كتاب : إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ
المؤلف : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

مخطئا في سنة مولده فإنه كان اشتد به الهرم وظهر عليه جدا - فالله أعلم .
أحمد البابي شهاب الدين - بباء موحدة - نسبة إلى باب والبزاغة ، وكان يصحب القاضي صدر الدين المناوي ، وتقدم في ولايته القضاء ثم ولي تدريس الشريفية بالقرب من الجودرية وسكن بها إلى أن مات وقد جاوز الثمانين .
أرغون شاه النوروزي ، وكان ولي أستادارية السلطان بدمشق ، وولي الوزارة بمصر ثم الأستادراية ، ثم أعيد إلى دمشق على إمرة ؛ مات في حادي عشر رجب .
أقباي اليشبكي ، كان من مماليك يشبك واستقر بعد ذلك دويدار صغيرا وولي نيابة الإسكندرية في العام الماضي وكان متواضعا بشوشا كثير الحرص على التحصيل ولم يحمد في ولايته المذكورة ، ومات فييوم السبت 21 ذي القعدة ، واستقر عوضه - زين الدين عبد الرحمن ابن علم الدين بن الكويز في نيابة الإسكندرية فاستقر يوم الخميس ثالث . . . وسافر يوم الخميس - .
بردبك الإسماعيلي ، من مماليك الظاهر برقوق أحد الأمراء العشرات ، مات في جمادى الأولى .
أبو بكر - بن عتوق بن أبي بكر السوهائي زكي الدين الشاهد بمصر ، سمع في سنة 79 على ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن إدريس الحراوي الطبردار - قطعة من كتاب - الخيل للدمياطي بسماعه لجميعه منه ، ومات في . . . .
حمزة بك بن علي بك بن ناصر الدين ابن دلغادر ، مات مسجونابقلعة الجبل في ليلة الخميس السابع والعشرين من - جمادى الأولى .
سليم بن عبد الرحمن ، الجنائي الشيخ سليم ، واصله من عسقلان ويقال له ، الأزهري ، لسكناه بجامع الأزهر ، وهو أحد من كان يعتقد بالقاهرة ، وكان شهما ، جاوز الستين بأربع ، وحج مرات ، وكانت جنازته مشهودة ، ومات أخوه الشيخ علي الجناني قبله بقليل وكان خيرا وأظنه جاوز الثمانين .
عائشة ست العيش بنت القاضي علاء الدين الحنبلي ، ولدت سنة 61 وحضرت على جدها فتح الدين القلانسي أكثر الغيلانيات وغيرها - وسمعت من القاضي عز الدين ابن جماعة والقاضي موفق الدين الحنبلي جزءين من حديث أبي الحسن بن بشران ومن ناصر الدين الحراوي الجزء الأول من فضل الخيل للدمياطي ، ولها أجازة من محب الدين الخلاطيوجماعة من الشاميين والمصريين ، أكثر عنها الطلبة بأخرة ، وكانت خيرة وتكتب خطا جيدا ، وهي والدة القاضي عز الدين ابن قاضي المسلمين برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي .
عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله ، المروزي الأصل زين الدين ابن الخراط نزيل القاهرة ، الأديب الشاعر ، موقع الدست ، اشتغل على أبيه وغيره بحلب ، ولد بحماة في سنة 77 ، وقدم مع والده إلى حلب فنشأ بها ، واشتغل بالفقه ثم تولع بالأدب واشتهر ، وأكثر من مدح الأكابر من أهل حلب ، ومدح حكم بقصائد طنانة فأجازه واختص به ونادمه ، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها وقدم أخوه شمس الدين محمد إلى القاهرة صحبة القاضي ناصر الدين ابن البارزي فسعى لأخيه في كتابة السر بطرابلس فوليها ، ثم قدم الديار المصرية فقطنها وقرر فيكتابة الإنشاء ، ثم ولي وظيفة الإنشاء بعد ابن حجة ، وكانت بيده وظائف تلقاها عن أبيه فاستمرت معه ، وولي قضاء الباب بعد والده فاستمر معه إلى أن مات ، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة ، سمعت من نظمه وصار حتى بلغز في النعام نثرا من إنشائه فأجبته ، وكان كثير النفور من الناس جدا ، بلغني أنه قارب السبعين مات في ليلة الثلاثاء ثاني المحرم - وقد تقدم ذكر أبيه .
عبد الرحمن القاضي نور الدين بن الشيخ جلال الدين نصر الله ، البغدادي أخو قاضي القضاة محب الدين ، كان ينوب في الحكم عن اخيه ، وناب قبل ذلك على ابن المغلي ، وكان في ابتداء أمره حريرا بحانوت على باب القصر ، ثم جلس في الشهور إلى أن ناب عن أخيه فحكم فيه ، ثم ولي قضاء صفد استقلالا فأقام بها سبع سنين ، ثم حج في أواخر شعبان سنة 37 وجاور سنة ثمان ، ورجع إلى القاهرة في أول سنة 39 ، فأقام بها ينوب عن أخيه إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان ، وكان الجمع في جنازته وافرا ، ولم اصل عليه لأنه أخرج وقت صلاة الجمعة وأنا صليتفي جامع القلعة بالسلطان ، ومولده في سنة 783 ، وقدم مع أبيه بعد التسعين وهو أصغر الإخوة ، وله سماع من بعض شيوخنا ، وكان حسن المودة كثير البشاشة ، وفي كثير من أحكامه مقال - والله يعفو عنه وأجاز له في استدعاء بخط أخيه القاضي محب الدين ابن المحب وجماعة من شيوخ الشام في سنة 786 ، وذكر لي أخوه أنه سمع معه على تقي الدين ابن حاتم كتاب الشفاء ، ولم يخلف ولدا ، وقرأت بخط أخيه أنه مات له ثلاثة عشر ولدا .
عبد الرحمن الحلبي القاضي تاج الدين المعروف بابن الكركي بحلب ومولده . . وسمع من . . . وولي قضاء حلب مدة ثم نزل عن ذلك ، واستمرت بيده جهات قليلة يتبلغ منها إلى أن مات في يوم 22 من شهر رمضان ، وكان يسكن القاهرة مدة وناب عني ثم حج وتوجه ، ولفقيته بحلب ما توجهت إليها صحبة السلطان ، وأجاز لأولادي - رحمه الله .
علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن منصور بن حجاج بن يوسف الحسني العلوي الشريف صاحب صنعاء الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن ابن الإمام صلاح الدين أقام في الإمامة بعد أبيه ستا وأربعين سنة وأشهرابصنعاء وصعدة وعدة حصون ، ومات في 7 صفر ، واستقر بعده ابنه الناصر صلاح الدين محمد فمات بعد ثمان وعشرين يوما ، فاجتمع الزيدية على رجل يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدي والجميع زيدية .
قرقماس بن عذراء بن نعير بن حيار بن مهنا .
كمشبغا الظاهري أمير عشرة ، وهو أيضا ممن قام بنصر جانبك الصوفي إلى أن أخذ في هذه السنة كما قدمنا في الحوادث - .
عبد الوهاب تاج الدين بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير ، مات في ثاني ذي القعدة بدمشق - .
عيسى بن قرمان ، قتل في محاربته مع أخيه إبراهيم .
قرمش الأعور ، كان من مماليك الظاهر برقوق ، وتنقلت به الأحوال وتامر ، ثم كان مع تنبك البجاسي لما خامر على السلطان ، ثم ظهر مع جانبك الصوفي في السنة الماضية ، فلما كان العسكر المجرد بحلب وصل خجا سودونإلى عينتاب فطرقه قرمش فكانت بينهما وقعة قبض فيها على قرمش فقتل . فحملت رأسه إلى القاهرة فطيف بها ، ووصل العسكر المجرد إلى سيواس فلم يظفروا بجانبك ولا بابن دلغادر بل انهزما أمامهم إلى بلاد الروم .
قصروه وكان من مماليك الظاهر برقوق ، وتنقلت به الأحوال إلى أن استقر في إمرة آخور الكبير في أول دولة الأشرف ، ثم نقل إلى نيابة طرابلس في سنة خمس وعشرين ، ثم نقل إلى نيابة حلب سنة ثلاثين ، فلما كانت سفرة آمد وعاد الأشرف إلى القاهرة ولاه نيابة دمشق ، ونقل منها جار قطلي إلى القاهرة ، ونقل قصروه إلى حلب في شعبان سنة سبع وثلاثين - فسار فيها سيرة حسنة ، وعمر قبة كبيرة في مقام الأنصاري ووقف عليها وقفا .
محمد بن أحمد بن محمود القاضي شمس الدين الحنفي المعروف بابن الكشك ، مات معزولا عن القضاء .محمد بن إسماعيل بن أحمد الضبي الشافعي صاحبنا الشيخ شمس الدين ، كان خطيبا بجامع يونس بالقرب من قنطرة السباع بين مصر والقاهرة ، وكان دينا خيرا مقبلا على شأنه لازمني نحو ثلاثين سنة وكتب أكثر تصانيفي ، منها أطراف المسند ، وما كمل من شرح البخاري وهو أحد عشر سفرا ، والمشتبه ولسان الميزان ، وكتب الأمالي وهي في قدر أربع مجلدات بخطه ، وتخريج الرافعي وعدة تصانيف ، وكتب لنفسه من تصانيف غيري ، واشتغل بالعربية ، ولم يكن له نهمة في غير الكتابة ، وكان متقللا من الدنيا قانعا باليسير صابرا قانتا قليل الكلام ، كثر الثناء عليه من جيرانه ، مات في يوم الثلاثاء ثاني عشر رمضان وتأسفوا عليه - رحمه الله .
محمد بن محمد بن أحمد ، المناوي الأصل الشيخ شمس الدين الجوهري المعروف بابن الريقي ، مات في يوم الخميس خامس شوال ، وكان قد حصلت له ثروة من قبل بعض حواشي الناصر فرج من النساء ، واكثر من القراءة على الشيخ برهان الدين البيجوري فقرأ عليه الروضة وفي الرافعيالكبير وفي الرافعي الصغير وغير ذلك ، ولازم دروس القاضي ولي الدين العراقي ، وكان كثير التلاوة والإحسان للطلبة ، وكانت جنازته مشهودة .
محمد بن محمد بن علي بن أدريس ين أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، مجد الدين أبو الطاهر العلوي - نسبة إلى نبي علي بن بلي بن وائل - التعزي الشافعي ، ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة . وقرأ القرآن وشدا شيئا من العربية ونظم الشعر ، وأحب طلب الحديث فاخذ عن الجمال بن الخياط بتعز ، وحضر عند الشيخ مجد الدين الشيرازي وأجاز له ، وحج سنة تسع وثلاثين فسمع بمكة ، ثم قدم القاهرة فأكثر على السماع ليلا ونهارا وكتب بخطه كثيرا ، ثم بغته الموت فتوعك أياما ، ومات يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة ، وكان ينظم سريعا .
محمد بن موسى بن عمر بن عطية ، اللقائي الأزهري المالكي ، ولد سنة 774 - كذا بخطه ، ونشأ مع أبيه وحفظ القرآن وقرأ به في الجوقوكان حسن الصوت ، ثم طلب الحديث وقتا وكتب أسماء السامعين واعتمدوا عليه في ذلك ، ثم اتصل بشرف الدين الدماميني خين ولي نظر الجيش ، ثم بفتح الله حين ولي كتابة السر فلازمه إلى أن استقر شاهد ديوانه وغلب عليه ، ثم لما زالت دولته واستقر ابن - البارزي خدمه ولازمه إلى أن غلب أيضا عليه ، واستقر في ديوانه لا يقطع أمرا دونه إلى أن مات ، فخدم ابنه وابن الكويز ، ثم انفصل عنه وباشر في عدة جهات ، وكان كثير التودد والإحسان للفقراء والمحبة في أهل الخير والصلاح ، مات يوم الاثنين خامس شعبان بمنزلة جوار جامع الأزهر ، وكانت جنازته حافلة ، صلوا عليه بالجامع الأزهر ، وكان الجمع كثيرا ، ثم مشوا إلى مصلى باب النصر فصليت عليه ، وحضر جميع مباشري الدولة ناظر الجيش فمن دونه .
محمد بن يوسف بن أبي بكر بن صلاح ، القاضي شمس الدين الحلاوي الدمشقي ، وكان يذكر أن أصلهم من حلب وأنهم نسبوا إلى المدرسة الحلاوية بها ، وكان كثير من الناس يذكرون أن أباه كان يبيع الحلوى الناطف في طبق ، وولد له هذا في سنة 765 ، وكان للناس فيه اعتقاد فنشأ ولده بين الطلبة ، واسمعه من جماعة من الشيوخ ، وكان يذكر أنه سمع من الحافظ عماد الدين ابن كثير وابن أميلة ونحوهما من أهل ذاكالعصر ، فوجد سماعه من ابن كشك لبعض الصحيح وحدث به ، ثم قدم القاهرة وتوصل إلى خدمة الأمير يشبك ، وصحب ابن غراب ، وعمل التوقيع عند يشبك ، وولي نظر الأحباس مدة والحسبة غير مرة ، ثم ولي وكالة بيت المال سنة سبع وعشرين بعد موت ابن التباني إلى أن مات ، وكان قد مرض مرضا طويلا نحو الخمسة أشهر ، أصابه فالج فبطل نصفه ، وتنقلت به الأمراض إلى أن مات في ليلة الجمعة سادس شوال ، وكان كثير المجازفة في النقل ، واستقر بعده في وكالة بيت المال القاضي نور الدين مفلح ناظر المارستان وفيه قيل :
إن الحلاوي لم يصحب أخا ثقة
إلا محا شؤمه منه محاسنهم
السعد والفخر والطوخي لازمهم
فأصحبوا لا ترى إلا مساكنهم
يعني سعد الدين ابن غراب وأخاه فخر الدين وبدر الدين الطوخي ، فزاد عليهم المصنف رحمة الله :
وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى
والبدر والنجم رب اجعله ثامنهم
يعني صلاح الدين ابن الكويز وأخاه علم الدين وبدر الدين بن محب الدين المشير والنجم ابن حجي .محمد بن شاه بن الشيخ شمس الدين الفناري الحنفي الرومي ، كان ذكيا ، وحج في سنة بضع وثلاثين ودخل القاهرة ، ثم رجع إلى بلاد ابن قرمان فمات .
محمد المغربي الأندلسي النحوي الشيخ شمس الدين الذي ولي قضاء حماة وأقام بها مدة ، ثم توجه إلى الروم فاقام بها وأقبل الناس عليه ، وكان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار عارفا بعدة علوم خصوصا العربية ، وقد قرأ في علوم الحديث على وكان حسن الفهم ، مات في شعبان ببرصا من بلاد الروم .
محمد بن . . . بن الشيخ عبد القادر الكيلاني ، الشيخ شمس الدين مات في رابع صفر .محمد المعروف بالبلدي الشيخ شمس الدين ، كان خيرا وبيده نظر المارستان بمكة ، وكان يخدم الفقراء ويبالغ في ذلك بنفسه ، وكان دأبهالمشي بين الناس للإصلاح بينهم وتأليف قلوبهم فألموا لفقده ، وكانت وفاته في يوم الخميس سلخ ربيع الأول .
موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان ، الشافعي الشيخ شرف الدين السبكي ، مات في سابع عشر ذي القعدة ، وكان متصديا لشغل الطلبة بالفقه جميه نهاره ، وأقام على ذلك نحو العشرين سنة ولم يخلف بعده في ذلك نظيره ، وأظنه بلغ السبعين وكان سناطا .
نعمة الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عبد الرحيم ، الجرهي - بفتح الجيم والراء الخفيفة ، مات وله دون الثلاثين سنة ، ولد بشيراز وسمع الكثير وحبب إليه الطلب وسمع من أبيه وجماعة بمكة ، ثم قدم القاهرة فأكثر عني وعن الشيوخ وفهم وحصل كثيرا من تصانيفي ومهر فيها ، وكتب الخط الحسن وعرف العربية ، ثم بلغه أن أباه ماتفي العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد ورجع هو وأخوه قاصدين إلى مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا ونجا أخوه ، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جدة ، فاتفق وقوع الحريق بها فاحترق مع من احترق لكنه عاش وفقد رجليه معا فإنهما احترقا ، وعاش هو لعمره وذلك في شوال منها ، وكانت وفاة نعمة الله في رجب أو شعبان ظنا .حوادث سنة 841
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة
قرأت بخط القاضي الحنبلي : لم ير الهلال ليلة الجمعة إلا أن شخصا يقال له العاملي يقرأ المواعيد ذكر أنه رآه ولم يوجد من يوافقه ، وفي يوم الجمعة صلى بجامع الحاكم بعد الصلاة على ميت . . .
وفيه - فرقت كتب الحجاج ، وفيها أن الوقفة يوم الجمعة ، وكان قدوم الهجان بذلك بعد العصر يوم الخميس قبل ذلك ، ولم يحضر المبشر على العادة خشية من العرب الذين يقطعون الطريق .
وفي يوم الاثنين استقر سراج الدين عمر الحمصي في قضاء طرابلس وخلع عليه ، وركب معه القاضي الشافعي وناظر الجيش .وفي العاشر منه ثار جماعة من المماليك الأشرفية الجلبان وقصدوا نهب - بيت ناظر الجيش ، فأنذر بهم فاحترز وتحول من بركة الرطلي ونقل أمتعته ، فهجموا منزله ببركة الرطلي فنهبوا ما وجدوا - فيه وهم دون المائة ورجعوا - ، وخشي الوزير من النهب فاختفى ، ثم صارا يحضران مع الموكب ويرجعان مختفيين ، قراسلهم السلطان بالمنع مما فعلوه ، فلم يجيبوا وراموا أن يزاد جوامكهم واللحم ؛ ثم سكنت القضية .
وفيه وصل بدوي فأخبر أن الحاج حصل لهم في الذهاب عطش ومات منهم كثير من الجمال ولم يحضر معه من كتبهم إلا اليسير ، فحصل لجماعة ممن له معرفة من الحاج اضطراب إلى أن وصل في السادس عشر جماعة سبقوا من العيون فذكروا أن بني لام خرجوا على شاهين الذي كان توجه لعمارة البئر بالعيون فقتلوه ونهبوا الإقامة المجهزة من القاهرة وأن الحجاج بخير ، ثم وصل من سطح العقبة جماعة في يوم العشرين فأخبروا أن الركب الأول يدخل يوم السبت وأن المحمل يتأخر بسبب احترازهم من العرب .
وفي سابع عشر صفر وقع لعز الدين بن القاضي جمال الدينالبساطي تغيظ على بعض العامة فعزره فشكاه للسلطان ، فتعصب أمير آخور الصغير فأدب العامي فضربه ضربا مبرحا ، فحمله أخوه على جمال الدين وزعم أنه أشرف على الموت ، فآل الأمر إلى أن أمر السلطان بضرب البساطي فضرب ضربا مبرحا ، وشق ذلك على غالب الناس .
وفي يوم الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول نودي على النيل بما كان نقص وهو إصبعان ، ثم نودي يوم الخميس بإصبع تكملة أربع عشرة من أحد وعشرين ذراعا ، وكان ذلك موافقا لتاسع عشري توت من الأشهر القبطية ، وانتهت الزيادة في سلخه إلى خمسة أصابع من أحد وعشرين ذراعا ، واستمر ثابتا مدة ، واشتد الحر نحو العشرة أيام إلى أن طلع نجم السماك يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر الموافق لبابة من الأشهر القبطية فهبت الهواء الباردة وسكن الحر .
وفيها غلب على صنعاء اليمن سنقر مولى علي بن صلاح ملكها الذي انتقل بالوفاة ، فعصى سنقر المذكور على الإمام الذي استقر بعد على ابن صلاح بصعدة ، فسار الغمام لمحاربة سنقر المذكور كما سيأتي بيانه في السنة التي بعدها وآل الأمر إلى أن المملكة صارت لسنقر وصيرها ملكا .
وفيها ورد كتب صاحب الحبشة يذكر فيه أن البطرك الذي عندهم من قبل البطرك الساكن بمصر مات ويلتمس من السلطان أن يأمر البطركأن يجهز إليهم من عنده بدله ويذكر فيه مودة ومحبة وتوصية بمن بمصر وأعمالها من النصارى ، فتقدم الأمر إلى البطرك بذلك فبعث نصرانيا يسمى مخاييل ، ومن قبل أن يسافرا حضر عندهما جماعة من الحبشى نصارى فشكوا أنهم كانوا في دير وأن قطاع الطريق نزلوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثة وهرب من بقي ، وسألوا في ترميم كنيسة كانت قديمة ببساتين الوزير وتركها أهلها من أجل تخريبها ، فرفعوا قصة إلى السلطان فأذن في ذلك ، ورفعوا أمرهم إلى القاضي الحنفي وهو حينئذ بدر الدين العيني فكتب لبعض من ينوب عنه بالتوجه لتلك الجهة وإعادة الكنيسة على ما كانت عليه بأنقاضها من غير مزيد على ذلك ففعل ، فكان في سنة 844 ما سأذكره .
وفي شهر ربيع الآخر قبض على جانبك الصوفي بعد أن كان تحول عند مرزابك إلى جهة ابن قرايلك - ، فما زال تغري برمش النائب بحلب - يكاتبه في أمره إلى أن اتفقا على خمسة آلاف دينارليقبض عليه ، فبلغ ذلك جانبك الصوفي - ففر بمن معه فتبعوه - فجرح في المعركة وقبض عليه ، وكوتب النائب فجهز المال ومعه سرية تحمله إلى حلب وكاتب السلطان في ذلك ، فاتفقت وفاته ثاني يوم القبض عليه ، فوصلت السرية فقبض المال وحز رأسه وجهزت إلى حلب ثم إلى القاهرة ، ووصلوا بها أول جمادى الأولى ، وطيف - بها في القاهرة واستقرت النفوس ، وحصل لمن كان يهوى هواه ما لا مزيد عليه من الحزن ، وبطلت الملحمة وتبين كذب من افتراها - والأمر كله بيد الله تعالى .
وفي يوم الخميس سابع عشرة رفع جماعة أن نور الدين بن سالم أحد نواب الشافعي حكم عليه في قضية ، فطلبه السلطان فحضر ، فسأله عن الشهود : لم لم يكتب أسماؤهم في الحكم ? فأجاب بأن ذلك ليس شرطا ، فعارضه بعض من حضر ، فأمر بضربه فضرب بحضرته وأخذ شاشه وأهين إهانة صعبة ، فخرج وهو مكسور الخاطر لكونه مظلوما ، وكثر التأسف عليه ،ولم يكن إلا اليسير حتى وعك السلطان وتمادى أمره إلى أن مات كما سيأتي مفصلا .
وفيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر بحماة وحلب وحمص ، ثم تحول إلى دمشق في أواخر الشتاء ودخل الديار المصرية في أوائل شهر رمضان ، فكان في ابتدائه يموت في اليوم - نحو العشرين ، ثم بلغ في آخره نحو الثمانين ، ثم بلغ في أول شوال إلى المائة ، ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه ، وفي العشر الآخر من شهر رمضان توجه جكم ختن السلطان بإذنه إلى الوجه البحري فهدم دير المغطس وهو دير روماني من قبل الإسلام لكنهم يبالغون في تعظيمه ويخصون له يوما معينا كالعيد ، يجتمع فيه من جميع أقطار الإقليممشاة وركبانا ، ويتشبهون بالحجاج ، ويجتمع حوله من الباعة ما جرت به العادة في المواسم الكبار ، ويعلنون فيه بسب أكابر المسلمين كالصحابة خصوصا خالد بن الوليد ، وقد تقدم في حوادث شهر ربيع الأول من السنة الماضية قيام الشيخ ناصر الدين الطنباوي في أمره وسعيه في هدمه فلم يتفق ، فقيض الله في هذا الشهر هذا الرجل وهو جركسي قريب العهد بالإسلام لكن إسلامه قوي ، فعرفه بعض الصلحاء بالقضية ففهمها ، فقام فيها إلى أن أذن السلطان للقضاة بالحكم بهدمه بعد إن كان المالكي في تلك المرة - قد بالغ في تثبيت مقتضيات هدمه وأشرف على الحكم ، فدسوا عليه من أخافه بأن للسلطان غرضا في ترك هدمه وإبقائه مغلقا ، فجبن وركن لمن زعم له أن السلطان حكم بإغلاقه إلى إن يسر الله في هذا الوقت هدمه - ولله الحمد .
وفي أواخر شهر رمضان سأل السلطان من يحضر مجلس الحديث عن سبب الطاعون ، فذكر له بعضهم فشو الزنا ، فأمر بمنع النساء هن الخروج من بيوتهن إلا العجائز والجواري لقضاء الحوائج اللاتي لا بد لهن منها وشدد في ذلك .وفي الثامن والعشرين من شهر رمضان صرف كاتب السر صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين - ابن نصر الله عن الحسبة ، واستقر دولات خجا الذي كان ولي الشرطة في سنة ست وثلاثين في سفرة آمد . وفيه أخرج الشيخ سرور المغربي من القاهرة بأمر السلطان إلى الإسكندرية . وفي هذا اليوم ظهر جراد كثير جدا بعد العصر ، جاء من قبل المشرق ، حتى كاد النهار يظلم ، فدام ساعة وسار نحو المغرب ، فلم يبق له أثر من قبل المغرب ، ثم في اليوم الذي يليه وقع نظير ذلك في وقته ثم انقضى أمره .
وفي أواخر شهر رمضان كتب مرسوم بإضافة المواريث الحشرية من النصارى إلى بيت المال بعد أن كن البطرك يتناولها بمراسيم يقررها له الكتاب من قديم الزمان ، وكلما أبطلوه أعادوها مرارا .
شوال ، أوله الخميس ، في أوله اشتد البرد جدا بحيث أنه كان أشد مما كان في فصل الشتاء وعاد الناس إلى لبس الفراء ونحوها ، وفشا الطاعون فزاد على المائة ، وصلينا في الجامع الحاكمي بعد الجمعة على خمسة أنفس جملة ، وكان أول ما بدا اشتد - في نواحي الجامع الطولوني ثم في الصليبة ثم فشا في القاهرة - ولله الأمر .
ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه كل يوم ، ثم في العشر الأوسطإلى ثلاثمائة .
وفي السادس منه استقر كاتبه في الحكم بالديار المصرية على عادته .
وفي النصف منه توجهت ليلى لزيارة أهلها بحلب ، فأكملت في عصمتي خمس سنين سواء ووقعت الفرقة ، وعادت في رجب ثم أعيدت إلى العصمة .
وفي العاشر منه عاود السلطان ضعفه بالقولنج وسوء المزاج وفساد المعدة ، فانقطع عن الموكب والخدمة إلى . . وأدير المحمل في يوم الاثنين تاسع عشرة وأميرهم آقبغا التركماني ، وأبطل جماعة من الناس السفر لاشتغالهم بالطاعون ، وكان فطر النصارى في الثامن عشر ، وأمطرت في التاسع عشر مطرا خفيفا ، ثم كثر في الليل وأرعدت وأبرقت ونزل الماء كأفواه القرب ، وهو في - اليوم الثالث من نزول الشمس الثور ،وأصبحت المدينة ملأى بالوحل ونزل الماء ، وقد تقدم نظير هذا في مثل هذا اليوم من سنة ست وعشرين وثمانمائة .
وفيه أمر بكسر أواني الخمر ، فأخبرني المحتسب دولات خجا أنه كسر في يوم واحد ثلاثة وستين ألف جرة وأنه سئل بمال جزيل الإعفاء من ذلك ، فلم يستطع مخالفة الأمر لشدة فحص السلطان على ذلك ، وفي آخره توجه العسكر المصري من حلب إلى جهة الروم .
وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه غضب السلطان على رئيسي الطب شمس الدين أبي البركات بن عفيف بن وهبة بن يوحنا بن وفا حلب - الملكي الأسلمي وزين الدين خضر الإسرائيلي لاتهامهإياهما أنهما غلطا عليه فيما وصفاه له - من الأدوية ، فأمر بتوسيطهما فوسطا بالحوش ، وذكر أن ابن العفيف استلم وتشهد ، وأن الآخر مانع عن نفسه وعالج وسأل أن يفدي نفسه بخمسة آلاف دينار ، فلم يجب ، وقتلا .
وفي صبيحة يوم الأحد سلمت جثتهما لأهلهما ، فدفناهما وراحاه من وزن الذهب - وعد ذلك من الأعاجيب .
وفيه غضب على عمر والي الشرطة وصودر على مال ثم أعيد ، واشتد بالسلطان الضعف لعدم تناول الغذاء وساءت أخلاقه ، وصار يأمر بأشياء فيها ضرر لبعض من يلوذ به فيظهر المأمور الامتثال ولا يفعل ، واتفق أن ناظر الجيوش القاضي زين الدين - عبد الباسط انقطع يوما بسبب ظلوع في ذراعه ثم عوفي وركب وفرح الناس - ، واستمر كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله - ضعيفا منقطعا من يوم الجمعة ولم يظهر فيه الطاعون إلا أن مرضه شديد الحدة . فلما كان يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة طلب السلطان الخليفة والقضاة والأمراءوالخاصكية والمماليك السلطانية والأجناد ، وعهد السلطان بالسلطنة لولده وكتب عهده ، ولقب الملك العزيز جمال الدين يوسف - ، وأشهد السلطان على نفسه بذلك برضا أهل المملكة وإمضاء الخليفة ، واشهد على نفسه أنه جعل الأمير الكبير - جقمق نظام مملكة ولده يوسف - وكتب له بذلك ورقة مفردة ، وشهد فيها على السلطان بالتفويض وعلى الخليفة بالإمضاء ، وانفق على المماليك السلطانية فجعل - لكل شخص ثلاثون دينارا وأنفض المجلس ، وخلع على نور الدين الإمام السويفي بوظيفة الحسبة عوضا عن دولات خجا ، وهرع الناس للسلام عليه .
وفي الرابع من ذي القعدة تناقص البرد وتزايد الحر وخف الموت من ضواحي القاهرة إلا من الجهة البحرية والشرقية فتزايد فيهما كما كان في الغربية والقبلية فيقال جاوزوا الألف في كل يوم ومعظمهم أطفال ورقيق من جميع الأجناس .
وفي النصف من ذي القعدة بدأ الطاعون في النقص فصار ينقص في كل يوم نحو الأربعين والخمسين والثلاثين ، وتمادى على ذلك إلى أنكان في العشرين منه ، فكانت عدة الاموات بمصلى باب النصر مائة بعد أن كانت بلغت الخمسمائة ، ثم تناقص إلى ستين في ثاني عشري ذي القعدة وكانت بلغت بمصلى المؤمني نحو الثلاثمائة ، ثم تناقص ذلك إلى ثلاثين .
وفي العاشر من ذي القعدة ناول العسكر المصري الابلستين ، ثم توجهوا إلى مدينة اقشر فنازلوها وأميرها سالم بن الحسن وكان يقطع الطريق على التجار ، فهدموا بعض قلاعها وكان هذا المكان - معدا لقطاع الطري ، وتوجه العسكر المصري منها في أواخر الشهر بعد أن - قرروا بها نائبا .
وفي السادس والعشرين من ذي القعدة هبت ريح شديدة ، وأثارت ترابا كثيرا بحيث ملأت البيوت والشوارع ، ودامت من الليل إلى آخر النهار .
وفي العشر الأخير من ذي الحجة وكان أوله الاثنين قصد العسكر المصري أرزن الروم ، فأرسل إليهم صاحبها يعقوب بك بن قرا يلك ولده وزوجته وقضاة بلده يبذل الطاعة وصحبتهم دراهم مضروبة باسم الأشرف من ذلك قبل إن يصل لكنهم حين مروا فدخلوا البلد فزينوها لهمونزلوا بالمرج وأتتهم الضيافة ، واستقر يعقوب نائبا بها نائبا من قبل السلطان هو وابن أخيه جهانكير بن علي بك بن قرايلك ، ورحل العسكر منها في أول يوم من المحرم .
وفيات سنة 841
ذكر من مات في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة الكاتب سعد الدين بن كريم الدين ابن سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم ، مات في ليلة الجمعة ثامن عشر شهر - ربيع الأول ولم يبلغ الثلاثين ، وكان استقر في نظر الخاص السلطاني ووكالة السلطان الخاص عقب موت والده فباشرها إلى أن مات ، وكان علته مرض السل ، وعرض له في أثناء ذلك قولنج وحصل له صرع ولم يكثر - ، واتهم طبيبه بأنه دس عليه سما ، وكانت جنازته حافلة ، صلى عليه بالزميلة ونزل السلطان وكثر الثناء عليه ، وكان قليلالأذى ، كثير البذل ، طلق الوجه ، نادرة في طائفته ، واستقر بعده في وظيفته أخوه جمال الدين يوسف يوم السبت ، وهرع الناس للسلام عليه .
أحمد بن صالح شهاب الدين الشطنوفي العامل بمودع الحكم بالقاهرة ، وكان يجيد الكتابة والضبط ، وللجهة به جمال ، فتلاشى الأمر بعده جدا - ولله الأمر ، ذكر لي ولده شمس الدين محمد وهو من النجباء أن مولد والده في . . ، وذكر لي غيره أنه جاوز الثمانين ، مات في ليلة الجمعة حادي عشري ذي القعدة .
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن شهاب الدين المادح المعروف بالقرداح الواعظ وكان قد انتهت إليه رياسة الفن ولم يكن في مصر والشام من يدانيه في هذا الوقت ، فإنه كان طيب النغمة ، عارفا بالموسيقى ، يجيد الأعمال ويتقنها ، ولا ينشد غالبا إلا معربا ، ومهر في علم الميقات ، وكان ينظم نظما وسطا ، سمعت منه ومدحني مرارا . وكان يعمل الألحانوينقل كثيرا منها إلى ما ينظمه ، فإذا اشتهر وكثر العمل به تحول إلى غيره ، وهو أحد مفاخر الديار المصرية ولم يخلف بعده مثله ، ذكر لي أن مولده سنة ثمانين ، وكان قد أسرع إليه الشيب والهرم ، وخلف كتبا كثيرة تزيد على ألف مجلد ، وخلف مالا جزيلا خفي غالبه على ورثته .
أركماس دويدار الأمير الكبير ، وكان خدم دويدار عند بيبغا المظفري قبل أن يلي وظيفة الأمير الكبي ، ثم خدم عند يشبك الأعرج الساقي بعد أن كان أميرا كبيرا ، وكان حسن السياسة ، عارفا بالأمور ، مشكور السيرة ، قليل الشر ، وولي نظر الأوقاف بعد موت - قطلوبغا حجي ، ومات في المحرم .
برسباي السلطان الملك الأشرف ، مات في عصر يوم السبت بعد أن أقام أكثر من عشرين يوما ملقى على قفاه لا حراك به إلا فيبعض الأحيان يحرك بده كالعابث أو ينطق بما لا يفهم ، وصار يجرع السويق ونحوه بالمسعط ، فلا ينزل إلى جوفه من ذلك إلا اليسير ، وكان قبل ذلك قد أفرط به الإسهال حتى انحطت قوته ، ثم عرض له الصرع فأقام في أول مرة زمانا طويلا بحيث أرجف بموته ثم أفاق منه مختبلا ، ثم عاوده بعد سبعة أيام فازداد انحطاطا ، واستمر يعاوده حتى يئس منه كل من حوله من النساء والرجال والأطباء ، وفي كل نوبة من الصرعة يرجف بموته ويتهيا الناس لذلك ثم يتحرك ، وكان في غضون ذلك في أوائل ذي الحجة خرج وجلس على لسانه مع بعض الحاشية يأمرهم أن يحلفوا لولي العهد ولده يوسف الملك العزيز ، قكان أول من حلف ممن حضر تمربائي الدويدار ثم إينال المشد ثم على باي الخازندار ، ثم تواردوا على الإيمان لولي العهد ولنظام الملك فعرضوهم طبقة بعد طبقة إلى أن تعالى النهار جدا ، ثم انصرفوا واصبحوا على ذلك فأرسل كل قاض نائبا من عنده حضر التحليف ، والمباشر للتحليف القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي نائب كاتب السر ، فاستوعبوا في يومين آخرين من بقي ، وكان من تأخر الأمراء عن الصلاة بالجامع ثم اجتماعهم وصلاتهم يوم الخميس الخامس من هذا الشهر وهم على حذر ، ثم اجتمعوا لصلاة العيد ، وخلع ولي العهد على الأمير الكبير جرت له عادة بالخلع ، ثم اجتمعوا لصلاة الجمعة ثاني عشر الشهر وقد اطمأنت نفوسهم ، فلما كان يوم الست الثالث عشر من ذي الحجة مات السلطان قبل العصر ، فاجتمعوا بعد العصر بباب الستارة ، وجلس ولي العهد وطلب القضاة والأمراءوالجند ، فاجتمعوا كلهم فعقدوا له البيعة بالسلطنة ، ولقب الملك العزيز كما تقدم ، ثم ألبس خلعة الخلافة وأركب الفرس ورفعت على رأسه القبة ، ومشى الامير الكبير بالغاشية إلى أن دخل القصر الكبير فأجلس على الكرسي وجلس حوله الخليفة والقضاة ، ثم وقف جميع الامراء وأهل الدولة من المباشرين وغيرهم ، وقرأ كاتب السر عنوان التقليد ، وادعى كاتب السر عند الشافعي عن السلطان إن الخليفة فوض إليه السلطنة على قاعدة والده وسأل الحكم بذلك فاستوفيت فيه شروط الحكم وحكم ونفذه القضاة ، وركب السلطان إلى داخل الدور ، وخرج الخليفة والقضاة والأمراء - والجند أجمعين إلى باب القلعة ؛ وأخرج الأشرف في التابوت فوضع على المصطبة الكبرى ، وتقدم الشافعي للصلاة عليه ، فلما أكملوا الصلاة توجهوا به إلى تربته التي أنشأها بالصحراء فدفن بها قبل أن تغرب الشمس ، ولم يتوجه معه من حاشيته إلا عدديسير ، وكثر ترحم العامة عليه ، وبالغوا في سب الخازندار لما رواه في الجنازة ورموه بكل سوء ، فبات بالتربة ورجع إلى القلعة فدخلها أول ما فتحت ، وحضرنا الصبحة فوجدنا عددا يسيرا من الجند وبعض الفقهاء ، فلما ختم وانصرفنا اجتمع الأمراء ورؤساء الدولة عند السلطان وقرروا أمور من يسافر بخلع النواب بالبلاد ، فلما كان يوم الاثنين النصف من الشهر شرعوا في تجهيز القصاد إلى البلاد لتحليف أمرائها والإذن للأمراء المجردين في الرجوع . . ، وكان برسباي يخدم دقماق الذي مات أخيرا بحماة ، ودقماق كان من مماليك الظاهر برقوق ، فيقال إنه الذي أعتق برسباي ، ثم صار برسباي من أتباع نوروز ، ومن قبل ذلك كان مع جكم ، ثم صار مع شيخ بعد قتل الناصر وحضر معه إلى مصر فولاه نيابة طرابلس ، ثم غضب منه فاعتقله عند نائب دمشق ، فلما دخل ططر الشام بعد المؤيد استصحبه إلى القاهرة وقرره دويدارا كيرا فباشر ، وسلطنته في ربيع الآخر سنة خمس وعشرون ، وأكرم الصالح محمد بن ططر - وقرنه بولده فكانا يركبان جميعا إلى أن ماتا بالطاعون سنة ثلاثين .
واتفق في أيام سلطنته من السعد في حركاته ما لا يوصف بحيث أنه لم يقم أحد إلا وقتل من غير أن يجهز له عسكرا أو يباشر له حربا ، وفتحت في أيامه قبرس وأسر ملكها - وقد سبق خبرها في الحوادث .بلقيس بنت بدر الدين محمد بن شيخنا سراج الدين البلقيني ، ماتت في ذي القعدة ، وكانت لها شهرة تغني عن ذكرها ، وهي لسان أهل بيتها ، وسلكت أكثر من عشرين سنة طريق التصوف ، ولبست الخرقة من جماعة وتسمت بالشيخة ووقع في ذلك أضحوكات - وبالله المستعان وأظنها جاوزت الستين .
أبو بكر بن عبد الله بن أيوب بن أحمد ، الملوي المصري الشاذلي الشيخ زين الدين ، ولجده أيوب زاوية بملوي وكان معتقدا ، واما هذا فولد سنة 762 ، وصحب الفقراء وتلمذ للشيخ حسن الحيار ثم لازم صاحبه صلاح الدين العلائي ، وصار يتكلم على الناس بزاوية الحيار بقنظرة الموسكي ويفسر القرآن برأيه على قاعدة شيخه ، فضبطوا عليه اشياء ورفع إلى القاضي جلال الدين فمنعه من الكلام إلا أن قرا من تفسير البغوي وشبهه واجتمع بي بسبب ذلك فوجدته حسن السمت إلا أنه عرى عن العلم ، وكان فيما ذكر لي هو أنه رأي أن في قوله تعالى : كذبت قوم هود المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ، إن الضمير في قوله أخوهم للمرسلين ، قلت : بل لعاد ، قال : لا ، لا يليق بالنبي أن يوصف بأنه أخو الكفرة ، قلت : فقد قال في الآية الأخرى : واذكر أخا عاو ، فسكت ،وله نظائر لذلك إلا إنه كان كثير الذكر والعبادة ، يتكسب في التجارة في الغزل ، ولجماعة من الناس فيه اعتقاد كبير ، مات في ليلة الجمعة الخامس من ذي الحجة ، وكانت جنازته حافلة ، وهو أخو شمس الدين رئيس الأذان بجامع ابن طولون الذي يقال له المسجل .
جاني بك الصوفي الظهري صاحب الحوادث والوقائع ، مات في يوم الجمعة 15 ربيع الآخر ، واختلف في قتله .
جاني بك السيفي أحد أمراء الطبلخاناة المعروف بالتور ، مات بمكة في شعبان وكان ولي بندر جدة شادا .
تمراز المؤيدي نائب صفد ثم غزة ، مات محبوسا بسجن الإسكندرية في 23 جمادى الآخرة .
إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز ، مات منفيا عن بلاده مذبوحا ذبحه ابنه في 2 ذي الحجة .
أحمد بن قرطائي الشهابي سبط بكتمر الساقي ، مات في الطاعون ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة ، ومولده في شعبان سنة 786 ، وكان ناظما حسن النظم حلو المحاضرة جيد المذاكرة شمسا جدا ، ومن نظمه :
حتى العذر وافاه من بعدهجر بوصلي
وقال صف لي عذارى فقلت ناحب علي
دولات جا الذي استقر في الحسبة وكان والي القاهرة ، مات يوم الأحد ثاني ذي القعدة بالطاعون .سودون بن عبد الرحمن نائب الشام ثم أتابك العساكر ، مات بطالا بثغر دمياط في يوم السبت العشرين من المحرم ولم يخلف مثله ، آق بردا البجاسي نائب غزة ، مات في خامس المحرم - .
عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر ، الطرابلسي القاضي تاج الدين أبو محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين ، ولي أبوه قضاء الحنفية وناب عن أخيه أمين الدين في الحكم ، واستمر ينوب عمن ولي بعده إلا ابن العديم وولده فإنه لم ينب عنهما رعاية لأخيه ، وولي إفتاء دار العدل ، وكان يصمم في الأحكام ولا يتساهل كغيره ، وأقعد في أواخر عمره وحصلت له رعشة في بدنه ثم فلج فحجب ، وأقام على ذلك نحو سنتين إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرم ، وكان سمع ن ابن مناع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه ن عيسى المطعم ، وسمع عنا على البرهان الشامي وغيره ، وحدث قليلا قبل موته ، وكتب في الاستدعاآت .
عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد ، الزنكلواني الشيخ عبد الملك الرجل الصالح ، وكان يسكن بدار مجاور جامع عمرو بن العاص ويؤدب الأطفال ويكثر من تلاوة القرآن والصيام ، ويذكر عنه مكاشفات كثيرى ، ومات في ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى ولم يجاوز الستين فيما قيل ، وهو ابن خال برهان الدين الزنكلوني أحد نواب الحكم ، وفي ذلك اليوم . . بجوار مشهد الست زينب خارج باب النصر ، وكان صالحا وللناس فيه اعتقاد .علي بن محمد بن عبد الرحمن ، نور الدين الصهرجي ، مات في شوال عن نحو السبعين ، وهو من قدماء الطلبة الشافعية ، وكان مشهورا بالخير ويتكسب بالشهادة .
علي بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد ، البخاري العجمي علامة الوقت علاء الدين ، مولده في سنة 779 ببلاد العجم ، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلا عبد الرحمن ، وأخذ الأدبيات والعقليات عن الشيخ سعد الدين التفتازاني وغيره ، ورحل إلى الأقطار واجتهد في الأخذ عن العلاء حتى برع في المعقول والمنقول والمفهوم والمنظوم واللغة العربية وصار إمام عصره ، وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة ، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه ، ثم قدم مكة فأقام بها ، ودخل مصر فاستوطنها ، وتصدر للإقراء بها فأخذ عنه غالب من أدركناه من مذهب وانتفعوا به علما وجاها ومالا ، ونال عظمة بالقاهرة مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها حتى ولا السلطان والكل يحضر إليه ، وكان ملازما للإشغال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بذات الله مع ضعف كان يعتريه ، وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان في الإقامة بمصر مرارا فلم يقبل ، وسار إليها فأقام بها حتى مات في رمضان ، ولم يخلف بعده مثله لما اشتمل عليه من العلم والورع والزهد والتحري في مأكله ومشربه وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره ، ولما سافرالسلطان إلى آمد ركب إليه وزاره أول ما دخل دمشق .
علي بن مفلح ، الحنفي نور الدين ناظر المارستان ووكيل بيت المال ، مات يوم الجمعة 22 ذي القعدة عن نحو السبعين ، وكان عارفا بصحبة الرؤساء كثير الخدمة لهم ، كثير التودد لأصحابه والإعانة لهم ، وفيه لبعض الطلبة خير وبر ، وكان قد ولي مشيخة الجامع الجديد بمصر مدة .
علي بن موسى بن إبراهيم ، الرومي الحنفي العلامة علاء الدين ، تخرج بالشريف الجرجاني والتفتازاني إلى أن برع وتصدر للإقراء ودخل مصر ، فاستقر في مشيخة الأشرفية الجديدة وجرت له مع علماء مصر مناظرات ، وبالجملة فكان عالما محققا ، عارفا بالجدل ، إماما في المعقول ، بارعا في علوم كثيرة ، إلا إن يستخف بكثير من علماء مصر ، مات في يوم الأحد 20 من رمضان - .
علي بن موسى بن إبراهيم ، الشيخ علاء الدين الرومي صاحب الوقائع المشهورة في هذه السنة .
محمد بن أحمد بن محمد الباهي ، الشيخ تاج الدين النويري ، نزيل مصر بالنخالين منها ، وكان يخدم الشيخ زين الدين البوشي المجذوب ، ثم انقطع في منزله وصار يظهر منه بعض الخوارق ، وللناس فيه اعتقاد زائد ، وأضر قبلموته بمدة ، وصار مكانه من جميع جوانبه بنالا وهو مستمر فيه إلى أن مات في رمضان ، وأظنه بلغ السبعين أو دونها .
محمد - ولد شهاب الدين البنهاوي التاجر ، مات في ذي القعدة ، واستولى المتحدث عليه على موجود أبيه ، ولعله يزيد على عشرين ألف دينار ، فقام اثنان فادعيا أنهما ولدا عمه عصبة ، فصالحهما على شيء وصالح ناظر الخاص على شيء آخر ، ومجموع ذلك لا يجيء قدر الثلث من الموجود ، وكان المخبر بذلك من باشر عرض الموجود وبيعه وضبطه ، ومع ذلك فلم يلتفت المذكور لذلك وركب طرف الإنكار ، وإن الذي خصه هو الذي استولى عليه من غير زيادة .
محمد صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله كاتب السر بالديار المصرية - ، مات بالطاعون ، تمرض خمسة أيام ، وولي أبوه في يوم الخميس وظيفته وهرع الناس للسلام عليه وباشر - ، واتفق انحطاط السلطان في المرض إلى أن ثقل فيه وكان ما تقدم ، وكان صلاح الدين أولا يلقب غرس الدين واسمه خليل ، ثم غيره أبوه فيالدولة المؤيدية واستمر ، ونشأ صلاح الدين - فهما يقظا فتعلم الخط المنسوب والحساب ، وولي شاد المارستان والحجوبية في الدولة الناصرية فرج ، وولي إمرة طبلخاناة في الدولة المؤيدية ، وولي نديم الأشرف ثم كتابة السر عن أبيه وظائفه كلها كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة ، وولي الأستادارية الكبرى مرتين في أيام ططر وأيام الأشرف ثم استعفى - وباشر عن أبيه في وظائفه كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة نيابة ، وولي إمرة طبلخناة ، ثم ولي الأستادارية بتقدمة ألف ثم استعفى ، ثم نادم السلطان بعد ابن قاسم فولاه الحسبة ثم كتابة السر ، فلم يقم بها إلا دون السنة ، وكان كثير البشاشة وحلاوة اللسان وينسب إلى التزيد في القول - عفا الله تعالى عنه ? مات في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة بالطاعون ، ومولده في رمضان سنة تسعين وسبعمائة ، وعاش إحدى وخمسين سنة رحمه الله - .
محمد بن الحسن بن محمد ، الفاقوسي الرئيسي ناصر الدين كبير الموقعين بديوان الإنشاء ، ولد في ليلة الجمعة خمس وعشرين صفر سنة سبعمائةوثلاث وستين - وكان قديم الهجرة ، وباشر الوظائف الكبار ، ووقع عن القضاة أولا ثم في الدرج ثم في الدست ، ثم ولي نظر الديوان الخاص بخاص السلطان وديوان المشاجرات والذخيرة السلطانية مدة ، وعلت منزلته في الدولة الناصرية ، ثم انحطت في الدولة المؤيدية ولكنه يتماسك ، ثم انحطت في الدولة الأشرفية ، وانقطع عن الخدمة في أواخر عمره ، وكان رئيسا جليلا ، سمع الحديث الكثير وحدث بأخرة ، وله حكايات في ضيق العطن مع سماحة نفس وصدقة ، وكان ينظم نظما وسطا وكذلك إنشاءه ، وخطه أجود من إنشائه ، مات في يوم الثلاثاء سابع عشري شوال - رحمه الله تعالى .
وفيه مات للأمير الكبير ثلاثة أولاد : ذكر وانثيان ، فدفن البنتين في يومه ودفن الصبي صبيحة هذا اليوم .
وفيه مات للقاضي الحنفي بنت أخرى .
محمد بن الخضر بن داود بن يعقوب بن يوسف بن أبي شديد ، الحلبي شمس الدين ابن أخي الرئيس سليمان بن داود الأديب الشهير بابن المصري ، ولد بحلب قبل السبعين ، وأسمع على الكمال بن حبيب والظهيرابن العجمي وعمر بن أيدغمش وغيرهم ونشأ بها ، وتكسب بالشهادة ثم بالتوقيع ، وكانت له فضيلة ويرجع إلى ديانة ، وقدم القاهرة بعد اللنك فأقام بها دهرا ، وعمل التوقيع عند جمال الدين ثم في ديوان الإنشاء عند ناظر الجيش ، ثم تحول إلى بيت المقدس واستقر شيخ المدرسة الباسطية به ، ومات هناك وله نيف وسبعون سنة ، وسمع مني وكتب في الإملاء ومن شرح البخاري ، وقرأ على المقدمة ، ومن كتابي في الصحابة ، وأجاز لي في استدعاء أولادي ، وطارحني بأبيات وهو في بيت المقدس فأجبته ، وأنشدني لغزا لغيره في المسك وسألني جوابه ، ففعلت - والله يرحمه ? واستقر بنوه في جهاته التي بالقاهرة .
محمد بن عمر بن محمد ناصر الدين الطبناوي - بفتح المهملة والموحدة وتخفيف النون - نسبة إلى طبنا من عمل سخا ، ذكر لي أنه ولد سنة 753 ، وكان أبوه مذكورا يقال له ركن الدين ، فنشأ في محبة الفقراء وتقدم فيهم ، وكان مطاعا عند الأمراء والأكابر ، وقد ذكرت قصته في الحوادث - في هدم الدير المعروف بالمغطس وأنه قام في ذلك سنة أربعين فاتفق من خذل السلطان عن - الأمر بهدمه بعد أنكان انطاع لذلك لكنه أمر بإغلاقه ، ثم قدر أنه أذن بهدمه في هذه السنة ، فبادر الشيخ وأعوانه إلى ذلك فهدم ، وقدم الشيخ القاهرة مرارا وله أتباع ، وهو على طريقة حسنة من العبادة والتوجه والرغبة في الخير ، وكان اجتماعي الأخير به في أول ذي الحجة من هذه السنة ، وذكروا أن والدته كانت من الصالحات ويؤثر عنها كرامات ولها شهرة في تلك البلاد .
محمد بن عمر ، الميموني الشافعي الشيخ شمس الدين بن الشيخ سراج الدين ، ولد في حدود السبعين ، واشتغل بالفقه ، وكان أبوه نقيب الزاوية المعروفة بالخشابية ومات وهو صغير ، وتنزل في الوظائف ثم ترك وسلك طريق الفقر وجلس في زاوية ، ثم ترك ذلك وأكثر الحج وكان يديم التلاوة ووقعت له مع القاضي الحنفي كائنة ذكرت في حوادث سنة تسع وعشرين ، ونجا منها بعد إن حكم بإراقة دمه ، وعاش إلى هذه الغاية فمات بالقولنج بالمارستان .
محمد بن محمد بن محمد ، الشيخ علاء الدين البخاري الحنفي ، كان من أهل الدين والورع وله قبول عند الدولة ، وأقام بمصر مدة طويلة ، وتلمذ له جماعة ، وكان يتقن فن المعاني والبيان ويذكر أنه أخذه عن الشيخ سعد الدين ، ويقرر الفقه على المذهبين ، وانتفعوا به كثيرا ، ثم تحول إلى دمشق فاغتبطوا به ، وكان كثير الامر بالمعروف ، مات بدمشق - رحمه الله? ? ? ? ? ? وبلغني أنه قارب السبعين ، قرأت بخط الشريف تاج الدين عبد الوهاب الدمشقي : مات شيخنا علاء الدين البخاري نزيل دمشق صبيحة يوم الخميس 23 رمضان سنة 841 بالمزة .
شمس الدين العماري - بفتح المهملة وتشديد الميم - أحد نواب الحكم الحنفي ، وكان سار مع كاتب - الشام سودون من عبد الرحمن إماما فناب في الحكم بالشام ، ورجع بعد إن انفصل المذكور ، ولم يكن بالمحمود عفا الله تعالى عنه .
يحيى بن سعد الله بن عبد الله ، الكاتب المعروف بابن بنت الملكي شرف الدين صاحب ديوان الجيش ، مات في ذي القعدة بالطاعون ولم يكمل الخمسين ، واستقر أخوه عبد الغني في وظيفته مشاركا لأولاده - .
حوادث سنة 842
سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة
شهر الله المحرم - أرخوه على عادة العدد يوم الأربعاء ، ثم تبين أن أوله الثلاثاء بعد ستة أيام .
وفي يوم السبت خامسه استقر أينال الشاد دويدار عوض تمرباي ، واستقر تمرباي من الأمراء المقدمين ، واستقر بعد ذلك -على باي شادا عوضا عن اينال ، واستقر جكم خال السلطان خازندار عوضا عن هلي باي ، واستقر في وكالة بيت المال شهاب الدين ابن الشيخة شاهد القيمة ، وعينت وظيفة نظر المارستان لولي الدين السنطي ثم لمحب الدين بن الأشقر ثم لسراج الدين العبادي فقيه الملك العزيز ، ثم لم تتم لواحد منهما إلى أن ، استقرت لابن الأشقر .
وفي يوم السبت خامسه استقر في ولاية القاهرة واحد من الخاصكية يقال له دمرداش ، ثم استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في شهر ربيع الأول .
وفي يوم السبت الرابع عشر من المحرم استقر الشيخ سعد الدين شيخ المؤيدية في قضاء الحنفية عوضا عن القاضي بدر الدين العيني بحكم عزله وركب الناس معه ، ولم يركب معه أحد من الأمراء ولا من المباشرين إلا أن ناظر الجيش وكاتب السر وناظر الخاص والأستادار لحقوه بالمها مرتين ولم يسيروا معه بل وقفوا معه عند الأشرفية حتى قرب منهم ثم توجهوا أمامه فوقفوا عند الصالحية على العادة ودخل القضاة ،وتوجه ناظر الجيش ومن معه ، ورجع المستقر إلى منزله ، وهرع الناس للسلام على المنفصل ، وحصل للمنفصل قهر عظيم لأنه لم يكن يظن أن ذلك يقع ، ووقع في هذا اليوم لناظر الجيش إساءة من مملوك من مماليك السلطان ثم تكرر ذلك ، وصار لا يركب إلا مع جماعة يحمونه من معرتهم - وانخرقت تلك الحرمة واتضعت تلك الكلمة وجرى بين جوهر الخازندار مع بعض الخاصكية كلام أغلظ له فيه ، ونسبه إلى انه كان السبب في تلك المظالم ، وانحطت منزلته جدا وعظم قدر جوهر الزمام ، ولم يتأثر الخازندار لما قيل فيه ومشى على طريقته ، وتسلط كثيرمن الجند على ناظر الجيش وكرروا الإساءة عليه بالقول والفعل والتهديد ، وكلما رام تلك الصفة التي كان عليها في زمن الأشرف عورض - ولله الامر .
وفي أوله تصدى الأمير الكبير نظام المملكة للحكم بين الناس في كل يوم وبسط العدل ، ولم يمنع أحدا طلب الشرع من التوجه حيث أراد من الحكام سواء كان نائبا أو مستقلا ، واستقر عنده شهاب الدينابن العطار دويدار وكان عند تمرباي الدويدار ، وهو مشكور السيرة كثير التودد والعقل .
وفيها خرج على الحاج عرب بلي فأخذوا نحوا من ألفي جمل كانت مع العرب من جهينة وغيرها ، فمنها كثير من الحاج العزاوي والشامي ومعهم الكثير من بهار المصريين ومن أمتعتهم وهداياهم وذلك عند الوجه ، فأخذوا الجمال ورموا ركابها وأخذوا نفائس ما معهم ، فتوصل الكثير منهم حفاة عراة إلى بئر الأزلم فمات الكثير منهم هناك ، وسئل أمير الركب آقبغا التركماني أني قيم بالأزلم حتى بتكامل الذين سلموا من الموت ، فامتنع ورحل من أول النهار فهلك الذين وصلوا بعدهم ولم يجدوا من يرفدهم ومات أكثرهم فكانت قصة شنيعة ، وتوصل بعضهم إلى عيون القصب فركب البحر من جزيرة عينون ودخل الحاج أولا فأولا ، فأول من وصل الترك الذين كانوا بمكة في العام الماضي ومعهم جمع كثير في الحادي والعشرين ، ووصل قبلهم طائفة في السابع عشر تقدموا من المويلجة ، ووصل جماعة تقدموا من نخل في الثاني والعشرين ، ودخل الركب الأول في الثالث والعشرين والمحمل في الرابع والعشرين ، وانطلقت ألسنتهم بذم أمير الركب وأنه كان السبب فيما صنع عرب بلي لكونه أرسل أحد الرئيسين مبشرا ، وزنجر الآخر فغضب قومه وفعلوا ما فعلوا ولم يعاتب أمير الركب فضلا أن يعاقب ، ثم تبين أن العرب الذين حملوا البهار سلموا ، ووصل معهم جمع كثير من الحجاج وذكرواأن بقيتهم ركبوا البحر وأنه لم يمت منهم إلا القليل .
وفيه استقر كل من عبد الرزاق الطرابلسي وسراج الدين العبادي إماما للسلطان فصاروا خمسة ، وكان عبد الرزاق إمامه قبل السلطنة .
وفيه توجه جماعة لتلقيد أمراء البلاد على ما كانوا عليه .
وفيه استقر فارس الخادم الرومي شيخ الخدام بالمدينة الشريفة عوضا عن ولي الدين بن قاسم ، وتوجه من جهة البحر إلى الينبع ليسير منها إلى المدينة .
وفي آخره وصل الخبر من العسكر المصري أنهم رجعوا من أرزنكان في أول يوم من المحرم ، ووصلوا مدينة حلب في الخامس - ، وجهزوا القاصد بأخبارهم وتوجههم إلى جهة حلب بعد - أن لم يبق في الجهة التي قصدوها أحدا عاصيا ، وكل ذلك قبل أن يبلغهم خبر موت السلطان .
وفيه وثب نائب حلب - تغري برمش على ثقل بعض الأمراء المجردين فنهبه ورجع إلى جهة ملطية خارجا عن الطاعة ، ووصل الخبرمن بقية الأمراء بذلك إلى القاهرة في الثالث من صفر ، ثم تبين فساد النقل المذكور واستمرار المذكور على الطاعة .
صفر - أوله الخميس ، نزل ناظر الجيش من القلعة فلاقاه جماعة من المماليك نحو العشرة ، فأساءوا عليه بالسب ثم سل أحدهم الدبوس وقصد ليضربه ، فلاقاه عنه الأستادار وهو مملوكه جاني بك ، فاجتمع من المماليك آخرون وتكاثروا ، فدكس فرس لجهة القلعة ونزل عنه ودخل الجامع فتفرقوا ، ثم توجه إليه الوزير وغيره فأخذوه معهم إلى بيته فأقام به ، وحصل بذلك من كسر حرمته ما حصل له به القهر العظيم ولكنه تدارك ذلك ، وألبس خلعة صبيحة يوم الجمعة ونزل إلى بيته وهرع الناس للسلام عليه .
وفي ليلة الجمعة ثاني صفر أمطرت السماء مطرا غزيرا غير كثير فنزل البحر ، وكان له من يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ما زاد شيئا إنما ينادي بإصبع أو إصبعين تطمينا للناس فلم يناد يوم الجمعة بشيء ، فلما كان بعد دخول الشهر زاد قليلا ، وتمادى ذلك إلى الرابع عشر من صفر الموافق للثالث عشر من مسري ، فكان في صبيحته في العامالماضي قطع البحر واوفى وزاد من الذراع السابع عشر ، وكان انتهاءه في مثل هذا اليوم من هذا العام إلى ثلاثة عشر ذراعا وعشرين إصبعا ، فالنقص بينهما ذراعان وربع ذراع ، ثم من الله بوفاء النيل يوم الاثنين سادس عشري صفر ، وقطع البحر في صبيحته على العادة ، وكان في العام الماضي في هذا اليوم ثمانية عشر ذراعا سواء .
وفي يوم الخميس نصف الشهر بلغ الأتابك جقمق والامراء وغيرهم أن المماليك الجلب قصدوا الفتك بهم بغتة ، وثم عليهم بعضهم فلبسوا السلاح وحذروا ، وراسل الأتابك السلطان في ذلك والتمس أن يجهز إليه رؤوسهم وهم أربعة سماهم منهم جكم خال السلطان ، فترددت الرسل في ذلك فلم يقع الإجابة ، وأرسل إلى القضاة وأشهدهم ومن حضر أنه باق على بيعته في طاعة السلطان ولكنه يلتمس من مماليك السلطان أن يقفوا عند اليمين التي حلفوها في حياة الأشرف أنهم يكونون بعده في طاعة ولده والأتابك نظام الملك ، ثم أرسل السلطان إلى القضاة في يوم الجمعة ، فراسل الأتابك يسأله عن مراده فعادوا له بما ذكر ، وتكرر ذلك فلم تقع الإجابة ونشبت الحرب بين الطائفتين ، فعمد الأكابر إلى الأتابك فتحول معهم إلى بيت نوروز ، ثم لما وقع التزامي دخل أولئك المدرسة الحسينية بالرملة وعلوا على سطحها ونصبوا المجانيق ورمواالسهام ، وحصروا المماليك بالإصطبل ، وبادروا إلى الماء الذي يصل إلى القلعة في القناة التي تمد من النيل فقطعوها فباتوا في ضيق ، فأعاد السلطان المراسلة إلى أن حصلت الإجابة إلى ما طلبه الأتابك ، وجهزوا له الأربعة فحبسهم ، ونزع الطائفتان السلاح ورجعوا إلى بيت الأتابك ، فأحضر القضاة في يوم الأحد وشرعوا في تحليف الجند أجمع على أنهم في طاعة السلطان والأتابك على الأربعة وجهزهم للسلطان ، وجهز أربعة أنفس كانوا رؤساء في مقابلة أولئك فخلع السلطان عليهم ، واستمر الحال على ذلك إلى يوم الخميس ، فصعدوا الجميع إلى خدمة السلطان وسكن الاتابك بالإصطبل ، فلما اصبح يوم الجمعة اجتمع عدد من المماليك الجلب ونازعوا الاتابك في ذلك ، وأنكروا سكناه الإصطبل ونسبوه إلى أنه يروم السلطنة فتنصل من ذلك ، واتفق أنه لم يصل الجمعة مع السلطان من الطائفتين إلا النادر ، ولم يجتمعوا في الخدمة يوم السبت ولا الاحد ولا الاثنين ، فكثر تأذي العامة بالجلب فأمسك منهم اثنان وضربا وجرسا ، فسكن شرهم قليلا .
شهر ربيع الأول أوله السبت ، في الرابع منه دخل يشبك الحاجب الكبير ضعيفا في محفة فنزل في بيته أول النهار وهرع الناس للسلام عليه ، فأقام أياما يسيرة ثم تعافى .
وفي خامسه دخل سائر الأمراء فبادروا إلى الإصطبل ، فخرج إليهم الأمير الكبير ، فوقفوا جميعا تحت القلعة ، وتقدم الأمير الكبيرفقبل الأرض والسلطان في القصر - يشاهدهم وقبل بقية الأمراء واحدا بعد واحد ، فأمر للقادمين بالخلع فخلع عليهم ، ونزلوا إلى بيوتهم وهرع الناس للسلام عليهم .
وفي يوم الخميس قبض على جماعة من الأمراء القادمين وغيرهم ، منهم جانم أمير آخور ، وجكم والثلاثة الذين كانوا قبضوا معه وعلى باي ويخشباي وأينال ومقدم المماليك ونائبه وتاني بك الجقمقي نائب القلعة - وتمام ثمانية عشر نفسا منهم تاني بك الجقمقي نائب القلعة - وسفروهم إلى الإسكندرية ، وأنزلوا صبيحة يوم السبت في القيود إلى شاطئ النيل ، فأنزلوا في المراكب حيث أمر بهم إلى الإسكندرية - ، استقر تمر باي نائب الإسكندرية وسافر على البر وتاني بك في نيابة القلعة كما كان أولا ، ووكل بالزمام وبالخازندار ثم أفرج عنهما .وفي التاسع عشر منه جمع الخليفة والقضاة والأمراء فلما اجتمعوا بالقاعة داخل الأصطبل عند الأمير الكبير نظام الملك قال الأمير قرقماس للجماعة إن جماعة الأمراء اجتمع رأيهم على تقرير الأمير النظام في السلطنة لعجز لملك العزيز عن ترتيب المملكة ويترتب على ذلك الفساد الذي لا خفاء به ، فأجابه الخليفة بأنني أعلم هذا وأشهدكم أنني خلعت الملك العزيز من السلطنة وصيرت الأمير الكبير جقمق في السلطنة ، وبايعه في الحال وألبس الخلعة وصعد إلى القصر وجلس على الكرسي - وبايعه الأمراء ، وحمل الأمير قرقماس القبة وخلع عليه على العادة ، وقدم للخليفة الفرس والخلعة ، ولبس - وركب ورجع إلى منزله ، ثم صعد القضاة فسلموا على السلطان ، وقررهم في وظائفهم وتوجه كل إلى بيته - فكان ما سنذكره .
وفي صبيحة يوم الأربعاء المذكور أمطرت السماء مطرا خفيفا ، وكان النيل بلغ تسعة عشر إصبعا من تسعة عشر ذراعا ، فلما كان عند الثلث الأخير من ليلة السبت الثاني والعشرين من ربيع الأول وهو السادس عشر من توت نقص يوم الجمعة - نقصا فاحشا ، وأمطرت السماءبرعد وبرق ، وظهر النقص ظهروا بينا .
وفي يوم الخميس خلع على الدويدار الكبير على عادته ، وكذا أينال الدويدار الثاني وهو الذي يباشر لعجز الكبير - ، واستقر تغري بردى البكمشي في الحجوبية الكبرى وهو المعروف بالمؤذي ، واستقر يشبك أمير سلاح بدل آقبغا التمرازي ، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس بدل قرقماس ، واستقر قرقماس أتابك العساكر ، واستقر تمراز أمير آخور ، واستقر بدله راس نوبة - قراقجا الحسني ، وخلع على اجميع ، ووكل بالزمام جوهر وسجن بالبرج ، واستقر عوضه فيروز الذي كان ساقيا وغضب عليه الأشرف ، ثم خلع على جوهر الخازندار على عادته وصعدت ليلة الجمعة مغل بنت البازري زوج السلطان وقد صارت خوند - من بيتهم بالخراطين إلى القلعة في محفة عند غروب الشمس وحولها المشاعل والشموع نحو من خمسين من الطواشية وجمع كثير على الحمير من النساء ، واستقرت خوند الكبرى ، وأسكن الملك العزيز بالقاعة البربرية ، ووكل به نحو خمسين نفسا ، فلما كان بعد أيام أفرج عنه واستقر داخل الدور وقرر له ما يكفيه ، ثم أفرج عن جوهر الزمام ونزل إلى بيته وهو ضعيف ، وشرع في بيع موجوده ليوفي مال المصادرة .
وفي ليلة الجمعة الاثمن والعشرين منه عمل المولد النبوي وحضرالامراء والأعيان والقراء على العادة .
وفيه ثقل سمع القاضي موفق الدين الناشري قاضي الأقضية بزبيد من بلاد اليمن وضعفت قوته ، فقرر الظاهر صاحبها عوضه ولد - أخيه أبا المظفر محمد ابن الفقيه العالم شهاب الدين أحمد بن محمد الناشري ، وهو الآن كبير البيت وعمه في الأحياء ، وهو المشار إليه في الفقه ، وقد قارب التسعين فإن مولده سنة 754 .
شهر ربيع الآخر استهل بيوم الأحد ، وفي يوم الثلاثاء خلع على القاضي محب الدين بن الأشقر الذي ولي كتابة السر بنظر المارستان عوضا عن ابن مفلح بحكم وفاته .
وفي يوم الأربعاء رابعه ثار جمع من الجند وطلبوا زيادة في النفقة في جامكية الشهرية فلم يلتفت إليهم ، فاجتمعوا إلى قرقماس فما زالوا به حتى ركب معهم ولم يركب معه من الامراء إلا القليل ، وعظم الأمراء والجند صعدوا إلى القلعة ، ووقع بينهم الترامي بالنشاب وقتل جماعة من الفريقين ، وفي آخر النهار انهزم قرقماس ومن معه فنهب بيته ، ونودي لمن أحضره بأمرة وخلعة ، ورجع جماعة ممن كان معه إلىالطاعة قبل الهزيمة ، وكان السلطان عزل والي الشرطة وولي علي بن الطبلاوي ، فجمع له الزعر فبالغوا في القتال مع جمعة السلطان إلى أن تمت الهزيمة ، وفرق السلطان فيهم جملة من الذهب والفضة رماها من أعلى المكان فتناهبوها وجدوا في القتال .
وفي صبيحة الخميس قبض على قرقماس وأرسل إلى الإسكندرية ، وتتبع جماعة ممن كان معه فسجن بعض ونفي بعض .
وفي التاسع منه قرئ تقليد السلطان بالقصر وجرى كلام يتعلق بالقضاة فقال الشافعي : عزلت نفسي ، فقال له - السلطان : أعدتك ، فقبل وخلع عليه وعلى رفقته ، ورسم بإعادة الأوقاف التي خرجت عن الشافعي ، وهي وقف قراقوش في ولاية العراقي ووقف تنبغا التركماني في ولاية البلقيني ووقف الأسرى في ولايته ، فأعيدت بتوقيع جديد .
وفي السابع عشر منه استقر القاضي كمال الدين البارزي في كتابة السر بالقاهرة عوضا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله ، واستقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بدمشق عوضا عن القاضي كمال الدين . ثم ورد الخبر في أوائل جمادى الأولى أن الباعوني امتنع من قبول الولاية ،صفحة فارغة .فقرر
القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة ، وسار القاصد بخلعته وتقليده .وفي يوم السبت الثاني والعشرين منه استقر تنم الذي كان خازندارا صغيرا في وظيفة الحسبة عوضا عن نور الدين السويفي .
وفيه أمر السلطان القضاة بالتوجه إلى الكنيسة المعلقة والكنيسة المعروفة بشنودة وكشفتا ، وهدم من المعلقة أشياء جددت ما بين شبابيك مخروطة وكتيبات مطعمة ودقيسيات ، وألزموا بتكملة هدم البناء المجدد الزائد عما سبق لهم من حكم نائب الحنفي بترميمه .
وفيه ادعى على بطرك النصارى بأنه يتناول مال الموتى الحشرية من النصارى ، فادعى أن معه مرسوما من السلطان ، فاستفتى السلطان القضاة ، فاتفقوا على أنه من أموال بيت المال ، فخلع على فتح الدين المحرقي بنظر سعيد السعداء والنظر على الترك الحشرية من أهل الذمة وشرع في استخلاص ذلك وبطلب ما سبق لاستعادته ممن تناوله ولحق النصارى من ذلك شدة شديدة .
وفيه نازل الإمام صاحب صعدة بعساكره صنعاء ، فقاتل المتغلب عليها وهو سنقر التركي ، وكان سنقر قد تحكم في البلاد بالشوكة وأقام هذا الإمام وزوجه بنتا لعلي بن صلاح ، فبلغ سنقرا أنه يريدالقبض عليه وبادر هو فقبض عليه وسجنه ، فتحيل إلى أن خلص من محبسه بصنعاء ، وتوجه إلى صعدة فجمع العسكر ونازل سنقرا ، فقوي عليه سنقر بمن أطاعه من أهل الشوكة ، فانكسر الأمام وتحصن بقلعة يقال لها تلي ، فلما بلغ ذلك زوجته استولت على صعدة وأطاعها أهلها ، ثم كاتب سنقر الملك الظاهر صاحب زبيد يطلب منه عسكرا ليسلمه صنعاء ويكون هو أحد الأمراء ، فبادر الظاهر لذلك وأرسل أميرين ، فلما وصلا بمن معهما إلى دماء وبلغهما موت الظاهر رجعوا ، وذلك في رجب .
جمادى الأولى - أوله الثلاثاء ، حضرنا للتهنئة عند السلطان يوم الاثنين سلخ الشهر الماضي ، فسأل السلطان أن يشهد على نفسه بما فوض لي من الولاية والأنظار وغيرها ، فأشهد على نفسه بذلك بحضرة القضاة ، وشكوت إليه بعد ذلك ما انتزعه مني الملك الأشرف ووهب بعضه أو أكثره للقاضي علم الدين صالح بن البلقيني ، فرسم بعقد مجلس بذلك - بحضرته ، فتوسط ناظر الجيوش بيني وبينه إلى أن أعاد النصف وتركت له النصف .
وفي أوائله طلع الشيخ حسن العجمي لتهنئة السلطان بالشهرومعه جماعة على العادة ، فأمر بالقبض عليه وضرب بحضرته ضربا مبرحا وأمر بنفيه ، ونودي عليه جزاء من يقتني كتب الكفر ويدور بها وشهر في البلد ، وحبس محبس الجرائم ، ثم ادعى عليه عند المالكي أنه وقع في حق الجناب الرفيع ، فشهد عليه امام التربة الجديدة الاشرفية ، فسجن لتكمل البينة ، وقرر في زاويته شمس الدين الكافياجي ، وتعجب الناس من كون الذي شهد عليه والذي أخذ مكانه منسوبين إلى الذي كان يقرره ويهديه .
وفي أول - العشر الأوسط منه ضرب كاتب من كتاب الوزير بسبب مال صار في جهته ، فقدر أنه اصبح ميتا بعد الضرب فاستغاث أهله ، فأمر السلطان بإحضار المقدم ، فضرب بحضرته بالمقارع وأرسله إلى القاضي المالكي ، فعفا بعض أولياء الميت عن الدم وبقي حق ال فحبس بسبب ذلك .وفيه قدم شخص من حلب بسبب الحروفية ، ونجزت له مراسيم بالقيام عليهم - وقد نبهت على ذلك في حوادث سنة 821 .
وفي الرابع والعشرين منه شكا حسين بن حسن الأميوطي نقيب ابن البلقيني ، ونسب إليه أمور وكان الذي قام في أمره ولي الدين بن تقي الدين البلقيني وساعده ابن عم أبيه قاسم وتبعهما جماعة ، وكتب فيه محضر شهد عليه فيه بأمور معضلة بعضها يقتضي الزندقة والاستهزاء بالشريعة وأهلها وغير ذلك من ارتكاب كبائر من لواط وشرب خمر ، فبلغه ذلك فاستجار بعبد الرحمن بن الكويز فسعى له ، ثم قبض عليه بعض الأعوان وجمع من الشرط وذلك في أول الليل ، ففر إلى بيت ابن الكويز ، فأصبح القوم فرفعوا أمرهم ثانيا ، فأمر السلطان الوالي ونقيب الجيش بالجد في طلبه ، فلم يقدروا عليه واستمر في تواريه إلى أن كان في يوم الأربعاء - ثاني شعبان فشفع فيه الأمير تنم المحتسب والأمير دولات باي أمير آخور عند ناظر الجيش ، فتكلم معيفي سماع الدعوى عليه والحكم بحقن دمه فأجبتهم ، فامن على نفسه وظهر ولم يقع له ولا عليه حكم إلى إن وقع من القبض على ناظر الجيش في أواخر السنة ما وقع ، فتحرك حسن المذكور وساعده ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وجليس السلطان ، فأوقفه للسلطان وادعى أن ولي الدين البلقيني تعصب عليه بجاهه وماله وأن الذين كتبوا في حقه رجع أكثرهم ، وأظهر خطوط بعضهم بذلك ، فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بالقضاة والعلماء ويفصل الأمر بينهم ، فوقع ذلك في المحرم كما سياتي بيانه إن شاء الله تعالى .
جمادى الآخرة - أوله يوم الأربعاء بالرؤية .
في الثالث منه عزل السلطان ابن النقاش من الخطابة بجامع ابن طولون ، وقر فيها برهان الدين ابن المليق ، وذكر أنه كان يصلي خلفه أحيانا وهو أمير فلا يفصح في الخطبة ولا في القراءة في الصلاة .
وفيه حكم بهاء الدين الأخنائي بحضرة مستنبيه القاضي المالكي بقتل بخشباي الاشرفي حدا لكونه لعن أجداد حسام الدين بن حريز قاضي منفلوط بعد أن قال له : أنا شريف ، جدي الحسين بن فاطمة بنت رسول الله e ، وكان سبق له أنه ادعى عليه عند بعض الشافعية بأنه شتم ناسا فيهم أشراف ، وحكم ذلك النائب الشافعي بقبول توبته وحقن دمه ، فلما ادعى الحسام بذلك عند المالكي طلب صورة الحكم السابقة وذكر أنها لا تمنع من سماع هذه الدعوى وفوضها لنائبه المذكور ، فسمع البينة على الغائب وحكم وبقي له الحجة .وفيه أشيع موت الشيخ عز الدين ابن - عبد السلام بن داود ابن عثمان المقدسي شيخ الصلاحية ببيت المقدس ، فعين شهاب الدين أحمد ابن . . التبريزي الكوراني عوضه بشرط ثبوت موته ، فلما كان بعد قليل حضر شرف الدين - يحيى بن العطار الذي كان استقر في مشيخة خانقاه ناظر الجيش عوضا عن بهاء الدين ابن المصري إلى القاهرة فأخبر أن ضعف عز الدين لا يقتضي الموت وأنه فارقه في قيد الحياة .
وفي التاسع من جمادى الآخرة كان أول كيهك وهو أول الأربعينية عند المصريين فوقع فيه مطر يسير وكذلك في الليل ، ثم أرعدت وأبرقت في يوم الجمعة ووقع المطر الغزير ، وتواتر وانتفع به أصحاب الزرع انتفاعا جيدا .
وفيه استقر في قضاء الشام القاضي تقي الدين أبو بكر بن قاضي شهبة ، وكان ناظر الجيش عين لوظيفة القضاء برهان الدين الباعوني وجهزت له الخلعة والتوقيع فجاء كتاب النائب يذكر أنه امتنع واصر على الامتناع فجهز توقيع المذكور .
وفيه حضرنا عند السلطان بسبب محاكمة فذكر أنه بلغه أن الشيخ زين الدين أبا هريرة ابن النقاش بني بيته الذي بجوار جدار - الجامع الطولوني من داخل السور الذي للجامع يغير حق وأنهم حكموا قديمابهدمه ، وكان السلطان أمر أولا أن يتوجه القضاة الأربعة إلى الجامع ويكشفوا حال البيت المذكور ، فكشفوه وأعادوا له الجواب بأنه حكم على أولاده بسد الباب الذي فتحه في جدار الجامع وكذلك المناور التي فوقه ، فوجدوها قد سدت وبيضت ، فقال في هذا اليوم ما ذكر فقلت له إن كان ثبت عند مولانا السلطان فليحكم بهدمه ونحن ننفذ حكمه فتوقف ، فبلغ ذلك علم الدين صالح - البلقيني وكان وقع بين أخيه القاضي جلال الدين وبين ابن النقاش منازعة بسبب نظر وقف في مجلس الأمير الكبير فاستطال ابن النقاش على الجلال فغضب وقال : حكمت بفسقك وعزلتك من وظائفك لكونك بنيت بيتك في رحاب الجامع ، فلم يلبث أن أعاده بعد ثلاثة أيام ولكن سطر ذلك المجلس وبقي عندهم ، فتوجه البلقنيني إلى العيني واجتمعا بالسلطان وتنصحا له بذلك ، فأصغى لهما وأعجبه ، فلما كان عند التهنئة برجب أظهر لي - المحضر المذكور فعرفته أنه لا يفيد وكان تاريخه سنة خمس وثمانمائة فسكنا - إلى أن كان ما نذكره .
رجب الفرد الحرام - أوله الجمعة ، ثم ثبت أنه رئي ليلة الخميس وأدير المحمل في النصف منه وكان حافلا والجمع وافر .
وفي يوم الاثنين الخامس منه عقد مجلس بالقصر وادعى فيه نور الدين ابن آقبرص نائب الحكم بطريق الوكالة عن السلطان عند القاضي المالكي على منصوب عن قرقماس بحكم غيبته بالإسكندريةبالسجن بأنه بايع السلطان وحلف له ثم خرج عليه وشق العصا وشهر السلاح وقتل بسببه جماعة ، فقامت البينة وحكم القاضي بموجب ما شهدت فيه ، فسئل عن موجبه فقال : يجوز للسلطان قتله ، فضبطوا عليه هذا الجواب وجهز بريدي إلى الإسكندرية بقتله بعد أن ، يقرأ عليه المحضر ويعذر له ، فقرئ عليه فاعترف بما شهدت به البينة فقتل وكان قدم مع المجهزين إلى قرا يلك في سنة 32 البلاد الحلبية ، ثم في النيابة سنة 37 ، ثم خرج في العسكر إلى دفع قرا يلك فأقام بالبيرة : ثم أرسل إليه حمزة بك بن علي بك بن دلغادر يطلب منه نجدة على عمه وهو بمرعش فوصل إليه في طائفة . فلما وصل إلى مرعش جاءه فياض بن ناصر الدين بك ومعه أميران من التركمان فجهز إلى القاهرة ، ثم خرج بأمر السلطان إلى تسلم قيسارية من ناصر الدين بك بن دلغادر ، ثم وصلالخبر بتأخير ذلك فرجع إلى حلب في رمضان سنة 38 ، ثم شاع ظهور جانبك الصوفي فجاء الأمر بتوجه قرقماس إلى مصر ، فحضر واستقر أمير سلاح ، واستقر أينال الجكمي في نيابة حلب بعده ، وأطلق السلطان فياضا وولاه إمرة مرعش ، وكان قرقماس الشعباني من مماليك الناصر فرج ، ثم تنقلت به الأحوال واستقر دويدار صغيرا في أوائل دولة الأشرف ، ثم ولي إمرة مكة شريكا لحسن بن عجلان ، ثم عاد إلى القاهرة وولي الحجوبية الكبرى وباشرها بشهامة وصرامة ، وكان مهيبا ويميل إلى الفقهاء ويجالسهم ويطالع كتب العلم ، ثم ولي إمرة حلب بعد رجوع السلطان من آمد ، ثم صرف عنها واستقر بالقاهرة أمير مجلس ، ثم اتفق أن الأشرف مات وهو مع المجردين في البلاد الشمالية ، فلما عادوا كان القائم في سلطنة الملك الظاهر جقمق - وخلع العزيز وحبس الأمراء الذين من جهته ، ثم لم يلبث أن ثار الظاهر ومعه المماليك الأشرفية ، فحاربه الأمراء الذين كانوا بدولة الظاهر ، فانكسر وجرح جماعة وقتل جماعة ، ثم احضروا في اليوم الثالث فأرسلوا إلى الإسكندرية - وكان ما تقدم .
وفي الرابع من رجب حضر الجماعة لقراءة البخاري بالقصر وحضر معهم السلطان ، ثم انقطع وصار يحضر أحيانا وشرط عليهم عدم اللغط ، واستقر برهان الدين إبراهيم بن عمر - بن حسن البقاعي قارئا عوضاعن نور الدين السويفي إمام الملك الأشرف ، واستحسنوا قراءته وفصاحته .
شعبان المكرم - أوله السبت ، في الثاني منه عقد مجلس بسبب بيت الشيخ أبي هريرة ابن النقاش المجاور لجامع ابن طولون ، وأحضر ولداه وادعى عليهما ولي الدين السفطي بطريق الوكالة عن السلطان وعن الناظر ، فأجاباه بأن والدهما استأجر المكان المذكور وحكم بالإجارة القاضي ولي الدين العراقي ، وأظهرا بذلك مثبوتا ، فحضر المجلس المذكور ناصر الدين الشنشي نائب الحكم وذكروا عنه أنه كان في سنة 35 حكم بهدمه ، فسئل عن ذلك فقال : الذي ثبت عندي أن الأرض المذكورة من رحاب الجامع وأنه لا يجوز فيها البناء ، فسألته في المجلس : أنت تقدم لك حكم بعدم بناء ابن النقاش ? قال : لا ، فأعرض السلطان عنه وانفصل المجلس على أن القاضي المالكي ينظر في الإجارة ويعمل فيها ما يقتضيه مذهبه ، فادعى عليهما السفطي صبيحة ذلك اليوم إن الإجارة التي بيدهما انقضت وأن الناظر يختار الهدم فحكم المالكي بهدم الدار المذكورة ، وكان ابن النقاش وقف الدار المذكورة على صهريج بناه مجاورها ، فحكم المالكي بطلان الوقف بانقضاء الإجارة ومكنهما من نقل الأنقاض وتملكها وتسوية الأرض ، ثم توجه المالكي بأمر السلطان صبيحة اليوم لمذكور فحضر هدم الدار المذكورة ، وذلك في صبيحة يوم الأربعاء خامس شعبان .وفيه عصى تغري برمش التركماني - نائب حلب وأراد القبض على الأمراء بحلب وأن يملك القلعة ، ففطنوا له فحاربوه ، وأغلقوا القلعة ، فحاصرهم فيها ، وجاء الخبر بذلك إلى السلطان في الحادي عشر من رمضان ، فأمر بتقليد نائب طرابلس النيابة بحلب ، وأرسل إليه تقليده وخلعته مع هجان ، وأمره بالمسير بالعسكر إلى حلب والقبض على تغري برمش ، وكتب إلى الحاجب بحلب وكان قد فر من حلب إلى حماة بنيابة حماة ، وأمر نائب حماة أن يتحول إلى نيابة طرابلس ، واستشعر من نائب الشام اينال الجكمي العصيان - ، فوافى كتابه في آخر اليوم المذكور بما يدل على استمراره على الطاعة فاطمأن لذلك ، ثم أظهر العصيان وكاتب النواب فما أطاعه أحد وواطا بعض أهل القلعة ورشاهم بجملة من المال ، ففطن بهم نائب القلعة فقبض عليهم وقتلهم ، وهرب واحد منهم فأعلمه ، فاستغاث أهل القلعة بالعوام وسألوهم النصر ، فانتحوا واجتمعوا ورجموا من يحاصر القلعة بالحجارة ، وخربوا المكان الذي صعدة رماته ليرموا على القلعة منه ، فهزموهم وهجموا على دار العدل ، ففر النائب لا يلوي على شيء ، ونهبواما وجدوا ولم يصل معه سوى مائة فارس ، فخرج من باب أنطاكية ليس معه إلا ما هو لابسه ، وأخذ له ولأتباعه من الأموال ما يفوق الوصف ، وظهرت له ودائع كثيرة فاستخرجت ، واستمر هو في ذهابه إلى أن وصل شيزر فنزل على علي بن صقل سر التركماني ، فآواه وجمع له جمعا وتوجهوا إلى طرابلس ، وكان نائبها جلبان استشعر من تغري برمش أنه يشاققه فأخلى له طرابلس ، وتوجه إلى الرملة ، فدخل تغري برمش طرابلس وأخذ منها أموالا وخيولا . وتوجه قاصدا أينال الجكمي بدمشق فحاصروا حماة ، وانضم إليهم جمع من التركمان مع علي يار وجمعمن الأعزاب العزية ، ثم أجمع رأيهم على الرجوع إلى حلب فنازلوها - وحاصروها في العشرين من شوال فاستعدوا للحصار ، وجد تغري برمش ومن معه في حصار أهل حلب وجدوا هم في مدافعته وعاش من معه في القرى فانتهبوها ، وفي غالب الأيام يستظهر أهل حلب ويقتلوا من عدوهم - جماعة ، ثم حاصر المدينة من جهة الميدان سواء ولكن خربت أماكن وأحرقت بانقوسا ، فلم يزالوا كذلك إلى أن خرج أهل حلب فصدقوا الحملة فانهزموا واستمروا إلى جهة الشمال فنزلوا مرج دابق ، وكان قد استولى على عينتاب وأسكن بها جماعة من مماليكه وأتباعه ، وبلغ أهلها هزيمته من الحلبيين فوثبوا على من عندهم فانتزعوا منهم القلعة والمدينة وأخرجوهم ، فلم يفجأهم إلا الخبر بانهزام اينال الجكمي ومن معه فاجتمعوا على حماة ، فلما اصبحوا يقتتلوا انجفل العرب والتركمان - ورحلوا واستمر تغري برمش ومن معه ، فلما تراءى الجمعان انهزم تغري برمش ومن معه فاحتووا على وطاقهم ونهبوا أثقالهم - ،واستمرت هزيمتهم إلى صهيون ثم إلى الشغر ولم يبق معهم سوى مائتي نفر أو أقل ثم استمروا إلى أنطاكية ، فاجتمع عليهم جمع من الفلاحين ورموا عليهم بالسهام وهجموا عليهم فأسروهم ، وصادف ذلك - وصول الخبر إلى العسكر السلطاني وهم على خان طوغان خارج حلب ، فطلبوا المأسورين فأحضروهم إلى الأمير قطج فقيدهم ، واجتمع هو وبقية العسكر في حلب في العشر الأخير من ذي القعدة ، وكاتبوا السلطان في العشر الأخير من ذي القعدة - فوصل الخبر ، يأمر بقتلهم ، فقتلوا تغري برمش وابن صقل اشر في سابع عشر ذي الحجة ، ثم ظهر لتغري برمش مال آخر غير ما كان أخذ له لما هرب أولا ، فقيل إن جملة ما أخذ له من العين خاصة أكثر من سبعين ألف دينار ؛ وكان اصل تغرب برمش وأقاربه - من أولاد التركمان ببهنسا ، وكان أبوه من الأجناد يقال له أحمد بن - المصري فولد له حسن خجا وحسين بك ، فلما وقعت المحنة - العظمى باللنكية مات أبوهم ، وفر حسين فدخل حلب وهو مراهق ، وحين بلوغه فاستخدمه بعضالأمراء ثم انتقل بعده إلى الأمير طوخ وكان يسمي نفسه لما تقرر في الخدمة تغري برمش ، فلما قتل طوخ في وقعة شيخ مع نوروز بدمشق اتصل تغري برمش بخدمة جقمق الدويدار واستمر عنده إلى أن رجعوا إلى القاهرة ، ثم كان في خدمته لما ولي نيابة دمشق فكان دويدار عنده ، فلما أمسك جقمق الأمير برسباي الذي ولي بعد ذلك السلطنة قام تغري برمش بأمره وخدمه وهو في الاعتقال وواصله بالبر وكثرة الخدمة والإحسان - فرعى له ذلك ولما صار سلطانا استدعى به من الشام فأمره ثم نقله فصار أمير آخور كبيرا ، وكان جرده إلى حلب في سنة 32 ،
ثم قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان ، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر ، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكرالأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع ، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب ، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها ، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة ، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة . قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان ، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر ، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكرا لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع ، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب ، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها ، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة ، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة .
وفيه جاء الخبر بقتل بن جنقر التركماني ، وكان فاتكا يقطع الطرقات بين دمشق وحلب ، وفرح الناس بذلك .
وفيه فتك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن في جماعة من جنده ، وأسرع في سفك دمائهم وجرى في أمر التجار والباعة في البلاد التي تحت نظره على سيرة الجور والظلم الفاحش من فتح المصادرة ونحو ذلك .
وتراءى الناس الهلال ليلة الأحد وكانت بالعدد الثلاثين من شعبان فلم يروه ، فلما كان بعد صلاة - العشاء بنحو ثلث ساعة حضر كتاب من نائب الحكم وهو المحب البكري أنه ثبت عنده فنودي بالصيام ، وصل كتاب - نائب الحكم من بلبيس في أول النهار بمثل ذلك ، وفي أثناء النهار من نائب الحكم بمنوف العليا كذلك ، وكثر بعد ذلك من يخبر برؤيته ويعتذر . وحضر السلطان سماع الحديث في أول يوم في شهر رمضان .وفيه صرف معين الدين بن شرف الدين موقع الدست ونائب كاتب السر عن كتابة السر بحلب وأذن له في الرجوع إلى القاهرة ، واستقر فيها زين الدين عمر بن السفاح نقلا من نظر الجيش ، واستقر في نظر الجيش سراج الدين عمر الحمصي الذي كان ولي القضاء بدمشق في أيام الأشرف بعد طرابلس ، وكان أولا ينوب في الحكم بأسيوط من الصعيد وسيرته مشهورة غير مشكورة ثم صرف عن ذلك .
وفي العشر الأول من رمضان - عصى نائب الشام أينال الجكمي وقبض على الحاجب الكبير بدمشق وحصر القلعة بمن فيها وأظهر الإنكار على السلطان في قتله قرقماس القتلة الشنيعة ، وكان قبل ذلك وصل إليه كتاب من تغري برمش انه عصى هجم على الحاجب ليقبضه ففر منه إلى حماة فحصر القلعة ورام الاستيلاء عليها ، فأظهر نائب الشام الإنكار على تغري برمش - نائب حلب حين قرأ كتابه وعابه - وجهز كتابه إلى السلطان مكرا منه و - خداعا ، فلما حضر عنده الأمراء ليشاورهم على التوجه إلى حلب لقبض على النائب بها ظنوا ذلك علىظاهره فحضروا بغير أهبة منه ومحاربته - فقبض عليهم وسجنهم - ، وبلغ ذلك - نائب القلعة فعصى عليهم ، وكان - لما قبض على الأمراء أطلق من وافقه على مراده وجلفه وسجن من امتنع عن قصده وخالفه - ، وكل ذلك في العشر الأول من شهر - رمضان ، ثم جمع من أموال الأمراء - المقبوض عليهم جملة مستكثرة - ، وقبض على جماعة من التجار الأكابر وأخذ منهم أموالا اقترضها ، وشرع في استخدام العساكر ، وفر منه يونس أحد الأمراء وتشاوروا في القاهرة في أمر النيابة - فاقتضت الآراء لجهة الأمير الكبير - كما سيأتي ذكره .
وفي يوم الاثنين ثالث عشري رمضان استقر الأمير الكبير آقبغا التمرازي في نيابة الشام وخلع عليه بالقصر ، وعين جماعة من الأمراء والجند للمسير إلى قتال نائب الشام كان أينال الجكمي الخارج عن الطاعة - ، ثم وصل الخبر بأن الذي كان في طرابلس تركها لما وصل تغري برمش نائب حلب إليها ، وجاء فيمن أطاعه إلى الرملة فكاتبه السلطان يستحثه على الوصول بالعساكر لتمهيد البلاد الشامية .وفي ليلة الاثنين من شهر رمضان تراءى الأنس الهلال على العادة وحضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية فلم يروا شيئا وأصبحوا صائمين ، فشاع أن العزيز يوسف ابن برسباي - هرب من قاعة محبسه من القلعة وهرب معه الطواشي الذي كان يخدمه والجارية ، وقلق السلطان بسبب ذلك واتهم به جماعة من مماليك أبيه ، فبلغ ذلك اينال الأشرفي - فخشي على نفسه فوزع قماشه وتسحب بالليل وبات جماعة من الأمراء ملتبسين بالرميلة ، وشاع أن الفتنة تقع يوم العيد ، فصلى السلطان العيد بالقصر الكبير ، وحضر الأمراء كلهم فصلى بعضهم بالجامع وبعضهم بالقصر ، وخطبت بهم بعد الصلاة على منبر لطيف - ، وخلع على من له من عادة من الأمراء والقضاة وانصرفوا إلى منازلهم .
شوال أوله الثلاثاء ، في يوم السبت خامسه استعفى أركماس الظاهري الدويدار الكبيرمن الخدمة وكرر ذلك ، فأعفاه السلطان فطرد الشرطة من بابه وخرج أقطاعه .
فلما كان في يوم الخميس عاشره استقر تغري بردى الحاجب في وظيفته ، وأمر اسنبغا الطياري الدويدار الثاني تقدمة ، وقرر في وظيفته رأس نوبة كبيرا ، وأخرج تمراز من وظيفة الأمير آخور - منالإصطبل على إمرته ، وقرر شاهين في وظيفة دولات باي ، وقرر سيدي محمد ولد السلطان في إمرة قراجا بعد القبض على قراجا وحبسه بالإسكندرية ، وخرج الأمراء إلى الريدانية وهم الأمير الكبير نائب الشام آقبغا التمرازي وقرا قجا الحسني وتمربائي الظاهري ومن انضم إليهم من الجند ، وبقيت وظيفة الأمير الكبير شاغرة ثم عينت ليشبك أمير سلاح ، وجاء الخبر بأن الأمراء بالشام تسحبوا من الشام هربا من النائب ووصلوا إلى الرملة وكاتبوا بذلك واستحثوا على حضور العساكر إليهم ، وكان السبب في ذلك أنهم ندموا على طواعية نائب الشام فاجتمعوا وحاربوه وحاربهم فكسرهم ، وفر أينال الششماي إلى القلعة فتحصن بها ، وخرج الباقون إلى الرملة ، واغتنم بهاء الدين ابن حجي كاتب السر إذ ذاك الفصة فخرج من دمشق مسرعا على الخيل إلى صفد ثم إلى الرملة ، ثم قدم القاهرة في اليوم العشرين من شوال .
وفي هذا اليوم وصل طوغان وكان قد توجه إلى الصعيد لإفساد الجند الاشرفية على السلطان ، فأعلمهم بأن الملك العزيز خلص وأن الجند اجتمعوا عليه ، ووصلت إليهم كتب نائب الشام بأنه واصل ، وأطمعهم بأنهم إذا توجهوا إلى القاهرة لوافي نائب الشام بعساكره وينضم إليهم بقيتهم المقيمين بالقاهرة فأصغوا إلى ذلك ، ثم ظهر لهم خلاف ذلك وأن العزيز هرب ولم يعرف له مكان فرجعوا عما هموا به ، وقبض يشبكعلى طوغان المذكور وجهزه في مركب مقيدا ، فوصل إلى القلعة في هذا اليوم ، وكان السلطان قبل ذلك قبض على قانباي اليوسفي لأنه قيل له إنه صديق طوغان ، فضربه فلم يقر بكبير أمر فسجنه حتى وصل طوغان ، فعصرا جميعا فأقرأ بالواقعة ، وأن قانباي كان رأسا في هذه الفتنة ، وأنه هو الذي أطمع السلطان العزيز وأعلمه بخبر النواب ، وانه لم يصل القاهرة حتى اتفقوا الجميع على العصيان ، وذكر طوغان أنه فارق العزيز بنواحي الشهداء بغلس ، ثم ظهر كذبه وأنه أقام بمشهد ذي النون ثلاثة أيام وبمصر في قاعة بين المطابخ بنواحي سوق شنودة سبعة عشر يوما ، فلما بلغه خبر إمساك طوغان وإحضاره خرج .
وفي يوم الثلاثاء عشريه رحل الركب الأول من بركة الجب .
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر منه - رحل الركب مع أمير المحمل تنبك أحد الأمراء المقدمين وقد استقر في الحجوبية الكبرى قبل سفره ، وكان الحاج كثيرا جدا حتى كانوا خمسة ، ركوب الأول والمحمل والتكادرة والمغاربة والينابعة .
وفي يوم الجمعة خامس عشري شوال لبس السلطان الأبيضووافق نصف برمودة من أشهر القبط فسبق العادة قبل شهر ، واستمر البرد في أول النهار بقوة وابتدأ الموت بالطاعون ، وفي هذا اليوم قبض على أينال الجكمي نائب الشام وأصعد إلى القلعة بدمشق مقيدا ، وكان السبب في ذلك أن نائب الشام آقبغا التمرازي رحل من غزة في النصف من شوال ، ثم تلاحق به الأمراء واجتمعوا جميعا يوم الأربعاء ثالث عشري شوال بالخربة ، واجتمعوا بالنواب الذي كانوا مقيمين بالرملة وتقدم نائب الشام ومن معه من النواب ، وتأخر بقية الأمراء ومن معهم من المماليك السلطانية ، ولم يكن بينهم إلا قدر ميلين فالتقوا بأينال الجكمي ومن معه ، فحمل عليهم أينال الجكمي - بمن معه فقتل صرغتمش دوادار جلبان ووقع طوخ نائب غزة عن فرسه وقتل جماعة ، وتمت عليه الكسرة حتى وقع سنجق نائب الشام وكان قاصدا نائب الشام وصل إلى الأمراء والمماليك السلطانية قبل أن يلحقوا به ، فصادف لحوقهم به ما وقع لمن كان معه من الهزيمة ، فرجع بهم وحمل على أينالومن معه - فألقوا كثيرا من الجند الذي كانوا مع أينال الجكمي - وقبضوا على ولد قانصوه النوروزي وكان من الشجعان المشهورة ، وانهزم أينال الجكمي وتمزق جمعه ونزل العسكر كله في شقحب ، واتفق أن جانبك دويدار برسباي الحاجب أدرك أينال الجكمي وهو منهزم وقد أصابته في بدنه عدة جراحات وضعف من كثرة ما سال منه من الدم ، فالتجأ إلى ضيعة فنزل في بستان منها ، فهجم عليه فقبض عليه واركبه فرسه وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه وساقه إلى أن أدخله قلعة دمشق ، ورجع إلى العسكر وهم نزول بشقحب يوم الخميس فاعلمهم الخبر ، ففرحوا واطمأنوا - فطلبوا ودخلوا الشام يوم الجمعة خامس عشري شوال في أبهة عظيمة . وجهزوا المبشر إلى السلطان بالخبر .
قرأت هذا الفصل من كتاب بعض المماليك السلطانية إلى بعض أصدقائه : ووسط طوغان بعد أن ضرب ضربا مبرحا - فاقر أن اركماس الدويدار الكبير كان معهم وقانباي اليوسفي وخرمان ، فضربقانباي وخرمان ضربا مبرحا . وذكر لي ولي الدين السفطي أن السلطان أرسله إلى ابن الديري يستفتيه في أمر طوغان وما ظهر منه من الفساد ، فأفتى بجواز قتله وأرسل له معه النقل في عدة مواضع ، فأمر بتوسيطه لذلك ؛ ثم اشتد الخطب على كثير من الناس ممن اتهم بإخفاء الملك العزيز فكبست بيوتهم ونهب بعضها ، وكان منهم ناظر الدولة أمين الدين بن الهيصم ، فلما كان في ليلة الأحد السادس والعشرين من شوال ظفر بالملك العزيز ومعه جندي وأخذا ماشيين قاصدين مكانا يأويان فيه من شدة ما وقع من الطلب وذلك بين العشاءين ، فأحضرا إلى الإصطبل وطلع بهما ولد السلطان إليه ، فأكرمه وبيته عنده ، وهرع الناس لتهنئة السلطان بالظفر به .
ثم تبين أن العزيز كان أوى إلى شخص من مماليك أبيه فعمل عليه الحيلة حتى أطلعه للسلطان ليحظى بذلك عنده .
وفي السابع والعشرين من شوال أحضر أينال الأشرفي - .
فقيد وأرسل إلى السجن بالإسكندرية ، وتوجه شهاب الدين أحمد - ابن العطار إلى الإسكندرية بسبب ما يتعلق بالبهار السلطاني وبيعه - .
وفي سلخ شوال ورد الخبر بقتل أينال الجرود نائب صفد في معركة وقعت لنائب الشام أينال الجكمي - ، ثم ظهر أن ذلك كذبمن بعض الاشرفية ، وتحقق أن الجكمي خرج عن دمشق وأن العساكر الظاهرية رحلوا بأمر السلطان من الرملة في النصف من شوال قاصدين نائب الشام ، وترك الشام وعصى نحو تدمر - .
واستهل شهر ذي القعدة يوم الخميس وتحدث الناس برؤيته ليلة الأربعاء ، واستقر جوهر الخازندار زماما عوض فيروز الساقي - ، وفي أول يوم منه استقر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام مضافا لكتابة السر ولبس الخلعة بذلك ، وسافر يوم الجمعة رابع عشري الشهر المذكور .
وفي الثاني منه صلى في الجامع الحاكمي على ثلاثة أنفس ماتوا بالطاعون - .
وفي الثامن منه طلب القاضي بهاء الدين بن القاضي عز الدين عبد العزيز بن مظفر البلقيني إلى حضرة السلطان بسبب جارية أفسدها عبده فغابت عن سيدتها قدر سبعة أيام ثم وجدتها سيدتها فتسلمتها بشاهدين منه ثم هرب العبد ، فاتهم بهاء الدين بسيدة الجارية ، فاتصل الأمر بالدويدار الصغير فطلبه ليوفق بينهما ، فتعاظم فأوصل الأمر بالسلطانونسب المذكور إلى أمور معضلة وأنه هو الذي أفسد الجارية المذكورة إلى غير ذلك من القبائح ، فلما وصل أمر بتجريده وضربه بالمقارع ، فجرد - فشفع فيه ناظر الجيش فبطح وضرب نحوا من مائة عصا وسلم للدويدار الكبير ، وأمر أن يصادره على مال ، فتسلمه إلى نزله وأهانه واستكتبه خطه بثلاثة آلاف دينار ، ثم شفع فيه إلى أن انحطت إلى ألف واحدة وأنعم بها على الدويدار ، وكان مما أهين به أن أركب حمارا وفي عنقه باشه وخنزير - وهو مكبوب على وجهه إلى الدويدار وكانت كائنة شنيعة وكثرت القالة فيه مع ذلك ، وبلغني أنه مع هذه الشدة في بأو عظيم ورقاعة مفرطة وأصر على عدم الإعطاء وكرر تهديده ، فلما طال عليه ذلك أذعن لبذل الألف دينار ، فبذلها وبذل معها أشياء أخر وخلص بعد سبعة أيام وعزل من نيابة الحكم ، وكنت كلمت السلطان في أمره بعد صلاة الجمعة فقال : والله لولا أنت لكنت حرقته بالنار لما صنع وكأنهم قرروا عنده أنه كان هو المفسد للجارية -والله يأخذ بحق من افترى عليه ورماه بهذا البلاء حتى تمت عليه هذه المحنة ، وبلغني أن قريبه لم ينفعه في هذه الكائنة بشئ - ولا قوة إلا بالله .
وفي التاسع منه وصلت بطاقة بالوقعة بين إينال الجكمي والعسكر المصري وأنه انهزم ، وهرع الناس لتهنئة السلطان بذلك - وقد شرحتها قبل في حوادث الشهر الماضي - وحصل عند المتعصبين للأشرفية قلق كبير وهم عظيم بهذه الكائنة .
وفي السابع عشر من ذي القعدة كانت الوقعة يوم الجمعة بين تغرى برمش الذي كان نائب حلب وبين العسكر المصري . وكانوا بعد أن أمسكوا إينال الجكمي توجهوا إلى حماة وبها نائب حماة وقد جمع بها جمعا جما ، فكانت الكسرة عليهم ونهب هو ومن معه ، وفر هو إلى أن التجأ بقلعة شيزر ، ووصل الخبر بذلك في الخامس والعشرين منه يوم السبت .
وفي العشرين من ذي القعدة وهو التاسع من بشنس من أشهر القبط والرابع من أيار من أشهر الروم فشا الموت بالطاعون بالقاهرة بعد أن كان فشا في قرى مصر البحرية وكثر بالإسكندرية وتروجة والبحيرة والغربية ومنوف - العليا - والمحلة وعدة قرى ، ووصل في اليوم بالقاهرة إلى ثلاثين ، - ثم وصل في العشرين من ذي القعدة في اليوم إلى الخمسين ثم إلى الستين - ، ثم تناقص إلى الأربعين- والثلاثين والعشرين - فما دونها ثم رجع إليها ، وأكثره في الرقيق والأطفال ثم تناقص إلى العشرين في أول ذي الحجة .
وفي السابع والعشرين من ذي القعدة وصلت رأس أينال الجكمي - نائب الشام - وطيف بها على رمح ، واتفق قبل هذا بيسير أن ذكرنا وقعة بين العسكر المصري وتغرى برمش نائب حلب ومن انضم معه بالقرب من حماة ، فانكسر النائب وهرب إلى الجبل الأقرع ، فظفر به بعض التركمان - فكبسه - وأسره هو ومن معه ووصل الخبر بذلك في أول يوم من ذي الحجة يوم الجمعة ، وفرح الناس بذلك لحصول الأمن ورفع الحرب والطمأنينة في الطرقات ، - وتوجه العسكر المصري لتمهيد أمور البلاد الشامية ، وكان من أمره أنه في شهر رمضان حاصر القلعة وأظهر العصيان لكنه لم يقطع الخطبة باسم الظاهر وبها قانباي البهلوان وبرسباي الحاجب وفارس نائب القلعة واختلف عليهم التركمان ، ثم استشعر نائب القلعة بأن أهل القلعة وافقوا النائب على العصيان فقبض عليهم وقتل بعضهم واسترجع منهم المال الذي رشاهم به النائب في الحصار حتى استغاث أهل القلعة بالعوام من جيرانهم ، فاجتمعواورجموا المقاتلة بالحجارة ، فتسامع بقية أهل البلد فاجتمعوا وساعدوا فانكسر جماعة النائب ، وبلغه الخبر فركب جريدة وخرج من البلد ولم يصحبه أحد بفرش ولا فرس ولا خيمة وليس معه سوى ثياب بدنه .
وقرأت كتابا كتبه إلى القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية من حلب يذكر فيه قصة تغرى برمش نائب حلب ملخصه أنه أظهر العصيان في يوم الجمعة الثامن عشر من شعبان وحاصر القلعة ليملكها ، فامتنع عليه نائبها فألح عليهم بالحصار إلى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان ، فركب أهل حلب عليه ونزل الأمير حطيط نائب القلعة ومن معه وساعدهم من بالبلد من الجند والعامة ، فوقع بينهم قتال شديد ساعة من نهار أفضى فيه الأمر إلى خذلان تغرى برمش ، فخرج من حلب على جرائد الخيل في نحو مائة فارس ، واستمر في هزيمته حتى دخل شيزر فنزل على طور على ابن صقيل سر فجمع جمعا من التركمان والعرب وسار إلى طرابلس ففر منه نائبها ، ودخلها هو فأقام بها أياما واستخرج من أهلها مالا كثيرا ، ثم رجع ومعه ابن صقل سز وعلي يار التركماني وأمير العرب ، ونزل بالميدان ظاهر حلب وأعلن بالدعاء للملك العزيز بن الأشرف وكاتب أهل حلب بالدخول معه ، فأعلنوا بمخالفته وقفلوا دونه الأبواب وصمموا على طاعة الملك الظاهر ، فحاصرهم واستحضر آلات الحصار من مكاحل وسلالم وغيرها ، واشتد الخطب يوم الثلاثاء ثاني عشرى شوال ، فحصل من جماعته من الفساد ما لا يعبر عنه ، فأحرقوا الزروع وأخربوا القرى من شيزر إلى حلب ، ونودي بقتاله ونشبت بينهم الحرب فقتل من الطائفتين جماعة ، وفي جميع ذلك كانوا مستظهرين عليه ، واستمر على ذلك إلى يوم الأحد رابعذي القعدة ، فرحل عن حلب بعد أن أيس من الظفر بها ، وخرج أهلها في أثره فنهبوا آلات الحصار ، وسار هو إلى أن نزل مرج دابق ، فأقام به إلى يوم الجمعة تاسع ذي القعدة وعاد إلى ناحية حلب فرمى شرفها يوم السبت ولم يقاتل ونزل من الجهة القبلية ، ثم بلغه طروق العسكر المصري فرحل يوم الأحد إلى ناحية حماة ، فالتقى العسكران بقرب الرفاعي ، فلم يلبث أن انكسر هو وابن صقل سز ففر إلى الجهة الغربية ، وانهزمت العرب إلى الجهة الشرقية ، وذلك في السادس عشر من ذي القعدة ، ثم توجه إلى جهة بالس واستمر إلى الشغر ثم إلى الجبل الأقرع فنزل على ابن حنوص التركماني وكان معه ، فأضافه ثم باطن عليه الفلاحين بتلك النواحي وأمسكوه وأمسكوا معه طور غلى وجماعة فوصلوا إلى حلب وأدخل طور على جمل ، وذلك في يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة ، فأودع هو وتغرى برمش بالقلعة - انتهى ملخصا - .
وقرأت بخطه أيضا أن النائب المذكور في هذه الكائنة ظهر منه من سوء الطوية ما لا يعبر عنه ، وأنه ومن معه أفسدوا من الزروع ودورهم شيئا كثيرا بالتحريق وغيره بحيث أنه أفحش في غالب ما حولها من القرى وأنه لما كسر الكسرة الأخيرة غنم العسكر المصري من المواشي ما لا يدخل تحت الحصر بحيث بيع الجمل بثلاثين درهما والشاة بخمسة دراهم .
وفيه أن المذكور لما نزل الجبل الأقرع بات ليله وتوجه بكرة الأحد تاسع عشر ذي القعدة قاصدا أنطاكية فوصل إلى دربند هناك ، فاجتمع عليه وعلى من معه جماعة من الفلاحين فقاتلوهم فأمسكوا عليهمالمضايق إلى أن قبضوا عليهم فسلبوا جميع من معه وتركوهم ، وأما النائب وطور غلى بن صقل سز فإنهم راسلوا أهل حلب ، فبادر قطبح الأمير الكبير بحلب والحاجب ونائب حماة فتسلموهما من الذين أسروهما ورحلوا إلى حلب فوصلوا في ثالث عشر ذي القعدة ، فسجن إلى أن وصل الأمر من السلطان بقتلهما ، فضربت عنق تغرى برمش بحضرة نائب القلعة ووسط طور غلى تحت القلعة وذلك في السابع عشر من ذي الحجة .
ومن خطه أن الخطبة بحلب استمرت في طول هذه الفتنة باسم الملك الظاهر .
شهر ذي الحجة - الحرام أوله الجمعة - في أوائل هذا الشهر شكا القاضي علم الدين - صالح - البلقيني إلى السلطان أن الملك الأشرف كان قد أنعم عليه بألفي دينار ، وأنه بعد موت الأشرف استعيد منه أحد الألفين فأنعم عليه بإعادتهما له فلما قضهما استأذنه أن يحضر عنده في كل أسبوع يوم الأحد ويعمل بحضرته ميعادا فأذن له ، فعمل في السابع عشر منه ميعادا على طريقته في مدرسة والده فلم يعجبه ، فلما حضر في الأحد الذي يليه منع من ذلك فرجع خائبا ، وكان في أثناء ذلك قد أظهر زهوا عظيما وهرع إليه ناس ممن يؤثر ولايته وظنوا أن الإذن في ذلك يوصله إلى الغرض ، فانحزم ما أملوه وبطل - ولله الأمر - .وفي صبيحة يوم الخميس ثامن عشرى ذي الحجة قبض على ناظر الجيش عبد الباسط ابن خليل بن يعقوب الشامي ، وكان قد عظم قدره في دولة الأشرف جدا بحيث صار هو مدبر المملكة ، ثم لما مات الأشرف قام في سلطنة ولده ، ثم صار بعض الخاصكية يذمه وقاموا عليه مرارا ليؤذوه وهو ينتصف منهم إلى أن تغيرت الدولة ، ثم حظى عند الملك الظاهر واستمر على طريقته في الإستبداد بالأمور ومخالفة الملك فيما يرومه ، فلم يحتمل له ذلك واحتاط به لما طلع إلى الخدمة ، وأحاطوا على منزله فقبضوا على ولده وبعض حريمه وأصعدوا إلى القلعة ليقرروا على أحواله ، وفر غالب أتباعه منهم القائم بأموره شرف الدين ابن البرهان - وقبض على بعضهم - ، وبرز فخر الدين التوريزي له ساعة القبض عليه فادعى عليه أنه يستحق في ذمته ثلاثين ألف دينار فأنكر فرسم عليه - له - ، ويقال إنه ذكر له أنه كاتب نواب الشام الذين عصوا ، فأنكر ذلك فعوق في قاعة في الحوش السلطاني .
وفي يوم الجمعة جعل أربعة من أتباعه في البرج وهم موسى بن البرهان كاتبه وموفق الدين كاتب الجيش وإبراهيم - الصغير - كاتب البابوولد القاضي أذرعات ويقال له ضفدع وجعل ولده في طبقة والأستادار جانبك عند أستاذه وأرغون دويداره معه ثم طلب منهم المال ، فقرر على موسى عشرة آلاف دينار ، وعلى موفق الدين خمسة آلاف دينار ، وأطلق إبراهيم الكاتب وضفدع بعد أيام ، ثم أحضر الشريف حسن الإسكندراني من الإسكندرية بسبب أنه تاجر لناظر الجيش فعوق في البرج أيضا ، ثم أطلق موسى وموفق الدين وسلما لشهاب الدين - أحمد - بن العطار الدويدار فشرعا في بذل المال ؛ وشرع ناظر الجيش في بيع موجوده وباع على السلطان ما في ملكه من الفلفل وهو ألف جمل بأربعين ألف دينار ، وحمل من النقد قريبا منها ، وباع أشياء كثيرة من نفائسه ، ومن نوادر ما يحكى أن الحاج لما قدموا في العشر الأخير من المحرم أخبر جماعة منهم أنه شاع وهم بالينبع يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة أن السلطان فبض على ناظر الجيش وهو اليوم المذكور بعينه - وممن أخبرني بذلك القاضي ظهير الدين الطرابلسي . . . . .وفيات سنة 842
ذكر من مات في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن محمد بن أحمد الدميري المالكي شهاب الدين ابن تقى الدينالمعروف بان تقىوكانت أمه أخت القاضي تاج الدين بهرام فكان ينسب إليها ولا ينسب لأبيه ، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها : أحمد ابن أخت بهرام ، وكذلك يسجل عليه ولا يذكر أبوه ، وسألت مرارا عن سبب ذلك فقيل لي إنه كان لا يحمد في شهادته الشهاب المذكور ، وكان فاضلا مستخضرا للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها ، مشاركا في جميع ذلك ، فصيحا عارفا بالشروط والأحكام ، جيد الخط ، قوي الفهم ، ولكنه كان زرى الهيئة مع ما ينسب إليه من كثرة المال ، وخلف ولدين ذكرين وأنثى ، وقد عين للقضاء مرارا فلم يتفق ، مات في الثاني عشر من ربيع الأول ، وما أظنه بلغ الستين ، ثم قيل لي إنه ولد سنة 784 ، وأول ما ناب في الحكم في سنة أربع وثمانمائة ، وكان في صباه آية في سرعة الحفظ بحيث أنه كان يحفظ الورقة الواحدة من مختصر ابن الحاجب من مرتين أو ثلاثة بغير درس واشتهر عنه ذلك .
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد القاضي علم الدين بن القاضي تاج الدين ابن القاضي علم الدين بن القاضي كمال الدين بن القاضي برهان الدين الأخناتي - المالكي - ، مات في ليلة الأربعاء خامس عشرى رمضان مطعونا وكان من أعيان نواب القاضي المالكي ورام ولاية القضاء فلم يتفق له ، وكان ضعفه عقب وفاة البساطي ، واستقر ابن التنسي وقد ثقل هو في الضعف ، ومولده قبيل التسعين فجاز الخمسين ، وكان يتعانىالأدب ويتولع بالنظم ، وصحب تقى الدين ابن حجة مدة .
تغرى برمش نائب حلب - تقدم ذكره في الحوادث - .
إينال الجكمي نائب الشام - تقدم ذكره في الحوادث - .
جوهر اللالا عتيق أحمد بن جلبان وكان قبله لعمر بن بهادر ، ثم اتصل بخدمة الملك الأشرف وهو أمير فتنقل معه ، وقرره لالا ولده محمد الأكبر ثم ولده يوسف ، - ثم تقرر زماما بعد موت حسن قدم مضافا للوظيفة الأخرى - فلما تسلطن العزيز فخم أمره وشمخت نفسه وظن أن الأمور تدور عليه ، فانعكس عليه الأمر وقبض عليه في أول الدولة الظاهرية وسجن بالبرج ، ثم أفرج عنه وهو ضعيف بمرض القولنج ثم حصل له الصرع إلى أن مات في الحادى والعشرين من جمادى الأولى ، وعمر مدرسة حسنة بالمصنع ودفن بها .
حسن بن محمد بن أحمد بن علي بن حجر ، مات في صبيحة الأحد ثالث عشرى شعبان وله دون السنة .
حسن بن . . الكشكلي الكركي بدر الدين ، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة بالقاهرة ، وكان قد باشر نظر القدس والخليل مدة في أيام المؤيد وغيره ، وكان عارفا بالمباشرة مشكورا .داود بن علي بن بهاء الدين الكيلاني التاجر بالإسكندرية شرف الدين ، مات في الرابع من ذي القعدة وأوصى على أولاده ولده الكبير عليا فمات بعده بأيام قلائل ، وكان على هذا قد ولى قضاء جدة ولم يكن بالمتصون ، وما أظنه أكمل الثلاثين ، وأما أبوه قمن أبناء السبعين ، وكان وجيها في التجار ، وقد رأس في بعض السنين في سلطنة الأشرف بجدة .
عبد الله الملك الظاهر بن الملك الأشرف إسماعيل ، صاحب اليمن ، مات في سلخ شهر رجب ، واستقر ولده إسماعيل بن الظاهر وبه حينئذ نحو العشرين .
علي بن عبد الرحمن - بن محمد - الشيخ نور الدين الشلقامي ، وهو أسن من بقى من الفقهاء الشافعية ، وذكر لي أنه حضر درس الشيخ جمال الدين الأسنائي وكان من أعيان الشهود ، وله فضيلة ونظم ، مات راجعا من الحج بالقرب من السويس ، وكان خرج من الحجاج فقوى عليه الضعف فعجز عن ركوب المحارة ، فركب البحر من السويس إلى الينبع وعجز عن التوجه صحبة الحاج ، فأقام حتى رجعوا فعاد معهم في البر ، فمات قبل دخول القاهرة وقد بلغ إثنتين وتسعين سنة ، فإنه ذكر لي أن مولده في الطاعون الكبير سنة 749 أو في حدودها .
علي بن عبد الكريم نور الدين الكتنى ، مات وقد قارب السبعين أو جاوزها وكان عارفا بالكتب وأثمانها وكان أبوه آخر من بقي بسوق الكتب وما رأيت مثله في الإحسان إلى الطلبة وأما ولده هذافما سلك طريق أبيه بل تشاغل غالبا بغير الكتب ، وقد ناب في الحكم مرة ، وترك وتعلل عدة سنين .
علي بن محمد بن قحر - بضم القاف وسكون المهملة بعدها راء - الزبيدي الفقيه العالم الفاضل موفق الدين ، ولد سنة 758 واشتغل بالفقه فمهر فيه ، وتقدم إلى أن صار مفتي زبيد وفقيهها والمرجوع إليه في ذلك ، - مات في الثاني من شوال - .
قرقماس الشعباني - تقدم في الحوادث - .
محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد بن علي البساطي المالكي القاضي شمس الدين ، وكان يكتب بخطه الطائي ، وظهر أنها نسبة لبعض قرى بساط ، مات بعد العصر يوم الخميس الثاني عشر من شهر رمضان ، أصابه صرع فغشى عليه فصرخوا عليه ثم تحرك ، فأمرهم الطبيب أن لا يشرعوا في جهازه ، ثم أصبح ميتا فأخرجت جنازته ، وكانت له مدة طويلة يتمرض بالقولنج يثور به فينقطع أياما ثم يسكن عنه فيفيق ، وكان في أوائل رجب قد نصل وركب وتصرف وحكم وحضر مجلس السلطان ثم انقطع قليلا ، ثم عوفى وركب أول يوم من رمضان إلى القلعة وحضر سماع الحديث وسلم على السلطانمع الجماعة عقب الفراغ بعد العصر ، وفرح السلطان بعافيته ، وحضر معنا مجلسا بالصالحية بأمر السلطان يوم الثلاثاء ثالث شهر رمضان وهو في عافية تامة وقد صام ، واستمر متماسكا يكتب على الفتاوى ويسمع الدعاوى ويعلم على القصص وغيرها للنواب إلى صبيحة يوم الخميس وإلى أن ثار عليه الوجع في آخر النهار فقضى ، وكان مولده في جمادى . . . . سنة ستين وسبعمائة فأكمل إثنتين وثمانين سنة و . . أشهر وأياما ، وكان في شبيبته نابغة في الطلبة واشتهر أمره وبعد صيته واشتغل في فنون ، وذكر لي أنه سمع الحديث على عبد الرحمن ابن البغدادي وغيره ولم يكثر بل لم يطلب أصلا ولا اشتغل له ، وكان عارفا بفنون المعقول والعربية والمعاني والبيان والأصلين وصنف فيهما تصانيف وفي الفقه أيضا ، وولى تدريس الفقه بالشيخونية ودام فيه أكثر من ثلاثين سنة ، ثم قايض بها التدريس بالظاهرية البرقوقية وناب في الحكم عن ابن عمه جمال الدين يوسف البساطي وغيره مدة وكان بحالة هينة من قلة الشئ ، ثم نوه به الأمير ططر فذكره عند الملك المؤيد فولاه مشيخة التربة الظاهرية عقب موت حاجى فقيه سنة تسع عشرة ثم ولاه القضاء عقب وفاة جمال الدين الأقفهسى في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين ، فأقام فيه نحو عشرين سنة متوالية بقية مدة المؤيد وولده والظاهر ططر وولده والأشرف برسباي وولده وهذه القطعة من سلطنة الظاهر ، ورافقه الأشرف برسباي وولده وهذه القطيعة من سلطنة الظاهر ،ورافقه من القضاة خمسة من الشافعية وهم البلقيني والعراقي وصالح وكاتبه والهروي ، ومن الحنفية أربعة وهم ابن الديري والتفهيى وابن الديري ، ومن الحنابلة ثلاثة وهم ابن المغلى والمحب البغدادي وعز الدين القدسي ، وفي هؤلاء من صرف وعاد - غيره - ، وجاور في مكة سنة كاملة في دولة الأشرف وهو على ولايته ، وعين ابن تقى مرة للولاية في كائنة علاء الدين البخارى المذكورة - في الحوادث - ، فلم يتم له أمر واستعفى في السنة الماضية ، ثم ندم واستمر به الأشرف بعناية على باي الخازندار ، وكانت وفاته في الليل وصلى عليه وقت ربع النهار بمصلى باب النصر ، ودفن بتربة بني جماعة بالقرب من تربة سعيد السعداء ، وأمطرت السماء بعد الفراغ من دفنه مطرا غزيرا ، وعين السلطان للقضاء بعده الشيخ عبادة الزرزاري ، وسعى ولد الميت في وظائفه التي كانت معه قبل أن يلي القضاء ، فأجيب إلى بعضها كمشيخة التربة الظاهرية بالصحراء ، ودعى عبادة إلى تولية الحكم فامتنع وتغيب ، فلما كان يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر المذكور خلع على القاضي بدر الدين بن القاضي ناصر الدين بن التنسي ، وركب القضاة معه والمباشرونعلى العادة إلى الصالحية واستقر في الوظيفة .
محمد بن أبي بكر - المالكي - الكتامي بضم الكاف وتخفيف المثناة نسبة إلى حارة كتامة من القاهرة ، شمس الدين ، مات فجأة على ما قيل ، مات في الثاني والعشرين من ذي القعدة ، وكان نقيب الحسبة عند القاضي بدر الدين العيني ، ثم صار نقيب الحكم عنده إلى أن عزل ، فاستمر يتردد إليه وهو معزول إلى أن أدركه الموت ، وكان قد شارف الثمانين وهو جلد ، ويكثر تلاوة القرآن ، ويقال : خلف مالا كثيرا - عفا الله تعالى عنه .
محمد بن زين بن عبد الله شمس الدين بن زين الدين ، المرساوي الأصل الجرائحي المعروف بابن الديفي التباني ، اشتغل في علم الجراحة وتحول إلى الديار المصرية قديما فسكن التبانة ، وتقدم في صناعته واستقر في الرياسة ، وطعن في السن وفي شعر لحيته السواد الكثير وكان يدعى أنه جاوز المائة ، وقرائن الحال تشعر أنها من الدعوى المحال .
محمد بن سعيد بن كبن - بفتح الكاف وتشديد الموحدة الثقيلة بعدها نون ، جمال الدين ، مات بعدن من بلاد اليمن وكان قاضيها في السابع من رمضان ، وكان فاضلا ، ولي القضاء بعدن نحوا من أربعين سنة تخللها ولاية القاضي عيسى اليافعي مددا مفرقة ، وكان جمال الدين فاضلا مشاركا في علوم كثيرة ، واسف الناس عليه لما كان فيه من المداراة وخفض الجناح ولين الجانب والإصلاح بين الخصوم ، ولعله قارب الثمانين .محمد بن القاضي بهاء الدين البرجي بدر الدين ، مات في ذي الحجة في الحمام ، وكان أبوه قد ولي الحسبة مرارا ووكالة بيت المال والكسوة ، وصاهر البلقيني ثم ولده بدر الدين ، وصارت له وجاهة ثم خمل ، ثم نبه قليلا في دولة المؤيد بعناية ططر ، فجعله ناظر العمارة بالمدرسة المؤيدية ، وعظم لما تسلطن ، ثم لما لم تطل مدته استمر خاملا ، ثم مات بعد بيسير ، وكان بدر الدين هذا قد تزوج بنت بدر الدين البلقيني ثم فارقها ، وكان كثير الصلف ، وباشر في عدة جهات ، وكان يلقب بعزيق - بمهملة وزاي وقاف - مصغر ، لقبه بذلك ناصر الدين بن كليب وكان جارهم ، وكان قد جاوز الخمسين .
موسى بن علي بن جميع ، الصنعاني الأصل العدني - شرف الدين ابن نور الدين ، كان قد استقر في وظيفة أبيه بعدن وهي الرياسة على التجار في المتجر السلطاني ، وكان حاذقا عارفا بالمباشرة والكتابة فصيحا لسنا ، وقد قدم القاهرة في وسط الدولة الناصرية من نحو ثلاثين سنة أو أكثر ، ولم يكن صينا ، مات في شعبان .
يحيى الملك الظاهر بن الملك الناصر أحمد بن عبد الملك - الأشرف إسماعيل ، صاحب تهامة اليمن ، مات في يوم الخميسسلخ رجب ، وأقيم بعده ولده الأشرف إسماعيل في يوم الجمعة مستهل شعبان منها ليلا ، فقتل أكابر أهل الدولة فمنهم برقوق وكان كبير المماليك الأتراك ، وعدة من رؤساء الجند وعدة من الأجناد الذين يدعون السقاليب حتى أضعف المملكة ، وأثر ذلك حتى خرجت الأعزاب العازبة - بالعين المهملة والزاي - عن الطاعة وضعف أمر تلك البلاد جدا .
يحيى المغربي المالكي ، قاضي المالكية بدمشق ، محيي الدين ، مات وقرر بعده شرف الدين يعقوب بن . . . المغربي ، وكتب توقيعه في ذي الحجة .
يخشباي الأشرفي ، ضربت عنقه في الثامن من ذي الحجة ، أخرج من السجن ، وادعى عليه بأنه سب شريفا من أهل منفلوط ، وهو حسام الدين محمد بن حريز قاضيها ، وثبت ذلك عليه بالقاهرة ، واتصل بقاضي الإسكندرية فاعذر إليه فأنكر ، ثم حلف أنه لم يفعل فقيل له إنالإنكار لا يفيد بعد قبول الشهادة ، فاستسلم للقتل ، فشهدوا عليه بعدم الدافع وضربت عنقه .
يوسف ولد كاتب السر ، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة وقد راهق ، ولم يكن له الآن ولد ذكر غيره ، واشتد أسفه عليه ، وكانت جنازته حافلة جدا .
يونس بن حسين بن علي الواحي نزيل القاهرة الشيخ شرف الدين ، سمع من عبد الرحمن بن القارئ وناصر الدين الطبردار وغيرهما وحدث ، وكان يذكر أن مولده سنة 757 ، وعرض العمدة على الشيخ جمال الدين الأسنوي ، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني ، وكان يحب الأمر بالمعروف ويشدد في ذلك مع قصوره في العلم ، ويتخيل الشيء أحيانا فيلح في كونه لا يجوز ، أنكير قديما كون ملك الموت يموت واستفتى القدماء ، وكان سمع في ميعاد الشيخ سراج الدين شيئا من ذلك - فصار الشيخ وآل بيته يمقتونه من ذلك الوقت ، وسمع الخطيب يذكر في خطبة الجمعة في ذكر عمر أنه منذ أسلم فر الشيطان منه ، فأنكر عليهوقال : لا تقل : منذ أسلم ، يقع في ذهن العامي أن في ذلك نقصا لعمر ، واستفتى في ذلك فبالغ ، وسمع مدرسا يذكر مسألة الصرف وقول أبي سعيد لابن عباس : إلى متى تؤكل الناس الربا ? فاشتد إنكاره ونزه ابن عباس عن ذلك واستفتى ، واجتمع عنده من الفتاوي من هذا الجنس مالو جلد لجاء في خمس مجلدات ، وجمع لنفسه مجاميع مفيدة لكنه كان عريا من العربية فيقع له اللحن الفاحش ، وكان كثير الابتهال والتوجه . ولا يعدم في طول عمره عاميا يتسلط عليه وخصوصا ممن يجاوره - والله يعفو عنه ? وقد حدث في آخر عمره واستحلى ذلك وأعجب به وحرص عليه - رحمه الله .
خوند بنت الملك المؤيد زوج قرقماس الشعباني ، ماتت في التاسع عشر من جمادى الأولى ، وكانت نفساء عن سقط أسقطته عند كائنة زوجها ، فاستمرت في الضعف إلى أن ماتت ، ولم تخلف سوى ولد ذكر له نحو سبع سنين ، واسندت وصيتها لزوجها .
حوادث سنة 843
سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة
المحرم - أوله الأحد ، العشرين من بونة من أشهر القبط - ، وفي ليلة السبت تراءوا هلال المحرم فلم يظهر مع الصحو الشديد ، فلما كان صبيحة هذا اليوم استقر القاضي محب الدين بن الأشقر ناظر الجيشوركب الناس معه وكان الجمع وافرا ، واستقر معه محمد بن أبي الفرج عبد الرزاق أخو فخر الدين في الأستادارية ، فركب معه فوصله إلى منزله برأس حارة زويلة ، وتوجه إلى منزله بقرب قنطرة سنقر ، وتوجه غالب الناس معه .
وفي هذا اليوم وصل رأس تغري برمش ورفيقه ونودي عليهما بالقاهرة ثم علقا بباب زويلة - وقد تقدم أنه ضربت عنقه في سابع عشر ذي الحجة من الحالية - بقلعة حلب ، وقدم مبشر الحاج وأخبر أنهم وقفوا يوم السبت ، وأن بعض الناس تحدث برؤية الهلال ليلة الجمعة ولم يثبت ذلك ، لكن سار الركب من مكة فباتوا بعرفات ليلة الجمعة احتياطا .
وفي هذا اليوم نقلت الشمس من برج السرطان ، وهو أول يوم من الصيف ، ومن يومئذ نقص النهار وأخذ الليل منه ، وهذا اليوم هو أطول أيام السنة وأقصر لياليها .
وفي يوم الاثنين ثاني المحرم استقر الشيخ ولي الدين السفطي شيخ المدرسة الجمالية في نظر الكسوة مضافة إلى وكالة بيت المال ، وركب الناس معه أيضا .
وفي الثالث منه أمر عبد الباسط ناظر الجيش دويدارهبإحضار ما في منزله من الذهب ، فكان ثلاثين ألف دينار فاستقلها السلطان ، فاستأذنه ناظر الجيش المذكور في بيع موجوده فأذن له ، وشرعوا في بيع جميع ما عنده من الحواصل ، فوصلت مصادرته في اليوم العاشر إلى مائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار والطلب مستمر ، وقيل إنه طلب منه ألف ألف دينار ، وإن بعض الوسائط أنزلها إلى خمسمائة ألف دينار ، ولم يثبت ذلك وصودر كاتبه على عشرة آلاف دينار ، ثم خفف عنه منها الخمس ، والأستادار جانب بك مملوكه - على عشرة آلاف دينار ، فباع دوره واثاثه وشرع في وزنها وضمن عليهم وأطلقوهم ، ثم أطلق ضفدع وإبراهيم الكاتب بغير شيء ، وكثرت الأمتعة والملابس الفاخرة بأيدي الناس من كثرة من يبيع ذلك من حواشي المشار إليه - إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
ومن أعجب ما يذكر أن جميع منادميه صاروا ملازمين لكاتب السر طمعا في استمرار جهاتهم وجاههم - والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأحضر الشريف بدر الدين حسن الإسكندراني التاجر ، وكان يتوكل عن ناظر الجيش في بيع النبهار من الإسكندرية في هيئة شنيعة ، فحبس بالبرج وحوسب إلى إن استقر عليه شيء يسير وأطلق ،ثم لما كان بعد ذلك تقرر على عبد الباسط ثلاثمائة ألف دينار ، وكان السلطان ألزمه بستمائة ، ثم بخمسمائة ثم بأربعمائة ، فتكلموا معه في ذلك فأظهر العجز عن ذلك ، وقرروا مع السلطان أن يكون ثلاثمائة وأعلموه بذلك ، ثم شاوروا السلطان فأنكر أن يكون رضي بذلك ، وتغيظ عليهم وعليه وأمر بحبسه في البرج ، فحبس في برج مظلم وضيق عليه ، فأقام إلى أن قلب الله قلبه وأمر بإخراجه منه ، وتسلمه نائب القلعة فأنزله في غرفة علية وهي أعلى بناء في القلعة ، فأقام بهاأكثر من شهر إلى أن افرج عنه .
وتوجه إلى مكة في أثناء ربيع الآخر - كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وفي التاسع عشر منه وصل سابق الحاج وذكر أنه فارقهم من عيون القصب وأنهم بخير .
وفيه ابتدأت الزيادة في النيل .
وفي يوم الجمعة سادسه رفع أمين النيل الخبر بأنه يومئذ كان على أربعة أذرع وعشرة أصابع ، فزاد على العام الماضي في النقص خمسة وأربعين إصبعا ، واستمرت الزيادة فكان في أبيب وهو يوم الجمعة العشرين من المحرم أنقص من العام الذي قبله بأحد وستين إصبعا ، فلم يزل يزيد حتى كان في العشرين من صفر أزيد من الذي قبله بأربعة تسعين إصبعا - فسبحان القادر .
وفي السادس والعشرين منه خلع على نور الدين ابن آقبرص أحد نواب الحكم بوظيفة نظر البيوت عوضا عن ناظر الجيش ، وكانتالخلعة جبة سمور .
وفي يوم السبت الثامن والعشرين منه وصل يشبك الحاجب الكبير وخلع عليه ، واستقر أتابك العساكر ، وهرع الناس للسلام عليه ، ونزل ببيت بركة وهو الذي كان فيه أركماس الظاهري - الدويدار ، ودخل العسكر الذين كانوا في الصعيد . وفي هذا اليوم عقد مجلس بسبب حسن الأميوطي الذي عمل نقابة الحكم في العام الماضي للقاضي علم الدين صالح - البلقيني وادعى عليه بأمور معضلة ، فسمع الدعوى عليه بعضها القاضي الشافعي وبعضها القاضي الحنفي ، وأمر الحنفي بحبسه ليتبين ما ادعاه من الطعن في الشهود ، واجتمع بسبب ذلك من لا يحصى عدده من الناس ، وحصل له لما أرسل إلى الحبس من الإهانة والصفع مال لا يزيد عليه ، ولو لاذب الجيش عنه لقتل على ما قيل .
شهر صفر الأغر - أوله يوم الاثنين ، وفي صبيحة الثلاثاء عزر حسن الأميوط نقيب البلقيني في مجلس الحنفي ، فضرب على ظهره مجردا نحوا من أربعين ، وأهين في أثناء ذلك إهانة عظيمة وأعيد إلى الحبس ، واجتمع من الناس من لا يعد كثرة ، ولولا والي الشرطة لقتلوه ، ثم حبس ثم أحضر يوم السبت إلى مجلس الحكم - فادعى عليه ثانيا - ولم يقع ما كان يظن ، وأعيد إلى الحبس ثم أفرج عنهفي الحال ، وسكنت القضية بعد أن كان يظن أنه يراق دمه لا محالة .
وفي أواخر يوم الخميس رابعه الموافق لثاني عشري أبيب أمطرت السماء مطرا غزيرا بعد صلاة العصر ، ودامت نحو ساعة وأوحلت الأرض داخل القاهرة وحولها ، وقد وقع نظير ذلك في سنة تسع وأربعين فأمطرت في . . من . . فوافق جمادى الأولى فأمطرت من بعد العصر إلى قرب العشاء فكان أكثر من ذلك ، فاستغرب الناس ذلك ونسوا وقوعه قبل ذلك بست سنين .
وفي يوم الجمعة وصل العسكر الذي كان جهز إلى الشام ، ودخل قبلهم قانباي البهلوان فقرر في نيابة صفد عوضا عن إينال الأجرود ، وصل إينال المذكور بعد اسبوع واستقر مقدما على عادته بعد أن خلع عليه ثالث عشره - ، وواجه أمراء العسكر السلطان يوم السبت سادسه ، وخلع عليهم وهرع الناس للسلام عليهم .
وفي يوم الخميس أهين عبد الباسط وحول من محبسه بالقاعة - إلى البرج الذي كان حبس فيه أولا أتابعه وهو في رفاهية ، فعاد إلى ضيق وحصر وشدد عليه في التهديد وطلب المال ، وكان هو يظن أنهإذا بادر بدفع المال يفرج عنه ، وذكر أنه حمل جميع ما عنده من النقد ثم عرض جميع ما عنده من أصناف المتاجر للبيع فاشتريت للسلطان ، ثم عرض جميع ما عندهم الجواهر والحلي وبيع للسلطان أيضا - ثم عرض جميع ما عنده من الثياب الصوف والحرير والمخمل والمذهب والمطرز فاشترى ايضا للسلطان ، ثم عرض جميع ما عنده من الأثاث فبيع بالأثمان الغالية تارة وبالرخيصة أخرى ، وحصل لجماعته في أثناء ذلك منافع كثيرة ، ومع ذلك فلم يجتمع من ذلك إلا نحو مائتي ألف دينار ، وأصر السلطان على طلب خمسمائة ألف دينار بعد أن كان طلب منه ألف ألف دينار - فلم يزل يحطها إلى أن صارت على النصف ولكن المطلوب منه حط على أنه لا يقدر إلا على ما ذكر ، لكن بقي له العقار فكأنه شرع في الحيلة في حل الأوقاف ليباع ما يمكن بيعه من العقار - والحكم لله ثم آل الأمر إلى أن غضب منه فأمر بسجنه في البرج المظلم فأقام فيه مدة . ثم أفرج عنه - وسلم لنائب القلعة فأسكنه عنده في طبقة عليا نيرة . وتقرر مال المصادرة على مائتي ألف دينار وخمسين ألف دينار ، فاستوعب ما يقدر عليه من النقد والبضائع والامتعة - والديون والغلال ، وباع ما لم يوفقهمن العقار - وأخر كثيرا مما وقفه وباع بعضه أنقاضا فلم يكمل المائتين ، فاخذ في الإستدانة وسؤال المعارف ومن سبقت له إليه يد ، فكان جهد ذلك أن كمل المائتين في العاشر من ربيع الأول - ثم كان ما سنذكره .
وفي يوم الاثنين خامس عشره رسم السلطان أن يرسل الملك العزيز يوسف ابن الأشرف إلى الإسكندرية على طريق البر وصحبته اسنبغا الطيارى أحد الأمراء المقدمين ليودعه السجن بها وأمر بتحويل الأمراء المسجونين هناك إلى قلعة صفد وغيرها ، ثم بطل العزم عن سجن العزيز واستمر تحويل الأمراء ، وأقام قانباي البهلوان الذي تقرر في إمره صفد بسرياقوس إلى أن يحضروا ويتوجه بهم صحبته إلى أن يسجنهم بقلعة صفد وبغيرها كقلعة المرقب والصبيبة ، ثم وصلوا وسلموا وتوجه كل إلى مقصده ، وذلك في أول ربيع الأول .
وفي يوم الخميس ثامن عشر صفر كسر الخليج الحاكمي على العادة ، ونودي على النيل بالوفاء ستة عشر ذراعا وزيادة إصبعين ، ثم نودي عليه في صبيحة الجمعة بعشرة ، فصار على ستة عشر ذراعا ونصف ذراع ، وكان في مثل هذا اليوم من العام الماضي على ثلاثة عشر ذراعاوربع - ، وانحل سعر الغلال بعد أن كان ارتفع - ولله الحمد ، وزاد الماء في ثلاثة أيام متوالية بعد يوم الوفاء اثنين وثلاثين إصبعا ، وهو شيء لم يعهد قبل هذه السنة ، ثم زاد سبعة في اليوم الثالث من يوم الوفاء وستة في اليوم الرابع - فبلغت زيادته عن العام الماضي أربعة أذرع وتسعة أصابع ، وما سمع قط أن النيل في العاشر من مسري تكمل ثمانية عشر ذراعا ينقص إصبعا واحدا ، واستمرت المناداة بالزيادة إلى يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الآخر فزاد أصابع من العشرين ، فاستراب أكثر الناس بذلك ، لأن الذين اعتادوا معرفة ذلك ممن له دار تطل على النيل لم يصل الماء عنده - إلى علامة العشرين ، فتوجه جماعته فشاهدوا المقياس فظهر لهم كذب القياس ، ثم اقتضى الرأي عدم التوسع في ذلك لئلا يضطرب العامة إذا تبين أن الزيادة دون ما ذكر فلا يؤمن أن يحدث من ذلك غلاء في السعر ، واستشعر القياس بذلك فصار ينادي كل يوم بإصبع مع أن الزيادة مستمرة بأكثر من ذلك ، وكان آخر يوم من مسري يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأول انتهى إلى تسعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا .
وفي ليلة السبت حادي عشر ربيع الأول حول الملك العزيز من القلعة إلى ساحل بولاق فأنزل في الحراقة الصغرى ، ومعه من يتوكل به إلى الإسكندرية ، فسجن بها على عادة من تقدمه كولد الملك الناصر فرجثم ولد الملك المؤيد ، وعمل المولد السلطاني في يوم الأحد الثاني عشر منه وكان حافلا ، وفرع وقت العشاء سواء ، وخرج الناس والاسواق مفتحة والليلة مقمرة جدا - ولله الحمد . ونودي بالسفر إلى مكة في الرجبية . وعين عدة من المماليك للإقامة بمكة والمدينة ، أما مكة فلحفظ البضائع الواردة من الهند من عبيد مكة وسفهائها ، وأما المدينة فلقمع الرافضة الذين تسلطوا على أهل السنة بها .
وفي هذا الشهر قبض على سراج الدين عمر بن موسى - الحمصي الذي كان قاضي طرابلس ثم دمشق ، وكان قد تسحب من دمشق بكلام بلغه عن السلطان من جهة انتمائه إلى أينال الجكمي فأقام بقرية من طرابلس ، فبلغ ذلك النائب فمسكه وأرسل وقيده بقيد ثقيل وسجنه وكاتب فيه ، فشفع فيه بعض الأمراء بالقاهرة فأذن في إطلاقه ، وتوجه القاصد بذلك ، وكان سفر الرجبية من القاهرة في . . وأميرهم وممن سافر معهم . . ، وكان أول توت أول السنة الشمسية يوم السبت ثامن عشر شهر ربيع الأول ، ابتدأ السلطان في الحكم بين الناس بالإسطبل على العادة ونودي بذلك ، فكان أول شيء أمر به أن ينفي عز الدين البساطي المالكي وناصر الدين الشنشي الحنفي وولده إلى قوصن ثم بلغني أنه شفع فيه ولم يتم ذلك للبساطي واستمر الشنش . وأمر السلطان القضاة الأربعة - أن لا يحبس أحد من نوابهم أحدا إلا بعد مراجعةمستنيبه ، وكسر سد الأميرية وغيرها في هذا اليوم ، فنقص البحر نحو نصف ذراع بعد أن ، كان نودي عليه يوم الجمعة بإكمال العشرين ذراعا ، ثم زاد إلى سلخ تسعة أصابع ، وانتهت الزيادة يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الآخر إلى أحد عشر إصبعا من أحد وعشرين ذراعا ، والحق أنه لم يكمل العشرين وأن الافتراء من أمين البحر .
وفيه وقع بين المطوعة في البحر من أهل دمياط وبين الفرنج وقعة بساحل صيدا ، قتل فيها كبيرهم المجاهد عبد الرحمن ، وأسر المسلمون بعد أن قتل منهم جماعة ، وأخذت لهم ثلاثة مراكب ، وأسف المسلمون على ذلك أسفا شديدا .
وفي أواخر شهر ربيع الأول وردت مطالعة نائب الشام يشكو فيها من القاضيين الشافعي والحنفي ، فأمر السلطان بعزلهما معا ، فعزل القاضي بهاء الدين - ابن حجي من كتاب السر بدمشق ومن قضاء الشافعية ، واستقر في قضاء الشافعية شمس الدين الوناي ، وقرر في يوم الخميس سابع شهر ربيع الآخر ، وفي كتابة السر شهاب الدين العجلوني الذي كانيوقع عند الأمير الدويدار الكبير ، وكان عين لها زين الدين بن السفاح بل قيل له البس الوظيفتين معا ، ثم استقر في نظر الجيش فقط ، وصرف جمال الدين الكركي . وأمر السلطان بنقل بهاء الدين من دمشق إلى القدس فسكنها بطالا ، ثم تكلم له في تدريس الصلاحية فرسم له بها ، وصرف الشيخ عز الدين القدسي وتوجه القاصد بذلك إلى دمشق ، ثم بطل ذلك وكتب إلى ابن حجي بالقدوم إلى القاهرة واستمر القدسي في وظيفته فقدم ابن حجي في رجب ثم خلع عليه بنظر الجيش وسافر في أول رمضان ، وصرف زين الدين بن السفاح وأعيد إلى نظر الجيش بحلب ، واستقر في قضاء الحنفية بدمشق بعض المصريين ، وصرف القاضي شمس الدين محمد بن علي الصفدي ثم تأخر ذلك واستمر الصفدي ، واستقر في قضاء الحنفية بحلب عز الدين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن العديم ، ثم بطل وأخر لبس الخلعة واستمر ابن الشحنة .
شهر ربيع الآخر - أوله الجمعة بالرؤية موافق لثالث عشر توت ، وأرخ في بعض البلاد كدمياط بيوم الخميس ، وفي يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر وصل القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية الحلبي من حلب إلى القاهرة من أجل السعي في العود إلى وظيفة القضاء ، فأقام إلى شعبان ثم خلع عليه وسافر في أثنائه إلى بلاده على وظيفته فوصل في أواخر رمضان ،ثم لم يلبث أن مات .
وفي يوم الاثنين حادي عشره أفرج عن زين الدين عبد الباسط ، وخلع عليه خلعة رضا - وهي جبة سمور ، وأذن له في السفر إلى مكة ، فرجع بخلعته إلى تربته بالصحراء بالقرب من تربة قجماس ليقيم بها إلى إن يرحل بعد أيام ، ثم تحول إلى طرف المرج من جهة بركة الجب ليتجهز منها إلى مكة بأهله وعياله ، وانضم إليه جمع كثير من الناس ، وتوجهوا إلى مكة في ليلة الاثنين الثامن عشر من هذا الشهر .
وفي يوم السبت تاسعه أذن للشنشي وولده بالعود إلى القاهرة وتوجه إليهما القاصد بذلك .
وفي يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر ادعى جماعة من المجاهدين ومن انضم إليهم على شخص نصراني أن هو الذي كان السبب في قتل المجاهدين وأنه كاتب الفرنج بقضيتهم حتى استعدوا لهم ودل على عوراتهم ، وأقيم بذلك البينة عند بعض نواب الحكم بدمياط مالكي المذهب ، وثبت ذلك عليه فحكم بقتله وأمر بسجنه ليراجع السلطان ، فاجتمع عليه جمع لا يحصون كثرة فنزعوه من أيدي أعوان الحكم وحملوه إلى ظاهر البلد فقتلوه بين الكنائس وحرقوه ، ومدوا أيديهم إلى الكنائسفهدوموها ونهبوا ما فيها ، وكان النائب بالثغر ركب بمن حضر من القضاة وغيرهم لينزعوا النصارني منهم ، فوجدوا الأمر قد اشتد فكاتب السلطان بذلك ، فأمر بإحضار القضاة والنائب فسألهم فأخبروه بجلية الحال ، وأخرج بعض الناس محضرا بأن النصراني المذكور أسلم قبل قتله ، فتغيظ على قاتليه وأمر بحبس كبارهم ، ثم أذن في إطلاقهم في اليوم الثاني وأمر بعزل النائب والقضاة ، فاستقر في النيابة محمد الصغير معلم النشاب - الذي كان وليها في العام الماضي ، واستمر القاضي - على حاله ، وأمر في الاقتصار في النواب على ثلاثة فقط .
وفي يوم الاثنين حادي عشره أمر السلطان أن يستقر للقاضي الشافعي من النواب أربعة وللحنفي اثنان وللمالكي كذلك وللحنبلي كذلك ، وعقد في هذا اليوم مجلس بحضرته بسبب الحوانيت التي نازع فيها بسعي تاني بك البجاسي ، وحضره قاضي حلب المنفصل علاء الدين ابن خطيب الناصرية وذكر الصورة مفصلة ، ومع ذلك أمر السلطان القاضي الشافعي أن ينشئ الدعوة في ذلك ويحرر الأمر فيها ، ثم أذن السلطان أن يستقر للشافعي ست أنفس ولكل من رفقته ثلاثة ، فكتب الشافعي أسماء جميع النواب في رقاع وأحضرها لحضرة السلطان ، فتناولالسلطان منها ستة فاستقر بهم ومنع غيرهم ، ثم أذن بعد سبعة أيام في زيادة اثنين ، ثم أمر باستبدال ثلاثة من الستة بثلاثة أمير منهم لطعن بعض جلسائه في الثلاثة الأولين ، فانتهى أمره في يوم الثلاثاء سادس عشري شهر ربيع الآخر إلى ثمانية وللحنفي أربعة ، واستقر المالكي على ثلاثة والحنبلي كذلك .
وفي هذا الشهر مات آقبغا التمرازي نائب الشام ، ووصل الخبر في يوم الأحد رابع عشر الشهر المذكور ، فقرر في نيابة دمشق جلبان نائب حلب ، وقرر نائب طرابلس في نيابة حلب ، وقرر الحاجب الكبير برسباي الذي كان وقع بينه وبين النائب ما وقع في نيابة طرابلس ، وقرر في الحجوبية نائب غزة ، توجه دولات باي الدويدار الثاني في تقليد نائب حلب في يوم الثلاثاء .
شهر - جمادى الأولى - أوله السبت ، في أول يوم منه نودي بالسفر في رجب لمن أراد التوجه إلى الحجاز صحبة المماليك المجهزة إلى مكة ، وكان ما حذا للمناداة الأولى ، فتحرك جماعة لذلك منهم - وتوجه قبل ذلك الأمير محمد بن علي ابن إينال أمير شكار - ،وصحبته عسكر من الترك والعرب لدفع قبيلة بلي المفسدين في طريق الحجاز ، فظفروا بطائفة منهم بسطح العقبة رجعوا بعد أن امتاروا ، فقبضوا عليهم واستمروا إلى أن دخلوا بلاد بلي .
وفي يوم الثلاثاء الرابع منه الموافق لخامس عشر بابه والعاشر من تشرين الأول أمطرت السماء في أول الليل قليلا ثم في أول النهار ، ثم أرعدت ولم يكثر المطر إلا من بعد الظهر فاستمر إلى بعد العصر وتزلقت الأرض ، وأخذ النيل في الانهباط ، ثم لم يظهر اثر ذلك بل ثبت غلى أن انقضت بابه ، واستمر البحر إلى أن نزلت الشمس برج الجوزاء ، ولم يتغير مزاج الحر - ثم كان ما سنذكره .
وفي يوم الجمعة ثاني عشري جمادى الأولى لبس السلطان الصوف ووافق التاسع من هاتور وهو الخامس من تشرين الثاني ، وتأخرت عنعادة الاشرف نحوا من عشرين يوما ، وأظن سبب ذلك استمرار الحر .
واستهل جمادى الآخرة والأمر على ذلك ، وفي هذا اليوم أمر السلطان بجمع اليهود من مراكزهم ، فاجتمعوا عنده في الحوش فشرط عليهم مشافهة أن لا يؤخروا عندهم صداق امرأة ولا طلاقها بل يدفع لها في الحال ، وأن لا يشهدوا على يهودي ولا نصراني في مرض مخوف بوقف ولا وصية إلا بإذن من القاضي والناظر على المواريث . واستمر الحر إلى أن نقلت الشمس إلى برج القوس فتأخر البرد عن العادة ، وانهبط النيل فكان في نصف هاتور في خمسة عشر ذراعا وافرة ؛ ووصل رسول شاه رخ ابن اللنك إلى القاهرة ومعه جماعة ، فأقام أكثرهم بالشام ووصل هو ببعض جماعته - إلى مصر ، ومضمون رسالته التهنئة بالسلطنة . .
شهر رجب الأصم - أوله الثلاثاء ، في أول يوم منه خرج أمير المحمل فضرب خيامه مقابل خليج الزعفران ، ثم خرج الحاج وهم كثير ورحلوا من ثم في يوم الاثنين فنزلوا مقابل المرج ورحلوا ليلة السبت خامسه - ؛ ووصل الخبر بعدهم بقليل بأن العسكر الذين توجهوا إلى العرب بأنهم غلبوا عليهم .وفي اليوم الرابع عشر منه أدير المحمل وكان حافلا .
وفي يوم الاثنين سابع شهر رجب دخل فصل الشتاء ، واشتد البرد على العادة بعد أن كان الحر تمادى إلى يوم الخميس ثالثه - وتأخر المطر بعد نزول المطرة الأولى المنبه عليها ، ثم امطرت مطرا يسيرا مرة بعد مرة ، وتسلطت الدودة على البرسيم فأكلت منه الأكثر ، فغلا بسبب ذلك حتى كانت قيمته قدر العام الماضي مرة ونصف أو أزيد ، ثم توالت الأمطار وحصل النفع بها .
وفي يوم الاثنين حادي عشر منه دخل أحمد بن إينال وصحبته جماعة من عرب بلي ، قبض عليهم فأمر بتسميرهم وتوسيطهم ، وهم الذين كانوا في آخر سنة 41 قطعوا الطريق على الحاج ونهبوا منه أموالا عظيمة ، وهلك بسبب ذلك خلائق من النساء والأطفال والرجال بالجوع والعطشن وحصل للناس بذلك سرور كثير ، لكن قيل إن كثيرا منهم لم يكن منهم وإنما أخذوهم بغتة ولم يحصل طائل - والعلم عند الله تعالى .
شعبان المكرم - أوله الخميس .
شهر رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الجمعة ، في الثاني والعشرين منه وصلت الجمال الذين حملت الحجاج الرجبية ، وذكروا أنهمفارقوهم وهم بخير وقد انحط السعر قليلا وكان الحمل الدقيق بلغ ثلاثة عشر دينارا فنقص دينار ، وكان شاع بالقاهرة أنه بلغ العشرين أو زاد ، فظهر كذب تلك الإشاعة .
وفي التاسع منه ثار العامة بدمشق على النائب بها ، فهجموا عليه دار السعادة ففتحوا الطبلخلناة فضربوها ، فتجمعوا ، وكان السبب في ذلك إن شخصا يقال له عبد الرزاق خدم برددارا عند النائب فاحتكر اللحم وصار هو الذي يتولى الذبيحة ، فغلا اللحم وصار يشتري الغنم بالسعر البخس ويبيع بالربح المفرط ، فقل الجالب بسبب ذلك فاشتد الخطب حتى كان اللحم يباع بدرهمين ونصف فبلغ ثمانية ، فنادى النائب بالجند فأمسكوا منهم جماعة وسجنوهم ، فهجم الباقون السجن وكسورا بابه وأطلقوا أصحابهم ، وكان النائب قبل ذلك لما شكوا إليه عزل البرددار ونادى بإسقاط المكس عن الغنم ، فانحط السعر إلى أربعة وخمسة فلم يقنعهم ذلك ، فكاتب في ذلك فوصل الخبر بذلك في الثالث والعشرين من رمضان ، فأمر السلطان بجمع الأمراء والقضاة يوم الأحد صبيحة الرابع والعشرين فاشتوروا فقيل للمالكي إن عندهم قولا بقتل الثلث لاستصلاح الثلث فأنكر المالكي ذلك وقال : هذا لا يعرف في المذهب العشر قال : فما السبب في تجرئ هؤلاء ? قال : كثرة الحلم عنهم - هذا ملخص ما حكاه هو لي ، فإنني ركبت فما وصلت حتى انقض المجلس ، وكذلك الحنبلي ما أدرك المجلس ، وسألتالحنفي فقال ما أجبت بشيء لأجل غيبتكم ، ففهمت أن المعول كان على المالكي ، وذكر لي الحنفي أن بعض الأمراء قال : هؤلاء بغاة ، قال : فقلت له : لا ، ما هؤلاء بغاة وإنما أساءوا الأدب ، وينبغي أن نعرف البادي منهم بذلك فنعاقبه بما يرتدع به غيره ؛ فلما كان يوم الاثنين كتب مرسوم قرئ على المنبر بتهديد العامة والإنكار عليهم فيما فعلوا ، وكتب توقيع القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة بعوده إلى القضاء وبعزل القاضي شمس الدين الونائي ، لان النائب بعث يشكو منه ويقول : إنما تسلط العامة علينا به - ونحو ذلك ، وعين للسفر بذلك الشريف الحموي الموقع بعناية كاتب السر فوصل قبل سفر الحاج بيومين ، وكان الونائي قد تجهز إلى الحج فاسترم ، واستقر ابن قاضي شهبة ، وهي الولاية الثانية .
شهر - شوال المبارك أوله السبت بالرؤية الصحيحة ، وصادف تاسع برمهات ورابع آذار ، وقع في أول يوم منه ريح باردة ، وأثارت غبارا شديدا بحيث كان يتصاعد إلى أعلى القلعة واشتدت الظلمة منه وقت العصر إلى أن أمطرت شيئا يسيرا ، فسكن واستمر البرد الشديد بحيث أنه كان يضاهي ما كان في أول الشتاء أو أشد منه ، واستمر إلى فرغ برمهات وعاد مزاج فصل الربيع على العادة ، وفي الثاني منه نقلت الشمس إلى برج الحمل .وفي يوم الأحد الثالث والعشرين منه الموافق لأول يوم من برمودة من أشهر القبط - كان عيد النصارى - أخزاهم الله .
وفي النصف منه تنازلت أسعار الغلال وانحطت إلى قدر النصف بحيث بيع ما كان بلغ ثلاثمائة بمائة وخمسين واقل من ذلك .
وفيه - رحل إلى القاهرة طالب حديث الفاضل البارع قطب الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر بن سليمان بن داود بن فلاح بن ضميدة البلقاوي ويعرف الآن بالخيضري نسبة لجد أبيه ، فسمع الكثير وكتب كتبا كثيرة وأجزاء ، وجد وحصل في مدة لطيفة شيئا كثيرا ، وتوجه صحبة الحاج المصري لقضاء الفرض ، وكتب عني في مدة يسيرة المجلد الأول من الإصابة بتمييز الصحابة وقرأه وعارض به معي وأتقنه ، ونسخ أيضا تعجيل المنفعة في رجال الأربعة وقرأه كله وأتقنه ، وسمع عدة أجزاء ، وكتب عدة مجالس من الامالي ؛ وخطه مليح وفهمه جيد ، ومحاضراته تدل على كثرة استحضاره .
وفي يوم الثلاثاء خامس عشر شوال وصل ناصر الدين بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر ، وجلس له السلطان في إيوان القصر الكبيرجلوسا عاما ، وأمر الأمراء الكبراء بتلقيه فتلقوه ظاهر القاهرة ودخلوا به من البلد إلى أن أطلعوه القلعة فدخل ومعه أولاده ، فخدم وخلع عليه وأنزل في بيت نوروز ، وهو شيخ كبير يقال بلغ الثمانين ، وتغلب على لونه السمرة الشديدة ، وتقدم خبره في حوادث سنة 727 ، وكان دخل القاهرة في دولة الملك الظاهر مرة قبلها ، ثم صاهره السلطان وتزوج ابنته ، وسافر بعده إلى بلاده بعد أن ، بولغ في إكرامه والإنعامات عليه .
وورد الخبر بأن أبا الفضل ابن شيخنا زين الدين ابن حسين اغتيل فوجد لعبه ، قتله شريف من الرافضة ، وقيل : إن سبب ذلك أن الحسني كان له دين على القاتل فلما مات أوصى أبا الفضل ، فطالب أبو الفضل بمال محاجيزه ، فمطله فألح عليه فاغتاله ، وصار أهل المدينة في خوف شديد ، ولم يبق أحد يجسر أن يخرج من بيته سحرا ، وكان سليمان أمير المدينة غائباوله نائب اسمه حيدر بن عزيز فخرج في جماعة لتحصيل القاتل ، وكان تسحب هو وجماعة من عشيرته ، فما ظفروا بأحد منهم - وكان ما سنذكره في السنة المقبلة .
وفي أواخر شوال مر صاحبنا القاضي محب الدين بن أبي الحسن البكري المصري نائب الحكم وكان قد سار مع الرجبية إلى مكة ، فرأى وهو يطوف بالبيت بعض الصناع من المرخمين يحاول قلع لوح رخام من الحجر وهو في غاية الثبات ليلصقه على كيفية أخرى فأنكر عليه ، فتوجه المذكور إلى شاد العمارة سودون المحمدي فذكر له ذلك ، فسال عنه فقيل له إنه نائب الحكم عن الشافعي ، فقال : لعل هذا هو الذي كاتب فينا ، فأمر بإحضاره فأهانه وضربه تحت رجليه عصيات ، ثم أراد أن يركبه حمارا ويطوف به فقيل له : إنه بريء مما اتهمته به وإنه كان حين ورود الكتاب مقيما بالقاهرة ، فندم على ذلك ولقيه في الطواف فاستحله ؛ وكان المحب المذكور قد امتلأ غيظا بما أصابه بغير جرم وكظم ، فما لبث إن حم واستمر موعوكا إلى أن قدم الحج فتوجه مع الركب المصري فمات باليبنع بعد أن رجع من زيارة المدينة النبوية - وقد ذكرت ذلك في ترجمته فيما سيأتي ، وختم له بخير ولعله مات شهيدا ؛ ورأت امرأة من أهل الصدق ليلة دفنه وهي مستيقظة على سطح كأن عمود نور أقبل من نحو المدينة إلى أن غاب في قبر المذكور ، فأيقظت زوجها وأخرى من أقاربها ، فشاهدوا ما شاهدت وأخبروا به ، وفيه ورد الخبر بأنه خرج على الحاج بعد أن انفصلوا من المدينة ريح حارة وأعقبها سموم أضعفتالأبدان وأهلكت الجمال ومات منها من بني آدم عدد كثير ، منهم القاضي محب الدين محمد بن أبي الحسن البكري نائب الحكم ، وكان عارفا بالأحكام متثبتا في القضايا ، وقورا عاقلا ، كثير الاحتمال ، مشاركا في الفقه ولم يشتغل في غيره وقد درس في المدرسة الخروبية بشاطئ النيل نحوا من عشر سنين ، وكان قد توجه إلى الحجاز في الرجبية فجاور ثم رجع ، وذكر لي من أثق به من أنه كان كثير الطواف وأنه واظب على خمسين أسبوعا في كل يوم ، وهو من قدماء معارفنا وأهل الاختصاص بنا - فالله يعظم أجرنا فيه ويبدلنا به خير منه وقد غبطته بما اتفق له من حسن الخاتمة بالحج والمجاورة وزيارة الحضرة الشريفة النبوية والموت عقب ذلك في الغربة ، وكانت وفاته بالينبع وصلى عليه هناك ودفن به ، وقد جاوز السبعين بسنتين .
شهر ذي الحجة الحرام اختتام السنة أوله الثلاثاء بالرؤية - يوم الثلاثاء مستهل ذي الحجة بالرؤية ، فيه استقر نور الدين علي بن أحمد ابن آقبرس في نظر الأوقاف عوضا عن تقي الدين بن عبد الرحمن - ابن تاج الدين عد الوهاب ابن ناصر الدين - بن نصر الله ابن أخي الصاحب بدر الدين - وكان تقي الدين استقر فيها بعد صلاح الدين ابن عمه ، وكان عمه الصاحب بدر الدين إذ ذاك موعوكا فبلغه ذلك فشق عليه وشغله الضعف ، ثم توجه للعافية واستمر نور الدين في الوظيفة .
وفي الثامن من ذي الحجة ورد الخبر بموت أقبغا التركماني فيمحبسه بسجن الكرك ، وكان أحد الأمراء الكبار في الدولة الأشرفية ، وولي النظر على الخانقاه الناصرية بسرياقوس ؛ فذكر بعض الكبراء إن السلطان أمر كاتب السر أن يكتب إلى نائب الكرك بأن يطلقه ، ويشترط عليه أنه لا يعود إلى شرب المسكر وأنه متى عاد نفي إلى قبرس ؛ فشرع كاتب السر في كتابة السر بذلك ، فوصل الخبر بموته قبل أن يفرغ الكتاب .
وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين منه وصل المبشر بسلامة الحاج ومعه من الأخبار أن الوقفة كانت بمكة يوم الأربعاء ، وأن السعر في الأقوات كان ارتفع فكان الحمل من الدقيق بخمسة عشر شخصا والإردب من الشعير بتسعة ، وكان الجمع كثيرا جدا ، ولم يدخل مكة من واصل الهدايا إلا القليل ، وكان الأرز والشاشات في غاية - رخص بخلاف ما عدا ذلك من اللبان ونحوه ، وأن الركب الأول وصل مكة - في السابع والعرين من ذي القعدة .
وفي هذه السنة ثار توران شاه بهمس بن توران شاه على أخيه سيف الدين صاحب هرمز وما معها فانتزع منه المملكة ، ففر سيف الدين إلى شاه رخ ابن اللنك - ملك الشرق مستغيثا به فأمده بعسكر فسارإلى فرغان فنازلها ، فسار إليه أخوه فتحاربا إلى إن تصالحا على أن يكون ملك القلعة لسيف الدين هي وما حولها وافترقا .
وفيات سنة 843
ذكر من مات في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد الدميري أحد نواب الحكم شهاب الدين كان فاضلا يستحضر كثيرا من المسائل الفقهية ، وناب في الحكم في بعض النواحي وبالقاهرة ، ومرض مدة طويلة بوجع الظهر ثم بالإسهال ، ومات في الحادي والعشرين من صفر ، وأظنه جاوز الستين .
أحمد النفيائي - بكسر النون وسكون الفاء بعدها تحتانية مثناة - نسبة إلى بلدة بالوجه البحري ويعرف بال لثاني - الشيخ شهاب الدين ،كان من مشاهير الطلبة عند قدماء المشايخ ، ثم نزل في فقاهة المؤيدية وتكسب بالشهادة مدة إلى أن مات .
آقبغا التمرازي ، نائب الشام - تقدم في الحوادث .
آقبغا التركماني ، كذلك وأنه مات في محبسه بالكرك - .
أبو بكر الحلبي ، نزيل بيت المقدس الشيخ أبو بكر ، تلمذ للشيخ عبد الله البسطامي ، وكان له اشتغال بالفقه والحديث ، ثم أقبل على العبادة وجاور بيت المقدس ، وكف بصره بأخرة .
سودون دويدار اركماس الظاهري - الدويدار الكبير ، كان غشوما عارفا بأفانين الظلم ، صرف عن وظيفته قبل موت الأشرف ، وأصيب برمد أفسد عينه ، ولما قبض على أستاذه خدم في المماليك السلطانية ، وكان بصدد أن تقدم ففجئه الموت ، وأحاط ناظر الخاص على موجوده وهو شيء كثير ، مات في ذي القعدة .
عبد اللطيف بن محمد بن الأمانة تقي الدين بن القاضي بدر الدين ، درس في الحديث بالمنصورية ، وفي الفقه بالمدرسة الكهارية مكان أبيه أياما ، ومات وهو شاب في يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة وكان مشكور السيرة على صغر سنه .
علي بن محمد الطائي خطيب الناصرية القاضي علاء الدين ، كان مولدهفي سنة 744 ، وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن المرحل وهو أقدم شيخ له ومن عمر بن ايدغمش خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل . . ومات في الحادي عشر من شوال .
قطج الأمير ، مات في العشر الأوسط من رمضان ، وكان قد ولي إمرة بعض البلاد الشامية ، وحضر إلى القاهرة مصروفا فأقام دون الشهر .
محمد بن أحمد تاج الدين الأنصاري التفهيني سبط القاضي مجد الدينالحنفي البلبيسي ، أحد نواب الحكم الشافعي ، مات يوم الأحد تاسع عشري المحرم بعد أن مرض مرضا طويلا ، ولم يجاوز الستين .
محمد بن أبي الحسن القاضي محب الدين البكري - تقدم ذكره في الحوادث .
محمد بن عبد الله الشيخ جمال الدين الكازروني ، المدني جاء الخبر بوفاته وقد انتهت إليه رياسة العلم بالمدينة النبوية ولم يبق هناك من يقاربه ، وكان ولي قضاء المدينة والخطابة من مدة ثم صرف ، ودخل القاهرة مرارا ومولده في سنة . . نقلته من خطه .
محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي زكريا المقرئ الشيخ شمس الدين الصالحي صالحية مصر بالشرقية - هكذا كنت أظن ، ثم ذكر لي أخوه شهاب الدين أحمد أنهم ينسبون إلى قرية يقال لها منية أم صالح بناحية مليح من الغربية وإلى حارة الصالحية بالبرقية داخل القاهرة ، ولد قبل الستين ، عني بالقراآت فأتقن السبع - على جماعة ، وذكر لي أنهرحل إلى دمشق وقرأ على ابن اللبان ، وطعن في ذلك بأن سنه تصغر عن ذلك ، كما تقدم في تقييد وفاة ابن اللبان ، واشتغل بالفقه وتولى تدريس الفقه بالظاهرية البرقوقية عوضا عن الشيخ أوحد الدين - بحكم نزوله له عند بمبلغ كثير من الذهب ، وكان اتصل بالأمير قطلوبغا الكركي فقرره إماما بالقصر ، واشتهر في ذلك مدة وناب بجاهه في الحكم أحيانا وأم قطلوبغا المذكور ، ثم ولي شيخ القراآت بالمدرسة المؤيدية لما فتحت ، وما علمته تزوج وكان مولعا بالمطالب ، ينفق ما يتحصل له فيها مع التقتير على نفسه ، وكف بصره في أواخر عمره واختل ذهنه - عفا الله عنه واستقر في تدريس الظاهرية شهاب الدين أحمد الكوراني بعناية كاتب السر ، وعمل له إجلاسا حضرناه ، وخلع عليه جنده مستحسنة ، وكان المستنزل لأخيه شهاب الدين عن وظائفه وأمضى ذلك النظار ، وباشرها في حياته ثم نوزع في المؤيدية ، وعقد له مجلس بسبب أن شرط الواقف إذا وقع نزول أن لا يقرر النازل ولا المنزول له .
محمد الدجوي ناصر الدين الموقع ، ناب في الحكم قليلا ووقع عند بعض الأمراء ؛ ومات في شهر رجب وأظنه بلغ الخمسين .حوادث سنة 844
سنة أربع وأربعين وثمانمائة
استهلت يوم الخميس موافقا للثامن من بونة من شهور القبط .
وفي يوم السبت الثالث منه قبض على الأستادار ناصر الدين محمد ابن أبي الفرج وحبس بالبرج ، ثم تسلمه الوزير بعد أيام على مال صودر عليه ، واستقر في وظيفته مملوك يقال له طوغان ، وخلع عليه وباشر .
وفي يوم الاثنين الثاني عشر منه ووافق التاسع عشر من بونة وهو أول يوم من فصل الصيف ، وكان الهواء باردا وقت السحر واستمر إلى إن تعالى النهار بحيث وجد من البرد كأيام أوائل الربيع ، فلما قرب الظهر اشتد الحر جدا كما في كل يوم .
وخلع على القاضي سراج الدين عمر بن موسى الحمصي ، واستقر في قضاء الشام على عادته بعد أن سعى السعي الحثيث وأجيب بالمنع مرارا ، فلم يزل يتلطف لي أن أجيب ، وتوجه في اليوم العشرين من المحرم .
وكذا أعيد قاضي صفد علاء الدين بن حامد وصرف الزهري وتوجه في هذا الشهر ، وفيه - قبض على ابن القف ناظر الجيشبصفد لشكوى نائب صفد منه ، وأخبر قائس النيل في اليوم الخامس والعشرين من بونة وهو الثامن عشر من المحرم إن النيل بلغ في القياس إلى ستة أذرع وأربعة أصابع ، ونودي عليه في العشرين منه بثلاثة اصابع ، واستمرت الزيادة .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشري المحرم رفع إلى السلطان أن رجلا مات وأوصى إلى رجل فضم القاضي الشافعي إليه آخر وأن التركة وقع فيها تفريط ، فطلبهما وطلب نائب الحكم الذي اثبت أهلية الآخر وحبسهما بالقلعة ، ثم سأل الوصي فذكر في القصة أمورا تغير السلطان منها لظنه صدق الوصي والواقع أنه مشهور بالكذب والبهتان ، وقد امتلأ غيظا فضم الآخر معه حتى أنه لم يتمكن مما كان يروم أن يفعله فنسب إلى المذكور أمورا معضلة ، فظن السلطان أن ذلك بعلم القاضي فتغيظ على القاضي وأرسل إليه أن لا يخطب به يوم الجمعة ، وعين شخصا من نواب الحكم يقال له برهان الدين ابن الميلق ، فخطب به يوم الجمعة أول صفر ، وطلب من يفوض إليه الحكم فذكر له جماعة ، فاختار القاضي شمس الدين الونائي الذي كان ولي قضاء الشام وانفصل منه في شوال وحج وعاد إلى القاهرة فدخلها في يوم الجمعة ثالث عشري المحرم - ثم كان ما سنذكره .
شهر صفر الأغر - أوله الجمعة ، ذكرنا أن ابن الميلق خطب وذكروه فيمن تولى القضاء وبلغ ذلك صالح - ابن البلقيني فضاق صدره وعيل صبره واشتد سعيه ، فلم يجب لشيء وتعينالونائي وفصلت خلعته يوم السبت ، ثم في أثناء يوم السبت طلب السلطان شهود التركة وفوض لنائب القلعة أن يباشر المحاسبة بين الوصي ورفيقه بحضرة الشهود وبحضرة شخص يقال له جمال الدين عبد الله الحلبي التاجر ، وكان هو الذي وصل الوصي حتى ذكر للسلطان ما ذكر ، وكررت المحاسبة ووقعت المحاققة والمشاححة إلى أن ظهر لنائب الغيبة دغل الوصي وتزيده في القول وافتراءه ما كان افترى ، فدخل بالمحاسبة إلى السلطان وظهرت براءة القاضي والذي أقامه ، وذلك وقت أذان المغرب ؛ فلما كان صبيحة الأحد أمر بإطلاق نائب الحكم والذي أقامه القاضي ، واتفق أن كلمه ولده الأمير ناصر الدين محمد فيما يتعلق بالقاضي وجبر خاطره فيما وقع فيه من الافتراء ، فأذن له فبطل أمر - الونائي ، وفصلت للقاضي جبة سمور ولبسها صبيحة الاثنين وكان يوما مشهودا .
وفي أوائله وصل عبد الباسط إلى القدس سالما ، وكان أرجف بأنه اصيب جميع من معه ولم يسلم غيره ، ثم ظهر أنه لم يكن لذلك صحة ، ووصلت هديته إلى السلطان بعد أيام فيها مائة - شاش وأشياء كثيرة من تحف الهند واليمن والحبشة - ، فقبلها وخلع على قاصده .
وفي يوم الأربعاء السابع والعشرين منه وهو الموافق - للرابع من مسري أوفى النيل ستة عشر ذراعا وإصبعين ، وكسر الخليج في صبيحة يوم الخميس ، وباشر ذلك الأمير ناصر الدين محمد ولد السلطان ،وصحبته حاجب الحجاب وجمع يسير ، وكان يوما مشهودا ، وكانت الزيادة في هذه السنة من العجائب ، فإنه ابتدئ في العشرين من المحرم فكان يزيد قليلا قليلا إلى يوم السبت السادس عشر من صفر ، فزاد ثمانية ثم زاد اثني عشر إصبعا ، ثم زاد في خمسة أيام ثمانين إصبعا ، في يوم ثلاثين ، وفي يوم عشرين ، وفي ثلاثة أيام كل يوم عشرة ، وفي يوم سبعة عشر أيضا ، فنودي خمسة يوم الوفاء خمسة عشر تعليق الستة عشر وإصبعين فوقها .
وفيها كائنة إبراهيم ابن خطيب القدس وقاضيه جمال الدين بن جماعة ، رفع فيه إلى السلطان أنه زور عليه مرسوما بمرتب ، فأحضر إلى القدس وصرف أبوه عن القضاء وحوقق على ذلك - ، وجرى لصهره قاضي الحنفية ابن الديري من البؤس وتغير الخاطر ما لا يعبر عنه ، وبالغ السلطان في الإنكار على كاتب السر بسبب ذلك .
وفي الأربعاء تاسعه عقد مجلس بالصالحية بسبب شخص قرمياسمه علي ابن أخي قطلو خجا ، حضره القضاة الثلاثة وغاب الحنبلي لضعفه ، وكان المذكور رفع أمره إلى السلطان أنه وقع في حق نبينا e بكلام فاحش ، وأن بعض العوام أنكر عليه فكثر اللغط ، فخلصه منهم شهاب الدين ابن عبيد الله الحنفي نائب الحكم ، فأنكر السلطان عليه ذلك في يوم الأحد أول يوم ن الشهر عند التهنئة ، فاعتذر بأنه خشي عليه من العوام أن يقتلوه ، فأكد السلطان عليه في تحصيله ، ثم اتفق أن بعض الحجاب قبض عليه وهو ذاهب إلى جهة الشام ، فرده من الخانقاه السرياقوسية فأحضر عند السلطان فأمر بعقد مجلس بالقضاة الأربعة ، فشهد ثلاثة عند ابن عبيد الله المذكور عليه بما يقتضي الاستهتار بالدين والتنقيص للرسول ، وشهد أحدهم أنه قال عند كثرة صلاة المصلين على النبي e أول النهار : فلان معرض ، وشهد آخر أنه سمعه يقول لمن صلى . . بأمنا - يقول : تصلوا ومحمدكم نبيكم - كذا وكذا ، وذكر لفظة بالتركي فاحشة ، وشهد آخر أنه سمعه يخاطب جماعة من المسلمين بما نصه : يا خنازير كل دينكم باطل ، ثم حضر القضاة عند السلطان بسببها ، عادوا له ما جرى ، فأمر الحنفي أن يتعاطى الحكم في ذلك بنفسه بعد أن أحضر جلساء السلطان النقل من عدة كتب للحنفية أن توبة الزنديق لا تقبل ، فطلب القاضي تكثير الشهود ، وكانالقاضي - قد بلغه أن الذين يشهدون عليه بنحو ذلك كثير ، فتوجه إلى منزله وأحضر المذكور فادعى عليه أن له مدة طويلة يمر بالشوارع ويصرح بسب النبي e وبالسب في الصحابة وينظر إلى السماء ويتكلم بكلمات تؤدي إلى الزندقة ، فأنكر فشهد عليه شاهدان أنه قال لفظا بالتركي يقتضي سب البارئ سبحانه السب الفاحش ، وزاد أحدهما أنه سب أبا بكر ، وشهد آخر أنه قيل له : ترض عن أبي بكر ، فقال : أبو بكر سكم ومحمدكم ، وشهد آخر أنه سمعه مرارا يصرح بسب أبي بكر ويقول عنه : كلب ، وشهد آخر أنه طلب منه شيئا فقال : ما معي إلا أربعة أفلس ، فقال : هاتهم فهم عندي خير ن أربعين نبيا أو أربعين ألف نبي - شك الشاهد ، وشهد آخر أنه سمعه يشير إلى الماسء ويقول بلفظ غير عربي ما يقتضي السب الصريح ، ثم أعيدت شهادة الذين شهدوا أمس ، فاعذر إلى المدعي عليه فقال : لا اعرف أحدا منهم ولابيني وبين أحد منهم عداوة ، ثم حضر شاهد آخر فشهد عليه أنه سمع منه لفظا فاحشا بغير العربي مدلوله سب البارئ بما هو أشنع وأبشع مما تقدم ؛ فعند ذلك أمر به إلى السجن فسمعه شاهدان من الناس يتلو قوله تعالى : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن ، نطق بها بالتاء المثناة المفتوحة بدل النون ، وحضر شاهد آخر في صبيحة يومالأربعاء حادي عشره فشهد أنه مسعه يسب البارئ وغالب المسلمين سبا فاحشا بغير اللسان العربي ، وانه يعرف اللغة التي نطق بها ، ومدلول الألفاظ السب الفاحش ؛ فسئل حينئذ القاضي الحكم فيه فتأمل جميع ما قامت به البينة فرأى أنها لا تصدر من صحيح الإيمان بل من غير متمسك بملة من الملل وأنه بذلك يستحق إراقة دمه وعد قبول توبته ، فأمر بإراقة دمه هدرا عالما بالخلاف ، فلما تكامل ذلك أركبه جملا وأمر أن يطوف به الشوارع التي كان يعلن فيها بما تقدم ذكر ، فلما وصل الرميلة أمر السلطان بضرب عنقه هناك فضربت .
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشري شهر ربيع الآخر تأخر القاضي كمال الدين كاتب السر عن الخدمة بسبب تغيظ السلطان عليه في يوم الاثنين من أجل امرأة تظلمت من وقف عليها بدمشق استبدل في غيبتها ، ثم حضرت إلى دمشق بعد مدة طويلة فرفعت الأمر لأحد نواب الحكم فحكم لها باسترجاعه ، فأمر السلطان كاتب السر أن يكتب لها بتسليم الوقف ، فتأمل ما بيدها فوجده لا نيفذ تسليهما ذلك فتباطأ في كتابة المرسوم ، فلما سأله عن سبب البطوء قال : ليس معها حق ، فغضبعليه وانزعج عليه ، فنزل داره - وراسل يستعفي ، ثم في يوم الأربعاء خلع عليه جبة وركب معه جماعة واستمر ، وكان ذلك يوم الأربعاء رابع عشري شهر ربيع الأول سنة 844 ، فاجتمع فيه خمس أربعا آت والثمانمائة يشتمل على أربع مائتين وهي آخر أربعاء في الشهر ؛ وإنما ذكرت ذلك لما فيه من الرد على من يتعانى التشاؤم .
شهر ربيع الآخر - أوله الثلاثاء ، في يوم الاثنين السابع منه أعيد القاضي بدر الدين العينتابي إلى وظيفيته الحسبة عوضا عن الأمير تنم وركب في جمع كثير ، فأظهر العوام الفرح به ، ونودي من جهته بإبطال ما أحدث على الباعة من الجمع وغيرها ، فكثر الدعاء له .
وفي يوم السبت سادس عشرين وصل رسول ملك الشرق شاه رخ ابن اللنك ، وكان الخبر بوصوله وصل قبل ذلك ، وأنزل في بيت جمال الدين الأستادار بين القصرين ، وزينب البلد لذلك زينة عامة في جميع الحارات ، وبالغوا في ذلك أعظم من زينة المحمل ، ثم أحضر الرسول يوم الاثنين وقرئ الكتاب الواصل صحبته بالقصر الكبير بمحضر من الامراء والقضاة والمباشرين ، ومحصله الجواب عن الكتاب الواصل إليه والسرور به وقبول الهدية وتجهيز هدية صحبة الرسول المذكور ، وعرضت في القصر على رؤوس أربعين من الحمالين في الأقفاص ، ثم أمرهم السلطانبعد ذلك برفع الزينة بعد أن كان أشيع أنها تقيم شهرا وأكثر ، والسبب في رفعها ما اشتهر من المفاسد التي تقع في الحوانيت وغيرها في الليل .
وفي هذا الشهر نازل إينال الحسني الذي كان أمير المدينة ومعه جمع كثير من العربان المدينة ، فخرج إليه أميرها سليمان ومعه جمع قليل ، فحصل النصر للفئة القليلة ، وقيل : كان قصد إينال نهب المدينة فخذل وانهزم ورجع سليمان منصورا .
شهر جمادى الأولى - أوله الثلاثاء بالرؤية ، ووافق الشهر القبطي بابة .
وفي الثامن منه مات ولد الرسول الذي مات أبوه - بغزة وكانت له جنازة حافلة حضرها كبار الأمراء والمباشرين .
وفي ليلة الجمعة قرئت عند قبره ختمة واحتفل السلطان بسبب ذلك ، ثم حضر الرسول الذي بقي ، وعمل له ضيافة حافلة وخلع عليه خلعة هائلة ، وذلك في الثاني عشر ، وأمر الأمراء أن يضيفوه كل يوم واحدا بعد واحد ، فبدأ الأمير الكبير ثم ولد السلطان .
وفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين منه قدم المجاهدون من بحر الفرنج وكانوا أرسلوا على رودس وراسلوا صاحبها بكتاب من السلطان ، فجاءهم من أنذرهم أن الفرنج أرادوا أن يبيتوهم ، فخرجوا من الساحل فأحاطوا بهم فقاتلوهم إلى الليل ، فهبت ريح شديدة ومطر فأفرجت لهم ، فسارواكما هم إلى أن مروا على بعض سواحل البلد فرأوا في طرفها معصرة قصب سكر ، فنزلوا عليها ، فنهبوا ما فيها وأسروا من وجدوه من المزارعين وغيرهم ، ورضوا بهذه الغنيمة التافهة ، ونجوا بأنفسهم بعد أن قتل منهم نحو الأربعين وجرح جماعة ، ولم يظفروا بما خرجوا بسببه - ولله الإرادة يفعل ما يشاء وينصر من يشاء .
وفي هذا الشهر بطوله كان الحر مستمرا ، ووافق شهر بابة من أشهر القبط ، ولم يعهد ذلك حتى كان الحر فيه اشد مما كان في الذي قبله وهو - توت ، وثبت النيل ثباتا عظيما ، فلم ينقص في طول هذا الشهر سوى نحو الذراع ثم اخذ في النقص ، واستمر الحر في هاتور ، فلم يكن فيه من أوله إلى آخره البرد المعهود إلا اليسير . وأواخره دخل كيهك يوم الأحد ثاني رجب والأمر على حاله إلا أنه في صبيحته وقع برد وليس بالشديد وظهر الزرع ، ثم وقع البرد في أول يوم من فصل البرد وهو عند نزول الشمس القوس واستمر ، ثم تزايد هبوب الريح المريسية واشتد التأذي بها حتى وقع في أوائل طوبة الذي يسمى الصقيع ، فأفسد كثيرا من الزروع كالقصب والفول والبرسيم . فلما كان في الرابع عشر من شعبان وهو الثالث عشر من طوبة وقع مطر رقيق من طلوع الفجر إلى آخر النهار فوقع الزلق والوحل .
جمادى الآخرة - أوله الجمعة ، في أوله شرع النيل في النقص ، وشرع الناس في الزرع .وفي الثاني منه أحضر شهاب الدين أحمد بن يوسف الكوراني مجلس السلطان بحضرة القاضي الحنفي والمحتسب ، فعزز بالضرب تحت رجليه بعد أن كان السلطان أمر أن يضرب عريانا فشفع فيه الحنفي فضرب خمسة وسبعين عصا ، وأمر بنفيه فأخرج في الحال إلى التربة ، وكان السبب في ذلك أن شخصا يقال له حميد الدين ابن تاج الدين الفرغناني قدم من دمشق يطلب وظيفة بدمشق ، فكتب له السلطان بها فتوجه إلى دمشق ، فوقف في طريقه القاضي الحنفي وهو شمس الدين الصفدي فرجع ساخطا ، فذكر للسلطان أن الحنفي وقع في حق أمهات المؤمنين وقص قصة شنيعة فبدر الكوراني بالإنكار عليه ، وهذا الكوراني كان قدم علينا من نحوعشر سنين طالب علم وهو في غاية القلة ، فقرأ علي البخاري ودار على بعض الشيوخ ، وتردد إلى كاتب السر البارزي فاتفق حضور كتاب من بلاد العجم فاستقرأه إياه ، فأجاد في تعريبه فقربه إلى السلطان فقرر له راتبا ، وترقى بعد ذلك إلى أن صار في هذه الدولة عينا لكاتب السر عند السلطان ، فصار يجالس السلطان في كل يوم - من أول النهار إلى قرب الظهر لا ينقطع ، وعظم قدره في أعين الناس على العادة بالوهم وثقل في نفس الأمر على السلطان وهو مطبوع على الاحتمال .
فلما أنكر على حميد الدين اتفق حضورهما عند كاتب السر فتقاولا في ذلك فقال له حميد الدين : أنت حمار ما تفهم فأجابه بان الحمار أنت وأبوك وأجدادك وأسلافك وكان في المجلس جماعة ، منهم بدر الدين محمود بن عبيد الله ، وكان قد سعى في قضاء دمشق عقب إينال الجكمي ، وغضب السلطان على القضاة الذين وافقوه على الخلاف ، ومنهم الصفدي فعزل الشافعي لذلك وولي بهاء الدين ابن حجي ، فطمع ابن عبيد الله أن يعزل الصفدي فسعى في ذلك فتوقفوا في قضيته ، وبالغ فيها الكوراني المذكور ، فبادر حميد الدين بالشكوى إلى السلطان واستشهد بابن عبيد الله ، فشهد له - بأن الكوراني قال له ، ولم يذكر ما بدا به حميد الدين .
وكان تاج الدين والد هذا يدعى أنه من ذرية الإمام أبي حنيفةوأملى لنفسه نسبا إلى يوسف بن أبي حنيفة ، يعرف من له أدنى ممارسة بالأخبار تلفقه ، فكتبه عنه الشيخ تقي الدين المقريزي ، فطلب السلطان شاهدا آخر فأحضروا آخر فلم يشهد بشيء فسكنت القضية ، وصعد الكوراني على عادته فبالغ في التنصل ، فدار حميد الدين على أعيان الحنفية فقال لهم : هذا الرجل قد سب أبا حنيفة لأنه من أسلافي وهو يعرف أنني من ذريته ، وكان مرة استأذن له على السلطان فقال له : إن ابن أبي حنيفة بالباب - إلى غير ذلك ، فتعصبوا له ودار معه ابن عبيد الله ، فدبروا أمرهم إلى أن ظهر لهم أن يكيدوه بقاصد ملك الشرق فاجتمعوا به ، فوجدوا فقهيه في غاية الحنق من الكوراني ، لأنه كان اجتمع به أول ما قدموا فحصلت له منه إساءة ثم لما أضافهم السلطان عنده بدت من الكوراني في حقه إساءة أخرى ، فانتصف هو منه بحضرة السلطان إدلالا عليه لكونه في ضيافته ، وما استطاع الكوراني بنتصف فانضاف حقد هذا الفقيه على الكوراني إلى ما عنده من شدة العصبية للحنفية ، فطلع إلى السلطان فشنع على الكوراني ، وكان فيما قال إن الخبر إذا وصل إلى ملك الشرق مع شدة اعتقاده في أبي حنيفة يتغير خاطره وينسبكم إلى التعصب على الإمام ، فحرك عنده ساكنا كامنا فأمر بطلبه في الحال وأمر بسجنه في البرج ، وأرسل إلى القضاة أن يعقدوا له مجلسا ، فاجتمعوا في صبيحة الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى ، فآل الأمرإلى أن وقعت الدعوى عليه عند القاضي الحنفي ، فأمر بنزوله معه إلى منزله فانزل ماشيا ، فشهد عليه ابن عبيد الله وانضاف إليه بدر الدين محمد ابن حسن التنسي وهو من الشهود بالقاهرة ، وهو ابن أخت القاضي - بدر الدين بن الأمانة ، وهو مشهور بالتجوز في شهادة الزور ، ولكن كان كاتب السر قربه وأدناه وسافر به معه إلى دمشق ، فحصل به مقاصد كثيرة وتمول هو بجاه كاتب السر وعاد - ، فكانت له في بابه حركات كثيرة ، والناس منه في حنق شديد القضاة ومن دونهم ، فاتفق أنه كان عنده من الكوراني كمين فذهب وشهد عليه ، فأرسل كاتب السر يعلم الحنفي أن القضاة لا تقبل التنسي ، فاتفق حضور بعض الأطباء وهو ابن أخت شمس الدين ابن عفيف الذي قتله الاشرف في أواخر عمره فذكر أنه كان دخل لكاتب السر في ضرورة فسمع الكائنة فشهد بها ، فاجتمعوا يوم السبت المذكور وكان ما كان .
وفيه قدم نائب الشام جلبان وقدم تقدمة كبيرة مع ثمانين جمالا .
وخلع عليه مرارا ، وأعيد إلى بلده على وظيفته ، فسار قبله بأيام قاضي الشام الحنفي مطلوبا بسبب ما نقل عنه حميد الدين المذكور في كائنة الكوراني ، فإنه نقل عنه أنه سئل عن الحكمة في طواف النبي e على النساء في ليلة واحدة ، فأجاب بأنه فعل ذلك ليعفهن عن الزنا ،فاستبشع هذا اللفظ وغضب السلطان وأمر بإحضاره ، فوصل إليه البريدي فأغرمه مائتي دينار وتكلف شيئا آخر حتى وصل وشفع له نائب الشام وجماعة أن يسلم على السلطان وكان أمر أن يكتب إلى الشام بكتابة الواقعة وأن كل من سمعها يكتب خطه بما سمع ، فامتنع السلطان من الإذن له وصمم على أنه لا يأذن له إلا إذا عاد الجواب وظهرت براءة ساحته .
رجب الفرد الحرام - أوله السبت ، في التاسع عشر منه عقد مجلس بحضرة السلطان وادعى حميد الدين النعماني على القاضي شمس الدين الصفدي محمد بن علي بن عمر قاضي الحنفية بدمشق أنه قال في مجلس من المجالس أنا ما اتقيد بمذهب أبي حنيفة بل أحكم تارة بمذهب الشافعي وتارة بمذهب مالك وتارة بمذهب أحمد ، وأن علماء مذهبه أفتوا بأن هذا تلاعب وأن الحكم بذلك لا يصح ، فأجاب بأنني ما أردت إلا أنني أتبع مقالة أبي يوسف تارة ومقالة محمد تارة وغيرهما من علماء المذهب ؛ فقال المدعي : هذا الجواب لا يطابق الدعوى وانتصرت للصفدي وقلت له - : بل يطابق إذا أراد أن الرواية التي عن أبي يوسف توافقمذهب الشافعي مثلا والرواية عن محمد توافق مذهب مالك مثلا ، فلا يلزم من ذلك أنه يخرج عن مذهب الحنفية ، والقاضي الذي يوليه السلطان في هذه الأزمان على قاعدة ن تقدمه ومن تقدم كانوا منهم العالم المتأهل للترجيح وهذه طريقته وغيره المقلد الصرف ، والصفدي المذكور من أهل العلم فلا ينكر عليه أن يعمل بما رجح عنده ، وكثر اللغط إلى أن قال السلطان على طريق التنزل : لو ثبت عليه شيء ما كان يجب عليه أكثر من التعزير وقد عزز بإحضاره من دمشق إلى هنا ؛ وانفصل المجلس على ذلك .
وفي العشر الوسط صرح السلطان بعزل الحمصي عن قضاء دمشق وعين الونائي ، فتوقف وذكر أنه شرع في تدريس كتاب وسأل المهلة إلى أن يختمه في آخر رمضان فاجيب ، ثم طلب إعادة ما خرج منوظائف القاضي الشافعي فأجيب ، ثم استشعر بان ذلك لا يتم فاستعفى وأقام ، وأدير المحمل في الثالث عشر من الشهر وكان حافلا . وأبطل النفط الذي كان يعمل بالرميلة .
شهر - رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الثلاثاء يرؤية عدد قليل ثم كثر من يقول إنه رآه .
شوال المبارك - أوله الخميس ، في الرابع عشر منه توجه القاضي الشافعي ونائب القلعة وهو تغري برمش الفقيه إلى الدير الذي نبه عليه في حوادث شعبان في ترجمة جوهر وهو بساتين الوزير لما رفعت إلى السلطان قصة بأنه أحدث فيه أبنية مشيدة فأمرهما بكشفه وعمل ما يقتضيه حكم الشرع ، فتوجها في طائفة من الناس فإذا فيه جماعة من الجيوش ، ووجدوا النصارى قد بالغوا في تحصينه ، وجددوا أمام الباب حوشا كبيرا دوره بذراع العمل من ثلاث جوانب نحو الستين ذراعا بالحجر الأبيض ، واعتلوا بأن اللصوص قد تهجم عليه ، فظهرت معذرتهم في التشييد لا في المحدث ، فأمروا بإزالته وإبقاء الترميم ؛ وذكر بعض - من جاورهم أن جاههم انخفض بموت الخازندار وأن قريبه بعد وفاته تسحب ، فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور توجهنائب الشافعي ونائب القلعة بأمر السلطان فهدم الحوش المذكور بحضرتهم ، فحضر جمع من أهل تلك القرية وأخبروا أن الجدار المستطيل المسامت لكنيسة كان للبستان المجاور للكنيسة ، وأن البستان لما خرب وسقطت جدرانه وقلعت اشجاره بقي أثر الجدار المذكور ، فادعى النصارى أنه كان جدار الحوش يتعلق بالكنيسة وأقاموا من شهد بذلك ، فأذن نائب الحنفي في إعادته بنقضه ، فجددوه كما تقدم ، فظهر أن لا استحقاق لهم فهدم ، وحصل لأهل تلك الناحية سرور كثير بذلك ، فإن من كانوا فيه من الجيوش كانوا يستطيلون على من فيه وعلى من يمر بهم ، فانخفضت دولتهم وانحطت رتبتهم - ولله الحمد .
وفي ذي القعدة قدم نائب حلب ولاقاه السلطان بالمطعم وخلع عليه ، ثم قدم هدية هائلة وقدم كاتب السر بها وكان قدم صحبته تقدمته أيضا .
وفي آخر ذي الحجة الحرام - طرق جمع من الفرنج في عدة مراكب ساحل الطينة ، فاخذوا مركبين للتجار بما فيهما وأسروا من فيهما ، ثم طوقوا الساحل فأحرقوا ما فيه من المراكب ونهبوا ما قدروا عليه .وفيات سنة 844
ذكر من مات في سنة أربع وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن إسماعيل قطب الدين القلقشندي ، مات في الثامن من ذي الحجة ، وكان أكبر من بقي من شهود المودع الحكمي ، سمع الحديث من . . واشتغل . . وكان حسن الكتابة متقن المباشرة ، وفيه شهامة ، وأنجب عدة أولاد منهم ولده علاء الدين وهو أمثلهم طريقة ، قارب الثمانين .
أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح ، البلقينين ، المعروف بالعجيمي ، قاضي المحلة الكبرى بالغربية ، شهاب الدين ، مات في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى عن أكثر من ثمانين سنة ، ذكر لي ولده أوحد الدين محمد انه ولد في سنة 67 فأكمل سبعا وسبعين سنة وهو ابن عم الشيخ سراج الدين ، وآخر الإخوة الخمسة ، وأجلهم بهاء الدينأبو الفتح رسلان ، ومات قبل هذا بأكثر من أربعين سنة - واشتغل هذا في أول الأمر ثم تشاغل بنيابة الحكم فناب في عدة قرى ، ثم استقر في نيابة الحكم - بالمحلة - وتقدم في الحوادث ما جرى له في أيام المؤيد ، وعزل ابن عمه القاضي جلال الدين بسبب قيام الناس عليه فعزل هو أيضا ، واستمر ثم عاد بعد ذلك وولي مرارا إلى أن مات .
أحمد بن عبيد الله الأردبيلي شهاب الدين - الحنفي أحد نواب الحكم ، مات في ليلة الأربعاء ثالث عشري رمضان ، وكان مولده في صفر سنة إحدى وتسعين ، واشتغل قليلا وتعلم بالتركي . وكان جميل الصورة فقربه كثير من الأمراء ، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة الحكم بالجاه مع قلة البضاعة في الفقه والمصطلح ، وحفظت عليه عدة أحكام كثيرة فاسدة ، وكان مع ذلك يلازم الجلوس بمسجد بظهر الخانقاه الشيخونية إلى أن مات بالإسهال الدموي والقولنج والصرع .
أحمد بن عيسى القاضي شهاب الدين المعروف بابن عيسى الحنبلي ، اشتغل قليلا ، وتعاني الشهادة عند الأمراء وله شهادة في الأحباس ، وكان ساكنا وقورا متعففا ، وناب في الحكم مدة ، ومات في يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى ، وأظنه قارب السبعين .أحمد بن نصر الله بن محمد بن عمر بن أحمد قاضي الحنابلة محب الدين أبو يوسف التستري الأصل ثم البغدادي ، نزيل القاهرة ، ولد في السابع عشر من شهر رجب سنة 765 ، وقرأ على أبيه وغيره ، وأخذ عن الكرماني والسخاوي ، ورأيت إجازة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف ابن علي الكرماني له واستدعاء سئل فيه أن يجيز له ولغيره ، وقد وصفه بالفضيلة مع صغر السن وتمثل فيه بقول الشاعر :
إن الهلال إذا رأيت نموه
أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
ولقبه شهاب الدين ، وأجاز له إن يروي عنه شرح البخاري والكتب الخمسة ومشيخة إجازة معينة ، وذلك في جمادى الآخرة سنة 782 ، وسمع بدمشق من ابن رجب وابن المحب ، وبحلب من ابن المرحل ، ثم رحل إلى القاهرة ، وذلك سنة ثمان وثمانين ، فسمع بحلب ودمشق ثم قطن القاهرة ، وقرر في درس الحنابلة بالمدرسة الظاهرية البرقوقية أول ما فتحت بعد أن كان درس قبله فيها لأهل الحديث الشيخ زاده العجمي ، وكان يحفظ قطعة كبيرة من البخاري ويسردها مع فنون كثيرة كانصاهر الاقصراي ، وانجب ولده الشيخ محب الدين إمام السلطان الآن ، ولازم الشيخ محب الدين الشيخين سراج الدين ابن الملقن وسراج الدين البلقيني ، وسمع من عز الدين بن الكويك وغيره ولم يمعن ، والعجب أنه لم يلازم حافظ الدنيا في وقته شيخنا العراقي وهو المشار إليه في علم الحديث مع دعواه أنه محدث ، وكان بعد يدرس منظومة الألفية ، ثم ناب في الحكم مدة ثم وليه استقلالا مرتين ، الاولى بعد موت علاء الدين الحموي وقد تقدم بيان ذلك في الحوادث مفصلا ، وكانت وفاته بعلة القولنج ، وكان يعتريه أحيانا ويرتفع ، وفي هذه العلة استمر أكثر من ستين يوما إلى أن مات بعد طلوع الفجر صبيحة يوم الأربعاء النصف من جمادى الأولى ، وقد أقام في الولاية الثانية ثلاث عشرة سنة ، ومن الاتفاقيات أنني كنت أنظر ليلة الأحد ثاني عشر جمادى الأولى في دمية القصر للباخرزي فمررت في ترجمة المظفر بن علي أن له هذه الأبيات يرثي بها :
بلاني الزمان ولا ذنب لي
بلى إن بلواه للأنبلي
وأعظم ما ساءني صرفه
وفاة أبي يوسف الحنبلي
سراج العلوم ولكن خبا
وثوب الجمال ولكن بلى
وقد التزم فيها النون ثم الباء قبل اللام فتعجبت من ذلك ، ووقع في نفسي أنه يموت بعد ثلاثة أيام بعدد الأبيات فكان كذلك ، ومات بعد أن صلى الصبح بالإيماء ، فأكمل ثمانيا وسبعين سنة وعشرة أشهر إلا يومينواستقر ولده يوسف بعده في تدريس المنصورية والأشرفية .
أبو بكر بن سليمان سبط ابن العجمي المعروف بابن الاشقر شرف الدين ، مات في يوم الأربعاء الثاني من رمضان ، وكان مولده بحلب سنة . . وتعاني صناعة التوقيع فمهر فيها ، وقدم القاهرة سنة سبع وثمانمائة فقرره جمال الدين الأستادار في توقيع الدست ، فباشره إلى أن مات ، وكان تزوج ابنة أخيه شمس الدين ، واستقر موقعا - كبيرا عنده ، وحصل عدة جهات في طول المدة منها مشيخات بعدة خانكات وتداريس وأنظار ، وأنجب ولده معين الدين عبد اللطيف ، وولي شرف الدين نيابة كتابة السر في دولة الأشرف واستمر ، ثم ولي كتابة السر بحلب في حياة الأشرف وبعده ، ووليها ولده المذكور ، وكان شرف الدين حسن الملتقى ، بشوش الوجه ، كثير السكون ، قليل الشر والكلام ،محببا إلى اكثر الناس ، وإنما قيل له أبن العجمي لأن أمه بنت . . هي بنت . .
جوهر القنقباي الطواشي الحبشي الخازندار الزمام بالباب السلطاني ، وكان من عبيد الأمير قنقباي الجركسي ، ثم تنقلت به الاحوال بعده إلى أن خدم عند علم الدين ابن الكويز فسار عنده سيرة حسنة ، لانه كان يحب أهل القرآن ويدرس فيه ويقرب أهله ويتدين ويتعفف ، فعظم قدره عند أستاذه بذلك إلى أن مات ، فلما أن مات خمل قليلا ثم اتصل بالملك الأشرف بواسطة جوهر اللالا الذي تقدم ذكر وفاته سنة 42 ، فاستخدمه في باب السلطان وقربه منه ، فأنس به لما فيه من العقل والسكون والتدبير ، فلما مات في الزمام قرر في الوظيفة خشقدم الذي كان خازندارا وقرر - في وظيفته جوهر المذكور ، فباشر في أول أمره مباشرة حسنة وتقرب من الناس جدا وتزاحموا على بابه وصار يقضي حاجة من ينتمي إليه فاشتهر بذلك فهرعوا إليه ، ثم تقرب إلى السلطان بتحصيل الأموال من وجوه أكثرها لا تحل . فكان يقربهويتبرأ عند الناس من ذلك ويظهر الإنكار سرا ، وهو السبب الأعظم في إطلاق أموال التجار ورخص بضاعاتهم وغلبة الفرنج لهم ، حتى صار التاجر يغيب السنة فما فوقها بمصر - ويحضر - فلا يستطيع أن يبيع حملا واحدا من بضاعته ولا يجد من يشتريه ويستدين نفقته على نفسه وعياله وعنده ما يساوي عشرة آلاف دينار ، فبقوا على هذا البلاء بقية مدة الأشرف نحو العشر سنين ، ثم تمادى الحال على ذلك بعده ، وأضيفت إليه بعد الاشرف وظيفة الزمام ، فإن جوهرا الزمام لما قبض عليه بسبب هرب العزيز قرر عوضه فيروز الجركسي ، فلما غضب السلطان عليه بسبب هرب العزيز قرر هذا في وظيفة الزمام مضافة إلى الخازندارية ، فجمع الوظيفتين ولكنه لم يتمكن مما كان يفعله أيام الاشرف وصار في دولة الظاهر خائفا يترقب ويتوقع الإيقاع به ولكن زوج السلطان كانت اتصلت به بعد ابن الكويز ، فلما سكنت القلعة وعزل فيروز ساعدت جوهرا هذا ووصفت للسلطان سيرته ، فقرره مع أنه كان يعرف ما كان يعامل به الناس أيام الأشرف وهو أحد من كان ينكر سيرته ومع ذلك أغضى عنه إلى أن حصل له في موضع مباله دمل فآلمه وحبس عنه الإراقة ، ثم فتح فتألم منه شديدا لكنه استراح بفتحه من الألم ، ثم ربا في موضع آخر فأقام بذلك نحوالشهرين واشتد به الأمر في العشر الأوسط من رجب وارجف بموته ، ثم كانت وفاته في ليلة الاثنين أول شعبان من اشهر العرب - آخر يوم من كيهك من شهور القبط - وقد جاوز السبعين ، وأنشأ دارا بدرب الأتراك بالقرب من الجامع الأزهر ، وكان في آخر عمره أخذ أماكن عند باب السر من الجهة القبلية من جامع الأزهر وعمرها مدرسة فلما قرب فراغها مات فدفن بها ، ويقال إنه كان له قريب من الجيوش فأسكنه في دير عند بساتين الوزير ، فعمره وصار هو ومن معه يتظاهرون بما لا يتظاهر به غيرهم بجاهه - والله أعلم بسريرته .
ومن عجائبه أن ولي الدين بن قاصم كان قد ولي قضاء دمياط في دولة الأشرف بجاهه بعد موت ابن مكنون ، فكان يستنيب فيها من يرتشي من المال الجزيل ويقرر عليه كل شهر مقدارا جيدا فكان جوهر يطلع على ذلك لأنه صديقه ، فلما سافر ابن قاسم للمجاورة بمكة نزل عن قضاء دمياط للقاضي كمال الدين البازري ، فباشرها إلى أن خرج إلى قضاء دمشق ، فسأل جوهر أن ينزل له عن قضاء دمياط فنزل له - عن فجرىعلى عادة ابن قاسم ، وانضاف إلى ذلك أنه يستأجر من الأوقاف بالنزر اليسير بما يحصل منه في السنة أموالا كثيرة ، ورأيته إذا عزل نائبا وقرر آخر يكتب بخطه الداعي جوهر الحنفي ، وكذلك إذا سئل في مرسوم أو كتاب بالوصية بأحد ، وتوسع في تحصيل الإقطاعات والإرصادات إلى أن قيل إنه وجد باسمه بعد موته نحو خمسين ما بين رزق وإقطاع ومن المستأجرات وكان يستأجر القرية بخمسين دينارا وهي تغل قدر المائة أو أزيد ، ويصرف أجرتها على حساب صرف الدينار بأحد عشر وربع درهم وزنا وهو يساوي حينئذ أربعة عشر درهما وربع درهم ، ثم يبيع عليهم بذلك عسلا يقيمه عليهم بثلاثين درهما وهو يساوي عشرين ونحوها ، فلا يتحصل لهم من الجهة نحو العشرين - وقس على ذلك ، ومن خالفه في شيء مما يرومه لا يأمن على نفسه ولا ماله ، وفي الأحيان يمتنع من صرف الأجرة أصلا ويقول : إن كانت الأرض مصرية شرقت مع أنه كان ربما استأجرها مقيلا ومراحا ، وإن كانت شامية يقول - كانت محلا راعا كانت في تلك السنة أو عند الأرض مطرا ؛ ويواظب مع ذلك على الصلاة والتلاوة ، ويقرب أهل القرآن ، ويتصدق في فقراء الحرمين بجمل من المال .حسن بن عبد الله بن تقي القباني بدر الدين ، كان مشهورا بجده ، مات في خامس عشري شوال عن سن عالية تقرب من التسعين ، وكان في بدايته اشتغل وتعانى القراآت فأتقن السبع ، وصاهر الشيخ شمس الدين ابن الصائغ على ابنته وهي خالة الشيخ تقي الدين المقريزي ، وذكر لنا الشيخ تقي الدين أنه كان شابا وبدر الدين هذا رجل ، وتعلم الوزن بالقبان فاستمر ، وكان خيرا كثير التأني ، وكان يؤم بنا في رمضان بالمنكوتمرية .
عبد الله بن سعد الدين بن التاج موسى القبطي أمين الدين ، كان أبوه ولي نظر الخاص في أيام الملك الظاهر برقوق مدة ، وباشر هذا في غيبته الوظيفة ، وكان شابا جميل الصورة وتولع بالأدب ، ثم امتحن في أيام جمال الدين الأستادار فسلك طريق المجون ، وصار ينادم الأكابر من الأمراء والمباشرين ، وحصل بسبب ذلك أموالا وكثرت مرتباته وجهاته وصار يكثر الحج ، ثم حصل له في رجليه بلغم إلى أن أقعد فصار يحمل على الأيدي ، وكان يتهم بمحبة العبيد السود وله في ذلك ماجريات وسخف كثير ، وكان طلق الوجه كثير البشاشة والنوادر ؛مات في الثاني من جمادى الآخرة ، وعاش بضعا وستين سنة .
عبد الرحمن بن حسن بن سويد المصري وجيه الدين بن بدر الدين ، أحد نواب الحكم المالكية ، وكان أبوه زوجه بنت القاضي فخر الدين القاياني وهو صغير وتزوج أبو أختها ، ثم مات القاياتي فاحتاط أبوه على تركته بطريق الإيصاء والتحدث ، وخلص لهم الدار العظمى بشاطئ النيل ، وكان هذا حسن الصورة ، دخل مع والده اليمن وهو صغير سنة ثمانمائة ، ثم صار يسافر به معه ويقربه أكثر من أخيه الأكبر محمد الذي تقدم ذكر موته ، واشتغل هذا قليلا وصار أنبه من أخيه مع بأو زائد فيهما ، ليس له سبب إلا دناءة أصل جدهما والد بدر الدين . وكان بدر الدين في غاية التضاع لكنه حصل له مال طائل فصار إلى ولديه فعظمت أنفسهما وانتسبا إلى كنانة ، فقال لي بعض المصريين : لعل أصلهما من منية كنانة بالقللوبية فإن أكثر أهلها نصارى ، وكان القائل يعتمد على قول الشيخ شمس الدين الغماري أنه رأى سويدا وهوبالعمامة الزرقاء يبيع الفراريج والقفص على رأسه - والعلم عند الله ورأس وجيه الدين بعد أبيه وصار المشار إليه بمصر ، ولازم يشبك الأعرج الامير الكبير في دولة الأشرف فكان يتقوى به في أموره ، ثم لازم جوهر الخازندار الأشرفي فعظم أمره وتقوى به في أمور كثيرة ، وكان ابتداء ضعفه في ربيع الأول فانتقل من مرض إلى مرض إلى أن غلب عليه الزحير ثم حبس الإراقة ، فلما قوي البرد اشتد به ثم انحلت قواه إلى أن مات في ليلة السادس من شعبان ، وصلى عليه بجامع عمرو ؛ وتقدم في الصلاة عليه القاضي المالكي ، في ساعة دفنه حضر من ختم على حواصله في منزله وغيره من جهة السلطان ، لأن بعض أتباع الخازندار رافع فيه على ما قيل ، ثم أطلق ولده وفك الختم على منزله صبيحة ذلك اليوم .
علي بن الحسن بن عمر نور الدين التلواني ، مات في آخر يوم الاثنين الخامس ولعشرين من ذي القعة ، وبيده يومئذ تدريسالصلاحية بجوار قبة الشافعي ومشيخة الرباط بالبيبرسية ، وكان أصله من بلاد المغرب ، وسكن الحسن حزوان من قرى المنوفية فولد له على هذا بعد ستين وسبعمائة فنشأ بها ، ثم انتقل إلى تلوانة وعرف بالنسبة إليها ، وقدم القاهرة فطلب العلم ، ولازم البلقيني حتى أذن له بالتدريس والفتوى ، وتصدى لذلك قديما في حياة مشايخه ، فاخذ عنه جماعة ، ومارس العربية - اشتغل قديما ، وكان جهوري الصوت ، مشهور الصيت ، قليل التحقيق ، كثير الدعوى ، حسن البشر ، صحيح البنية ، قويا دينا خيرا - مكرما للطلبة بحيث كان الفيومي يسميه وزير الطلبة ، وقد سمع الكثير من شيوخنا كان أبي المجد والشامي وأنظارهما . وحدث ، وأسمع البخاري مدة بالجامع الأزهر ، ودرس بعدة أماكن ، وناهز الثمانين أو جاوزها .
علي المالكي الشيخ نور الدين البنبي ، كان حسن السمت سليم الفطرة ، خطب بالجامع الأزهر مدة نيابة عني ، واغتبطوا به ؛ مات في سادس عشري ذي الحجة .صفحة فارغة .قاسم البشتكي ، مات في أول شهر رجب بأرض تبني من عمل غزة ، وكان له فيها أرض خراجية فأقام بها وكانت له وجاهة ، وتزوج بنت الملك الأشرف شعبان قديما ورأس ، وكان يحب أهل العلم ويقربهم واشتغل ، ثم حصلت له حظوة في دولة الملك المؤيد ، وولي نظر الجوالي فباشرها بحرمة وشهامة ، ثم حط عليه كاتب السر ناصر الدين - ابن البارزي ، وكانت عنده وسوسة وخفة ، ثم غضب عليه المؤيد وضربه ، ثم من بعده تنقلت به الاحوال ، ولم يحظ في دولة الأشرف بطائل ، وركبه الدين فتوجه إلى أرضه المذكورة ورافقنا في السفر إلى حلبثم إلى البيرة ، ثم رجع معنا حلب بإذن الأشرف ، وذلك آخر عهدي به إلى أن مات غريبا وقد جاوز الستين .
قجق الجركسي نائب القلعة كان جركسيا - وكان من الخيار ، مات مبطونا في يوم السبت سلخ جمادى الآخرة ، واستقر بعده صاحبنا تغري برمش الفقيه المحدث الفاضل .
محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الحريري صلاح الدين المشهور بابن مطيع ، مولده سنة 762 ، ومات ي ليلة السبت بعد أذان المغرب ثاني عشر شهر ربيع الآخر فأكمل الثمانين وزاد عليها ، وكان أبوه حريريا فمات وهو صغير ، فتزوج شهاب الدين بن مطيع أمه فنسب إليه واشتهر به ، وترك صناعة أبيه بعد أن كان أتقنها ، وتنزل في المدارس ولازم حلق أهل العلم ، وسمع من صلاح الدين البلبيسي ونجم الدين ابن زين وابن حديدة وابن الشيخة وابن الملقن والسويداوي وغيرهم ، وسمع معنا من بعض شيوخنا ، وكان يذكر أنه سمع من الزيتاوي ببيتالمقدس ولم يكن له ثبت ولا وجد اسمه ي الطباق التي فيها أسماء من أخذ عن الزيتاوي ، وكان لطيف العشرة ، وهو أحد الصوفية بخانقاه السلطان صلاح الدين المعروفة بسعيد السعداء ، وقد اصابه فالج من نحو خمس سنين أو أكثر ودام به نحو العام ثم عوفي منه ، ثم صارت الأمراض تعتاده إلى أن مات بإسهال أصابه في آخر علته .
محمد بن أحمد بن محمد التنسي القاضي شمس الدين بن قاضي القضاة ناصر الدين ، مولده 777 أو سنة ثمان ، ونشأ في حجر السعادة وكان من جملة أوصيائه ، واشتغل وتقدم ، وكان لطيف المزاج مع شراشة خلق ، وناب في الحكم مدة طويلة ، وحكم في بعض المجالس مدة ، وكان قد أتلف ما خلف له أبوه وفسدت حاله ، ثم صلح حاله قليلا وعين لقضاء المالكية بالشام فلم يتم ، ولما استقر أخوه في القضاء استنابه ، فأظهر بعد قليل عدم القبول وتوجه مع الرجبية إلى مكة ، فأقام بها إلى أن قدم مع الحاج في أول السنة ، فأصابه ذرب فطال به إلى أن مات في يوم السبت من شهر ربيع الآخر ، وكان الجمع في جنازته متوفرا .محمد بن عمار بن محمد بن أحمد - المالكي الشيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين ، ولد في حدود الستين ، واشتغل قديما ولقي المشايخ ، وسمع من كثير من شيوخنا ، وقرأ بنفسه ولم يكثر ، وسمع معي بالقاهرة والإسكندرية وكان صاحب فنون ، وقد جمع مجاميع كثيرة ، وشرح العمدة ، وكتب على التسهيل ، واختصر كثيرا من الكتب المطولة ، وسكن مصر بجوار جامع عمرو بن العاص وانتفع به المصريون وسكن الشيخ أبي عبد الله الجبرتي بالقرافة مدة ، وكان حسن المحاضرة محبا في الصاحلين حسن المعتقد ، وكان لما ولي تدريس المسلمية بمصر في سنة ثلاث وثمانمائة بعد موت شمس الدين ابن مكين نوزع فيه بأن شرط الواقف أن يكون المدرس في حدود الأربعين ، فأثبت محضرا بأن سنه إذ ذاك خمس وأربعون سنة ، فعلى هذا يكون مولده سنة 758 ؛ ومات في ليلة السبت الرابع عشري من ذي الحجة ، فيكون أكمل ستا وثمانين سنة ، وكان قد عرض له عرق جذام ، واستحكم به واشتد قرب وفاته .حوادث سنة 845
ستة خمس وأربعين وثمانمائة
المحرم أوله - يوم الاثنين ، وهو الرابع من بونة من أشهر القبط ، وقد زاد النيل بخلاف ما جرت به العادة بحيث كانت الزيادة بعد ما تناهى النقص أكثر من ذراعين - ، وانقطع جسر بحر - بني المنجا ، واهتم السلطان بأمره وبأمر بقية الجسور ، واستمرت الزيادة في النيل إلى الثامن منه ، فغرقت كثير من الأمقنة التي في الجزائر وحصل لأصحابها جوائح .
وفي الثالث منه ولد للأمير الكبير يشبك ولد من بنت الملك الظاهر ططر ، ولم يولد له ولد قبله ، فسر به وأفرط هو وأهله فيما صنعوا من الوليمة لأجله ، فلم ينشب أن مات يوم السبت - السادس عشر من الشهر ، فاشتد أسفهم عليه وحزنهم لكنه هو تجلد ، وكان السلطان لما بلغه سرورهم به أعطاه إمرة وأرسل إليه خيلا ورقيقا .
وفي الخامس عشر منه قدم ثلاثة مشايخ من دمشق ، وهمعبد الرحمن بن قريح الطحان وناظر الصاحبية ، وعلي بن إسماعيل بن بردس ، وكان السلطان طلبهم من دمشق بعناية تغري برمش نائب القلعة ، لانهم كانوا انفردوا برواية المسند الحنبلي بالسماع العالي عن أصحاب الفخر ، وعند بعضهم سنن أبي داود والترمذي ومشيخة الفخر ، فجهزوا وأخرجوا في ثالث عشري ذي الحجة ووصلوا في تاريخه ، فأنزلهم نائب القلعة عنده ، وقرئ عليهم عنده في برج القلعة ، ثم قرئ عليهم بالبيبرسية وعند سيدي محمد ولد السلطان بالفور داخل القلعة أيضا ، وهرع الناس إلى السماع عليهم .
وفي السادس عشر ظفر بجماعة من الفرنج من ناحية رشيد قبض عليهم وأحضروا إلى القاهرة .
صفر الأغر - في الثامن منه عقد مجلس بسبب مدرسة ابن السويد التي أنشأها بمصر بالقرب من حمام أمير جندار بظهر فندقالكارم الصغير ، وكان وقفها مسجدا وجعل فيها مدرسا ، فعمد ولده عبد الرحمن إلى المدرس فأبطله ، وادعى أن أباه اسند إليه النظر وأنه اقتضى رأيه أن يجعل فيها خطبة ، فاستؤذن الملك الأشرف في إقامة الخطبة فأذن ، واتصل ذلك بالقاضي الحنفي وهو يومئذ بدر الدين العيني فأثبت الإذن وحكم بموجبه ، فأقيمت بها خطبة ، واتخذ لها منبرا فوضعه بجانب المحراب ودكة للمؤذنين ، واستمر الحال إلى هذه الغاية ، فلما مرض مرض موته أسند النظر لولده ، فنازعه الآن أخوه أحمد وادعى أن أباه شرط النظر لأولاده بعده ، فأحضر كتاب الوقف فوجد فيه أنه شرط النظر لنفسه ومن بعده لولديه محمد وعبد الرحمن ومن بعدهما لأولادهما وأولاد أولادهما إلى آخره وجعل لنفسه أن يوصي بذلك لمن شاء بعد موته ، فأثبت عبد الرحمن فصلا في هامش كتاب الوقف يتضمن - انه اسند إليه النظر وفيه ملحق بين السطرين وجعل له أن يسند لمن شاء ، وأوصل الفصل بالقاضي بدر الدين العيني ضمن كتاب الوقف ، فأشهد عليه أنه ثبت عنده مضمون كتاب الوقف ومضمون ما بهامشه من الفصول وحكم بصحة الوقف هذا الذي تضمنه تسجيله ، فروجع في ذلك ، فذكر أنه لم يحكم إلا بصحة الوقف خاصة دون ما تضمنه فصل الإسناد ، وقع البحث في أن الإسناد يساوي الوصية أو يزيد عليها ، ثم ذكر شهود الفصل أنهم لم يتحملوا الشهادة بالملحق ولا أدوها عند الحاكم ،ووافقهم الحاكم على ذلك مع قوله إن حكمه لم يلاق الفصل المذكور أصلا ، وكانت الدعوى عند كاتبه فاتجه له أن الإسناد المذكور من الواقف لعبد الرحمن ، وإن قلنا بصحته بناء على أن المراد به الوصية إليه على وفق ما جعله لنفسه لكن قوله إنه جعل لعبد الرحمن أن ، يسند لم يدخل في الجعل المذكور ، وعلى تقدير دخوله فلم يتصل بحاكم ولا حكم به .
فلما اتصل به ذلك قامت عنده البينة العادلة بأن الواقف المذكور وقف مكانه المذكور مدرسة وعين لها مدرسا سماه ، وأن ولده هو الذي خالف شرطه وأبدل المدرس بالخطبة ، فسئل الحكم بما ثبت عنده من ذلك فحكم بتبطيل الخطبة من المكان المذكور وتقرير المدرس على وفق شرط الواقف ، وأكد ذلك أن الحاكم الذي اتصل به الوقف وحكم به ذكر أن حكمه بصحة إقامة الخطبة بناه على أن الواقف هو الذي شرط ذلك ، فلما وضح له أنه شرط غير ذلك لم يتناوله الحكم وصرح برجوعه منه ، فأزيل المنبر وبطلب الخطبة يوم الجمعة عاشره ، فلما كان في الرابع والعشرين من صفر أعيدت الخطبة بعد أن عقد مجلس قبل ذلك بيوم ، وأظهروا حكما سابقا حكم به العينين بإقامة الخطبة بها ، فادعوا أنه سابق على حكم الشافعي بالإبطال وأن الحكم السابق يرفع الخلاف ، فنازعهم الشافعي في ذلك ، فأمر السلطان ابتداء بإقامة الخطبة ، فأرسل الشافعي إلى الخزانة التي وضع فيها المنبر لما أزيل ، ففك ختمه عنها فأعادوا المنبر وصلوا بها .قرأت في مجموع لطيف بخط بعض أصحابنا في يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر سنة 45 ورد من النائب بثغر دمياط ثلاثة نفر من السلمين ، أخبر في مكاتبته بأنهم كانوا في مركب بالبحر فخرج عليهم الفرنج فقاتلوهم فاختلسوهم وقتلوا من قتلوا وأسروا الثلاثة وأن النائب اشتراهم بمائة وستين دينارا ، فقال لهم السلطان : لم أسلمتم أنفسكم ? ولم لم تقاتلوا حتى تقتلوا ? ثم سلمهم لوالي الشرطة وقال له : خلص منهم القدر الذي وزنه عنهم النائب ورده إليه ، قال - وما سمع بأعجب من هذا الحكم في مثل هذا .
شهر ربيع الأول - أوله يوم الخميس بالرؤية .
وفي يوم الجمعة الثاني من الشهر كسر الخليج بمصر ، وباشر التخليق سيدي محمد بن السلطان ومعه الحاجب الكبير وجماعة ، وذلك في السابع والعشرين من أبيب ، ولم يعهد نظير ذلك فيما مضى ، ونودي بالوفاء وزيادة إصبعين ، وكانت العادة المستمرة أن النيل إذا احترق كانت علامة لبلوغه الغاية تلك السنة وبالعكس ، فلم يحترق في هذه السنة بل كان قارب الوفاء قبل دخوله بونة ، فلما دخل بونة تناقص ، وعند استحقاق النداء عليه كان بلغ زيادة على عشرة اذرع ، وزاد مترسلا فأكمل الستة في أحد وثلاثين يوما ، وأسرع ما أدركناه أنه أوفى في التاسع والعشرين من أبيب ، واستغرب الشيوخ ذلك - والأمور كلها لله يفعل ما يشاء .وفي يوم السبت ثالثه استقر في الحسبة الشيخ على الخراساني بالقاهرة مضافة لمصر وصرف بدر الدين العيني ، فكانت مدة تكلمه في الحسبة في هذه الولاية دون السنة ، لأنه استقر في ربيع الآخر سابع يوم فنقصت السنة شهرا وعشرة أيام ، وانتهت زيادة النيل إلى تعليق العشرين ذراعا ، وهبط في أواخر توت بسرعة ، وبادروا إلى الزرع ، وهبت ريح بادرة نحو أسبوع ، ثم عاد مزاج فصل الخريف على العادة ، ولبس السلطان الصوف قبل العادة القديمة وذلك في العشرين من بابة ، وصادف تلك الليلة أن أمطرت وهبت الريح الباردة يومين وعاد الحر في أثناء الليل وفي أثناء النهار .
جمادى الآخرة - أوله الثلاثاء ، فيه سار علي بن حسن بن عجلان بن رميثة المكي الحسني أميرا على مكة عوضا عن أخيه أبي البركات ، وصحبته يشبك الصوفي أحد الأمراء ليقيم بمكة عوضا عن سودون المحمدي ، وصحبته الاجناد على العادة ، وسافر معهم نويس قليل .
وفي يوم الخميس تاسع شهر رجب استقر الأمير زين الدين عبد الرحمن القاضي علم الدين - ابن الكويز في الأستادارية الكبرى ، وصرف قيز طوغان ثم أفرج عنه سريعا ، واستقر زين الدين يحيى قريب بن أبي الفرج ناظر الديوان المفرد على حاله - والتزم بالتكفية .
وفي يوم الاثنين سابع عشر منه استقر الأمير شهاب الدين أحمدابن علي بن إينال في إمرة الإسكندرية ، وصرف سنبغا الطياري بحسب سؤاله ، ولم يسافر حتى بلغه خروج الطياري من الإسكندرية فتوجه في أواخر شعبان ، وقدم الطياري في ثامن عشر شهر رمضان ، واستمر على إمرته بتقدمة ألف ، وحضر من الإسكندرية في رجب الرماة ومعهم صفة قلعة من خشب فقدموها للسلطان ، ورموا عليها بحضرته بقوس الرجل فخرج منها صورة شخص بسيف وترس فرمى عليه عبد صغير فضرب رقبته بالسهم ؛ فأمر السلطان بأن يخلع عليهم وكتب لهم بجامكية وصرفهم إلى بلدهم ، وحضر برسباي نائب طرابلس فتلقاه السلطان ونزل ببيت لزوجته بجوار كاتب السر ، وكان قبل ذلك حاجب الحجاب بدمشق ، وقدم تقدمته للسلطان على مائتين وأربعين جمالا .
وفي هذه السنة واقعة شهاب الدين القدسي وهو أحمد بن عبد الله ابن محمد العسقلاني الأصل المقدسي ، اشتغل بالقدس كثيرا وكان فيه فرط زكاء ، وتعاني الكلام على العامة فمهر في ذلك ، واجتمع عليه خلق كثير ، ثم قدم القاهرة فكان يجتمع في مجلسه جمع كثير خصوصا النساء ، فتعصبعليه قوم فمنعه القاضي المالكي من اجتماع النساء عنده ، وكان اتفق أنه حكى حكاية عن الإمام مالك فنسبه بعض أهل مذهبه إلى تنقيصه . . فمنعه المالكي من الكلام جملة ، ثم شفعوا فيه فأذن له ، ثم اتفق أنه توجه إلى الحج فجاور سنة أربع وأربعين وعقد المجلس للوعظ كعادته ، فاحبه العامة وحضر مجلسه بعض الخاصة والتف عليه جماعة من أهل اليمن ، تعصب عليه القاضيان الشافعي والمالكي لكلام بلغهما عنه ، فقرأت كائنته بخط القاضي - الحنفي وهذا ملخصها فقال في حقه : هو من الفضلاء الأذكياء ، وانتفع به الناس ، واشتغل عليه الطلبة ، وكتب على الفتوى ، ووعظ بالمسجد فاجتمع عليه العوام وبعض الخواص ، واستمر في العام الماضي ثم في هذا العام إلى تحمل عليه بعض الفقهاء بمكة ، فعلموا عليه محضرا ونسبوه إلى أمور ، وشهد عليه بها بعض حاشيتهم وهو ينكر ذلك ، ومحصل ما أثبتوه عليه أشياء ، أدناها توجب التعزيز وأعلاها الكفر ، وشهدوا عليه بأفعال قلبية كقولهم : قال كذا وقصده كذا ونحو ذلك مما لا يطلع عليه إلا الله ؛ ثم أمر القاضي المالكي بحبسه فحبس ليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن فاتته صلاة الجمعة ، فعقد له الشريف أبو البركات مجلسا حضره سودون المحمدي وجماعة ، فأحضر فبدر أن قال :لي دعوى على القاضي المالكي ، فأخذه الشافعي وتله بلحيته بحضور الجميع وقال له : يا شيخ نحس وأمر بكشف راسه وتعزيره ، وأشهد على نفسه أنه منعه من الجلوس على الكرسي بالمسجد الحرام ؛ وانفصل المجلس على ذلك ولولا أن الشريف لطف قضيته لكان الأمر أشد من ذلك .
ثم إنه جلس للتدريس على عادته فمنعه الشافعي من التدريس ومن الكتابة على الفتوى ، وحكم هو ونفذ المالكي ، وشهد الحاشية ، فحصل له بذلك مشقة زائدة وعزم على التوجه إلى القاهرة لإنهاء حاله إلى السلطان .
قلت : واتفق قدوم المذكور يوم الخميس ثاني عشري رمضان وكان سبقه قاصد صاحب مكة علي بن حسن فنقل عنه أن الشريف المخلوع تعصب له لكونه كان يذكر له أن عليا مقدم على أبي بكر وأنه لما قدم علي بن حسن واليا على مكة اجتمع به بناء على أنه يروج عنده بذلك فجبهه وقال له : أنا رجل سني وأبو البركات زيدي ، وأنهى ما اتفق له إلى السلطان ، وأحضر المحضر الذي كتبه المالكي والشافعي فيه ، فتغيظ السلطان منه على ما بلغني ، فلما كان يوم الجمعة استشار المذكور بعض خواص السلطان ، فأشار إليه أن لا يحدث أمرا لأن السلطان في أول كل قضية يكون مغمور الفكر بما يلقى إليه ابتداء إلى أن يتجلى له الأمر بعد ، فسكت على مضض ثم في . .شهر رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الأحد وترؤه ليلة السبت وكانت رؤيته ممكنة لكن كان الغيم مطبقا ومضى أكثر النهار ولم يتحدث أحد برؤيته ، وتمادى الأمر على ذلك إلى العشر الثاني ، فشاع أن بعض أهل الضواحي صاموا يوم السبت ، ثم كثر الخبر عن أهل المحلة فكوتب حاكمها ، فاجاب بأنه شهد برؤيته شاهدان من العدول وآخران مستوران ، وتحدث برؤيته جماعة كثيرون وحكم به بعض نواب الحكم ، فلما تكامل ذلك اتصل ببعض نواب الحنبلي القاضي - فحكم بتحريم صوم يوم الاثنين الذي هو بالعدد يكون ثلاثين من رمضان وبوجوب قضاء يوم السبت على قاعدتهم في أن الهلال إذا رئي ببلد وجب على بقية البلاد صومه وقضاءه على من كان أفطره ، وكانوا هم صاموا يوم السبت على قاعدتهم - في صوم اليوم الذي يلي الليلة التي يكون غيمها مطبقا ولولا ذلك لأمكنت رؤية الهلال . فلما كانت ليلة الاثنين تراءى الناس الهلال فرآه جمع جم ، فكان العيد يوم الاثنين بغير شك ، فلم يمكن الحنابلة صيامه .
شهر - ذي القعدة الحرام أوله - الأربعاء في يوم السبت رابعه عقد مجلس بحضرة القضاة - فادعى تقي التاجر علىبرهان الدين بن ظهير شاهد عثمان ولد السلطان أنه ظلمه ، فإنه كان اشترى حصة من مطبخ سكر لتقي فيها الأكثر فوقع بينهما منازعة بسبب ذلك .
فأشهد تقي على نفسه أنه ملك ولد السلطان حصته - من الجدر . والنحاس الذي يطبخ فيه السكر والجوز والبنا - وكتب بينه وبينابن ظهير مباراة وثبت ، واستثنى في المباراة قدرة كبيرة تختص بتقي فادعى تقي ، ثم إن تقي ادعى بأن - ابن ظهير حولها في غيبته بغير وجه شرعي ، فادعى بذلك بين يدي الحنفي فقال الحنفي : لا تسمع دعوى من أمراء ولو كان وكيلا . فأذن السلطان لأحد أئمة القصر في الدعوى على تقي عن ولده ، فأمر السلطان أن يتوجهوا إلى مجلس القاضي فأعيدت الدعوى . فخشي تقي على نفسه من غيظ السلطان فقال : كل ما يدعي علي لولد السلطان أنا أملكه لولد السلطان ، فبادر من أعلم السلطان أن الحق غلب على تقي ، فظن صحة ذلك فأرسل إلى القاضي أن لا يمكن تقي من التصرف ولا من التوجه من مجلس الحكم حتى يزن المال . فظن القاضي أن السلطان يريد مصادرة تقي فأخبره بالرسالة ، فصار يكاتب معارفه بالورق إلى إن حصل المال في عدة أيام وهو في صورة الترسيم في مجلس القاضي ، ثم كتب عليه في .
قرأت بخط من أثق به : لما وصل الحاج إلى مدينة الينبع كان الدقيق في أول النهار كل حمل بسبعة دنانير ، فارتفع الظهر إلى اثني عشر ثم العصرإلى ستة عشر ، وكان العليق أربع ويبات بدينار فوصل إلى ويبتين ، ووصل الحمل الفول الصحيح إلى عشرة ، وكان البقسماط رخيصا فوصل إلى ستين درهما كل عشرة ، وكاد الجمالة أن يهربوا ، فقدر وصول الخبر بوصول المراكب إلى الساحل ، فتراجع السعر إلى أن صار وسطا بعد ما كان أولا وآخرا . وتوجه خلق كثير من الركب إلى الساحل فأحضر الدقيق والعليق . ولزم من ذلك أن أقاموا بالينبع أربعة أيام ، ولما وصلوا إلى منزلة بدر ولم يجدوا بها عليقا بيع النوى كل ويبة بثلث أفلوري والبقسماط بسبعين العشرة . وكان مع ذلك اللحم واللبن والبطيخ كثيرا .
ومات شعبان بواب دار الضرب قبل رابغ بيوم ، وكان وصول الركب إلى مكة سحر يوم الخميس ، ولم يروا الهلال تلك الليلة لكثرة الغيم ، وسألوا أهل مكة فلم يخبر أحد منهم برؤيته . وتمادوا على أن الوقفة تكون يوم السبت ، وأشار عليهم القاضي الشافعي أن يخرجوا يوم الخميس ويسيروا إلى عرفة ليدركوا الوقوف ليلة السبت احتياطا ويقفوا يوم السبت أيضا . فبينا هم على ذلك إذ دخل الركب الشامي فأخبروا برؤية الهلال ليلة الخميس وانه ثبت عند قاضيهم ، فبنوا على ذلك ووقفوا يوم الجمعة ونفروا ليلة السبت على العادة ، وذكر أنه وجد بمكة رخاء كثيرا ؛قال : ووصلت إلى جدة عدة مراكب وأسرعوا تفريغها ، فكان يدخل إلى مكة كل يوم خمسمائة جمل ، وبيع الشاش الخنبيسني بافلورين ونصف إلى ثلاثة - والأرز البيرمي من افلوري إلى ثلاثة .
قال : ووصل إلى مكة من اللؤلؤ والعقيق مع - السروي شيء كثير إلى الغاية .
قال : وفي اليوم الثاني من ذي الحجة ازدحم الناس فمات أربعة عشر نفسا ، ثم دخل الركب الغزاوي ثم الشامي ثم الحلبي ثم الكركي ثم الصفدي ثم البغدادي ثم التركماني إلى أن امتلأت بيوت مكة وشعابها وجبالها وامتدوا إلى منى ؛ قال : ولما وصلوا إلى عرفات أرجف مرجف بأن السيد بركات هجم جدة ونهبها ، ولم يظهر صحة ذلك ، ووصل قاسم أخو بركات حاجا فأمنه الشريف علي ولم يحدث منه سوء مع أنه أشجعهم وأفرسهم ، وندب أخاه الذي يقال له سيف ليأخذ جماعة ويتوجه إلى حراسة جدة ، ثم اتفق أخاه الذي يقال له سيف ليأخذ جماعة ويتوجه إلى حراسة جدة ، ثم اتفق معه على إن يحفظ الحاج بمنى وعرقة ، وتأخر هو عن الخروج مع الحاج ليلة التاسع ، فلما كان بعد عصر عرفه ثارت غبرة عظيمة ثم ظهر خلق كثير فرسان وغيرهم ، فظن الناس أنه بركات جاء في جمعه لينهبهم ، فانكشف الغبار فإذا هو علي ومن معه ، أدركوا الوقوف بعرفة ، وصحبته أخوه إبراهيم وكان قد تغيب عنه بمكة ، فلما وجده اعتذر بأنه قيل له إنه عزم على إمساكه ، فتنصل من ذلكواستصحبه معه فحصلت الطمأنينة للناس ، ونزلوا منى صبيحة اليوم العاشر ، وتجهز المبشر في ذلك اليوم فدخل القاهرة ليلة الأحد خامس عشري ذي الحجة .
وفي الثاني من ذي الحجة لبس السلطان البياض . لأن الحر كان اشتد من يومين ووافق السابع عشر من برمودة ، فتقدم قبل عادة القيظ بعشرين يوما .
وفي الرابع عشر - من ذي الحجة توجه القاضيان الشافعي والحنفي والمحتسب وجماعة إلى كنيسة اليهود الكائنة بقصر الشمع بمصر ، فوجدوا فيها منبرا ثلاث عشرة درجة يشبه أن يكون قريب العهد بالتجديد ، فتشاوروا في أمره فهم في أثناء ذلك ظهر في الدرجة التي يقف عليها الخطيب أو يقعد كتابة يلوح أثرها ، فقال لهم الشافعي : تأملوا هذه الكتابة ، فتداولها جماعة منهم حتى تبين أنها محمد وهي ظاهرة وأحمد وهي خفية ، فاقتضى الرأي إزالة المنبر المذكور فصورت دعوى ، وحكم نور الدين بن آقبرس نائب الحكم وناظر الأوقاف بإزالته وتأخر المحتسب لذلك وافترقوا ، ثم قام الشيخ امين الدين يحيى ابن الأقصرائي في كشف كنائس اليهود والنصارى فأبطلت عدة كنائس ، ختم على أبوابها إلى أن يتضح أمرها ، فمنها واحدة للملكيين ، وجد فيها دعائم بالحجر العصالنحيت مثل الأعمدة ، فادعوا أنها كانت ذات أعمدة رخام فاحترقت في سنة ثلاث وسبعمائة ، وأخرجوا لها محضرا ثبت على القاضي جلال الدين القزويني وأذن في مرمتها فرموها بالحجارة وهي دون الرخام . .
وفي التاسع والعشرين منه استقر سودون الذي كان دويدارا عند طوغان أمير آخور الكبير - المؤيدي ، واستقر في آخر دولة الاشرف أمير شوي فاستقر الآن في نظر أوقاف المساجد والجوامع والزوايا بالوجهين القبلي والبحري ، فصار نظار الأوقاف الأهلية ثلاثة أنفس : نور الدين بن آقبرس وشرف الدين أبو بكر المصارع ، وسودون أمير شوي .
وفيات سنة 845
ذكر من مات في سنة خمس وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد الشيخ تقي الدين المقريزي ، واصلهم من بعلبك ثم تحولأبوه إلى القاهرة وولي بها بعض ولايات من متعلقات القضاة وولي التوقيع في ديوان الإنشاء ، وكان مولد تقي الدين في سنة ست وستين وسبعمائة ، ونشأ نشأة حسنة ، وحفظ كتابا في مذهب أبي حنيفة تبعا لجده لأمه الشيخ شمس الدين بن الصائغ الأديب المشهور ، ثم لما ترعرع وجاوز العشرين ومات أبوه سنة ست وثمانين تحول شافعيا ، وأحب إتباع - الحديث فواظب على ذلك حتى كان يتهم بمذهب ابن حزم ولكنه كان لا يعرف به ، ونظر في عدة فنون ، وأولع بالتاريخ فجمع منه شيئا كثيرا وصنف فيه كتبا ، وسمع من شيوخنا وممن قبلهم قليلا كالطبردار وحدث ببعض مسموعاته ، وكان لكثرة ولعه بالتاريخيحفظ كثيرا منه ، وكان إماما بارعا مفننا متقنا ضابطا دينا خيرا ، محبا لأهل السنة يميل إلى الحديث والعمل به حتى نسب إلى الظاهر - حسن الصحبة ، حلو المحاضرة ، وحج كثيرا واور مرات ، وقد رأيت بعض المكيين قرأ عليه شيئا من تصانيفه فكتب في أوله نسبه إلى تميم ابن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله القائم بالمغرب قبل الثلاثمائة ، والمعز هو الذي بنيت له القاهرة وهو أول من ملك من العبيديين - فالله أعلم ، ثم إنه كشط ما كتبه ذلك المكي من أول المجلد ، وكان في تصانيفه لا يتجاوز في نسبه عبد الصمد بن تميم ، ووقفت على ترجمة جده عبد القادر بخط الشيخ تقي الدين بن رافع وقد نسبه أنصاريا فذكرت ذلك له ، فأنكر ذلك على ابن رافع وقال : من أين له ذلك وذكر لي ناصر الدين أخوه أنه بحث عن مستند أخيه تقي الدين في الانتساب إلى العبيديين ، ذكر له أنه دخل مع والده جامع الحاكم فقال له وهو معه في وسط الجامع : يا ولدي هذا جامع جدك ؛ مات الشيخ تقي الدين في يوم الخميس سابع عشري شهر رمضان .
أحمد بن يوسف الخطيب الملقب درابة - بضم المهملة وتشديد الراء بعد الألف موحدة - شهاب الدين ، اشتغل قليلا وجلس مع الشهوددهرا طويلا ، وعمل توقيع الحكم ثم توقيع الدرج ثم توقيع الدست ، وكان سليم الباطن قليل الشر ، وفيه غفلة ؛ مات في رجب وقد قارب التسعين .
داود بن محمد أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح بن أمير المؤمنين أبي عبد الله المتوكل على الله ، مات في يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول وقد قارب التسعين بعد مرض طويل ، وعهد بالخلافة لأخيه شقيقه سليمان ولقب بالمستكفي بالله - .
طيبغا مملوك الصاحب بدر الدين ابن نصر الله ، مات في 2 المحرم وكان قد أمر بحماة في الدولة الاشرفية .
عبد الله بن محمد بن الجلال نائب الحكم جمال الدين الزيتوني الشافعي أخذ عن شيخنا رهان الدين الأبناسي وغيره ، واشتغل كثيرا وتقدم ومهر ونظم الشعر المقبول الجيد وأفاد ، وناب في الحكم وتصدر وكان قليل الشر كثير السكون والكلام فاضلا ، أظنه قارب السبعين - بتقديم السين ؛ مات في يوم الخميس سادس عشر رجب .
عبد الله بن محمد جمال الدين البرلسي ، اشتغل قليلا وكان يتعانى بزي الصوفية ويصحب الفقراء ثم دخل مع الفقهاء ، وناب في الحكمقليلا في بعض البلاد - ، ثم منع من ذلك لكائنة جرت له لأن الشافعي لما منعه ناب عند الحنفي ، فعين عليه قضية تتعلق بكنيسة اليهود ، فحكم فيها بحكم يلزم نقض حكم سابق على حكمه من قاضي القضاة علاء الدين بن المغلي الحنبلي ، فأنكر عليه وقوبل على ذلك وصرف عن نيابة الحكم واستمر إلى أن مات في رجب ، وأظنه مات في عشر التسعين - بتقديم المثناة .
عبد الله بن محمد جمال الدين ابن الدماميني المخزومي - الإسكندراني قاضي الإسكندرية ، وليها أكثر من ثلاثين سنة ، وكان قليل البضاعة في العلم لكنه كثير البذل ضخم الرياسة ، سخي النفس ، أفنى مالا كثيرا في قيام صورته في المنصب ودفع من يعارضه فيه وركبه الدين ، ثم تحصل له إرث أو أمر من الأمور التي يحصل تحت يده بها مال من أي جهة كانت ساغت أم لم تسغ فيوشك أن يبذرها في ذلك ، وآخر ما اتفق له أن المعروف بسرور المغرب قام في عزله إلى أن عزل بشمس الدين ابن عامر أحد نواب الحكم من القاضي شمس الدين البساطي ، وامتنعالقاضي بدر الدين بن - التنسي من استنابته فحسن الشيخ سرور للسلطان تولية ابن عامر فولاه ، فدخل إلى الإسكندرية وباشر القضاء بها ، وخرج جمال الدين قبله فقدم القاهرة وهو موعوك فتوسل بكل وسيلة إلى أن أعيد إلى منصبه ، وصرف ابن عامر فاستمر خاملا ، وأداروا الحيلة في إفساد صورة الشيخ سرور إلى أن تمت ، ونفي إلى المغرب بأمر السلطان ، ثم شفع به فأمر بإعادته ، فصادف أنه كان أنزل في مركب إفرنجي ليسافر به إلى بلاد المغرب فوصل البريدي مساء ، ففهموا أنه جاء في إطلاقه فغالطوه بقراءة الكتاب إلى أن يصبح ودسوا إلى الفرنجي فأقلع بمركبه ليلا ، فلما أصبحوا وقرئ الكتاب أمر بإصعاده ، فقيل سافر في المركب ، ورجع البريدي واستمر سفر الشيخ سرور - ، فلم ينتفع القاضي بعده بنفسه بل استمر متعللا ، واشيع موته مرارا إلى أن تحقق ذلك في هذا الشهر ذي القعدة ، أظنه جاوز الستين ، وعين للقضاء بعده الشيخ شهاب الدين التلمساني ، فوليه وتوجه فباشره ، وتحفظ بمباشرته إلى أن شاعت سيرته المستحسنة واستمر ، وانطفأت تلك الجمرة كأنه لم تكن ، ولم يترك جمال الدين بعده من يخلفه من أهل بيته ، وانقطع خبر الشيخ سرور فقيل إن الإفرنجي اغتاله فلحق الظالم بالمظلوم فكانا كما قال الله تعالى ضعف الطالب والمطلوب .عبد الرحمن بن علي الشيخ زين الدين ابن الصائغ كاتب الخط المنسوب ، تعلم الخط المنسوب من الشيخ نور الدين الوسمي ، فأتقن قلم النسخ حتى فاق فيه على شيخه ، وأحب طريقة ابن العفيف فسلكها ، واستفاد فيها من شيخنا الزفتاوي وصارت له طريقة منتزعة من طريقة ابن العفيف وغازي ، وكان الوسمي كتب على غازي وغازي كتب اولا على ابن أبي رقيبة شيخ شيخنا الزفتاوي وهو تلميذ ابن العفيف ، ثم تحول غازي عن طريقة ابن العفيف إلى طريقة ولدها بينها وبين طريقة الزكي العجمي ، فاق أهل زمانه في حسن الخط ونبغ في عصره شيخنا الزفتاوي لكنه لم تحصل له نباهة لسكناه بالفسطاط ، ومهر عبد الرحمن وشيخنا وكذا شيخه ، وصرح كثير بتفضيله عليه ، ونسخ عدة مصاحف وكتب ، وقرر مكتبا في عدة مدارس ، وانتفع أهل العصر به وحصل له في آخر عمره انجماع بسبب ضعف ، فانقطع إلى أن مات في نصف شوال في عشر الثمانين .
عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان زين الدين أبو محمد وأبو الفرج ابن قريج - بقاف وراء وجيم مصغر - ابن الطحانالحنبلي الصالحي المسند ، مولده في سنة 164 ، واعتنى به أبوه فاسمعه على صلاح الدين ابن أبي عمر المسند ، وعلي عمر بن أميلة جامع الترمذي والسنن لأبي داود ومشيخة الفخر ابن البخاري وعمل اليوم والليلى لابن السني كما ذكر وعلى زينب بنت قاسم ما في المشيخة من جزء الأنصاري وصحيح مسلم كما ذكر على البدر محمد بن علي بن عيسى بن قواليح سنة 777 : أنا علي بن يعيش وغيره ، وقرأ بنفسه على ابن المحب حرسي : أنا المطعم ويحيى بن سعد والحجار سماعا والتقى سليمان بن حمزة إجازة : أنا ابن اللبي ، وجميع فوائد الكنجروديات تخريج السكري : أنا ابن الزراد ، وكتاب اليقين لابن أبي الدنيا : أنا أبو بكر بن عبد الدائم أنا محمد بن إبراهيم بن سليمان الإربلي سماعا ونصر بن عبد الرزاق الجيلي وخليل بن أحمد الجوسقي أجازة قالوا : أنا شهدة ، وكتاب الأربعين الصوفية لأبي نعيم : أنا إسحاق الآمدي ، وسمع من لفظه كثيرا ، وسمع على أبي الهول علي بن عمر الجزري كتاب الذكر لابن أبي الدنيا : أنا التقي سليمانابن حمزة نبأنا الشهاب عمر السهروردي أنا هبة الله الشبلي ، وقرأ على أحمد بن العماد وأبي بكر بن العز شيخنا بالإجازة ، ومحمد بن الرشيد وعبد الرحمن ابن السبط كتاب التوكل لابن أبي الدنيا قالا : أنا العماد أبو عبد الله محمد بن يعقوب الجرائدي ويحيى بن سعد قالا أنا عبد الرحمن ابن مكي ، وعلي ابن أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي جزءا في فضل ركعتي الفجر وغير ذلك من أمالي القاضي أبي عبد الله المحاملي : أنا محمد بن غازي الحجازي أنا يحيى بن محمد القرشي أنا عبد الصمد بن محمد الأنصاري أنا عبد الكريم بن الخضر السلمي أنا الخطيب بسنده ؛ مات بقلعة الجبل في يوم الاثنين بعد العصر السابع والعشرين من صفر بعد أن تمرض أياما يسيرة ، وأسمع في قدمته سنن أبي داود وقطعة كبيرة من المسند .
عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الرومي الحنفي نائب الحكم زين الدين ، اشتغل قليلا ، وتنزل في المدارس ، وناب في الحكم مدة ؛ ومات في رجب وقارب السبعين أوأكملها .
علي بن محمد نور الدين الويشي - وهو بكسر الواو وسكون المثناة من نحت بعدها معجمة ، وكان قد طلب العلم فاشتغل كثيرا ونسخ بخطهالحسن شيئا كثيرا ، ثم تعاني الشهادة في القيمة فدخل في مداخل عجيبة واشتهر بالشهادات الباطلة - والله سبحانه عفو غفور مات في ذي القعدة . محمد بن عبد الرحمن بن أبي أمامة أبو أمامة بن أبي هريرة الدكالي الأصل المعروف بابن النقاش ، مات في يوم الثلاثاء سادس عشري شعبان وقد قارب السبعين ، اشتغل قليلا وهو شاب ، ثم صار يخالط الأمراء في تلك الفتن التي كانت بعد وفاة برقوق فجرت له خطوب ، وقد خطب نيابة عن أبيه بالجامع الطولوني ، وحج مرارا وجاور ، وتمشيخ بعد وفاة والده ولم ينجب وأصابه الفالج في أوائل هذا العام إلى أن مات به ، ودفن إلى جانب والده .
محمد بن علي شمس الدين أبو شامة الشامي ، كان يزعم أنه أنصاري وولي نيابة الحكم بدمشق ثم ناب في الحكم بالقاهرة ، وكان كثير السكون مع إقدام وجرأة - وقد تقدم منا في الحوادث ، وكان خمل في آخر دولة الأشرف وتغيب مدة ، ثم ظهر في دولة الظاهر وولي وكالة بيت المال بدمشق ، ومات بها . محمد بن عمر شمس الدين الدنجاوي ، مات في أول شوال بالقاهرة وكان تعانى الأدب فمهر ، واشتغل في الفقه والعربية ، وقرره شرف الدينيحيى بن العطار في خزانة الكتب بالمؤيدية ، وكان خفيف ذات اليد ، وجاد شعره ، ومات في هذا الشهر بعد توعك يسير ، وذكر لأصحابه أنه رأى في المنام أنه يؤم بناس كثيرة وأنه قرأ سورة نوح ووصل إلى قوله تعالى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر فاستيقظ وجلا فقص المنام على بعض أصحابه وقال : هذا دليل أنني أموت في هذا الضعف ، فكان كما قال ، وما أظنه بلغ الأربعين .
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنع ابن عمران بن حجاج الأنصاري السفطي الشيخ ضياء الدين بن شيخنا ناصر الدين شيخ الآثار النبوية بالقرب - على شاطئ النيل ؛ مات في شوال ، وكان خيرا فاضلا مشهورا بالخير والديانة ، وولي المشيخة بعد أبيه فأقام فيها بضعا وثلاثين سنة .
محمد بن محمود بن محمد البالسي ثم القاهرة شمس الدين ، مات في ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من صفر وقد بلغ التسعين وزاد عليها لأن مولده كان سنة 754 ، كان صاهر شيخنا ابن الملقن قديما على ابنته ، وحصل وظائف من مباشرات وأطلاب وشهادات ، وكان أحد الرؤساء بالقاهرة ، وناب في الحكم في عدة بلاد ، وكان حسن الخط قليل العلم ، وسمع الكثير من شيخنا وغيره ، واستجاز له شيخنا في شوال سنة سبعين وسبعمائة جماعة من مسندي الشام ، منهم عمر بن أميلةوأحمد بن إسماعيل بن السيف وصلاح الدين بن أبي عمر وأحمد بن محمد المهندس وحسن بن أحمد بن هلال وزينب بنت القاسم ، وهؤلاء من أصحاب الفخر وآخرون ، وحدث في أواخر عمره لما ظهرت هذه الإجازة وعن غيرهم ، وتمرض في آخر عمره مدة ، ومات صحيح البصر والسمع والأسنان .
محمد البصروي ناصر الدين ، مات بغزة ، وولي كتابة السر في إمرة نوروز بالشام ، وتولى قضاء القدس في دولة الأشرف سنة 35 ، وعزل منها في دولة الظاهر ، وكان قليل البضاعة من اعلم ، وفيه حشمة ورياسة .
محمد البرلس موقع الدست ناصر الدين ، مات في جمادى الآخرة ، كان يوقع عن الخليفة وعن ناظر الخاص ، وكان استقراره في التوقيع سنة . . فأقام في ذلك . . أربعين سنة .
حوادث سنة 846
سنة ست وأربعين وثمانمائة
شهر الله المحرم - أوله السبت ، في يوم الاحد - الثاني منه - أمره السلطان والي الشرطة بإصلاح الطرقات ، فأساء التصرف في ذلك فإنه ألزم كل من له حانوت أو بيت أن ينظف ما أمامه ، واوجع كثيرا منهم بالضرب المؤلم ، فبادر إلى ذلك - كل من حضر الوعيد فشرع في قطعما أمام داره أو حانوته ، وغاب كثير منهم فصارت الطرقات جميعا موعرة وقاسى الناس من ذلك شدة شديدة خصوصا من يمشي بالليل وهو ضعيف البصر ، ثم أبطل ذلك في اليوم الثاني ، واستمر بعض الطرق بغير إصلاح .
وفي أول يوم منه ختم على كنيسة النصارى الملكيين ، لأنه وجد داخلها أعمدة كدان من الحجارة المنحوتة وأكناف جدد فزعموا أن معهم مستندا بذلك ، فلما أبطأوا بإحضاره ختموا عليها ومنعوا من دخولها ، وكشف في حارة زويلة عن دار كانت لبعض أكابر اليهود وكانوا يجتمعون عنده للاشتغال بأمور دينهم فمات فجعلها محبسة لذلك فصارت في حكم الكنيسة ، فرفع عنهم أنهم أحدثوا كنيسة ، فأكد عليهم عدم الاجتماع فيها وأن تسكن بالأجرة أو لمن يستحق سكناها ، وفوض الأمر فيها لبعض نواب الحنفي فحكم بانتزاعها من أيدي اليهود ، واشهد على الكثير منهم بعد أن ثبت عنده أنها إن أحدثت كنيسة أن لا حق لهم في رقبتها ، فحكم بها لبيت المال ، فنودي عليها في يوم الأربعاء ثاني عشره .
وفي الخامس منه عزر القاضي الحنفي ثلاثة من يهود كنيسة مصر الذي ظهر فيها اللوح المكتتب فيه محمد وأحمد لان جماعة ثبت عنده أنهم كانوا يصعدون على المنبر ، فمات واحد منهم وأسلم آخر وعاش آخرموعوكا ثم مات ، ثم تتبعوا سائر الكنائس وحكم بأنها من الحجارة الجديدة لكونها محدثة وليس لهم الإعادة إلا بالمثل أو دونه ، وفعل ذلك بجميع ما بالبلدين - وحصل على جميع الطوائف من أهل الذمة من الإهانة والتعزير ما لا يزيد عليه ، وأظهر الملكية محضرا يتضمن الإذن لهم عمارتها بعد الحريق الكائن في سنة ثلاثين وسبعمائة من القاضي جلال الدين القزويني قاضي الديار المصرية في الدولة الناصرية ، وتاريخ المحضر سنة 34 ، فوقع في ذلك نزاع كثير ، وانفصل الحال على أن كل ما حكم فيه نائب الشافعي يكمله على مقتضى مذهبه ، وما عدا ذلك يتولى الحكم فيه القاضي المالكي بنفسه .
وفي الخامس من المحرم ادعى عند القاضي صدر الدين ابن روق على طائفة من اليهود القرائن بأن بحارة زويلة دارا تعرف بدار ابن شمخ كانت مرصدة لتعليم أطفال اليهود وسكنى لهم فأحدثوها كنيسة ، لها حدود أربعة : القبلي إلى خربة فاصلة بينها وبين دار تعرف بأولاد الجالي ، والبحري إلى دار بحري في ملك بو سعيد النصراني ، والشرقي إلى سكن إبراهيم العلاف ، والغربي بعضه إلى دار شموال النافذ وفيه الباب ؛ فأشهد عليه انه ثبتعنده بشهادة من أعلم له مضمون المحضر المذكور ، وحكم بموجب ما قامت به البينة في تاريخه وكان نص شهادة من أعلم له ، شهد بمضمونه عبد الرزاق بن محمد بن شعيب الشهير بالجنيدي ، كتب بخطه وأعلم له : شهد عندي بذلك ، ومثله عبد الله بن يوسف بن ناصر الشريف النقلي وكتب عنه وأعلم له : شهد بذلك ، ومثله جلال الدين محمد بن علي بن عبد الوهاب ابن القماط ، ومثله داود بن عبد الكريم وزادوا أن الدار المذكورة تسمى دار ابن شمخ وليست بكنيسة قديما ، وشهد علي بن محمد التوصوفي أن الدار المذكورة - تعرف بدار ابن شمخ وانها كانت معدة لتعليم الأطفال وأعلم له : شهد بذلك و محمد بن أبي بكر بن محمد - بن قضاة وأنها ليست بكنيسة قديما وإنها كانت معدة لتعليم أطفال اليهود وكتب عنه وأعلم له : شهد عندي بذلك ، وشهد بمثل ذلك نحو عدد المذكورين ، ثم اتصل ذلك بأفضل الدين محمود بن سراج الدين القرمي ونفذ حكم صدر الدين في السادس من المحرم ، ثم ادعى عند نور الدين ابن البرقي على جماعة من اليهود أن الدار المذكورة أعلاه كانت مرصدة لتعليم أطفال اليهود القرايين ومسكنا لهم ثم اتخذوها كنيسة عن قريب وأنها مستحقة لبيت المال المعمور بمقتضى أن ابن شمخ هلك ولم يعقب ولم يترك ولدا ولا أسفل من ذلك ولا عاصبا ولا من يحجب بيت المالعن استحقاقها سفلا وعلوا ، أن رئيس اليهود القرايين ومشايخهم يتداولون وضع أيديهم على الدار المذكورة خلفا عن سلف بغير طريق شرعي ، وطالبهم برفع أيديهم وتسليمها لمن يستحقها ، فسئلوا فأجابوا بأن هذه الدار بأيديهم وأنهم وجدوها على هذا الوجه وتلقوها عن آبائهم وأجدادهم ، وبين المدعي المذكور ما ادعاه فذكر المدعي أن الذي تضمنه المحضر المذكور ثبت أولا على صدر الدين وحكم بموجبه ونفذه أفضل الدين ، أعذر فيه لجمع كثير من اليهود القرايين ، فكلف المدعي المذكور أن يثبت ذلك ، فاتصل بنور الدين البرقي ما اتصل بأفضل الدين من الثبوت والتنفيد .
والإعذار والإقرار ، وثبت عنده بطريق شرعي أن ابن شمخ هلك ولم يترك ولدا ولا اسفل من ذلك ولا عاصبا ولا من يحجب بيت المال عن استحقاق هذه الدار سفلا وعلوا وثبت عنده جميع ذلك ثبوتا شرعيا ، فلما تكامل ذلك سأل المدعي المذكور الحاكم المذكور الإشهاد على نفسه بثبوت ذلك والحكم باستحقاق بيت المال لهذه الدار سفلا وعلوا وجميع ما اشتملت عليه من المنافع والمرافق والحقوق ، وعلى المعذر إليهم برفع أيديهم عن الدار المذكورة سفلا وعلوا وتسليمها لبيت المال ، فاستخار الله تعالى ونظر في ذلك - وتروى فيه والتمس من المدعي عليهم حجة يدفعون بها ما ثبت بأعاليه أو كتابا قديما يشهد لهم بملك أو وقف ، فاعترفوا بأن لا حجة لهم تدفع ذلك ولم يكن عندهم كتاب بذلك ، فأعاد المدعيالمذكور السؤال المذكور ، فراجع الحاكم المذكور فيه مستنيبه ومن حضر من أهل العلم ، وأجاب السائل إلى سؤاله وأشهد على نفسه بثبوت ذلك عنده الثبوت الشرعي ، وحكم بما سأله الحكم به فيه - حكما صحيحا شرعيا مستوفيا شرائطه الشرعية ، وأشهد عليه بذلك في يوم الجمعة السابع من المحرم سنة تاريخه .
وفي يوم الخميس السابع والعشرين من شوال استقر القاضي بدر الدين محمود بن أحمد العينتابي في الحسبة عوضا عن الشيخ نور الدين الخراساني ، وعزل افضل الدين الذي كان الخراساني استنابه في غيبته ، وكان قبل ذلك خصيصا عند القاضي بدر الدين العيني وولاه الخطابة بمدرسته واستنابه ، فنقم عليه الانضمام للشيخ نور الدين .
وفي هذا اليوم بعد استقرار القاضي ناصر الدين ابن المخلطة فيتدريس المالكية بالمدرسة الأشرفية نازعه ولد الشيخ عبادة بمساعدة جماعة من الأكابر ، وتمسكوا بقول الواقف بان من كان له ولد وهو أهل التدريس بها فلا يقدم عليه غيره ، فاستقر الولدان جميعا لأنه لم يوجد في شرط الواقف ما يمنع التشريك ، وقبل ذلك نوزع القاضي شمس الدين ابن عامر المالكي في تدريس الشيخونية يعد أن استقر فيها وعمل إجلاسا ، فنوزع بان شرط الواقف أنه لا يقدم على من كان متأهلا للتدريس من طلبة المكان ، فإن لم يكن فيهم أهل قرر من غيرهم ، يقدم الأفضل فالأفضل والأمثل فالأمثل ، وكان أحد النظار قرر ابن عامر والآخر قرر الشيخ يحيى العجيسي ، فاتفقوا على أن الشيخ يحيى أفضل من ابن عامر ، فصرف ابن عامر وقرر الشيخ يحيى ، وأشار بعض الحاضرين بأن يعوض ابن عامر وظيفة خفيفة من وظائف الشيخ يحيى ، فتبرع قاضي المالكية بوظيفته بالجمالية له ووقع التراضي ، ثم غضب القاضي من ابن عامر من كلام واجهه به فتعصب له ناظر الجمالية فامتنع من إمضاء النزول ، ولم يظفر ابن المخلطة ولا ابن عامر بشيء .
وفي يوم الاثنين الخامس عشر من ذي القعدة صرف كاتبه عن القضاء بسبب امرأتين من أهل الشام تنازعتا في نظر خمس سنين وشهرا وعشرة أيام وقف والدهما ، فشرك الحمصي وهو يومئذ قاضي الشافعية بدمشق بينهما ثم بعده الونائي بقليل ، فحكم للكبرى وألغى الحكم للصغرى ،فعقد لهما مجلس بحضرة السلطان وتعصب الأكابر للصغرى ، فوجد حكم الونائي لا يلاقي حكم الحمصي فأمر كاتبه أن يستوعب الصورة ويستمر بهما على الاشتراك ، فلما تأملت وجدت حكم الونائي لا ينقض ، فاعتل عليه وكيل الصغرى بأنه اسنده إلى ما ثبت عنده من تبذيرها وسفهها ولم يفسر التبذير والسفه فلا يقدح فيها ، لاحتمال أن يكون من شهد بذلك يعتقد ما ليس بسفه سفها وما ليس بتبذير تبذيرا ، وأخرج فتاوى جماعة من الشافعية بذلك ، فتوقفت عن مراده لما تأملت في آخر حكم الونائي بعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعا فقلت : لو جاء فقال : فسر عندي بقادح وقد دخل في هذا الكلام كان مقبولا منه ، فاستشاط الوكيل وتوسلت موكلته إلى جمع كثير من الأكابر ، فأبلغوا السلطان أن هذا الكلام تعصب للونائي ، فصرح بعزل الاثنين ، فلما بلغ كاتبه ذلك أقام بمنزله لا يجتمع بأحد ، فلما كان ضحى يوم الخميس حضر إليه الحمصي رسولا من السلطان على لسان الشيخ شمس الدين الرومي أحد جلساء السلطان فأمره بالاجتماع بالسلطان ، فاجتمع به - فقص عليه القصة مفصلة ، فعذره واعتذر إليه وقرره في الوظيفة ، وكان قد صمم على عدم القبول من أول يوم ، فاجتمع به القاضي الماضي المالكي وبلغه عن الجماعة ما يقتضي التخويف والتهديدإذا استمر على الإعراض بما يخشى منه على المال والد والعرض ، فقبل على ذلك - والله المستعان ؛ ثم ألحوا عليه في التشريك بين المرأتين في النظر ، فتأمل - فوجد حكم الونائي منذ سنين وجاز أن يصير السفيه فيها رشيدا ، فالتمس منهم بينة تشهد باستواء المرأتين في صفة الرشد الآن ليقع التشريك بينهما مع بقاء حجة الغائبة ، فاقيمت عند بعض النواب ، وقضى بذلك في ثاني ذي الحجة منها - والله المستعان .
وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة قدم القاضي بهاء الدين ابن حجي من الشام ، وهرع الناس للسلام عليه ، ثم استقر في نظر الجيش صبيحة ذلك اليوم وهو يوم الاثنين تاسع عشري شهر ذي الحجة ، وظهر بعد ذلك انه كان آخر يوم من الشهر ، لأنه اشتهر أن جمع من الناس رأوا هلال ذي القعدة ليلة الأحد .
واستهل ذو الحجة يوم الثلاثاء بالرؤية .
ففي الحادي عشر منه لبس السلطان البياض .
وفي الخامس عشر منه وصل علي بن حسن بن عجلان أمير مكة من الطور وكان السلطان أرسل بالقبض عليه ، فقبض في ذي القعدة وجهز في البحر إلى الطور ومعه أخوه إبراهيم ، فوصلا مقيدين فسجنا ببرج القلعة ، وكان أخوهما أبو القاسم قد استقر في الإمرة وتوجه صحبة الحاج ، وكان شرط عليه أن يبطل النزلة وهي أن عادة أكابرهم أن يستجير بهم الغريب ويسمونه نزيلا ، فغلب ذلك عليهم حتى صار منعليه حق يستنزل ببعضهم فيمنع من يطالبه حتى بالحق ، وكثر البلاء بذلك وافرطوا فيه فرفع ذلك للسلطان ، فشرط على هذا الأمير إن يبطل ذلك جملة ويعاقب من فعله ، وكتب عليه بذلك التزام وحكم عليه به .
وفيات سنة 846
ذكر من مات في سنة ست وأربعين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن محمد شهاب الدين بن محمد - الشيخ شمس الدين بن فهيد المصري المشهور بابن المغيربي - بالتصغير ، ولد من أمة سوداء بعد الستين ، ونشأ في حجر أبيه ، وزوجه بنت الأمير أبي بكر بن بهادر ، وكان بزي الترك ، ولم يشتغل بعلم ولا تميز في شيء إلا أنه كان كثير المعاشرة للجند ، وينفق عليهم بمعرفة لسانهم والانتساب إلى الفقراء ، وولي في سلطنة الملك الظاهر جقمق مشيخة الدسوقية ، وكثرت فيه الشكوى ، وكان ممن يأكل الدنيا بالدين ، ولا يتوقى من يمين يحلفها فيما لا قيمة له مع إظهار تحري الصدق والديانة البالغة ، وكان يتوسع في المآكل والملابس من غير مادة ، فلا يزال عليه الدين ويشكو الضيق ؛ مات بعلة الدرب في ليلة الثامن من شهر ذي الحجة بعد ضعف ستة أشهر .حسن بن نصر الله بن حسن بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم البصروي الأصل ثم الفوي ، كاتب سر مصر وناظر جيشها وخاصها ووزيرها وأستادارها ومشيرها ، ولد في ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الأول سنة سبعمائة وست وستين بفوة ونشأ بها ، ثم تحول إلى الإسكندرية فباشر بها عدة جهات ، ثم عاد إلى فوة فولي نظرها ، ثم عاد إلى الإسكندرية فولي نظرها ، ثم تحول إلى القاهرة فترقى بعناية يشبك الكبير في دولة الناصر ، فولي الخاص ثم الوزارة ثم نظر الجيش إلى أن جاءت الدولة المؤيدية ، فخرجت عنه الجيش وتولى الخاص ثم الوزارة ، وصودر مرارا من غير إهانة ، ثم ولي الخاص بعد انقضاء الدولة المؤيدية في زمن الظاهر ططر ، واستمر في دولة الصالح محمد بن ططر ثم في دولة الأشرف إلى أن استقر أستادارا ، وصرف عن الخاص بالقاضي كريم الدين بن عبد الكريم ابن كاتب جكم في أوائل جمادى الأولى سنة 828 ، وعزل عن الاستادارية ، وصودر هو وولده صلاح ، وأخذ الأشرف منهما ستين ألف دينار ، واستمر بطالا في منزله ، ثم ولي الأستادارية بعد سنين مرة ثانية فلم تطل مدته فيها وعزل ، ثم ولي الأستادارية بعد سنين مرة ثانية فلم تطل مدته فيها وعزل ، وولي آقبغا الجمالي الأستادارية عوضا عنه ، ولزم داره سنين إلى أن ولي كتابة السربعد موت ولده صلاح الدين فباشرها يسيرا ، وعزله جقمق بصهره الكمال البارزي ، ولزم البدر بيته إلى أن مات ، وكان شيخا طوالا ضخما جهوري الصوت حسن الشكالة مدور اللحية كريما واسع النفس على الطعام فاضلا ، وطالت ايامه في السعادة هو وولده فصارا رؤساء مصر ، وكان لا يسلم كل قليل من مصادره مع إنعامه وفضلهعلى أعيان الدولة ، وكان عنده بادرة خلق سيء مع حدة مزاج وصياح في كلامه ، مات في هذه السنة بعد أن أقام ضعيفا نحو السنتين بمرض يقال له الحمق والنسيان اختلط منه ذهنه ، وحجب في منزله إلى أن مات في ليلة الأربعاء سابع ربيع الآخر - .
أيتمش الخضري كان من مماليك الظاهر برقوق - وتقرر خاصكيا ، وولي إمرة غزة ثم ولي الأستادارية الكبرى في دولة الأشرف ، وتنقلت به الأحوال وأصيب في جسده ببياض فكان يستره بحمرة ، وكان قارئا للقرآن ، محبا في حملته ، كثير البر لهم ، مع شر فيه وبذاءة لسان وارتكاب أمور فيما يتعلق بالمال ، سقط عليه جدار فغطاه ، فأخرج منه مغشيا عليه ، فعاش بعده قليلا ومات في آخر ليلة السبت العشرين من شهر رجب .
تغر بردى البكلمشي الملقب بالمؤذي ، مات يوم الثلاثاء خامس عشر - في جمادى الآخرة وهو يومئذ الدويدار الكبير ، وكان شهما شجاعا ، عارفا بالامور ، فصيحا بالعربية ، كثير الجمع للدنيا ، وعمر في ولايته الدويدارية مدرسة بالصليبة ، عمل فيها خطبة ، ووقف عليها أوقافاغالبها مغتصبة ، وسر أكثر الناس بموته لثقل وطاته عليهم ، وأظنه قارب السبعين .
عبادة بن علي الزرزاي المالكي الشيخ العالم العلامة المفنن زين الدين ، سمع الكثير من شيوخنا ورافقنا في السماع مدة ومهر في الفقه وغيره ، وصار رئيس المالكية بأخرة ، وعين للقضاء بعد موت القاضي شمس الدين البساطي فامتنع ، فألح عليه فأصر ثم تغيب إلى أن ولي غيره ، وولاه الملك الأشرف التدريس بمدرسته التي بجوار الوراقين أول ما فتحت - تدريس المالكية بها إلى أن مات ، وولي قبل موته بقليل تدريس الشيخونية بعد ابن تقي ، وكان قبل موته بمدة قد انقطع إلى الله تعالى ، وأعرض عن الاجتماع بالناس وأقبل على شأنه ، وامتنع من الإفتاء إلا باللفظ أحيانا ، مات في رمضان وجاوز السبعين .
عبد الله السنباطي الواعظ جمال الدين ، مات في رمضان بعد مرض طويل وقد جاوز السبعين ، وكان يتكلم على الناس بالجامع الأزهرمن نحو سبعين سنة ، ولازم مجلس - الشيخ سراج الدين البلقيني ، يقرأ عليه من كلامه وكلام غيره ، واشتهر ذكره وحظي حظوة عظيمة ، وكان مع ذلك يشتغل بالعلم ويستحضر في الفقه ، وقد ناب في الحكم عن القاضي جلال الدين وغيره .
عبد الرحمن بن محمد الزركشي الشيخ أبو ذر الحنبلي ، سمع من أبي عبد الله البياني صحيح مسلم وحدث به عنه مرارا ، وتفرد عنه بالرواية بالديار المصرية بل كان في هذا الوقت مسند مصر ، مات في ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر فنزل الناس بموته درجة ، ومولده في . . وخمسين وسبعمائة ، وكان يدري الفقه على مذهبه ، فقرر في تدريس المدرسة الاشرفية الجديدة ، وباشر في تدريس الشيخونية بعد موت القاضي محب الدين الحنبلي البغدادي ، وكان صحيح البدن ضعيف البصر وقد ناهز التسعين .
عبد العزيز بن علي بن عبد المحمود البكري المقدسي البغدادي الحنبليالقاضي عز الدين ، ولي قضاء القدس وحصل بينه وبين الخطيب بالقدس وهو حينئذ القاضي برهان الدين الباعوني فقام على الباعوني فقدر أن الباعوني ولي قضاء الشام ، فتوجه عز الدين إلى بغداد فأقام بها وولي القضاء بها ثم عاد إلى القدس ، فلما دخل الهروي القدس وقع بينهما فتحول عز الدين إلى القاهرة بأهله ، فاتفق دخول الهروي القاهرة وولي قضاء الشافعية بها ، فقام عليه عز الدين إلى أن عزل ، ثم ولي تدريس الحنابلة بالمؤيدية أول ما فتحت ، ثم ولي قضاء الشام فأقام مدة ثم عاد ، ثم ولي القضاء بالديار المصرية مرة ثانية ، ثم أعيد إلى قضاء دمشق ، وكان عجبا في بني آدم كثير الدهاء والمكر والحيل ونقل عنه أشياء مضحكة ؛ مات بدمشق في شوال مفصولا عن الحكم ، وكان اختصر المغني وضمإليه مسائل من المنتقى لابن تيمية من مختصرات الحنابلة .
علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي علاء الدين ، مولده سنة 762 ببعلبك ونشا بها وقرأ القرآن ، ورحل به والده إلى دمشق واسمعه جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخة الفخر على أبي حفص عمر بن أميلة ، وأسمعه على الصلاح ابن أبي عمر الشمائل للترمذي ومسند ابن عباس من مسند الإمام أحمد ومسند أهل البيت فيما أظن ، وسمع مسند الإمام الشافعي على يوسف بن عبد الله ابن حاتم بن الحبال سنة 772 أنا أبو الحسن اليونيني والتاج عبد الخالق ابن علوان ، قال اليونيني : أنا ابن الزبيدي وأخوه أبو علي الحسن وعبد السلام ابن عبد الرحمن بن سكينة ومحمد بن سعد بن الخازن وأبو هريرة محمد ابن الوسطاني وآخرون إجازة ؛ ح وقال ابن علوان : أنا الموفق بن قدامة إجازة نا أبو زرعة أنا أبو الحسن الكرخي بسنده ، وله مسموعات آخر ببعلبك على شيوخها وفيهم كثرة ، وهو شيخ صالح خير مؤذن بجامع بعلبك ، مات بعد أن رجع إلى بلاده في أول سنة ست وأربعين ، وكان قدم القاهرة كما تقدم وأقام بها مدة وأسمع الكثير ، ثم رجعفمات وبقي من الثلاثة واحد وهو ناظر الصاحبية .
محمد بك بن دلغادر الأمير ناصر الدين صاحب الأبلستين وحمو الملك الظاهر جقمق ، مات في أوائل جمادى الآخرة بالأبلستين ، وقيل إنه قتل على فراشه ، وكان كثير الشرور والعصيان على الملوك - .
محمد بن عمر بن علي الطنبدي القاضي جمال الدين المعروف بابن عرب ، مات في ليلة الخميس الثامن من شهر رمضان وهو في عشر المائة ، ولد بعد الخمسين بيسير ، واشتغل وقرأ القرآن وحفظ التنبيه ، ثم وقع على القضاة وهو في العشرين ، رأيت خطه في الشهادة على أبي البقاء السبكي سنة 73 فأداها بعد سبعين سنة وزيادة ، ثم ولي حسبة القاهرة ووكالة بيت المال غير مرة ، وأذن له في الحكم نيابة عن القاضي الشافعي ، ثم اقتصر على النيابة بعد الثمانمائة واستمر ، وجرت له خطوب ، وانقطع باخرة في منزله مع صحة عقله وقوة جسده ، وكانت أكثر إقامته ببستان له بجزيرة الفيل ، ثم توالت عليه الأمراض وتنصل - إلى أن كان في هذه السنة فإنه سقط من مكان فانكسرت ساقه ، فحمل في محفة من جزيرة الفيل إلى القاهرة ، فأقام نحو أربعة أشهر ومات ، وهو أقدم من بقي من طلبة العلم ونواب القضاة الشافعية .
محمد بن محمد بن محمد بدر الدين ين زين بن شمس الدين الدميريالمالكي ، كان جده ناظر المارستان وولي الحسبة وكذا والده واستمر هو في مشارفته ، وكان مشكور السيرة كثير الحياء والتودد للناس ، مات في رمضان وكثر الثناء عليه ولم يبلغ الخمسين .
محمد بن محمد بن بدير زوج أخت الذي قبله بدر الدين العباسي المعروف بالعجمي ، وكان رفيق الذي قبله بالمارستان مشكور السيرة أيضا محببا إلى الناس ، وكثر التأسف عليهما ، مات في شوال .
حوادث سنة 847
سنة سبع وأربعين وثمانمائة
شهر الله - المحرم ، أوله الأربعاء بالرؤية في اليوم التاسع منه استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء الشافعية بطرابلس ، وأضيف إليه نظر الجيش بعد أن أقام بالقاهرة ثمانية اشهر وأزيد يسعى في قضاء الشافعية بدمشق ، فحضر الونائي قاضيها في الثالث والعشرين من ذي الحجة ، فحصل للحمصي ياس من قضاء دمشق فسعى في طرابلس إلى أن خلع عليه .وفي يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول عمل المولد السلطاني ، وكان مختصرا في كل أحواله بحيث أن عدد القراء انحط من ثلاثين إلى عشرة وكذلك الوعاظ ، وفرغ بين العشائين ، وتوجه الناس إلى منازلهم سالمين من عبث المماليك .
وفي يوم الاثنين سابع عشر شهر - ربيع الأول توجه العسكر المجهز لقتال الفرنج برودس ، ومقدمهم تمرباي راس نوبة الكبير وإينال العلائي الدوادار الكبير ، ومعهم ألف وخمسمائة مقاتل ، ومعهم جمع كثير من المطوعة ، فتوجهوا إلى دمياط ليجتمع بها المراكب التي جهزت من الشامات وغيرها .
وفي هذا العشر من هذا الشهر توقف النيل بعد إن كانت الزيادة في العشر الأول ظاهرة ، ونودي في يوم منه بثلاثين إصبعا - والله المستعان فيما كان - فكانت مدة التوقف . . وفي ليلة الخميس . . وفي من شهر ربيع الآخر توجهت مراكب - العساكر إلى دمياطللغزو ، وكان ركوبهم في البحر في . . وساروا ، وقذفهم الريح إلى أن اجتمعوا في طرابلس . . وتوجهوا منها في . . ، فلما كان في السابع من جمادى الآخرة فتحوا بلدا في جزيرة في وسط البحر تسمى القشتيل - بفتح القاف وسكون المعجمة وكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت بعدها لام .
وقد شرح لي صاحبنا العلامة إبراهيم بن عمر بن الحسن البقاعي الوقعة وأثبتها في هذا التعليق بخطه منذ توجهوا من دمياط إلى أن توجهواإلى جهة الديار المصرية ليكون قصتها متوالية ، وهذا اوان سفر الجيش المنصور من داخل فم البحر الملح كان يوم الأحد رابع عشر شهر ربيع الآخر قاصدا اللمسون من جزيرة قبرس - جعلها الله دار إسلام إلى يوم الدين آمين .
وكان في المراكب واحد بطيء السير ، فكان الناس يتقدمونه لحكم الهواء ثم يرجعون بسببه ، فتاهوا عن طريقهم فأشرفوا على جبال صيدا وكان قد قل ماء بعضهم ، فأرسوا على ساحل بيروت ليلة الاثنين ثاني عشري الشهر ، وتاه تمرباي في خمسة عشر مركبا فأرسوا على طرابلس في تلك الليلة ، ووجدنا العسكر الشامي قد توجه من بيروت إلى قبرس في خمسة عشر مركبا يوم الخميس ثامن عشر الشهر ، ثم رحلنا عن بيروت يوم الأربعاء رابع عشري الشهر والريح قليل جدا ، فأرسينا على الملاحة من أرض قبرس يوم الأحد ثاني عشريه ، ووافى بها فيه من كان ذهب إلى طرابلس فكان ذلك من غرائب الاتفاق ، ثم رحلنا يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى ، واستبطأنا الشاميون وكانوا على اللمسون فلاقونا بين الملاحة واللمسون فأرسينا هنالك ، وقد تم عدد المراكب ثمانين ما بين أغربة وحمالات ومربعات وزوارق وسلالير سوى ما يبتعها من القوارب ، ثم سرنا ليلة الأربعاء ثانيه فأرسينا على اللمسون فيآخر نهارها ، فوجدنا أميرها قد رحل بأهلها وأمتعتهم ، فحكم اصحاب الأغراض الدنيوية ، وهم غالب الناس عليهم بنقض العهد ، وأفتاهم بذلك من تسمي باسم الطلب ممن لم يرسخ قدمه في العلوم الدينية ، ولم تطل ممارسته للسنة النبوية ، ولا اتسعت معارفه في الأحوال الحربية والسياسات الشرعية ، وتشبثوا بما لا تمسك فيه ، فاشتد الأذى وعظم الخطب ، فسعوا في تلك الأراضي بالفساد ونهبوا ما وجدوه في بعض البلاد ، وحرقوا وقتلوا ، فنهيت من قدرت عليه وبالغت في الزجر ، وبحثت مع بعض من أضلهم حتى قطعت حججهم ، وذكرت أنا تحققنا لهم عهدا فلا نزيله إلا بتحقق نقضه وان عذرهم في الهرب الخوف من المفسدين ، وما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا - الآية من الإشارة إلى التأني ، وعلى ذلك فإنهم لعمري لم يرجعوا بقلوبهم ، ثم ذكرت قصة يهود بني النضير في ذهاب النبي e إليهم - يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه خطا ، وجلوسه e إلى بعض جدرهم ، وعزمهم على أن يطرحوا عليه صخرة ليقتلوه وإخبار الله تعالى له بذلك ، وأنه مع تحققه لنقضهم لم يبادر إليهم بالقتال بل خيرهم بينه وبين المسير من بلاده إلى آخر القصة ؛ فبينما نحن على ذلك إذ جاءت رسل صاحب قبرس في آخر يوم الخميس تخبر بان ضيافته تلاقي العسكر في الباف بإشباع الموحدة - ،وأنهم باقون على عهدهم سامعون مطيعون مسرورون بمسيرنا إلى رودس لكثرة أذاهم له ، واعتذروا عن هرب القرى المجاورة بنحو اعتذاري عنهم . وفي ذلك اليوم رأى بعض المسلمين مركبين أشرفوا علينا من بعد بحيث رأوا مراكبنا ثم ذهبوا فقصدوا المسير إليهم ، فلم يكن في الأغربة من يصلح لذلك من النوتية ولا من الجند ليفرقهم في تلك الأراضي ، ثم رحلنا من اللمسون ليلة السبت خامس الشهر فأرسينا على اللمسون عصر يومها ، ثم سرنا يوم الاثنين بالمقاذيف وتفرقت المراكب لعدم الريح وعدم المقاذيف في بعضها فأرسينا على الرأس الأبيض في ذلك اليوم ، ثم سرنا منه ليلة الثلاثاء خامس عشر الشهر مع معاكسة الهواء وجر أصحاب المقاذيف العريين عنها فارسينا قريبا من ذلك المنزل ، ثم سرنا صبيحة يوم الأربعاء سادس عشره فأرسينا على قرية قريبة من الباف ، فجاءت رسل صاحب قبرس فأخبروا عن مقدار الضيافة وشكوا ما فعل في بلادهم وتوجعوا ، وظهر منهم الخداع إما لما فعل ببلادهم أو لغير ذلك ، فاستقل أميرنا هديتهم وغضب لعدم مجيء ملكهم وإحضارهم لما بقي عندهم من المال ، واعتذروا عما فعل في بلادهم بأنه فعل بعض الأتباع بغير علمه على أنهم معذورون لعدم المبادرة باللقاء وإحضار الضيافة والإخبار بالطاعة ، فرحل ليلة الخميس سابع عشره معرجا عن البافلئلا يأخذ هديتهم ، فتعديناها وأرسينا على رأس الصندفاني ، ثم رحلنا صبح يوم الجمعة ثامن عشر الشهر مع عدم الريح ، فاستمرينا ندور في البحر ونحن بحيث نرى الجبال إلى أن قصدنا البر فأرسينا به ليلة الأحد في هذه المنزلة فاستقينا ، ثم رحلنا يوم الأحد العشرين منه فنزلنا على مدينة العلايا من بر التركية ليلة الخميس رابع عشري الشهر ، وحصلت هناك زلزلة عظيمة قبل غروب شمس يوم الجمعة خامس عشره - بنحو عشر درج رجفت منها الأرض ثلاث رجفات ، ثم سرنا عنها يوم الاثنين ثامن عشري اشهر ، فأرسينا على مدينة
أنطاليا ليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس ، وكان قد حصل لهم ريح عاصف فرقهم وضعضع بعضهم ، فاجتمعوا إلا اثنين : أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللا حصل في غرابه ، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته ، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر ، وسار الأمير بالجيش نحو رودس ، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم ، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسيناجميعا على منزلة فنيكة ، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلا فلم يرها وظنهم تقدموا ، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان ، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا ، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعا حتى نام في فنيكة ، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون ، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل ، فأحضروها إلى أمير فقالت : إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت ، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم ، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا ، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج ، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم ، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم ، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر ، ثم أكثرواعليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه ، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه ، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد ، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد ، ووقع قائم الزحف ، وقام قاعد الحتف ، وتقدمت الأبطال ، وتميزت فحول الرجال ، وعملت المعاول في السور ، وبان هنالك الرجل الصبور ، وتراشق الناس بالنبال ، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال ، فطارت رسل السهام ، بمر شراب الحمام ، ودارت على البرايا ، كؤوس المنايا ، وألقوا بالدرق والحنويات ، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديدا ، ويرمون رميا شديدا ، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر ، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس ، وقامت الحرب على ساق ، وكلت من النظر الاحداق ، اشتكت إلى أبدانها الأعناق ، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب ، وكثر في رمينا الصائب ؛ فحمي الوطيس ، وخذل إبليس أخطأت كثيرا سهامهم ومكاحلهم ، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم ، وحينئذ استدارت الريح دبورا فكانت من علامات إهلاكهم ، وأهلكتعاد بالدبور ، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار ، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار ؛ وكان ذلك من بديع الآيات ، وعظيم العنايات ، وما زالت تقلله تقليلا ، وتهدمه قليلا قليلا ، إلى أن هدمت منه جانبا كبيرا ، وكان يوما على الكافرين عسيرا . ا ليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس ، وكان قد حصل لهم ريح عاصف فرقهم وضعضع بعضهم ، فاجتمعوا إلا اثنين : أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللا حصل في غرابه ، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته ، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر ، وسار الأمير بالجيش نحو رودس ، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم ، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا جميعا على منزلة فنيكة ، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلا فلم يرها وظنهم تقدموا ، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان ، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا ، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعا حتى نام في فنيكة ، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون ، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل ، فأحضروها إلى أمير فقالت : إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت ، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم ، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا ، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج ، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم ، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم ، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر ، ثم أكثروا عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه ، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه ، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد ، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد ، ووقع قائم الزحف ، وقام قاعد الحتف ، وتقدمت الأبطال ، وتميزت فحول الرجال ، وعملت المعاول في السور ، وبان هنالك الرجل الصبور ، وتراشق الناس بالنبال ، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال ، فطارت رسل السهام ، بمر شراب الحمام ، ودارت على البرايا ، كؤوس المنايا ، وألقوا بالدرق والحنويات ، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديدا ، ويرمون رميا شديدا ، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر ، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس ، وقامت الحرب على ساق ، وكلت من النظر الاحداق ، اشتكت إلى أبدانها الأعناق ، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب ، وكثر في رمينا الصائب ؛ فحمي الوطيس ، وخذل إبليس أخطأت كثيرا سهامهم ومكاحلهم ، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم ، وحينئذ استدارت الريح دبورا فكانت من علامات إهلاكهم ، وأهلكت عاد بالدبور ، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار ، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار ؛ وكان ذلك من بديع الآيات ، وعظيم العنايات ، وما زالت تقلله تقليلا ، وتهدمه قليلا قليلا ، إلى أن هدمت منه جانبا كبيرا ، وكان يوما على الكافرين عسيرا .
وكان الأمير سودون قراقاش المؤيدي - قص على يوم السبت سادس عشري جمادى الأولى أنه رأى في المنام أن الحصار في مكان له سوران ، قال : فهززت الذي يليني لأرميه ، فقال : ارم الذي وراءك فهو الأهم ، قال : فقلت : بل أرميك ثم أرميه ؛ فكان تأويل ذلك أنه كان منزله وقت حصار هذا الحصن قرب البرج الأخير الذي يلي - فيه الباب ، فاشرف من هناك بعض الفرنج ضحى يوم الخميس سادس عشر الشهر أعني جمادى الآخرة - وقالوا : قد كان قصدكم إلى رودس فنريد أن تذهبوا إليها قبل أن تنهك أنفسكم وأموالكم ، فإن أخذتموها فنحن في قبضتكم ، أو أعطونا سلورة حتى نذهب إليهم ، فإن رضوا سلمنا لكمفعلنا ؛ فلم يرد الأمير لهم جوابا إلا رمي المكحلة والمنجنيق ، وكان قد نهانا في ذلك الوقت ونادى مناديه وهم يسمعون بالمنع من كلامهم إلا بإذنه ، وكنا وجدناهم قد طموا بعض آبارهم ، ووضعوا في الجميع التراب وأغصان الدفلي وورقها ، فأنتنت المياه وقلت ، فذهب جماعة من المسلمين إلى بر التركية للاستقاء ، فوجدوا هناك ثلاثة رجال فأتوا بهم في عصر هذا اليوم ، فسألهم الأمير عن أمرهم ، فقالوا : إنهم هربوا من بلاد التركمان قاصدين إلى القشتيل ، فضربهم فأصروا على ذلك وقالوا : إنهم مماليك لبعض الروم وسمي كل واحد منهم مالكه وكان قد أصيب خلق ممن دنا إلى الحصن بالحجارة والنبل وضاع منا في أحجارهم سهام كثيرة ، فمنع الأمير من الدنو إليهم وجعل جل القتال على المدفع والمنجنق ، ثم أمطرت علينا السماء من أوائل يوم الأحد إلى أواخر يوم الاثنين مطرا متصلا ومنه ما هو شديد جدا مع برق ساطع ورعد صادع ثم استمر الجو في غالب الأوقات مغلسا والمطر يتعاهد الأرض والهواء عاصف فشق ذلك على الناس لإتيانه لهم على غفلة لكنه أغناهم عن الاستقاء من بر التركية ، ثم صحت السماء يوم السبت خامس عشري الشهر وحميت الشمس فاتفقت فيه كثرة إصابة المكحلة والمنجنيق وتواردهما على مكان واحد من الجدار فأوهناه وهنا شنيعا وأسرعنا إلى إفساده إسراعا ذريعا ، فخاف الكفار من الدنو إلى ذلك المكان ، فاتفق أن قاربه اثنان من المسلمين فعلما ذلك فلاصقا الجدار وتابعهما الناس وأسرعإليهم النقابون وستروهم بالأتراس . وجاء الفرنج وأكثروا من رمي الحجارة ، فيسر الله تعالى نقبه ، وتلاحق الناس بالحنويات وجدوا في الأمر ، وكانت القتلى مع ذلك قليلا ، وجاء الليل فأرخى ستره وأسبل سرباله فكانت حجارتهم تنزل على غرة فغلبت السلامة ، وضاق النقب على الحجارين فستر لهم بابه بالاخشاب فأوسعوا ، وجد الجد عند الصباح وعظم الهد لما دعا داعي الفلاح ، وحم الأمر وجاء النصر ، ودقت فينا البشائر ، وشقت منهم بعد الجدر المرائر فقذف الله في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ، فطلبوا الأمان عند الشروق ، فكفوا عنهم النبل ودلوا كبيرهم إلينا بحبل ، فوقع الصلح على أن يكفوا عنهم القتل ، وعن أهلهم ويتركوا حصنهم بما فيه ، فكان ذلك من الألطاف الخفية والآيات النبوية ، وكانت عدتهم نحو مائة وخمسين ورحالهم ستين ، والله أعلم بعدة قتلاهم فقد سئل اثنان بحضوري مفترقين فاختلف كلامهما اختلافا كثيرا ، وقتل منا أكثر من ثلاثين وجرح كثير ، فصعد المسلمون إليه وعلوا أكثرهم - عليه ، ونكست تلك الأعلام وانتصبت رايات الإسلام ، وكسرت الصلبان ، وعلت كلمة الإيمان ، وزعق هنالك الذعر السلطاني ، وحمد ولله الحمد الأمر الشيطاني ، وكان يوما علينا مطيرا ، وعلىالكافرين عبوسا قمطريرا ، ثم شرعنا في هدم المكان صبح يوم الاثنين سابع عشري شهر ، فلم يفرغ إلا وقد ساوت جدرانه الأرض ، من طولها والعرض ، وسارع إليه الخراب ، وصار ماوى الثعالب والذئاب ، ولم يبق في تلك الجزيرة ديار ، ولا نافخ نار ، ولقد صعدت الحصن فرأيت من صعوبته ما يزيد على الوصف ، وكثر حمدي لله تعالى على ما ألقى في قلوبهم من الرعب ، فإنهم لو ثبتوا لزاد التعب ، ولم نقدر عليه بنقب ولا مكحلة ، والمرجو ممن حقق بعض - منام الأمير سودون أن يحقق بقيته ، واتفق رأي الأمراء أن يشتوا في بلاد الروم في بلدة يقال لها مكري حتى يريد الله ما يريد فهو المرجو فضله في تيسير الأمور ، ثم لم يوافقهم الريح الشرقي واستمر الغربي ، وخافوا من هروب من في المراكب من النواتية وغيرهم ، فاقتضى رأيهم أن ينزلوا بجزيرة قبرس ، فساروا
ضحى يوم الأحد ثالث شهر رجب ، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح ، فأقاموا بها يومين ثم سافروا ، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبتالريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار ، وهو كبيرهم ، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه ، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح ، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها ، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله ، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء ، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء ، فأرسينا هنالك ، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك ، وأن تحبط أعمالنا لذلك ، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض ، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض ، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر ، وعاد اسوداده واخضراره فائقا بياض النحر ، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين ، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين ، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب ، بأليم العذاب ، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم ، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم ، إلا الأعمال الصالحة ، والأقوال الرابحة ، ولم أستحضر فيما سلف لي منها ا أرتضيه ، فألتجئ إلى ظله وارتجيه ، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول ، واشده إنقاذا من شدة الشدائد الصلاة على الرسول ، فلزمتها ليلا ونهارا ، عشيا وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء منجوازها وهو صعب العريكة ، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا ، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا ، ريح تكاد والعياذ بالله أن تقلب الغراب ، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب ، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار ، فضاقت الصدور من جامعين ، وطارت القلوب من خافضين رافعين ، ليل سواده أشد من سواد الغراب ، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب ، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت ، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة ، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول ، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفا من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان . يوم الأحد ثالث شهر رجب ، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح ، فأقاموا بها يومين ثم سافروا ، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار ، وهو كبيرهم ، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه ، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح ، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها ، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله ، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء ، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء ، فأرسينا هنالك ، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك ، وأن تحبط أعمالنا لذلك ، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض ، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض ، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر ، وعاد اسوداده واخضراره فائقا بياض النحر ، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين ، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين ، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب ، بأليم العذاب ، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم ، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم ، إلا الأعمال الصالحة ، والأقوال الرابحة ، ولم أستحضر فيما سلف لي منها ا أرتضيه ، فألتجئ إلى ظله وارتجيه ، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول ، واشده إنقاذا من شدة الشدائد الصلاة على الرسول ، فلزمتها ليلا ونهارا ، عشيا وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة ، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا ، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا ، ريح تكاد والعياذ بالله أن تقلب الغراب ، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب ، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار ، فضاقت الصدور من جامعين ، وطارت القلوب من خافضين رافعين ، ليل سواده أشد من سواد الغراب ، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب ، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت ، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة ، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول ، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفا من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان .
واتفق وصول أولهم إلى ساحل دمياط في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب ، ووصل الخبر بذلك إلى القاهرة في يوم الجمعة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12