كتاب : يتيمة الدهر
المؤلف : الثعالبي

فحدثني أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال: حدثني أبو الفتح رحمه الله تعالى قال: لما استخدمني الأمير سبكتكين وأحلني محل الثقة الأمين، عنده في مهمات شأنه وأسرار ديوانه، وكان باتيور بعد حياً، وحسادي يلوون ألسنتهم بالقدح في والجرح لموضع الثقة بي ليّا، أشفقت لقرب العهد بالاختبار من أن يعلق بقلبه شيء من تلك الأقوال،ويقرطس عرض القبول بعض تلك النبال، فحضرته ذات يوم وقلت: إن همة مثلي من أرباب هذه الصناعة لا ترتقي إلى أكثر مما رآني الأمير أهلا له من اختصاصه واستخلاصه وتقريبه وترتيبه واختياره لمهمات أسراره، غير أن حدائة عهدي بخدمة من كنت به موسوماً واهتمام الأمير بنقض ما بقي من شغله يقتضيانني أن أستأذنه للاعتزال إلى بعض أطراف مملكته ريثما يستقر له هذا الأمر في نصابه، فيكون ما آتيه من هذه الخدمة أسلم من التهمة، وأقرب إلى السداد، وأبعد من كيد الحساد، فارتاح لما سمعه، وأوقعه من الإحماد موقعه، وأشار علي بناحية الرخج، وحكمني في أرضها أتبوأ منها حيث أشاء، إلى أن يأتيني الاستدعاء، فتوجهت نحوها فارغ البال، رافغ العيش والحال، سليم اللسان والقلم، بعيد القدم من مخاضات التهم، وكنت أدلجت ذات ليلة، وذلك في فصل الربيع، أؤم منزلا أمامي، فلما أصبحت نزلت فصليت وسبحت ودعوت وقمت للركوب ففتح ضياء الشروق طرفي على قرية ذات يمنة محفوفة بالخضرة. معمومة بالنور والزهر. وأمامها أرض كأنها قد فرشت ببساط من الزبرجد منضد بالدر والمرجان، مرصع بالعقيق والعقيان. ينساب بينها أنهار كبطون الحيات، في صفاء ماء الحياة، وقد فغمني من نسيم هوائها عرف المسك السحيق، بالعنبر العتيق. فاستطبت المكان، وتصورت منه الجنان، وفرعت إلى كتاب أدب كنت أستصحبه لأخذ الفال على المقام والارتحال، ففتحت أول سطر من الصفحة عن بيت شعر وهو:
وإذا انتهيت إلى السلا ... مة في مداك فلا تجاوز
فقلت: هذا والله الوحي الناطق، والفأل الصادق، وقد تقدمت بعطف ضبني إليها. وعشت ستة أشهر بها في أنعم عيش وأرخاه، وأهنأ شرب وأمراه. إلى أن اتاني كتاب الأمير في استدعائي إلى حضرت بتبجيل وتأميل، وترتيب وترحيل، فنهضت وحظيت بما حظيت منها إلى يومي هذا، فكان اختياره ذلك أحد ما استدل به ذلك الأمير على رأيه تدبيره ورزانته، ودرجه به إلى محله ومكانته، وصار من بعد ينظم بأقلامه، منثور الآثار عن حسامه، وينسج بعباراته. وشي فتوحه ومقاماته، وهلم جرا إلى زمان السلطان المعظم يمين الدولة وأمين الملة.
وقد كتب له عدة فتوح، قال في أحد كتبها: كتبت وقد هبت ريح النصرة من مهبها، والأرض مشرقة بنور ربها.
إلى أن زحزحه القضاء عن خدمته، ونبذه إلى ديار الترك عن غير قصده وإرادته، فانتقل بها إلى جوار ربه في سنة اربعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
؟؟ما أخرج من فصوله القصار ومن ألفاظه أمثاله

من أصلح فاسده، أرغم حاسده، من أطاع غضبه، أضاع أدبه. عادات السادات، سادات العادات، من سعادة جدِّك، وقوفك عند حدّك. أفحش الإضاعة الإذاعة، الخيبة تهتك الهيبة. الدعة رائد الضعة. من لم يكن لك نسيباً، فلا ترج منه نصيباً. الرشوة رشاء الحاجة. اشتغل عن لذاتك،بعمارة ذاتك. أجهل الناس من كان للإخوان مذلاً، وعلى السلطان مدلا. حبيبك لا يعيبك. الآثار ألسنة الأقدار، إذا بقي ما قاتك، فلا تأس على ما فاتك. الدنيا فناء الفناء. البشر عنوان الكرم، ربما كانت الفطنة فتنة، والمهنة محنة. من حسن أطرافه، حسن أوصافه من تبرَّج برُّه. تأرّج ذكره. من كان عبد الحق فهو حر، المراء يهدم المروءة. الفهم شعاع العقل. رضي المرء عن نفسه دليل تخلفه ونقصه. الحدة والندامة فرسا رهان، والجود والشجاعة شريكا عنان، والتواني والخيبة رضيعا لبان. الفكر رائد العقل. الجود وضع الموجود، بموضع الجود. نعم الشفيع إلى عدوك عقله، لا تغتر بصحة مزاجك في الهواء الوبيء، ولا تغتر بقوة بصرك في الظلمة الراكدة، إفراط التعاقل تثاقل الحدة تريك صورة الجهل. رب مقال لا تقال عثرته. حسن الأخلاق، أنفس الأعلاق، المرء من غرر الأيام في غرر ومن صفوها في كدر، أفضح الفضيحة عدم القريحة، الحلم مطية وطية لكل علو، يوشك أن يقصر من يغلو ويسفل من يعلو. كيف القرار، على الشرار، المنية تضحك من الأمنية. مسلك الحزن حزن، ضيق الصدر، من صغر القدر، أحصن الجنّة، لزوم السنُّة، الرد الهائل، خير من الوعد الحائل. الخلاف غلاف الشر، من كان رأيه صحيحاً، لم يكن بميسور البر شحيحاً، نعم العدة، طول المدة، عسى تحظى في غدك برغدك، زمام العمل بيد الأمل، البرايا أهداف البلايا. طلوع العقوق، أفول الحقوق.
حد العفاف، الرضى بالكفاف، لا ضمان على الزمان، من لزم السلم سلم. ليكن قرينك من يزينك. الخرق آفة الخلق. إفراط السخاوة رخاوة. ربما كانت العطية خطية. لا يعدم لصرعة، ذو السرعة. الفلسفة فلُّ السفه. لكل حادث حديث، وربما أغنت المداراة عن المباراة. البشر نور الإيجاب، ما كل خاطر بعاطر. البخل سوس السياسة. العفو يطمس الهفو. العقل جهبذ النقل، التبدل تبذل. العفيف يكفيه الطفيف، ثقل العفيف خفيف. لسان النصيح فصيح، التصلف ترجمان التخلف، كفى بالنهي ناهياً،بالهدى هادياً من تعطل تبطل. أدهى المصائب المعايب، ربما تشوّر من تهور. إفراط الدماثة غثاثة، إفراط الفخامة وخامة رب معبوط مغبوط إفراط التأنّي تواني. لا ضياع بين الصناعة والقناعة. الإنصاف أحسن الأوصاف. عليك بالحذر من الهذر، ربما تكون المنية هنية. معنى المعاشرة ترك المعاشرة، ما لخرق الرقيع مرقع. ربما تكون العناية جناية. من أفرط أورط. رب مورد هو مورط، ورب مصعد هو مهبط. قدر الأمين ثمين. من قصر أمله ظهر عمله، التضريب زند العداوة، الشكر جنَّة الفارس. والصبر جنة الملابس. ظل الجفاء يكسف شمس الصفاء، من لزم الأدب أمن العطب. قوتك قوَّبك. البيان علم العلم، ليكن إقدامك توكلا وإحجامك تأملا. إخوان هذا الزمان خوان، الناس عبيد الخواطر، الغيث لا يخلو من العيث. الحر نحل السكر إن أجناه المرء من برء شكدا، أجناه من سكره شهدا. إن لم يكن لنا مطمع في درك دركف فأعفنا من شرك شرك. لفلان طبع غير طيع، وقريحة غير قريحة، وخيم، وخيم، باع فلان الباسقات. واشترى الفاسقات.

فصل من كتاب له عن السلطان المعظم
إلى شمس المعالي في شأن الشيخين أبي نصر وأبي سعيد ابني الشيخ أبي بكر الإسماعيلي.
من علم الأمير شمس المعالي آدام الله عزه الكريم، فكأنما علة الغيث سجاما، والليث إقداما. وذلك لأن المكارم من خصائص معانيه، ونتائج مساعيه ومعاليه. غير أن العادة جارية بهز السيّف وإن كان ماضي الغرار. وقدح الزند لانتضاء ما فيه من الأنوار.

ومساق هذا القول إلى ذكر شيخينا أبي نصر وأبي سعيد ابني الشيخ أبي بكر الإسماعيلي أيدهما الله تعالى ورحم أباهما وإنهما غصنا دوحة شريفة، وفرعا نبعة صليبة، ولكلّ منها الفضائل التي سارت أخبارها، والمحاسن التي سألت أوضاحها. ولئن جرى منهما فيما تقدم زلل فقد يكبو الحليم، وينبو الحسام ومن عادته التصميم، ولو لم يكن هفو، لما عرف عفو. والكريم إذا قدر غفر وشكر الظفر، وأنا أسأل الأمير أن يمن عليّ فيهما بما يعيد جاههما، ويقيل عثرتهما، وينيل بغيتهما، إن شاء الله تبارك وتعالى.

وما أخرج
؟؟من ملحه في الغزل والخمر قال:
يا يوسف الحسن ليلي بعد فرقتكم ... يحكي سني يوسف طولاً وتعذيبا
والشأن في أننّي أرمى من اجلكم ... بمثل ما قد رمى إخوانك الذبيا
وله:
ومهفهف غنج الشمائل أزعجت ... قلبي محاسن وجهه إزعاجا
درت الطبيعة أن فاحم شعره ... ليل فأذكت وجنتيه سراجا
وله: ؟قالت وقد راودتها عن قبلةٍ اشفي بها قلباً كئيباً مغرما
لاقدِّم يداً من قبل أن تدني يداً ... ومبرَّة من قبل أن تدني فما
إن الغرام غرامة فمتى تكن ... بي مغرماً فلتحتمل بي مغرما
وله:
ومهفهف يسعى بكأس مدامةٍ ... والكأس فوه والرضاب مدامه
وإذا تثنَّى مائساً في مشيه ... فالسرو في ريح الشمال قوامه
وله:
أرأيت قد قال لي بدر الدجى ... لما رأى طرفي يديم سهودا
حتّام ترمقني بعيني ساهدٍ ... أقصر فلست حبيبك المفقودا
وله من الدمل:
وغزتغل كلّ من شبهّه ... بلالٍ أو ببدرٍ ظلمه
قال إ قبَّلت بالوهم فمه ... قد تعدّيت وأسرفت فمه
وله:
بأبي من أدار من خديه ... مثل ما قد أداره بيديه
قمر يقمر العقول بسحرٍ ... ماله مركز سوى عينيه
هو أغنى الأنام عنيّ ولكن ... أنا من أفقر الأنام إليه
وله:
يا غزالاً أراه ندَّ وصدَّا ... بعد ما كان للوصال تصدَّى
بيننا للرقيب سد فلا تجمع ذي الهوى مع السدِّ صدَّا
وله:
أوان أنت في هذا الأوان ... عن الراح المروَّق في الأواني
تعال إلى الصواني مترعاتٍ ... وأبرز نورهن من الصواني
؟وفكّ إسار لذّاتٍ عوانٍ ... ببكر من كؤوسك أو عوان
وله:
ربّ يومٍ للأنس فيه فراغ ... ولكأس السرور فيه مساغ
؟قد فرغنا له من البثِّ والشك ... وى وما للكؤس فيه فراغ
عند حرّ له قلائد في الأعناق من جوهر الأيادي تصاغ
بيننا للبخور غيم وللما ورد طيش وللغوالي رداغ
وله:
يومٌ له فضلٌ على الأيام ... مزج السحاب ضياءه بظلام
فالبرق يخفق مثل قلب هائمٍ ... والغيم يبكي مثل طرفٍ هامي
وكأن وجه الأرض خذُّ متيَّمٍ ... وصلت دموع سحابه بسجام
فاطلب لومك أربعاً هنَّ المنى ... وبهنَّ تصفو لذَّة الأيام
؟وجه الحبيب، ونظراً مستشرقاً ... ومغنيَّاً غرداً، وكأس مدام
وله في وصف الكتب والخط والبلاغة:
كتابك سيدي جلَّى همومي ... وجلَّ به اغتباطي وابتهاجي
كتاب في سرائره سرورٌ ... مناجيه من الأحزان ناجي
فكم معنى لطيفٍ ضمن لفظٍ ... هناك تزاوجا أيّ أزدواج
كراحٍ في زجاج بل كروحٍ ... سرت في جسم معتدل المزاج
وله:
بنفسي من أهدى إليّ كتابه ... فاهدى لي الدنيا مع الدين في درج
كتاب معانيه خلال سطوره ... لآلى في درج كواكب في برج
وله:
لما أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كلّ برّ وفضل غير محدود
حكت معانيه في أثناء أسطره ... آثارك البيض في أحوالي السود
وله من نتفة:
إن سلّ أقلامه يوماً ليعملها ... أنساك كلّ كميّ هزّ عامله

وإن أمرّ على رق آنامله ... أقرّ بالرق كتّاب الأنام له
وله:
لم تر عيني مثله كاتباً ... لكلّ شيء شاء أو شاء
يبدع في الكتب وفي غيرها ... بدائعاً إن شاء إنشاء
وله:
ما إن سمعت بنوّار له ثمرّ ... في الوقت يمتع سمع المرء والبصرا
حتى أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كلّ لفظ ومعنىً يشبه الدّررا
فكان لفظك من لالأئه زهراً ... وكان معناه في أثنائه ثمرا
تسابقا فأصاباً القصد في طلق ... لله من ثمر قد سابق الزهرا
وله:
بأبي كلامك أيها السحر ... النقيّ من العيوب
يجنيك من ثمر الكلام ... و يجتني ثمر القلوب
وله:
بأبي كلامك إنّي نظرت ... منه إلى صورة الفاتن
كلام تهشّ إليه النفوس ... و يلقي القلوب بلا آذن
بدا بالمعاني وتهذيبها ... فأبرزها بالوجوه الحسان
وقدّر ألفاظه بعد ذاك ... على ما اقتضته قدود المعاني
وله في أبي نصر بن أبي زيد:
له قلم غرب لا يكلّ ... إذا كان حدّ حسام يكل
فيوجز لكنه لا يخلّ ... ويطنب لكنه لا يمل
وكيف يملّ وتوفيق من ... أفاد العلوم عليه يمل
وله:
كتاب مولاي أوفى بي على أمل ... وصار في كلّ ناد قبلة القبل
فقلت لما تراءت لي محاسنه ... وبرّدت بغوادي صوبها عللي
أما المعاني فأجسام منعّمة ... و اللفظ أوشحة الديباج والحلل
وله:
إذا أحببت أن تحظى بسحر ... فلا تختر على لفظي وشعري
فأحسن من نظام الدّر نظمي ... وآنق من نثار الورد نثري
ومن ملحه في ؟؟الفقهيات وقوله:
عليك بمطبوخ النّبيذ فإنّه ... حلال إذا لم يخطف العقل والفهما
ودع قول من قد قال إنّ قليلة ... معين على الإسكار فاستويا حكماً
فليس لما دون النّصاب قضية النّصاب ... و إن كان النصاب به نماً
وله في معناه:
معاشر الناس أصحو قد نصحت لكم ... في الراح حكماً ملحياً غير ممقوت
قليل مستباح، والكثير حمىً ... كغرفة فرده من نهر طالوت
وله من قصيدة:
يا بديع الفضل لا فينا ولكن ... في كرام الناس خير الناس ناس
أنت عين الجود نصّاً وقياساً ... وبيان الفقه نصّ وقياس
وله من قصيدة:
زفّت إليك لنا عرائس أربع ... ففضضتها بالسمع وهي قصائد
فابعث إليّ مهورهنّ بأسرها ... إنّ النكاح بغير مهر فاسد
وله:
تخطب ودّي وليس كفواً ... لودّك المبدع النبيه
فهل نكاح بلا نكاف ... يجوز في مذهب الفقيه
وله من
؟؟

الأدبيات
قال:
وبصير بمعاني الشعر ... والإعراب جدّاً
قال لي لما رآني ... طالباً مالاً ورفداً
إن مالي يا حبيبي ... لازم لا يتعدى
وله:
عذلت ولم أذنب ولم أرك جانياً ... و هذا الإنصاف الوزير خلاف
حذفت وغيري مثبت في مكانه ... كأنّي نون الجمع حين يضاف
وله:
إن عبد العزيز شيخ ... به يكشف الشبه
وترى للخليل فيه ... وأقرانه شبه
وهو لا شك شاهد ... أن إبريقنا شبه
وله:
أدرجت في أثناء نسيانكم ... حتّى كأنّي ألف الوصل
ومن أخرى:
أفدي الغزال الذي في النحو كلّمني ... مناظراً فاجتنيت الشهد من شفته
وأورد الحجج المقبول شاهدها ... محققاً ليريني فضل معرفته
ثم افترقنا على رأي رضيت به ... والرفع من صفتي والنصب من صفته
ومن ؟؟الطبيات والفلسفيات قال:
لا يغرنّك أنّني ليّن المسّ ... فغربي إذا انتضيت حسام

أنا كالورد فيه راحة قوم ... ثم فيه لآخرين زكام
وله:
وإنّي لأختصّ بعض الرجال ... وإن كان فدماً ثقيلاً عياماً
فإنّ الجبن على أنّه ... ثقيل وخيم يشّهي الطعاماً
وله من قصيدة:
فلا تكن عجلاً بالأمر تطلبه ... فليس يحمد بعد النضح بحران
وله من نتفة:
وقد يلبس المرء حزّ الثياب ... ومن دونها حالة مضنيه
كمن يكتسي خدّه حمرةً ... وعلّتها ورم في الرية
وله:
إن الجهول تضرّني أخلاقه ... ضرر السعال بمن به استسقاء
وله:
أقبل مشورة ناصح نفّاع ... و تلقّ ما يهدي بسمع واعي
لا تعتمد إلا رئيساً فاضلاً ... إن الكيان أطبّ للأوجاع
وله:
عذرتك يا إنسان إن كنت مغرماّ ... بعذر ومغرى بالتّحيل والنكث
وكيف ألوم المرء في خبث فعله ... وأول شيء قد غذاه دم الطمث
وله:
عدلّ قطوبك بالبشاشة يعتدل ... وزناهما فيمن يذلّ ويكرم
فالحرّ طلق ضاحك ولربّما ... تلقاه وهو العابس المتجهِّم
كالورد فيه عفوصة ومرارة ... وهو الذكيّ الناضر المتبسِّم
وله:
خف الله وأطلب هدى دينه ... وبعدهما فأطلب الفلسفة
لئلا يغرّك قوم رضوا ... من الدين بالزور والفلسفة
ودع عنك قوماً يعيدونها ... ففلسفة المرء فلّ السفه
وله من
؟؟

النجوميات
قال:
قد غضّ من أملي أني أرى عملي ... أقوى من المشتري في أوّل الحمل
وأنني راحل عمّا أحاوله ... كأنّني أستر الحظّ من زحل
وله:
إذا غدا ملك باللهو مشتغلاً ... فاحكم على ملكه بالويل والحرب
أما ترى الشمس في الميزان هابطةّ ... لما غدا برج نجم اللهو والطرب
وله:
لا تعجبنّ لدهر ظلّ في صبب ... أشرافه وعلا في أوجه السّفل
ونقذ لأحكامه أنّي تقاربها ... فالمشتري السعد عال فوقه زحل
وله:
سل الله العظيم تسل جواداً ... أمنت على خزائنه النّفادا
وإن أدناك سلطان لفضل ... فلا تغفل ترقبك البعادا
فقد تدني الملوك لدى رضاها ... وتبعد حين تحتف احتفادا
كما المريخ في التثليث يعطي ... وفي التربيع يسلب ما أمادا
وله:
ألا فثقوا بي فإني كما ... تمدّحت فليمتحن من يجب
فلا كوكبي راجع في الوفا ... ولا برج قلبي بالمنقلب
وله:
لئن كسفونا بلا علة ... وفازت قداحهم بالظّفر
فقد يكسف المرء من دونه ... كما تكسف الشمس جرم القمر
وله:
شرف الوعد بوعد مثله ... مثله ما فيه زيغ وخلل
ودليل الصدق فيما قلته ... شرف المريخ في بيت زحل
وله:
قل للذي غرّته عزّة ملكه ... حتّى أخلّ بطاعة النصحاء
شرف الملوك بعلمهم وبرأيهم ... وكذاك أوج الشمس في الجوزاء
وله من نتفة:
وقد يفسد المرء بعد الصلاح ... فساد الأماكن والشرّ يعدي
كما السعد يقبل طبع النحوس ... إذا كان في موضع غير سعد
وله من الرجز:
ما أنس ظمأ بعذب بارد ... من بعد طول العهد بالموارد
إلاّ كأنسي بكتاب وارد ... من سيد محض النجار ماجد
كأنما استملاه من عطارد وله من نتفة:
طبعي كطبع المشتري ما فيه من ... شرب فهل من مشتر للمشتري
ومن أخرى:
يا من تولّى المشتري تدبيره ... حاشاك أن تنقاد للمريخ
ومن أخرى:
لا تفزعن من كلّ شيء مفزع ... ما كلّ تربيع البروج بضرئر
ومن أخرى:
أيّ عذر أن صام عنه ثنائي ... و أنا الدّهر منه في يوم فطر
وأتمّ الأشياء نوراّ وحسناً ... بكر شكر زفّت إلى صهر برّ

ما قران السعدي في الحوت أبهى ... منظراً من قران برّ وشكر
وله:
دعاني إلى بيته سّيد ... له الخلق شرف الأظرف
فلازمت بيتي ولا طفته ... بعذر هو الألطف الأطرف
عطارد نجمي ولا شك أن ... عطارد في بيته أظرف
وله:
يا معشر الكتاب لا تتعرضّوا ... لرياسة وتصاغروا وتخادموا
إنّ الكواكب كنّ في أشراقها ... إلا عطارد حين صوّر آدم
؟؟من شعره في المدح ومن ملح مدحه وما يتصل بها قال:
بسيف الدولة اتّسقت أمور ... رأيناها مبدّدة النّظام
سما وحمى بني سام وحام ... فليس كمثله سام وحام
وله:
يا من أعاد رميم الملك منشورا ... وضمّ بالرأي ملكاّ كان منثوراً
أنت الأمير وإن لم تؤت منشورا ... والأمر بعدك إن لم تؤتمن شورى
وله من نتفة:
وسائل الناس شتّى عند سادتهم ... ولي وسائلي آدابي وآمالي
فاسحب لبرّك أذيالاّ على أملي ... أسحب بشكؤك ما عمّرت أذيالي
ومن أخرى:
مدحتك فالتامت قلائد لم يفز ... بأمثالها الصيد الكرام الأعاظم
لأنك بحر والمعاني لآلىء ... فطبعي غوّاص وقولي ناظم
وقوله:
فرواؤه ملء العيون، وفضله ... ملء القلوب، وسيبه ملء اليد
ومن أخرى:
أقول لمن يعلِّمه المعالي ... ويذكره لذي حقٍّ ذماما
أراك تعلّم الصدر التزاماً ... لمن يهواه،والثغر ابتساما
ومن أخرى:
رعى الله دولة كافي الكفاة ... وبلَّغه كنه آماله
ولا زال إقبال هذا الزمان ... يقبِّل أطراف أقباله
ومن أخرى:
أفعاله غرر، أقواله سور ... أقلامه قضب، آراؤه شهب.
ومن أخرى:
كأنّ الغصون وقد أثقلت ... بما حملت من بديع الثمار
رقاب الأنام وقد أصبحت ... مثقّلة بالأيادي الكبار
ومن أخرى:
لا تعظمنّ عليك مدحة خادمٍ ... إيّاك يقصر عن مداك مديحه
فالظفر وهو أخسُّ أجزاء الفتى ... يشفي بحكِّ جسمه فيريحه
ومن أخرى:
فتىً جمع العلياء علماً وعفّةً ... وبأساً وجوداً لا يفيق فواقا
كما جمع التفاح حسناً ونضرةً ... ورائحةً محبوبةً ومذاقا
ومن أخرى:
شكوت إلى جوده خلّتي ... ورقّة حالي وتقصير قسمي
ففزّع من رقة الحال قلبي ... وأفرغ في قالب الرقّ جسمي
ومن أخرى في الأمير أبي نصر بن علي الميكالي:
جمع الله في الأمير أبي نصرٍ خصالاً تعلو بها الأقدار
راحةً ثرَّةً وصدراً فضاءً ... وذكاءً تبدو له الأسرار
خطّه روضة وألفاظه الأز ... هار يضحكن والمعاني ثمار
وله:
ولما رأيت الناس إلاّ أقلّهم ... وأطيب ما مجّوا من السكر أخبث
نشرت ثناءً عطَّر الأفق طيبه ... كذاك ثناء الحرّ ندٌّ مثلَّث
وألَّفت ألحاناً بشكرك لم يصب ... تناسبها زير ومثنى ومثلّث
وله:
يا سيد الأمراء يا من جوده ... أوفى على الغيث المطير إذا همى
الغيث يعطي باكيا متجهماً ... ونداك يعطي ضاحكاً متبسمّا
وله:
سقى الله امرأً إن كفُّ دارت ... صروف زماننا ممّا يليه
فلم أر مثله حرّاً تولّى ... فولّى ما يليه ما يليه
وله:
لا يسوءنّك إن برا ... ني دهر فلم يرش
أنت عش سالماً فإنّك إن عشت أنتعش
وله:
ملك يفيض على العفاة سجاله ... وعلى العداة بسطوه سجّيلا
وإذا حباك بغرّةٍ من ماله ... ثنَّى وأعقب غرَّةً تحجيلا
وله:
أبوك حوى العليا وأنت مبرِّز ... عليه إذا نازعته قصب المجد
وللخمر معنىً ليس في الكرم مثله ... وللنار نور ليس يوجد للزند

وخيرٌ من القول المقدّم فاعترف ... نتيجته، والنحل يكرم للشهد
وله:
لا تظنّن بي وبرّك حيٌّ ... أن شكري كشكر غيري موات
أنا أرض، وراحتاك سماء. ... والأيادي وبل وشكري نبات
ومن ؟؟الإخوانيات قال:
تحمَّل أخاك على ما به ... فما في استقامته مطمع
وأنّى له خلقٌ واحدٌ ... وفيه طبائعه الأربع
وله في مؤلف هذا الكتاب:
قلبي مقيم بنيسابور عند أخٍ ... ما مثل حين تستقري البلاد أخ
له صحائف أخلاقٍ مهذّبةٍ ... منها الحجى والعلى والظرف تنتسخ
وله فيه أيضاً:
أخ لي زكيّ النفس والأصل والفرع ... يحلّ محلّ العين منّي والسمع
تمسّكت منه إذ بلوت إحاءه ... على حالتي وضع النوائب والرفع
بأوعظ من عقل وآنس من هوى ... وأرفق من طبع وأنفع من شرع
وله فيه أيضاً:
إذا نسي الناس إخوانهم ... وخان الموّدة خوّانها
فعندي لإخواني الغائبين ... صحائف ذكرك عنوانها
وله في أبي النصر العتبي:
كلام لأبي النصر ... موفى واجب النحل
فما أدري جنى النحل ... أتاني أم جنى النحل
وكتب إلى بعض إخوانه:
لقاؤك يدني من المرتجى ... ويفتح باب الهوى المرتج
فأسرع إلينا ولا تبطئن ... فإنّا صيام إلى أن تجي
وكتب أيضاً:
عندي فديتك سادة أحرار ... و قلوبهم شوقاً إليك حرار
وشرابنا شرب العلوم، وروضنا ... نزه الحديث وثقلنا الأشعار
فامنن علينا بالبدار، فإنّما ... أعمار أوقات السرور قصار
وله من نتفة:
عرّج عليّ فما في رونقي رنق ... لمن أصافي، ولا في خلتي خلل
وله من أخرى:
ولا أصالح أنسي بعد فرقتكم ... حتى يصافح كفّ اللامس القمرا
ولا أملّ مدى الأيام ذكركم ... حتى يملّ نسيم الروضة السحرا
وله من المسرح:
إن لم تكن نيّتي مصوّرةً ... ولم تكن واثقاً بناجيتي
فسل ثنائي فإنّه علن ... تشهد على نيّتي علانيتي
وله:
قل للذي يرجو ثبات مودتي ... ودوام ما أعطيه من إخلاصي
أيدوم إخلاص بغير موّدة ... كلاّ ومنزلة سورة الإخلاص
وله:
فهمت كتابك يا سيدي ... فهمت ولا عجب أن أهيما
وذاك لأنّي تأملت منه ... درّاً نظيماً وبراً عظيماً
وصادفته صدفاً للعلوم ... ضمّن منها البديع اليتيما
فكم من كواكب تجلو البهيم ... وكم من مشارع يروين هيما
وكم روضة تستفيد الرياض ... منهن نوراً ونبتاً عميماً
وكم قد قراني لفظاً وسيماً ... عليه من الطبع حسن وسيماً
وله:
لا تحقرن أخاً وإن أبصرته ... لك جافياً ولما تحبّ منافياً
فالغصن يذبل ثم يصبح ناضراً ... والماء يكدر ثم يرجع صافياً
وله:
ذكّر أخاك إذا تناسى واجباً ... أو عن في آرائه تقصير
فالرأي يصدأ كالحسام لعارض ... يطرأ عليه وصقله التذكير
وله:
أتاني كتاب من أخ لي ماجد ... فأكرم به بين المواهب وافدا
وقلت لروحي كن له من جميع ما ... يخاف من الأيام أو يختشي فدا
وله:
كم من أخ قد هدمت أخلاقه ... من آخر ما قد نسى في الأوّل
نسي الوفاء وليست أنسى عهد ما ... شاهدت منه في الزمان الأطول
يرمي سهاماً إن أسرّ المقت لي ... بالكيد لا يقصدن غير المقتل
وله:
أرقت حتّى كأنّ عيني ... قد وهبت لي بلا جفون
ففاض في الخدماء عيني ... فحلته فاض من عيون
وذاك أنّ الزمان أفضى ... بي من سهول إلى حزون
وسامني البعد عن أناس ... هم فارقوني فأرقوني
وله:

بأبي من شفى فؤاداً عليلا ... بكلام حكى النسيم عليلا
زاد في طوله ارتياحاً إليه ... وغراماً به عريضاً طويلاً
كرضاب الحبيب يروي عليلا ... ثم ينشى إلى المزيد عليلا
وله:
فديتك قلّ الصديق الصدوق ... وقلّ الخليل الحظيّ الوفي
ولي رغبة فيك إن ما وفيت ... فهل راغب أنت في أن تفي
وله من باب
؟؟

الشكوى والعتاب
قال:
عفا على هذا الزمان فإنّه ... زمان عقوق لا زمان حقوق
وكلّ رفيق فيه غير موافق ... وكلّ صديق فيه غير صدوق
وله:
رأيتك تكويني بميسم منّة ... كأنّك قد أصبحت علّة تكويني
وتلويني الحق الذي أنا أهله ... وتحرج في أمري إلى كلّ تلوين
فمهلاً ولا تمنن عليّ فبلغة ... من العيش تكفيني إلى يوم تكفيني
وله:
ومن عجب أنّي لغيرك شافع ... إليك، وبي فقر إلى ألف شافع
ولكنّ أحرار الزمان وإن جفوا ... فشيمتهم أن يسمحوا بالمنافع
وله:
يا من عقدت به الرجاء فلم يكن ... لي منه إرفاد ولا إيناس
إن كان قد جرح المطامع عفّتي ... فوراء ذاك الجرح جرح يأسو
وله:
لقاء أكثر من يلقاك أوزار ... فلا تبال أصدّوا عنك أو زاروا
لهم لديك إذا جاءوك أوطار ... فإن قضوها تنحّوا عنك أو طاروا
أخلاقهم فتجنبهنّ أوعار ... ووصلهم مأتم للمرء أو عار
وله:
لا تغبننّ ولا تخدعك بارقة ... من ذي خداع يرى بشراً والطافا
فلو قلبت جميع الناس قاطبةً ... وسرت في الأرض أوساطاً وأطرافا
لم تلف فيها صديقاً أبداً ... ولا أخاً يبذل الإنصاف إن صافى
وله:
أبا قاسم كم ظالم متعجرف ... نضالي حدّي سيفه وسنانه
فسلّمني الله الكريم بلطفه ... وصيّرني في لطفه وضمانه
ومنهم أبوك إنّ سلّ مصلتاً ... عليّ حسامي كيده ولسانه
فلما غلا في ظلمه وعتوّه ... وأشبه عيراً لجّ في نزوانه
صبرت على مكروهه فتكشّفت ... عواقبه عن عزتي وهوانه
فإن تتقيه أو صبرت فإنّما ... زمانك أيضاً منقض كزمانه
وله:
يا ذا الذي ركب الفساد وعنده ... أنّي أسود إذا ركبت فسادا
أضللت رأيك عامداً أو ساهياً ... من ذا الذي ركب الفساد فسادا
وله:
كتّاب بست كم نناجزكم على ... وزارة بست وهي سخنة عين
وخفّ حنين فوق ما تطلبونه ... فكم بينكم يا قوم حرب حنين
وله:
لله نيسابور من حلّة ... ما مثلها دار ولا حلّة
للخير والمير بها كثرة ... للشّر والضيرّ بها قلّة
فيها كرام سادة أجلّة ... سادوا على السادة والجلّة
ما عيبها إلاّ بعمالها ... فالبخل والمنع لهم ملّة
جفوا فما في طينهم للذي ... يعصره من بلّة و بلّة
فهذه أولى خطاب لهم ... وبعدها ما يهتك الكلّة
وله:
قلت لطرف الطبع لما ونى ... ولم يطع أمري ولا زجري
مالك لا تجري وأنت الذي ... تحوي مدى الغايات إذ تجري
فقال لي دعني ولا تؤذني ... حتى متى أجري بلا أجر
وله:
للناس في محن الزمان مراتب ... ولكلِّهم فيها نصيبٌ راتب
وكأنّ أوفرهم إذا استقريتهم ... منها نصيبا شاعرٌ أو كاتب
فأقلَّ عتبك والعتاب معاً فلم ... يسعد بإعتاب الزمان معاتب
وله:
جعلنا أجنبيين ... بلا جرمٍ ولا تبل
وأقصينا وما خنَّا ... وما زغنا عن العدل
فقل لي يا أخا السؤ ... د والهمّة والفضل
إلى كم نحن في ضيقٍ ... وفي عزلٍ وفي أزل
أما تنشط أن تملي ... على الكاتب أنتم لي
وله:

وجدت ما قد بعثت غثَّاً ... مستحقراً ليس بالثمين
فليت شعري قليت شعري ... فكان غثًّا بلا سمين
وله:
إذا ملكٌ لم يكن ذاهبه ... فدعه فدولته ذاهبه
وله:
إلى حتفي مشى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي
فكم أنقدُّ من ندمٍ ... وليس بنافعي ندمي
وله:
ألم تر ما ارتآه أبو عليًّ ... وكنت أراه ذا لبٍّ وكيس
عصى السلطان فابتدرت إليه ... جنودٌ يقلعون أبا قبيس
وصيّر طوس معقله فأمس ... عليه طوس أشأم من طويس
وله:
قل للذي غرّه عزُّ وساعده ... فيما يحاوله نقضٌ وإمرار
لا تفتخر بغنىً أمطيت كاهله ... فإن أصلك يا فخَّار فخّار
وله:
قل للوزير الكريم قولاً ... يغضُّ من ناظر الكريم
دارك لي جنةٌ ولكن ... بوابها مالك الجحيم
وله:
إلى الله أشكو اتصال الخطوب ... وصرف زمانٍ بلينا به
وقد كان يبسم عن ثغره ... فأصبح يكشر عن نابه
وله:
الدهر خداعٌ خلوب ... وصفوٌ بالقذى مشوب
وأكثر الناس فاعتزلهم ... قوالبٌ مالها قلوب
فلا تغرنَّك الليالي ... وبرقها الخلب الكذوب
ففي قفا أنسها كروب ... وفي حشى سلمها حروب
وله:
نحن والله في زمان سفيه ... يصفع النائبات من كأس فيه
فتشكَّل بشكله يكُ أحفى ... بك، إنّ السفيه صنو السفيه
وله:
الدهر سلمٌ لكلِّ نذلٍ ... لكنه للكريم حرب
فارث لذي حكمةٍ وإرب ... فحظهُّ غمّةٌ وكرب
همّته للسماك سمكٌ ... وخدّه للتراب ترب
وله:
إذا أحسست في لفظي فتوراً ... وخطّي والبلاغة والبيان
فلا ترتب بفهمي. إن رقصي ... على مقدار إيقاع الزمان
وله:
أراح الله قلبي من زمانٍ ... محت يده سروري بالإساءه
فإن حمد الكريم صباح يومٍ ... وأنّي ذاك لم يحمد مساءه
وله من باب ا ؟؟لذم والهجاء قال:
شيخ لنا يُقطعنا عرضه ... من قبل أن يُقطعنا ماله
أخيب خلق الله من خاله ... حرّاً ومن شام صدى خاله
وأكثر الفتيان بثّاً فتىً ... يبثّه معتفياً حاله
شيخٌ كثير المال لكنّه ... ملَّك ما يملك أقفاله
وكلَّ ما عنَّ له مشكلٌ ... وراح أن يوضح أشكاله
يبني على الفكرة أعماله ... وذاك في التحقيق أعمى له
فقيَّض الرحمن أفعى له ... تريه في الخلوة أفعاله
وله:
من مبلغ الأشرار عنِّي أنّني ... ما دام لي حسٌّ وعرقٌ ينبض
أقليهم طرّاً لأنّي ضدُّهم ... والضدُّ للضدِّ المنافر مبغض
فإذا رأوني مقبلاً فليعلموا ... أنّي بوجه الجدِّ عنهم معرض
وله:
إذا اتخذت أخاً فاسبر خلائقه ... فإن ذا الحزم والتدبير من سبرا
ولا تعول على شخصٍ له عم ... وصورةٌ ذات حسن تبهر القمرا
فكم فتىً راق منه ظاهرٌ حسنٌ ... وكان باطنه ضدّ الذي ظهرا
أعددته لصروف الدهر مدَّخراً ... فكان في السبك والتحقيق مدَّخرا
وله:
يا قوم أرعوني أسماعكم ... حتى أؤدي واجب الفرض
أشهد حقّاً أنَّ سلطانكم ... ليس بظلِّ الله في الأرض
وله:
لي صاحبٌ أحمقٌ هلباجه ... دعوته الكبرى بلا باجه
يقري الأخلاّء. ولكنّه ... يطبخ في خديه سكباجه
وله من لسريع:
قلت له لمّا وانقضى ... لا ردَّك الرحمن من هالك
أما وقد فارقتنا فانتقل ... من ملك الموت إلى مالك
وله:
لي جارٌ فيه حيره ... عرسه تلعن أيره
خلق الله إله الناس للغيرة غيره
وله:

في الناس من تجنيسه تجنيس ... أبداً كما تدريسه تدليس
ومن باب ؟؟الشيب والكبر قال:
دع دموعي تسيل سيلاً بدارا ... وضلوعي يصلين بالوجد نارا
قد أعاد الأسى نهاري ليلاً ... مذ أعاد المشيب ليلي نهارا
وفة:
سا شيبتي دومي ولا تترحلّي ... وتيقَّني أني بوصلك مولع
قد كنت أجزع من حلولك مرّةً ... فالآن من حذر ارتحالك أجزع
وله:
ما استقامت قناة رأيي إلاّ ... بعد ما قوّس المشيب قناتي
وله:
أرى المرء يرجو أن يطول بقاؤه ... ليدرك ما يرجو بطول بقائه
فأيَّة جدوى في البقاء وقد وهت ... قواه وأقوى قلبه من زكائه
إذا ما نبا حسٌّ وكلَّت بصيرةٌ ... فطول بقاء المرء طول شقائه
ومن باب ؟؟الأمثال والنوادر والحكم المواعظ وما يجري مجراها قال:
بين من يعطي ومن يأ ... خذ في التقدير عرض
فيد المعطي سماءٌ ... ويد الآخذ أرض
وعلى الآخذ أن يشكر إنَّ الشّكر فرض
وله:
كنت في نعمةٍ وظلِّ رخاء ... ونسيمٍ من النعيم رخاء
فاتبعت الهوى وخالفت رأيي ... واتباع الهوى وبيء الهواء
وله:
حبست ومن بعد الكسوف تبلُّجٌ ... تضيء به الآفاق للبدر والشمس
فلا تعتقد للحبس غمّاً ووحشة ... فأوَّل كون المرء في أضيق الحبس
وله:
أفد طبعك المكدود بالهم راحةً ... تجمّ وعلِّله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته ذاك فليكن ... بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
وله:
لا تنكرنَّ إذا أهديت نحوك من ... علومك الغرِّ أو آدابك النتفا
فقيِّم الباغ قد يهدى لمالكه ... برسم خدمته من باغه التحفا
وله:
لا تحسبنِّي إذا أوليتني نعماً ... أني أخو وهنٍ في الشكر أو كسل
فإننِّي نحل شكرٍ إن جنى ثمراً ... أجناك من قوله أحلى من العسل
وله:
لا درّ درُّ نوازل الأحداث ... نقلت أحبتنا إلى الأجداث
فغدت مآنسنا وهنَّ مقابرٌ ... وغدت مدائحنا وهنَّ مراثي
وله:
توقَّ خلافاً إن سمحت بموعدٍ ... لتسلم من هجو الورى وتعافى
فلو أثمر الصفصاف من بعد نوره ... وإيراقه ما لقَّبوه خلافا
وله:
من شاء عيشاً رخيّاً يستفيد به ... في دينه ثم في دنياه إقبالا
فلينظرنّ إلى من فوقه أدباً ... ولينظرنَّ إلى من دونه مالا
وله:
إن كنت تطلب ثروةً وغنىً ... فعليك بالإجمال في الطلب
فالرِّسل ليس يدرّ في العلب ... من غير إبساس ولا حلب
وله:
لا تحقر المرء إن رأيت به ... دمامةً أو رثاثة الحلل
فالنحل شيءٌ على ضؤولته ... يشتار منه الفتى جنى العسل
وله:
إذا ما اصطفيت امرءاً فليكن ... شريف النّجار زكي الحسب
فنذل الرجال كنذل النبات ... فلا للثمار ولا للحطب
وله:
رضيت بعيش كفافٍ حلال ... وبعت المدام بماءٍ زلال
فمن يك يحلو له ما يصيب ... حراماً فإنّ حلالي حلالي
وله:
دعني فلن أخلق ديباجتي ... ولست ابدي للورى حاجتي
عليّ أن ألزم بيتي وأن ... أرضى بما يحضر من باجتي
منزلي يحفظها منزلي ... وباجتي تحفظ ديباجتي
وله:
يا أيّها السائل عن مذهبي ... ليقتدي فيه بمنهاجي
منهاجي العدل وقمع الهوى ... فهل لمناجي من هاجي
وله:
يقولون ذكر المرء يحيا بنسله ... وليس له ذكرٌ إذا لم يكن نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فإن فاتنا نسلٌ فإنّا بها نسلو
وله:
صحتك جامل الإخوان طرّاً ... على عذبٍ سقوه أو أجاج
ولا ترج الصفاء بغير مذقٍ ... فلا يخلو السراج من السناج
وله:

إذا ما هممت بكشف الظلم ... وحفظ الثغور وسدّ الثُّلم
فعوِّل على خلتين اثنتي ... ن خرق الحسام ورفق القلم
وله:
لا يعدم المرء كنّاً يستكنُّ به ... ومنعةً بين أهليه وأصحابه
ومن نأى عنهم قلَّت مهابته ... كالليث يحقر إمَّا غاب عن غابه
وله من الرجز:
ألذُّ من رشف رضاب الحور ... ومن رضاع درَّة السّرور
والبارد الزلال للمخمور ... رشف الثناء من فم الشكور
وله:
تأخَّرت عن قومٍ ولا غرو أنّني ... سأسبقهم بالجدّ والجدُّ معوان
ألست ترى العنوان يكتتب آخراً ... وأوَّل مقروء من الكتب عنوان
وله:
إذا حيوان كان طعمه ضدِّه ... توقّاه كالفأر الذي يتّقي الهرّا
ولا شك أن المرء طعمه دهره ... فما باله يا ويحه يأمن الدهرا
وله:
لايستخفنَّ الفتى بعدوِّه ... أبداً وإن كان العدوُّ ضئيلا
إن القذى يؤذى العيون قليله ... ولرّبما جرح البعوض الفيلا
وله:
أحرّك بالتذكير قوماً لعلَّه ... يفتِّح من أسماعهم شدَّه الوقر
وإن كان تحريكي يشقُّ عليهم ... فإنّ طنين الزير والبمّ بالنقر
وله:
لقد هنت من طول المقام ومن يقم ... طويلاً يهن من بعد ما كان مكرما
وطول جمام الماء في مستقرّه ... يغيِّره لوناً وريحاً ومطعما
وله:
لئن تنقلّت من دارٍ إلى دار ... وصرت بعد ثواءٍ رهن أسفار
فالحرّ حرٌّ عزيز النفس حيث ثوى ... والشمس في كلِّ برجٍ ذات أنوار
وله:
إذا تحدثت في قومٍ لتؤنسهم ... بما تحدّث من ماضٍ ومن آتي
فلا تعيدن حديثاً إنّ طبعهم ... موكَّل بمعاداة المعادات
وله:
إذا خذل المرء من نفسه ... فليس له من سواه نصير
وشرّ سلاحٍ يحامي به ... لسانٌ طويلٌ وباعٌ قصير
وله:
دعوني وأمري واختياري فإننّي ... عليمٌ بما أفري وأخلق من أمري
إذا مرَّ بي يومٌ ولم أصطنع يداً ... ولم أستفد علما فما هو من عمري
وله:
أشفق على الدرهم والعين ... تسلم من العينة والدَّين
فقوّة العين بإنسانها ... وقوَّة الإنسان بالعين
وله:
يا من يرجّى أن يعيش مسلَّماً ... جذلان لا يدهى بخطبٍ يحزن
أفرطت في شطط الأماني فاقتصد ... واعلم بأنّ من المنى ما يفتن
ليس الأمان من الزمان بممكنٍ ... ومن المحال وجود ما لا يمكن
معنى للزمان على الحقيقة كاسمه ... فعلام ترجو أنّه لا يزمن
وله:
وثقت بربي وفوضت أمري ... إليه وحسبي به من معين
فلا تبتئس لصروف الزمان ... ودعني فإنّ يقيني يقيني
؟؟

أبو سليمان الخطابي
أحمد بن محمد بن إبراهيم
كان يشبه في عصرنا بأبي عبيد القاسم بن سلام في عصره علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريسا وتأليفا، إلا أنه كان يقول شعراً حسناً وكان أبو عبيد مفحماً. ولأبي سليمان كتب من تأليفه وأشهرها وأسيرها كتاب في غريب لحديث وهو في غاية الحسن والبلاغة.
وأنشدني غير واحد له:
وما غمّة الإنسان في شقَّة النّوى ... ولكنّها والله في عدم الشكل
وإني غريبٌ بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
وقد أخذ هذا المعنى عمر بن أبي عمر السجزي فقال:
وليس اغترابي في سجستان أنّني ... عدمت بها الإخوان والدار والأهلا
ولكننّي ما لي بها من مشاكلٍ ... وإنّ الغريب الفرد من يعدم الشكلا
وأنشدني أبو الفتح قال: أنشدني أبو سليمان لنفسه من البسيوع
شرُّ السباع العوادي دونه وزرٌ ... والناس شرّهم ما دونه وزر
كم معشرٍ سلموا لم يؤزهم سبعٌ ... وما نرى بشراً لم يؤذه بشر
وأنشدني له أيضاً:

ما دمت حيّاً فدار الناس كلَّهم ... فإنمّا أنت في دار المداراة
من يدرِ داري ومن لم يدرِ سوف يرى ... عمّا قليلٍ نديماً للندامات
وله:
لعمرك ما الحياةوإن حرصناعليهاغير ريحٍ مستعاره
وما للريح دائمةٌهبوب ... ولكن تارةً تجري وتاره
وله:
وقائل ورأىمن حجّتي عجباً: ... كم ذا التواري وأنت الدهر محجوب
فقلت: حلَّت نجوم العمر منذ بدا ... نجم المشيب ودين الله مطلوب
فلذت من رجلٍ بالاستتار عن ال ... أبصار إنَّ غريم الموت مرعوب
وله:
تغنَّم سكون الحادثات فإنّها ... وإن سكنت عمّا قليل تحرَّك
وبادر بأيام السلامة إنّها ... رهوٌ وهل للرهن عندك مترك
وله:
قل للذي ظلّ يلحاني ويعذلني ... لنائل فاته، والخير مأمول
لا تطلب السمن إلاّ عند ذي سمنٍ ... نال الولاية فالمعزول مهزول
وله:
قد جاء طوفان البلاء ولا أرى ... في الأرض ويحي للنجاة سفينه
فاصعد إلى وزر السماء فإن يكن ... يعيبك فابك لنفسك المسكينه
وله:
تسامح ولا تستوف حقّك كلَّه ... وابق فلم يستقص قطُّ كريم
ولا تغل في شيءٍ من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وله:
قد أولع الناس بالتلاقي ... والمرء صبُّ إلى هواه
وإنّما منهم صديقي ... من لا يراني ولا أراه
وله:
سلكت عقاباً في طريقي كأنّها ... صياصي ديوكٍ أو أكفّ عقاب
وما ذاك إلا إنَّ ذنباً أحاط بي ... كان عقابي في سلوك عقاب
وله:
إذا خلوت صفا ذهني وعارضني ... خواطرٌ كطراز البرق في الظّلم
وإن توالى صياح الناعقين على ... أذني عرتني منه حكلة العجم
؟؟

أبو محمد شعبة بن عبد الملك البستي
سمعت أبا الفتح البستي يقول: لما أنشدني شعبة قوله:
فديت من زارني على حذرٍ ... من الأعادي وقلبه يجب
فلو خلعت الدّنيا عليه لما ... قضيت من حقه الذي يجب
استحسنته، وأنا إذ ذاك في زمان الصبا، فأخذت نفسي سلوك طريقته في المتشابه حتى قلت ما قلت: قال: وأنشدني أيضاً لنفسه من الامل:
إن كنت أزمعت الفراق فلا تدع ... نفسي تعاجلني بوشك فراق
واصل بكتبك ميتّاً يحييه ما ... يلقاه فيها من غداة تلاقي
وأنشدني غيره له:
نفسي الفداء لمن لم أخل مذ علقت ... نفسي بذكراه من حسنٍ وإحسان
ما إن تزال أياديه تواصلنيكأنّهوأنا أهواهيهواني
وله:
لكلٍّ من بني الدنيا مرادٌ ... ومالي غير وصلك من إراده
فلو شاهدت قلبي لم تجده ... تضمَّن غير حبِّك والشهاده
أخذه من قول القائل:
لو شقَّ قلبي لرأوا بينه ... حبّك والتوحيد في سطر
وله:
ضقت ذرعاً بذلتي واغترابي ... وفراق الإخوان والأحباب
جاوز الدّهر حدّه في اهتضامي ... وكأن الزمان يهوى عذابي
لايني في حشاي مسموم ناب ... للّيالي وفي فمي كأس صاب
زمنٌ جائرٌ وجدٌّ عثور ... وأسىً لازمٌ وزندٌ كابي
؟؟
أبو بكر النحوي البستي
له شعر كثير، لا يحضرني الآن منه إلا قوله لأبي بكر الخوارزمي، وكان هجاه بقوله:
نحويكم في حمقه معرفةٌ لا نكره
ذو لحيةٍ مبسوطةٍ وفطنةٍ مختصره وغير ذلك، فقال:
وعاوٍ عوى منأهل خوارزم خيفةً ... كذا الكلب عند الخوف مجتهداً يعوي
تعاظم فعلي أهل ودِّي أن رأوا ... سكوتي وهجري هجو من دأبه هجوي
فقلت: اسكتوا فالهجو نجوٌ وإننّي ... حلفت بأن لا أغسل النّجو بالنجو
؟؟
الخليل بن أحمد السجزي
كان أحد الأئمة في فقه الحنفية، ومن شعراء الفقهاء، وتقلد القضاء لآل سامان بسجستان وغيرها سنين كثيرة، وهو القائل لأبي جعفر صاحب سجستان في تهنئة بقصر بناه:

شيدت قصراً عالياً مشرفاً ... بطائريّ سعدٍ ومسعود
كلأنّما يرفع بنيانه ... جنُّ سليمان بن داود
لا زلت فيه باقياً ناعماً ... على اختلاف البيض والسود
وكان مكتوباً في صدر الإيوان الذي فيه:
من سرّه أن يرى الفردوس عاجلةً ... فلينظر اليوم في بنينان إيواني
أو سرَّه أن يرى رضوان عن كثبٍ ... بملء عينيه فلينظر إلى الباني
ولما قتل أبو جعفر أمر الخليل أن يكتب تحتهما من قبله:
لو كانت الدار فردوساً وساكنها ... رضوان لم يبل فيها جسم رضوان
الموت أسرع في هذا فأهلكه ... والدهر أسرع في تخريب إيوان
وأنشد الخليل قول التنوخي القاضي:
خذ الفلس من كفِّ اللئيم فإنَّه ... أعزُّ عليه من حشاشة نفسه
ولا تحتشم ما عشت من كل سفلةٍ ... فليس له قدر بمقدار فلسه
فعارضه بقوله:
صن لنفس عن ذلِّ السؤال ونحسه ... فأحسن أحوال الفتى صون نفسه
ولا تتعرّض للّئيم فإنَّه ... أذلُّ لديه الحرّ من شطر فلسة
وكتب إليه أبو القاسم السجزي الذي تقدم ذكره يستفتيه:
هاك سؤالاً ففيه شرق ... هات فأحضر له الجوابا
هل في اصطبار لذي اشتياقٍ ... على فراق ترى ثوابا
فأجابه بهذين البيتين:
أحضرت عن قولك الجوابا ... أتلو ببرهانه الكتابا
الله وفّى الصبور أجراً ... يفوت في فضله الحسابا
وكتب إليه مرة أخرى يكنى عن القبلة:
إمام الورى هل للفتى في اشتياره ... من الأرى ما يبقِّي حشاشته وزر
فأجابه بهذا البيت:
أرى الأرى في حكم الشريعة شورةً ... مباحاً لمن كان قد كان في ملكه الدبر
؟؟

أبو زهير بن قابوس السجزي القاضي
من شعره من قوله:
نظرت إلى رأسي فقالت ما له ... قد ضمّ فوديه قناع أدكن
يا هذه لولا النجوم وحسنها ... لم تألف الليل البهيم الأعين
فتضاحكت عجباً وقالت يا فتى ... نقصان عقلك في قياسك بيِّن
الليل يحسن بالنجوم وإنّما ... ليل الشباب بلا نجوم أحسن
ولم:
إذا المرء لم يركب الأشقرا ... ولم يصد الشادن الأحورا
ولم يتمتَّع بطيب الطعام ... ولين اللّباس وقد أيسرا
فقد عدم الرّبع من عمره ... وقد حصد المتجر الأخسرا
؟؟
أبو القاسم محمد بن محمد
بن جبير السجزي
كاتب الأمير خلف، والآخذ من النثر والنظم بطرفيهما، وله شعر كثير وقع إلي بخطه فلم أستصلح منه لكتابي هذا غير مقطوعات سلك فيها طريقة أبي الفتح وضرب فيها على قالبه، فمنها قوله:
بأبي غلام لست غير غلامه ... مذ جاد لي بسلامه وكلامه
ذو حاجب ما إن رأيت كنونه ... أبداً، وصدغ ما رأيت كلامه
وقوله:
وحديقةٍ صبَّحتها في فتيةٍ ... كحديقةٍ، والطير في أوكارها
كم ماجنٍ فينا وكم متعفّفٍ ... قد صار يمجن طائعاً أوكارها
وقوله:
أرى الدهر ينسي ذنوب الرجال ... ويذكر ذنبي وذنبي كمالي
يرمون شأوي، وما إن لهم ... من الفضل قول وفعل كمالي
فأموالهم قد تصان كعرضي ... وأعراضهم تستباح كمالي
وقوله:
يا ماكراً بي وبخلاَّنه ... مهلاً فما المكر من المكرمات
عليك بالصحبة فهي التي ... تحيا فتحييك إذا المكرمات
؟؟
أبو العباس أحمد بن إسحاق الجرمقي
كاتب فيلسوف مهندس شاعر، من كتاب الأمير خلف، وتنقلت به الأحوال والأسفار بعده، فوقع إلى نيسابور في عوده إلى بلاده، ومن مشهور شعره قوله:
رحلت وذاهب عقلي ورأيي ... لبعدك بادٍ ودانٍ ورائي
أسير أسير الهوى سادراً ... فعزمي أمامي ورأيي ورائي
وقوله مع الإشارة:
أنا من لست أعرف لي سواه ... من الأقوام ركناً أو ملاذا

أحبُّك حبَّ صبَّ مستهامٍ ... وفي است أمِّ الذي يقليك هذا
وكتب لي بإسفرائين من شعره، فمن قوله من قصيدة في أبي الفتح بشر بن علي، أولها:
غيري يطلُّ الدموع في الطلل ... مولّهاً بالغزال والغزل
كنت عزوفاً عن الملاعب في ... غدوة عمري فكيف في الطفل
ولم يكن لي من الهوى نهل ... فكيف تسمو نفسي إلى علل
ولم أقبّل زهواً يدي ملك ... فأين لعس الشفاه من قبلي
ومنها:
يا عاذلي في قصور حظي قد ترى ... اجتهادي فاكفف عن العذل
إن فلّ مالي فذاك من قبل الأقدار ... مّا اعتبرت لا قبلي
ومنها:
ويلزم اللوم في الخصاصة لو ... كانت تنال الحظوظ بالحيل
لو كان يسمو بفضله أحد ... لما تأخّرت عن مدى زحل
ومنها:
إن زال ما كنت فيه من عملٍ ... فإنّ ما كان فيَّ لم يزل
وإنّني بعد من معاودة ال ... إقبال لي آنفاً على أمل
بيمن جدّ الأستاذ مولاي بشر بن علي بن يوسف بن علي
؟؟

أبو الحسن عمر بن أبي عمر
السجزي النوقاني
أديب شاعر فقيه، من حسنات سجستان، وله غير رحلة واحدة إل خراسان والعراق في طلب الأدب والعلم. وكان أقام على حضرة الصاحب برهة يستفيد من مجالسها ويقتبس من محاسنها وحين استأذنه لمعاودة بلده والتمس الكتاب بالوصاة به. وقع على ظهر رقعته: كنا نؤثر - أطال الله تعالى بقاك! - ألن تقيم ولا تريم، فقد جمعت من آلات الفضل ما يقتضي اصطناعك في خواص الأصحاب: العقل صحيح الطابع، والدين سليم الباطن، والعلم غزير المشرع،والطبع فياض المورد، سلسال المكرع، وأما الشعر فرحيب المباءة مشرق المطلع، كثير البديع، واسع الخط، يترقرق فيه ماء القبول. قد صينت جزالته عن صلابة القسوة، وسلاسته عن رقة الركة، وعمدتا الأدب النحو واللغة، ولك ي كل منهما قدح يجول، حتى يجلب إليك أعشار الجزول، وقد استفدت بحمد الله من علم الكلام ما يدعى كفاية المتحقق إن لم يكن مذخورة المتلهف، ولولا ما وراءك من فرض لا يستحل صدك عن أدائه، ثم إن لسانك رهينة عندنا على إيابك، لطال تشبث من لدينا من إخوانك بعطفي مقامك، ففي دعة الله وحفظه وبركته وعونه، ومن يقرأ هذا الجواب وخطي عليه مهيمن ولفظي به شاهد يستغنى به عن لقائه بكتاب فاجعله عصرة المبين وعمدة اليقين.
ومن ملح شعره قوله:
يا ويح قلبي لا يزال يروعه ... ممّن يعزُّ عليه وشك فراق
تتقاذف البلدان بي فكأننّي ... ولِّيت أمر مساحة الآفاق
وقوله:
أبت نفسي الدنيا فأنفس مالها ... كتابٌ أبى إلاّ إليه سكونها
أصون كتابي عن يدٍ لا تصونه ... صيانة نفسي عن أخٍ لا يصونها
وقوله:
غلا الشعر في بغداد من بعد رخصه ... وإنّي في الحالين بالله واثق
فلست أخاف الضيق والله واسعٌ ... غناه، ولا الحرمان والله رازق
وقوله:
الفقر والإفلاس والضرُّ ... ثلاثةٌ أيسرها مرُّ
أحسن بالحرُّ على قبحها ... من جدَّةٍ ذلَّ لها الحرُّ
وقوله:
إذا بخلت ببرى ... ولم أنل منك رفدا
فأنت مثلي عبدٌ ... وفيم أخدم عبدا
ووله:
إن الدماميل برَّحت بي ... وأقعدتني عن التحرُّك
أزحف مهما أردت مشياً ... وإن أردت القعود أبرك
وقوله:
وإني لأعرف كيف الحقوق ... وكيف يبرُّ الصديق الصديق
ورحب فؤاد الفتى محنةٌ ... عليه إذا كان في المال ضيق
وقوله من نتفة:
يعزّ عليَّ إنفاقي شبابي ... على حرقِ الهوى والإغترابِ
ولاح بعارضي كافور شيبٍ ... يكابرني على مسكِ الشبابِ
وقوله:
لعمرك إن العمر ما لا يسرّني ... لموت. وبعض الموت خيرٌ من العمر
وإنّ غنىً لا يأمن الفقر ربُّه ... لفقر. وخوف الفقر شرُّ من الفقر
وله من قصيدة في الأمير خلف:
لك الدنيا ومن فيها ولكن ... تلاحظها بعينيك احتقارا

تكبَّر ذا الزمان على بنيه ... فعش حتى تعلِّمه الصغارا
وصار صغارهم فيه كباراً ... فدم حتى تردّهم صغارا
خدمت لك الملوك أروض نفسي ... لآمن تحت خدمتك العثارا
ولو كانت لك الدنيا جعلنا ... لك الدنيا وما فيها نثارا

الباب السابع
في تفارق من ملح أهل بلاد خراسان
سوى نيسابور وغررهم
؟؟
أبو القاسم الداودي
هو اليوم صدر أهل الفضل، وفرد أعيان الأدب والعلم بهراة، يضرب في المحاسن بالقدح المعلى، ويسمو منها إلى الشرف الأعلى، وأخباره في الكرم مذكورة، ومآثره في الرياسة مأثورة.
وهو القائل وكتب به إلى صديق له من الغرباء أنفذ إليه مبرة:
ربمّا قصَّر الصديق المقلُّ ... عن حقوق بهنَّ لا يستقلُّ
ولئن قلَّ نائلٌ فصفاءٌ ... في ودادٍ ومنَّةٌ لا تقلُّ
أرخ ستراً على حقارة برّي ... هتك ستر الصديق ليس يحلُّ
وأنشدني يحيى بن علي البخاري لأبي القاسم:
قالوا ترفَّق في الأمور فإنّه ... يجدي ويمري الدُّر بالإبساس
ولقد رفقت فما حظيت بطائلٍ ... ما ينفع الإبساس بالأتياس
وأنشدني غيره له، ويجوز أن يكون تمثل به:
وإذا الذئاب استنعجت لك مرَّةً ... فحذار منها أن تعود ذئابا
فالذئب أخبث ما يكون إذا بدا ... متلِّبساً بين النعاج إهابا
أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى
؟؟
الداودي الهروي الفقيه
أنشدني له أبو سعد نصر بن يعقوب في التفاح المنقط:
ناولتني تفّاحةً وسمتها ... دائرات بحسن نقطٍ عجيب
كدموعي ممزوجةٌ بدماءٍ ... قاطراتٍ في صحن خدِّ حبيبي
وله في السفرجل:
غصون السفرجل ملتفَّةٌ ... فمعتدل القدِّ أو منثنى
وقد لاح في زئبرٍ شاملٍ ... كصفراء في معجرٍ أدكن
وله:
أما شاقتك روضةٍ دستجرد ... كعقدٍ أو كوي أو كبرد
تطير فراشها بيضاً وحمراً ... كريحٍ طيَّرت أوراق ورد
؟؟
أبو الحسن المزني
هو أشهر بالشرف والمجد، وذكره أسير في الأدب والفضل، من أن ينبه على محله في الوجاهة والسيادة والرياسة والوزارة، وله شعر كثير لم يعلق بحفظي منه إلا بيت واحد قاله في الأمير أبي الحسن بن سيمجور، وهو هذا البيت:
ولو أر ظلماً مثل ظلمٍ يمسنُّا ... يساء إلينا ثم نؤخذ بالشكر
؟؟
أبو سعد أحمد بن محمد بن ملة الهروي
أحد بلغاء خراسان المذكورين، وفضلائها المشهورين، وعقلائها الموصوفين، وكان في آخر عمره مرتبطاً بالحضرة السامانية في جملة المشايخ الذين يشاورون في الأمور ويستضاء بآرائهم في ظلم الخطوب، وكان متبحراً في النثر، مقلاً من قول الشعر، وهو القائل:
وكان الصديق يزور الصديق ... لشرب المدام وعزف القيان
فصار الصديق يزور الصديق ... لبثِّ الهموم وشكوى الزمان
وله في نفسه من لطويل:
له هممٌ ما إن تزال سوفها ... قواطع لو كانت لهنَّ مقاطع
؟؟
أبو روح ظفر بن عبد الله الهروي
فاضل بحقه وصدقه، كاتب شاعر فقيه ملء ثوبه، ممدوح بألسنة الفضلاء من أهل عصره، وفيه يقول أبو الفتح:
أبو روحٍ أدام الله عزَّه ... ألذُّ إذا انبرى للخصم عزَّه
وذاك لأنه هجر الملاهي ... فصار كثيِّراً والعلم عزَّه
وله أيضاً:
قل لذي العزّ والمحل النبيه ... لأبي روحٍ الفقيه الوجيه
من دعاء إخوانه فتباطى ... لا لعذرٍ عنهم ففيه وفيه
وولى قضاء عدة من بلاد خراسان، وشعره كثير مدون، يجمع الجزالة والسهولة، والمتانة والعذوبة، ويخرج منه الفقر والغرر، كقوله من قصيدة:
السيف يعلم أنّ لي في حدِّه ... سرّاً نهاه الدهر عن إفشائه
والدهر يعلم أن لي في صدره ... ناراً مضرَّمة على أحشائه
هممٌ مؤرّقةٌ جفوني كلّما ... أرخى الظلام عليَّ ذيل خبائه
ولو أن أطراف الرماح وفين لي ... لأخذت حقَّ الدهر من أبنائه

همم النفوس منوطةٌ بعنائها ... والمرء يخدعه لسان رجائه
وقوله ولم يسبق إليه في مدح الطفيلي:
إنّ الطفيلي له حرمة ... زادت على حرمة ندماني
لأنّه جاء ولم أدعه ... فليأتها القاصي مع الداني
أحبب بمن أنساه لا عن قلىً ... وهو يجيني ليس ينساني
وقوله وهو في نهاية الملاحة:
يا من تذكِّرني شمائله ... ريح الشمال تنفَّست سحرا
وإذا امتطى قلماً أنامله ... سحر العيون به وما سحرا
وقوله لبعض أضداده:
حقيق بك أن تطعم عفصاً وهو معكوس
وأن يلبس جنباك الذي مقلوبه طوس
فهذا لك مطعوم وهذا لك ملبوس
؟؟

منصور بن الحاكم أبي منصور الهروي
قد حسن الله شمائلهن وكثر فضائله من أعيان هراة، وآحادها، ومفاخرها وأفرادها، وشعره مدون كثير الملح، كقوله:
يوم دجنٍ هواؤه ... فاختيُّ رواؤه
مطرتنا مسرةً ... حين صابت سماؤه
أشبه الماء راحةً ... وحكى الراح ماؤه
داو بالقهوة الخما ... ر ففيها دواؤه
لا تعاتب زماننا ... إن عرانا جفاؤه
شدَّة الدّهر تنقصي ... ثم يأتي رخاؤه
كدر العيش للفتى ... يقتفيه صفاؤه
وكذا الماء يسبق ... الصفو منه جفاؤه
وقوله:
معتّقة أرقُّ من التصابي ... من وصلٍ أتى بعد التنائي
يطوف بها قضيب في كثيبٍ ... تطلع فوقه بدر السماء
لواحظه تبثُّ السحر فينا ... وفي شفتيه أسباب الشفاء
وله:
قرن الزمن إلى البنفسج نرجساً ... متبّرجاً في حلَّة الإعجاب
كخدود عشّاقٍ بدت ملطومةً ... نظرت إليها أعين الأحباب
وله:
وأغيد ساحر الألحاظ أدعج ... يتيه به على الخدِّ المضرَّج
أضاف إلى فؤداي السقم لمَّا ... أضاف إلى شقائقه البنفسج
وله:
قم يا غلام فهاتها حمراء ... كالنار يورث شربها السراء
فاليوم قد نشر الهواء بأرضنا ... من ثلجه ديباجةً بيضاء
وله:
خشف من الترك مثل البدر طلعته ... تحوز ضدَّين من ليلٍ وإضاح
كأنَّ عينيه والتفتير كحلهما ... آثار ظفرٍبدت في صحن تفاح
وله:
الله جار عصابةٍ رحلوا ... عنّي وقلب الصبِّ عندهم
ما الشأن ويلك في رحيلهم ... الشأن أنّي عشت بعدهم
وقوله في المرآة من الراجز:
زاهية تشبه كل صوره ... أسرارها مستورة مشهورة
تنمُّ إلاّ أنَّها معذوره ... نفس أخي الحسن بها مسروره
وله:
روضة غضّة علاها ضباب ... قد تجلّت خلالها الأنوار
فهي تحكي مجامراً مذكياتٍ ... قد علاها من البخور بخار
وله:
أبا عبد الإله العلم روح ... وجدتك دون كلِّ الناس شخصه
لذلك كلُّ أهلالفضل أمسوا ... كحلقة خاتمٍ وغدوت فصَّه
وله من الراجز:
وشادنٍ في الحسن فوق المثل ... أبصر منّي بوجوه العمل
قبَّلت كفّيه فقال انتقل ... إلى فمي فهو محلُّ القبل
وله:
بقيت مدى الزمان أبا عليٍّ ... رفيع الشأن ذا جدٍّ عليِّ
لأنت من الكارم والمعالي ... بمنزلة الوصيِّ من النبيِّ
وله:
يا أيُّها العاذل المردود حجّته ... أقصر فعذري قد أبدته طلعته
ماذا بقلبي من بدرٍ بليت به ... للّيث أخلاقه، والخشف خلقته
؟؟
أبو أحمد الساوي الهروي
قال:
هراة ارض خصبها واسع ... ونبتها اللَّفاح والنرجس
ما أحد منها إلى غيرها ... يخرج إلا بعد ما يفلس
؟؟
أبو الربيع البلخي
من المتصرفين على أعمال المظالم من الحضرة السامانية، وهو القائل في الشاش:
الشاش في الصيف جنَّه ... ومن أذى الحر جنه

لكنّه يعتريني ... بها لدى البرد جنَّه
وله:
ما يوم منكوبٍ حزين مستهام القلب خائف
بأمد من يوم الظّريف إذا تجوَّع للقطائف
وإنما نسج فيه على منوال من قال:
ما ليلة المهجوِّ با ... عدت النّوى عنه أنيسه
أو ليلة الملسوع حا ... ذر ميتة النفس النفيسه
بأمدَّ من ليل الظريف إذا تجوّع للهريسه
؟؟

أبو المظفر البلخي
من شعره قوله:
بلوتك يا دنيا مراراً كثيرةً ... فلم ترعيني في هواك قريره
فإن كنت في عين اللئيم خطيرةً ... فإنّك في عين الكريم حقيره
وإن تصرفي عنّي أذاك فخيرة ... وإن تصرفي نحوي أذاك فحيره
وله:
قال الحكيم الفارسيّ ... بزرجمهر ثمّ مزدك
لا ترضينّ من الصديق ... بكيف أنت ومرحباً بك
حتّى تجرِّب ما لديه ... لحاجةٍ إمّا بدت لك
فإذا وجدت فعاله ... كمقاله فبه تمسِّك
؟؟
أبو بكر بن الوليد البلخي
من شعره قوله:
ثلاثة فقدها كبير ... الخبز واللحم والشعير
والبيت من كلِّها خلاء ... فجد بها أيُّها الأمير
وله من نتفة:
أحسن الأشعارعندي ... وآنف بالخمر الخمارا
وألذُّ الآي عندي ... وترى الناس سكارى
وله:
خلّة في من خلال الحمير ... لم يطب لي شرب بغير صفير
وله:
ما سمَّت العجم الهميان هميانا ... إلاّ لإجلال ضيفٍ كان من كانا
فالمهُّ أكبرهم، والمان منزلهم، ... والضيف سيّدهم ما لازم المانا
؟؟
الحسن الضرير المروروزي
في غلام نصراني:
وما أنس لا أنس ظبي الكناس ... يريد الكنيسة من داره
يحوط بزناره خصره ... ومرعى الجمال بأزراره
فيا حسن ما فوق أزراراه ... ويا طيب ما تحت زنّاره
أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل
؟؟
الفقيه الطوسي
افتتن بغلام من الشطار فقال فيه:
أتوعدني بالقتل والقتل راحتي ... فلا تخلف الإيعاد خلفك ميعادي
وقال في غلام أعطاه كتاب العين:
كتاب العين ظلَّ يقرُّ عيني ... ويصلح بين من أهوى وبيني
كتاب العين قوّاد لطيف ... يحلُّ إليك عصم التفلتين
؟؟
أبو محمد الطوسي
قال:
أبوك في الناس سلَّ سيفا ... بمضربيه يفلُّ صفَّا
وذلك الصفُّ كان غزلاً ... وذلك السيف كان خفَّا
؟؟
أبو سهل المعقلي الطوسي
قال:
يا دولةً ليس فيها ... من المعالي شظيَّه
زولي فما أنت إلاّ ... على الكرام بليه
؟؟
أبو نصر الروزبازي الفقيه الطوسي
من شعره قوله:
لي خمسون صديقاً ... بين قاضٍ وشريف
وأميرٍ ووزير ... وفقيه وظريف
فإذا احتجت إليهم ... لم يفوا لي برغيف
الباب لثامن
في ذكر الأمير
أبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي
وإيراد محاسن من نثره ونظمه
وما محاسن شيء كله حسن

القول في آل ميكال وقدم بيتهم، وشرف أصلهم، وتقدم أقدامهم، وكرم أسلافهم وأطرافهم، وجمعهم بين أول المجد وأخيره، وقديم الفضل وحديثه وتليد الأدب وطريفه، يستغرق الكتب، ويملأ الأدراج، ويحفي الأفلام، وما ظنك بقوم مدحهم البحتري، وخدمهم الدريدي وألف لهم كتاب الجمهرة وسير فيهم المقصورة التي لا يبليها الجديدان، وانخرط في سلكهم أبو بكر الخوارزمي وغيره من أعيان الفضل وأفراد الدهر، وكان كل من الشيخ أبي العباس إسماعيل بن عبد الله وابنيه الرئيس أبي محمد عبد الله والأمير أبي القاسم على أمة على حدة، وعالماً في شخص واحد، وما منهم إلى من يضرب به المثل في الشرف، والأمير أبو نصر أحمد بن علي الآن بقية الأماجد وغلاة الأكارم وعمدة الأفاضل وواحد خراسان ومفخرتها وجمالها وزينتها، من لا نظير له في شرف النفس وعد الهمة ورفعة الشأن وتكامل آلات السيادة. والأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد يزيد عى الأسلاف والأخلاق من آل ميكال زيادة الشمس على البدر، ومكانه منهم الواطة من العقد، لأنه يشاركهم في جميع محاسنهم وفضائلهم ومناقبهم وخصائصهم، ويتفرد عنهم بمزية الأدب الذي هو ابن بجدته وأبو عذرته وأخو جملته، وما على ظهره اليوم أحسن منه كتابة وأتم بلاغة، وكأنما أوحى بالتوفيق والتسديد إلى قلبه. وحبست الفقر والغرر بين طبعه وفكره، فهو من ابن العميد عوض، ومن الصاحب خلف، ومن الصابي بدل، ثم إذا تعاطى النظم فكأن عبد الله بن المعتز وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر وأبا فراس الحمداني قد نشروا بعد ما قبروا، وأوردوا إلى الدنيا بعد ما انقرضوا. وهؤلاء أمراء الأدباء، وملوك الشعراء، وقد أنصف من وصف بلاغته في النثر وبراعته في النظم حيث قال من قصيدة:
يا من كساه الله أردية العلى ... وحباه عطر ثنائها المتضوِّع
وإذا نظرت إلى محاسن وجهه المسعود قلت لمقلتي فيها ارتعي
وإذا قريت الأذن شهد كلامه ... قلت اسمعي وتمتعي وارعي وعي
وكأنّما يوحى إلى خطراته ... في مطلعٍ أو مخلصٍ أو مقطع
لك في المحاسن معجزاتٌ جمَّة ... أبدا لغيرك في الورى لم تجمع
بحران بحر في البلاغة شابه ... شعر الوليد وحسن حفظ الأصمعي
وترسَّل الصابي يزين علوّه ... خطُّ ابن مقلة ذي المحلِّ الأرفع
شكراً فكم من فقرة لك كالغنى ... وافى الكريم بعيد فقر مدقع
وإذا تفتّق نور شعرك ناضراً ... فالحسن بين مرصّع ومضرَّع
أرجلت فرسان القريض ورضت أف ... راس البديع وأنت أفرس مبدع
ونقشت في فصَّ الزمان بدائعاً ... تزري بآثار الربيع الممرع
وحويت ما تكنى به طراً فلم تترك لغيرك فيه بعض المطمع
وقال من أخرى:
يا من له كلّ الذي يكنى به ... ومفرق العليا لديه مؤلّف
غنَّت بسؤددك الحمام الهتَّف ... وحكت أناملك الغيوم الوكَّف
وتصرفت بك في المكارم والعلى ... همم على قمم النجوم تصرّف
وملكت أحرار الكلام كأنّها ... خدم وغلمان لأمرك وقَّف
وكأنما نور الربيع وزهره ... من وشي خطك في المهارق أخرف
وقال:
إني أرى ألفاظك الغرَّا ... عطّلت الياقوت والدرَّا
لك الكلام الحرّ يا من غدا ... معروفه يستعبد الحرّا
وقال:
سبحان ربي تبارك الله ما ... أشبه بعض الكلام بالعسل
والمسك والسحر والرقى وابنه الكرم وحلي الحسان والحلل
مثل كلام الأمير سيدنا نثراً ونظما يسير كالمثل
وقال من أخرى:
يا كعبة المعالي ... وقبلة الآمال
وغرَّة الجمال ... وصورة الكمال
وطالع الإقبال ... وعارض الإفضال
وآفة الأموال ... بدر بني ميكال
كم لك من مقال ... أصفى من الزلال
أزكى من الغوالي ... أمضى من العوالي
أقضى من النصال ... أضوا من الهلال
أسرى من الخيال ... أبقى من الجبال

فاسلم على الليالي ... ودم بخير حال
وقد أوردت في هذا الباب من فصوص فصوله التي أخرجها من رسائله وبوبها في كتاب له وسمه بالمخزون ما يؤرخ به محاسن الكلام، ويزيد في ماخر الأقلام، ويستحق أن يدعي لفظ الدر، وعقد السحر، وأتبعته من غرر شعره، وثمار فكره، بما تجمع منه اليد على البازي الأبيض والحجر الأسود والكبريت الأحمر، والعيش الأخضر، وملك بني لأصفر.
؟؟

فصول من باب وصف الكتب
بالحسن والبلاغة ولطف المواقع من الكتاب المخزون المستخرج من رسائله فصل - إنه ألقي إلي كريم، عنوانه غنم جسيم،وعيانه فضل عميم، فلو استطاع قلبي لسعى إليه إعناقاً، والتف عليه عناقا.
فصل - وصل كتابه به بغية الحريص، وخلتني يعقوب وقد بشر بالقميص.
فصل - كتابه تعلة الرجاء. وقوت النفس. وعلة النشاطن وقوة الأنس.
فصل - كتابه أوصل الأنس إلى سواد القلب وصميمه، وأماط الوجد وقد ألح في تصميمه.
فصل - أنا أولى بالحمد وقد لحظت مواقع أنامله ووشمت بوارق فضائله، من راعى القفر وقد رأى القطر سكبا، بعد سنين تتابعت جدبا
فأضاح يرجو أن يكون حيّا ... ويقول من فرح هيّا ريّا
فصل - الحمد لله ملء القلوب والضمائر، وفوق وسع الحامد الشاكر، إذا أقبلت غمامة من ناحيتك برقها خلق كريم، وقطرها برعميم، فروت روض الأنس وقد اكتسى ذبولاًن وأهدى إيه من نسيم عهده صبا وقبولا، حتى انجلت عنه غبرته، وعادت إليه نضرته.
فصل - كتابك تميمة فضلن وثمينة عقد، ولطيمة خلقن ويتيمة مجدنوغنيمة بر.
فصل - كتابك يجلو صفحة العهد، ويجيل قداح الأنسن ويجل عن قدر الشكر.
فصل - نشرت من كتابك عصب اليمن. ونظرت منه إلى الطالع الأسعد والطائر الأيمن.
فصل - لقيت كتابك تحلية الإحسان والإبداع، وحلية النواظر والأسماع ومسن الخواطر والطباعن وصيقل الأفكار والألباب، وعيار المعارف والآداب.
فصل - كتاب سلب الماء رقته، والنحل ريقته.
فصل - كلامك شهدة النحل، وثمرة الغراب، وبيضة العقر،وزبدة الأحقاب.
فصل - وصل كتابك فأذعنت القلوب لفضله بالاعتراف، واختلفت لألسن في تشبيهه ببدائع الأوصاف، فمن مدع أنه رقية الوصل، وريقة النحل، ومنتحل أنه سلاف العنقود، وقائل هو نور خمائل، وسحر بابل، فأما أنا فتركت التمثيل، وسلكت التحصيل، وقلت: هو سماء فضل جادت بصوب الحكم، ووشى طبع حاكته سن القلم، ونسيم خلق تنفست عنه روضة الكرم.
فصل - سررت بكتابك سرور من فدي بذبح عظيم، وبشّر بغلام عليم.
فصل - قلمك ترب البروق ونظيرها، ويدك أم البلاغة وظئرها وكلامك هو الدر يستغني عن السلك، والإبريز يجل عن السبكن والسحر إلا أنه بريء من الشرك.
فصل - كتابك شريعة وردي، ومهب شمالي، ومرمى طرفي. ومسرح آمالي، ونجي فكري،وحلم هجودي، وأرض خصبي، وسماء سعودي.
؟؟
ومن باب الإخوانيات
فصل - أيام ظل العيش رطبنوكنف الهوى رحب. وشرب الصبا عذبن وما لشرق الأنس غرب.
فصل - أنا في مقاساة حر الشوق إليك كما اعتاد محموداً بخيبر صالب وفي تذكر الاجتماع معك كما اهتز من صرف المدامة شارب وفي تكلف الصبر عنك كطالب جدوى خلة لا تواصل وفي القلق لفراقك كطائر جوٍّ أعلقته الحبائل.
فصل - أيامي معك بين غرة ولمعة،وعيد وجمعة.
فصل - أنا أخو مودتك الذي لا يخشى نبوه وعقوقه، وسم نصرتك الذي نحو العدى نصله ونحوك فوقه.
فصل - إني لأجد ريح مولاي فأتنسم روح السكونن ولا أقول لولا أن تفندون.
فصل - كنت كمن خرج يبغي قبساً، فرجع نبياً مقدساً.
فصل - أشكو إليك شوقاً لو عالجه الأعرابي لما صبا رمل عالج، أو كابده الخلي لانثنى على كبد ذاتحرق ولواعج.
فصل - وددت لو أنه ركب الفلك الدائر، وامتطى النجم السائر. وكان البرق زاملته، والبراق راحلته، والسماك هاديه، والخضر حاديه والصبا إحدى مراكبه، والجنوب بعض جنائبه، لينقضيعمر الانتظار، ونسعد بالقرب والجوار.
فصل - لا خير في ود لا يعرف إلا بشاهد، ولا ينهض إلا براقد مشرق السحنة،واضح السنة، بعيد من الظنة.
فصل - طالعت عهدي لديه ضاحي البشر، ضاحك الزهر، طلق الوجه، باسم الثغرن قد رفت عليه ظلال كرمه، ورقّت له حواشي أخلاقه وشيمه، فحمى وجه بهائه أن يشحبن ورونق مائه أن ينضب.
فصل - وصل كتابه لا أقبل دعوى ولا يعدله شهود، ولا يعدله يوم مشهود.

فصل - أنا أتوقع كتابك أطول من ليلة الميلاد، وأمتع من نسيم ريح الأولاد.
فصل - كتبت هذه الأحرف وأنا أود أن مدادها سواد طرفي، وبياضها جلدة بين عيني وأنفي، وحاملها دون سائر الناس كفي.
فصل - لا تفارق نفسي فيك أشواقها، حتى تفارق الحمائم أطواقها.
فصل - لولا التعلل باللقاء لتصدعت أكباد وقلوبن وكانت بيني وبين النوى شؤون وخطوب.
فصل - ما آسى إلا على أيام أمتعتني منمؤانستك بالعين طلقا ما عليه رقوب، وأسعفتني من مجالستك بالدهر فيه خطوب.
فصل - بي إليك شوق لم يكابده قلب متيّم، ووجد لم يدعه مالك لمتمم.
فصل - أنا في مفارقته كبنات نضب عنها الغدير، ونبات الأرض أخطأه النوء المطير.
فصل - شوق عابث أقاسيه. وامتنع عنه الصبر فما يواسيه.
فصل - ذمام ودك عندي لا يخفرن وإن أتيت بما لا يغفر.
؟؟

من باب الشكر والثناء
فصل - للنعم عماد من الشكر يحرسها أن تميل وتميدن وعقال من الثناء والحمد يمنعها أن تبيد وتحيد، وكثيراً ما يسكر الشارب بكأس سرورها. ويعشى عينه بشعاع نورها، فيذهل عن حفظ ذمارها، ويذهب عنواجب مرتبتها واستثمارها، ويكون كمن أزعجها بعد الاستقرار، وعرضها للنفار، فلا يلبث أن يزل عن مرقاتها قدمه، ويطول على ترك موجباتها ندمه، ويحصل منها في برجمنقلب، وينظر مننعيمها في أعجاز نجم مغترب.
فصل - كم لك عندي من يد غضّة ما لي بشكرها يدان، وعلى عاتقي من ثقل منّة يعجز عن حملها الثقلان.
فصل - لولا أن من عاداته متابعة النعم لقلت رفقا بكاهلي، فقد أثقله الرفد، وأناملي فقد أعياها العدّ، لكنه الغيث لا يستكف واكف سحابه،والبحر لا يزحم زاخر عبابه.
فصل - لو ملكت من مقاود البيان، ما يملك من مقالة الإحسان، لأجلبت عليه من شكري بخيل ورجل، وجلبت إليه من فيض بناني سجلا بعد سجلن وكلاً فقد خذلتني عبارتي مذ تناصرت ندي مواهبه،ونزفت بلاغتي منذ درت على سحائبه.
فصل - لا أعدمه الله نعمة يطوق الشكر جيدها، ويمتري بلطافة الحمد مزيدها.
فصل - قلدني منّة تندي ألسنة الشكر،وتنادي بذكرها أندية الفضل.
فصل - ذاك فضل ملك عنانه ومقادته، فقهر أعيانه وقادته.
فصل - لو استطعت لطرت إليه بأجنحة الجنائب، وخطبت بالشكر على متون الكواكب.
فصل - ما هو إلا صوب كرم إذافاضت منه سجال تلتها سجال، وإذا جادت بها يمين رفدتها شمال.
فصل - خدمته أيام كانت رياسته سراً في ضمير لأيام،ونوراً في أكمام الظنون والأوهام.
فصل - أنامله فرصة كل وارد، وعرضة كل قاصد.
فصل - يذبُّ عن حرم المعالي بذباب حسامه، ويحمي غربها بغرار أقلامه.
فصل - كم له من مكارم جدد منهج أطمارها، وأذكى سنا أقمارها.
فصل - له الأمر المطاع، والشرف اليفاع، والعرض المصون والمال المضاع.
فصل - مساعيه ضرائر النجومن وأنامله ضرائر الغيوم.
فصل - أملى محاسنه وأيدي الأيام تكتبن وأثنى بأياديه وألسنة الحال تشهد وتخطب.
فصل - وهو واحد العصرن وثاني القطرن وثالث الشمس والبدر.
فصل - ذاك سلطان فضل هو عرابة رايته، وميدان سباق وهو عكاشة عنايته.
فصل - ما هو إلا صفيحة فضل طبعت من سكتك، وسبيكة مجد ضربت على شكتك.
فصل - ما هو إلا نجم طلع في سمائك، ومعنى اشتق من أسمائك.
فصل - أفاض عليه من صوب رشاشه، ما أروى غلة مشاشه.
فصل - ثناء أطيب من فوح الأزاهر، وأطيب من ترجيع المزاهر.
فصل - ثناء كما يتفق المسك من أكمامه، وينتفض الروض غبّ رهامه.
فصل - ما هو لا لمعة من برقك، ورذاذ من ودقك، ونجم طلع في أفقكن وشعلة قدحت من نارك، ورشاش ارفضّ من سحابك.
فصل - أحيا كتابك مني نفساً مواتا، وأنشر أملاً رفاتاً، وتلافى حشاشة كانت منالهلك علة شفا، وبلّ ريقاً لم يدع للناس فيه مرتشفا.
ومن باب
؟؟
العتاب والذم وشكوى الحال
فصل - عتاب من قلب خالص، وصدر سليم من القوارص، خير منودّ سامري، وعرض سائري.
فصل - لو تكللت بالشعرى العبور، وتلثمت بالفجر المنير، واتخذت الثريا وشاحاً، والجوزاء نطاقاً، واستعرت من الشمس ضياء، ومن البدر إشراقاً، لما كنتمغموراً خاملاً، وعقداً عاطلاً.

فصل - لست أدري سبب عتبك فأتوب إليك توبة سحرة فرعونن وأخلص وأعتذر إليك اعتذار النابغة إلى النعمان، وأبلغ وأخضع لك خضوع المعزول للوالي، بل خضوع الجرب للطالي،وأضرع إليك ضراع الصبي للمعلم، بل الذميّ للمسلم.
فصل - كيف ترميني بظنة؟ وقد علمت أن قلبي لودك غير مظنة.
فصل - صدعت بالعتاب أعشار فؤادي، وتركتني بمنزلة ماء سال به الوادي.
فصل - سحب على ذنبه أذناب التجوّز، وستره بأجنحة التجاوز.
فصل - طويت ودي طي الطوامير،ونبذت عهدي في المطامير.
فصل - عاد شرر عتبه ضرامان وقوارص قوله سهاماً.
فصل - إذا نطق لسان الاعتذار، فليتسع نطاق الاغتفار.
فصل - جربني تجدني سهل الرجعةن سمح المقادة، قريب لمنالة، دائب الصنيعة، جامد السكينة، سريعاً إلى المحافظة، بطيئاً عن الحفيظة.
فصل - رددني من جفائهزماناً بين إعراض وقطيعة، وأوردني منها أوخم شريعة، حتى إذا ورد كتابه وبي فرحة الظمآن وافق بلالاًن والعليل صادف إبلالاًن تضمن من مر العتاب، ما ما هو أمض من القذف والسباب، وكان كثاطة مدت بماء، وجمرة أعينت بحلفاء.
فصل - وما زلت أداريه وألاطفه، وأمل أن تلين لي مكاسره ومعاطفه، حتى إذا كشف لي قناع الجفوة، ومد إلي ذراع لسطوة، جزيته صاعاً بصاع، وبسطت له باعاً بباع، وسعيت إلى معارضته بخطى وساع، وكذلك من ساء سمعا ساء جابة، ومن زرع مكراً حصد خلابة.
فصل - كشف لي قناع المجادلن ورماني من عتبه بالجنادل.
فصل - قد تجاريت والدهر في الظلم إل غاية واحدة، واخترعتها في العقوق كل بدعة وآبدة، لعلك تزيد عليه وطأ في الظلم ثقيلاً، وسبحا في التحيل طويلاً، بل أنت أبعد منه في ألإساءة غورا، وأحد في النكاية غربا، وأجرى في المناكير قلباً، لا بل أنت أكثر من مذقا، وأمرّ مذاقا، وأظهر خلافا، وأقل وفاقان فما هذه المكاشفة والمخاشنة؟ وأين المهادنة والمداهنة؟ وأين الحياء والتذمم؟ والعفاف والتكرم، وأين لين المكر، ولدونة المعطف، وحلاوة المذاق، وسهولة المقطف؟ فصل - أنا من حاضر جفائك بين ناب ومخلب، ومن منتظر وعدك بالرجعى بين جام وخلب.
فصل - كتابك أقصر من نبقه، وأصغر من بقه، وأخون من دره،وأخفى من ذره.
فصل - النعمة عنده تكتسي من لؤمه أطماراً. وتشتكي غربة وإسارا.
فصل - طواني فيأدراج نسيانه، وألقاني في مدارج هجرانه.
فصل - حاجتي عنده في سر الوعد وإضماره، وميدان المطل ومضماره.
فصل - ناديت منه من لا يمكن لفظي من سمعه، ودعوت من ضره أقرب من نفعه. فقلت إذ أخلف التقدير، لبئس المولى ولبئس العشير.
فصل - قرأت كلاماً خير منه تعاطي السكوت،وحجاباً أقوى منه نسج العنكبوت.
فصل - لو خلع الصباح على عذري كسوته،وأمده البلغاء من البيان ما يجلو صفحته، ثم صلى منه بنار انتقاد، ولم يرد من صفحه وإغضائه على لين مهاد، لأتى بنيانه من القواعد وقطع زنده من الساعد.
فصل - يأبى الدهر إلا ولوعاً بشمل وصل يشرده، ونظام أنس يبدده، ومخلب ظلم يحدده، ولو انبسطت فيه يدي لكسرت جناحه، وخفضت جماحه، ولكنه الحية الصماء لا تستجيب لراقي، والداء العضال لا يشفى منه طيب ولا واقي.
فصل - ما أقول في دهر يعطي تفاريق ويسترجعها جملا، ويرجع أفاويق وقطعها عجلا، يأتي شره دفعا، ويواتي خيره لمعاً، إن هاجت نوازله خصت الأحرار بالبطش، وإن سكنت زلازله فكالصل ينبطح بالأرض ثم يثور للنهش.
فصل - لا تجز عن من عتابي فالمسك إذا سحق ازداد عبقاً، والورد إذل أحمي طاب عرقا.

ومن باب
؟؟
التهاني
فصل - أهنأ النعم شرباً، وأمرعها شعباً، ما جاء عفواً منغير التماس، ودر سمحا بلا إبساس.
فصل - النعم إذ حلت بفنائه فاضت على الأحرار فيضان وكانت بينه وبينهم فوضى.
فصل - عمرك الله حتى ترى هذا الهلال قمراً منيراً، وبدراً مستديراً، يكثر به عدد أحفادك، ويعظم به كمد حسادك.
فصل - الحمد لله على النجل الموهوبن ومرحباً بقرن العيون وريحانة القلوب، ولد سعيد به أكرم والد، ومجد طريف أضيف إلى شرف تالد، فأبقاه الله لك بسطة عضد تتصل بذراعك، وخلب كبد تطول به مدة إمتاعك.
فصل - ما ارتعنا لفقد الفقيد، حتى ارتحنا لقيام الخلف الحميد، ولا استهل الباكي منا للرزية مستعبراً، حتى تهلل للعطية مستبشراً.

فصل - من كانت النعم تزينه فإنها تلبس بك فخر وخيلاء، وتحل من أفنيتك بطاح مجد وسناء.

ومن باب
؟؟
العيادة
فصل - أما علته فقد أرتني الفضل ترجف أحشاؤه فرقاً، والصبر تنقطع أجزاؤه فرقا.
فصل - كأني به وقد طلع كالحسام مجردا، والهلال مجددا.
فصل - صادفني كتابه فيه علة أجحفت بالجسد، وتحيّفت جوانب الصبر والجلد، واستأنفت به برد الحياة، ولبست عنه برد المعافاة.
فصل - كنت صريع سقم قد أولتني عقبه،وزالت بالبرء عواقبه.
فصل - كنت رهين علل لا أرجو من صرعتها استقلالا، ولا أؤمل من أسر وثاقها انحلالا، فلم لطف الله منها في العقد، ويمسح جانب الداء والألمن حتى أنشطني من عقال، وأنهضني من كبوة وعثار.
فصل - برز من علته بروز السيف المحلّى، وفاز باعافية فوز القدخ المعلى.
فصل - لو استطعت لخلعت عليه سلامتي سربالا، وأعرته من جسمي صحة وإقبالا، فلست أتهنأ بالعافية مع سقمه، ولا أتمتع بنضارة عيشي مع شحوب جسمه.
فصل - كان من العلة بين أنياب وأظفار. ومن الردى على شفا جرف هار، فتداركه الله برحمة رشت على سقمه ماء الشفاء، ومجّت برد العافية في حرِّ الأحشاء.
ومن باب
؟؟
التعازي
فصل - للهتعالى في خلقه أقدار ماضية لا ترد أحكامهان ولا تصد عن الأغراض سهامهانوالناس فيما بين موهبة تدعو إلى الشكر المفترض، ومرزية يوثق فيها بجميل العوض.
فصل - الموت منهل مورودن وسيان فيه والد ومولود.
فصل - كتبت والقلم هائم والدمع هام، والكرب دائم والجفن دام.
فصل - كتبت وسكرات المنية بي محدقة، ولحظات الأجل نحوي محدقة.
فصل - أعوذ بالله من كل ما يؤدي إلى موارط نقمته، ويحجب عن موارد رحمته.
فصل - مصيبة طرقت بالمخاوف والأوجالن طرقت شرب الأماني والآمال، وأعادت سرب العيش نافراً، ووجه الحزن سافرا.
فصل - يا لها من مصيبة أصمى سهم راميها، وأصمّ صوت ناعيها.
فصل - وفقه الله للصبر الذي إليه يرجع الجازع، وإن أغرق في قوسه النازع.
فصل - هو من لا تستتر له النوازل عزيمة أناته، ولا تفجعه الفجائع بسكسنة حزمه وثباته.
فصل - طال تلهفي على هلال استسرّ قبل أن يقمر، وغصن خضد قبل أن يثمر.
فصل - ما سلامة من يرى كل يوم راحلاً مشيعا. وشملا مصدعا، وصديقا مودعا.
فصل - شابت بعده لمم الأقلام، وضلّت مفاتيح الكلام، ونضبت غدر الأفهام.
فصل لا أملك في مصيبته إلا عبرات ترق ولا ترقأ، وزفرات تهدذُ ولا تهدأ.
فصل - قد نغّص الموت كلّ طيب، وأعيا داؤه كل طبيب.
فصل - الموت يكتال الأرواح بلا حساب، ويغتال النفوس بلا حجاب.
فصل - لئن طواه الردى طي الرداء، لقد نشرته ألسنة الثناء.
ومن باب
؟؟
السلطانيات
فصل - بين ضرب يصدع جنوبا، وطعن الصدور جيوبا.
فصل - إذا عبأ للغزو كتائبه، وأخرج نحو العدا مضاربه، خفقت بنصره الأعلام، ونطقت وراء رماحه الأقلام.
فصل - بين صفوف ترصف. وسيوف تقصف، ورماح تنصف،وأرواح تخطف، حيث الدواهي سود المناظر، والمنايا حمر الأظافر.
فصل - لا يقف لمناجزته عدوّ إلا عاد موطىء قدمه شفيرا. وكان سهم الردى إليه سفيرا.
فصل - أصبحوا كغثاء احتمله ظهر سيل جارف، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
فصل - لما مشى إليهم مشت قلوبهم في الصدور، وحلت بهم قاصمة الظهور، فهم أعمار تباح، ودماء تساح، وأجسام تطاح، وأرواح تسفي بها الرياح.
؟؟
نبذ من شعره في الغزل
قال:
لقد راعني بدر الدجى بصدوده ... ووكلّ جفاني برعي كواكبه
فيا جزعي مهلاً عساه يعود لي ... ويا كبدي صبراً على ما كواك به
وقال:
أنكرت من أدمعي ... تترى سواكبها
سلي جفوني هل ... أبكي سواك بها
وقال:
إن لي في الهوى لساناً كتوما ... وفؤاداً يخفي حريق جواه
غير أنّي أخاف دمعي عليه ... ستراه يفشي الذي ستراه
وقال:
يا من يبيت محبُّه ... منه بليلة أنقد
إن غبت عني سمتني ... وشك الردى وكأن قد
وقال:
عذيري من رامٍ بسهمه ... فلم يخط ما بين الحشا والترائب
فأصداغه يلسعني كالعقارب ... وألحاظه يفعلن فعل العقاربي
وقال:

ومهفهفٍ يهفو بلبِّ المرء منه شمائل
فالردف دعص هائل ... والقدُّ غصن كائل
والخد نور شقائق ... تنشقّ عنه خمائل
والعرف مثل حدائقٍ ... نمَّت بهن شمائل
والطرف سيف ما له ... إلا العذار حمائل
وقال في مخمور جمش وجهه:
هبه تغيّر حائلاً عن عهده ... ورمى فؤادي بالصدود فأزعجا
ما بال نرجسه تحوّل وردةً ... والورد في خدّيه عاد بنفسجا
وقال:
ومهفهفٍ أبدى الجما ... ل بخدّه روضاً مريعا
فقد الطبيب ذراعه ... فجرى له دمعي ذريعا
وأمّّني رقع الحديد ... بعرقه ألما وجيعا
فأريته من عبرتي ... ما سال من دمه نجيعا
وقال:
وغزال منحته خالص الو ... دَّ فجازى بالصدّ والإجتناب
لم ألمه أن أتقى بحجابٍ ... ردّني واله الفؤاد لما بي
هو روحي وليس ينكر للرو ... توارٍ عن الورى بالحجاب
وله:
كتبت إليه أستهدي وصالاً ... فعلّلني بوعدٍ في الجواب
ألا ليت الجواب يكون خيراً ... فيشفي ما أحاط من الجوى بي
وقال من الرجز:
ظبيٌ يحار البرق في بريقه ... غنيت عن إبريقه بريقه
فلم أزل أرشف من رحيقه ... حتى شفيت القلب من حريقه
وقال:
شافه كفّي رشاً ... بقبلةٍ ما شفت
فقلت إذ قبَّلها ... يا ليت كفّي شفتي
وقال:
من لي كفيلا بشمل الأنس أجمعه ... بشاذن حلّ فيه ألأنس أجمعه
ما زال يعرض عن وصلي فأخدعه ... فالآن لي لان بعد الصدّ أخدعه
وقال:
ويح جسمي من غزالٍ ... مقلتاه شفتاه
هو إن جاد بلثم ... شفتاه شفتاه
وقال:
صدف الحبيب وصله ... فجفا رقادي إذ صدف
ونثرت لؤلؤ أدمع ... أضحى له جفني صدف
وقال من الرجز:
ماذا عليه لو أباح ريقه ... لقلب صبٍّ يشتكي حريقه
وقال:
بنفسي غزال صار للحسن كعبةً ... يحجُّ من الفجِّ العميق ويعبد
دعاني الهوى فيه فلبيت طائعاً وأحرمت بالإخلاص والسعي يشهد
فجفني للتسهيد والدمع قارن ... وقلبي فيه بالصبابة مفرد
؟؟

قطعة من شعره في الأوصاف والتشبيهات
قال في الريحان:
أعددت محتفلاً ليوم فراغي ... روضاً غدا إنسان عين الباغ
روضاً يروض هموم قلبي حينة ... فيه لكأس الإنس أي مساغ
وإذا بدت قضبان ريحان به ... حيث بمثل سلاسل الأصداغ
يصوغ لنا كفُّ الربيع حدائقاً ... كعقد عقيق بين سمط لآلي
وفيهن أنوار الشقائق قد حكت ... خدود عذاري نقِّطت بغوالي
وقال فيه:
كأنّ الشقائق إذ برّزت ... غلالة لاذٍ وثوباً أحمّ
قطاع من الجمر مشبوبةٌ ... بأطرافها لمع من حمم
وقال:
لاح لي في الرياض نور الشقيق ... فحكى لي غلائلاً من عقيق
ما يشقّ الهموم مثل شقيقٍ ... عند راحٍ لكلِّ روحٍ شقيق
وقال في النرجس:
وما ضمَّ شمل الأنس يوماً كنرجسٍ ... يقوم بعذر اللهو عن خالع العذر
فأحداقه أقداح تبرٍ وساقه ... كقامة ساقٍ في غلائله الحضر
وقال:
أهلاً بنرجس روضٍ ... يزهي بحسنٍ وطيب
يرنو بعينيّ غزالٍ ... على قضيب رطيب
وفيه معنىً خفيٌّ ... يزينه في القلوب
تصحيفه إن نسقت الحروف برٌّ حبيب وقال في التيمن بالبنفسج من المنسررح:
يا مهدياً لي بنفسجاً أرجاً ... يرتاح صدري له وينشرح
بشرني عاجلاً مصحفه ... بأنّ ضيق الأمور ينفسح
وقال في ضد ذلك:
يا مهدياً بنفسجاً سمجاً ... وددت لو أنّ أرضه سبخ
ينذرني عاجلاً مصحفه ... بأن عهد الحبيب ينفسخ
وقال:

ومدامة زفَّت إلى سلسال ... يختال بين ملابس كالآل
فبنى بها حتى إذا ما افتضّها ... بالمزج أمهرها عقود لآلي
وقال في اقتران الزهرة والهلال من الرجز:
أما ترى الزهرة قد لاحت لنا ... تحت هلال لونه يحكي اللهب
ككرةٍ من فضّة مجلوّةٍ ... أوفى عليها صولجان من ذهب
وقال في الفجر:
أهلاً بفجر قد نضا ثوب الدُّجى ... كالسيف جرّد من سواد قراب
أو غادة شقّت صداراً أزرقاً ... ما بين ثغرتها إلى الأتراب
وقال في وصف الثلج الساقط على غصون الشجر:
نثر السحاب على الغصون ذريرةً ... أهدت لها نوراً يروق ونورا
شابت ذوائبها فعدن كأنها ... أجفان عينٍ تحمل الكافورا
وقال في الجمد من الرجز:
ربَّ جنينٍ من جنى نمير ... مهتّك الأستار والضمير
سللته من رحم الغدير ... كأنه صحائف البلور
أو أكر تجمّست من نور ... أو قطع من خالص الكافور
لو بقيت سلكاً على الدهور ... لعطّلت قلائد النحور
وأخجلت جواهر البحور ... وسمّيت ضرائر الثغور
يا حسنه في زمن الحدور ... إذ فيضه مثل حشى المهجور
يهدي إلى الأكباد والصدور ... روحاً تحاكى نفثة المصدور
وقال في مدية وألقاه على طريق الإلغاز:
مأسورة أبدع في ... تركيبها أصحابها
تركبها الأيدي وفي ... هاماتها أذنابها
وقال في الخمر:
عيّرتني ترك المدام وقالت ... هل جفاها من الكرام لبيب
هي تحت الظلام نورٌ وفي الأكباد ... برد وفي الخدود لهيب
قلت يا هذه عدلت عن النصح ... أما للرشاد فيك نصيب
إنها للستور هتك وبالألباب فتك وفي المعاد ذنوب
وقال في السيف:
لي رفيق شهم الفؤاد يماني ... غزل في قصافة القضبان
لا يعني في العظم إلا إذا أصبح نشوان من نجيعٍ قاني
وقال فيه:
خير ما استعصمت به الكفُّ يوماً ... في سواد الخطوب عصب صقيل
عن سؤال اللئام مغنٍ وفي العظم ... مغنٍ وللمنايا رسول
وقال الفرس:
خير ما استظرف الفوارس طرف ... كلُّ طرفٍ لحسنه مبهوت
هو فوق الجبال وعل وفي السهل عقاب وفي المعاير حوت
؟؟

غرر من شعره في الإخوان
قال:
وأخٍ إذا ما شطّ عنّي رحله ... أدنى إليَّ على النور معروفه
إذا غاب يوماً لم ينب عنه شاهد ... وإن شهد ارتاحت إليه المشاهد
وقال فيه:
قد أتاني من صديق كلام ... كلآلٍ وانهنّ نظام
فسرى في القلب مني سرورٌ ... مطرب يعجز عنه المدام
مثلما يرتاح شيخ بناتٍ ... حوله من جمعهنّ زحام
فدعا الله طوبلاً يرجّى ... خلفاً من نسله ما يرام
وآتاه بعد يأسٍ بشير ... قال يا بشراي هذا غلام
وقال:
بنفسي أخ قد برّني بشكاته ... ولم يجعل الحمى دون ماله
فطاب ثناءً بين أثناء سقمه ... كطيب نسيم الريح عند اعتلاله
بودّي لو نفّست عنه سقامه ... بنفسي لو نافسته في احتماله
فلم تصب الأوصاب راحة جسمه ... ولم تخطر الأشجان يوماً بباله
وقال:
تمّت محاسنه فما يزري بها ... مع فضله وسخائه وكماله
إلاّ قصور وجوده عن جوده ... لا عون للرجل الكريم كماله
؟؟
لمع من شعره في المداعات
وما يشاكلها
كتب إلى كاتب له:
أبا جعفر هل فضضت الصّدف ... وهل إذ رميت أصبت الهدف
وهل جئت ليلاً بلا حشمة ... لهول السّرى سدفاً في سدف
وقال:
يريد يوسّع في بيته ... ويأبى به الضّيق في صدره
فتىً سخط النصب في قدره ... كما رضي الخفض في قدره
وقال:

لنا صديق يجيد لقما ... راحتنا في أذى قفاه
ما ذاق من كسبه ولكن ... أذى قفاه أذاق فاه
وقال:
يا من دهاه شعره ... وكان غضّاً أمردا
سّيان فاجأ أمرداً ... في الخدّ شعر أم ردى
وقال:
لنا مغنّ سمج وجهه ... أبدع في القبح أبازيره
رام غناءً فأبى صوته ... ورام ضرباً فأبى زيره
وقال:
هو السؤل لا يعطيك وافر منّة ... يد الدهر إلاّ حين أبصرته جلد

وفي
؟؟
المراثي
قال يرثي أبا بكر بن حامد البخاري:
يا بؤس للدهر أيّ خطب ... دها به الناس في ابن حامد
قد استوى الناس منذ تولّى ... فما يرى موقف الحامد
يبكي على فقده ثلاث ... العلم والزهد والمحامد
وله من قصيدة يرثي بها أبا القاسم علي بن محمد الكرخي:
هل إلى سلوة وصبر سبيل ... كيف والرزء ما علمت جليل
فجعتني الأيام لمّا ألمّت ... بصديق وجدي عليه طويل
بأبي القاسم الذي أقسم المجد ... يميناً أن ليس منه بديل
كان معنى الوفاء والبرّ إن حال ... زمان فودّه ما يحول
كان زين الندى في العلم والآن ... داب ترعى رياضهنّ العقول
كان بدر النهى فحان أفول ... كان شمس الحجى فحان أصيل
ومنها:
خلق كالزلال زلّ عن الصخر ... ونفس للعيب عنها زليل
واجتناب لما يعيب من الأمر ... وعرض عن الدنايا صقيل
من يكن بعده العزاء جميلاً ... فاجتناب العزاء فيه جميل
ومنها:
أيّ مرأى ومنظر لا يهول ... من خليل عليه ترب مهيل
فعليه سلام ذي العرش يهديه ... إلى حشو قبره جبريل
وأتاه من رحمة الله كفل ... هو بالخلد في الجنان كفيل
وقال في غلام له توفي في دهستان:
لي في دهستان لا جاد الغمام لها ... إلا صواعق ترمي النار والشّهبا
ثاو ثوى منه في قلبي جوى ضرم ... يشبّ كالسيف حدّاً والسنان شباً
دعاه داعي المنايا غير محتسب ... فراح يرفل عند الله محتساً
هلال حسن بدا في خوط أسلحة ... قد كاد يقمر بأنفس لولا أنه غرباّ
لو يقبل الموت عنه فديةً سمحت ... نفسي بأنفس ذخر دون ما سلبا
لكن أبي الدهر أن ترزا فجائعه ... إلاً عقائل ما نحويه والنخبا
تراه قد نشبت فينا مخالبه ... فليس يبقي لنا علقاً ولا نشباً
لئن أناخ على وفري بنكبته ... فالدين والعرض موفوران ما نكب
أقابل المرّ من أحكامه جلداً ... بالحلم والصبر حتى يقضي العجب
وفي
؟؟
التوجع وشكوى الدهر
قال:
يا دهر ما أقسى يا دهر ... لم يحظ فيك بطائل حرّ
أما اللئام فأنت صاحبهم ... ولهم لديك العطف والنصر
يبقى اللئيم مدى الحياة فلا ... يرتاح منه لحادث صدر
تصفو له الدنيا بلا كدر ... ويطيعه في عيشه اليسر
فمرامه سهل وكوكبه ... سعد وغصن سروره نضر
وعلى الكريم يد يسلّطها ... منك الجفاء المرّ والقسر
إن ناب حطب فهو عرضته ... يفريه منه الناب والظفر
أو يبغ معروفاً لديك غدا ... ينجي عليه حادث نكر
وجناه شوك والبحور له ... وشل وحشو فؤاده جمر
يا دهر دع ظلم الكرام فهم ... عقد لنحرك لو درى النذحر
سالمهم واستبق ودّهم ... فهم نجوم ظلامك الزّهر
وله في النكبة كفاناها الله تعالى:
جفون قد تملّكها السهاد ... وجنب لا يلائمه مهاد
وأحداث أصابتني وقومي ... يذلّ من الحليم لها القياد

فقد شطّت بنا وبهم ديار ... وفرّق جامع الشّمل البعاد
أقول وفي فؤادي نار وجد ... لها ما بين أحشائي اتّقاد
وللأحزان في صدري اعتلاج ... وللأفكار في قلبي اطّراد
ألا هل بالأحبة من لمام ... وهل شمل السرور بهم معاد
ولا والله ما اجتمعت ثلاث ... فراقهم وجفني والرقاد
فإن تجمع شئيت الشمل منّاً ... وفي اليام جور واقتصاد
تنجّزنا من الأحداث عهداً ... أكيداً لا يزاغ ولا يكاد
وكيف يصح للأيام عهد ... وشيمتها التغّير والفساد
وقال:
ما لليالي ولي كأنّ لها ... في مهجتي إن لقيتها غرضاً
أظنّها قد تراهنت جملاً ... في رميها واتخذنني غرضاً

وفي
؟؟
الحكمة والأمثال والزهد
قال في معنى لم يسبق إليه:
كم والمد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد
كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد
وقال في معنى آخر اخترعه:
لا تمنع الفضل من مال حبيت به ... فالبذل ينميه بعد الأجر يدخر
والكرم يؤخذ من أطرافه طمعاً ... في أن يضاعف منه الكل والثمر
وقوله:
أخوك من إن كنت في ... نعمي وبؤس عادلك
وإن بدا لك منعماً ... بالبرّ منه عادلك
وقوله:
جامل الناس في المعش ... وخلّ المزاحمة
وتنصّح وقل لمن ... يتعاطى المزاح منه
وقوله:
يشقى الفتى بخلاف كلّ معاند ... يؤذيه حتى بالقذى في مائه
يهوى إذا أصفى الإناء لشربه ... ويروغ عنه عند صبّ إنائه
وله:
دع الحرص واقنع بالكفاف من الغنى ... فزرق الفتى ما عاش عند معيشه
وقد يهلك الإنسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاووس من أجل ريشه
وقوله:
أمتع شبابك من لهو ومن طرب ... ولا تصخ لملام سمع مكترث
فخير عيش الفتى ريعان جدّته ... فالعمر من فضة والشيب كالخبث
وقوله:
أتركض في ميادين التصابي ... وقد ركض المشيب على الشباب
وتأمن نوبة الحدثان نفسي ... وما ناب لها عني بنابي
وكيف تلذّ طعم العيش نفس ... غدت أترابها تحت التراب
وقوله:
قد أبى لي خضاب شيبي فؤاد ... فيه وجد بكتم سرّي ولوع
خاف أن يعقب الخضاب نصول ... ونصول الخضاب سير بديع
وقوله:
ذو الفضل لا يسلم من قدح ... وإن غدا أقوم من قدح
وقال وقد نظم كلام سيدنا علي أبي طالب رضي الله عنه:
تقصيرك الذيل حقّاً ... أبقى ولأتقى وأنقى
وقال:
عمر الفتى ذكره لا طول مدَّته ... وموته خزيه لا يومه الداني
فأحي ذكرك بالإحسان تودعه ... تجمع بذلك في الدنيا حياتان
الباب االتاسع
في ذكر الطارئين على نيسابور
من بلدان شتى على اختلاف مراتبهم
فمنهم من فارقها، ومنهم من استوطنها وسياقة الملح من كلامهم سوى من تقدم ذكره منهم في سائر الأبواب
أبوعبد الله الوضاحي
البشري محمد بن الحسين
شاعر ظريف الجملة والتفصيل، ورد نيسابور فاستوطنها إلى أن توفي بها، وله شعر كثير أخرجت منه ملحاً قليلة، كقوله في وصف الشموع.
وهو معنى مبتذل:
عرائس تستضيء بها الكؤوس ... كأنّ ضياء أوجهها الشموس
لنا من حسنها أبداً نعيم ... لها منه مدى الأيام بوس
تذوق الموت ما سلمت وتحيا ... إذا ما قطِّعت منها الرءوس
وقوله في الغزل:
بمثل هواك تنتهك الستور ... ويبدو ما تضمّنه الضمير
يسرُّ بما يسرُّرك كلُّ شيءٍ ... يرى حتى يسرَّ بك السرور
ولست البدر لكن فيك حسن ... تلاشى في دقائقه البدور
وله من أخرى:
وما الناس إلا الرقُّ منه مصاحف ... ومنه بأعناق النساء طبول
وله من قصيدة:

عالم الغيب شاهد أنّ غيبي ... لك كالظاهر الذي ترتضيه
ليس فخري ولااعتدادي بشيء ... غير أني في عالم أنت فيه

أبو طاهر بن الخبز أرزي
قد تقدم ذكره عن ذكر أبيهوعمه، وكان - على انتحاله كثيراً من أشعار أهل عصره - شاعراً لا بأس بكلامه، ونقب في بلاد خراسان، وأقام بنيسابور مدة، ومن شعره السائر بنيسابور قوله لحاكمها:
كم من سعيدٍ على الأيام قد نحسا ... وصاعدٍ قد رماه الدهر فانتكسا
وحاكمٍ ظنَّ أنّي دون ثروته ... مذبذب فقرا لي وجه عبسا
سنستجدُّ خلاف الحالتين فلا ... أبقى فقيراً ولا تبقى لكم نسا
وقول:
ليَّ ثياب فوق قيمتها الفلس ... وفيهمَّ نفس دزن قيمتها الإنس
ثوبك مثل الشمس من تحتها الدجى ... وثوبي مثل الغيم من تحته الشمس
وقوله:
وروضة راضها الندى فغدت ... لها من الزّهر أنجم زهر
تنشر فيها أيدي الربيع لنا ... ثوباً من الوشي حاكه القطر
كأنما شقّ من شقائقها ... على رباها مطارف خضر
ثم تبدت كأنها حدق ... أجفانها من دمائها حمر
أبو الحسن أحمد بن أيوب البصري
المعروف بالناهي
ورد نيسابور فأقام بها سنين يشعر، ثم فارقها إلى جرجان، وألقى عصاه بها مدة إلى أن سار منها، فأنشدني الدهخذا أبو سعيد محمد بن منصور،قال: أنشدني الناهي لنفسه في البعوض والبرغوث:
لا أعذر اللّيل في تطاوله ... لو كان يدري ما نحن فيه نقص
لي والبراغيث والبعوض إذا ... ألحفنا حندس الظلام قصص
إذا تغنّى بعوضه طرباً ... ساعد برغوثه الغنا فرقص
المعنى جيد وفي اللفظ خلل.
وقوله:
كنت إذا أصبحت في حاجةٍ ... أستعمل التقويم والزيجا
فأصبح الزيج كتصحيفه ... وأصبح التقويم تعويجا
أبو الحسين محمد بن الحسين
الفارسي النحوي
أحد أفراد الدهر، وأعيان العلم، وأعلام الفضل، وهو الإمام اليوم في النحو بعد خاله أبي الحسن بن أحمد الفارسي، ومنه أخذ، وعليه درس، حتى استغرق علمه، واستحق مكانه، وكان أبو علي أوفده على الصاحب فارتضاه، وأكرم مثواه، وقرب مجلسه.
وكتب إليه في بعض أيامه عنده هذه المعماة ليستخرجها.
ما اسود غريب، بعيد الدار قريب، يقدم فحواه على نجواه، ويتأخر لفظه عن معناه. لهطرفان فأحدهما جناح نسر، والآخر خافية صقر، يلقاك من مياسره سانح، ومن ميامنه بارح. تجودك أنواؤه والسنون جماد، وتسقيك سماؤه والعيش جاد، بينا تراه علىكواهل الجبال، حتى يتهيل الرمال، قد تجافى قطراه عن واسطته، وانضم ساقاه على راحلته. يخونك إن وفى لك الشباب، ويفي لك إن جهدك الخضاب، رفعته رفعة المنابر، ورفقته رفقة المحابر، يروي عن الأحمر، وإن شئت عن يحيى بن يعمر. قد أفضى بك إلى روضة غناء ينعم رائدها، وشريعة زرقاء يكرع واردها، أخرجه أبا الحسين، أسرع من خطفة عين:
وذاك له إذا العنقاء صارت ... مربّيةً وشبّ ابن لخصيِّ!
ولما استأذنه للصدر وقع في رقعته: لا استدلال يا أخي على الملال، أقوى من سرعة الارتحال، لكنا نقبل العذر وإن كان مرفوضاً، ونبسطه وإن كان مقبوضاً، ولا أمنعك عن مرادك ووفاقك. وإن منعت نفسي مرادها بفراقك، فاعزم على ذلك وفقك الله في اختيارك، ووصل النجح بإيثارك.
وأصحبه كتاباً إلى خالة أبي علي هذه نسخته:

كتابي أطال الله بقاء الشيخ، وأدام جمال العلم والأدب بحراسة مهجته، وتنفيس مهلته، وأنا سالم والله حامد، وإليه في الصلاة على النبي وآله راغب، ولبر الشيخ أيده الله كتابه الوارد شاكر، فأما أخونا أبو الحسين قريبه أيده الله فقد ألزمني بإخراجه إلى أعظم منه، وأتحفني من قربه بعلق مضنة، لولا أنه قلل الأيام، واختصر المقام، ومن هذا الذي لا يشتاق إلى ذلك المجلس؟ وأنا أحوج من كافة حاضرته إليه، وأحق منهم بالمثابرة عليه، ولكن لأمور مقدرة،وبحسب المصالح ميسرة، غير أنا ننتسب إليه على البعد، ونقتبس فوائده عن قرب، وسيشرح هذا الأخ هذه الجملة حق الشرح بإذن الله، والشيخ أدام الله عزه يبرد غليل شوقي إلى مشاهدته، بعمارة ما افتتح من البر بمكاتبته. ونقتصر على الخطاب الوسط، دون لخروج في إعطاء الرتب إلى الشطط، كما يخاطب الشيخ المستفاد منه التلميذ الآخذ عنه، وينبسط إلي في حاجاته، فإنني أظنني أجدر إخوانه بقضاء مهماته، إن شاء الله تعالى.
وتصرفت بأبي الحسين أحوال جميلة في معاودته حضرة الصاحب، وأخذه بالحظ الوافر من حسن آثارها، ثم وروده خراسان ونزوله نيسابور دفعات وإملائه بها في الأدب والنحو ما سارت به الركبان، ثم قدومه على الشار صاحب غرسسان وحظوته عنده ووزارته له، ثم وزارته للأمير إسماعيل بن سبكتكين، ثم اختصاصه بعده بالشيخ أبي العباس الفضل بن أحمد الإسفرائيني وأبنائه بغزنة ورجوعه منها إلى نيسابور وإقامته بإسفارئين، ثم مفارقته إياها إلى جرجان واستقراره بها الآن، ومحله يكبر عن الشعر إلا أن بحر علمه ربما يلقى الشعر على لسان فضله.
فمما أنشدنيه وحدثينيه أن مرور الروز سأله أن يجيز قول الشاعر:
سرى يخبط الظلماء والليل عاكف ... غزال بأوقات الزيارة عارف
فقال:
وما خلت أنّ الشمس تطلع في الدجى ... وما خلت أنّ الوحش للإنس آلف
ولجلج إذ قال السلام عليكم ... ولا عجب إن لجلج القول خائف
وقمت أفدِّيه وقلبي كأنّه ... من الرعب مقصوص من الطير جادف
ولما سرى عه اللثام بدت لنا ... محاسن وجهٍ حسنه متناصف
وطال تناجينا ورقّ حديثنا ... ودارت علينا بالرحيق المراشف
ولا غرو أن لا باخل بخياله ... يسامحنا في وصله ويجازف
فيا لك لبلاً قد بلغت به المنى ... يمانعني طوراً وطوراً يساعف
كأنّ يد الأيام عندي بوصله ... أيادي ابن حسانٍ لديَّ السّوالف
إذا ادخر الأموال قوم فذخره ... صنائع إحسانٍ له وعوارف
ومن شغف البيض الأوانس قلبه ... فليس له إلاّ المكارم شاغف
وله من قصيدة في الشيخ أبي الحسن علي ابن الشيخ أبي العباس الإسفرائيني:
فتىً ساد في عصر الفتاء وقد حوى ... شتيت من ساد عصر فتائه
يصدِّق ظنّ المرتجى ويزيده ... بأدنى لهاه فوق أقصى رجائه
فلا مطله يمتدُّ قدَّام نيله ... ولا منَّه يشتدُّ خلف عطائه
من الشد، وهو: العدو ومنها:
ألا أبلغ الشيخ الجليل رسالةً ... مترجمةً عن شكره وثنائه
تقلَّبت في نعماك عشراً كواملاً ... حلبت بهن العيش ملء إنائه
وأنقذت شلوي من يد الموت بعدما ... ترامته من قدامه وورائه
وسببت لي عيشاً يسدّ خصاصتي ... ووجهي محقون صبابة مائه
أأكفر من صغري أياديه مهجتي ... وبلغة عيشي من دقاق حبائه
أعدت قوى حبلي وشيَّدت بنيتي ... وكم رمَّ بان مسترمُّ بنائه
وتربية المعروف شرط تمامه ... وهل تمّ شرط دون ذكر جزائه
الشرط والجزاء في النحو معروفان.
ولا بدّ من سرٍّ إليك أبثُّه ... ففي نفثة المصدور بعض شفائه
تمادى عليَّ في الجفاء ولم أكن ... خليقاً بما أبداه لي من جفائه
كأنّي يوماًعقته عن سماحه ... كأني يوماً لمته في سخائه؟

طوى كشحة من دون عتبٍ أسرُّه ... وجهل أمرىءٍ بالداء جهل دوائه
تكدّر بالإدمان صفو وداده ... فحاولت بالإعتاب عود صفائه
فإن جرّ تخفيفي عليَّ قطيعةً ... فربّ سقيمٍ سقمه لاحتمائه
وله من قصيدة:
ولا غصن إلاَّ ما حواه فباؤه ... ولا دعص إلاّ ما خبته مآزره
وأمضى من السيف المنوط بخصره ... إذا شيم سيف تنتضيه محاجره
وله من أخرى في الأمير خلف:
وما كتبت سطراً من الوجد أدمعي ... لنحوك إلاّ وهو بالدم معجم
وما لي ألقى في جنابك غلَّةً ... وحوضك للعافين غيري مفعم
وقد يغتدي الورّاد يبغون نجعةً ... فيرزق مرتاد وآخر يحوم
وله من أخرى:
كم أعقبت نوب الزمان جميلاً ... وكفين خطباً قد ألمّ جليلا
لا تستقل جميل دهرك إنّه ... ليس القليل من الجميل قليلا
واسأل بي الأيام حين جسسنني ... بخطوبها جسّ الطبيب عليلا
أقريتها لمّا نزلن بساحتي ... صبراً على ريب الزمان جميلا
ومنها:
يرعى محياه الجميل رواؤه ... ثمر القلوب محبّةً وقبولا
حلو الكلام كأنّما أنفاسه ... ألقت عليه خلقه المعسولا
ومنها:
يا راكباً والجوسقان قصاره ... يجفو مبيتاً دونه ومقيلا
قل للأمير إذا سعدت بوجهه ... وقضيت حقّ بساطه تقبيلا
لا تيأسن من الإله فروحه ... إن لم يغادك بكرةً فأصيلا
وأمل لطائف صنعه فلطالما ... كشف الهموم وبلّغ المأمولا
يا ربَّ مكروهٍ تعذَّر حلُّه ... ليلاً فأصبح عقده محلولا
وملمّةٍ أعيا نهاراً خطبها ... أمست فسهّل خطبها تسهيلا
ذكّرتك الصبر الجميل وإنّني ... كمذكّرٍ غزل النسيب جميلا
وله في وصف الفرس من قصيدة:
ومطهّم ما كنت أحسب قبله ... أن السروج على البوارق توضع
وكأنّما الجوزاء حين تصوّبت ... لبب عليه والثريّا برقع

أبو سعد نصر بن يعقوب
تعقد عليه الخناصر بخراسان في الكتابة، والبراعة في الصناعة. وله في الأدب تقدم محمود،وفي المروءة قدم مشهورة، وفي المعالي همة بعيدة، وشهادة الصاحب له بالفضل، تسجل بها أحكام العدل. وفيما أحكيه من كتابه إليه في ارتضاء تآليفه ونظمه ونثره، غنى عن الإسهاب في ذكره، والإطناب في وصفه.
ولما بعث إلى حضرته بكتابه المترجم بروائع التوجيهات، من بدائع التشبيهات، مقروناً بكتاب على كل صواب، وقصيدة في فنها فريدة، ورد عليه كتاب هذه نسخته: كتابي - أطال الله بقاءك يا ولدي - وقد شارفت أصبهان سالما، والحمد لله حمداً دائماً. ووصل كتابك أيدك الله فأنبأ من محاسنك عن مجال فسيح، ونطق في فضائلك بلسان فصيح، وأذكر بحرماتك وإنها لمحصدة المرائر. وخبِّر بقرباتك وإنها لخالصة السرائر. فأما كتاب التشبيهات فقد فرعت به كافة الأشباه، وأنبهت على سبقك كل الإنباه. إذ تعاطاه ابن أبي عون فلم يطاول يدك. وحمزة بن الحسن فلم يبلغ أمدك، وهذا شيخان مقدمان، وفحلان مقرمان، وما ظنك بكتاب نفرته على نظائره، وصار ألزم لمجلسي من مساوره، وحين هزني نثرك حتى كأنه نثر الورد، عطفت على نظمك فإذا هو نظم العقد. وإني ليعجبني أن يكون الكاتب شاعراً، كما يعجبني أن يكون الشعر سائراً فها نحن ندعيك في فضلاء هذا الصقع، ونجتذبك اجتذاب لأصل للفرع، فاكتب متى شئت، عامراً من الحال ما أسست، ومستثمراً من الخصوص ما غرست، إن شاء الله. خاطبت أيدك الله في معنى الضيعة وليس حلها لك بمستنكر، ولا إطعامك إياها بمستكثر إلا ن الرأي والرسم أوجبا أن يجعل بدء النظر تسويغا، يعود من بعد تمليكا وتخويلا. فليقبض المرسوم، لينتظر الموعود، إن الهلال يدور بعد ليال بدراً كاملا، والطل يكسب ثم يعود وابلا، والحمد لله وصلواته على النبي محمد وآله.

ولأبي سعد كتب كثيرة سوى ما تقدم ذكره، فمنها كتاب ثمار الأنس في تشبيهات الفرس، وكتاب الجامع الكبير في التعبير،وكتاب الأدعية، وحقة الجواهر في المفاخر، وهي من مزدوجة بهجة في الأمير خلف، وهو الآن يتولى عمل الفرض والإعطاء بنيسابور، وإذا احتاج السلطان المعظم يمين الدولة وأمين الملة الإجابة عن كتب الخليفة القادر بالله أطال الله بقاءهما اعتمد فيها عليهن لما يتحققه من حسن كلامه، وقوة بيانه، وغزارة بحره، وشرف طبعه.
وله شعر كثير قد كتبت منه ما حضرني الآن إلى أن الحق به أخواته.
فمن ذلك قوله للصاحب من قصيدة أولها:
أبى لي أن أبالي بالليالي ... وأخشى صرفها فيمن يبالي
حلولي في ذري ملكٍ كطودٍ ... رفيع مشرف الأعلام عالي
إلى شمس الشتاء إلى ظلال المصيف إلى الغمام إلى الهلال
إذا ما جاءه المذعور يوماً ... وحلّ ببابه عقد الرحال
تبوّأ من ذراه خير دارٍ فلم يخطر لمكروهٍ ببال ومنها عند ذكر القصيدة:
بودّي لو نهضت بها ولكن ... ضعفت عن الحراك لضعف حالي
وله إليه في صدر كتابه من الرجز:
نعمر رسول الخادم المحتشم ... إلى الوزير السيد المحترم
الصاحب البرّ الأجل الاكرم ... كافي الكفاة وليِّ النعم
مدبّر الأرض وراعي الأمم ... بلّغه الله أقاصي الهمم
ما في الكتاب من ثمار القلم وله من قصيدة إلى أبي محمد الخازن:
أتاني كتاب الشيخ مولاي بغتة ... فطار له غمّي كما طاب موردي
وفيه معانٍ لا تدين لكاتبٍ ... وتعنو لعبد الله أعني ابن أحمد
لا أسكرن حتّى دونها خمر بابلٍ ... وأطربن حتى دونها لحن معبد
قرأت سواداً في بياضٍ كأنَّه ... طراز عذارٍ لاح في خدِّ أمرد
وله من أبيات ي وصف الزلزلة:
أسقني كأساً كلون الذهب ... وأمزج الريق بماء العنب
فقد ارتجَّت بنا الأرض ضحىً ... كارتجاج الزئبق المنسرب
وكأنّ الأرض في أرجوحةٍ ... وكأنا فوقها في لولب
وقوله في كسوف القمر من الرجز:
كأنما البدر به الكسوف ... جام لجينٍ رائقٍ نظيف
في نصفه بنفسج قطيف

أبو نصر سهل بن المرزبان
أصله من أصبهان. ومولده ومنشؤه قاين ومستوطنه الأن نيسابور وهو غرة في جبهة عصره، وتاج على رأس أهل مصره، وخارج بمحاسنه وفضائله عن المعتاد، إلى مالا يدرك بالاجتهاد. واقف من الآداب على أسرارها، قاطف من العلوم أحلى ثمارها، وبلغ من غلوه في محبتها، وشدة حرصه على اقتناء كتبها. أن ركب إلى قرارتها بغداد الشقة، وتحمل فيها المشقة، ولم يرض بذلك مرة، حتى كر إليها كرة، ليس له بها غير الأدب أرب، ولا سوى الكتب طلب، أنفق على تلك الفوائد، من الطارف والتالد، ما عوضه عنه صنوف المحامد، وقديما قيل: إنفاق الفضة، على كتب الآدب، يخلفك عليها ذهب الألباب.
وليس اليوم بنيسابور ديوان شعر غريب يجري مجرى التحف، ولا كتاب جديد يشتمل على بدائع الطرف، إلا ومن عقده انتثر، ومن يده انتشر، ولا بها سواه من تسمو همته على يساره، لا رتباط الوراقين في داره، وله من مؤلفاته كتاب أخبار أبي العيناء وفيه يقول من الهرج:
تفاءلت على علمٍ ... بأخبار أبي العينا
إذا ما قرأ القاري ... بها قرَّ بها عينا
وله كتاب أخبار ابن الرومي مما ألفه لي، وكتاب أخبار جحظة البرمكي، وكتاب ذكر الأحوال في شعبان وشهر رمضان وشوال، وكتاب الآداب في الطعام والشراب، وله شعر كثير النكت، وقد كتبت أنموذجا منه، كقوله:
كم ليلة أحييتها ومؤانسي ... طرف الحديث وطيب حثِّ الأكوش
شبِّهت بدرٍ سمائها دنت ... منه الثريا في قميصٍ سندسي
ملكاً مهيباً قاعداً في روضةٍ ... حيّاه بعض الزائرين بنرجس
وقوله:
قال لما قلت لم تهجرنا ... إن أتى بردٌ وإن ثلج وقع
أنا كالحيّة أشتو كامناً ... ثم أنساب إذا الصيف رجع
وقوله لبعض الرؤساء:
إذا ما سكت على ما أسام ... فنفسي بتكليفه لا تفي

وإمّا نطقت فعيبٌ يمضُّ ... ولومٌ يجدُّ ولم أنصف
فهل من سبيلٍ إلى ثالثٍ ... لأسلكه وهو عني خفي
وقوله:
ولم ألق مثل أبي بكرٍ معدلكم ... في الآدميين شباناً ولا شيبا
حكى عليَّ أحاديثاً أكاذيباً ... وفي اختلاس حقوقي قد حكى ذبيا
وقوله:
تسبّ صديقي في المجالس عائباً ... ومن عابه يوماً كمن هو عائبي
فدع مثل هذا جانباً في الملاعب ... وإلاّ فدعني مثله في الملاعب
وقوله في لدغة عقرب أصابته:
تداويت من أوجاع لدغٍ أصابني ... براحٍ شفتي من سموم العقارب
فحمداً للطف الله حين أزالها ... ومن بعده حمدٌ لفعل العقاربي
وله من كتاب الذخيرة:
لإذا أنت عالجت ذا علّةٍ ... فخذ لعلاج كتاب الذخيره
فنعم الذخيرة للمقتني ... ونعم الغياث نفسٍ خطيره
وله:
لا تجزعن من كلَّ خطب عرى ... ولا تر الأعداء ما يشمت
أما سمعت الله في قوله ... إذا تقيتم فئة فاثبتوا
وقوله:
مجاوزة الحدّ والاعتدال ... إلى ما يقود المنايا سريعه
فلا تفرطن في جميع الأمور ... فكلُّ كثيرٍ عدوُّ الطبيعة
وقوله:
تجنَّب شرا الناس واصحب خيارهم ... لتحذوهم في جلِّ أفعالهم حذوا
فإنّ لأخلاق الرجال وفعلهم ... إلى غيرهم عدوى توافيهم عدوا
وكتب إليه مؤلف هذا الكتاب يحاجيه من الرجز:
حاجيت شمس العلم فرد العصر ... نديم مولانا الأمير نصر
ما جاجةٌ لأهل كلِّ مصر ... في كلّ ما دار وكلِّ قصر
ييباع في الأسواق بعد العصر فكتب إليه من الرجز:
يابحر آداب بغير جزر ... وحظه في العلم غير نزر
حزّرت ما قلت وكان حزري ... أنّ الذي عنيت دهن البزر
يعصره ذو قوةٍ وأزر

أبو محمد الحسن بن أحمد اليروجردي
كاتب حقه وصدقه، منبحر في ترسله، منقطع القرين في كتاب عصره، آخذ بأزمّة الكلام البارع يقودها كيف أراد ويجذيها كيف شاء، قد خدم الصاحب في عنفوان شبابه، وتأدب بآدابه، واختص به، وراض طبعه على أخذ نمطه، ومن جانبه وقع إلى بلاد خراسان فاشتهر بها، وسار كلامه فيها، وهو الآن صدر كتاب الأمير أبي نصر أحمد بن علي الميكالي، ولعل ما قد ارتفع من سواد رسائله إلى هذه الغاية يقع في أربعة آلاف ورقة وتزيد أبوابها على خمسة وعشرين، وله محاضرة حسنة مفيدة. وشعر كتابي كثير المحاسن مستمر النظام، ومن أوائله أن الصاحب اتهم بعض المرد في مجلسه بسرقة كتبه، فقال:
سرقت يا ظبي كتبي ... ألحقت كتبي بقلبي
وأمر أبا محمد بإجازته فقال:
فلو فعلت جميلاً ... رددت قلبي وكتبي
وأنشدني بحضرته يوما هذا البيتان:
يا نسيم الريح في بلدٍ ... خبَّري بالله كيف هم
ليس لي صبر ولا جلد ... ليت شعري كيف صبرهم
فأمره بإجازتهما، فقال:
ولسان الدمع يشهد لي ... وهو ممّن ليس يتهم
ومن ملحه قوله:
قد سمعنا بكل آبدةٍ نك ... راء تبلى بمثلها الأحرار
وغفرنا الجميع للدهر لكن ... ما سمعنا بكاتبٍ يستعار
وقوله في حوض لبعض الرؤساء:
حوض يجود بجوهرٍ متسلسل ... ساد الجواهر كلَّها بنفاسته
لا زال عذاباً جارياً ببقاء من ... هو مثله في طبعه وسلاسته
وقوله من مزدوجة كتب بها إلى أبي سعد نصر بن يعقوب من الرجز:
أهلاً بمن أهدى إلينا الجونه ... ولا عدمنا أبداً مجونه
فقد أعاد منزلي خصيباً ... وازددت في الخير به نصبيا
فمن فراخٍ رخصةٍ مسمَّنة ... قد جعلت برسمها مطجنه
وباقلاء كالليالي عظمت ... معقودة في سلكها قد نظمت
إذا التقطت حبّها من الأقط ... حسبتني بها اللآلي ألتقط
وبعضها في خلّه منقوع ... جوع الفتى بطيبه مدفوع

وفلكٍ بالروع يدعى رازي ... خطفته باللقم خطف البازي
وبعد هذا كلّه شهد العسل ... ينزع عن ذائقه ثوب الكسل
شكرت مولاي على ما حمَّلا ... ولا يساوي كلّ هذا جملا
وكتب إلى صديق له:
بساط الأرض مسك أو عبير ... وزهر الروض وشي أو حرير
وللعيدان عيدان عليها ... بمنطق طيرها بمٌّ وزير
وقد صفّى الزمان الخمر حتى ... لقد عادت لدينا وهي نور
ومن يرد السرور يعش هنيئاً ... إذ العيش الهنيء هو السرور
وعندي اليوم فتيان كرام ... وجوههم شموس أو بدور
وقطب الأمر أنت وهل لأمرٍ ... بغير القطب فيه رحىً تدور
فرأيك في الحضور فحقِّ يومي ... عليك وقد دعيت له الحضور
وكتب إلى آخر:
حضرت مولاي للسلام ... وقت الضجر وهو في المنام
فقلت هذا دليل صدقٍ ... عندي على جودة المدام
والعتب في تركه دعاني ... إليه في جملة الندام
كتب:
يوم الثلاثا للسرور فلا تكن ... عنه بغير السرور مشتغلا
والدهر في غفلة وعيشك لا ... يطيب إلاّ والدهر قد غفلا
عجّل وبادر بدار مغتنمٍ ... فالدست والله لأمري عجلا
وله في سكين:
سكين عزّ لمن مداه ... في العزّ يغنيه عن مداه
فلو سطا ضارب بعود ... لعاد سيفاً على عداه
؟؟

أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي
هو لمحاسن الأدب وبدائع النثر ولطائف النظم ودقائق العلم كالينبوع للماء، والزند للنار، يرجع معها إلى اصل كريم، وخلق عظيم.
وكان فارق وطنه في اقتبال شبابه. وقدم خراسان على خاله أبي نصر العتبي،وهو من وجوه العمال بها وفضلائهم، فلم يزل عنده كالولد العزيز عند الوالد الشفيق، إلى أن مضى أبو نصر لسبيله، وتنقلت بأبي النصر أحوال وأسفار في الكتابة للأمير أبي علي، ثم للأمير أبي منصور سبكتكين مع أبي الفتح البستي، ثم النيابة بخراسان لشمس المعالي، واستوطن نيسابور، وأقبل على خدمة الآداب والعلوم.
وله كتاب لطائف الكتاب وغيره من المؤلفات. وله من الفصول القصار شيء كثير، كقوله: تعز الدنيا، الشباب باكورة الحياة، للهم في وحز النفوس، أثر النفوس في خزّ السوس، لسان التقصير قصير.
ولا بأس أن أورد أنموذجاً من سائر نثره البهج. وكلامه الغنج الأرج.
؟؟نماذج من نثره رقعة في إهداء نصل خير ما تقارب به الأصاغر إلى الأكابر. ما وافق شكل الحال، وقام مقام الفال، وقد بعثت بنصل هندي إن لم يكن له في قيم الأشياء خطر، فله في قمم الأعداء أثر، والنصل أخوان، والإقبال والقبول قرينان والشيخ أجل من أن يرى إبطال الفال، ورد الإقبال.
رقعة في الاستزارة يوم النحر أمتع الله مولاي بهذا العيد واليوم الجديد، وأطال بقاءه في الجد السعيد والعيش الرغيد. هذا يوم كما عرفه التاريخ العام، وغرة الأيام، قد قضيت فيه المناسك، وأقيمت المشاعر، وأديت الفرائض والنوافل، وحطت عن الظهور بها الأصار والمثاقل، فالصدور مشروحة، وأبواب السماء مقتوحة والرغبات مرفوعة، والدعوات مسموعة. وليت المقادير أسعدتنا بتلك المواقف الكرام والمشاعر العظام، فنحظى بعوائد خيراتها، ونستهم في محاسن بركاتها، وإذ قد فاتنا ذاك فما أحوجنا إلى أن نحرم من ميقات الطرب. ونغتسل من دنس الكرب، ونلبس إزار المجون، ونلبي على تلبية الأوتار، ونطوف بكعبة المزاح، ونستلم ركن النشاط، ونسعى بين صفاء القصف ومروة العزف، ونقف بعرفة الخلاعة، ونرمي جمرات الهموم، ونقضي تفث الوساوس، ونضحي ببدن الأفكار في العواقب، فإن رأى أن يتفضل بالحضور، لتتميم حجة السرور، فعل إن شاء الله.
رقعة في خطبة الود

أنا خاطب إلى مولاي كريمة وده، على صداق قلب معمور بذكره، مقصور على شكره. معترف بفضله، عالم بتبريز خصله. على أن أصونها من غواشي الصدر في سجوف. وأمسكها مدى الدهر بمعروف، وأنحلها من عادة الرفق، ودماثة الخلق، ووطاة الجناب، ولطافة العشرة والاصطحاب، ما لاتكتسي معه نفوراً وانقباضاً، ولا تشتكي نشوزاً وإعراضاً، فإن وجدني مولاي كفؤاً له بعد أن جئت راغباً، وبلسان الخطبة خاطباً، أنعم بالإسعاف، وجعل الجواب مقدمة بين يدي هذه النجوى صدقة، طلبا للتحاب لا على حكم الاستحقاق والاستيجاب، ومهما أنعم مولاي بقبولها أيقنت استكفاءه إياي لوده، واستغرقت الوسع والإمكان في شكره. والتحدث بعظيم بره، إن شاء الله تعالى.
وله كتاب هذا كتاب من ديوان العتب والاستبطاء، إليك يا عامل الصدود والجفاء. أما بعد، فقد خالفت ما أوجه التقدير فك، وأخلفت ما وعده الظن بك، وافتتحت ما توليته من عمل الوداد بهجران أطار وادع القرار. وأودع القلب أحر من النار. وتقبته بخلع عذار الوفاء أصلاً، ومعاقرة ندمان الجفاء نهاراً وليلاً.وشغلك خمر الهجران، وخمار النسيان، عن ترتيب أمور المودة وتهذيب جرائد الوصال والمقة، واستعراض روزنامجة الكرم، واسترفاع ختمات العهد المقدم، وتأمل مبلغ اورد والإخراج من الود، تعرف مقدار الحاصل والباقي من أثر الرعاية في القلب، وسلطت أيدي خلفائك، وهم عدة من إعراضك وصدك وجفائك، على رعية النفس وهي التي جعلت أمانة عندك ووديعة قبلك، فأسرفوا في استيكالها، وهموا باجتياحها واغتيالها، غير راع لحرمة الثقة بك، ولا واف بشرط الاعتماد عليك، ولا قاض حق الإيثار لك، والاستنامة أليك، ولا ناظر لغدك إذل استعدت إلى الباب، وطولبت برفع الحساب، واستعرضت جريدة أفعالك، واستقريت صحيفة أعمالك، هنالك يتبين لك ما جنى عليك سوء صنيعك، وما الذي جاش إليك فرط تضيعك، فتصحو تارة عن سكرو جفائك، وتسكر أخرى عن سورة أحبائك، وكم تقرع من ندم اسنانك، وتعض من سدم بنانك. هيهات! لا ينفع اذ ذاك إلا القلب السليم، والعهد الكريم، والعمل القويم، والسنن المستقيم، من لك بها وقد ودت وجوه آثارك، وتلقيت أمانة العهد بسوء جوارك، وقبح إخفارك، لولا التأميل لفيأتك وارعوائك، وانتهائك عن تماديك في غلوائك لأتاك من أشخاص الإنكار ما يقفك على صلاحك، ويكفك عن فرط جماحك، فأجل أعزك الله الغشاء عن عين رعايتك، واطرح القذى عن شرب مخالصتك، وارع ما استحفظته من أمانة الفؤاد، واعلم بأنك مسئول عن عهدة الوداد، واكتب في الجواب بما نراعيه منك، وتعذر إن كان فيما أقدمت عليه لك، إن شاء الله تعالى.
رقعة استزارة هذا يوم رقت غلائل صحوه، وخنثت شمائل جوّه، وضحكت ثغور رياضه، واطرد زرد الحسن فوق حياضه. وفاحت مجاهر الأزهار، وانتثرت قلائد الأغصان عن فرائد الأنوار. وقام خطباء الأطيار. فوق منابر الأشجار ودارت أفلاك الأيدي بشموس الراح، في بروج الأقداح، وقد سيبنا العقل في مرج المجون، وخلعنا العذار بأيدي الجنون. فمن طالعنا بين هذه البساتين وأنواع الرياحين، طالع فتيانا كالشياطين، ونصارى يوم الشعانين، فبحق الفتوة التي زان الله بها طبعك، والمروة التي قصر عليها أصلك وفرعك، إلا تفضلت بالحضور ونظمت لنا بك عقد السرور.
رقعة أخرى أمتع الله الشيخ بعنوان الشتاء، وباكورة الديم والأنواء، وهنأه الله اليوم الذي هو نسخة جوده، ومجاجة ماء أرواه الله بماء المجد من عوده. وعرفه من بركاته، أضعاف قطر السماء بأقطاره وساحاته، وأضحك قلوبنا ببقائه، كما أضحك الرياض بأندائه، وحجب عنه صروف الأيام، كما حجب السماء عنا بأجنحة الغمام، قد حضرني أيد الله الشيخ عدة من شركائي في خدمته، فارتحت لاشتراكهم إياي فيما آردعته من فضل نعمته، وأشفقت منسمة التقصير لديه، فقدت هذه الرقعة جنيبة عذر بين يدي عارض التقدير إليه، وفي فائض كرمه ما حفظ شمل الأنس على خدمه، لا زال مأنوس الجناب، بالنعم الرغاب، مأهول المعاهد، بالقسم الخوالد.
فصل في الإنكار على من يذم الدهر

عتبك على الدهر داع إى العتب عليك، واستبطاؤك إياه صارف عنان اللوم إليك، فالدهر سهم من سهام الله منزعه عن مقابض أحكامه، ومطلعه من جانب ما حررته مجاري أقلامه. والوقيعة فيه بمرس بحكم خالقه وباريه، ومجاري الأشياء على قدر طباعها، وبحسب ما في قواها وأوضاعها. ومن ذا الذي يلوم الأراقم على النهش بالأنياب، والعقارب على اللسع بالأذناب، وأنى لها أن تذم، وقد أشربت خلقتها السم، وحكم الله في كل حال مطاع، وبأمره رضى واقتناع، فاعف الزمان عن قوارص لسانك، واضرب عليها حجاب الحرص بأسنانك، واذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " وعليك بالتسليم، لحكم العلي العظيم، فذاك أحمد عقبى،وأرشد ديناً ودنيا.
رقعة إلى صديق له قامر على كتب لها خطر فقمر المحن - أيدك الله - معلقة بين جناحي تقدير، وسوء تدبير. فأما التي تطلع من جانب المقدار، فالمرء فيه معفى عن كلفة الاعتذار، وأما التي أوكتها يده ونفخها فوه، فليس لخرقها أحد يرفوه. وفي فصوص الأفلاك الدائرة، ما يغني عن فصوص العظام الناخرة، اللهم إلا إذا عميت عين الإختبار،وصمت أذن الروية والاعتبار، والله ولي الإرشاد إلى طريق الصواب والسداد. وبلغني ما كان من خطارك بما اعتددته غرة الغرر، ودرة الدرر.ونهبة الأدب، وزبدة الحقب، حتى قمرته الأيدي الخاطفة،واختطفته الأطماع الجارفة، فأعدمت من غير لص قاطع، وأصبت بغير موت فاجع. فيا له من غبن يلزم المغرم، ويحرق الأرم. ويقطع البنان،ويحير العين واللسان، نعم يا سيدي قد مسني من القلق لسوء اختيارك، وقبح آثارك، ما يمس من يراك بضعة من لحمه، ودفعة من دمه، ولا يميزك عن نفسه، في حالتي وحشته وأنسه، لكن من طباع لنفوس الناطقة أن تنفر عمن يسيء لنظر لذاته، وتذهب عمن يعمل الفكر في مصالح أموره وجهاته.
ومن غفل عن صلاح نفسه فهو أغفل عن صلاح من سواه، ومن عجز عن تدبير يخصه فهو أعجزعن تدبير من عداه. والله يلهمك الصبر على ما جنته يدك، ويدرعك اسلوة عما أورطتك فيه نفسك، ويجعل هذا الواحدة منبهة لك من سنة الضلال، ومزجرة عن سنة الجهال. وبعد فلم ينقص من عمرك ما أيقظكن ولا ذهب من مالك ما وعظك، فإياك أن يطمعك اللجاج في معاودة تلك الخطة الشوهاء فإنها تأخذ منها أكثر مما تعطيك، وتسخطك فوق ما ترضيك، وإن يرد الله بك خيراً يهدك، ويسعدك بيومك وغدك.
ملح وغرر من شعره قال:
له من الهلال لنصف شهرٍ ... وأجفان مكحّلة بسحر
فعند الابتسام كليل بدرٍ ... وعند الانتقام كيوم بدر
وقال:
بنفسي من إذا ضيفاً عزيزاً ... عليَّن وإن لقيت به عذابا
ينال هواه من كبدي كباباً ... ويشرب من دمي أبداً شرابا
وقال:
أيا ضرَّة الشمس المنيرة بالضحى ... ومن عجزت عن كنهها صفة الورى
عذرتك إن لم أحظ منك برؤيةٍ ... فأنت لعمري الروح والروح لا ترى
وقال:
لي شادن ما أطيق الدهر هجرته ... أمَّن يجرعني داءً يداويني
شمس تظلِّلني، نجم يضلِّلني ... ماء يسكّرني، راح تصحيني
وقال:
إنّي أضنُّ على سقمي ... وليس والله داء الحبِّ بالأمم
قال الطبيب اقتصد يوماً فقلت له ... أخشى خروج هواه مع خروج دمي
وقال:
فتكت بمهجتي عمداً، فهلا ... طويت الجرم في ثني اعتذارك
أرى نار الصدود على فؤادي ... فما بال الدخان على عذارك
وقال:
بنفسي من نفسي لديه رهينة ... يجرّعها صبراً ويمنعها الصبرا
أغار على قلبي فلما استباحه ... أغار على دمي فنظمَّه ثغرا
وقال:
وقائلةٍ ما بال حدّك كلّما ... رآني يلقاني بصفرة جلباب
فقلت كذا بدر السماء إذا بدا ... أفاض على الغبراء صفرة زرياب
وقال:
عجبت لفاقع سحنتي ومدامعي ... منهلّة، ورأته قبل مورَّدا
فأجبتها لا تعجبنَّ فإنّه ... يصفرُّ لون الزعفران من الندا
وقال:
يا ذا الذي فتن الورى وبوجهه ... أخيا رسوماً للمحاسن عافيه

يحكي محياه خلال عذاره ... علم السلامة في طراز العافيه
وقال:
إذا رمت من سيِّد حاجةً ... فراع لديه الرضا والغضب
فإن التهجُّم ليل المنى ... وإنّ الطلاقة صبح الأدب
وقال:
لا تحسبنّ هشاشتي لك عن رضىً ... فوحق فضلك إنني أتملَّق
ولقد نطقت بشكر برّك مفصحاً ... ولسان حالي بالشكاية أنطق.
وقال:
شكرتك طول الدّهر غير مقابلٍ ... ندىً لك، بل جرياً على طول منتي
ومن لك بالطرف الجواد بمسكه ... بلا سنبلٍ يرعاه في أرض تبَّت
وقال:
أدل على ثقة بالهوى ... وقلبٍ تضمَّن صفو المقه
فلا تنكرن دلالاً له ... فإنّ الدلال دليل الثقه
وقال:
أدّى الخلاف لك الخلاف تشابهاً ... وكلاهما في الاختيار ذميم
لو كان خيراً في الخلاف لزانه ... ثمر، ولكن الخلاف عقيم
وقال:
الله يعلم أنّي لست ذا بخل ... ولست مطّلباً في البخل لي عللا
لكن طاقة مثلي غير خافيةٍ ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
وقال:
ما أنت في الأخذ من دون العطاء سوى ... صابون غاسلة معنىً ومرتسما
فما ترى دسماً يوماً بظاهره ... ودأبه أن يغسل الدّسما
وقال:
لما سئلت عن المشيب أجبتهم ... قول امرىءٍ في أمره لم يمذق
طحن الزمان بريبه وصروفه ... عمري فثار طحينه في مفرقي
وقال:
شيبي عزيز غير أنَّ شبيبتي ... علق كريم لا يجاوزه الأمل
من ذا الذي ساوى سواد لحاظه ... ببياض عينيه وحسبك ذا المثل
وقال:
تعلّم من الأفعى أمالي طبعها ... وآنس إذا أوحشت تعف عن الذَّم
لئن كان سمٌّ ناقع تحت نابها ... ففي لحمها ترياق غائلة السُّم
وقال:
يا من يقابل ديناري بدرهمه ... أقصر فدعواك طاووس بلا ريش
وأي عيبٍ لعين الشمس إن عميت ... أو قصرت عنه أبصار الخفافيش
وقال:
عليك بإغباب الوصال فضدُّه يعيد حبال الودّ منك رثاثا
ولو كلف الإنسان رؤية وجهه ... لطلَّقه بعد الثلاث ثلاثا
وقال:
أظنُّ زمان سوء قارف أبنةً ... فإني أراه يتبع العلج والغمرا
زففت إلى دهري عروس كفايتي ... فطلّقها قبل الدخول بها عشرا
وقال يعزي الشيخ أبا الطيب سهل بن أحمد بن سليمان عن ابنه:
من مبلغ شيخ أهل العلم قاطبةً ... عنّي رسالة محزون وأوَّاه
أولى البرايا بحسن الصبّر ممتحناً ... من كلِّ فتياه توقيع عن الله
وقال:
عليك عند اعتراض الهمِّ بالقدح ... فإنه أبداً قدّاحه الفرح
وقال من الرجز:
عبس لما أن مسست نقله ... كأنّني نزعت منه مقله
وقال له يوماً أبو الفتح البستي: يا شيخ، ما تقول في الكرنب؟ فقال مرتجلا: أطعمه إن لم يكن كري بي

أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري
من أعاجيب الدنيا، وذلك أنه من الفارابإحدى بلاد الترك، وهو إمام في علم لغة العرب، وخطه يضرب به المثل في الحسن ويذكر في الخطوط لمنسوبة لخط ابن مقلة ومهلهل واليزيدي، ثم هو من فرسان الكلام، وممن آتاه الله قوة وبصيرة، وحسن سريرة وسيرة، وكان يؤثر السفر على الوطن،والغربة على السكن والمسكن، ويخترق البدو والحضر، ويدخل دريار ربيعة ومضر، في طلب الأدب، وإتقان لغة العرب. وحين قضى وطره من قطع الآفاق، والاقتباس من علماء الشام والعراق، عاود خراسان، وتطرق الدامغان، فأنزله أبو علي الحسن ابن علي - وهو من أعيان الكتاب وأفراد الفضلاء - عنده وبذل في إكرام مثواه وإحسان قراه جهده. وأخذ من أدبه وخطه حظه، ثم سرحه بإحسان إلى نيسابور فلم يزل مقيماً بها على التدريس والتأليف وتعليم الخط الأنيق وكتابة المصاحف، والدفاتر اللطائف، حتى مضى لسبيله، عن آثار جميلة،وأخبار حميدة.

وله كتاب الصحاح في اللغة، وهو أحسن من الجمهرة، وأوقع من تهذيب اللغة، وأقرب متناولا من مجمل اللغة، وفيه يقول أبو محمد إسماعيل بن محمد النيسابوري وعنده الكتاب بخط مؤلفه:
هذا كتاب الصحاح سيِّد ما ... صنِّف قبل الصحاح في الأدب
يشمل أنواعه ويجمع ما ... فرّق في غيره من الكتب
وللجوهري شعر العلماء، لا شعر مفلقي الشعراء، وأنا كاتب من لمعه ما أنشدنيه أبو سعد دوست وإسماعيل بن محمد، فمن ذلك قوله:
لو كان لي بدٌّ من الناس ... قطعت حبل الناس بالياس
العزُّ في العزلة لكنَّه ... لا بدّ للناس من الناس
وقوله من نتفة:
فها أنا يونس في بطن حوتٍ ... بنيسابور في ظلل الغمام
فبيتي والفؤاد ويوم دجنٍ ظلام في ظلامٍ في ظلام
وقوله:
رأيت أشقراً أزرقا ... قليل الدماغ كثير الفضول
يفضل من حمقه دائماً ... يزيد بن هندٍ على ابن البتول
وقوله:
يا صاحب الدّعوة لا تجزعن ... فكلُّنا أزهد من كرز
والماء كالعنبر في قومسٍ ... من عزّه يجعل فب الحرز
فسقِّنا ماءً بلا منّةٍ ... وأنت في حلٍّ من الخبز

أبو منصور أحمد بن محمد اللجيمي
أديب كاتب شاعر، خدم الصاحب ومدحه ورثاه، ووقع من الدينور إلى نيسابور فتصرف بها وتأهل، ومما أنشدنيه لنفسه قوله:
وقفت يوم النوى منهم على بعد ... ولم أودعهم وجداً وإشفاقا
إنّي خشيت على الأظعان من نفسي ... ومن دموعي إحراقاً وإغراقا
وقوله:
ودّعت إلفي وفي يدي يده ... مثل غريقٍ به تمسكت
فرحت عنه وراحتي عطرت ... كأنّني بعده تمسكت
وقوله من قصيدة كتب بها إلى ابن بابك:
يا من يجدّدني مع الأوهام ... عهداً ويطرقني مع الأحلام
ومجال ودّك إنّه متحصنّ ... بمجال أفكاري مع اللّوام
ا أومضت نحو العراق تحيةً ... تحيي قتيل صبابةٍ وغرام
ومخيّم للأنس حفَّ بفتيةٍ ... بيض الخلائق والوجوه كرام
تابعت فيه بادّكارك مترعاً ... حامى بوابل دمعي السجَّام
وتركت عرضته بذكرك روضةً ... نابت عن النسرين والنّمام
بأبي خلائفك التي لو أنها ... في الراح لم يك شربها
أوفى الزمان غداً نهاراً كلّه ... لا يعقب الإصباح بالإظلام
أهدى إليَّ لك الحجيج عرائساً ... تجلي فتجلو نقبة الأفهام
غرّاً إذا شدخ الرواة بها الفلا ... أغنت مجاهلها عن الأعلام
فسرحت فيها ناظريَّ مفدِّياً ... خلاَّ يصون على البعاد ذمامي
وغدت صحيفتها عليَّ تميمةً ... تشفي من الأسقام والآلام
فاجعل أخاك لأختها أهلاً فما ... يخشى عليك عوائق الإفحام
وقوله في مرثية الصاحب وقد حمل تابوته من الري إلى أصبهان ودفن في ملحة تعرف بباب ذرية:
مضى من إذا أعوز العلم والندى ... أصيبا جميعاً من يديه وفيه
مضى من إذا أفكرت في الخلق كلِّهم ... رجعت ولم أظفر له بشبيه
ثوى الجود والكافي معاً في حفيرةٍ ... حفيرة ليأنس كلُّ منهما بأخيه
هما اصطحبا حيين ثم تعانقا ... ضجعين في قبرٍ بباب ذريه
وقال أيضاً فيه:
أكافينا العظيم إذا وردنا ... ومولينا الجسيم إذا فقدنا
أردنا منك ما أبت الليالي ... فأبطل ما أرادت ما أردنا
شققت عليك جيبي غير راضٍ ... به لك فاتّخذت الوجد خدنا
ولو أنّي قتلت عليك نفسي ... لكان إلى قضاء الحق أدنى
أفدنا شرح أمرٍ فيه لبس ... فإنّا طالما كنّا استفدنا
ألم تك منصفاً عدلاً فأني ... عمرت حفيرةً وقلبت مدنا
وكيف تركت هذا الخلقحالتخلائقهم فليس كما عهدنا

تملكنا اللئام وصيَّرونا ... عبيداً بعد ما كنّا عبدنا
لئن بلغت رزيته قاوباً ... فذبن منّا فجدنا
لما بلغت حقائقها ولكن ... على الأيام نعرف من فقدنا
وله من صيدة:
ولربَّ مخطفة تضمُّ جفونها ... عيني مهاة بالصريمة خاذل
تغتال رامقها بقدٍّ رامحٍ ... وتصيد وامقها بطرفٍ نابل
ومن أخرى:
يا ليلة حزنت فيها كواكبها ... وضاعفت كمدي أذيالها السّود
أنت الفداء لليلٍ شرّدت حزني ... فيع الأغاريد والغيد الأماليد
وقهوةٍ في احمرار الورد شعشعها ... مورَّد الثوب في خديه توريد
تمرُّ محثوثةً حث الركاب بنا ... تحدو بها نغم القينات والعود
ما أنس لا أنس ذات الخال إذاحسرت ... قناعتها فبدت تلك العناقيد
وأطلعت بمحيّاها وجمّتها ... شمساً عليها رواق الليل ممدود
بي من هواها رسيس لا يزال له ... في حبّه القلب تصويب وتصعيد
ومن أخرى:
لا تلمني على الدموع التي لو ... لاك لم تدم من جفوني غربا
طرف الغصن لا تلام على القطر إذا النار شعِّلت فيه رطبا وله:
لو ضمَّ قلب الدهر ما ضمّه ... قلبي من حرِّ النوى والبعاد
لاحترق الحوتان من دونه ... فصار ما بينهما كالرماد

أبو جعفر بن الحسين القمي
كاتب، شاعر، أقام بنيسابور يكتب للعمال، ويتصرف في الأعمال، وهو القائل:
أرى عمال نيسابور ... دهر الله في النّحس
فمن يعمل بها يوماً ... يقع شهرين في الحبس
بها يضرب بالقلس أعزُّ الناس في فلس
وقال في معقل وكان بندار نيسابور:
يا أيها الشيخ الكبير المفضَّل ... أقبض يديه فمعقل لا يعقل
ظلموه إذ ودعوا دواة عنده ... ولديه يوضع منجل أو معول
وقال لأبي محمد بن أبي سلمة:
أيها الشيخ الذي كلّ الورى ... يتلقى وجهه بالتفديه
هل يوازي فضلك المشهر أن ... تحضر الديوان يوم الترويه
وقال:
يا من إليه المعالي ... من كلِّ أوبٍ تحاز
إن لم يكن لي فيه ... شغل لديكم فجازوا
وقال:
يقول الناس لي جامع ... خطيب المسجد الجامع
ومن ذا يأكل الميتة ... إلا الجائع النائع
وقال:
أبو الغطاريف عملاق بن غيداق العثماني
أعرابي جهوري، متقعر في كلامه، كثير الشعر، قليل الملح، وممن ثقل حتى خف، وقبح حتى ملح، طرأ على نيسابور أطواراًن وأقام بها في المرة الأولى بضع سنين ينتسب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويقرأ القرآن بجهارة شديدة، ويشعر ويتعاطى الفواحش، فإذا قيل له: كيف أصبحت أيها الشريف؟ قال: أصبحت جوالا في السكك، حلالاً للتك، على رأسه طائركم معكم سرمدا، وعلى جبينه ولن تفلحوا إذاً أبدا، وكثيراً ما ينشد لنفسه:
تلبَّس عملاق بن غيداق للشقا ... وللحزن والإفلاس أثواب حارس
يطوف بنيسابور في كلّ سكةٍ ... خليفة مولاه طفيل العرائش
وذلك أن طفيل العرائس الذي ينسب إليه الطفيليون من موالي عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ومدح عملاق فائق الخاصة بقصيدة أولها وهو أمير شعره:
يا دولةً أيّدت بخالقها ... وبالأمير الجليل فائقها
فأمر بإثبات اسمه في جملته واستصحبه ووصله ولم يزل معه إلى أن فرق الدهر بينهما، ثم إن الشيخ الجليل أبا العباس أحسن النظر لهن وأجرى إنعامه عليه، ووصله وهو الآن ممن يعيش في كنفه، ومما سمعته ينشد لنفسه قصيدة أولها:
لبسنا لهذا الفصل حمر المطارف ... وفيه انسلخنا من لباس المصايف
وفاقم صقلاب وأفتاك خدلج حذار رياح الزمهرير العواصف
وسنجاب خرخيد وسمور بلغر ... وأوبار عباء الحصين التوالف
مع الخز والديباج حيكا بتستر ... وبالسقلاطوني تحت الملاحف
أبو المعلى بن الصلت
المعروف بناقد الكلام اليماني

ورد نيسابور متطرفاً لها إلى غزنة، وادعى أكثر مما يحسن، وأنشد لنفسه شعراً كثيراً أخرجت منه قوله في ممهد الدولة هذه:
بعدت صفاتك يا ممهد وأدَّنت ... كغموض معنىً في كلامٍ ظاهر
خفيت وأظهرها الطباع خفيّة ... كالنور يوجد في سواد الناظر
ويقول:
لم يكفني بالريِّ خيبة مطلبي ... حتى حرمت لذاذة الإيناس
كالأعور المسكين أعدم عينه ... وأعيض عنها بغضة في الناس
وقوله:
إذا فكر الإنسان فكرة عاقلٍ ... رأى عيشه معنىً لمغنى مماته
إذا نال يوماً زائداً في معاشه ... فذلك يوم ناقص من حياته
وقوله:
أنت لعمري خير شرِّ الورى ... ترضاك من ترضى بإقلال
والأعور المقوت مع قبحه ... خير من الأعمى على حال
وقوله:
في ثغر عبد الكريم شيء ... من فمه ليس بالكريم
تحسب طول الحياة فاه ... يمجُّ خمراً بغير ميم
وقوله:
ربَّ صديقٍ قدمت من سفرٍ ... فجئت من مقدمي أهنيه
لا حق لي عنده فيقضيه ... وحقَّه لا أزال أقضيه
وقوله:
ظلم امرؤ ندب التجار إلى العلى ... حسب التجار دفاتر الحسبان
همم لهم بين النقود وصرفها ... والسعر والمكيال والميزان
وقوله:
لسان الحقُّ أفصح من لساني ... وصمتي عن كلامي ترجماني
وأنت لمن رماه الدهر عون ... فكن عوني على صرف الزمان

عبد القادر بن طاهر التميمي أبو منصور
فقيه وجيه، نبيه قليل الشبيه، يفقه على مذهب الشافعي، ويتكلم على مذهب الأشعري، ويرجع إلى رأس مال في الأدب، والنحو، وكان أبوه عبد الله انتقل من بغداد إلى نيسابور ومعه أبو منصور فتفقه بها وبرع وبلغ ما بلغن وله شعر يحذو في أكثره حذو منصور الفقيه البصرين كقوله:
يا سائلي عن قصتي ... دعني أمت بغصتّي
المال في أيدي الورى ... واليأس منهم حصّتي
وقوله:
يا ماجداً فاق الورى ... لا زلت مأوىً للقرى
عليَّ دين مانع ... عينيَّ من طيب الكرى
فكن لديني قاضياً ... يا خير من فوق الثرى
وقوله:
ألا إنّ دنياك مثل الوديعه ... جميع أمانيك فيها خديعه
فلا تغترر بالذي نلت منها ... فما هو إلاّ سراب بقيعه
وقوله:
إذا ضاق صدري وحفت العدى ... تمثّلت بيتاً بحالي يليق
فبالله نبلغ ما نرتجي ... وبالله ندفع ما لا نطيق
وقوله:
سقتني لتروي الروح راحاً وحققّت ... مواعدها ذات الوشاح بإنجاز
على نرجسٍ حيَّت به فكأنّما ... أناملها أنضمت على حدق البازي
أبو علي محمد بن عمر البلخي الزاهر
كان فراق بلدته في صباه، وركب الأسفار إلى العراق والشام، تلقب بالزاهر مقتديا بقوم من الشعراء تلقبوا بالناجم والناشي والنامي والزاهي والطالع والطاهر، ثم كر إلى خراسان، وألقى عصاه بنيسابور، وتكسّب بالشعر، واستكثر منه، فمما علق بحفظي مما أنشدنيه لنفسه قوله ويروي لأبي الحسن علي بن محمد الغزنوي:
أقول وقد فارقت بغداد مكرهاً ... سلام على عهد القطيعة والكرخ
هواي ورائي والمسير خلافه ... فقلبي إلى كرخٍ ووجهي إلى بلخ
وقوله:
قولوا لقومٍ بنيسابور أمدحهم ... عند الضرورة والإفلاس والضيق
أصبحت فيهم وحقِّ الله خالقنا ... كمصحف دارسٍ في بيت زنديق
أبو القاسم يحيى بن علي البخاري الفقيه
من أبناء التجار ببخارى، وورد مع أبيه نيسابور متفقهاً، وهو من آدب الفقهاء وأحفظهم لما يصلح للمحاضرة، فبقي بها مدة، واختير للامامة في المسجد الجامع ولم يزل يتولاها إلى أن آثر العزلة فقاده زهده وورعه إلى المرابطة بدهستان وهو بها الآن، وكأن أنشدني وكتب لي من شعره غرراً لا يحضرني منها إلا قوله:
أيا من همّه الجمع لما حاصله القوت
كأني بك يا نائم قد أيقظك الموت
فصل

كان من هذا الباب أن يتضمن ذكر أبي الحسين الرخجي، وأبي الحسن الممتاخي صاحب كتاب من غاب عند النديم، وأبي الحسن الحنظلي السهروردي، وأبي سعيد البلدي، وأبي القاسم علي بن محمد الكرخي، وأبي الحسن محمد بن عيسى الكرخي، وأبي المظفر الكمال بن آدم الهروي، وأبي الحسن علي بن محمد الحميري، ولكن لم يحضرني شيء من أشعارهم في هذه الغربة، وإن نفس الله المهل، وعاودت الوطن، جبرت كسره بما يصلح له من كلامهم، وإن عاق محتوم الأجل عن ذلك فإني أرغب إلى من ينظر بعدي في هذا الكتاب من الفضلاء الذين يصيدون شوارد الكلم وينظمون قلائد الأدب، أن ينوب عن أخيه فيه، ويلحق ما يجده منه بمواضعه من هذا الباب، إن شاء الله تعالى، وربه التوفيق، ومنه الإعانة.

الباب العاشر
النيسابوريون ومحاسن اقوالهم
في ذكر النيسابوريين الذين تقع محاسن أقوالهم في هذا الباب وكتبة لطائفهم
وظرائفهم.
رئيس نيسابور
أبومحمد عبد الله بن إسماعيل الميكالي
هو أشهر، وذكره أسير، وفضله أكثر، من أن ينبه وله - مع كرم حسبه وتكامل شرفه - فضيلة علمه وأدبه. وكان من الكتابة والبلاغة بالمحل الأعلى، وله من سائر المحاسن القدح المعلى، فكان يحفظ مائة ألف بيت للمتقدمين والمحدثين يهذها في محاضرته، ويحلها في مكاتباتهن وله شعر كتابي يشير لشرف قائله، لا لكثرة طائله، فمن ذلك ما قاله على لسان كاتبه أبي الطيب:
يوم دجنٍ قد تناهى طيبه ... وحقيق أن يجينا بالمطر
والثلاثاء ينادي غدوةً ... ما للهو بعد هذا منتظر
هل يجوز الصحو في أثنائه ... إن هذا الرأي من إحدى الكبر
وقوله في النكبة التي عرضت له في آخر أيامه:
خانني الأير حين خان زماني ... وجفاني كأنّه إخواني
وثنى عنّي العنان غزال ... كان قبل المشيب طوع عناني
يتجنّى عليَّ من غير جرمٍ ... يراني كأنّه لا يراني
كيف يصبو إليَّ وهو عليم ... أن أيري كعظمة الصولجان
ليس يرجى له انتباه من النو ... م ولا صبوة لذكر الغواني
كان من قبل سامعاً مستجيبا ... مسعداً لي فعقّني وجفاني
بل رآني مصادراً مستكينا ... فرثى لي من انقلاب الزمان
ولوى جيده فأصبح لدناً ... يتثنّى تثنّي الخيزران
لا يجيب الصريح في غسق الليل ولا دعوة الوجه الحسان
لم أكلّفه حمل غرمٍ ثقلٍ ... لا ولا دفع معضلٍ قد عراني
إنما الغرم والوبال على الما ... ل فماذا عليه ممَّا دهاني
هل سمعتم بمقمعٍ من حديد ... ذاب من فرط خيفة السلطان
ليته عاد تابعاً لمرادي ... فأسلّي به جوى الأحزان
أيها العاذلان حسبي ما بي ... فدعاني من الملام دعاني
وارثيا لي من البلاء وكفَّا ... إنّني في يد الحوادث عاني
إن يكن خانني الأحبَّة طرّاً ... فشجاني جفاؤهم وبراني
فعلى الله في الأمور اتكالي ... وبه الاعتصام ممّا أعاني
ابنه
أبو جعفر محمد بن عبد الله بن إسماعيل
كان متقدماً في الأدب. متبحراً في علم اللغة والعروض، مصنفاً للكتب مستكثراً من قول الشعر، ولعل شعره يربى على عشرة آلاف بيتن ولما أنشد أباه قوله في مقصورة له هذا البيت من الرجز:
إذا ركبت كنت خير راكبٍ ... وإن نزلت كنت خير من مشى
قال له: استحييت لك يا بني، ما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأمره بإسقاط هذا البيت من القصيدة، فلم يفعل، وعندي أن أمير شعره قوله من الرجز:
إذا أراد الله أمراً بامرئٍ ... وكان ذا عقلٍ ورأيٍ وبصر
وحيلةٍ يعملها في كلِّ ما ... يأتي به جميع أسباب القدر
أغراه بالجهل وأعمى قلبه ... وسلَّه من رأيه سلَّ الشعر
حتى إذا أنفذ فيه أمره ... ردّ عليه عقله ليعتبر
الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان
الصعلوكي

معلوم أنه كان في العلم علمان وفي الكمال عالماً، ومن شاهد الآن ابنه الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد بن سليمان رأى شجرة للعلم نمت على عروقها ونفسا غذيت في حجر الفضل فحرت على سنن أولها. وأحيت فضائله بفضائلها. وولدا أشبه والده في الإمامة، عند الخاصة والعامة. وله شعر كثير يذكر في شعر الأئمة ويروى لشرف صاحبه وتحسين الكتب بذكره، فمن ذلك ما أنشدنيه الشيخ الإمام أبو الطيب قال: أنشدني والدي لنفسه:
سلوت عنالدنيا عزيزاً فنلتها ... وجدت بها لمّا تناهت بآمالي
علمت مصير الدهر كيف سبيله ... فزايلته قبل الزوال بأحوال
وأنشدني له أبو الحسن الفارسي الماوردي الفقيه:
دع الدنيا لعاشقها ... ستصبح من ذبائحها
ولا تغررك رائحة ... تصيبك من روائحها
فمادحها بغفلته ... يصير إلى فضائحها

علي بن أبي علي العلوي
كان في نهاية النجابة فاحتضر في عنفوان شبابه، وله شعر علق بحفظي منه ما أنشدنيه أخوه أبو إبراهيم له:
همم الرجال تبين في أفعالهم ... والفعل عدل شاهد للغائب
ولنا تراث المجد حزنا فضله ... عن خير ماشٍ في الأنام وراكب
والآن أخوه أحمد نعم العوض عنه، والخلف منه: والشمس تسليك عمَّا حلَّ بالقمر وله شعر حسن لا يحضرني منه إلا قوله:
هواك من الدنيا نصيبي، وإنّني ... إليك لمشتاق كجفني إلى الغمض
فزرني وبادر يوم ثلجٍ كأنّه ... شمائم كافورٍ نثرن على الأرض
أبو البركات علي بن الحسين العلوي
يزين تالد أصله، بطارف فضله، ويحلي طهارة نسبه، ببراعة أدبه، ويرجع من حسن المروءة وكرم الشيمة وعفة الطعمة إلى ما تتواتر به أخباره. وتشهد عليه آثاره، ويقول شعراً صادراً عن طبع شريف، وفكر لطيف كقوله من قصيدة:
مدامعي تهتك أستاري ... تعلن بين الناس أسراري
أنكرت ما بي، غير أن البكا ... قرَّر بالإقرار إقراري
ومنها:
أحببت خشفاً ليس في مثله ... تحمُّل العار من العار
ومنها:
كأنّما إبريقنا طائر ... يحمل ياقوتاً بمنقار
ومنها:
كأنّ ريح الروض لما أتت ... فتَّت علينا مسك عطّار
وقوله:
وأغيد سحّار بألحاظ عينه ... حكى لي تثنيّه من البان أملودا
سلخت بذكراه عن الصبح ليلةً ... أنادمه والكأس والناس والعودا
ترى أنجم الجوزاء والنجم فوقها ... كباسط كفيّه ليقطف عنقودا
وله:
مكذَِب الظنِّ ناقص الأمل ... يقطر من خدِّه دم الخجل
يكاد ينفض فصّ وجنته ... إذا علاه الحياء للقبل
وقوله:
يا عصبة الأتراك أولادكم ... من يوسف الحسن وبلقيس
ألحاظكم تحيي وتردي الورى ... وحسنكم فتنة إبليس
لا تقربوا منّي ففي قربكم ... هلاك دين المرء والكيس
وقوله من قصيدة:
وكأنّي ركبت للصيد ريحاً ... لا يبالي بحزنها والسهول
أدهم اللون مثل ليلٍ بهيمٍ ... ذي صباحٍ من غرّة وحجول
فهو يطوي البسيط كالبسط طيّاً ... بيديّ طالبٍ ورجليّ عجول
وقوله من نتفة:
الشيخ ينجز وعداً منه قد سبقا ... وليس الغصن من إفضاله الورقا
إنّي غريق ببحر المطل منتظر ... حالاً تكشّف عنّي الموج والغرقا
أبو الحسن محمد بن ظفر العلوي
شريف فاضل، عالم زاهد، يلبس الصوف، وكان في صباه يقول الشعر، فمن ذلك قوله:
أسكرني طرفه ولكن ... خمار أجفانه حمام
إنَّ دمي عنده حلال ... وهو لدى غيره حرام
وهكذا سحر كلِّ طرفٍ ... يصنع ما تصنع المدام
وله من الرجز:
وأمرد أزهد من صهيب ... في علم موسى وتقى شعيب
إذا رأى شعر أبي ذؤيب ... أو فارسيات أبي شعيب
تحسبه أشعر من نصيب ... إن لم تساعدني فوي بي وويبي
وله:

إذا عضَّك الدهر الخؤون بنابه ... وأسلمك الخدن الشّفيق إلى الهجر
فلا تأسفن يا صاح واصبر تجلَّداً ... فلا شيء عن الهجر أجدى من الصبر

أبو العباس محمد بن يحيى العنبري
من أبناء نيسابور، وأهل البيوتات بها، وله شعر كثير، منه:
لا يشغلنك حديث ما في الكاس ... شرب المدام محلَّل في الناس
الله حرّم سكرها لا شربها ... فاشرب هنيئاً يا أبا العباس
صفراء صافيةً كأنّ شعاعها ... ضوء الصباح وشعلة المقباس
تنفي بها داءً وحزناً كامناً ... في القلب ليس بشربها من باس
وإذا قميصك بلّلته مدامة ... وعرتك منه وساوس الخنّاس
فدع القميص يشمُّ منه ريحها ... واغسل فؤادك من أذى الوسواس
وقوله:
متفقه شغف الفؤاد بحبّه ... خضعت محاسن وجهه لمحبِّه
أحببت كروة زوزون من أجله ... ورجالها ونساءها من حبّه
وله:
يقول الناس لي رجل سديد ... وما فعلي بفعل فتىً سديد
إذا ما كنت لا أخشى وعيدا ... فما يغني مقالي بالوعيد
أبو سلمة بن أحمد المعاذي
حضر بعض مجالس الأنس بنيسابور فانصبت محبرة فتى مليح على ثوبه فخجل الفتى، فقال أبو سلمة:
صبَّ المداام وما تعمّد صبَّه ... فتورّد الحدُّ البديع الأزهر
يا من يؤثر حبره في ثوبنا ... تأثير لحظك في فؤادي أكثر
أبو سهل سعيد بن عبد الله التكلي
من أدباء نيسابور وفضلاء المتصرفين بها، يقول:
وكان فؤادي جامحاً في عنانه ... إذا انتابه العذال في غيّه أبى
وأقصر عن قصد التصابي وصدَّه ... مقال بنيٍّ بعد خمسين يا أبا
وقوله:
هموم تفيض وصبر يغيض ... وجسم صحيح وقلب مريض
يبيِّض ما اسود من لمتي ... خطوب حداهن سود وبيض
ورؤية من يدّعي أنّه ... علا فلك الشمس وهو الحضيض
فإن سكتوا فشفاه تغيض ... وإن نطقوا فبظور تحيض
وأمتع من شرب كأس الحمام ... حياة يشارك فيها بغيض
وقوله:
ألا قالت أمامة إذ رأتني ... وماء الوجه بالجاديّ شيبا
تعرتك الهموم فقلت حقّاً ... هموم اجعل الولدان شيبا
وقوله:
إن المقص في الحضور لخدمةٍ ... في مثل هذا اليوم للمعذور
يوم كأنّ الأرض فيه سنجنجل ... والجو فيه صارم مأثور
القاضي أبو بكر عبد الله بن محمد البستي
آدب قضاة نيسابور وأشعرهم، ولما تقلد قضاءها في أيام شبيبته مضافاً إلى ما كان يليه من قضاء كورة نسا لقب بالكامل، وله شعر كثير كتب لي بخطه صدرا منه وأنشدني بعضهن فمن ذلك قوله:
أنظر إلى النفس وهي واقفة ... نصب عيون الوشاة والحرس
يخفى على الناظرين موقفها ... كأنها نفس آخر النّفس
وله:
قل للذي حبس الفؤاد بصدّه ... فوددت أنّي عند ذاك فؤادي
مسترخص المبتاع لا يغلى به ... ولذاك ما أرخصت بيع ودادي
وقوله:
يقولون أبل العذر فيما ترومه ... فإبلاء عذرٍ في الأمور نجاح
فقلت لهم إبلاء عذرٍ وخيبة ... نجاح كما افتضَّ العروس نجاح
وله في وصف طين الأكل من الرجز:
وتحفةٍ نقلنيها غاليه ... ذو همم في المكرمات عاليه
شبّهتها من بعد ما أهدى ليه ... قطاع كافورٍ عليها غاليه
وله في البندق:
وبندق لبُّه عجيب ... للدر والمسك فيه شركه
أشبه شيء به يقينا ... لؤلؤة ضمّخت بمسكه
وله في الورد الموجه:
حباني بوردٍ جامعٍ بين وصفه ... ووصفي لمّا زرتهم وجفوني
على جانبٍ منه تورّد خدُّه ... وفي جانب منه تلوّن لوني
وله في البهار:
حكاني بهار الروض حتى ألفته ... وكلُّ مشوقٍ للبهار مصاحب
وقلت له ما بال لونك شاحباً ... فقال لأني حين أقلب راهب

وله:
يا من قنعت بحس رأ ... يٍ منه لو أعطيت رايه
إن قمت في أمري برأ ... يٍ أعطيت رايه
وله:
مستبد برأيه ... عازب الرأي معجب
وتماديه بعد ما ... عرف الغيَّ أعجب
وله من الرجز:
يعجبني من كلّ شعرٍ جزل ... جيِّد جدٍّ وركيك هزل

أبو سعد عبد الرحمن بن محمد
بن دوست
من أعيان الفضلاء بنيسابور وأفرادهم، يجمع من الفقه والأدب، بين التمر والرطب.ومن النظم والنثر، بين الياقوت والدر، وشعره كثير الملح والنكت، حسن الديباجة، كأنه عن طباع المفلقين من شعراء العراق وهذا أنموذج منه:
ألا يا ريم خبّرني ... عن التفاح من عضّه
وحدِّث بأبي عن حسنك البكر من افتضَّه
وختم الله بالورد ... على خدّك من فضّه
لقد أثّرت العضّه في وجنتك الغضّه
ولاح الدرّ إذ بضّ ... على جلدتك البضّه
كلون العنبر الورديّ ... إذا فضَّ عن الفضَّه
وله:
ولقد مررت على الظباء فصادني ... ظبي وعهدي بالظباء تصاد
نفذت لواحظه إليَّ بأسهمٍ ... أغراضها الأرواح والأجساد
وله:
جعلت هديتي لكم سواكاً ... ولم أقصد به أحداً سواكا
بعثت إليك عوداً من أراكٍ ... رجاءٍ أن أعود وأن أراكا
وله:
ومهفهفٍ ملك القلوب وحازا ... خطَّ الجمال بعارضيه طرازا
شبّهته قمراً فكان حقيقةً وغدا له قمر السماء مجازا
ما باع بزّاً قطُّ إلاّ أنّه ... بزَّ القلوب فلقب البزّازا
وله:
وشادن نادمت في مجلسٍ ... قد مطرت راحاً أباريقه
طلبت ورداً فأبى خدّه ... ورمزت راحاً فأبى ريقه
وله:
وشادنٍ قلت له ... هل لك في المنادمه
فقال ربَّ عاشقٍ ... سفكت بالمنى دمه
ول:
يغيب البدر يوماً ثم يبدو ... فما لك غبت عن عيني ثلاثا
فإن لم تطلع الأثنين عصراً ... فلست بواجدي يوم الثلاثا
وله:
وقالوا اصفرّ وجهك إذ تراءى ... وقد صارالفؤاد له شعاعا
فقلت لأنّني قابلت بدراً ... فقد ألقى على وجهي الشّعاعا
وله:
الدهر دهر الجاهلين وأمر أهل العلم فاتر
لا سوق أكسد فيه من ... سوق المحابر والدفاتر
وله:
عليك بالحفظ دون الجمع في كتب ... فإنّ للكتب آفات تفرِّقها
الماء يغرقها، والنار تحرقها ... والفار يخرقها، واللصُّ يسرقها
وله في الفصد من الرجز:
لما رأيت الجسم ذا اعتلال ... ودبَّت الآلام في أوصالي
دعوت شيخاً من بني الجوالي ... بطريق عمٍّ جاثليق خال
فسلّ سيفاً ليس للقتال ... ومرهفاً ليس من العوالي
أدقّ في العين من الخيال ... أقطع من هجر ومن ملال
أحسن من وصل ومن إقبال ... كأنّه نصف من الهلال
ففتّح القفل عن القيفال ... بضربة تشبه نصف الدال
أو شكلةٍ في موضع الأشكال ... ولجَّ دمع العرق في انهمال
كقهوةٍ تبزل بالمبزال ... فولّت العلة في انفلال
فأقبلت عساكر الإقبال ... محفوفةً بالبرء والإبلال
ومثل الجسم من المثال ... كأنما أنشط من عقال
وله:
قل للأمير الأريحي الذي ... نفديه بالأنفس إن جازا
جودك قد أورق لي موعداً ... فكيف لا يثمر إنجازا
وقوله:
أيها البدر الذي يجلو الدجى ... قل لنجمي في الهوى كم تحترق
أنا من جملة أحرار الهوى ... غير أنّي من هواكم تحت رق
أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي
هو وأخوه أبو سهل من حسنات نيسابور ومفاخرها، فأبو عبد الرحمن من الأعيان الأفراد في الفقه، وأبو سهل من الأعيان الأفراد في الطب. وما منهما إلا أديب شاعر آخذ بأطراف الفضائل، فمن ملح شعر أبي عبد الرحمن قوله:

وذي جدالٍ لنا كشفت له ... عن خطأٍ كان قد تعسَّفه
فلم يجبني بغير ما ضحكٍ ... والضحك في غير حينه سفه
وله:
أدرك بقية نفسٍ روحها رمق ... فقد أذابت هموم الناس أكثرها
وإنّما سلمت منها بقيتها ... لأنّها خفيت ضعفاً فلم ترها
وله:
أعرضت لمّا عرضت ... سهام تلك الحدق
ظننت أنّي هاب ... منها بأدنى رمق
فقال لي فيها الهوى ... هيهات ممّا تتّقي
إن سهام الحدق ... لا تتَّقى بالدّرق
وله:
نحن في مجلس أنس ... بك تحقيق مجازه
لطف الدّهر عزيز ... فتجلّد لانتهازه
قد نسجنا الأنس ثوباً ... فتفضَّل بطرازه
وله:
يوم غيمٍ زاد قلبي شجناً ... ذو نشيجٍ وهو قد أنشجنا
وسحابٍ قد حكى لمّا بكى ... يوم قالواعارض ممطرنا
وله:
تغاض عن البخيل ولا تلمه ... ودع ما في يديه ولا ترمه
ومن لم يحو غير المال فضلاً ... وجاد بفضله جهلا فلمه
وله:
خلعت خفّي من خلع ذا السحاب عذاره
فاليوم ليل ظلامٍ ... والأرض حشُّ قذاره
من حق ذا العقل فيه ... أن لا يفارق داره
وله:
أما تراني على بغي العلاء لأحمال العناء حمولاً دائم النصب
فما استوى شرف إلاّ على كلفٍ ... ولا صفا ذهب إلاّ على لهب
وله:
أفدي الذي أكره أن أفديه ... لأنّه جلّ عن التفديه
يقتل بالعين، ولا بدّ لي ... من طلبي من شفتيه الدِّيه
وله:
إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمنَّك البعاد
وانتظر العود عن قريبٍ ... فإنّ قلب الوداع عادوا
وله من نتفة:
للنار في وجه من أحببته أثر ... فاللون في خدِّه والفعل في كبدي

أبو سهل بكر بن عبد العزيز النيلي
قد تقدم ذكره، وجاء الآن شعره، قال:
قد رضيت باليأس نفسي ... فعل اللبيب الحكيم
قنعتها بكفافٍ ... وفيه كلُّ النعيم
فما يد لكريمٍ ... عندي ولا للئيم
وللقناعة روح ... يا طيبه من نسيم
وقال:
يا مفدَّى العذار والخدِّ والقد بنفسي وما أراها كثيرا
ومعيري من سقم عينيه سقماً ... دمت مضنى به ودمت معيرا
سقِّني الراح تنف لوعة قلبٍ ... بات مذ بنت للهموم سميرا
هي في الكأس خمرة فإذا ما ... أفرغت فيالحشى استحالت سرورا
وقال:
رجوت دهراً طويلاً في التماس أخٍ ... يرعى ودادي إذا ذو خلَّة خانا
فكم ألفت وكم آخيت غير آخٍ ... وكم تبدّلت بالإخوان إخوانا
فما زكى لي على الأيام ذو ثقةٍ ... ولا رعى أحد ودِّي ولا صانا
فقلت للنفس لما عزَّ مطلبها ... بالله لا تألفي ما عشت إنسانا
وقال:
دب المشيب إلي فوديَّ مبتكراً ... وللشباب رداء ليس بالخلق
فقلت يا نفس حثّي للرحيل ضحىً ... فأقصر الليل أدناه من الفلق
وقال:
نشر الربيع الغضُّ قبل أوانه ... لما نشرت كتاب فرد زمانه
أنوار لفظٍ من جناب جنابه ... ونسيم وردٍ من غراس بنانه
فأراح أنساً عازباً بوروده ... وأراح قلب الصبِّ من أشجانه
وأرى بني الآداب معجز نظمه ... أن ليس في الإمكان نيل مكانه
فأسرَّت الآلباب إجلالاً له ... وفدي المسامع ترجمان جمانه
وقوله:
رقّ لمن قد ملكت رقَّه ... حقٌّ له لو رعيت حقَّه
ذاب فما مثله خلال ... ولا هلال ضياً ورقه
وقال:
الله في متيّمٍ ... عذّبته فراقب
يكفيك ما أبقيته ... من ألم الفراق بي
وقال من الرجز:

من وجهه يطلع نجم المشتري ... ياقوتةً تثمر شهداً فاشتر
يا من نضا باللحظ سيف الأشتر ... إذاوجدت الحرَّ عبداً فاشتر

أبو محمد إسماعيل بن محمد الدهان
أنفق ماله على الأدب، فتقدم فيه، وبرع في علم اللغة والنحو والعروض، وأخذ عن الجوهري الذي تقدم ذكره، واستكثر منه، وحصل كتابه كتاب الصحيح في اللغة بخطه، واختص بالأمير أبي الفضل الميكالي ومدحه وأباه بشعر كثير، ثم آثر عن أعراض الدنيا، وقال لما أزمع الحج والزيارة:
أتيتك راجلاً ووددت أنّي ... ملكت سواد عيني امتطيه
وما لي لا أسير على المآقي ... إلى قبرٍ رسول الله فيه
وقال:
أيا خير مبعوثٍ إلى خير أمّةٍ ... نصحت وبلّغت الرسالة والوحيا
فلو كان بالإمكان بمقلتي ... إليك رسول الله أنضيتها سعيا
وقال:
عبد عصى ربّه ولكن ... ليس سوى واحدٍ يقول
لا سوق أنفق فيه من ... سوق المكارم والمعالي
وقال لصديق له:
نصحتك يا أبا إسحاق فاقبل ... فإنّي ناصح لك ذو صداقه
تعلَّم ما بدا لك من علومٍ ... فما الآداب إلا في الوراقه
وقال من قصيدة في مرثية البديع:
وما الإنسان في دنياه إلاّ ... كبارقةٍ تروق إذا تلوح
نفيسة نفسه نفس توالى ... ومدّته مدىً، والروح ريح
وقال من أخرى:
عز الغزال بمسكه لا مسكه ... والصرف للدينار لا الصرّفان
شبه الزمرّذ لا يكون زمرذاً ... ولئن تقارب منهما اللونان
وقال:
خف إذا أصبحت ترجو ... وارج إن أمسيت خائف
ربّ مكروهٍ مخوفٍ ... فيه لله لطائف
ولولا أنه سألني أن لا أورد في كتابي هذا شيئاً من شعره في الغزل والمدح لكتبت من ذلك جملة صالحة، لكنني انتهيت إلى رأيه، وعملت بما سألني به ولم أتعده.
أبو حفص عمر بن علي المطوعي
شاب لبس برد شبابه على عقل مكتهل،وفضل مقتبل. وسما إلى مراتب أعيان الأدباء والشعراء، التي لا تدرك إلا مع الانتهاء، واتصل بخدمة الأمير أبي الفضل الميكالي، فتخرج بالاقتباس من نوره، والاغتراف من بحره، وألف كتاب درج الغرر، ودرج الدرر، في محاسن نظم الأمير ونثره وحين ألف صاحب هذا الكتاب كتاب فضل من اسمه الفضل عارضه بكتاب حمد من اسمه أحمد وله كتاب أجناس التجنيس وغيرهن وشعره كثير الملح والظرف، لا يكاد يخلو من لفظ أنيق، ومعنى بديع، كقوله في وصف النارنج:
أهلاً بنارنج أتانا غدوةً ... في منظرٍ مستحسنٍ مرموق
أصبحت أعشقه ويحكي عاشقاً ... يا حسنه من عاشقٍ معشوق
وقال:
ومعشوق الشمائل قام يسعى ... وفي يده رحيق كالرّحيق
فسقاني عقيقاً حشو درًّ ... ونقلني بدرًّ في عقيق
وقال:
ألست ترى أطباق وردٍ وحولها ... من النرجس الغضّ الطري قدود
فتلك خدود ما عليهن أعين ... وهذي عيون ما لهنَّ خدود
وقال:
وشادن ما مثله في الصبِّاح ... كالشمس أو كالبدر أو كالصباح
لي من ثناياه ومن طرفه ... وخدِّه راح وراح وراح
وقال:
سحر العيون غداة خطَّت كفُّه ... في رائق القرطاس رائق سطره
فأتى بمثل الوشي واحد نسجه ... أو مثل زهر الروض ثاني قطر،
خطٌّ يحاكي منه سحر جفونه ... وطراز عارضه ولؤلؤ ثغره
وقال:
بنفسي من تمَّت محاسن وجهه ... فما هو إلاّالبدر عند تمام
وأرسل صدغاً فوق خطٍّ كأنّه ... جناح غرابٍ فوف طوق حمام
وقال:
انظر إلى وجه صديق لنا ... كيف محا الشوك به النقشا
قد كتب الدهر على خدِّه ... بالشعر والليل إذا يغشى
وقال:
غدا منذ التحى ليلاً بهيماً ... وكان كأنّه البدر المنير
فقد كتب السواد بعارضه ... لمن يقرأ وجاءكم النذير
وقال:
تكبَّر لمّا رأى نفسه ... على هيئة الشمس قد صورِّت

سيندم ألفا على كبره ... إذا الشمس في خده كوِّرت
وقال:
قل للذي يهواه ... أذاقني كأس صاب
تركتني مستهاماً ... أصلي بحرِّ التّصابي
ما بين دمعٍ مصوب ... وبين قلب مصاب
وقال:
إنّي علقت غزالاً قلبه علق ... بمثله في كمال الحسن واللين
فالحمد لله حمداً لا أنقضاء له ... أصبحت جدّاً وسني دون عشرين
وقال:
لما استقلّت بهم غير النوى أصلاً ... وشتّتهم صروف البين تشتيتا
جلست أنظم في وصف الهوى درراً ... والعين تنثر من دمعي يواقيتا
وقال:
أيا منية المشتاق فيم تركتني ... كئيباً بلا عقلٍ قتيلاً بلا عقل
فإن كنت أنكرت الذي بي من الهوى ... أقمت به من أدمعي شاهدي عدل
وقال:
يا ليل هل للصبح فيك وميض ... فعليَّ غم من دجال عريض
ليل حكى الغربان سوداً لونه ... وكأنَّ أنجمه البزاة البيض
وقال:
يكفيك أن الهوى لم يبق في جسدي ... من الجوارح عضواً غير مجروح
إنّي نحلت الهوى قلبي فأنحلني ... حتى غدا جسدي أخفى من الروح
وقال:
نفسي فداء غزالٍ ما اكتحلت به ... إلاّ تصوّرته أنموذج الحور
وكلما رام نطقاً وهو مبتسم ... فالدرُّ ما بين منظومٍ ومنثور
أضحى جنى النحل ممزوجاً بريقته ... لكنّما الخصر منه زنبور
وقال:
أرى الفطر عيد الناس في كلِّ بلدة ... ووجهم لي عيدٌ ورؤيته فطري
إذا ما أعدّ الناس للفطر عطرهم ... فحسبي بما في عارضيك من العطر
وقال:
قم إلى الراح فاسقنيها ففيها ... قوة للفتى وقرّة عين
ما ترى الصوم صار بالأسودين ... وأتانا شوال بالأحمرين
وقال:
صديقك قد ألمّ به صديق ... وأعوزه الشراب الأرجواني
وقد بعثا إليك وليس شيئاً ... سوى معهود فضلك يرجوان
وقال:
لا تعرضنَّ على الرواة قصيدةً ... ما لم تبالغ قبل تهذيبها
فمتى عرضت الشّعر غير مهذبٍ ... عدّوه منك وساوساً تهذي بها
وله من نتفة في ذكر جوين حين كان بها مع الأمير أبي الفضل الميكالي:
طابت جوين لنا وطاب هواؤها ... فسقى السحاب الجون أرض جوين
أرض أقام بها الأمير فألبست ... بمقامه فيها ملابس زين
فكأنّما أنهارها من كفَّه ... تجري وقد جادت لنا بلجين
وكأنّ زهر رياضها من بشره ... يهدي الضياء لكلِّ ناظر عين
وله فيها:
ومرّت في جوين لنا ليالٍ ... عددناهنّ من عيش الجنان
رضعنا في حجور الأمن فيها ... بأفواه الرضى ثدي الأماني
لدى قرمٍ خلائقه نجوم ... ولكن وجهه للبدر ثاني

أبو العباس الفضل بن علي الإسفرائيني
إسفرائين من كور نيسابور، مخصوصة بإخراج الأفراد، كأنو شروان الذي افتخر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ولدت في زمن الملك العادل " فهو أفضل ملوك العجم وأعدلهم بالإجماع وإن كانت لأزدشير فضيلة السبق. ومسقط رأس أو شروان مشهور بإسفرائين.
وكأبي جعفر حمويه بن علي الذي أحيا دولة آل ساسان وحاطها، واجتاح أعداءها، وتولى لهم أربعين حربا لم ترد له فيها راية، ولم تفته من مطالبه غاية، حتى وطأ الله لهم على يده مهاد الملك، وجبى إليهم ثمرات الأرض، هذا مع رجوعه إلى نفس أمارة بالعدل والخير، بعيدة منالجور والشر، مدلولة على سبل البر، تشهد بها آثاره بنيسابور وأوقافه وأخباره.

وكالشيخ الجليل أبي العباس الفضل بن أحمد، فإنه هو الذي ربى الملك السلطان المعظم أبي القاسم محمود بن سبكتكين، أدام الله تأييده! كما يربى الطفل الصغير حتى يشتد عظمه، ويؤنس رشده. وما زال يدرجه بحسن هدايته وكفايته إلى الزيادة،وبلوغ الإرادة، حتى تثبت أركانه، وما زال يدرجه بحسن هدايته وكفايته إلى الزيادة، وبلوغ الإرادة، حتى تثبت أركانه، وعلا مكانه. وتلاحقت رجاله، وتكاثرت أمواله. وتوالت فتوحه، وارتقت فتوقه وكأبي حامد بن أحمد بن أبي طاهر الإسفرائيني إمام أصحاب الحديث ببغداد وصدر فقهائها، فإنه بلغ من الفقه والتدريس مبلغا تنثني به الخناصر، وتثني عليه الأفاضل.
وكأبي العباس علي، فإنه من بقية الكرام الأجواد الذين لا تخرج أوصافهم إلا من الدفاتر وكتب المآثر، فهو من حسنات نيسابور ومفاخرتها وهو الآن الحاكم والزعيم باسفرائين والناظرين في أمورها، والمناضل عن أهلها، والمتكفل بمصالخها ومناجحها، يرجع إلى أدب غزير، وفضل كثير، وطبع كريم وخلق عظيم، ومن حسن أثره ويمن نقيبته أن إسفرائين حرم أمن، وجنة عدن، عامرة به، وقد شمل سائر كور نيسابور نواحيها الخراب وعمها الاختلال وكانت إسفرائين فيها لمعة في ظلم وغرة في غرر، ومن عجيب شأنه أنه - على إقلاله وكثرة ديونه وقصور دخله عن خرجه - يقيم من المروءة وسعة الرحل ما لا عهد لمن فوقه في الجاه والمال بمثله، ويبذل للزوار والعفاة ما لا يقدم أجواد المياسير على بذله، وكأن الأشجع السلمي عناه بقوله:
وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكنَّ معروفه أوسع
وله كتابه حسنة، ومحاضرة مفيدة، وفصاحة مرضية، وشعر كثير لا يحضرني منه الآن إلا قوله:
وكنت إذا ما سّرح المشط عارضي ... رأيت سحيق المسك بين يديَّا
فصرت إذا ما خلَّلته أناملي ... تناثر كافور بهنَّ عليَّا
وقوله لبعض أصدقائه:
أراني إذا ما سرت نحوك زائراً ... خطاي وساع، والمسير ذميل
وإن ما ارح بالإنصراف مودّعاً ... فأدم مشياً والحراك قليل
وقوله في شمعة نصبت في بركة:
وشمعة وسط أيمن البرك ... تميس في الماء ميس مرتبك
كأنها البدر في السماء سرى ... فحار في أوجه من الفلك
وقوله في فوارة أقلت تفاحة:
وفوارةٍ سائل ماؤها ... بتفاحةٍ مثل خدِّ العشيق
كمنفخةٍ من رقيق الزّجاج ... تدار بها كرة من عقيق

أبو الفتح أحمد بن محمد بن يوسف الكاتب
من رستاق جوين، وقع إلى بخارى في آخر الدولة السامانية،واتصل بالخانية، فتولى ديوان الرسائل لبغرا قراخان ونازع أبا علي الدامغاني في الرتبو، ثم زال أمره وانحطت حاله، قصد غزنة فلم يحظ بطائل، وعاود نيسابور فمات بها، وكان أعطاني من شعره مجلدة أخرجت منها قوله:
تزوجت ويحك عوّادةً ... ليطعمك الناس من أجلها
لقد جئت في اللوم أعجوبة ... أرى الكلب يأنف من مثلها
وقوله:
شعري متين وخطي حين تلحظه ... كالروض حسناً وما في منزلي قوت
لا الدرُّ عندهما درٌّ إذا جمعا ... عند الأديب ولا الياقوت ياقوت
لكنّ عيبي أني لست ذا قحةٍ ... لذاكم أنا مهجور وممقوت
وله:
ما للبراغيث طول الليل راتعةٌ ... أجل وطول نهار الصيف في جسدي
بليت منها بما تبلى الكرام به ... من اللئام وأهل البغي والحسد
وله:
لما رأيت الشيخ قد ملّني ... وأزورّ عني واذدرى قدري
رضيت بالفقر ولازمته ... في منزلٍ أضيق من صدري
وله:
سقاك الله نيسابور غثياً ... يبرّد غلَّة الهيم العطاش
فقد أحدثت كتّاباً ظرافاً ... لطافاً طاب بينهم معاشي
إذا أبصرتهم أنشدت بيتاً ... رواه لنا زهير عن خراش
خريتم في البياض وكان عهدي ... بكم تخرون قبل على الفراش
وله:
جفاني وهاجاني ولم يخش صولتي ... ولا سطوتي الشيخ العميد أبو نصر
وكان حريٌّ ألاّ يكاشف شاعراً ... وفي داره يجري من الخزي ما يجري

وقد خاف أولاد العفائف جانبي ... فما أمنه إياي وهو ابن من يدري
وله:
ولحيةٍ للشيخ إن تلقها ... لقيت من حاملها مائقا
سلط عليها ربُّنا نادفاً ... بل ناتفاً بل حالقاً حاذقا
وله:
سيرة الشيخ سيرة مذكوره ... وأياديه بيننا مشكوره
إذ لديه محلُّ كلِّ كريمٍ ... كمحلِّ الكلاب في المقصوره
وله:
من كان ذا جاريةٍ بضَّةٍ ... ولحمها عارٍ من الشّحم
فهذه يا إخوتي فاعجبوا ... جاريتي عظم بلا لحم
عظم بلا لحمٍ ولكنَّها ... مولعة بالمضغ للحم
وله:
أقول للشيخ إذا جئته ... والشيخ لا يفكر في الهجو
سبحان من أعطاك هلّوفة ... تصلح للهجو وللنجو
وله:
لقد جلَّ ارتياحي واغتباطي ... بما يلقاه من ألم السقام
وأرجو أن يتَّمم لي سروري ... بما سقاه من كأس الحمام
وحاشا أن يذوق الموت إلاَّ ... بحدِّ مهنّدٍ ذكرٍ حسام
على أن الحسام يزلّ عنه ... ولكن بالحجارة والسلام
وله:
جهل الرئيس وحقِّ الله يضحكنا ... وفعله وإله الناس يبكينا

أبو القاسم الحسين بن أسد العامري
من رستاق خواف، أحد الأدباء المذكورين، والمؤدبين المشهورين بنيسابور وكان يؤدب أولاد الرؤساء بها، وله شعر كثير اقتصرت منهعلى قوله:
يدي على كبدي من شدَّة الكمد ... كأنّما حلقت كفَّاي من كبدي
نظرت فاحترقت أحشاي من نظري ... فمن ألوم وقد أحرقتها بيدي
الشوق يجمعني والهمُّ في قرنٍ ... جمعاً يفرِّق بين الروح والجسد
جودي لي اليوم أو عودي غداً دنفاً ... أو آندبي لقتيل الحبِّ بعد غد
وقوله من الرجز:
فرسكة حمراء كالعقيق ... هدية جاءتك من صديق
ابنه أبو النصر طاهر بن الحسين
كتب إلى أبي الحسين بن فراسكين، وكان يؤدب ولده:
حثُّ الكريم على التفضُّل بدعة ... يا خير من يمشي على وجه الثرى
جاء الشتاء ولست أملك درهماً ... والاعتماد عليك، فانظر ما ترى
أبو عبد الله الغواص
من قرية الجنيد، من رستاق بنيسابور، أديب متبحر في اللغة شاعر باللسانين كثير المحاسن، وهو الآن حي يرزق، وله نعمة ودهقنة وديوان شعره عظيم الحجم، ومن ملحه قوله:
من عذيري من عذولي في قمر ... قامر القلب هواه فقمر
قمر لم يبق منّي حبّه ... وهواه غير مقلوب قمر
وقوله في دار السيد أبي جعفر الموسوي:
يا دار سعدٍ قد علت شرفاتها ... بنيت شبيهة قبلةٍ للنّاس
لورود وفدٍ، أو لدفع ملمّةٍ ... أو بذل مالٍ، أو إدارة كاس
وقوله في قوم من المتفقهة وسخى الثياب جيدي الأكل:
أناس نتنهم يربى ... على نتن الظرابين
وأكل لهم يربى ... على أكل الثعابين
وقوله:
الخيبريون في أستاههم سعة ... وفي أكفِّهم ما شئت من ضيق
ومنهم أحمد المذموم، مذهبه ... بلع الأيور بلا ريق على الريق
أبو حاتم الوراق
من قرية من رستاق نيسابور، ورق نيسابور خمسين سنة، وهو القائل:
إنّ الوراقة حرفة مذمومة ... محرومة، عيشي بها زمن
إن عشت عشت وليس لي أكل ... أو متُّ متُّ وليس لي كفن
ومن ملحه قوله في نور الخلاف المسكي من الرجز:
كأنّ نور شجر الخلاف ... أكفٌّ شنورٍ بلا خلاف
أبو جعفر البحاث
محمد بن الحسين بن سليمان
من زوزن إحدى كورنيسابورن مشهور بالأدب والعلم، وكان له محل من الشعر وتصرف في القضاء ببلاد خراسان، وأنشد قول ابن المنجم:
فلا تجعلنِّي للقضاة فريسةً ... فإنّ قضاة العالمين لصوص
مجالسهم فينا مجالس شرطةٍ ... وأيديهم دون الشصوص شصوص
فقال مجيزاً لهما:
سوى عصبةٍ منهم تخصّ بعفةٍ ... ولله في حكم العموم خصوص

خصوصهم زان البلاد، وإنّما ... يزين خواتيم الملوك فصوص
ومن ملحه السائرة قوله:
هدية بنسبةٍ ... أذيّة أو بليَّه
بالله قل لي أكانت ... هدية أم وصيّه
إن أخّرت عن حياتي ... وعاجلتني المنيّه
فأعطها بعد موتي ... أقاربي بالسويّه
وهذه قصيدة له كتبتها كلها لحسن ديباجتها:
شباب كلامع برقٍ رحل ... وشيب كمثل غريمٍ نزل
وقدٌّ قويم جفاه الزمان ... كخوطٍ تحاني وغصنٍ ذبل
وشعر تطاير فيه البياض ... يحاكي سواه خضاب نصل
وثغر تناثر كالأقحوا ... ن غازله الليل رشَّ وطل
ووجه نبت عنه بجل العيون ... وقد كان روضاً لحور المقل
وخطو كخطو القطا في الرما ... ل من بعد وثبٍ كوثب الإبل
وجسم تراجع بعد النماء ... كزرعٍ تناهى وبردٍ سمل
ترحَّل ما سرَّ مستعجلاً ... وشيك الرحيل وما ساء حلّ
مضت وانقضت غفلات الشباب ... وجاء الكشيب وبئس البدل
كأنّي رأيت الصبا في المنام ... خيالاً تمثّل ثمَّ اضمحل
أمالك فيما ترى عبرةً ... وشاهد صدقٍ بقرب الأجل
إلى كم تطوف بباب الملوك ... كطير الفراش بضوء الشّعل
فطوراً تجلّ وطوراً تغلّ ... وطوراً تعزّ وطوراً تذل
أتغفل عن نائبات الزمان ... وهنَّ سراع إلى من غفل
زمان يدير على أهله ... بسعدٍ ونحسٍ كؤوس الدول
فإحدى يديه تمجُّ الذعانف ... وإحدى يديه تمجُّ العسل
ألم تعتبر بقصور الملوك ... خلت منهم بوشيك الرحل
فسلها وقل اين سكانها ... وأين الملوك وأين الخول
وأين الجيوش وأين الخيول ... وأين السيوف وأين الأسل
وأين الجيوش وأين الخيول ... وأين السيوف وأين الأسل
وأين الذين حكوا بالقدود ... غصوناً ثناها الندى والبلل
كجنٍّ على الجنِّ قد أقبلوا ... بسود القلانس حشو الحلل
طوتهم عن الأرض آجالهم ... ولم تغن عنهم صنوف الحيل
وما ذاك من كوكبٍ قد بدا ... من الشرق أو كوكب قد أفل
ولا الخير يأتي به المشتري ... ولا الشرّ يقضي علينا زحل
وما الأمر إلاّ لرب السماء ... وقاضي القضاة تعالى وجلّ
قليل جميع متاع الغرور ... وطالبه من قليل أقلّ
وضل عن الرشد جمّاعه ... وحاسده منه فيه أضلّ
سباع حواليه زرق العيون ... كلاب وأسد وذئب أذلّ
فهذا يجاذب ما قد حواه ... وهذا يخالسه ما فضل
إذا وضعوه على نعشه ... اشاعوا البكا وأسّروا الجذل
وإن دفنوه نسوه معاً ... وكلٌّ بميراثه مشتغل
فهذا قصارى جميع الأنا ... م من جلَّ أو قلَّ منهم وذلّ
أقول وللدمع في وجنتي ... سوابق قطرٍ له مستهلّ
سلام على طيب عيشٍ مضى ... وأنسٍ بإخوان صدقٍ نبل
سلام على قوتي للقيام ... إلى الفرض في وقته والنفل
سلام على الختم في ليلةٍ ... بقلب كئيب حليف الوجل
سلام على الكتب ألّفتها ... ووشّحتها بصحاح العلل
سلام على مدحٍ صغتها ... وحبرَّتها ي الليالي الطول
سلام امرىءٍ ما اشتهى لم يجد ... وما رام مجتهداً لم ينل
أناب إلى ربه تائباً ... ومستغفراً للخطا والزَّلل
وله وقد حلم بخيال حبيب له فنبهه ذلك الحبيب فقال:
يا من ينبِّهني عن رقدةٍ جمعت ... بيني وبين خيال منه مأنوس

دعني فإنّك محروس ومرتقب ... وخلَّني وخيالاً غير محروس

أبو منصور محمد بن علي
الإسماعيلي الجويني
أحد أفاضل الأدباء، بل أوحدهم، يجمع تفاريق المحاسن بناحيه إلى دهقنة وكفاية، ويتحلى بستر وقناعة، وله شعر كثير يحضرني منه قوله:
يا واصفاً لي شوقه ... وما سما منه فوقه
حسوت من ذاك مالاً ... مشنوق يستطيع ذوقه
وفوق ظهري منه ... ما يشتكي قدس أوقه
وقوله:
إن الزيارة يزري ... إدمانها بالمحبَّه
وعادة الغبِّ فيها ... ألوى بحسن المغبّه
وقوله:
ما أبين العذر في كتابٍ ... في الظهر حيث البياض يعوز
أليس عند افتقاد ماء ... تيمّم بالصعيد يجوز
وقوله:
اعذر صديقاً في بياض حكى ... كاتبه في دقة الجسم
كأنّما أعدته أشواقه ... فصيرته ناحل الجرم
أبو نصر بن علي بن أبي بكر الزوزني
كان غرة في وجه زوزن، وورد نيسابور وهو غلام يتناسب وجهه وشعره حسنا، فأخذته العيون، وقبلته القلوب، وارتاحت له الأرواح، واستكثر من أبي بكر الخوارزمي وأخذ عنه الفصاحة حتى كاد يحكيه، وتفتحت له أبواب الشعر وتفتقت أنواره فقال، من قصيدة الطويل:
ولا أقبل الدنيا جميعاً بمنّةٍ ... ولا أشتري عزّ المراتب بالذُّل
وأعشق كحلاء المدامع خلقةً ... لثلاّ يرى في عينها منَّة الكحل
وقال:
ألا حلّ بي عجب عاجب ... تقاصر وصفي عن كنهه
رأيت الهلال على وجه من ... رأيت الهلال على وجهه
وحدثني أبو نصر سهل بن المرزبان قال: أنفذ إلى أبو نصر الزوزني رقعة وسألني أن أعرضها على والدي فإذا فيها هذه الأبيات:
يا أيها السيّد المرجّى ... إن حلّ صعب وجلَّ خطب
عندي ضيف وليس عندي ... ما هو للمهليات قطب
فالصدر مني لذاك ضيق ... لكن رجائي لديك رحب
أقم علينا سماء لهوٍ ... أنجمها بالمزاح شهب
نشرب ونوقظ به قلوباً ... ويصبح الجسم وهو قلب
ولما استوى شبابه وشعره ورد العراق وانخرط في سلك شعراء عضد الدولة، فهب عليه نسيم الثروة، وتمهد له فراش العمة، ثم إنه احتضر أحسن ما كان شباباً، وأكمل ما كان آداباً، وكتب إلى والده قصيدة وهو في سكرة الموت أولها:
ألا أهل من فتىً يهب الهوينا ... لمؤثرها ويعتسف السّهوبا
فيبلغ والأمور إلى مجاز ... بزوزن ذلك الشيخ الأريبا
بأن يد الرّدى هصرت بأرض العراق من ابنه غصناً رطيبا
وليس يحضرني باقيها
أبو العباس محمد بن أحمد المأموني
كان من علماء المؤدبين وخواصهم، وانتقل من زوزن إلى نيسابور واشتغل بالتدريس والتأديب، وله شعر كثير وقصائد مسمطة، كقوله من قصيدة أولها:
لعل سعاد تسعد من ... أضرَّ به الفراق وأنّ
تكف يد الصبابة عن ... فؤاد شيِّق تعب
ومنها:
وفقد الغمد لا يزري ... بعضبٍ فيصل يبري
وإن الطِّرف قد يجري ... بغير ثيابه القشب
وقوله من أخرى في التوحيد ألوها:
إله الخلق معبودي ... وفي الحاجات مقصودي
ودين الكفر مردودي ... وعصمة خالقي وزري
وأنشدني لنفسه في وصف تفاحة:
وتفاحة من سوسنٍ صيغ نصفها ... ومن جلّنار نصفها وشقائق
كأنّ الذي فيها من الحسن صائح ... بأن آمنوا يا جاحدون بخالقي
وأنشدني أيضاً لنفسه:
لا العسر يبقي على حالٍ ولا اليسر ... ألا ترى أنّ من يعلو سينحدر
لا تسخطنَّ على دهر لحادثةٍ ... فكلُّ حادثةٍ يأتي بها القدر
وكن بربِّك في الأحوال ذا ثقةٍ ... بأنّه دافع الآفات لا الحذر
أبو القاسم علي بن أحمد
بن مبروك الزوزني
كان متفنناً في العلوم، قائلاً بالاعتزال والزهد والتصوف، وله شعر كثير من أشهره قوله:

سواد صدغين من كفر يقابله ... بياض خدّين من عدلٍ وتوحيد
قد حلّت الزنج ارض الروم فاصطلحا ... يا ويح روحي بين البيض والسود

أبو محمد عبد الله بن محمد العبدلكاني
أديب شاعر، ظريف الجملة، خفيف روح الشعر، كثير الملح والظرف، فمما أنشدني في دار الأمير أبي الفضل الميكالي قوله قوله في بعض الصدور بنيسابور:
لو كنت أعظم في الولا ... ية من يزيد بن المهلّب
أو كنت أعلم بالروا ... ية من سعيد بن المسيّب
ولقيتني بتجهّمٍ ... فالكلب منك إليّ أعجب
وقوله:
يا ربُّ وفقني للخير ... واقتل عدوي بيديّ غيري
وقوِّ أيري فإن الفتى ... لذّته في قوة الأير
وقوله:
يا سيدي نحن في زمان ... أبدلنا الله منه غيره
كلُّ خسيسٍ وكلُّ نذلٍ ... متَّع بالطيبات أيره
وكل ذي فطنةٍ وكيسٍ ... يجلد في بيته عميره
وقوله:
يا كاسباً من إسته ... ومنفقاً على الذّكر
استك تشكوك فلا ... تفرح إذا الأير شكر
وقوله:
يا مادح الشعر جهلاً ... أعن أخاك بصمت
لو كان في الشعر خيرٌ ... ما كان ينبت في استي
وقوله:
له أنف حكى خرطوم فيل ... إلى شفتين مثل الكلبتين
فلا تغررك مردته فإنّي ... رأيت القبح إحدى اللحيتين
وأنشدني الأمير أبو الفضل له:
إذا كنت معتقداً ضيعةً ... فإيّاك والشَّوه الوجوها
لأنّك تقرأ إنّ الملوك ... إذا دخلوا قرية أفسدوها
وله:
إلبس ثياباً وكن حمارا ... فإنّما تكرم الثّياب
انتهى الباب العاشر فتم به الكتابن وبقي على ذكر قوم من أهل نيسابور لم تحضرني أشعارهم، وهم: أبو سلمة المؤدب، وأبو حامد الخارزنجي، وأبو سهل البستي، وأبو الحسن العبدوني الفقيه، وأبو بكر الجلاباذي، وأبو القاسم العلوي، وأبو سعد الخيزرودي، وابو سعيد مسعود بن محمد الجرجاني، والفقيه أبو القاسم بن حبيب المذكر، وأبو القاسم الحسن بن عبد الله المستوفى الوزير، والشيخ أبو الحسن الكرخي، والشيخ أبو نصر بن مشكان، وأبو العلاء بن حسولة أيده الله تعالى، وله الحمد والمنة والشكر، وصلواته على النبي المصطفى محمد وآله الطاهرين، والصحابة أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والصلاة على جميع الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين، آمين.
وهذه زيادة ألحقها الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي رحمه الله تعالى! بخطه في آخر المجلدة الرابعة من نسخته على لسان المؤلف ولقد قال الشيخ أبو منصور رحمه الله تعالى لبعض تلامذته أوان القراءة: قد أجزت ما فعله الأمير، وإن شئت أن تثبته في موضعه من الكتاب فاعل فقد أجزتك بذلك.
أبو الحسن علي بن محمد
الغزنوي مولدا، الأصبهاني منشأ، حسنة أرضه، ونادرة دهره، ونجم أفقه، وعقد قلائد الفضل وأهله، والجامع بين كرم الخيم والخير، والمكتفي بالفهم الثاقب والطبع الغزير، والمتفنن في محاسن الآداب والعلوم، والناظم حواشي المنظوم والمنثور، ومما حضر في الوقت من بارع نظمه:
إذا سلَّم الله دين امرىءٍ ... وعرضاً له من دواعي الخلل
فما بعد هذين من حادثٍ ... تلقّاه أو ريب دهرٍ جللل
وقوله في بغداد:
سقى الله بغداد مجنى العلوم ... ومغنى الأماني ومثوى الأدب
على أنّها حسرة المفلسين ... وجنّة عدنٍ لأهل النشب
إذا ما استتبّت لنا عودة ... إليها قضينا أقاصي الأرب
وقوله:
سقى الله أياماً ببغداد لي مضت ... خلت فألذَّت وانقضت فأمضّت
ولم يك إلاّ عقد عمري وعلقة ... تقضّى فكانت عيشتي قد تقضَّت
وقوله في نكبته:
ليس إلا الرضى بما قدّر الله وإلا الإذعان والتسليم
والعزاء الجميل والصبر والإيقان أنّ المولى رحيم كريم
ومصير المظلوم عقبى نجاةٍ ... ومعاد البغاة مرعى وخيم

ومصير المظلوم عقبى نجاةٍ ... ومعاد البغاة مرعى وخيم
ليس فيما مضى من الخير خير ... إنّما الخير في الذي لا يريم
وكذا الشر ينقضي ليس شرّاً ... إنّما الشرَّ شرُّ من يستديم
فاحمد الله إن حصلت مصيراً ... واشكرنه أن لست ممّن تضيم
واتق الله واستعنه وأيقن ... إن أجر الصبور أجر عظيم
وقوله:
الزجر والفأل والرؤيا تعاليل ... وللمنجّم أحكام أباطيل
والله بالغيب والتقدير منفرد ... وما سوى حكمه غيٌّ وتضليل
فلا معجّل للمقضيِّ آجله ... وليس للعاجل المقضي تأجيل
ثق بالعليم الذي يقضي الأمور ولا ... يغررك ما دونه فالكلُّ تعليل
وقوله::
يا من يثمِّر للحوادث ماله ... فوَّتَّ نفسك حظَّها من مالها
كن واحداً منها لسهمٍ واحدٍ ... لك إن حرمت سهامها بكمالها
وقوله في مرثية وجيه بن أحمد:
أتى نبأ من نحو دينور مصعداً ... أقام جميع السامعين وأقعدا
وأورث أحناء القلوب تململاً ... وأودع أحشاء الضلوع توقّدا
وذوب من بحر المدامع جامداً ... وجرّد من سيف الكآبة مغمدا
وغادر وجه الفضل والنبل أغبراً ... وطرف الحجى والعقل واللبِّ أرمدا
وأبقى أساه كلَّ دمعٍ مهلهلاً ... وأبقى بكاه كلَّ خدٍّ مخدّدا
فعاد به شمل الهموم مجمَّعاً ... وآض به شمل السرور مبدّدا
ففي كلِّ دارٍ منه نوح ورنّة ... وفي كلِّ قلبٍ منه كلم تجدّدا
بأن الردى أنحى على المجد والعلى ... وأودى بحزم العلم والحلم والندى
بمن كان للإحسان والفضل مألفاً ... ومن كان للإنعام والطول معهدا
فويح الردى كيف انبرى دفعةً له ... وكان به من قبل يستدفع الرّدى
عساه أتاه في معارض سائلٍ ... فراوده عن روحه باسطاً يدا
فما ردَّه لما اجتداه تكرُّماً ... وكان قديماً لا يردُّ من اجتدى
عفاء على دهرٍ عفا رسم مجده ... فغادر شلو المكرمات مقدَّدا
وأنف المعالي والكمال مجدّعاً ... ووجه المساعي والفعال مسوّدا
لقد كان حقاً غرَّةً في جبينه ... فعاد بهيماً بعد أكلف أربدا
سلام عليه فائض بركاته ... من الله والرضوان مثنى وموحدا
ولا زال ريحان الجنان وروحها ... يصافحه في كلِّ ممسى ومغتدى
وقوله في علة عرضت له فحلف الطبيب أنها سليمة:
حلف الطبيب لأبرأنَّ من علتي ... ومتى يريح من الممات يمين
هون عليك فكلُّ ما هو كائن ... سيكون إمّا حان منه الحين
ولئن نجوت مسلَّماً من هذه ... إنّي بأخرى بعدها لرهين
وقوله:
سقى الله الصّبا ونعيمها ... إذ القلب صابٍ في هوى المرد شيِّق
وإذ لا أحاشى لذَة كيفما انبرت ... وأني ويم العيش غضّان ريّق
لئن كان عذري في شبابي واسعاً ... عليَّ فصبري في مشيبي ضيِّق
وله في نكبة:
لئن غصبت أيدي المظالم ضيعتي ... فلم تغتصب ديني وعلمي وأخلاقي
وإن ثمدت مالي الجوائح فالذي ... تكفّل بالأرزاق يوسع أرزاقي
فديني موفور، وعقلي راجح ... ووزري منزور، وعلمي لي باقي
وعرضي مصون عن مخازٍ تظاهرت ... على هاضمي، والحمد لله خلاقي
وما أرتجي في آجلي من مثوبةٍ ... وذخر جزيلٍ فهو أنفس أعلاقي
فسبحان من في كلِّ عارض محنةٍ ... له منحة يقضي لها الشّكر أطواقي
/بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد حمدا لله الذي وفقنا لغرس الدر والياقوت في ارض الكتاب واستثمار الغرر والنكت من أنوار الصحف والاستظهار على كرب الدهر بتنسم الأدب والصلوة على سيدنا محمد غرة العالم وسيد بني آدم فاني لما رأيت كتأبي المعنون بيتيمة الدهر في محاسن أهل العصر يسحر العقول ويملك القلوب ويعجب الملوك كما يعجب الرعية ويحسن أثره على الشعراء كما يطيب ثمره للكتاب ويسير في الآفاق مسير الأمثال ويسري في البلاد مسرى الخيال ولقيت أعيان الفضل وأفراد الدهر أطلب له من طير الماء للماء و احرض عليه من المرضى على الشفاء ووقع إلي على الأيام ما ينخرط في سلكه ويصلح للالحاق به ولا يسوغ تأخيره عن أخواته، لا سيما وقد خلا منه مكان قوم من السادة و الكبرا لامتك لثمار خواطرهم ووسائط قلائدهم عن لي حذو كتاب لطيف على تمثيله وترتيبه وايداعه ما شذ عنه من طرزه وجنسه اجراؤه مجرى الفرخ له والعلاوة عليه فعملت من ذلك مالم اخمر الرأي فيه ولم أوفيه حقه من التهذيب لاستعجالي وايثاري اتحاف الشيخ أبي الحسن محمد بن عيسى الكرجي أيده الله تعالى به وهو على جناح السفر ناهض النية سائر العزيمة فارتفع كعجالة الراكب فانضم إلى ما صحبه من أخائر الدفاتر وقد أنشأته الآن نشأة أخرى وسبكته ثانية بعد أولى وكررت فيه ابناء قوم سبق ذكرهم في اليتيمة ولم يحضرني في وقت تاليف اليتيمة الا القطر من سيح وابلهم واللمعة اليسيرة من أبكار أفكارهم كأبي المطاع ذي القرنين من ناصر الدولة أبي محمد الحمداني وأبي العباس خسرو فيروز بن ركن الدولة وأبي علي مكسويه، وأبي بكر القاضي السكي وأبي القاسم بن العلاء الاصبهاني وأبي سعد بن خلف الهمذاني وأبي البركات العلوي وأبي محمد منصور بن محمد الهروي وغيرهم، فاردت الآن أن أسد الثلم واجبر الكسر وأتمم النقص وأورد ذكر كل منهم في مكانه على الرسم في مثله، وقد قررت عنوان الكتاب تتمة - اليتيمة ولم اخله من ملح النوادر وفصوص الفصول وبنيته على الانتخاب والاختصار والاقتصار على اللبوب وعيون العيون وسلوك طريق منصور الفقيه في قوله:
قالو خذ العين من كل فقلت لهم ... في الفصل عين ولكن ناظر العين
حرفين من ألف طومار مسودة ... وربما لم تجد في الألف حرفين
والعذر في تأخير المقدم وتقديم المؤخر وكتبة مالا يتم المعنى دون وما يشرف بالانتساب إلى قائله لا بكثرة طائله ما سبق ذكره ملخصا صدر كتاب اليتيمة ومن هاهنا سياق أبواب الكتاب:

تتمة القسم الأول في
محاسن أهل الشام والجزيرة
الأمير أبو المطاع قد قدمت العذر في تكرير ذكره وكتبت ما لم يقع في التيمة من شعره فمن ذلك ما أنشدني أبو محمد خلف بن محمد بن يعقوب الشرمقاني بها، قال أنشدني أبو المطاع لنفسه:
افدي الذي زرته بالسيف مشتملاً ... ولحظ عينيه أمضى من مضاربه
فما خلعت نجادي في العناق له ... حتى لبست نجاداً من ذوائبه
وكان أسعدنا في نيل بغيته ... من كان في الحب أشقانا بصاحبه
وأنشدني الشرمقاني عن الجوهري عن أبي المطاع لنفسه:
لما التقينا معاً والليل يسترنا ... من جنحه ظلم في طيها نعم
بتنا أعف مبيت باته بشر ... ولا مراقب إلا الظرف والكرم
فلا مشى من وشى عند العدو بنا ... ولا سعى بالذي يسعى بنا قدم
وأنشدني أيضا ًبهذه الاسناد:
تقول لما رأتني ... نضوا كمثل الخلال
هذا اللقاء منام ... وأنت طيف الخيال
فقلت كلا ولكن ... أساء بينك حالي
فليس يعرف مني ... حقيقتي من محالي
وأنشدني أيضاً بهذه الاسناد:
ترى الثياب من الكتان يلمحها ... نور من البدر أحياناً فيبليها
فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... والبدر في كل وقت طالع فيها
وأراه أخذ هذا المعنى من أبي الحسن بن طباطبا العلوي في قوله من نتفة:
لا تعجبوا من بلى غلالته ... إذا زر كتانها على القمر
وأخذه أيضاً الرضى بن الموسوي النقيب فقال من قصيدة:
كيف لا يتبلى غلالته ... وهو بدر وهي كتان

وللقمر خاصية في قرض الكتان ولذلك قال من ذكر عيوب القمر: يهدم العمر ويحل الدين ويوجب أجره المنزل ويسخن الماء ويفسد اللحم ويشحب الألوان ويقرض الكتان ويضل الساري لأنه يخفي الكواكب ويعين السارق ويفضح العاشق الطارق. ولأبي محمد طاهر بن الحسين المخزومي البصري في نظم نبذة من معايب البدر وتحذير بعض الرؤساء سوء أثر هجاءه من قصيدة:
لو أراد الأديب أن يهجو البد ... ر رماه بالخطه الشنعاء
قال يا بدر أنت تغدر بالسا ... ري وتغري بزورة الحسناء
كلف في شحوب وجهك يحكي ... نكتاً فوق وجنة برصاء
ويريك السرار في آخر الشه ... ر شبيه القلامة الحجناء
وإذا البدر نيل الهجو فليخ ... ش أولو العقل ألسن الشعراء
وأنشدني أبو يعلى محمد بن الحسن الصوفي قال أنشدني أبو المطاع لنفسه:
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا
أيقنت أن من الدموع محدثاً ... وعلمت أن من الحديث دموعاً
وله في هذا المعنى بعينه:
غير مستنكر وغير بديعٍ ... أن يبين الذي تجن ضلوعي
لي دموعٌ كأنها من حديثٍ ... وحديثٌ كأنه من دموعي
وكنت احسب أن شعره مقطعات دون القصايد حتى مطلع علينا الشيخ أبو بكر على بن حسن فأعارني من ديوان شعره ما نقله بالشام من خطه وفيه الطوال والقصار ولم يكن رفع إلى خراسان من ذلك غير ما كتبة، فمن احاسنه ولطايفه قوله:
ومفارق نفسي الفداء لنفسه ... ودعت صبري عنه في توديعه
ورأيت منه مثل لؤلؤِ عقدهِ ... من ثغرهٍ وحديثه ودموعه
وقوله في معناه:
رأيت عند الفراق لما ... جم لحيني وشؤم جدي
اربعةً مالها شبيه ... فيمن به صبوتي ووجدي
من در لفظٍ ودر ثغرٍ ... ودر دمعٍ ودر عقدٍ
وقوله:
اليوم يوم السرور والطرب ... فاقض به على ما تحب من أرب
أما ترى الجو في سحائبه ... وبرقه المستطير في السحب
يختال في حلة ممسكةٍ ... قد طرزتها البروق بالذهب
ولأبي المطاع من قصيدة:
ولما اجتمعنا للتفرق سلمت ... سلام فراق لا سلام تلاق
فحليت من نظم الصبابة ... جيدها فريد دموعٍ في عقود عناق
فيا ليت روحينا جرت في دموعنا ... تسيل باجفان لنا ومأاق
فقد يستلذ الصب فرقة نفسه ... إذا جد بالأحباب وشك فراق
وله ايضاً:
أيها الشادن الذي صاغه الل ... ه بديعاً من كل حسنٍ وطيبٍ
ظل بين اللحاظ لحظك يحكي ... سقم قلبي عليك بين القلوب
وله في يوم مضى في دير دمشق:
ما انس لا انس يوم الدير مجلسنا ... ونحن في نعم توفي على النعم
وافيته غلساً في فتيةٍ زهرٍ ... مارشئت من ادب فيهم ومن كرم
والفجر يتلو في أثره زهرته ... كطاعن بستان إثه منهزم
قال كانت الزهرة تطلع في ذلك الوقت قبيل طلوع الفجر:
فلم نزل بمطي الراح نعملها ... محدودة بيننا بالزمر والنغم
حتى إانثنينا ونور الشمس يطرده ... جنح من الليل في جيش من الظلم
وليس فينا لفعل الخندريس بنا ... من تستقل به ساقٌ على قدم
وله من قصيدة:
جناحي إن رمت النهوض مهيض ... وحبة قلبي للهموم مفيض
وقد هاج لي حزناً تألق بارقٌ ... له بأعالي الرقمتين وميض
كما سارقت بالحظ مقلة ارمد ... يقلبها جفن عليه غضيض
فلو أن ما بي بالحديد إذا به ... أو الصخر عاد الصخر وهو رضيض
ولي همة لو ساعدتها سعادة ... لكانت سماءً والسماء حضيض
وتحكم في مالي حقوق مروة ... نوافلها عند الكرام فروض
أبو الحسين أحمد بن محمد المعري

معرة النعمان من بلاد الشام، وكان يلقب بالقنوع لأنه قال يوماً في كلام له قد قنعت والله من الدنيا بكسرة وكسوة ووصف بعض العمال فقال: ما هو إلا ماء كدر وعود وقفل عسر، وأنشدني أبو يعلى محمد بن الحسن البصري قال أنشدني القنوع لنفسه ملحاً وغرراً ونكتاً وطرقا وكان قد استكثر منه وروى جل شعره عنه، فمن ذلك قوله:
رب همٍ قطعته من دجى اللي ... ل بهجر الكرى ووصل الشراب
والثريا قد غربت تطلب البد ... ر بسير المروع المرتاب
كزليخاً وقد بدت كفها تط ... لب اذيال يوسف بالباب
وقوله في الغزل:
ومجرد ابداً عل ... قلبي حسامي مقلتيه
جسمي على حالين من ... حذرٍ ومقيمٍ في يديه
فإذا امنت الخوف من ... ه بقيت في خوفٍ عليه
وقوله في رئيس جالس على رأس بركة مع ندمائه:
قل للرئيس أبي الرضاء محمد ... قول امرءٍ يوليه حسن ولاء
من حول بركتك البهية سادة ال ... قراء والعلماء والشعراء
لو انصفوك وهم قيام اشبهت ... اشخاصهم امثالها في الماء
أي لقاموا على رؤسهم كما يتراؤون في الماء، وقوله في قوم بنوا مسجداً في محلته:
يا من بنى مسجداً ضراراً ... والبخل منه يليه لوم
لو كان إسلامكم قديماً ... كان لكم مسجد قديم
وقوله في بعض العدول:
يا بن علي قالوا ولو صدقوا ... لكنت تجري مجراه في الخلق
دينك ذا لو كشف باطنه ... أرق من طيلسانك الخلق
أبو الخير المفضل بن سعيد

بن عمرو
هو من معرة النعمان أيضاً ويلقب بالعزيزي لاختصاصه بعزيز الدولة أبي شجاع فاتك ومن شعره فيه قوله من قصيدة وقد خلع عليه وأعطاه سيفاً ومنطقة ذهب:
يا ذا الصنايع بعدهن صنايع ... وأخا الأيادي بعدهن اياد
لم ترض لي حتى ارتديت بصارمٍ ... وعقدت مربط عاتقي بنجاد
وادرت في خصري سبيكة عسجدٍ ... اوهت عداي وأمسكت من آدي
فلأرضينك من بلاغة منطقي ... ولأعجبنك من مضاء فؤادي
ولأخدمنك فاعلاً أو قائلاً ... بالضرب بين يديك والأنشاد
وإذا شككت فلا تشك بانني ... في الدهر ثالث عنتر وزياد
ومما يستحسن له قوله في جارية سوداء ويروى لغيره:
ومسكينة النشر مسكينة ال ... غدائر مسكينة المنظر
تثنى وقامتها للقضي ... ب وتنظر واللحظ للجوذر
وتحسبها في خلال الحدي ... ث تنثر عقداً من الجوهر
وقوله في الهجاء:
أبو الرضا القاري له منظر ... يعرب عن بنيه تأنيث
مخنث الطبع وليست له ... خفة أرواح المخانيث
وله ويروى لغيره:
ايرى على جسمي امير وقد ... دان له بالسمع والطاعة
تكسب أعضاي جميعاً له ... في الشهر ما ينفقا في الساعة
أبو العلاء المعري قد جمعت بين أهل معرة النعمان التي أخرجت هؤلاء الفضلاء وهي غير مشهورة بخراسان، وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي الشاعر وهو من لقيته قديماً وحديثاً في مدة ثلاثين سنة قال لقيت بمعرة النعمان عجباً من العجب رأيت أعمى شاعراً ظريفاً يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء وسمعته يقول انا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي واحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء قال وحضرته يوماً وهو يملي في جواب كتاب ورد عليه من بعض الرؤساء:
وافى الكتاب فاوجب الشكرا ... فضممته ولثمته عشرا
وفضضته وقرأته فاذا ... أحلة كتاب في الورى يفرا
فمحاه دمعي من تحدره ... شوقاً إليك فلم يدع سطرا.
فحفظتها واستعملتها كثيراً في مكاتبات الأخوان.
أبو القاسم المحسن بن عمرو
ابن المعلى
أنشدني أبو يعلى له في منتحل:
لو قيل للشعر الذي يدعي ... الحق بمن قالت يا شعر

لم يبق في ديوان اشعاره ... قصيدة لا لا ولا سطر
وأظرف والطف منه قول القاضي أبي الحسن بن عبد العزيزفي أبي بكر الخوارزمي:
لو نفضت اشعاره نفضة ... لانتشرت تطلب اصحابها
قال وأنشدني لنفسه واحسن واجاد جداً:
لست أدري ولا المنجم يدري ... ما يريد القضاء بالانسان
غير أني اقول قول محقٍ ... وارى الغيب فيه مثل العيان
إن من كان محسناً قابلته ... بجميل عواقب الاحسان
وأنشدني المصيصي مرة له واخرى لغيره هذين البيتين وهما مما يدخل على الأذن بلا اذن:
ليالي اللذات سقياً لك ... ما كنت إلا فرحاً كلك
عودي كما كنت مرة ... فنحن إن عدت عبيد لك
وله ايضاً:
ايا بارداً جداً ... ويا من يشبه القردا
لقد اشتبهت من بردك ... مخضراً ومسودا
لأن البرد من بردك ... أضحى يجد البردا.
أبو الحسين المستهام الحلبي غلام أبي الطيب المتنبي والببغاء أنشدني أبو يعلى له في بعض الامراء اخترت منها:
ذو منظر دل على مخبر ... دلالة اللفظ على المعنى
ما زال يبني كعبة للعلا ... ويجعل الجود لها ركنا
حتى أتى الناس فطافوا به ... واستلموا راحته اليمنى
ومنها:
تطربه الاشعار في مدحه ... ولم يضع قائلها لحنا
فليس يدري ان اتى شاعر ... ينشده انشد أم غنا
وهذا معنى حسن قد تصرف فيه العقلاء فمنهم أبو تمام حيث يقول ولعله أول من فتح هذا الباب:
ونغمة معتفٍ تاتيه احلى ... على اذنيه من نغم السماع
ثم البحتري حيث يقول:
نشوان يطرب للمديح كأنما ... غناه مالك طيئ او معبد
ثم ابن الرومي حيث يقول:
كأنه وهو مسئول وممتدح ... غناه اسحق والاوتار في الصخب
ثم القاضي ابن عبد العزيز حيث يقول في الصاحب:
نشوان يلقي المعتفى متهللاً ... يهتز من مدح به عطفاه
وإذا اصاخ إلى المديح رأيته ... وكأنه مالك طيئ غناه
وقول المستهام احسن والطف من أقوال هؤلاء كلهم وله في الخمر أنشدنيه أبو يعلى:
وقهوة ذات حبب ... كالنار ترمي باللهب
تحسب من طول الحقب ... مخلوفة قبل العنب
أبو محمد الماهر الحلبي شاعر بحقه وصدقه محسن ملء ثوبه يقول من قصيدة:
ترى منهم يوم الوغى كل ناشر ... من النقع فوق الدار عين مطاردا
ينالون ما امسى بعيداً مناله ... كأنهم أعطوا الرماح سواعدا
ومن اخرى يشبب فيها بغلام اثرت فيه الحمى ويحسن في التخلص إلى المدح ويظرف جداً:
واسيل الخد شاحبه ... كحلت عيناه بالفتن
تركت حماه وجنته ... في اصفرار اللون تشبهني
وارى خديه وردهما ... ما جني ذنباً فكيف جنى
نهبا حتى كأنهما ... ما حوت كفا أبي الحسن
ومنها:
ذو جفون تشتري ابداً ... غبرات النقع بالوسن
ويد تندى ندى وردى ... تجمع الضدين في قرن
ومن اخرى:
مجدي وقد يثبت في نفسه ... فضيلة المجدي على المجدي
لو كان من احببته بعض ما ... في يده زار بلا وعد
وله من أخرى:
إذا امتطى قلم يوماً انامله ... سد المفاقر واستولى على الفقر
وله في الغزل:
جس الطبيب يدي جهلاً فقلت له ... عني إليك فهذا يوم بحراني
فقال ماذا الذي تشكوه قلت له ... اشكو إليك هوى من بعض جيراني
فظل يعجب من قولى وقال لهم ... إنسان ظرفٍ فداووه بانسان
ومن منثور كلامه: خلص من سبل النقد خلوص الذهب من اللهب، واللجين من يد القين، والمدام من نسيج الفدام، وقوله: اين السمك من السماك والغرقد من الفرقد والسراب من الشراب.
أبو الفتح الموازيني الحلبي: لم أسمح في هجاء قوال املح من قوله:

ومغن عن غيره غير مغن ... جاء في لحنه القبيح بلحن
كاد في كفه القشيب من الغي ... ظ ينادي يا اثقل الناس دعني.
أنشدني المصيصي له وهو متنازع بينه وبين نفر من اهل الشام والجزيرة لجودته وأنشدني أبو يعلى البصري لبعضم وقد نسيت اسمه:
لا يظن الحسود ذلك وإن د ... ب دبيب التوريد في وجنتيه
أنما خده غلالة وردٍ ... نفضت صبغها على مقلتيه
وقوله من قصيدة:
الج العجاج إلى المقنع حاسراً ... وأزورها خوف الوشاة مقنعاً
وقد كنت قلت في صباي بيتيتن في تشبيه كسوف البدر بالتحاء الغلام وضمنها أبو سعيد بن أبي الفرج كتابه في التشبيهات وهما:
انظر إلى البدر في اسر الكسوف بدا ... متسلماً لقضاء الله والقدر
كأنه وجه معشوقٍ ادل على ... عشاقه فابتلاه الدهر بالشعر
أبو أحمد محمد بن حماد البصري: أنشدني أبو القاسم يحيى بن علاء البخاري الفقيه قال أنشدني ابن حماد البصري لنفسه بها:
إن كان لا بد من أهل ومن وطن ... فحيث آمن من أهوى ويأمنني
يا ليتني منكر من كنت أعرفه ... فلست أخشى اذى مة ليس يعرفني
لا أشتكي زمني هذا فأظلمه ... وانما أتشكى أهل ذا الزمن
وقد سمعت افانين الحدجيث فهل ... سمعت قط بحر غير ممتحنِ
وحدثني هذا أبو الفضل قال قلت يوماً بالبصرة لا بن حماد في كلام جرى بيني وبينه انت بحر وأنا نهر فقال لاجرم انت عذب وانا ملح وقرظته يوماً أخر واثنيت عليه فقال ما أحسن هذا المدح لولا أن العارية مؤداه.
أبو الحسن محمد بن عبد الواحد القصار: هو بصري المولد والمنشأ الا أنه استوطن بغداد ولما رأى سخف الزمان واهله وميلهم من الكلام إلى هزله اخذ في طريق السخف ونزع ثياب الجد وتلقب بصريع الدلاء وتشبه بابن الحجاج وهيهات، ولما أنشد فخر الملك قصيدته التي منها:
يا ذا الجلالات ويا ... ذا النعم المتسقه
يا نعمة الله على ... جميع من قد خلقه
لو فاخر الدهر الورى ... علوت منه عنقه
قد والذي يبقيك لي ... انقطعت بي النفقه
وبعت من دفاتري ... ما كان جدي ورقه
وهي هزلية طويلة اعطاه ما اغناه فهبت ريحه ونفقت سوقه ودرت الصلاة له وتداول اهل بغدادا قصيدته التي عارض بها أبي العنبس في تأخير المنفعة وذكر التميمي انه قالها واكثر شعره في داره ببغداد وانه كان يسميها باديته واول القصيدة:
قلقل احشاي تباريح الجوى ... وبان صبري حين حالفت الأسى
ومنها وهي مطمعة مويسة:
يا سادة بانوا وقلبي عندهم ... مذ غبتم قد غاب عن عيني الكرى
وسوف أسلي عنكم صبابتي ... بحمقةٍ يعجب منها من وعى
في طرف نظمتها مقصورة ... اذ كنت قصاراً صريعاً للدلا
من صفع الناس ولم يمكنهم ... أن يصفعوه بدلا قد اعتدى
من مضغ الأحجار ادمت فكه ... فالضرس لم تخلق لتليين الحصى
من نام لم يبصر بعيني راسه ... ومن تطأطأ راكعاً قد انحنى
من رامح الخيل كسرن ساقه ... ومن حدى في نومه فقد هذى
من صام اسبوعاً تماماً ليله ... مع النهار لم يوافقه الخوى
من قطع النخل وظل راجيا ... ثمارها فذاك مقطوع الرجا
ومن طلى بالحبر صحن وجهه ... حكا بما سود ليلاً قد دجا
وهي طويلة تربي على المائة وقد اعجز الشعراء ان يزيدوا فيها بيتاً من حسنها.
أبو عبد الله بن الحسين بن أحمد المفلس: قد ذكرته في كتاب اليتيمة واوردت يسيراً من شعره وهو ما ذكر أبو الحسن محمد بن الحسين الفارسي النحوي من ان له شعراً كثيراً في اللغز والاحاجي قد ظفرت الآن به وكتبت ما استحسنته واخترته وكان عمله لبهاء الدولة فاستخرجه كله، فمن ذلك قوله في نخلة على شاطئ من نهردجلة:
وغيداء تهتز طوع النسيم ... إذا جد معتله أو مزح

إذا الماء مثل لي ظلها ... توهمتها مخوضاً في قدح
وقوله في السفرة:
ورافعة إليك بلا جفون ... عيوناً لا تطيق لها انطباقا
تبسم في المنازل عن وجوهٍ ... رماها الحسن تأتلق أئتلاقا
مزخرفة كأن الروض فيها ... إذا استجليت لحظاً وانتشاقا
جصصناها بزنار ظريفٍ ... ففاقت كل مجتصٍ وفاق
إذا وضعت يكون لها نطاقاً ... وإن رفعت يكون لها خناقا
فلم نر مثلها بدراً منيراً ... ولم نر مثل ايدينا محاقا
وقوله في البيضة:
وصفراء في بيضاء رقت غلالةً ... لها وجفا ما فوقها من ثيابها
جماد ولكن بعد عشرين ليلة ... ترى نفسها معمورة من خرابها
وقوله في باقي البقل:
وغضة رطبة يضمنها ... نخاسها حين تجتلي ملحا
إذا اشتروها تنصرت فإذا ... ادخلت البيت اسلمت مرحاً
وقوله في الزبور:
واعجمي لابس لبس العرب ... لا يستفيق من غناء إن ركب
مبرقع ببرقع من الذهب ... يضحي ويمسي بحقائب محتقب
وخنجر يسله عند الغضب ... كأنه شعلة نار تلتهب
وقوله في المقراض:
وذي جسمين لايفر ... ق ما بينهما ناظر
إذا ما بخصوا عيني ... ه امسي فمه فاغر
وقوله في السيف:
ومستعرض صاحباً لا يزا ... ل يحمي من الذل اطواقه
فطوراً يطول من وجهه ... وطوراً يعرض اشداقه
وقوله في الميزاب:
ومخطف قد ابرزوه باديا ... تلقاه في الصيف فقيراً عاريا
وفي الشتاء باللجين حاليا ... إذا يداه التقطت لأليا
صاغت لنا منه حساماً ماضياً.
وقوله في الكتب:
ومستودع سراً تضمن صونه ... فاصبح منه في الضمير مكتماَ
إذا ما طوى كشحاً على سر صاحبٍ ... تمنطق حزما فوقه وتختما
وقوله في صورته التي يراها في المرآة:
وزائر لست في عشقي ولا شغفي ... بوجهه حين ألقاه بمحجوج
يظل يلحظني عجباً والحظه ... وبيننا سد يأجوج ومأجوج
وقوله في الحمام:
ومنزلة اقوام إذا ما التفوا به ... تشابه فيه وغده ورئيسه
يخالط فيه المرء غير خليطه ... ويضحي عدو المرء وهو جليسه
ينفس كربي أن تزيد كروبه ... ويونس قلب أن يقل أنيسه
إذا ما أعرت الجو طرفاً تكاثرت ... علك به أقماره وشموسه
أبو المكارم المطهر بن محمد البصري: أحد من طوف في الآفاق ولا راحلة له إلا الرجلة ولا حرفة الا شحذ المدية في الجدية، وهو شاعر سريع الخاطر كثير النوادر في الجد والهزل وهو القائل:
رأيت الشعر للسادات عزاً ... ومنقبة وصيتاً وارتفاعا
وللشعراء هونا وانخفاضا ... ومجلبه لذل واتضاعا
وذكر بعض الرؤساء فقال: حضرته عوذة من الفقر وطلعته أمان من الزمان، وشكى بعضهم فقال: توقعت إيجابا فلم ار إلا حجابا واعجابا، وذكر آخر فقال: ما هو الا ثقل الدين على وجع العين، وحدثني الدهقان أبو علي القومسي قال حضر عندي بالدامغان وقد إلينا المشمش فقال في الوقت مرتجلا:
ومشمش سوء قد أكلنا غديةً ... بمجلس حر وهو خير صديق
إذ ما منحنا العيون حسبته ... رؤس ايور ضمخت بخلوق
فتنغصت باليوم والمشمش وفرضت على نفسي ترك تناوله، وقال لي في كلام له: لم افدك بنفسي لأنها قيمة لك وزنة بك ولكنها طاقة المجتهد.
أبو القاسم علي بن محمد البهدلي الايلي: ذكر صديقاً له فقال: ان اتيته حجب وان قعدت عنه عتب وان عاتبته غضب، ولمؤلف الكتاب في هذا المنى:
ان غبت عنك شكوتني ... وإذا وصلت هجرتني
وتظل لي مستبطئاً ... وإذا حضرت حجبتني
ووجدت في تعليقاتي بعد فراغي من كتاب اليتيمة للبهدلي وقد نسيت اسم من أنشدنيه:
للناس بيت يديمون الطواف به ... ولي بمكة دون الناس بيتان

فواحد لجلال الله أعظمه ... وآخر فيه لي شغل بانسان
وأنشدني أبو يعلى البصري له:
من أنا عند الله حتى إذا ... اذنبت لا يغفر لي ذنبي
العفو يرجي من بني آدم ... فكيف لا يرحى من الرب
وله وقد سأله صديق له غير مرة عن نيسابور:
تغري بنيسابور تسئل دائماً ... عن حالها وهوائها ورجالها
نعم المدينة لو وقيت جفاءها ... من أهلها وسلمت من اوحالها
أبو القاسم السعدي ابن عم نباتة: هو القائل في الخمر:
جاءتك كالنار في زجاجتها ... حمراء ما تستقر من نزق
حتى اذا ما المزاج خالطها ... رأيتها مثل صفرة الشفق
كالبكرة تصفر من معانقة ال ... زوج اذا ضمها من الفرق
وهو القائل ويروي لغيره:
أعاذلتي على اتعاب نفسي ... ورعيي في السرى روض السهاد
إذا شام الفتى برق المعالي ... فاهون فائت طيب الرقاد
أبو محمد طاهر بن الحسين بن يحيى المخزومي البصري: هو بصري المولد والمنشا رازي الوطن حسن التصرف في الشعر موف على اكثر شعراء العصر يعدل من أهل العراق بابن نباتة وابن بابك ومن أهل الجبل بالرستمي والخازن وله مصنفات منها كتاب فتق الكمائم في تفسير شعر المتنبي، وبقي إلى طلوع الراية العلية بالري ثم انتقل إلى جوار ربه وقد كتبت غرراً. من شعره الذي هو روح الشعر وذوب السحر فمنها قوله ما احسنه وابدعه واصدقه:
نفسك لا تعطيك كل الرضا ... فكيف ترجو ذاك من صاحب
اجل مصحوب حياة صفت ... فهل خلت من هرم عاتب
وقوله في معنى لم يسبق إليه:
العيب في الخامل المغمور مغمور ... وعيب ذي الشرف المذكور مذكور
كفوفة الظفر تخفي من مهانتها ... ومثلها في سواد العين مشهور
وقوله في الغزل وما أملحه وافصحه:
عرضت قلبي للحتوف بعارض ... كالورد نداه الصباح بطله
متوحشاً زغب العذار كأنما ... القى عليه الصدغ سمرة ظله
وقوله وقد قدم عليه بعض المتأخرين عن رتبته:
جل قدري وخس قدر زماني ... فأنا العصب في يمين الأشل
وقوله في وصف الدنيا:
اذا تبرجت الدنيا فعاهرة ... خضابها دم من تصبي فتغتال
كأنها حية راقت منقشة ... ولأن ملمسها والسم قتال
اخذه من قول امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: الدنيا كالحية لين مسها قاتل سم يحذرها العقل ويهوي اليها الجاهل، وأنشدني أبو غانم القصري للمخزومي في وصف الفرصاد وهو احسن وابدع ما قيل فيه:
هلم فساعد في تحية فرصاد ... كأعجاز نمل يجتمعن على زاد
وزادني غيره:
وموز كانعاظ الايور اذا مشى ... ميل بعطفيه علي بن حماد
ومن أحاسن بدايعه قوله:
لا تحرم الخفض رب فائدة ... جائتك عفواً ولم تسم تبعاً
أما رأيت الغدير يملؤه ... سيل الحيا غير جاشم طلبا
وقوله لأبي العلاء بن حسول ايده الله:
قالوا وداد أبي العلاء يحول ... كالظل يقصر مرة ويطول
فسأستشف لقاء فأميل في ... وصل وهجر منه حيث يميل
فاذا دعاني بشره قاربته ... وإذا تجعد فالعزاء جميل
وقوله:
ودع أخاك اذا جفاك فقبله ... ودعت مألوف الصبا بسلام
ودع العتاب اذا استربت بصاحب ... ليست تنال مودة بخصام
معنى البيت الأول ينظر إلى قول ابن الرومي:
سلوت الرضاع والشباب كليهما ... فكيف تراني ساليا ما سواهما
والبيت الثاني منقول من قول اشجع السلمي:
اقلل عتاب من استربت بوده ... ما أن تنال مودة بقتال
وللمخزومي في معنى بديع لطيف:
اتحاول الحظ السني بقوة ... هيهات انت بباطل مشغوف
رعت العقاب قوية جيف الفلا ... ورعى الذباب النور وهو ضعيف
وقال يدعو صديقاً له إلى منزله:
غلس نباكر في الجزيرة روضةً ... عبقت باذيال الصبا حوذانها

فكأنهن مع الصباح مجامر ... سحرت بند والضباب دخانها
ولنا هناك عتيقة قد طلست ... بشفوف نسج عنكبوت دنانها
تعدي يد السارق الشعاع كأنما ... عقدت له مما يدير بنانها
ما صفو عيش المرء إلا فرصةً ... والغبن إن فات الفتى إمكانها
وقال في التصوف:
ليس التصوف إن يلاقيك الفتى ... وعليه من نسج النحوس مرقع
بطرائق سود وبيض لفقت ... وكأنه فيها غراب أبقع
ان التصوف ملبس متعارف ... يخشى الفتى فيه الإله ويخشع
وكان يهذ شعر بلديه البحتري هذاً وكان في بصره سوء فرمدت مرة عينه فقال له والي منبج يا أبا الغوث قد اشرفت على العمى فما الذي تعمل اذا عميت قال أقرأ على قبرك ايها الأمير فاستظرف قوة جوابه وتعجب من ظرفه، قال ومن شعره قوله في غلام له التحى:
في سبيل الله خدٌ ... كان في الملمس خزا
خانه الدهر فأضحى ... يوسع اللائم وخزا
وقوله:
أوجه المرد وضيه ... وثناياهم شهية
ولهم دل وعنج ... وشفاعات قوية
وإذا الشعر بدا في ... صفحة الخد النقية
فرق الالف عن الالف ... كتفريق المنية
وقوله:
أيها الظبي الذي اع ... رض عني وجفاني
وهو من أعظم همي ... حين اخلو بالاماني
ابتلاك الله مني ... بالذي منك ابتلاني
ساعة حتى ترى كي ... ف الهوى ثم كفاني
القاضي أبو عبد الله محمد بن علي: المعروف بابن حشيشة المقدسي ويقال له الهاشمي، أنشدني أبو يعلى البصري قال أنشدني ابن حشيشة لنفسه في الغزل:
رشأ غرير لا يؤلف بي ... ن طرفي والغرار
لاصرحن بحبه جه ... دي ولو ذهب اصطباري
تصريح منخلع العذا ... ر بحب فتان العذار
وله ايضاً:
يا من بصحة هجره ... وجفائه قلبي عليل
أنت الجميل وكل ما ... تأتي به حسن جميل
وأنشدني أبو الحسن القزويني له:
طول اللحى زين القضاة وفخرهم ... وتميز عن غانمة سفهاء
لو كان في قصر لها فخر لها ... لم يرو فيها سنة الاعفاء
أبو سويد الصوفي: دعا لرئيس فقال جعل الله ما ألبسك من ثوب الجمال وقلدك من طوق الكمال موصولا بالحجاب من النار. وانشد لنفسه:
اذا رضيت بقوت ... ولبس ثوب مرقع
ولم يكن لي صديق ... فراقه اتوقع
وبان عني شبابي ... فما عسى الدهر يصنع
وله أيضا ويروى لغيره:
ليس للراحة قيمه ... ساعة منها غنيمه
والذى اختار عليها ... تعب النفس بهيمه
أبو القاسم الحسين بن علي الويزير المغربي: أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن أيده الله تعالى قال أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسين العثماني قال أنشدني ابن المغربي الوزير لنفسه في بلوغ الغاية من السلوة، ولم اسمع في معناه ابلغ منه:
حبيب ملكت الصبر بعد فراقه ... على انني علقته والفته
محى حسن يأسي شخصه من تفكري ... فلو انني لاقيته ما عرفته
قال وأنشدني أيضاً لنفسه:
اني ابثك من حدي ... ثي والحديث له شجون
فارقت موضع مرقدي ... ليلاً فنافرني السكون
قل لي فاول ليلة ... في القبر كيف ترى أكون
وأنشدني أبو طالب محمود بن الحسن الطبري قال أنشدني ابن المغربي الوزير في ايام انتقاله إلى بغداد:
عجبت هند من تسرع شيبي ... قلت هذا عقبي فطام السرور
عوضتني يد الثلاثين من مس ... ك عذاري رشا من الكافور
كان لي في انتظار شيبي حساب ... غالطتني فيه صروف الدهور
وله ايضا:
اذا ما الامور اضطربن اعتلى ... سفيه تضام العلى باعتلائه
كذاك اذا الماء حركته ... طغا عكر راسب في انائه
وله أيضاً:

كن حاقداً ما دمت لست بقادر ... فإذا قدرت فخل حقدك واغفر
واعذر أخاك إذا اساء فربما ... لجت اساءته اذا لم تعذر
وكان يجري في طريق ابن المعتز نظماً ونثراً ويجاذبه طرفيهما، فمن لطيف كلامه ما كتب إلى بعض الرؤساء: ثقتي بكرمك تمنع من اقتضائك وعلمي باشغالك يبعث على اذكارك، وهذه قصيرة من طويلة، وكان يقول: لا تعتذر إلى من لا يجد لك عذراً ولا تستعن إلا بمن يحب أن تظفر بحاجتك، ومر بمكتب والمعلم يضرب صبياً ضرباً مبرحاً فالتفت إلى من معه وقال: إن الله تعالى أعان على عرامة الصبيان برقاعة المعلمين، ومن كلامه: العمر علق نفيس لا ينفقه العاقل إلا فيما هو انفس منه.
أبو سعيد العفيري: حدثني أبو عبد الله بن هرمزدان الفارسي رحمه الله تعالى قال حدثني فلان يعني شيخاً من الفرس سماه لي ونسيت اسمه مع ملكه النسيان رقى، قال كان ببيت المقدس شاعر ماهر ساحر يعرف بأبي سعيد العفيري يقرع باب الألحاد وله أخ يلقب رمادة من عبد الناس وازهدهم ومن الابدال الذين يسد الله بهم اوتاد الأرض ليقوم مقامه وينوب منابه في العبادة فبلغه عن أخيه أبي سعيد أنه قال:
هي الدنيا وليس لها تناه ... ونوم القبر ليس له انتباه
وليس يخرب الدنيا الحكيم ال ... قديم القادر الأحد الاله
إلى شعر كثير في معناهما فما زال به حتى اسمعهما اياه ما يجري مجراهما فغضب لله سبحانه وامتعض وتنمر ولم يذق البارد حتى بات عنده ليلة وترصد نومه وغطيطه فخنقه بيده وخرج هائماً على وجهه حتى ألم بمتعبده.
أبو نصر الحمصي: أنشدني الشيخ أبا بكر لأبي نصر كاتب اليمن صاحب اليمن في محمد ابن حوسب ولم اسمع في معناه أظرف منه:
قيل لي ما افدت ممن اليه ... صرت تخدو قلائص الآمال
قلت جئناه في شهور شراف ... وهو فيها بنكسه ذو اشتغال
والفتى لا يجود الاعلى الس ... كر فامهلته إلى شوال
وله فيه ايضاً:
قد لعمري عرفت ذنبي اليه ... إذا جفاني من غير جرم لديه
ذاك أني ناديته يا كريماً ... أخذ الجود نسخة من يديه
فجفاني ولم المه لأني ... في الذي قلته كذبت عليه
وسرقت له دريهمات فقيل لا تهتم فانها في ميزانك فقال في الميزان سرقت، ومدح العزيز فقال: وجه صباح البشرى ومفتاح النعمي وطليعة الخير وعنوان الرحمة وعذر الزمان المذنب، وذم رجلا فقال له: لحية التيس ونكهة الليث وصوت العير ولق البغل ولؤم الذئب وبخل الكلب وقبح القرد وحرص الخنزير وزهو الغراب ونتن الظربان، ووصف فرساً فقال: كأنه اذا علا دعاء واذا هبط قضاء، ومن كلامه: ليس بيسير تقويم الكسير.
أبو الضياء الحمصي: حدثني أبو عبد الله الحامدي قال أنشدني أبو محمد الخازن قال: من الفوائد التي سرقتها من السفينة الصاحب التي كان لا يمكن منها أحداً قول أبي الضياء في بعض الرؤساء:
وما خلقت كفاك الا لاربع ... وما في عباد الله مثلك ثاني
لتجريد هندي واسداء نائل ... وتقبيل افواه وأخذ عنان
قال وكتب على ظهر دفتر له يشتمل على فوائده:
هذا كتاب فوائد مجموعة ... جمعت بكد جوارح الأبدان
وبدائم الادلاج في ظلم الدجى ... والسير بين مناكب البلدان
وله ويروي لغيره:
قد يبعد الشيء عن شيء يشابهه ... أن السماء نظير الماء في اللون
وأنشدني له بعض الغرباء ثم وجدته للرضي الموسوي من قصيدة:
وإن لم تكن عندي كسمعي وناظري ... فلا نظرت عيني ولا سمعت اذني
وانك احلى في جفوني من الكرى ... واعذب طعماً في فؤادي من الأمن
قيل ودخل إلى صديق له في مجلس انسه وهويشرب النبيذ صرفاً بغير مزاج ويسقي ندماءه كذلك المغني يغني ويقول:
يديرونني عن سالم واديرهم ... وجلدة (ما) بين العين والأنف سالم
فقال أبو الضياء لو اسقط المطرب الما من الشعر وجعله في قدحي صلح الشعر والنبيذ معاً.

أبو منصور الصوري أخو أبي عمارة: الذي ذكرت له في كتاب اليتيمة ابلغ ما قيل في وصف الثقيل، حدثني أبو طالب محمد بن علي بن عبد الله المعروف بالبغدادي وهو من واسط قال كان الصوري في عنفوان امره معلماً مرجواً يتكلم من جنس صناعته كما كتب إلى صديق له في الشوق كهيعص اني الي جد صاد والصافات ان شوقي اليك فوق الصفات والحواميم أني من الحنين في عذاب أليم، ثم ارتفع عن التعليم إلى التأديب والشعر فكان يقول مثل قوله:
نثرت لآلي دمعها وجداً على ... ديباج خد في الدياجي اشرقا
ما هذه العبرات يا بنه فارس ... لسنا باول عاشقين تفرقا
وقوله في قصيدة لم يعلق بحفظي الا البيت الأول منها:
تأخر برد الماء عن كبد حرى ... وهذا لهيب النار في مقلة عبرى
قال وأنشدني لنفسه:
من كف عنك شره ... فافعل به ما سره
محمد بن أيمن الرهاوي: كان يعارض أبا العتاهية ويجري في طريقه ويقول مثل قوله:
قنعت بالقوت في زماني ... فصنت نفسي عن الهوان
من كنت عن ماله غنياً ... رأيته كالذي يراني
ومثل قوله واراني سمعته لغيره:
إنا ننافس في الدنيا مفارقة ... ونحن قد نكتفي منها بأدناها
حذرتك الكبر لا يعلقك ميسمه ... فإنه ملبس نازعته اللاها
وقوله:
إن المكارم كلها لو حصلت ... رجعت جملتها إلى شيئين
تعظيم امر الله جل جلاله ... والسعي في اصلاح ذات البين
ابن وكيع التنيسي: أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن ايده الله تعالى قال أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسين العثماني قال انشدنا القاضي ابن البساط البغدادي لابن وكيع التنيسي وهو احسن ما قيل في مدح السفر:
تغرب على اسم الله والتمس الغنا ... وسافر ففي السفار خمس فوائد
تفرج نفس والتماس معيشة ... وعلم وآداب ورفعة ماجد
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة ... وتشتيت شمل وارتكاب شدائد
فللموت خير للفتى من مقامه ... بدار هوان بين ضد وحاسد
وأنشدني الشيخ أبو بكر ايده الله قال أنشدني أبو يعلى سعيد بن احمد الشروطي بالرملة لابن وكيع:
يحسن النحو في الخطابة والشع ... ر وفي لفظ سورة وكتاب
فاذا ما تجاوز النحو هذي ... فهو شيء من المسامع ناب
وله ايضاً:
إن شئت ان تصبح بين الورى ... ما بين شتام ومغتاب
فكن عبوساً حين تلقاهم ... وخاطب الناس بإعراب
أبو جعفر الجعفري العطار الحراني: وصف غلاما وشبه بما هو من جنس صناعته فقال: صدغه مسك وخطه عنبر كافور وعرفة عود، ومن شعره قوله:
أنا ممن إذا النوائب نابت ... شاورتني الرجال في النائبات
وإذا ما نظرت في امر نفسي ... خانني الراي واستكنت قناتي
وهكذا كان إبراهيم بن المهدي وذكر العلة في ذلك فقال: لأني أدبر امر نفسي بالهوى وامر غيري بالرأي وشتان ما بينهما، وجمعه وقوماً من المتكلمين مجلس أنس فأخذوا في الجلد فقال: مجلس النبيذ للجذل لا للجدل، وجرى ذكر مسيلمة الكذاب فقال: لا بني صادق ولا متنبئ حاذق، ووصف إنساناً طروباً فقال: اطرب من زنجي عاشق سكران على عود بنان وناي زنام وطبل سلمان، ودعا لصديق له فقال: صان الله كرمك عن لؤم الرزمان وادام اتعاب الفلك لراحتك.
أبو العباس ابن أحمد بن جعفر البديعي: ذكره لي الشيخ أبو بكر وسمى بلدته مع اسمه فلم يعلق بحفظي وقال انه الآن حي يرزق وأنشدني من شعره قوله من قصيدة:
بدرت زلة الحكيم وقبلي ... زل داود سيد الزهاد
ثم نادى الأمان ياررب قد تب ... ت فهب لي خطيئتي واعتمادي
والليالي كما علمت حبالى ... كل يوم تجين بالاولاد
وقوله:
الصق صدري بصدره فشكى ... قلبي إلى قلبه الذي يجد
فاعجب لقلب شكى هواه إلى ... قلب سواه وما درى الجسد
وقوله:
ارق الليل مونسي ... فدع النوم واجلس

ما ترى الجو بالصفا ... ونسيم الصباء كسي
ونجوماً تخالها ... بندقاً طاح عن قسي
فاغتنم رقة الهوا ... ء وطيب التنفس
وأجب داعي الصبو ... ح بكأس وغلس
واشربن واطربن ما است ... طعت فيه وعرس
من يضيع ساعة تسر ... من العمر يبخس
وقوله ايضاً:
يا من تباشرت الدنيا بطلعته ... تباشر الأرض ذات المحمل بالمطر
إني غدوت بآمالي على ثقة ... إذا لقيتك أني أسعد البشر
وقوله في ذم خدمة السلطان ويروى لغيره:
ومن خدم السلطان أكرم نفسه ... ولكنه عما قليل اهانها
ومن عبد النيران لم ينتفع بها ... ولم يلق إلا حرها ودخانها
محمد بن حماد الكاتب: كتب إلى صديق له : يا أخي العطله سكون والحياة بركة والعمل حركة فان استطعت أن تخرج من سكون الموت إلى حركة الحياة فافعل: وكتب في ذم رئيس: هو والله عيث في دينه، قذر في دنياه، رث في مرونته، سمج في هيئته، منقطع إلى نفسه، راض عن عقله، بخيل بما وسع الله عليه رزقه، كتوم لما أتاه الله من فضله، لجوج لا ينصف إلا صاغراً، ولا يعذل إلا راغماً، ولا يرفع نفسه عن منزلة إلا ذل بعد تعززه فيها، ومن ملح شعره قوله في نديم كان يخطئ القينة في غنائها ويأخذها بالنحو والاعراب فينغص بذلك على أهل المجلس:
يا قاطع الصوت على ... قوم كرام نجب
يأخذه اللحن على ال ... قينة عند الطرب
تريد أن تفهمها ... حد كلام العرب
احلف بالله وما ... انزله في الكتب
للكلب خير ادباً ... من بعض أهل الأدب
ومما ينسب إليه ويروى لغيره قوله:
يا حبذا ليلة نعمت بها ... أشرب فضل الحبيب في القدح
سألته قبلة فجاء بها ... فلم اصدق بها من الفرح
وقوله:
عجبت لقلبك كيف أنقلب ... ومن فرط حبك أنى أذهب
فأعجب من ذا وذا أنني ... اراك بعين الرضا في الغضب
أبو سهيل الحراني: كان ينادم قردة له فقيل له في ذلك فقال:
ملت إلى القردة أنادمها ... فانكرت ذاك زمرة الحسده
فقلت يا بله لا عقول لكم ... من عدم الناس عاشر القردة
وقوله:
ألف الحوادث مهجتي فالفتها ... بعد التنافر والكريم الوف
ليس البلاء علي صنفاً واحداً ... لكن علي اليوم منه صنوف
أبو علي الحسين بن بشر الرملي: حدثني القزويني وغيره قالا كان الحسين في حياة أبيه بشر يهوى فتى من أهل الرملة في نهاية الملاحة والصباحة لا يرى الدنيا به وابوه يعذله وينهاه عن الإشتغال بأمثال فبينا هو ذات يوم قاعد مع أبيه على باب دارة إذ اجتاز به الفتى الموموق وكأنه ينظر بمقلة يوسف ولم يكن بشر رآه فأخذته عيناه فقال للحسين يا بني إن كان لابد من الحب فهلا أحببت مثل هذا فأطرق حسين ولبس قناع الخجل ثم قال في حكاية الحال:
ابصره عاذلي عليه ... ولم يكن قبلها رآه
فقال لي لو هويت هذا ... ما لامك الناس في هواه
فظل من حيث ليس يدري ... يأمر بالحب من نهاه
ثم رأيت هذه الأبيات في ديوان أبي الفرج بن هند ولست ادري ايهما المنتجل ولنا من الحديث طيبه وانشدت للحسين بن بشر في عزيز مصر:
يا واهب الدنيا ويا غافراً ... ذنوب أهل الأرض لو أجرموا
قد نال إحسانك باديهم ... وحضرهم والترك والديلم
وها أنا قد صرت فرداً فلا ... تحنو على ضعفي ولا ترحم
أبو ذفافة المصري: هو القائل لبعض الرؤساء:
وما السحاب إذا ما انجاب عن بلد ... ولم يلم به يوماً بمذموم
إن جدت فالجود شيء قد عرفت به ... وإن تحافيت لم تنسب إلى اللوم
وله أيضاً:
ازورك ايها الشيخ المعلى ... للا طمع ولكن للمحبه
إليك علاك قادتني والا ... فطيري ليس تلقط كل حبه
وله ايضاً:

يقول الناس قد شبت ... ولا والله ما شبت
ولا اترك تقبيل ... خدود المرء ما عشت
جعفر بن هاني الأندلسي: هو القائل في رجل يلقب الطمشيش:
أما ترى لحية الطمشيش حين بدت ... حمراء قانية دلت على حمقه
كأنما سرق الملعون جيرته ... ديكاً فعلقه الشرطي في عنقه
ومما ينسب إليه في الحكم قوله ويروى لغيره:
إذا افنيت بعض اليوم فاحزن ... فقد افنيت من محياك بعضاً
وما من ساعة إلا وتنعى ... إليك نصيب عمر قد تقضى
أبو محمد بن عبد المحسن بن محمد بن طالب الصوري: انتخب من ديوان شعره الذي أعارنيه الشيخ أبو بكر قوله في قصيدة:
يا حاران الركب قد حاروا ... فاذهب تجسس لمن النار
تخبوا وتبدو ان خبت وقفوا ... وإن اضاءت لهم ساروا
كأنه اقتبسه من قول الله عز وجل: كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، ومنها:
ما نظرة إلا لها سكرة ... كأنما طرفك خمار
ومنها في وصف الرياح:
ما شاجروا إلا اظلمتم ... من قضب المران اشجار
ومنها:
وأظهروا نوراً لها أزرقاً ... له من الأنفس أثمار
عجبت كيف استعبدك العلى ... والناس من ذلك أحرار
فكيف ساجلت الغمام الذي ... ليست له في المصيف أمطار
وقوله في أبي الجيش حامد بن ملهم وقد ركب معه في بحيرة الطبريه:
وقالوا التقى الوردان ورد من الندى ... وورد من الماء القراح الذي تجري
فقلت لهم وفوا أبو الجيش حقه ... ولا تظلموه ما البحيرة كالبحر
وقوله فيه من أخرى وقد خلع عليه:
ما زال ينحني أبا الجيش الندى ... كيما يجدد كل يوم جودا
حتى غدوت أنا المسمى حامداً ... وغداً يسمى حامداً محمودا
وقوله من أخرى:
ومتى ذممت الدهر بعد لقائه ... وعطائه فعلى حد المفتري
ومنها:
من معشر يتخيرون كلامهم ... حتى كأنهم تجار الجوهر
وكأنما أقلامهم من حذقها ... بالقتل فضلات القنا المتكسر
وقوله من أخرى:
يا ثالث القمرين النيرين أرى ... أمام حالي سوداً ماله هاد
أنت الأمير بأرضي والزمان بها ... عاد وقد جئت استعدي على العادي
ومن أخرى في منير الدولة ابن حمدان:
كنت من قبل أن تلقبت كالبد ... ر واعلى ذكراً وقدراً ونورا
ثم اشكلتما علي بأن صر ... ت تسمى كما يسمى منيرا
ومن أخرى فيه:
الحال مظلمة وليس ينيرها ... إلا منير الدولة الغراء
والناس كالمتعجبين لهائم ... ظمآن وهو على شفير الماء
وقوله في ترك الغيرة:
تعلقته سكران من خمرة الصبا ... به غفلة عن لوعتي ولهيبي
وشاركني في حبه كل ماجد ... يشاركني في مهجتي بنصيب
فلا تلزموني غيرة ما عرفتها ... فإن حبيبي من أحب حبيبي
أبو الحسن علي بن محمد التهامي: يقول من قصيدة:
يخبرنا عن جوده بشر وجهه ... وقبل طلوع الشمس تأتي بشائره
ويصدق فيه المدح حتى كأنما ... يسبح من صدق المقالة شاعره
ومنها:
يكاد لإدمان القراع حسامه ... يسابقه نحو الطلى ويبادره
ومن أخرى:
جرت عبراتهن على عبير ... كما انشق الحباب على المدام
برود ريقهن وكيف يحمي ... ومجراه على برد توأم
سقام جفونهن شفاء قلبي ... وهل يجني الشفاء من السقام
ومنها:
فتى جبلت يداه على العطايا ... كما جبل اللسان على الكلام
فسيراه لنيل أو عنان ... ويمناه لرمح أو حسام
لقد أحيى المكارم بعد موتٍ ... وشاد بناءها بعد انهدام
سواء عنده قول المنادى ... هلم إلى الطعان أو الطعام
ومن أخرى:
هل الوجد أن تلوح خيامها ... فيقضى باهداء السلام ذمامها

وقفت بها ابكي وترزم انيقى ... وتصهل افراسي وتدعو حمامها
ومنها:
ولو بكت الورق الحمائم شجوها ... بعيني محا اطواقهن انسجامها
ومنها:
ولم أنسها يوم التقى در دمعها ... ودر الثنايا فذها وتوامها
إذا كان حظي حيث حط خيامها ... فسيان عندي نأيها ومقامها
وهل نافعي أن تجمع الدرا بيننا ... بكل مكان وهي صعب مرامها
ومنها:
كأني في البيداء بيت قصيدة ... تناشده غيطانها واكامها
إلى ان لثمنا كف حسان إنها ... أمان من الفقر المضر التثامها
ومنها:
هم الأسد إلا أنها تبذل القرى ... لطارقها والأسد يحمي طعامها
هم يمزجون الدر للطفل بالعلى ... فينشوا عليها لحمها وعظامها
وإن فطموا أطفالهم بعد برهةٍ ... فعن درها لا علاها فطامها
جلاد على حر الجلاد إذا التقت ... كلام الأعادي بالدما وكلامها
علائلها أدراعها وسماعها ... صليل المرامي والدماء مدامها
ومنها:
ألا أن طياً للمكارم كعبةٌ ... وحسان منها ركنها ومقامها
ومنها:
وليس بمشغول اليدين عن الندى ... إذا شغل الكف اليمين حسامها
لقد أمسكت قحطان منك أبا الندى ... بعروة مجد لا يخاف انفصالها
فإن كابدت جدباً فأنت ربيعها ... وإن باشرت حرباً فأنت حسامها
قليل لك الأرضون ملكاً وأهلها ... عبيداً فهل مستكثر لك شامها
ألا أن أوصاف الأمير جواهرٌ ... وإن مديحي سلكها ونظامها
ومن أخرى في نهاية الحسن:
تهيم ببدر والتنقل والنوى ... على البدر محتوم فهل أنت صابر
له من سنا البدر المورد غرة ... ومن حلل الليل البهيم غدائر
ومنها:
ينال من الأعداء خوف أبي الندى ... وهيبته ما لا تنال العساكر
وما مات طاءيٌّ وحسان خالد ... ولا غاب منهم غاب وهو حاضر
أحاط بك التوفيق من كل وجهة ... وجاءتك من كل البلاد البشائر
فإنك مغناطيس كل فضيلةٍ ... فلا فضل إلا وهو نحوك صائر
ومن أخرى:
حبيب جلا من ثغره يوم ودعا ... عقوداً وألفاظها وثغراً وأدمعا
وأبدى لنا من دله وحديثه ... ومنطقه ملقى ومرأى ومسمعا
ومنها:
لقد خلقت عيناك للسحر معدنا ... كما خلق الطيموم للجود منبعا
إذا ما مدحناه ببعض صفاته ... وأفعاله لم تبق للمدح موضعا
ولو أن إنساناً بعظم محله ... ترفع عن قدر الثناء ترفعا
ومنها:
ويطرب للعافين حتى كأنما ... برؤيتهم يسقى الرحيق المشعشعا
ولم أر كالطيوم إلا أبا الندى ... كريمين من اصل كريم تفرعا
إذا انبريا ابصرت شمسين في الوغى ... فإن شهرا سيفيهما صرن اربعا
لكل بهاء منكما غير أنني ... رايتكما أبها إذا كنتما معا
لو أنكما بعد التوازر رمتما ... تضعضع رضوي أو شروري تضعضعا
فلا زلتما كالنيرين محلةً ... ونوراً ومثل الفرقدين تجمعا
ومن أخرى:
بكيت فحنت ناقتي فأجابها ... صهيل جوادي حين لاحت ديارها
خططنا بأطراف المخاطر أرضها ... فاهدت الينا مسك دارين دراها
ولاحت ثنايا الأقحوان ولو رأت ... عوارض من أهوى لطال استتارها
أرى الحب ناراً في القلوب وإنما ... تصعد انفاس المحب شرارها
توق عيون الغانيات فإنها ... شفار واشفار الجفون شفارها
ومن أخرى:
غدوا بهلال من هلال بن عامر ... مرام هلال الأفق دون مرامه
تردد فيه الحسن من عن يمينه ... ويسرته وخلفه وأمامه
ومنها:
وموت الفتى في العز مثل حيوته ... وعيشته في الذل مثل حمامه

ومن فاته نيل العلى بعلومه ... وأقلامه فليبغها بحسامه
ومن أخرى:
يقضي بحكم الجور في أمواله ... وقضى بحكم الله في الأيتام
تتيقن الأموال حين تحل في ... كفيه ان لست بدار مقام
أبو شرحبيل الكندي: قد أكثر الشعراء في الحث على إضطراب في الإغتراب لالتماس الرزق وقضاء الوطر من السفر ومن أشف ما قالوا فيه واشفاه قول هذا الإعرأبي - الشامي:
سر في بلاد الله والتمس الغنا ... ودع الجلوس مع العيال مخيما
لا خير في حر يجالس حرة ... ويبيع قرطيها إذا ما أعدما
الحسن الدقاق من أهل دمشق: يقول في صديق له أجحف في مسئلته وهو ضيفه:
ودعوتني وأكلت عندك لقمةً ... وشربت شرب من استتم خروفا
وسألتني من أثر ذلك حاجةً ... ذهبت بمالي تالداً وطريفا
فجعلت أفكر فيك باقي ليلتي ... ما كنت تفعل لو أكلت رغيفا
ويقول في تغيير صديق له اكل احسن عنده طباهجة:
ما جئت ذنباً إليه أعلمه ... ولا تطرف للفتى نسبا
بلى أكلنا له طباهجة ... كانت إلى قطع ودنا سببا
وكان هذا الحسن أحد ظرفاء الأدباء أنشدني له المصيصي في استهداء الشراب:
عندي أناس ظراف ... بهم تجلى الدهور
واليوم يوم مطيرٌ ... تلذ فيه الخمور
فرمه بيسيرٍ ... حتى يتم السرور
ولا تشبه بماءٍ ... فالماء عندي كثير
سرقه من قول البحتري:
فانفذ ما استطعت بعير مزجٍ ... فإن الماء ليس يضيق عندي
وأنا استظرف قول غيره فيمن أهدى اليه شراباً ممزوجاً:
ليس هذا من عادة الأحرار ... بيع ماء الأنهار بالأشعار
إنما قلت سقني ماء كرم ... لم أقل سقني من النهار
قد رددناه فاسقه من يري ... د الماء لا من يريد صرف العقار
ولئن كنت قانعاً منك بالما ... ءِ فعندي في الدار نهر جار
أبو محمد البوصر آبادي: وجدت ذكره في رسائل أبي إسحق الصابي وعرفت في لحن كلامه أنه شاعر فاضل ظريف الجملة والتفصيل ثم قرأت شعره في سفينةٍ لأبي عبد الله الحامدي ذكر فيها أنه استملاه من أبي محمد الخازن وانه سرق من سفينة لأبي عبد الله الحامدي ذكر فيها أنه استملاه من أبي محمد الخازن وأنه سرق من سفينة الصاحب بخطه فمن ذلك قوله وهو وأخوانه في نهاية الظرف والملاحة:
ايا دهر ويحك ماذا جميل ... فؤادي عليك وإلفي بخيل
كأني أرى وجهه في المرآة ... يلوح ومالي إليه سبيل
وقوله في معتم بعمامه سوداء:
وكاتب من قومنا شاعرٌ ... ليس بذاك الكاتب الماهر
عمامة سوداء في رأسه ... كلعنة الله على الكافر
وقوله في الهجاء الآفة الكبرى:
قد قال لي زيرك لي سيد ... مستدخل في بعضه بعضي
يأمرني بالنحو في نيكه ... بالرفع والنصب وبالخفض
ولست أدري أبو صر آباذ من قرى الشام أم من العراق وقد أدخلتها على ما خيلت إليّ في القرى الشامية واياً ما كانت فقد حصلت النكتة وهذه حال خرما باذ المنسوب العلوي الخرما باذي إليها وقد مرت بي أبيات له يقطر ماء الظرف منها كقوله:
أشارت إلى بعنابة ... مخضبة من دم الأفئده
أأنت على العهد يا سيدي ... فقلت إلى الحشر يا سيده
وقوله ما لحسنه غاية في معناه:
قالوا هجاك محمد فأجبتهم ... إن الهجاء من الصديق ثناء
ولربما جعل الحبيب سبابه ... سبب اللقاء لكي يتاح لقاء
ولئن هجوت كما هجيت فإننا ... رجلان في سوء الصنيع سواء
لكنني أثنى عليه جاهداً ... فإذا رآني صده استحياء
لم يلقني إلا بشخصٍ ذائبٍ ... عرقاً ووجه ليس فيه ماء
أبو الفتح بن دردان اليهودي الوزير: أنشدني أبو الحسن البرمكي أيده الله له:
ماذا أظلك قل لي ... لا أعدم الله ظلك
عش لي وبعدي فإني ... أرضي وإن لم أعش لك

فالدهر يخلف مثلي ... وليس يخلف مثلك
وأنشدني أبو الحسن القزويني له:
سهرت والشوق يطويني وينشرني ... إلى غزال بديع الحسن مغنوج
حتى رأيت نجوم الصبح لائحة ... كأنها زيبق في كف مفلوج
وأنشدني له ايضاً:
دعوني وقومي والسمو إلى العلى ... فإن لهم شأناً إذا ما سموا ولي
ولا تستحلوا بالوفاء فإنه ... تراث لنا دون الورى عن سموءلي
يعني ابن عادياء اليهودي الذي يضرب المثل في الوفاء: أبو الأعين الأنطاكي: من ولد المعتصم شاعر أنطاكية يقول في الغزل:
لا وحلو الهوى ومن التجني ... وبخط العذار في ورد خده
لأذيبن وجنتيه بلحظي ... مثل ما قد أذاب قلبي بصده
ويقول:
نفسي فداؤك أيها القمر الذي ... يجلو الدجى بمحاسن الأنوار
لما اخطف عصيت فيك عواذلي ... وخلعت في حب العذار عذاري
ويقول من نتفه:
ورأيت للحموي بي ... ن يديه ديواناً مجلد
وسمعت بعضهم يقو ... ل الشيخ أحمق قلت اشهد
ابن با منصور الديلمي: هو ديلمي الأصل عراقي المنشأ شامي الوطن بارع الشعر بديعه يقول:
ناديت وجنته وقد رقمت ... بالمسك رقم الثوب بالقز
يا ارفع البز اختصصت على ... رغم العذول بارفع الطراز
ويقول:
يا من فقدت سروري بعد بعدهم ... قد صار بعدكم طول الأسى سكنا
لو كان يعرف انسان بلا جلٍ ... يموت من شدة الأشواق مت أنا
ويقول:
في ابتداء الشباب عاجلني الشي ... ب فهذا من أول الدن دردي
ويقول:
سقاني شمول الراح ساق كأنما ... سوالفه مسروقة من سلافها
بليلة فطرٍ قام فيها طوايفٌ ... فصلوا وقمنا جهرة بخلافها
وراح هلال الفطر نضواً كأنه ... مرآة تجلى بعضها عن غلافها
ويقول:
بالهند تطبع اسياف الحديد وفي ... بغداد تطبع أسياف من الحدق
جريح المقل: قد نسيت اسمه ولم أنس شعره الذي أنشدنيه أبو نصر بن المرزبان رحمه الله تعالى:
الرجل المهذب ابن نفسه ... أغناه فضل نفسه عن قنسه
كم بين من تكرمه لغيره ... وبين من تكرمه لنفسه
وقوله أيضاً:
ربما يرجو الفتى نفع فتى ... خوفه أولى به من أمله
رب من ترجو به دفع الأذى ... سوف ياتيك الأذى من قبله
وله يروى لغيره:
ورب كريمٍ تعتريه كزازةٌ ... كما قد رأيت الشوك في أكثر الثمر
ورب جوادٍ ممسك عند جوده ... كما يمسك الله السحاب عن المطر
أبو القاسم الحموي من حماة: وهي بلدة من العواصم يقول:
لا تقل بيت هجاء ... لا ولا بيت مديح
سبق الناس إلى ... كل مليح وقبيح
ويقول ويروى للخالدي الأصغر:
لما فزعت إلى الخضاب استهزأت ... سعدى وقالت والمحب لما به
ما كان ينفعه لدي شبابه ... فعلام يتعب نفسه بخضابه
ويقول في معنى من أحب شيئاً أكثر ذكره:
يا من حديثي حيث كن ... ت فكله عنه يكون
حتى يقال فكم إذاً ... ماذا هوى هذا جنون
الطاهر الجزري: عالي السن ادرك سيف الدولة وفيه يقول:
وحاجة قيل لي نبه لها عمراً ... ونم فقلت عليّ قد تنبه لي
حسبي عليان ان ناب الزمان وان ... جاء المعاد بما في القول والعمل
فلي علي بن عبد الله منتجع ... ولي علي أمير المؤمنين علي
وله في فتى تأدب بأدبه:
هذا علي بالمشاكلة التي ... ما بيننا لي مالك مستأثر
قالوا صديقك قلت بل ولدي وقد ... أعداه طبعي فهو مثلي شاعر
وقوله في قوس قزح:
ألست ترى الجو مستعبراً ... يضاحكه برقه الخلب
وقد لاح من قزح قوسه ... بعيداً وتحسبه يقرب
كطاقي عقيق وفيروزجٍ ... وبينهما آخر مذهب

أبو الغنايم بن حمدان الموصلي: يقول في أبي مضر ويروى لأحد الخالديين في المهلبي الوزير وهو غاية في وصف قصب القلم من قصيده:
له قلم كقضاء الإله ... فبالسعد طوراً وبالنحس ماض
وما فارق الأسد في حالتيه ... يبيساً وذا ورقات غضاض
ففي كف ليث العلى في الندى ... وفي وجه ليث الشرى في الغياض
وله في الربيع وأحسن ما قيل فيه وذكر أبو عبد الله محمد بن علي بن حفص العموري النوقاني ان السرى الرفاء أورده في كتابه، كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب، لأبي القاسم الزاهي وهو ممن ذكرته في كتاب اليتيمة:
هذا الربيع وهذه أنواره ... طابت لياله وطاب نهاره
فضية أنهاره ذهبيةٌ ... أزهاره دريةٌ أنواره
متبلج غدواته متبرج ... ضحواته متأرج أسحاره
والماء فضي القميص مفروز ... ببنفسج واللازود شعاره
والسرو ممتد القوام كأنه ... قد الغلام تشقه أنهاره
وترنمت عجم الطيور كأنها ... شرب القيان ترنمت أوتاره
فاشرب على ورد الخدود بجنبه ... ورد الربيع تحقه أنواره
من كف أحور كالقضيب منعمٍ ... قد سد خوط قوامه زناره
أبو الحرث بن التمار الواسطي: ظريف بلاده يقول لسيدوك بلديه:
قد أتيناك مراراً ومراراً ومرارا ... فإذا أنت كمثل البدر لا يبدو نهاراً
وكان متزيداً لأبيه فلما توفي وورثه ماله قال فديت من أحيائي موته وأراه نقله من قول علي بن الهجم:
لما أتاني خبر الزيات ... وأنه قد صار في الموات
ايقنت أن موته حيائي
ومن ملح شعر أبي الحرث قوله:
يا اعدل الناس إلا في معاملتي ... وأصدق الناس إلا في عداتك لي
وقوله:
وهل يذخر الضرغام قوتاً ليومه ... إذا ادخر النمل الطعام لعامه
وقوله:
جئته زائراً فقال لي البو ... اب صبراً فإنه يتغدى
قلت سمعاً فقد سمعت قديماً ... خبره لازم ولا يتعدى
ابن الزمكدم الموصلي: أنشدني الشيخ أبو بكر له فيمن دعاه وسقاه الحامض:
كنت في دعوة علي ... بها كان قد دعي
طال من خل خمرها ... طول يومي تجرعي
وإذا ربها يكا ... بد طول التصنع
بين اضلاعه الس ... هام كما بين أضلعي
قلت لما رأيته ... كارعاً مثل مكرعي
اقتلوني ومالكاً ... واقتلوا مالكاً معي
وأنشدني له:
يا غلامي على المجاز ولو خا ... لف قلبي في الدعاء لساني
عاطني من يديك ضرة خدي ... ك وحل اللجين بالعقيان
واقتصر في مزاجها لي على ما ... شربته من ماء تلك البنان
أبو محمد الحسن بن محمد الرقي: طرأ على خراسان وتصرفت به اسفار واحوال افضت إلى أن تقبله الشيخ أبو بكر علي بن الحسن القهستاني ايده الله وأحسن به وافضل عليه كعادته عند أمثاله وأوطنه الجوزجان فمن قوله فيه:
لو قيل لي هل للنهى مالك ... يعرف أم هل للعلى صاحب
لقلت والصادق في قوله ... ممدح اذ هجى الكاذب
عميدها الشيخ أبو بكرها ... علي بن الحسن الكاتب
وله من قصيدة:
الجود يشهد والأنام معاً ... والعصر انك واحد العصر
وله في الغزل:
أتضحك يا فديتك من كتأبي ... فتظهر مثل ما اظهرت درا
وقي عيني كما في فيك منه ... أرى هذا وذا نظماً ونثرا
فثغرك لو يذوب كان دمعاً ... ودمعي لو يجمد كان ثغرا
أوجز وأحلى منه قول أبي الفضل بن أبي جعفر الميكالي:
يا شادناً جمع الله المنى فيه ... وأنبت الدر من عيني ومن فيه
وللرقي من قصيدة:
وكم ليلة طال التعانق بيننا ... كلانا به بتنا غريم غرام
ومنطقتي كفاه والليل ادهمني ... وقامته رمحي وفوه لثامي
وقوله من أخرى:

لقد جل خطبي في التي دق خصرها ... وأسهر جفني جفنها وهو نائم
إذا كن أصداغ الخدود عقاربا ... فإن ذوابات الرؤس الأراقم
هذا البيت معيب عندي إذا جمع فيه بين العقارب والحيات في الغزل والطبع ينفر منها ولو كان في الهجاء لكان جيداً كما قال ابن الرومي في هجاء قتينه:
فقرطها بعقرب شهر زورٍ ... إذا غنت وطوقها بأفعى
وذكر عقرب الصدغ مألوف ولا سيما إذا كانت فيه صنعة كما قال ابن المعتز:
وكأن عقرب صدغه احترقت ... لما دنت من نار وجنته
وكما قال السري:
في خده ورد حما ... ه من القطاف بعقرب
وكما قال الصاحب:
لئن هو لم يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له يسمح بترياق ؤيقه
فإذا اقترن به ذكر الحية في بيتٍ واحدٍٍ لم يهش له السمع ولم يقبله القلب وللرقي من قصيدة:
كن رسولي وبلغ الأهل عني ... ما على المرسلين إلا البلاغ
ما دهتني عقارب بنصيبي ... ن دهتني بواسطٍ اصداغ
وله في غلام ذي ذؤابتين:
ظبي تفل الظبي اجفانه وله ... من سمرة اللون ما تثنى به السمر
ذؤابتاه نجادا سيف ناظره ... وجفنه جفنه والشفرة الشفر
ضفيرتاه على قلبي تضافرتا ... فمن رأى شاعراً أودى به الشعر
أبو الدرداء الموصلي: يجري في طريق السري ويتشبه به وهو القائل ويروي للسري:
تصرم شهر الصوم شهر الزلازل ... وشال به شوال شهر الفضائل
ولاح هلال الفطر حنواً كأنه ... سنان لواه الطعن في راس عامل
ودارت علينا الكأس بين أهلةٍ ... تضيء وأغصانٍ رطاب ٍ موائل
فرحنا وفي أجسامنا سحر بابل ... يدب وفي أيماننا خمر بابل
وقال وقد حضر مع قوم مجلس الأنس فتذاكروا في المذاهب والآراء وتناظروا في التنجيم:
دعوا المراء والجدل ... فهو عثار وزلل
وصافحوا الكأس على ... حسن احاديث الغزل
ما النصب والرفض وما ... يوم الهرير والجمل
لما لم يستقم له في البيت ذكر صفين جعل مكانه يوم الهرير وانما هي ليلة الهرير من ايام صفين.
وشتم قوم قسمت ... بينهم الدنيا دول
وما النجوم لا جرى ... مريخها ولا زحل
وسقطت جوزاؤها ... وريع بالذبح الحمل
لا نجم إلا ناجم الر ... اح بدا ثم أفل
يطلع من كفٍ خصيد ... ب الكف ثم ينتقل
والرفض إن ترفض ما ... جاء به أهل الملل
والنصب إن تنصب لل ... ذات اشراك الحيل
مالي وللشرب لهم ... بغير ما أهوى شغل
يغمد ما بينهم ... سيف الجدال ويسل
اذا بدا يوم خفي ... ف الروح ردوه جبل
محمد بن عبيد الله البلدي: قد ذكره أباه عبيد الله في اليتيمة وأورده نبذاً من ملح شعره وهذا ابنه أشعر منه وأنشدني أبو طالب الشهرزوري قال أنشدني ابن البلدي لنفسه وكان حلف أن لا يشرب حولا فبرت يمينه غرة شوال:
برت على هجر الكؤوس يميني ... شهر الصيام فما امتطين يميني
قم هاتها حمراء في مبيضةٍ ... كالجلنارة في جني نسرين
أو ما رأيت هلال فطرك قد بدا ... في الأفق مثل شعيرة السكين
أحسن منه قول كشاجم:
كشعيرة من فضةٍ ... قد ركبت في خنجر
قسماً بحبك لا مزجت كؤوسها ... إلا بريقك أو بماء جفوني
وله أيضاً وقد حضرت مع اخوانه ببيت صديق له فاشتد جوعهم فيه:
وبيت خلا من كل خير فناؤه ... فضاق علينا وهو رحب الأماكن
كأنا مع الجدرا في جنباته ... دمي في انقطاع الرزق لا في المحاسن

تتمة القسم الثاني في
محاسن اشعار أهل العراق
بل أحاسانها وما يتصل بها من ملح أخبارهم

الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي النقيب ايده الله تعالى: هو أخو الرضي أبي الحسن الذي تضمن كتاب اليتيمة شعره وقد انتهت الرياسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم وله شعر في نهاية الحسن فمنه ما أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسن البرمكي الفقيه ايده الله تعالى قال أنشدني المرتضى لنفسه ببغداد وهو مما يغني به لرقته وحلاوته:
يا خليلي من ذؤابة بكرٍ ... في التصابي رياضة الأخلاق
غنياني بذكرهم تطرباني ... وأسياقي دمعي بكأس دهاق
وخذا النوم عن جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق
وله من قصيدة وهو مما يسكر بلا شراب ويطرب بلا سماع:
أحب ثرى نجد ونجد بعيدة ... ألا حبذا نجدٍ وإن لم تفد قربا
يقولون نجد لست من شعب أهلها ... وقد صدقوا لكنني منهم حبا
كأني وقد فارقت نجداً شقاوة ... فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا
وله من أخرى في الشيب وذمه:
يقولون لا تجزع من الشيب ضلة ... وأسهمه أياي دونهم تصمي
وما سرني حلم يفيء على الردى ... كفاني ما قبل المشيب من الحلم
إذا كان ما يعطيني الحزم سالباً ... حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي
وقد جربت نفسي الغداة وقاره ... فما شد من وهني ولا سد من ثلمي
وأني مذ أضحى عذاري قراره ... أعاد بلا سقم وأجفى بلا جرم
ومن اخرى في ذم الشباب:
ومعيري شيب العذار وما درى ... أن الشيات مطية للفاسق
وأقول إذا غيرت منه لونه ... هيهات ابدل مؤمناً بمنافق
ومن أخرى وهو مما يغني به:
ألا يا نسيم الريح من ارض بابل ... تحمل إلى أهل الخيام سلامي
وقل لحبيب فيك بعض نسميه ... أما آن أن نسطيع رجع كلامي
أني لأهوى أن أكون بأرضكم ... على أنني منها استفدت سقامي
وله من قصيدة مرئية:
تجري دموع عيونٍ ود صاحبها ... لو أنهن على خد المصاب دم
كأننا اليوم من هم تقسمنا ... نهب بايدي ولاة السوء مقتسم
نثني الأكف حياء عن ملاطمنا ... وفي الحشا زفرات الحزن تلتطم
ونكتم الناس وجداً في جوانحنا ... وكيف نكتم شياً ليس ينكتم
ومنها:
أين الذين خد الثرى وطئوا ... وحكوا في لذيذ العيش فاحتكموا
لم تبق منهم على ضن النفوس بهم ... إلا رسوم قبور حشوها رمم
ولا يغرنك في الموتى وجوده ... فإن ذاك وجود كله عدم
وقد مضى ما اقتضاه الرزء من جزع ... فابن ما يقتضيه العلم والكرم
وله من أخرى:
كأني لما صك سمعي نعيه ... صككت بمسنون الغرارين قاضب
طواه الردى طي الرداء وعطلت ... مغاني الحجى عنه وغر المناقب
ولما بلوت الأصدقاء وودهم ... خلصت عليه من خلال التجارب
ومن أخرى:
كم ذا تطيش سهام الموت مخطئة ... عني وتصمي أخلائي وأخداني
ولو فطنت وقد أردى الزمان أخي ... علمت أن الذي اصماه اصماني
سود وبيض من الأيام لونهما ... لا يستحيل وقد بدلن الواني
هيهات حكم فينا أزلم جذع ... يفنى الورى بين جذعان وقرحان
ومن أخرى:
شد غروض المطي مغترباً ... فلم يفز طالب وما طلبا
لا در في الناس در مقتصدٍ ... يأخذ من رزقه الذي قربا
وما مقام الكريم في بلدٍ ... ينفق فيه الحياء والأدبا
لا تعطني بالزمان معرفةً ... كم ضاق بي مرة وكم رحبا
اي خطوب لم تولني عظةً ... واي دهر لم أفنه عجبا
ساعات دهر تمر مسرعةً ... عنا وتبقى الهموم والتعبا

الأشرف ابن فخر الملك: قدم من بغداد اصبهان علي ابن كاكوية ظاناً به الجميل فخاب ظنه وأدركته حرفة الأدب فبينا هو ذات يوم يشرب على شاطئ زر نروذ إذا هزت الراح عطفه ودبت اريحيه النشوة فدعا بالدواة القرطاس وكتب إلى أخيه الأعز انب فخر الملك وهو ببغداد في نعمة وحسن حال:
إن الذي قسم الوراثة بيننا ... جعل الحلاوة والمرارة فينا
لكن اراك وددت ماء صافيا ... ووردت من جور الحوادث طينا
أوليس يجمعني ونفسك دوحةُ ... طابت لنا دنيا وطابت دينا
إن كنت أنت أخي فقل لي يا أخي ... لم بت جذلاناً وبت حزينا
هلا قسمنا بيننا الفرح الذي ... كنا أقتسمنا في حياة أبينا
فلما قرأ الأعز كتابه اذرى دموع الرقة لأخيه وسفتج بالفي دينار وكتب ببيت لبيد:
فامتنع بما قسم المليك فإنما ... قسم المعايش بيننا علامها
ولم أجد للأشرف بعدما كتبته إلا قوله:
مر بي الموكب لكنني ... لم أر فيه قمر الموكب
قتل لأمير الجيش يا سيدي ... ما لأمير الحسن لم يركب
ابن المطرز: وهو اليوم بقية الشعراء ببغداد ويكنى أبا القاسم واسمه عبد الرحمن بن محمد أنشدني أبو الفضل عبد الواحد بن محمد البغدادي التميمي قال أنشدني ابن المطرز لنفسه من قصيدةٍ:
سرى مغرماً بالعيش يفتجع الركبا ... يسايل عن بدر الدجى الشرق والغربا
إذا لم تبلغني إليكم ركائبي فلا ... وردت ماءً ولا رعت العشبا
على عذبات الجزع من ماء تغلبٍ ... غزال يرى ماء القلوب له شربا
إذا ملأ البدر العيون فإنه ... لعينك بدرٌ يملأ العين والقلبا
وأنشدني أبو يعلى البصري له من أخرى:
يا صاحبي بأعلام المدينة لي ... ظبي إذا أنست عيني به نفرا
لولا أحتشامي منه حين يلحظني ... إذا تأملته أفنيته نظرا
إذا تبسم واستجلى محاسنه ... طرفي خلعت عليه السمع والبصرا
فإن رنا قلت عن عين الغزال رنا ... وإن مشى قلت غصنٌ يحمل القمرا
وله في رئيس:
يوم عيدتك نحوسه ... وغدت عليك كؤوسه
وتغايرت أقماره ... إذا غازلتك شموسه
يا سيداً ما مله ... مذ كان قط جليسه
ما من رئيسٍ سيدٍ ... إلا وأنت رئيسه
وله ايضاً:
سلام على بغداد من كل بلدة ... وحق لها مني سلام مضاعف
لعمرك ما تركي لها عن قلى ها ... وإني بحسنى جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي برحبها ... ولم تكن الرزاق فيها تساعف
فكانت كخل كنت أهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
وله في الخمر ويروى لأبن نحرير:
يا ساقيى اسقياني من دم العنب ... فقد طربت إليها غاية الطرب
حمراء صافيةً صرفاً مشعشعة ... كالنار طوراً وطوراً ذائب الذهب
تجلى على الشرب في ضدين ما اجتمعا ... إلا لها فهي من ماء ومن لهب
بكر إذا اقتضتها السلقي بكت خجلاً ... وكللت رأسها دراً من الحبب
وله في استهداء قطعة الشطرنج:
أبا طاهر أنت لي جنةٌ ... أجل وأعظم من شأنها
ونحن العيون وأنت الجفون ... وحسن العيون بأجفانها
وعندي خيول قد استنهضت ... معلقةً رهن ارسانها
وقد حضرت قصبات الرهان ... فمن علي بميدانها
وله:
ظالم ما منه منتصر ... أبدا يجنى وأعتذر
حل من قلبي بمنزلةٍ ... لم ينلها قلبه بشر
بات يسقيني المدام ولي ... وله من طرفه سكر
ويحييني بسالفةٍ ... حار في أرجائها الشعر
يا حبيباً كله حسن ... لمحب كله نظر
وجه من كل ناحيةٍ ... حيث ما قابلته قمر
إن تفرقنا على قدر ... وسعت ما بيننا الغير

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11