كتاب : إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ
المؤلف : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

أشهد على نفسه بالرضا بذلك وخلع نفسه من الملك ، وضربت الدراهم والدنانير باسم سليمان ، ورسخت قدمه في المملكة .
وفيها أمسك على سابق الدين مثقال الأشرفي زمام الأشرف شعبان كان صودر على مال كثير على يد سيف المقدم فأخذ منه ثلاثة آلاف دينار .
وفي شوال أمر بتبطيل الوكلاء من دور القضاء .
وفيات سنة 780
ذكر من مات في سنة ثمانين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله الحكري برهان الدين المصري ، ولي قضاء المدينة ، وكان عارفا بالعربية ، وشرح الألفية ، ثم رجع فمات بالقدس في جمادى الآخرة ، وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس وأم عنه نيابة بالجامع بدمشق .أحمد بن خضر بن أحمد بن سعد بن عمار بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي الحسباني السعدي شهاب الدين نزيل دمشق ، كان من أهل حسبان ، وسكن دمشق فكانت له جلادة وصرامة ، وكان من الشهود ، ذكره قريبه شهاب الدين بن حجى ، وذكر أنه وجد شهادة عم جد أبيه على المعظم بن العادل في سنة خمس وستمائة في وقف جامع حسبان ، شهد بذلك عمار ابن غزوان بن علي السعدي ثم أدى تلك الشهادة عند الحاكم بحسبان عبد الحق بن عبد الرحمن سنة عشرين وستمائة ، مات بدمشق .
أحمد بن سليمان بن محمد العدناني أبو العباس البرشكي بكسر الموحدة والراء وسكون المعجمة بعدها كاف والد صاحبنا المحدث زين الدين عبد الرحمن ، روى عن الوادياشي والشريغ المغربي واشتغل ومهر ، وله حواش على رياض الصالحين للنووي في مجلد ، وله تواليف ، روى عنه عبد الله بن مسعود بن علي بن القرشية وغيره من أهل تونس ، ومات بها في هذه السنة .أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر ، قدم مصر بعد أن صحب الشريف حيدر بن محمد فأقام مدة ثم رجع إلى القدس وبه مات ، واشتهر على ألسنة العوام باذار أركان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن العربي ، وله اشتغال في المعقول وذكاء ، وكان كثير التقشف ، وللناس فيه اعتقاد ، مات في ذي الحجة وقد أضر ، وجاوز السبعين .
أحمد بن محمد بن إسماعيل الطبري المكي ، سمع من الرضي الطبري وغيره وحدث .
أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك بن مكتوم العجلوني بن خطيب بيت لهيا شهاب الدين بن فخر الدين ، ولد سنة تسع وسبعمائة ، وسمع من الحجار وإسماعيل بن عمر الحموي وغيرهما وحدث ، وكان رئيسا وجيها ، وله عدة مشاركات ، مات في المحرم .أحمد بن محمد بن محمد بن حسن العزي بالعين المهملة المكسورة ثم الزاي ، كان أحد المؤذنين والقراء بالألحان ، فاق أقرانه وكان وجيها ، يتعانى الشهادة ثم ترك ، وكان شريف النفس منجمعا محببا إلى الناس ، مات في جمادى الأولى وقد جاوز الأربعين ، وهو خال الشيخ شهاب الدين بن حجى .
أحمد بن مخلص السخاوي الشيخ شهاب الدين الدمشقي ، ولد سنة بضع وسبعمائة ، وسمع من السلاوي والمزي والبرزالي وغيرهم ، وكان صوفيا بخانقاه خاتون منجمعا مقتنعا بملك له وقفه على نفسه ثم على الخانقاه وحدث ، مات في جمادى الآخرة .
اطلمش الدوادار ، مات بالإسكندرية ، وكان يقال له الأرغوني ، أمر أربعين بعد قتل الأشرف ثم استقر دويدارا كبيرا ، ثم قبض عليه مع طشتمر ثم أعطى تقدمة ألف بالشام ، ثم مات في ربيع الآخر .
آقبغا الجمدار خزندار الجاي ، كان شجاعا مقداما ، تقدم في زمن أستاذه ثم نفي بعده إلى الشام ثم أعطى إمرة عشرة بمصر ، ثم قبض عليه في صفر وقتل .بسسى مات بعد رجوعه من القاهرة .
أبو بكر بن الحافظ تقي الدين محمد بن راقع ، ولد في رمضان سنة ست وثلاثين ، وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال والجزري وغيرهما وحدث ، وكان قد درس بالعزيزية بعد أبيه ، مات في رجب .
الحسن بن عبد الله الصيرفي المصري كان نقيب الفقراء ، وله نظم ، مات في صفر .
الحسن بن محمد بن حسن بن أحمد بن عبد الواحد الدمشقي بدر الدين بن الزملكاني ، كان من رؤساء الدمشقيين ، ومات في رمضان .
الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقيه الشافعي ،رحل قديما فسمع من الحجار وغيره ، ثم رجع وحدث ببغداد بصحيح البخاري عن الحجار وبتلخيص المفتاح عن مصنفه الجلال القزويني ، مات في شوال .
داود بن إسماعيل القلقيلي نسبة إلى قرية بين نابلس والرملة يلقب بهاء الدين ، كان فاضلا شافعيا يدرس ويفتي ، سكن حلب . ومات في هذه السنة ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه .
صالح بن محمد بن صالح المناوي أحد المعتقدين بالقاهرة ، مات بمنية الشيرج وبها كانت زاويته ويذكر عنه كرامات ، وكان كثير الضيافة للواردين ، وللنا فيه اعتقاد كثير ، مات في رمضان .
ضياء بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني ويقال له القرمي ويعرف بقاضي القرم ويسمى أيضا عبد الله ، الشيخ ضياء الدين العفيفي ،أحد العلماء ، تفقه في بلاده وأخذ عن القاضي عضد الدين وغيره ، ثم اشتغل على أبيه والبدر التستري والخلخالي ، وتقدم في العلم قديما حتى كان سعد الدين التفتازاني أحد من قرأ عليه ، وحج قديما فسمع من العفيف المطري بالمدينة وكان اسمه عبيد الله فكان لا يرضى أن يكتبه فقيل له في ذلك فقال : لموافقته اسم عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ، وكان يستحضر المذهبين ويفتي فيهما ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله مع الدين المتين والتواضع الزائد وكثرة الخير وعدم الشر والعظمة الزائدة ، وكانت لحيته طويلة جدا بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلا وهي في كيس ، وكان إذا ركب فرقها فرقتين ، وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا : سبحان الخالق فكان يقول : عوام مصر مؤمنون حقا لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع ، ولما قدم القاهرة استقر في تدريس الشافعية بالشيخونية وفي مشيخة البيبرسية وغير ذلك ، وكان لا يمل من الاشتغال حتى في حال مشيه وركوبه ، ويحل الكشاف والحاوي حلا إليه المنتهى حتى يظن أنه يحفظهما أو يقدر على سردهما ، وكان يقول : أنا حنفي الأصول شافعي الفروع ، وكان يدرس دائما بغير مطالعة ، وعظم قدره جدا في أيام دولة الأشراف ، مات في ثالث عشر ذي الحجة ، فقرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وهو فيما أجازنيه أن سبب موته أنه عقد عند برقوق مجلس بسبب الأوقاف فتكلم الضياء بكلام قوي فغضب منه برقوق وأجابه بجواب خشن خاف منه على نفسه فرجع إلى الشيخونية ثم رجع إلى بيته فمرض واستمر إلى أن مات ، كتب إليه زين الدين طاهر بن الحسن بن حبيب :قل لرب الندى ومن طلب العلم مجدا إلى سبيل السواء .
إن أردت الخلاص من ظلمة الجهل فما تهتدي بغير الضياء . فأجاب :
قل لمن يطلب الهداية مني
خلت لمع السراب بركة ماء
ليس عندي من الضياء شعاع
كيف تبغي الهدى من اسم الضياء
طلحة بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى الزبيدي المهتار ، كان صالحا ، له كرامات ، مات في ربيع الآخر .
عارف بن محمد العجمي نزيل القاهرة ، كان عارفا بالموسيقى وانتهت إليه الرئاسة في ذلك ، وكان أحد الصوفية بالبيبرسية ، مات في ذي القعدة .
عبد الله بن عبد الله الجبرتي صاحب الزاوية بالقرافة ، أحد من يعتقد بالقاهرة ، مات في سادس عشر المحرم .
عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي نزيل الإسكندرية ، ويعرف بالشيخ نهار ، كان أحد من يعتقد ببلده ويذكر عنه مكاشفات كثيرة ، مات في جمادى الأولى .
عبد الله بن محدار شاهد الإصطبل ، وكان من الخواصعند ابن الغنام وولي نظر المواريث ، وكان شديد السمرة ، مات رجوعه من الحج في صفر .
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم ، عز الدين أبو محمد بن العجمي الحلبي ، سمع من أبي بكر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن العجمي مجالس ابن عبد كوية الثلاثة ، سمع منه ابن ظهيرة والبرهان المحدث وغيرهما ، ومات راجعا من الحج في ثالث المحرم ، وكان شيخا منقطعا عن الناس ، له وقف يرتزق منه وهو من بيت كبير بحلب .
عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي ، محيي الدين ابن الزكي الدمشقي ، كان من بيت كبير بدمشق ، ولدقبيل الثلاثين ، وسمع من زينب بنت الكمال وغيرها ، وطلب بنفسه واشتغل وحدث ، وناب في الحكم ودرس وكان من الرؤساء ، مات في ذي القعدة ولم يكمل الخمسين ، وكان له نظم .
علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطيبي ثم المصري ، سمع من الحجار ووزيرة ، وحدث عن ابن مخلفو بالسادس من الثقفيات سماعا قال أخبرنا جعفر ، مات في سابع عشر المحرم ، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة بالقاهرة .
علي بن عرب الطنبذي محتسب القاهرة ، ولي أيضا وكالة بيت المالونظر الخزانة ، وحج في هذه السنة فمات بعد قضاء حجه بمكة في ثالث عشر ذي الحجة .
علي بن كلفت ، والعامة تقول كلبك شاد الدواوين ، كان مشهورا بالعفة ويقال إنه ما ارتشى قط لكنه كان ظالما غشوما ، مات بالطريق بين حلب ودمشق في جمادى الآخرة فحمل إلى دمشق فدفن بها ، ويقال إنه لما كان بحلب ظلم ظلما كثيرا فطلبه منكلي بغا النائب وأهانه وضربه فكان ذلك سبب موته عفا الله تعالى عنه .
مبارك شاه الطازي أحد الأمراء ، كان من أعيان أتباع طاز وأول ما تأمر أربعين في شوال سنة ثمان وستين ، ثم أمر تقدمة في سنة خمس وسبعين ثم كان ممن أعان على قتل الأشرف ، واستقر في أول سنة تسع وسبعين رأس نوبة ، ثم قبض عليه مع قرطاي وسجن بالإسكندرية ثم أطلق وأعطى إمرة البلستين ثم نقل إلى نيابة غزة في أول سنة ثماني ثم أعيد إلى البلستين فقتل في صفر .محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف الدمشقي شمس الدين الحسباني ، ولد بحسبان وأصله من غزة ، وإنما ولي أبوه القضاء بحسبان ونشأ هو بها وكتب بين يدي أبيه ثم ولي كتابة الحلة بدمشق ، وكان مشهورا بالمهارة في ذلك عارفا بالوثائق ، مات في المحرم عن سبعين سنة .
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الصالحي ، صلاح الدين بن تقي الدين بن العز ، مسند الدنيا في عصره ، ولد سنة أربع وثمانين ، وتفرد بالسماع من الفخر بن البخاري ، سمع منه مشيخته وأكثر مسند أحمد والشمائل والمنتقي الكبير من الغيلانيات ، وسمع من التقي الواسطي وأخيه محمد وأحمد عبد المؤمن الصوري وعيسى المغري والحسن بن علي الخلال والعز الفراء والتقي بن مؤمن ونصر الله بن عياش في آخرين ، وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن طبرزد والكندي وخرج لهالياسوفي مشيخة وحدث بالإجازة عن النجم بن المجاور وعبد الرحمن بن الزين وزينب بنت مكي وزينب بنت العلم ، وأسمع الكثير ورحل الناس إليه وتزاحموا عليه وأكثروا عنه ، وكان دينا صالحا حسن الإسماع ، أم بمدرسة جده ، وأسمع الحديث أكثر من خمسين سنة ، وكان أولا يتعسر ثم سمع ، وقد أجاز لأهل مصر خصوصا من عموم فدخلنا في ذلك ، مات في شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر ، ونزل الناس بموته درجة ، ولد في آخر سنة ثلاث أو أول أربع وثمانين فأكمل ستا وتسعين سنة وأشهرا .
محمد بن أحمد بن رسول الأبناسي محتسب دمشق وليها مرارا ، مات في ذي القعدة .محمد بن أحمد بن علي بن جابر الهواري الأندلسي أبو عبد الله بن جابر الضرير صاحب البديعية ، تقدم ذكره مع رفيقه أبي جعفر الغرناطي ومات هو في هذه السنة .
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسن الخراساني ، بدر الدين بن ركن الدين بن وحيد الدين ، الخراساني الأصل الدمشقي ، شيخ خانقاه الطواويس تلقاها عن والده سنة إحدى وأربعين ، وكان مولده سنةعشرين وسبعمائة ، وسمع من السادجي بعض جامع الترمذي وحدث ، ومات في صفر .
محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفراء الأشقر الملقب بالقزل ، سمع المزي وإبراهيم بن الفريسة والبرزالي وجماعة من أصحاب بان الدائم وحدث ، وكان دمث الأخلاق يحب أهل الحديث وأصحاب ابن تيمية ، حفظ القرآن على كبر وقد حفظ عليه القرآن جماعة ، مات في ربيع الآخر .
محمد بن علي بن الجبعاء العادلي ، ناصر الدين ، نشأ في رياسة وتعانى الفروسية ، ومهر في لعب الأكرة ، وولي إمرة عشرة ثم طبلخانات ، ثم أمر تقدمة في سنة سبع وسبعين ، وولي نيابة السلطنة في أول سنة ثمانين ثم ولي نيابة غزة في ربيع الأول منها ، ثم استعفى لمرض عرض له ومات في جمادى الآخرة منها .
محمد بن عيسى شمس الدين النابلسي قاضيها وخطيبها ، هو سبطالقلقشندي ، مات في جمادى الآخرة وهو من أبناء الأربعين .
محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصنعاني ضياء الدين ، نزيل المدينة ، ثم كة ، كان فاضلا صاحب فنون ، ويدري الفقه والعربية والأصول وله سماع من البدر الفارقي والعفيف المطري ، وكان يتعانى التجارة ، مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين ، وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الضياء قاضي الحنفية الآبن بمكة ، وقد ادعى والده أنهم من ذرية الصنعاني وأن الصنعاني من ذرية عمر بن الخطاب ، وكان الضياء قد سمع علي الجمال المطري والقطب بن مكرم والبدر الفارقي ، وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان كثير المال فطلب منه جماز أميرها شيئا فامتنع فسجنه ثم أفرج عنه فاتفق أنهما اجتمعا في المسجد فوقع من جماز كلام في حق أبي بكر وعمر فكفره الضياء وقام من المجلس فتغيب وتوصل إلى ينبع واستجار بأميرها أبي الغيث فأرسله إلى مصر فشنع على جماز فأمر السلطان بقتله فقتل في الموسم فنهب آل جماز دار الضياءصفحة فارغةفتحول إلى مكة وتعصب له يلبغا فقرر له درسا للحنفية في سنة ثلاث وستين فاستمر مقيما بمكة إلى أن مات ، وكان عارفا بالفقه والعربية شديد التصعب للحنفية كثير الوقيعة في الشافعية .
محمد بن محمد بن عثمان بن الصفي أحمد بن محمد بن أبي بكر الطبري ، سمع من جده عثمان وجماعة بدمشق ومكة وحدث ، أخذ عنه السراجالدمنهوري وغيره وكتب الكثير وتوجه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة .
محمود بن علي بن إبراهيم القيصري شيخ الخانقاه الخاتونية ونظر الربوة وولي أيضا نظر الأسرى ، وكان مكينا عند الناس كثير الإفضال والمكارم ، وقد نزل لولده عبد الملك عن المشيخة قبل موته بقليل ، وكانت له مكانة عند الناس ومكارم أخلاق ، مات في شوال ، سمع صحيح مسلم على السلاوي ، ونزل له صهره ابن حمويه عن مشيخة الشيوخ فما سعى فيها واستمر بالخاتوينة .
موسى بن عبد الله الأزكشي نائب السلطنة في عدة أقاليم وبالقاهرة ثم الأستادارية والحجوبية والإشارة والكلام في أمور المملكة كلها ، مات في المحلة في ذي القعدة ، وكان معروفا بالعفة والديانة .
موسى بن محمد بن شهري بضم المعجمة وسكون الهاء التركماني ، أحد أكابر الأمراء بالبلستين والنائب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية ، مت في رمضان وقد جاوز الأربعين ، وكان يحب العلم ويفهم كثيرا ويذاكر ويتمذهب للشافعي ، ويقال إن الباريني أذن له في الإفتاء ، وكانذلك في سنة وفاته وقد ولي نيابة .
نهار الذي كان يعتقد بالإسكندرية هو عبد الله تقدم .
حوادث سنة 781
سنة إحدى وثماني وسبعمائة
فيها وصل الحجاج إلى الأزلم فلم يجدوا بها الإقامة على العادة فوقع فيهم الغلاء الشديد ، وكان السبب في تأخير الإقامة أن العرب الذين جرت عادتهم بحملها نقل لهم عن عرب بلى أنهم أرادوا نهب الإقامة فتأخروا بمغارة شعيب ، فوصل الحاج إلى المويلحة فلم يجدوا شيئا ثم إلى عيون القصب فلم يجدوا شيئا فغلا الشعير حتى بيعت الويبة الشعير باثنين وتسعين درهما قيمتها حينئذ تزيد على خمسة دنانير هرجة ، ومات من الجمال شيء كثير ، وقاسى الحجاج مشقة شديدة وتأخروا عن العادة خمسة أيام .
وفي رابع عشرين المحرم استقر قرط نائب السلطنة بالوجه القبلي وابنه حسين والي قوص ، وأوقع قرط في ربيع الآخر بالعرب فكسروهوقتلوا عددا من مماليكه ثم عاد فانتصر عليهم وقتل منهم مقتلة وأرسل رؤوسا إلى القاهرة فعلقت .
وفيها توجه فخر الدين إياس في طلب برهان الدين بن جماعة لشكوى الناس من سيرة ابن أبي البقاء فوصل في أواخر صفر فخرج بركة لملتقاه وطلع صحبته إلى برقوق ونزل في آخر النهار في صهريج منجك ، ثم طلب صبيحة قدومه إلى القلعة وخلع عليه ونزل في موكب حافل فيه ثلاثة عشر من الأمراء الكبار وارتجت له القاهرة بحيث كان أعظم من يوم المحمل وباشر بحرمة ومهابة أعظم من المرة الأولى ، واستعاد من البلقيني تدريس الشافعي ، وكان انتزعه البلقيني لما استقر ابن أبي البقاء في القضاء ، ثم إن ابن جماعة اصطلح مع البلقيني وعوضه نظر وقف السيفي ووقف المدرسة الطقجية ، وكانت مدة ولاية ابن أبي البقاء هذهالأولى سنة وأربعة أشهر . وقرأت بخط الزبيري أن العظمة المذكورة لابن جماعة كانت من جهة بركة ، فلما تلاشى أمره لم ينفق لابن جماعة مثل الصورة التي كانت في أيام الأشرف بعناية ابن آقبغا آص .
وفيها أمر بركة بمسك الكلاب ونفيهم إلى الجيزة وقرر على كل أمير وعلى صاحب دكان منهم شيئا كثيرا .
وفيها قيس المديان وجعل على كل أمير فدان فأحضر كل أمير رجالا من عنده فعزقوه وأصلحوه ، وفي صفر قبض على مثقال الجمالي الزمام الأشرفي وسئل عن ذخائر الأشرف بعد أن عرض على العقوية فدل على ذخيرة وجدرا فيها ثلاثين ألف دينار ثم هدد فأقر بأخرى فيها نصف الأولى وفيها برنية فصوص من جملتها فص عين هر زنته ستة عش درهما ثم ضرب وسعط مرارا فلم يقر بشيء ، ثم وجدت ورقة بخط الأشرف فيها فهرسة ذخائره فاعتبرت فتحققوا أنه ما بقي عند مثقال شيء فأطلق .
وفي ربيع الآخر أمر بركة بتسمير جماعة من قطاع الطريق فسمرواوكانوا نحو الستة عشر نفسا .
وفيها شاع بين العامة أن بركة يريد أن يركب عليهم فتحدثوا في ذلك فأمر بركة والي القاهرة أن يقبض على الزعر والعبيد فتتبعهم واشتد خوف العامة فأمر برقوق الوالي أن ينادي للعامة بالأمان فاطمأنوا .
وفيها قبض على مملوكين بدمشق كانا يأخذان النساء قهرا فصلبا ، وذلك في ربيع الأول .
وفيها ثار آقبغا عبد الله وجماعة معه على نائب الشام وكان قد تجرد مع نائب حلب في عسكري البلدين بسبب التركمان فوقعت بينهم وبين آقبغا المذكور ومن معه وقعة فكسرهم نائب الشام وهرب آقبغا إلى نعير فاستجار به وصادف موت أخيه قارا أمير عرب آل فصل نعير عمهصول بن حيار إلى مصر يطلب الأمان لآقبغا ويخطب الإمرة لنفسه ويلتزم الطاعة فلم يقع ذلك الموقع وسجن صول المذكور .
وفيها أعيد اشقتمر إلى نيابة حلب فسافر في ربيع الآخر أو جمادى الأولى وأمر برفع المكس عن أهس عزاز وأرسل الأمان إلى آقبغا فأرسله نعير فوصل إلى حلب ثم إلى دمشق ثم استقر نائب غزة فأقام بها ، وقسمت الإمرة بين نعير وبين ابن عمه زامل .
وفيها أرسل تمر باي نائب حلب إلى الدس بطالا في جمادى الأولى .
وفي جمادى الأولى أرسل بيدمر إلى القدس بطالا أيضا فوصلا إلى القدس جميعا في جمادى الآخرة .وفيها أوفي النيل ، فنزل بركة إلى كسر الخليج فحلق العامود بالمقياس ورجع في الحراقة فصدمه مركب مقلع فكسر مقدم الحراقة ووقع شاش بركة عن رأسه فنزل من الحراقة إلى شختور لطيف فكسر الخليج ثم رجع إلى منزله فتشأموا له بذلك .
وفيها أمر بركة بسلسلة القناطر لئلا يدخل فيها الشخاتير بالمتفرجين في بركة الرطلى وغيرها فعمل على قنطرة فم الخور سلسلة وعلى قنطرة الفخر أخرى ، ووكل بهما من يفتح السلسلة للمراكب الكبار التي تجلب البضائع من الوجه البحري ويمنع المتفرجين . وفي ذلك يقول ابن العطار :
هم سلسلوا البحر لا لذنب
وأرسلوا للحجاز باشه
وأشار بذلك إلى إرسال سودون باشا إلى الحجاز لإصلاح الطرقات في هذه السنة .
وفيها أمر بركة بكسر جرار الخمر بحارة الأسارى فكسر منها شيء كثير على يد مأمور الحاجب الكبير .وفيها فاض الخليج الناصري من يحمون الجمالي فأغرق البساتين وقنطرة الحاجب وكوم الريش والتاج ومنية الشيرج وشبرا وانقطعت الطرق .
وفيها تكلم جار الله قاضي الحنفية في إعادة ما كان السراج الهندي سعى فيه من إحداث مودع للحنفية وفي استنابة القضاة في البر في لبس الطرحة في المواكب ، وكان ذلك مما جرت به العادة القديمة بانفراد الشافعي به ، واتفق أن السراج أجيب إلى ذلك فشغله الضعف عنه إلى أن مات فأجيب سؤال جار الله إلى ذلك ولبس خلعة لذلك وعين شخصا يكون أمين الحكم ومكانا يكون مودعا ، فشق ذلك على برهان الدين بن جماعة وسعى في إبطاله وساعده الشيخ أكمل الدين وغيره من أرباب الدولة فعقد لذلك مجلس حافل عند برقوق في نصف جمادى الأولى ، فتكلم أكمل الدين وبالغ في مساعدة الشافعي وجرى بينه وبين جار الله مقالات كثيرة وإساءات ، وفي آخر الأمر قال أكمل الدين لبرقوق : إنفي هذا الذي يطلبه جار الله شناعة عظيمة على الحنفية وإنهم يطلبون منك ذلك تحيلامنهم على إبطال الزكاة ، فنفر برقوق من ذلك وأمر بإبطال ذلك ، وقام مع الشافعية الشيخ خلف الطوخي وكان برقوق يحبه ويعتقده ، فلما كان في الثاني والعشرين من جمادى الأولى خلع على ابن جماعة واستقر على قاعدته وأن لا يخرج شيء من الأوقاف الحكمية والمودع عن أمره وحصل للعجم من ذلك غم عظيم وشنع العامة عليهم بما ذكره أكمل الدين من قصدهم إبطال الزكاة حتى قال ابن العطار :
أمرت تركنا بمودع حكم
حنفي لأجل منع الزكاة
رب خذهم فإنهم إن أقاموا
نخش أن يأمروا بترك الصلاة
وقال في ذلك أيضا :
ظهر البرهان لما
لعبت عجم بترك
واستقام الدست حتى
صرف الجار يبكي
وفيها عزر جمال الدين عبد الرحيم بن الوراق وعزل من نيابة الحكم للحنفية ، وذلك أن امرأة أقرت عنده بانقضاء عدتها بسقط مخلق فحكم بذلك ، ثم ادعت أنها حامل فكتب لها فرض حمل ، فاستفتى عليه فأفتى علماء مذهبه بأن ذلك مخالف لهم فأمر برقوق بعزله وتعزيره .وفيها أمر برقوق بعزل زين الدين الإسكندري نائب الحكم من الحكم أيضا أو ذلك بشكوى مأمور الحاجب لبرقوق منه أنه يمنع منه الخصوم ، وأمر برقوق بشخص من العامة احتمى عند زين الدين المذكور من مأمور فضرب بالمقارع وجرس .
وفيها أحضر قاضي الحنفية جار الله إبراهيم الحلواني الوعظ فعزره وسجنه ومنعه من الكلام ، وذلك أنه كان يوما في ميعاده يقرأ بالجامع الأزهر فأحضر له شخص يقال له القدسي كتابا فيه من مناقب الشافعي ، فقال له : أمرك القاضي برهان الدين بن جماعة أن تقرأ هذا الكتب على الناس ، فقرأه فمر فيه أن شخصا رأى النبي e في المنام وهو يقرأ هذه الآية : فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ، وأشار عند قوله : هؤلاء إلى أبي حنيفة وأصحابه وبقية الآية إلى الشافعي وأصحابه ، فبلغ ذلك بعض الحنفية فشكوه إلى جار الله ، فأحضره وعزره وأحضر القدسي فحلف أن ابن جماعة لم يأمره بشيء من ذلك وإنما اقترح هو ذلك من قبل نفسه وأراد أن تسمع الناس مناقب الشافعي ولم يعرف أن فيها هذه القصة فعزره الحنفي أيضا وسجنه ، ثم سعى الشيخ سراج الدين البلقيني في أمر الحلوانيإلى أن اخرج من السجن وأقام في منزله ممنوعا من قراءة البخاري ، ثم سعى هو حتى أذن له في الكلام على عادته ، وأعانه برهان الدين بن جماعة .
وفيها سعى كمال الدين سبط صلاح الدين الخروبي في الوزارة وذلك أنه نشأ يجب الكتابة والمباشرة فتكلم مع فقيه الأمير خضر استادار بركة فأحضره خضر عند بركة وقرر أمره وأن يكون كمال الدين وزيرا وزوج خالته ابن السقطي ناظر الدولة وفقيه خضر ناظر الخاص وكراي بن خاص ترك شاد الدواوين وشخص دلال بالوراقين كان يصحبهم مقدم الدولة وضمن للأمير بركة تكفية الدولة ستة أشهر بشرط أن يسلم له خاله تاج الدين الخروبي وقريبهم ركن الدين الخروبي وغيرهما ، وضمن لبركة أن يخلص منهم مائة ألف دينار ، فأجابه إلى جميع ذلك ، فبلغ ذلك أقاربه فسعوا عليه عند القبط ، فوصل الأمر إلى برقوق فأنكر ذلك وطلب المذكور وضرب بحضرته بالمقارع وضرب معه فقيه خضر وجرسابطراطير ، وذلك في أوائل شهر رمضان بمصر والقاهرة ، ونودي عليهما جزاء من يتحدث فيما لا يعنيه ، وهرب ابن خاص ترك ، ثم نفي كمال الدين المذكور إلى قوص فتغرب هناك إلى أن مات .
وفيها ادعى شخص فقير أنه محمد بن عبد الله النبي الأمي فقبض عليه وسجن بالمارستان ، وكان سئل عن معجزته فقال : إن أحرف القرآن تنطق لي ، وسئل أيضا فاعترف بنبوة محمد بن عبد الله رسول الله ، وأنه أرسل بعده ليقرر شرعه وأنه وعد بالسلطنة والحكم بالعدل ، فشهد رؤساء المارستان أن في عقله اختلالا ، فقيد زمانا ثم أطلق ، وقد رأيته بعد ذلك بمدة طويلة يستعطي الناس فلا يذكر شيئا مما تقدم ويتأذى ممن يذكر له ذلك .
وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث بالمنصورية ، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي والشيخ زين الدين العراقي وغيرهما وقالوا : إن هذا لا يعرف شيئا من الحديث ، فلما حضروا أعطى جزأ من صحيح البخاري ليقرأ فيه بالحاضر فقرأ شيئا فصحف في مواضع واضحة فافتضح وانفصل الأمر على ذلك ، فأراد جمال الدين المحتسب ستر القضية فأخذ التدريس لنفسه من الناظر وخشي الشناعة فأحضر بعض المحدثين إلى منزله وقرأ عليه الحديث ، وواظب على سماع الحديث على بعض المشايخ كالآمدي والدجوي فصاروا يحضرون إلى منزله ، واستمر تدريس الحديث بيدهثم استقر فيه ولده بعده إلى أن صار إلى كاتبه .
وفيها استنجز بركة مرسوما من السلطان بالاستيلاء على تركة بن الأنصاري قاضي دمنهور وعلى تركة محمد بن سلام التاجر ، فاجتمع به برهان الدين بن جماعة فوعظه وسأله أن يترك ذلك لله تعالى ووعده أن الله تعالى يعوضه خيرا من ذلك فأجاب سؤاله .
وفي أوائل ذي القعدة ادعى على الشيخ زين الدين عمر بن مسلم القرشي الواعظ أنه مجسم وشهد عليه جماعة بكلام قاله يتعلق بالصفات ، فرسم عليه جمال الدين المحتسب فقام القاضي برهان الدين بن جماعة في أمره إلى أن أطلق بعد ستة أشهر .
وفيها عكر بركة الميضاة المنسوبة له بمكة المشرفة وأمر بإصلاح بئر زمزم وبإجراء الماء في القناة من عين الأرزق إلى الفساقي في باب المعلاة .وفيها طب بركة الوزراء المعزولين ، فنفي ابن الرويهب إلى طرسوس وابن الغنام إلى القدس ، وضرب ابن مكانس بالمقارع وهرب أخوه فخر الدين ، ثم شفع يلبغا الناصري في ابن مكانس فأطلق .
وفيها في ذي الحجة حضر جماعة من الرجال والناسء وذكروا أنهم كانوا نصارى فأسلموا ثم اختاروا الرجوع إلى دينهم فأرادوا التقرب إلى ربهم بسفك دمائهم ندما على ما فعلوا ، فعرض عليهم القاضي علم الدين المالكي الرجوع إلى الإسلام فامتنعوا ، فأمر بعض نوابه بسفك دمائهم فضربت أعناق الرجال عند اللصالحية وأعناق النساء تحت القلعة في الرميلة .
وفيها جاء رجل جندي إلى الصالحية فنزل عن فرسه وسأل عن القاضي المالكي وقال : أريد أن يطهرني فإني مرتد عن الإسلام ، فأمسك وأحضر إلى جمال الدين المحتسب ، فضربه وسجنه وسأل الأطباء أن كان مختل العقل أولا فيقال ، إنهم شهدوا أنه مجنون فسجن بالمارستان .
وفيها في أوائل رجب شاع بين الناس أن شخصا يتكلم من وراء حائط فافتتن الناس به ، واستمر ذلك في رجب وشعبان ، واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة ، وقال قائلهم : يا رب سلم الحيطة تتكلم .
وقال ابن العطار :
يا ناطقا من جدار وهو ليس يرى
أظهر وإلا فهذا الفعل فتانلم تسمع الناس للحيطان ألسنة
وإنما قيل للحيطان آذان
ثم تتبع جمال الدين المحتسب القصة وبحث عن القضية إلى أن وقف على حقيقتها ، فتوجه أولا إلى البيت فسمع الكلام من الجدار فرسم على الجندي جار المكان وضرب غلامه وقرره وأمر بتخريب الدار فخربت ، ثم عادوا بعد ذلك وسمعوا الكلام على العادة ، فحضر مرة أخرى فأمر من يخاطب المتكلم فقال : هذا الذي تفعله فتنة للناس فإلى متى ? قال : ما بقي بعد هذا اليوم شيء ، فمضى ثم بلغه أنه عاد وقوي الظن وأن القصة مفتعلة ، فلم يزل يبحث حتى عرف باطن الأمر وهو أنه وجد شخصا يقال له الشيخ ركن الدين عمر مع آخر يقال له أحمد الفيشي قد تواطأا على ذلك وصارا يلقنان زوج أحمد الفيشي ما تتكلم به من وراء الحائط من قرعة تصير الصوت مستغربا لا يشبه صوت الآدميين ، فانتهى الأمر إلى برقوق فسمرهم بعد ضرب الرجلين بالمقارع والمرأة تحت رجلها وحصل لكثير من الناس عليهم ألم عظيم ، وخلع على جمال الدين خلعة بسبب ذلك ، وقيل إن أصل ذلك أن المرأة كانت تغار من زوجها فرتبت مع الشيخ عمر أن يتكلم لها من وراء الحائط من القرعة وينهاه عن أذاها ، فنقب الحائط إلى أن لم يصر منه سوى قشرة وركب القرعة وتكلم من ورائها فقال له في الليل بذلك الصوت المنكر : يا أحمد اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروففإنها امرأة صالحة وكرر ذلك ، فارتاع الرجل وصالحها . فلما طالت المدة وتراضيا أطلعته المرأة على الحيلة فانفتح لهم دكان تحصيل فصار الناس يهرعون إلى بيت أحمد الفيشي ليسمعون الكلام واستقرت المرأة هي التي تتكلم وأعان المحتسب على الاطلاع على أمرهم أن الكلام الذي كان يسمع ليس فيه إخبار عن مغيب ولا عن حادث يأتي . وكان الركن عمر قد أقام بجامع عمرو ثلاثين سنة على قدم جيد والناس يتبركون به ويزورونه ، وكانت الواقعة منهم في ثاني رجب وكان أحمد المذكور أحد العدول الجالسين بالقرب من الجامع الأزهر وسكن بالقرب من زاوية ابن عطاء .
وفيها وقع الخلف بين الأمراء الثلاثة فتواطأ برقوق وبركة على أينال اليوسفي فبلغه ذلك فأضمر الشر ، فاتفق أن خرج بركة في شعبان إلى البحيرة للصيد على العادة فانقطع أينال في بيته وأظهر أنه ضعيف فسلم عليه برقوق مرة بعد مرة ثم إنه ركب مرة إلى المطعم فبلغ ذلك أينال فركب إلى الإصطبل وذلك يوم الاثنين رابع عشرين شعبان فملك الإصطبل ونهب أصحابه بيت برقوق واستولى على ما في خزائن برقوق وألبس من وجده من مماليك برقوق السلاح ووعدهم بالمال والإقطاعات ، وقبض على جركس الخليلي وأمر بضرب الكوسات وطلب أينال من الزمامأن ينزل له السلطان إلى الإصطبل فامتنع فطار إلى برقوق فخاف فقوي أيتمش عزمه وأنزله في إصطبله وألبس مماليكه وركبوا في خدمته وطلعوا من باب الوزير وقصدوا القاعة على حين غفلة من أصحاب أينال لاشتغالهم بالنهب فأحرقوا بابا السرو ودخلوا منه واجتمع معهم من العامة ما لا يحصى ، فساعدوهم بالعصى والحجارة لما قاتلهم أصحاب أينال فانكسر الأينالية وأظهر أينال من الشجاعة ما لا مزيد عليه ، ووقعت في أينال نشابة من بعض مماليك برقوق فجرح فانهزم إلى بيته مكسورا ، فأرسل برقوق في أثره فأسر وأحضر إليه فقرره ليلا عمن تواطأ معه من الأمراء فلم يعترف بشيء وحلف له أنه ما كان غرضه إلا الذب عن نفسه فأرسل به إلى الإسكندرية فسجنه واطمأن برقوق ونزع السلاح ونادى للعامة بالأمان ، وكاتب بركة بما اتفق فأسرع العود وتلاقيا في الميدان وترجلا جميعا وتعانقا وسارا إلى الرميلة ثم افترقا إلى منازلهما .
وفيها قتل محمد بن مكي الرافض بدمشق بسبب ما شهد به عليه من الانحلال واعتقاد مذهب النصرانية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك من القبايح وذلك في جمادى الأولى ، وأرخه بعض أصحابنا في سنة ست وثمانين فالله أعلم وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس وكان على معتقده .
وفيها حج المحمل اليمني أيضا أرسله الأشرف بن الأفضل .
وفيها نازل القاهر صاحب أرزن العادل صاحب حصن كيفافأكرمه وركب معه للصيد ، وكان العادل خاله وتوجه العادل إلى اسعرد وقرر أمورها .
وفيات سنة 781
ذكر من مات في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال الطائي برهان الدين بن شرف الدين القيراطي ، ولد في صفر سنة ست وعشرين ، تفقه واشتغل وتعانى النظم ففاق فيه ، وله ديوان جمعه لنفسه يشتمل على نظم ونثر في غاية الإجادة ، واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدين السبكي وبالغ الصفدي في تقريظه بسببها وطارحه بأبيات طائية أجاد القيراطي فيها غاية الإجادة ، وله في محب الدين ناظر الجيش وفي تاج الدين السبكي غرر المدايح ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدين بن نباتة في غاية الحسن والطول ، وكان مع تعانيه النظم والنثر عابدا فاضلا ، درس بالفارسية ، وكان مشهورا بالوسوسة في الطهارة ، وقد حدث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح وعن ابن ملوك وأحمد بن علي بن أيوبالمستولي والحسن بن السديد الأربلي وشمس الدين بن السراج ، وحدث عنه من نظمه القاضي عز الدين بن جماعة والقاضي تقي الدين بن رافع وغيرهما ممن مات قبله ، وسمع منه جماعة من شيوخنا ، وله في أبي مدايح حسنة ومطارحات ، مات بمكة مجاورا في ربيع الآخر ، وله خمس وخمسون سنة إلا أشهرا .
إبراهيم بن عبد الله التروجي ، كان دينا عابدا محبا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان يكثر من ذلك فيؤذي فلا يرجع ، وكان دمث الأخلاق ، وهو الذي قام على الفارعي وكفره وادعى عليه ، مات في ربيع الأول .
إبراهيم بن محمد بن المجد البعلي برهان الدين ، كان قاضي بعلبك ثم انفصل ثم طلبه النائب طلبا مزعجا فتحيل ودخل إلى مغارة في بيته هاربا وأطبقها عليه فمات من ضيق النفس وكان معه مملوك له فبادر إلى الخروج فعاش وذلك في رمضان .
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي الشيخ شرف الدين المالكي نزيل القاهرة ، كان فاضلا ، قدم دمشق فولي قضاء المالكية بها ، ثم قدم القاهرة في دولة يلبغا فعظمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانةالخاص ، وقد ولي قضاء دمياط مدة ، وحدث عن أبيه وابن الطبال وغيرهما ، ولم يكن بيده وظيفة إلا نظر الخزانة فانتزعها منه علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة فتألم من ذلك ولزم منزله إلى أن كف بصره ، فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة ، سمع منه من شيوخنا جماعة ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدين محمد بن البيطار الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة .
أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني شهاب الدين بن خطيب بيت لهيا ولد في رمضان سنة سبع وستمائة ، وسمع من الضياء إسماعيل بن عمر الحموي وابن الشحنة وحدث ، وكان من الرؤساء مات في المحرم .
أحمد بن محمود بن محمد الجعفري النقشواني شيخ الخانقاه الشميساطيةبدمشق شهاب الدين بن تقي الدين ، كان عالما دينا باشر المشيخة أربع سنين ومائة يوم ، مات في شوال .
إسماعيل بن زكريا بن حسن الدامغاني ثم البغدادي أحد الأمراء ببغداد ، وكانت له في عمارتها بعد الغرق والتخريب اليد البيضاء ، مات في نصف رجب .
أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح بن الجبال ويعرف بابن الصائغ وبابن عريف الصاغة حلبي الأصل دمشقي نشأ بالصالحية ويلقب عماد الدين ، مولده في أوائل سنة سبع وسبعمائة ، حضر على هدية بنت عسكر وعبد الأحد بن تيمية وغيرهما ، وسمع من سليمان وعيسى المطعم وغيرهما وحدث عنهم وعن أحمد بن ضرغام بالقاهرة وغيره ، مات في ربيع الآخر ، سمع منه بمصر وكان يذاكر بأشياء حسنة وقسم ماله قبل موته بين ورثته وانقطع يحدث ببستانه بالزعيفرية .
حاجي بك بن شادي أحد الأمراء بالديار المصرية ولي طبلخانات ، ومات في هذه السنة .حسن بن عبد الله الصبان الشيخ أحد المشايخ المعتقدين ، كان يسكن ظاهر باب النصر وأقعد بأخرة وكان أبي يعتقده ، وذكر لي شمس الدين الأسوطي أنه غضب عليه فرمى بسهم في الهوى فقال أصابه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات ، مات الشيخ حسن في ربيع الآخر .
خضر بن عبد الله الكردي المهلل ، كان يدور في الأسواق بدمشق ومعه كعك في عصا يبيعه ويرفع صوته بالتهليل ويذكر بالذكر ، المأثور وكان معتقدا للناس فيه اعتقاد وتظهر له كرامات ، مات في شهر رمضان وكانت جنازته حافلة جدا .
خطط اليلبغاوي أحد الأمراء ولي نيابة حماة وغيرها .
صالح بن عبد الله الجزيري كان يسكن بجزيرة أروى ويعتقده الناس مات في ربيع الأول وهو غير صالح المناوي المذكور في التي قبلها .
عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي نزيل مصر الشيخ تقي الدين البغدادي شيخ القراء قدم القاهرة قديما وتلا على التقي الصائغ وسمع منحسن سبط زيادة ووزيرة وتاج الدين بن دقيق العيد وجماعة ، خرج له عنهم أبو زرعة بن العراقي مشيخة وهو آخر من حدث عن سبط زيادة وتصدر للإقراء مدة وانتفع به الناس ودرس للمحدثين بالشيخونية ودرس القراءات بجامع ابن طولون ، مات في تاسع صفر ، عاش تسعا وسبعين سنة ، قرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات وشرح الشاطبية ونظم غاية الإحسان لشيخه أبي حيان أرجوزة ووقف عليها شيخه وقرظها وسميه الشيخ تقي الدين الواسطي المقري رحمهما الله تعالى .
عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن المعمر البكري الواسطي نزيل دمشق ، قدمها في حدود الأربعين ونزل بالشميساطية ، وكان عالي الإسناد في كتاب الإرشاد للعز القلانسي ، وكان معمرا .
عبد الواحد بن حسن المغربي الصنهاجي ثم الزرعي نزيل الحرمين ، كان عابدا خاشعا معتقدا .
عثمان بن يوسف بن أحمد الطائي فخر الدين بن القواس الدمشقي ، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة ، وحضر على عمر القواس وتفرد بالرواية عنه ، وسمع من جد والده الزين أحمد وغيره ، وكان من قدماء الشهود بدمشق ، عاش بضعا وثمانين سنة ، ومات في جمادى الآخرة .
عثمان الصرخدي فخر الدين ، كان فاضلا ، مات في رجب رحمه الله تعالى .علي بن إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جهبل الحلبي ثم الدمشقي علاء الدين بن تاج الدين ، سمع من الحجار وولي قضاء طرابلس ، مات في رجب رحمه الله .
علي بن عمر بن منصور الحداد الدمشقي ، كان فاضلا ماهرا في الفقه رحمه الله .
علي بن محمد بن إبراهيم بن نصر الكردي الحاسب ، حضر علي الحجار وغيره ، وبرع في معرفة الحساب ، مات في تاسع شوال عن اثنتين وسبعين سنة رحمه الله .
علي بن محمد بن عرب . تقدم في التي قبلها .
علي بن صالح صاحب ماردين ، قتل في شعبان ، واستقر بعده أخوهعبد الرحمن .
علي بن عصفور علاء الدين الدمشقي ، أحد الرؤساء بها .
عمر بن المحب عبد الله بن المحب المقدسي ، عني بالحديث وسمع الكثير ، ومات في جمادى الآخرة .
عمر بن أبي القاسم بن معيبد الزبيدي تقي الدين وزير الأفضل صاحب اليمن .
قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا أمير عرب آل فضل ، تقدم ذكره في الحوادث ، ومات معتقلا ، وكان ينطوي على دين وشجاعة وسلامة باطن ، جاوز السبعين .
محمد بن أحمد بن الحسن الحنبلي صلاح الدين بن الشيخ شرف الدين بن شيخ الجبل ، سمع الكثير بعناية أبيه وحدث ، مات في شهر رجب رحمه الله تعالى .
محمد بن أحمد بن عيسى بن المظر بن محمد عز الدين بن السيجيالأنصاري من بيت مشهور ، ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة ، وسمع من جماعة وهو كبير وحدث ، وكان من قدماء مباشري الجامع الأموي ، مات في ذي القعدة ، وقد عمر رحمه الله تعالى .
محمد بن أحمد بن مزهر شمس الدين كاتب بيت المال بدمشق ، كان أحد الرؤساء بها ، ولي وكالة بيت المال مدة وهو أخو بدر الدين بن مزهر الذي ولي كتبة السر بعد هذا بمدة ، قالوا : وكانت عنده جرأة ومجازفة في الكلام ، مات في شوال رحمه الله .
محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق أبو عبد الله التلمساني المالكي العجيسي ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة وسمع بالمغرب من منصور المشدالي وإبراهيم بن عبد الرفيع وأبي زيد بن الإمام وأخيه أبي موسى ورحل قديما فسمع بمكة من عيسى الحجي وغيره وبمصر من أبي الفتح بن سيد الناس وأبي حيانوغيرهما وبدمشق من ابن الفركاح وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب لامدينة ومحمد بن محمد بن خلف المطري وغيرهما ، وكان قد تقدم في بلاده وتمهر في العربية والأدب والأصول ثم رحل ثم رجع فتقدم أيضا ثم قدم مصر سنة ثلاث وسبعين فدرس بالصرغتمشية والشيخونيةوالنجمية بمصر ، وكان يكتب خطا حسنا ، وله شرح الشفاء رأيته بخطه لم يكمله وشرح العمدة في خمس مجلدات جمع فيه بين كلام ابن دقيق العيد وابن العطار والفاكهاني وغيرهم ، قال ابن الخطيب : كان مليح الترسل حسن اللقاء كثير التودد طيب الحديث ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالتنسك أبو الحسن وأقبل عليه إقبالا عظيما ، فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين ودخل الأندلس فاشتمل عليه سلطانها وقلده الخطابة ثم رجع إلى باب أبي عنان في سنة أربع وخمسين ، وقد عني بالحديث ولقاء المشايخ وتكثيرهم حتى بلغ عدد شيوخه ألف شيخ ثم تقدمعند أبي سالم ثم وقعت له الكائنة المشهورة فانتهبت أمواله وأقطعت رباعه واصطفيت أمهات أولاده وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة فركب في البحر إلى المشرق وتقدمه أهله وأولاده في وسط رجب عام أربعة وستين ، ثم كتب ابن مرزوق في حاشية تاريخ ابن الخطيب : أنه وصل إلى تونس في رمضان سنة خمس فلقي بها من الإكرام والاحترام أضعاف ما كان يأمله وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان وتداريس أكثر المدارس واستمر بها إلى أن مات السلطان سنة إحدى وسبعين فاستمر مع ولده وابن أخيه على ذلك إلى سنة ثلاث وسبعين فركب البحر في شهر ربيع الأول فقدم القاهرة فاجتمع بالأشرف فأحسن إليه وأجرى عليه راتبا وولي المدارس بالقاهرة ، وكان حسن الشكل جليل القدر ، مات في ربيع الأول رحمه الله تعالى .
محمد بن أحمد بن هبة الله الشافعي زين الدين بن الأنصاري ، كان متجملا كثير المال عارفا بصحبة الأكابر وله مكارم وصدقات ومعرفة بأمور الدنيا ، وقد ولي قضاء دمنهور والبحيرة وغيرهما ومات في رجب .
محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري زين الدين الأسيوطيتفقه على الدمنهوري ، وكتب الخط الحسن وشارك في الفضائل ، وولي قضاء بلده وكان صارما في أحكامه ، وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه .
محمد بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي شمس الدين بن تقي الدين البعلبكي حضر على عيسى المطعم وأبي الفتح بن النشو وغيرهما بعناية عمه ثم طلب بنفسه فسمع الكثير ، وكان فصيح القراءة وقرأ على البرزالي ، وجلس تحت الساعات ، وكان موثوقا به بين الشهود ، مات في ذي الحجة .
محمد بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن محمد أبو عبد الله بن أبي مروان ابن الشيخ محمد المرجاني التونسي الأصل الإسكندراني الدار نزيل مكة ولد سنة أربع وعشرين ، وكان خيرا صالحا صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير ، وكان يعرف علم الحرف مات في شوال .
محمد بن محمد بن غانم جمال الدين بن ناصر الدين أحد الرؤساء بدمشق رحمه الله تعالى .
محمد بن هبة الله بن عيسى الأنصاري عز الدين بن السيرجي ولد على رأس القرن ، وسمع وهو كبير وباشر الجامع وحدث ، مات في ذي القعدة .محمد بن يوسف بن عبد الله بهاء الدين بن يونس شاهد أولاد السلطان حسن كان أحد الرؤساء بالقاهرة مات في جمادى الآخرة .
محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازي ناصر الدين الطبردار سبط العماد الدمياطي ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة وسمع كتاب الخيل تأليف الدمياطي منه وسمع عليه كتاب العلم للرهبي أيضا وتفرد بالرواية عنه بالسماع وحدث ورحلوا إليه ومات في شهر ربيع الأول أو في رجب وله أربع وثمانون سنة .
محمود بن أحمد بن صالح شرف الدين الصرخدي نزيل دمشق تفقه على الفخر المصري وأفاد ودرس وكان ناسكا خاشعا عابدا يصفر بالحناء وانقطع أخيرا عن حضور المدارس لضعف بصره ، قال ابن حجى أخبرني أبي قال كان أول ما قدم علينا كنا نشبه طريقه بطريق النووي ، مات في مستهل ذي القعدة .
ياقوت الحبشي الرسولي شيخ الخدام بالحرم الشريف النبوي يلقبافتخار الدين ، مات في رمضان وقد أقام في المشيخة إحدى وعشرين سنة .
سطلمش أحد الأمراء الكبار بمصر ، عمر دهرا وحج بالناس سنة إحدى وخمسين ، وكانت له همة وعبادة ، يقال إنه قارب التسعين .
تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الأول من إنباء الغمر بأبناء العمر يوم الأثنين الرابع من صفر 1387 ه المطابق للخامس عشر من مايو 1967 م للإمام الحافظ الحجة شيخ الإسلام شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 رحمه الله وقد عني بتصحيحه وتهذيب أصوله والتعليق عليه السيد عبد الله بن أحمد المديحج العلوي الحسيني الحضرمي رئيس شعبة التصحيح سابقا بدائرة المعارف وأعانه العالم الفاضل الحافظ عزيز بيك المصحح بدائرة المعارف ويتلوه الجزء الثاني أوله ' سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة 'حوادث سنة 782
سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة
قرأت بخط ابن دقماق : في أوائل هذه السنة وصل بريدي من حلب فأخبر أن شخصا عبث بإمام جماعة وهو يصلي فانقلب وجه العابث وجه خنزير ، وأنه كتب بذلك محضر ووصل صحبته ، وأنه ممن شاهد ذلك .وفيها في ربيع الأول عمل برقوق عقيقة ولده محمد ، وطلع إليه جماعة من الأمراء فأمسكهم فلبس الباقون السلاح خوفا على أنفسهم ، وتغير خاطر بركة لأنه بلغه أن ايتمش قال : إنه اتفق مع اينال وجماعة من الأمراء على مسك بركة ، فالتمس من برقوق أن يمكنه من ايتمش فوعده وماطله ، فبلغ ذلك ايتمش فاستشفع إليه بالشيخ أكمل الدين وغيره فرضي عنه وخلع عليه ، ثم بلغ برقوق في تاسع عشر صفر أن بركة يريد الركوب عليه فأرسل برقوق القضاة والمشايخ إلى بركة ، فسعوا بينهما في الصلح مرات إلى أن أذعن بركة ونودي بالأمان وخلع على من سعى في الصلح من القضاة وغيرهم ، واجتمع الأمراء في الميدان ولعبوا بالأكرة ، واستقر الصلح ، ثم بلغ ايتمش عن بركة ما يسوؤه فركب في يوم الاثنين سابع ربيع الأول في طائفة من الأمراء على بركة ، ومان صراي أخو بركة قد اجتمع في ذلك اليوم ببرقوق وأعلمه أن بركة عزم على مسكه يوم الجمعة ، فأذن برقوق لأيتمش ومن ممعه بالركوب على بركة ونادى في العوام بنهب داره ، فتوجهوا إلى باب بيته فأحرقواالباب فخرج من الباب الآخر إلى جهة الشارع وأخذ معه الوالي حتى فتح له باب الفتوح لأنه كان أغلق الأبواب أول ما ثارت الفتنة ، وشق القاهرة متوجها إلى قبة النصر ، واجتمع إليه أصحابه فعسكر بهم هناك ونهب العامة كلما وجدوا في بيته ، فخرج إليه ايتمش ومن معه فوقعت بينهما وقعات كان غالب الظفر فيها لعسكر بركة حتى حصن برقوق مدرسة حسن ودار الضيافة وصهريج منجك بالفرسان ، ثم عزل بهاء الدين الطبردار والي القاهرة ، وأعاد ابن الحكوراني ، فبالغ في حفظ القاهرة ، وفتح حوانيت أصحاب السلاح فأخذ ما فيها ، فأمد به البرقوقية ، ومنع من يخرج إلى أصحاب بركة بمأكول أو مشروب أو سلاح ، وتقدم شهاب الدين بن يغمر في أصحاب بركة فأظهر شجاعة عظيمة وإقداما وجرأة إلى أن كسروا أصحاب برقوق عشرين مرة ، ثم كانت آخر وقعة جرت بينهم عند العروسين ، وفي أثناء ذلك أرسل برقوق سودون الشيخوني إلى بركة بخلعة بنيابة الشام فغضب منه وقال : لولا أنك رجل جد شيخ لقتلتك لكن متى عدت ضربت عنقك ، ثم استعان برقوق بالزعر فرموا أصحاب بركة بالحجارة ،ولولا إعانة البرقوقية برمي الحجارة على أصحاب بركة لأخذوا القلعة لكنهم استظهروا على بركة ومن معه بالزعر ففعلوا فيهم الأفاعيل من الرجم ، فلما كان يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول حطم بركة بمن معه على ايتمش وأصحابه فانهزموا إلى القلعة ، فتقنطر به فرسه فركب غيره ورجع وانهزم أصحابه فتسلل أكثر من معه ، والتقى يلبغا الناصري وايتمش فانتصر ايتمش ورجع يلبغا منهزما ، فلما رأى ذلك بركة توجه هو وآقبغا صيوان إلى جامع المقسي فاستخفى عند الشيخ محمد القدسي فنموا عليه فأمسك في يومه ، قبض عليه يونس الدوادار وطلع به إلى القلعة فأرسله ليلة الخميس إلى الإسكندرية هو وآقتمر الدويدار وقار مرداش ، وخلع في يوم الحميس على ايتمش واستقر رأس نوبة ، والطنبغا الجوباني أمير مجلس ، وجركس الخليلي أمير آخور ، وسلم صيوان وكان استادار بركة ، وخضر وكان رأس نوبة عنده إلى سيف المقدم فأهانهما بأنواع العذاب ، وعزل جمال الدين المحتسب بعد مسك بركة ، واستقر شمس الدين الدميري محتسبا بالقاهرة ، والشريف شرف الدين نقيب الأشراف محتسبا بمصر وأفرج عن اينال اليوسفي وأعطى نيابة طرابلس .
وفيها قبض على بيدمر نائب دمشق لأنه كان من جهة بركة فأرسلبريديا إلى الأمراء بدمشق ورأسهم حاجب الحجاب ناصر الدين محمد بك بالقبض على نائب الشام من غير كتاب ، فحضر إليه الأمراء بسبب ذلك فامتنع وظن أن ذلك من قبل الحاجب لتعصبه عليه وتمسك بعدم وصول كتاب بالقبض عليه ، فاجتمع رأي الأمراء على محاربته فاجتمعوا ووقفوا تحت القلعة ، فخرج بيدمر في جماعته فاصطدموا فساعدته العامة فأمر الحاجب من بالقلعة بالرمي عليهم فانهزموا ، وقبض على بيدمر فقيد وسجن بالقلعة ، ووصل الخبر بذلك مع سيفه في خمسة أيام ، ويقال : إنه قتل بينهم في هذه الوقعة أكثر من عشرين نفسا ، ثم قبض الحاجب ومن معه على جماعة اتهموا بمباطنة بيدمر ثم أطلقوا ، وقرر نائب طرابلس منكلي بغا الأحمدي في نيابة حلب إلى أن مات في جمادى الآخرة ، فنقل اينال اليوسفي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب . وقبض ايتمش على جماعة ، وقبض على الأمراء الذين قاموا مع بركة مثل قطلبك النظامي ويلبغا المنجكي ، وتمربغا الشمسي ، وقرابغا الأبو بكري ، وأمير حاج بن مغلطاي ، والشهاب أحمد بن يغمر وغيرهم ، ووجد لبركة في المصطبة التي كانيقعد عليها أحيانا سبعمائة ألف دينار فيما قيل ، ووجد له عند جمال الدين محمود وديعة تزيد على عشرين ألف دينار .
وفيها في صفر حضر شخص إفرنجي عند بركة قبل كائنته فادعى على شخص بحق له في زعمه فلم يثبت عليه شيء فأخرج الفرنجي سكينا فضرب بها الترجمان واسمه عنان فقتله ، فأمسك الإفرنجي وأحرق .
وفي الحادي والعشرين من المحرم استقر تقي الدين أبو بكر الآمدي الفقاعي وكيل بيت المال بدمشق وكان يلقن القرآن بالجامع الأموي وله كيزان للفقاع يكريها وكان يشتري مملوكا بعد مملوك فيعلمه القرآن والكتابة ثم يبيعهم فيربح فيهم كثيرا ، فاتفق أنه قدم منهم واحدا لبرقوق فوقع منه موقعا حسنا فسعى فولاه وكالة بيت المال عوضا عن النجم السنجاري .
وفيها كثر شر عرب البحيرة وكبيرهم بدر بن سلام فجرد لهم برقوق في جمادى الأولى العساكر منهم أحمد بن يلبغا ومامور وايتمش والجوباني فوصلوا إلى قرب تروجة في جمادى الأولى فوقعت بينهموقعة ، قتل فيها من العرب أكثر من ألف وانهزموا ، وكان بلغهم على أن بدر بن سلام عزم على أن يكسبهم فأخلوا له الخيام وكمنوا قريبا منها فكبس بدر الوطاق فلم يجد فيه أحدا فاشتغل أصحابه بالنهب فدهمهم الترك ثم سعى بدر بن سلام في الصلح وأن يتدرك بعمارة ما خرب من البلاد ويتدرك بتعويض ما نهبه العرب ، وقام معه ابن عرام في ذلك فتوجه إليه بهادر المنجكي ومعه الأمان وقرئ على المنبر بدمنهور ، فأذعن بدر إلى الطاعة ولبس الخلعة ، نودي بالأمان ، وترافق بهادر مع بدر فحضر صحبته إلى قرب القاهرة وقدم بعد أن لبس خلعة السلطان ورجع إلى بلاده ، وقيل : إن ابن عرام نائب الإسكندرية تواطأ مع بدر بن سلام ، فلما التقاه ابن عرام قال له ايتمش كبير الأمراء : إن الجاسوس أخبره أن بدر بن سلام عزم على كبس العسكر ، فأنكر ذلك ابن عرام وقال : إن ابن سلام لا يتجاسر على ذلك ، ثم أشار عليه بالاحتراز ، فاتفق رأي الأمراء على أن تركوا الوطاق وافترقوا فرقتين : فرقة فيها ايتمش توجهت إلى الناحية التي أخبرهم ابن عرام أن ابن سلام يأتي منها ، وفرقة علان الشعباني أقامت بالقرب من الوطاق فجاءابن سلام من غير الجهة التي ذكرها ابن عرام فلم يجد بالوطاق إلا القليل فقاتلهم فهزمهم ، وفتك العرب فيهم ونهبوا الوطاق ، ثم خشي ابن سلام من رجوع العسكر فتوجه على حمية وتخلف بعض النهابة ، فدهمهم علان بمن معه ، فدارت الحرب بينهم وكسروه مرتين ، ثم كسرهم في الثالثة ، وأسر بني بدران وأمعن في القتل ، وأما ايتمش فإنه استقر في البرية فلم جد أحدا فرجع بمنه معه ، فالتقى بدر بن سلام راجعا من الوطاق فهرب ، وتبعه جماعة منهم فلم يدركوه ولكن قتلوا من جماعته خلقا كثيرا منهم ولد بدر ، وراح في هذه الوقعة الطائع بالعاصي ، وخربت تروجة خرابا شديدا ، وكذا غالب ما حولها وانتهبت أموالها .
وفيها كائنة بيدمر نائب دمشق ، أرسل برقوق بإمسكه فامتنع لأنه لم يرد بذلك كتاب ، وألبس مماليكه ، فحاربه الحاجب فانهزم فنهبت داره وقيد وسجن ، وقتل في تلك المعركة نحو عشرين نفسا ، ثم قبض على أمراء اتهموا بممالاة بيدمر .
وفيها استقر قرط بن عمير كاشف البحيرة ، فاستخدم جندا من التركمان والعرب وتوجه ، فأوقع بالعرب وجرت له بينهم حروب كصيرة ، وذلك في شوال ، فاتفق أن شاع أن قرط بن عمير قتل واتفق حضورخضر بن موسى من عربان البحيرة فأمر بضربه بالمقارع ، ثم حضر حسين بن قرط فأخبر أن أباه في عافية وأن سلاحه نفد ، فخلع على حسين وأمد أبوه بالسلاح ، وجردت العساكر تقدمهم ستة أمراء ، فوقعت لهم وقعات كثيرة في شوال منها .
وفي جمادى الآخرة توقف النيل وانهبط في سادس عشر توت ، فوقع الغلاء ، فأعيد جمال الدين إلى حسبة القاهرة ، واستقر شرف الدين بن عرب سبط بهاء الدين ابن المفسر محتسبا بمصر .
وفيه استقر الشريف بكتمر الذي كان والي القاهرة نائبا بالبحيرة ، فأقام بتروجة ، وكوتب ملك الأمراء وهو أول من كوتب بذلك ممن ولي نيابة البحيرة .
وفيها ولي طشتمر الدويدار نيابة صفد في رجب منها بعد أن أخرج من الإسكندرية إلى دمياط قبل ذلك ، فاستمر إلى رمضان سنة أربع وثمانين ، فاستعفى وطلب الإقامة ببيت المقدس بطالا فنقل إليها .
وفيها قتل بركة بسجن الإسكندرية أمر بقتله نائبها بمقتضىمرسوم جاءه من القاهرة ، وقيل : إنه كان شاع عن ابن عرام أنه باطن بدر بن سلام فقدم القاهرة ليتنصل من ذلك ومعه هدايا ، وتقادم فقبلها منه الأمراء وقبلوا عذره وخلع عليه ، واستمر نائبا فواطأه برقوق على قتل بركة سرا فلما رجع دس إليه من قتله وأشاع أنه وجده ميتا ، فلما بلغ ذلك أخوته تنمروا وأرادوا القيام على برقوق فأنكر أن يكون أمر بقتله وأرسل إلى ابن عرام فأحضر في خامس عشرين شهر رجب فقبض عليه يونس الدويدار واحتيط على حواصله وأملاكه ووكل ناسابه ، ولما توجه كشف أمر بركة فوجده مدفونا في المكان الذي قتل فيه ، فنبش عنه فوجده قد دفن بثيابه من غير غسل ولا صلاة عليه ، ووجد في جسده ضربات إحداهن في رأسه فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه في تربة بناها له . وأرسل ابن عرام في البحر الملح ثم في النيل خشية من عرب بدر بن سلام أن يخلصوه ، فأودع أول ما قدم في خزانة شمائل ، ثم أمر بتسميره وسلم للوالي فقرره على أمواله ، ثم شنع عليهالأمراء فأمر برقوق بضربه بالمقارع ونودي عليه : هذا جزاء من يقتل الأمراء بغير إذن ، فيقال : إنه أخرج ورقة من جيبه وقال : هذا خط الأمراء بالإذن في ذلك ، فلم يلتفت إليه ، ثم سمر وأنزل به ، فضربه مماليك بركة بالسيوف وعلقوا رأسه على باب زويلة .
وفي المحرم أيضا سعى الشهاب بن خضر الدمشقي الحنفي في تدريس الركنية عند الهمام بن القوام قاضي الحنفية يومئذ عوضا عن القاضي صدر الدين بن منصور ، وحكم بفسقه تهورا ، فقام عليه حنيفة دمشق ورفعوا الأمر للنائب وأثنوا على القاضي صدر الدين ، فرسم بعقد مجلس فعقد وانفصل الأمر على إبطال حكم الهمام ، وأعيد صدر الدين إلى وظيفته ، وكانت هذه الفعلة من عجائب تهور الهمام .
وفي أوائل السنة مات خطيب إخميم ، وكان مشهورا بكثرة المال ، فأرسل بركة محمد بن الدمرداشي للحوطة مع أنه خلف عدة أولاد وأقارب ، ففتك الدمرداشي في حاشية الخطيب فتكا عظيما . فاتفق مسك بركة ، فأمر برقوق بإحضار الدمرداشي وضربه فضرب ضربا شديدا وأهين وصودر ونفي .
وفيها استقر صدر الدين بديع بن نفيس الطبيب التبريزي ثمالبغدادي نزيل القاهرة شريكا لعلاء الدين بن صغير في رئاسة الطب بالقاهرة بعناية برقوق به ، وكان نفيس يهوديا فأسلم ، وهو عم فتح الله بن مستعصم بن نفيس الذي ولي كتابة السر في آخر دولة برقوق ، وارتغم غالب الناس لابن صغير لتقدمه في صناعته وحسن مباشرته للناس وتودده لهم ، حتى عمل الشيخ يدر الدين ابن الصاحب :
قالوا بديع غدا شريكا
لابن صغير وذي تعاسة
قلت شريك بنصف جعل
ولم يشاركه في الرئاسة
وعمل ابن العطار :
قالوا بديع غدا شريكا
لابن صغير وشال رأسه
قلت قبيح على بديع
من أين هاذاك والرئاسة
وفيها قبض على التاج الملكي وضرب ، ثم خلع عليه بالاستمرار ، ثم استعفى من الوزارة ولبس الفقيري ولازم جامع عمرو بن العاصي ، ثم أمسك في سابع عشرين شهر ربيع الآخر وسلم لبهادر الأعسر المعروف بالشاطر الزردكاش فصادره وعذبه بأنواع العذاب إلى أن ماتتحت الضرب ، فقال فيه ابن العطار :
الملكي مات واستراحت
من نجس أغلف الوزارة
وقالت الميضه أبعدوه
من أين ذا الكلب والطهارة
وأضيفت الوزارة لشمس الدين المقسي مع نظر الخاص ، وقال فيه أيضا وكان موته اتفق يوم النيروز :
قضى الملكي في النيروز نحبا
وراح مصادرا ومضى وسارا
وعم المسلمين به سرور
وتم بموته عيد النصارى
وفي جمادى الآخرة اتفق بدمشق شيء غريب وهو وقوع المطر الغزير برعد وبرق في خامس عشرين أيلول ، وسقط برد كبار مثل البندق ، وكثر جدا حتى صارت الأرض بيضاء ، وكثر الوحل ، وجرى الماء في الشوارع ، كل ذلك في سنة واحدة ولم يعهد مثل ذلك قبلها .
وفيها نودي أن لا يلعب أحد الناروز ، فلعبت جماعة فأمسك منهم أربعة من العامة فضربوا بالمقارع وجرسوا .
وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة وصل أنس بن عبد الله العثماني والد برقوق إلى القاهرة ، فخرج ولده والعسكر لملتقاه فالتقاه بعكرشةووصل صحبته قاضي حلب كمال الدين المعري وقاضي دمشق ولي الدين بن أبي البقاء ، ونزل في ذلك بالخانقاه ومد له ولده سماطا عظيما وأقعده في صدره ، وقعد عن يمينه أيدمر الشمسي وعن يساره آقتمر عبد الغني وقعد برقوق دون أيدمر ، وكان أنس أعجميا لا يعرف بالعربي ولا بالتركي حرفا ، ثم ركب معه إلى القاهرة وأعطاه تقدمة ألف .
وفي ربيع الآخر أحدث السلام على النبي e تسليما عقب أذان العشاء ليلة الاثنين مضافا إلى ليلة الجمعة بدمشق ، ثم أحدث بعد عشر سنين عقب كل صلاة إلا المغرب ، وسيأتي في مكانه . وفيه أمر بكتابة محضر بسيرة قاضي الحنفية بدمشق ، وسار به البريد إلى دمشق فكتبوه ، وكان القاضي بمصر يسعى بالمال إلى أن عاد على وظيفته .
وفيها استولى على بلاد الدشت طقتمش خان الجنكزيوقتل خاني ، وكان أقام في مملكتها عشرين سنة .
وفي ذي الحجة منها غلت الأسعار بدمشق وتأخر المطر فاستسقوا بعد صيام ثلاثة أيام فسقوا ، ووجد شخص بعد النداء مفطرا فعزر .
وفيها أمسك على امرأة تزوجت برجلين شرطت لأحدهما الليل وللآخر النهار بحيلة احتالت بها عليهما ، فاطلع عليها فجرست .
وفيها استقر صدر الدين بن منصور في قضاء الحنفية عوضا عن أخيه شرف الدين ، وكان لما مات عرض برقوق القضاء على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع ، فألح عليه ، فأصر وأحضر معه مصحفا وكتاب الشفاء ، وتوسل بهما إليه أن يعفيه من ولاية القضاء فأعفاه واستشاره فيمن يصلح ، فعين له ابن جماعة صدر الدين ، فأرسل إليه فتشاغل بدمشق بمرض أخيه شرف الدين إلى أن مات في شعبان ، فتوجه بعده إلى القاهرة فوصلها في رمضان فولاه في ثامن رمضان .
وفي نصف رمضان أمر أن يخفف من نواب القضاة ، وأن يكونلكل قاض أربعة نواب ، إلا الحنبلي فلا يزيد على اثنين ، فاستقر برهان الدين بن جماعة بأربعة الصدر بن المناوي وابن رزين وجمال الدين الخطيب الأسناوي ، والثلاثة بالقاهرة ، وفخر الدين القاياتي بمصر ، واستقر الحنفي بجمال الدين المحتسب ، ومجد الدين إسماعيل البلبيسي ، وشمس الدين الطرابلسي ، وشهاب الدين الشنشي الأطروشي ، واستقر المالكي ببهرام ، والشهاب الدفري ، وعبيد البشكالسي الثلاثة بالقاهرة ، وبجمال الدين التنيسي بمصر ، والمتنع الحنبلي من استنابة أحد .
وفيها ابتدأ الوباء بالإسكندرية في شوال واستمر إلى آخر السنة ، ويقال : إنه كان يموت بها كل يوم مائة وخمسون نفسا .
وفيها أبطل برقوق ضمان المغاني بحماة والكرك والشوبك ومنية بن خصيب وزفتا ، وأبطل ضمان الملح بعينتاب وضمان الدقيق بالبيرةوضمان القمح بدمياط وفارسكور ، وأبطل المقرر على أهل البرلس وبلطيم ، وأمر بعمارة جسر الشريعة بطريق الشام ، وجاء طوله مائة وعشرين ذراعا ، وانتفع الناس به .
وفي الثالث من ذي الحجة أفرد للذخيرة والمتجر وخاص الخاص المستأجرات والأملاك ناظرا ، وهو أول من أفرد بذلك .
وفيها مات بيرم خجا صاحب الموصل ، واستقر بعده أخوه مراد خجا .
وفيها في رمضان ارتد نصراني كان أسلم وتزوج مسلمة وأولدها ، فرفع للقاضي فأنكر ، فقامت عليه البينة عند بعض نواب المالكي ، فحكم بإسلامه فسجن ، فعسى عند مستنسبه فأنكر عليه حكمه وقال : ما أذنت له في الحكم بذلك إلا بعد المشاورة ، وأطلق المذكور من السجن ، فعزل النائب نفسه ، وذلك كله بدمشق ، فبلغ السلطان فرسم بعقد مجلس ، فحضر النائب وادعى على مستنيبه أنه عزره بالشتم وقال له : يا يهوديفأنكر فأقام البينة وهي الياسوفي والقرشي عند القاضي شهاب الدين الزهري ، فاعتذر بأن للقاضي أن يعزر بالشتم ، فثبت ذلك عند الزهري وهو نائب ولي الدين الشافعي في غيبته ، وكان ولي الدين يومئذ بالقاهرة ، طلب هو وكمال الدين المعري الذي كان قاضيا قبله ثم ولي قضاء حلب ثم سعى في قضاء الشام فطلبا معا ، فلما كان في ثامن عشر الشهر جيء بالنصراني وعقد المجلس ثانيا ، فبادر ثانيا إلى الإسلام ، فحكم الحنبلي بصحة إسلامه وحقن دمه ، وادعى في ذلك المجلس على القاضي المالكي أن نصرانيا آخر من القرينين رفع عليه أنه يستهزئ بالنبي e فحبسه نائب المالكي ، فأطلقه المالكي فسئل عن ذلك فاعترف وأبدأ شهبا ، فطلب النصراني المذكور فاستتيب فقال : لا أرجع عن ديني ، فحكم المالكي بقتله إلا إن تاب ، فقال الحنبلي : حكمت بقتله ولو تاب ، فضربت عنقه وأحرقت جثته .
وفيها في ربيع الآخر ألزمت أهل الذمة بركوب الحمير بغير إرسال الرجل ووضع الخواتيم في أعناقهم ليتميزوا عن المسلمين في الحمام ، كل ذلك بدمشق .
وفيها أعيد فتح الدين بن الشهيد إلى وظيفته ، وأمر بالترسيم على شهاب الدين أحمد بن نجم الدين بن شهاب الدين بن فضل الله ليوردما التزم به على كتابة السر ، وكانت مباشرته مدة يسيرة منها بنفسه شهرين فقط ، فأقام بالعذراوية مدة ثم عجز عن التكملة ، فأمر بأن يضرب ليستخلص منه المال ، فضرب ضربا عنيفا بالعصي بعد أن كان أمر بضربه بالمقارع ، فشفع فيه ، ثم أمر أن ينادي عليه في البلد : هذا جزاء من يسعى في الوظائف الكبار بما لا يقدر عليه ، فنودي عليه بذلك في المدرسة فقط بعد الشفاعة ، ونفي إلى سلمية ، وكانت كائنة شنيعة جدا ، وكان القدر خمسة آلاف دينار .
وفيها أعيد منكلي بغا البلدي إلى نيابة حلب ، ونقل اشتقمر إلى نيابة دمشق ، واستقر اينال اليوسفي في نيابة حلب ثم صرف ، واستقر يلبغا الناصري .
وفيات سنة 782
ذكر من مات في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر المرشدي ، مات في شوال ، وهو والد صاحبنا جمال الدين وجد عبد الغني بن عبد الواحد المحدث .
أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان ، سمعالبرزالي وابن السلعوس وغيرهما ، وكان حسن الصوت بالقرآن ، وكان الناس يقصدونه لسماع صوته بالتنكزية ، وكان إمامها ، وكان أخذ القراءات عن الذهبي وابن السلعوس وغيرهما ، وكان مولده في المحرم سنة ثلاث وسبعمائة ، ومات بدمشق في صفر ، والطحان الذي نسب إليه كان زوج أمه ، وكان أبوه إسكافا فمات وهو صغير فرباه زوج أمه فنسب إليه ، وله نظم فمنه ما سمعه منه الشهاب بن حجى وأخبرنا به إجازة :
طالب الدنيا كظام
لم يجد إلا أجاجا
كلما أمعن فيه
زاده وردا وهاجا
أحمد بن حسن بن منيع بن شجاع المصابري ، نزيل حلب ، حدث بالبخاري .أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي ، شرف الدين بن منصور ، ولد سنة سبع عشرة ، واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضا عن صدر الدين بن العز ، وكان طلب إلى مصر ليتولى القضاء بعد موت ابن التركماني فقدمها فاتفق أن ولي نجم الدين ابن العز فأقام بمصر مدة يدرس ، ثم ولي القضاء في رمضان سنة سبع وسبعين إلىرجب سنة ثمان وسبعين فتركه ورجع إلى دمشق ، واختصر المختار في الفقه وسماه التحرير ثم شرحه ، وكان مشهورا بالفضيلة في الأصول والفروع ، حسن الطريقة ، جميل السيرة ، وولي القضاء بمصر سنة سبع وسبعين ، ثم انفصل وقدم دمشق في المحرم سنة تسع ، وكانت عنده صرامة وتصميم في الأمور ، وكان قد سمع من محمد بن يوسف بن دولة ، سمع منه المسلسل عن النجيب وجزء ابن عرفة ، وسمع من عبد الرحمن بن تيمية وابنه والمزي والبرزالي وآقش الشبلي وحبيبة بنت العز وغيرهم ، مات في شعبان وله خمس وستون سنة ، وهو أصغر سنا من أخيه صدر الدين وأفقه .
أحمد بن محمد بن عبد الله البدماصي ، شهاب الدين ، كان فقيها فاضلا دينا .أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس بن سامة الدمشقي عماد الدين بن السراج ، ولد سنة خمس وسبعمائة ، وسمع من الحجار ، وتفقه على الشيخ شرف الدين البارزي وأذن له في الإفتاء ، وسمع من المزي والبرزالي وغيرهما ، وأثنى عليه الذهبي في المعجم المختص بالمحدثين ، وكان يعمل المواعيد ويجيد الخط ، مات في شوال عن سبع وسبعين سنة ، وهو آخر من ترجم له الذهبي في هذا المعجم ، وكان يقرأ البخاري في كل سنة بالجامع في رمضان ، ويجتمع عنده الجم الغفير ، وللناس فيه اعتقاد زائد .
بركة بن عبد الله ، الأمير ، تقدم في الحوادث ، وكان أصله من جماعة يلبغا ، وبقي مع مماليك يلبغا الأجلاب ، ثم عاد في إمرة طشتمر ،وكان لما قتل الأشرف أمير عشرة ، ثم كان ممن قام مع اينبك ، ثم قام عليه هو وبرقوق ، وكان من أمره ما مضى مفصلا ، وكان شجاعا مفرط الشجاعة مشهورا بذلك ، وكانت مدة عظمته منذ ولي أمير مجلس في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين إلى أن قبض عليه بالقاهرة ثلاث سنين إلا شهرين .
بيبغا الصالحي ، من أمراء الطبلخانات بدمشق ، كان مشكور السيرة رحمه الله تعالى .
جوكان الجركسي ، كان من أقدم الجراكسة ، واول أمره أنه كان من جماعة إياس ثم ولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم حجوبية الحجاب بحلب . ثم خرج مع العسكر إلى التركمان ، فقتل في أواخر هذه السنة أو في أوائل التي بعدها ، ثم تحرر لي أنه قتل في الوقعة في صفر من السنة المقبلة .حجى بن موسى بن أحمد بن سعد الحسباني ، علاء الدين الشافعي نزيل دمشق ، ولد في سنة إحدى وعشرين ، وقيل قبل ذلك ، وسمع من أحمد بن علي الجزري والبرزالي وغيرهما ، وأخذ الفقه أولا بالقدس عن مشايخها ، وحفظ كتبا : التنبيه وابن الحاجب والعمدة ، ثم أخذ بدمشق لما قدمها سنة 34 ، عن الشيخ شمس الدين بن النقيب ، وشرف الدين خطيب جامع جراح وشهد له بأنه فقيه المذهب ، وتاج الدين السبكي وشهد له بالتقدم في الفقه ، وتقدم في التدريس والفتوى وأفاد الناس ، وتخرج به أهل بلده بدمشق ، وكان كثير الاطلاع ، صحيح النقل ، غواصا ، نقالا ، عارفا بحل المشكلات ، صحيح الفهم ، سريع الإدراك مع الرياضة وحسن الخلق ، انتهت إليه رئاسةالمذهب بدمشق ، وأول ما حدث سنة ثمان وستين وكان متصديا للأشغال ، فارغا عن طلب المناصب ، مواظبا على الصلاة ، مطرحا للتكلف ، تاركا للتردد إلى الأكابر ، ساذجا من أحوال الدنيا لا يعرف صنجة عشرة من عشرين ، ولا يحسن براية قلم ولا تكوير عمامة ، ومات في صفر بعلة البطن وقد جاوز السبعين .
حسن بن الشياح بمعجمه ثم تحتانية ثقيلة وآخره مهملة الصالحي ، أحد من يعتقد بدمشق ، وكان له مكاشفات كثيرة ، ومات في ربيع الآخر .
خليل بن علي بن عرام الإسكندراني ، صلاح الدين ، نائب الإسكندرية ، وأول ما ولي بها الحجوبية ثم النيابة ، ثم ولي بمصر الحجوبية والوزارة مرة ، ولما أوقع الفرنج بالإسكندرية كان هو إذ ذاك نائبها لكنه كان قد حج فوقع ذلك في غيبته ، ورأيت له تاريخا جمع فيه فأوعى في التراجم والحوادث وهو في عشر مجلدات ، وولي نيابة الإسكندرية مرارا ، وصودر بعد قتل الأشرف على مال عظيم ، ثم عمل أستادارية بركة ، ثم أعيد إلى نيابة الإسكندرية فجرى له ما جرى ، وله مدرسة ظاهر القاهرة بالقرب من جامع أمير حسين ، وكان مرة قد تجرد عن الإمرة ولبسبالفقيري ومال إلى الفقراء وتجرد معهم ، وربما سلك على يد بعضهم وأقام بزاوية ثم رجع ، وكان شهما فاضلا ، مات في رجب .
صراي تمر ، كان مع طشتمر لما قام على الأشرف ، وولي نيابة الكرك ، ثم صفده ثم قبض عليه وسجن بالكرك في سنة ثمانين ، ومات في المحرم من هذه السنة .
عاصم بن محمد الحسني ، نقيب الأشرف وليها مرتين ، ومحتسب مصر وليها مرة .
عباس ين حسين بن بدر التميمي ، الشيخ شرف الدين الشافعي ، كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات ، ودرس بالسابقية بالقاهرة ، وخطب بجامع أصلم ، مات في ذي الحجة ، وكان برجله داء الفيل .
عبد الله بن عمر بن عيسى بن عمر البارنباري ، جمال الدينبن تقس الدين ، درس عن أبيه بحلب ، وباشر نظر الأسرى وغيرها .
عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم بن جملة ، تقي الدين الحجي الصالحي ، ابن عمر الخطيب جمال الدين ، سمع من الحجار وحدث ، وناب في الخطابة عن ابن عمه ، وكان أكبر من بقى من بني جملة ، وكان من أعيان الشاميين ، وفيه بر وإحسان ، مات في شعبان عن إحدى وسبعين سنة ، وكان خيرا .
عبد الرحمن بن يوسف بن سحلول الحلبي ، شمس الدين ، كان مقربا عند الإسعردي نائب حماة ، وبنى له خانقاه على شط نهر فويق وكان غاية في مكارم الأخلاق ، وقد باشر الوظائف الجليلة بحلب ، مات في تاسع عشرين المحرم .عبد الرحيم بن أحمد بن محمد المنهاجي ، سبط الشيخ شمس الدين بن اللبان ، سمع من ابن عبد الهادي في صحيح مسلم ، وحدث عن جده ، وكان من أطيب الناس صوتا بالأذان واشتهر بذلك في زمانه ، مات في جمادى الأولى ، وهو أخو صاحبنا أمين الدين محمد ووالد صاحبنا شمس الدين محمد أحد الفضلاء الآن .
عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلار محمود بن عبيد بن السلار بختيار الدمشقي ، أمين الدين ابن السلار ، عني بالعلم وأخذ عن التقي الصالح وجماعة ، وكانت لديه معرفة بالفرائض والعربية ، وله مشاركة في الفقه ، وصنف في القراءات مؤلفات مفيدة ، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بدمشق ، وله خطب جياد ، وسمع من الحجار وغيره ، وطلب الحديث بنفسه ، وكتب الطباق بدمشق ، وكان ثقة صحيح النقل ، وله نظم ، وألف مؤلفات محررة ، مات في ثامن عشر شعبان عن خمس وثمانين سنة ، فإن مولده كان كما كتب بخطه في شوال ،ويقال : في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة ، وأخذ عن ابن نضحان والشهاب الحراني ، وبمصر عن التقي الصائغ وتفرد به بدمشق ، وسمع من أسماء بنت صصرى وأيوب الكحال والمزي ، ودخل بغداد والبصرة ، وخرج له السرمري مشيخة قرأت عليه ، واستقر بعده في الإقراء بتربة أم الصالح شمس الدين بن الجزري لكونه أولى من بقي بذلك ، وحضره الأعيان وأثنوا على درسه .
علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوي ثم المدني المدلجي ، نور الدين ، عني بالحديث ، وجال في البلاد ، وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش وأبي حيان وابن عالي والميدومي وجماعة من أصحاب الفخر بدمشق وببلاد كثيرة ،وحدث بالإجازة عن الرضي الطبري والحجار ، ومهر في العربية والحديث ، ودرس بمدرسة إسماعيل بن زكريا أمير بغداد بها ، وحدث عن أصحاب النجيب والفخر ، واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصا حدثه بحديث عن آخر عنه فقال له : أنا الفوي اسمع مني يعلو سندك ، وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي ، وكان عارفا بالعربية وغيرها ، وأقام بالمدينة النبوية مدة ودرس بها ، مات بالقاهرة في ربيع الآخر أو جمادى الأولى ، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة .
علي بن زياد بن عبد الرحمن القاضي الحبكي ، الفقيه الشافعي ، عني بالفقه والأصول ، ودرس وأفاد ، وأخذ عن أبي البقاء وعلاء الدين بن سلام وابن قاضي شهبة وغيرهم ، وكان يفتي باخرة بدمشق مع الدينوالورع والملازمة للاشتغال بالعلم ، وعنده وسواس في الطهارة ، مات في ذي القعدة ، والحبكي بحاء مهملة ثم موحدة ثم كاف ، منسوب إلى قرية من حوران .
علي بن عبد الصمد الحلاوي ، نور الدين المالكي الفرائضي ، انتهت إليه رئاسة الفرائض وكان مشاركا في الفنون ، عارفا بالمعاني والبيان والحساب والهندسة ، مات في العشر الأخير من ذي الحجة ، وكان يدرس بغير مطالعة مع جودة القريحة وسيلان الذهن ، انتفع به جماعة .
علي بن عمر بن علي بن محمد الإربلي ، سبط الشيخ كمال الدين الشريشي ، علاء الدين ، كان يشهد على الحكام ، مات في رجب .
علي بن محمد بن محمد بن إبراهيم الدربندي ثم الدمشقي ، ولد قبل سنة تسعين وستمائة ، واستقر مؤذنا بالجامع الأموي بعد أن كانت له سياحات ، ووجد له إجازة من عمر بن القواس وأحمد بن عساكروغيرهما ، ولم يتفق له أن يحدث بها لكون ذلك لم يظهر إلا بعد موته ، ثم وجدت ابن حجى أرخ مولده سنة ثمان وثمانين .
عمر بن حمزة بن يونس بن حمزة بن عباس العدوي الأربلي ثم الصالحي ، ابن القطان ، نزيل صفد ، سمع التقي سليمان وأحمد بن عبد الدائم وابن الزراد وابن شرف ، وكان فاضلا له مذاكرات حسنة مقرئا للسبع ، طلب الحديث ، وكتب لاكثير ، وحدث ، سمع منه ابن رافع وكتب عنه في ظهر معجمه ومات قبله بمدة ، وخرج له الياسوفي جزءا ، وعاش ستا وثمانين سنة سواء .
محمد بن أحمد بن العز محمد بن التقي سليمان الحنبلي الصالحي ، خطيب الجامع المظفري ، يلقب عز الدين مات في ربيع الأول .
محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزبيدي ، جمال الدين الشافعي ،كان بارعا في الأدب مشاركا في غيره مع الصلاح والعبادة ، وأشعاره سائرة باليمن .
محمد بن حامد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي ، ولد سنة اثنتين أو ثلاث وسبعمائة ، وسمع من محمد بن يعقوب الجرائدي وزينب بنت شكر وغيرهما وحدث ، روى عنه الشهاب ابن حجى بالإجازة وأرخه في شعبان .
محمد بن علي بن عرام ، صلاح الدين ، نائب الإسكندرية ، تنقل في الولايات ، وولي تقدمة ألف بالقاهرة ، وكان فاضلا عارفا ، كتب بخطه تاريخا في عشر مجلدات ، وكان يحب الفقراء ويدنيهم ، تقدم ذكر قتله في الحوادث ، ويقال اسمه : خليل كما تقدم .محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الدمشقي الأسدي ، شمس الدين بن نجم الدين بن شرف الدين ابن قاضي شهبة ، ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة في ربيع الأول كذا وجد بخطه ، وتفقه على عمه كمال الدين وبرهان الدين ابن الفركاح ، وأخذ العربية عن الشيخ شرف الدين الفزاري ، ولما مات عمه كمال الدين سنة ست وعشرين قعد مكانه للأشغال واستمر على ذلك أكثر من خمسين سنة على طريقة واحدة من إيثار الانجماع وعدم الالتفات إلى المناصب ، يخدم نفسه ويشتري حاجته ويحملها ، ثم ولي في آخر عمره تدريس الشامية البرانية بغير سؤال ، وذلك في ذي الحجة سنة 777 ، ثم تركها بعد سنة وثلاثة أشهر للشهاب الزهريوسمع من ابن الموازيني الأموال لأبي عبيد وغير ذلك ، ومسع من ست الأهل بنت علوان وست الوزير وطائفة وناب في الحكم عن السبكي يسيرا وكان لا يتصدى لذلك . وكانوا يثنون عليه بالورع حتى أن الشيخ شرف الدين الغزي ذكر أنه لما اجتمع بالشيخ جمال الدين الأسنوي سأله عن شيوخ دمشق فوصف له ابن قاضي شهبة فقال : هذا مثل الشيخ مجد الدين الزنكلوني عندنا ، وكان أقعد الشاميين في الفقه وأقدمهم هجرة حتى كان أكثر الفضلاء بها من تلامذته وتلامذة تلامذته ، فمن الطبقة الأولى ممن جضر دروسه ابن خطيب يبرود والعماد بن كثير والشهاب الأذرعي ، وكتب الأذرعي بخطه على ظهر مجلد من شرح التوسط لابن الأستاذ هذه المجلدة لسيديوشيخي شمس الدين ابن قاضي شهبة ، وقد حدث ، فسمع منه العراقي والهيثمي وابن رجب والياسوفي وابن ظهيرة وابن حجى والبرهان الحلبي وآخرون ، مات في ثامن المحرم وقد أكمل تسعين سنة ودخل في عشر المائة ، أعاد في حلقة ابن الفركاح ، وقرأ الجرجانية على الفزاري ، وأول ما جلس للأشغال بعد موت عمه مستقلا سنة ست وعشرين ، وممن جلس عنده ابن خطيب يبرود وابن كثير ، وكان اشتهر بمعرفة التنبيه وشروحه وحسن تقريره ، وكذا الجرجانية ، ولم يكن يحضر المحافل ولا يفتي ، وكان يستحضر الرافعي وينزله على مسائل التنبيه تنزيلا عجيبا ، وعنده انجماع وعدم معرفة بأمور الدنيا ، وكانت وفاة أبيه بشهبة ، وهو قاضيها سنة سبع وعشرين ، وقضى بها أربعين سنة ، فعاشبعده خمسا وستين سنة .
محمد بن عمر بن محمد بن بنت المغربي ، وكان ربيب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء ، وكان جده صلاح الدين بن المغربي رئيس الأطباء ، مات في ذي الحجة .
محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود ، جلال الدين بن قطب الدين قاضي الحنفية ، يلقب جار الله ، ويقال له : الجار ، تقدم عند الأشرف بالطب ، وكان نائبا في الحكم عن صهره السراج الهندي ، وكان بارعا في العلوم العقلية كالطب وغيره ، وحظي عند الأشرف ، وقد ولي مشيخة سعيد السعداء ، ثم ولي القضاء إلى أن مات في رجب ، ويقال : إنه جاوز الثمانين ، وكان مشاركا في العربية ، وفي الفقه قليلا ، وقد تقدم ف يالحوادث ما اتفق له من إرادة إقامة المودع للحنفية ، وقد ناب أولا عن صهره السراج الهندي ، واستقر في تدريس المنصورية بعد موته في رجب سنة ثلاث وسبعين ، واستقر في تدريس جامع ابن طولون في سنة ست وسبعين بعد ابن التركماني ، واستقر في قضاء الحنفية في رجب سنة ثمان وسبعين .محمد بن محمد بن عثمان بن أحمد بن عمر بن محمد الزرعي الأصل ، يعرف بابن شمرنوح ، جلال الدين بن نجم الدين بن فخر الدين ، قاضي حلب وابن قاضيها ، وهو سبط جمال الدين بن الشريشي ، باشر الحكم نيابة بحلب ثم استقلالا إلى أن مات في ربيع الأول ، وكان قليل الكلام ، جميل الوجه ، قوي المعرفة بالأحكام ، وقد ولي بدمشق قضاء العسكر ووكالة بيت المال .
محمد بن محمد بن هبة الله الأنصاري ، زين الدين ، ناب في الحكم ، ومات في ربيع الآخر .محمد بن محمد الشاذلي زين الدين بن المواز ، صهر الشيخ محمد بن وفاء ، مات في ربيع الأول .
محمد الحكري ، شمس الدين المقرئ ، قرأ على البرهان الحكري ، وناب في الحمن بجامع الصالح ، وولي قضاء القدس وغزة ، مات في ذي الحجة ، وذكر لي الشيخ برهان الدين بن زقاعة الغزي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الإقراء .
محمد المقدسي المجرد ، أحد المؤذنين بدمشق ، كان حسن الصوت ، مات في رجب .
محمد بك الإسماعيلي حاجب الحجاب بدمشق ، وقد ولي نيابة قلعة الروم وغيرها ، مات في هذه السنة ، وكان عنده أدب وتواضع وخضوع لأهل العلم .
مختار ، مقدم المماليك ، مات في هذه السنة ، واستقر عوضهجوهر الصلاحي .
منكلي بغا البلدي ، تنقل في الولايات ، فأول ما تأمر عشرة في سنة إحدى وسبعين ، ثم أعطي طبلخانات بعد قليل ، ثم أعطي تقدمة في جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين ، ثم أعطي نيابة صفد في رمضان سنة خمس وسبعين ، ثم نقل إلى نيابة طرابلس آخر السنة ، ثم قبض عليه في أول سنة تسع وسبعين وسجن بالكرك ، ثم أطلق في ربيع الأول وجعل أتابك الشام ، ثم ولي نيابة طرابلس ، ويقال إنه ولي نيابة حماة قبل ذلك ، ثم نقل إلى نيابة حلب ، ثم قبض عليه وسجن بها ، ثم أطلق وقدم في رمضان سنة ثمانين بطالا ، ثم ولي نيابة صفد في المحرم سنة إحدى وثمانين ، ثم نقل في شعبان منها إلى طرابلس ثم إلى حلب في ربيع الأول ، كما تقدم في هذه السنة ، وكان صارما شجاعا كبير المروءة ، مات في جمادى الآخرة بحلب .
يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي ، الشاعر ، محي الدين ،المعروف بالمبشر مدح أمراء مكة وكتب لهم الإنشاء ، كان غاية في الذكاء وسرعة الحفظ ، فحظ التنبيه في أربعة أشهر ، وكان سمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي وغيرهما ، وعاش سبعين سنة .
أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرئ ، نزيل مكة ، تصدى للقراءات وأتقنها ، وأقرأ الناس حتى يقال إن الجن كانوا يقرؤون عليه .
حوادث سنة 783
سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة
فيها ابتدأ الطاعون بالقاهرة ، فأول من مات من الأمراء أيدمر الشمسي ، فأعطيت إمرته لأنس والد برقوق في المحرم . ثم مات عليبن قشتمر ، فتقرر مكانه تغرى برمش .
وفيها في صفر قبض على الشمس المقسي وتسلمه بهادر المنجكي بخمسمائة ألف درهم وأطلق إلى منزله ، واستقر في وظائفه كريم الدين بن مكانس ، وكان السبب في ذلك أن برقوق لما استقر في تدبير المملكة أخرج كثيرا من البلاد المتعلقة بالدولة لجماعة من جهته ، فضاق الحال على الوزير فاستعفي ، فغضب منه وولي غيره وقبض على صهره علم الدين يحيى ناظر الدولة وعلى شمس الدين بن غراب وغيرهما ، وانتهز ابن مكانس الفرصة فالتزم بالتكفية ، فقرر وزيرا فباشر على هوج فيه .
وفيها قبض على سيف المقدم وصودر على مائتي ألف درهم ، واستقر عوضه أحمد العظمة ، فقال الشاعر :
مضى المقدم سيف
بنغمة وبتهمه
وكان لحما سمينا
فأبدلوه بعظمه
وفيها تزايد الطاعون في صفر ، وتناهى في أواخر ربيع الأول ،وقرأت بخط صارم الدين بن دقماق أنه سمع الشيخ عليا الروبي حن حضر من الفيوم إلى القاهرة في أواخر صفر وكان للناس فيه اعتقاد زائد ، وتهرع الناس إليه للزيارة يقول : إن الطاعةن يرتفع في آخر ربيع الآخر ، فوقع كما قال .
وفيها عاد ابن التنسي إلى ولاية القضاء عوضا عن ابن الريغي ، ثم استقر ابن الريغي عوضا عن ابن التنسي ، ثم تكرر ذلك منهما .
وفيها استقر سودون الشيخوني مقدم ألف . وفي المحرم خلع على القاضي ولي الدين بن أبي البقاء وأعيد إلى دمشق على وظيفة القضاء فوصلفي سادس صفر ، وكذا خلع على الكمال المعري واعيد إلى حلب على وظيفة القضاء فوصلها في ثامن صفر .
وفيها استقر الشيخ أصلم في مشيخة سرياقوس عوضا عن أبيه نظام الدين .
وفيها خرج الحجاج في شهر رجب .
وفيها مات السلطان الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان في شهر ربيع الأول ، وكانت المملكة باسه وهو محجوب ، وعاش ثلاث عشرة سنة منها في المملكة خمس سنين وأربعة أشهر ، وقرر مكانه أخوه حاجي بن الأشرف وعمره ست سنين وأربعة أشهر ولقب الصالح .
وفيها ضيق قرط على العرب فحضر إلى ايتمش ومن معه من الأمراء المجردين بالبحيرة خمسة من أمراء العربان ومعهم ستمائة فارس وجماعة من الرجال ، فأقبلوا عليهم وطيبوا قلوبهم ، ثم أرسلبدر بن سلام إلى بلوط نائب الإسكندرية يطلب الأمان وأن يحضر صحبته إلى القاهرة فلم يتم ذلك ، ثم حضر رحاب أمير تروجة وجماعة من أمراء البحيرة صحبة قرط إلى القاهرة طائعين فخلع عليهم واستمر قرط بدمنهور يعمر ما خرب منها ويوطن أهلهان ولم يهرب منهم غير بدر بن سلام .
وفيها في رجب جهز برهان الدين إبراهيم الدمياطي الذي كان نقيب الحكم عند المالكية ، ثم ولي بعد ذلك نظر المواريث إلى الحبشة رسولا من قبل السلطان ، وكان السبب في ذلك أن بعض الحبشة وصلوا إلى قرب أسوان وأفسدوا في نواحيها وخاف منهم أهلها فطالعوا السلطان بذلك ، فأرسل إلى بترك النصارى اليعاقبة متى بن سمعان فتهدده ، فأرسل من جهته رسلا لكشف الخبر ، ثم كتب إلى ملك الحبشة ينكر عليه ويأمره أن لا يحدث حادثا ، وجهز إبراهيم المذكور من جهة السلطان بالكتب .
وفي صفر ورد الخبر إلى دمشق بعزل القاضي برهان الدين التادلي قاض المالكية واستقرار الشيخ برهان الدين الصنهاجي عوضه ، فامتنعالبرهان وصمم فبقي المنصب شاغرا إلى أن استقر علم الدين القفصي في جمادى الأولى .
وفيها هبت ريح عظيمة بدمشق فأتلفت كثيرا من الأشجار وقلعتها بعروشها ، وشاهد أهل دمشق من ذلك هؤلاء عظيما .
وفيها استقر حضر شخص عجمي عند برقوق وأخبره أن النيل يتوقف من مستهل جمادى الأولى فلا يزيد بعد ذلك شيئا ، فأمر بحبسه ، فاتفق أن النيل زاد في ذلك اليوم خمسة عشر إصبعا وفي اليوم الذي يليه ستة عشر فأحضر العجمي وأمر بضربه ، فضرب مقترحا مائة عصى وجرس ، فشفع فيه مأمور الحاجب فأطلق ، وأوفى النيل في عاشر الشهر المذكور ولله الحمد .
وفيها غضب برقوق على جمال الدين المحتسب وأمر بنفيه فخرج ، ثم شفع فيه فأعيد إلى بيته بطالا ، وكان ذلك في أوائل شعبان ، وكان السبب فيه أن برقوق تكلم بالتركي في حق القضاة بسبب من الأسباب نقل له عن بعضهم فقال : ما هم مسلمين ، فذكر ذلك جمال الدين لصدر الدين بن منصور قاضي الحنفية فذكره ابن منصور لبرهان الدين بن جماعة واستشاره في عزل نفسه فسكنه ، وركب ابن جماعة إلى برقوق فذكر لهذلك ، فغضب على جمال الدين وعزله ، وقرر في الحسبة تاج الدين المليجي ثم أعيد جمال الدين إليها في ذي القعدة .
وفيها استقر سعد الدين بن البقري في نظر الخاص والخليلي مشير الدولة ، فأحدث فلوسا وأمر الناس بالمعاملة بها ، فلم يمش له فيه حال فتركت .
وفيها غضب السلطان على علم الدين البساطي فعزله عن قضاء المالكية ، واستشار فيمن يوليه مكانه ، فأشار عليه ابن جماعة بجمال الدين عبد الرحمن بن خير الإسكندراني فولاه ، وقيل : كان السبب في عزله أنه وقع منه في بعض المجالس كلام تغير منه ابن جماعة فتكلم مع أكمل الدين في أمره وسعى في عزله حتى عزل .وفيها أمسك كريم الدين بن مكانس وأخوته وأهينوا وصودروا ، وتولى الوزارة علم الدين سن إبرة ، وكان السبب في ذلك أن ابن مكانس فتك في الناس وبالغ في الظلم وألزم المباشرين كلهم بجامكية شهرين وظلم التجار وأخذ منهم أموالا جمة ، فاستغاثوا بأهل الدولة حتى رفعوا أمورهم للسلطان فعزله في رمضان عن نظر الخاص ، واستقر عوضه سعد الدين بن البقري ، ثم عزل عن الوزارة واستقر علم الدين سن إبرة ، ثم صرف في ذي القعدة فاستقر شمس الدين كاتب آرلان في ديوان برقوق ، وكان ابن مكانس أشار بتوليته وزارة الشام خوفا منه ، فأرسل إليها ، ثم استعيد واستقر في ديوان برقوق عوضا عن علم الدين بن قارورة ، وارتفع في هذه السنة سعر القمح إلى أربعين فأعيد محمود إلى الحسبة .وفيها ولي صلاح الدين خليل بن عبد المعطي حسبة مصر بعد أن سعى أن يكون نقيبا عند الحنفية فلم يجب . وفي جمادى الأولى خرج نظر الأوقاف عن القاضي برهان الدين بن جماعة ووليه فخر الدين إياس الحاجب ، واستقر سودون الشيخوني حاجبا كبيرا بعد علي بن قشتمر ، ومات أمير سلاح علان فأعطى أنس والد برقوق تقدمته .
وفيها استقر شهاب الدبن ابن أبي الرضي الشافعي في قضاء حلب بعد موت المعري .
وفيها جردت العساكر إلى الشام بسبب التركمان ومقدم العساكر يونس دوادار برقوق ، فكسروا التركمان على مرعش ، وقتل منهم خلق كثير ، وذلك من ابتداء جمادى الأولى إلى شعبان بعد أن فر خليل بن دلغادر وأخوته وهم كانوا السبب في هذه الحركة لأنهم كانوا جمعوا جموعا كثيرة فوصلوا إلى العمق وإلى تيزين وخاف أهل حلب منهم ، وكاتباينال اليوسفي ، فجردت العساكر من دمشق ومن جميع المماليك ، ومشوا على التركمان من حلب إلى عينتاب ، ثم إلى مرعش ، ثم إلى أبلستين ، ثم إلى ملطية ، والتركمان تفر منهم وتتحصن بالجبال المنيعة إلى أن وصل هزمهم إلى أطراف بلاد الروم ، ولما بلغ العسكر في نهب ما قدروا عليه وانتهوا إلى ملطية كاتبوا بذلك فأذن لهم في الرجوع .
وفيها كانت حلب الوقعة بين العسكر الحلبي والتركمان فانكسر العسكر ، ثم وقع بهم نائب حلب اشقتمر وانتصف منهم ، ثم لما توجه يونس الدوادار إلى الشام بسلطنة الصالح أمر العسكر الشامي بالتوجه إلى غزو التركمان ، فجمعوا العربان والجند وتوجهوا إلى جهة حلب فخرجوا في ربيع الآخر ، فلما كان في ثامن جمادى الأولى وهم بمرعش هبط جماعة من التركمان عليهم من مكان عال فوقع بينهم وبين شرف الدين الهدباني ومن معه من الأكراد وعرب بني كلاب مقتلة فانكسر التركمان وجرح الهدباني وأسر ، ثم أفلت . ثم وقعت الوقعة الكبرى في حادي عشرة فاستظهر الترك وانكسر التركمان وانهزموا أقبح هزيمة بعد أن قاسى العسكر شدة في سلوك المضايق والأوعار وشدة البرد ، وأما كبير التركمان سولىبن دلغادر فنجا وقطع الفرات إلى خرت برت ، وانتهبت العسكر من التركمان شيئا كثيرا ، وأرسل خليل بن دلغادر ومن معه يطلبون الأمان .
وفيها فتحت مدينة دوركي واستقر في إمرتها إبراهيم بن محمد بن شهري .
وفي رجب نفي مأمور الحاجب ثم أعطي نيابة حماة عوضا عن طشتمر الشعباني .
وفي رمضان أحضر يلبغا الناصري إلى مصر واستقر أمير سلاح رأس الميسرة ، واستقر جركس الخليلي مشير الدولة ، ثم في شوال قرر في نيابة حلب عوضا عن أينال اليوسفي ، واستقر يونس الدوادار بأمرةيلبغا وأمر الوزير أن لا يتكلم في شيء إلا بعد مراجعته .
وفي جمادى الأولى عقد الجسر بحجارة مقنطرة على نهر بردى عند جامع يلبغا ، وكان قبل ذلك خشبا عمله الطنبغا دوادار قزدمر ، ثم عمل نظيره مقابه على نهر الخندق وحصل به رفق كبير .
وفيها في ذي الحجة شاع أن ابن قرنميط وكان رأس ميسرة بالقاهرة ، وقد فعل ما لا يحصى فجاء تائبا إلى زاوية الشيخ إسماعيل الأنبابي ، فبلغ برقوق فأرسل حسين الكوراني إليه فقبض عليه وعلى اثنين من أتباعه ، فسلخوا وحشوا تبنا وعلقوا بباب زويلة .وفي حادي عشر ذي الحجة وسط قرط رحابا أمير العرب وثلاثة معه وعلقت رؤوسهم بباب زويلة .
وفيها ارتفع السعر بالحجاز حتى بلغت الغرارة أربعمائة درهم .
وفيها كائنة ابن القماح البزاز بقيسارية جركس ، وكان قد تعامل هو والبواب فصار يفتح له القيسارية بالليل ويغقل عليه فيفتح حوانيت الناس ويأخذ منها ما يريد إلى أن كثر ذلك وافتضح ، فعثروا عليه ، فأمسك وضرب بالمقارع هو وولده وسجنا بخزانة شمائل ، وكانت سلامته من القطع من العجائب ، وفي ذلك يقول بدر الدين بن الصاحب مضمنا وكان بلغه أنه عثر فسقط فانلكسرت يده :
قالوا بأن يد القماح قد كسرت
فأعلنت أختها بالويل والغير
تأخر القطع عنها وهي سارقة
فجاءها الكسر يستقصي عن الخيروقد اهتدم ذلك برمته من البيتين السائرين في تاريخ ابن خلكان :
إن العماد بن جبريل أخا علم
له يد أصبحت مذمومة الأثر
تأخر القطع إلى آخره .
وفيها في جمادى الأولى حضرت رسل حسين بن أويس صاحب بغداد وتبريز إلى برقوق ، وهم : قاضي البلد الشيخ زين الدين علي بن عبد الله بن سليمان بن الشامي المعري المقانعي الآمدي الشافعي ، وشرف الدين عطاء بن الحسين الواسطي الوزير ، وشمس الدين محمد بن أحمد البرادعي ، فأكرموا غاية الغكرام ، وذكر المقانعي أنه غرم على سفرته عشرة آلاف دينار وأنه جاء في مائة عليقة ، وكان يكثر الثناء على أهل الشام وتردد الكبار للسلام عليهم حتى القضاة ، ورتب لهم برقوق رواتب كثيرة ، وطلبهم عنده مرة ومد لهم سماطا حافلا ، وكان تسفيرهم في العشر الآخر من رجب .وفيها كانت الوقعة بالتركمان وزعيمهم ابن دلغادر ، أوقع بهم العسكر الشامي ومعهم نائب حلب ونائب دمشق في جمادى الأولى ، فانكسروا كسرة شنيعة وقتل منهم جماعة ، ثم رجع العسكر التركماني فهزموا العسكر ، وجرح نائب ملطية منطاش وتمرزق الجيش ، ووقع التركمان في النهب ، وقتل جوبان الجركسي ، وكان من قدمائهم ، له ذكر في الحوادث سنة خمسين وسبعمائة ، وكان من أتباع الفخر إياس ، وولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم الحجوبية بحلب .
وفيها ابتدئ في عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين ، فابتدئ بهدمخان الزكاة بين القصرين ، وحصل للناس بذلك مشقة زائدة .
وفيها في شهر رمضان أمطرت السماء مطرا عظيما حتى صار باب زويلة خوضا إلى بطون الخيل ، وخرج سيل عظيم من جهة طرا فغرق زرعها ، وأقام الماء أياما ، ولم يعهد الناس ذلك بالقاهرة .
وفيها ظهر نجم له ذؤابة قدر رمحين من جهة القبلة ، وذلك في شعبان .
وفيها أمسك شخص يقال له الحاج علي السروري وجد عنده رؤوس بني آدم ، فضرب وجرس .
وفيها أجرى الماء إلى الميدان بسوق الخيل وإلى الحوض الذي على بابه ، وكان له نحو من سبعين سنة منقطعا .
وفيها في شهر رمضان قام شخص يقال له ابن نهار إلى ابن جماعةفأمسك بعنان بغلته عند العنبرانيين وقال له : حمت في بغير حكم الشرع ، فرجع ابن جماعة إلى برقوق فشكاه إليه ، فاتفق أنه كان مفكرا في أمر من أمور المملكة ، وزاد ابن نهار في الإساءة على ابن جماعة بحضرة برقوق فلم يرد عليه ، فرجع ابن جماعة إلى التربة فأقام بها وعزل نفسه من الحكم ، فبلغ ذلك الأمير فأنكر القصة واعتذر بالفكرة التي كان فيها ، فأرسل إلى ابن نهار فأحضره ، وعقد له مجلس فأفتى البلقيني ووافقه العلماء بتعزيره ، فعزر وضرب بحضرة برقوق بالمقارع ، وأرسل قطلوبغا الكوكاي وإياس الصرغتمشي إلى ابن جماعة فترضياه ، وطلع معهما إلى برقوق ، فقام إليه وترضاه ، واعتذر إليه وأعاده إلى القضاء وقال له : من تكلم في حقك بكلمة ضربته بالمقارع ، فقبل ذلك ونزل .
وقرأت بحط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه ما نصه : وفي شهر رمضان تسلط شخص يقال له ابن هار على القاضي ابن جماعة بالإساءة والسب وكتب فيه تصنيفا ، واستمر على ذلك مدة حتى لقي ابن جماعة قد خرج من عند برقوق فشتمه ولعنه ، فأمسكه ابن جماعة ودخل به إلى برقوق وقال له : هذا قال لي كذا وكذا ، فلم يحبه ، فعزل نفسه ونزل إلى تربة الشيخ جمال الدين الأسنائي ظاهر باب النصر يسافر منها إلىالقدس فقام الأمراء الذين حضروا ذلك مثل قطلوبغا الكوكاي وسودون الشيخوني وإياس الصرغتمشي وسألوا برقوق في عقد مجلس فذكر قصته ، وفي آخرها أنه جرس ونفي .
وفيها ثار جماعة على الملم الأشرف صاحب اليمن فأرادوا الفتك به وتولية خاله المظفر ، فعرف بهم وأراد القبض عليهم فهربوا إلى الدملوة فخرج عليهم العرب فأمسكوهم وأحضروهم إليه فاستتابهم وعفا عنهم ، وقيل : كان ذلك في السنة التي قبلها .
وفيها وقع بين العادل صاحب الحصن وبين السليمانية ورئيسهم غرز الدين ، وأعانه صاحب بدليس وجميع حكام ديار بكر ومن جملتهم سيف الدين اليحي صاحب جزيرة ابن عمر ، فعرف غرز الدين بكثرة العساكر فأرسل أباه بهاء الدين في الصلح ، فاجتمع أبوه بصاحب أرزن فجمع بينه وبين العادل فأقبل عليه ورحل عنهم .
وفيها في شعبان كائنة الشيخ شمس الدين القونوي ، وكان مقيما بزاويته بالمزة ، وللناس فيه اعتقاد ، وكان شديد الإنكار على أهل الظلم ،ورسائله إلى الحكام لا ترد ، فاتفق أن الحاجب يلو نائب الغيبة بدمشق عزل ابن بلبان من ولاية البر وكتب فيه إلى مصر بما يعتمده محضرا ، فجاء الجواب بالتنكيل به ، فبلغه فهرب إلى زاوية الشيخ شمس الدين القونوي فاستجار به فأجاره ابن الشيخ فغضب الشيخ ، وكان الشيخ يشطح في حقه وحق غيره فبلغ الحاجب فغضب وأرسل إليه الجمادرة ليحضروا الشيخ وابنه والوالي فمنعوا أنفسهم ووقع بينهم مقاتلة فشج الشيخ في رأسه ، ثم غلبوا فأحضروا إلى الحاجب ، فأحضر القضاة وعرضوا عليهم أمرهم ، وأحضروا السلاح الذي قاتلوا به ، وأمر بكتب محضر بصورة الحال فأنكر الشيخ أن يكون عرف بحضور ابن لبان وإنما ابنه فعل ذلك ، فانفصل ، الحال على أن ضرب الوالي وابن الشيخ وسجنا بالقلعة ، وتوجه الشيخ إلى منزله ، وذلك في شعبان ، وحصل للشيخ من ذلك غم كثير وأقام في زاويته بالمزة وأقصر مما كان فيه من الإنكار ومراسلة الأمراء ، وكان للناس فيه اعتقاد كبير ، ورسائله إلى الحكام لا ترد . فلما كان في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وصل المرسوم السلطاني إلى الشيخ بالتعظيم والإكرام وبطلب الذين قاموا عليه وتمكينه من تعزيرهم ، ووصل إليه كتاب بالتعظيم والتبجيل والإكراموبطلب الدعاء منه ، فأحضر النائب إليه أربعة فربط واحدا منهم في شجرة وأمر بسجن آخر ، وزال ما عند من الانكسار ورجع إليه إلى حالته الأولى .
وفيها كائنة الشيخ شمس الدين محمد بن خليل الجزري الحنبلي المنصفي كان إمام مدرسة الضياء بسبب فتواه بشيء من مسائل ابن تيمية فأحضره ولي الدين قاضي دمشق وأراد ضربه ثم سجنه فشفع فيه الحنبلي ومنعاه من الفتوى ، وذلك في رمضان .
وفيات سنة 783
ذكر من مات في سنة ثلاث وثماني وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن حسين بن الملك الناصر أخو الملك الأشرف شعبان كان خيرا دينا ، وقد ذكر للسلطنة فلم يتم ذلك ، مات في جمادى الآخرة .
أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي ، شهاب الدين ، نزيل حلب ، ولد سنة سبعوسبعمائة ، وتفقه بدمشق قليلا ، وناب في بعض النواحي في الحكم بها ، ثم تحول إلى حلب فقطنها ، وناب في الحكم بها ، ثم ترك وأقبل على الاشتغال والتصنيف والفتوى والتدريس وجمع الكتب حتى اجتمع عنده منها ما لم يحصل عند غيره ، وظفر من النقول ما لم يحصل لأهل عصره وذلك بين في تصانيفه ، وتعقب المهات للأسنوي بقدر حجمها ، والذي بيضه منها إلى النكاح في أربع مجلدات وهو ثبت في النقل وسط في التصرفات قاصر في غير الفقه وأجاز له القاسم بن عساكر والحجار وغيرهما ، وسمع من الكمال بن عبد وطائفة وجمع له شهاب الدين بن حجي مشيخة وتفقه بشيوخ عصره ومهر في الفن وكان اشتغاله على كبر ، وله في ذلك حكاية ومنام ذكرها في خطبة كتابه التوسط ، وسأل السبكي أسئلة شهيرة اسمها الحلبية وصنف شرحين على المنهاج وجمع على الروضة كتابا سماه التوسط والفتح بين الروضة والشرح أكثر فيه من النقولات المفيدة ، وانتهت إليه رئاسة العلم بحلب ، مات في نصف جمادى الآخرة بعد أن حصل له عرج وقليل صمم وضعف بصره ، وله شعر فمنه ما حكاه ابنه عبد الرحمن عنه وأخبرني أنه سمعه يقول : رأيت في المنام رجلا وقف أمامي وهو ينشد :
كيف ترجو استجابة لدعاه
قد سددنا طريقه بالذنوبكيف لا يستجيب ربى دعائي
وهو سبحانه دعاني إليه
مع رجائي لفضله وابتهالي واتكالي في كل خطب عليه . قال : وانتهبت وأنا أحفظ الأبيات الثلاثة ، قرأت بخط الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة أن جمال الدين الطيماني أخبره أنه ذكر في مجلس الشيخ سراج الدين البلقيني شيئا استغربه فقال : من أين هذا ? قال فقلت له : من القوت للأذرعي ، فطلبه فأحضرته فبقي عنده أياما ، ثم قال لي : رحمه الله لقد أفد ، قلت : ولقد كنت أتعجب حين أطالع في تصحيح المنهاج لشيخنا وأجده يوافق الأذرعي في مواضع إلى أن وفقت على هذه الحكاية فعرفت أنه استعان بكلامه .
أحمد بن عبد الله المزي ، شهاب الدين ، كان رجلا صالحا حج ماشيا ، وكان يصوم مع ذلك ، مات في ربيع الأول سقط من سطح فمات شهيدا .
أحمد بن علي بن عبد الله الفارسي ، شهاب ، كان فاضلا خيرا دينا ، مات في شهر ربيع الأول .
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن واقد ، شهاب الدين بن المحدث شمس الدين ، سمع من القاسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهماوحدث ، وولي نقابة الحكم ، مات بدمشق في رجب .
أحمد بن عبد الله التونسي ، أبو العباس ، مشهور بكنيته ، وكان أحد الفضلاء بزي العجم .
أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي ، الشيخ ركن الدين القرمي ، ويقال له أيضا : قاضي قرم ، قدم القاهرة بعد أن حكم بالقرم ثلاثين سنة ، فناب في الحكم ، وولي إفتاء دار العدل ، ودرس بالجامع الأزهر وغيره ، وجمع شرحا على البخاري ، استمد فيه من شرح شيخنا لبن الملقن ، رأيت بعضه ، وكان يزن بالهنات ، مات في شهر رجب ، سمعت الشيخ عز الدين بن جماعة يقول سمعت الشيخ ركن الدين يقول : شرف العلم من ستة أوجه : موضوعه ، وغايته ، ومائله ، ووثوق براهينه ، وشدة الحاجة إليه ، وخساسة مقابه .قال لنا الشيخ عز الدين : ولما ولي الشيخ ركن الدين التدريس قال : لأذكرن لكم في التفسير ما لم تسمعوه ، فعمل درسا حافلا فاتفق أنه وقع منه شيء فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفروه ، فبادر إلى السراج الهندي وكان قد استنابه في الحكم فادعى عليه عنده وحكم بإسلامه ، فاتفق أنه بعده حضر درس السراج الهندي ووقع من السراج شيء فبادر الركن وقال : هذا كفر ، فضحك السراج حتى استلقى وقال : يا شيخ ركن الدين تكفر من حكم بإسلامك قال : فأخلجه .
أحمد بن محمد بن أبي العمران المحزومي الشافعي ، أحد الفضلاء ، مات شابا .
أحمد بن محمد الأرموي الصالحي ، كان من بقايا الأكابر ، مات في رجب .
إسحاق بن عاصم ، ويقال لعاصم أيضا : محمد الهندي ، نظام الدين ، شيخ الخانقاه الناصرية بسرياقوس ، كان ذا همة عالية مع لطاقة الذات وحسن الصفات ، مات في ربيع الآخر بسرياقوس ، وحمل إلى داره تحت قلعة الجبل فدفن بها .
إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العز بن صالح الحنفي ، المعروف بابنالكشك ، عماد الدين ، قاضي دمشق ، وليه بعد القاضي جمال الدين بن السراج فباشر دون السنة وتركه لولده نجم الدين . ودرس بعدة مدارس بدمشق ، وكان جامعا بين العلم والعمل وكان مصمما في الأمور حسن السيرة ، عمر حتى جاور التسعين ، مات في شوال أو بعده بدمشق من هذه السنة .
آقتمر عبد الغني التركي ، تنقل في الإمرة ، وتقلبت به الأحوال ، وأول ما ولي طبلخاناة في حياة شيخون ، ثم أعطى تقدمة ألف واستقر خزندارا ، ثم ولي نيابة طرابلس في سلطنة الناصر حسن سنة تسع وخمسين ، ثم أعاده يلبغا إلى أن استقر حاجبا كبيرا ، ثم ولي نيابة الشام في صفر سنة ثمان وخمسين ، ثم أعيد إلى القاهرة حاجبا ، ثم استقر في نيابة السلطنة بمصر سنة خمس وسبعين ، ثم ولي نيابة طرابلس ثم صفد ، ثم عاد إلى الحجوبية سنة ثمان وسبعين ، ثم استقر نائب الغيبة لما حج الأشرف ، ثم قبض عليه وسجن ، ثم أعطي إمرة بغزة ، ثم عاد إلى النيابة في سنة تسع وسبعين ، ثم قرر أميرا كبيرا إلى أن مات وهو أمير كبير ، رأس الميسرة في جمادى الآخرة ، وكان لينا سليم الصدر متواضعا يرجع إلى خير .
أنس بن عبد الله الجركسي ، والد برقوق ، كان كثير البر والشفقةلا يمر به مقيد إلا ويطلقه ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ ابنه بعمارتها ، مات في شوال ودفن بتربة يونس ثم نقل إلى المدرسة وأعطي ولده الشيخ جلال الدين التباني ثلاثين ألف درهم فحج عنه وقيمتها إذ ذاك ألف وخمسمائة مثقال ذهبا ، ويقال : إنه جاوز التسعين ، واستقر في تقدمته قطلوبغا الكوكاي .
ايدمر الشمسي عز الدين ، أحد كبار الأمراء ، مات في صفر مطعونا ، وكان من أمراء الناصر أمره طبلخاناة ، ثم تقدم إلى أن كان رأس الميمنة ، وكان لين الجانب .
آلان بن عبد الله الشعباني ، أحد كبار الأمراء ، مات في رجب ،والعامة يقول : علان بالعين المهملة بدل الهمزة ، وكان أصله من مماليك حسن ، وكان شجاعا فأمر تقدمة بعد فتنة بركة ، واستقر أمير سلاح حتى مات .
أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر بن سعد الله بن مسعود الخليلي ثم الصالحي الحنبلي ، عماد الدين ، ولد سنة خمس وسبعمائة في صفر وسمع بعد العشرين وعني بالحديث ، وطلب بنفسه ، وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال : من فضلاء المقادسة ، مليح الكتابة ، حسن الفهم ، له إلمام بالحديث ، وقرأ بنفسه قليلا ، ونسخ لنفسه ولغيره كثيرا انتهى .
وحدث عن الحجار وعن أبي نصر بن الشيرازي وأبي الحسن بن هلال وغيرهم ، مات في جمادى الأولى بدمشق .
جوكان الجركسي ، ذكر في الحوادث وقد تقدم في السنة التي قبلها .
جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن مسوك الهكاري ، تكنى أن أبيها سمعت من ابن الصواف مسموعه من النسائي ومسند الحميديومن علي بن القيم ما عنده من صحيح الإسماعيلي ، وكانت خيرة دينة ، أكثر الطلبة عنها ، ماتت في صفر .
حسام بن أبي الفرج أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت بن عثمان بن محمد بن عبد الرحمن بن ميمون بن محمد بن حسان بن سمعان بن يوسف بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، الفرغاني النعماني ، نزيل بغداد ، اشتغل كثيرا ، وسمع الحديث من سراج الدين عمر بن علي القزويني ، وله من أبي الفضل صالح بن عبد الله بن جعفر بن الصباغ إجازة ، وأعاد بمشهد أبي حنيفة ببغداد ، نقلت نسبه من خط ابن أخيه القاضي تاج الدين البغدادي لما قدم علينا من بغداد بعد العشرين وثماني مائة ، وكان محمد قد قدم في أواخر زمن المؤيد فارا من ابن قرا يوسف لأنه كان آذاه وجدع أنفه ، ففر منه إلى القاهرة وألب عليه ، فهم المؤيد بغزو بغداد وصمم على ذلك ثم خانه الأجل ، فتحول تاج الدين بعد موت المؤيد إلىدمشق وولي بها بعض المدارس ، ومات بها في وكان تاج الدين حدث بمسند أبي حنيفة جمع أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي بروايته عن عمه عن ابن الصباح عن مؤلفه وبروايته عن عبد الرحمن بن لاحق الفيدي عن علي بن أبي القاسم بن تميم الدهستاني إجازة عن مؤلفه سماعا .
حسين بن أويس بن حسين ، صاحب تبريز وبغداد ، قتل بمواطاة أخيه أحمد بإشارة الشيخ خجا الكجحاني ، وكان حسين شهما شجاعا ، واستقر بعده أحمد في السلطنة ، وقيل : كان ذلك في ربيع الآخر من السنة التي بعدها ، وسيأتي .
داود بن زكريا التكروري ، الشيخ زين الدين العباسي ، من أصحابالشيخ أبي العباس الضرير ، وكان ممن يعتقد ، مات في أواخر ذي الحجة .
سيف بن عبد الله المقدم ، كان رأسا في الظلم ، مهينا ، مات تحت العقوبة .
طشتمر بن عبد الله الشعباني ، كان حاجبا صغيرا بدمشق ، وناب في قلعة الروم سنة سبع وستين ، وولي الحجوبية بدمشق سنة تسع وسبعين وبعدها ، ثم ولي نيابة حماة ، ومات بعينتاب في رجب ، وكان صارما شهما .
عبد الله بن حسين بن طوغان ، جمال الدين بن الأوحدي ، كان خيرا كثير التلاوة وافر العقل ، وانجب ولده شهاب الدين أحمد ، مات في صفر .
عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن عتيق الأنصاري ، جمال الدين بن حديدة ، ولد سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، وسمع على ابن شاهد الجيشوإسماعيل التفليسي وابن الأخوة وغيرهم ، وعني بالحديث وكتب الأجزاء والطباق ، وجمع كتابا سماه المصباح المضيء في معرفة كتاب النبي وكان خازن الكتب بالخانقاه الصلاحية بالقاهرة ، وربما سمي محمدا ، وكان يذكر أنه سمع من الحجار ولم يظفروا بذلك مع أنه حدث عنه بالثلاثينات بقوله ، ومات في شعبان .
عبد الله القبطي ، المعروف بالرقيق ، كان كاتبا موصوفا بالمعرفة ، خدم عند اينبك ، ومات في صفر مطعونا .
عبد الوهاب بن عبد الله القلعي ، مؤذن جامع القلعة وجامع شيخون ، كان موصوفا بحسن الصوت وطيب النغمة ، مات هو ومحمد بن حسن البصري جميعا ، وكانا متناظرين .
عثمان بن محمد بن أيوب بن مسافر الإسعردي ، الخواجا ، التاجر في المماليك ، هو الذي أحضر والد برقوق إلى القاهرة ، وهو الذي أحضره من قبل أبيه في دولة الأشراف ، وكان قد سعى في إبطال مكس الرمان بدمشق ، فاجيب إلى ذلك ، وكان له جاه وصيت في البلاد ، وعمر بدمشق قيساريةمليحة ، مات في رجب ، وأسف عليه برقوق وصلى عليه وأكثر البكاء عليه .
عرفك بن موسى بن عرفك بن بدر بن محمد بن محمود بن رماح بن محمود المخزومي من عرب المشارقة ، المعمر جاوز المائة ، فقرؤوا عليه بالإجازة العامة من الفخر بن البخاري وغيره ، وكان يكنى أبا حميضة ، وكان يذكر أنه رأى الشجاعي ولا جين ويعرف القنص .
عطية بن منصور بن جماز الحسني ، أمير المدينة ، مات هو وأخوه نعير وابن أخيه هبة بن جماز بن منصور في هذا العام .علان ، تقدم في الهمزة .
علي بن شعبان ، تقدم في الحوادث .
علي بن عبد الله اللحفي ، المعروف بالمكشوف ، ويقال له : أبو لحاف ، لأنه كان مكشوف الرأس شتاء وصيفا ، وكان شاميا سكن مصر ، ويذكر عنه كرامات كثيرة ، مات في صفر .
علي بن أبي الفضل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن فلاح الإسكندري ثم الدمشقي ، العطار ، علاء الدين ، كان من بيت الرواية والفضل ، ولد سنة سبع وتسعين وستمائة ، وسمع من القاضي نجم الدين بن صصرى مشيخته تخريج العلائي ، ومن علاء الدين بن العطار أربعي النووي ، وكان لما كبر نزل الحانوت وافتقر ، وانقطع بمسجد إلى أن ماتفي ربيع الأول وله بضع وثمانون سنة ، وحدث ، ولو أسمع على قدر سنه لكان من أعلى أهل عصره إسنادا .
علي بن قشتمر التركي ، ولي نيابة الكرك ثم الإسكندرية ، وأمر تقدمة بمصر بعد الأشرف ، واستقر حاجبا ثانيا إلى أن مات في شهر ربيع الأول ، واستقر في تقدمته تغرى برمش ، وترك لأولاده عدة إقطاعات .
عمر بن إسماعيل بن عمر بن كثير ، عز الدين بن عماد الدين ، عني بالفقه ، وكتب تصانيف أبيه ، وولي الحسبة مرارا ونظر الأوقاف ، ودرس بعده أماكن ، وعاش خمسا وأربعين سنة ، مات في رجب .
عمر بن عثمان بن أبي القاسم عبد الله بن معمر ، كمال الدين المعري ،اشتغل قليلا ، وعني بالفقه ، ويقال : إن شرف الدين البارزي أذن له فولي قضاء بلده ثم طرابلس ثم حلب في سنة ثلاث وخمسين ، ثم تكررت ولايته لها وأقام مرة من سنة تسع وخمسين إلى سنة إحدى وسبعين ، ثم ولي دمشق بعد تاج الدين البكي إلى أن عزل منها سنة خمس وسبعين ، ثم أعيد في سنة تسع وسبعين ، ثم عزل ، ثم أعيد إلى أن مات . قال ابن حجي : سمعنا منه ، وكان يحفظ الدرس جيدا ، ويذاكر بأشياء حسنة ، وخلف مالا طائلا ، وقد حدث عن الحجار وغيره ، ولم يكن مشكورا في الحكم ولا متورعا فيه ، بل كان يأخذ الرشوة ظاهرا على ما قيل ، مع أنه كان يكثر الصوم والحج والعبادة ، ومن العجيب أنه ولي دار الحديث الأشرفية انتزعها من الحافظ عماد الدين بن كثير مع أن شرطها أن تكون مع أعلم أهل البلد بالحديث ، فمقته الطلبة وعدوا عليه غلطات وفلتات ، منها أنه قال : الجهبذ فنطق بها بضم الجيم وفتح الهاء ، وكان طلق الوجه كثير السكون كثير المال والسعي ، وكان يكتب خطا حسنا ، ونسخ بخطه كتبا ، وكان يحفظ الدرس جدا ويذاكر بوفيات وغيرها ، وكان عارفا بالأحكام والمصطلح ، كثير التودد والمروءة ، عاش إحدى وسبعين سنة ، وأول ما ولي قضاء بلده في سنة ثلاث وثلاثين ، فكان يقول :ليس في قضاء الإسلام أقدم هجرة مني ، مات في رجب .
فاطمة بنت أحمد بن الرضي الطبري ، أم الحسن ، سمعت على جدها تساعياته وغيرها وحدثت ، ماتت في ذي الحجة أو في أوائل شوال .
فاطمة بنت الشهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي والدها المكية ثم المدينة ، سمعت على جدها لأمها الرضي الطبري الكثير ، وسمعت على أخيه الصفي حضورا ، وأجاز لها الفخر التوزري والعفيف الدلاصي وأبو بكر الدشتي والمطعم وآخرون ، وكانت خيرة ، ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة .
فرج بن قاسم بن أحمد بن لب ، أبو سعيد الثعلبي الغرناطي ، برع في العربية والأصول ، وشارك في الفنون ، وأقرأ ببلده وأفاد ، وولي خطابة الجامع بغرناطة ، أخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي وذكر أنه مات في هذه السنة تقريبا ، ورأيت له تصنيفا في الباء الموحدة .محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي ، أمين الدين بن الشماع ، ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة ، وسمع من وزيره مسند الشافعي بفوت يسبر وصحيح البخاري ، وسمع على التقي محمد بن عمر الحريري تفسير الكواشي بروايته عنه ، ودرس في الفقه ، وأذن له الشريف البارزي في الإفتاء ، وناب عن عز الدين بن جماعة ، وولي قضاء القدس عن السبكي الكبير ، ثم ترك وجاور بمكة فمات بها في نصف صفر .
محمد بن حسب الله ، الزعيم ، التاجر ، كان واسع الملاءة كثير الثروة مشهورا بمعرفة التجارة ، إلا أنه كان كثير الربا ، مات بمكة .
محمد بن حسن المصري ، رئيس المؤذنين بالجامع الأزهر وغيره ، وكان مشهورا بحسن الصوت وطيب النغمة ، مات في شهر ربيع الأول ، ومات معه رفيقه عبد الوهاب كما مضى .محمد بن شكر ، الشاهد بدمشق ، كان يحج كثيرا ، يقال : حد خمسا وثلاثين حجة ، مات في جمادى الأولى .
محمد بن عبد الله بن العماد بن إبراهيم بن النجم أحمد بن محمد بن خلف ، فخر الدين الحاسب ، سمع من التقي سليمان والحجار وطبقتهما ، واشتغل بالفقه والفرائض والعربية ، وأفتى ودرس ، وكان حسن الخلق تام الخلق ، فيه دين ومروءة ولطف وسلامة باطن ، مهر في الفرائض والعربية ، وكان عارفا بالحساب ، وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم ذلك ، مات راجعا من القدس بدمشق .
محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرقي ثم الصالحي ، المؤذن ، ولد سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة وسبعمائة ، وسمع البخاري على عيسى المطعم وأبي بكر بن عبد الدائم وغيرهما ، وحضر على التقي سليمان وسمع وهو كبير من المزي والجزري والسلاوي وغيرهم ، وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق ، وابن مخلفو ونحوه ، وحسن الكردي ،وعلي بن عبد العظيم الرسي ، وعبد الرحيم الميساوي ، وابن المهتار ، والوداعي وابن مكتوم ، وابن النشو ، والشريف موسى ، والرشيد بن المعلم وغيرهم من مصر والإسكندرية ، وخرج له ابن حجي مشيخة وقال : إنه كان أوحد عصره في التلقين ، وكان على طريقة السلف من السكون والتواضع والعفة وكف اللسان ، وكان عارفا بعلم الميقات ، ويقرئ الناس متبرعا ، مات في شعبان .
محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان بن عباد ، شمس الدين ، شيخ زاوية قرية جبرين ، مات في صفر ، سمع من عمر أبيه صافي بن نبهان جزأين وحدث . سمع منه البرهان سبط بن العجمي ، وأثنى عليه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب .محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزرندي الحنفي ، قاضي المدينة بعد أبيه ، كان فاضلا متواضعا ، يكنى أبا الفتح ، وهو بها أشهر .
محمد بن عمر بن عيسى بن أبي بكر الكناني المصري ، زين الدين ، سمع من وزيرة والحجار ، وكان خيرا . ولي نيابة الحكم ، وسمع منه نور الدين على ابن شيخنا سراج الدين بن الملقن بقراءة أبي زرعة بن العراقي .
محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشراريبي ، الملقب طقطق ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة ، وسمع من المزي وغيره وحدث ، وكان شيحا ظريفا ، يحفظ أشعارا ، ويذاكر بأشياء ، ويتردد غلى مدارس الشافعية ، مات في جمادى الآخرة .
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجماليالسرائي الأصل الدمشقي ، ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة ، وقدم الشام كثيرا ، وعني بالحديث على كبر وطلبه وقتا ، وسمع من الميدومي أظنه بالقدس ونحوه ، وكتب بخطه وهو خط حسن ، ونظم الشعر المقبول ، وكتب عنه ابن سند وجماعة ، منهم سبط بن العجمي ، وكان دينا خيرا ، يكنى أبا حامد ، وأبا المجد ، وأبا الفياض ، وكان فاضلا ، له نظم جيد ، ومشاركة في العلم ، وورع زائد . ولم يكن يملك شيئا إلا ما هو لابسه ، وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلف هيئة مع التواضع والبشاشة وحسن الخلق والخلق ، وكان العلماء يترددون إليه ، ولا يقوم لأحد ، ولا يملك شيئا ولا يقتنيه .
محمد بن محمد بن محمد ، شمس الدين بن السيوري ، انتهت إليه الرياسة في حسن الضرب بالعود ، وكان عارفا بالموسيقى حسن الخط ، مليح العشرة ، وله أقطاع تعمل في السنة ألف دينار ، وكان يقول إنه من ذرية عمار بن ياسر ، رضي الله عنه ، مات في صفر .محمد بن محمد بن دقيق العيد ، شمس الدين بن ولي الدين ، ناب في الحكم ، وولي بعض الخوانق .
محمود القازاني ، شاد الاوقاف بدمشق ، قتل في تجريدة التركمان في جمادى .
نعير بن منصور . وابن أخيه هبة بن جماز ، تقدما في عطية .
يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي ، كان عارفا بالفقه والأصول والعربية ، انتفع به الناس ، ومات في صفر .
يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي ، ولي الدين الحنبلي ، كان فاضلا في الفقه ، وامتحن مرارا بسبب فتياه بمسألة ابن تيمية في الطلاق ، وكذا في عدة من مسائله ، وقد حدث عن الحجاز وابن الرضي والشرف بن الحافظ وغيرهم ، وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية ، وسجن بسبب ذلك ، ولا يرجع حتى بلغه أن الشيخ شهاب الدين بن المصري ، حط على ابن تيمية في درسه بالجامع فجاء إليه فضربه بيده وأهانه ، مات في تاسع عشر صفر .
يوسف بن أبي راجح محمد بن إدريس بن غانم بن مفرح العبدري ، جمال الدين الشيبي الحجبي ، شيخ الحجبة ، مات بمكة .حوادث سنة 784
سنة أربع وثمانين وسبعمائة
فيها في المحرم وقع الطاعون بدمشق ، وتزايد في صفر حتى قارب الثلاثمائة ، ثم تناقص ، ويقال : جاوز الأربعمائة ، ثم تناقص في ربيع الآخر إلى ثمانين .
وفيها في المحرم وقع الغلاء بمصر ، وارتفع السعر إلى أن بيع القمح بمائة درهم الأردب ، وعدمت الأقوات ، ثم فرج الله تعالى عن قرب ، ودخل الشعير الجديد وانحط القمح إلى أربعين .
وفي المحرم استقر كمشبغا الحموي في إمرته .
وفيها لما كثر الغلاء أمر برقوق الحكام أن لا يحبس أحد على دين لأجل الغلاء وأفرج عن المحابيس .
وفيها رضي برقوق على بيدمر ورده إلى نيابة الشام وذلك فيصفر ، وهي المرة السادسة ، وكان الذي أجضره من الإسكندرية بكلمش العلائي فوصل في الحادي والعشرين من المحرم فخلع عليه بنيابة الشام .
وأرسل اشقتمر النائب الذي كان قبله إلى دمشق بطالا . ودخل بيدمر الشام في شهر ربيع الأول فاحتفل به أهل الشام وفرحوا بولايته جدا ، وكان يوم دخوله يوما مشهودا وجاوزوا الحد في ذلك .
وفيها شرع جركس الخليلي في عمل جسر بين الروضة ومصر كان طوله مائتي قصبة في عرض عشرة ، وحفر في وسط البحر خليجاإلى فم الخليج الناصري عنده موردة الجيش وكان غرضه بذلك أن يستمر النيل في جهة بر مصر فلم يتم مراده ، بل كان ذلك أعظم الأسباب في عكس ما قصده وانطرد النيل عن بر مصر حيث كان ينشف نصفه فنشف كله إلى قرب المقياس . ثم بعد عشرين سنة حفر النيل بغير سعي أحد وصار يلبث قليلا قليلا إلى هذه الغاية ، ولم يلزم الخليلي أحدا من الناس فيما انفقه على هذا الجسر بغرامة درهم فما فوقه ، فأنشد ابن العطار في ذلك :
شكت النيل ارضه
للخليلي فأحضره
ورأى الماء خائفا
أن يطأها فجسره
وفيها عمل الخليلي على النيل طاحونا تدور في الماء فاستأجرها منه بعض الطحانين فحصل منها مالا عظيما لكثرة من كان يأتي إليه برسم الفرجة .
وفيها في ثالث المحرم استقر سودون الشيخوني حاجب الحجاب ، وأعطى إمرة تغرى برمش وأرسل تغرى برمش إلى القدس بطالا ، واستقر أيدكار حاجب الميسرة .وفيها حضر الشيخ علي الروبي من الفيوم إلى مصر ، وحصل للناس فيه محبة زائدة واعتقاد مفرط ، وسارعوا إلى الاجتماع به وهو في الجيزة .
وفيها امتنع القاضي برهان الدين بن جماعة من الحكم ، وذلك في صفر ، والسبب فيه أن تجرا مات وخلف ملا كثيرا فثبت عند القاضي برهان الدين أن له ورثة ، فمنع أهل المواريث من التعرض للمال فغضب برقوق من ذلك وراسله في تسليم المال ، فصمم وبلغه أن برقوق طلب من يوليه القضاء ، فذكر له الشيخ برهان الدين الأبناسي ، فاختفى ، فوقف البرهان عن الحكم بين الناس ، وسعى بدر الدين بن أبي البقاء في العود إلى المنصب وبذل مالا ، وأن لا يتعرض للتركة المذكورة فأجيب واستقر في سلخ صفر وتوجه برهان الدين بن جماعة إلى القدس في ثالث عشر ربيع الأول . وقرر ابن أبي البقاء في أمانة الحكم بالقاهرة شهاب الدينالزركشي مضافا إلى أمانة الحكم بمصر وقرر في نظر الأوقاف بمصر شمس الدين بن الوحيد عوضا عن زين الدين الزواوي ، وفي نظر الأوقاف بالقاهرة جمال الدين العجمي عوضا عن تقي الدين الأسنائي .
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه : في أول سنة أربع وثمانين سأل برقوق من يختص به أن يطلب له رجلا جيدا يوليه قضاء الشافعية فذكر له جماعة منهم الشيخ برهان الدين الأبناسي ، فطلبه مع موقعه أوحد الدين وعرفه القصة فواعده على أن يجيء إليه ويتوجه معه إلى الإصطبل ، فهرب واختفى ، فأقام على ذلك أياما وابن جماعة لا يعرفبشيء من ذلك بل يظن أن ذلك لأمر آخر ، فلما أيسوا منه طلب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء فأعيد إلى القضاء في يوم الخميس تاسع عشرين صفر ، واستمر معه تدريس الشافعي ، وتوجه ابن جماعة إلى القدس انتهى .
ويقال : إن برقوق كان يعرف قوة نفس برهان الدين بن جماعة فخشي أن لا يوافقه إذا رام أن يتسلطن ويعارضه فلا ينتظم امره ، فعمل على عزله وتولية من لا يخالفه لكونه هو الذي أنشأ ولايته ، وكان الشيخ برهان الدين الأبناسي يقول إنه لما واعد أوحد الدين ودخل إلى منزله ففتح المصحف فخرج : قال رب السجن أحب لي مما يدعونني إليه . فأطبقه وتغيب .
وفيها صرف همام الدين ابن الشيخ الاتقاني من قضاء الحنفية بدمشق ، وأعيد نجم الدين بن الكشك ، وكان وصل الخبر بعزله وولاية النجم فامتنع النواب من الحكم ، فأنكر عليهم الهمام واستمر يحكم حتى قدم النجم فتوجه الهمام إلى النائب ، وكان غائبا عن البلد ثم رجع معزولا . وكان الهمام من عجائب الدهر في الجهل والخبط وقلة الدين .وفيها استقر تقي الدين الزبيري في نيابة الحكم بالقاهرة ، وقد تولى القضاء استقلالا بعد ذلك .
وفيها انكسر الجسر من جهة المنشية عند المريس فنزل الماء إلى البركة التي هناك ، ففاضت على الميدان ، فلم يركب السلطان تلك السنة إلا ميدانين خاصة .
وفيها حضر رسل صاحب إشبيلية من عند ملك الكيتلان يسألون السلطان الشفاعة في صاحب سيس ، فأرسله إليهم مكرما .
وفيها حضر رسول سيس ومعه كتاب يخبر فيه بأن الأرمن الذين هناك مات كبيرهم فأمروا عليهم زوجته فحكمت فيهم مدة ثم عزلت نفسها فاتفق رأيهم على أن يفوضوا أمرهم لصاحب مصر فيختار لهم من يوليه عليهم ، فانتقى لهم برقوق واحدا من الأرمن الأسارى الذين يسكنون بالكوم ظاهر القاهرة ويبيعون الخمور ، فأخذوه معهم فملكوه عليهم .
وفيها في ربيع الآخر ولي بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر كتابة السربدمشق عوضا عن فتح الدين بن الشهيد ، وهرب ابن الشهيد بعد أن طلب ، فأمسك ولده تاج الدين ورسم عليه ، ثم ظهر لما ولي بيدمر فقرر عليه مال ورسم عليه بالعذراوية ثم بالدماغية ، ثم أطلق وهرب ابن منهال الذي استقر كاتب لكونه ألزم بوزن ما التزم به من المال فلم يقدر على ذلك فاستقر عوضه ابن مزهر .
وفيها ولي القضاء بالقدس خير الدين الحنفي ، وهو أول حنفي قضى به .
وولي القضاء بغزة موفق الدين رسول الحنفي ، وهو أول حنفي قضى بها ، وهذان من طلبه الحنفية بالشيخونية ، وكان الثاني أولا ينوب عن الهمام الاتقاني بدمشق .وفي رمضان من هذه السنة خلع الملك الصالح حاجي من السلطنة ، وكانت مدة مملكته سنة ونصفا ونصف شهر وبويع برقوق بالسلطنة ولقب الملك الظاهر وكني أبا سعيد ، ولم تنتطح في ذلك عنزان وكان يعمل في تدبير المملكة من بعد مسك بركة إلى أن أفنى المماليك الأشرفية نفيا وقتلا ، وقرب الجراكسة وأبعد الترك . ثم طلب القضاة والعلماء والأمراء واستشارهم في أمر المملكة وأن الأمور اضطربت لصغر سن السلطان وطمع المفسدون في الأمر ، فاجمعوا على طاعته وبايعوه ، وذلك يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان ، وخطب له بالجامع يوم الجمعة حادي عشرة ، وتوجه البريد إلى البلاد فبويع له بدمشق في يوم الخميسسابع عشريه ، وخطب له يوم الجمعة ثامن عشريه ، واستقر أيتمش أتابك العساكر ، والجوباني أمير مجلس ، وجركس الخليلي أمير آخور وسودون الشيخوني نائب السلطنة ، وقزدمر الحسني رأس نوبة ويونس في الدويدارية .
وفي يوم سلطنته انحط سعر القمح فاستبشر الناس بذلك . وأدخل الملك الصالح داخل الدور وقرأ تقليد الظاهر يوم الاثنين رابع عشريه .
وفي ربيع الأول هرب ابن مكانس الوزير من الترسيم ، فبلغ برقوق فغضب على شاد الدواوين بهادر الأعسر وحبسه بخزانة شمائلثم شفع فيه فأطلق ، وبالغ في أذية أخوة ابن مكانس وأقاربه ، وبسط عليهم العذاب وضربوا بالمقارع وهجموا على حريمهم وهجموا على بيوت معارفهم ، واستقصوا في التفتيش عليه من الكنائس والديور فلم يقعوا به .
وفي شعبان أراد جماعة من مماليك برقوق ومماليك أولاد السلاطين الفتك ببرقوق ، وأنذره الشيخ الصفوي وهو يكبسه ، فقعد ، فدخل أحدهم ، فوثب برقوق فضربه ضربة انقلب ، ثم نزل إلى باب الإصطبل وطلب الأمراء وتتبع الذين أرادوا الفتك به ، فسجن منهم ونفي ، وغضب على الأبغا العثماني لأنه بلغه أنه اطلع على القضية وأخفاها عنه ، فنفاه إلى طرابلس ، وأعطى إمرته لشخص من أقاربه قدم عليه من الجراكسة وهو قجماس .
وفي ربيع الآخر منها جهزت التجريدة إلى الفيوم بسبب صد عرب البحيرة عن الدخول إلى الصعيد ، فتجهز خمسة أمراء من المقدمين ومن تبعهم ، فتوجهوا إلى أن تحققوا أن العرب توجهوا إلى جهة برقة ، فرجعوا في جمادى الأولى .وفيها كائنة الشيخ صدر الدين على ابن العز الحنفي بدمشق ، وأولها أن الأديب علي بن أيبك الصفدي عمل قصيدة لامية على وزن بانت سعاد وعرضها على الأدباء والعلماء فقرظوها ومنهم صدر الدين علي بن علاء الدين بن العز الحنفي ، ثم انتقد فيها أشياء فوقف عليها علة ابن أيبك المذكور فساءه ذلك ودار بالورقة على بعض العلماء فأنكر غالب من وقف عليها ذلك وشاع الأمر فالتمس ابن أيبك من ابن العز أن يعطيه شيئا ويعيد إليه الورقة فامتنع ، فدار على المخالفين وألبهم عليه ، وشاع الأمر إلى أن انتهى إلى مصر ، فقام فيه بعض المتعصبين إلى أن انتهت القضية للسلطان فكتب مرسوما طويلا ، منه : بلغنا أن علي بن أيبك مدح النبي e بقصيدة وأن علي بن العز اعترض عليه وأنكر أمورامنها التوسل بالنبي e والقدح في عصمته وغير ذلك وأن العلماء بالديار المصرية خصوصا أهل مذهبه من الحنفية أنكروا ذلك ، فتقدم بطلبه وطلب القضاة والعلماء من أهل المذاهب ونعمل معه ما يقتضيه الشرع من تعزير وغيره ، وفي المرسوم أيضا بلغنا أن جماعة بدمشق ينتحلون مذهب ابن حزم وداود ويدعون إليه ، منهم القرشي وابن الجائي والحسباني والناسوفي ، فتقدم بطلبهم فإن ثبت عليهم منه شيء عمل بمقتضاه من ضرب ونفي وقطع معلوم ، ويقرر في وظائفهم غيرهم من أهل السنة والجماعة وفيه وبلغنا أن جماعة من الشافعية والحنابلة والمالكية يظهرون البدع ومذهب ابن تيمية فذكر نحو ما تقدم في الظامرية ، فطلب النائب القضاة وغيرهم فحضر أول مرة القضاة ونوابهم وبعض المفتين فقرأ عليه المرسوم ، وأحضر خط ابن العز فوجد فيه قوله : حسبي الله ، هذا لا يقال إلا لله ، وقوله : اشفع لي ، قال : لا يطلب منه الشفاعة ، ومنها : توسلت بك ، قال : لا يتوسل به ، وقوله : المعصوم من الزلل ، قال : إلا من زلة العتاب ، وقوله : يا خير خلق الله ، الراجع تفضيل الملائكة ، إلى غير ذلك فسئل فاعترف ثم قال : رجعت عن ذلك وأنا الآن أعتقد غير ما قلت أولا : فكتب ما قال وانفصل المجلس ، ثم طلب بقية العلماء فحضروا المجلس الثاني وحضر القضاة أيضا ، وممن حضر : القاضي شمس الدين الصرخدي ، والقاضي شرف الدين الشريشي ، والقاضي شهاب الدين الزهري ، وجمع كثير ،فأعيد الكلام فقال بعضهم : يعزر ، وقال بعضهم : ما وقع معه من الكلام أولا كاف في تعزير مثله ، وقال القاضي الحنبلي : هذا كاف عندي في تعزير مثله ، وانفصلوا ثم طلبوا ثالثا وطلب من تأخر وكتب أسماؤهم في ورقة ، فحضر القاضي الشافعي ، وحضر ممن لم يحضر أولا : أمين الدين الأتقى ، وبرهان الدين بن الصنهاجي ، وشمس الدين بن عبيد الحنبلي وجماعة ، ودار الكلام أيضا بينهم ، ثم انفصلوا ثم طلبوا ، وشدد الأمر على من تأخر فحضروا أيضا وممن حضر : سعد الدين النووي ، وجمال الدين الكردي ، وشرف الدين الغزي ، وزين الدين بن رجب ، وتقي الدين بن مفلح ، وأخوه ، وشهاب الدين بن حجي ، فتواردوا على الإنكار على ابن العز في أكثر ما قاله ثم سئلوا عن قضية الذين نسبوا إلى الظاهر وإلى ابن تيمية فأجابوا كلهم أنهم لا يعلمون في المسمين من جهة الإعتقاد إلا خيرا ، وتوقف ابن مفلح في بعضهم ، ثم حضروا خامس مرة واتفق رأيهم على أنه لا بد من تعزير ابن العز إلا الحنبلي ، فسئل ابن العز عما أراد بما كتب ? فقال : ما أردت إلا تعظيم جناب النبي e وامتثال أمره أن لا يعطى فوق حقه ، فأفتى القاضي شهاب الدين الزهري بأن ذلك كاف في قبول قوله وإن أساء في التعبير ، وكتب خطه بذلك ، وأفتى ابن الشريشي وغيره بتعزيره ، فحكم القاضي الشافعي بحبسه فحبس بالعذراوية ، ثم نقل إلى القلعة ،ثم حكم برفع ما سوى الحبس من التعزيرات ، ونفذه بقية القضاة ، ثم كتبت نسخة بصورة ما وقع وأخذ فيها خطوط القضاة والعلماء وأرسلت مع البريد إلى مصر ، فجاء المرسوم في ذي الحجة بإخراج وظائف ابن العز ، فأخذ تدريس العزية البرانية شرف الدين الهروي ، والجوهرية على القليب الأكبر : واستمر ابن العز في الاعتقال إلى شهر ربيع الأول من السنة المقبلة . وأحدث من يومئذ عقب صلاة الصبح التوسل بجاه النبي e ، أمر القاضي الشافعي بذلك المؤذنين ففعلوه .
وفي الرابع من ذي القعدة طلب ابن الزهري شمس الدين محمد بن خليل الحريري المنصفي فعزره بسبب فتواه بمسألة الطلاق على رأي ابن تيمية وبسبب قوله : الله في السماء ، وكان الذي شكاه القرشي فضربه بالدرة وأمر بتطويفه على أبواب دور القضاة ، ثم اعتذر ابن الزهري بعد ذلك وقال : ما ظننته إلا من العوام لأنهم أنهوا إلى أن فلانا الحريري قال كيت وكيت ، حكى ذلك ابن حجي ، وهذا العذر دال على أنه تهور في أمره ولم يثبت فلله الأمر .ومن اطرف ما يحكي عن المنصفي أن بعض الناس اغتم له مما جرى فقال : ما أسفي إلا على أخذهم خطي بأني أشعري فيراه عيسى بن مريم إذا نزل .
وفيها كان الحاج بمكة كثيرا بحيث مات من الزحام بباب السلام أربعون نفسا أخبر الشيخ ناصر الدين بن عشائر أنه شاهد منهم سبعة عشر نفسا موتى بعد أن ارتفع الزحام وان شيوخ مكة ذكروا أنهم لم يروا الحاج أكثر منهم في تلك السنة ، وكانت الوقفة يوم الجمعة بلا ارتياب عندهم ، ولكن وقع للشيخ زين الدين القرشي أنه قيل عنه انه ضحى يوم الجمعة لأجل شهادة من شهد برؤية هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فلم يصم يوم الخميس وضحى يوم الجمعة ، وشاع عنه أنه أمر بذلك فبلغ القضاة فشق عليهم ورفعوا أمره للنائب فطلبه النائب فتغيب ثم حضر واخبر بأنه لم يضح واعترف بأنه لم يصم احتياطا للعبادة واستدل بأشياء تدل على قوة ما ذهب إليه وخالفه جماعة في ذلك وانفصل الحال ، وكان استجار بالأمير تمرباي فأرسل إلى القضاة فكفوا عنه ، ثم أحضر النقل من مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنهم كانوا يرون صوم يوم عرفة إلا أن يتخوفواأن يكون يوم النحر وأنه أفطر لذلك الأمر وذكر لهم أن ابن تيمية نقل الإجماع أنه لا يعتبر بذلك الشك وأن هذا الأثر يرد عليه فعورض بأن الأخذ بالأثر المذكور يخالف مذهب الشافعي لعدم قوله بصوم يوم الشك من رمضان ولم يلتفتوا إلى الاحتياط المذكور .
وفي شعبان انتهت زيادة النيل إلى إصبع من أحد وعشرين ذراعا .
وفي رمضان استعفى طشتمر الدويدار من نيابة صفد فأعفى وتحول إلى القدس بطالا .
وفيها استقر محمود شاد الدواوين وكان قبل ذلك استادار سودون باق .
وفيها حججت مع زكي الدين الخروبي ، وكانت وقفة الجمعة وجاورنا ، فصليت بالناس في السنة التي تليها ، وقد كنت ختمت من أول السنةالماضية واشتغلت بالإعادة في هذه السنة فشغلنا أمر الحج إلى أن قدر ذلك بمكة ، وكانت فيه الخيرة .
وفي تاسع شوال صرف بدر الدين بن فضل الله من كتابة السر بمصر ، واستقر أوحد الدين عوضه فيها ، وكان أوحد الدين موقع برقوق وله به معرفة قديمة فجازاه .
وفيه قدم الشيخ أبو زيد بن خلدون من المغرب فأكرمه السلطان .
وفي ذي القعدة أسلم أبو الفرج الأسعد كاتب الحوائج خاناة فسماه السلطان : موفق الدين ، وولاه نظر ديوان أولاده ، وتقدم واشتهر ذكره .وفيها وقع بين الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ بدر الدين بن الصاحب في الخشابية بجامع مصر بحث ألزمه فيه البلقيني بالكفر ، فجرى بينهما كلام كثير وتولد منه شر كبير ، فقام على ابن الصاحب جماعة وادعوا عليه عند المالكي ، فسعى له آخرون عند اكمل الدين ، حتى نقل القضية إلى القاضي الشافعي ، وأقام مدة في الترسيم حتى حكم بحقن دمه ، واستمر في وظائفه وعاش بعدها مدة . فحدثني بعض من سمع الشيخ سراج الدين يجهر بصوته بين القصرين وابن الصاحب مع الرسل الموكلين به سائرا مع البلقيني وهو يقول : يا معشر المسليمن هذا كفر ، فيقول ابن الصاحب : يا معشر المسلمين هذا رأى الشيخ ذلك عدل إلى قوله : يا معشر المسلمين هذا قال : غن نبيكم مت هو مدفون بالمدينة ، وكان البحث بينهما في شيء من ذلك ، وتعصب له جماعة منهم الفاضل محمد النحاس المصري فقال فيه :
لبدر الدين بين الناس فضل
فمذهبه الصحيح بلا اعوجاج
فأشرق في سماء العلم بدرا
فأطفأ نوره نور السراج
وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى بولاق التكرور فاجتاز من الصليبةوقناطر السباع وفم الخور ، وكان عادة السلاطين قبله من زمن الناصر لا يظهرون إلا في الأحيان ولا يركبون إلا من طريق الجزيرة الوسطانية ، ثم تكرر ذلك منه وشق القاهرة مرارا ، وجرى على ما ألف في زمن الإمرة . وأبطل كثيرا من رسوم السلطنة ، وأخذ من بعده بطريقته في ذلك إلى أن لم يبق من رسمها في زماننا إلا اليسير جدا .
وفيه استسلم الظاهر أبا الفرج الذي استوزره بعد ذلك ، وكان كاتب الحوائج خاناة واللحم ، فاتفق أن المعلمين في اللحم ضجروا من تأخر حقهم ، فغضب الظاهر على الوزير علم الدين سن إبرة وضربه وأمر بإحضار أبي الفرج فحضر وهو فزع فعرض عليه الإسلام فبادر إليه فلقبه موفق الدين وخلع عليه وأركبه فرسا بكنبوس ذهبا .
وفيه هرب الطنبغا السلطاني نائب البلستين إلى سيواس .وفيها بنى السلطان قناطر بني منجا فأحكم عمارتها .
وفيها غضب السلطان على قرط فظقر به فأهانه وصادره ونودي على ولده حسين ، وذلك في ذي الحجة .
وفيها ولي عبد الرحمن بن رشد المغربي المالكي القضاء بحلب عوضا عن علم الدين القفصي .
وفيها وقع الخلف بين أحمد بن عجلان صاحب مكة وبين الأشرف صاحب اليمن بسبب المحمل اليمني ، فغضب الأشرف عليه ومنع التجار من الاجتياز عليه ، فسافروا من جهة سواكن ، فضاق ابن عجلان من ذلك فتشفع إليه حتى رضي عنه وأطلقهم .وفيها قتل حسين بن أويس اغتيالا اغتاله أحمد بن أويس أخوه سلطان بغداد ، وكان استنابه على البصرة وتوجه إلى تبريز فمالأ أحمد الأمراء عليه حتى قتل واستقل بالسلطنة .
وفيات سنة 784
ذكر من مات في سنة أربع وثمانين وسبعمائة من الأعيان
أحمد بن أحمد بن أحمد بن فضل الله شهاب الدين بن عز الدين بن شهاب الدين ، كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق ، وكان قد اشتغل ومهر ، وكان مقداما ، مات في جمادى الأولى ، ومات أبوه قبله بشهر .
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن الحنبلي ، شهاب الدين بن تقي الدين ، ولد سنة اثنتين وسبعمائة ، وسمع من ابن مشرف والتقي سليمان وغيرهما ، وله إجازة من جماعة ، وكان له حانوت يبيع فيه القز بالصالحية ، وكان مباشر الأوقاف ، مات في المحرم وله اثنتان وثمانون سنة .أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن فضل الله ، شهاب الدين بن بهاء الدين ، كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق ، وكان قد اشتغل ومهر ، مات في جمادى الأولى ، ومات أبوه قبله بأشهر ، وكان له اشتغال بالفرائض والعربية والأدب ، وكان شهما مقداما ، وعاش أبوه بعده نحو نصف شهر وقد باشر عن ولده كتابة السر .
أحمد بن علي بن يحيى بن عثمان بن نحلة ، شرف الدين الدمشقي ، ولد سنة أربع وسبعمائة ، وحضر على حسين الكردي وسمع من أبي بكربن أحمد بن عبد الدائم وأبي بكر بن النحاس وغيرهما وحدث ، وكان من كبار العدول بدمشق تحت الساعات ، ثم انقطع ببستانه ، مات في رمضان وله ثمانون سنة .
أحمد بن محمد بن خلف البهوتي المصري ، سمع على الواني وحدث ، وكان كثير التلاوة .
أحمد بن موسى بن أحمد بن حسن بن يوسف بن محمود القاضي ، شهاب الدين العينتابي الحنفي ، والد القاضي بدر الدين محمود ، رأيت بخط ولده أنه ولد في حدود سنة عشرين ، وأنه كان يستحضر الفروع ويعرف أمور السجلات والمكاتيب ، وأنه ناب في الحكم نحوا من ثلاثين سنة ، وأنه مات في رجب هذه السنة ، وقدم ولده بدر الدين محمود إلى القدس سنة ثمان وثمانين وله من العمر ستة وعشرين سنة فصادف الشيخ علاء الدين السيرامي يزور القدس فقدم معه إلى القاهرة فنزله في الظاهرية ثم جعله خادما بها ، فلما مات العلاء أخرجه جركس الخليلي بسبب عرض له ثم صحب جكم بعد موت الظاهر فسعى له في الحسبة فوليها في أولذي الحجة سنة إحدى وثمانمائة .
أمير غالب بن أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غالب الفارابي الاتقاني ، همام الدين بن قوام الدين ، اشتغل قليلا بالشام ، وكان بزي الجند ، وله أقطاع ثم ولي الحسبة في ذي الحجة سنة تسع وسبعين فبدت منه عجائب ، ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين وانتزع التداريس منعلماء الحنفية ، وكان مع فرط جهله وقلة دينه جوادا سليم الصدر ، ويحكى عنه أحكامه أشياء تشبه ما يحكى عن قراقوش وأطم حتى أنه حلف امرأة ادعت وحكم على المدعي عليه أنه يدفع لها ما حلفت عليه ، وحكى لي عنه ابن الفصيح وكان نقيبا عنده مساوي من الإسراف على نفسه ، وكان ابن جماعة يحكي عنه أنه قدمت له قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمى أسد فكتب إن كان وحشيا فلا يحضر مات في جمادى الأولى أو ربيع الأول عن خمسين سنة .
إياس الصرغتمشي ، تنقلت به الأحوال إلى أن صار دوادار مخدومه ، ثم نفي بعده إلى مصنات ثم أعاده يلبغا وجعله مقدمالمماليك ، ثم جعله سندمر دواداره ، ثم رتبه الأشرف لولده على دويدارا ثم نقل إلى الحجوبية وأضيف إليه نظر الأوقاف في السنة الماضية فاستمر فيها إلى أن مات في ربيع الآخر ، واستقر بعده سودون الشيخوني .
أمين الدين الحنبلي الحلبي ، كان فاضلا في مذهبه كثير الاستحضار جدا مشهورا بالعلم والديانة ، اتفق أنه في أواخر عمره استغاث به شخص فنزل إليه من بيته فضربه بسكين فقتله وقتل قاتله في الحال .
حسين بن أويس بن الشيخ حسن النوين بن حسين بن آقبغا بن ايلكان بن القان ، غياث الدين ، ولي السلطنة بالعراق بعد أبيه ، واستخلف أخاه أحمد على البصرة ، فلما اختلف عليه الأمر وتوجه من بغداد إلى تبريز توجه أحمد ومالأ الأمراء حتى اغتال أخاه حسينا بتبريز وقام بالسلطنة وذلك في صفر ربيع الآخر ، وكان شهما شجاعا حسن السياسة .
زبالة البارقاني ، نائب قلعة دمشق ، تنقل في الولايات ، وكانمشكور السيرة متواضعا ، مات في شعبان وقد جاوز السبعين .
صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي ، تقي الدين بن خطيب النيرب ، ولد سنة عشرين أو قبلها ، وحضر على زينب بنت ابن عبد السلام مسند انس للحنيني ، ثم سمعه عليها وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم وحدث ، وكان يشهد عند جامع تنكز ، وفيه انجماع وسكون ، مات مطعونا في جمادى الأولى .
عباس بن عبد المؤمن بن عباس الكفرماوي الحارمي ، قاضي جبةعسال ، ولد قبل العشرين ، وحضر عند الشيخ برهان الدين بن الفركاح ، واشتغل قديما ، وولاه السبكي الكبير قضاء الخليل ، وسمع من الجزري وابن النقيب وحدث ، وتولى عدة بلاد ، ثم ناب بدمشق عن ولي الدين بن أبي البقاء ، ثم ولي قضاء صفد في رمضان سنة ثمانين ومات في رجب .
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن راجح ، موفق الدين ، كان شابا ذكيا ملازما للدرس ، ومات شابا بعد والده بسنة .
عبد الله بن محمد الصفدي ثم الدمشقي ، شاهد الحكم للحنفية ، مات في ربيع الأول ، وكان مشكور السيرة .
عبد الله بن موسى بن علي الجبرتي ، جمال الدين الفقيه الزاهد ، مات في رمضان بالشام ، وكان رجلا صالحا .
عبد الرحمن بن حمدان ، العينتابي زين الدين ، ولد بعينتا من نابلس ، وقدم الشام لطلب العلم ، فتفقه بابن مفلح وغيره ، وسمع من جماعة ، وتميزفي الفقه ، واختصر الأحكام للمرادي مع الدين والتعفف .
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن التقي سليمان المقدسي الحنبلي ، ولد سنة اثنتين وثلاثين ، وتفقه بابن قاضي الجبل وغيره ، وسمع من جماعة ، وولي دار الحديث الأشرفية بالجبل ، وناب عن ابن قاضي الجبل قليلا ، ومات في ذي الحجة .
عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي ، عز الدين المصري ، سمع علي الدبوسي وغيره ، وعني بالفقه ، ودرس في حياة ابن عدلان ، ويقال إن الشيخ سراج الدين قرأ عليه في بداية أمره ، وتفقه به جماعة ، ومات في ذي الحجة وجاوز الثمانين .
عبد الكريم بن محمود بن علي بن إبراهيم ، جلال الدين القيصري ، شيخ خانقاه خاتون بدمشق ، كان معروفا بالكرم ، وحج في هذه السنة ورجع مع أمير الحاج المصري ، فمات في أواخر ذي الحجة .
عبد الوهاب بن أحمد بن علم الدين بن محمد بن أبي بكر الأخنائي ،بدر الدين بن كمال الدين الشافعي ثم المالكي ، ولي القضاء ، وحدث عن صالح الأشهى وعبد الغفار السعدي وغيرها ، وعزل في أواخر عمره سنة تسع وسبعين فأقام معزولا ، ثم حج وجاور في الرجبية سنة ثلاث وسبعين ، ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب ، وكان عزل سنة تسع وسبعين بالبساطي .
علي بن تمربغا التركي ، ابن نائب الكرك ، كان شجاعا عارفا بفنون الحرب كلها ، مات هو وابنه محمد في ليلة واحدة .
علي بن عمر بن محمد بن الشيخ تقي الدين محمد بن علي القشيري ، علاء الدين ، موقع الحكم ، وكان كبير اللحية وفيه يقول الشاعر :
لعلاء الدين ذقن
تملأ الكف وتفضل
فاعمل الغربال منها
لدقيق العيد وانخلمات في صفر .
عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي ، زين الدين ، خطيب طرابلس ، ولد سنة ست وعشرين وكان يقرأ الصحيح قراءة حسنة ، ويفهم الحديث ، وله عناية يضبط رجاله ، مات في المحرم بحماة وقد جاوز الستين .
غازي بن محمد بن أحمد بن عمر الشراريبي ، الفلاح ، نزيل المزة ، جاوز المائة فقرؤوا عليه بإجازته العامة عن الفخر علي ، وكان جلدا قوي الهمة ، يدور البلد ويسأل الناس ، مات في جمادى الأولى .
قيس بن يمن بن قيس الصالحي ، البياع ، سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم ويحيى بن سعيد وجماعة وحدث ، مات في ذي الحجة .
محمد بن إبراهيم بن راضي الصلتي ، شمس الدين ، ولد سنة عشر ، واشتغل وقرأ كتبا ، ثم قدم دمشق فاشتغل بالشامية ، ثم دخل مصربعد السبعين وولي القضاء بقوص وغيرها ، ثم رجع ، ومات بمصر في المحرم وقد جاوز السبعين .
محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي ، ولد قبل الأربعين ، وسمع الحديث من جماعة ، وتفقه بابن مفلح وغيره حتى برع وأفتى ، كان إماما في العربية مع العفة والصيانة والذكاء وحسن الإيراد ، مات في شوال .
محمد بن إبراهيم جمال الدين بن الجلاد الزبيدي ، أحد المباشرين بتلك البلاد .
محمد بن أحمد بن يحيى بن فضل الله ، نجم الدين العدوي ، كبير الموقعين بدمشق ، وقد سمع من محمد بن أبي بكر بن عبد الدائم وغيره ، ومات فيشوال ، وكان له مند ولي توقيع الدست ثلاثين سنة وساء .
محمد بن طريف ، الشيخ شمس الدين الغزي ، كان يذكر بالخير والصلاح ، مات في ذي الحجة .
محمد بن عبد الله الأرزكاني ، شرف الدين ، أحد فضلاء العجم ، شرح المشارق والكشاف ، وانتفع به أهل تلك البلاد ، وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقاء ، وقرأ عليه الكشاف وغيره ، وقد نقل عنهالشيخ شمس الدين بن الصائغ في شرحه للمشارق شيئا كثيرا .
محمد بن محمد بن أحمد بن سليمان القفصي ، حضر علي الحجار في الرابعة سنة ثمان وعشرين ، وكان بزي الجند ، وهو والد القاضي علم الدين القفصي الذي ولي قضاء المالكية .
محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب ، موفق الدين بن فخر الدين المقدسي ، سبط الشيخ صلاح الدين بن أبي عمر ، اشتغل وحفظ المقنع ، وكان يستحضره ، وكان خيرا متواضعا ، مات في ربيع الآخر .
محمد بن محمد بن علي بن يوسف الأسناوي ، الخطيب جمال الدين ، قدم مصر سنة إحدى وعشرين ، وسمع علي الحجار ، وتفقه بالقطب السنباطيوابن القماح وابن عدلان وغيرهم ، وأخذ العربية عن أبي الحسن والد شيخنا سراج الدين بن الملقن ، ودرس وأفتى ، وشرح التعجيز في الفقه ، وناب في الحكم ، وكان عالما خيرا ذا مهابة وصيانة وعفاف قائما بالحق حتى أنه كتب على قصة سئل فيها أن يحضر يلبغا وهو إذ ذاك صاحب المملكة يحضر أو وكيله فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده ، ويقال : إن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا ، وأنه لما أن جاءه الرسول قال له : قل له : إني أصالح غريمي فقال الرسول : والله ما أقدر إلا أن تروح معي أو وكيل أو الغريم يقول : قد أرضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم ، وأرسل إلى القاضي ذهبا وبغلة ، فرد ذلك ، فاشتد اغتباطه به وعاتقاده فيه ، وكان في سمعه ثقل بأخرة ولذلك يقال له : الأطروش ، مات في ثامن ربيع الأول .
محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل ، الفراء الحمصي ثم الحلبي ، المعروف بابن رياح ، ويعرف أيضا بالقيم وبالفقيه ، ولد بحمص سنة ست وسبعمائة . وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء ، وكانمشكورا في صناعته ، وحدث بصحيح البخاري عن ابن الشحنة وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص ، ومات في جمادى الآخرة في السنة .
محمد بن محمد بن الكامل ، ناصر الدين بن صلاح الدين ، مات في رمضان بدمشق .
محمد بن محمد بن يوسف المرادي ، شرف الدين الحنبلي ، سبط القاضي جمال الدين ، ولد قبل الأربعين ، وأخذ عن جده ، ونخرج بابن مفلح ، وسمع الحديث من جماعة ، ولم يكن بالصين ، مات في ربيع الآخر .
محمد بن النظام محمود ، جلال الدين ، إمام منكلي بغا ، كان عارفا بالفقه والأصول والعربية والنظم . أخذ عن بهاء الدين الإخميمي وأبي البقاء ، وتصدر بالجامع ، وكان بزي الجند ، مات في رمضان ، وكان يعرف قديما بابن صاحب شيراز ، وحفظ الحاوي الصغير وغير ذلك .مفتاح الزيني السبكي ، مولى زين الدين عبد الكافي ، والد تقي الدين السبكي ، كان تقي الدين يركن إليه وكلمته نافذة عنده ، وسمع مع أولاده من زينب بنت الكمال وغيرها وحدث ، مات في جمادى الآخرة .
همام الدين ، هو أمير غالب ، تقدم .
شمس الدين بن غراب ، الكاتب القبطي ، مات في صفر ، وهو والد سعد الدين الذي بلغ الرتبة في الآمرية .
كريم الدين عبد الكريم بن عبد الله بن الرويهبة القبطي المصري ، ولي الوزارة ثلاث مرات وغيرها ، وقد تقدم شرح حاله في الحوادث .جهان طيي ، الجحفلية ، والدة الملك الأشرف ، قامت بتدبير أمر ولدها قبل أن يترعرع ، وكانت حسنة التدبير كثيرة العطاء والإحسان إلى العسكر والتقرب من قلوب الرعية .
حوادث سنة 785
سنة خمس وثمانين وسبعمائة
فيها في المحرم حضر يلبغا الناصري نائب حلب إلى القاهرة ، فخرج سودون النائب إلى ملتقاه في أكثر العسكر ، فحضر الموكب بدار العدل ، فخلغ السلطان عليه استقرارا ، وركب عن يمينه أيتمش وعن يسارهالجوباني ، ثم توجه إلى بلاده في عاشر الشهر .
وفيها طلب السلطان شمس الدين إبراهيم القبطي ، المعروف بكاتب أرلان ، فعرض عليه الوزارة فامتنع ، فألزمه ، فاشترط شروطا كثيرة أجيب إليها حتى وضع السلطان يده على يد نفسه وقال للأمراء : انظروا إلى يد الوزير فقد جعلتها فوق يدي مبالغة منه في تنفيذ كلمته ، فسلك في وزارته مل لم يسلكه أحد قبله في الضبط وترك القبط في أضيق من سم الخياط ودقق عليهم الحساب ، ولم يتناول من الرواتب غير شيء يسير جدا ، ولم يزل يسوس القضايا إلى أن حصل في بيت المال جملة كثيرة جدا مع تغليق المعاملين وتقديم رواتب المماليك وجوامكهم ، وفتح الطواحين بمصر بعد أن كانت مغلقة ، وأعاد المخابز السلطانية ، وملأ حواصل الحوائج خانات من جميع الأصناف ، وكان إذا ركب ركب وحده ولا يترك أحدا يركب معه لا مقدم ولا غيره ، وجرى بينه وبين ناظر الخاص ابن البقري وجركس الخليلي مشير الدولة منازعة ومفارضة آل أمره فيها إلى أن منع السلطان الخليلي من الكلام في الدولة ، ولما استقر في الوزارة لم يلبس ما جرت به عادة الوزراء يلبسه من القبع الزركش والعنبرية وغير ذلك . وقرر علم الدين الحزين مستوفي الدولةعوضا عن أمين الدين ابن حنيص .
وفي صفر وصل رسل بغداد أحمد بن أويس ، فأحضروا بدار العدل وقدموا هديتهم فخلع عليهم وأنزلوا بدار الضيافة .
وفيه أفرج عن الأمير قرط ، فتوجه إلى بيته بطالا .
وفيه وقعت بين قبلاي نائب الكرك وخاطر أمير العرب بها مقتلة ، فانكسر قبلاي وخلص خاطر من كان قبلاي أمسكه قبل ذلك منهم ، ثم تحيل قبلاي على خاطر إلى أن حضر عنده فذبحه ولده غدرا .
وفيها حضر سالم الدوكاري التركماني إلى نائب حلب طائعا فأمرهالسلطان بإرساله إلى مصر ، ولم يكن أطاع ملكا قبله .
وفي جمادى الأولى نزل السلطان إلى النيل فخلق المقياس وكسر الخليج بحضرته ، ولم يباشر ذلك بنفسه سلطان قبله من زمن الظاهر بيبرس .
وفيها أمر السلطان جمال الدين المحتسب أن يتحدث في الأوقاف الحكمية فتحدث فيها فشق ذلك على القاضي الشافعي فتحدث مع أحد الدين فراجع له السلطان فقال : أنا ما وليت جمال الدين وعزلت الشافعي وغنما أمرته أن يتحدث معه في عمارة ما تهدم ، ثم شافه السلطان القاضي بذلك وقال له : أنت الناظر وهذا ينوب عنك في ذلك ، فسأله المحتسب أن يكون الأمير قديد معه في العمارة ، وبالغ من بيده شيء من الأوقاف في إصلاحه خوفا من الغهانة ، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار :يا من أكلتم من جني أوقافنا
لحما طريا فاصبروا لقديد
وفيه عمل أهل برمة وهم نصارى عرسا بالمغاني والملاهي على عادتهم فقام المؤذن يسبح على العادة فأنزلوا ، فبلغ ذلك الخطيب فانتصر للمؤذن وساعده الإمام فأهانهما أهل البلد ، فتوجهوا إلى القاهرة وشكوا الأمر للنائب ، فأرسلهم إلى صاحب برمة وهو جركس الخليلي فضرب الثلاثة وحبسهم ، فبلغ ذلك السلطان من جهة ناصر الدين بن الميلق الواعظ فتغيظ على الخليلي وأمره بإطلاقهم وإنصافهم من غرمائهم ، فأحضر من برمة جماعة من المسالمة فشهد عليهم بالزندقة ، فضرب القاضي المالكي رقاب ستة أنفس ، وسر المسلمون بذلك ، وقد قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أن ابن خير حكم بضرب رقابهم بحضورالقضاة فضربت في المجلس وكان سودون النائب حاضرا بين القصرين ، قال : ثم قام بعض المالكية وادعى أنه خالف مذهبه وبالغ في التشنيع يعني ابن جلال الدميري وجرى على ابن خير ما لا خير فيه ، ثم إنه استفتى أهل العلم الموجودين قي ذلك الوقت فأفتوا بتصويب فعله وانتصر على خصمه .
وفي جمادى الآخرة نازل الفرنج بيروت في عشرين مركبا ، فراسلوا نائب الشام فتقاعد عنهم واعتل باحتياجه إلى مرسوم السلطان ، فقام إينال اليوسفي فنادى الغزاة في سبيل الله ، فنفر معه جماعة فحال بين الفرنج وبين البحر وقتل بعضهم ، ونزل إليه بقية الفرنج فكسرهم وقبض من مراكبهم ستة عشر مركبا ، فسر المسلمون بذلك سرورا عظيما ، ولما بلغ السلطان قبل ذلك تحرك الفرنج جهز عدة أمراء لحفظ الثغور من الفرنج كرشيد ودمياط وغيرهما ، فلما توجهوا إلى بيروت وكسروا بها حصلت الطمأنينة منهم ، وممن توجه من المطوعة القاضي المالكي ومعه المغارية والشيخ شمس الدين القونوي ومعه خلائق من المطوعة ، ثم جمع القاضي الشافعي جمعا من الفقهاء وتوجه ، وكان الفرنج قد دخلوا صيداء فوجدوا المسلمين قد نذروا بهم فأحرزوا أموالهم وأولادهم بقرية خلفالجبل ، فوجد الفرنج بعض أمتعتهم فنهبوها وأخذوا ما وجدوا من زيت وصابون وأحرقوا السوق وقصدوا بيروت فتداركهم المسلمون ، ثم وصل النائب وانكسر الفرنج بحمد الله تعالى ، ثم عاد الفرنج إلى مباهلة بيروت فطرقوها في شعبان ، فتيقظ لهم أهلهم فحاربوهم وراموهم ، ونزل طائفة من الفرنج فوجدوا بالساحل خمسة عشر نفسا فقتلوهم ، ثم قتل من الفرنج جماعة ، فوصل النائب من دمشق بعد انقضاء الوقعة ورجوع الفرنج بغيظهم لم ينالوا خيرا .
وفيها ابتدأ الأمير أيتمش بإنشاء مدرسته التي بالقرب من القلعة .
وفي صفر عزل القاضي الحنفي بدمشق نوابه بسبب بدر الدين القدسي ، ثم أعاد واحدا منهم وهو تقي الدين الكفري ، فشاع الخبر أن النائب تعصب للكفري وكاتب فيه ليلى القضاء استقلالا ثم وصل الخبر بذلك واستقر في ربيع الأول .
وفيها أراد جماعة القيام على السلطان ونزعه من الملك وساعدهمعلى ذلك الخليفة المتوكل وغيره ، فبلغه ذلك فأمسك الخليفة وسجنه وخلعه من الخلافة فوضها لقريبه عمر بن إبراهيم بن الواثق ، ورتب له ما كان للمتوكل ، ولقب الواثق ، أو المستعصم ، وسمرقرط بن عمر الكاشف وإبراهيم بن قطلقتمر وغيرهما وكان الذي نم عليهمبذلك صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز وأخبره بأنهم اتفقوا مع الخليفة وجمعوا ثماني مائة نفس وتواعدوا على قتل السلطان إذا نزل للعب الكرة بالميدان ، وقيل إن بدر بن سلام كان وافقهم على ذلك فأرسل السلطان لما سمع بذلك إلى سودون النائب فأخبره بما قيل فبرأهم من ذلك وقال : إن الخليفة رجل عاقل لا يصدر منه شيء من ذلك ، فأمر السلطان بإحضاره ، وإحضار قرط وإبراهيم بن قطلقتمر فقررهم على ما بلغه ، فأنكروا فشدد على قرط وهدده فأقر فالتفت إلى الخليفة فقال : ما يقول هذا ? قال : يكذب ، ثم قرر السلطان إبراهيم بن قطلقتمر فأقر بنحو ما أقر به قرط فسأل الخليفة فأنكر ، فجعل إبراهيم يحاققه ويذكر أمارات وهو مصر على الإنكار إلى أن غضب السلطان وسل السيف وأراد ضرب عنقه فحال بينهما سودون النائب ، ثم أمر بتسمير الثلاثة ، فقالله سودون النائب : متى سمرنا الخليفة رجمتنا العامة ، فوافقه بعض من حضر ، ثم عقد مجلس بالعلماء والقضاة فلم يصرح أحد منهم بوجوب قتل أحد من المذكورين فانفصل المجلس وحبس الخليفة في القلعة وقيد بقيد ثقيل وأمر بتسمير قرط وإبراهيم فتسلمها حسين بن علي الكوراني والي القاهرة فطاف بهما مصر والقاهرة ، ثم استأذن عليهما العصر فأمر بتوسيطهما فوسط قرط ، ثم وقعت الشفاعة في إبراهيم فحبس بالخزانة وحبس معه حسين بن قرط بن عمير .وفيها خرج سلام بن التركية مع العرب بالوجه البحري ، وتوجهوا إلى جهة الفيوم ومعهم إبراهيم بن اللبان ، وكان يوقع عند بعض الأمراء فاتفق مع الذين أرادوا الخروج على السلطان ، وأشعر بهم العرب وأظهر للعرب أنه قريب الخليفة وتعمم بزي الخليفة فهرعوا إليه ، فصار يأمر وينهى ، فجهز السلطان إليهم أربعة أمراء ، فلما بلغهم ذلك توجهوا إلى جهة الصعيد وتبعوهم ، وكان ما سيأتي ذكره .
وفيها حصر أبو العباس بن أبي سالم المريني مدينة تادلة وخرب قصرها ، ثم ملك مراكش وعاد إلى فاس ، وخرج لغزو أبي حمو بتلمسان ففر عنه .
وفيها زاد النيل زيادة عظيمة إلى أن تهدمت به بيوت كثيرة وانفتح مقطع بالزريبة فبادر إليه أيدكار الحاجب وحسين الوالي فأحضرواالمراكب وسدوه بأبواب وصواري وأخشاب فلم ينسد إلا بعد أيام ، ورتب السلطان جماعة من الأمراء والمماليك بالإقامة بجوانب البحر والخلجان لحفظ الجسور .
وفيها حضر رسل صاحب سنجار ، ورسل صاحب قيسارية ، ورسل صاحب بتكريت بهداياهم ، وتضمنت كتبهم سؤال السلطان أن يكونوا تحت حكمه ويخطبوا باسمه ، فاجيب سؤالهم وكتب لهم بذلك تقاليد ، وخلع على رسلهم .
وفيها قبض على سعد الدين بن البقري ناظر الخاص ، وذلك في تاسع رمضان ، واتفق أنه كان في بيته عرس بعض بناته ، وقد تجمع عندهم النساء بالحلي والحلل ، فأحيط بهم ، ولم يسمع بمثل كائنته ، ونهب جميع ما عنده ، وأهين هو وضرب بالمقارع بحضرة السلطان ، وباع موجوده إلى أن بلغ ما حمل من منزله ثلاثمائة ألف دينار وأمر السلطان الوزير أن يباشر نظر الخاص فامتنع وأصر ، فاستقر في نظر الخاص أبو الفرج موفق الدينالذي تقدم ذكر إسلامه قريبا ، ثم أعيد الضرب على ابن البقري في ذي القعدة فضرب تحت رجليه ثلاثمائة عصى وعلى ظهره مقترح مثلها وعلى إسته مثلها ، وصار من شدة الضرب يمرغ وجهه في الحصباء إلى أن أثر ذلك في وجهه أثرا لم يزل إلى أن مات بعيد دهر طويل وأثر ذلك ظاهر فيه .
وفي رجب جدد للمحمل ثوب أطلس معدني وصبغ وعمل عليه رنك السلطان ، وذلك بعناية الخليلي ، وفيه دخل السلطان المارستان المنصوري بين القصرين وعاد المرضى وسأل عن أحواهم .
وفي شوال أطلق إبراهيم بن قطلقتمر فأرسله السلطان إلى والده ، وشفع سودون في الخليفة ففك قيده ، ثم في ذي الحجة أسطن في بيت الخليلي بالقلعة ، وأذن لعياله في الاجتماع به .
وفي رمضان أمر السلطان بإطلاق من في الحبوس من اهل الديون وقام جركس الخليلي في المصالحة بينهم .
وفي صفر ولي مسعود قضاء حلب ، وعزل ابن أبي الرضا ، فباشر خمسة أشهر ثم رافعوه ، فعزل وحبس بالقلعة .وفيها استقر برهان الدين بن جماعة في قضاء الشام بعد موت ولي الدين بن أبي البقاء ، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أنه استقر فيه مع وظائفه التي بالقدس فاستناب فيها وباشر القضاء بدمشق بعظمة ورئاسة ، واشترى بها بستانا بالمزة ، وصرف على عمارته مالا كثيرا ، ووقع بينه وبين إينال اليوسفي فانتصر البرهان انتهى . وذكر لي غيره أن البرهان كان حضر من القدس إلى دمشق ثم رجع فوصل كتاب السلطان إلى نائب الشام بيدمر يذكر فيه أنه يعرض منصب القضاء على البرهان فإن أجاب ألبس الخلعة التي صحبة البريدي ، فأرسل إليه بيدمر البريدي فرجع من مرحلتين وعرض عليه ذلك فأجاب وقال لو ولاني السلطان قضاء قرية لقبلتها ، وكان سبب ذلك ما تقدم من الإشاعة عنه التي أوجبت عزله أنه لا يوافق على تولية برقوق السلطنة ، فألبسه بيدمر الخلعة واستأذنه في التوجه للقدس فأذن له فتوجه مسرعا وخطب بهم خطبة وداع ورجع هو وأهله فأقام بدمشق إلى أن مات ، ويقال إنه لم يجد في المودع الحكمي شيئا فما زال بحسن سياسته ونزاهته وعفته إلى أنامتلأ ووجد فيه لما مات جملة من الأموال النقد وغيره .
وفيها اشترى السلطان أيتمش البجاسي من ورثة جرجي أستادار بجاس ، وذلك أن أستاذه بجاس مات قبل أن يعتقه واستحق ميراثه ورثة أستاذه جرجي فصار أيتمش مرقوقا لهم ، فسأل السلطان في شراه منهم فاشتراه منهم بمائة ألف درهم ، ثم أعتقه وأمر له بأربعمائة ألف درهم وعد ذلك من الغرائب فإن جرجي مات سنة اثنتين وسبعين ، فأقام أيتمش سبع عشرة سنة في الرق يتصرف الأحرار إلى أن صار أكبر الأمراء بالديار المصرية .
وفيها فوض أمر نقابة الأشرف والنظر عليهم لعبد الرحيمالطباطي ، وكان القاضي الشافعي قبل ذلك ينظر فيه .
وفيها خرج سعد الدين بن أبي الغيث صاحب ينبع على ركب المغاربة بوادي العقيق وطلب منهم مالا ، فتكاثروا عليه وقيدوه ، فقام العرب الذين كانوا معه فقاتلوهم فقلت بينهم مقتلة عظيمة ، ثم جاء التكرور فساعدوا المغاربة فكثرت القتلى ، ونهبت من المغاربة والتكرور أموال عظيمة ، فبلغ ذلك بهادر أمير المحمل فقام في لم شعث هذه القضية وتسكين هذه الفتنة إلى أن هدأت .
وفيها خرج زامل النووي على ركب العراق في ثمانية آلاف نفس فنهبهم ومنعهم من التوجه إلى مكة حتى جبوا له عشرين ألف دينار عراقية .
وانسلخت هذه السنة ومضت في غاية الرخاء حتى بيع اللحم الضأني السليخ بثمانين درهما القنطار ، والبقري بخمسين درهما القنطار ، والسمن بستة عشر القنطار ، والقمح من ثمانية إلى خمسة عشر الإردب ، والشعير من ستة إلى ثمانية الإردب .
وفيها وقع بين نعير بن حيار بن مهنا وابن عمه عثمان بن قارافتنة ، فساعد يلبغا الناصري عثمان فكسر نعير ونهبت أمواله حتى قيل إن جملة ما نهب له ثلاثون ألف بعير .
وفيها سار يلبغا الناصري بالعساكر الحلبية وبعض الشامية إلى جهة التركمان فنازلوا أحمد بن رمضان التركماني فتواقعوا عند الجسر على الفرات ، فانكسر التركمان وأسر إبراهيم بن رمضان وابنه راشد ، فوسطهم يلبغا الناصري ، ثم تجمع التركمان وواقعوا الناصري عند أذنة فانكسر العسكر وقلعت عين الناصري وجرح ، ثم تراجع العسكر ولم يفقد منه إلا العدد اليسير فطردوا التركمان إلى أن كسروهم ، فغدر التركمانبنائب حماة وبيتوه ، فانهزم ، ثم ركب يلبغا الناصري فهزمهم .
وفيها حضر نصراني القاضي ولي الدبن بن أبي البقاء بدمشق فاعترف بأنه أسلم ثم ارتد وسأله بأن يضرب عنقه ، فهم بذلك ، فلما رأى القتل أسلم ، ثم ارتد فحمل إلى المالكي فضرب عنقه بدمشق في صفر .
وفيها قبض على بيدمر نائب الشام وحبس بصفد ، وفيه يقول الشاعر :
نائب الشام قد نفى
صفدا بعد ما اجتهد
والشيطان لم تزل
بعد شعبان في صفد
وفيها مات سيف الدين الحبى صاحب جزيرة ابن عمر في رجب ، واستقر بعده أخوه عز الدين أحمد ، وعلي طنزة ولده عبد الله بن سيف الدين وعلي فيل ولده أبو بكر .وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالزرقية ، وأعانه على ذلك جمع من النجمية وغيرهم .
وفيات سنة 785
ذكر من مات في سنة خمس وثمانين وسبعمائة من الأكابر
إبراهيم بن خضر بن عبد الله المقدسي ثم الدمشقي ، برهان الدين ، كان مؤذنا ببيت المقدس ، ثم قدم دمشق ، وأخذ عن الشيخ صدر الدين بن منصور ، وصحب إسندمر نائب الشام ، فلما مات ابن الربوة ولاه خطابة جامع يلبغا لأنه كان الناظر عليه لكونه أخا الواقف ، ثم نزل عنه لولده تقي الدين فنازعه شمس الدين الكفري ثم اشتركا وانفرد المقدسي بالإمامة إلى أن مات ، وكانت وفاة إبراهيم برهان الدين في سادس عشر ذي القعدة .
إبراهيم بن رمضان التركماني ، كان مقدما على العساكر لما واقعهمعسكر حلب مع يلبغا الناصري كما مضى في الحوادث ، وكان من تحت يد أخيه أحمد بن رمضان في ثالث العشرين من ذي الحجة .
إبراهيم بن عبد الله ، المعروف بابن الفار بالفاء وبتشديد الراء الكركي ، كان من الزهاد العباد حسن الآداب ، صحبه ناصر الدين بن الغرابيلي ولم يزل معه حتى مات في هذه السنة .
إبراهيم بن علي الصرخدي ، برهان الدين ، ناب في الحكم بحلب ثم دمشق ، ومات في رمضان .
أحمد بن عبد الله التهامي ، شهاب الدين ، قاضي الشرع بزبيد ، قضى بها نيفا وخمسين سنة ، ومات في جمادى الآخرة .
أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بنمحمد بن عبد الله الكلبي ، أبو بكر بن جزي ، أجاز له أبو عبد الله بن رشيد وابن ربيع وابن برطال ومن مصر الحجار وابن جماعة ، وسمع من الوادياشي وابن الزيات وأبي عبد الله بن سالم وأبي بكر بن مسعود وغيرهم ، وكان عالما بالفقه والفرائض والعربية والنظم ، وشرح الألفية وغيرها ، وولي الخطابة بغرناطة والقضاء بها ، ونظمه سائر كأبيه .
أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي ، شهاب الدين الحنفي ، المعروف بابن خضر ، ولد سنة ست وسبعمائة ، كان يدري الفقه والأصول ، ودرس بأماكن ، وسمع من عيسى المطعم والحجار وغيرهما ،وكان فاضلا ، حدث بدمشق ، ومات بها في رابع عشر رجب عن ثمانين سنة بنقص يسير ، وكان جلدا قويا ، ولي إفتاء دار العدل بدمشق وهو أول من وليه ، وشرح الدرر للقونوي في مجلدات .
أحمد بن بحي بن مخلوف بن مري بن فضل الله بن سعد بن ساعد ، شهاب الدين الأعرج السعدي ، اشتغل بالعلم ، وتعاني الأدب ونظم الشعر وهو صغير ، وأدب الأطفال ، ومن الاتفاق الذي وقع أنه أنشد لما ماتت أم الأشرف وهي إذ ذاك زوج الجاي اليوسفي : ماتت أم الأشرف :
فالله يرحمها ويعظم أجره
ويكون في عاشور موت اليوسفي
فاتفق أن كان ذلك في سنة ست وسبعين ، وهو القائل :
وكيف يروم الرزق في مصر عاقل و
من دونه الأتراك بالسيف والترس
وقد جمعته القبط من كل وجهة
لأنفسهم بالربع والثمن والخمسفللترك والسلطان ثلث خراجها
وللقبط نصف والخلائق في السدس
وله في علم الدين صالح لما مات :
على كل ميت إذ يموت نوادب
وما ثم من يبكي على موت صالح
فإن جميع الناس سروا بموته
سرور ثمود يوم ناقة صالح
أرغون دوادار طشتمر ، مات بحمص .
إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي ، المحدث الفاضل ، ولد سنة عشرين ، وسمع من القطب اليونينيوطائفةوعني بالحديث ورحل في طلبه إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وقرأ بنفسه ، وكتب الكثير ، ونظم النهاية لابن الأثير في غريب الحديث ، ونظم طبقات الحفاظ للذهبي وخرج ، وألقى المواعيد وحدث ، وتخرج به جماعة ، ومات في العشر الآخر من شوال .
أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، حضرت على عيسى المطعم وغيره ، وسمعت من الحجار وجماعة وحدثت .
أيدمر بن صديق الخطائي ، عز الدين ، أخو طغيتمر النظامي ، كان أحد الأمراء الكبار بالقاهرة ، مات مجردا بالقاهرة .
بلاط الصغير ، أحد أكابر الأمراء بطرابلس ، مات في جمادى الأولى .تمرباي بن عبد الله التركي الحسني ، نائب صفد ، كان أحد الأمراء الكبار بالقاهرة ، تقدم عند الأشرف ، وتنقل في الولايات والنيابات ، قال ابن حجي : كان شابا ، عنده شهامة ، ومات وهو نائب صفد بغتة .
حسن بن منصور بن ناصر ، بدر الدين الزرعي ، ناب في الحكم عن تاج الدين السبكي ومن بعده ، وكان أبوه قاضي نابلس فأرسله إلى القدس ليشتغل فأخذ عن تقي الدين القلقشندي وغيره ، ثم تنبه ، وولي القضاء في بعض البلاد ، ثم استوطن دمشق ، وناب في الحكم ، وكان عنده تصميم وقوة نفس بحيث كان يعزل نفسه أحيانا ، وباشر الأوقاف مباشرة حسنة ، وعين مرة لقضاء حلب ، مات في صفر .
حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر ، قطب الدين الدهقلي الشيرازي ، نزيل دمشق ، سمع الكثير ، واسمع أولاده ، وكتب الطباق بخطه ، أخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم ، ثم سكن الهند ، ثم مات غريقا ، وهو والدشيخنا عبد الرحمن .
زينب بنت العماد محمد بن الضياء محمد بن علي البالسي ، سمعت من أبيها سنة ثمان وسبعمائة ، وكانت تذكر أنها سمعت من عمتها ست الخطباء ، ماتت في صفر وقد جاوزت الثمانين .
سليمان بن أحمد الكناني العسقلاني ، علم الدين الحنبلي ، اشتغل بالعلم وبرع في المذهب فافتى ودرس ، وصاهر موفق الدين وناب عنه إلى أن صار كبير النواب ، مات في جمادى الآخرة .
عائشة بنت الحسن بن علي الدمشقية ، ولدت بعد العشرين ، وسمعت بإفادة ولدها العلامة شمس الدين بن الجزري من أصحاب الفخر ، وماتت في ربيع الآخر من هذه السنة .
عبد الله بن أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي ، ولي الدين ، أبو ذربن بهاء الدين ، ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة ، واحضر على يحيى بن فضل الله ومحمد بن غالي وأبي نعيم الاسعردي وغيرهم ، ثم سمع بدمشق من الجزري والمزي وبنت الكمال وغيرهم ، واشتغل بالعلم ، ومهر في الآداب ، وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق وعن تاج الدين السبكي ، ثم استقل بالقضاء بعد أبيه ، وكان ينظم جيدا ويحفظ الحاوي ويذاكر به ويدرس منه ، وكان يدرس في الكشاف ، وله مشاركة جيدة في العربية ، وكان قد باشر توقيع الدست ، وحج سنة ثلاث وخمسين وسنة ثلاث وستين ، وكان جيد الفهم ، فطنا ، عارفا بالأمور ، كثير المداراة ، لين العريكة ، بعيدا من الشر ، صبورا على الأذى ، وكان كثير الإحسان للفقراء سرا ، قال ابن حجي رحمه الله : كان أديبا بارعا له نظم وقصائد طنانة وبلغني أن له ديوانا ، وكان يحفظ الحاوي الصغير ويذاكر به ويدرس منه ، وله مشاركة في العربية ، ومات في شوال وله خمسون سنة وزيادة ، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه : كان فاضلا عارفا بدنياه منتصرا لأصحابه .
عبد الله بن محمد نجم الدين أبي الرضا ، ابن أخت القاضي برهان الدينبن جماعة ، يقال : مات مسحورا في جمادى الآخرة .
عثمان بن أحمد الرصدي ، فخر الدين ، رئيس المؤذنين بجامع طولون ، أخذ عن ناصر الدين بن سمعون وصاهره ، واشتهر بمعرفة الميقات ، مات في جمادى الأولى .
عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني ، فخر الدين ، سمع من الحجار واشتغل بالفقه وقتا على التاج المراكشي ، وسمع من ابن الرضي وبنت الكمال ، وحفظ التسهيل ، وحدث وأفاد ، ومات في رجب .
علي بن محمد بن عبد المنعم الحنبلي ، سبط عبد الرحمن بن صومع ، نقيب السبع مات في ربيع الأول .
علي بن محمد العقبي ، رئيس المؤذنين بدمشق ، مات في جمادى الأولى .
قرط بن عمير الكاشف ، تقدم في الحوادث .قطلوبغا الكوكائي ، أحد المقدمين من الأمراء ، مات وهو صاحب الحجاب بالقاهرة في المحرم .
محمد بن أحمد بن صفر ، شمس الدين الغساني ، قاضي الأقضية بزبيد وليها في زمن المجاهد واستمر بضعا وثلاثين سنة .
محمد بن أحمد بن عثمان التشتري ثم المدني ، شمس الدين ، سمع الشفاء على محمد بن محمد بن حريث وتفرد عنه به ، مات في شعبان ، وله خمسوسبعون سنة .
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزي الصحراوي ، المعروف بابن قطليشا ، ولد سنة أربع عشرة ، وسمع من ابن الشيرازي وغيره ، وكان يشهد قسم الغلات بالمزة وحدث ، مات في جمادى الأولى عن ثلاث وسبعين سنة ، روى عنه الياسوفي وابن حجي وابن الشرائحي وآخرون .
محمد بن أحمد بن محمد بن علي ، تاج الدين الخروبي ، أحد التجار الكبار بمصر ، وهو صاحب المدرسة بجوار بيته بشاطئ النيل بالشون ، مات مجاورا بمكة في أواخر المحرم .
محمد بن أزبك الفاف ، أحد الأمراء ، مات بالقاهرة .
محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني ، سمع من أبي عبد الله القصري وتلا عليه بالسبع ، وناب في الخطابة بالمدينة ، وكان خيرا ، مات في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة .محمد بن عبيد بن داود بم أحمد بن يوسف ، شمس الدين المرادي الحنبلي ، كان ذا عناية بالفرائض ، وقرأ الفقه ، ولازم ابن مفلح حتى فضل ، ودرس ، قال ابن حجي : كان يحفظ فروعا كثيرة وغرائب ، وله ميل إلى الشافعية ، وكان بشع الشكل جدا ، مات في ذي القعدة .
محمد بن علي القيسري أحد المعيدي بالبادرائية وله نظم ركيك ، وكان يخضب بالسواد ، مات في صفر .
محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصالحي المنبجي ، كان من فضلاء الحنابلة ، سمع الحديث ، وحفظ المقنع ، وأفتى ودرس ، وكان يتكسب من حانوت له ، على طريق السلف مع الدين والتقشف والتعبد ، مات في رمضان ، وهو صاحب الجزء المشهور في الطاعون ، ذكر فيه فوائد كثيرةعمله في سنة أربع وستين .
محمد البهنسي ، الصاحب شمس الدين ، ناظر الجامع الأموي ، مات في ربيع الأول ، وكان فاضلا ، له نظم حسن ، وكان محمودا في مباشرته ، وولي نظر المارستان ، وكان له شرف نفس ، يلزم بيته إذا عزل فاتفق موته وهو معزول ، وكان بيدمر يكرهه فإذا ولي النيابة عزله .
محمود بن الصفدي الغرابي نسبة إلى غرابة بفتح المعجمة وتشديد الراء ثم موحدة من قري صفد الشافعي ، اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدين المراكشي والفخر المصري ، وفضل ، وتنزل بالمدارس بدمشق ثم رجع إلى صفد فأقام بها يدرس إلى أن مات بها في صفر .
موسى بن محمد بن محمد بن الشهاب محمود ، شرف الدين ، أبو البركاتبن بدر الدين بن شمس الدين بن شهاب الدين ، أحد الفضلاء في الأدب والكتابة ، مات بالرملة عن ثلاث وأربعين سنة ، كتب الإنشاء بحلب وفاق في حسن الخط والنثر والنظم ، وناب في الحكم ، وهو القائل وكتبهما على مجموع :
ومجموع كعقد الدر نظما
على تفضيله الإجماع يعقد
يطابق كل معنى فيه حسنا
فمجموعا تراه وهو مفرد
يوسف بن أحمد بن ذبيان بن أبي الحسن البعلي ، جمال الدين ، التاجر ، المعروف بابن طسان ، كان أحد التجار المياسير ، وله إحسان وإفضال ومال ، ولا يشدد في تقاضي ماله من الدين ، ويتصدق ، مات في شعبان وله بضع وستون سنة .
يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري ،العطار ، جمال الدين الرسام ، سمع من ابن الجزري والمزي وحدث ، مات في المحرم .
أمين الدين عبد الله القبطي ، مستوفي المرتجع ، يعرف بجعيص ، مات في المحرم .
حوادث سنة 786
سنة ست وثمانين وسبعمائة
في أول يوم الجمعة دخل برهان الدين بن جماعة دمشق قاضيا وكان ولي في ذي القعدة سنة خمس بعد موت ولي الدين بن أبي البقاء ، فخرج نائب الشام لتلقيه إلى خان العقبة ، وهو شيء لم يعهد منذ دهر ، ثم لبس الخلعة ، ومدحه فتح الدين بن الشهيد بقصيدة قرأت عليه ، ومدح بعده بعدة قصائد .
وفيها قدم زكي الدين الخروبي من المجاورة فأهدى للسلطان هدايا جليلة ولغيره من الأمراء ، ووقع بينه وبين شهاب الدين الفارقي أحدأعيان التجار اليمنيين وهو أخو شرف الدين وزير صاحب اليمن فترافعا إلى السلطان فنسب الفارقي زكي الدين إلى أمور معضلة فأخرج الخروبي كتاب الأشرف صاحب اليمن إليه وضمنه كتاب من الفارقي يقول فيه : إن مصر آل أمرها إلى الفساد وليس بها صاحب له قيمه فلا ترسل بعد هذه السنة هدية فإن سلطانها اليوم أقل المماليك وأرذلهم فأمر السلطان بالقبض على الفارقي وقطع لسانه فتسلمه شاد الدواوين وصودر ثم شفع في لسانه فأطلق ولم يلبث بعد ذلك أن عمي ، وخلع على زكي الدين خلعة معظمة واستقر كبير التجار .
وفيها خرج موسى بن أبي عنان المريني على أبي العباس بن أبي سالم ، وكان أبو العباس قد حصر أبا حمو بتلمسان وخرب قصورها فسار عنها فرجع إليها أبو حمو فتنكر له ابنه أبو تاشفين فخرج أبو حمو ليصلح الأعمال فجاهره أبو تاشفين بالعصيان وقبض عليه بتلمسان وسجنه وأخذ ماله واعتقله بوهران .
وفيها قدم بيدمر نائب الشام غلى القاهرة فأكرمه السلطان وقبلمنه هديته وتقدمته ورده إلى نيابته مكرما .
وفيها في ربيع الأول ضعف الطنبغا الجوباني أحد الأمراء الكبار فعاده السلطان في بيته .
وفيها شغر منصب القضاء للحنفية بموت صدر الدين بن منصور أكثر من أربعين يوما ، وسعى فيه جماعة من النواب إلى أن ترجع أمر شمس الدين الطرابلسي بعناية أوحد الدين فاستقر بعد أن عرض المنصب مرة ثالثة على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع كعادته .
وفيها عاد برهان الدين الدمياطي من الرسيلة إلى الحبشة ، وكان قد حصل له من صاحبها اخراق بسبب فساد حصل منه هناك ثم طرده من بلاده .
وفيها راجع السلطان ناظر الجيش تقي الدين عبد الرحمن بنمحب الدين في شيء فأجابه فغضب منه فأمر بضربه فبطح فضرب بين يديه نحو ثلاثمائة عصاه فحمل إلى منزله مريضا فأقام ثلاثة أيام ومات ، واستقر في نظر الجيش موفق الدين الذي أسلم قريبا مضافا لنظر الخاص .
وفيها توجه شهاب الدين الطيلوني لعمارة البرجين بدمياط .
وفيها وقع في دمشق سيل عظيم ، ذكروا أنهم لم يشاهدوه مثله .
وفيها ولي بدر الدين بن منهال صهر الشيخ سراج الدين البلقيني زوج ابنته نظر المواريث فباشره أحد عشر يوما وعزل .
وفيها اعتنى الطنبغا الجوباني بالشيخ ولي الدين بن خلدون إلى أن استقر في قضاء المالكية عوضا عن جمال الدين بن خير في جمادى الآخرة ، وكان قدم قبل ذلك في السنة التي مضت ليحج فلم يتهيأ له في تلك السنة ، فأقام وتعرف بالجوباني فراج عليه وجمعه على السلطان ، فقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنه باشر بقوة وشدة وخروج عن العادة ، وعاند الخليلي وغيره من الأكابر فلم تطل مدته .وفيها نزل بدمشق سيل عظيم وفيها هدمت قبة القاهرة .
وفيها وقع بين الشيخ أكمل الدين وبين الشيخ شمس الدين الركراكي منازعة في الشيخونية فعزله من الدرس ، فتشفع إليه بالأمراء فامتنع فتوصل إلى أن تشفع عنده بالسلطان فراسل أكمل الدين في ذلك فلم يجب ، فتغير خاطر السلطان على الشيخ أكمل الدين وشكى منه لجلسائه ، فبلغ ذلك الشيخ أكمل الدين فطلع إلى القلعة يوم الجمعة وصلى معالسلطان وشكى إليه صورة الحال وأنه لم يرد رسالته إلا لما يترتب على ذلك من بهدلته عند أهل الخانقاه وتدخل عليه إلى أن أرضاه واستمر عزل الركراكي ، واستقر تاج الدين بهرام في تدريس المالكية عوضه ، ثم لم يلبث أكمل الدين أن مات في رمضان فعاد الركراكي إلى وظيفته ، واستقر عز العرب الفزاري في مشيخته الشيخونية نقلا من البيبرسية ، واستقر في مشيخة البيبرسية عوضه شرف الدين عثمان الكرادي المعروف بالأشقر إمام السلطان .وفيها توجه سودون النائب وبعض القضاة إلى الكنيسة المغلقة بمصر فهدموا منها أماكن جددها النصارى .
وفي شهر رجب ابتدئ بعمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين ، واستقر جركس الخليلي شاد العمائر بها ، وأسست في المكان الذي كانخان الزكاة وهدم في سنة ثلاث وثماني وسبعمائة فلما تكامل شيل التراب شرع في العمارة .
وفيها ورد كتاب من نائب حلب يخبر فيه أن القضاة الأربعة بحلب تخاصموا في شيء فآل أمرهم إلى المماسكة بالذقون ، ثم وردت منهم أربعة محاضر من كل قاض محضر يتضمن فسق البقية ، فقال الظاهر : لا يحل تولية الفساق ، وأمر بعزل الأربعة .
وفي رمضان بعد موت أكمل الدين الدعى على برهان الدين الدمياطي عند ابن خلدون وأنه قال : لا رحم الله أكمل الدين فعزره بالحبس ، ورفع عند ابن خلدون على تاج الدين بن الطريف وعز الدين الطيبي أنهما أعانا على بيع وقف بأن محيا الكتابة من المكتوب وقدما تاريخ الإجازة ، فلما ثبت ذلك عنده عليهما عزرهما ومنعها من التوقيع ، وفي كائنة الطيبي يقول ابن العطار :سمر الطيبي بتزويره
وظن ابن خلدون لم يرقب
وما ساقه الله إلا لأن
يميز الخبيث من الطيب
وفيها وصلت مركب من المغرب فيها ولد ابن خلدون وعياله وهدية من صاحب المغرب ورسول صاحب مصر المجهز لذلك بسبب ابن خلدون ، فلما وصلت المركب إلى المينا غرقت وغرق أكثر من كان فيها وغرق مسعود رسول صاحب مصر الذي كان توجه إحضارهم ، وسلم عبد الله الساسي رسول صاحب المغرب وولدا ابن خلدون وهما محمد وعلي وغرق للقاضي خمس بنات ، وبقي من الهدية فرس وبغلة وشيء يسير جدا .
وفيها عاد بدر الدين بن فضل الله إلى كتابة السر بعد موتأوحد الدين وفيها مات بهادر أمير الركب فدفن بعيون القصب في قبة ، فأرسل السلطان ابن أخيه أبو بكر بن سنقر أميرا على الحج فأدركهم بمكة وحج بهم .
وفيها قدمت رسل طقتمش خان ابن أزبك سلطان الدشت ، واسم كبيرهم جسن بن رمضان ، وكان أبوه نائب القرم ، أرسل بهم صاحب القرم ومعهم هدية ، فقبلت وأرسلت أجوبتهم .
وفيها أوقع العادل صاحب حصن كيفا بالزرقية فصالحوه على ترك الغارة وقطع الطريق .وفيها راسل قرا محمد من الموصل يخطب بنت القاهر صاحب ماردين ، فامتنع فتجهز بعساكر التركمان لقصد ماردين ، فاستنجد صاحب ماردين بصاحب الحصن فأنجده بأخيه الصالح المخلوع وأمره أن يشير على صاحب ماردين بالمداراة مع قرا محمد جهد الطاقة ، فبلغه ذلك فامتنع وأرسل من فضل من العساكر فأوقع بهم قرا محمد فهزمه أمير العسكر من قبل صاحب ماردين واسمه فياض ، ثم وقع الصلح على أنه يزوج أخت صاحب ماردين وهودن مع ذلك بمال جزيل ورحل عنهم
وفيات سنة 786
ذكر من مات في سنة ست وثمانين وسبعمائة
إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي ، المعروف بالحارمي ، عرف بذلك لكونه ولي قضاءها ، اشتغل كثيرا وناب في الحكم عنابن أبي البقاء ، قال ابن حجي : كانت عنده فضيلة ويستحضر الحاوي الصغير وناب في عدة بلاد ، مات في ذي القعدة .
إبراهيم بن عيسى الحلبي ، أحد فقهاء الشافعية ، كان معيدا بالبادرائية وبذلك اشتهر ، قال ابن حجي : كان على سمت السلف سليم الفطرة ، وخطه ضعيف لكنه ألف كثيرا ، ووقف كتبه ، ومات في رمضان بطرابلس .
أحمد بن محمد بن محمد القيسي ، شهاب الدين ، ناظر المواريث وغيرها ، مات في رجب .
أحمد بن محمد المدني ، شهاب الدين ، طلب الحديث وحصل الأجزاء وكتب الطباق ، واستقر أحد أئمة القصر بالقلعة .إسماعيل بن محمد بن بردس ، تحول من سنة خمس وثمانين .
بهادر بن عبد الله الجمالي ، المعروف بالمشرف ، كان للناصر الكبير ، فتنقلت به الأحوال إلى أن أمر طبلخانات في سلطنة الناصر حسن ، ثم تقدم في سلطنة الأشرف ، واستقر أمير الحاج من سنة ثمان وسبعين إلى هذه الغاية وصارت له معرفة قوية بالطرقات وأهلها .
حسن بن محمد بن عبد القادر بن الحافظ أبي الحسن علي بن محمد اليونيني ، سمع وحدث ، ومات في ربيع الأول ببلده .
رضوان بن عبد الله الرومي ، شيخ الرباط بالمدرسة الركنية بيبرس مات في ذي الحجة ، واستقر ولده علي في المشيخة بعناية السلطان ، فراجعه شيخ الخانقاه شرف الدين بن الأشقر بأنه صغير لا يصلح ، فأمر بعرضه عليه فلما رآه أعرض عنه فقرره صوفيا واستقر غيره في مشيخة الرباط .سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن تمام بن محمد الطائي ، أبو الربيع ، علم الدين البساطي المالكي ، كان في ابتداء أمره عريفا بمكتب السبيل ، موقع طشتمر حمص أخضر بحدره البقر ، ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصالح ، ثم استقل بالقضاء ، وكان يدعى أنه يجتمع بالخضر وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها ، وكان أصله من شبرابسيون من الغربية ، ونزل عمه عثمان بساط وأخوه خالد في كفالته فولد له سليمان بها ، ثم قدم القاهرة ، واشتغل وتمهر ، وناب عن الأخناي ، ثم سعى على بدر الدين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف حتى استقل بالقضاء في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وكان متقشفا ، مطرح التكلف واستمرعلى ذلك ، وكان طعامه مبذولا لكل من دخل عليه ، فصرف بعد ثمانين يوما بالبدر الأخنائي ثم أعيد في رجب سنة تسع وسبعين واشتد في أمره ، وعاند ابن جماعة والآكمل فتمالآ عليه حتى صرف في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين فلزم داره حتى مات في سادس عشر صفر .
شيخ علي شاه زاد بن أويس بن حسن بن حسين بن آقبغا ، كان من جملة الأمراء ، فلما قتل أحمد بن أويس أخاه حسنا في سنة أربع وثمانين قبض على أمراء الدولة فقتلهم وأقام أولادهم في وظائفهم ، فنفرت منه قلوب الرعية وتمالؤا عليه وأقاموا أخاه هذا سلطانا وتوجهوا به من بغداد إلى تبريز فالتقاهم بمن معه ومعه قرا محمد بن بيرمخوجا صاحب الموصل وهو صهره كانت بنته تحت أحمد فالتقى بمقدمة القوم فراسله خضر شاه بن سليمان شاه الأسلاي وكان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه وأصيب شاه زاد بسهم فحمل إلى أخيه أحمد وبه رمق فمات .
طشتمر بن عبد الله الدوادار ، مات بالقدس بطالا .
طقج المحمدي أحد الأمراء المقدمين بالقاهرة ، ثم نقل إلى دمشق فمات بها .
عبد الله بن الحاجب بيبرس ، تقدم بالقاهرة في دولة أينبك ، وكان خيرا متواضعا ، وكان ولي كشف الجسور فأنكر عليه السلطان أمرافكتب إليه كتابا يتهدده فيه ، فخاف وغلب عليه الخوف فمرض ومات في جمادى الأولى .
عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التيمي الحلبي الأصل ، تقي الدين بن محب الدين ، ناظر الجيش ، ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة ، واشتغل بالعلم ، ثم باشر كتابة الدست في حياة أبيه ، وتقدم في معرفة الفن ، وصنف فيه تصنيفا لطيفا ، عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية ، وكانت له عناية بالعلم ، وسمع الشفاء على الدلاصي وغيره ، ثم ولي نظر الجيش استقلالا بعد أبيه ، ومات في حادي عشر جمادى الأولى .
عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن الترجمان عماد الدين الحلبي ،سمع حضورا على العز إبراهيم ابن صالح بن العجمي في الثانية من أول عشرة الحداد إلى ترجمة أبي المكارم سنة 31 ، وسمع وهو كبير على غيره ، وكان ذا ثروة ، وبنى مكتبا للأيتام ووقف عليه وقفا ، سمع منه الشيخ برهان الدين المحدث ، ومات يوم عيد الفطر سنة ست وثمانين .
عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي حفص الأفريقي ثم المصري ، أوحد الدين ، سبط القاضي كمال الدين بن التركماني ، اشتغل على مذهب الحنفية قليلا ، وباشر توقيع الحكم ، ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمر ، والسبب في معرفته به أن شخصا يقال له يونس كان أمير طبلخانات في حياة الأشرف مات وكان أوحد الدين شاهد ديوانه فادعى برقوق أنه ابن عمه عصبته فساعده أوحد الدين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولىيونس الميت المذكور أعطى أوحد الدين منها ثلاثة آلاف درهما وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسون مثقالا ذهبا فامتنع من أخذها واعتذر أنه ما ساعده إلا لله تعالى ، فحسن اعتقاد برقوق فيه ، فلما صار أمير طبلخانات استخدمه شاهد ديوانه ، ثم لما تأمر جعله موقعا عنده فاستمر في خدمته وبالغ في نصحه . واستقر موقع الدست مع ذلك إلى أ ، تسلطن فصيره كاتب سره وعزل بدر الدين بن فضل الله فباشرها أوحد الدين مباشرة حسنة مع حسن الخلق وكثرة السكون وجمال الهيئة وحسن الصورة والمعرفة التامة بالأمور ، وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمرا عجيبا لكن لم تطل مدته بل تعلل وضعف ثم اشتد به الأمر حتى ذهبت عنه شهوة الطعام وابتلي بالقيء فصار لا يستقر في بطنه شيء إلى أن مات في ذي الحجة ولم يكمل الأربعين .
علي بن أحمد الطيبرسي ، كان استادار خوند أم الأشرف ، وسئل في الإمرة مرارا فامتنع ، مات في شوال .علي العريان ، الشيخ علي ، أحد من كان يعتقد ويزوره الأمراء ، وللعوام فيه اعتقاد كبير ، وكان يركب الخيول ، وله طريقة ، مات في شوال .
قرابغا العلائي ، نسبة إلى الأمير علي المارديني ، ولي حجوبية دمشق مدة ونيابة الرحبة ، وحج بالناس سنة سبعين ، مات بدمشق في شعبان .
كافور بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهندي الطواشي ، عمر طويلا حتى زاد على الثمانين .
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسمبن عبد الله النويري نسبة إلى النويرة من عمل القاهرة المكي القاضي ، كمال الدين أبو الفضل ، كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب وسمع من عيسى بن عبد الله الحجي وجده لأمه القاضي نجم الدين الطبري والزبير بن علي وغيرهم ، ورحل إلى دمشق فسمع من المزي والجزري وغيرهم ، وبرع في الفقه وغيره ، وساد أهل زمانه ببلده ، وولي قضاء مكة ثلاثا وعشرين سنة إلى أن مات في شهر رجب وله أربع وستون سنة ، وحدث بالكثير ، ودرس وأفاد وأفتى ، وكان مشهورا بالعلم والذكاء ، سمعت خطبه وكلامه ، وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وعشرين ، وتفقه بالتقي السبكي والتاج المراكشي وولي الدين الملوي وابن النقيب ، وأخذ عن الجمال بن هشام في العربية ، وشارك في المعارف ، وناب عن الشهاب الطبري في الحكم بمكة ، ثم ولي الحكم بعد التقي الحرازي في سنة ثلاث وستين مع الخطابة ونظر الحرم ، ومات وهو متوجهإلى الطائف في ثالث عشر رجب فحمل إلى مكة فدفن بها ، وكان فصيح العبارة لسنا جيد الخطبة متواضعا محبا للفقراء ، قال ابن حجي : كان يستحضر فقها كثيرا ، وبلغني أنه كان يستحضر شرح مسلم للنووي ، قال : وخلف تركة وافرة ، وكان ينسب إلى كرم .
محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري ثم الصلتي ، شمس الدين ، ولي قضاء حمص أخيرا وكان اشتغل على أبيه بالصلت ، وكان مدرسا ثم درس بعد أبيه ثم قدم دمشق فسمع بها ، وكان لا يمل من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد ، وتنقل في قضاء البر ، ولخص ميدان الفرسان في قدر نصفه .محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله أمين الدين الأنفي ، بفتحات المالكي ، ولد سنة 713 وعني بالحديث وظهر له سماع من الحجار فحدث به وسمع من البندنيجي وأسماء بنت صصرى وغيرهما ، فطلبه بنفسه وكتب الكثير ، وسمع العالي والنازل ، وأخذ عن البرزالي والذهبي ، ونسخ كثيرا من مصنفاته وغيرها ، وولي قضاء حلب يسيرا ، وكان يفتي على مذهب مالك ، وناب في الحكم عن السلاي خمس سنين ، وولي مشيخة الحديث بالناصرية ومشيخة الخانقاه النجمية ، ثم ولي قضاء حلب في شوال سنة سبعوخمسين فأقام أربع سنين ، ثم رجع إلى دمشق فناب عن الماروني ، ثم ترك ، قال ابن حجي : كان حسن العشرة يقصده الناس لحسن محادثته ويطلبه الرؤساء لذلك ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه ، مات في شوال عن ثمانين سنة ، وقال الذهبي في المعجم المختص : كان يحفظ كثيرا من الفوائد الحديثة والأدبية .
محمد بن علي بن منصرو بن ناصر الدمشقي الحنفي ، ولد سنة سبع وسبعمائة أو قبلها ، أخذ عن أبيه والبرهان بن عبد الحق والنجم القحفازي وابنالفويرة ورضي الدين المنطقي وجلال الدين الرازي وعلاء الدين القونوي ، وسمع من الحجار والبندنيجي وغيرهما ، وحدث ودرس في أماكن ، وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ، ودرس بالصرغتمشية وغيرهل إلى أن مات في ربيع الأول ، وكان بارعا في الفقه ، صلبا في الحكم ، متواضعا ، لين الجانب .
محمد بن محمد بن محمود بن أحمد الرومي ، البابرتي أكمل الدين بن شمس الدين بن جمال الدين ، ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم ورحل إلى حلب ، فأنزله القاضي ناصر الدين بن العديمبالمدرسة الساوجية ، فأقام بها مدة ، ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين فأخذ عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأبي حيان ، وسمع من ابن عبد الهادي والدلاصي وغيرهما ، وصحب شيخون واختص به ، وقرره شيخا بالخانقاه التي أنشأها وفوض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة ، وكان قوي النفس عظيم الهمة ، مهابا ، عفيفا في المباشرة ، عمر أوقافها وزاد معاليمها ، وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع ، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول ، وصنف شرح مشارق الأنوار ، وشرح البزدوي والهداية وعمل تفسيرا حسنا وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح المنار والتلخيص وغير ذلك ، وما علمته حدث بشيء من مسموعاته ، وكانت رسالته لا تردمع حسن البشر والقيام مع من يقصده والإنصاف والتواضع والتلطف في المعاشرة والتنزه عن الدخول في المناصب الكبار ، بل كان أصحاب المناصب على بابه قائمين بأوامره مسرعين إلى قضاء مآربه ، وكان الظاهر يبالغ في تعظيمه حتى أنه إذا اجتاز به لا يزال راكبا واقفا على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق ، ولم يزل على ذلك إلى أن مات في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر رمضان ، وحضر السلطان فمن دونه جنازته ، وأراد السلطان حمل نعشه فمنعه الأمراء وحملها أيتمش ، وأحمد بن يلبغا وسودون النائب ونحوهم ، وتقدم في الصلاة عليه عز الدين الرازي ودفن بالخانقاه المذكورة .
محمد بن مكي العراقي عارفا بالأصول والعربية ، فقتل على الرفض ومذهب النصيرية في جمادى الأولى ، وقد تقدم ذكره في حوادث سنة إحدى وثمانين ، والله أعلم .محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشيخ شمس الدين نزيل بغداد ، ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة ، واشتغل بالعلم ، وأخذ عن والده بهاء الدين ، ثم حمل عن القاضي عضد الدين ولازمه اثنتي عشرة سنة ، وأخذ عن غيره ثم طاف البلاد فدخل مصر والشام والحجاز والعراق ، ثم استوطن بغداد ، وتصدى لنشر العلم بها ثلاثين سنة ، وكان مقبلا على شأنه معرضا عن أبناء الدنيا ، وقال ولده : كان متواضعا بارا لأهل العلم وسقط من علية فكان لا يمشي إلا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين ، قال ابن حجي : كان تصدى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة ، وصنف شرحا حافلا على المختصر وشرحا مشهورا على البخاري وغير ذلك ، وقد حج غير مرة ،وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة وذكر أنه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدين الفارقي وذكر لي الشيخ زين الدين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز ، وكان شريف النفس ، قانعا باليسير لا يتردد إلى أبناء الدنيا ، مقبلا على شانه ، بارا لأهل العلم ، ورأيت في الدعوات أو بعدها من شرحه للبخاري أنه انتهى في شرحه وهو بالطائف البلد المشهور بالحجاز ، كأنه لما كان مجاورا بمكة كان يبيض فيه وما أكمله إلا ببغداد ، وذكر لي ولده الشيخ تقي الدين يحيى أنه سمع عليه جميع شرحه ، ومات راجعا من مكة في سادس عشر المحرم بمنزلة تعرف بروض منها ، ونقل إلى بغداد فدفن بها ، وكان أعد لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وبنيت عليه قبة ، ومات عن سبعين سنة إلا سنة ، فإن مولده كان في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة .
محمود بن عبد الله الانطالي باللام ، شرف الدين الحنفي قدم دمشقفأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة ، ودرس بالعزية ، وتصدر بالجامع ، وكان من الصوفية البسطامية ، مات في رمضان ، وولي بعده المشيخة القاضي برهان الدين بن جماعة .
معيقل بن فضل بن مهنا أحد أمراء العرب من آل فضل .
موسى بن عبد الله تاج الدين ، ابن كاتب السعدي ، ولي نظر الخاص مرة أياما يسيرة .
يلو الشركسي العلاي نسبة إلى علاء الدين ألطنبغا الطويل كان من أتباعه ، فلما مات تأمر عشرة بمصر بواسطة قطلوبغا كوكاي ، لأنه كان أخا أبيه ، ثم ترقى إلى أن أعطى تقدمة ألف ، ثم تولى الحجوبية بدمشق ثم ناب في حماة ، ثم ولي نيابة صفد في أوائل هذه السنة فمات بها بعد ثلاثةأشهر في شهر رمضان .
يحيى بن الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاون .
تاج الدين ابن وزير بيته ناظر الإسكندرية ، مات بها في ربيع الآخر .
تاج الدين العزولي ، مستوفي الدولة ، مات في ربيع الأول .
هبة بنت أحمد بن محمد بن سالم بن صصرى ، ولدت سنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة وأحضرت على ست الوزراء في الثالثة من صحصح البخاري ، وحدثت ، ماتت في شهر رمضان
حوادث سنة 787
سنة سبع وثمانين وسبعمائة
فيها وصل رسل الأسكري صاحب إصطنبول ومعهم الهدايا يسأل أن يكون لهم قنصل بالإسكندرية كالبنادقة فأجيبوا إلى ذلك .
وفيها نفي بلوط الصرغتمشي نائب الإسكندرية إلى الكرك .
وفيها أمر السلطان أن لا يدخل أحد من الأمراء القصر إلا بمملوكواحد ويترك بقية الأتباع خارج القصر ، فامتثلوا ذلك .
وفيها ظهرت عمارة المدرسة الظاهرية .
وفي صفر وصل رسيل طقتمش خان ومعهم هدية جهزها تمرلنك مدبر المملكة ، وفيها : إنا نحب أن نكون أخوة كما كان أسلافنا مع أسلافكم .
وفيها أضيف نظر الخاص بدمشق إلى وزيرها ابن بشارة .
وفيها في شوال وصل مصر خجا التركماني أخو بيرم خجا عم قرا محمد التركماني طائعا ، وكان له الحكم من ماردين إلى الموصل ، وسأل السلطان أن يكون من جهته وأن ينضاف إليه ، فأجاب سؤاله ، ثم وصل سولى بن دلغادر التركماني إلى حلب ثم رجع هاربا .
وفي ربيع الآخر استقر نعير بن حيار في إمرة آل فضل عوضا عن عمه .وفيها اشترى الملك الظاهر منطاش بن عبد الله التركي من أولاد أستاذه وأعتقه ، وهو أخو تمرباي الحسني ، فما كان بين ذلك وبين أن خامر وأثار تلك الفتن إلا نحو ستين .
وفيها أنشأ الأمير الطنبغا الجوباني أغربة وشواني لغزو الفرنج في البحر الرومي ، واجتهد في عملهم وإصلاحهم ، وساروا إلى دمياط فوجدوا بساحلها غرابا للجنوية فكبسوا عليه وأسروا من فيه وقتل من الفرنج نحو العشرة وأسر منهم فوق الثلاثين نفسا فبذل ثلاثة منهم عن أنفسهم ثلاثمائة نفس قيمتها يومئذ خمسة عشر ألف دينار ، ووصلت الأغربة بالأسارى إلى بولاق في جمادى الآخرة فعرضوا على السلطان في ثاني يوم وصولهم .
وفي جمادى الأولى عزل ابن خلدون عن قضاء المالكية وأعيدبن خير ، فكانت ولاية ابن خلدون دون السنة .
وفي رجب كبس أولاد الكنز أسوان فقتلوا من وجدوه بها إلا القليل ، وهرب واليها إلى قوص ، فأمر السلطان حسين بن قرط على أسوان فتوجه إليها .
وفيها كان الطاعون بحلب فزادت عدة الموتى فيه على ألف نفس في كل يوم .
وفيها عزل يلبغا الناصري من حلب وأحضره إلى القاهرة ، فتلقاهبهادر المنجكي إلى بلبيس فقيده ووجهه إلى الإسكندرية فسجن بها ، وتوجه محمود شاد الدواوين إلى حلب للاحتياط على موجود يلبغا المذكور ، واستقر سودون المظفري في نيابة حماة وكان السبب في عزل يلبغا أن سولى بن قراجا بن دلغادر التركماني وهو أخو خليل صاحب الوقائع المشهورة حضر إلى حلب طائعا صحبة بعض البريدية فأنزله يلبغا عنده ، وكاتب السلطان في أمره فأرسل بإمساكه وتجهيزه إلى القاهرة مقيدا ، فقيد فأمسك وجعل في القلعة فحضر بريدي وعلى يده مطالعة إلى نائب القلعة بإطلاقه ولم يكن لذلك حقيقة فاغتر نائب القلعة وأطلقه فاجتمع بيلبغا وكان ذلك بتدبيره فأمره بالهرب ، ففر ليلا فأصبح يلبغا فأظهر إنكار ذلك ذلك ، وخرج بالعسكر في طلبه ، فساروا يوما في غير الطريق التي توجه فيها ، فلم يروا له أثرا ، فبلغ ذلك السلطان فاتهمه به ، وكان ما كان من عزله .
وفي شعبان زلزلت مصر والقاهرة زلزلة لطيفة ، وذلك في ليلةالثالث عشر منه .
وفيه أحضرت إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد ويدان فقط ومن تحت السرة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أثنى ورجلين ، فشاهدها الناس ، وأمر بدفنها .
وفي رمضان أمر عبيد البرددار مقدم الدولة أن يلبس بزي الترك ففعل ، ثم أذن له بعد فرجع إلى شلكه الأول في السنة التي تليها .
وفيها أمسك الجوباني ثم أطلق في آخر السنة وأعطي نيابة الكرك .
وفيها ثارت فتنة بين عبيد صاحب مكة وبين التجار ونهبوا منهم شيئا كثيرا .
وفيها استقر محب الدين بن الشحنة في قضاء حلب بعد موت جمال الدين إبراهيم بن العديم .وفيها وقع الغلاء بمصر إلى بلغ القمح بخمسين درهما كل أردب .
وفيها أمسك الناصري وحبس بالإسكندرية ، واستقر عوضه بحلب سودون المظفري ، ثم في السنة المقبلة عصى منطاش عليه فعجز عنه سودون المظفري فأخرج برقوق الناصري من الإسكندرية وأعاده إلى نيابة حلب واستمر سودون المذكور مقيما بحلب أميرا كبيرا .
وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالتجيبية وكبيرهم عبد الله التجيبي وأعانه صاحب ميافارقين وغرز الدين السلماني وصاحب أرزن ولكنه لم يظهر ذلك وأغار عبد الله المذكور على الطرقات ونهب القوافل فقصده العادل فانهزم إلى قلعة وانحصر بها مدة ثم بنى العادل بمساعدة قرا محمد التركماني قلعة تقابل التجيبي وهي ما بين دجلة وسط الدربويقال : إنها كانت قديمة البناء من عهد سليمان النبي عليه السلام ثم خرجت قلعة تل ويقال لها : قافان .
وفيات سنة 787
ذكر من مات في سنة سبع وثمانين وسبعمائة
إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم جمال الدين بن ناصر الدين بن كمال الدين ، سمع من الحجار وحدث عنه ، وكان هينا لينا ناظرا إلى مصالح أصحابه ، ناب عن والده مدة بحلب ثم استقل بعد وفاته ومات عن نيف وسبعين سنة .أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي مفتي أهل اليمن في زمانه انتهت إليه الرئاسة في ذلك ، مات في شهر رجب .
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المرداوي نزيل حماة ، ولد بمردا وقدم دمشق للفقه فبرع في الفنون وتميز ، ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة ودرس وأفاد ولازمه علاء الدين بن المغلى وتميز به وله نظم .
أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري شهاب الدين المعروف بابن الشيخ ولد سنة ثلاث وثلاثين وتعانى الأدب ، فكان أحد الأذكياء ، وكان أديبا فاضلا ، أعجوبة في حل المترجم وهو القائل :نادى مناد لقرط
فطاب سمع البريه
وشنف الأذن منه
قرط أتى للرعيه
وكان لا يسمع شعرا ولا حكاية إلا ويخبر بعدد حروفها فلا يخطئ ، جرب ذلك عليه مرارا ، مات في ذي القعدة .
أحمد بن عثمان بن حسن بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن نجم الدين الياسوفي الأصل الدمشقي المعروف بابن الجابي ولد سنة ست وثلاثين وبرع في الفقه والأصول وسمع من أصحاب الفخر بطلبه ، وكان جابي أوقاف الشامية فعرف به ، وكان اعتناؤه بالطلب بعد السبعين ، فقرأ بنفسه وكتب الطباق ونسخ كثيرا من الكتب الحديثية وصار يفهم فيه ، وأخذ عن العماد الحسباني وغيره . قال ابن حجي : كان سريع الإدراك والفهم ، حسن المناظرة ، كثير الجرأة والإقدام في المحافل ،وكان يجيد في بحثه ويخرج على من يباحثه ، وكان مع ذلك منصفا سريع الانتقال وقد درس بالدماغية وأعاد بغيرها وكان أولا فقيرا ثم تمول واتسع وسافر إلى مصر ، وحصلت له وجاهة ، وصحب أوحد الدين واختص به ، ويقال إنه سم معه وتأخر عمل السم فيه إلى أن مات بدمشق بعد عودة في جمادى الأولى ، وقد جاوز الخمسين بدمشق .
أحمد بن محمد بن محبوب الدمشقي ، تاج الدين ، ولد سنة خمس وسبعمائة ، كان عارفا بالتاريخ ، فاضلا مشاركا ، مات بدمشق في ذي الحجة أو في المحرم وسيعاد .
أهيف بن عبد الله الطواشي المجاهدي ، والي زبيد ، خدم المؤيد فمن بعده وعمر دهرا .أبو بكر بن أحمد الجندي ، سيف الدين بن ناظر الحرمين ، كان شيخا مباركا يجتمع عنده للذكر وهو بزي الجند وله أقطاع وعنده كيس وتواضع ولين جانب وقضاء لحاجة من يقصده ، وله مكانة عند النائب وغيره ، وكان شكلا حسنا طوالا يلبس الصوف بزي الجند مع الإعتقاد والحشمة ، مات في جمادى الآخرة .
أبو بكر بن علي بن أحمد بن محمد الخروبي زكي الدين ، التاجر المشهور ، كان رئيسا ضخما ، ولد سنة خمس وعشرين تقريبا ونشأ مع أبيه ، فكان منقطعا بزاويته بشاطئ النيل الغربي بالجيزة ، فلما مات عمه بدر الدين ثم مات والداه كان عصبتهما فورث مالا كثيرا فتعانى الرئاسة وعظك قدره في الدولة وصار كبيرالتجار ورئيسهم وكثرت مكارمه ولم يمش على طريقة التجار في التقتير بل كان جوادا ممدحا ، وله مجاورات بمكة ورأيته يجرد القرآن حفظا في سنة خمس وثمانين ، وكان أبي قد أوصاه بي فنشأت عنده مدة إلى أن مات في المحرم وأنا مراهق ويقال إنه مات مسموما وأوصى بأشياء كثيرة في وجوه البر والقربات ، منها للحرمين بألفي مثقال ذهبا .
أبو بكر بن عمر بن مظفر الحلبي شرف الدين الوردي الفاضل بن الفاضل ، مات عن سبعين سنة بحلب .
أبو بكر بن محمد بن أبي بكر بن جميع بفتح الجيم عماد الدين البالسي ، سمع من أبي بكر بن عبد الدائم وغيره وحدث مات في شعبان .
بيليك التركي كان والي الأشمونين ، مات في ربيع الآخر .حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني شرف الدين البعلبكي ، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وقرأ وسمع الحديث ورحل فيه وأفتى ودرس وأفاد ، مات في رمضان .
شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي ، كان جده مظفر صاحب درك يزد وكرمان في زمن بوسعيد بن خربندا ، ثم كان ابنه محمد فقاممقامه وأمنت الطرقات في زمانه ، ولم يزل أمره يقوى حتى ملك كرمان عنوة انتزعها من شيخ محمود شاه ، ثم تزوج محمد بن مظفر امرأة من بنات الأكابر بكرمان ، فقاموا بنصره وفر شيخ إلى شيراز ، فحاصره محمد بن مظفر فيها إلى أن ظفر به فقتله واستقل بعد موت بوسعيد بملك العراق كله وأظهر العدل وكان له من الولد خمسة : شاه ولي وشاه محمود وشاه شجاع وأحمد وأبو يزيد ، فاتفقوا على والدهم فكحلوه وسجنوهفي قلعة سرية من عمل شيراز وذلك سنة ستين وسبعمائة فتولى شاه شجاع شيراز وكرمان ويزد وتولى شاه محمود أصبهان وكروماسان ، ومات شاه ولي واستمر أحمد وأبو يزيد في كنف شاه شجاع ، ثم وقع الخلف بين شاه محمود ثم استولى شاه شجاع على آذربيجان انتزعها من أويس ، ثم قتل شاه شجاع ، قتله أخاه لكونه قتل أباه ، ولما مات شاه شجاع استقر ولدهزين العابدين واستقر أبو يزيد بن محمد بن مظفر عمه أتابكة ، واستقر أحمد بن محمد في كرمان وشاه يحيى بن شاه ولي في يزد وشاه منصور أخاه بتستر ثم إنه غلب على شيراز وكحل ابن عمه زين العابدين فخرج عليه اللنك فقبض عليه وقتله وقتل أقاربه ، وكان شاه شجاع ملكا عادلا عالما بفنون من العلم ، محبا للعلماء والعلم ، وكان يقرئ الكشاف والأصول والعربية وينظم الشعر بالعربي والفارسي مع سعة العلم والحلم والإفضال والكرم وكتب الخط الفائق ، وكان قد ابتلى بترك الشبع فكان لا يسير إلا والمأكول على البغال صحبته فلا يزال يأكل .
عبد الله بن أحمد التنوسي كان يقول : إنه شريف ، وله شعر حسن وأناشيد لطيفة ومات في صعيد مصر في هذه السنة ومن شعره مواليا :
ركبت في جارية
لم ير فيها عين
وصحبتي جارية
تسوى جمل من عينإلى المرج جارية
وأنا عليها عين
من كائنة جارية
أو من حسد أو عين
وله :
عذار كظل الغصن في صفحة النهر
ووجه يريك البدر منتصف الشهر
قضى لفؤاد الصب ما قد قضت به
عيون المهابين الرصافة والجسر
عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري ثم المكي ، عفيف الدين ، أبو محمد بن الزين أبي الطاهر بن الجمال بن المحب ، ولد في المحرم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة بمكة وسمع من والده وعيسى الحجي والأمين الأقشهري والوادي آشى والزبير بن علي والجمال المطري في آخرين واجاز له الدبوسي والحجار وغيرهما ، وطلب بنفسه وقرأ على القطب بن مكرم والجمال محمد بن سالم وغيرهما ، وسمع من شهاب الدين بن فضل الله من شعره ، ودخل الهند وحدث بها ، ودرس في الفقه وخطب ثم رجع وولي قضاء بجيلة وما حولها مدةومات بالمدينة في جمادى هذه السنة .
عبد اللطيف بن عبد الله المصري ، والواعظ المعروف بابن الجعبري ، كان يتردد إلى دمشق ، وبعظ في الجامع ، فتزدحم عليه العامة ويتعصبون له ، وكان ظريفا مطبوعا غريب الأسلوب في وعظه ، وربما مشى بين الصفوف يذهب ويجيء ويقعد في أثناء ذلك ، ومات بدمشق في جمادى الأولى .
عبد اللطيف بن محمد بن أبي البركات موسى بن أبي سعيد فضل الله بن أبي الخير نجم الدين الميهني الخراساني ، نزيل حلب وشيخ الشيوخ بها ، مات وقد جاوز السبعين ، ذكره طاهر بن حبيب في ذيله وأثنى عليه في طريقته في الرياضة .عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى أمير آل فضل كان شابا كريما شجاعا جميلا يحب اللهو والخلاعة ومات شابا .
علي بن الجنيد الفيومي الخادم بسعيد السعداء ، مات في صفر .
علي بن أبي راجح محمد بن إدريس العبدري الشيبي شيخ الحجبة بمكة ، مات في صفر .
علي بن عمر بن معيبد اليمني وزير الملك الأشرف بعد أبيه .
فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشامكاني الفقيه الشافعي سعد الدين قرأ على القاضي عضد الدين وغيره وحدث عنه بشرح مختصر ابن الحاجبوبالمواقف وغير ذلك وصنف في الأصول والعربية وعلق ةنظم وتقدم في العلوم العقلية ، مات في جمادى الأولى .
قر بلاط الأحمدي أحد المقدمين ونائب الإسكندرية في آخر عمره .
محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمود البعلي الأصل الدمشقي المعروف بابن مري ، محتسب دمشق ، مات في صفر عن أربع وستين سنة لأنه ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وأحضر على ابن الشحنة ، وكان مليح الخط ، باشر بالجامع وغيره ، وكان أمثل من ولي الحسبة في هذه الأعصار ، وباشر قضاء العسكر للحنفية ثم ركبه الدين وافتقر ، ومات في ربيع الآخر .
محمد بن إبراهيم بن وهيبة النابلسي بدر الدين قاضي طرابلس ، سمع المزي وابن هلال وغيرهما .
محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر النصيبيشمس الدين من بيت كبير مشهور بحلب ، وولي هذا الإنشاء بحلب ، وكان كثير التلاوة حسن الخط ، مات في الطاعون بحلب .
محمد بن أبي كبر بن محمد التدمري الأصل الدمشقي المؤذن بدر الدين قاضي القدس ، كان ماهرا في الفقه ، ولم يكن محمود الولاية ، قال ابن حجي : ولي القدس عن البلقيني وكان يكتب على الفتوى بخط حسن وعبارة جيدة إلا أنه يتحمل للمستفتي بما يوافق غرضه ، ويأخذ على ذلك جعلا ، قال : وقد اجتمعت به فأعجبني فقهه واستنباطه في اللغة واستخراج الحوادث من أصولها وردها إلى القواعد قال : ولكنه كان متساهلا في الصلاة فربما تركها وكان ضنينا بنفسه معجبا بها كثير الحط والازدراء لغيره حتى أنه في طول المجلس الذي اجتمعت به فيه ما ذكر أحدا بخير ، مات في ربيع الأول وقد قارب السبعين .محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد بن أبي بكر بن عطية العثماني الأصل الدمشقي الشافعي علم الدين بن تقي الدين بن المرحل سبط التقي السبكي ، ولد سنة سبع وأربعين ، وسمع من ابن أبي اليسر وعلي بن العز عمر وغيرهما ، وكانله اشتغال وفهم ودرس بالعذراوية ، وكان ينوب عن خاله تاج الدين فيها فسعى عليه من الدولة واستقل بها ، وكان مع ذلك كثير الرياسة والأدب والتواضع والمروءة والمساعدة لمن يقصده ومات في شوال .
محمد بن عبد الله العبسي شمس الدين القاهري الأديب الفاضل ، ولي استيفاء الأحباس ، وكتب في التوقيع ونظم الشعر ، مات في شعبان ، وهو القائل :
بي من بني الترك رشيق اهيف
مثل الغزال مقبلا ومعرضا
ما جاءني قط بليل زائرا
إلا كبرق في الظلام أومضامحمد بن محمد بن الحسن صلاح الدين الجواشني ، ولد سنة تسع وتسعين وستمائة ، وسمع من البدر بن جماعة الشاطبية قرأها عليه الكوتاتي وحدث بها ومات في سابع عشرين ذي القعدة .
محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي ، تقدم في معرفة الفرائض والعربية ، وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره ورافقه الشيخ أبو زرعة بن العارقي في السمع كثيرا ومنهم من أرخه سنة 93 .
محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الحسني ، سمع من الطبري وغيره ، وفضل في العلم ، وعاش أربعا وسبعين سنة .
محمد بن محمد المالكي أبو عبد الله الجديدي ، أحد الفضلاء الصلحاء ، مات بمكة .
محمد بن يوسف بن إبراهيم بن العجيل اليمني جمال الدين ، مات فيذي الحجة
حوادث سنة 788
سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
فيها مات أحمد بن عجلان أمير مكة ، واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبةوولده وحسن بن ثقبة ومحمد بن عجلان ففر منه عنان بن مغامس إلى القاهرة فشكى إلى السلطان من صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في إمرتها فأجيب سؤاله ، وكان ما سيأتي ذكره من قتل محمد بن أحمد بن عجلان .
وفيها تأخر وصول المبشرين بالحجاج إلى سادس المحرم ، ثم حضر القاصد وأخبر أن صاحب ينبع عاقهم خوفا عليهم من العرب ولم يتعرض لهم بسوء .
وفيها تزوج السلطان بنت منكلي بغا وأمها أخت الملك الأشرف .
وفيها وصل رسل صاحب ماردين فأخبروا أن تمرلنك قصد تبريز فنازلها ، وواقع صاحبها أحمد بن أويس إلى أن كسره فانهزم إلى بغداد ودخل تمرلنك تبريز فأباد أهلها وخربها وجهز أحمد بن أويس إلىصاحب مصر امرأة تخبره بأمر تمرلنك وتحذره منه وتعلمه أنه توجه إلى قرا باغ ليشتي بها ثم يعود في الصيف إلى بغداد ثم إلى الشام ، فوصلت المرأة إلى دمشق فجهزها بيدمر صخبة قريبة جبريل .
وفيها تجهز قديد الحاجب وبكتمر العلائي إلى طقتمش خان في الرسلية من صاحب مصر .
وفي ربيع الأول أفرج عن يلبغا الناصري من الإسكندرية وأذن له بالإقامة في دمياط .
وفيها قتل خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني ، فتك به إبراهيم بن يغمر التركماني بمواطأة السلطان وكان قتله خارج مرعش ، توجه إليه إبراهيم في جماعة ، فلما قرب منه أرسل إليه يعلمه أنه يريد الاجتماع به لإعلامه بأمر له فيه منفعة ، فاغتر بذلك ولاقاه فرآه وحده فأمن ونزل عنده فتحدثا طويلا فخرج جماعة إبراهيم فقتلوه ، وركب إبراهيم ومنمعه هاربين فاستبطأ أصحاب خليل صاحبهم فوجدوه قتيلا ، فتتبعوا القوم فلم يلحقوهم وذهب دمه هدرا ، وكان في ربيع الأول .
وفيها استقر أمر السلطان بتعمير الأغربة وتجهيزها لقتال الفرنج .
وفيها قيل للسلطان أن جماعة أرادوا الثورة عليه ، فقيض على تمربغا الحاجب ومعه عشرة مماليك وأمر بتسميرهم وتوسيطهم لكون تمربغا اطلع على أمرهم ولم يعلم السلطان بذلك ثم تتبع السلطان المماليك الأشرفية فشردهم قتلا ونفيا إلى أن شفع الشيخ خلف في الباقين فقطعت إمرتهم وتركوا بطالين .
وفيها انتهت عمارة السلطان لمدرسته الجديدة بين القصرين في ثالث شهر رجب ، وكان الشروع فيها في رجب سنة ست وثمانين ، وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي وهو يومئذ أمير آخور ومشير الدولة ، وقالالشعراء في ذلك كثيرا فمن أحسن ما قيل :
الظاهر الملك السلطان همته
كادت لرفعتها تسمو على زحل
وبعض خدامه طوعا لخدمته
يدعو الجبال فتأتيه على عجل
وأخذه ابن العطار فحسنه فقال :
يكفي الخليلي إن جاءت لخدمته
شم الجبال لها تأتي على عجل
قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة
فاقت على إرم مع سرعة العمل
ومن رأى الأعمدة التي بها عرف الإشارة ، نزل إليها في الثاني عشر من شهر رجب ، وقرر أمورها ومد بها سماطا عظيما وتملك فيهاالمدرسون ، واستقر علاء الدين السيرامي مدرس الحنفية بها وشيخ الصوفية بها وبالغ السلطان في تعظيمه حتى فرش سجادته بيده وحضر جميع الأعيان وأخذ الشيخ في قوله تعالى : قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء ، ونقل السلطان أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها ثم أقيمت بها خطبة في عاشر شهر رمضان ، وفوض الخطابة إلى جمال الدين المحتسب وكان قد أمر ابنه صدر الدين أحمد بالصلاة بها في رمضان وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وعمل له مهما حافلا .واستقر بها الشبخ أوحد الدين الرومي السنوي مدرس الشافعية بعناية الشريف الأخلاطي والشيخ شمس الدين بن مكين نائب الحكم بمصر مدرس المالكية والشيخ صلاح الدين بن الأعمى مدرس الحنابلة والشيخ أحمد زاده العجمي مدرس الحديث ، والشيخ فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس القراءات ، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره ، ثم بعد مدة قرر فيها شيخنا البلقيني مدرس التفسير وشيخ الميعاد .
وفيها ثار المنتصر وأبو زاين أبناء أبي حمو على أخيهما أبي تاشفينبسبب أبيهما فحصرهما أبو تاشفين بجبل قطري وبعث ولده أبا زيان لقتل أبي حمو بمعتقله بمدينة وهران فلما أحس أبو حمو بذلك نظر من شق في الجدار وصاح بأهل البلد فأتوه من كل جهة فتدلى بحبل وصله بعمامته وسقط إلى الأرض سالما فبلغ الذين حضروا لقتله فهربوا واجتمع عليه أهل البلد وسار إلى تلمسان فكان ما سنذكره في التي تليها .
وفيها مات الخليفة عمر بن إبراهيم بن الواثق بن محمد بن الحاكم ، واستقر في الخلافة أخوه المعتصم زكريا في شوال .
وفي ربيع الأول منها رخص اللحم جدا حتى بلغ الضأني السميط كل قنطار بخمسين درهما .
وفي جمادى الآخرة زلزلت الأرض زلزلة لطيفة .وفي ربيع الآخر قبض على بهادر المنجكي الاستادار الكبير .
وفيها وقع الفناء بالإسكندرية فمات في كل يوم مائة نفس .
وفيها تولى كريم الدين بن مكانس نظر الدولة بعد الوزارة ، وعلم الدين سن إبرة نظر الأسواق بعد الوزارة أيضا وتعجب الناس منهما .
وفيها حضر أمير زاد بن ملك الكرج إلى السلطان فادعى أنه رأى النبي e في المنام فقال له : أسلم على يد خادم الحرمين ، فأصبح فسأل عن خادم الحرمين فقيل له : إنه صاحب مصر ، فهاجر إليه فأخبره بذلك ، فتلقاه بالإكرام وأمر بالإسلام ، فأسلم بمحضر من القضاة الأربعة في دار العدل ، فأعطاه إمرة عشرة وأسكنه القاهرة ، وكان ذلك في جمادى الأولى .وفيها عزل شهاب الدين أحمد بن ظهيرة عن قضاء مكة ، ونقل إلى قضائها محب الدين بن أبي الفضل النويري ، وقرر في قضاء المدينة عوضا عنه الشيخ زين الدين العراقي ، واستقر الشيخ سراج الدين بن الملقن مدرسا بالكاملية عوضا عن العراقي .
وفيها توجه نواب الشام إلى قتال التركمان فانكسر العسكر وفتك فيهم التركمان وقتلوا سودون العلائي نائب حماة وغيره ، وكان أصل ذلك أن السلطان أمر نواب الشام بالتوجه إلى قتال سولى بن دلغادر ومنمعه من التركمان ، فوصلوا إلى طنون وهي بين مرعش وابلستين فالتقى بهم سولى ، فقتل سودون نائب حماة في المعركة وكذا سودون نائب بهسنا ، وكان ذلك في أول جمادى الآخرة فبلغ السلطان فشق عليه ولم يزل يعمل الحيلة حتى دس على سولى من قتله كما قتل أخاه كما سيأتي بيانه .
وفي جمادى الآخرة وصلت رسل الفرنج بهدايا جليلة .
وفي أواخر السنة وصلت رسل الحبشة بهدايا جليلة أيضا .
وفي أواخر رمضان عز الفستق عزة شديدة إلى أن بيع الرطل منه بمثقال ذهب ونصف ، ثم وصل منه شيء كثير إلى أن بيع بعد العيد بربع مثقال الرطل .
وفي شعبان أسلم نصراني صبان يقال له ميخائيل من أهل مصر فقرر ناظر المتجر السلطاني وحصل للناس منه ضرر كبير ، وسيأتي ما آل إليه أمره في سنة تسع وثمانين .وفيها أمسك شهاب الدين أحمد بن الرهان ومن معه من الشام ، وأحضروا إلى القاهرة وكانوا أرادوا القيام على السلطان فطاف أحمد البلاد داعيا إلى ذلك ثم استقر بدمشق ، فدعا الناس إلى القيام فأطاعه خلق كثير إلى أن فطن بهم ابن الحمصي والي قلعة دمشق ، فنم عليهم عند السلطان ، وكان يبغض بيدمر نائب الشام فوجد من ذلك سبيلا إلى الافتراء عليه ، فكاتب السلطان بالاطلاع على أمرهم وأن بيدمر معهم ، فأمره السلطان بالقبض عليهم وعلى بيدمر ، فقبض عليهم وجهزهم إلى القاهرة ، فعاقب السلطان الشيخ أحمد ومن معه من الفقهاء فضربوا بين يده بالإصطبل بالمقارع وحبسهم في حبس الجرائم بعد أن قررهم على من كان متفقا معهم في ذلك .
وفيها وصل إبراهيم بن قراجا بن دلغادر إلى القاهرة طائعا ، وكان صاحب خرت برت هي قلعة حصينة بقرب ملطية ، وكان له أولاد عدة فعصى عليه بعضهم ، ففر منهم فأعطاه السلطان إمرة طلبخاناة ، وسكن ظاهر القاهرة ، ثم وصلت رأس خليل بن دلغادر من عند نائب حلب ،فقبض على إبراهيم وعلى عمه عثمان .
وفيها في صفر سرق الجملون الذي في سوط القاهرة ، وأخذ من حوانيت البزازين مال كثير إلى الغاية ، فقام حسن بن الكوراني في تتبع الحرامية إلى أن ظفر بعشرين منهم فسمرهم وطاف بهم .
وفيها أمر السلطان بإحضار الشيخ شهاب الدين بن الجندي الدمنهوري ، فاحضر فضرب بين يديه لأنه كان بدمنهور يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فشكى منه مقطع دمنهور إلى السلطان فأمر بإحضارهفضرب ، ثم شفع فيه بعض الأمراء وعرف السلطان قدره وأنه طلب للقضاء فامتنع فخجل السلطان وأرسل إليه فخالله وخلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلده على عادته .
وفيها حج بالناس آقبغا المارداني وحج فيها جركس الخليلي أميرا على الركب الأول ، فلما وصل إلى مكة وأراد صاحبها محمد بن أحمد بن عجلان أن يقبل رجل الجمل الذي عليه المحمل السلطاني على العدة ، بدر إليه شخص فداوى فقتله وزعم أن السلطان أذن له في ذلك ، وفطن كبيش لذلك فجمع عساكره وخرج من مكة بهم خوفا على نفسه وخوفا على الحاج من النهب وقرر جركس الخليلي عنان بن مغامس في الإمرة وحج الناس آمنين ، ثم التقى كبيش ببطا الخاصكي رأس المبشرين فقال له : اعلم السلطان أنني طائع وإنني منعت العرب من نهب الحاج وأنني لا أرجع عن طلب ثأري من غريمي عنان ، وفرق الخليلي بمكة صدقات كثيرة جدا .
وفيها اشتد أذى الوزير للتجار حتى رمى عليهم من القمح مائة ألف أردب وأزيد كل أردب بدينار وكانت خسارتهم فيها جملة مستكثرة .وفيها سعى شهاب الدين بن الأنصاري في مشيخة سعيد السعداء والتزم بتكفية الخانقاه وعمارة أوقافها وبذل لهم ثلاثين ألف درهم من ماله لذلك من غير رجوع عليهم بها فأجيب سؤاله .
وفيها طرق اللنك شيراز فحاربه شاه منصور وثبت ثباتا عظيما وأنكأ في عسكر اللنك وهجم على المكان الذي فيه تمرلنك ففر منه واختفى بين النساء ، فوصل شاه منصور في حملته فتلقاه النساء فقلن له : ليس علينا قدرة ونحن في طاعتك ، فكف عنهن ورجع فقاتل ، فخذله بعض أمرائه ففت في عضده ولم يقاتل حتى ارتث في المعركة وانهزم بقية من معه ، فقامت في قيامة اللنك على فقده لأنه لم يجده في القتلى ، ثم ظفر به بعض الجند فعرفه فحز رأسه وأحضره إلى اللنك ، فلما تحققه فرح في الباطن وأظهر الأسف عليه في الظاهر وأمر بقتل قاتله ، واستولى على شيراز وأكرم زين العابدين وقرر له رواتب ، ولما بلغ السلطان أحمد صاحب كرمان الخبرراسل اللنك بالطاعة وأرسل مع رسله هدية جليلة وكذلك صنع شاه يحيى صاحب يزد ، فقبل الهدية وتوجه بعسكره إلى أصبهان فنازلها وحاصرها ، فلما لم يكن لهم به طاقة صالحوه على كال له صورة فتوزعوه بينهم ، فأرسل اللنك أعوانه فعاثوا وأفسدوا ومدوا أيديهم إلى الأموال والحرم ، فشكوا ذلك إلى ملكهم ، فواعدهم أنه يضرب الطبل عند العشاء ، فإذا سمعوه قتل كل منهم من عنده من الأعوان ، فلما فعلوا ذلك وكانوا نحوا من ستة آلاف عظم ذلك على اللنك ، ورجعوا إلى المدينة فتحصنوا فحضرهم حتى اشتد الحصار ، فأشار عليهم بعض عسكره أن يجمعوا أطفالهم ويقفوا بهم على طريق اللنك ، فاجتاز بهم فسأل عنهم فقال له المشير عليهم : هؤلاء أطفال لا قدرة عليهم ولا عقاب بجناية آبائهم وهم يسترحمونك ، فمال بعنان فرسه عليهم وتبعه العسكر فصاروا طعمة لسنابك الخيل ، ثم هجم البلد واستخلص الأموال وخرب البلد ورجع إلى سمرقند وحين وصوله أمر حفيده محمد سلطان بن جهانكير إلى أقصى ما يبلغ مملكته وهو منوراء سيحون آخذا مشرقا إلى نحو شهر في ممالك المغل والخطا ، فمهدوا تلك الأراضي وبنوا فيها عدة قلاع وبنوا مدينة على طرف سيحون من ذلك الجانب سماها اللنك شاه رخيه ، وخطب له أحد أمرائه الله داد بعض الملكات وأحضرها إليه صحبته فأولدها شاه رخ الملك المشهور في عصرنا هذا .
وفيات سنة 788
ذكر من مات في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
أحمد بن الناصر حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاون الصالحي كان أكبر أخواته وقد عين للسلطنة مرارا فلم يتفق له ذلك ، ومات في رابع عشر جمادى الآخرة .
أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري نزيل حلب شهاب الدين ، سمع من حسن سبط زيادة وتفرد به ، سمع منه شمس الدينالزراتيتي المقري وغيره من الرحالة ، وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون وأكثر عنه المحدث برهان الدين .
أحمد بن عجلان بن أبي رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس ابن مطاعن شهاب الدين أبو العباس الحسني أمير مكة وما معها ، وكان عظيم الرئاسة والحشمة ، اقتنى من العقار والعبيد شيئا كثيرا ، وكان يكنى أبا سليمان ، ولاه أبوه عجلان إمرة مكة وهو حي في شوال سنة اثنتين وستين ، وكان قبل ذلك ينظر في الأمور نيابة عن أبيه أيام مشاركة أبيه وعمه ثقبة ، ثم اعتقله السلطان هو وأخوه كبيش وابوهما بالقاهرة ، لأن الضياء الحموي كان ولي خطابة الحرم فخرج في شعار الخطبة ، فصده أحمد بن عجلان عن ذلك ، ومات ثقبة في أوائلشوال سنة اثنتين وستين ، ولم يزل أحمد يتقدم في الأمر إلى أن غلب على أبيه ، ثم يزل إلى أن أفرده بالسلطنة سنة أربع وسبعين ، فاستمر إلى أن اشترك معه ولده محمد سنة ثمانين ، وجرت له بمكة خطوب وحروب ، وكان يحب العدل والإنصاف ، مات في شعبان ، واستقر ابنه محمد ، ثم قتل في أول ذي الحجة .
أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب تاج الدين الحميري المعري ثم البعلي ثم الدمشقي ، أحضر على ابن الموازيني وست الأهل ، سمع من ابن مشرف وابن النشو والقاسم والمطعم والرضي الطبري وغيرهم ، وله إجازة من سنقر الزيني وبيبرس العديمي والشرفالفزاري وإسحاق النحاس والعماد النابلسي وغيرهم ، وكان يذاكر بفوائد ، وأصيب بأخرة فاستولت عليه الغفلة ، ورأيت بخطه تذكرة في نحو الستين مجلدة وعبارته عامية وخطه رديء جدا ، مات في المحرم .
أحمد بن محمد بن عبد المعطي ، المكي المالكي ، شهاب الدين أبو العباس ، أخذ عن أبي حيان وغيره ، ومهر في العربية وشارك في الفقه ، وتخرج به أهل مكة ، مات في المحرم وقد جاوز السبعين .
أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم بن حنا ، الشيخ بدر الدينبن شرف الدين ابن فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين المصري المعروف بابن الصاحب ، تفقه ومهر في العلم ونظم ونثر وفاق أهل عصره في ذلك وفاق أيضا في معرفة لعب الشطرنج ، وكان جماعا للمال ، لطيف الذات ، كثير النوادر ، ألف تواليف في الأدب وغيره ، وكتب الخط الحسن ، وكان يحسن الظن بتصانيف ابن العربي ويتعصب له ، ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني وكان يكثر الشطح ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش ويصرح بالاتحاد وهو القائل :
أميل لشطرنج أهل النهى
وأسلوه من ناقل الباطل
وكم رمت تهذيب لعابها
وتأبى الطباع على الناقل
مات في تاسع عشرين جمادى الآخرة وله إحدى وسبعون سنة ، رأيته واجتمعت به وسمعت من فوائده ونوادره .أحمد بن محمد الزركشي شهاب الدين أمين الحكم بالقاهرة ومصر ، مات في ربيع الأول فجأة ، وضاع للأيتام عنده أموال عظيمة ، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنها تزيد على ثلاثمائة ألف درهم تكون نحوا من خمسة عشر ألف دينار فبيع موجوده فكان دون النصف ، قلت : والذي تحرر لي أن المحاصة وقعت على ربع وسدس عن كل درهم ، وبلغ السلطان ذلك فأسرها في نفسه على القاضي الشافعي حتى عزله في السنة التي بعدها .
إسماعيل بن عبد الله الناسخ المعروف بابن الزمكحل ، كان أعجوبةدهره في كتبه قلم الغبار مع أنه لا يطمس واوا ولا ميما ، ويكتب آية الكرسي على أرزه وكذلك سورة الإخلاص ، وكتب من المصاحف الحمائلية ما لايحصى .
حسن بن علي بن عمر بن أبي بكر بن مسلم الكتاني بدر الدين الصالحي المؤذن بالجامع المظفري ، ولد سنة 713 ، وسمع من الحجار وغيره وحدث بالإجازة عن الدشتي وإبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيرازي وجماعة ، مات في المحرم عن بضع وسبعين سنة .
خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني أمير الأبلستين بعد والده ، قتل بيد إبراهيم بن يغمر التركماني بالقرب من مرعش ، قال القاضيعلاء الدين : كان عارفا ، ذا رأى صائب وله أفعال جميلة وملاطفة حسن وسياسة ، وكانت له مدة متحيرا في البلاد لغضب سلطان مصر عليه ، وكان قتله بمكيدة احتالها عليه إبراهيم ، وجاوز خليل من العمر ستين سنة .
داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحمزي صاحب صنعاء من جبال اليمن ، حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء وانتزعها منه ، ففر داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة ، وهو آخر من وليها من أهل بيته ، ودامت مملكتهم لها قريبا من خمسمائة سنة .
سريجا بفتح المهملة وكسر الراء ، بعدها تحتانية ساكنة ثم جيممفتوحة بغير مد بن محمد بن سريجا بن أحمد الملطي ثم المارديني ، زين الدين ابن بدر الدين ، كان من أعيان علماء تلك البلاد في زمانه في الفقه والقراءات والأدب وغير ذلك ، وله تصانيف ، منها شرح الأربعين النووية سماه نثر فرائد المربعين النبوية في نشر فوائد الأربعين النووية وجنة الجازع وجنة الجارع صنعه عند موت ولد له سنة إحدى وثمانين وسد باب الضلال وصد ناب الصلال في ترجمة الغزالي ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن الشاطبية ، أولها :
يقول سريجا قانتا متبتلا
بدأت بنظمي حامدا ومبسملومن شعره :
خذ بالحديث وكن به متمسكا
فلطالما ظمئت به الأكباد
شد الرحال له الرجال إذا سعوا
لأخطار ما صرت له الآساد
مات بماردين في المحرم ول ثمان وستون سنة ، اخذ عنه ولده عقيل الذي مات سنة أربع عشرة ، وبدر الدين بن سلام الذي أخذ عنه سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وآخرون .ششك بنت محمد بن الشيخ علي التركماني ، سمعت من عبد الله بن علي الصنهاجي وحدثت .
سودون العلائي نائب حماة ، مات قتلا بيد التركمان .
صدقة بن الركن عمر بن محمد بن محمد المصري شرف الدين العادلي ، سمع من أبي الفتح الميدومي وطبقته ، ورافق الشيخ زين الدين العراقي مدة في السمع ، ثم ترك لبس الجندية ولبس بالفقيري ، وصحب الفقراء القادرية إلى أن صار من كبارهم ، مات بالفيوم في جمادى الآخرة ، ورأيته مرارا وسمعت كلامه .
عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي ، سمع من محمد بن علي بن ساعد وغيره ، مات في شعبان عن بضع وثمانين سنة .
عبد الحميد شيخ زاوية المنيبع ، مات في شهر رمضان وقد جاوز الثمانين .
عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن الجمال محمد بن علوان بن زين الدينبن الأستاذ الحلبي الضرير حضر على سنقر الزيني كتاب الصمت لابن أبي الدنيا وتفرد به .
عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السبكي نزيل دمشق قطب الدين ابن أخت التقي السبكي ، حضر على ابن الصواف مسموعه من النسائي ، وتفرد به ، ومن أبي الحسن بن هارون من مشيخة جعفر الهمداني تخرج الزكي البرزالي ، وحدث وكان كثير التسري ، يقال أنه وطئ أزيد من ألف جارية ، مات في خامس جمادى الأولى ، روى عنه شيخنا العراقي وابن سند وابن حجي وغيرهم .
عبد المعطي بن عبد الله فتح الدين ، كان يؤدب بكتاب المارستان ، وكان أحد من قرأ على أبي حيان ، وهو والد صلاح الدين محمد ، الذي ولي حسبة مصر ونظر المواريث وغير ذلك في حياة والده ، مات في رمضان وقد أسن .عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني القروي ، محيي الدين ، سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب منها المحدث الفاصل والدعاء للمحاملي ، ومن محمد بن عبد المجيد بن الصواف التوكل ، وسمع بمكة من الرضي الطبري مسلسلات ابن شاذان ، وقرا على عبد لانصير ابن الشعراء القراءات بكتاب الإعلان عن المكي الأبي وحدث ، ومات في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة ،وقد خرج له الذهبي جزءا من حديثه .
علي بن أحمد بن علي الحلبي علاء الدين ، صاهر أبا أمامة بن النقاش على ابنته ، ودرس بجامع أصلم وطلب الحديث وكتب بخطه ، مات كهلا .
علي بن عبد القادر المراغي الصوفي شرف الدين ، اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم ، وفاق في العلوم العقلية وشغل في الكشاف وغيره ، وقام عليه جماعة من أهل السميساطية ، وكان صوفيا بها ، فشهدوا عليه بالاعتزال فاستتيب بعد أن عزر ، ثم قرر بخانقاه خاتون إلى أن مات ، وكان يدري النجوم وأحكامها ، وينسب إلى الرفض ، وكان من تلامذة السيد المجد ، قرأ عليه تقي الدين ابن مفلح ونجم ابن حجي وغيرهما ، ومات في شهر ربيع الآخر .
عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد المستعصم بن الواثق بن المستمسكابن الحاكم العباسي ، ولي الخلافة بعد خلع المتوكل ، ومات في هذه السنة واستقر بعده أخوه زكرياء .
عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة ، اخت قاضي القضاة برهان الدين ، سمعت علي الواني وغيره وحدثت .
محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الأصل ، الشيخ شمس الدين القرمي ، نزيل بيت المقدس ، ولد بدمشق سنة عشرين ، ثم تجرد وخرج منها سنة إحدى وأربعين ، وطاف البلاد ودخل الحجاز واليمن ، ثم أقام بالقدس وبنيت له زاوية ، وكان يقيم في الخلوة أربعين يوما لا يخرج إلا للجمعة وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهدا وورعا ، وقصد بالزيارة من الملوك يستزورونه وله خلوات ومجاهدات ، وسمعبدمشق من الحجار وغيره ، وكان يتورع عن التحديث ثم انبسط وحدث ، وكان عجبا في كثرة العبادة وملازمة التلاوة حتى بلغ في اليوم ست ختمات ، وقيل بلغ ثمان ، وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له : إن الناس يذكرون عنك القول في سرعة التلاوة ، فما القدر الذي تذكر أنك قرأته في اليوم الواحد ? فقال : اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات ، ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق مع سعة العلم ومحبة الانفراد وقهر النفس ، انتفع به جماعة ، ومات في تاسع شهر رمضان .
محمد بن طلحة بن يوسف بن هبة الله الحلبي ، سمع من الكمال بن النحاس وغيره ، ومات في شوال وقد جاوز الثماني .
محمد بن تنبك السوي كان من رؤساء الحلبيين ، وانشأ جامعا بحارة القناصة ، ومات بها في مدينة الرها في هذه السنة أو نحوها .محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآسجي بمدة وفتح المهملة بعدها جيم الأديب شمس الدين ، نزيل مكة جاور بمكة عدة سنين وباشر بالحرم ، واختص بالناس حتى ، ومات في شعبان ، وكان شاعرا مكثرا ، أكثر عنه صاخبنا نجم الدين المرجاني .
محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز الحنبلي ، القاضي شمس الدين بن التقي المرداوي ، ولد سنة أربع عشرة وسبعمائة فيما قيل ، سمع الكثير من أبي بكر بن الرضي والشهاب الصرخدي والشرف بن الحافظ وعائشة ابنة المسلم وجماعة ، تفقه وناب في القضاء من سنة ستين وهلم جرا ، ثم استقل به سنة ست وسبعين إلى ان مات ، وكان محمودا في ولايته إلا أنه في حال نيابته عن عمه كان كثير التصميمبخلافه لما استق ، وكان يكتب على الفتاوي كتابة جيدة ، وكان كيسا متواضعا قاضيا لحوائج من يقصده ، وكان خبيرا بالأحكام ، ذاكرا للوقائع ، صبورا على الخصوم ، عارفا بالإثباتات وغيرها ، لا يلحق في ذلك ، وكان يركب الحمارة على طريقة عمه ، وقد خرج له ابن المحب الصامت أحاديث متبائنة وصلت إلى خمسة عشر حديثا ، وحدث بمشيخة ابن عبد الدائم عن حفيده محمد بن أبي بكر عن جده سماعا ، مات في رمضان عن أربع وأربعين سنة .
محمد بن عطيفة الحسني أمير المدينة .
محمد بن عمر بن محمد بن محمود بن أبي الفخر الزرندي ثم الصالحي ، سمع من الحجار وغيره ، مات بدمشق عن سبعين سنة .
محمد بن عيسى بن أحمد الزيلعي نزيل اللحية من سواحل اليمن ،ويعرف بصاحبها ، كان يذكر بالكرامات ومكانه يزار الآن .
محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله المقدسي شمس الدين ، ولد في ذي القعدة سنة 731 ، وسمع من ابن الرضي والجزري وبنت الكمال وغيرهم ، وأحضر على أسماء بنت صصرى وعائشة بنت مسلم وغيرهما ، وعني بالحديث وكتب الأجزاء والطباق وعمل المواعيد ، وأخذ عن إبراهيم بن قيم الجوزية ، وكتب بخطه الحسن شيئا كثيرا ، وكان شديد التعصب لابن تيمية ، مات في جمادى الأولى ، وله سبع وخمسون سنة .
محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي ، قرأت بخط القاضي برهان الدين بن جماعة : مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن جزب الله بدمشق ، في خامس عشرين شعبان سنة ثمان وثمانين ، له نظم وسط وفضائل قلت : منها كتاب سماه عرف الطيب في وصف الخطيب صنفه للبرهان ومن عنوان نظمه قصيدة أولها :
لبريق الأبريق والنقا
طار مني القلب إذ تألقا
محمد بن يوسف بن إلياس الحنفي الشيخ شمس الدين القونوي ، نزيلالمزة ، ولد سنة خمس عشرة أو في بعدها ، وقدم دمشق شابا وأخذ عن التبريزي وغيره ، وتنزه عن مباشرة الوظائف حتى المدارس ، وكان الشيخ تقي الدين السبكي يبالغ في تعظيمه ، وكان له حظ من عبادة وعلم وزهد ، وكان شديد البأس على الحكام ، شديد الإنكار للمنكر ، أمارا بالمعروف ، يحب الانفراد والانجماع ، قليل المهابة للأمراء والسلاطين والحكام ، يغلظ لهم كثيرا ، وكان قد أقبل على الاشتغال بالحديث بأخرة ، والتزم أن لا ينظر في غيره ، وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث قال ابن حجي : كانت له وجاهة عظيمة وكان ينهى أولاده وأتباعه عن الدخول في الوظائف . وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب ، نصها : غلى فلان المكاس أو الظالم أو نحو ذلك ، وهم لا يخالفون له أمرا و لايردون له شفاعة ، وكان كثير من الناس يتوقعون الاجتماع بع لغلظه في خطابه ، وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتى اقل مرة : أنا أعلم من النووي وهو أزهد مني ، وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب ويحب من يتعانى ذلك ، ويتردد إلى صيدا وبيروت على نية الرباط ، وقد باشر القتال في نوبة بيروت ، وبنى برجا علىالساحل ، وصنف كتابا سماه الدرر فيه فقه كثير ، نظم فيه فقه الأربعة على أسلوب غريب ، مات في الطاعون في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين واختصر شرح مسلم للنووي وتعقب عليه مواضع ، وشرح مجمع البحرين في عشر مجلدات ، وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة وأقام بالقدس مدة ، ثم رجع إلى دمشق وانقطع بزاويته بالربوة ، ثم انقطع بزاويته بالمزة رحمه الله .
محمد بن يوسف بن محمد بن عمر شرف الدين بن جمال الدين بنالشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة ، اشتغل على جده ثم على أبيه ، وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن ، قال ابن حجي : كان جميل الشكل ، حسن الخلق ، وافر العقل ، كثير التودد ، ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه ، ومات في عشر الأربعين في ربيع الآخر ، ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا ، حتى مات بعده عن قرب .
محمد الأصبهاني إمام الدين كان عالما عابدا مشهورا بالفضل والكرامات ، وكان ينذر بوقوع البلاء على يد اللنك ويخبر أنه ما دام حيا لا يصيب أهل أصبهان أذى ، فاتفق وفاته في ليالي طروق اللنك لهم في هذه السنة .
موسى بن الفافا شرف الدين استادار أيتمش ، كان يتعصب للظاهرية ويميل إلى مذهبهم ، مات في شوال .
هيازع بن هبة الحسني قريب أمير المدينة ، وهو أخو جماز الذي تأمر بعد ذلك .يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن جعفر الأنصاري المعروف بابن الصيرفي ، ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة ، وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدشتي والقاضي سليمان وعيسى المطعم وغيرهم ، وحدث بالكثير ، وكان يزن في القبان ثم كبر وعجز ، وكان باخرة يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك ، مات في ذي الحجة عن ثمانين سنة ، وكان له ثبت يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء ، وآخر من حدث عنه الحافظ برهان الدين محدث حلب .
شمس الدين الغزولي المصري الميقاتي ، انتهت إليه الرياسة في هذا العلم في بلده ، وكان اطروشا ، مات في رجب .
شمس الدين بن الجندي الخطائي المصري انتهت إليه الرياسة في حل التقاويم ومعرفة الميقات ، وكان لكل منهما أعني الغزولي وابن الجنديعصبة ، فاتفق أن ماتا في سنة واحدة ، مات الغزولي في رجب ومات ابن الجندي في شعبان .
حوادث سنة 789
سنة تسع وثمانين وسبعمائة
وفيها في تاسع عشر المحرم ولي الجوباني نيابة الشام عوضا عن اشقتمر .
وفيها أخذ السلطان بلعب الرمح وألزم الأمراء والمماليك بذلك فاستمر .
وفيها ابتدأ أيضا في رمضان بالحكم بين الناس يومي الأحد والأربعاء ، ونودي : من كانت له ظلامة فليحضر إلى الباب ، وحصل للناس بسبب ذلك حصر خصوصا الرؤساء و تشويش كبير وصار من شاء من الأراذل أن يهين الأكابر فعل .وفيها كثرت الشكاوي من بدر الدين بن أبي البقاء ، فعين السلطان ناصر الدين محمد بن عبد الدائم الشاذلي ابن بنت الميلق الواعظ ، وطلبه في رابع شعبان وفوض له قضاء الشافعية فاستخار الله بعد صلاة ركعتين وقبل ، وكان يعرفه من خطبته بمدرسة حسن ، ووصفه له سودون النائب وغيره ، فتم أمره ، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن سبب عزل ابن أبي البقاء ما تقدم من قصة أمين الحكم وانضاف إلى ذلك أن بعض مدركي البلاد السلطانية مات في أول هذه السنة ، وكان يذكر بالمال الجزيل فجهز القاضي أمين الحكم ليحتاط علة موجوده فذكر ذلك للسلطان فأنكر عليه وأحضر أمين الحكم وضربه وعزل القاضي ، وطلب من يوليه عوضه فغرم القاضي في هذه الحركة خمسة آلاف دينار ، ثم ما أفاد بل طلب ابن بنت المليق ، وولاه فباشره بعزة وعظمه .
وفيها جمع كبيش العربان ونهب جدة وأخذ منها للتجار ثلاثةمواكب وتقابل هو وعنان أمير مكة فقتل كبيش في المعركة بعد أن كاد يتم له النصر وذلك بأذاخر بالقرب من مكة .
وفيها سار علي بن عجلان من مكة إلى القاهرة ، فقدمها في رمضانفأشرك السلطان علي بن عجلان في إمرة مكة مع عنان فتوجه عنان إلى وادي نخلة ومنع الجلب عن مكة فوقع فيها الغلاء ، فوافى قرقماش أمير الركب إلى مكة بتقليد علي بن عجلان ، وأمره أن يتجهز إلى عنان ، فخرج وأرسل معه طبول المحمل فدقوا بين الأودية فظن عنان أن العساكر دهمته فهرب فدخلت القافلة فباعوا ما معهم برخص حتى انحطت الويبة من القمح إلى عشرة بعد ثلاثين .
وفيها استولى على إمرة المدينة علي بن عطية ثم قتل وذلك أنه طرق المدينة فنهبها وقتل فيها أناسا فأفرج السلطان عن ثابت بن نعير وقلده إمرة المدينة وأمره بالمسير .
وفي رابع ربيع الأول قبض على كريم الدين بن مكانس وضرببالمقارع وصودر على مائة ألف ، ثم عزل عن نظر الدولة في ثاني رمضان .
وفيها خامر منطاش نائب ملطية وهو لقب واسمه تمربغا الأفضلي وجماعة من المماليك الأشرفية الذين نفاهم برقوق ، ووافقهم القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس وقرا محمد التركماني كبير التركمان ويلبغا المنجكي وجمعوا جمعا كبيرا وبلغ ذلك السلطان فجرد العساكر إليهم فسار اينال الأتابك بدمشق ، وقزدمر وسودون باق والطنبغا المعلم ومقدمهم يلبغا الناصري نائب حلب فنازلوا ملطية ، فهرب منطاش فتوجهوا إلى سيواس ونازلوها فاستنجد برهان الدين صاحبها الأرمن وغيرهم ، فوقعتبينهم وبين عساكر الشام وقعة وقتل فيها من الفريقين جماعة ، ثم كان النصر على يد يلبغا الناصري وانهزم برهان الدين ثم أرسل يطلب الأمان ويبذل الطاعة للظاهر فأمنه وصار من جهته وكانت عدة الذي مع الناصر نحو الألف والذين تجمعوا لقتاله عشرين ألفا .
وفيها قبض على جبريل قريب بيدمر وعلى محمد بن بيدمر وتسلمهما والي القاهرة فصادرهما على مال كثير .
وفيها قتل بدر بن سلام أمير العربان بالبحيرة ، قتله بعض العرب غيلة وكان قد قهر السلطان وأعجز العسكر من التجاريد إليه وهو يفر من مكان إلى مكان وفسدت أحوال البحرية .
وفيها في أواخر شعبان استقر في الوازارة علم الدين إبراهيم القبطي بن كاتب سيدي وكان مستوفي المرتجع فوصى ابن كاتب أرلان بأن يستوزره بعده فقبل الظاهر ذلك .
وفي تاسع رمضان نزل جلال الدين البلقيني عن توقيع الدستلزوج ابنته بهاء الدين البرجي ، ونزل بدر الدين بن البلقيني أخيه جلال الدين عن إفتاء دار العدل واستمر بيد بدر الدين قضاء العسكر .
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة ظهر كوكب عظيم من جهة الشمال ثم امتد وتشعب منه ثلاث شعب إحداهما ذنب طويل نحو الرمح ونورها شديد وذلك بعد العشاء بنحو ساعة .
وفي هذه السنة انتهت زيادة النيل إلى أربعة عشر إصبعا من تسعة عشر ذراعا وثبتت إلى خامس بابه .
وفي أوائلها ملك ألو حمو تلمسان فحاصره ولده أبو تاشفين إلىأن قبض عليه وسجنه بالقصر فسأله أبو حمو أن يخرجه إلى الديار المصرية ليحج فأسعفه وحمله في مركب فخدع أبو حمو صاحبها حتى أنزله وبعث إلى محمد بن أبي محمد مهدي القائد ببجاية يستنصره ، فأنزله عنده وكتب إلى السلطان بتونس ، فأمره بمساعدته واستنفر العرب فنفروا معه ، فقتل أبو زيان بن أبي تاشفين في الحرب وانقض جمع أبي تاشفين فخرج من تلمسان ودخلها أبو حمو في رجب سنة تسعين .
وفيها كائنة ميخائيل الأسلمي ، وكان نصرانيا وأسام في شعبان سنة ثمان وثمانين بحضرة السلطان وعناية محمود فأركب بغلة وعمل تاجر الخاص كما تقدم ثم قرر في نظر الإسكندرية في المحرم من هذه السنة ، فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالإسكندرية بعد أن ثبت عليه أنه زنديق وشهد عليه بذلك خمسون إلا واحدا .وفيها ضربت الدراهم الظاهرية ، وجعل اسم السلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس فوقع عن قريب ، ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدنانير الناصرية .
وفيها كان الغلاء بدمشق وقلة الماء بالقدس حتى بلغت الجرة نصف درهم .
وفيها وقعت بين ابن يغمر نائب الأبلستين وبين ابن دلغادر حرب .
وفي سادس عشر جمادى الآخرة وهو تاسع ابيب توقف النيل ثم نقص ثم رد النقص وزاد في رابع عشريه .
وفي هذه السنة نازل عسكر تمرلنك صحبة ولده آمد ففر منه قرا محمدفي مائة فارس إلى ملطية ، فاضطرب أول الأمر بالقاهرة ، وجمع الظاهر الفقهاء والأمراء وتحدث في إعادة ما وقف من الأراضي الخراجية فطال النتازع وآل الأمر إلى أنه يؤخذ لتجهيز العسكر متحصل سنة ، وأمر الظاهر بتجهيز أربعة من الأمراء وهم قرادمرداش ويونس والطنبغا المعلم وسودون باق وغيرهم ، فتوجهوا وخرجوا في أول رجب فوصلوا إلى حلب فوجدوا تمرلنك قد رجع إلى بلاده لأمر حدث بها ، وأرسل نائب الشام رجلا اتهم بأنه جاسوس فضرب فأقر على ثلاثة بدمشق فضرب وحبس وكتب إلى دمشق بإحضار رفقته ، ولما وصل الأمراء إلى حلب في شعبان كاتبوا بأن اللنك رجع فصادف وصول الخبر بمخامرة منطاش فأمروا أن يتوجهوا إلى محاربته فتوجهوا ، وكان ما سنذكره في السنة الآتية .وفيها عاد اللنك إلى عراق العجم فاستقبله ملوكها وأذعنوا له بالطاعة مثل إسكندر الجلالي وأر سعيد وإبراهيم العمي وأبو إسحاق السيرجاني وسلطان أحمد بن أخي شجاع وابن عمه شاه يحيى ، وكان جملة من اجتمع عنده من ملوك العجم سبعة عشر ملكا ، فبلغه أنهم تواعدوا على الفتك به ، فسبقهم وأمر بالقبض عليهم ، وقد اجتمعوا في خيمة وقرر في ممالكهم أولاده وأحفاده وتتبع ذراري المقتولين فلم يبق منهم أحدا ، ثم توجه نحو عراق العرب ، فبلغ ذلك أحمد بن أويس فجهز له عسكرا كثيفا مع أمير يقال له : اسنباي ، فتلاقيا على مدينة سلطانية فانهزم جند بغداد فلم يتبعهم اللنك وعطف على همذان وما يليها ، فقبض على متوليها واستناب فيها ثم كر راجعا إلى بغداد فبلغ أحمد بن أويس ذلك فعرف أنه لا طاقة له بلقائه ، وكان أحمد بن أويس استولى على مملكة نبريز عوضاعن أخيه حسين بعد قتله فلم يلبث إلا قليلا حتى فاجأه عسكر اللنك ، فلما بلغ ذلك رحل عنها وترك أهلها حيارى ، فهجم عليهم العسكر عنوة فانتهبوها وفعلوا فيها ما لا يمكن شرحه ، وأقاموا بها شهر رجب كله في استخلاص الأموال وتخريب الدور وتعذيب ذوي الأموال بالعصر والإحراق والضرب وأنواع العذاب ، وانتهكوا الحرمات وسبوا الحريم والذراري ، وكان قبل ذلك استولى على تبريز وفعل بها الأفاعيل ، وكان أحمد ابن أويس قد أرسل ذخائره وحريمه وأولاده إلى قلعة يقال لها النجاء في غاية الحصانة وقرر فيها أميرا يقال له النون مع ثلاثمائة نفس من أهل النجدة ، فنازله اللنك فلم يقدر عليها وقتل في الحصار أميران كبيران من عسكره ، ثم ترحل عنها لما بلغه ما طرق بلاده من جهة طقتمش خان وأنه قد تعرض لأطراف بلاده فكر راجعا أيضا ، ولما بلغه ذلك قرا محمدا التركماني انتهز الفرصة ووصل إلى تبريز فملكها ، وقرر فيها ولده مصر خجا ورجع إلى بلاده .
وفي تاسع رجب أمر المحتسب بطلب ذوي الأموال واستخراجزكواتها منها وأن يتولى قاضي الحنفية الطرابلسي تحليفهم ، فعمل ذلك في يوم واحد ، فلما ورد الخبر برجوع تمر لنك رد على الناس ما اخذ منهم وبطلت مطالبتهم بالزكاة وبالخراج أيضا .
وفي العشرين من رمضان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء العسكر عوضا عن شمس الدين القرمي بعد وفاته ، وسعى تجم الدين بن عرب في الحسبة فبذل فيها خمسين ألف درهم قيمتها يومئذ أكثر من ألفي مثقال ذهبا .
وفي نصف شوال أفرج الظاهر عن يلبغا اناصري من دمياط وأعطاه شيئا كثيرا وقرره في نيابة حلب ، وسافر في تاسع ذي القعدة ، وقرر سودون المظفري نائب حلب أتابك العساكر بها .
وفي هذه السنة في ذي الحجة صرف تقي الدين الكفري عن قضاء الحنفية وقرر عوضه نجم الدين بن الكشك .وفي رابع ذي الحجة استقر أمير حاج مغلطاي في نيابة الإسكندرية .
وفيات سنة 789
ذكر من مات في سنة تسع وثمانين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله شمس الدين الوزير القبطي المعروف بكاتب أرنان أصله من نصارى القبط فأسلم وخدم الأمراء إلى أن اتصل بالظاهر قبل سلطنته في ديوانه ثم قلده الوزارة فباشر أحسن مباشرة ، فتنقلت به الأحوال إلى أن خدم في ديوان برقوق وهو أتابك العساكر فأراد ابن مكانس أن يبعده عنه فيعينه لوزارة الشام ، فاستعفى ثم ولاه برقوق الوزارة فنهض فيها نهوضا تاما حتى قيل إنه دخل الدولة وليس فيها درهم ولا قدح غلة ، وخرج عنها وفيها من النقد ألف ألف درهم ومن الغلة ثلاثمائة ألف أردب وستون ألف أردب ومن الغنم ستة وثلاثون ألف رأس وغير ذلك حتى أنه كتب في مرض موته أوراقا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12