كتاب : يتيمة الدهر
المؤلف : الثعالبي

فلعل الدهر يجمعنا ... والهوى ماضي ومنتظر
وله في المجون:
فقحة مثل عجنة الحواري ... حسنها يترك الصحاة سكارى
لفتاةٍ لسانها أعجمي ... عبدةٍ عندها الملوك اسارى
ورمتها من العيون ومالت ... فقلوب الزناة فيها حيارى
أبرزتها من الثياب وقالت ... يا خواجه أتشتهي قلت آرى
وقال:
كأنما أنجم الجوزاء فاصلةٌ ... عن الثريا وبدر التم لم يغب
ممنطق ساق في ميدانه كرة ... من اللجين بطبطاب من الذهب
وله:
تهن بيوم بالسعادة مبهج ... تحلى بوجهٍ مسفر متبلج
يميل بأعطاف النسيم ممثلاً ... بطلعته وشى الربيع المدبج
أتاك بشير بالسعود وكل ما ... تؤلمه في كل حال وترتجي
فعش وابق واسلم في سرور وغبطةٍ ... وعيد ونورز ألف عام ومهرج
وله من قصيدة:
عجبت لمن يصفى الوداد لغادرٍ ... يميل مع الأيام حيث تميل
ودودٍ إذا حياك أما لسانه ... فواق وأما قلبه فملول
فلو صحت الأيام صح وفاؤنا ... ودام ولكن الزمان عليل
وله من أخرى:
بيني وبين يد الزمان إذا نبا ... صنع الإله وناصر السلطان
يلقاك بالوجه الطليق لعلمه ... إن الكتاب بظاهر اللعنوان
فلو أنني استنجدت رائق بشره ... وتركت نائل كفه لكفاني
ومنها في وصف النوق:
شرب الهجير دماءها ولحومها ... فأتين كالأرسان في الأرسان
يكرعن في لمع الشراب وقلما ... ضمن الشراب الري للعطشان
أبو الحسن علي بن الريان الجرهمي: ذكر أبو الفضل التميمي إنه يغني بشعر نفسه ويصوغ له الألحان فمن ذلك
يا هاجري في أوسع العذر ... قد رقت عيني على الهجر
علمني غدرك اسلو الهوى ... أي هوى يبقى على الغدر
وكنت من صبري جزوعاً فمذ ... خنت تجاسرت على الصبر
وقوله:
يا ويح قلبي من تقلبه ... أبداً يحن إلى معذبه
قالوا كتمت هواك من جلدٍ ... لو أن لي رمقاً لبحت به
وقوله:
بات بليلي فيك من يعذل ... جفن همول وحشاً مشعل
ومقلة ما اكتحلت بالكرا ... مذ غاب ذاك الرشأ الأكحل
يا قوم ما أحلى واشهى الهوى ... للمرء إلا أنه يقتل
وله شعر كثير من هذا النمط.
أبو بكر العنبري: ذكر التميمي أنه من مشيخه الصوفية ببغداد ومن ظرفاء شعرائها ومن شعره الذي يغنى به قوله:
يا من إلى وجهه جحي ومعتمري ... إن حج قوم إلى ترب وأحجار
أنت الصلاة التي أرجو النجاة بها ... وأنت صومي الذي يزكو أفطاري
إني وإن بعدت عني دياركم ... فأنتم في سواد القلب سماري
فإن تكلمت لم الفظ بغيركم ... وإن سكت فأنتم عقد اضماري
ومن سائر شعره:
كم تغدينا بصومٍ ... وتعشينا بنوم
وتأذينا بقوم ... فانتقلنا نحو قوم
ومن منثور كلامه: نعم السلاح الدعاء ونعم المطية الوفاء ونعم الشفيع البكاء وكان يقول: التصوف اجتناب المحارم واجتناء المكارم، وينشد:
ليس التصوف بالفوط ... من قال ذاك فقد غلط
إن التصوف يا فتى ... صفو الفؤاد من السقط
وله :
وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنه روح يذوب ويقطر
أبو الحسن النعيمي : أنشدني أبو القاسم عبد الصمد بن علي الطبري قال أنشدني مكي بن البغدادي قال أنشدني النعيمي وكان شيخاً قد نالت الأيام من جسمه وحاله:
أخلت الأيام كأسي من الرا ... ح كما خلا من المال كيسي
وغزانا الشتاء من بلد الرو ... م على غفلةٍ بلا ناقوس
فتحامى الألى لباسهم من ... صوف مصر ومن خزوز السوس
ومضى حكمه من الأسر والقه ... ر على كل مدبر منحوس

ماله جنة سوى النار باللي ... ل ولا بالنهار غير الشموس
فهو في السر مسلم وعلى الظا ... هر مستمسك بدين مجوس
قال وكان يجلس في الجامع الشرقي ببغداد أيام البرد فسمعه يوماً وهو جالس فيه والمساء متغيمة يقول: قد سرقت إحدى الجنتين يعني احتجاب الشمس، قال وسمعته في اجتماع قوم لا خلاق لهم ولا خير فيهم: كسير وعوير ومفتاح الدير وآخر ليس فيه خير، قال وسمعته يقول في قوم شرار نزلوا في شر منزل وتجعله مثلاً: ركب زنبور عقرباً إلى جحر حية فقيل ابصر من الحامل والمحمول وفي أي خان نزلوا، قال وأنشدني لنفسه:
إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعاً ورياً
فكن رجلاً رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
فإن أراقه ماء الحيا ... ة دون إراقة ماء المحيا
أبو الحسن الهاشمي المأموني: أنشدني أبو الحسن البرمكي قال أنشدني أبو الحسن هذا المذكور لنفسه:
إذا لم تنصفونا يا كرام ... وفي أيديكم اليوم الزمام
فكيف بكم إذا قلنا صرفتم ... وزال البوش وانقطع الزحام
وكنتم معشراً ملكوا فخسوا ... فنام الحظ عنهم حين ناموا
وكانوا يخدمون وهم قعودٌ ... فصاروا يصفعون وهم قيام
أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي البغدادي: أيده الله تعالى، طلع على نيسابور منذ سنيات وهو في ريعان شبابه فملأ العيون جمالا والقلوب كمالاً وأفادنا كثيراً ثم امتطى أمله إلى الحضرة الكبرى بغزنة حرسها الله تعالى فعاشر السادة بها ووصل إلى السلطان الماضي أبي القاسم رضي الله عنه وخدمه في مجلس الانس ثم انقلب عنها وقد أسفرت سفرته عن صفقه الرابح وغنيمة الفائز وله شعر الأديب الظريف الذي شرب ماء دجلة وتغذى بنسيم العراق فمما أنشدني لنفسه قوله:
هام قلبي بحسن ذاك العذار ... حين لاح اخضراره في احمرار
عز رب اذا رب أراد تعالى ... أنبت المرزجوش في الجلنار
وقوله:
جد وإن شئت لا تجد ... إن تخلصت لم أعد
إنما منك غرني ... كلم طعمها الشهد
لست في الناس واحداً ... قتلته اللحى الجدد
وقوله في خط اللحية:
بدا خط من أهواه كالبدر طالعاً ... وعارضه قد لاح فيه وزغبا
فكان كنمل دب في العاج قاصداً ... ليجتز في رفقٍ من الصدغ عقربا
قوله:
إن زارني لم أنم من طيب زورته ... وإن جفا لم أنم من شدة الحرق
ففي الوصال جفوني غير راقدة ... من السرور وفي الهجران من قلق
إني لأخشى حريقاً إن علا نفسي ... وأتقى أن جرى دمعي من الغرق
وقوله:
نظرت تشوقاً يوماً إليه ... فأثر ناظري في وجنتيه
وجرد من لواحظ حساماً ... حمايله بنفسج عارضيه
وقوله في رمد المحبوب:
قلت إذا قيل لي حبيبك يشكو ... رمداً سلط السهاد عليه
وقوله:
الشعر كالبحر في تلاطمه ... ما بين ملفوظه وسائغه
فمنه كالمسك في لطائمه ... ومن كالمسك في مدابغه
وللموازيني في فصد بعض رؤسائه:
على اليمن باكرت الفصاد مشمراً ... يمين جوادٍ للعطاء مشمره
مددت أبا سعد إلى صدر مبضعٍ ... يدا تصدر الآمال عنه منشره
وما خلت إن الجود تجري له دم ... فما كان أجري ذا الطبيب وأجسره
أظن له من لطفه بلباقةٍ ... بصيرة بقراط وأقدام عنتره
وله في مرثية القاضي الهاشمي بحلب:
ناعى أبي جعفرالقاضي دعوت إلى ال ... ردى فلم يدر ناع أنت من داع
تنعى العظيمين من مجدٍ ومن شرفٍ ... ببعد الرحيبين من خلق ومن باع
مهلاً فلم تبق عيناً غير باكيةٍ ... ولا تركت فؤاداً غير مرتاع
قد كان ملأ عيون بعده امتلأت ... جزناً ونزهة ابصارٍ وأسماع
وله:
كم حمار هو أولى ... ببنهيقٍ وشهيقٍ

يكتسى في الشتوة الخز ... وفي الصيف الدبيقي
وعلى هذين البيتين فقد تذكرت بيتين على وزنهما وقافيتهما واشتمالهما ذكر الدبيقي ولا أدري لمن هما وهما:
ضاع في الشوك دقيقي ... حين أملت صديقي
بفعالٍ كالبخاري ... وقولٍ كالدبيقي
أبو الغنايم بن أبي المكارم الرملي هو أبن الذي يقول فيه ابن لنكك:
إن الرميلي بعيد خاطره ... يشعر ما دامت له دفاتره
فالشعراء كلهم خواطره
ويقول فيه ايضاً:
خلف الرملي فيما اق ... تص عني وحكاه
يدعي يوم اصطلحنا ... أنني قبلت فاه
لم أقبل فاه لكن ... قبلت كفي قفاه
فأما أبو الغنايم فإنه يقول لصديقٍ له ولي عملاً:
جعلت فداك لا تجف الأخلا ... فينأوا عن ذراك وهو اذلا
وكانوا يطرحون لنا مصلى ... فمنذ وليت قد رفع المصلى
ويقول في شهر رمضان:
شهر الصيام مبارك ... لكنه في شهر آب
خفت العذاب فصمته ... فوقعت في نفس العذاب
ويقول في الهجا بيتاً نادراً كالمعجز في فنه وهو:
خوان لا يلم به ضيوف ... وعرض مثل منديل الخوان
أبو الحسن علي المعروف بابن كويرات الرملي: حدثني المصيصي قال كان ابن كويرات من أظرف الناس وأملحهم نوادر حضرت معه دعوة برأس العين فقدم إلينا جمل مهزول ومددنا أيدينا إليه وهو قابض يده فقلنا له في ذلك فقال يا سادتي هذا كان عاشقاً والعاشق لا يأكل العاشق، وأنشدني له أبو يعلى في طبيب من أهل مصر يدعى أبا الربيع وهو من أحسن ما قيل في مدح طبيب:
أبو الربيع ربيعٌ ... لكل جسم وروح
إذا رأى الداء داوا ... ه بالدواء الصريح
كأنه في البريا ... خليقة للمسيح
وله من قصيدة:
رشأ سمعت لخده وعذاره ... في هذه الدنيا حديثاً سائراً
فإذا رأيت عليه طرفاً واقعاً ... فأعلم بأن هناك قلباً طائراً
عبد المنعم بن عبد المحسن الصوري من ملحه وطرفه قوله في غلامٍ ينظر في المرآة:
جلا المرآة صيقلها لوجهٍ ... تولى الله خلقته لحيني
فلو أبصرته يرنو إليها ... عرفت الفرق بين الصقيلين
وقوله لنيهان الجعفري وهو في غاية الملاحة:
زحفت إلى نبهان من عفو خاطري ... عروساً غدا بطن الكتاب لها خدرا
فقبلها عشراً وأظهر حبها ... فلما طلبت المهرطلقها عشرا
وأنشدني المصيصي وأبو يعلى له:
أرى الليالي إذا عاتبتها جعلت ... تمن إن جعلتني من ذوي الأدب
وليس عندي الليالي أن أقبح ما ... فعلن بي أن جعلن الشعر مكتسبي
ومما يستحسن ويستظف له قوله:
لي مولى احسانه يتجدد ... كل يومٍ لدي والمجد يشهد
أحسن الفعل بي واحسنت قولاً ... واشتبهنا فقيل جاد وجود
وقوله وهو من أمثاله السائرة:
أرى الله يعطيني ودهري يأخذ ... وفي كل يوم سيف قتلي يشحذ
وكيف سلوى عن شبأبي وفقده ... طريق إلى ما سمت المنية ينفذ
أبو الفرج بن أبي حصين القاضي الحلبي: من أظرف الناس وأحلاهم أدباً وأبوه الذي كاتبه أبو فراس وساجله ومدحه السري وأخذ جائزته ونطق كتاب اليتيمة بنبذٍ من شعره في عرض شعر أبي فراس ولم أسمع لأبي الفرج من قوله فيمن أبى أن يضيفه:
وأخ مسه نزولي بقرحٍ ... مثل ما مسني من الجوع قرح
بت ضيفاً له كما حكم الده ... ر وفي حكمه على الحر قبح
فابتداني يقول وهو من السكر ... ة بالهم طافح ليس يصحو
لم تغربت قلت قال رسول ال ... له والقول منه نصح ونجح
سافروا تغنموا فقال وقد قا ... ل عليه السلام صوموا تصحوا
ولم اسمع في عموم الخيانة ووراثة الناس آباهم آدم إياها غير قوله:
كيف نرجو الوفاء من نسل من لم ... يف لله في جنان بحبه

وعزيز في العالمين أمين ... خان عهداً أبوه في الخلد ربه
وله في عتاب الدهر على قصده الكرام:
يا دهر مالك طول عهدك ترتعي ... روض المعالي بارضاً وحميما
يا دهر مالك والكرام ذوي العلى ... ماذا يضرك لو تركت كريما
أبو الفرج عبد الصمد بن علي الصوري: قال من قصيدة:
وإذا ما احتوت أنامله الرق ... ش كما تحتوي القنا الفرسان
فعلت في الخطوب ما تفعل السم ... ر إذا جد بالكماة الطعان
وقال من اخرى:
حتام أرجو أناساً ما مدحتهم ... إلا ذنوباً ليس تغتفر
لئن بحثت عن المعروف عندهم ... إن الثرى في طلاب الماء يفتقر
وقال لصديق له يعمر داره:
دع عمل الطين للسلاطين ... لا تك من أخوة الشياطين
فما بقاء الدريهمات إذا ... انفقن حيناً في الماء والطين
وقال:
ومن يغش قوماً الشبيبه برده ... فيبليه فيما بينهم عد منهم
وكانت له امرأة قبيحة سليطة فقالت له في يوم مطر وثلج أي شيء يطيب في مثل هذا اليوم فقال التطليقات الثلاث.
ابو الفهم عبد السلام النصيبي: هو الذي يقول:
قبلته اشتفي بقبلته ... فزادني ذلك اللمى ألما
وسائل لي عن مبتدي سقمي ... مسقم عينيه مسقمي بهما
ويقول ما يشدو به القوالون كما ذكر المصيصي وأنا أشك فيه وقد كتبته لحلاوته وظرفه:
لما تألمته يفتر عن بردٍ ... ولاح لي في قميصٍ غير مزرور
أرسلت دمعي على الخدين منسكباً ... وصحت وأحربا من هتك مستور
أبو السمط الرسعني وأخوه أبو مالك: حدثني أبو الحسن علي بن فارس القزويني قال كان أبو السمط وأخوه من أهل رأس عين وهما من أظرف الناس وأمجنهم وأملحهم فأما أبو السمط فإنه ذكر رجلاٍ يأكل وحده فقال يأكل وهو في اربعة فاستفسر فقال هو وظله والملكان وهذا كما قال أبو الحرث جمين وقد سئل عن مائدة محمد بن يحيى فقيل من يحضرها فقال أكرم الخلق والأمهم يعني الملائكة والذباب، وسأل عن غلامٍ استشرطه فقيل هو فاسد فقال: في فساده صلاحي، ومن نوادر شعره قوله:
والذي أرسل إبراهيم بالحق وعيسى ... إن إسحق بن عمرو يشتهي آية موسى
وله في المجون:
ويحك يا ايرى اما تستحي ... تفضحني ما بين جلاسي
تحرج من جيبي بلا حشمةٍ ... وتطرح المنديل عن رأسي
وأما أبو مالك فإنه يقول:
جعلنا النرد ورداً كل يوم ... وأعملنا معتقة المدام
لنجعل نقلنا مما أفاءت ... فننتقل الحرام على الحرام
وهو القائل:
ملكت مجامع الظبي الربيب ... أرى ما شئت من حسن وطيب
وفيه ما اصون كتابي عنه.
ابو الثريا الشمشاطي: حكى المصيصي كان أبو الثريا صديقي وكان يستكثر من الجواري ولا يصبر على واحدة منهن حتى يبيعها ويستبدل بها فرأيت منهن جاريةً رومية تسمى ظريفة فقدمت يوماً إليه المائدة وقد نسيت الملح فقال لها اين الملح فاشارت إلى وجهها وقالت هنا قال فعزمت على امساكها وقلت لها أتحسنين الحشو قالت ذاك إليك، قال ومما علق بحفظي من شعره ما أنشدني في أبي الأعين أنطاكي:
لي صديق منجم وطبيب ... شاعر شعره غذاء الروح
فهو طوراً كمثل جامع سفيا ... ن وطوراً يحكى سفينة نوح
حدثني الحامدي أن من ألبيات التي علقها الصاحب في سفينته قول أبي الثريا في مقطعة في مختط:
كأنه البدر في لألاء غرته ... قد زار جبريل في عيد فغلفه
أبو الفتح المحسن بن علي البديع: من أهل حمص يقول في الغزل:
بالذي الهم تعذي ... بي ثناياك العذابا
مالذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا
ويقول في عزم صارم الدولة:
من كان يستعلى بتقليد ما ... يسوسه بالرأي أو بالبديه
فصارم الدولة ما حطه ... عزل ولا يرفعه ما يليه
فلا تطب أنفس حساده ... فإنما أغمده منتضيه
أبو الفرج بن حيدر الحمصي: قال من قصيدة:

ما كنت مفتخراً بما قدمت من ... مدحي لغيرك إذ مديحك ارتجى
فالبيت لم يفخر مجاوره إذا ... ما طوف الآفاق ما لم يحجج
ومن أخرى:
له من بين العوالي والمعالي ... وبين شبا المهندة الذكور
مقامات شرفن فما يبالي ... أمات على جوادٍ أم سرير
وقد أخطأ في ذكر موت الممدوح ومن حقه صيانته عنه.
ابو الوفا الدمياطي: يقول في المصريين من أصحاب عزيز:
إذا قطتم ليلكم بمنام ... وأفنيتم ايامكم بمدام
فمن ذا الذي يرجوكم لملمةٍ ... ومن ذا الذي يأتيكم لسلام
رضيت من الدنيا بأهون بلغةٍ ... بشرب مدام أو بنيك علام
ويقول في عزيز مصر:
يا مالك الوقت والزمان ... ومن علا في عظيم شان
ضدان ما استجمعا لخلقٍ ... وجهك والفقر في مكان
ويقول نثراً في أمرد التحى: قد صدئت مرآته وكسف بدره وتشوك زعفرانه وتسبج زمرده.
ابو معشر الكاتب من أهل البحرين قال له العلوي الوسي: يا أبا معشر إنك كالمسك إن أمسك عبق وأن بيع نفق، فقال: وأنت يا أيها السيد كالقطران وقع على البحر اخرج الدر أو علي البر أخرج البر، وقال بعض السؤال واسونا يرحمكم الله فقال: إن واسيناكم ساويناكم، ومن بارع شعره من قصيدة:
وليلةٍ خضتها على عجلٍ ... وصبحها ببالظلام معتصم
كإنما الدجن في تزاحمه ... خيل لها من بروقها لجم
وقوله:
أتاني زايراً فحكى هلالاً ... واتبعه صدوداً مستطالا
فقلت ألا تعود فقال لا لا ... دوام الوصل يورثك الملالا
أبو الرماح الفصيصي: يقول في البرق:
إذا ما لاح أحمر مستطيلا ... حسبت الليل زنجياً جريحاً
ويقول في الفستق ما هو من أحسن ما قيل فيه:
مثل الزبرجد في حرير أحمرٍ ... في حق عاج في غشاء أديم
ونظيره قول أبي اسحق الصابي ولست أدري من السارق والمسروق منه:
والنقل من فستق حديثٍ ... رطب تبدى به الجفاف
لي فيه تسبيه فيلسوفٍ ... ألفاظه عذبةٌ خفاف
زمرد صانه حريرٌ ... في حق عاج له غلاف
والإمام السابق إلى وصفه الصنوبري في قوله:
وحظي من نقله إذ ما نعته ... نعت لعمري منه أحسن منعوت
من الفستق الشامي كل مصونة ... تصان عن الأحداث في جوف تابوت
زمردة ملفوفة في حريرٍ ... مضمنة درراً مغشى بياقوت
وأنشدني له بعض الغرباء وقد نسيت اسمه ويروى لابن سكرة:
ورد البشير مع الصباح بأنه ... لي زائر فاستعبرت أجفاني
يا عين قد صار البكا لك عادةً ... تبكين في فرحي وفي أحزاني
ومن أمثاله الجيدة قوله:
قد يبعد الشيء عن شيءٍ يشابهه ... إن السماء نظير الماء في اللون
أبو الغوث بن نحرير المنيحي: ذكر المصيصي أنه أظرف الناس وأملحهم شعراً وأحضرهم جواباً وقال في صديق جفاه:
هجر المعلى واستمر جفاؤه ... نفسي وان نقض العهود فداؤه
خل إذا الإغباب جدد غيره ... أضحى تجدده لدى لقاؤه
وقال:
كان حناءها براحتها ... دماء من قتلت بهجرتها
وسودته فحلها لبست ... شباب من شاب في محبتها
نقشاً كأعطاف تذرح اخذت ... من زخرف الريش حسن زينتها
كأنها قد توسدت يدها ... فأودعتها واوات طرتها
وقال في الشقايق والنرجس:
فتح الشقايق في منابت نرجسٍ ... فلكل خد مخجل طرف أرق
كخرايط الديباج حمراً ختمت ... بالمسك بين شارعين مع ورق
وقال في الغزل المؤنث:
نظرت إلي بمقلتين فنمتا ... بضميرها الخافي ونحن سكوت
وكأن في يمناهما هاروت يس ... حرني وفي يسراهما ماروت
وقال:
إليك فمثلي لا يوحد في الهوى ... لمشركة في الود رث حبالها
فلو نال عين الشمس كل محاول ... لما كان مغبوطاً بها من ينالها
وقال:

إن كنت تبكي لحبيب مضى ... فابك شباباً قد مضى وانقضى
عوضني الدهر مشيبي به ... وليته سوغ ما عوضا
سخطته والموت في أثره ... يحيل بالاكراه سخطي رضا
وقال في الغزل المؤنث:
طلعت بوجه عاذل لعواذلي ... ينبي بعذري لاحياً للاحى
درية البشرات إلا أنها ... مسكية النفخات والارواح
وقال:
مبذولة للعيون قد حظرت ... عما سواها من سائر الوطر
كأنها صورة مصورة ... لاحظ فيها لنا سوى النظر
وقال يشكر:
يوفر حالي أبو حازمٍ ... كما وفر الغيث روض البطاح
خفيت على الدهر في ظله ... كخافية الريش تحت الجناح
سرقة من قول أبي نواس:
تسترت من دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني
وقال:
بحثت لتعرف فتنتي فاستخبرت ... حبي إذا ما قلت حبك فاتني
حجبت حياءً وجهها بأناملٍ ... حجبت ببهن محاسناً بمحاسن
وقال:
إن كنت تفجع مقلتي برقادي ... ضناً علي بطيفك المعتاد
فامنع سهادي أن شخصك ماثل ... لتفكري نصب لعين سهاد
أغياك بخلك باللقاء على امرىءٍ ... متصور لك في ضمير فؤاد
وقال في الحمى:
وحمى حمتني النوم حتى كأنما ... شقوق جفوني في الصفاة صدوع
تهب شتاءً ثم تعقب صايفاً ... أما لسنيك المنكرات ربيع
ادثر عنها بالحشايا تعللاً ... وليس لها عما تريد رجوع
إذا كان نبض السهم من باطن الحشا ... فكيف تجن المرء منه دروع
وقال:
أأرى عيوب العالمين ولا أرى ... عيبي خصوصاً وهو مني أقرب
كالطرف يستجلي الوجوه ووجهه ... أدنى إليه وهو عنه مغيب
وللاميرابي أبي الفضل الميكالي أيده الله تعالى في مثل هذا التشبيه وغير هذا المعنى:
كم والد يحرم اولاده ... وخيره يحظى به الأبعد
كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد
وله قصيدة في مجد الدولة وقد خرج في حرب:
وقد بدأت اصوغ الفتح عن ثقةٍ ... بغاية لك تجلو الدهر في حلل
أنال ما نلت من جدواك مبتدلا ... حتى إذا قلت فيك القول لم يقل
لكل مصغٍ لشعري حين أنشده ... في محفلٍ طرب العذري للغزل
وقال:
صل السعي فيما تبتغيه مثابراً ... لعل الذي استبعدت منه قريب
وعاوده إن اكدى بك السعي مرةً ... فبين السهام المخطيات مصيب
وقال:
يا واحد الكافين والملك الذي ... دانت لعز علاه أملاك الورى
درت رسوم معاشر لم يدركوا ... شأوى ولا شقو العجاج الاكدرا
ويبيت بائتهم يغط موسداً ... وأبيت ليلي كالسليم مسهراً
اتنقد القول الرصين واجتني ... غرر المعالي منجداً أو مغورا
إن كنت تعطيهم على الشعر اللهى ... فالشعر يقتضي أن تخص الاشعرا
إن كنت تبغي مدحهم أو شكرهم ... فعليك من إن قال قولاً سترا
وقال يستهدي شراباً:
دعوت أبا الفضل الورى ونسيتني ... ولي الف عينٍ بالصديق موكله
فلا تطو انباء الذين دعوتهم ... فقد نقلت مشروحةً ومفصله
ولي قدح في كل دورٍ ادرته ... فمر لي بهاتيك التفاريق مجمله
وقال من قصيدة:
ورب ليل غدافٍ خلت أنجمه ... فيه بواقي خمرٍ لمعت فحما
معمراً طلع الجوزاء راكعةً ... كأنها قوست في طوله هرما
ومنها:
ابارق صدع الظلماء مضطرماً ... أم الوزير الخطير ارتاح مبتسما
وقال في النرجس:
قد ضحك النرجس في الأقطار ... تجمع بين الزهر والنوار
لم ير شخص قبل في الإعصار ... ألف ضدي بردٍ ونار

كأنه إذ شيم بالأبصار ... يخدم يوم مهرجانٍ طاري
بدرهمٍ ضم إلى دينار
وقال:
لا غرو للزمن البخيل إذا سخا ... قد يرسل الحجز العيون النضخا
كأنه من قول الله عز وجل: وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار، وقال:
قد فات أمس ولم اثق بغدٍ فما ... اعتد وقتي غير يومي الحاضر
والعيش وقتي وهو مني آخذ ... فالراي أخذي منه حظ مسافر
وقال من قصيدة:
لا يغررنك تجملي فلقد ... اسبلته ستراً على سغب
هو كالخضاب على المشيب متى ... ما تبله تكشفه عن كذب
وقال وقد قبض على الوزير يوم الأربعاء:
يوم تهاوت شمسه من عال ... مسخت به الأيام فهي ليال
وإذا اختبرت الأربعاء لامرهم ... فدبار في الأدبار اصدق فال
يا واحد الكافين بل يا كعبة ال ... عافين بل يا غاية الآمال
ما كنت الا العضب فلل حده ... بشباة مدرى الكاعب المكسال
فعلى قوافي الشعر حتى تنجلي ... شمس الضحى مني سلام القال
وقال:
وغضبي في الرضى بالتيه وسني ... وفترة لحظها نشوى القوام
نفت عن مقلتي نومي بوصلٍ ... وعن قلبي همومي بالمدام
فبت وعطفها في ضيق ضم ... كعطف الاعوجية في الحزام
وله:
عطر الماء نشر نور وزهرٍ ... غازلته به ذيول النسيم
وتحلت بهارها الأرض حتى ... حسدتها السماء ذات النجوم
ومن قصيدة:
اسف غيم وعلا سيله ال ... راعب حتى التقيا بالنجاد
فقد اعار الروض وسمين من ... الحاظ سعدى وثنايا سعاد
تمله وابق مزجي الندى ... ومتقى السطوة حتى التناد
واستجل سحراً وارداً لفظه ... في حالة سمع الفتى والفؤاد
ومن أخرى:
وعزام حمى عني المقام كأنني ... أجوب به الدنيا على قدم الخضر
ومن أخرى:
كفى الفطر في الأعياد فخرا بأننا ... نزف لمغناك التهاني بالفطر
فعاوده ما حل بالزمان معاوداً ... وعامره ما امتدت به فسحه العمر
أأفرق ردي دون قوتٍ أرومه ... ورأيك مجبول على طولك الغمر
ولو أن للافلاك مالك في العلى ... غدا بدرها كالشمس والنجم كالبدر
تعلمت قول الشعر طفلاً وصغته ... لكم اشيباً حتى انقضى فيكم العمر
فلا غرو إن اسعفتموني بطايلٍ ... يثبت في أبوابكم قدم الشكر
إذا كان خير الذخر ابقاه في الورى ... فإن قريض الحمد من اكرم الذخر
ومن أخرى:
ورب ليل خضته رامياً ... حمى ذراريه بفجرٍ مغير
والشرق قد مزق ظلماءه ... خط عمودٍ من صباحٍ منير
كسدة الملك جلا ليلها ... عن أفقها رأى الوزير الخطير
سما به الملك إلى أن غدا ... فرق السهى ترب مقر السرير
ومنها:
موحد السعى اتى مشبهاً ... للشمس يعلو قدرها عن نظير
دل على أنعامه صيته ... كالبحر يدعوك إليه الخرير
في هيبةٍ لا البرق رافي الخطى ... فيه ولا الرعد خطيب جهير
ومنها:
وغايتي ما يقنع الحظ من ... نشارة المترب نزر يسير
ومن يكن همك في صدره ... فالخلق والدهر لديه حقير
ومن أخرى:
غدا جيشه فضلاً عليه كما غدا ... له السيف فضلاً جفنه والحمايل
فما يرزق الأحرار إلا لعادةٍ ... تحكم أنعامٍ عليها ونائل
عزيز السجايا تعتريه لجاجة ... إذا لامه في الجود والبأس عاذل
لئن جهل الأعداء ما قد منوا به ... فإن فراش النار بالنار جاهل
ومنها:
وشى بالربيع الطلق ورق هواتف ... تدانى الثرى أغصانهن الموائل
تميد بها في جانبيها كأنها ... طلي رجحتها بالنعاس الرواحل

يقبل بعض النور افواه بعضه ... إذا اعتنقت فيه الغصون الشوايل
وتصطفق الأوراق من نفس الصبا ... كما رفرف الطيار والليل قافل
سأشكرك النعمى التي تركت يدي ... يمن بها صوب الحيا وهو آمل
فسوف يبين العتق عندي بشكرها ... كما بان عتق الطرف والطرف صاهل
وقال:
بك استعتبت ايامي قديماً ... كما فزع الغريم إلى الكفيل
بسابقة اختصاصٍ صار فيها ... سبيل عشيرك الأدنى سبيلي
شريت بسالف الأنعام رقي ... ولم تك بالملول المستقبل
فاما أن تعين على مقامٍ ... وأما أن تعين على رحيل
وقال:
ارضى بكل الذل في طلب الغنا ... وأعاف بعض مذلة الاقلال
كمن استراح إلى العمى حذر العشى ... وإلى المنية خوف قذال
ومن قصيدة:
زارتك أيام الربيع فاصبحت ... مستعديات منك بث مواهب
بغمائم نثرت على الحصباء كال ... حصباء من قطرات وبلٍ صائب
لبس الغصون النور وشياً واغتدا ... درر القطار لها حلى ترائب
لفت منورها بمورقها الصبا ... لف العناق مطارفاً بذوائب
فتملها والملك ما رقمت صبا ... في الماء رقم حوافرٍ في لاحب
واستجلها تحف النفوس كأنها ... نجوى المنى وعدت بوصل حبائب
كأزاهرٍ بحمائلٍ ووسائطٍ ... لقلائدٍ ومباسم لكواعب
وقال يهجو أبا الفضل زيد بن محمد بن علي بن القاسم:
أأبا النقيض ففي الفضيل مزية ... اربابها عن لمع برق جهام
من همةٍ لك ليس فيها فضلة ... عن كأس مشمول واير غلام
تبدي اللواط بهم فلم تختارهم ... بفياشلٍ زقية الاورام
وزعمت تعفجهم فلم خرجوا وقد ... رفعوا ذيول القمص من قدام
في فخر الملك وزير الوزراء أبي غالب محمد بن علي:
ما جاد بالوفر إلا وهو معتذر ... ولا عفا قط إلا وهو مقتدر
وكلما طرقوه زاد نائله ... كالنار يؤخذ منها وهي تستعر
وله:
قد قلت لما ضعفت حيلتي ... وأشتد شوقي وجفاني الخليل
أصبحت مكروباً بدرا الهوى ... فحسبي الله ونعم الوكيل
أبومنصور عبد العزيز بن طلحة بن لؤلؤ: صاحب بريد الخليفة القادر بالله، من مشهور قوله السائر:
سألته قبلة فبادر بالت ... قبيل مستبشراً إلى قدمي
فقلت مولاي إن أردت بها ... سرور قلبي جعلتها لفمي
فقال كلا للعبد منزلة ... لزومها من حراسة النعم
وله من قصيدة في القادر عند جلوسه للحجيج:
عش سليماً أخرى الليالي البواقي ... لك من سطوة الحوادث واق
يا بديع الفعال بين ملوكٍ ... ذكرهم ناقد وذكرك باق
نظر الله للعباد فولا ... ك واعطاك قسمة الرزاق
ايها القادر الذي فوق قرن الش ... مس في بعدها وفي الأشراق
أنت للمجد هضبة رتب النا ... س إليها في المكرمات مراق
طال ما فت طالبيك وغبر ... ت قديماً في أوجه السباق
وعمرت البيت الحرام واهدي ... ت إليه طرائف الآفاق
يسلك الراكب المكل إليه ... وهو فرد من امنه في رفاق
إنما وراث الخلافة من سا ... س الرعايا باللين والإشفاق
هذه بردة النبي التي كا ... نت إلى منكبيك بالأشواق
والقضيب الذي يحن إلى كف ... ك لا بل يتوق كل متاق
في يفاع السرير اروع ما تع ... لق فيه الألحاظ غير استراق
اشبه الناس بالنبي أبي القا ... سم في خلقه وفي الأخلاق
يرعد القلب والفرائض خوفاً ... بين فسطاطه وبين الرواق

فلو أنا نستطيع يسن السماطي ... ن مشينا له على الأحداق
وله في فخر المللك أبي غالب:
أطال الله في عمرك للمعالي ... وكفك للعطيات الرغاب
ولا زالت سيوفك كل يومٍ ... تحكم في الجماجم والرقاب
فإنك أكمل الثقلين طراً ... وأكرم من مشى فوق التراب
ومن كلامه: ان النعمة لا تستدام بمثل الأنعام، والقدرة لا تستبقي بمثل العفو. ودعا لصديقٍ فقال: صان الله عن سماع المكاره سمعك وعن البكاء على الأحباب دمعك.
ابن أبي مرة المكي: يقول في أبي الفتوح والي مكة:
يا سيداً فديته بروحي ... خولك الله أبا الفتوح ملك سليمان وعمر ونوح
ويقول عند مقامه ببغداد:
أاصوم شهراً ثم أخرج غادياً ... نحو المصلى اقطع الأميالا
فيجر ذا ثوبي وأجذب ثوب ذا ... وازاحم السقاط والأنذالا
شربي صبوحاً واستماعي قينةً ... أولى بأن ألقى به شوالا
ويقول في أبي خلف التكريتي:
رأيت أبا خلفٍ راكباً ... وقدامه تحمل الغاشيه
فلم ادر ايهما لحية ... ولم أدر ايهما الغاشية
أبوحمزة الذهلي: من اهل الطائف المقيمين بالعراق شاعر مليح الشعر ظريفه، أنشدني القزويني له من الغزل:
ومستبيح لقتلي ... ما إن يمر ويحلي
سنوه عشر وخمس ... كالبدر عند التجلي
مصححي حين يدنو ... وفي التأني معلي
ما شوش الصدغ إلا ... لكي يشوش عقلي
وله:
أظهر الكبرياء تيهاً وزهواً ... فتلقيه بذل الخضوع
وحباني ربيع خديه بالور ... د فامطرته سحاب دموعي
وأنشدني أبو طالب الطبري له في حمى رئيس ثم وجدته في شعر الرستمي من قصيدة ولم اسمع في معناه أحسن وابدع منه:
وزائرة أتت من غير وعدٍ ... لتأخذ منك حظاً من نوال
هي الحمى التي تضحى وتمسي ... على ليث الشرى في كل حال
رأت سطوات بأسك في الأعادي ... فظنتك الهزبر من الرجال
فلما فاح عرفك من بعيدٍ ... تولت بانكسار وانخذال
أبوشبل الشعيري: من باب الشعير يتطيب ويتماجن ويشعر وسأله بعض من يعاديه عن دواء لعينه العليلة فقال خذ ورق الحجارة وغبار الماء وعصارة الشمس ودهن الجليد واجعلها شيافاً واكتحل به، وانشدت له شعراً لم يعلق بحفظي منه إلا أول بيت:
إذا ما مت فلتمطر فؤوس ... ولا برحت عراقكم النحوس
وذكر علة رئيس كان يعالجه فقال: هي بيضة الديك وواحدة الدهر وساقة الجيش وخاتمة السقم. العصفري يقول في السلامي:
رأيت في الجامع حواقه ... في وسطها شيخ له شأن
عليه طرطور ودراعة ... لها ذيول وجربان
فقلت من هذا العظيم الذي ... كأنه في التيه سلطان
أجاءه جبريل عن ربه ... أم عنده وحي وتبيان
فقيل هذا شاعر مفلق ... له أماديح وديوان
فقلت أمرؤ القيس فقالوا صه ... فقلت هذا الشيخ حسان
قالوا ولا حسان هذا إذاً ... قلت فذو الرمة غيلان
قالوا السلامي فقلت أطبقي ... ذا محلبان الضرع لبان
الشعر لا يسوى ولا أهله ... هذا فلم ذا الشيخ غضبان
وإنما الشاعر مستنزه ... تلهو به النفس وبستان
أما مجيد فهو مسترفد ... أو بارد الشعر فصفعان
أبو مسلم الجهني: يقول:
أمهد لنفسك يا أبا الفياض ... وأعلم بأنك عن قليل ماض
ويحوز مالك وارث للمال أو ... موصى إليه أو وكيل القاضي
إن الكبير إذا تناهت سنه ... أعيت رياضته على الرواض
ويقول:
وإذا بليت تجاهلٍ متحكمٍ ... يجد المحال من الأمور صواباً
أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جواباً
وله:

أتيت أخاً لي في حاجةٍ ... وكنت عليه خفيف المؤن
فأنكر معرفةً لم تزل ... وابدى مناكرةً لم تكن
وقال وجاهدني وده ... أبو من وممن ومن وابن من
أبوالفضل الفضلي الكسكري قال يهجو:
عيناه عنوان شومٍ ... والشوم في العنوان
في صلب آدم سمي ... مبشر الأحزان
وقال يحكي عن ماجنة ظريفة دواء الخمار:
يا لعيارة تقصر للعا ... شق بالظرف والنوادر يومه
سئلت عن دواء الخمار فقالت ... كومة ثم نومة ثم عومة
وأنشدني له من لا أثق به:
كل أمر وإن تضايق جداً ... فله بعد ما يتضايق فسحه
فارج كشف البلاء عنك وشيكاً ... إن كشف البلاء في قدر لمحه
أبوقيس التميمي: من أهل النهروان من أهل الحيرة أحد الظرفاء المجان ولشعره حلاوة وطلاوة كقوله:
نزلت على أبي سعدٍ فحيى ... وهيا عنده فرش المقيل
وقال علي بالطباخ حتى ... يزيد من البوازد والبقول
فغداني برايحتة الأماني ... وعشاني بميعاد جميل
وقوله:
سوءةً سوءةً لوجه كتابٍ ... كل ألفاظه لدي زيوف
وكأن الحروف منه سياطٌ ... وكأن السيوف منه سيوف
وقوله:
عد عمن شئت واندم ... تربح الأمن وتسلم
ما يساوي من إخلا ... ئك انسان بدرهم
أبوالخطاب محمد بن علي الجبلي: هو حي يرزق وشعره عذب متناسب ومدح الشيخ أبا بكر القهستاني أيده الله فاطنب واللهى تفتح اللها وأعطاه ديوان شعره بخطه فشاركني في فوائده كعادته في غيره فاخترت منها قوله في قصيدة:
رويدك قد أصبحت جاراً لأحمدٍ ... وحسب امرىءٍ أن يستجير بجاره
لأفضل من يغشى على بعد داره ... وأكرم من يعشى إلى ضوء ناره
ومنها:
ليهنك عيد بالسعادات طالع ... طلوع حبيب مسعفٍ بمزاره
ومن أخرى:
توالت سعودي حين واليت مجده ... وفرغت قلبي إذا ملأت به كفي
صفا خلقه للمكرمات من القذى ... فأضحت له العليا موذنة تصفي
يدل على علياه حسن ثنائه ... كذلك فضل الطيب يعرف بالعرف
ومن أخرى:
معلل لي بوعد غير منجزه ... ومطمعٌ في وصال غير باذله
ومستحل بسيف اللحظ سفك دمي ... أحبب بذلك من سيفٍ وحامله
ومن ربعيةٍ:
ورياض مختالةٍ من ثراها ... في برودٍ من زهرها وعقود
وكأن الغصون فيه عوانٍ ... تتبارى زهواً بحسن القدود
وكأن الأطيار فيها قيان ... تتغنى في كل عود بعود
وكأن المياه في خلل الرو ... ض سيوف تسل تحت بنود
وكأن النوار تغمز بالأع ... ين منه على ابنة العنقود
وله من قصيدة يهنىء بعض الرؤساء بالسلامة من نهب الغاغة داره:
تدل على تفضلك الرعايا ... كإدلال العبيد على الموالي
ولولا شبهة دخلت عليهم ... لما عرضوا لديك لنهب مال
إذا سوغت مالك كل عافٍ ... توهم سايغاً في كل حال
فلا يطمع ترفقك الأعادي ... فإن الليث يلبد للصيال
ولا تستقصرن فرب حلمٍ ... عن الأعداء أبلغ من نكال
وما ترضى مساعيك انتصافاً ... من السفهاء إلا باحتمال
إذا وقع القصاص على التساوي ... فما فضل العلاء على السفال
ومن أخرى في التهنية بالمصاهرة:
موهبة لم تزل لسؤددها ... تسمو الأماني وتطمح الهمم
وعقد مهر جمال مفخره ... أولى به أن يهنأ الكرم
فيا لها وصلةً إليك بها ... ظلت وفود السعود تزدحم
إلى علاها الفخار منتسبٌ ... وعن سناها الزمان مبتسم
مجد حوى كفوه وما اقترن الس ... عدان إلا تلاقت النعم
لما أمرت عقود لحمتها ... ظلت عرى الحادثات تنفصم

إن كان وقفاً عليك مفخرها ... فسعدها في الأنام مقتسم
أبو يعلى محمد بن الحسن البصري: من شيوخ الصوفية وظراف الشعراء وفضلاء الغرباء وخلفاء الخضر والأقذاء في عين الأرض قد نقب في البلاء ولقي أفضالها واستكثر من فوائدهم وحفظ الغرر من ظرائفهم ولطائفهم وطرأ على نيسابور في سنة إحدى وعشرين واربعمائة فأفادنا مما لم نجد عند أمثاله واستكثر عند كتابه وأصحابه من تعليق الفوائد والاقتباس من نوره وحين أراد الأمير على الإقامة بحضرته وازمع ارتباطه في جملته لم يصبر عما ألفه من الإضطراب في الإغتراب وتعوده من عيش الحجرة وخبز السفرة وتزود من بره وكتبه وانقلب مسروراً إلى أهله فمن ملح ما انشدنيه لنفسه قوله من قصيدة في المدح هي غرة شعره:
طربوا إلى نقم القيان فبذهم ... طرب إلى نغم الوغى مرتاح
تمحو دجى الاعدام راحة كفه ... كرماً كما يمحو الهموم الراح
يا ناصر الملك الذي آراؤه ... في كل خطبٍ مظلم مصباح
قبلت ثغرا من مديحك نشره ... كالمسك فاح وطعمه التفاح
ومن أخرى:
يا أباالقاسم الذي قسم الرح ... من من راحتيه رزق الأنام
أنا في الشعر مثل مولاي في الجو ... د حليفاً مكارماً ونظام
وإذاما وصلتني فأمير الج ... ود أعطى المنى أمير الكلام
وقوله من أخرى:
إذا المجد وافاني فليس بضائري ... نفور العذارى من بياض عذاري
عفوف عن الليل الطويل بذي الغضا ... لمر ليالٍ بالشآم قصار
وقوله في دواة آبنوس:
ومغموسة مثل لون لعابها ... يضم حشاها ساكتا متكلما
على مثل قيد الشبر لكن بأسه ... إذا طال طال السمهري المقوقا
قرنت به هماً بعيداً وهمةً ... شروداً وفضلاً كاملاً متقدما
وقوله في عجوز أكول:
لي عجوز كأنها الب ... در في ليلة المطر
ناطق عن جميع أع ... ضاءها شاهد الكبر
غير اضراسها ففي ... ها لذي اللب معتبر
أعظم غير أنها ... أعظم تطحن الحجر
أبوالحسن علي بن غسان البصري: حدثني أبوالحسين محمد بن الحسين الفسوي النحوي قال ورد ابن غسان البصري الشاعر الطبيب على أبو مضر عامل الأهواز في جملة الشعراء الذين امتدحوه ومرض أبومضر في اثناء ذلك فعالجه ابن غسان حتى برأ من مرضه فكتب للشعراء ولابن غسان خطوطاً بصلاتٍ تأخر ترويجها فقال فيه وملح وظرف:
هب الشعراء تعطيهم رقاعاً ... مزورةً كلاماً عن كلام
فلم صلة الطبيب تكون زوراً ... وقد أهدى الشفاء من السقام
قال وقد كتب إلى طللحة بن عبد الأعلى يحاجيه:
زعموا طلحة اضحى فطناً ... فسلموه الآن إن كان فطن
أي شيءٍ هو مهزول إذا ... أشبعوه فإذا جاع سمن
فكتب إليه يا سيدي أباالحسن هو ما أخرجنا منه.

تتمة القسم الثالث في
محاسن أهل الري وهمدان واصبهان
وسائر بلاد الجبل وما يجاورها من جرجان وطبرستان
الأمير أبو العباس خسره فيروز بن ركن الدولة:قد سبق ذكره في كتاب اليتيمة وتكررها هنا للعذر الذي اشرت إليه وكان أوحد أبناء الملوك فضلاً وأدباً فأدركته حرفة الأدب وأصابته عين الكمال ولما خافه أخوه فخر الدولة على الملك بعده أمر باغتياله نظراً لولده ولم يعلم أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله وأن الملك لا يلبث أن ينتقل بعده إلى من قدره الله له وقد كتبت لمعاً من شعر أبي العباس يلوح عليها وراء الملك كقوله من قصيدة:
إني أنا الأسد الهزبر لدى الوغى ... خيسي القنا ومخالبي أسيافي
والدهر عبدي والسماحة خادمي ... والأرض داري والورى اضيافي
وله في الشيب وذكر جاريةٍ له تسمى الثريا:
ولما أن تنفس صبح شيبي ... طوى عني رداء الحسن طيا
تولت منيتي عني فراراً ... ترى وصلي لدى الفتيات غيّا
فقلت هجرت يا سولي فقالت ... وهل تبقى مع الصبح الثريا
وقوله أيضاً في الشيب:

ولما رأت لمع المشيب بعارضي ... وقد جردت من جانبيه قواضبه
بكت ثم قالت للعذارى تجلداً ... وما خير ليل لا تلوح كواكبه
وقوله فيه ويروي لغيره:
وقالوا أفق عن رقدة اللهو والصبا ... فقد لاح صبحٌ في دجالك عجيب
فقلت أخلائي دعوني ولذتي ... فإن الكرى عند الصباح يطيب
وقد سرقه من ابن طباطبا حيث يقول:
وقالوا لي استيقظ فصبحك لايح ... فقلت لهم طيب الكرى ساعة الفجر
ولأبي العباس:
أنا ابن ركن الدولة المجتبى ... لا تهمس الأقدار من خوفه
عدوه أهلك من ماله ... وعزمة أنقذ من سيفه
وله:
لئن ملك الدنيا على الجور قبلنا ... ملوك فما للعالمين لنا مثل
وإن سقاة الشرب لا عن كرامةٍ ... إذا دارت الصهباء تشرب من قبل
وله ايضاً
سأصبر حتى يجمع الله بيننا ... ولم ار حوتاً فارق الماء يصبر
وله من قصيدة:
تراهم تحت جنح النقع اسداً ... تهمهم في معاركها غضابا
تقول له العداة إذا تراءت ... ألا ياليتنا كنا ترابا
وحدثني أبوغانم معروف بن محمد القصري قال اشتط بعض المنجمين على أبي العباس في مشاهرته وقد اراد ارتباطه واستخلاصه لنفسه فلما اشرف ولج واحتج وأصر على أنه لا يقنع في الشهر بأقل من مائة دينار نكت أبوالعباس بأن قال إذا كان الظن يخطىء ويصيب والنجم يخطىء ويصيب فاستعمال الظن أولى فهو أخف مؤنة من المنجم قال ولما بلغه أن فخر الدولة يتهمه باضمار السؤلة قال ليته يعلم أن شجر الآس يرضى من الفاس رأساً براس.
القاضي أبوبكر عبد الله محمد بن جعفر الأسكي: قد تضمن كتاب اليتيمة نبذاً يسيراً من شعره وهذا مكان ما وقع إلي من بعد كقوله وهو غاية في الظرف وانشدنيه أبوالفتح محمد بن أحمد الدباوندي أيده الله تعالى قال أنشدني القاضي أبوبكر الأسكي لنفسه:
دمع تكمن في الجفون فرعته ... حذر الوشاة فلاذ بالأشفار
فكان اسياف الغواة تكده ... وكأنه عثمان يوم الدار
فتعجبت من مواردتي إياه بقولي منذ عشرين سنة:
إني بليت بسيدٍ كالدهر إذ ... ينحى بسوته على الأحرار
فرط الفظاظة والصلابة دأبه ... وأنا لديه بذلة وصغار
فكأنه عمر بن خطاب إذا ... وكأنني عثمان يوم الدار
ولم اشك في أنه لم يسمع بقولي كما لم اسمع بقوله وحسبت قولي أمثل وارجح لجمعي بين عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما وما أشبه الحال في هذه المواردة الا بمواردتي أباالفرج بن هند وبقولي في صباي من نتفة:
إنسانة فتانة ... بدر الدجى منها خجل
إذا زنت عيني بها ... فبالدموع تغتسل
ثم وقعت إلي قصيدة له وفيها:
يقولون لي ما بال عينك مذ رأت ... محاسن هذا الظبي أدمعها هطل
فقلت زنت عيني بطلعة وجهه ... فكان لها من صوب أدمعها غسل
وكنت قلت في صباي أبياتاً منها:
كم حيلةٍللوصل أعملتها ... وكم خداع قد تمحلته
اسر حسواً في ارتغاءٍ إذا ... ناجيت من أهوى فقبلته
فأنشدني الأستاذ أبوالعلا ابن حسول أيده الله بعد مدة طويلة لنفسه في هذا المعنى بعينه:
جذبت كفي الغدائر منه ... فشممنا منها نسيم العرار
الثم الصدع والسوالف منه ... احتجاجاًبأننا في سرار
فتعجبت من اشتراك الخواطر والتوارد في البدايع. عاد شعر القاضي أبوبكر الأسكي أنشدني أبوالفتح الدباوندي له في زوال الدولة وانقراض أهلها:
تخيل شدة الأيام لينا ... وكن بصروف دهرك مستهينا
ألم تر دورهم تبكي عليهم ... وكانت مألفاً للعز حينا
وقفنا معجبين بها إلى أن ... وقفنا عندها متعجبينا
وله في فتى مليح صلى إلى جنبه:
صلى بجنبي قمر طالع ... وقد توجهت إلى القبلة
فقال شيطان التصابي انحرف ... فإن هذي قبلة القبله
وله في الغزل أيضاً:

لما لحاني العذال قلت لهم ... والدمع ينطم والصبر مبثوث
مروا دعوني كذا على اسفي ... بيني وبين الهوى أحاديث
وله في الصاحب:
كل بر ونوالٍ وصله ... واصل منك إلى المعتزله
يا بن عبادٍ ستلقى ندماً ... لفراق الجيرة المرتحلة
أبوعلي مسكويه الخازن: في الذروة العليا من الفضل والأدب والبلاغة والشعر وكان في ريعان شبابه متصلاً بابن العميد مختصاً به وفيه يقول هذين البيتين ووقعا في اليتيمة بلا ثالث:
لا يعجبنك حسن القصر تنزله ... فضيلة الشمس ليست في منازلها
لو زيدت الشمس في ابراجها مائة ... ما ذاد ذلك شيئاً في فضائلها
ثم تنقلت به أحوال جليلة في خدمة بني بويه والاختصاص ببهاء الدولة وعظم شأنه وارتفع مقداره وترفع عن خدمة الصاحب ولم ير نفسه دونه ولم يخل من نوائب الدهر حتى قال ما هو متنازع بينه وبين نفر من الفضلاء
من عذيري من حادثات الزمان ... وجفاء الإخوان والخلان
شاب رأسي وقل مالي وصدت ... عني البيض والتحى غلماني
وله من قصيدة في عميد الملك تفنن فيها وهناءه بإتقان الأضحى والمهرجان في يوم وشكا سوء أثر الهرم وبلوغه أرذل العمر:
قل للعميد عميد الملك والأدب ... أسعد بعيديك عيد العجم والعرب
هذا يشير بشرب ابن الغمام ضحىً ... وذا يشير عشياً بابنة العنب
ومنها:
خلايق خيرت في كل صالحةٍ ... فلو دعاها لغير الخير لم تجب
هي التي غمستني في مودته ... بالجسم والروح أفديهن لا بأبي
أعدن شرخ شباب لست أذكره ... بعداً وردت علي العمر من كثب
فطاب لي هرمي والموت يلحظني ... لحظ المريب ولولاهن لم يطب
فإن تمرس بي خصم تعصب لي ... وإن اساء إلي الدهر أحسن بي
ومنها
أدركت بالقلم الخطي من قصبٍ ... ما ليس بالخطى والقضب
ونلت بالجد والجد اللذين هما ... امنيتا كل نفسٍ كل مطلب
فلو أدرت رحى الدنيا مفوضةً ... إليك اقطارها دارت بلا قطب
ومنها:
وقد بلغت إلى أقصى مدى عمري ... وكل غربي وأستأنست بالنوب
ومنها:
إذا تملأت من غيظي على زمني ... وجدتني نافخاً في جذوة اللهب
ومنها:
ما الدهر إلا كيوم واحدٍ غده ... كأمس يومك والماضي كمرتقب
فإن تمنيت عيش الدهر أجمعه ... وإن تعاين ما ولى من الحقب
فانظر إلى سير القوم الذين مضوا ... والحظ كتائبهم من باطن الكتب
تجد تفاوتهم في الفضل مختلفاً ... وإنت قاربت الأحوال في النسب
هذا كتاجٍ على رأسس تعظمه ... وذاك كالشعر الجافي على الذنب
والناس في العين أشباه وبينهم ... ما بين عامر بيت الله والخرب
في العود ما يقرن المسك الذكي به ... طيباً وفيه لقىً ملقىً مع الحطب
لا تطلبوا المال من حول ومن حيلٍ ... فربما جاء مطلوب بلا طلب
يأتي الفتى رزقه المقسوم عن سببٍ ... بادٍ يراه وقد يأتي بلا سبب
واستخصموا الفلك الدوار يلقكم ... بحجتي رغبٍ إن شاء أو رهب
أراه يسكن عني وهو يركض بي ... ركض الفوارس بالتقريب والخبب
كالنار تأكل ما تحيى به لهماً ... وليس تفرق بين النبع والغرب
أصبحت أجرد والأحداث تجردني ... دأب الجراد اذا استولى على العشب
وصرت ديناً على الدنيا لآخرتي ... رسل المنايا تقاضاها وتمطل بي
قاسيت أحوال هذا الدهر مرتكباً ... أهوالها وصريعاً غير مرتكب
ومن تعود عض السيف هامته ... هانت على إليتيه عضة القبب
وهي طويلة وكأنه جمع إحسانه فيها، وكتب إلى أبي العلا بن حسول قصيدة منها:
ولقد نفضت بهذه الد ... نيا يدي وحسمت داءي

ماذا يغرني الزما ... ن وقد قضيت به قضاءي
أو بعد ما استوفيت عم ... ري واطلعت على فناءي
أصطاد بالدنيا وين ... صب لي بها شرك الرجاء
هيهات قد افضيت من ... صبح الحياة إلى المساء
وبلغت من سفري إلى أقصاه مذموم العناء
وله من قصيدة في أبي العباس الضبي كأنها قول ابن الرومي:
ما كان أغنى أبا العباس عن شرهٍ ... إلى لحوم سباع كن في الأجم
يسترجع القوت أمضاه سواه لنا ... لوماً ويبذله للشاء والنعم
صبرت حولاً على مكروه نقمته ... فليصبر الآن لي حولاً على النقم
سيعلم الوغد إن لم تؤت فطنته ... من كثرة الهم أو من قلة الفهم
إني لألقاه مما استعد له ... بكل عجراء لكن ليس من سلم
إذا خبطت بها عرض امرءٍ لحجت ... في سمعه يده شوقاً إلى الصمم
ومنها:
إذا اضطجعت أتاني الشعر يقدح لي ... من ناره وأتاني الليل بالفحم
وصائغ الشعر لا يرضى سبيكته ... حتى يفرغها في قالب الحكم
يصب في مسمعيه ما أذيب له ... كالقطر افرغه الباني على الردم
إذا تورم غيظاً ضاق مضرطه ... حتى يوسعه الإطراق للندم
إني وإن كنت لا أرضى الخنى لفمي ... ولا أحط لقول فاحشٍ هممي
ليستريح إلي القول احوجه ... حر السكوت إلى الترويح بالنسم
إن القوافي كفتني نظم أنفسها ... فهن ينظمن لي من كل منتظم
تدنو شواردها حتى يعض لها ... ذهني فأنفضها منه على قلمي
خذها إليك أبا العباس جامعة ... شنعاء توقد نار الهجر في علم
لقيتني بوقار العلم محتشما ... وهجتني فالق جهلي غير محتشم
ومنها في هجاء الصاحب بعد موته بزمان:
لاكان اير ابن عباد وغلمته ... ما كان اسرعه في كل مغتلم
دمى جبين أبا العباس فهو يرى ... تقيير كل جبين واضحٍ بدم
أحفاه بالقلم الحافي وعلمه ... خلاف ما علم الرحمن بالقلم
قد كان أهوج رث العقل مقتحماً ... على الدنيات وقافاً لدى التهم
ومن يدر مثل عيني طيشه لمماٍ ... لم يرض من فخذ الأحداث باللمم
لأهدين لأفواه الرواة له ... لحماً تمضغه الأفواه عن بشم
وختم القصيدة بقوله للضبي:
مازلت مذ كنت سلاحاً على كمر الن ... ازي عليك وبوالا على القدم
الأستاذ أبوسعد منصور بن الحسين الآبي: هو الذي يقول فيه الصاحب:
قل لأبي سعد فتى الآبي ... أنت لأنواع الخنى آب
الناس من كانون أخلاقهم ... وخلقك المعسول من آب
وتقلد الوزارة بالري وكان يلقب بالوزير الكبير ذي المعالي زين الكفاة وهو الآن في ولاية فضله وسروره وهناك من شرف النفس وكرم الطبع وعلو الهمة وعظم الحشمة ما الأخبار به سائرة والدلائل عليه ظاهرة ثم هو من أجمع أهل زمانه لمحاسن الآداب وأغوصهم على خبايا العلوم وله من المصنفات كتاب التاريخ الذي لم يسبق إلى تصنيف مثله وكتاب نثر الدر وله بلاغة بالغة وشعر بارع كقوله على طريقة أهل الحجاز:
على التلعات البيض من ابرق اللوا ... تلألؤ برق مثل ما ابتسمت سعدا
واتلع ان ناش الأراكة لم يدع ... لها فننا سبطاً ولا ورقاً جعدا
إذا وردت ماء العذيب ركائبي ... فقد أعشبت مرعى وقد أعذبت وردا
يرف عليها الإقحوان غديةً ... وقد عله طل كدمعي أو أندى
هنا لك قوم كلما زرت حيهم ... لقيت أبا سعدٍ به الطائر السعدا
عقائله يفرشن بالورد طرقه ... لتوطئه أن جئته الفرس الوردا

وكتب إلى أبي سعد الزنجاني وقد اصطحبا في استقبال وكانت مع غلام أبي سعد سفرة فردها بعكمها إلى المنزل وتركهم جياعاً ويقال أن هذه الأبيات فيما تشتمل عليه سفرة الزنجاني أحسن واظرف من أبيات كشاجم فيما تضمنته جونته:
بئس المصاحب في السفر ... من ليس يسمح بالسفر
يا سفرةً رجعت على ... أعقابها تمشي الخمر
الوى بها ريب الزما ... ن ومن يطيق يدا القدر
كم كان فيك من النوا ... هض والدجاج وما حضر
من لحم جدي أن نظر ... ت إليه امتعت البصر
فإذا كشطت الجلد عنه ... كشفت عن بيض الحبر
ما بين ارغفه السمي ... ذ كمثل دارات القمر
وقدير سكباج من ال ... ملحاء او زور البقر
قد زعفروه وقطعوا ... فيه مع البصل الجزر
كسبائك العقيان قد ... قرنت إلى أكر النقر
يا حبذا تلك القطا ... ع وحبذا تلك القدر
ومطاول اللفات في ... ها مسبطراً ذا عجر
مثل الأيور بلا فيا ... شٍ والزباب بلا كمر
قد داعبه بهذا البيت لأنه كان ينسب إلى الابنة:
والبيض مسلوقاً على ... شكل اليتيمة في الدر
فمشدخ فيه كنس ... رين يغاديه المطر
ومنصف كالنرجس ال ... ريان في وقت السحر
ومدحرج من قشر جو ... ز الهند تحكيه الأكر
فيه من الملح المطي ... ب والأبازير الأخر
والجبن والزيتو ... ن والليمون وشيراز أغر
ضحك العيال لعودها ... ومشيت ابكي في الأثر
وله في غلام هندي:
يا عائبي بالهند إن ... فناهم أضحى بليه
أحرقت نفسي في هوا ... ه لأن ذاك لهم سجيه
كالصعدة السمراء غا ... در صعدتي مثل الحنيه
صنوا الألوة واللآ ... لى والقنا والمشرفية
زين المجالس والموا ... كب والندامى والسريه
في الحرب ليث خادر ... والسلم مخدرة حييه
ملء المفاضة بكرة ... ملء الحشية بالعشيه
ما إن أخاف عليه نما ... ماً سوى وضح الثنيه
وكتب إلى الإستاذ أبي العلا هذه القصيدة الكتابية من فيروز كويه يصف البرد الشديد ويذكر اصدقاه بالري ويجد مرة ويهزل أخرى ويفصح عن كل ظرف مليح ومزح لطيف وتدل على اقتدار وتوسع وتجري القصيدة مجرى الكتاب:
يا كاتبي ألق الدوا ... ة وقط حافية الأباء
ارهف يراعتك التي ... تزري مضاءً بالقضاء
وأجمع خواطرك التي اك ... تسبت ذكاءً من ذكاء
و انقع عليك دواتك ال ... حرى بنقسٍ أو بماء
وتناول الدرج الملط ... ف وانتخبه ذا صفاء
واكتب لسيدنا صفي ... الحضرتين أبي العلاء
من عبده الآبي مع ... طيه القياد بلا إباء
أنعم صباحاً أيها الأس ... تاذ وأنعم بالمساء
وتمل عزاً دائماً ... مرخىً له طول الرخاء
وابلغ نهايات المنى ... وتعد أرجاء الرجاء
لإني كتبت وقد لوت ... عضد السرور يد الثناء
واسالت العبرات من ... عيني دمائي بل ذمائي
والبين يخطر بيننا ... وتجر أهداب الرداء
متبخراً أي أنني ... أقضي واظلم في القضاء
فكتبت من فيروزكو ... ه مقر عزي وارتقائي
من مورد الملك الأشم ... ومصدر النعم الرواء
لثلاث عشرة جزن من ... شعبان يوم الأربعاء
عن نعمة وسعادةٍ ... ومزيد عز واعتلاء
وسلامةٍ لو لم يكد ... رها تراخي الإلتقاء
والحمد لله الذي ... أولى الجزيل من العطاء

وعلى النبي وآله الص ... لوات نامية الزكاء
مالي كتبت وما اجب ... ت تنكباً سنن السواء
أأنفت من رد الجوا ... ب وما أنفت من ابتدائي
إني انتميت إلى ولائ ... ك فارع لي حق الولاء
ظهر اعتزازي باعتزاي ... وبدا نماي بانتمائي
ومنها في وصف البرد:
في موضع خفتت به ال ... أصوات برداً في النداء
فالريق يجمد في اللها ... والصوت يجمد في الهواء
نطأ الزجاج من الزجا ... ج إذا مشينا في فضاء
والجو يلمع في نوا ... حيه ضريب كالهباء
وكأنما صقلت به ... بيض السيوف أو المراء
جمدت له الصهباء حت ... ى قد أتتك بلا إناء
فإذا أردت خرطت فص ... ك من رحيق أو طلاء
لو عاين العذرى مث ... وى قد رضيت به بوائي
أو حله الهاه عن حر ... الهوى برد الهواء
ومنها
فالآن قل لي كيف أن ... ت وكيف إخوان الصفاء
من كل مشبوح الذرا ... ع مشيع غمر الرداء
سام تنوس ذؤابتا ... ه على شطاطٍ كاللواء
واعدد فتى زنجان في ... هم فهو عين الأصدقاء
فهو السليم على انتفا ... دي والصحيح على انتفائي
عين الصديق بلا امترا ... ءٍ والشفيق بلا مراء
وعصابة أخرى أحا ... شيهم من الداء العياء
ومعاذ ربي أن يز ... ن فقيه قوم بالبغاء
أو أن يقال لخازن الس ... لطان لص ذو ارتشاء
بلغ جميعهم السلا ... م وقل لقاؤكم شفائي
لا تبلغني إن كتب ... ت سلام أولاد الزناد
وإليك ألف تحيةٍ ... من حاجتي لا بل كيائي
من جنتي يوم التلاقي ... جنتي يوم اللقاء
شمس الندى إذا بدا ... أسد الوغا رشأ الخباء
جدي وهزلي منه ما ... بين الغناء إلى الغناء
واراك تشمت إن عرف ... دنوه للإلتحاء
رفقاً فقد زاد العذا ... ر برغمكم ضعفي بلائي
والشاطر العيار بل ... غه سلامي في خفاء
لا يفطنن لذاك من ... تدري فيغري بالجفاء
قمر كأن جبينه ... فلق العمود من الضياء
أفديه بالعمر العزيز ... إن ارتضاني للفداء
أبلغه مالكتي وني ... ك بالرسول من الشقاء
ابلغه أنك نائب ... عني على جهة الإخاء
قبله عني لو يرو ... ي غلتي ويسك دائي
رد من مراشفه العذا ... ب مشارب العذب الرواء
واحلل قراطقه برف ... قٍ وأسر أعطاف القباء
وإذا هممت بغيره ... لقيت لاذعة الخصاء
وسقيت كافوراً وسا ... ئر ما يطفي من دواء
وجزيت عن ولهي ووق ... دة لوعتي شر الجزاء
أدعو عليك وما أرا ... ك تخاف عادية الدعاء
ولدعوة المظلوم مض ... طرب فسيح في السماء
وله قصيدة في هجاء أهل الري قالها على لسان أبي القاسم ابن حريش كهذه التي قد مرت في الطول والجودة والتناسب وأولها:
تباً لرجرجةٍ من الكتاب ... ما علموا الآداب في الكتاب
ما بين مأبونٍ يواري سوءةً ... لأخيه مقتدياً بفعل غراب
ومنها:
أنا إن شعرت أنيك أم كشاجم ... وإذاكتبت اشق سرم الصابي
وهي أطول من أن يتسع هذا الكتاب للجمع بينهما وبين التي تقدمتها ونشد أبوالفتح الدباوندي له:
إذا الليل اسبل اذياله ... وضم أبا حسن والحسن
فإني بريء من المصطفى ... لئن كنت أعلم من ناك من

الأستاذ أبوالعلاء محمد بن علي بن الحسين صفي الحضرتين: اصله من همدان ومنشاؤه الري وابوه أبوالقاسم من يضرب به المثل في الكتابة والبلاغة وكلامه في غاية البراعة يصعب على التعاطي ويسهل على الفطنة وقد علق تحفظي فصل من رسالة له في علو السن وتناهي العمر فكتبته وهو: ما الظن بمن خلق عمره وانطوى عيشه وبلغ ساحل الحياة ووقف على ثنية الوداعٍ واشرف على دار المقام ولم تبق منه إلا أنفاس معدودة وحركات محصورة ومدة فانية وعدة متناهية. وسمعت أبا العلاء يقول سمعت أبي يقول لما حبسني الصاحب وطال لبثي في حبسه وكاد اليأس يستولي عليّ اتاني آت في منامي وقال لي الخير باقٍ والاحسان واق والمرء ما قدم لاق، فلم يدر الإسبوع حتى فرج الله عني ويسر خلاصي. قال مؤلف الكتاب وأبوالعلاء اليوم من افراد الدهر في النظم والنثر وطال ما تقلد ديوان الرسائل وتصرف في الأعمال الجلائل وحين طلعت الراية المحمودية بالري أجل وبجل وشرف وصرف وانهض في صحبتها إلى الحضرة بغزنة حرسها الله رغبة في اصطناعه وتكثراً بمكانه ولما ألقت الدولة المسعودية شعاع سعادتها على مقر الملك ومركز العز زيد في أكرام أبي العلاء والإنعام عليه وأوجب الراي أن يرد إلى الري على ديوان الرسائل بها فخلع عليه وسرح احسن سراح ولقيته بنيسابور فاقتبست من نوره واغترفت من بحره وهو الآن بالري من أجل حال وأنعم بال وقد كتبت ها هنا غرراً من شعره الكتابي البعيد المرام المستمر النظام، فما قوله لأبي منصور الآبي من قصيدة:
وبي إلى الدهخذا شوق يورقني ... وإن تغير عما كنت أعهده
فيه سجايا من المعشوق أعرفها ... تجنى على عاشقيه ثم يجرد هو
وفي آخرها:
خذها إليك بلا لفظ تكدره ... على الرواة ولا معنىً تجعده
كالماء تسكبه والمسك تفتقه ... والوشي تنشره والتبر تنقده
وأنشدني له أبوالفتح الدباوندي في الغزل:
أتاني ممسياً من غير وعدٍ ... كذاك البدر موعده الأصيل
كحيل الطرف ذو خط خفي ... كأن عذاره أيضاً كحيل
وله في الاعتذار من الاخلال بالخدمة لعارض رمد من قصيدة:
قد صدني رمد ألم بناظري ... عن قصد خدمة بابه ولقائه
أو يستطيع الرمد أن يستقبلوا ... لمعان نور الشمس في لألائه
وله في الهجاء:
يا بن بدرٍ أن اغفلتك الليالي ... فللوم ودقةٍ وهوان
إنما استقدرتك مساً فحتى ... جزت لؤماً على صروف الليالي
وله في أمرد علوي ولم يسبق إليه:
وازهر من بني الزهراء يرنو ... إلي كما رنا الظبي الكحيل
نهاني الدين والاسلام عنه ... فليس إلى مقبله سبيل
إذا أرسلت الحاظي إليه ... نهاني الله عنه والرسول
وله في الحكمة:
قد فليت البلاد غوراً ونجداً ... وقبلت الأمور ظهراً لبطن
فرأيت المعروف خير سلاحٍ ... ورأيت الإحسان خير مجن
وله في رئيس معزول قعد فوقه في مجلس الوزير:
تقعد فوقي لأي معنى ... للفضل للهمة النفيسه
إن غلط الدهر فيك يوماً ... فليس في الشرط أن تقيسه
كنت لنا مسجداولكن ... قد صرت من بعده كنيسه
كم فارس أفضت الليالي ... به إلى أن غدا فريسه
فلا تفاخر بما تقضي ... كان الخرا مرة هريسه
وله وقد دخل إلى رئيس فلم يقم له:
دخلت على الشيخ مستأنساً ... به وهو في دسته الرفع
وقد دخل الناس مثل الجراد ... فمن ساجدين ومن ركع
فهش ولكن لمردانه ... وقام ولكن على أربع
وأرسل في كمه مخطةً ... بدت لي على صورة الضفدع
فهو عني ما تأملته ... وزعزع روحي من أضلعي
وأعرض إعراض مستنكرٍ ... تصدر مثلي ومستبدع
فأقبلت اضرط من خيفةٍ ... وافسو على السيد الأروع
وقمت فجددت فرض الوضوء ... وكنت قعدت وطهري معي

ورام الخضوع الذي رامه ... ابي من أبيه فلم اخضع
وكيف أقبل كف امرئ ... إذاصنع الخير لم يصنع
فيقبضها عند بذل اللهى ... ويبسطها في الجدا الرضع
واني وإن كنت ممن يهون ... عليه تكبر مستوضع
ليعجبني نتف شيب السبال ... وصفع فمحدودة الأصلع
خراها ولو أنه ابن الفرات ... وحرها ولو أنه الأصمعي
وله من قصيدة مداعبة إلى أبي سعد الزنجاني في نهاية الفصاحة والملاحة:
يا أبا سعد الموالي المعادي ... والمصافي لخله والمصاد
والذي لا يكاد يفسق إلا ... بالرتوت الأجلة القواد
والذي قد اقام ما بين فخذي ... ه عموداً يزري بذات العماد
فهو شر على الأعادي شمر ... وبلاء بالٍ على الأجناد
والذي تعمش الندامى من الصو ... ع ويسقي الأضياف من غير زاد
والذي يرسل الرياح على الكت ... اب حتى كأنهم قوم عاد
فيصيب العنافق الشيب من قو ... مٍ كبارٍ وسادةٍ أمجاد
لايحاشي من عارض العارض الش ... يخ ولا يستحي من الأنداد
بل يعم اللحى فليس يبالي ... ببياضٍ وشمطةس وسواد
والذي قد يرى التطفل ديناً ... فهو دين الآباء والأجداد
لا ترراه في داره قط يوماً ... في النواريز لا ولا الأعياد
فهو وقف على الطريق متى يس ... مع وطىء الداعي وصوت المنادي
ومنها:
أنت فرعوننا وذو وتدٍ فر ... د وفرعون كان ذا أوتاد
أنت نار في مرتقى نفس الحا ... سد ماء جار لأهل الوداد
قد كذبنا فالضد أنت أبا سع ... دٍ فخذ ما يقال في الأضداد
أنت ماء لكنه في سواد ال ... عين نار لكنها في الفؤاد
وإذا ما أردت أن يسكن الخط ... ب وتنجو من حيةٍ بالواد
ويعود العتاب عندي عتبى ... وتعاد السيوف في الأغماد
فاستزرني أو زرني اليوم أو كن ... للتلاقي غداً على ميعادٍ
وله من قصيدة عيدية:
تبلج الأفق الغربي وابتسما ... وأظهر الفلك السر الذي كتما
ولاح ذو هيفٍ حلو شمائله ... منحف نجم اللذات إذ نجما
مرت ثلاثون يوماً كلها حقب ... ألقى بهن الصدى والبارد الشبما
القى المعازف والقيان سداً ... والكاس مهجورة والرطل مهتضما
وله من قصيددة تهنية بمولود:
افتر ربعك عن هلاكٍ باد ... فأضاء مطلعه وفاح الناد
وافاك ترب على وخدن مكارمٍ ... وسرور أحباب وغيظ أعادي
متقيلاً لك مذهباً في الفضل وال ... أفضال والإسعاف والاسعاد
قد أفصحت أخلاقه عن همةٍ ... بعدت على قربٍ من الميلاد
فبقيت منصوراً به مستسعداً ... بمكانه ناراً على الحساد
حتى تبدل مهده بمسومٍ ... طرفٍ وطوق سخبه بنجاد
فيشيد لاحق فضله بسوابقٍ ... قدمت وطارف مجده بتلاد
وله في المداعبة باقتضاء رسم:
يا من له في الجود تبريز ... وفيت بي اين الشواريز
صنفان ذا يعجمه بقله ... وينقط الآخر شونيز
والسمن لم يشرط ولكن لكي ... يكون بالثالث تعزيز
من قوله تعالى فعززنا بثالث:
فأنت عند المحل مزن لنا ... يهمي وعند النقد ابريز
ومطلب المأكول مستظرف ... وهو إلى الكدنة دهليز
وله من نتفة إلى وزيرين أخوين داعب فيها بذكر رجل يعرف بالسويسي ووصفه بالبخر:
تفديكما نفسي التي ... بكما وعندكما تسر
هذا السويسي الذي ... في وجهه من فيه دبر
يقرأ السلام عليكما ... بفمٍ به التسبيح كفر

وله من قصيدة ذكر فيها همذان:
يا ايها الملك الذي وصل العلى ... بالجود والأنعام والاحسان
قد خفت في سفر أطل علي في ... كانون في رمضان من همذان
بلد إليه أنتمي بمناسبي ... لكنه قذر من البلدان
صبيانه في القبح مثل شيوخه ... وشيخه في العقل كالصبيان
الاستاذ أبوعبد القاسم عبد الواحد بن محمد بن علي بن الحريش الإصبهاني رحمه الله تعالى: بقية الشعراء المفلقين وافراد الدهر المبرزين وأقمار الأرض الجامعين بين بلاغة النثر وبراعة النظم وهو اصبهاني المولد رازي الموطن غزنوي النعمة نيسابوري التربة ولم يزل بالري في ظل الكفاية يطير ويقع ويفيد ويخفق إلى أن طلعت الدولة المحمودية فانضاف إليها وصرف إلى خدمتها وارتبط في جملتها وتوفر حظه من نعمتها ورسم له الإنتقال في صحبة الراية العالية إلى خراسان ومنها إلى الحضرة بغزنة حرسها الله ففعل ولم يزل مقيماً بها عزيزاً مكرماً ولجلائل الأعمال مرشحاً إلى أن طلعت الراية المسعودية به أدام الله رفعتها فزيد في اجلاله إلى أن كر الركاب العالي إلى نيسابور وهو مشرف بخدمته مرتبط في جملته موفر الحظ من نعمه ومواهبه فجمعتني بها وإياه مناسبة الأدب وفتقنا نوافج المذاكرة وتجاذبنا أهداب المحاضرة والمناشدة ولذ لنا العيش وطاب الوقت بالمعاشرة فأنشدني يوماً لنفسه قصيدةً منها هذا البيت:
وليل خداري الجناح مخدر الص ... باح حرون النجم طاولته فكرا
فاستعدته إياه فأعاد فقلت له أو علمت أنه مرصع وفيه تجنيس وتسجيع واستعارة وطباق فاستفسرني فقلت: أما التجنيس فقولك خداري الجناح ومخدر، وأما التسجيع فقولك خداري الجناح ومخدر، وأما التسجيع فقولك خداري الجناح مخدر الصباح، وأما الاستعارة فقولك حرون النجم، وأما الطباق فجمعك بين الليل والصباح، فقال والله قد نبهتني على ما غفلت عنه، وقام إلي فقبل راسي وقال لي كل حسنٍ، ووصفني بكل جميل وقبل رأسي مرةً أخرى وذلك أني أنشدته مرثيتي للملك الماضي رضي الله عنه وأرضاه:
عجباً من تماسك الأفلاك ... ومساغ الزلال في الأحناك
وثبات الجبال بعد زوال الطو ... د ذي الطول مالك الأملاك
فلسان الزمان شاكٍ وطرف الد ... هر باكٍ والرزء في الملك ناك
وأنشدته قولي مرة في السلطان الأعظم ادام الله ملكه:
نثرت عليك سعودها الأفلاك ... وعنت لغرة وجهك الأملاك
زوجت بالدنيا لأنك كفؤها ... فاسعد بها وليهنك الأملاك
فالأرض دارك والورى لك اعبد ... والبدر نعلك والسماك شراك
فأراد أن يفعل فعلته الأولى والثانية حتى ناشدته الله وحياة السلطان فاعفاني وجرت بيننا فوائد وقلائد يطول الكتاب بذكرها ولم تطل أيامنا حتى أصابته عين الكمال فلحق باللطيف الخبير في جمادي الأولى سنة اربع وعشرين واربع مائة.
فمن عزر شعره وعقد سحره قوله وكنت سمعته قديماً:
سألت زماني وهو بالجهل عالمٌ ... وللسخف مهتز وبالنقص مختص
فقلت له هل من طريق إلى الغنا ... فقال طريقان: الوقاية والنقص
وقوله:
يا ايها الرجل الذي جربته ... فرأيت شخص النقص كيف يكون
والله ما يختار مثلك عاقل ... لكن علامات الزوال فنون
ومن الغرر التي أنشدنيها لنفسه قوله:
يكلفني أغضاء عيني على القذى ... زمان غبي جائر الحكم جائزه
وأعظم ما بي أنني غير واجدٍ ... نظيراً اباريه وقرناً ابارزه
وقوله:
ياطالب الصدق من ذات الوشاح لعاً ... من عثرة الظن أو من خيبة الطلب
هيهات أن تجد الحسناء ناطقةً ... بالصدق ما وجدت باباً إلى الكذب
وقوله:
المسك من عرفه والراح من فمه ... والورد من خده والرمل من ازره
تعجبت بابل من سحر مقلته ... والروم من وجهه والزنج من شعره
وقوله من قصيدة:
نظرنا فمن قلبٍ تضرم وقده ... أنيناً ومن جفنٍ تسلسل ودقه
أنادي غزالاً مصرع الأسد دابه ... به وهلالاً مصنع الوشي أفقه

فللشمس مرآة وللجو لطفه ... للمسك رياه وللراح خلفه
وقوله وقد استشعر خوفاً:
يضيق صدري فيسليني اعتلاق يدي ... حبلاً من الله مشتداً مرائره
إذا تبينت من ألطافه أثراً ... على طليعة أمري هان سائره
وقوله في أبي العباس الضبي من قصيدة طويلة كلها غرر:
بنفسي وأهلي شعب وادٍ تحله ... ودهر مضى لم يجد إلا أقله
وعطفه صدغٍ يهتدي فوق خده ... ويضربه روح الصبا فيضله
ةطيب عناقي منه بدراً أضمه ... إلي وأهوى لثمه فاجله
وقفنا معاً واللوم يصفق رعده ... ومنا سحاب الدمع يسجم وبله
ترق على ديباجته دموعه ... كما غازل الورد المضرج طله
وينأى رقيب عن مقام وداعنا ... وتبلغه أنفاسنا فتذله
يقلقني عتب الحبيب وعذره ... ويقلقني جد الرقيب وهزله
وكيف اقي قلبي مواقع رميه ... ولست ارى من أين ينثال نبله
يولي وبالأحداق تفرش أرضه ... ويفدي وبالأفواه ترشف رجله
فلو طاف في دارين ما طاب مسكه ... ولو ماج في بئرين ما ماج رمله
ومنها:
فيا من يكد النفس في طلب العلا ... إذا كبرت نفس الفتى طال شغله
أخذ من قول أبي الطيب المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام
ومنها:
فان ما ثلوه صورة وتخيلا ... فاغمارنا بالماء والآل شكله
ومنها:
وليس الفتى يرجى إذا ابيض رأسه ... ولكنه يرجى إذا ابيض فعله
ومنها:
إليك زففت الشعر يقرب فهمه ... وينأى على طبع المساجل سهله
يرق فلا اذن الفصيح تمجه ... كريهاً ولا نفس البليد تمله
إذا شئتم جزلي تلاطم موجه ... وإن شئتم عذبي ترقرق طله
ولهم سيفٌ في فؤادي مغمد ... يكاد على رأسي وعنقي يسله
ويا ليتني إذ لم أنل بفضيلتي ... على كنت منقوصاً يسليه جهله
ومنها:
وغير قليلٍ ما بلغت بعزكم ... ولكنني في جودكم استقله
وقوله:
فيا ليتني إذ ضعت لم أك مخلصاً ... وليتك إذ ضيعت لم تك ناقدا
وقوله من قصيدة:
لكل إلى شأو العلى حركات ... ولكن عزيز في الرجال ثبات
وما بي عن شأوٍ من المجد نبوةٌ ... ولا عند خطبٍ يدلهم إنات
ولكن إذا ما الطرف ضاق مجاله ... به فخطاه كلها عثرات
ومنها:
تصرم شهر الصوم عنك مزوداً ... من الخير ما تزكو به البركات
ومنها:
ولاح هلال الفطر نضواً كأنه ... على جرمه من صومنا وطآت
فقل لرواة المعبدية مرحباً ... وقل لسقاة البابلية هاتوا
وقوله في مهرجانية:
لك اليوم من عند كسرى مقام ... على مضحك الدهر منه ابتسام
بسطت يديك فقلنا الفرات ... جرى وثبت فقلنا شمام
يقر برأيك ركن العلى ... ويحيا بفضل نداك الأنام
فجودك أدنى مرادٍ يراد ... وعزك ابعد شأوٍ يرام
إذا دهت الناس سود الخطوب ... تبلجت فانجاب عنها الظلام
ففي حب مثلك يزكو الولاء ... وفي وصف فضلك يحلو الكلام
فإن صلت ذلت لديك الكماة ... وإن جدت قصر عنك الكرام
تهنا بمورد ذا المهرجان ... سعوداً حواليك منها زحام
وعش والسعادات تترى إليك ... إذا مر عام بها كر عام
فلولا بقاؤك ملئته ... لقلنا على الأكرمين السلام
إذا كنت تمنع من ان أسير ... ولم تكف أمري فكيف المقام
أرى نعماً لك عندي قد من ... ولمتك إن كنت ممن يلام
يقلن اصطنعت فلم لم ترب الن ... دى وابتدأت فأين التمام
وقوله من أخرى:
غدت للعلى منه سيوب للطى ... سيوف وللحرب العوان سيول

كفاني من الأيام أنك سالم ... وإن لم تجبني من جنابك سول
وقوله من سلطانيةٍ وهي آخر شعره:
لقد اقبل النيروز جذلان فاسعد ... وإن كنت مسعوداً كما أنت فازدد
وزف كؤوس الراح خمراً تسلياً ... عن الدم في حد الحسام المهند
فهذي الصبا غناجة دون نومةٍ ... مرنقة في مقلة النرجس الندي
تقبل ثغر الأقحوان وتنتهي ... إلى لطم خد الوردة المتورد
ومنها:
غدا الملك يرجو آل محمود الرضى ... كما يترجى الدين آل محمد
أناصر دين الله حافظ خلقه ... ظهير أمير المؤمنين اسع واسعد
خذ السيف واملك لا تدع متغلباً ... على الأرض إلا في وثاقٍ مقيد
فليس صلاح الأمر إلا بواحدٍ ... فإن ينتصب للأمر اثنان يفسد
وأعظم غبن أن يرى الملك مغصياً ... على شر أرضٍ من بلادك مفرد
أبوالقاسم غانم بن محمد بن أبي العلاء الإصبهاني: تضمن كتاب اليتيمة قليلاً من شعره وكررت ذكره في التتمة لما سبق من العذر فيه وكتبت غرراً من شعره مقفية على أثر شعر بلدية ابن حريش، واخبرني الشيخ أبوالفتح مسعود بن محمد بن الليث أيده الله أنه حي يرزق وأنشدني أبوبكر المرجى له:
إشرب أبا قاسمٍ على الوادي ... وانبذ إلى الأنس حبل مقتاد
لا تخل من قهوةٍ ومن رشاءٍ ... وزامرٍ مطربٍ وعواد
وثق بكافي الكفاة وارج ندى ... يديه من رائحٍ ومن غاد
والله ما في الأنام محتشم ... سوى أبي القاسم بن عباد
وأنشدني له في غلام بيده باشق:
واهيف كالقمر المجتلى ... يهيم به العاشق المبتلى
بدا وعلى يده باشق ... إذا طلبا قنصاً حصلاً
فذاك يصيد قلوب الرجال ... وهذا يصيد طيور الفلا
وقد سرقه من أبي الفتح كشاجم خيث قال:
مر بنا في كفه باشق ... فيه وفي الباشق شيء عجيب
هذا يصيد الطير من حالقٍ ... وذا بعينيه يصيد القلوب
قال وكان يساير الصاحب يوماً فرسم له وصف فرس كان تحته فقال مرتجلاً:
طرف تحاول شأوه ريح الصبا ... سفهاً فتعجز أن تشق غباره
بارى بشمس قميصه شمس الضحى ... صبغاً ورض حجارةً بحجارة
ومن مراثيه في الصاحب قوله:
مضى نجل عبادٍ المرتجى ... فمات جميع بني آدم
أوازي بقبرك اهل الزمان ... فيرجح قبرك بالعالم
وله من قصيدة:
هي نفس فرقتها زفراتي ... ودماء أرقتها عبراتي
لشبابٍ عذب المشارع ماضٍ ... ومشيبٍ جدب المراتع آت
زمن أذرت الجفون عليه ... من شؤوني ما كان ذوب حياتي
تتلاقى من ذكره في ضلوعي ... ودموعي مصايف ومشاتي
جاد تلك العهود كل أجش ال ... ودق ثر الأخلاف جون السرات
بل ندى الصاحب الجليل أبا القا ... سم نجل الأمير كافي الكفاة
تتبارى كلتا يديه عطايا ... ومنايا حتماً لعافٍ وعات
ضامناً سيبه لغنم مفادٍ ... موذناً سيفه بروج مفات
وارتياح يريك في كل عطفٍ ... ألف ألفٍ كطلحة الطلحات
ويد لا تزال تحت شكورٍ ... لاثمٍ ظهرها وفوق دواة
أراد أن يقول مثل قول أبي الفياض الطبري فلم يشق غباره:
يد تراها ابداً ... تحت يدٍ وتحت فم
ما خلقت بنانها ... إلا لسيفٍ وقلم

أبوالفضل يوسف بن محمد بن أحمد الجلودي الرازي: بحر العلم وروضة الأدب ولطيمة الشعر وظرف الظرف، وقد حدثني أبوالحسن عبد الرحمن بن أبي عبيد الشيرازي ايده الله تعالى بفضله وبراعته وأمامته إذا اقتبس في اليسير من مدة إقامته عليه بالري كثيراً من نور فوائده وأنشدني غرراً ودرراً نظمها من عقود قلائده كعادته في اقتناء جواهر المحاسن واصطياد شوارد اللطائف على حداثة سنه وغضاضة عوده وللدهر مواعيد فيه ستنجزها مساعيه، فمما أنشدني لهذا الشيخ أبي الفضل أيده الله قوله في سقوط السن عند الشيخوخة:
ثناياي أخنى عليه الزما ... ن والدهر مازال مذ كان يخنى
وينقص سناً وسناً يزي ... د والدهر يغرب في كل فن
اراني الزمان نقيضين لى ... زيادة سنٍ ونقصان سن
وقوله من قصيدة صاحبية:
رياض كان الصاحب القرم جادها ... بأنوائه أو صاغها من طباعه
يجلي غيابات الخطوب برأيه ... كما صدع الصبح الدجى بشعاعه
ومنها:
سحاب كيمناه وليل كباسه ... وبرق كماضيه وخرق كباعه
وقوله في معارضة قول الشاعر:
لكل شيءٍ عدمته خلف ... وما لفقد الحبيب من خلف
منعم معجبٍ بليت به ... صب بتعذيب مهجتي كلف
لا يرعوي عن صدوده صلفاً ... فديته من مدلل صلف
إذا أردت السلو منصرفاً ... فأن ألحاظه تقول قف
لا تعجبوا من تذللي ابداً فذلتي من هواه من شرفي
وقوله في نقل مثل بالفارسية إلى العربية:
ياعجباً من جدي الهابط ... وما مضى في زمنٍ فارط
ظننت أني راكب مرةً ... عيراً فأصبحت على حائط
ومما أنشدني غيره قوله من قصيدة إلى الأستاذ أبي العلاء بن حسول ايده الله تعالى:
ما ماء مزنكم الغمام مجلجل ... تزجيه أنفاس الرياح لبسطه
اشفى لحامي غلةٍ من رقعةٍ ... من عند سيدنا تكون بخطه
وقوله من اخرى قيه وقد كان لزم منزله لحالٍ أوجبت ذلك
صفي الحضرتين أبا العلاء ... يدال المرء في ضمن البلاء
وليث الغاب يلبد لامتياحٍ ... وغرب السيف يغمد لانتضاء
لساموك الخفاء وكيف تخفى ... وأنت الشمس في رأد الضحاء
أبي الإصباح أن يخفى سناه ... ضباب أو يغشى في غطاء
ومن يثني الجدالة عن ركونٍ ... ويختزل الغزالة عن ضياء
وحد الزاعبية عن نفاذٍ ... وغرب المشرفية عن مضاء
ومن سلب السماك علو سمكٍ ... ومن حجر الذكاء على ذكاء
وإن السيل مستن طريقاً ... إذا امتلأت به شعب الإضاء
وكيف تسوم دنياك استواءً ... وهذا الدهر اعصل ذو التواء
فلا ترع العذول السمع واعتض ... ثناء المعتفين عن الشراء
وعش ما مال بالورقاء غصنٌ ... وما كر الصباح على المساء
وقوله في فتى حلق صدغه:
ابا نعيم ايا فرد الجمال ومن ... له في الحسن معناه وجملته
لاتجزعن لصدغٍ قد فجعت به ... فإن عارضك الأحوى خليفته
إن كان صدغك معزولاً فلا أسف ... هذا عذارك قد جاءت ولايته
وقوله في أبي الفتح الضراب لما أستوزر:
أيا للناس من رجلٍ سمينٍ ... نسيناه فثار من الكمين
تلقب بالأمين بلا احتشامٍ ... ولم نسمع بخوانٍ أمين
وقوله زعم:
ما أن نظرت إلى محاسن وجهه ... وفتور مقلته وحسن قوامه
إلا وددت بأن تقد نواظري ... بيد الهوى شسعاً لنعل غلامه
وقوله وأنا اشك فيه:
لا يصحبن ملوكنا إلا امرؤ ... لص مغن مفلس قواد
فله لديهم زلفة ومنالة ... ولمن تحرج واستعف كساد
ما ذلك إلا أنهم أشكالهم ... والقرد يعرف قدره القراد
وله من قصيدة:
جمعت نفاذاً في العلوم وفي الوغى ... ومثلك في الهيجاء والعلم فارس

أبوعلى محمد بن حمد بن فورجة البدوجردي: لم اسمع ذكره وشعره إلا من الفقيه أبي الحسن بن أبي عبيد أيضاً إذ ذكر أنه من أهل إصبهان المقيمين بالري المتقدمين بالفضل المبرزين في النظم والنثر وعرض علي جزءاً بخطه من شعره كالروض الممطور والوشي المنشور، وانشدني. قال أنشدني:
ألم تطرب لهذا اليوم صاح ... إلى نغمٍ وأوتارٍ فصاح
كأن اليك يوسعنا نثاراً ... من الورق المكسر والصحاح
تميد كأنها علت براحٍ ... ومت شربت سوى الماء القراح
كأن غصونها شربٌ نشاوي ... يصفق كلها راحاً براح
وأنشدني له في فستق مملح:
فلو ترى نفلي وما أبدعت ... فيه بماء الملح كف الصنع
قلت حمامات على منهلٍ ... شحت مناقير تسيغ الجرع
وله فيه مملح:
أعجب إلي بفستق أعددته ... عوناً على العادية الخرطوم
مثل الزبرجد في حريرٍ أخضر ... في حق عاج في غشاء أديم
وله في الغزل:
أيها القاتلي بعينيه رفقاً ... إنما يستحق ذا من قلاكا
أكثر اللائمون فيك عتابي ... أنا واللائمون فيك فداكا
إن بي غيرةً عليك من اسمي ... أنه دائباً يقبل فاكا
وله:
أكرم اسيرك أن يكون مبادا ... وهب الفتى عبداً لديك مفادا
وأخبر مودته بقلبك أنه ... حجر الصيارف شدة وسوادا
وله في ترجمة بيت بالفارسية للمعروفي:
يظنون ما تذري جفوني أدمعاً ... بل الدم منها يستحيل فيقطر
تعيد بياضاً حمرة الدم لوعتي ... كما ابيض ماء الورد والورد أحمر
وله:
أما ترون إلى الأصداغ كيف جرى ... لها نسيم فواقت خده قدرا
كأنما مد زنجي أنامله ... يريد قبضاً على جمرٍ فما قدرا
وله:
نومي وعيشي والقرار وصحتي ... مما فقدت فليت شعري ما الردا
بالله ربك هل سمعت بشادنٍ ... ضحى بأنفس عاشقيه معيدا
وله من نتفة:
ماذا عليك غزال آل العارض ... من أن أكون فداء ذاك العارض
أبوالحسن محمد بن أحمد بن رامين: حدثني أبوالفتح الدباوندي أيده الله تعالى قال جمعني واياه بعض مجالس الأنس وفيه نفر من الفضلاء فسألوه أن يجيز قول مجنون بني عامر:
اقول لظبي مر بي وهو راتع ... أأنت أخو ليلى فقال يقال
فارتجل على النفس:
فقلت يقال المستقيل من الهوى ... إذا مسه ضر فقال يقال
فتعجب القوم من حدة ذهنه وإسراعه في تجنيس القافية. وله أرجوزة أجاب بها أبا سعد الآبي من أرجوزته الصادرة إليه من ويمة:
وافتني القصيدة الكريمه ... من كل ما يشينها سليمه
وهي لعمري درة يتيمه ... قد اسفرت عنها ظلال ويمه
وله:
سرت فؤاداً ولقرت عينا ... وفجرت من السرور عينا
وأصبحت للأخوات عينا ... حتى لقد خفنا عليها عينا
أبو محمد النظام الخزرجي: حدثني أبوالفتح الدباوندي قال أمر له الأستاذ أبوالعلاء بجايزة فاطلق نصفها فكتب إليه:
سألتك أيها الإستاذ حاجه ... ولا شططاٍ طلبت ولا لجاجه
فقمت ببعضها وتركت بعضاً ... ومن حق المقصر أن يواجه
جزاك الله عني نصف خيرٍ ... فإنك قد نهضت بنصف حاجه
أبوسعد علي بن محمد بن خلف الهمذاني: قد تقدم ذكره في اليتيمة وتكرر في التتمة ملح وغرر من بدائعه وقعت إلى باخرةٍ وليس لها منزل فمنها ما أنشدني أبو اليقظان عمار بن الحسين ايده الله تعالى قال أنشدني أبو سعد لنفسه في غلام يشكتي ضرسه ولم اسمع في معناه أحسن وأبدع منه:
عجباً لضرسك كيف تشكو علةً ... وبجنبها من ريقك الترياق
هلا كمثل سقام ناظرك الذي ... عفاك وابتليت به العشاق
أو عقربي صدغيك إذا لدغا الورى ... وحماك من حميتهما الخلاق
ومنها قوله:
ولما شربناها ودب دبيبها ... إلى موضع السرار قلت لها قفي

مخافة أن تلقي عليك شعاعاً ... فينظر جلاسي إلى ودك الخفي
وله من قصيدة في فخر الدولة يذكر فيها بدر بن حسنويه:
هو سيف دولتك الذي أغنيته ... بطويل باعك من وسيع خطاه
فغدا بطول يديك لو كلفته ... شق السحاب ببرقه لفراه
وإذا هتفت به لرأس متوجٍ ... بالروم من شابور خواست مراه
فالرخ بدر والعداة بيادق ... والأرض رقعتها وأنت الشاه
ومنها:
وتملكت رق السعود بروجه ... بسعود طالعه الذي جلاه
فالزهرة الزهراء بعض أمائه ... والمشتري مملوكه وشراه
سعدان ذاك لجده ولجده ... ابداً وتلك للهوه ولهاه
فإذا تجلى للعيون جلاله ... يوم السلام إنجاب حجب دجاه
وقفا بمنطقتي رضاه وقلدا ... كيوان والمريخ سيف سطاه
واستكتبا عنه عطارد كل ما ... ينهى ويأمر رأيه ونهاه
وله من قصيدة فريدة عجيبة في بهاء الدولة وذكر ما شجر بينه وبين الأخوة:
كتبت إلي من العراق كتابي ... عن صبوة وصبابة وتصابي
وسلامةٍ إلى من الشوق الذي ... منه تكون منية الأحباب
وخفوق قلبٍ ليس ينكر خيفةً ... أن يفطن العذال فيك لما بي
ودموع عين يرتعدن مخافةً ... أن يشعر الغيران بالتسكاب
هذا حديثي بالعراق وأنت بال ... أهواز معتكف على الأطراب
وعلى استماعات المغاني دائباً ... من عود عودة أو رباب رباب
والحمد لله الذي قسم الهوى ... قسمين بين عذوبة وعذاب
فأجبتها والدمع يمحو كل ما ... نشرته كفي من سطور كتابي
وصل الكتاب فما فضضت ختامه ... حتى شققت من السرور ثيابي
ثم اضطلعت على الكتاب فكدت من ... قلقٍ له أطفا ولا يدرى بي
وحلفت من ثمرات غصن قوامها ... بالورد والرمان والعناب
النابتات بخدها وبصدرها ... وبنانها لشفاه ذي الأوصاب
ما اعتضت منها خلةً نحلةً ابداً ولو ... خطبت إلي الشمس في الخطاب
الله في فانني ثقة الهوى ... لا تأثمي يا هذه في بابي
أأروم غيرك خلةً من بعد ما ... أفنيت فيك نضارتي وشبابي
كلا ولكني سلوت عن الهوى ... بالمجد وهو من الهوى أولى بي
فركبت هادية الدجى متلثماً ... بعزيم اروع للدجى ركاب
وجعلت ريحاني القتادة والصدى ... نغمي ورقراق السراب شرابي
حتى أنخت على السماك رواحلي ... وضربت فوق الفرقدين قبابي
في ظل مولانا بهاء الدولة ال ... ملك الأجل السيد الوهاب
ملك الملوك برغم كل منافسٍ ... أغراه فضل سنيه بالإعجاب
الفضل يكسبه الفتى بنفاسةٍ ... ونجابةٍ لا شيبةٍ ولا شباب
وكذا بنوا يعقوب يوسف خيرهم ... وأن استووا في ذروة الأنساب
وبغوا له كيداً فكان له إلى ... درك الذرى من أوكد الأسباب
وتشابه الأمرين يوذن ايها ال ... ملك الأجل بجدك الغلاب
وبأن قومك سوف يسجد كلهم ... لك سجدة الأتباع للأرباب
مستغفرين ذنوبهم بضراعةٍ ... ومعفرين وجوههم لتراب
وتقول لا تثريب عند سجودهم ... كرماً تمن به مكان عقاب
فاغفر لهم جهلاتهم وألن لهم ... كنف الرعاية منك والإيجاب
وابذل لهم كتب الأمان ليسرعوا ... متزاحمين على ورود الباب

فإن استمر على الضلال مريدهم ... لشقائه وسفاهة الألباب
فأذن للسنة الظبى فيهم بأن ... يخطبن فوق منابر الأرقاب
إن السفيه إذا أبى إصلاحه ... بالحلم لم يكن الحسام بآبي
وادخل إلى شيراز ايمن مدخلٍ ... دخلت به أسد الثرى في الغاب
ثم ارم بي بعض البلاد وخلني ... انقض فوق عقابها كعقاب
واهز منبرها بدعوتك التي ... يصل الخطيب بها إلى المحراب
لي نجدة الفتاك في الهيجا وأن ... خالفتهم في نسبة الكتاب
ولو اختبرت مواقفي لوجدتني ... في الخدمتين معاً من الإنجاب
ووجدت في درعي وفي دراعتي ... أو في فتىً بكتيبةٍ وكتاب
لا ابن العميد ولا ابن عبادٍ ولا ... عبد الحميد يعد من إضرابي
أنا فوقهم بعلو جدك كلهم ... بشهادة الأدباء والآداب
وإذا كتبت كتاب فتحك فارساً ... ارضاك حسن بلاغتي وخطابي
وقد ابتدأت أعد آلات الوغى ... من مرهفات اسنة وحراب
وسوابقٍ من نسل عوج ضمرٍ ... صم الفصوص لواحق الأقراب
وأنشدني أبو جعفر محمد بن أبي علي الطبري قال أنشدني أبو فرج حمد بن أبي سعد بن خلف الهمذاني لنفسه:
لئن كنت في نظم القريض مبرزاً ... وليست جدودي يعرب وإياد
فقد تسجع الورقاء وهي حمامة ... وقد تنطق الأوتار وهي جماد
أبو غانم معروف بن محمد القصري: كان من رؤوس الرؤساء وكرام البلغاء والغالين في محبة الأدب واقتناء الكتب وجمعتني وإياه في اجتيازه بنيسابور صحبة يسيرة المدة كثيرة الفائدة وقد كان سمع بي ولم يرني فاستنسخ كتباً لي وأنشدني ابياتاً لنفسه علق بحفظي منها قوله:
إذا لبس التفاح خلعة طله ... وقابل فيها البدر أصبح محمراً
فما بال خدي في سقيط دموعه ... إذا هو لا قى وجهك البدر مصفراً
وقوله في الشيب:
إن للشيب حساماً ... حاسماً طيب الرقاد
سل في فودي ما اغ ... مد منه في فؤادي
وقوله في الفرس:
حكى فرسي الليل في لونه ... ولازمه البدر عند اضطرار
فكان له غرةً في التمام ... ونعلاً لحافره في السرار
وقوله في الهلال:
أقبل الليل والظلا ... م عن الأفق منجلي
فرأيت الهلال في ... ه كتعفيفٍ منجل
وقوله :
إذا ما تبنيت ضعف العدو ... فثاوره تجربه عند الثبات
وسالمه إن عصفت ريحه ... كما سالم الريح نجم النبات
وقوله في الغزل:
ارى شفتيك من مسكٍ وخمرٍ ... وطعمهما إذا ما ذيق مر
فإن يمرر كلامك ليس بدعاً ... فإن ممره مسك وخمر
وقوله في الأمير أبي أحمد محمد وبكائه على ابيه:
لا غرو أن تأسى على ملكٍ مضى ... اذرت مدامعها عليه عيون
ولئن بكيت وأنت طود للنهى ... فلقد تسيل من الجبال عيون
أبو القاسم إبراهيم بن عبد الله الكاتب الطائي:من أفراد الكتاب وفضلاء الزمان نقل من الري إلى الحضرة بغزنة حرسها الله تعالى واستخدم في ديوان الرسائل بها ثم ضم إلى الشيخ العميد أبي الطيب طاهر بن عبد الله ليكتب في ديوانه بالري فهو أعلم بشمس ارضه وهو القائل له بهراة من قصيدة:
البرد يا فرد العلى آت ... يجر ذيل الظالم العاتي
والعبد لم يأخذ له أهبةً ... يأخذها المشتو والشاتي
والحال قد رقعت فلا مرفق ... يجبرها أو راتب آتي
وأنت لي عون على كل ما ... تجمع في السرعة أشتاتي
وله من قصيدة:
واشرب معتقةً كأن وميضها ... نار على قلل الجبال تسعر
يسقيكها رشأ أغن جفونه ... قبل الكؤوس المسكر أنك تسكر
أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الكاتب: يقول من قصيدة اولها:

صبا قلبي وحن إلى سعاد ... ودون لقائها خرط القتاد
أمردود لنا ماضي زمانٍ ... ومن لي بالزمان المستعاد
ليالي رصعت تيجان عيشي ... بدر اللهو في سلك المراد
تهب صبا صباي علي رهواً ... وتلفح شرتي وجه الرشاد
ومنها:
سأمتلك المعالي بالعوالي ... وأشحذ غرب عزمي واجتهادي
فقد مل اعتزامي من مقامي ... وعاف جمامه الموذي جوادي
وكم من ليلةٍ طحياء عادت ... على السارين واضحة الهوادي
وهل خاب امرؤ أسرى ورجى ... أبا منصورٍ الواري الزناد
ثمال عشيرةٍ وغنى عفاةٍ ... وحامل مغرمٍ وهلال ناد
له شيم لو اكتست الليالي ... محاسنها لما دجت الدء آدي
أبو النجم مسافر بن محمد القزويني: يقول
لا يغرنكم علو لئيمٍ ... فعلو لا يستحق سفال
وارتفاع القرين فيه فضوح ... وعلة المصلوب فيه كمال
ويقول:
أيدك الله لا تهني ... حقق رجائي وحسن ظني
لو حجراً كنت أو حديداً ... اذابني الهجر والتجني
ويقول:
تصافحت الأكف وكان أشهى ... إلينا لو تصافحت الخدود
تسر إذا التقت كف وكف ... فكيف إذا التقى جيد وجيد
أبو الفتح محمد بن أحمد الدباوندي: ريحانة الرؤساء وشمامة الوزراء يستوطن الري ويرجع إلى فضل كثير وأدب غزير وحفظ عجيب وبلاغة بالغة ولسان كأنما أغناه إبراهيم بن سياه الصبهاني بقوله في أبي مسلم بن بحر:
لسان محمد أمضى غراراً ... وأذرب من شبا السيف الحسام
إذا ارتجل الخطاب بدا خليج ... بفيه يمده بحر الكلام
كلام بل مدام بل نظام ... من الياقوت بل قطر الغمام
وورد نيسابور في صحبة الراية العالية أدام الله علوها فنشربها طرز فضله وملاها من فوائده واعرب عن محاسنه ودرت عليه المشاهرة السلطانية والمبار السنية، ثم جذبه الشيخ العميد أبو الطيب طاهر بن عبد الله إلى الري ورده في صحبته إلى مستوطنه، فمما أنشدني لنفسه قوله في الغزل:
كلفت من أهوى تجشم قبلةٍ ... ظرفاً فأولى غاية الايجاب
ولثمت عارضه فكان كخلقه ... عطراً يذيع سرائر الأحباب
وله من رئيسٍ ممتحن:
بأي يد أصول على الليالي ... وقد خانت أناملها الذراع
بودي لو تبيت على جفوني ... ولكن عز ما لا يستطاع
وله في الاستزارة:
أيا ملك الدنيا كسوت عراصها ... مكارم في وجه الزمان تنقش
وظلت كأني في الأنام خطيطة ... سقت جاريتها ديمة وهي تعطش
وله في قوال يكنى أبا الخطاب يهجوه:
ابا الخطاب يا قمر الزمان ... به برص يشاهد بالعيان
وآباط يفوح لها صنان ... وايزار العمى شم الضنان
وداخل ثوبه جرب عتيق ... توارثه على قدم الزمان
فذا يعمي وذا يعدي فأنى ... تنادم من يكون بذا المكان
وفيه ابنة قدمت وشاعت ... مع الشوم المزنر في قران
وما درا ألم بها فأبقى ... سوء الطلال فيها والمغاني
فأشأم حين يضحى من قدارٍ ... وأطفل حين يمسي من بنان
واثقل من قضاء السوء وجهاً ... وأوسخ من قدور الباقلاني
وإن ابصرته يوماً يغني ... فإن الفقر في تلك الأغاني
وإن أخذ القضيب يروم صوتاً ... بكى منه قضيب الخيرزان
إذا غنى ووقع مستطيلاً ... علاه قبل اصوات الأغاني
دوار الرأس حشرجة التراقي ... سعال الحلق تفقيع البنان
فابعده فإنك سوف تلقى ... ندماً ليس فيه ذي المعاني

الإستاذ أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو: هو من ضربه في الآداب والعلوم بالسهام الفائزة وملكه رق البراعة في البلاغة، فرد الدهر في الشعر وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد ونظم القلائد والفرائد مع تهذيب الألفاظ البليغة وتقريب الأغراض البعيدة وتذكير الذين يسمعون ويروون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. وكنت ضمنت اليتيمة نبذاً يسيراً من شعره لم أظفر بغيره وهذا مكان ما وقع إلي بعد ذلك من وسائط عقوده وفوارد ابياته بل معجزاته فمنها قوله في الغزل وما يجري مجراه:
تعانقنا لتوديعٍ عشاءً ... وقد شرقت بأدمعها الحداق
فما زال العناق يضيق حتى ... توهمنا عناق أم خناق
وقوله:
وحسبك ما أخرت كتبي عنكم ... لقالة واشٍ أم ملام محرش
ولكن دمعي أن كتبت مشوش ... كتابي وما نفع الكتاب المشوش
وقوله:
أصبح من ودي على حرف ... من لم أخنه قط من خرف
أسقمني طرفك من سقمه ... وصحتي من سقم الطرف
منك صلاحي وفسادي معاً ... والنفح مذكي النار والمطفي
صورت من لطف فلم أرى ... منك سوى الجفوة والقنف
وقوله:
عارض ورد الغصون وجنته ... فاتفقا في الجمال واختلفا
يزداد بالقطف ورد وجنته ... وينقص الورد كلما قطفا
وقوله:
ايا بدراً بلا كلفٍ ... به دون الورى كلفي
بما في الطرف من كحلٍ ... وما في الخصر من هيف
أبن لي در ثغرك ما ... بهاء الدر في الصدف
وقوله:
ألا ليت شعري اشكر بعض ما ... تطوقت من منّ الحمام المطوق
فدت مهجتي ايكاً عليه سقوطه ... وفرخاً بدا من بيضه المتفلق
لساعد نوحي نوحه حين ملني ... خليلي وخلى صحبتي كل مشفق
كلانا سواء في البكا غير أنني ... بكيت لأشواقي ولم يتشوق
وقوله:
ليت أن الليل دامت ظلمه ... فلقد جلت لدينا نعمه
مثلت صدغيك لي ظلمته ... وارت خديك عيني أنجمه
وقوله:
لم يستجيب لحياتي بعدكم فرح ... ولم يلق ببناني بعدكم قدح
شوقي إليكم أعاد الله عهدكم ... شوق له في ميادين الهوى مرح
يخفى مراراً ويبديه تلفته ... والنار تكمن حيناً ثم تنقدح
وقوله:
ظبي إذا قتل النفوس بصارمٍ ... من طرفه رضيت بقبلته ديه
وإذا دعوت عليه عند تعتبي ... فأشد ما أدعو به أن أفديه
وقوله:
ليس بي من اذى الفراق اكتياب ... قد كفتني عيني جميع اكتيابي
كلما شئت أسبلت دم قلبي ... فأرى فيه صورة الحباب
وقوله:
قالوا اشتغل عنهم يوماً بغيرهم ... وخادع النفس إن النفس تنخدع
قد صيغ قلبي عن مقدار حبهم ... فما لحبٍ سواهم فيه متسع
وقوله:
خلعت عذاري في شادنٍ ... عيون الأنام به تعقد
إذا وجهه كعبةً للجمال ... ولي قلبه الحجر السود
وقوله:
قولا لهذا القمر البادي ... مالك اصلاحي وافسادي
زود فؤاداً راحلاً قبلةً ... لا بد للراحل من زاد
وقوله:
أحلك حتى صرت اغسل ناظري ... من النوم خوفاً أن يراك خياليا
ولو قدرت نفسي لضني بسركم ... إذا حجبت سر الهوى عن فؤاديا
وقوله:
يطلب الغائص في بحره الل ... ؤلؤ والعاشق في حجره
فإن يكن عبدك ذا فاقةٍ ... أغناه دمع العين عن دره
وقوله:
وجريحٍ وجهه قل ... بي بحبيه جريح
أنا أفدي من محيا ... ه على الجرح مليح
ومنها قوله في الحظ والعذار:
أيها الكاتب الذي خير الخل ... ق بخطين من مسكٍ ونقس
فجلا المسك في صحيفة عاجٍ ... وجلا النقس في صحيفة طرس
ليت جسمي النحيف من بعض ... اقلامك أضحى وليت نفسك نفسي

فلعلي يوماً أمس بناناً ... منك يا سيدٍ فيذهب مسي
وقوله:
ارخي لعارضه العذار فما ... ابقي على ورعي ولا نسكي
فكأن نملاً قد دببن به ... غمست أكارعهن في مسك
وقوله:
قالوا صحا قلب المحب وما صحا ... ومحا العذار سنا الحبيب وما محا
ما ضره شعر العذار وإنما ... وافى بسلسل حسنه أن يبرحا
وقوله في ذم العذار:
كفى فؤادي عذاره حرقه ... وكف عيناً بدمعها غرقه
ما خط حرف من العذار به ... إلا محا من جماله ورقه
وقوله:
يا من محياه كأسمه حسن ... إن نمت عني فليس لي وسن
قد كنت قبل العذار في محنٍ ... حتى تبدى فزادت المحن
يا شعراتٍ جميعها فتن ... تتيه في وصف كنهها الفتن
ما عيروا من عذاره سفهاً ... قد كان غصناً فأورق الغصن
وقوله لبعض الرؤساء وقد انصبت الخمر على كمه في مجلس الشراب:
انصبت الخمر على كمه ... تلثم منه كمه خدمه
ولو لم ترد خدمته بالتي ... قد فعلت ما خصصت كمه
وكتب على عودٍ:
رأيت العود مشتقاً ... من العود باتقان
فهذا طيب آنافٍ ... وهذا طيب آذان
وكتب على طنبورٍ:
ودوحة أنسٍ أصبحت ثمراتها ... أغاريد تجنيها ندامى وجلاس
تغنى عليها الطير وهي رطيبة ... فلما عست غنى على عودها الناس
وقال في ذم الخمر:
قد كفاني من المدام شميم ... صالحتني النهى وثاب العزيم
هي جهد العقول سمي راحاً ... مثل ما قيل للديغ السليم
إن تكن جنة النعيم ففيها ... من أذى الجهل والخمار جحيم
ومنها قوله في الهجا:
لنا ملك ما فيه للملك آلة ... سوى أنه يوم السلام متوج
اقيم لاصلاح الورى وهو فاسد ... وكيف استواء الظل والعود أعوج
وقوله:
قل لابن عبدان الدني الدون ... وزرت من دوني وقدرك دوني
ألحظك الملعون أم لكلامك ال ... ملحون أم لعجانك المطعون
وقوله لمجد الدولة وكان اتخذ له ابن فضلان دعوة عظيمة:
ومن مبلغ عنى الأمير بن بويه ... ومن عجب الدنيا أمير ولا أمر
أسرك من فضلان أصلاح دعوة ... بأموالك اللاتي تخونها الغدر
كمهورة من حمقها بعض حليها ... تسر بأن نيكت ومن كيسها المهر
وقوله:
لم ييأس الكلب من ملكٍ وسلطان ... وقد علوت إلى دست وديوان
لا عار باستك أن أزري بها قلح ... من يابس السلخ فاستاكت بجردان
وقوله:
عجبت لقولنج هذا الوزي ... ر أني ومن اين قد جاءه
وفي كل يوم له حقنة ... تنظب بالزب أمعاءه
وقوله في اقرعٍ:
أكفنا زحمة الذباب بابعا ... د قذالٍ تنتابه الذبان
هبك أوتيت تاج ملكٍ فإني ... لك رأس للتاج فيه مكان
ليس ما حزته من المال بدعاً ... هالك قد خازت السلاف دنان
وقوله في الصلاح:
كيف أرجو السماح أو ابتغيه ... في زمانٍ عم البغاء بنيه
يولد التوأمان فيه وكل ... منهما ممسك باير أخيه
فنون مختلفة الترتيب من بدايع شعره:قال في معنى نظم سبق إليه نثرا:
ليت العناق وشرب الراح قد عقدا ... بالنجم أو خزنا في ذروة الفلك
فلم يعانق مليحاً غير ذي كرمٍ ... ولم يحب إلى كأسٍ سوى ملك
شيئان نغص أهل الفضل طيبهما ... تشارك الناس لا طيب لمشترك
وقال في مدح الجرب وملح وظرف:
يهيج مسرتي جرب بكفي ... إذا ما عد في الكرب العظام
تجنبني اللئام لذاك حتى ... كفيت به مصافحة اللئام
وقال يهجو:
لو مات لم يأكل الطعام إذا ... ما كان ذاك الطعام من كيسه
إن لم نشاهد دخان مطبخه ... فقد شهدنا دخان تعبيسه

وقال في أحمد القطان القوال الرازي:
إذا أحمد القطان غنى توقفت ... له الطير في جو السماء تصيخ
وكاد حياءً كل لحنٍ ونغمةٍ ... وعودٍ وناي في التراب يسيخ
لقرط سمعي من جلاجل صوته ... فشب سروري والهموم تشيخ
وقال في مراجعته الشعر بعد تركه إياه:
وكنت تركت الشعر آنف من خنى ... وأكبر عن مدح وأزهد في غزل
فما زال بي حبيك حتى تطلعت ... خواطر شعر كان طالعه أفل
تزل القوافي عن لساني كأنه ... يفاع يزل السيل عنه على عجل
فاصبح شعر الأعشيين من العشى ... لديه وشعر الأخطلين من الخطل
وقال في الخط:
الآن قد صحت لدي شهادة ... أن ليس مثل جماله بمصور
خط يكتبه حوالي خده ... قلم الاله بنقس مسكٍ أذقر
وقال في الآذريون:
رب روضٍ خلت آذريونه لما توقد ... ذهباً اشعل مسكاً في كوانين زبرجد
وقال في وصف الباذنجان مذموماً:
يا ذا الذي يعتد با ... ذنجانة في المطعم
أنهاك عن صور المحا ... جم قد ملين من الدم
وقال فيه ايضاً:
يا ذا الذي يلقى بباذنجانة خير المآكل ... أنهاك عن صور المحاجم ألبست لون الدمامل
وقال في طين الأكل:
دع الطين معتقداً مذهبي ... فقد صح فيه حديث النبي
من الطين ربي براً آدماً ... فآكله آكل الأب
وقال في الرزق:
جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزقٍ ... ويرزق في غشاوته الجنين
وقال في عز الكمال:
وإذا رأيت الفضل فاز به الفتى ... فأعلم بأن هناك نقصاً خافيا
فالله أكمل قدرةً من أن ترى ... لكماله ممن براه ثانيا
وقال في الشكوى:
ضعف بأرض الري في أهلها ... ضياع حرف الراء في اللثغة
صرت بها بعد بلوغ الغنا ... يعجبني أن ابلغ البلغه
وقال في الحث على الحركة والسعي:
خليلي ليس الرأي ما تريان ... فشانكما أني ذهبت لشاني
خليلي لولا أن في السعي نفعةً ... لما كان يوماً يدأب القمران
وقال في مثله:
صح بخيل العلى إلى الغايات ... ما غناء الأسود في الغابات
لا يرى الردى لزوم بيوت ... لا ولا يقتضيه جوب فلاة
مولد الدر حمأة فإذا سا ... فر حلى التيجان واللبات
أف للدهر ما يني يتعس الفا ... ضل في بدئه وفي العقبات
يسكن المسك سرة الظبي بدأ ... ثم يصليه وقده الجمرات
وقال في ذم البخيل:
يسر بخزن المال قوم ولم أكن ... لدى الخزن إلا مثل تصحيفه حزنا
وقال في النهي عن اتخاذ العيال والأمر بالوحدة:
ما للمعيل والمعالي إنما ... يسعى اليهن الوحيد الفارد
فالشمس تجتاب السماء وحيدة ... وأبو بنات النعش فيها راكد
وقال في الصبر:
تصبر إذا الهم اسرى إليك ... فلا الهم يبقى ولا صاحبه

وله رسالة هزلية مترجمة بالوساطة بين زناة واللاطة لا يتسع الكتاب إلا لهذا الفضل منها:قالوا قد علمت أن اصحابنا بلغ من جلالة قدرهم وفخامة أمرهم إن لم يقتصروا على الجسمانيين حتى سمت بهم هممهم إلى الروحانيين فارادوا الملائكة بالوصمة لولا أن الله خصهم بالعصمة ثم بلغ من تناهي هذا الفعل من الطيب وأخذه بمجامع القلوب أن لوطاً استتر لهم بكرائمه عنه فلم يقلعوا وابدلهم عقائله منهم فلم يقنعوا فما ظنك بهمةٍ تسمو إلى ملائكة السماء ولذةٍ تؤثر على مصاهرة الأنبياء ولا سبيل إلى أن ينكر فضل الذكور على الإناث وقد فضلهم الله في الميراث وشتان ما بين الغلام الذي يصحبك في سفرك كما يصحبك في حضرك كما يصحبك في حضرك فإذا ركبت زان موكبك وإذا مشيت صك منكبك وإذا احتفلت خدمك وإذا خلوت نادمك ثم هو فوق الجواد أسد لا بد ولا تحت اللحاف رشأ فارد وبين المرأة التي تشيب أنفاسها العنافق وتكاليفها المفارق وتعدم المفارق وتنقض الجسم وتنقص العمر وتكثر النسل وتقل الوفر بلى ما شئت من فادح ثقل الصداق وهم الإمساك والطلاق ونفقه الأعراس والأخراس وشفقة الوحم والنفاس.
الشيخ أبو المحاسن سعد بن محمد بن منصور: رئيس جرجان أيده الله تعالى: أجمع أهل زماننا أجمع على أنه أجمع الرؤسا لما يكنى به وأجمعهم بين العلوم والآداب وشرفي الإنتساب والإكتساب وأنه عالم في ثوب عالم وبحر في شخص حبر وماله نظير وغصن شبابه نضير وكانت النائبة رحب بي إلى جرجان في سنة ثلاث واربعمائة فأنزلني ابوه الرئيس أبو سعد محمد بن منصور رضي الله تعالى عنه وارضاه وجعل الجنة مأواه منزله وأخدمني خدمة وأوسعني فضله وكرمه وكانت حالي عنده ومعه حال من قال:
نزلت على آل المهلب شاتياً ... غريباً من الأوطان في زمنٍ محل
فما زال بي اكرامهم واقتفاؤهم ... وألطافهم حتى حسبتهم أهلي
وأبو المحاسن إذ ذاك صبي لم يبلغ الحلم وقد آتاه الله في إقبال العمر جوامع الفضل وسوغه في ريعان الصبا محامد العلى فكنا نجتمع في جماعة من الفضلاء والأدباء والشعراء في كل يوم وليلة على المدارسة والمذاكرة والمناشدة فيبذنا أبو المحاسن بحسن محاضرته ومبادهته ويعجبنا من بلاغته وبراعته على حدوث ميلاده وقرب اسناده وكتب لي جزءأً من شعره بخطه هو حتى الآن عندي وأتممت كتاب اليتيمة بحضرته فافتض عذرته وتحفظ أكثره ولم يفرق بيننا إلا أن جاءني داعي الأمير أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزمشاه تغمده الله بغفرانه ومهد له أعلى جنانه فنهضت من جرجان إلى الجرجانية وضرب الدهر ضرباته ودارت الأدوار ومرت الأعوام وتنقلت الأحوال وكتبت للرئيس أبي سعدٍ سعادة المحتضر وأمضى به الأمر إلى الأجل المنتظر وقال الشيخ أبو المحاسن ايده الله تعالى مقامه في الرياسة واربى عليه في السياسة والسفارة القبول التام عند الخاص والعام وبلغ من البلاغة والتقدم نحو سيبويه وفي الفقه والشعر تثنى به الخناصر وتثنى عليه الشابات وطلع في سنة اربع وعشرين على نيسابور رسولاً إلى حضرة السلطان الأعظم أدام الله تعالى ملكه ومؤدياً وديعة الكيا الأجل أبي كاليجار أدام الله عزه فملأ العيون جمالاً والقلوب كمالاً واوسع أهلها فضلاً وافضالاً واقر عيني منه بلقاء شخص المجد وتجديد العهد القديم بأوحد الدهر ولم يتفق لي تعليق شعره الجديد لعارض من المرض الم بي حتى فاتني ما مددت عيني إليه من عقود دره وعقد سحره مع انقلابه إلى مركز عزه وعلى كل نجحٍ رقيب من الآفات وأنا اقتصر هاهنا على كتبة نبذٍ من بنات خاطره القديمة إلى أن الحق بها وسائط من قلائده الحديثة، وهذه نسخة فصلٍ من نثره بدأت به ولم اقرأ ابرع وابدع منه في فنه: كنت خاطبت الشيخ بخطاب دللت فيه على علوي في دين وده وضربي سكة الإخلاص باسمه وتلاوتي سور معاليه التي تكد لطولها لسان راويها وايماني بشريعة مكارمه التي بعث والحمد لله نبياً فيها فدعا إليها دعوة استجابت لها الكرماء وحجبت كعبة فضله الآمال الأنضاء وخلد ذكره في صحف المكرمات تخليداً واعتقد الخلود من سودده علماً لا تقليداً وقضى حكام المجد بأنه الذي تلقى رايات المجد باليمين وتوخى نظم شاردها بعرق الجبين. وهذه نسخة رسالة إلى بعض خواص الشيخ شمس الكفاة رحمه الله:

اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هجرت ذميم
سقياً لظلك بالعشي وبالضحى ... ولبرد مائك والمياه حميم
ما أحسبني مذ فارقت الشيخ أدام الله عزه خلوت ساعةً من تمثل شخصه والتلفت بأخادع الذكر نحو كريم عهده واستسقاء صوب الربيع المربع لأنيس ربعه والثناء على الدهر الذي وصل حبلي بحبله والف شملي بمجموع شمله:
وإن لم يكن إلا معرج ساعة ... قليلاً فإني نافع لي قليلها
وليت شعري هل يجول ذكري في ميدان فكره أم طواه طي الرداء فليس تهتز لنشره وأقبل على بث الأوطار الفساح بين مناجاة الأوتار الفصاح ومناغاة الوجوه الصباح وارتشاف ثنايا الكؤوس إذا تجتلها ايدي السقاة جلوة العروس وصلة عرى الصبح بعرى الغبوق والجري في ميدان اللهو جري السابق لا المسبوق واستغفر الله مما طاش به سن القلم وأعوذ به أن يسخط لهذه الكلم وإليه أرغب في امتاعي بخلته التي هي من جلائل النعم ولا يسرني بها وحق المجد حمر النعم وهذه المخاطبة واصلة في صحبة فلان وهو من اقارب فلان تجاوز الله عن الماضي وأدام الله عز الباقي ولا خفا بهذا النسب الذي نظم من الكرم عقوداً وكان عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً وما أشك في استغنائه عن هذا الذكر فقد عرف أحوالهم أيام اجتيازه بالري وكان هذا الشيخ نائباً عن أميرها ومنوطاً به جميع أمورها حتى انحى عليه صرف الدهر واضطره إلى مفارقة المستقر وقصد حضرة تمنع به جانبه فلا يرام ويدرع ثوب العز فلا يضام وهذه صفة حضرة الصاحب الأجل فإنها الحضرة تخدمها الأيام كما تخدمها السيوف والأقلام وارجو أن يحظى بهذا القصد ويسعد بساحة المجد فالبحر يعم بفيضه الخلق والربيع يمنح من شام برقه الودق وهذه غرر من شعره في صباه نقلتها من خطه فمنها قوله من قصيدة في مدح أبيه رحمه الله:
قدح النوى زند الغرام ... ومرى دموع المستهام
وبنفسي الظبي الذي ... عاطيته كأس المدام
ففروعه ليل التمام ... ووجهه بدر التمام
طاوى الحشا عب اللمى ... عبل الشوى عنج القوام
لم أدر قبل لحاظه ... أن اللحاظ من السهام
لاحظته فحملت من ... أجفانه بعض السقام
وفديت محجره وأن ... خلع الفتور على عظامي
أعدي تضرج خده ... قلبي فاضحى وهو دام
فكأن في قلبي الذي ... في وجنتيه من الضرام
سقياً بعش باللوى ... عذب الجنى صافي الجمام
أيام اسحب في التصابي ... فصل اذيال العرام
والعيش عذب الورد رط ... ب العود غض الغصن نامي
والأنس تهمي مزنه ... كندى محمد الهمام
ذاك الذي اضحى وغي ... م نداه سح القطر هام
لله همته التي ... غضت من الهمم العظام
كم موقف نشر العوالي ... فيه عقد طلى وهام
وتبسمت فيه الظبى ... عن ناجذ الموت الزؤام
وأهلة الاسياف تهتك ... ستر ظلماء القتام
مزقته بحسام رأي ... شيم من غمد اعتزام
فالمال عندك في انتثا ... ر والمعالي في انتظام
ما كان غيمك بالجهام ... ولا حسامك بالكهام
فاسعد بنيروز ينب ... ه جفن أنوار نيام
نشر الرذاذ على الثرى ... دراً يشذ على النظام
وتفتح الأنوار إذ رش ... ف الثرى ريق الغمام
وتعصب بعصائب ال ... أنوار هامات الأكام
وجلى الربيع ضحىً عرو ... س الورد من كلل الكمام
وكأنما سرق الصبا ريا ... شمائلك الكرام
يا من تدفق جوده ... كتدفق الغيم الركام
لا زلت في ظل المعالي ... بالغاً أقصى المرام
واسحب ذيول العز سجي ... ذيكل أنعمك الجسام
وقوله من أخرى:

قفوا لنمري در الدمع في الدور ... فالدمع يشفي انسكاباً قلب مهجور
فإن عفا الربع أو اقوى بينهم ... فربعهم في فؤادي جد معمور
ومنها:
فلو ترى القلم المذروب في يده ... يمضي مضاء صقيل المتن مأثور
عجبت من صارمٍ ماضي الفرند غداً ... في كف ماضٍ جديد الحد مشهور
ومنها:
أسعد فقد جاءك النيروز وانتبهت ... من بعد ما رقدت عين الأزاهير
تبكي السماء مساء فعل ذي شجن ... يضحك الدهر صبحاً فعل مسرور
والليل يبدي نجوماً مثل ما انتثرت ... لآلي فوق صرح من قوارير
والبرق يصبغ خد الغيم حين سرى ... صبغ الحياء خدود النفر النور
والروض بجلوه قرن الشمس ضاحيةً ... في مطرف بيد الأنوار منشور
تشققت فيه أجفان الشقيق ضحى ... كأنها إذ بدت أجفان مخمور
ولاح فيه الأقاحي كالدراهم إذ ... ألاح حوذانه مثل الدنانير
والنرجس الرطب أضحى في حدائقه ... يرنو إلينا بعين الخرد الحور
كأنه إذ جلاه طله سحراً ... صهباء ممزوجة في كأسٍ بلور
والجو يسرق أنفاس النسيم إذا ... جرى على صفحات الورد والخير
كأن ري الرياض الزاهرات حكت ... ريا خلائقك الفز المشاهير
فاسلم فإنك ليث في الوغى وحياً ... عند المحول وبدر في الدياجير
وإذا كان شعره هكذا في عنفوان الصبا فما الظن به عند قضاء باكورة الشباب وبلوغ حد الإكتهال سقى الله ربعه وعهده وابعد عنا بعده أبو المظفر بن القاضي أبي بشر الفضل بن محمد الجرجاني أيده الله ورحم اباه: جامع بين شرف النفس والوالد وطريف المجد والتالد وبين الأدب والفقه والنحو والشعر ترامت به الحوادث إلى نيسابور، فأنشدني لنفسه:
كأن العين مني يوم بانوا ... سماء فيض أدمعها نجوم
إذا ما هم جفن باستراق ... لغمض صده عنه وجوم
وأنشدني أيضاً لنفسه:
كرام الناس بين ظلام عسر ... وعند لئامهم ضوء يسار
كإيمان إليها عقد عشر ... ومجموع المائين إلى اليسار
وأنشدني أيضاً لنفسه:
إني إليك لمشتاق وبي ظمأ ... إلى لقاءك والرحمن يشهد لي
ولو قدرت لكتب الخط تقرؤه ... لكن عجزي عنه ليس من قبلي
وأنشدني أيضاً لنفسه:
قوم إذ غسلوا ثياب جمالهم ... لبسوا البيوت إلى ثياب الغاسل
صاعد بن محمد الجرجاني: أنشدني أبو الفتح الدباوندي له في المخزومي الذي مر ذكره:
وجدت مخزوميكم هذا ... يا شعراء الناس استاذا
قد صار بالري لكم شاعراً ... وكان بالبصرة نباذا
وجدت بنداراً على ظهره ... يلقمه أقرع نفاذا
لما رأيت الشيخ مستدخلاً ... قلت له من عجبي ماذا
فقال لي لا تعجبن يا فتى ... فإنما الناس على هذا
وكتب إلى العباس الضبي:
ولو أنني حسب اشتياقي ومنيتي ... منحتك شيئاً لم يكن غير ملقتي
ولكنني أهدي على قدر طاقتي ... وأحمل ديواناً بخط ابن مقلة
وله:
مغضبة المرء بلا مملكه ... منخلةً للجسم أو مهلكة
أبو بكر عبد القاهر بن محمد بن الحسن: كتب إلى أبي الفرج بن حسنيل جواباً عن شعر له:
أجاب ودي وطبع الشعر لم تجب ... إذ كان ما قلته في غاية العجب
يشتم منه نسيم المسك قارئه ... ويجتلي كوكب العلياء والحسب
ابدي الأنام من الأشعار رغوتها ... وأنت اخرجت منها زبدة الحقب
أبو الحسن عالي بن جبلة الغساني: يقول في أبي الفتح اخي الوزير أبي غالب محمد بن علي بن خلف من قصيدة:
وسرنا نتبع الركب ونقفو أسر السرح
إلى أن أسفر الصبح لنا عن أحسن اللمح
وابدت طلعة الشمس لنا وجه أبي الفتح

أبو علي الحسن بن محمد الدامغاني : من دهاقين قومس وافراد أدبائها وشعراءها ومن افضل فضائلها يرجع إلى كفاية ومروة صالحة، ويقول:
إذا عشق الفتى يوماً عروباً ... ولم يتعدها منه الوداد
فلي في كل غانية مراد ... ولي في كل زاوية فؤاد
وما فكت فؤادً بعد سعدي ... رأته رهن مقلتها سعاد
وليس الغدر من شيمي ولكن ... بهيج كراهتي الشيء المعاد
ومن لم يسبه حدق الغواني ... فما هو في الورى إلا جماد
ويقول:
العقل والحرف مقرونان في قرنٍ ... والجهل والحظ منظومان في رسن
الفضل علم ولا قعبان في لبن ... حلو المذاق ولا بردان من عدن
ويقول:
قالوا مدحت إناساً لا خلاق لهم ... مدحاً يناسب أنواع الأزاهير
فقلت لا تعذروني إنني رجل ... أقلد الدر أعناق الخنازير
ويقول:
ايا حليت الدنيا ويا زينت الورى ... ومن أنا بالفضل الذي فيه افخر
تسيء وأني شاكر لك حامد ... ومن قائل لليث أنك ابخر
ويقول في قصيدة أولها:
صحا عن هواه واستراح عواذله ... محب شفاه الغانيات مناهله
ومنها في مدح شمس الكفاة:
وما الفقر من اكناف قومس قاده ... إليك ولكن فضل عز يحاوله
ولولاك ما صرت لديك نعاله ... ولولاك ما أطت إليك محامله
ولا غادر الكشف الكحيل جفونه ... بلا اثمدٍ جادت بذاك مكاحله
ومنها:
ولم يبق في هذا الزمان الذي أرى ... من الشعر إلا منطق قل طائله
فعارض وزير الشرق شعري بغيره ... يبن لك نهاق الحمير وصاهله
ويقول في مرثية السلطان الماضي أبي القسم محمود أنار الله برهانه:
مضى الافعوان الصل والأسد الورد ... وتاج ملوك الأرض والفارس النجد
فقل لحوا في الخيل لا تشتكي الوجى ... فما خلتها من بعده طلقاً تعدو
وقل لملوك الأرض قد نامت القطا ... ووحش الفلا والليل أليل مسود
ولا ترهبوا منه بياتاً على العدى ... بمردٍ على جردٍ يضمهم جند
ولم أدر أن الشمس يسترها ثرىً ... ولا الفلك الأعلى يغيبه لحد
ويقول في الشيب:
أنور الاقحوان أسأت جداً ... بلا عمدٍ إلى زهر الخزام
فصار الرأس حزا فرط ليسٍ ... وعاد ألمخ داراً في السلام
ويقول ايضاً:
يا بياضاً في مقلتي سواد ... هل لعهد الصبا إلي معاد
يا خزامي العذار بدلت بعدي ... أقحواناً يند منك الفؤاد
لم أعظم قدر الشباب إلى أن ... أنكرتني من المشيب معاد
ودعتني عماً وهذا لعمري ... لقب للمحب لا يستجاد
يا زمان الشباب زرني فإني ... مذ تقضيت لم يزرني الرقاد
ويقول:
سقى الله أجداث ماضي الملوك ... رعاة الرعايا غياث الأمم
وبعداً لأملاكنا أنهم ... ذئاب عواسل حتف الغنم
ويقول:
اين خط ابن مقلة عن جمال الخ ... ط في صحن خده المعشوق
ذاك صنع الاله فرداً من الخل ... ق وهاذاك صنعة المخلوق
ويقول:
ألا يا لقوم للخلال الخسائس ... ورفعة ارجاسٍ برغم المعاطس
قفوا فانظروا إذ ضمت الشمل ندوةً ... لحادثة من في صدور المجالس
تروا من شيوخ السوء فيها عصابةً ... ابالس اضحوا في خلال الطيالس
صعاليك أموال اليتامى ذئابها ... قراطبة البيداء حتف الفوارس
وهم شهداء الزور من قلة التقى ... لحوز منالات إليهم خسايس
يعدون ما دون البتيكات وضحا ... رشىً لهم من ترهات البسابس
بها حللوا عين الحرام وحرموا ال ... حلال اتساعاً في فنون المقايس
كما غصبوا الأملاك معشوقة الورى ... وما سجلوا أيضاً بها في الحبايس

فيا وحشتي منهم إذا اكتحلت بهم ... جفوني وأنسى بالوحوش الكوانس
مضى الرؤساء الأولون واصبحت ... عراص المعالي كالطلول الدوارس
ويقول:
خوان ربعه أبداً خلاء ... من الخيرات بادية قواء
إذا ما جاءت الأضياف غنى ... وما يغني من الغرث الغناء
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء
وإن مفازةً لا ماء فيها ... ومائدةً بلا خبزٍ سواء
أيا معن السخاء بلا عطاءٍ ... وحاتم طائي والتاء راء
وله وقد عير بترك التعرض لعمل السلطان:
ذروني أكن حلس البييت مكرماً ... قنوعاً بقوت لا يدر له ضرع
ففقر الفتى خلف السلامة كالغنا ... ولا خير في نفعٍ على عقبه صفع
وله يرثي الوزير أبا القاسم أحمد بن الحسن الميمندي وقد كان يكرمه عند اتصاله به:
يا غرةً لائحة ... فوق جبين الزمن
يا درةً قد ادرجت ... في حبرات الكفن
يا اسداً أعداؤه ال ... مهجة دون البدن
يا عالماً مجتمعاً ... في أحمد بن الحسن
جزيت عني حسناً ... بكل صنعٍ حسن
وأنعم بوسمي الندا ... يحيث ترب الجنن
ما ناحت الورقاء في ... دوحٍ فويق القنن
وله في الشيب:
هجرت الهوى وشنفت المدامة ... وعبت الغلام وعفت الغلامه
فلا في أميمة لي مطمع ... يحن ولا مرغب في أمامه
ولا قلت إذا بكر العاذلات ... بمر الملامة كفى الملامه
وعهدي بها حين رأسي الغداف ... وها هو كالنسر تحت العمامه
وما عذر ذي نهيةٍ في الصبا ... إذا ما خزاماه صارت ثغامه
وله:
خضبت أناملها بحمرة خدها ... إذا دمعتي يوم الفراق عليها
إن كان من ماء الحياة حقيقة ... فهو الذي سقيت من شفتيها
وله في الشريحي القاضي بقومس:
خليلي ما بال الثلوج كأنها ... قناع على وجه البسيطة مغدف
أينتف عثنون الشريحي في الهوا ... لعمركما أم صوف لحييه يندف
أبو الفرج أحمد بن محمد بن يحيى بن حسنيل الهمذاني: يرفعه نفسه واصله وفضله ويخفضه دهره وقد لفظته الغربة إلى بلاد خراسان فأدركته حرفة الأدب وهو شاعر حسن البديهة كثير الغرر فمنها قوله:
ما أن رأيت وأن سمعت بحمرةٍ ... من وردةٍ ودخانها من عنبر
جتى أكتحلت بخده وبخطه ... وغدوت بينهما حريق المجمر
وقوله من قصيدة:
ها أنني من اسودٍ طعمهما كرماً ... وحش المعالي فلا ترتاح للجيف
وأنني واقتياتي خبث طعمتكم ... كالطرف ساف الثرى من غزة العلف
لو كان يعلم دري أن مثلكم ... يكون أعناق نظمي غاص في الصدف
مقاطر القلم الصفصاف تشهد لي ... أن الوزارة سهمي والعلى هدفي
وسوف يطلع دستي شمس مكرمتي ... وترتدي بي الثريا عمة الشرف
فأملأ الأرض عدلاً والزمان حجىً ... والسحب نوأ ودرعي جوهر الظلف
لله شكري وللسلطان خالصتي ... وللعفاة الجنى المعسول في كنف
وقوله من اخرى:
إذا قلت شعراً فالنجوم رواته ... ومن ذرأ رأى الشعرى روت لأمرئ شعرا
وما أنا ممن يركب الشعر قدره ... ولكن قدري يركب الشعر والشعرى
وقوله في غلام جلس في اخريات الناس وتنقب بكمه:
جلست في أخريات الناس يا قمري ... بخلاً علي بأن اروى من النظر
فصرت من فرج الأشخاص تلمع لي ... كحاجب الشمس ناغى طرة الشجر
لم تقتنع بقناعي زحمةً ونوىً ... حتى تنقبت بالأكمام عن بصري

تتمة القسم الرابع في
محاسن أهل خراسان
وما يتصل بها من سائر بلدان

قد اعتمدت بهذا القسم الأخير من كتاب تتمة اليتيمة أن أبدأ بأهل نيسابور ونواحيها ثم أمتد إلى سائر البلدان خراسان ثم اذكر اركان الدولة وأعيان الحضرة العالية حرسها الله تعالى وآنسها والمتصرفين على أعمالها والمتصلين بخدمتها من المقيمين بها وغيرها وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
السيد أبو البركات علي بن الحسين العلوي: قد تتوج كتاب اليتيمة بذكره، وصبابة من شعره ولا غنية بهذا الكتاب عن غررٍ له من نكت دهره وما أقول في بقية الشرف وبحر الأدب وربيع الكرم وغرة نيسابور وشيخ العلوية وحسنة الحسينية وأمام الشيعة بها ومن له صدر تضيق عنه الدهناء وتفزع إليه الدهماء.
وكلامٍ كدمع صبٍ غريبٍ ... رق حتى الهوا يكثف عنده
رق لفظاً ودق معنى فاضحى ... كل سحرٍ من البلاغة عبده
فصل في عيادةٍ: ما عرفت لعلتي هذه سبباً إلا أني رأيت نفس الكرم مشتكية فشاركتها في شكواها ووجدت عين الكمال قذية فاحتملت عنها قذاها وقلت يا عجباً كيف يشتكي من لم يزل يشكي ولا يشكي ولم يمرض من صحت به آمالنا المرضى.
فصل: كرم الشيخ يطمعني وتقصيري يؤنسني وفضله يقدمني وتقريظي يؤخرني ولئن كان استصغار الصغيرة كبيرة فالاصرار على الكبيرة أكبر وإن كان سكوت المعذر وجهاً فالاعتذار منه أحرى وأجدر.
فصل: بعض الوقت مقت وبعض الحين حين والطالب عجول والمطلوب منه ملول وكل أناء يرشح بما فيه وكل جان يده إلى فيه.
لفظه: يا اسفي على وفاة الوفاء. ولو كتبت أحاسن شعره لأستغرقت الكتاب كله ولكني أكتب لمعاً منها تفي بشرط الاختصار والاقتصار كقوله من قصيدة:
كم شادنٍ قد كان بدراً فاكتسى ... خطين فوق مداره لم يكتبا
دارت مكان القرط عقرب صدغه ... يا من رأى بدراً تقرط عقربا
وقوله:
هنيئاً لكم يا أهل غزنة قسمةً ... خصصتم بها في الناس من هذه الدنيا
دراهمنا تجبى إليكم وثلجكم ... يرد إلينا هذه قسمة ضيزى
وقوله من قصيدة سخريةٍ:
أفناني الدهر ولم افته ... وجد في كيدي الجديدان
حتى رماني الدهر عن قوسه ... وشق قلبي فهو نصفان
فنصفه نهب سجستان ... ونصفه نهب خراسان
وقوله:
تقضى الشباب فما أمرح ... وبان الحبيب فما افرح
وهذا زمان كما ترى ... فقل لي فديتك ما أمدح
كتبت على اسمك يا سيدي ... على الياس منك ولن تفلحوا
وقوله:
اسرب القطا هل من معيرٍ جناحه ... فيوسعني براً وأوسعه شكراً
لعلي ألقى من أحب لقاءه ... فقد فرق الأيام ما بيننا دهرا
وقوله في يوم باردٍ ثالجٍ:
يوم عبوس كالح وجهه ... بزمهرير البرد موصوف
كأن فيه ثلجه ساقطاً ... قطن على الصحراء مندوف
وقوله في الأشجار والقمراء:
ألا صرف لنا خمراً ... فنفس الصب مدهوشه
فصرفها وقربها ... وغرب وهي مغشوشه
على أنواع ريحانٍ ... بماء الطل مرشوشه
ترى الشجراء في القمرا ... ء بالأفياء منقوشه
كأن الأرض من حسنٍ ... بجلد النمر مفروشه
وقوله من ارجوزة:
والنجم في مطلعه ... كزيبقٍ قد اضطرب
والبدر في نقصانه ... كنصف طستٍ من ذهب
وقوله في البدر:
أما ترى البدر في السماء ... من قرع الغيم في غشاء
دور قداً كترس تبرٍ ... مغرق في غدير الماء
أو وجه حسناء في نقاب ... تمشي الهوينا من الحياء
وقوله في الدمل:
اشكو إلى الشيخ أذى دمل ... ارقني ليلي من وخزته
اشد من لذعته أنه ... اقعدني يومي عن حضرته
وقوله في اللاخشة:
لاخشة في الطبق ... كالصبح بين الغسق
منضودة أوراقها ... واضحة كالورق
حسبتها من لطفها ... وجرمها المرقق
غرقي تبيض رقة ... أو قطعاً من شرق

أكلت لما قدمت ... أكل امرءٍ ذي حنق
وخلتني الفضل وقد ... نال المنا من عبق
وقوله في البرد المجحف بالثمار:
يقولون أن البرد يجحف بالثمر ... وإن معاش الناس منه على خطر
فقلت لهم ما دام ربي رازقاً ... فلست أبالي بالجوائح والضرر
الأمير أبو إبراهيم نصر بن أحمد الميكالي أدام الله عزه: فرد خراسان وبدرها وصدرها وفخرها ومن لم ير مثله في الجميع بين شرف الأصل وكمال المجد وكرم الطبع وبين الآداب العربية والفارسية والآداب الملوكيه وله شعر بارع قل ما يظهره ولكن درره تلتقط من مجلسه وغرره تختلس من فمه كقوله:
إتق الله لا الاعداء واعلم يقينا ... بأن الذي لم يقضه لن يصيبكا
وحظك لا يعدوك إن كنت قاعداً ... ولا أنت تعدو حين تعدو نصيبكا
وقوله:
ما قبيح كالبخل قبحاً ولا كال ... جود كل الخصال حسناً يفوت
ثم بخل مع التواضع خير ... من سخاءٍ يشوبه جبروت
ولعمري إن المرند ذا البخ ... ل لئيم مذمم ممقوت
وقوله:
لعمرك من ولاك وجه اعتذاره ... من الفعل يأتي وهو في الحال فاعله
كمنقذر من أكله ذات بطنه ... إلى آكله وهو في الحال آكله
وقوله في مرئية أبي العباس بن طاهر بن زينب:
نعوالي أبا العباس شمس المفاخر ... وبدر المعالي كلها والمآثر
فقلت لهم والقلب مني خافق ... أناشدكم لا تجعلوه ابن طاهر
وقوله وله قصة:
عجباً للزمان حين بلاني ... بأناس لهم عقول سخيفه
حسدوني على نزولي خصاً ... بعد سكناي في قصور منيفه
حسد الكلب والغراب إذا ما ... رأيا الباز واقعاً فوق جيفه
وقوله في تراجع الشرب:
شربت الراح شرب الهيم دهراً ... فصرت الآن اشرب بالتكلف
ويكفيني غمير دون صحنٍ ... وما ضر التخلف في التخلف
وقوله لبعض أصحابه:
حسبتك لب الجود بذلاً وهمةً ... فأدخلت فيما كنت أحسبه وهنا
وكنت كما قدرت لب سماحةٍ ... ولكن كلب الجوز إذا فارق الدهنا
وقوله في قنينةٍ تسمى دهزاره:
تبدى النور والقمري اضحى ... يجاوب في ترنمه هزاره
فطاب الوقت والدنيا ولكن ... امر العيش فرقة دهزاره
وقوله:
إذا منحةٌ ضاقت بدرعك فاصطبر ... وثق بتفضيها إذا ساعد العمر
فرأسك غصن الصبر والصبر دوحة ... وما دام غصن الدوح ينتظر الثمر
الشيخ الامام الموفق أبو محمد هبة الله بن محمد بن الحسين أدام الله تعالى عزه: لسان الشريعة وحصن الأمة وشمس الملة، ومحله في السؤدد والزعامة وأمامة الخاصة والعامة أجل وارفع من أن يذكر بالشعر الذي هو أدنى فضائله واصغر خصائصه ولكني ازين كتابي باسمه وأتوجه بذكره وأنشد له ابياتاً نطق بها لسان مجده، فمنها قوله في صباه كالعادة للأدباء السادة:
سمحت بروحي في هواها لأنني ... ارى الموت في حب الحسان يسيراً
اسير وقلبي في هواها مقيد ... فإعجب بإنسان يسير اسيرا
وقوله:
ولما بدا لي منها النفور ... غدوت اصيح النفير النفيرا
وقوله في ذم حمام:
وحمام له طبع عجيب ... يميل إلى البرودة واليبوسه
فنجم البرد منه في سعود ... ونجم الحر منه في غوسه
وكتب إلى بعض اصحابه الحكام:
يا ايها الحاكم الحاكي شمائله ... حيا الربيع وبدراً لي محياه
أظن نار اشتياقي نحوه اشتعلت ... حتى أعارته حماه حمياه
ابو سعد الكنجروذي: يذكر نيسابور في خمس طبقات من اهلها وهم الفقهاء والأدباء والشعراء والدهاقين والعراة، ويعد في كل منها متقدم القدم ممتد الغرة والتحجيل و يتسع كتابي هذا من تفصيل هذه الجملة إلا لنبذٍ من شعره يعرب عن سعة فضله كقوله في الغزل:
إذا انثنى ورنا سلت محاجره ... قواضباً وبدا مياس قضبان

ردف كحقف وقد من تمايله ... خوط وخصر حكاه خيط كتان
وقوله:
يكسر ظهر الصب تكسيره ... للصدغ والجفن لدى الغمزه
كأنما التجعيد من شعره ... في ألفاتٍ صورة الهمزه
وقوله:
بين مخط العارض امتد من ... خالٍ وشعرٍ فاحمٍ خط
كأنه خط الكتاب الذي ... لاح عليه العجم والنقط
وقوله:
في وجهك الزاهر لي نزهة ... فهو بما يجمع بستان
لي نرجس منه وورد ومن ... شاربه الخضر ريحان
وقوله في الخلاف الأحمر:
انظر إلى أحمر الصفصاف تحسبه ... بين الرياض إذا تلقاه ممطورا
حمر اليواقيت والأوراق بارزة ... زمرداً ونداه الدر منثوراً
وقوله في الثلج:
ألا ترى اليوم قد أصحت سحائبه ... دكناً واصبح يأتي ثلجه دفعاً
كأنه ورق جمالٍ عدن هائجةً ... يرمين بين لغامٍ تنهمي قطعا
وفيه ايضاً:
جمد الثلج فلي من ... ه على العاج معاج
وعلى الأرض لنا من ... ه زجاج وزجاج
أبو القاسم بن عبد الصمد بن علي الطبري رحمه الله: ولد بنيسابور ونشأ بها وتأدب فيها مستظلاً بظل الكفاية وتخرج فخرج منقطع القرين في اصول الأدب وفروعه والجمع بين ثماره ورياحينه وإضافة نثره الذي هو سحر البيان إلى نظمه الذي هو قطع الجنان وخدع الزمان على الحداثة من سنه والغضاضة من عوده وهو الآن بالحضرة حرسها الله تعالى في اعيان كتاب الرسائل وهذه فصول من نسخة كتابٍ له يعرب عن تقدم قدمه في الكتابة واتساع باعه في البلاغة كتبه إلى الأديب أبي علي الحسين المروروذي وكان خرج على جرجان بعد معاشرته إياه بنيسابور: خرج الأستاذ أدام الله عزه والقلب بجناح الشوق نحوه طائر إلا وهو معه سائر مثل صاع العزيز في أرحل القوم ولا يعلمون ما في الرحال استنشق نسيم سلامته من كل واد واهدي إليه سلامي مع كل رائحٍ أو غاد وها هنا مقصد بسهم فراقه موثق في قيد اشتياقه فالسلام على العيش حتى اراه ولا مرحباً بالحياة أو احيا بمحياه وسقى الله ايامنا في ظله واستسعادنا بقربه وانتهازنا فرص اللذة به إذ العيش غض والزمان غلام ولقاؤه برد على أكبادنا وسلام اذكره الله منتزهنا بآخرةٍ والسماء زرقاء اللباس والشمال ندية الأنفاس والروض مخضل الازار والغيم منحل الآزرار وكأن السماء تجلو عروسا وكأنا من قطرها من نثار والربى أرجة الآرجاء شاكرة صنيع الأنداء ذهب حيثما ذهبنا ودر حيث درنا وفضه بالفضاء والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً والصحارى قد لبست من نسيج الربيع برداً قشيباً ولا ربع إلا وللأنس فيه مربع ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع والكؤوس تدور بيننا بالرحيق والأباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخد الشقيق والجيوب تستغيث من اكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالأغصان عبث الدل بالغصون الرشاق والدن يجرح بالمبزال فتل الصايغ طوق الخلخال:
إذا فض عنه الختم فاح بنفسجاً ... واشرق مصباحاً ونور عصفراً
ولا نقل إلا من رياض أدبه ومحاسن فضله وخضايص خلقه ومكارم طبعه إلى كلام طويل، فهذا نموذج من نثره وهذه غرر من نظمه كقوله:
ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خداً له بدم القلوب مضرجا
لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجسٍ جعل النجاد بنفسجا
وله من قصيدة:
ورب بيضاء ريا الجلد فاء لها ... ريعان من ترفٍ غضٍ وريعان
طرقتها والسرى والعزم قد شهرا ... وهناً غرارين من جفني وأجفاني
وقوله من قصيدة:
بانوا بهيفاء يعزو سيف مقلتها ... قلب المتيم في جيشٍ من الفتن
شمس على غصنٍ هام الفؤاد بها ... يا ويح قلبي من شمسٍ على غصن
وطال ما غاب عن جفني لزورتها ... وجفن سيفي غرار النصل والوسن
وقوله من قصيدة في التوحيد والأنس بالوحدة والكتب والاستغناء به عن معاشرة الناس:
ولقد الفت قناء بيتي لا بساً ... حلل الغنا ألف القطا إلا فحوصاً
لم ادرع طعماً ولم أمدد يداً ... نحو النوال ولا زجرت قلوصا

أجتاب أن خصرت أنامل راحتي ... من نسيج دنى جبنةً وقميصا
وإذا أردت منادماً لم تلقني ... إلا على عز العلوم حريصا
وترى الكتاب مجالساً لي مودعاً ... سمعي فصولاً تنتقي وفصولا
لامفشياً سري ولا متنمراً ... جهم اللقاء ولا علي خروصا
وقوله من نتفة:
كم جاهل أحصى علي بزعمه ... شيماً يظن بها علي مناقصا
فأجبته ويد النوائب سددت ... عن قوسها نحو الفؤاد مشاقصا
لوكان إيقاع الزمان مساعدي ... لوجدتني في سكر عيشي راقصا
الذنب للأيام حين تركنني ... ظلماً على جيدي لها متواقصا
وقوله من نتفة:
شباب هز عطفك لم ترقه ... خليع الرأس في طرب ولهو
فأنت إذاً وقد ولى حثيثاً ... لأخسر صفقةً من شيخ مهو
أبو حفص عمرو بن المطوعي الحاكم: قد نطق كتاب اليتيمة بذكره والإفصاح عن حاله ومحله وتضمن باكورة شعره وهذا مكان ملح بديعه وإفراد معاني أنيقة من غرر سحره التي سنحت له بعد فراغي من تاليف ذلك الكتاب ولا غنية بهذا الكتاب عن التزين بها وهذا ألفاظ له على مقدمتها كقوله: الهوى كثير الهوى والخمر ملاذ الملاذ، وقوله: بينهما من الصرف ما بين الولاية والصرف، وقوله: ليس للشاتي كجلد الشاة، ومن بدايع شعره قوله في الغزل:
يا خادماً يملك مني خادماً ... قد صير الدنيا علي خاتما
كم دم صب قد صببت ظالماً ... أخدماً أصبحت أخادماً
وقوله:
خليلي إني واحد العصر في الهوى ... لمن قد غدا في الحسن واحد عصره
قضيب ولكن مبسم النور ثغره ... وبدر ولكن المحاق لخصره وقوله:
قالت عهدتك تبكي ... دماً حذار التناء
فما لعينيك جادت ... بعد الدماء بماء
فقلت ما ذاك عندي ... لسلوةٍ أو عزاء
لكن دموعي شابت ... لطول عمر بكائي
وقوله:
بانوا فامطرت الأجفان بعدهم ... من نور عيني على خدي نوعين
حتى نفضت عيني مدامعها ... بقيت ابكيهم دمعاً بلا عين
وقوله:
اضحك كؤوسك بالصهباء مبتكراً ... فقد أتاك سحاب باكر شاكي
يبكي ويضحك فيه البرق مبتسماً ... كأنه حين يبدو شاكر شاكي
وقوله في نور الخلاف المسكي:
قم هاك دهقانيةً ... وعليك بالكاس الدهاق
أو ما ترى نور الخلاف ... كأنه نور الوفاق
وقوله فيه ايضاً:
أو ما ترى نور الخلاف كأنه ... لما بدا للعين نور وفاق
كاكف سنورٍ ولكن نشره ... يسعى بفار المسك في الافاق
وقوله في الريباس والباقلاء:
يا حسن ريباسٍ أتاك مزاوجاً ... للباقلاء الغض أي زواج
كأنامل قد غشيت بزبرجدٍ ... وصلت بهن سواعد من عاج
وقوله في الاسفاناخية:
قد قلت للطباخ لما جاء في ... مرضي بلونٍ ليس فيه طباخ
هلا طبخت لنا سواه فإنه ... أسف أناح فقيل اسافاناج
وقوله في السلطان الأعظم أدام الله تعالى ملكه:
أرى حضرة السلطان يفضي عفاتها ... إلى روض مجدٍ بالسماح مجود
وكم لجباه الراغبين لديه من ... مجال سجودٍ في مجالس جود
وقوله في التلفيق بين ستة من الطير:
يا رب ليلٍ لو تجس ... م لم يكن غير الغداف
بتنا به وشرابنا ... صرف كعين الديك صاف
يسعى بذاك مهفهف ... بمحاسن الطاووس واف
ولنا مغن لحنه ... للعندليب بلا خلاف
حتى سمعت تجاوب ال ... عصفور في قضب الخرف
ورأيت باز الصبح من ... شور القوادم والخوافي
وقوله في مؤلف هذا الكتاب:
كلام أبي منصور فيه عذوبة ... ينوب عن الماء الزلال لمن يظما

فنروي متى نروي بدايع نظمه ... ونظما إذا لم نرو يوماً له نظما
وقوله:
من كان في الحشر له شافع ... فليس في الحشر من شافع
غير النبي المرسل المصطفى ... ثم اعتقادي مذهب الشافعي
ابو منصور يحيى بن يحيى الكاتب: فاضل ملء ثوبه كاتب بحقه وصدقه شديد الاختصاص بالأمير أبي الفضل الميكالي أدام الله تعالى عزه مقتبس من نوره يقول:
حدثت أخاك إذا عدمت مطية ... إن الحديث مطية للراجل
واصحب ذوي الآداب أنك لن ترى ... زلفاً لرجلك مثل صحبة جاهل
ابنه أبو الوفاء محمد بن يحيى: قد حاز في عنفوان شبابه واقتبال زمانه محاسن الأدب وبرع في النثر والنظم وأخذ بأطراف الفضل، فمن بارع شعره قوله في الأمير أبي الفضل أدام الله عزه من قصيدة:
سعادة خدمة الأرباب أولى ... بمثلي من سعادٍ أو رباب
عنيت به بني ميكال من لا ... يداني جودهم جود السحاب
هم رحضوا خموال الدهر عني ... وأعطوني وقد صفرت وطابي
ودلوني على العلياء حتى ... دخلت على العلى من كل باب
ومن يمدح عبيد الله يقدح ... بزندٍ في المعالي غير كاب
ويستمسك بحبلٍ ليس يخشى ... عليه قط داعية انقضاب
سأستغني به عمن سواه ... كما استغنى الشاب عن الخضاب
أدام الله دولته وأجنى ... يديه ثمار عيشٍ مستطاب
وعوده سعادة كل عيدٍ ... يعاوده إلى يوم الحساب
وكتب إليه أبو عبد الله الحسين بن علي البغوي الكاتب:
رأيت الفضل يحيى يا بن يحيى ... فجانبه أبو يحيى طويلا
مودته ممازجة لقلبي ... كما قد مازج الماء الشمولا
فأجابه أبو الوفاء:
ابا عبد الإله بقيت جزل ال ... كلام تنيلنا براً جزيلا
فما ابن المزن زوج بنت كرمٍ ... ليمهرها أخو الكرم الغفولا
باشهى من كلامك في فؤادي ... وقد سلى الجوى وشفى الغليلا
وقال ايضاً:
سقى عهد الصبا مطر الدموع ... وايام الحمى غيث الربيع
سنين طويتها شهراً فشهراً ... ولم أعرف جمادى من ربيع
وقال :
قل للأمير ومن لي ... بأن يرد جوابي
سللت جسمي لما ... سللت سيف العتاب
وقال:
بقيت بمرو الروذ في عدة المطر ... وطول مقام المرء في مثلها خطر
إذا ما أذان الرعد آذاننا وعت ... لقينا بها الحيطان تسجد للمطر
وقال من أخرى أميرية:
لله در الصبا ما كان أطيبه ... لو أن صرف الليالي لم يصب درره
أيام غصن شبابي ناصر خضل ... مرفرف الظل تجني راحتي ثمره
لا أزجر الطير مهما زرت غانيةً ... ولا تطيرني العذال والزجره
إذا مررت بخدرٍ دون هودجه ... خوادر الأسد آبى أو ارى قمره
أرى السعادة في سعدي وطلعتها ... واليمن في حر وشى اليمنة الحبره
يا رب يومٍ بحر الشمس منتقدٍ ... ازارنيها اشتياقي وهي منتظره
فاستقبلتني في كحلي معجرها ... كسنة البدر بالظلماء معتجره
إذا خطت خطوةً نحوي لتكرمني ... رأيت خلخالها يستخدم الشعره
ورب ليلٍ يكاد الصبح يسبقه ... أعار شطر إبهام القطا قصره
قد ضمنا تحت أذيال السرور معاً ... كالورد قد ضم في أكمامه زهره
سقياً له من زمانٍ لست أذكره ... إلا رأيت دموع العين مبتدره
هيهات ماللفتى في دهره عوض ... عن الشباب فخذ عن عالم خبره
إلا لقاء عبيد الله سيدنا ... هذا الأمير فذاك العيشة النضرة

وهي طويلة. أخوه أبو سلمة أيده الله تعالى: خلق أبيه وشبيه أخيه وكاتب الأمير أبي الفضل ادام الله تعالى عزه زالمتخلق بخلقه والجاري في طرقه والمستملي صحف فضله ومن لا يتميز خطه من خطه وهو اشبه به من الغراب بالغراب والتمرة بالتمرة وله شعر كخطه مثل قوله في الغزل:
ظلم الحبيبة من يشبه قدها ... بالغصن عند تبخترٍ وعناق
فالغصن يسمج حين يسقط نوره ... وجمالها في كل وقتٍ باق
وكتب إليه أبو يعلى البصري يستهديه حبراً فأجابه إلى ما طلب وعما كتب بأبيات منها:
وبعد فقط أنفدت حبراً كأنه ... يحاكي ظلام الليل أو منة الوغد
إذا ما جرى في الطرس خلت سواده ... على الرق نور الحق مع ظلمة الجحد
وحق الهوى لو كان أسود ناظري ... وحبة قلبي كنت أهلاً لها عندي
أبو الفضل إسماعيل بن محمد بن الحسن الكرابيسي الحاكم ايده الله تعالى: من اشعر الفقهاء وأفقه الشعراء ومن العلم حشو ثيابه والعقل والفضل من أوصافه يقول ويحسن:
تمنيت أن تحيى حياة هنيئةً ... وأن لا ترى كر الزمان بلا بلا
رويدك هذي الدار سجن وقل ما ... يمر على المسجون يوم بلا بلا
أبو مسعود أحمد بن عثمان الخشنامي ايده الله: من حسنات نيسابور وفضلائها وشعرائها وكلامه كثير الرونق ظريف الجملة والتفضيل كقوله:
وجاهل لج في مشاتمي ... والحلم يكن مبقياً على جاهي
سكت عنه ولم ابال به ... والحلم مما يزين اشباهي
وبين فكي صارم ذكر ... أغمده عنه خشية الله
وقوله:
يا والياً عز الولاية عره ... فسطا لذلك على الأنام وتاها
اقصر فذل العزل يتبع عزه ... عصر الولاية لا يفي بفساها
وقوله:
يا سيداً آثر المعالي ... فليس عنها له انحياز
حقيقة المجد في يديه ... وفي يدي غيره مجاز
فهو لذنب الزمان عذر ... وهو لثوب العلى طراز
وقوله:
اقول لمن يعد الشيب نوراً ... ويزعم أنه يكسو وقارا
وقوله:
أقول وقد عوتبت حين شربتها ... وحيداً ومن أنس النديم عديما
عدمت نديماً سالماً لي غيبه ... فصيرت كاسي مونساً ونديماً
وقوله في الغزل:
وجه أبي الفتح إذا ما بدا ... يغني عن البدر إذا ما طلع
لولا دفاع الله عن خصره ... إذا ثناه راكعاً لانقطع
وقوله في الحكمة:
أترجو في زمانك صفو عيشٍ ... وقد عري الزمان من الصفاء
وتأمل من بني الدنيا وفاء ... وما شيءٌ أعز من الوفاء
وقوله في فتىٍ يشتكي وهو يعارض أبا سعد بن خلف:
شكت اقاحيك فاشتكيت لها ... يا قبلة الحسن فتنة البلد
وجهك شمس الضحى إذا ما طلعت ... تضر بالقحوان والبرد
ابو الحسن محمد بن الشيخ أبي علي الحسين بن محمد بن طلحة ايدهما الله تعالى: كريم الطرفين شريف الجانبين عريق في الأدب والفضل والكرم وسنه الآن دون العشرين وشعره فوق شعر المفلقين المبدعين وقد مرت بي قصيدة له في أبيه لو قالها البحتري أو أبو فراس الحمداني لما زادا، وأولها:
أعاتب صرف الدهر والدهر عاتب ... وأطلب منه رد ما هو ذاهب
وأرجو من دهري نمت الأيام بالوصل عودةً ... وتلك أماني النفوس الكواذب
شكاتي من دهري فمن ذا ألومه ... وعتبي على عيني فمن ذا أعاتب
كفا حزناً أني ارى البحر جانباً ... وبي ظمأ عن منهل الري جانب
وهون وجدي أنني لست واحداً ... من الناس حراً لم تصبه النوائب
وأني على ما بي ليجذب همتي ... إلى ساكني نجدٍ من الشوق جاذب
رعى الله داراً بالحمى هي دارنا ... وقوماً هم أحبابنا والحبائب
فكم بالحمى من مرهف القد ناعم ... قد اختلفت للشعر فيه المناسب
ومنها:

محياه للورد الجني ملابس ... ورياه للمسك الذكي مسالب
ومنها:
فيا دار بل دارة البدر في الدجى ... سقتك دموعي لا سقتك السحائب
أما والذي تنضى إلى حج بيته ... مخيسة قب البطون شوازب
لقد خانني إلا اشتياق مبرح ... واسلمني إلا دموع سواكب
قضى ربنا أن يصدع الشعب صادع ... فما طمعي أن يشعب الصدع شاعب
ومنها:
سأضرب في اقصى البلاد وأنني ... إلى الأمد الأقصى من المجد ضارب
وللدهر أنياب ضواحٍ ضواحك ... إلي واسياف قواضٍ قواضب
ومنها:
وردية لا ماء إلا سرابها ... ولا ركب إلا آلها المتراكب
كأن مطايانا مخاريق لاعبٍ ... تالق فوق الأكم والأكم لاعب
ومنها:
قطعنا إلى الشيخ الرئيس مجاهلاً ... وجبنا الفيافي وهي قفر سباسب
وسار بنا رحل وكور ونمرق ... وساع وساع خطوه متعاقب
ليفرح محزون ويقبل مدبر ... ويأمن مرتاع ويظفر طالب
وتدرك حاجات وتحوى رغائب ... وتبلغ آمال وتقضي مآرب
ومنها:
بعيد مناط الهم أقرب همه ... فدع ذكر اقصاه النجوم الثواقب
وكم اقرأ الأعداء كتباً حروفها ... ظبىً ورماح والسطور مقانب
وأمطر فاخضرت بقاع نجوده ... ولا حسنها ناضٍ ولا الماء ناضب
وللمجد أعلام سوامٍ سوابق ... إليه وأقدام رواسٍ رواسب
وختم القصيدة بقوله:
فلا زلت يا شمس المكارم طالعاً ... بافق المعالي والشموس غوارب
ولازلت مخضر الجناب فإنما ... بجودك يخضر السنون الأشاهب
ابو يوسف يعقوب بن أحمد بن محمد ايده الله :قد امتزج الأدب بطبعه ونطق الزمان بلسان فضله ولئن أحوجه الزمان إلى التأديب على كراهيته غياه وتبرمه به لإرتفاع محله عنه أن له اسوة في المؤدبين الذين بلغوا معالي الأمور وبعد صيتهم بعد الخمول كالحجاج بن يوسف وعبد الحميد بن يحيى وأبي عبيد الله الأشعري كاتب المهدي وأبي زيد البلخي وأبي سعيد الشيبي وأبي الفتح البستي وغيرهم، وماأليق قول البحتري بحاله:
مواعد للأيام فيه ورغبتي ... غلى الله في إنجاز تلك اللمواعد
وكذلك قول ابن الرومي:
أما ترى المسك بينا هو على حجر ... يذله كل ذل فهو عطار
إذ ابلغته صروف الدهر غايته ... فحل منزله من رأس جبار
وله نثر حسن وشعر بارع كقوله في مؤلف هذا الكتاب:
لئن كنت يا مولاي أغليت قيمتي ... وأغليت مقداري واورثتني مجدا
وقصرت في شكريك فالعذر واضح ... وهل يشكر المولى إذا أكرم العبدا
وكتب على ظهر كتاب سحر البلاغة له:
سحرت الناس في تاليف سحرك ... فجاء قلادةً في جيد دهرك
وكم لك من معالي من معانٍ ... شواهد عندنا بعلو قدرك
وقيت نوائب الدنيا جميعاً ... فأنت اليوم جاحظ أهل عصرك
وقال في الحجاب:
يا من غدا سابقاً في كل مكرمةٍ ... ودون رتبته الغايات والرتب
إن كنت محتجباً عنا فلا عجب ... فالشمس في حجرات السحب تحتجب
وقال يهجو:
وقال لي أبو حسنٍ كريم ... فقلت الميم هاء في العباره
وما لجلاله أهجوه لكن ... رأيت الكلب يرمى بالحجاره
وقال:
لابارك الرحمن في عمري ... أن سرني قرب أبي عمرو
وهو صعيد قد تيمته ... إذ ليس يجري الماء في النهر
وقال
عرضت على الخباز نحو المبرد ... وكتباً حساناً للخليل بن أحمد
ورؤيا ابن سيرين وخط مهلهل ... وتوحيد جهمٍ بعد فقه محمد
وأنشدته شعر الكميت وجرول ... وغنيته لحن الغريض ومعبد
فما نفعتني دون أن قلت هاكها ... مدورةً بيضاً تطن على اليد
وقال في مراءٍى:

يرى الناس أني كالمسيح بن مريمٍ ... وفي ثوبه المسيح أو هو أغدر
أغركم منه تقلص ثوبه ... وذلك حب تحته الفخ فاحذروا
وقال:
لم تقعدوا فوقي لفرط نباهةٍ ... وجلال قدرٍ أو علو مكان
والنار يعلوها الدخان وطالما ... ركب الغبار عمائم الفرسان
وقال:
إني بليت بحرفةٍ ... بوساً لها من حرفه
هي حرفة لكنها ... مقرونة بالحرفه
وقال:
نغوض للسيادة يشتهيها ... وليس هناك آلات السيادة
كعنينٍ أراد نكاح بكر ... ولم يقدر فمال إلى القياده
وقال من كان يعشق منكم شادناً غنجاً ... البدر يشبه والشمس تحكيه
فلست أعشق إلا كل ذي أدبٍ ... الوشي كم يده والدر من فيه
ابو محمد الحسن بن المؤمل الحربي: من أولاد أحمد بن حرب الذي يضرب به المثل في الزهد والنسك ويزار قبره بنيسابور من مائتي سنة وترفع الحاجات إلى الله عز ذكره وهو أعمر المشاهد بها وقد لبس أبو محمد برد شبابه على فضل مكتهل وظرف مقتبل وشعر مقبول وادب معسول فهو كما وصف الصاحب بعض فضلاء الندماء فقال: أن اردت فهو سبحة ناسك او أحببت فهو تفاحة فاتك او اقترحت فهو مدرعة راهب أو آثرت فهو تحية شارب، من ملح شعره قوله:
ايا من فضله عم البرايا ... ونال المجتدون به المباغي
ترفق بالرسول فدتك نفسي ... فليس على الرسول سوى البلاغ
وقوله في النيروز:
يا شمس أهل المشرق أسعد فقد ... حلت برأس الحمل الشمس
واشرب على طلعة نيروزها ... كاس مدامٍ يدم الأنس
وقوله من قصيدة:
ثار الغبار غداة ثارت عيسهم ... فشممت من ذاك الغبار عبيرا
تالله لو شاهدت وقت وداعهم ... لرأيت دمعاً في الخدود غزيرا
ولقيت منهم من يشق صداره ... ولقيت منا من يشق صدورا
وقوله:
قالوا التحي فبدا الظلام بوجهه ... فتسل عنه فإنه لا يرتجى
فأجبتهم كيف التسلي بعدما ... زادت محاسن وجه لما دجى
فالنجم يحسن في الظلام وقل ما ... يبدو بهاء البدر إلا في الدجى
وقوله لمؤلف الكتاب:
قد اشرفت أرجاء نيسابور ... وأطلعت طلائع السرور
بعود مولانا أبي منصور ... لا زال في عز وفي حبور
ودولةٍ تبقى على الدهور.
ابو الفضل أحمد بن محمد العروضي المعروف بالصفار: أمام في الأدب خنق التسعين في خدمة الكتب وأنفق عمره على مطالعة العلوم وتدريس متأدبي نيسابور وإحراز الفضايل والمحاسن وهو القائل في صباه:
أوفى على الديوان بدر الدجى ... فسل نجوم السعد ماحظه
أخطه أملح أم خده ... ولحظه أفتن أم لفظه
وأنشدني لنفسه في جمع اسماء الكواكب السبعة في بيتٍ واحدٍ
يا من يقدر الدهر ينصره ... بكوكب عاجزٍ بالله فانتصر
لا تشركن برب العرش تجهله ... كواكباً كلها تجري على قدر
عطارد زهرة والشمس مع زحلٍ ... كالمشتري الفرد والمريخ كالقمروأنشدني رحمه الله لنفسه:
لعزة الفضة المبرة ... أودعها الله قلب صخره
حتى إذا النار أخرجتها ... بألف كد والف كره
أودعها الله كف وغدٍ ... اقسى من الصخر الف مرة

ابو بكر أحمد بن علي الصبغي: من أهل البيوتات بنيسابور وكان يجمع أدباً وظرفاً ويناسب شعره روحه خفةً ويخرج من العشرة من القشرة فاحتضر في عنفوان شبابه وتقطعت به اسباب آدابه ورثاه الفاضل الظريف صديقه أبو منصور علي بن أحمد الحلاب الكاتب أيده الله تعالى بقوله:
ولما نعى الناعي أبا بكرٍ الذي ... رمى الدهر عين الفضل حين اصابه
تقطع قلبي حسرةًوتلهفاً ... ولم ابكه لكن بكيت شبابه
غزته المنايا من قريبٍ وحددت ... لأترابه طفر الحمام ونابه
ويوشك أن ينحو بنا نحوه الردى ... ويسكننا ربع البلى وجنابه
سقى الله صوب الغاديات ضريحه ... وأكرم من دار البقاء مآبه
خليلي صبراً للرزايا فكل من ... من الترب مخلوق سيلقي ترابه
ومن ملح أبي بكر قوله:
باكر أبا بكر بكاسٍ ... واشرب على وردٍ وآس
واخلع عذارك جامحاً ... ما بين إبريقٍ وطاس
فالعيش عيش ذوي الصبا ... والدين دين أبي نواس
وقوله:
رحم الله من رأى نظم شعري ... فدعا لي بما اشرت إليه
قال يا رب نجني من هواه ... أو فرد الذي يحب عليه
وقوله في إنسان رازي كان يدعي أنه من اللاسكية وينتحل شعر ابن بابك:
أم الذي يزعم أني لاسكي ... حجامة تزوجت بحائكا
وكل ما ينشد من اشعاره ... في شعر عبد الصمد بن بابكا
ابو منصور بن أبي علي الكاتب ايده الله تعالى: من آدب الكتاب بنيسابور وأعرفهم بالرسوم وله خط حسن وشعرٍ كتابي كقوله في ترجمة شعر فارسي حيث قال:
ليس كل الذي انتظى من دواة ... قلماً بالغ العلى بالأداة
إن حمل العصا لغير بديع ... قلبها حية من المعجزات
فارسيته:
نه هركو قلم بركرفت ازدوا ة ... شفا كرد دانذ جهانرا زادا
عصا بركرفتن نه معجز بوذ ... همي ازدها كرد بايذ عصا
وكتب إلى صديق له استعار منه كتاباً في شعر:
وقفت على ابياتك الغر إنها ... بدايع ما قدمت لي من نثاركا
وإني وأجزاي وماملكت يدي ... فداء رسولٍ جاء من باب داركا
أمامك ما تختار منها وغيرها ... فبادر إلى ما تشتهي باختياركا
ودمت لأهل الود دوح مكارمٍ ... تفيدهم طيب الجنى من ثماركا
وقال في تهنئة بعض العمال بولاية الديوان:
ليهنك يا بدر المجالس والصدر ... طلوعك في الديوان للنهي والأمر
تهنا بك الأعمال إذ أنت فخرها ... وقدرك عما نلته أرفع القدر
وزينت بك الأيام إذ أنت حليها ... والعصر أنت الفخر لعصر والمصر
فلا زلت في ربع العلى متربعاً ... تساعد الأيام في أهنأ العمر
عبد الرحمن الدوغي الفقيه أيده الله تعالى: يقول في المدح:
جنابك مثل روضات الجنان ... ومنك تنال غايات الأماني
حللت من المكارم في ذراها ... ففيها أنت كالسبع المثاني
وأنت لفرط فضلك صرت فينا ... أحب من الشباب إلى الغواني
إذا عدت محاسنك القوافي ... غفرنا ما جنته يد الزمان
فلا زالت من الرحمن يعمى ... لديك قطوفها ابداً دوان
وله في مختط ينتف:
لما رأى شعر العذا ... ر بخده قد جاز حده
وابتز بهجة وجهه ... أمضى ببسوط النتف حده
وله من قصيدةٍ:
برزت إليك عرايس الأشجار ... في حلية الأنوار والأزهار
تحلى سجاياك الحميدة كلما ... عانق وفد الريح بالأسحار
وكأنما الطيار في ترجيعها ... تنثى إليكم بلحن موسيقار
وكأن صوب القطر كل عشيةٍ ... أثار سيبك في ذوي الأقتار

ذكر الزوازنة وملح أشعارهم فمنهم: أبو بكر محمد بن أحمد اليوسفي: كان من افرادهم أدبباً وفضلاً ومفلقيهم نظماً ونثراً، ولفظته زورن إلى اقطار الأرض وآفاق البلاد وحرفة الأدب زميله وتنزيله وحليفه واليفه وتصرفت به احوال في تاديب ولد ابن ينفع وانتجاع الصاحب وغيره وطالت مدته في الغربة ثم عاد إلى الوطن على غير قضاء الوطر ولم يلبث إن انتقل من ضيق العيش إلى ضيق القبر لم يلق بين الضيقين فسحة ورحمة الله تعالى حسبه، وهذه فصوص من كلامه ورسائله: فصل: تحيرت فما أدري افارة مسك فتقت أم شمامة كافور نفحت أم لطيمة فض ختامها أم قسيمة فرقت أقسامها أم محاسن وصالٍ كأنهن محامد نظمن عقداً وفضايل نسقن عقداً وكأن زمانها عطار ولياليها اسحار. فصل: نحن اليوم في باغ وفي زمن غير باغ وظلال اشجار موقرة بالثمار نرود بينها كما نريد بين قيان تجود عليها فتجيد. فصل: في وصف اطعمة وحلاوى صحاف أنقى من الفضة بشرةً تتناوبب على المائدة عشرةً عشرةً بعد بوادر ومخللات تحسبها الجواهر محللات وقل يا سيدي في الفالوذج المعكك والقرص السكري المفكك والقاطولي الذي يقال عنده لليد طولى والقرص العسلي الذي يهون لبس العسلى أوصاف ارق من أوصافي مفصص بفيروزج الفستق مفضض بلباب اللوز في مثله يتنافس المتنافسون وله يعمل العاملون. فصل: بخور لها في مجلس بخار وعقار يهون فيها العقار. فصل: صحو يكاد من الغضارة يمطر وازهار تكاد من الاهتزاز تنظر. فصل: أما والحدق المراض وسهام الألحاظ والروض غب القطر فإن لها حقاً وأنفاس السحر فإني عبدها رقا أني منذ حرمت منك حلاوة الرضى ودعت العيش المرتضى وبت على مثال جمر الغضا وحد السيف المنتضى ويا ليتني كنت نسياً منسياً قبل أن أعد لديك مجرماً ومسيئاً وليت الطير يخطفنني والدن تحطمنني فإن ذلك أهون من تفريع ذلك القريع وعتبه الذي صنع بي صنيع السيف الصنيع. فصل: اراني الله بها أهلاً كانو للفضل أهلا فصل: الشوق الذي اقاسي يصدع الحجر القاسي والذي مر براسي يهد الجبل الراسي من نواكب أهوت المناكب وعوارض شيبت العوارض ومحنٍ عظام أثرت في العظام وللأنام دول متعاقبة وللصبر الجميل عاقبة.
فصل: بلدة هي من أخلاقه جونة العطر من محاسنه عيد الفطر: فصل: ما أولاه بمثل ما أولاه وأحراه بمثل الذي تحراه وأحقه بالشكر الذي استحقه. فصل: هذه وسميه فلا يحرمني وليه وقد سر بالإبتداء فليسر بالعودة وليه. وهذه غرر ودرر من شعره فمنها قوله من قصيدة أولها:
تبدلت من بعد الحبيب المفارق ... سواد الليالي وابيضاض مفارقي
ومنها:
سقى البارق الغوري عذباً من الحيا ... محلتنا بين العذيب وبارق
وأغنى مغانيها وارضى رياضها ... وشق بلطم القطر خد الشقائق
محلة ايناسي ومغنى أوانسٍ ... ومركز رايات ومرعى أيانق
فيا يومها كم من مناف منافقٍ ... ويا ليلها كم من موافٍ موافق
ومنها:
كأني شهد مجتنىً لفم الردى ... وكل مصيبات الزمان ذوائقي
ومنها:
ولم أنتبه إلا ذكرك صاحبي ... ولم أغتمض إلا وطيفك طارقي
وقوله من قصيدة صاحبية في العيادة والتهنئة بالاقبال:
أطلع الله للمعالي سعوداً ... وأعاد الزمان غضاً جديداً
ومنها:
ببعث الدهر جنده وبعثنا ... نحو دعوة الآله جنودا
يا عميد الزمان إن الليالي ... كدن يتركن كل قلبٍ عميدا
حادثاتٍ أردن إحداث هدمٍ ... لعلاه فأحدثت تشييدا
وقوله من أخرى:
سلام عليها أن عيني عندما ... اشارت بلحظ الطرف تخضب عندما
ومنها:
وزرت به كافي الكفاة وعنده ... ارى الفضل فذاص والتفضيل توأما
ومنها:
ينال لديه معتفى الفضل أجرما ... ما سقى وينال العفو من كان اجرما
ومنها:
وما السيف صمصام ولا الرمح في الوغا ... أجم إذا لم يلف عزماً مصمماً
وقال يهجو:
امسى اجل الشعر لا ينتقي ... وأجهل الناس به من نقد
إن الذي ميز اشعارنا ... أولى من النقد برعى النقد

وقال مطارحة الوسائد في النوادي ... مميزة اللئام من الكرام
يطاهن الكريم بأخمصيه ... وهن يطأن اقفاء اللئام
وقال من أخرى:
وكلفني من بلايا الفرا ... ق حكماً يطاع وما أن يطاق
رقيب يعوق وخل يعق ... وحسن يروق ودمع يراق
وقلب يصب ودمع يصب ... ونفس تشاق وروح تساق
سقى الله حالين من دهرنا ... طراد العتاق وطيب العناق
وقال:
اثنان أجمع أهل ال ... آداب أن لا يعابا
المستميح شرابً ... والمستعير كتابا
أبو جعفر محمد بن اسحق بن علي البحاثي: زينة زوزن وظرف الظرف وريحان الروح يقول في هجاء لحيته الطويلة:
يا لحيةً قد علقت من عارضي ... لا استطيع لقبحها تشبيها
طالت فلم تفلح ولم تك لحية ... لتطول إلا والحماقة فيها
إني لأظهر للبرية حبها ... والله أعلم أنني اقليها
ويقول في ذم خالٍ على وجهه بعض من يهجوه:
ابو طاهر في الشوم واللوم غاية ... بعيد عن الإسلام والعقل الدين
على وجهه خالٍ قريب من أنفه ... كمثل ذبابٍ واقعٍ فوق سرقين
وله في مرثية أبي بكر الصبغي الذي تقدم ذكره من نتفة:
وارحمتا لشبابه ... إذ لم يمتع بالشباب
وكأن في قبره ... شمس توارت بالحجاب
وله في الغزل:
لما ترحل من أهوى وودعني ... وصرت من بعده حيران مبهوتا
نظمت دراً على القرطاس من غزلي ... ومن دموعي على الخدين ياقوتا
وله:
ينيكون غزلان الحسان ولا ارى ... غزالاً من الغزلان فرداً بساحتي
فمن يك قد لاقى من النيك راحةً ... ففي راحتي والريق انسى وراحتي
وله:
ولما رأيت الفقر ضربة لازبٍ ... ولم يك لي في الكف عقد على عقد
ولا لي غلام قد يناك ولم يكن ... سبيل إلى الترك المكحلة الجرد
شريت قبيحاً من بني الهند أسوداً ... ونيك هنود السود خير من الجلد
ومن أحسن ما قيل في وصف البطيخ قوله:
وزائرة تاهت علي ببردها ... ويعجبني منها خشونة جلدها
ثقيلة ما بين الآهاب قصيرةٍ ... وصفرتها تبدو بظاهر خدها
وفاح لها طيب يسير أمامها ... فيحيي لنفسٍ الصب ميت وجدها
فقمت إليها مسرعاً فافترعتها ... وذقت لذيذاً من عسيلة شهدها
وقال في قصرٍ بناه ضد له:
بنى أبو العباس في داره ... قصراً فلا متعه الله به
نام عن الجود ولكنه ... في بخله مستيقظ منتبه وقال في التبرم بالأدب:
إني أقول وخير القول أصدقه ... والصدق يحمل احياناً على الكذب
لا تجمعن ابداً علماً ولا أدباً ... وجد في طلب الأموال واغترب
في المال زين وفخر أن ظفرت به ... والبؤس والنحس والادبار في الأدب
وله عند خروجه في سفر:
خرجت مع الركب الغداة مسافراً ... فيا ليت شعري ها أأوب مع الركب
إذا ذكرت نفسي ديار عشيرتي ... تحدر دمع العين سكباً على سكب
وقال:
اقول إذا رمت الحادثا ... ت بي من بحار السى في لجج
ايا نفس صبراً عسى الله أن ... يقدر لي عن قريب فرج
وقال في أحمد الخشنامي:
وذي أدبٍ بر رميت ببعده ... معين على الأيام افديه من أخ
به ارخ المعروف والمجد والعلى ... ولولا تناهى مجده لم يؤرخ
وكنت اشكو البين في ربع فرسخٍ ... فكيف وفيما بيننا الف فرسخ
وقال في غلام تركي:
بليت بقناص الضراغم شادنٍ ... من الترك لم تحلل تمائمه بعد
تضيق علي الأرض من ضيق عينه ... وينزف شعري شعره الفاحم الجعد
وقال من قصيدة:

لا وأفخاذ الصغار ... وأحيراح الجواري
وستيةٍ من صبي ... بالغ حد العشاوي
وصغير من بني التر ... ك يسقي بالكبار
لا أطيع العاذل الجا ... هل في ترك العقار
همتي شرب خمورٍ ... من يدي ذات خمار
أو يدي ظبيٍ غريرٍ ... رخو معقود الازار
لست والله على الي ... م مع الزير بزاري
أبو بكر أحمد بن محمد القوهي: أحد فضلاء الزوازنة وشعرائها يقول في شكاية فقهائها لما اختاروا لزعامتهم إسرافيل الغزنوي:
لنا فقهاء شرهم جد محكمٍ ... وإن زل خير منهم فهو ينسخ
اقاموا على الناس القيامة جهرةً ... وجاؤوا بإسرافيل في الصور ينفخ
وله من قصيدة:
كم من مود له عقار ... عقاره شد وهو خفا
أي صار عقار بالتشديد وصار هو مودياً بالتخفيف. أبو يعلى الزوزني: من اشهر فضلائها وظرفائها وهو القائل من نتفةٍ:
لم أزل قائلاً بفضلك في الس ... راء فانظر إلي في الضراء
وهو القائل:
أنلني يا حليف المجد سؤلي ... ولا تنظر إلى ثقل الرسول
فإن ضرورة الأيام تلجى ... أحبيناً إلى الرجل الثقيل
أبو الحسن العبد لكاني: والد محمد العبدلكاني الذي طبق الدنيا بشعره المليح الظريف وكتاب اليتيمة مختوم به وعهدي بملكين يجري شعره على لسان كل منهما وهما الأمير أبو العباس بن مأمون خوارزم شاه والأمير صاحب الجيش أبو المظفر نصر بن ناصر الدين رضي الله تعالى عنهما وارضاهما، فأما والده أبو الحسن فإنه يقول في قريةٍ بهداذين من قرى زوزن ما استظرف البيت الأخير منه وهو:
اشرف ببهداذين من قريةٍ ... عن شاينات العيب في حرز
لكنهما من لؤم سكانها ... حطت إلى الذل من العز
ما إن ترى فيها سوى خاملٍ ... جلفٍ دني أصله كز
لا تعجبوا منها ومن أهلها ... فالسوس لا ينكر في الخز
ويقول في التماجن:
رجل أسدى إلينا صالحاً ... فمعاذ الله إن نجهله
بل نكافيه به أضعافه ... أن من يفس لنا نخر له
أبو علي بن أبي بكر بن حشبوية الزوزني: أنشدني أبو القاسم بن أبي منصور له:
تعجب من مشيبي في شبابي ... كأن لم تلق من قبلي مشيبا
فقلت في ذرى التعجب إن هذا ... زمان يجعل الولدان شيبا
وأنشدني غيره له ايضاً:
ليس من قلة العقول أتينا ... بل لما ساقه الجدود العوائر
كيف نرجو نجاحنا من رئيسٍ ... ليس يحظى لديه إلا مواجرا
ابو الحسن علي بن أبي علي بن جعفر المعروف بابن سيسنبر الزوزني: يقول في معنىً تفرد به وهو يقع في باب تكلم كل إنسان من صناعته وقد مر مثله في ذكر أبي بكر القوهي وغيره:
كفى الشيب عيباً أن صاحبه إذا ... أردت له وصفاً به قلت أشيب
وكان قياس الأصل أن قست شائباً ... وللكنه في جملة العيب يحسب
يعني أن معائب خلق الإنسان في كلام العرب يجيئ أكثرها على افعل مثل أعمى وأعرج وأعور وأزرق وأحول وأقرع وأصم وأبخز وأوقص.
أبو علي الحسين بن أحمد رزغيل:له:
إلى الله اشكو ما لقيت من النوى ... فلم يلق منها ما لقيت متيم
فراق وهجر واشتياق وغربة ... فلله قلب بينهن مقسم
وله:
ولي همة فوق نجم السماء ... ولكن حالي تحت الثرى
فلو ساعدت حالتي همتي ... لكنت ترى غير ما قد ترى
وله:
ابا الفضل ياعين الفضائل إنني ... عليك لمثنٍٍ غير أني قاصر
وإن الذي يرنو إلى الشمس ناضراً ... ليرجع عنها طرفه وهو حاسر
ذكر سائر أهل نواحي نيسابور منهم: طاهر بن عبد الله البيهقي: كتب إلى أحمد بن عثمان الخشنامي الذي تقدم ذكره:
يابن عثمان يا كريم السجايا ... صانك الله عن جميع البلايا
أنت في الفضل والبراعة والظر ... ف وكل الخصال فقت البرايا

صح لما رايتك اليوم عندي ... قولهم إن في الزوايا خبايا
ابو الهيجاء علي بن حمدان الخوافي: يقول في الشيخ الإمام الموفق أدام الله عزه:
إن الموفق لو كانت أنامله ... بحراً لآذن أهل الأرض بالغرق
ولو نثرت على الدنيا محاسنه ... ما أنبتت غير حسن الخلق والخلق
ويقول في مطابية اهل زوزن:
إن التكهرش عادة يحظى بها ... أهل المروة والذي يتظرف
لكنه في أهل زوزن عادة ... مطبوعة ولأهل خواف تكلف
ابو العباس محمد بن إبراهيم الباخرزي: غرة شادخة في وجه ناحيته مرغوب في شعره، أنشدني أبو القاسم علي بن الفضل القائني رحمه الله قال أنشدني أبو العباس الباخرزي الكاتب لنفسه وكان إذ ذاك يكتب للشيخ العميد أبي القاسم منصور بن محمد بن كثير أدام الله عزه بغزنة:
قل للأمير السيد النحرير ... فقت الورى وفضلت كل أمير
إن شئت أن يزداد ملكك بسطةً ... بوزيرٍ ابن وزير ابن وزير
فعليك بالشيخ العميد المرتجى ... منصور بن محمد بن كثير
فيكون في الديوان صدر وسادةٍ ... ويكون في الأيوان صدر سرير
وذكر اسم الممدوح واسم أبيه وجده معاً صنعةٌ حسنةٌ في محاسن الشعر فإذا اتفق مع ذلك ذكر الكنية فناهيك به كما قال الأصمعي الشاعر للشيخ أبي الحسين محمد ابن كثير رحمه الله تعالى يوم استوزر ببخارا:
صدر الوزارة أنت غير أنت غير أنت ... لأبي الحسين محمد بن كثير
فاحسن في الجمع بين الكنية والاسم واسم الب وجنس بذكر كثير وكثير فإن كان الباخرزي قصر في ذكر الكنية فد برع في ذكر اسم الجد وقول الأصمعي أبرع وأحلى ولم أسمع في مثل هذا اشف من قول أبي القاسم الأليماني من قصيدةٍ إلي الشيخ الجليل أبي علي محمد بن عيسى الدامغاني فإنه ذكر بلدة الممدوح وبها كان يعرف فأتى بالاسم والكنية واسم الب والبلدة ولي في مثل هذا النقد واشبهه من صنعة الشعر وصيغته ومحاسنه ومعانيه كتاب يقع في مائة بابٍ وقد ابتدأته ولم أتممه بعد وارجو أن يوفق الله لإتمامه ومن عزمي أن لا اقتصر فيه على النظم دون النثر وأن أعنونه بسر الصناعة إن شاء الله تعالى. عاد ذكر أبي العباس ، حدثني أبو علي بن أبي الطيب قال كتبت إلى أبي العباس وهو بغزنة هذين البيتين:
الله اسأل أن اراك قريباً ... ويعود عود الوصل منك رطيبا
حتى تكون لداء فرقتك الذي ... شق القلوب وطبيبا
فأجابني بهذه الأبيات:
استودع الله الحفيظ حبيبا ... يحكى إذا نظم القريض حبيبا
متطبعاٍ طبع الشآم مبرزاً ... متدرعاً طرف العراق أديبا
ضافي المروءة ناشياً أو يانعاً ... صافي الأخوة مشهداً ومغيبا
حقت به لأبيه كنيته التي ... يزداد فيها كل يومٍ طيبا
فخراً به يا أهل مالين التي ... لولاه كان به الأديب غريبا
وأنشدني له أيضاً من نتفةٍ في الهجاء:
ما فيه فضل ولا عقل ولا أدب ... ولا حياء ولا دين وإيمان
لو خط في الخبز حرف من معائبه ... لم يأكل الكلب منه وهو غرثان
أو شيب بالماء شيء من خلائقه ... لم يشرب القرد منه وهو عطشان
وله في الشكر والاستعفاء من كثرة البر:
مهلاً فما بعد هذا البر امكان ... وليس فوق الذي أحسنت أحسان
فالماء أن جاوز المقدرا مهلكة ... والعدل أن جاوز المرسوم عدوان
أن الصابع خمس وهي كاملة ... فإن يزدن قذاك الفضل نقصان
ابو علي الحسن بن أبي الطيب الباخرزي أيده الله تعالى: فتى كثر الله فضائله وحسن شمائله فالوجه جميل تصونه نعمة صالحة والخلق عظيم تزينه آداب راجحة والنثر بليغ تضمنه أمثال بارعة والنظم بديع كله أحاسن لامعة وأنا كاتب من نثره ما يربي على الدر المنثور ومن نظمه ما يأخذ بمجامع القلوب، جملة من الفاظه في كل فن:

نعم العادة للإنسان إعادة الإحسان. لاتجعل الجزع كسوة فتكون للنسوة أسوة. طوبى لمن عقله يغنيه عما لا يعنيه. من قنع بما يكفيه فرايك فيه. العذل على البذل فعل النذل. السعيد من يبدئ البر ثم يعيد. الشقي من شكاه التقي. لاتضطرب في مخالب المحنة فتمزقنك بأنياب الاحنة. من تزود التقى استمسك بالعورة الوثقى. من دفىء بجمر الخمر عري من برد البرد. أنزه المناظر والمجالس ما سافر فيه ناظر الجالس. الوصب نتيجة النصب والراحة ثمرة الإستراحة. الصبر على الأوصاب أمر من الصاب. ردائة الملبوس شعار البوس وجودة البزة علامة العزة. من نكد الدنيا طول حياة الحيات وقصر آجال الرجال. الرحيق على الريق حريق وبعد الطعام برد وسلام. لا يستبدع العبوس من المحبوس. لو كان الهدد طبيباً لصير بيته طيباً. من يعدم خيرك يخدم غيرك. الطبع على الرخيص حريص وللغالي قال. فلان لا يمسكني فاقر ولا يتركني فافر. فلان يخلف عداتي ويشمت عداتي. ماشئت من لفظ بار ورزق غير داري. لا اشتغل بوصف الشوق فقد كبر عمرو عن الطوق ولا بشرح0 المودة الجانبين فقد بين الصبح لذي عينين. فصل: لحى الله زماننا من زمان سقط فيه سعر الشعر وظهرت كآبة الكتابة وانخفض علم العلم ونصب نهى النهي وعز وجود الوجود وانسد باب الألباب وانطوى بساط الإنبساط وارتفع قدر القدر وانقطعت فائدة المائدة وخابت وسائل السائل وقامت سوق الفسوق. ومن بدايع شعره ولطائفه قوله في غلامٍ صوفي لم يسبق إليه:
وشادنٍ يدعى التصوف قد ... أورثت الحور حيرة صفته
أصفى له مهجته تصوفه ... ورفعت توبتي مرقعته
قوله في غلام خياط:
قولا لخياطنا خفياً ... يا أوحد العصر في الجمال
قد مزق الهجر ثوب صبري ... فجد بخيطٍ من الوصال
وقوله في غلامٍ مزين:
مزين زانه حسن وإحسان ... فما يشاكله في الشكل إنسان
حمامة كجحيم من حرارته ... لكن متى تأته يخدمك رضوان
ومن افراد معانيه قوله في التلفيق بين النبل والقوس:
وبدر اعير قوام النبال ... تقوست من هجره كالهلال
ولما تراءى غداة الودا ... ع كالنعمة اقتربت من زوال
أطلت الحنين وزدت الأنين ... واصبحت من سوء حالي بحال
كذاك القسي تطيل الأنين ... إذا كلفوها فراق النبال
وقال في مختطٍ قارب الالتحاء:
يا بدر أنك قد بلغ ... ت من الجمال مدى كمالك
أخشى عليك دجى الكسو ... ف وقد بدت آثار ذلك
عهدي بخالك وهو عي ... ن الدهر يشغل عن جمالك
فباي عذر قد ستر ... ت بكم خطك وجه خالك
وقوله في مختط خطاط:
قد قلت لما فاق خط عذاره ... في الحسن خط يمينه المستملحا
من يكتب الخط المليح لغيره ... فلنفسه لا شك يكتب أملحا
وقوله في صبية مليحة توفى ابوها فأفطرت في الجزع:
ودرة حسنٍ أنفدت حسن صبرها ... وفاة ابيها فهي تبكي وتجزع
فقلت اصبري فاليتيم زادك قيمةً ... اليس يتيم الدر ابهى وابدع
وقوله في قينة بيدها كاس:
ظللت افكر طول النهار ... وقد حملت ذهبي العقار
افي يدها ذهبي العقار ... باحسن أم ذهبي السوار
وقوله:
سأعمر بالشراب شباب عمري ... وترك الشرب قبل الشيب لوم
ابذل فضل مالي قبل موتي ... فمورث مالي عندي ملوم
وأهزم بالعقار جنود عقلي ... لكيلا يشغل القلب الهموم
ولا أختار قبل الشيب زهداً ... لأن البقل قبل الخبز شوم
ولا ارجو دوام العمر علماً ... بأن العمر شيء لا يدوم
وقوله في ذم الشراب:
لاتسقنيه فإني أيها الساقي ... اخاف يوم التفاف الساق بالساق
هذا الشراب يهيج الشر نشوته ... فميز الشر عنه واسقني الباقي
سعني اسقني الماء القراح بالفارسية، وقوله في غلام اصهب الشارب:
بدت صهبة في مسك شارب مالكي ... فأطرق عشاق وعابته أعداء

وشاربه لا غرو إن كان اصهباً ... فمرتعه ورد وسقياه صهباء
وقوله:
حشوت قلوبنا بقلى ومقت ... لفرط رعونةٍ في كل وقت
فإن تك قد جلست اليوم فوقي ... فربت ليلةٍ قد نمت تحتي
وقوله:
لنا صاحب للزاد آكل من رحىً ... ولكنه للراح أشرب من قمع
إذانحن ضفناه تغير وجهه ... ومهما اضفناه تلألأ كالشمع
وقوله:
دعاني أحمد قبل الشروق ... وأمسكني إلى وقت الطروق
ولما جعت عشاني لديه ... بقرص الشمس مع بيض الأنوق
ابو جعفر أحمد بن الحسن بن الأمير الباخرزي الخطيب: قاضي الظراف، يقول في زعيم ناحيته أبي سعيد خداش بن أحمد:
ولي أبداً امران يكتنفانني ... هما عدتا ديني ودنياي سرمدا
شهادتي التوحيد لله خالصاً ... وحبي في الدنيا خداش بن أحمدا
ويقول:
اهيم بذكر التيرشاذ صبابةً ... وما بي إلا حب من حل واديها
وإن نسيماً من رياح جبالها؟؟ ... أحب من الدنيا إلي وما فيها
ويقول:
بحق النبي وحق الوصي ... وحق المشاعر والقبلة
أنلني مرادي يا منيتي ... وما أن أروم سوى قبلة
؟؟؟؟؟؟سائر اهل بلاد خراسان ابو نصر أحمد بن علي بن حفص العمروي ايده الله: فرد طوس وغرتها وحسنة النوقان ونكتتها وأدب غزيز يجمع الفضل أطرافه ومجد قويم تحرس المروة أكنافه وأنا كاتب من شهره ما هو أدنى فضائله كقوله في الغزل:
مشوش الصدغ ساحر الحدق ... معشق الخلق فاتن الخلق
كأن صدغيه فوق عارضه ... من غسقٍ رفرفٍ على فلق
وقوله في فتى جاءه بآلات البخور ليبخره:
ومورد الخدين با ... در نحو عاشقه بمجمر
بالنفخ صير عوده ... ما بين مجمرةٍ معنبر
وبماء وردٍ خلته ... من ورد عارضه المنور
حييته ولعاً وقل ... ت له مقالاً ليس ينكر
نفحات ندك دون مس ... ك فوق عارضك المكفر
والورد في خديك نا ... ب عن ابنة الصافي الممطر
فاحمر وجنته واظ ... هر حسنه ماكان مضمر
وبدت لآل منه في ... صدف من الياقوت أحمر
وقولٍ:
تحت القلنسوة السوداء لي قمر ... تحار في حسنه الألحاظ والفكر
في سرجه غصنٌ بان منه بان لنا ... من العقيق كمامٌ نوره درر
في وسطع أنجم الجوزاء لائحة ... فوق الكثيب ومن أعلاه لي قمر
وقوله:
وبنفسجي الثوب حياً مدنفاً ... ببنفسجي بستانه وعذاره
غصن بدى لي في قباء بنفسجٍ ... منه وبدر لاح من أزراره
ولو حضرني شعر أخويه أبي عمر حفص وأبي عبد الله محمد ابني علي بن حفص أيدهما الله لكتبته فهما هما في الفضل والأدب والغض والكرم المحض وإذا حصلت ألحقته ولم أشن كتابي بالخلو منه إن شاء الله تعالى
أبو علي الفضل بن محمد بن الحسين الطبرستي : من أنجب شبان طوس وأجمعهم للمحاسن والفضائل وابرعهم في النظم والنثر على غضاضة عوده واقتبال شبابه وهو خلف من أبيه أبي الحسين رحمه الله إذ كان عزة شادخة في وجه بلدته جامعاً بين الأدب والشعر والفقه فاحتضر وما مات من خلف مثله ومثل أخيه أبي القاسم وقد كتبت بعض ما وقع إلي من شعر أبي علي كقوله:
فديت من قد جفاني في مودته ... لكنني لهواه لا أكافيه
إني نظرت إلى فيه فلم اره ... حتى رنوي إلى فيه نكى فيه
لو صيغ خاتمه للخصر منطقةً ... منه لكان للطف الخصر كافيه
وقال ايضاً
سبى القلب بدر سر عيني طلوعه ... صباحاً فوا قلباه عند غروبه
إذااستل سيف الهجر فاضت توجعاً ... غروب شؤوني من شؤون غروبه
وله أيضاً في الهجو:
غير المعقول عيوبه كالواو من ... عمرو يرى واللفظ عنه قصير
كالنون من زيد يقال مديحه ... باللفظ لكن لايراه بصير
وله في شكوى الزمان:

لقد ضقت ذرعاً من عجائب ذا الدهر ... يوافق نزلاً ثم يسطو على حر
ترى الحر فيه معسراً ليس عنده ... ولو بلغ المجهود غير اذى الفقر
وكل لئيم في رخاء ونعمة ... كذلك أمور الدهر تجري على القدر
على ذاك أن الحر يلقى افتخاره ... ورفعته في الفضل لا اليسر لا اليسر والعسر
وكم معسر فيه الفضائل جمة ... وكم موسر لا فضل فيه مع اليسر
وله في نسيب قصيدة:
أبيت مسهداً أبكي انفرادي ... بمن هو في رقاد من سهادي
تعاطى الجسم من عينيه سقماً ... فعاضت عينه مني رقادي
وصوبني انحناء الصدغ منه ... فعلم صدغه قلقاً فؤادي
وفي هذه القصيدة قال للمدوح:
خلائقه الحميدة حين تحصى ... على الأيام تأبى عن نفاد
ابر من الأنام وأن يفدى ... له طوعاً إذا ما عن فاد
لئن قبلت يد الأعسار حراً ... تجده لما جنت يمناه وادي
فصار المجتدون إليه طراً ... من الآفاق طامحه الهوادي
والقوا من يديه ما تمنوا ... وبشرهم نداه بالمعاد
يبالغ جاهداً في الجود حتى ... ينيل نوال كفيه الأعادي
ابو القاسم عمر بن عبد العزيز السرخسي الملقب بالجكرزي من أظرف خلق الله وأحلاهم مذاق معاشرة وأعذبهم مساغ منادمة وأجمعهم بين جدٍ كعلو الجد وهزل كحديقة الورد ومجونٍ الطف من نسيم الصبا وشعر كعهد الصبا كقوله:
ما قولكم من ماجن ... النيك أكبر همه
لم يلق في الدنيا حراً مذكان غير حرامه
وقوله:
هبت رياح معاشر عاشرتهم ... ووجدت ريحي أو لعت بسكون
فعجبت منه وقلت بعد تلهف ... يا ليت قوماً نكتهم ناكوني
وقوله:
قالوا التحى قلت مهلاً ... حديثنا ذو شجون
قد كان بدر تمام ... فعاد كالعرجون
ولست أعمى ولكن ... أنيكه لمجوني
وكتب إلى صديق له مع عراضة هروية أهداها له:
ايها الفاضل الذي قد كستني ... غر آدابه من العز ريطا
في است قاليك الف زب من القب ... ط وهنيت فستقاً وقبيطا
وقال للشيخ الحجاج بن الشيخ أبي العباس الإسفرايني وقد خر سقف دهليزه بسنا فتطير من ذلك
أتاك السعد مشدود النطاق ... يبشرنا بعزك فهو باق
وشيد عند بابك للمعالي ... رواقاً رائقاً عالي المراق
وأحكم صنع هيكله فاضحى ... رواق الطين قالب ذا الرواق
فلما تم واستعلى مشيداً ... على حسن التئام وإتساف
تولى السعد نفض رواق طينٍ ... كذاك يهد قالب كل طاق
وكتب إلى صديق مع هدية:
النمل تعذر في مقدار ما حملت ... والعبد يعذر في مقدار ما ملكا
ولو أطاق لأهدى الفرقدين معاً ... والشمس والبدر والعيوق والفلكا
وكتب إلى صديق له دعاه في يوم فطر:
إن شهر الصوم ضيف نازل ... فإذا ما حل فانشط لقراه
وقمد الفيل يوم الفطر في ... سرم من يفطر في بيت سواه
العمركي الميهني اشهر شعره وأجوده قوله:
إذا أردت أن تعيش سالماً ... فكل ما لم يك يعينك فدع
وإن طلبت الرزق فاقنع بالذي ... اوتيته واقطع من الناس الطمع
سل رب مسؤوليك تعط إنه ... من سأل السائل خاب واتضع
فأنت والناس عبيدٌ واحد ... من شاء أعطاه ومن شاء منع
أبو بكر النوسي الفقيه: هو محمد بن القاسم وقد ظرف وملح في قوله لغلام صائغ ولم اسمع فيه غيره:
وشادن صائغ هام الفؤاد به ... وحبه في سواد القلب قد رسخا
يا ليتني كنت منفاخاً على فمه ... كيما اقبل فاه كل ما نفخا
وله أيضاً فيه:
وقد كنت ذا قلب رخي فارغ ... حتى ابتليت بحب بدر بازغٍ

ولقد رضيت بأن أكون سبيكة ... فاصاغ في حانوت ذاك الصائغ
أبو منصور قسيم بن إبراهيم القائني الملقب ببزرجمهر: شاعر مفلق مبدع باللسانين من شعراء السلطان الأجل أدامه الله تعالى ملكه، يقول في استطالة الشتاء واستبطاء الربيع ما تفرد بمعناه وأحسن كل الإحسان في التشبيه البديع حيث قال:
لقد حال دون الورد برد مطاول ... كأن سعوداً غيبت في مناحس
وحجب في الثلج الربيع وحسنه ... كما اكتن في بيضٍ فراخ الطواوس
وله في الهجاء البديع:
بخلتم فود المشركون لو أنهم ... فدورهم كيلا تمسهم النار
وقال ايضاً:
رايتك تبغي بسوء الصنيع ... ثناءً جميلاً مسوقاً إليكا
وتغسل قبل الضيوف اليدين ... كأنك تغسل منهم يديكا
ابو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي : أديب كاتب شاعر كثير المحاسن سمع قولي في كتاب المبهج كأن ورق النرجس ورقٌ وعينه عين فنظمه بقوله:
ونرجس قد له القد من ... زبرجدٍ في قدر شبرين
فالورق الغض مصوغ له ... من ورقٍ والعين من عين
وأنشدني لنفسه في الورد :
قلت للورد هل ترى لك بداً ... من رحيلٍ يسوءنا منك جدا
قال احكي الحبيب لونا ولينا ... ونسيماً كما أحاكيه صدا
وأنشدني لنفسه في معنا تفرد به:
الله اشهد والملائك إنني ... لعظيم ما أوليت غير كفور
نفسي وقاؤك لا لقدري بل ارى ... إن الشعير وقاية الكافور
وفي هذا المعنى بعينه:
نفسي فداؤك وهي غير عزيزة ... في جنب نفسك وهي جد غزيز
ولقد يقي الخز الثمين اذاته ... في وقته كف من الشونيز
وله في الشيب:
فرشت لشيبي أجل البساط ... فلم يستطب مجلساً غير راسي
فقلت لنفسي لا تنكريه ... فكم للمشيب كراسي كراس
وأنشدني لنفسه:
عسى المهم المخوف يكفي ... لطيفة من لطائف الله
فلطف صنع الآله عندي ... وظيفةً من وظائف الله
القاضي أبو أحمد منصور بن محمد الأزدي الهروي : قد ضمنت كتاب اليتيمة ذكره إلا أني لم أعطه حقه ولم اقدر قدر لعلتين إحداهما إني في ذلك الوقت لم يكن وقعت بيني وبينه معرفة ولا اتفقت لي بعظم محله وعلو فضله إحاطة والأخرى إن محاسن نظمه وبدائع نثره قلت لدي إذ ذاك بل عزت واعوذت ثم طلع علي من بعد وتقدر لي التقاء به بعد فراغي من كتاب اليتيمة فأحدثت مناسبة الأدب وذمة المعرفة وحرمة الغربة بيننا حالاً هي القرابة أو اخص وامتزاج النفوس أو أمس وشملني من جلائل مننه ودقائق كرمه ما اثقل ظهري واستنفد شكري وجمعت يدي من غرر كلامه ودرر نظامه على ما يميز له الليل المظلم ويتصف به الدهر الظالم وقد أودعت الآن كتابي هذا لمعاً من نثرة ونظمه تتلافى الفائت وتجبر الكسر إن شاء الله تعالى وبه الحول والقوة. فقر ولطائف ونكت من منثور كلامه: فصل: كتبت ويدي واحية وعيني ماحية فسل بي الأرق وأنا لا أحمل الورق ولا افل القلم فاصف الالم

فصل: بي أيد الله الشيخ رمد وفي الهواء ومد ولقاء الشيخ فرج ولكن ليس على الأعمى حرج لا سيما والمجلس وطي والمركب بطي ووهج الصيف يثير الرهج ويذيب المهج. فصل: عبده الذي يحب الحياة لخدمته وينشر محاسن دولته بلسانٍ فيضه المدح والثناء وقلب حشوه الود الدعاء. وكتب إلى صديق له حياً بباكورة وردٍة فردة. وصلت ايد الله الشيخ الوردة الفردة لا زال ذكره كرياها عرفا ودهره كفضلها ظرفاً وحال أوليائه كأصلها خضرة ووجوه أعدائه كلونها صفرة فسرت الكرب وسرت القلب وأدت الأدب وأهدت الطرب ودعت إلى الرسم المألوف وأمرت بالمنكر المعروف وافتنا والليل قد حط رواقه وحل نطاقه والصبح قد بسط رداءه ورفع لواءه والجو قد أخذ زيه الأحسن ونشر مطرفه الأدكن والندى طل والنسيم مبتل والمزن منسجم وثغر الصبح مبتسم ونحن نبوح بما في الصدور ونطير بأجنحة السرور فوضعت الوردة على الرؤوس وأديرت مع الكؤوس ونطقت الأوتار فمع كل نفرة نبرة ومع كل نبرة نعرة ومع كل ضربة طربة ومع كل طربة شربة ولكل ذي فطنة فتنة ولكل ذي توبة أوبة ومع كل ذكرة فترة وعند كل لفتة حسرة ومع كل دورة سكرة. وله من كتاب صدر من بغداد: كتابي أطال الله تعالى بقاء الشيخ وقد محا الشوق اصطباري وحل الشيب يلعب في عذاري
وما إن شبت من كبر ولكن ... لقيت من الحوادث ما أشابا
والهموم إذا لقيت الصخر أذابته ففيما أتعجب ومنها إن لقيت الشعر فأشابته ووصل كتابه فأعاد الروض الممطور والوشي المنشور ووجدت كلامه يستفيد تحت مر الأيام ما يستفيد الروض تحت صوب الغمام فيزداد قوة اصول وبهجة فصول
مثل الهلال بدا فلم يبرح به ... صوغ الليالي فيه حتى أقمرا
فهو بحمد الله كما يلتقي الوشيان وشي الربا ووشي البرود ويجتمع الوردان ورد الجنى وورد الخدود غير أن رقة الشكوى تركته دمعاً ينسكب وجمراً يلتهب وعلمت أنه صدر عن صدر وافٍ وودٍ صاف فإن اللسان يؤدي عن القلب ما يخفيه وإنما يرشح كل إناء بما فيه وبحسن الكلام تعرف صدق الوداد وفي خضرة الروض تحسن آثار العهاد
ومما قالت الحكماء قدماً ... لسان المرء من خدم الفؤاد
وما أنا معه إلا الطرف والرقاد والصدر والفؤاد، ذكرى مدينة السلم وحضرة الإسلام ولونطق عن اختبار لأجرى القول إلى الإختصار وما أبعد الطعوم من الألوان وما أبين البون بين السماع والعيان فإن طرة رأفتك فأخبر فربما أمر مذاق العود والعود أخضر بلى ما شئت من أشواق وأندية وأطواق وأردية ثم قف العطايا ولا تبدي الخفايا فإن جازت كسوتهم إليهم فليس وراء عبادان قرية وأنا في إجتواء بغداد للإجماع خارق وللجماعة مفارق ولكنه اجماع ماانعقد على تحصيل ولا استند إلى اصل اصيل وها أنا اقيس هراة إليها بل افضلها عليها
فوالله ما أدري ازيدت ملاحة ... على الأرض أم رأي المحب فلا أدري
نسخة كتاب له إلى شمس الكفاة رحمه الله تعالى عند عود الوزارة إليه ولم يقصد الشعر
الشمكس في راد الضحى ... والبدر في جنح الدجى
والماء في حر الصدى ... والغيث جاد على الثرى
والمزن يضحك في الربى ... والورد جمشه الندى
والصبح يقدمه الصبا ... والعيش في زمن الصبا
والقرب صب على النوى ... والقلب رق مع الهوى
والطرف غازله الكرى ... والصفو باعده القذى
والحلى في ثغر الدمى ... ومنازل لك بالحمى
وعهود سعدى باللوى ... والدهر يسعد بالمنى
والبرء في عقب الضنا ... والفقر يطويه الغنا
والبشر يتبعه الندى ... والنشر من بعد البلى
والود في أثر القلى ... والمحل يطرده الحيا
والعتب يمحوه الرضى ... والكف تسمح باللهى
ومذاكرات ذوي النهى ... والراي يعضده الحجى
والجد ساعد فاعتلى بها وما لها من الأمثال سارت سوائر الأمثال فيما يونق النفوس والطباع ويونس الأبصار والأسماع وأحسن من هذا كله أيام الشيخ الجليل وقد أتاه اسم ما لم يزل معناه
فيا حسن الزمان وقد تجلى ... بهذا الفخر والإقبال صدره

وكان الدهر يعذر قبل هذا ... فحل وفاؤه وانحل عذره
تصدر للوزارة مستحق ... تساوى قدرها شرفاً وقدره
فقل في النصل وافقه نصاب ... وقل في الأفق اشرق بدره
فالحمد لله الذي زان الشجر بالثمر وحلى البرج بالقمر وأنس العرين بالأسد وأهدى الروح إلى الجسد لم انس أدام الله علو مولانا رسم التصدير وما يجب من مراعاته على الصغير والكبير ولكن التهنئة المرسومة تتهاداها الأكفاء وتتعاطاها النظراء فأما الخدم مع الصدور والنجم التاليات مع الأهلة والبدور فالعادة فيها الوفادة ثم إن تعذرت الإرادة ولم تساعد السعادة فالدعاء موصولاً منشوراً والثناء منظوماً منثوراً وعلى هذه الجملة عملت وإلى هذا الجانب عدلت فأصدرت كلمة نتجها الود الصريح ونسجها الولاء الصحيح
فجاءت تودي وجوه الريا ... ض اضحكها العارض الهامع
وليس لها غير عين الرضى ... لديك زمام ولا شافع
وهذه ملح وظرف من شعره كتب إلى بعض ندمائه قصيدة منها:
كتبت ولي بذكراك انتعاش ... ولكن بي من السكر ارتعاش
وللشادي نشاط وانبساط ... وللساقي احتثاث وانكماش
وما يروى العطاش بغير ماء ... وأنت الماء إذ نحن العطاش
فإن تسرع فوجهي والندامى ... وإن تبطئ فحيني والفراش
وقال في فتى فأمرة
رشأ فتور جفونه ... يهدي الفتور إلى البشر
ورد الجمال بخده ... ينبث في ورد الخفر
قامرته بالكعبتي ... ن مساهلاً حتى قمر
فازداد حسناً وجهه ... لما رأى وجه الظفر
فنعرت نعرة عاشقٍ ... قمر القمر قمر القمر
وله:
أفدى الذي كلما تأمله ... طرفي كاد الضمير يلتهب
ينتهب اللحظ ورد وجنته ... ولحظه للقلوب منتهب
وله في النرجس:
ومهفهفٍ لما تثنى خلته ... غصناً يجد به النسيم ويلعب
أومى إلي بكاسه فشربتها ... وحسبتني من وجنتيه اشرب
ودنا إلي بطاقةٍ من نرجسٍ ... فحسبت بدراً في يديه كوكب
وله أيضاً في الورد الصفر:
أنسيت إذ نبهت من نبهته ... والفجر من خلل الدجى يتنفس
يسعى إليك مع المدام بوردة ... صفراء يحكيها لمن يتفرس
كعب من الميناء ركب فوقه ... جام من الذهب السبيك مسدس
وله فيه أيضاً:
أدر المدامة يا غلام فإننا ... في مجلس بيد الربيع منجد
والورد أصغره يلوح كأنه ... أقدام تبرٍ كعبت بزبرجد
وله في الشراب على الثلج:
قم لاعدمتك فاسقني من قهوةٍ ... لو أبرزت للشمس أخفت نورها
وانثر على الذهب اللجين أما ترى ... نثر السماء على الثرى كافورها
وله في البنفسج:
طلع البنفسج زائراً أهلاً به ... من وافد سر القلوب وزائر
فكأنما النقاش قطع لي به ... من أزرق الديباج صورة طائر
وله في ترجمة فارسية:
رأيت غذاء الطفل درة أمه ... وإن غذاء الشيخ صرف من الخمر
فراجع من الجام الفراش عشية ... وفارق من الجام الفراش مع الفجر
وله في مطرب مختط:
وشادنٍ تفعل ألحاظه ... بالقلب ما لايفعل السحر قط
لم أنسه يكسر أعطافه ... والورد من وجنته يلتقط
مرتبط البربط في حجره ... يا ليتني بربطه المرتبط
معتدلا ضرباً وصوتاً معا ... كما التقى للعين خد وخط
وله:
حتى متى وإلي متى ... أقصر بذرعك يا فتى
فكأنني بك ناظراً ... في أثر صيد أفلتا
لا تحسبن جمال وج ... هك دائماً لك مثبتا
فالخط يفعل ما عمل ... ت وما علمت وقد أتى
وكتب ببغداد إلى صديق له يدعوه في أيام الورد وبلغه أنه متشاغل بالنرد:
نحن بالنجمي في يو ... م كما ترضاه ابلج

ناضر النبت رقيق الجو ... رطب الطل سجسج
بين منثور وخيري ... وورد وبنفسج
ولنا وجه من الجو ... نة كالروض مدبج
ومع اللفات وسط ... وشواء وملهوج
ولنا راح كمثل النا ... ر في الكاس تأجج
ومغن ساحر الألحا ... ظ ساجى الطرف أدعج
فإذا شاء تغنى ... وإذاشاء تغنج
فاختر الورد على النر ... د وجئنا نتفرج
وله في أمرد التحى:
يا من أناف بلحية تيسية ... بدلتنا بالورد شوك العوسج
قد كنت تونسنا بطلعة كوكب ... فرجعت توحشنا بطلعة كوسج
وله:
الله جار عصابة رحلوا ... ساروا وقلب الصب عندهم
مالشان ويحك أنهم رحلوا ... الشان إني عشت بعدهم
وله:
سكوتي كلام والكلام سكوت ... ولي طمع أحيا به وأموت
وليس لروحي غير قربك راحة ... ولا لفؤادي غير حبك قوت
وصبري قليل والهموم كثيرة ... وأنت بخيل والزمان يفوت
ومن لي بحسن الصبر عنك وإنما ... وصالك لي ماء وقلبي حوت
وله أيضاً:
من وجهه كالقمر الفرد ... أقبل في قرطقة الوردي
يسعى على الورد برودية ... يكسد سوق العنبر الورد
فاغد علينا تر ما شئت من ... وردٍ على ورد على ورد
وله من قصيدةٍ:
شمائل مشرقة عذبة ... تعادل رقتها والصفاء
فهن العتاب وهن الدموع ... وهن المدام وهن الهواء
وكتب إلى مؤلف الكتاب:
جعلت لك الفداء لو أن كتبي ... بحسب تكثري بك واعتدادي
إذا لجعلت أقلامي عظامي ... وطرسي مقلتي ودمي مداوي
ابو القاسم طاهر بن أحمد الهروي: صاحب البريد كان بنيسابور رحمه الله تعالى غزير الأدب حسن الترسل مليح الشعر منفرد عن اقرانه بالفضل أنشدني لنفسه:
اعيذ علاه أن يكون ابتداؤه ... زيادة علياه بنقص صديقه
وأنشدني أيضاً لنفسه:
إذا انتهز الأحرار للجود فرصةً ... فللمنع والتعويق ينتهز الفرص
وإن ذكرت بيض الأيادي فإنما ... يد لك لا تبيض إلا من البرص
وأنشدني له بعض بلديه وأنا اشك فيه:
ضمان على الإقبال ما أنت طالب ... وحتم على الأيام أنك غالب
وما هذه الدنيا لغيرك فانتظر ... مواعد ما تومي إليه العواقب
رواقك ممدود وجدك صاعد ... وجندك منصور ونجمك ثاقب
وهذه فصوص من فصول رسائله: من شكر البحر على التدفق والشمس على التألق والمسك على التارج والصبح على التبلج فقد عاد بتكلف غير مربح وسعي غير منجح فصل: قصر كتاب الشيخ قصوراً ترك الهم طويلاً والصبر قصيراً وأورث القلب تفكراً والعيش تكدراً.فصل: وصل كتابه فحكى الرياض مجودة والأماني موجودة والمسرات آتية والنعم مواتية.فصل: توقعت اتجابا فلم ار إلا حجابا وتوسلت بالحقوق السالفة فلم أحصل إلا على المعاذير العاثرة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أبو مسعود عصم بن يحيى الهروي: من حسنات هراة وامزاد أدبائها وفضلائها، أنشدني لنفسه:
يهنئني الأنام بخصب روضٍ ... حللت بجنبه خضل مطير
وما خضب الرياض بنافع لي ... إذا ما كنت في طول قصير
وله على لسان صديق قدح النار بحضرته فلم يور:
إن كان زندي كبا في مهنةٍ عرضت ... وصادفت غبية الخدام عن داري
فإن سيفي لا تكبو مطاربه ... يوم الجلاد وزندي في العلى وار
وله في العيادة:
مولاي إن فؤادي جمرة تقد ... والدمع مني على الخدين مطرد
إني لأكره أن القاك مشتكياً ... فلا اقاسمك الشكوى التي تجد
المعروف بن أبي الفضل الدباغ الهروي: أنشدني له أبو علي الحسين بن محمد الكاتب النسفي المقيم كان بهراة في هجاء بوشنج وأهلها:
إذا سقى الله أهل منزلةٍ ... فلا سقى الله أرض بوشنج

كأنها في اشتباك بقعتها ... خربها الله نطع شطرنج
قد ملئت فاجراً وفاجرةً ... أكرم منهم خؤولة اللزنج
كأنما صوتهم إذا نطقوا ... صوت قمدٍ يدس في فرج
الأستاذ أبو زكريا يحيى بن عماد السجزي: المقيم كان بهراة رحمه الله تعالى هو أشهر وذكره أسير من أن ينبه على محله وكان أمةً في علم التذكير والقصص ومتفرداً عن أهل طبقته بفضل الأدب وبلغني أنه كان في ابتداء أمره يتكسب بالشعر حتى رفع الله عنه قدره وأعلى أمره.ورفعت إليه قصة فيها:
أيها العالم أنت ال ... يوم للعالم قبلة
عاشق خاطر حتى ... سلب المعشوق قبله
أفتنا لا زلت تفتي ... أيبيح السلب قبله
فوقع تحتها:
ايها السائل عما ... قد يبيح الظرف فعله
قبلة العاشق للمع ... شوق ولا توجب قتله
وقال للشيخ الإمام أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان رضي الله عنه:
سقى الله نيسابور صوب غمامه ... وخص أمام الدين سهلاً بوابله
تتيه على البلدان أرض ثوى بها ... كما تاهت الدنيا بطيب شمائله
ومن اشهر شعره وأسيره قوله:
أرى على الأدبار هما ... وبالإقبال مهلكة لديني
فما أجد بأغبط من نقي ... تمدد في الضريح على اليقين
نجا من باطل الدنيا سليماً ... وفاز برحمة الحق المبين
أبو علي البوشنجي الفلجردي: يقول لما حج:
كتبت إلى سادتي من منى ... وإني لفي غايةٍ من منى
ابطحاء مكة هذي التي ... اراها عياناً وهذا أنا
وهو القائل:
وكان ببوشنج وال مهيب ... إذا ما رءآه البري اقشعر
فمر وأمر من بعده ... فتى لو رءآه الخصي انتشر
أحمد بن حمج بن الأشعث البوشنجي: عربي المحتد بوشنجي المولد طوسي الموطن دخل إلي فانشدته بيتاً جمع كنية الممدوح واسمه واسم أبيه فكتب إلي صديقه أبي يوسف يعقوب بن أحمد وهو أحد من يتضمن الكتاب ذكره وشعره:
فلئن غيبت عن منزل أهلي ... وغدا جسمي عن الأوطان مبعد
فلقد بلت يميني بكريمٍ ... من أبي يعقوب بن أحمد
ابو عبد الله الحسين بن علي البغوي: كان مفخرة كنج رستاق ولم تخرج مثله في الجمع بين الإحسان في الترسل والإتيان في الشعر بالدر وكان كما قال الصاحب إني ليعجبني أن يكون الكاتب شاعراً كما يعجبني أن يكون الشعر سائراً. وأنا كاتب غرراً من نثره تقدم ملحاً من شعره بإذن الله ومشيئته:فصل: وصل كتاب الشيخ ووضعته على عيني فكان لها بروداً ونشرته فكأني انشر بروداً وتذكرت زماننا إذ الأيام عز والدهر غر والعيش غض وطررف الحدثان مغضوض. فصل: أنا أهدي إليه من السلام ما يحكي النسيم السحري والعنبر الشحري والنرجس الطري والأترج الطبري والورد الجني والعيش الهني. فصل: ليته جاد علي بكلامه كما جاد بأنعامه ومن علي بثمار اقلامه كما من بآثار غمامه وأوسعني من غرائب بنانه كما أوسعني من رغائب إحسانه فيكون أوصافه في الجوى متناسبة متناسقة وبوارقة في جميع حالاته صادقة وادقة. فصل: وصل كتابه بألفاظ يكثف عندما الهواء ويقف عليها الأهواء وتقبح معها الحسناء. فصل:نظرت إلي دجلة فرأيت كفه وإلى الفرات فذكرت خلقه وتوسطت الدهناء فتصورت صدره. فصل: قد صار الوقت اضيق من بياض الميم ومن صدر اللئيم. وهذه ملح من شعره كقوله:
إن كان يظلمني دهري فإن له ... سجية ظلم أهل الفضل والشرف
أو كنت في سملٍ فالبدر في سدفٍ ... والخمر في خزفٍ والدر في صدف
وقوله في عقاب طريق غزنة من قصيدة:
عقاب كأني بها في خوافي ال ... عقاب تطيرني في الفلك
فطوراً أراني فوق السماك ... وطوراً أراني تحت السمك
وقوله من أخرى:
غمائم من جفوني وهي منشأة ... مما بقلبي من غم ومن غمم
وبرقها نا رشوقٍ ريحها نفسي ... ورعدها أنتي والقطر فيض دمي
وارضها صحن خدي وهي ممحلة ... أعجب بمحل يرى من صيب الديم
وقوله في ذم الزمان وأهله:

زمان كله ضيم وضير ... وناس كلهم ذيم وذام
وما فيهم سوى لحزٍ لئيمٍ ... شحاح الزند ما فيه ضرام
وأعراض لهاجيها حلال ... وأموال لراجيها حرام
وقوله في الشيب والخضاب:
تقول لقد خضبت الشيب زوراً ... فقلت بلى سترت عن العيون
فقالت هبك قد اخفيت عنا ... فهل تخفيه عن عين المنون
وقوله من قصيدة:
ايا عامر الدنيا ويا عامر أهلها ... بجودٍ له فيض كفيض سحاب
عمرت جميع العالمين وها أنا ... غدوت بحال في ذراك خراب
ومن أخرى:
طلبت بجهدي العز والمجد مغضياً ... ظهور المطايا في بطون الفدافد
وما كنت في كسب المعالي مقصراً ... ولا مقصراً لو كان دهري مساعدي
فليس بياض المجد إلا لمكتسٍ ... سواد الليالي ساهداً غير راقد
وكم ليلة راعيت فيها فراقداً ... لكسب على فوق السهى والفراقد
ابو سعد أحمد بن محمد بن جمل العميدي: يقول في استهداء الحنطة:
يا سيداً لم تزل مبرته ... تعم أهل العلوم والكتبه
أنعم ببر بضم أوله ... وابعث إلى الخادم الذي كبتة
وفي التماس الخطب:
ألا يا ايها الشيخ المفدى ... وفيت اذى المكاره والرزيه
قد احتجنا لفرط البرد جداً ... إلى مقلوب ما يدعى مزيه
وله في الهزل والمداعبة:
ألا أن هذي المباغي قسم ... وللناس في الشهوات الهمم
فبعض يحب أداة الدواة ... وبعض يحب أداة القلم
وله في الجد:
يا هارباً من جنود الموت منهزماً ... عنها توقف إلى اين المفر لكا
هب عشت أكثر من نوح فحين نجا ... بقدرة الله من طوفانه هلكا
أبو بكر العنبري السجزي: هو القائل:
أفدي أبا نصرٍ وأفدي له ... خلقاً جميع الناس عشاقه
كم مدحةٍ لي فيه كالدر لا ... يخفى على العالم إشراقه
من كل لفظ سيء حساده ... به ومعنىً سر سراقه
ولم اسمع في تهنئة من زوج ابنته غير قوله وهو من الفراد:
أنكحت حرتك الكري ... مة عامداً إجلالها
من لم يكن كفواً سوا ... ه اليوم في الدنيا لها
ماكنت إلا منكحاً ... شمس السماء هلالها
فضممت محمود الفعا ... ل إلى اليمين شمالها
ستقر عينك عن قري ... بٍ إذ ترى اشبالها
وله في الشيب:
اشكو إلى الله ظلم شيبي ... اشق منه على جيبي
غير مني جميل وجهي ... اظهر مني جميع عيبي
؟ذكر أركان الدولة واعيان الحضرة والمتصرفين بها ومنها المنتسبين إلي خدمتها واختيار غرر من أنوار نظمهم وثمار نثرهم: الشيخ العميد أبو سهل أحمد بن الحسن الحمدوئي أدام الله تأييده: سليل الرياسة وغذي السيادة وبدر الأرض وشمس الفضل وعمدة الملك وبحر الأدب وطود الكرم ومن ارتفع محله عن الوزارة الكبرى وهي الرتبة العظمى فرغب عنها وقد رغبت فيه وصد عنها وقد تصدت له ونظر فيها ايام الفترة بمؤخرة عينه فهذبها وسددها ورمها وزمها ثم جاد عنها وعافها حتى قال فيه الإستاذ أبو القاسم بن الحريش رحمه الله:
وزارة ضاعت فشرفتها ... بالفضل وانآدت فثقفتها
ولم تزل تصبر مظلومة ... حتى تصديت وأنصفتها
فارتح لها تدرك طمانينة ... فإنها تفلق مذ عفتها
من خائص فضله وبدائع مجده أنه والي الري وسائر بلاد الجبال وهي في سعة المملكة كالعراق والملوك يخدمونه والصدور يقبلون ارضه وهو يقول في الكف عن زخرف الدنيا ونضرتها واعداد الزاد للمعاد ما لو قالها ازهد الزهاد لما زاد:
الخمر عنوان الفساد ... ورتاج ابواب السداد
أمانها اصل الضلا ... ل وحبها راس العناد
والعمر زورة طآئفٍ ... يأتيك ما بين الرقاد
فقد زل من ركب الفسا ... د عن الطريقة والرشاد

فاحذر أبا سهل وتب ... من قبل ميعاد الميعاد
والبس لباس تضرعٍ ... وتندم قبل التنادي
واقلب إلى النور الهدى ... قلباً به اثر السداد
من قبل عجزك باللسا ... ن وقبل ضعفك بالفؤاد
وكأنني بك راكباً ... أجيادهم بدل الجياد
ترد القيامة فارغاً ... متخلياً من خير زاد
كيف الجواب عن السؤا ... ل متى يناديك المنادي
لا ذخر لي بين الجمي ... ع من الحواضر والبوادي
إلا شهادة واثقٍ ... بالله عن صفو اعتقادي
ومشفع عند السؤا ... ل بعفو أمته ينادي
ثم هناك من النفس الأمارة بالخير واليد الفياضة بالنيل والخلق الذي لو مزج بالبحر لنفي ملوحته وصفا كدورته ومن الطلاقة التي يترقرق فيها ماء الكرم وتقرأ منها صحيفة حسن الشيم مايجمع الأهواء على محبته ويؤلف الآراء في مولاته ومشايعته. ومن شعره الدال على مجده وحسن عهده قوله:
لا تنتزع عن عادةٍ عودتها ... أحداً فذاك من الفطام اشد
واصبر عليها ما حييت ولا تزل ... عنها فذاك من الجفآء يعد
ومن شعره البديع الصنعة المليح الصيغة الذي يغبر فغي وجه أبي الفتح البستي قوله في سراجٍ غير مضيءٍ:
ظلمتك الليل يا سراجي ... ظلمة كفرٍ ويأس راجي
الشيخ العميد أبو منصور بن مشكان أدام الله عزه: الكتاب ألسنة الزمان وصدور الناس وهو صدرهم وبدرهم وينبوع الفضائل وشمس ديوان الرسائل وما أظنك بأبلغ الصدور يكتب لملك الملوك أدام الله سلطانه وحرس عزه ومكانه وقد رفع الله محله عن الشعر الذي ينخفض عن قدره وأتاه البلاغة العالية التي هي أليق به وما هي إلا عفو خطراته وفي التمثل بسلاسة كلامه وعذوبة ألفاظه. يقول كأنه لفظ ابن مشكان في توقيعه عن ملك المشرق ويوقل في وصف آثار الربيع من أبياتٍ:
باح الصباح باسرار البساتين ... وأحيت النفس أنفاس الرياحين
وقد حسبت نسيم الروض يقرئني ... كتب ابن مشكان عن صدر السلاطين
ويقول أيضاً في فتىً صبيح مليح طرز الشعر ديباجة وجهه وأحرق فضة خده ونقش فص عارضه
وشادن فاتن الألحاظ طلعته ... ترياق سمٍ لأحزاني وأشجاني
كأن خط عذارٍ شق عارضه ... في الحسن خط أبي نصر بن مشكان
ويقول أيضاً:
من رأى غرة العميد ابن مشكا ... ن ازدرى المشتري ببرج القوس
من يطالع آدابه وعلاه ... يطلع في نموذج الفردوس
عين ربي عليه من بدر صدرٍ ... وده خزرجي ولقياه أوسي
ليس لي طاقة بوصف معالي ... ه وإن كنت مفلقاً كابن أوس

وهذه غرر ولمع من فصول رسائله السلطانية. فصل: العاقل من لا يرفع رأيه إلا بعد الثقة باستقلالها ولا يقدح ناراً إلا بعد التأهب لإذكائها. فصل: لكل حال من تصاريف الزمان رسم لا يؤخر إمضاؤه وحق لا يضيع قضاؤه. فصل: الألقاب نعوت أن حققت والت وآلت قلائداً وعقوداً، وإن كذبت عادت وعادت على المساوي شهوداً. فصل: إذا قدر الله أمراً يسر أسبابه ومهد أحواله وأتاح له الدواعي وأماط دونه العوائق والعوادي. فصل: صلة الرحم واجبة في الدين والتجاوز عن زلة الشمال قوة اليمين. فصل: لا منشور كالسيف المشهور والجد المنصور. فصل: رب منع افضل من اسعاف يشينه تقصير ويكدره تسويف. فصل: نقل الطبائع شديد المرام بعيد الحصول في الأوهام.فصل: من نصب للغواية شركاً اختنق بحبله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله. فصل: الآجال تجري على أحكام المقادير وتمتنع على التقديم والتأخير. فصل: الاصغاء إلى راي من لم يبلغ رتبة التدبير ربما أدى إلى خلل لا يدرك سابقه واقترن بضرر لا يضبط جامحه. فصل: تقويم الأخوة بالاحسان ابلغ من تأديبهم بالحرمان مالم يجاوزوا قدر الدالة إلى حد الشقاق والعصيان. فصل: العسكر الكثير إذا وجد الخلاف بينهم مجالا عادت كثرتهم مع عدم الوفاق وبالاً والعسكر القليل إذا اختلفوا لم يتولد منهم غير الفساد والاعوجاج ولم يصلحوا للسكون والاهتياج. فصل: الولي من امترى الزيادة بالخدمة ورعى حق العارفة والنعمة في ايام الفترة ولم يهتك عند إمكان الفرصة ستر المراقبة والحشمة ليسلم من غوائل الضغينة عند زوال الفتنة ونزول السكينة. فصل: من جعله الله بأمر من أمور دينه كفيلاً فقد أعطاه من كرامته حظاً جزيلاً وفضله على كثير من عباده تفضيلاً. فصل: قوام الملك بالمال والرجال واستمالة القلوب في وقت الإستعطاف أولى من تحصين الأموال وأنما المال عدة لدفع النوائب وعمدة لكشف الكرائب وليس بحازم من يمسكه عند وجوب انفاقه كما أنه ليس بعاقل من يتلفه عند جواز إمساكه وإنما جمع الملوك ما جمعواه من أموالهم وأتخذوا ما اتخذوه من عتادهم ليفرقوه في أوليائهم على حكم الوجوب عند الإشتغال بمنازلة الخطوب. فصل: إن الله جعل القرآن نور القلوب وشفاء الصدور والعروة الوثقى لأهل دينه إلى يوم الحشر والنشور قد بين فيه آثار الأمم الخالية فيما أخطأوا فيه وأصابوا وأخبار القرون الماضية فيما أحسنوا فيه واساءوا ليختار السعيد من عباده ما حمده الله من سائر الأمم ويجتنب ما ذمه من غيرهم من الخصال والشيم. فهذا نموذج من نثره الجزل السهل وقوله الفصل. وهو القائل من نتفة في الأعراض عن قرض الشعر:
لما تركت الشعر نكب معرضاً ... عني فقل في معرضٍ عن معرض
وأدهشني أبو القاسم عبد الصمد بن علي الطبري أيده الله تعالى له من قصيدة كتبها إلى الأستاذ أبي العلاء بي حسول ايده الله وعليه زعمه أعني أبا القاسم:
جمال الورى ما المجد إلا مطية ... يمينك أضحت مالكا لقيادها
جلت بك قسرا عن بلادك عصبة ... رأت لك فضلاً لم يكن في سوادها
كذا عادة الغربان تكره أن ترى ... بياض البزاة الشهب بين سوادها
وأنشدني الحاكم أبو جعفر محمد بن اسحاق البحاثي له:
ما دام يسبح في الأفلاك أنجمها ... فليسعدن بملك الشرق مسعود
وليفتحن بلاد الغرب قاطبةً ... سيوفه البيض بل راياته السود
لا زال في نعمة يخضر جانبها ... ما أورق العود بل ما أطرب العود
وأنشدني غيره لك في غلام بازاء حرب كتب يسأل مدداً
كبت البدر واستمد معونه ... وتوخى صلاحه وسكونه
فأجبناه إن لحظك جيش ... تتمنى جيوشنا أن تكونه
كيف أغفلته واقبلت تبغي ... مدداً قدره يعارض دونه
وله ايضاً:
ظلمناك لما طلبنا قراك ... وما للقرى والفتى الباخل
وسمناك مالم تكن تستطيع ... وتابى الطباع على النافل

الشيخ العميد أبو سهل محمد بن الحسن أدام الله عزه: صدر يملأ الصدر جمالاً وكمالاً وتتناسب صورته حسناً كما يتشابه محله وهمته علواً وتتكاثر فضائله واياديه وفوراً كما يتبارى نثره ونظمه براعة ومما علق بحفظ من الفاظه قوله في أبي القاسم الميكالي من كتاب إلي:هو ثقيل روح الحركة جامد هواء الراحة حار ظل الشجرة وقوله في رقعة أعادنا الله للإلتقاء فما أرق نسيمه وألذ نعيمه وقوله في ذكر الحضرة: ملقى الرحال وملتقى الرجال وقبلة الآمال. ومن سحر شعره قوله في نشيب قصيدة وهو أحسن وأجود ما قيل في معناه على كثرته لأنه جمع في بيت واحد ما فرق في ابيات كثيرة وفاز بحسن الترتيب حيث قال
لقد نثرت درين لفظاً وعبرةً ... وقد نظمت درين عقداً ومبسماً
وله في غلام هندي:
ولي اسود في أسود القلب حاضر ... ولكنه عن أسود العين غائب
وأنشدني لنفسه في نتفة خمرية:
كشعاع في هواء ... تتحاماها العيون
هي في الدن جنين ... وهي في الرأس جنون
وله من قصيدة:
تقولين أني قد سلوت عن الهوى ... لعلك قد قايسيت حالي بحالك
وله من قصيدة شمسية:
عجبت من الأقلام لم تبدو خضرةً ... وباشرن منه كفه والأناملا
ولو أن الورى كانوا كلاماً وأحرفاً ... لكان نعم منها وباقي الأنام لا
وله في إنسان ساعٍ يقال له حميد مات بزوزن:
يا ويح أهل القبور لما ... حل حميد بهم جوارا
لو راج عند الإله ساعً ... أشعل فيهم هناك ناراً
الشيخ العميد أبو الطيب طاهر بن عبد الله أدام الله عزه: صدر واسع الصدر ممتد باع الفضل قد بايعته يد المجد ومالت فيه الشوررى إلى النص واشرقت بنوره ارض الري وطال ما تولى ديوان الرسائل إلى سائر الأعمال الجلائل، وله شعر في غاية الحلاوة كقوله:
إذا بلغ الحوادث منتهاها ... فرج بعيدها الفرج المطلا
وكم كربٍ تولى إذ توالى ... وكم خطبٍ تجلى حين جلا
وقوله:
قالوا تبدى شعره فأجبتهم ... لا بد من علم على ديباج
والبدر ابهى ما يكون إذا بدا ... متلحفاً بظلام ليلٍ داج
وقوله في الهجاء:
ابو سعد بن حمدان ... كريه الخلق والخلق
فهذا الشيب في الفرق ... وهذا العظم في الخلق
الشيخ أبو الحسن محمد بن عيسى الكرجي أدام الله عزه: جامع تفاريق وناظم عقود الفضائل ومالك رقاب المكارم ومعلوم أن السلطان الماضي أبا القاسم رضي الله عنه وارضاه كان أعلى الملوك راياً كما كان أعلاهم ملكاً وأنه كان ينظر بعين التوفيق إلى اسرار الضمائر ويرمي بسهام خطراته أغراض المقاصد ولا يصرف تدبيره إلا على موقع الأصالة ولا يضع رأيه إلا موضع الإصابة فلم يتخذ الشيخ أبا الحسن ايده الله مصباح مجلسه ومفتاح انسه وثمرة قلبه وريحانة روحه ومستودع سره وأخص بطانته إلا لأنه في الفضلاء والكبراء كهو في الملوك والأمراء، وقد كتبت من شعره ما نطق به لسان فضله كقوله البديع الذي تفرد به:
بدا معدن الياقوت في حبة الحشا ... وفي الخد والعينين والشوق يغلب
فعيناي حمراوان من كثرة البكا ... وخدي مصفر وقلبي أكهب
وقوله في الهلال والثريا:
كأن الهلال المستنير وقد بدا ... ونجم الثريا واقف فوق هالته
مليك على أعلاه تاج مرصع ... ويزهى على من دونه بجلالته
وقوله في السلطان الأعظم أدام الله ملكه:
يا سيد الناس كيف يمدحك ال ... خادم في شعره كما يجب
ما يتأتى له من المدح لا ... يرضى وما يرتضيه يحتجب
وقوله في الاقلاع عن التصابي عند الشيب:
هجرت اللهو إذ عقلي ... على نفسي اشار به
وحلاني حلول الشي ... ب كرهاً عن مشاربه
فما اسعى إلى راحٍ ... وساقيه وشااربه
وإما عن لي لهو ... لهت كفي بشاربه
فهل يا نفس أنت على ... ملازمة المشار به
وقوله في مدح نيسابور من قصيدة:
وماذا يصنع المرء ... ببغداد وكوفان

ونيسابور في الأرض ... كإنسان في انسان
ولا غرو فقد اضحت ... لنا عين خراسان
إذا ما دوخ المرء ... بلاداً بعد بلدان
يراها عندها شاهاً ... وباقيها كفرزان
وقوله في حمام مصور:
أعجب ببيتٍ يريك باطنه ... جوراحاً ارسلت على الوحش
تعدو لصيد الظباء مسرعةً ... كأنها في غياضها تمشي
طيوره قد تقابلت نسقاً ... كأنها وقع على العش
فضاؤه طاب فسخةً وهوىً ... مصقل الأرض مؤنق الفرش
وأنت في خلوةٍ مساعدةٍ ... تولع بالدلك ثم بالرش
الشيخ العارض أبو الحسن مسافر بن الحسن أدام الله عزه: طال ما لقيت في شبيبتي وكهولتي وعند شيخوختي وعلو سني أعيان الفضل وأفراد الدهر ونجوم الأرض وبدور الصدور من اصحاب الأقلام والسيوف فلو حلفت بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أني لم اشاهد مثله في امتزاج الكرم والأدب بطبعه واجتماع الحسن في قوله وفعله وانتظام الات الرياسة وأدوات السياسة في عقد فضله واقتران الطيب بالحلاوة في ثمار نظمه ونثره لما خشيت أحنث ولما تعدى الصدق، ويحسبك أني كتبت إليه في هذه الأيام:
يا من تشابهت المحاسن والعلى ... فيه واصبحت القلوب برسمه
فالخلق منه كخلقه والخلق من ... ه كلفظه والشعر منه كاسمه
وغذاء جسمي من سماح يمينه ... وغذاء روحي من بدائع نظمه
لا زلت بين سعادةٍ وزيادةٍ ... وسلمت من سيف الزمان وسهمه
فأجاب في الوقت والساعة بهذه الأبيات:
افدى الامام الأوحد الذي ... من شاء فرد زمانه فليسمه
لا زال منصوراً كما يكنى به ... ولتفتخر روح غدت في جسمه
فغذاء أرواح الورى من كتبه ... والظرف فيهم من لطائف رسمه
وبنظمه عطل الفضايل ألبست ... حلى العرائس مذ غدت في قسمه
وكان قضى لي حوائج مثمرة واسقط عني مؤناً مجحفة وكتب إلي رقاعاً مونقة فكتبت إليه:
من مبلغ الصدر مولانا أبي الحسن ... مسافر نكتة الأيام والزمن
خففت ظهري من ثقل الخطوب كما ... اثقلته بالأيادي الغر والمنن
صنائع منك جلت في الأنام وقد ... دقت معانيك في الأشعار والفطن
وقد أتاني قريض قد نفثت به ... كالسحر والراح والريحان في قرن
والله يجزيك عن عبدٍ ومصطنعٍ ... قد كان ميتاص بأيدي البث والحزن
فعاش عن كلمات منك كن له ... كالروح عائدةً منه إلى البدن
فا أجابه في رقعة غير قصيرة
ياصدر أهل النهى يا أوحد الزمن ... أوهت علاك قوى الأقوال واللسن
أهديت نظماً فقد اهدت لطافته ... روحاً إلى بدين روحاً إلى أذني
أحيي الخواطر مني بعد ميتتها ... وقام عندي مقام البرء للزمن
أزاح عني مقيم الهم والحزن ... نعم وصيرني والأنس في قرن
فصفو ودك للحسنى يؤهلني ... وبعد شأوك في الأفضال يكرمني
وليس في الشرط أن تولى الجميل وإن ... تفيد علماً غزيراً ثم تمدحني
ولي في الإستطراد بذكره:
سقى الله اياماً اشبه حسنها ... وقد كنت في روض من العيش ناضر
بشعر ابن معتز وخط ابن مقلة ... ودولة مسعود وخلق مسافر
ولي أيضاً فيما يناسبه:
ومهفهف فتن الآله عباده ... إذ ساق حسن العالمين إليه
فكأن بابل أصبحت في طرفه ... وكأنما الأهواز في شفتيه
وكأن توقيع الرئيس مسافر ... في عرض عارضه يلوح عليه
ولي ايضاً:
قد سقتنا السماء ماء الغيوم ... فاسقنا يا غلام ماء الكروم
نشرب الراح بإذكار الرئيس ال ... فرد في الجود والعلى والعلوم
وإذا ما مسافر سافرت أخ ... بار علياه أسفرت عن نجوم
وأيضا:
يا سائلي وصف مولانا أبي حسنٍ ... مسافر في بديع القول محكمه

المسك من ذكره والمزن من يده ... والروض من خلقه والدر من فمه
إلى اشباه كثيرة لها. ومن ثمار خاطره قوله:
لقد لامني قومي على أن صبوتي ... تدوم وليل الشعر صرح بالفجر
فقلت اعذروني في تلذذ لحظةٍ ... لدى الفجر إن الفجر يؤذن بالهجر
وقوله:
أجود بجل مالي لا أبالي ... وأبخل عند مسئلة الكتاب
وذاك لأنني انفقت حرصاً ... على تحصيله شرخ الشباب
وقوله:
مدادك في الكتاب يقوم عندي ... مقام سواد عيني لا المداد
لأن كتابك المحبوب عندي ... اسر موانس وأجل زاد
وقوله:
ارغب في العلم ولا أدعي ... أني إلى غايته أهتدي
لأنني آنف من جهل ما ... يقبح أن يجهله المبتدي
وقال يوبخ نفسه وصديقاً له:
تريد وصل رفيقٍ ... وطيب عيشٍ رقيق
بقينة وبكأس ... من كف ساقٍ رشيق
والهم منك صبوح ... مواصل لغبوق
والمال من ظلم حر ... وضعته في الحريق
ومن مطاعم قوم ... ضعفي وقوت فريق
وأنت واثق نفسٍ ... بخدمة المخلوق
ولست عن سكر لهوٍ ... وقهوةٍ بمفيق
فما تصيخ لنصحٍ ... ولا لقول شفيق
فما تظن خليلي ... بكل هذا الفسوق
لقد ضللت فنكب ... إلى سواء الطريق
الشيخ أبو الفتح مسعود بن الليث أدام الله عزه قد لبس برد شبابه على عقل الشيخ الأفضل وحاز في حداثة سنه آداب المبرز الأكمل وفاز بالخطوة التامة عند السلطان الأعظم أدام الله ملكه فهو من خلص ثقاته وخدمه ومتحملي نعمه وأعيان ديوان رسائله وأكابر رسله وهذه قصيرة من طويلة ونكتة من جملة وله نثر يضحك عن زهر وغرر ونظم ينطوي على حبر ودرر هذه فصوص من فصوله القصار تجمع بين الأنوار والثمار:فصل: راحت الروح في الراح وقرة العين في الوجوه الصباح وقوة النار في الدراهم الصحاح. فصل: دواء الخمار قبل الحبيب وطرف الحديث. فصل: الدنيا كريق المعشوق كلما ازاددت منه رياً ازددت إليه عطشاً فصل: من خدم الملوك ولم يستخدموه ذبل عوده وغربت سعوده فصل: مثل نائل الملك كالسحاب كلما ابطأ سيراً كان أكثر خيراً فصل: من سلب الرفعة لغير رفع الأولياء وقمع الأعداء فهو طالب مالٍ لا طالب جلالٍ فصل: من تردى بالقناعة رثت حاله وكسف هلاله وهذه لمع من ملح شعره كقوله:
حبيبٌ زارني والليل داج ... وفي عينيه تفتير المدام
وقد نال الكرى من مقلتيه ... منال الحادثات من الكوام
وقوله:
يا رامياً عن لحظ طرفك اسهماً ... تقبيل وردة وجنتيك شفائي
عجباً لطرفك كيف دائي كامن ... فيه وثغرك كيف فيه دوائي
وقوله من نتفةٍ:
ولبست من صدر السرور ... وبت وفي صدر السرير
في مجلس قد رش ما ... ء الورد من سحب البخور
طلعت علينا أنجم ال ... كاسات من ايدي البدور
وقوله:
نم في ورد وجنتيك من العن ... بر خط فازددت تيهاً ودلا
ولقد حق أن تزيد دلالاً ... ولقد حق أن أزيدك ذلا
وقوله في غلام طبيب:
متطبب كالغصن في حركاته ... صيرت روحي في هواه سبيلا
ما جاءني متطبباً إلى لأن ... أهوى السقام لكي اراه قليلا
عجباً له يبري السقيم بطبه ... وبلحظه يدعو الصحيح عليلا

الشيخ أبو بكر علي بن الحسن القهستاني شخص الفضل وصورته وينبوع الكرم ومعدنه ورفضة الأدب وغديره وعذر الزمان المذنب وزينته وقد لفظته بلاد المشرق وترامت به الحوادث والنوائب حتى كأنه خليفة الخضر وقذاة في عين الأرض وما هو إلا السيف يزداد على الصروف اثرأً والمسك يزداد على السحق طيباً وماء البحر إذا ساغر عذب وكأني به الآن وكأنما يوحي إليه في النثر والنظم ويغرف آدابه من البحر وأنا كانت من غرر ألفاظه نبذاً علق بحفظي فمنها قوله:من طلب شيئاً وجد وجد ومن قرع باباً ولج ولج وقوله في تواتر الفتوح: هذه فتوح ألفتها النفوس والطباع ومرنت عليها الأبصار والأسماع فهي لا تستغرب غرائبها ولا تستعجب عجائبها وقوله في وصف بنية كأن الشياطين نصبت تلك الأساطين وقوله في حكاية: ما قيل لبيداء الملك أنك لا تسلم حتى تسلم ولا تأمن حتى تؤمن وهذه بدائع من شعره كقوله:
أقمت لي قيمةً مذ صرت تلحظني ... شمس الكفاة بعيني محسن النظر
كذا اليواقيت فيما قد سمعت به ... من لطف تاثير عين الشمس في الحجر
وكقوله في الشيخ العميد أبي سهل الحمدوي أدام الله تعالى عزه:
يا ما لهذا القلب لا يرعوي ... وقد درى أن قد هوى من هوى
هوى ببستٍ وببلخٍ هوى ... ثانٍ فما هذا الهوى الغزنوي
ثلاثة والحق في واحدٍ ... والقول في الإثنين للمانوي
وإن تثليث النصارى لمن ... يدين بالإسلام لا يستوي
ومنها:
هيهات إن الدهر ما قد ترى ... أعصل قرنٍ عسر ملتوي
فأحمد الله ومن بعده ... فأحمد بن الحسن الحمدوي
من بره استبعد شكري له ... والحر عبد البر فيما روي
قد نشر الله تعالى به ... ما كان في صحف المعالي طوي
ومنها:
اشهد بالله وآياته ... يمين حقٍ غير ذي مثنوي
لو بصرت بنت شعيب به ... قالت له هذا الأمين القوي
وقوله من أخرى:
تمتع من الدنيا فأوقاتها خلس ... وعمر الفتى من مليت أطوله نفس
وسارع إلى سهم من العيش فايز ... فما ارتد سهم قط يوماً ولا أحتبس
وقض زمان الأنس بالأنس وانتبه ... لحظك إذ لاحظ قيلا لمن نعس
ولا تتقاض اليوم هم غدٍ ودع ... حديث غدٍ فالإشتغال به هوس
هي الروح كالمصباح والراح زيتها ... فدونك عني إنما الراي يقتبس
أنبئك عن نفسي وعما اختبرت لا ... أحاديث تروي عن قتادة عن انس
وقوله من أخرى:
وأنت على ما فيك من منعة الصبا ... وقلة أعداد السنين أريب
كيحيى الذي قد أوتي الحكم كله ... صبياً كذاك ابن النجيب نجيب
وقوله من أخرى:
سما بك من فوق السموات رتبةً ... أب لك يدعو الله في السر والجهر
كما قد دعى موسى لهرون ربه ... إن اشدد به أزري واشركه في أمري
ومما يستظرف من شعره قوله:
وشيبني وأعمدني هواه ... لذاك يقال لي الشيخ العميد
وكتب إلى عمر بن عبد العزيز الجكرزي يتشوقه ويستزيره:
يا قمر الوجه ويا وجه القمر ... حوشيت طال ذا السرار واستمر
فاطلع وجل ما بجوى من قتر ... فطال ما اشتاق أبو بكر عمر
وقال في عجة اتخذت بين يديه
ما انس ولا أنس يوماً بارداً كلباً ... وشر دهر الشتاء البارد الكلب
إذ لا تقربنا أطرافنا خصراً ... وقد تمكن من أحشائنا السغب
جاء الغلام بمقلاة فافرشها ... جمرا وجمر الطوى في الجوف تلتهب
وجاء بالبيض مثل الدر يفلقه ... فيها وللدهن صوت بينها لجب
فأخرجت مثل قرص الشمس مشرقةً ... كأنها فضة قد مسها ذهب

القاضي أبو الحسن المؤمل بن الخليل بن أحمد البستي: هو في الأدباء والعلماء علم وفي الجود والمروة عالم وكان خطيب غزنة حينا من الدهر ثم تقلد قضاء بست والرخج وهو عليهما الآن كما كان ابوه وجده فهو قاضي بن قاضي بن قاض وهناك من الكرم والفضل وسعة الرحل وحسن السيرة وقوة البصيرة ما تشهد به أخباره الأرحة وآثاره البهجة وتجمعه واياي حال في المودة طويلة المدة وعشرة في الغربة مزجت المهجة بالمهجة وطال ما تلاقينا وتصافينا بغزنة وجرينا على حكم مناسبة الأدب وتكاتبنا بالنثر والنظم وسمعته يقول وقد سئل عن بست: صفتها تثنيتها يعني أنها بستان وأجاز قول الشاعر:
قبل أنامله فليس أناملاً ... لكنهن مفاتح الأرزاق
بما وازنه فقال:
واذكر صنائعه فلسن صانعاً ... لكنهن قلائد الأعناق
ولي في الإستطراد بذكره من نتفة:
يا زماناً نعيمه ... لم يعرج على يدي
كنسيمٍ معقد ... وشعاع مجسد
طيبه كالكرى يلم ... بجفن المسهد
أو كخلق المؤمل ب ... ن الخليل بن أحمد
ومما أنشدني لنفسه:
ساعد زمانك تسعد ... واقنع بحظك ترشد
وهون الأمر فيما ... ايقنت أن سوف ينفد
فما مضى فكأن لم ... وما يكون كأن قد
القاضي أبو القاسم عالي بن علي بن عبد الله الشيرازي أيده الله تعالى: قد آتاه الله تعالى في اقتبال العمر جوامع الفضل وسوغه في ريعان الشباب محاسن الإستكمال فهو مع أصله الشريف وعرقه الكريم أديب فقيه شاعر خطيب فصيح القلم واللسان عارف بأمور السلطان وكأن أبا الفتح كشاجم عناه بقوله:
ماكان أحوج ذا الكمال إلى ... عيب يوقيه من العين
وكنت اقتبست من نورره واستمليت منه أبياتاً له في نهاية الحسن وأعددتها لهذا الكتاب فضاعت نسختها، وسهم الرزايا بالذخائر مولع، وهذا ما علق بحفظي من قصيدةٍ سلطانيةٍ فريدةٍ، أولها:
ايام ملكك للورى اعياد ... وثبات سعدك للورى استسعاد
وإذا بقيت على الأنام مملكاً ... فالأرض روض والسماء عهاد
يا من تضعضعت الجدود لجده ... وعنا لراسخ مجده الأمجاد
هذي السعادة قد أتتك وفودها ... بمقالد الدنيا إليك تقاد
ولها لواحق قد قربن وإنما ... هذا أتتك سوابقاً رواد
ابشر بملكٍ لا يزال مؤيداً ... بعلى تشاد وبسطةً تزداد
ومر الزمان بما تريد فإنه ... عبد لأمرك سامع منقاد
القاضي أبو الفضل أحمد بن محمد الرشيدي اللوكري: له شرف عميم وطبع كريم وخلق عظيم ولسان فصيح ومجد صريح وأدب جزل ومنطلق فصل وهو من أولاد هرون الرشيد ولي القضاء بسجستان والوزارة بغرشستان والسفارة بين السلطان الماضي وأمير المؤمنين القادر بالله رضي الله تعالى عنهما فلم يزل فيما نيط به واعتمد عليه وأجل وبخل وبجل ولقب بتاج القضاة وزين الكفاة رضي أمير المؤمنين وهو القائل:
قالوا اقتصد في الجود إنك منصف ... عدل وذو الإنصاف ليس يجور
فأجبتهم أني سلالة معشر ... لهم لواء في العلى منشور
بالله شائد ما قد بنى ... جدي الرشيد وقبله المنصور
وأنشدني لنفسه:
الدهر يلعب بالفتى ... لعب الصوالج بالكره
أو لعب ريح ٍعاصفٍ ... عصفت بكف من ذره
ويقوده نحو السعا ... دة والشقاء بلا بره
الدهر قناص وما ال ... إنسان إلا قنبره
وله ايام الخانية ببلخ:
ارى الأحرار كلهم حيارى ... كأنهم ولحياتهم سكارى
واضحى الأفضلون من البرايا ... بأيدي الترك في بلخ اسارى
كأن المسلمين وقد جبوهم ... مجوس أو يهود أو نصارى
كأن الترك فوقهم صقور ... وهم من فرط خوفهم حبارى
وله في الشيخ شمس الكفاة
اذا قيل من للعلى و الندى ... و من للمكارم في ذا الزمن
ومن للعلوم و من للرسوم ... و من للفروض و من للسنن

اجبنا و قلنا باجماعنا ... أبو قاسم احمد بن الحسن
الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الأرباعي من أفراد دهره وحسنات وقته لابس برد شبابه على كهولة فضله جامع بين شرف أصله وكرم طبعه حائز حسن نثره إلى جودة نظمه وأبوه الشيخ أبو عبد الله ايده الله أوجه أمناء للسلطان الأجل السيد الملك الأعظم ولي النعم أدام الله ملكه بخراسان يتقلد له بريد نيسابور وطوس وعدة من بلاد خراسان مع الإشراف عليها وقد كتبت من شعر أبي الحسن ما أنشدنيه كقوله من قصيدة في الشيخ الجليل أبي القاسم أحمد بن الحسن رحمه الله لما أعيدت الوزارة إليه
علت الوزارة إذ علوت محلها ... يا خير من عقد الأمور وحلها
هذي الأمور تلاحقت فتهنها ... وهي السعود تلاحقت فتملها
إن الوزارة رتبة مرموقة ... خلقت هواك كما خلقت هوىً لها
صعبت على أيدي سواك أمورها ... فأظلها استقلالكم فاذلها
فالان عاد وعاذ منك بعقوة ... حلف المكارم لا يريم محلها
هذي الوزارة في الحقيقة لا التي ... كانت تقاسمها الأراذل قبلها
وأنشدني لنفسه في الشكوى ابياتاً منها:
يشارطني دهري لأن صرت جاهلا ... رفعتك يا دهري فقد مشارطا
محابرنا يا ليت كنت محاجما ... وأقلامنا يا ليت كنت مشارطا
وأنشدني ايصاً لنفسه:
يا رب حقق دعوة العبد ... وارحم دعاي واشفني وحدي
وارحم لبيد الشعر حين شكا ... زمناً يروح عليه بالنكد
قد كان يشكو جلد اجربه ... وبقيت في زمنٍ بلا جلد
وله ايضاً:
كل معاشٍ إلى فناءٍِ ... كل نعيم إلى زوال
كم أخذ الدهر باغتصاب ... قوت فقير وكنز وال
كم هش لي وجهه زمانا ... حتى إذا ما انقضى زوى لي
وله أيضاً في الشيخ الأجل أكفى الكفاة أدام الله تأييده من قصيدة
بلغت السماء إذاً فاقتصر ... وحزت الثناء إذا فاقتصد
وأعليت من طالعي ما هوى ... وأصلحت من حالة مافسد
ومن منثور كلامه ما كتب إليه يهنيه بالوزارة شن وافق طبقاً وفضل عانق عبقاً وخائم فأجأ ماءً وزرع صادف سماءً وصدر شرف تحلى بصدر وليل تم تجلى ببدر وسيد مملكة سادها وصدر وسادها أحلماً أرى أم حقاً وكذباً أسمع أم صدقاً إن كان حقاً فهو طالع الميمون وإن كان حلماً فخيراً رأيت وخيراً يكون وما شئت وما شاء فالق الدلو وارسل الرشاد وجدت وأجدت فهل شكرت وسجدت هناك هناك ثم عناك ومناك وايها يا زمان أيها فقد أخرجت نبيهاً دنياً أراها عطرة وكانت دقراء وسماءً اراها مطرة وكانت جرباء وفضل يفتر عن برد وقد كان في حرد وعلم يسفر عن شمسٍ وقد كان في رمس وزمان صالح عنواً وقد كان حرباً ودهر سالم كرهاً وقد كان ألباً دولة أضحكت بما جد وكان في حسرة ومملكة تربح بسيد وكانت في خسرة ومولانا يقول ما هذا التعريض والتصريح والتمريض والتصحيح نعم هو حياة البثر يبهره القمر واضطراب الأسماع لمضارب السماع ودهشة العاشق لنجاة الخيال الطارق ولجلجة كلام عبد ظفر بعد القنوط وارتفع بعد الهبوط ورأى كالسعد الذي له تجدد والمجد الذي به تفرد فاقول مرحباً بفلك اطلع علينا سعده واهلاً بهذا اليوم وما بعده والحمد لله الذي صدقنا وعده وأورث مولانا ملك الدست والصدر وملك الحياة والقدر وزمام النهي والأمر يتبوأ منها حيث يشاء فنعم أجر العاملين أبو بكر عبد المجيد بن أفلح الغزنوي كثير المحاسن والفضائل جم المحامد والمناقب وكان السلطان الماضي رحمه الله يكرمه ويفضله على الصاحب وقلده بريدطوس وهو الآن مرتب في أعيان كتاب الرسائل ومرشح للأعمال الجلائل وله شعر يروق ويشوق كقوله:
انظر إلى حسن الربيع فقطره ... يحلى على الأغصان دراً نابتا
وكأن غيم الجو يسكب دمعه ... من حزنه والروض يضحك شامتا
وقوله في معنى آخر:
وراوي في انشاد شعري مقصراً ... ولو كنت قد هذبته في الدفاتر
مخافة أن يلقى امرؤ من عيوبه ... بخاطره ما لا أراه بخاطري
وقوله في الحكمة والموعظة الحسنة من نتفةٍ

قل لمن تاه في الورى بغناه ... لا يساوي الغنى حذار زواله
مرن النفس للقناعة كرهاً ... اي مال يفي بذل سؤاله
وقوله:
تبين أهل الحجى أن لي ... لساناً فصيحاً وقولا صحيحا
ولكنني ابداً ساكت ... أعالج بالصبر قلباً جريحا
فما لي عدو يساوي الهجاء ... ومالي صديق يساوي المديحا
وقوله:
لقد كنت حيناً أقصد الناس مادحا ... لجهل بهم فالآن أصبحت تائباً
أدافع آمالي ببأس لأنني ... نظرت فما ابصرت في الحمد راغبا
وقوله:
رأيت الدهر يسعد كل نذلٍ ... ويقصد كل حر بامتهان
فقلت لقلبي استمسك بصبرٍ ... فإن الدهر دهر بني الزواني
وقوله:
أرى مثل النجوم دموع عيني ... إذا ما غاب وجهك عن فنائي
كذاك الشمس حين تغيب تبدو ... نجوم الليل في أفق السماء
وقوله:
سلام على بدر الدجى كوكب الحجى ... سماء العلى شمس الفخار أبي الخير
على من إذا استطلعت قلبي لا ارى ... لعقلي برهاناً على أنه غيري
وقوله:
أقول لسار في الخرونة والسهل ... ليبصر أعيان البلاد ذوي الفضل
تيمم أبا الفضل بن ميكال واترك ... سواه فكل الفضل حيث أبو الفضل
أبو محمد عبد الله بن محمد الدوغابادي أعجوبة العصر وبكر عطارد وذلك أنه حديث السن رطيب الغصن ولو قلت أنه معجز بلدته في الشعر لما قلت شططا ومن خبره أنه استظهر كتاب اليتيمة كله وله طبع نافذ وخاطر عامر وقريحة ثاقبة وكياسة نادرة فانتجع بدائع الخواطر واجتنى ثمار الأفكار وحمل على الروح حتى تطبع بطباع أفكار الشعراء العصريين وجرى في طرق المفلقين المبدعين وكسا المعاني والبديعة الخفية معارض اللفاظ الرشيقة الجلية فإن شاء فالسري والخالدي وإن أراد فالببغاء والسلامي وإن نشط تعزل وأطرب وإن آثر مدح فأعجب وعجب وهو الآن بالحضرة في ديوان الرسائل مرشح للأعمال الجلائل ومن شعره في الغزل قوله من قصيدة:
ونمل عذاره نقلت إليه ... وهن ضعائف حب القلوب
نقلن له القلوب وهن ضعفى ... فكيف إذا قدرن على الدبيب
وقوله في معناه من أخرى
فحذار من ذاك العذار فإنما ... نقلت له حب القلوب نمال
ومن أخرى:
مري جفنك الممراض من غير علة ... يشم سيفه إنا آتيناه عوداً
وقوله من أخرى
وظبية إنس بين أسد طرقتها ... على حذر والليل في لون خالها
وما غرضي منها سوى ورد خدها ... وبرق ثناياها وبرد زلالها
وقوله:
سلى صدغه المسكي كيف قراره ... على نار خديه وكيف يكون
ويشرب من فيه المدام معلقاً ... على لهب أن الجنون فنون
ومن سلطانيات شعره قوله من قصيدة:
الملك بعد نظام الدين محمود ... للقائم الملك المنصور مسعود
إن كان داود زار الغيث تربته ... ولى فهذا سليمان بن داود
من كان شمس ملوك الأرض وارثه ... ونجله فهو حي غير مفقود
ومنها:
لا يطمعن أحد في الملك يملكه ... والسيف في يد مسعود بن محمود
سقى الكماة كؤوس الموت مترعة ... على غناء صهيل الضمر القود
ومنها:
طويل عمر المساعي والندى أبدا ... قصير عمر الأعادي والمواعيد
يداه فوق أكف الناس كلهم ... عزاً وتحت شفاه السادة الصيد
أخذه من قول أبي الفياض الطبري
يد تراها ابداً ... فوق يد وتحت فم
تبارك الله ما ابهاك من ملك ... في تاج عز بكف الله مقعود
زلقت قدمه في ذكر الكف فإنها لا تضاف إلي الله عز اسمه وتعالى عما لم يصف به نفسه ولولا أنه أضاف اليد إلى نفسه وإن كان تأويلها غير ظاهرها لما استجيز قول من قال يد الله وقد نعى على ابن باته قوله وعيب بذلك:
إذا تمنت تمنت أن تعيش لها ... يا راكب العرش بارك في أمانيها

لأنه قال ما لم يقل أحد من ركوب العرش وإنما جاز افستواء لأنه جل ذكره وصف به نفسه وإن كان بعضهم تأول فيه الإستيلاء واحتج بقول الشاعر
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
عاد الشعر
قرم يعيد حدود البيض مصلتة ... من الدماء عليها ذات توريد
تخالها وهي كابن الغيم صافية ... كأنما زجتها بنت عنقود
لا تستقر ظباها فهي راحلة ... من الجفون إلى هام الصناديد
ومنها:
مغناك روض أريض مونق خضل ... وأنني عندليب جد غريد
أخذه من أبي القاسم الزعفراني وزاد عليه
وتغنيك في الندي طيور ... أنا وحدي ما بينهن الهزار
لا زال ملكحك مخصوصاً بأربعة ... أمن ويمن وتأييد وتأبيد
فأنت للملك لا فارقته ابداً ... كالنار للعود بل كالماء في العود
وعشت للدين والدنيا وأهلهما ... للعلا والندى والبأس والجود
وله من قصيدة في الشيخ أبي الطيب طاهر بن عبد الله ايده الله أولها:
سقام عينيك للعواد قتال ... ففي العيادة قل لي كيف أحتال
ومنها:
ويح المحبين لما سار عيسكم ... في صحبة الدمع من أجفانهم سالوا
لم يرزقوا الخير منكم غير أنهم ... فضل الشهادة في سبل الهوى نالوا
ناديت دمعي وصوب المزن يسعده ... كلاكما خضل الشؤبوب هطال
ولستما كيد الشيخ العميد ندى ... هي الغمام ولكن وبلها المال
كم أنبتت يد مولانا وسيدنا ... من روضة نبتها مجد وافضال
ومنها:
قل للذي يتمنى نيل رتبته ... ما كل ماشية بالرجل شملال
في دسته عارض هام وبحر ندى ... طام يفيض وصمصام ونبال
كاف إذا ما امتضى الأقلام أنمله ... فالمرهفات له والثمر عمال
يا فارس الدست إن الناس كلهم ... سواك في دست هذا الملك أكفال
مر عبدك الدهر يجنبني نوائبه ... فالدهر طوع لما تقضيه فعال
وأول ثغري بتقبيلي ثراك ندى ... فإن تقبيل ذاك الترب إقبال
واسلم فإنك في افق العلى قمر ... وافخر فأنت على خد الندى خال
وأنت نبع العلى إذ غيرك الضال ... وأنت بحر الندى إذ غيرك الآل
وكتب إلى أبي القاسم الطائي الكاتب يساله تذكيره وعداً له عليه
أأبراهيم دام صفاء ودك ... على غير الزمان وصفو عهدك
دعوتك دعوة التعب المعنى ... لتذكرني بفضلك عند ربك
أبو الحسن محمد بن الحسن البرمكي: كثير الفضائل جم المحاسن جامع من العلم والأدب بين العنب والرطب فصيح اللسان والقلم وهو من رياحين الحضرة وطال ما نفد منها رسولاً إلى الخليفة القادر بالله رضي الله عنه فأحسن السفارة واستوفى العبارة وهو الآن يتولى اوقاف الهند وله شعر يدخل على الأذن بلا أذن كقوله
إن شاب راسي فالمشيب موقر ... وذوو العلوم بشيبهم يتبرك
والشيب تغتفر الغواني ذنبه ... ما دام ذاك الشيء فيه يحرك
وله:
وذي عينين كحلاوين يرمي ... بسهمهما سويداء الفؤائد
الم بعارضيه نصف لام ... وهم بشاربيه نصف صاد
وله في الهجاء:
ابو بكر بن حمدان ... بلا أصل ولا فصل
كأن الله صوره ... من الأعجاب والبخل
إذا شاهدت طلعته ... دعوت عليه بالثكل
ترى ما شئت من حمق ... ترى ما شئت من جهل
ترى نغلا على بغل ... ترى نذلا بلا بذل
أبو الفتح المظفر بن الحسن الدليغاني: كان من وجوه خدم الحضرة وأعيانها يرجع إلى أدب وفضل وحسن نظم ونثر وتقلد الأشراف بنيسابور فلم يلبث أن اشرف على الآخرة واختصر بالحتل منذ أشهر وكان قرأ كتابي في التغزل بمأتي غلام مختلف الأوصاف والأحوال والصناعات والمذاهب فأنشدني لنفسه في غلام كرامي
وريم اصار الخانقاه كناسه ... وعارض عمداً رغبتي فيه بالزهد

أطال مواعيدي فقلت له أما ... تعبت في دين الهوا بسوى الوعد
فقال اقتصر مني على الوعد في الهوى ... فقد صح إيماني على قولي الفرد
وأنشدني لنفسه في قصيدة في شمس الكفاة رضي الله عنه والإشارة عليه باصطلام أعدائه الذين سعوا به وأعانوا عليه
فسد الزمان فما ترى ... إلا ذئاباً أو ذباباً
هذا يصول فإن يصب ... لم يأل عقراً وإنتهابا
ويحوم ذاك على اذا ... ك فلا تزال به مصابا
فابسط حسامك في الذئا ... ب فلا تدع ظفراً ونابا
واصبب على الذبان من ... عذبات مقرعك العذابا
وله من قصيدة في الشيخ العميد أبي سهل الحمدوئي أدام الله عزه
بابي طلوعك ايها القمر ... حتى متى يا بدر تنتظر
يا مجملاً فيه الجمال له ... خضر كحظي منه مختصر
العشق أول مرة نظر ... كم خاض في دم عاشق نظر
ومنها:
والمجد يحمد فعل أحمده ... في كل ما يأتي وما يذر
الحمدوي المكتفي بندى ... كفيه إما أمسك المطر
ومنها:
وكفى الوزير مهمة فغدا ... منه بحيث السمع والبصر
فإذا دجا خطب يفرجه ... عن وجهه اراؤه الزهر
بعزيمة كالسهم ماضية ... يرتد عنها الصارم الذكر
غرس الصنائع في الورى فغدا ... يجتنى له من شكرهم ثمر
لا يخش صرف الدهر زائره ... فذاره من أحداثه وزر
يا مثرياً من كل مكرمة ... إني إلى جدواك مفتقر
لي حاجة وقضاؤها أمم ... سهل عليك وما لها خطر
ومتى يكن عمراً لها أحد ... فالشيخ سيدنا لها عمر
لا زلت ما سجع الحمام وما ... نفح النسيم ونور الزهر
في عيشة لا جوها قطر ... فيه ولا في صفوها كدر
وقال:
ولقد يئست من الرئي ... سومن بنيه زائده
وضربتهم عرض الجدا ... ر فليس فيهم فائده
وغسلت من معروفهم ... كلتا يدي بواحده
وقال:
أثرنا خبايا العيش في جنب خابيه ... بأجدب حنان وحدباء حانيه
أبو نصرأحمد بن محمد الخالدي أديب بارع شاعر حسن الشعر من المقيمين بغزنة يقول:
متى شملتني صحة وفراغ ... وقوت به لي غنية وبلاغ
واصبحت لهفاناً على مالا يفوتني ... فراسي رأس ليس فيه دماغ
ويقول:
قل للنأوم عن التفض ... ل وادعاً وسط الكرى مه
أحست فإن الحر عب ... د للمبرة والكرامه
وله:
قاضٍ لنا إبليس يشهد أنه ... ما في الفضائح مثله إبليس
فكأنه زبر الحديد فياشل ... وكأنما مفساه مغناطيس
أبو الفتح المظفر بن صالح الرازي المدير: أحد من انتقل من الري من صحبة الراية السلطانية أدام الله نصرتها وتصرف على خدمة الحضرة وهو القائل في سيل أتى بالري بعيد ارتحال الموكب العالي عنها:
أتى كالطود أحمر في اصفرار ... كأن قراه ضمخ بالخلوق
أتانا تجرف الدنيا بليل ... لحاه الله من زور طروق
تغنم فرصة ونوى بياتاً ... لأن البحر مال عن الطريق
ولولا رحلة الملك المرجى ... لما جسر السيول على الطروق
خاتمة الكتاب يشتمل على ذكر أقوام مختلفي الترتيب متفاوتي التاريخ غير معطين حقوقهم من التقديم والتأخير وهم من كل الأقسام الأربعة فمنهم من استفدتهم بآخرة ومنهم قوم ما أنسانيهم إلا الشيطان أن اذكرهم في أماكنهم فقد جمعت في هذا الفصل محاسنهم على ما خيلت وكتبت من لطائف غررهم وملحهم ما يجري مجرى الحلوآء التي تقدم في أواخر الموائد ويكمل به الكتاب والله ولي التوفيق ابو محمد لطف الله بن المعافي يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وهم الكرام السادة الأشراف
وبقيت من خلف كأن وجوههم ... خبز الشعير إذا علاه جفاف
ويقول:

ارى ما اشتهيه يفر مني ... وما لااشتهيه إلي يأتي
ومن أهواه يبغضني عناداً ومن أهواه شص في لهاني
كأن الدهر يطلبني بثأر ... فليس يسره إلا وفاتي
وهو القائل:
وهل يذخر الضرغام قوتاً ليومه ... إذا اذخر النمل الطعام لعامه
هذا البيت لأبي العلاء المعري. أبو القاسم علي بن مسرة البغدادي يقول:
زعمت أنما هواي محال ... أتراها ظنت نحولي انتحالا
ولقد زارني الخيال فماصا ... دف مني الخيال إلا خيالا
بت أرعى النجوم فيها وباتت ... من وراء السجوف تنعم بالا
وشكوت الهوى إليها فقالت ... حضري ينمق الأقوالا
وقوله:
الف الحوادث مهجتي فالفتها ... بعد التنافر والكريم الوف
ليس البلاء علي صنفاً واحداً ... لكن علي اليوم منه صنوف
محمد بن أحمد الشيرجي أديب فقيه ظريف شاعر خليع يقول:
يا خليلي عرجاً بي إلى القف ... ص وحطا الرحال بالبردان
واتركاني من التفقه في الدي ... ن فحسب تعلمي ما كفاني
واسقياني على وجوه الغواني ... واصطفاق النايات والعيدان
ويقول:
الق الدساكر والمعاصر والسواحر والزوامر
ودع الدفاتر والمحابر والقماطر والمساطر
وكتب إلى صديق له يستذيره:
اليوم يوم انجحار ... ويوم إيقاد نار
ويوم عزف وقصف ... ويوم شرب عقار
وكل هذا لدينا ... فاحضر مع الحضار
وكان كثيراً ما يقول لأخوانه: أنعم الله صباحك وأدام لرأسك الخضرة ولوجهك الحمرة ولوجه حاسدك الصفرة ابو الفضل أحمد بن محمد الكاتب: ثقيل وزن الفضل خفيف روح الشعر يقول:
دخلت إلى النحاس يوماً وعنده ... غلام صبيح الوجه أتلع أحور
فقلت له هذا الغلام تبيعه ... فقال به عيب وذلك يستر
فقلت فأظهره فقال اباقه ... فقلت رضىً بالعيب فالظبي ينفر
ويقول:
قد قلت والصدغ على خده ... كالليل يبدو تحته الفجر
البدر من ابراجه ... عقرب فصار برج العقرب البدر
ابو المظفر عبد الجبار بن الحسن البيهقي الجمحي: كثير المحاسن حلو الأدب مليح الشعر يعيش في ظل الكفاية ويخدم السلطان ويعاشر الأخوان ويقول مثل قوله في بعض الصدور
وإن أبا سعد لعائن ربنا ... عليه لشيخ حامض في المشايخ
فلو أنني وليت شغل وكالة ... لوفرت في خديه خل المطابخ
وقوله:
وجه أبي العباس ما اصلده ... نعم ويوم البعث ما اسوده
يخيب من يرجوه في يومه ... ثم مع الخيبة يخشى غده
قل لمليك الشرق هذا الذي ... يكتب في الديوان ما ابرده
إن شئت أن تبسط بين الورى ... عدل أنوشروان فاقبض يده
وقوله:
دخلت على أبي سعد وإني ... اداخله على ود سقيم
رأيت لديه كتاباً ظرافاً ... حيارى حول محزون كظيم
تصور لي ملائكة كرام ... قعود حول شيطان رجيم
ففي ديوانه كرم ولكن ... مدارعه تزر على لئيم
يعز علي أن يلقاه شتمي ... بلا ضرب أكرره اليم
وقوله في قصيدة
عبق بكفي من خيال طارق ... عند الكرى متصافح متعانق
فأبيت أضحك من وصال كاذب ... وأظل ابكي من فراق ٍ صادق
إني اصافحه بكفي صائن ... لكن ألاحظه بعيني فاسق
ما للهموم ألفن كل متيم ... اعشقن مهجة كل صب عاشق
ابو منصور على بن أحمد الحلاب: شاب كان متقدم في الفضل والأدب كتب في ديواني الرسائل بنيسابور والري وبرع وخدم وخدم وقد ذكرت له ابياتاً في مرثية صديقه أبي بكر الصبغي وكتبت الآن ما أنشدني لنفسه قوله في خط العذار:
كم سقيت الدموع عارض حتى ... اشتهي خطه على غير حين
فتباطى النبات حتى إذا ما ... رويت خده وجفت شؤوني

دار فيها السواد وهو شبيه ... بخطى النمل في جنى الياسمين
كيف استنكر العذار نباتاً ... وهو في عبرتي زرع جفوني
وقوله:
حلى المشيب محلاً ... عن كل ورد التصابي
ما للغواية والصبا ... بة غير ريعان الشباب
أبو سهيل الجندي الكاتب: من كتاب الرسائل في ديوان السلطان الأعظم ولي النعم أدام الله ملكه ومن الأدب والفضل بحيث يضرب به المثل وله شعر يجمع الحسن واللطف والظفر كما أنشدي الحاكم أبو جعفر محمد بن إسحق البحاثي قال أنشدني هذا الشيخ لنفسه:
أفدى فتاة حرمت ... ظلماً علي جمالها
ود الهلال بأن يكو ... ن لساقيها خلخالها
قد واعدتني زورة ... تشفى الجوى فبدالها
وأنشدني أيضاً قال أنشدني لنفسه:
سقياً لزائرة زارت على عجل ... والليل ألبس غيطان الفلا غسقا
في ليلة بات شمل الأنس مجتمعاً ... فيها وشمل الأسى والحزن مفترقا
قطعت أولها شرباً وأوسطها ... سكراً وآخرها ضماً ومعتنقاً
حتى بدا الصبح محمراً ذوائبه ... كأنه موقد في افقه سذقا
قالت تودعني والعين باكية ... يا ليت أن بياض الصبح ما خلقا
أبو طالب محمد بن علي بن عبد الله المعروف بالبغدادي المستوفي: أخبرني أنه واسطي خدم الصاحب والأجل واقتبس من أنوارهم في صباه وانتقل إلى خراسان فشاخ بها على الإستيفاء في الديوان وكان أديباً كاتباً حاسباً كريما فاضلاً به طرش يسير وله حفظ كثير وطلع بنيسابور فاطلع شمس فضله وأنشدني لنفسه:
إن كنت عندك يا مولاي مطرحاً ... فعند غيرك محمولا على الحدق
وأنشدني لنفسه في قائد اسمه فولاذ:
قالوا أمتدح فولاذ فاسعد به ... فالحر بالأحرار يعتاذ
فقلت لا يغرركم بره ... فإنه في اللوم استاذ
لو أنه الزيبق لم يجر لي ... فكيف تجري وهو فولاذ
وله في الأمير حسنك رحمه الله تعالى
أبدى لك الدهر في أحواله عبرا ... لو كنت يوماً بما تلقاه معتبرا
انظر بعين النهى في حسنك لترى ... سحاب كل بلاء ارضه مطرا
صلب ورجم وحز الراس بعدهما ... من يقهو الناس في سلطانه قهراً
وانتقل إلى جوار ربه منذ سنيات وله نجيب أديب في ديوان الإستيفاء بالحضرة يكنى أبا غالب أبو عدي الشهر زوري له شعر مدون فقد انتخبت منه قوله
حصلت وعدك سيدي ... وكفى به ثقة لآمل
لكنني كالناس مش ... غوف الفؤاد بكل عاجل
وقوله :
بما كان واحد ... يغلب الألف زائداً
رب ألف رأيتهم ... لا يساوون واحداً
وقوله:
وأنت كالماء يروي الناس كلهم ... وربما شرق الإنسان بالماء
أبو منصور محمود بن علي الملهبي العماني: حدثني أبو الحسن علي بن محمد الحاجبي بالجرجانية قال كنت في أواخر ايام السامانية احرر في ديوان الرسائل بخارا مع جماعة من المحررين وصاحب الديوان إذ ذاك أبو علي بن عيسى الدامغاني ومعنا في الجملة أبو منصور المهلبي وكان اشعر القوم وكان فينا واحد يعرف بأبي الفوارس النيسابوري ردي الخط غليظ الطبع كثير الكتب قليل الأدب يتعاطى الشعر ويفتضح فيه فمدح أبا علي بما اضحكه والقوم فامر المهلبي بهجائه ووصف خطه وبلاغته فقال أبياتاً منها:
وكاتب كتبه تذكرني ال ... قرآن حتى أظل في عجب
فاللفظ:
قالوا قلوبنا غلف ... والخط: تبت يدى أبي لهب
فأعجب أبو علي بقوله وأمر بصلةٍ ولما رأى المهلبي ميل أبي علي إلى وصف خط أبي الفوارس فقال فيه يخاطب أبا علي:
يا سيد السادات في المجالس ... أما ترى خط أبي الفوارس
كأنما يكتب بالمكانس ... فميمه كمنخر الأفاطس
وجيمه كرجل بغلٍ رافس ... وسينه كأرجل الخنافس
وواوه مغرفة الهرائس ... ولامه شريجة المحابس
وما تراه الدهر غير عابس ... أو ناكساً لرأسه كالناعس

يدرس طوماراً بفهم دارس ... أو قائلاً شعراً بشق هاجس
أو غايضاً في لجة الوساوس ... كأنه من جملة الأبالس
فارم به في شدق ليثٍ ناهس ... فبئس الكتاب من مجالس
قال ولما قلد أبو محمد عبد الله بن محمد بن عزير الوزارة ببخارا مدحه أبو منصور المهلبي ببيتين فوصله بالفي درهم وهما:
ارى الله البرية كل خيرٍ ... وجنبهم بفضلٍ على ضير
ورد حياتهم ببني عزيرٍ ... كما رد الحياة على عزير
وأنشدني غيره للمهلبي:
قد أولع الناس في الدنيا بأربعةٍ ... أكل وشرب وملبوس ومنكوح
وغاية الكل إن فكرت فيه إلى ... رروثٍ وبولٍ ومطروحٍ ومفضوح
وله:
إذا اعتل برذون الفتى وهو واحد ... فصاحبه حتى يصح عليل
ابو منصور نصر بن أحمد بن سعد السعدي: أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن ايده الله له:
أكرم أليفك ما استطعت فإنه ... ما دمت تكرمه فأنت كريم
فإذا أضعت ذمامه وتركته ... تركتك الفته وأنت مليم
وله في ذم صديقٍ:
الفلك تجري في البحار وانني ... أجريه منك على الصفا والجندل
الله يعلم ما اقاسي دائباً ... من سوء خلقك يا نقيع الحنظل
وله:
يا جامع المال كي تضن به ... تطمع والله في الخلود معه
هل حمل المال ميت معه ... أما تراه لغير من جمعه
ومما ينخرط في سلك هذا النظام قول بعضهم:
يا جامعاً للمال يا مانعاً ... الم تثق بالرازق الباعث
من شح بالمال على نفسه ... جاد قهراً على الوارث
ابو الفرج أحمد بن علي بن خلف الهمداني: في نهاية الفضل وحسن النثر وملاحة الشعر وقد ذكرت له عند أبيه هذين البيتين المرتفعين في الحسن عن النعت الجاريين مجرى السحر:
لئن كنت القريض مبرزاً ... وليست جدودي يعرب واياد
فقد تسجع الوررقاء وهي حمامة ... وقد تنطق الأوتارر وهي جماد
ولم أكن أحفظ إذ ذاك غيرهم م اكتبني الشيخ أبو بكر أيده الله بعد حينٍ من الدهر ما كتبته في سويداء القلب كقوله:
تعيرني وخط المشيب بعارضي ... ولولا الحجول البيض لم تحسن الدهم
حتى الشيب ظهري فاستمرت عزيمتي ... ولولا انحناء القوس ما نفذ السهم
وكقوله:
ولرب كرمٍ نقلنا أعنابه ... وشرابنا حلب مختوم
فجمعت بين ألام فيه وبنتها ... عمداً لكي يتضاعف التحريم
وكقوله من قصيدةٍ فريدةٍ بديعةٍ جداً:
لا تعذليني إن ذكرت كئيبا ... ومنعماً غض الجمال ربيبا
ومنازلاً قضيت بين خيامها ... عيشاً كما يرضى التصابي طيبا
لولا اشتياق الألف لم تر طائراً ... يوفي على غصن الأراك خطيبا
ولقد ترن القوس وهي صليبة ... من أن تفارق سهمها فتغيبا
وكفاك من شرف الهوى تقديمنا ... ابداً على مدح الملوك نسيبا
مهلاً فلست ترى الفتىذا همةٍ ... طماحةٍ حتى تراه طروبا
أما تراني فقد ولهت صبابة ... ورأيت رأى العاشقين مصيبا
فلرب يومٍ قد حجبت سماءه ... بعجاجةٍ تذر الشباب مشيبا
غادرت صدر السمهرية مرعداً ... وثنيت في قلب الخميس وجيبا
سرنا فسارت للنسور عصائب ... ترجو مقاماً للكماة عصيبا
وقيننا شمس النهار وصرن من ... دون الهجير سرادقاً مضروبا
فليجزين صنيعها بفوارس ... تقتات منهم أعيناً وقلوبا
وأبي الذي شهد الكرام بأنه ... أوفاهم في المكرمات نصيبا
هوبي إذا الأبناء عدوا منجب ... وبه أعد إذا افتخرت حسيبا
كالبحر وله دره والغيث أن ... بت روضه ابدي طيبا
اصل وفرع طيبان كلاهما ... ما فيهما أمر تراه معيبا
وكقوله في حال انقضت:

قربا الشقر الأغر فإني ... يا خليلي قد مللت المقاما
ورأيت الثواء في بلد الذل ... حماماً وأن أمنت الحماما
وتخيرت للحروب قناةً ... صعدةً صدقةً وسيفاً حساما
فأجيزا عني الكؤوس فإني ... قد الفت السرى وعفت المداما
ودعاني من الأغاريد إلا ... من طنين السيوف يفلقن هاما
ولخير من أن نعيش لئاماً ... مستذلين إن نموت كراما
وقوله من قصيدةٍ:
نشفت بأنفاسي نطاف المناهل ... فاخلفتها دمعي بسحبٍ هواطل
ورحت بقلب في الظعائن سائرٍ ... حثيث ودمع بالأباطح سائل
وأنكر جاراتي خضاب ذوائبي ... وهن به زين بيض الأنامل
فيا عجبا منهن بنكرن باطلاً ... علي ولم يحلين إلا بباطل
وكنت متى أبدي النصول بياضها ... رأيت نصولاً ركبت في مقاتلي
فسل مشيبي من خضابي كأنما ... تسل من الأغماد بيض المناصل
وقوله من أخرى:
شكر لآلآء الوزير فإنه ... أحيى نفوساً قد كمدن تروعا
ولئن تبقت لي مآرب لم أزل ... لنداه في انجازها متوقعا
يأبى حياني أن اطيق بيانها ... وعزوف نفسي أن أرى متوجعا
ولأنت تعلم ما أريد فوقني ... ذل السؤال وجد به متبرعا
وإلا الفتى سبق السؤال بفعله ... كان الذي يأتيه أحسن موقعا
وقوله:
تلوم اميمة أني سخوت ... سيصغي إلى لومها الألأم
أامنع ما ملكته يدي ... ويخلع خلته الأرقم
فيمنح من جسمه بعضه ... ويعظم في عيني الدرهم
إذاً هو أولى بنيل العلى ... وموقفه في الندى أكرم
وقوله:
ولي أنمل تغني وتفني كأنها ... مسار غمام أو مثار حمام
فما انبسطت إلا لاغناء مقترٍ ... ولا انقضت إلا لهز حسام
وقوله في الزهد:
في ظلام الدجى وضوء النهار ... آية للمهيمن الجبار
فلك دائر وقطب مقيم ... ونجوم تجري بغير اختيار
وسماء قامت بغير عمادٍ ... فوق أرضٍ رست بغير قرار
وصعيد يحول نبتاً نضيراً ... مونق الروض مورق الأشجار
شربه واحد والوانه شت ... ى فمن اصفرٍ ومن جلنار
شهد الراسخون في العلم طراً ... إن هذا من صنعة الجبار
خالق الخلق باسط الرزق فيهم ... مالك الملك عالم الأسرار
فهو الواحد الحكيم تعالى ... عن شبيه وعن شريك وجار
هو ذاك الذي إذا خفت أمراً ... قلت يا رب نجني من حذار
فإذا زال ما أخاف وأخشى ... عدت في سكرة وفي إصرار
أيها الغافلون عن نوب الده ... ر وناسون سطوة الأقدار
إن هذي الديار قد نزلت قب ... ل وحلت فأين أهل الديار
أين اين الملوك في سالف الده ... ر وما أثروا على الاثار
كل ذي نخوةٍ وأمر مطاع ... وامتناع وعسكر جرار
ملكوا برهةً فسادوا وقادوا ... ثم صاروا أحدوثة السمار
لم تخلدهم الكنوز التي قد ... كنوزها من فضة ونضار
لم تغثهم يوم الحساب ولكن ... حملوا وزرها مع الأوزار
أبو الحسين الحسني الهمداني: هو والد عباد سبط الصاحب وكان بهمدان في الشرف والجاه واليسار كيحيى ابن عمر العلوي ببغداد وفي الأدب والشعر كالرضي والمرتضى والموسويين

بها وكان الصاحب يفتخر بمصاهرته ويتشرف بمواصلته وكان من أعظم الرؤساء مروءة وأوسعهم رحلاً وكان له ندماء فضلاء أدباء لا يغبونه ولا يغيبون عن مائدته وكان يسأل كل واحد منهم عما يتشهاه من الأطعمة فيأمر الطباخ باتخاذه وإحضار جميعه فيأكل بشهواتهم وقال لهم يوماً تعالوا بنا نتكرم اليوم فقالوا أي يوم لا يتكرم سيدنا فيه قال نتكرم من الكرم لا من الكرم قالوا كيف تعمل قال نستغرق مرافق الكرم ومنافعه ومصالحه فنستوقد بقضبان الكرم نتخذ سكباجة وقلية حصرمية وحلواء دبسية ونشرب العيني وننتقل الزبيب فقالوا لا اختيار على هذا الرأي فأمر بذلك كله وطاب يومهم وكنت علقت له أبياتاً ضاعت وعلق بحفظي منها قوله في جارية تحمل شمعة
خطرت لنا قبل العشاء بشمعةٍ ... تحكي بها شكل القنا الخطار
فكأنما طعنت بها عشاقها ... فتكللت بدل النجيع بنار
وقوله من قصيدة:
أعينا على تسويفه واعتلاله ... وتكديرها بالهجر ماء وصاله
لئن كانت الأيام ضنت بقربها ... فإن الليالي اسعفت بخياله
ومنها:
ينفر عنه النفس سوء فعاله ... ويدعو إليه القلب فرط جماله
ألا رب يوم قد نعمت بقربه ... إذا العيش في ريعانه واقتباله
ومنها قوله من قصيدة صاحبية:
إني وإن كنت من يدنيه ابطحه ... إلى الفخار وتنميه أخاشبه
حتى تعليه طوراً فواطمه ... إلى النبي وأطواراً زيانبه
لعبد أنعمك اللاتي ملأن يدي ... طولاً وميزتني عمن أناسبه
وكتب إلى الصاحب مع طبق فضة فيه من ند الملوك وذلك قبل العيد
العيد زارك نازلاً برواقك ... يستنبط الأشراق مع إشراقك
فاقبل من الند الذي أهديته ... ما يسرق العطار من أخلاقك
والظرف يوجب أخذه مع ظرفه ... فأضف به طبقاً إلى أطباقك
والجواب عنه في نهاية الظرف وقد ضاع في جملة ما ضاع، وسهم الرزايا في الذخائر مولع، ولئن عثرت عليه الحقته بحاشية هذه الورقة إن شاء الله تعالى أبو الحسين التغلبي أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله قال أنشدني ابن أبي علان الأهوازي لأبي الحسين التغلبي في مدح الصغار من قصيدة
وإذارمقت بحلظ طرفك في العلى ... نجماً صغيراً فهو فوق الأنجم
وصغيرة الخمس الأصابع إنها ... أولى بزينة خاتم المتختم
والرمح اصغر عقدة فيه التي ... عند السنان وذاك صدر الهذم
وكذلك الدينار يصغر حجمه ... وهو الثمين تراه فوق الدرهم
وأنشدني غيره في أمرد متكبر
تكبر لما رأى نفسه ... على هيئة الشمس قد صورت
سيندم الفاً على كبره ... إذا الشمس في وجهه كورت
الخليل بن أحمد القاضي السجزي: من افضل القضاة وأشهر أدبائهم وله شعر الفقهاء كقوله:
الشيب أبهى من الشباب ... فلا تهجنه بالخضاب
هذا غراب وذاك باز ... والباز خير من الغراب
وقوله:
من اراني في غلو في الجفا مالم اره ... فانتقامي منه أن أخجله بالبر به
وقوله في الهزل:
إذا نامت العينان من متيقظ ... تراخت بلا شك تشانيج فقحته
فمن كان ذا عقل سيعذر ضارطاً ... ومن كان ذا جهل ففي وسط لحيته
وقوله في الجد
جنبي تجافى عن المهاد ... خوفاً من الموت والمعاد
من خاف من سكرة المنايا ... لم يدر ما لذة الرقاد
قد بلغ الزرع منتهاه ... لا بد للزرع من حصاد
أبو درهم البندنيجي:أنشدني الشيخ أبو بكر ايده الله تعالى له من نتفةٍ
متى ما اقل مولاي افضل منهم ... أكن للذي فضلته منتقصا
الم ترى أن السيف يزري به الفتى ... إذاقال هذا السيف أمضى من العصا
وله ايضاً:
الم ترى هذه الدنيا حطاماً ... توقد بيننا فيه الحروب
إذا نافست فيه كساك ذلاً ... ومسك في مطالبه اللغوب

ابو محمد يحيى بن عبد الله الأرزني أحد مدرسي اللغة ببغداد وأصحاب الخطوط بها حدثني أبو الفضل التميمي قال كنت يوماً معه في دار بهاء الدولة فجلسنا على برج منها مطل على دجلة مع فتى اسمر مليح واخذنا نشرب من نبيذ التمر فارتجل ابياتا منها
كأن على البرج المطل غذية ... لنا منزل بين المساكين والنجم
من دوننا فيحاء قد نسجت لها ... يد المزن أفواقاً من الوشي والرقم
ودجلة تحكي في اطراد حبابها ... مضاعفة التسجين محكمة النظم
وكاساتنا تجري بسوداء ما لها ... إذا انتسبت غير الإشاءة من أم
ولو كان من عمر الحبيس معرسي ... إذا لأتت صهباء من حلب الكرم
الحبيس كان في بلاد الشام او الجزيرة
ولكنما اذري بنا أن دارنا ... ببلدة لا خال يعد ولا عم
بلا قد زهاها أن لونك لونها ... فجاءت تضاهي المسك في اللون والشم
وأنشدني غيره له في امرأة تزوجها فلم تحمدها وشبهها بالنرجس ذاماً لها
أبنت أبي اسحق هل أنت نرجس ... فإنا كلا شخصيكما متماثل
فساقاك خضروان والرأس أبيض ... ووجهك مصفر وجسمك ناحل
أوحد الملك أبو طاهر الحسن بن أحمد بن حسول يلقب بالأستاذ أوحد الملك ويرشح للوزارة ومحله محل الوزراء وهو ابن عم الإستاذ صفي الملك أبي العلاء وله بلاغة بالغة وشعر مع قرب لفظه بعيد المرام مستمر النظام كقوله
اشرب فقد اقبل الربيع بلا ... مطل وخل العذول في تعب
وسقني قهوة معتقة ... وكأنها جذوة من اللهب
وانظر إلى السن الرياض وقد ... نضنضن يتلو عوارف السحب
كأن اشجارها منورة ... منقوطة بالكواكب الشهب
تسري إليها الشمال مدنفة ... مسرى شفاء إلى اخ وصب
كأنما النرجس الجني إذا ... منحته اللحظ طرف مرتقب
والورق مثل القيان في كلل ال ... أغصان يوقظن هاجد الطرب
وخلني وأسخ على رشأ ... خللي دموعي مفضوضة السحب
وكقوله:
وأغيد يهجرني دائباً ... ويمنحني الطيف من سخطه
كأن الثريا وقد صوبت ... قبيل التبلج من قرطه
وله من رسالة: عاقتني عن زيارة مولاء الأنواء مضاهية تدفق بنانه بالعطاء وتموج ببحره بالحباء المرتوية من الأنداء ارتواه من الكرم والحياء ثم صدني أيضاً ما نحن بصدده في المعسكر المأهول من الخطر المهول والوحول التي تسوخ فيها اثباج الفيول فضلا عن الخيول ومن اخرى: غرست في فنا مولاي آمالا متهدلة الأفنان مغضلة الأغصان فلم استثمر منها إلا التأخر عن جماعة لم يجرؤا في الخدمة والطاعة إلى أمد معي ولم يضربوا في الغناء بمثل قدمي ومن أخرى ومعاذ الله أن استعدى على كرمةٍ إلا بكرمه ولو أحوجت إلى استفاف الثرى أو يشاهد مني غير الثناء ولو أزار نعرتي حد الظبي ومن أخرى: قد شاهدت عهود الصبا حاضرة وأغصان الشبيبة ناضرة القاضي أبو علي عبد الوهاب بن محمد: أمام قد غزر علمه ونقى جيبه وسلم غيبه ولم يدنس ذيله واستوى في النزاهة نهاره وليله ولا عهود لنيسابور بمثله في الزهد والورع والبعد عن الطمع وربما يقول شعر ادباء الأئمة كقوله وأنشدنيه له الحاكم أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن دست أيده الله قال أنشدني لنفسه
شباب أنست بأيامه ... فولى بايامه وانقضى
وأورثني عنه شيباً أضاء ... كصبح أتى بعد ليل مضى
قال وأنشدني أيضاً لنفسه:
ما في شكاية من به ... بعض الأذية من حرج
والصبر أجمل بالفتى ... والصبر مفتاح الفرج
الحاكم أبو علي الحسن بن منصور بن العلاء الدرابجردي النيسابوري من شبان الحكام سناً ومشايخهم علماً وفضلاً وكأن البحتري يعينه بقوله:
وشبيبة فيها النهى فإذا بدت ... لذوي التوسم فهو شيب أسود
وله أدب من ثماره شعر حسن كقوله في الغزل:
تجلت كمثل الشمس فوق جبينها ... سلاسل من مسك عقدن على در

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11