كتاب : السلوك لمعرفة دول الملوك
المؤلف : المقريزي

وفي سابع ذي القعدة: ركب السلطان للصيد في بركة الحاج، وشق القاهرة في عوده إلى القلعة من باب النصر، وخرج من باب زويلة، ونزل عند الأمير بطا الدودار، وأقام عنده داره ساعة.
ثم صعد إلى القلعة من يومه، فكان من الأيام المشهودة. ثم ركب في عاشره إلى مطعم الطيور خارج الريدانية تحت الجبل الأحمر فقدم عليه من مماليكه الذين كانوا بحلب نحو الأربعين مملوكا.
وفي سابع عاشره: قدم البريد من حلب بأن منطاش سار إلى عين تاب، وقاتل نائبها ناصر الدين محمد بن شُهري وأخذ المدينة فامتنع ابن شهري بقلعتها وكبسه ليلاً، وقتل ستة من أمرائه ونحو المائتي فارس.
وفي ثاني عشرينه: قدم الأمير محمد شاه بن بيدمر، فلم يؤاخذه السلطان وأنزله عند الأمير محمود.
وحضر أيضا الأمير أسندمر اليوسفي رأس نوبة منطاش في عمة من الأمراء المنطاشية، فلم يؤاخذهم أيضا، وخلع على أسندمر.
وفي يوم الخميس أول ذي الحجة: رسم الأمير قرا دمرداش نائب طرابلس بنيابة حلب، وجهز ٍ إليه التشريف والتقليد على البريد مع الأمير تنم الحسني.
وفي خامسه: استقر إينال من خجا على، في نيابة طرابلس، واستقر الأمير أَقْبُغا الجمالي، أتابك حلب، والأمير ناصر الدين محمد بن سلار، حاجب الحجاب بحلب. وكتب السولي بنيابة الأبلستين، وجهزت الخلعة إليه.
وفي يوم عيد النحر: خرج الأمير تنبك المحمدي لإحضار الأمير كمشبغا الحموي من حلب.
وفي تاسع عشره: برز أينال - نائب طرابلس - إلى الريدانية، وسار إلى طرابلس في ثالث عشرينه.
وفيه سار الأمير تمربغا المنجكي بمال كبير ينفق في عساكر الشام وتجهيزهم إلى عين تاب، لقتال منطاش.
وفيه نودي في القاهرة ومصر: لا يركب أحد من المتعممين فرسا سوى الوزير، وكاتب السر وناظر الخاص فقط ومن عداهم فإنه يركب البغال، وأن طحانا لا يترك عنده فرسا صحيحا، ولا يركب فقيه ولا جندار ولا عامي فرساً، ولا تحمل المكارية أكديشا.
وفي سابع عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بسلامة الحاج ورخاء الأسعار معهم، وأنه لم يحضر حاج اليمن.
وفيه استقر الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام الصقري وزيرًا، عوض الموفق أبى الفرج، ورسم له بإعادة بلاد الدولة على قاعدة الوزير شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان، و ألا يكون معه مشير يشاركه في التحدث والتصرف، بل ينفرد بالولاية والعزل وتنفيذ الأمور، وأن يستخدم جميع الوزراء المنفصلين في المباشرات تحت يده، فخرج بتشريف الوزارة إلى قاعة الصاحب بالقلعة، واستدعى بالوزراء المصروفين، فقرر شمس الدين المقسي في نظر الدولة، وعلم الدين سن إبرة شريكا له، وسعد الدين بن البقري في نظر البيوت واستيفاء الدولة، وموفق الدين أبا الفرج في استيفاء الصحبة. وقرر الفخري بن مكانس في استيفاء الدولة، شريكا لابن البقري، وركبوا في خدمته، وصار ذلك دأبهم دائما، و لم يسمع بمثل ذلك. ومن العجيب أن ابن الحسام هذا كان أولاً دوادار البقري، أيام كان في نظر الخاص لا يبرح ليلا ونهارا قائما بين يديه، يصرف أمره ونهيه، كآحاد خدمه، فصار ابن البقري يقف بين يدي ابن الحسام في وزارته هذه ويتصرف بأمره ونهيه، وربما أهانه، فسبحان محيل الأحوال.
وفي هذا اليوم: أعيد ناصر الدين محمد بن أقبغا آص إلى شدّ الدواوين، عوضا عن ناصر الدين محمد بن رجب. واستقر ابن رجب شاد دواليب الخاص، عوضا عن خاله الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام.
وأصاب الحاج في عودهم مشقات لسوء سيرة ابن منكلي بغا ورذالته وفساده، إلا الركب الأول، فإن أميرهم بيسق الشيخوني أمير أخور كان مشكور السيرة، ومع ذلك فنزل بالجمال وباء كثير، في كثير منهم.
ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكرمات أمير حاج ابن السلطان في ثامن جمادى الآخرة، ودفن بالمدرسة الظاهرية المستجدة، وكان أحد الأمراء، وهو صغير.
ومات الأمير علاء الدين أَقبغا الجوهري، أحد اليلبغاوية، مقتولاً في وقعة حمص، عن بضع وخمسين سنة، وكان عارفاً يذاكر بمسائل فقهية وغيرها، مع حدة خلق، وسوء معاملة.
ومات الأمير أردبغا العثماني، أحد أمراء الطبلخاناه، قتيلاً.
ومات الأمير علاء الدين ألطنبغا الجوباني قتيلاً، وقد قارب الخمسين سنة، وكان حشمًا فخوراً.
ومات الأمير تنكز العثماني، أحد أمراء الطبلخاناه، قتيلاً.

ومات الأمير تمر الأشرفي، نائب قلعة بهنسا.
ومات الأمير تمرباي الأشرفي الحسني، حاجب الحجاب بديار مصر. ومات الأمير جبق الكمشبغاوي، أحد الأمراء الألوف بديار مصر.
ومات الأمير حسن خجا رأس نوبة.
ومات الأمير طغاي تمر الجركتمري أحد أمراء الطبلخاناة.
ومات الأمير طولوبغا الأسعدي أحد أمراء العشراوات.
ومات عيسى التركماني أحد العشراوات.
ومات الأمير قرابغا الأبو بكرى أمير مجلس.
ومات الأمير قرقماس الطشتمري، في يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة.
ومات الأمير قازان اليرقشي، أحد أمراء الطبلخاناة.
ومات الأمير مأمور القلمطاوي، حاجب الحجاب، وأحد اليلبغاوية، قتل على حمص، وهو يلي نيابة حماة.
ومات الأمير مقبل الطيبي نائب الوجه القبلي.
ومات الأمير يونس الرماح الأسعردي، أحد أمراء الطبلخاناه.
ومات الأمير على سلطان الطائفة الجعيدية بديار مصر، مات في سادس عشر جمادى الأولى، ولم يقم بعده مثله.
ومات الشيخ المعتقد على المغربل، في خامس جمادى الأولى، ودفن بزاويته خارج القاهرة بحكر الزراق.
ومات الشيخ المعتقد محمد الفاوي، في ثامن عشر جمادى الأولى، ودفن في خارج باب النصر.
ومات الأديب الشاعر شمس الدين محمد بن إسماعيل الأفلاقي المالكي في سادس جمادى الأولى.
ومات الشيخ المقرئ شمس الدين محمد بن أحمد الرفاء في سابع جمادى الأولى.
سنة ثالث وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الجمعة.
ففي ثانيه: عزل السلطان أكثر ولاة أعمال مصر، ورسم ألا يولي أحد ممن باشر الولاية، وأن يُعين الأمير سودن النائب جماعة من مقدمي الحلقة، فأحضر مقدمي الحلقة واختار منهم ثلاثة وهم: شاهين الكلفتي استقر في الغربية، وطرقجى في ولاية البهنسا، وقجماس السيفي في المنوفية، وأخلع عليهم في رابعه.
وفي سادسه: قدم البريد من دمشق بأن الأمير يلبغا الناصري تنافس هو والأمير الكبير أيتمش، فأظهر الخروج عن الطاعة، ولبس السلاح، وألبس حاشيته. ونادى بدمشق من كان من جهة منطاش فليحضر، فصار إليه نحو الألف ومائتي فارس من المنطاشية، فقبض عليهم كلهم وسجنهم، وكتب إلى السلطان يُعَرِّفه بذلك، فأجابه بالشكر والثناء.
وفي سادس عشره: قُبض على الصاحب موفق الدين أبي الفرج، وألزم بحمل ستين ألف درهم، وقُبض على الصاحب علم الدين سن إبرة، وأُلزم بعشرين ألف درهم، وعلى الصاحب سعد الدين بن البقري، وألزم بسبعين ألف درهم.
وفي ثامن عشره: ولي شيخ الحديث زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي تدريس الظاهرية العتيقة ونظرها، بعد وفاة القاضي صدر الدين عمر بن عبد المحسن بن رزين، ونقل القاضي فخر الدين محمد القاياتي إلى مكانه بإيوان المدرسة الصالحية، للحكم بين الناس.
وفيه نودي لا يركب متعمم فرساً إلا أرباب الوظائف الكبار، ومن وجد عنده فرس أخذت منه.
وفي يوم الأحد ثامن صفر: هدمت سلالم باب مدرسة السلطان حسن، والسلالم التي تصعد إلى السطح، والمناراتان منها، وفتح بابها من شباك بالرميلة تجاه باب السلسلة، وصار يتطرق إليها منه، ويقف المؤذنون عنده ويؤذنون في أوقات الصلاة، واستمر الأمر على ذلك.
وفي تاسعه: قدم الأمير سيف الدين كُمُشْبُغا الحموي من حلب، فخرج الأمير سودن النائب إلى لقائه، ومعه الحجاب وعدة من الأمراء. وصار به إلى القلعة، فَقَبّل الأرض وجلس فوق الأمير اٍينال اليوسفي أتابك العساكر، ونزل إلى دار أعدت له، وبعث إليه السلطان ثلاثة أروس من الخيل بقماش ذهب، وعدة بقج قماش. وبعث إليه كل من أمراء الألوف فرساً بقماش ذهب، وقدم إليه أمراء الطبلخاناه وغيرهم عدة تقادم من جند وغير ذلك.
وحضر مع الأمير كُمشبغا الأمير حسام الدين حسن الكجكنة - نائب الكرك - في عدة من الأمراء.
وفي حادي عشره: قدم البريد بأن العساكر وصلت إلى مدينة عينتاب، ففر منطاش إلى جهة مرعش، وحضر عدة من جماعته إلى الطاعة.
وفيه حضر الأمير أقبغا المارديني نائب الوجه القبلي، فقبض عليه وسجن بخزانة شمايل في صورة أنه كثر ظلمه وتعسفه. وهذه عادة السلطان، أنه يصير على أعدائه فلا ينتقم منهم لنفسه حتى يتهيأ له فيهم ما يوجب العقوبة فيأخذهم بذلك الذنب، ولا يظهر أنه انتقم لنفسه، وذلك من حسن ملكته وثباته، واستقرى هذا، تجده كما قلت لك.

وفي خامس عشره: أحضر الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة من السجن، وضُرب بالمقارع بين يدي السلطان، وأحضر أقبغا المارديني وضرب على أكتافه. وأمر والي القاهرة بتخليض حقوق الناس منه.
وفيه استقر الأمير مبارك شاه كاشف الجيزية، عوضاً عن محمد بن ليلى.
وفي تاسع عشره: استقر الأمير يلبغا الأسعدي المجنون نائب الوجه القبلي، عوضاً عن أقبغا المارديني، واستقر أسنبغا السيفي في ولاية الفيوم وكشف البهنسا والأطفيحية، عوضاً عن يلبغا الأسعدي، واستقر تقطاي الشهابي والي الأشمونين، عوضاً عن أسنبغا السيفي.
وفي حادي عشرينه: استقر دمرداش السيفي نائب الوجه البحري، عوضاً عن الشريف بكتمر.
وفي تاسع عشرينه: أحضر القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن الحبال، قاضي الحنابلة بطرابلس، وضرب بين يدي السلطان، بسبب قيامه مع منطاش وأخذ طرابلس، وقتل من قتل بها، وأن ذلك كان بفتواه لهم.
وفيه وسط من الزهور المقبوض عليهم من الوجه البحري نحو السبعين، بعد تسميرهم وإشهارهم بالقاهرة، وكانوا قد أكثروا من الفساد وقطع الطريق على المسافرين، وأخذ أموالهم.
وفيه سار الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي هلال رسول صاحب تونس بجواب كتابه وهدية سنية.
وفي سابع شهر ربيع الأول: استقر الأمير يونس القشتمري نائب الكرك، عوضاً عن قديد.
وفي ثامنه: أنعم بإقطاع أرغون البجمقدار العثماني نائب الإسكندرية على الأمير حسن الكجكني، وأخرج أرغون منفياً إلى الإسكندرية.
وفيه خرج البريد بإحضار الأمير الكبير أيتمش من دمشق، فسار الأمير قُنقباي الأسعدي رأس نوبة لذلك.
وفي عاشره: قدم الأمير أبو يزيد والشيخ شمس الدين محمد الصوفي على البريد من الشام.
وفي ثالث عشره: شدد العقاب على ابن باكيش لإحضار المال، وقبض على الشريف بكتمر بسبب إهماله مستخرج تزوجه، ثم أُفرج عنه على أن يحمل مائة ألف درهم.
وفيه استقر الأمير علاء الدين بن الطشلاقي في ولاية قطيا، والتزم فيها بحمل مائة ألف وثلاثين ألف درهم، في كل شهر.
وفيه توجه يلبغا السالمي على البريد بتقليد الأمير نُعير الإمرة على عادته.
وفي يوم الأحد أول شهر ربيع الآخر: استقر برمش الكمشبغاوي حاجب الحجاب بطرابلس. واستقر الحاج محمد بن عبد الرحمن مقدم الخاص في تقدمة الدولة، عوضاً عن عبيد البازدار بعد موته، فصار مقدم ديواني الخاص والدولة.
وفي تاسع عشره: قبض على الأمير شاهين أمير آخور، ونُفي إلى الصعيد.
وفي يوم الاثنين رابع جمادى الأولى: قدم الأمير الكبير أيتمش من دمشق على البريد، فتلقاه الأمير سودُن النائب، وقدم معه عدة من الأمراء منهم: آلابغا العثماني الدوادار حاجب دمشق، والأمير جنتمر أخو طاز، وأمير ملك ابن أخت جنتمر المذكور، وألطبغا أستادار جنتمر، ودمرداش اليوسفي، وألطبغا الحلبي، وكثير من المماليك السلطانية، فمثل بالخدمة السلطانية، وقبل الأرض، وجلس بالميسرة تحت الأمير سودُن النائب واحضر بالأمراء القادمين معه، وعدتهم ستة وثلاثون أميراً، وبشهاب الدين أحمد بن عمر القرشي قاضي دمشق، وبفتح الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن الشهيد كاتب السر بدمشق، وابن مشكور ناظر الجيش بدمشق، وكلهم في القيود. فوبخ السلطان الأمير ألطبغا الحلبي، والأمير جنتمر، وابن القرشي وأطال الحديث معهم، وكانوا قد قاتلوه في محاصرته لدمشق، وأفحشوا في أمره فحشاً زائداً، حتى أن ابن القرشي كان يقف على الأسوار وينادي إن قتال برقوق أوجب من صلاة الجمعة، ويجمع العامة ويحرضهم على محاربته. ثم أمر السلطان بهم فسجنوا، وأُسلم ابن مشكور لشاد الدواوين، فعصر والتزم بحمل سبعين ألف درهم، وأفرج عنه. ونزل الأمير أيتمش إلى داره، وبعث إليه السلطان بإنعام كثير، وقدم إليه جميع الأمراء على قدر حالهم.
وفي ثالث عشره: وقع الهدم في أملاك تجاه باب حارة الجوانبة بالقاهرة، وشرع الأمير محمود في عمارة وكالة.
وفيه أحضر من الزهور ستة وثلاثون رجلاً، وقدم الأمير جبرائيل الخوارزمي فاراً من منطاش، فلم يؤاخذه السلطان، ورسم له بالمثنى في الخدمة مع الأمراء.

وفي ثامن عشرينه: استقر جمال الدين محمود بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحافظ في قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن محب الدين محمد بن محمد بن الشحنة، واستقر جمال الدين محمود بن العديم في قضاء عسكر حلب، عوضاً عن ابن الحافظ، والشريف حمزة الجعفري في وكالة بيت المال بحلب ونظر جامعها، واستقر المعري في قضاء الشافعية بطرابلس، عوضاً عن شهاب الدين أحمد السلاوي، واستقر علم الدين أبو عبد اللّه محمد بن محمد القفصي في قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن السكسيوي، وهي ولايته الخامسة، ثم عزل بالبرهان أبي سالم إبراهيم بن محمد بن علي الصنهاجي. وولى ابن المنجا قضاء الحنابلة بدمشق، عوضاً عن شرف الدين عبد القادر. وولى جمال الدين أبو الثناء محمود بن قاضي العسكر حافظ الدين محمد بن إبراهيم بن سنبكي قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن علي بن الشحنة.
وبرهان الدين إبراهيم التادلي في قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن برهان الدين إبراهيم بن القفصي. وبدر الدين محمد بن شرف الدين موسى بن الشهاب محمود في نظر الجيش بحلب، وخلع على الجميع.
وفيه أفرج عن أقبغا المارديني من خزانة شمايل، وعن طاش بغا السيفي.
وفي يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة: قبض على أسندمر الشرفي، وإسماعيل التركماني، وكزل القرمي، وأقبغا البجاسي، وصربغا، وتسلمهم والي القاهرة.
وفي تاسعه: قبض أيضاً على أحد عشر أميراً وهم: قطلوبغا الطشتمري الحاجب، وتَقْطاي الطشتمري، وآلابغا الطشتمري، وقرابغا السيفي، وأقبغا السيفي، وبيبغا السيفي، وطيبغا السيفي، ومحمد بن بيدمر نائب الشام، وجبرائيل الخوارزمي، ومنجك الزيني، وأرغون شاه السيفي.
وفيه سُمر أسندمر الأشرفي رأس نوبة ، وأقبغا الظريف البجاسي، وإسماعيل التركماني أمير البطالين في أيام منطاش، وكُزَل القرمي، وصربغا، وشهروا بالقاهرة، ثم وسطوا بالكوم، ولم يعهد مثل هذا يفعل إلا بقطاع الطريق.
وفيه أُحضر الأمير ألطبغا الحلبي، وألطُنبغا أستادار جَنتمُر إلى مجلس قاضي القضاة شمس الدين محمد الركراكي المالكي، وأُدعى عليهما بما يقتضي القتل، فسجنهما بخزانة شمايل مقيدين.
وفي ثاني عشره: قبض على الأمير صَنْجقَ.
وفي خامس عشره: شكا رجل شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي للسلطان فأحضر من السجن، واستدعى عليه غريمه بمال له في قلبه، وبدعاوى شنعة، فضرب بالمقارع وسلم إلى والي القاهرة ليخلص منه مال المدعي الذي أَقَرَّ به، فوالى ضربه وعصره مراراً، وسجنه بخزانة شمايل.
وفي تاسع عشره: استقر الأمير قُطْلُوبغا الصفوي حاجب الحجاب، واستقر الأمير بدخاص حاجب الميسرة، واستقر الأمير قديد نائب الكرك حاجباً ثالثاً، واستقر الأمير على باشاه حاجباً رابعاً.
واستقر يلبغا الآشْقَتُمري أمير أخور في نيابة غزة، وناصر الدين محمد بن شهري في نيابة ملطية.
وفي ثاني عشرينه: وقف شخص وادعى أن أمير ملك - ابن أخت جَنتَمُر - أخذ له ستمائة ألف درهم، وأغرى به منطاش حتى ضربه بالمقارع، فأحضر وادعى عليه غريمه فضرب بالمقارع ضرباً مبرحاً، وتسلمه والي القاهرة، فمات ليلة خامس عشرينه. وفي يومه استقر أرغون شاه الإبراهيمي الخازندار حاجب الحجاب بدمشق، عوضاً عن آلابغا العثماني. واستقر آلابغا في نيابة حماة، وخرج البريد بتقليده.
وفيه أُنعم على كل من قاسم ابن الأمير الكبير كُمُشبغا الحموي، ولاجين الناصري، وسودن العثماني النظامي، وأرغون شاه الأقبغاوي، وسودُن باشاه الطاي تُمري، وشكرباي العثماني، وقجقار القَرْمُشي بإمرة طبلخاناه. وعلى كل من قطلوبغا الطَقتمُشي، وعبد الله أمير زاه بن ملك الكرُجْ وكُزَل الناصري، وآلان اليحياوي، وكُمُشبغا الإسماعيلي طاز، وقَلَمْطاي العثماني بإمرة عشرة.
وفيه قدم آقبغا الصغير نائب غزة بطلب.
وفيه قبض على مماليك الأمير بركة، والمماليك الذين خدموا منطاش، وتُتُبعوا من سائر المواضع، وأُخذوا من كل مكان.
وفي ثاني عشرينه: عرضهم السلطان، وأفرج عن جماعة منهم.
وفي خامس عشرينه: ضرب ابن القرشي نحو مائتي شيب بالمقارع، عند الوالي.
وفي سادس عشرينه: استقر الصارم والي القاهرة في ولاية الأشمونين، عوضاً عن تُقْطاي الشهابي.

وفي أخريات هذا الشهر: ظهر كوكب طوله نحو ثلاثة أرماح، قليل النور، يرى في أول الليل ويغيب نصف الليل، أقام ليالي واختفي.
وفي أول شهر رجب: قدم منطاش دمشق، وسار إليها من مرعش على العمق، حتى قارب من حماة، فانهزم منه نائبها إلى جهة طرابلس من غير لقاء، ودخلها منطاش، ولم يحدث حدثاً. وتوجه منها إلى حمص، ففر منه أيضاً نائبها إلى دمشق، ومعه نائب بعلبك، فخرج الأمير يلبغا الناصري يريد لقائه من طريق الزبداني، فثار أحمد شكر بجماعة البيدمرية، ودخل دمشق من باب كيسان ، وأخذ ما في الإصطبلات من الخيول، وخرج في يوم الأحد تاسع عشرين جمادى الآخرة. وقدم منطاش في يوم الإثنين أول رجب من طريق أخرى، ونزل القصر الأبلق، ونزل جماعته حوله. وقد أَحضر إليه أحمد شكر من الخيول التي نهبها ثمانمائة فرس، وندبه ليدخل المدينة ويأخذ من أسواقها المال، فبينا هو كذلك إذ قدم الناصري بعساكر دمشق فاقتتلا قتالاً كبيراً مدة أيام.
وفي ثالثه: استقر أمير بن الدمر في ولاية الغربية، عوضاً عن شاهين الكلفتي.
وفي خامسه: ورد البريد من حلب بدخول منطاش إلى دمشق، ومحاربة الناصري له، كما ذكر.
وفي تاسعه: ضرب الشهاب أحمد بن عمر القرشي حتى مات بخزانة شمايل، وأُخرج من وقف الطرحاء.
وفي حادي عشره: اجتمع القضاة والأمير بدخاص الحاجب بشباك المدرسة الصالحية بين القصرين من القاهرة، وأحضر الأمير ألطبغا دوادار جَنْتمر، وأوقف تحت الشباك في الطريق، وادعى عليه. مما اقتضى إراقة دمه، وشُهد عليه به، فضرب عنقه، وشهد أيضاً على الأمير ألطبغا الحلبي، فضرب عنقه وحملت رؤسهما على رمحين. ونودي عليها في القاهرة.
وفي سادس عشره: أخذ قاع النيل، فجاء أربعة أذرع، وعشرون إصبعاً وفي رابع عشرينه قدم على ابن الأمير نُعير، فقبض عليه.
وفي خامس عشرينه: خلع على نجم الدين الطبدى خلعة استمرار.
وفي سابع عشرينه: قدم البريد من دمشق باستمرار الحرب بين الناصري ومنطاش، وأن منطاش انكسر، وقتل كثير ممن معه، وفر معظم التركمان الذين قدم بهم، وصار محصوراً بالقصر الأبلق.
وفيه استقر الصارم إبراهيم الباشَقَردي في ولاية أسوان، عوضاً عن الصارم الشهابي. وفيه أحضر أنواط - كاشف الوجه البحري - سبعين رجلاً من العرب الزهور وخيولاً كثيرة، فوسط منهم ستة وثلاثون رجلاً.
وفي الأول من شعبان: رسم بتجهيز الأمراء للسفر إلى الشام، وشرع الوزير وناظر الخاص في تهيئة بيوتات السلطان، وعمل ما يحتاج إليه في السفر.
وفي خامسه: قدم البريد من صفد بأن منطاش فر من دمشق، وتبعته العساكر، فسر السلطان والأمراء بذلك.
وفيه قتل حسام الدين حسين بن باكيش، وسببه أن الخبر ورد بأن ولده جمع كثيراً من العشير، ونهب الرملة وقتل عدة من الناس.
وفي سادسه: ضرب حسين بن الكوراني بالمقارع.
وفي عاشره: نصب جاليش السفر، ورسم للقضاة بالتهيؤ إلى السفر.
وفي حادي عشره: تسلم الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي: الأمير صراي تمر داودار منطاش، وتَكا الأشرفي، ودمرداش اليوسفي، ودمرداش القَشتمري، وعلي الجركتمَري، فقتلوا، إلا علي الجَرْكَتَمري فإنه عصر، وقُتل بعد ذلك هو وقطلوبك صفد.
وفي ثاني عشره: عرض السلطان المحابيس من المنطاشية، وأفرد منهم جماعة للقتل، فقتل في ليلة الأحد ثالث عشره منهم: الأمير جَنتمُر أخو طاز وابنه، وألطبغا الجُربُغاوي، والطواشي تُقْطاي الطَشتَمُري، وفتح الدين محمد بن الشهيد، ضربت أعناقهم بالصحراء.
وفي خامس عشره: صرف مجد الدين إسماعيل عن قضاء القضاة الحنفية، واستقر عوضه جمال الدين محمود العجمي القيصري، ونزل معه بعدما خلع عليه الأمير بُطا الدوادار، والأمير جُلبان رأس نوبة في عدة من الأمراء، وسائر القضاة، فكان يوماً مشهوداً. وكتب له في توقيعه الجانب العالي، كما كتب للعماد أحمد الكركي، وهما أول من كُتب به ذلك من قضاة القضاة ولم يُكتب هذا لأحد من المتعممين إ لا للوزير فقط، ويكتب للقضاة المجلس العالي، فكتب للعماد الكَرَكي الجناب العالي، وتشبه به الجمال محمود، فكتب له ذلك، واستمر لمن بعدهما.
وفي سابع عشره: أخرج أمير حاج بن مُغْلطاي إلى دمياط، وأخرج الأمراء البطالون إلى ثغر الإسكندرية، وأفرج عن تَلكتمر الدوادار، وصراتمر دوادار يونس الدوادار، ونزلا إلى بيوتهما.

وفي ثامن عشره: قبض على عدة من الأمراء، وسجنوا، وأُمض من الغد فيهم قضاء الله، الذي لا يرد.
وفيه تعين لنيابة الغيبة بديار مصر الأمير الكبير كُمُشْبُغا الحموي، وتحول الإصطبل السلطاني. وتحول الأمير سودن النائب إلى قلعة الجبل، ومعه الأمير بجاس - النوروزي، وأقام بالقلعة ستمائة مملوك عليهم تغرى بردى رأس نوبة، والأمير الطواشي صواب السعدي. وتعين للإقامة بالقاهرة الأمير قُطلوبغا الصفوي، حاجب الحجاب، والأمير بدخاص السودوني أمير حاجب، وقديد وطغاي تمر باشاه، وقرابغا الحاجب، في عدة من أمراء العشراوات.
ورسم لشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وقضاة العسكر، ومفتيين دار العدل، وبدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي، وبدر الدين محمد بن فضل الله العمري بالسفر، فتجهزوا لذلك. ونزل السلطان بعد صلاة الظهر من القلعة، وسار إلى الوطاق بالريدانية خارج القاهرة، وتلاحقت الأمراء والعساكر وأرباب الدولة به.
وفي ثاني عشرينه: قبض على الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص بالريدانية، وضرب على إحضار أربعمائة ألف درهم فضة. ورسم للأمير علاء الدين علي بن سعد الدين عبد الله بن محمد الطلاوي الوافي بالتحدث في شد الدواوين، عوضاً عن ابن أقبغا آص، وسلم إليه، فشدد في عقوبته ووجد له سبعون فرساً وأربعون جملاً، وأربعة وعشرون مركباً في النيل، وقماش كثير.
وفي ثالث عشرينه: استقر شمس الدين محمد بن الجزري المقرئ في قضاء القضاة الشافعية بدمشق، عوضاً عن شرف الدين مسعود، بمال قام به، وأخرج بسائر من في خزانة شمايل إلى الريدانية، وعُرضوا على السلطان، فأفرد منهم سبعة وثلاثين رجلاً للقتل، منهم: محمد بن الحسام أستادار أرغون أسكي، وأحمد بن النقوعي، ومقبل الصفوي، فغُرِقوا في النيل. وسمر منهم سبعة وهم: شيخ الكريمي، وأسندمر والي القلعة، وثلاثة من أهل الشام، واثنان من التركمان، ثم وسطوا.
وفي رابع عشرينه: استقر ناصر الدين محمد بن رجب بن تلفت في شد الدواوين. وأنعم على الأمير سيدي أبي بكر بن نقر الجمالي بإمرة طبلخاناة، ورسم به بإمرة الحاج.
وفي سادس عشرينه: رحل السلطان من الريدانية.
وفيه نودي بالقاهرة أن يتجهز الناس للحج، على العادة.
وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرينه: قتل اثنا عشر من الأمراء، منهم الأمير أرغون شاه السيفي، وآلابغا الطشتمري، وآقبغا السيفي، وبزلار الخليلي.
وفي ليلة الأربعاء سلخه: قتل من الأمراء سنجق الحسني، وقرابغا السيفي، ومنصور حاجب غزة.
وفي يوم الأربعاء: قدم البريد من السلطان بكسرة منطاش وفراره في سادس عشره، ومعه عنقاء بن شطي، فدقت البشائر، وتخلق الأمراء والممالك، ونودي بذلك في القاهرة.
وفي رابع شهر رمضان: قدم بريد السلطان بنزوله قطيا، وأن الأخبار صحت بفرار منطاش من دمشق في خمسين فارساً.
وفيه قدم الأمير ناصر الدين محمد بن رجب بمثال سلطاني إلى الأمير جمال الدين محمد الأستادار، فإذا هو يتضمن مسكه، وإلزامه بحمل مائة وستين ألف درهم، فقبض عليه، وأخذ منه سبعين ألف درهم.
وفي سادس شهر رمضان: زينت القاهرة.
وفيه أخرج الأمير كُمُشبغا مائتي فارس من أجناد الحلقة إلى كاشف الوجه البحري، تقوية له.
وفيه وُسط أحمد بن علاء الدين علي بن الطشلاقي، والي قطيا.
وفي ثامنه: قلعت الزينة من القاهرة، و لم يكن للزينة سبب يقتضي ذلك.
وفيه استقر بهاء الدين محمد بن البرجي موقع الدست في حسبة القاهرة، عوضاً عن نجم الدين محمد الطنبدي بمال قام به للأمير كُمُشبغا.
وفي عاشره: نودي على النيل بعد توقفه أياماً، وكان عاشر مسرى - وقد ارتفعت الأسعار - فتوالت الزيادة في نهاره، حتى أوفي النيل ستة عشر ذراعاً وكسر الخليج وخرج شرف الدين بن أبي الرداد على البريد ببشارة الوفاء.
وفيه قبض على بكتمر - دوادار الجوباني - فهرب، و لم يوقف له على خبر.
وفي ثاني عشرينه: دخل السلطان إلى دمشق وقد زينت له، وخرج الأمير يلبغا الناصري إلى لقائه. بمنزلة اللجون، فكان يوماً مشهوداً.

وفيه نودي بدمشق بالأمان. وصلى يوم الجمعة ثالث عشرينه بدمشق صلاة الجمعة في جامع بني أمية. وعندها انقضت الصلاة نادى الجاويش في النادي بالأمان، والماضي لا يعاد، ونحن من اليوم تعارفنا، فضج الناس بالدعاء للسلطان، وقد كانوا مترقبين بلاء كبيراً ينزل بهم منه، لسوء ما فعلوا معه في السنة الماضية، وكثرة مبالغتهم في سبه، وإعلانهم بفاحش القول له، وهم يقاتلونه.
وفي ثاني عشرينه: استقر الأمير كمشبغا نائب الغيبة بشاهين الكلفتي في كشف الوجه البحري، وعزل أنواط السيفي، وقبض عليه.
وفي ليلة الأحد خامس عشرينه: قتل خارج القاهرة أمير علي الجَركتمُري القازاني، المهمندار في أيام منطاش.
وفي تاسع عشرينه: نودي في القاهرة. بمنع النساء من الخروج يوم العيد إلى الترب، ومن خرجت وسطت هي والمكاري والحمارة وألا يركب أحد في مركب للتفرج على النيل، وهدد من فعل ذلك بإحراق المركب، فلم يتجاسر أحد يخرج في العيد إلى القرافة، ولا إلى ترب القاهرة.
وفي ثاني شوال: قدم البريد بدخول السلطان إلى دمشق.
وقدم البريد بنزول خوندكار أبي يزيد بن عثمان ملك الروم إلى قيصرية وأخذها.
وفيه استقر قطلوبغا الصفوي في ولاية قليوب، وعزل تنكز البريدي.
وفي سابعه: خرج السلطان من دمشق، يريد حلب.
وفيه استقر فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس في وزارة دمشق، وعزل ابن الجزري عن قضاء دمشق قبل أن يدخل إلى دمشق، وأعيد مسعود.
وفي تاسع عشره: قدم البريد إلى القلعة بتوجه السلطان إلى حلب، وأنه ورد عليه دوادار الأمير سولي بن دلغادر بهدية، فيها مائة بقجة قماش، ومائتا فرس، وهو يعتذر عن أخذ سيس، وبعث مفاتيحها، وسأل تعيين من يتسلمها منه، وأنَ نعير ومنطاش نزلا الرحبة و جعبر.
وفيه استقر محمد بن صحفة بن الأعسر في ولاية الأشمونين وعزل الصارم، واستقر محمد بن قرابغا في ولاية دمياط وعزل صديق.
وفي ثالث عشرينه: نودي بالقاهرة ألا تلبس امرأة قميصاً واسعاً، ولا تزيد على تفصيل القميص من أربعة عشر ذراعاً. وكان النساء بالغن في سعة القمصان، حتى كان يفصل القميص الواحد من اثنين وتسعين ذراعاً من البندقي الذي عرضه ثلاثة أذرع ونصف، فيكون مساحة القميص زيادة على ثلاثة وعشرين ذراعاً. وفحش هذا حتى تشبه عوام النساء في اللبس بنساء الملوك والأعيان.
وفي ليلة الأحد رابع عشرينه: أحضر الأمير محمد شاه بن بيدمر من الإسكندرية، فقتل خارج القاهرة ليلة الاثنين خامس عشرينه.
وفي سادس عشرينه: صرف نور الدين علي بن عبد الوارث عن حسبة مصر بالشريف أحمد بن محمد بن حسن بن حيدرة، المعروف بابن بنت عطا، قاضي الحنفية بثغر الإسكندرية.
وفي سلخه: قدم البريد بدخول السلطان إلى حلب في ثاني عشرينه، وأن بدر الدين محمد بن علي بن فضل الله العمري، أعيد إلى كتابة السر، وعزل علاء الدين علي بن عيسى الكركي لضعفه.
وفي يوم الأحد أول ذي القعدة: دقت البشائر، واستمرت ثلاثة أيام.
وفي ثانيه: ندب الأمير كُمُشْبُغا نائب الغيبة جماعة نزلوا إلى أسواق القاهرة وشوارعها، وقطعوا أكمام النساء الواسعة، فامتنع النساء من يومئذ أن يمشين بقمصان واسعة مدة نيابة الأمير كمشبغا، ثم عدن إلى ذلك بعد عود السلطان.
وفيه ورد الخبر بالقبض على منطاش، و لم يصح ذلك.
وفي ثالثه: قدم البريد بموت ناصر الدين محمد بن علي بن الطوسي، واستقرار ناصر الدين محمد بن حسن الفاقوسي موقع الدرج عوضه في توقيع الدست، وموت قاضي القضاة شمس الدين محمد الركراكي المالكي فأذن الأمير كمشبغا لنوابه بالحكم بين الناس على عادتهم.
وفي ثامنه - وهو عاشر بابه: - انتهت زيادة النيل، إلى إصبع، من عشرين ذراعاً.
وفي سادس عشرينه: قدم البريد من حلب بأن الخبر ورد بقبض سالم الذكرى على منطاش، وأن صاحب ماردين قبض على جماعة من المنطاشية حضروا إليه، فبعث السلطان قرا دمراش نائب حلب على عسكر، والأمير يلبغا الناصري نائب دمشق على عسكر، والأمير أينال اليوسفي أتابك العساكر على عسكر، فساروا لإحضار منطاش ومن معه، فنودي في القاهرة بالأمان، وقد حصل غريم السلطان، فدقت البشائر ثلاثة أيام.
وفيه استقر الأمير أيدمر الشمسي أبو زلطة في نيابة البحيرة، وعزل دمرداش السيفي.

وفي سابع عشرينه: قدم البريد من حلب بأن الأمير قرا دمرداش وصل بعسكر حلب إلى أبيات سالم الذكرى، وأقام أربعة أيام يطالبه بتسليم منطاش وهو يماطله، فحنق منه وركب بمن معه، ونهب بيوته، وقتل عدة من أصحابه. ففر سالم بمنطاش إلى سنجار، وامتنع بها. وأن الأمير يلبغا الناصري حضر بعساكر دمشق بعد ذلك، فأنكر على قرا دمرداش ما وقع منه، وأغلظ في القول، وهم بضربه، فكادت تكون فتنة كبيرة، وعادا، وأن الأمير أدينال وصل بعسكر مصر إلى رأس عين، وتسلم من صاحب ماردين الذين قبضهم من المنطاشية، وكبيرهم قشتمر الأشرفي، وحضر بهم وبكتاب صاحب ماردين، وهو يعتذر، ويعد تحصيل غريم السلطان.
وفي يوم الاثنين أول ذي الحجة: خرج السلطان من حلب يريد دمشق.
وفي سادسه: قدم البريد بأن السلطان لما بلغه ما جرى من قرا دمرداش وما وقع بينه وبين الناصري من الفتنة، وأنهما عادا بغير طائل، غلب على ظنه صحة ما نقل عن الناصري من أن قصده مطاولة الأمر مع منطاش، وأنه لم يحضر إلى دمشق إلا بمكاتبته له بذلك، وأَنه قصر في أخذه بدمشق، وأن سالم الذكرى لم يرحل بمنطاش إلى سنجار إلا بكتاب الناصري إليه بذلك. فلما قدم إلى حلب قبض عليه وعلى شهاب الدين أحمد بن المهمندار نائب حماة، وكشلي أمير أخور الناصري، وشيخ حسن رأس نوبته، وقتلهم في ليلة قبضهم.
وما برح يلبغا الناصري من مبدأ أمره سيئ الرأي والتدبير، حتى قيل عنه أنه ما كان مع قوم في أمر من الأمور إلا وانعكس عليهم أمرهم بواسطته.
وولى الأمير بطا الدوادار نيابة دمشق، والأمير جُلْبان الكمشبغاوي، رأس نوبة نيابة حلب، والأمير فخر الدين أياس الجرجاوي في نيابة طرابلس، والأمير دمرداش المحمدي في نيابة حماة. وأنعم على قرا دمرداش نائب حلب بإقطاع الأمير بُطا، وأنعم على الأمير أبي يزيد بن مراد الخازن بالدوادارية، عوضاً عن بطا بإمرة طبلخاناة، وأنعم على الأمير تاني بك اليحياوي بإقطاع جُلبان. ثم سار من حلب في أول ذي الحجة، فنودي بتبييض حوانيت قصبة القاهرة، فشرع الناس في ذلك.
وفي سادس عشره: قدم البريد بأن السلطان عاد إلى دمشق في ثالث عشره، وأنه قتل من الأمراء آلابغا العثماني، وسودن باق السيفي، وسمر ثلاثة عشر أميراً منهم: أحمد ابن بيدمر، ومحمد بن أمير علي المارديني، ويلبغا العلاي، وبغا بن السيفي نائب ملطية وكُمُشْبغا السيفي نائب بعلبك، وغريب الخاصكي، وقرابغا العمري.
وفي ثالث عشرينه: توجه السلطان من دمشق يريد القاهرة.
وفي رابع عشرينه: أعيد نور الدين علي بن عبد الوارث البكري إلى حسبة مصر.
وفي تاسع عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بالسلامة والأمن وانقضت السنة وديار مصر قد ساسها الأمير كمشبغا أحسن سياسة، ولم يجسر أحد أن يتظاهر في مدة تحكمه بمنكر، ولا بحمل سلاح.
ومات في هذه السنة من الأعيانممن له ذكر، سوى من قتل من الأمراء المذكورين.
مات قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ زين الدين أبو حفص عمر بن مسلم بن سعيد بن بدر بن مسلم القرشي، الواعظ الفقيه، الشافعي، قاضي دمشق، بخزانة دمشق، بعد عتاب شديد، في ليلة الأربعاء تاسع رجب.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير الكبير سيف الدين الحاج آل ملك الجوكندار. ولد بالقاهرة، ثم أعطاه الملك الناصر محمد بن قلاون إمرة طبلخاناه في حياة أبيه، وما زالت بيده إلى الأيام الناصرية حسن، فأعطاه إمرة مائة، وبقي عليها إلى عاشر ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وسبعمائة. ولي نيابة غزة، عوضاً عن طشبغا المظفري، فسار إليها وباشرها قليلاً.
وأعيد إلى القاهرة على إمرة أربعين، وعمل من جملة الحجاب، فاستمر إلى اثني ربيع الأول سنة تسع وتسعين، فاستعفي من الإمرة، وتركها، ولبس عباءة، وركب حماراً، ومشى بالأسواق، وتقنع بما يتحصل من أوقاف أبيه، وأقبل على عبادة اللّه، حتى مات يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الآخرة.
ومات القاضي ولي الدين أبو العباس أحمد بن قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن ابن محمد بن خير السكندري المالكي، في ثاني عشرين جمادى الآخرة. وقد برع في الفقه والأصول والنحو، وأفتى ودرس.

ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن الأنصاري الشافعي شيخ الخانقاة الصلاحية سعيد السعداء، في عاشر ذي القعدة. وكان مقتصداً في ملبسه، يجلس بحانوت الشهود، ويتكسب من تحمل الشهادات، فأثرى وكثر ماله لقلة مؤنه، فإنه لم يتزوج. وأوقف ربعاً على محرس شافعي عنده عشر طلبة بالجامع الأزهر. ثم سعى بالأمير سودن النائب حتى ولي مشيخة سعيد السعداء، فلم يتناول سوى نصيب واحد، وأنشأ بها مناراً يؤذن عليه، وعمر أوقافها وبالغ في الضبط مع ساعة مَلَكَةٍ، حتى مقته الجميع.
ومات الأمير حسام الدين حسين بن علي الكوراني، والي القاهرة مخنوقاً، في عاشر شعبان.
ومات الشيخ جلال الدين رسولا بن أحمد بن يوسف العجمي التباني الحنفي قدم إلى القاهرة وأخذ عن القوام الأتقاني الفقه، وسمع الحديث على علاء الدين علي التركماني. وأخذ العربية عن الجمال بن هشام، وعن ابن عقيل ، والبدر ابن أم قاسم. وبرع في الفقه والأصول والنحو، وتصدى للتدريس والإفتاء عدة سنين، ودرس بمدرسة الأمير ألجاي، والمدرسة الصَرْغَتَمشية وغيرها.
وكان منجمعاً عن الناس، عرض عليه قضاء القضاة فامتنع. وشرح كتاب المنار في أصول الفقه. واختصر شرح البخاري لمغلطاي، وشرح مختصر ابن الحاجب في الأصول، ونظم كتاباً في الفقه وشرحه، وكتب التعليق على البزدوي، وكتب مختصراً في ترجيح مذهب أبي حنيفة، رحمه الله، وكتب على مشارق الأنوار في الحديث، وعلى تلخيص المفتَاح، وله رسالة في زيادة الإيمان ونقصانه، ورسالة في أن الجمعة لا يجوز إقامتها في مصر واحد.
ورسالة في الفرق بين الفرض العلمي والواجب. وتوفي خارج القاهرة يوم الجمعة ثالث عشر رجب. والتباني نسبة إلى موضع خارج القاهرة يقال له التبانة، كان يقف فيه سوق للتبن.
ومات الحاج عبيد بن البازدار مقدم الدولة، في يوم السبت رابع عشر صفر.
ومات شرف الدين عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الحنبلي النابلسي، قاضي الحنابلة بدمشق، في يوم الأضحى؛ وقدم القاهرة غير مرة.
ومات الشيخ المعتقد على الروبي، في رابع عشرين ذي الحجة.
ومات صدر الدين عمر بن عبد المحسن بن رزين الشافعي، في ليلة الأحد سادس عشر المحرم، وكان من أجل خلفاء الشافعية بديار مصر.
ومات الشيخ زين الدين عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم القرشي الدمشقي الشافعي الواعظ؛ لم يجلس للوعظ حتى حفظ أربعين مجلساً.
وبرع في الحديث والفقه والتفسير. وقدم القاهرة ووعظ بها، وحصل له القبول التام. ومولده في شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة. ومات بدمشق في الاعتقال، بسبب ولده القاضي شهاب الدين أحمد.
ومات فتح الدين أبو بكر محمد بن عماد الدين أبى إسحاق إبراهيم بن جلال الدين أبى الكرم محمد المعروف بابن الشهيد الدمشقي الشافعي، كاتب السر بدمشق. كان وافر الفضيلة، عالماً بالفنون، عارفاً في الأدب، مشاركاً في عدة علوم، مليح الكتابة، صحيح الفهم، رئيساً، عالي الرتَبة، رفيع المنزلة، له محاضرة لا تمل، نشأ بدمشق، وأخذ عن مشايخ عصره، وكتب في الإنشاء، ثم ولى كتابة السر بدمشق، ومشيخة الشيوخ، وتدريس الظاهرية، ونظم كتاب السيرة النبوية لابن هشام، وله نظم ونثر وتواليف مفيدة. مات بدمشق في ليلة التاسع والعشرين من شعبان.
ومات أخوه نجم الدين محمد في يوم الجمعة سادس ذي القعدة، ودفن على أخويه فتح الدين محمد، وشمس الدين محمد. وباشر توقيع الدست وكتابة سر طرابلس، وسيس وحماة. وأقام بسيس نحو عشرين سنة، ثم قدم إلى القاهرة حتى مات بها، عن نحو تسعين سنة.
ومات ناصر الدين محمد بن علي الطوسي، موقع الدست، في ثاني عشرين شوال، بحلب.
ومات الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن محمد الزيلعي الحنفي، الرجل الصالح، في ثاني عشرين المحرم.
ومات أمين الدين محمد بن الحسن الأنفي المالكي، المحدث الفاضل. ومولده في شوال سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من البنديجي وغيره.
ومات قاضي القضاة شمس الدين محمد بن يوسف الركراكي المالكي، بحمص، في رابع عشر شوال.
ومات الشيخ تقي الدين محمد بن أحمد بن محمد بن حاتم، شيخ الحديث، في أول ذي القعدة.
ومات الشيخ المقرئ شمس الدين محمد بن محمد بن أَحمد العسقلاني، إمام جامع أحمد بن طولون، في حادي عشر المحرم، أخذ عن التقى الصايغ.

ومات المهتار ناصر الدين محمد بن على الشيخي، في ليلة الثلاثاء أول ربيع الأول.
سنة أربع وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الأربعاء: فيه قدم البريد بأن السلطان يدخل إلى غزة في ثالثه.
وفي حادي عشره: قدم البريد بنزول السلطان قطيا.
وفيه قدم الحريم السلطاني مع الطواشي بهادُر المقدم، فدقت البشائر، ونودي بالزينة، فشرع الناس فيها، وفي تبييض ظاهر البيوت بشارع القاهرة، وفي نصب القلاع.
وفي ثالث عشره: قدم البريد بالخروج إلى لقاء السلطان على بلبيس، فخرج الأمير كمشبغا، والأمير سودن النائب، وبقية الأمراء.
رفي يوم الأربعاء خامس عشره: نزل السلطان بالعكرشا، وأقام بها إلى ليلة الجمعة، ثم رحل، فخرج سائر الطوائف في يوم الجمعة إلى لقائه، وأقبل في موكب جليل حتى صعد قلعة الجبل، فكان يوما مشهوداً، خلع فيه على جميع الأمراء، وأرباب الوظائف بأسرهم.
وفي عشرينه: استقر أوناط في كشف الوجه البحري على عادته، وعزل شاهين الكلبكي.
وفي ثاني عشرينه: استقر دمرداش السيفي نائب الوجه البحري على عادته، وعزل أبو زلطة، واستقر طُرَقْجي في ولاية منوف على عادته، وعزل على بن محمد بن طاجار الشامي.
وفي خامس عشرينه: قدم البريد بموت الأمير بطا الطولوتمري، نائب دمشق.
وفي سابع عشرينه: استقر الأمير سودن الطرنطاي في نيابة دمشق، واستقر شهاب الدين أحمد بن عبد الله النحريري - قاضي طرابلس - في قضاء القضاة المالكية بالقاهرة ومصر، عوضاً عن الركراكي.
وفيه مات الأمير وزير الوزراء ناصر الدين محمد بن الحسام لاجين الصقري، بعد مرض طويل.
وفيه طلب السلطان الولاة المعزولين وهم: الأمير أيدمَرُ الذي يقال له أبو زلطة، وشاهين الكلفتي، وناصر الدين محمد بن حسن بن ليلى، وعلى بن محمد بن طاز، وأسَنبغا، وضرب أيدمُر بالمقارع، وسلمهم كلهم إلى والي القاهرة، ليدفعهم على حمل المال.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر: قبض على الأمير قرا دمرداش نائب حلب، وعلى الأمير ألطبغا المعلم نائب الإسكندرية، وسجنا بالبرج.
وخرج البريد بطلب تاج الدين عبد الرحيم بن الصاحب فخر الدين عبد الله بن الصاحب تاج الدين موسى بن أبي شاكر من الوجه القبلي، وقد توجه ليحضره، حتى يولى الوزارة، فلم يتم ذلك.
واستقر الأمير ركن الدين عمر بن الأمير ناصر الدين محمد بن قايماز، أستادار الأمير بيبرس - ابن أخت السلطان - في الوزارة، وخلع عليه في يوم الأربعاء رابع عشره. واستقر تاج الدين بن كحل في نظر الدولة، رفيقاًُ لشمس الدين المقسي.
وفي خامس عشره: قبض على الأمير قردم الحسني.
وفيه خلع على الشريف صدر الدين مرتضى بن غياث الدين إبراهيم بن صدر الدين حمزة الحسيني، بنظر القدس والخليل.
وفي تاسع عشره: أخرج الأمير قردم إلى غزة، بإمرة عشرة بها.
وفيه استقر الأمير العثماني أمير جاندار، بعد موت قطلوبغا الطَقتمُشي، وأفرج عن الأمير قطلوبغا الطشتمري الحاجب.
وفي ثماني عشرينه: استقر ناصر الدين محمد بن الأمير جمال الدين محمود الأستادار في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ألطنبغا المعلم. وقدم البريد بأن خمسة عشر من المماليك أتوا إلى باب قلعة دمشق مشاة، وشهروا سيوفهم وهجموا على القلعة، وأغلقوا بابها، وأخرجوا المنطاشية والناصرية من الحبس، وهم مائة رجل، وقتلوا نائب القلعة وجماعة معه، وأن الحاجب ركب بالعسكر وقاتلهم ثلاثة أيام حتى اقتحم عليهم القلعة، وأخذهم كلهم، إلا خمسة أنفس منهم، فإنهم فروا، ووسط الجميع.
وفي يومه: استقر صديق الكركي في ولاية الفيوم، وعزل أسَنْبُغا السيفي.
وفي يوم الاثنين ثالث ربيع الأول: برز الأمير سودن الطرنطاي نائب دمشق إلى الريحانية، بعدما لبس قباء السفر. ولبس أيضاً الأمير ناصر الدين محمد بن محمود الأستادار قباء السفر وتوجه إلى الإسكندرية.
وفيه سار الأمير حسن الكَجكَني إلى بلاد الروم بهمة، لخوند كار أبى يزيد بن عثمان.
وفي سادسه: استقر القاضي جمال الدين محمود العجمي في مشيخة الخانكاة الشيخونية ونظرها بعد وفاة الشيخ عز الدين يوسف الرازي.
وفي سادسه: قبض على الأمير ناصر الدين محمد بن عبد الله بن بَكنمُر الحاجب - صهر الأمير بطا - على مال يحمله.
وفيه رحل الأمير سودن نائب دمشق، ومعه الأمير بكتمر شاد الشراب خاناه، ليقتله بدمشق.

وفي رابع عشره: تزوج السلطان بنت المعلم شهاب الدين أحمد الطولوني المهندس.
وفي خامس عشره: عزل قاضي القضاة عماد الدين أحمد الكركي نوابه، واقتصر منهم على خمسة فقط. وكان قد استكثر من النواب حتى زادوا على العشرين، فأنكر عليه السلطان ذلك، فصرفهم.
وفيه نقل علاء الدين على البيري مواقع الأمير يلبغا الناصري، ومحب الدين محمد بن محمد بن الشحنة قاضي الحنفية بحلب، من بيت الأمير جمال الدين محمود الأستادار إلى دار الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي والي القاهرة، وكان قد قبض عليهما بالشام، وحضرا مع السلطان في الترسيم، وأنزلا بدار الأمير محمود، فأكرمهما، وقام لهما. مما يليق بهما.
وفي سادس عشره: عزل قاضي القضاة شهاب الدين أحمد النحريري المالكي نوابه، وترك منهم خمسة على حالهم.
وفي سابع عشره: استقر زين الدين أمير فرج الحلبي في شد الدواوين، وكان والي القاهرة يتحدث في شد الدواوين منذ قبض على ناصر الدين محمد بن أقبغا آص.
وفي يوم السبت ثاني عشرينه: سافر إلى بلاده أبو الحجاج يوسف بن علي بن غانم، أمير العرب ببلاد المغرب، بعد ما حج، وأقام بالقاهرة أشهراً. واجتمع بالسلطان وألبسه كاملية حرير بطرز ذهب.
وفي رابع عشرينه: استقر الفخر عبد الرحمن بن مكانس وزيراً بدمشق.
وفيه قتل علاء الدين على البيري، ودفن خارج باب النصر.
وفي خامس عشرينه: أفرج عن المحب بن الشحنة.
وفي سادس عشرينه: أفرج عن ناصر الدين محمد بن بكتمر الحاجب، على أن يحمل مائتي درهم فضة.
وفي يوم السبت سابع ربيع الآخر: استقر تاج الدين عبد الرحيم بن الصاحب فخر الدين عبد الله بن أبي شاكر في نظر الديوان المفرد. واستقر منجك السيفي والي أشموم الرمان، وعزل ناصر الدين محمد بن الطويل. واستقر يلبغا مملوك مبارك شاه وافي الأشمونين، عوضاً عن محمد بن الأعسر. واستقر شرف الدين أبو البركات موسى بن محمد بن جمعة الأنصاري في قضاء القضاة الشافعية بحلب، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن الخطب شمس الدين محمد بن خطيب نقيرين. وأنعم على الأمير قديد بتقدمة ألف، عوضاً عن قُطْلوبُغا الصفوي بعد موته. وأنعم على بلاط المنجكي بإمرة عشرة، واستقر يَلبغا الظاهري نائب الوجه القبلي على عادته.
وفي سادس عشره: أعيد نظر الجامع الطولوني إلى قاضي القضاة عماد الدين أحمد الكركي، وكان قد استقر فيه الأمير قطلوبغا الصفوي مدة.
وفي ثاني عشرينه: استقر الأمير قطلوبغا الأسنقجاوي أبو درقة في ولاية أسوان، عوضاً عن الصارم إبراهيم الباشقردي.
وفي ثالث عشرينه: قتل الأمير أيدكار العمري، وقراكسك، وأرسلان اللفاف، وصنجق، وأرغون شاه.
وفي خامس عشرينه: أعيد النجم محمد الطنبدي إلى حسبة القاهرة، وصرف بهاء الدين محمد بن البرجي.
وفيه رسم السلطان للأمير أبى يزيد الدوادار، والقاضي بدر الدين محمد بن فضل اللّه كاتب السر، بالتحدث في أوقاف الحرمِين، وأن يسترفع حسابها شمس الدين نصر اللّه ابن شظية - مستوفي ديوان المرتجع - فوُكِّل بمباشري أوقاف الحرمين، وألزموا برفع حساب عشر سنين، وألزم مباشرو موادع الحكم بعمل حساب الأيتام، وذكر الترك المهملة، ورسم على أمناء الحكم وجباة الأوقاف.
وفيه أضيف إلى الأمير مبارك شاه كشف الفيوم والبهنسا والأطفيحية، مع كشف الجيزة.
وفي أول جمادى الأولى: أحضرت عدة رؤوس من المسجونين بالإسكندرية من الأمراء. واستقر أبو بكر بن بدر في ولاية البهنسا، عوضاً عن شرف الدين بن طي الدهروطي.
وفي تاسع عشره: استقر الأمير كُمُشبغا الحموي أتابك العساكر بعد موت الأمير الكبير أينال اليوسفي، وتحدث في نظر المارستان المنصوري على العادة. واستقر الأمير أيتمش البجاسي رئيس نوبة النوب.
وفي ثالث رجب: قدم البريد بقتل منطاش، ولم يصح.
وفي حادي عشره: تجمع عدة من المماليك السلطانية على الأمير جمال الدين محمود الأستادار عند نزوله من القلعة، وسبّوه، ورجمه بعضهم من أعلى القلعة بالحجارة، وشهروا دبابيسهم ليقتلوه، وكان قريباً من بيت الأمير أيتمش. فلما بلغه ذلك ركب بنفسه ليخلصه، ففر أكثر المماليك منه، وثبت بعضهم. فما زال بهم يدافعهم عنه بالرفق حتى انصرفوا عنه. وسار به إلى بيتَه حتى سكنت الفتنة، وشيعه في مماليكه إلى داره.

وفي يوم الخميس رابع عشره: استقر تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر في الوزارة، عوضاً عن الركن عمر بن قايماز. واستقر ابن قايماز أستاداراً، عوضاً عن الأمير محمود، بعدما أنفق من ماله ستمائة ألف درهم في تكفية ديوان الوزارة، ذهبت عليه ولم يتعوض عنها، واستقر الأمير محمود عَلَى إمرته، وخُلع على الثلاثة.
وفي ثامن عشره: أعيد الشهاب الفرجوطي إلى ولاية قوص، وعُزل محمد بن العادلي.
وفي ثالث عشرينه: استقر كريم الدين عبد الكريم ابن المعلم أفسح في نظر الإسطبلات، بعد أن تعطلت مدة من ناظر.
وفي خامس عشرينه: استقبل الصارم إبراهيم الباشقردي في ولاية منوف.
وفي تاسع عشرينه: بُشّر بزيادة النيل، وأن القاع سبعة أذرع، وعشرون إصبعاً.
وفيه حضر الشريفان عنان بن مغامس وعلي بن جلان - أميرا مكة - باستدعاء، ودخلا على السلطان في يوم الاثنين ثالث شعبان. فأجلس السلطان ابن عجلان - مع صغر سنه - فوق عنان، مع شيخوخته.
وفي ثاني عشره: قبض على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن مكانس من داره بدلالة بعض النصارى عليه، وسلم لوالي القاهرة، فوكل به من يحفظه في داره.
وفي ثالث عشره: استَقر الغرس خليل الشرفي والي أشموم الرمان، وصرف منجك.
وفي ثامن عشرينه: ابتَدأ بالسلطان مرض لزم منه الفراش.
وفي يوم الاثنين أول شهر رمضان: استقر الأمير كُمُشبغا الخاصكي الأشرفي نائباً بدمشق، بعد موت سودن الطرنطاي.
وفي خامسه: نودي بزينة القاهرة لعافية السلطان من مرضه، فزينت.
وفي سادسه - وهو ثالث مسري: - أوفي النيل ستة عشر ذراعاً، فنزل السلطان إلى المقياس وفتح الخليج على العادة.
وفي عاشره ورد البريد بمحاربة عسكر حلب لمنطاش، وفراره، وأنه عدى الفرات، وقبض على عدة من أصحابه.
وفي حادي عشره: خلع على الشريف علي بن عجلان، واستقر أميراً بمكة وحده من غير شريك له، وخلع على الشريف عنان والشريف علي بن مبارك، خلعتي إنعام. ولبس كمشبغا نائب دمشق قباء السفر، وسار وطُلبه بتجمل عظيم، قاد فيه سبعين جنيباً من الخيل.
وفي ثالث عشره: قُلعت الزينة.
وفي خامس عشره: نزل السلطان من القلعة إلى القاهرة، وصعد إلى مدرسته بخط بين القصرين، وزار أباه، وعاد.
وفيه أنعم على الأمير تغري بردى من كشمبغا بتقدمة ألف، وأنعم بطبلخاناته على الأمير قلمطاي العثماني. وأنعم على حادي خجا بإمرة عشرين.
وفيه أعيد الأمير محمود إلى الأستادارية، عوضاً عن الركن عمر بن قايماز.
واستقر ابن قايماز هن جملة أمراء الطبلخاناه.
وفي سادس عشره: استقر بدر الدين محمد بن الطوخي في الوزارة بدمشق، عوضاً عن الفخر عبد الرحمن بن مكانس. وخرج البريد بإحضاره من دمشق في الترسيم، هو وابنه مجد الدين فضل اللّه وأخوه نصر اللّه.
وفي ثاني عشرينه: قدم البريد بوقوع الحريق في دمشق، يوم السبت حادي عشرين شعبان، بجوار جامع بنى أمية، تلف فيه شيء كثير جداً.
وَفي هذا الشهر: وقع وباء في البقر، حتى أبيعت البقرة بعشرين بعد ما كانت تباع بخمسمائة درهم. ثم فحش الموت فيهن، فأبيعت البقرة بخمسة دراهم، وترك الناس أكل لحم البقر، استقذاراً له. وعم الوباء في البقر أرض مصر كلها، ففنى منها ما لا يقع عليه حصر.
وفي يوم الاثنين سادس شوال: استقر ناصر الدين محمد الضاني في ولاية منفلوط وعزل على بن غَلْبَك.
وفي سابعه: استقر أحمد الأرغوني في ولاية دمياط وعزل أبو بكر بن بدر.
وفي ثامن شوال: استقر القاضي بدر الدين الأقفهسي في نظر الدولة، وعزل ابن شيخ. واستقر ناصر الدين مؤمن في ولاية قليوب، وعزل قطلوبغا الصفوي. واستقر علاء الدين على الطشملاقي والي قطيا. وعزل حسام الدين حسن المؤمني أمير آخور.
وفيه أنعم على الشريف علي بن عجلان أمير مكة بأربعين فرساً، وعشرة مماليك من الأتراك، وثلاثة آلاف أردب قمحاً، وألف أردب شعيراً، وألف أردب فولاً، وحمل على فرش بقماش ذهب، ورسم له أن يستخدم مائة فارس من الترك، يسير بهم إلى مكة.
وفيه قبض على تاج الدين بن كحل، وسلم لشاد الدواويِن على مال يحمله.
وفي خامس عاشره: عزل شيخ الشيوخ المعروف بشيخ الإسلام أصلم بن نظام الدين الأصفهاني، وسلم لشاد الدواوين على حمل مائتي ألف درهم.

وذلك أن السلطان لما اختل أمره بحركة الأمير يلبغا الناصري ومسيره إلى القاهرة، همَّ الملك الظاهر بالهرب، وأعطى شيخ الشيوخ هذا خمسة آلاف دينار، وواعده أن ينزل إليه ويختفي عنده، فلم يِف له بذلك، وغيب عنه فاختفي السلطان عند أبي يزيد كما ذكر. فلما عاد إلى الملك طلب منه الخمسة آلاف دينار على لسان الدوادار، فقال " تصدقت بها على الفقراء " . فلما ألح الدوادار في مطالبته قال: " أعلم السلطان أني أجمع الفقراء من الزوايا والربط وألزمهم بإعادة ما تصدقت به عليهم، وأقول لهم إن لسلطان قد عاد في صدقته فإنه لم يدفع هذا المالإلي إلا لأتصدق به، لا أنه وديعة عندي " .
فلما أعاد الدوادار على السلطان هذا القول أسرها في نفسه، وَصبر كعادته حتى وقف إليه من ادعى أن تاجراً ترك عند شيخ الشيوخ عدة أحمال، فيها ثياب ليسافر بها من غير مكر فأمر بطلبه من خانكاه سرياقوس. فلما وقف مع غريمه اعتذر، فقال بعض من حضر أنه مكتوب في يده سحر يسحر به السلطان، فعزله من المشيخة، وتسلمه شاد الدواوين.
وفي سادس عشره: استقر ناصر الدين محمد بن ليلى في نقابة الجيش، وعزل أسندمر.
وفي تاسع عشره: استقر الشريف فخر الدين ناظر المارستان في مشيخة الشيويخ بخانكاة سرياقوس.
وفي عشرينه: استقر جمال الدين محمود العجمي في نظر الجيمش، عوضاً عن كريم الدين عبد الكريم بن عبد العزيز، مع ما بيده من قضاء القضاة الحنفية، ومشيخة الشيخونية، ولم يقع مثل ذلك بدولة الأتراك في مصر.
واستقر قطلوبغا القشتمري الحاجب في كشف الوجه البحري، وعزل قطلوبغا وعزل أوناط.
وفي خامس عشرينه: سار الشريف علي بن عجلان بعسكره إلى مكة، ومنع الشريف عنان من السفر، ورتب له في كل يوم ما يقوم به.
وفي سادس عشرينه: نودي بزيادة النيل ثلاثة أصابع من عشرين ذراعاً.
وفي سابع عشرينه: استقر الأمير تاني بك اليحياوي أمير أخور، عوضاً عن الأمير بكلمش العلاي، واستقر بكْلَمِش أمير سلاح.
وفي سلخه: نودي بخروج القطعان الذين قطعت أيديهم في السرقات، والبرصان، والجذماء، من القاهرة وظواهرها، وهمد من أقام منهم بالتوسيط.
وفي يوم الجمعة أول ذي القعدة - وهو ثالث عشرين توت - : انتهت زيادة النيل إلى اثني عشر إصبعاً من عشرين ذراعاً، وثبت إلى سابع بابه، ثم انحط بعد ما بلغ عشرين إصبعاً من عشرين ذراعاً.
وفي رابعه: أعيد مبارك شاه إلى نيابة الوجه القبلي، وعزل يلبغا الأسعدي. واستقر حسام الدين المؤمني أمير أخور في ولاية الجيزة.
وفي سابعه: أعيد بهاء الدين محمد البرجي إلى حسبة القاهرة، وعزل النجم محمد الطنبدي، وأذن له في الحكم عن قاضي القضاة الشافعي.
وفي تاسعه: سار السلطان إلى سرحة سرياقوس، ونزل بالقصور على العادة.
وفي عاشره: عفي عن القطعان من النفي.
وفي ثالث عشره: قدم ناصر الدين أحمد التنسي من الإسكندرية باستدعاء، واستقر في قضاء القضاة المالكية. وعزل الشهاب أحمد النحريري، ودخل إلى القاهرة من سرياقوس بالتشريف.
وفي سادس عشره: قبض بسرياقوس على ستة مماليك، وحملوا في الحديد إلى والي القاهرة، من أجل أنهم ارتكبوا الفاحشة بصبي حتى مات.
وفي ثامن عشره: عزل المقدم محمد بن عبد الرحمن وألزم بحمل مائتي ألف درهم، واستقر عوضه في تقدمة الدولة تنيتين. واستقر محمد بن عبد الرحمن في تقدمة الخاص، وشرع في حمل ما قرر عليه للوزير.
وفيه قتل الأمير قرا دمرداش، والأمير طغاي تمر - نائب سيس - في عدة من الأمراء.
وفيه استقر تقي الدين أبو محمد بن قاضي القضاة جمال الدين أبى المحاسن يوسف ابن قاضي القضاة شرف الدين أبي العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفري، في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن نجم الدين محمود بن الِكشْك. واستقر البرهان إبراهيم التادلي في قضاء المالكية بدمشق، واستقر عمر بن إلياس أخي قرط في ولاية منفلوط.
وفي خامس عشرين ذي الحجة: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بالسلامة والأمن، وتسلم على بن عجلان مكة، وأنه غرق بجدة نحو الثلاثين مركباً من ريح عاصف. واستقر شرف الدين مسعود في قضاء الشافعية بطرابلس، عوضاً عن ناصر الدين محمد ابن كمال الدين المعري.
وفي سابع عشرينه: أمر قاضي القضاة عماد الدين أحمد الكركي الشافعي بلزوم بيته، وألا يحكم.

وفي هده السنة: ضرب الأمير محمود الأستادار بالإسكندرية فلوساً ناقصة العيار عن الفلوس التي يتعامل بها الناس في ديار مصر.
وفيها استقر الأميران شمس الدين محمد بن الأمير زين الدين قارا بن مهنا، وزين الدين رقيبة بن الأمير ركن الدين عمر بن موسى بن مهنا الشهير بعمر المصمع.
وفي هذه السنة: خرج جماعة من بلاد المغرب يريدون أرض مصر لأداء فريضة الحج، وساروا في بحر الملح، فألقتهم الريح إلى جزيرة صقلية ، فأخذهم النصارى وما معهم، وأتوا بهم إلى ملك صقلية، فأوقفهم بين يديه وسألهم عن حالهم، فأخبروه أنهم خرجوا يريدون الحج، فألقاهم الريح إلى هنا، فقال: " أنتم غنيمة قد ساقكم الله إلي " وأمر بهم أن يقيدوا حتى يباعوا ويستخدموا في مهنهم، وكان من جملتهم رجل شريف، فقال له على لسان ترجمانه: " أيها الملك إذا قدم عليك ابن ملك ماذا تَصنع به؟ " قال: " أكرمه " قال: " وإن كان على غير دينك؟ " . قال: " وما كرامته إلا إذا كان على غير ديني، وإلا فأهل ديني واجب كرامتهم " قال: " فإني ابن أكبر ملوك الأرض " ،. قال: " ومن أبوك؟ " ، قال: " علي بن أبى طالب رضى الله عنه " . قال: و لم لا. قلت: أبى محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: " خشيت أن تشتموه " . قال: " لا نشتمه أبداً " . قال: " بيَّنْ لي صدق ما ادعيت به " ، فأخرج له نسبته - وكانت معه في رق - فأمر بتخليته وتخلية من معه لسبيلهم، وجهزهم. ثم بلغه أن بعض النصارى من أجناده بال على هذا الشريف، فأمر به فأحرق، وشهر في بلده. ونودي عليه: " هذا جزاء من يشتم الملوك " ، فإنه كان شتم أبا الشريف أيضاً.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر من الأعيانسوى من قتل من الأمراء: شهاب الدين أحمد الدَّفري، أحد نواب القضاة المالكية بالقاهرة، في ثاني عشر ذي القعدة.
ومات شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الدّنيسري، المعروف بابن العطار، الشاعر، في سادس عشرين ربيع الآخر.
ومات الأمير الكبير أينال اليوسفي، أحد المماليك اليلبغاوية، في رابع عشر جمادى الآخرة. كان أينال شرس الأخلاق، شجاعاً.
ومات الأمير سيف الدين بُطا الطولوتمري، أحد المماليك الظاهرية برقوق، ونائب الشام في حادي عشرين المحرم بدمشق.
ومات الأمير سيف الدين تلكتمر. تنقل في الخدم حتى أنعم عليه الملك الأشرف شعبان بن حسين، وبعد واقعة الأمير أسندمر بإمرة مائة. واستقر رأس نوبة كبيراً في تاسع عشر صفر سنة تسع وستين وسبعمائة. ثم صار أمير مجلس في خامس عشر رمضان منها، ثم نقل من ذلك وصار أستاداراً في حادي عشر المحرم سنة إحدى وسبعين، عوضاً عن علم دار المحمدي. ثم أخرج إلى صفد في ثالث ربيع الآخر منها، واستقر نائبها. ثم أحضر إلى القاهرة بعد قليل، وأنعم عليه بإمرة مائة. فلما كان في صفر سنة خمس وسبعين، استقر حاجب الحجاب مدة، ثم تعطل ولزم داره، حتى مات في حادي عشرين ربيع الآخر.
ومات الأمير سودُن الطرنطاي نائب دمشق بها، في شعبان.
ومات الشيخ المعتقد طلحة المغربي المجذوب، في رابع عشر شوال بمدينة مصر. وكانت جنازته مشهورة، ودفن خارج باب النصر، وهو أحد من أوصى الملك الظاهر عند موته بدفنه تحت أرجلهم.
ومات صدر الدين عبد الخالق بن علي بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي، موقع الحكم، أخذ الفقه عن الشيخ خليل، وكتب على غازي، وبرع في الفقه والكتابة. ومات في ثالث عشرين جمادى الآخرة.
ومات الشيخ عز الدين يوسف بن محمود بن محمد الرازي العجمي الحنفي الأصم، شيخ الخانكاة الركنية بيبرس، ثم شيخ الخانكاة الشيخونية، ومات في ثالث عشرين المحرم، وقد أناف على السبعين.
ومات القاضي جمال الدين عبد اللّه بن الفيشي المالكي، أحد نواب القضاة المالكية بالقاهرة. وكان نقيباً للقضاة، ثم تولى الحكم، ورتب درساً بالجامع الأزهر، وأجرى عليه وقفاً. ومات في العشرين من ربيع الأول بعد أن ابتلى بالجذام عدة سنين، وهو يباشر الحكم.

ومات الشريف عبد الرحمن بن عبد الكافي بن علي بن عبد الله بن عبد الكافي بن قريش بن عبد الله بن عياد بن طاهر بن موسى بن محمد بن قاسم بن موسى الجليس بن إبراهيم بن طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبى طالب الطباطبي، المؤذن، في ثامن شوال، وكان قد حظي عند السلطان وتمكن منه. حدثني شمس الدين محمد بن عبد الله العمري - موقع الدست - قال: كنت في خدمة جمال الدين محمود العجمي قاضي القضاة، وناظر الجيش، فركب يوماً وأتى معه إلى دار الشريف عبد الرحمن هذا، فتلقاه وأدخله إلى داره، واستعظم مجيئه إليه، فبالغ محمود في التأدب معه، وقال له: " يا سيد، أنا أستغفر الله مما وقع مني " . فقال: " وما الخبر يا سيدي " قال: " ما دخلت البارحة إلى السلطان، وجئت أنت وجلست فوقي، أنفت من هذا في سري، وقلت: كيف يجلس هذا فوقي؟، ومحلي من الدولةَ ما قد عرف، وشق عليَّ ذلك، وقمت ولم يشعر أحد من خلق الله بشيء من ذلك، بل كان مما حدثت نفسي. فلما نمت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقول لي: " يا محمود تستقل ابني أن تجلس تحته " ، فاستغفرت مما وقع مني، وقد جئتك ثانياً بما خطر لي، وأسألك الدعاء " . قال: " فبكى الجميع " ، وكانت ساعة عظيمة.
ومات الأديب الوزير فخر الدين عبد الرحمن بن شمس الدين عبد الرزاق بن علم الدين إبراهيم بن مكانس القبطي، ناظر الدولة بديار مصر، ووزير دمشق. مات في خامس عشر ذي الحجة.
ومات علاء الدين علي بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم بن حميد الأزرقي المقيري الكركي، كاتب السر، في أول ربيع الأول، ودفن خارج باب النصر من القاهرة.
ومات علاء الدين علي بن عبد الله بن يوسف البيري الحلبي، الأديب، الشاعر، المنشئ، الكاتب، في رابع عشرين ربيع الأول، مخنوقاً.
ومات الأمير عنقاء بن شطي أمير آل مرا، قتله الفداوية في رابع المحرم.
ومات الشريف علي بن الشريف شجاع الدين عجلان أمير مكة.
ومات الأمير سيف الدين قطلوبغا الصفوي، حاجب الحاجب، في أول ربيع الآخر. ومات الأمير قطلوبغا الطقتمشي، أحد أمراء العشراوات في عاشر صفر.
ومات الشيخ بدر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله المنهاجي الزركشي، الفقيه الشافعي، ذو الفنون والتصانيف المفيدة، في ثالث رجب. سمع الحديث وأفتى ودرس. ومات الشيخ المعتقد أبو عبد اللّه محمد الركراكي المغربي، في ثاني عشر جمادى الأولى، وقد قارب المائة سنة. وهو ممتع حتى بالنساء.
ومات شمس الدين محمد بن إسماعيل أمين الملك الحلبي الحنفي الأعور أحد نواب القضاة الحنفية بالقاهرة، في رابع شوال.
ومات الشيخ المحدث بدر الدين محمد بن محمد بن مجير، المعروف بابن الصايغ، وابنالمشارف، في ثالث ربيع الآخر.
ومات الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن الأمير حسام الدين لاجين، الصقري المنجكي، في ثاني عشر صفر بمرض طويل، من غير أن ينكب.
ومات جمال الدين محمود بن حافظ الدين محمد بن تاج الدين إبراهيم بن شنبكي بن أيوب بن قراجا بن يوسف القيصري، المعروف بابن الحافظ الحنفي، قاضي الحنفية بحلب، وكان فاضلاً، جليل القدر، عفي عنه.
سنة خمس وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الأحد: ففي ثانيه أعيد صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي إلى قضاء القضاة الشافعية بديار مصر، عوضاً عن العماد أحمد الكركي، ونزل بالتشريف من قلعة الجبل إلى المدرسة الصالحية على العادة، وبين يديه عالم عظيم، منهم الأمير أبو يزيد الدوادار، وبدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر، ورأس نوبة، وحاجب الحجاب.
وفيه استقر علاء الدين على بن غلبك بن المكللة في كشف الفيوم والبهنسا والأطفيحية، عوضاً عن طيبغا الزيني.
وفي تاسعه: قبض على الوزير الصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبى شاكر وتسلمه أمير فرج شاد الدواوين؛ ليعاقبه على المال. وأعيد موفق الدين أبو الفرج إلى الوزارة.
وفي حادي عشره: قرئ تقليد قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي بمدرسة السلطان.
وفي ثالث عشره: قدم البريد بموت الأمير كمشبغا الخاصكي نائب دمشق فاستقر عوضه تاني بك الأمير، المعروف بتنم الحسني أتابك دمشق، وأنعم بإمرته على فخر الدين إياس الجرجاوي نائب طرابلس. ونقل دمرداش المحمدي نائب حماة إلى نيابة طرابلس. واستقر أقبغا الصغير في نيابة حماة.

وفيه استقر حسن المؤمني والي الجيزة في ولاية قطا، وعزل على الطشلاقي واستقر على بن قراجا في ولاية الجيزة.
وفي يوم الخميس رابع صفر: استقر أسَنْبُغا السيفي في ولاية قوص.
وقدم الخبر من الحجاز بأن جنتمر التركماني أمير ركب الشام هجم على أشراف المدينة النبوية ليأخذ منهم صقراً يصطاد به، وفهداً، فدافعوه، وقتل منهم شريفين. وكادت الحرب تقع لولا ركب الأمير ثابت بن نعير أمير المدينةَ، وكف عن القتال. وأن الشريف علي بن عجلان قبض على سبعين من بني حسن بمكة.
وفيه استقر محمد في ولاية قطيا، وعزل حسن المؤمني.
وفي تاسع عشرين جمادى الأول: قدم محمد بن قارا، ومملوك نائب دمشق على البريد، بأن منطاش ونعر أمير العرب. وابن بزدغان التركماني، وابن أينال التركماني، حضروا في عساكر كثيرة جحا إلى سلمية، فلقيهم محمد بن قارا على شيزر بالتراكمين، فقاتلهم، فقتل ابن بزدغان، وابن أينال وجرح منطاش وسقط عن فرسه، فلم يعرف لأنه حلق شاربه ورمى شعره، ثم أنه أدركه ابن نعير وأردفه خلفه، وانهزم بعد أن قتل من الفريقين عالم كبير. وحُملت رأس بن بزدغان وابن أينال إلى دمشق، وعلفتا على قلعتها.
وفيه استقر يلبغا الزيني في ولاية الأشمونين، وعزل محمد بن الأعسر.
وفي سلخه: استقر الحاج سلطان مهتار الركاب خاناه، وعزل المهتار خليل بن أحمد بن الشيخي.
وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة: قبض على الشريف عنان بن مغامس، وسجن بالبرج في القلعة.
وقدم الخبر بموت الطواشي زين الدين مقبل الرومي الشهابي، شيخ الخدام بالمسجد النبوي، فكتب باستقرار الطواشي زين الدين مسرور الحبشي البشتكي الناصري، عوضه.
وفي ثامنه: قدم البريد بأن نعير بن حيار ومنطاش، كبسا حماه في عسكر كبير، فقاتلهم نائبي حماه وطرابلس، فانكسرا، ونهبت حماه، وأن جلبان نائب حلب سار بعسكر إلى أبيات نعير عندما بلغه ذلك، وأخذ ما قدر عليه من المال والخيل والجمال والنساء والأطفال، وأضرم النار فيما بقي، وأكمن كميناً، فما هو إلا أن سمع نعير بما نزل ببيوته رجع إليها بجمائعه، فخرج الكمين وقتل من العربان وأسر كثيراً، وقتل من عسكر حلب نحو المائة فارس، وعدة من الأمراء.
وفي عاشره: أفرج عن الأمير ألطنبغا المعلم، ونفي إلى دمياط، وأفرج عن الأمير قطلوبغا السيفي الحاجب في أيام منطاش.
وفي رابع عشره: قدم البريد بموت الأمير يلبغا الأشقتمري نائب غزة.
وفي خامس عشره: استقر الأمير علاء الدين ألطنبغا العثماني في نيابة غزة.
وفي تاسع عشرينه: استقر الحسام حسن صهر أبي عرقة في ولاية أسوان، وعزل إبراهيم الشهابي.
وفي يوم الخميس ثالث رجب: استقر الأمير قَلَمْطاي دواداراً، بعد وفاة أبى يزيد.
وفي رابع عشره: توجه ألطنبغا العثماني إلى نيابته بغزة، وأنعم على تمراز الناصري رأس نوبة بطبلخاناه العثماني، وأنعم على شرف الدين موسى بن قماري أمير شكار بعشرة تمراز، زيادة على عشرته.
وفي عشرينه: ابتدأ بالسلطان وعك اشتد به، وأفرط عليه الإسهال الدموي، وكثر الإرجاف إلى سادس عشرينه. وأبل من مرضه، فنودي بالزينة، فزينت القاهرة ومصر، وجلس للحكم بين الناس في يوم الأحد سابع عشرينه على عادته. وركب من الغد وشق القاهرة من باب النصر، وخرج من باب زويلة إلى بيت الأمير الكبير أيتمش، ودخل إليه يعوده من مرض به، وركض إلى القلعة.
وفيه قبض على الأمير ناصر الدين محمد بن محمد بن أقبغا آص، كاشف الجيزة، وضرب بالمقارع؛ لشكوى الفلاحين منه، وسلم لابن الطبلاوي والي القاهرة.
وفيه استقر الأمير يلبغا الأحمدي الظاهري - المعروف بالمجنون - في كشف الوجه البحري، وعزل قطْلُوبُغا الطشتمري، واستقر في كشف الجيزية، عوضاً عن ابن أقبغا آص.
وفي رابع شعبان: نقل ابن أقبغا آص من بيت ابن الطبلاوي إلى الأمير جمال الدين محمود الأستادار ليأخذ منه مائة ألف درهم، فوقف عدة من الفلاحين إلى السلطان في يوم الأحد سابعه، وشكوا منه أموراً قبيحة من أخذ نسائهم، وأولادهم، وفجوره بهم، وحاققوه في وجهه على ذلك، وعلى أموال أخذها منهم، فضرب بالمقارع وسلم إلى والي القاهرة ليخلص منه أموال الفلاحين، فضربه أيضاً بحضرة أخصامه.
وفي ثامنه: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع، واثني عشر إصبعاً.

وفيه استقر أوناط اليوسفي نائب الوجه البحري، وكاشف البحيرة، وواليها. وعزل دمرداش السيفي، وأعيد محمد بن حسن بن ليلى إلى ولاية قطا، بعد موت محمد بن أشقتمر. واستقر أسندمر العمري نقيب الجيش بعد أن كان في ولاية بلبيس، وعزل على بن الطشلاقي.
وفي ثاني عشرينه: استقر برهان الدين إبراهيم بن نصر الله في قضاء القضاة الحنابلة بالقاهرة ومصر، بعد وفاة أبيه قاضي القضاة ناصر الدين.
وفي سابع عشرينه: قدم عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا - ولد أخي الأمير نعير - مغاضباً لعمه، فأقبل السلطان عليه وأجلسه، وخلع عليه.
وقدم البريد من دمشق بوصول أبى بكر وعمر ولدي نعير، مفارقين لأبيهما، ومعهما عدة من أكابر عربانه.
وفي تاسع عشرينه: قدمت رسل القان طَقْتمش خان ملك الدشت.
وفي يوم الاثنين ثالث رمضان: قدم البريد من حلب بقبض منطاش، وذلك أن الأمير جلبان نائب حلب لم يزل يبذل جهده في أمر منطاش، حتى وافقه الأمير نعير على ذلك. وكان في طول هذه المدة مقيماً عنده ويغزو معه، فبعث جلبان شاد شراب خاناته كمشبغا إلى نعير في خمسة عشر فارساً، بعدما التزم له بإعادة إمرة العرب إليه. فلما قرب من أبيات نعير نزل وبعث يأمره بقبضه، فندب نعير أحد عبيده إلى منطاش يستدعيه إليه، فأحس بالشر، وهم بالفرار، فقبض العبد عنان فرسه وأدركه عبد آخر، وأنزلاه عن فرسه وأخذا سيفه، فبدر إلى سكين معه ضرب نفسه بها أربع ضربات، وأغشى عليه، وحمل إلى كمشبغا ومعه فرسه وأربع جمال، فسار به إلى حلب في أربعمائة فارس من عرب نعير. فكان لدخوله يوماً مشهوداً، وسجن بقلعتها. فسر السلطان بذلك سروراً عظيماً، وأنعم على كمشبغا الواصل بالبشرى بخمسة آلاف درهم، وقباء مطرز بنصب، وتقدم إلى سائر الأمراء بخلعهم عليه، ودقت البشائر، ونودي بالزينة فزينت القاهرة ومصر، ونودي من الغد بأن منطاش قد قبض عليه.
وفي خامسه: قرئ تقليد قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم الحنبلي على العادة.
وفيه توجه الأمير سيف الدين طولو من علي باشا - أحد العشراوات - على البريد لإحضار منطاش، فسار إلى حلب، وعصره ليقر فلم يعترف بشيء، ثم ذبح، وحملت رأسه على رمح وطيف بها حلب، وسائر مدن الشام، حتى قدمت قلعة الجبل صحبة طُولُو في يوم الجمعة حادي عشرينه، علقت على باب القلعة، ثم طيف بها - على رمح - القاهرة ومصر، وعلقت على باب زويلة ثلاثة أيام. ثم حطت وسلمت إلى زوجته أم ولده. فدفنت في سادس عشرينه.
وفيه قلعت الزينة، وخرج يَلبغَا السالمي على البريد إلى الأمير نعير.
وفي هذا الشهر: هجم الفرنج على ناحية نَسْتَراوه في أربعة غربان، وسبوا ونهبوا، وأقاموا ثلاثة أيام.
وفي تاسع عشرينه: أوفى النيل ستة عشر ذراعاً، وافقه سادس عشر مسري فركب السلطان إلى المقياس، وفتح الخليج على العادة.
وقدم رسل متملك دهلك بفيل وزرافة، وعدة من الجواري والخدم، وغير ذلك.
وفي يوم الاثنين سادس عشر شوال: خرج المحمل إلى الحجاز مع الأمير سيف الدين فارس من قطلو شاه، أحد أمراء الطبلخاناه.
وفيه ابتدأ الناس في العمارة على الكبش، فبنوا الدور والأصطبل.
وفي تاسع عشره: قدم رسول الملك الظاهر مَجْد الدين عيسى - صاحب ماردين - بأن تَيْمور لنك أخذ تبريز، وبعث إليه يستدعيه إلى عنده بها، فاعتذر بمشاورة السلطان مصر، فلم يقبل منه وقال: " ليس لصاحب مصر عليك حكم، ولأسلافك دهر بهذا لأقليم " ، وأرسل إليه خلعة، وصكة ينقش بها الذهب والدنانير.

وفيه قدم رسول صاحب بسطام بأن تيمور قتل شاه منصور متملك شيراز، بعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، فلبس الخلعة وضرب الصكة. ثم أن تيمور مَلَكَ بغداد في يوم السبت حادي عشرينه، وذلك أن ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك في الفجور، فكاتب أهل بغداد تيمور، بعد استيلائه على تبريز، يحثونه على المسير إليهم، فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند، وهو عن بغداد مسيرة يومين. فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني، فأكرمه تيمور وقال: " أنا أترك بغداد لأجلك " . ورحل يريد السلطانية، فبعث الشيخ نور الدين كتبه بالبشارة إلى بغداد، وقدم في إثرها. وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق أخر فلم يشعر ابن أويس - وقد اطمأن - إلا تيمور قد نزل غربي بغداد، قبل أن يصل إليها الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر، ورحل بأمواله وأولاده وقت السحر من ليلة السبت المذكور. وترك البلاد فدخل إليها تيمور، وأرسل ابنه في إثر ابن أويس، فأدركه بالحلة، ونهب ماله، وسبى حريمه، وقتل وأسر كثيراً ممن معه. ونجا ابن أويس في طائفة، وهم عراة. فقصد حلب، وتلاحق به من تبقى من أصحابه.
وفي عشية يوم الجمعة. عشرينه - وهو أول توت - : أمطرت السماء بالقاهرة مطراً غزيراً، حتى خاض الناس في المياه، وهذا من غريب ما يحكى.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة: قدم البريد بأخذ تيمور بغداد.
وفي رابعه: قدم البريد بنزول ابن أويس الرحبة، في نحو ثلاثمائة فارس. وقدم كتابه وكتاب الأمير نعير، فأجيب اًحسن جواب، وكتب بإكرامه والقيام. مما يليق به، وتوجه إليه الأمير نعير، فعندما عاين ابن أويس نزل وقبل الأرض، وسار به إلى بيوته، وأضافه، ثم سيره إلى حلب، فقدمها ومعه أحمد شكر، ونحو الألفي فارس، فأنزله الأمير جلبان نائب حلب بالميدان، وقام له. مما يليق به. وكتب مع البريد إلى السلطان بذلك، وتشفع في الأمير نعير، وفي شكر أحمد. وكتب أيضاً ابن أويس يستأذن في القدوم، فجمع السلطان الأمراء للمشورة في أمر ابن أويس، فاتفقوا على إحضاره، وأن يخرج إلى مجيئه الأمير عز الدين اًزْدَشير ومعه ثلاثمائة ألف درهم فضة وألف دينار، برسم النفقة على ابن أويس.
وفي رابع عشرينه: ركب السلطان إلى مطعم الطور خارج القاهرة، وعاد من يومه.
وفي سادس عشرينه: توجه الأمير أزدمر على البريد، لإحضار ابن أويس.
وفيه سلم الصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر إلى والي القاهرة، فضربه بالمقارع، وبالغ في إهانته، وأخرجه نهاراً على حمار، وفي عنقه الحديد، وثيابه مضمخة بالدماء، فترامى على الناس، وطرح نفسه على الأبواب، يسأل شيئاً يستعين به في مصادرته.
وفيه قدمت رسل أبي يزيد بيك، بن مراد بيك، بن عثمان، متملك الروم، مع الأمير حسام الدين حسن الكجكني، بهدية سنية، منها باز أبيض، وسأل الرسل تجهيز طبيب من أطباء القاهرة إلى ابن عثمان ليداويه من مرض به، فتعين الطبيب شمس الدين محمد بن محمد الصغير، وجُهز وأعطى من الأدوية والعقاقير ما يحتاج إليه ابن عثمان.
وأما تَيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاث مرات في كل مرة منهم ألف تومان، وخمسمائة تومان وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقية، والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة، حتى أفقرهم كلهم. وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن تنوع في عقوبتهم، وسقاهم الملح والماء، وشواهم على النار، و لم يبق لهم ما يستر عوراتهم. وصاروا يخرجون فيلتقطون الخرق من الطرقات حتى تستر عوراتهم وتغطى رؤوسهم. ثم إنه بعث ابنه إلى الحلّة، فوضع في أهلها السيف يوماً وليلة، وأضرم فيها النار حتى احترقت، وفنى معظم أهلها ويقال إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس. وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة، فلقيهم صاحبها الأمير صالح بن جولان، وحاربهم وأسر ابن تيمور، وقتل منهم خلقاً كثيراًً، فبعث إليه عسكراً آخر في دجلة، فظفر بهم صالح أيضاً.
وفيه قدم الخبر من الحجاز بأن جماز بن هبة حصر المدينة النبوية، فقاتله ابن عمه الشريف ثابت بن نعير، وقتل بينهما جماعة.

وفي أول ذي الحجة: أفرج عن صاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر وقد بقي عليه مما ألزم به شيء، وكان الذي صودر عليه مبلغ خمسين ألف درهم.
وفي خامس عشره: استقر في نظر الإصطبلات.
وفي سادس عشره: توجه السلطان إلى منزلة سرياقوس على العادة.
وفيه قدم البريد بأن الأمير يونس نائب الكرك ركب ليأخذ غنماً للعشير، فلما أحاط بها، وقبض على عشرة من العشير، ثاروا به وقتلوه. وكان قد خرج إليهم بغير عسكر، ليس معه إلا عشرة مماليك.
وفي ثامن عشره: أخرج شكر باي العثماني، أميراً بحلب.
وفي خامس عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بالأمن والرخاء، وأنه لم يحضر أحد من حاج العراق.
وفي تاسع عشرينه: أمر في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمور لنك، فإنه قصد أخذ البلاد، وقتل العباد، وهتك الحريم، وقتل الأطفال، وأحرق الديار، فاشتد بكاء الناس، وعظم خوفهم، وكان من الأيام الشنعة.
وفيه قدم الخبر بأن أربعة من رهبان النصارى خرجوا بمدينة القدس، ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما اجتمع الناس لهم جهروا بالسوء من القول، وصرحوا بذم الملة الإسلامية، والأزراء على القائم بها، وأنه كذاب وساحر وما الحق إلا في دين عيسى، فقبض عليهم وقتلوا وحرقوا بالنار، فكان من الأيام المشهورة بالقدس.
ومات في هذه السنة من الأعيانالصارم إبراهيم بن طشتمر الدوادار، في خامس رمضان، بالإسكندرية.
ومات القاضي شهاب الدين أحمد بن الضياء محمد بن إبراهيم المناوي الشافعي، شيخ الجاولية، وأحد نواب القضاة بالقاهرة، في ثامن عشرين ربيع الآخر.
ومات شهاب الدين أحمد بن محمد بن مخلوف الحنفي، نقيب القضاة الشافعية، في عشرين رجب.
ومات الأديب الشاعر زين الدين أبو بكر عثمان بن العجمي، في سادس عشر ذي الحجة.
ومات الأمير زين الدين أبو يزيد بن مراد الخازن، دوادار السلطان، في سلخ جمادى الآخرة، وحضر السلطان جنازته.
ومات الحاج صبيح الغواصي، مهتار الطشتخاناه، بعدما أسنَّ وطالت عطلته، في ثامن عشرين ربيع الآخر.
ومات الوزير الصاحب شمس الدين أبو الفرج عبد اللّه المقسي القبطي، في رابع شعبان، ودفن بجامع المقس الذي جدده على الخليج.
ومات علم الدين عبد الله بن الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن شاكر بن الغنام، ناظر البيوت، في ثامن ربيع الأول، وكان حشماً.
ومات الأمير زين الدين أبو يزيد الأرزنكاني الدوادار، وكان عفيفاً عاقلاً عارفاً يكتب الخط المليح، ويشارك في عدة علوم.
ومات شهاب الدين أحمد بن صالح الزهري، الفقيه الشافعي، بدمشق.
ومات الشيخ علاء الدين على بن محمد الأقفهسي، الفقيه الشافعي، في ثاني عشرين شوال، قرأ على الكمال النشائي، وبرع في الفقه، وأفتى ودرس بالجامع الخطيري وغيره، وناب في الحكم بالقاهرة.
ومات الشيخ علاء الدين على بن محمد بن سبع، الفقيه الشافعي، بعدما خرف وقارب المائة سنة، في سادس عشرين رمضان، عن غير وارث.
ومات الأمير سيف الدين قُطلوبغا الأسنقجاوي، ويقال له أبو عرقة، كاشف الوجه المجري.
ومات الشيخ صلاح الدين محمد بن الأعمى الحنبلي في ليلة الأربعاء سادس ربيع الآخر، وقد درس بالمدرسة الظاهرية المستجدة وغيرها، وأفتى وتعين لقضاء الحنابلة بالقاهرة.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير سيف الدين أقبغا آص شاد الدواوين، في يوم الأربعاء ثامن عشرين شوال، وهو من بيت الإمارة، وأُنعم عليه في حياة أبيه - أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين - بإمرة طبلخاناه. ثم لما سخط الملك الأشرف على أبيه وأخذت منه الإمرة، وتعطل، وعق أباه وحكيت عنه في عقوقه أمور شنعة، ثم سافر إلى اليمن وعاد إلى القاهرة، وولي شد الدواوين بإمرة عشرة، وصودر وعوقب عقوبة شديدة، وكان من شرار الخلق والمتجاهرين بالمنكر.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن اًشقتمر الخوارزمي - والي قطيا - هو وأبوه، مات في ....

ومات الطواشي زين الدين مقبل الرومي الشهابي شيخ الخدام بالحرم النبوي. أصله من خدام الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون، وجانداره. وتنقل في الخدم، واختص بالأمير شيخو العمري، وخدم السلطان حسن بن محمد. ثم حج وجاور بالمدينة النبوية، وخدم الحجرة الشريفة في جملة الخدام، وصار ينوب عن الطواشي افتخار الدين ياقوت الرسولي الخازندار الناصري شيخ الخدام، حتى مات، فولي بعده المشيخة إلى أن مات بالمدينة الشريفة في ...،.
ومات قاضي القضاة ناصر الدين أبو الفتح نصر الله أحمد بن محمد بن أبى الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم الكناني العسقلاني الحنبلي، ولد قريبا من سنة عشرين وسبعمائة، وبرع في الفقه والحديث والعربية والأصول والميقات، وناب في الحكم بالقاهرة عن الموفق عبد الله الحنبلي نحو العشرين سنة. ثم ولي قضاء القضاة بعده في محرم سنة تسع وستين، حتى مات ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان، وكان من خيار المسلمين.
ومات نجم الدين محمد بن جماعة خطيب القدس، في يوم الأربعاء تاسع ذي القعدة، بالقاهرة، ودفن خارج باب النصر.
ومات سعد الدين إبراهيم بن عبد الوهاب بن النجيب أبي الفضايل الميموني القبلي، كاتب العرب، ومباشر ديوان الجيوش.
وتَوفي الشيخ المسلك عبد الرحمن بن ..... ، الشريشي، أحد مريدي الشيِخ يوسفي العجمي في ....، .
سنة ست وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الاثنين: والسلطان بقصور سرياقوس، وعساكره معه، ففي رابعه عاد إلى القلعة.
وفي سادسه: قبض على فرج شاد الدواوين، وألزم بمال.
وفي سابعه: استقر في نيابة الكرك الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ على أحد أمراء دمشق.
وفي ثامنه: أفرج عن أمير فرج، وبقي في وظيفة شد الدواوين، بعد التزامه بمائتي ألف درهم فضة.
وفي تاسعه: عدى السلطان إلى بر الجيزة وتصيد، وعاد من يومه.
وفي عاشره: قدم الحاج محمد وزير ماردين على البريد بأن الأكراد قد دخلوا في طاعة تيمور لنك.
وفي حادي عشره: نفي الأمير قُنُقْباي إلى القدس.
وفي ثاني عشره: نزل السلطان وعدى إلى بر الجيزة وتصيد، وعاد في يومه.
وفي سادس عشره: ركب إلى المطرية، وتصيد بطان، وعاد.
وفي ثامن عشره: عدى إلى بر الجيزة، وعاد في الغد.
وفيه استقر خليل الجشاري في ولاية قطيا، وعزل أحمد الأرغوني.
ولْى ثالث عشرينه: قدم المحمل بالحاج.
وفي خامس عشرينه: ركب السلطان وتصيد، وعاد من يومه، وركب من الغد، وتصيد بالجيزة، وعاد في ثامن عشرينه، وكان البريد قد ورد بحضور رسل تيمور لنك بهدية إلى أول حدود المملكة، فكتب بقتلهم، فلما كان سلخه، قدمت رسل النواب بهدية تيمور لنك وهي: تسعة مماليك، وتسع جواري وغير ذلك، فوجد من جلة المماليك ابن وزير بغداد، وابن قاضيها، وابن محتسبها، وليس فيهم سوى مملوك واحد، فتركهم لحالهم، وتزي ابن القاضي بزي الفقهاء.
وفي يوم السبت أول صفر: ابتدأ الأمير سودن النائب بعرض أجناد الحلقة، ثم أبطله.
وفي ثالثه: ركب السلطان للصيد ببركة الحاج، وعاد.
وفي خامسه: تولى الأمير قلمطاي الدوادار عرض أجناد الحلقة بمار الأمير سودن النائب، وألزم أرباب الأخبار الثقيلة العبرة، الكثيرة المتحصل، بالسفر إلى قتال تيمور، واستمر العرض أربعة أيام في الأسبوع وهي: السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء.
وفي سادسه: ركب السلطان وتصيد ببركة الحاج، ودخل إلى القاهرة من باب القنطرة، وخرج من باب زويلة إلى القلعة، وركب إلى الجيزة في ثامنه، وعاد في عاشره.
وفيه استقر حسن بن قراجا في ولاية قطيا، بعد وفاة الصارم إبراهيم الباشقردي.
وفي ثالث عشره: ركب السلطان وتصيد بالبركة، وعاد وركب في سابع عشره إلى الجيزة. وعاد في تاسع عشره وركب في ثاني عشرينه إلى الصيد بالبركة وعاد.
وفي رابع عشرينه: خرج المطبخ إلى لقاء ابن أويس.
وفي خامس عشرينه: استقر شمس الدين محمد بن الدميري في نظر الأحباس، بعد وفاة تاج الدين محمد المليجي، واستقر زين الدين طاهر بن حبيب الحلبي - موقع الدست - في نظر الخزانة، عوضاً عن المليِجي.
وفي سابع عشرينه: ركب السلطان للصيد بالبركة، وعاد وركب في تاسع عشرينه إلى الصيد بالجيزة، وعاد في يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول.
وفي خامسه: عمل السلطان المولد النبوي على العادة.

وفي سابعه: ركب السلطان وتصيد بالبركة وعاد.
وفي حادي عشره: انتهى عرض أجناد الحلقة.
وفي ثاني عشره: نودي بالقاهرة ومصر أن من عرض على النائب والدوادر من أجناد الحلقة وتَعين للسفر، فليحضر للعرض على السلطان في يومي الخميس والاثنين. وفيه طرحت البضائع على التجار، وأخرج القمح من الأمراء، لعمل البشماط برسم السفر.
وفي ثالث عشره: نودي على أجناد الحلقة أيضاً بالعرض على السلطان وفيه قدم البريد بأخذ تيمور لنك قلعة تكريت، وتخريبها وقتل من بها.
وفيه خرج عدة من الأمراء لملاقاة القان غياث الدين أحمد بن أويس.
وفي رابع عشره: استقر موسى بن على - شاد دواليب الخاص - في ولاية البهنسا، وعزل قرطاي.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره: نزل السلطان إلى لقاء ابن أويس في جميع العساكر، وقعد بمسطبة مطعم الطيور من الريدانية خارج القاهرة إلى أن قرب منه ابن أويس، ونزل عن فرسه عدة خطوات، فمضى إليه الأمير بدخاص حاجب الحاجب، ومن بعده الأمراء للسلام عليه، والأمير بدخاص يعرفه اسم كل أمير ووظيفته، وهم يقبلون يده حتى أقبل الأمير أحمد بن يلبغا، فقال للأمير بدخاص: " هذا ابن أستاذ السلطان " . فعانقه ابن أويس، ولم يدعه يقبل يده. ثم جاء بعده الأمير بكلمش أمير سلاح فعانقه أيضاً، ثم بعده الأمير الكبير أيتمش رأس نوبة فعانقه، ثم الأمير سودن النائب فعانقه، ثم الأمير كمشبغا الحموي أتابك العساكر، فعانقه. وانقضى سلام الأمراء، فقام عند ذلك السلطان ونزل عن المسطبة، ومشى نحو العشرين خطوة، وهرول ابن أويس حتى التقيا، فأومأ ابن أويس لتقبيل يد السلطان فلم يمكنه وعانقه، وبكيا ساعة. ثم مضيا، والسلطان يطيب خاطره، وبعده يعوده إلى ملكه، ويده في يده، حتى صعدا إلى المسطبة، وجلسا معاً على البساط من غير كرسي وتحادثا طويلاً. ثم قدم قباء من حرير بنفسجي بفرو فاقم، وطرز ذهب عريضة، فألبسه ابن أويس. وقدم له فرساً من الخيل الخاص، بسرج وكنفوش، وسلسلة من ذهب، فركبه من حيث يركب السلطان، وركب السلطان بعده. وسارا يتحادثان، والأمراء والعساكر سائرة ميمنة وميسرة، وتارة يتقدم السلطان حتى يحجب ابن أويس، إلى أن قربا من القلعة، وقد خرج معظم الناس لمشاهدة ابن أويس، فكان يوماً مشهوداً. وعندما ترجل العسكر على العادة، صار ابن أويس مواكباً للسلطان، حتى بلغا حد موضع الطبلخاناه، أومأ إليه السلطان بالتوجه إلى المنزل الذي أعده له على بركة الفيل، وجدد عمارته وزخرفته وملأه بالفرش والآلات، فسار إليه وجميع الأمراء في خدمته، وصعد السلطان إلى القلعة. فلما دخل ابن أويس إلى منزله ومعه الأمراء، مد الأمير جمال الدين محمود الأستادار بين يديه سماطاً جليلاً فأكل وأكل معه الأمراء، وانصرفوا. فبعث إليه السلطان مائتي ألف درهم فضة، ومائتي قطعة قماش سكندري، وثلاثة أفراس بقماش ذهب، وعشرين مملوكاً حساناً، وعشرين جارية. فلما كان الليل قدم حريم ابن أويس وثقله.
وفي ثامن عشره: استقر محمد الضاني والياً بأشموم الرمان، عوضاً عن محمد بن غرلوا.
وفي يوم الخميس تاسع عشره: عمل السلطان الخدمة بالإيوان المعروف بدار العدل، على العادة. وصعد القان أحمد بن أويس إلى القلعة ليحضر الخدمة بالإيوان. وعبر من باب الجسر الذي يقال له باب السر، وجلس تجاه الإيوان حتى خرج إليه رأس نوبة، ومضى به إلى القصر فأخذه السلطان. وخرج به إلى الإيوان وأقعده رأس الميمنة فوق الأمير الكبير كمشبغا الأتابك. فلما قام القضاة ومد السماط قام الأمراء على عادتهم، فهمّ ابن أويس بالقيام معهم ووقف، فأشار له السلطان فجلس حتى فرغ الموكب. ولما انقضت خدمة الإيوان دخل مع السلطان إلى القصر، وحضر خدمة القصر أيضاً، ثم خرج، والأمراء بين يديه حتى ركب، وقدامه جاويشيته، ونقيب جيشه، فسار الأمراء بخدمته إلى منزله.
وفيه علق الجاليش بالطبلخاناه، إشارة للسفر، فشرع الناس في التَجهيز.
وفي حادي عشرينه: ركب السلطان ومعه ابن أويس إلى مدينة مصر، وعديا النيل إلى بر الجيزة، ونزلا بالخيام ليتصيدا.
وفيه قبض على الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الدولة، وعلى ولده تاج الدين عبد اللّه، وجماعة من المباشرين وسلموا لشاد الدواوين.

وفي رابع عشرينه: قدم البريد من حلب برجل تتري، يقال له دولات خجا، مقيد بالحديد، من أصحاب تيمور لنك، قبض عليه سالم الذكر.
وفيه قدم السلطان من الصيد إلى القلعة.
وفي خامس عشرينه: عرض التتري على السلطان، فسأله عن أشياء فلم يعترف، فسلم لوالي القاهرة ليعاقبه، فأقر أن بالقاهرة عدة جواسيس، قبض على سبعة أنفس، ما بين تجار وغيرهم من العجم.
وفيه أفرج عن ابن البقري وولده، على حمل خمسين ألف درهم، وعن بقية المباشرين على مائة ألف في درهم.
وفي تاسع عشرينه: استقر محمد بن صدقة بن الأعسر في ولاية منوف.
وفي سلخه: قدم البريد من حلب بتوجه الأمير ألطبغا الأشرفي، والأمير دقماق بعسكر من حلب إلى الرها، ومواقعتهم طلايع تيمور لنك، وهزيمتهم بعد أن قتل منهم خلق كثير، وأسر جماعة، وعودهم إلى حلب بمائة رأس من التمرية، وعدة من المأسورين.
وفيه استقر اسنبغا السيفي في ولاية قليوب، وعُزل محمد بن مؤمن الشمسي.
وفيه ألزم سائر مباشري ديوان الخاص والدولة ومباشري الأمراء بإحضار البغال من كل منهم، أو أخذ ثمن البغلة على قدر حال كل أحد، فوقع الشروع في ذلك.
وفيه أفرج عن المماليك المعتقلين في البرج بالقلعة، و لم يتأخر سوى الشريف عنان ومملوك واحد من الجوبانية، يقال له أسنبغا.
وفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر: حمل الأمير جال الدين محمود الأستادار السلاح على ثمانمائة حمال، فيه ثلاثمائة لبس كامل للفارس وفرسه.
وفيه ابتدئ بالنفقة في المماليك لكل واحد من المشتراوات مبلغ ألفي درهم، ولكل واحد من المستخدمين ألف وسبعمائة درهم، وعدتهم خمسة آلاف، فبلغت النفقة في المماليك خاصة عشرة آلاف ألف درهم فضة، سوى النفقة في الأمراء، وسوى ما حمل في الخزائن، وما جهز به فضة، سوى النفقة في الأمراء، وسوى ما حمل في الخزائن، وما جهز به الإقامات.

وفيه قدم كتاب تيمور لنك يتضمن الإرعاد والإبراق، وينكر قتل رسله، ونصه: " قُل اللْهُم فَاطِرِ السمَواتِ وَالأرْض عَاِلمَ الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُم بَينَ عَبادِكَ فِيمَا كانوا فِيْهِ يَختَلِفَون " . اعلموا أنا جند اللّه مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حل عليه غضبه، لا نرق لشاكي، ولا نرحم باكي، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا، فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا، ومن جهتنا. فقد خربنا البلاد وأيتمنا الأولاد، وأظهرنا في الأرض الفساد، وذلت لنا أعزتها، وملكنا بالشوكة أزمتها، فإن خيل ذلك على السامع وأشكل وقال إن فيه عليه مشكل، فقل له: " إِن الملُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزةَ أَهْلِهَا أَذِلة " ، وذلك لكثرة عددنا وشدة بأسنا، فخيولنا سوابق، ورماحنا خوارق، وأسنتنا بوارق، وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال، وجيوشنا كعمد الرمال، ونحن أبطال، وأقيال، وملكنا لا يرام، وجارنا لا يضام، وعزنا أبداً بالسؤدد مقام، فمن سالمنا سلم، ومن رام حربنا ندم، ومن تكلم فينا بما لا يعلم جهل، وأنتم فإن أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أنتم خالفتم وعلى بغيكم تماديتم فلا تلوموا إلا أنفسكم، فالحصون منا، مع تشييدها لا تمنع، والمدائن بشدتها لقتالنا لا ترد ولا تنفع ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا، ولا يسمع، وكيف يسمع الله دعاءكم وقد أكلتم الحرام، وضيعتم جميع الأنام، وأخذتم أموال الأيتام، وقبلتم الرشوة من الحكام، وأعددتم لكم النار، وبئس المصير، " إن الذِيْنَ يأكلون أَمْوَالَ اليتامى ظُلماً إِنمَا يَأْكُلُون في بُطُونِهِمْ نَاراً وَسيصلون سعِيَراً " . فلما فعلتم ذلك وأردتم أنفسكم موارد المهالك. وقد قتلتم العلماء، وعصيتم رب الأرض والسماء، وأرقتم دم الأشراف، وهذا واللّه هو البغي والإسراف، فأنتم بذلك في النار خالدون، وفي غد ينادي عليكم " الْيوَمَ تُجزون عَذَابَ الهَون بمَا كنتم تستَكْبِرُون في الأَرضِ بغَيْرِ الْحَق " " وَبمَا كُنتم تَفْسقُون " فأبشروا بالمذلة والهوان، يا أهل البغي وَالعدوان، وقد غلب عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا أنكم واللّه الكفرة الفجرة. وقد سلطنا عليكم إله له أمور مقدرة، وأحكام مدبرة، فعزيزكم عندنا ذليل، وكثيركم لدينا قليل، لأننا ملكنا الأرض شرقاً وغرباً، وأخذنا منها كل سفينة غصباً. وقد أوضحنا لكم الخطاب، فأسرعوا برد الجواب قبل أن ينكشف الغطاء، وتضرم الحرب نارها، وتضع أوزارها، وتصير كل عين عليكم باكية، وينادي منادي الفراق: هل ترى لهم من باقية؟، ويسمعكم صارخ الغناء، بعد أن يهزكم هزاً، " هلْ تَحِس مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تسمع لَهُم رِكزاً " ، وقد أنصفناكم إذ راسلناكم، فلا تقتلوا المرسلين كما فعلتم بالأولين، فتخالفوا كعادتكم سنن الماضين، وتعصوا رب العالمين، فما على الرسول إلا البلاغ المبين. وقد أوضحنا لكم الكلام، فأسرعوا برد جوابنا، والسلام.

فكنب جوابه بعد البسملة: " قُل اللْهُم هَالِكَ المُلْكِ تؤتي الملك مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزَع الْمُلْك ممن تَشَاء، وتُعِز مَنْ تَشَاءُ، وَتُذل مَن تَشَاء " ، حصل الوقوف على ألفاظكم الكفرية، ونزعاتكم الشيطانية، فكتابكم يخبرنا عن الحضرة الجنابية، وسيرة الكفرة الملاكية، وأنكم مخلوقون من سخط الله، ومسلطون على من حل عليه غضب الله، وأنكم لا ترقون لشاك، ولا ترحمون عسيرة باك، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، فذاك أكبر عيوبكم، وهذه من صفات الشياطين، لا من صفات السلاطين، ويكفيكمِ هذه الشهادة الكافية وبما وصفتم به أنفسكم ناهية " قُل يَا أيهَا الكافرون لاَ أَعبدُ مَا تعبدون وَلاَ أنتم عَابدون مَا أَعبد وَلاَ أَنَا عَابد مَا عَبَدتُمْ لكُمْ دِيْنُكُمْ وَليَ دِيْن " ، ففي كل كتاب لعَنتم، وعلى كل لسان كل مرسل نعيتم، وبكل قبيح وصفتم، وعندنا خبركم من حين خرجتم، إنكم كفرة، ألا لعنة اللّه على الكافرين، من تمسك بالأصول فلا يبالي بالفروع، نحن المؤمنون حقاً، لا يدخل علينا عيب ولا يضرنا ريب، القرآن علينا نزل، وهو سبحانه بنا رحيم لم يزل، فتحققنا نزوله، وعلمنا ببركته تأويله. فالنار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت. ومن أعجب العجب تهديِد الرتوت بالتوت، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع. نحن خيولنا برقية، وسهامنا عربية، وسيوفنا يمانية، وليوثنا مضرية، وأكفنا شديدة المضارب، وصفتنا مذكورة في المشارق والمغارب، إن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قتل منا أحد فبينه وبين الجنة ساعة. " َلاَ تَحْسبَن الذِينَ قُتِلُوا في سبيلِ اللّه أَموَاتاً بَل أَحياء عِندَ رَبهم يرزقون فَرحِينَ بمَا أتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضله ويستبشرونَ بِالذِينَ لَمْ يَلحقُوا بِهم مِنْ خَلفِهِم، ألا خوْفٌ عَلَيْهم وَلاَ هُم يَحزَنُون يستبشرون بنعمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَن اللّه لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المْؤْمِنِين " . وأما قولكم قلوبنا كالجبال، وَعمدنا كالرمال، فالقصَّاب لا يبالي بكثرة الغنم، وكثير الحطب يفنيه القليل من الضرم، " فكم مِنَ فِئَةٍ قَلِيْلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيْرة بِإذنِ اللّهِ واللّه مَعَ الصابِرِين " . الفرار الفرار من الرزايا وحلول البلايا. واعلموا أن هجوم المنية عندنا غاية الأمنية، وإن عشنا عشنا سعداء، وإن قتلنا قتلنا شهداء، ألا إن حزب اللّه هم الغالبون. أبعد أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين تطلبون منا طاعة. لا سمع لكم ولا طاعة، وطلبتم أن نوضح لكم أمرنا قبل أن ينكشف الغطاء، ففي نظمه تركيك، وفي سلكه تلبيك، لو كشف الغطاء لبان القصد بعد بيان، أكفر بعد إيمان. أم اتخذتم إلهاً ثان. وطلبتم من معلوم رأيكم أن نتبع ربكم، " لَقَدْ جئتمْ شَيئاً إِدا تكادُ السمَوات يَتَفَطرْن مِنْهُ، وَتَنْشَقُّ الأَرْض وَتَخِرُّ الجبالُ هَدا " ، قل لكَاتبك الذي وضع رسالته، ووصف مقالته: وصل كتابك كضرب رباب، أو كطنين ذباب. كلا سنكتب ما يقول، ونمد له من العذاب مدا، ونرثه ما يقول إن شاء اللّه تعالى. " وسيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُون " . لقد لبكتم في الذي أرسلتم. والسلام " .
وفي سادسه: عرض السلطان أجناد الحلقة الذين عينوا للسفر، واختار منهم أربعمائة فارس للسفر معه، وعرض رأس نوبة الأجناد البحرية، وعين منهم مائتي فارس للسفر.
وفي سابعه: خرجت مدورة السلطان، ونصبت بالريدانية خارج القاهرة.
وفي يوم الأربعاء تاسعه، عقد السلطان على الخاتون تندي، بنت حسين بن أويس، ابنة أخي القان أحمد بن أويس، ومبلغ الصداق ثلاثة آلاف دينار، صرف الدينار يومئذ ستة وعشرون درهماً، ونصف درهم، وبنى عليها في ليلة الخميس عاشره.

وفيه نزل السلطان من القلعة إلى الإصطبل، وخرج من باب السلسلة بالرميِلة، وقد وقف القان أحمد بن أويس وجميع الأمراء وسائر العساكر، وقد لبسوا للحرب ومعهم أطلابهم، فسار السلطان وعليه قرقل بغير أكمام، وكلفته على رأسه، وتحته فرس بعرقية من صوف سمك إلى باب القرافة، والعساكر قد ملأت الرميلة، فرتَب بنفسه أطلاب الأمراء، ومر في صفوفهم عوداً وبدءاً، حتى ترتبت أحسن ترتيب، ومضى إلى قبر الإمام الشافعي فزاره، وتصدق على الفقراء. وسار إلى مشهد السيدة نفسية، فزاره وتصدق وعاد إلى الرميلة. وأشار إلى الطلب السلطاني فسار إلى الريحانية في أعظم قوة، وأبهج زي، وأفخر هيئة، وجر فيه مائتي جنيب من عتاق الخيل، عليها من الأسلحة والذهب ما يقصر الوصف عن حكايته. وسار في موكب تهتز له الأرض، وإلى جانبه ابن أويس على فرس بقماش ذهب، وبجانب ابن أويس الأمير كمشبغا الأتابك. وتبع العساكر من ورائها طلب الأمير كمشبغا، ثم طلب الأمير قَلَمْطاي الدوادار، ثم أطلاب بقية الأمراء فكان يوماً لم ير مثله، وقد حشر الناس في كل موضع، ونزل السلطان، وابن أويس بالمخيم من الريدانية.
وفي رابع عشره: أعيد بدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي إلى قضاء القضاة بديار مصر، وصرف الصدر محمد المناوي، ودخل من الريدانية إلى القاهرة، ومعه من الأمراء تغري بردي رأس نوبة، وقَلَمطاي الدوادار، وأقبغا اللكاش رأس نوبة، في آخرين وعليه التشريف.
وفيه استقر الأمير ناصر الدين محمد بن رجب بن كلفت التركماني في الوزارة وعزل الموفق أبو الفرج. واستقر سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الدولة، عوضاً عن بدر الدين محمد بن الأقفهسي. واستقر الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن غنم في نظر البيوت على عادته. واستقر الصاحب علم الدين عبد الوهاب سن إبرة في استيفاء الدولة شريكاً للصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر، ودخل الجميع القاهرة بالخلع.
وفي سابع عشره: قبض على الشريف محمود العُنابي، وذلك أنه كان من العنابة خارج دمشق، فتوصل إلى السلطان وهو بها، وجاراه في أمور من المغيبات صادف وقوعها. وكان السلطان له تطلع إلى ذلك، فأكرمه، وقدم به معه إلى القاهرة، وأجرى عليه ألف درهم فضة في كل شهر، وصار إذا حضر مع القضاة يجلسه فوقهم بجانبه.
فلما كان يوم الثلاثاء خامس عشره: بعث الأمير شرف الدين موسى بن الأمير شمس الدين محمد بن عيسى العائدي من خزانة شمايل ورقة إلى الأمير علاء الدين على ابن الطبلاوي والي القاهرة، وكان السلطان قد سخط على بني عيسى وسجنهم بخزانة شمايل، فإذا في الورقة أن الشريف العنابي بعث إليه أن يأمر عربانه بالنزول قريباً من القاهرة ليملكها بهم في غيبة السلطان فلم يقنع ابن الفبلاوي بهذا من ابن عيسى، وقال لقاصده: لما إذا قيل هذا للشريف ينكره، لكن حصل إلى خطة بذلك فسير إليه في يوم الخميس سابع عشره ورقة زعم أنها من الشريف إليه، وفيها: " إنك ترسل إلى عربان البحيرة، وعربان الصعيد بالركوب على الولاة والكشاف وقتلهم، ونهب البلاد ليشتغلوا عنا بأنفسهم، وابعث إلى عربك أن يكونوا بقرب القاهرة، فإذا عدَّى الغريم قطيا أركب أنا وأنت، ومعي خمسمائة مملوك، وتحضر عربانك وتأخذ القاهرة، والنصر لنا إن شاء اللّه تعالى. وتولى الأمير شهاب الدين بن قايماز الأتابكية، وأتولى أنا الخلافة، ونفعل ما ينبغي فعله " . فقام ابن الطبلاوي من وقته إلى الريدانية، وأوصل الورقة للسلطان، فكتم ذلك، وبعث يلبغا السالمي ليحضر العنابي، فلم يجده، وقيل هرب، فألزم السلطان ابن الطبلاوي بتحصيله، فعاد إلى القاهرة، وبحث عنه حتى علم أن يخله عند شهاب الدين أحمد بن قايماز، فأكمن عدة من ثقاته حتى قبضوا على عبد العنابي، وضرب بالمقارع، حتى دله على أستاذه، فقبض عليه، وعلى ابن قايماز، وحملهما إلى الريحانية، فأمر بعقوبتهما حتى يعترفا على من معهما على ما قصداه، فعاد بهما، وسوط العنابي فاعترف أن الورقة بخطه، ثم عصره ليقر على أحد، فلم يعترف بشيء إلا أن معه طائفة من مماليك بركة، فأخذ خطه بذلك، وأن ابن قايماز معه، فأنكر ابن قايماز، وحاققه العنابي، فتمادى في الإنكار.
وفيه قبض على الأمير ركن الدين عمر بن قايماز بسبب أخيه أحمد.
وفيه نودي بحضور الأجناد البطالين إلى بيت الأمير قلمطاوي الدوادار ليستخدموا.

وفي عشرينه: قبض ما وقع الاتفاق عليه من مال الأيتام، وذلك أن السلطان احتاج إلى المال بسبب السفر، فسأل قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي أن يقرضه من مال الأيتام، فامتنع كما امتَنع من قرض منطاش. فلما سمع ذلك البحر محمد بن أبي البقاء وجد سبيلاً إلى ولايته، ووعد على عوده إلى القضاء بمال يقوم به هو، وأن يقرض السلطان خمسمائة ألف وستين ألف درهم من مال الأيتام، فأجيب، واستقر كما ذكر. ونزل إليه الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن رجب في يومه هذا، وقبض المبلغ المذكور. وفيه قرئ تقليد بدر الدين محمد بن أبي البقاء على العادة.
وفي حادي عشرينه: قدم الأمير قَلَمْطاي الدوادار من الريدانية إلى داره لعرض الأجناد البطالين، بعدما تكرر النداء عليهم مراراً، وتهديد من تأخر منهم عن العرض. فإذا بهم قد اجتمع منهم نحو الخمسمائة، فكتب أسماءهم ثم قال لهم: " أحضروا تراكيشكم التي فيها القسي والنشاب، وأحضروا سيوفكم " ، فتوجهوا لإحضار بذلك، طمعاً منهم في أنهم يأخذون النفقة، فما هو إلا أن حضروا بذلك، أحيط بهم. وكان قد أعد لهم والي القاهرة الحديد ليقيدوا به، فقبض على ثلاثة وسبعين منهم، وفر من بقي. وقتل ثلاثة أنفس، وجرح جماعة. وتسلم الوالي المقبوض عليهم في الأغلال، ومضى بهم إلى خزانة شمايل، فسجنوا بها، وكان يوماً مهولاً من كثرة بكاء نسائهم وأولادهم.
وفيه قدم ولد الأمير نعير، ومعه محضر، بأن أباه أخذ بغداد وخطب بها للسلطان، فأنعم عليه بتشريف.
وفيه أفرج عن الأمير ألطبغا المعلم، وكتب بإحضاره من دمياط.
وفيه خلع على الأمير سودن النائب، وجعل مقيماً بالقاهرة مدة الغيبة، وخلع على الأمير محمود الأستَادار وولده، وعلى الأمير بجاس، وأُلزم بالإقامة في القلعة، وخلع على برهان الدين إبراهيم المحلى التاجر، وشهاب الدين أحمد بن محمد بن مسلم، ونور الدين علي بن الخروبي؛ لأنه اقترض منهم السلطان مبلغ ألف ألف درهم.
وفيه أفرج عن الأمير قُنُقْباي الأسعدي، وكتب بإحضاره من القدس إلى غزة، ورسم لمباشريه بتجهيز بَرقه، وتعبئة طلبه.
وفي ثاني عشرينه: عرض الأمير علاء الدين على بن الطلاوي البطالين، الذين سجنوا بالخزانة، بدار الأمير محمود الأستادار وأفرج عن مائتي رجل منهم، ونفي ثلاثة وسبعين - كانوا غُرَّاباً غير معروفين - إلى عدة جهات.
وفيه أفرج عن الأمير ركن الدين عمر بن قايماز، على مال التزم بحمله.
وفي ثالث عشرينه: رحل السلطان من الريدانية، وكانت عدة الجمال التي فرقت في المماليك أربعة عشر ألف جمل، وعدة الخيل المفرقة في المماليك السلطانية ألفين وخمسمائة فرس، سوى ما عندهم من الخيل، وهي أضعاف ذلك، وهذه الخيول والجمال في المماليك خاصة.
وأما السلطان والأمراء فيكون معهم ما يزيد على مائة ألف، ما بين فرس وجمل. ومما حمل برسم خرط الشطرنج خمسة قناطير من العاج والأبنوس؛ ليلعب به السلطان. والرسم أنه إذا لعب بشطرنج أخذ أرباب النوبة، وجدد غيره.
وفي سابع عشرينه: قدم البريد من السلطان بقتل بني عيسى، فوسطوا على باب خزانة شمايل، وعدتهم أحد وعشرون رجلاً، منهم موسى بن محمد بن عيسى، وعمه مهنا بن عيسى وسلموا لغلمانهم، فأقيمت المناحة عليهم بالصحراء عدة أيام.
وفيه قتل الشريف محمود العنابي أيضاً.
وفي ثامن عشرينه: ثارت عرب بني عيسى بقليوب يريدون قتل الوالي ففر منهم إلى القاهرة.
وفيه قدم البريد بطلب بدر الدين محمود الكلستاني إلى السلطان، فخرج في غاية الخوف من القتل؛ لأنه كان من إلزام ألطنبغا الجوباني، فجاءه من العز ما لم يخطر له ببال، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وفيه استقر عمر بن إلياس في نيابة الوجه البحري، وعزل أوناط.
وفي يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى: توجه الأمير محمود بالخزانة إلى السلطان.
وفي عشرينه قدم البريد برحيل السلطان عن غزة في ثاني عشره، وأنه أنعم على ألطنبغا المعلم بإمرة مائة في طرابلس، وعلى قردم الحسني بنيابة القدس وأن قنقباي الأسعدي استعفي من الإمرة.
وفي ثالث عشرينه: قدم إلى مدينة دمشق رسل طقتمش خان، صاحب كرسي أزبك خان ببلاد القبجاق، بأنه يكون عوناً مع السلطان على تيمور لنك.
وفي ثامن عشرينه: قدم البريد بدخول السلطان إلى دمشق في عشرينه.

وقدم الخير بأن تيمور لنك رجع إلى بلاده، فدقت البشائر ثلاثة أيام.
وفيه قدم إلى القاهرة رسل ابن عثمان متملك الروم.
وفي أول شهر رجب: أخذ الفرنج عدة مراكب تحمل الغلال إلى الشام.
وفي سابع عشره: برزت العساكر من دمشق تريد حلب، وفيها الأمير الكبير كمشبغا الحموي أتابك العساكر، والأمير بكلمش أمير سلاح، وأحمد بن يلبغا، وبيبرس ابن أخو السلطان، ونائب صفد ونائب غزة.
وفيه سار البريد من دمشق بتشريف الأمير نعير، واستقراره في إمرة العرب على عادته.
وفيه قدم الأمير سالم الذكرى أمير التركمان، فخلع عليه.
وفي سلخه: قدم جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام البلقيني قاضي العسكر من دمشق إلى القاهرة. وقد نزل له والده عن تدريس الزاوية الخشابية بجامع عمرو بن العاص بمصر، وعن مشيخة التفسير والميعاد بالمدرسة الظاهرية المستجدة بين القصرين، وأقام والده مع السلطان.
وفيه كبس الأمير شرف الدين موسى بن طي متولي البهنسا على سفط ميدون، فقتله العرب بها، فاستقر عوضه إبراهيم الشهابي.
وفي يوم الاثنين أول شعبان: توجه القان غياث الدين أحمد بن أويس من دمشق إلى بغداد. وقد قام له السلطان بجميع ما يحتاج إليه، وعند وداعه خلع عليه أطلسين بشاش متمر، وسيف بسقط ذهب. وأعطى تقليداً بنيابة السلطنة ببغداد، فأراد أن يقبل الأرض، فلم يمكنه السلطان من ذلك إجلالاً له، ويقال إن الذي حمل إليه من النقد خمسمائة ألف درهم، سوى ما حمل إليه من الخيل والجمال والسلاح، وغير ذلك.
وفي ثالث عشره: سار من ظاهر دمشق.
وفيه أنعم على الأمير أقبغا طولو تَمُري - الذي يقال له اللكاش - بإمرة ألف، بعد وفاة بيليك المحمدي.
وفي عشرينه: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع.
وفي ثاني عشرينه قدم البريد باستقرار سيدي أبى بكر بن سنقر الجمالي، حاجباً ثالثاً.
وتوقف النيل عن الزيادة تسعة أيام متوالية من سلخ بؤونة - وهو رابع عشرين شعبان - إلى ثامن أبيب، فلم يناد عليه سوى إصبع واحد في كل يوم.
وفيه استقر قطلوبغا الطشتمري في كشف الفيوم، والبهنساوية، والأطفيحية، مضافاً لما معه من كشف الجيزية.
وفي ليلة الثلاثاء - الثلاثين من شعبان - : تراءى الناس هلال رمضان، فلم ير أحد الهلال مع كثرة عمرهم، فأصبح الناس على أخر شعبان، وأكلوا إلى الظهر، فقدم الخبر بأن الهلال رؤى ببلبيس، فنودي بالإمساك قبيل العصر.
وفي ثالثه: زاد النيل بعد توقفه.
وفي خامسه: نقل أمير فرج بن أيدمر من ولاية الغربية إلى نيابة الوجه البحري، عوضاً عن عمر بن إلياس قريب قُرُط، واستقر أخوه محمد بن أيدمر في ولاية الغربية.
وفيه قدم البريد بالقبض على نصر الله بن شَنْطيَّة مستوفي المرتجع، وإيداعه خزانة شمايل على مال، وإحضار محمد بن صدقة الأعسر والي المنوفية، فسار إليه البريد وأحضره إلى القاهرةَ، فهرب، واستقر عوضه أحمد الأرغوني.
وفيه أخصب البطيخ العبدلي، حتى أبيع كل مائة رطل بدرهم.
وفي يوم الجمعة تاسع شوال - الموافق تاسع مسري - : توقف النيل عن الزيادة، وأقام بغير زيادة إلى ثاني عشره، فزاد على العادة، واستمرت الزيادة.
وفي ثاني عشرينه: استقر بدر الدين محمود السرائي الكلستاني في كتابة السر، عوضاً عن بدر الدين محمد بن فضل اللّه العمري بعد وفاته، وخلع عليه بدمشق.
وفي ثامن عشرينه - وهو ثامن عشر مسري - : أو في النيل ستة عشر ذراعاً، وفتح الخليج على العادة.
وقدم الخبر على السلطان من القان أحمد بن أويس، أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد، خرج إليه نائب تيمور بها، وقاتله فانكسر، ودخل بغداد، وأطلق المياه على عسكر ابن أويس ليغرقه، فأعانه الله وتخلص منها بعد يومين، وعبر بغداد، وقد هرب التمرية منها، فاستولى عليها، واستخدم جماعة من التركمان والعربان، فلما بلغ ذلك تيمور جهز أمراءه بالأموال إلى سمرقندي.
وقدمت رسل ابن عثمان على السلطان بأنه جهز لنصرة السلطان مائتي ألف، وأنه ينتظر ما يرد عليه ليعتمده.
وقدم رسول القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس بأنه في الطاعة، يترقب ورود المراسيم عليه بالمسير لجهة تعين له.
وفي أول ذي القعدة: سار السلطان من دمشق يريد حلب.

واتفق بالقاهرة ومصر وظواهرهما أنه أشيع بأن امرأة طال دوام رمد عينها، وأيس الأطباء من برئها، فرأت في منامها كأنها تشكو ما بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمرها أن تمضي إلى سفح جبل المقطم، وتأخذ من حصى هناك وتكتحل به بعد سحقه، وأنها عملت ذلك، فزال ما في عينيها من الرمد، فلم يبق من الناس إلا من أخذ من الحصى الذي بالجبل واكتحل به، وعملوا منه في الإثمد وغيره، حتى أفنوا من ذلك لما لا يقدر قدره، وأقاموا على هذا مدة، وزعموا أنه شفي به خلق كثير.
وفي يوم الأحد سادسه - وهو سادس عشر توت - : انتهت زيادة النيل إلى أحد عشر إصبعاً من الذراع الثامن عشر، وانحط، فارتفعت الأسعار. وبلغ الأردب القمح أربعين درهماً، والفول والشعر عشرين درهماً، والبطة الحقيق وزنتها خمسون رطلاً إلى اثني عشر درهماً. وضج الناس على البهاء محمد بن البرجي المحتسب، فرسم الأمير سودن النائب للأمير علاء الدين الطلاوي بالتحدث في السعر، فنادى بفتح المخازن والبيع بسعر اللّه تعالى، وهدد من لا يفتح مخزنه ويبيع بالنهب. وفتح مباشرو الأمراء الشون وباعوا، فانحل السعر قليلاً. ثم شحت الأنفس بالبيع، وكثر الخوف من القحط؛ لكثرة ما شرق من الأراضي ولم يزرع.
وفي يوم الخميس رابع ذي الحجة: قدم البريد بعزل قطلوبغا من كشف الفيوم، بطيبغا الزيني، واستمر على كشف الجيزية كما كان.
وفي حادي عشره: وصل الأمير شيخ الصفوي من الشام، وهو مريض.
وفي ثالث عشره: زاد ماء النيل، وغرق بعض ما زرع، ثم انحط.
وقدم البريد بأن الأمير تغري بردي استقر في نيابة حلب، عوضاً عن جلبان. وأنعم على جلبان بإقطاع تغري بردي. وأن الأمير محمد بن قارا خرج عن الطاعة، والتحق بنعير، وصار بعربانه في جملته، وأن ناصر الدين محمد بن قاضي القضاة كمال الدين بن المعري استقر في قضاء طرابلس، عوضاً عن مسعود. وأن السلطان خرج من حلب يريد دمشق في خامس عشره. وأنه قلد أرغون شاه الإبراهيمي نائب صفد نيابة طرابلس، عوضاً عن دمرداش المحمدي، وأنعم على أقبغا الجمالي أحد أمراء حلب بنيابة صفد وأعلى إمرته لدمرداش المحمدي. وأن عامر بن ظالم انهزم من عرب زبيد بمن معه من آل مهنا إلى الفرات، فغرق، وغرق معه سبعة عشر من أمراء آل مهنا، وقتل ممن معه خلق كثير جداً.
وفي ثاني عشرينه: استقر علي بن غلبك بن المكللة في ولاية منوف، وعزل أحمد الأرغوني.
وفي تاسع عشرينه: قدم مبشرو الحاج بحسن سيرة قديد أمير الحاج، وكثرة الأمن والرخاء. واستقر علاء الدين علي بن قاضي القضاة شهاب الدين أبي البقاء في قضاء الشافعية بدمشق، عوضاً عن الشهاب أحمد الباعوني. واستقر نجم الدين أحمد بن قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل بن محمد بن أبي العز في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن التقي عبد الله الكفري. واستقر علم الدين القفصي في قضاء المالكية، عوضاً عن البرهان إبراهيم الصنهاجي. واستقر ناصر الدين محمد بن أبي الطيب في كتابة السر بحلب، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن السفاح.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرسوى من قتل إبراهيم ابن السلطان، في عشرين جمادى الأولى، ودفن بالمدرسة الظاهرية المستجدة.
ومات الصارم إبراهيم الباشقردي - والي قطيا - بها فجأة، في ثامن صفر.
ومات الأمير سيف الدين أبرك المحمودي، شاد الشراب خاناه، ودفن بدمشق.
ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الهادي بن أحمد بن أبي العباس الشاطر، الأديب الشاعر، في خامس عشرينه جمادى الأولى.
ومات الوزير الصاحب موفق الدين أبو الفرج الأسلمي القبطي، تحت العقوبة، في يوم الاثنين حادي عشرينه ربيع الآخر، وكان أسوأ الوزراء سيرة، وكثرت في أيامه المصادرات، وتسلط السفهاء بالسعاية إليه على الناس حتى عم الخوف، وفقد الأمن، وبه اقتدى في الظلم من بعده، وعجل الله له في الدنيا من العذاب ما لا يمكن وصفه، إلى أن أهلكه الله وأدخله سعيرا، فإنه لم يؤمن بالله قط، بل أكره حتى قال كلمة الإسلام، ولبس العمامة البيضاء فتسلط على الناس بذنوبهم، ومن العجب أنه لما كان يتظاهر بالنصرانية، ويباشر الحوائج خاناه، كان مشكوراً بكثرة بره ورعايته للناس، فلما تظاهر بالإسلام جاء عذاباً واصباً على عباد الله.

ومات بدر الدين حسن بن العَيْذَابي رئيس المؤذنين، في سلخ جمادى الأولى، وكان من العجائب في النهمة وكثرة الأكل.
ومات الشيخ المعتَقد رشيد الأسود التكروري، في المارستان، في يوم السبت ثالث عشرين جمادى الآخرة، وكان يقيم بجامع راشدة خارج مصر، وهو أخر من سكنه.
ومات الأمير سلام - بتشديد اللام - بن محمد بن سليمان بن فايد، بالفاء، المعروف بابن التركية، أمير خفاجة بالصعيد، في سابع ربيع الآخر.
ومات الأمير زين الدين عبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي، وابن أخت الملك الأشرف شعبان بن حسين، في عاشر شعبان.
ومات الرئيس علاء الدين علي بن عبد الواحد بن محمد بن صغير رئيس الأطباء، وهو بحلب، في يوم الجمعة تاسع عشر ذي الحجة، ودفن بها، ثم نقل إلى القاهرة، وكان من محاسن الدنيا.
ومات بدر الدين محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله العمري، كاتب السر، في يوم الثلاثاء العشرين من شوال بدمشق.
ومات القاضي الدين محمد بن محمد بن محمد المليجي، المعروف بصائم الدهر، ناظر الأحباس ومحتسب القاهرة، وخطيب مدرسة حسن، في تاسع عشر صفر، عن نحو سبعين سنة، وكان خيراً ديناً، كثير النسك، ساكناً، قليل الكلام، بهيج الزي، جميل الهيئة، يسرد الصوم دائماً.
ومات ناصر الدين محمد بن مقبل الجندي الظاهري، في يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة. كان يتظاهر يحف شاربه، ورفع يديه في كل خفض ورفع في الصلاة، ولا يكتم الاقتداء بمذهب أهل الظاهر، وكتب بخطه كثيراً، واشتغل بالحديث.
ومات ناصر الدين محمد بن شرف الدين موسى بن سيف الدين أرقطاي، في ليلة الأربعاء سادس عشرين ذي القعدة. كان حجه وأبوه من أمراء الألوف، وهو من أمراء العشراوات، ويحب الحديث، ويواظب سماعه على المشايخ.
ومات الأمير سيف الدين منكلي الطرخاني الشمسي، أحد الأمراء، ونائب الكرك. وتوفي ليلة العاشر من المحرم.
ومات جمال الدين عبد الله بن محمد بن العمري، المعروف بكاتب أيتمش، وبكاتب السمسرة، في يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الآخر.
ومات أمين الدين يحيى بن محمد الحنبلي العسقلاني ليلة الأربعاء ثاني ربيع الأول. وماتت زبيدة بنت قاضي القضاة زين الدين عمر بن عبد الرحمن بن أبى بكر البسطامي الحنفي.
وماتت أم قاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي، في ليلة يوم السبت تاسع المحرم، ودفنت بالقرافة.
وماتت الشيخة الصالحة شيخة رباط البغدادية، في يوم السبت ثاني عشرين جمادى الآخرة. وكانت على قدم فاضلة من العبادة، وتذكير النساء في وعظها إياهن، وتَعليمهن الخير.
ومات متملك تونس أبو العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر بن يحيى بن عمر بن ونُودَين الحفصي، في ليلة الخميس رابع شعبان، فكانت مدة ملكه أربعاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر ونصف. وقام من بعده ابنه أبو فارس عبد العزيز.
ومات صاحب فاس السلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني، ملك المغرب، في محرم. وأقيم بعده ابنه أبو فاس عبد العزيز بن أبي العباس.
سنة سبع وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الثلاثاء.
ففي ثالثه: قدم ثقل الأمير محمود الأستادار من الشام. وقدم البريد باستقرار دقماق في نيابة ملطية، وكان مقبل في نيابة طرسوس، وطَغَنْجي في نيابة قلعة الروم، ومَنْكلي بُغا الأسَنْبغاوي في نيابة الرها. وأن السلطان قبض على عدة من أمراء حلب، منهم ألطنبغا الأشرفي، وتمرباي الأشرفي، وقُطْلوشاه المارديني. وأن عربان آل مهنا خرجوا بأجمعهم عن الطاعة، ودخلوا إلى البرية.
وفي رابعه: خرج أتباع ابن أويس إلى بغداد بحريمه.
وفي سابعه: قدم السلطان من حلب إلى دمشق بعساكره.
وفي سابع عشره توجه السلطان من دمشق يريد مصر، وولي الأمير بدخاص السودوني - حاجب الحجاب - نيابة الكرك، عوضاً عن الشهاب أحمد بن الشيخ علي. ونقل الشهاب إلى دمشق حاجب الحجاب بها، عوضاً عن تمربغا المنجكي. وقدم تمربغا في الخدمة إلى مصر، واستقر قُنُق باي السيفي اللالا بصفد من جملة أمرائها. واستقر الجبغا الجمالي الحاجب أميراً بدمشق، على طبلخاناه.
وفي ثالث عشرينه: نودي بزينة القاهرة ومصر، فزينتا.
وفيه قدم المحمل والحاج صحبة الأمير قديد وهم ركب واحد.

وقدم البريد بأن السلطان توجه من الرملة لزيارة القدس، جريدة.
وفي يوم الخميس أول صفر: قدم شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني من الشام.
وفي خامسه: قدم الحريم السلطاني مع الطواشي بَهادُر المقدم، وفيهن عدة من حرائر دمشق وأبكارها، ليختار منهن من يعقد عليها.
وفي سابعه: قدم الأمير محمود الأستادار، وشق القاهرة من باب النصر إلى باب زويلة، وقد فرشت له شقاق الحرير من باب زويلة إلى داره، فمشى عليها بفرسه، ومعه من الخلائق عدد لا يقع عليه حصر، وأوقدت له البلد.
وفيه نودي بالخروج إلى لقاء السلطان.
وفي تاسعه: قدم بالبريد بأن السلطان قبض على جلبان الكمشبغاوي نائب حلب بقطيا، وبعثه من الطينة في البحر إلى دمياط.
وفي ثاني عشره: قدم السلطان وصعد إلى القلعة، فكان يوماً مشهوداً وكان الشيطان قد أجرى على ألسنة العامة كلمة سوء، وهي: لو جاء السلطان لوقع الرخاء وصاروا يتَناجون بذلك في كل موضع، فأخلف الله ظنهم، وتزايدت الأسعار من يوم دخوله، تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: " من تعلق بشيء وكل إليه " . وأبيع القمح بسبعين بعد أربعين، والفول والشعير بأربعين كل أردب، والحمل من التبن بعشرة دراهم بعد خمسة، وكل حملة دقيق - وهي ست بطط - بمائة وعشرة دراهم، والخبز كل ثلاثة أرطال بدرهم، والأرز كل قدح بدرهمين، والسكر كل رطل بستة دراهم، بعد ثلاثة، والجبن المقلو بنحو درهمين، بعد ثلثي درهم، والرطل اللحم البقري بدرهم، بعد نصف درهم، والرطل اللحم من الضأن بدرهم ونصف، بعد نصف وربع درهم كل رطل.
واتفق مع تزايد الأسعار كثرة ظلم الدولة، ووقوع الوباء، ووقوف أحوال الناس من قلة المكاسب.
وفي خامس عشره: ركب السلطان وعبر إلى القاهرة من باب زويلة، وزار أباه بمدرسته بين القصرين. وخرج من باب النصر إلى القلعة.
وفي سادسه: عدى إلى بر الجيزة.
وأحدث الأمير تمربغا المنجكي شراباً من زبيب يعمل لكل عشرة أرطال من الزبيب أربعون رطلاً من الماء ويدفن في جرار بزبل الخيل أياماً، ثم يشرب فيسكر، وصار يقال له التمربغاوي، وأقبل السلطان على الشرب منه مع الأمراء، و لم يكن يعرف عنه أنه يتعاطى المسكر قبل ذلك.
وفي ثامن عشره: عاد السلطان من الجيزة إلى القلعة.
وفي تاسع عشره: أنعم على الأمير فارس من قطلو خجا بتقدمة ألف، واستقر حاجب الحجاب، عوضاً عن بِدخاص المتنقل لنيابة الكرك.
وفيه استعفى الأمير سودُن من نيابة السلطة والإمرة، لكبره وعجزه، فأعفي ولزم بيته.
وفي رابع عشرينه: أنعم على علاء الدين علي بن سعد الدين عبد الله بن محمد بن الطلاوي بإمرة طبلخاناه، واستقر أخوه ناصر الدين محمد في ولاية القاهرة، كأنه ينوب عنه، وشرط عليه ألا يستبد بشيء، بل يراجعه في الأمور. وأنعم على أرغون شاه البَيْدمري الأقبغاوي بتقدمة ألف، وعلى نوروز الحافظي بتقدمة ألف. وعلى تمربغا المنجكي بإمرة طبلخاناه، وعلى شيخ المحمودي بطبلخاناه، وعلى صلاح الدين محمد ابن تنكز بطبلخاناه، وعلى صَرْغَتْمُش المحمدي القزويني بطبلخاناه، وعلى سودُن الطيار الناصري بطبلخاناه. وأنعم على كل من مقيل الرومي، وأقباي بن حسين شاه، وآق بلاط الأحمدي، ومنكلي بغا الناصري بإمرة عشرة.
وفي تاسع عشرينه: استقر الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي حاجباً عوضاً من ألجبغا الجمالي، مع النظر في الولاية على أخيه.
وفي يوم الأحد ثالث ربيع الأول: عدى السلطان إلى بر الجيزة، وعاد آخر يوم الأربعاء سادسه.
وفي سابعه: خلع على الأمراء والأكابر وناظر الجيش وناظر الخاص، أقبية بفرو سور.
وفيه عمل السلطان المولد النبوي على عادته.
وفي تاسعه: عقد مجلس حضر فيه شيخ الإسلام والقضاة والفقهاء عند السلطان. وأحضر رجل من العجم يتفقه على مذهب أبي حنيفة، يقال له مصطف القرماني، وأنه كتب شيئاً في الفقه، قال فيه: لا يبول أحد إلى الشمس والقمر لأنهما عبدا من دون اللّه، ونسب إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إلى ما نزهه اللّه من عبادتهما. فأراد قاضي المالكية ناصر الدين أحمد بن التنسي الحكم بقتله، فاعتنى به جماعة من الأمراء، وسألوا السلطان أن يفوض أمره إلى قاضي القضاة الحنفية جمال الدين محمود العجمي، فعزره بأن أقامه وبعث به إلى السجن، ثم أفرج عنه بعد ثلاثة أيام، وضربه ثم خلاه لسبيله.

وفي رابع عشره: أنعم على ناصر الدين محمد بن جلبان العلاي بإمرة عشرين، عوضاً عن قرابغا بعد موته.
وفي ثامن عشره: قدم البريد من حلب بأن تيمور توجه من قراباغ، وعدى السلطانية، وتوجه ابنه إلى كيلان، فإن طقتمش أخذ أكثر بلاده. وقد حدث ببغداد وباء عظيم، واشتد بها الغلاء، وانتقل ابن أويس عنها إلى الحلة.
وفي ثالث عشرينه: قدم الأمير مبارك شاه نائب الوجه القبلي، ومعه أمراء العربان، وهم: أبو بكر بن الأحدب أمير عرك، وعمر بن عبد العزيز أمير هوارة، وعلي بن غريب أمير هوارة أيضاً، وأحضروا تقادمهم على العادة.
وفيه تنكر السلطان على الأمير جمال الدين محمود الأستادار، وكاد يبطش به. فلما نزل إلى داره أتاه الأمير علاء الدين علي بن الطلاري يأمره عن السلطان بحمل خمسمائة ألف دينار، وإن امتنع يوقع الحوطة عليه، ويضربه بالمقارع، فتلطف في السعي بينه وبين السلطان، حتى تقرر أنه يحمل مائة ألف وخمسين ألف دينار، فلما صعد في يوم الاثنين خامس عشرينه إلى الخدمة بالقلعة، صاح به المماليك من الأطباق، وسبوه ورجموه.
وفي سابع عشرينه: قبض على يلبغا الزيني والي الأشمونين، وضرب بالمقارع بين يدي السلطان، لكثرة ما شكا منه أهل البلاد، وتسلمه ابن الطلاوي، ليخلص منه حقوق الناس.
وفيه أحضر مبارك شاه تقدمته، وهي مائة وستونفرساً، ومائة وخمسون جملاً، وسبع، وعشر نعامات، وعدة أبقار، وأنواع من الحلاوات، وأحضر أبو بكر بن الأحدب مائة فرس. وأحضر كل من عمر بن عبد العزيز وعلي بن غريب خمسين فرساً. وفيه ادعى نصراني على شمس الدين محمد بن الشهاب أحمد الحفري - أحد نواب القضاة المالكية بالقاهرة - بين يدي السلطان، فاقتضى الحال أنه ضرب القاضي وهو مبطوح على الأرض، ورسم عليه حتى يخلص منه النصراني.
وفي ثامنه عشرينه: استقر منجك السيفي في ولاية أطفيح.
وفي يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر: استقر قرطا التاجي في ولاية الأشمونين، عوضاً عن يلبغا الزيني.
وفيه اشتد حنق السلطان على الأمير جمال الدين محمود الأستادار، وضربه لتأخره كسوة المماليك عن وقتها الذي تفرق فيه.
وفي رابعه: استقر علي بن أبي بكر القرمانة في ولاية الجيزة، وعزل علي بن قراجا.
وفي خامسه: هرب مبارك شاه نائب الوجه القبلي لكثرة شكوى أهل النواحي من ظلمه، و طلب فلم يقدر عليه.
وفي سادسه: أنعم على أحمد بن الوزير ناصر الدين محمد بن رجب بإمرة عشرين، عوضاً عن تمان تمر الأشرفي الموسوي.
وفيه بلغ الأردب من القمح إلى ستة وستين درهماً، والأردب من الفول والشعير إلى ثلاثة وثلاثين درهماً.
وفي سابعه: ظهر أن مبارك شاه لبس زي الفقراء، وأخذ بيده إبريقاً، ومضى نحو الجبل، فلم يعرف أين قصد.
وفي حادي عشره: استقر الشريف علاء الدين علي بن البغدادي الأصل، الصعيدي الدار، في ولاية منفلوط، عوضاً عن آقبغا الزيني.
وفي ثالث عشره: استقر أمير فرج بن أيدمر نائب الوجه البحري في نيابة الوجه القبلي، عوضاً عن مبارك شاه. واستقر عوضه في الوجه البحري أوناط السيفي.
وفي رابع عشره: عدى السلطان النيل إلى بر الجيزة، ونزل بناحية صقيل وأقبل على اللهو.
وفي حادي عشرينه: ترامى مبارك شاه على الأمير تاني بك اليحياوي أمير أخور، فشفع فيه حتى عفا السلطان عنه.
وفي رابع عشرينه: رجع السلطان إلى القلعة.
وفيه حضر مبارك شاه بين يدي السلطان، فألبسه قباء مطرزاً.
وفي خامس عشرينه: قدم السلطان ولد بن علي شاه زاده بن شيخ أويس بن حسن، وكان ولد قد قدم مع عمه القان مغيث الدين أحمد بن أويس، وأقام حتى خرج صحبة حريمه، فالتحق بالقدس لتخوفه من عمه، وعاد إلى القاهرة - بعد أن استأذن - ومعه عياله، فأنزله السلطان في دار من الأمراء وأجرى عليه ما يقوم به، ووعده بإمرة.
وفيه قدم مسعود بن الشيخ محمد الكجاني من تبريز، فاراً من تيمور.
وفي سادس عشرينه: قدم الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير محمود الأستادار نائب الإسكندرية بتقدمته، وهي مائة فرس، وثلاثمائة قطعة من ثياب الإسكندرية، وعشرة آلاف دينار.
وفيه أفرج عن قطلوبك السيفي، وكمشبغا اليوسفي، وقدما من دمياط.
وفيه تزوج سلطان ولد بانية عمه تندى بعد انقضاء عمتها من السلطان، وأنعم عليه لإمرة عشرة، وترك زي البغاددة، ولبس القباء والكلفتة كهيئة أمراء مصر.

وفي يوم الاثنين أول جمادى الأولى: رسم لجماعة من الأمراء الخاصكية بأن يسيروا في الموكب تحت القلعة بالرملية مع الأمراء، وهم صَرْغَتْمش المحمدي القزويني، وصلاح الدين محمد بن تنكز، وهما من الطبلخاناة، وقرمان المنجكي، وتمر الشهابي، وهما من أمراء العشرينات، ودمرداش السيفي، وبهادر السيفي، وجرجي الصَرغَتْمُشي، وأسَنبغا التاجي، وقوصون المحمدي وألجبغا السلطاني، وتغرة بردي القردمي، وقجماس البشيري، ويلبغا المحمدي وبَيدمر المحمدي، وبى خُجا الحسني، فركبوا في الموكب وصعدوا إلى القلعة فوقفوا مع الخاصكية، وصار هنا رسمهم.
وفيه طلب من سائر الأمراء خيول لعمارة مراكز البريد، فألزم كل من الأمراء المقدمين بعشرة أكاديش، وكل من الوزير والأستادار وبقية أرباب الوظائف وأمراء الطبلخاناة أكديشان، وكل من العشرينات والعشراوات بأكديش واحد، فجبي ذلك منهم وأرسلوا إلى المراكز.
وفي حادي عشرينه: فقبض على منكلي بغا الزيني والي قوص، وسلم إلى ابن الطبلاوي لشكوى أهل البلاد منه، واستقر عوضه أقبغا البشتكي.
وفي رابع عشرينه: خلع على الأمير محمود خلعة الرضا.
وفي أول جمادى الآخرة: قدم البريد بمحاربة تركمان الطاعة لنعير، وقتل ألف من عربانه، وأنه انهزم وهلك له نحو ثلاثة آلاف بعير.
وقدم قاصد متملك ماردين، فجهز على يده تقليد لمرسله بنيابة السلطنة وتشريف، وهو أطسان وسيف عنبرية ومنديل زركش.
وقدم البريد من حلب بأن سولي بن دُلغار انكسر كسرة قبيحة، وفر بمفرده.
وفي رابع عشره: قدم عمر بن نعير بن حيار بن مهنا، فعفا السلطان عنه، وترافع رجلان من أهل الإسكندرية يقال لأحدهما زكي الدين أبو بكر بن الموازيني، والآخر أَحمد المالقي، وكلاهما يدولب دار الضرب، فقبل قول كل منهما في الآخر، وتسلمهما ابن الطبلاوي، وخلص منهما ألف ألف درهم.
وفي ثامن عشره: استقر يلبغا السالمي الخاصكي في نظر الخانكاه الصلاحية سعيد السعداء، فأراد أن يجرى أمورها على ما شرطه الواقف، وأخرج منها أرباب الأموال، وزاد الفقراء المجردين كل فقير رغيفاً في اليوم على الثلاثة الأرغفة المقررة له، ورتب بها وظيفتي ذكر بعد صلاتي العشاء والصبح.
وفي يوم الاثنين خامس رجب: استقر الأمير صلاح الدين محمد بن تنكز أستادار الأملاك السلطانية، والوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر ديوان الأملاك. واستقر كل من صرغتمش المحمدي القزويني، وقجماش البشيري أمير جاندار. واستقر الأمير تمر الشهابي حاجباً صغيراً.
وفي ثامنه: استقر الأمير نوروز الحافظي رأس نوبة صغيراً، عوضاً عن تغرى بردى من يشبغا.

وفيه عقد مجلس عند السلطان حضره القضاة وشيخ الإسلام سراج الدين، عمر البلقيني، بسبب يلبغا السالمي وشهاب الدين أحمد العبادي - أحد نواب القضاة الحنفية بالقاهرة - وذلك أن عدة الصوفية بخانكاه سعيد السعداء كانت عندما تحدث الأمير سودن النائب في نظرها من ابتداء دولة السلطان، دون الثلاثمائة، فتزايدت حتى بلغت نحو الخمسمائة. و لم يف ريع الوقف بالمصروف، فقطع ما كان لهم من الحلوى والصابون في كل شهر، ومن الكسوة في السنة. فلما شرقت ناحية دهمرو - الموقوفة على الخانقاه - في هذه السنة، من جملة ما شرق من النواحي، لقصور النيل، عزم مباشرو الخانقاه على غلق مطبخها ومخبزها من أول شهر رجب هذا، وقطع ما للصوفية من الطعام واللحم، والخبز في كل يوم، فلم يصبروا على ذلك. وتكرر وقوفهم للسلطان، وشكواهم، حتى ولي يلبغا السالمي نظر الخانكاه، وشرط عليه إجراء الأمور فيها على ما في كتاب وقفها من الشروط فوجد شرط الواقف أن يكون من بها من الصوفية أهل السلوك، فإن تعذر وجودهم كانت وقفاً على الفقراء والمساكين، وأفتاه شيخ الإسلام بوجوب اتباع شرط الواقف، فجمع القضاة وشيخ الإسلام بالخانقاه، وأحضر سائر صوفيتها، وقرأ عليهم كتاب الوقف، سألهم في الحكم بالعمل بشرط الواقف، فانتدب له من جملة الصوفية زين الدين أبو بكر القمني من فقهاء الشافعية، وشهاب الدين أحمد العبادي من فقهاء الحنفية، وقضاتهم، وأخذا في مخاصمته. وطال النزاع فأضرب عن قولهما، وسأل القضاة عما يفعل. فقالوا كلهم مع شيخ الإسلام افعل شرط الواقف وانفضوا. فقطع من ليلته نحو الخمسين من الصوفية الذين يركبون البغلات، أو يلون القضاء والحكم بين الناس، أو لهم شهرة بغناء، وسعة مال، وفيهم القمني والعبادي، فأطلقا ألسنتهما فيه. وزاد العبادي في التعدي، وصرح بأن السالمي قد كفر، وصار يقول في المجالس الكافر يلبغا سالمي استنبطت آية من كتاب الله فيه. وهي قوله تعالى: " أم حَسِبَ الذين اجتَرَحُوا السيئاتِ أَن يَجعَلَهم كالِذينَ آمَنُوا وَعَمَلُوا الصالحات سَوَاء " ، وكتبت في ذلك كراريس، وهذا الكافر يلبغا يريد أن يكون مثل الفقراء الصالحين. فلما بلغ ذلك السالمي لم يحتمله، وشكا العبادي للسلطان. ونزل من القلعة إلى داره، فإذا بالعبادي قد مر في شارع القاهرة، فلشدة حنقه منه نزل عن فرسه، وقبض على كم العبادي، ودعاه إلى الشرع فزاد العبادي في التحامق، وقال: " تمسك كمي كفرت، فبينما هما في ذلك إذ مر سعد الدين نصر الله بن البقري، فنزل عن فرسه، وما زال بهما حتى أخذهما ومشى إلى المدرسة الحجازية برحبة باب العيد، وجلسوا بها، فأتاهم الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي. وأخذ في الإصلاح بينهما، فزاد تجانن العبادي، وقال: قد كفر السالمي بمسكه كمي، وأنا مذهبي من قال للفقيه يا فقيه بصيغة التصغير فقد كفر، لأنه احتقره، وكذلك مسك كمي فيه احتقاري، وهو كفر. فانفض المجلس عن غير صلح، فعاد السالمي إلى السلطان. وقد بلغ السلطان ما جرى بينه وبين العبادي، فقال له: قد كفرك الفقهاء يا يلبغا، فقال: يا مولانا قد كفروا أكبر مني. يعرض له بما كان من إفتاء الفقهاء فيه لمنطاش أيام كان بالكرك. ثم سأل في عقد مجلس له ولغريمه، فرسم بذلك، وحضر القضاة وشيخ الإسلام عند السلطان، في يوم الخميس ثامن شهر رجب هذا، وجيء بالعبادي، وأقيمت عليه البينة عند قاضي القضاة ناصر الدين محمد التنسي المالكي، بعد الدعوى فحكم بتعزيره، فقال السلطان: التعزير لي. وأراد ضربه بالمقارع، فشفع فيه الأمير قَلَمطاي الدوادار، حتى فوض تعزيره لقاضي القضاة جمال الدين محمود الحنفي، فأجابه، وأمر به الجمال عند ذلك، فكشف رأسه، وأنزل به بين يدي بغال القضاة من القلعة، وهو ماش، حتى سجن بحبس الديلم من القاهرة، ثم أخرج منه ونقل إلى سجن الرحبة. وطلب يوم السبت حادي عشره إلى بيت الجمال العجمي، وحضر ابن الطبلاوي، وضربه على قدميه نحو الأربعين ضربة، وأعيد إلى السجن. ثم خرج في ثامن عشره إلى بيت السالمي، وقد حضر شيخ الإسلام عنده. وما زال به حتى أرج عنه، وتسامع القضاة فأتوا إلى السالمي، وحضروا إصلاح شيخ الإسلام بينهما.

وفيه استقر تاج الدين محمد بن عبد اللّه بن الميموني في مشيخة خانكاة قوصون بالقرافة، بعد وفاة نور الدين علي الهوريني. واستقر محمد بن حسن بن ليلى في ولاية قطيا، عوضاً عن صدقة الشامي.
وفي يوم الاثنين رابع شعبان: جلس السلطان بدار العدل من القلعة، وعملت الخدمة السلطانية، وكان قد عطل حضور دار العمل من نحو سنة ونصف.
وفي تاسعه: أعاد السلطان على الأيتام المال الذي اقترضه من المودع، وهو مبلغ نحو ألف ألف ومائة ألف وخمسين ألف درهم، من ذلك ما يختص بمودع القاهرة والشام خمسمائة وخمسون ألفاً، ومن مودع الشام ستمائة ألف درهم.
وفي تاسعه: استقر الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي يتحدث في أمر دار الضرب بالقاهرة، عوضاً عن محمود الأستادار.
وفيه أعيد صدر الدين محمود المناوي في قضاء القضاة بديار مصر، وعزل البدر محمد بن أبي البقاء لفراغ الغرض منه. ونزل من القلعة بالتشريف ومعه الأمراء على العادة. فكان يوماً مشهوداً.
وفي رابع عشره: قبض على عمر بن الأمير نعير وحجابه الثلاثة، وحملوا إلى سجن الإسكندرية.
وفي سادس عشره: نزل السلطان في عيادة الأمير بكلمش، وعاد.
وفي سابع عشره: ركب الصدر المناوي إلى مدينة مصر على العادة، وعاد، وفي ثامن عشره ركب السلطان ودخل القاهرة من باب النصر، وطلع إلى مدرسته بين القصرين لزيارة قبر أبيه، وعاد إلى القلعة.
وفي ليلة الثلاثاء سادس عشرينه: خرج من الأمراء المقدمين بكلمش أمير سلاح، ونوروز رأس نوبة، وقلمطاي الدوادار، وأرغون شاه البيدمري، وفارس حاجب الحجاب، وقديد الحاجب، وأحمد بن يلبغا، في عدة من أمراء الطبلخاناه والعشراوات، لكبس العربان ببلاد الصعيد.
وفي ثامن عشرينه: أخذ قاع النيل فكان أربعة أذرع واثني عشر إصبعاً.
وفي آخره: استقر الصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر في وزارة دمشق، وعزل بدر الدين محمد بن الطوخي.
وفي يوم الاثنين ثاني رمضان: عاد الأمراء من الصعيد بعدما قبضن الأمراء على خمسمائة رجل، وأخفوا ثمانين فرساً، وأحضروا نحو الستين رجلاً، وأفرجوا عن البقية، فسجنوا بخزانة شمايل.
وفي سادس عشره: استقر شرف الدين محمد بن الدماميني الإسكندراني في حسبة القاهرة، عوضاً عن بهاء الدين محمد بن البرجي.
وفيه أضيف إلى ابن الطبلاوي الكلام في دار الضرب بالإسكندرية، وفي متجر السلطان عوضاً عن الأمير محمود، فلم يمض غير أيام حتى تنافسا وخرج ابن الطبلاوي على محمود من جهة دار الضرب مبلغ ستة آلاف درهم فضة، صالح السلطان عليها بمائة ألف وخمسين ألف دينار ذهباً، غلقها في تاسع عشرينه، فخلع عليه وعلى ولده محمد، وعلى ابن الطبلاوي، وعلى ناظر الخاص، وعلى سعد الدين إبراهيم بن غراب كاتب الأمير محمود وكان قد تنكر ما بينه وبين مخدومه الأمير محمود، وظاهر عليه ابن الطبلاوي وصار يكاشفه بالعداوة، فجعله ابن الطبلاوي من أكبر أعوانه على إزالة محمود، حتى تم له ذلك، فكان هذا ابتداء ظهور ابن غراب واشتهار ذكره ولم يبلغ العشرين سنة. وهذه أول غدراته، فإن محمود أخذه من الإسكندرية وهو طفل صغير، ورباه عنده، وعلمه الكتابة، ورتبه في كتابة خاص أمواله. فلما كبر وبلغ مبالغ الرجال سمت نفسه إلى الرئاسة، ورأى أنه يبدأ بمحمود ولي نعمته فيزيله أولاً، وكان ابن الطبلاوي قد كثر اختصاصه بالسلطان، فصار إليه وساعده على محمود، ودله على عوراته، ومت إليه بمعرفة حواصل أمواله، فجمع بينه وبين السلطان، وأخلاه به، فعرفه من حال محمود ما أوجب له أن صارت له بذلك اليد عند السلطان، وكان ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وفيه استقر محمد بن العالي في ولاية المنوفية، عوضاً عن آيدمر المظفري.
وفي يوم السبت سادس شوال: ابتدأ السلطان بالجلوس في الميدان تحت القلعة للحكم بين الناس. وكانت عادته أن يجلس في يومي الأحد والأربعاء، فغير بذلك بيومي الثلاثاء والسبت، وجعل الأحد والأربعاء لمعاقرة الشراب مع الأمراء، فاستمر ذلك. واستدعى مباشري الأمراء، وقال: لقد بلغني أنكم تحمون البلاد، فمن سمعت أنه حمى بلداً، ضربته بالمقارع وسمرته، بل ساووا الأجناد في المغارم على النواحي. وكتب إلى ولاة الوجهين القبلي والبحري بأن يكون الأمراء والأجناد سواء في المغرم. ولا تحمى بلد أمير عن إخراج المغرم، ولا يحمر فلاح البتة.

واتفق في زيادة النيل أمر غريب، وهو أن الزيادة استمرت منذ أخذ القاع حتى كملت ثمانية أَذرع ثم زاد في ستة أيام ثمانية أذرع وإصبعين، وهي من يوم الخميس رابع شوال إلى يوم الثلاثاء تاسعه، وهو ثالث مسرى.
وفيه كان الوفاء، وركب السلطان حتى عدى النيل إلى المقياس، ثم فتح الخليج على العادة.
وفي ثامن عشره: توجه الأمير ناصر الدين محمد جمق بن الأمير الكبير أيتمش إلى الحج، وهو أمير الركب، فكان يوماً مشهوداً.
وفي يوم الأربعاء أول ذي القعدة: قدم الخبر من الحجاز بأن الحرب ثارت بين بني حسن وقواد مكة، ببطن مر، فقتل فيها الشريف علي بن عجلان، وامتنع القواد بمكة، وصدوا عنها بني حسن. فأفرج السلطان عن الشريف حسن بن عجلان، وولاه إمرة مكة، عوضاً عن أخيه علي، وخلع عليه، وسار إلى مكة ومعه يلبغا السالمي ليقلده إمارة مكة في سابعه.
وفي ثاني عشره - وهو آخر أيام النسئ - : انتهت زيادة ماء النيل ثانية عشر ذراعاً ونصف، ونقص من يومه.
وفي ثالث عشره: ركب السلطان إلى دار الأمير محمود، يعوده من مرضه.
وفي رابع عشره: استقر منكلي بغا الزيني في ولاية الأشمونين، وعزل قرطاي التاجي.
وفي خامس عشره - وهو ثالث توت - : زاد ماء النيل، ونودي عليه من الغد واستمرت زيادته.
وفيه استقر عمر بن إلياس - قريب قرط - في ولاية منفلوط، عوضاً عن الشريف علي البغدادي.
وفي سابع عشرينه - وهو خامس عشر توت - : انتهت زيادة ماء النيل إلى ثمانية أصابع من عشرين ذراعاً، وثبت إلى رابع بابه، فكان طوفاناً، والأسعار تتزايد حتى بلغ القمح ثمانين درهماً، والأردب من الفول والشعير أربعة وخمسين، والبطة الدقيق باثني وعشرين درهماً، والخبز كل رطلين ونصف بدرهم، والحمل من التبن بعشرة دراهم، والقدح الأرز بدرهمين، والأردب من الحمص بخمسين، والرطل من الجبن المقلو بدرهمين، والرطل من لحم الضأن بدرهم وربع، والرطل من لحم البقر بدرهم، والسكر بخمسة دراهم الرطل.
وفي آخره: استقر سنقر المارديني في ولاية قوص، وعزل أقبغا البشتكي.
وفي السبت ثاني ذي الحجة: قدم الأمير طولو بن علي شاه المتوجه إلى طَقتمش خان، وأنه بعد ما اتفق معه على محاربة تيمور، توجه تيمور لمحاربته، فسار إليه وقاتله ثلاثة أيام، فانكسر من تيمور، ومر إلى بلاد الروس، فخرج طولو من سراي إلى القرم، ومضى إلى الكفا، فعوقه متملكها ليتقرب به إلى تيمور، حتى أخذ منه خمسين ألف درهم، فملك تيمور القرم والكفا وخربها.
وقدم رسول الأمير يوسف بن قرا محمد بن بيرم خجا - صاحب الموصل - بأن عسكر تيمور أتاه، فقاتلهم وهزمهم.
وفي آخره: قدم مبشرو الحاج، وأخبروه باستيلاء حسن بن عجلان على مكة، ووجود الأمن والرخاء.
وفيه ولى شمس الدين محمد الأخناي قضاء الشافعية بحلب، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن محمد بن خطب نقيرين. وأعيد برهان أبي سالم إبراهيم بن محمد بن علي الصنهاجي إلى قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن علم الدين محمد بن محمد القفصي. واستقر شمس الدين محمد بن أحمد بن محمود النابلسي في قضاء الحنابلة بدمشق، عوضاً عن علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن المنجا. ثم ولي القفصي قضاء المالكية محلب، عوضاً عن البرهان إبراهيم الركراكي.
ومات في هذه السنة ممن له ذكربرهان الدين إبراهيم بن محمد القرقشندي موقع الحكم في ثلث عشرين شعبان.
ومات الشيخ برهان الدين إبراهيم بن الآمدي، أحد أصحاب ابن تيمية، في رابع عشرين ذي القعدة.
ومات إسماعيل بن الملك الأشرف شعبان بن حسين، في ثالث عشر رمضان، عن خمس وعشرين سنة.
ومات الأمير ألطُنبغا الحلبي الأشرفي، وهو مسجون بقلعة حلب.
ومات الشيخ المعتقد أبو بكر البجائي المغربي المجذوب، في يوم السبت خامس جمادى الآخرة، ودفن من الغد، خارج باب النصر حيث التربة الظاهرية الآن. وهو أحد الذين أوصى الملك الظاهر أن يدفن عندهم. وأنفق عليه في مؤنة كفنه ودفنه، وقراءة ختمات عند قبره مائتي دينار، على يد يلبغا السالمي، وكانت جنازته عظيمة جداً.
ومات الأمير أبو بكر بن الأسعدي في سابع عشر رجب.
ومات صدر الدين بديع بن نفيس التبريزي، رئيس الأطباء في سادس عشر ربيع الأول.
ومات الأمير سيف الدين بلاط المنجكي، أحد أمراء العشرينات.

ومات عز الدين حمزة بن علي بن يحيى بن فضل الله العمري، نائب أخيه بدر الدين محمد كاتب السر، وأحد كتاب الدست. مات بدمشق يوم تاسوعاء، وهو آخر من رأس من بني فضل الله.
ومات الخواجا الكبير رشيد الهُبّي، أحد تجار الكارم، في ليلة السبت، العشرين من جمادى الأولى.
ومات الأمير سيف الدين طوغان الإبراهيمي، أحد المماليك الظاهرية، وأمير جاندار، في سادس صفر.
ومات السيد الشريف علي بن عجلان، أمير مكة، مقتولاً، في سادس عشر شوال. ومات نور الدين علي الهوريني، شيخ القوصونية، في ثالث عشر شهر رجب.
ومات نور الدين علي بن الركاب، أحد نواب قضاة الحنفية بالقاهرة، في سابع عشر رجب.
ومات نور الدين علي بن الشراب دار، أحد نبهاء الفقهاء الشافعية، في تاسع عشر رجب.
ومات جمال الدين عبد الله بن فراج النويري، أحد الفقهاء المالكية، ونواب قضاتهم بالقاهرة.
ومات الأمير قاسم بن السلطان في ثاني عشر ذي الحجة، وعمره نحو خمس سنين. ومات الأمير قرابغا والد الأمير جَرَكتمر الخاصكي الأشرفي، وأحد أمراء العشرينات في ثاني ربيع الأول.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن السلطان، في يوم السبت ثالث عشرين ذي الحجة، مولده مستهل ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وكان قد أعيا الأطباء داؤه الذي برجليه وبه مات. وكان إقطاعه الديوان المفرد، وهو أكبر أولاد السلطان، ودفن في التربة الظاهرية بين القصرين.
ومات ناصر الدين محمد بن عبد الدايم بن محمد المعروف بابن بنت ميلق الشاذلي، قاضي القضاة بديار مصر، وكان أولاً يعظ الناس، ولهم فيه اعتقاد، ثم امتحن بولاية القضاء، فلم تُشكر سيرته، وعُزل ونكب بأخذ مال كبير منه ظلماً، وغُوِّرت عينه. ومات في ليلة الاثنين تاسع عشرين جمادى الأولى.
ومات غياث الدين محمد بن جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت، الواسطي الأصل، البغدادي، ابن العاقولي في يوم الأربعاء سادس عشرين ربيع الآخر ببغداد. وقدم إلى القاهرة في الجفلة من تيمور. وكان من علماء فقهاء الشافعية. ومات شمس الدين محمد بن علي بن صلاح الحريري، أحدنواب القضاة الحنفية بالقاهرة، ومشايخ القراء، وفقهاء الحنفية، في يوم الجمعة رابع عشرين رجب، ومولده في العشرين من شوال سنة عشرين وسبعمائة. قرأ على برهان إبراهيم الحركي القراءات و الحديث على علاء الدين التركماني، والفقه على القوام الأتقاني.
ومات شمس الدين محمد بن عمر القليجي الحنفي مفتى دار العدل، وأحد نواب القضاة بالقاهرة وموقعي الحكم، في ليلة الثلاثاء العشرين من رجب. وقد بلغ من الرئاسة مبلغاً كبيراً.
ومات شمس الدين محمد الأقصراي الحنفي، شيخ المدرسة الأيتمشية، في سابع عشر جمادى الأولى.
ومات الشيخ محمد بن أبي يعقوب القدسي الشافعي المعتقد في يوم الأحد أول شهر رمضان. وكان يسكن بجامع المقس على الخليج، وله حظ من الناس.
ومات الشيخ المعتقد محمد السالوطي المالكي في ثاني عشر رمضان.
ومات شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المعروف بابن المطرز المصري، ولد في سنة عشر وسبعمائة تخميناً، وحدّث بصحيح مسلم عن علي بن عمر الوالي، وبسنن أبي داوود عن يوسف بن عمر الختني، وبكتاب التوكل لابن الدنيا عن الدبوسي. ومات يوم الأحد سادس جمادى الآخرة.
ومات موسى بن أبي بكر بن سلار، أحد أمراء العشراوات وأمير طبر. ولي أمير طبر بعد دمرخان بن قرمان، سنة ثمان وسبعمائة. ومات في ثالث ذي الحجة والله تعالى أعلم.
سنة ثمان وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الأحد.
ففي ثانيه: تناقص سعر القمح وأبيع الأردب بستين درهماً.
وفيه غير السلطان كتاب وقف مدرسته، وكان شرط النظر عليها من بعده للقضاة، فجعله لمن يكون سلطاناً.
وفي خامسه: قرر الأمير قلمطاي الدوادار في نظرها، ونزل إليها بالتشريف في موكب جليل.
وفي تاسعه: توجه السلطان إلى سرحة سرياقوس على العادة. وارتفع السعر حتى أبيع الأردب القمح بمائة درهم، والبطة الدقيق بستة وعشرين درهماً، والخبز كل رطلين ونصف بدرهم.
وفي عاشره: قدم يلبغا السالمي من الحجاز.
وفي ثامن عشره - وهو في أفناء هاتور - : كان النيل ثابتاً على ثمانية عشر أصبعاً من تسعة عشر ذراعاً، وهذا من غرائب أحوال النيل.
وفي سادس عشره: عاد السلطان من سرياقوس.

وفي يوم الخميس رابع صفر: نقل الأمير يلبغا الأسعدي المجنون من كشف الوجه البحري إلى نيابة الوجه القبلي، وعزل أوناط. ورسم ليلبغا أن يقيم بالقاهرة، ويخرج لعمل مصالح الإقليم. وبطل كشف الوجه البحري، وصارت نيابة بتقدمة ألف، رهو أول من عمل هنا.
وفيه عزل شرف الدين محمد بن الدماميني من حسبة القاهرة بنور الدين على الفور.
وفي سادسه: بعث السلطان الطواشي فارس الدين شاهين الحسني الجمدار، فأخذ من دار الأمير محمود وهو مريض مالاً كبيراً، يقال إنه مبلغ مائة ألف دينار وجد في عقد سلم غمز عليه، وعمدة أحمال من قماش. وقبض على زوجته، وكاتبه سعد الدين إبراهيم بن غراب، وصار بهم إلى القلعة، وعاد فأخذ ابنه الأمير ناصر الدين محمد.
وفي سابعه: تسلم سعد الدين إبراهيم بن غراب الأمير إلى باي الخازندار ونزل به إلى دار محمود ليدله على دخيرة اعترف بها، فكانت جملتها خمسين ألف دينار.
وفي ثامنه: استقر علي بن غلبك بن المكللة في ولاية الشرقية، عوضاً عن علي بك بحكم انتقاله إلى ولاية البحيرة.
وفي تاسعه: استقر قطلوبغا الطشتمري نائباً بالوجه القبلي، عوضاً عن أمير فرج بن أيدمر بعد وفاته. واستمر الأمير بيسق الشيخي في كشف الجيزة عوضاً عن قطلوبغا.
وفي حادي عشره: استقر قطلوبك العلاي أستادار الأمير أيتمش في وظيفة الأستادارية، عوضاً عن الأمير محمود، وأنعم عليه بإمرة عشرين. واستقر محمود على إمرته وهو مريض. واستقر سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الديوان المفرد.
وفي خامس عشره: استقر الأمير قديد القلمطاوي في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن الأمير مبارك شاه. واستقر علاء الدين علي بن الطلاوي أستادار خاص الخاص، وناظر كسوة الكعبة، عوضاً عن نجم الدين محمد الطنبدي وكيل بيت المال ومحتسب القاهرة - كان - مضافاً لما معه من الحجوبية، والتحدث في ولاية القاهرة، ودار الضرب، والمتجر، وشق القاهرة في محفل حفل. واستقر الأمير أزدمر في كشف الجيزة، عوضاً عن بيسق، وعاد بيسق أمير أخور كما كان، وأَضيف إليه كشف الجسور بالقليوبية.
وفي ثامن عشره: قدمت رسل الأمير قرا يوسف بن قرا محمد - صاحب تبريز - برجل يقال له أطلمش من نواب تيمور لنك، قبض عليه، فسلم لابن الطبلاوي.
وفي خامس عشرينه: استقر الأمير زين الدين مبارك شاه في الوزارة، بعد موت الوزير ناصر الدين محمد بن رجب. واستقر سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الدولة، واستقر أمير فرج الحلبي شاد الدواوين.
وفي سابع عشرينه: أعيد شرف الدين محمد بن الدماميني إلى حسبة القاهرة، وعزل القور لعجزه عن القيام. مما التزم به من المال، وأضيف إلى ابن الدماميني نظر الكسوة، ونزعت من النجم الطنبدي بعد ما تحدث فيها ابن الطبلاوي كما ذكر.
وفي سلخه: أنعم على الوزير مبارك شاه بإمرة ناصر الدين محمد بن رجب.
وفي يوم الثلاثاء سابع ربيع الأول: استقر أحمد بن محمد بن ماما في ولاية المنوفية، عوضاً عن محمد بن العادلي. ثم عزل في اليوم الرابع، وأعيد ابن العادلي.
وفي حادي عشره: توجه السلطان إلى ناحية صقيل من الجيزة، وعاد في سادس عشره.
وفيه تسلم ابن الطبلاوي سعد الدين أبا الفرج بن تاج الدين موسى ناظر الخاص، وابنه أمين الدين ليخلص منهما أربعمائة ألف وسبعين ألف درهم، وجد بها حجة لابن رجب الوزير، ثم أفرج عنهما بعد يومين.
وفي تاسع عشره: سلم ناصر الدين محمد بن محمود الأستادار لابن الطبلاوي، على مائة ألف دينار يخلصها منه، فأخرق به وبالغ في إهانته ونزع عنه ثيابه ليضربه بحضرة الناس، فقال له: يا أمير: قد رأيت عزناً وما كنا فيه، وقد زال، فعزك أيضاً ما يدوم، وهذا أول يوم زال عني: عن أبي فيه السعادة وأقبل الإدبار،. فلم يضربه.
وفي عشرينه: أفرج عن سعد الدين ناظر الخاص وابنه، وخلع عليهما خلع الرضا.
وفيه نقل ابن محمود إلى الطواشي شاهين الحسني، فأقام عنده يومين.
وفي ليلة الخميس ثالث عشرينه: نزل الطواشي صندل، والطواشي شاهين الحسني، وابن الطبلاوي إلى خربة خلف مدرسة الأمير محمود، وأخرجوا من الأرض - بعد حفر كثير - عدة أزيار فيها ألف ألف درهم فضة، حملت إلى السلطان.
وفي بكرة يوم الخميس: وجد بالخربة أيضاً بعد حفر كثير، ستة آلاف دينار، وأربعة عشر ألف وخمسمائة درهم فضة.

وفي رابع عشرينه: أعيد ابن محمود إلى ابن الطبلاوي.
وفي خامس عشرينه: أحضرت أمه إلى السلطان.
وفي ثامن عشرينه: ظفر أيضاً بمبلغ ثمانية وثلاثين ألف ومائتين وثلاثين ديناراً في مخزن حمار بثغر الإسكندرية، حملت إلى السلطان.
وفي يوم الخميس ثامن ربيع الآخر: ابتدأ السلطان بعمل الخبز الذي يفرق في الفقراء، وهو عشرون إردباً من القمح تعمل خبزاً، وتولى ابن الطبلاوي ذلك، فعمت فقراء القاهرة ومصر وأهل السجون وسكان القرافة، فكفى الله الناس بهذا الخبز هماً عظيماً، بحيث لم يعرف أن أحداً مات في هذا الغلاء بالجوع، واغتنى جماعة منه، فإنهم صاروا يأخذون الخبز من عدة مواضع ويبيعونه، ثم يستجدون الناس أيضاً.
وفي تاسعه: عدى السلطان إلى بر الجيزة، ونزل بشاطئ النيل، تجاه القاهرة.
وفي رابع عشره: عاد إلى القلعة.
وفي خامس عشره: استقر تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الملكي - ناظر قطا - في ولايتها مع وظيفة النظر، والتزم كل شهر بحمل مائة ألف وخمسين ألف درهم. وكان في ابتداء أمره صيرفياً بقطا، وترقى حتى باشر بها، ثم ولي النظر إلى أن جمع بين النظر والولاية.
وفيه ظفر أيضاً بديخرة لمحمود عند لاجين أمير سلاحه، فكان مبلغها ثلاثين ألف دينار.
وفي سابع عشره: استعفي أزدمر من كشف الجيزة، فأعفي. واستقر عوضه يلبغا مملوك الوزير مبارك شاه.
وفيه ارتجع عن شهاب الدين أحمد بن الوزير ناصر الدين محمد بن رجب إمرته، وهى عشرة، وعوضه عنها إقطاعاً برمح واحد.
وفي تاسع عشره: قدم محمد بن العادلي والي المنوفية في الحديد فتسلمه ابن الطبلاوي، واستقر عوضه حسام الدين.
وفيه قدم الأمير نوروز الحافظي رأس نوبة، ومعه علي بن غريب أمير هوارة، وثلاثة وثلاثين رجلاً من أهله وأولاده في الحديد، فسجن ابن غريب بالبرج في القلعة، وأودع أصحابه بخزانة شمايل.
وفيه تصدق السلطان بنصب كثير، فاجتمع بالإصطبل خمسمائة نفس، حصل لكل منهم مبلغ خمسين درهماً.
وفي رابع عشرين: جلس السلطان لتفرقة الصدقة أيضاً، فاجتمع عالم لا يقع عليه حصر، بحيث مات منهم في الازدحام بباب الإصطبل سبعة وأربعون نفساً، تولى تكفينهم ودفنهم الأميران فارس حاجب الحجاب، والوزير مبارك شاه.
وقدم الخبر من الحجاز بأن الشريف حسن بن عجلان هزم بني حسن إلى ينبع، وهو في طلبهم، ثم عاد إلى خليص، ومعه أمير ينبع، فكبس عليهم وظفر بهم، وأن الأترك الذين استخدمهم أمير ينبع ركبوا عليه وقاتلوه، وقتلوا جماعة من أصحابه، فظفر بهم، وقتل منهم اثني عشر، وأخرج باقيهم من بلاده.
وفي يوم الخميس سابع جمادى الأولى: أوقعت الحوطة على دار الأمير محمود الأستادار، وأخذت مماليكه، وترك عنده ثلاثة يخدمونه في مرضه.
وفيه فر شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الدزري الدمشقي، من ترسيم ابن الطبلاوي. وكان قد تحدث للأمير أيتمش فيما يتعلق به في دمشق وأحضره لعمل حسابه، فوقف عليه مال عجز عنه فهرب، ولم يوقف له على خبر.
وفيه توجه السلطان إلى بر الجيزة وعمل في كل يوم طعاماً للفقراء يفرق فيهم اللحم والمرق والخبز، فبلغ عدد الفقراء الذين يأخذون ذلك خمسة آلاف نفس. ومن فاته الأخذ من الطعام أخذ مع الرغيف درهماً، فإن فاته الخبز وأخذ من الطعام، أخذ عوض الخبز نصف درهم، ومن فاته الطعام والخبز أخذ درهماً ونصف.
وكانت الأسعار قد تزايدت لقلة وجود الغلال، وفقد الخبز من الحوانيت بالقاهرة ومصر سبعة أيام متوالية، وازدحم الناس على الأفران، وأبيع القمح بمائة وخمسة وسبعين درهماً الأردب في غلته، فإذا غربل تعدى المائتين.
وبلغت البطة الدقيق إلى أربعة وأربعين درهماً، والخبز كل رطل وربع، بدرهم.
وفي عاشره: وجدت دخيرة لمحمود، فيها مبلغ سبعين ألف دينار.
وفي يوم الجمعة خامس عشره: حضِر شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني بالجامع الأزهر من القاهرة بعد العصر للدعاء برفع الغلاء، ومعه خلائق، فكان وقتاً عظيماً. فلما كان من الغد قدم إلى ساحل القاهرة ومصر عدة مراكب بها الغلال، فانحط سعر الأردب عشرة دراهم، وأخذ يتناقص حتى أبيع الأردب بمائة وثلاثين درهماً، والخبز كل رطلين بدرهم، ثم انحط عن ذلك أيضاً.

وفي عشرينه: وجدت دخيرة لمحمود أيضاً، فيها ثلاثة وستون ألف دينار ووجدت أيضاً أخرى فيها مبلغ أربعين ألف دينار، ووجد له عند شخص مبلغ أربعين ألف دينار، وعند آخر عشرين ألف دينار. ووجد في بيت مبلغ مائة دينار وسبعة وثلاثون ألف دينار، وفي موضع آخر مائة ألف دينار وثلاث براني في إحداها أحجار البلخش وفي اثنتين اللؤلؤ كبار، ووجد أيضاً عند شخص حلي ذهب له قدر كبير.
وفي ليلة الثلاثاء سادس عشرينه: شدد على محمود حتى التزم بإرضاء السلطان.
وفي سابع عشرينه: وجد له في موضع مائة ألف دينار، وثمانية وثلاثون ألف دينار. وكثرت صمتات السلطان في هذا الشهر، وأكثر من تفرقة دنانير الذهب والدارهم الفضة، والخبز والطعام، حتى عم الفقراء والمساكين وغيرهم، وصار لبعضهم من ذلك غنى.
وفي يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة: خرج البريد إلى دمشق بإحضار الوزير بدر الدين محمد بن الطوخي.
وفيه سُلم محمود الأستادار إلى شاد الدواوين ليعاقبه، فعصره من ليلته.
وفي خامسه: أخرج الأمير شهاب الدين أحمد بن يَلبغا الخاصكي المعمري إلى طرابلس.
وفيه أنعم على تمربُغا المنجكي بتقدمة ألف، وعلى قُطلوبَك الأستادار بتقدمة ألف. وعلى كل من طُولُو بن علي شاه، ويَلْبُغا الناصري، وسراي تمر الناصري، وشاذي خُجا العثماني، وقينار العلاي بإمرة طبلخاناه. وعلى كل من طَيبغا الحلبي أمير خور، وسودن طاز من علي باي، ويعقوب شاه الخازندار، ويَشبك الخازندار، وتَمَان تَمُر الأشَقتمُري رأس نوبة الجمدارية بإمرة عشرة.
وفي عاشره: قدم البريد من الوجه القبلي بأن العرب الأحامدة قتلوا قُطُلوبُغا الطَشتمري نائب الوجه القبلي، فاستقر عوضه عمر بن إلياس والي منفلوط مضافاً لما بيده.
وفيه استقر الشيخ زين الدين أبو بكر القمني في مشيخة الصلاحية بالقدس، عوضاً عن شمس الدين محمد بن الجزري، وبعث بالنيابة عنه، وذلك بسفارة الأمير قَلْمطاي الدوادار لاختصاصه به.
وفي رابع عشره: استقر الشيخ شمس الدين محمد ويقال له شيخ زاده الدويزاتي في مشيخة الشيخونية، عوضاً عن البدر الكُلُستاني كاتب السر. واستقر الجمالي محمود العجمي ناظر الجيش وقاضي القضاة الحنفية في تدريس الصرغتمشية، عوضاً عن البدر الكُلُسْتاني. واستقر شهاب الدين أحمد بن النقيب اليغموري الدمشقي في التحدث على مستأجرات خاص الخاص، والمتجر نيابة عن ابن الطبلاوي، واستقر حاجباً بدمشق.
وفي سادس عشره: استقر الأمير فارس حاجب الحجاب في نظر الصرغتمشية والشيخونية، واستقر تمُر بُغا المنجكي حاجباً ثانياً، عوضاً عن قديد.
وفي ثامن عشره: قدم بدر الدين محمد بن الطوخي وزير الشام على البريد.
وفي تاسع عشره: استقر ألطنبغا البريدي في ولاية البهنسا، عوضاً عن الصارم إبراهيم الشهابي، وأحضر الصارم، وضرب بالمقارع عند ابن الطبلاوي واستقر ألطُنْبُغا المرادي في ولاية أسوان عوضاً عن حسين صهر أبي درقة، واستقر أقبغا المُزَوَّق في ولاية قوص، بعد موت سُنقُر.
وفي العشر الثاني من هذا الشهر: انحلت الأسعار لكثرة ما جُلب، وأبيع الأردب القمح بخمسين درهماً، وأبيع الأردب من الشعير والفول بثلاثين درهماً، وأبيع في ثاني عشرينه الخبز أربعة أرطال بدرهم، فسخط جلابة الغلال، وانحدروا بها إلى جهة الإسكندرية طلباً للسعر الغالي، فتكالب الناس على شراء الخبز والدقيق في يوم الاثنين ثالث عشرينه، وتخاطفوه من رؤوس الحمالين، فكان يوماً مهولاً، ووقف الناس من الغد إلى السلطان وضجوا من عدم ما يأكلونه، فندب الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي للتحدث في ذلك وتمادى الأمر في الشدة يوم الأربعاء.

وفي يوم الخميس: رُسم أن يباع الرغيف بربع درهم، والناس في غاية الإنهماك على طلبه، وخطفه من الأفران، وقتال بعضهم لبعض بسببه، وأبيع القمح كل قدح بدرهم ونصف سدس، والشعير بربع وسدس درهم القدح. واختفى شرف الدين محمد ابن الدماميني المحتسب في بيته ثلاثة أيام، خوفاً من العامة أن تبطش به، وطلب القمح كل أردب بمائة وعشرين درهماً، والشعير بستين درهماً، فلم يكد يقدر عليه. وفقد الخبز من الأسواق، فلم يره أحد، فصرف السلطان ابن الدماميني واستدعى شمس الدين محمد المخانسي الصعيدي، وولاه الحسبة - بسفارة ابن الطبلاوى - بغير مال، في يوم الخميس سادس عشرينه، فاستمر الأمر على ما ذكر بقية الشهر، فكانت أيام شنعة.
وفي آخره: استقر علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن منجا في قضاء الحنابلة بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد النابلسي.
وفي يوم الخميس رابع رجب: استقر سعد الدين نصر الله بن البقري في الوزارة، وبدر الدين محمد بن الطوخي، عوضاً عنه في نظر الدولة، وبقى مبارك شاه على إمرته. واستقر شرف الدين محمد بن الدماميني في نظر الكسوة، وخلع على الجميع. واستقر محمد بن حسن بن ليلى في ولاية الجيزة، عوضاً عن الشهاب أحمد الأرغوني.
وفي هذا الشهر: سارت الأحامدة من عرب الصعيد في جمع من هوارة علي ابن غريب إلى أسوان، واتفقوا مع أولاد الكنز، ففر منهم حسين صهر أبي درقة، ونهبوا داره، وكل ما في البلد، فخرج البريد بتوجه عمر بن إلياس نائب الوجه القبلي لطلبهم، فسار بهوارة عمر بن عبد العزيز، فلم يقدر عليهم، وعاد بغير طائل.
وفيه استقر علاء الدين علي بن السنجاري الدمشقي وزيراً بدمشق.
وفي أول شعبان: نقل الأمير محمود إلى ابن الطبلاوي، فعاقبه بالضرب والعصر لرجليه، وعاقب ابنه ناصر الدين محمداً، وألزمه بأربعمائة ألف درهم، فباع سائر موجوده، فلم يبلغ ثلاثمائة ألف.
وفيه استقر الحسام بن أخت الغرس في شد الدواوين بغير إمرة. واستقر أمير فرج على إمرته بغير وظيفة الشد. واستقر ناصر الدين محمد بن الأمير علاء الدين علي بن كلفت التركماني في نقابة الجيش. وعزل علاء الدين علي بن سنقر العينتابي.
وفي ثالث عشره: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع سواء.
وفي ليلة الخميس رابع رمضان: خسف جميع جرم القمر بعد صلاة العشاء، حتى أظلم الجو.
وفي يوم السبت تاسع عشرين شوال: أوفى النيل ستة عشر ذراعاً، وذلك في ثاني عشر مسرى، فنزل السلطان إلى المقياس وفتح الخليج على العادة.
وفي يوم الخميس تاسع عشر ذي القعدة: قبض على سعد الدين أبي الفرج بن تاج الدين موسى ناظر الخاص، وأحبط بداره، واستقر عوضه في نظر الخاص سعد الدين إبراهيم بن غراب الإسكندراني كاتب الأمير محمود بن علي.
وفي أول ذي الحجة: عزل ابن السنجاري من وزارة دمشق بشهاب الدين أحمد بن الشهيد، وتوجه من القاهرة، وقد أضيف إليه نظر المهمات والأسوار بدمشق.
وانتهت زيادة النيل إلى تسعة عشر ذراعاً.
وفي رابع عشرينه: استقر علاء الدين على بن الطبلاوي في نظر المارستان المنصوري، عوضاً عن الأمير الكبير كمشبغا الحموي.
وفي سابع عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وهو الأمير سودن طاز، وأخبروا بالأمن والرخاء، وأن حسن بن عجلان واقع بني حسن في خامس عشرين شوال، وقتل من أعيانهم اثني عشر شريفاً، وقتل من القواد ثلاثين قائداً، وهزم من بقي منهم.
وفي يوم الأربعاء سلخه: قبض الوزير الصاحب سعد الدين بن البقري على مقدم الدولة محمد بن عبد الرحمن، وأقام عوضه ابن صابر وعلى ابن الفقيه.
وفيها ولي الأمير شرف الدين موسى بن عَسَّاف بن مهنا بن عيسى إمرة فضل. عوضاً عن الأمير شمس الدين محمد بن قارا بن مهنا بن عيسى في المحرم. واستقر الأمير علم الدين أبو سليمان بن عنقاء بن مهنا بن عيسى في إمرة آل فضل، عوضاً عن موسى بن عساف، في شوال، بعد موته.
ومات في هذه السنة ممن له ذكربرهان الدين إبراهيم بن الشيخ عبد الله المنوفي خطيب جامع ابن شرف الدين بالحسينية، الفقيه المالكي، في ليلة الثلاثاء تاسع رجب، ودفن بتربة أبيه خارج باب النصر.
ومات المقرئ الجندي شهاب الدين أحمد بن محمد بن بيبرس، المعروف بابن الركن البيسري الحنفي؛ أخذ القراءات عن الشيخ شمس الدين محمد بن نمير بن السراج المقرئ الكاتب.

ومات تقي الدين عبد الرحمن بن أحمد بن علي، المعروف بابن الواسطي، وبابن البغدادى، وكان عارفاً بالقراءات، وعلم الميقات، ويقرأ بالمصحف في الجامع الأزهر، ويقوم في رمضان بعد التراويح إلى طلوع الفجر. ومات بالفيوم في صفر عن خمس وسبعين سنة، ومولده بالقاهرة في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة.
ومات ولي الدين أحمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين محمد ناظر الجيش، وهو يلي كتابة الدست، ونظر خزائن السلاح، في سادس عشرين جمادى الآخرة. واستتر بموته، فإنه أسرف حتى ذهب ماله.
ومات شهاب الدين أحمد بن محمد الشاوي، في ثاني جمادى الأولى. كان أولاً يعاني كَحْل الأعين، ويقيم أوده من ذلك، فتعلق بفخر الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر، وهو يلي نظر دار الضرب، فاستنابه فيها، وخدم ابن الطبلاوي ففخم أمره، وعين لنظر الخاص، فعاجلته المنية، دون بلوغ الأمنية.
ومات شهاب الدين أحمد بن تاج الدين عبد الوهاب بن الشامية موقع الحكم، في سابع عشرين شعبان.
ومات أمير فرج بن عز الدين أحمد السيفي نائب الوجه القبلي. قتل في سادس صفر.
ومات الأمير سيف الدين بهادر الأعسر في يوم عيد الفطر، كان مشرفاً بمطبخ الأمير خجا أمير شكار، ثم خدم زرد كاش الأمير الكبير يلبغا العمري، وانتقل حتى صار أحد الأمراء، وولي مهمندارا ثم شاد الدواوين.
ومات الأمير سيف الدين تمر الشهابي الحاجب، أحد أمراء الطبلخاناه. وكان ينظر في الفقه على مذهب الحنفية، ويتدين، وخرج عليه العرب، فقاتلهم وجرحوه، فمات من جراحه بعد أيام بالقاهرة.
ومات الأمير سيف الدين تغري بردي القُرْدُمي، أحد العشراوات، قتل في محبسه.
ومات رضي الدين محمود بن الأقفهسي، نقيب القضاة الحنفية، في خامس عشرين جمادى الآخرة. وكان يعرف الفقه على مذهب أبى حنيفة، ويتقن العربية، وله سيرة مشكورة.
ومات صلاح الدين خليل بن محمد الشطنوفي، موقع الحكم، في خامس عشر رمضان.
ومات الأمير سيف الدين سودن الشيخوني الفخري، نائب السلطان، بديار مصر، في يوم الثلاثاء خامس جمادى الأولى بعد ما شاخ، وعلت سنه، وكان خيراً ديناً. ومنذ مات تجاهر الملك الظاهر بمنكرات لم تكن تعرف عنه.
ومات الفقيه صَفَر شاه الحنفي، رسول متملك الروم خوند كار أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان، بالقاهرة في جمادى الأولى.
ومات فتح الدين عبد اللّه بن فرج المكيني أحد الأقباط الكتاب، في العشرين من شعبان، ويحكى عنه مكارم جمة.
ومات زين الدين عبد الرحمن بن محمد الشريشي، الموقت الفاضل، في تاسع عشر رمضان.
ومات نور الدين علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض الدميري المالكي، شيخ القراء بخانكاة شَيْخو، وأخو القاضي تاج الدين بهرام، في ثاني عشرين رمضان.
ومات الأمير سيف الدين قرابغا الأحمدي، أحد الطبلخاناه، وأمير جاندار في.... .
ومات الأمير سيف الدين قطلوبغا الطشتمري، أحد الأمراء الألوف، فقتله العرب.
ومات الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن رجب بن محمد بن كلفت، في يوم الجمعة سادس عشرين صفر، وهو ممن مات بغير نكبة من وزراء مصر.
ومات الأمير ناصر الدين محمد جُمُق بن الأمير الكبير أيتمش البجاسي، أحد أمراء الطبلخاناه، في يوم الجمعة خامس صفر.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جركس الخليلي، أحد الطبلخاناه، في يوم الثلاثاء تاسع صفر.
ومات ناصر الدين محمد بن الشيخ زين الدين مقبل الصرغتمشي. كان بارعاً في علوم الحساب، وكان قصير القامة، أحدباً. مات يوم السبت سادس رجب.
ومات القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن موسى الشنشي المعروف بالرخ - أحد نواب الحنفية - خارج القاهرة، في يوم الخميس سادس جمادى الأول.
ومات تقي الدين محمد بن محمد بن أحمد القاياتي موقع القضاة الحنفية، في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الأولى.
ومات شمس الدين محمد بن عبد الله بن عبد العزيز صاحب ديوان الجيش، في ليلة السبت ثالث عشر صفر.
ومات الشيخ شمس الدين محمد الزرزاري الحجاجي الصوفي المعتقد أمين مطبخ المارستان، في رابع عشر ربيع الآخر.
ومات فتح الدين صدقة - الذي يقال له أبو دقن - ناظر المواريث، كان يتوكل في بواب القضاة، ثم دولب وكالة قوصون بالقاهرة، وخدم معامل الحوائج خاناه السلطانية. ثم ولي نظر المواريث، فشكرت سيرته. مات في أوائل جمادى الآخرة.

ومات الشريف صدر الدين مرتضى بن غياث الدين إبراهيم بن حمزة الحسني العراقي، في ليلة السبت ثالث ربيع الآخر، ودفن على أبيه خارج القاهرة. قدم مع أبيه إلى القاهرة واتصل أبوه بأرباب الدولة، فدرت أرزاقه، وتمكن من الأمير الكبير يلبغا العمري، حتى مات في رجب سنة أربع وستين وسبعمائة. دفنه الأمير يلبغا بتربته خارج القاهرة، وأجرى على ابن مرتضى ما كان يجريه عليه. وكثر اتصاله بأرباب الدولة حتى أثرى، وولي نظر وقف الأشراف ونظر القدس والخليل، وكان شكلاً بهياً جميلاً، صاحب عبارة وفصاحة بالألسن الثلاثة، العربية والفارسية والتركية.
ومات الشيخ زين الدين مقبل الصرغتمشي الحنفي، أحد الأجناد، في أول رمضان، وكان عارفاً بالفقه والنحو، وهو والد الأحدب.
وماتت خوند عائشة القردمية بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون، في أول جمادى الأولى، بعد ما كبر سنها، وتلف مالها، بتبذيرها وإسرافها، حتى افتقرت.
ومات ملك المغرب أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم ابن أبي الحسن المريني، صاحب فاس. وأيم بعده أخوه أبو عامر عبد الله. رحمة اللّه تعالى عليهم أجمعين، والحمد الله رب العالمين.
سنة تسع وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الخميس.
ففيه ركب. السلطان، وتصيد ببركة الحاج، وعاد من يومه.
وفي ثانيه: استقر تغري برمش السيفي في ولاية الشرقية، عوضاً عن علي بن غلبك ابن المكللة، بحكم انتقاله إلى ولاية منفلوط، عوضاً عن بهاء الدين الكردي.
وفي خامسه: ركب الأمير سودن طاز البريد لإحضار الأمير تنم الحسني نائب الشام.
وفي عاشره: توجه السلطان إلى سرحة سرياقوس، ونزل بالقصور على العادة في كل سنة، وخرج الأمراء وأهل الدولة، فأقام إلى سادس عشرينه وعاد إلى القلعة. واستقر محمد بن قرابغا الأنباقي في ولاية أكوم الرمان، وعزل أسنبغا السيفي. وحضر الأمير علاء الدين ألطبغا نائب الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحب ماردين، فأنعم عليه وعلى من معه، ورتب لهم اللحوم والجرايات. وكان سبب قدومه أن الظاهر عيسى لما قبض عليه تيمور لنك وأقام في أسره، قام ألطبغا بأمر ماردين ومنع تيمور لنك منها. وكان الظاهر قد أقام في مملكة ماردين الملك الصاع شهاب الدين أحمد بن إسكندر بن الملك الصالح صالح، وهو ابن أخيه وزوج ابنته، فقاتل أصحاب تيمور قتالاً شديداً، وقتل منهم جماعة، فشق هذا على تيمور، ثم أفرج عن الظاهر بعد أن أقام في أسره سنتين وسبعة أشهر، وحلفه على الطاعة له وإقامة - الخطبة باسمه، وضرب السكة له، والقبض على ألطنبغا وحمله. فعندما حضر إلى ماردين، فر منه ألطنبغا إلى مصر، فرتب له السلطان ما يليق به.
وقدمت رسل تيمور إلى دمشق، فعوقوا بها، وحملت كتبهم إلى السلطان فإذا فيها طلب أطلمش، فأمر أن يكتب إلى أطلمش بما هو فيه ورفيقه من إحسان السلطان، وكتب جوابه بأنه متى أرسل من عنده من أصحاب السلطان، خبر إليه أطلمش.
وفي يوم السبت أول صفر: حمل محمود الأستادار إلى عند السلطان، وانتصب له سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الخاص، وفجر عليه، وبالذي في محاققته، والفحش في الكلام، حتى امتلأ السلطان على محمود غضباً، وأمر بعقوبته حتى يموت، فأنزل إلى بيت الحسام شاد الدواوين.
وفي ثالثه: قدم الأمير تنم نائب الشام، فخرج السلطان إلى لقائه بالريدانية وجلس له على مطعم الطور، وبعث الأمراء والقضاة إليه، فأتوه به، وسار معه إلى القلعة، وأنزل بالميدان الكبير على موردة الجبس، وبعث إليه السماط والنفقات، وحمس بقج قماش متصل، وأجرى له الرواتب التي تقوم به، وبمن معه، فحمل تنم تقدمته، وهى عشر كواهي، وعشرة مماليك صغار في غاية الحسن، وعشرة آلاف دينار، وثلاثمائة ألف درهم، ومصحف قرآن، وسيف بسقط ذهب مرصع، وعصابة نساوية من ذهب مرصع بجواهر نفيسة، وطراز من ذهب مرصع أيضاً، وأربعة كنابيش زركش، وأربعة سروج ذهب، وبدلة فرس فيها أربعمائة دينار ذهباً، وأجرة صياغتها ثلاثة آلاف درهم فضة، ومائة وخمسون بقجة فيها أنواع الفرو، ومائة وخمسون فرساً، وخمسون جملاً، وخمسة عشر حملاً من النصافي ونحوه، وثلاثون حملاً من فاكهة وحلوى، وغير ذلك مما يؤكل، واثنتي عشرة علبة من سكر النبات.
وفي سادسه: استقر أوناط السيفي في ولاية قوص، وعزل أقبغا الزيني.

وفي سابعه: على السلطان إلى بر الجيزة ومعه الأمير تنم، ونزل على شاطئ النيل تجاه القاهرة، وتصيد، ثم عاد في ثالث عشره.
وفيه استقر تاج الدين عبد الغني بن صورة في توقيع الدست، عوضاً عن ولي الدين أحمد بن تقي الدين ناظر الجيش.
وفي سابع عشره: جلس السلطان بدار العدل، وركب الأمير تنم في الموكب تحت القلعة بمنزلة النيابة، وطلع إلى دار العدل، وخلع عليه خلعة الاستمرار. وجرت له من الإصطبل ثمانية جنايب بكنابيش وسروج ذهب.
وفيه استقر شرف الدين محمد بن الدماميني في حسبة القاهرة، وصرف شمس الدين محمد المخانسي.
وفي تاسع عشره: استقر شمس الدين محمد بن أحمد بن محمود النابلسي في قضاء الحنابلة بدمشق، وكان قد حضر مع الأمير تنم. واستقر تاج الدين عبد الرزاق الملكي ناظر ديوان الأمير تنم - وقد حضر معه أيضا إلى القاهرة - في نظر الجيش بدمشق، عوضاً عن شمس الدين بن مشكور، وخلع عليهما.
وفيه خرج البريد بطلب الأمير جُلْبان من دمياط.
وفي عشرينه: لبس الأمير تنم قباء السفر، وتوجه في حادي عشرينه إلى نيابته بدمشق.
وفي خامس عشرينه: عدى السلطان إلى بر الجيزة، وعاد في سابع عشرينه.
وفيه قدم الأمير جلبان الكمشبغاوي من دمياط ومثل بحضرة السلطان، وقبل الأرض، فصفح عنه وألبسه خلعة الرضا، وأنعم عليه بإقطاع الأمير فخر الدين إياس الجرجاوي، وجعله أتابك العساكر بدمشق، وبعث إليه بثمانية أفراس، منها فرس بقماش ذهب.
وفيه سلم إياس الجرجاوي أتابك دمشق إلى ابن الطبلاوي ليخلص منه المال، فالتزم بخمسمائة ألف درهم، وبعث مملوكه لإحضار ماله من دمشق فخلى عنه وهو مريض، فمات بعد يومين.
وفي يوم الخميس رابع ربيع الأول: قبض على الوزير الصاحب سعد الدين نصر اللّه بن البقري، وولده تاج الدين، وسائر حواشيه، واستقر عوضه في الوزارة بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن الطوخي، واستقر عوضه في نظر الدولة سعد الدين الهيصم.
وفي ثامنه: استقر شرف الدين محمد بن الدماميني في نظر الجيش بعد موت جمال الدين محمود العجمي القيصري، على أربعمائة ألف درهم فضة، قام بها بعد ما حمل في ولاية الحسبة بالقاهرة مائتي ألف وخمسين ألف درهم فضة، سرق ذلك كله وأضعافه من مال الأمير محمود الأستادار، فإنه كان رفيقاً لسعد الدين إبراهيم بن غراب في مباشرته.
وفي تاسعه: استمر شمس الدين محمد بن أحمد بن أبى بكر الطرابلسي، في ضاء القضاة الحنفية، عوضاً عن الجمال محمود العجمي، وهذه ولائَه الثانية. وولي كليهما من غير بذل مال، ولا سعى، بل يطلب لذلك. واستقر البهاء محمد بن البرجي في حسبة القاهرة، عوضاً عن ابن الدماميني بمال قدام به. ولم يل قط إلا بمال، فتشاءم الناس بولايته من أجل أن القمح كان الأردب منه بنحو ثمانية وعشرين درهماً، والبطة الدقيق أحد عشر درهماً، والخبز ستة أرطال بدرهم، فأبيع القمح بستة وثلاثين الأردب، والبطة المقيق بأربعة عشر درهماً، والخبز دون الخمسة أرطال درهم.
وفي سادس عشره: استقر أنواط اليوسفي في نيابة الوجه القبلي، وعزل عمر بن إلياس، وخرج البريد بطلبه. واستقر محمد بن العادلي في ولاية قوص عوضاً عن أنواط.
وفي تاسع عشره: قدم الأمير طولو بن علي شاه من بلاد الروم، وقد توجه في الرسالة إلى خوندكار بن عثَمان، وأخبر بأنه واقع الأكروس، وظفر منهم بغنائم كثيرة، وقتل خلائق لا تحصى، وأن شمس الدين محمد بن الحزري لحق بابن عثمان، فبالغ في إكرامه، وجعل له في اليوم مائة وخمسين درهماً نقرة.
وكان خبره أنه لما فر من القاهرة ركب البحر من الإسكندرية إلى أنطاكية في ثلاثة أيام يريد اللحاق بابن عثمان، فإنه أقرأ بدمشق القراءات رجلاً من الروم يقال له حاجي مؤمن، صار من عظماء أصحاب ابن عثمان، فأكرمه متولي أنطاكية، وبعث به إلى برصا - دار ملك ابن عثمان - من بلاد الروم، فتلقاه أهل برصا، ودخل على ابن عثمان، فأكرمه وأجزى عليه المرتب المذكور، وقاد إليه تسعة أروس من الخيل وعدة مماليك وجواري، وصار يعد من العظماء.
وورد الخبر أيضاً بأن الوزير تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر فر من دمشق، وصار من بيروت إلى عند ابن عثمان، فأكرمه، وأجرى عليه في اليوم خمسين درهماً.

وفي حادي عشرينه: قدمت هدية الملك الأشرف ممهد الدين إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد على بن داود بن يوسف بن عمر بن رسول، متملك اليمن، صحبة برهان الدين إبراهيم المحلى للتاجي، والطواشي افتخار الدين فاخر، وهي عشرة خدام طواشية، وأربعة عبيد وست جواري، وسيف بحلية ذهب، مرصع بعقيق، وحياصة، بعواميد عقيق مكلل بلؤلؤ كبار، ووجه فرس مرآة هندية، محلاة بفضة قد رصعت بعقيق وبراشيم وحشية برسم الخيول عشرة، ورماح عدة مائتين، وشطرنج عقيق أبيض وأحمر، وأربع مراوح مطرطقة بذهب، ومسك ألف مثقال، وعنبر خام ألف مثقال، وزباد سبعون أوقية، ومائة مضرب غالية، ومائتي وستة عشر رطلاً من العود، وثلاثمائة واثنتين وأربعين رطلاً من اللبان الجاوي، وثلاثمائة وأربعة وستون رطلاً من الصندل، وأربع براني من الشند وسبعمائة رطل من الحرير الخام، ومن البهار والأنطاع والصيني، وغير ذلك من تحف اليمن والهند.
وفي ثاني عشرينه: عدى السلطان إلى بر الجيزة، وعاد في يوم الأربعاء ثاني ربيع الآخر، فصاح العوام، وشكوا من ابن البرجي المحتسب، وسألوا عزله.
وفي ثالثه: وقف أوباش العامة تحت القلعة، ورصدوا ابن البرجي حتى نزل، ورجموه بالحجارة حتى كاد يهلك، لولا امتنع ببيت بعض الأمراء. وكان ذلك بإغراء المخانسي وتفرقته مبلغ مائتي درهم في عدة من أوباش العامة ليرجموا ابن البرجي، ويسألوا عزله وعود المخانسي، فتم له ذلك واشتد صراخ العامة بعد رجم البرجي، وهو يسألون عزله وولاية المخانسي فاستدعى وخلع عليه من يومه.
وفي خامسه: استقر محمد بن عمر بن عبد العزيز أميراً على هوارة، بعد موت أبيه.
وفي ثامنه: ركب شرف الدين محمد بن الدماميني بفوقانية من صوف أخضر وعذبته مسبلة عليها من وراء ظهره. ولم يعهد قبله أحد من القضاة الذين يلبسون الجبة، ويلبسون العذبة، يلبس جبة ملونة، بل دائماً لا يلبسون شتاء ولا صيفا إلا الجبة البيضاء، ففي الصيف من القطن، وفي الشتاء من الصوف، وكذلك كان الوزراء وأكابر الفقهاء، وأعيان الكتاب، لا يلبسون في الخدمة السلطانية وأوقات الركوب وعند لقاء بعضهم بعضاً إلا البياض دائماً، فغير الناس ذلك، وصاروا يلبسون الملونات من الصوف بأمر السلطان لهم على لسان كاتب السر.
وفي ثالث عشره: أحضر طيبغا الزيني والي الفيوم، فسلم لابن الطبلاوي ليعاقبه واستقر ألطنبغا عوضه والي البهنسا، واستقر عوضه في البهنسا خليل بن الطوخي. وفيه ولدت امرأة أربعة أولاد في بطن، عاش منهم أحدهم.
وفيه تنكر السلطان على قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي، لحدهَ خُلقه.
وفي يوم الخميس ثاني جمادى الأولى توجه الحسام حسين شاد الدواويِن إلى مساحة البلاد السلطانية بالوجه القبلي. ونُقل الأمير محمود إلى خزانة شمايل في ليلة الجمعة ثالثه وهو مريض، فسجن بها.
وفيه أنعم على أمير خضر بن عمر بن أحمد بن بَكتنُر الساقي بإمرة عشرة.
وفي سادسه: عدى السلطان إلى بر الجيزة، وفرق الخيول على الأمراء، كما هي العادة في كل سنة، وعاد في عشرينه.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: استدعى تقي الدين عبد الرحمن الزبيري، أحد الخلفاء الحكم، وفرض إليه قضاء القضاة، عوضاً عن الصدر محمد المناوي، ونزل معه الأمير قَلَمْطاي الدوادار، والأمير نوروز الحافظي رأس نوبة، والأمير فارس حاجب الحجاب في عدة من الأمراء، وكاتب السر، والقضاة، والأعيان، وعليه التشريف. ولم تخطر ولايته ببال أحد، بل طلبه السلطان على بغتة، فشق ذلك على المناوي، وعظم عليه أن عزل بنائبه.
وفي سادس عشر جمادى الآخرة: أنعم على بيسق الشيخي بإمرة طبلخاناه. وقدم سري الدين محمد بن المسلاتي من دمشق بعد عزله.
وفي هذا الشهر: اشتد الغلاء بدمشق، فخرج الناس يستسقون، وثاروا برجل يعرف بابن النشو، كان يحتكر الغلال، وقتلوه شر قتلة، وأحرقوه بالنار.
وفيه استقر ألطنبغا حاجب غزة في نيابة الكرك، وعزل ناصر الدين بن مبارك بن المهمندار.

وفي سابع عشرين رجب: استقر عماد الدين أحمد بن عيسى المقيري الكركي في خطابة القدس، بعد وفاة سري الدين محمد بن المسلاني. واستقر عوضه في تدريس الجامع الطولوني شيخ الحديث زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي وسراج الدين عمر بن الملقن عوضه في تدريس وقف الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بقبة الملك المنصور من المارستان. واستقر عوضه في نظر وقف الملك الصالح هذا شهاب الدين أحمد بن عبد اللّه النحريري المالكي، واستقر علاء الدين علي بن أبي البقاء في قضاء الشافعية بدمشق مرة ثانية، عوضاً عن سري الدين أبو الخطاب محمد بن محمد.
وفي ليلة الأحد ثامن شعبان - وحادي عشر بشنس - : أبرقت وأرعدت وجاء مطر بعد المغرب، قلما عهد مثله، وهذا من عجيب ما يقع بأرض مصر، ثم أمطرت، غير مرة من الليل.
وفي سادس عشره: استقر صَرْغَتْمش القزويني الخاصكي في نيابة الإسكندرية، وعزل قديد ونفي إلى القدس، ونفي أيضاً صلاح الدين محمد بن تنكز إلى الإسكندرية، وخرج البريد بارتجاع إقطاع أحمد بن يلبغا، وألجبغا الجمالي وخضر الكريمي، فأقاموا بطالين بالبلاد الشامية، وأنعم على شيخ المحمودي بإقطاع صرغتمش القزويني، وعلى طَغَثْجي نائب البيرة بإقطاع شيخ، وعلى يشبك العثماني بإقطاع صلاح الدين محمد ابن تنكز، وعلى شيخ السليماني بعشرة يشبك العثماني واستقر علاء الدين علي بن الطلاوي، عوضاً عن ابن تنكز في أستادارية الأملاك والأوقاف السلطانية، مضافاً لما بيده. واستقر سعد الدين الهيصم في صحابة الديوان المفرد. واستقر عوضه في الاستيفاء بالديران المفرد الأسعد البحلاق النصراني.
وفي تاسع عشره: خلع على الأمير حسام الدين حسن الكجكني عند فراغه من عمل الجسور بالبهنساوية، وأتقنها إتقاناً جيداً، و لم يقبل لأحد شيئاً من المأكول، فضلاً عن المال.
وفي ثاني عشرينه: استقر زين الدين شعبان بن محمد بن داود الآتاري في حسبة مصر، عوضاً عن نور الدين علي بن عبد الوارث البكري بمال التزم به.
وفي ثالث عشرينه: قدمت رسل ابن عثمان متملك الروم إلى ساحل بولاق فخرج إليهم الحاجب بالخيول السلطانية حتى ركبوها إلى حين أنزلوا بحار أعدت لهم.
وفي يوم الجمعة رابع رمضان: أقيمت الخطبة بالجامع الأقمر من القاهرة، وخطب فيه شهاب الديِن أحمد بن موسى بن إبراهيم الحلبي الحنفي - أحد نواب القضاة الحنفية - ولم يعهد فيه قط خطبة، لكن لما جدد الأمير يلبغا السالمي عمارته بنى على بابه مناراً يؤذن عليه، ولم يكن به منارة قبل ذلك، وجدد بوسطه بركة ماء، وبصدره - بحد المحراب - منبراً، فاستمر ذلك.
وفي سابعه: قدَّم رسل ابن عثمان هدية مرسلهم. وأحضر صلاح الدين محمد بن تنكز من الإسكندرية، ورسم بإقامته بدمشق، متحدثاً على أوقاف جده تنكز بغير إمرة. فسار إليها.
وفي حادي عشره: استقر عوض التركماني في ولاية بلبيس، وعزل تغري برمش، واستقر عمر بن إلياس في ولاية منفلوط، وعزل علي بن غَلْبَك بن المكللة، واستقر شاد دواليب الخاص بمنفلوط.
وفيه ترافع شهاب الدين أحمد بن عمر بن قطينه، وسعد الدين الهيصم، ناظر الدولة، فألزم الهيصم بحمل مائة ألف درهم.
وفيه أخذ قاع النيل، فكان خمسة أذرع، وخمسة وعشرين إصبعاً.
وفي ساس عشرينه: استقر الأمير يلبغا الأحمدي المجنون أستادار السلطان عوضاً عن الأمير قَطْلوبَك العلاي، واستقر قطلوبك على إمرته بعشرين فارساً فتحدث، المجنون في الأستادارية والكشف. وقبض على ناصر الدين محمد بن محمود الأستادار، وألزم بثلاثة آلاف دينار بعد موت أبيه، فعوقب عند ابن الطبلاوي عقوبة عظيمة.
وفيه استقر علاء الدين على البغدادي الشريف في ولاية دمياط، بعد موت أحمد الأرغوني.
وقدم الوزير تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر من بلاد الروم، بعد ما أسره الفرنج، فلزم داره.

وقدم البريد بوصول عساكر تيمور لنك إلى أزرنكان من بلاد الروم. وقتل كثير من التركمان، فتوجه الأمير تمربغا المنجكي على البريد لتجهيز عساكر الشام إلى أرزنكان، وندب شهاب الدين أحمد بن عمر بن قطينة، لتجهيز الشعير برسم الإقامات في منازل طريق الشام. وكان في أثناء هذه السنة قد قبض الأمير بَكْلَمِش العلاي أمير سلاح علي زين الدين مهنا - دواداره - بمرافعة موقعه وشاهد ديوانه، صفي الدين أحمد ابن محمد بن عثمان الدميري، وأخذ منه أربعمائة ألف وخمسين ألف درهم، ثم أفرج عنه، وقبض على الصفي الدميري وبالغ في عقوبته، وأخذ منه مائة ألف درهم.
وفيه استقر شمس الدين أينبغا التركماني الحنفي في مشيخة القوصونية، وعزل تاج اللين محمد بن الميموني.
وفي أول ذي القعدة: استقر ألطنبغا السيفي والي الفيوم في نيابة الوجه القبلي وعزل أوناط. واستقر قرابغا مُفرق إلى أطيفح في ولاية الفيوم وكشفها، واستقر أسندَمر الظاهري في ولاية أطفيح.
وفي يوم الجمعة ثامنه - وهو عاشر مسري - : أوفى النيل ستة عشر ذراعاً فركب السلطان إلى المقياس، وفتح الخليج على العادة.
وفي عاشره: استقر قطلوبغا التركماني الخليلي أمير آخور في ولاية البهنسا، عوضاً عن خليل بن الطوخي واستقر طيبغا الزيني في ولاية الجيزة، وعزل محمد بن حسن بن ليلى وضرب وصودر.
وفي عشرينه: قتل الأمير أو بكر بن الأحدب، أمير عرك من سيوط، فأقيم بدله في الإمرة أخوه عثمان بن الأحدب، واستقر محمد بن مسافر في ولاية قوص، وعزل إبراهيم بن محمد بن مقبل.
وفي أول ذي الحجة: توعك بدن السلطان إلى تاسعه، فنودي بالزينة، فزينت القاهرة ومصر، ودقت البشائر لعافية السلطان.
وفي يوم الثلاثاء عاشره: نزل السلطان إلى الميدان تحت القلعة، وصلى صلاة عيد النصر على العادة.
وفي سادس عشره: جلس بدار العدل.
وفي ثالث عشرينه: ركب إلى خارج القاهرة، وعبر من باب النصر، وعاد إلى القلعة من باب زويلة، فقلعت الزينة.
وفي سادس عشرينه: انتهت زيادة النيل إلى خمسة عشر إصبعاً من عشرين ذراعاً، وثبت إلى ثاني بابه، وانحط. ومع ذلك فالسعر في سائر الأشياء غال، والبطة الدقيق بأكثر من اثني عشر درهماً.
وفيه توجه السلطان إلى السرحة بناحية سرياقوس، ونزل بالقصور على العادة في كل سنة.
وفي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الحاج بالأمن والرخاء.
وفيها ولي شرف الدين موسى بن محمد بن محمد بن جمعة الأنصاري، قضاء الشافعية بحلب، عوضاً عن شمس الدين محمد الأخناي.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرمن الأعيان شهاب الدين أحمد الأرغوني متولي دمياط في شوال.
ومات إسماعيل بن الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، بقلعة الجبل، في خامس عشرين شوال. وكان قد تأمر في أيام الأشرف شعبان.
ومات أسنبغا التاجي، أحد أمراء العشراوات.
ومات إياس الجرجاوي نائب طرابلس، وأحد أمراء الألوف بالقاهرة.
ومات أبو بكر بن محمد بن واصل، المعروف بابن الأحدب، أمير عرك، في عشرين ذي القعدة قتيلاً.
ومات بيبرس التمان تمري أمير آخور، في رابع عشر جمادى الآخرة.
ومات عمر بن عبد العزيز أمير هوارة.
ومات الشيخ المعتقد حسن القشتمري، في تاسع عشر جمادى الأولى.
ومات شعبان بن الملك الظاهر برقوق، وهو طفل، في ثامن عشرين ربيع الأول.
ومات الشيخ المسند المعمر زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حماد الغزي، المعروف بابن الشيخة الشافعي. ولد في سنة خمس عشرة وسبعماية تخميناً. وأخذ الفقه على مذهب الشافعي عن التقي السبكي. وحدث بصحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود، وموطأ مالك، وغير ذلك مما يطول شرحه، وتصدى للأسماع عدة سنين، حتى مات في تاسع عشرين ربيع الآخر خارج القاهرة، وكان شيخاً مباركاً.
ومات الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز العقيلي - بفتح العين المكي، إمام المالكية بالمسجد الحرام، وأخو القاضي أبى الفضل المعروف بالفقيه على النوبري، في ثاني جمادى الأولى بمكة، وسمع وحدث.
ومات علي النًوَساني، شيخ ناحية صندفاً من الغربية، في ثالث عشر شوال، وكان له ثراء واسع.
ومات زين الدين قاسم بن محمد بن إبراهيم المغربي المالكي، في حادي عشر المحرم، درس الفقه زماناً باب مع الأزهر، وكتب على الفتوى، وكان متديناً خيراً.

ومات محب الدين محمد بن شمس الدين محمد الطُرَيْني أحد نواب القضاة الشافعية، خارج القاهرة، في ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم.
ومات الشيخ محب الدين محمد بن الشيخ جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام النحوي، في ليلة الاثنين رابع عشرين رجب، وقد تصدر لإقراء النحو سنين. وكان خيراً ديناً.
ومات شمس الدين محمد بن علي بن حسب الله بن حسون الشافعي، في عاشر شعبان.
ومات ناصر الدين محمد بن فخر الدين أياز الدواداري، أحد أمراء الطبلخاناه.
ومات سري الدين أبو الخطاب محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن علي بن عبد الملك، المعروف بابن المسلاني، قاضي القضاة الشافعية بدمشق. مات بالقاهرة في يوم الخميس سابع عشرين رجب.
ومات شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي، قاضي القضاة الحتفية بالقاهرة ومصر، في يوم السبت ثامن عشرين ذي الحجة، وكان من خيار من ولي القضاء عفة، وصرامة وشهامة.
ومات جمال الدين محمود بن محمد القيصري العجمي قاضي القضاة الحنفية وناظر الجيوش، وشيخ الشيخونية، في ليلة الأحد سابع ربيع الأول.
ومات الأمير جمال الدين محمود بن علي بن أصفر. عينه الأستادار، في يوم الأحد تاسع رجب، بخزانة شمايل، بعد ما نكب نكبة شنعة، ودفن بمدرسته خارج باب زويلة وجملة ما أخذ منه في مصادرته للسلطان ألف ألف دينار، أربعمائة ألف دينار ذهباً، وألف ألف درهم فضة، وبضائع وغلال، وغير ذلك بألف ألف درهم فضة، وتلف له وأخفي هو شيئاً كثيراً.
ومات الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقري القطبي الأسلمي، في ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة، مخنوقاً بعد عقوبة شديدة.
ومات الشريف إبراهيم بن عبد الله الأخلاطي، في يوم الأربعاء تاسع عشرين جمادى الأولى.
ومات قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز وهيب بن عطا بن جبير بن جابر بن وهيب المعروف بابن أبي العز، قتيلاً بدمشق، في مستهل ذي الحجة. وقد باشر قضاء مصر، كما تقدم في سنة سبع وسبعين، واستعفى ومضى إلى دمشق، وولي بها قضاء القضاة الحنفية غير مرة، وصرف، فلزم بيته حتى مات، رحمه الله.
سنة ثمانمائةأهل المحرم يوم الاثنين: ويوافقه من شهور القبط اليوم السابع والعشرون من توت، والنيل قد انتهت زيادته وبدأ ينحط.
وفيه ركب السلطان، وعاد الأمير بكلمش، وسار إلى شاطئ النيل وعاد إلى القلعة.
وفي ثانيه: قدم ناصر متملك بلاد النوبة فاراً من ابن عمه، فأكرمه السلطان وخلع عليه، وأعاد الصارم إبراهيم الشهابي إلى ولاية أسوان، وتقدم إليه بمعاونة ناصر.
وفي ثامنه: توجه السلطان إلى السرحة بناحية سرياقوس، ونزل بالقصور على العادة في كل سنة.
وفيه كُتب بعود العسكر المجرد بسبب تيمور لنك، وقد قربوا من بلد سيواس.
وفي ثاني عشرينه: خرج على البريد بكتمُر جلق لإحضار الأمير تغري بردي من يشبغا نائب حلب، وكتب بانتقال أرغون شاه الإَبراهيمي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب. وسار على البريد الأمير يشبك العثماني بتقليده. ورسم بانتقال أقبغا الجمالي من نيابة صفد إلى نيابة طرابلس، وتوجه لتقليده الأمير أزْدَمُر أخو أينال، ومعه أيضاً الأمير تنم الحسني باستمراره في نيابة دمشق، ورسم بانتقال شهاب الدين أحمد بن الشيخ على من نيابة غزة إلى نيابة صفد، وتوجه لتقليد الأمير يلبغا الناصري رأس نوبة.
وفي ثامن عشره: قدم سوابق الحاج وأخبروا أنه هلك بالسبع وعرات من شدة الحر نحو ستمائة إنسان، وأنه هلك من حاج الشام زيادة على ألفي إنسان، وأن ودائع الحاج التي بعقبة أيلة نهبت.
وفي خامس عشرينه: عاد السلطان من سرياقوس. ولم يخرج إليها بعد ذلك، ولا أحد من السلاطين، وجهلت عوائدها، وخربت القصور، وكانت من أجمل عوائد ملوك مصر.
وفي تاسع عشرينه: - في وقت الخدمة السلطانية بالقصر - قبض على الأمر الكبير كمشبغا الحموي أتابك العساكر، وعلى الأمير بكلمش العلاي أمير سلاح، وقيدا. ونزل الأمير قلمطاي الدوادار، والأمير نوروز الحافظي رأس نوبة، والأمير فارس حاجب الحجاب إلى الأمير شيخ الصفوي، ومعهم خلعة بنيابة غزة، فلبسها وخرج من وقته ليسافر، ونزل بخانكاة سرياقوس.

وفي ليلة الثلاثاء سلخه: توجه الأمير سودن الطيار بكُمُشبغا وبكمش في الحديد إلى الإسكندرية، فسجنا بها.
وفي الغد استعفي الأمير شيخ من نيابة غزة وسأل الإقامة بالقدس، فرتب له النصف من قريتي بيت لحم، وبيت جالة من القدس يرتفق بهما، وسار إلى القدس.
وفيه عرض السلطان مماليك الأمير كمشبغا وأولاده ومماليك بكلمش، فاختار منهم طائفة، وفرق البقية على الأمراء. قبض على شاهين رأس نوبة كُمشبغا.
وفي يوم الخميس ثاني صفر: استقر الأمير أيتمش البجاسي أتابك العساكر، وأنعم عليه وعلى الأمير قلمطاي الدوادار، والأمير تاني بك أمير أخور ببلاد من إقطاع كمشبغا، وأنعم ببقيته على الأمير سودن المعروف بابن أخت السلطان، وصار من أمراء الألوف. وأنعم بإقطاع سودن المذكور على الأمير عبد العزيز ولد السلطان. وأنعم بإقطاع بكلمش على نوروز الحافظي رأس نوبة، وبإقطاع نوروز على الأمير أرغون شاه الأقبغاوي، وبإقطاع أرغون شاه على الأمير يلبغا الأسعدي المجنون الأستادار. وأنعم بإقطاع شيخ الصفوي على الأمير تغري بردي قبل قدمه من حلب.
وفي رابعه: استقر الأمير باي خجا طيفور الشرفي أمير أخور بنيابة غزة.
وفي سادسه: ركب السلطان للصيد، وشق القاهرة من باب القنطرة، وعاد إلى القلعة من باب زويلة.
وفي تاسعه: استقر الأمير بيبرس ابن أخت السلطان أمير مجلس، عوضاً عن شيخ الصفوي.
وفي حادي عشره: توجه السلطان للصيد وعاد في ثالث عشره.
وفي رابع عشره: سُمر شاهين رأس نوبة كُمُشبغا، وطيف به ثم وسُط.
وفي سادس عشره: لبس طيفور نائب غزة قباء السفر، وتوجه إلى غزة.
وفي عشرينه: قدم تَمُربُغا المنجكي على البريد، بعد ما جهز عساكر الشام مع الأمير تنِم نائب دمشق إلى أرزن كان.
وفي ثالث عشره: عاد السلطان من بر الجيزة إلى القلعة.
وفي سابع عشرينه: أنعم على يَلْبُغا السالمي الخاصكي بإمرة عشرة، عوضاً عن بهاُدر فطير، وانتقل بهاُدر إلى إمرة طبلخاناه.
وفيه استقر شمس الدين محمد الشاذلي في حسبة مصر، وعزل شعبان بن محمد الآثاري.
وفي يوم الخميس أول ربيع الأول: استقر حسن بن قراجا العلاي في ولاية الجيزة، وعزل يَلْبغا الزيني.
وفي ليلة الجمعة ثانيه: عمل السلطان المولد النبوي على عادته في كل سنة، وحضر شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والشيخ إبراهيم بن زقاعة، وقضاة القضاة، وعدة من شيوخ العلم في الحوش من القلعة تحت خيمة ضربت هناك. وجلس السلطان وعن يمينه البلقيني وابن زقاعة، وعن يساره الشيخ أبو عبد اللّه المغربي، وتحته القضاة. وحضر الأمراء فجلسوا على بعد منه. فلما فرغ القراء من قراعة القرآن، قام الوعاظ واحداً بعد واحد فدفع لكل منهم صرة فيها أربعمائة درهم فضة، ومن كل أمير شقة حرير، وعدتهم عشرون واعظاً. ثم مدت الأسمطة الجليلة. فلما أكلت، مدت أسمطة الحلوى، فانتهبت كلها. فلما فرغ الوعاظ مضى القضاة، وأقيم السماع من بعد ثلث الليل إلى قريب الفجر.
وفي خامس عشره: قدم الأمير تغري بردي من حلب، فخرج السلطان وتلقاه من الريدانية خارج القاهرة، وسار به معه إلى القلعة، وأنزله في دار تليق به، وبعث إليه خمسة أفراس، بقج فيها ثياب.
وفي سادس عشره: استقر أقبغا المزوق والياً بالأشمونين، عوضاً عن الشهاب أحمد المنقار.
وفي سابع عشره: حمل الأمير تغري بردي تقدمته، فكانت عشرين مملوكاً، وثلاثينِ ألف دينار عينا، ومائة وخمساً وعشرين فرساً، وعدة جمال، وأحمالاً من الفرو والثياب. وفيه توجه السلطان إلى بر الجيزة، وعاد.
وفي تاسع عشره: استقر قُطُلوبُغا الخليلي التركماني في ولاية الشرقية، وعزل عوض التركماني.
وفيه خلع على الأمير يلبغا الأستادار، واستقر في كشف الوجه البحري.
وفي هذا الشهر: وقع بالوجه البحري وباء، وفشت الأمراض بالقاهرة ومصر. وكان قد خرج جماعة من الأمراء إلى الصعيد فمرض أكثرهم، وعاد الأمير قَلْمطاي الدوادار في يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر، وهو مريض، لا يثبت على الفرس.
ومات الأمير تمان شاه الشيخوني، فأنعم على ابنه عبد الله بإمرته.

ومات طوغان العمري الشاطر أحد العشراوات، فأنعم على سودن من زاده بإمرته، واستقر علاء الدين علي الحلبي في كشف الوجه البحري، عوضاً عن أمير علي السيفي. وفي حادي عشره: ركب السلطان، وعاد الأمير قَلْمطاي، ففرش تحت حوافر فرسه شقاق الحرير، مشى عليها من باب داره حتى نزل بباب القصر فمشى على شقاق النخ المذهب حتى جلس. وقدم إليه طبقاً فيه عشرة آلاف دينار، وخمسة وعشرين بقجة قماش، وتسعة وعشرين فرساً، وغلاماً تركياً بديع الحسن.
وفيه قدم الخبر بمسير تيمور لنك من سمرقند إلى بلاد الهند، وأنه ملك مدينة دله.
وفي خامس عشره: شكا الشهاب أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي الحنفي غريمه السالمي إلى السلطان فأفحش في المخاطبة، فرسم بسجنه بخزانة شمايل بعد ما رسم بضربه بالمقارع، ولولا أنه شفع فيه لضرب.
وفي ثامن عشره: قدم على البريد جمال الدين يوسف بن صلاح الدين موسى بن شمس الدين محمد الملطي الفقيه الحنفي من حلب باستدعاء، ليلى قضاء الحنفية، فنزل عند بدر الدين محمود الكستاني كاتب السر، واستقر في قضاء الحنفية بالقاهرة ومصر، عوضاً عن شمس الدين محمد الطرابلسي، في يوم الخميس عشرينه. ونزل بالخلعة ومعه عدة أمراء بعدما شغر قضاء الحنفية مائة يوم وأحد عشر يوماً. وأنعم على جاني بك جياوي بإمرة عشرة، عوضاً عن آق بلاط الأسعدي.
وفي يوم الاثنين ثامن جمادى الأولى: أنعم على الأمير ألي باي بتقديمة تاني بك أمير خور، بعد موته.
وفي تاسعه: استقر مقبل - أحد المماليك الظاهرية - في ولاية قليوب، عوضاً عن محمد العلاي.
وفي ثامن عشره: أنعم على الأمير يَشبك العثماني بتقدمة قَلْمطاي بعد وفاته وعلى الأمير أسنبغا العلاي الدوادار التاني بطلخاناة بكتمر الركني، وعلى بكتمر بطبلخاناة ألي باي، وعلى محمد بن الأمير قَلَمْطاي بإمرة عشرة، وعلى أقباي الطرنطاي طبلخاناه، وعلى تنكزبغا الحطلي بإمرة عشرين.
وفي عشرينه: استقر صدر الدين أحمد بن جمال الدين محمود القيصري في توقيع الدست، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن بدر الدين حسن الفاقوسي بعد عزله.
وفيه عدى السلطان إلى بر الجيزة، وعاد في خامس عشرينه.
وظهر في هذا الشَهر خرطوم من جزيرة أروى، امتد إلى تجاه جامع الخطيري من بولاق، فيما بين الجامع وناحية منبابة من البر الغربي.
وفي تاسع عشرينه: استقر تغري بردي من يَشْبُغا أمير سلاح، وأقبغا الطُولوتَمُري - المعروف باللكاش - أمير مجلس، والأمير نوروز الحافظي أمير أخور، والأمير بيبرس ابن أخت السلطان دوادراً، والأمير ألي باي العلاي خازنداراً، وخلع السلطان على الجميع الأطلسين. واستقر على بن غلبك في ولاية منفلوط بعد قتل عمر بن إياس: واستقر شمس الدين محمد الأخنادي الدمشقي في قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن علاء الدين علي بن بهاء الدين أبي البقاء.
وفي يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة: حضر الوزير علم الدين عبد الوهاب بن إبرة بطلب، من الإسكندرية وهو يلي نظرها، فضرب بين يدي السلطان بالمقارع.
وفي ثاني عشره: عدى السلطان إلى الجيزة، وعاد في رابع عشرينه. وكتب بعزل تاج الدين أبي بكر بن معين الدين محمد بن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد، المعروف بابن الدماميني من قضاء الإسكندرية، وكان قد وليها بسفارة أخيه شرف الدين، فلم تُشكر سيرته لعدم أهليته. واستقر عوضه ابن الربعي، بسفارهَ سعد الدين إبراهيم بن غراب.
وفي هذا الشهر: منع الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي من الحديث في إسكندرية، وتحدث فيها سعد الدين إبراهيم بن غراب، فولى أخاه فخر الدين ماجد نظر الإسكندرية. وخرج أمير فرج بالكشف على ابن الطبلاوي.
وفي يوم الجمعة ثاني رجب: أفرج عن الشهاب العبادي من سجنه بخزانة شمايل.
وفي ثامنه: خلع على شمس الدين محمد المخانسي خلعة الاستمرار، واستقر تمراز قماري في شد الأحوال، وأمير شكار بعد موت شرف الدين موسى بن قماري.

وفي ليلة الجمعة ثامن شعبان: قبض على الأمير علاء الدين علي بن سعد الدين عبد الله بن محمد بن الطبلاوي وجماعة من ألزامه. وذلك أن سعد الدين إبراهيم بن غراب لما تسور على مخدومه الأمير جمال الدين محمود الأستادار - بمعاونة ابن الطلاوي - وتمالئا عليه حتى نكب وهلك كما ذكره صار ابن غراب بعده من أعيان الدولة، فالتَفت إلى ابن الطبلاوي وقد صار عظيم أهل الدولة، وظاهر عليه الأمير يلبغا المجنون الأستادار، وقد نافس ابن الطبلاوي، وما زال به يحمله عليه حتى أغرى به السلطان حسداً منه وبغياً، إلى أن قرر معه القبض عليه، فأشاع أنه وُلد له وَلد ودعا إلى عمل وليمة، خضر ابن الطبلاوي ومعه ابن عمه ناصر الدين محمد بن محمد بن محمد بن الطبلاوي - المعروف بابن سُتَيْت حضر النادر، وفيهم الأمير يعقوب شاه الخازندار، وقد رسم له معاونة ابن غراب في القبض على ابن الطلاوي، فعندما استقر بالناس الجلوس بعث ابن غراب بالأمير بهاء الدين أرسلان نقيب الجيدة، فقبض على ناصر الدين محمد بن سعد الدين عبد الله بن محمد بن الطبلاوي والي القاهرة، وأكثر حواشيه، وحواشي أخيه علاء الدين. فلما علم ابن غراب بالقبض عليهم مد السماط ليأكل الناس، فتقدم الأمير يعقوب شاه، وقبض على علاء الدين وابن عمه ناصر الدين، وتوجه بهما. ووقعت الحوطة في الليل على دور الجميع، وتُتُبعت من الغد أسبابهم وأتباعهم، فتجمعت العامة ورفعوا الأعلام، وحملوا المصاحف، ووقفوا تحت القلعة يسألون إعادة ابن الطلاوي، فأمر بضربهم، ففروا. وأمر الأمير يلبغا المجنون الأستادار بمعاقبة ابن الطلاوي، واستخلاص الأموال منه ومن حواشيه وأهله.
وفي ثاني عشره: حمل ابن الطبلاوي على فرس، وفي عنقه طوق من حديد مع الأمير يلبغا المجنون، وشق به القاهرة نهاراً، حتى دخل به إلى منزله برحبة باب العيد، فأخرج منه اثنين وعشرين حمالاً، ما بين دور وغيره من أنواع الفرو، وثياب صوف ومالاً، ذُكر أنه مبلغ مائة وستين ألف دينار.
وفي ثالث عشره: أخذ من داره أيضاً ألف ومائتا قُفة فلوساً، صَرْفُها ستمائة ألف درهم، ومن الدراهم الفضة خمسة وثمانون ألف درهم، وجملة من الذهب.
وفي رابع عشره: استقر الأمير الكبير أيتمش الأتابك في نظر المارستان المنصوري، عوضاً عن ابن الطبلاوي.
وفي سادس عشره: طلب ابن الطبلاوي الحضور إلى مجلس السلطان، فلما حضر طلب من السلطان أن يُدنيه منه، فاستدناه حتى بقي على قدر ثلاثة أذرع منه، قال له: " تكلم " . قال: " أريد أسار السلطان في أذنه " ، فلم يمكنه من ذلك، فألح ابن الطلاوي في طلب مسارة السلطان في أذنه، حتى استراب منه، وأمر بإبعاده واستخلاص المال منه. فمضى به الأمير يَلْبُغا المجنون، حتى خرج من مجلس السلطان إلى باب النحاس، حيث يجلس خواص الخدام الطواشية، فجلس ابن الطبلاوي هناك ليستريح، وضرب نفسه بسكين كانت معه ليقتل نفسه، فلم يكن سوى أنه جرح نفسه في موضعين وثار به من معه ومنعوه من قتل نفسه، وأخذوا السكين. ووقعت الصرخة حتى بلغ السلطان الخبر، فلم يشك في أنه أراد اغتياله وقتله بهذه السكين، فأمر بتشديد عقوبته، فمضى به الأمير يَلْبُغَا، وعاقبه فأظهر في سابع عشره خبية فيها مبلغ ثلاثين ألف دينار، ثم دلَّ على أخرى فيها مبلغ تسعين ألف دينار، ثم عشرين ألف دينار، وتُتُبعَت أحواله وأبيع موجوده وعقاره، وألزم ابن عمه ناصر الدين محمد بحمل مائتي ألفَ درهم، وعوقب عقوبة شديدة حتى أوردها، وألزم أخوه ناصر الدين محمد بمائة ألف درهم، وألزم أربعة من خواصه بمائتي ألف درهم.
وفيه استقر بهاء الدين أرسلان في ولاية القاهرة، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن الطبلاوي.
وفيه شُكا على تاج الدين أبي بكر بن الدماميني قاضي الإسكندرية، فضرب بين يدي السلطان، ورسم عليه لُيرضي شكاته.
وفي ثامن عشرينه: أعيد بهاء الدين محمد بن البرجي إلى حسبة القاهرة، وعزل المخانسي.

وقدم رسول الملك الظاهر مجد الدين عيسى متملك ماردين بكتابه، يترامى على التزام الطاعة، ويعتذر من طاعته لتيمور لنك بأنه أقام عنده في قيد زنته خمسة وعشرون رطلاً من الحديد مدة سنتين، حتى حلف له بالطلاق، وغير ذلك من الأيمان، أنه يقيم على طاعته، فأفرج عنه، وأنه وفي بما حلف له عليه، وعاد إلى طاعة السلطان، فأجيب بالشكر والثناء، وجهز إليه تشريف ومبلغ ثلاثين ألف دينار، وكتب تقليده بنيابة ماردين.
وفيه استقر تغري برمش السيفي متولي القاهرة - قبل ذلك أحد حجاب دمشق - متحدثاً على مستأجرت الديوان المفرد ببلاد الشام، عوضاً عن الشهاب أحمد بن النقيب اليغموري.
وفي يوم الاثنين ثالث شهر رمضان: وصل الأمير قُطلُوبغا الخليلي أمير أخور للتوجه إلى بلاد المغرب بسبب شراء الخيول، ومعه مائة وعشرون فرساً ورسل ملوك المغرب، فقَدَّم رسول صاحب فاس ثلاثين فرساً، وبغلتين منها ثمانية بقماش ذهب، وباقيهم دون ذلك، وثلاثين سيفاً محلاة بنصب، وثلاثين مهمازاً من ذهب، وقماشاً، وغير ذلك.
وقَدّم رسول تلمسان أربعة وعشرين فرساً مسرجة ملجمة، وبغلتين وأربعة وعشرين سيفاً بحلية من ذهب وأربعة عشر مهمازاً من ذهب، وكثيراً من القماش وغيره.
وقَدَّمَ رسول صاحب تونس ستة عشر فرساً مسرجة ملجمة بصب، وقماشاً كثيراً. وفيه نزل تيمور لنك على بغداد بجموعه، وقد حصنها السلطان أحمد بن أويس، فسار عنها من الغد نحو همذان.
وفي ثالث عشره، أنعم على أمير فرج الحلبي بإمرة علاء الدين علي بن الطبلاي، واستقر في دار الضرب، وأنعم على ناصر الدين محمد بن سنقر البكجري بإمرة أمير فرج. واستقر شهاب الدين أحمد بن حسن بن علي بن بلبان - المعروف بابن خاص ترك، أحد البريدية - شاد الدواوين، عوضاً عن الحسام بن أخت الغرس، بإمرة عشرة.
وفي يوم الأربعاء ثالث شوال: أخذ قاع النيل، فكان خمسة أذرع، واثني عشر إصبعاً.
وفي خامسه: ضرب علاء الدين علي بن الطبلاوي ضرباً مبرحاً، فلم يعترف بشيء من المال.
وفي خامس عشره: ختن السلطان ولديه، الأمير فرج والأمير عبد العزيز وختن عدة من أولاد الأمراء المقتولين، منهم ابن الأمير منطاش، وكساهم وأنعم عليهم، وعمل مهماً عظيما بالقلعة للنساء.
وفي ثامن عشره: نقل علاء الدين على بن الطبلاوي من دار الأمير الأستادار إلى خزانة شمايل، فسجن بها، بعد أن نوعت عقوباته، واشتد عقبه.
وفيه استقر محيي الدين محمود بن نجم الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن عمد ابن أبي العز صالح بن أبي العز، المعروف بابن الكشْك الدمشقي، في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً كن تَقي الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكُفري.
وفي خامس عشرينه: استعفي سعد الدين إبراهيم بن غراب من نظر الديوان المفرد ونظر الكارم، فأعفي منهما.
وفيه قدم البريد بأن الحريق وقع بدمشق في ليلة السبتَ عشرينه، وأقام إلى يوم الثلاثاء ثالث عشرينه، فتلف فيه معظم أسواق المدينة، وتشعث جدار الجامع القبلي.
وفي يوم الاثنين سابع ذي القعدة: استقر سعد الدين بن غراب في ظهر الجيش، وعزل شرف الدين الدماميني، وبقي بيد ابن الدماميني نظر الكسوة.
وفي ثامنه: عزل شعبان بن محمد الآثاري من حسبة مصر، بعد ما نودي عليه بها؛ فحضر عدة من شكاته إلى الدوادار، وادعوا عليه بقوادح، فأهين إهانة بالغة، ومن العجب أَنه لما عزل ابن الدماميني من نظر الجيش، اًظهر شماتة بعزله، ونادى لعزله في مصر، فاتفق له هذا من الغد.
وفي تاسعه: أفرج عن ناصر الدين محمد بن الطبلاوي.
وفي عاشره: أعيد شمس الدين محمد الشاذلي إلى حسبة مصر، بعد عزل شعبان الآثاري، وكان قد وفي قبل ذلك بمال، ففر من مطالبهَ أرباب الديون بمالهم.
وفي ليلة السبت ثاني عشره: وقع حريق بدار التفاح خارج باب زويلة، فرعب لأمير يَشبك الخازندار، والأمير فارس حاجب الحجاب، وطفياه بمن معهما.

وفي يوم السبت هذا: عمل السلطان مهماً عظيماً بالميدان تحت القلعة، سببه أنه لعب بالكرة على العادة، فغلب الأمير أَيْتمش، والتزم أَيْتمش بعمل مهم. بمائتي ألف درهم كونه غلب، فقام السلطان عنه بذلك، وألزم به الوزير بدر الدين محمد بن الطوخي، والأمير يِلبغا الأستادار. ونصبت الخيم بالميدان، وعمل المهم، فكان فيه من المخيم عشرون ألف رطل، ومائتي زوج إوز، وألف طائر من الدجاج، وعشرون فرساً ذبحت، وثلاثون رطلاً من السكر عملت حلوى ومشروباً، وثلاثون قنطاراً من الزبيب لعمل المشروب المباح والمسكر، وستون إردباً دقيقاً لعمل الشراب المسكر، وعملت المسكرات في دنان الفخار. ولزل السلطان سحر يوم السبت، وفي عزمه أن يقيم نهاره مع الأمراء والمماليك يعاقرهم الشراب، فأشير عليه بترك هذا، وخوف العاقبة، فمد السماط وعاد إلى قصره قبل طلوع الشمس، وأنعم على كل من الأمراء المقدمين بفرس عليه قماش ذهب، وأنعم على الوزير، وناظر الخاص معهم أيضاً. وأذن للعامة في انتهاب المآكل والمشارب، فكان يوماً في غاية القبح والشناعة، أبيحت فيه المسكرات، وتجاهر الناس من الفحش والمعاصي بما لم يعهد مثله، وفطن أهل المعرفة بزوال الأمر، فكان كذلك ومن يومئذ انتهكت الحرمات بديار مصر، وقل الاحتشام.
وفي خامس عشره: أعيد الشريف شرف الدين علي بن فخر الدين محمد بن شرف الدين علي الأرموي إلى نقابة الأشراف، بعد موت الشريف جمال الدين عبد الله الطباطبي.
وفي يوم السبت تاسع عشره - وعاشر مسرى - : وفي النيل ستة عشر ذراعاً.
وقدم البريد بقتل سولي بن دلغادر أمير التركمان.
وفيه ركب السلطان بعد صلاة الظهر يريد المقياس، وفتح الخليج على العادة، ومعه الأمراء - إلا الأمير ألي باي الخازندار - فإنه كان قد انقطع في داره أياماً لمرض نزل به - فيما أظهره - وفي باطن أمره أنه قصد الفتك بالسلطان، فإنه علم أنه إذا نزل الخليج يدخل إليه ويعوده على ما جرت به عادته مع الأمراء، فدبر على اغتَيال السلطان، وأخلى إصطبله وداره من حريمه وأمواله، وأعد قوماً اختارهم لذلك. وكان سبب هذا فيما يظهر أن بعض مماليكه المختصين به - وكان شاد شراب خاناتَه - تعرض لجارية من جواري الأمير أقباي الطرنطاي، يريد منها ما يريده الرجل من المرأة، وصار بينهما مشاكلة، فبلغ ذلك أقباي، فقبض عليه وضربه ضرباً مبرحاً. فحنق آلي باي وشكاه للسلطان فلم يلتفت إلى قوله، وأعرض عن ذلك. وكان ألي باي في زعمه أن السلطان يزيل نعمة أقباي لأجله، فغضب من ذلك وحرك ما عنده من البغي الكامن. فلما فتح السلطان الخليج وركب إلى جهة القلعة اعترضه مملوك من خشداشيته اليلبغاوية، يعرف بسودن الأعور، وأسر إليه أن داره التي يسكنها تشرف على إسطبل الأمير ألي باي، وأنه شاهد مماليك ألي باي وقد لبسوا بدلة الحرب، وقفوا عند بوائك الخيل، وستروا

البوائك بالآنخاخ ليخفي أمرهم. فكتم السلطان الخبر، وأمر الأمير أرسطاي رأس نوبة أن يتوجه إلى دار الأمير ألي باي، ويعلمهم أن السلطان يدخل لعيادته. فلما أعلم بذلك اطمأنوا، ووقف أرسطاي على باب إلي باي ينتظر قدوم السلطان، وعندما بعث السلطان أرسطاي أمير الجاويشية بالسكوت، وأخذ العصابة السلطانية التي ترفع على رأس السلطان فيعلم بها مكانه، يريد بذلك تعمية خبره، وسار إلى تحت الكبش، وهو تجاه دار ألي باي، والناس من فوقه قد اجتمعوا لرؤية السلطان، فصاحت به امرأة: " لا تدخل فإنهم قد لبسوا آلة القتال " . فحرك فرسه وأسرع في المشي ومعه الأمراء، ومن ورائه المماليك يريد القلعة. وأما ألي باي فإن بابه كان مردود الفردتين، وضبته مطرفة ليمنع من يدخل حتى يأتي السلطان، فلما أراد الله، مر السلطان حتى تعدى بابه، وكان في طريقه، فلم يعلموا بمروره حتى تجاوزهم بما دبره من تأخير العصائب وسكوت الجاويشية. وخرج أحد أصحاب ألي باي يريد فتح الضبة فأغلقها، والي أن يحضر مفتاح الضبة ويفتح فاتهم السلطان، وصار بينهم وبينه سد عظيم من الجمدارية، قد ملأوا الشارع بعرضه. فخرج ألي باي بمن معه لابسين السلاح، وعمدهم نحو الأربعين فارساً يريد السلطان، وقد ساق ومعه الأمراء حتى دخل باب السلسلة، وامتنع بالإصطبل. فوقف ألي باي تجاه الإصطبل بالرميلة تحت القلعة، ونزل إليه طائفة من المماليك السلطانية لقتاله، فثبت لهم وجرح جماعة، وقتل من السلطانية بيسق المصارع ثم انهزم ألي باي، وتفرق عنه من معه. هذا وقد ارتجت مصر والقاهرة، وجفل الناس من مدينة مصر، وكانوا بها للفرجة على العادة في يوم الوفاء، وطلبوا مساكنهم خوفاً من النهابة. وركب يلبغا المجنون ومعه مماليكه لابسين بدلة القتال يريد القلعة. واختلف الناس في السلطان، وأرجفوا بقتله وبفراره، وتباينت الأقوال فيه، واشتد الخوف وعظم الأمر. هذا، وقد ألبس السلطان الأمراء والمماليك، وأتاه من كان غائباً منهم. فعندما طلع الأمير يلبغا المجنون إليه ثار به المماليك السلطانية، واتهموا بموافقة ألي باي؛ لكونه جاء هو ومماليكه بآلة القتال، وخذَه اللكم من كل جهة، ونزعوا ما عليه، وألقوه إلى الأرض ليذبحوه، فلولا ما كان من منع السلطان لهم لقتلوه، فلما كفوا عن ذبحه سجن بالزردخاناه وقيد. وقبض أيضاً على شاد شراب خاناه ألي باي لأنه الذي أثار هذه الفتنة، وقطع قطعاً بالسيوف. وبات السلطان بالإصطبل وقد نهبت العامة بيت ألي باي وخربوه، ونهبوا دار الأمير يلبغا المجنون وخربوها. وأما ألي باي فإنه لما تفرق عنه أصحابه اختفي في مستوقد حمام، فقبض عليه، وحمل إلى السلطان فقيده وسجنه بقاعة الفضة من القلعة. فلما أصبح نهار الأحد نزع العسكر آلة الحرب وتفرقوا، وعصر ألي باي، فلم يقر على أحد. وأحضر يلبغا المجنون فحلِف أنه لم يوافقه، ولا علم بشيء من خبره، وأنه كان مع الوزير بمصر. فلما أشيع خبر ركوب ألي باي لحق يلبغا المجنون بداره، ولبس ليقاتل مع السلطان وبرأه ألي باي أيضاً، فأفرج عنه، وأخلع عليه. ونزل إلى داره، فلم يجد بها شيئاً، وقد نُهبت جميع أمواله، وسلبت جواريه، وفرت امرأته ابنة الملك الأشرف شعبان، وأخذ رخام داره وأبوابها، وأكثر أخشابها، وتشعثت تشعثاً قبيحاً.
وفيه قدم البريد بأن أولاد ابن بزدغان من التركمان اقتتلوا مع القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، فقتل في الحرب، وقام من بعده ابنه بمدينة سيواس، ومنعها من التركمان. وكان من خبره أن الأمير عثمان بن قرايلك التركماني خالف عليه، ومنع ما كان يحمله إليه من التقادم، فلم يكترث به القاضي برهان الدين؛ لأنه من أقل أمرائه. وصار قرايلوك يتردد إلى أماسية وأرزبخان، فاتفق أنه قصد مصيفاً بالقرب من مدينة سيواس، ومر عليها وبها القاضي برهان الدين، فشق ذلك عليه، وركب عجلاً وساق في طلبه، وتقدم عسكره حتى أقبل الليل، فمال عليه قرايلوك بجماعته، فأخذه قبضًا بالليل ثم قتله وحاصر سيواس، فمنعه أهلها وقاتلوه أشد القتال، وكتبوا إلى أبي يزيد بن عثمان أن يدركهم، فسار إليهم ومضى قرايلوك إلى تيمور لنك وهو على أذربيجان، فأقام في جملته.

وفي حادي عشرينه: جلس السلطان بدار العدل على العادة، وعصر ألي باي فلم يعترف على أحد وإذا بهجة عظيمة قامت في الناس، فلبس العسكر ووقفوا تحت القلعة وقد غلقت أبوابها. وكثرت الإشاعة بأن يلبغا المجنون، وأقبغا اللكاش قد خامرا على السلطان، و لم يكن الأمر كذلك، فركب اللكاش إلى القلعة. وكان المجنون في بيت أمير فرج الحلبي بالقاهرة، فلما بلغه هذا ركب معه أمير فرج ليعلم السلطان بأنه كان في داره بالقاهرة حتى يبرأ مما رمي به، فصارا مع الأمراء بالقلعة عند السلطان، وأمر السلطان بقلع السلاح، ونزل كل أحد إلى داره، فانفضوا وسكن الأمر، ونودي بالأمان، ففتح الناس الأسواق واطمأنوا.
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه: عذب ألي باي بين يدي السلطان عذاباً شديداً، كسرت فيه رجلاه وركبتاه، وخسف صدره، فلم يقر على أحد، فأخذ إلى الخارج وخنق، فتنكرت الأمراء، وكثر خوفهم من السلطان، خشية من أن يكون ألي باي ذكر أَحداً منهم. ومن حينئذٍ فسد أمر السلطان مع مماليكه، فلم ينصلح إلى أن مات، ولخوفه منهم لم ينزل بعد ذلك من القلعة.
وفي يوم الثلاثاء: نودي بالأمان، وأمر يلبغا المجنون أن ينفق في المماليك السلطانية، فأعطى الأعيان منهم خمسمائة درهم لكل واحد منهم فلم يرضهم ذلك، وكثرت الإشاعات الردية، وقوي الإرجاف، فنقل الأمراء ما في دورهم إلى القاهرة في يوم الأربعاء رابع عشرينه، وباتوا ليلة الخميس على تخوف، ولم تفتح الأسواق يوم الخميس، فنودي بالأمان والبيع والشراء ولا يتحدث أحد فيما لا يعنيه.
وفيه استقر مقبل الظاهري والي قليوب في ولاية الفيوم عوض عن قراجا مفرق، واستقر في ولاية قليوب محمد بن قرابغا، وأنعم على الأمير أَرُسْطاي من خواجا على بتقديمه ألي باي، واستقر رأس نوبة. وأنعم على تمان تمر الناصري بطبلخاناه أرسطاي.
وفي سادس عشرينه: نزل الأمير فارس حاجب الحجاب والأمير تمربغا المنجكي الحاجب، وقبضا على الأمير يلبغا المجنون الأستادار من داره، وبعثاه في النيل إلى دمياط. وطلب الأمير ناصر الدين محمد بن سنقر البكجري وخلع عليه للأستادارية، عوضاً عن يلبغا المجنون بإمرة خمسين فارساً.
وفيه قدم محمد بن مبارك المنقار بن المهمندار بهدية.
وفيه أنعم على الأمير بكتمر رأس نوبة بتقدمة يلبغا المجنون.
وفي يوم السبت ثالث ذي الحجة: خلع على اثنين رؤوس نوب صغار، وهما الأمير طولو، والأمير سودن الظريف.
وَفي يوَم الأحد رَابع ذي الحجة: سمر أربعة من مماليك ألي باي، ووسطوا.
وفيه أبيع الخبز كل ثمانية أرطال بدرهم عنها اثني عشر رغيفاً، زنة الرغيف ثماني أواق بفلسين، فسر الناس سروراً زائدا، ًفإن لهم نحو الست سنين لم يروا الرغيف بفلسين، لكن لم يستمر هذا.
وقدم الخبر بأن الأمير شيخ الصفوي كثر فساده بالقدس، وتعرضه لأولاد الناس، يريدهم على الفاحشة، فرسم بنقله من القدس واعتقاله بقلعة المرقب من طرابلس، فاعتقل بها.
وفي يوم النحر: صلى السلطان صلاة العيد بجامع القلعة، ولم ينزل إلى الميدان فاستمر ذلك. وتركت صلاة العيد بالميدان حتى نسيت.
وفيه توجه البريد لإحضار الأمير بكلمش من الإسكندرية، ومسيره إلى القدس، على ما كان لشيخ من المرتب بها.
وفيه استقر علي بن مسافر في ولاية منوف، وعزل الشهاب أحمد بن أسد الكردي.
وفيه سار الأمير أرغون شاه، والأمير تمراز، والأمير طولو في عدة من الأمراء إلى الشرقية، وخذوا من عرب بني وائل مائتي فارس، وعادوا فسمر منهم نحو الثلاثين، وسجن البقية بالخزانة.
واستمر السلطان من حركة ألي باي يتزايد به المرض إلى ليلة الاثنين سادس عشرينه، أقلع عنه الألم، ونودي من الغد بالزينة، فزينت القاهرة ومصر لعافيته وتصدق في هذه المدة على يد الطواشي صندل وغيره بمال كبير، يقال مبلغه مائتا ألف وخمسون ألف دينار ذهباً.
وفي سابع عشرينه: سمر من بني وائل مائة وثلاثة رجال.
وفيه قدم مبشرو الحاج بالسلامة والأمن.

وفيها ولى الأمير شمس الدين محمد بن عنقاء بن مهنا إمرة آل فضل، عوضاً عن أخيه أبي سليمان بعد وفاته، وولى ناصر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن أبي الطيب كتابة السر بدمشق، عوضاً عن أمين الدين محمد بن محمد بن علي الحمصي بعد موته، ونقل علم الدين محمد القفصي من قضاء المالكية بحلب إلى قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن برهان الدين إبراهيم التادلي وولى شهاب الدين أحمد بن عبد الدايم الموصلي قضاء المالكية بحلب.
ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكرالشيخ برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن البعلبكي الدمشقي الضرير، المعروف بالبرهان الشامي، في ثامن جمادى الأولى، عن تسعين سنة، وقد حدث منذ سنين.
ومات تاج الدين أحمد بن فتح الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن الشهيد، ومات شهاب الدين أحمد بن قايماز في ثاني عشر ربيع الأول، وكان من الأعيان، ويخدم في أستادارية الأمراء، وامتحن في نوبة الشريف العنابي.
ومات شهاب الدين أحمد بن محمد البكتمري أحد علماء الميقات، في سابع عشرين جمادى الأولى.
ومات آق بلاط الأسعدي، أحد أمراء العشراوات.
ومات تاني بك اليحياوي أمير آخور، أحد أمراء الألوف، في ليلة الخميس رابع عشر ربيع الآخر، ومشى السلطان في جنازته وبكى عليه، وركب حتى دفن، وأقام القراء على قبره أسبوعاً، وتمد لهم الأسمطة السلطانية.
ومات الأمير تَلكتمُر دوادار الأمير قلمطاي، في رابع عشر ربيع الآخر.
ومات الأمير طوغان العمري أحد أمراء العشراوات، ونقيب الفقراء السطوحية في أول ربيع الأول.
ومات مجد الدين عبد الرحمن مكي، أحد نواب القضاة المالكية خارج القاهرة، في أول جمادى الأولى.
ومات الشريف جمال الدين عبد اللّه بن عبد الكافي بن علي بن عبد اللّه الطباطبي، نقيب الأشراف في ليلة الرابع عشر من ذي القعدة.
ومات تاج الدين عبد الله بن علي بن عمر، المعروف بقاضي صور - بفتح الصاد المهملة - بليدة بين حصن كيفا وماردين - السنجاري الحنفي، عن نحو الثمانين سنة بدمشق، وقدم القاهرة، وأقام بها زماناً، وكان فاضلاً أفتى، ودرس، وصنف كتاب البحر الحاوي في الفتاوى، ونظم المختار في الفقه، وناب في الحكم بالقاهرةْ وبدمشق. ولي وكالة بيت المال بدمشق وكان لطيفاً ظريفاً.
ومات الأمير عمر بن إلياس قريب الأمير قرط التركماني، والي منفلوط قتله العرب بها.
ومات الشيخ المعتقد عمر الفرنوي.
ومات الأمير قلمطاي الدوادار في ليلة السبت ثالث عشر جمادى الأولى فصلى السلطان عليه، وشهد دفنه، وبكى عليه، وعمل للقراء الأسمطة عند قبره أسبوعاً.
ومات الأمير قجماس البشيري أحد أمراء العشراوات، ونقيب الفقراء الدسوقية.
ومات الأمير قرابغا المحمدي أحد أمراء العشراوات.
ومات أمين الدين محمد بن محمد بن علي الحمصي كاتب السر بدمشق وقدم القاهرة مع الأمير تنم. وكان أديباً شاعراً ناثراً.
ومات نجم الدين محمد بن عمر بن محمد الطنبدي وكيل بيت المال، ومحتسب القاهرة في رابع عشرين ربيع الأول.
ومات الشيخ المعتقد أبو عبد الله محمد بن سلامة التوزري المغربي المعروف بالكركي لإقامته بالكرك، في خامس عشرين ربيع الأول. وكان عند السلطان بمنزلة مكينة جداً، يجلسه إلى جانبه، وتحته قاضي القضاة الشافعي ولم يغير لبس العباءة، ولا أخذ شيئاً من المال. والناس فيه بين مفرط في مدحه، ومفرط في الغض منه. وتولى الأمير يلبغا السالمي تجهيزه إلى قبره، وبعث السلطان مائتي دينار لذلك، ولقراءة القرآن على قبره مدة أسبوع، فعمل ذلك على العادة.
ومات صفي الدين أحمد بن محمد بن عثمان الحميري، موقع الدست، وأحد نواب القضاة المالكية، في رابع المحرم، بعدما ابتلى من الأمير بَكْلَمِش ببلاء عظيم. وله نظم. ومات الأمير شرف الدين موسى بن قُماري أمير شكار، وشاد الأحوال السلطانية الموضوعة للطيور، في ثاني عشر رجب.

ومات ملك المغرب صاحب فاس أبو عامر عبد الله بن السلطان أبي العباس أحمد ابن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني وأقيم بعده أخوه أبو سعيد عثمان بن أبي العباس. هذا، والشيخ أَبو العباس أحمد بن على القبايلي هو القائم بتدبير الدولة بعد موت السلطان أبي العباس أحمد. وكل من أبي فارس عبد العزيز وأبي عامر عبد الله، وأبي سعيد عثمان تحت حجره، حتى قتل كما سيأتي ذكره، إن شاء اللّه تعالى.
وقتل الأمير سولي بن الأمير زين الدين قراجا بن دُلْغَادر التركماني، في ذي القعدة، قتله رجل من أقاربه يقال له علي بك. وذلك أنه غاضبه وأخرجه، فنزل حلب، ثم اتفق مع غلامه - على القُصير - على قتل سولي، واحتالا عليه بأن ضرب علي بك غلامه ضرباً مبرحاً، فمضى الغلام إلى سولي يشكو حاله، فأواه عنده، ووعد بأخذ ثأره. فما زال عنده حتى سكر سولي ليلة. فلما انفرد به ضربه بسكين قتله، ثم صاح. فلما جاءه التركمان أوهمهم أن بعض أعدائه اغتاله، ثم استغفلهم وهرب إلى مخدومه بحلب. فلما صح السلطان الخبر، استدعى علي بك وغلامه، وأنعم عليهما بإمرتين لعلي بك إمرة طبلخاناه، ولعلي القصير بإمرة عشرة.
وقتل أمير آل فضل الأمير علم الدين أبو سليمان بن عنقاء بن مهنا، بعد القبض عليه في كائنة جرت بينه وبين عمه الأمير نعير، بالقرب من الرحبة.
ومات الأديب المادح أبو الفتح محمد بن الشيخ العارف على البديوي، في ثامن عشر جمادى الآخرة، بالنحريرية. واًكثر شعره مدائح نبوية، وله صلاح مشهور.
؟

سنة إحدى وثمانمائة
أهل هذا القرن التاسع وخليفة الوقت أمير المؤمنين المتوكل على اللّه أبو عبد الله محمد بن المعتضد، وليس له أمر ولا نهي ولا نفوذ كلمة، وإنما هو بمنزلة واحد من الأعيان. وسلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية، والحرمين - مكة والمدينة - الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد برقوق بن أنص أول ملوك الجركس، ونائبه بدمشق الأمير تنم الحسني، ونائبه بحلب الأمير أرغون شاه الخازندار، ونائبه بطرابلس الأمير قبغا الجمالي، ونائبه بحماة الأمير يونس بَلْطَا، ونائبه بصفد الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ علي، ونائبه بغزة الأمير طيفور، ونائبه بالإسكندرية الأمير صَرْغتمش، ونائبه بمكة المشرفة الشريف حسن بن عجلان الحسني، ونائبه بالمدينة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم - الشريف ثابت بن نعير. والأمير الكبير أتابك العساكر بديار مصر الأمير أيتَمش البجاسي. وقاضي القضاة الشافعي بها تقي الدين عبد الرحمن الزبيري، ورفقاؤه قاضي القضاة جمال الدين يوسف الملطي الحنفي وقاضي القضاة ناصر الدين أحمد التنسي المالكي، وقاضي القضاة برهان الدين إبَراهيم ابن نصر الله الحنبلي. وحاجب الحجاب الأمير فارس القطلوقجاوي، وناظر الخاص والجيش معاً سعد الدين إبراهيم بن غراب، وكاتب السر بدر الدين محمود الكلستاني العجمي، والوزير بدر الدين محمد بن محمد الطوخي.
شهر اللّه المحرم أوله الجمعة.
فيه صرف المثقال الذهب المختوم الهرجة بأحد وثلاثين درهماً، ويصرف في ثغر الإسكندرية باثنين وثلاثين درهماً.
وفيه نودي على النيل بزيادة إصبع واحد لتتمة اثنا عشرة إصبعاً من تسع عشرة ذراعاً.
وفي ثانيه: خلع على الأمير زين الدين مقبل أحد المماليك السلطانية، واستقر في ولاية ثغر أسوان عوضاً عن الصارم إبراهيم الشهابي، وقد قتله أولاد الكنز.
وفي تاسعه: أعيد شمس الدين محمد المخانسي إلى حسبة القاهرة، وعزل بهاء الدين محمد البرجي.
وفيه نودي بقلع الزينة فقلعت.
وفي عاشره: أحضر بعض مسالمة النصارى، من الكتاب الأقباط، إلى باب القلعة من قلعة الجبل، وقد ارتد عن الإسلام، وعرف في إسلامه ببرهان الدين إبراهيم بن بُرَيْنيَّة مستوفي المارستان المنصوري، فعرض عليه الإسلام مراراً، ورغب في العود إليه، فلم يقبل، وأصر على ردته إلى النصرانية، فسأل عن سبب ردته، فلم يبد شيئاً، فلما أيس منه ضربت رقبته بحضرة الأمير الطواشي شاهين الحسني، أحد خاصكية السلطان.
وفي سابع عشره: سمر سبعة من المماليك، يقال لأحدهم أقبغا الفيل من جملة مماليك السلطان، وأحد إخوة الأمير ألي باي، وباقيهم مماليك ألي باي.

وفيه رسم بالإفراج عن الأمير بكلمس من سجنه بالإسكندرية. فلما خرج من سجنه، وتوجه يريد القاهرة أدركه مرسوم السلطان بأن يسير إلى القدس، ويقيم به بطالاً، فمضى حيث رسم به.
وفيه رسم بإعادة ناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن نجم الدين محمد بن زين الدين عمر بن أبي القاسم بن عبد المنعم بن أبي الطيب الدمشقي الشافعي إلى كتابة السر بدمشق، عوضاً عن أمين الدين محمد بن الحمصي بعد وفاته.
وفيه رسم بانتقال الأمير سيف الدين جنتمر التركماني من إمرة الطبلخاناه بدمشق، في نيابة حمص، عوضاً عن تَمَان بغا الظاهري، بعد وفاته.
وفيه تنكر السلطان على سودن الحمزاوي الخاصكي، وضربه بين يديه، وسجنه بخزانة شمايل عدة أيام، ثم أخرجه منفياً إلى بلاد الشام.
وفي ثاني عشرينه: خلع على علاء الدين على بن الحريري شاد المارستان، واستقر، كشف الوجه البحري، عوضاً عن علاء الدين علي الحلبي إلى ولاية الغربية، كل ذلك بمال وعد به.
وفيه قدم ركب الحاج الأول.
وفي رابع عشرينه: قدم المحمل ببقية الحجاج، وقد تأخر قدومهم يومين عن العادة. شهر صفر أوله الأحد.
ففي ليلة الأربعاء رابعه: وقع حريق بخط باب سر المدرسة الصالحية، تلف فيه عدة دور، فنزل إليه الأمير فارس حاجب الحجاب، والأمير تَمُربغا المنجكي الحاجب، الأمير أرغون شاه أمير مجلس، والأمير طولو، حتى طفوه.
وفيها قبض على أينال خازن دار الأمير تاني بك اليحياوي أمير أخور، وقد اتهم أنه ممن كان من أعوان ألي باي.
وفيها ابتدأ وعك بدن السلطان، وحدث له إسهال مفرط لزم منه الفراش، واستمر وعكه مدة تزيد على عشرين يوماً.
وفي تاسعه: قدم البريد بموت الأمير بكلمش العلاي أمير أخور، في نفيه بالقدس.
وفي عاشره: رسم السلطان للفقراء بمال كبير يفرق فيهم، فاجتمع تحت القلعة منهم عالم كبير وازدحموا لأخذ الذهب، فمات في الزحام منهم سبعة وخمسون شخصاً، ما بين رجل وامرأة، وصغير وكبير.
وفي ثاني عشره: رسم بجمع أهل الإصطبل السلطاني من الأمير أخورية والسلاخورية، ونحوهم، فاجتمعوا، ونزل السلطان من القصر إلى مقعده بالإصطبل - وهو موعوك - لعرضهم، حتى انقضى ذلك وصرفهم. ثم قبض على جرباش من جماعتهم، وعرض الخيول وفرق خيل السباق على الأمراء كما هي العادة، ثم عرض الجمال البخاتي. كل ذلك تشاغلاً، والغرض غير ذلك. ثم أظهر أنه قد تعب، واتكأ على الأمير نوروز الحافظي أمير أخور، ومشى في الإصطبل متكئاً عليه حتى وصل إلى الباب الذي يصعد منه إلى القصر، أدار بيده على عنق نوروز، فتبادر المماليك إليه يلكموه حتى سقط، فعبر السلطان الباب وقد ربط نوروز وسحب حتى سجن عنده. وكان القصد في حركة السلطان مع توعكه إنما هو أخذ نوروز، فإنه كان يتهمه بممالأة ألي باي، ومعه الأمير أقبغا اللكاش. ثم بلغه أن نوروز، قصد أن يركب فمنعه أصحابه، وأشاروا عليه أن يصبر حتى ينظر، فإن مات السلطان حصل القصد بغير تعب، وإن حصل له الشفاء، جمع لحربه وركب، وكان ممن حضر هذا المشور مملوكان من الخاصكية، قرر نوروز معهما أنهما إذا كانت ليلة نوبتهما في المبيت عند السلطان يقتلاه، ويرميا الثريا التي توقد بالمقعد المطل على الإصطبل حتى يأخذ هو حينئذ الإصطبل ويركب للحرب، فنم هذان المملوكان عليه، وأعلما صاحبا لهما من المماليك يقال له قاني باي، وواعداه أن يكون معهما، فأجابهما. وحضر إلى السلطان وأعلمه الخبر، فكان ما ذكر، وعندما قبض على نوروز ارتجت المدينة، وغلقت الأسواق، وحسب الناس أنها فتنة، فلم يظهر شيء، وسكن الحال، ونودي بالأمان، ففتح باب زويلة، وكان قد أغلق بغير إذن الوالي، فضرب البواب بالمقارع، وشُهّر من أجل أنه أغلقه. فلما أصبح الناس يوم السبت رابع عشره خلع على الأمير أقبغا اللكاش بنيابة الكرك وأخرج من ساعته ومعه الأمير أرُسْطَاي رأس نوبة، والأمير فارس حاجب الحجاب، والأمير تمربغا المنجكي أمير حاجب، موكلين به إلى خارج القاهرة، وأُذن له في الإقامة بخانكاة سرياقوس عشرة أيام، حتى يجهز أحواله. ووكل به الأمير تاني بك الكركي الخاصكي، وأن يكون متسفره.
وفي ليلة الأحد خامس عشره: أنزل الأمير نوروز من القلعة إلى الحراقة، وأخذ النيل إلى الإسكندرية ومعه الأمير أرنبغا الحافظي أحد أمراء العشرات موكلاً به حتى يسجنه بالبرج.

وفي ثامن عشره: قبض على قوزي الخاصكي، وسلم إلى والي القاهرة.
وفي تاسع عشره: أنعم على الأمير سيف الدين تمراز الناصري بإقطاع نوروز الحافظي، وعلى الأمير سودن المارديني بإقطاع اللكاش، وعلى الأمير سيف الدين أرغون البيدمري الأقبغاوي، واستقر أمير مجلس. واستقر الأمير سودن قريب السلطان أمير أخور، عوضاً عن نوروز.
وفي ثالث عشرينه: أملى بعض المماليك السلطانية سكان الطباق بالقلعة على بعض فقهاء الطاق أسماء جماعة المماليك والأمراء أنهم قد اتفقوا على إقامة فتنة، فكتبها ودخل بها المملوك على السلطان، فلما قرئت عليه استدعى المذكورين، وأخبرهم بما قيل عنهم، فحلوا أوساطهم، ورموا سيوفهم وقالوا: " يوسطنا السلطان، وإلا يخبرنا بمن قال هذا عنا؟ " . فأحضر المملوك وسلمه إليهم - ضربوه نحو الألف، فقال. " أنا اختلقت هذا حنقاً من فلان " وسمى شخصاً قد خاصمه، فأحضر الفقيه الذي كتب الورقة، وضرب بالمقارع، وسمر، ثم عفي عنه من القتل، وسجن بخزانة شمايل.
وفي آخره: وصل اللكاش إلى غزة، فقُبض عليه بها، وأحيط بسائر ما معه، وحمل إلى قلعة الصبيبة، فسجن بها.
وفي هذا الشهر: ورد البريد بأن السكة ضربت في ماردين باسم السلطان، وخطب له بها على المنبر، وحملت الدنانير والدراهم باسم السلطان إليه، ففرقها في الأمراء.
شهر وبيع الأول، أوله الاثنين.
ففي ثانيه: استقر القاضي أمين الدين عبد الوهاب بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي في قضاء العسكر، عوضاً عن موفق الدين العجمي، بحكم أنه نقل إلى قضاء الحنفية بالقدس، عوضاً عن خير الدين بن عيسى الحنفي بعد موته.
وفي رابعه: قدم البريد بوفاة الأمير سيف الدين أرغون شاه الإبراهيمي نائب حلب، وأحضر سيفه على العادة.
وفيه عمل السلطان المولد النبوي على عادته.
وفي سادسه: توجه الأمير أرغون شاه أمير مجلس إلى السراحة ببلاد الصعيد على عادة من تقدمه.
وفي حادي عشره: رسم أن ينقل الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، وتوجه بتقليده الأمير أينال باي بن قُجماس، وكان قد سأل في ذلك على أن يحمل ألف ألف درهم فضة واستقر أيضاً الأمير شرف الدين يونس بَلْطا نائب حماة في نيابة طرابلس، وتوجه بتقليده الأمير يلبغا الناصري. واستر الأمير دمرداش المحمدي أتابك العساكر بحلب في نيابة حماة، وتوجه بتقليده الأمير سيف الدين شيخ من محمود شاه رأس نوبة. واستقر الأمير سيف اِلدين سودن الظريف نائب الكرك، وسار من القاهرة ومعه الأمير تاني بك الكركي متسفراً.
وفي خامس عشره. توجه الأمير تغري بردي أمير سلاح إلى السرحة بالبحيرة، وتوجه إليها أيضا الأمير فارس حاجب الحجاب.
وفي سلخه: قبض على الأمير عز الدين أزْدَمُر أخي أينال، وعلى ناصر الدين محمد بن أينال اليوسفي، ونفيا إلى الشام.
شهر ربيع الآخر.
أوله الأربعاء، فرسم فيه للأمير صُراي تَمُر شَلَق الناصري رأس نوبة، أحد الطبلخاناه بديار مصر، بإمرة دمرداش بحلب، وأُخرج إليها.
واستقر جمال الدين يوسفي بن أحمد بن غانم قاضي نابلس في خطابة القدس، عوضاً عن العماد الكركي.
وفي تاسعه: استقر شهاب الدين أحمد بن عمر بن الزين الحلبي - في ولاية القاهرة، وعزل عنها الأمير بهاء الدين أرسلان الصفدي، وألزم بعشرين ألف أردب شعير كان قد قبضها من الأمير يلبغا المجنون الكاشف لما كان يلي ولاية العرب؛ ليفرقها في العربان.
وفي ثالث عشره: نودي بالقاهرة ومصر أن يتجهز الحجاج الرجبية إلى مكة، فسر الناس ذلك. وكانت الرجبية قد بطلت من سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.
وفي رابع عشره: نودي أيضاً: " من له ظلامة، من له شكوى، فعليه بالباب الشريف " . وجلس السلطان على العادة في يومي الثلاثاء والسبت للنظر في المظالم. واستقر الأمير ناصر الدين محمد بن طَلي والي قليوب، عوضاً عن الأمير ناصر الدين محمد بن قرابغَا الألناقي.
وفي عشرينه: أنعم على إينال بن إينال بخبز أخيه محمد، وعلى كل من سودن من زاده، تغري بردي الجلباني، ومنكلي بغا الناصري، وبكتمر جَلَق الظاهري، وأحمد بن عمر الحسني بإمرة طبلخاناه. وأنعم على كل من بشباي، وتَمُربُغا من باشاه، وشاهين من إسلام وجوبان العثماني، وجَكَم من عوض بإمرة عشرة.

وفي خامس عشرينه: طلع رجل عجمي إلى السلطان - وهو جالس للحكم بين الناس - وجلس بجانبه ومد يده إلى لحيته، فقبض عليها وسبه سباً قبيحاً، فبادر إليه رؤوس النوب، وأقاموه ومروا به وهو مستمر في السب، فسلم إلى الوالي، فنزل لجه وضربه أياماً حتى مات.
وفيه استعفي الأمير سودن باشاه من الحجوبية لعجزه، فأعفي، واستعيد خبزه.
وفي يوم الخميس سلخه: خلع الأمير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج بن نقول الأرمني الأسلمي، والي قطا، واستقر في الوزارة عوضاً عن الوزير الصاحب بدر الدين محمد بن الطوخي، وكان بدء أمره. وسبب ولايته أن أباه كان نصرانياً من النصارى الأرمن الذين قدموا إلى القاهرة، فأظهر الإسلام وخدم صيرفياً بناحية منية عقبة من الجيزة مدة، ثم انتقل إلى قطا، وخدم بها صيرفياً. ومات هناك، فاستقو ابنه عبد الرزاق هذا عوضه، وباشر الصرف بقطا مدة، ثم سمت نفسه إلى أن استقر عاملاً بها، فباشر زماناً. وانتقل من عمالة قطا إلى وظيفة الاستيفاء فوعد بمال، واستقر في نظر قطا، ثم جمع إليها الولاية، ولم يسبق إلى ذلك، فباشرهما مدة. وترك زي الكتاب ولبس القباء والكلفتاه، وشد السيف في وسطه، وصار يدعي بالأمير بعدما كان يقال له العلم. ثم صار يقال له القاضي، وتشدد على الناس في أخذ المكوس، وكثر ماله، فوشى به إلى الصاحب بدر الدين محمد بن الطوخي، فندب إليه الأمير شهاب الدين أحمد بن الزين الحلبي، فسار إليه، وصادره، وضرب ابنه عبد الغني - وكان صغيراً - بحضرته، وأخذ منه مالاً جزيلاً يقارب الألف ألف درهم، فحنق من الوزير، وكتب إلى السلطان يسأل في الحضور، فأذن له وقدم، فأوصله المهتار زين الدين عبد الرحمن إلى السلطان في خفية، فرافع الوزير بما وغر عليه صدر السلطان، ونزل وقد رسم له أن ينزل عند الوزير، فأقام بداره وتحدث في الوزارة مع خواص السلطان، فثقل مقامه على الوزير، واستأذن الولاية بقطيا، وقرره في الوزارة، فنزل بزي الأمراء وسلم إليه ابن الطوخي، فأنزله من القلعة ومعه شاد الدواوين. وقبض على برهان الدين إبراهيم بن عبد الكريم الدمياطي ناظر المواريث بالقاهرة ومصر، وناظر الأهراء، وعلى المتقدم زين الدين صابر وشريكه على البديوي، فالتزم الدمياطي للوزير بأربعمائة ألف درهم، والتزم مقدماً الدولة بثلاثمائة ألف درهم، وتسلمهم الأمير شهاب الدين أحمد بن الحاج عمر قَطيَنة أستادار البيوت؛ ليخلص ذلك منهم.
شهر جمادى الأولى أوله الجمعة.
في رابعه: رسم بإحضار الأمير سيف الدين يلبغا الأحمدي المجنون من ثُغر دمياط، فتوجه لإحضاره سيف الدين بيغان الخاصكي.
وفي يوم الاثنين حادي عشره: استدعى الريس فتح الدين فتح اللّه بن معتصم بن نفيس الداودي - رئيس الأطباء - وخلع عليه، واستقر في كتابة السر عوضاً عن بدر الدين عمود الكلستاني بحكم وفاته. وفتح الله هذا كان جده نفيس يهودياً من أولاد نبي الله داود عليه السلام، فقدم من الوزير في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون إلى القاهرة، واختص بالأمير شيخو العمري وطلبه، وصار يركب بغلة بخف ومهماز، وهو على اليهودية. ثم أنه أسلم على يد السلطان حسن. وولد فتح الله بتوزير وقدم على جده، فكفله عمه بديع بن نفيس، وقد مات أبوه وهو طفل. ونشأ وعانى الطب إلى أن وفي رئاسة الأطباء بعد موت شيخنا علاء الدين علي بن صغير، واختص بالملك الظاهر، فولاه كتابة السر بعدما سئل فيها بقنطار من ذهب، فأعرض عنه، واختار فتح الله، مع علمه ببعده عن معرفة صناعة الإنشاء، وقال " أنا أعلّمه " فباشر ذلك، وشكره الناس.
وفي رابع عشره: خلع على جمال الدين يوسف الملطي الحلبي قاضي القضاة الحنفية، واستقر في تدريس المدرسة الصرغتمشية المجاورة للجامع الطولوني عوضاً عن الكلستاني.
وفيه وجد في تركة الكلستاني من الذهب المختوم ما زنته مائة رطل وعشرة أرطال مصرية، سوى الأثاث والثياب والكتب والخيول وغير ذلك.
وفي خامس عشره: استقر الأمير صارم الدين إبراهيم بن ناصر الدين محمد بن مقبل في ولاية مصر، عوضاً عن الأمير علم الدين سليمان الشهرزوري وأضيف إليه ولايتي الصناعة والأهراء والقرافتين.

وورد البريد بوقوع الفتنة بين محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري وبين أصحاب علي بن غريب الهواري النازلين بالأشمونين. وذلك أن ابن عمر أراد إخراجهم من البلاد، فتحالف أصحاب ابن غريب الهواري الذين بالبحيرة وغيرها، مع فزارة وعرك وبني محمد. ووافقهم عثمان بن الأحدب، وكبسوا بأجمعهم كاشف الوجه القبلي، وقتلوا عدة مماليكه. ونجا بنفسه، فرسم بتجريد ستة من الأمراء المقدمين، وهم الأمير تغري بردي أمير سلاح، والأمير أرغون شاه أمير مجلس، وتمربُغا المنجكي أمير حاجب، والأمير أرسطاي رأس نوبة، والأمير بَكتمُر الركني، وسودن المارديني، ورسم بتجريد عدة من أمراء الطبلخاناه والعشرات. ورسم لكل من المقدمين بثلاثين ألف درهم، وبكل من الطبلخاناه - وهم عشرة - بعشرة آلاف درهم، ولكل من العشرات بخمسة آلاف درهم. فشرعوا في التجهيز إلى السفر، فحضر إلى القلعة فخر الدين عثمان بن الأحدب طائعاً، وشكا من ابن عمر، وأن العربان توجهوا بعد كسرة الكاشف إلى ناحية جرجا، وقاتلوا محمد بن عمر فكسرهم، وردوا مهزومين، فبطل سفر الأمراء. وفيه قدم البريد بموت الأمير سيف الدين صرغتمش المحمدي القزويني نائب الإسكندرية.
شهر جمادى الآخرة أوله السبت.
في عاشره: توجه على البريد شهاب الدين أحمد بن خاص ترك إلى دمشق، واستقر جمال الدين الهذباني في نيابة قلعة دمشق، عوضاً عن يَلو.
وفي يوم الجمعة رابع عشره: أركب الوزير ابن الطوخي حماراً وسار به الرسل إلى القلعة، فتمثل بين يدي السلطان، وطالبه مشافهة بالمال، فأنكر أن يكون له مال، وحلف بالله على ذلك، فلم يقبل قوله. وسلمه إلى الوزير تاج الدين بن أبي الفرج، فأنزله إلى داره، وعصره فتجلد ولم يعترف بشيء، فأخذ عبداً من عبيده وخوفه وهم بضربه، فدل على شعير وجد فيه أربعة آلاف دينار ونيف، ثم وجد في مكان آخر تتمة سبعة آلاف دينار، وضرب بعد ذلك فلم يعترف بشيء فقام في أمره القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيوش وناظر الخاص، وتسلمه على أن يحمل سبعمائة ألف درهم، ونقله إلى داره، فشرع في بيع أثاثه وايراد المال.
وفي رابع عشرينه: استقر الأمير زين الدين فرج الحلبي أستادار الأملاك والذخيرة في نيابة الإسكندرية، وخرج إليها.
وفيه استقر الأمير قلطوبغا والي الشرقية كاشف الوجه البحري، وصرف علي بن الحريري. وخلع على الأمير علاء الدين على نائب الوجه البحري خلعة استمرار، وتدرك الطرانة بثمانمائة ألف درهم في السنة.
وفي خامس عشرينه: استقر الطبيب كمال الدين عبد الرحمن بن ناصر بن صغير، والطبيب شمس الدين عبد الحق بن فيروز في رئاسة الأطباء، عوضاً عن فتح اللّه كاتَب السر.
شهر رجب أوله الاثنين.
وفي ثانيه: استقر جقمق الصفوي في نيابة ملطية عوضاً عن دقماق المحمدي، وجهز تقليده وتشريفه على يد مقبل أمير خازندار، على البريد.
وفي رابعه: كتب لنائب قلعة حلب بأن يحمل مائة قرقل وخمسين بركستوان من خزانة السلاح بها إلى نائب يأذنه، أحمد بن رمضان، وحمل له أيضا مبلغ ألفي دينار.
وفي سادسه: رسم لبدر الدين المقدسي بقضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن محيي الدين محمود بن أحمد بن الكشك، وتقي الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح بقضاء الحنابلة بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد النابلسي. واستقر الأمير يلبغا المجنون على إقطاع الأمير حسام الدين حسن بن على الكجكي، بحكم وفاته.
وفي يوم الاثنين ثامنه: دار المحمل، وبرز الأمير بيسق الشيخي بالريدانية ليكون أمير الحاج الرجبية، ورسم له بعمارة ما تهدم من المسجد الحرام، وخرج معه المعلم شهاب الدين أحمد بن طولوني المهندس، وبرز الناس شيئاً بعد شيء للحج.
وفي حادي عشره: استقر كاتبه أحمد بن علي المقريزي في حسبة القاهرة والوجه البحري، عوضاً عن شمس الدين محمد المخانسي.
وفي خامس عشره: استقر قاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي الشافعي في قضاء القضاة بديار مصر، وصرف تقي الدين عبد الرحمن بن محمد الزبيري، ونزل معه دوادار السلطان الأمير بيبرس، والأمير فارس حاجب الحجاب، والأمير أرسطاي رأس نوبة، وفتح الدين كاتب السر إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، فكان يوماً مشهوداً لم نر بعده لقاض مثله.
وفي سادس عشره: ركب البريد الأمير مشترك الخاصكي بتقليد نيابة غزة للأمير ألطنبغا قراقاش.

وفي تاسع عشره: رحل ركب الحجاج من بركة الجب إلى مكة.
وفي ثاني عشرينه استقر الأمير يلبغا المجنون في وظيفة الأستادارية، وصرف الأمير ناصر الدين محمد بن سنقر البجكاوي، ونزل في خدمته نحو العشرين أميراً. واستقر ابن سنقر أستادار الأملاك والأوقاف، والذخيرة السلطانية، عوضاً عن أمير فرج نائب الإسكندرية.
وفي خامس عشرينه: كتب إلى الأمير تنم نائب الشام بالقبض على الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ على نائب صفد، والأمير سيف الدين جُلْبان الكمشبغاوي أتابك دمشق، فورد المرسوم على النائب وهو بالغور، فاستدعى نائب صفد وقبض عليهما، وبعث بسيفهما إلى قلعة الجبل على العادة، وسجنا بقلعة دمشق. ورسم أن يستقر الأمير علاء الدين ألطبغا العثماني حاجب الحاجب بدمشق في نيابة صفد، فسار إليها في خامس شعبان، ونفل الأمير سيف الدين بَيقجاه الشرفي طيفور نائب غزة إلى دمشق، واستقر حاجب الحجاب بها، ونفل علاء الدين ألطبغا نائب الكرك لنيابة غزة. شهر شعبان أوله الأربعاء.
في خامسه: قرئ تقليد قاضي القضاة صدر الدين المناوي بالظاهرية الجديدة على العادة، وحضر القضاة والفقهاء والوزير تاج الدين، والأمير تمربغا المنجكي أمير حاجب، والأمير أينال باي بن قمجاس، وقرأه القاضي ناصر الدين محمد بن الصالحي أحد نواب الحكم، فخلع عليه القاضي سعد الدين بن غراب بعد فراغه من القراءة، وكان قد جلس بالقبة، ومعه الأمير أبو بكر أمير حاجب.
وفي تاسعه: استقر كمال الدين عمر بن العديم في قضاء الحنفية بحلب، وتوجه إليها من القاهرة، وكان قد قدم إليها بطلب. وخلع على سائر الأمراء المقدمين أقبية مقترح نخ، وهي أقبية الشتاء. وكان قد بطل ذلك منذ انقطع الركوب في الميادين نحو خمس عشرة سنة. وخلع على الأمير يلبغا السالمي أحد العشرات، واستقر في نظر خانقاه شيخو، عوضاً عن الأمير حاجب الحجاب فارس، لشكوى الصوفية من تأخر معاليهم مدة أشهر. واستقر الأمير علي بن مسافر نائب السلطنة بالوجه البحري، وخلع عليه عوضاً عن أمير علي السيفي.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره: - بالرؤية - خسف القمر جميِعه.
وفي رابع عشره: خلع على الأمير علاء الدين علي بن الحريري لولاية قوص عوضاً عن قطليجا بن أوزان، وعلى كزل المحمودي لولاية منوف، عوضاً عن علاء الدين علي بن مسافر وحمل جهاز خديجة بنت الأمير جهاركس الخليلي على ثلاثمائة وستين جلا، وعشرين قطارا بغالاً، إلى دار زوجها الأمير بيبرس الدوادار ابن أخت السلطان، وبني عليها الجمعة سابع عشره. وكتب لنائب حلب بأن يحمل إلى عثمان بن طور علي من المال الحاصل خمسين ألف درهم فضة مع الأمان المجهز له، وكتب لنائب صفد أن يحمل موجود الأمير أحمد بن الشيخ على نائب صفد، كان.
وفي ثالث عشرينه: خلع على القاضي أصيل الدين محمد بن عثمان الأشليمي واستقر في قضاء القضاة الشافعية بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد بن الأخشاي على مال، فكتب إلى دمشق بأن يخلفه في الخطابة والقضاء شهاب الدين أحمد بن حجي، فناب فيهما عنه.
وفي رابع عشرينه: ترافع الأمير محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري أمير هوارة هو والأمير عثمان بن الأحدب، والأمير ألطنبغا والي العرب نائب السلطنة بالوجه القبلي بين يدي السلطان بالإصطبل، فظهر الحق مع محمد بن عمر، مْسُلم ألطبغا إلى الوزير ليصادره، وسلم ابن الأحدب وأولاده إلى الوالي، فسجنهم بخزانة شمايل، واستقر أمير على السيفي نائب السلطنة بالوجه القبلي.
وفي أخريات شعبان: رسم للقضاة بعرض الشهود الجالسين بالحوانيت للتكسب بالشهادة، فكتب نقباء القضاة أسماءهم، وشرع القضاة في عرضهم ليختبر حال كل منهم، ويبقى من عرف بحسن السيرة، ويمنع من تحمل الشهادة من جهل حاله أو عرف بسوء، فمنع جماعة، ثم أعيدوا بالرسائل وشفاعات الأكابر، فلم يتم الغرض.
شهر رمضان أوله الخميس.
في ثالثه: خلع على الأمير سيف الدين أوناط اليوسفي، واستقر كاشف الوجه البحري، وعزل قطلوبغا الخليلي.
وفي عاشره: خرج البريد لإحضار الشيخ ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون من قريته بالفيوم؛ ليستقر في قضاء القضاة المالكية، وكان قد سعى في ذلك شرف الدين محمد بن الدماميني الإسكندراني، بسبعين ألف درهم، فردها السلطان.

وفي خامس عشره: حضر ابن خلدون وخلع عليه، واستقر في قضاء القضاة المالكية، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن التنسي بعد موته، فشرع في عرض الشهود، وأغلق عدة حوانيت استجدت بعده. وهذه ولايته الثانية بعد ما أقام معزولاً نحو خمس عشرة سنة.
وفي سادس عشره: سافر قاضي القضاة أصيل الدين إلى دمشق على خيل البريد، بعد ما وزن نحو المائة ألف درهم تداين كثيراً منها.
وفي حادي عشرينه: استقر الأمير ركن الدين عمر بن علي الكوراني، في ولاية مصر، عوضاً عن الصارم إبراهيم بن مقبل بعد عزله.
وفي رابع عشرينه: كتب بالإفراج عن الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ على من اعتقاله بقلعة دمشق، وأن يستقر في الأتابكية بدمشق، عوضاً عن الأمير جلبان.
وفي سابع عشرينه: أخرج الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي من خزانة شمايل، وسلم إلى الأمير يلبغا المجنون الأستادار، فاجتمع لخروجه من الناس عدد لا يحصيه إلا اللّه، وظنوا أنه قد أفرج عنه، فاشتروا من الزعفران، وأوقدوا من الشموع ما يبلغ منه ألوف الدراهم. فلما يئسوا منه انقلبوا خائبين، وكان هذا من جلة ذنوبه التي نقمت عليه.
وفي ثامن عشرينه: قدم أصيل الدين محمد بن عثمان إلى دمشق على البريد.
وفي هذا الشهر: ورد الخبر بأخذ تيمور لنك بلاد الهند، وأن سباياها أبيعت بخراسان بأبخس الأثمان، وأنه توجه من سمرقند إلى الهند في ذي الحجة من السنة الماضية.
شهر شوال أوله الجمعة: صلى السلطان صلاة عيد الفطر بالميدان على العادة، وصلى به قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي، وخطب، وخلع على الأمراء وسائر أرباب الدولة على العادة، فكان يوماً مشهوداً.
وفيه ورد البريد بموت رجب ابن الأمير كمشبغا الحموي في سابع عشرين رمضان، وموت أبيه الأمير الكبير كمشبغا من الغد في ثامن عشرينه، بسجن الإسكندرية. فابتهج السلطان لموته، ورأى أنه قد تم له أمره، فإنه آخر من كان قد بقي من الأمراء اليلبغاوية. وأقبل الناس في يوم العيد وما بعده على أنواع من اللهو في القرافة والترب خارج القاهرة، وبخرطوم الجزيرة الذي انحسر عنها ماء النيل ببولاق، فمر لهم فيه مسرات، وتفننوا في أنواع اللذات، وكأنما كانوا يودعون الأمن والراحات.
وفي خامسه: قدم الأمير دقماق نائب ملطية إلى دمشق معزولاً، وتوجه منها إلى القاهرة في حادي عشره على البريد.
وفي سادسه: أخرج ابن الطبلاوي من القاهرة منفياً إلى الكرك، ومعه نقيب واحد قد وكل به، فسار ذليلاً حقيراً وحيداً فريداً، فسبحان مزيل النعم. ومازال سائراً إلى أن وصل بلد الخليل - عليه السلام - فبلغه موت السلطان، فتوجه من بلد الخليل إلى القدس، فمر به الأمير شاهين كتك - يعنى الأفرم - وقد توجه إلى الكرك بخبر موت السلطان، وسلطنة ابنه بعده، فسأله أن يشفع له في الإقامة بالقدس. فلما ورد إلى قلعة الجبل سأل الأمير الكبير أيتمش في ذلك فأجابه، وكتب مرسوماً إلى ابن الطبلاوي أن يقيم بالقدس، فأقام، وكان من خبره ما يأتي ذكره إن شاء الله.
وفي يوم الثلاثاء خامسه: ابتدأ مرض السلطان. وذلك أنه ركب للعب الكرة بالميدان في القلعة على العادة. فلما فرغ منه قدم إليه عسل نحل ورد من كختا، فأكل منه ومن لحم بلشون، ودخل إلى قصوره، فعكف على شرب الخمر، فاستحال ذلك خلطاً ردياً لزم منه الفراش من ليلة الأربعاء، وتنوع مرضه حتى أًيس منه لشدة الحمى، وضعف القوى، فأرجفت بموته في يوم السبت تاسعه. واستمر أمره يشتد إلى يوم الأربعاء ثالث عشره، فشنع الأرجاف، وغلقت الأسواق، فركب الوالي ونادى بالإمعان. فلما أصبح يوم الخميس استدعى الخليفة المتوكل على اللّه أبا عبد اللّه محمد، وقضاة القضاة وسائر الأمراء - الأكابر والأصاغر - وجميع أرباب الدولة إلى حضرة السلطان، فحدثهم في العهد لأولاده. فابتدأ الخليفة بالحلف للأمير فرج ابن السلطان أنه هو السلطان بعد وفاة أبيه، ثم حلف بعده القضاة والأمراء.

وتولى تحليفهم كاتب السر فتح الدين فتح اللّه، وكان منذ نزل بالسلطان مرضه أقام عنده ليلاً ونهاراً لثقته به. فلما تم الحلف لفرج حلفوا أن يكون القائم بعد فرج أخوه عبد العزيز، وبعد عبد العزيز أخوهما إبراهيم، ثم كتبت وصية السلطان، فأوصى لزوجاته وسراريه وخدامه. بمائتي ألف دينار وعشرين ألف دينار، وأن تعمر له تربة تحت الجبل بجوار تربة الأمير يونس الدوادار خارج باب النصر بثمانين ألف دينار، ويشترى بما يفضل عن العمارة عقار ليوقف عليها، وأن يرفن بها في لحد تحت أرجل الفقراء الذين بحوش الخليلي، وهم علاء الدين علي السيرامي، وأمين الدين الخلوتي وعبد الله الجبرتي، وعبد الكريم الجبرتي، وطلحة وأبو بكر البجائي، وأحمد الزهوري. وقرر أن يكون الأمير الكبير أيتمش هو القائم بعده بتدبير دولة ابنه فرج. وجعله وصياً على تركته، ومعه الأمير تغري بردي أمير سلاح، والأمير بيبرس الدوادار، والأمير يشبك الخازندار، وفتح الدين فتح اللّه كاتب السر، والأمير ناصر الدين محمد بن سنقر البجكاوي، وسعد الدين إبراهيم بن غراب، والأمير قطلوبغا الكركي، والأمير يلبغا السالمي. وجعل الخليفة ناظراً على الجميع. فلما تقرر ذلك انفض الجميع ونزل الأمراء بأسرهم في خدمة الأمير أيتمش إلى منزله. فوعدهم بخير، وأنه يبطل المظالم وأخذ البراطيل على المناصب والولايات. وأكثر السلطان من الصدقات، فبلغ ما تصدق به في هذه المرضة أربعة عشر ألف دينار وتسعمائة دينار وستة وتسعين ديناراً.
ومات بعد نصف ليلة الجمعة خامس عشر شوال، وقد تجاوز الستين سنة، منها مدة حكمه بديار مصر منذ صار أتابك العساكر، عوضاً عن الأمير طشتمر العلاي الدوادار، إلى أن جلس على تخت السلطة أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام. ومنذ تسلطن إلى أن مات ست عشرة سنة وأربعة أشهر وسبعة وعشرون يوماً، منها سلطته إلى أن خلع ست سنين وثمانية أشهر وعشرون يوماً، وسلطته منذ أعيد إلى أن مات تسع سنين وثمانية أشهر. والفترة بينهما ثمانية أشهر وتسعة أيام، ومدة حكمه أتابكاً وسلطاناً إحدى وعشرون سنة وعشرة أشهر وستة عشر يوماً.
وترك ثلاثة أولاد ذكور: الأمير فرج وتسلطن من بعده، وعبد العزيز وتسلطن أيضاً: وإبراهيم ومات - هو وعبد العزيز - في حياة أخيهما فرج وسلطته الثانية، بثغر الإسكندرية، واتهم فرج بأنه سمهما. وخلف برقوق ثلاث بنات تزوجن من بعده.
وترك من الذهب العين ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار، ومن الغلال والنقود والأعسال والسكر والثياب وأنواع الفرو ما قيمته ألف ألف وأربعمائة ألف دينار. ومن الجمال نحو خمسة آلاف جمل. ومن الخيل نحو سبعة آلاف فرس.
وبلغت جوامك مماليكه في كل شهر نحو تسعمائة ألف درهم فضة، وعليق خيولهم في الشهر ثلاثة عشر ألف أردب شعيراً، وعليق الخيل الخاص وجمال النفر، وأبقار السواقي في كل شهر أحد عشر ألف أردب من الشجر والفول، وبلغت عدة مماليكه خمسة آلاف مملوك.
وكان نائبه بديار مصر الأمير سودن الفخري الشيخوني إلى أن مات فلم يستنب بعده أحداً.
ونوابه بدمشق الأمير بيدمر الخوارزمي وعَشَقتمُر المارديني، وألطنبغا الجوباني وطُرْنطاي السيفي، وَيْلبغا الناصري، وبطا الطولوتمري، وسودن الطرنطاي، وكُمُشبغا الأشرفي، وتاني بك المعروف بتنم الحسني، ومات السلطان وهو على نيابة دمشق. ونوابه بحلب يلبغا الناصري، وسودن المظفري، وكُمُشْبُغا الحموي، وقرا دمرداش الأحمدي، وجلبان الكُمُشبغاوي، وتغري بردي من يشبغا، وأرغون شاه الإبراهيمي وأقْبُغا الجمالي، ومات السلطان وهو على نيابة حلب.

ونوابه بطرابلس مأمور القلمطاوي، وكُمُشبُغا الحموي، وأسندمر السيفي، وقرا دمرداش الأحمدي، وأينال بن خجا علي، وإياس الجرجاوي، ودمرداش المحمدي، وأرغون شاه الإبراهيمي، وأقبغا الجمالي، ويونس بُلطا. ومات السلطان وهو على نيابة طرابلس. ونوابه بصفد، أُرُكماس السيفي، وبُتْخاص السودوني، وأرغون شاه الإبراهيمي، وأقبغا الجمالي، وأحمد بن الشيخ علي، وألطنبغا العثماني، ومات السلطان وهو على نيابة صفد. ونوابه بحماة صَنجَق الحسني، وسودن المظفري، وسودن العلاي، وسودن العثماني، وناصر الدين محمد بن مبارك بن المهمندار، ومأمور القلمطاوي، ودمرداش المحمدي، وأقبغا السلطاني الصُّغَيَّر، ويونس بلطا، ثم دمرداش المحمدي، ومات السلطان وهو على نيابة حماة. ونوابه بالكرك طغاي تمر القبلاوي، ومأمور القلمطاوي، وقديد القلمطاوي، ويونس القَشْتَمُري، وأحمد بن الشيخ علي، وبتخاص السودوني ومحمد بن مبارك المهمندار، وألطبغا الحاجب، وسودن الظريف الشمسي، ومات السلطان وهو على نيابة الكرك. ونوابه بغزة قُطْلُوُبغا الصفوي، وأقبغا الصُغَيَّر، ويلبغا القَشْتَمُري، وألطنبغا العثماني، وبيقجاه الشرفي طيفور، وألطنبغا الحاجب، ومات السلطان وهو على نيابة غزة.
وأستاداريته بديار مصر بَهادُر، ومحمود بن علس،وقرقماس الطشتمري وعمر بن محمد بن قايماز، وقطلو بك العلاي، ويَلْبغُا الأحمدي المجنون، ومحمد بن سنقر البجكاوي، ثم يَلْبغُا المجنون ثانياً، ومات السلطان وهو أستادار.
وقضاته الشافعية بديار مصر برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وبدر الدين محمد بن أبي البقاء، وناصر الدين محمد بن المليق، وعماد الدين أحمد الكركي وصدر الدين محمد المناوي، وتقي الدين عبد الرحمن الزبيري، ثم المناوي ثالث مرة، ومات السلطان وهو قاض. وقضاته صدر الدين محمد بن منصور الدمشقي، وشمس الدين محمد الطرابلسي، ومجد الدين إسماعيل بن إبراهيم، وجمال الدين محمود القيصري، وجمال الدين يوسف الملص، ومات السلطان وهو قاض. وقضاته المالكية جمال الدين عبد الرحمن بن خير السكندري، ثم ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون، وشمس الدين محمد الركراكي المغربي، وشهاب الدين أحمد النحريري، وناصر الدين محمد بن التنسي، ثم ابن خلدون ثانياً، ومات السلطان وهو قاض. وقضاته الحنابلة ناصر الدين العسقلاني، ثم ابنه برهان الدين إبراهيم، ومات السلطان وهو قاض. وقضاته الشافعية بدمشق ولي الدين عبد اللّه بن أبي البقاء، وبرهان الدين إبراهيم بن جماعة، وشرف الدين مسعود، وشمس الدين محمد بن الجزري وشهاب الدين الزهري، وعلاء الدين علي بن أبي البقاء، وشهاب الدين أحمد الباعوني، وشمس الدين محمد الأخناي، وأصيل الدين محمد ومات السلطان وهو قاض.
ووزراؤه بديار مصر علم الدين عبد الوهاب سن إبرة، وشمس الدين إبراهيم كاتب أرلان، وعلم الدين عبد الوهاب أبن كاتب سيدي، وكريم الدين عبد الكريم بن الغنام، وموفق الدين أبو الفرج، وسعد الدين نصر الله بن البقري، وناصر الدين محمد بن الحسام، وركن الدين عمر بن قايماز، وتاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر، وناصر الدين محمد بن رجب، ومبارك شاه، وبدر الدين محمد بن الطوخي، وتاج الدين عبد الرزاق، ومات السلطان وهو وزير.
وكتاب سره بدر الدين محمد بن فضل الله، وأوحد الدين عبد الواحد بن ياسين، وعلاء الدين علي الكركي، وبدر الدين محمود الكستاني، وفتح الدين فتح الله، ومات السلطان وهو كاتب السر.
ونظار الجيش، تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين، وموفق الدين أبو الفرخ، وجمال الدين محمود القيصري، وكريم الدين عبد الكريم بن عبد العزيز، وشرف الدين محمد بن الدماميني، وسعد الدين إبراهيم بن غراب، ومات السلطان وهو ناظر الجيش، وناظر الخاص أيضاً.
ونظار الخاص سعد الدين نصر الله بن البقري، وموفق الدين أبو الفرج الوزير، وسعد الدين أبي الفرج بن تاج الدين موسى كاتب السعدي، وسعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيش، وماتَ السلطان وهو ناظر الخاص والجيش.

وكان برقوق جركسي الجنس، قدم إلى مصر مع خواجا عثمان، فاشتراه الأمير يلبغا، وحماه برقوق، بعد أن كان اسمه من بلاد القرم سودن، وأعتقه. فلما قتل يلبغا وسجن بالكرك مدة، ثم أفرج عنه، فسار إلى دمشق، وخدم عند نائبها الأمير منجك، ثم استدعي إلى مصر واستخدم عند الأمير علي بن الأشرف إلى أن قتل الأشرف.
وكانت أيام الأمير أينَبَك، استقر من جملة أمراء الطبلخاناه، ثم ركب في أخواته، وملك باب السلسة، وصار أمير أخور، وأقام بالإصطبل السلطاني. ثم صار أميراً كبيراً، وترقى حتى ملك تخت مصر، وتلقب بالملك الظاهر، ثم خلع ونفي إلى الكرك فسجن بها، ثُم أخرجه عوام الكرك، وسار إلى دمشق، وجمع الناس وعاد إلى مصر، فملك التخت ثانياً. وقد تقدم جميع ذلك في تواريخه.
وكان ملكاً حازماً، شهماً، صارماً، شجاعاً، مقدما، فطناً، له خبرة بالأمور ومهابة عظيمة، ورأي جيد ومكر شديد، وطمع زائد. وكان يحب الاستكثار من المماليك، ويقدم الجراكسة على الأتراك والروم، ويشره في جمع المال، بحيث لم يشبع منه، ويرغب في اقتناء الخيول والجمال وكان كثير التؤدة، لا يكاد يجعل في شيء من أموره، بل يتروى في الشيء المدد الطويلة، ويتصدى للأحكام بنفسه، ويباشر أحوال المملكة كلها، ويجل أهل الخير ومن ينسب إلى الصلاح. وكان يقوم للفقهاء والصلحاء إذا دخل أحد منهم عليه، ولم يكن يعهد ذلك من ملوك مصر قبله. وتنكر للفقهاء في سلطنته الثانية من أجل أنهم أفتوا بقتله، فلم يترك إكرامهم قط مع شدة حنقه عليهم.
وكان كثير الصدقات وقف ناحية بهبيت من الجيزة على سحابة تسير مع الركب إلى مكة في كل عام، ومعها جمال تحمل المشاة من الحاج، ويصرف لهم ما يحتاجون إليه من الماء والزاد ذهاباً وإياباً. ووقف أرضاً على قبور أخوة يوسف - عليه السلام - بالقرافة. وكان يذبح دائماً. طول أيام إمارته وسلطنته في كل يوم من أيام شهر رمضان خمسة وعشرين بقرة، يتصدق بها بعد ما تطبخ، ومعها آلاف من أرغفة الخبز النقي، على أهل الجوامع والمشاهد والخوانك والربط وأهل السجون، لكل إنسان رطل لحم مطبوخ وثلاثة أرغفة من نقي البر، سوى ما كان يفرق في الزوايا من لحم الضأن، فيعطى في كل يوم لكل زاوية خمسون رطلاً وعدة أرغفة خبز، وفيهم من يعطى أكثر من ذلك بحسب حالهم، ويفرق كل سنة على نحو عشرين زاوية لكل زاوية ألف درهم فضة، ويفرق كل سنة في أهل العلم والصلاح مائتين ألف درهم الواحد، إلى مائة دينار ذهباً. ومنهم من له أقل من ذلك بحسب حاله، ويفرق في فقراء القرافتين لكل فقير من دينارين إلى أكثر وأقل، ويفرق في الخوانك وغيرها كل سنة مالاً كثيراً. وكان يفرق في كل سنة ثمانية آلاف أردب قمحاً على أهل الخير وأرباب الستر. ويبعث في كل سنة إلى الحجاز ثلاثة آلاف أردب قمحاً تفرق بالحرمين. وفرق في مدة الغلاء كل يوم أربعين أردباً، منها ثمانية آلاف رغيف، فلم يمت فيه أحد بالجوع، فما علمنا. وكان يبعث كل قليل بجملة من الذهب تفرق في الفقراء والفقهاء، حتى أنه تصدق مرة بخمسين ألف دينار ذهباً على يد الطواشي صندل المنجكي.
وأبطل عدة مكوس، منها ما كان يؤخذ من أهل شورى، وبلطيم من البرلس شبه الجمالية، وهو في كل سنة مبلغ ستين ألف درهم، وأبطل ما كان يؤخذ على القمح بثغر دمياط غماً يبتاعه الفقراء وغيرهم من أردبين إلى ما دون ذلك. وأبطل مكس معمل الفراريج بالنحريرية وما معها من الغربية، وأبطل مكس الملح بعين تاب من عمل حلب، ومكس الدقيق بالبيرة. وأبطل من طرابلس ما كان مقرراً على قضاة البر وولاة الأعمال، عند قدوم النائب، وهو مبلغ خمسمائة درهم على كل منهم، أو بغلة بدل تلك. وأبطل ما كان يقدم لمن يسرح إلى العباسة خارج القاهرة في كل سنة من الخيل والجمال، والغنم. وأبطل ما كان يؤخذ على الدريس والحلفاء بباب النصر خارج القاهرة. وأبطل ضمان المغاني بمدينة الكرك والشوبك وبمدينة بني خصيب وأعمال الأشمونين وزفتا ومنية غمر من أعمال مصر. وأبطل رمي الأبقار - بعد الفراغ من عمل الجسور بأراضي مصر - على البطالين بالوجه البحري.

وأنشأ بالقاهر مدرسة لم يعمر مثلها بالقاهرة، ورتب بها صوفية بعد العصر كل يوم، وجعل بها سبعة دروس لأهل العلم، أربعة يلقى بها الفقه على المذاهب الأربعة، ودرس تفسير القرآن، ودرس الحديث النبوي، ودرس للقراءات، وأجرى على الجميع في كل يوم الخبز النقي ولحم الضأن المطبوخ. وفي كل شهر الحلوى والزيت والصابون والدراهم، ووقف على ذلك الأوقاف الجليلة من الأراضي والدور ونحوهما. وعمر جسراً على نهر الأردن بالغور في طريق دمشق، طوله مائة وعشرون ذارعاً، في عرض عشرين ذراعاً. وجدد خزائن السلاح بثغر الإسكندرية، وسرر دمنهور بالبحيرة. وعمر الجبال الشرقية بالفيوم، وزريبة البرزخ بدمياط، وقناة العروب بالقدس، وأنشأ به أيضاً بركة كبيرة. وعمر بركة أخرى برأس وادي بني سالم، في طريق المدينة النبوية، يردها الحاج. ورم القناة التي تحمل ماء النيل إلى قلعة الجبل، حتى صلحت بعد ما أعيت من تقدمه من الملوك. وجمد عمارة الميدان تحت قلعة الجبل بعد ما خرب، وسقاه وزرع به القُرْط وغرس فيه النخل، وعمر صهريجاً، ومكتباً يقرأ فيه الأًيتام القرآن الكريم بقلعة الجبل، وجعل عليه وقفاً داراً، وعمر بها أيضاً طاحوناً. وعمر أيضاً سبيلاً تجاه باب الضيافة تحت قلعة الجبل.
وخطب على منابر توزير عندما أخذها قرا محمد وضرب الدنانير والدراهم فيها باسمه، وبعثها إلى حضرته بقلعة الجبل. وخطب له على منابر الموصل، وعلى منابر ماردين، ومنابر سنجار وأخذت عساكره دوركى وأرزنكان من أرض الروم. ورثاه عدة من الشعراء، رحمه الله تعالى.
السلطان زين الدين أبو السعاداتالسلطان الملك الناصر زين الدين أبو السعادات فرج بن الملك الظاهر سيف الدين أبي سعيد برقوق بن الأمير الكبير سيف الدين آنص الجركسي ثاني ملوك الجراكسة بمصر جلس على تخت الملك بقلعة الجبل صبيحة موت أبيه، يوم الجمعة النصف من شوال، سنة إحدى وثمانمائة.
وذلك أنه اجتمع بالقلعة الأمير الكبير أيتمش وسائر الأمراء وأرباب الدولة، واستدعى الخليفة وقضاة القضاة، وشيخ الإسلام البلقينِي، ومن عادته الحضور. فلما تكاملوا بالإصطبل السلطاني أحضر فرج بن الملك الظاهر برقوق، وخطب الخليفة وبايعه بالسلطة، وقلده أمور المسلمين، فقبل تقليده. وأحضرت خلعة سوداء، أفيضت على فرج، ونعت بالملك الناصر. ومضى حتى جلس على التخت بالقصر، وقبل الأمراء كلهم له الأرض على العادة، وألبس الخليفة التشريف.
وأخذ بعد ذلك في جهاز الملك الظاهر، فغُسل وكفُن، وصَفي عليه بالقلعة قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي، وحُمل نعشه على الأعناق من قلعة الجبل إلى التربة قبل صلاة الجمعة، وسائر الأمراء والعساكر والأعيان والرعايا مشاة، يضجون ويصرخون، حتى وري تحت التراب تحت أقدام الفقراء حيث أوصى. ولم يعهد قبله أحد من الملوك، دفن نهاراً بديار مصر.
فلما انقضى أمر دفنه عاد الأمراء، ونودي بالقاهرة ومصر بالترحم على الملك الظاهر، والدعاء للملك الناصر، وتطمين الناس وأمنهم. وخطب يومئذ على منابر القاهرة ومصر للناصر، وكثر الأسف على فقد الظاهر، وضربت خيمة على قبره، وقرأ القراء القرآن على قبره، وكان الناس يظنون قيام فتنة عظيمة لموته. فلم يتحرك ساكن في هذا اليوم.
وأنشد الأديب المقرئ شهاب الدين أحمد بن عبد اللّه بن الحسن الأوحدي في ذلك:
مضى الظاهر السلطان أكرم مالك ... إلى ربه يرقى إلى الخلد في الحرج
وقالوا ستأتي شدة بعد موته ... فأكذبهم ربي وما جاء سوى فرج
وفي هذا اليوم. بشر بزيادة ماء النيل، وأن القاع أربعة أذرع ونصف.
وفيه أراد الأمير الكبير أيتمش أن يتحول من داره إلى الحراقة بالإصطبل السلطاني. فمنع من ذلك الأمير سودون أمير أخور، ورد ما حضر من قماش الأمير أيتمش، فاستدعى، إلى حضرة السلطان، فامتنع.
وفي رابع عشره: كتب إلى مكة كتاب بالعزاء والهناء، وان تقليد الشريف حسن بن عجلان يصل صحبة أمير الحاج، وكتب إلى الأمير بيسق بذلك، وإلى أمير المدينة النبوية أيضاً.
وفي يوم السبت سادس عشره: اجتمع أيتمش والأمراء بالقلعة لتقرير أحوال الدولة، فكتب بالعزاء والهناء إلى مملكة الشام وغيرها.
وكتب إلى الأمير نعير بن حيار بإمرة آل فضل على عادته.

وعزل الأمير شمس الدين محمد بن عنقاء بن مهنا، وعرف بموت الظاهر وقيام الملك الناصر، وحُمل إليه التشريف على يد الأمير أسنبغا الدوادار.
وجهز سودون الطيار أمير أخور بالكتب إلى دمشق ومعه تشريف وتقليد ونسخة يمين، وستة أروس خيل. وجهز الأمير يلبغا الناصري إلى حلب بمثل ذلك، والأمير تغري بردي قرا إلى طرابلس بمثل ذلك، والأمير أرتبغا الحافظي إلى حماة، ومعه خمسة أروس من الخيل، والأمير بشباي إلى صفد، والأمير شاهين كتك الأفرم إلى الكرك؛ وعلى يد كل منهم كتاب يتضمن العزاء بالظاهر والهناء بالناصر. وأن يحلف نائب السلطة والأمراء على العادة، فساروا على خيل البريد.
وقرر الأمير أيتمش مع الأمراء إبقاء الأمور على ما هي عليه، وأكد على الوزير تاج الدين عبد الرزاق، والأمير يلبغا الأستادار في الكف عن ظلم الرعية، وتجهيز القسط والجامكية والعليق برسم المماليك السلطانية.
وفي ثامن عشره: خرج المحمل إلى الحج، صحبة الأمير شيخ المحمودي، وجعل أمير المحمل. وقدم أمير الركب الأول الأمير الطواشي سيف الدين بهادر مقدم المماليك.
وفيه اجتمع الأمراء بالقلعة على عادتهم للخدمة، وتأخر الأمير سودون أمير أخور عن الحضور، فبعث الأمراء إليه ليحضر، فامتنع، فكرروا الإرسال إليه ثلاث مرات، إلى أن حضر، فكلموه في النزول من الإصطبل، فلم يجبهم إلى ذلك، فتخيلوا منه، واتهموه أنه يريد إثارة فتنة، فقبضوا عليه وعلى الأمير علي بن أينال، وأخرجوا ما كان له بالإصطبل من خيول وقماش ونحو ذلك.
وسكن الأمير أيتمش مكانه، وأنزل بسودون وابن إينال مقيدين إلى الحراقة، وجهزا إلى الإسكندرية، فسجنا بها.
وفي العشرين منه نودي بالقاهرة ومصر بخروج طائفة العجم من مصر، وهدد من تأخر بعد ثلاثة أيام بالقتل، فلم يخرج منهم أحد، وسكت عن ذلك. مما بلغ الأمراء عن الخاصكية أنهم قد اتفقوا على القبض عليهم عند طلوعهم إلى الخدمة بالقلعة، فكثر خوفهم.
وخُلع على الأمير يشبك الشعباني الخازندار واستقر لالا السلطان، ومعه الأمير قطلوبغا الكركي، لالا أيضاً.
فلما كان يوم الخميس حادي عشرينه: جلس السلطان بدار العدل على عادة الملوك، وخلع على الأمير أيتمش، وعلى الأمير تغري بردي أمير سلاح، والأمير بيبرس الدوادار، والأمير أرغون شاه أمير مجلس، والأمير أرسطاي رأس نوبة، والأمير يلبغا إستادار، والوزير تاج الدين، والأمير ناصر الدين محمد بن سنقر، والأمير فارس حاجب الحجاب، والأمير تمربغا المنجكي أمير حاجب، ومد السماط على العادة.
ودخل السلطان من دار العدل إلى القصر. وجلس القضاة بجامع القلعة حتى يخلع عليهم وعلى بقية أرباب الدولة. فعندما تكامل الأمراء بالقصر أغلق الخاصكية باب القصر، وكان رأسهم يومئذْ سودون طاز، وسودون بن زاده، وأقباي رأس نوبة، وجهاركس المصارع. ثم سلوا سيوفهم وهجموا على الأمراء، وقبضوا على أرسطاي وتمراز الناصري وتمربغا المنجكي وطغنجى وبلاط السعدي وطولو رأس نوبة وفارس الحاجب. وفر مبارك شاه وطبج، فأدركا وقبض عليهما.
وبلغ ذلك يلبغا أستادار - وكان خارج القصر - فخلع خلعته، وسل سيفه، ونزل من القلعة إلى داره.
وأحضر الخاصكية الأمراء المقبوض عليهم إلى عند الأمير أيتمش - وقد بهت وأسكت - فقيدوا أرسطاي رأس نوبة، وتمراز، وتمربغا المنجكي، وطغنجي أحد أمراء الطبلخاناه، وطولو، وبلاط من الطبلخاناه أيضاً. وأطلقوا من عداهم. واستدعي يلبغا أستادار، فلما حضر قبض عليه، وقيد. وأنزل بالأمراء المقبوض عليهم إلى الحراقة فأحضروا إلى الإسكندرية في ليلة السبت ثالث عشرينه، ارسطاي، وتمراز، وطولو.
وأحضروا إلى دمياط تمربغا المنجكي، وبلاط السعدي، وطغنجى الأشرفي. وعصروا الأمير يلبغا ليحضر المال، وأسلموه إلى القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب ليحاسبه، فنزل به إلى داره. وسألوا يلبغا السالمي بوظيفة الأستادارية، فامتنع، فعرضوها على ابن سنقر وابن قطينة فلم يوافقا، فخلع على الأمير زين الدين مبارك شاه، واستَقر أستاداراً، عوضاً عن يلبغا المجنون، في ثالث عشرينه.
وفيه أمر بالنفقة على المماليك، فتولى الإنفاق عليهم يلبغا السالمي، وأعطى بحضرة السلطان كل مملوك من أرباب الخدم الجوانية ستين ديناراً، صرف كل دينار ثلاثين درهماً وكل واحد من أرباب الأشغال البرانية خمسمائة درهم.

ونودي أن يكون سعر الدينار ثلاثين درهماً، فإن الناس كانوا قد توقفوا في الذهب بعد موت السلطان، وانحط من ثلاثين إلى ثلاثة وعشرين درهماً الدينار فشق ذلك على الناس، وخافوا الخسارة، لما كانوا يظنونه من انحطاط سعر الذهب، فجاء الأمر بخلاف ما في ظنونهم. ولم يزل يرفع حتى بلغ ما لم يكن في بال أحد قط.
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه: تأخر سائر الأمراء الألوف عن حضور الخدمة بالقلعة، خوفاً من الخاصكية، فإن الأمور صارت معذوقة بهم، فبعث الخاصكية إلى الأمراء بالحضور، فأبوا من ذلك. فنزل حينئذٍ الخاصكية إلى الإصطبل في خدمة الأمير أيتمش، واستدعوا الأمراء من منازلهم، فحضروا وكثر الكلام بينهم إلى أن اتفقوا جميعاً وتحالفوا على الائتلاف، وطاعة الأمير الكبير أيتمش، والملك الناصر. وحلف لهم أيتمش أيضاً، ثم حلفوا سائر المماليك والخدام، وتولى ذلك يلبغا السالمي، وقام أيضاً في أمر المرتجع من إقطاعات الأمراء حتى تقرر أن يكون المرتجع من الأمير المقدم خمسين ألف درهم، ومن الطبلخاناه عشرين ألف درهم.
ومن أمير عشرين عشرة ألاف ومن أمير عشرة خمسة آلاف، ومن أمير خمسة ألفين وخمسمائة، وكتب بذلك مرسوم سلطاني خلد في الدواوين.
وفيه خلع على الأمير قطلوبغا الحسني الكركي شاد الشرابخاناه، عوضاً عن سودون المارديني، مضافاً لما بيده. وأنعم على الأمير قراكسك بتقدمة ألف.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرينه: خلع على الوزير تاج الدين عبد الرزاق، واستقر أستاداراً، عوضاً عن مبارك شاه بحكم استعفائه، فباشر الوظيفتين.
وفيه كتب مرسوم باستمرار الأمير قرا يوسف في نيابة الرها على عادته. وباستمرار الأمير دمشقَ خجا في نيابة جعبر على عادته.
وفي ليلة الأربعاء سابع عشرينه: هرب الأمير شهاب الدين أحمد بن الزين والي القاهرة، فخلع على شرف الدين عيسى فلان الشامي عوضه، في يوم الأربعاء. وقبض على ابن الزين وسلم إليه. وكادت العامة أن تقتله لبغضهم فيه، فضرب بالمقارع ضرباً مبرحاً عند فلان، وألزم بحمل أربعمائة ألف درهم.
وفيه ورد الخبر بأن بايزيد بن عثمان ملك الروم تحرك للمشي على بلاد الشام، وأن تمرلنك القائم ببلاد العجم أخذ ممالك الهند.
وفي ثامن عشرينه: ورد الخبر بأن الأمير تنم نائب الشام أخذ قلعة دمشق، وذلك إنه كان بالمرج من غوطة دمشق، فلم يشعر الناس به في ليلة الأربعاء - العشرين منه - حتى حضر إلى دار السعادة ثلث الليل.
فلما أصبح استدعى الأمير جمال الدين يوسف الهذباني نائب القلعة، بحجة أن الملك الظاهر طلبه، فعندما نزل إليه قبض عليه وبعث من تسلم القلعة فكثر كلام الناس إلى أن أذن الظهر، وصل فارس دوادار تنم من مصر، وأخبر بموت الملك الظاهر، وإقامة ابنه الناصر، وتحكم الأمير أيتمش، وأن سودون الطيار قادم بالخلعة والتقليد. فخرج الأمير تنم إلى لقائه، ولبس الخلعة خارج المدينة. واجتمع القضاة والأعيان بدار السعادة. وقرئ عليهم كتاب السلطان الملك الناصر، فأجابوا بالسمع والطاعة ونودي في البلد بالأمان والزينة، فزينت الأسواق، ودقت الكوسات، وسر الناس بذلك.
وأخذ الأمير تنم يصرح بأن السلطان صغير، وكل ما يصدر ليس هو عنه، وإنما هو عن الأمراء وأنا وصى السلطان، لا يعمل شيء إلا بمراجعتي، ونحو هذا. فترقب الناس بدمشق وقوع الفتنة، وبلغ هذا نائب حمص، فأخذ القلعة، وأخذ أيضاً نائب حماة قلعتها.
شهر ذي القعدة، أوله الأحد: في ثانيه: ركب طغيتمر - مقدم البريدية - البريد، ومعه ملطفات لأمراء الورسق والأمراء الأوجقية، ومطلق لنواب المماليك والقلاع، ومثال لأحمد بن رمضان نائب أذنة، ولأمراء التركمان، ولنائب حلب ونائب سيس، وصحبته أقبية مطرزة بفرو وخمس عشرة قطعة، وفوقانيات حرير بأطرزة زركش أربع وعشرون قطعة، وتشاريف عدة كثيرة.
وفي ثالثه: فرغ تحليف المماليك.
وفيه أنعم على الأمير سيف الدين أينال باي بتقدمة ألف، وخبز أرسطاي. وعلى سودون من علي بك - المعروف بطاز - بتقدمة تمراز، وعلى يلبغا الناصري بتقدمة سودون أمير أخور، وعلى أقباي بن حسين شاه بتقدمة تمربغا المنجكي.

وأنعم على الأمير شرف الدين يعقوب شاه بطبلخاناه زيادة على طبلخاناته فصارت تقدمة ألف بثمانين فارساً، وأنعم على كل من قرابغا الأسنبغاوي وينتمر المحمدي، وأقباي الأينالي بإمرة طبلخاناه، وعلى الأمير جرباش الشيخي بإقطاع يلبغا المجنون بخمسين فارساً، وعلى أقبغا المحمدي بطبلخاناه، وعلى كل من تمر الساقي، وجركس المصارع، وأينال حطب، وكمشبغا الجمالي، وألطنبغا الخليلي، وكزل البشمقدار، وقاني باي العلاي، وجكا من عوض، وصوماي الحسني بإمرة عشرة.
وفي خامسه: جلس السلطان بدار العدل، وحضر الأمراء، والقضاة وسائر أرباب الدولة على العادة.
وفي سابعه: خلع على سودون المارديني، واستقر رأس نوبة كبيراً، عوضاً عن أرسطاي، وعلى يعقوب شاه واستقر حاجباً ثانياً عوضاً عن تمربغا المنجكي، وعلى كل من سودون بن زاده، وتنكز بغا الحططي، وخاير بك من حسين شاه، وبشباي وجكم، وأقيغا المحمدي الأشقر، واستقروا رؤوس نوب.
وفي ثامنه: نودي على النصب بأن يكون صرف الدينار الإفرنتي بثمانية وعشرين درهماً، والهرجة بثلاثين درهماً، وكان قد انحط سعره، فشق ذلك على الناس وتغيب الصيارفة وتوقفت أحوال الناس.
وفي تاسعه: خلع على قرابغا الأسنبغاوي، وسمذ المحمدي، ومقبل، وعملوا حجاباً، فصارت الحجاب ستة. وخلع على تمان تمر الأشقتمري بنيابة قلعة دمشق ثم بطل أمره. وحضر الأمير سيف الدين دقماق نائب ملطية بتقادم كثيرة.
وخلع على برهان الدين إبراهيم بن علي التادلي، وأعيد إلى قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن البرهان القفصي.
وفي ثاني عشره: - خلع على جرباش الشيخي، وتمان تمر واستَقرا من رؤوس النوب. وخلع على كزل المحمدي البشمقدار - المعروف بالعجمي الأجرود - واستقر أستادار الصحبة، عوضاً عن قرابغا الأسنبغاوي، وعلى سعد الدين أبي الفرج بن تاج الدين موسى بن كاتب السعدي، واستقر ناظر الإصطبلات السلطانية. وعلى كل من الطواشيين شاهين السعدي الأْشرفي وعبد اللطيف الشرفي، وصارا لالا السلطان.
وعلى الأمير ناصر الدين محمد بن علي بن كلفت، واستقر نقيب الجيش وعلى علاء الدين على بن قرط بولاية أطفيح.
وفي رابع عشره: خلع على الشيخ جلال الدين أحمد - ويقال له إسلام - بن نظام الدين إسحاق الأصفهاني. وأعيد إلى مشيخة الشيوخ بخانقاه سرياقوس، عوضاً عن الشريف فخر الدين بعد وفاته.
ونودي أن يكون صوف الدينار المختوم بثلاثين درهماً، والإفرنتي بثمانية وعشرين درهماً. وكان بعد موت السلطان قد انحط المثقال من اثنين وثلاثين إلى خمسة وعشرين، والدينار الإفرنتي من ثلاثين ونصف إلى عشرين درهماً.
وفي خامس عشره: أخرج الأمير يلبغا المجنون إلى الإسكندرية فسجن بها.
وفي سادس عشره: خلع على الخليفة وقضاة القضاة وكاتب السر وفي سابع عشره: خُلع علي، وكتب إلى حسبة القاهرة. وعلى زين الدين عبد الرحمن بن الكويز بنظو الدولة، عوضاً عن شمس الدين عبد الله الهيصم.
واستدعى شيخ الإسلام والقضاة وأعيان الفقهاء إلى حضرة الأمير الكبير أيتمش بالحراقة من الإصطبل. وقد حضر الأمراء والخاصكية، بسبب الأموال التي خلفها الملك الظاهر: هل تقسم بين ورثته أو تكون لبيت مال المسلمين؟ فوقع كلام محير آخره أن يفرق في ورثته منه السدس، وما بقي فلبيت المال.
وفيه استقر الأمير أرغون شاه البيدمري أمير مجلس في نظر الشيخونية عوضاً عن يلبغا السالمي، وخلع عليه في تاسع عشره، وخلع على جاني بك اليحياوي بنيابة قلعة دمشق، وتوجه إليها.
وفيه قدم فخر الدين ماجد بن غراب ناظر الإسكندرية.
وفي حادي عشرينه: خلع على الأمير سودون الطيار، واستَقر أمير أخور عوضاً عن الأمير سودون قريب السلطان.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه: خلع على الأمير شهاب الدين أحمد بن الحاج عمر، المعروف بابن قطينة الحسني، واستقر وزيراً، عوضاً عن تاج الدين عبد الرزاق والي قطيا، وسلم إليه ليعاقبه على إحضار المال، فاستدعى بالوزير بدر الدين محمد بن الطوخي ليحاققه.
وخلع فيه أيضاً على الأمير يلبغا السالمي، واستقر أستاداراً، عوضاً عن الوزير تاج الدين.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21