كتاب : يتيمة الدهر
المؤلف : الثعالبي

إذا نظمت تحت العقيق لئالئا ... نثرت يواقيت الجفون على تبر
وقوله:
وإذا مررت بموضع مرت به ... خلت التراب غدا فتيت العنبر
أرجاً على أرجائه وكأنما ... خلط العبير به بمسكٍ اذفر
وقوله:
ولما تداعوا للرحيل وودعوا ... وظل حداة العيس توضع بالوخد
ترددت في تلك المواقف باكياً ... ومعكت في آثار أخمصها خدي
وقوله في الربيع من نتفةٍ:
لقد طال لبثك في البيوت كثيراً ... فاعزم إلى صحن الفضاء مسيراً
وانهض إلى حسن الرياض وطيبها ... تشتم مسكاً بينها وعبيراً
راقت بدائعها فصرن كأنما ... ألبسن من حلل الجنان حبيرا
فاحت روائحها وفاح نباتها ... في القلب نوراً ساطعا وسروراً
وقوله في الخريف:
جمع الزمان محاسن الألوان ... وافتر عن بشر وطيب أوان
واهتز أعطاف الهواء كأنما ... تحكي الهواء تمايل النشوان
وامتد ظل الليل في أطرافها ... مثل امتداد مواقف الهجران
فانظر إلى حسن الزمان وطيبه ... وتلون الأشجار بالألوان
من بين أحمر قد علاه واصفر ... مثل العقيق تطمن بالعقيان
وتمايلت تلك الغصون فاشبهت ... يوم الوداع تعانق الخلان
تتطاير الأوراق في أفق الهوا ... قلقاً كقلب الهائم الحيران
خلع الرياح على الرياض نثارها ... في اطيب الأوقات والأزمان
يا طيب ذاك العيش في أرجائها ... لو نام عنها أعين الحدثان
أبو الحسن علي بن محمد الحميري من وجوه العمال بنيسابور واديب فاضل شاعر يقول في أبي علي الزاهر الشاعر البلخي الذي وقع يسير من شعره في اليتيمة
لنا صديق شعره داجن ... لا يألف الأسفار والغربه
لكنني أنشدنه راعياً ... لحقه في قدم الصحبة
ويقول في الغزل:
وأغيد ساحر الألحاظ أدعج ... يتيه علي بالخد المضرج
افاض على فؤادي الوجد لما ... أضاف إلى شقائقه البنفسج
ويقول ايضاً:
ابو الفضل اخو النق ... ص وعم الخرق والجهل
حمار بني آ ... دم محمول على بغل
أبو القاسم علي بن الحسين الاليماني: أصله من الري وكان مقامه بنيسابور بعد تركه التصرف وكان يقول شعراً مليحاً ظريفاً كقوله في استقبال رئيس
كيف استقبل من حيث مضى ... طار قلبي معه في سفره
فهو في غيبته يخدمه ... مثلما يخدمه في حضره
وكقوله في وزير:
سيرة الشيخ سيرة مذكوره ... واياديه بيننا مشكوره
إذ لديه محل كل كريم ... كمحل الكلاب في المقصوره
الأمير أبو القاسم علي بن عبد الله الميكالي أكبر ابناء الأمير السيد أبي الفضل أدام الله عزه وأدبهم وأعلمهم وهو في الكرم همام وفي الطب أمام وله شعر لم يخرج بعده لأنه لا يظهره ترفعاًعنه وسوء ظن به فمما اختلسه حفظي منه قوله في شدة الحر
كأننا والهجير يطبخنا ... والبق تقتات كلما نضجا
طبخ صيام يراقبون به ... أدراكه والظلام أن يلجا
وسألحق ما أجده من غرره بهذا الكتاب إن شاء الله تعالى الأمير أبو العباس إسمعيل بن عبد الله كثير المحاسن غزير الفضائل كريم النفس شريف الطبع كتب إلى الأمير أبيه ايدهما الله وكان خرج إلى ناحية أبياتاً منها
ولو أني غداة البين أغدو ... أمام الخيل في خدم الأمير
للاحت لي تباشير الأماني ... وهشت اسارير السرور
ولكني لقيد الأذن منه ... أقمت وجد قلبي في المسير
أبو الحسن علي بن عبد الله الدلشاذي من كتاب ديوان الرسائل بالحضرة حرسها الله يتناسب وجهه وخطه وشعره حسنا وسنه فويق العشرين وهو من أهل البيوتات بنيسابور ويقول في غلام جندي:
يا من حوى جد القتال وهزله ... وسبى الورى بحسام طرف سله

صدغاه مثل الصولجان وخده ... ميدانه وقلوبنا كره له
أبو منصور عبد الرحمن بن سعيد القائني: أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله له
يا من تخطى إلى داري فأخطاني ... طوباي طوباي لو قد كنت في الدار
لو أن لي الف دينار وكان معي ... نثرت بين يديه الف دينار
السلامي المقيم ببخارا: له ملح ظريفة كقوله:
قال السلامي محنتي عجب ... أصغرها في القياس أعظمها
من ذاك أني اشتريت جارية ... خادمة لي فصرت أخدمها
وكقوله:
قال السلامي إن شئت أن ... تبصر محروقاً ومسكينا
فذاك من لم تر في كمه ... في زمن البطيخ سكينا
الأصمعي المقيم بها: لما استوزر الشيخ أبو الحسين محمد بن كثير رحمه الله ببخارا قال الأصمعي:
صدر الوزارة أنت غير كثير ... لأبي الحسين محمد بن كثير
فأعجب به الصدور والسامعون واستحسنوا قرب المأخذ وسهولة المطلع وممن ذكر الكنية الإسم واسم الوالد والبلدة في بيت واحد أبو القاسم الأليماني حيث قال:
إلى الشيخ الجليل أبي علي ... محمد بن عيسى الدامغاني
وممن ذكر الاسم واسم الأب واسم الجد واسم جد الأب أبو حسين بن بلقين في قوله لأبي الفضل العارض بالري
أنا نرى للملك بعد حوادث ... حدثت به وتصرفت أطوارا
في ظل راية زيد بن محمد ب ... ن علي بن القاسم استقرارا
والأصل في مثله قول الأول
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحرث بن شهاب
ومما يستظرف من شعر هذا الأصمعي قوله:
قد ارتهنت قلبي غداة لقيتها ... وقد هيجت شوقي إلى القمر السعد
سرخسية الألحاظ مروية الحشا ... بخارية الألفاظ بلخية القد
أبو علي الحسين بن أحمد الأسفرايني من حسنات اسفرائن وافرادها عقلاً وفضلاً وكتابة وظرفاً ومعرفة بالنجوم يقول :
يا ايها الشيخ الجليل الذي ... من غير مغناه يذل العزيز
طال مقامي وانتهت غربتي ... ومسني الضر وأنت العزيز
ويقوله:
قد قلت لما أن كساه الردى ... يوم الثلا ثا بردة الهالك
يا ملك الموت تسلمته ... مني فسلمه إلى مالك
أبو نصر المهلبي القائد شاعر أسفرائني المولد عراقي المنشأ : صحب أعراب البوادي وأخذ عنهم وتصافح متشبها بهم وكتب إلى الشيخ الإمام الموفق أيده الله وقد تتابعت عليه أمراض في شبيبته:
أقول لأصحابي وقد قال بعضهم ... أرى نفسه في لجة الموت تغرق
عزيز عليكم أن يموت فتى له ... لسان بحد الهند وأنى ينطق
لئن غبت عن مغناك يا ابن محمد ... بموت فكم جيب علي يشقق
وكم من سرير زينته يد العلى ... بريحان فضلي في القاليم يخرق
ولم ارى من دنياي بعد لذاذة ... ولم يتمتع بي الغزال المطوق
وما سرني دست العلا وأنا الذي ... بأنجم فضلى سنة الشمس تشرق
ابو القاسم هبة الله بن محمد الأسفرايني الفقيه: أنشدت له في غلام صيدلاني
قد صاد باللحظ مهجتي غنج ... عذار خديه صولجاني
ما خلت كي اتقي مخائله ... أن يحسن الصيد صيدلاني
ابن هلال العسكري أنشدت له من قصيدة:
شقائق من تحت اغصان بان ... كمثل العرايس من تحت كله
ودجلة زرقاء مثل السماء ... وفيها زبازبها كالأهلة
ابو صالح سهل بن أحمد النيسابوري المستوفي: هناك من الجمع بين الأدب الديواني والشعر الكتابي وتقد القدم في براعة الصناة مالا خفاء بمكانه وله ديوان شعر كتبت منه قوله في أبي سعد بن أرمك من قصيدة مهرجانية مطبوعة مصنوعة:
سلك ابن ارمك للسماح مسالكا ... لو مر فيها خاتم لم يهتد
وسما بهمته التي قد ذللت ... هام السماك وقرن سعد الأسعد
ومنها:
تهدى إليك طرائف وهديتي ... حلل الثناء عليك تنشرها يدي
تفنى الهدايا وهي باقية على ... مر الزمان بقاء نقش الجلمد

غراء بكراً صنتها عن غيره ... وزففتها نحو الأغر الأصيد
مهرج على يمن وطول سلامة ... ودوام عافية وعز سرمد
وقوله في سنة الأفاضل من قصيدة:
دهاني الشتاء بضيق اليد ... وأنساني الشغل بالخرد
ومنها:
ومما أساء له عطلتي ... ودين أقض له مرقدي
كأن الزمان وهجر الحبيب ... وبرد الشتاء وضيق اليد
تجمعن ثم ترصن لي ... فوافين مني على موعد
وهي طويلة في السهولة والعذوبة ومن حقها أن تكتب كلها دون بعضها وكذلك سائر فقره وله من سذقية في بعض اصحاب الدواوين
إذا حدث المرء عن فضله ... أصاخوا إليه وقالوا صدق
كفى أمر ديوانه وحده ... وقام بواجبه فاتسق
ودبر أعمال سلطانه ... ودوج من ماله ما أنغلق
ومنها:
ولو لم يقيض لتدبيرها ... لأضحت معالمها تنحمق
وبات الرعية في شقوةٍ ... وواليهم لم يكن يرتفق
ومنها:
ارى الناس يهدون ما استطرفوا ... من البر ما جل منه ودق
وكل بمقدار أمكانهم ... يقيمون رسماً لهذا السذق
واصبحت كل شأوهم قاصراً ... فجئت السكيت غداة السبق
ولو كان في قبضتي مهجتي ... لأنفذتها نحوكم في طبق
ولما تعذر ما رمته ... تركت تكلف ما لم اطق
ولست لأقدح في همتي ... ولكن تقاصر عنها الورق
وله من قصيدة ربعية فهي كما تراه كتابة معقودة بالقوافي كشعر البحتري
أما ترى الدهر في أثواب جدته ... قد عاد فينا فتياً بعدما هرما
تحكي البسيطة جاما من زبر جده ... خضراء حيث وضعت النعل والقدما
كأنما البس الدنيا لبهجتها ... حلياً من النور والنوار منتظما
فاشرب على وجهها صهباء صافية ... واستسمع الطير والأوتار والنغما
وأنعم بيومك هذا وارع ذمته ... فإن مثلك يرعى الحق والذمما
أما الربيع فقد أحبى الربى فغدا ... وجه الثرى عن صنوف الدهر مبتسما
كأنما الأرض تجلى وهي ضاحكة ... والجو من غيره تبكي لها ديما
واصبح الروض ذا شكر لنعمته ... كمثل شكريك إذا أوليتني نعما
وله في مهرجانيةٍ:
جآءك المهررجان أطيب وقتٍ ... يتقاضاك ما هو المعهود
من سماع يزيد في الروح روحاً ... وغناء يصبو إليه الوليد
وشراب كأنه المسك نفحا ... طيب الطعم زانه التوريد
وكتب إلى صديق له في حاجة:
يا قاضي الحاج لأخوانه ... ومشتري الحمد بإحسانه
يا من إذا عن لنا مشكل ... فرجه عنا بإمكانه
خادمه يساله حاجة ... تخف في كفة ميزانه
وله في ايام العجوز:
اليوم يوم اعتكاف ... وليس يوم بروز
ويوم بيت دفئ ... ويوم لبس الخزوز
ويوم عزف وقصف ... ويوم شرب بكوز
فإن يومك هذا ... عنوان برد العجوز
وله في إستبطاء عامل في إقامة مرسومة لحق الحساب
يا ايها الشيخ الذي بره ... ابطأ عني بعد طول انتظار
أغفلة الهتك أم نية ... نويت في تأخير رمى الجمار
إذا انقضى الغرس فلا مرحباً ... بالخرفيات التي تستعار
وله في المهرجان:
اسعد بيوم المهرجان ... واشرب على نغم القيان
لا زلت يا عين الزما ... ن تصان عن عين الزمان
وله في رئيس منكوب
يا سيد الصدر الذي ... شهد الصدور على بهائه
إنكان نابك حادث ... فلتصبرن على بلائه
فالبدر يكسف ساعة ... لكي يعود إلى انجلائه
وله في الشرب الدواء:
شربت الدواء فهنيته ... والبست من شربه عافيه

ولا زال جسمك في صحة ... وأثار اسقامه عافيه
وله ترجمة فارسية:
خط بنا المآء مع الخف ... تركتنا نغرق في جرف
وله في محرر رديء الخط:
اقبح بخط محرر اقلامه ... لعنت أنامله إذا ما حررا
فكأنما مجت به اقلامه ... أثار ابقع حيث يبحث عن خرا
وله في كاتب ادعى الحساب:
يا كاتباً يدعي الحساب وقد ... أوتي عجبا بحسن تخطيط
دع عنك العجب لست تفرق ... ما بين القناطير والقراريط
إذا أخذت الحساب تكتبه ... مقيداً شكله بتقنيط
حكيت ذا حرفة يقال لها الت ... وقيع في الظهر بالمشاريط
حيدر الخجندي استصفع بقوله:
ما إن سألت الله مذ أيقنت ... نفسي إن الذل تحت السؤال
وإنما كتبته تعجبباً من خرقه وحمقه في الترفع عما يدين به افضل العالم وسيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونظيره في الجهل الكثيف والعقل السخيف الصوفي الذي كان إذا ذكر الله سبحانه لا يقول تبارك وتعالى ولا عز وجل فإذا قيل له في ذلك انشد
إذا صفت المودة بين قوم ... ودام إخاؤهم سمج الثناء
أبو الحسن الأغاجي هو اشهر من شعر الفارسية وفرسانهم من المجرة وله ديوان شعر سائر في بلاد خراسان وربما ترجم شعر نفسه بالعربية كقوله
إن شئت تعلم في الآداب منزلتي ... وإنني قد غذاني العز والنعم
فالطرف والقوس والأوهاق تشهد لي ... والسيف والنرد والشطرنج والقلم
وقوله في بلخ:
وبلدة قد ركب اسم لها ... من أحر البخل هي بلخ
والعيش فيها كاسمها مبدلاً ... من بائها تاء وذا تلخ
أبو بكر محمد بن علي بن أحمد العبداني:جمع غضاضة الشبان إلي أبهة المشايخ ولم يرث الفضل والأدب عن كلالة فقد كان أبوه أبو الحسن رحمه الله تعالى روضة الأدب وغدير العلم مع وجاهته عند الملوك والصدور وأبو بكر من اهل بيت المعاذية بنيسابور وهم هم وله شرف الإنتساب إلى شرف الإكتساب وشعره في صباه مليح لطيف ووراء طبعه على الأيام غرر ودرر وقد كتبت لمعاً من بنات خاطره كقوله من قصيدة
شموس مغاربهن الكلل ... شققنا فؤادي بسهم المقل
وحملنني ثقل أردافهن ... يا ويح قلبي مما حمل
ونادين قلبي فلبى وقال ... عزاي مع الظاعنين ارتحل
فيا عين جودي ولا تبخلي ... وإن كان بالصبر قلبي بخل
وأدمعها كاثرت في الورى ... ايادي الوزير الكبير الأجل
وله من أخرى:
فيا طول أنشادي غداة رحيلهم ... حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا
لئن ضاع سري بعدما قد كتمته ... كذلك سر العاشقين مضيع
وإن طال أنشادي مديح محمد ... فمن طرب ورق الحمائم تسجع
وله من أخرى:
إذا ما كنت ذا رأي سديد ... فلا تغتر بالدهر الخؤون
ولا تغضب فإنك بين قوم ... يقيسون الملائك بالقيون
ابو الحسن علي بن محمد بن عبدونة: يقول من قصيدة:
دموع بما القى من الوجد تنطق ... وقلب بنيران الصبابة محرق
ولو كان لي طرف يحل به الكرى ... رأيت خيالاً للحبيبة يطرق
وهذه خاتمة الخاتمة في ذكر الأستاذ الأوحد أبي عثمان اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني :وهو هو في الإمامة والإنفراد على النظرآء وتقدم القدم في الخطبآء ومما حاضر به من شعره قوله:
طيب الحياة لمن خفت مؤونته
هذا يزجى بيسر عمره طرباً
فاجهد لتزهد في الدنيا وزينتها
يخوض في غمرات الشغل ليس له
فارغب إلى الرب في تيسيره سبباً
فإنه خير مرغوب إليه ومن

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11