كتاب : تاريخ الرسل والملوك
المؤلف : الطبري
فلما فرغ من قتل هؤلاء الأربعة والثلاثين النفس - وكانوا من وجوه أصحاب القرمطي - فيما ذكر - وكبرائهم قدم المدثر، فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه، ثم قدم القرمطي فضرب مائتي سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، وكوى فغشي عليه، ثم أخذ خشب فأضرمت فيه النار، ووضع في خواصره وبطنه، فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما؛ فلما خافوا أن يموت ضربت عنقه، ورفع رأسه على خشبة، وكبر من على الدكة وكبر سائر الناس.
فلما قتل انصرف القواد ومن كان حضر ذلك الموضع للنظر إلى ما يفعل بالقرمطي.
وأقام الواثقي وجماعة من أصحابه في ذلك الموضع إلى وقت العشاء الآخرة، حتى ضرب أعناق باقي الأسرى الذين أحضروا الدكة؛ ثم انصرف.
فلما كان من غد هذا اليوم حملت رءوس القتلى من المصلى إلى الجسر، وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلى ببغداد، وحفرت لأجساد القتلى في يوم الأربعاء آبار إلى جانب الدكة، وطرحت فيها وطمت، ثم أمر بعد أيام بهدم الدكة ففعل.
ولأربع عشرة خلت من شهر ربيع الآخر وافى بغداد القاسم بن سيما منصرفاً عن عمله بطريق الفرات، ومعه رجل من بني العليص من أصحاب القرمطي صاحب الشامة؛ دخل إليه بأمان، وكان أحد دعاة القرمطي، يكنى أبا محمد.
وكان سبب دخوله في الأمان أن السلطان راسله ووعده الإحسان إن هو دخل الأمان؛ وذلك أنه لم يكن بقي من رؤساء القرامطة بنواحي الشأم غيره، وكان من موالي بني العليص، فر وقت الوقعة إلى بعض نواحي الغامضة، فأفلت.
ثم رغب الدخول في الأمان والطاعة خوفاً على نفسه، فوافى هو ومن معه مدينة السلام، وهم نيف وستون رجلاً، فأمنوا وأحسن إليهم، ووصلوا بمال حمل إليهم، وأخرج هو ومن معه إلى رحبة مالك بن طوق مع القاسم بن سيما، وأجريت لهم الأرزاق، فلما وصل القاسم بن سيما إلى عمله وهم معه، وأقاموا معه مدة، ثم أجمعوا على الغدر بالقاسم بن سيما، وئلتمروا به، ووقف على ذلك من عزمهم، فبادرهم ووضع السيف فيهم فأبارهم، وأسر جماعة منهم، فارتدع من بقي من بني العليص ومواليهم، وذلوا، ولزموا أرض السماوة وناحيتها مدة حتى راسلهم الخبيث زكرويه، وأعلمهم أن مما أوحى إليه، أن المعروف بالشيخ وأخاه يقتلان، وأن إمامه الذي يوحى إليه يظهر ويظفر.
وفي يوم الخميس لتسع خلون من جمادى الأولى زوج المكتفى ابنه محمداً ويكنى أبا أحمد بابنه أبي الحسين القاسم بن عبيد الله على صداق مائة ألف دينار.
وفي آخر جمادى الأولى من هذه السنة ورد - فيما ذكر - كتاب من ناحية جبي، يذكر فيه أن جبي وما يليها جاءها سيل في واد من الجبل، فغرق نحواً من ثلاثين فرسخاً، وغرق في ذلك خلق كثير، وغرقت المواشي والغلات، وخرجت المنازل والقرى، وأخرج من الغرقى ألف ومائتا نفس، سوى من لم يلحق منهم.
وفي يوم الأحد غرة رجب خلع المكتفى على محمد بن سليمان كاتب الجيش وعلى جماعة من وجوه القواد، منهم محمد ابن إسحاق بن كنداجيق، وخليفة بن المبارك المعروف بأبي الأغر وابنا كيغلغ، وبندقة بن كمشجور وغيرهم من القواد، وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان، وخرج محمد بن سليمان والخلع عليه حتى نزل مضربه بباب الشماسية، وعسكر هنالك، وعسكر معه جماعة القواد الذين أخرجوا وبرزوا، وكان خروجهم ذلك قاصدين لدمشق ومصر لقبض الأعمال من هارون بن خمارويه؛ لما تبين للسلطان من ضعفه وضعف من معه وذهاب رجاله بقتل من قتل منهم القرمطي.
ثم رحل لست خلون من رجب محمد بن سليمان من باب الشماسية ومن ضم إليه من الرجال، وهم زهاء عشرة آلاف رجل، وأمر بالجد في المسير.
ولثلاث بقين من رجب قرىء في الجامعين بمدينة السلام كتاب ورد من إسماعيل بن أحمد من خراسان، يذكر فيه أن الترك قصدوا المسلمين في جيش عظيم وخلق كثير، وأنه كان في عسكرهم سبعمائة قبة تركية، ولا يكون ذلك إلا للرؤساء منهم، فوجه إليه برجل من قواده في جيش ضمه إليه، ونودي في الناس بالنفير، فخرج من المطوعة ناس كثير، ومضى صاحب العسكر نحو الترك بمن معه، فوافاهم المسلمون وهم غارون، فكبسوهم مع الصبح، فقتل منهم خلق كثير، وانهزم الباقون، واستبيح عسكرهم، وانصرف المسلمون إلى موضعهم سالمين غانمين.
وفي شعبان منها ورد الخبر أن صاحب الروم وجه عشرة صلبان معها مائة ألف رجل إلى الثغور، وأن جماعة منهم قصدت نحو الحدث، فأغاروا وسبوا من قدروا عليه من المسلمين، وأحرقوا.
وفي شهر رمضان منها ورد كتاب من القاسم بن سيما من الرحبة على السلطان.
يذكر فيه أن الأعراب الذين استأمنوا إلى السلطان وإليه من بني العليص ومواليهم ممن كان مع القرمطي نكثوا وغدروا، وأنهم عزموا على أن يكبسوا الرحبة في يوم الفطر، عند اشتغال الناس بصلاة العيد، فيقتلوا من يلحقون، وأن يحرقوا وينهبوا، وإني أوقعت عليهم الحيلة حتى قتلت منهم وأسرت خمسين ومائة نفس، سوى من غرق منهم في الفرات، وإني قادم بالأسرى وفيهم جماعة من رؤسائهم وبرءوس من قتل منهم.
وفي آخر شهر رمضان من هذه السنة ورد كتاب من أبي معدان من الرقة - فيما قيل - باتصال الأخبار به من طرسوس أن الله أظهر المعروف بغلام زرافة في غزاة غزاها الروم في هذا الوقت بمدينة تدعى أنطاكية، وزعموا أنها تعادل قسطنطينية، وهذه المدينة على ساحل البحر، وأن غلام زرافة فتحها بالسيف عنوة، وقتل - فيما قيل - خمسة آلاف رجل، وأسر شبيهاً بعدتهم، واستنقذ من الأسارى أربعة آلاف إنسان.
وأنه أخذ للروم ستين مركباً، فحملها ما غنم من الفضة والذهب والمتاع والرقيق، وأنه قدر نصيب كل رجل حضر هذه الغزاة، فكان ألف دينار.
فاستبشر المسلمون بذلك.
وبادرت بكتابي هذا ليقف على ذلك.
وكتب يوم الخميس لعشر خلون من شهر رمضان.
وأقام الحج للناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس ابن محمد.
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائتين
ذكر ما كان فيها من الأحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان توجيه نزار بن محمد من البصرة إلى السلطان ببغداد رجلاً ذكر أنه أراد الخروج على السلطان، وصار إلى واسط، وأن نزاراً وجه في طلبه من قبض عليه بواسط، وأحدره إلى البصرة، وأنه أخذ بالبصرة قوماً، ذكر أنهم بايعوه.فوجه نزار جميعهم في سفينة إلى بغداد، فوقفوا في فرضة البصريين، فحمل هذا الرجل الفالج، وبين يديه ابن له صبي على جمل، ومعه تسعة وثلاثون إنساناً على جمال، وعلى جماعتهم برانس حرير ودراريع الحرير، وأكثرهم يستغيث ويبكي، ويحلف أنه بريء، وأنه لا يعرف مما ادعى عليه شيئاً، وجازوا بهم في التمارين وباب الكرخ والخلد حتى وصلوا إلى دار المكتفى، فأمر بردهم، وحبسهم في السجن المعروف بالجديد.
وفي المحرم منها أغار أندر ونقس الرومي على مرعش ونواحيها، فنفر أهل المصيصة وأهل طرسوس، فأصيب أبو الرجال بن أبي بكار في جماعة من المسلمين.
وفي المحرم منها صار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه، ووجه المكتفى دميانة غلام يازمان من بغداد، وأمره بركوب البحر والمضي إلى مصر ودخول النيل، وقطع المواد عمن بمصر من الجند، فمضى ودخل النيل حتى وصل إلى الجسر، فأقام به، وضيق عليهم.
وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجيوش على الظهر حتى دنا من الفسطاط، وكاتب القواد الذين بها، فكان أول من خرج إليه بدر الحمامي - وكان رئيس القوم - فكسرهم ذلك، ثم تتابع من يستأمن إليه من قواد المصريين وغيرهم؛ فلما رأى ذلك هارون وبقية من معه، زحفوا إلى محمد بن سليمان، فكانت بينهم وقعات - فيما ذكر - ثم وقع أصحاب هارون في بعض الأيام عصبية فاقتتلوا، فخرج هارون ليسكتهم، فرماه بعض المغاربة بزانة فقتله.
وبلغ محمد بن سليمان الخبر، فدخل هو ومن معه الفسطاط، واحتوى على دور آل طولون وأسبابهم، وأخذهم جميعاً وهم بضعة عشر رجلاً، فقيدهم وحبسهم، واستصفى أموالهم، وكتب بالفتح، وكانت الوقعة في صفر من هذه السنة.
وكتب محمد بن سليمان في إشخاص جميع آل طولون وأسبابهم من القواد، وألا يترك أحداً منهم بمصر ولا بالشأم، وأن يبعث بهم إلى بغداد.
ففعل ذلك.
ولثلاث خلون خلت من شهر ربيع الأول منها سقط الحائط الذي على رأس الجسر الأول من الجانب الشرقي من الدار التي كانت لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر على الحسين بن زكرويه القرمطي، وهو مصلوب بقرب ذلك الحائط، فطحنه، فلم يوجد بعد منه شيء.
وفي شهر رمضان منها ورد الخبر على السلطان بأن قائداً من قواد المصريين يعرف بالخليجي، يسمى إبراهيم، خلف عن محمد بن سليمان في آخر حدود مصر مع جماعة استمالهم من الجند وغيرهم، ومضى إلى مصر مخالفاً للسلطان، وصار معه عيسى النوشري محاربته، وكان عيسى النوشري العامل على المعونة بها يومئذ، فعجز عن ذلك لكثرة من مع الخليجي، فانحاز عنه إلى الإسكندرية وأخلى مصر فدخلها الخليجي.
وفيها ندب السلطان لمحاربة الخليجي وإصلاح أمر المغرب فاتكاً مولى المعتضد، وضم إليه بدراً الحمامي، وجعله مشيراً عليه فيما يعمل به، وضم إليه جماعة من القواد وجنداً كثيراً.
ولسبع خلون من شوال منها خلع على فاتك وبدر الحمامي لما ندبا إليه من الخروج إلى مصر، وأمرا بسرعة الخروج، ثم شخص فاتك وبدر الحمامي لاثنتي عشرة خلت من شوال.
وللنصف من شوال منها دخل طرسوس رستم بن بردوا والياً عليها وعلى الثغور الشأمية.
وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم، وأول يوم من ذلك كان لست بقين من ذي القعدة منها، فكان جملة من فودى به من المسلمين - فيما قيل - ألفاً ونحو مائتي نفس.
ثم غدر الروم، فانصرفوا، ورجع المسلمون بمن بقي معهم من أسارى الروم، فكان عهد الفداء والهدنة من أبي العشائر والقاضي ابن مكرم؛ فلما كان من أمر أندر ونقس ما كان من غاترته على أهل مرعش وقتله أبا الرجال وغيره، عزل أبو العشائر وولى رستم، فكان الفداء على يديه، وكان المتولى أمر الفداء من قبل الروم يدعى أسطانة.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس ابن محمد.
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من ورود الخبر لخمس بقين من صفر؛ بأن الخليجي المتغلب على مصر، واقع أحمد بن كيغلغ وجماعة من القواد بالقرب من العريش، فهزمهم أقبح هزيمة، فندب للخروج إليه جماعة من القواد المقيمين بمدينة السلام، فيهم إبراهيم بن كيغلغ، فخرجوا.ولسبع خلون من شهر ربيع الأول منها، وافى مدينة السلام قائد من قواد طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث بن الصفار مستأمناً، يعرف بأبي قابوس، مفارقاً عسكر السجزية، وذلك أن طاهر بن محمد - فيما ذكر - تشاغل باللهو والصيد، ومضى إلى سجستان للصيد والنزهة، فغلب على الأمر بفارس الليث ابن علي بن الليث وسبكرى مولى عمرو بن الليث، ودبر الأمر في عمل طاهر والاسم له، فوقع بينهم وبين أبي قابوس تباعد، ففارقهم وصار إلى باب السلطان، فقبله السلطان، وخلع عليه وعلى جماعة معه وحباه وأكرمه، فكتب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث إلى السلطان، يسأله رد أبي قابوس إليه، ويذكر أنه استكفاه بعض أعمال فارس، وأنه جبى المال، وخرج به معه، ويسأل إن لم يرد إليه أن يحسب له ما ذهب به من مال فارس مما صودر عليه؛ فلم يجبه السلطان إلى شيء من ذلك.
ذكر الخبر عن ظهور أخي الحسين بن زكرويه: وفي هذا الشهر من هذه السنة ورد الخبر أن أخاً للحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر، وأنه اجتمع إليه نفر من الأعراب والمتلصصة، فسار بهم نحو دمشق على طريق البر، وعاث بتلك الناحية، وحارب أهلها، فندب للخروج إليه الحسين بن حمدان بن حمدون، فخرج في جماعة كثيرة من الجند، وكان مصير هذا القرمطي إلى دمشق في جمادى الأولى من هذه السنة.
ثم ورد الخبر أن هذا القرمطي صار إلى طبرية فامتنعوا من إدخاله، فحاربهم حتى دخلها، فقتل عامة من بها من الرجال والنساء، ونهبها، وانصرف إلى ناحية البادية.
وفي شهر ربيع الآخر ورد الخبر بأن الداعية الذي بنواحي اليمن صار إلى مدينة صنعاء، فحاربه أهلها، فظفر بهم، فقتل أهلها، فلم ينفلت منهم إلا القليل، وتغلب على سائر مدن اليمن.
عاد الخبر إلى ما كان من أمر أخي ابن زكرويه
فذكر عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال: أنفذ زكرويه بن مهرويه بعد ما قتل ابنه صاحب الشامة رجلاً كان يعلم الصبيان بقرية تدعى الزابوقة من عمل الفلوجة، يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غانم، فتسمى نصراً ليعمى أمره، فدار على أحياء كلب يدعى على رأيه، فلم يقبله منهم أحد سوى رجل من بني زياد، يسمى مقداد بن الكيال، فإنه استغوى له طوائف من الأصبغيين المنتميين إلى الفواطم وسواقط من العليصيين وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشأم، وعامل السلطان على دمشق والأردن أحمد بن كيغلغ، وهو مقيم بمصر على حرب ابن خليج، الذي كان خلف محمد بن سليمان، ورجع إلى مصر، فغلب عليها، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد هذا، وسار إلى مدينتي بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية، فحارب أهلها ثم آمنهم.
فلما استسلموا قتل مقاتلهم، وسبى ذراريهم، واستصفى أموالهم، ثم سار يؤم دمشق، فخرج إليه جماعة ممن كان مرسوماً بتشحينها من المصريين كان خلفهم أحمد بن كيغلغ مع صالح بن الفضل، فظهروا عليهم، وأثخنوا فيهم.
ثم اعتروهم ببذل الأمان لهم، فقتلوا صالحاً، وفضوا عسكره، ولم يطمعوا في مدينة دمشق، وكانوا قد صاروا إليها، فدافعهم أهلها عنها، فقصدوا نحو طبرية مدينة جند الأردن، ولحق بهم جماعة افتتنت من الجند بدمشق، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن بغامردي عامل أحمدبن كيغلغ على الأردن، فكسروه وبذلوا الأمان له، ثم غدروا به، فقتلوه ونهبوا مدينة الأردن، وسبوا النساء، وقتلوا طائفة من أهلها، فأنفذ السلطان الحسين بن حمدان لطلبهم ووجوهاً من القواد، فورد دمشق وقد دخل أعداء الله طبرية، فلما اتصل خبره بهم عطفوا نحو السماوة، وتبعهم الحسين يطلبهم في برية السماوة، وهم يتنقلون من ماء إلى ماء، ويعورونه حتى لجئوا إلى الماءين المعروفين بالدمعانة والحالة، وانقطع الحسين من اتباعهم لعدمه الماء، فعاد إلى الرحبة.
وأسرىالقرامطة مع غاويهم المسمى نصراً إلى قرية هيت، فصبحوها وأهلها غارون لتسع بقين من شعبان مع طلوع الشمس، فنهب رضها، وقتل من قدر عليه من أهلها، وأحرق المنازل، وانتهب السفن التي في الفرات في غرضتها، وقتل من أهل البلد - فيما قيل - زهاء مائتي نفس ما بين رجل وامرأة وصبي، وأخذ ما قدر عليه من الأموال والمتاع، وأوقر - فيما قيل - ثلاثة آلاف راجلة، كانت معه زهاء مائتي كر حنطة بالمعدل ومن البر والعطر والسقط جميع ما احتاج إليه، وأقام بها بقية اليوم الذي دخلها والذي بعده، ثم رحل عنها بعد المغرب إلى البرية.
وإنما أصاب ذلك من ربضها، وتحصن منه أهل المدينة بسورها، فشخص محمد بن إسحاق بن كنداجيق إلى هيت في جماعة من القواد في جيش كثيف بسبب هذا القرمطي، ثم تبعه بعد أيام مؤنس الخازن.
وذكر عن محمد بن داود، أنه قال: إن القرامطة صبحوا هيت وأهلها غارون، فحماهم الله منه بسورها، ثم عجل السلطان محمد بن إسحاق بن كنداجيق نحوهم، فلم يقيموا بها إلا ثلاثاً، حتى قرب محمد بن إسحاق منهم، فهربوا منه نحو الماءين، فنهض محمد نحوهم، فوجدهم قد عوروا المياه بينه وبينهم، فأنفذت إليه من الحضرة الإبل والروايا والزاد.
وكتب إلى الحسين ابن حمدان بالنفوذ من جهة الرحبة إليهم ليجتمع هو ومحمد بن إسحاق على الإيقاع بهم، فلما أحس الكلبيون بإشراف الجند عليهم، ائتمروا بعدو الله المسمى نصراً، فوثبوا عليه، وفتكوا به، وتفرد بقتله رجل منهم يقال له الذئب ابن القائم، وشخص إلى الباب متقرباً بما كان منه، ومستأمناً لبقيتهم، فأسنيت له الجائزة، وعرف له ما أتاه، وكف عن طلب قومه، فمكث أياماً ثم هرب، وظفرت بطلائع محمد بن إسحاق برأس المسمى بنصر، فأحتزوه وأدخلوه مدينة السلام، واقتتلت القرامطة بعده، حتى وقعت بينهما الدماء، فصار مقدام بن الكيال إلى ناحية طيىء مفلتاً بما احتوى عليه من الحطام، وصارت فرقة منهم كرهت أمورهم إلى بني أسد المقيمين بنواحي عين التمر، فجاوروهم وأرسلوا إلى السلطان وفداً يعتذرون مما كان منهم، ويسألون إقرارهم في جوار بني أسد، فأجيبوا إلى ذلك، وحصلت على الماءين بقية الفسقة المستبصرة في دين القرامطة.
وكتب السلطان إلى حسين بن حمدان في معاودتهم باجتثاث أصولهم، فأنفذ زكرويه إليهم داعية له من أكره أهل السواد يسمى القاسم بن أحمد بن علي، ويعرف بأبي محمد، من رستاق نهر تلحانا، فأعلمهم أن فعل الذئب بن القائم قد أنفره عنهم، وثقل قلبهم عليهم؛ وأنهم قد ارتدوا عن الدين، وأن وقت ظهورهم قد حضر.
وقد بايع له بالكوفة أربعون ألف رجل، وفي سوادها أربعمائة ألف رجل، وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في كتابه في شأن موسى كليمه صلى الله عليه وسلم، وعدوه فرعون إذ يقول: " بسم الله الرحمن الرحيم " موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " صدق الله العظيم " .
وأن زكرويه يأمرهم أن يخفوا أمرهم، ويظهروا الإنقلاع نحو الشأم، ويسيروا نحو الكوفة حتى يصبحوها في غداة يوم النحر، وهو يوم الخميس لعشر تخلو من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين، فإنهم لا يمنعون منها، وأنه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذي كانت رسله تأتيهم به، وأن يحملوا القاسم بن أحمد معهم.
فامتثلوا أمره، ووافوا باب الكوفة، وقد انصرف الناس عن مصلاهم مع إسحاق بن عمران عامل السلطان بها، وكان الذين وافوا باب الكوفة في هذا اليوم - فيما ذكر - ثمانمائة فارس آو نحوها، رأسهم الذبلاني ابن مهروبه من أهل الصوءر.
وقيل إنه من أهل جنبلاء، عليهم الدروع والجواشن والآلة الحسنة، ومعهم جماعة من الرجالة على الرواحل، فأوقعوا بمن لحقوه من العوام، وسلبوا جماعة، وقتلوا نحواً من عشرين نفساً.
وبادر الناس إلى الكوفة فدخلوها، وتنادوا السلاح.
فنهض إسحاق بن عمران في أصحابه، ودخل مدينة الكوفة من القرامطة زهاء مائة فارس من الباب المعروف بباب كندة، فاجتمعت العوام وجماعة من أصحاب السلطان، فرموهم بالحجارة وحاربوهم، وألقوا عليهم الستر، فقتل منهم زهاء عشرين نفساً، وأخرجوهم من المدينة، وخرج إسحاق بن عمران ومن معه من الجند، فصافوا القرامطة الحرب.
وأمر إسحاق بن عمران أهل الكوفة بالتحارس لئلاً يجد القرامطة غرة منهم، فيدخلوا المدينة، فلم يزل بينهم إلى وقت العصر يوم النحر، ثم انهزمت القرامطة نحو القادسية، وأصلح أهل الكوفة سورهم وخندقهم، وقاموا مع أصحاب السلطان يحرسون مدينتهم ليلاً ونهاراً.
وكتب إسحاق بن عمران إلى السلطان يستمده، فندب للخروج إليه جماعة من قواده، منهم طاهر بن علي بن وزير ووصيف بن صوار تكين التركي والفضل بن موسى بن بغا، وبشر الخادم الأفشيني وجني الصفواني ورائق الخزري.
وضم إليه جماعة من غلمان الحجر وغيرهم.
فشخص أولهم يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، ولم يرأس واحد منهم؛ كل واحد منهم رئيس على أصحابه.
وأمر القاسم بن سيما وغيره من رؤساء الأعراب بجمع الأعراب من البوادي بديار مضر وطريق الفرات ودقوقاء وخانيجار وغيرها من النواحي، لينهضوا إلى هؤلاء القرامطة إذ كان أصحاب السلطان متفرقين في نواحي الشأم ومصر، فمضت الرسائل بذلك إليهم، فحضروا.
ثم ورد الخبر فيها بأن الذين شخصوا مدداً لإسحاق بن عمران خرجوا إلى زكرويه في رجالهم، وخلفوا إسحاق بن عمران بالكوفة مع من معه من رجاله ليضبطها، وصاروا إلى موضع بينه وبين القادسية أربعة أميال، يعرف بالصوءر وهي في البرية في العرض، فلقيهم زكرويه هنالك فصافوه يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة.
وقد قيل كانت الوقعة يوم الأحد لعشر بقين منه، وجعل أصحاب السلطان بينهم وبين سوادهم نحواً من ميل، ولم يخلفوا أحداً من المقاتلة عنده، واشتدت الحرب بينهم.
وكانت الدبرة أول هذا اليوم على القرمطي وأصحابه حتى كادوا أن يظفروا بهم، وكان زكرويه قد كمن عليهم كميناً من خلفهم، ولم يشعروا به.
فلما انتصف النهار خرج الكمين على السواد فانتهبه، ورأى أصحاب السلطان السيف من ورائهم، فانهزموا أقبح هزيمة، ووضع القرمطي وأصحابه السيف في أصحاب السلطان، فقتلوهم كيف شاءوا، وصبر جماعة من غلمان الحجر من الخزر وغيرهم، وهم زهاء مائة غلام، وقاتلوا حتى قتلوا حميعاً بعد نكاية شديدة نكوها في القرامطة، واحتوت القرامطة على سواد أصحاب السلطان فحازوه، ولم يفلت من أصحاب السلطان إلا من كان في دابته فضل فنجا به، أو من أثخن بالجراح، فطرح نفسه في القتلى، فتحامل بعد انقضاء الوقعة حتى دخل الكوفة.
وأخذ للسلطان في هذا السواد، مما كان وجه به مع رجاله من الجمازات، عليها السلاح والآلة زهاء ثلثمائة جمازة، ومن البغال خمسمائة بغل.
وذكر أن مبلغ من قتل من أصحاب السلطان في هذه الوقعة سوى غلمانهم والحمالين ومن كان في السواد ألف وخمسمائة رجل، فقوى القرمطي وأصحابه بما أخذوا في هذه الوقعة، وتطرف بيادر كانت إلى جانبه، فأخذ منها طعاماً وشعيراً، وحمله على بغال السلطان إلى عسكره، وارتحل من موضع الوقعة نحواً من خمسة أميال في العرض إلى موضع يقرب من الموضع المعروف بنهر المثنية، وذلك أن روائح القتلى آذتهم.
وذكر عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال: وافى باب الكوفة الأعراب الذين كان زكرويه راسلهم، وقد انصرف المسلمون عن مصلاتهم مع إسحاق بن عمران، فتفرقوا من جهتين، ودخلوا أبيات الكوفة، وقد ضربوا على القاسم بن أحمد داعية زكرويه قبة، قالوا: هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا: يال ثاراث الحسين! يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب بباب جسر مدينة السلام، وشعارهم: يا أحمد يا محمد - يعنون ابن زكرويه المقتولين.
وأظهروا الأعلام البيض، وقدروا أن يستغووا رعاع الكوفيين بذلك القوا، فأسرع إسحاق بن عمران ومن معه المبادرة نحوهم، ودفعهم وقتل من ثبت له منهم، وحضر جماعة من آل أبي طالب، فحاربوا مع إسحاق بن عمران، وحضر جماعة من العامة؛ فحاربوا.
فانصرف القرامطة خاسئين، وصاروا إلى قرية تدعى العشيرة من آخر عمل طسوج السالحين ونهر يوسف مما يلي البر من يومهم، وأنفذوا إلى عدو الله زكرويه بن مهرويه من استخرجه من نقير في الأرض، كان متطمراً فيه سنين كثيرة بقرية الدرية وأهل قرية الصوءر يتلفونه على أيديهم، ويسمونه ولى الله.
فسجدوا له لما رأوه، وحضر معه جماعة من دعاته وخاصته، وأعلمهم أن القاسم بن أحمد أعظم الناس عليهم منة، وأنه ردهم إلى الدين بعد خروجهم منه، وأنهم إذا امتثلوا أنجز مواعيدهم، وبلغهم آمالهم.
ورمز لهم رموزاً؛ وذكر فيها آيات القرآن، نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه، واعترف لزكرويه حميع من رسخ حب الكفر إلى قلبه؛ من عربي ومولى ونبطي وغيرهم أنه رئيسهم المقدم، وكهفهم وملاذهم، وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل.
وسار بهم وهو محجوب عنهم يدعونه السيد، ولا يبرزونه لمن في عسكرهم، والقاسم يتولى الأمور دةنه، ويمضيها على رأيه إلى مؤاخر سقى الفرات من عمل الكوفة، وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة خارجون إليه، فأقام هنالك نيفاً وعشرين يوماً؛ يبث رسله في السواديين مستلحقين، فلم يلحق بهم من السواديين إلا من لحقته الشقوه، وهم زهاء خمسمائة رجل بنسائهم وأولادهم، وسرب إليه السلطان الجنود، وكتب إلى كل من كان نفذ نحو الأنبار وهيت لضبطها خوفاً من معاودة المقيمين، كانوا بالماءين إليها بالانصراف نحو الكوفة، فعجل إليهم جماعة من القواد منهم، بشر الأفشيني وجنى الصفواني ونحرير العمري، ورائق فتى أمير المؤمنين والغلمان الصغار المعروفين بالحجرية، فأوقعوا بأعداء الله بقرب قرية الصوءر، فقتلوا رجالتهم وجماعة من فرسانهم، وأسلموا بيوتهم في أيديهم، فدخلوها، وتشاغلوا بها، فعطفت القرامطة عليهم فهزموهم.
وذكر عن بعض من ذكر أنه حضر مجلس محمدبن داود بن الجراح، وقد أدخل إليه قوم من القرامطة، منهم سلف زكرويه، فكان مما حدثه أن قال: كان زكرويه مختفياً في منزلي في سرداب في داري عليه باب حديد، وكان لنا تنور ننقله، فإذا جاءنا الطلب وضعنا التنور على باب السرداب، وقامت امرأة تسجره؛ فمكث كذلك أربع سنين، وذلك في أيام المعتضد.
وكان يقول: لا أخرج والمعتضد في الأحياء.
ثم انتقل من منزلي إلى دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار، إذا فتح باب الدار انطبق على باب البيت، فيدخل الداخل فلا يرى باب البيت الذي هو فيه، فلم يزل هذه حاله حتى مات المعتضد، فحينئذ أنفذ الدعاة، وعمل في الخروج.
ولما ورد خبر الوقعة التي كانت بين القرمطي وأصحاب السلطان بالصوءر على السلطان والناس، أعظموه، وندب للخروج إلى الكوفة من ذكرت من القواد، وجعلت الرئاسة لمحمد بن إسحاق بن كنداج، وضم إليه جماعة من أعراب بني شيبان والنمر زهاء ألفي رجل، وأعطوا الأرزاق.
ولاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى قدم بغداد من مكة جماعة نحو العشرة، فصاروا إلى باب السلطان، وسألوه توجيه جيش إلى بلدهم، لأنهم على خوف من الخارج بناحية اليمن أن يطأ بلدهم، وإذ كان قد قرب منها بزعمهم.
وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب، قرىء على المنبر ببغداد كتاب ورد على السلطان، وأن أهل صنعاء وغيرهم من مدن اليمن اجتمعوا على الخارجي الذي تغلب عليها، فحاربوه وهزموه، وفلوا جموعه، فانحاز إلى موضع من نواحي اليمن، ثم خلع السلطان لثلاث خلون من شوال على مظفر ابن حاج، وعقد له على اليمن، فخرج ابن حاج لخمس خلون من ذي القعدة، ومضى إلى عمله باليمن، فأقام بها حتى مات.
ولسبع بقين من رجب من هذه السنة، أخرج مضرب المكتفى، فضرب بباب الشماسية على أن يخرج إلى الشأم بسبب ابن الخليج، فوردت خريطة لست بقين منه من مصر من قبل فاتك، يذكر أنه والقواد زحفوا إلى الخليجي، وكانت بينهم حروب كثيرة، وأن آخر حرب جرت بينهم وبينه قتل فيها أكثر أصحابه، ثم انهزم الباقوان، فظفروا بهم، واحتووا على معسكرهم، فهرب الخليجي حتى دخل الفسطاط، فاستر بها عند رجل من أهل البلد، ودخل الأولياء الفسطاط.
فلما استقروا بها دل على الخليجي، وعلى من كان استر معه ممن شايعه، فقبض عليهم وحبسهم قبله، فكتب إلى فاتك في حمل الخليجي ومن أخذ معه إلى مدينة السلام، فردت مضارب المكتفى التي أخرجت إلى باب الشماسية، ووجه في رد خزائنه، فردت.
وقد كانت جاوزت تكريت.
ثم وجه فاتك الخليجي من مصر وجماعة ممن أسر معه مع بشر مولى محمد بن أبي الساج إلى مدينة السلام.
فلما كان يوم الخميس للنصف من شهر رمضان من هذه السنة أدخل مدينة السلام من باب الشماسية، وقدم بين يديه إحدى وعشرون رجلاً على جمال، وعليهم برانس ودراريع حرير، منهم ابنا بينك - فيما قيل - وابن أشكال الذي كان صار إلى السلطان من عسكر عمرو الصفار في الأمان، وصندل المزاحمي الخادم الأسود.
فلما وصل الخليجي إلى المكتفى، فنظر إليه أمر بحبسه في الدار، وأمر بحبس الآخرين في الحديد، فوجه بهم إلى ابن عمرويه، وكانت إليه الشرطة ببغداد، ثم خلع المكتفى على وزيره العباس بن الحسن خلعاً، لحسن تدبيره في هذا الفتح، وخلع على بشر الأفشيني.
ولخمس خلون من شوال أدخل بغداد رأس القرمطي المسمى نصراً الذي كان انتهب هيت منصوباً على قناة.
ولسبع خلون من شوال ورد الخبر مدينة السلام أن الروم أغاروا على قورس، فقاتلهم أهلها، فهوموهم، وقتلوا أكثرهم، وقتلوا رؤساء بني تميم، ودخلوا المدينة، وأحرقوا مسجدها، واستاقوا من بقي من أهلها.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة
فمما كان فيها من ذلك دخول ابن كيغلغ طرسوس غازياً في أول المحرم، وخرج معه رستم، وهي غزاة رستم الثانية، فبلغوا سلندو، ففتح الله عليهم، وصاروا إلى آلس، فحصل في أيديهم نحو من خمسة آلاف رأس، وقتلوا من الروم مقتلة عظيمة، وانصرفوا سالمين.خبر زكرويه بن مهرويه القرمطي: ولاثنتي عشرة خلت من المحرم ورد الخبر مدينة السلام أن زكرويه بن مهرويه القرمطي ارتحل من الموضع المعروف بنهر المثنية، يريد الحاج، وأنه وافى موضعاً بينه وبين واقصة أربعة أميال.
وذكر عن محمد بن داود أنهم مضوا في البر من جهة المشرق، حتى صاروا بالماء المسمى سلمان، وصار ما بينهم وبين السواد مفازة، فأقام بموضعه يريد الحاج ينتظر القافلة الأولى، ووافت القافلة واقصة لست - أو سبع - خلون من المحرم، فأنذرهم أهل المنزل، وأخبرهم أن بينهم وبينهم أربعة أميال.
فارتحلوا ولم يقيموا، فنجوا.
وكان في هذه القافلة الحسن بن موسى الربعي وسيما الإبراهيمي، فلما أمعنت القافلة في السير صار القرمطي إلى واقصة، فسألهم عن القافلة فأخبروه أنها لم تقم بواقصة، فاتهمهم بإنذارهم إياهم، فقتل من العلافين بها جماعة، وأحرق العلف، وتحصن أهلها في حصنهم، فأقام بها أياماً، ثم ارتحل عنها نحو زبالة.
وذكر عن محمد بن داود أنه قال: إن العساكر سارت في طلب زكرويه نحو عيون الطف، ثم انصرف عنه لما علمت بمكانه بسلمان، ونفذ علان بن كشمرد مع قطعة من فرسان الجيش متجردة على طريق جادة مكة نحو زكرويه، حتى نزلوا السبال، فمضى نحو واقصة حتى نزلها بعد أن جازت القافلة الأولى، ومر زكرويه في طريقه بطوائف بني أسد، فأخذها من بيوتها معه، وقصد الحاج المنصرفين إلى مكة، وقصد الجادة نحوهم.
ووافى الخبر الطير من الحوفة لأربع عشر بقيت من المحرم من هذه السنة بأن زكرويه اعترض قافلة الخراسانية يوم الأحد لإحدى عشرة خلت من المحرم بالعقبة من طريق مكة، فحاربوه حرباً شديداً، فساءلهم: وقال: أفيكم السلطان؟ قالوا: ليس معنا سلطان، ونحن الحاج، فقال لهم: فامضوا فلست أريدكم.
فلما سارت القافلة تبعها فأوقع بها، وجعل أصحابه ينخسون الجمال بالرماح، ويبعجونها بالسيوف، فنفرت، واختلطت القافلة، وأكب أصحاب الخبيث على الحاج يقتلونهم كيف شاءوا، فقتلوا الرجال والنساء، وسبوا من النساء من أرادو، واحتووا على ما كان في القافلة، وقد كان لقي بعض من أفلت من هذه القافلة علان بن كشمرد، فسأله عن الخبر، فأعلمه ما نزل بالقافلة الخراسانية، وقال له: ما بينك وبين القوم إلا قليل، والليلة أو في غد توافى القافلة الثانية، فإن رأوا علما للسلطان قويت أنفسهم.
والله الله فيهم! فرجع علان من ساعته، وأمر من معه بالرجوع، وقال: لا أعرض أصحاب السلطان للقتل، ثم أصعد زكرويه، ووافته القافلة الثانية.
وقد كان السلطان كتب إلى رؤساء القافلتين الثانية والثالثة ومن كان فيهما من القواد والكتاب مع جماعة من الرسل الذين تنكبوا طريق الجادة بخبر الفاسق وفعله بالحاج، ويأمرهم بالتحرز منه، والعدول عن الجادة نحو واسط والبصرة، أو الرجوع إلى فيد أو إلى المدينة، إلى أن يلحق بهم الجيوش.
ووصلت الكتب إليهم فلم يسمعوا ولم يقيموا، ولم يلبثوا.
وتقدم أهل القافلة الثانية وفيها المبارك القمى وأحمد بن نصر العقيلي وأحمد بن علي بن الحسين الهمداني، فوافوا الفجرة، وقد رحلوا عن واقصة، وعوروا مياهها، ومثلوا بركها وبئارها بجيف الإبل والدواب التي كانت معهم، مشققة بطونها، ووردوا منزل العقبة في يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من المحرم، فحاربهم أصحاب القافلة الثانية.
وكان أبو العشائر مع أصحابه في أول القافلة ومبارك القمى فيمن معه في ساقتها، فجرت بينهم حرب شديدة حتى كشفوهم، وأشرفوا على الظفر بهم، فوجد الفجرة من ساقتهم غرة، فركبوهم من جهتها، ووضعوا رماحهم في جنوب إبلهم وبطونها، فطحنتهم الإبل وتمكنوا منهم، فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم، إلا من استعبدوه.
ثم أنفذوا إلى ما دون العقبة بأميال فوارس لحقوا المفلتة من السيف، فأعطوهم الأمان، فرجعوا فقتلوهم أجمعين، وسبوا من النساء ما أحبوا، واكتسحوا الأموال والأمتعة.
وقتل المبارك القمى والمظفر ابنه، وأسر أبو العشائر، وجمع القتلى، فوضع بعضهم على بعض، حتى صاروا كالتل العظيم.
ثم قطعت يدا أبي العشائر ورجلاه، وضربت عنقه، وأطلق من النساء من لم يرغبوا فيه، وأفلت من الجرحى قوم وقعوا بين القتلى، فتحاملوا في الليل ومضوا؛ فمنهم من مات، ومنهم من نجا وهم قليل.
وكان نساء القرامطة يطفن مع صبيانهم في القتلى يعرضون عليهم الماء، فمن كلمهم أجازوا عليه.
وقيل أنه كان في القافلة من الحاج زهاء عشرين ألف رجل، قتل جميعهم غير نفر يسير ممن قوى على العدو، فنجا بغير زاد ومن وقع في القتل وهو مجروح، وأفلت بعد، أو من استعبدوه لخدمتهم.
وذكر أن الذي أخذوا من المال والأمتعة الفاخرة في هذه القافلة قيمة ألفي ألف دينار.
وذكر عن بعض الضرابين أنه قال: وردت علينا كتب الضرابين بمصر أنكم في هذه السنة تستغنون، قد وجه آل ابن طولون والقواد المصريون الذين أشخصوا إلى مدينة السلام، ومن كان في مثل حالهم في حمل ما لهم بمصر إلى مدينة السلام، وقد سبكوا آنية الذهب والفضة والحلى نقاراً، وحمل إلى مكة ليوافوا به مدينة السلام مع الحاج، فحمل، في القوافل الشاخصة إلى مدينة السلام، فذهب ذلك كله.
وذكر أن القرامطة بينا هم يقتلون وينهبون هذه القافلة يوم الاثنين، إذ أقبلت قافلة الخراسانية، فخرج إليهم جماعة من القرامطة، فراقعوهم، فكان سبيلهم سبيل هذه.
فلنا فرغ زكرويه من أهل القافلة الثانية من الحاج.
وأخذ أموالهم، واستباح حريمهم، رحل من وقته من العقبة بعد أن ملأ البرك والآبار بها بالجيف من الناس والدواب.
وكان ورد خبر قطعة على القافلة الثانية من قوافل السلطان مدينة السلام في عشية يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من المحرم، فعظم ذلك على الناس جميعاً وعلى السلطان، وندب الوزير العباس بن الحسن بن أيوب محمد بن داود بن الجراح الكاتب المتولي دواوين الخراج والضياع بالمشرق وديوان الجيش للخروج إلى الكوفة، والمقام بها لإنفاذ الجيوش إلى القرمطي.
فخرج من بغداد لإحدى عشرة بقيت من المحرم، وحمل معه أموالاً كثيرة لإعطاء الجند.
ثم سار زكرويه إلى زبالة فنزلها، وبث الطلائع أمامه ووراءه خوفاً من أصحاب السلطان المقيمين بالقادسية أن يلحقوه، ومتوقعاً ورود القافلة الثالثة التي فيها الأموال والتجار.
ثم سار إلى الثعلبية، ثم إلى الشقوق، وأقام بها بين الشقوق والبطان في طرف الرمل في موضع يعرف بالطليح، ينتظر القافلة الثالثة، وفيها من القواد نفيس المولدي وصالح الأسود، ومعه الشمسة والخزانة.
وكانت الشمسة جعل فيها المعتضد جوهراً نفيساً.
وفي هذه القافلة، كان إبراهيم ابن أبي الأشعث - وإليه كان قضاء مكة والمدينة وأمر طريق مكة والنفقة فيه لمصالحه - وميمون بن إبراهيم الكاتب - وكان إليه أمر ديوان زمام الخراج والضياع - وأحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الهزلج، والفراتبن أحمد بن محمد بن الفرات، والحسن بن إسماعيل قرابة العباس بن الحسن - وكان يتولى بريد الحرمين - وعلي بن العباس النهيكي.
فلما صار أهل هذه القافلة إلى فيد بلغهم خبر الخبيث زكرويه وأصحابه، وأقاموا بفيد أياماً ينتظرون تقوية لهم من قبل السلطان.
وقد كان ابن كشمرد رجع من الطريق إلى القادسية في الجيوش التي أنفذها السلطان معه وقبله وبعد.
ثم سار زكرويه إلى فيد وبها عامل السلطان، يقال له حامد بن فيروز، فالتجأ منه حامد إلى أحد حصنيها في نحو من مائة رجل كانوا معه في المسجد، وشحن الحصن الأخر بالرجال، فجعل زكرويه يراسل أهل فيد، ويسألهم أن يسلموا إليه عاملهم ومن فيها من الجند، وأنهم إن فعلوا ذلك آمنهم.
فلم يجيبوه إلى ما سأل.
ولما لم يجيبوه حاربهم، فلم يظفر منهم بشيء.
قال: فلما رأى أنه لا طاقة له بأهلها، تنحى فصار إلى النباح، ثم إلى حفير أبي موسى الأشعري.
وفي أول شهر ربيع الأول أنهض المكتفى وصيف صوارتكين - ومعه من القواد جماعة - فنفذوا من القادسية على طريق خفان، فلقيه وصيف يوم السبت لثمان بقين من شهر ربيع الأول، فاقتتلوا يومهم، ثم حجز بينهم الليل، فباتوا يتحارسون، ثم عادوهم الحرب، فقتل جيش السلطان منهم مقتلة عظيمة، وخلصوا إلى عدو الله زكرويه، فضربه بعض الجند بالسيف على قفاه وهو مول ضربة اتصلت بدماغه.
فأخذ أسيراً وخلفته وجماعة من خاصته وأقربائه، فيهم ابنه وكاتبه وزوجته، واحتوى الجند على ما في عسكره.
وعاش زكرويه خمسة أيام ثم مات، فشق بطنه، ثم حمل بهيئته، وانصرف بمن كان بقي حياً في يديه من أسرى الحاج.
وفيها غزا ابن كيغلغ من طرسوس، فأصاب من العدو أربعة آلاف رأس سبي ودواب ومواشي كثيرة ومتاعاً.
ودخل بطريق من البطارقة إليه في الأمان، وأسلم.
وكان شخوصه من طرسوس لهذه الغزاة في أول المحرم من هذه السنة.
وفيها كاتب أندور نقس البطريق السلطان يطلب الأمان، وكان على حرب أهل الثغور من قبل صاحب الروم، فأعطى ذلك، فخرج، وأخرج نحواً من مائتي نفس من المسلمين كانوا أسرى في حصنه، وكان صاحب الروم قد وجه إليه من يقبض عليه، فأعطى المسلمين الذين كانوا في حصنه أسرى السلاح، وأخرج معهم بعض بنيه، فكبسوا البطريق الموجه إليه للقبض عليه ليلاً؛ فقتلوا ممن معه خلقاً كثيراً، وغنموا ما في عسكره.
وكان رستم قد خرج في أهل الثغور في جمادى الأولى قاصداً أندرونقس ليتخلصه، فرافى رستم قونية بعقب الوقعة.
وعلم البطارقة بمسير المسلمين إليهم فانصرفوا، ووجه أندرونقس ابنه إلى رستم، ووجه رستم كاتبه وجماعة من البحرين، فباتوا في الحصن، فلما أصبحوا خرج أندرونقس وجميع من معه من أسارى المسلمين، ومن صار إليهم منهم، ومن وافقه على رأيه من النصارى، وأخرج ماله ومتاعه إلى معسكر المسلمين، وخرب المسلمون قونية، ثم قفلوا إلى طرسوس وأندرونقس وأسارى المسلمين ومن كان مع أندرونقس من النصارى.
وفي جمادى الآخرة منها كانت بين أصحاب حسين بن حمدان بن حمدون وجماعة من أصحاب زكرويه كانوا هربوا من الوقعة التي أصابه فيها ما أصابه، وأخذوا طريق الفرات.
يريدون الشأم، فأوقع بهم الوقعة، فقتل جماعة منهم، وأسر جماعة من نسائهم وصبيانهم.
وفيها وافى رسل ملك الروم أحدهم خال ولده اليون وبسيل الخادم، ومعهم جماعة باب الشماسية بكتاب منه إلى المكتفى يسأله الفداء بمن في بلاده من المسلمين، من في بلاد الإسلام من الروم، وأن يوجه المكتفى رسولاً إلى بلاد الروم ليجمع الأسرى من المسلمين الذين في بلاده، وليجتمع هو معه على أمر يتفقان عليه، ويتخلف بسيل الخادم بطرسوس ليجتمع إليه الأسرى من الروم في الثغور ليصيرهم مع صاحب السلطان إلى موضع الفداء.
فأقاموا بباب الشماسية أياماً، ثم أدخلوا بغداد ومعهم هدية من صاحب الروم عشرة من أسارى المسلمين، فقبلت منهم.
وأجيب صاحب الروم إلى ما سأل.
وفيها أخذ رجل بالشأم - زعم أنه السفياني - فحمل هو وجماعة معه من الشأم إلى باب السلطان، فقيل إنه موسوس.
وفيها أخذ الأعراب بطريق مكة رجلين يعرف أحدهما بالحداد والآخر بالمنتقم، وذكر أن المعروف بالمنتقم منهما أخو امرأة زكرويه، فدفعوهما إلى نزار بالكوفة، فوجههما نزار إلى السلطان، فذكر عن الأعراب أنهما كانا صار إليهما يدعوانهم إلى الخروج على السلطان.
وفيها وجه الحسين بن حمدان من طريق الشأم رجلاً يعرف بالكيال مع ستين رجل من أصحابه إلى السلطان كانوا استأمنوا إليه من أصحاب زكرويه.
وفيها وصل إلى بغداد أندورنقس البطريق.
وفيها كانت وقعة بين الحسين بن حمدان وأعراب كليب والنمر وأسد وغيرهم، اجتمعوا عليه في شهر رمضان منها، فهزموه حتى بلغوا به باب حلب.
وفيها حاصر أعراب طيىء وصيف بن صوارتكين بفيد، وكان وجه أميراً على الموسم، فحوصر ثلاثة أيام، ثم خرج إليهم، فواقعوهم فقتل منهم قتلى، ثم انهزمت الأعراب ورحل وصيف من فيد بمن معه من الحاج.
وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من خروج عبد الله بن إبراهيم المسمعي عن مدينة أصبهان إلى قرية من قراها على فراسخ منها وانضمام نحو من عشرة آلاف من الأكراد وغيرهم - فيما ذكر - إليه مظهراً الخلاف على السلطان.فأمر بدر الحمامي بالشخوص إليه، وضم إليه جماعة من القواد ونحو من خمسة آلاف من الجند.
وفيها كانت وقعة للحسين بن موسى على أعراب طيىء الذين كانوا حاربوا وصيف بن صوارتكين على غرة منهم، فقتل من رجالهم - فيما قيل - سبعين، وأسر من فرسانهم جماعة.
وفيها توفي أبو إبراهيم إسماعيل بن احمد عامل خراسان وما وراء النهر في صفر منها، لأربع عشرة خلت منه، وقام ابنه أحمد بن إسماعيل بن أحمد في عمل أبيه مقامه، وولى أعمال أبيه.
وذكر أن المكتفى لأربع ليال خلون من شهر ربيع الآخر قعد، فقعد بيده لواء ودفعه إلى طاهرين علي بن وزير، وخلع عليه وأمره بالخروج باللواء إلى أحمد بن إسماعيل.
وفيها وجه منصور بن عبد الله بن منصور الكاتب إلى عبد الله بن إبراهيم المسمعي، وكتب إليه يخوفه عاقبة الخلاف إليه، فتوجه إليه، فلما صار إليه ناظره، فرجع إلى طاعة السلطان، وشخص في نفر من غلمانه، واستخلف على عمله بأصبهان خليفة، وعه منصور بن عبد الله، حتى صار إلى باب السلطان، فرضى عنه المكتفى ووصله وخلع عليه وعلى ابنه.
وفيها أوقع الحسين بن موسى بالكردي المتغلب كان على نواحي الموصل، فظفر بأصحابه، واستباح عسكره وأمواله، وأفلت الكردي فتعلق بالجبال فلم يدرك.
وفيها فتح المظفر بن حاج بعض ما كان غلب عليه بعض الخوارج باليمن، وأخذ رئيساً من رؤسائهم يعرف بالحكيمي.
وفيها لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة أمر خاقان المفلحي بالشخوص إلى أذربيجان لحرب يوسف بن أبي الساج، وضم إليه نحو أربعة آلاف رجل من الجند.
ولثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان دخل بغداد رسول أبي مضر زيادة الله بن الأعلف، ومعه فتح الأعجمي، ومعه هدايا وجه بها إلى المكتفى.
وفيها تم الفداء بين المسلمين والروم في ذي القعدة؛ وكانت عدة من فودى به من الرجال والنساء ثلاثمائة آلاف نفس.
وفي ذي القعدة لاثنتي ليلة خلت منها توفى المكتفى بالله، وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوماً، وكان يوم توفى ابن اثنتين وثلاثين سنة يومئذ، وكان ولد سنة أربع وستين ومائتين، ويكنى أبا محمد، وأمه أم ولد تركية تسمى جيجك.
وكان ربعة جميلاً، رقيق اللون، حسن الشعر، وافر الحمة، وافر اللحية.
خلافة المقتدر بالله: ثم بويع جعفر عبد المعتضد بالله؛ ولما بويع جعفر بن المعتضد لقب المقتدر بالله وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وأحد عشرين يوماً.
وكان مولده ليلة الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان من سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وكنيته أبو الفضل، وأمه أم ولد يقال لها شغب، فذكر كان في بيت المال يوم بويع خمسة عشر ألف ألف دينار.
ولما بويع المقتدر غسل المكتفى وصلي عليه، ودفن في موضع من دار محمد بن عبد الله بن طاهر.
وفيها كانت بين عج بن حاج والجند وقعة في اليوم الثاني من أيام منى، قتل فيها جماعة، وجرح منهم، بسبب طلبهم جائزة بيعة المقتدر، وهرب الناس الذين كانوا بمنى بستان ابن عامر، وانتهب الجند مضرب أبي عدنان ربيعة بن محمد بمنى.
وكان أحد أمراء القوافل، وأصاب المنصرفين من مكة في منصرفهم في الطريق من القطع والعطش أمر غليظ، مات من العطش - فيما قيل - منهم جماعة.
وسمعت بعض من يحكي أن الرجل كان يبول في كفه، ثم يشربه.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من اجتماع جماعة من القواد والكتاب والقضاة على خلع المقتدر، وتناظرهم فيمن يجعل في موضعه، فاجتمع رأيهم على عبد الله بن المعتز وناظره في ذلك، فأجابهم إلى ذلك على ألا يكون في سفك ذلك دم ولا حرب، فأخبروه أن الأمر يسلم عفواً، وأن جميع من وراءهم من الجند والقواد والكتاب قد رضوا به.فبايعهم على ذلك، وكان الرأس في ذلك محمد بن داود ابن الجراح وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضي، وواطأ محمد بن داود بن الجراح جماعة من القواد على الفتك بالمقتدر والبيعة لعبد الله بن المعتز، وكان العباس بن الحسن على مثل رأيهم.
فلما رأى العباس أمره مستوثقاً له مع المقتدر، بدا له فيما كان عزم عليه من ذلك، فحينئذ وثب به الأخرون فقتلوه، وكان الذي تولى قتله بدر الأعجمي والحسين بن حمدان ووصيف بن صوارتكين، وذلك يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول.
ولما كان من غد هذا اليوم - وذلك يوم الأحد - خلع المقتدر القواد والكتاب وقضاة بغداد، وبايعوا عبد الله بن المعتز، ولقبوه الراضي بالله.
وكان الذي أخذ له البيعة على القواد وتولى استحلافهم والدعاء بأسماءهم محمد بن سعيد الأزرق كاتب الجيش.
وفي هذا اليوم كانت بين الحسين بن حمدان وبين غلمان الدار حرب شديدة من غدوه إلى انتصاف النهار.
وفيه انتفضت الجموع التي كان محمد بن داود جمعها لبيعة ابن المعتز عنه؛ وذلك أن الخادم الذي يدعى مؤنساً حمل غلماناً من غلمان الدار في شذوات، فصاعد بها وهم فيها في دجلة فلما حاذوا الدار التي فيها ابن المعتز ومحمد بن داود صاحاو بهم، ورشقوهم بالنشاب، فتفرقوا، وهرب من في الدار من الجند والقواد والكتاب، وهرب ابن المعتز، ولحق بعض الذين بايعوا ابن المعتز بالمقتدر، فاعتذروا بأنه منع من المصير إليه، واختفى بعضهم فأخذوا وقتلوا وانتهب العامة دور ابن داود بن الحسن؛ وأخذ ابن المعتز فيمن أخذ.
وفي يوم السبت لأربع بقين من شهر ربيع الأول منها سقط الثلج ببغداد من غدوة إلى قدر صلاة العصر، حتى صار في الدور والسطوح منه نحو من أربعة أصابع، وذكر أنه لم ير ببغداد مثل ذلك قط.
وفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول منها، سلم محمد بن يوسف القاضي ومحمد بن عمرويه وأبو المثنى وابن الحصاص والأزرق كاتب الجيش في جماعة غيرهم إلى مؤنس الخازن، فترك أبا المثنى في دار السلطان، ونقل الآخرين إلى منزله، فافتدى بعضهم نفسه، وقتل بعضهم، وشفع في بعض فأطلق.
وفيها كانت وقعة بين طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث وسبكرى غلام عمرو بن الليث، فأسر سبكرى طاهراً، ووجهه مع أخيه يعقوب بن محمد إلى السلطان.
وفيها وجه القاسم بن سيما مع جماعة من القواد والجند في طلب حسين بن حمدان بن حمدون، فشخص لذلك حتى صار إلى قرقيسيا والرحبة والدالية، وكتب إلى أخي الحسين عبد الله بن حمدان بن حمدون بطلب أخيه، فالتقى هو وأخوه بموضع يعرف بالأعمى بين تكريت والسودقانية بالجانب الغربي من دجلة، فانهزم عبد الله، وبعث الحسين يطلب الأمان، فأعطى ذلك.
ولسبع بقين من جمادى الآخرة منها وافى الحسين بن حمدان بغداد، فنزل باب حرب، ثم صار إلى دار السلطان من غد ذلك اليوم، فخلع عليه وعقد له على قم وقاشان.
ولست بقين من جمادى الآخرة، خلع على ابن دليل النصراني كاتب يوسف ابن أبي الساج ورسوله، وعقد ليوسف بن أبي الساج على المراغة وأذربيجان، وحملت إليه الخلع، وأمر بالشخوص إلى عمله.
وللنصف من شعبان منها خلع على مؤنس الخادم، وأمر بالشخوص إلى طرسوس لغزو الصائفة، فنفذ لذلك وخرج في عسكر كثيف وجماعة من القواد وغلمان الحجر.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
ثم دخلت سنة سبع وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك من غزو مؤنس الخادم الصائفة بلاد الروم من ثغر ملطية في جيش كثيف، ومعه أبو الأغر السلمي وظفر بالروم، وأسر أعلاجاً في آخر سنة ست وتسعين ومائتين، وورد الخبر بذلك على السلطان لست خلون من المحرم.وفيها صار الليث بن علي بن الليث الصفار إلى فارس في جيش، فتغلب عليها، وطرد سبكري، وذلك بعد ما ولى السلطان سبكري بعد ما بعث سبكري طاهر بن محمد إلى السلطان أسيراً، فأمر المقتدر مؤنساً الخادم بالشخوص إلى فارس لحرب الليث بن علي، فشخص إليها في شهر رمضان منها.
وفيها وجه أيضاً المقتدر القاسم بن سيما لغزوة الصائفة ببلاد الروم في جمع كثير من الجند في شوال منها.
وفيها كانت بين مؤنس الخادم والليث بن علي بن الليث وقعة هزم فيها الليث، ثم أسر وقتل من أصحابه جماعة كثيرة، واستأمن منهم إلى مؤنس جماعة كثيرة، ودخل أصحاب السلطان النوبندجان، وكان الليث قد تغلب عليها.
وأقام الحج فيها للناس الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن عبيد الله ابن العباس بن محمد.
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان فيها من غزو القاسم بن سيما أرض الروم الصائفة.وفيها وجه المقتدر وصيف كامه الديلمي في جيش وجماعة من القواد لحرب سبكري غلام عمرو بن الليث.
وفيها كانت بين سبكري ووصيف كامه وقعة هزمه فيها وصيف، وأخرجه من عمل فارس، ودخل وصيف كامه ومن معه فارس، واستأمن إليه من أصحاب سبكري جماعة كثيرة، فأسر رئيس عسكره المعروف بالقتال، ومضى سبكري هارباً إلى أحمد بن إسماعيل بن أحمد بما معه من الأموال والذخائر فأخذ ما معه إسماعيل بن أحمد، وقبض عليه فحبسه.
وفيها كانت بين أحمد بن إسماعيل بن أحمد ومحمد بن علي بن الليث وقعة بناحية بست والرخج، أسره فيها أحمد بن إسماعيل.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك.
ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من غزو رستم بن بردوا الصائفة من ناحية طرسوس، وهو وإلى الثغور من قبل بني نفيس، ومعه دميانة، فحاصر حصن مليح الأرمني، ثم رحل عنه، وأحرق أرباض ذي الكلاع.وفيها ورد رسول أحمد بن إسماعيل بن أحمد بكتاب منه إلى السلطان يخبر فيه أنه فتح سجستان، وأن أصحابه دخلوها، وأخرجوا من كان بها من أصحاب الصفار، وأن المعدل بن علي بن الليث صار إليه بمن معه من أصحابه في الأمان، وكان المعدل يومئذ مقيماً بزرنج، فصار إلى أحمد بن إسماعيل وهو مقيم ببست والرخج، فوجه به ابن إسماعيل وبعياله ومن معه إلى هراة، وبين سجستان وبست الرخج ستون فرسخاً، فوردت الخريطة بذلك على السلطان يوم الاثنين لعشر خلون من صفر.
وفيها وافى بغداد العطير صاحب زكرويه ومعه الأغر - وهو أيضاً أحد قواد زكرويه - مستأمناً.
وفي ذي الحجة منها غضب على علي بن محمد بن الفرات لأربع خلون منه، وحبس ووكل بدوره ودور أهله وأخذ كل ما وجد له ولهم، وانتهت دوره ودور بني إخوته وأهلهم، واستوزر محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك.
ثم دخلت سنة ثلثمائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من ورود بغداد رسول من العامل على برقة، وهي من عمل مصر، إلى ما خلفها بأربع فرسخ، ثم ما بعد ذلك من عمل المغرب بخير خارجي خرج عليه، وأنه ظفر بعسكره، وقتل خلقاً من أصحابه، ومعه آذان وأنوف من قتله في خيوط وأعلام الخارجي.وفي هذه السنة كشرت الأمراض والعلل ببغداد في الناس، وذكر أن الكلاب والذئاب كلبت فيها بالبادية، فكانت تطلب الناس والدواب والبهائم، فإذا عضت إنساناً أهلكته.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
ثم دخلت سنة إحدى وثلثمائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك عزل المقتدر محمد بن عبيد الله عن الوزارة وحبسه إياه مع ابنيه عبد الله وعبد الواحد وتصييره علي بن عيسى بن داود بن الجراح له وزيراً.وفيها كثر أيضاً الوباء ببغداد، فكان بها منه نوع سموه حنيناً، ومنه نوع سموه الماسرا؛ فأما الحنين فكانت سليمة، وأما الماسرا فكانت طاعوناً قتالة.
وفيها أحضر دار الوزير علي بن عيسى رجل - ذكر انه يعرف بالحلاج ويكنى أبا محمد - مشعوذ، ومعه صاحب له، سمعت جماعة من الناس يزعمون أنه يدعى الربوبية فصلب هو وصاحبة ثلاثة أيام، كل يوم من ذلك من أوله إلى انتصافه، ثم ينزل بهما، فيؤمر بهما إلى الحبس، فحبس مدة طويلة، فافتتن به جماعة منهم نصر القشوري وغيره، إلى أن ضج الناس، ودعوا على من يعيبه، وفحش أمره، وأخرج من الحبس، فقطعت يداه ورجلاه، ثم ضربت عنقه، ثم أحرق بالنار.
وفيها غزا الصائفة الحسين بن حمدان بن حمدون، فورد كتاب من طرسوس يذكر فيه أنه فتح حصوناً كثيرة، وقتل من الروم خلقاً كثيراً.
وفيها قتل أحمد بن إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان وما وراء النهر؛ قتله غلام له تركي - أخص غلمانه به - ذبحاً، وهو غلامان معه، ودخلوا عليه في قبته، ثم هربوا فلم يدركوا.
وفيها وقع الإختلاف بين نصر بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد وعم أبيه إسحاق بن أحمد، فكان مع نصر بن أحمد غلمان أبيه وكتابه وجماعة من قواده والأموال والكراع السلاح، وانحاز بعد قتل أبيه إلى بخارى وإسحاق بن أحمد بسمرقند وهو عليل من نقرس به، فدعا الناس بسمرقند إلى مبايعته على الرئاسة عليهم، وبعث كل واحد منهما إلى السلطان كتبه خاطباً على نفسه، عمل إسماعيل بن أحمد، وأنفذ إسحاق كتبه - فيما ذكر - إلى عمران المرزباني لإيصالها إلى السلطان، ففعل ذلك، وأنفذ نصر بن أحمد ابن إسماعيل كتبه إلى حماد ابن أحمد؛ ليتولى إيصالها إلى السلطان، ففعل.
وفيها كانت وقعة بين نصر بن إسماعيل وأصحابه من أهل بخارى وإسحاق بن أحمد عم أبيه وأصحابه من أهل سمرقند، لأربع عشرة بقيت من شعبان منها، هزم فيها نصر وأصحابه إسحاق وأهل سمرقند ومن كان قد انضم إليه من أهل النواحي، وتفرقوا عنه هاربين، وكانت هذه الوقعة بينهم على باب بخارى.
وفيها زحف أهل بخارى إلى أهل سمرقند بعدما هزموا إسحاق بن أحمد ومن معه، فكانت بينهم وقعة أخرى ظفر فيها أيضاً أهل بخارى بأهل سمرقند، فهزموهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ودخلوا سمرقند قسراً، وأخذوا إسحاق بن أحمد أسيراً، وولوا ما كان إليه من عمل ابناً لعمرو بن نصر بن أحمد.
وفيها أصحاب ابن البصرى من أهل المغرب بالرقة، وطرد عنها عامل السلطان.
وولى أبو بكر محمد بن علي بن أحمد بن أبي زنبور الماذرائي أعمال مصر وخراجها.
وفيها قتل أبو سعيد الجنابي كان بناحية البحرين وهجر، قتله - فيما قيل - خادم له.
وفيها كثرت الأمراض والعلل ببغداد، وفشا الموت في أهلها، وكان أكثر ذلك - فيما قيل - في الحربية وأهل الأرباض.
وفيها وافى قائد من قواد ابن البصرى في البرابرة والمغاربة الإسكندرية.
وفيها ورد كتاب تكين عامل السلطان من مصر يسأله المدد.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك.
ثم دخلت سنة اثنتين وثلثمائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من إشخاص الوزير بن عيسى بن عبد الباقي في ألفي فارس فيها لغزو الصائفة، معونة لبشر خادم ابن أبي الساج وهو والى طرسوس من قبل السلطان، فلم يتيسر لهم غزو الصائفة، فغزوها شاتية في برد وثلج.وفيها تنحى الحسن بن علي العلوي الأطروس بعد غلبته على طبرستان عن آمل، وصار إلى سالوس فأقام بها.
ووجه صعلوك صاحب الرى إلى جيشاً، فلم يكن لجيشه بها ثبات، وعاد الحسن بن علي إليها، ولم ير الناس مثل عدل الأطروش وحسن سيرته وإقامته الحق.
وفيها دخل حباسة صاحب ابن البصرى الإسكندرية، وغلب عليها، وذكر أنه وردها في مائتي مركب في البحر.
وفيها وافى حباسة صاحب ابن البصرى موضعاً من فسطاط مصر على مرحلة، يقال لها سفط، ثم رجع منه إلى وراء ذلك، فنزل منزلاً بين الفسطاط والإسكندرية.
وفيها شخص مؤنس الخادم إلى مصر لحرب حباسة، وقوي بالرجال والسلاح والمال.
وفيها لسبع بقين من جمادى الأولى قبض على الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصاص وعلى ابنية، واستصفى كل شيء له، ثم حبس وقييد.
وفيها كانت وقعة بمصر بين أصحاب السلطان وحباسة وأصحابه لست بقين من جمادى الأولى منها، فقتل من الفريقين جماعة، وجرحت منهم جماعة، ثم أخرى ذلك بيوم نحو التي كانت في هذه، ثم ثالثة بعد ذلك في جمادى منها.
ولأربع عشرة بقيت من عشرة من جمادى الآخرة، ورد كتاب بوقعة كانت بينهم، هزم أصحاب السلطان فيها المغاربة.
وفيها ورد كتاب من بشر عامل السلطان على طرسوس على السلطان، يذكر فيه غزوة أرض الروم، وما فتح فيها من الحصون، وما غنم وسبي، وأنه أسر من البطارقة مائة وخمسين، وأن مبلغ السبي نحو من ألفي رأس.
ولإحدى عشرة بقيت من رجب ورد الخبر من مصر أن أصحاب السلطان لقوا حباسة وأهل المغرب يقاتلونهم.
فكانت الهزيمة على المغاربة، فقتلوا منهم وأسروا سبعة آلاف رجل، وهرب الباقون مفلولين، وكانت الوقعة يوم الخميس بسلخ جمادى الآخرة.
وفيها انصرف حباسة ومن معه من المغاربة عن الإسكندرية راجعين إلى المغرب بعد ما ناظر - فيما ذكر - حباسة عامل السلطان بمصر على الدخول إليه بالأمان، وجرت بينهما في ذلك كتب.
وكان انصرافه - فيما ذكر - لإختلاف حدث بين أصحابه في الموضع الذي شخص منه.
وفيها أوقع يانس الخادم بناحية وادي الذئاب، وما قرب من ذلك الموضع بمن هنالك من الأعراب، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وذكر أنه قتل منهم سبعة آلاف رجل، ونهب بيوتهم، وأصاب في بيوتهم من أموال التجار وأمتعتهم التي كانوا أخذوها بقطع الطريق عليهم ما لا يحصى كثرته.
ولست خلون من ذي الحجة هلكت بدعة مولاة المأمون.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك.
وفي اليوم الثاني العشرين من ذي الحجة منها خرج أعراب من الحاجر على ثلاثة فراسخ مما يلي البر على المنصرفين من مكة، فقطعوا عليهم الطريق، وأخذوا ما معهم من العين واستاقوا من جمالهم ما أرادوا، وأخذوا - فيما قيل - مائتين وثمانين امرأة حرائر سوى من أخذوا من المماليك والإماء.