نَفَعَ مِنْ الْبَهَرِ وَضِيقِ النّفَسِ وَالضّمَادُ بِهِ يَنْفَعُ مِنْ الصّدَاعِ الْبَارِدِ وَإِذَا نُقِعَ مِنْهُ سَبْعُ حَبّاتٍ عَدَدًا فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ وَسُعِطَ بِهِ صَاحِبُ الْيَرَقَانِ نَفَعَهُ نَفْعًا بَلِيغًا . وَإِذَا طُبِخَ بِخَلّ وَتُمُضْمِضَ بِهِ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ عَنْ بَرْدٍ وَإِذَا اُسْتُعِطَ بِهِ مَسْحُوقًا نَفَعَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمَاءِ الْعَارِضِ فِي الْعَيْنِ وَإِنْ ضُمّدَ بِهِ مَعَ الْخَلّ قَلَعَ الْبُثُورَ وَالْجَرَبَ الْمُتَقَرّحَ وَحَلّلَ الْأَوْرَامَ الْبَلْغَمِيّةَ الْمُزْمِنَةَ وَالْأَوْرَامَ الصّلْبَةَ وَيَنْفَعُ مِنْ اللّقْوَةِ إذَا تُسُعّطَ بِدُهْنِهِ وَإِذَا شُرِبَ مِنْهُ مِقْدَارُ نِصْفِ مِثْقَالٍ إلَى مِثْقَالٍ نَفَعَ مِنْ لَسْعِ الرّتَيْلَاءِ وَإِنْ سُحِقَ نَاعِمًا وَخُلِطَ بِدُهْنِ الْحَبّةِ الْخَضْرَاءِ وَقُطِرَ مِنْهُ فِي الْأُذُنِ ثَلَاثَ قَطَرَاتٍ نَفَعَ مِنْ الْبَرْدِ الْعَارِضِ فِيهَا وَالرّيحِ وَالسّدَدِ . وَإِنْ قُلِيَ ثُمّ دُقّ نَاعِمًا ثُمّ نُقِعَ فِي زَيْتٍ وَقُطِرَ فِي الْأَنْفِ ثَلَاثُ قَطَرَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ نَفَعَ مِنْ الزّكَامِ الْعَارِضِ مَعَهُ عُطَاسٌ كَثِيرٌ . وَإِذَا أُحْرِقَ وَخُلِطَ بِشَمْعٍ مُذَابٍ بِدُهْنِ السّوْسَنِ أَوْ دُهْنِ الْحِنّاءِ وَطُلِيَ بِهِ الْقُرُوحُ الْخَارِجَةُ مِنْ السّاقَيْنِ بَعْدَ غَسْلِهَا بِالْخَلّ نَفَعَهَا وَأَزَالَ الْقُرُوحَ . وَإِذَا سُحِقَ بِخَلّ وَطُلِيَ بِهِ الْبَرَصُ وَالْبَهَقُ الْأَسْوَدُ وَالْحَزَازُ الْغَلِيظُ نَفَعَهَا وَأَبْرَأَهَا . [ ص 275 ] وَإِذَا سُحِقَ نَاعِمًا وَاسْتُفّ مِنْهُ كُلّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ بِمَاءٍ بَارِدٍ مَنْ عَضّهُ كَلْبٌ كَلِبٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْمَاءِ نَفَعَهُ نَفْعًا بَلِيغًا وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْهَلَاكِ . وَإِذَا اُسْتُعِطَ بِدُهْنِهِ نَفَعَ مِنْ الْفَالِجِ وَالْكُزَازِ وَقَطَعَ مَوَادّهُمَا وَإِذَا دُخّنَ بِهِ طَرَدَ الْهَوَامّ . وَإِذَا أُذِيبَ الأنزروت بِمَاءٍ وَلُطِخَ عَلَى دَاخِلِ الْحَلْقَةِ ثُمّ ذُرّ عَلَيْهَا الشّونِيزُ كَانَ مِنْ الذرورات الْجَيّدَةِ الْعَجِيبَةِ النّفْعِ مِنْ الْبَوَاسِيرِ وَمَنَافِعُهُ أَضْعَافُ مَا ذَكَرْنَا وَالشّرْبَةُ مِنْهُ دِرْهَمَانِ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ قَاتِلٌ .
حَرِيرٌ
قَدْ تَقَدّمَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَاحَهُ لِلزّبَيْرِ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ حِكّةٍ كَانَتْ بِهِمَا وَتَقَدّمَ مَنَافِعُهُ وَمِزَاجُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ .
حُرْفٌ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدّينَوَرِيّ : هَذَا هُوَ الْحَبّ الّذِي يُتَدَاوَى بِهِ وَهُوَ الثّفّاءُ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَبَاتُهُ يُقَالُ لَهُ الْحُرْفُ وَتُسَمّيهِ الْعَامّةُ الرّشَادُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الثّفّاءُ هُوَ الْحُرْفُ . قُلْت : وَالْحَدِيثُ الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَاذَا فِي الْأَمَرّيْنِ مِنْ الشّفَاءِ ؟ الصّبِرُ وَالثّفّاءُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ . وَقُوّتُهُ فِي الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي الدّرَجَةِ الثّالِثَةِ وَهُوَ يُسَخّنُ وَيُلَيّنُ الْبَطْنَ وَيُخْرِجُ الدّودَ وَحَبّ الْقَرَعِ وَيُحَلّلُ أَوْرَامَ الطّحَالِ وَيُحَرّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَجْلُو الْجَرَبَ الْمُتَقَرّحَ وَالْقُوَبَاءَ . وَإِذَا ضُمّدَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ حَلّلَ وَرَمَ الطّحَالِ وَإِذَا طُبِخَ مَعَ الْحِنّاءِ أَخْرَجَ الْفُضُولَ الّتِي فِي الصّدْرِ وَشُرْبُهُ يَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْهَوَامّ وَلَسْعِهَا وَإِذَا دُخّنَ بِهِ فِي [ ص 276 ] طَرَدَ الْهَوَامّ عَنْهُ وَيُمْسِكُ الشّعْرَ الْمُتَسَاقِطَ وَإِذَا خُلِطَ بِسَوِيقِ الشّعِيرِ وَالْخَلّ وَتُضُمّدَ بِهِ نَفَعَ مِنْ عِرْقِ النّسَا وَحَلّلَ الْأَوْرَامَ الْحَارّةَ فِي آخِرِهَا . وَإِذَا تُضُمّدَ بِهِ مَعَ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ أَنْضَجَ الدّمَامِيلَ وَيَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِرْخَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُشَهّي الطّعَامَ وَيَنْفَعُ الرّبْوَ وَعُسْرَ التّنَفّسِ وَغِلَظَ الطّحَالِ وَيُنَقّي الرّئَةَ وَيُدِرّ الطّمْثَ وَيَنْفَعُ مِنْ عِرْقِ النّسَا وَوَجَعِ حُقّ الْوَرِكِ مِمّا يَخْرُجُ مِنْ الْفُضُولِ إذَا شُرِبَ أَوْ احْتُقِنَ بِهِ وَيَجْلُو مَا فِي الصّدْرِ وَالرّئَةِ مِنْ الْبَلْغَمِ اللّزِجِ . وَإِنْ شُرِبَ مِنْهُ بَعْدَ سَحْقِهِ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ بِالْمَاءِ الْحَارّ أَسْهَلَ الطّبِيعَةَ وَحَلّلَ الرّيَاحَ وَنَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْقُولَنْجِ الْبَارِدِ السّبَبِ وَإِذَا سُحِقَ وَشُرِبَ نَفَعَ مِنْ الْبَرَصِ . وَإِنْ لُطّخَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَهَقِ الْأَبْيَضِ بِالْخَلّ نَفَعَ مِنْهُمَا وَيَنْفَعُ مِنْ الصّدَاعِ الْحَادِثِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْبَلْغَمِ وَإِنْ قُلِيَ وَشُرِبَ عَقَلَ الطّبْعَ لَا سِيّمَا إذَا لَمْ يُسْحَقْ لِتَحَلّلِ لُزُوجَتِهِ بِالْقَلْيِ وَإِذَا غُسِلَ بِمَائِهِ الرّأْسُ نَقّاهُ مِنْ الْأَوْسَاخِ وَالرّطُوبَاتِ اللّزِجَةِ . قَالَ جالينوس : قُوّتُهُ مِثْلُ قُوّةِ بَزْرِ الْخَرْدَلِ وَلِذَلِكَ قَدْ يُسَخّنُ بِهِ أَوْجَاعُ الْوَرِكِ الْمَعْرُوفَةُ بِالنّسَا وَأَوْجَاعُ الرّأْسِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِلَلِ الّتِي تَحْتَاجُ إلَى التّسْخِينِ كَمَا يُسَخّنُ بَزْرُ الْخَرْدَلِ وَقَدْ يُخْلَطُ أَيْضًا فِي أَدْوِيَةٍ يُسْقَاهَا أَصْحَابُ الرّبْوِ مِنْ طَرِيقِ أَنّ الْأَمْرَ فِيهِ مَعْلُومٌ أَنّهُ يُقَطّعُ الْأَخْلَاطَ الْغَلِيظَةَ تَقْطِيعًا قَوِيّا كَمَا يَقْطَعُهَا بَزْرُ الْخَرْدَلِ لِأَنّهُ شَبِيهٌ بِهِ فِي كُلّ شَيْءٍ .
حُلْبَةٌ
يُذْكَرُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ عَاد سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِمَكّةَ فَقَالَ اُدْعُوا لَهُ طَبِيبًا فَدُعِيَ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ فَاِتّخِذُوا لَهُ فَرِيقَةً وَهِيَ الْحُلْبَةُ مَعَ تَمْرِ عَجْوَةٍ رَطْبٍ يُطْبَخَانِ فَيَحْسَاهُمَا فَفَعَلَ ذَلِكَ فَبَرِئَ [ ص 277 ] وَقُوّةُ الْحُلْبَةِ مِنْ الْحَرَارَةِ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ وَمِنْ الْيُبُوسَةِ فِي الْأُولَى وَإِذَا طُبِخَتْ بِالْمَاءِ لَيّنَتْ الْحَلْقَ وَالصّدْرَ وَالْبَطْنَ وَتُسَكّنُ السّعَالَ وَالْخُشُونَةَ وَالرّبْوَ وَعُسْرَ النّفَسِ وَتَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَهِيَ جَيّدَةٌ لِلرّيحِ وَالْبَلْغَمِ وَالْبَوَاسِيرِ مُحْدِرَةُ الْكَيْمُوسَاتِ الْمُرْتَبِكَةِ فِي الْأَمْعَاءِ وَتُحَلّلُ الْبَلْغَمَ اللّزِجَ مِنْ الصّدْرِ وَتَنْفَعُ مِنْ الدّبَيْلَاتِ وَأَمْرَاضِ الرّئَةِ وَتُسْتَعْمَلُ لِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ فِي الْأَحْشَاءِ مَعَ السّمْنِ وَالْفَانِيذِ . وَإِذَا شُرِبَتْ مَعَ وَزْنِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فُوّةٍ أَدَرّتْ الْحَيْضَ وَإِذَا طُبِخَتْ وَغُسِلَ بِهَا الشّعْرُ جَعّدَتْهُ وَأَذْهَبَتْ الْحَزَازَ . وَدَقِيقُهَا إذَا خُلِطَ بِالنّطْرُونِ وَالْخَلّ وَضُمّدَ بِهِ حَلّلَ وَرَمَ الطّحَالِ وَقَدْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَاءِ الّذِي طُبِخَتْ فِيهِ الْحُلْبَةُ فَتَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ وَجَعِ الرّحِمِ الْعَارِضِ مِنْ وَرَمٍ فِيهِ . وَإِذَا ضُمّدَ بِهِ الْأَوْرَامُ الصّلْبَةُ الْقَلِيلَةُ الْحَرَارَةُ نَفَعَتْهَا وَحَلّلَتْهَا وَإِذَا شُرِبَ مَاؤُهَا نَفَعَ مِنْ الْمَغَصِ الْعَارِضِ مِنْ الرّيَاحِ وَأَزْلَقَ الْأَمْعَاءَ . وَإِذَا أُكِلَتْ مَطْبُوخَةً بِالتّمْرِ أَوْ الْعَسَلِ أَوْ التّينِ عَلَى الرّيقِ حَلّلَتْ الْبَلْغَمَ اللّزِجَ الْعَارِضَ فِي الصّدْرِ وَالْمَعِدَةِ وَنَفَعَتْ مِنْ السّعَالِ الْمُتَطَاوِلِ مِنْهُ . [ ص 278 ] وَيُذْكَرُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَشْفُوا بِالْحُلْبَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ لَوْ عَلِمَ النّاسُ مَنَافِعَهَا لَاشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا .

حَرْفُ الْخَاءِ
خُبْزٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفّؤُهَا الْجَبّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفُؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنّةِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ أَحَبّ الطّعَامِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الثّرِيدُ مِنْ الْخُبْزِ وَالثّرِيدُ مِنْ الْحَيْسِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدِدْتُ أَنّ عِنْدِي خُبْزَةً بَيْضَاءَ مِنْ بُرّةٍ سَمْرَاءَ مُلَبّقَةً بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ " فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَاِتّخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ فَقَالَ فِي أَيّ شَيْءٍ كَانَ هَذَا السّمْنُ ؟ فَقَالَ فِي عُكّةِ ضَبّ فَقَالَ ارْفَعْهُ . [ ص 279 ] وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَرْفَعُهُ أَكْرِمُوا الْخُبْزَ وَمِنْ كَرَامَتِهِ أَنْ لَا يَنْتَظِرَ بِهِ الْإِدَامُ وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ فَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ وَلَا رَفْعُ مَا قَبْلَهُ .
[ لَا يَصِحّ حَدِيثٌ فِي النّهْيِ عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ بِالسّكّينِ ]
وَأَمّا حَدِيثُ النّهْيِ عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ بِالسّكّينِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّمَا الْمَرْوِيّ النّهْيُ عَنْ قَطْعِ اللّحْمِ بِالسّكّينِ وَلَا يَصِحّ أَيْضًا . قَالَ مُهَنّا : سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْطَعُوا اللّحْمَ بِالسّكّينِ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ فَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ خِلَافُ هَذَا وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ - يَعْنِي بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ - كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْتَزّ مِنْ لَحْمِ الشّاةِ وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنّهُ لَمّا أَضَافَهُ أَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ ثُمّ أَخَذَ الشّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزّ
فَصْلٌ [ أَنْوَاعُ الْخُبْزِ وَأَنْفَعُهَا ]
وَأَحْمَدُ أَنْوَاعِ الْخُبْزِ أَجْوَدُهَا اخْتِمَارًا وَعَجْنًا ثُمّ خُبْزُ التّنّورِ أَجْوَدُ أَصْنَافِهِ [ ص 280 ] الْمَلّةِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثّالِثَةِ وَأَجْوَدُهُ مَا اُتّخِذَ مِنْ الْحِنْطَةِ الْحَدِيثَةِ . وَأَكْثَرُ أَنْوَاعِهِ تَغْذِيَةً خُبْزُ السّمِيذِ وَهُوَ أَبْطَؤُهَا هَضْمًا لِقِلّةِ نُخَالَتِهِ وَيَتْلُوهُ خُبْزُ الْحُوّارَى ثُمّ الْخُشْكَارِ .
[ أَفْضَلُ أَوْقَاتِ أَكْلِهِ بَعْدَ خَبْزِهِ ]
وَأَحْمَدُ أَوْقَاتِ أَكْلِهِ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الّذِي خُبِزَ فِيهِ وَاللّينُ مِنْهُ أَكْثَرُ تَلْيِينًا وَغِذَاءً وَتَرْطِيبًا وَأَسْرَعُ انْحِدَارًا وَالْيَابِسُ بِخِلَافِهِ . وَمِزَاجُ الْخُبْزِ مِنْ الْبُرّ حَارّ فِي وَسَطِ الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ وَقَرِيبٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الرّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَالْيُبْسُ يَغْلِبُ عَلَى مَا جَفّفَتْهُ النّارُ مِنْهُ وَالرّطُوبَةُ عَلَى ضِدّهِ .
[ خُبْزُ الْحِنْطَةِ ]
وَفِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ خَاصّيّةٌ وَهُوَ أَنّهُ يُسَمّنُ سَرِيعًا وَخُبْزُ الْقَطَائِفِ يُوَلّدُ خَلْطًا غَلِيظًا وَالْفَتِيتُ نُفّاخٌ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَالْمَعْمُولُ بِاللّبَنِ مُسَدّدٌ كَثِيرُ الْغِذَاءِ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ .
[ خُبْزُ الشّعِيرِ ]
وَخُبْزُ الشّعِيرِ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الْأَوْلَى وَهُوَ أَقَلّ غِذَاءً مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ .
خَلّ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْإِدَامَ فَقَالُوا : مَا عِنْدَنَا إلّا خَلّ فَدَعَا بِهِ وَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَقُولُ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلّ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلّ وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " عَنْ أُمّ سَعْدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلّ اللّهُمّ بَارِكْ فِي الْخَلّ فَإِنّهُ كَانَ إدَامَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَلَمْ يَفْتَقِرْ بَيْتٌ فِيهِ الْخَلّ الْخَلّ مُرَكّبٌ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ أَغْلَبُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ قَوِيّ التّجْفِيفِ يَمْنَعُ مِنْ انْصِبَابِ الْمَوَادّ وَيُلَطّفُ الطّبِيعَةَ وَخَلّ الْخَمْرِ يَنْفَعُ [ ص 281 ] الصّفْرَاءَ وَيَدْفَعُ ضَرَرَ الْأَدْوِيَةِ الْقَتّالَةِ وَيُحَلّلُ اللّبَنَ وَالدّمَ إذَا جَمَدَا فِي الْجَوْفِ وَيَنْفَعُ الطّحَالَ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَعْقِلُ الْبَطْنَ وَيَقْطَعُ الْعَطَشَ وَيَمْنَعُ الْوَرَمَ حَيْثُ يُرِيدُ أَنْ يَحْدُثَ وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ وَيُضَادّ الْبَلْغَمَ وَيُلَطّفُ الْأَغْذِيَةَ الْغَلِيظَةَ وَيُرِقّ الدّمَ . وَإِذَا شُرِبَ بِالْمِلْحِ نَفَعَ مِنْ أَكْلِ الْفِطْرِ الْقَتّالِ وَإِذَا اُحْتُسِيَ قَطَعَ الْعَلَقَ الْمُتَعَلّقَ بِأَصْلِ الْحَنَكِ وَإِذَا تُمُضْمِضَ بِهِ مُسَخّنًا نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ وَقَوّى اللّثَةَ . وَهُوَ نَافِعٌ لِلدّاحِسِ إذَا طُلِيَ بِهِ وَالنّمْلَةِ وَالْأَوْرَامِ الْحَارّةِ وَحَرْقِ النّارِ وَهُوَ مُشَهّ لِلْأَكْلِ مُطَيّبٌ لِلْمَعِدَةِ صَالِحٌ لِلشّبَابِ وَفِي الصّيْفِ لِسُكّانِ الْبِلَادِ الْحَارّةِ .
خِلَالٌ
فِيهِ حَدِيثَانِ لَا يَثْبُتَانِ أَحَدُهُمَا : يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ يَرْفَعُهُ يَا حَبّذَا الْمُتَخَلّلُونَ مِنْ الطّعَامِ إنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدّ عَلَى الْمَلَكِ مِنْ بَقِيّةٍ تَبْقَى فِي الْفَمِ مِنْ الطّعَامِ وَفِيهِ وَاصِلُ بْنُ السّائِبِ قَالَ الْبُخَارِيّ وَالرّازِيّ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النّسَائِيّ وَالْأَزْدِيّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ . الثّانِي : يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سَأَلْت أَبِي عَنْ شَيْخٍ رَوَى عَنْهُ صَالِحٌ الْوُحَاظِيّ يُقَالُ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَنْصَارِيّ حَدّثَنَا عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُتَخَلّلَ بِاللّيطِ وَالْآسِ وَقَالَ إنّهُمَا يَسْقِيَانِ عُرُوقَ الْجُذَامِ فَقَالَ أَبِي : رَأَيْتُ مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ - وَكَانَ أَعْمَى - يَضَعُ الْحَدِيثَ وَيَكْذِبُ . [ ص 282 ] اُتّخِذَ مِنْ عِيدَانِ الْأَخِلّةِ وَخَشَبِ الزّيْتُونِ وَالْخِلَافِ وَالتّخَلّلُ بِالْقَصَبِ وَالْآسِ وَالرّيْحَانِ والباذروج مُضِرّ .
حَرْفُ الدّالِ
دُهْنٌ
رَوَى التّرْمِذِيّ فِي كِتَابِ " الشّمَائِل ِ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُكْثِرُ دُهْنَ رَأْسِهِ وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ كَأَنّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيّاتٍ الدّهْنُ يَسُدّ مَسَامّ الْبَدَنِ وَيَمْنَعُ مَا يَتَحَلّلُ مِنْهُ وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْحَارّ حَسّنَ الْبَدَنَ وَرَطّبَهُ وَإِنْ دُهِنَ بِهِ الشّعْرُ حَسّنَهُ وَطَوّلَهُ وَنَفَعَ مِنْ الْحَصْبَةِ وَدَفَعَ أَكْثَرَ الْآفَاتِ عَنْهُ وَفِي التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا : كُلُوا الزّيْتَ وَادّهِنُوا بِهِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . وَالدّهْنُ فِي الْبِلَادِ الْحَارّةِ كَالْحِجَازِ وَنَحْوِهِ مِنْ آكَدِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصّحّةِ وَإِصْلَاحِ الْبَدَنِ وَهُوَ كَالضّرُورِيّ لَهُمْ وَأَمّا الْبِلَادُ الْبَارِدَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُهَا وَالْإِلْحَاحُ بِهِ فِي الرّأْسِ فِيهِ خَطَرٌ بِالْبَصَرِ . [ ص 283 ] وَأَنْفَعُ الْأَدْهَانِ الْبَسِيطَةِ الزّيْتُ ثُمّ السّمْنُ ثُمّ الشّيْرَجُ .
[ مَنَافِعُ الْأَدْهَانِ الْمُرَكّبَةِ ]
وَأَمّا الْمُرَكّبَةُ فَمِنْهَا بَارِدٌ رَطْبٌ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ يَنْفَعُ مِنْ الصّدَاعِ الْحَارّ وَيُنَوّمُ أَصْحَابَ السّهَرِ وَيُرَطّبُ الدّمَاغَ وَيَنْفَعُ مِنْ الشّقَاقِ وَغَلَبَةِ الْيُبْسِ وَالْجَفَافِ وَيُطْلَى بِهِ الْجَرَبُ وَالْحِكّةُ الْيَابِسَةُ فَيَنْفَعُهَا وَيُسَهّلُ حَرَكَةَ الْمَفَاصِلِ وَيَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْحَارّةِ فِي زَمَنِ الصّيْفِ وَفِيهِ حَدِيثَانِ بَاطِلَانِ مَوْضُوعَانِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا فَضْلُ دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْهَانِ كَفَضْلِي عَلَى سَائِرِ النّاسِ . وَالثّانِي : فَضْلُ دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْهَانِ كَفَضْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ . وَمِنْهَا : حَارّ رَطْبٌ كَدَهْنِ الْبَانِ وَلَيْسَ دُهْنُ زَهْرِهِ بَلْ دُهْنٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ حَبّ أَبْيَضَ أَغْبَرَ نَحْوَ الْفُسْتُقِ كَثِيرَ الدّهْنِيّةِ وَالدّسَمِ يَنْفَعُ مِنْ صَلَابَةِ الْعَصَبِ وَيُلَيّنُهُ وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَرَشِ وَالنّمَشِ وَالْكَلَفِ وَالْبَهَقِ وَيُسَهّلُ بَلْغَمًا غَلِيظًا وَيُلِينُ الْأَوْتَارَ الْيَابِسَةَ وَيُسَخّنُ الْعَصَبَ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ بَاطِلٌ مُخْتَلَقٌ لَا أَصْلَ لَهُ ادّهِنُوا بِالْبَانِ فَإِنّهُ أَحْظَى لَكُمْ عِنْدَ نِسَائِكُمْ وَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنّهُ يَجْلُو الْأَسْنَانَ وَيُكْسِبُهَا بَهْجَةً وَيُنَقّيهَا مِنْ الصّدَأِ وَمَنْ مَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَأَطْرَافَهُ لَمْ يُصِبْهُ حَصًى وَلَا شِقَاقٌ وَإِذَا دَهَنَ بِهِ حِقْوَهُ وَمَذَاكِيرَهُ وَمَا وَالَاهَا نَفَعَ مِنْ بَرْدِ الْكُلْيَتَيْنِ وَتَقْطِيرِ الْبَوْلِ .

حَرْفُ الذّالِ
ذَرِيرَةٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ كُلّهُ بِيَدَيّ بِذَرِيرَةٍ فِي حِجّةِ الْوَدَاعِ لِحِلّهِ وَإِحْرَامِه ِ تَقَدّمَ الْكَلَامُ فِي [ ص 284 ]
ذُبَابٌ
تَقَدّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتّفَقِ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِغَمْسِ الذّبَابِ فِي الطّعَامِ إذَا سَقَطَ فِيهِ لِأَجْلِ الشّفَاءِ الّذِي فِي جَنَاحِهِ وَهُوَ كَالتّرْيَاقِ لِلسّمّ الّذِي فِي الْجَنَاحِ الْآخَرِ وَذَكَرْنَا مَنَافِعَ الذّبَابِ هُنَاكَ .
ذَهَبٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ " أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَخّصَ لِعَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ لَمّا قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلّابِ وَاِتّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَتّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ . وَلَيْسَ لِعَرْفَجَةَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ . الذّهَبُ زِينَةُ الدّنْيَا وَطِلّسْمُ الْوُجُودِ وَمُفْرِحُ النّفُوسِ وَمُقَوّي الظّهُورِ وَسِرّ اللّهِ فِي أَرْضِهِ وَمِزَاجُهُ فِي سَائِرِ الْكَيْفِيّاتِ وَفِيهِ حَرَارَةٌ لَطِيفَةٌ تَدْخُلُ فِي سَائِرِ الْمَعْجُونَاتِ اللّطِيفَةِ وَالْمُفْرِحَاتِ وَهُوَ أَعْدَلُ الْمَعَادِنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَشْرَفُهَا .
[ خَوَاصّ ال

ذهب
]
وَمِنْ خَوَاصّهِ أَنّهُ إذَا دُفِنَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَضُرّهُ التّرَابُ وَلَمْ يُنْقِصْهُ شَيْئًا وَبُرَادَتُهُ إذَا خُلِطَتْ بِالْأَدْوِيَةِ نَفَعَتْ مِنْ ضَعْفِ الْقَلْبِ وَالرّجَفَانِ الْعَارِضِ مِنْ السّوْدَاءِ وَيَنْفَعُ مِنْ حَدِيثِ النّفْسِ وَالْحُزْنِ وَالْغَمّ وَالْفَزَعِ وَالْعِشْقِ وَيُسَمّنُ الْبَدَنَ وَيُقَوّيهِ وَيُذْهِبُ الصّفَارَ وَيُحَسّنُ اللّوْنَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْجُذَامِ وَجَمِيعِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَمْرَاضِ السّوْدَاوِيّةِ وَيَدْخُلُ بِخَاصّيّةٍ فِي أَدْوِيَةِ دَاءِ الثّعْلَبِ وَدَاءِ الْحَيّةِ شُرْبًا وَطِلَاءً وَيَجْلُو الْعَيْنَ وَيُقَوّيهَا وَيَنْفَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهَا وَيُقَوّي جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ . [ ص 285 ] وَإِمْسَاكُهُ فِي الْفَمِ يُزِيلُ الْبَخَرَ وَمَنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَحْتَاجُ إلَى الْكَيّ وَكُوِيَ بِهِ لَمْ يَتَنَفّطْ مَوْضِعُهُ وَيَبْرَأُ سَرِيعًا وَإِنْ اتّخَذَ مِنْهُ مَيْلًا وَاكْتَحَلَ بِهِ قَوّى الْعَيْنَ وَجَلَاهَا وَإِذَا اُتّخِذَ مِنْهُ خَاتَمٌ فَصّهُ مِنْهُ وَأُحْمِيَ وَكُوِيَ بِهِ قَوَادِمُ أَجْنِحَةِ الْحَمَامِ أَلِفَتْ أَبْرَاجَهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهَا . وَلَهُ خَاصّيّةٌ عَجِيبَةٌ فِي تَقْوِيَةِ النّفُوسِ لِأَجْلِهَا أُبِيحَ فِي الْحَرْبِ وَالسّلَاحُ مِنْهُ مَا أُبِيحَ وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ مُزَيْدَةَ الْعَصَرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضّةٌ وَهُوَ مَعْشُوقُ النّفُوسِ الّتِي مَتَى ظَفِرَتْ بِهِ سَلّاهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مَحْبُوبَاتِ الدّنْيَا قَالَ تَعَالَى : { زُيّنَ لِلنّاسِ حُبّ الشّهَوَاتِ مِنَ النّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ } [ آلِ عِمْرَانَ 14 ] . وَفِي " الصّحِيحَيْن ِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى إلَيْهِ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَانٍ لَابْتَغَى إلَيْهِ ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلّا التّرَابُ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ تَابَ هَذَا وَإِنّهُ أَعْظَمُ حَائِلٍ بَيْنَ الْخَلِيقَةِ وَبَيْنَ فَوْزِهَا الْأَكْبَرِ يَوْمَ مُعَادِهَا وَأَعْظَمُ شَيْءٍ عُصِيَ اللّهُ بِهِ وَبِهِ قُطِعَتْ الْأَرْحَامُ وَأُرِيقَتْ الدّمَاءُ وَاسْتُحِلّتْ الْمَحَارِمُ وَمُنِعَتْ الْحُقُوقُ وَتَظَالَمَ الْعِبَادُ وَهُوَ الْمُرَغّبُ فِي الدّنْيَا وَعَاجِلِهَا وَالْمُزَهّدُ فِي [ ص 286 ] أَعَدّهُ اللّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِيهَا فَكَمْ أُمِيتَ بِهِ مِنْ حَقّ وَأُحْيِيَ بِهِ مِنْ بَاطِلٍ وَنُصِرَ بِهِ ظَالِمٌ وَقُهِرَ بِهِ مَظْلُومٌ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ فِيهِ الْحَرِيرِيّ :
تَبّا لَهُ مِنْ خَادِعٍ مُمَاذِقِ
أَصْفَرَ ذِي وَجْهَيْنِ كَالْمُنَافِقِ
يَبْدُو بِوَصْفَيْنِ لِعَيْنِ الرّامِقِ زِينَةَ مَعْشُوقٍ وَلَوْنٍ عَاشِقِ
وَحُبّهُ عِنْدَ ذَوِي الْحَقَائِقِ يَدْعُو إلَى ارْتِكَابِ سُخْطِ الْخَالِقِ
لَوْلَاهُ لَمْ تُقْطَعْ يَمِينُ السّارِقِ وَلَا بَدَتْ مَظْلِمَةٌ مِنْ فَاسِقِ
وَلَا اشْمَأَزّ بَاخِلٌ مِنْ طَارِقِ وَلَا اشْتَكَى الْمَمْطُولُ مَطْلَ الْعَائِقِ
وَلَا اُسْتُعِيذَ مِنْ حَسُودٍ رَاشِقِ وَشَرّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَائِقِ
أَنْ لَيْسَ يُغْنِي عَنْكَ فِي الْمَضَايِقِ إلّا إذَا فَرّ فِرَارَ الْآبِقِ
حَرْفُ الرّاءِ
رُطَبٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى لِمَرْيَمَ { وَهُزّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْنًا } [ مَرْيَمَ : 25 ] . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ الْقِثّاءَ بِالرّطَبِ وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٍ حَسَا حُسُوَاتٍ مِنْ مَاءٍ [ ص 287 ] طَبْعُ الرّطَبِ طَبْعُ الْمِيَاهِ حَارّ رَطْبٌ يُقَوّي الْمَعِدَةَ الْبَارِدَةَ وَيُوَافِقُهَا وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُخْصِبُ الْبَدَنَ وَيُوَافِقُ أَصْحَابَ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَيَغْذُو غِذَاءً كَثِيرًا . وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَاكِهَةِ مُوَافَقَةً لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الّتِي هُوَ فَاكِهَتُهُمْ فِيهَا وَأَنْفَعُهَا لِلْبَدَنِ وَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ يُسْرِعُ التّعَفّنَ فِي جَسَدِهِ وَيَتَوَلّدُ عَنْهُ دَمٌ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ وَيُحْدِثُ فِي إكْثَارِهِ مِنْهُ صُدَاعٌ وَسَوْدَاءُ وَيُؤْذِي أَسْنَانَهُ وَإِصْلَاحُهُ بِالسّكَنْجَبِينِ وَنَحْوِهِ .
[ فَوَائِدُ فِطْرِ الصّائِمِ عَلَيْهِ ]
وَفِي فِطْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّوْمِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى التّمْرِ أَوْ الْمَاءِ تَدْبِيرٌ لَطِيفٌ جِدّا فَإِنّ الصّوْمَ يُخَلّي الْمَعِدَةَ مِنْ الْغِذَاءِ فَلَا تَجِدُ الْكَبِدُ فِيهَا مَا تَجْذِبُهُ وَتُرْسِلُهُ إلَى الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ وَالْحُلْوُ أَسْرَعُ شَيْءٍ وُصُولًا إلَى الْكَبِدِ وَأَحَبّهُ إلَيْهَا وَلَا سِيّمَا إنْ كَانَ رُطَبًا فَيَشْتَدّ قَبُولُهَا لَهُ فَتَنْتَفِعُ بِهِ هِيَ وَالْقُوَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالتّمْرُ لِحَلَاوَتِهِ وَتَغْذِيَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَحُسُوَاتُ الْمَاءِ تُطْفِئُ لَهِيبَ الْمَعِدَةِ وَحَرَارَةَ الصّوْمِ فَتَتَنَبّهُ بَعْدَهُ لِلطّعَامِ وَتَأْخُذُهُ بِشَهْوَةٍ .
رَيْحَانٌ
قَالَ تَعَالَى : { فَأَمّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنّةُ نَعِيمٍ } [ الْوَاقِعَةِ 88 ] . وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْحَبّ ذُو الْعَصْفِ وَالرّيْحَانُ } [ الرّحْمَنِ 12 ] . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدّهُ فَإِنّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيّبُ الرّائِحَةِ وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " : مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أَلَا مُشَمّرٌ لِلْجَنّةِ فَإِنّ الْجَنّةَ لَا خَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهْرٌ مُطّرِدٌ وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حِبَرَةٍ وَنَضِرَةٍ فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيّةٍ قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ الْمُشَمّرُونَ لَهَا قَالَ " قُولُوا : إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى " فَقَالَ الْقَوْمُ " إنْ شَاءَ اللّهُ [ ص 288 ]
[ أَنْوَاعُ الرّيْحَانِ ]
الرّيْحَانُ كُلّ نَبْتٍ طَيّبِ الرّيحِ فَكُلّ أَهْلِ بَلَدٍ يَخُصّونَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَهْلُ الْغَرْبِ يَخُصّونَهُ بِالْآسِ وَهُوَ الّذِي يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ الرّيْحَانِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَالشّامِ يَخُصّونَهُ بِالْحَبَقِ .
[ مَنَافِعُ الْآسِ وَهُوَ الرّيْحَانُ ]
فَأَمّا الْآسُ فَمِزَاجُهُ بَارِدٌ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُرَكّبٌ مِنْ قُوًى مُتَضَادّةٍ وَالْأَكْثَرُ فِيهِ الْجَوْهَرُ الْأَرْضِيّ الْبَارِدُ وَفِيهِ شَيْءٌ حَارّ لَطِيفٌ وَهُوَ يُجَفّفُ تَجْفِيفًا قَوِيّا وَأَجْزَاؤُهُ مُتَقَارِبَةُ الْقُوّةِ وَهِيَ قُوّةٌ قَابِضَةٌ حَابِسَةٌ مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ مَعًا . وَهُوَ قَاطِعٌ لِلْإِسْهَالِ الصّفْرَاوِيّ دَافِعٌ لِلْبُخَارِ الْحَارّ الرّطْبِ إذَا شُمّ مُفْرِحٌ لِلْقَلْبِ تَفْرِيحًا شَدِيدًا وَشَمّهُ مَانِعٌ لِلْوَبَاءِ وَكَذَلِكَ افْتِرَاشُهُ فِي الْبَيْتِ . وَيُبْرِئُ الْأَوْرَامَ الْحَادِثَةَ فِي الْحَالِبَيْنِ إذَا وُضِعَ عَلَيْهَا وَإِذَا دُقّ وَرَقُهُ وَهُوَ غَضّ وَضُرِبَ بِالْخَلّ وَوُضِعَ عَلَى الرّأْسِ قَطَعَ الرّعَافَ وَإِذَا سُحِقَ وَرَقُهُ الْيَابِسُ وَذُرّ عَلَى الْقُرُوحِ ذَوَاتِ الرّطُوبَةِ نَفَعَهَا وَيُقَوّي الْأَعْضَاءَ الْوَاهِيَةَ إذَا ضُمّدَ بِهِ وَيَنْفَعُ دَاءَ الدّاحِسِ وَإِذَا ذُرّ عَلَى الْبُثُورِ وَالْقُرُوحِ الّتِي فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجْلَيْنِ نَفَعَهَا . وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْبَدَنُ قَطَعَ الْعَرَقَ وَنَشّفَ الرّطُوبَاتِ الْفَضْلِيّةَ وَأَذْهَبَ نَتْنَ الْإِبِطِ وَإِذَا جُلِسَ فِي طَبِيخِهِ نَفَعَ مِنْ خَرَارِيجِ الْمَقْعَدَةِ وَالرّحِمِ وَمِنْ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَإِذَا صُبّ عَلَى كُسُورِ الْعِظَامِ الّتِي لَمْ تَلْتَحِمْ نَفَعَهَا . [ ص 289 ] وَيَجْلُو قُشُورَ الرّأْسِ وَقُرُوحَهُ الرّطْبَةَ وَبُثُورَهُ وَيُمْسِكُ الشّعْرَ الْمُتَسَاقِطَ وَيُسَوّدُهُ وَإِذَا دُقّ وَرَقُهُ وَصُبّ عَلَيْهِ مَاءٌ يَسِيرٌ وَخُلِطَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ زَيْتٍ أَوْ دُهْنِ الْوَرْدِ وَضُمّدَ بِهِ وَافَقَ الْقُرُوحَ الرّطْبَةَ وَالنّمِلَةَ وَالْحُمْرَةَ وَالْأَوْرَامَ الْحَادّةَ وَالشّرَى وَالْبَوَاسِيرَ .
[ مَنَافِعُ حَبّهِ ]
وَحَبّهُ نَافِعٌ مَنْ نَفْثِ الدّمِ الْعَارِضِ فِي الصّدْرِ وَالرّئَةِ دَابِغٌ لِلْمَعِدَةِ وَلَيْسَ بِضَارّ لِلصّدْرِ وَلَا الرّئَةِ لِجَلَاوَتِهِ وَخَاصّيّتُهُ النّفْعُ مِنْ اسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ مَعَ السّعَالِ وَذَلِكَ نَادِرٌ فِي الْأَدْوِيَةِ وَهُوَ مُدِرّ لِلْبَوْلِ نَافِعٌ مَنْ لَذْعِ الْمَثَانَةِ وَعَضّ الرّتَيْلَاءِ وَلَسْعِ الْعَقَارِبِ وَالتّخَلّلُ بِعَرَقِهِ مُضِرّ فَلْيُحْذَرْ .
[ مَنَافِعُ الرّيْحَانِ الْفَارِسِيّ الْمُسَمّى الْحَبَقَ ]
وَأَمّا الرّيْحَانُ الْفَارِسِيّ الّذِي يُسَمّى الْحَبَقُ فَحَارّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَنْفَعُ شَمّهُ مِنْ الصّدَاعِ الْحَارّ إذَا رُشّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُبَرّدُ وَيُرَطّبُ بِالْعَرْضِ وَبَارِدٌ فِي الْآخَرِ وَهَلْ هُوَ رَطْبٌ أَوْ يَابِسٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالصّحِيحُ أَنّ فِيهِ مِنْ الطّبَائِعِ الْأَرْبَعِ وَيَجْلِبُ النّوْمَ وَبَزْرُهُ حَابِسٌ لِلْإِسْهَالِ الصّفْرَاوِيّ وَمُسَكّنٌ لِلْمَغَصِ مُقَوّ لِلْقَلْبِ نَافِعٌ لِلْأَمْرَاضِ السّوْدَاوِيّةِ .
رُمّانٌ
قَالَ تَعَالَى : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ } [ الرّحْمَنِ 68 ] . وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : مَا مِنْ رُمّانٍ مِنْ رُمّانِكُمْ هَذَا إلّا وَهُوَ مُلَقّحٌ بِحَبّةٍ مِنْ رُمّانِ الْجَنّةِ وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ . وَذَكَرَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ كُلُوا الرّمّانَ بِشَحْمِهِ فَإِنّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَةِ . حُلْوُ الرّمّانِ حَارّ رَطْبٌ جَيّدٌ لِلْمَعِدَةِ مُقَوّ لَهَا بِمَا فِيهِ مِنْ قَبْضٍ لَطِيفٍ نَافِعٌ لِلْحَلْقِ وَالصّدْرِ وَالرّئَةِ جَيّدٌ لِلسّعَالِ مَاؤُهُ مُلَيّنٌ لِلْبَطْنِ يَغْذُو الْبَدَنَ غِذَاءً فَاضِلًا يَسِيرًا سَرِيعُ التّحَلّلِ لِرِقّتِهِ وَلَطَافَتِهِ وَيُوَلّدُ حَرَارَةً يَسِيرَةً فِي الْمَعِدَةِ وَرِيحًا وَلِذَلِكَ يُعِينُ عَلَى الْبَاهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْمَحْمُومِينَ وَلَهُ خَاصّيّةٌ [ ص 290 ] عَجِيبَةٌ إذَا أُكِلَ بِالْخُبْزِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْمَعِدَةِ . وَحَامِضُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ قَابِضٌ لَطِيفٌ يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ الْمُلْتَهِبَةَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الرّمّانِ وَيُسَكّنُ الصّفْرَاءَ وَيَقْطَعُ الْإِسْهَالَ وَيَمْنَعُ الْقَيْءَ وَيُلَطّفُ الْفُضُولَ . وَيُطْفِئُ حَرَارَةَ الْكَبِدِ وَيُقَوّي الْأَعْضَاءَ نَافِعٌ مِنْ الْخَفَقَانِ الصّفْرَاوِيّ وَالْآلَامِ الْعَارِضَةِ لِلْقَلْبِ وَفَمِ الْمَعِدَةِ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيَدْفَعُ الْفُضُولَ عَنْهَا وَيُطْفِئُ الْمِرّةَ الصّفْرَاءَ وَالدّمَ . وَإِذَا اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ بِشَحْمِهِ وَطُبِخَ بِيَسِيرٍ مِنْ الْعَسَلِ حَتّى يَصِيرَ كَالْمَرْهَمِ وَاكْتُحِلَ بِهِ قَطَعَ الصّفْرَةَ مِنْ الْعَيْنِ وَنَقّاهَا مِنْ الرّطُوبَاتِ الْغَلِيظَةِ وَإِذَا لُطّخَ عَلَى اللّثَةِ نَفَعَ مِنْ الْأَكَلَةِ الْعَارِضَةِ لَهَا وَإِنْ اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُمَا بِشَحْمِهِمَا أَطْلَقَ الْبَطْنَ وَأَحْدَرَ الرّطُوبَاتِ الْعَفِنَةَ الْمَرِيّةَ وَنَفَعَ مِنْ حُمّيَاتِ الْغَبّ الْمُتَطَاوِلَةِ . وَأَمّا الرّمّانُ الْمِزّ فَمُتَوَسّطٌ طَبْعًا وَفِعْلًا بَيْنَ النّوْعَيْنِ وَهَذَا أَمْيَلُ إلَى لَطَافَةِ الْحَامِضِ قَلِيلًا وَحَبّ الرّمّانِ مَعَ الْعَسَلِ طِلَاءٌ لِلدّاحِسِ وَالْقُرُوحِ الْخَبِيثَةِ وَأَقْمَاعُهُ لِلْجِرَاحَاتِ قَالُوا : وَمَنْ ابْتَلَعَ ثَلَاثَةً مِنْ جُنْبُذِ الرّمّانِ فِي كُلّ سَنَةٍ أَمِنَ مِنْ الرّمَدِ سَنَتَهُ كُلّهَا .

حَرْفُ الزّايِ
زَيْتٌ
قَالَ تَعَالَى : { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيّةٍ وَلَا غَرْبِيّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } [ النّورِ 35 ] . وَفِي التّرْمِذِيّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 291 ] قَالَ كُلُوا الزّيْتَ وَادّهِنُوا بِهِ فَإِنّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ . وَلِلْبَيْهَقِيّ وَابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتَدِمُوا بِالزّيْتِ وَادّهِنُوا بِهِ فَإِنّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ . الزّيْتُ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى وَغَلِطَ مَنْ قَالَ يَابِسٌ وَالزّيْتُ بِحَسَبِ زَيْتُونِهِ فَالْمُعْتَصَرُ مِنْ النّضِيجِ أَعْدَلُهُ وَأَجْوَدُهُ وَمِنْ الْفَجّ فِيهِ بُرُودَةٌ وَيُبُوسَةٌ وَمِنْ الزّيْتُونِ الْأَحْمَرِ مُتَوَسّطٌ بَيْنَ الزّيْتَيْنِ وَمِنْ الْأَسْوَدِ يُسَخّنُ وَيُرَطّبُ بِاعْتِدَالٍ وَيَنْفَعُ مِنْ السّمُومِ وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُخْرِجُ الدّودَ وَالْعَتِيقُ مِنْهُ أَشَدّ تَسْخِينًا وَتَحْلِيلًا وَمَا اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ بِالْمَاءِ فَهُوَ أَقَلّ حَرَارَةً وَأَلْطَفُ وَأَبْلَغُ فِي النّفْعِ وَجَمِيعُ أَصْنَافِهِ مُلَيّنَةٌ لِلْبَشَرَةِ وَتُبْطِئُ الشّيْبَ .
[ مَنَافِعُ مَاءِ الزّيْتُونِ الْمَالِحِ ]
وَمَاءُ الزّيْتُونِ الْمَالِحِ يَمْنَعُ مِنْ تَنَفّطِ حَرْقِ النّارِ وَيَشُدّ اللّثَةَ وَوَرَقُهُ يَنْفَعُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالنّمْلَةِ وَالْقُرُوحِ الْوَسِخَةِ وَالشّرَى وَيَمْنَعُ الْعَرَقَ وَمَنَافِعُهُ أَضْعَافُ مَا ذَكَرْنَا .
زُبْدٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ ابْنَيْ بُسْرٍ السّلَمِيّيْنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَا : دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدّمْنَا لَهُ زُبْدًا وَتَمْرًا وَكَانَ يُحِبّ الزّبْدَ وَالتّمْرَ . الزّبْدُ حَارّ رَطْبٌ فِيهِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْإِنْضَاجُ وَالتّحْلِيلُ وَيُبْرِئُ الْأَوْرَامَ الّتِي تَكُونُ إلَى جَانِبِ الْأُذُنَيْنِ وَالْحَالِبَيْنِ وَأَوْرَامَ الْفَمِ وَسَائِرَ الْأَوْرَامِ الّتِي تَعْرِضُ فِي أَبْدَانِ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ إذَا اُسْتُعْمِلَ وَحْدَهُ وَإِذَا لُعِقَ مِنْهُ نَفَعَ فِي نَفْثِ [ ص 292 ] الرّئَةِ وَأَنْضَجَ الْأَوْرَامَ الْعَارِضَةَ فِيهَا . وَهُوَ مُلَيّنٌ لِلطّبِيعَةِ وَالْعَصَبِ وَالْأَوْرَامِ الصّلْبَةِ الْعَارِضَةِ مِنْ الْمِرّةِ السّوْدَاءِ وَالْبَلْغَمِ نَافِعٌ مِنْ الْيُبْسِ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ وَإِذَا طُلِيَ بِهِ عَلَى مَنَابِتِ أَسْنَانِ الطّفْلِ كَانَ مُعِينًا عَلَى نَبَاتِهَا وَطُلُوعِهَا وَهُوَ نَافِعٌ مِنْ السّعَالِ الْعَارِضِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْيُبْسِ وَيُذْهِبُ الْقُوَبَاءَ وَالْخُشُونَةَ الّتِي فِي الْبَدَنِ وَيُلَيّنُ الطّبِيعَةَ وَلَكِنّهُ يُضْعِفُ شَهْوَةَ الطّعَامِ وَيُذْهِبُ بِوَخَامَتِهِ الْحُلْوُ كَالْعَسَلِ وَالتّمْرِ وَفِي جَمْعِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ التّمْرِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْحِكْمَةِ إصْلَاحُ كُلّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ .
زَبِيبٌ
رُوِيَ فِيهِ حَدِيثَانِ لَا يَصِحّانِ . أَحَدُهُمَا : نِعْمَ الطّعَامُ الزّبِيبُ يُطَيّبُ النّكْهَةَ وَيُذِيبُ الْبَلْغَمَ . وَالثّانِي : نِعْمَ الطّعَامُ الزّبِيبُ يُذْهِبُ النّصَبَ وَيَشُدّ الْعَصَبَ وَيُطْفِئُ الْغَضَبَ وَيُصَفّي اللّوْنَ وَيُطَيّبُ النّكْهَةَ وَهَذَا أَيْضًا لَا يَصِحّ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ .
[ أَجْوَدُ أَنْوَاعِهِ ]
وَبَعْدُ فَأَجْوَدُ الزّبِيبِ مَا كَبُرَ جِسْمُهُ وَسَمِنَ شَحْمُهُ وَلَحْمُهُ وَرَقّ قِشْرُهُ وَنُزِعَ عَجَمُهُ وَصَغُرَ حَبّهُ . وَجُرْمُ الزّبِيبِ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى وَحَبّهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَهُوَ كَالْعِنَبِ الْمُتّخَذِ مِنْهُ الْحُلْوُ مِنْهُ حَارّ وَالْحَامِضُ قَابِضٌ بَارِدٌ وَالْأَبْيَضُ أَشَدّ قَبْضًا مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَافَقَ قَصَبَةَ الرّئَةِ وَنَفَعَ مِنْ السّعَالِ وَوَجَعِ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُلَيّنُ الْبَطْنَ . وَالْحُلْوُ اللّحْمُ أَكْثَرُ غِذَاءً مِنْ الْعِنَبِ وَأَقَلّ غِذَاءً مِنْ التّينِ الْيَابِسِ وَلَهُ قُوّةٌ مُنْضِجَةٌ هَاضِمَةٌ قَابِضَةٌ مُحَلّلَةٌ بِاعْتِدَالٍ وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَالطّحَالَ نَافِعٌ مِنْ وَجَعِ الْحَلْقِ وَالصّدْرِ وَالرّئَةِ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَأَعْدَلُهُ أَنْ يُؤْكَلَ بِغَيْرِ عَجَمِهِ . وَهُوَ يُغَذّي غِذَاءً صَالِحًا وَلَا يُسَدّدُ كَمَا يَفْعَلُ التّمْرُ وَإِذَا أُكِلَ مِنْهُ بِعَجَمِهِ كَانَ أَكْثَرَ نَفْعًا لِلْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَإِذَا لُصِقَ لَحْمُهُ عَلَى الْأَظَافِيرِ الْمُتَحَرّكَةِ [ ص 293 ] أَسْرَعَ قَلْعَهَا وَالْحُلْوُ مِنْهُ وَمَا لَا عَجَمَ لَهُ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الرّطُوبَاتِ وَالْبَلْغَمِ وَهُوَ يُخَصّبُ الْكَبِدَ وَيَنْفَعُهَا بِخَاصّيّتِهِ .
[ نَفْعُهُ لِلْحِفْظِ ]
وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْحِفْظِ قَالَ الزّهْرِيّ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَحْفَظَ الْحَدِيثَ فَلْيَأْكُلْ الزّبِيبَ وَكَانَ الْمَنْصُورُ يَذْكُرُ عَنْ جَدّهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ عَجَمُهُ دَاءٌ وَلَحْمُهُ دَوَاءٌ .
زَنْجَبِيلٌ
قَالَ تَعَالَى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا } [ الْإِنْسَانِ 17 ] . وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ " الطّبّ النّبَوِيّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْدَى مَلِكُ الرّومِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَرّةَ زَنْجَبِيلٍ فَأَطْعَمَ كُلّ إنْسَانٍ قِطْعَةً وَأَطْعَمَنِي قِطْعَةً . الزّنْجَبِيلُ حَارّ فِي الثّانِيَةِ رَطْبٌ فِي الْأُولَى مُسْخِنٌ مُعِينٌ عَلَى هَضْمِ الطّعَامِ مُلَيّنٌ لِلْبَطْنِ تَلْيِينًا مُعْتَدِلًا نَافِعٌ مِنْ سُدَدِ الْكَبِدِ الْعَارِضَةِ عَنْ الْبَرْدِ وَالرّطُوبَةِ وَمِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ الْحَادِثَةِ عَنْ الرّطُوبَةِ أَكْلًا وَاكْتِحَالًا مُعِينٌ عَلَى الْجِمَاعِ وَهُوَ مُحَلّلٌ لِلرّيَاحِ الْغَلِيظَةِ الْحَادِثَةِ فِي الْأَمْعَاءِ وَالْمَعِدَةِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ صَالِحٌ لِلْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ الْبَارِدَتَيْ الْمِزَاجِ وَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ مَعَ السّكّرِ وَزْنُ دِرْهَمَيْنِ بِالْمَاءِ الْحَارّ أَسْهَلَ فُضُولًا لَزِجَةً لُعَابِيّةً وَيَقَعُ فِي الْمَعْجُونَاتِ الّتِي تُحَلّلُ الْبَلْغَمَ وَتُذِيبُهُ . وَالْمِزّيّ مِنْهُ حَارّ يَابِسٌ يُهَيّجُ الْجِمَاعَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُسَخّنُ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَيُعِينُ عَلَى الِاسْتِمْرَاءِ وَيُنَشّفُ الْبَلْغَمَ الْغَالِبَ عَلَى الْبَدَنِ وَيَزِيدُ فِي الْحِفْظِ وَيُوَافِقُ بَرْدَ الْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ وَيُزِيلُ بِلّتَهَا الْحَادِثَةَ عَنْ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ وَيُطَيّبُ النّكْهَةَ وَيُدْفَعُ بِهِ ضَرَرُ الْأَطْعِمَةِ الْغَلِيظَةِ الْبَارِدَةِ .

حَرْفُ السّينِ

سنا
قَدْ تَقَدّمَ وَتَقَدّمَ سَنّوت أَيْضًا وَفِيهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا : أَنّهُ الْعَسَلُ . [ ص 294 ] الثّانِي : أَنّهُ رُبّ عُكّةِ السّمْنِ يُخْرِجُ خُطَطًا سَوْدَاءَ عَلَى السّمْنِ .
الثّالِثُ أَنّهُ حَبّ يُشْبِهُ الْكَمّونَ وَلَيْسَ بِكَمّونٍ .
الرّابِعُ الْكَمّونُ الْكَرْمَانِيّ .
الْخَامِسُ أَنّهُ الشّبَتُ .
السّادِسُ أَنّهُ التّمْرُ .
السّابِعُ أَنّهُ الرازيانج .
سفرجلرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ الطّلْحِيّ عَنْ نَقِيبِ بْنِ حَاجِبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الزّبَيْرِيّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِيَدِهِ سَفَرْجَلَةٌ فَقَالَ دُونَكَهَا يَا طَلْحَةُ فَإِنّهَا تُجِمّ الْفُؤَادَ . وَرَوَاهُ النّسَائِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَ " أَتَيْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَبِيَدِهِ سَفَرْجَلَةٌ يُقَلّبُهَا فَلَمّا جَلَسْتُ إلَيْهِ دَحَا بِهَا إلَيّ ثُمّ قَالَ دُونَكَهَا أَبَا ذَرّ فَإِنّهَا تَشُدّ الْقَلْبَ وَتُطَيّبُ النّفْسَ وَتُذْهِبُ بِطَخَاءِ الصّدْرِ . وَقَدْ رُوِيَ فِي السّفَرْجَلِ أَحَادِيثُ أُخَرُ هَذَا أَمْثَلُهَا وَلَا تَصِحّ . وَالسّفَرْجَلُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَيَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ طَعْمِهِ وَكُلّهُ بَارِدٌ قَابِضٌ جَيّدٌ لِلْمَعِدَةِ وَالْحُلْوُ مِنْهُ أَقَلّ بُرُودَةً وَيُبْسًا وَأَمْيَلُ إلَى الِاعْتِدَالِ وَالْحَامِضُ أَشَدّ قَبْضًا وَيُبْسًا وَبُرُودَةً وَكُلّهُ يُسَكّنُ الْعَطَشَ وَالْقَيْءَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَعْقِلُ الطّبْعَ وَيَنْفَعُ مِنْ قُرْحَةِ الْأَمْعَاءِ وَنَفْثِ الدّمِ وَالْهَيْضَةِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْغَثَيَانِ وَيَمْنَعُ مِنْ تَصَاعُدِ الْأَبْخِرَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَ بَعْدَ الطّعَامِ وَحُرَاقَةُ أَغْصَانِهِ وَوَرَقِهِ الْمَغْسُولَةِ كَالتّوتِيَاءِ فِي فِعْلِهَا . [ ص 295 ] مُضِرّ بِالْعَصَبِ مُوَلّدٌ لِلْقُولَنْجِ وَيُطْفِئُ الْمُرّةَ الصّفْرَاءَ الْمُتَوَلّدَةَ فِي الْمَعِدَةِ . وَإِنْ شُوِيَ كَانَ أَقَلّ لِخُشُونَتِهِ وَأَخَفّ وَإِذَا قُوّرَ وَسَطُهُ وَنُزِعَ حَبّهُ وَجُعِلَ فِيهِ الْعَسَلُ وَطُيّنَ جُرْمُهُ بِالْعَجِينِ وَأُودِعَ الرّمَادَ الْحَارّ نَفَعَ نَفْعًا حَسَنًا . وَأَجْوَدُ مَا أُكِلَ مُشْوِيًا أَوْ مَطْبُوخًا بِالْعَسَلِ وَحَبّهُ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ وَقَصَبَةِ الرّئَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَدُهْنُهُ يَمْنَعُ الْعَرَقَ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَالْمُرَبّى مِنْهُ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَيَشُدّ الْقَلْبَ وَيُطَيّبُ النّفَسَ . وَمَعْنَى تُجِمّ الْفُؤَادَ تُرِيحُهُ . وَقِيلَ تُفَتّحُهُ وَتُوَسّعُهُ مِنْ جُمَامِ الْمَاءِ وَهُوَ اتّسَاعُهُ وَكَثْرَتُهُ وَالطّخَاءُ لَلْقَلْبِ مِثْلُ الْغَيْمِ عَلَى السّمَاءِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الطّخَاءُ ثِقَلٌ وَغَشْيُ تَقُولُ مَا فِي السّمَاءِ طَخَاءٌ أَيْ سَحَابٌ وَظُلْمَةٌ .
سِوَاك
فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لوْلَا أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسّوَاكِ عِنْدَ كُلّ صَلَاةٍ . وَفِيهِمَا : أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسّوَاكِ . وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ " تَعْلِيقًا عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرّبّ . [ ص 296 ] صَحِيحٍ مُسْلِمٍ " : أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسّوَاكِ . وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَصَحّ عَنْهُ مِنْ حَدِيثٍ أَنّهُ اسْتَاكَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِسِوَاكِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السّوَاكِ . وَأَصْلَحُ مَا اُتّخِذَ السّوَاكُ مِنْ خَشَبِ الْأَرَاكِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَجَرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَرُبّمَا كَانَتْ سما وَيَنْبَغِي الْقَصْدُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ بَالَغَ فِيهِ فَرُبّمَا أَذْهَبَ طَلَاوَةَ الْأَسْنَانِ وَصِقَالَتَهَا وَهَيّأَهَا لِقَبُولِ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْأَوْسَاخِ وَمَتَى اُسْتُعْمِلَ بِاعْتِدَالٍ جَلَا الْأَسْنَانَ وَقَوّى الْعَمُودَ وَأَطْلَقَ اللّسَانَ وَمَنَعَ الْحَفَرَ وَطَيّبَ النّكْهَةَ وَنَقّى الدّمَاغَ وَشَهّى الطّعَامَ . وَأَجْوَدُ مَا اُسْتُعْمِلَ مَبْلُولًا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَمِنْ أَنْفَعِهِ أُصُولُ الْجَوْزِ قَالَ صَاحِبُ " التّيْسِيرِ " : زَعَمُوا أَنّهُ إذَا اسْتَاكَ بِهِ الْمُسْتَاكُ كُلّ خَامِسٍ مِنْ الْأَيّامِ نَقّى الرّأْسَ وَصَفّى الْحَوَاسّ وَأَحَدّ الذّهْنَ .
[مَنَافِعُ السّوَاكِ ]
وَفِي السّوَاكِ عِدّةُ مَنَافِعَ يُطَيّبُ الْفَمَ وَيَشُدّ اللّثَةَ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيَجْلُو الْبَصَرَ وَيَذْهَبُ بِالْحَفَرِ وَيُصِحّ الْمَعِدَةَ وَيُصَفّي الصّوْتَ وَيُعِينُ عَلَى هَضْمِ الطّعَامِ وَيُسَهّلُ مَجَارِيَ الْكَلَامِ وَيُنَشّطُ لِلْقِرَاءَةِ وَالذّكْرِ وَالصّلَاةِ وَيَطْرُدُ النّوْمَ وَيُرْضِي الرّبّ وَيُعْجِبُ الْمَلَائِكَةَ وَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ .
[أَوْقَاتُ اسْتِحْبَابِهِ ]
وَيُسْتَحَبّ كُلّ وَقْتٍ وَيَتَأَكّدُ عِنْدَ الصّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَالِانْتِبَاهِ مِنْ النّوْمِ وَتَغْيِيرِ رَائِحَةِ الْفَمِ وَيُسْتَحَبّ لِلْمُفْطِرِ وَالصّائِمِ فِي كُلّ وَقْتٍ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ وَلِحَاجَةِ الصّائِمِ إلَيْهِ وَلِأَنّهُ مَرْضَاةٌ لِلرّبّ وَمَرْضَاتُهُ مَطْلُوبَةٌ فِي الصّوْمِ [ ص 297 ] أَشَدّ مِنْ طَلَبِهَا فِي الْفِطْرِ وَلِأَنّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَالطّهُورُ لِلصّائِمِ مَنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِ .
[اسْتِيَاكُ الصّائِمِ ]
وَفِي " السّنَنِ " : عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَا أُحْصِي يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ الْبُخَارِيّ قَالَ ابْنُ عُمَر : يَسْتَاكُ أَوّلَ النّهَارِ وَآخِرَهُ . وَأَجْمَعَ النّاسُ عَلَى أَنّ الصّائِمَ يَتَمَضْمَضُ وُجُوبًا وَاسْتِحْبَابًا وَالْمَضْمَضَةُ أَبْلَغُ مِنْ السّوَاكِ وَلَيْسَ لِلّهِ غَرَضٌ فِي التّقَرّبِ إلَيْهِ بِالرّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَلَا هِيَ مِنْ جِنْسِ مَا شُرِعَ التّعَبّدُ بِهِ وَإِنّمَا ذُكِرَ طِيبُ الْخُلُوفِ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَثّا مِنْهُ عَلَى الصّوْمِ لَا حَثّا عَلَى إبْقَاءِ الرّائِحَةِ بَلْ الصّائِمُ أَحْوَجُ إلَى السّوَاكِ مِنْ الْمُفْطِرِ . وَأَيْضًا فَإِنّ رِضْوَانَ اللّهِ أَكْبَرُ مَنْ اسْتِطَابَتِهِ لِخُلُوفِ فَمِ الصّائِمِ . وَأَيْضًا فَإِنّ مَحَبّتَهُ لِلسّوَاكِ أَعْظَمُ مِنْ مَحَبّتِهِ لِبَقَاءِ خُلُوفِ فَمِ الصّائِمِ . وَأَيْضًا فَإِنّ السّوَاكَ لَا يَمْنَعُ طِيبَ الْخُلُوفِ الّذِي يُزِيلُهُ السّوَاكُ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَلْ يَأْتِي الصّائِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَخُلُوفُ فَمِهِ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ عَلَامَةً عَلَى صِيَامِهِ وَلَوْ أَزَالَهُ بِالسّوَاكِ كَمَا أَنّ الْجَرِيحَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْنُ دَمِ جُرْحِهِ لَوْنُ الدّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِزَالَتِهِ فِي الدّنْيَا . وَأَيْضًا فَإِنّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسّوَاكِ فَإِنّ سَبَبَهُ قَائِمٌ وَهُوَ خُلُوّ الْمَعِدَةِ عَنْ الطّعَامِ وَإِنّمَا يَزُولُ أَثَرُهُ وَهُوَ الْمُنْعَقِدُ عَلَى الْأَسْنَانِ وَاللّثَةِ . وَأَيْضًا فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلّمَ أُمّتَهُ مَا يُسْتَحَبّ لَهُمْ فِي الصّيَامِ وَمَا يُكْرَهُ [ ص 298 ] حَضّهُمْ عَلَيْهِ بِأَبْلَغِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَالشّمُولِ وَهُمْ يُشَاهِدُونَهُ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مِرَارًا كَثِيرَةً تَفُوتُ الْإِحْصَاءَ وَيَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقْتَدُونَ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَا تَسْتَاكُوا بَعْدَ الزّوَالِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
سمنرَوَى مُحَمّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ يَرْفَعُهُ عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنّهَا شِفَاءٌ وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ وَلُحُومُهَا دَاءٌ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التّرْمِذِيّ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ مُوسَى النّسَائِيّ حَدّثَنَا دَفّاعُ بْنُ دَغْفَلٍ السّدُوسِيّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْن صَيْفِيّ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَلَا يَثْبُتُ مَا فِي هَذَا الْإِسْنَادِ . وَالسّمْنُ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأَوْلَى وَفِيهِ جَلَاءٌ يَسِيرٌ وَلَطَافَةٌ وَتَفْشِيَةُ الْأَوْرَامِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْأَبْدَانِ النّاعِمَةِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الزّبْدِ فِي الْإِنْضَاجِ وَالتّلْيِينِ وَذَكَرَ جَالِينُوسُ أَنّهُ أَبْرَأَ بِهِ الْأَوْرَامَ الْحَادِثَةَ فِي الْأُذُنِ وَفِي الْأَرْنَبَةِ وَإِذَا دُلّكَ بِهِ مَوْضِعُ الْأَسْنَانِ نَبَتَتْ سَرِيعًا وَإِذَا خُلِطَ مَعَ عَسَلٍ وَلَوْزٍ مُرّ جَلَا مَا فِي الصّدْرِ وَالرّئَةِ وَالْكَيْمُوسَاتِ الْغَلِيظَةِ اللّزِجَةِ إلّا أَنّهُ ضَارّ بِالْمَعِدَةِ سِيّمَا إذَا كَانَ مِزَاجُ صَاحِبِهَا بَلْغَمِيّا .
[مَنَافِعُ سَمْنِ الْبَقَرِ وَالْمَعِزِ ]
وَأَمّا سَمْنُ الْبَقَرِ وَالْمَعِزِ فَإِنّهُ إذَا شُرِبَ مَعَ الْعَسَلِ نَفَعَ مِنْ شُرْبِ السّمّ الْقَاتِلِ وَمِنْ لَدْغِ الْحَيّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَفِي " كِتَابِ ابْنِ السّنّيّ " عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ يَسْتَشْفِ النّاسُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ السّمْن .
سمكرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ [ ص 299 ] عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أُحِلّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطّحَالُ .
[أَجْوَدُ أَصْنَافِهِ ]
[أَصْلَحُ أَمَاكِنَهُ ]
أَصْنَافُ السّمَكِ كَثِيرَةٌ وَأَجْوَدُهُ مَا لَذّ طَعْمُهُ وَطَابَ رِيحُهُ وَتَوَسّطَ مِقْدَارُهُ وَكَانَ رَقِيقَ الْقِشْرِ وَلَمْ يَكُنْ صَلْبَ اللّحْمِ وَلَا يَابِسَهُ وَكَانَ فِي مَاءٍ عَذْبٍ جَارٍ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَيَغْتَذِي بِالنّبَاتِ لَا الْأَقْذَارِ وَأَصْلَحُ أَمَاكِنَهُ مَا كَانَ فِي نَهْرٍ جَيّدِ الْمَاءِ وَكَانَ يَأْوِي إلَى الْأَمَاكِنِ الصّخْرِيّةِ ثُمّ الرّمْلِيّةِ وَالْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ الْعَذْبَةِ الّتِي لَا قَذَرَ فِيهَا وَلَا حَمْأَةٌ الْكَثِيرَةِ الِاضْطِرَابِ وَالتّمَوّجِ الْمَكْشُوفَةِ لِلشّمْسِ وَالرّيَاحِ .
[مَنَافِعُ السّمَكِ الطّرِيّ ]
وَالسّمَكِ الْبَحْرِيّ فَاضِلٌ مَحْمُودٌ لَطِيفٌ وَالطّرِيّ مِنْهُ بَارِدٌ رَطْبٌ عَسِرُ الِانْهِضَامِ يُوَلّدُ بَلْغَمًا كَثِيرًا إلّا الْبَحْرِيّ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَإِنّهُ يُولَدُ خَلْطًا مَحْمُودًا وَهُوَ يُخَصّبُ الْبَدَنَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُصْلِحُ الْأَمْزِجَةَ الْحَارّةَ .
[السّمَكُ الْمَالِحُ ]
وَأَمّا الْمَالِحُ فَأَجْوَدُهُ مَا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالتّمَلّحِ وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَكُلّمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُ ازْدَادَ حَرّهُ وَيُبْسُهُ وَالسّلّوْرُ مِنْهُ كَثِيرُ اللّزُوجَةِ وَيُسَمّى الْجَرِيّ وَالْيَهُودُ لَا تَأْكُلُهُ وَإِذَا أُكِلَ طَرِيّا كَانَ مُلَيّنًا لِلْبَطْنِ وَإِذَا مُلّحَ وَعَتَقَ وَأُكِلَ صَفّى قَصَبَةَ الرّئَةِ وَجَوّدَ الصّوْتَ وَإِذَا دُقّ وَوُضِعَ مِنْ خَارِجٍ أَخْرَجَ السّلَى وَالْفُضُولَ مِنْ عُمْقِ الْبَدَنِ مِنْ طَرِيقِ أَنّ لَهُ قُوّةً جَاذِبَةً . وَمَاءُ مِلْحِ الْجِرّيّ الْمَالِحِ إذَا جَلَسَ فِيهِ مَنْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةُ الْأَمْعَاءِ فِي [ ص 300 ] ابْتِدَاءِ الْعِلّةِ وَافَقَهُ بِجَذْبِهِ الْمَوَادّ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَإِذَا احْتَقَنَ بَهْ أَبْرَأَ مِنْ عِرْقِ النّسَا .
[مَنَافِعُ الطّرِيّ السّمِينِ مِنْهُ ]
وَأَجْوَدُ مَا فِي السّمَكِ مَا قَرُبَ مِنْ مُؤَخّرِهَا وَالطّرِيّ السّمِينُ مِنْهُ يُخَصّبُ الْبَدَنَ لَحْمُهُ وَوَدَكُهُ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ فَأَتَيْنَا السّاحِلَ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتّى أَكْلَنَا الْخَبَطَ فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهَا : عَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَائْتَدَمْنَا بِوَدَكِهِ حَتّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ وَحَمَلَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَنَصَبَهُ فَمَرّ تَحْتَهُ .
سلقرَوَى التّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمّ الْمُنْذِرِ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلّقَةٌ قَالَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ وَعَلِيّ مَعَهُ يَأْكُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَهْ يَا عَلِيّ فَإِنّكَ نَاقِهٌ " قَالَتْ فَجَعَلْت لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَلِيّ فَأَصِبْ مِنْ هَذَا فَإِنّهُ أَوْفَقُ لَكَ . قَالَ التّرْمِذِيّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . السّلْقُ حَارّ يَابِسٌ فِي الْأَوْلَى وَقِيلَ رَطْبٌ فِيهَا وَقِيلَ مُرَكّبٌ مِنْهُمَا وَفِيهِ بُرُودَةٌ مُلَطّفَةٌ وَتَحْلِيلٌ . وَتَفْتِيحٌ وَفِي الْأَسْوَدِ مِنْهُ قَبْضٌ وَنَفْعٌ مِنْ دَاءِ الثّعْلَبِ وَالْكَلَفِ وَالْحَزّازِ وَالثّآلِيلِ إذَا طُلِيَ بِمَائِهِ وَيَقْتُلُ الْقُمّلَ وَيُطْلَى بِهِ الْقُوَبَاءُ مَعَ الْعَسَلِ وَيُفَتّحُ سُدَدَ الْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَأَسْوَدُهُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ وَلَا سِيّمَا مَعَ الْعَدَسِ وَهُمَا رَدِيئَانِ . وَالْأَبْيَضُ يُلَيّنُ مَعَ الْعَدَسِ وَيُحْقَنُ بِمَائِهِ لِلْإِسْهَالِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْحِ مَعَ الْمَرِيّ وَالتّوَابِلِ وَهُوَ قَلِيلُ الْغِذَاءِ رَدِيءُ [ ص 301 ] الْكَيْمُوسُ يُحْرِقُ الدّمَ وَيُصْلِحُهُ الْخَلّ وَالْخَرْدَلُ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُوَلّدُ الْقَبْضَ .

حَرْفُ الشّينِ

شونيز
هُوَ الْحَبّةُ السّوْدَاءُ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي حَرْفِ الْحَاءِ .
شُبْرُمٌ
رَوَى التّرْمِذِيّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِمَا " : مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَاذَا كُنْتِ تَسْتَمْشِينَ ؟ " قَالَتْ بِالشّبْرِمِ . قَالَ " حَارّ جَارّ الشّبْرُمُ شَجَرٌ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ كَقَامَةِ الرّجُلِ وَأَرْجَحُ لَهُ قُضْبَانٌ حُمْرٌ مُلَمّعَةٌ بِبَيَاضٍ وَفِي رُءُوسِ قُضْبَانِهِ جُمّةٌ مِنْ وَرَقٍ وَلَهُ نُورٌ صِغَارٌ أَصْفَرُ إلَى الْبَيَاضِ يَسْقُطُ وَيَخْلُفُهُ مَرَاوِدُ صِغَارٌ فِيهَا حَبّ صَغِيرٌ مِثْلَ الْبُطْمِ فِي قَدْرِهِ أَحْمَرُ اللّوْنِ وَلَهَا عُرُوقٌ عَلَيْهَا قُشُورٌ حُمْرٌ وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهُ قِشْرُ عُرُوقِهِ وَلَبَنُ قُضْبَانِهِ . وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الدّرَجَةِ الرّابِعَةِ وَيُسَهّلُ السّوْدَاءَ وَالْكَيْمُوسَاتِ الْغَلِيظَةَ وَالْمَاءَ الْأَصْفَرَ وَالْبَلْغَمَ مُكْرِبٌ مُغَثّ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يَقْتُلُ وَيَنْبَغِي إذَا اُسْتُعْمِلَ أَنْ يُنْقَعَ فِي اللّبَنِ الْحَلِيبِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَيُغَيّرَ عَلَيْهَا اللّبَنُ فِي الْيَوْمِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَيُخْرَجُ وَيُجَفّفُ فِي الظّلّ وَيُخْلَطُ مَعَهُ الْوُرُودُ وَالْكَثِيرَاءُ وَيُشْرَبُ بِمَاءِ الْعَسَلِ أَوْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَالشّرْبَةُ مِنْهُ مَا بَيْنَ أَرْبَعِ دَوَانِقَ إلَى دَانِقَيْنِ عَلَى حَسَبِ الْقُوّةِ قَالَ حُنَيْنٌ : أَمّا لَبَنُ الشّبْرُمِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا أَرَى شُرْبَهُ الْبَتّةَ فَقَدْ قَتَلَ بِهِ أَطِبّاءُ الطّرُقَاتِ كَثِيرًا مِنْ النّاس
شَعِيرٌ
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ : مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ [ ص 302 ] كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَخَذَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ الْوَعْكُ أَمَرَ بِالْحِسَاءِ مِنْ الشّعِيرِ فَصُنِعَ ثُمّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ ثُمّ يَقُولُ " إنّهُ لَيَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو فُؤَادَ السّقِيمِ كَمَا تَسْرُوَا إحْدَاكُنّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا وَمَعْنَى يَرْتُوهُ يَشُدّهُ وَيُقَوّيهِ . وَيَسْرُو يَكْشِفُ وَيُزِيلُ .
[مَنَافِعُ مَاءِ الشّعِيرِ الْمَغْلِيّ وَصِفَتُهُ ]
وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ هَذَا هُوَ مَاءُ الشّعِيرِ الْمَغْلِيّ وَهُوَ أَكْثَرُ غِذَاءً مِنْ سَوِيقِهِ وَهُوَ نَافِعٌ لِلسّعَالِ وَخُشُونَةِ الْحَلْقِ صَالِحٌ لِقَمْعِ حِدّةِ الْفُضُولِ مُدِرّ لِلْبَوْلِ جِلَاءٌ لِمَا فِي الْمَعِدَةِ قَاطِعٌ لِلْعَطَشِ مُطْفِئٌ لِلْحَرَارَةِ وَفِيهِ قُوّةٌ يَجْلُو بِهَا وَيُلَطّفُ وَيُحَلّلُ . وَصِفَتُهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الشّعِيرِ الْجَيّدِ الْمَرْضُوضِ مِقْدَارٌ وَمِنْ الْمَاءِ الصّافِي الْعَذْبِ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ وَيُلْقَى فِي قِدْرٍ نَظِيفٍ وَيُطْبَخُ بِنَارٍ مُعْتَدِلَةٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُ خُمُسَاهُ وَيُصَفّى وَيُسْتَعْمَلَ مِنْهُ مِقْدَارُ الْحَاجَةِ مُحَلّا.
شِوَاءٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِي ضِيَافَةِ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأَضْيَافِهِ { فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } [ هُود : 69 ] وَالْحَنِيذُ الْمَشْوِيّ عَلَى الرّضْفِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ . وَفِي التّرْمِذِيّ : عَنْ أُمّ سَلَمَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَرّبَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَنْبًا مَشْوِيّا فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمّ قَامَ إلَى الصّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضّأْ قَالَ التّرْمِذِيّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَفِيهِ أَيْضًا : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِوَاءً فِي الْمَسْجِدِ [ ص 303 ] الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ ضِفْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ ثُمّ أَخَذَ الشّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزّ لِي بِهَا مِنْهُ قَالَ فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ لِلصّلَاةِ فَأَلْقَى الشّفْرَةَ فَقَالَ " مَا لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ " أَنْفَعُ الشّوَاءِ شِوَاءُ الضّأْنِ الْحَوْلِيّ ثُمّ الْعِجْلِ اللّطِيفِ السّمِينِ وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ إلَى الْيُبُوسَةِ كَثِيرُ التّوْلِيدِ لِلسّوْدَاءِ وَهُوَ مِنْ أَغْذِيَةِ الْأَقْوِيَاءِ وَالْأَصِحّاءِ وَالْمُرْتَاضِينَ وَالْمَطْبُوخُ أَنْفَعُ وَأَخَفّ عَلَى الْمَعِدَةِ وَأَرْطَبُ مِنْهُ وَمِنْ الْمُطَجّنِ . وَأَرْدَؤُهُ الْمَشْوِيّ فِي الشّمْسِ وَالْمَشْوِيّ عَلَى الْجَمْرِ خَيْرٌ مِنْ الْمَشْوِيّ بِاللّهَبِ وَهُوَ الْحَنِيذُ .
شَحْمٌ
ثَبَتَ فِي " الْمُسْنَدِ " : عَنْ أَنَسٍ أَنّ يَهُودِيّا أَضَافَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدّمَ لَهُ خُبْزَ شَعِيرٍ وَإِهَالَةً سَنِخَةً وَالْإِهَالَةُ الشّحْمُ الْمُذَابُ وَالْأَلْيَةُ وَالسّنِخَةُ الْمُتَغَيّرَةُ وَثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ قَالَ دُلّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ وَقُلْتُ وَاَللّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتّ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَضْحَكُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا أَجْوَدُ الشّحْمِ مَا كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ مُكْتَمِلٍ وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ وَهُوَ أَقَلّ رُطُوبَةً مِنْ السّمْنِ وَلِهَذَا لَوْ أُذِيبَ الشّحْمُ وَالسّمْنُ كَانَ الشّحْمُ أَسْرَعَ جُمُودًا وَهُوَ يَنْفَعُ [ ص 304 ] ضَرَرُهُ بِاللّيْمُونِ الْمَمْلُوحِ وَالزّنْجَبِيلِ وَشَحْمِ الْمَعِزِ أَقْبَضُ الشّحُومِ وَشَحْمُ التّيُوسِ أَشَدّ تَحْلِيلًا وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَشَحْمُ الْعَنْزِ أَقْوَى فِي ذَلِكَ وَيُحْتَقَنُ بِهِ لِلسّحَجِ وَالزّحِيرِ .
حَرْفُ الصّادِ
صَلَاةٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ وَإِنّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } [ الْبَقَرَةُ 45 ] وَقَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ } [ الْبَقَرَةُ 153 ] . وَقَالَ تَعَالَى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتّقْوَى } [ طَه : 132 ] . وَفِي " السّنَنِ " : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إلَى الصّلَاةِ وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ الِاسْتِشْفَاءِ بِالصّلَاةِ مِنْ عَامّةِ الْأَوْجَاعِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهَا .
[مَنَافِعُ الصّلَاةِ ]
وَالصّلَاةُ مُجْلِبَةٌ لِلرّزْقِ حَافِظَةٌ لِلصّحّةِ دَافِعَةٌ لِلْأَذَى مُطْرِدَةٌ لِلْأَدْوَاءِ مُقَوّيَةٌ لِلْقَلْبِ مُبَيّضَةٌ لِلْوَجْهِ مُفْرِحَةٌ لِلنّفْسِ مُذْهِبَةٌ لِلْكَسَلِ مُنَشّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ مُمِدّةٌ لِلْقُوَى شَارِحَةٌ لِلصّدْرِ مُغَذّيَةٌ لِلرّوحِ مُنَوّرَةٌ لِلْقَلْبِ حَافِظَةٌ لِلنّعْمَةِ دَافِعَةٌ لِلنّقْمَةِ جَالِبَةٌ لِلْبَرَكَةِ مُبْعِدَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ مُقَرّبَةٌ مِنْ الرّحْمَنِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ صِحّةِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ وَقُوَاهُمَا وَدَفْعِ الْمَوَادّ الرّدِيئَةِ عَنْهُمَا وَمَا اُبْتُلِيَ رَجُلَانِ بِعَاهَةٍ أَوْ دَاءٍ أَوْ مِحْنَةٍ أَوْ بَلِيّةٍ إلّا كَانَ حَظّ الْمُصَلّي مِنْهُمَا أَقَلّ وَعَاقِبَتُهُ أَسْلَمَ . وَلِلصّلَاةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي دَفْعِ شُرُورِ الدّنْيَا وَلَا سِيّمَا إذَا أُعْطِيَتْ حَقّهَا مِنْ [ ص 305 ] عَزّ وَجَلّ وَعَلَى قَدْرِ صِلَةِ الْعَبْدِ بِرَبّهِ عَزّ وَجَلّ تُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرَاتِ أَبْوَابُهَا وَتُقْطَعُ عَنْهُ مِنْ الشّرُورِ أَسْبَابُهَا وَتُفِيضُ عَلَيْهِ مَوَادّ التّوْفِيقِ مِنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ وَالْعَافِيَةُ وَالصّحّةُ وَالْغَنِيمَةُ وَالْغِنَى وَالرّاحَةُ وَالنّعِيمُ وَالْأَفْرَاحُ وَالْمَسَرّاتُ كُلّهَا مُحْضَرَةٌ لَدَيْهِ وَمُسَارِعَةٌ إلَيْهِ .
صَبْرٌ
الصّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ فَإِنّهُ مَاهِيّةٌ مُرَكّبَةٌ مِنْ صَبْرٍ وَشُكْرٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ الْإِيمَانُ نِصْفَانِ نِصْفٌ صَبْرٌ وَنِصْفٌ شُكْرٌ قَالَ تَعَالَى : { إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ } [ إبْرَاهِيمُ 5 ] وَالصّبْرُ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ صَبْرٌ عَلَى فَرَائِضِ اللّهِ فَلَا يُضِيعُهَا وَصَبْرٌ عَنْ مَحَارِمِهِ فَلَا يَرْتَكِبُهَا وَصَبْرٌ عَلَى أَقْضِيَتِهِ وَأَقْدَارِهِ فَلَا يَتَسَخّطُهَا وَمَنْ اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الثّلَاثَ اسْتَكْمَلَ الصّبْرَ وَلَذّةَ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَنَعِيمَهَا وَالْفَوْزَ وَالظّفَرَ فِيهِمَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ أَحَدٌ إلّا عَلَى جِسْرِ الصّبْرِ كَمَا لَا يَصِلُ أَحَدٌ إلَى الْجَنّةِ إلّا عَلَى الصّرَاطِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ خَيْرُ عَيْشٍ أَدْرَكْنَاهُ بِالصّبْرِ وَإِذَا تَأَمّلْتَ مَرَاتِبَ الْكَمَالِ الْمُكْتَسَبِ فِي الْعَالَمِ رَأَيْتَهَا كُلّهَا مَنُوطَةً بِالصّبْرِ وَإِذَا تَأَمّلْتَ النّقْصَانَ الّذِي يُذَمّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ رَأَيْتَهُ كُلّهُ مِنْ عَدَمِ الصّبْرِ فَالشّجَاعَةُ وَالْعِفّةُ وَالْجُودُ وَالْإِيثَارُ كُلّهُ صَبْرُ سَاعَةٍ .
فَالصّبْرُ طَلْسَمٌ عَلَى كَنْزِ الْعُلَى
مَنْ حَلّ ذَا الطّلْسَمَ فَازَ بِكَنْزِهِ
[أَكْثَرُ أَسْقَامِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ مِنْ عَدَمِ الصّبْرِ ]
وَأَكْثَرُ أَسْقَامِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ إنّمَا تَنْشَأُ عَنْ عَدَمِ الصّبْرِ فَمَا حُفِظَتْ صِحّةُ [ ص 306 ] { وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ } [ النّحْلُ 126 ] وَإِنّهُ سَبَبُ الْفَلَاحِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ آل عِمْرَانَ 200 ] .
صَبِرٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ ( الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ الْقَيْسِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَاذَا فِي الْأَمَرّيْنِ مِنْ الشّفَاءِ ؟ الصّبْرُ وَالثّفّاءُ وَفِي " السّنَنِ " لِأَبِي دَاوُدَ : مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ تُوُفّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلِيّ صَبِرًا فَقَالَ مَاذَا يَا أُمّ سَلَمَةَ ؟ " فَقُلْت : إنّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ فِيهِ طَيّبٌ قَالَ " إنّهُ يَشُبّ الْوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلّا بِاللّيْلِ وَنَهَى عَنْهُ بِالنّهَارِ .
[مَنَافِعُ الصّبْرِ عَامّةُ ]
الصّبْرِ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ لَا سِيّمَا الْهِنْدِيّ مِنْهُ يُنَقّي الْفُضُولَ الصّفْرَاوِيّةَ الّتِي فِي الدّمَاغِ وَأَعْصَابِ الْبَصَرِ وَإِذَا طُلِيَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالصّدْغِ بِدُهْنِ الْوَرْدِ نَفَعَ مِنْ الصّدَاعِ وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَنْفِ وَالْفَمِ وَيُسَهّلُ السّوْدَاءَ والماليخوليا .
[ مَنَافِعُ الصّبْرِ الْفَارِسِيّ ]
وَالصّبْرُ الْفَارِسِيّ يُذَكّي الْعَقْلَ وَيُمِدّ الْفُؤَادَ وَيُنَقّي الْفُضُولَ الصّفْرَاوِيّةَ وَالْبَلْغَمِيّهَ مِنْ الْمَعِدَةِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ مِلْعَقَتَانِ بِمَاءٍ وَيَرُدّ الشّهْوَةَ الْبَاطِلَةَ وَالْفَاسِدَةَ وَإِذَا شُرِبَ فِي الْبَرْدِ خِيفَ أَنْ يُسْهِلَ دَمًا . [ ص 307 ]
صَوْمٌ
الصّوْمُ جُنّةٌ مِنْ أَدْوَاءِ الرّوحِ وَالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ مَنَافِعُهُ تَفُوتُ الْإِحْصَاءَ وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ الصّحّةِ وَإِذَابَةِ الْفَضَلَاتِ وَحَبْسِ النّفْسِ عَنْ تَنَاوُلِ مُؤْذِيَاتِهَا وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَ بِاعْتِدَالٍ وَقَصْدٍ فِي أَفْضَلِ أَوْقَاتِهِ شَرْعًا وَحَاجَةُ الْبَدَنِ إلَيْهِ طَبْعًا . ثُمّ إنّ فِيهِ مِنْ إرَاحَةِ الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهَا قُوَاهَا وَفِيهِ خَاصّيّةٌ تَقْتَضِي إيثَارَهُ وَهِيَ تَفْرِيحُهُ لِلْقَلْبِ عَاجِلًا وَآجِلًا وَهُوَ أَنْفَعُ شَيْءٍ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَالرّطْبَةِ وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي حِفْظِ صِحّتِهِمْ . وَهُوَ يَدْخُلُ فِي الْأَدْوِيَةِ الرّوحَانِيّةِ وَالطّبِيعِيّةِ وَإِذَا رَاعَى الصّائِمُ فِيهِ مَا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ طَبْعًا وَشَرْعًا عَظُمَ انْتِفَاعُ قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ بِهِ وَحَبَسَ عَنْهُ الْمَوَادّ الْغَرِيبَةَ الْفَاسِدَةَ الّتِي هُوَ مُسْتَعِدّ لَهَا وَأَزَالَ الْمَوَادّ الرّدِيئَةَ الْحَاصِلَةَ بِحَسَبِ كَمَالِهِ وَنُقْصَانِهِ وَيَحْفَظُ الصّائِمَ مِمّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفّظَ مِنْهُ وَيُعِينُهُ عَلَى قِيَامِهِ بِمَقْصُودِ الصّوْمِ وَسِرّهِ وَعِلّتِهِ الْغَائِيّةِ فَإِنّ الْقَصْدَ مِنْهُ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ تَرْكِ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْأَمْرِ اخْتَصّ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ بِأَنّهُ لِلّهِ سُبْحَانَهُ وَلَمّا كَانَ وِقَايَةً وَجُنّةً بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ مَا يُؤْذِي قَلْبَهُ وَبَدَنِهِ عَاجِلًا وَآجِلًا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } [ الْبَقَرَةُ 183 ] فَأَحَدُ مَقْصُودِي الصّيَامِ الْجُنّةُ وَالْوِقَايَةُ وَهِيَ حِمْيَةٌ عَظِيمَةُ النّفْعِ وَالْمَقْصُودُ الْآخَرُ اجْتِمَاعُ الْقَلْبِ وَالْهَمّ عَلَى اللّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيرُ قُوَى النّفْسِ عَلَى مَحَابّهِ وَطَاعَتِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ فِي بَعْضِ أسرار ال
صوم
عند ذكر هديه صلى الله عليه وسلم فيه .

حَرْف الضّادِ
ضَبّ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُئِلَ عَنْهُ لَمّا قُدّمَ إلَيْهِ وَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ أَحَرَامٌ هُوَ ؟ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ [ ص 308 ] قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ . وَأُكِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَلَى مَائِدَتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا أُحِلّهُ وَلَا أُحَرّمُهُ وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ يُقَوّي شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَإِذَا دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ الشّوْكَةِ اجْتَذَبَهَا .
ضِفْدَعٌ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : الضّفْدَعُ لَا يَحِلّ فِي الدّوَاءِ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِهَا يُرِيدُ الْحَدِيثَ الّذِي رَوَاهُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ طَبِيبًا ذَكَرَ ضِفْدَعًا فِي دَوَاءٍ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ : مَنْ أَكَلَ مِنْ دَمِ الضّفْدَعِ أَوْ جِرْمِهِ وَرِمَ بَدَنُهُ وَكَمَدَ لَوْنُهُ وَقَذَفَ الْمَنِيّ حَتّى يَمُوتَ وَلِذَلِكَ تَرَكَ الْأَطِبّاءُ اسْتِعْمَالَهُ خَوْفًا مِنْ ضَرَرِهِ وَهِيَ نَوْعَانِ مَائِيّةٌ وَتُرَابِيّةٌ وَالتّرَابِيّةُ يَقْتُلُ أَكْلُهَا .
حَرْفُ الطّاءِ
طِيبٌ
ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ حُبّبَ إلَيّ مِنْ دُنْيَاكُمْ : النّسَاءُ وَالطّيبُ وَجُعِلَتْ قُرّةُ عَيْنِي فِي الصّلَاةِ وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُكْثِرُ التّطَيّبَ وَتَشْتَدّ عَلَيْهِ الرّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَتَشُقّ عَلَيْهِ وَالطّيبُ غِذَاءُ الرّوحِ الّتِي هِيَ مَطِيّةُ الْقُوَى تَتَضَاعَفُ وَتَزِيدُ بِالطّيبِ كَمَا تَزِيدُ بِالْغِذَاءِ [ ص 309 ] وَمُعَاشَرَةِ الْأَحِبّةِ وَحُدُوثِ الْأُمُورِ الْمَحْبُوبَةِ وَغَيْبَةِ مَنْ تُسَرّ غِيبَتُهُ وَيَثْقُلُ عَلَى الرّوحِ مُشَاهَدَتُهُ كَالثّقَلَاءِ وَالْبُغَضَاءِ فَإِنّ مُعَاشَرَتَهُمْ تُوهِنُ الْقُوَى وَتَجْلِبُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَهِيَ لِلرّوحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُمّى لِلْبَدَنِ وَبِمَنْزِلَةِ الرّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَلِهَذَا كَانَ مِمّا حَبّبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الصّحَابَةَ بِنَهْيِهِمْ عَنْ التّخَلّقِ بِهَذَا الْخُلُقِ فِي مُعَاشَرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِتَأَذّيهِ بِذَلِكَ فَقَالَ { إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النّبِيّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقّ } [ الْأَحْزَابُ 53 ] . وَالْمَقْصُودُ أَنّ الطّيبَ كَانَ مِنْ أَحَبّ الْأَشْيَاءِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي حِفْظِ الصّحّةِ وَدَفْعِ كَثِيرٍ مِنْ الْآلَامِ وَأَسْبَابِهَا بِسَبَبِ قُوّةِ الطّبِيعَةِ بِهِ .
طِينٌ
وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ لَا يَصِحّ مِنْهَا شَيْءٌ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْ أَكَلَ الطّينَ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَمِثْلَ حَدِيثِ يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَأْكُلِي الطّينَ فَإِنّهُ يَعْصِمُ الْبَطْنَ وَيُصَفّرُ اللّوْنَ وَيُذْهِبُ بَهَاءَ الْوَجْهِ وَكُلّ حَدِيثٍ فِي الطّينِ فَإِنّهُ لَا يَصِحّ وَلَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَنّهُ رَدِيءٌ مُؤْذٍ يَسُدّ مَجَارِيَ الْعُرُوقِ وَهُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ قَوِيّ التّجْفِيفِ وَيَمْنَعُ اسْتِطْلَاقَ الْبَطْنِ وَيُوجِبُ نَفْثَ الدّمِ وَقُرُوحِ الْفَمِ .
طَلْحٌ
قَالَ تَعَالَى : { وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ } [ الْوَاقِعَةُ 29 ] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ هُوَ الْمَوْزُ . وَالْمَنْضُودُ هُوَ الّذِي قَدْ نُضّدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَالْمُشْطِ . وَقِيلَ الطّلْحُ الشّجَرُ ذُو الشّوْكِ نُضّدَ مَكَانَ كُلّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ فَثَمَرُهُ قَدْ نُضّدَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَهُوَ مِثْلُ الْمَوْزِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحّ وَيَكُونُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْزِ مِنْ السّلَفِ أَرَادَ التّمْثِيلَ لَا التّخْصِيصَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ أَجْوَدُهُ النّضِيجُ الْحُلْوُ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الصّدْرِ وَالرّئَةِ [ ص 310 ] الصّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِالسّكّرِ أَوْ الْعَسَلِ .
طَلْعٌ
قَالَ تَعَالَى : { وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ } [ ق : 10 ] وَقَالَ تَعَالَى : { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [ الشّعَرَاءُ 148 ] . طَلْعُ النّخْلِ مَا يَبْدُو مِنْ ثَمَرَتِهِ فِي أَوّلِ ظُهُورِهِ وَقِشْرُهُ يُسَمّى الْكُفُرّى وَالنّضِيدُ الْمَنْضُودُ الّذِي قَدْ نُضّدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَإِنّمَا يُقَالُ لَهُ نَضِيدٌ مَا دَامَ فِي كُفُرّاهُ فَإِذَا انْفَتَحَ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ . وَأَمّا الْهَضِيمُ فَهُوَ الْمُنْضَمّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَهُوَ كَالنّضِيدِ أَيْضًا وَذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ تَشَقّقِ الْكُفُرّى عَنْهُ . وَالطّلْعُ نَوْعَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَالتّلْقِيحُ هُوَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الذّكَرِ وَهُوَ مِثْلُ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ فَيُجْعَلَ فِي الْأُنْثَى وَهُوَ التّأْبِيرُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللّقَاحِ بَيْنَ الذّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَخْلٍ فَرَأَى قَوْمًا يُلَقّحُونَ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ " قَالُوا : يَأْخُذُونَ مِنْ الذّكَرِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي الْأُنْثَى قَالَ " مَا أَظُنّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا " فَبَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ فَلَمْ يَصْلُحْ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّمَا هُوَ ظَنّ فَإِنْ كَانَ يُغْنِي شَيْئًا فَاصْنَعُوهُ فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنّ الظّنّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَلَكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ عَنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ . فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللّهِ انْتَهَى . [ ص 311 ] الْمُبَاضَعَةِ وَدَقِيقُ طَلْعِهِ إذَا تَحَمّلَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْجِمَاعِ أَعَانَ عَلَى الْحَبَلِ إعَانَةً بَالِغَةً وَهُوَ فِي الْبُرُودَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُجَفّفُهَا وَيُسَكّنُ ثَائِرَةَ الدّمِ مَعَ غِلْظَةٍ وَبُطْءِ هَضْمٍ . وَلَا يَحْتَمِلُهُ إلّا أَصْحَابُ الْأَمْزِجَةِ الْحَارّةِ وَمَنْ أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِنّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الجوارشات الْحَارّةِ وَهُوَ يُعَقّلُ الطّبْعَ وَيُقَوّي الْأَحْشَاءَ وَالْجُمّارُ يَجْرِي مَجْرَاهُ وَكَذَلِكَ الْبَلَحُ وَالْبُسْرُ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يَضُرّ بِالْمَعِدَةِ والصدر، وربما أورث القولنج، وإصلاحه بالسمن، أو بما تقدم ذكره.

حَرْفُ الْعَيْنِ
عِنَبٌ
فِي " الْغَيْلَانِيّاتِ " مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ الْعِنَبَ خَرْطًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيّ : لَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ قُلْتُ وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبّارِ أَبُو سُلَيْمٍ الْكُوفِيّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : كَانَ يَكْذِبُ . وَيَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُحِبّ الْعِنَبَ وَالْبِطّيخَ . [ ص 312 ] ذَكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الْعِنَبَ فِي سِتّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فِي جُمْلَةِ نِعَمِهِ الّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فِي هَذِهِ الدّارِ وَفِي الْجَنّةِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْفَوَاكِهِ وَأَكْثَرِهَا مَنَافِعَ وَهُوَ يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَأَخْضَرَ وَيَانِعًا وَهُوَ فَاكِهَةٌ مَعَ الْفَوَاكِهِ وَقُوتٌ مَعَ الْأَقْوَاتِ وَأُدْمٌ مَعَ الْإِدَامِ وَدَوَاءٌ مَعَ الْأَدْوِيَةِ وَشَرَابٌ مَعَ الْأَشْرِبَةِ وَطَبْعُهُ طَبْعُ الْحَبّاتِ الْحَرَارَةُ وَالرّطُوبَةُ وَجَيّدُهُ الْكِبَارُ الْمَائِيّ وَالْأَبْيَضُ أَحْمَدُ مِنْ الْأَسْوَدِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْحَلَاوَةِ وَالْمَتْرُوكُ بَعْدَ قَطْفِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَحْمَدُ مِنْ الْمَقْطُوفِ فِي يَوْمِهِ فَإِنّهُ مُنَفّخٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ وَالْمُعَلّقُ حَتّى يَضْمُرَ قِشْرُهُ جَيّدٌ لِلْغِذَاءِ مُقَوّ لِلْبَدَنِ وَغِذَاؤُهُ كَغِذَاءِ التّينِ وَالزّبِيبِ وَإِذَا أُلْقِيَ عَجَمُ الْعِنَبِ كَانَ أَكْثَرَ تَلْيِينًا لِلطّبِيعَةِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ مُصَدّعٌ لِلرّأْسِ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ بِالرّمّانِ الْمُزّ . وَمَنْفَعَةُ الْعِنَبِ يُسَهّلُ الطّبْعَ وَيُسَمّنُ وَيَغْذُو جَيّدُهُ غِذَاءً حَسَنًا وَهُوَ أَحَدُ الْفَوَاكِهِ الثّلَاثِ الّتِي هِيَ مُلُوكُ الْفَوَاكِهِ هُوَ وَالرّطَبُ وَالتّينُ .
عَسَلٌ
قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ مَنَافِعِهِ . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قَالَ الزّهْرِيّ : عَلَيْك بِالْعَسَلِ فَإِنّهُ جَيّدٌ لِلْحِفْظِ وَأَجْوَدُهُ أَصْفَاهُ وَأَبْيَضُهُ وَأَلْيَنُهُ حِدّةً وَأَصْدَقُهُ حَلَاوَةً وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجِبَالِ وَالشّجَرِ لَهُ فَضْلٌ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَلَايَا وَهُوَ بِحَسَبِ مَرْعَى نَحْلِهِ .
عَجْوَةٌ
فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ تَصَبّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمّ وَلَا سِحْرٌ [ ص 313 ] سُنَنِ النّسَائِيّ " وَابْنِ مَاجَهْ : مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنّةِ وَهِيَ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ والكمأة مِنْ الْمَنّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ وَقَدْ قِيلَ إنّ هَذَا فِي عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ أَحَدُ أَصْنَافِ التّمْرِ بِهَا وَمِنْ أَنْفَعِ تَمْرِ الْحِجَازِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ صِنْفٌ كَرِيمٌ مُلَذّذٌ مَتِينٌ لِلْجِسْمِ وَالْقُوّةِ مِنْ أَلْيَنِ التّمْرِ وَأَطْيَبِهِ وَأَلَذّهِ وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ التّمْرِ وَطَبْعُهُ وَمَنَافِعُهُ فِي حَرْفِ التّاءِ وَالْكَلَامُ عَلَى دَفْعِ الْعَجْوَةِ لِلسّمّ وَالسّحْرِ فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهِ .
[إبَاحَةُ مَا فِي الْبَحْرِ لَا يَخْتَصّ بِالسّمَكِ ]
عَنْبَرٌ
تَقَدّمَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصّةِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَكْلِهِمْ مِنْ الْعَنْبَرِ شَهْرًا وَأَنّهُمْ تَزَوّدُوا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَرْسَلُوا مِنْهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ أَحَدُ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ إبَاحَةَ مَا فِي الْبَحْرِ لَا يَخْتَصّ بِالسّمَكِ وَعَلَى أَنّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنّ الْبَحْرَ أَلْقَاهُ حَيّا ثُمّ جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ فَمَاتَ وَهَذَا حَلَالٌ فَإِنّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ مُفَارَقَتِهِ لِلْمَاءِ وَهَذَا لَا يَصِحّ فَإِنّهُمْ إنّمَا وَجَدُوهُ مَيّتًا بِالسّاحِلِ وَلَمْ يُشَاهِدُوهُ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ حَيّا ثُمّ جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ . وَأَيْضًا : فَلَوْ كَانَ حَيّا لَمَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ إلَى سَاحِلِهِ فَإِنّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ الْبَحْرَ إنّمَا يَقْذِفُ إلَى سَاحِلِهِ الْمَيّتَ مِنْ حَيَوَانَاتِهِ لَا الْحَيّ مِنْهَا . وَأَيْضًا : فَلَوْ قُدّرَ احْتِمَالُ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ فَإِنّهُ لَا يُبَاجُ الشّيْءُ مَعَ الشّكّ فِي سَبَبِ إبَاحَتِهِ وَلِهَذَا مَنَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَكْلِ الصّيْدِ إذَا [ ص 314 ]
[طِيبُ الْعَنْبَرِ وَالْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِسْكِ ]
وَأَمّا الْعَنْبَرُ الّذِي هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الطّيبِ فَهُوَ مِنْ أَفْخَرِ أَنْوَاعِهِ بَعْدَ الْمِسْكِ وَأَخْطَأَ مَنْ قَدّمَهُ عَلَى الْمِسْكِ وَجَعَلَهُ سَيّدَ أَنْوَاعِ الطّيبِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فِي الْمِسْكِ هُوَ أَطْيَبُ الطّيبِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى ذِكْرُ الْخَصَائِصِ وَالْمَنَافِعِ الّتِي خُصّ بِهَا الْمِسْكُ حَتّى إنّهُ طِيبُ الْجَنّةِ وَالْكُثْبَانِ الّتِي هِيَ مَقَاعِدُ الصّدّيقِينَ هُنَاكَ مِنْ مِسْكٍ لَا مِنْ عَنْبَرٍ . وَاَلّذِي غَرّ هَذَا الْقَائِلَ أَنّهُ لَا يَدْخُلُهُ التّغَيّرُ عَلَى طُولِ الزّمَانِ فَهُوَ كَالذّهَبِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمِسْكِ فَإِنّهُ بِهَذِهِ الْخَاصّيّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُقَاوِمُ مَا فِي الْمِسْكِ مِنْ الْخَوَاصّ .
[أَنْوَاعُ طِيبِ الْعَنْبَرِ ]
وَبَعْدُ فَضُرُوبُهُ كَثِيرَةٌ وَأَلْوَانُهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُ الْأَبْيَضُ وَالْأَشْهَبُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَزْرَقُ وَالْأَسْوَدُ وَذُو الْأَلْوَانِ وَأَجْوَدُهُ الْأَشْهَبُ ثُمّ الْأَزْرَقُ ثُمّ الْأَصْفَرُ وَأَرْدَؤُهُ الْأَسْوَدُ . وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي عُنْصُرِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ نَبَاتٌ يَنْبُتُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فَيَبْتَلِعُهُ بَعْضُ دَوَابّهِ فَإِذَا ثَمِلَتْ مِنْهُ قَذَفَتْهُ رَجِيعًا فَيَقْذِفُهُ الْبَحْرُ إلَى سَاحِلِهِ . وَقِيلَ طَلّ يَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَتُلْقِيهِ الْأَمْوَاجُ إلَى السّاحِلِ وَقِيلَ رَوْثُ دَابّةٍ بَحْرِيّةٍ تُشْبِهُ الْبَقَرَةَ . وَقِيلَ بَلْ هُوَ جَفَاءٌ مِنْ جَفَاءِ الْبَحْرِ أَيْ زَبَدٌ . وَقَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : هُوَ فِيمَا يُظَنّ يَنْبُعُ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ وَاَلّذِي يُقَالُ إنّهُ زَبَدُ الْبَحْرِ أَوْ رَوْثُ دَابّةٍ بَعِيدٌ انْتَهَى . وَمِزَاجُهُ حَارّ يَابِسٌ مُقَوّ لِلْقَلْبِ وَالدّمَاغِ وَالْحَوَاسّ وَأَعْضَاءِ الْبَدَنِ نَافِعٌ مِنْ الْفَالِجِ وَاللّقْوَةِ وَالْأَمْرَاضِ الْبَلْغَمِيّةِ وَأَوْجَاعِ الْمَعِدَةِ الْبَارِدَةِ وَالرّيَاحِ [ ص 315 ] طُلِيَ بِهِ مِنْ خَارِجٍ وَإِذَا تُبُخّرَ بِهِ نَفَعَ مِنْ الزّكَامِ وَالصّدَاعِ والشقيقة الْبَارِدَةِ .
عُودٌ
الْعُودُ الْهِنْدِيّ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا : يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَهُوَ الْكُسْتُ وَيُقَالُ لَهُ الْقُسْطُ وَسَيَأْتِي فِي حَرْفِ الْقَافِ . الثّانِي : يُسْتَعْمَلُ فِي الطّيبِ وَيُقَالُ لَهُ الْأَلُوّةُ . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ ابْنِ عُمَر َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ كَانَ يَسْتَجْمِرُ بِالْأَلُوّةِ غَيْرَ مُطَرّاةٍ وَبِكَافُورٍ يُطْرَحُ مَعَهَا وَيَقُولُ هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي صِفَةِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنّةِ مَجَامِرُهُمْ الْأَلُوّةُ وَالْمَجَامِرُ جَمْعُ مِجْمَرٍ وَهُوَ مَا يُتَجَمّرُ بِهِ مِنْ عُودٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ . أَجْوَدُهَا : الْهِنْدِيّ ثُمّ الصّينِيّ ثُمّ الْقَمَارِيّ ثُمّ الْمَنْدَلِيّ وَأَجْوَدُهُ الْأَسْوَدُ وَالْأَزْرَقُ الصّلْبُ الرّزِينُ الدّسَمِ وَأَقَلّهُ جَوْدَةً مَا خَفّ وَطَفَا عَلَى الْمَاءِ وَيُقَالُ إنّهُ شَجَرٌ يُقْطَعُ وَيُدْفَنُ فِي الْأَرْضِ سَنَةً فَتَأْكُلُ الْأَرْضُ مِنْهُ مَا لَا يَنْفَعُ وَيَبْقَى عُودُ الطّيبِ لَا تَعْمَلُ فِيهِ الْأَرْضُ شَيْئًا يَتَعَفّنُ مِنْهُ قِشْرُهُ وَمَا لَا طِيبَ فِيهِ . وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ يَفْتَحُ السّدَدَ وَيَكْسِرُ الرّيَاحَ وَيَذْهَبُ بِفَضْلِ الرّطُوبَةِ وَيُقَوّي الْأَحْشَاءَ وَالْقَلْبَ وَيُفْرِحُهُ وَيَنْفَعُ الدّمَاغَ وَيُقَوّي الْحَوَاسّ وَيَحْبِسُ الْبَطْنَ وَيَنْفَعُ مِنْ سَلَسِ الْبَوْلِ الْحَادِثِ عَنْ بَرْدِ الْمَثَانَةِ . قَالَ ابْنُ سَمْجُونٍ : الْعُودُ ضُرُوبٌ كَثِيرَةٌ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْأَلُوّةِ وَيُسْتَعْمَلُ [ ص 316 ] مُرَاعَاةُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ وَإِصْلَاحُهُ فَإِنّهُ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ السّتّةِ الضّرُورِيّةِ الّتِي فِي صَلَاحِهَا صَلَاحُ الْأَبْدَانِ .
عَدَسٌ
قَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كُلّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْهَا كَحَدِيثِ إنّهُ قُدّسَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيّا وَحَدِيثِ إنّهُ يُرِقّ الْقَلْبَ وَيُغْزِرُ الدّمْعَةَ وَإِنّهُ مَأْكُولُ الصّالِحِينَ وَأَرْفَعُ شَيْءٍ جَاءَ فِيهِ وَأَصَحّهُ أَنّهُ شَهْوَةُ الْيَهُودِ الّتِي قَدّمُوهَا عَلَى الْمَنّ وَالسّلْوَى وَهُوَ قَرِينُ الثّومِ وَالْبَصَلِ فِي الذّكْرِ . وَطَبْعُهُ طَبْعُ الْمُؤَنّثِ بَارِدٌ يَابِسٌ وَفِيهِ قُوّتَانِ مُتَضَادّتَانِ . إحْدَاهُمَا : يُعَقّلُ الطّبِيعَةَ . وَالْأُخْرَى : يُطْلِقُهَا وَقِشْرُهُ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ حِرّيفٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ وَتِرْيَاقُهُ فِي قِشْرِهِ وَلِهَذَا كَانَ صِحَاحُهُ أَنْفَعَ مِنْ مَطْحُونِهِ وَأَخَفّ عَلَى الْمَعِدَةِ وَأَقَلّ ضَرَرًا فَإِنّ لُبّهُ بَطِيءُ الْهَضْمِ لِبُرُودَتِهِ وَيُبُوسَتِهِ وَهُوَ مُوَلّدٌ لِلسّوْدَاءِ وَيَضُرّ بالماليخوليا ضَرَرًا بَيّنًا وَيَضُرّ بِالْأَعْصَابِ وَالْبَصَرِ . وَهُوَ غَلِيظُ الدّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنّبَهُ أَصْحَابُ السّوْدَاءِ وَإِكْثَارُهُمْ مِنْهُ يُوَلّدُ لَهُمْ أَدْوَاءً رَدِيئَةً كَالْوَسْوَاسِ وَالْجُذَامِ وَحُمّى الرّبْعِ وَيُقَلّلُ ضَرَرَهُ السّلْقُ وَالْإِسْفَانَاخُ وَإِكْثَارُ الدّهْنِ . وَأَرْدَأَ مَا أُكِلَ بالنمكسود وَلْيُتَجَنّبْ خَلْطُ الْحَلَاوَةِ بِهِ فَإِنّهُ يُورِثُ سُدَدًا كَبِدِيّةً وَإِدْمَانُهُ يُظْلِمُ الْبَصَرَ لِشِدّةِ تَجْفِيفِهِ وَيُعْسِرُ الْبَوْلَ وَيُوجِبُ الْأَوْرَامَ الْبَارِدَةَ وَالرّيَاحَ الْغَلِيظَةَ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ السّمِينُ السّرِيعُ النّضْجِ . وَأَمّا مَا يَظُنّهُ الْجُهّالُ أَنّهُ كَانَ سِمَاطَ الْخَلِيلِ الّذِي يُقَدّمُهُ لِأَضْيَافِهِ [ ص 317 ] مُفْتَرًى وَإِنّمَا حَكَى اللّهُ عَنْهُ الضّيَافَةَ بِالشّوَاءِ وَهُوَ الْعِجْلُ الْحَنِيذُ .
[قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الْعَدَسِ ]
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إسْحَاقَ قَالَ سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي جَاءَ فِي الْعَدَسِ أَنّهُ قُدّسَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيّا فَقَالَ وَلَا عَلَى لِسَانِ نَبِيّ وَاحِدٍ وَإِنّهُ لِمُؤْذٍ مُنَفّخٌ مَنْ حَدّثَكُمْ بِهِ ؟ قَالُوا : سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ فَقَالَ عَمّنْ ؟ قَالُوا : عَنْك . قَالَ وَعَنّي أَيْضًا ؟ .
حَرْفُ الْغَيْنِ
غَيْثٌ
مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي عِدّةِ مَوَاضِعَ وَهُوَ لَذِيذُ الِاسْمِ عَلَى السّمْعِ وَالْمُسَمّى عَلَى الرّوحِ وَالْبُدْنِ تَبْتَهِجُ الْأَسْمَاعُ بِذِكْرِهِ وَالْقُلُوبُ بِوُرُودِهِ وَمَاؤُهُ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ وَأَلْطَفُهَا وَأَنْفَعُهَا وَأَعْظَمُهَا بَرَكَةً وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَ مِنْ سَحَابٍ رَاعِدٍ وَاجْتَمَعَ فِي مُسْتَنْقَعَاتِ الْجِبَالِ وَهُوَ أَرْطَبُ مِنْ سَائِرِ الْمِيَاهِ لِأَنّهُ لَمْ تَطُلْ مُدّتُهُ عَلَى الْأَرْضِ فَيَكْتَسِبُ مِنْ يُبُوسَتِهَا وَلَمْ يُخَالِطْهُ جَوْهَرٌ يَابِسٌ وَلِذَلِكَ يَتَغَيّرُ وَيَتَعَفّنُ سَرِيعًا لِلَطَافَتِهِ وَسُرْعَةِ انْفِعَالِهِ وَهَلْ الْغَيْثُ الرّبِيعِيّ أَلْطَفُ مِنْ الشّتْوِيّ أَوْ بِالْعَكْسِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ .
[التّرْجِيحُ بَيْنَ الْغَيْثِ الشّتْوِيّ وَالرّبِيعِيّ ]
قَالَ مَنْ رَجّحَ الْغَيْثَ الشّتْوِيّ حَرَارَةُ الشّمْسِ تَكُونُ حِينَئِذٍ أَقَلّ فَلَا تَجْتَذِبُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ إلّا أَلْطَفَهُ وَالْجَوّ صَافٍ وَهُوَ خَالٍ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الدّخّانِيّةِ وَالْغُبَارِ الْمُخَالِطِ لِلْمَاءِ وَكُلّ هَذَا يُوجِبُ لُطْفَهُ وَصَفَاءَهُ وَخُلُوّهُ مِنْ مُخَالِطٍ . قَالَ مَنْ رَجّحَ الرّبِيعِيّ الْحَرَارَةُ تُوجِبُ تَحَلّلَ الْأَبْخِرَةِ الْغَلِيظَةِ وَتُوجِبُ رِقّةَ الْهَوَاءِ وَلَطَافَتَهُ فَيَخِفّ بِذَلِكَ الْمَاءُ وَتَقِلّ أَجْزَاؤُهُ الْأَرْضِيّةُ وَتُصَادِفُ وَقْتَ حَيَاةِ النّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَطِيبَ الْهَوَاءِ . [ ص 318 ]
[تَبَرّكُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَطَرُ]
وَذَكَرَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ فَحَسَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَوْبَهُ وَقَالَ إنّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبّهِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي هَدْيِهِ فِي الِاسْتِشْفَاءِ ذِكْرُ اسْتِمْطَارِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَرّكِهِ بِمَاءِ الْغَيْثِ عند أول مجيئه.

حَرْفُ الْفَاءِ
فَاتِحَةُ الْكِتَابِ
وَأُمّ الْقُرْآنِ وَالسّبْعُ الْمَثَانِي وَالشّفَاءُ التّامّ وَالدّوَاءُ النّافِعُ وَالرّقْيَةُ التّامّةُ وَمِفْتَاحُ الْغِنَى وَالْفَلَاحِ وَحَافِظَةُ الْقُوّةِ وَدَافِعَةُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالْخَوْفِ وَالْحَزَنِ لِمَنْ عَرَفَ مِقْدَارَهَا وَأَعْطَاهَا حَقّهَا وَأَحْسَنَ تَنْزِيلَهَا عَلَى دَائِهِ وَعَرَفَ وَجْهَ الِاسْتِشْفَاءِ وَالتّدَاوِي بِهَا وَالسّرّ الّذِي لِأَجْلِهِ كَانَتْ كَذَلِكَ . وَلَمّا وَقَعَ بَعْضُ الصّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ رَقَى بِهَا اللّدِيغَ فَبَرَأَ لِوَقْتِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا أَدْرَاك أَنّهَا رُقْيَةٌ وَمَنْ سَاعَدَهُ التّوْفِيقُ وَأُعِينَ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ حَتّى وَقَفَ عَلَى أَسْرَارِ هَذِهِ السّورَةِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ التّوْحِيدِ وَمَعْرِفَةِ الذّاتِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَإِثْبَاتِ الشّرْعِ وَالْقَدَرِ وَالْمَعَادِ وَتَجْرِيدِ تَوْحِيدِ الرّبُوبِيّةِ وَالْإِلَهِيّةِ وَكَمَالِ التّوَكّلِ وَالتّفْوِيضِ إلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ كُلّهُ وَلَهُ الْحَمْدُ كُلّهُ وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلّهُ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلّهُ وَالِافْتِقَارُ إلَيْهِ فِي طَلَبِ الْهِدَايَةِ الّتِي هِيَ أَصْلُ سَعَادَةِ الدّارَيْنِ وَعَلِمَ ارْتِبَاطَ مَعَانِيهَا بِجَلْبِ مَصَالِحِهِمَا وَدَفْعِ مَفَاسِدِهِمَا وَأَنّ الْعَاقِبَةَ الْمُطْلَقَةَ التّامّةَ وَالنّعْمَةَ الْكَامِلَةَ مَنُوطَةٌ بِهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى التّحَقّقِ بِهَا أَغْنَتْهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالرّقَى وَاسْتَفْتَحَ بِهَا مِنْ الْخَيْرِ أَبْوَابَهُ وَدَفَعَ بِهَا مِنْ الشّرّ أَسْبَابَهُ . [ ص 319 ] وَإِيمَانٍ آخَرَ وَتَاللّهِ لَا تَجِدُ مَقَالَةً فَاسِدَةً وَلَا بِدْعَةً بَاطِلَةً إلّا وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ مُتَضَمّنَةٌ لِرَدّهَا وَإِبْطَالِهَا بِأَقْرَبِ الطّرُقِ وَأَصَحّهَا وَأَوْضَحِهَا وَلَا تَجِدُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيّةِ وَأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَأَدْوِيَتِهَا مِنْ عِلَلِهَا وَأَسْقَامِهَا إلّا وَفِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ مِفْتَاحُهُ وَمَوْضِعُ الدّلَالَةِ عَلَيْهِ وَلَا مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ السّائِرِينَ إلَى رَبّ الْعَالَمِينَ إلّا وَبِدَايَتُهُ وَنِهَايَتُهُ فِيهَا . وَلَعَمْرُ اللّهِ إنّ شَأْنَهَا لَأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ فَوْقَ ذَلِكَ . وَمَا تَحَقّقَ عَبْدٌ بِهَا وَاعْتَصَمَ بِهَا وَعَقَلَ عَمّنْ تَكَلّمَ بِهَا وَأَنْزَلَهَا شِفَاءً تَامّا وَعِصْمَةً بَالِغَةً وَنُورًا مُبِينًا وَفَهِمَهَا وَفَهِمَ لَوَازِمَهَا كَمَا يَنْبَغِي وَوَقَعَ فِي بِدْعَةٍ وَلَا شِرْكٍ وَلَا أَصَابَهُ مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ إلّا لِمَامًا غَيْرَ مُسْتَقِرّ . هَذَا وَإِنّهَا الْمِفْتَاحُ الْأَعْظَمُ لِكُنُوزِ الْأَرْضِ كَمَا أَنّهَا الْمِفْتَاحُ لِكُنُوزِ الْجَنّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلّ وَاحِدٍ يُحْسِنُ الْفَتْحَ بِهَذَا الْمِفْتَاحِ وَلَوْ أَنّ طُلّابَ الْكُنُوزِ وَقَفُوا عَلَى سِرّ هَذِهِ السّورَةِ وَتَحَقّقُوا بِمَعَانِيهَا وَرَكّبُوا لِهَذَا الْمِفْتَاحِ أَسْنَانًا وَأَحْسَنُوا الْفَتْحَ بِهِ لَوَصَلُوا إلَى تَنَاوُلِ الْكُنُوزِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوِقٍ وَلَا مُمَانِعٍ . وَلَمْ نَقُلْ هَذَا مُجَازَفَةً وَلَا اسْتِعَارَةً بَلْ حَقِيقَةً وَلَكِنْ لِلّهِ تَعَالَى حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فِي إخْفَاءِ هَذَا السّرّ عَنْ نُفُوسِ أَكْثَرِ الْعَالَمِينَ كَمَا لَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فِي إخْفَاءِ كُنُوزِ الْأَرْضِ عَنْهُمْ وَالْكُنُوزُ الْمَحْجُوبَةُ قَدْ اُسْتُخْدِمَ عَلَيْهَا أَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ شَيْطَانِيّةٌ تَحُولُ بَيْنَ الْإِنْسِ وَبَيْنَهَا وَلَا تَقْهَرُهَا إلّا أَرْوَاحٌ عُلْوِيّةٌ شَرِيفَةٌ غَالِبَةٌ لَهَا بِحَالِهَا الْإِيمَانِيّ مَعَهَا مِنْهُ أَسْلِحَةٌ لَا تَقُومُ لَهَا الشّيَاطِينُ وَأَكْثَرُ نُفُوسِ النّاسِ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا يُقَاوِمُ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ وَلَا يَقْهَرُهَا وَلَا يَنَالُ مَنْ سَلَبِهَا شَيْئًا فَإِنّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ .
فَاغِيَةٌ
هِيَ نَوْرُ الْحِنّاءِ وَهِيَ مِنْ أَطْيَبِ الرّيَاحِينِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابِهِ " شُعَبُ الْإِيمَانِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ [ ص 320 ] سَيّدُ الرّيَاحِينِ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْفَاغِيَةُ وَرَوَى فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَحَبّ الرّيَاحِينِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاغِيَةُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَلَا نَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا لَا نَعْلَمُ صِحّتَهُ . وَهِيَ مُعْتَدِلَةٌ فِي الْحَرّ وَالْيُبْسِ فِيهَا بَعْضُ الْقَبْضِ وَإِذَا وُضِعَتْ بَيْنَ طَيّ ثِيَابِ الصّوفِ حَفِظَتْهَا مِنْ السّوسِ وَتَدْخُلُ فِي مَرَاهِمِ الْفَالِجِ وَالتّمَدّدِ وَدُهْنُهَا يُحَلّلُ الْأَعْضَاءَ وَيُلَيّنُ الْعَصَبَ .
فِضّةٌ
ثَبَتَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضّةٍ وَفَصّهُ مِنْهُ وَكَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِهِ فِضّةً وَلَمْ يَصِحّ عَنْهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ لِبَاسِ الْفِضّةِ وَالتّحَلّي بِهَا شَيْءٌ الْبَتّةَ كَمَا صَحّ عَنْهُ الْمَنْعُ مِنْ الشّرْبِ فِي آنِيَتِهَا وَبَابُ الْآنِيَةِ أَضْيَقُ مِنْ بَابِ اللّبَاسِ وَالتّحَلّي وَلِهَذَا يُبَاحُ لِلنّسَاءِ لِبَاسًا وَحِلْيَةً مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنّ اسْتِعْمَالُهُ آنِيَةً فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْآنِيَةِ تَحْرِيمُ اللّبَاسِ وَالْحِلْيَةِ . وَفِي " السّنَنِ " عَنْهُ وَأَمّا الْفِضّةُ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا فَالْمَنْعُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يُبَيّنُهُ إمّا نَصّ أَوْ إجْمَاعٌ فَإِنْ ثَبَتَ أَحَدُهُمَا وَإِلّا فَفِي الْقَلْبِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى الرّجَالِ شَيْءٌ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْسَكَ بِيَدِهِ ذَهَبًا وَبِالْأُخْرَى حَرِيرًا وَقَالَ هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمّتِي حِلّ لِإِنَاثِهِمْ [ ص 321 ] مُجَالَسَتُهُ وَلَا مُعَاشَرَتُهُ وَلَا يُسْتَثْقَلُ مَكَانُهُ تُشِيرُ الْأَصَابِعُ إلَيْهِ وَتَعْقِدُ الْعُيُونُ نِطَاقَهَا عَلَيْهِ إنْ قَالَ سُمِعَ قَوْلُهُ وَإِنْ شَفَعَ قُبِلَتْ شَفَاعَتُهُ وَإِنْ شَهِدَ زُكّيَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ خَطَبَ فَكُفْءٌ لَا يُعَابُ وَإِنْ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ بَيْضَاءَ فَهِيَ أَجْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ حِلْيَةِ الشّبَابِ . وَهِيَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرِحَةِ النّافِعَةِ مِنْ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالْحَزَنِ وَضَعْفِ الْقَلْبِ وَخَفَقَانهُ وَتَدْخُلُ فِي الْمَعَاجِينِ الْكِبَارِ وَتَجْتَذِبُ بِخَاصّيّتِهَا مَا يَتَوَلّدُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْأَخْلَاطِ الْفَاسِدَةِ خُصُوصًا إذَا أُضِيفَتْ إلَى الْعَسَلِ الْمُصَفّى وَالزّعْفَرَانِ . وَمِزَاجُهَا إلَى الْيُبُوسَةِ وَالْبُرُودَةِ وَيَتَوَلّدُ عَنْهَا مِنْ الْحَرَارَةِ وَالرّطُوبَةِ مَا يَتَوَلّدُ وَالْجِنَانُ الّتِي أَعَدّهَا اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أَرْبَعٌ جَنّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَجَنّتَانِ مِنْ فِضّةٍ آنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " الصّحِيحُ " مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهُ قَالَ الّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ إنّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنّمَ وَصَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا فَإِنّهَا لَهُمْ فِي الدّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ
[عِلّةُ تَحْرِيمِ الْفِضّةِ ]
فَقِيلَ عِلّةُ التّحْرِيمِ تَضْيِيقُ النّقُودِ فَإِنّهَا إذَا اُتّخِذَتْ أَوَانِيَ فَاتَتْ الْحِكْمَةُ [ ص 322 ] لِأَجْلِهَا مِنْ قِيَامِ مَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ الْعِلّةُ الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ . وَقِيلَ الْعِلّةُ كَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا رَأَوْهَا وَعَايَنُوهَا . وَهَذِهِ الْعِلَلُ فِيهَا مَا فِيهَا فَإِنّ التّعْلِيلَ بِتَضْيِيقِ النّقُودِ يَمْنَعُ مِنْ التّحَلّي بِهَا وَجَعْلِهَا سَبَائِكَ وَنَحْوَهَا مِمّا لَيْسَ بِآنِيَةٍ وَلَا نَقْدٍ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ حَرَامٌ بِأَيّ شَيْءٍ كَانَ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْمَسَاكِينِ لَا ضَابِطَ لَهُ فَإِنّ قُلُوبَهُمْ تَنْكَسِرُ بِالدّورِ الْوَاسِعَةِ وَالْحَدَائِقِ الْمُعْجِبَةِ وَالْمَرَاكِبِ الْفَارِهَةِ وَالْمَلَابِسِ الْفَاخِرَةِ وَالْأَطْعِمَةِ اللّذِيذَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَكُلّ هَذِهِ عِلَلٌ مُنْتَقِضَةٌ إذْ تُوجَدُ الْعِلّةُ وَيَتَخَلّفُ مَعْلُولُهَا .
[عِلّةٌ عِنْدَ الْمُصَنّفِ ]
فَالصّوَابُ أَنّ الْعِلّةَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - مَا يُكْسِبُ اسْتِعْمَالُهَا الْقَلْبَ مِنْ الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْعُبُودِيّةِ مُنَافَاةً ظَاهِرَةً وَلِهَذَا عَلّلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهَا لِلْكُفّارِ فِي الدّنْيَا إذْ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْعُبُودِيّةِ الّتِي يَنَالُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ نَعِيمَهَا فَلَا يَصْلُحُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَبِيدِ اللّهِ فِي الدّنْيَا وَإِنّمَا يَسْتَعْمِلُهَا مَنْ خَرَجَ عَنْ عُبُودِيّتِهِ وَرَضِيَ بِالدّنْيَا وَعَاجِلِهَا مِنْ الْآخِرَةِ .
حَرْفُ الْقَافِ
قُرْآنٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الْإِسْرَاءُ : 82 ] وَالصّحِيحُ أَنّ " مِنْ " هَا هُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتّبْعِيضِ وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ } [ يُونُسُ 57 ] . فَالْقُرْآنُ هُوَ الشّفَاءُ التّامّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيّةِ وَالْبَدَنِيّةِ وَأَدْوَاءِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا كُلّ أَحَدٍ يُؤَهّلُ وَلَا يُوَفّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التّدَاوِي بِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ وَقَبُولٍ تَامّ وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ لَمْ يُقَاوِمْهُ الدّاءُ أَبَدًا . [ ص 323 ] وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الْأَدْوَاءُ كَلَامَ رَبّ الْأَرْضِ وَالسّمَاءِ الّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدّعَهَا أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطّعَهَا فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إلّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ وَالْحَمِيّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكَلَامِ عَلَى الطّبّ بَيَانُ إرْشَادِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إلَى أُصُولِهِ وَمَجَامِعِهِ الّتِي هِيَ حِفْظُ الصّحّةِ وَالْحِمْيَةُ وَاسْتِفْرَاغُ الْمُؤْذِي وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْرَادِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ . وَأَمّا الْأَدْوِيَةُ الْقَلْبِيّةُ فَإِنّهُ يَذْكُرُهَا مُفَصّلَةً وَيَذْكُرُ أَسْبَابَ أَدْوَائِهَا وَعِلَاجَهَا . قَالَ { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } [ الْعَنْكَبُوت : 51 ] فَمَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْقُرْآنُ فَلَا شَفَاهُ اللّهُ وَمَنْ لَمْ يَكْفِهِ فَلَا كَفَاهُ اللّهُ .
قِثّاءٌ
فِي " السّنَنِ " : مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَأْكُلُ الْقِثّاءَ بِالرّطَبِ وَرَوَاهُ التّرْمِذِيّ وَغَيْرُهُ الْقِثّاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ مُطْفِئٌ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ الْمُلْتَهِبَةِ بَطِيءُ الْفَسَادِ فِيهَا نَافِعٌ مِنْ وَجَعِ الْمَثَانَةِ وَرَائِحَتُهُ تَنْفَعُ مِنْ الْغَشْيِ وَبِزْرُهُ يُدِرّ الْبَوْلَ وَوَرَقُهُ إذَا اُتّخِذَ ضِمَادًا نَفَعَ مِنْ عَضّةِ الْكَلْبِ وَهُوَ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ عَنْ الْمَعِدَةِ وَبَرْدُهُ مُضِرّ بِبَعْضِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَعَهُ مَا يُصْلِحُهُ وَيَكْسِرُ بُرُودَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَكَلَهُ بِالرّطَبِ فَإِذَا أُكِلَ بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ عَسَلٍ عَدّلَهُ .
قُسْطٌ وَكُسْتٌ
بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيّ [ ص 324 ] أُمّ قَيْسٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيّ فَإِنّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ الْقُسْطُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا : الْأَبْيَضُ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْبَحْرِيّ . وَالْآخَرُ الْهِنْدِيّ وَهُوَ أَشَدّهُمَا حَرّا وَالْأَبْيَضُ أَلْيَنُهُمَا وَمَنَافِعُهُمَا كَثِيرَةٌ جِدّا . وَهُمَا حَارّانِ يَابِسَانِ فِي الثّالِثَةِ يُنَشّفَانِ الْبَلْغَمَ قَاطِعَانِ لِلزّكَامِ وَإِذَا شُرِبَا نَفَعَا مِنْ ضَعْفِ الْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ وَمِنْ بَرْدِهِمَا وَمِنْ حُمّى الدّوْرِ وَالرّبْعِ وَقَطَعَا وَجَعَ الْجَنْبِ وَنَفَعَا مِنْ السّمُومِ وَإِذَا طُلِيَ بِهِ الْوَجْهُ مَعْجُونًا بِالْمَاءِ وَالْعَسَلِ قَلَعَ الْكَلَفَ وَقَالَ جَالِينُوسُ : يَنْفَعُ مِنْ الْكُزَازِ وَوَجَعِ الْجَنْبَيْنِ وَيَقْتُلُ حَبّ الْقَرَعِ .
[الرّدّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ نَفْعَهُ لِلْمَجْنُوبِ ]
وَقَدْ خَفِيَ عَلَى جُهّالِ الْأَطِبّاءِ نَفْعُهُ مِنْ وَجَعِ ذَاتِ الْجَنْبِ فَأَنْكَرُوهُ وَلَوْ ظَفِرَ هَذَا الْجَاهِلُ بِهَذَا النّقْلِ عَنْ جَالِينُوسَ لِنُزُولِهِ مَنْزِلَةَ النّصّ كَيْفَ وَقَدْ نَصّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَطِبّاءِ الْمُتَقَدّمِينَ عَلَى أَنّ الْقُسْطَ يَصْلُحُ لِلنّوْعِ الْبَلْغَمِيّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْجَهْمِ . وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ طِبّ الْأَطِبّاءِ بِالنّسْبَةِ إلَى طِبّ الْأَنْبِيَاءِ أَقَلّ مِنْ نِسْبَةِ طِبّ الطّرُقِيّةِ وَالْعَجَائِزِ إلَى طِبّ الْأَطِبّاءِ وَأَنّ بَيْنَ مَا يُلْقَى بِالْوَحْيِ وَبَيْنَ مَا يُلْقَى بِالتّجْرِبَةِ وَالْقِيَاسِ مِنْ الْفَرْقِ أَعْظَمُ مِمّا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالْفَرَقِ . وَلَوْ أَنّ هَؤُلَاءِ الْجُهّالَ وَجَدُوا دَوَاءً مَنْصُوصًا عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ الْأَطِبّاءِ لَتَلَقّوْهُ بِالْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ وَلَمْ يَتَوَقّفُوا عَلَى تَجْرِبَتِهِ . نَعَمْ نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنّ لِلْعَادَةِ تَأْثِيرًا فِي الِانْتِفَاعِ بِالدّوَاءِ وَعَدَمِهِ فَمَنْ اعْتَادَ [ ص 325 ] كَانَ أَنْفَعَ لَهُ وَأَوْفَقَ مِمّنْ لَمْ يَعْتَدْهُ بَلْ رُبّمَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ . وَكَلَامُ فُضَلَاءِ الْأَطِبّاءِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْعَوَائِدِ وَإِذَا كَانَ التّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي كَلَامِ الصّادِقِ الْمَصْدُوقِ وَلَكِنّ نُفُوسَ الْبَشَرِ مُرَكّبَةٌ عَلَى الْجَهْلِ وَالظّلْمِ إلّا مَنْ أَيّدَهُ اللّهُ بِرُوحِ الْإِيمَانِ وَنَوّرَ بَصِيرَتَهُ بِنُورِ الْهُدَى .
قَصَبُ السّكّرِ
جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ السّنّةِ الصّحِيحَةِ فِي الْحَوْضِ مَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ السّكّر وَلَا أَعْرِفُ السّكّرَ فِي الْحَدِيثِ إلّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالسّكّرُ حَادِثٌ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ مُتَقَدّمُو الْأَطِبّاءِ وَلَا كَانُوا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَصِفُونَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ وَإِنّمَا يَعْرِفُونَ الْعَسَلَ وَيُدْخِلُونَهُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَقَصَبُ السّكّرِ حَارّ رَطْبٌ يَنْفَعُ مِنْ السّعَالِ وَيَجْلُو الرّطُوبَةَ وَالْمَثَانَةَ وَقَصَبَةَ الرّئَةِ وَهُوَ أَشَدّ تَلْيِينًا مِنْ السّكّرِ وَفِيهِ مَعُونَةٌ عَلَى الْقَيْءِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَزِيدُ فِي [ ص 326 ] قَالَ عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصّفّارُ : مَنْ مَصّ قَصَبَ السّكّرِ بَعْدَ طَعَامِهِ لَمْ يَزَلْ يَوْمَهُ أَجْمَعَ فِي سُرُورٍ انْتَهَى . وَهُوَ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الصّدْرِ وَالْحَلْقِ إذَا شُوِيَ وَيُوَلّدُ رِيَاحًا دَفَعَهَا بِأَنْ يُقَشّرَ وَيُغْسَلَ بِمَاءٍ حَارّ . وَالسّكّرُ حَارّ رَطْبٌ عَلَى الْأَصَحّ وَقِيلَ بَارِدٌ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ الشّفّافُ الطّبَرْزَدُ وَعَتِيقُهُ أَلْطَفُ مِنْ جَدِيدِهِ وَإِذَا طُبِخَ وَنُزِعَتْ رَغْوَتُهُ سَكّنَ الْعَطَشَ وَالسّعَالَ وَهُوَ يَضُرّ الْمَعِدَةَ الّتِي تَتَوَلّدُ فِيهَا الصّفْرَاءُ لِاسْتِحَالَتِهِ إلَيْهَا وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِمَاءِ اللّيْمُونِ أَوْ النّارِنْجِ أَوْ الرّمّانِ اللفان . وَبَعْضُ النّاسِ يُفَضّلُهُ عَلَى الْعَسَلِ لِقِلّةِ حَرَارَتِهِ وَلِينِهِ وَهَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ عَلَى الْعَسَلِ فَإِنّ مَنَافِعَ الْعَسَلِ أَضْعَافُ مَنَافِعِ السّكّرِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللّهُ شِفَاءً وَدَوَاءً وَإِدَامًا وَحَلَاوَةً وَأَيْنَ نَفْعُ السّكّرِ مِنْ مَنَافِعِ الْعَسَلِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ وَتَلْيِينِ الطّبْعِ وَإِحْدَادِ الْبَصَرِ وَجَلَاءِ ظُلْمَتِهِ وَدَفْعِ الْخَوَانِيقِ بِالْغَرْغَرَةِ بِهِ وَإِبْرَائِهِ مِنْ الْفَالِجِ وَاللّقْوَةِ وَمِنْ جَمِيعِ الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ الّتِي تَحْدُثُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ مِنْ الرّطُوبَاتِ فَيَجْذِبُهَا مِنْ قَعْرِ الْبَدَنِ وَمِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَحِفْظِ صِحّتِهِ وَتَسْمِينِهِ وَتَسْخِينِهِ وَالزّيَادَةِ فِي الْبَاهِ وَالتّحْلِيلِ وَالْجِلَاءِ وَفَتْحِ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ وَتَنْقِيَةِ الْمِعَى وَإِحْدَارِ الدّودِ وَمَنْعِ التّخَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَفَنِ وَالْأُدْمِ النّافِعِ وَمُوَافَقَةِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ وَالْمَشَايِخُ وَأَهْلُ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا شَيْءَ أَنْفَعُ مِنْهُ لِلْبَدَنِ وَفِي الْعِلَاجِ وَعَجْزِ الْأَدْوِيَةِ وَحِفْظِ قُوَاهَا وَتَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ إلَى أَضْعَافِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ فَأَيْنَ لِلسّكّرِ مِثْلُ هَذِهِ الْمَنَافِعِ

حَرْفُ الْكَافِ
كِتَابٌ لِلْحُمّى
قَالَ الْمَرْوَزِيّ : بَلَغَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَنّي حُمِمْت فَكَتَبَ لِي مِنْ [ ص 327 ] قُلْنَا : يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ اللّهُمّ رَبّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ اشْفِ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِك وَقُوّتِك وَجَبَرُوتِك إلَهَ الْحَقّ آمِينَ .
[ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ التّمَائِمِ ]
قَالَ الْمَرْوَزِيّ : وَقَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللّهِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - أَبُو الْمُنْذِرِ عَمْرُو بْنُ مُجَمّعٍ حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ حِبّانَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمّدَ بْنَ عَلِيّ أَنْ أُعَلّقَ التّعْوِيذَ فَقَالَ إنْ كَانَ مِنْ كِتَابِ اللّهِ أَوْ كَلَامٍ عَنْ نَبِيّ اللّهِ فَعَلّقْهُ وَاسْتَشْفِ بِهِ مَا اسْتَطَعْتَ . قُلْتُ أَكْتُبُ هَذِهِ مِنْ حُمّى الرّبْعِ بِاسْمِ اللّهِ وَبِاَللّهِ وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ إلَى آخِرِهِ ؟ قَالَ أَيْ نَعَمْ . وَذَكَرَ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا أَنّهُمْ سَهّلُوا فِي ذَلِكَ . قَالَ حَرْبٌ وَلَمْ يُشَدّدْ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ أَحْمَدُ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً جِدّا . وَقَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ التّمَائِمِ تُعَلّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ ؟ قَالَ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ . قَالَ الْخَلّالُ وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَكْتُبُ التّعْوِيذَ لِلّذِي يَفْزَعُ وَلِلْحُمّى بَعْدَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ .
كِتَابٌ لِعُسْرِ الْوِلَادَةِ
قَالَ الْخَلّالُ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ : قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَكْتُبُ لِلْمَرْأَةِ إذَا عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادَتُهَا فِي جَامٍ أَبْيَضَ أَوْ شَيْءٍ نَظِيفٍ يَكْتُبُ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللّهِ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ { كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ } [ الْأَحْقَافُ 35 ] { كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا عَشِيّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النّازِعَاتُ 46 ] . قَالَ الْخَلّالُ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيّ أَنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ تَكْتُبُ لِامْرَأَةٍ قَدْ عَسُرَ عَلَيْهَا وَلَدُهَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ ؟ فَقَالَ قُلْ لَهُ يَجِيءُ بِجَامٍ وَاسِعٍ وَزَعْفَرَانٍ وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَيَذْكُرُ عَنْ عِكْرِمَةَ [ ص 328 ] ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ مَرّ عِيسَى صَلّى اللّهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَقَرَةٍ قَدْ اعْتَرَضَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَتْ يَا كَلِمَةَ اللّهِ اُدْعُ اللّه لِي أَنْ يُخَلّصَنِي مِمّا أَنَا فِيهِ فَقَالَ يَا خَالِقَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ وَيَا مُخَلّصَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ وَيَا مُخْرِجَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ خَلّصْهَا . قَالَ فَرَمَتْ بِوَلَدِهَا فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تَشُمّهُ قَالَ فَإِذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا فَاكْتُبْهُ لَهَا . وَكُلّ مَا تَقَدّمَ مِنْ الرّقَى فَإِنّ كِتَابَتَهُ نَافِعَةٌ .
[ حُكْمُ كِتَابَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَشُرْبِهِ ]
وَرَخّصَ جَمَاعَةٌ مِنْ السّلَفِ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَشُرْبِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الشّفَاءِ الّذِي جَعَلَ اللّه فِيهِ . كِتَابٌ آخَرُ لِذَلِكَ يُكْتَبُ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ { إِذَا السّمَاءُ انْشَقّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلّتْ } [ الِانْشِقَاقُ 41 ] وَتَشْرَبُ مِنْهُ الْحَامِلُ وَيُرَشّ عَلَى بَطْنِهَا .
كِتَابٌ لِلرّعَافِ
كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ رَحِمَهُ اللّهُ يَكْتُبُ عَلَى جَبْهَتِهِ { وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ } [ هُود : 44 ] . وَسَمِعْته يَقُولُ كَتَبْتهَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ فَبَرَأَ فَقَالَ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا بِدَمِ الرّاعِفِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهّالُ فَإِنّ الدّمَ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ كَلَامُ اللّهِ تَعَالَى . كِتَابٌ آخَرُ لَهُ خَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ بِرِدَاءٍ فَوَجَدَ شُعَيْبًا فَشَدّهُ بِرِدَائِهِ { يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الْكِتَابِ } [ الرّعْدُ 39 ] . كِتَابٌ آخَرُ لِلْحَزّازِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ { فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ } [ الْبَقَرَةُ 266 ] بِحَوْلِ اللّهِ وَقُوّتِهِ . كِتَابٌ آخَرُ لَهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشّمْسِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ الْحَدِيدُ 28 ] . [ ص 329 ] وَرَقَاتٍ لِطَافٍ بِسْمِ اللّهِ فَرّتْ بِسْمِ اللّهِ مَرّتْ بِسْمِ اللّهِ قَلّتْ وَيَأْخُذُ كُلّ يَوْمٍ وَرَقَةً وَيَجْعَلُهَا فِي فَمِهِ وَيَبْتَلِعُهَا بِمَاءٍ . كِتَابٌ آخَرُ لِعِرْقِ النّسَا : بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ اللّهُمّ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَمَلِيكَ كُلّ شَيْءٍ وَخَالِقَ كُلّ شَيْءٍ أَنْتَ خَلَقْتنِي وَأَنْتَ خَلَقْت النّسَا فَلَا تُسَلّطْهُ عَلَيّ بِأَذًى وَلَا تُسَلّطْنِي عَلَيْهِ بِقَطْعٍ وَاشْفِنِي شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا لَا شَافِيَ إلّا أَنْتَ .
كِتَابٌ لِلْعَرَقِ الضّارِبِ
رَوَى التّرْمِذِي ّ فِي " جَامِعِهِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُعَلّمُهُمْ مِنْ الْحُمّى وَمِنْ الْأَوْجَاعِ كُلّهَا أَنْ يَقُولُوا : بِسْمِ اللّهِ الْكَبِيرِ أَعُوذُ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ مِنْ شَرّ كُلّ عَرَقٍ نَعّارٍ وَمِنْ شَرّ حَرّ النّارِ
كِتَابٌ لِوَجَعِ الضّرْسِ
يُكْتَبُ عَلَى الْخَدّ الّذِي يَلِي الْوَجَعَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ { قُلْ هُوَ الّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ } [ النّحْلُ 78 ] وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللّيْلِ وَالنّهَارِ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ الْأَنْعَامُ 13 ] . كِتَابٌ لِلْخَرَاجِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا } [ طه : 105 ] .

كَمْأَةٌ
ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ أَخْرَجَاهُ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " . قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ : الْكَمْأَةُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ كَمْءٌ وَهَذَا خِلَافُ [ ص 330 ] قِيَاسِ الْعَرَبِيّةِ فَإِنّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ التّاءُ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ التّاءُ وَإِذَا حُذِفَتْ كَانَ لِلْجَمْعِ . وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ قَالُوا : وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا إلّا حَرْفَانِ كَمْأَةٌ وَكَمْءٌ وَجَبْأَةٌ وَجَبْءٌ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ : بَلْ هِيَ عَلَى الْقِيَاسِ الْكَمْأَةُ لِلْوَاحِدِ وَالْكَمْءُ لِلْكَثِيرِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا : الْكَمْأَةُ تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا . وَاحْتَجّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ بِأَنّهُمْ قَدْ جَمَعُوا كَمْئًا عَلَى أَكْمُؤٍ قَالَ الشّاعِرُ
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلًا
وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الْأَوْبَرِ
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ " كَمْئًا " مُفْرَدٌ " وَكَمْأَةً " جَمْعٌ . وَالْكَمْأَةُ تَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ وَسُمّيَتْ كَمْأَةً لِاسْتِتَارِهَا وَمِنْهُ كَمَأَ الشّهَادَةَ إذَا سَتَرَهَا وَأَخْفَاهَا وَالْكَمْأَةُ مَخْفِيّةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ وَمَادّتُهَا مِنْ جَوْهَرِ أَرْضِيّ بُخَارِيّ مُحْتَقِنٍ فِي الْأَرْضِ نَحْوَ سَطْحِهَا يَحْتَقِنُ بِبَرْدِ الشّتَاءِ وَتُنَمّيهِ أَمْطَارُ الرّبِيعِ فَيَتَوَلّدُ وَيَنْدَفِعُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ مُتَجَسّدًا وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهَا : جُدَرِيّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا بِالْجُدَرِيّ فِي صُورَتِهِ وَمَادّتِهِ لِأَنّ مَادّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيّةٌ فَتَنْدَفِعُ عِنْدَ سِنّ التّرَعْرُعِ فِي الْغَالِبِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوّةِ . وَهِيَ مِمّا يُوجَدُ فِي الرّبِيعِ وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَتُسَمّيهَا الْعَرَبُ : نَبَاتَ الرّعْدِ لِأَنّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ وَتَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ وَهِيَ مِنْ أَطْعِمَةِ أَهْلِ الْبَوَادِي [ ص 331 ] الْعَرَبِ وَأَجْوَدُهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهَا رَمْلِيّةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ . وَهِيَ أَصْنَافٌ مِنْهَا صِنْفٌ قَتّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الْحُمْرَةِ يُحْدِثُ الِاخْتِنَاقَ . وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الدّرَجَةِ الثّالِثَةِ رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَإِذَا أُدْمِنَتْ أَوْرَثَتْ الْقُولَنْجَ وَالسّكْتَةَ وَالْفَالِجَ وَوَجَعَ الْمَعِدَةِ وَعُسْرَ الْبَوْلِ وَالرّطْبَةُ أَقَلّ ضَرَرًا مِنْ الْيَابِسَةِ وَمَنْ أَكَلَهَا فَلْيَدْفِنْهَا فِي الطّينِ الرّطْبِ وَيَسْلُقْهَا بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالصّعْتَرِ وَيَأْكُلْهَا بِالزّيْتِ وَالتّوَابِلِ الْحَارّةِ لِأَنّ جَوْهَرَهَا أَرْضِيّ غَلِيظٌ وَغِذَاؤُهَا رَدِيءٌ لَكِنْ فِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيّ لَطِيفٌ يَدُلّ عَلَى خِفّتِهَا وَالِاكْتِحَالُ بِهَا نَافِعٌ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ وَالرّمَدِ الْحَارّ وَقَدْ اعْتَرَفَ فُضَلَاءُ الْأَطِبّاءِ بِأَنّ مَاءَهَا يَجْلُو الْعَيْنَ وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْمَسِيحِيّ وَصَاحِبُ الْقَانُونِ وَغَيْرُهُمَا .
[ مَعْنَى " الْكَمْأَةِ مِنْ الْمَنّ " ]
وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّ الْمَنّ الّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحُلْوَ فَقَطْ بَلْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ بِهَا مِنْ النّبَاتِ الّذِي يُوجَدُ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ وَلَا عِلَاجٍ وَلَا حَرْثٍ فَإِنّ الْمَنّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ " مَمْنُونٌ " بِهِ فَكُلّ مَا رَزَقَهُ اللّهُ الْعَبْدَ عَفْوًا بِغَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ وَلَا عِلَاجٍ فَهُوَ مَنّ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرُ نِعَمِهِ مَنّا مِنْهُ عَلَى عَبْدِهِ فَخَصّ مِنْهَا مَا لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَلَا صُنْعَ بِاسْمِ الْمَنّ فَإِنّهُ مَنّ بِلَا وَاسِطَةِ الْعَبْدِ وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ قُوّتَهُمْ بِالتّيهِ الْكَمْأَةُ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ الْخَبَزِ وَجَعَلَ أُدْمَهُمْ السّلْوَى وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ اللّحْمِ وَجَعَلَ حَلْوَاهُمْ الطّلّ الّذِي يَنْزِلُ عَلَى الْأَشْجَارِ يَقُومُ لَهُمْ مَقَامَ الْحَلْوَى فَكَمُلَ عَيْشُهُمْ . وَتَأَمّلْ قَوْلَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ الّذِي أَنْزَلَهُ اللّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَجَعَلَهَا مِنْ جُمْلَتِهِ وَفَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ والترنجبين الّذِي يَسْقُطُ عَلَى الْأَشْجَارِ نَوْعٌ مِنْ الْمَنّ ثُمّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَنّ عَلَيْهِ عُرْفًا حَادِثًا . [ ص 332 ] وَالْقَوْلُ الثّانِي : أَنّهُ شَبّهَ الْكَمْأَةَ بِالْمَنّ الْمُنَزّلِ مِنْ السّمَاءِ لِأَنّهُ يُجْمَعُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَلَا زَرْعِ بِزْرٍ وَلَا سَقْيٍ .
[ مِنْ أَيْنَ أَتَى الضّرَرُ الْوَاقِعُ فِيهَا ]
فَإِنْ قُلْت : فَإِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَ الْكَمْأَةِ فَمَا بَالُ هَذَا الضّرَرِ فِيهَا وَمِنْ أَيْنَ أَتَاهَا ذَلِكَ ؟ فَاعْلَمْ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ صُنْعَهُ وَأَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فَهُوَ عِنْدَ مَبْدَأِ خَلْقِهِ بَرِيءٌ مِنْ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ تَامّ الْمَنْفَعَةِ لِمَا هُيّئَ وَخُلِقَ لَهُ وَإِنّمَا تَعْرِضُ لَهُ الْآفَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُمُورٍ أُخَرَ مِنْ مُجَاوَرَةٍ أَوْ امْتِزَاجٍ وَاخْتِلَاطٍ أَوْ أَسْبَابٍ أُخَرَ تَقْتَضِي فَسَادَهُ فَلَوْ تُرِكَ عَلَى خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَلّقِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ بِهِ لَمْ يَفْسُدْ .
[ قِلّةُ الْبَرَكَةِ وَالْآفَاتُ جَاءَتْ مِنْ كَثْرَةِ الْفَسَادِ ]
وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْعَالَمِ وَمَبْدَئِهِ يَعْرِفُ أَنّ جَمِيعَ الْفَسَادِ فِي جَوّهِ وَنَبَاتِهِ وَحَيَوَانِهِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهِ حَادِثٌ بَعْدَ خَلْقِهِ بِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ حُدُوثَهُ وَلَمْ تَزَلْ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ وَمُخَالَفَتُهُمْ لِلرّسُلِ تُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ الْفَسَادِ الْعَامّ وَالْخَاصّ مَا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالطّوَاعِينِ وَالْقُحُوطِ وَالْجُدُوبِ وَسَلْبِ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَنَبَاتِهَا وَسَلْبِ مَنَافِعِهَا أَوْ نُقْصَانِهَا أُمُورًا مُتَتَابِعَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنْ لَمْ يَتّسِعْ عِلْمُك لِهَذَا فَاكْتَفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ } [ الرّومُ : 41 ] وَنَزّلْ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَطَابِقْ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَهَا وَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ تَحْدُثُ الْآفَاتُ وَالْعِلَلُ كُلّ وَقْتٍ فِي الثّمَارِ وَالزّرْعِ وَالْحَيَوَانِ وَكَيْفَ يَحْدُثُ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ آفَاتٌ أُخَرُ مُتَلَازِمَةٌ بَعْضُهَا آخِذٌ بِرِقَابِ بَعْضٍ وَكُلّمَا أَحْدَثَ النّاسُ ظُلْمًا وَفُجُورًا أَحْدَثَ لَهُمْ رَبّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ فِي أَغْذِيَتِهِمْ وَفَوَاكِهِهِمْ وَأَهْوِيَتِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَخَلْقِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ مِنْ النّقْصِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ مُوجَبُ أَعْمَالِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَفُجُورِهِمْ . وَلَقَدْ كَانَتْ الْحُبُوبُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا أَكْبَرَ مِمّا هِيَ الْيَوْمَ كَمَا كَانَتْ [ ص 333 ] أَعْظَمَ . وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنّهُ وَجَدَ فِي خَزَائِنِ بَعْضِ بَنِي أُمَيّةَ صُرّةً فِيهَا حِنْطَةٌ أَمْثَالَ نَوَى التّمْرِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا : هَذَا كَانَ يَنْبُتُ أَيّامَ الْعَدْلِ . وَهَذِهِ الْقِصّةُ ذَكَرَهَا فِي " مُسْنَدِهِ " عَلَى أَثَرِ حَدِيثٍ رَوَاهُ . وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَالْآفَاتِ الْعَامّةِ بَقِيّةُ عَذَابٍ عُذّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ السّالِفَةُ ثُمّ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيّةٌ مُرْصَدَةٌ لِمَنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيّةٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ حَكَمًا قِسْطًا وَقَضَاءً عَدْلًا وَقَدْ أَشَارَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فِي الطّاعُونِ إنّهُ بَقِيّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَذَلِكَ سَلّطَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرّيحَ عَلَى قَوْمٍ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ ثُمّ أَبْقَى فِي الْعَالَمِ مِنْهَا بَقِيّةً فِي تِلْكَ الْأَيّامِ وَفِي نَظِيرِهَا عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ . وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْبَرّ وَالْفَاجِرِ مُقْتَضِيَاتٍ لِآثَارِهَا فِي هَذَا الْعَالَمِ اقْتِضَاءً لَا بُدّ مِنْهُ فَجَعَلَ مَنْعَ الْإِحْسَانِ وَالزّكَاةِ وَالصّدَقَةِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْغَيْثِ مِنْ السّمَاءِ وَالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَجَعَلَ ظُلْمَ الْمَسَاكِينِ وَالْبَخْسَ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ وَتَعَدّي الْقَوِيّ عَلَى الضّعِيفِ سَبَبًا لِجَوْرِ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ الّذِينَ لَا يَرْحَمُونَ إنْ اُسْتُرْحِمُوا وَلَا يَعْطِفُونَ إنْ اُسْتُعْطِفُوا وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَعْمَالُ الرّعَايَا ظَهَرَتْ فِي صُوَرِ وُلَاتِهِمْ [ ص 334 ] جَائِرِينَ وَتَارَةً بِأَمْرَاضٍ عَامّةٍ وَتَارَةً بِهُمُومٍ وَآلَامٍ وَغُمُومٍ تُحْضِرُهَا نُفُوسُهُمْ لَا يَنْفَكّونَ عَنْهَا وَتَارَةً بِمَنْعِ بَرَكَاتِ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَنْهُمْ وَتَارَةً بِتَسْلِيطِ الشّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ تَؤُزّهُمْ إلَى أَسْبَابِ الْعَذَابِ أَزّا لِتَحِقّ عَلَيْهِمْ الْكَلِمَةُ وَلِيَصِيرَ كُلّ مِنْهُمْ إلَى مَا خُلِقَ لَهُ وَالْعَاقِلُ يُسَيّرُ بَصِيرَتَهُ بَيْنَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ فَيُشَاهِدُهُ وَيَنْظُرُ مَوَاقِعَ عَدْلِ اللّهِ وَحِكْمَتِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَبَيّنُ لَهُ أَنّ الرّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ خَاصّةً عَلَى سَبِيلِ النّجَاةِ وَسَائِرُ الْخَلْقِ عَلَى سَبِيلِ الْهَلَاكِ سَائِرُونَ وَإِلَى دَارِ الْبَوَارِ صَائِرُونَ وَاَللّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ لَا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا رَادّ لِأَمْرِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
[ مَعْنَى " مَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ " ]
وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْكَمْأَةِ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا : أَنّ مَاءَهَا يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الّتِي يُعَالَجُ بِهَا الْعَيْنُ لَا أَنّهُ يُسْتَعْمَلُ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ . الثّانِي : أَنّهُ يُسْتَعْمَلُ بَحْتًا بَعْدَ شَيّهَا وَاسْتِقْطَارِ مَائِهَا لِأَنّ النّارَ تُلَطّفُهُ وَتُنْضِجُهُ وَتُذِيبُ فَضَلَاتِهِ وَرُطُوبَتَهُ الْمُؤْذِيَةَ وَتُبْقِي الْمَنَافِعَ . الثّالِثُ أَنّ الْمُرَادَ بِمَائِهَا الْمَاءُ الّذِي يَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْمَطَرِ وَهُوَ أَوّلُ قَطْرٍ يَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ اقْتِرَانٍ لَا إضَافَةَ جُزْءٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ وَهُوَ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَأَضْعَفُهَا . وَقِيلَ إنْ اُسْتُعْمِلَ مَاؤُهَا لِتَبْرِيدِ مَا فِي الْعَيْنِ فَمَاؤُهَا مُجَرّدًا شِفَاءٌ إنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكّبٌ مَعَ غَيْرِهِ . وَقَالَ الْغَافِقِيّ : مَاءُ الْكَمْأَةِ أَصْلَحُ الْأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ إذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِدُ وَاكْتُحِلَ بِهِ وَيُقَوّي أَجْفَانَهَا وَيَزِيدُ الرّوحَ الْبَاصِرَةَ قُوّةً وَحِدّةً وَيَدْفَعُ عَنْهَا نُزُولَ النّوَازِلِ . [ ص 335 ]

كَبَاثٌ
فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ " عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنّهُ أَطْيَبُهُ . الْكَبَاثُ بِفَتْحِ الْكَافّ وَالْبَاءِ الْمُوَحّدَةِ الْمُخَفّفَةِ وَالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ - ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَهُوَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَطَبْعُهُ حَارّ يَابِسٌ وَمَنَافِعُهُ كَمَنَافِعِ الْأَرَاكِ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُجِيدُ الْهَضْمَ وَيَجْلُو الْبَلْغَمَ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الظّهْرِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَدْوَاءِ . قَالَ ابْنُ جُلْجُلٍ إذَا شُرِبَ طَحِينُهُ أَدَرّ الْبَوْلَ وَنَقّى الْمَثَانَةَ وَقَالَ ابْنُ رِضْوَانَ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُمْسِكُ الطّبِيعَةَ .
كَتَم
رَوَى الْبُخَارِيّ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْن مَوْهِبٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَأَخْرَجَتْ إلَيْنَا شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ مَخْضُوبٌ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ . وَفِي " السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ أَحْسَنَ مَا غَيّرْتُمْ بِهِ الشّيْبَ الْحِنّاءُ وَالْكَتَمُ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اخْتَضَبَ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ . وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا [ ص 336 ] مَرّ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنّاءِ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا ؟ فَمَرّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ فَقَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَمَرّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالصّفْرَةِ فَقَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلّهِ . قَالَ الْغَافِقِيّ الْكَتَمُ نَبْتٌ يَنْبُتُ بِالسّهُولِ وَرَقُهُ قَرِيبٌ مِنْ وَرَقِ الزّيْتُونِ يَعْلُو فَوْقَ الْقَامَةِ وَلَهُ ثَمَرٌ قَدْرَ حَبّ الْفُلْفُلِ فِي دَاخِلِهِ نَوًى إذَا رُضِخَ اسْوَدّ وَإِذَا اُسْتُخْرِجَتْ عُصَارَةُ وَرَقِهِ وَشُرِبَ مِنْهَا قَدْرُ أُوقِيّةٍ قَيّأَ قَيْئًا شَدِيدًا وَيَنْفَعُ عَنْ عَضّةِ الْكَلْبِ وَأَصْلُهُ إذَا طُبِخَ بِالْمَاءِ كَانَ مِنْهُ مِدَادٌ يُكْتَبُ بِهِ . وَقَالَ الْكِنْدِيّ بَزْرُ الْكَتَمِ إذَا اُكْتُحِلَ بِهِ حَلّلَ الْمَاءَ النّازِلَ فِي الْعَيْنِ وَأَبْرَأَهَا . وَقَدْ ظَنّ بَعْضُ النّاسِ أَنّ الْكَتَمَ هُوَ الْوَسْمَةُ وَهِيَ وَرَقُ النّيلِ وَهَذَا وَهْمٌ فَإِنّ الْوَسْمَةَ غَيْرُ الْكَتَمِ . قَالَ صَاحِبُ " الصّحَاحِ " : الْكَتَمُ بِالتّحْرِيكِ نَبْتٌ يُخْلَطُ بِالْوَسْمَةِ يُخْتَضَبُ بِهِ قِيلَ وَالْوَسْمَةُ نَبَاتٌ لَهُ وَرَقٌ طَوِيلٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الزّرْقَةِ أَكْبَرُ مِنْ وَرَقِ الْخِلَافِ يُشْبِهُ وَرَقَ اللّوبِيَا وَأَكْبَرُ مِنْهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ .
[ هَلْ اخْتَضَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ ]
فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَمْ يَخْتَضِبْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قِيلَ قَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا وَقَالَ قَدْ شَهِدَ بِهِ غَيْرُ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ خَضَبَ وَلَيْسَ مَنْ شَهِدَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ فَأَحْمَدُ أَثْبَتَ خِضَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدّثِينَ وَمَالِكٌ أَنْكَرَهُ . فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ثَبَتَ [ ص 337 ] صَحِيحِ مُسْلِمٍ " النّهْيُ عَنْ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ فِي شَأْنِ أَبِي قُحَافَةَ لَمّا أُتِيَ بِهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ غَيّرُوا هَذَا الشّيْبَ وَجَنّبُوهُ السّوَادَ . وَالْكَتَمُ يُسَوّدُ الشّعْرَ .
[ حُكْمُ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ ]
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّ النّهْيَ عَنْ التّسْوِيدِ الْبَحْتِ فَأَمّا إذَا أُضِيفَ إلَى الْحِنّاءِ شَيْءٌ آخَرُ كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنّ الْكَتَمَ وَالْحِنّاءَ يَجْعَلُ الشّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ فَإِنّهَا تَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا وَهَذَا أَصَحّ الْجَوَابَيْنِ . الْجَوَابُ الثّانِي : أَنّ الْخِضَابَ بِالسّوَادِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ خِضَابُ التّدْلِيسِ كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرّ الزّوْجَ وَالسّيّدَ بِذَلِكَ وَخِضَابِ الشّيْخِ يَغُرّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ فَإِنّهُ مِنْ الْغِشّ وَالْخِدَاعِ فَأَمّا إذَا لَمْ يَتَضَمّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحّ عَنْ الْحَسَن وَالْحُسَيْن رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسّوَادِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِير عَنْهُمَا فِي كِتَابِ " تَهْذِيبُ الْآثَارِ " وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَعَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَد وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَالزّهْرِيّ وَأَيّوبُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ . وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَيَزِيدَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي إسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ وَغِيلَانَ بْنِ جَامِعٍ [ ص 338 ] وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيّ الْمُقَدّمِيّ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ .
كَرْمٌ
شَجَرَةُ الْعِنَبِ وَهِيَ الْحَبَلَةُ وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا كَرْمًا لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ . الْكَرْمُ الرّجُلُ الْمُسْلِمُ . وَفِي رِوَايَةٍ إنّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَفِي أُخْرَى : لَا تَقُولُوا : الْكَرْمُ وَقُولُوا : الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ .
[ عِلّةُ النّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا ]
وَفِي هَذَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمّي شَجَرَةَ الْعِنَبِ الْكَرْمَ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا وَخَيْرِهَا فَكَرِهَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْمِيَتَهَا بِاسْمٍ يُهَيّجُ النّفُوسَ عَلَى مَحَبّتِهَا وَمَحَبّةِ مَا يُتّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْمُسْكِرِ وَهُوَ أُمّ الْخَبَائِثِ فَكَرِهَ أَنْ يُسَمّى أَصْلُهُ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ وَأَجْمَعِهَا لِلْخَيْرِ . وَالثّانِي : أَنّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرْعَة . وَلَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطّوّافِ . أَيْ أَنّكُمْ تُسَمّونَ شَجَرَةَ الْعِنَبِ كَرْمًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ أَوْ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ مِنْهُ فَإِنّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلّهُ [ ص 339 ] وَالْإِيمَانِ وَالنّورِ وَالْهُدَى وَالتّقْوَى وَالصّفَاتِ الّتِي يَسْتَحِقّ بِهَا هَذَا الِاسْمَ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْحَبَلَةِ لَهُ . وَبَعْدُ فَقُوّةُ الْحَبَلَةِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ وَوَرَقُهَا وَعَلَائِقُهَا وَعُرْمُوشُهَا مُبَرّدٌ فِي آخِرِ الدّرَجَةِ الْأُولَى وَإِذَا دُقّتْ وَضُمّدَ بِهَا مِنْ الصّدَاعِ سَكّنَتْهُ وَمِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ وَالْتِهَابِ الْمَعِدَةِ . وَعُصَارَةُ قُضْبَانِهِ إذَا شُرِبَتْ سَكّنَتْ الْقَيْءَ وَعَقَلَتْ الْبَطْنَ وَكَذَلِكَ إذَا مُضِغَتْ قُلُوبُهَا الرّطْبَةُ . وَعُصَارَةُ وَرَقِهَا تَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَنَفْثِ الدّمِ وَقَيْئِهِ وَوَجَعِ الْمَعِدَةِ وَدَمْعُ شَجَرِهِ الّذِي يُحْمَلُ عَلَى الْقَضْبَانِ كَالصّمْغِ إذَا شُرِبَ أَخْرَجَ الْحَصَاةَ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ أَبْرَأَ الْقُوَبَ وَالْجَرَبَ الْمُتَقَرّحَ وَغَيْرَهُ وَيَنْبَغِي غَسْلُ الْعُضْوِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا بِالْمَاءِ وَالنّطْرُونِ وَإِذَا تُمُسّحَ بِهَا مَعَ الزّيْتِ حَلَقَ الشّعْرَ وَرَمَادُ قُضْبَانِهِ إذَا تُضُمّدَ بِهِ مَعَ الْخَلّ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالسّذَابِ نَفَعَ مِنْ الْوَرَمِ الْعَارِضِ فِي الطّحَالِ وَقُوّةُ دُهْنِ زُهْرَةِ الْكَرْمِ قَابِضَةٌ شَبِيهَةٌ بِقُوّةِ دُهْنِ الْوَرْدِ وَمَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَنَافِعَ النّخْلَةِ .
كَرَفْسٌ
رُوِيَ فِي حَدِيثٍ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ أَكَلَهُ ثُمّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ وَنَكْهَتُهُ طَيّبَةٌ وَيَنَامُ آمِنًا مِنْ وَجَعِ الْأَضْرَاسِ وَالْأَسْنَانِ وَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنّ الْبُسْتَانِيّ مِنْهُ يُطَيّبُ النّكْهَةَ جِدّا وَإِذَا عُلّقَ أَصْلُهُ فِي الرّقَبَةِ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ . وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَقِيلَ رَطْبٌ مُفَتّحٌ لِسُدَادِ الْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَوَرَقُهُ رَطْبًا يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ الْبَارِدَةَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَالطّمْثَ وَيُفَتّتُ الْحَصَاةَ وَحَبّهُ أَقْوَى فِي ذَلِكَ وَيُهَيّجُ الْبَاهَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَخْرِ . قَالَ الرّازِيّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ أَكْلُهُ إذَا خِيفَ مِنْ لَدْغِ الْعَقَارِبِ .
كُرّاثٌ
فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ مَنْ أَكَلَ الْكُرّاثَ ثُمّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ آمِنًا مِنْ رِيحِ الْبَوَاسِيرِ وَاعْتَزَلَهُ الْمَلَكُ لِنَتْنِ نَكْهَتِهِ حَتّى يُصْبِحَ . [ ص 340 ] وَهُوَ نَوْعَانِ نَبَطِيّ وَشَامِيّ فَالنّبَطِيّ الْبَقْلُ الّذِي يُوضَعُ عَلَى الْمَائِدَةِ . وَالشّامِيّ الّذِي لَهُ رُءُوسٌ وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ مُصَدّعٌ وَإِذَا طُبِخَ وَأُكِلَ أَوْ شُرِبَ مَاؤُهُ نَفَعَ مِنْ الْبَوَاسِيرِ الْبَارِدَةِ . وَإِنْ سُحِقَ بِزْرُهُ وَعُجِنَ بِقَطْرَانٍ وَبُخّرَتْ بِهِ الْأَضْرَاسُ الّتِي فِيهَا الدّودُ نَثَرَهَا وَأَخْرَجَهَا وَيُسَكّنُ الْوَجَعَ الْعَارِضَ فِيهَا وَإِذَا دُخّنَتْ الْمَقْعَدَةُ بِبِزْرِهِ خَفّتْ الْبَوَاسِيرُ هَذَا كُلّهُ فِي الْكُرّاثِ النّبَطِيّ . وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ فَسَادُ الْأَسْنَانِ وَاللّثَةِ وَيُصَدّعُ وَيُرِي أَحْلَامًا رَدِيئَةً وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ وينتن النكهة، وفيه إدرار للبول والطمث، وتحريك للباه ، وهو بطيئ الهضم .

حَرْفُ الْلاَم
لَحْمٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمّا يَشْتَهُونَ } [ الطّورُ 22 ] . وَقَالَ { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ } [ الْوَاقِعَةُ 21 ] . وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدّنْيَا وَأَهْلِ الْجَنّةِ اللّحْمُ وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ يَرْفَعُهُ خَيْرُ الْإِدَامِ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللّحْمُ وَفِي " الصّحِيحِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضْلُ عَائِشَة عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطّعَامِ وَالثّرِيدُ الْخُبْزُ وَاللّحْمُ [ ص 341 ] قَالَ الشّاعِرُ
إذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ
فَذَاكَ أَمَانَةَ اللّهِ الثّرِيدُ
وَقَالَ الزّهْرِيّ : أَكْلُ اللّحْمِ يَزِيدُ سَبْعِينَ قُوّةً . وَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ وَاسِعٍ : اللّحْمُ يَزِيدُ فِي الْبَصَرِ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كُلُوا اللّحْمَ " فَإِنّهُ يُصَفّي اللّوْنَ وَيُخْمِصُ الْبَطْنَ وَيُحَسّنُ الْخُلُقَ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَ رَمَضَانُ لَمْ يَفُتْهُ اللّحْمُ وَإِذَا سَافَرَ لَمْ يَفُتْهُ اللّحْمُ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيّ مَنْ تَرَكَهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاءَ خُلُقُه وَأَمّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا الّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا : لَا تَقْطَعُوا اللّحْمَ بِالسّكّينِ فَإِنّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ وَانْهَسُوهُ فَإِنّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ " فَرَدّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِمَا صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَطْعِهِ بِالسّكّينِ فِي حَدِيثَيْنِ وَقَدْ تَقَدّمَا . وَاللّحْمُ أَجْنَاسٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ وَطَبَائِعِهِ فَنَذْكُرُ حُكْمَ كُلّ جِنْسٍ وَطَبْعَهُ وَمَنْفَعَتَهُ وَمَضَرّتَهُ .
[ لَحْمُ الضّأْنِ ]
لَحْمُ الضّأْنِ حَارّ فِي الثّانِيَةِ رَطْبٌ فِي الْأُولَى جَيّدُهُ الْحَوْلِيّ يُوَلّدُ الدّمَ الْمَحْمُودَ الْقَوِيّ لِمَنْ جَادَ هَضْمُهُ يَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَالْمُعْتَدِلَةِ وَلِأَهْلِ الرّيَاضَاتِ التّامّةِ فِي الْمَوَاضِعِ وَالْفُصُولِ الْبَارِدَةِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الْمِرّةِ السّوْدَاءِ يُقَوّي الذّهْنَ وَالْحِفْظَ . وَلَحْمٌ الْهَرِمِ وَالْعَجِيفِ رَدِيءٌ وَكَذَلِكَ لَحْمُ النّعَاجِ وَأَجْوَدُهُ لَحْمُ الذّكَرِ الْأَسْوَدِ [ ص 342 ] أَخَفّ وَأَلَذّ وَأَنْفَعُ وَالْخَصِيّ أَنْفَعُ وَأَجْوَدُ وَالْأَحْمَرُ مِنْ الْحَيَوَانِ السّمِينُ أَخَفّ وَأَجْوَدُ غِذَاءً وَالْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ أَقَلّ تَغْذِيَةً وَيَطْفُو فِي الْمَعِدَةِ . وَأَفْضَلُ اللّحْمِ عَائِذُهُ بِالْعَظْمِ وَالْأَيْمَنُ أَخَفّ وَأَجْوَدُ مِنْ الْأَيْسَرِ وَالْمُقَدّمُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُؤَخّرِ وَكَانَ أَحَبّ الشّاةِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقَدّمُهَا وَكُلّ مَا عَلَا مِنْهُ سِوَى الرّأْسِ كَانَ أَخَفّ وَأَجْوَدَ مِمّا سَفَلَ وَأَعْطَى الْفَرَزْدَقُ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ لَحْمًا وَقَالَ لَهُ خُذْ الْمُقَدّمَ وَإِيّاكَ وَالرّأْسَ وَالْبَطْنَ فَإِنّ الدّاءَ فِيهِمَا . وَلَحْمُ الْعُنُقِ جَيّدٌ لَذِيذٌ سَرِيعُ الْهَضْمِ خَفِيفٌ وَلَحْمُ الذّرَاعِ أَخَفّ اللّحْمِ وَأَلَذّهُ وَأَلْطَفُهُ وَأَبْعَدُهُ مِنْ الْأَذَى وَأَسْرَعُهُ انْهِضَامًا . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّهُ كَانَ يُعْجِبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَحْمُ الظّهْرِ كَثِيرُ الْغِذَاءِ يُوَلّدُ دَمًا مَحْمُودًا . وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " مَرْفُوعًا : أَطْيَبُ اللّحْمِ لَحْمُ الظّهْر
[ لَحْمُ الْمَعْزِ ]
لَحْمُ الْمَعْزِ قَلِيلُ الْحَرَارَةِ يَابِسٌ وَخَلْطُهُ الْمُتَوَلّدُ مِنْهُ لَيْسَ بِفَاضِلٍ وَلَيْسَ بِجَيّدِ الْهَضْمِ وَلَا مَحْمُودِ الْغِذَاءِ . وَلَحْمُ التّيْسِ رَدِيءٌ مُطْلَقًا شَدِيدُ الْيُبْسِ عَسِرُ الِانْهِضَامِ مُوَلّدٌ لِلْخَلْطِ السّوْدَاوِيّ . قَالَ الْجَاحِظُ : قَالَ لِي فَاضِلٌ مِنْ الْأَطِبّاءِ يَا أَبَا عُثْمَانَ إيّاكَ وَلَحْمَ الْمَعْزِ فَإِنّهُ يُورِثُ الْغَمّ وَيُحَرّكُ السّوْدَاءَ وَيُورِثُ النّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الدّمَ وَهُوَ وَاَللّهِ يَخْبِلُ الْأَوْلَادَ . وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ إنّمَا الْمَذْمُومُ مِنْهُ الْمُسِنّ وَلَا سِيّمَا لِلْمُسِنّينَ وَلَا رَدَاءَةَ [ ص 343 ] وَجَالِينُوسُ جَعَلَ الْحَوْلِيّ مِنْهُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْمُعْتَدِلَةِ الْمُعَدّلَةِ للكيموس الْمَحْمُودِ وَإِنَاثُهُ أَنْفَعُ مِنْ ذُكُورِهِ . وَقَدْ رَوَى النّسَائِيّ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْسِنُوا إلَى الْمَاعِزِ وَأَمِيطُوا عَنْهَا الْأَذَى فَإِنّهَا مِنْ دَوَابّ الْجَنّةِ وَفِي ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ . وَحُكْمُ الْأَطِبّاءِ عَلَيْهِ بِالْمَضَرّةِ حُكْمٌ جُزْئِيّ لَيْسَ بِكُلّيّ عَامّ وَهُوَ بِحَسَبِ الْمَعِدَةِ الضّعِيفَةِ وَالْأَمْزِجَةِ الضّعِيفَةِ الّتِي لَمْ تَعْتَدْهُ وَاعْتَادَتْ الْمَأْكُولَاتِ اللّطِيفَةَ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الرّفَاهِيَةِ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ وَهُمْ الْقَلِيلُونَ مِنْ النّاسِ .
[ لَحْمُ الْجَدْي ]ِ
لَحْمُ الْجَدْيِ قَرِيبٌ إلَى الِاعْتِدَالِ خَاصّةً مَا دَامَ رَضِيعًا وَلَمْ يَكُنْ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ وَهُوَ أَسْرَعُ هَضْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ قُوّةِ اللّبَنِ مُلَيّنٌ لِلطّبْعِ مُوَافِقٍ لِأَكْثَرِ النّاسِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ أَلْطَفُ مِنْ لَحْمِ الْجَمَلِ وَالدّمُ الْمُتَوَلّدُ عَنْهُ مُعْتَدِلٌ .
[ لَحْمُ الْبَقَر ]ِ
لَحْمُ الْبَقَرِ بَارِدٌ يَابِسٌ عَسِرُ الِانْهِضَامِ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ يُوَلّدُ دَمًا سَوْدَاوِيّا لَا يَصْلُحُ إلّا لِأَهْلِ الْكَدّ وَالتّعَبِ الشّدِيدِ وَيُورِثُ إدْمَانُهُ الْأَمْرَاضَ السّوْدَاوِيّةَ كَالْبَهَقِ وَالْجَرَبِ وَالْقُوبَاءِ وَالْجُذَامِ وَدَاءِ الْفِيلِ وَالسّرَطَانِ وَالْوَسْوَاسِ وَحُمّى الرّبْعِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَوْرَامِ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ ضَرَرَهُ بِالْفُلْفُلِ وَالثّومِ والدارصيني وَالزّنْجَبِيلِ وَنَحْوِهِ وَذَكَرُهُ أَقَلّ بُرُودَةً وَأُنْثَاهُ أَقَلّ يُبْسًا . وَلَحْمُ الْعِجْلِ وَلَا سِيّمَا السّمِينُ مِنْ أَعْدَلِ الْأَغْذِيَةِ وَأَطْيَبِهَا وَأَلَذّهَا وَأَحْمَدِهَا وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ وَإِذَا انْهَضَمَ غَذّى غِذَاءً قَوِيّا .
[ لَحْمُ الْفَرَسِ ]
لَحْمُ الْفَرَسِ : ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَحَرْنَا فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ أَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ وَنَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُر [ ص 344 ] أَخْرَجَاهُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " . وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - أَنّهُ نَهَى عَنْهُ . قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
[ سَبَبُ اقْتِرَانِ الْخَيْلِ مَعَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الْقُرْآنِ ]
وَاقْتِرَانُهُ بِالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ حُكْمَ لَحْمِهِ حُكْمُ لُحُومِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ حُكْمَهَا فِي السّهْمِ فِي الْغَنِيمَةِ حُكْمُ الْفَرَسِ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ يَقْرِنُ فِي الذّكْرِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ تَارَةً وَبَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ وَبَيْنَ الْمُتَضَادّاتِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ
{ لِتَرْكَبُوهَا } [ النّحْلُ 8 ] مَا يَمْنَعُ مِنْ أَكْلِهَا كَمَا لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ غَيْرِ الرّكُوبِ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَإِنّمَا نَصّ عَلَى أَجَلّ مَنَافِعِهَا وَهُوَ الرّكُوبُ وَالْحَدِيثَانِ فِي حِلّهَا صَحِيحَانِ لَا مُعَارِضَ لَهُمَا وَبَعْدُ فَلَحْمُهَا حَارّ يَابِسٌ غَلِيظٌ سَوْدَاوِيّ مُضِرّ لَا يَصْلُحُ لِلْأَبْدَانِ اللّطِيفَةِ .
[ لَحْمُ الْجَمَلِ ]
لَحْمُ الْجَمَلِ فَرْقَ مَا بَيْنَ الرّافِضَةِ وَأَهْلِ السّنّةِ كَمَا أَنّهُ أَحَدُ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَالْيَهُودُ وَالرّافِضَةُ تَذُمّهُ وَلَا تَأْكُلُهُ وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ حِلّهُ وَطَالَمَا أَكَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ حَضَرًا وَسَفَرًا .
[ عِلّةُ الْوُضُوءِ مَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَمَل ِ ]
وَلَحْمِ الْفَصِيلِ مِنْهُ مِنْ أَلَذّ اللّحُومِ وَأَطْيَبِهَا وَأَقْوَاهَا غِذَاءً وَهُوَ لِمَنْ اعْتَادَهُ بِمَنْزِلَةِ لَحْمِ الضّأْنِ لَا يَضُرّهُمْ الْبَتّةَ وَلَا يُوَلّدُ لَهُمْ دَاءً وَإِنّمَا ذَمّهُ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ بِالنّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الرّفَاهِيَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ الّذِينَ لَمْ يَعْتَادُوهُ فَإِنّ فِيهِ حَرَارَةً وَيُبْسًا وَتَوْلِيدًا لِلسّوْدَاءِ وَهُوَ عَسِرُ الِانْهِضَامِ وَفِيهِ قُوّةٌ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ لِأَجْلِهَا أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِهِ فِي حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَا مُعَارِضَ لَهُمَا وَلَا يَصِحّ تَأْوِيلُهُمَا بِغَسْلِ الْيَدِ لِأَنّهُ خِلَافُ الْمَعْهُودِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي كَلَامِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِتَفْرِيقِهِ [ ص 345 ] مَنْ مَسّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضّأْ وَأَيْضًا : فَإِنّ آكِلَهَا قَدْ لَا يُبَاشِرُ أَكْلَهَا بِيَدِهِ بِأَنْ يُوضَعَ فِي فَمِهِ فَإِنْ كَانَ وُضُوءُهُ غَسْلَ يَدِهِ فَهُوَ عَبَثٌ وَحَمْلٌ لِكَلَامِ الشّارِعِ عَلَى غَيْرِ مَعْهُودِهِ وَعُرْفِهِ وَلَا يَصِحّ مُعَارَضَتُهُ بِحَدِيثٍ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمّا مَسّتْ النّارُ لِعِدّةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : أَنّ هَذَا عَامّ وَالْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا خَاصّ . الثّانِي : أَنّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ فَالْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا بِجِهَةِ كَوْنِهَا لَحْمَ إبِلٍ سَوَاءٌ كَانَ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا أَوْ قَدِيدًا وَلَا تَأْثِيرَ لِلنّارِ فِي الْوُضُوءِ وَأَمّا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمّا مَسّتْ النّارُ فَفِيهِ بَيَانُ أَنّ مَسّ النّارِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْوُضُوءِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ؟ هَذَا فِيهِ إثْبَاتُ سَبَبِ الْوُضُوءِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَحْمَ إبِلٍ وَهَذَا فِيهِ نَفْيٌ لِسَبَبِ الْوُضُوءِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَمْسُوسَ النّارِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ . الثّالِثُ أَنّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ حِكَايَةَ لَفْظٍ عَامّ عَنْ صَاحِبِ الشّرْعِ وَإِنّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعَةِ فِعْلٍ فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَقَدّمٌ عَلَى الْآخَرِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُبَيّنًا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ أَنّهُمْ قَرّبُوا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَحْمًا فَأَكَلَ ثُمّ حَضَرَتْ [ ص 346 ] فَتَوَضّأَ فَصَلّى ثُمّ قَرّبُوا إلَيْهِ فَأَكَلَ ثُمّ صَلّى وَلَمْ يَتَوَضّأْ فَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمّا مَسّتْ النّارُ هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ فَاخْتَصَرَهُ الرّاوِي لِمَكَانِ الِاسْتِدْلَالِ فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ حَتّى لَوْ كَانَ لَفْظًا عَامّا مُتَأَخّرًا مُقَاوِمًا لَمْ يَصْلُحْ لِلنّسْخِ وَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْخَاصّ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظّهُورِ .
[ لَحْمُ الضّبّ ]
لَحْمُ الضّبّ تَقَدّمَ الْحَدِيثُ فِي حِلّهِ وَلَحْمُهُ حَارّ يَابِسٌ يُقَوّي شَهْوَةَ الْجِمَاعِ .
[ لَحْمُ الْغَزَالِ ]
لَحْمُ الْغَزَالِ الْغَزَالُ أَصْلَحُ الصّيْدِ وَأَحْمَدُهُ لَحْمًا وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ جِدّا نَافِعٌ لِلْأَبْدَانِ الْمُعْتَدِلَةِ الصّحِيحَةِ وَجَيّدُهُ الْخِشْفُ .
[ لَحْمُ الظّبْيِ ]
لَحْمُ الظّبْيِ حَارّ يَابِسٌ فِي الْأَوْلَى مُجَفّفٌ لِلْبَدَنِ صَالِحٌ لِلْأَبْدَانِ الرّطْبَةِ . قَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : وَأَفْضَلُ لُحُومِ الْوَحْشِ لَحْمُ الظّبْيِ مَعَ مَيْلِهِ إلَى السّوْدَاوِيّةِ .
[ لَحْمُ الْأَرَانِبِ ]
لَحْمُ الْأَرَانِبِ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا فَسَعَوْا فِي طَلَبِهَا فَأَخَذُوهَا فَبَعَثَ أَبُو طَلْحَةَ بِوَرِكِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَبِلَهُ لَحْمُ الْأَرْنَبِ مُعْتَدِلٌ إلَى الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَأَطْيَبُهَا وَرِكُهَا وَأَحْمَدُهُ أَكْلُ لَحْمِهَا مَشْوِيّا وَهُوَ يُعْقِلُ الْبَطْنَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيُفَتّتُ الْحَصَى وَأَكْلُ رُءُوسِهَا يَنْفَعُ مِنْ الرّعْشَةِ .
[ لَحْمُ حِمَارِ الْوَحْشِ ]
لَحْمُ حِمَارِ الْوَحْشِ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ وَأَنّهُ صَادَ حِمَارَ وَحْشٍ فَأَمَرَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَكْلِهِ [ ص 347 ] وَكَانُوا مُحْرِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ أَبُو قَتَادَةَ مُحْرِمًا . وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " : عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ
[ لَحْمُ الْوُحُوشِ ]
لَحْمُهُ حَارّ يَابِسٌ كَثِيرُ التّغْذِيَةِ مُوَلّدٌ دَمًا غَلِيظًا سَوْدَاوِيّا إلّا أَنّ شَحْمَهُ نَافِعٌ مَعَ دُهْنِ الْقُسْطِ لِوَجَعِ الظّهْرِ وَالرّيحِ الْغَلِيظَةِ الْمُرْخِيَةِ لِلْكُلَى وَشَحْمُهُ جَيّدٌ لِلْكَلَفِ طِلَاءً وَبِالْجُمْلَةِ فَلُحُومُ الْوُحُوشِ كُلّهَا تُوَلّدُ دَمًا غَلِيظًا سَوْدَاوِيّا وَأَحْمَدُهُ الْغَزَالُ وَبَعْدَهُ الْأَرْنَبُ .
[ لُحُومُ الْأَجِنّةِ وَحُكْمُ أَكْلِهَا ]
لُحُومُ الْأَجِنّةِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ لِاحْتِقَانِ الدّمِ فِيهَا وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمّهِ وَمَنَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ أَكْلِهِ إلّا أَنْ يُدْرِكَهُ حَيّا فَيُذَكّيَهُ وَأَوّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنّ الْمُرَادَ بِهِ أَنّ ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ أُمّهِ . قَالُوا : فَهُوَ حُجّةٌ عَلَى التّحْرِيمِ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنّ أَوّلَ الْحَدِيثِ أَنّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ نَذْبَحُ الشّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَفَنَأْكُلُهُ ؟ فَقَالَ " كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمّهِ وَأَيْضًا : فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلّهُ فَإِنّهُ مَا دَامَ حَمْلًا فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمّ فَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَهَذَا هُوَ الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الشّرْعِ [ ص 348 ] سَائِرِ أَجْزَائِهَا فَلَوْ لَمْ تَأْتِ عَنْهُ السّنّةُ الصّرِيحَةُ بِأَكْلِهِ لَكَانَ الْقِيَاسُ الصّحِيحُ يَقْتَضِي حِلّهُ .
[ لَحْمُ الْقَدِيدِ ]
لَحْمُ الْقَدِيدِ فِي " السّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ ذَبَحْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَاةً وَنَحْنُ مُسَافِرُونَ فَقَالَ " أَصْلِحْ لَحْمَهَا " فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهُ إلَى الْمَدِينَةِ الْقَدِيدُ أَنْفَعُ مِنْ النمكسود وَيُقَوّي الْأَبْدَانَ وَيُحْدِثُ حَكّةً وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِالْأَبَازِيرِ الْبَارِدَةِ الرّطْبَةِ وَيُصْلِحُ الْأَمْزِجَةَ الْحَارّةَ والنمكسود : حَارّ يَابِسٌ مُجَفّفٌ جَيّدُهُ مِنْ السّمِينِ الرّطْبِ يَضُرّ بِالْقُولَنْجِ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ طَبْخُهُ باللبن والدهن، ويصلح للمزاج الحار الرطب .

فَصْلٌ فِي لُحُومِ الطّيْر
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ } [ الْوَاقِعَةُ 21 ] . وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزّارِ " وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا إنّكَ لَتَنْظُرُ إلَى الطّيْرِ فِي الْجَنّةِ فَتَشْتَهِيهِ فَيَخِرّ مَشْوِيّا بَيْنَ يَدَيْكَ
[ الْحَرَامُ مِنْ الطّيُور ]ِ
وَمِنْهُ حَلَالٌ وَمِنْهُ حَرَامٌ . فَالْحَرَامُ ذُو الْمِخْلَبِ كَالصّقْرِ وَالْبَازِي [ ص 349 ] وَالشّاهِينِ وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَالنّسْرِ وَالرّخَمِ وَاللّقْلَقِ وَالْعَقْعَقِ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ وَالْأَسْوَدِ الْكَبِيرِ وَمَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ كَالْهُدْهُدِ وَالصّرَدِ وَمَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ كَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ .
[ لَحْمُ الدّجَاجِ ]
وَالْحَلَالُ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ فَمِنْهُ الدّجَاجُ فَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكَلَ لَحْمَ الدّجَاجِ وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأَوْلَى خَفِيفٌ عَلَى الْمَعِدَةِ سَرِيعُ الْهَضْمِ جَيّدُ الْخَلْطِ يَزِيدُ فِي الدّمَاغِ وَالْمَنِيّ وَيُصَفّي الصّوْتَ وَيُحَسّنُ اللّوْنَ وَيُقَوّي الْعَقْلَ وَيُوَلّدُ دَمًا جَيّدًا وَهُوَ مَائِلٌ إلَى الرّطُوبَةِ وَيُقَالُ إنّ مُدَاوَمَةَ أَكْلِهِ تُورِثُ النّقْرِسُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ .
[ لَحْمُ الدّيكِ ]
وَلَحْمُ الدّيكِ أَسْخَنُ مِزَاجًا وَأَقَلّ رُطُوبَةً وَالْعَتِيقُ مِنْهُ دَوَاءٌ يَنْفَعُ الْقُولَنْجَ وَالرّبْوَ وَالرّيَاحَ الْغَلِيظَةَ إذَا طُبِخَ بِمَاءِ الْقُرْطُمِ وَالشّبْثِ وَخَصِيّهَا مَحْمُودُ الْغِذَاءِ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ وَالْفَرَارِيجُ سَرِيعَةُ الْهَضْمِ مُلَيّنَةٌ لِلطّبْعِ وَالدّمُ الْمُتَوَلّدُ مِنْهَا دَمٌ لَطِيفٌ جَيّدٌ .
[ لَحْمُ الدّرّاجِ ]
لَحْمُ الدّرّاجِ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ خَفِيفٌ لَطِيفٌ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ مُوَلّدٌ لِلدّمِ الْمُعْتَدِلِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُحِدّ الْبَصَرَ .
[ لَحْمُ الْحَجَلِ ]
لَحْمُ الْحَجَلِ يُوَلّدُ الدّمَ الْجَيّدَ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ .
لَحْمُ الْإِوَزّ
لَحْمُ الْإِوَزّ . حَارّ يَابِسٌ رَدِيءُ الْغِذَاءِ إذَا اُعْتِيدَ وَلَيْسَ بِكَثِيرِ الْفُضُولِ .
[ لَحْمُ الْبَطّ ]
لَحْمُ الْبَطّ حَارّ رَطْبٌ كَثِيرُ الْفُضُولِ عَسِرُ الِانْهِضَامِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْمَعِدَةِ .
[ لَحْمُ الْحُبَارَى ]
لَحْمُ الْحُبَارَى : فِي " السّنَنِ " . مِنْ حَدِيثِ بُرَيْهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ عَنْ أَبِيهِ [ ص 350 ] جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَحْمَ حُبَارَى وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ عَسِرُ الِانْهِضَامِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الرّيَاضَةِ وَالتّعَبِ .
[ لَحْمُ الْكُرْكِيّ ]
لَحْمُ الْكُرْكِيّ يَابِسٌ خَفِيفٌ وَفِي حَرّهِ وَبَرْدِهِ خِلَافٌ يُوَلّدُ دَمًا سَوْدَاوِيّا وَيَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْكَدّ وَالتّعَبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ بَعْدَ ذَبْحِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمّ يُؤْكَلُ .
[ لَحْمُ الْعَصَافِيرِ وَالْقَنَابِر ]ِ
لَحْمُ الْعَصَافِيرِ وَالْقَنَابِرِ رَوَى النّسَائِيّ فِي " سُنَنِهِ " : مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَا مِنْ إنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهُ بِغَيْرِ حَقّهِ إلّا سَأَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَنْهَا . قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا حَقّهُ ؟ قَالَ " تَذْبَحُهُ فَتَأْكُلَهُ وَلَا تَقْطَعُ رَأْسَهُ وَتَرْمِي بِهِ وَفِي " سُنَنِهِ " أَيْضًا : عَنْ عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجّ إلَى اللّهِ يَقُولُ يَا رَبّ إنّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَة وَلَحْمُهُ حَارّ يَابِسٌ عَاقِلٌ لِلطّبِيعَةِ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَمَرَقُهُ يُلَيّنُ الطّبْعَ وَيَنْفَعُ الْمَفَاصِلَ وَإِذَا أُكِلَتْ أَدْمِغَتُهَا بِالزّنْجَبِيلِ وَالْبَصَلِ هَيّجَتْ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَخَلْطُهَا غَيْرُ مَحْمُودٍ .
[ لَحْمُ الْحَمَامِ ]
[ ص 351 ] وَحَشْيُهُ أَقَلّ رُطُوبَةً وَفِرَاخُهُ أَرْطَبُ خَاصّيّةً وَمَا رُبّيَ فِي الدّورِ وَنَاهِضُهُ أَخَفّ لَحْمًا وَأَحْمَدُ غِذَاءً وَلَحْمُ ذُكُورِهَا شِفَاءٌ مِنْ الِاسْتِرْخَاءِ وَالْخَدَرِ وَالسّكْتَةِ وَالرّعْشَةِ وَكَذَلِكَ شَمّ رَائِحَةِ أَنْفَاسِهَا وَأَكْلُ فِرَاخِهَا مُعِينٌ عَلَى النّسَاءِ وَهُوَ جَيّدٌ لِلْكُلَى يَزِيدُ فِي الدّمِ وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ الْوِحْدَةَ فَقَالَ " اتّخِذْ زَوْجًا مِنْ الْحَمَامِ " . وَأَجْوَدُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَتِهِ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَذَبْحِ الْحَمَامِ .
[ لَحْمُ الْقَطَا ]
لَحْمُ الْقَطَا : يَابِسٌ يُوَلّدُ السّوْدَاءَ وَيَحْبِسُ الطّبْعَ وَهُوَ مِنْ شَرّ الْغِذَاءِ إلّا أَنّهُ يَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ .
[ لَحْمُ السّمَانَى ]
لَحْمُ السّمَانَى : حَارّ يَابِسٌ يَنْفَعُ الْمَفَاصِلَ وَيَضُرّ بِالْكَبِدِ الْحَارّ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ بِالْخَلّ وَالْكُسْفُرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ مِنْ لُحُومِ الطّيْرِ مَا كَانَ فِي الْآجَامِ وَالْمَوَاضِعِ الْعَفِنَةِ وَلُحُومُ الطّيْرِ كُلّهَا أَسْرَعُ انْهِضَامًا مِنْ الْمَوَاشِي وَأَسْرَعُهَا انْهِضَامًا أَقَلّهَا غِذَاءً وَهِيَ الرّقَابُ وَالْأَجْنِحَةُ وَأَدْمِغَتُهَا أَحْمَدُ مِنْ أَدْمِغَةِ الْمَوَاشِي . الْجَرَادُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ [ ص 352 ] أُحِلّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ : الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطّحَالُ يُرْوَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ قَلِيلُ الْغِذَاءِ وَإِدَامَةُ أَكْلِهِ تُورِثُ الْهُزَالَ وَإِذَا تُبُخّرَ بِهِ نَفَعَ مِنْ تَقْطِيرِ الْبَوْلِ وَعُسْرِهِ وَخُصُوصًا لِلنّسَاءِ وَيُتَبَخّرُ بِهِ لِلْبَوَاسِيرِ وَسِمَانُهُ يُشْوَى وَيُؤْكَلُ لِلَسْعِ الْعَقْرَبِ وَهُوَ ضَارّ لِأَصْحَابِ الصّرْعِ رَدِيءُ الْخَلْطِ وَفِي إبَاحَةِ مَيْتَتِهِ بِلَا سَبَبٍ قَوْلَانِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى حِلّهِ وَحَرّمَهُ مَالِكٌ وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ مَيْتَتِهِ إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ كَالْكَبْسِ وَالتّحْرِيقِ وَنَحْوِهِ .
فَصْلٌ [ ضَرَرُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى اللّحْمِ ]
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُدَاوَمَ عَلَى أَكْلِ اللّحْمِ فَإِنّهُ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الدّمَوِيّةَ والِامتِلائيّة وَالْحُمّيّاتِ الْحَادّةِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إيّاكُمْ وَاللّحْمَ فَإِنّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطّأِ " عَنْهُ . وَقَالَ أبقراط لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان.

[ اللبن ]
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَإِنّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشّارِبِينَ } [ النّحْلُ 66 ] وَقَالَ فِي الْجَنّةِ { فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ } [ مُحَمّد : 15 ] . وَفِي " السّنَنِ " مَرْفُوعًا : مَنْ أَطْعَمَهُ اللّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَارْزُقْنَا خَيْرًا مِنْهُ وَمَنْ سَقَاهُ اللّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنّي لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلّا اللّبَنَ [ ص 353 ] كَانَ بَسِيطًا فِي الْحِسّ إلّا أَنّهُ مُرَكّبٌ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ تَرْكِيبًا طَبِيعِيّا مِنْ جَوَاهِرَ ثَلَاثَةٍ الْجُبْنِيّةُ وَالسّمْنِيّةُ وَالْمَائِيّةُ ، فَالْجُبْنِيّةُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ مُغَذّيَةٌ لِلْبَدَنِ ، وَالسّمْنِيّةُ مُعْتَدِلَةُ الْحَرَارَةِ وَالرّطُوبَةِ مُلَائِمَةٌ لِلْبَدَنِ الْإِنْسَانِيّ الصّحِيحِ كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ وَالْمَائِيّةُ حَارّةٌ رَطْبَةٌ مُطْلِقَةٌ لِلطّبِيعَةِ مُرَطّبَةٌ لِلْبَدَنِ وَاللّبَنُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبْرَدُ وَأَرْطَبُ مِنْ الْمُعْتَدِلِ . وَقِيلَ قُوّتُهُ عِنْدَ حَلْبِهِ الْحَرَارَةُ وَالرّطُوبَةُ وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ . وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ اللّبَنُ حِينَ يُحْلَبُ ثُمّ لَا يَزَالُ تَنْقُصُ جَوْدَتُهُ عَلَى مَمَرّ السّاعَاتِ فَيَكُونُ حِينَ يُحْلَبُ أَقَلّ بُرُودَةً وَأَكْثَرَ رُطُوبَةً وَالْحَامِضُ بِالْعَكْسِ وَيُخْتَارُ اللّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَجْوَدُهُ مَا اشْتَدّ بَيَاضُهُ وَطَابَ رِيحُهُ وَلَذّ طَعْمُهُ وَكَانَ فِيهِ حَلَاوَةٌ يَسِيرَةٌ وَدُسُومَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَاعْتَدَلَ قِوَامُهُ فِي الرّقّةِ وَالْغِلَظِ وَحُلِبَ مِنْ حَيَوَانٍ فَتِيّ صَحِيحٍ مُعْتَدِلِ اللّحْمِ مَحْمُودِ الْمَرْعَى وَالْمَشْرَبِ . وَهُوَ مَحْمُودٌ يُوَلّدُ دَمًا جَيّدًا وَيُرَطّبُ الْبَدَنَ الْيَابِسَ وَيَغْذُو غِذَاءً حَسَنًا وَيَنْفَعُ مِنْ الْوَسْوَاسِ وَالْغَمّ وَالْأَمْرَاضِ السّوْدَاوِيّةِ وَإِذَا شُرِبَ مَعَ الْعَسَلِ نَقّى الْقُرُوحَ الْبَاطِنَةَ مِنْ الْأَخْلَاطِ الْعَفِنَةِ وَشُرْبُهُ مَعَ السّكّرِ يُحَسّنُ اللّوْنَ جِدّا وَالْحَلِيبُ يَتَدَارَكُ ضَرَرَ الْجِمَاعِ وَيُوَافِقُ الصّدْرَ وَالرّئَةَ جَيّدٌ لِأَصْحَابِ السّلّ رَدِيءٌ لِلرّأْسِ وَالْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ مُضِرّ بِالْأَسْنَانِ وَاللّثَةِ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَمَضْمَضَ بَعْدَهُ بِالْمَاءِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَرِبَ لَبَنًا ثُمّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَقَالَ إنّ لَهُ دَسَمًا [ ص 354 ] وَالْغِشَاءَ وَوَجَعَ الْمَفَاصِلِ وَسُدّةَ الْكَبِدِ وَالنّفْخَ فِي الْمَعِدَةِ وَالْأَحْشَاءِ وَإِصْلَاحُهُ بِالْعَسَلِ وَالزّنْجَبِيلِ الْمُرَبّى وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلّهُ لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ .
[ لَبَنُ الضّأْنِ ]
لَبَنُ الضّأْنِ أَغْلَظُ الْأَلْبَانِ وَأَرْطَبُهَا وَفِيهِ مِنْ الدّسُومَةِ وَالزّهُومَةِ مَا لَيْسَ فِي لَبَنِ الْمَاعِزِ وَالْبَقَرِ يُوَلّدُ فُضُولًا بَلْغَمِيّا وَيُحْدِثُ فِي الْجِلْدِ بَيَاضًا إذَا أُدْمِنَ اسْتِعْمَالُهُ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُشَابَ هَذَا اللّبَنَ بِالْمَاءِ لِيَكُونَ مَا نَالَ الْبَدَنَ مِنْهُ أَقَلّ وَتَسْكِينُهُ لِلْعَطَشِ أَسْرَعُ وَتَبْرِيدُهُ أَكْثَرُ .
[لَبَنُ الْمَعْزِ ]
لَبَنُ الْمَعْزِ لَطِيفٌ مُعْتَدِلٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ مُرَطّبٌ لِلْبَدَنِ الْيَابِسِ نَافِعٌ مِنْ قُرُوحِ الْحَلْقِ وَالسّعَالِ الْيَابِسِ وَنَفْثِ الدّمِ . وَاللّبَنُ الْمُطْلِقُ أَنْفَعُ الْمَشْرُوبَاتِ لِلْبَدَنِ الْإِنْسَانِيّ لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ التّغْذِيَةِ وَالدّمَوِيّةِ وَلِاعْتِيَادِهِ حَالَ الطّفُولِيّةُ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْفِطْرَةِ الْأَصْلِيّةِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحٍ مِنْ خَمْرٍ وَقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَنَظَرَ إلَيْهِمَا ثُمّ أَخَذَ اللّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمّتُكَ وَالْحَامِضُ مِنْهُ بَطِيءُ الِاسْتِمْرَاءِ خَامُ الْخَلْطِ وَالْمَعِدَةُ الْحَارّةُ تَهْضِمُهُ وَتَنْتَفِعُ بِهِ .
[ لَبَنُ الْبَقَرِ ]
لَبَنُ الْبَقَرِ يَغْذُو الْبَدَنَ وَيُخَصّبُهُ وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ بِاعْتِدَالٍ وَهُوَ مِنْ أَعْدَلِ الْأَلْبَانِ وَأَفْضَلِهَا بَيْنَ لَبَنِ الضّأْنِ وَلَبَنِ الْمَعْزِ فِي الرّقّةِ وَالْغِلَظِ وَالدّسَمِ وَفِي " السّنَنِ " : مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ [ ص 355 ]
[ لَبَنُ الْإِبِلِ ]
لَبَنُ الْإِبِلِ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوّلِ الْفَصْلِ وَذِكْرُ مَنَافِعِهِ فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهِ .
لُبَانٌ
[ بَيَانُ فَائِدَتِهِ لِطَرْدِ النّسْيَانِ ]
هُوَ الْكُنْدُرُ قَدْ وَرَدَ فِيهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَخّرُوا بُيُوتَكُمْ بِاللّبَانِ وَالصّعْتَرِ وَلَا يَصِحّ عَنْهُ وَلَكِنْ يُرْوَى عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ لِرَجُلٍ شَكَا إلَيْهِ النّسْيَانَ عَلَيْكَ بِاللّبَانِ فَإِنّهُ يُشَجّعُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِالنّسْيَانِ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ شُرْبَهُ مَعَ السّكّرِ عَلَى الرّيقِ جَيّدٌ لِلْبَوْلِ وَالنّسْيَانِ . وَيُذْكَرُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ شَكَا إلَيْهِ رَجُلٌ النّسْيَانَ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالْكُنْدُرِ وَانْقَعْهُ مِنْ اللّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحْت فَخُذْ مِنْهُ شَرْبَةً عَلَى الرّيقِ فَإِنّهُ جَيّدٌ لِلنّسْيَانِ . وَلِهَذَا سَبَبٌ طَبِيعِيّ ظَاهِرٌ فَإِنّ النّسْيَانَ إذَا كَانَ لِسُوءِ مِزَاجٍ بَارِدٍ رَطْبٍ يَغْلِبُ عَلَى الدّمَاغِ فَلَا يَحْفَظُ مَا يَنْطَبِعُ فِيهِ نَفَعَ مِنْهُ اللّبَانُ وَأَمّا إذَا كَانَ النّسْيَانُ لِغَلَبَةِ شَيْءٍ عَارِضٍ أَمْكَنَ زَوَالُهُ سَرِيعًا بِالْمُرَطّبَاتِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ الْيُبُوسِيّ يَتْبَعُهُ سَهَرٌ وَحِفْظُ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْحَالِيّةِ وَالرّطُوبِيّ بِالْعَكْسِ . وَقَدْ يُحْدِثُ النّسْيَانَ أَشْيَاءَ بِالْخَاصّيّةِ كَحِجَامَةِ نُقْرَةِ الْقَفَا وَإِدْمَانِ أَكْلِ الْكُسْفُرَةِ الرّطْبَةِ وَالتّفّاحِ الْحَامِضِ وَكَثْرَةِ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّظَرِ فِي الْمَاءِ الْوَاقِفِ وَالْبَوْلِ فِيهِ وَالنّظَرِ إلَى الْمَصْلُوبِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ قِرَاءَةِ أَلْوَاحِ الْقُبُورِ وَالْمَشْيِ بَيْنَ جَمَلَيْنِ مَقْطُورَيْنِ وَإِلْقَاءِ الْقَمْلِ فِي الْحِيَاضِ وَأَكْلِ سُؤْرِ الْفَأْرِ وَأَكْثُرُ هَذَا مَعْرُوفٌ بِالتّجْرِبَةِ . [ ص 356 ] وَالْمَقْصُودُ أَنّ اللّبَانَ مُسَخّنٌ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ وَمُجَفّفٌ فِي الْأُولَى وَفِيهِ قَبْضٌ يَسِيرٌ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ قَلِيلُ الْمَضَارّ فَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنْ يَنْفَعَ مِنْ قَذْفِ الدّمِ وَنَزْفِهِ وَوَجَعِ الْمَعِدَةِ وَاسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ وَيَهْضِمُ الطّعَامَ وَيَطْرُدُ الرّيَاحَ وَيَجْلُو قُرُوحَ الْعَيْنِ وَيُنْبِتُ اللّحْمَ فِي سَائِرِ الْقُرُوحِ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ الضّعِيفَةَ وَيُسَخّنُهَا وَيُجَفّفُ الْبَلْغَمَ وَيُنَشّفُ رُطُوبَاتِ الصّدْرِ وَيَجْلُو ظُلْمَةَ الْبَصَرِ وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ مِنْ الِانْتِشَارِ وَإِذَا مُضِغَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الصّعْتَرِ الْفَارِسِيّ جَلَبَ الْبَلْغَمَ وَنَفَعَ مِنْ اعْتِقَالِ اللّسَانِ وَيَزِيدُ فِي الذّهْنِ وَيُذَكّيهِ وَإِنْ بُخّرَ بِهِ مَاءٌ نَفَعَ مِنْ الْوَبَاءِ وَطَيّبَ رَائِحَةَ الْهَوَاءِ .حَرْفُ الْمِيمِ
مَاءٌ
مَادّةُ الْحَيَاةِ وَسَيّدُ الشّرَابِ وَأَحَدُ أَرْكَانِ الْعَالَمِ بَلْ رُكْنُهُ الْأَصْلِيّ فَإِنّ السّمَاوَاتِ خُلِقَتْ مِنْ بُخَارِهِ وَالْأَرْضَ مِنْ زَبَدِهِ وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ مِنْهُ كُلّ شَيْءٍ حَيّ . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَغْذُو أَوْ يُنْفِذُ الْغِذَاءَ فَقَطْ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقَدْ تَقَدّمَا وَذَكَرْنَا الْقَوْلَ الرّاجِحَ وَدَلِيلَهُ . وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ يَقْمَعُ الْحَرَارَةَ وَيَحْفَظُ عَلَى الْبَدَنِ رُطُوبَاتِهِ وَيَرُدّ عَلَيْهِ بَدَلَ مَا تَحَلّلَ مِنْهُ وَيُرَقّقُ الْغِذَاءَ وَيُنْفِذُهُ فِي الْعُرُوقِ .
[اخْتِبَارُ جَوْدَةِ الْمَاءِ ]
وَتُعْتَبَرُ جَوْدَةُ الْمَاءِ مِنْ عَشَرَةِ طُرُقٍ أَحَدُهَا : مِنْ لَوْنِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا . الثّانِي : مِنْ رَائِحَتِهِ بِأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ رَائِحَةٌ الْبَتّةَ . [ ص 357 ] يَكُونَ عَذْبَ الطّعْمِ حُلْوَهُ كَمَاءِ النّيلِ وَالْفُرَاتِ . الرّابِعُ مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَفِيفًا رَقِيقَ الْقِوَامِ . الْخَامِسُ مِنْ مَجْرَاهُ . بِأَنْ يَكُونَ طَيّبَ الْمَجْرَى وَالْمَسْلَكَ . السّادِسُ مِنْ مَنْبَعِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعِيدَ الْمَنْبَعِ . السّابِعُ مِنْ بُرُوزِهِ لِلشّمْسِ وَالرّيحِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَفِيًا تَحْتَ الْأَرْضِ فَلَا تَتَمَكّنُ الشّمْسُ وَالرّيحُ مِنْ قُصَارَتِهِ . الثّامِنُ مِنْ حَرَكَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ سَرِيعَ الْجَرْيِ وَالْحَرَكَةِ . التّاسِعُ مِنْ كَثْرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ كَثْرَةٌ يَدْفَعُ الْفَضَلَاتِ الْمُخَالِطَةِ لَهُ . الْعَاشِرُ مِنْ مَصَبّهِ بِأَنْ يَكُونَ آخِذًا مِنْ الشّمَالِ إلَى الْجَنُوبِ أَوْ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ . وَإِذَا اعْتَبَرْت هَذِهِ الْأَوْصَافَ لَمْ تَجِدْهَا بِكَمَالِهَا إلّا فِي الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ النّيلِ وَالْفُرَاتِ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنّيلُ وَالْفُرَاتُ كُلّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنّةِ
[اخْتِبَارُ خِفّةِ الْمَاءِ ]
وَتُعْتَبَرُ خِفّةُ الْمَاءِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : سُرْعَةُ قَبُولِهِ لِلْحَرّ وَالْبَرْدِ قَالَ أبقراط : الْمَاءُ الّذِي يَسْخَنُ سَرِيعًا وَيَبْرُدُ سَرِيعًا أَخَفّ الْمِيَاهِ . الثّانِي : بِالْمِيزَانِ الثّالِثُ أَنْ تُبَلّ قُطْنَتَانِ مُتَسَاوِيَتَا الْوَزْنِ بِمَاءَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ثُمّ يُجَفّفَا بَالِغًا ثُمّ تُوزَنَا فَأَيّتُهُمَا كَانَتْ أَخَفّ فَمَاؤُهَا كَذَلِكَ . [ ص 358 ] وَالْمَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ بَارِدًا رَطْبًا فَإِنّ قُوّتَهُ تَنْتَقِلُ وَتَتَغَيّرُ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ تُوجِبُ انْتِقَالَهَا فَإِنّ الْمَاءَ الْمَكْشُوفَ لِلشّمَالِ الْمَسْتُورَ عَنْ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ يَكُونُ بَارِدًا وَفِيهِ يُبْسٌ مُكْتَسَبٌ مِنْ رِيحِ الشّمَالِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ . وَالْمَاءُ الّذِي يَنْبُعُ مِنْ الْمَعَادِنِ يَكُونُ عَلَى طَبِيعَةِ ذَلِكَ الْمَعْدِنِ وَيُؤَثّرُ فِي الْبَدَنِ تَأْثِيرَهُ وَالْمَاءُ الْعَذْبُ نَافِعٌ لِلْمَرْضَى وَالْأَصِحّاءِ وَالْبَارِدُ مِنْهُ أَنْفَعُ وَأَلَذّ وَلَا يَنْبَغِي شُرْبُهُ عَلَى الرّيقِ وَلَا عُقَيْبَ الْجِمَاعِ وَلَا الِانْتِبَاهِ مِنْ النّوْمِ وَلَا عُقَيْبَ الْحَمّامِ وَلَا عُقَيْبَ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ وَقَدْ تَقَدّمَ . وَأَمّا عَلَى الطّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا اُضْطُرّ إلَيْهِ بَلْ يَتَعَيّنُ وَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ بَلْ يَتَمَصّصُهُ مَصّا فَإِنّهُ لَا يَضُرّهُ الْبَتّةَ بَلْ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُنْهِضُ الشّهْوَةَ وَيُزِيلُ الْعَطَشَ . وَالْمَاءُ الْفَاتِرُ يَنْفُخُ وَيَفْعَلُ ضِدّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبَائِتُهُ أَجْوَدُ مِنْ طَرِيّهِ وَقَدْ تَقَدّمَ . وَالْبَارِدُ يَنْفَعُ مِنْ دَاخِلٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ مِنْ خَارِجٍ وَالْحَارّ بِالْعَكْسِ وَيَنْفَعُ الْبَارِدُ مِنْ عُفُونَةِ الدّمِ وَصُعُودِ الْأَبْخِرَةِ إلَى الرّأْسِ وَيَدْفَعُ الْعُفُونَاتِ وَيُوَافِقُ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَسْنَانَ وَالْأَزْمَانَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَارّةَ وَيَضُرّ عَلَى كُلّ حَالَةٍ تَحْتَاجُ إلَى نُضْجٍ وَتَحْلِيلٍ كَالزّكَامِ وَالْأَوْرَامِ وَالشّدِيدُ الْبُرُودَةِ مِنْهُ يُؤْذِي الْأَسْنَانَ وَالْإِدْمَانُ عَلَيْهِ يُحْدِثُ انْفِجَارَ الدّمِ وَالنّزَلَاتِ وَأَوْجَاعَ الصّدْرِ . وَالْبَارِدُ وَالْحَارّ بِإِفْرَاطٍ ضَارّانِ لِلْعَصَبِ وَلِأَكْثَرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنّ أَحَدَهُمَا مُحَلّلٌ وَالْآخَرُ مُكَثّفٌ وَالْمَاءُ الْحَارّ يُسَكّنُ لَذْعَ الْأَخْلَاطِ الْحَادّةِ وَيُحَلّلُ وَيُنْضِجُ وَيُخْرِجُ الْفُضُولَ وَيُرَطّبُ وَيُسَخّنُ وَيُفْسِدُ الْهَضْمَ شُرْبُهُ وَيَطْفُو بِالطّعَامِ إلَى أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَيُرْخِيهَا وَلَا يُسْرِعُ فِي تَسْكِينِ الْعَطَشِ وَيُذْبِلُ الْبَدَنَ وَيُؤَدّي إلَى أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ وَيَضُرّ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرَاضِ عَلَى أَنّهُ صَالِحٌ لِلشّيُوخِ وَأَصْحَابِ الصّرْعِ وَالصّدَاعِ الْبَارِدِ وَالرّمَدِ . وَأَنْفَعُ مَا اُسْتُعْمِلَ مِنْ خَارِجٍ .
[الْمَاءُ الْمُشَمّسُ ]
وَلَا يَصِحّ فِي الْمَاءِ الْمُسَخّنِ بِالشّمْسِ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا كَرِهَهُ أَحَدٌ مِنْ [ ص 359 ] عَابُوهُ وَالشّدِيدُ السّخُونَةِ يُذِيبُ شَحْمَ الْكُلَى وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَاءِ الْأَمْطَارِ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ .
مَاءُ الثّلْجِ وَالْبَرَدِ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَدْعُو فِي الِاسْتِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ اللّهُمّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثّلْجِ وَالْبَرَدِ الثّلْجُ لَهُ فِي نَفْسِهِ كَيْفِيّةٌ حَادّةٌ دُخّانِيّةٌ فَمَاؤُهُ كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَدّمَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي طَلَبِ الْغَسْلِ مِنْ الْخَطَايَا بِمَائِهِ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَلْبُ مِنْ التّبْرِيدِ وَالتّصْلِيبِ وَالتّقْوِيَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَصْلُ طِبّ الْأَبْدَانِ وَالْقُلُوبِ وَمُعَالَجَةِ أَدْوَائِهَا بِضِدّهَا . وَمَاءُ الْبَرَدِ أَلْطَفُ وَأَلَذّ مِنْ مَاءِ الثّلْجِ وَأَمّا مَاءُ الْجُمْدِ وَهُوَ الْجَلِيدُ فَبِحَسَبِ أَصْلِهِ . وَالثّلْجُ يَكْتَسِبُ كَيْفِيّةَ الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ الّتِي يَسْقُطُ عَلَيْهَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرّدَاءَةِ وَيَنْبَغِي تَجَنّبُ شُرْبِ الْمَاءِ الْمَثْلُوجِ عُقَيْبَ الْحَمّامِ وَالْجِمَاعِ وَالرّيَاضَةِ وَالطّعَامِ الْحَارّ وَلِأَصْحَابِ السّعَالِ وَوَجَعِ الصّدْرِ وَضَعْفِ الْكَبِدِ وَأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ .
[ مَاءُ الْآبَارِ وَالْقُنِيّ ]
مِيَاهُ الْآبَارِ قَلِيلَةُ اللّطَافَةِ وَمَاءُ الْقُنِيّ الْمَدْفُونَةِ تَحْتَ الْأَرْضِ ثَقِيلٌ لِأَنّ أَحَدَهُمَا مُحْتَقِنٌ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَفّنٍ وَالْآخَرَ مَحْجُوبٌ عَنْ الْهَوَاءِ وَيَنْبَغِي أَلّا يُشْرَبَ عَلَى الْفَوْرِ حَتّى يُصْمَدَ لِلْهَوَاءِ وَتَأْتِيَ عَلَيْهِ لَيْلَةٌ وَأَرْدَؤُهُ مَا كَانَتْ مَجَارِيهِ مِنْ رَصَاصٍ أَوْ كَانَتْ بِئْرُهُ مُعَطّلَةً وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَتْ تُرْبَتُهَا رَدِيئَةً فَهَذَا الْمَاءُ وَبِيءٌ وَخِيمٌ .
مَاءُ زَمْزَمَ
سَيّدُ الْمِيَاهِ وَأَشْرَفُهَا وَأَجَلّهَا قَدْرًا وَأَحَبّهَا إلَى النّفُوسِ وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ النّاسِ وَهُوَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقِيَا اللّهِ إسْمَاعِيلَ . [ ص 360 ] وَثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لِأَبِي ذَرّ وَقَدْ أَقَامَ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرَهُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَزَادَ غَيْرُ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ وَشِفَاءُ سُقْمٍ تَحْسِينُ الْمُصَنّفِ لِحَدِيثِ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " . مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ وَقَدْ ضَعّفَ هَذَا الْحَدِيثَ طَائِفَةٌ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُؤَمّلِ رَاوِيهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ . وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنّهُ لَمّا حَجّ أَتَى زَمْزَمَ فَقَالَ اللّهُمّ إنّ ابْنَ أَبِي الْمَوَالِي حَدّثَنَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ [ ص 361 ] جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ نَبِيّك صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ وَإِنّي أَشْرَبَهُ لِظَمَإِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَابْنُ أَبِي الْمَوَالِي ثِقَةٌ فَالْحَدِيثُ إذًا حَسَنٌ وَقَدْ صَحّحَهُ بَعْضُهُمْ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَوْضُوعًا وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فِيهِ مُجَازَفَةٌ .
[ تَجْرِيبُ الْمُصَنّفِ لَهُ فِي الِاسْتِشْفَاءِ ]
وَقَدْ جَرّبْتُ أَنَا وَغَيْرِي مِنْ الِاسْتِشْفَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ أُمُورًا عَجِيبَةً وَاسْتَشْفَيْتُ بِهِ مِنْ عِدّةِ أَمْرَاضٍ فَبَرَأْت بِإِذْنِ اللّهِ وَشَاهَدْتُ مَنْ يَتَغَذّى بِهِ الْأَيّامَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ الشّهْرِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَجِدُ جُوعًا وَيَطُوفُ مَعَ النّاسِ كَأَحَدِهِمْ وَأَخْبَرَنِي أَنّهُ رُبّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ لَهُ قُوّةً يُجَامِعُ بِهَا أَهْلَهُ وَيَصُومُ وَيَطُوفُ مِرَارًا .
مَاءُ النّيلِ
أَحَدُ أَنْهَارِ الْجَنّةِ أَصْلُهُ مِنْ وَرَاءِ جِبَالِ الْقَمَرِ فِي أَقْصَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَمْطَارٍ تَجْتَمِعُ هُنَاكَ وَسُيُولٍ يَمُدّ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَسُوقُهُ اللّهُ تَعَالَى إلَى الْأَرْضِ الْجُرْزِ الّتِي لَا نَبَاتَ لَهَا فَيُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ الْأَنْعَامُ وَالْأَنَامُ وَلَمّا كَانَتْ الْأَرْضُ الّتِي يَسُوقُهُ إلَيْهَا إِبْلِيزًا صُلْبَةً إنْ أُمْطِرَتْ مَطَرَ الْعَادَةِ لَمْ تُرْوَ وَلَمْ تَتَهَيّأْ لِلنّبَاتِ وَإِنْ أُمْطِرَتْ فَوْقَ الْعَادَةِ ضَرّتْ الْمَسَاكِنَ وَالسّاكِنَ وَعَطّلَتْ الْمَعَايِشَ وَالْمَصَالِحَ فَأَمْطَرَ الْبِلَادَ الْبَعِيدَةَ ثُمّ سَاقَ تِلْكَ الْأَمْطَارَ إلَى هَذِهِ الْأَرْضِ فِي نَهْرٍ عَظِيمٍ وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ زِيَادَتَهُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى قَدْرِ رَيّ الْبِلَادِ وَكِفَايَتِهَا فَإِذَا أَرْوَى الْبِلَادَ وَعَمّهَا أَذِنَ سُبْحَانَهُ بِتَنَاقُصِهِ وَهُبُوطِهِ لِتَتِمّ الْمَصْلَحَةُ بِالتّمَكّنِ مِنْ الزّرْعِ وَاجْتَمَعَ فِي هَذَا الْمَاءِ الْأُمُورُ الْعَشْرَةُ الّتِي تَقَدّمَ ذِكْرُهَا وَكَانَ مِنْ أَلْطَفِ الْمِيَاهِ وَأَخَفّهَا وَأَعْذَبِهَا وَأَحْلَاهَا .
مَاءُ الْبَحْرِ
ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَتُهُ وَقَدْ جَعَلَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ مِلْحًا أُجَاجًا مُرّا زُعَاقًا لِتَمَامِ مَصَالِحَ مَنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ الْآدَمِيّينَ وَالْبَهَائِمِ فَإِنّهُ دَائِمٌ رَاكِدٌ كَثِيرُ الْحَيَوَانِ وَهُوَ يَمُوتُ فِيهِ [ ص 362 ] كَانَ حُلْوًا لَأَنْتَنَ مِنْ إقَامَتِهِ وَمَوْتِ حَيَوَانَاتِهِ فِيهِ وَأَجَافَ وَكَانَ الْهَوَاءُ الْمُحِيطُ بِالْعَالَمِ يَكْتَسِبُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَنْتُنُ وَيُجِيفُ فَيَفْسُدُ الْعَالَمُ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الرّبّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ جَعَلَهُ كَالْمَلّاحَةِ الّتِي لَوْ أُلْقِيَ فِيهِ جِيَفُ الْعَالِمِ كُلّهَا وَأَنْتَانُهُ وَأَمْوَاتُهُ لَمْ تُغَيّرْهُ شَيْئًا وَلَا يَتَغَيّرُ عَلَى مُكْثِهِ مِنْ حِينِ خُلِقَ وَإِلَى أَنْ يَطْوِيَ اللّهُ الْعَالَمَ فَهَذَا هُوَ السّبَبُ الْغَائِيّ الْمُوجِبُ لِمُلُوحَتِهِ وَأَمّا الْفَاعِلِيّ فَكَوْنُ أَرْضِهِ سَبِخَةً مَالِحَةً .
[فَوَائِدُ الِاغْتِسَالِ بِهِ ]
[مَا يُدْفَعُ بِهِ مَضَرّةُ الشّرْبِ مِنْهُ ]
وَبَعْدُ فَالِاغْتِسَالُ بِهِ نَافِعٌ مِنْ آفَاتٍ عَدِيدَةٍ فِي ظَاهِرِ الْجِلْدِ وَشُرْبُهُ مُضِرّ بِدَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ فَإِنّهُ يُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُهْزِلُ وَيُحْدِثُ حَكّةً وَجَرَبًا وَنَفْخًا وَعَطَشًا وَمَنْ اُضْطُرّ إلَى شُرْبِهِ فَلَهُ طُرُقٌ مِنْ الْعِلَاجِ يَدْفَعُ بِهَا مَضَرّتَهُ . مِنْهَا : أَنْ يُجْعَلَ فِي قِدْرٍ وَيُجْعَلَ فَوْقَ الْقِدْرِ قَصَبَاتٌ وَعَلَيْهَا صُوفٌ جَدِيدٌ مَنْفُوشٌ وَيُوقَدَ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتّى يَرْتَفِعَ بُخَارُهَا إلَى الصّوفِ فَإِذَا كَثُرَ عَصَرَهُ وَلَا يَزَالُ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتّى يَجْتَمِعَ لَهُ مَا يُرِيدُ فَيَحْصُلُ فِي الصّوفِ مِنْ الْبُخَارِ مَا عَذُبَ وَيَبْقَى فِي الْقِدْرِ الزّعَاقُ . وَمِنْهَا : أَنْ يُحْفَرَ عَلَى شَاطِئِهِ حُفْرَةٌ وَاسِعَةٌ يُرَشّحُ مَاؤُهُ إلَيْهَا ثُمّ إلَى جَانِبِهَا قَرِيبًا مِنْهَا أُخْرَى تُرَشّحُ هِيَ إلَيْهَا ثُمّ ثَالِثَةٌ إلَى أَنْ يَعْذُبَ الْمَاءُ . وَإِذَا أَلْجَأَتْهُ الضّرُورَةُ إلَى شُرْبِ الْمَاءِ الْكَدِرِ فَعِلَاجُهُ أَنْ يُلْقِيَ فِيهِ نَوَى الْمِشْمِشِ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْ خَشَبِ السّاجِ أَوْ جَمْرًا مُلْتَهِبًا يُطْفَأُ فِيهِ أَوْ طِينًا أَرْمَنِيّا أَوْ سَوِيقَ حِنْطَةٍ فَإِنّ كُدْرَتَهُ تُرَسّبُ إلَى أَسْفَلَ
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21