كتاب : السلوك لمعرفة دول الملوك
المؤلف : المقريزي

وفي مستهل شهر جمادى الأولى: رسم بإبطال ضمان المغاني، والأفراح بجميع أعمال مصر من أسوان إلى العريش، وكان قد أعاده وزراء السوء لكثرة ما يتحصل منه، فإن العرس ما كان يتهيأ حتى يغرم أهله للضامنة خمسمائة درهم فما فوقها، بحسب حال أهل العرس، ولا تقدر امرأة وإن جلت تنتقش إلا بإطلاق من الضامنة، ولا يضرب بدف في عرس أو ختان أو نحو ذلك إلا بإطلاق، وعلى كل إطلاق فريضة مال مقررة في الديوان، وكان على كل مغنية قطيعة تحملها إلى الضامنة، فإن باتت في غير بيتها قامت. بمال للضامنة، وتدور في كل ليلة على بيوت المغاني جماعة من جهة الضامنة لمعرفة من باتت منهن خارج بيتها، وكان على البغايا ضرائب مقررة ؛وأما في بلاد الصعيد والوجه البحري فإنه يفرد حارات للمغاني والبغايا تقوم كل واحدة منهن .بمال مقرر،فيكون هناك من التجاهر بالزنا وشرب الخمر ما يشنع ذكره، حتى لو مر غريب بتلك المواضع من غير أن يقصد الزنا لألزم بأن يأتي بغيا من تلك البغايا، ويكره على ذلك، أو يفتدى.بمال يدفعه إليها،حتى تقوم به مما عليها من الضريبة.
وأبطل السلطان أيضاً ما أعاده الوزراء من ضمان القراريط بأعمال مصر كلها، فكأن كل أحد من الناس - ولو جل - لا يقدر أن يشترى دارا حتى يؤخذ منه عن كل ألف درهم من ثمنها عشرون درهما، فماذا أدى ما عليه من ذلك طبع له على رق طبع أحمر شبه دائرة، وعلم حولها مباشر هذا الديوان علاماتهم، فيشهد بعد ذلك العدول في هذا الرق بقضية التتابع، ومتى لم يكن هذا في الرق لا يقدر العدول، وإن جلوا عن كتابة المبايعة، خوفا من أن ينكل النكال بهم العظيم.
وفي هذا الشهر: كان تحويل مغل سنة سبع وتسعين لديوان السنين.وفيه كان الوفاء في خامس عشر مسرى، وبلغت زيادة النيل ثمانية أصابع من عشرين ذراعا، وثبت حتى خيف فوات الزرع، ثم هبط.وعزم الأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص على إعادة ضمان المغاني، فغضب من ذلك قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وامتنع من الحكم، وحضور دار العدل، فاستدعاه السلطان وسأله عن امتناعه من الحكم، فقال: " بلغني أن ضمان المغاني أعيد وهذا يوجب الفسق " . فحلف له السلطان أنه ما أمر بإعادته، ولاعنده منه علم، وبعث إلى ابن آقبغا آص يعلمه بذلك، فاعتذر بعذر غير طائل، فرسم بإبطاله، وكتب بذلك تواقيع قرئت على الناس وسيرت إلى النواحي، فبطل ذلك ولم يعد، و لله الحمد، وتنكر السلطان على ابن آقبغا آص، وكان ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.وفيه خرج البريد بطلب الأمير آقتمر عبد الغنى نايب صفد، فلما قدم أنعم عليه بتقدمة ألف، وأنعم على الأمير حاجي بن الأمير أيدغمش بإمرة بحلب، وأخرج إليها.
وفي أول جمادى الآخرة: خلع على الأمير ملكتمر من بركة، واستقر في نيابة الكرك، عوضا عن تمرباي الدمرداشي، ونقل تمرباي إلى نيابة صفد، عوضا عن آقتمر عبد الغنى، فدخل صفد في يوم الإثنين خامسه.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره: قبض على الأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص الاستادار، وأحيط. بموجوده. بمصر والشام، وأمر بنفيه وولده إلى طرسوس، فلم يزل الأمراء بالسلطان حتى رسم أن يستقر بالقدس بطالا فسار إليها من يومه، ولحق به ابنه من الغد، هذا مع شدة تمكنه من السلطان،وكثرة اختصاصه به،حتى أنه كان يقول ولده في الملأ إذا دعاه " سيدي محمد " .وفيه خلع على الوزير المالكي، بعدما أحضر، وأعيد إلى الوزارة مرة ثالثة، وقبض على ناظر الدولة أمين الدين أمين، وعوق بقاعة الصاحب من القلعة أياما، ثم أفرج عنه. وفيه أخرج الأمير ناصر الدين محمد بن أيبك ألفافا أمير آخور منفيا إلى الشام، وأنعم بإقطاعه على الأمير قرابغا.
وفي هذا الشهر:بدت الأمراض بالحميات في الناس،واستمرت إلى أخر شعبان،فمات خلق كثير.
وفي يوم الإثنين ثالث شهر وجب: خلع على السيد الشريف شرف الدين علي بن السيد فخر الدين، واستقر في نقابة الأشراف بعد وفاة أبيه، بسؤال عدة من الأشراف ولايته.

وفي يوم الخميس سادسه: أدير محمل الحاج بالقاهرة ومصر، و لم يعهد دورانه فيما سلف قبل النصف من رجب، وكان الناس في شغل عنه بكثرة الأمراض، وفيه رسم السلطان بتجهيزه للسفر إلى الحجاز، فبينما هم في عمل أهبة السفر إذ مرض السلطان مرضا شديدا حتى أرجف. بموته غير مرة ونكس عدة نكسات، اتهم فيها أطباؤه بموافقتهم بعض الأمراء على هلاكه، فقام بعلاجه شيخنا زكى الدين أبو البركات محمد الفقيه لمالكي، وشيخنا جلال الدين جار الله، وهو أبو عبد الله محمد ابن الشيخ قطب الدين أبى عبد الله محمد بن شرف الدين أبى البقاء محمود النيسابوري الحنفي، حتى تم برؤه.وفي أثناء ذلك ألزم بعض أمراء الدولة قاضى القضاة شرف الدين بن منصور الحنفي أن يحكم له باستبدال بعض الدور الموقوفة. بملك أحسن منه، على مقتضى مذهب أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وكان الاستبدال بالأوقاف حينئذ غير معمول به في مصر والشام، يتركه قضاة الحنفية تنزها وتحرجا، لما فيه من الخلاف، فامتنع ابن منصور من الاستبدال للأمير، فلما ألح عليه في ذلك عزل نفسه في يوم الأحد تاسعه، فتحدث لجار الله بعض من يعنى به مع السلطان في ولاية القضاء، وهو إذ ذاك مقيم عند السلطان ليعالج مرضه، فأجاب إلى ولايته، وخلع عليه في يوم الثلاثاء خامس عشرينه، واستقر عوضا عن شرف الدين بن منصور.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه: عوفي السلطان من مرضه وعبر الحمام، وصلى بجامع القلعة على العادة، فدقت البشائر ثلاثة أيام، ونودي بزينة القاهرة ومصر، فزينتا زينة عظيمة، ونثر على السلطان لما خرج إلى الجمعة ذهب كثير، فانتكس بعد يومين.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان: أخرج السلطان إخوته وبنى أعمامه ذرية قلاوون بأجمعهم، ومعهم حرمهم إلى مدينة الكرك، وكان الوقت شتاء باردا، فتألم الناس لذلك، وسار بهم الأمير سودن الشيخوني، هذا والسلطان مريض وحركة السفر مستمرة.
وفي سادس عشرينه: أنعم على كل من الأمير يلبغا المنجكي والأمير مغلطاي البدري بإمرة طبلخاناة، وعلى كل من قطلوبغا البزلارى وطشتمر المحمدي اللفاف وألطنبغا العلائي بإمرة عشرة.
وفي سابع عشرينه: خلع على الطواشي ظهير الدين مختار الحسامي، واستقر منهم المماليك، عوضا عن مختار شاذروان بعد موته، وأنعم على الأمير فخر الدين إياس الصرغتمشى بإمرة طبلخاناة، واستقر أستادارا ثانيا.
وفي يوم الخميس حادي عشر شهر رمضان:عزل الأمير أقتمر الحنبلي من نيابة السلطنة، واستقر أميرا كبيرا يجلس بالإيوان وقت الخدمة، وخلع على الأمير آقتمر عبد الغنى، واستقر حاجب الحجاب، وأبطلت النيابة، وخلع على الأمير بلوط الصرغتمشى أمير مشوى، واستقر شاد الشرابخاناة، وأنعم على الأمير علم دار بتقدمة ألف، وقد قدم من دمشق باستدعاء.
وفي ليلة الإثنين خامس عشره: سقطت نار احترق بها حاصل مدرسة السلطان التي يعمرها تحت القلعة، فتلف بها ماشاء الله من آلات العمارة، وتفاءل الناس بذلك على السلطان، وكان كذلك وقتل كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، ثم تعطلت سنين، إلى أن خربها كلها الناصر فرج بن برقوق، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وفي هذا الشهر: ارتفع الوباء، وعوفي السلطان وركب إلى السرحة بالجيزة وعاد إلى قلعة الجبل، وفيه كثر الاهتمام بحركة السلطان إلى الحج، وخرجت الإقامات من الشعير والدقيق والبشماط لتوضع في المنازل بطريق مكة.

وفي رابع شوال: خلع على الأمير مغلطاي الجمالي، واستقر في عوضا عن جرحى البالسي بعد موته، وخلع على الشريف عاصم، واستقر في حسبة مصر والوجه القبلي بعد وفاة شمس الدين محمد بن أبى رقيبة.وندب الأمير آقتمر الحنبلي أن يخرج إلى بلاد الصعيد، ومعه عدة من الأمراء والأجناد، ويقيم به لحفظه مدة غيبة السلطان بالحجاز، وندب إلى الثغور - مثل الإسكندرية ودمياط ورشيد والبرلس - جماعة من الأمراء والأجناد يكونوا مركزين بها لدفع العدو من الفرنج، وندب عدة أمراء للمبيت كل ليلة في أماكن عينت لهم من خارج القاهرة ومصر، ورتب الأمير أيدمر الشمسي للإقامة بقلعة الجبل لحفظها، وجعل نائب الغيبة بالقاهرة الأمير آقتمر عبد الغنى، ورسم له ولجميع الأمراء المقيمين أن حضروا في أيام المواكب الخدمة عند باب الستارة من القلعة، ويقبلوا أيدي ولدى السلطان، ويقفوا ساعة لطيفة، ثم يقوم أمير على ابن السلطان من مجلسه ويقول للأمراء بيده " بسم الله " فينصرفوا بعد أن يسقوا مشروبا.ولما قوى العزم على السفر أشار على السلطان جماعة من أهل الصلاح بألا يسافر، فلم يقبل وصمم على السفر ليقضى الله أمرا كان مفعولا، وخرجت أطلاب الأمراء في يوم السبت ثاني عشره بتجمل عظم إلى الغاية، وأناخوا ببركة الحجاج، وخرج من الغد يوم الأحد ثالث عشره طلب السلطان، وفيه من الحرير والذهب ما لا يقدر على وصفه،وتفنن الغلمان في حسن ترتيبه وتأنقوا فيه، وأبدوا من صنائعهم العجائب والغرائب، فجروا أولا عشرين قطارا من الرواحل بقماش من ذهب أكوارها وعرقياتها وحطمها ومياثرها حرير مزوكش غطس، وخمسة عشر قطارا من الرواحل بعبي حرير، وقطار رواحل قماشها أسود خليفتي، وقطار رواحل قماشها أبيض برسم الإحرام ومائة فرس عليها من السروج والكنافيش والعبي ما يجل قيمته، وكجاوتين وتسع محفات أغشية، الكجاوتين مع خمس محفات حرير كله زركش غطس، وأربع محفات دونها، وستة وأربعين جملا محاير بغشية الحرير، وخزانة المال على عشرين جملا، وقطارين تحمل البقل والثمار والنعناع والسلق والكزبرة، المزروع ذلك في محاير.ومن أحمال المطابخ والمشارب وأنواع المآكل الملوكية ما لا يدخل تحت حصر، منها ثلاثون ألف علبة حلوى زنة ما في كل علبة خمسة أرطال، فيكون ذلك مائة ألف وخمسين ألف رطل، وجميعها قد عملت من السكر النقي، وطيبت.بمائة مثقال من المسك، سوى الصندل والعود، وعمل الأمراء من الحلوى مثل ذلك وأما الأجناد والأعيان فلم ينحصر ما عملوه من هذا الصنف، فانظر عظمة بلد يعمل فيه للسلطان وأمراؤه في شهر واحد ثلاثمائة ألف رطل وستين ألف رطل من السكر، سوى من دونهم ولعله نظير ذلك، و لم يعز مع هذا وجود السكر، بل ولا غلا سعره، فقد أدركنا وعلمنا صحته، وحمل معه عدة من أرباب الملاهي والمخايلين ،فأنكر الناس ذلك من أجل أنه غير لائق بالحج. وكان لمشاهدة هذا الطلب يوما مشهودا، ومنظرا بديعا، يتعذر حكايته ووصفه، زادت فيه سعادة الدولة.

وفي يوم الإثنين رابع عشره: خلع على الشيخ ضياء الدين عبيد الله القرمي، واستقر في مشيخة المدرسة الأشرفية، ولقب بشيخ الشيوخ، وأبطل هذا اللقب من متولي مشيخة خانكاة سرياقوس، فسكنها، ودرس بها قبل أن تكمل عمارتها.وفيه أمر بسد باب القلعة مما يلي القرافة، فسد، وأوصى السلطان مماليك ولديه بهما، وبحفظ القلعة، وعهد إليهم أنه إن أصابه الموت فولده أمير علي هو السلطان من بعده.وركب من قلعة الجبل وسار إلى سرياقوس، فبات بقصوره منها ليلة الثلاثاء، ونزل إلى بركة الحجاج، فأقام بها إلى يوم الثلاثاء ثاني عشرينه، ورحل منها بكرة النهار ومعه من أمراء الألوف أرغون شاه الأشرفي، وبهادر الجمالي أمير آخور، وصرغتمش الأشرفي،وبيبغا السابقي،وصراي تمر المحمدي، وطشتمر لعلاي الدوادار، ومبارك الطازي، وقطلو آقتمر العلاي الطويل، وبشتاك عبد الكريم الأشرفي، ومن أمراء الطبلخاناة جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب، وأيدمر الخطاي، وبورى الأحمدي، وبلوط الصرغتمشى، وأروس المحمودي، ويلبغا المحمدي، ويلبغا الناصري، وأرغون العزى الأفرم، وطغاي تمر الأشرفي، ويلبغا المنجكي، وكزل الأرغوني، وقطلوبغا الشعباني، وأمير حاج بن كغلطاي، وعلى بن الأمير منجك ومحمد بن الأمير تنكز بغا، وتمر باي الحسنى، وأسندمر العثماني، وقرابغا الإحمدي، وإينال اليوسفي، وأحمد ابن الأمير يلبغا الخاصكي، وموسى بن دندار بن قرمان، ويدي بن قرطقا بن سيسون، وبكتمر العلمي، ومغلطاي البدري، ومن أمراء العشرات سنقر الجمالي، وأحمد بن محمد بن لاجين، وأقبغابوز الشيخوني، وأسنبغا التلكي، ومحمد بن بكتمر الشمسي، ومحمد بن قطلوبغا المحمدي، وجوبان الطيدمري، وألطنبغا عبد الملك، وقطلوبغا البزلاري، وطوغان العمري، وتلكتمر العيسوي، ومحمد بن سنقر المحمدي، وخضر بن عمر بن أحمد ابن الأمير بكتمر الساقي، ومنجك الأشرفي، ومعه قاضى القضاة برهان الدين بن جماعة الشافعي، وقاضى القضاة جلال الدين جار الله الحنفي، وقاضى القضاة بدر الدين عبد الوهاب الأخناي المالكي، وسراج الدين عمر البلقيني قاضى العسكر، وتوجه أيضاً الخليفة المتوكل على الله، وكاتب السر بدر الدين محمد ابن فضل الله، وناظر الجيش تقي الدين عبد الرحمن، وتأخر قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله الحنبلي بالقاهرة.فلم يزل السلطان سائرا. بمن معه حتى نزل من عقبة أيلة، وأناخ على البحر في يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، ونزل بقية الحاج من الغد يوم الأربعاء آخره.
فلما كان يوم السبت ثالث ذي القعدة:انتدب لإثارة الفتنة بالقاهرة أينبك البدري،وأسندمر الصرغتمشى، وقرطاي، وطشتمر اللفاف، ومشوا حين تأخر بالقلعة من المماليك السلطانية، وفي مماليك الأسياد ولدى السلطان، وفي مماليك الأمراء المسافرين صحبة السلطان، وفي جماعة من المماليك البطالة وواعدوهم جميعا على القيام معهم، ووعدوهم بأن ينفقوا فيهم خمسمائة دينار، عنها عشرة آلاف درهم، لكل واحد منهم، فمالوا إليهم وتحالفوا جميعا على الاتفاق، وركبوا بآلة الحرب.ونزل المماليك السلطانية الذين بالطباق من قلعة الجبل، وصعد الذين كانوا أسفل القلعة إليها، وصار الجميع بباب الستارة، وفي داخله الطواشي سابق الدين مثقال زمام الدور، والأمير جلبان لالا الأسياد، والأمير أقبغا جركس اللالا، فأغلقوا باب الستارة، وأخذ القوم يطرقون عليهم الباب، ويطلبون أمير علي ابن السلطان، ويقولون: " قد مات السلطان ونحن نريد نسلطن ابنه أمير علي " . فقيل لهم: " من كبيركم حتى نسلم إليه ابن السلطان " ، فتآمروا فيما بينهم ساعة وجمعهم يكثر، ثم كسروا شباك الزمام المطل على تلك الجهة وصعدوا منه فنهبوا ما في بيت الزمام، ونزلوا إلى رحبة باب الستارة وقبضوا على الطواشي مثفال الزمام، وعلى الأمير حلبان، ودخلوا من باب الستارة بأجعهم، وأخرجوا أمير علي، وأجلسوه بباب الستارة، وأحضروا الأمير أيدمر الشمسي، وألزموه بتقبيل الأرض، فقبلها، وأركبوا أمير علي إلى الإيوان المعروف بدار العدل، وأجلسوه على تخت الملك، ولقبوه بالملك العادل.

فتأخر ناظر الخاص شمس الدين أبو الفرج المقسي في داره عن الطلوع إلى القلعة، خوفا من المماليك، فإن رءوس النوب وأكابر المماليك طلبوا منه أن يصرف لهم ولبقية المماليك رواتبهم من الدراهم واللحم ونحو ذلك، فماطلهم بالصرف وهم يلحون في الطلب، فنهرهم، وقال: " ما لكم عندي شيء حتى يجيء أستاذكم خذوا منه " .وطلع ناظر الدولة أمين الدين أمين، ومعه مقدم الدولة الحاج سيف، وبقية مباشري الدولة، فقبض المماليك عليهم ظنا منهم أنه المقسى، وأغلقوا باب القلعة، ووكلوا بناظر الدولة ومن معه عدة من المماليك، ثم نزلوا من القلعة ووقفوا على خيولهم تحتها، وبعثوا طائفة منهم لإحضار المقسي، فلم يظفروا به، فاستدعوا الأمير آقتمر عبد الغنى والأمير أيدمر الشمسي، والأمير علم دار، وبقية الأمراء، فأتوهم تحت القلعة، وأبوا من طلوعها، فأنزل المماليك أمير علي من القلعة إلى الإصطبل، وطلعوا بالأمراء إليه، فقبلوا له الأرض، وحلفوا على العادة، إلا الأمير طشتمر الصالحي، والأمير بلاط الكبير السيفي،والأمير خطط رأس نوبة،فإنهم لم يوافقوا المماليك على ما فعلوه، فقبضوا عليهم وطلبوا الأمير سيف الدين ألطنبغا أبو قورة، أمير سلاح - وكان قد تأخر عن السفر لمرض به - والأمير طاز، فاعتذرا عن الحضور بالضعف، وأرسلا مماليكهما،وكان قبل ذلك قد بلغ كل من الأمير سودن أمير آخور وأمير علي بن قشتمر الحاجب، وأبو بكر بن طاز وأيدمر الشمسي، وأقتمر عبد الغني،وعلمدار وطشتمر الصالحي، وبقية الأمراء، أن مماليك السلطان ومماليك الأسياد يريدون إثارة الفتنة والركوب للحرب، فتغافلوا عنهم خوفا على أنفسهم، فلما وقع ما وقع وأتاهم الأمراء، ورسموا عليهم، وأخذوا منهم مماليكهم، وصار دبير القوم أينبك ويشاركه الأمير طشتمر اللفاف، وأسندمر الصرغتمشى، وقرطاي، فأمروا أن ينادى في الناس بالأمان، فنودي في القاهرة ومصر بين يدي وإلى القاهرة " الأمان والإطمئنان، افتحو دكاكينكم وبيعوا واشتروا، وترحموا على الملك الأشرف، والدعاء لولده الملك العادل علي، ونائبه الأمير آقتمر الحنبلي " ، فكثرت القالة بين الناس، واستمرت الكوسات تدق بالقلعة حربيا، وطبلخاناة الأمراء أيضاً تدق، والقوم وقوف تحت القلعة طول اليوم السبت، وليلة الأحد، وأمير علي بالإصطبل.فلما أصبح نهار الأحد رابعه، غيروا لقب أمير علي وجعلوه الملك المنصور، وأخذوا خطوط جميع العلماء والأمراء أنهم رضوا به سلطانا، ونادوا بالقاهرة وأعمالهما ثانيا بالأمان والإطمئنان والدعاء للملك المنصور،وخرج البريد لإحضار الأمير آقتمر الحنبلي من بلاد الصعيد،وتقسموا الأمريات، فأخذ طشتمر اللفاف تقدمة أرغون شاه رأس نوبة، وأخذ قرطاي تقدمة صرغتمش، وأخذ أينبك تقدمة بيبغا السابقي، وأخذ أسندمر الصرغتمشى تقدمة، وأخذ بلاط الصغير تقدمة، حتى عموا من أرادوا منهم بالأمريات. واستقر الأمير شهاب الدين قرطاي أتابك العساكر، ونصبوا لهم خليفة من بنى عم الخليفة المتوكل، وأقاموا عز الدين حمزة بن علاء الدين على بن محيى الدين يحيى بن فضل الله في وظيفة كتابة السر، حتى يحضر أخوه بدر الدين، وأحضروا ناظر الخاص شمس الدين المقسي حتى فتح لهم خزانة الخاص من القلعة، وأخرج منها تشاريف الأمراء، وخلعهم، وفرقها فيهم، ورتب أحوال المملكة ومد السماط على العادة، وأعطى الرواتب، هذا وهم بالسلاح على الخيول تحت القلعة يترقبون ما يرد من الأخبار فإنهم كانوا قد وعدوا أصحابهم على أن يثيروا الفتنة مع السلطان أيضاً.فاتفق أن السلطان لما أصبح في يوم الأربعاء. بمنزلة العقبة تجمع المماليك وطلبوا عليق دوابهم، فوعدهم السلطان بصرفه في منزلة الأزلم ، فسألوه أن ينفق فيهم مالا لينفقوه في غلمانهم، فقال: " ما عندي إلا البشماط والشعير " ، فرادوه مرارا حتى نهرهم وتوعدهم، فمضوا إلى الأمير الكبير أرغون شاه رأس نوبة وشكوا ما لقيهم من السلطان، فوعدهم أن يتحدث لهم مع السلطان فانصرفوا من عنده إلى الأمير طشتمر الدوادار، وتنمروا عليه، وقالوا له " إن لم ينفق فينا قتلناه " . فقام إلى السلطان وسأله في النفقة على المماليك، فامتنع، فمازال يرادده حتى غضب منه وسبه، وقال له " تحكم على في مصر وهنا أيضاً " ، وهدده، فقام وقد أحدق المماليك بخامه ينتظرونه، فأخبرهم. بما كان، وأكثرهم حينئذ شباب ومماليك يلبغا، فهاجت

حفائظهم، وتحركت أحقادهم، وتواعدوا على قتل السلطان وخاصكيته، ولبسوا السلاح، وأتوا إلى الأمير طشتمر وتوعدوه بالقتل إن لم يوافقهم، فألبس مماليكه السلاح، وركب معهم هو والأمير مبارك الطازي، والأمير صراي تمر المحمدي، والأمير قطلو آقتمر الطويل العلاي، وقصدوا السلطان، وكان في خامة يتحدث مع خاصكيته، وإذا بضجة، فبعث من يكشف له الخبر، فقيل قد ركب المماليك، فأمر من عنده بلبس السلاح، فما تم كلامه حتى هجموا على الخام، وقطعوا الأطناب ، فأمر بالشموع فأطفئت، وخرج السلطان.بمن معه هاربا، وهم الأمير أرغون شاه، والأمير صرغتمش، والأمير بيبغا السابقي، والأمير بشتاك الخاصكي، والأمير أرغون العزي، والأمير يلبغا الناصري، والأمير ألطنبغا فرفور، والأمير طشبغا رأس نوبة، وذلك في ليلة الخميس، وقد أعد الأمير قازان أمير آخور للسلطان ما يركبه هو ومن معه من مراكب الخاص، فركبوا وطلبوا جهة القاهرة، وليس مع كل واحد منهم سوى مملوك واحد، حتى قطعوا العقبة، فإذا. بمقدم الهجانة محمد بن عيسى ومعه نحو اثني عشر هجينا، فنزل السلطان عن فرسه، وركب منها وأركب من معه بقيتها، وساروا حتى أتوا قبة النصر خارج القاهرة، في يوم الأحد ثاني يوم قيام المماليك بالقلعة، فسمعوا دق الكوسات حربيا، فرابهم ذلك، وبعثوا لكشف الخبر، وتوجه السلطان ومعه الأمير يلبغا الناصري نحو الجبل، ودخل بقبة الآمراء قبة النصر، وناموا، فبينما المماليك راكبين تحت القلعة، إذ قبض بعد الظهر على رحل متنكر اسمه قازان ممن قدم مع السلطان، فأتى به إلى أكابرهم فعرفهم خبر وقعة العقبة، ودلهم على موضع السلطان، فتوجه الأمير أسندمر الصرغتمشى، وطولوا الصرغتمشى في جماعة إلى قبة النصر، فذبحوا الأمير أرغون شاه، والأمير صرغتمش، والأمير بيبغا السابقى، والأمير بشتاك، والأمير أرغون العزى الأفرم، وأتوا برءوسهم إلى تحت القلعة وهم يقولون " صلوا على محمد " ، ثم دفعوا الرءوس إلى أهلها، فذهبوا إلى جثث الأمراء الخمسة وواروها معها.وقد اضطرب الناس بالقاهرة، وأغلقوا ما فتح من الحوانيت، وكثر تخلقهم للحديث في أمر السلطان والقائمين بالدولة، ونودي بالقاهرة ومصر على السلطان، وتوعد من أخفاه، فاضطرب الناس، وباتوا ليلة الإثنين على تخوف وقلق شديد، فلما طلع نهار الإثنين، قبض على محمد بن عيسى، وسئل عن السلطان، فذكر أن آخر علمه به أنه فارق الأمراء، ومضى هو ويلبغا الناصرى.وأما السلطان فإنه لما أخذ نحو الجبل ومعه الناصري قعد لحاجة، وإذا بالخيل قد أتت إلى قبة النصر في طلبه، فاختفي هو والناصرى حتى جنهما الليل، فخرج به الناصري، وسار إلى بيت أستاداره، فآواهما وحدثهما بقيام المماليك، وما كان منهم وذبح الأمراء، فاشتد خوف السلطان، وخرج من ليلته. بمفرده من بيت أستادار الناصري، وقصد بيت آمنة امرأة المشتولى بحارة المحمودية من القاهرة، وبات عندها بقية ليلة الإثنين، وأصبح كذلك إلى أخر النهار، فمضت امرأة وأعلمت القائمين بالدولة بمكانه، فركب الأمير قرطاى في عدة وافرة، وأتوا بيت أمنة، وقبضوا عليها وأرهبوها، فأشارت إلى بادهنج البيت، فوجدوا السلطان قد لبس ثياب النساء، واختفي فيه، فأخذوه وألبسوه سلاحا، وستروا وجهه، وخرجوا به من باب سعادة أحد أبواب القاهرة، حتى صعدوا به قلعة الجبل، فتسلمه الأمير أينبك،وعاقبه حتى دلهم على ذخائره، وجمعوا بينه وبين ناظر الخاص شمس الدين المقسى، حتى تحاققا على الذخائر وأعادوه إلى داره، ثم استدعوا بالقاضي صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوى - أحد خلفاء الحكم - في يوم الثلاثاء سادسه، وأرادوه أن يثبت وصية الملك الأشرف، فقال: " لابد من إثبات وفاته " ، فدخل إليه مملوك منهم اسمه جركس السيفي - من مماليك ألجاى اليوسفي - وخنقه، ثم أدخلوا إليه جماعة حتى عاينوه ميتا، وعادوا إلى القاضى فشهدوا عنده. بموته، وأنه أوصى الأمير عز الدين أينبك، ثم أنعم على جركس هذا بإمرة عشرة، واستقر شاد العماير، جزاء له. بما فعله من خنق السلطان، ثم أخذت جثة الأشرف، ووضعت في قفة وخيط عليها بلاس شعر أسود، وألقيت في بئر آخر نهار الثلاثاء المذكور، فلما مضت له أيام، ظهر نتنه، فأخرجه جيران تلك البئر، فعرفوه ودفنوه بالكيمان التي بجانب مشهد السيدة نفيسة، فأتى بعض خدام السلطان ليلا، وأخرجه من قبره وحمله إلى تربة

أمه خوند بركة من التبانة، وغسله وكفنه وصلى عليه، ودفنه بالقبة التي بها.ومولده في سنة أربع وخمسين، ومدة سلطنته أربع عشرة سنة وشهرين وخمسة عشر يوما، وعمره أربع وعشرون سنة، وكان لينا يحب أهل الخير، ويقف عند ما يحسن له من فعل الخير، إلا أنه كان يحب جمع المال وتفرقته، جدد في أيام دولته الأقبية الحرير بالطرز الزركش في كل سنة على الأمراء، مع ركوبهم الخيل وقت لبس الأقبية المذكورة بالسروج الذهب، والكنابيش الزركشى، فكان يعم بذلك أمراء الألوف والطبلخاناة والعشرات والمماليك الخاصكية، على قدر رتبهم، و لم يتقدمه ملك لفعل ذلك، وكانت أيامه في هدوء وسكون، وأبطل مسكين شنيعين كان يتحصل منهما مال عظيم، فبطلا من بعده، ولم يكن فيه أذى ولا تجبر، بل يرفع يديه ويسأل الله تعإلى أن يخرب ديار من يريد بالناس سوءا، بالجملة فكان إلى التشبه بالنساء أميل منه إلى التشبه بالرجال، وترك من الأولاد سبعة ذكور، أمير علي، وأمير حاجى، وكلاهما تسلطن، وقاسما، ومحمدا، وإسماعيل، وأبا بكر، وأحمد، وسبع بنات.وند بركة من التبانة، وغسله وكفنه وصلى عليه، ودفنه بالقبة التي بها.ومولده في سنة أربع وخمسين، ومدة سلطنته أربع عشرة سنة وشهرين وخمسة عشر يوما، وعمره أربع وعشرون سنة، وكان لينا يحب أهل الخير، ويقف عند ما يحسن له من فعل الخير، إلا أنه كان يحب جمع المال وتفرقته، جدد في أيام دولته الأقبية الحرير بالطرز الزركش في كل سنة على الأمراء، مع ركوبهم الخيل وقت لبس الأقبية المذكورة بالسروج الذهب، والكنابيش الزركشى، فكان يعم بذلك أمراء الألوف والطبلخاناة والعشرات والمماليك الخاصكية، على قدر رتبهم، و لم يتقدمه ملك لفعل ذلك، وكانت أيامه في هدوء وسكون، وأبطل مسكين شنيعين كان يتحصل منهما مال عظيم، فبطلا من بعده، ولم يكن فيه أذى ولا تجبر، بل يرفع يديه ويسأل الله تعإلى أن يخرب ديار من يريد بالناس سوءا، بالجملة فكان إلى التشبه بالنساء أميل منه إلى التشبه بالرجال، وترك من الأولاد سبعة ذكور، أمير علي، وأمير حاجى، وكلاهما تسلطن، وقاسما، ومحمدا، وإسماعيل، وأبا بكر، وأحمد، وسبع بنات.
السلطان الملك المنصور عليالسلطان الملك المنصور علي بن السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون الصالحى الألفي.

أقيم في السلطنة - كما تقدم - يوم السبت، ثالث ذي القعدة، وأبوه حي، فلما قتل أبوه - كما مر ذكره - في ليلة الثلاثاء، قدم في يوم الأربعاء سابعه الأمير آقتمر الحنبلي من بلاد الصعيد. بمن كان معه، فتلقاه الأمراء، وأجلوا قدره، وقالوا له: " أنت نائب السلطان، والمتحدث عنه، وكلنا من تحت أمرك " ،فوافقهم،ووقف بطلبه مع أطلابهم تحت القلعة.وأما الذين بالعقبة، فإن السلطان لما انهزم قام الأمير طشتمر الدوادار بالأمر، وعزم على العود بالناس جميعهم إلى القاهرة، وإبطال الحج، فثارت العامة ورجمته، ووقع النهب في السوق، فمضى قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، ومعه قاضى القضاة جلال الدين جار الله الحنفي من العقبة إلى جهة القدس، وتوجه معهما طائفة كبيرة من الحجاج.ووضع الأمير بهادر - أمير أخور - بعض الزاد والعلف بخان العقبة، وانتهبت المماليك من الأثقال ما قدرت عليه، ورحل الأمراء والمماليك ومعهم المحمل، ومن بقى من الحجاج عائدين إلى القاهرة، ورموا من الزاد والشعير وأنواع المأكل ومن الأثقال ما لا يقدر قدره، فلما وصلوا إلى المنزلة المعروفة بأبار العلاى، أعيد المحمل مع الأمير بهادرإلى مكة، وسار معه قليل من الناس، ومضى الأمراء نحو القاهرة، ولا علم لهم بالسلطان، حتى نزلوا نخل ، فبلغهم أن عدة من الناس مرت بهم، بعضهم على رواحل وبعضهم على خيل، تريد ناحية القاهرة، فعلموا أنه السلطان، فخاف المماليك عاقبة أمرهم، وأن يتفق لهم ما اتفق على الأجلاب بعد واقعة الأمير أسندمر، فمالوا على خزائن السلطان المحمولة في الطلب ونهبوها، وتقاسموا ما بقى فيها، وتوجه عدة منهم إلى جهة الشام، وبقيت طائفة صحبة الأمير طشتمر الدوادار، ومعه الخليفة، وكاتب السر، وناظر الجيش، وقاضى القضاة بدر الدين الإخناى، والحريم السلطانى، وعدة كبيرة من الحجاج، وقد أرادوا الخليفة أن يقوم بالأمر من غير سلطان، ويستبد بالمملكة، ويكونوا عونا له على من خالفه، فلم يوافقهم على ذلك، وهم يلحون في سؤاله، حتى نزلوا عجرود بلغهم ما وقع من قيام المماليك، وسلطة أمير على ابن السلطان، وظفرهم بالأمراء والسلطان، وقتلهم، فساروا وقد أمنوا من السلطان، وكانوا على تخوف شديد منه أن يظفر بهم ويقتلهم، حتى نزلوا بركة الحجاج، بعث الأمراء القائمون بالدولة طائفة من المماليك الأجلاب؛ لحرب الأمير طشتمر، وعليهم الأمير أحمد بن همز، فلقيهم الأمير قطلوا آقتمر العلاى الطويل - وكان طليعة الأمير طشتمر - فكسرهم، وركب أقفيتهم إلى قرب قلعة الجبل، فتكاثروا عليه وأمسكوه، وذلك يوم الثلاثاء سادسه، فبعث الأمير طشتمر بالأمير قطلوبغا الشعبانى في تقرير أمره، فلما كان الغد يوم الأربعاء سابعه، ركبت عدة من الأجلاب لمحاربة طشتمر، وافترقوا فرقتين، ومضوا، فمالت فرقة على الخزائن والأثقال، فنهبوا ما هناك، وامتدت أيديهم إلى حريم السلطان، وإلى الحجاج، فتجاوزوا الحد في النهب، وفعلوا ما لا يفعل مثله في أهل الإسلام، فكان شيئا قبيحا إلى الغاية، ذهب فيه من الأموال ما لا يحصيه إلا الله، وكانت هذه السفرة سببا لزوال سعادة الدولة، وذهاب دولة آل قلاوون إلى أخر الدهر.وأما الفرقة الأخرى فإنها قاتلت الأمير طشتمر ومن معه قتالا عظيما، فكسرهم، ومروا في الهزيمة - وهو في طلبهم - إلى تحت القلعة، فوصل عصر يوم الخميس ثامنه، فاجتمع القوم على قتاله من نصف وقت العصر، حتى غابت الشمس، فانكسر منهم ومضى نحو كيمان مصر في نفر يسير، فأدركه بعض الأمراء ممن يثق به، ومازال به حتى قرر معه أن يستقر في نيابة الشام، وحلف له القائمون بالدولة، فاطمأن لذلك، ونزل بداره، فقبضوا عليه وحبسوه بقلعة الجبل، وقبضوا على الأمير سراى تمر، وبعثوه إلى الشام، وقبضوا على الأمير بلوط الصرغتمشى أمير مشوى، وعلى جماعة كبيرة، وباتوا آمنين، وقد نزعوا السلاح عنهم.

وفي يوم الخميس هذا: قدم الخليفة وأصعد إلى القلعة، واستدعى قاضى القضاة ناصر الدين نصر الله الحنبلي، ونواب القضاة والأمراء القائمون بالدولة، إلى باب الستارة من القلعة، وأخرجوا السلطان الملك المنصور علي، فبايعه الخليفة، وقبل له البيعة الأمير آقتمر الحنبلي، ثم أفيضت عليه الخلعة الخليفة، وهي فرجية حرير بنفسجى بطرازين ذهب، وديراها من رأس كميها وعاتقيها وذيلها تركيبة ذهب، وتحتانية حرير أزرق خطاى، وألبس عمامة عربية من حرير أسود على قبع حرير أسود، وأرخى لها عذبة حرير مزركش، وركب من باب الستارة بأبهة السلطنة إلى إيوان دار العدل، وجلس على تخت الملك، وسرير السلطنة، ومد السماط بالإيوان، فأكل من حضر على العادة، ثم قام السلطان عن التخت إلى القصر، وخلع على الأمير طشتمر اللفاف المحمدي أحد أمراء العشرات، واستقر أمير مائة مقدم ألف، وأنعم عليه بإقطاع أتابك العساكر، وبجميع ما خلفه الأمير أرغون شاه من مال وغلال وخيول وجمال ومماليك، وغير ذلك، وخلع على الأمير قرطاي الطازى أحد المماليك المفاردة، واستقر رأس نوبة كبير على تقدمة صرغتمش وإقطاعه، وأنعم عليه. بما خلفه من صامت وناطق، وعين وغلة. ورسم له وللفاف أن يجلسا بالإيوان في الميمنة.وخلع على اسندمر الذباح الصرغتمشى - أحد المماليك المفاردة - ، واستقر أمير سلاح مقدم ألف، ورسم له أن أن يجلس بالميسرة من الإيوان، وخلع على قطلوبغا البدري، واستقر أمير مجلس. وعلى الأمير طشتمر الدوادار واستقر نائب الشام، وسافر من يومه، وخلع على الأمير فخر الدين إياس الصرغتمشى، واستقر دواداراً بإمرة طبلخاناه، وأنعم على دمرادش اليوسفي أحد المماليك بتقدمة ألف، واستقر رأس نوبة ثانيا، وأنعم على بلاط الصغير السيفي، أحد المماليك المفاردة، بتقدمة ألف، وأنعم على ألطنبغا النظامي بتقدمة ألف، وعلى يلبغا النظامي بتقدمة ألف، وكلاهما من جملة المماليك المفاردة، وأنعم على الأمير أينبك بتقدمة ألف، واستقر أمير أخور، وأنعم على كل من بيقجا الكمالي، وقطلوبغا البشيرى، وطغاي تمر الناصري، وصربغا الناصري، وطولوا الصرغتمشى وألجبغا السيفي، وقطلوبك النظامي، وأحمد بن همز التركمانى، وقطلوخجا أخي أينيك، وتمربغا البدري، وألطنبغا المعلم، وتلكتمر عبد ا لله المنصوري، وأسنبغا الصارمي، وأطلمش الطازى، وأربغا السيفي، وإبراهيم بن قطلو آقتمر العلاى، وعلى بن آقتمر عبد الغنى، وأسنبغا النظامي، ومأمور القلمطاوى، وأطلمش الأرغوني، ومقبل الرومي، بإمرة طبلخاناة.وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرة، وهم: محمد بن قرطاي الطازي، وخضر بن ألطبغا السلطاني، وتكا الشمسي، ومحمد بن شعبان ابن الأمير يلبغا العمري، وأسنبغا المحمودي،، وطبج المحمدي، وتلكتمر المنجكي، وأقبغا السيفي، وجركس السيفي، وطقتمش السيفي، وطوغان العمري، وبكلمش الإبراهيمي، ويلبغا العلاى، ويوسف بن شادي البريدي، وخضر الرسولي، وأسندمر الشرفي، ومغلطاي الشرفي، وخليل بن أسندمر العلاي، ورمضان بن صرغتمش وأخيه حسن صرغتمش، وقطلوبغا حاجي أمير علم، ومنكلى الشمسي، وألجبغا السيفي، وألطنبغا شادي، وسودون العثماني، فاتفق من ارتفاع الأسافل ما فيه عبرة لمن اعتبر، وأصبح المماليك الأجلاب الذين كانوا بالأمس أقل مذكور، ثم تتبعوا بالقتل والنفي وأنواع العذاب، ملوكا تجبى إليهم ثمرات كل شيء، ويتحكمون في ممالك الأرض، بما تهوى أنفسهم، ومن حينئذ تغيرت أحوال البلاد بتغير أهلها.وفيه أيضاً قدم حريم الأشرف من بركة الحجاج، فصعد بهم إلى القلعة من باب السر، بعد ما نهبت خزانة السلطان بالريدانية خارج القاهرة.وفيه سار على البريد الأمير قطلوبغا جركس إلى دمشق ليقبض على الأمير بيدمر ويحبسه بقلعة صفد.

وفي يوم السبت عاشره: استقر الأمير طشتمر نائب الشام بالمسير من ظاهر القاهرة إلى محل ولايته.وفيه أفرج عن الأمراء المعتقلين بقلعة الجبل، وهم آقتمر عبد الغني،وعلم دار المحمدي، وأيدمر الشمسي، وسودون جركس وطيبغا الصفوي، ومغلطاي البدري، وصربغا السيفي، وطشتمر الصالحي، وبلاط الكبير، وحطط السيفي، وإيامى المارديني، وبلوط الصرغتمشى، ويلبغا المنجكي، وقرا بغا والد جركتمر، وحاجي خطاي والد غريب، في جماعة آخرين. ثم قبض عليهم جميعا من الغد - خلا آقتمر عبد الغني، وسودون جركس - وقيدوا وحملوا من ليلتهم إلى الإسكندرية، فسجنوا بها.وفيه استولى الأمراء القائمون بالدولة على ما كان الملك الأشرف وضعه من المال في مودع الحكم بالقاهرة، وحمل على ثمانية وعشرين جملا.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره: قرئ بالإيوان تقليد السلطان، وعلم عليه الخليفة،وشهد عليه فيه القضاة على العادة. ثم خلع على الخليفة وأنعم عليه بألف دينار رسم المبايعة، وخلع على القضاة وأرباب المناصب، واستدعى الوزير تاج الدين النشو الملكي، وخلع عليه، واستقر في الوزارة، وخلع على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، واستقر في نظر الدولة، عوضا عن أمين الدين أمين، وخلع على الأمير طيدمر البالسي، واستقر حاجب الحجاب عوضا عن أنتمر عبد الغنى، وخلع على الأمير علي ابن قشتمر واستقر حاجبا ثانيا، عوضا عن الأمير علم دار.وفيه طلب المماليك من الأمراء. وعدوهم به من النفقة فيهم، وهي مبلغ خمسمائة دينار لكل واحد، فرسموا لهم. بمائة دينار لكل مملوك، فأبوا وتجمعوا في يوم الثلاثاء ثالث عشره، وقبضوا على الأمير طشتمر اللفاف، وهموا بضرب عنقه، فقام الأمير قرطاي، وضمن لهم أن ينفق فيهم ما عدوا به، وما زال يتلطف بهم حتى أطلقوا اللفاف، وأخذ الأمراء في الإهتمام بنفقة المماليك، وطلبوا أمين الحكم، وأرادوا منه أن يقرضهم من مال الأيتام مائتي ألف دينار ذهبا، وإلا نهبوا المودع، وكان فيه حينئذ أموال عظيمة جدا، ورسموا جماعة حتى أخذوا ما شاءوا، فذهبت على الأيتام إلى اليوم، وقبضوا على شمس الدين المقسي ناظر الخاص، وعلى سعد الدين نصر الله ابن البقرى، وتاج الدين موسى بن كاتب السعدي، وولده سعد الدين.
وفي يوم الأحد ثامن عشره: حمل المقسي وتاج الدين موسى وأمين الدين مين، وعلاء الدين علي بن السايس، والمعلم شهاب الدين أحمد بن الطولوني، إلى قاعة الصاحب بالقلعة، وألزموا بأموال جزيلة، وقبض على جماعة من مباشري الدولة، وألزم كل واحد منهم بنفقة عدة من المماليك، وسلموا كل من ألزم بنفقة جماعة لهم حتى ينفق فيهم، فلم يبق أحد من مباشري الدولة والخاص حتى وزع عليه عدة مماليك، بحسب حاله، وقبض على محتسب القاهرة شمس الدين محمد الدميري ، وحمل على قفص حمال إلى القلعة لمرض به، وألزم بالنفقة على عشرة مماليك. ونهب بيت أخيه، وقبض على جماعة من التجار.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره: طلع الأمير أسندمر الصرغتمشى، والأمير دمرداش اليوسفي إلى الدور السلطانية من قلعة الجبل، وفرقا جواري الملك الأشرف على الأمراء. وفيه قبض على الطواشي مختص الأشرفي، والطواشي جوهر السكندري والطواشي سنبل رأس نوبة، وأدخلوا قاعة الصاحب على مال ألزموا به، وألزم أيضاً الطواشي سابق الدين مثقال الجمالي بحمل ثلاثمائة ألف درهم، ثم تقرر حمله مائة ألف درهم.وفيه قدم الأمير صلاح الدين خليل بن عرام من ثغر الإسكندرية باستدعاء، فقبض عليه، وصودر على ألف ألف درهم، ثم خلع عليه، واستقر على عادته نائب الإسكندرية. وفيه خلع على الأمير آقتمر الحنبلي، واستقر نائب السلطان، وأذن له أن يخرج الإقطاعات للأمراء والأجناد ونواب المماليك، وأن ينفرد وحده بالتحدث في المملكة، بعد ما تقرر ذلك مع الأمراء والمماليك ورضوا به.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه: قبض على جماعة من خدام السلطان، منهم الطواشي دينار اللالا، والطواشي شاهين دست، والطواشي سنبل اللفاف، وأدخلوا قاعة الصاحب على حمل مال.

وفيه خلع على جمال الدين محمود القيصري العجمي، خطيب مدرسة ألحاي واستقر في حسبة القاهرة، عوضا عن شمس الدين محمد الدميرى فسخر العامة منه واستهزءوا به، لعهدهم به أمس - وهو من فقراء العجم، يجلس تجاه باب المارستان بالقاهرة، ويبيع التمر - فلم يجد له بيتا ينزل فيه، حتى نزل في بيت تاج الدين أحمد بن علي بن الظريف، إلى أن وجد دارا سكنها.
وفي يوم السبت رابع عشرينه: أفرج عن الصاحب شمس الدين المقسي ناظر الخاص، بعد ما حمل مالاً عظيماً، وخلع عليه، واستقر في نظر الخاص ووكالة الخاص، على عادته.
وفي يوم الإثنين سادس عشرينه: قدم قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة وقاضى القضاة جلال الدين جار الله الحنفي، ومن رافقهما من الحجاج، بعد ما زاروا بيت المقدس، وعافاهم الله مما ابتلى به وقدم من العقبة من النهب والخوف الشديد والشنعة القبيحة، فعد هذا من سعادة قاضي القضاة برهان الدين.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه: خلع على علم الدين سليمان بن خالد بن نعيم البساطي - أحد نواب الحكم - واستقر قاضي القضاة المالكية، عوضاً عن بدر الدين عبد الوهاب الأخناى، بواسطة برهان الدين إبراهيم بن اللبان له، الأمير قرطاي. وكان إبراهيم هذا أبوه لبانا، يبيع اللبن خارج القاهرة، فنشأ في صغره مع الفقهاء المالكية، وتفقه على مذهب مالك، وخدم الأتراك، ومنهم قرطاي، فلما صار قرطاي من الأمراء في هذه النوبة، جعل إبراهيم شاهد ديوانه، ومن جملة موقعي الدست، فهرع الناس لبابه في طلب شفاعاته لهم، وتحدث للبساطي في ولاية القضاء مع مخدومه الأمير قرطاي وكان الوقت قابلا، فولاه وظيفة القضاء، فاستناب عنه في الحكم ابن اللبان، وقدم جماعة من المالكية كانوا في الأعين محتقرين وعند الناس غير وجيهين، ولا معتبرين فناسب الحال في الدولة.
وفي هذا الشهر: استقر في سلطنة ماردين الملك الظاهر مجد الدين عيسى بن المظفر فخر الدين داود بن الصالح صالح بن منصور غازي بن المظفر قرا أرسلان بن أرتق أرسلان بن إيلغازي بن ألبى بن تمر تاش بن إبلغازي بن أرتق الأرتقى، بعد موت أبيه، وكتب إلى السلطان يعلمه بذلك، فأجيب بتعزيته وتهنأته.وولي الأمير أرغون الأسعردي نيابة طرابلس عوضاً عن منكلي بغا البلدي الأحمدي. واستقر برهان الدين أبو سالم إبراهيم بن محمد بن علي الصنهاحي قاضي المالكية بحلب في قضاء المالكية بدمشق،عوضاً عن زين الدين أبي بكر المازوني. واستقر جلال الدين أبو المعالي محمد بن قاضي القضاة نجم الدين محمد بن فخر الدين عثمان الزرعي، في قضاء القضاة الشافعية بحلب بعد وفاة ابن عمه فخر الدين عثمان الزرعي، واستقر محب الدين أبو المعالي محمد بن الشيخ كمال الدين أبو الفضل محمد بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشحنة في قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن الجمال إبراهيم بن العديم، ثم عزل بعد قليل، وأعيد ابن العديم، واستقر ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن تقي الدين عمر بن نجم الدين محمد بن عمر بن أبي الطيب في كتابة السر بحلب، عوضاً عن شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر الحنفي. وولى الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس مملكة اليمن بعد وفاة أبيه.وفيه كانت النفقة في المماليك، وعدتهم ثلاثة ألاف، لكل واحد خمسمائة دينار، عنها عشرة ألاف درهم فضة، حساباً عن كل دينار عشرون درهماً، ومبلغ ذلك ألف ألف وخمسمائة ألف دينار، صودر فيها عامة كتاب الدولة، وأعيان الطواشية، وطرح فيها عدة بضائع من أصناف الخاص على التجار، وألزموا بحمل أثمانها، فنالهم بسبب ذلك عناء شديد، ولم يسمع. بمثل هذه النفقة في الدولة التركية.
وفي يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة: خلع علي تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين محمد ناظر الجيش واستقر في الجيش بعد وفاة أبيه.
وفي آخره: توجه قاضي القضاة شرف الدين محمد بن منصور الحنفي من القاهرة، عائداً إلى مدينة دمشق، وهو متضعف منذ رغب عن منصب القضاء.
وفي هذه السنة: ابتدأ الوباء من ذي القعدة، فمات جماعة كثيرة بالطاعون، وخرجت السنة والوباء شديد.
ومات في هذه السنة من الأعيان

السيد الشريف نقيب الأشراف بحلب، شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد ابن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن زيد بن جعفر بن إبراهيم الممدوح الحسيني الحلبي، وقد أناف على سبعين سنة.وقال العلامة حسن بن زين الدين طاهر بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي يومئذ:
مضى إلى الله جميل الثنا ... لما قضى العمرمدى حده.
فلا حرمنا منه أجرا وقد ... كان لنا الأسوة في جده.
وفيه يقول العلامة والد طاهر المذكور:
جرت أعين الشهبا بعد شهابها ... سليل الكرام السيد الشامخ الذرا.
فقل لبنيه الطاهرين تثبتوا ... لكم أسوة في جدكم سيد الورا.
وتوفي المحدث شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني، الفقيه الشافعي، شيخ خانكاه الأمير طيبغا الطويل، في يوم الإثنين ثاني عشر جمادى الآخرة، ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير لاجين، أحد الطبلخاناه في يوم السبت ثامن شهررجب.
ومات الأمير أستبغا العزي، أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير أستبغا عبد الغني، أحد العشرات.
ومات الأمير ألطنبغا الإبراهيمي، أحد العشرات.
ومات الأمير إياس المرديني، أحد العشرات.
ومات الأمير جركتمر الخاصكي، أحد أمراء الألوف، يوم الأربعاء تاسع عشر ومات الأمير صلاح الدين خليل بن الأمير قوصون، أحد أمراء الألوف، في يوم الثلاثاء خامس عشرين رجب.ومات الأمير طاز العثماني، أحد أمراء الألوف، في يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة.
ومات الأمير طيدمر البالسي، أحد أمراء الألوف.
ومات الأمير طغيتمر العثماني، أحد أمراء الطبلخاناه.
ومات الأمير جرجي البالسي، أمير جندار.
ومات الأمير شاهين أمير علم، أحد العشرات.
وتوفي جمال الدين أبو محمد عبد الله بن كمال الدين أبي المعالي محمد بن عماد الدين أبي الفدا إسماعيل بن تاج الدين أبي العباس محمد بن شرف الدين بن أبي الفضل أحمد بن سعيد بن محمد بن سعيد بن الأثير الحلبي الأصل، المصري المنشأ والوفاة، في يوم الخميس ثاني عشرين جمادى الآخرة بالقاهرة، عن أربع وسبعين سنة، وولى كتابة السر بدمشق وكتب الإنشاء بقلعة الجبل، ثم تنزه عن ذلك، وانقطع إلى ربه حتى مات، وكان فاضلاً له عدة مصنفات.وتوفي ناظر الجيش بحلب ودمشق، تاج الدين عبد الله بن مشكور، في جمادى الآخرة بدمشق، وكان مشكور السيرة، وله مروءة.وتوفي مسند الشام زين الدين عمر بن الحسن بن مزيد بن أمية، المراغي الأصل، الحلبي الدمشقي، في يوم الإثنين ثامن ربيع الآخر بدمشق، ومولده في رجب سنة ثمانين وستمائة، تفرد بأشياء رواها عنه الناس.
وتوفي قاضي القضاة الشافعية بحلب، فخر الدين عثمان بن صدر الدين أحمد بن أحمد بن عثمان الزرعي الشافعي، في سادس شعبان بحلب.وتوفي خطيب حلب، علاء الدين علي بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن عشاير، الحلبي الشافعي، عن ستين سنة بحلب.
ومات بدمشق خواجا علاء الدين علي بن ذي النون الأسعردي، صاحب الخان خارج دمشق، وأحد أعيان التجار، في ذي القعدة.
وتوفي الشيخ تقي الدين إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح القرقشندي المصري الشافعي، مفتي القدس، ومدرس الصلاحية بها، في سادس جمادى الآخرة، ومولده سنة اثنتين وسبعمائة. كان يستحضر كتاب الروضة في الفقه، وحدث عن و زيره.
وتوفي فقيه دمشق عماد الدين إسماعيل بن خليفة بن عبد العال بن خليفة الحسباني الشافعي، في ذي القعدة.وتوفي الأديب البارع جمال الدين أبو الربيع سليمان بن داود بن يعقوب بن أبي سعيد المصري بحلب عن نحو خمسين سنة، وهو كاتب أديب منشئ ومن شعره:
بعدت ولم تقنع بذاك وإنما ... بخلت على الإخوان بالكتب والرسل.
وإنا لنجري في ودادك جهدنا ... وإن كنت تمشي في الوداد على رسل.

ومات الأمير قبلاي نائب حمص وحاجب دمشق، في شهر ربيع الآخر بحمص. وتوفي القاضي محب الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدايم التيمي الحلبي، ناظر الجيش، في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة. أخذ القراءات السبع عن التقي الصايغ، وسمع الحديث على نصر المنبجي، وعلى الحجاز ووزيره، والشريف أخى عطوف، وجماعة، وبرع في الفقه والنحو والتفسير، وصنف كتباً عديدة ودرس عدة سنين، وكتب الخط المنسوب، وفاق في معرفة الحساب، وباشر ديوان الأمير جنكلي بن البابا، ثم ديوان الأمير منكلي بغا الفخري، ثم ديوان قجاه أمير شكار، وولي نظر البيوت، ثم ولي نظر الجيش، بعد ابن خصيب، فبلغ فيه من نفوذ الكلمة، وشهرة الذكر، وارتفاع القدر، مبلغاً عظيماً في عدة دول.
وتوفي محتسب مصر،شمس الدين محمد، المعروف بابن أبي رقيبة الشافعي.
وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن سرتقطاي، أحد العشرات.
وتوفي الأمير شرف الدين موسى بن الأمير قبلاى أحد الطبلخاناة.
وتوفي قاضي القضاة الحنابلة بحلب، شرف الدين موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض المقدسي الصالحي، وهو أول من ولي قضاء حلب من الحنابلة. باشر وظيفة القضاء بها نيفا وعشرين سنة، حتى مات في ذي القعدة، وقد أناف على تسعين سنة.
ومات الأمير الطواشي ظهير الدين مختار الدمنزوري، مقدم المماليك.
وتوفي الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الرحيم التونسي النحوي المالكي، في ليلة الجمعة رابع عشر شعبان بالقاهرة.
ومات الأمير قطلوبغا المنصوري، حاجب الحجاب، في يوم الأربعاء سادس عشرين وتوفي الأمير أرغون شاه الجمالي الخاصكي، رأس نوبة، مذبوحا هو والأمير صرغتمش، والأمير بيبغا السابقي، والأمير بشتاك، والأمير أرغون المعزي الأقرم، في يوم الأحد رابع ذي القعدة.
وتوفي محتسب القاهرة بهاء الدين محمد بن محمد بن محمد بن المفسر، في يوم الجمعة آخر جمادى الآخرة.
وتوفي السيد الشريف نقيب الأشراف وموقع الدست فخر الدين أحمد بن علي الحسين بن حسن بن محمد بن حسين بن حسن بن زيد، في يوم السبت أول شهر رجب.
وتوفي ناصر الدين محمد المقسى، أستادار الأمير صرغتمش، في يوم الإثنين سابع عشر رجب، وله مسجد بالمقس خارج القاهرة.
وتوفي الفقير المعتقد على السدار صاحب الزاوية بحارة الروم من القاهرة، في يوم الخميس سابع عشرين رجب.
وتوفي شمس الدين محمد بن براق الدمشقي، أحد موقعي الدست في أخر شهررجب.
وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير الكبير ظاز، يوم السبت ثامن عشرين شعبان.
وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن قماري، في يوم الخميس حادي عشر رمضان.
وتوفي الأمير بكتمر السيفي، والي القاهرة، في يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول.
ومات الطواشي شرف الدين مختص، المعروف بشاذروان، مقدم المماليك، في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان.
ومات صدر الدين بن البارنباري، أحد موقعي الإنشاء، في يوم الثلاثاء ثالث شعبان.
وتوفي بدر الدين حسن المليكشي المالكي، في تاسع ذي الحجة.
وتوفي خطيب المدينة النبوية شهاب الدين أحمد بن سليمان الصقيلي الشافعي بالقاهرة، في يوم الإثنين ثامن ربيع الآخر، وهو من ناحية صقيل بالجيزة.
وتوفي قاضي المالكية بدمشق، زين الدين أبو بكر بن علي بن عبد الملك المازوني، في شوال.
وتوفي الأمير يونس العمري. أحد الطبلخاناه.
وتوفي الأمير يعقوب شاه أحد الألوف، في يوم الإثنين سابع عشر شهر رجب.
وتوفي مؤدب الأطفال شمس الدين محمد بن عمر الخزرجي.
وتوفي الفقير المعتقد علي العقيدي، بائع العقيد بالقاهرة، في يوم الثلاثاء رابع رجب، وحكيت له كرامات.
وتوفي التاجر زكي الدين أبو بكر بن الحمامية في رابع رجب، وترك مالاً جزيلا.
وتوفي الفقير المعتقد جمال الدين الأصفهاني بسطح الجامع الأزهر، في ثالث عشر ذي الحجة.
وتوفي المسند جمال الدين يوسف بن عبد الله بن حاتم بن محمد بن يوسف بن الحبال البعلبكي، ومولده في صفر سنة ثمانين وستمائة، حدث عن جماعة.
ومات سلطان بنى مرين، صاحب فاس وبلاد المغرب، السلطان أبوالعباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن في جمادى الآخرة، وملك بعده السلطان الواثق محمد ابن أبي الفضل بن أبي الحسن.
سنة تسع وسبعين وسبعمائة

أهلت والأمراض في الناس فاشية، فتزايد الوباء في هذا الشهر، ومات جماعة من الناس بالطاعون.
وفي خامس المحرم: خلع علي الأمير شهاب الدين قرطاي، واستقر أتابك العساكر. وخلع على الأمير زين الدين مبارك الطازي، واستقر رأس نوبة كبيرا، وخلع على الأمير سودن جركس، واستقر أستادار، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير قرابغا الأناقي، أحد العشرات، واستقر في ولاية مصر، وأفرج عن الأمير قطلو أقتمر الطويل العلاي، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وقبض علي الأمير طولوا الصرغتمشى بقطيا وقد عاد من الشام، لما كان من ظلمه وعسفه.
وفي تاسعه: وصل أولاد قلاوون من الكرك وهم الملك المنصور محمد بن حاجي ابن محمد بن قلاوون، وأولاد الناصر حسن وهم أحمد وقاسم وعلي واسكندر وموسى وإسماعيل ويوسف ويحيى وشعبان ومحمد، وأولاد حسن بن محمد بن قلاوون، وهم أنوك وأحمد وإبراهيم وجان بك ومحمد بن الصالح صالح بن محمد بن قلاوون وقاسم بن أمير علي بن يوسف، فأدخلوا بحريمهم وأولادهم إلى قلعة الجبل ليلا، وأنزلوا بدورهم منها.
وفي عاشره: قدم الأمير ناصر الدين محمد آقبغا آص، فأمر أن يقيم بداره.
وفي تاسع عشره: خلع على الأمير الكبير قرطاي، واستقر في نظر المارستان. ونزل إليه بتشريفة، فنظر في أحوال المرضى وغيرهم على العادة، ثم عاد إلى منزله.
وفيه قبض على الأمير يلبغا النظامي - أحد الأمراء الآلوف - وعلى أستبغا النظامي، أحد أمراء الطبلخاناه.
وفي عشرينه: خلع على الأمير سودن الشيخوني، وعلى الأمير بلوط الصرغتمشى، واستقرا حاحبين، يحكمان بين الناس.
وفي رابع عشرينه: عزل الأمير منكلي بغا البلدي من نيابة طرابلس، والأمير تمرباى من نيابة صفد.وفيه قدم محمل الحاج صحبة الأمير بهادر الجمالي، وقدم الخبر بأن أهل البحيرة قد عصوا، وفي أخره خلع على الأمير عز الدين أينبك البدري، واستقر ناظر المارستان، عوضاً عن الأمير الكبير قرطاي.
وفي خامس صفر: قدم البريد بسيف منكلي بغا البلدي من طرابلس وأنه سجن بالكرك.
وفي تاسعه: قدم الأمير. يلبغا الناصري من الشام باستدعاء، بعد ما نفي إليها، فأنعم عليه بإمرة طبلخاناه.

وفي عاشره: أخذ قاع النيل، وكان خمس أذرع وأربع وعشرين إصبعا، وكان في العام الماضي خمس أذرع وست عشرة إصبعا.وفيه ورد البريد بأن تمر باى الدمرداشي لم يسمع لعزله عن نيابة صفد، وخرج عن الطاعة.وفيه استقر الأمير أرغون الأسعردي في نيابة طرابلس، عوضاً عن منكلي بغا البلدي. واستقر الأمير تمراز الطازي في نيابة حماة، واتفق أن الأمير قرطاي تزوج بابنة الأمير أينبك، وشرع في عمل المهم للعرس، فأخذ أينبك في العمل عليه، واستمال جماعة من أصحابه، منهم برقوق العثماني، أحد المماليك الأجلاب اليلبغاوية، وبركة، ووعدهم بإمرات طبلخاناه، فمالوا إليه، وواعدوه على الفتك به، فلما كان يوم الأحد عشرينه، حمل الأمير أينبك تقدمة برسم عرس الأمير قرطاي، وجهزها إليه، ما بين خراف ودجاج وأوز وسكر، ومن جملتها عدة جرار حمر قد عمل فيه بنج، فقدمت إليه فقبلها، وخلع على محضرها، وجلس للشرب مع أصحابه من الخمر الذي بعث به إليه أينبك، فاختلط، وصار كالحجر الملقى لا يحس ولا يدري، فبعث أصحابه الذين استمالهم أينبك إليه يعلموه. بما صار إليه، وأنهم قد احترزوا على أنفسهم حتى لم يصبهم شيء مما أصابه، فركب في الحال بآلة الحرب، وأنزل بالسلطان من قصره إلى الإصطبل، وأمر بدق الكوسات فدقت حربيا، حتى اجتمع الأمراء والمماليك للقتال مع السلطان على العادة، فلم يزل الأمير أينبك راكبا تحت القلعة من عصر يوم الأحد، حتى أصبح نهار يوم الإثنين. هذا وقرطاي ومن معه من الأمراء الألوف والطبلخاناه وغيرهم في غيبة من السكر لايعون ولا يفيقون، وهم الأمير أسندمر الصرغتمشى، والأمير سودن جركس، والأمير قطلوبغا البدري، والأمير قطلوبغا جركس أمير سلاح، والأمير مبارك الطازي، في آخرين فلما أصبحوا أفاق قرطاي إفاقة ما، وبعث يسأل الأمير أينبك أن ينعم عليه بنيابة حلب، فأرسل إليه التشريف ليلبسه ويخرج من وقته، وكان أينبك قد أحاط في الليل بإصطبلات الأمراء الذين عند قرطاي وخواص مماليكه أيضاً، وأخذ خيولهم بأجمعها، وكان مماليك قرطاي قد أعياهم أمره، وعجزوا عن إيقاظه، وأتوه في الليل برئيس الأطباء، فعالجه ومن معه من الأمراء، فلم ينجع فيهم الدواء، فلما جاءه التشريف بنيابة حلب مع عدة من أصحاب أينبك، أخذوا قرطاي وأخرجوه من باب سرداره، ومروا به، وهو لا يعي حتى أوصلوه إلى سرياقوس وعبر الأمير أينبك إلى بيت قرطاي - بعد إخراجه منه - وقبض على الأمراء وعلى عامة أصحاب قرطاي، وحبسهم مقيدين، وبعث بعدة منهم إلى ثغر الإسكندرية، فسجنوا بها، ونودي في القاهرة " الأمان والإطمئنان، والبيع والشراء، والدعاء للسلطان الملك المنصور " . ففتحت الأسواق.
وفي ثاني عشرينه: أخرج الأمير أتمر الحنبلي نائب السلطان إلى الشام منفيا.وفيه خلع على بدر الدين عبد الوهاب الأخناي، وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية. عوضاً عن علم الدين سليمان البساطي.وفيه نودي بالقاهرة ومصر " من كانت له ظلامة، فعليه بباب الأمير أينبك " .
وفي آخره: أشيع بأن الأمراء تركب للحرب، فرسم للأمير حسين بن الكوراني وإلى القاهرة بقتل جماعة لإرهاب العامة، فأخرج عدة من خزانة شمايل قد وجب عليهم القتل، ونحرهم، ونودي عليهم " وهذا جزاء من يكثر فضوله. ويتكلم فيما لا يعنيه " . ثم وسطهم تحت القلعة.
وفي ثالث عشرينه:سمر ثلاثة مماليك صبيان، من أجل أنهم نهبوا من خيول الأمير أقتمر الحنبلي، وطيف بهم القاهرة وتحت القلعة.وفيه أخرج الأمير بيقجا الكمالي منفيا.
وفي يوم الخميس رابع عشرينه: خلع على الأمير أينبك، واستقر أتابك العساكر، عوضا عن قرطاى، وخلع على الأمير أقتمر عبد الغني، واستقر نائب السلطان، عوضا عن أقتمر الحنبلي، وخلع على الأمير بهادر الجمالي، المعروف بالمشرف، واستقر أستادارا، عوضا عن سودون جركس، وخلع على الأمير بلاط السيفي، واستقر أمير سلاح. وخلع على الأمير ألطنبغا السلطاني، واستقر أمير مجلس، وخلع على الأمير دمرداش اليوسفي، واستقر رأس نوبة كبير، وخلع على الأمير أطلمش الأرغوني، واستقر دوادارا، عوضا عن فخر الدين إياس الصرغتمشى، وخلع على قطلوخجا السيفي، وأنعم عليه بتقدمة، وخلع على الأمير يلبغا الناصري، وأنعم عليه بتقدمة ألف، واستقر رأس نوبة ثانيا، وخلع على الطواشي مقبل

الدواداري، واستقر زام الدار، عوضا عن مثقال الجمالي، وخلع على الأمير أربوز السيفي، واستقر مهمندار بإمرة عشرة.وفيه أنعم على برقوق العثماني بإمرة طبلخاناه، وعلى بركة بإمرة طبلخاناه وكان من جملة المماليك، صارا من إقطاع الحلقة إلى إمرة طبلخاناه من غير أن يكونا من أمراء العشرات.وفيه خلع على عبد العال، شاهد مطبخ الأمير أينبك، واستقر في توقيع الدست، عوضاً عن برهان الدين إبراهيم بن اللبان، شاهد قرطاي.وفيه سكن الأمير الكبير أينبك بالإصطبل السلطاني، ولم تجر عادة من تقدموا بذلك. وفيه أنعم على ولديه أحمد وأبي بكر بتقدمتي ألف، وسكنا في بيت قرطاي تجاه باب السلسلة.واستقر الأمير علاء الدين علي بن قشتمر في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن صلاح الدين خليل بن عرام، واستدعي ابن عرام إلى القاهرة.
وفي أول شهر وبيع الأول: خلع على الأمير بهادر الجمالي، واستقر في نظر المارستان.
وفي يوم الأحد رابعه: استدعى الأمير الكبير أينبك، الخليفة المتوكل على الله محمد إلى حضرته، وأراد أن يجعل في السلطة الأمير أحمد بن الأمير يلبغا العمري، فاعتذر بأنه ابن أمير وليس من بيت الملك، فقال له أينبك: " إنما هو ابن السلطان حسن، حملت به أمه، فلما قتل السلطان أخذها الأمير يلبغا فولدته على فراشه " . فلم يوافقه على ذلك، فسبه الأمير أينبك، وقال له: " ما أنت فاره إلا في اللعب بالحمام، والإشتغال بالجواري المغنيات، والضرب بالعود " ، ونهره، وأمر به فأخرج منفياً إلى قوص ، فنزل برباط الآثار خارج مدينة مصر، ليجهز حاله للسفر، وبات الناس في قلق، وعلى تخوف من ركوب الأمراء للحرب، وفي يوم الإثنين خامسه استدعى الأمير الكبير أينبك بزكريا بن إبراهيم بن محمد بن أحمد الحاكم وخلع عليه، واستقر به خليفة، عوضاً عن المتوكل على الله، ولقبه المستعصم بالله، وفي عصر هذا اليوم بعث الأمير أينبك بالأمير بلوط الحاجب إلى الخليفة المتوكل حتى عاد من رباط الآثار إلى داره، فلزمها.وفيه خلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، واستقر حاجب الحجاب. وخلع على الأمير جمال الدين عبد الله بن بكتمر، واستقر حاجبا ثانيا.
وفي ثامنه: أخرج بالأمير أرغون العثماني منفيا إلى الشام.وفيه أنزل الأمير الكبير أينبك. بمائتي مملوك، أسكن مائة بمدرسة حسن، ومائة. بمدرسة الأشراف.
وفي يوم السبت سابع عشره: ورد الخبر بأن الأمير طشتمر نائب الشام، والأمير أشقتمر نائب حلب، والأمير تمرباى نائب صفد، والأمير منكلي بغا البلدي - وقد خرج من سجن الكرك، وأنعم عليه بإقطاع جنتمر أخي طاز وتقدمته - والأمير أرغون الأسعردي، والأمير قرطاي، قد خرجوا عن الطاعة، وصاروا في جمع كبير من المماليك والعربان والتركمان، وقالوا: " لا ترضى بتحكم أبنبك " . " وأنهم جميعا في طاعة الأمير طشتمر، وقد عزموا على المسير إلى مصر، وأخذها من أينبك " ،. وقد منعوا البريد بأن يرد إلى مصر.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره: قدم الأمير أقتمر الحنبلي، والأمير قرطاي إلى دمشق، فتلقاهما الأمير طشتمر، وبالغ في إكرامهما، وفيه جمع الأمير أينبك الأمراء والقضاة، وحلف الأمراء لنفسه وللسلطان، وأمرهم بأن يتجهزوا إلى الشام، وأمر بالجاليش السلطاني، فعلق على الطبلخاناه من قلعة الجبل.
وفيه - وهو سابع عشرين تموز وثالث مسرى - : وقع مطر كبير جداً، سال منه جبل المقطم، وكان مع ذلك رعد قوي وبرق متواتر، وتساقطت في الليل نجوم عديدة.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه: خلع على الخليفة المتوكل على الله، واستقر خليفة على عادته.
وفي يوم الجمعة ثالث عشرينه: خلع على شمس الدين محمد الدميري وأعيد إلى حسبة القاهرة، عوضا عن جمال الدين محمود العجمي.وفيه خرج الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، ليقف على رأس الرمل بطريق الشام؛ ليرد من عساه يتسحب من المماليك إلى الشام.
وفي يوم الإثنين سادس عشرينه: خرج الجاليش سائرا إلى الشام، وهم خمسة أمراء مقدمي ألوف: قطلوخجا، والأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير الكبير أينبك، والأمير يلبغا الناصري، والأمير دمرداش اليوسفي، والأمير بلاط الصغير، والأمير تمر باي الحسني، وأربعة أمراء طبلخاناه، وهم: بورى الأحمدي، وآقبغا آص الشيخوني، وبرقوق العثماني، وبركة، ومائة من المماليك السلطانية، ومائة من مماليك الأمير أينبك.

وفي يوم الخميس تاسع عشرينه: خرج طلب السلطان، وطلب الأمير الكبير أينبك، وسائر أطلاب الأمراء وغيرهم.
وفي يوم السبت أول شهر ربيع الآخر: ركب السلطان والأمير قطلوأقتمر الطويل، والأمير مبارك الطازي، والأمير ألطنبغا السلطاني، والأمير إينال، في بقية الأمراء والمماليك، وسار من قلعة الجبل حتى نزل. بمخيمه على ناجية العكرشا، شمالي سرياقوس. وفيه نودي أن النيل أربعا وعشرين إصبعا من أول النهار، ثم نودي عند العصربزيادة اثنتي عشرة إصبعا، لتتمة ست عشرة ذراعاً، وزيادة إصبع من سبع عشرة ذراعا، وذلك هو اليوم الخامس عشر من شهر مسرى، فسر الناس الوفاء وخروج أينبك من البلد، وكان أينبك قد ثقل على الناس وتطيروا له بذلك، فقالوا: " خرج في يوم الكسر " ، فوقعت عليه الطيرة.
وفي يوم الأحد ثانيه: فتح الخليج على العادة، فنودي بزيادة خمس أصابع.
فلما كان بعد عصر هذا اليوم رجع الأمير أينبك بالسلطان إلى القلعة ومعه الأمير قطلو أقتمر الطويل، والأمير ألطنبغا السلطاني، وقد اضطربت القاهرة، وذلك أن أمراء الشام وردت. مكاتبتهم إلى أمراء مصر، تتضمن توبيخهم على تقديمهم أينبك وتمكينمه من الإنفراد بالتدبير، وقرروا معهم إشاعة مخامرة نواب الشام، وخروجهم عن الطاعة، وعمل الحيلة في إزعاج أينبك حتى يخرج لمحاربتهم بالشام، ليحصل التمكن من القبض عليه، فدبروا على أينبك، حتى خرج بالسلطان، وسار جاليش العسكر حتى نزل بالصالحية فبلغ الأمير قطلوخجا، أخوأينبك وهو مقدم الجاليش، أن الذين معه من الأمراء والمماليك قد اتفقوا على أن يكبسوه، فجمع مماليكه ومماليك الأمير أحمد بن أينبك، وبادر ليأخذهم قبل أن يأخذوه، وركب إليهم وهم متهيئون له، فقاتلوه وكسروه كسرة قبيحة، لم ينج منها إلا بنفسه وثلاثة معه، وأقبل إلى أخيه أينبك فلم يثبت، ورجع من فوره بالسلطان، وكان رأس هذه الحركة ومحرك سلسلتها الأمير برقوق العثماني.
وفي غده - يوم الإثنين ثالثه - : أنزل الأمير أينبك بالسلطان من قصره إلى الأصيل، ودقت الكوسات حربيا، ليجتمع العسكر على العادة، وكان قد اتفق الأمير قطلو أقتمر الطويل - هو والأمير ألطنبغا السلطاني، وجماعة كبيرة - على مخالفة أينبك، وتوجها نصف الليل إلى قبة النصر، خارج القاهرة، ووقفوا هناك للحرب، فبعث إليهم الأمير أينبك بأخيه الأمير قطلوخجا، ومعه نحو مائتي فارس، فلقيه القوم وقاتلوه، وأخدوه أسيراً. فبعث إليهم من الأمراء أقتمر عبد الغني، وبهادر الجمالي،ومبارك الطازي، فعندما ساروا عنه لم يثبت، وفر إلى جهة كيمان مصر، فتبعه الأمير أيدمر الخطاي في جماعة، فلم يقفوا له على خبر، ثم رأوا فرسه وقباه وآلة حربه، فعادوا بذلك، وقد بلغ قطلو أقتمر الطويل فرار أينبك، فعاد بمن معه، وضرب رنكة على بيت أحمد بن أينبك بالرميلة ليستولي عليه. بما فيه، وسكن حيث كان سكن أينبك من الإصطبل السلطاني، وظن أنه قد أمن، وقلع عنه السلاح، وأقام ينتظر قدوم من خرج من الأمراء والمماليك في الجاليش، ليقوى بهم.فلما كان بكرة الغد - يوم الثلاثاء رابعه - قدم أمراء الجاليش. بمن معهم، وهم الأمير دمرداش اليوسفي، والأمير بلاط الصغير، والأمير يلبغا الناصري، وثلاثتهم مقدموا ألوف، والأمير برقوق العثماني، والأمير بركة، وهما طبلخاناه، وطلعوا إلى الإصطبل، ودار بينهم وبين الأمير قطلو أقتمر الطويل كلام آل إلى اختلافهم وتنازعهم، فقبضوا عليه وعلى الأمير ألطنبغا السلطاني، والأمير مبارك الطازي، وقيدوهم ثلاثتهم ، وبعثوا بهم عشية النهار إلى سجن الإسكندرية، مع الأمير جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب فسجنوا به، وصار التحدث من الأمراء في الدولة للأمير يلبغا الناصري، وأخرج البريد من وقته وساعته لإحضار الأمير طشتمر نائب الشام.
وفي يوم الخميس سادسه: وقفت العامة تطلب عزل الدميري وإعادة العجمي إلى الحسبة، فأجيبوا إلى ذلك، وخلع على جمال الدين محمود العجمي وأعيد إلى الحسبة، عوضا عن شمس الدين محمد الدميري.وفيه أنعم على كل من الأمير برقوق العثماني والأمير بركة بتقدمة ألف واستقر الأمير يلبغا الناصري أمير أخور، وسكن بإصطبل، كما سكن أينبك، وقطلو أقتمر الطويل.

وفي يوم الأحد تاسعه: جاء الأمير أينبك. بمفرده إلى بيت الأمير بلاط الصغير. فطلع به إلى الأمير يلبغا الناصري، وقد سكن أيضاً بالإصطبل، فقيده، وقبض معه على أمير اسمه نعناع، وبعث بهما مقيدين إلى الإسكندرية فسجنا بها أيضاً.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره: قدم البريد إلى دمشق بطلب الأمير قشتمر وهو بقبة يلبغا - خارج المدينة - وقد برز ومعه العساكر ونواب الشام، يريد المسير إلى مصر ومحاربة أينبك، ونزع يده من التصرف. فلما قرأ كتاب السلطان. بما كان من القبض على أينبك، وسجنه بالإسكندرية، والمرسوم له بأن يحضر إلى مصر ليكون الأمير الكبيرالأتابك، ويحضر صحبته الأمير تمرباى ليستقر رأس نوبة كبير، وأن يستقر الأمير أقتمر الحنبلي في نيابة الشام، والأمير أشقتمر في نيابة حلب، والأميرمنكلي بغا الأحمدي في نيابة حماة والأمير أقبغا الدوادار نائب غزة في نيابة صفد فسر بذلك وتفرقت تلك العساكر، وتوجه الأمير طشتمر إلى مصر، واستقر الأمير أقتمر الحنبلي في نيابة الشام، عوضاً عن الأمير طشتمر.
وفي يوم الأحد سادس عشره: بلغ الأمراء القائمين بأمر الدولة، وهم: يلبغا الناصري، وبرقوق، وبركة، أن جماعة من الأمراء قد عزموا على الفتك بهم، فركب الأمراء الثلاثة في عدة من اليلبغاوية، وقبضوا على الأمير دمرداش اليوسفي، وعلى الأمير تمر باى الحسني، وعلى الأمير آقبغا آص الشيخوني، وعلى الأمير قطلوبغا الشعباني، وعلى الأمير دمرداش التمان تمرى المعلم، وعلى الأمير أسندمر العثماني، وعلى الأمير بجمان العلاي، وعلى الأمير أسنبغا التلكي، وقيدوهم، وبعثوا بهم إلى الإسكندرية، فسجنوا بها وهؤلاء ممن وثب من المماليك في هذه الفتنة، وعمل أميرا. وفيه قبض على الطواشي مختار الحسامي مقدم المماليك، وسجن بالبرج من القلعة.
وفي يوم الأحد ثالث عشرينه: خلع على مختار، وأعيد إلى تقدمة المماليك.وفيه ركب الأمير برقوق العثماني - وقت القايلة - في جماعة من أصحابه، وصعد إلى الإصطبل، وأنزل الأمير يلبغا الناصري منه، ونزعه من وظيفته، وسكن في موضعه من الأصطبل السلطاني، واستقر عوضه أمير أخور، واستقر بأخيه الأمير بركة الجوباني أمير مجلس، وأسكنه في بيت الأمير قوصون، تجاه باب السلسلة من الرميلة، واقتسما الحكم في الدولة بينهما.
وكانت الفتن التي تقدم ذكرها، وثورات المماليك، وتغير دولهم، إنما هي توطئة لبرقوق، وتمهيد له حتى ملك البلاد، وقام بدولة الجراكسة، كما ستراه إن شاء الله تعالى، فإنه من يومه هذا استقر قراره بالإصطبل ورسخت قدمه في الدولة، وثبت أوتاده بها، وما زالت الأقدار تساعده، والأيام تساعده، حتى استبد بالمملكة، وانفرد بتدبير السلطة، وصعد من الإصطبل، فسكن القصر حتى نقل منه إلى القبر عزيزا منيعا، عالي القدر رفيعا، فسبحان من يدبر الأمر كله، لا إله إلا هو.
وفي يوم الإثنين رابع عشرينه: خلع على الأمير جمال الدين مغلطاي الشرفي واستقر في ولاية القاهرة، عوضاً عن حسين بن علي الكوراني، وقبض على حسين واعتقل.
وفي يوم الإثنين أول جمادى الأولى: قدم الأمير طشتمر العلاي من دمشق، فركب السلطان والأمراء إلى لقائه، فلما رأى السلطان بالريدانية، خارج القاهرة، نزل عن فرسه وقبل الأرض وبكى، فنزل إليه الأمراء وسلموا عليه وأركبوه، وساروا به إلى القلعة، فخلع عليه، واستقر أتابك العساكر، وخلع على الأمير تمر باي الدمرداشي - وقد قدم أيضاً - واستقر رأس نوبة كبيرا، وأنعم على الأمير تغرى بتقدمة ألف، فكان يوما مشهودا.
وفي يوم الأربعاء ثالثه: نودي بالقاهرة ومصر: " من ظلم فعليه بباب الأمير طشتمر الأتابك " .وفيه خلع على الأمير برقوق، واستقر أمير أخور، وخلع على الأمير بركة، واستقر أمير مجلس.وفيه أنعم على الأمير أطلمش الأرغوني بتقدمة ألف، واستقر دوادار، وعلي يلبغا المنجكي، واستقر شاد الشراب خاناه. وعلى الأمير بلاط، واستقر أمير سلاح، ورسم أن يجلس بالإيوان في وقت الخدمة.
وفي يوم الإثنين خامس عشره: أفرج عن الأمير سودن جركس،والأمير قطلوبغا جركس، والأمير قطلوبغا البدري، والأمير ألطنبغا السلطاني، والأمير طغيتمر الناصري، والأمير ألجبغا السيفي، والأمير إياس الصرغتمشى والأمير قطلوبغا البشيري، والأمير أسنبغا، ورسم إحضارهم من الإسكندرية.

وفي عشرينه: خلع على برهان الدين إبراهيم الأبناسي - من أعيان الفقهاء الشافعية - واستقر في مشيخة خانكاه سعيد السعداء، بعد وفاة علاء الدين أحمد بن محمد السراي. ونزل معه شمس الدين أبو الفرج المقسي ناظر الخاص إلى الخانكاه.وفيه حمل إلى الأمير أقتمر الحنبلي تشريف نيابة دمشق وتقليده بها.
وفي خامس عشرينه: قدم الأمير قطلو أقتمر العلاي أمير جاندار، أخو الأمير أقتمر الحنبلي، والأمير علاء الدين علي بن تشتمر نائب الإسكندرية، فأنعم على كل منهما بإمرة مائة تقدمة ألف.وفيه أعيد الأمير صلاح الدين خليل بن عرام إلى نيابة الإسكندرية.
وفي سادس عشرينه: استقر الطواشي دينار الناصري لالا السلطان، وأخرج الطواشي مقبل الكلفتي منفيا، وخلع على الأمير تمرباي الدمرداشي، واستقر ناظر المارستان.
وفي سلخه: خلع على الأمير تغرى برمش، واستقر حاجب الحجاب، وعزل الأمير أقتمر عبد الغني من نيابة السلطنة، وخلع على الأمير علي بن قشتمر، واستقر حاجبا لها.
وفي ليلة الرابع من شهر رجب: تردى الأمير قطلو أقتمر الطويل، من مكان بسجنه من الإسكندرية، فمات، وقيل إنه كان سكرانا، ومنه تفرعت الفتن التي نرد ذكرها، ودفن من الغد ولم يصل عليه أحد.
وفي يوم الأحد خامسه: قدم الأمير أيتمش البجاسى إلى ثغر الإسكندرية، بالإفراج عن جميع الأمراء المعتقلين، ما عدا أربعة: الأمير أينبك، والأمير قطلو خجا، والأمير أسندمر الصرغتمشى، والأمير جركس الإلجاوي، وأفرج عنهم، وتوجه بهم إلى القاهرة،فلما وصلوا قريبا منها رسم بتفرقهم في البلاد الشامية، فساروا إلى حيث أمروا، وأحضر إلى قلعة الجبل منهم بأحمد بن همز وأسنبغا التلكي.
وفي يوم الإثنين ثالث عشره: خلع على علم الدين سليمان البساطي، وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية، عوضا عن بدر الدين عبد الوهاب الأخناي، وكتب باستقرار الأمير بيدمر الخوارزمي في نيابة الشام،عوضا عن الأمير أقتمر الحنبلي بعد وفاته. واستقر الأمير زين الدين مبارك شاه العلاي المشطوب في نيابة غزة .
وفي يوم الإثنين سابع عشرينه: خلع على صاحب كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، واستقر في الوزارة، عوضا عن التاج النشو الملكي، وسجن الملكي بقاعة الصاحب من القلعة، وفيه خلع على الأمير قطلو أقتمر أمير جندار أخي الحنبلي، واستقر في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ابن عرام، ورسم بإحضار ابن عرام وزوجته - الست سمراء - ليصادرا.
وفيه جهزت خلعة نيابة طرابلس إلى الأمير بلاط السيفي، وقد خرج إلى، ناحية العكرشا، ورسم له أن يتوجه من موضعه إلى طرابلس، ثم انتقض ذلك، واستعيدت الخلعة واستقر على حاله.
وفي ثاني شعبان: ارتجعت إمرية طيبغا الجمالي، وكان قد جرد لكبس الغربان بناحية أطفيح فكبسه العرب وجرحوه، وعاد مريضا من جراحته.
وفي هذه الأيام: عزل قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة نفسه من وظيفة قضاء القضاة، وخرج إلى تربة كوكاى، بنية العود إلى القدس، بعد أن انجمع عن أهل الدولة، وترك حضور الخدمة السلطانية بالإيوان في يومي الإثنين والخميس مع الأمراء مدة أيام، تورعا واحتياط لدينه، لما دهم الناس من تغير الأحوال، وحدوث ما لم يعهد، وتهاون القائمون بالدولة بالأمور الدينية فعين الأمير الأتابك طشتمر العلاي لقضاء القضاة سراج الدين عمر البلقيني قاضي العسكر، فلم توافقه بعض الأمراء، فتحدث لبدر الدين محمد بن أبي البقاء في ولايته.بمال قام به، فشق ذلك على البلقيني وترك قضاء العسكر لولده؛ فلما كان يوم الإثنين ثامن عشره، خلع علي بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء، واستقر في قضاء القضاة، عوضا عن برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وخلع علي بدر الدين محمد بن سراج الدين عمر البلقيني، واستقر في قضاء العسكر برغبة أبيه له عن ذلك.

واستقر الشيخ سراج الدين عمر البلقيني في تدريس المدرسة الناصرية بجوار قبة الشافعي - رحمه الله - من القرافة، واستقر الشيخ ضياء الدين عبيد الله القرمي - شيخ الخانكاه الركنية بيبرس - في تدريس الفقه وتدريس الحديث بالمدرسة المنصورية، عوضاً عن ابن أبي البقاء، واستقر جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني في توقيع الدست، عوضا عن أخيه بدر الدين، واستقر صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي - أحد نواب القضاة الشافعية - في إفتاء دار العدل، عوضا عن أبى البقاء، وخلع على الجميع، ونزلوا بين يدي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، فكان يوما مشهودا.وفيه أخرج الأمير بيبغا الطويل العلاي - أحد أمراء الطبلخاناه - منفيا إلى الشام.وفيه استقر الأمير منكلي بغا البلدي في نيابة طرابلس، عوضاً عن أرغون الأسعردي، واستقر الأسعردي في نيابة حماة، عوضاً عن منكلي بغا البلدي، واستقر أقبغا الجوهري - حاجب طرابلس - في نيابة غزة، عوضًا عن مبارك شاه المشطوب - واستقر مبارك شاه حاجبا بطرابلس.
وفي ثامن عشرينه: ارتجعت طبلخاناه طينال المارديني ،وعوض عنها بإمرة عشرة، ورسم أن يكون طرخانا.
وفي يوم الإثنين ثاني شوال: أمر الأمير برقوق بتسمير مملوك من مماليك السلطان السلاح دارية، اسمه تكا، فسمر وطيف به، وهو ينادي عليه. " هذا جزاء من يرمي الفتن بين الملوك، ويتكلم فيما لا يعنيه " من أجل أنه وشى به إلى الأمير طشتمر الأتابك بأن الأمير برقوق قد عزم أن يركب عليه، فبعث يعتبه على ذلك، فأنكر، وحلف، وطلب منه الناقل هذا عنه، فبعث به إليه، ففعل به ما ذكر.
وفي يوم السبت رابع عشره:صار قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة على البريد إلى القدس.
وفي يوم الإثنين سادس عشره: خلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، فاستقر في الوزارة، عوضاً عن ابن الرويهب، وخلع على التاج عبد الوهاب النشو الملكي، واستقر بعد الوزارة في نظر الدولة، عوضا عن سعد الدين بن الريشة، واستقر ابن الريشة في نظر الأسواق ودار الضيافة، وألزم ابن الرويهب بحمل مائة ألف درهم. وصادر الوزير ابن عرام مباشري الجهات جميعهم، فهرب أكثرهم.وكان الأمير بلاط أمير سلاح قد عدى النيل إلى الجيزة ونزل عند مرابط خيله على الربيع، ليتنزه هناك، فبعث إليه الأمراء بخلعة لنيابة طرابلس، وعوقت عنه المعادي في يوم الإثنين ثالث عشرينه وبعث من الغد إليه الأمير برقوق أمير أخور يخيره في نيابات البلاد، فامتنع من ذلك، وعزم على الحرب، وأقبل إلى ساحل النيل ليعديه، فوجد المعادي قد انحازت عنه إلى جهة بر مصر فسقط في يده، وأذعن للطاعة، فأخرج إلى القدس بطالا، وأنعم عليه بضيعة تغل في السنة نحو مائتي ألف درهم، فلما صار في أثناء الطريق، كتب بأن يتوجه إلى الكرك، ويقيم بها بطالا، ولم يجر في ذلك فتنة، إلا أن الأمير برقوق ألبس مماليكه آلة الحرب، حتى سار بلاط، ثم قبض على إخوته وحاشيته وأكابر مماليكه، وسجنوا، ومنع الأمراء من استخدام مماليكه عندهم.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة: خلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر أمير سلاح، عوضا عن بلاط، وخلع على الأمير إينال اليوسفي، واستقر رأس نوبة ثانيا، عوضا عن يلبغا الناصري، وكثر الرخاء في هذا الشهر، حتى أبيع الخبز البايت كل أربعة وعشرين رطلا بدرهم، حسابا عن كل رطل - وهو رغيف - بفلس، والجبن الجاموسي الطري كل عشرة أرطال بثلاثة دراهم ونصف درهم، والبيض كل أربعين بيضة بدرهم.
وفي ثامن عشرينه: خلع على الوزير صاحب تاج الدين عبد الوهاب النشو الملكي ناظر الدولة، واستقر في نظر الجيش، عوضا عن تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين محمد.

وفي ذي الحجة: توحش ما بين الأمير الكبير طشتمر الأتابك، وبين الأمير برقوق أمير أخور، وأخذ الأمير برقوق في التعنت عليه حتى يخالفه، فيجعل ذلك سببا لإثارة الفتنة، وصار برسل إليه بأن ينفي فلانا من مماليكه عنه، فيمتثل إشارته وينفي ذلك المملوك قصدا لإخماد الفتنة، حتى بعث إليه هو والأمير بركة بأن يقبض على مملوكه رأس نوبته كمشبغا، ويخرجه منفيا، فلم يجد بداً من ذلك، وأمر به فقبض عليه. وجلس بعد صلاة العشاء من ليلة عرفة على عادته مع خواصه يتحدث، وإذا بمماليكه قد دخلوا عليه لابسين السلاح، وعنفوه على موافقة برقوق على مسك مماليكه، وأظهروا الغضب لذلك، وأرادوه أن يركب للحرب، فقام إلى حريمه وأغلق عليه بابه، فخرجوا عنه يدا واحدة، وركبوا خيولهم، ووقفوا تحت القلعة، فأمر برقوق بالكوسات فدقت، وركب هو والأمير بركة، ووقعت الحرب بينهم طول تلك الليلة إلى الصباح، فقتل جماعة، وجرح كمشبغا رأس نوبة طشتمر، مات منها بعد ذلك. وانكسرت بقية الطشتمرية، فخرج الأمير طشتمر من داره في يوم الخميس تاسع ذي الحجة - صبيحة الوقعة - وفي عنقه منديل، ومضى إلى الأمير برقوق، وهو قد تزوج بابنته، فقبض عليه وعلى الأمير أطلمش الدوادار، والأمير بزلار، وأرغون - دوادار طشتمر - وألابغا رأس نوبته، وعلى أمير حاج بن مغلطاي، وبعثهم جميعا مقيدين إلى الإسكندرية، فسجنوا بها، وتتبع حواشي طشتمر، فقبض على طواشيه تقطاي - وكان قد قاتل تلك الليلة قتالاً شديداً - وقبض عدة من مماليكه أيضاً، نفاهم إلى قوص .
وفي يوم الإثنين ثالث عشره: خلع على الأمير سيف الدين برقوق العثماني أمير آخور، واستقر أميراً كبيراً أتابك العساكر، عوضًا عن أبي زوجته، الأمير طشتمرالعلاي، وخلع على صديقه الأمير أيتمش البجاسي، واستقر عوضه أمير آخور بإمرة مائة تقدمة ألف، واستمر سكنى الأمير برقوق حيث كان من الإصطبل، وصار يطلع إلى الأشرفية من قلعة الجبل في يومي الإثنين والخميس، وتقاسم الأمر هو والأمير بركة، فصارا فحلي الشول، إليهما ترجع أمور الدولة بأسرها، إلا أن الولايات والعزل إذا انتظمت عند الأمير بركة في بيته كان أمضاها بين يدي الأمير الكبير برقوق بالإصطبل، فإذا أراد أحد ولاية شيء من الأمور تحدث مع حاشية الأمير بركة حتى يتقرر له ما يريد، ثم بيعت بذلك الرجل إلى أخيه الأمير الكبير برقوق، ويعلمه. مما أراد فيرضيه أيضاً، ثم يستقر فيما يقرر فيه من الوظائف، إما في الخدمة السلطانية أو في مجلس الأمير الكبير برقوق، فكان هذا حال الناس جميعا فيما يريدونه من الدولة، وفي الظاهر صاحب الأمر الأمير برقوق، غير أن الولايات كلها من القضاء والحسبة وولاية الحرب في الأعمال والكشف، وسائر الوظائف، لا سبيل أن ينالها أحد إلابمال ،يقوم به أو بأدائه، ويكتب به خطه، فتطاول كل نذل رذل وسفلة إلى ما سنح بخاطره عن الأعمال الجليلة والرتب العلية، فدهى الناس من ذلك بداهية دهياء، أوجبت خراب مصر والشام، كما ستراه فيما يمر بك على طول السنين في أوقاته، إن شاء الله تعالى.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره: أرسل الأمير الكبير برقوق يستدعي الأمير يلبغا الناصري، ليأخذ رأيه في شيء عن له فظن أن الأمر على هذا، وركب إليه غير مستعد، في قليل من مماليكه، فلما صار إليه عزم عليه أن يتخفف من ثيابه، ويظل نهاره عنده ليفاوضه في مهماته، فقام ليخلع عنه ثياب ركوبه في بعض مخادع الدار، فأحيط به وقبض عليه، وقيد وحمل من وقته إلى الإسكندرية، فسجن بها، وقبض معه على كجلي، أحد أمراء الطبلخاناه أيضاً.
وفي عشرينه: خلع على الأمير إينال اليوسفي، واستقر أمير سلاح، عوضاً عن يلبغا الناصري، واستقر محمد بن طاجار في ولاية دمياط، واستقر علم الدين أبو عبد الله محمد بن ناصر الدين محمد القفصي المصري في قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن البرهان إبراهيم الصنهاجي، واستقر كمال الدين عمر بن الفخر عثمان بن هبة الله المعري في قضاء القضاة الشافعية بحلب، عوضاً عن جلال الدين محمد بن محمد الزرعي.وفيها ولي محب الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن الشحنة قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن الجمال إبراهيم بن العديم، وعزل بعد أشهر قلائل بابن العديم.
ومات في هذه السنة من الأعيان

شهاب الدين أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الغرناطي النحوي بحلب، عن سبعين سنة، وكان حسن الأخلاق عالما بالنحو والتصريف والبديع، له مشاركة في علم الحديث وغيره، ويد طولى في الأدب، وله عدة مصنفات في النحو والبديع والعروض، منها شرح ألفية ابن معطي، وله شعر، أقام بحلب ثلاثين سنة، وحج مرارا. ومات الأمير أحمد بن الأمير قوصون، في ثاني عشر ذي الحجة.
ومات الأمير أقتمر الصاحبي - المعروف بالحنبلي، لكثرة مبالغتنا في الطهارة بالماء، وتشدده في ذلك - وهو على نيابة دمشق، في ليلة الحادي عشر من رجب.
ومات الأمير ألطنبغا أبو قورة، أمير سلاح.
وتوفي صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر بن السفاح الحلبي، وهو عائد من الحج، بمدينة بصرى، عن سبع وستين سنة.
ومات الأمير طشتمر اللفاف، أحد رؤوس الفتن، في يوم الثلاثاء ثالث المحرم بالطاعون.
وتوفي بدر الدين حسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب الحلبي المؤرخ بحلب، عن سبعين سنة.
ومات الأمير قرطاي، أحد مثيري الفتن، ثم أتابك العساكر، مخنوقا بطرابلس، في شهر رمضان، وحملت رأسه إلى القاهرة.
وتوفي والدي، علاء الدين علي بن محيى الدين عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن أبي الحسن بن عبد الصمد بن تميم المقريزي الشافعي، في يوم الأحد خامس عشرين شهر رمضان عن خمسين سنة. وقد باشر التوقيع السلطاني وعدة وظائف، وكان الأغلب عليه صناعة كتابة الإنشاء والحساب، مع دين متين، وعقل راجح رصين، والله تعالى أعلم.
سنة ثمانين و سبعمائةأهلت بيوم الخميس: وفيه خلع على الأمير أقتمر العثماني، واستقر دوادارا بتقدمة ألف، عوضًا عن أطلمش الأرغوني.
وفي يوم الإثنين خامسه: استقر الأمير مبارك شاه الطازي في نيابة غزة، عوضاً عن أقبغا الجوهري، واستقر أقبغا الجوهري في نيابة صفد، عوضاً عن صُراي تَمُر المحمدي، وقبض على صرا تمر وسجن بالكرك.
وفي عاشره: مات الأمير أينَبَك، مثيرالفتن، بسجن الإسكندرية، وصودرت زوجته وأخذ منها مال عظيم، فكان هذا مما استشنع فعله، فإنه لم تجر العادة بالتعرض للحرم.
وفي يوم الإثنين ثاني عشره: خلع على كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرازق بن إبراهيم بن مكانس، واستقر في نظر الدولة، عوضاً عن تاج الدين نشو الملكي، وأفرد الملكي بنظر الجيش.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره: خلع على تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين محمد، وأعيد إلى نظر الجيش، عوضاً عن الملكي. وقبض على الملكي وسجن بقاعة الصاحب من القلعة، حتى مائة ألف درهم فضة، ثم أفرج عنه.
وفي ليلة الأحد خامس عشرينه: وقع حريق عظيم خارج باب زويلة، احترق منه دكاكين الفاكهانيين والنقليين، والبرادعيين، والرابع المعروف بالدهيشة تجاه باب زويلة، وامتدت النار إلى سور القاهرة، فركب الأمير بركة الجوباني، والأمير أيتمش البجاسي، والأمير دمرداش الأحمدي، والأمير تغرى برمش حاجب الحجاب، وطفوه بأنفسهم ومماليكهم، فكان أمرا مهولا، أقامت النار فيه يومين، وخربت أماكن جليلة كبيرة، كانت من أبهج المواضع وأحسنها. وتحدث الناس أن هذا مبدأ خراب القاهرة، وكثر ذلك على الألسنة، فكان كذلك، ثم إن الناس أخذوا في عمارة ما احترق حتى عادوه كما كان، وقال في هذا الحريق القاضي زين الدين طاهر.
بباب زويلة وافي حريق ... أزال معاني الحسن المصون.
ودمر كل عال من ذراه ... وصير كل عال مُقلّ دون.
وعبرة عبرة الرائين أجدى ... يقينا كالعيون من العيون.
وما برح الخلائق في ابتهال ... لمحى الأرض من بعد المنون.
إلى أن قال في لطف خفي ... وفضل عناية يانار كوني.
وفي آخره: أفرج عن الأمير يلبغا الناصري، وأنعم عليه بإمرة مائة تقدمة ألف بدمشق، عوضاً عن الأمير جَنتمُر أخي طاز، وقبض على جَنتمر وسجن بقلعة المرقب.
وفي يوم الخميس سادس صفر: خلع على كريم الدين عبد الكريم بن مكانس ناظر الدولة، واستقر في الوزارة، عوضاً عن صلاح الدين خليل بن عرام، وركب بنجيبين أحدهما قدامه والآخر وراءه، كما كانت عادة الوزراء.

وفي يوم الإثنين عاشره: خلع على فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرازق بن إبراهيم بن مكانس واستقر في نظر الدولة مكان أخيه الصاحب كريم الدين. وخلع على تاج الدين فضل اللّه بن الرملي، واستقر في وزارة دمشق، وتوجه إليها. وكان من شياطين كتاب مصر المسالمة.
وفيه قبض على الوزير الملكي، وسجن بقاعة الصاحب، وألزم. بمال كبير.
وفي هذه الأيام: وقع حريق في خارج باب النصر؛ وحريق تجاه اليانسية خارج باب زويلة. وركب الأمير ألطنبُغا المعلم البريد إلى حلب، ليقبض على الأمير أَشَقتمُر النائب.
وفي عشرينه: خلع عن الركن وإلى الفيوم واستقر في ولاية الفيوم والبهنسي، وعلي محمد بن طاجار، واستقر في ولاية المنوفية.
وفي ثامن عشرينه: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع واثنتين وعشرين إصبعاً.
وفي هذا الشهر: رخصت الأسعار، حتى أبيع لحم الضأن السليخ، كل عشرة أرطال بسبعة دراهم ونصف درهم، وكل عشرة أرطال إليه بستة دراهم.
وفي أول شهر ربيع الأول: رُسم للأمير تَلَكتمُر من بركة أن يجلس في الخدمة السلطانية بالإيوان، فيمن يجلس من الأمراء الكبار.
وفي سادسه: قبض على الحاج سيف مقدم الدولة، وخلع على الحاج محمد بن يوسف، واستقر مقدم الدولة، وسلم له سيف، ثم نقل دار الوالي، فعُوقب حتى التزم بحمل مائًة ألف دينار، حمل منها خمسمائة ألف درهم عنها خمسة وعشرون ألف دينار، وأخذ جميع ماله من مراكب بحرية ودواليب، وقيمتها أكثر منذ لك، ثم أفرج عنه في سابع عشره، فكان هذا مما لم يعهد قبل ذلك، أعني تسليم من يصادر لوالي القاهرة، وإٍ نما كان يتسلم المصادر شاد الدواوين أو مقدم الدولة. بمرسوم الوزير، ولا يتعدى حكم الوالي العامة وأهل الجرائم منهم، وأما الأجناد والكتاب وأعيان التجار فلا تمتد يده إلى الحكم فيهم، ويرجع أمرهم إلى نائب السلطان؛ فإن لم يكن فحاجب الحجاب، لأن كل أحد له رتبة محفوظة لا يتعداها، فانخرق السياج، وأخذ كل أحد يتعدى طوره، ويجهل قدره.
وفي هذه الأيام: نُقل الأمير مَنْكلي بُغا البلدي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، عوضاً عن أَشقتمُر. واستقر الأمير يلبغا الناصري عوضه في نيابة طرابلس.
وفيها أشيع أن المماليك الألجائية، وهم نحو ثمانمائة مملوك، اتفقوا مع جماعة على إثارة الفتنة، فقبض على عدة من الأمراء ومماليك السلطان، ورسم للجميع بالقبض على من في خدمتهم من مماليك ألجاي اليوسفي، فقبضوهم وبالغوا في إهانتهم، بأن وضعت الزناجير في أعناقهم، وعملت يدي كل اثنين منهم في خشبة، وسجنوا بخزانة شمايل - سجن أهل الجرائم - فلم يعهد قبل ذلك أن الترك رجال الدولة أهينوا هذه الإهانة، ثم أشيع أن جماعة من مماليك الأمراء عزموا على الفتك بأستاذيهم، فقبض على كثير منهم.
وفي ثامنه: قبض على ألطنبُغا شادي - من أمراء العشرات - وعدة من مماليك ألجاي.
وفي تاسعه: قبض على قطلوبغا حاجي أمير علم، وألطنيغا العلاي، وأَسَنْبُغا التلكي، وتلك الأحمدي، وألطنبغا عبد الملك، وغريب الأشرفي، وأسَندمُر الأشرفي، وجوبان الطيدَمُري، وآقسُنقُر الأشرفي، وأقبغا القَطلقَتمُري، وتمان تمر الموسوي، وجنتمُر المحمدي، وسودن العثماني، وبدى قُرُطُقا بن سوسون، وبك يونس، وبجمان العلاي، وآقبغا ينسون، وحملوا مقيدين إلى الإسكندرية.
وفي عاشره: قبض على الأمير تَمُر باى الدمرداشي رأس نوبه، بحيلة، وهي أن الأمير بركة بعث إليه فرسا بسرج ذهب وكنبوش ذهب، فركبه، وأ تَاه متشكرا لصنيعه فأخذه وطلع إلى الأمير الكبير برقوق ليصلح بينهما وكانا قد تنافرا، وكان تمر باى بثياب جلوسه، ليس معه كثير أحد من مماليكه، فلما استقر بهم المجلس، قبض عليه، وقيد وأخرج في الليل إلى ثغر الإسكندرية فسجن بها، وأنعم على الأمير ألطنبغا الجوباني بإقطاع تمر باى.
وفيه خلع على جال الدين محمود العجمي، وأضيف غليه حسبة مصر، عوضاً عن الشريف عاصم، فرغب عنها لصديقه سراج الدين عمر بن منصور بن سليمان القرمي، فخلع عليه وباشرها.
وفي عشرينه: نزل الأمير أَشَقتمر نائب حلب على بلبيس وكان لما قدم عليه أَلطنبغُا المعلم، ليقبض عليه ويبعث به إلى القدس بطالا، قدم عليه مرسوم بأن يحضر إلى الأبواب السلطانية، فسار من حلب ومعه تقدمة جليلة، فبينما هو على بلبيس، أتاه من قبض عليه وقيده وحمله إلى الإسكندرية، فسجن بها.

وفي يوم الأحد حادي عشرينه: سُمر اثنا عشر من الأتراك، وطيف بهم القاهرة،ثم وسط منهم ستة، وهم الأمير أقبغا البجمقدار خازن دار الأمير ألجاي، والأمير قَراكَسَك، وأسنْبُغا، من مماليك ألجاي، وبَكتمُر الفقيه، وأسندَمُر الذي حمل رأس الأمير أرغون شاه، لما قتل بقبة النصر.
وفيه أفرج عن غريب الأشرفي، أحد أمراء العشرات.
وفي أول شهر ربيع الآخر: أهين السيد الشريف علي نقيب الأشراف، من الأميرين بركة وبرقوق إهانة بالغة، لمنعه عنهم كتاب وقف ناحية بلقس على الأشراف ليتسلمه الشريف مرتضى صدر الدين مرتضى، وقد استقر في نظر وقف الأشراف عوضا عنه، ومنع من التحدث في نقابة الأشراف.
وفي يوم الخميس سابع عشره: خلع على الشريف عاصم واستقر نقيب الأشراف. وخلع على الأمير بزلار، واستقر في نيابة الإسكندرية، عوضا عن الأمير قطلو أقتَمُر، وأنعم عليه بتقدمة تلكتمر بن بركة، واسنقر قطلو أقتَمُر أمير جاندار على تقدمته. وخلع على علاء الدين على العمري، واستقر كاشفا بالوجه البحري.
وفيه كان وفاء النيل، وهو عاشر مسرى.
وفيه عين الشيخ راج الدين عمر بن الملقن أحد نواب الحكم بقضاء القضاة الشافعية، عوضا عن بدر الدين محمد بن أبي البقاء، ليلبس في يوم الإثنين.
فلما كان يوم الإثنين حادي عشرينه: طلع إلى القلعة فلم يتهيأ له لبس، وذلك أن الأمير الكبير برقوق كان قد عينه لذلك بغير مال، فسعى عليه يقوم به إذا استقر في قضاء القضاة كما قد جرت به العادة في هذا الزمان، فبعث بها الأمير بركة إلى الأمير برقوق، فلما بلغته الورقة غضب وأمر بجمع القضاة والفقهاء، فتجمعوا بين يديه بالحراقة من الإصطبل في يوم الثلاثاء ثاني عشرينه، وطلبه، وأخرج الورقة التي بعثها إليه الأمير بركة، تتضمن التزامه بأربعة آلاف دينار يقوم بها إذا استقر قاضي القضاة الشافعية. فأنكر أن يكون خطه، فزاد حنق الأمير برقوق، وأمر به، فسلم إلى الحاج محمد بن يوسف مقدم الدولة ليستلخص منه الأربعة آلاف دينار، وانفض المجلس، فرفق به ابن يوسف من أجل أنه كان قد اتهم بأنه وقع في واقع يقتضي إراقة دمه عند المالكية. فحكم ابن الملقن بحقن دمه، فرعى له ذلك، ودافع عند شاد الدواوين، وخوفه من التعرض له. بمكروه، إلى أن طلع الشيخ سراج الدين عمر البلقيني في يوم الخميس رابع عشرينه إلى الأمير برقوق، هو والشيخ المعتقد أبو عبد اللّه محمد الركراكي المغربي، في عدة من الفقهاء، وسأله في الإفراج عن ابن الملقن، فوعده بإرساله إليه، فحلف البلقيني ثلاثة أيمان في ثلاث مرات أنه ما ينصرف إلا به، فأجابه إلى ذلك، وأمر بتسليمه إليه، فمضى به، وللّه الحمد.
وفي أخريات هذا الشهر: أفرج عن الأمير طشتمر الأتابك من سجنه بالإسكندرية، ورسم بإقامته بثغر دمياط، وأقطع بلدا بالقرب منه.
وفي سابع عشرينه: خلع على الأمير منكلي الطرخاني، واستقر نائب الكرك، عوضا عن تمرباي الطازي.
وفيه خلع على همام الدين أمير غالب بن القوام أمير كاتب الأنقاني الأتراري الحنفي محتسب دمشق، واستقر في قضاء القضاة الحنفية بها، عوضا عن نجم الدين أبي العباس أحمد بن أبي العز. بمال التزم به وسافر إليها.
وفي تاسع عشرينه: خلع على الأمير بركة، واسثقر في نظر المارستان، واستقر رأس نوبة كبيرا، عوضا عن تمرباي. وخلع على قرا دمرداش الأحمدي، واسنقر أمير مجلس. وخلع على الأمير ألطنبغا الجوباني، واستقر رأس نوبة ثانيا. وخلع على محتسب القاهرة جمال الدين محمود العجمي، واستقر في نظر المارستان، نيابة عن الأمير بركة، عوَضا عن بدر الدين محمد بن عثمان الأنفهسى.
وفيه ورد البريد من طرابلس بقدوم الفرنج إليها في عشرة مراكب، ونزولهم إلى البر، فحاربهم الأمير يلبغا الناصري نائب طرابلس، وقتل منهم عدة، وفي باقيهم إلى مراكبهم و ساروا.
وفي جمادى الأولى: ركب السلطان ثلاثة سبوت متوالية إلى الميدان برسم الملعب بالكرة، على ما جرت به العادة. و لم يتفق في السنة الماضية الركوب إلى الميدان لما كان من الإشتغال بالحروب والفتن، وأنعم الأميران بركة وبرقوق في الميدان على أكابر مماليكهما بأقبية بطرز زركش.وفيه قدم زامل بن موسى بن مهنا.
وفيه قبض على سلام بن التركية من البحيرة، وقيد وحمل إلى القاهرة.

وفي يوم الإثنين حادي عشره: قدم البريد بأن خليل بن دلغادر أمير التركمان قتل الأمير مبارك الطازي نائب الأبلستين وذلك أنه ركب في عسكر من حلب لقتال ابن دلغادر فهزمه وأخذ ما معه، ثم ركب قفاه في جماعة، فمال عليه ابن دلغادر وقاتله، فوقع في قبضته، فقدمه وضرب عنقه.
وفيه قبض على الصاحب شمس الدين أبي الفرج عبد الله المقسي ناظر الخاص، وعلى كثير من ألزامه وحبس في بيت الأمير بركة.بمرافعة الوزير كريم الدين بن مكانس إياه، وأحبط.بموجوده، ونقل من الغد ما في داره، فوجد له شيء كثير من المال والثياب والقماش، من جملته نحو الألفي بدن فرو سنجاب.
وفيه أفرج عن الأمير تمر باي الدمرداشي وأخرج إلى القدس، وأفرج عن الأمراء الذين سجنوا قبله أيضاً.
وفي يوم الأحد سابع عشره: أعيد المقدم سيف إلى تقدمة الدولة، وقبض على محمد بن يوسف وسلم إليه، فعاقبه حتى مات تحت العقوبة.
وفي يوم الإثنين ثامن عشره: خلع على الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن مكانس، واستقر في نظر الخاص، عوضا عن المقسي، مضافا لما معه من نظر ديواني الأميرين برقوق وبركة. ثم خلع على سعد الدين سعد ا للّه بن البقري، واستقر في نظر ديوان الأمير الكبير برقوق، وخلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، واستقر أستادار الأمير بركة، فكان هذا أيضاً من الأمور التي لم تعهد أن أميرًا من أمراء الألوف يكون أستادار أمير.
وفيه ظهر في السماء كوكب من كواكب الذوابة، له وجه وذنب.
وفي ثاني عشرينه: خرج البريد بالقبض على الأمير بيدمر نائب الشام، وإحضاره.وفيه استقر الأمير بركة ناظر الأوقاف جميعها، واستناب في التحدث عنه جمال الدين محمود المحتسب، فلم يبق وقف حكمي ولا أهلي، إلا وطلب مباشرته، وتحد فيه استضعافا لجانب قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء.
وفي ثالث جمادى الآخرة: خلع على الأمير موسى بن قرمان، واستقر والي الجيزة،ثم عزل من الغد، واستقر على عادته أمير طبر.
وفيه أفرج عن الأمير أَشَقتمُر نائب حلب، ورسم بإقامته بالقدس.
وفي سادسه: انتهت زيادة ماء النيل إلى تسعة عشر ذراعا وست أصابع.
وفي تاسعه: أخرج الأمير تغري بَرْمش حاجب الحجاب إلى حلب، وسببه أنه عرّف الأمير بركة سوء سيرة بنى مكانس وكثرة ظلمهم وفسادهم، فقال له: " أصلح أنت نفسك " فشق ذلك عليه، وعزل نفسه من الحجوبية، ورمى الإمرة، وقال: " ما عدت أعمل أميرًا " وخلع قباه وألقى مهمازه من رجله، وخرج عنه، فأمر به، فخرج حاجبا بحلب، فلما وصل دمشق عزل عنها.
وفي ثالث عشره: خلع على الأمير مأمور القلمطاي، واستقر حاجب الحجاب، عوضا عن تغري برمش، وقدم الأمير بيْدَمُر نائب الشام، من دمشق، فحمل إلى الإسكندرية مقيدا، وسجن بها، واستقر عوضه في نيابة الشام الأمير كُمُشبغَا الحموي، نائب حماة، واستقر عوضه في نيابة حماة الأمير تمرباي الدمرداشي.
وفي ثامن عشره: أنعم على الأمير أزدمر الصفوي بإمرة عشرة بدمشق، وأخرج إليها.
وفي العشرين منه: توجه الشيخ برهان الدين إبراهيم الأبناسي إلى الحجاز معتمرا، واستناب عنه في مشيخة خانكاه سعيد السعداء، الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي وقدم الخبر بأن رجلاً بدمشق من آحاد العامة مات بالمارستان فغُسل وكفن، وأرخى في قبره.بمقبرة باب الفراديس، فعندما أضجع بالقبر عطس، فأخرج وعوفي، وحدث الناس.بما جرى له، وعاش بعد ذلك نحو ثلاث سنين.
وفي ثالث شهر رجب: خرج الأمير قَراكَسكَ على البريد لإحضار الأمير منكلي بغا البلدي نائب حلب.
وفي سابعه: أخرج الأمير بُورى الأحمدي إلى القدس منفيا وأنعم عليه بنظر مسجدي القدس والخليل.وفيه خلع على شمس الدين محمد النيسابوري، ابن أخي جار ا للّه، واستقر في مشيخة خانكاه سعيد السعداء عوضا عن البرهان الأبناسي.
وفيه قدم البريد بسيف منكلي بغا البلدي نائب حلب، وأنه سجن بقلعتها، فكتب باستقرار الأمير تمرباي الدمرداشي في نيابة حلب، واستقر الأمير جَنتمُر أخو طاز في نيابة حماة وكان بطالا بدمشق، وحمل إلى كل منهما تشريفه وتقليده على البريد.
وفي سادس عشرينه: قبض على المقدم سيف، وسلم للأمير صلاح الدين خليل بن عرام، ثم أفرج عنه.

وفي ثامن عشرينه: قبض على الوزير كريم الدين عبد الكريم بن مكانس، ثم أفرج عنه من يومه، ورسم باستقرار الأمير تغرى برمش، حاجب الحجاب في نيابة غزة.
وفيه قدم من الأمير قُرط - متولي ثغر أسوان - أحد عشر رأسا من رؤوس أمراء أولاد الكنز ومائتي رجل منهم في الحديد، فعلقت الرؤوس على باب زويلة، و لم يعهد هذا من قبل. وقدم الخبر بأن طائفة من أهل البحيرة - كبيرهم بدر بن سلام - ساروا إلى الصعيد، فلقيهم الأمير مراد كاشف الوجه القبلي، وقاتلهم، فقتل في الحرب معهم. وفيه قدم الشيخ أمين الدين محمد بن محمد بن محمد النسفي الخوارزمي الخلوتي، من بلاد خوارزم، في طائفة من الفقراء، فأنزله شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق الأصفهاني - شيخ خانكاه سرياقوس بمدرسته التي على طارف الجبل، خارج باب المحروق من القاهرة، تحت دار الضيافة، فأقبل إليه الأمراء وبالغوا في إكرامه، وبعثوا له بضيافات كثيرة وصلات سنية، فلم يدخر منها شيئاً وعمل به أوقاتا يجمع عنده فيها الناس، فيطعمهم المآكل الطيبة، وذكر أنه عبر في سياحته إلى بلد بلغار حيث لا تطلع الشمس عدة أشهر، فدعا سكانه - وهم قوم لا يعلمون شيئًا - إلى الإسلام فاستجاب له كثير منهم وأسلم، فعلمهم شرائع الإسلام، ومضى عنهم، وكان من خير من أدركناه.
وفي أول شهر رمضان: قدم الأمير مَنْكَلي بُغا البلدي إلى دمشق، وقد أفرج عنه من سجنه بقلعة حلب، فأقام بدمشق بطالا.
وفي سادسه: خلع على الأمير شرف الدين موسى بن قرمان أطلسين، واستقر نائب الوجه القبلي، ورسم أن يكاتب.بملك الأمراء، وأنعم عليه لتقدمة ألف، وعمل في خدمته حاجب أمير طبلخاناه، وهو أول من ولي من كشاف الصعيد نيابة السلطنة، واستمر الحال كذلك فيما بعد، وخلع على الأمير علي خان، واستقر والي البحيرة، عوضاً عن أيدمر الشمسي، ثم عزل من يومه، واستقر أيدمر على عادته.
وفي يوم الأربعاء ثامنه: كانت واقعة كنيسة ناحية بو النمرس من الجيزة وذلك أن رجلاً من فقراء الزيلع بات بناحية بو النمرس، فسمع لنواقيس كنيستها صوتا عاليا، وقيل له إنهم يضربون بنواقيسهم عند خطبة الإمام للجمعة، بحيث لا تكاد تسمع خطبة الخطيب، فوقف للسلطان الملك الأشرف شعبان ، فلم ينل غرضا، فتوجه إلى الحجاز وعاد بعد مدة طويلة، وبيده أوراق تتضمن أنه تشفع برسول اللّه وهو نائم عند قبره المقدس في هدم كنيسة بو النمرس، ووقف بها إلى الأمير الكبير برقوق الأتابك، فرسم للمحتسب جمال الدين محمود العجمي أن يتوجه إلى الكنيسة المذكورة، وينظر في أمرها، فسار إليها وكشف عن أمرها، فبلغه من أهل الناحية ما اقتضى عنده غلقها، فأغلقها، وعاد إلى الأمير الكبير وعرفه ما قيل عن نصارى الكنيسة، فطلب متى بطريق النصارى اليعاقبة وأهانه، فسعى النصارى في فتح الكنيسة، وبذلوا مالاً كبيراً، فعرف المحتسب الأمير الكبير بذلك، فرسم بهدمها بتحسين المحتسب له ذلك، فسار إليها وهدمها، وعملها مسجداً.
وفي ثاني شوال: قبض على الطواشي سابق الدين مثقال الجمالي زَمَامِ الدور، وأخذ منه ثلاثة آلاف دينار، ثم أفرج عنه.
وفي يوم الأربعاء سادسه: قبض على الأمير شهاب الدين أحمد بن هُمُز التركماني، خشية من فراره إلى التركمان، وقد ورد البريد بخروجهم عن الطاعة.

وفي سابعه: قبض على الأمير جمال الدين عبد اللّه بن بَكتمُر الحاجب، وولده الأمير ناصر الدين محمد، وأخرجهما برقوق إلى الشام ثم ردهما بعد ثلاثة أيام، وأخذ منهما عشر آلاف دينار، وأنعم على الأمير جمال الدين بإمرة طبلخاناه، وترك ولده بطالا، وسبب ذلك أنه أهدى إلى الأمير بركة عندما صرع بالبندق طائراً من طيور الواجب، وادعى له في رمي البندق، يشتمل الإهداء على خمس بقج حرير أطلس، ضمنها قماش حرير وصوف وفرو، وبدلة برسم الصيد غيار بذهب، وجراوات برسم بندق الرمي عدتها أربعون مزركشة، وكمرانات عدة أربعين، ومن قسي الحلقةَ اثنين، ومن قسي البندق مائتي قوس، ومن بندق الرمي ستين بندقة من ذهب صامت، ومائة بندقة من فضة خالصة، واثني عشر فرساً، منها واحد بسرج ذهب وكنبوش زركش، وآخر بسرج مغرق وعرقية صوف سمك ، وسبعة أرءوس بعبي، وفرسين عراه وعشر جُفَن سكر، ومائتي طائر دجاج، وثلاثين جملاً ومائة رأس غنم، فلما قدمت بين يديه قال له من حضر: " أنه قَدَمَ للأمير صرغَتُمش تقدمة أكثر من هذه " . فغضب برقوق وقال: " ما ساواني بصرغتمش " وأخذ الهدية المذكورة، ثم أمر به فنفي كما تَقدم ذكره.
وفي ثاني عشرينه: سار محمل الحاج والركب صحبة الأمير بهادر.
وفي سادس عشرينه: توجه الأمير قرا دمرداش الأحمدي أمير مجلس إلى الحجاز حاجاً.
وفيه قبض على الوزير كريم الدين عبد الكريم بن مكانس، وعلى أخيه فخر الدين، وعذبا عذابا شديداً ففرا بعد أيام، و لم يوقف لهما على خبر، وكان ابن مكانس كريم الدين هو وأخوه فخر الدين قد أحدثا عدة مظالم قبيحة، منها أن الأمير يلبغا الخاصكي لما أبطل المكس من مكة، عوض الشريف أمير مكة عن ذلك في كل سنة مائة وسبعين ألف درهم، تحمل إليه، فكان ابن مكانس يجبي ذلك من مباشري الدولة والخاص على قدر حالهم، وكان المقسي - وهو ناظر الخاص - يقوم عن مباشري الخاص. بمبلغ ستة عشر ألف درهم، ومنها أنه ختم على قيسارية جهاركس بالقاهرة، في أخريات شهر رمضان، وزعم أن عند التجار ثياباً بغير ختم، فتعطل بيع الناس وشرائهم على عيد الفطر، حتى ألتزموا له. بمال يقوم به، فلما حملوه إليه رفع ختمه بعد ثمانية أيام، ومنها أنه صار يخرج إلى بركة الحاج عند تكامل الحج بها في شهر شوال، ويلزم مقومي الحجاج بإحضار أوراق مُشتَرى جمالهم من سوق الجمال، فمن لم يحضر ورقة مباشري مكسي سوق الجمال نكل به وغرمه مالا، فأضر ذلك بكثر من الجمالة، وتعطل حجاجهم عن الحج، وعادوا من البركة إلى القاهرة، ومنها أنه عمل بعد ذلك دائرة كبيرة. بمال كبير حملوه إليه، واقتدى به من بعده من الوزراء في ذلك، صار يخرج إلى بركة الحجاج في كل سنة، ويطالب المقومين بأوراق المكس، ولما قبض عليه، وقف التجار إلى الأمير الكبير برقوق، فرسم برد ما أخذ منهم أبناء مكانس، فردا عليهم المال. هذا مع تظاهر بنى مكانس بالفسق على أنواعه تظاهراً بغير احتشام، وبقاء نسائهم وبناتهم على النصرانية، واستخفاف رجالهم بكتاب اللّه ودينه ورسوله.وفيه خلع على الصاحب تاج الدين النشو المالكي، وأعيد إلى الوزارة.
وفي ثامن عشرينه: خلع على الصاحب شمس الدين أبي الفرج عبد اللّه المقسي، وأعيد إلى نظر الخاص، وخلع على علم الدين عبد اللّه بن الصاحب كريم الدين بن غنام، واستقر في نظر الأسواق.
وفي ثالث في ذي القعدة: خلع على علم الدين يحيى طباهجة بن رزق اللّه، بن إبراهيم ابن الفخر، واستقر في نظر الدولة، عوضاً عن الفخر بن مكانس.
وفي ثاني ذي الحجة: قبض على سلام بن التركية - أمير عرب البحيرة فسجن بخزانة شمايل من القاهرة.وفيه استقر ناصر الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن قاضي الإسكندرية شمس الدين محمد بن محمد بن عطا اللّه التنسي المالكي في قضاء مدينة الإسكندرية، عوضا عن عز الدين الربعي.
وفي سادسه: نقل الأمير كُرْجى الشمسي من ولاية قليوب إلى ولاية الغربية.

وفي سابعه: خرج الأمير إينال اليوسفي أمير سلاحِ، وألان الشعباني، وأحمد بن يلبغا، وطبج المحمدي، وأقتمُر العثماني، وطَقتمُر، وطقتمُش، وأَطْلَمِش ألطازي، وطُغاي تَمُر القبلاوي، في عدة وافرة، لقتال عرب البحيرة ففروا منهم وعادوا بعد ما وصلوا إلى الفيوم وقد ساقوا أنعاما كثيرة جداً. ولما وصل ركب الحجاج إلى مكة بلغهم قدوم محمل، من اليمن، وكسوة للكعبة فمنع الأمير قرا دمرداش حجاج اليمن من دخول مكة، فلم يزل الشريف أحمد بن عجلان يتوسط بين حاج اليمن وحاج مصر حتى دخل أهل اليمن. بمحلهم، ووقفوا بعرفة، و لم تكن فتنة بحمد اللّه، فلما كسا الأمير قرا دمرداش الكعبة في يوم النحر على العادة، خرج من مكة عائداً إلى مصر.
وفي سادس عشره: استدعى الأمير الكبير برقوق القضاة وشيوخ العلم، وتحدث معهم في حل الأراضي الأوقاف على الجوامع والمساجد والمدارس والخوانك والزوايا والربط وعلى أولاد الملوك والأمراء وغيرهم وعلى الرزق الأحباسية، وكيف يجوز بيع أراضي مصر والشام الخراجية على بيت المال، وأحضرت أوراق. بما أوقف من بلاد مصر والشام، وبما تملك منها - ومبلغها في كل سنة مال كبير جداً - فلما قرئت على من قد حضر من الأمراء وأهل العلم، قال الأمير برقوق: " هذا هو الذي أضعف جيش المسلمين " . فقال قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء: " هما جيشان جيش الليل، وجيش النهار " ، فأخذ الشيخ أكمل الدين في الكلام مع الأميرين بركة وبرقوق في ذلك باللغة التركية، حتى غضبا منه، فقال بعضهم لشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني " لم لا تتكلم " فقال: " ما استفتاني أحد حتى أفتيه " . فأشار له الأمير برقوق أن يتكلم، فطال كلامه على عادته، وملخصه " أن أوقاف الجوامع والمساجد والمدارس والخوانك، التي هي على علماء الشريعة وفقهاء الإسلام، وعلى المؤذنين وأئمة الصلوات ونحو ذلك، لا يحل لأحد أن يتعرض بحلها بوجه من الوجوه، فإن للمسلمين حق لم يدفع إليهم، وإلا فانصبوا لنا ديوانا نحاسبه على حقنا، حتى يظهر لكم أن ما نستحقه أكثر مما هو موقوف علينا، وأما ما وقف على عويشة وفطيمة، واشترى من بيت المال بحيلة أن يؤخذ المال صورة ثم يعاد، فإنه يحتاج إلى أن ينظر في ذلك، فإن كان قد أخذ بطريق شرعي، فلا سبيل إلى نقضه، وإن كان غير ذلك نقض " . فقال ابن أبي البقاء: " يا أمراء، أنتم أصحاب الشوكة، والأمر لكم " . فقال له البلقيني " اسكت ما أنت وهذا " . فسأل الأمير بركة والأمير برقوق بن أبي البقاء " من أين يشتري السلطان هذا " فقال: " الأرض كلها للسلطان " . فقال له البدر محمد بن البلقيني - قاضي العسكر - " كيف تقول هذا من أين للسلطان ذلك وإنما هو كآحاد الناس " . فقال البلقيني: " يا أمراء أنتم تأمرون القضاة، فإن لم يفعلوا ما ترسموا به عزلتموهم، كما جرى لشرف الدين بن منصور مع الملك الأشرف، لما لم يفعل له ما أراد، عزله " ثم انفضوا وأخرجوا عدة أوقاف وأقطعوها إقطاعات.
وفيه خلع على شهاب الدين أحمد الدفري المالكي، واستقر مفتي دار العدل.
وفيه أخرج الأمير سودون العلاي، والأمير بهادر الأشْقَتَمُري، منفيين إلى صفد.
وفي ثاني عشرينه : استقر الأمير منكلي بُغا البلدي في نيابة صفد عوضا عن أقبغا الجوهري، واستقر الأمير في ولاية منفلوط .
وفي خامس عشرينه: قدم الأمير قرا دمرداش أمير مجلس من الحجاز.وفيه وجد الأمير الكبير برقوق ورقة فيها " أن غلام اللّه يريد أن يكبس عليك في صلاة الجمعة.بمائتي عبد " فطلب غلام اللّه ورسم عليه وسجن بخزانة شمايل، ووقع التحرز بحيث أمر خطيب مدرسة السلطان في يوم الجمعة سابع عشرينه أن يعجل في الخطبة، وقبض على جماعة العبيد وكثر الأرجاف بكبس الجوامع - في يوم الجمعة هذا - وقتل العامة، فنودي بالأمان.

وفيه استقر أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين - موقع الأمير الكبير برقوق - في نظر خزانة الخاص، بعد موت علاء الدين علي بن عرب، وقدم البريد بأن الأمير تمر باي الدمرداشي - نائب حلب - سار بالعسكر الحلبي وعدة من عسكر دمشق وحماة إلى جهة سيس وقد كثر فساد طائفة التركمان الأجقية والأغاجرية، حتى قرب من مدينة إياس أتاهم من أمراء التركمان نحو الأربعين بهدية، وسألوا الأمان لأصحابهم، والتزموا بالدرك على العادة، فقبض عليهم وقيدهم، وركب في الحال إلى بيوتهم. بمن معه، فنهب أموالهم، وسبى حريمهم، وقتل رجالهم، وارتكب منهم كل قبيح، وعاد فجمع التركمان جمائعهم، وكمنوا للعسكر.بمضيق يقال له باب الملك - على شط البحر - وأوقعوا بهم، فهلكوا ما بين غريق وقتيل، و لم ينج منهم إلا طريح أو جريح، أومن نجا بخاصة نفسه - وقليل ما هم - وحاز التركمان من المال والآلات والخيول والجمال والأسلحة ما يجل وصفه من ذلك ثلاثون ألف جمل بأحمالها، وثلاثة عشر ألف رأس من الخيل غالبها مسرجة ملجمة إلى غير ذلك، فكان هذا أيضاً من الوهن في الدولة، فإن التراكمين كانوا للدولة. بمنزلة السور عليها، ويتحصل منهم في كل سنة عشرات آلاف من الغنم، يؤخذ منهم عن زكاة أغنامهم يقال له " العداد " ، وينال أهل حلب منهم منافع لا تحصى، وإذا ندبهم السلطان لحرب بادروا إلى امتثال أمره، وعدوا ذلك طاعة وعبادة، فصيرهم سوء التدبير وكثرة الظلم، أعداء لدولة تقتل رجالها وتنهب أموالها وتستولي على أعمالها، و للّه عاقبة الأمور.واتفق أيضاً للحاج في عودهم محن شديدة، من موت الجمال وتزايد الأسعار، فلما نزلوا بالأزلم - وفي ظنهم أنهم يجدوا ما جرت به العادة من الشعير والبشماط المحمول إليهم من القاهرة - فلم يجدوا شيئاً من ذلك، وذلك أن العربان تعرضت للإقامات تريد نهبها، فلم تتجاوز مغارة شعيب، فاشتد الأمر على الحجاج، وعلفوا جمالهم. مما معهم من زادهم الذي هو قوتهم، وانقطع كثير منهم في الطرقات جوعاً وتعباً، وبلغت الويبة الشعير إلى خمسين درهما فضة، ثم تزايد سعرها حتى بلغت مائة درهم، وغلا عامة ما يباع أيضاً.
وفيها أعيد البرهان إبراهيم الصنهاجي إلى قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن علم الدين القفصي، وأعيد فتح الدين أبو بكر بن عماد الدين أبي إسحاق بن إبراهيم جمال الدين أبي الكرم محمد بن الشهيد إلى كتابة السر بدمشق، عوضا عن بدر الدين محمد ابن مُزْهِر، وأعيد الجلال محمد بن محمد بن عثمان الزرعي إلى قضاء الشافعية بحلب، عوضاً عن الكمال عمر بن عثمان المعري، وأعيد شمس الدين محمد بن أحمد بن مُهاجر إلى كتابة السر بحلب، عوضا عن ابن أبي الطيب.
ومات في هذه السنة من الأعيانالشيخ أحمد بادار العجمي نزيل القاهرة بالقدس وقد عمى وأناف على السبعين، وكانت له أحوال عجيبة، وللناس فيه اعتقاد.
ومات الأمير أطْلمش الدوادار أحد أمراء الألوف، في ربيع الآخر بدمشق، وقد أخرج إليها على إمرة بها.
وتوفي الفقير المعتقد الصالح بن نجم بن صالح نزيل منية السيرج، في يوم الأربعاء خامس عشر رمضان، وكان يُقصد للتبرك بزيارته.
وتوفي الشيخ ضياء الدين عبيد اللّه بن سعد الله العفيفي القزويني، المعروف بقاضي قرم، شيخ الخانكاه الركنية بيبرس، في يوم الإثنين ثالث عشرين ذي الحجة، وقد تصدى للتدريس على مذهب الشافعي وأبي حنيفة، وإقراء النحو والأصول وغير ذلك عدة سنين، وانتفع به جماعة كثيرة، مع صدق في الديانة، وتواضع وبر وخير كثير. وتوفي الفقير المعتقد عبد اللّه الجبرتي الزيلعي، في ليلة الجمعة سادس عشر المحرم، وقبره يزار بالقرافة.
وتوفي جمال الدين عبد الله بن مختار في تاسع صفر.
وتوفي علاء الدين علي بن عبد الوهاب بن عثمان بن محمد بن هبة اللّه بن عرب، محتسب القاهرة، في ثالث عشر ذي الحجة. بمكة، بعد قضاء الحج ودفن بالمعلا.
ومات الأمير علاء الدين علي بن كلفت، شاد الدواوين، في جمادى الآخرة وهو عائد من حلب إلى دمشق، وكان عفيفاً لا يقبل رشوة أحد.

وتوفي الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن أبي العباس أحمد بن علي بن جابر الهواري الأندلسي، النحوي الأديب بحلب عن سبعين سنة، وهو علامة وقته في الأدب والنحو والتصريف، مع كثرة العبادة، وكان هو ورفيقه أبو جعفر كالخالدين، لا يزالان سفرا وحضرا، وله مصنفات، ومن شعره:
وقفتْ للوداع زينبُ لما ... رَحَل الركبُ والمدامعُ تُسْكَبْ.
فالتقتْ بالبَنَانِ دَمعي وحُلْو ... سَكب دمعي على أصابع زَينَب
وتوفي مسند الوقت صلاح الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد اللّه بن الشيخ أبي عمر المقدسي، آخر من بقي من أصحاب ابن البخاري، في شوال بصالحية دمشق، حدث. بمسند أحمد وغيره.
ومات الأمير شرف الدين موسى بن محمد بن شهرى، نائب سيس، بعد عوده من القاهرة ، إليها وكان فقيهاً شافعياً أذن له في الفتيا، وكتب الخط المنسوب، وله ترجمة.
ومات الأمير شرف الدين موسى بن الأزكَشِي، في سادس عشر من ذي القعدة، بالمحلة من قرى مصر، بعد ما ولي أستادارا ومشيرًا في الأيام الأشرفية.
وتوفي الفقيه المعتقد نهار المغربي بالإسكندرية، في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة.
ومات المقرئ حافظ الدين أبو عبد الله محمد بن تاج الدين إبراهيم بن سنبكي بن أيوب بن قراجا، المقرئ بن الجمال يوسف القصيري الحنفي، أخذ القراءات عن ابن نصحان، وبرع في القراءات وغيرها، وولي قضاء العسكر بحلب، ثم بدمشق، ثم انقطع بداره حتى مات عن نيف وسبعين سنة.
سنة إحدى وثمانين وسبعمائةفي حادي عشر المحرم: قبض على غلام اللّه مهتار - الطشت خاناه السلطانية - بعدما أفرج عنه، وأعيد إلى خزانة شمايل، وسبب ذلك أن الأمير قُرُط - متولي أسوان - وجد عدة سيوف قد بعث بها من القاهرة، مكتوب عليها غلام اللّه، وهي مُتَوجه بها إلى أولاد الكنز، فأحضرها معه لما قدم.
وفي سابع عشره: سُمر رجلان من أولاد الكنز، وطيف بهما القاهرة ومصر، ثم وسطا، وهذا أيضاً مما أوجب وهن الدولة، فإن قُرُط لشدة عسفه وكثرة عتوه أوجب خروج أولاد الكنز على الطاعة، وكثرة فسادهم، حتى خرجت أسوان من أيدي الدولة، ثم خربت.
وفيه قبض على الأمير قُرُط وصودر وأخذ منه مال كثير، فإنه كان قد ساءت سيرته وشرهه في أخذ أموال الرعية، ثم أفرج عنه.
وفي هذه الأيام كثر تخوف العامة من أن يركب عليهم الأمير بركة، ويبذل فيهم السيف ويقتلهم، وأغلقوا حوانيت معايشهم من أول الليل، ثم أمر والي القاهرة بقبض الزعر والعبيد، فتطلبهم بعدة مواضع، فازداد خوف العامة، حتى نودي على لسان الأمير الكبير برقوق بالأمان، وأن " من سخركم يا عوام اقبضوا عليه، واحضروا به إلى الأمير الكبير " فاطمئنوا، وكان برقوق دائما يقصد التحبب إلى العامة، ويذب عنهم، حتى أحبوه وتعصبوا له.
وفي رابع عشرينه: قدم محمل الحاج، وقد تأخر عن عادته لما بالحجاج من المشقة.
وفيه خلع على الأمير قُرُط، واستقر نائب الوجه القبلي، وخلع على ولده حسين بولاية قوص فانفرد بالتحكم في بلاد الصعيد بأسرها من الجيزة إلى بلاد النوبة.
وفيه خلع على الأمير بَلوط الصَّرغَتْمُشى، فاستقر نائب الإسكندرية، عوضا عن بُزْلار الناصري، ونفي بُزْلار إلى الشام.
وفي سابع عشرينه: أفرج عن غلام اللّه.
وفي رابع صفر: عزل قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء عن الحكم.
وفي هذا الشهر استقر عز الدين يوسف بن محمود بن محمد الرازي في مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس، عوضا عن الشيخ ضياء الدين القرمي، وفي درس الحديث بالمنصورية، فافتضح بين الناس لجهله بالحديث.
وفي رابع صفر عزل قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء عن الحكم وخرج الأمير فخر الدين إياس أمير أخور على البريد لإحضار قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة من القدس.

وفي سابعه: ألزم الطواشي مثقال الجمالي الزمام بإظهار ذخاير الملك الأشرف، فدل على صندوق في موضع من الدور السلطانية، فوجد فيه مبلغ ثلاثين ألف دينار، ثم أشار إلى موضع آخر، فوجد فيه خمسة عشر ألف دينار وبرنية ، بها جواهر، منها فص عين الهر، زنته ستة عشر درهما، ثم عوقب فلم يعترف بشيء، ووجدت أوراق عند بعض جواري الملك الأشرف بخطه، تتضمن أماكن أمواله وتفصيلها فاعتبرت، فإذا تلك الأموال قد أخذت من بعده، و لم يتأخر منها سوى مبلغ ثلاثين ألف دينار، وعلبة بها جواهر، وعلبة بها لؤلؤ عند الأمير طشتمر الدوادار، فأفرج عن الزمام مثقال.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه: قدم قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة من القدس، فركب الأمير بركة إلى لقائه، وبالغ في التأدب معه، والتواضع له، وسار به حتى طلع إلى الأمير الكبير برقوق، فأجله، وقام بواجب حقه، وأنزله بصهريج الأمير منجك تحت القلعة، فلما أصبح نهار الخميس ثالث عشرينه استدعى به إلى حضرة السلطان بقلعة الجبل، وخلع عليه، واستقر قاضي القضاة على عادته في الأيام الأشرفية، ونزل وفي خدمته من أمراء الدرك ثلاثة عشر أميراً، منهم دوادار السلطان، وركب معه قضاة القضاة وأعيان الناس، وأشعلت القاهرة لنزوله بالشموع والقناديل، وكان يوما عظيما إلى الغاية في كثرة جمع الناس لمشاهدته، فأرضى من يومه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وصالحه من نفره كانت بينهما، ونزل له عن وقف السيفي ، بالقبة المنصورية، عوضا عن تدريس الشافعي، وأركبه بغلة رائعة بقماش فاخر.
وفي هذا الشهر: رفع أهل منوف على متوليهم عدة مرافعات، فطلبه الأمير الكبير برقوق، وبعث بالكشف عليه، فعادوا عليه بشنايع، فضربه بالمقارع، وألزمه أن يقوم للناس.بما أخذ من أموالهم.
وفيه ألزم الأمير بركة جميع الأمراء أن يأتوه بالكلاب، وقرر على كل أمير عددا من الكلاب، وألزم أرباب الحوانيت أن يحضر كل صاحب حانوت كلبا، فتتبعت الكلاب بالقاهرة ومصر وظواهرها، وقد كانت كثرت إلى الغاية في الأزقة والشوارع، فأخذت من كل موضع وعدى بها النيل إلى بر الجيزة، فكان يباع كل كلب بدرهم، وقيلت في ذلك عدة أشعار.
وفيه فرق الميدان تحت القلعة على الأمراء، وألزموا بعزقه وتنظيفه، فإنه كان قد هجر منذ زالت الدولة الأشرفية حتى توحش، فعادت إليه نضارته.
وفي رابع شهر ربيع الأول: أخذ قاع النيل فكان ستة أذرع وعشرين إصبعا.
وفي سادس عشره: خلع على الأمير محمد بن قرطاي الكركي، واستقر نقيب الجيش، عوضا عن علي خان بن قرمان.
وفي ثامن عشره: قدم البريد بأن أقبغا عبد اللّه وقُطوبُغَا جَركس وأَلْطنبغَا شادي، وأسنبغا الألجاوي ثاروا في جماعة من المماليك بحلب يريدون قتل نائبها، فلما فطن بهم ركب لحربهم وقاتلهم، فانكسروا، وفر أقبغا عبد الله إلى الأمير نُعَيْر بن حيار بن مهنا فأجاره.
وفيه ركب الأمير أقبغا صيوان البريد لإحضار الأمير محمد بن ألجبغا المظفري من دمشق، واستقراره نائب غزة، عوضا عن تغري برمش، والتوجه بتغري برمش إلى دمشق واستقراره بها أمير مائة مقدم ألف، وكتب باستقرار زامل بن موسى ومعيقل بن فضل - ولدي عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضية بن فضل بن ربيعة - في إمرة العرب، عوضا عن الأمير قار بن مهنا بعد موته.
وفي تاسع عشره: قدم قاصد الأمير ناصر الدين محمد نعير بن حيار يسأل في إمرة العرب، وأن ينعم على أقبغا عبد اللّه بن محمد بنيابة بعض الأطراف، فقبض عليه وسجن بالبرج من القلعة.وفيه سار البريد بإحضار الأمير أَشَقتمُر.
وفي هذا الشهر: استقر شمس الدين محمد الركراكي في تدريس المالكية بخانكاه شَيْخو بعد موت ابن مرزوق، واستقر جمال الدين محمود المحتسب في تدريس الحديث بالمدرسة الصَّرْغَتْمُشية، عوضا عن ابن مرزوق، واستقر شيخنا أبو البركات عوضه في تدريس القمحية.
وفي أول شهر ربيع الآخر: ركبت سلسلة على فم قنطرة الخور وعلى قنطرة الفخر. بموردة الجيش لمنع مراكب المتفرجين من دخول الخليج الناصري وبركة الرطلي من أراضي الطبالة بقيام الشيخ محمد صائم الدهر في ذلك.
وفي ثامن عشره: توجه الأمير سودن باشاه دوادار الأمير بركة إلى مكة، لعمارة الحرم، وأجرى عين عرفة.

وفي تاسع عشره: كبست بيوت كثيرة بحارة الأسرى خارج مدينة مصر، وأريقت خمور كثيرة جداً على يد الأمير مأمور حاجب الحجاب.
وفي عشرينه - وهو ثالث عشر مسرى - : فتح الخليج بعد الوفاء على يد الأمير بركة.
وفيه أراق الأمير بركة خمرا كثيرا من بيوت الأقباط.
وفي سادس عشرينه: ورد الخبر بأن عربان الصعيد كبسوا على الأمير قرط وقتلوا من عسكره سبعين فارسا، فحاربهم وهزمهم.
وفي أول جمادى الأولى: قدم الأمير أشقتمر المارديني من القدس، فركب الأميران بركة وبرقوق إلى لقائه بالريدانية، وترجلا له، فنزل إليهما وسلم عليهما وسار معهما إلى القلعة، فأنزله الأمير برقوق، وقام له. بما يليق به.وفيه خلع على الأمير سودن الشيخوني، واستقر حاجبا ثالثا.
وفي يوم الخميس رابعه: خلع على الأمير أشقتمر، واستقر في نيابة حلب. وخلع عليه من الغد خلعة السفر، فركب البريد في ليلة الأحد سابعه، وتوجه إلى حلب. وكتب. بمجيء تمرباي من حلب إلى القدس، وإقامته بها.
وفي يوم الإثنين ثامنه: خلع على قاضي القضاة جلال الدين جار اللّه الحنفي، ورسم له أن يلبس الطرحة في أيام الخدمة السلطانية، كما يلبسها قاضي القضاة الشافعي، وأن يستنيب عنه في أعمال مصر قبليها وبحريها قضاة حنفية وأن يتخذ لأيتام الحنفية مودعا يودع فيه أموالهم، حتى لا يخرج منها زكاة، فشق ذلك على قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وتحدث في إبطال ذلك، فعقد مجلس عند الأمير برقوق الكبير بسبب ذلك في يوم الإثنين خامس عشره،حضره الأمراء والقضاة ومشايخ العلم - إلا البلقيني - فقام الشيخ أكمل الدين شيخ خانكاه شيخو في إبطال ما أراد الجار بإحداثه، قيامًا بالغا مع الأمير الكبير، ودار بينه وبين الجار في ذلك كلام غير لائق، فتم للأكمل ما أراد، ورسم. بمنع الجار مما طلبه، وكان الفقير المعتمد خلف الطوخي قد اجتمع بالأمير الكبير برقوق بالأمس، وكلمه في إبطال ذلك وبالغ معه فيه. حتى قال له: إن لم ترجع وإلا بيننا وبينك سهام الليل، فانفعل الأمير الكبير لكلامه، وخاف عاقبته.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه: خلع على قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، واستقر على عادته، وألا يخرج شيء عن حكمه وهذه مرة ثانية سعى العجم في إفراد مودع للحنفية وولاية قضاة حنفية بأعمال مصر.
فلم ينجح سعيهم الأولى في ولاية السراج الهندي، عاقه عن إتمامه مرضه حتى مات، وثانيها هذه فكثرت الشناعة بأنهم أرادوا منع الزكاة وقيلت في ذلك أشعار كثيرة.
وفي ثالث عشرينه: كتب باستقرار الأمير حطط في نيابة حماة وخلع على قراجا العلاى أحد مقدمي الحلقة، واستقر في ولاية الجيزة بإمرة عشرة.
وفي أوائل جمادى الآخرة: فاض الخليج الناصري، وأغرق عدة بساتين وأغرق كوم الريش وما حول تلك الأراضي بحيث صارت لجة ماء.
وفي خامسه: أفرج عن الأمير بيدمر الخوارزمي من سجن الإسكندرية، وتوجه ليقيم بالقدس.
وفي تاسعه: قدم الأمير أقبغا عبد اللّه طائعا، فخلع عليه. واستقر نائب غزة بعد وفاة محمد بن ألجبغا.
وفيه خلع على محمد بن أياز الدوادارى، واستقر في نيابة الوجه القبلي عوضاً عن قرط. وخلع على أحمد بن غرلو، واستقر في ولاية البهنسا وكل ذلك. بمال التزما به. وانتهت زيادة ماء النيل إلى إصبعين من عشرين ذراعا، ورسم لقاضي القضاة جلال الدين جار اللّه الحنفي بعزل نائبين من نوابه بالقاهرة، وهما جمال الدين عبد الرحيم بن الوراق وزين الدين السكندري أما ابن الوراق فإن امرأة اعترفت عنده بانقضاء عدتها بسقط تخلق، فحكم به، ثم ادعت ثانيا بعد ذلك على مطلقها عنده أنها حامل منه، فقرر عليه فرض الحمل، وهذا غير مذهبه.

وأما السكندري فإن رجلا احتمى به خوفا بطش الأمير مأمور الحاجب، كما جرت العادة بأن من خاف جور من يعتدي عليه يركن إلى قاض من القضاة، فيصير في حماية الشرع النبوي ما أقام، ولا يجسر أحد على أخذه من ذلك القاضي، احتراما له وتعظيما لحرمة الدين، فشكى الأمير مأمور ذلك إلى الأمير الكبير برقوق، فرسم بعزله، وطلب الرجل المحتمي بالقاضي، وضربه ضربا مبرحا بالمقارع، هو وولده وشهرهما بالقاهرة، ونودي عليهما: " هذا جزاء من يتجاهى على الحاجب " . فكان هذا أيضاً من الحوادث التي لم تعهد، واتضع بها جانب القضاة، وانبسطت أيدي الحجاب في الأحكام. بما تهوى أنفسهم، وزين لهم شيطانهم بغير علم ولا دين يزعهم.
وفي شهر رجب: اتفقت حادثة مستغربة، وهي أن بعض من يتكسب بتحمل الشهادة بجلوسه في حوانيت الشهود من رحبة باب العيد بالقاهرة، يعرف بالشهاب أحمد بن الفيشي، من الحنفية دخل إلى منزله بالقرب من الجامع الأزهر، فسمع صوتا من جدار بيته يقول له: " اتق اللّه، وعاشر زوجتك بالمعروف " فظن أن هذا من الجان، فإنه لم ير شيئًا، وحدث أصحابه بذلك فصاروا معه إلى بيته، فسمعوا الكلام من الجدار، فسألوا عما بدا لهم، فأجابهم المتكلم من غير أن يروا شيئاً، فغلب على ظنهم أن هذا من الجان، وأشاعوه في الناس، فارتجت القاهرة ومصر، وأقبل الناس من كل جهة إلى بيت ابن الفيشي لسماع كلام الحائط، وصاروا يحادثون الحائط بزعمهم ويحادثهم، فكثر بين الناس قولهم: " يا سلام سلم الحائط بيتكلم " ، وكاد الناس أن يفتتنوا بهذا، وجلبوا إلى ذلك الجدار من الطب شيئًا كثيرًا، وحضرت العذراء من خدرها إليه. فركب محتسب القاهرة جمال الدين محمود العجمي إلى بيت ابن الفيشي هذا، ليختبر ما يقال، ووكل بابن الفيشي أحد أعوانه، فإذا بالبيت مرتفع، وتحته إصطبل فيه بعض الأجناد، فوكل به أيضاً، وطلع إلى عند الحائط، وحدثه فحادثه، فأمر بهدم الحائط، فقال له: " اخرب فإنه ما ينزل على شيء، ولا أبالي " لا فلما هدم الحائط لم ير شيئا، فعاد إلى بيته وقد كثر تعجبه، وازدادت فتنة الناس بالحائط وأخذ المحتسب مع أصحابه في ذكر ذلك فبعث من يكشف له الخبر: هل انقطع الكلام بعد تخريب الحائط أو لا فوجده قاصده يتكلم كما كان قبل خرابه، فتحير من ذلك، وكان هذا المحتسب شهما جريئًا، قد مارس الأمور وحلب الدهر أشطره، ولاحظته مع ذلك السعود، فلا يتحرك حركة إلا حمد عليها، ولا باشر جهة وقف إلا عمر خرابه، وأنفق على مستحقيه معاليمهم بعد تأخر صرفها لهم. وإذا باشر حسبة القاهرة رخت الأسعار، فإذا عزل ارتفعت، فتقف العامة وتطلب عوده لسعادة جده، ويمن إقباله. ومع ذلك فكان كما قيل " نفس عصام سودت عصاما " فلما عاد قاصده إليه أخبره بأن الكلام مستمر، قام من فوره ومعه عدة من أصحابه، حتى جلسوا عند الجدار، وأخذوا في قراءة شيء من القرآن، ثم طلب صاحب البيت، وقال له: " قل لهذا المتكلم: القاضي جمال الدين يسلم عليك " . فقال: " يا سيدي الشيخ القاضي يسلم عليك " . فقال الجدار: " وعليه السلام ورحمة الله وبركاته " . فقال المحتسب: " قل له إلى متى هذا الفساد " . فأجابه: " إلى أن يريد اللّه تعالى فقال لصاحب البيت: " قل له: هذا الذي تفعله فتنة للناس، وهذا ما هو جيد " .
فأجابه: " ما بقي بعد هذا كلام " ، وسكت وهم يقولون له " يا سيدي الشيخ فلم يكلمهم بعدها.
وكان في صوته غلظ يوهم أنه ليس بكلام إنس، فلما أيس من مكالمته قام عنه وقد اشتدت فتنة الناس بالحائط، حتى كادوا يتخذوه معبودا لهم، وغلوا فيه كعادتهم، وزعموا له ما شاءوا من ترهاتهم، وكان ذلك يوم الإثنين ثاني عشره. ثم ذلك عاد إلى الحديث مع الناس، فنزل إليه عدة من الأمراء والأعيان، وحملوا إليه المأكل، وغيرها إلى يوم الإثنين ثالث شعبان، والمحتسب يدبر في كشف هذه الحيلة.

ودس إلى الفيشي من استدرجه حتى اعترف بأنها حيلة، فركب المحتسب في يومه، ومعه جماعة،إلى بيت الفيشي، وقبض عليه وعلى امرأته وعلى فقير عندهم للناس فيه اعتقاد، يعرف بالركن عمر، وعاد بهم إلى داره، وما زال والمرأة إلى أن أعلمته أنها هي التي كانت تتكلم، وسبب ذلك أن ابن الفيشي زوجها كان يسيء عشرتها، فاحتالت عليه بهذه الحيلة، توهمه بأن الجان توصيه بها، فتمت حيلتها عليه وانفعل لها، فأعلمته . بما كان منها، فرأى أن تستمر على ذلك لينالا به جاها ومالا، فوافقته على ذلك حتى كان ما كان.
فركب وأعلم الأمير الكبير بقول المرأة وأخذها وزوجها والشيخ عمر معه، فضرب الأمير الكبير الرجلين بالمقارع، وضرب المرأة بالعصى نحوا من ستمائة ضربة، وأمر بهم فسمروا ثلاثتهم على جمال، وشهروا بالقاهرة ومصر في يوم الإثنين هذا، فكان يوما شنيعا عظم فيه بكاء الناس على المرأة، فإنها أركبت على الجمل، ومدت يداها، وسمرتا في الخشب، وهي بإزارها ونقابها، و لم يعهد قط امرأة سمرت.
واتفق نزول المحسب بخلعة خلعت عليه، فكثر دعاء العامة امتعاضا عليها - أي على المرأة.
وكان قبل ذلك قد طلع ابن الفيشي هذا إلى الأمير الكبير وعلى رأسه طيلسان و صوف، وقدم له شيئا من كعك، قال له: " الشيخ محمد شيخ الحائط أرسل لك هذا " ، وأخذ بيده يد الأمير وقبض عليها وهزها وقال له: " اتق اللّه وأعدل في الرعية " .
فانفعل بكلامه، ومشى ذلك عليه، ثم طلع إليه بعده الشيخ عمر الركن، وكان مشهورا، قد انقطع بسطح جامع عمرو بن العاص من مصرا نحو من ثلاثين سنة، والناس تتردد إليه ما بين أمير ورئيس وغير ذلك، ويلتمسون بركة دعائه، إلى أن اشتهر كلام الحائط فأتى إلى ابن الفيشي ولزمه، وجمع عليه الناس، فلما رآه الأمير الكبير أكرمه، وأخذ هو في خزعبلاته، وانصرف، فلما طلع بهما إليه المحتسب اشتد غضبه عليهما، لما تبين له من محرفتهما، وانكشفا عن حيلة شنيعة أوقع بهما ما أوقع.
ومما اتفق في هذه الحادثة أن امرأة ابن الفيشي هذه رأت في منامها قبل هذه الحادثة بأيام أنها تخطب على منبر، فعبره لها بعض من عاصرناه من حذاق المعبرين بأنه يحصل لها شهرة قبيحة، فإن المرأة ليس من شأنها ركوب المنابر، وتعاطي الخطب، فكان كذلك، وركبت الجمل يوما كاملا، وهي مسمرة كأنها تعظ الناس بلسان حالها، نعوذ باللّه من سوء القضاء.
وفي سادس عشرينه: استقر الأمير كرجي في ولاية الشرقية، عوضا عن علي القرمي، وأخرج من السجن حتى خلع عليه.بمال التزم به.
وفي يوم الإثنين رابع عشرينه: ركب الأمير الكبير برقوق من الحراقة، حيث سكنه من الإصطبل، ومضى نحو مطعم الطيور الجوارح بالريدانية خارج القاهرة.
وكان الأمير إينال اليوسفي - أمير سلاح - قد انقطع بداره على أنه مريض، ونزل الأمير الكبير حتى عاده، فركب ومعه الأمير سودن جركس المنجكي والأمير صصلان الجمالي، والأمير سودن النوروزي، والأمير جمق الناصري في عمق من المماليك، وقصد إلى الإصطبل، فطلع إلى الحراقة، وملك بيت الأمير الكبير برقوق وقبض على الأمير جركس الخليجي، فمال أصحابه على ما هناك من العدد والآلات والأموال ينهبوها، وبعث إينال بقماري الخازندار في طلب السلطان لينزل إلى الإصطبل، فلم يوافقه على ذلك، فألبس من بالإصطبل من مماليك برقوق السلاح، ووعدهم بأموال جمة ينفقها فيهم، وأمر بالكوسات فدقت حربيا بالطلخاناه من القلعة. وطار الخبر إلى الأمير برقوق، فأيس من الحياة، وكاد ينهزم، إلا أن الأمير أيتمش البجاسي شجعه وعاد به إلى بيته تحت القلعة، وأنزله فيه، وجمع عليه مماليكه وألبسهم آلة الحرب. وركب به في عدة وافرة، وخرج معه من باب الوزير يريد القلعة، فلم يشعر إينال حتى وافاه وقد تفرق عنه أصحابه في نهب ما وجدوه، وغصت الرميلة تحت القلعة بالعامة، فهموا برجمه، ظنا منهم أن أيتمش قد خامر مع إينال، عصبية منه للأمير برقوق.
فصاح بهم أيتمش " يا جماعة، هذا أخوكم برقوق معنا " وأشار إليه وقد تلثم، فقالوا: " حتى نرى وجهه " فأماط لثامه، وقال لهم: " يا إخوتي، هذا وقت المروءة

والعصبية " وكان كثير الدهاء والمكر، فثاروا ثورة واحدة وصرخوا جميعا: " امش قدامنا " . فسار وهم حوله كالجراد المنتشر، حتى وقف على باب سر الإصطبل أضرموا فيه النار وأحرقوه وتسلق الأمير قرط الكاشف وقد لحق ببرقوق ونزل إلى الإصطبل، حتى فتح الباب، فدخلوا منه جميعا، وقاتلوا أصحاب إينال، فمال معهم من كان من أصحاب برقوق هناك، فاشتد القتال وجرح الأمير إينال في عنقه بسهم رمى به، فانهزم إلى بيته، فبعث الأمير برقوق من قبض عليه، وحمله إليه وسجنه. وهذا والأمير بركة غائب في الصعيد، وتتبع الأمير برقوق أصحاب إينال، فقبض عليهم، ونودي في القاهرة على مماليك إينال فقبض منهم على عدة.
وحمل الأمير إينال مقيدًا إلى الإسكندرية، هو وسودن جركس، وسجنا بها، وفر برهان الدين إبراهيم بن اللبان في هذه الواقعة إلى بلاد التكرور وذُلك أنه كان قد قبض عليه بسبب مال الأمير قرطاي ثم أفرج عنه. فلما ملك إينال الإصطبل، صعد إليه، وأسمع الأمير جركس ما يكره، فخاف على نفسه، وضاقت به أرض مصر.
وفي ثامن عشرينه: قدم الأمير بركة من سرحة البحيرة فخرج الأمير الكبير برقوق وتلقاه، فنزلا جميعا عن فرسيهما وتعانقا فرحا بالسلامة، وعادا، فأمر بزينة القاهرة ومصر، فزينتا.
وفيه قبض على الأمير جمق - أحد العاشرات - وعلى الأمير أزبك، وسجنا، وأخرج الأمير قطلوبغا الكوكاي منفيا إلى الشام.
وفي ثاني شهر رمضان: أنعم على كل من يذكر بإمرة طبلخاناه، وهم الأمير قرط ابن عمر التركماني، وشاهين الصرغتمشى، ومجلس النوروزي، وطوجى العلاي، وقردم الحسني، وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرة، وهم: أقبغا الناصري - رأس نوبة الأمير برقوق - وكمشبغا، وبكبلاط الصالحي، وطوجى.
وكتب باستقرار الأمير منكلي البلدي في نيابة طرابلس عوضًا عن يلبغا الناصري، ورسم بإحضار الناصري إلى قلعة الجبل.
وفي يوم السبت سابعه: شهر رجلان بعدما ضربا، وأركبا جملا، وظهر أحدهما إلى ظهر الآخر، ونودي عليهما بالقاهرة ومصر: " هذا جزاء من يتحدث فيما لا يعنيه " . وكان سبب ذلك أن أحدهما يعرف بالكمال ابن بنت الخروبي، من أهل مصر، معروف بقلة العقل والفقر من المال، تحدث مع الأمير خضر رأس نوبة الأمير بركة أن يستقر في الوزارة، وعين رجلا من آحاد معلمي المماليك القراءة لنظر الدولة، وعين رجلا من آحاد الجند يقال له كراي بن خاص ترك لشد الدواوين، وعين آخر لنظر الجهات، وآخر من أطراف العامة لتقدمة الدولة، ووعد على ذلك بمال عظيم، وضمن تكفية الدولة ستة أشهر، فأتقن خضر الأمر مع أستاذه الأمير بركة، حتى لم يبق إلا وقوع ذلك في الخارج، وجهز له تشريف الوزارة، ففطن به الوزير وجماعة الخراربة التجار، وقد بلغهم عنه أنه عينهم فيمن عين لأخذ أموالهم، وعرفوا أهل الدولة بحاله، فقبض عليه الأمير الكبير برقوق، وضربه وجرسه هو ورفيقه، وفر بقية أصحابه.
وفي عاشره: قدم الأمير يلبغا الناصري، وأنعم عليه بإقطاع الأمير إينال، واستقر أمير سلاح.
وفي تاسع عشرينه: خلع على محمد بن طاجار، واستقر في ولاية الغربية، عوضًا عن أيدمر السيفي، وخلع على خان، واستقر في ولاية قوص.
وفي سابع شوال: خلع على محمد بن الجلبي، واستقر في ولاية منفلوط عوضا عن. بيرم، كل ذلك بمال التزموا بالقيام به من مظالم العباد.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره: قبض على رجل ادعى النبوة، وأنه النبي الأمي، وأنه مصدق بنبوة نبينا.
وزعم أن حروف القرآن تنطق له مع أنه أمي، وأن الذي يأتيه بالوحي جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ورضوان ومالك ودرديائيل، وزعم أنه عربي من مصر وأنه أرسل بقتل الكفرة، وأن الترك يحكموه ويملكوه عليهم، وأنه أنزل عليه القرآن فسجن عند المجانين بالمارستان، ثم أخرجه الأمير بركة وسأله عن نبوته، فأخبره، فأمر به فضرب حتى رجع عن. قوله، ثم أفرج عنه بعد أيام، وكنت أراه زمانا طويلا، وله سمت وينمسة وحدثني عنه بعض الثقات أنه كان يتلو عليه من قرآنه لنفسه به، ثم فقدناه.
وفي ثاني عشرينه: عوقبت دادة السلطان حتى أظهرت قبع السلطان الذي عمله له أبوه الملك الأشرف عند ختانه، وطراز ذهب، وطشت من ذهب، وهذه الثلاثة مرصعة بجواهر نفيسة، وأظهرت أيضًا تركة أم السلطان الملك المنصور علي.

وفيه خرج الأمير تمربغا الحاجب على البريد، بتقليد الأمير نُعَيْر بن حيار بن مهنا إمرة العرب، عوضا عن زامل ومُعَيقْلِ.
وفيه أخرج أسنبُغَا القوصوني، من أمراء العشرات، منفيا.
وفيه أراد الأمير بركة أخذ مال أولاد ابن سلام التاجر، وأولاد ابن الأنصاري، وكان شيئاً كثيرًا، فركب إليه قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وما زال به حتى رجع عن ذلك.
وفي أول ذي القعدة: رسم بإحضار الأمير بزلار، الذي كان متولي الإسكندرية.
وفيه قام المحتسب جمال الدين العجمي على الشيخ زين الدين عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر القرشي، وكان قد قدم من دمشق وعمل ميعادا للوعظ بالجامع الأزهري، وظهر عن حفظ جم للأحاديث النبوية، وتفسير القرآن العزيز، من أجل أنه اتهم بأن لازم ما يورده من الأحاديث أنه يثبت الصفات الإلهية، وأقام شخصا ادعى عليه بشيء من هذا، ورسم عليه وعلى ولده عدة أيام، فقام قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة في نصرته، وكف يد المحتسب عنه، ومنعه من التعرض له.
وفي عشرينه: قدم الأمير بزلار.
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه. طلب الأمير بركة الوزراء المعزولين، وهم: كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، وكريم الدين شاكر بن غنام، وكريم عبد الكريم بن مكانس وقد ظهر من اختفائه.
وأمر بابن الرويهب فنزعت عنه ثيابه ليضربه، ثم أعاد ثيابه عليه و لم يضربه، وأخرجه منفيا إلى طرسوس، وجرد ابن مكانس من ثيابه، وضربه عريانا بالمقارع نحو العشرين شيبا، وألزم ابن غنام.بمال، فكتب خطه أن كل ما يملكه فهو للسلطان، وكان للأمير أيتمش البجاسي به عناية، فلم يأخذ منه شيء، وأخرج إلى القدس منفيا. ثم أفرج عن ابن مكانس بشفاعة الأمير يلبغا الناصري فيه. واتهم الوزير المالكي بأنه الحامل للأمير بركة على هذا. وقدم البريد بتجمع التراكمين لقصد أخذ ملطة فركب الأمير طاش البريد لكشف الخبر.
وفي يوم السبت ثاني ذي الحجة: خلع على محمد بن سليمان - من مقدمي الحلقة - واستقر في ولاية الأشمونين وعلى أسنبغا المنجكي، واستقر في ولاية الفيوم، عوضا عن الركن. وسلم الركن للمقدم سيف، ليستخلص منه المال.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره: خلع على بهاء الدين باد الكردي - أحد الطبردارية - واستقر في ولاية القاهرة، عوضا عن الأمير حسام الدين حسين علي بن الكوراني، وسلم حسين لشاد الدواوين على مال، فباع ثيابه، ثم أفرج عنه في خامس عشره.
وفي يوم السبت سادس عشره: استعفى الأمير أيتمش البجاسي من نظر خانكاه سرياقوس فأعفى، وخلع على الأمير مأمور الحاجب، واستقر عوضه في نظرها.
وفي عشرينه: خلع على معين الدين محمد بن عبد اللّه بن أبي بكر الدماميني السكندري، واستقر في نظر الأسواق، عوضا عن علم الدين بن غنام.
وفي ثالث عشرينه: خلع على بيرم، واستقر في ولاية الغربية، عوضا عن محمد بن طاجار، وخلع على الأمير قادوس، واستقر في ولاية الأشمونين عوضا عن محمد بن العادلي، وخلع على ابن العادلي، واستقر في ولاية منوف عوضا عن أبي بكر بن خطاب كل ذلك. بمال يقومون به، إذا صاروا إلى الأعمال، فكانوا يجبون الناس من أهل النواحي أولا، ويسمون ذلك القدوم، فيفرض الوالي على كل بلد قدرًا من المال، ثم إذا جبى ذلك، أخذ في تحصيل المال من المظالم، وبينما هو في ذلك إذ استقر غيره في عمله . بمال التزم به، فيقبض عليه، ويحاط. بماله من خيل وخام وثياب وآلات وغير ذلك مما قد استدانه بأضعاف ثمنه، ويُعاقب على بقية ما تأخر عليه. فعندما يجد، وهو في العقوبة، سبيلا إلى عوده إلى عمله أو عمل آخر، وعد. بمال واستمر فيه، وسلط على الناس بسفك دمائهم، وبضرب أبشارهم وبأخذ مالهم، فأخذ إقليم مصر في الاختلال بهذا السبب.
وفي هذا الشهر: جرت عين الأزرق المستمدة من عين ثقبة وعين ابن رَخَم من عرفة إلى البركتين خارج باب المعلاة . بمكة المشرفة. واستجدت ميضأة عند باب بني شيبة، وربع وحوانيت، وأصلحت زمزم وحجر إسماعيل والميزاب، وسطح الكعبة. كل ذلك على يد الأمير باشاه، دوادار الأمير بركة.
وفيه حضر إلى القاهرة طائفة ما بين رجال ونساء، ذْكروا أنهم ارتدوا عن الإسلام

وقد كانوا قبل ذلك على النصرانية، يريدون بارتدادهم التقرب إلى المسيح بسفك دمائهم، فعرض عليهم الإسلام مرارا فلم يقبلوا، وقالوا: " إنما جئنا لنتطهر ونتقرب بنفوسنا إلى السيد المسيح " فقدم الرجال تحت شباك المدرسة الصالحية بين القصرين، وضُربت أعناقهم، وعرض الإسلام على النساء، فأبين أن يسلمن، فأخذهن القاضي المالكي إلى تحت القلعة، وضرب أعناقهن، فشنّع الفقهاء على القاضي المالكي ضرب أعناق النساء، وأنكروا عليه ذلك.
وفيه قدم أيضا بعض رهبان النصارى وقدح في الإسلام، وأصر على قبيحه، فضربت عنقه، وكان هناك ثلاث نسوة، فرفعن أصواتهن بلقلقة ألسنتهن، كما تفعل النساء عند فرحهن، واستبشارا بقتل الراهب، وأظهرن شغفا به، وهياما لما جرى له، وصنعن كصنيعه، من القدح في الإسلام، وأردن تطهيرهن بالسيف أيضا. ثم ضربت رقبة رفيق الراهب في يوم الجمعة ثاني عشرينه تحت شباك الصالحية، وضربت رقاب النسوة الثلاث من الغد، يوم السبت ثالث عشرينه تحت القلعة بيد الأمير سودن الشيخوني الحاجب، وأحرقت جثثهن بحكم أنهن ارتددن عن الإِسلام، وأظهرن أنهن فعلن هذا لعشقهن في الراهب المذكور. وكان يعرف بأبي نفيفة. و لم نسمع في أخبار العشاق خبرًا أغرب من هذا، ثم جاء بعد ذلك رجل من الأجناد على فرس، وقال للقاضي: " طهرني بالسيف، فإني مرتد عن الإسلام فضرب وسجن.
وفيه عزم الأمير بركة على السفر لمحاربة التركمان، وقد عاد للكشف عن أخبارهم بخروجهم عن الطاعة، ثم اقتضى الرأي أن يتولى محاربتهم الأمير بَيدَمُر الخوارزمي، فرسم بإحضاره، وخرج الأميران برقوق وبركة وسائر الأمراء إلى لقائه، وترجلوا له جميعا حتى الأميران، وأتوا به إلى منزل أعد له، وحملت له تقادم كثيرة جدا، وخلع عليه، واستقر في نيابة الشام على إعادته عوضا عن كمشبغا الحموي، واستقر الأمير طَشْتَمُر السيفي في نيابة حماة بعد وفاة الأمير حَطَطَ.
وفيه قتل محمد بن مكي داعية الرافضة تحت قلعة دمشق.
وفيه قطع الوزير الملكي معاليم الناس ومرتباتهم على الدولة، ومنع مباشري الجهات من المباشرة، ظنا منه أنه تمشى أحواله. بما وفره من ذلك، فبلغ الأمير الكبير برقوق ما عمله، فسأله عن مقدار ما وفره، فأخبره. بمبلغه، فأخرج عن الوزارة بلادا يتحصل منها بقدر ما وفره، فعاد ذلك عليه بضرر كبير، فإن الوزراء كانوا يوفرون من ذلك معلوم من استضعفوا جانبه، ليتوسعوا به، ففات الملكي ذلك، وباء بقبح القالة، ومقت الناس له.
ومات في هذه السنة ممن له ذكربرهان الدين إبراهيم بن شرف الدين أبي محمد عبد اللّه بن محمد بن عسكر بن مظفر بن نجم بن شادي بن هلال الطائي الطريفي، الشهير بالقيراطي، الأديب الشافعي، بمكة في ليلة الجمعة العشرين من شهر ربيع الآخر، ومولده يوم الأحد حادي عشرين صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة.
وتوفى الشيخ شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي، بعدما عمى، في يوم الأربعاء سادس عشرين شعبان بالقاهرة، ومولده ببغداد في سنة سبع وتسعين وستمائة. ودرس بالمستنصرية، ثم قدم الشام، وولى قضاء المالكية بدمشق، بعد الجمال المسلاتي، سنة تسع وخمسين، ثم صرف في سنة ستين، وسكن القاهرة، وولي نظر خزانة الخاص، ثم صرف عنها بابن عرب، فلزم بيته حتى مات.
ومات الأمير حَطَطَ اليلبغاوي نائب حماة في جمادى الآخرة.
ومات الأمير حاجي بك، من أمراء الطبلخاناه.
وتوفي الشيخ المعتقد حسن الصبان المغربي، في ثاني عشرين ربيع الأول بعدما أقعد وتوفى الفقير المعتقد صالح الجزيري في رابع عشر ربيع الأول، ودفن بزاويته من جزيرة أروى، المعروفة بالجزيرة الوسطى.
وتوفى شيخ القراء تقي الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن علي، المعروف بابن البغدادي ، الواسطي الأصل، بالقاهرة، في يوم الخميس تاسع صفر. ومولده سنة ثلاث وسبع مائة - ومات الأمير قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غُضية بن فضل بن ربيعة، أمير آل فضل.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن ألجْبُغا العادلي نائب غزة وقد استعفى، ورجع إلى دمشق في سلخ جمادى الآخرة، وهو في عشر الخمسين بشقحب، فدفن بدمشق.

وتوفى الفقيه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن محمد بن مرزوق العجيسي التلمساني المغربي المالكي، وزير المغرب، ومدرس الفقه بالمدرسة الخانكاه الشيخونية، ومدرس المدرسة القمحية، في يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول بالقاهرة.
وتوفى بهاء الدين بن يوسف بن عبد اللّه بن قريش، شاهد ديوان أولاد الناصر حسن، في ثاني عشرين جمادى الآخرة.
ومات شيخنا ناصر الدين محمد بن يوسف بن علي الحراوي الكردي الطبردار، في ثامن عشر ربيع الأول.
ومات الأمير ماماق، أحد أمراء الطبلخاناه، في يوم الخميس ثالث شعبان، ودفن بتربة أنشأها له الأمير الكبير برقوق تحت دار الضيافة.
ومات الطواشي افتخار الدين ياقوت الرسولي، شيخ خدام الحجرة النبوية، في ليلة سابع عشرين شهر رمضان، وكان خيرا صالحا.
ومات الأمير ساطلمِش الجلالي بدمشق في ذي القعدة، وهو من أبناء السبعين.
ومات شمس الدين محمد بن أحمد بن مُزهِر، أحد موقعي دمشق، وأخو بدر الدين كاتب السر بها في شوال عن نحو أربعين سنة.
سنة اثنتين وثمانين وسبعمائةفي يوم الإثنين ثاني المحرم: خلع على الركن متولي الفيوم واستقر في نيابة الوجه القبلي، عوضا عن محمد بن إياز الدوادارى،. بمال كبير التزم به. وخلع على الأمير بَيْدَمُر نائب الشام خلعة السفر، وسار إلى دمشق ومعه الأمير خضر متسفرا على العادة، وقدم البريد من حلب بكثرة جمائع التركمان، واتفاقهم على قصد البلاد الحلبية.
وفي تاسعه: أعاد الأمير بركة الأمير أقبغا صيوان إلى استاداريته، وعزل عنها الأمير صلاح الدين خليل بن عرام وفي عاشره: خلع على السيد الشريف علي، وأعيد إلى نقابة الأشراف، بعد وفاة الشريف عاصم.
وفيه حمل جهاز خوند ابنة الأمير طَشْتَمُر إلى الأمير الكبير برقوق، فبنى عليها ليلة الجمعة حادي عشر وفي تاسع عشره: خُلع على محمد بن طاجار، واستقر في ولاية البهنسي، عوضا عن أحمد بن غُرلوا.
وفي رابع عشرينه: ضرب الأمير بركة الوزير المالكي نحو السبعين ضربة بالعصى، ثم خلع عليه من الغد، ونودي بأن أحدا لا يتجاهى عليه.
وفي عشرينه: خلع على أبي بكر بن خطاب، واستقر في ولاية منوف وفي آخره: قدم البريد من حلب، بأن رجلا قام يصلي بقوم، فتعرض له شخص يعبث به، فتمادى في صلاته ولم يقطعها حتى سلم منها في آخرها، فتحول وجه الشخص الذي عبث به وجه خنزير، ومر على وجهه هاربا إلى غابة بالقرب من ذلك المسجد فعبرها.
وفي يوم الإثنين ثامن صفر: قدم الأمير خضر - متسفر الأمير بيدمر نائب الشام - وعرض ما أنعم به عليه، وهو مبلغ مائتين ألف درهم فضة عنها خمسة عشر ألف مثقال من الذهب، وعشرة أرءوس من الخيل بسروج ذهب وكنابيش ذهب وسلاسل ذهب، وعشرة أرءوس خيل بقماش دون ذلك، وثمانون أكديش عريا، ومائة ناقة، ومائة وخمسون جملا، وعشرون مملوكا، وعشرون جارية، وخمسون بقجة فيها ثياب الصوف وأنواع الفرو من السمور والقاقم والسنجاب، والفوط والثياب القطنية، من النصافي والبعلبكي، وغير ذلك.
وفي عاشره: شهرت امرأة على رأسها طرطور أحمر، ونودي عليها: " هذا جزاء من تتزوج برجلين في وقت واحد.
وفي سابع عشره: بعث الأمير بركة إلى الأمير برقوق بأن الأمير أَيتمش قد ألبس مماليكه حربيا، فكشف عن ذلك فلم يظهر له صحة، وطلع أَيْتمش إليه وأقام عنده خوفا من الفتنة، فترددت الرسل بينهم في الصلح مرارا، حتى ركب بينهما الشيخ أكمل الدين، والشيخ أمين الدين الخلوى، وقررا الصلح، ونزلا بالأمير أيتمش إليه، فخلع عليه الأمير بركة.
وفيه اتفق شيء يُستغرب، وهو أن رجلا من الفرنج خاصم شخصا على مال ادعى به عليه بين يدي الأمير بركة، فلم يثبت له عليه شيء، فغضب، وأخرج سكينا، وضرب بها بلبان الترجمان، فقتله في موقف الدعوى بين يدي الأمير بركة، بحضرة الملأ العظيم من الناس، ولم يخش عاقبة، فأمسك وسمر على لطليطة، فدور على الجمل، ثم قطعت يداه ورجلاه، وأحرق خارج القاهرة.

وفي ليلة الجمعة تاسع عشره: لبس الأمير بركة السلاح، هو ومماليكه، ولبس الأمراء أيضا، وباتوا في اصطبلاتهم على احتراز، فلما أصبح نهار يوم الجمعة، طلب الأمير الكبير برقوق القضاة ومشايخ العلم، وندبهم للدخول بينه وبين الأمير بركة في الصلح، مكيدة منه ودهاء، فما زالوا يترددون بينهما عدة مرار، حتى وقع الصلح على دخن وحلف كل منهم لصاحبه، ونزعوا عنهم السلاح، فبعث الأمير برقوق بالأمير أَيْتَمِش إلى الأمير بركة، فنزل إليه وفي عنقه منديل، ليفعل ما يريد من قتل أو حبس أو غير ذلك، وخضع له خضوعا زائدا، فلم يجد بركة بدا من الإغضاء عنه وقبول معذرته، وخلع عليه، وأعاده إلى الأمير برقوق، والقلوب ممتلئة حنقا، ونودي في القاهرة بالأمان، وفتح الأسواق، فسكن انزعاج الناس.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه: خلع على قضاة القضاة الثلاث: برهان الدين إبراهيم بن جماعة الشافعي، وجلال الدين جار الله الحنفي، وناصر الدين نصر اللّه الحنبلي وخلع على الشيخ أكمل الدين محمد الحنفي شيخ الشيخونية لكونهم سعوا في الصلح بين الأميرين والتزم الأمير بركة بأنه لا يتحدث في شيء من أمور الدولة. وأن يستقر الأمير الكبير برقوق متحدثا في جميع الأمور. بمفرده، وانفضوا من الخدمة السلطانية بالقصر على هذا، فشق على علم الدين سليمان البساطي المالكي حرمانه من لبس الخلعة، وكثرت الإشاعة بعزله، وكانت شائعة، فوعد بمال على استقراره، حتى استقر، وخلع عليه في يوم الخميس ثالث ربيع الأول.
وفيه أنعم على الأمير بُزْلار الناصري بإمرة طبلخاناه، وعلى الأمير محمد بن قرطاي الكركي بإمرة عشرة.
وفي يوم السبت خامسه: ولد للأمير الكبير برقوق ولد ذكر من جاريته أَردو، فسماه، محمدا، وأخذ في عمل مهم عظيم لولادته. هذا، وهو والأمير بركة كل منهما يدبر في العمل على الآخر. وسبب ذلك أنه لما كانت فتنة الأمير إينال مع الأمير برقوقّ وقبض عليه، عتبه على ما كان منه، فاعتذر بأن الأمير أيتمش اتفق معه، هو وعدة من الأمراء، على ذلك، فجمع بينه وبين أيتمش لثقة الأمير برقوق به، فظهر أن الاتفاق إنما كان بينهما على أن يأخذا الأمير بركة وحواشيه، فبلغ ذلك بركة فأسرها في نفسه، وأراد غير مرة القبض على أيتمش، وبرقوق يدافعه عنه، فتوحش مابينهما إلى الغاية، إلى أن عزم أيتمش على القيام بالحرب، ففطن به بركة واستعد له، فكاده برقوق.بما كان من خبر الصلح الذي تقدم ذكره، هذا مع ما كان بين الأميرين بركة وبرقوق من التحاسد الذي لابد منه غالبا بين الشريكين، فإنهما قاما بتدبير أمور الدولة. ومن طبع كل أحد من الملوك الإنفراد بالمجد ومحبة الاستئثار بالملك.
فلما كان يوم الإثنين سابعه: ركب الأميران بركة وبرقوق في عامة الأمراء، وسيرا إلى جهة قبة النصر خارج القاهرة، وعاد كل منهما إلى منزله، فمد الأمير برقوق سماط المهم لولادة ولده محمد، وطلع إليه الأمير صراي الطويل الرجبي - من إخوة بركة - وأسر إليه فيما قيل بأن " الأمير بركة قد اتفق مع جماعته على اغتيالك في وقت صلاة الجمعة " ثُم طلع الأمير أيتمش وغيره من الأمراء لحضور السماط وتأخر الأمير بركة عن الحضور، وبعث من إخوته الأمير قرادمرداش الأحمدي، أمير مجلس، والأمير طبج المحمدي، والأمير أَقتمر الدوادار، فهنوا الأمير الكبير بتجدد ولده محمد. وجلسوا على

السماط وأكلوا حاجتهم منه. فلما انقضى السماط، أشار الأمير برقوق إلى الأمير جركس الخليلي، والأمير يونس النوروزي دواداره، فقبضا على صراي الطويل وقرادمرداش وطبج وأَقتمُر العثماني الدوادار، وألبس مماليكه في الحال آلة الحرب، وبادر بإرسال الأمير بزلار الناصري إلى مدرسة السلطان الملك الناصر حسن في عدة معه، فملكها وصعد إلى منارتها، ورمى بالنشاب على الأمير بركة، فإنهما يشرفان على بيته. وقد بلغه القبض على إخوته، فلبس وألبس مماليكه حربيا. وفي الحال نادى الأمير برقوق في العامة " عليكم ببيت بركة فانهبوه " . فجاء منهم خلق كالجراد المنتشر إلى بيت بركة من جهة بابه الذي بالرميلة تجاه باب السلسلة، وقد أغلق، فأضرموا فيه النار حتى احترق، وهجموا عليه، فلم يثبت لهم والرمي عليه من أعلى مأذنتي مدرسة حسن، وخرج. بمن معه من باب سرداره، ومر إلى باب زويلة، فدخله، وشق. بمن معه القاهرة إلى باب الفتوح في عسكر عظيم، وأخذ والي القاهرة حتى فتحه له، وقد أغلق وخرج منه إلى قبة النصر، وكانت بينه وبين أصحاب برقوق وقعة انتصف كل طائفة من الأخرى. وبعث الأمير برقوق إلى الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني فأحضره إليه، وولاه ولاية القاهرة، عوضا عن بهاء الدين باد، لمخامرته مع الأمير بركة. فنزل إلى القاهرة وأغلق أبوابها على العادة في أيام الفتنة، ومنع المماليك من دخولها.

فلما كان الغد يوم الثلاثاء ثامنه: أصبح بيت بركة خرابا نبابا قد نهبت العامة أخشابه ورخامه، وهدمت عدة مواضع منه، و لم تدع فيه إلا الجدر القائمة، ولا يجد به مالاً، ولا حريما، فإنه كان قد استعد للحرب، ووزع حريمه وأمواله في عدة أماكن. وفيه نادى الأمير برقوق في العامة " من قبض على مملوك من مماليك بركة كان له ماله ولنا روحه " . وركب الأمير آلان الشعباني، والأمير أيتمش البجاسي، والأمير قُرُط التركماني من جهة الأمير الكبير برقوق، لقتال الأمير بركة فركب إليهم الأمير يلبغا الناصري - من أصحاب بركة - وقاتلهم وكسرهم كسرة قبيحة، قتل فيها جماعة، فباتوا متحارسين، وصار العسكر فريقين، فرقة جراكسة - وهم أصحاب الأمير الكبير برقوق - وفرقة ترك - وهم أصحاب الأمير بركة - فلما أصبح نهار يوم الأربعاء تاسعه، أنزل الأمير برقوق بالسلطان إلى عنده بالحراقة من الإصطبل، ودقت الكوسات حربيًا بالطبلخاناه من القلعة، فطلع مماليك السلطان إليه، وأمر بباب القلعة من جهة باب القرافة، فسد بالحجارة، ونودي في الأجناد البطالة وأجناد الحلقة بطلوعهم إلى السلطان، فطلع جماعة كبيرة، فرقت فيهم أسلحة، أُخذت في الليل من سوق السلاح بالقاهرة، وركزت كل طائفة منهم على تربة من الترب - فيما بين القلعة وقبة النصر - ليرموا من أعلاها أصحاب بركة عند محاربتهم بالسهام، وبالغ حسين بن الكوراني في حفظ القاهرة، وأخذ الطرقات على من يتوجه إلى بركة بشيء من الأقوات والعلوفات. وقبض على جمال الدين محمود المحتسب، وسجن بالإصطبل من أجل أنه نقل عنه أنه بعث إلى الأمير بركة. بمأكل من خبز ولحم وغيره. وتوجه الأمير سودون الشيخوني في الحاجب إلى بركة بتشريف نيابة الشام، فأخرق به وأعاده أقبح عود، ثم ركب وقت القايلة، وكان الوقت صيفا، ومعه الأمير يلبغا الناصري من طريقين، وهجما على حين غفلة إلى تحت الطبلخاناه، يريدان الهجوم على القلعة، فتناولت العامة الحجارة يرجمونهم بها، ورماهم مع ذلك من بأعلى القلعة بالنشاب، وثبت لهم الأمير آلان في نحو مائة فارس، فكانت وقعة عظيمة جدا، أبلى فيها أحمد بن هُمُز التركمانى ومماليك بركة - وعدتهم ستمائة فارس - بلاء اعظيما، كسروا فيه أصحاب برقوق عشرين كسرة، يمر في كل وقعة منها ما يتعجب منه، فلما كثرت عليهم حجارة العامة ونشاب من بالقلعة، تقنطر بركة عن فرسه، فأركبه أصحابه، وعادوا به إلى مخيمهم بقبة النصر مكسورا، وقد اقتحم أيتمش على يلبغا الناصري بطبر وضربه حتى كاد يأتي على نفسه، وأخذ جاليشه وطبلخاناته . وجرح كثير منهم، وفر منهم الأمير مبارك شاه المارديني إلى الأمير برقوق في طائفة، فلما دخل الليل تفرق عن بركة أكثر من معه، وأشرفت خيول من بقي على الهلاك، من كثرة جراحاتها، أمرهم أن يطلبوا النجاة لأنفسهم، ومضى ومعه الأمير أقبغا صيوان استاداره بعد نصف الليل من قبة النصر إلى جامع المَقْس خارج باب القنطرة من القاهرة، فاختفيا به، فدل عليهما بعض من هناك، فبعث الأمير الكبير بيونس النوروزى دواداره إليهما، فأخذهما، وأتى بهما إليه في يوم الخميس عاشره، فسجنه نهاره عنده، وحمله في ليلة الجمعة مقيدا إلى الإسكندرية، فسجن بها، وبعث معه بقرا دمرداش، وبأقتمر العثماني، واستمر باب القلعة في يوم الجمعة حادي عشره مغلقا، ولم تصل الجمعة يومئذ يجامع القلعة.
وفيه قبض على الأمير خُضَر، والأمير قراكسَك، والأمير أيدَمُر الخطاي، والأمير حاج

ابن مُغْلطاي، والأمير سودُن باشا، والأمير يَلبغا المنجكي، والأمير قرا بلاط والأمير قّرابغا الأبو بكري، والأمير إلياس الماجارى، والأميرَ تمُربغا السيفي، والأمير يوسف بن شادي، والأمير تمربغا، الشمسي، والأمير قُطلُوبك النظامي، والأمير أقبغُا صيوان الصالحي، والأمير أحمد بن هُمُز التركماني. والأمير كُزَل القرمي، والأمير طولو تمر الأحمدي، والأمير طُوجي الحسني، والأمير تنكز العثماني، والأمير قطلوبك السيفي، والأمير غريب الأشرفي، والأمير يلبغا الناصري، وجميع أصحاب بركة وألزامه ومماليكه، فانقرضت دولة الأتراك بأسرها، وتتبعوا بالأخذ فقتلوا ونفرا وسجنوا، ولقد كانت الجراكسة قبل ذلك تتحدث فيما بينها بأنه يكون فتنة كبيرة ثم تخمد، ويثور بعدها فتنة بينهم وبين الترك ينتصرون على الأتراك فيها بعد وقعة، وتعلو كلمتهم عليهم، وصاروا يتدارسون هذا فيما بينهم، لا يشكون في وقوعه. فلما كانت حركة الأمير أينال جهروا بذكر ذلك، وقالوه من غير احتشام، وأذاعوه حتى تحدث به كبيرهم وصغيرهم، فكان كذلك كما تقدم ذكره، و للّه عاقبة الأمور.
ومن عجيب ما وقع في هذه الحادثة العظيمة، أنه لم يركب فيها الأمير برقوق لحرب ساعة من النهار؛ بل لم يزل في مكانه، والحرب بين أصحابه وكبيرهم الأمير أيتمش وبين بركة ومن معه، حتى نصره الله عليهم من غير تعب، وأقامت القاهرة ثلاثة أيام مغلقة الأبواب، إلا أن الخير كثير بالأسواق، و لم يقل سوى الماء فإنه صار ينقل بالقرب من خوخة أيدغمش، فبلغت القربة نصف درهم، ثم نودي من آخر يوم الجمعة في القاهرة بالأمان، ونودي " يا عوام إن كنتم راضين.بمحتسبي القاهرة ومصر. وإلا عزلنا هما " . فطلع جمع من الغوغاء إلى تحت القلعة وصاحوا " ما نرضى بهما " فرسم بعزلهما.
وفيه خلع على الأمير أحمد الطرخاني، واستقر في ولاية الجيزة، ووجدت ذخيرة للأمير بركة في ضمن مصطبة صغيرة بوسط اصطبله. كان يجلس عليها أحيانا، فيها زنة سبعين قنطارا من ذهب ووجد له عند جمال الدين محمود العجمي - محتسب القاهرة - مبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار.
وفي يوم السبت ثاني عشره: عرضت مماليك بركة على الأمير برقوق، ومماليك يلبغا الناصري، فاختار من شاء منهم.
وفيه أفرج عن قراكَسَك. وطولو تمر الأحمدي، وتنكز العثماني، وأَيْدَمُر الخطاي وأمير حاج بن مُغْلِطَاي، ويوسف بن شادي، وقبض على أرسلان دوادار بركة، وسلم هو وأقبغا صيوان وخضر وباشا إلى المقدم سيف، فنوع لهم العذاب أنواعا، وهو يقول لهم " أنتم أخذتم مني ألف ألف وخمسين ألف درهم " ، وكانت عقوبتهم بقاعة الصاحب من القلعة، كما هي العادة فيمن يصادر.
وفي ليلة الأحد ثالث عشره: أخرج الأمير يلبغا الناصري مقيدا إلى الإسكندرية، ومعه الأمير طُبُج المحمدي، والأمير أَطْلَمش الطازي، والأمير قرابلاط. والأمير إلياس، والأمير تمربغا السيفي، والأمير تمربغا الشمسي فساروا جميعا في الحديد حتى سجنوا بها.
وفي نهار الإثنين رابع عشره: خلع على الأمير مبارك شاه السيفي، واستقر في ولاية بلبيس وخلع على السيد على نقيب الأشراف، واستقر في حسبة مصر، عوضا عن سراج الدين عمر العجمي، وخلع على شمس الدين محمد الدميري، وأعيد إلى حسبة القاهرة، عوضا عن جمال الدين محمود العجمي وخلع على محمد بن العادلي، واستقر في ولاية الأشمونين وأفرج عن الأمير خضر وعن الأمير أرسلان وعن مسافر استادار الصحبة لبركة، على مال قرر عليهم، وأفرج عن الأمير أقبغا صيوان، ثم أخرج بعد أيام هو وخضر إلى الشام منفيين.
وفيه أنعم على كل ممن يذكر بتقدمة ألف وهم: الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير الكبير وأنعم عليه بإقطاع بركة، والأمير جركس الخليلي والأمير بزلار الناصري والأمير أَلْطنبُغا المعلم، والأمير ألابغا العثماني.
وفي يوم الأربعاء سادس عشره: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع وست أصابع.
وفي سابع عشره: أنعم على الأمير أَطْلَمش الطازي بطبلخاناه بدمشق، وأخرج إليها. وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة طبلخاناه، وهم: تَنْكز بُغا السيفي، وأقبُغا الناصري، وطوجي العلاي، وفارس الصَّرْغَتْمُشى، وكَمُشبغا الخاصكي الأشرفي، وتمربُغا المنجكي، وسودُن السيفي باق، وأياس الصَّرْغَتْمُشي، وقُطُلوبغا السيفي كوكاي، وأنعم

على كل ممن يذكر بإمرة عشرة، وهم: بيبرس التمانَ تمرى، وطنا الكريمي، وبيرم العلاي، وأقبغا اللاجيني، وقوصون الأشرفي.
وفيه خلع على الأمير بهادر الشاطر، واستقر شاد الدواوين، عرضا عن أقبغا الفيل.
وفي ثامن عشره: قدم البريد بسيف الأمير بيدمر نائب الشام، وذلك الأمير بركة لما خرج إلى قبة النصر، بعث إليه بأخذ قلعة دمشق، والقبض على أكابر أمرائها، وأنه إن انكسر قدم إليه، فركب يريد القبض على الأمراء، وكانوا قد وصل إليهم كتاب الأمير الكبير برقوق باحترازهم، وأعلمهم. بما كان من مخامرة بركة، وأنه إن قدم إليهم يأخذوه، فاستعدوا، وقام بحرب بَيدَمُر الأمير محمد بيك، والأمير أحمد بن جُرجي الإدريسي، والأمير جَنتمُر أخو طاز، والأمير أرغون الأسعردي، مدة ثلاثة أيام، وأعياهم من في القلعة بالرمي من أعلاها، فانكسر بيدمُر، وقبض عليه وعلى تغرى بَرْمَش وجبرائيل، والصارم البيدمري، وعامة حواشي بيدمر، وسجنوا بقلعة دمشق، فسر الأمير الكبير بذلك سرورا كبيرا.وفيه أفرج عن الأمير أينَال اليوسفي من سجنه بالإسكندرية.
وفي يوم الإثنين حادي عشرينه: خلع على الأمير أَيتمش البجاسي، واستقر رأس نوبة كبيرا، عوضا عن الأمير بركة. وخلع على الأمير آلان الشعباني، واستقر أمير سلاح. عوضا عن يَلبغا الناصري. وخلع على الأمير أَلْطنبُغا الجوباني، واستقر أمير مجلس، وخلع على الأمير ألطنبغا المعلم، واستقر رأس نوبة ثانيا بتقدمة ألف، وخلع على الأمير ألابغا العثماني، واستقر دوادارا كبيرا بتقدمة ألف، وخلع على الأمير جركس الخليلي، واستقر أمير أخور بتقدمة ألف، وخلع على الأمير بجمان المحمدي، واستقر رأس نوبة صغيرا وعلى كُمُشبغا الخاصكي الأشرفي، واستقر شاد الشراب خاناه، فصار أرباب الدولة كلهم جراكسة من أتباع الأمير الكبير برقرق.
وفي ثاني عشرينه: خلع على صلاح الدين خليل بن عرام، وأعيد إلى نيابة الإسكندرية عوضا عن بلوط الصَرغَتمُشى، وأنعم عليه بتقدمة وخلع على الأمير شرف الدين موسى بن دَندار بن قرمان، واستقر استادار الأمير محمد بن الأمير الكبير برقوق الأتابك، وخلع على ولده دَمُردان بن موسى واستقر أمير طَّبر، وكاشف الجيزة.
وفيه قدم الأمير أينال اليوسفي من الإسكندرية، فنزل ناحية سرياقوس، وتوجه منها إلى نيابة طرابلس عوضا عن منكلي بغا البلدي، ونقل البلدي إلى نيابة حلب، عوضًا عن أشَقتمُر المارديني، ونقل أشقتمر إلى نيابة الشام، عوضا عن بيدمر.
وفيه قدم ناصر الدين محمد بن الدمرداشي محتفظا به، وكان قد مات خطيب أحميم عن مال كبير، وجعل وصيه الأمير بركة، ووصى له. بمال جزيل، حماية لتركته، فشره لأخذ التركة جميعها. وبعث ابن الدمرداشي للحوطة على مخلفه، فأوقع بأصحاب الخطيب كل مكروه، فزالت دولة بركة وهو في عقوبتهم، فلم يشعر إلا وقد قبض عليه، وحمل إلى القاهرة في أسوأ حال، فضُرب ضربا عظيما، وأُخذ ماله، وأخرج منفيا إلى الصعيد، واتفق أيضا أن امرأة من مياسير نساء التجار خرجت حاجة، فأشيع أنها ماتت، فأخذ جميع مالها، وعادت إلى القاهرة فلم تُعوض عن ذلك بشيء وافتقرت بعد غناها، كما افتقر أولاد خطيب أحميم مع كثرة عددهم وعظم مال أبيهم.ومات أيضا بعض المماليك السلطانية، وترك أولادا، فأخذ ماله، و لم تعط ورثته شيئا، فكان هذا من الحوادث التي لم تعهد.
وفي ثامن عشرينه: أخرج مبارك شاه المارديني - أحد أمراء الطبلخاناه - إلى حماة، أميرا بها.
وفيه خلع على الصاحب شمس الدين أبي الفرج المقسي، واستقر ناظر ديوان الأمير أيتمش. وهذا أيضا مما لم يعهد أن وزيرا خدم ديوان أمير.وفيه رسم للأمير ألطنبغا الجوباني أن يجلس بالإيوان في وقت الخدمة السلطانية ولا يقف.
وفي يوم السبت ثالث شهر ربيع الآخر: ركب الأمير الكبير الأتابك برقوق من الإصطبل، وسير بعد ما كان منذ حركة بركة لم يتحرك من موضعه خوفا على نفسه، فوقف له أهل الرواتب والصدقات المقررة على الدولة، واستغاثوا به على الوزير الملكي أن عوّق حاريهم عن الصرف، فلما عاد إلى الحراقة من الإصطبل طلب الملكي والمقدم سيف، وضربهما وأسلمهما إلى الأمير بهادر شاد الدواوين، ثم أفرج عنهما.

وفي رابعه: قدم الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام من القدس، وعظم أمر الأمير الكبير، وانفرد بتدبير الدولة، وصار في موكب عظيم لم يعهد مثله لأمير قبله.
وفي خامسه: خُلع على صدر الدين بديع بن نفيس الدواداري الأسلمي التوريزي، واستقر شريكا للرئيس علاء الدين علي بن صغير في رئاسة الأطباء.
وفيه أنعم على الأمير مأمور حاجب الحجاب بزيادة في إقطاعه، وأنعم على الأمير أحمد ابن الأمير يلبغا الخاصكي بزيادة في إقطاعه، وخلع على ناصر الدين محمد بن الأسناي شاهد ألابغا الدوادار، واستقر في نظر الأحباس عوضا عن شمس الدين محمد الدميرى المحتسب، وخرج البريد بإحضار الأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص.
وفي رابع عشرينه: ترك الوزير الملكي الوزارة، ولبس هيئة الزهاد، وأقام بجامع عمرو بن العاص. بمصر، فطُلب في يوم الإثنين سابع عشرينه، وسجن بقاعة الصاحب من القلعة، وتولى شاد الدواوين مصادرته، فعذبه عذابا أليما. حتى هلك تحت العقوبة في يوم النوروز، ولما قبض عليه خلع على الصاحب شمس الدين أبي الفرج المقسي، واستقر عوضه في الوزارة مضافا إلى نظر الخاص.
وفيه قدم الخبر بخروج بدر بن سلام بعربان البحيرة عن الطاعة، فرُسم أن يجرد لهم من الأمراء أَيتمش البجاسي، وآلان الشعباني، وألطنبغا الجوباني ومأمور الحاجب، وأحمد بن الأمير يلبغا، وبَلوط الصَرْغَتْمُشى، وبزلار الناصري، وبهادر الجمالي. ومعهم من أمراء الطبلخاناه اثني عشر أميرًا، منهم سَوكَب الشيخوني، وقرابغا البوبكري، وبجمان المحمدي، وطغايَ تمُر القبلاوي ومازى السيفي، وقُرُط بن عمر التركماني، ويدكار السيفي، وبجاس النوروزي، وقرابغا السيفي، وعدة من أمراء العشرات، وطائفة من مماليك الأمير الكبير برقوق، وساروا في أول جمادى الأولى، فارتفع بدر.بمن معه عن البلاد وخرج ابن عرام بعسكر الإسكندرية إلى لقاء الأمراء، فبلغهم أن بدر بن سلام يريد كبسهم ليلا، فتركوا مخيمهم وقصدوا الجهة التي يكون مجيء بدر منها، فأقبل بدر من غير تلك الطريق، وهجم ليلا على مخيم الأمراء، وليس به إلا الغلمان، وقليل من المماليك، فقتل ونهب ومضى، فأدرك الأمير آلان طائفة من أصحابه، فقاتلهم قتالا كبيرا. انكسر منهم مرتين، ثم كانت الكرة له، فقتل منهم جماعة، وقبض على بني بدران - من أعيانهم - واستولى على كثير مما كان معهم، ولما طال على الأمير أيتمش ومن معه السُرى عادوا، فإذا ببدر وجماعته قد عادوا من وقعتهم. بمن في المخيمات، فقصدوه فلم يدركوه، وقتلوا عدة ممن تخلف من أصحابه.
وفي ثالثه: على الأمير جمال الدين عبد اللّه بن بَكتمُر الحاجب واستقر حاجبا ثالثا وفي سادسه: قدم الأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص.
وفي رابع عشره: قدم البريد من البحيرة بما تقدم ذكره، وأنه قُتل من عرب بدر نحو الألف.
وفيه استقر الأمير كمشبغا الحموي في نيابة صفد، عوضا عن تمرباي الدمرداشي.
وفي يوم السبت خامس عشره وخامس وعشرين مسرى: أوفى النيل ستة عشر ذراعا، وفتح الخليج على العادة.
وفيه قدم الأمراء من تجريدة البحيرة، ولم يدركوا بدر بن سلام، وقتلوا من ظفروا به ما بين مذنب وبريء، ونهبوا أموالا كثيرة، وخربوا تروجة وما حولها، فلما عاد الأمراء رجع بدر إلى البحيرة، وبعث ابن عرام يسأل له الأمان، فأجيب إلى ذلك، وخرج إليه الأمير بهادر المنجكي - استادار الأمير الكبير - والشريف بَكتمُر، في ثاني عشرينه، ومعهما أمان وخلعة لبدر وطبلخاناه، فالقهما، وبالغ في إكرامهما، والتزم تدريك البلاد وعمارة ما خرب منها، وتعويض أهلها عما تلف لهم، واعتذر عما وقع منه، وقدم إليها ابن عرام من الإسكندرية فقرأ الأمان على الناس فوق منبر مدينة دمنهور ونودي بالأمان فعاد أهل دمنهور إليها، بعدما كانت لا أنيس بها، وعاد الأمير بهادر، والشريف بَكتمُر، ومعهما بدر، حتى قاربا القاهرة، ثم مضى عنها، وقدما إلى القاهرة وقد قويت الإشاعة. بمباطنة ابن عرام لبدر بن سلام، فخرج البريد بطلبه، فحضر بتقادم جليلة، واعتذر عما رمُى به، فخلع عليه، وأعيد إلى الإسكندرية على حاله.

وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه: نودي بالقاهرة ومصر ألا يلعب أحد بالماء في النوروز. وهدد من لعب فيه بالماء أن يضرب ويؤخذ ماله، فامتنع الناس فيه مما كانوا يفعلونه. ووجد أربعة من الناس يلعبون بالماء في يوم النوروز. فضربوا بالمقارع وشهروا. وقدم البريد من طرابلس بأن الأمير طَقتمُر - مستقر الأمير إينال - أفسد بطرابلس من كثرة سكره وعربدته وقلة احترامه للنائب، وأن النائب ضربه بحضرة أمراء طرابلس ضربا مبرحا. فأخرج إقطاع طقتمر ورسم بسجنه بالكرك ورُسم بالإفراج عمن بالإسكندرية من الأمراء. فأفرج عنهم، وتأخر بالسجن منهم أربعة وهم بركة، ويلبغا الناصري وقرا دمرداش، وبَيْدَمُر نائب الشام. فلما قدم المسجونون. فرقوا ببلاد الشام وأرسل بعضهم إلى قوص.
وفي تاسع عشرينه: خلع على الأمير كرجي. واستقر كاشف الوجه البحري، عوضا عن قُطلوبَك صهر أيدمر المزوق. ثم خلع على الشريف بَكتمُر أطلسين. واستقر ملك الأمراء بالوجه البحري. ورسم أن تكون إقامته بتروجة. وأن يُكَاتب. بملك الأمراء. فكان أول من خوطب بذلك من كشاف الوجه البحري.
وفي يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخر: رست السلاسل على قنطرة المقسي بخليج فم الخور وعلى قنطرة الفخر برأس الخليج الناصري - بجوار الميدان الكبير - كما عمل في السنة الماضية. فامتنعت المراكب التي تحمل المتفرجين وأهل الخلاعة من عبور الخليج وبركة الرطلي، وانكف بذلك فساد كبير وبلغت زيادة النيل إلى أربع أصابع من ثمانية عشر ذراعا، وثبت إلى سادس عشر توت. ثم هبط فارتفع سعر الغلال، وطلبها الناس للخزن طلبا للفائدة فيها. فكثر قلق الناس، واستغاثت العامة في عزل الدميري من الحسبة، وسألوا عود العجمي إليها، وهموا برجم الدميري مرارا فاختفى بمنزله خوفا على نفسه.
وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه:. خلع على جمال الدين محمود العجمي، وأعيد إلى حسبة القاهرة، ففرح العامة به فرحا زائدا، وكادوا يحملون بغلته وهو عليها بالخلعة، وأتلفوا من ماء الورد الذي صبوه عليه وعلى من معه، ومن الزعفران الذي تخلقوا به شيئا كثيرا. - وبالغوا في إشعال الشموع والقناديل بالقاهرة، ووقفت له المغاني تزفه إذا مر بها في مواضع عديدة، فكان يوما مشهودا. وذلك أنه كان قد تعذر وجود الخبز بالأسواق. وفقد منها عدة أيام، فظنوا أن قدوم الجمال محمود يكون مباركا، فكان كما ظنوا.
وقدم في هذا اليوم عدة مراكب مشحونة بالغلال، فانحل السعر.
وفيه خلع على الأمير قطلوبغا الكوكاي، واستقر أستادارا ثالثا. وقدم الأمير زامل بنى موسى بن مهنا، فأكرمه الأمير الكبير كرامة زائدة.
وفي سابع عشرينه: خلع على شرف الدين بن عرب، واستقر في حسبة مدينة مصر عوضا عن الشريف علي نقيب الأشراف.
وفيه أخرج إقطاع الأمير قرابغا فرج الله عنه، وقبض عليه من أجل قتل بعض مماليكه وهو سكران. وكتب باستقرار الأمير إينال اليوسفي في نيابة حلب، واستقر عوضه في نيابة طرابلس كُمُشبُغا الحموي، واستقر طشتمر اللفاف في نيابة صفد عوضا عن كُمُشبغا.
وفي أول شهر رجب: قبض على الأمير زامل، وسجن وذلك أن ولده نزل مرج دمشق في طائفة من آل فضل. كما قد استجد. وأنزلوهم فيه أيام الشتاء فمنعهم الأمير أَشَقتمر من الإقامة به. فركبوا للحرب وقاتلوا عسكر دمشق مرتين. ثم انكسروا، ونهبت عامة أموالهم وجمالهم، وانجلت هذه الوقعة على قتل طَقتمُر الحسني.

وفي يوم الثلاثاء خامسه: أحيط. بموجود الأمير صلاح الدين خليل بن أحمد بن عرام، وتوجه الأمير يونس دوادار الأمير الكبير للقبض عليه وسبب ذلك ورود الخبر بقتل الأمير بركة بسجنه من الإسكندرية، فثارت مماليكه تريد الفتنة، فأنكر الأمير الكبير أن يكون قد أمر بقتله. ويقال أنه كان قد تقدم إلى ابن عرام عند حضوره بأن يقتل بركة. فأخذ بذلك خطه وخطوط الأمراء الأكابر، وعاد إلى الثغر وقتله. فلما دخل يونس الدوادار إلى الثغر نبش قبر بركة، فوجد في رأسه ضربة وفي جسده ضربات عديدة وقد دفن بثيابه من غير غسل ولا كفن، فغسله وكفنه وصلى عليه، ودفنه في تربة بناها على قبره.، وقبض على ابن عرام. وخاف من بدر بن سلام أن يعترضه في الطريق ويخلصه فطلب نجدة، فسار إليه عدة مماليك ساروا به في بحر الملح إلى دمياط وأتوا في النيل إلى القاهر " وسجن في يوم الثلاثاء ثاني عشره بخزانة شمايل مقيدا، وعذب على مال اتهم أنه أخذه من بركة، فلم يقر بشيء. ثم أخرج في يوم الخميس رابع عشرينه، وحمل على حمار إلى القلعة، وقد اجتمع الأمراء بباب القلعة منها، فجرد من ثيابه، وضرب بالمقارع نحو التسعين شيبا. ونودي عليه وهو يضرب: " هذا جزاء من يقتل الأمراء بغير إذن " . فقال: " ما قتلته إلا بإذن الأمراء " ، وأخرج خطوطهم فأخذت منه وهو بستغيث: " بيني وبينكم اللهّ ياسيدي الشيخ نهار هذا اليوم الذي وعدتني، فإنا لله وإن إليه راجعون " . وذلك أن الشيخ نهار كان حدثه بأمور، ومنها أنه لا يموت إلا مقتولا بالسيف، موسطا أو مسمرا، فكان يتوقع ذلك. ثم أركب الجمل ودقت المسامير الحديد في كفيه وذراعيه وقدميه على الخشب. وهو يقول: " يا سيدي الشيخ نهار، قد صح الذي وعدتني به، هذا اليوم الذي وعدتني به " ،. وساروا به من باب القلعة على الجمل، ليشهر، فصار ينشد في تلك الحال، التي يذهل فيها المرء عن نفسه.
لك قلتبى تعِله ... فدمى لم تحله
قال إن كنت مالكا ... فلي الأمر كله
فلما صار بالرمَيلة تحت القلعة. أوقف تجاه باب السلسلة، فبدره مماليك بركة بسيوفهم يضربوه بها حتى صار قطعا، وفرقوا شلوة تفريقا. ثم حملت رأسه وعلقت بباب زويلة، فأخذت أمه ما قدرت عليه من بدنه وأخذت رأسه، وغسلت ذلك. ودفنته. بمدرسته جوار قنطرة أمير حسين. من حكر جوهر النوبي خارج القاهرة. وكان ابن عرام فطنا ذكيا، فأحسن المشاركة في القلم. كتب تاريخا مفيدا. وكانت له نوادر، وعنده حكايات يذاكر بها. وكان مهابا، رئيسا سيوسا، وكان يداخل كل ذي فن، ويتنقل في أحوال مختلفة ويخوض في كل ما يفيد وينفع.
وفي رابع عشره: استقر الأمير بلّوط الصَرغَتْمشى في نيابة الإسكندرية.
وفي حادي عشرينه: استدعى الأمير الكبير برقوق الشيخ جلال الدين رسولا التباني، فطلع إليه بعد مراجعات كثيرة، وعرض عليه أن يستقر في قضاء الحنفية. فلم يوافق على ذلك، وامتنع كما امتنع في الأيام الأشرفية شعبان بن حسين. وقال: " هذه الوظيفة ما يصلح لها عجمي، والعرب أولى بها، " فلما ألح عليه الأمير الكبير في القبول. أخرج مصحفا شريفا، وكتاب الشفاء للقاضي عياض وقال: أسألك بحق هذين. ألا ما أعفيتني " ؛ وقام عنه، فاستدعى الأمير الكبير القضاة. وشاورهم فيمن يصلح لقضاء الحنفية. فأشار قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، بولاية صدر الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدين أبي الحسن على بن منصور الدمشقي. فسار بإحضاره من دمشق، في يوم الخميس رابع عشرينه.
وفي خامس عشرينه: أنعم على ناصر الدين محمد بن آقبغا آص. بإمرة طبلخاناه. عوضا عن أروس المحمدي، وأخرج أروس على إمرة بصفد وأنعم على سودون النظامي بإمرة طبلخاناة.
وفي ثامن عشرينه: قدم الأمير خضر الزيني باستدعاء.
وفي يوم الجمعة رابع عشرين شعبان: قبل الأمراء الأرض بين يدي السلطان، وسألوا عفوه عن الأمراء المسجونين، فرسم بالإفراج عن الأمير يلبغا الناصري. والأمير قرادمرداش، والأمير بيدمر نائب الشام.
وفي أول شهر رمضان: قدم بيرم والي الغربية بطلب، وضرب وسجن.

وفي يوم الأحد رابعه: قدم صدر الدين محمد بن علي بن أبي البركات منصور الدمشقي الحنفي، ونزل بصهريج منجك تحت القلعة وأتاه الناس على اختلاف طبقاتهم للسلام عليه ثم طلب في يوم الخميس ثامنه بعد العصر. إلى بين يدي السلطان، فخلع عليه واستقر قاضي القضاة الحنفية، عوضا عن جلال الدين جار اللّه بعد وفاته. ونزل ومعه قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة، والأمير قرابغا الحاجب.
وفي عاشره: خلع على أحمد بن سنقر البريدي. واستقر في ولاية الغربية، عوضا عن بيرم. وخلع على فرج بن أيدَمُر المرزوق واستقر في ولاية أشموم الرمان.
وفي تاسع عشره: كتب مرسوم سلطاني ثان يستقر لكل من القضاة الأربع أربعة نواب. فاستقر لقاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة الشافعي أربعة نواب بالقاهرة، وهم: جمال الدين محمد بن محمد الخطيب الأسناي. وصدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي وصدر الدين عمَر بن عبد المحسن بن رزين. وسرى الدين محمد بن المسلاتي. واستقر فخر الدين محمد بن محمد القاياتي نائبه بمصر. واستقر لقاضي القضاة صدر الدين محمد بن منصور الحنفي أربعة نواب، وهم: مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم. وشمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي. وشهاب الدين أحمد الشنشي. وجمال الدين محمود المحتسب. واستقر لقاضي القضاة علم الدين سليمان اليساطي المالكي أربعة نواب. وهم: جمال الدين عبد الله بن عمر الفيشي، وتاج الدين بهرام، وشهاب الدين أحمد الدفري، وعبيد البشكالسي. و لم يستنب قاضي القضاة ناصر الدين نصر اللّه الحنبلي عنه أحدا. فاستراح الناس من نواب المجالس ؛ وهم قوم يتكسبون من الحكم بين الناس، ويجلسون لذلك في مجالس من الجوامع أو المدارس أو حوانيت الشهود، ويقاسمون الشهود فيما يتكسبونه من تحملهم الشهادات للناس وعليهم، فبطل ذلك بسفارة قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم " بن جماعة، و للّه الحمد.
وفي رابع عشرينه: خلع على أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين - موقع الأمير الكبير - كاملية حرير أخضر كمخا سكندري بفرو قاقم ولم يعهد قبله متعمم يلبس مثل ذلك.
وفي ثالث شوال: أخرج الأمير طُغاي تمر القبلاوي منفيا إلى طرابلس.
وفي رابعه خلع على عبيد بن البازدار، واستقر مقدم الدولة. وخلع على قُطلوبُغا الأسَنْ قجاوي أبو درقة، واستقر في ولاية قوص. وخلع على الأمير قُرُط بن عمر التركماني، واستقر نائب البحيرة والوه البحري. عوضا عن الشريف بُكتمُر، وأنعم عليه بعُدد حربية، وأسلحة كثيرة، سومال جزيل، فأكثر من استخدام التراكمين، وسارقي عسكر كثير، فاستعد بدر بن سلام للقائه، وجمع له جمعا موفورا، فعرج قُرُط عن الطريق، حتى قارب دمنهور، فلقيه بدر وقاتله أشد قتال حتى احتاج إلى طلب نجدة من القاهرة.
وفي سادس عشرينه: خلع أقمغا المارديني، واستقر نائب الوجه القبلي، بعد موت الركن.
وفيه أخرج الأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص منفيا إلى الشام، وخلع على الشيخ برهان الدين إبراهيم الأبناسي، وأُعيد إلى مشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السعداء، عوضا عن شمس الدين محمد بن أخي الجار.
وفي هذا الشهر: كثر الوباء بالإسكندرية، فمات في كل يوم ما ينيف على مائة وخمسين إنسانا، وتمادى إلى أثناء ذي الحجة.
وفي يوم الثلاثاء أول ذي الحجة: خلع على شمس الدين محمد الدِّميري المحتسب، وأعيد إلى نظر الأحباس، عوضا عن ناصر الدين محمد بن الأسناى، واستقر كمال الدين المعري في قضاء الشافعية بحلب. عوضا عن الجمال الزُرَعي بعد وفاته.
وفي ثالثه خلع على سعد الدين نصر اللّه بن البقري. واستقر في نظر الدخيرة، ونظر خاص الخاص،. وأضيفت إليه الإسكندرية والكارم، والأملاك والمستأجرات. وخلع على الأمير شرف الدين موسى بن قرمان، واستقر أستادار الدخيرة، رفيقا لابن البقري.

وفي يوم الثلاثاء ثامنة: قدم البريد بوصول آنص - والد الأمير الكبير برقوق - صحبة الخواجا عثمان بن مسافر، فركب الأمير الكبير إلى لقائه وخرج معه عامة العسكر من الأمراء والأجناد، وجميع أرباب الدولة من القضاة والوزراء والأعيان، فلقي أباه بمنزلة العكرشا، وعاد به، وقد قدم معه الكمال المعري قاضي حلب، وولي الدين عبد الله بن أبي البقاء قاضي دمشق. فنزل بالمخيم من سرياقوس وقد أعد له. وهيأت المطابخ. فمد سماط عظيم إلى الغاية، أجلس الأمير الكبير أباه في صدره، وأجلس بحانبه الأمير عز الدين أيدَمُر الشمسي. وجلس الأمير الكبير تحت الأمير أَيدَمُر، وجلس بحانب ولد الأمير الكبير من الجهة الأخرى الأمير سيف الدين أَقتمُر عبد الغني، فأكلوا وأكل عامة من حضر حتى اكتفوا، ثم رفع فتناهبه الغلمان وسغيرهم، حتى عم ذلك الجمع مع كثرته. وركبوا جميعاً وقت الظهر. وعبروا إلى القاهرة، وقد خلع على الخواجا عثمان، وصعدوا به إلى الإصطبل فكان يومًا مشهوداً، بالغ العامة في إشعال الشموع والقناديل. ثم طلع الخواجا عثمان بآنص، فاشراه السلطان منه وأعتقه، وخلع عليه. وأنعم على آنص بتقدمة ألف فلم يبق أحد من الأمراء حتى قدم له التقادم الجليلة على قدر همته وبذل الأمير الكبير برقوق للخواجا عثمان مالا كثيرًا، وأنعم عليه بإنعامات سنية، من أجل أنه جلب أباه من بلاد الجركس.
وفي ثاني عشره: خرج الأمير آلان الشعباني، ومعه خمسمائة مملوك إلى البحيرة، نجدة للأمير قرُط.
وفي ثامن عشره: قدم البريد من الطرانة - وقد نزل بها الأمير آلان - بأن الأمير قرط قتل، فاضطرب العسكر بالقلعة. وعلق الجاليش للسفر، ونودي في القاهرة بخروج الأمراء والمماليك وأجناد الحلقة للبحيرة. ورسم بتجهيز السلطان، فأشار الأمير أيدمُر الشمسي بإقامة السلطان، وتجهيز الأمراء، فعين للتجريدة الأمير أيتمش البجاسي، والأمير ألطنبغا الجوباني، والأمير أحمد بن يلبغا الخاصكي، والأمير مأمور القلمُطاوي، والأمير أَقبغا العثماني، والأمير ألطنبغا المعلم، وكلهم أمراء ألوف، ومعهم من أمراء الطبلخاناة: قرابغا الأحمدي، ومازي، وقرابغا البوبكري، وبجَمَان المحمدي وفارس الصَرغتمشى، وبجاس النوروزي. وطوجي الحسني. وطقتمشى السيفي، وأطرجي العلاي، وأرسلان اللفاف. ومن أمراء العشرات:أقبغا بوز الشيخوني، وكمجي، ويوسف بن شادي، وبكبلاط الصالح، وبيبرس التمان تمري، وأقبغا اللاجيني، وسبرُج الكمشبغاوي، فقدم الخبر آخر النهار بأن قرُط بن همر لم يقتل فسكن الحال بعض الشيء.
وفي تاسع عشره: قدم من شيوخ البحيرة خِضْر بن موسى بن خضر وجماعة تحت الاحتفاظ فضربوا بالمقارع.
وفيه سارت التجريدة المذكورة صحبة الأمير أيتمِش إلى البحيرة.
وفي حاي عشرينه: قدم حسين بن الأمير قُرُط بعدة رءوس من القتلى في الحرب، وأخبر أنه حصِرَ.بمدينة دمنهور، وكاد بدر أن يأخذه، ففر إلى العطف وعدى النيل إلى مدينة فوة وسأل أن يمد بنشاب وغيره من آلة الحرب، وأخبر بوصول الأمير آلان.بمن معه إلى دمنهور، فخلع عليه.
وفيه أعيد فتح الدين محمد بن الشهيد إلى كتابة السر بدمشق، بعد وفاة شهاب الدين أحمد بن نجم الدين محمد بن القاضي بها الدين أحمد بن القاضي محيى الدين يحيى ابن فضل الله.
وفي ثاني عشرينه: خُلع على الطواشي صفي الدين جوهر الصلاحي، واستقر مقدم المماليك بعد موت ظهير الدين مختار الحسامي.
وفيه أبطل الأمير الكبير برقوق ضمان المغاني بمدينة حماة، وبمدينة الكرك وبمديته الشوبك، وبناحية منية ابن خصيب من أراضي مصر وبناحية زفتا منها، وأبطل ضمان الملح.بمدينة عين تاب وضمان الدقيق من البيرة - معاملة حلب - وضمان قمح المؤونة بدمياط وفارس كور من أردبين إلى ما دون ذلك. وأبطل المقرر على أهل البرلس، وشورى، وبلطيم، وهو شبه الجالية ومبلغه ستون ألف درهم في السنة. وأبطل مكس مدينة إعزاز بأجمعه، وعمر جسر الأردن الذي يعرف بالشريعة. فيما بين بيسان ودمشق، فجاء طوله مائة وعشرون ذراعا.
وفيه أنعم على قُطلوبَك السيفي - وإلى مدينة مصر - بإمرة عشرة زيادة على عشرة، فاستقر أمير عشرين فارسا.
وفيه أنعم على الأمير قديد القلمطاوي بإمرة عشرة.
ومات في هذا السنة من الأعيان

شرف الدين أبو العباس أحمد بن علاء الدين أبي الحسن علي ابن أبي البركات منصور الدمشقي الحنفي، قاضي القضاة بديار مصر، بعد ما عزل نفسه، وأقام بدمشق، في ليلة الإثنين عشرين شعبان.
وتوفي الشريف شرف الدين عاصم بن محمد الحسني نقيب الأشراف، في عاشر المحرم.
وتوفي الشيخ عباس بن حسن التميمي الشافعي، المقرئ، خطيب جامع أصلم خارج القاهرة، في يوم الأحد ثالث عشر ذي الحجة. تصدى لتدريس الفقه وإقراء القراءات عدة سنين.
وتوفي نور الدين علي عبد الصمد الجلاوي - بالجيم - أحد فقهاء المالكية، في رابع عشرين ذي الحجة.
ومات الأمير منكلي بغا الأحمدي، الشهير بالبلدي، نائب حلب، وقد تجاوز نحو أربعين سنة.
ومات الركن عمر نائب الوجه القبلي.
ومات الأمير فطلوبغا البزلاري، أحد العشرات.
وتوفي قاضي الفضاة جلال الدين أبو عبد الله ويعرف بجار الله، بن قطب الدين محمد بن محمود النيسابوري، الحنفي،يوم الإثنين رابع عشر شهر رحب.
وتوفي قاضي القضاة بحلب جلال الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن عثمان بن أحمد ابن عمرو بن محمد الزُرَعي الشافعي، قاضي حلب.
وتوفي الفقير المعتقد زين الدين محمد بن الَموِاز، في ثاني عشرين ربيع الأول بالقاهرة.
وتوفي شمس الدين محمد الحكري في ذي الحجة، بالرملة وكان فقيها شافعيا، عارفاً بالقراءات. قرأ على البرهان الحكري، ناب في الحكم ثم ولي قضاء القدس وصيدا بيروت.
توفي الوزير الصاحب تاج الدين عبد الوهاب النشو الملكي الأسلمي، تحت العقوبة، مستهل شهر جمادى الآخرة.
وتوفي أحد فقهاء الشافعية بدمشق، شمس الدين محمد بن نجم الدين عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الأسدي الدمشقي، المعروف بابن قاضي شهبة. في ثامن المحرم،. ومولده في يوم الثلاثاء العشرين من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة، بدمشق.
وتوفي أبو محمد حَجي بن موسى بن أحمد بن سعد السعدي الحسباني، الشافعي، بدمشق، في ليلة الأربعاء سابع عشر صفر، وقد صار من أعيان فقهائها، مع اقتصاد وانجماع.
ومات قتيلا الأمير صلاح الدين خليل بن علي بن أحمد بن عرام في رابع عشرين شهر رجب.
سنة ثلاث وثمانين وسبعمائةفي يوم الأحد ثالث المحرم: قبض على طائفة من عرب البحيرة، نحو ثلاثة وعشرين رجلا عند الأهرام، قد فروا يريدون النجاة، فوسطوا، وأخذت مواشيهم.
وفيه ابتدأ الوباء بالطاعون في الناس بالقاهرة ومصر، وتزايد حتى بلغ عدة من يموت في اليوم ثلاثمائة ميت.
وفي خامسه: خلع على قاضي القضاة بدمشق ولي الدين عبد اللّه بن أبي البقاء، باستقراره على عادتَه. وخلع على قاضي القضاة بحلب كمال الدين المعري باستقراره. وسارا عائدين إلى بلديهما في عاشره: ابتدأ الأمير مأمور الحاجب بعرض الأجناد، وإلزام من عبرة إقطاعه ستمائة دينار، بالسفر إلى البحيرة أو إخراج بديل عنه.
وفي ثاني عشره: قدم الخبر بأن خمسة من أعيان أهل البحيرة قدموا على الأمير أيتمش، راغبين في الطاعة، ومعهم نحو ستمائة فارس، وعدة رجالة.
قدم البريد من الإسكندرية بطلب بدر بن سلام، من الأمير بلوط أن يسأل له في الأمان، فلم يجبه الأمير الكبير برقوق إلى سؤاله. وكتب بالقبض على الذين قدموا إلى الأمير أيتمش، فقبض عليهم، وقتل أكابرهم.
في تاسع عشره: قدم الأمير قطلوبغا الكُوكَاي، ومعه خمسة وعشرون رجلا من أعيان البحيرة، فعفي الأمير الكبير عنهم.
وفي خامس عشرينه: خلع على جمال الدين محمود بن علي بن أصفر عينة شاد الجنان بالإسكندرية ثم أحد أجناد الحلقة، واستقر نقيب الجيش عوضا عن ناصر الدين محمد بن قرطاي الكركي وفي هذه الأيام: مرض السلطان حتى أرجف.بموته، ثم عوفي.
وفي يوم الأحد ثاني صفر: قدم الأمير أَيتمِشِ. بمن معه من تجريدة البحيرة، وقد فر بدر سلام إلى جهة برقة وبعث الأمير قرط برجال كثير قد قبض عليهم، وبعدة من رءوس قتلاهم، فعلقت على باب زويلة.ونزل قُرُط دمنهور، وبنى عليها سورا،أخذ في عمارة ما خرب من بلاد البحيرة.
وفي تاسعه خلع على آلطنبغا الصلاحي، واستقر في ولاية الأشمونين، عوضا عن محمد بن العادلي.

وفي حادي عشره: استعفي الصاحب شمس الدين أبو الفرج المقلى من الوزارة؛ لضعف حالها. فإنه أخذ منها عدة بلاد. فقبض عليه وعلى علم الدين يحيى ناظر الدولة، وعدة من الكتاب، وسلموا الشاد الدواوين. فلما كان من الغد بعث الأمير الكبير إلى المقسي بخلعة الوزارة ليستمر على عادته، فامتنع من الولاية، ما لم يعد إلى الدولة ما خرج عنها من البلاد فالتزم كريم الدين عبد الكريم بن مكانس بتكفية الدولة والخاص من غير أن تعاد البلاد التي خرجت عن الوزارة. فخلع عليه في يوم الخميس ثالث عشره، واستقر في الوزارة. ونظر الخاص، ونظر ديوان الأمير الكبير ووكالة الخاص، عوضا عن المقسي.
وفيه أنعم على الأمير شرف آنص - والد الأمير الكبير - بتقدمة الأمير أَيدمُر الشمسي بعد موته. وخلع عليه، فقبل الأرض بين يدي السلطان، وأقام في الخدمة حتى انقضت.
وفيه أحاط الوزير على موجود الأمير أيدَمُر، ورسم على مباشري ديوانه و لم تجر عادة بذلك.
وفي رابع عشره: قدم الأمير قرُط ومعه رحاب وإبراهيم وشادي، من أمراء البحيرة.
وفي تاسع عشره: قبض على المقدم سيف، وأحاط الوزير يجميع ماله وأُلزم بحمل مائتي ألف دينار. وعوقب، فكتب خطه.بمائتي ألف درهم.
وفي عشرينه: خلع على رحاب ورفيقيه.
وفيه خلع على أحمد العَظْمَةَ - نقيب قرا غلامية - واستقر مقدم الدولة عوضا عن المقدم ورفيقه عبيد. وخلع على سعد الدين بن الريشة، واستقر ناظر الدولة، عوضا عن علم الدين يحيى، وخلع على عدة من الكتاب باستقرارهم في وظائف كانت بأيدي أصحاب ابن المقسي، فاستقر زين الدين نصر الله بن مكانس في نظر الأسواق، واستقر علم الدين أفسح في نظر دار الضيافة، واستقر تاج الدين عبد اللّه بن سعد الدين نصر الله بن البقري ،صاحب ديوان خزانة الخاص ،واستقر تاج الدين عبد الرحيم ابن الوزير فخر الدين ماجد بن أبو شاكر في نظر دار الضرب، واستقر فخر الدين عبد الرحمن ابن مكانس في نظر الإصطبل.
وفيه أفرج عن المقسي وعلم الدين يحيى، على مال مبلغه خمسمائة ألف درهم، ليورده وفي يوم الأحد ثالث عشرينه: توفي السلطان الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان،ودفن ليلا بتربة جدته خوند بركة بالتبانة وتولى تجهيزه الأمير قطلوبغا الكوكاي فكانت مدة سلطنته خمس سنين وثلاثة أشهر وعشرين يوما، وعمُره نُحو اثنتي عشرة سنة ولم يكن له من السلطنة سوى الاسم، والجلوس على التخت، وله نفقة كل يوم.
ثم إن القبرسي لما قصد غزو الإسكندرية استنجد. بملوك النصارى بإشارة الباب لهم في ذلك والباب هو بتفخيم الباء الأولى، وهو الذي تنقاد النصارى به، ويزعمرن أنه من ذرية الحواريين، وعنده الصليب الأكبر، الذي إذا أبرزه للغزو لم يبق ملك مَن ملوك النصارى إلا أتى بجيشه نحوه. فإذا خرج الباب بصليبه ذلك ارتجت له بلاد النصرانية، فيظفر بتلك الجيوش القوية على مملكة من خالفه من ملوك الرومانية. فلما أعانت ملوك النصارى صاحب قبرس بالمال والرجال والغربان، بإشارة الباب لهم في ذلك فعمرت المراكب له على ما قيل برودس، لأنها دار صناعة الفرنج، فكانت عمارتها على ما قيل في أربع سنين، وذلك في مدة طوافه على الملوك. فلما رجع إلى قبرس، وجدهم تهيئوا له فجمع ما جاء به على ما عمر له، وتوجه إلى الإسكندرية. وكانت الأخبار تأتي إلى الإسكندرية، بأن العمارة عند القبرسي، فاهتم نائب السلطان بها - وهو الأمير زين الدين خالد. - فرفع سورها القصير من جهة الباب الأخضر، وصار يجتهد في العمارة، ويرسل يطلب من الأمير يلبغا الخاسكي - مقدم الجيوش المنصورة الإعانة على عمارة السور، ويعلمه بخبر عمارة القبرسي للمراكب الحربية، فيقول: " إن القبرسي أقل وأذل من أن يأتي إلى الأسكندرية " . وما علم يلبغا أن شرارة أحرقت الجلمود، وبعوضة أهلكت النمرود، ودلمة قتلت فيلا، وبرغوثا أَشهر ملكا جليلا.
ذكر كيفية ظفر القبرسي بالاسكندريةبما جمعه من أجناس نصارى الرومانية، وغير ذلك من الواردات المستطردات. وذلك

أن نائب السلطان بثغر الإسكندرية - وهو الأمير صلاح الدين خليل بن عرام - كان غائبا عن الثغر المذكور بالحجاز الشريف، بسبب الحج. وكان نائبا عنه فيه بإشارة الأمير الأتابكي الخاسكي أمير يسمى جنغرا. فلما دخل جنغرا المذكور الإسكندرية رأى طوائفها المتطوعة الحارسة لمينتها تبحر عليه بالجزيرة بقسيهم الجرخ الموترة وأعلامهم الحرير المنشورة، مع ما بأيديهم من المزاريق والرمح والدرق والصفاح، والزرد النضيد، ومصفحات الحديد، والنفط الطيار الصاعد منه لهب النار، وهم بملبوسهم المختلف الألوان كالزهر في البستان. فلما عاينهم جنغرا بكى وقال: " هؤلاء أهل الجنة لرباطهم وجهادهم في سبيل الله، قد طاب والله العيش بقوة هذا الجيش، لو أتى الإسكندرية جميع نصارى الرومانية، ما قدروا على هذا الجيش الثقيل على الإسكندرية، بل يكسرون النصارى، ويصيرونهم قتلى وأسارى،.
فأقام جنغرا بالإسكندرية من شوال سنة ست وستين وسبعمائة إلى المحرم، ينظر إلى تلك الطوائف التي لكل طائفة منها ليلة في الأسبوع، تبيت تحرس بساحل، المينا، وربما بات ليال في الغرفة التي على باب مسجد تربة طغية، ويقدم قدامه فانوسين أكرتين مقابل باب المسجد المذكور. وتأتي طائفة الزراقين يطلقون النفط وهو ينظر من طيقان الغرفة المذكورة إلى الشرار الطيار واللوالب التي تدور بألوان النار، من الخضرة والصفرة، والبياض والحمرة، فيتحصل بذلك الانشراح، من العشي إلى الصباح، ويبتهج أيضاً بنظره إلى كثرة الخلائق المنتشرة على الساحل من الرماة والعوام، وقد نصب لهم سوق فيه من أصناف المأكول، يشترون ويأكلون، ومن ماء الروايا والقرب التي تحمل من البلد إليهم، يشربون.فإذا أصبحوا انتظمت الطائفة التي باتت تحرس، ودخل البلد في همة وجلد وكثرة ومدد ، فتجتمع لدخولهم الرجال والنسوان، ينظرون لأقوام كزهر بستان، من حسن الملابس وبياض تلك الأطالس، فتزغرت لهم النسوان إعلانا عند مشاهدتهن لهم عيانا، والأبواق حينئذ تصرخ والكوسات تدق، والمزامر تزمر،والأعلام منشورة، والمباخر بالطيب معمورة، ودخانها يفوح، فتنبسط لتلك الروائح الأرجة كل روح، والناس في شرح وسرور لرؤية ذلك الجيش المخبور، المهتز له الشوارع والدور. فبينما هم كذلك على عادتهم مستمرين، وفي ثغرهم مطمئنين، لا تروعهم الأعداء، ولا رأوا مكروها أبدا، إذا دهمهم صاحب قبرس اللعين في جنده الضالين ، وشتت شملهم أجميعن، فروا منه في البلدان، ودخل البلد باطمئنان، وذلك في يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم، سنة سبع وستين وسبعمائة، والنيل منتَشر على البلاد قصد الملعون بإتيانه لتتعوق النجدة من مصر لبعد الطريق من الجبل، فنال الخبيث قصده في ذلك اليوم، والذي بعده، وتحصن قبل إتيان النجدة. بمراكبه، وفرح بسلامة نفسه ومكاسبه فلو كان بها أمراء مجردة ما نال الخبيث منها ثمن زردة لكن كان ذلك في.الكتاب مسطورا ،وكان أمر الله قدرا مقدورا .
عود إلى ذكر كيفية إتيان القبرسي إلى الإسكندرية وظفره بها وذلك أنه لما كان في يوم الأربعاء العشرين من المحرم سنة سبع وستين وسبعمائة،ظهر في البحر مراكب مشرقة ومغربة، زعم أهل الإسكندرية أنهم تجار البنادقة، ينتظرونهم يأتون بمتاجرهم على جاري عادتهم في كل سنة. وكانت تجار المسلمين جلبوا لهم من اليمن أصناف البهار، يبيعونها عليهم، ويتَعوضون عنها من متاجرهم.
فلما لم يدخلوا لميناء بات الناس في خوف شديد بسببهم. فلما أصبح يوم الخميس أقبلته المراكب الكثيرة طالبة ساحل الجزيرة، منشورة قلاعها كالقصور البيض. فصار الناس في الطويل العريض من كثرة لهجهم، وحر وهجهم. وتلك المراكب مقلعة آتية قد ملأت البحر من كل ناحية، فلم تزل تشق البحر كالزلزلة، إلى أن حطت قلاعها ببحر السلسلة ، وذلك من جهة الباب الأخضر المسدود بعد الوقعة بالجير والحجر، ثم فتح بعد ذلك وركبت علمِه أبوابه الأول والثاني والثالث المتجددة، وذلك في يوم الوقعة سنة سبع وستين وسبعمائة، في ولاية الأمير سيف الدين الأكز بالإسكندرية، وسيأتي ذكر ولايته بها وما فعل فيها إن شاء الله تعالى.

نعود ولما أرست المراكب الحربية ببحر السلسلة مبرزة عن الساحل اعتد أهل الإسكندرية للقتال والحرب والنزال، فتعمرت القلاع التي من جهة البحر والجزيرة، بالرماة الكثيرة وانتشر الناس على السور، وصار برماة الجرخ معمور، فخرج من مراكب الفرنج قارب يجس الميناء بقميرة، فرمى المسلمون عليه بالسهام، فولى هاربا حتى لصق بالمراكب. فلما كان بعد الغروب، أوقدت الفوانيس على السور، فضاء السور بالنور، وبات المسلمون متأهبين بالسور، محدقين والعدو خانس لم يتحرك من الموضع الذي أرسى به. وصارت تلك المراكب منضمة بعضها إلى بعض، كالطوقَ الصغير في البحر الكبير، فاستهون المسلون أمره وقالوا: " ما يقدر هذا على هذه المدينة المسورة الحصينة. والقلاع المشيدة المتينة " . فلما كان بعد طلوع الشمس من يوم الجمعة، انتشر على الساحل بالجزيرة خلق من المسلمين كثيرة، منهم من معه سيفه وترسه، ومنهم من معه نبله وقوسه، ومنهم من معه رمحه وخنجره، ومنهم من ليس عليه سوى ثوبه الذي يستره، وبعضهم قد لبس الزرد المنضد، وبعضهم من هو عاري مجرد. وكانت الباعة خرجوا من البلد بطباليهم وقدورهم ودسوتهم ملآنة بالطعام، يبيعونه على من بالجزيرة من الخاص والعام، وذلك من ليلة الخميس ليكسبوا معايشهم، وهم معلنون بلعن كل راهب وقسيس، وذلك من غير خوف من المراكب التي رؤيت يوم الأربعاء في البحر. ثم إنهم ما فزعوا من الإفرنج باجتماع أفروطتهم يوم الخميس، بل صاروا يلعنون القبرسي كلعنهم لإبليس لأنهم فيما تقدم لهم من بيعهم على الطوائف المتقدم ذكرهم. فكان أحدهم يغضب إذا أنقص له المشترى حبة أو حبتين، ويفرح إذا غلب المشتري بحبة واحدة، فيصير البائع كما قال الشاعر:
لاتغضب السوقي ... فبالحبة ترضيه
وأخذ الفلس من يده ... كأخذ الفرس من فيه
فصاروا يشترون من الباعة، ويأكلون كما كانوا في خروجهم مع الطوائف، يعهدون وليس كل منهم مفكر في أسطول الإفرنج، ولا منه خائف. وصارت الحرافيش والعوام يشتمون القبرسي بالصريح، ويسبونه بكل لفظ قبيح، والقبرسي يسمعهم من مراكبه، وهو ساكن، وكل من معه لم ينطق بكلمة، بل كل منهم صامت فقيل: إن القبرسي رمى من أعلى الجزيرة في الليل جواسيسه في زي لباس المسلمين، مستعربين كالشياطين، فاحتاطوا بالمسلمين متجسسين، فرأوهم من لباس الحرب عارين، فاشتروا كما قيل من المأكول، وأتوا به لصاحب قبرس بالأسطول، وقالوا: له ليس بالجزيرة أحد من الشجعان وليس بها إلا من هو من لباس الحرب عريان، يأكلون ويشربون،وبعضهم يحفر في الرمل حفائر وبها ينامون فلما كان قبل الشمس من يوم الجمعة .أقبلت العربان من كل ناحية ومكان، قد تخللوا بالكسيان. وكانت النسوان ينظرن إلى مراكب الفرنج من رءوس الكيمان التي هي داخل السور، المشرفة على القبور،فزرغتت النسوان لتلك العربان. وقلن قد أتت الشجعان، يقتلون عباد الصلبان، فصاروا يتطاردون على خيولهم تحت الكيمان، وقد أرخوا لها الأعنة، عند سماعهم الزرغتة ، وتلك العربان كالمطر من كثرتهم، خارجين من الباب الأخضر. فصاروا في الجزيرة كالجراد المنتشر، وكل من سرابيل الحرب منتشر، ليس مع كل واحد منهم غير سيفه ، الأجرب ورمحه، قاصدا إما لقتله أو لجرحه، فقال أحد المغاربة وغيره للأمير جنغرا: " هذا عدو ثقيل، وقد خرج الناس من الثغر عرايا للبلايا، والمصلحة دخولهم المدينة يتحصنون بأسوارها الحصينة. ويقاتلون من خلف الأسوار. ليظن العدو أن خلفها كل رجل كالأسد المغوار، يذيقونه برميهم عليه الشدة. إلى أن تصل من مصر النجحة " ، فقال ممن له رباط بالجزيرة: قد انصرف على بنائه ألوف كثيرة، بنيت بين مقابر الأموات لمبيت طوائف القاعات: " ما نترك هؤلاء الفرنج الذي كل منهم رجس مقامر، تطرق بأرجلها ترب المقابر " . قالوا ذلك خوفا على ربطهم تخربها الفرنج إذا نزلوا الجزيرة بجموعهم الكثيرة. فقال عبد الله التاجر لجنغرا: " دخول المسلمين البلد أصلح لهم " فقالت " أرباب الربط: " أنتم مغاربة أخربتم بلدكم طرابلس بأخذ الفرنج وتريدون أن تخربوا ربط المسلمين بدخول المسلمين البلد كذلك ولا كرامة، بل نمنعهم النزول من المركب، نذيقهم بالسهام العذاب والرعب.

ثم لما كان بعد وقعة القبرسي بسنتين، رسم السلطان الملك الأشرف شعبان بهدم ماتجده في الجزيرة من الربط والقصور، احترازا من العدو أن ينزلها، فيجد مأوى يأويه، ويجد ما ، يشرب من صهاريجها المملوءة. بماء الأمطار، فهدمت تلك الربط والقصور. ولو كان تركوا للقبرسي الجزيرة وتحصنوا بالسور وقاتلوا من ورائه كل رجس كفور ،لكان المسلمون بتحصينهم بالثغر سلموا من القتل والنهب والأسر، وما كان عليهم من إخراب الفرنج للربط المبينة، لسلامة الإسكندرية، من أذى الملة النصرانية، فالذين خافوا على ربطهم تخربت ،ودورهم التي داخل البلد نهبت،وذلك بالرأي الغير صائب ،حتى حلت بهم المصائب ،لكن القضاء إذا نزل لا يرد ،وإذا أراد الله بحكم نفذ قال بعضهم
قضاء المهيمن لا يدفع ... إذا حل من ذا له يمنع .
و قال الآخر
وإذا أراد الله إنفاذ القضا ... لم يكن فيه لمخلوق مفر
نعود إلى ركوب أمير جنغرا لكلام أصحاب الربط ، وتركه لما قاله له عبد الله التاجر المغربي، فكان جواب جنغرا لعبد الله التاجر المذكور: " لست أترك أحدا من الفرنج يصل إلى الساحل، ولو قطعت مني الأوداج ونفذت المقاتل " ، وإذا أراد اللّه أن يلطف بعبده ألهمه حسن التدبير، وإذا خذله شتت رأيه. ثم إن الفرنج صاروا.بمراكبهم ينظرون أحوال الناس، فلم يروا إلا من هو عار من اللباس، فطمعوا فيهم، وزحفوا بغراب التقدمة إليهم، فنزلت إليه طائفة من المغاربة خائفين في الماء، ناوشوا من فيه القتال والحرب، و.النزال، وأمسكوا الغراب بأيديهم وطلبوا من الزراقين النار ليحرقوه، فلم يأت أحد بشرارة، وذلك لقلة همتهم وتهاونهم وغفلتهم، فاستعجلوهم بالنار، فرموا .بمدفع فيه نار كنار الحلفاء، فوقع في الماء فانطفأ. ثم إن المغاربة وأصحاب الغراب ضربوا بعضهم بعضا بالسيوف إلى أن قتلت المغاربة في تلك المحاربة، فحينئذ دخل الغراب الساحل، وتبعه آخر كان يرمي بالسهام. فلما دخلا البر تتابعت الغربان داخلي من أماكن متفرقة، فنزلت الفرنج سريعا من مراكبها بخيلها ورجالها، وقت ضحى نهار يوم الجمعة إلى البر، فرمت الخيالة المسلمون يقدمهم أصحاب الدرق والسيوف، مشاة على الأقدام. فلما رأت الباعة الطعام، الذين كان كل واحد منهم يخاف على الحبة والحبتين، ترك ماعونه وهرب، حافيا بغير نعلين، فمنهم من نجا من الكفرة، ومنهم من صارت هامته على الأرض مكركرة. وكانت الفرنج مسربلة بالزرد النضيد، متجلية بصفائح الحديد، على رءوسهم الخوذ اللامعة وبأيديهم السيوف القاطعة، قد تنكبوا القسي المولَودة، ورفعواأعلام الصلبان المنشورة. وصاروا يرمون على المسلمين، فارتشقت سهامهم في أهل الإيمان، وفي خيول العربان، فهاجت بهم تلك الخيول في كل جهة ومكان، فانهزموا إلى ناحية السور. فصار جيش المسلمين بهزيمة العربان مكسور، ولا عادوا قابلوا الفرنج الكلاب، بل دخلوا البلد عابرين من الأبواب.وكانت الفرنج لابسين الحديد من الفرق إلى القدم، والمسلمون كاللحم على وضم ، فكيف يقاتل اللحم الحديد وكيف يبرز العاري لمن كسى الزرد النضيد، فانهزمت المسلمون وولت،ومن الكفار فرت، فقال الشاعر في ذلك:
، قد ولت المسلمون لما ... باللبس وافاهم جنود
وكيف لايهربنون منهم ... والناس لحم وهم حديد
ثم إن أهل الإسكندرية لما رأو ما لم يعهدوه أبدا، ولا شاهدوه على طول المدى، رجفت منهم القلوب، وصار كل واحد من عقله مسلوب، ولما رأو من الرءوس الطائرة ، والخيول الغائرة، فتزاحموا في الأبواب، بعضهم على بعض، فصاروا موتى بالطول والعرض، وثبت بعض الناس، وقاتل وهو مجتهد، حتى قتل من الفرنج ما تيسر له قبل أن يستشهد. قيل إن محمد الشريف الجزار هجم على الفرنج بساطور المجزرة، جعل عظام جماعة منهم مكسرة، وهو يقول: " اللّه أكبر قتل من كفر " إلى أن تكاثرت عليه منهم جماعة كثيرة، فاستشهد - رحمه ا للّه - بالجزيرة وروى بعض فقهاء المكاتب يعرف بالفقيه محمد بن الطفال - وهو قاصد الفرنج بسيفه فقيل له " تموت يا فقيه محمد " ، فقال " إذًا أسعد وأصير مجاورا للنبي محمد، وأي موتة أحسن من الجهاد في سبيل الله لأصير إلى الجنة " ،وهجم فيهم فصار يضربهم ويضربونه إلى أن رزق الشهادة ، وختم له بالسعادة.

نعود إلى ذكر من قاتل بالجزيرة من المسلمين للفرنج الكافرين. وذلك أن جماعة من رماة قاعة القرافة المتطوعة. لما حوصروا في الرباط الذي عمره لهما الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن سلام خارج باب البحر بالجزيرة بسبب مبيتهم فيه وصلواتهم ،وذكرهم ليلة خروج طائفتهم ،ترابط به وكان بناؤه قبل الوقعة ما يزيد على سنة ،قيل وذكرهم ليلة خروج طائفتهم ،ترابط به وكان بناؤه قبل الوقعة ما يزيد على سنة ،قيل إنه انصرف على عمارته ثمانمائة دينار فلما تكاثرت الفرنج حول الرباط ،صارت رماة المسلمين في أعلاء يرمون على الفرنج بسهامهم، فقتلوا من الفرنج جماعة. فلما نفدت سهامهم عمدوا إلى شرفات الرباط صاروا يهدمونها، ويرمون الفرنج بأحجارها إلى أن نفذت حجارة الشراريف منهم. فانقطع رميهم فكسرت الفرنج شبابيك الرباط المذكور، وصعدوا إليهم فلما صارت الفرانج معهم صاحوا بأجعهم " يا محمد " وصمتوا، فلم يسمع لهم بعد ذلك صوت. أخبر عنهم بذلك عبد الله بن الفقيه أبو بكر قيم مسجد القشيري، كان مختفيا بصهريج المذكور فذبحتهم الفرنج عن آخرهم بخناجرهم، فصارت أدميتهم تجري من ميازيب الرباط المذكور، كجري الأمطار حين أبانها فيها. وقيل كان عدد المذبوحين فوق السطح الرباط من المسلمين زيادة على الثلاثين، فطوبى لهم إذ رزقوا الشهادة، وختم لهم بالسعادة. فلما رجع من خرج من الإسكندرية فارا من الفرنج من أبواب البر - كما سيأتي ذكر صفة فرارهم - وعاينوا القتلى المطروحين بالأرض داخل البلد وخارجه بالجزيرة. وقصدوا رباط ابن سلام المذكرر، فرأوا تحت الميازيب دماء كثرة جامدة، فصعدوا إلى سطحه فوجدوا الرماة ذبحوا. وبالجنة قد فرحوا وربحوا فحفروا لهم خارج الربط قبرا متسعا ودفنوهم فيه، رحمة الله عليهم. فكانوا كما قال الله تعالى في أمثالهم: " وِقاتَلوا وقتلوا لأكفِرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله و الله عنده حسن الثواب قال المؤلف - غفر اللّه له ولوالديه وللمسلمين أجعين - : حدثني الشيخ الصاع أحمد بن النشاء - شيخ رماة قاعة القرافة بالإسكندرية - قال: حدثني محمد الخياط بعد قدومه من مدينة قبرص مع من حضروا من أساري الإسكندرية الراجعين إليها منها. قال: " كنت مع رماة المسلمين على سطح رباط ابن سلام. حين صعدت الفرنج إلينا، فصاروا يذبحون الرماة، وأنا أضطرب من الخوف، فتركوني حيا لصغر سني وأما حسين البياع فإنهم لما قصدوا ذبحه. ضحك لهم فضحكت الفرنج بضحكه: وقالوا: " اتركوه لأنه ضحك موضع الخوف، فأسرنا نحن الإثنين، فحزن حسين بعد ذلك وبكى " .
ولما رأى الشيخ محمد بن سلام ما فعل برباطه من بابه وشبابيكه النحاس وكسر قناديله. وحرق سقف إيوانه، وقتل رماة المسلمين به بكى وتألم على ما رأى وشاهد. فسد حينئذ شبابيكه وبابه بالحجارة. ثم أنه عمره ثانيا سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، فصار كما كان أولا، لكنه أقنى سقف إيوانه بالحجارة لا بالخشب، حتى لا يصير للنار فيه عمل، إن حدث أمر...
نعود إلى ذكر خبر الإسكندرية: وذلك أن الأمير جنغرا المتقدم ذكره، لما رأى الناس فروا من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله بلذع سهام الفرنج، والتذع هو أيضاً بها، وسال دمه من نصلها. ندم على مخالفته لقول القائل: " أدخل الناس ليتحصنوا بأسوارها الحصينة يقاتلوا الفرنج الكفار بسهامهم من كوى الأسوار. إلى أن تأتي النجدة في أقرب مدة، ليزول بحضروها عن المسلمين الشدة " ،. فتيقن حينئذ أن عدم خروجهم من الأبواب كان عين الصواب، وأن الذي أشار بعدم دخولهم البلد كان فيه أليم العذاب، وصار كل منهم بالفرار مركون ببلد البسلقون وبلد الكريان، وغيرهما من البلاد الدانية والبعاد.

ثم إن جنغرا قصد ناحية المطرق المحاذي لدار السلطان، غربي الإسكندرية من ظاهر سورها، خائضا بفرسه في الماء، ومن معه من المسلمين فدخل الإسكندرية من باب الخوخة. فأتى بيت المال، أخذ ما كان فيه من ذهب وفضة، وأخرجها من باب البر، وأمر بتجار الفرنج وقناصلهم - وكانوا نحو خمسين بالإسكندرية مقيمين - أخرجهم من باب البر، ووجههم إلى ناحية دمنهور ، بعد أن امتنعوا من الخروج مع الجبلية المرسمين عليهم. فعند ذلك ضرب أحد الجبلية عنق إفرنجي منهم بسيفه، فحين رأوا ذلك، خافوا أن تضرب أعناقهم، فأذعنوا بالخروج سرحة، فخرجت الجبلية بهم مسلسلين إلى جهة دمنهور. وكان خروجهم بهم حين انضمام العدو إلى القرب من السور فرمتهم المسلمون من أعلى السور بالسهام، فلم يقدروا على الوصول إليه. ثم إن الفرنج عمدوا إلى بتية خشب ماؤها حريقا، وقصدوا بها حرق باب البحر، بكركرتها بأسنة الرماح، فتتابعت عليهم السهام من أعلى السور فقتل من الفرنج جماعة، فحاروا في أمرهم ماذا يفعلون، فتركوا البتية تتقد بنارها، بعيدا من الباب، ورجعوا إلى ناحية الميناء الشرقية، ونظروا فلم يجدوا على السور من تلك الجهة أحدا. ولا ثم خندق يمنع من الصعود إلى السور، فدرجوا إلى جهة باب الديوان أحرقوه، ودخلوا مع ما نصبوا هناك من السلالم الخشب المفصلة، صعدوا عليها السور فلما رآهم المسلمون الذين على السور من البعد قد صعدوه وبينهم وبين الفرنج قلعة عالية غير نافذة إليهم، شردوا طالبين النجاة منهم لكثرتهم، ولتحققهم بأن الفرنج ملكت البلد، فقتل من المسلمين من أدركته الفرنج، وسلم منهم من خرج من أبواب البر، فلو كان السور الذي يلي البحر معمراً بالرجال من جهة الديوان والصناعة سلمت منهم الإسكندرية، وإنما قال شمس الدين بن غراب كاتب الديوان، وشمس الدين بن أبي عذيبة الناظر " أغلقوا باب الديوان الذي يلي البلد لئلا تنقل التجار بضائعها منه إلى البلد فتضيع الحقوق التي عليها " . فقفل الباب فلذلك امتنعت الرماة من تلك الجهة من السور، فبذلك رأى العدو جهة خالية ودخل البلد منها. وقيل إن ابن غراب المذكور كان متعاملا مع صاحب قبرس عليها، وأن صاحب قبرس أتاها قبل الوقعة في زي تاجر أواه ابن غراب المذكور مدة، فصار القبرسي يتمشى بالبلد في جملة الفرنج التي بها تجارا وهو يكيفها وينظر أحوال الناس. فلما علم ذلك بعد الوقعة وسط الأمير صلاح الدين بن عرام بعد قدومه من الحجاز شمس الدين بن غراب، وعلقه قطعتين على باب رشيد. فلو فتح باب الديوان الذي على البلد قاتلت المسلمون الفرنج من أعلى سوره، ووجدوا ما يقوتهم بالأكل من نقل الشام. وكانت أصحاب البضائع تحرسها، ويطعمون منها المجاهدين. فلما لم يكن للأمير جنغرا رأى صائب، وقفل ابن غراب والناظر لباب الديوان، أخذت الفرنج البلد منه، ونفذت المقادير، من كل كبير من أهل الثغر وصغير، فمنهم من قتل، ومنهم من أسر، ومنهم من سلم، ومنهم من كسر، ومنهم من هرب بعد أن ألقى سلاحه واضطرب، ومنهم من ترك وطنه وتغرب، ومنهم من ازدحم في الأبواب ومات، ومنهم من افتقر وبلى بالشتات، فما أسرع ما أخذ الثغر، وما أعجل ما انكوت قلوب أهله بالجمر، ظفرت به الفرنج في اليوم الذي نزلوا فيه من مراكبهم إلى البر، ولا أمسك بالحصار يومين بل أخذ من المسلمين في ساعتين وقيل إن الحصار للمدن والحصون تمسك السنة والسنتين.
فلما دخل الإسكندرية الأمير الأتابكي يلبغا الخاسكي، بعد الوقعة، قيل له ذلك فقال: " إذا كان النخال حفظ جهته فكيف لو كان دقيقاً أو سويقاً. كان يحمي البلد ولم يدخل إليه من الإفرنج أحد، " وكان فرار أهل الإسكندرية من الفرنج من باب السدرة وباب الزهري وباب رشيد بعد زحام شديد، فمنهم من أدركته الفرنج بباب السدرة فقتلته، ومنهم من أسرته، ومنهم من نزل من السور في الحبال والعمائم، فعطب العاطب وسلم السالم، وصعدت الفرنج على أعلى باب السدرة. نصبت عليه الصلبان، وصار كل واحد من المسلمين برؤيته للفرنج كالهائم الولهان.

وكان خروج أهل الإسكندرية من الأبواب من أعجب العجاب، وذلك لازدحامهم. وهلاك بعضهم من قوة الزحمة. وفي ذلك الوقت نزعت من قلوبهم الرحمة، فخرج من الأبواب ألوف مؤلفة، بتوحيد الله معترفة، فامتلأت منهم الغيطان والبلدان، ونهب بعضهم العربان، وغلا السعر بينهم ما جلبته الباعة إليهم من البلدان، فباعوا الغالي بالرخيص، وصار كل منهم على تحصيل القوت حريص، ولا أمكنهم ترك القوت لزيادة الغلاء ولا رجعوا إلى قول الشاعر في بيته السائر بين الملأ وهو:
وإذا غلا شيء على تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
ثم إنه لما حصل الغلاء بين أهل الإسكندرية، الذين فروا من الملة النصرانية، ومنهم من باع ما عليه من فوطة وفاضل قميص، ومنهم من باع ما يتدفأ به من جبة وفرو مصيص، وذلك لخروجهم من بلدهم سرعة، وليسمع بعضهم درهم ولا قطعة، بل تركوا ديارهم مغلقة الأبواب، كسرتها ورتعت فيها الإفرنج الكلاب، فنهبتها من الحوانيت والفنادق. وحملت ما فيها على الجمال والبغال والحمير والأيانق، ثم قتلوا من اختفي عند مصادفتها له من كبير وصغير، وعرقبوا المواشي، فمنهم هالك وكسير. ثم إنهم أحرقوا القياسر والخانات، وأفسدوا النسوان والبنات، وكسر كل علج مارد قناديل الجوامع والمساجد، وعلقوا على السور أعلام الصلبان، وأسروا الرجال والنساء والولدن، وقتلوا كل شيخ عاجز. حتى المجانين والبلهاء والعجائز وضاع للناس في خروجهم من أبواب المدينة ما استخفوا حمله من ذهب ومصاغ للزينة وذلك من قوة الزحمة وطلب النجاة بقوة يتمه فمن الناس من خرج. بمن كان معه، ومنهم من ضاع ما معه في تلك الزحمة المفظعة ومنهم من ضاع ماله الذي خرج به بين الأبواب، وصار من ضياعه في حسرة واكتئاب، قيل إن بعض تجار الأعاجم خرج من باب رشيد ومعه جراب فيه ستة آلاف دينار، فمن قوة الزحمة في الباب سقط من بين يديه، بعد أن كان قابضا عليه، فما قدر على الانحناء يأخذه من الأرض من قوة ازدحام الناس بعضهم لبعض، بل رفعه من كان خلفه، فخرج صحيح البدن من الباب، مجروح القلب من ضياع الجراب، فتفتت أكباده، وعدم نومه ورقاده وصار إلى الجنون انقياده، وزال عنه عقله ورشاده، وصار يستغيث فلا يغاث، ونحل جسمه حتى صارت عظامه كالرفات، ثم حصل له بذلك الضرر والبؤس، لما أحاطت به العكوس والنحوس، فصارت الأحباب تلومه على ضيعة الجراب، فأنشد من لوعة الاكتئاب:
إذا كنت ألقى البؤس عند أحبتي ... ترى عند أعدائي يكون دوائي
ثم إن الفرنج فعلوا بالإسكندرية ما تقدم ذكره من نهب بعد كسر وقتل وإحراق، من عصر يوم الجمعة إلى أخر يوم السبت ثانيه. وكان مما أحرقوه حوانيت الحرف بكمالها، وسوق القشاشين بالمعاريج، والحوانيت الملاصقة لقيسارية الأعاجم من خارجها من الجهة الشرقية، وحوانيت شارع المرجانيين وبعض فنادقه، وفندق الطبيبة مع فندق الجوكندار، وفندق الدماميني الذي يسوق الجوار، ووكالة الكنان المقابلة لجامع الجيوشي بالقرب من العطارين مع سوق الخشابين. وأحرقوا أيضاً درابزي مدرسة ابن حباشة مع سقف الإيوان، وعبثوا بكل ناحية ومكان، وأحرقوا باب مدرسة الفخر القريبة من باب رشيد، وعبث بإحراق بعض حوانيت المحجة كل علج مريد. ذكر لي شيخ يسكن بالحجة قال: " كنت مختفيا بأعلى داري في مكان أنظر من كوة صغيرة، فرأيت الفرنج يأتون إلى الحانوت المغلق الباب، فيمد أحدهم على بابه خطة سوداء، ويخط من فوقها خطة حمراء، ويلقم الخط النار فيلتهب الباب بسرعة " قيل إن الفرنج يستصحبون معهم حلق الحراقات المغموسة بالزيت والقطران والزفت والنفط، فيضع أحدهم الحلقة الواحدة في نصل السهم الموضوع على متن قوس الركاب، ويلقم الحلقة النار، ويفك الوتر من الحوزة، فيخرح السهم صاعداً إلى السقف يوكز فيه، فليتهب الخشب بسرعة، فينزل إلى الأرض يحرق كل ما في البيت، مما ليس تحملهم به حاجة. يفعلون ذلك نكاية للمسلمين. لعنة الله على الفرنج أجمعين.

نعود إلى ذكر ما فعلته الفرنج بالإسكندرية: ثم إن الملاعين أحرقوا فندق الكيتلانيين، وفندق الجنويين، وفندق الموزة، وفندق الموسليين، فصارت النار تعمل في البندق والبضائع التي لم تجد لها محملا معهم، لإشحان مراكبهم مما أخذوه من أموال الإسكندرية ثم كسرت الفرنج أيضاً حوانيت الشماعين والبياعين، بعد نهب قياسر البزازين، وكسروا ما فيها من الأوعية والأواني والأحقاف والبراني، فصارت ملقاة مطروحة في الطرقات، قد سال ما فيها من زيت وعسل وسمن وغير ذلك، وكسروا أيضاً حوانيت الصاغة، وأخذوا ما فيها من مال ومصاغ، كما أخذوا من حوانيت الصرف ما كان بها من دنانير ودراهم، ونهبوا أقمشة التجار المصريين والشاميين المخزونة المبيعة للسفر بها لمصر والشام ونهبوا أيضاً الحديد الذي قدمت به تجار الأعاجم وغيرهم إلى الإسكندرية، وكانت عدة قناطير، ونهبوا من الدور الأموال والأقمشة والمصاغ والفرش والبسط والنحاس وغيره وأخذوا معهم باب المنار الذي كان عمره الأمير صلاح الدين عرام قبل الوقعة، على الأساس الذي كان أسسه الملك المنصور قلاوون وبطل عمارته، فعمل ابن عرام عليه حصنا دائراً، ثم أخذت الفرنج أيضاً شبابيك قبة طغية انتي بالجزيرة وأحرقوا سقف الربط التي بها، وهي التي خاف عليها أصحابها من الإفرنج قبل نزول الفرنج من مراكبهم، وكسروا قناديلها وقناديل المزارات، وأفسدوا قصور الجزيرة وتربها، وكسروا أعمدة قبة منبر مصلى العيد، وعمودي ضريح قبة تربة الأمير طغية، والأمير بلاط، واللذين فيهما تاريخ وفاتهما. وكانا مموهين بالذهب واللازورد، وقلعوا حلقتي باب المدرسة الخلاصية التي عمرها نور الدين بن خلاص، وكانا من النحاس المخرم فعمل لباب المذكورة غيرهما بعد أشهر من حين الوقعة، وأخذوا منها كرسي الربعة وبيتها، وكانا من النحاس الأندلسي المخرم، المنزل فيهما اليقات الفضة بدائرها، لم ير منها حسن صنعة وتدقيق وتخريم وتركوا أجزاء الربعة المذكورة الثلاثين جزءا مطروحة بالمدرسة المذكورة، لا يأخذوا جزءًا واحدا، وصعدوا صومعة المدرسة النابلسية، فوجدوا فيها جمال الدين ابن بانيها مختفيا منهم بها، وكان شيخاً كبيراً، ضعيف البنية، فألقوه على رأسه من أعلاها إلى الأرض، فاندقت عنقه. فمات شهيداً رحمه الله. وقتلوا من وجدوه بالجوامع والمشاهد وأقاموا بالإسكندرية العرابد فقتلوا الناس في الدور والحمامات والشوارع والخانات، وكانت الفرنج تخرج بالنهب من الإسكندرية إلى مراكبهم على الإبل والخيل والبغال والحمير، فما فرغوا من النهب. وقضوا إربهم من البلد، طعنوها بالرماح وعرقبوها بالصفاح، فصارت مطروحة بالجزيرة والبلد لم يعلم لها عدد، فهلكت وجافت، فأحرقها المسلمون بالنار لتزول رائحة جيفها.

ثم إن الفرنج تحصنوا. بمراكبهم بعد وقرها وإشحانها.بما نهبوه، وكانت تزيد على سبعين مركبا، وتركوا بالساحل فضلات البهار التي لم يجدوا لها محملا، فرجع إلى أربابه، من وجد علامة عليه أخذه، ثم إن مراكب الفرنج ثقلت.بما فيها، فصاروا يلقون ما فيها في البحر - على ما قيل - لتخف من كثرة الوسق وكان الغواصون يرفعون النحاس وغيره بناحية أبو قير، ولولا لطف الله تعالى بعباده بحرقهم باب رشيد وباب الزيادي كانت الفرنج ملكت البلد وحصل التعب في خلاصه، كما حصل في طرابلس الغرب ومدينة أنطاكية ببر التركية، وسيأتي فيما يرد من هذا الكتاب ذكر ظفر الفرنج بهما إن شاء اللّه تعالى. ولطف اللّه تعالى بعباده المسلمين في عدم معرفة الفرنج لقصر السلاح، الذي بالموضع المعروف بالإسكندرية بالزريبة، لو فهموه أحرقوا جميع ما فيه من السلاح المدخر من عهد الملوك السالفة. رحمة ا للّه عليهم، فلقد وضعوا فيه من الأسلحة الكثيرة ما ليس لعددها حصر، ذكر أبو العباس أحمد شيخ رماة قاعة القرافة المرصدة لسلاح الجهاد المتطوع به: بها ستون ألف سهم من بعض السهام التي في أحد بيوت قاعة من قاعاته، قيل إن فيه عدة قاعات في كل قاعة عدة بيوت، في كل بيت آلاف مؤلفة من السهام، إلى غيرها من السيوف والرماح والمزاريق والأتراس والخوذ والقنابر والزرد والزرديات والأطواف والقرقلات، والسواعد والركب والساقات والأقدام الحديد والقسي الملولبة والجرخ والركاب والأعلام ما لا ينحصر بلأقلام. ثم فيه أيضاً من حجارة العلاج والمدافع والنفط وحيل الحروب ومكايدها كثيرًا، فلو علمت به الفرنج أحرقته سريعا، فحصل اللطف الكبير من اللطيف الخبير لعدم معرفتهم إياه، بعد أن أتوا إلى بابه ظنوا أنه أحد أبواب المدينة، خافوا من كسر بابه ليكون ورائه كمين يطبق عليهم. قال المؤلف - غفر اللّه له ولوالديه وللمسلمين أجمعين - حدثني الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن يوسف حارس القصر المذكور - ويعرف بابن قراجا - قال: " كنت فيه.بمفردي لما دخلت الفرنج الإسكندرية، فأغلقت بابه، وقرأت حزب سيدي الشيخ الصالح أبي الحسن الشاذلي، وإذا بالفرنج أتوا إلى الزريبة، فيهم خيالة ومشاة، وكنت صعدت أعلى القصر، فعدت أنظر إليهم من شقوق في حائط، فطلع بعضهم على زلاقة بابه، وصاروا يتشاورون في أمره، وكنت أعددت لنفسي مكاناً أختفي فيه إن دخلوه، ولكن خفت بأن يحرقوه فأهلك بالنار، فوفقوا ساعة وتركوه ومضوا، فرأى أحدهم صبيا بالزريبة يعدو سريعا حين معاينته لهم، فعدى الإفرنجي، فلما أحس به الصبي ووقف باهتا من الخوف، فضربه الإفرنجي، فالتقى الصبي الضربة بيده اليسرى. فطارت يده إلى الأرض، ثم ضربه ضربة أخرى على عانقه، فوقع على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ومضى وتركه. فصار الصبي ينمق الذباب بيده اليمنى عن وجهه وجراحه وهو راقد، وما أمكنني النزول إليه من القصر، خوفاً من رجوع الفرنج إلى الزريبة فصار الصبي مطروحا بالأرض إلى أن مات شهيداً، رحمه الله " . انتهى.
نعود إلى ذكر ما أحرقته الفرنج أيضاً بالإسكندرية: وذلك أنهم أحرقوا أبواب البحر الأولى والثاني، وأبواب الباب الأخضر الثلاثة، وباب الخوخة، والمجانيق التي كانت بالصناعتين الشرقية والغربية، وكان أهل الإسكندرية وقت هزيمتهم خرقوا إغربة كانت بالصناعة الشرقية لئلا تأخذها الفرنج، فلما رأتها الفرنج محروقة أحرقتها بالنار، ثم أحرقت الفرنج أيضاً دار الطراز والديوان، بعد أن أخفوا ما في دار الطراز من الاستعمالات الرفيعة الأثمان وأحرقوا أيضاً قلعة ضرغام والمكان المعروف بالمكدس، وكان برسم الاستعمالات أيضاً . وكانت مدة إقامة الفرنج من حين أتوا إلى الإسكندرية وظفروا بها إلى آخر من سافر منهم ثمانية أيام، وذلك أنهم أتوها يوم الخميس حادي عشرين المحرم سنة سبع وستين وسبعمائة، وسافر آخرهم يوم الخميس الثامن والعشرين من الشهر المذكور، وكان سبب إقامتهم تلك الأيام لينظروا من البحر من يأتي من البحيرة من مصر. فلما عاينوا وهم.بمراكبهم العساكر أقبلت كالجراد المنتشر، يقدمها الأمير الأتابكي يلبغا الخاسكي، سافروا.
السلطان صلاح زين الدين أبو الجودحاجي بن الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون الألفي

أقيم في السلطنة ثاني يوم مات أخوه المنصور وقد اجتمع الأمير الكبير برقوق والأمراء بالقلعة في يوم الإثنين رابع عشرينه، واستدعوا الخليفة وقضاة القضاة إلى باب الستارة، وأحضر إليهم أولاد الملك الأشرف شعبان، وهم إسماعيل وأبو بكر وحاجي، فوقع الاختيار على حاجي - فإنه أكبرهم - فحلفوا له، وبايعه الخليفة. ثم أركب من باب الستارة بشعار السلطنة، والأمراء في ركابه مشاه، حتى صعد الإيوان فأجلس على تخت الملك، ولقب بالملك الصالح، ومد السماط بين يديه، ثم عبروا به إلى القصر، فأجلس به، وخلع على الخليفة، ونودي في القاهرة ومصر بالدعاء للسلطان الملك الصالح.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: أجلس السلطان بدار العدل، وعملت الخدمة على العادة، فلما دخل إلى القصر بعد الخدمة، حضر الخليفة والقضاة ومشايخ العلم، وقرأ عهد الخليفة للسلطان على الأمراء، وكتب عليه الخليفة خطه، وشهد فيه القضاة عليه، ثم خلع على القضاة وكاتب السر والوزير وفيه خلع الوزير على يوسف بن المقدم محمد بن يوسف، واستقر مقدم الدولة، عوضاً عن أحمد العظمة، باستعفائه.
وفي ليلة الثلاثاء خامس عشرينه: مات المقدم سيف تحت العقوبة، ولم يخلف بعده في معناه مثله، سعة مال وكثرة أفضال، وفي هذا الشهر : كثر الوباء بالقاهرة ومصر.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الأول: خلع على تاج الدين بن وزير بيته مستوفي الخاص، واستقر في نظر الإسكندرية، عوضًا عن مجد الدين بن البرهان. واستقر علم الدين ودينات في استيفاء الخاص. وخلع على ناصر الدين أحمد بن محمد ابن محمد التنسي وأعيد إلى قضاء الإسكندرية، عوضاً عن تاج الدين بن الربعي..
وخلع على جلال الدين أحمد بن نظام الدين إسحاق، واستقر في مشيخة خانكاه سرياقوس ، عوضاً عن والده، ونعت بشيخ الإسلام شيخ الشيوخ.
وفي تاسع عشره: ركب الأمير يونس - دوادار الأمير الكبير - البريد إلى حلب، لكشف أحوال التركمان - وقد ورد خير خروجهم عن الطاعة - وتجهيز عساكر الشام لقتالهم.
وفي سادس عشرينه: أخذ قاع النيل، فكان خمسة أذرع وثماني أصابع.
وفي ثامن عشرينه: قدم الأمير تغري برمش من الشام باستدعاء.
وفي تاسع عشرينه: خلع على شرف الدين بن عرب، واستقر في وكالة بيت المال، عوضاً عن نجم الدين محمد الطنبدي،. بمال.
وفي آخر هذا الشهر ارتفع الوباء، وأكثر من مات فيه الأطفال.
وفي يوم الخميس: ثالث شهرِ ربيع الآخر، أنعم على الأمير تغري برمش بتقدمة ألف، عوضاً عن أمير علي بن قشتمُر بعد وفاته.
وفيه نودي بسفر الحجاج الرجبية، فسر الناس ذلك، وكتب بولاية علم الدين أبي عبد الله بن ناصر الدين محمد القفصي، قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن البرهان الصنهاجي.
وفي سابع عشرينه: وصلت خيمة جليلة من الشام، عملت للأمير الكبير، تُحمل على مائة وثمانين جملا، فضربت بالميدان الكبير.
وفي حادي عشرينه: أُنعم على الأمير سودن الشيخوني بتقدمة ألف، وخلع عليه، واستقر حاجبا ثانيا.
وفي ثاني عشرينه: ركب الأمير الكبير لرؤية الخيمة بالميدان. ومد للأمراء سماطا جليلا. ومد بعده سماط حلوى، ثم سماط فاكهة، فكان يوما مذكورا خرج الناس لمشاهدة ذلك، فكان جمعا كبيرًا.
وفي ثامن عشرينه: خلع على علي القرمي، واستقر في ولاية الشرقية، عوضاً عن مبارك شاه. وخلع على الأمير فخر الدين إياس الصَرْغَتْمُشِى، واستقر حاجبًا رابعا.
وهذا أيضاً مما تجدد، وكانت العادة أولاً أن يكون حاجب واحد، ثم استقر حاجب الحجاب، وحاجب ثاني، ثم زيد بعد ذلك في الأيام الأشرفية حاجبُ ثالث.
وفي أول جمادى الأولى ذكر بعض العجم للأمير الكبير أن النيل لا يزيد في هذه السنة شيئا، وأرجف بذلك، فزاد في هذا اليوم خمس عشرة أصبعا، وفي غده ست عشرة أصبعا، فضربه الأمير الكبير وشهره..
وفي يوم السبت حادي عشره: - وعاشر مسرى - وفي النيل ستة عشر ذراعًا، فركب الأمير الكبير حتى خلق المقياس، وفُتح الخليج من يومه.
وفيه قطعت أخبار الطواشين: شاهين دست، وشاهين الجلالي، وأمرا بلزوم بيتهما.
وفيه هبت ريح شديدة بدمشق، اقتلعت أشجارا كثيرة بعروشها، واستمرت عدة أيام، فهال الناس أمرها

وقدم البريد بخروج الأمير أشقتمُر نائب الشام بعسكر دمشق، والأمير إينال اليوسفي بعسكر حلب، والأمير كمشبغا الحموي بعسكر طرابلس، والأمير طَشتمر القاسي بعسكر حماة، والأمير طَشتمر العلاي بعسكر صفد، ومعهم نواب القلاع، وتراكمين الطاعة، وللعربان، العشران لقتال خليل بن قراجا بن دلغادر وجمائعه ببلاد مَرعش، وأنهم اجتمعوا بحلب وساروا منها صحبة الأمير يونس الدوادار، في أول شهر ربيع الأول، فنزلو ظاهر مرعش. وتوجه في ثامن شهر جمادى الأولى ضياء الملك ابن بوزدوغان الواصل بعسكره إلى نصرة العساكر، ومعه طائفة من العربان والأكراد لقتال التركمان، فقاتلهم ويومه، وكسرهم، وقتل ثلاثة من أعيانهم، وعاد، فاقتضى رأي النواب الركوب لأخذ مرعش، فأخذوها، ثم مشوا لتمهيد البلاد حتى انتهوا إلى ملطية، ثم عادوا في آخر شهر شعبان.
وفي خامس عشره: عقد مجلس عند الأمير الكبير برقوق بسبب وقف، فاجتمع القضاة ومشايخ العلم، فتغيظ قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة على علم الدين سليمان البساطي قاضي المالكي ونهره، فرسم بعزل البساطي، وجعل تعيين غيره لابن جماعة، فعين جمال الدين عبد الرحمن بن خير، وخلع عليه.
وفي يوم الإثنين سابع عشرينه: قدم البريد بأن العسكر ركب في يوم السبت ثاني عشره، وصدم ابن دلغادر فكسره، وولى منهزما.بمن معه، والعسكر في آثارهم، فغنموا منهم شيئاً كثيراً، وملكوا منهم مدينة مرعش ونودي فيها بالأمان، فأتى الناس من الجبال وبطون الأودية. ورحل العسكر حتى نزل بمدينة الأبلستين، في تاسع عشره، وأقاموا بها.
وفي نصف شهر جمادى الآخرة أوقعت الحوطة على الصاحب شمس الدين المقسي، وأخذ على حمار إلى القلعة، فسجن بقاعة الصاحب.
وفي هذا الشهر: كثر ظلم الوزير ابن مكانس ، وأخذ مالا من الكارم، وطلب من مباشري الدولة و الخاص جامكية شهرين، ووكل بعدة من التجار أعوانه، وأخذ منهم جملة مال، وأخرق ببعضهم، فكثرت الشناعة عليه.
وفي تاسع عشرينه: أفرج عن المقسي.
وفي هذا الشهر قدمت رسل الملك المعز جلال الدين حسين بن السلطان أويس - متملك توريز وبغداد - وهم قاضي القضاة بتوريز وبغداد علاء الدين علي بن الجلال عبد اللّه بن سليمان العتائقي الأسدي الشافعي، والصاحب الوزير الأعظم شرف الدين عطا بن الحاج زين الدين حسين الواسطي والشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن البرادعي البغدادي، والشيخ زين الدين على بن عبد الله بن الشامي المعري، فأنزلوا بالميدان الكبير، وأُجرى عليهم في كل يوم مبلغ مائتي درهم، ومائتي رطل لحم، وثماني فردات أوز، وعشرة أطيار دجاج، وسميد ومصبعات، وخبز جراية بقدر كفايتهم. وكانوا في تجمل زائد. ذكر العتائقي عن نفسه أنه أنفق من توريز إلى مصر مائتين وخمسين ألف درهم. وجاء في مائة عليقة فترك جماعته بالشام، فأتاه قضاة القضاة، وسلموا عليه، ثم مثلوا بين يِدي الأمير الكبير، فخلع عليهم بعدما مد لهم سماطاً جليلا، أوقف عليه الطواشي مقدم المماليك السلطانية، ولم يتقدمه أمير لفعل ذلك.
وفيه عزل ابن التنس عن قضاء الإسكندرية بابن الربعي، ثم أعيد بعد ثلاثة أيام. وورد الخبر بأن متملك الحبشة داود بن سيف أرعد - الملقب بالحطى - أنفذ جيشًا إلى أطراف معاملة أسوان، فأوقعوا بالعربان، ونال أهل الإسلام منهم بلاء كبير، فبعث الأمير الكبير إلى متى بن سمعان بطريق النصارى اليعاقبة بالمعلقة من مدينة مصر، يأمره أن يكتب إلى صاحب الحبشة يمنعه من التطرق إلى بلاد المسلمين، فأجاب بعد امتناع، وكتب إليه بما اقترحه عليه الأمير الكبير من ذلك. وكتب السلطان إليه كتابا بالإنكار عليه، وندب لرسالته البرهان إبراهيم الدمياطي، نقيب قاضي القضاة المالكي، وجهز. بما يليق به.
وفي أول شهر رجب: وفُر إقطاع تقدمة الأمير أَقتمُر عبد الغني، و لم ينعم به على أحد. وفيه امتنع قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة من الحكم، لأجل مال طلب منه من الأوقاف لتجهيز الرسل إلى الحبشة، فأعفي من ذلك، وخلع عليه في ثانيه خلعة الاستمرار. وخلع على علي بن القرماني، واستقر في ولاية منوف عوضاً عن أبي بكر بن خطاب.

وفيه رسم بقطع ما تكاثر من الأتربة وغيرها بالشوارع المسلوكة، حتى علت الطرقات بالقاهرة ومصر، وندب الأمير مأمور الحاجب لذلك، فقطعت بالمساحر، ونقل ما خرج منها إلى الكيمان. وبلغت زيادة ماء النيل تسع عشرة ذراعاً واثني عشرة أصبعاً، وثبت إلى سادس عشرين توت، فغرقت بساتين كثيرة.
وفي سادسه: خلع على الأمير تغري برمشى، واستقر أمير سلاح، وخلع على العتاقي - قاضي بغداد - أطلسين بطرز زركش، وطرحة حرير.
وفي سابعه: طلع الوزير ابن مكانس بهم الميدان على العادة، وهي كنابيش زركش، وطرز زركشي، فخلع عليه.
وفي يوم السبت ثامنه: ركب السلطان إلى الميدان - كما هي العادة في كل سنة - وخلع على تَقي الدين عبد الرحمن ناظر الجيش، وعلى بدر الدين محمد بن فضل اللّه كاتب السر، خلع الميدان، وكانت عادتهما أن يلبسا الجبب في الميدان الثاني، فتعجلا خلعتيهما في الميدان الأول.
وفي يوم السبت خامس عشره: ركب السلطان إلى الميدان ثانيا، برسم اللعب بالكرة مع الأمراء. وخلع على الوزير جبة نخ بقصب، فركب بها إلى تحت القلعة، ثم عاد.
وفي يوم السبت ثماني عشرينه: ركب السلطان إلى الميدان ثالثاً. وخلع على الوزير خلعة ثانية، جبة حرير بنفسجي، بطرز زركش وفرو قاقم، وخلع على جميع من جرت عادته بالخلع.
وفي هذا الشهر: دار محمل الحاج على العادة، وخرجت أثقال الحجاج الرجبية يوم دار المحمل إلى بركة الحجاج، صحبة الأمير بهادُر الجمالي، المشرف، وخرج الناس أفواجا، ثم رحلوا من البركة في يوم الأحد ثالث عشرينه.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: توجهت الرسُل إلى بلاد الحبشة. وفيه أخرج الأمير مأمور حاجب الحجاب، منفياً إلى الشام، ثم رسم له بنيابة حماة، عوضا عن طَشتمر القاسمي بعد موته. وخلع على الأمير تغري برمش، واستقر حاجب الحجاب، عوضا عن مأمور. وخلع على نجم الدين محمد الطنبَدي، وأعيد إلى وكالة بيت المال، عوضا عن ابن عرب. وفيه أخذت دواة الوزير ابن مكانس، وعوق نهاره، ثم أفرج عنه. وفيه سارترسل بغداد بعدما خُلع عليهم.
وفي يوم الإثنين ثاني شعبان: خُلع على الوزير ابن مكانس خلعة الاستمرار.
وفي يوم الأربعاء رابعه: رسم بنفي جمال الدين محمود العجمي محتسب القاهرة، فشفع فيه الأمير أيتمش، فأمر أن يلزم بيته .وسبب ذلك أنه نقل لقاضي القضاة صدر الدين محمد بن منصور الحنفي عن الأمير الكبير برقوق أنه قال بالتركية لمن حوله - وهو - فيهم - : " إن القضاة ما هم.بمسلمين " ،. فشق ذلك عليه، وركب إلى قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، واستشاره في عزل نفسه عن القضاء، وقال: " قطعت عمري في الاشتغال بالعلم في دمشق، ثم في آخر عمري أنفى.بمصر عن الإسلام " ،.وحدثه.بما نقله المحتسب في حق القضاة عن الأمير الكبير، فتغير ابن جماعة من ذلك تغيراً كبيراً، وقام من فوره إلى الأمير الكبير، وأخبره الخبر، فغضب على محمود وعزله. وهذا أيضاً مما تجدد من الحوادث القبيحة، وهو أن الأمير الكبير صار يقع في حق القضاة والفقهاء مع خاصته، فتضع أقدارهم عند الأمراء والمماليك، بعدما كانوا يرون السلطان وأكابر الأمراء ييالغون في إجلال القضاة والفقهاء، ويرون أن بهم عرفوا دين الإسلام، وفي بركتهم يعيشون. وحسب أعظمهم قدرا أن يقبل يد الفقيه والقاضي، فانقلب الأمر، وانعكس الحال، حتى كثرت وقيعة الأمراء والمماليك فيهم، لما لُقِّنوه من الأمير الكبير..ثم تزايد الحال، بحيث صار الفقهاء والقضاة في أخريات الدولة الظاهرية برقوق، وفي الدولة الناصرية فرج ، وما بعد ذلك ينزلون من أهل الدولة منزلة سوء ويتكلم فيهم أقل الغلمان، وأرذل الباعة، بكل قبيح عقوبة من اللّه لهم، لامتهانهم العلم، وخضوعهم في طلب الدنيا ولا قوة إلا باللّه.
وفي يوم الخميس خامسه: خلع على تاج الدين محمد المليجي، شاهد خزانة الخاص، صائم الدهر، واستقر في حسبة القاهرة، عوضا عن جمال الدين محمود العجمي. وخلع على علم الدين يحيى، وأعيد إلى نظر الدولة عوضًا عن ابن الريشة، وكان مريضًا، فُحملت له الخلعة إلى داره. وخلع على الأمير قرط بن عمر، وأعيد إلى نيابة البحيرة. وخلع على عمر ابن أخيه، وأعيد إلى ولاية البحيرة.

وفيه قدم الأمير يونس النوروزي - دوادار الأمير الكبير - من حلب، وقد عادت العساكر من محاربة ابن دلغادر. وذلك أنهم أقاموا على الأبلستين إلى خامس عشر جمادى الآخرة ثم رحلوا عنها وقد بلغهم نزول خليل بن دلغادر بقلعة خرت برت ، إلى جهة ملطية، فورد عليهم في أثناء طريقهم كتاب الأمير حسام الدين طُرنطاي - مقدم العسكر - بسيس ، يتضمن دخول الصارم إبراهيم بن رمضان - مقدم التركمان - عليه في قبول توبته، وتنصله من مساعدة ابن دلغادر، فأجيب بقبول عذره.ونزلوا بظاهر ملطية في ثامن عشره. ثم رحلوا عنها في أول شهر رجب عائدين إلى ،حلب ، بعدما عزموا على خوض الفرات، وكشفوا مخايضها، فوجدوا تعديتها إلى البر والوصول إلى خرت برت، متعذراً. فلما نزلوا على بريد من عين تاب - في ثالث عشر رجب - قدم عليهم الأمير حيدر بن باشان كبير التركمان البوزوقية في طلب الأمان لأمراء طائفته، فكتب له أمان، ورحلوا في سابع عشره، فقدموا حلب في ثاني عشرينه، وتفرقت العساكر إلى مواضعها، وقد نالهم مشقة عظيمة من البرد، وكثرة الأمطار .
وفي هذا الشهر ظهر في السماء كوكب له ذؤابة، قدر رمحين من جهة القبلة، وأقام كذلك مدة . وفيه كُتب باستقرار شهاب الدين أحمد بن أبي الرضا بن عمر في قضاء القضاة الشافعية بحلب، بعد وفاة كمال الدين عمر بن عثمان بن هبة اللّه المعري. وفيه قبض الأمير قرط على طائفة من أعيان البحيرة، منهم شادي، ووسطهم، ورماهم في النيل وأحاط. بموجودهم كله.
وفي يوم الإثنين آخره: قدم الأمير يلبغا الناصري ، فخرج الأمير الكبير إلى لقائه ،وترجل له ، ثم أركبه فرسا من مراكيبه.
وفي يوم الثلاثاء أول شهر رمضان : أنعم على الأمير يلبغا الناصري بتقدمة ألف،وأجلس وقت الخدمة - السلطانية - بالإيوان، رأس الميسرة، فوق أمير سلاح.
وفي يوم الخميس ثالثه: خلع على سعد الدين نصر الله بن البقري، واستقر في نظر الخاص، عوضا عن كريم الدين عبد الكريم بن مكانس.
وخُلع على الوزير ابن مكانس، واستقر على عادته في الوزارة فقط. وخلع على الأمير جركس الخليلي - أمير أخور - واستقر مشير الدولة. ورسم للوزير ألا يتصرف في شيء إلا بعد مراجعته.وفيه استقر تاج الدين عبد اللّه بن البقري في استيفاء الصحبة، عوضا عن أبيه سعد الدين، وخلع عليه وعلى علم الدين يحيى - ناظر الدولة - خلعة استمرار..
وفي هذه الأيام: ساق الأمير جركس الخليلي ماء النيل إلى الميدان تحت القلعة، وصُب في الحوض الذي على بابه بالرميلة، فعم النفع به سكان تلك الجهات . وكان له نحو من سبعة سنين لم يجر فيه ماء.
وفي هذا الشهر: قرئ صحيح البخاري بالقصر من قلعة الجبل، كما هي العادة من عهد الملك الأشرف شعبان بن حسين . فلما كان يوم الإثنين سابعه وانفض مجلس السماع، قام قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم، بن جماعة، لينصرف إلى داره. فلما ركب، أخذ شخص - يعرف بابن نهار - بعنان بغلته، وقال له: " حكمت عليّ بحكم لا يجوز شرعا، وقد فسقت بجهلك. " فرجع ومعه المذكور إلى الأمير الكبير، وهو في فكره، فأخذ ابن نهار في الإساءة على ابن جماعة، والأمير الكبير في شغل.بما عنده من شدة الفكر؛ فشق ذلك على ابن جماعة، وعزل نفسه، وقام فتوجه إلى تربة كوكاي خارج القاهرة ة ليمضي منها إلى القدس. وفي أثناء نزوله من عند الأمير الكبير، تجلى عنه الفكر، وسأل من حضر عما كان، فأخبروه الخبر، فبعث في طلب ابن نهار، فأتى به من الغد، واستدعى القضاة ومشايخ العلم، فأفتى شيخ الإسلام البلقيني بتعزيز ابن نهار، فضربه والي القاهرة بالمقارع، وشهره بالقاهرة. وبعث الأمير الكبير يسترضي. ابن جماعة، فلم يرض، فراجعه ثانيا فلم يرض، فبعث إليه الأمير قطلوبغا الكُوكاي، والأمير فخر الدين إياس الصرغَتمشى، فلم يزالا به حتى أخذاه، وأتيا به الأمير الكبير. فلما شاهده من بعد، قام إلى لقائه، ومشى إليه، وترضاه. فقال له: " أعدائي كثير، وما آمنهم، ومالي ولهذا الأمر. فقال له: " كل من تعرض لك - ولو بكلمة سوء - ضربته بالمقارع. ثم جيء بالتشريف ، فأفيض عليه، ونزل إلى القاهرة في تاسعه، فكان يوماً مشهوداً. وفيه ركب البريد الأمير جلبان الدوادار، لإحضار الأمير أينال اليوسفي، نائب حلب.

وفي ثاني عشرينه: أُخرج الأمير مقبل الرومي الخازندار - أحد اليلبغاوية - منفياً، وكان ظالما غشوما.وفيه أمطرت السماء مطرًا، قل ما عُهد مثله في الكثرة، حتى سالت الأزقة والشوارع، وخاضت الخيل بالشارع في الماء فبلغ بطونها، وسال الجبل سيلا عظيما إلى الغاية.
وفي سابع عشرينه: قدم البريد بخروج الأمير إينال من غزة، فركب الأمير أقبغا الصغير - أحد أمراء الطبلخاناة - البريد، وقبض عليه بقطيا، وبعثه إلى الكرك، فسجن بها.
وفي تاسع عشرينه: ابتدأ بهدم خان الزكاة بين القصرين، لتداعيه للسقوط. وفيه ثبت أن هلال رمضان رؤى ليلة الإثنين، وأن هذا اليوم تمام ثلاثين.
وفي هذا الشهر زاد سعر اللحم عما يعهد.
وفي يوم الأربعاء - يوم عيد الفطر - : حمل الأمير يلبغا الناصري الفبة والطير على رأس السلطان، عند نزوله لصلاة العيد بالميدان تحت القلعة.
وفي يوم الخميس ثانيه: خلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر نائب حلب، عوضا عن إينال اليوسفي. وأنعم على الأمير يونس - دوادار الأمير الكبير - بتقدمة ألف، ورأس نوبته الأمير قُردُم الحسني أمير مائة مقدم ألف، و لم يعهد فبل ذلك أن يكون دوادار أمير ورأس نوبته من جملة مقدمي الألوف.
وفيه نادى الأمير المشير جركس الخليلي في القاهرة ومصر، أن تكون الفلوس العتق كل رطل بدرهم وثلث، بعد ما كانت بدرهم ونصف الرطل وفرق في الصيارفة فلوسا استجد ضربها، وعمل عليها رنكه، فمنها فلس زنته أوقية، ليكون كل أربعة بدرهم، كل فلس بربع درهم. ومنها ما زنته نصف أوقية، فكل ثمانية بدرهم، حسابا عن كل فلس ثُمن درهم. ومنها ما يكون كل ثمانية وأربعين فلساً بدرهم، فلم يمش له ذلك، وتوقفت أحوال الناس، وبطل بيعهم وشراؤهم، وقلّ جلب البضائع من المآكل وغيرها، فنادى الأمير الكبير برقوق في يوم الجمعة ثالثه بإبطال ذلك، واستمرار الفلوس على حالها.
وفي ثالث عشره: خلع على الأمير يلبغا الناصري خلعة السفر، وتوجه إلى حلب.
وفي رابع عشره: خلع على صلاح الدين خليل بن عبد المعطي بن عبد المحسن نقيب دروس الفقهاء الحنفية، واستقر في حسبة مصر، عوضا عن ابن عرب.بمال التزم به، فاستفظع الناس ذلك، وعدوه بلاء ونقمة، لسوء سيرته ونذالته، فلما دخل على الأمير المشير جركس الخليلي، أنكر ولايته، وضربه.
وفيه خلع على شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان، واستقر في وزارة الشام، ونظر الخاص والمهمات، والمرتجع بها، ونظر ديوان نائب الشام، على قاعدة فخر الدين ماجد ابن قزوينه، وكتب له في توقيعه. " الوزير " ، وأنعم عليه ببغلة من الإصطبل السلطاني، وعليها زناري جنيب خلفه، فلم يرض بذلك ، لعلمه أنه إنما قصد الوزير ابن مكانس إبعاده وخروجه من مصر، خوفاً منه. وفيه اسُتدعى الجلال رسولا التبانى، وسُئل أن يحج عن الأمير آنص والد الأمير الكبير بعد وفاته، فأجاب إلى ذلك، وجُهز أحسن جهاز، وسافر صحبة الركب.
وفي ثاني عشرينه: توجه محمل الحاج سائرا من البركة، وتبعه الركب على العادة في كل سنة، وفيه أنعم على طُغاي تمُر القبلاوي - من أمراء الطبلخاناة بطرابلس - بنيابة الكرك عوضاً عن منكلي بُغا الشمسي، وخلع على زين الدين عمر بن مِنهال، واستقر في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن فتح الدين محمد بن الشهيد. وكتب .بمصادرة ابن الشهيد. وأنعم على الأمير قطلوبغا الكوكاي بتقدمة آنص - والد الأمير الكبير - بعد موتَه.
وفي رابع ذي القعدة: خلع على الشريف جماز بن هبة الحسيني، واستقر أمير بالمدينة النبوية، عوضاً عن عمه عطية، بعد وفاته. وقدم الشيخ شمس الدين محمد القُونَوي من دمشق، فنزل بالمدرسة الصالحية بين القصرين من القاهرة، وأتاه الناس يلتمسون بركة زيارته.
وجُهز أربعمائة خلعة إلى البلاد الشامية، برسم النواب والأمراء وغيرهم، لنصرتهم على التراكمين.

وفي سادسه: قبض على بني مكانس جميعا، بحيلةدبرها الأمير الكبير، فإنه تقدم في الوزير بجمع الكُتاب ليندبهم إلى أشغال سلطانية، فلما اجتمعوا عنده، قبض على الوزير وإخوته، وقبض على علم الدين بن قارورة - ناظر ديوان الأمير الكبير - وألزم بحمل خمسمائة ألف درهم، وخُلع على شمس الدين إبراهيم - المعروف بكاتب أرلان - المستقر في وزارة الشام، واستقر ناظر ديوان الأمير الكبير، عوضًا عن ابن قارورة، فما أغنى عن ابن مكانس حذره منه. وكُتب باستقرار ابن بشارة في نظر الشام على عادته. وخلع على سعد الدين إبراهيم الميموني، واستقر عامل ديوان الأمير الكبير.
وفي ثاني عشرينه: خلع على الشريف جمال الدين عبد الله بن عبد الكافي بن عبد الله الطاطبي، واستقر في نقابة الأشراف، عوضاً عن السيد على بن فخر الدين.
وفي يوم الخميس رابع عشرينه: خلع على علم الدين عبد الوهاب الطنساوي، ويقال له سن إبرة، واستقر في الوزارة، عوضًا عن كريم الدين بن مكانس، وسلم ابن مكانس وإخوته وحاشيتهم إلى شاد الدواوين، فعذبهم بأنواع العقوبات. وفيه استناب قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة عنه في نظر وقف الأشراف، الشريف صدر الدين مرتضى بن غياث الدين إبراهيم بن حمزة.
وفي خامس عشرينه: خلع على بلوط نائب الإسكندرية خلعة الاستمرار، وقد حضر باستدعاء، ثم توجه إليها. وكانت الأسعار قد ارتفعت من شهر رمضان، حتى بلغ الإردب القمح إلى أربعين درهما، وتزايد حتى بلغ في ذي القعدة ستين درهما، وعز وجوده، وارتفعت أسعار الحبوب كلها، وتعذر وجود الخبز بالأسواق واختطفه الناس من الأفران. فرسم في خامس عشرينه بفتح شونة الذخيرة، وبيع منها. ثم توقفت أحوال الناس، وكثرت الشكاية في الناس جميعهم من وقوف الحال، وقلة وجود الدراهم، فكان هذا - أعنى الشكاية - مما تجدد، و لم يكن يُعرف، بل أدركنا الناس، وإذا شكا أحد من الناس حاله، عُد عليه ذلك، فصرنا وما من صغير ولا كبير إلا وهو يشكو، وتزايد أمرهم في ذلك، حتى صار أمر الناس.بمصر في الأيام الناصرية فرج وما بعدها إلى فاقة وضعة.
وفي تاسع عشرينه: وقفت العامة واستغاثت، وطلبت ولاية العجمي الحسبة، فطُلب في يوم السبت سلخه، وخُلع عليه، وأعيد إلى الحسبة، عوضا عن المليجي.
وفي ثالث ذي الحجة: سُمر ثلاثة من قطاع الطريق، ووسطوا، ثم سُمر في خامسه ثلاثة أخر.
وفي تاسعه: ترك الأمير تغري برمش أمير سلاح إمرته، وتزيا بزي الفقراء، وفرق عنه مماليكه وحاشيته، وجلس بجامع قوصون خارج باب زويلة، وجمع عليه طائفة من العامة، فبعث إليه الأمير الكبير بالأمير سودُن الشيخوني الحاجب، والأمير قُردُم الحسني - رأس نوبة - ليعود إلى إمرته، ولكنه أبى وصمم على الزهادة، فتردد إليه الأمراء وسألوه ذلك، فأبى عليهم، ثم لم يكن بأسرع من توجهه إلى الشيخ أكمل الدين شيخ خانكاه شيخو، وسؤاله في التحدث مع الأمير الكبير في عوده إلى إمرته كما كان، فبعث يسأل الأمير الكبير في ذلك، فاشتد غضبه عليه، وأمر به فأخرج في الحال ماشيا ليمضي إلى القدس، فمشى على قدميه إلى قبة النصر خارج القاهرة، وأدركه قاصد . بالإذن له. بالركوب، فركب وسار.
وفي حادي عشره: وسُط رحاب، أمير عربان البحيرة، ومعه ثلاثة نفر من أعيانها.

وفي هذه الأيام: اتفقت حادثة مستغربة، وهي أن بعض تجار قيسارية جهاركس - يعرف بابن القماح - أخلى حماما بالقرب منها في ليلة الجمعة خامسه، وأطمع صدقه - حارس القيسارية - بأن في البئر التي بها كنزًا، ففتح له القيسارية ليستخرج الكنز من البئر. فلما صار بها هو وولده والحارس أوهمه أنه يحتاج إلى قراءة عزيمة ، وإلى تبخير البئر، حتى يتيسر أخذ الكنز بإبطال موانعه، وأمره أن ينصرف عنه - هو والولد - إلى الحمام ة ليخلو.بما ذكر. وترك عنده رجلاً في صورة أنه يعينه على ذلك، وكان صانع أقفال، فمضى الحارس وولد ابن القماح " فأخذ ابن القماح " ، في فتح ما على حوانيت القيسارية من الأقفال الحديدية بيد ذلك الرجل، حتى فتحها كلها، وأخذ منها ما يزيد قيمته على عشرة آلاف دينار، وهرب في الليل هو وأهله. فأصبح الناس بالقيسارية وهي مفتحة الحوانيت، فارتجت القاهرة بأهلها، وحضر والي القاهرة، واجتمع التجار وغيرهم بها. فقالت امرأة ممن يسكن بالربع علو القيسارية: " قد رأينا البارحة ليلاً ابن القماح هنا،، فأخذ الوالي في طلبه فلم يقدر عليه، ولا على صدقة الحارس. ورفع التجار شكواهم إلى الأمير الكبير، فاشتد حنقه على والي القاهرة، وألزمه بإخراج السارق. فبينا هو في الفحص عن ابن القماح، إذ دلّه شخص على موضعه، فركب إليه في يوم الإثنين ثامنه، وأحاط بالبيت الذي هو به، فألقى نفسه من علو البيت يريد النجاة، فانكسرت يده، وقبض عليه وعلى ولده أحمد، وعلى الأقفالي الذي فتح له الحوانيت. فوجد القماش الذي أخذ،، والمال بعينه، لم يُفقد منه شيء، فحمل ذلك على عدة حمالين، وسار بهم والمغاني تزفهم، حتى طلع إلى الأمير الكبير. فأقر ابن القماح. بما تقدم ذكره، فأمر الوالي بعقوبة الجميع. فنزل بهم في الحديد والعملة من ورائهم على رءوس الحمالين، والمغاني تزفهم في شارع القاهرة، فكان يوما مشهوداً. ثم أخذ التجار مالهم بتمامه وكماله. وظفر أيضاً الوالي بصدقة الحارس، فما زال هو والأقفالي تحت العقوبة حتى هلكا. وضُرب ابن القماح وولده مراراً، وسُجن في خزانة شمايل، فإنه لم يجب عليه القطع شرعا. لأنه كان يقول عن الأقفال هذا ناولني المتاع من الحوانيت. فأقام عدة سنين في السجن ثم أخرج واتضع حاله حتى مات.
في سابع عشره: قدم الأمير كُمُشبغا الحموي نائب طرابلس باستدعاء، فأكرم غاية الإكرام، وحمل إليه الأمراء تقادم كبيرة جداً.وفي هذا الواقعة، ألزم والي القاهرة عريف قيسارية جهاركس ألا يُسكن بها تاجراً حتى يضمن عليه، وصار يتهدد التجار بفعلة ابن القماح، فتحدث الناس في القاهرة بهذه الواقعة أعواما كثيرة.وقدم البريد بوقوع الوباء بصفد.
وجاءت الأخبار بغلاء الأسعار.بمكة، فلما قدمها الرجبية انحلت قليلا، حتى أبيعت الويبة الدقيق درهما، والويبة الشعير من ثلاثين إلى عشرين " درهماً " ،، مع غلاء كل ما يؤكل، وبلغت الغرارة بالمدينة النبوية أربعمائة درهم. فلما قدم الحاج في الموسم، ارتفعت الأسعار، وبلغت الويبة الدقيق إلى خمسين درهما وما فوقها، والويية الشعير إلى أربعين درهما، وعظمت المشقة في الرجعة إلى القاهرة من غلاء الأسعار.
ومات في هذه السنة من الأعيانالأمير إبراهيم بن حسن بن الناصر محمد بن قلاون، في عاشر جمادى الآخرة.
وتوفي مفتى دار العدل، ركن الدين أحمد بن محمد، المعروف بقاضي قرم الحنفي، في عاشر رجب.
وتوفي فقيه حلب، شهاب الدين أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود بن يوسف الأذرعي الشافعي، في خامس عشرين جمادى الآخرة، بحلب. ومولده سنة تسع وسبعمائة، وله مصنفات في الفقه.
وتوفي شيخ الشيوخ، نظام الدين إسحاق بن عاصم بن سعد الدين محمد بن الأصفهاني شيخ خانكاة سرياقوس في ليلة الأحد ثالث ربيع الآخر. ودفن. بمدرسته فوق الشرف، بجوار الضيافة رحمه الله تعالى.
وتوفي عماد الدين إسماعيل بن شرف الدين أبي البركات محمد بن أبي العز بن صالح الدمشقي الحنفي، بدمشق، وقد أناف على التَسعين. ومات أمير أحمد بن الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاون، في سادس صفر.
ومات الأمير أَقتمر عبد الغني، نائب طرابلس، ونائب الشام ونائب السلطان بديار مصر، وأمير كبير، في تاسع عشرين جمادى الآخرة.

ومات الأمير آنص - والد الأمير الكبير برقوق - في يوم السبت ثامن عشر شوال. ومات الأمير أيدمُر الشمسي، أحد أمراء الألوف، في ثالث عشر صفر. ومات الأمير آلان الشعباني، أمير سلاح، في ثامن عشر ربيع الآخر.
ومات الحاج سيف بن علي مقدم الدولة، تحت العقوبة، في ليلة الأحد ثالث عشرين صفر، ولم يخلف في معناه مثله.
ومات الأمير طَشتَمُر الشعباني اليلبغاوي، نائب حماة في رجب، بعين تاب. صحبة العسكر.
وتوفي الشيخ المسند جمال الدين عبد اللّه محمد بن علي بن حَديدة الأنصاري في خامس عشرين شعبان. ومولده سنة عشر وسبعمائة.
وتوفي جمال الدين عبد الله بن الرقيق الأسملمي، أحد أعيان الكتاب، في ثالث عشر صفر.
وتوفي قاضي قضاة حلب، كمال الدين عمر بن عثمان بن هبة الله المعري الشافعي،في شهر رجب بحلب.
ومات خواجا فخر الدين عثمان بن مسافر، جالب الأمير الكبير برقوق.
وإليه ينسب فيقال برقوق العثماني، في سادس عشر رجب بالقاهرة، وشهد الأمير الكبير جنازته.
وتوفي الفقير المعتقد، أبو لحاف علي الشامي بالقاهرة، في خامس صفر.
وتوفي نور الدين علي بن قَشتَمُر المنصوري الشافعي في ثامن عشرين ربيع الأول.
ومات أمير على بن قَشتَمُر الحاجب، أحد أمراء الألوف، الشهير بالوزير، في تاسع عشرين ربيع الآخر. كان يشارك في عدة علوم مشاركة جيدة، وسيرة جميلة.
ومات غلام اللّه مُهتار الطشت خاناه ؛ في ثالث عشرين ربيع الآخره وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن الكومي الشافعي، الأعمى، في تاسع عشرين ربيع الأول.
ومات شمس الدين محمد بن محمد بن محمد، المعروف بابن السيوري العمَّاري ، نسبة إلى عمار بن ياسر - رضى اللّه عنه - الموصلي، إمام أهل الموسيقا في زمنه، يوم العشرين من صفر.
وتوفْيت المسندة جويرة بنت الشهاب أبي الحسن أحمد بن أحمد الهكاري، في يوم السبت ثاني عشرين صفر. وقد انفردت برواية النسائي وغيره.
واللّه تعالى أعلم بالصواب.
سنه أربع وثمانين وسبعمائةأهل المحرم بيوم الثلاثاء: فيه خُلع على الأمير مُبارك شاه السيفي، واستقر والي الفيوم، وكاشف الفيوم، وكاشف البهنساوية والأطفيحية عوضاً عن أسنبغا المنجكي.
وفي ثالثه: خلع على الأمير سودُن الشيخوني، واستقر حاجب الحجاب على إقطاع تغري بَرمش. وخلع على الأمير كُمُشبغا الحموي اليلبغاوي - نائب طرابلس - خلعة الاستمرار على عادته. وخُلع على فرج بن أَيدَمُر السيفي، واستقر في ولاية الغربية، عوضاً عن أحمد بن سُنقُر. وخلع على أَلطُنبُغا الصلاحي واستقر في ولاية الأشمونين، عوضاً عن مبارك شاة السيفي.
وأنعم بإقطاع الأمير سودن الشيخوني، على الأمير أيدكار واستقر حاجبًا ثالثاً.
وفي عاشره: قدم الأمير أَقبُعا المارديني، نائب الوجهالقبلي، باستدعاء.
وفي حادي عشره: توجه الأمير بكلمش العلاي، لإحضار الأمير بيدمر الخوارزمي من سجنه في ثغر دمياط. وقدم الأمير جَتتمُر أخو طاز من دمشق، بسؤاله.
وفي هذا الشهر: تزايد سعر الغلال، وفقد الخبز من الأسواق، وأبيع كل رطلين بدرهم، وأبيع القمح. بمائة وخمسة دراهم الأردب، والبطة الدقيق بثلاثين درهما، فلما دخل الشعير الجديد، أبيع الأردب منه بخمسين درهما.
وفيه رسم الأمير الكبير بإطلاق من في سجني الديلم والرحبة من المديونين، فأفرج عنهم جيعهم، وأغلق باب السجنين، ومنع القضاة من سجن أحد على دين، لما بالناس من الغلاء ووقوف الحال، فاشتدت وطأة الحجاب على الناس بالضرب على الديون، وترسيم نقبائهم على من في ذمته دين.
وفي ثامن عشرة: قدم ركب الحاج.
وفي عشرينه: قدم الأمير بيدمر من دمياط في النيل، فركب الأمير الكبير إلى لقائه، وحضر من الغد يوم الإثنين حادي عشرينه الخدمة السلطانية، وقبل الأرض على العادة،فخلع عليه، واستقر في نيابة الشام على عادته عوضاً عن الأمير أشَقتمُر، وهذه ولايته السادسة. وكتب بتوجه الأمير أَشَقتمر إلى القدس بطالا.
وفيه خلع على الأمير أقبغا المارديني نائب الوجه القبلي، خلعة الاستمرار.
وفي آخره: انحط السعر إلى أربعين درهما الأردب القمح، والشعير والفول إلى اثنين وعشرين درهما الأردب، والبطة الدقيق إلى أحد عشر درهما.

وفي يوم الأربعاء: أول صفر خُلع على ابن عرب، وأعيد إلى حسبة مصر عوضاً عن خليل بن عبد المعطي، على مال يقوم به. وأضيف إليه وكالة بيت المال، عوضاً عن نجم الدين الطنبَدي.
وفي ثانيه: خلع على الأمير بَيدَمُر نائب الشام، خلعة السفر، وسافر.
وفي سادسه: خلع على محمد بن أَشَقتمُر بولاية قطيا، عوضاً عن علاء الدين على ابن الطشلاقي. وخلع علي أبي بكر بن المزوَّق بولاية قرص، عوضاً عن أبو درقة قُطلوبُغا الأسن قُجاوي.
وفيه أعيد نجم الدين أحمد بن قاضي القضاة عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن شرف الدين أبي البركات محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز إلى قضاء الحنفية بدمشق، عوضا عن الهمام أمير غالب بن القوام أمير كاتب الأتقاني.
وفي تاسعه: قدم المجذوب المعتقد على الروبي من الفيوم، واجتمع بالأمير الكبير، فهرع الناس إلى زيارته، وبالغوا في اعتقاده، ونقلوا عنه خوارق، الله أعلم بحقيقتها.
وفي سادس عشره: ركب الأمير بَهَدُر المنجكي أستادار الأمير الكبير على البريد. ليحضر من دمشق المال الذي وعد به الأمير بَيدَمُر.
وفي ثامن عشره: أعيد النجم الطنبدي إلى وكالة بيت المال. لعجز ابن عرب عن القيام بالمال الذي وعد به.
وفي رابع عشرينه: طلب الأمير الكبير برقوق من قاضي القضاة أن يسلمه مال تاجر قد مات عن ورثة غائبين، وترك ما خلفه.بمودع الحكم، فأبى أن يدفعه إليه، وقال: " ثبت عندي أن له ورثة، ولا سبيل أن أدفع المال إلا لورثته " ، فغضب الأمير الكبير برقوق، واستدعى الشيخ برهان الدين إبراهيم الأبناسي ليوليه القضاء، فغيَّب و لم يظفر به، فامتنع ابن جماعة من الحكم، وأخذ الناس في السعي.
وفي ثامن عشرينه :خلع على سراج الدين عمر العجمي ،وأعيد إلى حبسة مصر ،عوضا عن ابن عرب ؛ لعجزه عن القيام. بما وعد به. ورسم الغرماء على ابن عرب ليقوم لهم بما استدانه منهم وبرطل به، ورفعوه إلى الأمير أيدَكار الحاجب، فأخرق به، وبالغ في إهانته ؛ نسأل الله العافية.وفتحت طبقة الرفرف وبيت الأمير طاز علو خزانة الخاص بالقلعة من الإصطبل، حيث سكنى الأمير الكبير برقوق، ورَكب لهما سلما ليتوصل إليها، وأسكن بها مماليكه الذين اشتراهم.
وفي يوم الخميس سلخه: خلع على قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، وأضيف إلى وظيفة القضاء، عوضا عن البرهان إبراهيم بن جماعة، وسافر ابن جماعة إلى القدس.
وقدم البريد.بمسير نائب حلب إلى محاربة التركمان، فلما دخل دربند أصلان، توفي حادي عشر صفر، وقد فر منه سولى بن دلغادر، فلم يظفر به، فثنى عنانه إلى ابن أوزر، فداس بيوته، ووضع فيمن لقيه السيف، فامتنع منه بالجبل، فعاد النائب من تل حمدون يريد مدينة مرعش، وعاد إلى حلب.
وفي يوم الأحد عاشر شهر ربيع الأول: قرئ تقليد ابن أبي البقاء وفوض أمانة الحكم لشهاب الدين أحمد الزركشي، وفوض نظر أوقاف مصر لشمس الدين محمد بن الوحيد وفوض نظر أوقاف القاهرة لجمال الدين محمود العجمي المحتسب. واستناب في الحكم تقي الدين عبد الرحمن الزبيري أحد موقعي الحكم. وأقر الصدر بن محمد المناوي وعمر بن رزين على خلافة الحكم.
وفي هذه الأيام: شرع الأمير المشير جركش الخليلي في عمل جسر بين الروضة وجزيرة أروى، في طول ثلاثمائة قصبة، وعرض عشر قصبات، وعمل فيه بنفسه ومماليكه، وحفر في وسط مجرى النيل خليجا من هذا الجسر إلى زريبة قوصون. ليعود الماء إلى البر الشرقي، ويستمر طول السنة، فأنفق على ذلك من ماله جملة من غير أن يكلف أحد فيه شيئا، حتى تم الجسر، فلم يفد شيئا، وقال فيه أدباء العصر شعراً كثيراً. وكان القاع ستة أذرع ونصف ذراع.
وفيه هرب الوزير كريم الدين عبد الكريم بن مكانس من ميضأة جامع الصالح خارج باب زويلة، وكان مسجونا به، هو وإخوته، فغضب الأمير الكبير على الأمير بهادر الأعسر - شاد الدواوين - وضرب إخوته، بالمقارع، وقبض على حواشيهم وحريمهم، ونودي عليه فلم يوجد.
وفي عاشر ربيع الأخر : خلع على ابن عبد المعطي بنظر المواريث.

وفي سابع عشره: خرجت تجريدة إلى البحيرة، فيها خمسة أمراء ألوف، وهم بهادر الجمالي، وقُطلوبُغا الكوكاي، وأحمد بن يلبغا الخاصكي، وقُردُم الحسني، وآلابغا العثماني وأربعة أمراء طبلخاناة، وعشرة أمراء عشرات. فلم يجدوا من أهل البحيرة أحداً، فساقوا من مواشيهم ثلاثة آلاف رأس من الضأن، وستة آلاف رأس من المعز.
وفي آخره: انتهى عمل الجسر الخليلي.وفيه قدم البريد بأن حسين بن أويس - متملك بغداد - قتله أخوه أحمد بن أويس، واستقر في المملكة بعده، وذلك بإشارة خواجا شيخ الكحجاني.
وفي خامس عشر جمادى الأول: استقر الأمير قُطلوبُغا أبو درقة في ولاية دمياط، عوضاً عن محمد بن قرابغا.
وفي عشرينه: استقر فتح الدين صدقة أبو دقن في نظر المواريث، عوضاً عن ابن عبد المعطي.
وفي يوم الأحد أول جمادى الآخرة: - الموافق له من أشهر القبط تاسع عشر مسرى - كان وفاء النيل ستة عشر ذراعا، بعدما توقف عدة أيام، وأرجف خُزَّان الغلال يكون الغلاء، فخاب أملهم.
وفي سابع عشره: خُلع على جمال الدين محمود المحتسب خلعة الاستمرار وقد أرجف بعزله، ونقل قراجا من ولاية قليوب إلى ولاية الجيزة، ونقل حسين من ولاية الجيزة إلى ولاية قليوب.
وقدمت رسل ألفنس - متملك أشبيلية - بسبب الإفراج عن تكفور حاكم سيس، فأجيبوا إلى ذلك.
وفي هذه السنة: ركب السطان إلى الميدان سبتين، و لم يركب السبت الثالث لغرق الميدان. بماء النيل.
وفي عشرينه: استقر مُقبل الطيبي في ولاية قوص، عوضا عن ابن المُزَوق وأعيد علاء الدين الطشلاقي إلى ولاية قطيا.
وفي ثالث عشرينه: قدم الأمير أقبُغا المارديني - نائب الوجه القبلي - فقبض عليه، وسجن في الحديد بخزانة شمايل لقبح سيرته، وعتوه على الخلق، وإسرافه في إراقة الدماء، وأخذ الأموال، وأحيط بأمواله التي اغتصبها من أهل البلاد.
وفيه ضرب الأمير الكبير علي خان بن قرمان - كاشف الوجه البحري - ضرباً مبرحاً وأسلمه إلى حاجب الحجاب. وقدم نصارى مدينة سيس في طلب من يقوم بأمرهم، وقد مات حاكمهم، فاختير لهم بعض الأسرى المقيمين بالكوم فيما بين جامع ابن طولون ومدينة مصر. وخلع عليه وعلى القادمين من سيس، وكتب تقليده، فأصبح خماراً يبيع الخمر، وأمسى ملك الأرمن ينفذ حكمه في خلق كثير.
وفي سلخه: استقر الأمير أرسبغا المنجكي ملك الأمراء بالوجه القبلي عوضاً عن أقبغا المارديني.
وفي ثالث شعبان: استقر بهادر طُبج - كاشف الوجه البحري - عوضاً عن ابن قرمان.
وانتهت زيادة ماء النيل إلى ثلاث أصابع من عشرين ذراعاً، فعد ذلك طوفانا.وفيه عمل الأمير جركس الخليلي طاحوناً في مركب عند بسطة المقياس، يديرها الماء برسم طحن القمح دقيقاً فأتى الناس من كل جهة لرؤيتها، وقال فيها أدباء الزمان شعراً كثيراً.
وفيه نقل الأمير مأمور من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس، ونقل كُمُشبُغا الحموي من نيابة طرابلس إلى نيابة دمشق، وأنعم عليه بإمرة جَنتمُر أخي طاز، وقبض على جَنتمُر وسجن بقلعة دمشق، ثم نقل إلى قلعة المرقب ، واستقر الأمير يلو الحاجب بدمشق، في نيابة حماة. ونقل الأمير طُرنطاي الكاملي من نيابة سيس إلى حجوبية دمشق، واستقر تمراز العلاي في ولاية البهنسي، عوضاً عن طاجار.
وفيه نقل عن مماليك الأسياد الذين في خدمة الأمير الكبير برقوق، أنهم قد اتفقوا مع طائفة من مماليكه على أن يفتَكوا به وكبيرهم في ذلك أيتمش الخاصكي. فعندما بلغه ذلك، بادر بالقبض على المذكور، وعلى بطا الخاصطي واستدعى من في خدمته من مماليك الأسياد أولاد الأشرف، وقبض على سبعة عشر من أعيانهم، وسجنهم في البرج من القلعة. وأصبح فقبض منهم على تكملة خمسة وستين، وسجنهم بخزانة شمايل، مقيدين، فهرب من بقي من مماليك الأسياد، فنودي في القاهرة عليهم، وهدد من أخفاهم. وقبض على الأمير ألابغا العثماني الدوادار في تَاسع عشرينه، وأخرج على إمرة بالشام. وأخرج أيضاً أيضاً بأميرين من العشرات منفيين. واستقر الأمير بيرم في ولاية أشموم الرمان.

وفي يوم السبت أول شهر رمضان: نفي الأمير الكبير برقوق إلى قوص ممن قبض عليه ثلاثة وأربعين مملوكا، ونفي بقيتهم إلى الشام، وتتبع من اختفي منهم، فأغرق جماعة منهم في النيل، ونفي كثيراً منهم حتى ذهبوا بأجمعهم. وخلا الجو للأمير الكبير، ورأى أنه قد أمن، فإنه لما أخذ الإمرة في أيام الأمير أَينَبَك كان معه في ضيق ؛ لأن نفسه تريد منه ما لا يؤهل له.
فلما زالت دولة أينبكَ، وتحكم الأمير طَشتَمُر العلاي، لم يكن له معه كبير أمر، فما زال بَطشَتمر حتى أزله، وصار هو والأمير بركة يتنازعان الأمور، ولا يقدر على عمل شيء إلا. بمراجعة بركة، حتى كان من أمره ما قد ذكر، فصارت مماليك الأسياد يريدون التوثب عليه وهو يداريهم جهده، حتى وثب بهم وأخذهم، فم يبق له معاند،وصار له من المماليك الجراكسة عدد كبير جلبوا إليه من البلاد، فرقاهم إلى ما لم يخطر لهم ببال، وأنعم على جماعة منهم بإمريات.وفيه نقل الأمير طشتمر العلاي من نيابة صفد إلى القدس بطلبه لذلك، فأقام به بطالا.
وفيه أمر الأمير الكبير بالإفراج عن المسجونين بسجن الديلم وسجن الرحبة، على الديون، فأفرج عنهم.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره: جمع الأمير الكبير برقوق الأمراء والقضاة ومشايخ العلم، وأهل الدولة، والخليفة، إلى عنده بالحراقة من الإصطل، وعرفهم أن الأمور مضطربة لصغر سن السلطان، وقلة حرمته، وأن الوقت محتاج إلى ملك عاقل يستبد بأحوال الدولة، ويقوم بأمور الناس، وينهض بأعباء الحروب والتدبير ونحو ذلك. فاتفقوا جميعهم معه على خلع الملك الصالح حاجي، وبعثوا في الحال بالأمير قُطلوبُغا الكوكاي - أمير سلاح - والأمير ألطُنبُغُا المعلم - رأس نوبة - فقبضا على الملك الصالح من القصر، وأدخلاه إلى دور الحرم، وأخذا منه نمجاة الملك، وعادا بها، فانقضت دولة الأتراك من مصر، وزالت دولة بني قلاون، وصح ما أنذر به أرباب الحدثان، فقد قيل:
تمت ولايتهم بالحاء لا أحد ... من البنين يداني الملك في الزمن
وكذا كان، فإن آخر أولاد الناصر محمد بن قلاوون السلطان حسن بن محمد وآخر من ولي من أولاد الأولاد حاجي، وعلى رأسه زالت دولتهم، وبه ختمت ملوكهم، فسبحان محيل الأحوال، لا إله إلا هو.
السلطان سيف الدين أبو سعيدالسلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد برقوق بن آنص الجركسي العثماني اليلبغاوي القائم بدولة الجراكسة أخذ من بلاد الجركس، فأبيع ببلاد الفرم، ثم جلبه الخواجا فخر الدين عثمان بن مسافر إلى مصر، فاشتراه الأمير يلبُغا العُمَري الخاصكي وأعتقه، وجعله من جملة مماليكه الأجلاب، وكان اسمه ألطنبغا فسماه الأمير يلبغا - برقوق - لنتوء في عينه، ومولده في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة - تخمينا - فإنه ذكر في سنة ثمان وتسعين أن سنه سبع وخمسون سنة. فلما قتل الأمير يلبغا - وكانت واقعة الأجلاب - أخرج برقوق فيمن أخرج منهم، وسجن بالكرك مدة، ثم أفرج عنه وصار إلى دمشق، فخدم عند نائبها الأمير مَنجكَ حتى طلب الملك الأشرف شعبان اليلبغاوية، قدم مع من قدم منهم، وصار في خدمة الأسياد، من جملة مماليكهم، إلى أن ثاروا بعد سفر الأشرف إلى الحجاز، كان ممن ثار معهم، وانتقل من الجندية إلى إمرة طبلخاناه، ثم إلى إمرة مائة، وملك الإصطبل، وعمل أمير آخور، ثم أميراً كبيراً. ومازال يدبر الأمور، والأقدار تساعده، حتى ذهب من يعانده، وتثبت دولته، ووافقه الجميع، على أن يكون سلطان البلاد..

فلما خُلع الصالح، وصلى الجماعة الظهر من يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبع مائة - الموافق له آخر هتور، وسادس عشرين تشرين الثاني - خطب الخليفة المتوكل على اللّه أبو عبد اللّه محمد الخطبة على العادة، وبايع الأمير الكبير الأتابك على السلطنة، وقلده أمر العباد والبلاد، فأفيض في الحال على السلطان تشريف الخلافة، وأفيض على الخليفة التشريف على العادة. وأشار شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني أن يقلب السلطان بالملك الظاهر، وقال: " هذا وقت الظهر، والظهر مأخوذ من الظهيرة والظهور، وقد ظهر هذا الأمر بعد أن كان خافيا " ، فتلقب بالملك الظاهر، وركب من الحراقة بالإصطبل وطلع من باب السر إلى القصر. وعندما ركب أمطرت السماء فتفاءل الناس بذلك. ولما دخل إلى القصر، جلس على التخت، فكان طالع جلوسه برج الحوت. ونودي بالقاهرة ومصر " الدعاء للسلطان الملك الظاهر، " كتب إلى أعمال المملكة بذلك، وأن يحلف النواب والأمراء للسلطان على العادة، فسارت البرد بذلك، ودقت البشائر بقلعة الجبل عند تمام البيعة، وزينت القاهرة ومصر وعامة مدائن مصر والشام.
وفي يوم الإثنين رابع عشرينه: قرئ عهد الخليفة للسلطان على الأمراء، بحضرة الخليفة والقضاة وأعيان الدولة.
وفيه خلع على الأمير أيتَمش البجاسي - رأس نوبة - وعلى الأمير آلطنبغا الجوباني - أمير مجلس - وعلى الأمير جركس الخليلي - أمير أخور - ، وخلع على الأمير سودُن الشيخوني الحاجب، واستقر نائب السلطان. وخلع على الأمير قُطْلُوبغا الكوكاي، واستقر حاجب الحجاب، عوضاً عن الأمير سودن النائب. وخلع على الأمير ألطنبغا المعلم، واستقر أمير سلاح عوضًا عن الكوكاي الحاجب. وخلع على الأمير قردم الحسني ، واستقر رأس نوبة ثانيا. وخلع على الأمير يونس النوروزي الدوادار، واستقر دوادار السلطان، عوضا عن ألابغا. وخلع على قضاة القضاة الأربع، وقضاة العسكر، ومفتين دار العدل، ومحتسبي القاهرة ومصر، وكاتب السر، والوزير، وناظر الخاص، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال، وسائر أرباب الدولة، فكان يوما مشهودًا كثرت فيه التهاني والأفراح.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: جمع السلطان الأمراء بأجمعهم، وحلفهم - صغيرهم وكبيرهم - على طاعته.
وفيه خلع على أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين، واستقر في نظر خزانة الخاص ووكالة الخاص.وخلع على الأمير بهادر المنجكي الأستادار، واستقر أستادار السلطان، بإمرة طبلخاناة، وأضيف إليه أستادارية الأمير ناصر الدين محمد ابن السلطان.
وفي يوم الإثنين تاسع شوال: خلع على أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين الحنفي، واستقر في كتابة السر، عوضاً عن بدر الدين محمد بن على بن يحيى بن فضل الله العمري.
وفي حادي عشرينه: عرض السلطان المماليك الأشرفية، وعزل منهم خمسة، جعل لهم رواتب ليكونوا طرخان، وأرسل بقيتهم إلى الأمير سودن النائب،فعمل أصحاب الأخبار الثفال مقدمين في الحلقة، وباقيهم من جملة أجناد الحلقة. وطلب السلطان من المقسي أسماء من قبض بعد الأشرف العشرة آلاف، فوجد منهم قد بقي خمسمائة مملوك، فيهم أربعمائة مملوك بأيديهم إقطاعات في الحلقة، ومائة مملوك لهم جوامك، فأمر في يوم الإثنين سلخه، الأربعمائة أصحاب الأخباز في الحلقة بلزوم دورهم، وأكلهم إقطاعاتهم وقطع جوامك المائة أرباب الجوامك، وقرر عوضهم من مماليكه الذين اشتراهم ورباهم، وقال: " هؤلاء خونة قد خانوا أستاذهم الملك الأشرف، وأعانوا على قتله بشيء يسير أخذوه من المال، بعد ما عاشوا في نعمته دهرا طويلا، فلا خير فيهم " فتلقوا قله وذله ولقد رأيت بعض من كان من أمراء الألوف في أيام الأشرف، وقد صار فقيراً، يسأل الناس، وعليه ثياب صوف شبه عباءة.
وفي هذا الشهر: قدم شيخنا أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون من بلاد المغرب واتصل بالأمير ألطنبغا الجوباني، وتصدر للاشتغال بالجامع الأزهر، فأقبل الناس إليه، وراقهم كلامه، وأعجبوا به.وفي يوم الإثنين سابع ذي القعدة: غضب السلطان على الوزير علم الدين عبد الوهاب الطْنساوي - ويقال له سن إبرة - وضربه، واستدعى بالأسعد أبى الفرج النصراني - كاتب الحوائج خاناه - وأكرهه حتى أظهر الإسلام، فخلع عليه وأركبه فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، واستقر به ناظر ديوان ولده محمد، رفيقا للأمير بهادر الأستادار.

وفي عاشره: خلع على الوزير سن إبرة خلعة الاستمرار وخلع على الأمير منكلى الطرخاني واستقر حاجبا رابعا وخلع على الأمير جلبان العلاي، واستقر حاجبا خامسا ولم يعهد قبل ذلك خمسة حجاب في الدولة التركية.
وفيه استقر خير الدين العجمي - من صوفية خانكاه شيخو - في قضاء الحنفية بالقدس ولم يعرف قبله بالقدس قاض حنفي، واستقر موفق الدين العجمي - من صوفية خانكاه شيخو - في قضاء الحنفية بغزة. ولم يعرف أيضاً قبل ذلك بغزة قاض حنفي.
وفيه كان بحث بين شيخ الإسلام البلقيني وبين بدر الدين بن الصاحب في مسألة علمية، آل الأمر إلى أن كفر البلقيني ابن الصاحب، فطلبه إلى قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي، وأقام رجلا يدعى عليه بأمور رتبت عليه، فجرت أحوال عقد من أجلها مجلس حضره القضاة والفقهاء وذكر ما يدعى به عليه، فلم يثبت منه شيء بوجه شرعي، فحكم بعض القضاة بعدم كفر ابن الصاحب وبقائه على دين الإسلام.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه: ركب السلطان من قلعة الجبل، ومر على قناطر السباع، حتى عدى النيل من بولاق إلى الجيزة، وتصيد، ثم عاد من أخر النهار، وقد ركب الأمير أيتمش عن يمينه، والشيخ أكمل الدين - شيخ خانكاه شيخو - عن يساره.
وفيه استقر بدر الدين محمد بن أحمد بن مُزْهر في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن فتح الدين محمد بن الشهيد.
وفي هذا الشهر: ورد البريد بأن الأمير يلبغا الناصري - نائب حلب - سار بعسكر حلب إلى إلبيرة، يريد تعدية الفرات، فجاءه الخبر بعصيان الأمير علاء الدين ألطنبغا السلطاني - نائب الأبلستين - وأنه لم يحلف للسلطان واستولى على قلعة درندة - المضافة إليه - وطلع إليها، وأمسك بعض أمرائها، وأطلع إليها ذخيرة وميرة، فركب العسكر الذي بالمدينة عليه، وأمسكوا رجاله، فطلب الأمان منهم، وفر من القلعة إلى الأبلستين. فكتب إليه الأمير يلبغا الناصري، يهدده ويخيفه، فلم يرجعه إليه، ومر هاربا على وجهه إلى بلاد التتر، فعاد الأمير يلبغا المذكور إلى حلب.
وفي يوم الثلاثاء سادس ذي الحجة: قبض على الأمير قُرط - نائب الوجه البحري - لقبح سيرته، وسوء أفعال حاشيته، وضرب بين يدي الأمير أيتمش ضربا مبرحا، ثم جلس وصودر - هو وجماعته - وفر ابنه حسين، فنودي عليه، وهدد من أخفاه وخلع على الأمير قرابلاط الأحمدي، واستقر عوض قرط.
وفيه رسم باستقراء ولى الدين عبد الرحمن بن رشد في قضاء المالكية بحلب، عوضا عن علم الدين القفصي.
وفي يوم السبت سابع عشره: ركب السلطان من القلعة إلى جهة المطرية ومضى اٍلى قناطر أبي المنجا، وعاد فدخل إلى القاهرة من باب الشعرية، حتى خرج من باب زويلة وصعد القلعة، فكان يوما مشهودا، زينت فيه الأسواق وأشعلت الشموع والقناديل، فرحا برؤيته: وفي ثاني عشرينه: خلع على محمود بن علي بن أصفر عينه - أستادار الأمير سودن باق - واستقر شاد الدواوين، عوضا عن بهادر الأعسر. وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة. وفيه ورد البريد بأن الأمير أقبغا عبد اللّه - نائب غزة - فر منها إلى جهة الأمير نعير.
وفيه خلع على الأمير قرقماس الطشتَمري اليلبغاوي، واستقر خازندارا كبيرا.
وفي رابع عشرينه: ركب السلطان من القلعة، وشق مدينة مصر، وقد زينت له، حتى عدى النيل إلى بر الجيزة. ثم عاد على بولاق، إلى القلعة.
وفي سابع عشرينه: قدم الأمير ألطنبغا الجوباني من الحجاز، وكان قد حج مع الركب.
مات في هذه السنة من الأعيانقاضى القضاة الحنفية بدمشق، همام الدين - أمير غالب - ابن قوام الدين - أمير كاتب - الأتقاني، بعد عزله. وكان قد بلغ غاية في الجهل.
ومات قاضي القضاة بحر الدين عبد الوهاب بن الكمال أحمد بن قاضى القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخناي المالكي، في يوم الخميس سادس عشر رجب، وهو معزول.
ومات الصاحب الوزير كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، في سابع عشر شهر رمضان وقد اتضع حاله وافتقر.
ومات علاء الدين علي بن عمر بن محمد بن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن دقيق العيد - موقع الحكم - في خامس عشرين صفر.
ومات جمال الدين محمد بن علي بن يوسف، المعروف بالخطب الأسنوي أحد خلفاء الحكم الشافعية، في يوم الأحد عاشر ربيع الأول.

وتوفي الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد الخالق، الأسيوطي الشافعي، في يوم الأربعاء حادي ذي الحجة وقد تصدر للأشغال عدة سنين.
ومات الأمير فخر الدين إياس الصرغتمشي الحاجب، أحد الطبلخاناه، في ثالث ربيع الآخر.
ومات الأمير زين الدين زبالة الفارقاني، نائب قلعة دمشق، في شعبان بدمشق وقد أناف على السبعين.
سنة خمس وثمانين وسبعمائةفي يوم السبت الأول المحرم: قدم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، فخرج الأمير سودان النائب إلى لقائه، وصعد به إلى بين يدي السلطان، فقبل له الأرض، وجلس تحت الأمير سودن النائب. ثم نزل إلى بيت أعد له فكان في هذا عبرة، فإنه بلأمس قد كان الناصري من جملة الأمراء الأشرفية، وبرقوق إذ ذاك من جملة مماليك الأسياد، إذا ضمه مجلس مع الناصري قام على رجليه بين يديه، فأصبح ملكا يقبل الناصري له الأرض، أمره ونهيه فسبحان مقلب الأمور.
وقي سادسه: خلع على الأمير يلبغا الناصري خلعة الاستمرار على نيابة حلب، ونزل من القلعة، وعن يمينه الأمير أيتمش، وعن يساره الأمير ألطنبغا الجوباني، ومن وراءه سبعة جنائب من الخيول السلطانية، بسروج ذهب، وكنابيش زركش أخرجت له من الإصطبل. وكان قد حمل إليه السلطان والأمراء من أنواع التقادم ما يجل وصفه.
وفي يوم السبت ثامنه: ركب السلطان ومعه الأمير يلبغا الناصري حتى عدى النيل من بولاق إلى الجيزة وتصيد ثم عاد من آخره.
وفي عاشره: خلع على الناصري خلعة السفر، وتوجه من وقته إلى حلب.
و في يوم الإثنين سابع عشره:خلع على شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان ،واستقر في الوزارة بغد سدة تمنعه ،وكثرة إبائه ،وتشترط عدة شروط ،منها أنه لا يلبس تشريف الوزارة ، فأجيب إلى كل ما سأله، ولبس خلعة من صوف كخلع القضاة، وأشار له السلطان بأن تكون يده فوق كل أيدي أهل الدولة، وأنه يستبد بالأمور من غير مشاورة ، فنزل إلى داره، و لم يمكن أحدًا من الركوب معه كما جرت به العادة، ومضى الناس حتى نزل منزله، وضبط الأمور أشد ضبط. و لم يتناول من معلوم الوزراة، إلا الشيء اليسير ،الذي كان لا يرضاه أقل عبيد الوزراء، وأنفق في أرباب الرواتب جاريهم من غير نقص بالغلال ،وبيت المال بالأموال وأدار الطواحين السلطانية بجوار الأهراء بمدينة مصر ،وعمل الحواصل بسائر الأصناف .ولم يمكن أحداً أن يركب معه، وصار يخرج من بيته، ويغلق بابه بيده، ويضع مفاتيحه في كمه، ثم يركب فرسه، ويركب غلامه بغلة، ويردف خلفه الدوادار، وهو حامل الدواة تحت إبطه، ويمضى إلى القلعة، من غير أن يكون معه أحد من الكتاب، ولا الأعوان، فلا يعرفه إلا من له به معرفة. ومنع جميع أرباب الدولة أن يأتوا إلى بيته، وإنما يأتوه بقاعة الصاحب من القلعة. ورفع يد الأمير جركس الخليلي من التحدث في الدولة، وانفرد بالكلمة في الوزارة مع هذا الاقتصاد، ونفذت كلمته، وعظمت مهابته، حتى عند أكابر الأمراء، ولم يجد فيه عدوه سبيلا إلى الطعن عليه بوجه.
وفيه أنعم على الأمير بَهَادر المنجكي الأستادار بتقدمة الأمير قطلوبغا الكوكاي بعد موته.
وخلع على علم الدين الحزين، واستقر في استيفاء الدولة، عوضا عن أمين الدين عبد اللّه جعيص بعد موته.
وفي يوم الخميس ثاني صفر: قدمت رسل السلطان أحمد بن أويس - متملك بغداد - بهدية فيها فهد وصقر وأربع بقج قماش، وتضمن كتابه أنه ملك بغداد بعد أخيه.
وفي سابع عشرة: أفرج عن الأمير قرط.
وفي سلخه: قدم البريد بأن الأمير طُغاي تَمُر القبلاوي - نائب الكرك - تنازع مع الأمير خاطر بسبب أنه كبس عربانا كانوا نزلائه، وقبض عليهم، وآل الأمر إلى اقتتالهما، فانكسر نائب الكرك من خاطر، وتخلص العربان من يده.
وفي أول شهر ربيع الأول: قدم الخبر بأن طائفة من الفرنج شحنوا مراكبهم، وساروا من مدينة الإسكندرية هاربين، فتبعهم المسلمون من الغد، وقاتلوهم، فقتل عدة من المسلمين، وعاد من بقي بغير طائل، فقبض الأمير بلوط النائب على من تأخر بالثغر من الفرنج، وأخذ أموالهم، فتنكر السلطان على النائب، وكتب بقدومه.
وفي سابعه: ضرب قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي عنقي رجلين، ارتدا عن الإسلام، و لم يوافقا على العودة إليه.
وفي عاشره: قدم الأمير بلوط نائب الإسكندرية

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21