كتاب : إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ
المؤلف : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

بحواصله وكان جملة قيمتها خمسمائة ألف دينار ، فأرسل بالوراق إلى السلطان ويقال بل عاده السلطان في الليل سرا فناولها له ، وكان منذ ولي الوزارة لم يغير ملبوسه ولا شيئا من حاله وعنده جواري في البيت فيغلق بابه إذا ركب ، ويحمل مفتاحه معه ولا يمكن أحدا من الركوب معه سوى غلامه على بغلة ووراءه عبد معه الدواة ، ويقال إنه كان في الباطن على النصرانية والله أعلم بغيبه ، مات في شعبان .
أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن أبي يحيى شهاب الدين الغزاوي ، ناب أبوه في الحكم ونشأ له ولده هذا فتعلق بالمباشرات في الديوان عند الأمراء وخطب بالصالحية وخدم في الإصطبل السلطاني شاهدا ، وكان لطيف المعاشرة حسن التودد مات في آخر صفر .
أحمد بن أبي القاسم بن شعيب الأخميمي أبو القاسم المصري ، أحد فقهاء القاهرة .
إسماعيل بن مازن الهواري أحد أكابر العرب ، مات في هذهالسنة وخلف أموالا كثيرة جدا ، فيقال إن القاضي أمر أمين الحكم أن يتكلم فيها فجر ذلك عزل القاضي وضرب أمين الحكم .
أبو بكر بن أحمد بن أحمد بن طرخان الأسدي ، مات في شعبان .
بيدمر بن عبد الله الخوارزمي نائب الشام مرارا ، يقال كان اسمه في الأصل زكريا بن عبد الله ابن أيوب .
خليل بن فرج بن سعيد الإسرائلي المقدسي ثم الدمشقي القلعي ، أسلم ببيت المقدس ، وله تسع عشرة سنة ، وعني بالعلم ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي ، وانتفع به وقرأ القرآن ، ولقب محب الدين ، وكان مولده في آخر سنة 712 ، وتفقه على مذهب الشافعي فمهر وصار أكثر الناس موظبة على الطاعة من قيام الليل وإدامة التلاوة والمطالعة ، وولي مشيخة القصاعينثم تركها لولده وجاور في آخر عمره بمكة ، فقدم دمشق ممرضا فمات حادي عشر صفر .
سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الشيخ صدر الدين الياسوفي الدمشقي ، سمع الكثير ، وعني بالحديث واشتغل بالفنون ، وحدث وأفاد وخرج مع الخط الحسن والدين المتين والفهم القوي والمشاركة الكثيرة ، أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظاهر فسجن ، فمات في السجن بعد أيام بالقلعة ، مع أنه صنف في منع الخروج على الأمراء تصنيفا حسنا ، وقفت عليه بدمشق ، وهو القائل :
ليس الطريق سوى طريق محمد
فهي الصراط المستقيم لمن سلك
من يمش في طرقاته فقد اهتدى
سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك
وكان مولده تقريبا سنة تسع وثلاثين ، وحفظ محفوظات وكان مشهورا بالذكاء سريع الحفظ ودأب في الاشتغال ولازم العماد الحسباني وغيره ، وفضل في مدة يسيرة ، وتنزل في المدارس ثم تركها ، وقرأ في الأصول على الإخميمي ، وترافق هو وبدر الدين بن خطيب الحديثة ، فتركا الوظائف جملة وتزهدا وصارا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر ،وأوذيا بسبب ذلك مرارا ، ثم حبب إلى الصدر الحديث فصحب ابن رافع وجد في الطلب ، وأخذ عن أصحاب ابن البخاري كثيرا ، وخرج لجماعة من الشيوخ ، ورحل إلى مصر سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ، وسمع بها من جماعة وخرج لناظر الجيش جزءا وصادف ولاية ابن وهبة قضاء طرابلس عند موت ابن السبكي فولي وظائفه ، بعناية ناظر الجيش وهي تدريس الأكرمية ومشيخة الأسدية وغيرهما ، ودرس وأفتى واستمر على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين وينوه بهم مع صحة الفهم وجودة الذهن .
قال ابن حجي : وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد ويصرح بتخطئة الكبار ، واتفق وصول أحمد الظاهري من بلاد الشرق فلازمه فمال إليه ، فلما كان كائنة بيدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد الظاهري ومن ينسب إليه ، فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فسئلا فذكرا أنهما من طلبة الياسوفي فقبض على الياسوفي وسجن بالقلعة أحد عشر شهرا إلى أن مات في ثالث عشر شوال .عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي أبو زيد المعروف بالحفيد بن رشد المالكي ، كان بارعا في مذهبه ، وروى عن أبي البركات البلقيني والعفيف المطري والشيخ خليل ، وتقدم في الفقه على مذهبه ، وولي قضاء حلب ثم غزة ثم سكن بيت المقدس ، قرأت بخط القاضي علاء الدين في تاريخ حلب : كان فاضلا يستحضر لكن كلامه أكثر من علمه ، حتى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك ، وأما من تأخر من أهل العمل فإنه كان لا يرفع بهم رأسا إلا ابن عبد السلام وابن دقيق العيد ، وكان كثير الصخب في بحثه ، ووقع بينه وبين شهاب الدين بن أبي الرضا قاضي حلب الشافعي منافرة ، فكان كل منهما يقع في حق الآخر وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرضا لكثرة وقوع الحفيد في الأعراض ، وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد ثم حج وعاد إلى القاهرة ، ومات عن ثلاث وسبعين سنة معزولا عن القضاء ولم يكن محمودا .
عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي تاج الدين بن الجرار ، برع فيالفقه وشارك في غيره .
علي بن الحسين بن علي بن أبي بكر عز الدين الموصلي ، نزيل دمشق كان معتنيا بالآداب ، قدم دمشق قديما ، وراسل الصلاح الصفدي ونظم على طريقة ابن نباتة ، وعني بالفنون ، وكان ماهرا في النظم قاصرا في النثر ، نظم البديعية واخترع التورية في كل بيت باسم ذلك النوع وشرح هذه البديعية شرحا حسنا وكان يشهد تحت الساعات ، وله ديوان شعر وشعره سائ ، ورثاه علاء الدين بن أيبك بقوله :
يقولون عز الدين وافي لقبره
فهل هو فيه طيب أو معذب
فقلت لهم قد كان منه نباتة
وكل مكان ينبت العز طيب
علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصالحي أبو الحسن النساج ، ولد سنة بضع وسبعمائة ، وسمع الكثير من التقي سليمان من ذلك الطبقات لمسلم ، ومن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وابن سعد وغيرهما ، وحدث ، وكان يقال له أبو الهول وهو بها أشهر من اسمه ، عاش نحوا من تسعين سنة ، ومات في ربيع الأول وكان سمحا بالتحديث ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم فكان لا يسمع إلا بمشقة ، وقد حدث بالكثير ،سمع منه اليشكري وسبط بن العجمي وابن حجي وآخرون .
علي بن عنان البزار الرئيس ، تقدم عند الأشرف ورأس بين التجار وجمع مالا كثيرا ، فلما وقعت كائنة الأشرف خاف على نفسه ودفن ماله وأظهر التقلل والفقر ، ثم مرض ففاجاه الخرس قبل أن يدل أولاده على موضع ماله ومات على ذلك ، فحفروا غالب الأماكن فلم يظفروا بشيء .
علي بن محمد البعلي ، مات في جمادى الآخرة .
عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة ، أخت قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة ، سمعت من الواني وغيره وحدثت .
كبيش بن عجلان ، قتل في الوقعة التي تقدم ذكرها في الحوادث .محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي ، شمس الدين أبو المجد الحسني ، نقيب الأشراف بحلب ، ذكره طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ أبيه ، وأثنى عليه بالفضل الوافر وحسن المجالسة وطيب المحاضرة ، ومات في الطاعون الكائن بحلب سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، واتفق أنه قبض روحه وهو يقرأ سورة يس وهو أخو شيخنا بالإجازة عزالدين ابن أبي جعفر أحمد النقيب .
محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله النصيبي شمس الدين ، أحد الأعيان الحلبيين ، أثنى عليه القاضي علاء الدين في الذيل ، قال : كان حسن الخط ، كثير التلاوة ، كتب في الإنشاء في حلب ، ومات في هذه السنة بالوباء الكائن بها .
محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي أبو بكر بن المحب المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت ، الحافظ شمس الدين ، ولد سنة 713 ،وأحضر على التقي سليمان ، وأسمع الكثير ممن بعده وطلب بنفسه فأكثر ، وكتب الأجزاء والطباق وكان إليه المنتهى في معرفة العالي والنازل وقد جمع مجاميع ورتب أحاديث المسند على الحروف ونسخ تهذيب الكمال وكتب عليه حواشي مفيدة وبيض من مصنفات ابن تيمية كثيرا ، وكان معتنيا به محبا فيمن يحبه ، وكان له حظ من قيام الليل والتعبد ، دقيق الخط جدا مع كبره ، وصنف في الضعفاء كتابا سماه التذكرة عدم في الفتنة اللنكية ، وحدث بالكثير وتخرج به الدماشقة ، وكان كثير الانجماع والسكون ، فقيل له الصامت لذلك ، كثير التقشف جدا بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق وإذا بعد عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافيا ، وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامة ، ولم يتزوج قط ، وكانت إقامته بالضيائية ، فلما مات باع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمنوهو كثير الإسراف على نفسه فبذر الثمن في ذلك بسرعة ، مات الشيخ في خامس ذي القعدة .
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل فتح الدين ابن الشيخ بهاء الدين ، مات في صفر ، وكان موقعا في الإنشاء وكان لطيف الخلق .
محمد بن عبد الله القرشي شمس الدين قاضي العسكر ، كان وجيها عند الملك الظاهر ، مقبول الشفاعة ، وكان يرتشي الكثير على قضاء الأشغال ويخدم السلطان بذلك ، مات وله نيف وأربعون سنة ، وكان عريا عنالعلم ، وهو الذي قرب الشيخ علاء الدين السيرامي للظاهر وكذلك غيره من العجم .
محمد بن علي بن محمد بن عمر بن خالد بن الخشاب المصري ، سمع الصحيح من وزيره والحجار وحدث به ، وولي نيابة الحسبة وأضر قبل موته ، ومات في شعبان .
محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم بن عبد المنعم بن أبي حامد بن أبي العشائر الحلبي الحافظ ناصر الدين ، سمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة ، وكان خطيب بلده ، فقدم القاهرة بسبب وظائف توزع فيها ففاجأته الوفاة في ربيع الآخر ،ويقال إنه مات مسموما وكان بارعا في الفقه والحديث والأدب ، حسن الخط جيد الضبط جمع مجاميع مفيدة وحدث وناظر وألف لم يكمل الخمسين فأنه ولد سنة 742 ، وأخذ بدمشق عن ابن رافع ، وفي العربية عن العناتي وكتب بخطه وقرأ بنفسه وأسمع ولده ولي الدين الكثير وشرع في تاريخ لحلب ذيل على تاريخ ابن العديم ثم جمعه مسودة ذكر ذلك ابن حجي ، فظفر بها بعده القاضي علاء الدين فبيضها ونقل عنه كثيرا وأضاف ما تجدد وكمل في أربعة أسفار مرتبة على الحروف يذكر فيها من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئا من معاملاتها على قاعدة أصله فأفاد وأجاد ، قال ابن حجي : وكان رأس ببلده وصار يذكر لقضائها وله ثروة وملك كثير ومشاركة جيدة في الفقه والعربية وخط حسن جدا متقن ، وكان حسن المذاكرة ، ومات غريبا بالقاهرة .محمد بن قطب البكري المصري ، عني بالفقه ونفع الناس ، مات في شوال .
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراني الهندي محب الدين الحنفي قدم مكة قديما ، وسمع من العز بن جماعة وهو عالم بارع ، وكان يعتمر في كل يوم ويقرأ كل يوم ختمة ، ويكتب العلم ولكنه كان شديد العصبية ، يقع في الشافعي ويرى ذلك عبادة ، نقلت ذلك من خط الشيخ تقي الدين المقريزي ، ومات وقد قارب المائة .محمد بن محمد بن النسفي أمين الدين الحلوي ، كان مشهورا بالصلاح وتربية المريدين ، عظمه السلطان ورتب له الرواتب ، وولاه نظر المارستان الكبير ، وكان حسن السمت مهيبا متنسا ، مات في شعبان .
محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب ، صلاح الدين الدمشقي ، كان أحد الأمراء بدمشق ، ومولده سنة عشر تقريبا ، أجاز له الدشتي والقاضي وغيرهما وحدث ، مات في رمضان .
محمد بن الوحيد شمس الدين الدمشقي ، قدم القاهرة للسعي في بعض الوظائف بها ، وولي نظر المواريث والأوقاف وشهادة الجيش ، ومات في ربيع الأول .
محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي التاجر . أجاز له التقي سليمان وغيره وحدث .
منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغا بن منشا موسى بن أبي بكرالتكروري ملك التكرور ، وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين ، وكان عادلا عاقلا ، مات في هذه السنة .
موسى بن علي بن عبد الصمد المراكشي ، نزيل مكة كان خيرا صالحا مشاركا في الفقه ، وكان للناس فيه اعتقاد زائد بحيث زائد بحيث أنه لما حمل عنان أمير مكة جنازته ، وهو والد صاحبنا الحافظ جمال الدين بن موسى .
يوسف بن موسى الجناني ، له كرامات ، مات في ذي القعدة .
يوسف بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الأسدي جمال الدين بن الشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة ، ولد في رمضان سنة عشرين وسبعمائة ، واشتغل على والده وغيره ومهر ، وكان والده برجحه على أقرانه ، وولي قضاء الزبداني ثم الكرك ثم نزل له أبوه عن وظائفه فباشرها في حياته ثم ولي تدريس العصرونية ، وأفتى وشغل الناس بالجامع ، وكان ساكنا منجمعا دينا خيرا حسن الشكل ، مات في شوال .حوادث سنة 790
سنة تسعين وسبعمائة
فيها أصاب الحاج في رجوعهم في ليلة التاسع من المحرم عند ثغرة حامد سيل عظيم ، فمات عدد كثير عرف منهم مائة وسبعة وثلاثون نفسا وأما من لم يعرف فكثير جدا ، وتلف من الأمتعة شيء كثير جدا .
وفيها في صفر أمر السلطان بعرض الحلقة وكتب إلى جميع البلاد بذلك فقاسوا من ذلك شدة . ثم استعان الأمراء ليلة المولد النبوي بالشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ برهان الدين بن زقاعة وكان السلطان يعتقده فشفعا فيهم أعانهما الأمراء فأمر بترك العرض .
وفيها كانت الوقعة بين العسكر المجهز من القاهرة مع عساكرصفحة فارغة .دمشق وحلب وفيهم الطنبغا المعلم وقزدمر وسودون باق وآخرون ، فنازلوا سيواس فاستعان عليهم صاحبها بالتتار المقيمين ببلاد الروم ، فافترقوا فرقتين فرقة تقابل التتار ، وفرقة تقابل التركمان ، إلى أن كسروا الطائفتين وحاصورا سيواس وطال عليهم الأمر إلى أن جرح كثير من خيولهم وقلت الأقوات لديهم فأمدهم السلطان بالمال الكثير والجند والخيول والأمتعة وجهز لهم ذلك صحبة ملكتمر الدويدار ، وأذن لهم في ترك حصار سيواس والرجوع إلى ملطية ، فلما أرادوا الرجوع كبسهم التتار من خلفهم ، فأنجدهم يلبغا الناصري نائب حلب ومعه نحو ألف نفس فكسرهم وهم نحو عشرة آلاف ، وقيل بل أكثر ، وكان السبب في ذلك أن الناصري لما وصل إلى سيواس راسله القاضي برهان الدين صاحبها يطلب الأمان واقترح أن الناصري يرحل بالعسكر إلى الجانب الآخر ليخرج إليه ويسلمه منطاش فخشي الناصري من المكيدة فاحترز ورحل فنزل قريبا فاستمر أكثر العسكر راجعا إلى حلب ، فلما تحقق برهان الدين ذلك ركب فيعسكره ومعه منطاش ومن انضوى إليه فحملوا على الناصر فثبت لهم وحمل عليهم بمن معه فانهزموا وطلبوا المدينة واستمر في حصارها إلى أن أذن له في الرجوع إلى حلب فقتل من التتار خلق وأسر منهم نحو الألف وغنموا كثيرا من خيولهم ورجعوا إلى حلب وقتل إبراهيم بن شهري نائب دوركي على سيواس ، ثم توجع العسكر إلى حلب ثم إلى القاهرة فدخلوها في ثالث شعبان ، وكان توجههم من حلب في ربيع الآخر ، وكبيرهم يونس الدوادار وكان خروج المدد لهم مع ملكتمر في جمادى الآخرة .
وفيها أراد الطنبغا الجوباني نائب الشام المخامرة ، فطن به بعض الأمراء فكاتب السلطان بأنه ضرب طرنطاي حاجب الحجاب ، واستكثر من استخدام المماليك ونحو ذلك ، فأذن له بالقبض عليه ، فأحسن الطنبغا بذلك فركب جريدة إلى القاهرة مظهرا للطاعة متنصلا مما نقل عنه ، فتلقاه فارس الجوكندار إلى سرياقوس ، فسار به إلى الإسكندرية فسجنه بها فيشوال ، واستقر طرنطاي نائب دمشق ، وحمل إليه التقليد مع سودون الطرنطاي الذي ولي نيابة الشام بعد ذلك ، وأمر طرنطاي بقبض الأمراء البطالين ببلاد الشام ، وبالقبض على كثير ممن يظن به المخامرة ، فقبض على عدد كثير وقبض على الطنبغا المعلم أمير سلاح وقزدمر رأس نوبة وسجنا بالإسكندرية أيضا ، وقبض على كمشبغا الحموي نائب طرابلس في شوال بأمر السلطان أيضا ، واستقر اسندمر حاجبها نائبا بها .
وفي المحرم سمر علي بن نجم أمير العرب في عشرين نفسا من أكابر قومه لقتلهم محمدا وعمرا ابني شاد واليهم .
وفيه قدمت رسل أبي يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية منه إلىالظاهر فقلبت هديته وردت أجوبته .
وفيه كان الغلاء ببلاد الشام حتى بيعت الغرارة بإثني عشر دينارا واكثر ، وعز الماء في القدس جدا .
وفيها استقر جمال الدين محمود شاد الدواوين استادارا كبيرا بعد موت بهادر المنجكي وأضيف إليه أمر الوزير وناظر الخاص أن لا يخالفاه فيما يراه مصلحة وكان تقريره في اللاستادارية في ثالث جمادى الآخرة . وفي وظيفة المشورة في الخامس منه ، واستقر ناصر الدين بن الحسام الصقري شاد الدواوين عوضا عن محمود المذكور .وفيها بعد أن رجع تمرلنك إلى الدشت وبلغ ذلك قرا محمدا الرتكماني ، فنازل وغلب عليها وخطب فيها باسم السلطان وكتب السكة باسمه ، وأرسل الدراهم إليه بذلك ففرح السلطان بذلك وكتب له أجوبته بالشكر .
وفي رجب وقع الخلف بين برهان الدين أحمد صاحب سيواس ومنطاش ، فأراد البرهان القبض عليه ففر منه .
وفيها كانت الوقعة بين عنان بن مغامس وعلي بن عجلان ، فانكسر عنان وتوجه إلى القاهرة فوصل في شوال .
وفي شهر ربيع الأول هبت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمي المارة في الطرقات ، وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسماعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من لا يحصى عددهم بحيث أنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرة من جرار الخمر فارغات إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد من الزناء واللواطوالتجاهر بذلك فأمر الشيخ إسماعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال ، ومات في سلخ شعبان .
وفي صفر ابتدأ الظاهر بشرب التمر والبسر واستمر ذلك كل يوم أربعاء .
وفيها استولى الفرنج على جزيرة جربة انتزعوها من المسلمين .
وفيها عمل إبراهيم بن الجمال المغني المشهور وأخوه خليل المشبب السماع على العادة في المولد لبعض المصريين بمكان بالقرب من رحبة الخروب فسقط البيت الذي هم فيه فمات المغني والمشبب وجماعة تحت الردم وتهشم من عاش منهم حتى أن بعض معارفنا استمر أحدب إلى أن مات ، وكان إلى ولدي ابن الجمال المنتهي في صناعتهما .وفي ربيع الأول استقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة عوضا عن أمين الدين عبد الله بن ريشة .
وفيها استقر سري الدين بن المسلاتي ، وهو سبط الشيخ تقي الدين السبكي في قضاء الشافعية عوضا عن برهان الدين بن جماعة ، وحمل إليه التقليد إلى دمشق في أواخر شعبان وأعيد تقي الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضا عن نجم الدين بن الكشك .
وفي تاسع عشر رمضان غضب السلطان على سعد الدين بن البقري ناظر الديوان المفرد ، وصادره على خمسة آلاف دينار ، وقبض على سعد الدينبن قارورة مستوفي الدولة وصودر على ألف دينار أو أكثر ، وقبض على الوزير علم الدين كاتب سيدي في شهر رمضان وقرر عليه عشرة آلاف دينار ، فمات بعد ذلك في أواخر ذي الحجة ، وقرر في الوزارة عوضه كريم الدين بن الغنام .
وفي عاشر شوال استقر شمس الدين ابن أخي الجار في مشيخة سعيد السعداء عوضا عن شهاب الدين الأنصاري .
وفي رجب قدم بعض التجار بجماعة من أقارب السلطان الجراكسة ، فخرج عليهم طائفة من الفرنج الجنوبية فأسروهم فبلغ الظاهر الخبر ، فأمر بالقبض على من بالإسكندرية من الجنوبية وختم على حواصلهم في أواخر شعبان ، فبلغهم الخبر فأطلقوا من بأيديهم منهم فقدم الإسكندرية خواجا على أخو الخواجا عثمان بجميع من أسره الفرنج من أقارب السلطان ففك الختم عن حواصل الفرنج ، وذلك في أواخر ذي الحجة .
وفيها في ربيع الأول رتب نجم الدين الطنبذي المحتسب من فقراءالفقهاء من يعلم أصحاب الدكاكين من العامة الفاتحة وفرائض الصلاة ونهى قراء المواعيد والوعاظ عن التهتك وأمرهم أن يبدلوه بالصلاة والسلام على النبي e .
وفيها غضب السلطان على بهادر مقدم المماليك بسبب أنه وجدسكرانا في بيت على البحر فضربه وأمر بنفيه إلى صفد ، وقرر عوضه في التقدمة صندل الأسود الملقب شنكل .
وفيها بلغ السلطان أن كريم الدين بن مكانس وأبو البركات بن الرويهب صهره نصبا خيمة على شاطئ النيل وأحضرا من يغني وعملا مقاما حافلا فأمر بالقبض عليهما وضربهما بالمقارع ومصادرتهما ، فأخذ خط ابن مكانس بمائة ألف وابن الرويهب بخمسين ألفا .
وفيها في رجب ضرب محب الدين السمياطي أمين الحكم بين يدي السلطان نحو مائتي عصاة ، لأنه رفع عليه أن تحت يده لإسماعيل بن مازن أمير العرب بالصعيد وديعة ذهب ، وأنه لم يطلع السلطان عليها فحصل بسبب ذلك للقاضي بدر الدين بن أبي البقاء إهانة ، وعزل عن قرب .
وفيها نازل الفرنج طرابلس الشام فواقعوهم المسلمون فكسروهم وأخذوا منهم ثلاثة مراكب .وفيها حج جركس الخليلي وعمل في الحجاز خيرا كثيرا .
وفي أواخرها خامر يلبغا الناصري بائب حلب .
وفيها كان الرخص الزائد حتى بيع الأردب القمح بثمانية دراهم .
وفي ربيع الأول تزايد الموت بالأمراض الحادة والطاعون حتى بيعتالبطيخة من الصيفي بخمسين درهما قيمتها يومئذ دينارين وكان أكثر الموت في المماليك السلطانية حتى زاد كل يوم على عشرين نفسا منهم ، فندب القاضي برهان الدين بن الميلق جماعة لقراءة البخاري بالجامع الأزهر ودعوا الله عقب ختمه برفع الوباء ، ثم اجتمعوا يوم الجمعة بالجامع الحاكمي ففعلوا مثل ذلك ، ثم اجتمعوا أكثر من عددهم الأول فاستغاثوا بالجامع الأزهر ، وكان وقتا عظيما فارتفع الوباء في ثاني جمادى الآخرة بعد أن بلغ في كل يوم ثلاثمائة نفس .
وفيه استقر ايدكار حاجبا كبيرا بعد أن شغرت الوظيفة أربع سنين منذ مات قطلوبغا الكوكائي .
وفي ثالث عشر مسري أوفي النيل بمصر وذلك في أول يوم من شعبان .
وفي ذي الحجة استقر محمد بن عيسى أمير عرب العائد في كشف الشرقية عوضا عن قطلوبغا التركماني .
وفيها وقع الخلف بين قرا محمد التركماني وبين حسن بن حسن بك وثارت الفتنة بينهما .وفي ذي الحجة استقر شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر في قضاء الشافعية بحلب عوضا عن مسعود ، واستقر محب الدين بن الشحنة في قضاء الحنفية بها .
وفيات سنة 790
ذكر من مات في سنة تسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل ثم المقدسي قاضي الديار المصرية ثم الديار الشامية ، برهان الدين بن جماعة الشافعي أبو إسحاق ، كان مولده سنة خمس وعشرين ، وسمع الكثير بالقاهرة ودمشق ، وأخذ عن جده وطبقته وحضر عند الذهبي ولازمه وأثنى الذهبي على فضلئله وناب في الحكم ثم ولي خطابة القدس ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية فوليه مرتين بصرامة وشهامةوقوة نفس وكثرة بذل وعزل نفسه مرارا ، ثم يسأل ويعاد حتى هم السلطان في بعض المرات أن ينزل إليه بنفسه ليترضاه ، وكان حسن الإلقاء لدرسه ، محبا في الحديث وأهله ، كثير الإنصاف والاعتراف ، قويا في أمر الله ، ثم ولي قضاء الشام من سنة خمس وثمانين عقب ولي الدين بن أبي البقاء إلى أن مات ، وكان قوالا بالحق معظما لحرمات الشرع ، مهابا ، محبا في السنة وأهلها ، لم يأت بعده له نظير ولا قريب من طريقته ، مات في شعبان ، وخلف من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله ، لأنه كان مغرما بها فكان يشتري النسخة من الكتب التي إليها المنتهى في الحسن ، ثم يقع له ذلك الكتاب بخط مصنفه فيشتريه ، ولا يترك الأولى إلى أن اقتنى بخطوط المصنفين ما لا يعبر عنه كثرة ، ثم صار أكثرها لجمال الدين محمود الاستادار ،فوقفها لمدرسته بالموازنيين وانتفع بها الطلبة إلى هذا الوقت ، وكان محبا للآداب ، مصيغا للأمداح ، كثير البذل للشعراء ، مدحه البدر البشتكي بغرر القصائد ، فأخبرني شمس الدين الفيومي الكتبي قال سمعت البرهان يقول : ما قارب أحد من أهل العصر ابن نباتة إلا هذا الرجل ، ومع ذلك فكان ينظم نظما عجيبا ، فقرأت بخط من أثق به أنه من خطه ذم مصر لما وقع بها الغلاء سنة ست وسبعين :
وماذا بمصر من المؤلمات
فذو اللب لا يرتضى يكسن
فترك وجور وطاعون وفرط غلا
وهم وغم والسراج يدخن
يا رب لطفا منك في أمرنا
فالقلب يدعو واللسان يؤمن
إبراهيم بن محمد بن شهري التركماني صاحب دوركي ، قتل في هذه السنة في وقعة سيواس .
إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخميجمال الدين الأميوطي ثم المكي ، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة ، وتفقه على الزنكلوني والتاج التبريزي والكمال النشاي ، ولازم الشيخ جمال الدين الأسنوي ، وصحب شهاب الدين بن الميلق وأخذ عنه في الأصول وفي التصوف ، وسمع صحيح البخاري من الحجار ، وصحيح مسلم من الواني ، وحدث عنهما وعن الدبوسي ونحوه بالكثير ، وسمع بدمشق من الذهبي والمزي وجماعة ، واشتغل في الفقهه والعربية والأصول ، ومهر في الفنون ، وناب في الحكم ، ثم جاور بمكة مدة طويلة من سنة سبعين ، وتصدى بها للتدريس والتحديث ، وكان حسن الخط فصيح اللسان ، وكان شرع في الجمع بين الشرح الكبير والروضة والمهمات فبيض من ذلك نصف الكتاب في تسع مجلدات ، وله شرح بانت سعاد ، ومات بمكة في ثالث شهر رجب وله خمس وسبعون سنة ، ذكر لي بعض من أثق به أنني سمعت عليه ولم أتحقق إلى الآن ذلك .أحمد بن عمر اليمني شهاب الدين الحنفي ، عني بالنحو والفقه والقراءات والفرائض ، وأقام ببلاده ، مات بزبيد .
أحمد بن محمد بن عمر شهاب الدين ابن الشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة ، وهو والد صاحب طبقات الشافعية ، ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، واشتغل على أبيه حتى أذن له ومهر في الفرائض وصنف ودرس وأعاد وجلس مكان أبيه بالجامع يشغل الناس ، وكان كثير الإحسان للطلبة ولا يخلو بستانه يوم السبت والثلاثاء من جماعة منهم فيطعمهم ولم يكن من يشابهه في ذلك إلا النجم ابن الجابي ، مات في ذي القعدة .أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم التركماني شهاب الدين المعروف بابن الحجازي ، ولد سنة ثلاث وسبعمائة ، وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره ، وأجاز له ابن المهتار وست الوزراء وغيرهما ، وهو جد أبيه لأمه ، وطلب بنفسه بعد الثلاثين ، فسمع من جماعة ، وأجاز له جماعة ، وكان فاضلا مشاركا ، أقرأ الناس القراءات ، مات في رجب .
أحمد بن مطيع الأنصاري ، كان يقرأ المواعيد بالجامع الأزهر ويصحب ناصر الدين بن الميلق ، مات في تاسع جمادى الأولى .
إسماعيل بن علي بن المشرف عماد الدين ، أحد الرؤساء بالقاهرة ، وكان من أتباع جركس الخليلي .
إسماعيل بن يوسف بن محمد الأنبابي ، كان أبوه صاحب الزاوية بأنبابة على طريقة السطوحية فنشأ ولده على طريقة حسنة واشتغل بالعلم ثم انقطعبزاويته ، ثم صار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا ويحصل من المفاسد والقبائح ما لا يعبر عنه ، مات في شعبان .
إشقتمر ولي نيابة حلب سبع مرات ، ونيابة الشام ثلاث مرات ، وهو صاحب المدرسة بحلب داخل باب النيرب ، وكان موصوفا بالمعرفة .
أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري المقانعي الحنبلي ، شجاع الديننزيل بغداد ، روى جماع المسانيد ومسند الشافعي ورموز الكنوز للرسغي في التفسير والتوابين لابن قدامة وحدث ، مات عن ثمانين سنة ، سمع منه نصر الله بن أحمد التستري وولده محب الدين .
بهادر بن عبد الله الرومي المنجكي الأستادار ، أحد الأمراء الكبار بالقاهرة ، وكان ظالما جائرا كثير الحرمة مسموع الكلمة مع كثرة صدقاته للفقراء خصوصا الغرباء .
جلبان الحاجب الأمير سيف الدين ، كان متدينا عارفا .
سبرج بن عبد الله الكمشبغاوي ، أحد الأمراء الأربعين بالقاهرة ، كان نائب القلعة ، وكمشبغا الذي نسب إليه ، كان خزندار صرغتمش وسبرج بضم السين والراء المهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره جيم .سليمان بن فيروز بن عبد الله القرافي علم الدين ، كان أعجوبة دهره في شجا الصوت عند الإنشاد ، وكان صديق أبي ، ولا ينشد غالبا إلا من شعره ، وكان أبي ينظم له في وقائع الأحوال وحصل عنده ديوان من نظمه ، أخبرني ولده أبو الخير : أنه عاش ثلاثا وستين سنة .
عبد الله بن فضل الله بن عبد الله أمين الدين بن ريشة ناظر الدولة ، مات في جمادى الأولى .
عبد الله بن محمد بن حسن بن مسافر الحراني ثم الدمشقي ، محتسب دمشق ومباشر الأوقاف بها ، جمال الدين ، مات في ذي القعدة .
عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل ، ثم المكي المعروف بالنشاوري ، ولد سنة خمس وسبعمائة ، وقيل قبل ذلك ، وسمع من الرضي الطبري ، وأجاز له أخوه الصفي ، وحدث بالكثير ، سمعتعليه صحيح البخاري بمكة ، وتفرد عن الرضي بسماع الثقفيات وغيرها ، وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره وحدث ، ثم رجع إلى مكة وتغير قليلا ، مات بها في ذي الحجة .
عبد المحسن بن عبد الدائم بن عبد المحسن بن يحيى الدواليبي البغدادي الحنبلي ، ولد سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، وروى عن جده عفيف الدين عبد المحسن بن محمد وغيره ، وكان واعظا يكنى أبا المحاسن .عبد الواحد بن عبد الله المغربي المعروف بابن اللوز ، كان فاضلا ماهرا في الطب والهيئة وغير ذلك ، مات في شوال .
عبد الوهاب بن عبد الله القبطي المعروف بكاتب سيدي ، ولي الوزارة بعد كاتب أرلان ، ثم عزل بعد قليل وكان مستضعفا .
العلاء بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة علاء الدين ، كان من كبار العلماء في المعقولات ، قدم منالبلاد الشرقية بعد أن درس في تلك البلاد ، ثم قدم فأقام في ماردين مدة ، ثم فارقها لزيارة القدس فلزمه أهل حلب للإفادة ، وبلغ خبره الملك الظاهر فاستدعى به وقرره شيخا ومدرسا بمدرسة التي أنشأها بين القصرين ، وأفاد الناس في علوم عديدة ، وكان إليه المنتهى في معرفة علم المعاني والبيان ، وكان متوددا إلى الناس محسنا إلى الطلبة قائما في مصالحهم لا يطوي بشره عن أحد مع الدين المتين والعبادة الدائمة ، مات في ثالث جمادى الأولى ، وكانت جنازته حافلة ، وقد جاوز السبعين .
علي بن عبد الله المؤذن رئيس المؤذنين علاء الدين يعرف بابن الشاطر ، مات في ربيع الأول .
علي بن محمد بن عبد الرحمن المصري ، نزيل حلب المعروف بابن العبي بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها تحتانية ثم ياء النسب نشأ بالقاهرة وحصل وظائف وتعانى الأدب وقال الشعر الحسن ولقي الصلاح الصفدي بدمشق وغيره ، وسمع بحلب من ابن المرحل وغيره ، وولي بها توقيع الدست ، وكان جاور قبل ذلك بالمدينة الشريفة ، قال البرهان المحدث : كان عارفا بعيوب الشعر ونظم نظما حسنا ، قلت وأنشد له :حلاوية ألفاظها سكرية
قلتى وقوت نار قلبي بالعجب
ومسير دمعي في خدودي مشبك
ومن أجل ست الحسن قد زاد السكب
مات في غرة المحرم .
عمر بن عبد الله الأسناوي سراج الدين ، لقبه قنور ، وفيه يقول بدر الدين بن الناصح بلقية أولها :
قنور عمر فأر السنداس كله أنجاس
عمر بن منهال الدمشقي ، كاتب السر بدمشق ، وليها قليلا ، وكان حسن المحاضرة ، وكان موقع القبلية مدة وحصل أموالا ، وكان وهابا نهابا وتسحب لما عجز عن الوفاء بما وعد له على كتابة السر فولي غيره واستمر غائبا مدة ، ثم ظهر واستمر خاملا إلى أن مات في رمضان .محمد بن إبراهيم بن يعقوب شمس الدين شيخ الوضوء الشافعي كان يقرئ بالسبع ويشارك في الفضائل ، وقيل له شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلم العامة الوضوء ، وكان يعاب بالنظر في كلام ابن عربي ، ومات في سابع عشرين شعبان ، وبخط ابن حجي : مات في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين ، قال ابن حجي : قدم من صفد وسمع علي السدجي أحد أصحاب الفخر وتفقه بوالدي وغيره وأذن له ابن خطيب يبرود بالإفتاء ، وكان التاج السبكي يثني عليه ، وسلك مع ذلك طريق التصوف ، وكانت بيده إمامة الطواويس وله فيها وقت للذكر وله راتب على الجامع ، ثم دخل القاهرة واجتمع بالسلطان ورتب له راتبا على المارستان المنصوري ، وذكر أنه طالع النهاية مرة ، وكان حسن الفهم جيد المناظرة ، قال : وكان يعتقد ابن العربي ، وأقام بالقاهرةتسع سنين .
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي شمس الدين الأسمري خطيب المزة ، سمع الكثير على التقي سليمان ووزيره وابن مكتوم وغيرهم ، وتفرد بأشياء وأكثروا عنه ، مات في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة ، وكان آخر من حدث عن ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي ، وولي بأخرة قضاء الزبداني .
محمد بن أحمد بن علي بن القاصح بدر الدين ، نشأ في طلب الكتابة فكتب الخط المنسوب وشارك في الفضائل والآداب ، ونظم الشعر وخدم ابن فضل الله وكان لطيف الذات حسن الشكل رأيته وسمعت من نظمه ونوادره ، مات في جمادى وله نحو الثلاثين سنة .
محمد بن إسماعيل الأربلي بدر الدين بن الكحال عني بالفقهوالأصول ، وكان جيد الفهم ، فقيرا ذا عيال وهو مع ذلك راض قانع ، جاوز الأربعين .
محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الربعي ، أبو اليمن عز الدين بن الكويك ، أصله من تكريت ثم سكن سلفه الإسكندرية وكانوا تجارا ، وسمع هذا بالإسكندرية من العتبي ووجيهة بنت الصعيدي وبدر الدين بن جماعة وعلي بن قريش وأبي حيان وغيرهم وكان رئيسا ، مسموع الكلمة عند القضاة ، مات في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة ، فإنه ولد في شعبان سنة خمس عشرة وسبعمائة .محمد بن علي بن زبا المصري ، سمع من السديد بن الأربلي وغيره وحدث ، مات في ربيع الآخر ، سمع منه أصحابنا .
محمد بن فرج المعروف بالجمال بن تقلجلد كان من غلمان أحمد بن عجلان ، كثير التردد إلى الرسلية ، وكان ممن قام في الفتن والحروب التي بين عنان وبني عجلان حتى قتل كبيش ولما تسلطن علي بن عجلان استنابه فقام بتدبير أمر مكة مدة ، ومات في حادي عشر المحرم .
محمد بن قطلوبغا الفخري المعروف بليليك .
محمد بن محمد بن عبد الله المالكي ، فتح الدين بن شاش ، كان أبوه ينوب في الحكم ، وكان متشددا في الوثائق ، فنشأ ولده مشتغلا ولده بصناعته الإنشاء واتصل في الخدم إلى أن اتصل بيونس الدوادار ، فوقع عندهوتولى توقيع الإنشاء الدست ونيابة كتابة السر وعين كتابة السر بعد موت أوحد الدين وركب ليلبس وأحضر تشريفه فاستأذن يونس الدويدار السلطان على ذلك ، فأمر بصرفه واستدعى في الوقت القاضي ابن فضل الله ، ومات في شعبان .
محمد بن محمد الرحبي بنج الدين ، أحد أعيان التجار بدمشق .
محمد بن علي بن رستم الخراساني ثم الدمشقي ، نجم الدين ، قرأ على ابن اللبان وتصدر للإقراء بالجامع الأموي مدة ، ومات في ربيع الآخر .
منشامغا بن ماري حاطه التكروري ملك التكرور ، ملكها سنة تسع وثمانين وقيل سنة تسعين هذه السنة .
مطهر بن عبد الله الهروي الزيدي الصنعاني الشاعر ، مدح ملوكها وغيرهم .نافع بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز الفيشي ، معين الدين الشاهد المالكي ، كان مشهورا بالاحتراز في الشهادات ، فكان يقصد لذلك ، مات في ثالث عشر شعبان .
يلبغا المحمدي أمير جندار ، عمر طويلا ، وأقام في هذه الوظيفة عشرين سنة .
يوسف بن أحمد بن إبراهيم ، جمال الدين ، سمع الجزري وابن أبي اليسر والذهبي وغيرهم ، مات في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة .
تقي الدين بن الفحام نقيب الحكم ، مات في المحرم فجأة .
شرف الدين النويري ، شاهد ديوان يونس ونائب الحسبة بالقاهرة .
أم الخير بنت القاضي موفق الدين عبد الله الحنبلي ، آخر من مات من أولاده .
أم عمر ألتى بنت ازدمر ، حضرت على الحجار ، وسمعت من البندنيجي بعناية عم أبيها صلاح الدين العلائي ، ماتت في ذي الحجة عن سبع وسبعين سنة .حوادث سنة 791
سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
في المحرم حضرت رسل على باي بن قرمان صاحب قونية وغيرها من بلاد الروم ومعهم هدية فقبلت وأكرموا .
وفي عاشوراء مطرت السماء على الحجاج مطرا عظيما واشتد البرد جدا في حال رجوعهم .
وفي تاسع عشر من المحرم حضر رسل صاحب جنوة ومعهم خواجا على أخو عثمان الذي كان الفرنج نهبوا مركبه وأسروا منه أخت قجماس بنت عم السلطان ، فأعادوا المركب بما فيه وقدموا هدية فقبلت منهم .
وفيها انكسر منطاش من التركمان وبقي في نفر يسير ، وذلك أن ناصر الدين بن خليل بن دلغادر ونائب سيس جمعا التركمان الذين في طاعة السلطان وأوقعا بمنطاش فانهزم فاتفق مع الناصري بحلب ، وكان الناصري قد وقع الخلف بينه وبين سودون المظفري أحد الأمراء الكبار بحلب ، وكان قبله نائبا بحلب فتكاتبا إلى السلطان وحط كل منهما على الآخر ، فأرسل السلطان إلى الناصري هدية جليلة وكتابا فأمره فيهبالحضور فقبل الهدية وماطل في الحضور وتعلل بالخوف من منطاش والتركمان ، فأرسل السلطان إلى تلكتمر المحمدي أن يصلح بين يلبغا الناصري وسودون المظفري بحضرة الأمراء والقضاة ، وكتب السلطان إلى سودون في الباطن أن يقبض على يلبغا ويفتك به وكان مملوك الناصري بالقاهرة قد أخر الظاهر أجوبته ليسبقه تلكتمر ففر حتى دخل حلب قبل تلكتمر وأعلم الناصري بصورة الحال فاحترز ، ويقال إن تلكتمر كان صهر حسن رأس نوبة يلبغا الناصري ، فاطلع يلبغا على القصة من هذه الجهة ، فلما وصل تلكتمر إلى حلب تلقاه الناصري وقبل الكتب التي معه وامتثل ما فيها وجمع القضاة والأمراء بدار العدل ليقرأ عليهم مرسوم السلطان ، فلما حضر سودون المظفري لذلك لمس قازان أمير آخور الناصري قماش سودون فأحس أنه لابس الحرب فأنكر عليه وقال : من يطلب الصلح يدخل في آلة الحرب ، فشتمه سودون فسل قازان سيفه وضرب به سودون في المجلس فقتله ولم يكن الناصري حاضرا بل وقع ذلك قبل أن يخرج من مكانه إلى القاعة التي اجتمعوا فيها وهي القاعة الحمراء فتناوش مماليكه ومماليك الناصري وقامت الفتنة فقتل من مماليك سودون أربعة وأمسك الناصري الحاجب الكبير بحلبوركب بمن معه إلى القلعة فحصنوا عليه قليلا ، ثم سلها له نائبها وانهال الناس عليه بالدخول معه والمخامرة على السلطان ورجع تلكتمر من حلب فأخبر السلطان بما اتفق ، فأرسل إلى إينال اليوسفي وهو يومئذ أتابك دمشق أن يتوجه إلى نيابة حلب وأن يمسك الناصري ، وتجهز السلطان بالعساكر لقصد حلب واهتم لذلك ولما بلغ من بطرابلس من الأمراء الذين نفاهم السلطان تحالفوا ووثبوا على باب اسندمر نائب طرابلس فامسكوه وقتلوا جماعة من الأمراء وأرسلوا إلى الناصري يعلمونه باتفاقهم على طاعته ، فكان ممن قام في ذلك من المشهورين كمشبغا الخاصكي الأشرفي وبزلار العمري ودمرداش اليوسفي وآقبغا قبجق وممن قتل خليل بن سنجر وولده ثم دخل كمشبغا المنجكي نائب بعلبك في طاعة الناصري ثم خرج ثلاثة عشر أميرا من دمشق على حمية طالبين حلب فأوقع بهم النائب فانهزموابعد أن خرج منهم عدة واستمروا ذاهبين إلى حلب ، ثم اتفق من بحماة من المماليك على قتل النائب بها فبلغه ذلك فهرب ، فقام بيرم العزي الحاجب فاستولى هو ومن معه على القلعة فتوجه منطاش وكان قد حضر عند الناصري إلى حلب فسار إلى حماة فتسلمها وأرسلوا إلى الناصري بالطاعة ، ثم توجه سنقر نائب سيس إلى طاعة الناصري فعارضه خليل بن دلغادر التركماني وقبض عليه وأرسل سيفه إلى السلطان ، ثم دخل سوط بن دلغادرأمير التركمان ونعير أمير العرب في طاعة الناصري فأقام سناجق خليفته ودعا إلى نصر الخليفة ، ولما تواردت هذه الأخبار إلى السلطان حبس الخليفة في البرج فضيق عليه ، ثم أفرج عنه في اليوم الثاني في ربيع الأول واعتذر إليه ووعده بمواعيد جميلة لما بلغه أن الناصريينقم عليه حبس الخليفة ثم أرسل إليه دراهم وثيابا وضيق على ذرية الناصري بالحوش وأنفق النفقات الكثيرة حتى حمل إلى كل واحد من الأمراء الكبار مائة ألف درهم فضة قيمتها يومئذ أكثر من أربعة آلاف دينار وأحواله مع ذلك مضطربة وتغيرت النيات عليه وشرع في إبطال الرمايات والمظالم ، ونادى في هذا الشهر بإبطال السلف على البرسيم والشعير وكان الناس يقاسون من ذلك شدة عظيمة ، وأمر بإبطال مكس القصب والقلقاس وقياس ذلك ، ثم أعيد بعد قليل وعزل موفق الدين ناظر الخاص عن نظر الجيش ، وولاه جمال الدين المحتسب في ربيع الآخر واستقر شرف الدين الأشقر في قضاء العسكر عوضا عن جمال الدين ، فلم تطل مدته بل مات في ربيع الآخر كما سيأتي ، فاستقر ابن خلدونعوضه في مشيخته البيبرسية ، واستقر سراج الدين محتسب مصر في قضاء العسكر عوضا عنه أيضا واستقر في الحسبة همام الدين ، واستقر شمس الدين البلالي في مشيخة سعيد السعداء عوضا عن ابن أخي الجار ، ثم توجه
الجاليش السلطاني صحبة ايتمش وجركس الخليلي وينس الدوادار وغيرهم فوصلوا إلى غزة فأمسكوا نائبها آقبغا الصفوي وحبسوه بالكرك ، واستقر حسن بن باكيش في نيابة غزة ، ثم توجهوا إلى دمشق فتلقاهم نائبها ، فأرسلوا جماعة من العلماء غلى الناصري في الصلح فتوجهوا إليه ، فأكرمهموسار من حلب إلى دمشق بمن معه من العساكر ، فالتقاهم في تاسع عشر ربيع الآخر على خان لاجين ، فانكسر الناصري مرتين ، فخامر أحمد بن يلبغا وايدكار الحاجب وجماعة معهما وقاتلوا رفقتهم إلى أن كسروهم ، وقتل جاركس الخليلي في المعركة ، وفر يونس فقتل بعد ذلك بالخربة ، قتله عنقاء بن شطي من آل فضل ، ووقع في العسكر المصري النهب الشديد والقتل الذريع ، وملك الناصري دمشق وحبس أيتمش بالقلعة واحتاط على موجوده وراسل حسن بن باكيش الناصري بالطاعة ، وغمى الناصري الأخبار على السلطان وواطأه مامور نائب الكرك وحسن بن باكيش على ذلك ، ومر أينال اليوسفي وأينال أمير آخور وغيرهما بحسن بن باكيش هاربين إلى مصر فأمسكهم وحبسهم بالكرك ، وكان أينال اليوسفي قد هرب هو وأينال أمير آخور وصحبتهم نحوثمانين من المماليك فوصلوا إلى غزة ، فأكرمهم نائبها ثم كبس عليهم لما رقدوا فأمسكهم جميعا ، ثم راسل الناصريبذلك ، ولما بلغ السلطان ذلك أمر الخليفة والقضاة وسودون النائب والحاجب الكبير بالركوب ومعهم موقع حكم يقرأ ورقة فيها أن السلطان رفع المظالم وعرض الصلح على الباغي فامتنع فاحترسوا على أنفسكم واعملوا في كل حارة دربا ، ونادى في كل يوم بإبطال مكس من المكوس المشهورة ثم لا يصح شيء من ذلك ، وأمر بتحصين القلعة واستعد للحصار وحصل مؤنة شهرين وأجرى الماء إلى الصهريج الذي بناه بالقلعة ، وخرج الناصري من دمشق بعد أن قرر في نيابتها جنتمر وهو أخو طاز في سادس جمادى الأولى ، فلما شاع ذلك راسل السلطان أمراء العرب من الوجه البحري ومن الوجه القبلي فتباطؤا عنه ، ثم حضر بعضهم وشرع في حفر خندق تحت باب القلعة عند باب القراقة ، وسدت خوخة أيدغمش وعملت الدروب بالقاهرة فاستكثروا منها وأرسل إلى الأميرمحمد بن علي أمير عرب العائد يأمره بتحويل الإقامات التي كان جهزها لأجل العسكر ويخبره أنه وهبها له ، وكان مراده أن يلبغا الناصري تضيق عليه الأقوات والعليق فانعكس الأمر ولم يتمكن المذكور من تحويل ذلك ، ووصلت العساكر فلم يسعه إلا تمكينهم من ذلك ، وكان في الحواصل أربعة عشر ألف إردب شعير وثمانية آلاف حمل تبن ونحو مائتي حمل حطب وخطب في يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى باسمالخليفة المتوكل قبل السلطان ، وتحالف الخليفة والسلطان على الموالاة والمناصحة ، ثم قدم على البشلاقي والي قطية منهزما من عسكر الناصري في أواخر جمادى الأولى فسد ابن الكوراني باب المحروق وباب الجديد فلما قرب الناصري من الديار المصرية تسلل إليه الأمراء أولا فأولافسار إليه ابن سلار اللفاف رأس نوبة بركة ومحمد بن سندمر وقريبه جبريل وإبراهيم بن قطلقتمر ، ثم تسلل إليه محمد بن أيتمش ونزل الناصري بعساكره ظاهر القاهرة في الثالث من جمادى الآخرة فخرج إليه سودون باق وقرقماش الخزندار وجمهور الأمراء حتى لم يبق عند السلطان إلا ابن عمه قجماش وسودون النائب وتمربغا المنجكي وسودون الطرنطايوأبو بكر بن سنقر وصواب السعدي مقدم المماليك في نفر يسير واختفى حسين بن الكوراني والي القاهرة فعاث أهل الفساد بسبب ذلك وكسروا السجون وخزانة شمائل ، وأرسل السلطان إلى الناصري يطلب منه الأمان لنفسه ، وذلك في يوم السبت ثالث جمادى الآخرة فجاءه أبو بكر ابن أخت بهادر ، فأمره أن يختفي قدر جمعة لينكسر عنه حدة الأعداء ففعل ذلك واختفى ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة ، ووقع النهب في الحواصل التي بالقلعة وبالقاهرة وضواحيها قليلا ، وكان أهل مصر أقل نبها من أهل القاهرة ودخل منطاش يوم الاثنين إلى القلعة فأخذ الخليفة وتوجهإلى يلبغا الناصري بقبة النصر فطلعوا جميعا إلى القلعة وعرضوا المملكة على الناصري فامتنع ، فاتفق الرأي على إعادة حاجي ابن الملك الأشرف إلى السلطنة ، وقيل إنهم رموا قرعة فخرج اسمه فغيروا لقبه الأول ولقب المنصور ، واستقر يلبغا الناصري مدبر المملكة وسكن الاصطبل والطنبغا الجوباني رأس نوبة كبير ودمرداش الأحمدي أمير سلاح وأحمد بن يلبغا أمير مجلس وتمرباي الحسني حاجب كبير
وآقبغا الجوهري استادار وقرقماش خزندار وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية ، ووقع النهببالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة ، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلا ، ثم نودي : من نهب من التركمان شيئا شنق ، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة ، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته ، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره ، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي : من أحضره أعطي ألف دينار ، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين ، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهارا إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة ، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري ، وأرسله إلى الكرك ، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرةصحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك ، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك ، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس ، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه ، وتلطف به الكجكي نائب الكرك ، ووعده بأن يخلصه ، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه ، واستقر بزلار نائب الشام ، وكمشبغا الحموي نائب حلب ، وشنجق نائب طرابلس ،وأحمد ابن المهمندار نائب حماة ، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد ، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة ، وأخوه فخر الدين ناظرها ، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري ، وأعيدت المكوس كلها كما كانت ، ونودي بأمان الجراكسة ، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق ، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء ، وبالقلعة خلق كثير من المماليك ، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضا . ا الجوهري استادار وقرقماش خزندار وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية ، ووقع النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة ، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلا ، ثم نودي : من نهب من التركمان شيئا شنق ، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة ، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته ، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره ، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي : من أحضره أعطي ألف دينار ، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين ، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهارا إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة ، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري ، وأرسله إلى الكرك ، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك ، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك ، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس ، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه ، وتلطف به الكجكي نائب الكرك ، ووعده بأن يخلصه ، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه ، واستقر بزلار نائب الشام ، وكمشبغا الحموي نائب حلب ، وشنجق نائب طرابلس ، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة ، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد ، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة ، وأخوه فخر الدين ناظرها ، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري ، وأعيدت المكوس كلها كما كانت ، ونودي بأمان الجراكسة ، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق ، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء ، وبالقلعة خلق كثير من المماليك ، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضا .وفي حادي عشرين جمادى الآخرة عرض الجوباني المماليك الظاهرية فأفرد لخدمة السلطان مائة ، نزلهم بالطباق وفرق البقية على الأمراء .
وفي وسط جمادى الآخرة ثار آقبغا الصغير بدمشق في أربعمائة فأوقع بهم جنتمر فهزمهم على آقبغا فسجنه .
وفي سادس عشرين جمادى الآخرة أعيد شرف الدين علي بن قاضي العسكر إلى نقابة الأشراف عوضا عن الطباطبي .وفي سلخ جمادى الآخرة كسرت جرار الخمر بالرميلة حملت من بيوت أسارى الأرمن التي بالكوم قرب الجامع الطولوني .
وفي رجب جردت العساكر لردع عرب الشرقية الزهيرية لكثرة فسادهم .
وفي أول يوم منه ادعى على ابن سبع شيخ العرب بزفته بأشياء تنافي الشريعة ، وشهدت عليه جماعة عند قاضي القضاة ابن خير المالكي ، فسعى له جماعة إلى أن خلص ونقل إلى الشافعية فحكم بحقن دمه ، ثم سعى به إلى أن عقد له مجلس عند الناصري ، فقال له ابن خلدون الذي كان قاضي المالكية : يا أمير أنت صاحب الشوكة وحكمك نافذ ، فحكم بحقن دمه وغطلاقه فأطلق ، وذلك في سادس هذا الشهر ، وكان في الأيام الظاهرية قد وقع له نظير ذلك فيقال إنه برطل بأربعمائة ألف درهم حتى خلص ، وكان القائم في أمره كريم الدين بن مكانس وهو يومئذ متولي أمر ديوان الناصري ، ومحب الدين ابن الإمام وهو شاهده ، وغيرهم من خاصكيته فاخرجوا ابن سبع من حبس ابن خير ، وكان ممن حضرالمجلس المعقود له في الإصطبل الشيخ سراج الدين البلقيني والقضاة يومئذ ابن الميلق والطرابلسي وابن خير ونصر الله ، فجهد بهم الناصري أن يحكم أحد منهم بقبول إسلامه وحقن دمه ، فامتنع لكون ابن خير سبق بالحكم بإراقة دمه ، فلما أطلق ابن سبع بعد أن حكم الناصري بحقن دمه بحكم إسلامه ونفذه القضاة توجه إلى بلاده ، فاتفق إلى بلاده ، فاتفق أنه دخل الحمام فدخل عليه جماعة فقتلوه وذهب ذمه هدرا .
وفي هذا الشهر استقر شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي في قضاء الشافعية بدمشق عوضا عن سري الدين .
وفي ربيع الآخر مات الشيخ شرف الدين ابن الأشقر فاستقر فيقضاء العسكر عوضا عنه سراج الدين القيصري ، ثم انفصل منه في شهر رجب واستقر بدر الدين محمود الكلستاني ، وعزل همام الدين عن حسبة مصر ، واستقر شمس الدين بن العلاف فيها ، وكان ابن العلاف يؤدب الأطفال بمصر وهو أحد من أقرأني القرآن ، ثم سافر إلى حلب واتصل بيلبغا الناصري ، واستقر في إمامته ووصل معه إلى القاهرة فولاه الحسبة ، واستقر علاء الدين البيري موقع يلبغا الناصري في توقيع الدست .
وفي ثامن رجب خلع على نعير أمير العرب خلعة السفر ، وكان قد قدم بعد العسكر على السلطان ، وكان الظاهر برقوق قد عجز فيه أن يحضر إلى مصر وهو يمتنع فحضر في هذه الدولة طوعا ، وشفع قبل أن يسافر في جماعة من الأمراء فقبلت شفاعته وأطلقوا من السكندرية .
وفي ثامن رجب خلع السلطان على شخص خياط وقرره خياط السلطان ، فبلغ ذلك الناصري فأمر بإحضاره فنزع منه الخلعة وضربه ضربا مبرحا ، فغضب السلطان من ذلك ولم ينفعه غضبه ، ثم أمر الناصريبتفرقة المماليك الذين رتبوا في أطباق القلعة لخدمة المنصور على الأمراء ، وأبطل المقدمين والسواقين والطواشية ونحو ذلك وأراد انحلال أمر المنصور ، فلما أن كان في سادس عشر شعبان أظهر منطاش أنه ضعيف وكان خاطره قد تغير بسبب أشياء سأل فيها فلم يجبه الناصري إليها وفهم من الناصري أنه يطلب السطلنة لنفسه ، فلما شاع ضعفه عاده الجوباني فقبض عليه ، وركب إلى مدرسة حسن في سبعة وثلاثين نفسا فنهب الخيول التي على باب السلسلة وأركبها المماليك الذين معه فمر من عليهم آقبغا الجوهري ، فأمر الزعر أن ينهبوا بيته فهجموا إصطبله ونهبوا جميع ما فيه من خيل وقماش ، وفر هو ولم يلبث منطاش إلا وقد اجتمع إليه نحو خمسمائة نفس والتفت عليه من المماليك الأشرفية والظاهرية وساعده العوام والزعرفنهب بيوت من خالفه ، واشتد الحصار على من بالإصطبل والقلعة ورموا عليهم من مأذنتي مدرسة حسن . ثم راسله الناصري مع الخليفة في الصلح فامتنع وقال : هو الذي بدأ بالغدر ونكث ما اتفقنا عليه فقويت شوكة منطاش وتابعه أكثر الأمراء فهرب الناصري وملك منطاش الإصطبل وطلع إلى القلعة يوم الخميس تاسع عشر شعبان فاجتمع بالسلطان فقال له : أنا مملوكك ومطيع أمرك ، وجلس حيث كان يجلس الناصري ، ثم أمسك الناصري من سرياقوس أو من ربهون في ذلك اليوم فأرسل إلى الإسكندرية ، وأرسل معه جماعة من الأمراء مثل الطنبغا المعلم ومأمور الحاجب وآقبغا الجوهري وغيرهم ، وأنفق منطاش على الذين قاتلوا معه وساعدوه نحو عشرة آلاف درهم فضة جمعها من الحواصل الظاهرية ،ومن المصادرات ، منها من جهة محمود وحده ألف ألف وخمسمائة ألف ، ومن جهة جاركس الخليلي ألف ألف وسبعمائة ألف ، وجدت مودوعة له بخان مسرور في حاصل مفرد ، وكان أصل منطاش واسمه تمربغا وأخوه تمرباي عند تمراز الناصري وكانا من أولاد الجند فخدما عند تمراز في دولة حسن وتربيا عنده مع أبيهما وكان اسم تمرباي محمدا واسم منطاش أحمد ، ثم خدم تمرباي عند الأشرف وكبر في دولته ، ثم من بعده إلى أن ولي نيابة حلب ، ومات وتولى منطاش نيابة ملطية ، وكان الظاهر كلما هم بالقبض عليه فيخلصه منه قجماس ابن عم السلطان لكونه لما مر عليه وهو مع التاجر الذي جلبه بالغ في الإحسان إليه فكافأه ، وكان ممن تعصب له أيضاسودون باق لأنه كان في خدمة تمرباي ، ثم كاتب منطاش بالعصيان إلى أن كان منه ما كان ، وقد تقدم أن برقوق اشتراه من أولاد أستاذه واعتقه فكان ذلك عند منطاش لم يصادف محلا لأنه يعرف أصل نفسه .
وفي العشرين من شعبان قبض على ابن مكانس وعصر وصودر واختفى أخوه فخر الدين ، ثم ظهر ووعد بمال فأطلق على وظيفته ، وأمر منطاش بصندل ، فعذب على ذخائر الظاهر ، وعصر مرارا حتى دل عليها وأخذ منطاش في تتبع المماليك الظاهرية فأبادهم قتلا وحبسا ، وقرر في ولاية القاهرة حسين بن الكوراني بسؤال العامة في ذلك بعد أن كان اختفى ، وتولى نائبه محمد بن ليلى فعظم الضرر بالزعر ، فظهر حسين والتزم بتحصيل المماليك الظاهرية ، فأعيد خامس شهر رمضان بعد أن سأل العوام منطاش في إعادته بسبب الزعر ثم تتبع الزعر فأبادهم ، وكانت شوكتهم قد اشتدت لنصرتهم لمنطاش في قتال الناصري ، وكان قربهموعرف فيهم عرفاء ، وأنفق فيهم مالا ، ثم جهز منطاش أحمد البريدي إلى الكرك لقتل برقوق ، فلم يوافق النائب حسن الكجكني على ذلك ، فاجتمع أهل الكرك على نصر برقوق وبايعوه في تاسع شهر رمضان ، فحصن الكرك وحكم بها ، فتسامع به أصحابه ومن كان يحبه فتسللوا إليه ، فاجتمع له جمع كثير نحو ألف فارس ، وكاتبه نعير أمير آل فضل بالطاعة ، وحضر إليه العشير من عرب الكرك .
وفي تاسع رمضان خلع على محمود الاستادار ، واستقر في وظيفتهبعد أن أخذ له من الأموال من عدة ذخائر ما يفوق الوصف ما بين كنابيش ذهب وطرز ذهب وفرى سمور وسنجاب وفضة طوب ، ومن الذهب البهرجة والفلوس شيء كثير ، فلما رأى ذلك وهو مختفي وفي كل يوم يظهر له ذخيرة ويحول إلى منطاش ، ظهر فأمسك وضرب وصودر على ألفي ألف درهم فضة ، ثم أفرج عنه وأعيد إلى وظيفته .
وفي سلخ رمضان جاء كتاب ابن باكيش نائب غزة إلى منطاش صحبة بدوي وجندي أرسلهما إليه برقوق يدعوه إلى طاعته فسلمهما منطاش للوالي فقبلهما وعين منطاش خمسة أمراء مقدمين وثلاثمائة مملوك للتوجه إلى الكرك لمحابة برقوق .
وفي شوال عصى كمشبغا نائب حلب على منطاش ، فركب عليهإبراهيم بن قطلقتمر وشهاب الدين أحمد بن أبي الرضي قاضي حلب مع جماعة من أهل بانقوسا ، فانتصر عليهم وقتل الأمير والقاضي صبرا يعد أن أحضره إلى جهة الشام وقتل جماعة ممن ساعدهم .
وفي ذي لبقعدة توجه برقوق من الكرك ومن أطاعه ، وقام علاء الدين المقيري الذي ولي بعد ذلك السر ، وهو أخو قاضي الكرك ، فخدمه ووقع عنه في تلك الأيام ، وأعانه أخوه عماد الدين قاضي الكرك بالمال ، ثم ندم أخوهما ناصر الدين واجتمع بأخيهعماد الدين وأكابر أهل الكرك وخشوا من عاقبة برقوق وإنكار السلطان عليهم ما فعلوه فاتفقوا على أن يقبضوا على برقوق وأن يكون ذلك عذرا لهم عند السلطنة ، فأغلقوا باب الكرك بعد أن أخرج برقوق إيناته وعسكره وتأخر هو ليكمل بقية مهماته ، فلما وصل إلى الباب وجده مغلقا ، فاستعان بعلاء الدين على إخوته حتى فتح له ، وتوجه إلى جهة غزة في أواخر شوال فالتقاهم حسين بن باكيش نائب غزة فقاتلهم فهزموه ، وتوجهبرقوق إلى دمشق ليحاصرها ، فبلغ ذلك جنتمر نائب الشام فجمع العساكر فالتقى بالظاهر بشقحب فكسره ، ثم رجع الظاهر عليهم بكمين فكسرهم وقتلت بينهم مقتله عظيمة ، وساق خلفهم إلى دمشق ، فهرب جنتمر إلى القلعة وتحصن بها وتوجه خلق كثير من المهزومين إلى جهة القاهرة ، واستمر الحصار على دمشق ، ونزل الظاهر بقبة يلبغا وهو في غاية الوهن من قلة الشيء ، فبلغ كمشبغا نائب حلب خروجه من الكرك ، فأرسل إليه مائتي مملوك فقوي بهم ثم حضر ابن باكيش وقد جمع من العشير والترك شيئا كثيرا ، فواقعه الظاهر فكسره واحتوى على جميع أثقاله ، فقوي بذلك قوة ظاهرة وتسامع به مماليكه ، ومن كان له فيه هوىفتواتروا عليه حتى كثر جمعه ثم هجم برقوق ومن معه على دمشق فدخلوها ، فرمى عليهم العوام الحجارة والمماليك السهام فكسروهم ، ونهب العامة وطاقه في الميدان حتى لم يبق لهم خيمة واحدة ، وباتوا في تلك الليلة تحت السماء ، وكل واحد قد أمسك عنان فرسه بيده ، فأصبحوا في شدة عظيمة ويئسوا من أنفسهم ، فوصل إليهم في تلك الحالة إينال اليوسفي وقجماس ابن عم السلطان ومعهم نحو مائتي نفس من مماليكالظاهر مستعدين بالسلاح وصلوا إليه من صفد ، وكان السبب فيه أن يلبغا السالمي وهو من مماليك الظاهر خدم دوادارا عند قطلوبك النظامي النائب بصفد ، فلما بلغه توجه الظاهر من الكرك ووقعته بشقحب وتوجهه إلى دمشق اتفق مع من كان هناك من مماليك الظاهر أنهم يتوجهون إلى الظاهر ، فتجهزوا وأعانهم ، فبلغ ذلك النائب فخرج من ورائهم ليردهم ، فعمد يلبغا إلى الحبس فأخرج منه اينال اليوسفي وجمعا من المسجونين فملكوا القلعة فلما رجع النائب سقط في يده وهرب ، فنهبوا حواصله وتوجهوا إلى برقوق فوجدوه نازلا على قبة يلبغا في الحالة المذكورة فكانوا له فرجا عظيما ، فقوي بهم ورجعوا إلى حصار دمشق .وفي الثاني عشر من ذي الحجة وصل كمشبغا الحموي من حلب فنزل مرج دمشق ، فتلقاه مماليك الظاهر فحضر عند الظاهر وقدم له أشياء كثيرة ، فقويت أحوال الظاهر بعد أن كادت تتلاشى ، ومن جملة من قدم معه بكلمش العلاي وبهادر مقدم المماليك .
وفي شعبان قبض منطاش على عنان بن مغامس أمير مكة وحبسه مقيدا ، ولما بلغ نعير بن حيار أمير العرب مسك الناصري اتفق هو وسولى بن دلغادر وخرجا عن الطاعة .وفي عاشر رمضان قتل أهل الكرك الشهاب أحمد البريدي ، وكان من أولاد أهل الكرك ، فتزوج بنت العماد أحمد بن عيسى قاضي الكرك ، ثم طلقها أبوها منه ، فوصل حتى خدم عند منطاش ، فجهزه بعد أن حكم بقتل برقوق ، فقدم الكرك فتوعد قاضيها وأهلها بكل سوء ، فاتفق أن النائب بها لم يوافق على قتل الظاهر ، وماطله بذلك أياما ، فبلغ ذلك أهل الكرك ، فتعصبوا للظاهر وهجموا على أحمد البريدي ، فقتلوه واشتد الأمر على منطاش لما سمع هذه الأخبار وتهيأ للتجهيز وخرج بجمع عظيم من القاهرة ، واخرج معه القضاة والخليفة والسلطان وفرق الحواصل وباع جميع الغلال وغيرها بأبخس ثمن وحصل للناس من ذلك شر كبير ، ثم اقترض من مال الأيتام خمسمائة ألف درهم ، ورتبت فتيا صورتها :رجل خرج على الخليفة والسلطان وشق العصا وقتل شريفا في الحرم الشريف واستحل الأموال والأنفس إلى غير ذلك ، فكتب عليها العلماء والقضاة بجوار قتاله ودفعه عن ذلك ، وامتنع الركراكي من الكتابة ، وناظر على ذلك فغضب منه منطاش وأهله وسجنه في البرج مع مماليك الظاهر بالقلعة .
وفي ذي الحجة استقر عبد الله العجمي في قضاء العسكر عوضا عنسراج الدين عمر .
وفيها اعتقل زكريا الذي كان الظاهر عمله خليفة ، وكتبوا عليه إشهادا بأنه لا يسعى في الخلافة بعد ، وانسلخت هذه السنة والظاهر على حصار دمشق ومنطاش سائر بالعساكر إلى جهته ، وبالغ القاضي شهاب الدين القرشي في التحريض على برقوق ، وكان يرتب من يسبه على الأسوار ،وكان لا ينزل من مخيمه ، بل كان اينال اليوسفي ومن معه يباشرون القتال وخرب ما حول دمشق .
وفي غضون ذلك وصل إليهم كمشبغا من حلب ومعه عسكر ضخم ، فنزل بالمرج شرقي دمشق ، ثم وصل إلى برقوق في ثاني عشر ذي الحجة كما تقدم ، ففرح به وقدم له خيمة سلطانية وخيولا وأمتعة وجمالا فاستقام أمره .
وفيها كانت الوقعة بين التركمان فتحارب كبيرهم قرا محمد صاحب تبريز وقرا حسن بن حسين بك ، فقتل قرا محمد في المعركة ، وانهزم أصحابه وغنم يار حسين ومن معه ما كان معهم وذلك في ربيع الآخر ، وتأمر يار حسين على التركمان ، ثم اجتمع الكل وأمروا عليهم نصر خجا بن قرا محمد واستنجدوا بصاحب ماردين وغيره .
وفي ثالث عشرين المحرم استقر جلال الدين بن نصر الله البغدادي في تدريس الحديث بالظاهرية الجديدة عوضا عن الشيخ زاده ، واستقر ولي الدين بن خلدون في تدريس الحديث بالصرغتمشية عوضاعن ابن نصر الله المذكور .
وفي أول شعبان أمر نجم الدين الطنبذي المحتسب أن يزاد بعدكل أذان الصلاة على النبي e ، كما يصنع ذلك ليلة الجمعة بعد العشاء فصنعوا ذلك إلا في المغرب لضيق وقتها بزعمهم .
وفي سادس شعبان وهو سادس مسرى أو في نيل مصر .
وفيها اجتمع الأمراء والمماليك الذين نفوا إلى قوص ، فأمسكوا والي قوص وساعدهم حسين بن قرط والي أسوان ومبارك شاه الكاشف ، فأرادوا التوجه من البر الشرقي إلى جهة السويس ليتوصلوا إلى الكرك ، لما بلغهم خروج الظاهر وخلاصه من السجن ، وكان ذلك في شوال ، ففر منهم حسين بن قرط ووصل في سادس ذي القعدة وأخبر أن مبارك شاه إنما وافقهم خوفا على نفسه ، وانه فر منهم ، وأرسل منطاش جماعة من الأمراء إليهم فأمسكوا نحو الثلاثين منهم ، وتفرق من بقي شذر مذر وأحضروا المأسورين ، فأمر بحبسهم وتجهز منطاش بالعساكر في أواخر ذي القعدة ، وكان سفرهم في سادس عشر ذي الحجة .وفي الحادي عشر من شوال اجتمع العوام فشكوا من المحتسب ، فأحضره منطاش وضربه مائتي عصا وعزله ، وقرر عوضه سراج الدين عمر القيصري .
وفي شوال تزوج منطاش ستيتة بنت الملك الأشرف أخت السلطان المنصور فزفت عليه ، وكان جهازها على خمسمائة جمال ، وعلق برأسها ليلة الزفاف دينارا زنته مائتا مثقال ، ثم دينارا زنته مائة مثقال .
وفي ثالث عشر شوال استقر شمس الدين السلاوي الدمشقي في قضاء الشافعية بالمدينة عوضا عن الشيخ زين الدين العراقي .
وانتهت زيادة النيل هذه السنة إلى ثمانية عشر إصبعا من عشرين ذراعا وثبت إلى تاسع بابه ، وذلك في شوال منها .
وفي ثالث عشرين شوال قبض على نور الدين الحاضري ، وضرب وعصر وسجن لكونه كان مباشرا عند أخت الملك الظاهر وأفحش حسين الوالي ابن الكوراني في أخت الملك الظاهر وأولادها ، ومنيقوم من جهتهم .
وفي حادي عشرين شوال استقر أبو الفرج في الوزارة وكريم الدين بن الغنام في نظر الخاص بعد استدعاء شمس الدين بن المقسي ، وعرضت عليه الوظيفتان معا فامتنع ، ثم استعفى ابن الغنام وقبض عليه وصودرعلى ثلاثمائة ألف وأضيف نظر الخاص إلى موفق الدين .
وفي إمارة منطاش ثارت الفتنة بين أمراء العرب وأمراء التركمان والمماليك المنفيين ، ثم اتفقوا كلهم على العصيان فقاتلهم مبارك شاه نائب الوجه القبلي فهزمهم .وفي سلخ شوال استقر القاضي صدر الدين المناوي أحد نواب الشافعية في القضاء عوضا عن ناصر الدين ابن بنت الميلق ، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري ، وأجازنيه أن السبب في ذلك أن دينارا اللالا الأشرفي كان وقف رزقه على جامع المارداني ، وكان القاضي ناصر الدين يومئذ يعمل فيه الميعاد للعامة ففوض إليه نظرها ، فلما غلب منطاش على الملك استعظمها لأنها كانت قديما أقطاعه فعارضه فيها القاضي وكرر السؤال في أمرها ، فقيل لمنطاش إن الحدود التي في كتاب الوقف مغايرة لحدود الطين المذكور ، فعرض ذلك على القاضي فصمم على أنها وقف ، فغضب وعزله وولي المناوي وكان أحد من ينوب في الحكم عن ابن بنت الميلق فأقام أربعين يوما ، ثم حصلت حركة منطاش إلى الشام فرام من المناوي أن يقترض ما في المودع من الأموال فامتنع فعزله ، وقرربدر الدين بن أبي البقاء بعد أن كان بدر الدين سعى في قضاء دمشق وكتب توقيعه عوضا عن سري الدين وأفردت لسري الدين المشيخة وخطابة الجامع ، ثم بطل أمر بدر الدين عن دمشق ، واستقر في قضاء الشم شهاب الدين القرشي ، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري ، عزل المناوي بعد أن نزل منطاش بالريدانية ، وخلع على بدر الدين هناك ، فدخل القاهرة وهو بالخلعة ، واستناب صدر الدين ابن رزين في غيبته ، وكان صاهر عنده وقرر ولده جلال الدين في إفتاء دار العدل فكانت مدة ولاية المناوي وهي الأولى نحو أربعين يوما .وفيها مات المنتصر ابن أبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الواد ، وكان تأمر وأبوه حي ، ووقع بينه وبين أخيه أبي تاشفين لما أن خرج على أبيهما حروب .
وفي ذي الحجة سنة إحدى وتسعين بعث أبو العباس المريني ملك فاس ولده أبا فارس عبد العزيز والوزير محمد بن يوسف بن علان نصرة لأبي تاشفين لاستنقاذ تلمسان من يد أبي حمو والد أبي تاشفين وكان أبو تاشفين انتصر به على أبيه ، فسلم موسى بن يحلف عسان من قبل أبي تاشفين ، ثم أسل والده أبو حمو عميرا إلى تلمسان فسلمها له أهل البلد ، فقبض على موسى بن يحلف فقتل ، فواقعه الوزير بن علان في عساكر بنيمرين فانهزم منهم ، فكبا به فرسه فسقط فقتل في أول السنة الآتية .
وفيات سنة 791
ذكر من مات في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن علي بن إبراهيم الشامي المعروف بابن الحلوى الواعظ ، كان أبوه بالقاهرة يبيع الحلوى ، وأصله من الشام ، فنشأ ولده هذا فولع بعمل المواعيد من صباه فمهر ، وكان حسن الصوت ، طيب النغمة ، جيد الأداء ، مليح الوجه ، قوي الذهن ، فراج سوقه وحج مرارا وجاور وامتحن بيد الجار الهندي ثم خلص ، ولم يزل على حاله في الكلام على الكرسي إلى أن مات في تاسع صفر منها .
إبراهيم بن قطلقتمر كان ممن يتعصب على الظاهر فقتله كمشبغابحلب صبرا .
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز القاضي نجم الدين بن الكشك ، ولي الحكم بالقاهرة عاضا عن ابن التركماني ثم عزل بابن عمه صدر الدين ، ثم ولي الحكم بدمشق سنة سبع وسبعين ، ثم عزل ثم أعيد ثم قتل بالصالحية بيد شخص مجنون وذلك في مستهل ذي الحجة .أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا شهاب الدين أبو العباس ابن أبي الرضا الشافعي الحلبي أصله من . كان من أعاجيب الزمان في الذكاء وولي قضاء حلب في سنة . بالغ الحافظ برهان الدين محدث حلب في الثناء على فضائله فقال : كان أوحد العلماء ، مشاركا في علوم كثيرة ، شرح العضد ونظم غريب القرآن ، وكان يحافظ على الجلوسفي الجامع لا يخرج منه إلا لحاجة ، ويكاد يستحضر شرح مسلم للنووي ، ومعالم السنن للخطابي ، ويستحضر مذاهب غريبة مع حسن محاضرة ولطافة شكل وتنزه نفس ، وكان يعظم أهله ولا يستكثر عليهم شيئا ولا يقدم عليهم أحدا ، ومن إنشائه غريب القرآن منظوم سماه عقد البكر في نظم غريب الذكر أجاد فيه ورثاه الشيخ حميد العابر بخمس يعاد فيه ، وكان قد ولي القضاء بحلب فاشتهرت فضائله ، وفاق الأقران ، فلما كانت كائنة برقوق وخروج يلبغا الناصري عليه ثم عاد من سجن الكرك إلى أن تسلطن ثانيا ذكر له كمشبغا الكبير ما كان يبدو من هذا القاضي وغيره في حقهم ، فنقم عليه وأمر بحمله إلى القاهرة فاغتيل في الطريق وقتل ظلمابخان شيخون بين المعرة وكفر طاب فقرأت بخط العيني في تاريخه :قتل شر قتله . وكان ذلك أقل جزائه لأن الظاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولاه القضاء من غير بذل ولا سعي ، فجازاه بأن أفتى في حقه بما أفتى وقام في نصر أعدائه بما قام ، وشهر السيف وركب بنفسه والمنادي بين يديه ينادي : قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم ، فإن الظاهر من المفسدين العصاة الخارجين ، فإن سلطنته ما صادفت محلا إلى غير ذلك ، قال : فجازاه الله بالإهانة والذل والإخراج من وطنه بهيئة قطاع الطريق والرمي في البرية بغير غسل ولا كفن ولا صلاة ، وقال في حقه أيضا : إنه كان عنده بعض شيء من العلم ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم ، وكان مولعا بثلث أعراض الكبار ، وكان باطنه رديئا وقلبه خبيثا ، قال : وسعت أنه كان يقع في حق الإمام أبي حنيفة .أحمد بن عمر بن محمود بن سلمان بن فهد ، شهاب الدين بن زين الدين بن الشهاب ، الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بالقنبيط ، ولد سنة عشر أو نحوها ، وسمع من أمين الدين محمد بن أبي بكر بن النحاس وغيره ، ووقع في الدست وكان أكبرهم سنا وأقدمهم ، مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة ، ولم يحدث شيئا ، وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدين بن الجزري بقوله :
باكر إلى دار عدل جلق يا
طالب خير فالخير في البكر
فالدست قد طاب واستوى وغلا
بالقرع والقنبيط والجزر
وأشار بالقنبيط إلى هذا وبالجزر إلى نفسه وبالقرع إلى أبي كبر بن محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين ، وقال ابن حجي : كان سمح النفس ، كثير التبسط في المآكل والملابس .
أحمد بن محمد بن عمر ، شهاب الدين ، إمام الشامية البرانية ، كان من نبلاء الطلبة الشافعية ، مات في ذي الحجة .أحمد بن محمد ، محب الدين المعروف بالسبتي ، انقطع بمصلى خولان ظاهر مصر بالقرافة ، وكان معتقدا ويشار إليه بعلم الحرف والزيجات ، مات في العشرين من صفر عن سن عالية ، أظنه جاوز الثمانين ، رأيته بالمصلى في يوم عيد ، وكان حسن السمت .
أحمد بن موسى بن علي ، شهاب الدين بن الوكيل ، عني بالفقه والعربية وقال النظم فأجاد ، وكان سمع بمكة من الجمال ابن عبد المعطي المكي ، وبدمشق من الصلاح ابن أبي عمر ، ومن شيوخه في العلم : صلاح الدين العفيفي ، ونحم الدين ابن الجابي ، وجمال الدين الأسيوطي ، وشمس الدين الكرماني ، أخذ عنهم بمكة ، وكان يتوقد ذكاء ، مات بالقاهرة في صفر .
أحمد بن أبي يزيد بن محمد السراي الشهير بمولانا زاده الحنفيشهاب الدين بن ركن الدين ، قال الشيخ بدر الدين الكلستاني في حقه ومن خطه لخصت : ولد في عاشوراء سنة 754 وكان والده كثير المراعاة للعلماء والتعهد للصالحين ، وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوضوا إليه النظر على أوقافهم ، فكان تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئا وكان يقول : إنما أتحدث لهم وأتجنبه ليرزقني الله ولدا صالحا ، ثم مات الشيخ سنة ثلاث وستين ، وخلف ولده هذا ابن تسع سنين ، وقد لاحت آثار النجابة عليه ، فلازم الاشتغال حتى اتقن كثيرا من العلوم ، وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين ، ثم رحل من بلاده فما دخل بلدا إلا عظمه أهلها لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية ودقائق العربية والمعاني ، وكانت له مع ذلك يد طولى في النظم والنثر ، ثم حبب إليه السلوك فبرع في طريق الصوفية ، وحج وجاور ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة ، واخبر عن نفسه أنه رأى النبي e تسليما في المنام فاستقرأه أوائل سورة البقرة ، ثم قدم القاهرة ، ثم رجع إلى المدينة فجاور بها ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعداء ، واستقر مدرسا للمحدثين بالظاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين ، وقرر مدرسا بالصرغتمشية في الحديث أيضا ، قال الكلستاني : ثم إن بعض الحسدة دس إليه سما فتناوله فطالت علته بسببه إلى أن ماتفي المحرم ، ومن كلامه الدال على ذكائه قوله : أعجب الأشياء عندي البرهان القاطع الذي لا مجال فيه للمنع والشكل الذي يكون لي فيه فكر ساعة .
ومات فيها من الترك ونحوهم أرنبغا التركي مقدم البريدية ، مات في صفر .
واشقتمر المارداني نائب حلب وليها مرارا ، وولي تقدمة الشام مرتين ، ثم أصيب بوجع رجليه فعزل وأقام بحلب بطالا إلى أن مات في شوال ، وكان أصله لصاحب ماردين فقدمه للناصر حسن ، وكان عارفا بتحصيل الأموال ، محبا في العمائر وله مدرسة بحلب ، ولي نيابة طرابلس وحلب ودمشق مرارا ، وقيل إنه كان يحسن ضرب العود .
وبزلار العمري ، كان من مماليك الناصر حسن ، فرباه معأولاده ثم تقدم ، وولي النيابة بدمشق ، وكان شجاعا فطنا مشاركا ، مات بقلعة دمشق مسجونا .
وتلكتمر كاشف الجسور في أول السنة .
جركس بن عبد الله الخليلي كان تركماني الأصل ، أصله من مماليكيلبغا ، وتقدم عند الظاهر ، وكان حسن الشكل مهيبا مع الرأي الرصين والعظمة ، وكان له في كل يوم خبز يتصدق به على بغلين يدور بهما أحد مماليكه بالقاهرة على الفقراء وبمكة والمدينة ، وولاه الظاهر أمير آخور بتقدمة ألف ، وقرره مشير الدولة وخلف أموالا كثيرة جدا ، وكان بإحدى رجليه داء الفيل ، قتل في المعركة بالربوة ظاهر دمشق .
حسن بن علي بن قشتمر أحد أمراء العشرات بالقاهرة ، لم يتأمر من أخوته غيره ، وكان شابا حسن الشكل .
الحسين بن عبد الله الحبار بالمهملة ثم الموحدة الشيخ المشهور بالشاذلي ، كان يتكلم على الناس ، وحفظت عنه كلمات فيها إشكال وكان للناس فيه اعتقاد زائد . مات في ربيع الأول .صراي الطويل ، أخو بركة ، تقدم ذكره في الحوادث وأنه نم على أخيه عند برقوق وحظي عند فأقره على إمرته إلى أن مات في ربيع الأول .
سودون المظفري نائب حماة ثم حلب ، تقدم ذكره في الحوادث ، وكان أصله عند قطلوبغا المظفري نائب حلب ، وباشر عند جرجي الإدريسي خزندار ثم انتقل إلى أن ولي نيابة حماة ثم نيابة حلب في سنة سبع وثمانين ، ثم اتصل بيلبغا الناصري واستقر أتابكا بها إلى أن وقع بينهوبين الناصري فقتل سودون المذكور ، وكان خيرا عارفا يحب العلماء وأهل الخير ويقربهم ويكثر البر والمعروف ويكره الشر جملة مع العبادة وكثرة السكون رحمه الله تعالى .
عبد الله بن محمد بن تاج الدين بن قطب الدين بن صورة ، ولد قبل العشرين ، واشتغل وناب في الحكم وخطب ، وكان بهي الشكل وقورا ، مات في .
عبد الله بن العلامة علاء الدين مغلطاي التركي المسند جمال الدين ، سمع بإفادة أبيه الكثير من مشايخ عصره ، وحدث ، سمع منه أصحابنا .
عب الخالق بن محمد بن محمد الشعيبي بالمعجمة والموحدة مصغرا الإسفراييني أبو المعالي صدر الدين ، ويقال له أيضا : محمد ، ولد سنة أربع وثلاثين ، وكان عارفا بالفقه على مذهب الشافعي ، وحدث بكتاب المناسك تصنيف أبيه عنه ، وشرح منه قطعة ، وجمع هو كتابا في المناسكأيضا كثير الفائدة . وكان مشهورا ببغداد ، مات بفيد منصرفا من الحج في المحرم .
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي القاضي جمال الدين خير ، سمع من ابن المصفى والوادياشي وغيرهما ، وكان عارفا بالفقه ، دينا ، خيرا ، ولي الحكم فحمدت سيرته ، قرأت عليه شيئا ، مات في سابع عشر رمضان ، واستقر بعده تاج الدين بهرام الدميري في قضاءالمالكية بعناية الخليفة المتوكل .
عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين ، نجم الدين الحموي الأصل ، القاهري ، سمع الصحيح من وزيرة والحجار وسمع من غيرهما وحدث ، سمعت عليه بمصر ، مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة .
عبد السلام السلاوي ، المعروف بالهندي .
عبد القادر بن سبع ، تقي الدين البعلبكي ، عني بالعلم وحصل ودرس وألف مختصرا في الأحكام ، وولي قضاء بعلبك فلم يحمد في القضاء ، مات بدمشق .
عبد الوهاب بن إبراهيم بن حراز ، تاج الدين الوزير ، وزر بدمشق سنة خمس وسبعين ، ومات في صفر .
عبد الوهاب بن عبد الله الوزير علم الدين المعروف بابن كاتب سيدي القبطي ، كان كاتبا مطيقا ، باشر الوزارة بلين زائد ، ولكن مشت أحواله ، لأنه ولي عقب شمس الدين ابن كاتب ارلان ، وكان أراد القبضعلى كريم الدين ، ابن الغنام فسعى ابن الغنام واستقر في الوازارة عوضه وقبض عليه وصادره ، وذلك في شهر رمضان سنة تسعين ، فمات في المحرم سنة إحدى .
علي بن أحمد بن محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي ، فخر الدين ، ولد سنة أربعين ، وسمع الكثير ، ولازم ابن مفلح فتفقه عنده وخطب بالجامع المظفري ، وكان أديبا ناظما ناثرا منشئا ، له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون ، وكان حسن المباشرة ، لطيف الشمائل ، وهو القائل :
حماة حماها الله من كل آفة
وحيا بها قوما هم بغية القاصي
لقد لطفت ذاتا ووصفا ألا ترى
دواليبها خشب تبكي على العاصي
مات في جمادى الآخرة .علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي ، كان عارفا بالنحو ببلاد اليمن مات بعدن في صفر .
عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادي ، الشيخ شرف الدين الأشقر الحنفي ، أصله من تركمان البلاد الشمالية ، واشتغل في بلاده قليلا ، ثم قدم القاهرة في دولة الأشرف فصحب الملك الظاهر قبل أن يتأمر ، وكانت له به عناية ، يعرفه من بلاده فلما كبر قرره إماما عنده ، وتقدم في دولته ، وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية ، وكان حسن الهيئة ، مشاركا في الفضائل ، جيد المحاضرة ، مات في رابع عشري ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة .
علم دار الناصري ، خدم الملك الناصر محمدا فمن بعده ، ثم مات بطالا بدمشق ، وكان ملازما لحضور الجماعات والخوانق ، كثير التلاوة والذكر ، وله أثار حسنة بمصر ودمشق في ترميم السبل والخانات ، جاوز الثمانين وهو آخر من مات من مماليك الناصر .
عيسى بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي أخو علي الماضي قريبا ، كانعارفا فالفرائض ، مات في عدن .
مثقال الساقي سابق الدين الزمام ، كان أصله من خدم المجاهد صاحب اليمن ، ثم صار لحسين بن الناصر وخدم عند زوجته أم الأشرف إلى أن ماتت ، فاستقر لال أمير حاج بن الأشرف ، ثم صار مشيد الحوش ثم استقر زماما وعظم قدره في دولة الأشرف ، وعمر المدرسة المشهورة بالقاهرة ، فلما قتل الأشرف صودر وأهين ثم استوطن المدينة بعدالتردد إلى مكة وإلى القدس مرارا ، ومات في آخر ذي القعدة ببدر طالبا للحج .
محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون ، محب الدين بن بدر الدين اليعمري المغربي ثم المدني المالكي ، كانت له عناية بالعلم ، وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين .
محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي ، تقي الدين ، اشتغل ودرس مكان عمه أحمد في الأمينية وغيرها ، وأفتى ودرس وولي قضاء بعلبك وطرابلس ولم يكن مرضيا في سيرته ، وجمع كتابا في الفقه مع قصور في فهمه ، وكان يكتب خطا حسنا ويقرأ في المحراب قراءة جيدة ويخطب بجامع رأي العين ، مات في المحرم .
محمد بن علي بن أحمد بن عبد الغفار عز الدين بن كسيرات الكاشف ،سمع المطعم والحجار وغيرهما .
محمد بن عمر بن رسلان البلقيني بدر الدين أبو اليمن ابن الشيخ سراج الدين ، كان أعجوبة في الذكاء والفطنة ، ولد سنة نيف وخمسين ونشأ محبا في الاشتغال ، فمهر وهو صغير ودرس وناظر ، وكان لطيف الشكل حسن الصورة جدا جميل المعاشرة ، وكان أبوه معجبا به ، مات في سابع عشرين شعبان وتألم أبوه عليه كثيرا وقد باشر قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وعدة تداريس .
محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهندي ثم المكي الحنفي ، سمع من عز الدين بن جماعة وغيره ، وكان فاضلا في مذهبه كثير الخروج إلى الحل للعمرة ، وله حظ من خير وعبادة ، مات فيها أو في التي قبلها .
محمد بن محمد بن محمد الشعيبي ، تقدم في عبد الخالق .محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري ، شمس الدين ، ابن أخي جار الله الحنفي ، قدم القاهرة ولازم عمه وغيره في الاشتغال ، وولي إفتاء دار العدل ومشيخة سعيد السعداء ، وكان بشوشا حسن الأخلاق عالما بكثير من المعاني والبيان والتصوف ، مات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين .
محمد بن مسعود الشريف الحسني الينبعي .
محمود بن عمر بن عبد الله العجمي الشيخ سعد الدين التفتازاني ، ولدصفحة فارغة .سنة 712 ، وأخذ عن القطب وغيره وتقدم في الفنون ، واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه ، وله شرح العضد وشرح التلخيص وأخر أطول منه ، وشرح على المفتاح وشرح على التنقيح ، وحاشية على الكشاف وغير ذلك ، مات بسمرقند .
منهاج الدين الرومي الحنفي ، كان أعجوبة في قلة العلم والتلبيس على الترك في ذلك ، قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية بمدرسة أم الأشرف ، قال لنا شيخنا ناصر الدين بن الفرات : حضرت درسه مرارا فكان لا ينطق بكلمة بل إذا قرأ القارئ شيئا استحسنه وربما تكلم بكلام لا يفهم منه شيء ، مات في رابع عشرين ربيع الأول .
نوغاي العلاي كان من أمراء الطبلخاناة ، ثم ولاه الظاهر أمير علمفاستقر في ذلك إلى أن مات .
يونس بن عبد الله التركي الدوادار ، كان من عتقاء جرجي نائب حلب ، ثم خدم عند يلبغا ثم اسندمر ثم تقدم عند برقوق ، وتنقل إلى أن أعطى تقدمة ألف وباشر الدويدارية في إمرته ، ثم في سلطنته بمهابة عظيمة وحرمة ، وكان دينا ، كثير الصلاة والصيام ، مكرما للفقهاء وللفقراء ، وهو صاحب خان يونس بطريق الشام بالسلفة بالقرب من غزة ، قتل بعد الوقعة المقدم ذكرها في ثاني عشرين ربيع الآخر ، وله بضع وستون سنة ، وترك ملقى على قارعة الطريق ، فدفنه بعد ذلك شخص من أصاغر مماليكه على ما أخبرني به في الطريق ، وكان قد بنى تربة معظمة بمصر وأخرى بالشام فلم يقدر دفنه في واحدة منهما ، وكان مقدم العساكر المصرية في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة لما حاصروا برهان الدين بسيواس ، ثم كان مقدم العساكر في هذه الكائنة فقتل على يد عنقاء بن شطي أمير آل مري .حوادث سنة 792
سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة
استلهت وبرقوق محاصر دمشق والعسكر المصري متوجه صحبة منطاش ومعه السلطان المنصور والخليفة والقضاة إلى دمشق ، وكان وصول العسكر المصري إلى غزة في ثاني المحرم ، وفي السادس منه أمر نائب الغيبة صراي تمر أن تؤخذ خيول الناس من الربيع فتجهز إلى منطاش فأخذ شيء كثير وجهز ، وفي الثامن منه نودي بزينة القاهرة ومصر ، ووصل في الصورة الظاهرة بريدي معه كتب تتضمن أن برقوق هرب ، وفيهذا الشهر بلغ النائب أن جماعة من المماليك الظاهرية أرادوا القيام عليه فكبس عليهم بالبرقية فأمسك منهم جماعة ثم تتبع المماليك الظاهرية وألزم الوالي التنقيب عليهم فبالغ في ذلك ، وأفرط إلى أن كان ذلك أعظم الأسباب وانحراف الظاهر عنه وغضبه عليه بعد ذلك ، وكان قد كبس على أخت الظاهر وأخذ ولدها منها فحبسه بالقلعة وأخرجها بين العامة إلى باب زويلة إلى أن وقعت فيها الشفاعة وفي حادي عشر المحرم وصل العسكر المنصوري إلى وادي شقحب فرجع إليهم برقوقمن دمشق فالتقوا فحمل منطاش على ميسرة الظاهر فهزمها وحمل بعض أصحابه على الميمنة فهزمها أيضا واشتغل الجهتان ومن تبعهما باتباع المنهزمين فخلا القلب من مقاتل فحمل برقوق ومن معه على من بقي فانهزموا فاحتوى على الخليفة والسلطان والقضاة وجميع أهل الدولة ونهب من معه جميع الأثقال واحتوى على الخزائن كلها ، وأما منطاش وأصحابه فلججوا في اتباع المنهزمين إلى أن ظفروا بمن ظفروا به منهم وفاتهم منفاتهم واستمر كمشبغا وكان فيمن انهزم ومعه جمع كثير إلى أن وصل إلى حلب فبادر وملك القلعة ولما رجع العسكر المصري إلى معسكرهم وجدوا برقوق قد احتوى عليه فتناوشوا القتال أيضا فعمد برقوق فأقام جاليش منطاش وجمع الذين احتوى عليهم تحته فصار كل من يأتي من العسكر يظن أن منطاش هناك تحت العصائب فأما أن يوافق فيسلم وأما أن يخالف فيقتل ، فلما وصل منطاش ورأى صورة الحال ناوشهم القتال نهاره أجمع ، فلما دخل الليل أقبل أكثر من معه إلى الظاهر فرجع منطاش إلى جهة دمشق وأقام الظاهر بشقحب أياما فعدمت الأقوات حتى بيعت البقسماطة بخمسة دراهم ورخصت الأمتعة من كثرة ما نهب حتى بيع الفرس بعشرين درهما ، فلما رأى الظاهر ذلك رحل إلى جهة مصر بعد أن خلع المنصور نفسه من السلطنة باختياره ، وأشهد عليهالخليفة والقضاة وأكثر من حضر من الأمراء وبايعوا الجميع برقوق وأقر لقبه الظاهر على ما كان عليه ، وتردد في التوجه إلى دمشق ومحاصرة منطاش بها أو الرجوع إلى مصر ، ثم اتفق رأيه ومن معه على التوجه إلى مصر ، فاستناب في صفد فخر الدين إياس ، وفي الكرك قديدا ، وفي غزة آقبغا الصغير ، وكان منصور الحاجب بها قد قبض على نائبها حسين بن باكيش ، وجهزه إلى الظاهر فعذبه قبل أن يتوجه ، ثم وصل إلى غزة في أواخر المحرم راجعا ، وأرسل في مستهل صفر إلى نائبقطية أن يحفظ الطرقات ، وكان اسمه علاء الدين بن البشلاقي ، فامتثل الأمر وأرسل من الفور إلى القاهرة قاصدا بكتاب يخبر فيه بما اتفق للظاهر من النصر ، فصادف وصول قاصده نصرة مماليك الظاهر المسجونين على أصحاب منطاش وغلبهم على القلعة وجميع المملكة ، فكان ذلك يعد من عجائب الاتفاق ، حتى لو كانوا على ميعاد ما وقعت هذه الموافقة ، وكان السبب في نصرة مماليك السلطان الظاهر أن منطاش أودع منهم السجون جملة كثيرة ، وكان الكثير منهم في السجن بالقلعة ، فضاق عليهم الأمر واشتد بهم الخطب ، فتحيلوا إلى أن فتحوا بابا مسدودا وجدوه في سرداب عندهم ، فخرجوا منه بغتة على نائب الغيبة ، فهرب منهم ، فنهبوا بيته واحتلوا خيله وقماشه ، وكان كبيرهم يقال له : بطا ، فبلغ ذلك نائب القلعة فقاتلهم ، ثم عجز فهرب ، فاجتمع صريتمر وقطلوبغا الحاجب وبقية المماليك فصعدوا إلى مدرسة حسن ، وبادر بطا فأخرج سودونالنائب من الحبس فرتبه في القلعة ، وتسامع مماليك الظاهر فتكاثروا عند بطا وتناوشوا القتال مع المنطاشية ، وساعدهم عليهم العامة حتى هزموهم ، وكان العوام قد قاموا مع منطاش على الناصري إلى أن غلب كما تقدم ، لكن ظهر بعد ذلك منه هوج وسوء تدبير وعدم معرفة ، فرجعوا عنه وأحبوا عود دولة برقوق فساعدوا أصحابه ، وكان ذلك كله في أوائل صفر ، وكان ابتداء ذلك في ليلة الثاني منه وانتهاء ذلك في رابع صفر .
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري فيما أجازنيه : أن المحبوسين كانوا في خزانة الخاص القديمة المجاورة لباب القصر ووكل بهم جماعة يحرسونهم بالنوبة وبالغوا في التضييق عليهم ، فلما كان في أواخر المحرم وهم يستغيثون من الحر والضيق ويتوقعون القتل كل وقت وأشاعوا أنهم عزموا على أن يرموا عليهم خبزا ويمنعوهم الماء ليهلكوا أجمعين بذلك ، فاتفق أن واحدا منهم جلس في مكان ، فعبث ببلاطة تحته فقلعها فأزالها فأحس بهواء فأراد ما تحتها واستعان ببعض رفقته فوجدوا سراب الحمام ، فمشوا فيه إلى أن انتهوا إلى باب من أبواب الاصطبل ، فاتفق أنهم وجدوه مفتوحا كان البواب نسي أن يغلقه ، فأخذ كل منهم قيده في يده وصاحوا صيحة واحدة في وسط الاصطبل بالدعاء للأمير تكا فظن صراي تمرأن تكا خامر وأراد القبض عليه فرمى بنفسه من السور وتبعه أتباعه فطلع المماليك إلى أماكنهم من الاصطبل فانتهبوها ولبسوا الأسلحة وركبوا الخيول وقدموا كبيرهم بطا وكان ما كان ، فجهز بطا عنان بن مغامس صاحب مكة - وكان مسجونا معه - إلى الظاهر يعلمه بما اتفق فالتقاه في الطريق فرد معه آقبغا أخا بطا ، فوصلا إلى القاهرة في ثامن صفر فنادوا للعامة بالأمان وتزيين البلد وتجهيز الإقامات ، وشكر السلطان لعنان هذه البشارة ، فشركه مع عجلان في إمرة مكة ، وكان ذلك في أوائل شهر ربيع الآخر بعد أن استقر برقوق بالقاهرة ، وسار عنان إلى مكة في ثاني عشرين ربيع الآخر بعد أن استخدم عدة من الترك .وفي عاشر صفر قبض بطا على حسين بن الكوراني ، وصودر فوصل كتاب السلطان في ثاني عشر صفر على حسين بعمل شيء من الأمور السلطانية فأفرج عنه بطا وخلع عليه وأعاده للولاية وقال له : حصل لنا المنطاشية كما كنت تصنع معنا إلى أن يرد أمر السلطان بما يرد ، ثم قبض عليه بعد ذلك ، ودخل الظاهر بالعسكر يوم الثلاثاء رابع عشر صفر إلى القلعة على طريق الصحراء ، وتلقاه الناس للسلام والفرجة على سائر طبقاتهم وكان يوما مشهودا ، وأركب الملك المنصور المخلوع بجانبه والخليفة أمامه والقضاة قدامه وباقي الأمراء إلى أن جلس على تخت الملك وجددت له البيعة بالإصطبل وأدخل المنصور إلى بيته بالحوشعند أهله وأقاربه .
وفي صبيحة هذا اليوم استقر كريم الدين بن عبد العزيز - الذي تزوجت أنا ابنته بعد هذا بست سنين - في نظر الجيش نقلا من صحابة الديوان عوضا عن جمال الدين الذي كان محتسبا ، لأنه كان تقدم مع منطاش إلى دمشق فلم يستطع العود ، واستقر موفق الدين أبو الفرج في الوزارة والخاص واستقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة ثم أمسك وصودر ثم ضرب فأخذ وأهين ، ثم أفرد الخاص لسعد الدينبن تاج الدين موسى كاتب السعدي عن قرب وأفردت الوزارة لموفق الدين ثم قبض عليه في ربيع الآخر . واستقر في الوزارة سعد الدين بن البقري زوج ابنة موفق الدين ، واستقر محمود الاستادار مشيرا عليهما ، واستقر قرقماس استادارا كبيرا إلى أن مات في جمادى الأولى فأعيد محمود إلى الاستادارية ، واستقر حسين بن علي الكوارني في ولاية القاهرةعلى عادته ، ثم قبض عليه عن قرب في سادس عشرين صفر - وسلم لمشد الدواوين محمد بن آقبغا آص فعاقبه وشدد عليه العذاب - واستقر بطا دويدارا كبيرا وسودون الشيخوني في النيابة على عادته واينال اليوسفي اتابك العساكر لانقطاع أيتمش بقلعة دمشق مسجونا وكان الظاهر لما غلب على العسكر - المنطاشي وتوجه إلى القاهرة دخل منطاش إلى دمشق فأقام بها يعزل ويولي ويصادر وكان قاضيالشافعية حينئذ شهاب الدين ابن القرشي وكان الناصري ولاه فاستمر وكان قبل دخول منطاش قام في صد برقوق عن دخول دمشق وصار يلبس آلة الحرب ويصعد الأسوار ويحفظها بالرجال والآلات ويطلق لسانه في برقوق وبرقوق يسمع ، فلما رجع منطاش إلى دمشق من وقعة شقحب عزله وولى شهاب الدين الزهري وحبس القرشي وضيق على جمال الدين ناظر الجيش على بدر الدين كاتب السر وكانا رجعا من شقحب مقهورين وسجن جماعة من الأمراء ممن أسر في الوقعة منهم ايتمش ، واستقر الطباطبي في نقابة الأشراف والنظر عليهم عوضا عنالشريف شرف الدين ابن قاضي العسكر واستقر علاء الدين على الكركي في كتابة السر عوضا عن بدر الدين ابن فضل الله لانقطاعه أيضا بدمشق واستقر أبو عبد الله الركراكي في قضاء المالكية عوضا عن بهرام ، لأن الظاهر شكر له ما اتفق عليه بسبب امتناعه من الكتابة في الفتوى المرتبة عليه ، وكان قد سجن إلى أن خلص مع بطا واستقر نجم الدين الطنبدي في الحسبة بالقاهرة عوضا عن سراج الدين القيسري ، واستقر نور الدينعلي بن عبد الوارث في الحسبة بمصر عوضا عن همام الدين .
وفي تاسع عشرين صفر جلس السلطان ليحكم على عادته بالإصطبل يومي الأربعاء والأحد ، فهرع الناس إليه واشتد خوف الرؤساء من البهدلة .
وفي صفر قبض بكلمش على كريم الدين ابن مكانس وضربه بالمقارع بسبب ما استأداه من دواوينه في أيام الناصري ، فهرب فقبض على أخويه فخر الدين وزين الدين وجماعة من حواشيه ، واستقر علم الدين سن إبرة في نظر الدولة ، واستقر تاج الدين المليحي في نظر الأحباسعوضا عن شمس الدين الدميري ، واستقر عماد الدين الكركي أحمد بن عيسى أخو علاء الدين الذي استقر في كتابة سر الشام في قضاء الشافعية عوضا عن بدر الدين ابن أبي البقاء ، وكان عماد الدين وأخوه هذا قد بالغا في خدمة الظاهر بالكرك ، فعظمهما وقدمهما ، وكانت ولاية عماد الدين للقضاء في ثالث شهر رجب ، والسبب فيه أنه لم يحضر من الكرك إلا بعد أن استهل رجب ، فخرج إليه أخوه لتلقيه وخرج معه الأعيان ، فحضر عند السلطان في ثاني رجب ، فعظمه جدا ومشى له خطوات وعانقهثم خلع عليه بولاية القضاء في صبيحة ذلك اليوم .
وفي ثامن جمادى الأولى بعد إطلاق أكثر الأمراء المحبوسين استقر الطنبغا الجوباني نائب السلطنة بدمشق ، وجهزت صحبته العساكر لقتال منطاش ، فوصلوا في جمادى الآخرة ، فبرز لهم منطاش فقاتلهم ثم انهزم ،ثم بلغه أن ايتمش ومن معه في الحبس بقلعة دمشق وثبوا على نائبها ، فأمسكوه وملكوا القلعة ، فكر راجعا إلى دمشق ، فقتل من قدر عليه وأخذ ما أمكنه من الأموال وتوجه إلى الجهة الشمالية ، وتسلل أكثر من كان مع منطاش إلى الظاهر ، فدخلوا القاهرة أرسالا واستولى الطنبغا الجوباني على دمشق وقبض على ما أمكنه من أصحاب منطاش ، فلما وصلت الأخبار إلى القاهرة بذلك زينت عشرة أيام ، ثم قدم عسكر طرابلس باستدعاء منطاش فوجدوه قد هرب ، فقبض على أعيانهم أخذا باليد وجهزت سيوفهم إلى القاهرة .
وفي العشرين حضر السلطان دار العدل ، ولم يدخلها المنصور منذ خلع الظاهر ، ولما فرغ الموكب دخل السلطان القصر فحضر الخليفة ومعه القضاة . فقريء عهد السلطنة بحضرتهم وحضور الأمراء وخلع على الخليفة وركب من باب القصر حجرة بسرج ذهب وكنبوش مزركش ،وكان الحنفي ضعيفا فلم يحضر ، وحضر المناوي وهو معزول فجلس تحت الحنبلي .
وفي الثاني عشر من شهر رجب وصل بدر الدين ابن فضل الله وجمال الدين العجمي إلى القاهرة فأمرا بلزوم بيوتهما وأغرم كل منهما مالا كثيرا .
وفيه استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في ولاية القاهرة .
وفيه قوى كمشبغا بحلب على النائب الذي بها من جهة منطاش ، وكان كمشبغا لما انهزم في وقعة شقحب سار إلى حلب في البرية ، فوصل في ثامن عشر المحرم فدخلها مختفيا ، ثم التفت عليه جماعة من الظاهريةفحاصروا القلعة وقد قبضوا على ولد نائبها حسين ابن الفقيه فهددوه بقتل ولده ففتح لهم الباب ، فدخلوها وأرسلوا إلى كمشبغا فملكها ، فحاصره النائب من قبل منطاش وهو تمنتمر وعاونه أهل بانقوسا ، فأحرقوا باب القلعة والجسر الواصل ، ونقبوا من ثلاثة مواضع ، فرمى عليهمكمشبغا بالمكاحل وصار يتخطفهم بالكلاليب ، فدام ذلك نحو شهرين أو أكثر ، فلما سمع تمنتمر هرب منطاش من دمشق خاف على نفسه ، فهرب ، فبلغ ذلك كمشبغا فعمر الجسر وخرج فقاتل أهل بانقوسا ، وعمر أسوار حلب أحسن عمارة في أسرع وقت ، وكانت من وقعة قازان خرابا . فلما انتصر كمشبغا عليهم قتل غالب أهلها ، وهم زيادة على أربعة آلاف نفس ، وقتل كبيرهم أحمد بن الحرامي ، وخربها إلى أن جعلها دكا ، وقتل قاضي حلب وغيره صبرا ، كما سيأتي في الوفيات ، فلما بلغ ذلك كله السلطان أعجبه ، وأرسل إلى كمشبغا يطلب منه الحضور إلى القاهرة فحضر ، وكان ما سنذكره .
وفي العشرين من رجب كان شاع أن بطا يريد أن يثير الفتنةفحل سيفه بحضرة السلطان في القصر وعمل في عنقه منديلا واستسلم للموت ، فشكر الظاهر فعله وبرأه مما نقل عنه ، وجمع الأمراء وحلفهم وحلف المماليك وطيب خواطرهم وأحضر مملوكا يقال إنه الذي أثار الفتنة فضربه وسجنه .
وفي رجب خرج يلبغا الناصري والطنبغا الجوباني بالعساكر من قبلالظاهر وقد قرر في نيابة دمشق الطنبغا الجوباني وقرادمرداش في نيابة طرابلس ومأمورا في نيابة حماة وتوجه عليهم يلبغا الناصري ومعه جماعة من المماليك الظاهرية وغيرهم ، فتوجهوا إلى دمشق ، فبلغ ذلك منطاشا وكان قد جبا من الأموال من أهل دمشق شيئا كثيرا فخرج بها وهي نحو من سبعين حملا في ثالث عشر جمادى الآخرة بعد أن قتل ممن هو من جهة الظاهر نحو مائة وعشرين نفسا ، واستصحب معه ابن جنتمر وابن اينال اليوسفي ، وسار من دمشق فخرج ايتمش من الحبس فملك القلعة وراسل الجوباني ، فدخل الجوباني دمشق وهرب محمد بن اينال اليوسفي ونحو مائتي نفر من منطاش ، فرجعوا إلى دمشق ، ثم خرج الطنبغا الجوباني والناصري ومن معهم وانضم إليهم في طلب منطاش فالتقوا بهبين حمص وقوسا فانكسرت الميمنة وفيها الناصري ، فانهزم وثبتالجوباني فخامر عليه بعض من معه فجرح في رأسه فسقط فقتله نعير بيده وتمت الهزيمة ، واتفق أن ميسرة العسكر كسرت منطاشا ففر في طائفة فلما بلغه قتل الجوباني رجع فقتل آقبغا الجوهري ومأمورا ، ووقع النهب في العسكر من العرب والتركمان ورجع الناصري إلى دمشق فبلغت هذه الأخبار السلطان فساءه قتل الجوباني ، وقرر يلبغا الناصري في نيابة دمشق ، وجهز أبا يزيد الذي كان اختفى عنده لما هرب وصحبته شمس الدين الصوفي لكشف الأخبار ، وكان الصوفي من العباسة - بلدة معروفة بالشرقية ، وكان قد اتصل بالظاهر لما كان بالكرك ، وشهد معه وقعة شقحب ، وتزيا له بزي الخليفة وانتسب عباسيا فحصلت لبرقوق بذلك منه نوع مساعدة وفي رمضان نزل نعير على سرمين فثار عليه أحمد بن المهمندار في عسكر كبير من التركمان فأسروا ابنه عليا وهزموه وأرسلوا ابنه إلى كمشبغا فاعتقله .
وفي ثامن رمضان استقر ناصر الدين محمد بن رجب في شد الدواوينعوضا عن ابن آقبغا آص .
وفي سابع عشر رمضان استقر مجد الدين إسماعيل الكناني البلبيسي الحنفي في قضاء الحنفية عوضا عن شمس الدين الطرابلسي بحكم عزله .وفي العشرين من رمضان أعيد أبو الفرج إلى الوزارة وقبض على سعد الدين ابن البقري .
وفيها غلب ابن أبان التركمان على طرابلس في أثناء الفتنة بين الظاهر ومنطاش ، فأرسل إليها الظاهر قرادمرداش فغلب عليها ثم نقله الظاهر إلى نيابة حلب ، وأمر كمشبغا بالتوجه إلى القاهرة فاستقر بهاأميرا كبيرا .
وفيها وصل رسل صاحب تونس أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصي ومقدمهم محمد بن علي بن أبي هلال صحبة الركب القاصد إلى الحج ، وحج معهم أبو عبد الله بن عرفة الفقيه المشهور وقد أجاز إلى المذكور بعد أن رجع من الحج في السنة المقبلة .
وفيها نازل منطاش ونعير حلبا فتحصن كمشبغا من أول رمضان إلى العشر الأخير منه فراسل نعير كمشبغا يعتذر ، فبلغ ذلك منطاشا ، فأخذ حذره من نعير وخدعه بأن طلب منه جماعة من العرب يغيرون معه على بعض التركمان فأرسل معه جماعة ، فلما بعدوا ونزلوا بالليل أخذ خيولهم وتوجه إلى البلاد الشمالية ، وكان نعير مل من الحرب فأرسليعتذر إلى السلطان ويطلب منه الأمان فقبل ذلك منه وأرسل إليه بما يرغب فيه ، فسار منطاش إلى مرعش وهرب معه عنقا ابن شطى واجتاز باعزاز فانتهبها ، ثم نازل منطاش عيتاب ومعه سولى بن دلغادر . وذلك في شوال فغلب عليها وأوقع فيها النهب والتخريب إلى أن تفرق أهلها شذر مذر بعد أن كان نادى لهم بالأمان ، ثم غدر بهم ، ثم حاصر القلعة وتحصن نائبها محمد بن شهري التركماني بقلعتها ، ثم كبس على منطاش فقتل أكثر من معه ، ومع ذلك فدام الحصار إلى آخر السنة إلى أن تجهز يلبغا الناصري نائب الشام ونائب حلب إليه ، وقبل وصولهم بيوم هرب منطاش ، وقدم محمد بن بيدمر الذي كان أبوه نائب الشام وسندمر رأس نوبة منطاش مستأمنين في طائفة من المنطاشية فأكرمهم السلطان .
وفيها قتل الأمير بردوباك بن ارتنا صاحب الروم واستقر بعدهفي مملكة الروم أبو يزيد بن عثمان .
وفي شوال عطش الحاج بعجرودا حتى بلغت القربة مائة درهم فضة ، ووقع بين عمالهم العرب الكثير لما رجعوا وكان أمير الأول بيسق أمير آخور وأمير المحمل عبد الرحيم بن منكلى بغا .وفي أواخر ذي الحجة استقر ناصر الدين ابن الحسام وزيرا عوضا عن أبي الفرج فاستخدم الوزراء الذين كانوا قبله وهم شمس الدينالمقسي وسن إبرة في نظر الدولة وفخر الدين بن مكانس وسعد الدين ابن البقري في استيفاء الدولة ، وأعيد محمد بن آقبغا آص إلى شد الدواوين ونقل ناصر الدين ابن رجب إلى كشف المعاصر عوضا عن خاله ناصر الدين ابن الحسام المذكور ، وكان ابن الحسام أولا يخدم عند سعد الدين ابن البقري دويدارا واقفا في خدمته لما كان ناظر الخاص فانعكس الحال وصار ابن البقري تحت أمره وربما يكلمه الكلام الفض ، فلله الأمر .
وفي شوال جهزت عائشة خوند أخت الملك الظاهر للحجرة الشريفة كسوة حرير منقوش بالغت في تحسينها وطرزت بابها بالزركش .
وفي رمضان توجه ابن الحسام إلى الصعيد فحصل بها الأموال السلطانية فكبس عليه ابن التركية ونهب جميع ما حصله ، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إليه عسكرا .وفيها اختلفت كلمة التركمان وتحزبوا أحزابا بعد قتل قرا محمد ، ووقع بينهم وقائع كثيرة إلى أن أصلح بينهم سالم الدوكاري .
وفي رمضان نزل الفرنج على طرابلس فلما أشرفوا على المينا أرسل الله عليهم ريحا فرقت مراكبهم وغرق الكثير منهم فردوا عن طرابلس ، فقصدوا البسكرية فنازلوها وبها أبو العباس صاحب تونس ففتح لهم البلد فدخلوها فقاتلهم وكسرهم بعد أن قتل منهم خلائق .
وفيها قتل صاحب تلمسان أبو حمو بن يوسف بن عبد الرحمن ابن يحيى ، قتله ولده وغلب على ملكه ، وكانت دولة أبي حمو إحدى وثلاثين سنة .وفي ذي الحجة استقر قرا دمرداش في نيابة حلب نقلا من طرابلس واستقر في طرابلس اينال ابن خجا علي وسولى بن دلغادر في نيابة الأبلستين ، وتوجه كمشبغا من حلب إلى جهة القاهرة .
وفيه منع من تلبس العمامة ومن ركوب الخيل إلا الوزير وكاتب السر وناظر الخاص ، وأذن لهم في ركوب البغال ونودي أن الطحانين لا يستعملون الخيل الصحاح ، وكذلك الحمارة .
وفيها مات فخر الدين ابن سبع الخولى فأرسل السلطان قرقماش الخزندار إلى زفتا بلد المذكور للحوطة على ماله وكان المذكور نصرانيافأسلم ثم وقع في واقع كما تقدم في الحوادث أولا وثانيا فاتفق أن بعض أعدائه قتله في الحمام غيلة ، فيقال إنه حمل من ماله ألف ألف ومائتي ألف درهم ، ووجد له من الغلال والمواشي والرقيق ما يساوي ألفي ألف وكان يزرع في كل سنة ألف فدان ، ويطعم كل ليلة مائة نفس ، وكان قتله في جمادى الآخرة .
وفيات سنة 792
ذكر من مات في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله الواسطي أحد من كان يعتقد بالقاهرة ، مات في جمادى الآخرة .
إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الحراني الخواجا برهان الدين التاجر ، سمع الصحيح على الحجار وحدث ، مات في ربيع الآخر .
أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليانبن هاشم بن مرزوق المخزومي المكي الشافعي القرشي القاضي شهاب الدين ، ولد سنة ثماني عشرة وسمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي والأقشهري والوادي آشي وغيرهم ، وحدث وتفقه على النجم الأصفوني والعلائي وأذن له في الإفتاء ، وأخذ القراآت عن البرهان المسروري مقريء مكة وتقدم في العلم ، ودخل بلاد المغرب فأخذ عن بعض الشيوخ هناك ودرس وأفتى وأقرأ ، ثم ولي قضاء مكة بعد أبي الفضل النويري ، ثم عزل بولد أبي الفضل ومات وهو معزول في شهر ربيع الأول عن أربع وسبعين سنة ، وكانت مدة ولايته سنة وتسعة أشهر ، وكانجليلا مهابا وقد ولي قضاء مكة بعده ابن أخيه الشيخ جمال الدين ثم ولده أبو البركات بن الشهاب ثم ولده أبو السعادات .
أحمد بن عبد الله بن فرحون المدني المالكي قاضي المدينة ، مات في رمضان .
أحمد بن موسى بن علي شهاب الدين ابن الحداد الزبيدي الحنفي ، كان عارفا بالفرائض ، مات في ذي الحجة .إسماعيل بن حاجي الهروي شرف الدين الفقيه كان من العلماء الشافعية ببغداد في المستنصرية ، ودرس في الحاوي ، ثم قدم دمشق في حدود السبعين ، فأفاد بها بالجامع وغيره ودرس بالمعينية وغيرها ، وكان دينا خيرا تصدق بما يملكه في مرض موته ، ومات في صفر .
آقبغا بن عبد الله الجوهري اليلبغاوي قتل في وقعة حمص وقد قارب الستين ، وكان كثير المعرفة يذاكر بمسائل فقهية مع حدة خلق .
الطنبغا بن عبد الله الجوباني التركي أحد كبار الأمراء تنقل في الولايات إلى أن قتل بدمشق وهو نائبها ، وكان يحب العلماء خصوصا الأدباء ويجمعهم عنده ويسمع كلامهم ويختبر مدائحهم .خليل بن إبراهيم الحافظي روى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره وحدث وتفرد ، مات في ربيع الأول .
سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي كان عارفا بمذهبه ، مات في ذي الحجة بالقاهرة وكان أكولا مشهورا بذلك .
عبد الرحمن بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي ، كتب الكثير بخطه من تصانيف أبيه وكان بزي الجند ، وقد ذيل على تاريخ أبيه قليلا ، مات في ذي القعدة .
عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي ، قدم دمشق فاشتغل ومهر واستنابه التاج السبكي في إمامة الجامع والخطابة فاستمر ينوب في ذلك إلى أن مات ، وكان دينا خيرا ملازما للجامع يشغل الطلبة ، مات في ربيع الآخر .
عثمان بن عبد الله الأبار نزيل جامع عمرو بن العاصي ، كان أحد من يعتقده المصريون ، مات في رجب .علي بن خلف بن كامل بن عطاء الله الشافعي الغزي قاضي غزة ، ولد سنة تسع وسبعمائة وحدث عن الحجار بالصحيح سماعا وأخذ عنه الرحالة ، وسمع من أبي بكر بن عنبر وزينب بنت يحيى بن عبد السلام وغيرهما ، وتفقه على أخيه الشيخ شمس الدين صاحب ميدان الفرسان وعلى العماد الحسباني وغيرهما ، وولي قضاء غزة فرأس بها ، قرأت في تاريخ ابن حجي : كان له اشتغال قديم بدمشق وأخذ عن ابن الفركاح وهو أسن من أخيه ويقال إن أخاه قرأ عليه أولا وكذلكالعماد الحسباني ، وكان يفتخر بذلك ثم تقدما وتأخر هو ومات بغزة في أحد الربيعين ، ويقال في جمادى الأولى ويقال في صفر ويقال في شعبان ، وسمع أيضا من زينب السلمية .
علي بن عبد الله المغربل أحد من كان يعتقد بالقاهرة ، مات في جمادى الأولى بزاويته التي بالقرب من المقس .علي بن أبي علي الجعيدي سلطان الحرافيش ، مات في سادس عشر جمادى الأولى ولم يأت بعده في فنه مثله .
عمر بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم بن سعيد الكتاني - بالمثناة المشددة ثم النون - زين الدين القرشي البلخي الأصل القبيباتي ، ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة واشتغل كثيرا وسمع الكثير وعني بالحديث والفقه والأصول والعربية وكان يعمل المواعيد وللناس فيه محبة واعتقاد وقد امتحن مرة بسبب المذهب التيمي كما تقدم في الحوادث ، ثم امتحن بصحبة ولده لمنطاش وكان مسجونا بقلعة دمشق في جمادى الآخرة .قرأت بخط المحدث برهان الدين : بحلب اجتمعت به فوجدته عالما كثير الاستحضار في فنون منها التفسير والفقه والأصول يحفظ متونا كثيرة جدا وألفاظ التفسير كما هي ويجود غرائب من المتون وزيادات غريبة يعزوها ويعرف أسماء الرجال وطبقاتهم ويتكلم في الصحيح والضعيف ولم يكن عنده مكر ولا غش مع الدين والخير وملازمة السنة .
وقرأت في تاريخ ابن حجي : ورد إلى دمشق بعد الأربعين فنزل القبيبات وقرأ وأخذ عن خطيب جامع جراح شرف الدين قاسم وعن البهاء الإخميمي واشتغل بعلم الحديث وبعمل المواعيد النافعة للعامة والخاصة حتى إن كثيرا من العوام انتفعوا به وصارتلديهم فضيلة مما استفادوا منه ، وكان مع ذلك يتصدى للإفتاء والإفادة ودرس بالمسرورية والناصرية ، ولما ولي القاضي برهان الدين بن جماعة وقع بينهما بسبب الناصرية ووكل به لاستعادة المعلوم مدة ، فذهب إلى مصر فردوه من الطريق وسجن بالقلعة ثم اصطلح مع ابن جماعة وعوضه الأتابكية ثم لما ولي ولده القضاء أعطاه الخطابة والناصرية والأتابكية ودار الحديث الأشرفية ، فلما عادت دولة الظاهر أخذ وسجن بالقلعة وكان التاج السبكي هو الذي أدخله بين الفقهاء فلما امتحن تاج الدين كان هو أشد من قام عليه ، وكان مشهورابقوة الحافظة ودوام المحفوظ ، قل أن ينسى شيئا حفظه ، وكان كثير الإنكار على أرباب التهم ، شجاعا مقداما كثير المساعدة لطلبة العلم لا يحابي ولا يداهن ، واقتنى من الكتب النفيسة شيئا كثيرا وكان لا يمل من الاشتغال ، مات في ثالث عشر ذي الحجة مسجونا بقلعة دمشق .
محمد بن أحمد بن علي المصري شمس الدين المعروف بالرفاء ، عني بالعلم قليلا . وسمع الحديث فأكثر وسمع العالي والنازل وجاور كثيرا فكان يلقب حمامة الحرم وكان يسكن الناصرية بين القصرين ، صحبته قليلا ، ومات في جمادى الأولى .
محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب فخر الدين ابن مجد الدين سبط شرف الدين ابن الحافظ ، سمع من يحيى بن سعيد وابن الشحنة والتقي ابن تيمية وغيرهم ، وكان مكثرا من الحديث وقد تفقه علىجده وأذن له في الإفتاء وكان فاضلا ذكيا يتعانى كل شيء يراه حتى الخياطة والنجارة والبناء والموسيقى مع حسن الشكالة ولطف المعاشرة ورقة النظم ، مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة .
محمد بن إسماعيل الافلاقي المالكي ، كان فاضلا ينظم الشعر نظما وسطا ، مات في سادس جمادى الأولى .
محمد بن بلبان الناصري ابن المهمندار أحد أكابر الأمراء بحلب ، ثم ولاه الظاهر برقوق نيابة القلعة ، فلما خامر يلبغا الناصري على الظاهر سلمه ابن بلبان القلعة ، ثم لما غلب الناصري ومنطاش على الملك وسجن الملك الظاهر برقوق وثار منطاش على الناصري صادر ابن بلبان هذاعلى مال كثير ثم قتله في هذه السنة وخلف ولدين : أحمد ولي نيابة حماة بعد ذلك ومحمدا كان حاجبا بحلب .
محمد بن عبد الله ابن أبي بكر الحثيثي - بمهملة ومثلثتين مصغر الصردفي جمال الدين الريمي - بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة - نسبة إلى ريمة ناحية اليمن - اشتغل بالعلم وتقدم في الفقه فكانت إليه الرحلة في زمانه ، وصنف التصانيف النافعة ، منها شرح التنبيه في أربعة وعشرين سفراأثابه الملك الأشرف على إهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم يكون قدرها ببلادنا أربعة آلاف مثقال ذهبا ، وله المعاني الشريفة و بغية الناسك في المناسك و خلاصة الخواطر وغير ذلك ، ولي قضاء الأقضية بزبيد دهرا من ذي الحجة سنة تسع وثمانين إلى أن مات في أواخر المحرم ، وقيل في أول صفر ، قال لي الجمال المصري : كان الريمي كثير الازدراء بالنووي ، فرأيت لسانه في مرض موته وقد اندلع واسود فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية للناظرين ، رب سلم .
محمد بن عبد الله الصرخدي شمس الدين كان عارفا بأصول الفقه ، مات بدمشق ، وكان قد أخذ عن العنابي في العربية وتفنن حتى صار أجمع أهل دمشق للعلوم ، فأفتى ودرس وشغل وصنف ، وكان يقال إن قلمه أقوى من لسانه ، وكان متقللا لم يتفق أنه حصل له شيء منالمناصب إلا أنه تصدر بالجامع وناب في عدة مدارس عن الصبيان الذين تقرروا مدرسين بغير تأهل ، وكان شديد التعصب للأشعرية . كثير المعاداة للحنابلة ، وله اختصار إعراب السفاقسي واعترض عليه في مواضع وشرح المختصر في ثلاثة أسفار واختصر قواعد العلائي ومهمات الأسنوي ، وكان كثير العيال مقلا من الدنيا ، مات في ذي القعدة .محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي ابن الكشك صدر الدين ابن علاء الدين ، اشتغل قديما وتمهر ، ودرس وأفتى وخطب بحسبان مدة ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين ، ثم ولي قضاء مصر بعد ابن عمه فأقام شهرا ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه ، ثم بدت منه هفوة اعتقل بسببها ، ثم مات في هذه السنة بعد أن أقام مدة فقيرا خاملا إلى أن جاء الناصري فرفع إليه أمره فأمر برد وظائفه إليه ، فلم تطل مدته بعد ذلك ، ومات في ذي القعدة .
محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني ثم الدمشقي شمس الدين ابن شرف الدين ، سمع من الحجار وحدث ، وكان ينسب إلى غفلة .
محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسي صلاح الدين ، نزيل مصر ، سمع صحيح مسلم على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالبوالعز محمد بن عبد الحميد وتفرد به عنهما بالسماع ، وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن ياسين لكنه كان حاضرا ، وقد اجتمعت بصلاح الدين هذا مرارا ، وأشك هل سمعت عليه شيئا أو أجازني أم لا ? مات في رمضان عن سبع وثمانين سنة .
محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم اللخمي الدمشقي المحدث شمس الدين ، ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، وعني بالحديث وطلب من سنة بضع وأربعين ، فسمع من فاطمة بنت العز خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل ومن جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم ، وصنف وخرج وكتب العالي والنازل وعنده عن أبي الفتح الميدومي ومن بعده كابن الملوك وأحمد بن المظفر ، وكان يقول إنه تخرج بهوأخذ أيضا عن الذهبي ، وذكره في المعجم المختص وهو آخر من ذكر فيهم وفاة وكان حسن القراءة جدا مع الذكاء المفرط ، وله محفوظات ، وأخذ العربية عن المراكشي ، وأذن له في الإقراء في العربية سنة خمسين ، وصحب العلائي وابن كثير والسبكي ، وأخذ أيضا عن شرف الدين خطيب جامع جراح وناب عن بعض القضاة الشافعية كالتاج السبكي ، وكان شديد اللزوم له وقارئا لتصانيفه في دروسه ، وناب عنه في مشيخة دار الحديث الأشرفية وغيرها ، ثم تحول مالكيا ، فناب عن بعض المالكية ثم رجع ، فناب عن ولي الدين ابن أبي البقاء ، ومات شافعيا في خامس صفر ، ووهم من أرخه سنة إحدى ، وهو القائل :
الحافظ الفرد إن أحببت رؤيته
فانظر إلي تجدني ذاك منفردا
كفى لهذا الدليل أنني رجل
لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سنداأنشدناه عنه شرف الدين القدسي .
وقرأت بخط البرهان المحدث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطا فاحشا ، قال : وكان عالما ، له يد في النحو والحديث ، حسن الشكل ، كيسا ، متواضعا ، لين الجانب ، وكان يعمل الميعاد فيسرده من غير تلعثم ويعمل أشياء حسنة .
وقرأت بخط ابن حجي أنه تغير في آخر عمره تغيرا شديدا ، ونسي بعض القرآن ، فكان يقال إن ذلك لكثرة وقيعته في الناس .
موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمر اسن التلمساني من بني عبد الواد بطن من زناتة يكنى أبا حمو ، وهو بها أشهر ، ملك تلمسان بعد أبيه ، وجرت له مع جماعة حروب وخطوب مع ولده أبي تاشفين ، وقد ذكرت بعضها في الحوادث ، وكان قتله في ثالثالمحرم هذه السنة .
يعقوب بن عيسى الأقصراي شرف الدين ثم الدمشقي ولد سنة عشرين ، وسمع من الحجار والمزي وغيرهما ، وحدث وخطب ودرس وناب في الحكم ، وكان رجلا خيرا ، مات في دمشق في ذي الحجة .
حوادث سنة 793
سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
في صفر حضر كمشبغا من حلب فأمر السلطان بتلقيه .
وفي المحرم احتال الناصري وايتمش فأظهرا التنافس وألبس الناصري مماليكه وأظهر الخروج عن طاعة السلطان وأمر مناديه فنادى : من كان من جهة منطاش فليحضر ، فحضر إليه ألف ومائتا نفس فقبض عليهم وسجنهم .
وفيها توجه منطاش في جمادى الآخرة من مرعشإلى العمق ، ثم سار منها إلى سرمين ثم إلى حماة ثم إلى حمص ثم إلى بعلبك ، فبلغ ذلك الناصري فخرج إليه من طريق الزبداني فخالفه منطاش إلى دمشق ، فنزل القصر الأبلق ، وذلك في رجب ، وسار أحمد شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان ، ولاقى منطاش بالخيول ، فرجع الناصري فاقتتلا قتالا كثيرا ، وكاتب الناصري السلطان يستحثه على الوصول لدمشق ، فاتفق خروج السلطان في العساكر في أواخرشعبان إلى أن بلغ دمشق في رمضان ، فلما قرب من دمشق هرب منطاش ، فدخل في العشر الأخير من رمضان ، ثم توجه إلى حلب فدخلها في العشر الأخير من شوال ، وكان الناصري في أول السنة أظهر الخروج عن طاعة السلطان ونادى : من كان من جهة منطاش فليحضر إلي أستخدمه ، فحضر إليه أكثر من ألف نفس فحبسهم ، فلما بلغ السلطان ذلك شكره ، وكان طروق منطاش البلاد الشامية في جمادى الآخرة ، فأول ما طرق سرمين ، فبلغ ذلك نائب حماة فخاف منه فهرب فدخل حماة بغير قتال ، ثم كثر جمعه فتوجه إلى حمص ، فهربصاحبها إلى دمشق ، فملكها أيضا ثم توجه إلى دمشق ، فلما وصل إلى بعلبك هرب نائبها أيضا ، فدخلها بغير قتال ولم يشوش على أحد من أهل هذه البلاد ، ثم توجه إلى دمشق فخرج إليه الناصري بعساكر دمشق من جهة الزبداني ، وكان منطاش قد توجه إلى جهة طرابلس فخالف شكر أحمد التركماني ، وكان من جهة منطاش الطريق التي توجه منها الناصري في العسكر ، فدخل دمشق فالتفت عليه جماعة من البيدمرية فأخذ منها خيولا كثيرة وتوجهوا بها إلى منطاش ، فقوي بهم ورجع إلى دمشق من طريق أخرى ونزل القصر الأبلق ، وبلغ ذلك الناصري فرجع وحاصره بدمشق ودام القتال بينهما وقتل من الطائفتين جماعة ونهبت دور كثيرة وخربت ، فلما طال الحصار ترك منطاش دمشق وتوجه إلى بعلبك ، فوصل نعير فيمن معه من العرب والتركمان فقاتلالناصري وكاتب السلطان واستحثه على المجيء إلى الشام ، فخرج في العساكر واستخلف في غيبته كمشبغا في الاصطبل وسودون النائب بالقلعة والصفوي حاجب الحجاب ، واستصحب معه الخليفة والقضاة والمباشرين وجماعة من القضاة والمباشرين المعزولين ، فوصل دمشق في الثاني والعشرين من شهر رمضان ، فدخل في طاعته جميع المخالفين من العرب والتركمان ولم يشهر في وجهه سيف ، وكان يلبغا الناصري التقاه فترجل له السلطان وأركبه من مراكيبه الخاصة وصلى الجمعة ثاني يوم قدومه ، ونادى في البلد بالأمان وأن الماضي لا يعاد ، فكثر الدعاء له ، وولي القاضي شهاب الدين الباغوني قضاء الشام والخطابةوعزل الزهري وكان بدر الدين ابن أبي البقاء أخذ الخطابة عن سري الدين ، فلما دخل الناصري مصر وغلب على المملكة نزل عنها ابن أبي البقاء لابن القرشي فأضافها إلى القضاء ، فلما عزل منطاش ابن القرشي عن القضاء وولاه الزهري استمر حتى دخل برقوق دمشق فعزله ، وولى الباغوني وأرسل إليه نعير بالطاعة والاعتذار عما جرى منه والتزم لهبإحضار منطاش بعد أن طلب لنفسه الأمان ولأصحابه فأجيب سؤاله ، ووصل إليه رسول سولى بن دلغادر يتنصل من الذي جرى منه وأرسل هدية جليلة ، منها مائتا اكديش واستناب في قلعة دمشق سودون باق فظلم الناس بالمصادرة وسفك الدماء فلم يفلح وقتل بعد ذلك ، وبرز السلطان إلى برزة في سابع شوال ، وسار في تاسعه طالبا للبلاد الحلبية ، وقرر فخر الدين ابن مكانس وزيرا بالشام فوصل إلى حلب في الثانيوالعشرين منه فقرر بدر الدين ابن فضل الله في كتابه السر عوضا عن علاء الدين الكركي بحكم ضعفه وكان استصحب ابن فضل الله معه بطالا ، وأمر الكركي بالعود إلى دمشق فأقام بها متمرضا من أول غيبة السلطان في سفرته إلى حلب ، فلما عاد وجده على حاله من الضعف فتوجه صحبته إلى مصر فاستمر بها ضعيفا إلى أن مات ، ووصل إلى السلطان كتاب من صاحب ماردين يتضمن أنه اجتمع عنده ثلاثة عشر أميرا من الأشرفية وجملة من المماليك فجهز إليه اينال اليوسفي فتسلمهم وأحضرهم صحبته بعد أيام قلائل وكان كبيرهم قشتمر الأشرفي فشكر السلطان ذلك لصاحب ماردين ، ووصل أيضا كتاب من سالم الدوكاريالتركماني يخبر السلطان الظاهر أن منطاش في قبضته فجهز السلطان دمرداش نائب حلب في جريدة من إحدى الجهات وجهز يلبغا الناصري نائب دمشق في جريدة أخرى من جهة أخرى ، فوصل دمرداش إلى سالم وأقام عنده أربعة أيام
يماطله في تسليم منطاش ، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل جماعة من أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار ثم قدم يلبغا الناصري بعد الهزيمة ، فتفاوض هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على دمرداش ثم أصلح الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن الناصري هو الذي كاتب منطاش أولا حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل عنه في أول الأمر وآخره وأحضر إليه كتابا من عند سالم التركماني أن الناصري أرسل إليه يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقولفيه بأنه ما دام موجودا فنحن موجودون ، فلما وقف السلطان على ذلك خلا بالناصري فعاتبه على ذلك عتابا كثيرا ، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر بذبحه ، فذبح بحضرته ، وذلك في ذي القعدة ، ثم تتبع جماعة من أصحابه بالقتل والحبس ، منهم أحمد بن المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق بطا الدويدار ، وفي نيابة حلب جلبان عوضا عن قرا دمرداش ، واستصحب قرا دمرداش إلى القاهرة ، وفي نيابة طرابلس فخر الدين إياس ، وفي نيابة حماة دمرداش المحمدي ، واستقر أبو يزيد دويداراعوضا عن بطا ، ثم رجع السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة ، فقتل بها جماعة من الأمراء ، منهم أحمد بن بيدمر ، وكان شابا حسن الشكل فحزن عليه جميع من بدمشق ، ومحمد بن أمير علي المارداني ، وكمشبغا المنجكي ، وقرابغا الأشرفي وغيرهم ، وخرجمنها في ثالث عشرين ذي الحجة متوجها إلى القاهرة . طله في تسليم منطاش ، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل جماعة من أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار ثم قدم يلبغا الناصري بعد الهزيمة ، فتفاوض هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على دمرداش ثم أصلح الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن الناصري هو الذي كاتب منطاش أولا حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل عنه في أول الأمر وآخره وأحضر إليه كتابا من عند سالم التركماني أن الناصري أرسل إليه يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقول فيه بأنه ما دام موجودا فنحن موجودون ، فلما وقف السلطان على ذلك خلا بالناصري فعاتبه على ذلك عتابا كثيرا ، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر بذبحه ، فذبح بحضرته ، وذلك في ذي القعدة ، ثم تتبع جماعة من أصحابه بالقتل والحبس ، منهم أحمد بن المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق بطا الدويدار ، وفي نيابة حلب جلبان عوضا عن قرا دمرداش ، واستصحب قرا دمرداش إلى القاهرة ، وفي نيابة طرابلس فخر الدين إياس ، وفي نيابة حماة دمرداش المحمدي ، واستقر أبو يزيد دويدارا عوضا عن بطا ، ثم رجع السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة ، فقتل بها جماعة من الأمراء ، منهم أحمد بن بيدمر ، وكان شابا حسن الشكل فحزن عليه جميع من بدمشق ، ومحمد بن أمير علي المارداني ، وكمشبغا المنجكي ، وقرابغا الأشرفي وغيرهم ، وخرج منها في ثالث عشرين ذي الحجة متوجها إلى القاهرة .
ذكر بقية الحوادث الكائنة في هذه السنة
في المحرم أمسك أبو الفرج موفق الدين الوزير وصهره سعد الدين ابن البقري فصودرا .
وفي ثامن صفر أمر الظاهر بهدم سلالم البوابة التي لمدرسة السلطان حسن والبسطة التي قدام الباب إلى العتبة ، وقفل الباب وسدمن داخله وأمر بفتح شباك مقابل باب الإصطبل وجعل بابا إلى المدرسة فصار الناس يستطرقون منه ، وكان أحد قاعات المدرسين ، وسدت الطرق إلى الأسطحة والمؤاذن وأبطل الأذان على المنارتين ، وجعل على الباب الذي فتح ، كل ذلك لما حدث من منطاش ومن بعده من اتخاذهم المدرسة المذكورة عدة لمن يحاصر القلعة ، ودام ذلك دهرا طويلا إلى أن أمر الأشرف قبل الثلاثين وثمانمائة بفتح الباب الكبير وإعادة السلم والبسطة فأعيد جميع ذلك .
وفيه ضرب حسين بن باكيش بالمقارع ، واستمر في الحبس إلى أن وسط في شعبان ، واستقر يلبغا المجنون كاشف الوجه القبلي ، وضرب القاضي شمس الدين بن الحبال قاضي طرابلس تأديبا بسببفتيا أفتى بها لمنطاش في حق السلطان .
وفي ثالث عشر ربيع الأول توجه يلبغا السالمي على البريد لتقليد نعير إمرة العرب ، فسمع في هذه السفرة على أبي هريرة ابن الذهبي الأربعين التي أخرجها له أبوه ، وحدث بها بعد ذلك .
وفي رابع جمادى الأولى وصل ايتمش من دمشق إلى القاهرة ، فتلقاه نائب السلطنة وأكرمه السلطان ومن دونه ، ووصل صحبته جمع كثير من الأمراء المسجونين بدمشق الذين كانوا قد خرجوا عن الطاعة وقاتلوه ومنعوه من دخول دمشق وأساؤا في حقه ، منهم آلابغاالدوادار وجنتمر أخوطاز ، وأمير ملك بن أخت جنتمر ، ودمرداش اليوسفي وتمام سنة وثلاثين أميرا فسجنوا ، ثم أطلق منهم جبريل الخوارزمي بشفاعة نعير ، ووصل صحبته أيضا شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي قاضي دمشق ، وفتح الدين ابن الشهيد كاتب السر بها ، وتاج الدين مشكور ناظر الجيش بها ، الثلاثة في الترسيم والجميع في القيود ، فصودر ناظر الجيش على مال وأطلق وسجن القاضي وكاتب السر ، وكان ابن القرشي أفحش في أمر الظاهر جدا حتى كان يقف على الأسوار ويصيح : إن قتال برقوق أوجب من صلاة الجمعة ثم قدم جبريل الخوارزمي فارا من منطاش فأكرمه السلطان ، ثم قبض عليهوعلى كثير من الأمراء وقتل أكثرهم توسطا وخنقا .
وفيه استقر قطلوبغا الصفوي حاجب الحجاب .
وفيه شرع في عمارة الوكالة الظاهرية بجوار وكالة قوصون .
وفي جمادى الآخرة استقر كمال الدين ابن العديم قاضي العسكر بحلب عوضا عن جمال الدين بن الحافظ بحكم استقراره في قضاء حلب عوضا عن محب الدين ابن الشحنة ، والبرهان الشاذلي المالكي في قضاء دمشق عوضا عن البرهان القفصي .وفيه قبض على جماعة من الأمراء الذين كان هواهم مع منطاش فسلموا للوالي فسمرهم ، ثم أمر بتوسيطهم فوسطوا منهم : اسندمر اليونسي وآقبغا الظريف ، وصربغا وإسماعيل التركماني وكزل القرمى في آخرين .
وفي نصف جمادى الآخرة ادعى رجل عجمي على القاضي شهاب الدين ابن القرشي قاضي دمشق بين يدي السلطان بأن لهفي جهته مالا فأحضره السلطان من البرج فأنكر الدعوى فلم يحتج خصمه إلى إقامة بنية بل أمر السلطان بضربه فضرب بحضرته بالمقارع نحو الخمسين شيبا وسلم للوالي وكان قد بالغ في الإساءة على الظاهر لما حاصر دمشق فحقد عليه فأمر الوالي بضربه عنده فكرر عليه الضرب مرات ، وبالغ في إهانته وآل أمره إلى أن ضرب بالمقارع مرة نحو المائتي شيب - ثم حبس فمات بعد قليل ، قيل إنه خنق وادعى جمال الدين الهذباني على أمير ملك بن جنتمر قريب بيدمر بمال فأمر السلطان بضربه ، فضرب بين يديه بالمقارع وتسلمه الوالي - فمات في يده .وفي هذا الشهر استقر قاسم ابن كمشبغا أمير طبلخاناة وهو ابن سبع سنين أو نحوها .
وفيه تتبع الوالي المماليك الأشرفية ممن كان مع بركة ثم منطاش فأفناهم قتلا وخنقا ، فمن قتل صرى تمر نائب الغيبة لمنطاش وتكا الأشرفي ودمرداش اليوسفي ودمرداش القشتمري وعلي الجركتمري وجنتمر أخو طاز الذي كان نائب الشام في أيام منطاش وتقطاي الطواشي الطشتمري الرومي أحد الشجعان ، ضربت رقابهم بالصحراء ظاهر القاهرة .
وفي شعبان أيضا قتل فتح الدين ابن الشهيد كاتب السر أحدالفضلاء ، رحمه الله وقتل حسين ابن الكوراني بخزانة شمائل في هذا الشهر أيضا ، وممن قتل أيضا أحمد ومحمد ابنا بيدمر وأحمد ابن محمد بن المهمندار وأرغون شاه وآقبغا المارداني وآقبغا الدباجوآلابغا العثماني .
وفي نصف رجب ادعى عند الركراكي قاضي المالكية بحضرة بتخاص الحاجب بالصالحية على الطنبغا الحلبي والطنبغا دويدار جنتمر بأمور تقتضي الكفر ، فحكم القاضي بإراقة دمهما ، فضربت أعناقهما بين القصرين .
وفي نصف شعبان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء الحنفيةعوضا عن شيخنا مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الكناني ، فكانت مدة مباشرته دون السنة .
وفي ثالث شعبان استقر شمس الدين ابن الجزري في قضاء الشافعية بدمشق وكتب توقيعه بالقاهرة ، وخرج مع العسكر عوضا عن مسعود ، ثم فتر أمره فإن السلطان لما دخل دمشق سعى مسعود وأعيد .
وفي رمضان استقر بهاء الدين ابن البرحي في الحسبة عوضا عن نجم الدين الطنبذي .
وفيه أمر كمشبغا نائب الغيبة أن لا يخرج النساء إلىالترب بالقرافة وغيرها ، وشدد في ذلك ، ومنع المتفرجين في الشخاتير ، وهدد على ذلك بالتغريق والتوسيط ، فحصل لأهل الخير بذلك فرح ، ولأهل الشر بذلك ترح ، ثم منع النساء من لبس القمصان الواسعة الأكمام ، وشدد في ذلك إلى أن رتب ناسا يقطعون أكمام من يوجد أكمامها واسعة ، وساس الناس سياسة حسنة حتى لم يتمكن أحد في مدة مباشرته الحكم في هذه الغيبة أن يتظاهر بفسق ولا فجور من هيبته .
وفي شوال نازل ابن عثمان قيسارية فملكها .وفيها سافرت إلى قوص وغيره من بلاد الصعيد ولم أستفد منها شيئا من المسموعات الحديثية بل لقيت جماعة من أهل العلم ، منهم ناصر الدين قاضي هو وابن السراج قاضي قوص وجماعة من أهل الأدب ، سمعنا من نظمهم .
وفيها مات فير حسن الذي كان تأمر على التركمان بعد قتل قرا محمد ، وأقاموا بعده ابنه حسين بك .
وفيها كمل تعمير المدرسة الفخرية .
وفيها مات عمر بن يحيى الأرتقي من أولاد الملوك بماردين بحصنكيفا ، وكان قد لجأ إلى العادل بحصن كيفا وأقام عنده مغاضبا لابن عمه ، فمات في هذه السنة .
وفي ثامن عشر المحرم بعد موت صدر الدين بن رزين استقر العراقي في تدريس الظاهرية العتيقة ، والقاياتي في الحكم بايوان الصالحية .
وفي تاسع صفر قدم كمشبغا من حلب فتلقاه النائب فهاداه السلطان فمن دونه بشيء كثير جدا ، وحضر صحبته حسن الكجكني .
وفي تاسع عشر صفر استقر يلبغا المحنون كاشف الوجه القبلي .
وفي آخر صفر أحضر شهاب الدين أحمد بن محمد بن الحبالقاضي الحنابلة بطرابلس ، وضرب بين يدي السلطان الظاهر بسبب قيامه مع منطاش وفتواه لأهل طرابلس بقتال الظاهر ، وأمر بسجنه ثم شفع فيه فأطلق ، وقد ولى هذا قضاء الشام في دولة الملك الظاهر ططر بعناية علم الدين ابن الكويز كاتب السر إذ ذاك بصحبته إياه من طرابلس .
وفيها قدم رسول سولى بن دلغادر بهدية ومفاتيح سيس وكتاب اعتذار عن أخذها ، ويسأل عمن يسلمها له .
وفي شوال أعيد ابن فضل الله إلى كتابة السر واستقر ناصر الدينمحمد الفاقوسي في توقيع الدست عوضا عن ناصر الدين محمد بن علي بك الطوسي .
وفيها أرسل السلطان الشيخ شمس الدين الصوفي ناظر المارستان يستكشف أخبار منطاش ، فوصل إلى حلب ورجع في ربيع الأول فأخبر أن منطاش توجه إلى صنبوا شاردا من العساكر .وفيها في جمادى الآخرة ادعى شخص مسخرة عند السلطان على أمير يلك بن أخت جنتمر أخو طاز بأنه غرمه ستمائة ألف درهم وأغرى به منطاش حتى ضربه بالمقارع فأمر به الظاهر فجرد وضرب بالمقارع نحو المائتي شيب وسلمه لوالي القاهرة فأرسل إلى الخزانة ودس عليه من خنقه ، فمات في ليلته ليلة خامس عشرية .
وفي جمادى الآخرة منها ظهر كوكب كبير بذؤابة طول رمحين أو ثلاثة رماح ، قليل النور ، فصار يظهر من أول الليل إلى أن يغيب نصف الليل ، وكان قد ظهر مثله في سنة ثمان وسبعين في أواخر دولة شعبان ، فتفاءل بعض الناس بذلك على الظاهر فلم يؤثر فيه .
وأوفى النيل عاشر مسرى وانتهت زيادته إلى أصبع من عشرين .
وفي هذه السنة كثر تتبع السلطان لعرب الزهور ، وكانوا قد أفسدوا في الشرقية وبالغوا في ذلك ، وأحضر ابن فضالة شيخ عرب الزهور فضرب بحضرته بالمقارع ، وأحضر خالد بن بغداد ، فضرب بين يديه بالعصي ، فشفع فيه بكلمش أمير آخور فرده ، ثم عاد فغضب منه وضربه بالنمجاة ضربتينوأمر بإمساكه فأمسك ، ثم شفع فيه الأمراء آخر النهار فأطلقه واستمر على إمرته .
وفي شعبان قبض على محمد بن آقبغا آص شاد الدواوين وسلم لابن الطبلاوي لعصارة فبالغ في عقوبته ، واستمر في شد الدواوين ناصر الدين محمد بن رجب ، وسار صحبة العسكر فأعيد إلى القاهرة وعلى يده مثال إلى محمود الاستادار ، فإذا المثال يتضمن أن يقبض عليه ويلزمه بوزن مائة وستين ألف درهم ، فقبض عليه فحمل سبعين ألفا .
وفي رمضان وسط أحمد بن علي البشلاقي والي قطية .
وفي سادس عشرين شوال استقر الشريف شهاب الدين أحمد بن محمد بن حسين بن حيدر ابن بنت عطاء في حسبة مصر .وفيها غلب أبو يزيد بن عثمان على قيسارية .
وفيها أمر الظاهر أن يعزل جميع ولاة الأعمال بالريف وأن لا يولى عليها أحد ممن كان قد تولى ، فاختار سودون النائب ثلاثة أنفس فولاهم بغير رشوة ، فاستقر شاهين الكلفتي في الغربية ، وطرقجي في البهنسا ، وقجماس في المنوفية ، واستقر يلبغا المجنون نائب الوجه القبلي ، وأسنبغا السيفي والي الفيوم وكشف البهنسا ، وتقطائي الشهابي والي الأشمونين ، ودمرداش السيفي نائب الوجه البحري .وفيات سنة 793
ذكر من مات في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة من الأعيان
أحمد بن آل ملك بن عبد الله الجوكندار ، تأمر في أيام الناصر الكبير ، ثم تقدم في سلطنة حسن ، ثم تنقل في الولايات بغزة وغيرها ، ثم رمى الإمرة في سنة تسع وسبعين ولبس بالفقيري وصار يمشي في الطرقات ، وحج كثيرا وجاور إلى أن توفي في جمادى الآخرة .
أحمد بن زيد اليمني الفقيه أحد المصلحين في بلاد المخلاف ، سخط عليه الإمام صلاح الدين بن علي في قصة جرت له فأمر بقتله فبلغه ذلك فحمل المصحف مستجيرا به على رأسه فلم يغن عنه ذلك ،وقتل في تلك الحالة فأصيب الإمام بعد قليل ، فقيل كان ذلك بسببه .
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي ، ولي الدين ، ولد قاضي القضاة ، قرر في بعض وظائف أبيه بعد موته ، منها درس الحديث بالشخيونية ، ومات شابا في جمادى الآخرة .
أحمد بن عبد الله الدمنهوري شهاب الدين ابن الجندي أحد الفضلاء المشهورين بالخير ، تقدم ما جرى له مع برقوق في الحوادث وكان معظما عند أهل بلده وغيرهم .
أحمد بن عمر بن مسلم بن سعيد بن عمرو بن بدر بن مسلم القرشي الدمشقي القاضي شهاب الدين ابن الشيخ زين الدين ، كان فاضلا ، تشاغلبالوعظ على طريقة أبيه ، وكان العوام يعجبون به جدا ويعتقدونه ، ثم ولي قضاء الشام في أيام الناصري لأنه كان ممن يعتقده ، فلما حاصر الظاهر دمشق قام القرشي في صده عنها ، وحرض عليه العامة ، ثم قبض عليه منطاش وسجنه ، فلما ظفر الظاهر قبض عليه على يد أيتمش وأحضره إلى القاهرة فبالغ في إهانته ، ثم أقام شخصا ادعى عليه بحضرته أنه أخذ له مالا وفعل به أفعالا قبيحة ، فجرده الظاهر وضربه بالمقارع وسلمه لوالي القاهرة فوالى ضربه مرارا وعصره ، ثم دس عليه من خنقه ، فيقال إنه لما حضر عنده بادر فقال : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين فلم يرق له وأمر بحبسه فحبس إلى أن قتل خنقا في محبسه في ليلة تاسع شهر رجب .
قرأت بخط البرهان المحدث : اجتمعت به مرارا وكان أفضل أولاد أبيه ، وكان كثير الفوائد والمجون .
أحمد بن قطلو العلاي الحلبي ، سمع من إبراهيم بن صالح بن العجميشيئا من عشرة الحداد وحدث ، ومات في شعبان وقد جاوز السبعين .
أحمد بن محمد الأنصاري المصري شهاب الدين شيخ الخانقاه السعيدية كان يجلس في الشهود ويكتسب فأثرى وكثر ماله ولم يتزوج وتقرب إلى القاضي برهان الدين ، فعمل درسا بجامع الأزهر ، وقف عليه ريعا يغل مالا كثيرا ، وطلب منه أن يدرس فيه ففوضه لبرهان الدين الأنباسي ، ثم بذل مالا لأهل سعيد السعداء ، حتى عمل شيخها وعمر أوقافها وأنشأ بها مأذنة وبالغ في ضبط أحوالها فأبغضوه وقاموا عليه حتى صرفوه وكان موسرا والتزم أن لا يأخذ لها معلوما ، ثم عزل بابن أخي الجار ، ومات في ذي القعدة .
جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان الثيري - بكسر المثلثةوسكون التحتانية بعدها راء - الشيخ العلامة جلال الدين التباني ، وقيل اسمه رسولا قدم القاهرة قديما ، وذلك في أواخر دولة الناصر وأقام بمسجد بالتبانة ، فغلبت عليه النسبة إليها ، وكان يذكر أنه سمع صحيح البخاري على علاء الدين التركماني ، وتلمذ للشيخين جمال الدين ابن هشام وبهاء الدين ابن عقيل ، فبرع في العربية وصنف فيها وتفقه على القوام الأتقاني والقوام الكاشي وانتصب للإفادة مدة ، وشرح المنار ، ونظم في الفقه منظومة ، وشرحها في أربع مجلدات ، وعلق على البزودي ، واختصر شرح البخاري لمغلطاي ، وعلق على المشارق والتلخيص ، وصنف في منع تعدد الجمعة ، وفي أن الإيمان يزيد وينقص ، ودرس بالصرغتمشية والالجهية وغير ذلك ، وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع ، وأصر على الامتناع ، ومات في ثالث عشر شهر رجب ، وهو والد صاحبنا العلامة شرف الدين يعقوب .جنتمر ويقال جردمر أخوطاز ، تنقلت به الأحوال في الخدم إلى أن استقر أتابكا بدمشق ، وحبس في صفد مدة ، ثم أطلقه الناصري وناب عنه بدمشق في غيبته ، ثم أمسكه منطاش بعد إمساك بزلار ، ثم كان ممن قام على برقوق لما حاصر دمشق ، ثم تغير عليه منطاش وسجنه ، فلما استقام الأمر للظاهر طلبه إلى مصر فقتل مع عشرة ، وكان شكلا حسنا شجاعا حسن الرأي والتدبير محمود السيرة رحمه الله .
صلاح بن علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي الإمام ، ولي الإمامةبصعدة وحارب صاحب اليمن مرارا ، وكاد أن يغلب على المملكة كلها ، فإنه ملك لحج وأبين ، وحاصر عدن وهدم أكثر سورها وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل عنها ، ثم هادنه الأشراف وصار يهاديه وكان فاضلا عالما عادلا ، سقط من بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلل ، حتى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة .
عامر بن عبد الله المسلمي المصري الشيخ ، أحد من كان يعتقده المصريون ، مات في صفر .
عائشة بنت السيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج الدمشقية ، روت عن القاسم بن مظفر والحجار وغيرهما وحدثت ، ماتت في شوال ، وهي بنت عم بدر الدين ابن قواليج .
عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الحلبي الشروطي ، حفيد القاضي شمس الدين محمد بن بهرام ، ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واشتغل وتفقه ووقع في الحكم وتعانى الشروط وصنف فيه ،ولي قضاء عين تاب ، وكان حسن الخط ، قدوة في فنه .
عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النابلسي ثم الدمشقي شرف الدين قاضي الحنابلة بدمشق كان فاضلا ، مات شابا في ذي القعدة أو ذي الحجة ، وكان مولده بنابلس سنة سبع وخمسين ، وكان قد صحب الركراكي فسعى له في القضاء ، وانفصل به ابن المنجا بعد أن كان هو في خدمته فلم تطل مدته في القضاء ، ثم مات بعد أشهر في ذي القعدة ، وبلغ أباه موته فانزعج لذلك واختلط عقله وما زال مختلطا حتى مات في سنة .
علي بن طيبغا الحلبي علاء الدين الموقت ، اشتغل في الهيئة والحساب والجبر والمقابلة والأصلين ، ومهر في ذلك واشتهر حتى صار موقت البلد من غير منازع في ذلك ، وكان يسكن جامع الطنبغا ، قرأ عليه جماعة من شيوخ حلب كأبي البركات وشمس الدين النابلسي وشرف الدين الدادنجي وعز الدين الحاضري ، وذكر القاضي علاء الدين في تاريخه :أن جمال الدين ابن الحافظ قال له يوما : يا كافر فقال له ابن طنبغا : بما عرفت الله ? فسكت ، فقال علاء الدين : فمن هو الكافر الذي يعرف الله أو لا يعرفه ? قال : وكان يعرف بفساد العقيدة ، وينسب إلى ترك الصلاة وشرب الخمر ، ولم يكن عليه وضاءة الدين والعلم ، وكان أكثر الأمراء يعتمد عليه في أحكام النجوم .
علي بن عبد الله الروبي - بالباء الموحدة نسبة إلى موضع بالفيوم - كان مجذوبا وتظهر منه أشياء خوارق للعادة ، وللناس فيه اعتقاد زائد ، مات في في ذي الحجة .
علي بن عبد الله الحراني علاء الدين قاضي المحلة ، مشهور ، مات في المحرم .
عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف صدر الدين ابن رزين ، سمع الدبوسي والقطب الحلبي وغيرهما ، وأجاز له الحجاز وابن الزرادوطائفة ، وحدث وناب في الحكم بصلابة ومهابة ، ودرس بأماكن ، مات في المحرم ، وكان بيده تدريس الحديث بالظاهرية البيرسية وبالفاضلية ، فاستقر فيهما شيخنا العراقي بعده .
فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية تعرف ببنت الأعمى ، أجاز لها الدشتى والقاضي والمطعم ونحوهم ، وحدثت بمصر مدة ، ماتت في آخر السنة .
فاطمة بنت محمد بن عبد الرحيم الأميوطي أخت الشيخ جمال الدين ، سمعت من وزيرة والحجار .
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن أبي الكرم النابلسيالأصل ، ثم الدمشقي ، فتح الدين ابن الشهيد أبو بكر ، أحد أفراد الدهر ذكاء وعلما ورياسة ونظما ، تفقه ومهر في التفسير والفقه ، وبرع في الأدب والفضائل وإقراء الكشاف وغيره ، ونظم السيرة النبوية نظما مليحا إلى الغاية وحدث بها ، لما قدم القاهرة سنة إحدى وتسعين قرأها عليه شيخنا الغماري وهو أسن منه وأثنى هو وجميع فضلاء القاهرة على فضله ، وأثنى عليه ينظمها قبل ذلك الحافظ شمس الدين ابن المحب ومدحه بقصيدتين فأجابه عنهما ، وكانت له دروس حافلة عظيمة ، وكان رئيسا عالي الرتبة رفيع المنزلة ، له آثار حميدة وسجايا جميلة ومحاضرة حسنة ، ولي كتابة السر بدمشق مرارا ومشيخة الشيوخ بها ، ودرس وتقدم إلى أن قتل ظلما في شعبان من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، وذلك أنه لما خرج منطاش ويلبغا الناصري وملكا الأمر ونفى برقوق إلى الكرك ثم خلص منها وحاصر دمشق قام ابن الشهيد وجمع لمحاربته ، فلما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه فحمل إلى القاهرة مقيدا ، فأودع السجن مع أهل الجرائم ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة ، وذلك قبل رمضان بيوم ، وكان بينه وبين بيدمر شر كبير ، فإذا ولي بيدمر النيابة سعى في أذاه بكل طريقوصودر غير مرة واختفى وعزل مرارا ، ثم يعود ، وكان أعظم ذنوبه عند الظاهر أن منطاش لما سجن الشهاب القرشي أعطاه الخطابة ، فكان يحرض في خطبته على الظاهر .
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد النابلسي الأصل ثم الدمشقي شمس الدين ابن الشهيد أخو الذي كان قبله ، كان مقيما بالقاهرة ، فمات قبل قتل أخيه فتح الدين ودفن أخوه عنده .
محمد بن إبراهيم النابلسي ثم الدمشقي ، نجم الدين ابن الشهيد أخو اللذين قبله ، تنقل في البلاد وولي كتابة السر بسيس عشرين سنة ، ثم قدم القاهرة فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة ، واتفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطويل .
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي تقي الدين ابن الظاهري ،سمع من الحجار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه ، مات في صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة .
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم تقي الدين المصري ابن إمام جامع ابن الرفعة ، ولد سنة سبع عشرة ، وسمع على الحجار والواني والدبوسي وغيرهم ، وكان عارفا بالفقه ، درس بالشريفية ودرس للمحدثين بقبة بيبرس ، وحدث وأفاد ، مات في ذي القعدة .
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني ، فتح الدين أبو الفتح المصري إمام جامع طولون ، ولد سنة أربع وسبعمائة ، وتلابالسبع على التقي الصائغ وسمع عليه الشاطبية ، فكان خاتمة أصحابه بالسماع وأقرأ الناس بأخرة فتكاثروا عليه ، مات في المحرم .
محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي محمد القرطبي أبو الوليد ابن الحاج ثم الغرناطي نزيل دمشق ، أم بالجامع ، وكان فاضلا ، مات في ذي الحجة .
محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر بدر الدين الدمشقي كاتب السر ، وليها مرتين قدر عشر سنين ، وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة وهوالذي قام معه في تدريس الشامية البرانية ، ونشأ على طريقة مثلى وباشر بعفة ونزاهة .
محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرني الأنصاري أبو الحسن ، سمع من والده كثيرا وأجاز له أبو جعفر بن الزين وقاضي فاس أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر وتفرد بذلك ، وكان آخر المسندين ببلاد افريقية ، وكان زاهدا مقبلا على القراءات والخير ، مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر .
محمد بن إسماعيل بن سراج الكفربطناني ، حدث بالصحيح عنالحجار بمصر وغيرها ، وكان من فقهاء المدارس بدمشق ، وأذن له ابن النقيب ، مات في أحد الجمادين ببيسان راجعا من القاهرة .
محمد بن الحسن الأسدي شمس الدين ، كان إمام خانقاه سعيد السعداء ، مات راجعا من الحج .
محمد بن عبد الله بن أبي العلج زين الدين المصري ، كان ممن يعتقد بمصر ، مات في جمادى الأولى .
محمد بن عبد الله المحلى القاضي الشيخ موفق الدين العابد ، كان كثير القدر معتقدا عند أهل بلده .
محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي شمس الدين ابن اليونانية ، ولد سنة سبع وسبعمائة ، وسمع من الحجار وتفقه ،وسمع الكثير وتميز ولخص تفسير ابن كثير في أربع مجلدات وانتفع به ، ومات في شوال .
محمد بن أمير علي المارديني ، مات بدمشق في ذي الحجة .
محمد بن علي الطوسي المصري ناصر الدين موقع الدست ، ولد بعد العشرين وسمع من ابن عبد الهادي وغيره ، واشتغل حتى مهر ، وكان يستحضر كثيرا من التاريخ والأدبيات ، وكان في أول أمره من صوفية الخانقاه بسرياقوس ، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي شهادة الخاص ثم التوقيع ، وكان حسن المذاكرة ، جميل المحاضرة ، وصار من وجوه الموقعين ويشار إليه بالفضل دون كثير منهم ، مات في شوال وقد قارب السبعين بحلب لما توجه السلطان الظاهر إليها بعد عوده إلى السلطنة .
محمد بن محمد بن عبد الله بن عمر بن عوض الصالحي ناصر الدين البيطارحضر على ابن مشرف وسمع على القاضي وابن عبد الدائم وأجاز له الدمياطي والموازيني والشرف الفزاري وآخرون ، مات في شعبان عن تسع وثمانين سنة .
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر بن عبد الله بن سوار عز الدين الزبيري الملبحي ، سمع من الحسن بن عمر الكردي ، وتفرد عنه بالسماع ، وسمع الصحيح على الحجار وحدث به ، مات في جمادى الآخرة .محمد بن محمد بن النجيب عبد الخالق الحنبلي قاضي بعلبك ، أمين الدين سبط فخر الدين ابن أبي الحسين اليونيني ، كان فاضلا وهو أول من ناب في الحكم عن الحنابلة ببعلبك ، قتل في فتنة منطاش في رمضان وله تسع وأربعون سنة .
محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي ، تقدم في سنة 787 .
محمد بن يوسف الزيلعي يكنى أبا عبد الله ، حدث بالبخارى عن عبد الرحيم بن شاهد الجيش وكان أحد من يعتقد .
محمد بن يوسف أبو عبد الله الركراكي المالكي شمس الدين ، كان عالما بالأصول والمعقول ، وينسب لسوء الإعتقاد وقد امتحن بسبب ذلك ونفي إلى الشام ، ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه السنة ، فمات بحمص في رابع شوال .ورثاه عيسى بن حجاج العالية بقوله :
لهفي على قاضي القضاة محمد
إلف العلوم الفارس الركراكي
قد كان رأسا في القضا فلأجل ذا
أسفت عليه عصابة الأتراك
ولما سمع شيخنا سراج الدين بموته قال : لله در عقارب حمص ، وكانت هذه تعد في نوادر شيخنا إلى أن وجد في ربيع الأبرار أن أرض حمص لا يعيش بها العقارب وإن دخلت فيها عقرب غريبة ماتت من ساعتها .
موسى بن عمر بن منصور بن رجل بن نجدة شرف الدين اللوبياني الشامي ، ولد بعد سنة عشرين وسمع من الحجار وكان فقيها نبيها ، مات في ربيع الأول ، وكان ابن النقيب هو الذي أذن له ، وكان يدرس ويفتي ويرتزق من الشهادة ، ومات في ربيع الأول .
منصور بن عبد الله الحاجب بغزة .
يلبغا بن عبد الله الناصري أحد كبار الأمراء وقد حكم في المملكةأياما قلائل ، ثم ثار عليه منطاش كما تقدم في الحوادث وكان سببا لبقاء مهجة برقوق ثم جازاه أن ولاه نيابة دمشق ثم حلب ، ثم قبض عليه وقتله كما تقدم .
حوادث سنة 794
سنة أربع وتسعين وسبعمائة
في أولها وصل بهادر مقدم المماليك بحريم السلطان فتجهز نائبالغيبة في حادي عشر المحرم لملتقى السلطان إلى بلبيس ودخل السلطان القاهرة يوم الجمعة سابع عشر المحرم وكان يوما مشهودا ، واستقر شهاب الدين النحريري في قضاء المالكية عوضا عن الركراكي وكانكمشبغا أذن لشهاب الدين الدفري أن يتكلم في الأمور إلى أن يحضر السلطان .
وفي صفر قبض على دمرداش نائب حلب وحبس بالبرج وعلى قزدمر الحسني .
وفيه استقر ركن الدين عمر بن قايماز في الوزارة عوضا عنابن الحسام .
وفي نصف صفر استقر الشريف مرتضى بن إبراهيم بن حمزة الحسني في نظر القدس والخليل .
وفيه هجم على بطا النائب بدمشق خمسة أنفس منهم آقبغادوادار فقتلوه وأخرجوا من في الحبس من المناطشية وهم نحو مائة نفر وملكوا القلعة فحاصرهم الحاجب في عسكر دمشق وضيق عليهم إلى أن غلبوا فأحرقوا عليهم الباب وأمسكوا الثائرين فلم يبقوا منهم إلا من هرب ، ولما بلغ السلطان ذلك قرر في نيابة دمشق سودون الطرنطاي فخرج إليها في ثامن ربيع الأول ودخلها في العشر الأخير منه فلم يلبث أن مات في رمضان وكانت ولايته سبعة أشهر واستقر مكانه كمشبغا الأشرفي ، ومات من مماليكه وجماعته نحو مائة نفس بالطاعون .وفي سادس ربيع الأول ولي جمال الدين القيصري قاضي الحنفية مشيخة الشيخونية بعد وفاة العز الرازي .
وفي نصف ربيع الأول أمر السلطان القضاة بتخفيف النواب وكان القاضي عماد الدين الكركي قد استكثر منهم جدا حتى استناب من لم تجر له عادة بالنيابة مثل جمال الدين ابن العرياني وولي الدين ابنالعراقي وعز الدين عبد العزيز البلقيني ونحوهم ، فعزل من نوابه أكثر من عشرين نفسا ، وأبقى تقي الدين الزبيري وتقي الدين الأسنائي وفخر الدين القاياتي خاصة ، فهؤلاء الثلاثة في إيوان الصالحية بالنوبة وأذن لبهاء الدين أبي الفتح البلقيني بالجلوس في القبة وآخر معه بالنوبة واستقر القاضي المالكي بخمسة من النواب أيضا وهم ابن الجلال وجمال الدين الأقفهسي وشهاب الدين الدفري وخلف الطوخي وقد ولى الأولان القضاءاستقلالا بعد ذلك ، وناب عنه بمصر جمال الدين العبسي .
وفي هذا اليوم أمر السلطان أن ينقل محب الدين ابن الشحنة قاضي حلب من عند محمود فتسلمه والي القاهرة ، وكذلك تسلم علاء الدين البيري موقع الناصري وكان قبض عليهما بالشام فقتل البيري واعتقل ابن الشحنة ثم أفرج عنه في أواخر هذا الشهر بعناية محمود الاستادار .
وفيها خلع السلطان على يوسف بن علي بن غانم أحد أمراء العرب لما رجع من الحج وتوجه إلى بلاده في ربيع الأول .وفيها عزل ناصر الدين ابن الخطيب عن قضاء حلب واستقر شرف الدين الأنصاري .
وفي آخر ربيع الآخر عزل ابن البرخي عن الحسبة وأعيد نجم الدين الطنبدي .
وفي هذا الشهر قتل ايدكار الحاجب وقراكسك وأرسلان اللفاف وسنجق وغيرهم من الأمراء .
وفي المحرم مات ناصر الدين ابن الحسام بعد مرض طويل .
وفي ثاني عشرين صفر استقر محمد بن محمود في نيابة الإسكندرية .وفيه جهز حسن الكجكنبي بهدية إلى صاحب الروم .
وفيه أعيد نظر جامع طولون إلى القاضي الشافعي ، وكان الحاجب قد تحدث فيه نحو سنة .
وفيه أمر السلطان الدويدار وكاتب السر أن يتكلما في الأوقاف الحكمية لما بلغه من تخريب الأوقاف فأمر نصر الله بن شطية كاتب المرتجع باسترجاع الحساب من مباشري الأوقاف وألزمهم بعمل حساب المودع مدة عشر سنين .
وفي تاسع عشر جمادى الآخرة استقر كمشبغا أتابكا بموت أينالاليوسفي واستقر ايتمش رأس نوبة .
وفي رجب ثار جماعة من المماليك على محمود الأستادار وطالبوه بالكسوة والنفقة ورجموه من الطباق وضربوا بعض مماليكه بالدبابيس وأرادوا قتله فمنعه منهم أيتمش .
وفيها عزل ابن قايماز عن الوزارة واستقر عوضه تاج الدين ابنأبي شاكر ، واستقر ابن قايماز في الأستادارية كسرا لشوكة المماليك ثم أنفق محمود على المماليك وكساهم فأعيد إلى وظيفته في نصف شعبان ، وكان ذلك أول وهن دخل عليه .
وفي شعبان قدم عنان بن مغامس أمير مكة وشريكه علي بن عجلان فقعد علي لصغر سنه تحت عنان فرفعه السلطان على عنان ، ثم خلع عليه في رمضان وأفرده بالإمرة واعتقل عنانا بالقاهرة .
وفي رمضان شكا تاج الدين النصراني معلم أولاد كريم الدين بن مكانسالكتابة أنه مختف في بيته فأرسل معه بكلمش أمير آخور جماعة من الوجاقية فدق تاج الباب فخرج إليه ابن مكانس فقال له : ما هذا ? قال : تاج ، ففتح مطمئنا به لكثرة دخوله عليه فهجم عليه الأوجاقية فحولوه إلى بكلمش فعرضه على السلطان فأمر الوالي أن يتسلمه فخاف تاج أن يتخلص ابن مكانس فأسلم على يد بكلمش ولبس بالجندية وخدم عنده شادا في بعض بلاده .
وفي ذي القعدة قبض جماعة من المماليك بسرياقوس على شاب من العامة قهرا فارتكبوا فيه الفاحشة فأمعنوا في ذلك إلى أن مات فرفع الأمر إلى السلطان فأمر بالقبض عليهم وسلمهم لوالي القاهرة .
وفي هذه السنة عصى طغيتمر نائب سيس فبلغ ذلك الظاهر فتحيل عليه فدس لأهل الكرك أن يقفوا له يوم المحاكمة ويشكوا من نائبهمويسألوه أن يولي عليهم طغيتمر ففعلوا ذلك ، وخفيت هذه المكيدة على بكلمش ، وكان طغيتمر من جهته فكاتبه بما جرى فاطمأن وحضر إلى القاهرة فقبض عليه السلطان .
وفي شعبان مات سودون الطرنطاي نائب دمشق وقرر بعده كمشبغا الخاصكي الأشرفي وكان سودون محبا في الخير ، عديم الهزل ، كارها في الخمر جدا والمظالم ، ولكنه كان متعاظما جدا ، ولم يبلغ ثلاثين سنة ، وكان مهابا ، ويقال إنه قال لما ولي النيابة : كيف أعمل في الأحكام بين الناس وأنا لا أدري شيئا من الأمور الشرعية وكان يتنزه عن الرشوة ، وحصل له قبل موته برسام فكانت تصدر منه أفعال لا تشبه أفعال العقلاء ، وعزله الملك الظاهر قبل موته بعشرة أيام .
وفي نصف رمضان أمر تغرى بردى تقدمة ألف .
وفيه قرر بدر الدين الطوخي في وزارة دمشق عوضا عنابن مكانس بحكم انفصاله ورجوعه إلى القاهرة .
وفي شعبان كان الحريق العظيم بدمشق . فاحترقت المأذنة الشرقية وسقطت واحترقت الصاغة والدهيشة وتلف من الأموال ما لا يحصى ، وعمل في ذلك صاحبنا الأديب تقي الدين ابن حجة الحموي مقامة في نحو عشر أوراق من رائق النثر وفائق النظم وهي أعجوبة في فنها .
وفيها كان الغلاء المفرط بدمشق .
وأوفى النيل ثالث مسرى وانتهى إلى عشرين اصبعا من عشرين ذراعا .
وفي شعبان وقع الوباء في البقر حتى كاد إقليم مصر أن يفنى منها .
وفيها استقر بدر الدين الأقفهسي شاهد الجاي ناظر الدولة .وفيها شكا أهل خانقاه سرياقوس من شيخهم فأمر السلطانبإحضاره فسأله عما أنهى عنه ، فأومأ بيده فلمح بعض الناس فيها أحرفا مقطعة فأعلم السلطان بذلك فسأله فاضطرب ، فقيل للسلطان إنه ساحر ، فعزله عن المشيخة وسلمه لشاد الدواوين وولاها الشريف فخر الدين ، وقيل إن الظاهر كان أودع عنده خمسة آلاف دينار قبل أن يقع قصة الناصري ، فلما عاد طالبه فأجاب بأنه تصدق بها وأصر على ذلك فأسرها الظاهر في نفسه إلى هذه الغاية .
وفي العشرين من شوال استقر جمال الدين في نظر الجيش مضافا إلى القضاء ومشيخة الشيخونية وعظم شأنه وكثر تردد الناس إليه ، ويقال إنه بذل في ذلك مالا كثيرا .
وفيها كائنة سعيد المغربي وكان مقيما بقبة جامع طولون ، وللناسفيه اعتقاد زائد ، وكان السلطان يزوره ويعظمه ويقبل شفاعته ، فكثر تردد الأكابر عليه ثم إنه سافر إلى العراق ، فلما عاد دخل للسلام على السلطان ، وذلك في العشرين من جمادى الآخرة ، فلما انصرف ذكر بعض البازدارية أنه رآه عند نعير أمير العرب ، فغضب السلطان وتخيل أنه جاسوس ، فأرسل إليه من قبض عليه وكان آخر العهد به .
وفي آخر شوال استقر تاني بك أمير آخور ونقل بكلمش إلى مرتبة أخرى فاستقر أمير سلاح .
وفي سلخ شوال أمر أصحاب العاهات والقطعان أن يخرجوا من القاهرة ثم أذن للقطعان بالعود .
وفي آخر ذي الحجة عزل الشهاب النحريري عن قضاءالمالكية ، واستقر ناصر الدين ابن التنسي نقلا من قضاء الإسكندرية .
وفي أواخر ذي القعدة قتل جماعة من الأمراء المعتقلين ، منهم طغيتمر وقرادمرداش .
وفي ثامن عشرين ذي القعدة استقر تقي الدين الكفري في قضاء الشام عوضا عن نجم الدين ابن الكشك .
وفي خامس عشرين ذي الحجة وصل المبشر من الحجاز .
وفي آخر ذي الحجة عزل القاضي عماد الدين الكركي من قضاءالشافعية وأمر بلزوم بيته بسبب أن المكيين رافعوا فيه فشغر فضاء الشافعية إلى أن انسلخت السنة .
وفيها أرسل السلطان نائب الكرك أمير حسن الكجكني إلى ابن عثمان صاحب الروم بهدايا جليلة .
وفيها ضربت بالإسكندرية فلوس ناقصة الوزن عن العادة طمعا في الربح ، فآل الأمر فيها إلى أن كانت أعظم الأسباب في فساد الأسعار ونقص الأموال .
وفي أواخر هذه السنة قبض علي بن عجلان على سبعين نفسا من الأشراف ، فقامت حرمته لذلك .
وفيها وقع الحرب بين قرا يوسف بن قرا محمد أمير التركمان وبين حسين بك فقتل قرا يوسف أحد أمراء التركمان غدرا واستولى على امرأته ، وكانت من أجمل النساء ، فخلا بها في ليلته ، وقال : مات عنك شيخ وتزوجك شاب .
وفيها نازل قرا يوسف ماردين ، فخادعه صاحبها والتمس الصلحعلى مال يحمله إليه ، ثم راسله بما أراد وراسل أمراءه حتى أفسدهم وأغار عليهم عسكر ماردين بغتة ، فتخلى عنه عامة أصحابه فانهزم ، واتفق رأي التركمان على تأمير حسين بك ، ومات في تلك الأيام بعد عمه قرا يوسف .
وفيها رجع تمر إلى بلاد العراق في جمع عظيم فملك أصبهان وكرمان وشيراز ، وفعل بها الأفاعيل المنكرة ، ثم قصد شيراز فتهيأ منصور شاه لحربه ، فبلغ تمرلنك اختلاف من بسمرقند فرجع إليها ، فلم يأمن منصور من ذلك بل استمر على حذره ، ثم تحقق رجوع تمرلنك فأمن ، فبغته تمرلنك فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز ، ثم انثنى عزمه وعزم على لقاء تمرلنك ، فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل شاه منصور في المعركة ، ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين .
وفيات سنة 794
ذكر من مات في سنة أربع وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيارالصالحي ناصر الدين الدمشقي ابن السلار ، سمع من عبد الله بن أحمد بن تمام وابن الزراد وست الفقهاء بنت الواسطي والنجدي وهو آخر من روى عن الدمياطي بالإجازة وكان له نظم ونباهة ، مات في شعبان وله تسعون سنة سواء ، لأن مولده كان سنة أربع ، وكان كتب الكثير بخطه ، وله فوائد ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة ، وكان موت والده في المحرم سنة ست عشرة وسبعمائة .
أحمد بن أيوب بن إبراهيم المصري القرافي شهاب الدين ابن المنفر ، سمع الواني والدبوسي والختني وحدث ، مات في ربيع الأول .
أحمد بن محمد بن علي الدنيسري شهاب الدين ابن العطار القاهري ،ولد سنة ست وأربعين وقرأ القرآن ، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي ثم تولع بالأدب ونظم فأكثر ، وأجاد المقاطيع في الوقائع ، ومدح الأكابر بالقصائد ، ونظم بديعية ، ولم يكن ماهرا في العربية فيوجد في شعره اللحن ، وقد تهاجى هو وعيسى بن حجاج وله نزهة الناظر في المثل السائر وكان حاد البادرة ، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكة سماها فتوح مكة وديوان في مدائح ابن جماعة سماه قطع المناظر بالبرهان الحاضر و الدر الثمين في التضمين وهو القائل :أتى بعد الصبا شيبي وظهري
رمى بعد اعتدال باعوجاج
كفى إن كان لي بصر حديد
وقد صارت عيوني من زجاج
مات في ربيع الآخر .
أحمد بن محمد الدفري شهاب الدين المالكي ، ناب في الحكم ، ومات في آخر السنة .
اينال اليوسفي ، مات في هذه السنة وهو أكبر الأمراء مطلقا ، ومشى السلطان في جنازته ، وكان شكلا حسنا شجاعا مهيبا ، مشهورا بالفروسية ، كثير المودة لأصحابه ، لكنه لا يطاق عند الغضب بل تظهر له أخلاق شرسة ، وكان قد قارب السبعين .
بطا الدويدار صار نائب الشام ، ومات بها في المحرم ، واستقربعده سودون الطرنطاي ، ومات في سنته في شعبان .
أبو بكر بن محمد الدمشقي الملقب بالقرع النحوي ، أخذ عن ابن عبد المعطي وغيره وبرع في العربية ، وكان شافعي المذهب .
أبو بكر بن يوسف النشائي المصري خادم الشيخ عبد الله بن خليل ، لازمه فأكثر عنه ، وقد سمع من العرضي وغيره ، واعتنى بالحديث وكان معيدا بالبيرسية ولم ينجب .تلكتمر التركي ، تنقل في الولايات بالقاهرة وغيرها ، مات في بيته بطالا .
طلحة بن عبد الله المغربي ثم المصري ، كان مجذوبا وكان للناس فيه اعتقاد يجاوز الوصف ، وكان ربما بطش ببعض من يزوره ، أقام مدة بالجامع الجديد ، ثم بمسجد بالقرب منه ، ثم بدار ابن التمار النصراني ، مات في رابع عشرين شوال ودفن بالصحراء جنب المكان الذي صار خانقاه للملك الظاهر .
عبد الله بن أبي بكر بن محمد الدماميني ، ثم الإسكندراني شهاب الدين ، سمع الموطأ من الجلال بن عبد السلام وتفرد به ، وسمع من محمد بنسليمان المراكشي الرابع وثلاثة أجزاء بعده من الثقفيات وتفرد به أيضا ، ومات في ربيع الآخر وكان فاضلا أديبا .
عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس ، صاحب الأتباع ، كان للناس فيه اعتقاد كثير ، مات بالقدس ، وزاويته هناك معروفة ، وهو والد صاحبنا عبد الهادي ، وكان نشأ ببغداد وتفقه بمذهب الشافعي إلى أن أعاد بالنظامية ، فاتفق قدوم الشيخ علاء الدين على العشقي البسطامي - وعشق من عمل بامان - فلازمه وانتفع به وصار من مريديه ، فسلكه وهذبه وتوجه معه لزيارة القدس ، فطاب للشيخ المقام به فأقام وكثر أتباعه واستمر الشيخ عبد الله يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات والخلوات إلى أن حضرت شيخه الوفاة ، فعهد إليه أن يقوم مقامه فقام أتم قيام ورزقه الله القبول وكثر أتباعه وكان كثير التواضع ، مهيبا ، مات في 22 المحرم .عبد الله ويدعى محمد بن أبي زبا ، قيم المدرسة المنصورية ، سمع الحديث وحدث ، ومات في شعبان .
عبد الله بن ظهيره بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي . والد قاضي مكة وأخو قاضيها ، ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وسمع من عيسى الحجي وعيسى بن الملوك وغيرهما ، وكان دينا خيرا ، له نظم وعبادة ، مات في شهر ربيع الآخر سنة أربع وتسعين ، حدث عنه ولده .
عبد الله بن محمد الفيشي المالكي جمال الدين ، ناب في الحكم ولم يكن مرضيا ، مات في ربيع الأول .عبد الخالق بن علي بن الحسن بن الفرات المالكي ، موقع الحكم ، برع في الفقه وشرح مختصر الشيخ خليل ، وحمل عن الشيخ جمال الدين ابن هشام ، وكتب الخط المنسوب ، ودرس ، ووقع على القضاة ، رأيته مرارا ، وكان سمع من أبي الفتح الميدومي وحدث ، وهو والد صاحبنا شهاب الدين أحمد ، مات في جمادى الآخرة .
عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس فخر الدين الكاتب ، ولي نظر الدولة مرارا ، وتنقل في الولايات ، وولي وزارة دمشق أخيرا ، ثم استدعى إلى القاهرة ليستقر وزيرا بها ، فاغتيل بالسم في الطريق ، فدخل القاهرة ميتا ، وكان ماهرا في الكتابة ، عارفا بصناعة الحساب ، أعجوبة في الذكاء ، له الشعر الفائق والنظم الرائق ، ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة وهي الرسالة الطويلة جاء فيها :وقعد لصيد السمك بالمرصاد ، وأطاعه حروف النصر ، فكلما تلا لسان البحر نون ، تلا لسان العزم صاد .
وهو القائل :
علقتها معشوقة خالها
قد عمها بالحسن بل خصصا
يا وصلها الغالي ويا جسمها
لله ما أغلى وما أرخصا
مات في خامس عشر ذي الحجة ، سمعت من لفظه شيئا من الشعر ، وكانت بيننا مودة .
عبد الرحيم بن محمد الطباطبي الشريف الحسني ، كان مؤذن الملك الظاهر .
علي بن عبد الله بن يوسف بن حسن البيري علاء الدين الموقع ، خدم الناصري بحلب وقدم معه القاهرة فولى توقيع الدست واستمرإلى أن أمر الظاهر بقتله في هذه السنة ، فقتل ، وكان الناصري يعتمد عليه والكتب ترد على الملك الظاهر بخطه في تلك الفتنة ، فحقد عليه ، ولما عاد إلى الملك لم يهجه بل استمر في التوقيع ، وأمره بمساعدة علاء الدين الكركي لقلة معرفة الكركي بصناعة الديوان فباشر إلى أن سافر الملك الظاهر إلى حلب ، وقتل الناصري وأمر بالقبض على البيري فقيد وحمل إلى القاهرة فقتل خنقا في رابع عشر ربيع الأول وأوصى أن يكتب على قبره :
بقارعة الطريق جعلت قبري
لأحظى بالترحم من صديق
فيا مولى الموالي أنت أولى
برحمة من يموت على الطريق
وكان بينه وبين أمين الدين الحمصي مكاتبات ومراسلات ، ولم يكن نظمه ونثره بالفائق ، بل كان مكثرا مقتدرا ، حتى كان يكتب في شيء أنشأ غيره وينشيء في غيره ، وهو أخو علم الدين سليمان ، وقد عاش بعده أكثر من ثلاثين سنة ، وكانا سمعا جميعا على الأعميين ابن جابروأبي جعفر الغرناطي ، وهو القائل :
بشاهين عيني صاد قلبي متيم
ومن لامني في لامه فهو واقع
وكيف خلاصي فيه من جارح الحشى
وطائر قلبي نحو شاهين واقع
علي بن البهاء عبد الرحمن ابن العز محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ، حضر على جد أبيه ، وسمع من ابن سعد والحجار وكان نبيها في العلم ، رئيسا ، مات في شعبان عن ثمانين سنة . قال ابن حجي :وكانت عنده وجاهة وكرم وقد بقي صدر آل بيته ، وكان شيخ دار الحديث المقدسية وناظرها ، معروفا بالصيانة .
علي بن عصفور أحد كبار التجار ، مات فيها في شوال .
علي بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم الكركي علاء الدين كاتب السر ، خدم الظاهر وهو في سجن الكرك ، وقام معه بنفسه وماله ورجاله لما خرج ، فشكر له ذلك فولاه كتابة السر ، واستمر فيها إلى أن خرج مع السلطان في سفرته إلى الشام فضعف بدمشق ، فأذن له السلطان في الرجوع إلى مصر ، وقرر ابن فضل الله في كتابة السر ، فلما عاد السلطان سلم عليه وهو ضعيف فوعده أن يعيده إلى وظيفته ، فازداد بعد ذلك ضعفا ، ثم عوفي ثم انتكس ثم مات في ربيع الأول ، وكان شكلا ، حسنا ، جميل الخلق .علي بن مجاهد المجدلي علاء الدين ، اشتغل ببلده ، ثم قدم القدس فلازم التقي القلقشندي ثم قدم دمشق فاشتغل ، وقدم مصر سنة ثمانين فأخذ عن الضياء القرمي ، وعاد إلى دمشق وتصدر بالجامع وشغل الناس ، واختص بالقاضي سري الدين وأضاف إليه قضاء المجدل ثم وقع بينهما فأخذت وظائفه ثم غرم مالا حتى استعادها وولي مشيخة النجيبية بأخرة وسكنها ، وكان جيدا متوسطا في الفقه ، مات في شهر رمضان .
قرا دمرداش نائب حلب في أيام الظاهر برقوق ، مات فيذي الحجة مقتولا .
قطلوبغا الصفوي أحد كبار الأمراء ، مات في ربيع الأول .
قطلوبغا الخزندار ، مات في صفر .
محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي شمس الدين ابن مهاجر ، ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وكان حنفيا فاضلا ، ورأس فيهم حتى كان يقصد للفتوى ، ثم ولي كتابة السر بحلب مدة ، ثم صرف سنة سبع وثمانين فدخل القاهرة ، وتحول فصار شافعيا وولي قضاء حماة ثم حلب ، ثم عزل بابن أبي الرضا ، وكان ذا فضيلة في النظم والنثر ، أثنى عليه فتح الدين ابن الشهيد ، وكان فاضلا خيرا مهيبا ، حسن الخط ، مات في ربيع الأول .
محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين المنهاجي ، ولد بعدالأربعين ، ثم رأيت بخطه سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، وسمع من مغلطاي وتخرج به في الحديث ، وقرأ على الشيخ جمال الدين الأسنوي وتخرج به في الفقه ، ورحل إلى دمشق فتفقه بها ، وسمع من عماد الدين ابن كثير ، ورحل إلى حلب فأخذ عن الأذرعي وغيره ، وأقبل على التصنيف فكتب بخطه ما لا يحصى لنفسه ولغيره ، ومن تصانيفه : تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات وخادم الرافعي في عشرين مجلدة ، وتنقيحه للبخاري في مجلدة ، وشرع في شرح كبير لخصه من شرحابن الملقن ، وزاد فيه كثيرا ، ورأيت منه المجلد الأول بخطه ، وشرح جمع الجوامع في مجلدين وشرح المنهاج في عشرة ، ومختصره في مجلدين ، والبحر في أصول الفقه في ثلاث مجلدات ، وغير ذلك ، ورأيت بخطه شرح الأربعين النووية ، وأحكام المساجد وفتاوى جمعه وحواشي الروضة للبلقيني ، و نظم الجمان في محاسن أبناء الزمان ومجلد من شرح البخاري له مسودة ، ومن تذكرته أربع مجلدات والمعتبر في تخريج ابن الحاجب ، والمختصر والكلام على علوم الحديث ، وله استدراك عائشة على الصحابة ، والفوائد المنثورة في الأحاديث المشهورة ، والديباج على المنهاج ، والفوائد على الحروف وعلى الأبواب ، ومختصر الخادم وسماه تحرير الخادم وقيل لب الخادم ، وله على العمدة كذا ورأيت أنا بخطه من تصنيفه البرهان في علوم القرآن من أعجب الكتب وأبدعهامجلدة ، ذكر فيه نيفا وأربعين علما من علوم القرآن وتخرج به جماعة ، وكان مقبلا على شأنه ، منجمعا عن الناس ، وكان بيده مشيخة الخانقاه الكريمية وكان يقول الشعر الوسط ، مات في ثالث رجب .
محمد بن عبد الله بن الخباز صلاح الدين رئيس القراء بالجوق ، وكان مقدما على أبناء جنسه لتقدم سنه ، معظما في الدول ، كف في آخر عمره ويقال إنه جاوز المائة .
محمد بن عبد الله الركراكي المغربي أبو عبد الله نزيل المقس ، كان مشهورا بالخير ، معتقدا في العامة ، قارب المائة .
محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي ابنالشيرازي شمس الدين الملقب بالقاضي ، ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة وسمع من جدته ست الفخر بنت عبد الرحمن بن أبي نصر مشيخة كريمة بسماعها منها ، وتفرد بذلك ، وكان يذكر أنه سمع البخاري من ابن الشحنة بحضور ابن تيمية ، وكان من الرؤساء المعتبرين ، وله مال جزيل وثروة ووقف متسع وأنفق غالب ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته ، ومات في جمادى الآخرة في عشر المائة .
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي شمس الدين ابن الرشيد ، سمع القاضي والمطعم وابن سعد وغيرهم وحدث ، مات في شوال عن أربع وثمانين سنة .
محمد بن عمر بن إسماعيل السبكي شمس الدين ، اعتنى قليلا بالحديث ،وباشر الحسبة بدمشق ، ومات في ليلة عرفة .
محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصقلي ، نزيل الحرمين ، كان خيرا ، سمع من الزيادي وابن أميلة وغيرهما ، ولازم قراءة الحديث بمكة ، مات في شوال .
محمد بن محمد بن إسماعيل ابن أمين الدولة الحلبي الحنفي شمس الدين المرغياني ، ذكره طاهر بن حبيب وقال : سكن القاهرة ، وكان من الفضلاء على مذهب الحنفية ، ناب في الحكم وولي مشيخة خانقاه طقزدمر بالقرافة ، مات في شوال .
محمد بن محمد بن عبد المجير بدر الدين ابن الصائغ الدمياطي ، سمع من الميدومي ومن بعده ، واعتنى بالحديث ، وحصل كتبا كثيرةوتنبه قليلا ولم ينجب ، مات في ربيع الآخر .
محمد بن محمد بن النجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري جمال الدين ابن النحاس ، ولد سنة تسع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه ، وسمع من ابن الشيرازي وابن عساكر والحجار وغيرهم وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النحاس ، واعتنى به أخوه فأسمعه الكثير ، وخرج له ابن الشرايحي مشيخة فمات قبل أن يحدث بها ، وكانت عنده معرفة وعلى ذهنه فوائد ويذاكر بتاريخ ، مات في شوال عن خمس وسبعين سنة .محمد بن نصر الله بن بصاقة الدمشقي بدر الدين ، سمع على أسماء بنت صصري ومهر في العربية وأحسن الخط ، ولازم العنابي وابن هشام ، مات في رمضان .
محمد بن لاجين الصقري ناصر الدين المعروف بابن الحسام ، كان دويدار ابن البقري ، ثم خدم استادارا عند سودون باق ، ثم عمل شد الدواوين إلى أن ولي الوزارة فباشرها بهيبة وصولة ويقظة ، واستخدمعنده أستاذه الأول ابن البقري في استيفاء الدولة ، ورتب معه ثلاثة ممن ولي الوزارة ، وشرك بينهم في الوظيفة المذكورة ، وكان ذكيا عارفا مفرط الكرم ، مات في صفر ، وهو والد صاحبنا إبراهيم الذي ولي الحسبة بعد ثلاثين سنة من هذا الوقت ، ومات بعد أن رجع مع السلطان من حلب .
محمود بن محمد بن إبراهيم بن سنبكي بن أيوب ابن قراجا الحلبي الحنفي ، جمال الدين ابن الحافظ قاضي حلب ، مات بها .موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني شرف الدين أخو القاضي شهاب الدين ، قدم دمشق وتنزل بالبادرائية وقرأ بالسبع على ابن اللبان ، وسمع من ابن أميلة وغيره ، وطلب بنفسه وكتب بعض الأجزاء وكان أسن من أخيه فأسمع أخاه معه قليلا ، ولما ولي أخوه استنابه وقرر له بعض جهات ، مات عن قرب في رمضان .
ناصر بن أبي الفتح الحنبلي تقي الدين أخو القاضي ناصر الدين ، ولي نقابة الحكم عند القاضي موفق الدين ، وانقطع بأخرة إلى أن مات في ربيع الآخر .يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعيب الرحبي محيي الدين التاجر ، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة ، وسمع الصحيح من الحجار والمزي وحدث به ، وكان معتنيا بالعلم ، وله رئاسة وحشمة ، وقد أكثر عن الجزري وغيره وطلب بنفسه ، ولازم ابن كثير وأخذ عنه فوائد حديثية ، وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيمية ، وكان تاجرا ، فلما كبر دفع ماله لولده محمد وأقبل على الإسماع وكان يقصد لسماع الصحيح ، وله به نسخة قد أتقنها ، وكان البرهان بن جماعة قد صاهر إليه ، فكان له بذلك جاه كبير وأصيب في رجليه بالمفاصل ، وحج مرارا ، ومات في ربيع الأول .حوادث سنة 795
سنة خمس وتسعين وسبعمائة
في ثامن المحرم استقر صدر الدين المناوي في قضاء الشافعية عوضا عن القاضي عماد الدين الكركي ، وكان عزل في سادس عشرين ذي الحجة .
وفي التاسع منه أعيد موفق الدين إلى الوزراة وصرف تاج الدين ابن أبي شاكر .
وفيها استقر قلمطاي دويدارا عوضا عن أبي يزيد بحكم انتقالهإلى نيابة دمشق ومات أبو يزيد فيها .
وفيها هجم جنتمر أمير الركب الشامي على بعض أهل المدينة من الجند الأشراف بسبب صقر يصطاد به فدافعوه عنه فوقع الشر وقتل منهم اثنان فركب ثابت بن نعير فسكن الفتنة .
وفيها عاث تمرلنك بالعراق وخرب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها كما سيأتي ، واتصل شرر فتنته إلى الشام ووصل خبر ضرره إلى مصر ، فارتاع لمايحكى عنه كل قلب ، فكان مسيره إلى السلطانية فنازل السلطانية فقتل صاحبها ، ثم قصد تبريز فدخلها عنوة ونهبها كعادته ، وأرسل إلى جميع البلاد نوابا من قبله ، ثم طلب بغداد ، وذلك في أواخر شوال فنازلها في ذي القعدة ، فلم يلبث صاحبها أحمد أن أخذ حريمه وخزائنه وهرب ، فبلغ ذلك تمر فأرسل ابنه مرزا في طلبه فأدركه ، فلما كاد أن يقبض عليه رمى بنفسه في الماء ، فسبح إلى الجهة الأخرى فسلم هو ومن معه ، واحتيط بأهله وخزائنه ، وهجم تمر على بغداد فملكها قهرا ، ثم شن الغارات على بلاد بغداد وما حولها وما داناها ، ثم تمادوا إلى البصرة والكركر والحلة وغيرها ، وأوسعوا القتل والفتك والسبي والأسر والنهب والتعذيب ، وفر من نجا من أهل بغداد ، فوصل الشيخ غياث الدين العاقولي إلى حصن كيفا هاربا فأكرمه صاحبها ، ثم سار عسكر تمر إلى إربل فحاصروها فأطاعه صاحبها ، ثم صاروا إلى تكريت ، فعصتعليهم فنازلها فصبر لهم أهلها فراسلوا تمرلنك بذلك فأمدهم بأمير شاه ملك وأردفه بخواجا مسعود صاحب خراسان وأقام هو ببغداد إلى آخر السنة ، وكان دخول اللنك بغداد في شوال ، ثم توجه نحو الشمال فوصل إلى ديار بكر ، وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين .
وفيها مات كمشبغا الأشرفي نائب الشام فاستقر عوضه تاني بك الحسني .
وفي أول هذه السنة عصى نعير على السلطان لكونه أجارمنطاش لما استجار به فاجتمع عليهما من العرب والتركمان عسكر كثير فقصدوا سلمية ، فخرج إليهم محمد بن قارا التركماني فقتل منهم جماعة ، وجرح منطاش وسقط وهو لا يعرف ، لأنه كان حلق شواربه فأردفه ابن نعير خلفه وانهزموا ، ثم طرق منطاش ونعير حماة فنهبوها ، فبلغ ذلك نائب حلب وكان قد استقر آقبغا الصغير فكبس على بيوت العرب وسبى نساءهم وساق أموالهم وأكمن لهم في بيوتهم الكمناء ، فلما بلغهم سبي نسائهم رجعوا على وجوههم إلى بيوتهم فخرج عليهم الكمناء فقتلوهم وأسروا خلقا كثيرا وانهزم الباقون ، فلما رأى أولاد نعير ذلكجنحوا إلى طاعة السلطان وملوا من الحرب وكرهوا منطاشا لما فيه من الهوج فراسلوا السلطان في طلب الأمان والتزموا له بمسك منطاش فأكرم رسلهم ، فلما بلغ ذلك أباهم أذعن للطاعة وراسل نائب حلب ليسلمله منطاش ، فلما تحقق منطاش ذلك ضرب نفسه ليقتلها فلم تمت ، وتسلمه قصاد نائب حلب ، ثم تسلمه نائب القلعة ، ثم أرسل السلطان فأمر بقتله وحمل رأسه فحملت بعد أن طيف بها جميع البلاد الشامية التي يقع المرور عليها ، فلما وصلت إلى القاهرة طاف بها الوالي ابن الطبلاوي على قناة ثم علقها على باب زويلة ثلاثة أيام ، ثم دفنت وأرسل السلطان إلى نعير بالخلع وبتحليفه على الطاعة .
وفي شعبان وصل عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا ابن أخي نعيرمغاضبا لعمه ، فأكرمه السلطان ، ثم قدم أبو بكر وعمر ولدا نعير مفارقين لأبيهما فأكرما بدمشق .
وفي شوال أمطرت السماء مطرا غزيرا حتى خاض الناس في المياه ، وذلك في أول يوم من توت والشمس في برج السنبلة .
وفيها حضر رسل صاحب دهلك ومعه فيل وزرافة وغير ذلك هدية .
وفي شعبان وصل رسل تمرلنك إلى الظاهر يظهر له الوداد والكتب على لسان طقتمش خان سلطان الدشت .
وفيها هرب أحمد بن أويس من بغداد ، وذلك لأنه كان شديد العسف بالرعية والأمراء ، فلما قصده تمرلنك كان إذا أرسل أحدا من الأمراء بكشف خبره يعيد إليه جوابا غير شاف ، فعميت عليه الأخبار إلى أن دهمه فلم يكن له به طاقة فخرج من أحد أبواب البلد ، وفتح أهل البلد الباب الآخر لتمرلنك ، فأرسل في طلب أحمد ففات الطلبودخل الشام ، وكان تمرلنك قد غلب قبل ذلك على تبريز وكاتب أحمد أن يذعن له بالطاعة ويخطب باسمه ، فأجاب لذلك لعلمه بأن لا طاقة له بمحاربته ، فكاتب أهل بغداد تمرلنك في الوصول إليهم فوصل ، وكان أحمد أرسل الشيخ نور الدين الخراساني إلى تمر فأكرمه ، وقال أنا أتركها لأجلك ورحل ، فكتب الشيخ نور الدين الخراساني إلى أحمد يبشره بذلك ، وسار تمر من ناحية أخرى فلم يشعر أحمد وهو مطمئن إلا وتمر قد نزل بغداد في الجانب الغربي فأمر أحمد بقطع الجسر ورحل وهرب أحمد لكن لم يعامل تمرلنك البغداديين بما قصدوه ، فإنه سطا عليهم واستصفى أموالهم وهتك عسكره حريمهم ، وخلا عنها كثير من أهلها وأرسل عسكرا في أثر ابن أويس فأدركه بالحلة فنهبوا ما معه وسبوا حريمه وهرب هو ووضع السيف في أهل الحلة ليلا ونهبوها وأضرم فيها النار ، ولما وصل أحمد في هربه إلى الرحبة أكرمه نعير وأنزله في بيوته ثم تحول إلى حلب فنزل الميدان وأكرمه نائبها وطالع السلطان بخبره ، فأذن له في دخوله القاهرة .وفي ذي القعدة رجع حسن الكجكني من بلاد الروم من عند أبي يزيد بن عثمان بعد أن أصلح بينه وبين ابن قرمان بأمر السلطان ووصل صحبته بهدايا ابن عثمان مع رسله فأكرمهم السلطان وأرسل صحبتهم بسؤالهم محمد بن محمد الصغير الطبيب وجهز صحبته كثيرا من العقاقير وغيرها ، ثم جهز اللنك ولده بعسكر حافل إلى صالحابن جيلان صاحب البصرة والبحرين فقاتلوه فهزمهم وأسر ولد تمرلنك وخرج في إحضاره عز الدين ازدمر وجهز السلطان إليه ثلاثمائة ألفدرهم فضة برسم النفقة فبعث إليه عسكرا آخر فظفر بهم .
وفيها كانت وقعة عظيمة للفرنج بنستروه ، طرقوها في رمضان في أربعة غربان فنهبوها وقتلوا النساء والأطفال وأقاموا بها ثلاثة أيام .
وفيها كانت وقعة عظيمة بالمدينة بين جماز بن شيحة الذي كان أمير المدينة النبوية وبين ثابت بن نعير المستقر فيها ، وقتل بينهم خلق كثير .وفيها في شوال كانت محنة القاضي ناصر الدين ابن الميلق ، فقرأتبخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وأجازنيه قال : لما كان ابن الميلق قاضيا طلب أمين الحكم وقت الصر إلى الحجاز وكان من بالقاهرة من أهل الحجاز شكوه للقاضي وقالوا إنه يقول إنه ما يصر إلا بحكم النصف ، فأنكر عليه القاضي وقال تعمل هذا في أيامي وألزمه بتكملة الصر ولم يكن عنده ما يكمل به الصر لتأخر حضور مال الوقف من الشام ، وكان منطاش ختم على مودعي الحكم بالقاهرة والحسينينة وصار يحط على القاضي لامتناعه من إقراضه مال المودع فحضر بدر الدين القلقشندي أمينالحكم وأخوه جمال الدين موقع الحكم وذكرا للقاضي أنه حضر من وقف البرج والغازية قدر أربعين ألفا من جهة علم دار وهي في جهة شخص هو زوج ابنة تمنتمر ناظر المارستان وأنهم لم يجتمعوا به والمبلغ حاضر معه لا غيبة له وسألوه أن يقترضوا الأربعين من مودع مصر وكان لم يختم ليكمل بذلك الصر ويعيدوها إذا قبضوها من القاصد فأذن لهم فكتبوا قصة سألوا فيها أن تنقل أربعين ألفا من مودع مصر إلى مودع القاهرة فكتب لهم بالنقل على الوجه الشرعي فقبضوه وصرره وطالبوا القاصد فمطلهم وخرج منطاش والعسكر وذاك متجوه عليهم بتمنتمر إلى أن انفصل ابن الميلق ولما استقر عماد الدين الكركي أوفوا من المبلغ عشرة آلاف ، فلما أن ولى المنادي ذكروا له ذلك فأمر أمين الحكم بمصر وهو شهاب الدين البيدقي أن يرفع الأمر إلى السلطان فقدمقصة قرئت فأمر بإحضار ابن الميلق فحضر فأوقفه ثم عقد له مجلس وهو واقف فألزموه بغرامتها فخرج فباع من وظائفه وأملاكه واقترض إلى أن وفاها وعند الله تجتمع الخصوم انتهى ما نقلته ، وبلغني أنه في أول حضوره المجلس على تلك الصورة أنه خر مغشيا عليه فما أفاق حتى رشوا عليه الماء ، ومع ذلك لم يرحمه أحد ممن حضر ولم ينصفه أحد من هذه المظلمة ولعل ذلك يكون كفارة له وتوجع لابن الميلق بسبب ذلك جماعة كانوا يكرهون المناوي لبأو كان فيه فبسطوا ألسنتهم فيه وذموه بكل وجه فلم ينزعج لهم وصار ينتقم منهم واحدا بعد واحد ولله الأمر .
وفي ذي الحجة شكا بعض التجار لنائب الكرك نوف القشتمري أن جماعة من العشير أخذوا لهم مالا من الغنم وغيرها فركب وتحدث معهم وسألهم أن يعيدوا ما أخذوا فأخذوا البعض فطلب البقية فذكروا أنهم لم يأخذوا إلا ذلك ، فجمع مشايخهم ليحلفهم فاجتمعوا فقبض عليهم فغضب الباقون فوقعوا فيه فقتلوه وكان في ناس قلائل .
وفي ربيع الآخر حصل سيل عظيم بحلب فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي فوجد فيها ثعبان عظيم يسع فمه ابن آدم إذا ابتلعهوكان طوله نحو سبعة أذرع أو أكثر .
وفيه وقع الفناء بالإسكندرية فيقال مات في مدة يسيرة عشرة آلاف .
وفيها استقر الشيخ سيف الدين السيرامي في تدريس الفقه والمشيخة بالشيخونة عوضا عن جمال الدين محمود لاشتغاله بوظيفة نظر الجيش ، وأذن له السلطان أن يستنيب عنه من يحضر وقت العصر في الظاهرية ويحضر هو بالشيخونية ويدرس بالمكانين ولم يتفق ذلك لغيره .
وفيها استقر أبو يزيد الدويدار في نظر جامع ابن طولون انتزعه من القاضي المناوي ، فلما مات استعاده المناوي ولبس لأجله خلعة .
وفيها كان الطاعون الشديد بحلب فقرأت في تاريخها للقاضيعلاء الدين : بلغت عدة الموتى كل يوم خمسمائة نفس وأكثر ، ثم تناقص في أواخر السنة ، قال : ومات فيه جمع من الأعيان ولكن كان غالبه في الصغار .
وفي هذه السنة أكملت مدرسة أينال اليوسفي خارج باب زويلة ، ونقل إليها فدفن بها .
وفي تاسع عشرين ذي الحجة نودي بأمر السلطان في الناس بمصر والقاهرة أن يتجهزوا إلى القتال لتمرلنك وطرده عن بلاد الإسلام فإنه قتل العباد وأخرب البلاد وهتك الحريم وقتل الأطفال وخرب الديار ، وركب سودون النائب وجماعة معه ومعهم ورقة يقرأ فيها من ذكر مساويه وسيرته القبيحة الأمور الفظيعة فاشتد خوف الناس وعظم ضجيجهم وبكاؤهم وكان يوما مهولا .وفي هذه السنة اجتمع بالقدس أربعة أنفس من الرهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم ، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول وصرحوا بذم الإسلام والقائم به وأنه ساحر كذاب فثار الناس عليهم وقتلوهم وأحرقوهم .
وأوفى النيل سادس عشر مسرى .
وفي ذي القعدة قبض على تاج الدين ابن أبي شاكر الوزير وسلم لوالي القاهرة ، فضربه بالمقارع وأخرجه على حمار وفي عنقه الحديد فترامى على الناس وطرح نفسه على الأبواب يستعطي ما يستعين به في مصادرته ثم أفرج عنه واستقر ناظر الإصطبل .
وفيات سنة 795
ذكر من مات في سنة خمس وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن بدر البعليالشرايحي كان يقال له ابن سمول ، سمع من القطب اليونيني وغيره وحدث وهو والد صاحبنا الحافظ جمال الدين ابن الشرايحي .
أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي من فضلاء الحنفية ، وكان يشارك في فنون ويفتي ويناظر ، وكان يلازم أبا البقاء السبكي مدة ويقرأ عليه في الكشاف وهو المشار إليه في كتابة السجلات ، مات في رجب .
أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب بن رقم البقاعي شهاب الدين المعروف بالزهري الدمشقي الفقيه الشافعي ، ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين ، وأخذ عن النور الأردبيلي والفخر المصري وابن قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي والبهاء الإخميمي ولازم الاشتغال إلى أن مهر فيالفقه وغيره ، وسمع الحديث من ابن أبي التائب والبرزالي والمزي وغيرهم ، ودرس كثيرا ، وأفتى وتخرج به النبهاء وناب في الحكم عن البلقيني وغيره ، ودرس بالشامية وبالقليجية والعادلية ، وولي إفتاء دار العدل ، واستقل بالقضاء في ولاية منطاش وأوذى بسبب ذلك ، وكانت مدة ولايته شهرا ونصفا ، وعد الناس ذلك من زلات العقلاء فإنه كان وافر العقل فلما صرف انقطع ، قال ابن حجي : كان مشهورابحل المختصر في الأصول و التمييز في الفقه ، وله نظم ، وكان له حظ من عبادة مع حفظ لسانه وترك الوقيعة في الناس ، وكان مهيبا مقتصدا في معاشه كثير التلاوة وكان قد انتهت إليه رياسة الشافعية في زمانه بدمشق ، مات في المحرم عن إحدى وسبعين سنة .
أحمد بن صالح البغدادي الحنبلي شهاب الدين خطيب جامع القصر ببغداد كان من الفضلاء ، قتل لما دخل تمرلنك بغداد .
أحمد بن عبد الغالب بن محمد بن عبد القاهر بن محمد بن ثابتالماكسيني الخابوري الأصل ثم الدمشقي ، ولد سنة عشر وسبعمائة ، وسمع من القاسم بن عساكر والحجار والبندنيجي وابن تيمية وغيرهم وحدث ، مات في ربيع الأول وله خمس وثمانون سنة ، وكان جيدا منزلا بمدارس الشافعية وعنده معرفة بأحوال الناس .
أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي الفقيه المالكي شهاب الدين ، أخذ عن الأصبهاني وغيره ، وشرح ابن الحاجب في الفقه وكان حسن الخط والعبارة ماهرا في الأصول ، فاضلا ، إلا أنه كان يرتشي على الإذن في الإفتاء ، ويأذن لمن ليس بأهل فعيب بذلك ، وكان أخذ عن أبي حيان والأصبهاني ودرس بالقمحية بمصر ، وكان حسن الخط ، جيد العبارة ، وشاع عنه أنه قال وهو في النزع :قولوا لابن الشريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس ، فمات شرف الدين ابن الشريشي عقب ذلك .
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي شهاب الدين ابن الضياء الشافعي ، ابن عم القاضي صدر الدين ناب عنه في الحكم ، وولي مشيخة الخانقاه الجاولية ، ومات في ربيع الأول .
أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن عشائر ولي الدين أبو حامد بن الحافظ ناصر الدين أبي المعالي خطيب حلب وابن خطيبها ، ولد سنة . . . . . وأسمعه أبوه الكثير بحلب وغيرها ورحل به إلى القاهرةواشتغل ومهر ونظم الشعر وخطب بعد أبيه مدة ، ومات في ذي الحجة بها بالطاعون شابا .
أحمد بن محمد بن مخلوف نقيب الحكم بالقاهرة للشافعية مات فيها .
الخضر بن يوسف بن سحلول الحلبي ، كان فاضلا ، له نظم . قال القاضي علاء الدين الحلبي في تاريخه : كان عنده ظرف وأدب ، وباشر التوقيع بحلب ، وكان بعد من الأعيان وهو أخو الرئيس شمس الدين عبد الرحمن الماضي في سنة 782 ومات بالمدينة في ذي الحجة .
سليمان بن أحمد بن أحمد بن مبارك بن إبراهيم الصالحي الملقن ، سمع من أبي بكر بن الرضا ، ومات في ذي القعدة عن نحو من خمس وستين سنة .سليمان بن داود بن سليمان المزي - بالزاي - المعروف بالعاشق حضر على ابن الشيرازي وغيره ، وحدث ، وكان كثير الحج ، مات في مستهل صفر .
عبد الله بن أحمد بن أحمد الحسني الحلبي ، ناب عن والده في نقابة الأشراف بحلب ، ومات في كفاية في شوال .
عبد الله بن عبد الكريم بن الغنائم ، كان جميل القامة ، جميل الوجه باشر وفرح به أبوه ، ثم فجع به ، وعاش بعده قريبا من ثلاثين سنة .
عبد الله بن المقسي شمس الدين كان يقال له شمس وهو نصراني ، فلما أسلم لقب شمس الدين وسمي عبد الله ، ويقال : إنه كان حسن الإسلام ، ومن أدلة ذلك أن أمه ماتت فحضر الخلق جنازتها ، فخرج إليهم فقال : إن لها أهل دين غيركم وتجديده الجامع بباب البحر وأوصى أن يدفنبجواره ، وكان يقرب العلماء ويحب الصلحاء ، مات في ثالث شعبان وقد أسن ، سمعت كلامه .
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الحافظ زين الدين ، بن رجب ولد ببغداد سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، وسمع بمصر من الميدومي ، وبالقاهرة من ابن الملوك ، وبدمشق من ابن الخباز ، وجمع جم ، ورافق شيخنا زين الدين العراقي في السماع كثيرا ،ومهر في فنون الحديث أسماء ورجالا وعللا وطرقا واطلاعا على معانيه ، صنف شرح الترمذي فأجاد فيه في نحو عشرة أسفار وشرح قطعة كبيرة من البخاري وشرح الأربعين للنووي في مجلد ، وعمل وظائف الأيام سماه اللطائف وعمل طبقات الحنابلة ذيلا على طبقات أبي يعلى ، وكان صاحب عبادة وتهجد ، ونقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن تيمية ، ثم أظهر الرجوع عن ذلك فنافره التيميون فلم يكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ، وكان قد ترك الإفتاء بأخرة ، وقال ابن حجي : أتقن الفن وصار أعرف أهل عصره بالعلل ، وتتبع الطرق وكان لا يخالط أحدا ولا يتردد إلى أحد ، مات في رمضان رحمه الله ، تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق .عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمذاني الأصل ، ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي ، قدم أبوه وعمه دمشق فأقام بها وأسمع أحمد أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين ، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في سنة خمس وتسعين وسبعمائة هذه السنة فحدث عن أبي عمرو بن المرابط بالسنن الكبرى للنسائي بسماعه منه في ثبت كان معه ، وقد وقفت على الأصل بخط والده وفيه سماعه وسماع ولده بخطه وليس فيهم عبد الرحيم فلعله في نسخة أخرى ، وحدث عن محمد بن إسماعيل بن الخباز بمسند الإمام أحمد كله والاعتماد على ثبته أيضا ، وسمع منه غالب أصحابنا ، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الفصيح .
علي بن ايدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي كان يلقبحنبل ، سمع الكثير وطلب بنفسه وجمع معجم شيوخه وترجم لهم ، قال ابن حجي : علقت من معجمه تراجم وفوائد ، قال : ولا يعتمد على نقله ، مات في رجب .
علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم المصري علاء الدين ابن السبع - بفتح المهملة وسكون الموحدة - حضر بعض البخاري على وزيره والحجار ، وسمع من يحيى بن فضل الله والدلاصي ومحمدبن غالي وغيرهم وكان ممن يخشى لسانه ، وحدث ، وكان أبوه قاضي المدينة ، مات هو في رمضان وقد اختلط عقله .
علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود - ثلاثة على نسق - علاء الدين بن العطار الحراني ، سبط الشيخ زين الباريني ، ولد بعد الستين وتفقه بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره ، وبرع في النحو والفرائض وتصدى لنفع الناس وتصدر بأماكن ، وكانت دروسه فائقة وكان يتوقد ذكاء ، ذكر القاضي علاء الدين في تاريخ حلب أنه حفظ ربع ألفية العراقي في يوم واحد ، ولو عمر لفاق الأقران لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين وسبعمائة .
علي بن محمد بن عبد الرحيم الأقفهسي الشيخ علاء الدين المصري ، قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين وهو كبير ، واشتغل وأخذ عنابن عدلان والكمال النسائي وغيرهما ومهر في الفقه ، وشارك في غيره وكان دينا مع فكاهة فيه ، درس بأماكن بالقاهرة وأعاد وولي مشيخة خانقاه يشبك ، وناب في الحكم ، مات في شوال ، انتفع به جمع كثير من الطلبة رحمه الله تعالى .
عمر بن نجم بن يعقوب البغدادي نزيل الخليل يعرف بالمجرد كان مشهورا بالخير والعبادة ، مات في ذي الحجة وله ثلاث وستون سنة .
قال ابن حجي : رأيته شيخا طوالا يلبس قبعا بلا عمامة ، وكان محبا في فعل الخير ، كلما جاءه فتوح يفرقه . وكان يكفي الذين يقرؤن عنده ، ولا يترك أحدا يقيم عنده بطالا ، وكان لا يضع جنبه بالأرض .
كمشبغا الخاصكي ، ولي نيابة دمشق أربعة أشهر ومات بهاوهو كمشبغا الحموي الذي كان نائب حلب ثم صار أكبر الأمراء بمصر وتأخر موته فلذلك كان يقال له الكبير ليتميز عن هذا .
محمد بن إبراهيم بن الشيخ أحمد شاه الخلخالي ثم التبريزي ، كان متمولا فعمل عليه أحمد بن أويس حتى قتله في صفر وذلك لعظم قدره وطواعية أهل ناحيته له ، فكأنه خاف من ناحيته وطمع في ماله ، وله خانقاه بالشرف الأعلى بدمشق وكان لأبيه خانقاه بالخلخال .
محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي ثم المقدسي نجم الدين ، ناب في تدريس الصلاحية ثم استقل بها بعد موت القاضي برهان الدين ، ومات في ذي القعدة بالقاهرة ، وكان قدمها في شوال .محمد بن أحمد بن الرضي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري ، محب الدين أبو البركات المكي ولد سنة بضع وعشرين ، وسمع من عيسى الحجي وطائفة وسمع أيضا على الوادي آشي والأمين الأقشهري ، وأجاز له الحجار وآخرون ، مات في ذي القعدة ، واجتمعت به وصليت خلفه مرارا ، وكان أعرج لأنه سقط فكسرت رجله ، وباشر العقود ، وعمر بعده أخوه أبو اليمن دهرا .
محمد بن أحمد بن علي بن عمر شمس الدين التاجر ، المعروف بابن حق الدين المصري ، نزيل مكة ، كان له اختصاص بأحمد بن عجلان ، وولي الوكالة عن الأمير جركس الخليلي ، وكان يتولى صدقاته بنفسه ، رأيته مرارا بمكة سنة خمس وثمانين ، ومات في المحرم .
محمد بن حسن بن سليمان بن حسن بن حمزة الحسيني جمال الدين الطرابلسي المعروف بالبلدي ، كان وكيل بيت المال بطرابلس ، وكانينسب إلى حشمة ومروءة وإحسان للواردين ، مات في شعبان بالطاعون .
محمد بن عمر بن منهال الأذرعي أحد أعيان الموقعين بدمشق ، مات في ذي الحجة .
محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي أمين الدين ابن الأدمي ، ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، وأخذ عن زوج أمه الفخر ابن الفصيح ، وسمع من ابن الخباز وابن تبع وغيرهما ، عني بالعربية وأخذ عن الصلاح الصفدي وغيره ، وكانت له وجاهة بدمشق وباشر بها أماكن ، وهو والد صاحبنا القاضي صدر الدين علي ، مات في جمادى الأولى فجأة ، قال ابن حجي : لم يكن بالمحمود بالنسبة إلى الوقيعة فيالناس ، وكان مع ذلك أحد أوصياء تاج الدين السبكي ، ثم صار من أخصاء البرهان ابن جماعة ودرس بالإقبالية ، وحصل دنيا واسعة وأموالا جمة ، وعرض عليه بعض الحكام نيابه فلم يقبل .
محمد بن محمد بن آقبغا آص ، تقدم ذكره في الحوادث .محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن الحنبلي صلاح الدين ابن الأعمى المصري المقدسي الأصل ، مدرس الظاهرية الجديدة بين القصرين ، وكان بارعا في مذهبه ، أفاد ودرس وتعين لقضاء الحنابلة ، ومات في ربيع الأول ، قال الشيخ تقي الدين المقريزي : كان أبوه وعمه عبد الجليل مشهورين بالعلم والفقه والدين فاقتدى بهما وأربى عليهما ، قال : وكان سمحا كريما حسن الملتقى ، جميل المحيا ، وكان يتعصب لابن تيمية .
محمد بن محمد بن عبد الله الصوفي زين الدين المصري نادرة عصره في النوادر الطيبة ولقبه زوين ، وكان يكثر الكون عند ابن الغنام فغضب عليه مرة فأمر بحبسه فكان كل من دخل عليه الحبس من أصحابه يسأله عن سبب غضب الصاحب عليه فيشير إلى قنينة فارغةعلقها وكان ابن الغنام يلقب قنينة في صباه ، فبلغه ذلك فبادر إلى إطلاقه .
محمد بن يحيى بن سليمان السكسوني جمال الدين المغربي المالكي كان عارفا بالمعقولات إلا أنه طائش العقل ، ولي قضاء حماة وطرابلس فلم يحمد ، ثم ولي قضاء دمشق شهرين بعد غلبة الظاهر فبدأ منه طيش أهين بسببه ، وذلك أنه تصدى لأذى الكبار وتعزيز بعضهم ، فكوتب فيه السلطان وعرفوه بثبوت فسقه فقدم مصر ، ثم نفي إلى الرملة فمات بها في أوائل هذه السنة ، قال ابن حجي : كان كثير الدعوى ، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وتشكى من غرمائه فقال له : أنا ما عزلتك ، هم حكموا بعزلك فأخذ يعرض ببعض الأكابر فعملوا عليه حتى أخرجوه .
محمود بن أبي بكر بن أحمد ابن أبي بكر الوائلي شرف الدينابن كمال الدين بن جمال الدين الشريشي ، ولد سنة تسع وعشرين بحمص وأبوه قاضيها إذ ذاك ، وأخذ عن والده وابن قاضي شهبة ، حتى مهر في العلوم وتصدى للتدريس والإفتاء وكثر النفع به وقد حدث عن الحجار بالإجازة ، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع ، ودرس بالبادرائية وبالرواحية قليلا وكان يكتب على الفتاوي كتابة حسنة حتى كان يقصد لذلك من الجهات البعيدة ، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشهاب الزهري رياسة الإفتاء ، وله نظم ونثر .
قال ابن حجي : لم أر أحسن من طريقته ولا أجمع لخصال الخير منه ، وكان يلعب بالشطرنج ، مات في تاسع صفر عن خمس وسبعين سنة .
مقبل الرومي الشهابي شيخ الخدام بالمدينة ، أصله من خدم الصالحإسماعيل بن الناصر ثم اختص بشيخو ثم يحسن ، ثم انقطع بالمدينة ثم ولي المشيخة بها حتى مات .
منصور بن مظفر بن محمد بن المظفر اليزدي ، ويقال له شاه منصور وهو ابن أخي شاه شجاع صاحب بلاد فارس ، قتل في حروب وقعت بينه وبين تمرلنك وقتل معه أخوه شاه يحيى بن المظفر .منطاش التركي الأشرفي ، تقدم ذكره في الحوادث .
موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي ، كان عالما عابدا صالحا على طريقة السلف ، نزل دمشق وعين للقضاء فامتنع ودرس وأفاد ، ثم تحول على القدس وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة ، وكان على طريقة السلف ، ومات ببلد الخليل بزاوية الشيخ عمر المجرد في جمادى .
نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم الكناني الحنبلي ناصر الدين قاضي الحنابلة بنابلس ، سمع من عبد الله بن يوسف الحنبلي جزء ابن ملاس بإجازته من سبط السلفي ، وبدمشق من أحمد بن عليالجزري ، وبمصر من الحسن بن السديد الأريلي وإبراهيم القطبي وغيرهم ، وتفقه ومهر في مذهبه ، وناب في الحكم عن صهره نحوا من عشرين سنة ، ثم استقل بعد وفاة حموه موفق الدين سبعا وعشرين سنة إلى أن مات في شعبان عن سبع وسبعين سنة ، وكان دينا عفيفا مصونا صارما مهيبا ، محبا في الطاعة والعبادة ، حدث ودرس وأفاد وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئا ، قرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وهو في جملة ما أجازنيه ، قال : توفي القاضي ناصر الدين في نصف شعبان ، وأقام قاضي الحنابلة بعد وفاة صهره القاضي موفق الدين ما يزيد على خمس وعشرين سنة ، لم ينكب فيها يوما ولا عزل ولا مرض بل يضحك على الناس كلما عزل أحد أو مات ، إلى أن جاءه أمر الله فلم يضعف غير هذه الضعفة فمات فيها .
يحيى بن عبد الله بن بشارة الوزير تاج الدين أسلم هو وأخوهوأبوهما وكان اسمه يحنا - بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون - فسمي يحيى ، وباشر نظر الخاص مدة ثم ولي الوزارة بسعي منه على والده ، ثم صرف في دولة الظاهر ، ولما قدم الظاهر سنة ثلاث وتسعين اختفى ، ثم قبض عليه في هذه السنة وسجن بالقلعة ، فمات في جمادى الأولى ، ومات أبوه في سنة ثلاث وتسعين .
شاه يحيى بن المظفر تقدم قريبا مع أخيه منصور .
أبو بكر بن عثمان بن العجمي زين الدين الحلبي نزيل القاهرة ، سمع الحديث ببلده واشتغل بالآداب فمهر فيها وطارح الصلاح الصفدي بقصيدة شهيرة أجابه عنها وهي في ألحان السواجع للصفدي ، وولي التوقيع بالقاهرة ، وكان يكتب خطا حسنا وينظم شعرا وسطا ونثره كذلك مع دين وخير ومحبة في العلم ، مات عن سبعين سنة أو أكثر .
أبو الطيب بن علي بن أحمد الفوي سمع الكثير بعناية أبيه منأصحاب الفخر ، وتفقه قليلا ، ثم دخل في أمر الدولة فقطع لسانه ثم بقية أعضائه ، ثم مات عن أربعين سنة .
أبو تاشفين ابن أبي حمو موسى بن يوسف التلمساني من بني عبد الواد ، خرج على أبيه وحاربه وجرت له معه خطوب وحروب إلى أن قتل أبوه في المحرم سنة 92 ، وأسر أخوه أبو عمر فقتله هو وملك تلمسان وصار يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال إلى أن قام أبو زيان بن أبي حمو فجمع جموعا ونزل على تلمسان وحصرها فكاده أخوه وفرق جمعه ووفد على صاحب فاس فجهز معه عسكرا في هذه السنة ، فمات أبو تاشفين في شهر رمضان ، فأقام وزيره أحمد ابن العز ولده فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصبيوالوزير فخرج صاحب فاس إلى تلمسان فملكها وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان وصارت لصاحب فاس .
أبو يزيد الدوادار كان خامل الذكر فاتفق أن السلطان استخفى عنده لما نازله الناصري ومنطاش ، فلما عاد إلى السلطنة عظمه ثم قربه ثم رتبه في الدويدارية بعد بطا إلى أن مات في رجب .
أمة الرحيم ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدين العلائي أسمعها من الحجار وغيره وحدثت ، ماتت في تاسع شوال ، وكذلك أسماء أختها ماتت في العشرين منه .
فاطمة بنت تقي الدين الجعبري ، حضرت على أسماء بنت صصري وسمعت من ابن الرضي وكان المزي جد أمها ، وحدثت بدمشق .حوادث سنة 796
سنة ست وتسعين وسبعمائة
فيها وصل أحمد بن أويس إلى القاهرة في ربيع الأول فتلقاه الأمراء وخرج له السلطان إلى الريدانية فقعد بالمسطبة المبنية له هناك ، فترجل له أحمد بن أويس من قدر رمية سهم فأمر السلطان الأمراء بالترجل له ، ثم لما قرب منه قام له ونزل من المسطبة يمشي إليه فالتقاه وأراد أحمد تقبيل يده فامتنع ، فطيب السلطان خاطره وأجلسه معه على مقعده ، ثم خلع عليه وأركبه صحبته إلى القلعة فأنزله في بيت طقزدمر على بركة الفيل ، ونزل جميع الأمراء في خدمته ثم أرسل له السلطان مالا كثيرا وقماشا ومماليك للخدمة ، يقال قيمة ذلك نحو عشرة آلاف دينار ، ثم حضر الموكب السلطاني فأذن له السلطان بالجلوسوأركبه معه إلى الجيزة للصيد ، ثم تزوج السلطان بنت أخيه خوندتندي بنت حسين بن أويس وبنى عليها قرب السفر ، ثم أمر السلطان بالتجهيز إلى الغزاة وطلب من القاضي الشافعي أن يقرضه ما في المودع منأموال الأيتام ، فامتنع فسعى بدر الدين بن أبي البقاء في القضاء وبذل مالا ، وذلك في ربيع الآخر فعزل المناوي بعد أن خرج السلطان إلى الريدانية ، وأعيد ابن أبي البقاء في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر ربيع الآخر وخلع عليه بالريدانية ودخل القاهرة ومعه قلمطاي الدويدار وغيره من الأمراء ، وسافر مع السلطان في رابع عشريه بعد أن بذل ما أرادوا منه فقيل : كان ستمائة ألف ، وعوض السلطان أصحابها أرضا يستغلون خراجها إلى الآن ، واقترض السلطان من ثلاثة من التجار ألف ألف درهم فضة ، وهم برهان الدين المحلى ونور الدين الخروبي وشهاب الدين ابن مسلم ، وكتب لهم بذلك مسطورا ضمنه فيه محمود الاستادار ، وكان ذلك بتدبيره ، واستصحب السلطان معه القضاة والخليفة وشيخ الإسلام البلقيني ، واستأذن البلقيني بعد وصوله إلى دمشق لولده جلال الدين في الرجوع لأنه كان قاضي العسكر ، فأذن له فرجع وتوجه الشيخ صحبة الركاب إلى حلب ، وخرج إلى السلطان وهو معسكر ظاهر القاهرة شخص يقال له أحمد بن عباس الحريري ، فذكر أنه رأى النبي e تسليما في المنام وأنه قال له :رح إلى برقوق وقل له إنك منصور بأمارة أنك تقرأ سورة الفاتحة على أصابعك العشرة عشر مرات عند الركوب ثم تقول إن ينصركم الله فلا غالب لكم فصدق الأمارة وبكى وأمر للرأي بمال فلم يقبل منه إلا نذرا يسيرا ، والذي يظهر لي كذب هذا الرأي ، وكأنه بلغ الأمارة من بعض خواص السلطان المطلعين على سره ، وإلا فلو كان صدقا لكان قد انتصر ، والواقع أنه لم يقع له قتال مع أحد ، وعزل موفق الدين عن الوزارة واستقر ناصر الدين ابن رجب فقرر في نظر الدولة سعد الدين ابن البقري .وفيها كائنة الشريف العنابي - بضم العين المهملة والنون - كان السلطان يعتقده فاتفق مع جماعة من مماليك بركة على القيام عليه ، فنم عليه موسى بن محمد بن عيسى العائدي شيخ عرب العائد ، وكان في الحبس فأرسل إلى الوالي ورقة بخط العنابي ، يقول فيها : يا موسى أرسل إلي عربك يجتمعوا ويعسكروا قرب القاهرة فإذا جاز السلطان قطية أركب أنا ومن معي من المماليك فنملك القاهرة وتخلص من الحبس ونتساعد على ذلك فإذا غلبنا قررنا سلطانا نتفق عليه ، وأستقر أنا خليفة وأحمد بن قايماز أتابك العساكر ، فتوجه الوالي بالورقة إلى السلطان فأرسل يلبغا السالمي إلى الشريف العنابي ليسأله عن ذلك فأحس الشريف فهرب ثم أمسك الوالي عبدا من عبيده فأقر بأن سيده في بيت الصارم الحلبي بسويقة السباعين ، فبادر الوالي فقبض عليهوعلى أحمد بن قايماز فأحضرهما إلى السلطان وهو بالريدانية قد برز بالعسكر للتوجه فاعترف العنابي بأن الورقة بخطه وأن ابن قايماز هو الذي رتبه فيما يفعل ، فأنكر ذلك ابن قايماز وتبرأ منه فأمر السلطان بالتوكيل بهما ، فسعى عمر بن قايماز أخو أحمد عند أخت السلطان حتى شفعت في أخيه على مال جزيل بذله وأطلق ، وأمر السلطان بتوسيط الشريف العنابي فوسطه الوالي ، وكذلك وسط موسى بن محمد بن عيسى بن موسى العائدي وعمه مهنا بن عيسى وجماعة من نفره كانوا في القبضة ، وذلك بعد سفر السلطان ، ووصل السلطان إلى دمشق في العشرين من جمادى الأولى فوصل له قاصد طقتمش خان ملك القفجاق يتضمنالسؤال أن يكونوا يدا واحدة على الطاغي تمرلنك ، فكتب أجوبتهم ثم وصلت إليه رسل أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم تتضمن استئذان السلطان على الحضور إلى نصره على قصد تمرلنك لما بلغهم من سوء سيرته ، فكتب أجوبته أيضا .
وفي أول هذه السنة سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريتفحاصرها بقية المحرم كله ودخلها عنوة في آخر هذا الشهر فقتل صاحبها ، وبنى من رؤوس القتلى منارتين وثلاث قباب ، وخرب البلد حتى صارت قفرة ، وكان استولى على قلعة تكريت وأميرها حسن بن يغمور ونزل بالأمان فأرسله اللنك إلى دار ثم دس عليه من هدمها ، فمات تحت الهدم ، ثم أثخن في قتل الرجال وأسر النساء والأطفال ، ثم نازل الموصل وصاحبها يومئذ يار علي بن برد خجا فصالحه وصار في خدمته ، ثم نزل إلى رأس عين فملكها ، ونازل الرها فأخذها بغير قتال ، ووقع النهب والأسر والسبي ، وذلك في آخر صفر واتفق هجوم الثلج والبرد ، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التحف والذخائر وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقرر ولدهشرف الدين أحمد نائبا عنه ، وسار إلى أن اجتمع به بالرها فقبل هديته وأكرم ملتقاه ورعى له لكونه راسله قبل جميع تلك البلاد ، ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده وأصحبه بشحنة من عنده ، ثم قصده صاحب ماردين فتنكر له لكونه تأخرت عنه رسله وتربص به حتى قرب منه فوكل به فصالحه على مال فوعده بإرساله إذا حضر المال فلما حضر زاد عليه في التوكيل والترسيم ، ثم أخذ في نهب تلك البلاد بأسرها ، واستولى على بلاد الجزيرة والموصل وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والأسر والسبي والنهب والتعذيب ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء ، فلما أتى الربيع نازل ماردين في جمادى الآخرة فحاصرها وبنى قدامهاجواسق فحاصرها منها ففتحها عن قرب ، وقتل من الناس من لا يحصى عددهم ، وعصت عليه القلعة فرحل عنها ثم رحل إلى آمد فحاصرها إلى أن ملكها وفعل بها نحو ذلك ، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك ، وسبب رجوعه عن البلاد الشامية أنه بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدشت والسراي وغيرها مشى على بلاده فانثنى رأيه فقصد تبرين وصنع في بلاد الكرج عادتهفي غيرها من البلاد ، ثم رحل راجعا إلى تبريز فأقام بها قليلا ، ثم توجه قاصدا إلى قتال طقتمش خان صاحب السراي والقفجاق ، وكان طقتمش قد استعد لحربه فالتقيا جميعا ودام القتال ، وكانت الهزيمة على القفجاق والسراي فانهزموا وتبعهم الجقطاي في آثارهم إلى أن ألجؤهم إلى دخل بلادهم ، وراسل اللنك صاحب سواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعى منه طاعته فلم يجبه وأرسل نسخة كتابه إلى الظاهر صاحب مصر وإلى أبي يزيد ملك الروم .
وفي شوال غلب على غالب القلاع ، وتوجه في ذي القعدة إلى جهة بلاده وأمر بسجن الطاهر في مدينة سلطانية ، وفي غضون ذلكخرج من حلب أميران مقدمان ومعهما نحو ألف فارس لحفظ الرها فوجدوا اللنكية فتحوها ، فوقع بهم جمع كبير من اللنكية ، فحصل بينهم وقعة انهزم فيها اللنكية ، وقتل منهم جمع عظيم ، وصادف ذلك رحيل اللنك عن الرها ، ورجع أهل حلب بالأسرى ورؤس القتلى ، ووصل الخبر بذلك إلى الظاهر في ربيع الأول ، ففرح به وأخذ في التجهيز بالعسكر المصري فخرج في ربيع الآخر وصحبته في هذه السفرة الشيخسراج الدين البلقيني والشيخ شهاب الدين ابن الناصح وأبو عبد الله الكركي والشيخ محمد المغربي والشيخ إبراهيم بن زقاعة وغيرهم .
وفيها وصلت رسل تمرلنك إلى الظاهر يتضمن الإنكار على إيواء أحمد بن أويس والتهديد إن لم يرسل إليه فجهز السلطان إليهم من أهلكهم قبل أن يصلوا إليه وأحضر إليه ما معهم من الهدايا ، فكان فيها ناس بزي المماليك ، فسألهم السلطان عن أحوالهم ، فقالوا إنهم منأهل بغداد ، ومن جملتهم ابن قاضي بغداد ، وإن تمرلنك أسرهم واسترقهم ، فسلمهم السلطان لجمال الدين ناظر الجيش فألبس ابن قاضي بغداد بزي الفقهاء ، وكان في كتاب تمرلنك إيعاد وإرعاد وأوله : قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اعلموا أنا جند الله ، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل عليه غضبه لا نرق لشاكي ولا نرحم عبرة باكي وهو كتاب طويل وفيه ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا ولا يسمع ، فكيف يسمع الله دعاؤكم وقد أكلتم الحرام وأكلتم أموال الأيتام وقبلتم الرشوة من الحكام قلت : وأكثر هذا الكتاب منتزع من كتاب هولاكو إلى الخليفة ببغداد وإلى الناصر بن العزيز بدمشق وهو من إنشاء النصير الطوسي ، وكتب جواب اللنك كاتب السر ابن فضل الله وهو كلام ركيك ملفق غالبه غير منتظم لكنه راج على أهل الدولة ، وقريء بحضرة السلطان والأمراء فكان له عندهم وقع عظيم وعظموه جدا وأعادوه ، وكان النائب بحلب أرسل رجلا بعث به سالم الدوكاري فلما وصلإلى القاهرة أخبر السلطان أن المقاتلة مع اللنك عشرون ألفا وأن له أختا معه تضرب بالرمل ، ثم حضر شخص آخر كان من مماليك الأشرف وخدم شكر أحمد التركماني وأنه توجه معه إلى اللنك فهرب منه فأخبر بمثل ما أخبر به التتري المذكور .
وفي رابع عشرين ربيع الأول قبض على شخص من الططر فعرض على السلطان فضربه فأقر على عدة جواسيس فقبض منهم على سبعة أنفس ما بين تجار وغيرهم وتجهز السلطان إلى السفر وأنفق في المماليك في ثالث ربيع الآخر لكل واحد ألفي درهم ، فبلغه أنه تمنعوا فجلس بنفسه وأمر بالنفقة فأخذوا ولم يتكلم أحد منهم وأعطى لكل مقدمألف ستين ألفا وللخليفة عشرة آلاف ، ويقال كان جملة النفقة تسعة آلاف ألف ، كان ثمنها من الذهب الهرجة ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار ، وكان اقترض من التجار ألف ألف ، ومن موجود جركس الخليلي ثماني مائة ألف ، ومن موجود أرغون شاه نحو النصف من ذلك ، ومن موجود إينال اليوسفي نحو ذلك أو أكثر ، فبرز في سابع الشهروخرج من القلعة في عاشره وسافر من الريدانية في ثاني عشري الشهر وترك في الاصطبل بيبرس أمير آخور ، وبالقاهرة سودون النائب ونائباه ، وبالقلعة ارسطاي ومعه ثلاثمائة مملوك ، ودخل دمشق ثاني عشرين جمادى الأولى فأقام بدمشق خمسة أشهر وعشرة أيام ، واستبرأ الأخبار فتحقق رجوع اللنك فجهز أحمد بن أويس إلى بغداد ودفع له حين السفر خمسمائة ألف درهم قيمتها عشرون ألف ديناروخمسمائة فرس وستمائة جمل وجهزه أحسن جهاز ، فخرج في مستهل شعبان وسافر في ثالث عشره وسار معه عدة من الأمراء الكبار إلى أطراف البلاد صحبه سالم الدوكاري ، ثم جهز السلطان كمشبغا وجماعة من الأمراء إلى حلب فتوجهوا قبله ثم توجه بعدهم في أول ذي القعدة فدخلها في العاشر وأقام إلى عيد الأضحى ، ورجع إلى الديار المصرية في الثاني عشر منه وكان أمر بعرض أجناد الحلقة وتجهز من له خبز ثقيل بعبرة ثقيلة إلى السفر وألزم مباشرو الخاص وغيرهم أن يؤخذ من كل واحد بغلة أو ثمنها ثم اختار من أجناد الحلقة أربعمائة فارس انتقاهم ، ثم نادى للأجناد البطالين بالحضور لينفق فيهم ليسافروا فحضرمنهم نحو الخمسمائة ، فقبض قلطاي منهم بأمر السلطان على ثلاثمائة وسبعين فسجنهم وهرب الباقون ، ثم عرضهم ابن الطبلاوي عند محمود وأفرج عن مائتين منهم ، ولما دخل الشام شكوا من الباعوني فعزله ونكل به وخلع على علاء الدين ابن أبي البقاء وأقام الظاهر بدمشق خمسة أشهر ، وعزل المنجا الحنبلي ، وولى عوضه شمس الدين النابلسي وعزل ابن الكشك ، وولى عوضه ابن الكفري ثم وصل السلطان إلى حلبفوصل إليه ابن نعير فأخبره أن أباه غلب على بغداد بعد رحيل تمرلنك عنها وخطب فيها باسم الملك الظاهر فجهز أحمد بن أويس بجماعته إلى بغداد بعد أن جهزه جهازا حسنا فأرسل عسكرا كثيرا فيهم كمشبغا الأتابكي وأحمد بن يلبغا وبكلمش وغيرهم إلى أطراف المملكة ، وأقام ، السلطان نازلا على الفرات إلى أن وصل قاصد أحمد بن أويس يخبره بأنه دخل بغداد وجلس على تخت ملكه وخطب باسم السلطان بها ، فرجع السلطان إلى حلب وحضر إليه وهو بها سالم الدوكاري التركماني طائعا فخلع عليه وعظمه وألبسه بزي الترك ، ووصل إليه كتاب القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس يبذل له الطاعة ، وذكر أحمد بنأويس في كتابه أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد خرج إليه نائب تمر فقاتله وأطلق الماء على عسكر ابن أويس فأعانه الله وتخلص ، وفي هذه السفرة استقر بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستاني العجمي في كتابة السر بعد موت بدر الدين بن فضل الله ، وكان السلطان استدعى به من القاهرة بعد أن سافر ليقرأ له كتابا ورد عليه من بلاد العجم بالعجمي ، وذلك بإشارة جمال الدين ناظر الجيش ، فتوجه وهو في غاية الخوف ظنا منه أنه وشى به بعض أعدائه ، وما درى أنه نقل أمره إلى العز الزائد بعد الذلالمفرط واستقر في نيابة حلب بعد رحيل السلطان بإمرة تغري بردى وفي نيابة طرابلس أرغون شاه ، وفي نيابة صفد آقبغا الجمالي .
وفي هذه السنة كان بالقاهرة من الرخص ما يضرب به المثل حتى أن عنوانه أن البطيخ العبدلاوي بيع كل قنطار بدرهم ، وقس على ذلك .
ثم في آخرها توقف النيل حتى مضى نصف أبيب ثم مضى نصف مسرى الأول ، ثم فتح الله تعالى فزاد في أسبوع واحد نحو عشرة أذرعوتزايد بسبب التوقف سعر القمح إلى أن بلغ أربعين درهما كل أردب ثم زاد ضعفها .
وفيها أرسل أبو فارس ابن أبي العباس المريني ، بعد موتأبيه إلى تلمسان أبازيان بن أبي حمو بعد أن أخرجه من محبسه بفاس وصار أميرا على تلمسان من قبله وأرسل إلى بني عامر مالا فغدروا بيوسف ابن أبي حمو وأرسلوه إلى أبي فارس ، فقتله وبعث برأسه إلى أخيه أبي زيان واستمر أبو زيان في إمرة تلمسان عن أبي فارس .
وفي رجب أخذت الفرنج عدة مراكب تحمل الغلال إلى الشام .
وفي هذه السنة أشيع أن امرأة طال رمدها فرأت النبي e تسليما فأمرها أن تأخذ من حصى أبيض في سفح المقطم أشيافا وتكتحل به بعد سحقه ففعلت فعوفيت ، فتكاثر الناس على استعماله وشاع ذلك ثم بطل .
وأوفى النيل ثامن عشرين مسرى وانتهت الزيادة في ذى الحجة إلى الحادي عشر من الثاني عشر فارتفعت الأسعار فأمر سودون النائب أن يتحدث ابن الطبلاوي في الأسعار ففعل فلم يزدد الأمر إلا شدة .
وفيات سنة 796
ذكر من مات في سنة ست وتسعين وسبعمائة من الأعيان
إبراهيم بن خليفة بن خلف ، خطيب برزة ، كان خيرا معتقدا ،مات في شعبان .
إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي برهان الدين القاضي ، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة ، وسمع من الوادي آشي وغيره ، وتفقه بدمشق على القاضي بدر الدين الغماري المالكي ، وتزوج بنته بعده وكان يحفظ الموطأ وولي قضاء دمشق غير مرة ، أولها سنة ثلاث وثمانين ، فلما جاء التوقيع لم يقبل وصمم على عدم المباشرة وامتنع من لبس الخلعة فولى غيره ، ثم ولى في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضا فلم يزالوا به حتى قبل ، فباشر ثلاث سنين ، ثم صرف ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من الحمام وقد ناهز الثمانين وهوصحيح البنية حسن الوجه واللحية ، قال ابن حجي : كان فاضلا في علوم وكان يخالط الشافعية أكثر من المالكية ويعاشر الأكابر بحسن محاضرته وحلو عبارته .
أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني السلطان أبو العباس بن أبي سالم بن أبي الحسن صاحب فاس ولقبه المستنصر بالله أمير المسلمين ثم اعتقل بطنجة فلم يزل حتى بعث ابن الأحمر صاحب غرناطة إلى محمد بن عثمان أمير سبتة أن يخرجه ويساعده ، فركب إلى طنجة فأخرجه وبايع له وحمل الناس على طاعته وبايعه أهل جبل الفتح وأمده ابن الأحمر بعساكر ، وكتب ابن الأحمر إلى الأمير عبد الرحمن بن أبي يغمراسن بموافقته ومعاضدته وكان بينهمابون فتصافيا ونازلوا فاس فجرح السعيد محمد بن عبد العزيز بن أبي الحسن سلطانها فاختل أمره وانهزم ، وركب أبو العباس وحصر البلد في سنة خمس وسبعين إلى أن دخل سنة ست وسبعين ، واستقل السلطان أبو الحسن بملك فاس والمغرب وأمر عبد الرحمن على مراكش ، واستوزر أبو العباس محمد بن عثمان بن العباس وألقى إليه المقاليد ، ثم غدر عبد الرحمن فأخذ من بلاد أبي العباس اربونة ، فترددت الحرب بينهما إلى أن قتل عبد الرحمن في آخر جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين ، ثم ملك تلمسان وهربمنها صاحبها أبو حمو ثم ثار موسى بن أبي عنان على أبي العباس ونزل دار الملك بفاس ، فرجع أبو العباس فنزل تازي فتركه أهل عسكره وتوجهوا إلى موسى فآل الحال إلى أن غلب موسى وقيده وحمله إلى الأندلس فأكرمه ابن الأحمر ولم ينشب موسى أن مات فأقيم المستنصر بن أبي العباسفي الملك فبلغ ذلك ابن الأحمر فأخرج أبا العباس ليرسله إلى فاس ، ثم بذا له فرده إلى الاعتقال فأرسل الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن فتوجه إلى فاس فملكها في شوال سنة ثمان وثمانين وقبض على المنتصر فبعثه إلى ابن الأحمر ثم أرسل عسكرا فأخذوا سبتة فبلغ ابن الأحمر فغضب وطلب أبا العباس فأركبه البحر من مألقة إلى سبتة فوصلها في صفر سنة تسع وثمانين فاضطرب من فيها ، واستولى على سبتة ثم سار إلى طنجة فملكها ، ثم نازل فاس فملكها ، وكان القائم في تلك الأمور كلها الوزير مسعود فقبض عليه وعذبه ثم قطعه قطعا ولم يزل السلطان أبو العباس تتقلب به الأمور إلى أن مات في المحرم سنة ست وتسعين ، فقام بعده ابنه أبو فارس فلم تطل مدته ، ومات سنة ثمان وتسعين فقام أخوه ومات في يوم الفطر سنة تسع وتسعين ، ثم قام أخوهما أبو سعيد عثمان .
أحمد بن أبي سالم بن أبي الحسن بن أحمد بن أبي عنان المريني ، صاحب فاس ، كان يلقب المستنصر أمير المسلمين ، هو الذي قبله .أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن أبي العباس الدمنهوري الأديب المعروف بالشاطر ، صاحب النظم الفائق ، تقدم في سنة 788 .
أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن أبي حفص الحفصي الهنتاتي ، صاحب بلاد تونس وافريقية وغير ذلك من بلاد المغرب ، والهنتاتي - بفتح الهاء وسكون النون بعدها مثناة وبعد الألف مثناة أخرى - يكنى أبا العباس - وكان يقال له : أبو السباع ، ولي المملكة سنة اثنتين وسبعين في ربيع الأول ، وكل من ذكر في عمود نسبه ولي السلطنة إلا أباه وجد أبيه ، مات في شعبان ، واستقر بعده ولده أبو فارس عبد العزيز .أحمد بن يعقوب الغماري المالكي ، كان فاضلا في مذهبه ، درس وأفتى وولي قضاء حماة ، ثم صرف فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة .
أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزي تقي الدين ابن أخي الحافظ جمال الدين ، سمع الحجار والمزي وغيرهما وحدث ، مات في المحرم عن خمس وسبعين سنة .
راشد بن عبد الله التكروري أحد المشايخ المجذوبين الذين يعتقدهمالعامة ، كان مقيما بجامع راشدة الذي عند بركة الحبش ، رأيته هناك وعنده سكون ويصيح أحيانا ، مات بالمارستان .
رسلان بن أحمد بن إسماعيل الصالحي الذهبي ، سمع من محمد بن يعقوب الجرائدي وأبي العباس الحجار وحدث بدمشق .
زكريا بن محمد بن أبي بكر الأمير أبو يحيى ، لما مات أخوه السلطان أبو العباس أحمد واستقر في السلطنة بعده ولده أبو فارس عبد العزيز كان خشي من عمه فاستدعاه في مرض أبيه فدخل عليه فخشي عليهأخوه وأمره بالانصراف ، فعاقه أبو فارس حتى مات أبوه وبويع بالسلطنة فقتل عمه في نصف ذي القعدة .
زينب بنت القاضي زين الدين البسطامي ، والدة القاضي صدر الدين المناوي ، كانت مقيمة بجامع الحاكم ، ماتت في المحرم ، ومشى الناس في جنازتها من هناك إلى المصلى الذي بالقرب من جامع المارداني لأجل ولدها .
زينب بنت أبي البركات البغدادية ، كانت صالحة فبنى لها رباطبجوار خانقاه بيبرس بنته لها الست تذكار بنت الملك الظاهر بيبرس وصار كالمودع للنساء الأرامل وهو المعروف برواق البغدادية .
سلامة بن محمد بن سليمان بن فائد الخفاجي ، أمير العرب بالبحيرة وهو المعروف بابن التركية ، كان شجاعا بطلا ، وقد ذكر في الحوادث ، مات في ربيع الآخر .
عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا ، مات غريقا بالفرات ومعه سبعة عشر نفسا من آل مهنا في وقعة بينه وبين عرب زبيد وقتل معه خلق كثير جدا .
عبد الله العمري كاتب السمسرة والد صاحبنا شمس الدين العمري موقع الدست .عبد الرحمن المناوي خادم الشيخ صالح بمنية الشيرج ، وكان ممن يعتقده المصريون ، مات في جمادى الأولى .
عبد الرزاق بن عبد الله بن عبد الرزاق المصري كمال الدين ابن المطوع الشاهد ، ولد سنة عشر أو بعدها ، وسمع من أبي الفتح الميدومي وغيره واعتنى بالشروط وكتب الخط الحسن ونظم ونثر وأرخ الوقائع التي شاهدها ، مات ثالث رجب سمعت من فوائده .
علي بن عبد الواحد بن محمد بن صغير علاء الدين بن نجم الدين بن شرف الدين رئيس الأطباء بالديار المصرية ، كان فاضلا مفننا انتهت إليه المعرفة ، وكان ذا حدس صائب جدا يحفظ عنه المصريون من ذلك أشياء ، وكان حسن الصورة بهي الشكل جميل الشيبة ، مات بحلب في ذي الحجة ، ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم ، أخذ عنه شيخنا عز الدينابن جماعة وكان يثني على فضائله وقد اجتمعت به مرارا وسمعت فوائده ، وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفره للقرض ، فكان يقرض من يحتاج إلى ذلك برهن من غير استفضال بل ابتغاء للثواب .
قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي : كان يصف الدواء للموسر بأربعين ألفا ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس ، قال : وكنت عنده فدخل عليه رجل شيخ فشكا شدة ما به من السعال فقال له : لعلك تنام بلا سراويل ? قال : إي والله قال : فلا تفعل ، ثم بسراويلك ، فمضى ، قال : فصادفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله ، فقال لي : عملت ما قال لي فبرئت ، قال : وكان لنا جار حدث لابنه رعاف حتى أفرط فانحلت قوى الصغير ، فقال له : شرط أذنيه ، فتعجب وتوقف ، فقال : توكل على الله وافعل ، ففعل ذلك فبرأ ، قال : وله من هذا النمط أشياء عجيبة .
محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بنعلي الحسني الفاسي ، ثم المكي أبو الفتح المالكي ، سبط الخطيب بهاء الدين محمد بن التقي عبد الله بن المحب الطبري ، سمع على عثمان بن الصفي أحمد بن محمد الطبري وغيره ، وبالمدينة على الزين بن علي الأسواني والجمال الطبري وخالص البهائي وغيرهم ، وأجاز له جماعة من مصر والشام وحدث ، وكان مولده في ذي القعدة سنة 732 بمكة ومات بها في خامس صفر .
محمد بن أبي بكر الدمشقي بدر الدين ابن المصري ، اشتغل بالعلم وأخذ عن التاج المراكشي ، وكان أكبر الشهود بمجلس القاضي المالكي .
محمد بن بيبرس شاه الخادم بالشميساطية بدمشق ، كانت له وجاهة ، وكان حسن الخط ، وولي مشيخة خانقاه الطواويس ، وماتفي جمادى الأولى .
محمد بن علي بن سالم الفرغاني ، أحد شهود الحكم بدمشق ، اشتغل بالقراآت وتلا بالسبع على اللبان وأقرأ ، ومات في ذي الحجة .
محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله بن مجلى العدوي المصري بدر الدين بن علاء الدين ، كاتب السر ، ولي كتابة السر وهو شاب بعد والده وباشرها وأبوه في مرض موته وذلك في رمضان سنة تسع وستين ، ولم يكمل حينئذ عشرين سنة ، واستمر إلى أن عزل في أول الدولة الظاهرية بأوحد الدين ، ثم أعيد بعد سنتين ، ثم عزل بعلاء الدين الكركي ،ثم أعيد ثم مات في هذه السنة في شوال ، فباشر الوظيفة نيفا وعشرين سنة ، وكان مهيبا ساكنا قليل الكلام جدا قليل الاجتماع بالناس قصير البضاعة في البلاغة جدا إلا أن خطه حسن ، وكان يستر نفسه بقلة الكلام وقلة الاجتماع . وكان يدعي أن ذلك من شأن وظيفته ، وكانت له محاسن عديدة ، وقام في مواطن محمودة ، ونصيحته لمن يخدمه مشهورة ، وعنوان شعره ما كتبه للملك الظاهر من دمشق لما تخلف مع منطاش :
يقبل الأرض عبد بعد خدمتكم
قد مسه ضرر ما مثله ضرر
والشغل يقضى لأن الناس قد ندموا
إذ عاينوا الجور من منطاش ينتشر
والله إن جاءهم من عندكم أحد
قاموا لكم معه بالروح وانتصروا
وقرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه قرأ على الشيخ بهاء الدين بن عقيل ، وعلى الحاوي في الفقه وفي ألفية ابن مالك حتى صار يعرب في القرآن وأنا حاضر والشيخ فخر الدين الضرير فيجيد ذلك ، وكان والده قد حرصعلى أن يكون عالما فشغلته الخدمة عن التمهر في ذلك ، وكان واسع الجاه لكنه لا يملك نفسه عند الغضب وتصدر منه أمور صعبة رحمه الله تعالى .
محمد بن محمد بن داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمرو المقدسي الصالحي الحنبلي ناصر الدين ، ولد سنة ثمان وسبعمائة وأحضر على محمد بن علي بن عبد الله النحوي جزء ابن ملاس وسمع على عم أبيه التقي سليمان شيئا كثيرا وغيره وأجاز له الكمال إسحاق النحاس وأولاد ابن العجمي الثلاثة وتفرد بالرواية عنهم مات في رجب .
محمد بن أبي المكارم محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي ثم المكي المالكي ، سمع على الزين بن علي الأسواني والجمال المطري ،وأجاز له ابن الرضى وزينب بنت الكمال ويحيى بن المصري وآخرون ، وكان صالحا له عناية بالعلم ومعرفة بالأدب ، وله نظم كثير ، وقد حدث بمكة .
محمد بن محمد المليحي تاج الدين يعرف بصائم الدهر ، ولي نظر الأحباس والجوالي والحسبة ، وخطب بمدرسة السلطان حسن ، مات في صفر ، وكان ساكنا قليل الكلام جميل السيرة .
محمد بن مقبل التركي ، تفقه في صباه وأحب مذهب الظاهريةفتظاهر به ، وكان يحف شاربه ويرفع يديه في كل خفض ورفع ، وكتب بخطه كثيرا جدا .
محمد بن موسى بن رقطاي الناصري ناصر الدين ، أحد أمراء العشراوات ، كان أبوه نائب السلطنة ، وكان الولد نجيبا سريا جميل الصورة ضخما خيرا ، يحب سماع الحديث ويحضر عنده المشايخ في داره فتجتمع الطلبة عنده ويحسن إلى الشيخ عند ختم الكتاب وللقاريء سمعنا بمنزله على بعض شيوخنا ، ومات في ذي القعدة منها .
مراد بن اورخان بن أردن علي بن عثمان بن سلمان بن عثمانالتركماني صاحب الروم يقال إن أصلهم من عرب الحجاز وكان أول من نبه منهم سلمان فكان يغزو ومعه نفر من المطوعة وكان شجاعا بطلا فاشتهر بذلك وكثر أتباعه ثم مات ، فقام ابنه عثمان مقامه ، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين ثم مات ، فقام ابنه عثمان مقامه ، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين ثم قام ابنه أردن على مقامه فأربى على أبيه في الجهاد ، وقرب العلماء والصلحاء وعمر الخوانك والزوايا ثم مات ، فقام ابنه أورخان مكانه ثم مات ، فقام ابنه مراد فركب البحر ونازل ما وراء خليج القسطنطينة وأذلهم حتى بذلوا له الجزية ونشر العدل في بلاده ، ولم يزل مجاهدا في الكفرة حتى اتسعت مملكته ، ومات في حرب وقعت بينه وبين الكفار وعهد لابنه أبي يزيد ، وكانت مدة مملكته عشرين سنة .يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني أمين الدين الحنبلي ، عم شيخنا عبد الله ابن علاء الدين ، سمع الميدومي وغيره وحدث ، ورأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه .
يوسف بن أبي عبد الله محمد بن يوسف بن إسماعيل أبو الحجاج ابن الأحمر صاحب غرناطة وليها في سنة 2000 .
أبو الفرج القبطي موفق الدين ، ولي نظر الخاص وأضيف إليه نظر الجيش فباشرهما أحسن مباشرة ، ثم ولى الوزارة فلم يحمد فيها وكان يسكن مصر .
حوادث سنة 797
سنة سبع وتسعين وسبعمائة
استهلت السنة والغلاء موجود وبلغ سعر القمح إلى سبعين ، ثمانحط في ربيع الآخر إلى ستة وستين درهما ، وفي المحرم توجه غلمان أحمد بن أويس وحريمه إلى بغداد ، وفي السابع منه دخل السلطان إلى دمشق فأقام بها عشرة أيام بعد أن قبض على عدة من الأمراء بحلب ، وهرب آل مهنا في البرية وشكا بعض العامة من القاضي الشافعي شهاب الدين الباعوني فعزله السلطان وقرر علاء الدين ابن أبي البقاء ، ودخل الحاج في الثالث والعشرين من المحرم وأميرهم قديد ودخل حريم السلطان في خامس صفر وفيهن عدة من بنات الأمراء والناس بعضهم أبكار وبعضهن ثيبات ليختار السلطان منهن من يتزوج بها وكان خروجه من دمشق في سابع عشر المحرم وزار القدس في طريقه وتصدق به وبالخليل بمال كثير ودخل غزة في ثالث عشرين المحرم فأقام بها إلى ثالث صفر ، ودخل جمال الدين الاستادار ورخص السعر بعد دخوله قليلا ، ثم رجع بسبب الرمايات وتزايد الظلم من المباشرين ، ووقع بعض وباء ، ودخل السلطان القاهرة وزار والده في مدرسته فيخامس عشر صفر ، ثم جاء النيل الجديد وبلغ في آخر السنة إلى عشرين ذراعا وبعض ذراع ، ومع ذلك فلالأسعار في ازدياد إلى أن بلغ القمح ثمانين درهما كل أردب ، والحمص والشعير بخمسين ، والفول أربعة وخمسين ، والتبن كل حمل بعشرة ، وفي استقر فارس في الحجونية عوضا عن بتخاص لاستقراره في نيابة الكرك ، وفيه استعفى سودونالنائب من النيابة لمرض تغير منه حاله لكبره ، فأعفي وأعطي خبره لبعض الأمراء ورتب له رواتب ، وأقام في داره ، وفيه أمر علاء الدين الوالي طبلخاناه ورتب حاجبا ، واستقر أخوه محمد نائبا عنه في الولاية ، وفيه أمر شيخ المحمودي الذي صار بعد ذلك سلطانا أربعين ، وأمر نوروز تقدمة ألف ، وعمل السلطان المولد في ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الأول .
وفيها بدأ الظاهر بشرب الشراب التمربغاوي وصفته أن يعمل لكل رطل زبيب أربعون رطل ماء ويدفن في زبل الخيل إلىأن يشتد ولم يكن الظاهر قبل ذلك يتظاهر بشرب المسكر .
وفيها وقع بين الشيخ شرف الدين يعقوب ابن الشيخ جلال الدين التباني وبين الشيخ مصطفى القرماني شيخ المدرسة الفخارية بحث وقع من الشيخ مصطفى في حق إبراهيم الخليل عليه السلام شيء أنكره الشيخ شرف الدين ، وتفصيل ذلك أن الشيخ جلال الدين لما مات رام الشيخ شرف الدين أن يستقر مكان أبيه فغلب عليه مصطفىواستقر فيها فبقي في نفسه ، فاتفق أنه ظفر بشرح مقدمة أبي الليث جمع مصطفى المذكور فوجده ذكر في دليل كراهة التوجه عند البول إلى الشمس والقمر : أنهما معظمان ، ولذلك قال إبراهيم الخليل لما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي فقال شرف الدين : هذا كفر وبالغ في التشنيع على مصطفى ، فشكا امره إلى قديد الحاجب فأهان الشيخ شرف الدين ، فلما وصل السلطان وقف إليه الشيخ شرف الدين وطلب منه أن يعقد لهما مجلسا ، فأجابه وأحضر القضاة والعلماء وشيخ الإسلام سراج الدين ، فادعى شرف الدين على مصطفى أنه وقع في حق الخليل عليه السلام فقال في كلام له فيما ادعاه عليه إنه قال : ولا يبول أحد في الشمس والقمر لأنهما عبدا من دون الله ، وذكر إبراهيم في قوله فلما رآ القمر بازغا ووقع اللغط فالتفت السلطان إلى القضاة يستفتيهم ، فقال له ابن التنسي القاضي المالكي : إن حكمتني فيه ضربت عنقه ، فبادر أكثر الأمراء وسألوا السلطان أن يحكم فيه القاضي الحنفي ، فأجابهم فكشف الحنفي رأسه وأرسله إلى الحبس ثم أحضره بعد ثلاثة أيام فضربه وحبسه ثانية ، ثم أفرج عنه بعد أن حكم بإسلامه ؛ وكان ذلك في شهر ربيع الأول .
وفيها وقع الوباء ببغداد فخلا منها أكثر أهلها فدخل سلطانها إلى الحلة فأقام بها وأعقب الوباء غلاء فلذلك تحول .
وفيها وقع بين طقتمش خان وبين تمرلنك وقائع كان النصرفيها لتمرلنك وجهز ولده لقمان إلى كيلان فملكها وفر طقتمش خان إلى بلاد الروس ، ثم توجه إلى القرم فملكها ، ثم إلى كافا فملكها أيضا وخربها ، ووصلت رسل الملك الظاهر إليه المجهزون إلى طقتمش خان في آخر هذه السنة بهذه الأخبار في ذي الحجة ورئيسهم طولو فذكر أن اللنك طرفة بعد قدومهم بيسير فخامر جماعة من أصحاب طقتمش خان فانكسر وهرب طولو إلى يراي ، ثم توجه إلى القرم ، ثم إلى الكفا ، ثم توجه منها إلى شمعون ، فبلغهم أن اللنك غلب على القرم ونزل على الكفا وحاصرها وفتحها وتوصل طولو حتى دخل القاهرة .
وفي شهر ربيع الأول منها ابتدأ جمال الدين محمد الاستادارفي الخمول فإنه شكا إلى السلطان قلة المتحصل وكثرة المصروف فرافع فيه بعض المباشرين فأمر السلطان بمصادرته على خمس مائة ألف دينار ، ثم استشفع إلى أن قررت مائة وخمسين ألف دينار بعد أن ضربه ثم خلع عليه ، وفيه شكا شخص نصراني بعض نواب الحكم وهو شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد الدفري للسلطان فضربه بحضرته بطحا ورسم عليه ، وتألم الناس له .
وفي رابع شعبان حضر الظاهر مجلس دار العدل بعد تعطلها ثلاث سنوات ونصف .
وفي شوال غير الظاهر الحكم بين الناس من يومي الأحد والأربعاء إلى يومي السبت والثلاثاء وخص الأحد والأربعاء بالشرب .
وفيها اعتنى السلطان بأمر البريد فجهز الخيول اللائقة بذلك وفرضها على الأمراء ، فعلى كل مقدم عشرة أكاديش وعلى الطبلخاناهكل واحد اثنين وعلى العشراوات كل واحد واحدا فجهزت على ذلك الحكم .
وفيها كانت الوقعة بين الفرنج وصاحب غرناطة ، فقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ونصر الله المسلمين ، وذلك أن الفرنج نازلت غرناطة فاستعان ابن الأحمر بصاحب فاس المريني ، فسار إليه في عساكره إلى جبل الفتح فتقهقر الفرنج لمجيئه ووقعت الحرب .
وفيها كانت الوقعة بين نعير والتركمان ، فقتل من نعير جماعة من أصحابه ومات كثير من جماله ، فرحل نعير إلى القاهرة ، ودخل إلى السلطان وفي رقبته منديل فعفا عنه السلطان وخلع عليه ، ثم قدم ولده عمر إلى السلطان فعفا عنه ثم قبض عليه وسجن بالإسكندرية .
وفيها حضر قاصد الملك الصالح صاحب ماردين يبذل الطاعة للملك الظاهر فأرسل له تقليدا وخلعة .
وفيها ترافع شهاب الدين المالقي ترجمان الإسكندرية وزين الدين الموازيني مدولب دار الضرب بها إلى السلطان فصادرهما على ألف ألف درهم فضة .
وفيها ضرب يلبغا الزيني والي الأشمونين بالمقارع بحضرة السلطان لكثرة ما شكاه أهل البلاد التي كان كاشفها .
وفيها في ربيع الآخر قدم سلطان شاه ولد جلال الدين حسنابن أويس إلى القاهرة وهو ابن أخي أحمد الذي كان قدم قبل ذلك بمدة فأكرمه الظاهر ثم طلق بنت عمه وأمره أن يتزوجها فتزوجها ، وكان أبوه صاحب تبريز وكان قدومه بأمر عمه لأنه بلغه أنه قبض على جماعة من أقاربه وأصحابه فأقام بالقاهرة ، وقدم مسعود من محمد الكححاني من تبريز هاربا من تمر فيما زعم ، ثم ظهر بعد مدة بأنه جاسوس من قبل اللنك ولم يفطن له حينئذ .
وفيها حضر طولو الذي كان توجه رسولا إلى طقتمش خان ، وذلك أن اللنك وصل إليهم بعد قدومه بيسير ، فذكر ما تقدم وهرب طولو إلى سراي .
وفيها وقع الخلف بين ملوك الروم ، وذلك أن مراد بن عثمان لما قتل في السنة الماضية عهد لابنه أبي يزيد بالمملكة ، وأمر بقتل ابنه الآخر صوجي لأن أمه أمة نصرانية فقتل ، فبلغ ذلك ملوكالروم وكانت منقسمة بيد ستة ملوك منهم ابن قرمان وعيسى بك وغيرهما ، فاجتمعوا وحاربوه وكانت النصرة له ، وأسر الجميع فأوقفهم بين يديه ولم يعاقب منهم سوى عيسى بك الملك أبا سلوق وكان عريقا في المملكة لديه علم ، ثم أفرج عنهم جميعا وأمرهم أن يتوجهوا بأحمالهم وأهاليهم وأموالهم إلى أن أنزلهم بمدينة أربك ولم يتعرض لشيء مما معهم ، وولى في ممالكهم أناسا من جهته إلا ابن قرمان ، فإن أخته كانت تحته فشفعت فيه ، ثم لما استقرت قدمه في المملكة عمر جامع برصا ورخمه من ظاهره وباطنه وجعل الماء في سطحه ينزل منه فيجري في عدة أماكن ، وعمر المارستان وأنشأ نحو ثلاثمائة غراب وملأها بالأسلحة والأزودة فصارت بحيث أراد أن يركبها خرجت في يومها ، ورتب بالساحل من يعمل الأزودة دائما بحيث لا يتعذر عليه إذا أراد الغزو شيء ، واشتهر بالجهاد في الكفار حتى بعد صيته وكاتبه الظاهر وهادنه وأرسل إليه أميرا بعد أمير ولم يبق أحد من الملوك حتى كاتبه وهاداه ، حتى كان الظاهر يخاف من غائلته ويقول : لا أخاف من اللنك فإنكل أحد يساعدني عليه وإنما أخاف عثمان وسمعت ابن خلدون مرارا يقول : ما يخشى على ملك مصر إلا من ابن عثمان ، ولما مات الملك الظاهر كثرت الأراجيف بأنه سيقدم لأخذ مصر ، ثم قدر أن اللنك لما دخل الشام ورجع تعرض لمملكة ابن عثمان ، فلم يزل يكايده حتى طرقه وأسره ومات في أسره قاتله الله ، وسأذكر شيئا من أخياره وسيرته في سنة وفاته إن شاء الله تعالى .
وفيها استقر يلبغا السالمي علي سعيد السعداء فقطع منها جماعة من الأغنياء وعمل فيها بشرط الواقف ، وشدد في ذلك حتى قال فيه الشاعر :
يا أهل خانقة الصلاح أراكم
ما بين شاك للزمان وسالم
يكفيكم ما قد أكلتم باطلا
أوقافها وخرجتم بالسالمي
ثم جمع السالمي القضاة والمشايخ وقرأ عليهم شرط الواقف وسألهمعن الحكم الشرعي في ذلك ، فطال بينهم النزاع فتكلم زين العابدين القمني ، وكان ممن أخرج منها بكلام كثير ثم تكلم شهاب الدين العبادي موقع الحكم ، وأحد الفضلاء الحنفية فبسط لسانه في السالمي ، وافترق المجلس فأشاع العبادي أن السالمي قال لمن شفع عنده في بعض من أخرجه : لو جاء جبريل وميكائيل يشفعان عندي في العبادي ما قبلتهما وأكثر من الشناعة عليه ، فاتفق أن السالمي لقي العبادي ماشيا عند الركن المخلق فنزل عن فرسه وأمسك كمه وقال له : طلبتك إلى الشرع ، فقال العبادي : بل أتوجه معك إلى السلطان فجره بكمه ، فقال له : كفرت ثم دخلا المدرسة الحجازية وحضرهما ابن الطبلاوي وغيره فكثر بينهما الكلام ففض ابن الطبلاوي المجلس وقال للسالمي : متى طلبت الشيخ شهاب الدين أحضرته لك ، وطلع يلبغا إلى السلطان وسأله في عقد مجلس ، فعقد له في ثامن رجب ، فادعى السالمي على العبادي أنه كفره ، فأنكر ، فأقام عليه البينة ، فحكم المالكي بتعزيره ، وعزله الحنفي من نيابته ، ثم اختلفوا في صورة تعزيره ، فقال علاء الدينابن الرصاص قاضي القدس الحنفي التعزير للسلطان فانفض المجلس ، ثم أرسله إلى الحنفي فكشف رأسه قدام السلطان وأمر بإخراجه كذلك إلى حبس الديلم ثم إلى حبس الرحبة ثم ضرب بحضرة ابن الطبلاوي تسعا وثلاثين ضربة تحت رجليه وهما في القلعة ، ثم شفع الشيخ سراج الدين البلقيني فيه عند السالمي فأفرج عنه .
وفي رجب استقر تاج الدين الميموني شيخ القوصونية عوضا عن الشيخ نور الدين الهوريني ، وفي شعبان أعاد السلطان على موادع الأيتام ما كان افترضه منهم عند توجهه إلى السفرة المقدم ذكرها ، وفي حادي عشر شعبان أعيد القاضي صدر الدين المناوي إلى القضاء وصرف بدر الدين ابن أبي البقاء ، ونزل الصدر في موكب حافل ومعه أكثر الأمراءوكان برهان الدين المحلي كبير التجار قد تعصب له وسعى إلى أن التزم عنه بمال جزيل .
وفيه أحضر من دمياط قطعة من مخ سمكة يدخل في كل عين منها رجل ضخم .
وفيه توجه جماعة من الأمراء الكبار إلى الصعيد لتمهيد العربان به فكسبوا على جماعة ما بين النويرة إلى ببا ، وأمسكوا نحو خمسمائة نفس وخمسين فرسا أو أكثر ورجعوا ، فأمر السلطان بحبس المأسورين في الخزانة ؛ وذلك في رمضان .
وفيه توجه تاج الدين ابن أبي شاكر الذي ولي الوزارة إلى الشام وزيرا وصرف بدر الدين الطوخي .
وفي رمضان استقر شرف الدين الماميني في الحسبة بالقاهرة عوضا عن ابن البجي ، وفيه حج بعض ملوك البربر فعظمه السلطان ، وكان يلازم اللثام ومعه ترجمان مغربي ، وقدم السلطان هجينيين أبيضين عجيبين .
وفي تاسع شوال أوفي النيل موافقا لثالث مسرى واتفق أنه زاد في ثمانية أيام قريبا من ثمانية أذرع منها في بعض الأيام اثنان

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12