كتاب : يتيمة الدهر
المؤلف : الثعالبي

أسكر الخمر خمر ريقك حتى ... باتت الخمر من رضابك سكرا
فلهذا أراك صحواً ... وأراها عليك لا تتجرا
وقوله:
أشرب على الجيزة والمقس ... من قهوة صفراء كالورس
وروح النفس بها إنما ... عيش الفتى في راحة النفس
وأنس بإخوان الصفا إنهم ... من أكبر النزهة والأنس
فلست تدري أيما ساعة ... تبيت تحت اللحد والرمس
والمرء لا يعرف في يومه ... يصبح في دنياه أو يمسي
وقوله:
أقول والليل دجى مسبل ... والأنجم الزهر به ميل
يا طول ليل ما له آخر ... فيك وصبح ما له أول
وقوله:
اشرب ستنسى ويك مع من نسي ... من قهوة قوصية المغرس
في قمر للربيع من شهره ... كشقة من درهم أطلس
وقوله:
يا حادي اللذات عرس بنا ... ويا مدير الكأس قم فاسقنا
أما ترى شمس ضحى يومنا ... قد لبست مطرفها الأدكنا
والروض للوسمي في حلة ... أذهبها من بعد ما لونا
وقوله:
اشرب شمولاً على ريح الشمال فقد ... هبت شمالاً ولاح الصبح فاتضحا
كأنها جنة في الكف مائلة ... تبدو فيخفي ضيا أنوارها القدحا
كأن حاملها من خمر ريقته ... وافى بها أولها من خده اقتدحا
وقوله:
وظبي زارني من غير وعد ... نعمت بقربه بأتم سعد
سقاني ثم نقلني بلثم ... على عجل وحياني بورد
وشمر ساعداً فيه وشوم ... بقلبي مثلها من أجل صد
فكان كفضة سكت عموداً ... عليها أسطر باللازورد
وقوله في دير القصير من قصيدة أولها:
إن دير القصير هاج ادكاري ... لهو أيامي الحسان القصار
وزماناً مضى حميداً سريعاً ... وشباباً مثل الرداء المعار
عرفتني ربوعه بعد نكر ... فعرفت الربوع بالإنكار
ولو أن الديار تشكو اشتياقاً ... لشكت جفوتي وبعد مزاري
ولكادت نحوي تسير لما قد ... كنت فيها سيرت من أشعاري
وكأني إذ زرته بعد هجر ... لم يكن من منازلي ودياري
إذ صعودي على الجياد إليه ... وانحداري في المعقبات الجواري
بصقور إلى الدماء سوار ... وكلاب على الوحوش ضواري
منزلاً لست عصياً ما لقلبي ... ولنفسي فيه من الأوطار
منزلاً في علوه كسماء ... والمصابيح حوله كالدراري
ومنها:
غردت بينها الطيور فطارت ... بفؤاد المتيم المستطار
كم خلعت العذار فيه ولم أر ... ع مشيباً بمفرقي وعذاري
كم شربنا على التصاوير فيه ... بصغار محثوثة وكبار
صورة من مصور فيه ظلت ... فتنة للقلوب والأبصار
أطربتنا من غير شدو فأغنت ... عن سماع العيدان والمزمار
لا وحسن العينين والشفقة اللم ... ياء منها وخدها الجلناري
لا تخلفت عن مزاري ديراً ... هي فيه ولو نأى بي مزاري
فسقى الله أرض حلوان فالنخ ... ل فدير القصير صوب العشار
كم تنبهت من لذاذة نومي ... بنعير الرهبان في الأسحار
والنواقيس صائحات تنادي ... حي يا نائماً على الابتكار
قبل أن يبلي الجديد الجديدا ... ن بليل معاقب ونهار
إنما هذه الحياة عوار ... وعلى المستعير رد العواري
وقوله:
أأيامي بشاطي البركتين ... سقاك الله نوء المرزمين
لقد أذكرتني طربي ولهوي ... ووكلت الفؤاد بلوعتين
ترى أيامنا فيك المواضي ... يعود وصالها من بعد بين
سقى الله البقاع ملث قطر ... وأعطش منزلاً بالجهلتين

ودار على المدار رهام مزن ... تسير إلى جنان السروتين
فكم من بيعة عقدت لقصف ... وعزف في رياض البيعتين
وكم من مدنف قد حاز وصلاً ... ونال مناه وسط المنيتين
وقوله:
إشرب بطموة من صفراء صافية ... تزرى بخمر قراهيت وغايات
على رياض من النوار زاهرة ... تجري الجداول فيها بين جنات
منازلاً كنت مفتوناً بها يفعاً ... وكن قدماً مواخيري وحاناتي
كأنما النيل في مر النسيم بها ... مسيلم في دروع سامريات

أبو الفتح البستي الكاتب
أنشدني له محمد بن عمر الزاهر يصف شمعة من أبيات:
قد شابهتني في لون وفي قصف ... وفي نحول وفي دمع وفي سهر
هذا تشبيه خمسة بخمسة وقد أجاد غاية الجودة وقوله:
صحت السلاح لشدة الحرب ... والمستغاث لشدة الكرب
حتى إذا لبسوا سلاحهم ... وتشددوا لوقائع الحرب
ناولتهم قلبي وقلت لهم: ... هذا المسيء فقطعوا قلبي
وقوله:
لئن صدع الدهر المشتت شملنا ... فللدهر حكم في الجموع صدوع
وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوع
وإن نعمة زالت عن الحب وانقضت ... فإن لها بعد الزوال رجوع
وكن واثقاً بالله واصبر لحكمه ... فإن زوال الشر عنك سريع
وقوله:
وغزالة غازلتها ... في المقس من أولاد حام
نظرت بعيني ظبية ... ونظرت من عيني قطام
وتبسمت وكأنها ... برق تألق في غمام
ثم انثنت مثل المهى ... وتبعتها رتك النعام
حتى دخلنا بيتها ... فحصلت في البيت الحرام
فجعلت أفتح ميمها ... لما جثوت لها بلامي
وكأنني إذ ذاك أو ... لجت الضياء على الظلام
ضدان لم يجمعهما ... إلا المحبة للحرام
كانت لعمري عاهة ... جمعت غراباً مع حمام
أبو سهل بن أسباط الكاتب
قال:
إن كنت يا قلب عزمت الهوى ... فاستخر الله إذا قبلا
ولا تكن يا قلب مثل الذي ... قدم رجلاً وثنى رجلا
حتى تلاقي في الهوى أهله ... وقلما تلقى له أهلا
لا توردني مورداً كلما ... قطعت وحلاً ألتقى وحلا
عبد الله الصفري
قال يصف الشيب:
بدا الشيب في رأسي فقالت تعجباً: ... لقد شبت من هجري وأنت صغير
فقلت لها: لا غرو إن وصالكم ... يرد شباب المرء وهو كبير
أبو العباس الكندي
قال يصف الندى على البحر:
كأن الندى في البحر بحران مائع ... على مائع هذا على ذاك مطبق
فهذا لجين سابح مترقرق ... وذاك لجين في السماء معلق
إذا أبصرته الشمس بعد احتجابها ... له ساعة أبصرته يتمزق
وقوله:
عذارك المنقطع المسبل ... يقطع عذري عند من يعذل
ووجهك المقبل إقبال من ... أنت على طلعته مقبل
لا عشت أن أعدم فالذي ... يعدمه يعدم ما يأمل
وقوله يصف السحاب:
سارية في غسق الظلام ... دانية من قلل الآكام
جاءت مجيء الجحفل اللهام ... فافترقت كالإبل السوامي
كأنها والبرق ذا ابتسام ... كتيبة مذهبة الأعلام
دنت من الأرض بلا احتشام ... ثم بكت بكاء مستهام
وانتشرت بسائغ الإنعام ... وثروة تحكم في الإعدام
أحمد بن بدر المعروف بالبلاط
قال في ولده وقد حم:
أعزز علي بني ما تلقى ... سدت علي شكاتك الطرقا
قد كنت بالحمى أحق فليتني ... ألقى من الحمى الذي تلقى
أبو العباس الزوفي
أنشدت له في الشيب:
قد رابني من شبيبتي ريب ... وفل من غرب صبوتي الشيب

وكان ثوب الشباب أحسن مل ... بوساً بهاءً فأخلق الثوب
من عابني بالمشيب قلت له: ... صدقت فالشيب كله عيب
طلائع الشيب كلما طلعت ... شق على ميت الصبا جيب

عبد الوهاب بن جعفر الحاجب
أنشدت له:
هاتر هتور بكثرة الفرح ... واقدح زناد اللهو بالقدح
وصل الغبوق إا وصلت إلى ال ... مسى، وإن أصبحت فاصطبح
أبرد إلى الندمان رسلك ما ... برد النسيم وغن واقترح
أصلح فساد العيش مجتهداً ... ففساد عمرك غير منصلح
أبو بكر الموسوس المعروف بسيبويه
أبو بكر هذا من البصرة. وكان يشبه - في حضور جوابه، وبيان خطابه. وحسن عبارته، وكثرة درايته - بأبي العيناء، وكان قد تناول البلاذر فعرضت له منه لوثة، وكان الناس يتبعونه ويكتبون عنه ما يقول. فقال يوماً للمصريين " يا أهل مصر. أصحابنا البغداديون أحزم منكم، لا يقولون باتخاذ الولد حتى يقتنوا له العقد والعدد، فهم أبداً يعزبون. ولا يقولون باتخاذ العقار. خوفاً أن يملكهم شر الجار، فهم أبداً يكنزون. ولا يقولون بإظهار الغنى في موضع عرفوا فيه بالفقر، فهم أبداً يسافرون " .
ووقف يوماً بالجامع - وقد أخذت الحلق مأخذها - فقال " يا أهل مصر، حيطان المقابر أنفع منكم يستند إليها ويستدرى بها من الريح، ويستظل بها من الشمس، والبهائم خير منكم، تمتطى ظهورها، وتؤكل لحومها، وتحتذى جلودها " .
وكان ابن خزابة الوزير ربما رفع أنفه تيهاً، فقال له سيبويه وقد رآه فعل ذلك: أيشم الوزير رائحة كريهة فيشمر أنفه؟ فأطرق واستعمل النهوض، فخرج سيبويه فقال له رجل: من أين أقبلت، فقال: من عند هذا الزاهي بنفسه، المدل بعرسه. المستطيل على أبناء جنسه. وكانت زوجته ابنة الإخشيد.
وأخلى الحمام لمفلح، فجاء سيبويه ليدخل فمنع، وقيل له: الأمير مفلح داخل، فقال: لا أنقي الله مغسوله، ولا بلغه رسوله، ولا وقاه من العذاب مهوله. وجلس حتى خرج من الحمام، فقال له: إن الحمام لا يخلى إلا لأحد ثلاث مبتلي في قبله، أو مبتلي في دبره، أو سلطان يخاف من شره، فأي الثلاث أنت؟. ومن شعره:
اعذر أخاك على رداءة خطه ... واغفر رداءته لجودة ضبطه
فالخط ليس يراد من تحسينه ... وبيانه إلا إبانة سمطه
فإذا أبان عن المعاني سمطه ... كانت ملاحته زيادة شرطه
أبو الحسن علي بن عبد الرحمن
بن يونس المنجم
أنشدت له:
غنت فأخفت صوتها في عودها ... فكأنما الصوتان صوت العود
غيداء تأمر عودها فيطيعها ... أبداً ويتبعها اتباع ودود
أندى من النوار صبحاً صوتها ... وأرق من نشر الثنا المعهود
فكأنما الصوتان حين تمازجا ... ماء الغمامة وابنة العنقود
وقوله:
سقى الله أحياء اللوى كلما سقى ... بضرب من المزن الكتهور هامل
إذا نثرت ريح جمان سحابة ... غدا وهو حلي للرياض العواطل
به خفق برق ليس بين جوانح ... ووسواس رعد ليس بين مفاصل
إذا كاد در البرق يلمس نبته ... قلقاه در النور بين الخمائل
وقوله:
يجري النسيم على غلالة خده ... وأرق منه ما يمر عليه
ناولته المرآة ينظر وجهه ... فعكست فتنة ناظريه إليه
وقوله:
صديق قد ندمت على اختباري ... له لما تأمله اختباري
ينم بسر مستوعيه سراً ... كما نم الظلام بسر نار
أنم من النصول على مشيب ... ومن صافي الزجاج على عقار
وقوله:
وذي حرص تراه يلم وافراً ... لوارثه ويدفع عن حماه
ككلب الصيد يمسك وهو طاو ... فريسته ليأكلها سواه
وقوله:
لكل شيء في الورى آفة ... وآفة المرء من الكبر
يحسب أن الكبر فخر له ... وليس غير العلم من فخر
أبو القاسم عبد الغفار المصري
أنشدت له:
إنما الفضل غرة ... في وجوه المدائح
أريحي رياحه ... عبقات الروائح

كعبة الجود كفه ... بين غاد ورائح
إنما تصلح الأمو ... ر برأي ابن صالح

أبو العباس أحمد بن مروان
بن حماد النحوي
أنشدني ابن وهب له:
لم يطل ليلي ولكن ... سهري كان طويلا
وكذا ليس يلذ ال ... نوم من كان عليلا
يا غزالاً لم أجد عن ... ه إلى الصبر سبيلا
هب لعين سهرت في ... ك من الغمض قليلا
محمد بن جعفر الأنصاري
الكاتب المعروف بالقصير
من شعره:
قد طال منك المطل في الوعد لي ... وأنت في مطلك لا تخطي
لو كنت تعطي مال مصر وما ... حوت من الدور على الشط
وما لدار الضرب من عسجد ... لكان كفراً بالذي تعطي
أبو علي تميم بن معد صاحب مصر
أنشدني له علي بن مأمون المصيصي:
يا دهر ما أقساك من متلون ... في حالتيك وما أقلك منصفا
أتروح للنكس الجهول ممهداً ... وعلى اللبيب الحر سيفاً مرهفا؟
فإذا صفوت كدرت شيمة باخل ... وإذا وفيت نقضت أسباب الوفا
لا أرتضيك وإن صفوت لأنني ... أدري بأنك لا تدوم على الصفا
زمن إذا أعطى استرد عطاءه ... وإذا استقام بدا له فتحرفا
ما قام خيرك يا وزمان بشره ... أولى بنا ما قل منك وما كفى
وقوله:
أيا دير مرخنا سقتك رعود ... من الغيم تهمي مزنها وتجود
فكم واصلتنا من رباك أوانس ... يطفن علينا بالمدامة غيد
وكم ناب عن نور الضحى فيك مبسم ... وناب عن الورد الجني خدود
وماست على الكثبان قضبان فضة ... فأثقلها من حملهن نهود
ليالي أغدو بين ثوبي صبابة ... ولهو، وأيام الزمان هجود
وإذا لمتي لم يوقظ الشيب ليلها ... وإذا أثري في الغانيات حميد
وقوله:
يا منتهى أملي لا تدن لي اجلي ... ولا تعذب ظنوني فيك بالظن
إن ان وجهك وجهاً صيغ من قمر ... فإن قدك قد من غصن
وأنشدني له من قصيدة أولها:
سرى البرق فارتاع الفؤاد المعذب
يقول فيها:
وبات ضجيعي منه أهيف ناعم ... وأدعج نشوان وألعس أشنب
كأن الدجى في لون صدغيه طالع ... وشمس الضحى في صحن خديه تغرب
وإني لألقي كل خطب بمهجة ... يهون عليها منه ما يتعصب
واستصحب الأهوال في كل موطن ... ويمزج لي السم الذعاف فأشرب
فما الحر إلا من تدرع عزمه ... ولم يكك إلا بالقنا يتنكب
وما لي أخاف الحادثات كأنني ... جهول بأن الموت ما منه مهرب
خليلي ما في أكؤس الراح راحتي ... ولا في المثاني لذتي حين تضرب
ولكنني للمدح أرتاح والعلا ... وللجود والإعطاء أصبو وأطرب
ومن بين جنبيه كنفسي وهمتي ... يروح له فوق الكواكب موكب!
وقوله:
إذا حان شمس النهار غروب ... تذكر مشتاق وحن حبيب
ترى عندهم علم وإن شطت النوى ... بأن لهم قلبي علي رقيب
لهم كبدي دوني وقلبي ومهجتي ... ونفسي التي أدعي بها وأجيب
فآية حزني لوعة وصبابة ... وعنوان شيني زفرة ونحيب
وما بلد الإنسان إلا الذي له ... به سكن يشتاقه وحبيب
إلى الله أشكو وشك بين وفرقة ... لها بين أحشاء المحب دبيب
وقوله:
أما والذي لا يملك الأمر غيره ... ومن هو بالسر المكتم أعلم
لئن كان كتمان المصائب مؤلماً ... لإعلانها عندي أشد وآلم
وبي كل ما تشكو العيون أقله ... وإن كنت منه دائماً أتبسم
وقوله، وهو مما يتغنى به:
قالت وقد نالها للبين أوجعه ... والبين صعب على الأحباب موقعه

اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت ... قواه عن حمل ما فيه وأضلعه
واعطف علي المطايا ساعة فعسى ... من شت شمل الهوى بالبين يجمعه
كأنني يوم ولت حسرة وأسى ... غريق بحر يرى الشاطي ويمنعه
وقوله:
وغضبى من الإدلال والتيع والهوى ... بلا غضب سكرى الجفون بلا سكر
كأن على لباتها رونق الضحى ... وفي حيث يهوى القرط منها سنا الفجر
ترى البدر مثل البدر في صحن خدها ... وتفتر من مثل الجمان من الثغر
وقوله:
أما ترى الرعد بكى فاشتكى ... والبرق قد أومض فاستضحكا
فاشرب على غيم كصبغ الدجا ... أضحك وجه الأرض لما بكى
وانظر لماء النيل في مده ... كأنه صندل أو مسكا
وقوله:
وليلة بتها على طرب ... آخرها مشبه لأولاها
أقبل البرق من ترائبها ... وألثم الشمس من محياها
سقتني الراح وهي خداها ... بأكؤس السكر وهي عيناها
إذا أرادت مزاحها جعلت ... بآخر اللحظ في فمي فاها
فيالها قهوة معتقة ... وليس إلا الخدود مأواها
حبابها الثغر حين يمزج لي ... ونقلها اللثم حين أسقاها
لله أيامنا التي سلفت ... بدار حزوى ما كان أحلاها
فالقصر من حيرة الملوك إلى ... أعلى رباها إلى مصلاها
إذ نجتني اللهو من أصائلها ... والعز من فجرها ومغداها
إن عرضت لذة ملكناها ... أو صعبت خطة حويناها
وقوله:
وصفراء لم تطبخ بنار شربتها ... على وجه معشوق السجايا مقرطق
كأن حباب الكأس من نظم ثغره ... وإشراقها من خده المتألق
وقوله:
لو صورت خلقها إرادتها ... ما قدرته كمثل ما قدرا
كامسك نشراً، والبرق مبتسماً ... والغصن قداً، والحقف مؤتزرا
وقوله:
شبهتها بالبدر فاستضحكت ... وقابلت قولي بالنكر
وسفهت قولي وقالت: متى ... سمجت حتى صرت كالبدر؟
والبدر لا يرنو بعين كما ... أرنو، ولا يبسم عن ثغر
ولا يميط المرط عن ناهد ... ولا يشد العقد في نحر
من قاس بالبدر صفاتي فلا ... زال أسيراً في يدي هجري
وقوله:
ناولتها شبه خديها مشعشعة ... صرفاً كأن سناها ضوء مقباس
فقبلتها وقالت وهي ضاحكة ... وكيف تسقى خدود الناس للناس
أليس خداي ذابا إذ لمستهما ... فاستنبطا قهوة حمراء في الكاس
قلت: اشربي إنها دمعي وحمرتها ... دمي وطابخها في الكأس أنفاسي
قالت: إذا كنت من حبي بكيت دماً ... فسقنيها على العينين والراس
يا ليلة بات فيها البدر معتنقي ... وباتت الشمس فيها بعض جلاسي
وبت مستغنياً بالثغر عن قدحي ... وبالخدود عن التفاح والآس
وقوله:
وما أم خشف ظل يوماً وليلة ... ببلقعة بيداء ظمآن صاديا
تهيم فلا تدري إلى أين تنتهي ... مولهة حيرى تجوب الفيافيا
أضر بها حر الهجير فلم تجد ... لغلتها من بارد الماء شافيا
إذا بعدت عن خشفها انعطفت له ... فألفته ملهوفاً إلى الجوع ظاميا
بأوجع من يوم شدوا رحالهم ... ونادى منادي الحي أن لا تلاقيا
وقوله مفتخراً:
ألقى الكمي فلا أخاف لقاءه ... ويفل إقدامي شبا الحدثان
وأكر في صدر الخميس معانقاً ... للموت حين يفر كل جبان
ويزيدني كل الخطوب تعظماً ... وتسلط الأيام عز مكان
وعلمت أخلاق الزمان فلم أضق ... ذرعاً بأيامي وغر زماني
وكما يمل الدهر من إعطائه ... فلا له من الحرمان
وكما يكر لمعشر بسعادة ... فكذا يكر لمعشر بهوان

فإذا رماك بشدة فاصبر لها ... فلسوف يأتي بعدها بليان
وسل الليالي عن نفاذ عزيمتي ... وسل الحوادث عن ثبات جناني
يخبرك عني أنني لم ألقها ... بين العزائم واهن الأركان
أصبحت لا أشتاق إلا للندى ... إلفاً ولا أهوى سوى الإحسان
وإذا السيوف قطعن كل ضريبة ... قطع السيوف القاطعات لساني
وقوله:
اسقياني فلست أصغي لعذل ... ليس إلا تعلة النفس شغلي
أأطيع العذول في ضد ما أه ... وى كأني اتهمت رأيي وعقلي
عللاني بها فقد أقبل اللي ... ل كلون الصدود من بعد وصل
وانجلى الغيم بعدما أضحك الرو ... ض بكاء السحاب فيه بوبل
عن هلال كصولجان نضار ... في سماء كأنها جام ذبل
أحسن في هذا التشبيه ما شاء! وقوله:
إذا هب سلطان المريسي نافحاً ... سحيراً وحل كل نقاب
ومد على الأفق الغمام ثيابه ... فقم فالقه في عدة وحراب
بكن وكانون وكأس مدامة ... وكيس وكس وافر وكباب
وقوله:
ورد الخدود أرق من ... ورد الرياض وأنعم
هذا تنشقه الأنو ... ف وذا يقبله الفم
فإذا علت فأفضل الوردين ورد يلثم
هذا يشم ولا يضم ... وذا يضم ويشمم
وأنشد المصيصي له:
وجنة من شفني هواه ومن ... أفنيت فيه دموع آماقي
كأنما الصيرفي دنر ما ... يحمر منها ودرهم الباقي
وأنشدني له أبو الحسن علي بن مأمون المصيصي من قصيدة مخمسة أولها:
دم العشاق مطلول ... ودين الحب ممطول
وسيف اللحظ مسلول ... ومبدا الحب معزول
وإن لم يضغ للآثم
إذا لم يظهر الحب ... ولم ينهتك الصب
ويفشي سره القلب ... فجملة ما ادعى كذب
فبح يا أيها الكاتم
وأحور ساهر الطرف ... يفوق جوامع الوصف
مليح الدل والظرف ... جنت ألحاظه حتفي
فمن يعدي على الظالم
أطاع جفونه السحر ... وذل لوجهه البدر
ما دبر دفة الخصر ... وأشبه ثغره الدر
فقلب محبه هائم؟
يعنفني على حبي ... ويهجرني بلا ذنب
كأني لست بالصب ... لقهوة ريقه العذب
أما في الحب من راحم؟
غزال لحظه شركه ... وبدر ثوبه فلكه
لو أني كنت أمتلكه ... فأنهب ما حوت تككه
نهاب الظافر الغانم
خذوا بدمي قنا القد ... وحسن تورد الخد
وليل الشعر الجعد ... وثقل الكفل النهد
وسقين الأعين الدائم
متى يظفر بالوصل ... وينفي الجور بالعدل
محب دائم البخل ... سليب الصبر والعقل
كئيب مدنف هائم
بحسن الأعين النجل ... وعض الوقف والحجل
وذاك القصب الجدل ... وريق كجنا النحل
وثغر يطمع الشائم
سلوا الشمس التي طلعت ... علينا ثم ما أفلت
عسى ترثي لمن قتلت ... بعينيها وما عملت
فقد يستعطف العالم
أما والخرد الصفر ... شبيهات سنا البدر
وألوان صفا الخمر ... لقد أضر من في صدري
غراماً ليس بالنائم
وراح تبعث الطربا ... وتحيي الظرف والأدبا
يثير مزاجها حببا ... تخال به عيون دبا
ودراً صفه الناظم
أما والجمرة الكبرى ... وزمزم والصفا ومنى
ومن لبى بها ودعا ... وطاف البيت ثم سعى
خميصاً مختباً صائم
لقد أضحى لنا خلفا ... نزار وابتنى شرفا
وأصبح خامس الخلفا ... وأحيا سعيه السلفا
وأضحى بالهدى قائم
نمى في المجد عنصره ... وطال النجم مفخره
وفاق البدر منظره ... فصرف الدهر يحذره
أبي لين صارم
وقوله في الراي

كأن الراي حين أتى طرياً ... بأذناب كمجمرة العقيق
بإسقيات بلور لطاف ... بأسفلها بقايا من رحيق
؟؟

محمد بن أبي مروان
بن أخي المستنصر بالله
المدعو الخليفة بالأندلس، وهو الحكم بن عبد الرحمن المرواني من شعره
وما كان من عطف على حديثها ... ولكن لتعذيب الفؤاد المعذب
حديث لو استسقت به الصخر جادها ... بأعذب من صوب الغمام وأطيب
وقوله:
راجعت شوقه فحنا ... وشفه شجوه فأنا
وسال من دمعه مصون ... أظهر ما كان مستكنا
فعاد فيه الهوى يقيناً ... وكان عند الرقيب ظناً
لو كان يلقى الذي تلاقي ... أوسعه رحمة ومنا
وقوله:
بين أجفانها وبين ضلوعي ... نازعتني الحياة أيدي المنون
لست أدري أعن مدى طرفها الفا ... تن موتي أم طرفي المفتون
وقوله:
قد رضيت الهوى لنفسي خلا ... ورأيت الممات في الحب سهلا
وتذللت للحبيب وعز ال ... صب في سنة الهوى أن يذلا
بأبي من أحل قتلي عمداً ... وهنيئاً لسيدي ما استحلا
سوف أجزي الحبيب بالصدود وداً ... مستجداً وبالقطيعة وصلا
وإذا ما استزاد تيها وعجباً ... زدت نفسي له خضوعاً وذلاً
وقوله:
غير مستنكرٍ همول دموعي ... في التصابي وغير بدعٍ خشوعي
ليس عزي إلا فناء عزائي ... وسنائي إلا بقاء خضوعي
وبحسبي أني ألاقي عذولي ... باصطبار عاصٍ ودمع مطيع
وقوله:
أعد نظراً واستوقف الطرف منعماً ... تجد كلفاً صبا بحبك مغرما
سري الحب في أخلاقه فأرقها ... وعلمه أحكامه فتعلما
ولست تراه سائلاً منك عطفةً ... حذاراً من التقبيل إلا توهما
فإن جدت لاقته الحياة كريمةً ... وإن لم تجد لاقى الحمام مقدها
وقوله:
لئن وعدتني وصلها وعد عاتب ... يجاحدني وعدي وينكرني حقي
فأفضل ثوب الغيث في الأرض دافقٌ ... وأبلغه ما جاء بالرعد والبرق
فإن ما نعتني فضل إنجاز موعدٍ ... فإن الحيا الممنوع أشهى إلى الخلق
فلا كان لي في الأرض رزقٌ ... إذا لم يكن في نيل موعدها رزقي
وقوله:
يا ربيعي ما كان ضرك لوجد ... ت علينا كما يجود الربيع
ورده ذاهب ووردك باقٍ ... وهو سهل به وأنت منوع
كن شفيعي إليك ياجنة الخل ... د فمالي غير الخضوع شفيع
وقوله:
كم تصاب أردفته بتصاب ... واصطباحٍ وصلته باغتباق
وكؤوس عاطيتها بدر تم ... جل أن يعتريه نقص المحاق
وغصونٍ جنيت منها ثماراً ... لم يشنها تساقط الأوراق
زمن بكيته حسب وجدي ... كنت أبكيه من دم الأحداق
وقوله:
ومختطفٍ للعين بت أشيمه ... مجالسةً والليل حيران مطرق
سرى يخبط الظلماء حتى كأنه ... بوجدي يسرى أو بقلبي يخفق
وقوله:
تبدت بأكناف الحجاز ديارها ... فأوقد نار الوجد في القلب نارها
كأن بأنفاسي استمد ضرامها ... وعن كبدي الحرى تلظي استعارها
يحن إليها القلب حتى كأنما ... إليه تناهيها ومنه انتشارها
وقوله:
ولما حمى الشوق المبرح ناظري ... كراه حذاراً أن يريني مثاله
شربت عقاراً أذكرتني بريقه ... وأهدت كرىً اهدى إلي خياله
فهل هي إلا نعمةٌ مسترقةٌ ... أنالت يدي ما لم أؤمل نواله
حبيب بن أحمد الأندلسي
قال:
ودعتني بزفرةٍ واعتناق ... ثم نادت متى يكون التلاقي؟
وتصدت فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق
يا سقيم الجفون من غير سقمٍ ... بين عينيك مصرع العشاق

إن يوم الفراق أفظع يومٍ ... ليتني مت قبل يوم الفراق
وله:
هيج البين دواعي سقمي ... وكسا جسمي ثوب الألم
أيها البين أقلني مرةٍ ... فإذا عدت فقد حل دمي
يا خلي الروع نم في غبطةٍ ... إن من فارقته لم ينم
ولقد هاج لقلبي سقماً ... حب من لو شاء داوى سقمي
وقوله:
وجنةٍ كالربيع جاد عليها ... من حياءٍ لا من حياً وسمي
ووجوهٍ فلبتها كالدناني ... ر ومثلي لمثلها صيرفي
تتهادى الرياح منها نسيماً ... شابه عنبرٌ ومسكٌ ذكي
وقوله:
ألا بأبي من قلبه غير مشفقٍ ... علي، ولي قلبٌ عليه شفيق
وإني لأبدي للوشاة تبسماً ... وإنسان عيني في الدموع غريق
وكم شافهتني للصبا أريحيةٌ ... ومازج ريقي للأحبة ريق
///الوزير أبو مروان عبد الملك بن جهور أنشدت له:
أسقمت قلبي فكن أنت الدواء له ... ولا تدعه بأيدي الشوق مخترما
عيناي أورثتاه سقمه نظرا ... رضيت دمعي من عيني منتقما
وقوله:
ألحاظه منهوكة النظر ... ضعفت نواظرها من الخفر
وحديثه أشهى لسامعه ... من نغمة الشادي على الوتر
ورضابه أشهى على كبدي ... من ري عذب بارد خصر
وكأن قلبي حين يفقده ... ما بين ذي ناب وذي ظفر
وقوله:
يا أحسن الناس في عيني مبتسماً ... وأعذب الخلق عندي منطقا وفما
حلت بقلبي من عينيك نازلة ... من الهوى صيرتني في الورى علما
لم تبق جارحة مني أقلبها ... إلا بعثت عليها بالهوى سقما
فارحم مقام محب ما شكا وبكى ... تبرماً بالذي يلقى ولا ندما
وقوله:
أملح ما تنظر عيناك ... شاك شكا الحب إلى شاكي
يقصر من ذكرك ليلي على ... أني فيه ساهر باكي
ولي فؤاد يستجير من الش ... وق إلى برد ثناياك
سيدتي لو كنت أبصرت ما ... يصنع بي حبك أبكاك
وقوله:
أنار لي وجهه ليلاً فخلت به ... بدراً تماماً على الآفاق يطلع
ومر يمشي دقيق الخصر يجذبه ... ردف، فقلت: أدركوه قبل أن ينقطع
وقوله:
أجلك أن تحل بك الأماني ... فكيف بأن أراك وأن تراني
وأكره أن يمثلك التمني ... حذار أن يبوح به لساني
ولو أني ستطعت لفرط شجوي ... عليك لما رآك الحافظان
وما أشكو إليك بغير دمعي ... بيانُ الدمع أعربُ من بياني
وقوله:
اليوم منقبض والدمع منبسط ... وحب من شفّني بالروح مختلط
حمّلت قلبي أن يسلو تذكُّره ... فقال: إن الذي حملتني شطط
تسومني الصبر عن روحي وتمنعني ... عن ذكره، إن ذا من رأيك الغلط
وقوله:
ترى العشّاق لاقوا ما ألاقي ... فقد بلغت بي النفس التّراقي؟
خصصت من الهوى بأمرِّ شيءٍ ... وكنت أرى الهوى عذبَ المذاق
أنا العبد الذي لا عتق يرجو ... ولا يجد السبيل إلى الإِباق
وقوله:
وما سرني أن الهوى غير صاحبي ... وأنَّ خراج العبشميين في ملكي
ولا كنت أرضى أن أرى متخلياً ... من الحبّ لو أعطى به خاتم الملك
نسيم الهوى أذكى وإن جار واعتدى ... على أُنف العشاق من نفحة المسك
وقوله:
ومن يحمد الصبر الجميل على الهوى ... فإنّ خلاف الصبر عندي أحمد
إذا كان قلب المرء لا يألم النوى ... ويشكو لظى نيرانها فهو جلمد
وقوله:
أحوى النواظر ألعس ال ... شفتين عذب الريق آلمى
مخضرٌ شاربه علا ... درّاً يريك الدرَّ نظما
لو زارني طيفٌ له ... عند الهجوع ولو ألمَّا

لأعاد روحاً أو لفرَّ ... ج من هموم النفس همّا

أحمد بن عبد ربه الأندلسي
رحمه الله تعالى
أنشدت له:
بكرت عليَّ عواذلي تلحينني ... وعلى الذي لم يعد بي أعدينني
إيهاً عليك فقد كبرت عن الصبا ... ونهى المشيب عن الذي تنهينني
أنّى وكيف وقد رأين تغيّري ... عن عهدهنّ إذا العيون رأينني
وعلى مفارقة الشباب شمتْنَ بي ... وعلى معاداة الصبا عادينني
أَدنينني حتى إذا التهب الجوى ... أقصينني أضعاف ما أدنينني
وفتَّنني بلواحظ تشكو الضنى ... دائب بهن وربما داوينني
يذكين في قلبي وبين جوانحي ... حرقاً بنار جحيمها أصلينني
ومنها أيضاً:
يا ابن الخلائف، إن أيام الغنى ... أيامك الغرُّ التي أغنينني
بنوالها وسجالها وثمالها ... أسقينني حتى لقد أروينني
وقوله:
وصحائح مرضى العيون شحائح ... بيض الوجوه نواعم الأبشار
أضنينني بلواحظ تشكو الضنى ... وكسونني ما هنَّ منه عواري
بجوى حوته مهجتي عن مقلتي ... والجار قد يشقى بذنب الجار
وله في العذار:
يا ذا الذي خط الجمال بخده ... خطين هاجا لوعةً وبلابلا
ما صح عندي أنّ لحظك صارمٌ ... حتى لبست بعارضيك حمائلا
وفي مثله:
ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خداً له بدم القلوب مضرَّجا
لما تيقنَ أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النّجاد بنفسجا
وقوله:
بذمام الهوى أمتُّ إليه ... وبحكم العقار أقضى عليه
بأبي من زها عليَّ بوجهٍ ... كاد يدمي لمّا نظرت إليهِ
كلّما علَّني من الراح صرفا ... علني بالرضاب من شفتيه
ناول الكأس واستمال بلحظ ... فسقتني عيناه قبل يديه
وقوله:
أيّها البدر الذي ض ... نّ علينا بالطلوع
ابغ لي عندك قلباً ... طار من بين ضلوعي
يا بديع الحسن كم لي ... فيك من وجدٍ بديع
وقوله:
وساحبة فضل الذيول كأنّها ... قضيب من الريحان فوق كثيب
إذا ما بدت من خدرها قال صاحبي: ... أطعني وخذ من وصلها بنصيب
وقوله:
ينبيك أنك لم تجد وجدي ... ما خدّت العبرات من خدِّي
نام الخليُّ عن الشجيِّ به ... وجفا الملول ولجَّ في الصدّ
كنت الشفاء فصرت لي سقماً ... أبداً تتوق إلى هوىً مردي
وقوله:
سقوني حمامي يوم ساقوا حمولهم ... فرحت وراحوا بين ساقٍ وسائقِ
وأَخرس لفظي وهو ليس بأخرس ... وأنطق دمعي وهو ليس بناطق
فيا بأبي تلك الدموع التي همت ... فدلت على مكنون تلك العلائق
وقوله:
أزف الرحيل فودَّعتني مقلةٌ ... أوحت إليَّ جفونها بسلام
وتطلعت بين الحدوج كأنها ... شمس تطلّعُ في خلال غمام
وشكت تباريح الصبابة والهوى ... بمدامع نطقتْ بغير كلام
كمهاة رمل قد تربعت الحمى ... بين الظباء العفر والآرام
حتى إذا ضرب المصيف رواقه ... صافت بظلّ أراكةٍ وبشام
وقوله:
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها، ولا اللذات إلا مصائب
فكم سخنت بالأمس عينٌ قريرة ... وقرت عيون دمعها اليوم ساكب
فلا تكتحل عيناك منها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب
وقوله:
صحا القلب إلا نظرةً تبعث الأسى ... لها زفرة موصولة بحنين
بلى ربّما حلّت عرى عزماته ... سوالف آرام وأعين عين
لواقط حبات القلوب إذا رنت ... بسحر عيون وانكسار جفون
وريط من الموشيِّ أينع تحته ... ثمار صدورٍ لا ثمار غصون

برودٌ كأنوار الربيع لبسنها ... ثياب خضاب لا ثياب مجون
قرين نجوم ديم عن نور أوجه ... تجنُّ بها الألباب أيُّ جنون
وجوه جرى فيها النعيم فكلّلت ... بورد خدود يجتني بعيون
سألبس للأحزان ثوب تصبُّر ... وإن لم يكن عند اللّقا بحصين
وكيف ولى قلب إذا هبت الصبا ... أهاب بشوق في الفؤاد كمين
وقوله:
ونائح في غصون السدر أرقَّني ... وما عنيت بشيء ظلَّ يعنيه
مطوق بعقود ما تزايله ... حتى تزايله إحدى تراقيه
قد بات يبكي لشجو ما دريت به ... وبتُّ أبكي لشجو ليس يدريه
وقوله:
وقضيب يميس فوق كثيب ... طيِّب المجتنى لذيذ العناق
قد تغنّى كما استهل يغنِّي ... ساق حر مغرد فوق ساق
ينثر الدر في المسامع نثراً ... بين درِّ منظم مستاق
وافتضضنا من العواتق بكرا ... نكحت أمها بغير صداق
ثم بانت ولم تطلق ثلاثاً ... لم تبن حرة بغير طلاق
ديننا في السماع دين مدي ... نيٌّ، وفي شربنا الشراب عراقي
وقوله:
سرى طيف الحبيب على البعاد ... ليصلح بين عيني والرقاد
فبات إلى الصباح يدي وسادٌ ... لوجنته كما يده وسادي
بنفسي من أعاد إليَّ نفسي ... وردَّ إلى جوانحه فؤادي
خيالٌ زارني لما رآني ... عدتني عن زيارته عوادي
يواصلني على الهجران منه ... ويدنيني على طول البعاد
وقوله:
وريّان من ماء الشباب تهاتفت ... به نشواتٌ من صبا ودلال
كما اهتزَّ بانٌ من أكاليل روضة ... تلاعبه ريحا صبا وشمال
تعلم منه الهجر طيف خياله ... هدواً فما يلقاه طيف خيال
وأعرض حتى عاد يعرض في المنى ... ويمنع ذكراه الخطور ببالي
وقوله:
بأبي غزال صدَّ بعد وصاله ... وزها عليَّ بحسنه وجماله
سلب الكرى عيني وألبسها الكرى ... وحمى خيالي من لقاء خياله
وقوله:
مستوحشاً من جميع الناس كلّهم ... كأنما الناس أقذاء على بصري
وقوله:
أما والذي سوى السماء مكانها ... ومن مرج البحرين يلتقيان
ومن قام في الأوهام من غير رؤية ... بأثبت من إدارك كل عيان
لما خلقت كفّاك إلا لأربع ... عقائل لم يخلق لهن يدان
لتقبيل أفواه، وإعطاء نائل ... وتقليب هنديٍّ، وحبس عنان

عبد الملك بن سعيد المرادي
أنشدت له:
قد بلوت الحب مختبراً ... فأنا المسئول عن خبره
هو عذب عز مورده ... غير أن الموت في صدره
نظري أذكى جوى كبدي ... وهلاك الصب في نظره
وقوله:
قمر يسبي ذوي العقول أنيقاً ... ورشاً بتقطيع القلوب رفيقاً
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درّاً يصير من الحياء عقيقا
وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقاً
وقوله:
برح الخفاء فأعتبي أو عاتبي ... فهواك سدَّ عليَّ رحب مذاهبي
لو كنت أعلم لي سوى فرط الهوى ... ذنباً إليك لكنت ألو تائب
يا ظالماً لا يستفيد بظلمه ... متعتباً في الحبّ غير معاتب
هلاّ عطفت علىَّ عطفة راحمٍ ... لما ذللت إليك ذلة راغب
الوزير أبو عثمان عبد الله بن يحيى
بن إدريس
أنشدت له:
أسحراً سقت عيني جفونك أم خمرا ... فقد رحت ملآن الجفون به سكرا
وشعراً أراني صبح وجهك أم دجا ... ووجهاً جلا إظلام شعرك أم فجرا
وجسمٌ تثنّى بين ثوبيك ناعمٌ ... أم الغُصُنُ اللدن اكتسى ورقاً خضرا
وقوله:

رب خمر شربتها من جفون ... ورياض جنيتها من خدود
إذا يشج اللثام ريقاً بريق ... ويلفّ العناق جيدا بجيد
تحت ظل من النعيم ظليل ... وبفيء من السرور مديد
وقوله:
إنّ بين الضلوع نيران شوقٍ ... وغليلاً يذوب منه الغليل
وحنيناً إليه في طول ليل ... ما إلى الصبح من دجاه وصول
غاب صبري الجميل إذ غاب فيه ... وجهه عني المليح الجميل
وقوله:
إنّ بين الضلوع شوقاً دفيناً ... ترك القلب والهاً مستكينا
يا غزالاً يصبي القلوب هواه ... وهلالاً يعشي سناه العيونا
أنت علمتني الصبابة والبخ ... ل فصرت البخيل فيك الضنينا
وقوله:
لأنزعنَّ وإن لم أقض من وطري ... إلاّ لبانة أشواق ومدكر
أكفُّ كفي وأثني من تقلبه ... قلبي وأقصر من سمعي ومن بصري

يوسف بن هرون البطليوسي
أنشدت له:
هو ظالمي لكن أرقّ عليه ... من أن أجيل اللحظ في خدّيه
أعفيت رقة وجنتيه من أذى ... عيني وما أعفيت من عينيه
وكأن در الخد يكسي حمرة ال ... ياقوت من نظر العيون إليه
وقوله:
أتضرب بين عيني واغتماضي ... بواش من لواحظك المراضِ
وتخلفني بوعد قد تقضّى ... مدى عمري وليس له تقاضي
ولم أسألك إلاّ النزر، أنّي ... بذاك النّزر مغتبط وراض
أبحْ تفاحتيك للحظ عيني ... وأعطيك الأمان من العضاض
عبد الله بن إسمعيل بن بدر
قال:
أشكو إلى الله من سمعي ومن بصري ... ما يحلبان إلى قلبي من الفكر
قد كنت أسمع عمن لست أذكره ... خوفاً عليه من التصريح بالذكر
سمعت حتى إذا أبصرت قلت له ... يا حاش لله ما هذا من البشر
سعيد بن محمد بن فرج
أنشدني له:
سمعي فلا كان أعمى بالبكا بصري ... وقاد قلبي إلى الأحزان والفكر
فإن بكت مقلة من فقد من عرفت ... فقد بكيت بمن لم أدر بالنظر
يا واصفيه رويداً إنّ وصفكم ... لم يبق من جلدي شيئاً ولم يذر
قالوا بدا فغلطنا بالسرار له ... لما تبلجّ منه الليل بالقمر
وقوله:
سقم الأحبة للقلوب سقام ... وإذا القلوب سقمن فهو حمام
لله بدرٌ قد تنقص نوره ... بالسقم، وهو بما سواه تمام
وقوله:
بكيت ومثلي بكى للوداع ... وعاصي العزاء بشوق مطاع
ولم أحمد الصبر يوم النوى ... ولا كان من قبله في طباعي
ولو كنت لم أبك من بينهم ... بكيت على عهد حبٍّ مضاع
وأنشدني لبعضهم شعراً
كلامك مثل ريقك، ذا بهذا ... مزاج سلافة حلو بعذب
فلو أني إذا أسمعت هذا ... شربت بذاك ضاع عليَّ لبيّ
فإن أبصرتني منه صريعاً ... فغالط في هواي وشاة صحبي
وقل هو نشوة من خمر حبٍّ ... فإنّ الدنَّ قد يدعى بحبٍّ
يحيى بن عبد الملك بن هذيل
رحمه الله تعالى
أنشدني له:
لا تلم هائماً قد استحسن الوج ... د وكل أمره إلى استحسانه
فأنا الطائع المشوق لمن صا ... ر يريني الهوان في عصيانه
مرّ بي خاطراً يكاد من العج ... ب به إن يراع في ريعانه
في ملاء كأنه وهو فيها ... ورد خديه في جنى سوسانه
يشتكي بالفتور من كسل المش ... ي ولا يشتكيه من أجفانه
ولقد شفني وأسهر طرفي ... لمع برق يزف في لمعانه
شمته والظلام يفترّ عنه ... كافترار الزنجي عن أسنانه
وقوله:
ألا عودة من طيفه فيرى حالي ... ألا يا أدكاري للكرى لي أتى تالي
يكاد يضيق الجو من عظم زفرتي ... وتهفو نجوم الليل من فرط إعوالي
أبي غير تعذيبي ولو أمر الردى ... أطاع ولكن فعله هو أنكى لي

وقوله:
والثريا دنت من البدر حتى ... خلتها دارعاً يدير مجنّا
وقوله:
ومزنة والبرق ينسج فوقها ... بردين من نوء وطلٍّ باكي
مالت على طيّ الجناح وإنّما ... جعلت أريكتها قضيب أراك
وقوله في الخضاب
لما رأت شعري تغيّر لونه ... ورأته محتجباً وراء حجاب
قالت: خضبت، فقلت: شيبي إنما ... لبس الحداد على ذهاب شبابي

قاسم بن عبد الرحمن العجلي
أنشدني له:
استحيت الأغصان من قده ... وحار ماء الحسن في خدّه
أني لمشتاق إلى ريقه ... طوبى لمن يرشف من برده
محمد بن هشام بن سعد الخير
أنشدني له:
يا سقيم الجفون من غير سقم ... حاش لله أن تبوء بإثمي
أنت أذكيت في الحشا نار شوقي ... وجعلت السقام يلهو بجسمي
ما أبالي بمن لحاني إذا قا ... م خطيباً من سحر عينيك خصمي
عبد الله بن حارث
قال:
عزائم وجد ما يحل لها عقد ... وجرية دمع ليس يبقى لها خدٌّ
ومقلة ممنوع الرقاد كأنّما ... جرى بين عينيه وبين الكرى حقد
وبادية الإعراض لا عن ملالة ... ولكن إعراضاً يولده الود
منعمة تزهو بخد مورد ... كأن شعاع الشمس من خدها يبدو
وقد وثقت مني بعزم صبابة ... لها دون عقد الصبر من مهجتي عقد
وما الصّد إلا كالوصال إذا غدا ... لغير ملال أو قلى ذلك الصد
عباس بن قرماس
أنشدني له:
وأحور ما يعفى العيون من العشق ... له كذب في الجد أحلى من الصدق
وللحسن في خدّيه شمس مقيمة ... وبدر كمال لا يحور إلى محق
وما العيش إلا ميتة الهجر والنوى ... بأحور ما يبقى هواه ولا يبقي
أحمد بن محمد بن فرج
قال:
بنفسي من يصد بغير ذنب ... سوى إدلاله ثقةً بحبّي
عجبت لقلبه قاس كجسمي ... ويحكي جسمه في اللين قلبي
فهلا بالتشاكل كان قاس ... لقاس، واغتدى رطبٌ لرطب
وإن لم ينعطف باللين فظ ... فقولي بالقساوة قلب صبٍّ
وقوله:
بإيُّهما أنا في الحب بادي ... بشكر الطَّيف أم شكر الرقاد
سرى وأرادني أملي ولكن ... عففت فلم أنل منه مرادي
وما في النوم من حرج ولكن ... جريت من العفاف على اعتقادي
وقوله:
وما زال الهوى سكناً لقلبي ... أفرُّ إليه من نوب الخطوب
وألتذ الغرام المحض منه ... وأستحلي به حتى كروبي
كذاك الحب ضيف ليس يأتي ... إلى غير الكرام من القلوب
وقوله:
بمهلكة يستهلك الجهد عفوها ... فتترك شمل العزم وهو مبدد
يرى عاصف الأرواح فيها كأنه ... من الأين يمشي ظالع ومقيد
أبو الصخر عبد الله بن محمد
قال:
حبذا العيش بين يوم وصال ... مستجد وبين يوم صدود
وحديثٌ موشح بعتاب ... فيهما نزهة الفؤاد العميد
من غزال في مقلتيه سهام ... هنّ أمضى من مرهفات الحديد
وقوله:
وكم ليلة قد نادمتني نجومها ... أديمُ صبوحاً عندها وغبوقا
يعاطينني كأساً ألذ من المنى ... وأعذب من ريق الأحبّة ريق
وأنشدني لبعض شعرائهم:
أيا شمس دنياي التي كلما غدت ... لها عزة المولى فلي ذلّة العبد
أعالج داء الدهر منك بذلتي ... وقد قيل قدماً: عالجوا الضد بالضدِّ
زكريا بن يحيى المعروف بابن الطنجية
صبراً على هجر الحبيب وصدّه ... لا يؤيسنّك هجره من ودِّه
لا تقنطنَّ من الصدود فإنّما ... لين الزمان معرَّض بأشده
وأنا الفداء لشادنٍ علّقته ... حبيّه صيرني تحلّة عبده
وقوله:
قف بالمطيّ على المنازل ... بالسفح من حصن فعاقل

دمن أناخ بها الربي ... ع وحلَّ أثقال الرواحل
لعبت بها هوج البوا ... رح بالغدوّ وبالأصائل
تستنُ في عرصاتها ... وتجر أذيال القساطل
حتى كأنّ رسومها ... إخلاق أجفان المناصل
أو أسطر من عهد ذي ال ... قرنين في الصحف الأوائل

فاتك الشهواجي
رسالة من كلف الفؤاد ... معذبٍ بالصد والبعاد
أجفانه وقف على السهاد ... يبكي بدمع رائح وغادي
إلى الذي مما لقيت خالي ... منعم العيش رخيِّ البال
يريد هجري ويرى مطالي ... لئن سلاني لست عنه سالي
يا غصن بان مخجل الأغصان ... ويا رخيم الدلّ والمعاني
يا قمراً ما أن له مدانيي ... يا ذا الذي بطرفه سباني
بلغت أعداي الذي أحبوا ... صرت عليّ والزمان ألبُ
هذا جزا من بصبيّ يصبو ... عثرت والطرف الجواد يكبو
يا عبد ما تعرف ما ألاقي ... يا عبد ما شوقك كاشتياقي
نفس بحق الود عن خناقي ... ما شدد الهجران من وثاقي
يا ذا الذي يملكني بطرفه ... يا من يجل الوصف عند وصفه
يا قاتلي بوعده وخلفه ... ارحم محباً قد دنا من حتفه
ارحم عزيزاً في هواك ذلا ... ألبسته ثوباً ثم تملّى
قطعه العذال فيك عذلا ... يا بدر تم في السما تجلّى
إرث لقلب دائم الجراح ... ارع انتهاكي فيك وافتضاحي
لا تقبلنّ فيّ قول لاحي ... يا ذا الذي بكفه سراحي
فقد عفا الرحمن عما قد سلف ... فعدّ عن زور التصابي والصلف
واحن على الصب بوصلٍ وانعطف ... إن لم ينله منك إحسان تلف
بحق ما في فيك من رضاب ... يا من غذته نعمة الشباب
لا تقطعنّ الدهر في عتاب ... فقد تقضي زمن التصابي
بحق من أنزل صحفاً وكتب ... إجعل إلى القلب طريقاً وسبب
يا لعبة وافت على كل اللعب ... قد مسني بعدك بؤس ونصب
لم يرض بالذلة غير نذل ... ولست أرضى بقبيح الفعل
إني أرى من دون هذا قتلي ... فاقطع وصالي أو فجد بالفضل
وهي طويلة جداً
أبو بكر إسماعيل بن بدر
أنشدت له:
غزال جنينا الورد من وجناته ... على أنه منّا القلوب بها يجني
إذا ما بدا والليل منسدل الدجا ... رأيت سناه كيف يفعل بالدجن
أخبره بالطرف أني أحبه ... فتخبرني عيناه أن قد وعى منّي
وقوله:
كيف ترى شوقي وتعذيبي ... يا غاية في الحسن والطيب
إن الذي قال علي العدى ... إفك كما قيل على الذيب
يا يوسف الحسن أما رحمةً ... تكشف عنّي ضرّ أيوب
مؤمن بن سعيد بن إبراهيم
أنشدت له:
قل لمن لست أسمي ... بأبي أنت وأمي؟
ما على بعض ظباء ال ... إنس لو فرّج همّي؟
سيّدي، وجهك شمس ... أشرقت أم بدر تم؟
وقوله:
أودي الفراق بقلبه فكأنّه ... بعد الظعائن ميتٌ لم يلحد
يا ظاعناً ولَّي بقلبي إذ غدا ... ما الصبر من جزعي عليك بأحمد
أفنيت فيك دموع عيني بعد ما ... أفنيت فيك تصبري وتجلدي
الله يعلم أن نار صبابتي ... من يوم بنت جحيمها لم يبرد
وقوله:
ذكر الرصافة قلبه فاشتاقا ... وأذاع ماء جفونه مهراقا
كم بالرصافة من أخ لي مسعد ... لولا النوى ما جئنهم مشتاقا
يا حبذا أرض الرصافة منزلاً ... لقي الفؤاد بذكره ما لاقى
لا تنكروا شوقي إلى بلد به ... أهلي فحكم البين أن أشتاقا
وقوله:
إنما أزري بقدري أنني ... لست من بابة أهل البلد

ليس منهم غير ذي مقلية ... لذوي الألباب أو ذي حسد
يتحامون لقائي مثلما ... يتحامون لقاء الأسد
طلعتي أثقل في أعينهم ... وعلى أنفسهم من أحد
لو رأوني قعر بحر لم يكن ... أحد يأخذ منهم بيدي

الوزير أبو وهب عبد الوهاب بن محمد
قال:
قتلت عيناك عبدك ... قبل أن تقضيه وعدك
حلت عن عهد محب ... لم يزل يحفظ عهدك
عبد محمد بن حسين بن طلحة العبسي
قال:
كيف صبري وأملح الثقلين ... مخلف موعدي ولاوٍ بديني
كلما رمت وصلها وصلتني ... بصدود وذنبتني ببين
هي وسنى الجفون لكن بنوم ... مذ أرتنيه أذهبت نوم عيني
الوزير أبو عثمان عبيد الله بن محمد
بن أبي عبيدة
أنشدت له:
أمولاي حتى متى أضرع ... وأشكو إليك فما تسمع
نبا بي الوساد وطول البعاد ... وطار الرقاد فما أهجع
أود بأن المنايا أتت ... وأين يرى اللحد لي مضجع
يقطع قلبي صدودك عني ... فما لي في عيشة مطمع
وقوله:
صدود ليس يبلغه عقاب ... وعتب ليس يثنيه عتاب
وإبعاد بلا ذنب طويل ... وقوله:إعراض وصد واجتناب
فلا سهر يطيب ولا رقاد ... ولا أكل يسوغ ولا شراب
محمد بن مطرق بن شخيص
أنشدت له:
يقولون كم تدعو إلى غير راحم ... وما كل من يشكو إلى الناس يرحم
وددت بأن يرضى فإن جاد بالرضا ... تفكر في ذنب المحب فيندم
وقوله:
كان في كثرة العتاب دليل ... لي على أن من هويت ملولُ
من نوى جفوة تقول في الح ... ب على من يحبه ما يقول
فاقطعي الوصل أو صلي فبقائي ... مع طول العتاب منك قليل
واسلكي بي سبيل عروة إن لم ... يتجه لي إلى رضاك سبيل
وقوله:
ولم أدر إذ زموا الهوادج بالضحى ... أطرفي أعمى أم نهاري مظلمُ؟
فيا جفن عيني كيف تطمع في الهوى ... بنوم ونوم العاشقين محرمُ؟
علي بن حتفان بن أخت النظام
أنشدت له:
وذكرت ما يلقى المحب مخلفاً ... بعد الأحبة من جوى وسهادِ
بالله لا تنس الوداد فإنني ... باق على عهدي ومحض ودادي
محمد بن عبديس الجنائي رحمه الله
أنشدت له:
إليك أمد بشجوي يداً ... فقد بلغ الحب مني المدى
فريد المحاسن أنت الذي ... قد أثبتني في الأسى مفردا
ترفق فلو كنت بعض العدى ... وفعلك فعلك ما بي عدا
أرحني فقد بت مما لقيت ... وأرح ما أرتجيه الردى
أحمد بن أبي صفوان
بن العباس ابن عبد الله بن عمر بن مروان
قال:
فلو تراني نشواناً أميل على ... هذا وذاك بلا خوف الرقيبين
والكأس يسعى ونقر العود يخفرها ... ونقل كأسي من ريق الغزالين
رأيت أحسن مرئي وأبهجه ... ليث العرين صريعاً بين ريمين
أغلب بن شعيب
أنشدت له:
رب ليل أحييت فيه سنا الصب ... ح بوجه يعشي الوجوه سناهُ
بات والراح في غلائلها البي ... ض تعاطيكها به راحتاه
فأعار الكؤوس توريد خدي ... ه وطيب النسيم من رياه
وكأن المدام قد علمتها ... كيف تسبي ألبابنا مقلتاه
وقوله:
قد توقعت حادث البين إشفا ... قاً عليه من قبل حين وقوعه
فرأيت الفراق دل على أن ... فراق الحياة في توديعه
وقوله:
من مجير المشوق من أشواقه ... ويكف الدموع من آماقه
بان عني من غادر القلب مني ... فرقاً من تأسفي لفراقه
وأنشدني لبعض أدبائهم:
وليلة أنس كاد يسبقها الفجر ... وتسفر في عيني بها الظلم الكدرُ

لقيتك منها بالأماني ذاكراً ... فيا طيب ليلى من لقاءٍ هو الذكر
أقمتك في نفسي لنفسي تذكراً ... ففزت بوصل ما يغالبه الهجر
ألست نظير البدر حسناً وبهجة ... فما لك لا تسري كما يفعل البدر؟

محمد بن سليمان الفاني الأكبر
قال:
أمثل شوقي إليك ينفرج ... وهو بروحي والجسم ممتزج؟
أين لقلبي من الهوى وزر ... ولوعة الشوق فيه تعتلج؟
وأبابي من يذيب نفسي بالت ... كريه منه الدلال والغنج
علَّم طرفي السهاد من طرفه الس ... احر ذاك الفتور والدعج
حسن بن محمد بن ربيع الفاني
قال:
لولا جفونك ما استولى بي الكمد ... ولا تحكم في أجفاني السهدُ
الهجر يذكي جوى قوم فيا عجباً ... للوصل يذكي جوى قوم فيتقد
كأنه ليس يبقى في جوانحه ... إلا ليشقى بما يلقى وما يجد
هذا مقام فؤادي في تشوقه ... فلا تسل بعد ذا إن كان لي كبد
عبد الله بن بكر
رحمه الله تعالى
أنشدت له:
حسدتْ نفسي الطبيب وقالت ... ليت كفي مكان كف الطبيبِ
عجباً كيف ساعدته يداه ... فصد ذاك المطرف المخضوب
ليت وجه الحبيب كان من الدن ... يا ومن جنة الخلود نصيبي
وقوله:
لما رأيت شعاع وجهك قد بدا ... متهللاً كتهلل البرقِ
سبحت من عجب وقلت: متى ... للشمس مطلع سوى الشرق؟
ما كنت أحسب مثل صورتها ... متكوناً أبداً من الخلق
وأنشدني للكلبي:
بنفسي من هواك لهيب شوق ... وما يخبو كما يخبو اللهيبُ
هو الداء الذي لم يشف منه ... لقاء يلتقيه ولا مغيبُ
وتروي بالعناق قلوب قوم ... وتظمأ لو تعانقت القلوب
على أني إذا ما غبت عني ... وإن أصبحت في أهلي غريب
قال: وعتب الحكم ولي العهد على الكلبي في بعض الأمر فأقصاه أبعده، فكتب إليه كتاباً متنصلاً، وجعل عنوانه عبده الكلب إلا أن يمنحه مولاه ياء نسبته، فاستظرف الحكم كتابه، وضحك منه، ودعاه فأعتبه، ووصله.
محمد بن حفص بن فرح
قال:
يا من غدت نفسه نفسي فإن سلمت ... سلمت أنشد أو ألمت له: ألمت قاسمتها الألما
ما إن علمت الذي تشكوه من سقم ... حتى وجدت بنفسي ذلك السقما
وله:
في المنى راحة لكل عميد ... شفه الحب بالنوى والصدود
إن تناءى الحبيب أدنته منه ... فغدا في العباد غير بعيد
أو جفاه فإنه لمناه ... واصل حبله برغم الحسود
عبد الله بن محمد بن فرح الأندلسي
قال:
شكا السقم من أهوى وجد به الصبا ... ولا مثل ما جد الصبا بي في الحب
وما عدته إلا وسقمي واحد ... وأبت ولي سقمان بالحب والكرب
وقوله:
ما لهذا الصدود من غير معنى ... يا حبيبي، إلى متى تتجنى؟
أنت غصن فكيف تقسو لجان ... مد كفاً وأنت تهتز لدنا
إن تكن قد مللت قربي تباعد ... ت قليلاً لعلني سوف أدنى
أيها الباخل الممانع جد لي ... من حياتي ببعض ما أتمنى
أو أرحني بالموت فالموت عندي ... هو خير من أن أعيش مُعنّى
وقوله:
رحلت وقلبي عنك ليس براحل ... وزلت وصبري عنك أول زائلِ
وجدت بنا العيس العتاق وإنما ... رحيلي من الدنيا بتلك الرواحل
ومن عجب أختار فيك منيتي ... وما في الدنيا من خيار لعاقل
وقوله:
نظرت إلى عقدات الكثيب ... بعيني مشوق إليها كئيبِ
وكم نظرة ملأت ناظري ... إليها دما مستهل الغروب
رعى الله أهل كثيب اللوى ... كرعيك منهم عهود الحبيب
وشقق فيهم جيوب السماء ... كما شقق البين رتق الجيوب
وقوله:

أرى نار ليلي بالعقيق تلوح ... فتدنو النوى بالشوق وهي تروحُ
نظرت إليها وهي تسبح في الدجى ... وإنسان عيني في الدموع سبوح
فسلني بوجد لو تقسم في الورى ... لما بات بين الخافقين صحيح
فيا لك ناراً تصطليها جوانحي ... ودون الصلا منها مهامه فيح

محمد بن أحمد بن قادم
قال:
لم أبح باسمه لأني ضنين ... باسمه أن تذيله الأفواه
أنا من خاطري أغار عليه ... عند ذكري له فكيف سواه
ساء ظني لفرط غيرة قلبي ... مع علمي عفاف من أهواه
وإذا ما سمعت من يتشكى ... حرقة خلت أنها شكواه
وقوله:
إني زعيم لمن أسهرت مقلته ... أن لا يطيف به طيف من الوسنِ
سبحان رب الورى ما كان أغفلني ... حتى رمتني الليالي فيك بالمحن
وقوله:
قف بربع البلى وربع الهموم ... واسفح الدمع فيه سفح الغيوم
غيرت آية صروف الليالي ... ومحاها الغمام محو الرقيم
ساء ما اعتاض بالسحائب من نب ... ت المعالي بمنبت القيصوم
فالأسى حين يعدم الشيء محمو ... لٌ على قدر جوهر المعلوم
وقوله:
أما والبيت والشهر الحرام ... وزمزم والمشاعر والمقامِ
لقد حنت ركاب الركب حتى ... شجت قلب الخلي من الغرام
إذا شاق الحنين فؤاد خلو ... فكيف نرى فؤاد المستهام؟
تحن إلى حنين العيس نفسي ... ويبعث شجوها نوح الحمام
وإن حياة نفس كل شيء ... يشوقها لموشكة الحمام
وقوله:
ما كان تركي للعيادة عن قلى ... مني ولا لتبدل وتغيرِ
لكن علمت إذا سمعتك تشتكي ... أن لا يقوم به جميل تصبري
محمد بن عبد العزيز العتبي
قال:
فاسأل بهن ربوعهن، وما الذي ... يجدي عليك سؤال ربع داثر؟
عفت معالمه الليالي مثل ما ... عفى سواد الشعر بهجة عامر
وقوله:
حوراء خود تستعير إذا مشت ... لين القضيب الناعم المياسِ
لانت أناملها ولكن قلبها ... في قسوة الحجر الصلود القاسي
وقوله:
ألا في سبيل الله قلب متيم ... أصيبت ببين الظاعنين مقاتله
هوى صبره بالبين من ذروة الهوى ... وغالته إذ بان الخليط غوائله
وبين الحمول المستقلة شادن ... أغن غليظ القلب رخص أنامله
تيقنت أن الصبر عني زائل ... عشية زمت للرحيل رواحله
محمد بن مروان بن حرب
قال:
من فرط شحي عليك أني ... رسول نفسي إليك عني
فلو سألت الرسول ممن ... أتى لقال الرسول مني
المكفوف محمد بن محمود بن أيوب الغنوي
قال:
لا يبعد الله أياماً نعمت بها ... بين الغواني وشمل الحي ملتئمُ
بكل ناعمة الأطراف مشرقة ... تكاد تسفر من إشراقها الظلم
كأنها دمية بل كوكب شرق ... بل روضة أنف زهراء بل صنم
فما لمثلي لا يبكي لفرقتها ... والعهد منها ولو أن البكاء دم
مازن بن عمرو بن مروان
بن محمد بن عاصم
قال:
كم لي بمن أهواه من وجد ... بين إلى هجر إلى صد
عبرة لو أنها جمرة ... ما أطفئت من شدة الوقد
إن حالت الريح إلى غيرها ... أقول قد حال عن العهد
وإن دنا دان توهمته ... دنا ليثنيك عن الود
كأن سوء الظن مستجمع ... من بين هذا الخلق لي وحدي
وقوله:
ومنعم للحسن في وجناته ... فجر ينم صباحه ونهاره
قد تاه قرطقه بنهدي صدره ... زها بلعبة خصره زناره
أمسى يعللني المدام وعنده ... عود ترن بشجوه أوتاره
فيهيج مني لوعة لو أنها ... بصفا المقرر ضعضعت أحجاره

والدنُّ مقطوع الوتين ترى له ... علقاً يجد بصوبه مدراره
طفئت مصابحنا فكان سراجنا ... مصباحه حتى الصباح وناره

أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز
ابن أمية بن الإمام الحكم
قال:
لن منعوا من ناظر نور ناظري ... فما منعوا ما بيننا في الضمائر
نموت ولا نشكو الهوى غير أننا ... إذا ما التقينا نشتكي بالمحاجر
وقوله:
ودعني إذ ودعوا صبري ... وجمعوا البين إلى الهجر
واستخلفوا في كبدي لوعة ... لاعجها أذكى من الجمر
لولا دموع العين يوم النوى ... لأحرقت من حرها صدري
وكيف صبري في هوى شادن ... مكتحل الأجفان بالسحر
محمد بن عبد الله بن عبد الواحد
المعروف بعرجون
قال:
يا رسولي أبلغ إليها شكاتي ... واسألنها ولو بقاء حياتي
قال لها قد قضى هواك عليه ... فهو ميت أو مؤذن بالممات
فالحظيه ترين إن شئت ميتاً ... كان يحيا بأيسر اللحظات
واعجبي أن تكون لحظة عين ... منك تهدي الحياة للأموات
عيسى بن أبي جرثومة
قال:
يا من سقتني كأس الحب عيناه ... صرفا وثنى بأخرى طيب رياه
وزادني وردتي خديه ثالثة ... فأسكرتني عيناه وخداه
يا من كساه ضياء الحسن خالقه ... فبالملاحة حياه ورداه
حي يرجي سلاماً في ملاحظة ... تشفي به سقم قلب طال بلواه
أحمد بن عبد الملك بن مروان
قال:
ولقد نفست على الأراك، وحق لي ... لما اجتني بالذوق طيب جناكِ
وبي الصدى لا بالأراك، فما له ... رشف اللمى وحرمت رشف لماك؟
أشعرت لو أني حللت محله ... لم أمتهنك بأن أقبل فاك
وقال:
على صدع شملي منك قلبي تصدعا ... فعن أي حال منك أبدي التوجعا؟
على النأي منكم أم على قرب داركم ... بهجر يزيل الصبر عني أجمعا؟
بلى إن في قرب الديار لراحة ... وإن لم يدع فيك هجرك مطمعا
كما أن أيام النوى تبعث الأسى ... ويدعو التصابي للمحب إذا دعا
وقوله:
هبت لنا الريح من تلقاء كاظمة ... وهناً فكم رد نفح الريح من روح
وما عرفت نسيم الريح من بلدي ... إلا بعرف حبيب هب في الريح
عيسى بن جوشن
قال:
أضاع سافح دمع العين حين همى ... من الجوانح سراً كان مكتتما
لا تحسبي أنه سر بذلت به ... ولا فتحت به للكاشحين فما
لولا عواصي دموع لا تطاوعني ... ما ذاع سرك عندي لا ولا عُلِما
لؤم بذي الحب أن يبدي سرائر ما ... يهوى ومن صانها حفظاً فقد كرما
سجيتي أنني أرعى ودائعكم ... وأحفظ العهد منكم كلما قدما
وأنني أمنح الواشي بكم أذناً ... معارةً فيكم عن قوله صمما
عبد الله بن سعيد الكاتب
المعروف بابن الأخرس
قال:
ما لعذري يزيد في قدر ذنبي ... وعتابي يغريك في بعتبِ
ولماذا اشتريت ودي وقد أع ... طيتك الود من لساني وقلبي
حسبي الله من أعاد وحسا ... دٍ، وبالصدق في ترضيك حسبي
أنت شربي وليس في العيش حظ ... لي يصفو إذا تكدر شربي
عبد الله بن حسين بن عاصم بن طاهر
قال:
أبدى الصدود حبيب ... قد خان عهدي وملاً
ولي فمن لي بروحي ... يردها إذ تولى؟!
لا آخذ الله منه ... من بالجفاء تحلى
وقوله:
أغرى بي الشوق فكر ما يسالمني ... أقام بين ضلوعي حرب صفينا
هذا وما خان أحبابي الأولى ظلموا ... وإنهم لعهود الحب راعونا
يا أهل ودي عدا بي عن زيارتكم ... هوى يلح بإبعادي أحايينا

ما لي على الحب من عون يوازرني ... فيه سوى أدمع تجري أفانينا

الوزير أبو الحزم جهور بن عبد الله
قال:
يا عائباً لي بالصدو ... د إذا ذكرت قبيح عذرك
أخليت من قلبي مكا ... ناً كان معموراً بذكرك
وأنا أحبك لو وثق ... ت وأستديم بقاء عمرك
عيسى بن عبد الملك بن قزمان
قال:
كم من حبيب كان لي قرة ... مقترب الود لطيف المكانْ
يرى على الأعداء فيما يرى ... كالصارم الهندي أو كالسنان
حتى إذا الدهر نبا نبوة ... حال فحلنا بانقلاب الزمان
كان صديق الغيب فيما يرى ... وإنما كان صديق العيان
وقوله:
تقول: بعدت فأنسيتنا ... ولم يك حبك بالدائم
فقلت لها: لو علمت الهوى ... لما جرت فيه على العالم
لأن الهوى وانتزاح النوى ... يزيدان في لوعة الهائم
كفعل الرحيق وسكر الكرى ... إذا ما استعانا على النائم
محمد بن عبد الجبار النظام
قال:
إن جهلاً بالمرء ذي الحزم والرأ ... ي رجوع في الغي بعد نزاعِ
ومحالاً بأن يطيع هواهوالهوى ما علمت شر مطاع
وله:
أودعت مهجتي غداة الوداع ... حرقات تجنها أضلاعي
طفلة تستبي العقول بدل ... آخذ للقلوب والأسماع
كشف البين ما كتمت وما كن ... ت قديماً أصونه في قناعي
الوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك
بن شهيد
أنشدني له أبو سعيد بن دوست، قال: أنشدني الوليد بن بكر الفقيه الأندلسي قوله من قصيدة يمدح فيها:
وأخرى اعتلقنا دونهن، ودونها ... قصور وحجاب ووال ومعشر
يزينها ماء النعيم حفها ... من العيش فينان الأراكة أخضر
إذا رامها ذو حاجة صد وجهه ... ظبا الباترات والوشيج المكسر
ومنها:
ومن قبة لا يدرك الطرف رأسها ... تزل بها ريح الصبا فتحدر
إذا زاحمت فيها المخارم صوبت ... هبوباً على بعد المدى وهي تجأر
تكلفتها والليل قد جاش بحره ... وقد جعلت أمواجه تتكسر
ومن تحت حضني أبيض ذو شقاشق ... وفي الكف من عسالة الخط أسمر
إلى بيت ليلى وهو فرد بذي الغضا ... يضيء كعين المستهام ويزهر
هما صاحباي من لدن كنت يافعاً ... مقيلان من جد الفتى حين يعثر
فذا جدول في الكف تشفي به المنى ... وذا غصن في الكف يجني ويثمر
فبتنا على ضم اشتياقنا ... تكاد له أكبادنا تتفطر
ومنها:
ودوية من فتنة مدلهمة ... دريس الصوى معروفها متنكر
إذا جابها الخريت في طرقاتها ... يظل بها أعمى وإن كان يبصر
ترى ثابتات الحكم عند اعتسافها ... ترك على إدفافها فتهور
وإن سلكت أضواجها عييت بها ... غوارب من ذي مطريات تزجر
وسرنا نجوز النهج حتى بدا لنا ... بغرة يحيى ساطع اللون أزهر
وله من أخرى أولها:
أمن رسم دار بالعقيق محيلِ
ولما هبطنا الغيث يذعر وحشه ... على كل خوار العنان أسيلِ
مسومة نعتدها من جيادنا ... لطرد قنيص أو لطرد رعيل
إذا ما تغنى فوق متونها ... ضحياً أجابت تحتهم بصهيل
تدوس بنا أوكار نوء كأنه ... رداء عروس أوذنت برحيل
رمينا بها عرض الصوار فأقعصت ... أغن قتلناه بغير قتيل
وبادر أصحابي النزول فأقبلت ... كراديس من غض الشواء نشيل
فقلت لساقيها أدرها سلافة ... شمولاً ومن عينيك صرف شمول
فقام بكأسيه مطيعاً لإمرتي ... يميل به الإدلال كل ميل
وشعشع راحيه فما زال مائلاً ... برأس كريم منهم ونبيل
وله من أخرى:

منازلهم تبكي إليك عفاءها ... سقتها الثريا بالعري نحاءها
ألَثَّتْ عليها المعصرات بقطرها ... وجرت بها هوج الرياح ملاءها
حبست بها عدواً زمام مطيتي ... فحلت بها عيني علي وكاءها
رأت شدن الآرام في زمن الهوى ... ولم تر ليلي فهي تسفح ماءها
خليليّ عوجا بارك الله فيكما ... بدارتها الأولى نحيِّ فناءها
ولا تمنعاني أن أجود بأدمعٍ ... حواها الجوى لما نظرت جواءها
فأقسم ما شمت الغداة وقودها ... وقد شمت ما راب الحمى وأساءها
ميادين أفراس الصبا ومراتع ... رتعت بها حتى ألفت ظباءها
ولم أر أسراباً كأسرابها الدمى ... ولا ذئب مثلي قد رعى ثم شاءها
ولا كضلال كان أهدى لصبوتي ... ليالي يهديني الغرام خباءها
وما هاج الشوق إلا حمائم ... بكيت لها لما سمعت بكاءها
تغنّ فلا يبعد بذي الأيك عاشقٌ ... بكى بين ليلى فاستحث بكاءها
أنا البحر لا يستوهن الخطب طاقتي ... وتأبى الحسان أن أطيق لقاءها
تيمم قصدي النائبات فردَّها ... فتى لم يشجع حين حان رياءها
إذا طرقته الحادثات أعارها ... شبا فكرات قد أطال مضاءها
أما وأبي الأعداء ما دفعتهم ... يد سبقتهم يتقون عداءها
جزاهم بما حازوا من الجهل حلمه ... كريم إذا رأيُ المكارم جاءها
ومنها:
وكم لك من يوم وقفت بظله ... وقد نازلتنا الحادثات إزاءها
ومن موقف ضنك زحمت به العدى ... وقد نفضت فيه العقاب رداءها
وكم أمة أنجدتها وكأنها ... يرابيع سدّت خيفة قصعاءها
ومن خطبة في كبة الصك فيصل ... حسمت بها أهواءها ومراءها
ومن أخرى أولها:
أنكيت إذ ظعن الفريق فراقها
يقول فيها:
إني امرؤٌ لعب الزمان بهمتي ... وسقيت من خمر الخطوب دهاقها
فإذا ارتمت نحوي المنى لأنالها ... وقف الزمان لها هناك فعاقها
فإذا أبو يحيى تأخر سعيه ... فمتى أؤمل في الدنا إلحاقها
الملبسي ذهبية من فضله ... ثنت العيون فلم تطق رقراقها
والمانعي من صرف دهري بعدما ... قلبت إليَّ الحادثات حداقها
حتام لا تزوي جيادك للوغى ... وتشيم من بيض السيوف رقاقها
وتسد طرق الأرض منك بجحفل ... يذر الملوك مديمة إطراقها
بحر إذا خفقت عقاب لوائه ... بتخوم أرض لم تخف إخفاقها
ومنها:
بطل إذا خطب النفوس إلى الوغى ... جعل الظبا تحت العجاج صداقها
لو عارضت هوج الرياح بنانه ... يوماً لسد ببعضها آفاقها
وإذا الملوك جرت جياداً في الوغى ... والجود قطع غفوة أعناقها
ولو أنّ أفواه الضراغم منهل ... للورد أورد خيله أشداقها
وقوله:
أفي كل عام مصرع لعظيم ... أصاب المنايا حادثي وقديمي
فكيف لقائي الحادثات إذا سطت ... وقد فل سيفي منهم وعزيمي
مضى السلف الوضاح إلاّ بقيةً ... كغرَّة مسود القميص بهيم
وكيف اهتدائي في الخطوب إذا دجت ... وقد فقدت عيناي ضوء نجومي
أما وأبي الأيام لو لا اعتداؤها ... لظاهرت في ساداتها بقروم
وقارعت من يبغي قراعي منهم ... بأحلام بطش أو بطيش حلوم
أحلوا ملامي لا أبا لأبيهم ... وإني وربِّ المجد غير ملوم
فلا تعذلوني إن ولهت فإنها ... علاقة حبر لا علاقة ريم
وقوله:
قد تركنا الصبا لكل غويٍّ ... وانسلخنا من كل ذام وعاب
وانقطعنا لواعظات مشيبآذنتناحياتها بذهاب

وإذا ما الصبا تحمّل عنا ... فقبيح بما ارتضاه التصابي
وفتوٍّ سروا وقد عكف اللي ... ل وأقعي مغدودن الأطناب
وكأن النجوم لما هدتهم ... أشرقت للعيون من آدابي
وكأنّ البروق إذ طالعتهم ... أوقدت في سمائها من شهابي
يتقرون جوز كل فلاة ... جنح ليل جوزاؤه من ركابي
عنّ ذكري لمدلجيهم فتاهوا ... من حديثي في عرض أمرٍ عجاب
همة في السماء تسحب ذيلاً ... من ذيول العلا وجدَّ كابي
وفتىً أرهفت ظباه المعالي ... فثنته بالباتر القرضاب
نيبته أيامه وليالي ... ه بظفر من الخطوب وناب
حوّلٍ لو رآه صرف الليالي ... لتوارى من خوفه في حجاب
ذاق أيامه فكان سواء ... عنده طعم شهدها والصاب
ولو أنّ الدنيا كريمة نجر ... لم تكن طعمة لفرس الكلاب
وإذا ما نظرت ما حاز غيري ... قلّ عما حملته في ثيابي
وقوله:
أصفيح شيم أم برق بدا ... أم سنا المحبوب أورى أزندا
هبّ من مرقده منكسراً ... مسبلا للكمِّ مرخ للردا
يمسح النعسة من عيني رشأ ... صائد في كل يوم أسدا
كاد أن يرجع من لثمي له ... وارتشافي الثغر منه أدردا
قال لي يلعب: صد لي طائراً ... فتراني الدهر أجري بالكدا
فإذا استنجزت يوماً وعده ... قال لي يمطل: ذكرني غدا
وأنا المجروح من عضته ... لا شفاني الله منها أبدا!
ومكان عازب من جيرة ... أصدقاء وهم عين العدا
ذي نبات بلبلت أعرافه ... كعذار الشعر في الخد بدا
قلت إذ خيمت فيه قاطناً ... وتلاقتني الأماني سجدا
ورأيت الدهر خوفي ساكناً ... وبنى الأحرار حولي أعبدا
جاد من أصبحت في أيامه ... والردى يحذر من خوفي الردى
ملك يحسب عدلاً ملكاً ... وإمام أّمَّ فينا فهدى
خلته والرمح في راحته ... قمراً يحمل منه فرقدا
نعم ما اخترت لنفسي فاعلموا ... إن زمان جار أو صرفٌ عدا
ليس من يعشو إلى نار القرى ... مثل من يعشو إلى نار الهدى
ومن شعره:
أبرقٌ بدا أم لمع أبيض قاصل ... ورجع شدا أم رجع أشقر صاهل
ألا إنها حرب جنيت بلحظة ... إلى عرب يوم الكثيب عقائل
هوى تغلبيٍّ القلب فانطوى ... على كمدٍ من لوعة القلب داخل
ردى تعلمي بالخيل ما قرَّب النوى ... جيادك بالثرثار يا ابنة وائل
جزينا بيوم المرج آخر مثله ... وغصن سقينا ناب أسمر عاسل
ومنها:
سهرت لها أرعى النجوم وأنجما ... طوالع للراعين غير أوافل
وقد فغرت فاهاً بها كلّ زهرة ... إلى كل ضرع للغمامة حافل
كأنّ الدجى بها كل زهرة ... تحدٍّر إشفاقاً لدهرٍ مماحل
وما بي إلاّ همةٌ أشجعية ... ونفس أبت لي من طلاب الرذائل
وكيف ارتضائي دارة الجهل منزلاً ... إذا كانت الجوزاء بعض منازلي
وصبري على محض الأذى من أسافل ... ومجدي حسامي والسيادة ذابلي
ولما طمى بحر البيان بفكرتي ... وأغرق قرن الشمس بعض جداولي
زففت إلى خير الورى كلَّ حرةٍ ... من المدح لم تخمل برعي الخمائل
وما رمتها حتى حططت رحالها ... على ملك منهم أغر حلاحل
وقوله من قصيدة أولها:
هاتيك دارهم فقف بمغانها
يقول فيها:
ودَّعتهم وزناد قدح في الحشا ... دون الضلوع يشبُّ من نيرانها
يا صاحبيَّ إذا ونى حاديكما ... فتنشقا النفحات من ظيَّانها

وخذا بمرتبع الحسان فربما ... شفع الشباب فصرت من أخدانها
وكأنما الشعرى عقيلة معشر ... نزلت بأعلى النسر من ولدانها
وكأنما طرق المجرة منهجٌ ... للعامرية ضامنٌ فينانها
المعجلين عداتهم برماحهم ... والجاعلين الهام من تيجانها
أنا طودها الراسي إذا ما زلزلت ... أيدي الحوادث من فؤاد جبانها
وعليَّ للصبر الجميل مفاضةٌ ... زغف أفلٌّ بها شباة سنانها
وكأنّني لما كرمت وقد شكت ... أرضى الحوادث غبت من حدثانها
وقضت بعزّ النفس مني دوحة ... من عامرٍ أصبحت من أغصانها
أسري لهم بالخيل حتى خيلوا ... أنّ الجبال رمتهم برعانها
ورمى العدى بكتائب ملء الفضا ... أعمدن نصل الصبح في رهجانها
من كل سلهبة تطير بأربع ... ينسيك مؤخرها التماح لبانها
نشأوا بزاهرة الملوك ومائها ... وكأنهم نشأوا على غسَّانها
وأَرتهم العرب الكرام مصاعها ... فتعلموا من ضربها وطعانها
وقوله من قصيدة أخرى:
خليليَّ ما انفك الأسى منذ بينهم ... حبيبي حتى حلَّ بالقلب فاختطا
أريد دنواً من خليلي وقد نأى ... وأهوى اقتراباً من مزار وقد شطا
وإني لتعروني الهموم لذكركم ... هدوّاً فلا أستطيع قبضاً ولا بسطا
وإن هبوط الواديين إلى النقا ... بحيث التقى الجمعان واستقبل السقطا
لمسرح سربٍ ما تقرَّى نعاجه ... بريراً ولا تقرو جآذره خمطا
ومرتجز ألقى بذي الأثل كلكلاً ... وحطّ بجرعاء الأبارق ما حطّا
سعى في قياد الريح يسمح للصبا ... فألقت على غير التِّلاع به مرطا
وما زال يروي الترب حتى كسا الربى ... درانك والغيطان من نسجه بسطا
وعنت له ريح فأسقط قطره ... كما نثرت حسناء من جيدها سمطا
ولم أر درا بدَّدته يد الصبا ... سواه فبات الزهر يجمعه لقطا
وقوله يصف الذئب وأحسن:
أزلّ كسا جثمانه مستتراً ... طيالس سوداً كالدجى وهو أطلس
فدلّ عليه لحظ خِبٍّ مخادعٍ ... ترى ناره من ماء عينيه تقبس
وقوله:
وأغر قد لبس الدجى ... برداً فراقك وهو فاحم
يحكي بغرته هلا ... ل الفطر لاح لعين صائم
أرمي به بقر الحمى ... وأصدُّ عن عصم العواصم
وتجانبي فتق النفو ... س. من المهاريت الدلاقم
حتى إذا علم الصبا ... ح أشار من تلك المعالم
وتمايلت أيدي الثري ... ا وهي مذهبة الخواتم
ورنت ذكاء بناظر ... رمد من الأقذاء سالم
قلت: ومن رسائله العجيبة قوله يصف البرد والنار والحطب: أطال الله بقاء مولاي الذي أهتدي بمصباحه،وأعشو إلى غرره وأوضاحه، صبحتنا اليوم خيل البرد مغيرة، فانقبضت إلى أخريات الإيوان، وقد كدسني بصارم وسنان. فجعلت مجني حطباً دل على نفسه، وتشظى من يبسه فسلطت عليه صاحب الشرر ورميته منها ببنات الحديد والحجر. فواقعه قليلاً، وعاركه طويلاً. فكان لها عجيج، وله حرها ضجيج. ثم خلا لها صريعاً، واستولت عليه صعباً منيعاً. فبددت شمله وألفت شملها، واستحالت حية لا يستلذ قتلها، ترمي بألوان وتتهدد بلسان، فلذعت البرد لذعة، ونكرته على فؤاده نكزة، خرّ لها على جبينه، ومات بها من حينه. وغشينا من فائض حمتها حر كان لنا حياة، ولذلك وفاة. فالحمد لله على نعمته، وما أرانا من غريب قدرته، ودلنا به من لطيف صنعته. ولما استحال جمرها رماداً، وقد مهد لنا من الدفء مهاداً، ولمحته العين كالورد، وذر عليه كافور الهند، انبسطت نفس شاكرك فتذكر لما كلفته، من الزيادة في المعنى الذي اعتمدته، محرماً له لا مقتدياً به، ومستثنياً فيه لا آخذاً منه.

وله من أخرى يصف فيها البرد والحمام:
لما تلقى اليوم البرد شاكرك بنوع، ومشى إليه بروع، وكان بالأمس برداً أجحف، فابتنى من سحابة أو طف، فقصد بيت النار، ومورد الأبرار والفجار. فلما رأى الناس أخلاطاً تذكر جهنم، ولفحها المتضرم، وقوله تعالى " إن منكم ورادها " واستعاذ بالله من لهبها، وسأله أن لا يكون من حطبها، وإذا بأهلها يتساقون أكواب الحر، ويتعاورون أثواب القر، فلما أخذت منهم حمياه، تهللت الشفاه، وانطلقت الأفواه، فأخذوا من تجالدهم، وأكثروا من عوائدهم، وكشفت الأبشار، وهتكت الأستار، وجعلوا يتجالدون دلكا، ويتضاربون حكا. حتى إذا خرجوا بجماهرهم، وانحفلوا بحذافرهم. صب على جسمه من عريض، وامتد على وضاح ذي وميض، قاربه الحر حتى احتواه، وباعده القر حتى اشتهاه. فحينئذ أخذ في طهره، وقضى من أمره، وقد لطف حسه، وتراجعت إليه نفسه. فذكر ما خاطبك به أمس في المعنى الذي كلفته، على الاختيار الذي قصدته، فإذا ما خاطبك به أمس في المعنى الذي كلفته، على الاختيار الذي قصدته، فإذا بذلك الكلام لا يدل على سواه، ولا يقتضي لغير معناه، فأثبتت فقراً مخترعة أرهفت جوانبها، فسالت غرائبها، وهي حلة ملبسها المشكور، فإن كان ذلك طرازاً على كمها، ورقماً على حاشيتها، فإن كان زاد أن يكون عن كريم، فإن ذلك تميمة لوشيها، وذهب يرف على أرضها، فالشكر حلوبة مسخرة للمشكور، دريها أمل، وملحها عسل. فإن كانت من كريم روضها ورداً، وحوضها شهداً، وإن زاد أن يكون عن كريم كانت ناقة صالح، صرها ثواب، وحفظها عقاب، والشكر طائر يتغنى باسم المشكور فإن كان من كريم كان شخصه محبوب، ورجعه تطريباً. وإن زاد أن يكون عن كريم كان حمامة نوح يغرد بنغم، ويقع ببشرى، والشكر درع حصينة يلبسها المشكور، فإن كان من كريم كان ظلها برداً، ونفحها نداً، وإن زاد أن يكون عن كريم كان ثمرها عجوة، وجناها شهوة، والشكر واد يسقي أرض المشكور، فإن كان من كريم استحال أتيا، وإن زاد أن يكون عن كريم عمر عمر العجاج، وأترع الأضواج. والشكر نسيم يهب على المشكور، فإن كان من كريم كان نشره فوحاً، ونفحه روحاً. وإن زاد أن يكون عن كريم صاك منه عنبر، وتنفس منه مسك أذفر.
وقوله في صفة برغوث
أسود زنجي، وأهلي وحشي، ليس بوان ولا زميل، وكأنه جزء لا يتجزأ من ليل أو شونيزة، أو بنتها عزيزة. أو نقطة مداد، أو سويداء قلب فؤاد، شربه عب، ومشيه وثب، يكمن نهاره، ويسير ليله، يدارك بطعن مؤلم، ويستحل دم كل كافر ومسلم، مساور للأساورة، ومجرد له على الجبابرة، يتكفن بأرفع الثياب، ويهتك كل حجاب، ولا يحفل ببواب، يرد مناهل العيش العذبة، ويصل إلى الأحراج الرطبة، لا يمنع منه أمير، ولا ينفع فيه غيرة غيور. وهو أحقر حقير، شره مبثوث، وعهده منكوث، وكذلك كل برغوث. كفى بهذا نقصاناً للإنسان، ودلالة على قدرة الرحمن.
وقوله في صفة بعوضة
مالكة لا حس لها سواها، تحقرها عين من رآها، تمشي إلى الملك بندبها، وتضرب بحبوحة داره بطلبها، تؤذيه بإقبالها، وتعرفه بإراقة مالها، فتعجز كفه، وترغم أنفه، وتضرج خده، وتفري لحمه وجلده، زجرتها تسليمها، ورمحها خرطومها، تذلل صعبك إن كنت ذا قوة وعزم، وتسفك دمك وإن كنت ذا حلفة وعسكر ضخم، تنقض العزائم وهي منقوضة، وتعجز القوى وهي بعوضة، ليرينا الله عجائب قدرته، وضعفنا عن أضعف خليقته.
وله يصف ثعلبا
ً
أدهى من عمرو، وأفتك من قاتل حذيفة بن بدر. كثير الوقائع في المسلمين، مغري بإقامة ذم المؤمنين، إذا رأى الفرصة انتهزها، وإن طلبته الكماة أعجزها، وهو مع ذلك بقراط في إدامه، وجالينوس في اعتدال طعامه. غذاؤه حمام ودراج، وعشاؤه بذرح ودجاج.
وله يصف ماء
كأنه عصير صباح، أو ذوب قمر لياح، له من إنائه، انصباب الكوكب الدري من سمائه، العين كانونه، والقمر عفريته. كأنه خيط من غزل قلق، أو مخصرة ضربت من ورق، يترفع عنك فتردى، ويصدع قلبك فتحيا.
وقوله من رسالة يصف فيها الحلوى

وما أرقني إلا ليلة أضحيانة دخلت فيها الجامع، ووقفت موقف الساجد والراكع، حتى إذا قضيت من حق الله أمراً، وأتبعت الشفع وتراً. جلت في أكنافه، وانعطفت في أعطافه، فإذا أرضه تباهي السماء، وغبراؤه تضاهي الخضراء، زجاجة نورية، كأنها الكواكب الدرية. ورعد قراء لله تعالى وخيرته، كالرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته. فصحت واويلاه، واحر قلباه. أين منك المفر، وأين دونك المقر. لاها الله لا يترك كريم، ولا يقلاك إلا لئيم، بركا كبرك الجمال، وثباتاً كثبات الجبال. ثم خرجت في تتمة من الأصحاب، وثبة من الأتراب، وفيهم فقيه كان ذا لقم ولم أشعر به، فلما طالعتنا الحلوى صاح: هذا وأبيكم الروض، فناديته اسكت فضحتنا لا أبا لك . فقال: لا وأبيك، قلت: مالك وما تريد، قال: ذلك الشهيد العتيد، واضطرب به الألم واستخفه الشره فدار في ثيابه، وأسال من لعابه، وازور جانبه، وخفق شاربه، ثم نهض في كر، وصدر بحر، ونظر إلى فالوذج، فصاح هذا اللص كأنه تألى مجاجة الزنابير، حدثت على شوابير، وخالطها لباب الحبة، فجاءت أطيب من ريق الأحبة، ثم نظر إلى الخبيص، فصاح بأبي الغالي الرخيص، أنظر فيه ذا التماع، أكرم به من شعاع. هذا جليد سماء الرحمة، تمخضت به فأبرزت منه زبد النعمة، تجرحه اللحظة، وتدميه اللفظة، بماء أبيض؟ قالوا: بماء البيض البض، فقال: غض من غض. أنظروه له إشراق، هذا وأبيكم بقية العشاق. ما أطيب خلوة الحبيب، لولا حضرة الرقيب. ثم نظر إلى الزلاببية. فصاح ويل لأمه الزانية، أبأحشاء نسجت. أم صفاق ألفت؟ بأبي أجد مكانك من نفسي مكيناً، وجبل هواك على كبدي متيناً، من أين خلصك كف طابخك إلى باطني، فأقطعك مني دواجني، والعزيز الغفار لأطلبن بالثأر، وتلمظ له لسان الميزان، فجعل يصيح الثعبان الثعبان. فلما عاينته قد ألبس، وهو ينظر نظر المفلس، حنت له ضلوعي، وعلمت أن الله فيه غير مضيعي. وقد تحل الصداقة على ذي الوفر، وفي كل كبد رطبة أجر. فأمرت الغلام بابتياع أرطال تجمع أنواعها التي أنطقته، وتحتوي على ضروبها التي أخرعته. فجاء بها فوضعها بين يديه، فلما عاينها انحنى عليه بليانه، وألقى عليها بجرانه، وجعل يركل برجليه، ويجاحش بفخذيه ممانعاً، ومدافعاً عنها. فصحت به لا عليك حكمها، فجعل يقطع ويبلع، ويوجر فاه ويدفع. وعيناه تبضان، كأنهما جمرتان، وقد برزتا عن وجهه كأنهما خصيتان، وأنا أقول: على رسلك يا فلان. البطنة تذهب الفطنة. وهو يقول أكلها دائم وظلها حتى التهم جماهرها. وألحق أولها بآخرها. وهبت منه ريح عقيم. أهبا لنا بالعذاب الأليم، وفرقتنا شذر مذر. وسربتنا في كل شعب شغر بغر، فانتحينا منه الطرفان، وصدق الخبر فيه العيان، نفخ ذلك فبدد النعام، ونفح هذا فبدد الأنام، فلم نجتمع بعد هذا والسلام.

وله يصف جارية
أخت نعمة، وربيبة نعمة، كأن شعرها على غرتها الغراء، غراب يسفد حمامة بيضاء. وكان خدها على جيدها المشرق، تفاحة قدم بها إبريق من راووق تكلمك بألحاظها، وتأسوك بألفاظها. تقابلك من خدها بوردة، ومن عينها بنرجسة. كأنما من جوهر، وشفتها خيط حرير أحمر، وتقبل إليك بقضيب بان، ثمرته رمانتان، وتنفتل عليك بكفل مائج، كأنه كثيب عالج، تنطوي بقبطية، وتقوم على أنبوب بردية، أن استقبلها بركان، تضحك لك عن فلقة رمان. أو يطحنك جبهة أسد غرير، فيقبض روحك قبض أرواح المؤمنين. ويتوفاك بكد كالفقيه المشرف على المذاهب، ركبت فيه أخلاق كاتب. فإن كنت شافعياً سددتك، وإن كنت مالكياً قلدتك، المنظر غلام، والمخبر فتاة، إن علوتها تدفعت إليك، أو علتك تداركت عليك، وإن أعطشك فراشها سقتك من شراب، إن شئت قلت خمرة أو رضاب، أو أجاعك عراكها أطعمتك من لسانها، يصل إليك وصول الإيمان. فنثره في غاية الملاحة، ونظمه في غاية الفصاحة.
ومن شعره ما أنشدنيه الشيخ أبو سعيد بن دوست عن الفقيه الوليد أبي بكر الأندلسي قوله:
قل لمن زاد إذ تباعد بعدا ... وتناسى عهدي ولم أنس عهدا
لا يغرنك ما ترى من ودادي ... فلعلي إن شئت غيرت ودا
لا وحق الهوى وحق ليالي ... ه ومن صاغ حسن وجهك فردا
ما أطيق الذي ادعيت ولو ملّ ... كته لم أكن لغيرك عبدا
وله:

ما أطربت فوق الغصون حمامة ... إلا رأيت دموع عيني تسكب
وإذا الرياح تناوحت ألفيتني ... بين الصبابة والأسى أتقلَّب
يا عاذلي في الحب مهلا بالأذى ... لو كنت تعشق ما ظللت تؤنب
كم حاولت نفسي السلو فطالبت ... أسبابه جهداً فعزّ المطلب

غسان بن سعيد
قال:
من خانه حسب فليطلب الأدبا ... ففيه منيته إن حل أو ذهبا
فاطلب لنفسك آدابا تعزُّ بها ... كيما تسود بها من يملك الذهبا
محمد بن يحيى النحوي المعروف بقلفاط
قال:
طوى عنّي مودته غزال ... طوى قلبي على الأحزان طيّاَ
إذا ما قلت يسلاه فؤادي ... تجدد حبه فازددت غيا
أحييه وأفديه بنفسي ... وذاك الوجه أهل أن يحيا
وقوله:
أيا طيفاً سما وهنا إليّا ... لقد جددّت لوعاتي عليّا
غزال لو رأى غيلانُ يوماً ... محاسنه إذاً أنساه ميّا
شهيد بن المفضل عفا الله عنه
قال:
كم ذا عنان شوقك صابراً ... وأخو الصبابة لا يكون صبورا
فاخلع عذارك في هواه فربما ... كان المحب على الهوى معذورا
ما العز إلا أن تذلّ مع الهوى ... شحّا عليه وإن ظللت أسيرا
منصور بن أبي الهول
قال:
كم إلى كم أتسلى ... ليس لي صبرٌ، أجل لا
بأبي أنت وأمّي ... أترى قتلي حلاّ
حاش لله بأن أس ... لو عن الحبّ وكلاَّ!
وأنشدني له لبعض شعرائهم:
إسار الهوى لا إسار العدا ... هو التارك الحر مستعبدا
عبودية تؤيس الآملين ... له أن يباع وأن يفتدى
فليس له فرجٌ يرتجيه ... من الأسر غير تمني الردى
فيا غصن بان إذا ما مشى ... ويا بدر تمّ إذا ما بدا
ويا عارضاًًً كلما أطمعت ... بوارقه زاد قلبي صدى
أسرت فهلاّ بحكم الكتا ... ب قضيت بالمنِّ أو بالفدى
ولكن أبيت سوى قسوة ... يفوت بها قلبك الجلمدا
غريب بن سعيد
أنشدني له:
وجد دخيل واكتئاب ... وفراق شملٍ واقترابُ
ما بين قلبي إذ نأي ... ت وبين إخواني حجاب
فإذا خلا ولجت علي ... ه همومه من كل باب
يا عاذلي لمّا رأى ... دمع العيون له انسكاب
ما لي على برح النوى ... جلد فأقصر في العتاب
وله:
ألان يوم الفراق قسوته ... حتى جرى دمعه وما شعرا
فخلت ما سال من مدامعه ... درا على وجنتيه منتثرا
لم يبك شوقاً لكن بكى حزناً ... لهول يوم الفراق إذ حضرا
في مشهد لو أطاق شاهده ... فيه استتاراً لوجده استترا
أبى أساه وفيض أدمعه ... إلا اشتهاراً في الحبّ فاشتهرا
وقوله:
أستودع الريح الجنوب تحيةً ... إليكم تؤدي من سلامي ومن شكري
وكم بلغت ريح الشمال نسيمكم ... فأهدتْ إلينا منكمُ أطيب النّشر
رعى الله أحباباً تألّف شملهم ... بقرطبة بين الرصافة والقصر
تعوّضت من أنسى بهم وحشة النوى ... ومن قربهم قرب المهامه والفقر
إدريس بن الهيثم بن براق الكلاعي
وقال:
ولم أنسها يوم الوداع ومسحها ... بوادر دمع العين والعين تذرف
أفانين تجري من دموع ومن دم ... على الخد منها تستهلُّ وترعف
وتكرارنا نجوى الهوى ذات بيننا ... وكل إلى كل يلين ويعطف
جعلنا هناك الهجر منا بجانب ... وللبين داعٍ بالترحل يهتف
ولولا النوى لم نشك ضعفاً عن الأسى ... ومن يحمل الأشجان بالبين يضعف
فقلت كلانا مشتك من صبابة ... ولكنَّني عن حملها منك أضعف
قال: وحدثت أن إدريس بن الهيثم غنى بأبيات أولها:

ألا إنّما أنسى إذا ما نأيتُم ... بأقرب من لاقيته بكمُ عهدا
إذا حصلت روحي إليكم وقد أتتْ ... على أراضيكم ألقت على كبدي بردا
ويوحشني قرب الجميع وإنها ... لتأنس نفسي إن ذكرتكمُ فردا
وما كان قلبي إذا تبدَّيتُ صخرةً ... فينبو الهوى عنه ولا حجرا صلدا
فقد آن فقداني لنفسي فلو أتى ... عليها حمامٌ ما وجدت لها فقدا

محمد بن سعيد بن مخارق الأسدي
أنشدني من أبيات:
يظل الدمع من جزع عليهمْ ... وقد بانوا يسحُّ ويستهلُّ
سأتبع إثرهم شوقاً إليهم ... وأقتص المناهل حيث حلّوا
فما لي أشتكي بالبين منهم ... كأنّي ليس لي زادٌ ورحل
قاضي الجماعة محمد بن يحيى بن يحيى
قال:
نازح الدار بنا بي واغترب ... ورماه الدهر رشقاً من كثب
بعدتْ عن دار ليلى داره ... وهو في حبل هواها مضطرب
فرجت نفسي أن تشفى بكم ... فرحة في الحب شيبت بكرب
كنت لي بدراً بدا في سجفه ... طلع البينُ عليه فغرب
أحمد بن نعيم
قال:
ليت أن الرياح إن نفد الصب ... ر وشطَّت عن أرضها أوطاني
بلغتها تحيتي وسلامي ... وسلام الإله كلَّ أوان
سعيد بن محمد بن العاص المرواني
قال يصف الهلال وأجاد:
والبدر في جوّ السماء قد انطوى ... طرفاه حتى عاد مثل الزورق
فتراه من تحت المحاق كأنّه ... غرق الكثير وبعضه لم يغرق
وهو مأخوذ من قول ابن المعتز:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولةٌ من عنبر
وأنشدت له:
رفعوا الهوادج للرحيل وأعتموا ... فغدت لبينهم المدامع تسجمُ
وسرّوا وأروقة الظلام تكنُّهم ... فكأنهم من تحت ذلك أنجم
واستكتموا بمسيرهم تحت الدجى ... فأبى نسيم المسك أن يستكتموا
ومن العجائب أنّني متأخرٌ ... عنهم وقلبي عندهم متقدم
وهي النّوى لم يبق لي من بعدها ... غيرُ الهواء بنفحة أتنسَّم
وإذا الصبّا أسرتْ أقول لعلّها ... تلقاهم بتحيتي فيُسلِّموا
عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن حسان
أنشدت له:
لقد هاجني للشوق نوح حمائمٍ ... مطوقة من مشرقات الحمائم
وناحت وما أذرت دموعاً قد رأت ... عيوني تجري بالدموع السواجم
إذا ما تراجعن الحنين حسبتها ... نوادب رجَّعْنَ الصَّدى في المآتم
سعيد بن عباس
أنشدت له:
بنفسي من يجرّعني منوني ... ويرجمني بأحجار الظّنون
ويصرمني ولا يرثي لما بي ... وينفي النوم ظلما عن جفوني
عمر بن يوسف الحنطي
أنشدت له:
أو ميض برق أم سيوف تبرق ... في عارض أكنافه تتألقُ
ديمٌ إذا ارتدَّت إليك وجوهها ... أضحت وجوه الأرض منها تشرق
ترمي بأجفان الوميض كما انثنت ... أجفان عاشقة إلى من يعشق
يحيى بن عباد البسري
قال:
إذا بارق هاج الفؤاد المعذَّبا ... فطرّبَ قلباً هائماً فتطرَّبا
بنفسي بلادٌ رحت من نحو أرضها ... بعيني مشوقٌ ما ألذَّ وأطيبا
بلادٌ بها قلبي رهينٌ معذّب ... وإن تجلت في الآفاق شرقاً ومغربا
الغزال بن الحكم
أنشدت له:
ريع قلبي لما ذكرت الديارا ... وتنورت بالنخيلات نارا
وازدهتني ذات السنا ببروق ... من لظاها فما أطيق اصطبارا
والقريح الفؤاد يزداد اللنا ... ر وميض السعير منها استعارا
يحيى بن زكريا بن شماس
قال:
نعب الغراب ببينهم فتحملوا ... ونأى المحل بها فكيف تزارُ
بكروا وفي الأظعان يوم تحملو ... هن القصور تكنُّها الأستار

صفر النحور من العبير روادع ... بيض الثغور كواعبٌ أبكار

الوزير أبو المظفر عبد الرحمن بن بدر
قال:
أيُّ طيف في الكرى طرقا ... سام عيني الدمع والأرقا
أنا أفدي من بجنح دجى ... جاب في ظلمائه الطُّرقا
ليّ حظٌّ في زيارته ... لي لو أنَّ الكرى صدقا
الديك النيري مطرق بن محمود
قال:
طرق الخيال فمرحباً بالطارق ... قرَّت به في النوم عين العاشق
طرق الخيال خيال ليلى موهناً ... رحلي، فبات مضاجعي ومُعانِقي
ومنى المشوق أخي الصبابة أن يرى ... وسنان أو يقظان وجه العاشق
أحمد بن إبراهيم بن قلزم
أنشدت له:
هل تعتب الأيام منك بنظرة ... تغدو بسراءٍ على ضراءِ
لو لا محاباة الخيال برقدة ... من طيفها لطوى الردى حوبائي
يا ليت أيام النّوى عادت كرى ... فأنال من طيف الحبيب شفائي
يربوع بن أسد المالقي
أنشدت له:
يا بأبي طيف سرى موهناً ... ودونه جوب الفلا والقفار
أكرم به من راحلٍ ذاهب ... يرعى نوى الدار وشحط المزار
لو أنه شايع إلمامه ... بطول مكثِ دائم أو قرار
لكنه هيَّج نار الأسى ... ثم تولى بفؤاد مُطار
الوزير أو محمد غنائم المالقي
قال وأجاد:
صيَّر فؤادك للمحبوب منزلة ... سمُّ الخياط مجال للمحبين
ولا تسامح بغيضاً في معاملةٍ ... فقلّما تسع الدنيا بغيضين
غالب بن عبد الله بن عطية
أنشدت له:
كيف الحياة ولي حبيبٌ هاجرٌ ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا
لما درى أن الخيال مُواصلي ... جعل السُّهاد على الجفون رقيبا
وله في عطش البحر:
إنّا إلى الله لقد نالنا ... همٌّ يذيب القلب إحراقه
يا عجباً مما دهينا به ... نسكن في الماء ونشتاقه
محمد بن أبي الحسن العروضي
قال:
لما تطلع بدر التم أذكرني ... بدراً تطلَّع وهناً من بني قطنِ
بدر تطلّع والآفاق مظلمةٌ ... فانجاب إظلامها عن وجهه الحسن
كم مهجةٍ أرهفت مقلته ... ومقلة منعتها لذة الوسن
إسماعيل بن إسحاق المنادي
قال:
سلامٌ على خلِّ أدين بحبّه ... وأصفيه من حلو الوداد وعذبهِ
سلام امرئ أودى الفراق بصبره ... ولجَّ فأودْى بالفؤاد ولُبِّهِ
لعل الذي شتَّ الجميع بنأيه ... سيجمعنا بعد الشّتات بقربه
وما الأخُّ بالأخِّ الشقيق، وإنّما ... أخوك الذي يعطيك حبة قلبه
محمد بن وافد
أنشدت له:
كتابك هاج لي شوقاً عجيباً ... وأورثني الصبَّابة والنحيبا
تغرَّب عن أحبَّته محبٌ ... فأصبح صبره عنه غريبا
فكيف بصبره والقلب منه ... يكاد من الصبابة أن يذوبا
خلف بن أيوب
أنشدت له:
والله لولا خطرات المنى ... ما طال يوماًً عمر أهل الهوى
وابأبي من ظلتُ من هجره ... مستشعراً ثوب الأسى والجوى
علي بن أحمد الأندلسي
قال:
بيض كبيض الهند في أفعالها ... فلذاك قيل ظباً وقيل ظباء
وترى محاسنها تروق كأنّما ... نشرت عليها وشيها صنعاء
يحيى بن الفضل
قال:
وسفن تثير الريح منها عجاجة ... تظل مياه الأرض وهي صعيدها
تلوح كأمثال الشواهين حلَّقت ... على دهم خيل قد أثيرت صيودها
فللطير ما قد نشَّرَتهُ قلوعها ... وللخيل ما قد أظهرتْه قدودها
وقوله أيضاً:
لا تيأسن بوفاة مَنْ ... لم تنتفع بحياته
وليجر عندك ميّتاً ... مجراه قبل مماته
فوفاته كحياته ... وحياته كوفاته
أبو بطال
أنشدت له في العذار:

وعارض كافورٍ تراه كأنّما ... يدبُّ به من خالص المسك عقربُ
تنزَّه عن لسب الجلود، وإنما ... يغوص على حَبِّ القلوب فيلسب
وقوله:
جمعت مالاً ففكّر هل جمعت له ... يا جامع المال أبواباً تفرِّقهُ
المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلاّ يوم تنفقه
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها همّاً يؤرِّقه
وأنشدت لبعض شعرائهم في العذار:
ومعذِّرٍ نقش العذار بمسكهِ ... خداً له بدم القلوب مضرَّجا
لما تيقَّن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا

القرشي المعروف بالفرح
أنشدت له:
رُبّ كأس قد كست جنح الدجا ... ثوب برد من سناها يققا
قلت أسقيها رشاً في جفنه ... سنة تورث عيني أرقا
أشرقتْ في ناصع من كفِّهِ ... كشعاع الشمس وافى الفلقا
خفيت للعين حتى خلتها ... تتّقي من لحظه ما يتّقى
أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... وبد الساقي المحيي مشرقاً
فإذا ما غربت في فمه ... تركتْ في الخدِّ منه شفقا
خلع البرق على أرجائه ... ثوب وشيٍ منه لمّا برقا
إدريس بن عبد الله بن عباد الليزي
أنشدت له:
غريبٌ بأرض الغرب منقطع الذكر ... بعيدٌ من الأهلين في بلدٍ قفرِ
تذّكر في أهل الجزيرة أهله ... فهيَّجه طول التشوُّق والفكر
فصوْت حمامٍ في الغصون كأنّما ... ندبن قتيلاً أو روين من الخمر
لئن كن ما تجري لهن مدامع ... فكل غريب الدار أدمعه تجري
عثمان بن إبراهيم بن النضر
أنشدت له:
ألا يا حمام الأيك مالك باكياً ... وغصنك نضرٌ والجناب مريعُ
تغنَّ ولا تنشج فإلفك حاضرٌ ... قريب وإلفي غائبٌ وشسوع
بكيت بلا دمع وترفض مقلتي ... شآبيب منها في المصيف ربيع
وقلبك خلوٌ من تباريح لوعتي ... وقلبي بلوعات الفراق صريع
المنصور بن أبي عامر
أنشدت له:
ألم ترني بعت المقامة بالسُّرى ... ولين الحشايا بالخيول الضوامرِ
وبدّلت بعد الزعفران وطيبه ... صدا الدرع من مستحكمات المسامر
فلا تحسبوا أنّي شغلت بلذةٍ ... ولكن أطعت الله في كلّ كافر
الوليد بن الحكم
أنشدت له:
إلى رجبٍ أو غُرَّة الشهر بعده ... توافيكم بيض المنايا وسودها
ثمانون ألفاً دين عثمان دينها ... بشرذمةٍ جبريل فيها يقودها
القاضي محمد بن عبد الله
بن أيوب بن أبي عيسى
أنشدت له قوله من أبيات أولها:
لا تلمني على البكا والعويل
فعلت زفرتي وطال انتحابي ... وبدت لوعتي وهاج غليلي
ولنعم البلاد للنازح الأو ... طان دمعٌ جرى برغم العذول
وقبيحٌ صبر الخليل أخي الوج ... د عن الدمع عند ذكر الخليل
وبنفسي نائي المحل قريبٌ ... من فؤادٍ صبٍّ وجسم نحيل
كان بيني وبينه البحر والقف ... ر ووخد السُّرى وطول الذميل
يا قليل الإنصاف في الهجر مهلاً ... إنّ وجدي عليك غيرُ قليل
وقوله:
بل ما ادكارك من ورق مغرّدةٍ ... على قضيب بذات الهضب ميّاسِ
هجْنَ الصبابة لو لا همةٌ شرفتْ ... فصيّرت قبله كالجندل القاسي
محمد بن فطيس
قال:
ثكلتك أمّك هل سمعت مخلداً ... أم هل رأيت مصححاً لم يسقمِ
أم هل رأيت من البريّة ناشئاً ... نال الذي في مدةٍ لم يهرم
فدع الأماني إنّها مكذوبةٌ ... واجعل دعاءك للسبيل الأقوم
أي امرئٍ يرجو البقاء وقد رأى ... آثار عادٍ في البلاد وجرهم
أحمد بن عبد الله بن أحمد اللؤلؤي
قال:

لئن غاب عن عيني وأعجز ناظري ... لما غاب عن وهمي، ولا زال عن فكري
وتالله لو أستطيع، محض مودةٍ ... لأحللته عن ودٍّ قلبي وأسكنته صدري
أتتني بصفو الودّ منه صحيفة ... تخبِّرُ عن ودٍّ وتنطق عن برّ
يطول لها لفظ الذكيِّ بلاغةً ... ويقصر بالراوي لها طائل العمر
وقوله:
أقبل فإن اليوم يوم دجن ... إلى محلٍّ كالضمير المكْني
ساكنه كطائر في وكن ... لعلّنا نعلم أدنى وفن
في مجلس مزخرف ذي كنِّ ... فأنت في سنك دون سني
؟

أبو عثمان سعيد بن أحمد بن عبد ربه
أنشدت له:
لما عدمت مواسيا وجليساً ... جالست بقراطاً وجالينوسا
وجعلت كتبها شفاء تفرّجي ... وهما الشفاء لكل جرح يوسى
وقوله:
أمن بعد إشرافي في علوم الحقائق ... وطول انبساطي في مواهب خالقي
ومن بعد إشرافي على ملكوته ... أرى طالباً شيئاً إلى غير رازقي
وقد آذنت نفسي بتقويض رحلها ... واعنف في سوقي الموت سائقي
وإنّي وإن أيقنت أو زغت هارباً ... عن الموت في الآفاق فالموت لاحقي
؟
الحسن بن محمد بن بابل
قال:
ألا ما لجسمي قد علاه شحوب ... وما بال قلبي ضامرته كروب
وما بال أحشائي توقَّد لوعةً ... وما بال رأسي قد علاه مشيب
وما ذاك إلا أن رمتني يد النوى ... وأنيَ في أرجاء مصر غريب
أراعي نجوم الليل لا آنف الكرى ... كأنّي على رعي النجوم رقيب
إذا ما دعوت الدمع يوماً أجابني ... وإن رمت دعوى الصبر ليس يجيب
وإن رمت كتمان الذي بي من الأسى ... جرى هاطلٌ من مقلتي سكوب
ألا ليت شعري هل أرى الدهر منزلاً ... تبوَّاه بعد الفراق حبيب
وهل أردن يوماً مياه رصافة ... وهل يصفون لي عيشها ويطيب
؟
عبد النصير بن أحمد
أنشدت له ما كتب به إلى بعض الرؤساء بديهة في عيد الأضحى، وكان عوده أن ينفذ إليه كبشاً لأضحيته فأبطأ عليه:
يا سليل الأكرمين ومن ... فضله فرضٌ فما منه بدٌ
أزف العيد وعودتهم ال ... كبش داري والحبل معد
ولقد أبرزت مديّتنا ... فهي من قبل الصباح تحدّ
خيمتك الفضل وقد حكموا ... أنك الفرد وما لك ندُّ
فأنفد إليه ثلاثة أكبش وصلة واسعة.
؟
محمد بن أحمد العطار
أنشدت له من قصيدة يقول فيها من مدح المنصور بن أبي عامر الحاجب:
يا حاجب الملك الأعلى الذي طفت به ... الخلافة والأيام تبتسمُ
ومن به أمن الرحمن بلدتنا ... من بعد أن فارقت ملكاً لها العجم
وخامر المسلمين الذعر وانحسرت ... عنهم عوائد صنع الله والنَّعم
حتى إذا قنط الإسلام وانبسطت ... أعداؤه واستبيحت منهم الحرم
هبت به ريح نصر الله عن كثب ... للدين واستيقظت من نومها الهمم
وجرد السيف فانحازت لسلَّتهِ ... من الجسوم طلى الأعناق والقمم
إذا تبسَّم فالأموال عابسة ... أو صال ماتت له الأبطال والبهم
فأي بلدة شركٍ أمها قدماً ... ولم يحلَّ بها في عقرها النقم؟
بقيت للدين والدنيا تسوسهما ... ما حنّت النيب أو ما أورق السَّلم
؟
موسى بن أحمد المعروف بالوتد
أنشد له يعارض العطار في قصيدته الميمية ويرد فيها:
يا أيها المنتمي للعطر قدَّك فقد ... قدحت نيران بغيٍ سوف تضطرمُ
زعمت أنك محسود على نعم ... أوليتها ومحالٌ أنها نعم
فربَّ ذي نقم يعتدُّها نعما ... بجهله وهي إمّا حصّلت نقم
قذفت أعراض قومٍ جاهلاً بهم ... يا ظالماً وهم أعلام عصرهم

وقلت إنك فارقتهم وهم ... في حيث قدرك إما حصلوا رخم
فما حماك اغتياب القوم فضلهم ... ولا تحرّجت فيمن عرضه حرم
مدحت نفسك فاستنقصتهم سفها ... وما استزلك إلاّ فرط حلمهم
أقسمت بالله ما يرضى بفعلك من ... فيه حشاشة إيمان ولا كرم
ما حصحص الحق فيما قد أتيت به ... لكنها ظلمات فوقها ظلم
وعن قريب ستجني غبّ ما غرست ... يداك فالبغي غرس طعمه وخم
؟

حبيب بن أحمد الشاعر
لا ضيع لله للمنصور مالكنا ... حوط وصلاح الدين بالنظر
في كل يوم له في المسلمين يدٌ ... غراء تخبر عن أفعاله الغرر
فيا لها فرجةً عمَّت طوالعها ... كما يعمُّ ضياء الشمس والقمر
لا زالت الأرض والدينا بطاعته ... معمورتين إلى أقصى مدى العمر
أو علي بن حسان الأسنجي
أنشدت له
ثقلت نفسك بالذنوب ودونها ... جسرٌ لعمرك ما تحير ثقيلا
يا باني الغرف التي قد عطّلت لو كنت تعقل دينها تعطيلا
فاقصده إنّك ميتٌ ومشاهدٌ ... يوماً عليك من الحساب طويلا
تبني مصانعها وأنت مسافرٌ ... فلمن بناؤك إن أردت رحيلا
أو محمد الباجي رحمه الله تعالى
؟
أنشدت له:
إذا كنت عضواً لا أعفو عن الذنب من أخ ... وقلت أكافيه فأين التفاضل
ولكنني أُغضي جفوني على القذى ... وأصفح عمّا رابني وأجامل
متى أقطع الإخوان في كلّ عثرةٍ ... بقيت وحيداً ليس لي من أواصل
ولكن أداريه فإن صحّ سرّني ... وإن هو أعيا كان عنه التجامل
عبد الرحمن بن عمرو الحجري
أنشدت له:
لما قدمت وقال بعض صحابتي ... قد جاء من علقت يمينك حبله
قالت قعيدة بيتها يمَّم أبا ... إسحق سيدنا وقبَّل نعله
نفسي تعاود نيله الغمر الذي ... هو أهله وعسى به ولعلّه
عبد الملك بن خزيمة
قال:
ابرز إلى الناس إنّ الناس في أسف ... إذ ليس بعدك للإسلام من خلف
وقد مضت لك أيام ثمانيةٌ ... أشفى لها الناس من وجد على التلف
خوفاً لعلّه حبر ليس يشبهه ... من البرية إلا خيرة السلف
أضحى الضلال بإبراهيم متَّضعاً ... وصار بالمشرقي الدين ذا شرف
أبو العباس المرداوي
أنشدت له:
إني رأيت لك اليو ... م يا كريماً أجلَّه
طفلاً عليه حياء ... وفي الحيا الخير كله
سقيته الحلم لدناً ... والفرع يسقيه أصله
لا زلت أثني عليه ... دهري بما هو أهله
فبارك الله فيه ... وفي محلٍ يحلُّه
محمد بن وهيب البدسمي
أنشدت له وقد مجلس بعض الفقهاء، وهو محتفل بسراة الناس، وقد حضروا لعقد نكاح، فقال الفقيه لابن وهيب: لو أمكنا عقد هذا النكاح لشاركتنا في الحسنة، فقال: نعم وكرامة، وكيف تريد ذلك: منثوراً أو منظوماً؟ فقال له الفقيه: سبحان الله، ويمكن نظم هذا والإتيان على فصوله؟ قال لي: إي والله. وإنه لأيسر على من نثره، وإن أردت نظمته الآن نظمته الآن بين يديك من أوله إلى آخره. ولا أخليه من البسملة في افتتاحه، فقال: إذا أتيت بهذا أتيت بطامة. فقال له: هات كاتباً أمل عليه، فأحضره كاتباً فأمل عليه في نسق نظما لم يتردد فيه ولا أبطأ كأنه من كتاب حفظه، وذكر الشروط والتاريخ على نصها في الصداقات قديماً. كل ذلك بحضرة من شهد المجلس، فبهت القوم لما رأوه وشاهدوه، وأقروا أنه نسيج وحده وفريد دهره، واستكثروا من الثناء عليه والمباهاة به، وقال له الفقيه: أمرك والله عجيب كاد لولا المشاهدة لم أصدقه.

وركب إلى المنصور بن أبي عامر فأخبره بالمجلس وأراه الشعر، فعجب من ذلك، وأمر بصلة جزيلة حملت إليه، وكان عدة ما ارتجله ثلاثين بيتاً، وقد كتبت بعضها، وإن لم تكن من نادر الشعر وبديعه، وهي:
لأصدق عبد الله نجل محمدٍ ... فتى أمويّ زوجه البكر مريما
وأمهرها عشرين عجّل نصفها ... دنانير يحويها أبوها مسلّما
وأنكحها من أبوها محمد ... سلالة إبراهيم من حيِّ خثعما
وباقي صداق البكر باقٍ إلى مدى ... ثلاثة أعوام زمانا متمّما
مؤخّرة عنه يؤدي جميعها ... إذا لم يكن عند التطلب معدما
ومن شرطها أن لا يكون مرحلا ... إذا أبداً عن دارها أين يمّما
وأن لا يرى حتماً بشيء يضرها ... يصرف فيه الدهر كفاً ولا فما
وكان ابن وهيب هذا أحد أفراد زمانه، وكان إذا جلس ابن أبي عامر في الأعياد للشعراء وأذن لهم في الإنشاد على مراتبهم جلس ابن وهيب وبدأ بما يصنعه بديهة فلا تأتيه نوبته حتى يفرغ من قصيدته ويقوم وينشده، وإن مداده لم يجف، وهذه مادة عظيمة.

أبو بكر محمد بن الحسين الزبيدي
النحوي اللغوي
أحفظ أهل زمانه للإعراب والفقه والمعاني النوادر، وله كتب مؤلفه منها اختصار كتاب العين، وكتاب طبقات النحويين واللغويين في الأندلس والمشرق من زمن أبي الأسود الدؤلي إلى زمن عبد الله الرياحي النحوي معلم الزبيدي، وله كتاب الأبنية في النحو ليس لأحد مثله، وكان الشعر أقل أدواته.
فما أنشدت له في تكذيب منجم:
يقول المنجم لي لا تسر ... فإنك إن سرت لاقيت ضراً
فإن كان يعلم أنّي جسير ... فقد جاء بالنهي لغواً وهجرا
وإن كان يجهل سيري فكيف ... يراني إذا سرت لاقيت شراً
وله في رثائه لشيخه علي بن إسمعيل بن القاسم القالي البغدادي اللغوي قصيدة جزلة الألفاظ كثيرة الغريب، صاغها صوغ فحول العرب، وضمنها قطعة من غريب كلامهم، وهي قصيدة طويلة أولها:
تالله لا يبقى لصرف النوى ... ذو جسد في رأس نيقٍ منيف
وقوله في لزهد:
لو لم تكن نارٌ ولا جنةٌ ... للمرء إلاّ أنه يقبر
لكان فيه واعظٌ زاجرٌ ... ناه لمن يسمع أو يبصر
وقوله:
الفقير في أوطاننا غربة ... والمال في الغربة أوطانُ
والأرض شيءٌ كلّها واحدٌ ... والناس جيران وأخوان
محمد بن يحيى ين يعقوب
أنشدت له قوله في الزهد:
لقد فاز الموفق للصواب ... وعاتب نفسه قبل العتاب
ومن شغل الفؤاد بحب مولىً ... يجازى بالجزيل من الثواب
فذاك ينال عزاً لا كعزٍّ ... من الدنيا يصير إلى الذهاب
تفكر في الممات فعن قريب ... ينادي بالرحيل إلى الحساب
وقدم ما ترجى النفع منه ... لدار الخلد واعمل بالكتاب
ولا نغتر بالدنيا فعما ... قريب سوف يؤذن بالخراب
الفقيه محمد بن عبد الله بن أبي ريمين
أنشدت له قوله في الزهد:
أيها المرء إنّ دنياك بحر ... طافح موجه فلا تأْمنَنْها
وسبيل النجاة فيها مهينٌ ... وهو أخذ الكفاف والقوت منها
وقوله:
خليلي إنّ الذي تعلمانه ... زمان التصابي وانطلاق عنانه
شديد الأسى حر الجوى محرق الحشى ... فهل من مجير مخبرٍ بأمانه
رأى مجير غير من قد عصيته ... فيا أسفي أن لم يعد بحنانه
وقوله:
وذي حرق زادت به زفراتُه ... إذا ما سطت في قلبه خطراته
له في دجى الإظلام خلوة مخلص ... تذكره فيها الجحيم هناته
ويدفعه ذكر الوعيد إلى الأسى ... فتنهلّ من لوعاته عبراته
إذا ما تلا التنزيل وانكشفت له ... عجائبه زادت له عزماته
وإن لحظت عين اليقين معاده ... سقت خوفه من مائه لحظاته

بنفسي وليّ أنه بملكيه ... وفي ذكره إصباحه وبياته
وقوله:
أيها المرء لم تسرك دنيا ... أنت منها مرحل عن قريب
وإذا المرء لم يقصر خطاه ... في أمانية فهو غير لبيب

أحمد بن محمد بن عفيف
أنشدت له قوله من قصيدة فيها أمير المرية خيران، أولها:
قف بالمطي على مغاني الدار ... ليس الوقوف على الرسوم بعار
يقول فيها:
أنت الذي أنقذتنا من بعدما ... كنّا جميعاً تحت جرف هار
ونهضت نحو المارقين بجحفل ... جمّ أولي عزم وذي استبصار
باعوا النفوس لنصر دين محمد ... فكأنّهم في الحرب أسد الزار
وفيها يصف أعداءهم:
كانوا رياحاً للردى حتى رموا ... من جيشك المنصور بالإعصار
الله أركسهم وفرّق شملهم ... حتى أحلَّهم بدار بوار
محمد بن عمر بن عبد الله
بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية
من أعلم أهل زمانه باللغة والعربية، وأرواهم للأشعار والأخبار، وكان - مع ذلك - حافظاً للفقه والحديث، من أهل النسك والزهادة، وله كتاب في الأفعال لم يسبقه أحد إلى مثله، وكان أبو علي البغدادي المعروف بالقالي يفضله ويعظمه، ويعرف حقه ويقدمه. أخبرني أبو سعيد بن دوست قال: أخبرني الوليد بن بكر الفقيه أن يحيى بن هذيل الشاعر زار يوماً ابن القوطية في ضيعة له، فألفاه خارجاً منها، فاستبشر بلقائه، وابتدأه ببيت حضره على البديهة فقال:
من أين أقبلت يا من لا شبيه له ... ومن هو الشمس، والدنيا له فلك
فأجابه مسرعاً:
من منزل يعجب النساك خلوته ... وفيه ستر على الفتاك إن فتكوا
قال ابن هذيل: فما تمالكت أن قبلت يديه، إذ كان شيخي وأستاذي، وكان الشعر أقل صناعته لكثرة غرائبه: فمن بديعه قوله:
ضحى أناخوا بوادي الطلح غيرهم ... فأوردوها عشاءً أيَّ إيرادِ
أكرم به وادياً حلَّ الحبيب به ... ما بين رند وصفصاف وفرصاد
يا وادياً سار عنه الركب مرتحلا ... بالله قل أين سار الركب يا وادي
أبالحمى نزلوا أم باللوى عدلوا ... أم عنك قد رحلوا خلقاً لميعادي
بانوا وقد أورثوا جسمي لبينهم ... سقماً وقد قطعوا بالبين أكبادي
أحمد بن محمد بن عبد ربه
أحد محاسن الأندلس علماً وفضلاً، وأدبا ونبلاً، وشعره في نهاية الجزالة والحلاوة، وعليه رونق البلاغة والطلاوة. أنشدني له أبو سعيد بن دوست قال: أنشدني الوليد بن بكر قوله:
يا من يجرد من بصيرته ... تحت الحوادث صارم العزم
رعت العدو فما مثلت له ... إلا تفزع منك في الحلم
أضحى لك التدبير مطرداً ... مثل اطراد الفعل للاسم
رفع العدو إليك ناظره ... فرآك مطلعاً مع النجم
وقوله:
ومعترك تهز له المنايا ... ذكور الهند في أيدي ذكور
لوامع يبصر الأعمى سناها ... ويعمى دونها طرف البصير
وخافقة الذوائب قد أقامت ... على حمراء ذات شباً طرير
نجومٌ تحتها عقبان موتٍ ... تخطفت القلوب من الصدور
بيوم راح في سربال ليلٍ ... كما عرف الأصيل من البكور
وعين الشمس تدنو في قتام ... دنو الإنف ما بين الستور
فكم قصرت من عمر طويل ... به وأطلت من عمر قصير
وقوله:
كم ألحم السيف من أبناء ملحمة ... ما منهم فوق ظهر الأرض ديّارُ
فأورد النار من أرواح بارقةٍ ... كادت تميّز من غيظ بها النار
كأنما صال في ثني مفاضته ... مستأسد حنق الأحشاء هرار
لما رأى الفتنة العمياء قد دخنت ... منها على الناس آفاق وأقطار
وأطبقت ظلم من فوقها ظلم ... ما يستضاء بها نورٌ ولا نار
قاد الجياد إلى الأعداء سارية ... قباً طواها كطيّ العصب إضمار

ملمومة تتبارى في ململمة ... كأنّها لاعتدال الخلق أقمار
تفوت بالثأر أقواماً وتدركه ... من آخرين إذا لم يدرك الثار
فانصاع ناصر دين الله يقدمهم ... وحوله من جنود الله أنصار
كتائب تتبارى حول رايته ... وجحفل كسواد الليل جرار
وقوله يصف الحرب
ومعترك ضنك تساقت كماته ... كؤوس المنايا من كلى ومفاصل
يديرونها راحاً من الراح بينهم ... ببيض رقاق أو بسمر ذوابل
وتسمعهم أمّ المنية وسطها ... غناء صهيل البيض تحت المناصل
وقوله:
بكل ردينيّ كأنّ سنانه ... شهابٌ بدا في ظلمة الليل ساطع
تقاصرت الآجال في طول متنه ... وعادت به الآمال وهي فجائع
وساءت ظنون الحرب في حسن ظنه ... فهن ظباتٌ للقلوب قوارع
وذي شطب تقضي المنايا بحكمه ... وليس لما تقضي المنية دافع
فرند إذا ما اعتن للعين راكد ... وبرق إذا ما اهتز بالكف لامع
يسلل أرواح الكماة انسلاله ... ويرتاع منه الموت والموت رائع
وقوله:
بكل منثور على متنه ... مثل مدبّ النمل بالقاع
يرتدُّ طرف العين عن حدّه ... عن كوكبٍ للموت لمّاع
وقوله:
كريمٌ على العلاّت جزل عطاؤه ... منيلٌ، وإن لم يعتمد لنوال
وما الجود من يعطي إذا ما سألته ... ولكنّ من يعطي بغير سؤال
وقوله:
من يرتجى بعدك أو يتقي ... وفي يديك الجود والباس
إن عشت عاش الناس في نعمة ... وإن تمت مات بك الناس
وقوله في الشيب:
شباب المرء تنفده الليالي ... وإن كانت تصير إلى نفاد
فأسوده يصير إلى بياض ... وأبيضه يعود إلى سواد
وقوله:
قالوا شبابك قد ولّى فقلت لهم ... هل من جديد على كر الجديدين
صل من هويت وإن أبدى معاتبة ... فأطيب العيش وصل بين ألفين
واقطع حبائل خلّ لا تلائمه ... فربما ضاقت الدنيا على اثنين
وقوله يرثي :
بليت عظامك والأسى يتجدد ... والصبر ينفد والبكا لا ينفد
يا غائباً لا يرتجى لإيابه ... ولقائه حتى القيامة موعد
ما كان أحسن ملحداً ضمّنتهُ ... لو كان ضم أباك ثم الملحد
باليأس أسلو عنك لا بتجلدي ... هيهات أين من الحزين تجلّد
وقوله يرثيه
واكبداً قد تقطعت كبدي ... وأحرقته لواعج الكمد
ما مات حيٌّ لميتٍ أسفاً ... أعذر من والد على ولد
يا رحمة الله جاوري جدثاً ... دفنت فيه حشاشتي بيدي
ونوري ظلمة القبور على ... من لم يصل ظلمه إلى أحد
أيّ حسام أخذت رونقه ... وأيّ روحٍ نزعت من جسدي
يا قمراً أجحف الخسوف به ... قبل طلوع السواء في العدد
أيّ حشى لم يذب له أسفاً؟ ... وأيّ عينٍ عليه لم تجد؟
لا صبر لي بعده ولا جلدٌ ... فجعت بالصبر فيه والجلد
يا لوعة لا يزال لاعجها ... يقدح نار الأسى على كبدي
وقوله:
لا بيت يسكن إلا فارق السكنا ... ولا امتلا فرحاً إلا امتلا حزنا
لهفاً على ميت مات السرور به ... لو كان حيّا لأحيا الدين والسننا
واهاً عليك أبا بكر مردة ... لو سكّنت والهاً أو فترت شجنا
إذا ذكرتك يوماً قلت واحزانا ... وما يرد عليك القول واحزنا
يا سيدي ومزاج الروح في بدني ... هلاّ دنا الموت منّي حيث منك دنا
يا أطيب الناس روحاً ضمه بدنٌ ... أستودع الله ذاك الروح والبدنا
لو كنت أعطى به الدنيا معاوضةً ... منه لما كانت الدنيا له ثمنا
وقوله في التحبب للناس:

وجهٌ عليه من الحياء سكينةٌ ... ومحبةٌ تجري مع الأنفاسِ
وإذا أحب الله يوماً عبده ... ألقى عليه محبّة للناس
وقوله:
لا غرو إن نال منك السقم ما سألا ... قد يكسف البدر أحياناً إذا كملا
ما تشتكي علّة في الدهر واحدة ... إلاّ اشتكى الجود من وجد بها عللا
وقوله:
قالوا نأيت عن الإخوان قلت لهم ... ما لي أخ غير ما تحوي عليه يدي
دعني أصنْ حرَّ وجهي عن إذالته ... وإِن تغرَّبت عن أهلي وعن ولدي
وقوله:
واعذر من أدمى الجفون من البكا ... كريمٌ رأى الدنيا بكفّ لئيم
أرى كل فدم قد تبجج في الغنى ... وذو الظرف لا تلقاه غير عديم
وقوله في الشيب:
بدا وضح المشيب على عذاري ... وهل ليل يكون بلا نهار
وألبسني النهى ثوباً جديداً ... وجردني من الثوب المعار
شريت سواد ذا ببياض هذا ... فبدّلت العمامة بالخمار
وما بعت الصبا بيعاً بشرط ... ولا استثنيت فيه بالخيار
وقوله في الشباب
ولّى الشباب وكنت تسكن ظله ... فانظر نفسك أي ظلّ تسكن
وانه المشيب عن الصبا لو أنه ... يدلي بحجته إلى ن يعلن
وقوله فيه:
كنت أليف الصبا فودّعني ... وداع من بان غير منصرف
أيام لهوي كظل أسجلةٍ ... وإذ شبابي كروضة أُنف
وقوله فيه:
شبابي كيف صرت إلى نفاد ... وبدلت البياض من السواد؟
وما أبقى الحوادث منك إلا ... كما أبقيت من القمر الدادي
فراقك عرّف الأحزان قلبي ... وفرّق بين عيني والرقاد
كأني منك لم أربع بربع ... وغادى نبته صوب الغوادي
زمان كان فيه الرشد غيّاً ... وكان الغي فيه من رشادي
فكم من غليل فيك خافٍ ... ولم لي من عويل فيك بادي
وقوله:
فكرت فيك أبحرٌ أنت أم قمرٌ ... فقد تحير فكري بين هذين
إن قلت بحرٌ وجدت البحر منحسراً ... وبحر جودك ممتدٌ العنانين
أو قلت بدرٌ رأيت البدر منتقصاً ... فقلت شتّان ما بين اليزيدين
وقوله في الزهد:
يا ويلتا من موقف ما به ... أخوف من أن يعدل الحاكمُ
أبارز الله بعصيانه ... وليس لي من دونه راحم
يا رب عفواً منك عن مذنب ... أسرف إلا أنه نادم
وقوله:
أتلهو بين باطيه وزير ... وأنت من الهلاك على شفير
فيا من غره أملٌ طويلٌ ... به يردى إلى أجل قصير
أتفرح والمنية كلّ يومٍ ... تريك مكان قبرك في القبور
هي الدنيا وإن سرتك يوماً ... فإن الحزن عاقبة السرور
ستسلب كل ما جمعت فيها ... بعارية ترد إلى معير
وتعتاض اليقين من التظنّي ... ودار الحق من دار الغرور
وقوله:
مدامع قد خدّدت في الخدود ... وأعينٌ مكحولة بالهجود
ومعشر أوعدهم ربهم ... فبادروا خشية ذاك الوعيد
قد كاد أن يعشب من دمعهم ... ما قابلت أعينهم في السجود
وقوله في الغزل:
أتقتلني ظلما وتجحدني قتلي ... وقد قام من عينيك لي شاهدا عدل
أطلاب ذحلي ليس بي غير شادن ... بعينيه سحر فاطلبوا عنده ذحلي
أغار على قلبي بعينه شادن ... أطالبه فيه أغار على عقلي
بنفسي التي ضنّت عليّ بوصلها ... ولو سألت قتلي وهبتُ لها قتلي
إذا جئتها صدّت حياء بوجهها ... فيعجبني هجر ألذّ من الوصل
كتمت الهوى جهدي فحرره الأسى ... بماء البلا هذا يخطُّ وذا يملي
وإن حكمت جارت عليّ بحكمها ... ولكنّ ذاك الجور أحلى من العدل

وأحببت فيها العذل حباً لذكرها ... فلا شيء أشفى في فؤادي من العذل
أقول لقلبي كلما ضامه الأسى ... إذا ما أبيت العز فاصبر على الذل
برأيك لا رأيي تعرضتَ للهوى ... وأمرك لا أمري وفعلك لا فعلي
وجدت الهوى نصلاً لموتي مغمداً ... فجردته ثم أتكيت على النصل
فإن كنت مقتولاً على غير ريبة ... فأنت الذي عرضت نفسك للقتل
وقوله، وهو من دقيق التشبيه وحسن النسيب:
حوراء راعتها النوى في حور ... حكمت لواحظها على المقدور
نظرت إليك بمقلتي أدمانةٍ ... وتلفّتت بسوالف اليعفور
وكأنما غاص الأسى بجفونها ... حتى أتاك بلؤلؤ منثور
وقوله:
أدعو إليك فلا دعاء يسمع ... يا من يضرّ بناظريه وينفع
للورد حينٌ ليس يطلع دونه ... والورد عندك كلّ حينٍ يطلع
من لي بأحور ما يبين لسانه ... خجلاً وسيف جفونه لا يقطع
منع الكلام سوى إشارة مقلةٍ ... منها يكلّمني وعنها يسمع
وقوله:
جمالٌ يفوت الوهم في غاية الفكر ... وطرفٌ إذا ما فاه ينطق بالسحر
ووجه أعار البدر ذلّة حاسدٍ ... فمنه الذي يسود في صفحة البدر
وقوله في النحول
لم يبق من جثمانه ... إلا حشاشة مبتئس
قد رقّ حتى ما يرى ... بل ذاب ما يحس
وقوله في البين:
فررت من اللقاء إلى الفراق ... فحسبي ما لقيت وما ألاقي
سقاني البين كأس الموت صرفاً ... وما ظني أموت بكف ساقي
فيا برد اللقاء على فؤادي ... أجرني اليوم من حرّ الفراق
وقوله في نوح الحمام:
ويهتاج قلبي كما كان ساكناً ... دعاء حمام لم يبت بوكون
وإن ارتياحي من بكاء حمامةٍ ... كذي شجنٍ داويته بشجون
كأن حمام الأيك لما تجاوبت ... حزينٌ بكى من رحمة لحزين
وقوله:
أناحت حمامات اللوى أم تغنّت ... فأبدت دواعي قلبه ما أجنّتِ
فديت التي كانت ولا شيء غيرها ... مني النفس أو يقضي لها ما تمنّت
وقوله فيه:
لقد سجعت في جنح ليلٍ حمامةٌ ... فأيّ أسى هاجت على الهائم الصبّ
لك الويل بل هيجت شجوي بلا جوى ... وشكوى بلا شكوى وكرباً بلا كرب
وأسكبت دمعاً من جفون مسهّد ... وما رقرقت منك المدامع بالسكب
وقوله في الرياض:
وما روضة بالحزن حاك لها الندى ... بروداً من الموشيّ حمر الشقائق
يقيم الدجى أعناقها ويميلها ... شعاع الضحى المستنّ في كلّ شارق
إذا صاحكتها الشمس تبكي بأعين ... مكللة الأجفان صفر الحمالق
حكت أرضها لون السماء وزانها ... نجوم كأمثال النجوم الخوافق
بأطيب نشراً من خلائقك التي ... لها خضعت في الحسن زهر الخلائق
وقوله في التضمين:
وروضة ورد بالسوسن الغض ... تحلّت بلون السام والذهب المحض
رأيت بها بدراً على الأرض ماشياً ... ولم أر قط يمشي على الأرض
إلى مثله تصبو إذا كنت صابياً ... فقد كاد منه البعض يصبو إلى البعض
وقل للذي يفني الفؤاد بحبّه ... على أنه يجزي المحبّة بالبغض
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض
وقوله:
وحاملة راحا على راحة اليد ... موردة تسعى بلون مورد
متى ما ترى الإبريق للكأس راكعاً ... تصلّ له من غير طهر وتسجد
على ياسمين كاللجين ونرجس ... كأقراط درٍّ في قضيب زبرجد
بتلك وهذي فاله يومك كلّه ... وعنها فسل لا تسأل الناس عن غد
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقوله:

أيقتلني دائي وأنت طبيبي ... قريب وهل من لا يرى بقريب
لئن خنت عهدي إنني خير خائن ... وأيّ محبٍّ خان عهد حبيب
وساحبة فضل الذيول كأنها ... قضيب من الريحان فوق كثيب
إذا برزت من خدرها قال صاحبي ... أطعني وخذ من حظها بنصيب
فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ... وما كلّ مؤت نصحه بلبيب
وقوله:
يا طويل الهجر لا تنس وصلي ... واشتغالي بك عن كلّ شغل
يا هلالاً فوق جيد غزال ... وقضيباً فوق دعصة رمل
وقوله:
يا وميض البرق بين الغمام ... لا عليها بل عليك السلام
إنّ في الأحداج مقصورة ... وجهها يهتك ستر الظلام
تحسب الهجر حلالاً لها ... وترى الوصل عليها حرام
ما تأسيك لدارٍ خلت ... ولشعب شتّ بعد التئام
إنما ذكرك ما قد مضى ... ضلّةٌ مثلُ حديث المنام
وقوله:
يا عاتباً صرت له عاتباً ... رب مطلوب غدا طالبا
من يتب عن حب معشوقه ... لست عن حبي له تائبا
فالهوى لي قدر غالب ... كيف أعصي القدر الغالبا
ساكن القلب ومن حله ... أصبح القلب به ذاهبا
وقوله:
أيّ تفاح ورمان ... نجتني من خوط ريحان
أيّ ورد فوق خدٍّ بدا ... مستنيراً فوق سوسان
وثنٌ يعبد في خلوة ... صيغ من درٍّ ومرجان
من رأى الذلفاء ياقوتة ... أخرجت من كيس دهقان
وقوله:
من محب شفّه سقمه ... وتلاشى لحمه ودمه
كاتبٌ حنَّت صحيفته ... وبكى من رحمةٍ قلمه
خلٍّ عقلي يا مسفهه ... إنّ عقلي لست أتهمه
للفتى عقلٌ يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه
وقوله:
زادني لومك إصراراً ... إنّ لي في الحب أنصارا
طار قلبي من هوى رشأ ... لو رثى للقلب ما طارا
خذ بكفي لا أمت غرقاً ... إن بحر الحب قد فارا
أنضجت نار الهوى كبدي ... ودموعي تطفئ النارا
رب نار بتُّ أرمقها ... تقضم الهنديّ والغارا
وقوله:
يا ليلة كان في ظلمائها نور ... إلاّ وجوهاً تضاهيها الدنانير
حورٌ سقتني كأس الموت أعينُها ... ماذا سقتني تلك الأعين الحور
إذا ابتسمن فدرٌّ الثغر منتظمٌ ... وإن نطقن فدر اللفظ منثور
خلّ الصبا عنك واختم بالنهى عملاً ... فإنّ خاتمة الأعمال تكفير
فالخير والشر مقرونان في قرن ... فالخير ممتنعٌ والشر محذور
وقوله:
يا طالباً في الحبّ ما لا ينال ... وسائلاً لم يعف ذلّ السؤال
ولت ليالي الصبا محمودة ... لو أنها ترجع تلك الليالي
وأعقبتك التي أوصلتها ... بالهجر لما رأت شيب القذال
لا تلتمس وصلةً من مخلف ... ولا تكن طالباً ما لا ينال
يا صاح قد أخلفت أسماء ما ... كانت تمنّيك من حسن وصال
وقوله:
ظالمتي في الحب لا تظلمي ... فتصرمي حبل من لم يصرم
أهكذا باطلاً عاقبتني ... لا يرحم الله من لا يرحم
قتلت نفساً بلا نفس وما ... ذنبٌ بأعظم من سفك الدم
لمثل هذا بكت عيني لا ... للمنزل القفر ولا للرسم
ماذا وقوفي على رسم عفا ... مخلولق دارس مستعجم
وقوله:
ما أقرب اليأس من رجائي ... وأبعد الصبر من بكائي
ما مذكي النار في جوائي ... أنت دوائي وأنت دائي
من لي بمخلفة وعدها ... تخلط لي اليأس بالرجاء
سألتها حاجةٌ فلم تفه ... لي بنعم لا ولا بلاء
قلت استجيبي فلما لم تجب ... فاضت دموعي على ردائي

كآبة الذل في كتابي ... ونخوة العزّ في الجواء
وله فيه:
قتلت نفساً بغير نفس ... فكيف تنجو من العذاب
خلقت من بهجة وطيب ... إذا خلق الناس من تراب
ولّت حميّا الشباب عني ... فلهف نفسي على الشباب
أصبحت والشيب قد علاني ... يدعو حثيثاً إلى الخضاب
وقوله:
تجافي النوم بعدك عن جفوني ... ولكن ليس تجفوها الدموعُ
يطير إليك من شوقٍ فؤادي ... ولكن ليس تتركه الضلوع
كأن الشمس لما غبت غابت ... فليس لها على الدنيا طلوع
يذكّرني تبسّمك الأقاحي ... ويحكي لي توردك الربيع
فما لي من تذكرك امتناع ... ودون لقائك الحصنُ المنيع
إذا لم تستطع شيئاً فدعهْ ... وجاوزه إلى ما تستطيع
وقوله:
حال الزمان له فبدّل حالا ... وكسا المشيب مفارقاً وقذالا
غابت غواني الحي عنك وربما ... طلعت إليك أكلة وحجالا
أضحى عليك حلالهن محرماً ... ولقد يكون حرامهن حلالا
إن الكواعب إن رأينك طاوياً ... وصل الشباب طوين عنك وصالا
وإذا دعونك عمّهن فإنه ... نسبٌ يزيدك عندهن خبالا
وقوله:
هتك الحجاب عن الضمائر طرفٌ به تبلى السرائرْ
يرنو فيمتحن القلو ... ب كأنّه في القلب ناظر
يا ساحراً ما كنت أع ... رف قبله في الناس ساحر
أقصيتني من بعد ما ... أدنيتني فالقلب طائر
وغررتني وزعمت أنّ ... ك لابنٌ في الصيف تامر
وقوله:
يا مقلة الرشأ الغري ... ر وشقة القمر المنير
ما رنّقت عيناك لي ... بين الأكلّمة والستور
إلا وضعت يدي على ... كبدي مخافة أن تطير
هبني كبعض حمام مكّ ... ة واستمع قول النذير
أبني لا تظلم بمك ... ة لا الصغير ولا الكبير
وقوله:
قل ما بدا لك وافعل ... واقطع حبالك أوصل
هذا الربيع فحيه ... وأنزل بأكرم منزل
وصل الذي هو واصلٌ ... وإذا كرهت تبدل
وإذا نبا بك منزلٌ ... أو مسكنٌ فتحوّل
وإذ افتقرت فلا تكن ... متخشعاً وتحمّل
وقوله:
يا دهر ما لك ضنكٌ ... وأنت غير مواتي
جرّعتني غصصا بها ... كدرت عليَّ حياتي
أين الذين تسابقوا ... في المجد للغايات
قوم بهم روع الحيا ... ة تردّ في الأموات
وإذا همو ذكروا الإسا ... ءة أكثروا الحسنات
وقوله فيه:
متى أشفي غليلي ... بنيل من بخيل
غزالٌ ليس لي منه ... سوى الحزن الطويل
حملت الضيّم فيه من ... حسودٍ أو عذول
جميل الوجه أخلاني ... من الصبر الجميل
وما ظهري لباغي الضي ... م بالظهر الذلول
وقوله:
لم أدر جنيٌّ سباني أم بشر ... أم شمس ظهرٍ أشرقت لي أم قمرْ
أم ناظر يهدي المنايا طرفة ... حتى كأن الموت فيه في النظر
ويحي قتيلاً ما له من قاتل ... إلا سهام الطرف ريشت بالحور
ما بال رسم الوصل أضحى دارسا ... حتى لقد أذكرني ما قد دثر
دارٌ لسلمي إذ سليمى جارة ... قفرٌ ترى آياتها مثل الزبر
وقوله:
قلبٌ بلوعات الهوى معمود ... حيٌّ كميت حاضر مفقود
ما ذقت طعم الموت في كأس الرّجا ... حتى سقتنيه الظباء الغيد
من ذا يداوي القلب من داء الهوى ... إذ لا دواء للضنى موجود
أم كيف أسلو غادة ما حبّها ... إلاّ قضاء ما له مردود

القلب منها مستريح سالم ... والقلب مني جاهد مجهود
وقوله:
يا أيها المشغوف بالحب التعب ... كم أنت في تقريب مالا يقترب
دع ودّ من لا يرعوي إذا غضب ... ومن إذا عاتبته يوماً عتب
إنك لا تجني من الشوك العنب
وقوله:
ِأنا في اللذات ممنوع العذار ... هائم في حب ظبي ذي احورار
صفرة في حمرة في خده ... جمعت روضة وردٍ وبهار
بأبي قلبي آسٍ أقبلت ... تنثني بين حجل وسوار
قادني قلبي وطرفي للهوى ... كيف من قلبي ومن طرفي حذاري
لو بغير الماء حلقي شرقٌ ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
وقوله:
يا مدير الصدغ بالخد الأسيل ... ومجيل السحر بالطرف الكحيل
هبْ لمحزون كئيبٍ نظرة ... منك يشفي بردها حرّ الغليل
وقليلٌ ذاك إلاّ أنه ... ليس من مثلك عندي بالقليل
بأبي أحور غنّي موهناً ... بغناء قصر الليل الطويل
يا بني الصيداء ردّوا فرسي ... إنما يفعل هذا بالذليل
وله:
شادنٌ يسحب أذيال الطرب ... ينثني ما بين لهوٍ ولعب
بجبين مفرغ من فضة ... فوق خد مشربٍ لون الذهب
كتب بالدمع بخدي عهده ... للهوى والشوق يملي ما كتب
يا لجهلي ما أراه ذاهباً ... وسواد الرأس منّي قد ذهب
قالت الخنساء لما جئتها ... شاب بعدي رأس هذا واشتهب
وقوله:
يا هلالاً في تجليه ... وقضيباً في تثنّيه
والذي لست أسمي ... ه ولكنّي أكنيه
شادنٌ ما تقدر العي ... ن تراه من تلاليه
كلما قابلها شخ ... ص رأى صورته فيه
لان حتى لو مشى ال ... ذر عليه كاد يدميه
وقوله:
يا هلالاً قد تجلّى ... في سحاب من حرير
وأميراً بهواه ... قاهراً كلَّ أمير
ما لخديك استعاراً ... حمرة الورد المنير
ورسوم الوصل قد أل ... بسها ثوب الدثور
وقوله:
أنت بما في نفسه أعلم ... فاحكم بما شئت به تحكمُ
ألحاظه في الحبّ قد هتكت ... مكتومة والحب لا يكتم
يا مقلتي وحشية قتلت ... نفساً بلا نفسٍ ولا تظلم
قالت تسليت فقلنا لها ... ما قال قبلي عاشق مغرم
وقوله:
ويحي قتيلاً ما له من عقل ... من شادن يهتزّ مثل النصل
مكحل ما مسّه من كحل ... لا تعذلاني إنني في شغل
يا صاحبي رحلي أقلا عذلي
وقوله فيه:
ِبيضاء مضمومة مقرطقة ... تنقدّ عن نهدها قراطقها
كأنما بات ناعماً جذلاً ... في جنة الخلد من يعانقها
وأي شيء ألذّ من أملٍ ... نالته معشوقةٌ وعاشقها
دعني أمتْ في هوى مخدرة ... يعلق نفسي بها علائقها
من لم يمت عبطة يمت هرماً ... الموت كأس المرء ذائقها
وقوله:
أنت دائي وفي يديك شفائي ... يا دوائي من الهوى وشفائي
إنّ قلبي يحبّ من لا أسمي ... في عناء أعظم به من عناء
كيف لا كيف أن ألذ بعيشٍ ... مات صبري به ومات عزائي
أيّها اللائمون ماذا عليكم ... أن تعيشوا وأن أموت بدائي
ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنّما الميت ميت الأحياء
وقوله:
ذات دلّ وشاحها قلق ... من ضمورٍ وحجلها شرقُ
برت الشمس نورها وحباها ... لحظ عينيه شادنٌ حدقُ
ذهب خدّها يذوب حياءً ... وسوى ذاك كله ورقُ
إن أمت ميتة المحبين يوماً ... وفؤادي من الهوى حرق
فالمنايا ما بين غادٍ وسارٍ ... كلّ حيّ برهنها علِق
وقوله:
أشرقت لي بدور ... في ظلام تنير

طار قلبي لحسنها ... من لقلب يطير!
يا بدور أنا بها ال ... دهر عان أسير
إن رضيتم بأن أمو ... ت فموتي حقير
كل خطبٍ ما لم تكو ... نوا غضبتم يسير
وقوله:
يا مليحة الدعج ... هل لديك من فرج
أم أراك قاتلي ... بالدلال والغنج
عاذلي ويحكما ... قد غرقت في لجج
وقوله:
أأحرم منك الرضى ... وتذكر ما قد مضى
وتعرض عن هائمٍ ... أبى عنك أن يعرضا
قضى الله بالحب لي ... فصبراً على ما قضى
رميت فؤادي فما ... تركت به منهضا
وقوسك شريانةٌ ... ونبلك جمر الغضا
وقوله:
وأزهر كالعيوق يسعى بأزهرٍ ... لنا منه داء وهو برءٌ من الداء
ألا بأبي صدغ حكى العين فتله ... وشارب مسكٍ قد حكى عطفة الراء
فما السحر ما يعزي إلى أرض بابل ... ولكن فتور اللحظ من طرف حوراء
وكيف أدارت مذهب اللون أصفرا ... بمذهبةٍ في راحة الكفّ صفراء
وقوله:
معذبتي رفقاً بقلب معذب ... وإن كان يرضيك العذاب فعذبي
لعمري لقد باعدت غير مباعد ... كما أنني قربت غير مقرّب
لو أن امرأ القيس بن حجر بدت له ... لما قال مرّا بي على أم جندب
وقوله:
محبٌّ طوى كشحاً على الزفرات ... وإنسان عين خاض في العبرات
فيا من بعينيه سقامي وصحتي ... ومن في يديه ميتتي وحياتي
بحبّك عاشرت الهموم صبابة ... كأني لها تربٌ وهنّ لداتي
فخدّي أرضٌ للهموم ومقلتي ... سماء لها تنهلُّ بالعبرات
وقوله:
طلّق اللهو فؤادي ثلاثاً ... لا ارتجاع لي بعد الثلاث
وبياض في سواد عذاري ... بدل التشبيب لي المراثي
غير أني لا أطيق اصطباراً ... وأراني صائراً لانتكاثي
بإناث في صفات ذكور ... وذكور في صفات إناثِ
وقوله:
صدعت قلبي صدع الزجاج ... ما له من حيلةٍ أو علاج
مزجت روحي ألحاظها ... فالهوى مني لروحي مزاج
يا قضيباً فوق دعص النقا ... وكثيباً تحت تمثال عاج
أنت نوري في سواد الدجا ... وسراجي عند فقد السراج
وقوله:
مستهام دمعه سافح ... بين جفنيه هوىً قادح
كلما أمَّ سبيل الهوى ... قاده السافح والنازح
حلّ فيما بين أعدائه ... وهو عن أحبابه نازح
أيها القادح نار الهوى ... أصلها يا أيها القادح
وقوله:
عاد منها كلّ مطبوخ ... غير داذي ومفضوح
فاعتقد من ود أهل الحجى ... كل ودّ غير مشدوخ
وانتشق ريّاك من ملتقى ... شارب بالمسك ملطوخ
إنّ في العلم وآثاره ... ناسخاً من بعد منسوخ
وقوله:
يا مجال الروح من جسدي ... والذي يفتر عن برد
وفريد الحسن واحده ... منتهاه منتهى العدد
خذ بكفي إنني غرق ... في بحار جمّة المدد
ورياح الهجر قد هدمت ... ما أقام الصبر من أودي
وقوله:
أذكرت من طيرناباذ ... فقري الكرخ فبغداذ
قهوة ليست ببارقةٍ ... لا، بتع ولا داذي
مرة يهذي الحليم بها ... بأبي ذلك من هاذي
فهي أستاذ الشراب معاً ... والمعاني دأب وأستاذ
وقوله:
نورٌ تولّد من شمس ومن قمر ... في طرفة سقمٌ أمضى من القدر
أصلي فؤادي بلا ذنب جوى حرقٍ ... لم يبق من مهجتي شيئاً ولم يذر
لا والرحيق المصفى من مراشفه ... وما بخديه من خال ومن طرر
ما أنصف الحب قلبي في حكومته ... ولا عفا الشوق عني غير مقتدر
ِوقوله:

خرجت أجتاز قفراً غير مجتاز ... فصادني أسهل العينين كالباز
صفرٌ على أنه صفر لوالبه ... ذا فوق نعلٍ وهذا فوق قفاز
كم موعد ليّ من ألحاظ مقلته ... لو أنه موعد يقضى بإنجاز
أبكي ويضحك منّي طرفه هزؤاً ... نفسي الفداء لذاك الضاحك الهازي
وقوله "
يا غصناً مائساً بين الرباط ... مالي من بعد العيش اغتباط
ما من إذا ما ابتدى ماشياً ... وددت أن له خدّي بساط
تترك عيناه من يبصره ... مختلط اللبسة كلّ اختلاط
قلت متى نلتقي يا سيدي ... قال غدا نلتقي عند الصراط
وقوله:
يا ساحراً طرفه إذ يلحظ ... وفاتنا لفظُه إذ يلفظ
يا غصناً ينثني من لينه ... وجهك من كل عين يحفظ
أيقظني إذ جاءني من نفسه ... من طرفه ناعس مستيقظ
ظبيٌ له وجنة من رقّة ... تجرحها مقلة من يلحظ
وقوله:
يا من دمي دونه مسفوك ... وكلّ حرٍّ له مملوك
كأنه فضّةٌ مسبوكةٌ ... أو ذهبٌ خالصٌ مسبوك
ما أطيب العيس لو لا أنه ... عن عاجلٍ كله متروك
وقوله:
إليك يا غرّة الهلال ... وبدعة الحسن والجمال
مددت كفاً بها انقباض ... وأين كفي من الهلال
شكوت ما بي إليك وجداً ... فلم ترقي ولم تبالِ
أعاضك الله من قريب ... حالاً من السقم مثل حالِ
وقوله:
بنفسي من مراشفه مدام ... ومن لحظات مقلته سهامُ
ومن هو إن بدا والبدر تمّ ... صبا من حسنه البدر التمام
أقول له وقد أبدى صدوداً ... فلا لفظ إليّ ولا ابتسام
تكلّم ليس يوجعك الكلام ... ولا يمحو محاسنك السلام
وقوله:
سلبت الروح من بدني ... وصمت القلب بالحزن
فلي بدن بلا روح ... ولي روح بلا بدن
قرنت مع الردى نفسي ... فنفسي وهو في قَرن
فليت السحر من عيني ... ك لم أره ولم يرني
وقوله:
غزالٌ من بني العاص ... أحسّ بصوت قناص
فأتلع جيده حذراً ... وأشخص أيّ إشخاص
أيا من أخلصت نفسي ... هواه كل إخلاص
أطاعك من ضمي القل ... ب غفواً كلّ معتاص
وقوله:
أوحت إليك جفونها بوداع ... خود بدت لك من وراء قناع
بيضاء ما باهى النعيم بصفرة ... فكأنها شمسٌ بغير شعاع
أما الشباب فودّعت أيامه ... ووداعهن موكلٌ بوداعي
لله أيام الصّبا لو أنها ... كرّت عليَّ بلذةٍ وسماع
وقوله:
أصغى إليك بكأسه مصغي ... صلت الجبين معقرب الصدغ
كأس تولّد بالمحبة بيننا ... طوراً وتنزغ أيما نزغ
في روضة درجت بزهرتها الصّبا ... والشمس في درجٍ من الفرغ
واشرب بكفِّ أغنَّ عقرب صدغه ... للقلب منك مميتة اللدغ
وقوله:
يا دمية ليست بمعتكف ... بل ظبية أوفت على شرف
ِبل درة زهراء ما سكنت ... بحراً ولا درّاً من الصدف
أسرفت في قتلي لا ترةٍ ... وسمعت قول الله في السرف
إني أتوب إليك معترفاً ... إن كنت تقبل قول معترف
وقوله:
يا فتنة بعثت على الخلق ... ما بينها والموت من فرق
شمس بدت لك في مغاربها ... يفتّر مبسمها عن البرق
ما كنت أدري قبل رؤيتها ... للشمس مطّلعاً سوى الشرق
يا من يضن بفضل نائله ... لو في يديك مفاتيح الرزق
وقوله:
طلعت له والليل دامس ... شمس تجلّت في حنادس
تختال في صفر المجا ... سد بين حارسةٍ وحارس
يا من لبهجة وجهه ... يستأسر البطل الممارس

لم يبق من قلبي سوى ... رسمٍ تغيّر فهو دارس
وقوله:
دع قول واشيةٍ وواشي ... واجعلهما كلبي هراش
واشرب معتّقةً تسل ... سلُ في العظام وفي المحاشي
حتى ترى العود المسن ... لها أرقَّ من الخشاش
وقوله:
ألحاظ عين تنتهي ... في روض ورد تزدهي
رتعت بها وتنزّهت ... منها بأي تنزه
يا أيها الخنث الجفو ... ن بنخوة وتكرّه
والمكتفي عجباً أما ... ترثي لأشعث أمره
وقوله:
أطفت شرارة لهوي ... ولوت بشرّة عدوي
شعل علون مفارقي ... ومضت ببهجة سروي
لما شككت عروضها ... ذهب الزحاف بحزوي
يا أيها الشاديّ صه ... ليست بساعة شدو
وقوله:
ألا يا زين قلبي لل ... شباب العفر إذ ولّى
جعلت الغيّ سربالي ... وكان الرشد بي أولى
بنفسي جائرٌ في الحك ... م يلفي جوره عدلاً
وليس الشهد في فيه ... بأحلى عنده من لا
وقوله:
هنا تفني قوافي الش ... عر هذا الرويّ
قوافٍ ألبست حلياً ... من الحلى الرويّ
تعالت عن جرير بل ... زهير بل عديّ
؟

أبو عمرو يوسف بن هرون
المعروف بأبي سبيح
وأنشدت لأبي عمرو يوسف بن هرون الأندلسي المعروف بأبي سبيح يمدح أبا علي إسماعيل بن القاسم البغدادي القالي، من قصيدة:
من حاكم بيني وبين عذولي ... الشجو شجوي والعويل عويلي
في أيّ جارحة أصون معذبي ... سلمت من التعذيب والتنكيل
إن قلت في بصري فثم مدامعي ... أو قلت في كبدي فثمّ غليلي
وثلاث شيبات نزلن بمفرقي ... فعلمت أنّ نزولهن رحيلي
طلعت ثلاث في نزول ثلاثة ... واشِ ووجه مراقب ومقيل
فعذلنني عن صبوتي متذلّلاً ... ولقد سمعت بذلة المعذول
ومنها:
حتى إذا صدت الوحوش فلم تدع ... منهن غير معالمٍ وطلول
ونهت محافظة الحسان فلم تصل ... كفّي إلى ظبي أغنّ كحيل
ومكبّل لم يجترم جرماً ولا ... دامت صحابته بغير كبول
متلفت كتلفت المرتاع يق ... سم لحظه في الحول بعد الحول
حتى إذا ما السرب عنّ للحظه ... أومى بقادمتيه خلّ سبيلي
ولّت جماعتها وشدّ وراءها ... وكأنه بطل وراء رعيل
عجلت وأدركها ردىً في إثرها ... إنّ الردى قيدُ لكلِّ عجول
ولقد غدوت بأهرت متضائلٍ ... سر النفوس إليه غير ضئيل
ولربما اشتم الصعيد بأنفه ... حيناً فقام له مقام دليل
متتبّع لظلاله فكأنه ... في القيظ يطلب ظلّه لمقيل
فنزلت في فرش الرياض ولم يكن ... ليحوزها مثلي بغير نزولي
روضٌ تعاهده السحاب كأنه ... متعاهد من علم إسمعيل
قسه إلى الأعراب تعلم أنه ... أولى من الأعراب بالتفضيل
حازت قبائلهم لغات جمّعتْ ... فيهم وحاز لغات كل قبيل
فالشرق خال بعده فكأنما ... نزل الخراب بربعه المأهول
جمعوا بغيبته وموت شيوخه ... عنهم ولما يظفروا ببديل
مذ جاءهم وهم بليل همومهم ... منه فصاروا في دجى موصول
فكأنه شمس بدت في غربتنا ... وتغرّبت في شرقهم بأفول
يا سيدي هذا ثنائي لم أقلْ ... زوراً ولا عرّضت بالتنويل
من كان يأمل نائلاً فأنا امرؤ ... لم أرج غير القرب في تأميلي
وقوله:
وإني لأغضي الطرف عنك جلالة ... وخوفاً على خديك من لحظاتي
ولو أنني أهملت عيني بأن ترى ... سناك لحالت دونها عبراتي
رأيت وشاة الكاشحين أباعدا ... ولكن دمعي من عديد وشاتي

زعمت بأني حلت عنك ولم أكن ... أُعينك في بثّي وفي حسراتي
وهل أنا إلا طالبٌ لمنيتي ... إذا حلت عمّن في يديه وفاتي
وقوله:
عزمت على قتلي بغير تحرّجٍ ... شجى حتى تقتل الهائم الشجي
ولم يبد سرّي فيك رأي، وإنما ... تبدّي فراراً من حشيً متوهّج
نحولي ودمعي دبّجاً وجنتي بما ... رأت مقلتي من خدك المتدبج
بهاراً ودراً هبّت الريح فوقه ... بقروٍ فغطّت وردة بالنفسج
وقال يرثي البلدي الخباز:
أنا إن رمت سلّواً ... عنك يا قرة عيني
كنت في الإثم كمن شا ... رك في قتل الحسين
لك صولات على قل ... بي دليلات لحيني
مثل صولات عليّ ... يوم بدرٍ وحنين
ومن شعره قوله:
هبوا أن سجني مانعٌ لوصاله ... فما العذر أيضاً في امتناع خياله؟
بلى لم تنم عيني فيطرق طيفها ... زوال منامي علّةُ لزوالهِ
؟

عبد الملك بن إدريس المعروف بالخريري
له من قصيدة كتب بها إلى ابنه عبد الرحمن من محبسه، أولها:
ألوي بعزم تجلّدي وتصبّري ... نأيُ الأحبة واعتياد تذكري
شحط المزار فلا قرار ونافرت ... عيني الهجوع فلا خيالٌ يعتري
أزرى بصبري وهو مشدود القوى ... وألان عودي وهو صلب المكسر
وطوى سروري كلّه وتلذذي ... بالعيش طيّ صحيفة لم تنشر
هلاّ بما ألقى الحبيب توهّماً ... بضمير تذكاري وعين تفكّري
وإذا الفتى فقد الشباب سما له ... حب البنين ولا كحب الأصغر
عجباً لقلبي يوم راعتنا النوى ... ودنا وداعك كيف لم يتفطر
ما خلتني أبقى خلافك ساعةً ... لو لا السكون إلى أخيك الأكبر
إنسان عيني إن نظرت وساعدي ... مهما بطشت وصاحبي المستوزر
فإذا شكوت إليه شكوى راحةٍ ... ذكّرته فشكا إليّ بأكثر
أربى عليّ فحظه ممّا بنا ... حظ المعلّى من قداح الميّسر
ومنها:
واعلم بأن العلم أرفع رتبة ... وأجل مكتسب وأسنى مفخر
وبضمر الأقلام يبلغ أهلها ... ما ليس يبلغ بالجياد الضّمّر
والعلم ليس بنافع أربابه ... ما لم يفد عملاً وحسن تبصر
فإذا دفعت إلى قرين فابلهُ ... قبل التقارض والتشارك واخبر
لا يستفزك منظر حسن بدا ... حتى تقابله بحسن المخبر
كم من أخ يلقاك منه ظاهر ... باد سلامته وباطنه وري
وأشرح لك ملم؟ةٍ صدراً وخذ ... بالحزم في كلّ الأمور وشمّر
واستنصح البرَّ التَّقيَّ وشاور ال ... فطن الذكي تكن ربيح المتجر
وأخزن لسانك واحترس من نطقه ... واحذر بوادر غيّه ثم احذر
واصفح عن العوراء إن قيلت وعد ... بالحلم منك على السفيه المعور
وكل المسيء إلى إساءته ولا ... تنعقب الباغي ببغيٍ تنصر
فكفاك من شرٍّ سماعك خبره ... وكفاك من خبرٍ قبول المخبر
وإذا سئلت فجد وإنّ قلّ الجدي ... جهد المقل إزاء جهد المكثر
واشكر لمن أوالك برّاً إنّه ... حقٌّ عليك ولا تكن بالممتري
ليس الحريص بزائد في حرصه ... بأتم حيلته هشيمة إذخر
أو ما رأيت غبيًّ قومٍ موسراً ... ولبيبهم يشقى بحال المعسر
قد أوعب التكوين كلّ مكوّن ... مذ أحكم التقدير كلّ مقدر
فلو ابتغيت لك جهد نيل ما ... سبق القضاء بمنعه لم تقدر
؟
أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج
الأندلسي المعروف بالقسطلي
كان بصقع الأندلس كالمتنبي بصقع الشام، وهو أحد الفحول. وكان يجيد ما ينظم ويقول، فمن ذلك قوله من قصيدة يمدح بها محمد بن أبي عامر:

ما كفر نعماك من شأني فيثنيني ... عمّن توالى لنصر الملك والدين
ولا ثنائي وشكري بالوفاء بما ... أوليتني دون بذل النفس يكفيني
حقُّ على النفس أن تبلى ولو فنيت ... في شكر أيسر ما أضحيت توليني
ها إنها نعمة ما زال كوكبها ... إليك في ظلمات الخطب يهديني
تنأى بجوهر ودٍّ غير مبتذلٍ ... عندي وجوهر حمدٍ غير مكنون
وحبذا النأي عن أهلي وعن وطني ... في كل برٍّ وبحرٍ منك يدنيني
وموقفٍ للنوى أغليت مُتّئدي ... فيه وأرخصت دمع الأعين العين
من كلّ نافرةٍ ذلّت لقود يدي ... في ثني ما يدك العلياء تحبوني
والخدر يخفق في أحشاء والهةٍ ... تردّد الشجو في أحشاء محزون
أجاهد الصبر عنها وهي غافلة ... عن لوعة في الحشى منها تناجيني
يا هذه كيف أعطي الشوق طاعته ... وهذه طاعة المنصور تدعوني
شدي عليّ نجاد السيف أجعله ... ضجيع جنب نبا عن مضجع الهون
رضيت منها وشيك الشوق لي عوضاً ... وقلت فيها للوعات الأسى بيني
فإن تشجَّ تباريح الهوى كبدي ... فقد عوضت قرباً منك يأسوني
وإن يمت موقف التوديع مصطبري ... فأحر لي بدنو منك يحييني
أو أفرط الحظ من نعماك منقلب ... من الوفاء بحظ فيك مغبون
وخازن عنك نفسي في هواجرها ... وليس جودك عن كفي بمخزون
وحاش للخيل أن تزهى علي بها ... والبيض والسمر أن تحظى بها دوني
وربما كنت أمضي في مكارهها ... قدماً وأثبت في أهوالها الجون
من كل أبيض ماضي الغرب ذي شطب ... وكل لدن طرير الحد مسنون
كذاك شأوي مفدى في رضاك إذا ... سعيت فيه فلا ساع يباريني
لكن سهام من الأقدار ما برحت ... على مراصد ذاك الماء ترميني
يحملن للروع أسدا في فرائسها ... تمد للطعن أمثال الثعابين
والبيض تحت ظلال النقع لامعة ... تغلغل الماء في ظل الرياحين
حتى يحوزوا لك الأرض التي اعترفت ... بملك آبائك الشم العانين
حيث استبوا فارساً والروم واعتوروا ... رق الأساور منهم والدهاقين
وقوله من البسيط:
لولا التحرج لم يحجب محياكِ
وحشية الفظ هل يودي قتيلكم؟ ... دمي مضاع وجاني ذاك عيناكِ
إني أراك بقتل النفس حاذقة ... قولي فديتك: من بالقتل أوصاك؟
ما لي وللبرق أستسقيه من ظمأٍ ... هيهات لا ري إلا من ثناياك
لولا الضلوع لظل القلب نحوكم ... ضعي بعيشك فوق القلب يمناكِ
أصليتني لوعة الهجران ظالمة ... رحماك من لوعة الهجران رحماك
أظن عزمك أن أخفي لأسلوكم ... حلي غريمي إني لست أسلاك
حاشاك أن تجمعي حسن الصفات إلى ... قبح الصنيع بمن يهواك حاشاك
إن كان واديك ممنوعا فموعدنا ... وادي الكرى فلعلي فيه ألقاك
ظبي وقلب فمن لي أن أصيدهما ... ضاع الفؤاد وقلب الظبي أشراكي
وقوله:
أصخْ نحوي لدعوة مستقيل ... ينادي من غيابات الخمولِ
رهينة كل هم مستكن ... ونهزه كل خطب مستطيل
ومأمون على ظلم الأعادي ... ونوام على ثوب الذحول
تراني منك في همم صحاح ... نكصن على دجى خطب عليل
ولكن رب دهر ساورتني ... غوائله على نهج السبيل
مظاهر لأمتي بغي ومكر ... ومصلت صارمي قال وقيل
ورام عن قسي الغل نبلاً ... أصبن مقاتل الأدب النبيل

أبا وبنين عن عرض منيع ... لقد أجلين عن أمل قتيل
فكان كأنه جفن سخين ... أسال دماً على خد أسيل
ومضطرم الحشى داء دويا ... تنفس منه عن سيف صقيل
فتلك معالمي علم الرزايا ... وتلك وسائلي درج السيول
وتلك مراتب الأخطار مني ... حمائم تنتحبن على هديل
لعل رضاك يا منصور يوماً ... يحل بساحتي عما قليل
ويقرع منك أسماع المعالي ... لنا بعثار عبد مستقيل
إليك جلوت أبكار المعاني ... معاذيراً بلألاء القبول
سوار في الظلام بلا نجوم ... هواد في الفلاة بلا دليل
وقوله من أخرى:
إليك شحنّا الفلك تهوي كأنها ... وقد ذعرت عن مغرب الشمس غربانُ
على لججٍ خضرٍ إذا هبت الصبا ... تراما بنا فيها ثبير وثهلانُ
وإن سكنت عنا الرياح جرى بنا ... زفير إلى ذكر الأحبة حنّان
يقلن وموج البحر والهم والدجا ... تموج بنا فيها عيون وآذان
ألا هل إلى الدنيا معاد وهل لنا ... سوى البحر قبر أو سوى الماء أكفان
وهبنا رأينا معلم الأرض هل لنا ... من الأرض مأوى أو من الأنس عرفان
هوت أمهم ماذا هوت برجالهم ... إلى نازح الآفاق سفن وأظعان
كواكب إلا أن أفلاك سيرها ... زمام ورحل، أو شراع وسكان
فإن غربت أرض المغارب موئلي ... وأنكرني فيها خليط وخلان
فكم رحبت ارض العراق بمقدمي ... وأجزلت البشرى على خراسان
وإن بلاداً أخرجتني لعاطل ... وإن زماناً خان عهدي لخوان
سلام على الإخوان تسليم آيسٍ ... وسقياً لدهر كان لي فيه إخوان
فلا مؤنس إلا شهيق وزفرة ... ولا مسعد إلا دموع وأجفان
وما كان ذاك البين بين أحبة ... ولكن قلوب فارقتهن أبدان
فيا عجباً للصبر منا كأننا ... لهم غير من كنا وهم غير من كانوا
مضى عيشهم بعدي وعيشي بعدهم ... كأني قد خنت الوفاء وقد خانوا
وأفجع من آوى صفيح وجلمد ... ووازت رمال بالفلاة وكثبان
وجوه تناءت في البلاد قبورها ... وإنهم في القلب مني لسكان
وما بليت في الترب إلا تجددت ... عليها من القلب المفجع أحزان
ومنها:
وأوردتها يوم اللقاء فراته ... كما انصرفت يوم الهباءة ذبيانُ
بكل كمي عامري يسوقه ... لحر الوغى قبل على الدين حران
حليهم بيض الصوارم والقنا ... لها وحلاها سابغات وأبدان
فيا ذل أعلام الهدى يوم عزهم ... ويا عز أعلام الهدى بك إذ هانوا
حفرت لهم في يوم ثبر فبقنا ... قبوراً هواء الأرض منهن ملآن
يطير بهم بازٍ ونسرٌ وناعبٌ ... ويغدو بهم ذئبٌ رميحٌ وسرحانُ
فلو نشر الأملاك يومك فيهم ... لألقى إليك التاج كسرى وخاقان
ولو رد في المنصور روح حياته ... غداة لقيت الموت والموت غرثان
وناديت في الهيجاء أبناء ملكه ... فلباك آساد عبيد وفتيان
جبال إذا أرسيتها حومة الوغى ... وإن تدعها يوماً إليك فعقبان
يقودهم داع إلى الحق مجلب ... على البغي يرضى ربه وهو غضبان
وأسمر يسري في بحار من الندى ... بكفك لكن يغتدي وهو ظمآن
تلألأ نوراً من سناك سنانه ... وقد دعت الفرسان للحرب فرسان
فحياك من أحييت منه شمائلا ... يموت بها في الأرض ظلم وعدوان
وناداك إسراراً وناداك معلناً ... وحسب المعالي منه سر وإعلان
ألا هكذا فليحفظ العهد حافظ ... ألا هكذا فليخلف الملك سلطان

فلله ماذا أنجبت منك عامر ... ولله ماذا ناسبت منك قحطان
ولله منا أهل بيت رمتهم ... إلى يدك العليا بحور وبلدان
فما قصرت بي عن علاك شفاعة ... ولا بك عن مثلي جزاء وإحسان
وقوله من أخرى:
بشر الخيل يوم كر الطراد ... وظبا الهند عند حر الجلاد
وسماء العلا بنجم المساعي ... ورياض المنى بصوب الغوادي
ثم واف القصور من ملك بصرى ... بالمشيدات من ذرى شداد
ثم نادى الأذواء عن ذي الرياسا ... ت نداء يصغي له كل ناد
وصلتكم أرحام ملك نمتكم ... من كرام الأملاك والأجواد
وهناكم منصور كم من نجيب ... في مساع جلت عن الأنداد
بلغت مجدكم نجوم الثريا ... ومساعيكم أقاصي البلاد
ونما منكم إلى الملك سيف ... نافذ الحكم في رقاب الأعادي
بسمات أهدت لكم هدى هود ... وبحلم أعاد أحلام عاد
وأنارت به نجوم المعالي ... وأنار الدنيا ببيض الأيادي
وهو في المنجبين أعلى وأزكى ... والد أنت أكرم الأولاد
قمر في مطالع الملك أوف ... طالعاً والمنى على الميعاد
وتلاقت زهر النجوم عليه ... بسعود الجدود والأجداد
وسما للإسلام باسم أبيه ... وانتحى باسم جده للأعادي
هو للبين بالحياة بشير ... وهو للشرك منذر بالبواد
سابق الشأو لو يؤخر مداه ... عن مداكم تأخر الميلاد
ولدته الحروب منكم تماماً ... فارس الخيل فارس الآساد
فاكتسى الدين منه ثوب سرور ... وصليب الضلال ثوب حداد
فهيئاً للتاج أي جبين ... عنده أي عاتق للنجاد
وهنيئاً لنا وللدين والدن ... يا وللبيض والقنا والجياد
وغريب أن تهوي به كل أرض ... وشريد ينبو به كل وادي
وهنيئاً لطيءٍ ولهمدا ... ن ولخم وكندة وإياد
وله من أخرى يرثي بها أم هشام المؤيد بالله:
بقاء الخلائق رهن الفناء ... وقصر التداني وشيك التنائي
لقد حل من يومه لاقتراب ... وقد حان من عمره لانتهاء
هل الملك يملك ريب المنون ... أم العز يصرف صرف القضاء
أرى الموت يصدع شمل الجميع ... ويكسو الربوع ثياب العفاء
يبيد الحياة ببطش شديد ... ويلقي النفوس بداء عياء
ألم تر كيف استباحت يداه ... حريم الملوك وعلق النساء
هو الرزء أودى بعزم الملوك ... مصاباً وأودى بحسن العزاء
فما في العويل له من كفاء ... ولا في الدموع له من شفاء
فهيهات فيه غناء الزفير ... وهيهات فيه انتصار البكاء
وأنى يدافع سقم بسقم؟؟ ... وكيف يعالج داء بداء
فتلك مآقي جفون رواء ... مفجرة من قلوب ظماء
فلا صدر إلا حريق بنار ... ولا جفن إلا غريق بماء
فقد كاد يصدع صم السلام ... ويضرم نار الأسى في الهواء
وجيب القلوب وشق الجيوب ... وشجو النحيب ولهف النداء
فمن مقلة شرقت بالدموع ... ومن وجنة غرقت بالدماء
وسافرة من قناع الحياء ... ونابذة صبرها بالعراء
وبيض صبغن بلون الحدا ... د حمر البرود وبيض الملاء
أنجماً هوى من سماء المعالي ... لتبك عليك نجوم السماء
وحاشا لرزئك أن يقتضيه ... عويل الرجال ولدم النساء
لبيض أياديك في الصالحات ... تمسك وجه الضحى بالضياء

فقل لفقيدك أن يحتبي ... عليك الصباح بثوب المساء
ومنها:
لئن حجبت تحت ردم اللحود ... ومن قبل في شرفات العلاء
فتلك مآثرها في التقى ... وبذل اللهى ما بها من خفاء
جزاك بأعمالك الزاكيا ... ت خير المجازين خير الجزاء
ولقيت من ضنك ذاك الضريح ... نسيم النعيم وطيب الثواء
وقوله أيضاً:
لك الله بالنصر العزيز كفيل ... أجد مقام أم أجد رحيل
هو الفتح أما يومه فمعجل ... إليك، وأما صنعه فجزيل
وآيات نصر ما تزال ولم تزل ... بهن عمايات الضلال تزول
سيوف تنير الحق أني انتضيتها ... وخيل يجول النصر حيث تجول
ألا في سبيل الله غزوك من غوى ... وضل به في الناكثين سبيل
لئن صدئت ألباب قوم بمكرهم ... فسيف الهدى في راحتيك صقيل
فإن يحى فيهم مكر جالوت جدهم ... فأحجار داود لدي مثول
خفيف على ظهر الجواد إذا عدا ... ولكن على صدر الكمي ثقيل
وجرداء لم تبخل يداها بغاية ... ولا كرهاً نحو الطعان بخيل
لها من خوافي لقوة الجو أربع ... وكشحان من ظبي الفلا وتليل
وبيض تركن الشرك في كل منتأى ... فلولا وما أزري بهن فلول
تمور دماء الكفر في شفراتها ... ويرجع عنها الطرف وهو كليل
وأسمر ظمآن الكعوب كأنما ... بهن إلى شرب الدماء غليل
إذا ما هوى للطعن أيقنت أنه ... لصرف الردى نحو النفوس رسول
وحنانة الأوتار في كل مهجة ... تعاصيك أوتار لها وذحول
إذا نبعها عنها أرن فإنما ... صداه نحيب في العدى وعويل
كتائب عز النصر في جنباتها ... وكل عزيز يممته ذليل
يسير بها في البر والبحر قائد ... يسير عليه الخطب وهو جليل
جواد له من بهجة العز غرة ... ومن شيم الفضل المبين حجول
به أمن الإسلام شرقاً ومغرباً ... وغالت غوايات الضلالة غول
حسام لداء المكر والغدر حاسم ... وظل على الدين الحنيف ظليل
إذا انشق ليل الحرب عن صبح وجهه ... فقد حان من يوم الضلال أفول
كريم التأني في عقاب جناته ... ولكن إلى صوت الصريخ عجول
وأيقن باغٍ حتفه أن أمه وقدامه الليث الهصور هبول
وله أيضاً:
اليوم أبهجت المنى أبهاجها ... وتوسطت شمس الضحى أبراجها
ما للوزارة لا تضيء لنا وقد ... أضحى سراج العالمين سراجها
شمس تبدت في ذوائب يعرب ... ركبت إلى الرتب العلا معراجها
لم تنتقل قدماً لأول منزل ... للمجد حتى استقبلت منهاجها
أنجبته ذخر الخلافة إن شكت ... ألماً تضمن برءها وعلاجها
وسللته سيفهاً لكل ملمة ... يفري بأول ضربة أوداجها
فنظمت في جيد الوزارة عقدها ... وعقدت في رأس الرياسة تاجها
والخيل جانحة إليه كلما ... رفع اللواء وأوجفت أسراجها
يا قبلة للآملين وكعبةً ... تدعو بحي على الندى حجاجها
أنت الذي فرجت عني كربة ... لله قد شدت على رتاجها
وجلوت عن قلق المنى من ليلة ... طاولت في ظلم الأسى إدلاجها
وسقيتني من جود كفك منعماً ... كأساً وجدت من الحياة مزاجها
فلألبسن الدهر فيك ملابساً ... للحمد أحكم منطقي ديباجها
ما عاقب الليل النهار ورجعت ... ورق الحمائم بالضحى أهزاجها
وقوله من قصيدة أخرى:
دعيت فأصغ لداعي الطرب ... وطاب لك الدهر فاشرب وطبْ

فهذا بشير الربيع الجديد ... يبشرنا أنه قد قرب
بهار يروق بمسك ذكي ... وصبغٍ بديعٍ خلقٍ عجب
غصون الزبرجد قد أورقت ... لنا فضة نورت بالذهب
فمن حقها أن ترى الشاربين ... وقد نفقت سوقهم بالنخب
وأن تسألوا الله طول البقاء ... لعبد المليك مليك العرب
فلولا محاسنه لم ترق ... ولولا شمائله لم تطب
وقوله:
ألم تعلمي أن الثواء هو النوى ... وأن بيوت العاجزين قبور
ولم تزجري طير السرى بحروفها ... فتنبيك إن يمن فهو سرور
يخوفني طول السفار وإنه ... لتقبيل كف العامري سفير
ذريني أرد ماء المفارز آجناً ... إلى حيث ماءُ المكرمات نمير
وأختلس الأيام خلسة فاتك ... إلى حيث لي من عدوهن خفير
فإن خطيرات المهالك ضمن ... لراكبها أن الجزاء خطير
ولما تدانت للوداع وقد هفا ... بصبري منها أنة وزفير
تناشدني عهد المودة والهوى ... وفي المهد مبغوم النداء صغير
عيي بمرجوع الخطاب، ولفظه ... بموضع أهواء النفوس خبير
تبوأ ممنوع القلوب، ومهدت ... له أذرع محفوفة ونحور
عصيت شفعي النفس فيه وقادني ... رواح لتدآب السرى وبكور
وطار جناح البين بي وهفت بها ... جوانح من ذعر الفراق تطير
ِلئن وعت مني غيوراً فإنني ... علىَّ ورقراق السراب يمور
أسلط حر الهاجرات إذا سطا ... على حر وجهي، والأصيل هجير
وأستنشق النكباء وهي نوازحٌ ... وأستمطئ الرمضاء وهي تفور
وللموت في عين الجبان تلون ... وللذعر في سمع الجريء صفير
ولو شاهدتني والسرى جل عزمتي ... وجرسي لحنان الفلاة سمير
وأعتسف الموماة في غسق الدجا ... وللأُسْد في غيل الغياض زئير
وقد خليت طرق المجرة أنها ... على مفرق الليل البهيم قتير
ودارت نجوم القطب حتى كأنها ... كؤوس طلا والى بهن مدير
لقد أيقنت أن المنى طوع همتي ... وأنّى بعطف العامري جدير
وأنّى بذكراه لهمي زاجر ... وأنى منه للخطوب نذير
تلاقت عليه من تميم ويعرب ... شموس تلالا في العلا وبدور
من الحميريين الذين أكفهم ... سحائب تهمى بالندى وبحور
هم صدقوا بالوحي حين أتاهم ... وما الناس إلا عابد وكفور
هم صدقوا بالوحي حين أتاهم ... وما الناس إلا عابد وكفور
مناقب يعيا الوصف عن كنه قدرها ... ويرجع عنها الوهم وهو حسير
ألا كل مدح عن نداك مقصر ... وكل رجاء في سواك غرور
ولما تراءوا للسلام ورُفعتْ ... عن الشمس في أفق الشروق ستور
وقد قام من زرق الأسنة دونه ... صفوف ومن بيض السيوف سطور
رأوا طاعة الرحمن كيف اعتزازها ... وآيات صنع الله كيف تنير
وكيف استوى بالبدر والبحر مجلس ... وقام بعبء الراسيات سرير
يقولون والأوجال تخرس ألسناً ... وحارت عيون منهم وصدور
لقد حاط أعلام الهدى بك حائطٌ ... وقدر فيك المكرمات قدير
ومنها:
أثرني لخطب الدهر والدهر معضلٌ ... وكِلني لليث الغاب وهو هصورُ
وقد تخفض الأسماء وهي سواكن ... ويعمل في الفعل الصحيح ضمير
وتنبو الردينيات والطول وافر ... ويبعد وقع السهم وهو قصير
وقوله من أخرى:

أوجعت خيلي في الهوا وركابي ... وقذفت نبلي في الصبا وحرابي
وسللت في سبل الغواية صارماً ... عضباً ترقرق فيه ماء شبابي
ورفعت للشوق المبرح رايةً ... خفاقة بهزائج الأطراب
ولبست للوام لأمة خالع ... مسرودة بصبابة وتصابي
وبرزت للشكوى بشكة معلم ... نكص الملام بها على الأعقاب
فاسأل كمي الوجد كيف أثرته ... بغروب دمع صائب التكساب
واسأل جنود العذل كيف لقيتها ... في جحفل البرحاء والأوصاب
وقلد كررت على الملام بزفرة ... ذهل العتاب بها في الإعتاب
حتى تركت العاذلين لما بهم ... شغفاً بحب التاركيَّ لما بي
من كل ممنوع اللقاء اغتاله ... صرف النوي فنأى به ودنا بي
حتى افتتحت على الأحبة معقلاً ... وعر المسالك مقفل الأبواب
ووقفت موقف عاشق حلت له ... فيه غنيمة كاعب وكعاب
بحدائق الحدق التي أفنينني ... بأحد من سيفي ومن نشابي
في روضة جاد النعيم نباتها ... فتفتحت بكواعب أتراب
من كل مغنوم لقلبي غانم ... عشقاً ومسبي لعقلي سابي
في جنح ليل كالغراب أطار لي ... عن ملتقى الأحباب كل غراب
وجلا لعيني كل بدر طالع ... قمنٍ بهتك حجابه وحجابي
جاب الظلام فلم يدع من دجنه ... إلا غدائر شعره المنجاب
فظللت بين صبابة وظلامة ... مغري الجفون بطرفه المغري بي
فإذا كتبت بناظري في قلبه ... أخفى فخطّ بناظريه جوابي
وإذا سقاني من عقار جفونه ... أبقى علي فشجها برضاب
وسلافة الأعناب توقد نارها ... تهدي إلي بيانع العناب
فسكرت والأيام تسلب جدتي ... والدهر ينسج لي ثياب سلابي
سكرين من خمر كأن خمارها ... فقد الشباب وفرقة الأحباب
لمدى تناهى في الغواية فانتهى ... فينا إلى أجل له وكتاب
ومنها:
وشملتني بشمائل أذكرنني ... في طيبها طوبى وحسن مآب
ورضاك رد لي الرضا في أوجه ... من جور أيام علي غضاب
وهداك أشرق لي وليلي مظلم ... وسناك أبرق لي وزندي كابي
فحللت منه خير دار مقامة ... وثويت منه في أعز رحاب
وأسمت في أزكى البقاع صوافني ... وضربت في أعلى البقاع قبابي
وشويت للأضياف لحم ركائبي ... في نار أحلاسي وفي أقتابي
ولقد كسوت برغم دهر ضامني ... ما أخلقت عصراه من أثوابي
وقوله يصف الهلال:
وَمَحَقَ الشهرُ كمالَ البدرِ ... فلاحَ في أولى الصباح النضرِ
كأنه قرطٌ بأذن الفجرِ

الباب العاشر
في ذكر شعراء الموصل وغرر أشعارهم
فمنهم
السري بن أحمد الكندي
السري وما أدراك من السري؟ صاحب سر الشعر. الجامع بين نظم عقود الدر، والنفث في عقد السحر، ولله دره ما أعذب بحره، واصفى قطره، وأعجب أمره! وقد أخرجت من شعره ما يكتب على جبهة الدهر، ويعلق في كعبة الفكر. فكتبت منه محاسن وملحاً، وبدائع وطرفاً، كأنها أطواق الحمام، وصدور البزاة البيض، وأجنحة الطواويس، وسوالف الغزلان، ونهود العذارى الحسان، وغمزات الحدق الملاح، وبدأت بصدر من أخباره، وبطرف لأشعاره.
بلغني أنه أسلم صبياً في الرفائين بالموصل، فكان يرفو ويطرز إلى أن قضى باكورة الشباب،وتكسب بالشعر. ومما يدل على ذلكما قرأته بخطه، وذكر أن صديقاً له كتب إليه يسأله عن خبره وهو بالموصل في سوق البزازين يطرز، فكتب إليه:
يكفيك من جملة أخباري ... يسري من الحب وإعساري
في سوقة أفضلهم مرتد ... نقصاً، ففضلي بينهم عاري
وكانت الإبرة فيما مضى ... صائنة وجهي وأشعاري

فأصبح الرزق بها ضيقاً ... فكأنه من ثقبها جاري
وهذه الأبيات ليست في ديوان شعره الذي في أيدي الناس، وإنما هي في مجلدة بخط السري استصحبها أبو نصر سهل بن المرزبان من بغداد، وهي عنده الآن، وكل خبر عندنا من عنده.
ولماجد اسري في خدمة الأدب وانتقل عن تطريز الثياب، إلى تطريز الكتاب،فشعر بجودة شعره، ونابذ الخالديين الموصليين وناصبهما العداوة، وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره، وجعل يورق وينسخ ديوان شعر أبي الفتح كشاجم، وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد، والسري في طريقه يذهب، وعلى قالبه يضرب، وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين، ليزيد في حجم ما ينسخه، وينفق سوقه، ويغلي سعره، ويشنع بذلك على الخالديين، ويغض منهما، ويظهر مصداق قوله في سرقتهما، فمن هذه الجبهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الأصول المشهورة منها، وقد وجدتها كلها للخالديين بخط أحدهما، وهو أبو عثمان سعيد ابن هاشم. في مجلدة أتحف بها الوراق المعروف بالطرسوسي ببغداد أبا نصر سهل بن المرزبان وأنفذها إلى نيسابور في جملة ما حصل عليه من طرائف الكتب باسمه، ومنها وجدت الضالة المنضودة من شعر الخالدي المذكور وأخيه أبي بكر محمد بن هاشم، ورأيت فيها أبياتاً كتبها أبو عثمان لنفسه، وأخرى كتبها لأخيه، وهي بأعيانها للسري بخطه في المجلدة المذكورة لأبي نصر، فمنها أبيات في وصف الثلج واستهداء النبيذ:
يا من أنامله كالعارض الساري ... وفعله أبداً عار من العار
أما ترى الثلج قد خاطت أنامله ... ثوباً يزر على الدنيا بأزرار
نار ولكنها ليست بمبدية ... نوراً، وماءٌ ولكن ليس بالجاري
والراح قد أعوزتنا في صبيحتنا ... بيعاً ولو وزن دينار بدينار
فامنن بما شئت من راح يكون لنا ... ناراً فإنا بلا راح ولا نار
ومن قوله أيضاً:
ألذ العيش إتيان الصبيح ... وعصيان النصيحة والنصيحِ
وإصغاءٌ إلى وتر ونايٍ ... إذا ناحا على زق جريح
غداة دجنة وطفاء تبكي ... إلى ضحك من الزهر المليح
وقد حديت قلائصها الحيارى ... بحاد من رواعدها فصيح
وبرق مثل حاشيتي رداء ... جديد مذهب في يوم ريح
هكذا بخط السري، والذي بخط الخالدي حاشيتي لواء، ولست أدري أأنسب هذه الحال إلى التوارد أم إلى المصالتة، وكيف جرى الأمر فبينهم مناسبة عجيبة، ومماثلة قريبة في تصريف أعنة القوافي وصياغة حلى المعاني.
وأنا أجعل فصلاً لشعر السري في ذكر سرقتهما منه وغارتهما عليه، ثم أسوق غرر الخالديين مع نبذ من أخبارهما إذا فرغت من قضاء حق السري بإذن الله تعالى ومشيئته.
ولم يزل السري في ضنك من العيش إلى أن خرج إلى حلب واتصل بسيف الدولة، واستكثر من المدح له، فطلع سعده بعد الأفول، وبعد صيته بعد الخمول، وحسن موقع شعره عند الأمراء من بني حمدان ورؤساء الشام والعراق. ولما توفي سيف الدولة ورد السري بغداد، ومدح المهلبي الوزير وغيره من الصدور، فارتفق بهم، وارتزق معهم، حسنت حاله، وسار شعره في الآفاق ونظم حاشيتي الشام والعراق، وسافر كلامه إلى خراسان وسائر البلدان، وكنت أحسب أنني استغرقت شعره لجمعي فيه بين لمع أنشدنيها وأنسخنيه أبو بكر الخوارزمي أولاً، وبين ديوان شعره المجلوب من بغداد، وهو أول ما رأيته مما أنفذه أبو عبد الله محمد بن حامد الخوارزمي من بغداد، إلى أبي بكر وبين المجلدة بخط السري التي وقعت إلي من جهة أبي نصر وفيها زيادات كثيرة على ما في الديوان. فقرأت في كتاب الوساطة للقاضي أبى الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني أبياتاً أنشدها للسري في جملة ما أنشده لأكابر الشعراء مما يتضمن الاستعارة الحسنة مع إحكام الصنعة. وعذوبة اللفظ، وهي:
أقول لحنّان العشاء المغرّد ... يهز صفيح البارق المتوقد
تبسم عن ري البلاد صبيبه ... ولم يبتسم إلا لإنجاز موعد
ومنها:
ويا ديرها الشرقي لا زال رائح ... يحل عقود المزن فيك ومغتدى
عليلة أنفاس الرياح كأنما ... يعل بماء الورد نرجسها الندى

يشق جيوب الورد في شجراتها ... نسيم متى ينظر إلى الماء يبرد
فأعجبت جداً بها وتعجبت منها،وتأسفت على ما فاتني من أخواتها من هذه القصيدة وغيرها، ثم قرأت في كتاب تفسير ابن جني لشعر المتنبي بيتاً واحداً أنشده السري من قصيدة، وذكر أنه أخذه من قول المتنبي:
سقاك وحيانا بك الله، إنما ... على العيس نور والخدود كمائمه
وهو:
حيا بك الله عاشقيك فقط ... أصبحت ريحانة لمن عشقا
فكدت أقضي بأني لم أسمع في معناه أظرف منه ولا ألطف ولا أعذب ولا أخف، وطلبت القصيدتين فعزتا وأعوزتا،وعلمت أن الذي حصلت من شعره غيض من فيض ما لم يقع إلي.
ولما وجدت السري أخذ جديد القميص في حسن السرقة وجودة الأخذ من الشعر كسره هذا الفصل على ذكر سرقاته: قال السري من قصيدة في سيف الدولة وذكر بعض غزواته:
طلعت على الديار وهم نبات ... وأغمدت السيوف وهم حصيد
فما أبقيت إلا مخطفات ... حماها الخصر منها والنهود
وكرر هذا المعنى فقال:
أفنت ظباك الروم حتى إنها ... لم تبق إلا ظبية أو ريما
وإنما سرقه من قول المتنبي:
فلم يبق إلا من حماها من الظبا ... لمى شفتيها والثدي النواهد
وقال السري من قصيدة:
حييت من طلل أجاب دثوره ... يوم العقيق سؤال دمع سائل
يخفي وينزل وهو أعظم حرمةً ... من أن يذال براكب أو ناعل
وهو من قول المتنبي:
نزلنا على الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا
وفي قصيدة السري:
فالدهر يمسح منه غرة سابق ... لاقاه أول سابقين أوائل
وهو من قول مروان بن أبي حفصة:
مسحت معدٌ وجه معنٍ سابقاً ... لما جرى وجرى ذوو الأحساب
وقال السري من قصيدة وذكر الخيال:
وافى يحقق لي الوفاء ولم يزل ... خدن الصبابة بالوفاء حقيقا
ومضى وقد منع الجفون خفوقها ... قلب لذكرك لا يقر خفوقا
فالتجنيس أخذه من قول التنوخي:
يفديك قلب خافق ... أبداً وطرف ما خفق
واللفظ من قول ابن المعتز:
ما بال قلبك لا يقر خفوقا
وقال السري من قصيدة:
نضت البراقع عن محاسن روضة ... ريضت بمحتفل الحيا أنوارها
فمن الثغور المشرفات لجينها ... ومن الخدود المذهبات نضارها
أغصان بانٍ أغربت في حملها ... فغرائب الورد الجني ثمارها
وهو من قول ابن الرومي:
غصون بان عليها الدهر فاكهة ... وما الفواكه مما يحمل البان!
وقال السري:
تلك المكارم لا أرى متأخراً ... أولى بها منه ولا متقدما
عفو أظل ذوي الجرائم كلهم ... حتى لقد حسد المطيع المجرما
وهو من قول أبي تمام:
وتكفل الأيتام عن آبائهم ... حتى وددنا أننا أيتام
والأصل فيه قول أبي دهبل الجمحي:
ما زلت في العفو للذنوب وإط ... لاقٍ لعانٍ بجرمه غلقِ
حتى تمنى البراء أنهم ... عندك أضحوا في القد والحلقِ
وقال السري من قصيدة:
إذا ذكر العقيق لنا نثرنا ... عقيق الدمع سحاً وانهمالا
طلول كلما حاولن سقياً ... سقتها العين أدمعها سجالا
تحن جمالنا هوناً إليها ... فأحسبها ترى منها جمالا
ونسأل من معالمها محيلاً ... فنطلب من إجابتها محالا
وهو من قول ديك الجن:
قالوا السلام عليك يا أطلالُ ... قلت السلام على المحيل والمحالُ
وقال السري من قصيدة يتشوق بها بني فهد:
تناؤوا ولما ينصرم عزهم ... وحاشا لذاك الحبل أن يتصرما
فشرق منهم سيد ذو حفيظة ... وغرب منهم سيد فتشأما
كأن نواحي الجو تنثر منهم ... على كل فج قاتم اللون أنجما
وهو من قول الشاعر:
رمى القفر بالفتيان حتى كأنهم ... بأقطار آفاق البلاد نجومُ
وقال من قصيدة:
تناهى فاطمأن إلى العاب ... وأحسن للعواذل في الخطاب

وصار جنيب غصن غير رطب ... وكان جنيب أغصان رطاب
خلت منه ميادين التصابي ... وعرى منه أفراس الشباب
وزهده خضاب الله لما ... تولى عنه في زور الخضاب
وإنما أخذ مصراع البيت الثالث من قول زهير:
وعزي أفراس الصبا ورواحله
وذكر في خضاب الله في البيت الرابع، وهو من قول أبي تمام:
ورأت خضاب الله وهو خضابي
وفي قصيدة السري:
وكنت كروضة سقيت سحاباً ... فأثنت بالنسيم على السحاب
وهو من قول المتنبي:
وذكي رائحة الرياض كلامها ... تبغي الثناء على الحيا فيفوح
والأصل فيه قول ابن الرومي:
شكرت نعمة الولي على الوس ... ميِّ ثم العهاد بعد العهاد
فهي تثني على السماء ثناءً ... طيب النشر شائعاً في البلاد
وقال السري من قصيدة:
ليالينا بأحياء الغميم ... سقيت ذهاب مذهبة الغيومِ
مضت بك رأفة الأيام فينا ... وغفلة ذلك الزمن الحليم
فكنا منك في جنات عيشٍ ... وَفَتْ حسناً بجنات النعيم
رياض محاسن وسنا شموسٍ ... وظل دساكر وجنى كروم
وأجفان إذا لحظت جسوماً ... جعلن سقامهن على الجسوم
وإنما أخذ هذا المثال من قول أبي تمام:
فيا حسن الرسوم وما تمشى ... إليها الدهر في صور البعادِ
وإذ طير الحوادث في براها ... سواكن وهي غنَّاء المراد
مذاكي حلبةٍ وشروب دجنٍ ... وسامر قينةٍ وقدور صادِ
وأعين ربربٍ كحلتْ بسحرٍ ... وأجسادٌ تضمخُ بالجساد
وممن أخذ هذا المثال مع ركوب هذه القافية القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني حيث قال من قصيدة:
وأجفان تروي كل شيءٍ ... سوى قلب إلى الأحباب صادي
بذاك جزيت إذ فارقت قوماً ... لبست لبينهم ثوبي حداد
معادن حكمة وغيوث جدب ... وأنجم حيرةٍ وصدور نادي
وقال السري من قصيدة:
ترتع حولي الظباء آنسةً ... نظائراً في الجمال أشباها
رقت عن الوشى نعمة فإذا ... صافح منها الجسوم وشّاها
وهو من قول المتنبي:
حِسان التثني ينقش الوشى مثله ... إذا مِسْن في أجسامهن النواعمِ
وقال من أبيات:
وأغيدَ مهتزٍّ على صحن خدِّهِ ... غلائل من صبغ الحياء رقاقُ
أحاطت عيون العاشقين بخصره ... فهنّ له دون النطاق نطاق
وهو أيضاً من قول المتنبي:
وخصر تثبت الإحداق فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا
وكتب إلى صديق له قد اتهمه بغلام بعثه إليه في حاجة:
أبا بكر أسأت الظن فيمن ... سجيَّيتُهُ التمنع والخلافُ
وخفت عليه في الخلوات مني ... ولم تك بيننا حالٌ تخاف
جفوت من الصبا وما ليس يُجفى ... وعفت من الهوى ما لا يعاف
فلو أني هممت بقبح فعلٍ ... لدى الإغفاء أيقظني العفاف
وإنما أخذه من قول أبي الحسن بن طباطبا:
ماذا يعيب الناس من رجلٍ ... خلص العفاف من الأنام له
يقظاته ومنامه شرعٌ ... كل بكلٍّ منه مشتبه
إن هم في حلم بفاحشة ... زجرته عفته فينتبه
وقال السري من أبيات لصديق له أهدى إليه ماء ورد فارسي في قارورة بيضاء مزينة بقراطيس مذهبة:
بعثت بها عذراء حالية النحر ... مشهرة الجلباب حورية النحر
مضمنة ماء صفا مثل صفوها ... فجاءت كذوب التبر في جامد الدر
ينوب بكفي عن أبيه وقد مضى ... كما نبت عن آبائك السادة الغر
وإنما هو عكس قول المتنبي:
فإن يك سيار بن مكرم انقضى ... فإنك ماء الورد إن ذهب الورد
وقال من قصيدة في سيف الدولة:
لما تراءى لك الجمع الذي نزحت ... أقطاره ونأت بعداً جوانبه
تركتهم بين مصبوغٍ ترائبه ... من الدماء ومخضوب ذوائبه

فحائر وشهاب الرمح لاحقه ... وهارب وذباب السيف طالبه
يهوي إليه بمثل النجم طاعنه ... وينتحيه بمثل البرق ضاربه
يكسوه من دمه ثوباً ويسلبه ... ثيابه فهو كاسيه وسالبه
وهو من قول البحتري:
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرة فكأنهم لم يسلبوا
وقال السري من قصيدة في سيف الدولة، وذكر العدو:
تروع أحشاءه بالكتب وهولها ... خوف الردى ورجاء السلم مستلم
لا يشر الماء إلا غص من حذرٍ ... ولا يهوم إلا راعه الحلم
وهو من قول أشجع السلمي:
فإذا تنبه رعته، وإذا غفا ... سلَّت عليه سيوفك الأحلام
وقال من قصيدة:
وقفنا نحمد العبرات لما ... رأينا البين مذموم السجايا
كأن خدودهن إذا استقلت ... شقيق فيه من طل بقايا
وهو من قول الناشئ الأوسط:
كأن الدموع على خدها ... بقية طل على جلنار
وقال من قصيدة في مرثية أم أبي تغلب:
تذال مصونات الدموع إزاءها ... ونمشي حفاة حولها الرجل والركب
تساوت قلوب الناس في الحزن إذ ثوت ... كأن قلوب الناس في موتها قلب
ومصراع البيت الأول من قول المتنبي:
مشى الأمراء حوليها حفاة
والبيت الثاني من قول ابن الرومي:
سلالة نورٍ ليس يدركها اللمس ... إذا ما بدا أغضى له البدر والشمسُ
به أضحت الأهواء بجمعها هواً ... كأن نفوس الناس في حبه نفس
ولأبي بكر الخالدي في الأخذ منه:
وبدر دجى يمشي به غصن رطبُ ... دنا نوره لكن تناوله صعبُ
إذا ما بدا أغرى به كل ناظرٍ ... كأن قلوب الناس في حبه قلب
وقال السري من قصيدة:
أيام لي في الهوى العذري مأربةٌ ... وليس لي في هوى العذال من أرب
سقى الغمام رُباها دمع مبتسمٍ ... وكم سقاها التصابي دمع مكتئبِ
وردد هذا المعنى فقال:
ولما اعتنقنا خلْتُ أن قلوبنا ... تناجي بأفعال الهوى وهي تخفقُ
هي الدار لم يخلِ الغمام ولا الهوى ... معالمها من عبرةٍ تترقرق
وهو من قول أبي تمام:
دمنٌ طالما التقت أدمع المز ... ن عليها وأدمع العشاقِ
وفي قصيدة السري:
وطوّقت قوماً في الرقاب صنائعاً ... كأنهم منها الحمام المطوقُ
وهو من قول المتنبي:
أقامت في الرقاب له أيادٍ ... هي الأطواق والناس الحمامُ
وللسري من قصيدة في سيف الدولة:
تبسم برق الغيم فاختال لامعاً ... وحل عقود الغيث فارفض هاملا
فقلت عليٌّ منك أعلى صنائعاً ... إذا ما رجوناه وأرجى مخايلا
وإنما نسج فيه على منوال البحتري فقال:
قد قلت للغيم الركام ولج في ... إبراقه وألح في إرعاده
لا تعرضن لجعفرٍ متشبهاً ... بندى يديه فلست من أنداده
وقال السري من قصيدة:
قامت تميل للعناق مقوماً ... كالخوط أبدع في الثمار وأغربا
حملت ذاره الأقحوان مفضضاً ... يسقي المدامة والشقيق مذهَّبا
وأبت وقد أخذ النقاب جمالها ... حركات غصن البان أن تتنقبا
وهو من قول أبي تمام:
أرخت خماراً على الفرعين وانتقبت ... للناظرين بقدٍّ ليس ينتقب
وقال السري في وصف شعره:
وغريبةٍ تجري عليك رياحها ... أرجاً إذا لفحت عدوك نارها
ممن له غرر الكلام تفتحت ... أبوابها وترفعت أستارها
تجري وتطلبه عصاب قصرت ... عن شأوها فقصارها إقصارها
فتعيش بعد مماته أشعاره ... وتموت قبل مماتها أشعارها
وهو من قول دعبل:
يموت رديء الشعر من قبل أهله ... وجيده يبقى وإن مات قائله
وقال من قصيدة:
صادق البشر يرى ماء الندى ... يرتقي في وجهه أو ينحدرْ
قلت إذ برز سبقاً في العلا ... أإلى المجد طريق مختصر؟
وهو من قول البحتري:

ما زال يسبق حتى قال حاسده ... له طريق إلى العلياء مختصرُ
وفي قصيدة السري:
قد تقضى الصوم محموداً فعدْ ... لهوىً يحمد أو راجٍ يسرْ
أنت والعيد الذي عاودته ... غرّتا هذا الزمان المعتكر
لذ فيك المدح حتى خلته ... سمراً لم اشق فيه بسهر
وهو من قول ابن الرومي:
يا مسرعاً كان لي بلا كدر ... يا سمراً كان لي بلا سهر
وقال من قصيدة ذكر فيها جراحاً نالته في بعض أسفاره:
نوبٌ لو علت شماريخ رضوى ... أوشكت أن تخر منهن هدّا
عرضتني على الحسام فأضحى ... كل عضو مني لحديه غمدا
وكست مفرقي عمامة ضربٍ ... أرجوانية الذوائب تندى
وهو من قول ابن المعتز:
ألا رب يوم قد كسوكم عمائما ... من الضرب في الهامات حمر الذوائبِ
وقال السري من قصيدة في المهلبي الوزير:
وأرى العدو نقيصة في عمره ... وأرى الصديق زيادة في حالِهِ
بوقائع للبأس في أعدائه ... ووقائع للجود في أمواله
عذلوه في الجدوى ومن يثني الحيا ... أم من يسد عليه طرق سجاله
وهو من قول المتنبي:
وما ثناك كلام الناس عن كرمٍ ... ومن يسد طريق العارض الهطل؟!
وقال من قصيدة في وصف طير الماء:
وآمنة لا الوحش يذعر سربها ... ولا الطير منها داميات المخالب
هي الروض لم تنش الخمائل زهره ... ولا اخضل عن دمع المزن ساكب
إذا انبعثت بين الملاعب خلتها ... زرابي كسرى بثها في الملاعب
وهو من قول ابن الرومي:
زرابي كسرى بثها في صحونه ... ليحضر وفداً أو ليجمع مجمعاً
وفي قصيدة السري:
وإن آنستْ شخصاً من الناس صرصرت ... كما صرصرت في الطرس أقلام كاتب
وهو من قول أبي نواس:
كأنما يصفرن عن ملاعقٍ ... صرصرة الأقلام في المهارق
وقال في وصف رقاص:
إذا اختلجت مناكبه لرقصٍ ... نزتْ طير القلوب إليه نزوا
أفارس أنت أحسن من تثنى ... على صنجٍ وأملح من تلوى
وهو من قول الصنوبري:
فمن متلوٍّ على نايهِ ... ومن متثنٍّ على صنجهٍ
وقال من قصيدة في سيف الدولة:
يكاهل الملك سيف الدولة أطَّأدتْ ... قواعد الدين واشتدت كواهله
من الرماح وإن طالت مخاصره ... كما الدروع وإن أوهت غلائله
وهو من قول البحتري:
ملوك يعدون الرماح مخاصراً ... إذا زعزعوها والدروع غلائلا
وقال في وصف السحاب والبرق من قصيدة:
وعارض أكلأ فيه بارقاً ... كالنار شبت في ذرى طودٍ أشم
كأنّه نشوان جرَّ ذيله ... فكلما ريع انتضى عضباً خذم
وهو من قول ابن المعتز:
كأن الرَّباب الجون دون سحابه ... خليعٌ من الفتيان يسحب مئزرا
إذا أدركته روعةٌ من ورائه ... تلفَّت واستل الحسام المذكرا
وفي قصيدة السري:
ورب يوم تكتسي البيض به ... لوناً فتكسو لونها سود اللمم
وهو من قول المتنبي:
واستعار الحديد لوناً وألقى ... لونه في ذوائب الأطفال
وقال من قصيدة:
وأنا الفداء لمرغمٍ في العدى ... إذ زارني وهناً على عدوائه
قمرٌ إذا ما الوشي صين أذاله ... كيما يصون بهاءه ببهائه
وهو من قول المتنبي:
لبسن الوشى لا متجملاتٌ ... ولكن كي يصن به الجمالا
وفي قصيدة السري:
ضعفت معاقد خصره وعهوده ... فكأن عقد الخصر عهد وفائه
واللفظ من قول ابن المعتز:
وشادن ضعيف عقد الخصر:
وقال السري من قصيدة:
حَلِيَّةٌ وثناياه وعنبره ... كلٌّ ينمُّ عليه أو يراقبه
فلست أدري إذا ما سار في أفقٍ ... شمائل الأفق أذكى أم جنائبه
سرى من الخيف يخفي البدر منتقباً ... والبدر يأنف أن تخفي مناقبه
وإنما ألم فيه بقول كشاجم:

بأبي وأمي زائرٌ متقنع ... لم يخف ضوء البدر تحت قناعه
وقال في وصف القلم من قصيدة في أبي إسحاق الصابي:
وفتىً إذا هز اليراع حسبته ... لمضاء عزمته يهز مناصلا
من كل ضافي البرد ينطق راكباً ... بلسان حامله ويصمت راجلا
وهو من قول أبي تمام:
فصيحٌ إذا استنطقته وهو راكبٌ ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل
وقال السري من قصيدة:
الغيث والليث والهلال إذا ... أقمر: بأساً وبهجةً وندى
ناسٍ من الجود ما يجود به ... وذاكرٌ منه كل ما وعدا
وهو من قول الشاعر:
رأيت يحيى أدام الله بهجته ... يأتي من الجود ما لم يأته أحدُ
ينسى الذي كان من معروفه أبداً ... إلى الرجال ولا ينسى الذي يعد
وقال من قصيدة:
بعيدٌ إذا رمت إدراكه ... وإن كان في الجود سهلاً قريبا
ضرائب أبدعتها في السماح ... فلسنا نرى لك فيها ضريبا
وهو من قول البحتري:
بلونا ضرائب من قد نرى ... فما إن رأينا لفتح ضريبا
وقال من قصيدة:
فتىً شرع المجد المؤثّل:فالعلا ... مآربه، والمكرمات شرائعُهْ
إذا وعد السراء أنج وعده ... وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه
وهو من بيت تشتمل عليه قصة حكاها المبرد عن أبي عثمان المازني، قال: حدثني محمد بن مسعر، قال: جمعنا بين أبي عمرو بن العلاء وعمر بن عبيد في مسجدنا، فقال له أبو عمرو: ما الذي يبلغني عنك في الوعيد؟ فقال: إن الله وعد وعداً وأوعد إيعاداً فهو منجز وعده ووعيده، فقال له أبو عمرو: إنك أعجمي ولا أعني لسانك، ولكن فهمك، إن العرب لا تعد ترك الإيعاد ذما، وتعده مدحاً، ثم أنشد:
وما يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... وما أختشي من صولة المتوعدِ
وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فقال له عمرو: أفليس يسمى تارك الإيعاد مخلفاً؟ قال: بلى، قال: أفتسمي الله مخلفاً إذا لم يفعل ما أوعد؟ قال: فقد أبطلت شاهدك.
وقال السري من أبيات:
لحظت عزمتي العراق فسلَّتْ ... همتي للرحيل سيف اعتزامي
فسلامٌ على جنابك والمن ... هل والظل والأيادي الجسام
وهو من قول البحتري:
فسلام على جنابك والمن ... هل فيه وربعك المأنوسِ
حيث فعل الأيام ليس بمذمو ... مٍ ووجه الزمان غير عبوس
وقال في وصف أشعاره:
خلعٌ غضة النسيم غذاها ... صفو ماء العلوم والآداب
فهي كالخرد الأوانس يخلط ... ن شماس الصبا بأنس التصابي
رقة فوق رقة الحضر تبدي ... فطنةٌ فوق فطنة الأعراب
وهو من قول الطائي:
لا رقة الحضر اللطيف عدتهمُ ... وتباعدوا عن فطنة الأعراب
وقال السري من قصيدة:
ألبستني النعمى التي غيرن لي ... ود الصديق فعاد منها حاسدا
فتلبسن بها الثناء مسيراً ... ومخلداً مادام يذبل خالدا
والبيت الأول من قول البحتري:
وألبستني النعمى التي غيرت أخي ... علي فأمسى نازح الود أجنبا
وقد أخذت بطرف من ذكر سرقاته، ولا بأس أن أورد بعض ما كرره من معانيه، فما منها إلا بارع رائع، وإنما كررها إعجاباً بها واستحساناً لما اخترعه منها.
ذكر ما تكرر من معانيه قال من أبيات في الاستزارة:
ألست ترى ركب الغمام يساق ... وأدمعه بين الرياض تراق
ورقت جلابيب النسيم على الثرى ... ولكن جلابيب الغيوم صفاق
وقال في معناه:
راح الغمام به صفيقاً شربه ... وغدا به ثوب النسيم رقيقا
وقال في قريب منه:
فهواؤه سكب الردا ... ء وغيمه جافي الإزار
وقال من تلك الأبيات:
وذو أدب جلت صنائع كفه ... ولكن معاني الشعر منه دقاق
وقال في معناه:
أعلي كم نعم منحت جليلة ... منحتك معنى في الثناء دقيقاً

يلقى الندم برقيق وجهٍ مسفرٍ ... إذا التقى الجمعان عاد صفيقاً
رحب المنازل ما أقام فإن سرى ... في جحفل ترك الفضاء مضيقاً
وقال في معناه:
فطوراً لكم في العيش رحب منازلٍ ... وطوراً لكم بين السيوف زحام
وقال يمدح:
فلتشكرنك دولة جددتها ... فتجددت أعلامها ومنارها
حليتها وحميت بيضة ملكها ... فغرار سيفك سورها وسوارها
وقال في معناه:0
تحلى الدين أو تحمي حماه ... فأنت عليه سور أو سوار
وقال:
نشر الثناء فكان من إعلانه ... وطوى الوداد فكان من أسرارهِ
كالنخل يبدي الطلع من أثماره ... حيناً ويخفي الغض من جُمّارهِ
وقال في معناه:
أصبحت أظهر شكراً عن صنائعه ... وأضمر الود فيه أي إضمارِ
كيانع النخل يبدي للعيون ضحىً ... طلعاً نضيداً ويخفي غض جمّارِ
وقال في وصف الشمع:
أعددت لليل إذا الليل غسق ... وقيد الألحاظ من دون الطرق
قضبان تبر عريت عن الورق ... شفاؤها إن مرضت ضرب العنق
وقال في معناه:
فرّجتها بصحائح إن تعتلل ... فلهن من ضرب الرقاب شفاءُ
وقال في معناه:
وإذا عرتها مرضة ... فشفاؤها ضرب الرقاب
وقال في معناه:
سيافها يضرب أعناقها ... وهو بذاك الفعل يحييها
وقال:
قد أغتدي نشوان من خمر الكرى ... أجرّ بردي على برد الثرى
والصبح حمل بين أحشاء الدجى
وقال في مثله:
والصبح حملٌ في حشى الظلماء
وقال في وصف الخمر:
ألا غادها مخطئاً أو مصيباً ... وسر نحوها داعياً أو مجيبا
وخذ لهباً حرّه في غدٍ ... إذا الحر قارن يوماً لهيباً
وقال في معناه:
هاتها لم تباشر النار واعلم ... أنها في المعاد للشرب نارُ
وقال في أبيات:
أنظر إلى الليل كيف تصدعه ... راية صبح مبيضةُ العذبِ
كراهبٍ حن للهوى طرباً ... فشقّ جلبابه من الطرب
وقال في معناه:
والفجر كالراهب قد مزقت ... من طرب عنه الجلابيبُ
وقال يمدح:
يخضب الكف بالمدام وطوراً ... يخضب السيف من دم مهراقِ
وقال في معناه:
وتخضب بالراح أيماننا ... ونخضب بالدم أرماحنا
وقال في الغزل، وهو من غرره:
بنفسي من أجود له بنفسي ... ويبخل بالتحية والسلام
وحتفي كامنٌ في مقلتيه ... كمون الموت في حد الحسام
وقال، ونقل معناه إلى الخمر:
ويريه أعلى الرأي حزم كامن ... فيه كمون الموت في حد القضب
وقال في معناه:
أما للمحبين من حاكمٍ ... فينصفني اليوم من ظالمي
حمامي في طرفه كامنٌ ... كمون المنية في الصارم
وقال في معنى آخر:
وفتية زهر الآداب بينهمُ ... أبهى وأنضر من زهر الرياحين
مشوا إلى الراح مشي الرَّخِ وانصرفوا ... والراح تمشي بهم مشي الفرازين
وقال في معناه:
حتى إذا الشمس بها آذنت ... خيامها الصفر بقلع الأواخي
راحوا عن الراح وقد أبدلوا ... مشي الفرازين بمشي الرخاخ
وقال في قلب معناه ووصف الشطرنج:
يبدي لعينك كلما عاينته ... قرنين جالا مقدماً ومخاتلا
فكأن ذا صاحٍ يسير مقوما ... وكأن ذا نشوان يخطر مائلا
وقال يصف كانون نار:
وذو أربعٍ لا يطيق النهوض ... ولا يألف السير فيمن سرى
نحمله سبجاً أسودا ... فيجعله ذهباً أحمرا
وقال في معناه:
وأحدقنا بأزهر خا ... فقات حوله العذبُ
فما ينفكُّ من سبجٍ ... يعود كأنه ذهب
وقال يمدح:
وكم خرق الحجاب إلى مقامٍ ... توارى الشمس فيه بالحجاب
كأن سيوفه بين العوالي ... جداول يطردن خلال غاب
وقال في معناه:

كأن سيوف الهند بين رماحه ... جداول في غاب سما فتأشبا
وقال في معناه:
أسدٌ لها من بيضها وسمرها ... جداولٌ مطردات وأَجَمْ
وقال في وصف شعره:
إليك زففتها عذراء تأوي ... حجاب القلب لا حجب القبابِ
أذبت لصوغها ذهب القوافي ... فأدت رونق الذهب المذاب
وقال في معناه:
وخذها كالتهاب الحلى تغني ... عن المصباح في الليل التهابا
مشعشعة كأن الطبع أجرى ... على صفحاتها الذهب المذابا
وعلى ذكر الشعر فإني كاسر عليه فصلاً، لفرط استحساني جودة وصفه لي، وموافقته الموصوف. قال في وصف شعره من قصيدة:
وما زالت رياح الشعر شتى ... فمن ريا الهبوب ومن سمومِ
تحيّي الصاحب الطلق المحيا ... وتعلن شتم ذي الوجه الشتيم
منحتك من محاسنها ربيعاً ... مقيم الزهر سيار النسيم
وقال من أخرى:
قل للعدو إليك عن ذي عدة ... ما ثار إلا نال أبعد ثأره
صلّ القريض إذا ارتوت أنيابه ... من سمّه قطرت على أشعاره
لو أنه جارى عتيقي طيء ... في الحلبتين تبرقعا بغباره
وقال من أخرى:
شغلتك عن حسن السماع مدائحٌ ... حسنت فما تنفك تطرب سامعا
طلعت عليك أبا الفوارس أنجمٌ ... منهن يخجلن النجوم طوالعا
زهرٌ إذا صافحن سمع معاند ... خفض الكلام وغض طرفاً خاشعا
جاءتك مثل بدائع الوشي الذي ... ما زال في صنعاء يتعب صانعا
أو كالربيع يريك أخضر ناضراً ... ومورداً شرقاً وأصفر فاقعا
وقال من أخرى:
وكم مدحة غب النوال تبسمت ... كما ابتسم النوار غب حياً أروى
وما ضر عقداً من ثناء نظمته ... وفضلته أن لا يعيش له الأعشى
وقال من أخرى:
جاءتك كالعقد لا تزري بناظمها ... حسناً وتزري بما قالوا وما نظموا
والشعر كالروض ذا ضامٍ وذا خضلٌ ... وكالصوارم ذا ناب وذا خذم
أو كالعرانين هذا حظه خنس ... مزرٍ عليه وهذا حظه شمم
وقال:
وفكر خواطره ألبست ... علاك من الحمد ثوباً خطيرا
محاسن لو علقت بالقتير ... لحسّن عن الحسان القتيرا
إذا ما جفت خلع المادحين ... عليهن رقت فكانت حريرا
وقال:
وخلعة من ثناي دبجها ال ... فكر ففاقت بحسها البدعا
وقرب الحذق لفظها فغدا ... من قربها مطمعاً وممتنعا
وقال:
سأبعث الحمد موشياً سبائبه ... إلى الأمير صريحاً غير مؤتشب
إن المدائح لا تهدى لناقدها ... ألا وألفاظها أصفى من الذهب
كم رضْت بالفكر فيها روضة أنفاً ... تفتح الزهر عن جنى الأدب
لفظٌ يروح له الريحان مطرحا ... إذا جعلناه ريحاناً على النجب
وقال:
أتتك يجول ماء الطبع فيها ... مجال الماء في السيف الصقيل
قوافٍ إن ثنتْ للمرء عطفاً ... ثنى الأعطاف في برد جميل
وقال:
شرقت بماء الطبع حتى خلتها ... شرقت لرونقها بتبر ذائب
ويقول سامعها إذا ما أنشدت ... أعقود حمد أم عقود كواكب
وقال:
والبس غرائب مدحةٍ دبجتها ... فكأنما دبجت منها مطرفا
من كل بيت لو تجسم لفظه ... لرأيته وشيا عليك مفوفا
وقال:
ألفاظه كالدر في أصدافه ... لا بل يزيد عليه في لألائه
منكل رائقة الجمال كأنها ... جاد الشباب لها بريقة مائه
وقال:
والشعر بحرٌ نلت أنفس دره ... وتنافس الشعراء في حصبائه
وقال:
وغرائبٍ مثل السيوف إضاءةً ... وجدت من الفكر الدقاق صياقلا
فلو استعار الشيب بعض جمالها ... أضحى إلى البيض الحسان سائلا
جاءتك بين رصينه ودقيقه ... تهدي إليك مطارفاً وغلائلا

ما أخرج من غرره في الخالديين وغيرهما ممن ادعى شعره قال يتظلم من الخالديين والتلعفري إلى سلامة بن فهد:
هل الصبر مجد حين أدرع الصبرا ... وهل ناصر للشعر يوسعه نصرا
تحيف شعري يا ابن فهد مصالت ... عليه فقد أعدمت منه وقد أثرى
وفي كل يومٍ للغبيين غارةٌ ... تروع ألفاظي المحجلة الغرا
إذا عن لي معنى يضاحك لفظه ... كما ضاحك النوار في روضه الغدرا
غريب كشطر البرق لما تبسمت ... مخائله للفكر أودعته سطرا
فوجه من الفتيان يمسح وجهه ... وصدر من الأقوام يسكنه الصدرا
تناوله مثرٍ من الجهل معدمٌ ... من الحلم معذورٌ حتى خلع العذرا
فبعد ما قربت منه غباوة ... وأوزر ما سهلت من لفكه وعرا
فمهلاً أبا عثمان مهلاً فإنما ... يغار على الأشعار من عشق الشعرا
لأطفأتما تلك النجوم بأسرها ... ودنستما تلك المطارف والأُزرا
فويحكما هلاً بشطر قنعتما ... وأبقيتما لي من محاسنه شطرا
وقال من قصيدة مدح بها أبا البركات لطف الله بن ناصر الدولة يتظلم إليه من الخالديين، وقد ادعيا شعره وشعر غيره ومدحا المهلبي وغيره:
يا أكرم الناس إلا أن يعد أباً ... فات الكرام بآباءٍ وآثارِ
أشكو إليك حليفَيْ غارة شهرا ... سيف الشقاق على ديباج أفكاري
ذئبين لو ظفرا بالشعر في حرم ... لمزقاه بأنياب وأظفار
سلاً عليه سيوف البغي مصلتة ... في جحفل من صنيع الظلم جرار
وأرخصاه فقل في العطر ممتهناً ... لديهما يشتري من غير عطار
لطائم المسك والكافور فائحة ... منه ومنتخب الهندي والغار
وكل مسفرة الألفاظ تحسبها ... صفيحة بين إشراق وإسفار
أرّقت ماء شباب في محاسنها ... حتى ترقرق فيها ماؤها الجاري
كأنها نفس الريحان يمزجه ... صبا الأصائل من أنفاس نوار
إن قلداك بدر فهو من لججي ... أو ختماك بياقوت فأحجاري
باعا عرائس شعري بالعراق فلا ... تبعد سباياه من عون وأبكار
مجهولة القدر مظلوم عقائلها ... مقسومة بين جهال وأغمار
ما كان ضرهما والدر ذو خطر ... لو حلياه ملوكاً ذات أخطار
وما رأى الناس سبياً مثل سبيهما ... بيعت نفيسته ظلماً بدينار
والله ما مدحا حياً ولا رثياً ... ميتاً ولا افتخرا إلا بأشعاري
هذا وعندي من لفظ أشعشعه ... سلافة ذات أضواء وأنوار
كريمة ليس من كرم ولا التثمت ... عروسها بخمار عند خمار
تنشا خلال شغاف القلب إن نشأت ... ذات الحباب خلال الطين والقار
لم يبق لي من قريض كان لي وزرا ... على الشدائد إلا ثقل أوزاري
أراه قد هتكت أستار حرمته ... وسائر الشعر مستور بأستار
كأنه جنة راحت حدائقها ... من الغبيين في نار وإعصار
عار من النسب الوضاح منتسب ... في الخالديين بين العر والعار
وقال من قصيدة في أبي تغلب ذكر فيها أحد الخالديين:
ولا بد أن أشكو إليك ظلامة ... وغارة مغوار سجيته الغصبُ
يخيل شعري أنه قوم صالح ... هلاكاً وأن الخالدي له سقب
رعى بين أعطان له ومسارح ... فلم ترع فيهن العشار ولا النجب
وكان رياضاً غضةً فتكدرت ... مواردها واصفر في تربها العشب
يساق إلى الهجن المقارف حليه ... وتسلبه الغر المحجلة القب
غصبت على ديباجه وعقوده ... فديباجه غصب كما روع السرب

وكنت إذا ما قلت شعراً حدت به ... حداة المطايا أو تغنى به الشرب
وقال في الخالدي الأصغر وقد ادعى كثيراً من شعره:
لا بد من نفثة مصدور ... فحاذروا صولة مخدور
قد أنست العالم غاراته ... في الشعر غارت المغاوير
أثكلني غيد قواف غدت أبها من الغيد المعاطير
أطيب ريحاً من نسيم الصبا ... جاءت بريا الورد من جور
من بعد ما فتحت أنوارها ... فابتسمت مثل الأزاهير
وبات فكري تعباً بينها ... ينشها نقش الدنانير
يا وارث الأغفال ما حبروا ... من القوافي والمشاهير
اعط قفا نبك أماناً فقد ... راحت بقلب منك مذعور
وقال من قصيدة خاطب فيها أبا الخطاب المفضل بن ثابت الضبي وقد سمع أن الخالديين يريدان الرجوع إلى بغداد، وذلك في أيام المهلبي الوزير:
بكرت عليك مغيرة الأعراب ... فاحفظ ثيابك يا أبا الخطابِ
ورد العراق ربيعة بن مكدم ... وعتيبة بن الحارث بن شهاب
أفعندنا شك بأنهما هما ... في الفتك لا في صحة الأنساب
جلبا إليك الشعر من أوطانه ... جلب التجار طرائف الأجلاب
فبدائع الشعراء فما جهزا ... مقرونة بغرائب الكتاب
شنا على الآداب أقبح غارة ... جرحت قلوب محاسن الآداب
فحذار من حركات صلي قفرة ... وحذار من حركات ليثي غاب
لا يسلبان أخا الثراء وإنما ... يتناهيان نتائج الألباب
إن عز موجود الكلام عليهما ... فأنا الذي وقف الكلام ببابي
أو يهبطا من ذلة فأنا الذي ... ضربت على الشرف المطل قبابي
كم حاولا أمدي فطال عليهما ... أن يدركا إلا مثار ترابي
عجزاً ولن تقف العبيد إذا جرت ... يوم الرهان مواقف الأرباب
ولقد حميت الشعر وهو لمعشر ... ذم سوى الأسماء والألقاب
وضربت عنه المدعين وإنما ... عن حوزة الآداب كان ضرابي
فغدت نبيط الخالدية تدعي ... شعري وترفل في حبير ثيابي
قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب ... نقضت عمائمهم على الأبواب
من كل كهل تستطير سباله ... لونين بين أنامل البواب
مغض على ذل الحجاب يرده ... دامي الجبين تجهم الحجاب
ومفوهين تعرضا لحرابتي ... فتعرضت لهما صدور حرابي
نظرا إلى شعر يروق فتربا ... منه خدود كواعب أتراب
شرباه فاعترفا له بعذوبة ... ولرب عذب عاد سوط عذاب
في غارة لم تنثلم فيها الظبا ... ضربا ولم تند القنا بخضاب
تركت غرائب منطقي في غربة ... مسبية لا تهتدي لإياب
جرحي وما ضربت بحد مهند ... أسرى وما حملت على الأقتاب
لفظ صقلت متونه فكأنه ... في مشرقات النظم در سحاب
وكأنما أجريت في صفحاته ... حر اللجين وخالص الزرياب
أغربت في تحبيره فرواته ... في نزهة منه وفي استغراب
وقطعت فيه شبيبة لم تشتغل ... عن حسنه بصباً ولا بتصابي
وإذا ترقرق في الصحيفة ماؤه ... عبق النسيم فذاك ماء شبابي
يصغي اللبيب له فيقسم لبه ... بين التعجب منه والإعجاب
جد يطير شراره وفكاهة ... تستعطف الأحباب للأحباب
أعزر علي بأن أرى أشلاءه ... تدمي بظفر للعدو وناب
أفنٌ رماه بغارة مأفونة ... بات ظباء الروم في الأعراب
إني أحذر من يقول قصيدة ... غراء خدني غارة ونهاب
إني نبذت على السواء إليكما ... فتأهبا للقادح المنتاب

وإذا نبذت إلى امرئ ميثاقه ... فليستعد لسطوتي وعقابي
وهي طويلة متناسبة العذوبة.
وقال من قصيدة في أبي إسحاق الصابي، وقد ورد عليه كتاب الخالديين بأنهما منحدران إلى بغداد في سرعة:
قد أظلتكَ يا أبا إسحاقَ ... غارة اللفظ والمعاني الدقاقِ
فاتخذ معقلاً لشعرك تحمي ... ه مروق الخوارج المراق
قبل رقراقه الحديد تريق ال ... سم في صفو مائه الرقراق
كان شن الغارات في البلد القف ... ر فأضحى على سرير العراق
غارة لم تكن بسمر العوالي ... حين شنت ولا السيوف الرقاق
جال فرسانها علي جلوساً ... لا أقلتهم ظهور العتاق
فجعت أنفس الملوك أبا الهي ... جاء حربا بأنفس الأعلاق
يعني أبا الهيجا حرب بن سعيد أخا أبي فراس الحمداني.
بقوافٍ مثل الرياض تمشت ... بين أنوارها جياد السواقي
بدع كالسيوف أرهفن حسناً ... وسقاهن رونق الطبع ساقي
مشرقات تريك لفظاً ومعنى ... حمرة الحلي في بياض التراقي
يا لها غارة تفرق في الحو ... مة بين الحمام والأطواق
تسم الفارس السميدع بالعا ... ر وبعض الإقدام عار باقي
لو رأيت القريض يرعد منها ... بين ذاك الإرعاد والإبراق
وقلوب الكلام تخفق رعاً تحت ثني لوائها الخفاق
وسيوف الظلام تفتك فيها ... بعذارى الطروس والأوراق
والوجوه الرقاق دامية الأب ... شار في معرك الوجوه الصفاق
لتنفست رحمة للخدود ال ... مر منهن والقدود الرشاق
والرياض التي ألح عليها ... كاذب الودق صادق الإحراق
والنجوم التي تظل نجوم ال ... أرض حسادها على الإشراق
بعدما لحن في سماء المعالي ... طُلعاً وانتثرن في الآفاق
وتخيرت حليهن فلم تع ... د خيار النحور والأعناق
وقطعت الشباب فيه إلى أن ... هم برد الشباب بالإخلاق
فهو مثل المدام بين صفاء ... وبهاء ونفحة ومذاق
منطق يخجل الربيع إذا ح ... ل عليه السحاب عقد النطاق
يا هلال الآداب يا ابن هلال ... صرف الله عنك صرف المحاق
سوف أهدي إليك من خدم الم ... جد إماءً تعاف قبح الإباق
كل مطبعة على اسمك بادٍ ... وسمها في الجباء والآماق
غرر من أهاجيه للشعراء قال من قصيدة هجا بها أبا العباس النامي، ويحكي أنه كان جزاراً بالمدينة:
أرى الجزار هيجني وولى ... فكاشفني وأسرع في انكشافي
ورقع شعره بعيون شعري ... فشاب الشهد بالسم الذعاف
لقد شقيت بمديتك الأضاحي ... كما شقيت بغارتك القوافي
توعر نهجها بك وهو سهل ... وكدر وردها بك وهو صافي
فتكت بها مثقفة النواحي ... على أشد من الثقاف
لها ارجُ السوالف حين تجلى ... على الأسماع أو أرج السلاف
جمعن الحسنيين فمن رياح ... معنبرة وأرواح خفاف
وما عدمت مغيراً منك يرمي ... رقيق طباعها بطباع جافي
معان تستعار من الدياجي ... وألفاظ تقد من الأثافي
كأنك قاطف منها ثماراً ... سبقت إليه إبان القطاف
وشر الشعر ما أداه فكر ... تعثر بين كد واعتساف
سأشفي الشعر منك بنظم شعر ... تبيت له على مثل الأثافي
وأبعد بالمودة عنك جهدي ... فقف لي بالمودة خلف قاف
وقال يعرض بالتلعفري المؤدب:
ينافسني في الشعر والشعر كاسد ... حسود كبا عن غايتي ومعاند
وكل غبي لو يباشر برده ... لظى النار أضحى حرها وهو بارد
أفيقوا فلن يعطى القريض معلم ... وهل يتولى الأغبياء عطارد

ولا تمنحوا منه الكرام قلائداً ... فليس من الحصباء تهدى القلائد
وقال من قصيدة في أبي الحسن الشمشاطي:
قد كانت الدنيا عليك فسيحة ... فاليوم أضحت وهي سم خياطِ
أسخطني وجناة عيشك حلوة ... فجنيت مر العيش من إسخاطي
وعلمت إذ كلفت نفسك غايتي ... أن الرياح بعيدة الأشواط
أترومني وعلى السماك محلتي ... شرفاً وبين الفرقدين صراطي
من بعد ما رفع الأكابر مجلسي ... فجلست بين مؤمل وسماط
وغدت صوارم منطقي مشهورة ... بين العراق تهز والفسطاط
وقد امتحنت دعاويا لكبينت ... عن بحر تمويه بعيد الشاطي
فرأيت علمك من خراً وخراطة ... ووجدت شعرك من فسا وضراط
وقال من أرجوزة في الخالدي:
بؤساً لعرس الخالدي بوسا ... أكل يوم تغتدي عروسا
خلته واعتاضت فتى نفيساً ... وفارقت من نتنه ناووسا
فصادفت ربع هوى مأنوساً ... وبدلت من رخم طاوسا
وكيف تهوى وجهه العبوسا ... وهي ترى الأقمار والشموسا
هذه ملح مما قاله في ابن العصب الملحي الشاعر وكان شيخاً يتصابب، ويتعصب للخالديين على السري، وكان السري يهجوه جاداً وهازلاً، وينسبه إلى القيادة، ويذكر كثيراً مشاهدة أهل الريب في منزله، ولا يبقى ولا يذر في التولع به، فمن ملحه فيه قوله من قصيدة:
ومن عجب أن الغبيين أبرقا ... مغيرين في أقطار شعري وأرعدا
فقد نقلاه عن بياض مناسبي ... إلى نسب في الخالدية أسودا
وإن علياً بائع الملح بالنوى ... تجرد لي بالسب فيمن تجردا
وعندي له لو كان كفوا قوارصي ... قوارص ينثرن الدلاص المسردا
ومغموسة في الشري والأري هذه ... ليردي بها باغٍ وتلك لترتدي
لك الويل إن اطلعت بيض سيوفها ... وأطلقتها خزر النواظر شردا
ولست لجدِّ القول أهلاً وإنما ... أطير سهام الهزل مثنى وموحدا
نصبت لفتيان البطالة قبة ... ليدخلها الفتيان كهلاً وأمردا
وكان طريق القصف وعراً عليهم ... فسهلته حتى رأوه معبدا
وكم لذة لا من فيها ولا أذى ... هديت لها خدن الضلالة فاهتدى
قصدتهم وزناً فساويت بينهم ... ولم تأخذ السهم الحديد ليقصدا
وجئتهم قبل ارتداد جفونهم ... بمائدة تكسي الشرائح والمدى
ومبيضة مما قراه محمد ... أبوك لكي تبيض عرضاً وتحمدا
نثرت عليها البقل غضاً كأنما ... نثرت على حر اللجين الزبرجدا
ومصبوغة بالزعفران عريضة ... كأن على أعطافها منه مجسدا
تريك وقد عطت بياضاً بصفرة ... مثالاً من الكافور ألبس عسجدا
فحف بها منهم كهول وفتية ... كأنهم عقد يحف مقلدا
فلا نظر الداعي إلى الزاد كفهم ... ولا خجلة المدعو ردت لهم يدا
وملت بهم من غير فضلٍ عليهم ... إلى الورد غضاً والشراب موردا
مناهدة إن فات مثلك طيبها ... تنفس مجروح الحشا أو تنهدا
معداً لهم في كل يوم مجددٍ ... من الراح والريحان عيشاً مجددا
إذا وصلوا أضحى الخوان مدبجا ... وإن هجروا أضحى سليباً مجردا
وإن شرعوا في لذة كنت بيعةً ... وإن طمعوا في مرفق كنت مسجدا
لك القبة العلياء أوضحت تهجها ... وأطلعت منها للفتوة فرقدا
يصادف منها الزور عيشاً مبرداً ... وباطية ملأى وظبياً مغردا
وقد فضلت شم القباب لأنني ... نصبت عليها بالقصائد مطردا
وقوله فيه:
طوى وده الملحي عني فانطوى ... وقد كان لي خلافاً فأعرض والتوى

دعاني فغاداني بإنشاد شعره ... ولولا انصرافي عنه مت من الطوى
وقال أتاك الحلي قلت ممازحاً ... أتاك النوى يا بائع الملح بالنوى
وناولني مسودة لو قرنتها ... إلى القار كانا في سوادهما سوا
وقال أرى هذا الشراب لصفوه ... ورقته كالنجم قلت إذا هوى
وفضل في الشعر أمرأً غير فاضلٍ ... فقلت له أمسكْ نطقت عن الهوى
ولو أنني أحمي الثقاف لمثله ... وأعمل فيه الغمز لانصان واستوى
وقوله فيه:
سل الملحي كيف رأى عقابي ... وكيف وقد أثاب رأي ثوابي
سقاني الهاشمي فسل ضغني ... وأغمد عنه تأنيبي ونابي
أراه عني ابن سكرة الهاشمي فإنه كان صديق الملحي، ولهذا قال:
سقاني الهاشمي فسل ضغني إلخ
وقال أخو المودة والتصافي ... وعون أخي الصبابة والتصابي
وشيخ طاب أخلاقاً فأضحى ... أحب إلي الشباب من الشباب
له قفص إذا استخفيت فيه ... أمنت فلم تنلك يد الطلاب
طرقناه وقنديل الثريا ... يحط وفارس الظلماء كابي
فرحب واستمال وقال حطتْ ... ركابكم بأفنية رحاب
وحض على المناهدة الندامى ... بألفاظ مهذبة عذاب
وقال تيمموا الأبواب منها ... فكل جاء من تلقاء باب
فهذا قال قدر من طعام ... وهذا قال دن من شراب
وهذا قال ريحان ونقل ... وثلج مثل رقراق السراب
وسمح القوم من سمحت يداه ... بخدر غريرة بكر كعاب
فتم لهم بذلك لهو يوم ... غريب الحسن عذب مستطاب
إذا العبء الثقيل توزعته ... أكف القوم خف على الرقاب
وقوله فيه:
أقررت يا ابن العصب العيونا ... ورحت حبلاً للخنا متينا
علمت قوماً كيف يقصفونا ... فاطرحوا الحشمة مسرعينا
ودخلوا القبة آمنينا ... فأكلوا يومهم سمينا
ولم يكن سرورهم ممنونا ... يا من يرى نزف الدنان دينا
ومن يداري العيش كي يلينا ... ما العيش إلا للمناهدينا
مؤونة قضت على عشرينا ... ولو تفردنا بها خرينا
وقوله فيه من قصيدة:
ملنا إلى غرفة الملحي إن بها ... ظبياً من الإنس مبذول الخلاخيل
نزوره وبقايا الليل تسترنا ... فنهتدي لخليعٍ منه ضليل
يرضى النديم ويرضى عن مروءته ... إذا أتاه بمشروب ومأكول
وإن رآه رقيق الوجه قال أرق ... كأس الحياء بضم أو بتقبيل
فزدت غذ زرته قنديل بيعته ... فالزيت ينشر أضواء القناديل
وقوله من أخرى:
قد وهى ستر رقيق ... ومضى ورد عليلُ
قصرت أيامنا البي ... ضُ وفي يومك طول
دعوة ينتسب القح ... ط إليها والمحول
ليس إلا العطش القا ... تل والماء الثقيل
مجلس فيه لأربا ... ب الخنا قالٌ وقيل
وضراط مثل ما انش ... ق الدبيقي الصقيل
فإذا اختالت خلال ال ... شرب عذراء شمول
لعبت أيدٍ لها أق ... فيةُ القوم طبول
لست من شكلك والنا ... سليمان ضروب وشكول
أنت للحاجة حتى ... يصدر الورد خليل
فاقطع الرسل فقد أز ... رى بنا منك الرسول
وقوله فيه:
شيخ لنا من شيوخ بغداذ ... أغذ في القصف أي إغذاذ
رق طباعاً ومنطقاً فغدا ... وراح في المستشف كاللاذ
تظن تحت الأكف هامته ... إذا علتها طنين فولاذ
قواد إخوانه فإن ظمئوا ... سقاهم الراح سقي نباذ
له على الشط غرفة جمعت ... كل خليع نشا ببغداذ

أعد فيها ابنة الشباك لهم ... ممكورة الجنب في ابنة الداذي
ولذةٍ من صباح قطربلٍ ... وجؤذرا من ملاح كلواذا
يقول للزائر الملم به ... أوصل هذا ألذ أم هذي؟
وشاعر جوهر الكلام له ... ملك فمن تارك وأخاذ
وخير ما فيه أنه رجل ... يخدمني الدهر وهو أستاذي
إذا انتشى أقبلت أنامله ... تنشر ميتاً خلال أفخاذي
وقوله فيه، وكان دعاه في يوم حار إلى غرفة له حارة على الشط، فأطعمه هريسة وسقاه نبيذ الدبس وماء بئر يعرف بكرخايا:
أرى الشاعر الملحي راح بنا صباً ... نباغضه عمداً ويوسعنا حبا
دعانا ليستوفي الثناء فأظلمتْ ... خلائق يستوفي لصاحبها السبا
تيمم كرخايا فجاد قليبها ... عليه وما شرب القليب لنا شربا
وأحضرنا محبوسة طول ليلها ... معذبة بالنار مسعرة كربا
تخير من رطب الذؤابة لحمها ... ومن يابس الحب النقي لها حبا
وساهرها ليلاً يضيق سجنها ... فما أضاء الصبح أوسعها ضربا
إذا مسحتها الريح راحت كأنها ... تمسح موتي كشفت عنهم التربا
وداذية تنهي الصباح إذا بدا ... وتفسد أنفاس النسيم إذا هبا
شراب يغض الظرف عنه وعمره ... ثلاثة أيام وقد شب لا شبا
يحد بأطراف النهار وما افترى ... ولا كان خدناً للجناة ولا تربا
فلما تراءت للجميع إزاءنا ... عجبت لمضروبين ما جنيا ذنبا
وقوله فيه:
أربعاءٌ حسامه مشهور ... حين يأتي وشره محذورُ
نتوقاه أول الشهر إن دا ... ر ونخشاه آخراً لا يدور
فاغدُ سراً بنا إلى قفص المل ... حي فالعيش فيه غض نضير
نتوارى من الحوادث والده ... ر خبير بمن توارى بصير
مجلسٌ في فناء دجلة يرتا ... ح إليه الخليع والمستور
طائر في الهواء فالبرق يسري ... دون أعلاه والحمام يطير
وإذا الغيم سار أسبل منه ... كلل دون خدره وستور
وإذا غارت الكواكب صبحاً ... فهو الكوكب الذي لا يغور
ليس فيه إلا خمار وخمر ... وممات من نشوة ونشور
وحديث كأنه زهر المن ... ثور حسناً أو لؤلؤٌ منثور
وجريح من الدنان تسيل ال ... راح من جرحه وقدر تفور
ولك الظبية الغريرة إن شئ ... ت وإن عفتها فظبي غرير
فتمتع بما تشاء نهاراً ... ثم بت معرساً وأنت أمير
كل هذا بدرهمين فإن زد ... ت فأنت المبجل المحبور
وقوله فيه من قصيدة:
شققت قذال الخالدي بمنطق ... يشق من الأعداء كل قذال
وناضلني الملحي عنه فأصبحت ... جوارحه مجروحة بنبال
وقد كان يخلي بيته لمآربي ... إذا زار إلف أو حبا بوصال
على أنه يكريه يوماً بخمسة ... موجهة بيض الوجوه ثقال
تحلت بذكر الله من كل جانب ... فهن بذكر الله خير حوالي
يبيح بها الملحي طوراً قذاله ... وطوراً حريمي منزلٍ عيال
فإن شئت أن تحظى بوصل غزالة ... مهفهفة الكشحين أو بغزال
فقدم له الجدي الرضيع وثنِّهِ ... بعذراء من ماء الكروم زلال
ولا تلقهُ إلا بخير وسيلةٍ ... يلوح على وجهيه خير مقال
ببازٍ إذا أرسلته صاد كل ما ... تروم به أو نال كل منال
وقوله فيه من أخرى ووصف دعوة دعاه فيها:
على ابن العصب الملح ... ي يثني اليوم من أثنى
على الجلد وإن صاد ... ف في عظمه وهنا
ضحينا عنده يوماً ... شديد الحر فالتحنا
ولم يحو به الأجر ... ولم نعدم به المنّا

جياعاً نصف الزيتو ... ن لو أمكن والجبنا
ونطري السمك البن ... يَّ والجردق والبنّا
وكنا ننثر الدرّ ... من اللفظ فخلطنا
فلو طارت بنا ضعفاً ... صبا لاعبةٍ طرنا
ولو أنا دعونا الل ... ه في دعوته فزنا
إلى أن كبر العصر ... وهللنا فكبرنا
ونش السمك المق ... لوّ بالقرب فسبحنا
وقلنا هذه الرحم ... ة جاءت فأظلتنا
وظلنا إذ رأينا الخب ... ز ندنو قبل نستدنى
إلى مائدة حُفَّتْ ... بها أرغفة متنى
عليها البقل لا نلح ... قه بالخلّ أو يفنى
ومنسوب إلى دجل ... ة ما زال لها خدنا
جرى في مائها قبل ... يجاري ماؤها السفنا
فأضحى لامتداد العم ... ر أعلى صيدها سنا
طوى أقرانه الدهر ... فلم تبقِ له قرنا
فلما اكتحلت عيني ... به أوسعته لعنا
حللنا عقد الشوا ... ء عن جسم له مضنى
ومزقنا له درعاً ... يواري أعظماً حجنا
نرد اليد بالخيب ... بة عن أقربها مجنى
فما تم لنا الإفطا ... ر بالقوت ولا صمنا
وطاف الشيخ بالدن ... إلى أن نزف الدنا
فأدنى كدر العيش ... بها لا كان ما أدنى
مدام تجلب الهم ... ولا تطرده عنا
فلا النفس بها سرت ... ولا القلب لها حنا
كأن شرابه مطبوخ ... على راحته اليمنى
وفاح البخر القات ... ل منه فتبخرنا
وقال اغتنموا وصل ... فتاةٍ برعت حسنا
فجاءت تخجل البدر ... وغصن البانة اللدنا
وتصطاد قلوب الشر ... ب أجفان لها وسنى
فكدنا وأبى الله ... لنا والشيم الحسنى
وقمنا نعطف الأزر ... على العفة إذ قمنا
وقلنا يا لحاك الله ... نزني بعد ما شبنا!
فأبدى الأنس للقوم ... وأخفى الحقد والضغنا
وهو الشن وما واف ... ق منا طبق شنا
وقوله فيه:
لك يا ابن العصب الملح ... ي عرض مستباحُ
وقفاً فيه لأيدي الش ... رب جد ومزاح
هو للصفع قريحٌ وهو للرحب قراح
وقريضٌ مثلما تن ... طق باللغو الفقاح
لست أدري أسلاح ... لك منه أم سلاح
غرر من الغزل والنسيب وما يتغنى به من شعر السري وما أراني أروي أحسن ولا أشرف ولا أعذب ولا ألطف من قوله:
قسمت قلبي بين الهم والكمد ... ومقلتي بين فيض الدمع والسهدِ
ورحت في الحسن أشكالا مقسمةً ... بين الهلال وبين الغصن والعقد
أريتني مطراً ينهلُّ ساكنه ... من الجفون وبرقاً لاح من برد
ووجنة لا يروى ماؤها ظمئي ... بخلاً وقد لذعت نيرانها كبدي
فكيف أبقى على ماء الشئون وما ... أبقى الغرام على صبري ولا جلدي
ومما يأخذ بمجامع القلوب قوله:
بلاني الحب منك بما بلاني ... فشأني أن تفيض غروب شاني
أبيت الليل مرتفقاً أناجي ... بصدق الوجه كاذبة الأماني
فتشهد لي على الأرق الثريا ... ويعلم ما أجنّ الفرقدان
إذا دنت الخيام به فأهلا ... بذاك الخيم والخيم الدواني
فبين سجوفها أقمار تم ... وبين عمادها أغصان بان
ومذهبة الخدود بجلنار ... مفضضة الثغور بأقحوان
سقانا الله من رياك ريا ... وحيانا بأوجهك الحسان
ستصرف طاعتي عمن نهاني ... دموع فيك تلحي من لحاني
ولم أجهل نصيحته ولكن ... جنون الحب أحلى في جناني

فيا ولع العواذل خل عني ... ويا كف الغرام خذي عناني
وقال من قصيدة:
ومن وراء سجوف الرقم شمس ضحى ... تجول في جنح ليل مظلم داجي
مقدودة خرطت أيدي الشباب لها ... حقين دون مجال العقد من عاج
عهدي بأبي بكر الخوارزمي يحن على هذا الوصف.
وقال من أخرى:
لطمت خدها بحمرٍ لطاف ... نال منها عذاب بيض عذابِ
فتشكى العناب نور الأقاحي ... واشتكى الورد ناضر العناب
وقال:
قامت وخوط البانة ال ... مياس في أثوابها
ويهزها سكران سك ... ر شرابها وشبابها
تسعى بصهباوين من ... ألحاظها وشرابها
فكأن كأس مدامها ... لما ارتدت بحبابها
توريد وجنتها إذا ... ما لاح تحت نقابها
وقال:
لبست مصندلة الثياب فمن رأى ... صنماً تسربل قبلها أثوابا
وحكت من الظبي الغرير ثلاثة ... جيداً وطرفا فاتراً وإهابا
وقال من قصيدة طويلة:
إذا برزت كان العفاف حجابها ... وإن سفرت كان الحياء نقابها
حمتنا الليالي بعد ساكنة الحمى ... مشارب يهوى كل ظامٍ شرابها
ألاحظها لحظ الطريد محله ... وأذكرها ذكر الشيوخ شبابها
تذكر أيام الصبا ومواطن الهوى
ما أحسن وأظرف قوله من قصيدة:
أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى ... وهناً فوشح روضه بسلاسلِ
أذكرتنا النشوات في ظل الصبا ... والعيش في سنة الزمان الغافل
أيام أستر صبوتي من كاشحٍ ... عمداً واسرق لذتي من عاذل
وقوله من أخرى:
تثنى البرق يذكرني الثنايا ... على أثناء دجلة والشعابا
وأياماً عهدت بها التصابي ... وأوطاناً صحبت بها الشبابا
وقوله من أخرى:
ما كان ذاك العيش إلا سكرةٌ ... رحلت لذاذتها وحل خمارها
ومن أخرى:
وكم ليلة شمرت للراح رائحاً ... وبت لغزلان الصريم مغازلا
وحليت كأسي والسماء بحليها ... فما عطلت حتى بدا الأفق عاطلا
وقوله من قصيدة يتشوق بها الموصل ونواحيها وهو بحلب:
أمحلّ صبوتنا دعاء مشوق ... يرتاح منك إلى الهوى الموموقِ
هل أطرقن العمر بين عصابة ... سلكوا إلى اللذات كل طريق
أم هل أرى القصر المنيف معمماً ... برداء غيم كالرداء رقيق
وقلا لي الدير التي لولا النوى ... لم أرمها بقلى ولا بعقوق
محمرة الجدران ينفح طيبها ... فكأنها مبنية بخلوق
ومحل خاشعة القلوب تغردوا ... بالذكر بين فروقه وفروقي
أغشاه بين منافقٍ متجملٍ ... ومناضلٍ عن كفره زنديق
وأغنّ تحسب جيده إبريقه ... ما دام يسفح عبرة الإبريق
يتنازعون على الرحيق غرائباً ... يحسبن زاهره كؤوس رحيق
صدرت عن الأفكار وهي كأنها ... رقراق صادرة عن الراووق
دهر ترفق بي فواقاً صرفه ... وسطا علي فكان غير رفيق
فمتى أزور قباب مشرقة الذرى ... فأورد بين النسر والعيون
وأرى الصوامع في غوارب أكمها ... مثل الهوادج في غوارب نوق
ما نظرت إلى الصوامع بقرية بوزن من نيسابور إلى تذكرت هذا البيت واستأنفت التعجب من حسن هذا التشبيه وبراعته وفصاحته.
حمراً تلوح خلالها بيض كما ... فصلت بالكافور سمط عقيق
كلف تذكر قبل ناهية النهى ... ظلين ظل هوى وظل حديق
فتفرقت عبراته في خده ... إذ لا خير له من التفريق
حسن الخروج والتخلص فمنه قوله من قصيدة في الوزير المهلبي:
عصر مزجت شمائلي بشموله ... وظلاله ممزوجة بشماله
حتى حسبت الورد من أشجاره ... يجني أو الريحان من آصاله

وكأنني لما ارتديت ظلاله ... جار الوزير المرتدي بظلاله
وقال من أخرى:
أكني عن البلد البعيد بغيره ... وأرد عنه عنان قلب مائل
وأود لو فعل الحيا بسهوله ... وحزونه فعل الأمير بآمل
ومن أخرى:
وركائب يخرجن من غلس الدجى ... مثل السهام مرقن منه مروقا
والفجر مصقول الرداء كأنه ... جلباب خود أشربته خلوقا
أغمامة بالشام شمن بروقها ... أم شمن من شيم الأمير بروقا
ومن أخرى:
وبكر إذا جنبتها الجنوب ... حسبت العشار تؤم العشارا
ترى البرق يبسم سراً بها ... إذا انتحب الرعد فيها جهارا
إذا ما تنمر وسميها ... تعصفر بارقها فاستطارا
يعارضها في الهواء النسيم ... فينثر في الأرض دراً صغارا
فطوراً يشق جيوب الحيا ... وطوراً يسح الدموع الغزارا
كأن الأمير أعار الربا ... شمائله فاشتملن المعارا
ملح من المدح قال من قصيدة:
ظلم التليد وليس من أعدائه ... وحبنا الحسود وليس من أحبابه
فالغيث يخجل أن يلم بأرضه ... والليث يفرق أن يطيف بغابه
ومن أخرى:
أقول للمبتغي إدراك سؤدده ... خفِّضْ عليك أليس النجم مطلوبا
إن تطلب السلم تسلم من صوارمه ... أو تؤثر الحرب ترجع عنه محروبا
كم من جبين أزار السيف صفحته ... لعاد طرساً بحد السيف مكتوبا
وكم له في الوغى من طعنة نظمت ... عداه أو نثرت رمحاً أنابيبا
ومن أخرى:
كالغيث يحيي إن همى والسيل ير ... دي إن طما والدهر يصمي إن رمى
شتى الخلال يروح إما سالباً ... نعم العدى قسراً وإما منعما
مثل الشهاب أصاب فجاً معشباً ... بحريقه وأضاء فجاً مظلما
أو كالغمام الجون إن بعث الحيا ... أحيا وإن بعث الصواعق ضرما
أو كالحسام إذا تبسم متنه ... عبس الردى في حده فتجهما
كلف بدر الحمد يبرم سلكه ... حتى ترى عقداً عليه منظما
ويلم من شعث العلا بشمائل ... أحلى من اللعس الممنع واللمى
ومن أخرى:
خلق سهول المكرمات سهوله ... وتوعر الأيام من أوعاره
إن لاح فهو الصبح في أنواره ... أو فاح فهو الروض في نواره
ومن أخرى:
لقد شرفتْ بسؤددك القوافي ... وفاز بمجدك الشرف التليدُ
فيوم الحرب تطربك المذاكي ... ويم السلم يطربك النشيد
ومن أخرى:
ومقتبل السن سن الندى ... فأعطى الفتوة حق الفتاءِ
بكفٍّ ترقرق ماء الحياة ... ووجه يرقرق ماء الحياء
ومن أخرى:
أما السماح فقد تبسم نوره ... بعد الذبول وعاد نور ذبالهِ
أطلقْت من أغلاله وشفيت من ... أعلاله وفتحت من أقفاله
ومن أخرى:
نسب أضاء عموده في رفعة ... كالصبح فيه ترفع وضياءُ
وشمائل شهد العداة بفضلها ... والفضل ما شهدت به الأعداء
ومن أخرى:
يريك من رقة الألفاظ منطقه ... در العقود غدت محلولة العقدِ
جعلته جنة من كل نائبة ... ورحت من جوده في جنة الخلد
المدح بالبأس ووصف الجيش والسلاح والحرب قال من قصيدة:
ناديك من مطر الإحسان ممطور ... ومرتجيك بغمر الجود مغمورُ
والبيض ظل عليك الدهر منتشرٌ ... والنقع جيب عليك الدهر مزرور
والشرك قد هتكت أستار بيضته ... بحد سيفك والإسلام منشور
كم وقعة لك شبت في الضلال بها ... نار فأشرق منها في الهدى نور
ونهضة خر فسطاط الكفور لها ... خوفاً وأذعن بالفسطاط كافور
ومن أخرى:
لله سيف تمنّى السيف شيمته ... ودولة حسدتها فخرها الدولُ

وعاشق خيلاء الخيل مبتذلٌ ... نفساً تصان المعالي حين تبتذل
أشم تبدي الحصون الشم طاعته ... خوفاً ويسلم من فيها ويرتحل
تشوقه ورماح الخط مشرعةٌ ... نجل الجراح بها لا الأعين النجل
كأنه وهجير الروع يلفحه ... نشوان مد عليه ظل الأسل
فالصافنات حشاياه وإن قلقت ... والسابغات وإن أوهت له حلل
لما تمزقت الأغماد عن شغل ... تمزقت عن سنا أقمارها الكلل
أكرم بسيفك فيها صائلاً غزلاً ... يفري الشؤون وتثني غربه المقل
ومن أخرى:
وأغلب عامه في السلم يومٌ ... ولكن يومه في الحرب عامُ
يهجر والرماح عليه ظل ... ويسفر والعجاج له لثام
ومن أخرى:
جيش إذا لاقى العدو صدوره ... لم يلق للأعجاز منه لحوقا
حجبت له شمس النهار وأشرقت ... شمس الحديد بجانبيه شروقا
ومن أخرى:
كم معركٍ عرك القنا أبطاله ... فسقاهم في النقع سماً ناقعا
هبت رياحك في ذراه سمائما ... وغدت سماؤك تستهل فجائعا
فتركت من حر الحديد مصائفاً ... فيه ومن فيض الدماء مرابعا
ومن أخرى:
والضحى أدهم بالنقع فإن ... ضحكت فيه الظبا كان أغر
موقف لو لم يكن ناراً إذن ... لم تكن رزق عواليه شرر
ينظم الطعن كلى أعدائه ... وعقود الهام فيه تنتثر
العتاب قال من قصيدة:
إلى كم أحبر فيك المديح ... ويلقى سواي لديك الحبورا
لهمت عرائسه أن تصد ... وهمت كواكبه أن تغورا
أيسلمني بعد أن رحت لي ... على نوب الدهر جاراً مجيرا
وأسفر حظي لما رآ ... ك بيني وبين الليالي سفيرا
سأهدي إليك نسيم العتاب ... وأضمر من حر عتب سعيرا
وقال في معناه:
أبا الهيجاء أصبحت القوافي ... تخب إليك حجاً واعتمارا
عتاباً كالنسيم جرى لعتبٍ ... يضرم في الحشى مني استعارا
وقال يعاتب صديقاً أفشى له سراً:
رأيتك تبري للصديق نوافذا ... عدوك من أمثالها الدهر آمنُ
وتكشف أسرار الأخلاء مازحاً ... ويا رب مزحٍ راح وهو ضغائن
سأحفظ ما بين وبينك صائناً ... عهودك إن الحر للعهد صائن
وألقاك بالبشر الجميل مداهناً ... فلي منك خل ما عرفت مداهنُ
أنم بما استودعته من زجاجةٍ ... ترى الشيء فيها ظاهراً وهو باطن
وقال في مثل ذلك:
ثنتني عنك فاستشعرت هجراً ... خلال فيك لست لها براضِ
وأنك كلما استودعت سراً ... أنم من النسيم على الرياض
وقال في مثل ذلك:
لسانك السيف لا يخفى له أثر ... وأنت كالصل لا تبقي ولا تذرُ
سري لديك كأسرار الزجاجة لا ... يخفى على العين منها الصفو والكدر
فاحذر من الشعر كسراً لا انجبار له ... فللزجاجة كسر ليس ينجبر
وقال في مثل ذلك:
أروم منك ثماراً لست أجنيها ... وأرتجي الحال قد حلت أواخيها
أستودع الله خلاً منك أوسعه ... وداً ويوسعني غشاً وتمويها
كأن سري في أحشائه لهبٌ ... فما تطيق له طياً حواشيها
قد كان صدرك للأسرار جندلة ... ضنينة بالذي تخفي نواحيها
فصار من بعد ما استودعت جوهرة ... رقيقة تستشف العين ما فيها
وقال من قصيدة:
لا تأنفن من العتاب وقرصه ... فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا
ما أحرق العود الذي أشممته ... خطأٌ ولا غُمَّ البنفسج باطلا
هذا مما أخرج له في الربيع وآثاره وأنواره وأزهاره فمنه قوله من قصيدة:
أما ترى الجو يجلي في ممسكةٍ ... والأرض تختال في أبرادها القشبِ

إذا ألح حسام البرق مؤتلقاً ... في الومض جد خطيب الرعد في الخطب
والريح وسنى خلال الروض وانية ... فما يراع لها مستيقظ الترب
وقال من أخرى:
شاقني مستشرف الدير وقد ... راح صوب المزن فيه وبكرْ
أهواء رق في أرجائه ... أم هو راق فما فيه كدر
أم خدود سفرت عن وردها ... أم ربيع عن جنى الورد سفر
مجلس ينصرف الشرب وما ... طويت من بسطه تلك الحُبُر
وكأن الشمس فيه نثرت ... ورقاً ما بين أوراق الشجر
بين غُدرٍ تقع الطير بها ... فتراهن رياضاً في غدر
ونسيم وكره الروض فإن ... طار في الصبح ارتدينا عطرا
وثرى يشهد بالطيب له ... عبق خالف أطراف الأزر
وغيوم نشرت أعلامها ... فلها ظلّ علينا منشر
ومن أخرى:
وحدائق يسبيك وشي برودها ... حتى تشبهها سبائب عبقر
يجري النسيم خلالها وكأنما ... غمست فضول ردائه في العنبر
باتت قلوب المحل تخفق بينها ... بخفوق رايات السحاب الممطر
من كل نائي الحجرتين مولع ... بالبرق داني الظلتين مشهر
تحدي بألسنة الرعود عشاره ... فيسير بين مغرد ومزمجر
طارت عقيقة برقه فكأنما ... صدعت ممسّك غيمه بمعصفر
وقال في روض وغدير فيه طير الماء من أرجوزة:
وضاحك الروض محلّى المنزل ... سبط هبوب الريح جعد المنهل
موشّح بالنّور أو مكلل ... مفروجة حلته عن جدول
أقبل قد غصن بمدّ مقبل ... والطير ينقض عليه من عل
تساقط الوشي على المصندل
وقال في الورد:
لو رحبّت كأس بذي زورةٍ ... لرحّبت بالورد إذ زارها
جاء فخلناه خدوداً بدت ... مضرمةً من خجل نارها
وعطّر الدنيا فطابه به ... لا عدمت دنياه عطارها
وقال في وصف الروض وقوس قزح:
إن عنّ لهو أو سنح ... فاغد إلى الراح ورح
رضيت أن أحظى بعزّ ... الكأس والحظ منح
وصاحب يقدح لي ... نار السرور بالقدح
في روضة قد لبست ... من لؤلؤ الطلّ سبح
يألفني حمامها ... مغتبقاً ومصطبح
أوقظه بالعزف أو ... يوقظني إذا صدح
والجو في ممسك ... طرازه قوس قزح
يبكي بلا حزن كما ... يضحك من غير فرح
وقال:
هفا طرباً في أوان الطرب ... فأنخب أقداحه كالنخب
وغنّى ارتياحاً إلى عارض ... يغني وعبرته تنسكب
غيومٌ تمسك أفق السماء ... وبرق يكتبه بالذهب
وخضراء ينثر فيها الندى ... فريد ندىً ماله من ثقب
فأنوارها مثل نظم الحلى ... وأنهارها مثل بيض القضب
حللت بها مع ندامى سلوا ... عن الجد واشتهروا باللعب
وأغتنم عن بديع السماع ... بدائع ما ضمنّته الكتب
وأحسن شيء ربيع الحيا ... أضيف إليه ربيع الأدب
وقال في وصف البرد:
يوم خلعت به عذاري ... فعريت من حلل الوقار
وضحكت فيه إلى الصبا ... والشيب يضحك في عذاري
متلوّن يبدي لنا ... طرفاً بأطراف النهار
فهواؤه سكب الردا ... ء وغيمه جافى الإزار
يبكي فيجمد دمعه ... والبرق يكحله بنار
الشراب وما يتصل به قال يصف باقي زجاجة الكأس من أعلاها إذا كانت ناقصة من الشراب:
أعاذل إنّ النائبات بمرصد ... وإن سرور المرء غير مخلّد
إذا ما مضى يوم من العيش صالح ... فصله بيوم صالح العيش من غد
وحالية من حسنها وجمالها ... وإن برزت عطل الشّوى والمقلد
تعاطيك كأساً غير ملأى كأنما ... فواقعها أحداق درع مزرد

كأنّ أعاليها بياض سوالف ... يلوح على توريد جيب مورّد
وقال في مثل ذلك:
وصفراء من ماء الكروم شربتها ... على وجه صفراء الغلائل غضةِ
تبدّت وفضل الكأس يلمع فوقها ... كأترجة زينت بإكليل فضة
وقال في مثل ذلك:
دعانا إلى اللهو داعي السرور ... فبتنا نبوح بما في الصدور
وطافت علينا بشمس الدّنا ... ن في غسق الليل شمس الخدور
كأنّ الكؤوس وقد كللت ... بفضلاتهن أكاليل نور
جيوب من الوشي مزرورة ... يلوح عليها بياض النحور
وقال:
وفتية دارت السعود لهم ... فدار للراح بينهم فلك
بتنا وضوء الكؤوس يهتك بال ... إشراق ستر الدجى فينتهك
ترى الثريا والبدر في قرن ... كما يحيا بنرجس ملك
وقال وقد شرب ليلة في زورق:
ومعتدل يسعى إليّ بكأسه ... وقد كاد ضوء الصبح بالليل يفتك
وقد حجب الغيم السماء كأنّما ... يزرّ عليها منه ثوب ممسّك
ظللنا نبث الوجد والكأس دائرٌ ... ونهتك أستار الهوى فتهتك
ومجلسنا في الماء يهوي ويرتقي ... وإبريقنا في الكأس يبكي ويضحك
وقال من قصيدة:
وساق يقابل إبريقه ... كما قابل الظبي ظبياً ربيبا
يطوف علينا بشمسية ... نروع بها الشمس حتى تغيبا
وقال من أخرى:
وملآن من عبرات الكروم ... كأنّ على فمه عصفرا
إذا قربته أكفّ السّقاة ... من الكأس قهقه واستعبرا
تروّحه عذبات الفدام ... برياً النسيم إذا ما جرى
وريم إذا رام حث الكؤو ... س قطّب للتيه واستكبرا
وجرّد من طرفه خنجراً ... ومن نون طرّته خنجرا
ترى ورد وجنته أحمرا ... وريحان شاربه أخضرا
وقال:
أشرب فقد شرّد ضو ... ء الصبح عنّا الظلما
وانبسط النور على ... وجه الثرى فابتسما
كأنّما أطلع ما ... ء المزن فيه أنجما
وصوّب الإبريق في ال ... كأس مداماً عندما
كأنّه إذ مجها ... مقهقهٌ يبكي دما
وقال يذكر ليلة سكر فيها بقرطبل ويصف الشمع:
كستك الشبيبة ريعانها ... وأهدت لك الراح ريحانها
قد للنديم على عهده ... وغاد المدام وندمانها
فقد خلع الأفق ثوب الدجى ... كما نضت البيض أجفانها
وساق يواجهني وجهه ... فتجعله العين بستانها
يتوّج بالكأس كفّ النديم ... إذا نظم الماء تيجانها
فطوراً يوشح ياقوتها ... وطوراً يرصع عقيانها
رميت بأفراسها حلبة ... من اللهو ترهج ميدانها
وديراً شغفت بغزلانه ... فكدت أقبل صلبانها
فلما دجى الليل فرّجته ... بروح تحيف جثمانها
بشمع أعير قدود الرماح ... وسرج ذراها وألوانها
غصون من التبر قد أزهرت ... لهيبا يزين أفنانها
فيا حسن أرواحها في الدجى ... وقد أكلت فيه أبدانها
سكرت بقطربل ليلةً ... لهوت فغازلت غزلانها
وأي ليالي الهوى أحسنت ... إليّ فأنكرت إحسانها
وقال:
قم فأنتصف من صروف الدهر والنوب ... واجمع بكأسك شمل اللهو والطرب
أما ترى الصبح قد قامت عساكره ... في الشرق ينشر أعلاماً من الذهب
والجو يختال في حجب ممسكّة ... كأنّما البرق فيها قلب ذي رعب
وجانبتك صروف الدهر فانصرفت ... وقابلتك سعود العيش عن كثب
فاخلع عذارك واشرب قهوة مزجت ... بقهوة الفلج المعشوق والشنب

فالعيش في ظل أيام الصبا فإذا ... ودّعت طيب الشباب الغض لم يطب
جربت في حلبة الأهواء مجتهداً ... وكيف أقصر والأيام في طلبي
توّج بكأسك قبل الحادثات يدي ... فالكأس تاج يد المثري من الأدب
وقال:
خذوا من العيش فالأيام فانيةٌ ... والدهر منصرف والعيش منقرض
في حامل الكأس من بدر الدجى خلف ... وفي المدامة من شمس الضحى عوض
كأنّ نجم الثريا كفّ ذي كرم ... مبسوطة بالعطايا ليس تنقبض
دارت علينا كؤوس الراح مترعةٌ ... وللدجى عارض في الجوّ معترض
حتى رأيت نجوم الليل غائرة ... كأنّهنّ عيونٌ حشوها مرض
وقال يصف ظل كرم:
أدرها ففقد اللوم إحدى الغنائم ... ولا تخش إثماً لست فيها بآثم
ولا عيش إلا في اعتصام بقهوة ... يروح الفتى منها خصيب المعاصم
ولا ظلّ إلاّ ظلّ كرم معرّش ... يغنّيك في قطريه ورق الحمائم
سماء غصون تحجب الشمس أن ترى ... على الأرض إلاّ مثل نثر الدراهم
وقال:
اليوم يعذب وردٌ فيه تكدير ... ويستفيد من الهجران مهجور
حثّ الكؤوس فذا يوم به قصرٌ ... وما به عن تمام الحسن تقصير
صحو وغيمٌ يروق العين حسنهما ... فالصحو فيروزجٌ والغيم سمّور
وقال:
وبكر شربناها على الورد بكرةً ... فكانت لنا ورداً إلى ضحوة الغد
إذا قام مبيضٌ اللباس يديرها ... توهّمته يسعى بكمٍّ مورد
؟استهداء الشراب كتب إلى أبي الحسن الشمشاطي:
أبا حسن إنّ وجه الربيع ... جميلٌ يزان بحسن العقار
فإن الربيع نهار السرو ... ر والراح شمس لذاك النهار
وإنك مشرقها إن أردت ... وإن لم ترد غربت في استتار
فأجر إليّ بحار العقار ... فمن فيض كفيك فيض البحار
وقد عبّأ الهم لي جيشه ... وليس له غير جيش الخمار
وكتب في يوم فصده إلى أبي إسحاق الصابي:
أبا إسحق يا جبلي ... ألوذ به ومعتصمي
أرقت دمي وأعوزني ... سليل الكرم والكرم
وبين يديّ مخجلةٌ ... سواد القار والظلم
ترى اللهوات تحجبها ... إذا وقعت حيال فمي
ولست أسيغها إلا ... كلون الورد والعنم
فشيئاً من دم العنقو ... د أجعله مكان دمي
وكتب إلى أبي الهيجاء الحمداني:
تجنّبني حسن المدام وطيبها ... فقد ظمئت نفسي وطال شحوبها
وعندي ظروف لو تظرف دهرها ... لما بات مغرى بالكآبة كوبها
وشعث دنان خاويات كأنها ... صدور رجال فارقتها قلوبها
فسقياك لا سقيا السحاب فإنما ... بي العلة الكبرى وأنت طبيها
وكتب إلى صديق له:
أبا الحسين دعت نفسي أمانيها ... إلى يد منك مشكور أياديها
تصرم الصوم عنّا بعد ما ظمئت ... له النفوس وفقد الراح يظميها
فجد بعذراء مثل الشمس تعذرها ... إن أظهرت صلفاً للحسن أوتيها
واعلم بأنّ ظروف الراح إن كبرت ... عند الهدية أبدت ظرف مهديها
وكتب إلى صديق له في وقت كثير الثلج شديد البرد من أبيات:
طرقتك ممتاحاً وليس لطارقٍ ... يرومك من وقع الضريب طريق
جنوب تحث المزن حثاً وشمألٌ ... تعبس منه الوجه وهو طليق
وضوء حريق ألبس الأرض ثوبه ... يخاف على الإقدام منه حريق
تثير الصبا في الجو منه عجاجة ... كما انتثر الكافور وهو سحيق
وما انفل حد القرّ إلاّ بقهوة ... ترقرق في كاساتها فتروق
إذا لبست أثوابها فعقيقةٌ ... وإن نشرت أنفاسها فخلوق
تدور علينا كأسها في غلائل ... رقاق تردّ العيش وهو رقيق

فألبس منها جبّة حين أنتشي ... وأخلعها بالكره حين أفيق
وإني خليق من نداك بمثلها ... وأنت بما أملت منك خليق
هذا ما أخرج له في الأستزارة ووصف آلاتها قال يدعو صديقاً له، ويصف غرفة له بالموصل مشرفة على الربض الأسفل والنهر، ويصف ما عنده من قدر وكانون ونار وشراب:
لنا غرفة حسنت منظراً ... وطابت لساكنها مخبرا
ترى العين من تحتها روضة ... ومن فوقها عارضاً ممطرا
وينساب قدّامها جدولٌ ... كما ذعر الأيم أو نفرا
وراح كأن نسيم الصّبا ... يحمل من نشرها العنبرا
وعندي علق قليل المكاس ... وندمان صدق قليل المرا
ودهماء تهدر هدر الفنيق ... إذا ما امتطيت لهباً مسعرا
تجيش بأوصال وحشيةٍ ... رعت زهرات الربا أشهرا
كأن على النار زنجية ... تفرّج ثوبا لها أصفرا
وذو أربع لا يطيق النهوض ... ولا يألف السير فيمن سرى
تحمله سبجاً أسودا ... فيجعله ذهباً أحمرا
وقد بكّر العبد من عندنا ... يزفّ لك الطرف الممطرا
فشمّر إلى روضة ترتضى ... فإن أخا الجدّ من شمّرا
وقوله:
لم ألق ريحانة ولا راحا ... إلاّ ثنتني إليك مرتاحا
وعندنا ظبية مهفهفةٌ ... ترأم ريماً يحنّ صداحا
تفسد قلبي إن أصلحته ولا ... أرى لما أفسدته إصلاحا
وفتية إن تذاكروا ذكروا ... من الكلام المليح أرواحا
وقد أضاءت نجوم مجلسنا ... حتى اكتسى غرّة وأوضاحا
إن جمدت راحنا غدت ذهبا ... أو ذاب تفاحنا غدا راحا
عصابة إن شهدت مجلسهم ... كنت شهاباً له ومصباحا
أغلق باب السرور دونهم ... فكن لباب السرور مفتاحا
وقال يصف كانون ويدعو صديقاً:
يوم رذاذ ممسك الحجب ... يضحك فيه السرور عن كثب
ومجلس أسبلت ستائره ... على شموس البهاء والحسب
وقد جرت خيل راحنا خبباً ... في جريها أو هممن بالخبب
والتهبت نارنا فمنظرها ... يغنيك عن كل منظر عجب
إذا ارتمت بالشرار واطردت ... على ذراها مطارد اللهب
رأيت ياقوتةً مشبكةً ... تطير عنها قراضة الذهب
فصر إلى المجلس الذي ابتسمت ... فيه رياض الجمال والأدب
وقال:
نفسي فداؤك كيف تصبر طائعاً ... من فتيةٍ مثل البدور صباحِ
حنّت نفوسهم إليك فأعلنوا ... نفساً بغلِّ مسالك الأرواح
وغدوا لراحهم وذكرك بينهم ... أذكى وأطيب من نسيم الراح
فإذا جرت خبباً على أيديهم ... جعلوه ريحاناً على الأقداح
وقال:
لنا روضة في الدار صيغ لزهرها ... قلائد من حمل الندى وشنوف
يطوف بنا منها إذا ما تبسّمت ... نسيم كعقل الخالدي ضعيف
وندمان صدق نثره ونظامه ... ربيع إذا قارضته وخريف
وقد رق ثوب الغيم حتّى كأنما ... تنشر دون الأفق منه شفوف
فزر مجلساً قد شرّف الله أهله ... وفضّلهم إنّ الأديب شريف
ولا تعد أفعال الظريف، فإنّه ... زمان رقيق الحلبتين ظريف
وقال:
هواء كالهوى حسناً وظرفاً ... وخيش ليس يترك أن يجفّا
وفتيان كرام باكروه ... ونجم صباحهم يبدو ويخفى
فإن بادرتهم جعلوك بدراً ... وإن خالفتهم جعلوك خلفا
؟أوصاف شتى قال في وصف الهلال:
ألا عدلي بباطية وكاسٍ ... ورع همّي بإبريق وطاس
وذاكرني بشعر أبي فراس ... على روض كشعر أبي نواس
وغيمٍ مرهفات البرق فيه ... عوار، والرياض به كواسي
وقد سلّت جيوش الفطر فيه ... على شهر الصيام سيوف باس

ولاح لنا الهلال كشطر طوق ... على لبّات زرقاء اللباس
وقال:
جاءك شهر السرور شوال ... وغال شهر الصيام مغتال
أما رأيت الهلال يرمقه ... قومٌ لهم إن رأوه إهلال
كأنه قيد فضة حرج ... فضّ عن الصائمين فاختالوا
قال في وصف الريحان:
وبساط ريحان كماء زبرجدٍ ... عبثت بصفحته الجنوب فأرعدا
يشتاقه الشرب الكرام فكلّما ... مرض النسيم سعوا إليه عوّدا
وقال في وصف طبل العزف:
ومقيد الطرفين يط ... رب عند تضييق القيود
ولقد يلطم خدّه ... في حال ترفيه الخدود
وكأنّما زأراته ... يحسبن زأرات الأسود
أنظر إليه مع المدا ... م ترى بروقاً مع رعود
وقال في وصف البراغيث:
وليلة من نقمات الدهر ... قطعتها نزر الكرى والصبر
مكلّم الظهر جريح الصدر ... مقسّما بين أعادٍ خزر
كُمتٍ إذا عاينتها وشقر ... كأنّها آثارها في الأرز
وصف المروحة:
ومبثوثة في كل شرق ومغرب ... لها أمّهات العراق قواطن
يحرّك أنفاس الرياح حراكها ... كأنّ نسيم الريح فيهن كامن
وصف منثور:
ومجرد كالسيف أسلم نفسه ... لمجرد يكسوه ما لا ينسجُ
ثوبٌ تمزّقه الأنامل رقةً ... ويصيبه الماء القراح فيبهج
فكأنه لما استوى في خصره ... نصفان ذا عاجٌ وذا فيروزج
وصف الديك:
كشف الصباح قناعه فتألّقا ... وسطا على الليل البهيم فأطرقا
وعلا فلاح على الجدار موشّحا ... بالوشي توّج بالعقيق وطوّقا
مرخٌ فضول التاج في لبّاته ... ومشمر وشياً عليه منمقا
وصف كلاب الصيد:
غدوت بها مجنونة في اغتدائها ... تلاقي الوحوش الحين عند لقائها
لهن شيات كالزوامج أصبحت ... مولّعة ظلماؤها بضيائها
وأيدٍ إذا سلّت صوالج فضةٍ ... على الوحش يوماً ذهبت بدمائها
وفي مثله:
إذا ما دعونا لاحقاً ومعانقا ... وقيد لدينا واثب ومخالس
فذلك يومٌ جانب السعد سربه ... وقوبل بالنحس الظباء الكوانس
كأن جلود الوحش بين كلابها ... وقد دميت أجيادها والمعاطس
مصندلة القمصان شقّت جيوبها ... ورقرق فيهن العبير العرائس
وقال في وصف قدر:
سوداء لم تنتسب لحام ... ولم ترم ساحة الكرام
كأنما تحتها ثلاقٌ ... مقترنات من الحمام
يلعب في جسمها لهيبٌ ... لعب سنا البرق في الظلام
لها كلامٌ إذا تناهت ... غير فصيح من الكلام
وهي وإن لم تذق طعاماً ... مملوءة الجسم من طعام
لم يخل من رفدها نديمي ... يوم خمار ولا مدام
ولى إذا الضيف عاد أخرى ... مصرّع حولها سوامي
عظيمة إن غلت أذابت ... بغليها لابس العظام
كأنما الجن ركّبتها ... على ثلاث من الأكام
لها دخان تضل فيه ... عجاجة الجحفل اللّهام
كأنّما النار ألبستها ... معصفرات من الضّرام
ولم يزل مالنا مباحاً ... من غير ذلّ ولا اهتضام
نأخذ للقوت منه سهماً ... وللندى سائر السهام
وصف حمل مشوى:
أنعته معصفر الردين ... أبيض صافي حمرة الجنبين
خلف شهرين على الخلفين ... ثم رعى بعدهما شهرين
فجسمه شبران في شبرين ... يا حسنه وهو صريع الحين
بين ذراعين مفصّلين ... كسارق حدّ من اليدين
وطرف يستوقف الطرفين ... كمثل مرآة من اللجين
مذهبة المقبض والوجهين ... تعرفه مرهفة الحدّين
بكفّ طاه عطر الكفين ... شق حشاه عن شقيقتين

أختين في القدّ شبيهتين ... كما قرنت بين كمأتين
أو كرتي مسك لطيفتين
وقال يصف جام فالوذج ويعبث بأبي بكر الخالدي، ويشير إلى أنه يميل إلى البرطيل:
إذا شئت أن تجتاح حقاً بباطل ... وتغرق خصماً كان غير غريق
فسائل أبا بكر تجد منه سالكاً ... إلى ظلمات الظلم كل طريق
ولاطفه بالشهد المخلق وجهه ... وإن كان بالألطاف غير حقيق
بأحمر مبيض الزجاج كأنه ... رداء عروس مشرب بخلوق
له في الحشا برد الوصال وطيبه ... وإن كان يلقاه بلون حريق
كأنّ بياض اللوز في جنباته ... كواكب لاحت في سماء عقيق
وصف الفقاع:
لست بناف خمار مخمور ... إلاّ بصافي الشراب مقرور
يطير عن رأسه الفقاع إذا ... نفست عنه خناق مزرور
رام بسهم كأنّه خصر ... وطيب نشرٍ نسيم كافور
يميل أعلاه وهو منتصب ... كأنّه صولجان بلّور
وصف طبيب بارع:
برز إبراهيم في علمه ... فراح يدعى وراث العلم
أوضح نهج الطب في معشرٍ ... ما زال فيهم دارس الرسم
كأنّه من لطف أفكاره ... يجول بين الدّم واللّحم
إن غضبت روحٌ على جسمها ... أصلح بين الروح والجسم
وفي مثل ذلك:
هل للعليل سوى ابن قرّة شافي ... بعد الإله وهل له من كافي
أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي ... أودى وأوضح رسم طبّ عافي
فكأنه عيسى ابن مريم ناطقا ... يهب الحياة بأيسر الأوصاف
مثلت له قارورتي فرأى بها ... ما اكتن بين جوانحي وشغافي
يبدو له الداء الخفي كما بدا ... للعين رضراض الغدير الصافي
وصف مزين حاذق:
هل الحذق إلا لعبد الكريم ... حوى فضله حادثاً عن قديم
إذا لمع البرق في كفّه ... أفاض على الرأس ماء النعيم
جهول الحسام ولكنّه ... يروح ويغدو بكفي حليم
نمنا بخدمته مذ نشا ... فنحن به في نعيم مقيم

أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد
ابنا هاشم الخالديان
إن هذان لساحران، يغربان بما يجلبان، ويبدعان فيما يصنعان، وكان ما يجمعهما من أخوة الأدب، مثل ما ينظمهما من أخوة النسب. فهما في الموافقة والمساعدة؛ يحييان بروح واحدة. ويشتركان في قرض الشعر وينفردان، ولا يكادان في الحضر والسفر يفترقان. وكانا في التساوي والتشابك. والتشاكل والتشارك، كما قال أبو تمام:
رضيعي لبان شريكي عنان ... عتيقي رهان حليفي صفاء
بل كما قال البحتري:
كالفرقدين إذا تأمل ناظر ... لم يعل موضع فرقد عن فرقد
بل كما قال أبو إسحاق الصابي فيهما:
أرى الشاعريين الخالديين سيّراً ... قصائد يفني الدهر وهي تخلّد
جواهر من أبكار لفظ وعونه ... يقصر عنها راجز ومقصد
تنازع قوم فيهما وتناقضوا ... ومرّ جدال بينهم يتردد
فطائفة قالت سعيد مقدم ... وطائفة قالت لهم بل محمد
وصاروا إلى حكمي فأصلحت بينهم ... وما قلت إلاّ بالتي هي أرشد
هما في اجتماع الفضل زوج مؤلّف ... ومعناهما من حيث يثبت مفرد
كذا فرقدا الظلماء لمّا تشاكلا ... علا أشكلا هل ذاك أم ذاك أمجد
فزوجهما ما مثله اتفاقه ... وفردهما بين الكواكب أوحد
فقاموا على صلح وقال جميعهم ... رضينا وساوى فرقد الأرض فرقد

وما أعدل هذه الحكومة من أبي إسحاق فما منها إلا منهما إلا محسن ينظم في سلك الإبداع ما فاق وراق. ويكاثر بمحاسنه وبدائعه الأفراد من شعراء الشام والعراق. وقد ذكرت ما شجر بينهما وبين السري في شأن المصالتة المسارقة، وما أقدم عليه السري من دس أحسن أشعارهما في شعر كشاجم، وكان أفاضل الشام والعراق إذ ذاك فرقتين: إحداهما - وهي في شق الرجحان - تتعصب عليه لهما. لفضل ما رزقناه من قلوب الملوك والأكابر. والأخرى تتعصب له عليهما، وقد بدأت بملح.

شعر أبي بكر لأنه أكبر الأخوين
هذه نبذ مما اتفق له فيه التوارد مع السري أو التسارق
قال أبو بكر:
قام مثل الغصن الميّ ... اد في غضّ الشباب
بمزج الخمر لنا بال ... صفو من ماء الشراب
فكأن الكأس لما ... ضحكت تحت الحباب
وجنّة حمراء لاحت ... لك من تحت النقاب
وقال السري:
وكأن كأس مدامها ... لما ارتدت بحبابها
توريد وجنتها إذا ... ما لاح تحت نقابها
وقال أبو بكر:
إلا فاسقني والليل قد غاب نوره ... لغيبته في بدر الغمام غريق
وقد فضح الظلماء برقٌ كأنّه ... فؤاد مشوق مولع بخفوق
وإنما سرقة من قول أبن المعتز:
أمنك سرى يا سرّ طيفٌ كأنّه ... فؤاد مشوق مولع بخفوق
رجع:
مداماً كأن الكف من طيب نشرها ... وصفرتها قد خلّقت بخلوق
نعاينها نوراً جلاه تجسد ... ونشربها ناراً بغير حريق
كأن حباب الكأس في جنباتها ... كواكب درّ في سماء عقيق
وقد مر مثله للسري في وصف الفالوذج.
وقال أبو بكر:
مطرب الصبح هيج الطربا ... لما قضى الليل نحبه انتحبا
مغرد تابع الصباح فما ... ندري رضا كان ذاك أم غضبا
ما تنكر الطير أنه ملك ... لها فبالتاج راح معتصِباً
طوى الظلام البنود منصرفاً ... حين رأى الفجر ينشر العذبا
والليل من فتكة الصباح به ... كراهب شق جيبه طربا
وللسري في مثله:
كراهب للهوى طرباً ... فشق جلبابه من الطرب
قال أبو بكر:
فباكر الخمرة التي تركت ... بنان كف المدبر مختضبا
كأنما صب في الزجاجة من ... لطف ومن رقة نسيم صبا
وليس نار الهموم خامدة ... إلا بنور الكؤوس ملتهبا
يظل زق المداد ممتهناً ... سحباً وذيل المجون منسحبا
ومنها في وصف كانون نار:
ومقعد لا حراك ينهضه ... وهو على أربعٍ قد انتصبا
مصفر محرق تنفسه ... تخاله العين عاشقاً وصبا
إذا نظمنا في جيده سبحاً ... صيره بعد ساعة ذهبا
ومثله للسري:
وذو أربعٍ لا يطيق النهوض ... ولا يألف السير فيمن سرى
نحمله سبجاً أسوداً ... فيجعله ذهباً أحمرا
رجع:
فما خبت نارنا ولا وقفت ... خيول لهوٍ جرت بنا خببا
وساحر الطرف لا نقاب له ... إذ كان بالجلنار منتقبا
تقطف من ثغره ووجنته ... أنامل الطرف زهرة عجبا
شقائقاً مذهباً يرى خجلاً ... وأقحوانا مفضضاً شنبا
ومثله للسري:
سَفَرْنَ فلاح الأقحوان مفضضاً ... على القرب منا والشقيق مذهبا
رجع:
حتى إذا ما انتشى ونشوته ... قد سهلت منه كل ما صعبا
غلبت صحبي عليه منفرداً ... به وهل فاز غير من غلبا؟
أرشف ريقاً عذب اللمى خصرا ... كأن فيه الضريب والضربا
ما أخرج من شعره الذي ينسب في بعض النسخ إلى كشاجم غير ما تقدم ذكره من ذلك قال:
قامر بالنفس في هوى قمر ... ونال وصل البدور بالبدر
وافتض أبكار لهوه طرباً ... إلى عشايا المدام والبكر
مسرة كيلها بلا حشفٍ ... ولذة صفوها بلا كدر

قد ضربت خيمة الغمام لنا ... ورش خيش النسيم بالمطر
وعندنا عاتقان حمراء كالش ... مس وأخرى صفراء كالقمر
مدامة كان من تقادمها ... عاصرها آدم أبو البشر
وبنت خدر تريك صورتها ... بدر الدجى في ردائها العطر
حنت على عودها وقد تركت ... مدامنا مجوناً قلائد الزهر
يا تاركاً طيب يومه لغد ... تبيع عين السرور بالأثر!
إن وترت قلبك الهموم فما ... مثل انتصار بالناي والوتر
وقوله:
رق ثوب الدجى وطاب الهواء ... وتدلت للمغرب الجوزاء
والصباح المنير قد نشرت منه ... على الأرض ريطة بيضاء
فاسقنيها حتى ترى الشمس في الغر ... ب عليها غلالة صفراء
قهوة بابلية كدم الشا ... دن بكراً لكنها شمطاء
قد كستها الدهور أردية الرق ... ة حتى جفا لديها الهواء
فهي في خد كأسها صفرة التب ... ر وفي الخد وردة حمراء
عجباً ما رأيت من أعجب الأش ... ياء تقدير من له الأشياء
سبج يستحيل منه عقيق ... وظلام ينسل منه ضياء
وقوله، وهو مما ينسب أيضاً إلى المهلبي الوزير:
خليلي إني للثريا لحاسد ... وإني على ريب الزمان لواجد
أيبقى جميعاً شملها وهي سبعة ... وأفقد من أحببته وهو واحد
وقوله من قصيدة في مرثية الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما:
إذا تفكرت في مصابهم ... أتعب زند الهموم قادحةُ
بعضهم قربت مصارعه ... وبعضهم بعدت مطارحه
أظلم في كربلاء يومهم ... ثم تجلى وهم ذبائحه
لا برح الغيث كل شارقة ... تهمي غواديه أو روائحه
على ثرى حلة ابن بنت رسو ... ل الله مجروحة جوارحه
ذل حماه وقل ناصره ... ونال أقصى مناه كاشحه
غفرتم بالثرى جبين فتى ... جبريل بعد النبي ماسحه!
يظل ما بينكم دم ابن رسو ... ل الله وابن السفاح سافحه!
سيان عند الأنام كلهم ... خاذله منكم وذابحه
وقوله:
محاسن الدير تسبيحي ومسباحي ... وخمره في الدجى صبحي ومصباحي
أقمت فيه إلى أن صار هيكله ... بيتي ومفتاحه للحسن مفتاحي
منادماً في قلاليه رهابنةً ... راحت خلائقهم أصفى من الراح
قد عدلوا ثقل أديان ومعرفة ... فيهم بخفة أبدان وأرواح
ووشحوا غرر الآداب فلسفة ... وحكمة بعلوم ذات إيضاح
في طب بقراط لحن الموصلي وفي ... نحو المبرد أشعار الطرماح
وكم حننت إلى حاناته وغدا ... شوقي يكاثر أصواتاً بأقداح
حتى تخمر خماري بمعرفتي ... وحيرت ملحي في السكر ملاحي
يا دير مران لا تعدم ضحى ودجى ... سجال غيث ملث الودق سحاح
إن تفن كأسك أكياسي فإن بها ... يفل جيش همومي جيش أفراحي
وإن أقسم سوق أطرابي فلا عجب ... هذا بذاك إذا ما قام نواحي
وقوله:
يا نفس موتي فقد جد الأسى موتي ... ما كنت أول صب غير مبخوتِ
بكى إلي غداة البين حين رأى ... دمعي يفيض وحالي حال مبهوت
فدمعتي ذوب ياقوت على ذهب ... ودمعه ذوب در فوق ياقوت
وقوله:
أنباك شاهد أمري عن مغيبةٍ ... وجد جد الهوى بي في تلعبه
يا نازحاً نزحت دمعي قطيعته ... هب لي من الدمع ما أبكي عليك به
وقوله من قصيدة:
لا تطنبن بكاء النوء والطنب ... ولا تحيي كثيب الحي من كثبِ
ولا تجد بغمام للغميم ولا ... تسمح لسرب المها بالواكف السرب

ربع تعفى فأعفى من جوى واسى ... قلبي وكان إلى اللذات منقلبي
سيان بان خليط أو أقام به ... فإنما عامر البيداء كالخرب
أبهى وأجمل من وصف الجمال ومن ... إدمان ذكر هوى يهوى على قتب
مد البنان إلى كأس على سكر ... ورفع صوت بتطريب على طرب
حمراء حين جلتها الكأس نقطها ... مزاجها بدنانير من الحبب
كانت لها أرجل الأعلاج واترةً ... بالدوس فانتصفت من أرؤس العرب
يسقكيها من بني الكفار بدر دجىً ... ألحاظه للمعاصي أوكد السبب
يومي إليك بأطراف مطرفة ... بها خضابان للعناب والعنب
هذا ما أخرج من سائر ملحه وغرره قال من قصيدة مطلعها:
ما زاره الطيف بعد البين معتمدا ... إلا ليدني له الشوق الذي بعدا
ومنها:
كأنما من ثناياها وريقتها ... أيدي الغمام سرقن البرد والبَرَدا
وقال وهو في نهاية الحسن:
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج ... لأرتك سالفتي غزال أدعجِ
ومنها:
أرعى النجوم كأنما في أفقها ... زهر الأقاحي في رياضِ بنفسج
والمشتري وسط السماء تخاله ... وسناه مثل الزئبق المترجرج
مسمار تبر أصف ركبته ... في فص خاتمِ فضة فيروزج
وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى ... ميلان شارب قهوة لم تمزج
وتنقبت بخفيف غيمٍ أبيض ... هي فيه بين تخفر وتبرج
كتنفس الحسناء في المرآة إذ ... كملت محاسنها ولم تتزوج
وهذا تشبيه لم يسبق إليه، وقال:
وسحاب يجر في الأرض ذيلي ... مطرف زره على الأرض زرا
برقة لمحة ولكن له رع ... د بطيء يكسو المسامع وقرا
كخلي منافق للذي يه ... واه يبكي جهراً ويضحك سراً
وقال:
ألست ترى الظلام وقد تولى ... وعنقود الثريا قد تدلى
فدونك قهوة لم يبق منها ... تقادم عهدها إلا الأقلا
بزلنا دنها واللي داج ... فصيرت الدجى شمساً وظلاً
وقال:
يا معيري بالصد ثوب السقام ... أنت هم في يقظتي ومنامي
أنت أمنيتي فإن رمت غمضاً ... سلمتك المنى إلى الأحلام
وقال:
حور شغلن قلوبنا بفراغِ ... لرسائل قصرت عن الإبلاغ
ومنعن ورد خدودهن فلم نطق ... قطفاً له لعقارب الأصداغ
وقال:
روحي الفداء لظاعنين رحيلهم ... أنكى وأفسد في القلوب وعاثا
فليقض عدته السرور فإنني ... طلقت بعدهم السرور ثلاثا
أخذه من قول أبي تمام وزاد ذكر العدة، وهو قوله:
بلد خلعت اللهو خلعي خاتمي ... فيه وطلقت السرور ثلاثا
وقال:
في كنف الله ظاعن ظعنا ... أودع قلبي وداعه حزنا
لا أبصرت مقلتي محاسنه ... إن كنت أبصرت بعده حسنا
وقال:
أهلاً بشمس مدام من يدي قمر ... تكامل الحسن فيه فهو تياه
كأن خمرته إذ قام يمزجها ... من خده اعتصرت أو من ثناياه
إذا سقتك من الممزوج راحته ... كأساً سقتك كؤوس الصرف عيناه
في وجهه كان ريحان تراح له ... منا قلوب وأبصار وتهواه
النرجس الغض عيناه، وطرتهبنفسجٌوجني الورد خداه
وقال:
قلت لما بدا الهلال لعينٍ ... منعتها من الكرى عيناكا
يا هلال السماء لولا هلال ال ... أرض ما بت ساهراً أرعاكا
وقال:
وبدر دجى يمشي به غصي رطب ... دنا نوره لكن تناوله صعب
إذا ما بدا أغرى به كل ناظر ... كأن قلوب الناس في حبه قلب
وقال:
لا تحسبوا أنني باغٍ بكم بدلاً ... ولو تمكنت من صبري ومن جلدي
قلبي رقيب على قلبي لكم أبداً ... والعين عين عليه آخر الأبد
وقال:
فديت من زرعت في القلب لحظته ... صبابة وسقى بالدمع ما زرعا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11