كتاب : إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ
المؤلف : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

الدماء والجد في أخذ أموال الرعية ، ولم يزل على ذلك إلى أن عاد اللنك طالبا الشام ، ففر أحمد إلى قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرم خجا صاحب الموصل واستنجد به فسار معه ، وكان أهل بغداد قد كرهوه فحاربوه وهزموهما معا ، فدخلا بلاد الشام واستأذنا أمير حلب وكان يومئذ دقماق من جهة الناصر فرج ، ذلك في شوال سنة اثنتين وثمانمائة ، فلم يأذن لهم فخرج لمحاربتهم فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أهل حلب وأسر دقماق ففدى نفسه بمائة ألف ، فبلغ الناصر ذلك فغضب وأمر بتجهيز عساكر الشام فتوجهوا ففر قرا يوسف فأوقعوا بأحمد فكسروه ونهبوا ما معه وبعثوا بسيفه إلى الناصر ، ثم قدم اللنك بلاد الشام وخربها في سنة ثلاث وخرج منها وكان أحمد حينئذ قد فر إلى بلاد الروم ، وأرسل اللنك إلى بغداد عسكرا ثم تبعهم وحاصرها ثم أخذها عنوة ووضع السيف فيها ، وذلك في شوال سنة ثلاث بعد رحيله من الشام ويقال إنه قتل من أهلها نحو مائتين وخمسين ألف نفس وبنى برؤوسهم مساطب وفارقها وهي خراب ، ولما بعد اللنك رجع أحمد إلى بغداد فأقام بها قليلا فثار عليه ولده طاهر بن أحمد ففر منه وأتى إلى قرا يوسف فسار معه وقاتلا طاهر بالحلة فانهزم وغرق ، ودخل أحمد بغداد ثم غدر أحمد بجماعة كانوا عنده من جهة قرا يوسف عدتهم خمسون نفسا من أعيان دولته ، فغضب قرا يوسف وسار لمحاربة أحمد ، فهرب ثم اختفىفي بئر ببغداد ، فأمر قرا يوسف بطم البئر ، فطمت فما شكوا في هلاكه ، فاتفق أنه كان بها فرجة فخرج منها ومضى إلى تكريت ثم إلى حلب ، وملك قرا يوسف بغداد فأرسل إليه اللنك ابن ابنه مرزا أبي بكر بن مرزا شاه بن اللنك ففر قرا يوسف ، فنهبه الأعراب بالرحبة فقدم دمشق فأنزله نائبها شيخ ، ثم قدم قرا يوسف في رجب سنة سبع ووافقه على سيره إلى مصر صحبة يشبك حتى كانت وقعة السعيدية ورجع الجميع منهزمين ، فأفرج شيخ عن أحمد في شوال فتوجه إلى بغداد في سادس عشر ذي الحجة فملكها ، وتوجه قرا يوسف إلى الموصل وكتب إلى أحمد فاجتمعا ونازلوا مرزا أبي بكر بالسلطانية ، فقتل في آخر سنة ثمان وملك قرا يوسف تبريز ورجع أحمد إلى بغداد ، فاستأذنه قرا يوسف فيمن يقيمه في السلطنة ، فأذن له بإقامة ولده بزق ففعل ، وذلك في سنة إحدى عشرة ، فقدم مرزا شاه في طلب ثأر ولده فواقعه قرا يوسف فقتل ، وغنم قرا يوسف جميع ما كان معه وهو شيء كثير فتقوى به واتفق في غضون ذلك أن أحمد لما تغلب على طباعه من الغدر مضى إلى تبريز فملكها ، ونهب جميع ما وجده لقرا يوسف وولده ، فرجع إليه وقاتله فانهزم منه ، وذلك في
ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة ، فلم يزلأحمد يتطلبه إلى أن ظفر به فأكرمه ، ثم سجنه ثم دس عليه من خنقه فمات في آخر يوم من ربيع الآخر ، واستقرت قدم قرا يوسف في بغداد وتبريز وكان منه ما ذكر في ترجمته ، وكان أحمد سفاكا للدماء ، متجاهرا بالقبائح وله مشاركة في عدة علوم كالنجوم والموسيقى ، وله شعر كثير بالعربية وغيرها ؛ وكتب الخط المنسوب ، وكانت له شجاعة ودهاء وحيل ومحبة في أهل العلم . ع الآخر سنة ثلاث عشرة ، فلم يزل أحمد يتطلبه إلى أن ظفر به فأكرمه ، ثم سجنه ثم دس عليه من خنقه فمات في آخر يوم من ربيع الآخر ، واستقرت قدم قرا يوسف في بغداد وتبريز وكان منه ما ذكر في ترجمته ، وكان أحمد سفاكا للدماء ، متجاهرا بالقبائح وله مشاركة في عدة علوم كالنجوم والموسيقى ، وله شعر كثير بالعربية وغيرها ؛ وكتب الخط المنسوب ، وكانت له شجاعة ودهاء وحيل ومحبة في أهل العلم .
أحمد بن الشهيد كان أولا يتعانى صناعة الفراء ، ثم اشتغل قليلا وباشر في ديوان السلطان ، ثم ولي الوزارة ، ثم وقعت فتنة اللنك وهو وزير فاستصحبه معه إلى بلاده ، ثم خلص منهم بعد يسير وورد دمشق ، فباشر نظر الجيش وغيره في شعبان .
أحمد بن علي بن خلف الطنبدي نزيل القاهرة يعرف بالحسينيلأنه كان ينزل الحسينية ، وقد لازم الشيخ سراج الدين وعلق من فتاويه قدر مجلدة وكتب خطا حسنا ، مهر في قراءة الحديث والعربية وشارك في الفنون ، وسمع معنا قليلا ؛ مات في جمادى الآخرة .
أحمد بن علي بن يوسف المحلي المعروف بالطريني الملقب بمشمش ،سمع الكثير بقراءة شيخنا العراقي من العرضي ومظفر الدين العسقلاني وغيرهما ، وحدث باليسير وأجاز لي ، وكان شاهدا في شؤون المفرد ومباشرا في بعض المدارس ، وكان ساكنا خيرا ؛ مات في جمادى الأولى .
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان الحريري شهاب الدين الدمشقي المعروف بالسلاوي ، ولد سنة ثمان وثلاثين أو نحوها ، وكان أبوه يتعانى التجارة في الحرير ، فتزوج امرأة من ذرية الشيخ محمد بن عمر السلاوي فولد له أحمد ومات عن قرب فتربى يتيما ، ثم اشتغل وتفقه على علاء الدين ابن حجي والتقى الفارق ، وسمع الحديث بنفسه فأخذ عن جده محمد بن عمر السلاوي وتقي الدين بن رافع وابن كثير ، ثم أخذ في قراءة المواعيد ، وقرأ الصحيح مرارا على عدة مشايخ وعلى العامة ، وكان صوته حسنا وقراءته جيدة ؛ وولي قضاء بعلبك سنةثمانين ودرس وأفتى ثم ولي قضاء المدينة بعد سنة تسعين ، ثم تنقل في ولاية القضاء بصفد وغزة والقدس وغيرها ، وكان كثير العيال ، وقد سمعت بقراءته صحيح البخاري إلا ما فاتني منه بمكة المشرفة على العفيف النشاوري سنة 85 . واجتمعت به بعد ذلك وكانت بيننا مودة ومات في صفر ، وهو آخر من بقي من فقهاء الشافعية وأكبرهم سنا ، وذكر ابن حجي أنه قرأ على الحافظين ابن رافع وابن كثير .
أحمد بن محمد الدهان رئيس المؤذنين بالجامع الأموي ، كان شجي الصوت ، عارفا بالميقات ، وقد عمر حتى صار أقدم المؤذنين عهدا وأعرفهم وأشجاهم صوتا ، عاش أربعا وثمانين سنة ، وقد دخل بلاد العجم تاجرا وأقام هناك مدة ، وكان عنده خبرة بالأمور ، ومات في ذي القعدة .
أبو بكر بن محمد بن تبع الدمشقي الصالحي ، ولد في المحرم سنة أربع وخمسين ، واشتغل قليلا ، وكان خيرا يقرأ في المصحف بعد الصلاة بجامع دمشق وعلى قراءته أنس ، وكان يحيي في رمضان بجامع الحنابلة فيقصد لسماع قراءته لطيبها مات في المحرم عن تسع وخمسين سنة .
خليل بن محمد الجندي الصوفي بالخاتونية المقرئ ، جمع السبع علىشرف الدين خادم السميساطية وأقرأ ؛ مات في صفر رحمه الله .
شاهين الشجاعي دويدار شيخ كان من خيار الأمراء ، وكان شجاعا ، مقداما ، مات في شعبان بالصالحية التي بقرب مصر .
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن تاج الرياسة المحلي الزبيري القاضي تقي الدين ولد سنة بضع وثلاثين ثم قرأت بخط من أثق به عنه أن مولده سنة أربع وثلاثين ، واشتغل قديما ووقع على القضاة ، وصاهر القاضي موفق الدين الحنبلي على ابنته ، وكان قد سمع من أبي الفتح الميدومي وحدث عنه ، ثم ناب في الحكم مدة طويلة من زمن القاضيعز الدين ابن جماعة ، وكانت معه عدة جهات من الضواحي ينوب فيها ، وقرره الملك الظاهر في القضاء سنة تسع وتسعين في جمادى الأولى ، فباشره إلى أثناء رجب سنة إحدى وثمانمائة فصرف ثم أعيد المناوي ، واستمر بطالا خاملا إلى أن مات ، وكان الناصر قد عين عنده للقضاء عند القبض على جمال الدين ثم لم يتم ذلك ، وكان عارفا بالشروط والوثائق ، وباشر القضاء مباشرة حسنة لم يذمه فيها أحد ، وكان مطرحا للتكلف بعد عزله ، يمشي في الطريق وحده ، وفوض له القاضي جلال الدين تدريس الناصرية والصالحية فباشرهما ، وكتب قطعة على التنبيه ؛ ومات في أول شهر رمضان .
علي بن إبراهيم بن عدنان الحسيني علاء الدين الدمشقي ، ولد سنةخمسين ، فباشر نقابة الأشراف بالشام بعد موت أبيه ، ثم ولي كتابة السر غير مرة ، ولم يكن ماهرا ، وكان لينا ، متواضعا ، بشاشا رئيسا ، وأصيب بإحدى عينيه بأخرة ، فانقطع إلى أن مات في شهر ربيع الأول .
علي بن إبراهيم بن المؤرخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري ثم الدمشقي ، ولد سنة ثمان وأربعين وماتأبوه وله سنة ، فرباه عمه نصير الدين وأسمعه من جماعة من أصحاب الفخر وحضر على المرداوي صاحب عمر الكرماني بالحضور ، وحدث وقرأ الحديث ، وأعاد بالتقوية وباشر في نظر الأيتام مع خفض الجناح وطهارة اللسان ولين العريكة ، وحج غير مرة ، وجاور وعلق في الوفيات ، واجتيح في شيء كثير من ماله في فتنة اللنك ، ولم يكن فيه ما يعاب به إلا مباشرته مع قضاة السوء .
علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي الشافعي ، ذكرأنه سمع من القلانسي وحدث عنه ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي ونحوه ، واشتغل كثيرا وتنبه وشغل وأفاد ودرس وأفتى وأعاد وشارك في الفنون ، وانتفع به أهل مصر كثيرا مع الدين المتين والسكون والتقشف والانجماع ، وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو ، ثم تحول إلى القاهرة وسكن جوار جامع الأزهر ، ومات في رابع شعبان عن سبعين سنة ، وأسف الناس عليه .
علي بن زيد بن علوان بن صبرة بن مهدي بن حريز يكنىأبا زيد الردماوي الزبيدي وقد تسمى بأخرة عبد الرحمن ، ولد بردما وهي مشارف اليمن دون الأحقاف في جمادى سنة إحدى وأربعين ونشأ بها وجال في البلاد ، ثم حج وجاور مدة وسكن الشام ودخل العراق ومصر ، وسمع من اليافعي والشيخ خليل وابن كثير وابن خطيب يبروذ ، وبرع في فنون من حديث وفقه ونحو تاريخ وأدب ، وكان يستحضر من الحديث كثيرا ومن الرجال ويذاكر من كتاب سيبويه ويميل إلى مذهب ابن حزم ، ثم تحول إلى البادية فأقام بها يدعو إلى الكتاب والسنة ، فاستجاب له حيار بن مهنا والد نعير فلم يزل عنده حتى مات . واستمر ولده نعير على إكرامه فكانت إقامته عندهم نحو عشرين سنة ، فلما كانت وقعة ابن البرهان وبيدمر وقرط خشي على نفسه فاختفى بالصعيد ثم قدم القاهرة وقد ضعف بصره ، ومات في أول ذي القعدة وكان شهما قوي النفس له معرفة بأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم ، وكان كثير التطور يتزيا في كل قليل بزي غير الزي الذي قبله ومن شعره :
ما العلم إلا كتاب الله والأثر
وما سوى ذاك لا عين ولا أثر
إلا هوى وخصومات ملفقة
فلا يغرنك من أربابها هذر
فعد عن هذيان القوم مكتفيا
بما تضمنت الأخبار والسور
نقلت ترجمته من خط الشيخ تقي الدين المقريزي والعهدة فيه عليه .علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الربعي الرشيدي نور الدين نزيل القاهرة قدمها فاشتغل بالعلم ولازم البلقيني ثم الدميري ودرس بعده في الحديث بقبة بيبرس وكان قد فاق في استحضار الفقه فصار كثير النقل كثير البحث وكان يقظا نبيها كثير العصبية ؛ مات في شهر رجب وقد جاوز الخمسين ودرست بعده بالقبة للمحدثين .
علي بن عبد الرحمن الصرنجي نور الدين ، سمع صحيح مسلم علي ابن عبد الهادي وسنن أبي داود على عبد القادر بن أبي الدر ، سمعت منه قديما وحديثا ، وحدث في العام الماضي مع الشيخ نور الدين الأبياري بالسنن في البيبرسية وكان صوفيا بها ، مات في شعبان .علي بن محمد بن علي الدمشقي علاء الدين بن الحريري ، ولد سنة تسع وثلاثين ، واشتغل على مذهب الحنفية وتعانى حفظ السير والمغازي وكان يستحضر منها شيئا كثيرا ، وكان كثير اليسار فتزوج الشيخ شهاب الدين الغزي ابنته فماتت بعد أبيها بقليل .
علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي بن أحمد بن عبد المعطي المالكي أبو الحسن المكي الخزرجي ، ولد سنة أربعين وسمع من عثمانبن الصفي الطبري سنن أبي داود ، من إبراهيم بن محمد بن نصر الله الدمشقي مشيخته وحدث بمكة ، وكان مشاركا في الفقه مع الديانة والمروءة ، مات في تاسع المحرم .
علي بن مصباح الشيخ نور الدين ، كان أحد الفضلاء في الفقه خيرا كثير الإطعام ، نزل في زاوية بمنية الشيرج وتردد في القرى وتعانى الزراعة ، مات في شوال وسط السنة وهو والد شمس الدين محمد خال سيدي عبد الرحيم الأبناسي .
عمر بن محمد الطرابلسي الشاعر الماهر نزيل القاهرة قدمها ومدحرؤساءها ، ومات في شهر رجب عن نحو من خمسين سنة ، أنشدني كثيرا من شعره .
فاطمة بنت أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد اللهبن جعفر بن زيد الحسينية الحلية أم الحسن أخت الشريف نقيب الأشراف ، ولدت سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين ، سمعت على جدها لأمها جمال الدين إبراهيم ابن الشهاب محمود في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين ، وأجاز لها المزي وجماعة وحدثت بحلب ، قال القاضي علاء الدين : كانت عاقلة دينة وماتت في العشر الأول وقد جاوزت الثمانين سنة .
محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميري شمس الدين ناظر البيمارستان ومفتي دار العدل ولي الحسبة مرارا وكان عارفا بالمباشرة وحصل من البيمارستان مالا كثيرا جدا يوفره مما كان غيره يصرفه في وجوه البر وغيرها ، فاتفق أن الناصر اخذ منه جملة مستكثرة في بعض تجريداته ؛ مات في رمضان .محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن سليم بن حناء المصري شمس الدين ابن عز الدين ابن شمس الدين ابن شرف الدين ابن زين الدين بن محيي الدين ابن بهاء الدين المعروف بابن الصاحب ، ولد سنة أربع وستين ، واشتغل قليلا وتقدم في ديوان الإنشاء وناب في كتابة السر مدة وأقام بالشام زمانا ، ثم درس بعد أبيه بالشريفية وغيرها وكان وجيها ذا مروءة وبر ومعروف ؛ مات فجأة فيقال إنه سم ، وله شعر وسط ، ولم يكن يتصون ، وينسب إلى تعاطي المنكر ، والله أعلم بسره ، وتمزق ماله من بعده ، سامحه الله .محمد بن أحمد الجرواني نزيل القاهرة ، ولد سنة تسع عشرة ، وكان يذكر أنه سمع من الحجار فلم نظفر بسماعه ، وكان عارفا بالوثائق وله فيها تصنيف ، وخطه حسن ، وله نظم يزعمه لكنه بغير وزن ولا معنى ، وكان قد انتسب إلى الحسن بن علي وصار شريفا ، وكان يطعن في نسبه ، ويقال إنه كان أولا يكتب الأنصاري .
محمد بن خاص بك التركي الحنفي بدر الدين كان ينسب إلى الظاهربيبرس من جهة النساء وقد اشتغل في مذهب الحنفية فبرع وأخذ عن أكمل الدين وغيره ، وكان يجيد البحث مع الديانة والمروءة والعصبية لمذهبه وأهله ؛ مات في خامس شهر رجب وقد جاوز الخمسين .
محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى الشيخ شمس الدين ابن القطان المصري الشافعي وكان أبوه قطانا وأخوه كذلك ، واشتغل هذا بالعلم ومهر ولازم الشيخ بهاء الدين ابن عقيل فصاهره على بنت له من جارية وسكن مصر ودرس وأفتى وصنف وناب في الحكم بأخرة فتهالك على ذلك إلى أن مات في أواخر شوال ، وكان أخبرني أن مولده بعد سنةثلاثين ، قرأت عليه وأجاز لي ، وذكر أنه قرأ الأصول على الشيخ عماد الدين الأسنائي ولم يحصل له سماع في الحديث على قدر سنه ، وقد حدث بصحيح مسلم بإسناد نازل وسمع معنا على بعض شيوخنا كثيرا وبقراءتي وكان ماهرا في القراآت والعربية والحساب .
محمد بن محمد بن عبد الوهاب المناوي المعروف بالطويل شمس الدين صهر كاتب السر فتح الله تقدم بجاه صهره فولي الحسبة وكالة بيت المال ونظر الأوقاف ونظر الكسوة وتنقلت به الأمور في ذلك ، وولي الحسبة مرارا بالقاهرة ، مات في شعبان وكان له بعض اشتغال ومشاركة ومعرفة بشيء من الهيئة وكان قليل العلم ووجد بخطه على محضر تسمع الدعوةوقد ناب في الحكم لما كان محتسبا وبعد ذلك .
محمد بن محمد بن محمد بن النعمان بن هبة الله الهوي نزيل القاهرة كريم الدين ، اشتغل قليلا وولي الحسبة ببلده ، ثم تزيا بزي الجندي وولي شد البلد وظلم وعسف ، ثم قدم القاهرة وتقدم عند الناصر بالمسخرة فولي الحسبة مرارا ، أولها في ثالث جمادى الآخرة سنة خمس وثمانمائة ومنادمة السلطان ؛ ومات في شعبان ، وولي الحسبة بعده زين الدين محمد ابن شمس الدين الدميري ، وكان يقال إن الهوي هو الذي أشار على السلطان بأن من مات لا يعطى وارثه ولو كان ولده من ميراثه شيئا بل يؤخذ للديوان السلطاني ، وتقدم بذلك ابن الهيصم فاتفق موت الهوي فعوملتتركته بذلك ، أخبرني بذلك الصاحب بدر الدين ابن نصر الله .
محمد بن سعد الدين محمد بن نجم الدين محمد البغدادي نزيل القاهرة شمس الدين الزركشي ، مهر في القراآت وشارك في الفنون وتعانى النظم ، وله قصيدة في العروض استحسنها القاضي مجد الدين الحنفي ويقال إنه شرحها ، ونظم العواطل الخوالي ست عشرة قصيدة على ستة عشر بحرا ليس فيها نقطة ، وقد راسلني ومدحني وسمعت منه كثيرا من نظمه ، ولازمني طويلا ورافقني في السماع أحيانا ، وجرت له ، في آخر عمره محنة ؛ ومات في ذي الحجة .محمد بن محمد الشوبكي شمس الدين قدم دمشق وتفقه بها وتولى وظائف وخطابة مات في المحرم .
محمد بن محمود بن بون الشيخ الخوارزمي الحنفي المعروف بالمعيدنزيل مكة ، أعاد بدرس يلبغا بمكة فعرف بالمعيد ، وأم بمقام الحنفية زيادة على ثلاثين سنة فإنه وليها سنة ثمانين ، وحدث عن العفيف والنشاوري والأمين الأقشهري وغيرهما ، وحج خمسين حجة ، وكان عارفا بالعربية مشاركا بالفقه وغيره ، وقد حدث بالإجازة العامة عن الحجار ، ومات في جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين .
محمد بن أبي اليمن الطبري تقدم ذكر أبيه قريبا وكان هو يلقبزكي الدين ويكنى أبا الخير ، أم في المقام ، وقتل ليلا خطأ ، ظنه بعض العسس لصا ، فضربه فصادف منيته وله أربعون سنة .
وفيها مات ابن حمامة قارئ الحديث تحت النسر في رمضان . وشهاب الدين الزملكاني وعلاء الدين البانياسي ناظر الجامع الأموي وكان مشكورا ، وتمربغا المشطوب مطعونا بحسبان وتمربغاالحافظي في المحرم ، وتغرى برمش أستادار شيخ خامر عليه إلى الناصر فولاه الأستادارية بالشام ، فبالغ في الظلم والعسف فسلطه الله عليه فصادره وعاقبه حتى مات ، وقراجا الداودار ولي بعد قجاجق ثم ضعف فمات أول ما خرج الناصر إلى الشام في ربيع الأول ، ومجد الدين عبد الغنيابن الهيصم كما تقدم .
وشاهين المحمدي الدويدار الشيخي تقدم في الحوادث وقرا كشك الحاجب بالقاهرة في شوال ، وكان عين لإمرة الحج فمات قبل أن يخرج وأحمد بن أويس كما تقدم وإينال الجلالي ويقال له إينال المنقار ،مات بغزة في شعبان لما دخلها مع شيخ ونوروز وكان يحب العلماء والفضلاء . . . . وشهاب الدين الدويداري كاشف الجيزة في حادي عشري شعبان وخلف موجودا كثيرا جدا .حوادث سنة 814
سنة أربع عشرة وثمانمائة
فيها دخل الناصر إلى القاهرة في ثاني عشر المحرم وزار القدس في طريقه ولم يفقد أحد ممن كان صحبته إلا ابن الفريخ الحكيم فإنه اغتيلفي الطريق ، وفي يوم وصوله إلى القلعة عزل زين الدين ابن الدميري من الحسبة ، واستقر شمس الدين يعقوب الدمشقي وكان قد صاهر إلى تقي الدين بن أبي شاكر ، وفي سادسه دخل تغرى بردى نائب الشام .
وفي الثامن منه دخل الأميران شيخ ونوروز دمشق فتلقاهما نائب الشام ، وتوجه شيخ من دمشق إلى حلب . وتوجه قرقماش من حلب يريد صفد ، وتوجه نوروز يريد طرابلس ، فوصلا إلى مقر نيابتهما وحكما بما أرادافقدم الخبر على الناصر في ربيع الأول أنهما خالفا ما حلفا عليه وأخرجا الإقطاعات لمن أرادا وأرسل كل منهما يحاصر بعض القلاع التي لم تدخل في نيابتهما ، فتغير خاطر الناصر لذلك .
وفي الرابع والعشرين من المحرم وصل بكتمر جلق إلى القاهرة فتلقاه السلطان وخلع عليه وعلى دمرداش نظر المارستان على العادة ، ودخل الناصر البلد وهما معه بخلعتيهما فدخل مدرسة جمال الدين وكانت قد غيرت من اسم جمال الدين لاسمه ، ودخل دمرداش المارستان ومعه القاضي فتح الله كاتب السر وعليه خلعة أيضا ، واستناب الأمير ولدناظر الجيش صلاح الدين بن بدر الدين بن نصر الله في النيابة عنه في المارستان .
وفي حادي عشر منه صرف صدر الدين ابن العجمي عن مشيخة التربة الظاهرية واستقر حاجي فقيه عوضا عنه . وقبض على صدر الدين فسلم للأستادار بسبب أن الناصر لما أراد التوجه إلى الشام أودع عندكل شيخ من المشايخ المشهورين الذين جرت عادتهم بالتردد عشرة آلاف دينار فلما عاد أحضر كل أحد ما استودعه إلا صدر الدين واحمد بن اوحد وهو شيخ السرياقوسية ، فأما ابن أوحد فضمن دركه ابن أبي شاكر فلم يلحقه عتاب ، وأما صدر الدين فكان قد حج واستبضع بذلك المال بضاعة ، فلما عاد قبض عليه وألزم ببيع تلك البضاعة فباعها بثمن بخس وبقي عليه من الوديعة قريب من ألفي دينار ، فلم يزل في الترسيم إلى أن شفع فيه بعض الكبار فأطلق وبقي من المال زيادة على الألف فذهبت مجانا .
وفي المحرم أراد الناصر بإشارة بعض القبط أن يأخذ من المدرسة الجمالية برحبة العيد ما بها من الرخام وكان عجبا في الحسن انتقاه جمال الدين من بيوت كبار وجعله فيها فعزم على ذلك فأشار عليه كاتب السر فتح الله أن يترك المدرسة على ما هي عليه لسوء السمعة في ذلك والتزم أن يصيرها ملكه ثم يوقفها هو فتنسب ويبطل منها اسمجمال الدين ، فأصغى لذلك فتكلم فتح الله مع القضاة إلى أن صوروا له في ذلك صورة وحكموا بصحتها ومحوا اسم جمال الدين من المدرسة وأثبت اسم عبد الناصر وصارت الجمالية هي الناصرية ، وذلك من أظرف ما يسمع ، ولم يكن قصد فتح الله في ذلك إلا الخير على ما اطلعنا عليه من باطن القصة ، ودخلها الناصر في أواخر المحرم وصلى بها وقرر من بها من المدرسين والطلبة على حالهم في الأغلب ، واستقر دمرداش أتابك العسكر بالقاهرة وبكتمر جلق أميرا كبيرا بها وتكلم دمرداش هو وفتح الله في البيمارستان المنصوري .
وفي صفر جهز الناصر جماعة من الأمراء البطالين والمماليك إلى الشام على إقطاعات هناك ليكونوا عونا لنائب الشام فتوجهوا .
وفي حادي عشر منه استقر تقي الدين ابن أبي شاكر في نظر الخاص عوضا عن مجد الدين عبد الغني بن الهيصم الذي مات في السنة الماضية .
وفي الرابع والعشرين منه قبض على يشبك الموساوي وقنبايرأس نوبة وكمشبغا المزوق في آخرين وسجنوا بالإسكندرية ، وعزل تمراز من الإمرة وصيره طرخانا وقرر له شيئا يكفيه وخيره بين الإقامة بالقاهرة أو دمياط فاختار دمياط فأرسل إليهاا .
وفي أواخر صفر وردت هدية من مانويلي صاحب القسطنطينية وتدعى اصطنبول ، وقرينها كتاب يصف محبته ويوصي بالنصارى من أهل ملته .
وفي أوائل صفر استقر سودون بن عبد الرحمن في نيابة غزة . وفي سلخ صفر انقطع طوغان الدويدار عن الخدمة خوفا على نفسه من واش وشى به أنه يريد الركوب على الناصر ، فأرسل يلبغا الناصري ودمرداش فلم يزالا به حتى أصعداه إلى الناصر فعاتبه واعتذر فسلم له غريمه وخلع عليه ، وفيه ارتفع الطاعون عن دمشق وما حولهاوكان ابتدأ من شوال فأحصى من مات من أهل دمشق خاصة فكانوا نحوا من خمسين ألفا ، وخلت عدة من القرى وبقيت الزروع قائمة لا تجد من يحصدها .
وفي ربيع الأول أطلق أينال الساقي من سجن الإسكندرية وصرف شرباش كباشة عن الإمرة وأرسل إلى دمياط بطالا ، وقبض الناصر على جمع كثير من المماليك الظاهرية ممن أتهمهم بالممالأة عليه وسجن جماعة بالبرج ثم ذبحهم بعد وقبض إلى خيرباك وقتل جماعة ممن سجن بالإسكندرية ثم بالغ في القبض عليهم بأنواع الحيل حتى زادت عدة المسجونين في رمضان على أربعمائة نفس . وفي صفر توجه موسى بن أبي يزيد بن عثمان بعد استيلائه على مملكة أخي سلمان بعد قتله إلى مملكة أخيه فاستخلف كرسجي على بلاد أبيه مراد واستعد لقتال أخيهفالتقيا في شعبان من هذه السنة .
وفي أول ربيع الآخر زوج الناصر أخته بيرم من أسنبغا الزردكاش وسيره شاد الشربخاناه ، وكان يقال إن اسمه محمد وإنه شامي ، فغير اسمه وصار إلى ما صار .
وفي الثالث عشر منه قرر فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج الذيكان ولي كاشف الوجه البحري ونائب قطيا في أستادارية الناصر وسلم له تاج الدين ابن الهيصم الأستادار وحواشيه ، فبسط فخر الدين يده في الظلم وبالغ في ذلك كما سيأتي .
وفي هذه السنة دامت الحرب بين قرا يوسف وقرا يلك أكثر من شهر فقتل بينهما خلق كثير فخرب قرا يوسف بلادا كثيرة لغريمه ، وهرب غريمه إلى بعض الأماكن ، فوصل الخبر إلى قرا يوسف بأن شاه رخ بن تمر قصد تبريز فترك أثقاله ورجع مسرعا ، فعاد قرا يلك فنهبها وتوجه لتخريب بعض بلاد غريمه ، ووقع الفناء في شعبان في عسكر قرا يوسف فأرسل يطلب الصلح من قرا يلك ، فلم يوافقه على ذلك ونهب سنجار وأخذ قفل الموصل وأوقع بالأكراد فافتدوا منه بمائة ألف وألف رأس غنم .
وفيها كانت الفتن والحروب بين التركمان ، وغيرهم ، فتوجه نائب عينتاب إلى قلعة الروم فقبض عليه طوغان نائبها واعتقله فلم يزل به شيخ نائب حلب حتى أفرج عنه وقبض نائب صهيون على نائب اللاذقية فقتله ، وحاصر بعض التركمان أنطاكية فأسر نائبها واعتقله ، وحاصر نوروز قلعة صهيون فصالحه أهلها على مال ، واجتمع نوروز وشيخ على قتالالعجل بن نعير ففر منها فاستولى على عانة ، فبعث ابن قرا يوسف عسكرا فكسره ومضى إلى الأنبار فتخوف أهل بغداد منهم فأرسل م بالأمان ، فنزل شيخ على سرمين ونوروز على جبلة وأرسل الناصر لما بلغه ذلك يعاتبهما وأرسل إلى شيخ يحذره بما فيه صنيعه وأمره أن يجهز يشيك العثماني وبردبك وقنباي الخازن دار محتفظا بهم وأن يرسل سودون الجلب إلى دمشق فلم يوافق على ذلك فأرسل الناصر إلى دمشق يأمرهم بتحصين قلعة دمشق ، فبالغ غرس الدين خليل أستادار الشام في المظالم بالشام وقرر الشعير على الجهات ، واتفق شيخ ونوروز لما بلغهما تغير الناصر عليهما فأرسلا عسكر إلى حماة لأخذها وراسلا قرا يوسف فسار أحمد الجنكي ، أحد ندماء شيخ وبهلوان مملوك نوروز ، فعاد جوابه في آخر شوال بما طاب به خاطرهما وأما الناصر فجد وعزم على السفر وبالغ في القبض على الناس في المصادرات ووقعت الشناعة بذلك وفحش أخذ أموال الناس بغير طريق ولا شبهة ، وكل ذلكعلى يد فخر الدين الأستادار في ذلك على الحد ، ثم أراد فخر الدين القبض على الوزير وناظر الخاص ، فبادراه وقبضا عليه بعد أن استمالا الناصر على ذلك في حين غفلة منه ، ففجيء الناس من الفرح مالا مزيد عليه ، وكان فخر الدين قد استمال تاج الدين بن الهيصم الذي كان أستادارا قبله وكلم السلطان فألبسه خلعة رضا ، فلما قبض على فخر الدين قبض عليه أيضا وأهين ، فعوقب فخر الدين عند الوزير بأنواع العقوبات فلم يعترف بشيء ولم توجد له سوى ستة آلاف دينار وشيء كثير من جرار الخمر ، فباعوها كل جرة بنصف دينار فحصل منها جملة مستكثرة .
واستقر منكلى أستادار جركس في الأستادارية الكبرى .
وفي العشر الأخير من رجب قبض الناصر على جمع كثير من الأمراء والمماليك منهم عاقل وإينال الصصلائي وأرغون وسودون الظريف وشرباش وسودون الأسندمري وجانيك ، وقتلجماعة ووسط جماعة وسجن جماعة وكان السبب في ذلك أن مملوكا أحضر ورقة فيها خطوط جماعة من الأمراء والمماليك أرادوا الفتك به فقبض على من وجد اسمه فيها ، وكان كبيرهم جانم فوجده حينئذ في إقطاعه بالوجه البحري فجهز طوغان الدويدار ، فاقتتلا في البر ثم على ظهر النيل في المراكب فانتصر طوغان فألقى جانم نفسه في الماء فرمي بالسهام حتى هلك فقطع رأسه .
وفي شعبان أمر الناصر بالقبض بدمشق على يشبك بن أزدمر وجماعة من الأمراء الذين يخشى منهم الممالأة على الناصر مع نوروز وشيخ ، وكان تغرى بردى قد ابتدأ به مرضه فأرسل إلى قرقماش نائب صفد ، فحضر فقبض على تمرار الأعور وخشكلدي وغيرهما وسجنهم بقلعة الصبيبة وفر يشبك بن أزدمر إلى نوروز ، فاتفق هو وسودون الجلبوقويا عزم شيخ ونوروز على المخامره ومضى ما كل مرتاب ، واستمال شيخ محمد بن دلغادر أمير التركمان ، فمال : أحضر له عساكره ، فولاه عينتاب وأرسل خلعا ومالا ، ثم توجه شيخ إلى قلعة عمه وعدى الفرات ليوقع بالعربان ، فغرق طائفة من أصحابه فأنشأ مركبا بناحية الباب قريبا من حلب طوله نحو ثلاثين خطوة ، فأرسل نائب قلعة الروم جماعة فأحرقوه ، وقبض في شوال بدمشق على ناصر الدين ابن البارزي وعلى شهاب الدين الحسباني لكونهما يكاتبان شيخ بالأخبار ، فسجنا بقلعة دمشق في سابع عشر شوال ، فتوجه تاج الدين محمد ابن الحسبابي إلى القاهرة يسعى في خلاص أبيه ، فأمر بإطلاقه فأطلق فيأواخر ذي الحجة ، وقبض الناصر على جماعة من الأمراء والممالك فوسط بعضهم وشنق بعضهم ، وذبح بحضرته مائة نفس من أكابر الظاهرية ، منهم حزمان نائب القدس ، وومغلباي ومحمد بن قشماش ، وبالغ في ذلك حتى أنه ركب مرة إلى الصيد ورجع فأمر الوالي بقتل عشرة من مماليكه تخلفوا عن الركوب معه وعاد من الصيد فمر بشارع القاهرة وهو بثياب جلوسه في دون المائة وهو يطفح سكرا حتى يكاد لا يثبت على الفرس .
وفي أواخر ربيع الأول قبض على أحمد بن جمال الدين الأستادار وعلى أحمد وحمزة ولدى أخيه وعلى ناصر الدين أخي جمال الدين وجماعة من قرابتهم ، فعوقبوا وطولبوا بالأموال ، فمات ناصر الدين تحت العقوبة ولم يوجد له إلا شيء يسير ، واستخرج من أحمد ابن أخيه ستةآلاف دينار ، ثم خنق الأحمدان وحمزة ليلة السادس عشر من جمادى الأولى وقتل الثلاثة ظلما .
وفي يوم السبت ثامن عشر شعبان كتب علم الدين ابن جنيبة أحد رؤساء الأطباء للناصر ورقة دواء مسهل ، فأمره أن ينزل ويطوف على الأمراء والمباشرين ويعلمهم أن السلطان يشرب يوم الأحد دواء ، فحمل كل منهم تقدمة فحمل الوزير ألفي دينار وأشياء كثيرة من المأكولات ، وكذلك ناظر الخاص لكن دونه في النقد ، والأستادار حتى المحتسب ، وكان أول من سن ذلك من ملوك مصر واستمرت بعده في كل سنة عند دخول الورد ? وفي شهر رمضان نادى المماليك بالأمان وأنهم عتقاء رمضان ، فظهر منهم جماعة تزيد على الثلاثين فحضروا الخدمة فوعدهم بالخير ، ووعدهم يوما أن يخرج لهم خيولهم أو بدلها من الإصطبل ، فلما اجتمعوا أمسكهم أجمع ، وجلس يوما آخر لتفرقة القرفلات فأمسك منهم جماعة ، ثم ذبحوا في شوال .
وفي هذه السنة غلا الزيت الحار إلى بلغ الرطل تسعة .
وفي شوال توجه الناصر إلى الإسكندرية وشن الغارات علىالجهات البحرية لنهب الأغنام والخيل والجمال حيث وجدت ودخل الناصر الإسكندرية في ثامن عشر شوال ، فقدم عليه مشايخ تروجة بتقاديمهم فخلع عليهم ، ثم أمسكهم وساقهم في الحديد واحتاط على أموالهم ، فهرب باقيهم إلى برقة ورجع إلى القاهرة ، وفي حال إقامته بالإسكندرية شكى المغاربة أنه يؤخذ منهم ثلث أموالهم في المكس ويؤخذ من الفريخ العشر ، فغضب من ذلك وأمر أن لا يؤخذ من المغاربة إلا العشر ، فشكر المسلمون له ذلك فكانت من حسناته النادرة وكانت حركته إلى الإسكندرية آخر سعده ، فلما قدم وصل كتاب نوروز يعتذر عما بلغه عنه وقرينه فحضر آخر فيه شهادة أربعين رجلا أنه مقيم على الطاعة ، فلم يلتفت الناصر لذلك .
وفي نصف ذي القعدة أمر الناصر أن يكون الفلوس كل رطل باثني عشر درهما ، فغلقت الحوانيت فغضب السلطان وأمر مماليكه الجلبان بوضع السيف في العامة فشفع فيهم الأمراء فقبض على جماعة وضربوا بالمقارع وقتل رجلا وشنقه بسبب الفلوس ، ثم أنحل أمر الفلوس بعد النفقة ونودي في سادس عشر ذي الحجة أن يكون بستة الرطل على العادة الأولى ، وفي أواخر الشهر ضرب الناصر عنق أحمد بنمحمد ابن الطبلاوي بيده ، ثم استدعى بنت صرق وهي إحدى زوجاته فذبحها بيده ولفها مع ابن الطبلاوي في بساط وأمر أن يدفنا في قبر واحد ، وكان قد وشى بها أنها تتنكر وتخرج من القلعة فتنزل إلى ابن الطبلاوي المذكور .
وأنفق الناصر لنفقة السفر وخرج الجاليش في سابع عشري ذي القعدة ، وخرج الناصر في الثامن من ذي الحجة وقد تباهى في ملابس عسكره وجر ثلاثمائة جنيب بسروج الذهب الثقيلة وبعضها مرصع بالجوهر وكنابش الزركش والعرقيات الحرير واللجم المسقطة وزهاء ثلاثة آلاف فرس ساقها جشارا ، وأعقبها عددا كثيرا من العجل التي تجرها الأبقار وعليها آلات الحصار ، وبعدها خزانة السلاح على ألف جمل ، وخزانة المال مختومة على أربع مائة ألف دينار ، والمطبخ وفيه ثلاثون ألف رأس من الغنم وكثير من البقر والجاموس ، والحريم في سبعمحفات ، حتى بلغ عدة الجمال التي تحمل ذلك ثلاثة وعشرين ألف جمل ، واستقر يلبغا الناصري نائب الغيبة واسنبغا نائب القلعة ، وكانت نفقة المماليك لكل واحد سبعون ناصريا ، وصرف للأمير الكبير خمسة آلاف دينار ومثلها لبكتمر ، ولغيرهما من الأمراء الكبار لكل واحد ثلاثة آلاف دينار ، ونحر الناصر الضحايا بالتربة الظاهرية تربة أبيه - ، ورحل من التربة بعد صلاة العصر من يوم الجمعة حادي عشر ذي الحجة في طالع اختاره له الشيخ إبراهيم بن زقاعة وسار ليلة السبت ثالث عشرة وأتفق في هذا اليوم اجتماع نوروز وشيخ بحمص وفر إليهما جمع كثير ، ونادى الناصر بأن أحدا لا يرحل قبله فبلغه أن واحدا رحلقبله فركب بنفسه ووسط بحضرته ونصب مشنقة ذهب بها معه ، فما وصل إلى غزة حتى قتل عدة من الغلمان بسبب ذلك ، فلما نزل بغزة وسط عشرين نفسا من الظاهرية وهو لا يعقل من السكر ، ففر أكثر العسكر منه ، فبلغه في تلك الساعة أن الجاليش الذي تقدمه خامر عليه ، فركب وجد في طلبهم وكان أمراء الجاليش وصلوا إلى دمشق في سادس عشري ذي الحجة ودخلوا إلى تغري بردى وهو في غاية المرض فأعلموه بسوء سيرة الناصر وخوفهم منه واجتماع كلمتهم على اللحاق بالأميرين وتوجهوا في آخر الشهر إلى جهتهما فخالفهم شاهين الزردكاش فقبضوا عليه ، وجد الناصر في السير فلم يلحقهم فالبس عسكره وقد ظهرت عليه علامة الخذلان ، ودخل دمشق وقت الزوال من سلح السنة ، وكان بعد ذلك ما سنذكره في حوادث السنة الآتية .
وفي هذا السنة مات السلطان المنصور ويقال له الصالح حاجيابن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر وكان مقيما بالدور السلطانية في قلعة الجبل منذ خلعه الظاهر في الثانية من سنة اثنتين وتسعين إلى أن مات في تاسع عشرة شوال بعد أن تعطلت حركة يديه ورجليه منذ سنين وعاش أزيد من أربعين سنة ، قال العينتابي : كان شديد البأس على جواريه لسوء خلقه من غلبة السوداء ولم يزل مشغولا باللهو والسكر .
وفيها قتل من الظاهرية مأتي أمير وخاصكي وجمدار وغيرهما نحو من سبعمائة رجل ، أراد الناصر بإزالتهم توطيد ملكه فانعكس الأمر وكان قتلهم في الحقيقة من أعظم الأسباب في توطيد ملك الملك المؤيد فسبحان من بيده الملك .
وفيها قتل الأمير تمراز الناصري الذي ولى نيابة السلطنة بالقاهرة قتل بالإسكندرية ، وكان لا بأس به ، وكان من خواص برقوق ، وأمر أربعين في زمانه ، ثم أمر تقدمة في سنة اثنتين وثمانمائة ، ثم ثيابه الغيبة في فتنة اللنك ثم ولي نيابة السلطنة في سنة تسع وثمانمائة وناب في الغيبة في سنة اثنتي عشرة ثم قبض عليه في أوائل هذه السنة وسجن بدمياط ثم بالإسكندرية ثم قتل في عيد الأضحى ، وكان يحب العلماء ويكرمهم ويعتقد في الصالحين ، وكان تركيا خالصا حسن الصورة .وفيها قتل خايربك وكان قد ناب في غزة وأعطى تقدمة . وفيها قتل يشبك الموساوي الأمير وكان أعطى تقدمة ثم ولى نيابة طرابلس وكان نائب غزة مدة طويلة ، قال العينتابي : ظلم أهلها ظلما فاحشا وكان أفقم سبئ المعتقد رديء المذهب متجاهرا باللواط ، قتل بالإسكندرية أيضا . وفيها ناب الأمير جانم ، كان قد أعطى تقدمة وناب في غزة وفي حماة وفي طرابلس ، قال العينتابي : لم يشتهر عنه إلا كل شر ، والأمير قزدمر الحسني كان أعطى تقدمة وتولى خازندارا كبيرا ولم يكن به بأس - قاله العينتابي : وقنباي وأقبغا القديدي المعروف بدويدار يشبك كان مقدما عند يشبك ثم استقر عند الناصر دويدار صغيرا وأمره عشرة ، وكانت له وجاهة ومعرفة ويقتدى برأيه في كثير من الأمور ، قال العينتابي : كان يدعي الحكمة ووفور العقل مع خبث ومكروحب لجمع المال ولم يشتهر عنه خير قط وحصل في أيام يشبك مالا جما ، ثم لم يزل في ازدياد إلى أن مات في ليلة الخميس ثالث عشر شوال ، وخلف شيئا كثيرا تمول بعده منه جماعة واستولى السلطان على غالبه .
وفي رجب رجم رجل تركماني بدمشق اعترف بالزنا وهو محصن وذلك بدمشق فكتف تحت القلعة وأقعد في حفرة فرجم حتى مات . وفيها مات علي بن محمد الأخميمي فكان يدعي أنه شريف وأصله بغدادي وقد ولى الوزارة وشد الدواوين وغير ذلك - .
وفيها مات فيروز الطواشي وكان قد تقدم عند الناصر ومات في رجب ، وكان شرع في مدرسة واشترى لها مكانا بالغرابليين ليبني به ربعا وغيره فمات قبل الفراغ ، فأقر الناصر وقفه ونقله من المدرسة إلى التربة وأضاف الوقف كله إلى مدرسته ، فأخذ دمرداش العمارة بإنعام الناصر وشرع فيها ثم فجئه السفر ، ثم آل أمرها إلى أن اشتراها زين الدين عبد الباسط في الدولة المؤيدية واسمها قيسارية وربعا فأتقن ذلك غاية الإتقان ، وذلك في سنة 823 فما بعدها .وفيها قتل سلمان - بضم السين المهملة - ابن أبي يزيد صاحب برضا وغيرها من بلاد الروم ، واستولى على مملكته أخوه موسى بعد حروب وقعت بينهما .
وفي هذه السنة في ربيع الآخر قبض على أحمد بن جمال الدين وعلى أحمد وحمزة ابني أخت جمال الدين وعلى شمس الدين وناصر الدين أخوي جمال الدين فصودروا وعوقبوا إلى أن مات في العذاب ناصر الدين وقتل الأحمدان وحمزة خنقا .
وفي ربيع الآخر وصلت طائفة من الجنوية إلى الإسكندرية فوجدوا طائفة من الكسلان فقاتلوهم ، فخاف منهم أهل الإسكندرية وأغلقوا الأبواب ، وبلغت عدة القتلى ألفي نفس ، وأسر الكسلان من الجنويين رجلا يقال له النساوي فأرسلوه إلى الناصر فألزمه بمائة ألف دينار فذكر أن ماله تحت حوطة الجنويين فقبض على تجارهم بالإسكندرية ، فغضبوا وساروا بمراكبهم إلى الطينة فسبوا نساء وصبيانا وكانت بينهم وقعة كبيرة ، فخرج طائفة من أهل دمياط لنجدتهم وكبيرهم محيي الدينابن النحاس وكان ملازما للجهاد بثغر دمياط ، وفيه فضيلة تامة ، وجمع كتابا حافلا في أحوال الجهاد ، فقتل في المعركة مقبلا غير مدبر ، وغنم الفرنج من أهل الطينة مالا كثيرا ثم مضوا .
وفي ذي القعدة في ثاني عشر منه نازل الفرنج الطينة أيضا في أربعة أغربة ، فقاتلهم المسلمون قتالا عظيما إلى الليل ، فمضى الفرنج إلى الساحل القديم فنهبوا ما وجدوا فيه ورجعوا من الغد إلى القتال ، فقدم في الحال غراب للمسلمين فاحتاط به الفرنج ، فألقى من فيه من المسلمين أنفسهم إلى البحر فنجوا إلى البر بالسباحة ، ثم وافى أناس من دمياط مقاتلة فتكاثر المسلمون على الفرنج واستنقذوا منهم الغراب المذكور بعد قتال شديد فانهزم الفرنج وقد قتل بعضهم - والحمد لله .
وفي جمادى الأولى أمر السلطان بهدم مدرسة الأشرف شعبان ابن حسين التي على باب القلعة وجد الهدم فيها وكانت من أعظم الأبنية ، وكان جمال الدين قد اشترى من أولاد الأشرف كثيرا من الآلات التي بنيت بها لأن الأشرف مات قبل أن تكمل فبسط يده في تحويل بابها فأخذ الشبابيك والأبواب والبوابة وكثير من الحجارة حتى الكتب الموقوفة فاستعان بالجميع في مدرسته ، ثم جاء الناصر في هذه السنة فعكره مكان بقعتها ، لأن المتغلبين صاروا يستعينون بها على حصار القلعةبالنزول فيها فهدمها ، فصارت رابية عالية ، وحول ما ينتفع به من حجارتها وأخشابها إلى الأمكنة التي يريدها ، فبقيت كذلك إلى أواخر دولة المؤيد ، فأمر بعمارتها مارستانا وسكن به بعض المرضى ، ومات المؤيد فحولوه بعده جامعا ومنزلا للواردين ، وأمر في هذا الشهر أيضا بهدم الدور الملاصقة لصور القلعة تحت الطبلخاناة وغيرها ، فهدمت من ثم باب القرافة وتشتت سكانها .
وفيه ختم على جميع الحواصل التي يظن أن بها فلوسا بالقاهرة ، وندب الناصر لذلك أحمد بن الطبلاوي والي القاهرة قبل قتله ومجد الدين سالم بن سالم قاضي الحنابلة ففتحا حواصل الناس ونقلا ما فيها من الفلوس وأعطيا لكل واحد ثمن فلوسه ذهبا في كل قفة ثلاث ناصرية وكان قيمتها يومئذ ثلاثة وثمن ، فجمع منها شيء كثير ، فكان ذلك هو السبب في مناداته عليها في كل رطل باثني عشر درهما كما تقدم ، ويقال إن الذي أخبره برخص الفلوس وإن قيمتها قبل ذلك كانت تقتضي أن يكون كلرطل بعشرين درهما الشيخ سراج الدين البهادري أحد الأطباء ، فجره إلى ذلك الطمع الكامن في نفسه قبل ذلك إلى أن نادى عليها باثني عشر ، فلم يمش له ذلك إلا بالمشقة فترك بعد أن حصل من البلاد ما حصل .
وفيها كانت بين الحجاج من أهل دمشق وبين العرب بناحية زيزا محاربة ، فجرح أمير الحاج ومات من تلك الجراحة .
وفيها مات صاحب الهند غياث الدين أبو المظفر أعظم شاه بن اسكندر شاه بن شمس الدين صاحب بنكاله .وفيها قتل وزيره يحيى بن عرب شاه ويلقب جان جهان . وفيها مات مرجان زمام الملك الأشرف ثم الناصر صاحبا اليمن وقد ولي إمرة زبيد .
وفيها قتل وبير بن نخبار بن محمد عقيل بن راجح بن إدريس ابن حسن بن قتادة الحسني أمير ينبع ، وليها أزيد من عشرين سنة وقتل أخوه مقبل وابنه على قتلى كثيرة ممن اتهموهم بقتله لأنه قتل غيلة ، واستقر في إمرة ينبع بعده أخوه مقبل منفردا ، واستمر إلى أن خلع بعده بضع عشرة سنة ، واستقر عقيل ابن وبير مكانه كما سيأتي .
وفيها كان السعيد محمد بن أبي فارس بن عبد العزيز بن أبي سالمإبراهيم المريني يحاصر فأس وبها أبو سعيد بن أحمد بن أبي سالم ، فهزمه أهل فأس بعد شهرين وذلك في صفر منها ووقع الإفساد في الزروع وقوى القوى على الضعيف واشتد الغلاء وكان الأردب عندهم بربع دينار فارتفع بعد ذلك أضعاف مضاعفة ، ثم رجع السعيد إلى حصار فأس وقد انتهبت الأعمال والنواحي في ربيع الآخر وحصرها نحوا من عشرين يوما ثم هزموه فتوجه إلى سلا ثم جمع عسكرا ورجع في شعبان وحصر البلاد وبنى مقابلها مدينة سماها المنصورة وانقضت السنة وهو على ذلك تم ملك البلد ، ثم قام عليه عبد الواحد بن أبي حمو واسمه موسى ، وفر السعيد إلى تونس فهلك ببلد العناب ، وطالت مدة عبد الواحد وسنذكر أمره في سنة سبع وعشرين إن شاء الله تعالى .
وفيات سنة 814
ذكر من مات في سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي ثم المصري نزيل مكة ، أقامبها ثلاثين سنة وكان مالكي المذهب ، يتكسب بالنسخ بالأجرة مع العبادة والورع والدين المتين وكان يحج ماشيا من مكة ومات بها ، أثنى عليه تقي الدين المقريزي .
إبراهيم بن أبي بكر الماحوزي الأصل ثم الدمشقي تفقه قليلاوسلك طريق التصوف مع الدين المتين وكان كثير المال ولا يقبل لأحد شيئا وينهى أصحابه أن يأكلوا لأحد شيئا ، وكانت تلك طريقة والده الشيخ أبو بكر الموصلي ، وكان للناس فيه اعتقاد زائد وقل أن يرد أحد من الأمراء رسالته وكان لا يمشي لأحد مطلقا مع الثروة الزائدة مات راجعا من الحج في المحرم ودفن بتبوك لم يبلغ الستين ، وكان قد حج عشرين حجة وفي كل مرة يحصل للناس به النفع الزائد رحمه الله تعالى .
أحمد بن إبراهيم بن محمد صاحب مصنف الجهاد .
أحمد بن عبد الله الرومي ويعرف بالشيخ صارو وهو الأشقر بالتركية ، قدم من بلاده فعظمه نائب الشام شيخ قبل أن يتسلطن ،ثم صار من خواصه ثم سكن الشام وكان يقبل شفاعته ويكرمه وولاه عدة وظائف وكان كثير الإنكار للمنكر ، وقد حج وجاور ومات في شعبان بحلب عند شيخ لما ولى نيابتها وقد شاخ .
أحمد بن علي أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة الدمشقي ثم الصالحي الحنبلي شهاب الدين ابن فخر الدين ابن نجم ابن عز الدين خطيب الجامع المظفري .
أحمد بن محمد بن مفلح الصالحي الحنبلي شهاب الدين أخو الشيخ تقي الدين ، ولد سنة 754 واشتغل قليلا وسمع من جماعة ، ثم انحرف وسلك طريق الصوفية والسماعات ، ومات أبوهما الشيخ شمس الدين سنة ثلاث وستين .
أحمد بن محمد بن أبي القاسم الحوراني ثم العثماني شاهد المطبخالسلطاني كان محبا في أهل الخير ، مات في ثالث ربيع الأول ، وكانت مباشرته للمطبخ من أول دولة الأشرف فأقام في الوظيفة المذكورة نحو خمسين سنة .
أعظم شاه غياث الدين ابن اسكندر شاه ابن شمس الدين السجستاني الأصل ملك الهند كان غلبة سلفه على دلى بعد رجوع اللنك ، وكان اللنك لما دخل الهند حاربه يلو مملوك فيروز شاه بن نصرة شاه ثم انهزم يلو فلما رجع اللنك عاد ا يلو فخرج عليه خضر خان بن سليمان فقتله وقبض على نائبه دولة يار واستولى خضر على المملكة فلما مات قام بعده ولده مبارك شاه في ملك دلى وقام شمس الدين السجستاني في ملك بنكالة ثم مات فقام بعده ابنه اسكندرشاه ثم قام بعده ابنه أعظم شاه - وكان له حظ من العلم والفهم والخير ، وهو الذي أنشأ المدرسة البنكالية بمكة والبنكالية الأخرى بالمدينة وكان له معروف كثير .ومات في سنة أربع عشرة ، وملك ابنه حمزة بعده فثار عليه مملوكه شهاب وقتله فسلط عليه فندوا ملك الكفرة فقتله ، ثم ثار ولد فندو عليه فقتله وتسمى محمدا وأسلم ويلقب جلال الدين أبا المظفر وجدد مآثر من شعائر الإسلام والمساجد ، وأرسل إلى مكة بأموال يتصدق بها سنة اثنتين وثلاثين ، ثم أرسل هدية إلى مصر بعدها وطلب التقليد من الخليفة ، فجهز مع رسوليه سهمك وترغوب في سنة ثلاث ، فأعاد جوابه سنة أربع وصحبته مال للخليفة وللسلطان هدية .
أقبغا القديدي وتمراز الناصري وجانم وحاجي بن الأشرف شعبان تقدموا في الحوادث .
حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي بدر الدين ابن قاضي أذرعات تفقه في صباه على الشرف ابن الشريشي والنجم بن الحاني وتعانى الأدب وفاق في الفنون ودرس وأفتى وناظر ، وناب فيالحكم ثم تركه تورعا وولى عدة إعادات وهو ممن أذن له البلقيني بالإفتاء لما قدم الشام سنة ثلاث وتسعين وكان يثني عليه كثيرا ، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى ، وكانت بيننا مودة ، سمعت منه نظما وسمع مني ، وكان بأخرة قد انجمع الناس ، مات بالطاعون في المحرم رحمه الله تعالى .
خابرك تقدم في الحوادث .
خليل بن عبد الله الأذرعي المعروف بالقابوني ، كان صالحا مباركا منقطعا عن الناس مثابرا على العبادة قليل الكلام كثير الحج مع فقره ، وكان الناس يأتمنونه على الصدقات التي يريدون إرسالها إلى مكة ، وكان أهل مكة يستبشرون به إذا حج لكثرة إحسانه م ، وكان للشاميين فيه اعتقاد زائد ، مات في صفر بالطاعون وله ثلاث وستون سنة ، وحضر الناس جنازته حتى النائب ، وقد نسخ الكثير للناس وخطه حسن .
عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي الوفاء الشاذلي أبو الفضل ابنالشيخ شهاب الدين ، اشتغل في صباه قليلا ، وتعانى النظم فقال الشعر الفائق ، وكان ذكيا حسن الأخلاق لطيف الطباع ، غرق في بحر النيل هو ومحمد بن عبيد اليشكالشي وعبد الله بن أحمد بن محمد التنيسي جمال الدين قاضي المالكية وابن قاضيهم ، ومن نظمه أراه في مرثية محبوب له :
مضت قامة كانت أليفة مضجعي
فلله ألحاظ لها ومراشف
ولله أصداغ حكين عقاربا
فهن على الحكم المضي سوالف
وما كنت أخشى أمس إلا من الجفا
وإني على ذاك الجفا اليوم آسف
رعى الله أياما وناسا عهدتهم
جيادا ولكن الليالي صيارف
ومن نظمه غزل قصيدة على هذا الروي :وبي ذهبي الخد صيغ لمحنتي
يطيل امتحانا لي وما أنا زائف
يذيب فؤادي وهو لا غش عنده
فيا ذهبي اللون إنك حائف
وفي فمه شهد وشهد مكرر
وفي خده ورد وورد مضاعف
له أعين أني رأته توابع
وأعينه أيضا لقلبي خواطف
عبد السلام بن محمد الزرعي أحد سكان المجاهدية بدمشق ، كان خيرا أمينا موثوقا به ، قرأت ذلك بخط ابن حجي ، مات في أواخر السنة .
عبد الوارث بن محمد بن عبد الوارث البكري المالكي أخو الشيخ نور الدين المقدم ذكره ونسبه في سنة ست وثمانمائة مات فيها بينبع راجعا من الحج في المحرم .
عقيل بن سريجا بن محمد الملطي الأصل المارديني نزيلها قطب الدين أبو عبد القاهر بن المحقق زين الدين ، اشتغل على أبيه وحدث عنه بشيء من تصانيفه بحلب . قال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب : كان شيخا حسنا على الكهولة أقرب ، قدم علينا بلادنا سنة ثمانوتسعين ، فكتب عنه شيخنا برهان الدين شيئا من نظم أبيه الشيخ سريجا ، وتكلم على الناس بالجامع الكبير وكان كثير الاستحضار ، ورجع إلى بلاده بحصن كيفا فمات هناك في هذه السنة ومن إنشاده عن أبيه :
حفظ الحديث رواية ودراية
وعلومه تسند إلى الإيمان
لا جاحد في من حداه على الفتى الن
حرير بعد تلاوة القرآن
وهي طويلة .
علي بن سيف بن علي بن سليمان اللواتي الأصل الأبياري النحوي المصري نزيل دمشق ، ولد سنة بضع وخمسين بالقاهرة ونشأ بغزة يتيما فقيرا فحفظ التنبيه ، ثم دخل دمشق فعرضه على التاج السبكي فقرره في بعض المدراس وأستمر في دمشق وأخذ عن العنابي وغيره ومهر في العربية وشغل الناس بدمشق وأدب أولاد ابن الشهيد وقرأ عليه التفسير ، وسمع من الكمال ابن حبيب وابن أميلة وغيرهما ، وكان خازن كتب السمساطية ، وحصل كثيرا من الوظائف والكتب ، وفاق في حفظ اللغة وعني بالأصول فقرأ مختصر ابن الحاجب دروسا على المشايخ ، وأكثر مطالعة كتب الأدب وصار يستحضر من الأنساب والأشعار والأخبار شيئا كثيرا ، ولم يتزوج قط ثم نهب جميع ما حصله في فتنة اللنك وكان عارفا بأيام الناس حسن الخط كثير الأنجماع دخل القاهرة بعد الكائنةالعظمى فأقام بها وحصل كتبا ، ثم قدم دمشق ثم رجع فعظمه تمراز وكان يومئذ نائبا وتعصب له ففوض له مشيخة البيبرسية بعد موت النسابة فعارضه جمال الدين الأستادار وانتزعها منه لأخيه شمس الدين البيري ثم قرره في تدريس الشافعي بعد موت جلال الدين ابن أبي البقاء ، فعارضه جمال الدين أيضا وانتزعها منه لأخيه وعوضه تدريس الشيخونية ، فدرس بها يوما واحدا ثم نزل عنها لي بمال واستمر على انجماعه ، وحدث بالبيبرسية بسنن أبي داود وجامع الترمذي عن ابن أميلة وبغير ذلك ، وحدث بالفصيح بسماعه من ابن حبيب ، وسمعت منه يسيرا ، وكان فقير النفس شديد الشكوى ، وكلما حصل له شيء اشترى به كتبا ، ثم تحول بما جمعه إلى دمشق في هذه السنة ، وذكر لنا القاضي علاء الدين أنه قرأ عليه جزأ جمعه شيخه العنابي في الفعل المتعدي والقاصر وأنه لم يستوعبه كما ينبغي ، قال : وذكر أن في الإصبع أحد عشر لغة فأنشدته البيت المشهور وفيه عشرة وطالبته بالزائدة فلم يستحضرها ولكنه صمم على العدد ، وذكر لي أنه جمع جزأ في الرد على تعقبات أبي حبان لكلام ابن مالك - انتهى ومات بالشام في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة ، وتفرقت كتبه شذر مذر .علي بن محمد بن علي بن عبد الله الحلبي علاء الدين ابن القرمي نشأ بدمشق واحترف بالنسخ وبالشهادة ، ثم وقع على الحكام وناب في الحكم عن البرهان الصنهاجي المالكي ، وولى قضاء المجدل وتوقيع الدست ثم قضاء غزة بعناية فتح الله وكان صديقه قديما ، ثم ولى قضاء دمياط مضافا لغزة ومشيخة البيبرسية بالقاهرة ، وخطابة القدس ، وكان متواضعا بشوشا كثير المداراة والخدمة للناس ولا يمر به أحد بغزة إلا أضافه وخدمه وراح وهو يشكره ، وقد سمع في صباه ابن أميلة وجماعة من أصحاب الفخر وابن القواس على ما أخبرني به ، وكانت بيننا مودة مات في آخر السنة .
فيروز الخازندار الرومي ، تربى مع الناصر فرج من صغره فاختص به ، وكان جميل الصورة نافذ الكلمة ، ولى نظر الخانقاه بسرياقوس ، ومات في تاسع رجب وهو شاب ، وكان عمر أماكن كثيرة ووقف وقفا على تدريس بالأزهر وغيره ، فاستولى الناصر على جميع أوقافه فصيرها للتربة الظاهرية .قاسم بن أحمد بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين ابن يوسف ابن محمود الحلبي الأصل العينتابي الكتبي أحد الفضلاء في الحساب والهندسة والنجوم والطلسمات وعلم الحرف والطب ، وكان مفرطا في الذكاء ، وهو ابن أخي القاضي بدر الدين العينتابي ، وهو الذي ترجمه وذكر أن مولده في سنة ست وتسعين ، ومات في رابع عشر المحرم مطعونا بمصر وصلى عليه بجامع الأزهر ، قال : وكان له صديق يقال له خليل بن إبراهيم الخياط من أهل بلده فقال لما رأى جنازته وقد صلى عليها من حضر صلاة الجمعة : يا رب اجعلني مثله فمات ليلة الجمعة المقبلة وصلى عليه كما صلى على صديقه وعاش أبو قاسم بعده مدة - .
قزدمر الحسني تقدم في الحوادث .
محمد بن إسماعيل بن يوسف بن عثمان الحلبي الشيخ شمس الدين الناسخ المقري كان دينا خيرا يتعانى نسخ المصاحف مع المعرفة بالقراآت أخذ عن أمين الدين ابن السلار وغيره ، واقرأ الناس وانتفعوا به ، وقد جاور بالحرمين نحو عشر سنين ودخل اليمن فأكرمه ملكها ، وكانقد بلغ غاية في حفظ القرآن بحيث أنه يتلو ما شاء منه ويسمع في موضع آخر ويكتب في آخر من غير غلط ، شوهد ذلك منه مرارا ، مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين ، وهو عم شرف الدين أبي بكر الموقع المعروف بابن العجمي .
محمد بن خليل بن محمد العرضي الشيخ شمس الدين الغزي ، ولد قبل سنة ستين ، واشتغل بالفقه فمهر فيه إلى أن فاق الأقران وصار يستحضر أكثر المذاهب مع المعرفة بالطب وغيره مات في جمادى الأولى .
محمد بن عبيد بن عبد الله البشكالسي المالكي زين الدين ، كان أبوه من أعيان أهل مذهبه وناب في الحكم ، وأفتى وحدث عن عز الدين ابن جماعة وغيره ، ونشأه ولده هذا ذكيا فاشتهر ذكره بالفضل ، وكان يتعاشر مع جماعة من الفضلاء فاتفق أنهم توجهوا إلى شاطئ النيل فركبوا شختورا فانقلب بهم فغرقوا .محمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان بن جعفر بن محمد بن عدنان ابن جعفر الحسيني الشريف ناصر الدين ابن كاتب السر ، وكان فاضلا ماهرا في الأنساب كثير الاشتغال إلا أنه جامد الذهن ، وكان كثير التقشف لا يتعاني الملابس ولا المراكيب ، سمع معنا كثيرا ، وكانت بيننا مودة ، وكان أعجوبة زمانه في السعي كثير الدهاء ، دخل القاهرة مرارا بسبب السعي لأبيه في كتابه السر فكان غالبا هو الغالب ، وحصل لنفسه في غضون ذلك كثير من الوظائف والتداريس والأنظار ، وكان يتبرأ من التشيع ويتهم به : قال ابن حجي : كان دينا صينا لا تعرف له صبوة ، وقد عين لكتابة السر فلم يتفق ذلك ، ومات في صفر بالطاعون وله سبع وثلاثون سنة .
محمد بن علي بن عمر بن علي بن محمد الدمشقي المعروف بابن الأريلي سبط ابن الشريشي ، مات في المحرم .
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن يوسف الدمشقي فتح الدين بن الشيخ شمس الدين ابن الجزري نزيل بلاد الروم ثم دمشق ، باشر الأتابكية بدمشق إلى أن مات في صفر مطعونا ، وكان جيد الذهن يستحضر كثيرا من الفقه ويقرئ بالروايات ويخطب جيدا ، ترجمه ابن حجي فقال : وكانذكيا جيد الذهن يستحضر التنبيه ويقرأ بالروايات ، أخذ ذلك عن أبيه وعن الشيخ صدقة وغيرهما ، ومات في صفر مطعونا ولم يكمل الأربعين ، وقد رأيته بالقاهرة ، هو ولد صاحبنا الشيخ شمس الدين ، وعاش بعده دهرا ، وكان قد تسحب من أبيه لما توجه إلى بلاد الروم ، ثم حضره إلى القاهرة برسالة ابن عثمان بسبب المدرسة الصلاحية وكانت مع والده ، فوثب عليها بعده القمني فنازعه فتعصب للقمني جماعة فغلب ابن الجزري ، فنازع جلال الدين ابن أبي البقاء في تدريس الأتابكية ونظرها ، فلم يزل إلى أن فوضها له برغمه ، ثم تصالحا وفوضها له باختياره ، وباشرها إلى أن مات .
محمد بن مسكين بن مسعود الشبراوي اشتغل كثيرا وكان مقتدرا على الدرس فدرس كتاب الشفاء وعرضه ، ثم درس مختصر مسلم للمنذري ولم يكن بالماهر مات في سلخ السنة .محمد بن الحنبلي شمس الدين شاهد القيمة ، وكان من كبار الحنابلة وقدمائهم وكان ورعا قليل الكلام على سمت السلف مات في رابع ربيع الأول وقد بلغ الستين .
هود بن عبد الله المحابري الدمشقي ، مات في أوائل السنة .
يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي الجبلي - بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة - الشافعي اليمني ، تفقه على رضى الدين ابن الرداد وسمع من علي بن شداد واشتغل كثيرا وكان عابدا دينا خيرا ، يتعانى السماعات على طريق الصوفية ويجتمع الناس ؛ عنده لذلك ، مات في جمادى الآخرة وقد بلغ ثمانين سنة .
يشبك الموساوي تقدم في الحوادث .يوسف بن أحمد بن عبد الله بن الصائغ وهو لد شيخنا أبي اليسر المقدم ذكره قريبا وكان ثقيل البدن خفيف الروح كثير المجون حسن المذاكرة ، ولي تدريس الدماغية ونظر الرباط الناصري ، مات في المحرم .
يوسف بن محمد النحاس جمال الدين المعروف بابن القطب الحنفي ، وكان يجلس في الشهود ثم ولى الحسبة مرة ثم ناب في الحكم ، ثم سعى في القضاء بعد فتنة اللنك فوليه مرارا ، وكان عربا عن العلم وباشر مباشرة غير محمودة ، مات في المحرم لم يكمل السبعين .
حوادث سنة 815
سنة خمس عشرة وثمانمائة
استهلت والناصر قد رحل في آثار الأمراء الذين خامروا عليه ، فدخل دمشق كما قدمنا في سلخ السنة الماضية وخرج منها في سادسه ، ووقع في أول يوم منه تقرير ابن الكشك في قضاء الحنفية وكانعماد الدين ابن القصاص قاضي الحنفية بحماة ، قد جرت له مع يشبك ابن أزدمر وكائنة قبيحة جدا فخرج من حماة إلى دمشق فبذل لنوروز نائب الشام مالا فولاه قضاءها ، ثم عزل فتوجه إلى مصر فقرره طوغان وهو بغزة في قضاء الشام فوصل إلى دمشق ، فلم يتمكن من المباشرة لدخول الشريف ابن بنت عطاء بتوقيع قضاء الحنفية بدمشق فباشر ، ثم دخل الناصر دمشق فأعاد ابن الكشك ، فولى قضاء دمشق ثلاثة أنفس في عشرة أيام ، وأفرج الناصر عن ناصر الدين ابن البارزي ونكباي الحاجب وسار إلى جهة حمص وقد بلغه أن الأمراء دخلوا بها ، فبلغه أن الأمراء رحلواإلى بعلبك فوصل ان فوجدهم قد توجهوا إلى البقاع على جهة وادي التيم لقصد القاهرة فتوجه من فمضوا إلى جهة الصبيبة وهو يتبعهم حتى نزلوا باللجون ، فأشار عليه نصحاؤه أن يرجع إلى دمشق حتى يستريح العسكر ثم يتوجه م فيأخذهم من الصبيبة ، فأبى ولج في طلبهم وظن أنهم في قبضته وأن الذي أشار عليه بذلك غشه وأتهمه لهواه فيهم ، ثم ركب في ساعته وساق فما وصل إلى اللجون حتى تقطعت عساكره ولم يبق معه إلا اليسير ، وذلك في ثالث عشر المحرم ، وكان الأمراء قد دخلهم الخوف منه فعزموا على أن يتوجهوا في الليل من وادي عارا إلى جهة الرملة ثم يقصدوا حلب من طريق البرية ولم يخطر لهم أن يقاتلوه خوفا منه وعجزا عنه ، فساعة وقوع عينه عليهم حمل واقتحم فيهم ، فارتطمت خيول الذين معه في وحل كان هناك وخامرت طائفة منهم فقتل في المعركة مقبل الرومي وكان الناصر قد فسخ عقد أخته مننوروز وزوجها لمقبل ، فقصده نوروز فقتله في المعركة وقتل الطنبغا سقل وجرح سكب فمات من جراحه بعد ذلك بأيام ، ووقعت في الناصر جراحة فانهزم راجعا إلى دمشق ، فأشار عليه بعض من ينصحه أن يتم مستمرا إلى القاهرة ، فامتنع لما أراد الله من هلاكه وتوجه إلى دمشق فأدركه الليل في بيت تركماني فعرفه فأنزله عنده وكان معه حينئذ ثلاثة أنفس فأقام في الليل يسيرا حتى استراح ، ثم قدم له التركماني حجرة وكان فرسه قد أعيا فركبها ووعده بمال وإقطاع وتوجه إلى دمشق فتحصن بالقلعة ، واحتاط الأمراء بالخليفة والقضاة وكاتب السر وناظر الجيش وبجميع ما كان مع الناصر من المال والخيل مما لم يتركه محتسبا ، فانتقل الأمراء من الخوف إلى الأمن ومن الذل إلى العز ، وتقدم شهاب الدين الأذرعي أمام شيخ وهو ابن أخي بدر الدين ابن قاضي أذرعات فصلى بالقوم المغرب فقرأ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فاوئكم وأيدكم بنصره - الآية
فوقعت الموقع لمناسبة الحال وأصبح الأمراء ورأسهم شيخ ونوروز فاشتوروا فيما يفعلونه وكان كاتب السر فتح الله قد خاف من الناصر فأشار عليهماأن يكتبا إلى القاهرة بما اتفق بحفظ القلعة والبلد ويكتب الخليفة بمثل ذلك ، وتوجه قجقارا القردمي بذلك فوصل آخر الشهر ، ورحل الأمراء إلى دمشق فوصلوا في نصف المحرم ، وكان الناصر قدم تلك الليلة وطلع القلعة واستدعى القضاة والأعيان ، ورغبهم فيما لديه ووعدهم بالعدل والجميل فمالوا معه وشجعوه ، فتلاحق به العسكر شيئا بعد شيء ، ووجد تغري بردى نائب الشام قد مات في ذلك اليوم فقرر عوضه دمرداش ، واخذ بالاستعداد وأخرج الأموال والسلاح ، فاجتمع له جمع كثير وانفق فيهم ، وقواهم بالمدافع والمكاحل ورفعالجسور عن الخنادق ، وأمر القضاة أن يركبوا مع القاضي جلال الدين البلقيني وكان قد تقدم قبل الوقعة إلى دمشق وينادي بأن الناصر قد أبطل المكوس وأزال المظالم ، ويطلب منهم الدعاء ، فتعصب له عوام الشام ، فلما كان في الثامن عشر من المحرم نزل الأمراء قبة يلبغا ، فندب الناصر لهم عسكرا فخرج م سودون الجلب وسودون المحمدي فهزموهم ثم ارتحلوا فنزلوا غربي البلدة ووقفوا من جهة القلعة فتراموا بالنشاب ، ثم نزل نوروز بدار الطعم وشيخ بدار غرس الدين الأستادار وضم معه الخليفة وكاتب السر والقضاة ونزل بكتمر جلق وقرقماش ، فمنعوا الميرة عن الناصر وقطعوا نهري دمشق ، فتعطلت الحمامات وغلقت الأسواق وعظم الأمر واشتد القتال وكثرت الجراحات .
وفي ثالث عشري المحرم لحق بالأمير شيخ ناصر الدين ابن العديمقاضي الحنفية وشهاب الدين الباعوني وشهاب الدين الحسباني وكانوا بالصالحية . وناصر الدين البارزي وصدر الدين الأدمي وكانا من أخصاء شيخ فأنس بهما وعرفاه بأحوال البلد مفصلة ، وبسط ناصر الدين ابن العديم لسانه في الناصر فبلغ ذلك الناصر ، فقرر ابن الشحنة في قضاء الحنفية بالقاهرة عوضا عنه ويقال ، إن ناصر الدين المذكور كان ممن شهد الوقعة باللجون وأحيط به مع الخليفة والمباشرين .
وفي الرابع والعشرين من المحرم وسط بلاط أشق شاد الشربخاناة وبلاط أمير علم وكان كل منهما يذبح المماليك الظاهرية بين يدي الناصر بالقاهرة .
وفي يوم السبت خامس عشري المحرم أشهر غلبة الخليفة بخلع الناصر من الملك لما ثبت عليه من الكفريات الانحلال والزندقة وحكم ناصر الدين ابن العديم بسفك دمه .واستقر في السلطنة الخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل العباسي ، ولم يغير لقبه ، وبايعه الأمراء ومن حضره ، وكان رأي الأمراء قد اجتمع على ذلك ، فلم يوافقهم الخليفة إلا بعد شدة وتوثق منهم بالإيمان فاشتد امتناعه وصمم فبادر كاتب السر فتح الله فأرسل جماعة منهم محمد بن مبارك الطازي ، هو أخو الخليفة لأمه ورتب معه ورقة فيها مثالب الناصر وأن الخليفة عزله من السلطنة فلا يحل لأحد من المسلمين القتال معه ولا مساعدته فإنه فعل وفعل - وعدد مثالب الناصر ، وقرأه شخص منهم جهرا ودار بها على الوطاق كله حتى بلغ ذلكالناصر وتحققه وتوعد الخليفة بكل سوء ظنا منه أن ذلك من تدبيره ، فبلغ ذلك الخليفة فسقط في يده وأيس من صلاح الناصر له ، فأجاب إلى ما التمسوه منه من القيام بالأمر ، فبايعوه كلهم فحلفوا له على الوفاء وأحضروا له لباس الخظيب الأسود فلبسه وجلس على كرسي وقام الكل بين يديه وقرر بكتمر جلق في نيابة الشام وقرقماش في نيابة حلب وسودون الجلب في نيابة طرابلس والأميرين شيخ نوروز في ركابه يدبران الأمر ، ونادى منادي الخليفة ألا أن فرج بن برقوق خلع من السلطنة ومن حضر إلا أمير المؤمنين وابن عم رسول الله فهو آمن ، فتسلل الناس عن الناصر ، وكتب المستعين إلى القاهرة باجتماع الكلمة له ، وأمر يلبغا الناصري بحفظ البلد ، فلما كان صبحة هذا اليوم قدم الحاج فتلقاهم شيخ وبعث كل طائفة إلى الجهة التي قصده ومنعهم أن يمروا تحت القلعة .
وفي سابع عشري المحرم استقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بالقاهرة عوضا عن البلقيني وشهاب الدين الحسباني في قضاءالشافعية بدمشق عوضا عن الإخنائي واشتغل الأميران بحصار الناصر ، وقتل في هذه الفتنة خلق من الأمراء منهم يشبك العثماني ، ولما بلغ الناصر ما صنع فتح الله عزله من كتابة السر وقرر عوضه فخر الدين ابن المرزوق وأضاف نظر الخاص إلى الوزير سعد الدين بن البشيري وكان معه بدمشق .
وفي ثاني صفر قدم قجقار القردمي القاهرة فذكر الواقعة ، فأراد اسنبغا الزردكاش أن يقبض عليه فمنعه يلبغا الناصري وقرأ كتبه واشتهر الخبر ، ورتب الناصري لقجقار ما يليق به وبمن معه وهم نحو ثلاثين نفرا ، ثم قدم كزل العجمي وعلى يده كتب من الخليفة والأمراء بما تقدم من خلع الناصر ، وقدم بعده ساع من عند الناصر يخبر فيه بأنه ملتجئ إلى القلعة ، ثم قدم قصروه وعليه خلعة الخليفة وكتاب إلى الناصري ومن بالقاهرة من الأعيان فقرئ ، وأرسل إلى الجامع الطولوني فقرأه ابن النقاش ثم إلى الجامع الأزهر فقرأه مسطرها - كما سيأتي .وفي السادس من صفر شاع بين الناس أن قرا يلك وغيره من التركمان قد وصلوا نجدة إلى الناصر فنادي شيخ بتكذيب ذلك وأن المذكورين جاليش تمر لنك فاحذروهم ، ثم اجتمع الجميع وأعادوا بيعة المستعين وجددوا له الأيمان وأنهم رضوا بأن يكون حاكما عليهم وأنه المستبد بالأمور من غير معارضة أحد منهم له .
وفي الثاني من صفر اشتد القتال وحمل شيخ بمن معه فانهزم أصحابه وثبت هو ثم تراجعوا وصدقوا الحملة فانهزم أصحاب الناصر ووصل شيخ إلى طرف القنوات ، فجاء دمرداش فأعلم الناصر أنه قد سهل القبض عليه وسأله أن يندب معه رجالا ، فناداهم فلم يجبه أحد فأعاد فأجابه بعضهم بجواب فيه جفاء وإذا العسكر قد احتيط بأن نوروز كبسهم ، فهربوا بحيث لم يبق بين يدي الناصر أحد ، فملك شيخ الميدان والإصطبل ، فأشار دمرداش على الناصر أن يرحل إلى حلب ، فقام فدخل حريمه ليلا وتجهز فلم يخرج ، فاستبطأه دمرداش فتركه وسار ، وقام ناس على الأسوار فنادوا : نصر الله أمير المؤمنين فلما سمع الرماة ذلك تخوفوا على أنفسهم ففروا ، فركب الناصر فرسه ودار على السور فلم يجد أحدا فعاد إلى القلعة ، فركب شيخ ودخل من باب القصر وملك المدينة ونزل بدار السعادة ، وامتدت أيدي الغوغاء إلى النهب فبالغوا ، ونزل المستعين في البلد ، ويقال إن دمرداش لما رأى أن حال الناصر تلاشى احتال لنفسه فقال للناصر : أروح أنا وابن أخي واجمع عسكرا من التركمان وغيرهم فمال الناصر لكلامه وأعطاه مالا كثيرا لذلك فتوجه من دمشق ومعه نحو مائتي نفس ، فلمارأى الذين مع الناصر ذلك خارت قواهم ووهنوا ، فرأى الناصر علامة الخذلان فقال لهم : من شاء أن يستوثق لنفسه فليفعل ، فتفرقوا ، ثم تحول شيخ إلى الإصطبل ، وأنزل بكتمر جلق في دار السعادة ، فلما كان يوم الأحد بعث الناصر يطلب الأمان ويستحلف الأمراء ، فحلفوا له على ما أراد وأرسلوا له أخا الخليفة لأمه محمد بن مبارك الطازي فطال بينه وبينه الكلام ولم يفترقا على طائل فعاد والرمي عليهم من أعلى القلعة فعادوا الحصار ، فاضطره الأمر إلى أن ينزل ليلة الاثنين ومعه أولاده يحمل بعضهم ويحمل معه بعضهم وهو يمشي من باب القلعة إلى الإصطبل ، فلما رآه شيخ قام وقبل الأرض وأجلسة بصدر المجلس فسكن روعه فبات تلك الليلة ، وأصبح شيخ يوم الاثنين فلم يجتمع به ، واجتمع الأمراء عند المستعين يوم الثلثاء بدار السعادة فاشتوروا فيما يصنعونه بالناصر ، فاتفق رأيهم على أن يمضوا فيه حكم ابن العديم ، فأخذ في ليلة الأربعاء من الإصطبل فحبس في مكان من القلعة وحده لا يصلإلا من يناوله حاجة المأكول والمشروب خاصة وترك فريدا إلى ليلة السبت سادس عشر صفر ، فدخل عليه محمد بن مبارك الطازي ورجل من خواص شيخ وآخر من خواص نوروز ورجلان من المشاعلية ، فلما رآهم أحس بالشر فقام ودافع عن نفسه فبادره المشاعلية حتى صرعاه بعد ما أثخنا جراحه وتقدم أحدهما فخنقه ، فلما ظن أنه أتلفه قام عنه فتحرك فعاد مرة بعد مرة ففرى أوداجه بخنجر كان معه ثم سحبه بعد ما سلبه فألقاه على مزبلة تحت السماء ليس عليه سوى لباسه وعيناه مفتوحتان ، يمر به القريب والبعيد وقد صرف الله قلوبهم عنه فلا أحد يترقق له ولا يحن له بل ربما مد بعضهم يده فعبث بلحيته ثم حمل ليلة الأحد فغسل وكفن وصلى عليه ودفن بقبر بباب الفراديس ، ولم تكن له جنازة مشهودة فسبحان المعز المذل وكان شيخ يحلف أنه لم يكن يريد قتله ولم يرد إلا أن يسجنه ببعض الأماكن مرفها ويرتب له ما يأكل ويشرب ووافقه جماعة من الأمراء منهم يشبك ابن أزدمر إلا أن نوروز وبكتمر جلق لم يأمنا عاقبته فحرضا على قتله وساعدهما حكم ابن العديم فقتله بسيف الشرع فقتل ، ولقد كان الناصر هذا أعظم الناس خذلانا لدين الإسلام وأشأمهم طلعة على المسلمين والعجب أنه ولد لما أقبل يلبغا الناصري ومنطاش فبشر أبوه فسماه بلغاق - يعني فتنة ، فما خلص أبوه من الكرك سماه فرجا فكان اسمه الأول هو الحقيقي .وفي عاشر صفر قبض على الإخناي وابن المزوق والغرس الأستادار وعبد الرزاق ناظر الجيش وصودروا ، وخلع على صدر الدين ابن الأدمي بكتابة السر بدمشق ، وعلى الأموي بقضاء المالكية بها ، وتقرر الأمر بين الأمراء أن يكون الأميران مدبران الأمر بين يدي الخليفة وأن ينزل شيخ بباب السلسلة وينزل نوروز في بيت قوصون ، فلما كان الخامس والعشرين من صفر التمس نوروز من الخليفة أن يقرره على نيابة الشام فأجابه إلى ذلك وخلع عليه وصرف عنه بكتمر جلق واستقر أميرا كبيرا بالقاهرة ، واعتل نوروز بأنه يخشى وقوع الفتنة وأن التدبير لا يكون إلا لشخص واحد ، فأجيب لذلك وفوضت له كفالة الشام كله ، وجعل له تعيين النواب في البلاد وتعيين الإقطاعات لمن يراهوكذلك أمر القضاة والمباشرين ، فيطالع الخليفة بمن يرى تقريره فيكتب له تقليده .
وفي السابع والعشرين من صفر أعيد جلال الدين البلقيني إلى قضاء الشافعية بالقاهرة وعزل الباعوني ، فكانت مدته نحو شهر اسما بلا مباشرة ، وصرف نوروز ابن الأدمي عن كتابة السر وقرر فيها البصرويوصرف الحسباني عن قضاء الشافعية بدمشق وقرر الأخناني فتوجه مع الحسباني إلى وطاق الخليفة ، فكتب له توقيعا بخطابة الجامع ونظر الأسرى ومشيخة السميساطية ونصف الناصرية ، فضرب نوروز على الخطابة وأبقاها مع الباعوني ، ثم بقي نصف الناصرية مع شهاب الدين ابن نقيب الأشراف ، ثم قرر الباعوني في المشيخة ، فلم يبق مع الحسباني سوى نظر الأسرى ثم انتزعت منه .
وفي ثامن صفر وصلت الأخبار إلى القاهرة صحبة كزل بما جرى للناصر وقرئت الكتب بذلك على الناس ، وكذب اسنبغا الزردكاش ذلك وأراد إثارة فتنة ، فساس يلبغا الناصري الأمر حتى سكن اضطرابه ، ووصل كتاب الخليفة بأن يسلم يلبغا القلعة فأذعن له وتوجه إلى داره ، وصدرت الكتب من الخليفة إلى أمراء التركمان والعربان والعشير ومفتتحها : من عبد الله ووليه الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين ، وخليفة رب العالمين ، وابن عم سيد المرسلين ، المفترضة طاعته على الخلق أجمعين ، أعز الله ببقائه الدين إلى فلان .
وفي الثامن من ربيع الأول توجه الخليفة وشيخ ومن معهما إلى القاهرة فدخلوا في يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الآخر بعد أن تلقاهم الناس إلى قطيا وإلى الصالحية وإلى بلبيس ، وحصل للناس من الفرح بذلكما لا يزيد عليه ، ونادوا في الناس برفع المظالم والمكوس .
وفي سادس عشرة توجه نوروز من دمشق إلى حلب وقرر في نيابتها سودون الجلب فمات معه في حادي عشر ربيع الأول ، واستقر يشبك ابن أزدمر في نيابة طرابلس وخرج نوروز من حلب وطلب دمرداش فوصل إلى عينتاب فقطع دمرداش الفرات ، فرجع نوروز فوجد سودون الجلب قد مات فقرر في نيابة طرابلس طوخ ورجع إلى دمشق فدخلها في أوائل رجب ، وتوجه الطنبغا القرمشي نائبا على صفد ، وقد ضرب نوروز الدراهم الخالصة زنة الواحد نصف درهم والدينار بثلاثين منه ، وفرح الناس بها وكانت معاملاتهم قد فسدت بالدراهم المنشوشة النيروزية وكان منه بها قديما في كل درهم عشرة فضة وتسعة أعشاره نحاس .
وفي شهر ربيع الأول استقر الشيخ محب الدين محمد بن الأشقر شرف الدين عثمان الكراوي في مشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس وكان شيخها شهاب الدين ابن أوحد قد قام عليه الصوفية لما بلغهم خير الملكالناصر لأنه كان يستطيل عليهم بصحبته فآذوه ورموه بكل عظيمة وكان جديرا بذلك ، فخشي على نفسه منهم فبادر بالنزول عن الخانقاه المذكورة للمذكور لمعرفته بمحبة الناس له لحسن سياسته ، فأمضى له يلبغا الناصري النزول واستقر بها ، وخرج ابن أوحد إلى ملاقاة معارفه من المصريين في العسكر ، واستقرت قدم بن أشقر في سرياقوس ، وكان قد تزوج بنت البرهان المحلى وهي أخت زوجة الخليفة ، فخرج إلى لقائه فتلقاه بإكرام وتعظيم .
وفي الثاني من ربيع الأول دخل الخليفة القاهرة فشقها والأمراء بين يديه فاستمر إلى القلعة فنزلها ، ونزل شيخ الإصطبل بباب السلسلة ، وكان شيخ يظن أن الخليفة يتوجه إلى بيته ويستعفي من السلطنة ، فلما لم يفعل ذلك أعرض عنه وأبقى له من يخدمه من حاشيته ، واستقرت الخدمة عند شيخ وأمسك اسنبغا الزردكاش ، فادعى عليه مدع بموجب القتل فقتل ، وقبض على أرغون وسودون الأسندمري وكمشبغا ،المزوق ، وقرر في نيابة الإسكندرية خليل الحشاري عوضا عن قطلوبغا الخليلي بحكم موته .
وفي الثامن منه صعد شيخ والأمراء إلى القصر وجلس الخليفة على تخت الملك فخلع على شيخ خلعة عظيمة بطراز لم يعهد مثله وفوض أمر المملكة بالديار المصرية في جميع الأمور وكتب له أن يولي ويعزل بغير مراجعة وأشهد عليه بذلك ولقب نظام الملك ، وقرر طوغاندويدارا وشاهين الأفرم أمير سلام وإينال الصصلائي في الحجوبية ، وخلع على يلبغا الناصري وسودون الأشقر ، وقرر الطنبغا العثماني في نيابة غزة عوضا عن سودون بن عبد الرحمن ، ونزلوا كلهم في خدمة شيخ ، فلما كان في اليوم الذي يليه عرض شيخ الأجناد وفرق الإقطاعات وقرر جمقمق دويدار في خدمة الخليفة وأسكنه القلعة وتقدم إليهبأن لا يمكن الخليفة من كتابة علامة إلا بعد عرضها على شيخ ، فاستوحش الخليفة حينئذ وضاق صدره كثر قلقه واتضع جانبه وصار الملك كله لشيخ فسبحان من له الأمر كله .
وفي حادي عشر استقر صدر الدين ابن العجمي في حسبة القاهرة وصرف ابن الدميري ، وخلع على المباشرين باستقرارهم على عادتهم ، وخلع على تاج الشويكي ، واستقر والي القاهرة واستقر بدر الدين حسن ابن محب الدين أستادارا وسكن بيت جمال الدين واستقر شهاب الدين أحمد الصفدي ناظر المارستان عوضا عن فتح الله وناظر الأحباس عوضا عن تاج الدين ابن نصر الله أخي ناظر الجيش بدر الدين وقام جد القيام في دفع ذلك فلم يجب سؤاله ، واستقر ناصر الدين البارزيفي توقيع الأمير عوضا عن تاج بن نصر الله وشرف الدين ابن التباني في وكالة ببيت المال ونظر الكسوة وفي قدوم القوم إلى القاهرة انحلت الأسعار ورخصت الغلال ، وزاد النيل زيادة وافرة بحيث أنه عند الناروز كان قد وفى ثمانية عشرة ذراعا واستبشر الناس بذلك ، وخف الظلم جدا وتعطلت الرمايات والمصادرات وبيع الأنفس الأحرار والمجاهرة بالمحارم في الجملة .
وفي السادس عشر من جمادى الأولى قرئ تقليد الأمير شيخ بتفويض الخليفة له بأمور المملكة وجميع ما قد اشتهر من خلافته .
وفي ثالث عشر منه جلس في الحراقة وبين يديه القضاة والأمراء والمباشرون وقرأ كاتب السر عليه القصص كما جرت العادة عند السلاطين في دار العدل ولم يبق له من السلطنة سوى اسمها والسكة والخطبة ، واستمر يعمل عنده الخدمة كل اثنين وخميس .وفي رابع عشر منه قرر صدر الدين ابن الأدمي في قضاء الحنفية بالقاهرة وصرف ابن العديم بالمال حتى أعيد إلى الشيخونية في رجب ، وصرف أمين الدين من الطرابلس وأرسل جقمق إلى بلاد الشام بتقاليد النواب من جهة الخليفة .
وفي الثامن من جمادى الآخرة مات بكتمر جلق وكان قد لسعته عقرب من مدة شهرين فتمرض منها حتى مات ، ونزل شيخ للصلاة عليه راكبا والناس مشاة فخلا الجو لشيخ بموت بكتمر ، وفيه جهزت سارة بنت الملك الظاهر إلى زوجها نوروز بدمشق فخرج يلقاها إلى الرملة فوصلت وهي ضعيفة ، فتوجه بها إلى القدس فماتت هناك .
ولما دخل القدس اتصل به شمس الدين محمد بن عطاء الله الهروي ، فقرره في تدريس الصلاحية عوضا عن الشيخ زين الدين القمنيوكانت الوظيفة بيد القمني ويستنيب فيها شهاب الدين ابن الهائم ، فمات ابن الهائم فخلت عن تدرس فوثب عليها الهروي ، وفي جمادى الآخرة قرأ البارزي موقع شيخ بين يديه القصص في غير أيام الخدمة فكثر الناس على بابه وقل تردادهم على فتح الله فبدأ جانبه في الانحطاط ، وفي يوم السبت تاسع عشرين رجب عقد مجلس بين يدي شيخ بسبب مدرسة جمال الدين وادعى أخوه شمس الدين علي فتح الله كاتب السر أنه واضع يده عليها ظلما فأجاب بأنها صارت للناصر بوجه شرعي وأنه فوض له النظر عليها ، فبدر ابن الأدمي فقال : حكمت بإعادتها إلى وقف جمال الدين وكذلك أوقافها على ما كان جمال الدين وقفها ، وانفصل الأمر على ذلك .
وفي رجب شكى أخو جمال الدين الأستادار وعائلته ما أصابهم من الناصر وانتزاع أوقافهم ، فحكم صدر الدين ابن الأدمي بإبطال ما صنعه الناصر وبإعادة وقف جمال الدين على حاله وصرف الفرائض من الربع إلى ورثة جمال الدين ، وكان فتح الله سعى في ضد ذلك فلم يجب سؤاله واتضع جانبه جدا وسعى أخو جمال الدين حينئذ فاستعاد البيبرسية بحكم أنها كانت بيده وخرجت عنه لعلاء الدين الحلبي ثم نزل عنها لكائنة ، فلم يزل أخو جمال يسعى إلى أن اشترك معه في المشيخة .
ثم انتزعها كلها في سنة عشرة ثم استعادها كاتبه كلها في سنة ثماني عشرة .وفي مستهل شعبان بويع الأمير شيخ بالسلطنة باتفاق من أهل الحل والعقد الذي حضروا من الأمراء والقضاة والمباشرين ثم صعد إلى القصر فجلس على تخت الملك ، وقبل الأمراء الأرض فصافحه القضاة وأصحاب الوظائف ، وقررهم على وظائفهم ، وأرسل إلى الخليفة ليشهد عليه بتفويض السلطنة له على عادة من تقدمه فأجاب بشرط أن ينزل من القلعة إلى بيته ، فلم يوافقه السلطان على ذلك بل استنظره أياما ، ولقب السلطان بالملك المؤيد بعد أن شاوروه في ذلك فاختار هو هذا اللقب ، وكنت حاضرا في وظيفة إفتاء دار العدل فاتفق أنهم اختلفوا في تكنيته فقلت الذي يوافق التأييد هو النصر فاتفقوا على تكنيته أبا النصر وافترق المجلس على ذلك ، واتفق في يوم سلطنته قدوم جمقمق الدوادار راجعا إلى دمشق لتقليد النواب - فتلقاه نوروز وخلع عليه ظانا أن الأمر على ما كان عليه ، فلما كان في ثامن عشرة رجع إلى دمشق فقبض عليه نوروز وسجنه .
وفي السادس من شعبان توجه طرباي بخلعه استقرار لنوروز في نيابة الشام فلما بلغه ذلك أعاد جوابا قبيحا وأفحش في الرد وكاتبه كما كان يكاتبه من قبل فرجع الرسول مسرعا فوصل في أول يوم منرمضان فجهز المؤيد الشيخ شرف الدين ابن التباني في ثامن عشرة رسولا إلى نوروز يعظه ويشير عليه بالدخول في الطاعة ، فقدم عليه في سابع شوال ، فلم يلقه بإكرام ومنعه من الاجتماع بالناس ، وقبض على نجم الدين ابن حجي وكان خرج مع الحجاج فوشي به إلى نوروز أنه يريد التوجه من مكة إلى مصر فحبسه بالقلعة ثم أفرج عنه بعد خمسة عشر يوما وأرسل نوروز إلى الأمراء من البلاد أن يوافوه بدمشق لحرب المؤيد ، فوصل تغري بردي ابن أخي دمرداش وطوخ وقمش ويشبك بن أزدمر ، فاستقر الرأي أن يرجعوا إلى بلادهم ويتجهزوا ويعودوا إلى دمشق ، ثم وصل الخبر بمجيء إينال الرجبي وجانبك الصوفي في عسكر من جهة المؤيد إلى غزة فملكوها ، وهرب كاشف الرملة إلى نوروز فجهز نوروز جيشا إلى غزة فتوجه معه كاشف الرملة فكبسوا إينال الرجبي بالقدس فكسروه وأرسل إلى دمشق وكان زوج أخت نوروز فخامر عليه ، فلما حضر إلى نوروز بصق في وجهه ثم أطلقه وتوجه عسكر نوروز فأخذوا غزة ، فهرب جانبك الصوفي إلى صفد .وفي الثامن من شعبان عمل المؤيد الخدمة بدار العدل في الإيوان وكانت قد انقطعت من مدة طويلة وقرر الأمراء فيلبغا الناصري أتابك العساكر وطوغان دويدارا كبيرا وشاهين الأفرم أمير سلاح ، وقانباي المحمدي أمير أخور وسودون الأشقر رأس نوبة ، خلع على القضاة والمباشرين .
واستقر شمس الدين التباني في قضاء العسكر عوضا عن جمال الدين ابن القطان .
وكان استقر في الوظيفة بعناية الخليفة فعزل .
وفي هذا اليوم صرف نوروز شهاب الدين الأموي عن قضاء المالكية وأعاد عيسى فرحل الأموي إلى القاهرة .
وفي شعبان تجهز طوغان ومعه عسكر إلى البحيرة لدفع عرب لبيد وكانوا قد أفسدوا فقتل منهم جماعة فرحلوا إلى الإسكندرية فحاصروها فتجهز م قرقماش ابن أخي دمرداش .وفي الثاني من رمضان جمع اليهود والنصارى ، وحضر جماعة من أهل العلم منهم ابن النقاش وشمس الدين التباني وشهاب الدين بن سنقري مع المحتسب ابن العجمي وكتب أسماء أهل الذمة وقررت عليهم الجزية على قدر أحوالهم ، على الغني أربعة دنانير والوسط ديناران والفقير دينار واحد ، فبلغت الجزية في هذا السنة عشرة آلاف دينار ، وكانت في العام الماضي ألفا وخمسمائة فقط .
وفي شوال أرسل المؤيد آقبغا الأسندمري إلى دمرداش بتقريره نائبا بحلب ، وفي تاسعه قبض على سودون المحمدي بالقاهرة وأرسل إلى الإسكندرية لأنه كان يميل إلى نوروز ، وقبض على كاتب السر فتح الله وعوق بالقلعة وأحيط بداره - وقبض على حواشيه ، ثم صرف في ليلة الجمعة وألزم بمائة ألف دينار ، وحمل في ليلة الأحد إلى بيت الأستادارا وشرع في بيع حواصله ، وقرر ناصر الدين البارزي في كتابه السر عوضا عن فتح الله ، وكان صدر الدين الأدمي قد عين لذلك من قبل فاتفق له رمد أشفى منه على العمى ، فاستقر البارزي وسجن فتح الله بالقلعة في أواخر شوال ، ثم عوقب في سادس ذي الحجة على ظهره عقوبة بالغة وعصر حتى كاد أن يموت ، ثم أهين إهانة بالغة ثم حول في ثامن ذي الحجة إلى ناظر الخاص فانزله في دار مضيفا عليه وكان المؤيد وقد نقل الخليفة المستعين من القصر فأنزله في دار من دور القلعة ومعه أهله ووكل به من يمنع من الاجتماع به ، فبلغ ذلك نوروز فجمعالقضاة والعلماء في سابع ذي القعدة واستفتاهم عما صنعه المؤيد بالخليفة من خلعه وسجنه فأفتوا بعدم جواز ذلك وافترقوا عن غير شيء ، وفي هذا الشهر انتهت عمارة قلعة دمشق إلى أن صارت أحسن مما كانت وأعمر ، وتوسع نوروز في النفقات والعطايا حتى أنه أعطى تغري بردى ابن أخي دمرداش ثمانية آلاف دينار ويشبك بن أزدمر خمسة آلاف دينار - وقس على ذلك ، وكثرت مصادراته للناس فأخذ من خليل الأستادارا وحده مائتي ألف دينار ، ويقال إنه وجد مع ناس من أهل البقاع ذهبا فأنكر عليهم ، فاعترفوا أنهم نبشوا لدفن ميت فوجودا ناووسا ففتحوه فوجدوا فيه ذهبا كثيرا فاقتسموه فتتبع نوروز من أخذه واستعاد منه ما قدر عليه ، فحصل له نحو ثلاث غرائر ملأى ذهبا فيما قيل .
وفي تاسع شوال سجن سودون المحمدي بالإسكندرية .
وفي ذي القعدة قطع الدعاء للخليفة بمكة ودعي للمؤيد وحده وكان من أول دولة المستعين يدعى لهما .
وفيه مات طوغان نائب قلعة الروم فتغلب عليها دمرداش ثم وصل تقليد بنيابة حلب فسار ا ، واستقر في تاسع ذي الحجة وخطب باسم المؤيد بها ، وكان أهل حلب قد ركبوا على يشبك بن أزدمر وأخرجوه منها بسبب كثرة ظلمه لهم وأخذ أموالهم بغير تأويل ، فلما خرج إلى البر يتنزه أغلقوا في وجهه أبواب البلد ، فوقعت بينهم حروبببانقوسا فكسروه فرجع إلى دمشق مستنصرا بنوروز ، وأرسل أهل حلب إلى دمرداش وكان مقيما بقلعة الروم من حين هرب من دمشق والناصر في الحصار فأمروه عليهم ، وأثار أهل طرابلس بأصحاب طوخ وكان مقيما بحماة فقتلوه أستاداره وولده وأخرجوا الحاجب بعد ما خرج ، وأرسل نوروز من استولى على غزة ، وهرب نائبها فلجأ إلى العرب فأقام عندهم .
وفي الثالث من ذي الحجة قرر المؤيد قرقماش ابن أخي دمرداش في نيابة الشام وأمره بقتال نوروز فوصل إلى الرملة ثم رجع بغير قتال ، وكان نوروز قد راسل المؤيد يسأله أن يستمر في نيابة الشام وأن يستبد بها فلم يجب على سؤاله وعرف أنها مكيدة .
وفي الثالث من ذي الحجة استقر شرف الدين ابن التباني بعد أن وصل من الرسلية لنوروز في تدريس الشيخونية ومشيختها عوضا عن ابن العديم ، وكان ابن العديم حج واستخلف في التدريس الشيخ سراج الدين قارئ الهداية ، وفي المشيخة شهاب الدين ابن سفري .
وفي أواخر ذي الحجة صرف ابن العجمي من الحسبة وألزم بمالحمله واستقر محمد بن شعبان على بذل خمسمائة دينار دفعة واحدة معجلة وفي كل شهر مائة دينار ، وكان سعر الغلال في هذه السنة رخيصة بمصر جدا حتى بلغ الشعير كل ويبة دينارين ونوى التمر واسمه الفصا دينارا وكل ثلاثة أرطال بقسماط بدينار ، وفيها غلا سعر الفلفل جدا ، ووصل الفرنج على العادة فأبى تجار المسلمين أن يبيعوه لهم إلا بسعر مائتين وأربعين فوصلوهم إلى مائتين وعشرين فامتنعوا ورجعوا ولم يشتروا شيئا ، وذلك في سنة خمس عشرة فدخلت سنة ست عشرة والأمر على ذلك ، وكان السلطان جهز مع شيخ علي الكيلاني أحد التجار بخمسة آلاف دينار يشتري له بها من الفلفل بقصد التجارة ، فاتفق أن صاحب اليمن أرسل إلى مكة جملة مستكثرة من الفلفل وأمر قاصده أن يعتمد على ما يشيره شيخ علي فبلغ سعره بخمسة وعشرين كل مائة من ، فأخذ منها بالخمسة آلاف التي هي للسلطان بهذا السعر فأتى على أكثره وباع القاصد بقية ما معه على التجار بسعر خمسة وثلاثين ، ولما وصل الذي اشترى للسلطان بيع باثني عشر ألف دينار فعظم قدر شيخ علي عنده جدا .
وفي آخرها غلا الكتان جدا وغلا بسبب ذلك القماش المعمول من الكتان وتبعه جميع الأقمشة القطنية .وفيها اشتد البلاء على أهل فاس باستمرار حصار السعيد إياها إلى أن قدرت هزيمته أيضا في شعبان ، ثم عاد في شوال فخرجوا فقاتلوه فكبا به فرسه فأخذ وقتل .
وفي أثناء ذلك وقع الفساد في تلك البلاد واستولى المفسدون وقطعت الطرقات ومات بفاس من الناس مالا يحصى عدده جوعا ، ثم أعقبه الوباء حتى يرى الدار ليس فيه أحد حي .
ومن النوادر أن قلعة دمشق لما كملت عمارتها على يد نوروز حضر عنده شخص عجمي فقطع له آلة بطريق الهندسة بحيث يطلع الماء من النهر في دلوين يديرهما شخصان من نحاس فيجري الماء إلى الطارمة بالقلعة بغير علاج بهيمة ولا حامل يصعد الدلو فيصب في الإناء الذي أعد له وينزل فيطلع الأخر كذلك ، وأظهر نوروز في إمرته هذه بدمشق من العدل ما لا يوصف حتى توفرت الدواعي من الواردين على حكاية ذلك حتى أن المؤيد كان أرسل إلى القدس أميرين وهما جانبك الصوفي وإينال الرجبي في عسكر فخرج نائب القدس وظفر بإينال وفر جانبك إلى صفد ، وأرسل نائب القدس إينال إلى نوروز ، فلما وصل أكرمه وخلع عليه وأعطاه واستقر عنده .وفيها مات شاهين الحسني وكان تقدم في دولة الناصر وحج بالناس وولي نظير البيبرسية وغيرها فمات ، وعلي بن مبارك بن رميشة الحسني كان عين لإمرة مكة عند غضب الناصر على حسن بن عجلان في سنة اثنتي عشرة ولم يتم أمره .
وفيات سنة 815
ذكر من مات في سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي ، تفقه واحترف بتأديب الأطفال بالقاهرة ، ثم حج فجاور وسلك طريق الورع والنسك وصار يتكسب بالنسخ ويحج ماشيا وكان غاية في الورع والتحري ، مات في عشر السبعين .
أحمد بن أحمد بن أحمد بن النشار شهاب الدين أحد موقعي الحكم كان من أعيان الدماشقة حسن الخط والخطابة ، مات في شهر رمضان وهو ممن وافق اسمه اسم أبيه وجده .
أحمد بن إسماعيل بن خليفة الحسباني ثم الدمشقي الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ عماد الدين ، ولد سنة 749 واشتغل في حياة أبيه وبعده ، وأخذعنه وعن غيره وسمع الكثير وقرأ بنفسه ، وطلب الحديث فأكثر من الأجزاء والمسانيد ، ومهر في الفن وضبط الأسماء واعتنى بتحرير المشتبه وكتب بخطه أشياء ، وكان ذكيا سريع القراءة والكتابة ، وشارك في الفقه والعربية ، والأصول ، وولي تدريس الحديث بالأشرفيه وغيرها ، وناب في الحكم ثم اشتغل في دولة المؤيد بغير إذن الناصر فكان يتورع ويستبد بتنفيذ الأحكام إلى إذن بعض رفقته ، ثم امتحن في أيام الناصر كما تقدم ، ثم ولي القضاء أياما قلائل في دولة المستعين ، وكان ممن أعان على موجب قتل الناصر وكان قد فتر عن الاشتغال واشتغل بحب الرئاسة ونشأ ابنه تاج الدين فازداد الأمر فسادا ، وكان لما قبض عليه في سنة اثنتي عشرة أشيع موته وانه خنق فأرخه الشيخ شهاب الدين ابن حجي رفيقه في تلك السنة ، وقال في ترجمته : اشتغل في الفقه عند أبيه وفي الفرائض وفي العربية عند العنابي فبرع فيها وسمع الكثير في دمشق ومصر وقرأ بنفسه قراءة صحيحة وكان صحيح الذهن جيد الفهم حسن التدريس إلا أنه كان شرها في طلب الوظائف كثير المخالطة للدولة شديد الجرأة والإقبال على التحصيل انتهى . ثم صرب على ترجمته وأرخه على الصحة في هذا السنة وقال : عزل غير مرة وامتحن مرارا وفي كل مرة يبلغ الهلاك ثم ينجو ، وقد تغير بأخرة لما جرى عليه من المحن وكان يحب ولده فيرميه فيالمهالك ، ومقته الناس بسببه ولا يبالي بهم ، قلت : وأخبرني الشيخ نور الدين الأيباري أنه عذله لما دخل القاهرة في ولده فقال : يا أخي الناس يحسدونه لأنه أعرف منهم بالتحصيل ، فعرفت أنه لا يفيد فيه العتاب ، وقال القاضي تقي الدين الشهبي : جرت له مع ابن جماعة فتنة وأوذي أذى كثيرا ثم نجا ، قلت : وكان شيخنا البلقيني يحبه ويعظمه وشهد له أنه أحفظ أهل دمشق للحديث حتى ولى الأشرفية ، وقد اجتمعت به بدمشق فأكرمني وأعارني كتبه ، وأجزاءه التي كان يضن بها عن غيري ، ثم قدم القاهرة بعد الكائنة فأعطيته جملة من الأجزاء وشهد لي بالحفظ في عنوان تعليق التعليق ، وسمعت منه بدمشق قليلا ، وكان قد شرع في تفسير كبير أكمل منه كثيرا وعليه فيه مآخذ ثم عدم في الكائنة - رحمه الله تعالى وكان عنده كرم مفرط قد يفضي إلى الأشراف ، وفيه شجاعة وإقدام ، مات في شهر ربيع الآخر .
أحمد بن أبي بكر بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يعقوب الناشري الزبيدي - بفتح الزاي - شهاب الدين ابن رضي الدين بن موفق الدين الفقيه الشافعي ، عني بالعلم وبرع بالفقه وشارك في غيره ، تخرج به أهل بلده مدة طويلة ، وولي قضاء زبيد فراعى الحق في أحكامه فتعصبوا عليه فعزل ، وانتهت رئاسة الفتوى ببلده ، وكان شديد الحط على صوفية زبيد المنتمين إلى كلام ابنالعربي وكان يستكثر من كلام من يرد عليه فجمع من ذلك شيئا كثيرا في فساد مذهبه ووهاء عقيدته ، اجتمعت به بزبيد ونعم الشيخ كان مات في خامس عشري المحرم وقد جاوز السبعين .
أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري ثم المقدسي شهاب الدين ابن الهائم الشافعي ، ولد سنة ثلاث وخمسين واشتغل بالقاهرة وحصل طرفا صالحا من الفقه وعني بالفرائض والحساب حتى فاق الأقران في ذلك ورحل من الآفاق ، وصنف التصانيف النافعة في ذلك ، ودرس بالقدس في أماكن وناب عن القمني في تدريس الصالحية مدة فلما قدم نوروز القدس في أماكن وناب عن القمنى في تدريس الصالحية مدة فلما قدم نورز القدس في هذا السنة لملاقاة زوجته بنت الظاهر قرر الهروي كما تقدم ثم قسمها بينه وبين ابن الهائم لقيام أهل البلد معه ، ثم جهز القمني توقيعا من الخليفة إلى ابن الهائم بنزع الهروي ، فلم يمض نوروز ذلك واستمرت بيده بعد موت ابن الهائم إلى أن ولى القضاء بالقاهرة واستمرت أيضا إلى أن رجع ا بعد عزله مرتين ، ومات ابن الهائم في جمادى الآخرة ، اجتمعت به ببيت المقدس وسمعت من فوائده .الطنبغا بن عبد الله التركي الدمشقي مولى ابن القواس سمع من الحجاز بعض صحيح البخاري ولم يظهر سوى قبل موته بقليل ، وقد استجازه بعض أصحابنا ولم نعلم أنه حدث ، وهو آخر من سمع من الحجاز من الرجال .
أي ملك بنت إبراهيم بن خليل بن محمود البعلية ثم الدمشقية أخت الشيخ جمال الدين ابن الشرائحي ، سمعت بعناية أخيها من ابن أميلة ومن بعده وحدثت معه ، سمعت منها وسمعت بقراءتي ماتت في ربيع الأخر .
أبو بكر بن علي بن يوسف الهاشمي الحسني الموصلي نزيل القاهرة ، اشتغل كثيرا ، وكان يميل إلى المذهب الظاهري وامتحن بسبب ذلك مرة ، وكان يحفظ شيئا من البخاري بأسانيده وكثيرا من كلام ابن تيميةوكان فقيرا ، قانعا ، ملازما للصلاة والعبادة ، حسن السمت ، يتكلم على الناس بالجامع الحاكمي ، مات في حادي عشري جمادى الأولى .
تغرى بردى الكمشبغاوي الرومي ، كان جميل الصورة رقاه الظاهر حتى صيره أمير مائة في نصف رمضان سنة أربع وتسعين ، وولي نيابة حلب في ذي الحجة سنة ست وتسعين ، فسار فيها سيرة حسنة وأنشأ بها جامعا كان ابن طولون ابتدأ في تأسيسه ووقف عليه قرية من عمل سرمين ونصف السوق الذي كان له بحلب ، قرر في الجامع مدرستين شافعا وحنفيا فقرر أولا شمس الدين القرمي ثم صرفه وقرر جمال الدين الملطي الذي كان ولى القضاء بالديار المصرية بعد ذلك ، وقرر نور الدين الصرخدي في تدريس الشافعية ، ثم صرف تغرى بردى بأرغون شاه وطلب إلى مصر فأعطى تقدمه وكان من توجه إلى الشام مع ايتمش فنفي إلى القدس ، ثم ولي نيابة دمشق ثم صرف ففر إلى دمرداش بحلب ، ثم فارقه وتوجه في البحر إلى مصر فقربه الناصر وأعطاه تقدمة ، ثم استقر سنة ثلاثة عشرة أتابك العساكر ، ثم قرره في نيابة دمشق في آخر السنة فمرض في أواخر سنة أربع عشرة ، فمات في الأسبوع الذي دخل فيه الناصر منهزما وذلك في المحرم سنة خمسعشرة ، قال القاضي علاؤ الدين في تاريخه : كان عنده عقل وحياء وسكون ، ثم قال أيضا : كان كثير الحياء والسكون حليما عاقلا مشارا بالتعظيم في الدول ، قلت وكان جميلا حسن الصورة جدا ، وكان يلهو لكن في سترة وحشمة وإفضال ، والله يسمح له .
جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشيباني المكي ، سمع على تاج الدين ابن بنت أبي سعد ونور الدين الهمداني وعز الدين ابن جماعة وشهاب الدين الهكاري وحدث عنهم ، قرأت عليه أحاديث من جامع الترمذي بمدينة ينبع وكان خيرا عاقلا ، مات في هذا السنة ، وهو الذي قال فيه صدر الدين بن الأدمي البيتين المشهورين وسنذكرهما في ترجمته .
خليل بن الوزير جمال الدين ابن بشارة الدمشقي ، كان شابا فطناذكيا محبا للتاريخ ، وكان يؤرخ الحوادث ويضبطها ويذاكر بأشياء حسنة إلا أنه مقبل على اللهو ، مات قبل الكهولة .
رقية بنت العفيف عبد السلام بن محمد بن مزروع المدينة ، حدثت بالإجازة عن شيوخ مصر ، والشام كالختني وابن المصري وابن سيد الناس من المصريين والبندنيجي والمزي من الشاميين ، ماتت عن سبع وثمانين سنة .
سعد بن عبد الله الحبشي ، عتيق الطواشي لشير الجمدار ، اعتنى به سيده وعلمه القرآن ورتبه في وظائف ، واستمر بعد سيده على طريقةحسنة وتزيا بزي الفقهاء ، وكان محبا في السنة وأهلها ، جميل العشرة كثير الحج يقال إنه حج ستين حجة ، ومن أعجب ما كان يحكيه أنه شاهد بعض الغلمان باع ما حصل له من مائدة السلطان بأربعة دراهم فكان فيها ربع قنطار لحم وستة أرطال حلوى خارجا عما عدى ذلك .
سليم بن عبد الله الضرير الصالحي ، اشتغل بالفقه ومهر فيه ، مات بدمشق .
طيبغا الشريفي عتيق الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف بحلب ، سمع مع أولاده من الجمال بن الشهاب محمود ، وتعلم الخط معهم من الشيخ حسن ففاق في الخط الحسن وكتب الناس عليه ، واستقر في وظيفة تعليم الخط بالجامع الكبير وتسمى عبد الله ، ثم أجلسه الكمال ابن العديم مع العدول وفر في الكائنة العظمى إلى دمشق فأقام بها مدة وحدث بها وعلم الخط إلى أن مات ، ذكره القاضي علاؤ الدين في تاريخه وقال : كتبت عليه بحلب وقرأت عليه الحديث بالقاهرة في سنة ثمان وثمانمائة ، ومات في آخر هذه السنة .عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية ، سمعت مع زوجها الحافظ شمس الدين الحسيني من ابن الخباز والمرداوي ومن بعدهما وحدثت ، ماتت في رمضان عن بضع وستين سنة .
عبد الله بن محمد بن طيمان - بفتح المهملة وسكون التحتانية - المصري جمال الدين الطيماني الشافعي نزيل دمشق ولد قبل السبعين بيسير وحفظ الحاوي الصغير ، لازم البلقيني وعز الدين بن جماعة واشتغل بالقاهرة ونبغ في الفقه وشارك في الفنون ثم نزل دمشق وأفتى ودرس ، ومات مقتولا في حصار الناصر دمشق بغير قصد من قاتله ، وكان يلبس زي العجم قريبا من زي الترك وكان ذكيا ماهرا لا يتكلم إلا معربا ويتعانى طريق الصوفية مات في صفر ولم يكمل الخمسين ومات صهره ابن حسان والد صاحبنا شمس الدين بن حسان بعده بيسير وكان من أهل القدس فقدم دمشق فقطنها ، ولازم الطيماني وكان الطيماني يتردد إلى دمشق بسبب وقف له فحضر أول مرة قدمها عند الشيخ نجم الدين ابن الجاني ثم قدمها مرارا وفي الأخيرة حضر عند الشيخ شرف الدين الغزي فاستحضره كلام الأسنوي في المهمات مرة بعد مرة فقال له الغزي : أنت درست المهمات إني بت أطالع هذه المواضع وأنت تحفظها أكثرمني وقال ابن حجي : قدم علينا فاضلا فلازم التحصيل وشغل الفلكية وأفتى وصنف ، وقال القاضي تقي الدين الشهبي : شرع في جمع أشياء لم تكمل ، واختصر شرح الغزي على المنهاج وضم أشياء من شرح الأذرعي ، وفد درس بالركنية والعذراوية والظاهرية والشامية .
عبد الله بن محمد بن التقي الحنبلي تقي الدين ابن قاضي الشام عز الدين ، درس بعد أبيه فلم ينجب ، ثم ولى القضاء بعد الفتنة بطرابلس ، مات في رمضان .
عبد الله الشريفي الكاتب ، كان اسمه طيبغا - تقدم قريبا .
علي بن محمد بن أبي بكر العبدري الشيبي الحجي المكي ، وليحجابة البيت مرارا وكان حسن الخط ، حصل كتبا كثيرة بخطه .
عمر بن عبد الله الهندي سراج الدين الفافا - بفاءين - كان كثير النطق بالفاء فلقب بذلك وكان عارفا بالفقه والأصول والعربية ، أقام بمكة أزيد من أربعين سنة فأفاد الناس في هذه العلوم ، ومات في ذي الحجة عن سبعين سنة .
فرج بن برقوق بن أنس الناصر بن الظاهر ، ولد سنة إحدى وتسعين في وسط فتنة يلبغا الناصري ومنطاش فسماه أبوه بلغاق ثم سماه فرجا ، وأجلس على التخت في يوم جمعة النصف من شوال سنة إحدى وثمانمائة وعمره عشر سنين وستة أشهر ، وقد تقدمت أخباره في الحوادث .
قانباي قريب بيبرس ابن أخت الظاهر كان من الأمراء في دولة الناصر وكان ممن عصى عليه فسجنه في القلعة فلما وصل الخبر إلى القاهرة بكسرة الناصر قتله اسنبغا نائب القلعة ويقال إن الناصر كان قرر معه ذلك .محمد بن أحمد بن علي بن عمر بن سعد الدين الحبشي المتولي ملك المسلمين بالحبشة أبو البركات ، استقر بعد أخيه حق الدين فاتسعت مملكته وكثرت جيوشه ، واستمر على محاربة الحطى ، وفي أيامه مات بعد علي ، وكان حق الدين قد حبسه فأقام في الحبس نحو ثلاثين سنة مات سنة 815 وكانت مدة مملكته نحو أربعين سنة - هكذا استفدته من بعض تعاليق شيخنا - .
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري زين الدين أبو الخير بن زين الدين أبي الطاهر بن جمال الدين ابن الحافظ محب الدين ، سمع قليلا من الفخر القونوي وابن بنت سعد وابن جماعة والعلائي ، وأجاز له أحمد بن علي الجزري ، وله أيضا إجازة من ابن القماح وابن عالي والمستولي ونحوهم ومن الحسن بن السديد وأبي حيان وابن الأخوة وابن عبد الهادي والمزي وحفيد ابن عبد الدائم وغيرهم وتفرد بإجازة الجزري بمكة وحدث بأشياء كثيرة بالإجازة عن جماعة من المصريين والشاميين وبرع في العلم وعرف بالمروءة مات في رمضان .
محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن سعيد بهاء الدين أبو حامد بن أبي الطيب ابن بهاء الدين الأنصاري إمام المشهد ولد سنة سبع وستينوسبعمائة وأحضره أبوه وأسمعه على بعض أصحاب الفخر وابن القواس ونحوهم ، وتوفي أبوه وهو صغير فأدبه رجل أعمى ، وبرع من صباه وكان صحيح الفهم دينا عاقلا نشأ نشأة حسنة وأفتى ودرس ، وعرض عليه حموه شهاب الدين الحسباني النيابة في الحكم فامتنع ، مات في ذي القعدة بعلة الاستسقاء .
محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم بن محي جمال الدين المكي الحلوي - بفتح المهملة واللام الخفيفة - المعروف بابن العليف - بمهملة ولام وفاء مصغر - كان من مدينة حلي فنزل بمكة وتعانى النظم فمهر فيه وفاق أقرانه إلا أنه كان عريض الدعوى يحسب أن شعره يشبه شعر المتنبي وأبي تمام ، ولد بحلي سنة 742 وتردد إلى مكة وسمعمن العز بن جماعة وكان غاليا في التشييع ، ومدح أمراء مكة وينبع ومدح أيضا الإمام صلاح ابن علي صاحب صنعاء وملوك اليمن والحجاز ، وانقطع إلى حسن بن عجلان ، ومات في سابع شهر رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة ، وذكر أنه رأى في النوم وهو صبي قائلا يقول له : أنا نجي البحتري وأنا نجيك فقلت : الحمد لله ارتحلتك جذعا وارتحلتك بازلا ، ومن مدائحه في الناصر لدين الله صلاح بن علي بن محمد صاحب صنعاء :
جادك الغيث من طلول بوالي
كبروج من النجوم خوالي
فقدت بيض إنسها فتساوى
بيض أيامها وسود الليالي
قاسمتني وجدي بها فتساوى
حالها بعد من أحب وحالي
ومن مديحها :
وترى الأرض إذا يهم بمغزا
ته في رعدة وفي زلزال
فإذا أرسل الجنود عليها
لعافات ترومه وتكال
قرأت سأل سائل بعذاب
واقع في سهولها والجبال
وله فيه من اخرى :
يا وجه آل محمد في وقته
لم يبق بعدك منهم إلا قفا
لو كانت الأشراف آل محمد
كنت العلوم لكنت فيها المصحفا
أو كانت الأتراك الأنبياء
لكملت منها المصطفا
أو كانت الأسباط آل محمد
بابن الرسول لكنت فيها يوسفامحمد بن عبد الله بن العجمي ناصر الدين الدمشقي كان جنديا يباشر في الأستادارية ثم ترك ولبس زي الصوفية وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي ثم بنى زاوية بالعقيبة الصغرى وعمل شيخها ، وأسكن بها فقراء فكان يطعمهم وكثر أتباعه ، وصار يتكسب من المستأجرات وكان حسن الشكل واللحية بهي المنظر ، مات في جمادى الأولى وله ثلاث وستون سنة .
محمد بن عبد الله الصفدي أمين الدين كان من مسلمة السامرة ، وسكن دمشق بعد الكائنة العظمى ، وكان عالما بالطب مستحضرا إلا أنه لم يكن ماهرا بالمعالجة بل إذا شخص له غيره المرض نقل أقوال أهل الفن فيه ، وكان بارع الخط فرتب موقعا ، واعترته في آخر غفلة بحيث صار يسأل عن الشيء في حال كونه يفعله وينكره لشدة ذهوله . مات في صفر .
محمد بن عبد السلام بن محمد الكازروني تقي الدين ناب في الحكمبالمدينة وكان نبيها في الفقه ، مات في صفر .
محمد بن عثمان بن محمد السلمي السويدي ثم الدمشقي ، سمع من ابن الشيرجي جزء الأنصاري ومن علي بن موسى الصفدي وتقي الدين ابن رافع وجماعة ووقع في الحكم في ولاية البلقيني للقضاء بدمشق وفاق أقرانه في ذلك قال ابن حجي : كان صحيح العدالة محررا عارفا بالشروط انفرد بذلك في وقته مع حسن خطه وجودة حفظه ، وقد حدث قليلا ، مات في ربيع الأول .
محمد بن عمر بن مسلم بالتشديد ابن سعيد الدمشقي نزيل القبيبات شمس الدين القرشي أخو شهاب الدين ابن الشيخ زين الدين ، سمع مع أخيه كثيرا ، وكان يذاكر بأشياء من الشعر وفنون الأدب كثير المزاح ، عاش نحوا من ستين سنة .
محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي جمال الدين ابناليونانية ، ولد أول سنة 752 وسمع الحديث وقرأ ودرس وأفتى وشارك في الفضائل ، وكان عارفا بأخبار أهل بلده . وهو ابن أخي الشيخ شمس الدين البعلبكي . محمد بن محمد بن محمد بم محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن الختلو الشيخ محب الدين أبو الوليد بن الشحنة الحنفي والشحنة هو جده الأعلى محمود الأول وكان أبوه من أهل الفضل ، مات سنة ست وسبعين ، وولد له أبو الوليد سنة تسع وأربعين ، واشتغل قديما ونبغ وتميز في الفقه والأدب والفنون ، وولي قضاء حلب قديما سنة ثمان وستين وسبعمائة وصرف جمال الدين ابن العديم ثم أعيد ابن الشحنة ، وصرف جمال الدين ابن العديم ثم اتمير ابن الشحنة ثم صرف بعد كائنة الناصري مع برقوق وصرت له امور ولي مرة مدة بعد موت الجمالإبراهيم بن العديم ثم إلى سنة ثلاث وتسعين ، فعزل لما قدم الظاهر حلب ، وامتحن حتى أراد الظاهر قتله ثم سجن ثم صودر ، واعتنى محمود الأستادارية به واختص به وله فيه مدائح ، ثم استخلصه وقدم معه القاهرة وأقام بها مدة نحو ثلاث سنين ، ثم رجع إلى حلب فأقام ملازما بالاشتغال والتدريس ونشر العلم ، ثم أعيد أول قدمة قدمها الناصر فرج وأقام مدة ثم حصل له أنكاد إلى أن ولي جكم نيابة حلب وكان ممن قام مع جكم لما تسلطن فنقم عليه الناصر ذلك وقبض عليه ، ثم هرب ثم رضي عليه وولاه قضاء حلب في سنة تسع وثمانمائة ، ثم امتحن في سنة ثلاث عشرة وأحضر إلى القاهرة ، ثم رضي عنه الناصر وولاه تدريس الجمالية بعد موت مدرسها محمود بن الشيخ زاده ، ثم ولاه قضاء الحنفية بالقاهرة وهو بدمشق في الحصار ، فلما زالت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الديار المصرية واستقر ابن الشحنة في قضاء حلب وأعطى تداريس بدمشق وتوجه صحبة النائب ، فمات يوم الجمعة في ثاني عشر ربيع الآخر ، وكان نزل عن وظائفه بالقاهرة لصدر الدين ابن الأدمي ، وأنزل صدر الدين له عن وظائفه بدمشق ، وكان كثير الدعوى والاستحضار عالي الهمة ، وعملتاريخا لطيفا فيه أوهام عديدة ، وله نظم فائق وخط رائق ، عاش خمسا وستين سنة ، ومن نظمه :
ساقي المدام دع المدام فكل ما
في الناس من وصف المدامة فيكا
فعل المدام ولونها ومذاقها
في مقلتيك ووجنتيك وفيكا
وله :
أسير بالجرعا أسيرا ومن
همي لا أعرف كيف الطريق
في منحنى الأضلع وادي الغضا
وفوق سفح الخد وادي العقيق
وقرأت في ذيل تاريخ حلب للقاضي علاؤ الدين : أنه باشر قضاء دمشق مرة في أيام كان شيخ نائبها ، وله ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم ، وألفية اختصر فيها منظومة النسفي وضم ا مذهب أحمد ، وله تواليف أخرى في الفقه والأصول والتفسير .
محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن عياش الجوخي الدمشقي التاجر ، سمع من ابن الخباز وحدث عنه بجزء ابن عرفة وحضره أيضا علي علي بن العز ، عمر وكان ذا ثروة واسعة ، وتحكى عنه غرائب من شحه ، وكان أسن من أخيه أحمد المقرئ ، مات في رمضان وقدجاوز الستين .
محمد بن مسعود النحريري الشافعي نزيل مكة ، أفاد الطلبة بها في الفقه .
مسعود بن عمر بن محمود بن إيمان الأنطاكي شرف الدين النحوي نزيل دمشق قدم إلى حلب وقد حصل طرفا صالحا من العربية ، ثم قدم دمشق فأخذ عن الصفدي وابن كثير والعنابي والصدر بن منصور ، وتقدم في العربية وفاق في حسن التعليم حتى كان يشارط عليه إلى أمد معلوم بمبلغ معلوم وكان يكتب حسنا وينظم جيدا ، وكان يتعانى الشهادة ولم يكن بالمحمود فيها ، وكان مزاحا قليل التصون ، مات في تاسع شعبان وهو في عشر الثمانين .موسى بن سعيد المصري نزيل دمشق شرف الدين ابن البابا كان أبوه يخدم ابن الملك بالحسينية ونشأ هو على طريقته ثم اشتغل وكتب الخط الحسن وشارك في الفنون مع التقلل والفقر والدعوى العريضة في معرفة ا لطب والنجوم وغير ذلك ، ثم اتصل بخدمة فتح الله فحصل وظائف بدمشق وأثرى وحسنت حاله ، حج ثم رجع فمات في شعبان وله خمس وسبعون سنة ، اجتمعت به مرارا وسمعت من فوائده ، ووجدت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي عنه أنه أخبره أنه جرب مرارا أن من وضع الشيء بمكان وزم نفسه منذ يضعه إلى أن يبعد عنه فإن النمل لا يقربه .
ومن الترك : سودون الجلب أحد مماليك الظاهر . وكان من مثيري الفتن ،ولي نيابة الكرك من قبل الناصر ثم استبد بها وأظهر العدل وفي الآخر أعطى نيابة حلب بعد قتل الناصر ، فمات من جراحة أصابته برجله في ربيع الآخر .
حوادث سنة 816
سنة ست عشرة وثمانمائة
في المحرم غلا الكتان جدا حتى بلغ الرطل منه ثلاثين درهما وغلا بسبب ذلك صنف القماش . وفيه ثار أهل حلب على يشبك بن أزدمر فقتل من الفريقين جماعة وانكسر يشبك وتوجه إلى نوروز بدمشق فكاتب أهل حلب دمرداش فدخل حلب وملكها .
وفيه مات الأمير تغري بردى نائب الشام إذ ذاك وكان من خيار الأمراء في العدل مع أنه كان كثير الإسراف على نفسه ، وكان يحب العلماء والعلم ويعرف المسائل عديدة أتقنها مع التواضع ، وهو من قدماءالأمراء ، أمر رأس نوبة كبير في أيام الظاهر ، ثم ولي نيابة حلب ثم ولي أتابك العساكر في أواخر دولة الناصر فرج .
وفي العشرين منه توجه قرقماش في عسكره ليأخذ الشام بزعمه ، فلما بلغ ذلك أخاه تغري بردى فارق نوروز وتوجه إلى صفد وانتمى إلى المؤيد ، ودخل قرقماش غزة فملكها ، ووصل أخوه وقد قرره المؤيد في نيابة حماة . فسارا ومعهما الطنبغا العثماني بالعساكر ، فبلغهم عود نوروز من حلب إلى دمشق فأقاموا بالرملة وكان نوروز قد توجه إلى حماة ليقاتل دمرداش ففر دمرداش إلى حلب ، فتبعه نوروز وملك حلب وقرر في نيابتها طوخ وفي نيابة طرابلس قمش ، ورجع إلى دمشق في أواخر صفر ، فسار دمرداش إلى حلب بعد عوده فقاتله النوروزية ،فدام الحصار إلى أن بلغ دمرداش أن العجل بن نعير وافى لنصرة نوروز ، ففر دمرداش إلى العمق ثم إلى إعزاز وكان ما سنذكره بعد ذلك ، وتوجه نوروز إلى الرملة ففر قرقماش بمن معه إلى أن وصل الصالحية بطرف الرمل ، فرجع نوروز إلى دمشق .
وفيه شدد على صدر الدين بن العجمي في بقية المال الذي تأخر عليه ، فباع موجوده وأورد نحو ثلاثمائة دينار وعجز عن الباقي ، ثم قررفي نظر المواريث على أن يحمل ما يتحصل منه إلى الخزانة ، ثم صرف في شعبان وأضيف ذلك إلى مرجان ، ثم قرر في مشيخة التربة الظاهرية ، وصرف عنها زين الدين حاجي فقيه في سادس رجب ثم صرف مرجان وأعيد النظر لصدر الدين في أواخر شوال .
وفيه فشا الطاعون بمصر وكان أكثره في الأطفال ، وكان الحر أزيد من العادة فبلغ من يموت كل يوم مائة نفس .
وفيه ثار بالمؤيد وجع المفاصل في رجليه ، فلم يزل بتعاهده إلى آخر عمره .
وفي صفر تزايد الطاعون فبلغ الموتى في كل يوم مائة وعشرين وعز البطيخ الصيفي حتى بيعت الواحدة بخمسمائة درهم .
وفي رابع عشر المحرم نقل فتح الله من بيت ناظر الخاص ليبيت تاج الوالي فأنزله بدار ، فأقام بها وحيدا فريدا يقاسي ألم العقوبة ويترقب الموت ، فلما كان في ثاني شهر ربيع الأول منع خدمه من الدخول ، ثم خنق في ليلة السادس منه ، وأخرج من الغد فدفن بتربته ، ولم يجسر أحد على تشييع جنازته ، وكان في يوم الجمعة قد توجه قاضي الحنفية صدر الدين ابن الأدمي وهو من أعظم المولبين عليه فأشهد عليه أنه رجع عن وقفه وصيره موقوفا على أولاد المؤيد وذريته وأثبت ذلك وحكم به ، فقدر الله تعالى أنه أعيد إلى شرطه الأول بعد تسعة عوام سواء في ربيع الأول سنة خمس وعشرين وحكم بإبطال ما حكم به صدر الدين المذكور ، ولم يمهل صدر الدين هذا حتى أخذه الله قريبا .
وفي سادس ربيع الأول وقع الحريق بالقلعة فعظم أمره واستمر إلى تاسعه .
وفي سابع ربيع الآخر سجن الأمير قصروه بالإسكندرية ؛ وسطفارس المحمودي تحت القلعة وكان نم على طوغان أنه يريد الوثوب على المملكة ، فحاققه طوغان فأنكر فقتله السلطان .
وفي ثامن عشر ربيع الآخر استقر شهاب الدين الأموي المغربي في قضاء المالكية بالقاهرة وعزل شمس الدين المدني .
وفي رابع عشري ربيع الأول قتل العجل بن نعير أمير العرب من آل فضل ، وذلك أنه حضر لنصر النوروزية ، وكان طوخ بعث عسكرا إلى سرمين وبها دوادار دمرداش فكسره فثار عليهم مأسر منهم كثيرا فسجن دمرداش منهم طائفة وخدع طائفة وقتل أخرى ، فركب طوخ وقمش إلى تل السلطان فالتقيا بالعجل فسألاه أن يوافقهما لحرب دمرداش فأجاب إلى ذلك ، فرحلا بالعسكر وتأخر العجل ، فبلغهما أنه اتفق مع دمرداش فأجاب إلى ذلك ، فرحلا بالعسكر وتأخر العجل ، فبلغهما أنه اتفق مع دمرداش فاستعدا له ، فلما ركب أرسلا في ضيافة فحضر ، فثار به جماعة منهم فقتلوه ورحلوا إلى حلب وكتبوا إلى نوروز في طلب النجدة ، فجمع حسين بن نعير العرب وجاء إلى دمرداش ، فحضروا جميعا إلى حلب وحصروها وتحصن طوخ وقمش بالقلعة ، فلم يثبت دمرداش ورجع .وفي ربيع الأول ظهر الخارجي الذي ادعى أنه السفياني وهو رجل عجلوني يسمى عثمان اشتغل بالفقه قليلا بدمشق ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور ودعا إلى نفسه ، فأجابه بعض الناس فأقطع الإقطاعات ونادى أن مغل هذا السنة مسامحة ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر ، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب وعشير وترك ، وعمل له ألوية خضراء وسار إلى وادي إلياس وبث كتبه إلى النواحي ترجمتها بعد البسملة : السفياني إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية الملكية الإماميةالأعظمية الربانية المحمدية السفيانية ويحضر بخيله ورجاله مهاجرا إلى الله ورسوله ومقاتلا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا . فثار عليه في أول ربيع الآخر غانم الغزاوي وجهز طائفة فطرقوه وهو بالجامع بعجلون فقاتلهم ، فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه ، فاعتقل الأربعة وكتب إلى المؤيد بخبره ، فأرسلهم إلى قلعة صرخد .
وفي خامس ربيع الآخر قبض على الوزير وناظر الخاص ، وقرر في نظر الخاص بدر الدين بن نصر الله عوضا عن ابن أبي شاكر ، وقررفي نظر الجيش علم الدين ابن الكوير عوضا عن ابن نصر الله ، وقرر تاج الدين ابن الهيصم في الوزارة عوضا عن البشيري وصودر البشيري وابن أبي شاكر على مال كثير ، فأما الوزير فتسلمه ابن الهيصم ثم تسلمه الأستادار وصولح على مال كثير وشرع في تحصيله ، وأما ابن أبي شاكر فعوقب بين يدي المؤيد ثم أطلقه وتقرر عليه مال يحمله ، فباع موجوده واقترض ثم صار يطلب بالأوراق حتى سد ما طلب منه فلما كان في تاسع عشري رجب خلع عليه واستقر أستادار الذخيرة ، وبدر الدين هذا هو حسن بن نصر الله بن حسن أصله عن فوة ، وذكر أن جده كان خطيب أدكو وأن أباه ولد بفوة وتعانىالمباشرة وتعلم الحساب ، وولد له ابنه حسن هذا في ربيع الآخر سنة ست وستين ونشأ بفوة ، وتنقل في المباشرات بها ثم بالإسكندرية ، ثم استقر في نظر الخاص بالقاهرة عوضا عن ابن البقري في جمادى الأولى سنة ست وثمانمائة واستمر بالقاهرة ، ثم ولى الوزارة في شوال منها ، ثم عزل عن نظر الخاص في سنة سبع وثمانمائة بالفخر ابن غراب ، ثم صرف عن الوزارة في جمادى الأولى منها ، ثم استقر في نظر الجيش عوضا عن علم الدين الذي يقال له أبوكم في جمادى الآخرة منها ، ثم أضيف الخاص والوزارة في شعبان ثم صرف عن الوزارة في رمضان وعن نظر الخاص في صفر سنة ثمان ، ثم صرف عن الوزارة في رمضان وعن نظر الخاص في صفر سنة ثمان واستمر في نظر الجيش إلى أن عزل عنها هذه السنة ، واستقر في نظر الخاص على أن عزل عنها في آخر دولة المؤيد وولي الأستادارية ثم صرف عنها بعد ذلك ، ثم انقطع عنها في منزله في دولة الأشرف إلى أن ولي كتابة السر بعد موت ولده صلاح الدين وذلك في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ، ثم صرف في ربيع الآخر سنة 42 واستمر في منزله مقيما .وفي حادي عشر ربيع الآخر ضرب محمد بن شعبان المحتسب أكثر من ثلاثمائة عصي بين يدي المؤيد ، وأشهد عليه أنه لا يسعى في الحسبة ، وأضيفت الحسبة إلى صدر الدين ابن الأدمي - وهو أول من جمع بين القضاء والحسبة - ثم صرف في العشرين منه وقرر منكلي بغا الحاجب - وهو أول تركي ولي الحسبة فيما نعلم ، وفيه وصل الطنبغا العثماني وجانبك الصوفي إلى القاهرة ، استمر قرقماش وتغرى بردى بقطيا ، واستقر جانبك رأس نوبة عوضا عن سودون الأشقر وسودون الأشقر أمير مجلس .
وفي جمادى الأولى أراد طوغان الوثوب على الملك ، فوشى به إلى المؤيد فاحترز منه ، فلما كان ليلة السادس عشر من الشهر كان طوغان قد واعد من اتفق معه إلى الحضور فمضى عامة الليل ولم يحضر أحد فلما قرب الفجر هرب في مملوكين فاختفى بمصر - عند ابن بنت الملكي كاتب الجيش وكان قد تزوج ابنته ، وجرى عليه منه ما لا خير فيه ، فإنه زعم أنه وجدها ثيبا فأغرم والدها مالا كثيرا ،فلما نزل ما أمكنه رده بل آواه ، ثم تخيل في الإعلام به ، فأصبح المؤيد فعرف بذلك فأمر بالنداء بالأمان ، فلما كان ليلة الجمعة وشى بطوغان ، فأخذ مكانه وأرسل إلى الإسكندرية مقيدا ، فبقي معتقلا إلى المحرم ثماني عشرة فمات في الحبس .
وفي الحادي والعشرين منه قبض على جماعة ممن كان اتفق مع طوغان منهم سودون الأشقر وكمشبغا العنساوي ، فتوجه بهما برسباي إلى الإسكندرية ومعهما مغلباي وثلاثة معه ووسطوا ، واستقر قجق حاجبا بدلا عن الصصلائي ، واستقر الصصلائي أمير مجلس عوضا عن سودون ، وكان ممن اتهم بممالأة طوغان شاهين الأفرم ، فخلع عليه خلعة رضا وبرئت ساحته ، واستقر جانبك المؤيدي دوادارا كبيرا وكان ثاني الدويدارية .
وفي سلخ جمادى الآخرة صرف ابن محب الدين عن الأستادارية واستقر فخر الدين ابن أبي الفرج وأضيف الكشف ، واستقر ابن محب الدين مشير الدولة ولقب من يومئذ المشير حتى صار لا يعرف إذا ذكر إلا بها مدة طويلة .
وفي رجب تزوج إبراهيم بن المؤيد بنت الناصر التي كانت زوجبكتمر جلق ، ودخل بها فوجدها بكرا وعمل له مهم كبير ، وفيه عزل قرقماش عن نيابة الشام وقرر في نيابة صفد عوضا عن الطنبغا القرمشي وأحضر القرمشي إلى القاهرة ، وهرب قطلو أتابك الشام من نوروز إلى القاهرة ، فأكرمه المؤيد وأمره تقدمة ، وقرر تغرى بردى أخو قرقماش في نيابة غزة عوضا عن الطنبغا العثماني .
وفي نصف رجب خرج نوروز إلى صفد فرحل قرقماش إلى الرملة ثم وصل إلى القاهرة ، فأكرمه المؤيد وأقام أخوه بقطية ، وكان من شأنهما وعادتهما أن لا يجتمعا بموضع واحد بل يكون أحدهما غائبا فإذا قبض على أخيه سعى هو في تخليصه .
فلما كان يوم السبت أول يوم من رمضان قدم دمرداش عمهما فأجل المؤيد مقدمه وخلع عليه ، وكان قد تحير في أمره بعد هزيمته من حلب فأشار عليه أكبر أصحابه أن يتوجه إلى نوروز ، وكان بعث ذهبا كثيرا والتمس منه أن يحضر ، فلم يوافقهم لأجل حضور أجله ، فركب في البحر إلى أن وصل إلى دمياط ، ثم استأذن علىالمجيء إلى القاهرة فأذن له ، فوصل فأكرمه المؤيد ، وأرسل سابع رجب عسكرا مقدمهم قجقار القردمي وأظهر أنهم يريدون كبس عرب أكثر فيها أهل الفساد ، وأسر م القبض على تغري بردى من قطيا ، ثم استدعى دمرداش وابن أخيه قرقماش وجمع الأمراء في ليلة السبت ثامنه فأفطروا عنده ، فلما انقضى السماط أمر بالقبض عليهما وبعثهما من ليلته إلى الإسكندرية ، ثم قدم قجقار ومن معه وصحبتهم تغري بردى في العاشر منه فسجن بقلعة الجبل ثم قتل ، وسكن كثير من الفتن بعد قتل هؤلاء الثلاثة ، وكان دمرداش من قدماء الأمراء في هذا الوقت ، أمر في زمن الظاهر وناب في عدة من البلاد وكان فصيحا ، وله في قلعة حلب آثار حسنة من الإصلاح بعد التخريب الذي وقع من اللنكية ، وكان حسن الفهم قد جرب الأمور وحنكته التجارب ، وكان من رجال العالم إلا أنه لم يكن ميمون النقيبة ، وقدمضى كثير من أحواله في الحوادث .
وفيه - أعنى شهر رجب في أواخره - ثار بالناس السعال والنزلات والحميات وغيرها من الأمراض ولكنها كانت سليمة ، وكذلك بدمشق ، وغلا لذلك سعر السكر النبات حتى عز وجوده وكذا الزيت الحلو ، وكان الطاعون ببلاد الروم وامتد إلى حلب وحماة .
وفي عاشر رمضان قرر ناصر الدين ابن العديم في قضاء الحنفية عوضا عن صدر الدين ابن الآدمي بحكم موته .
وفي ثالث عشرة قرر قانباي في نيابة الشام ، واستقر الطنبغا العثماني في وظيفة أمير أخور ، وقرر إينال الصصلائي في نيابة حلب وسودون قراصقل في نيابة غزة .
وفي ثامن شوال قرر بدر الدين ابن محب الدين في نيابة الإسكندرية عوضا عن خليل الدشاري وصرف من المشورة .وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى الربيع ، فألزم التاج الوالي من بالقاهرة من ود والنصارى بحمل الخمور ، فوزعت على الأسارى وغيرهم وكانت قضية فاحشة جدا ، ورجع السلطان من السرحة في حادي عشري ذي القعدة ، وفيه أرسل بعض الجيش والعسكر وفيهم نائب حلب إينال الصصلائي ونائب الشام قانباي ونائب حماة تاني بك البجاسي ونائب طرابلس سودون بن عبد الرحمن وطرباي نائب غزة ومعهم جمع كثير .
وفي سابع عشر ذي الحجة خلع المستعين من الخلافة وكانت مستمرة باسمه من يوم عزل من السلطنة ، فلما عزم المؤيد إلى الشام طلبداود بن المتوكل بحضرة القضاة فألبس داود خلعة سوداء وأجلسه بينه وبين القاضي الشافعي البلقيني وقرره في الخلافة عوضا عن أخيه المستعين ولقبه المعتضد ، وفي هذا الشهر قرر شمس الدين ابن التباني في قضاء الحنفية بدمشق ، وأنفق على المماليك السلطانية لكل نفر مائة دينار ناصرية .
وفي السابع والعشرين منه نصب الخيام السلطاني بالريدانية ، وضرب الوزير تاج الدين ابن الهيصم بالإصطبل السلطاني وطيف به على جمل في الإصطبل منكسا على أن كان يهلك ، ثم خلع عليه خلعة الرضا ، قدم فخر الدين الأستادار من الصعيد وقد أباد أهله ، وصحبته من العبيد والإماء والذهب والحلى والسلاح والغلال ما يفوق الوصف وشرع في رمى الاصناف التي أحضرها فعظم البلاء به إلا أنه على أهل الريف أكثر منه على أهل البلد ، وفيها في جمادى الآخرة دخل الشريف رميثة بن محمد بن عجلان مكة في جمع من أصحابه فأقاموا بها إلى الظهرولم يحدث شرا ، فدخل عمه عقبة حسن بن عجلان في عسكره فاطمأن الناس ، وفيها مات من الأكابر عمر بن السلطان الملك المؤيد وله عشر سنين أو دونها ، وتاج الدين رزق الله ويقال له عبد الرزاق ناظر الجيش في دمشق ، تنقل في زمن تنم في الولايات إلى أن مات ، ومبارك شاه الظاهري ، ولي كشف الصعيد ونيابة الإسكندرية والوزارة والأستادارية والحجوبية ، وكان في بداية أمره يخدم الملك الظاهر وهو جندي ، فلما تأمر ثم تسلطن رقاه وتنقل في الدول إلى أن مات في رمضان .
وفي هذه السنة وقعت بمكة كائنة عجيبة وهو أن جمالا يقال له حسن الفاروثي كان يكري من مكة إلى المدينة فرأى بعض جماله قد أسن فأراد بيعه وأن يشتري بثمنه غيره فباعه للجزار فاعتقله بالمجزرة لينحره ، فانفلت والناس في صلاة العشاء فدخل المسجد الحرام ، فأرادوا أن يخرجوه فعجزوا عن إخراجه فرفعوا الأمر إلى القاضي جمال الدينابن ظهيرة فأمرهم بحفظ الطواف منه ، فباتوا يحرسونه ويمنعونه من الدخول إلى المطاف ، فلما كان الثلث الأخير هجم جمة ثم طاف ثلاثة أشواط ثم ذهب في الثالث إلى جهة مقام الحنفية فسقط ميتا ، وحفرت له حفيرة فدفنوه بها .
وفيات سنة 816
ذكر من مات في سنة ست عشرة وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خضر الصالحي ولد في رمضان سنة أربع وأربعين ، واشتغل على أبيه ، وناب في القضاء بمصر ، ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل ، وكان جريئا مقداما ، ثم ترك الاشتغال بأخرة وافتقر ، ومات في ربيع الأول ، وكانت وفاة أبيه ، في سنة 785 .إبراهيم بن محمد بن بهادر بن عبد الله بن أحمد الغزي المعروف بابن زقاعة - بضم الزاي ، وقد يجعل سينا مهملة ، وتشديد القاف - كان يدعي أنه من بني نوفل بن عبد مناف ، وأنه ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، سمعت كلا منهما من لفظه ، وذكر لي من أثق به عنه غير ذلك في مولده ، وكان أعجوبة زمانه في معرفة الاعيان واستحضار الحكايات والماجديات مقتدر اعلى النظم عارفا بالأوفاق ، وما يتعلق بعلم الحرف مشاركا في القراآت والنجوم وطرف من الكيما ، وقد عظمه الظاهر جدا ثم الناصر حتى كان لا يسافر إلا في الوقت الذي يحده له ، ومن ثم نقم عليه المؤيد ونالته منه محنة يسيرة في أول دولته وشهد عليه عنده جماعة من الطواشية ، وغيرهم بأمور منكرة فأغضى عنه ، وكان في بداية أمره قد تزهد وساح في الجبال ثم رجع إلى غزة ، واجتمعت به غير مرة وأخذت من نظمه وأجاز لي قبل ذلك بالقاهرة ، ثم سكن القاهرة من بعد ثلاث وثمانمائة ، وجاور في هذا العشر سنة بمكة ، ونظمه كثير وغالبه وسط ويندر له الجيد وفيه السفساف ، مات في العشر الأوسط من ذي الحجة بمنزله بمصر على شاطئ النيل ودفن خارجباب النصر ، وغلط من أرخه سنة ثماني عشرة .
أحمد بن أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن خليل ابن مسعود بن سعد الله الخليلي ثم الدمشقي الحنبلي ولد في سنة ست وثلاثين وسبعمائة أو التي بعدها وسمع من أبي محمد بن القيم طرق زر غبا تزدد حبا لأبي نعيم وغير ذلك ، وكذا سمع من والده والعماد أحمد بن عبد الهادي وأبي الهول الجزري وآخرين ، وحدث ، سمع منه الفضلاء - أجاز لي ، وكانت وفاته في ليلة الأربعاء . ثاني عشر المحرم .أحمد بن أبي أحمد بن الشنبل - بضم المعجمة وسكون النون بعدها موحدة مضمومة وهو مكيال القمح بحمص - أبو العباس الحمصي اشتغل ببلده ، وولي قضاءها ، وقدم القاهرة مرارا ونزل في خانقاه سعيد السعداء ، ثم سعى في قضاء دمشق فوليه في آخر سنة ست وثمانمائة ، ثم عزل عن قرب ، وكان نبيها في الفقه مع طيش فيه .
أحمد بن الجوبان ، الذهبي الدمشقي ، شهاب الدين الكاتب المجود ، كان كثير المداخلة للدولة بسبب التجارة وكانت له دنيا ، واعتنى به المشير فأرسله إلى صاحب اليمن بكتاب المؤيد ، فلم ينل منه غرضا ورجع إلى مكة ، فمات بها في ثاني عشر ذي الحجة ، وكان حج معنا من القاهرة في سنة خمس عشرة وتوجه ثم إلى اليمن .
أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعيد بن غشم بن غزوانابن علي بن مشرف بن تركي الحسباني شهاب الدين بن علاء الدين ، ولد في رابع المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وتفقه على أبيه وجماعة غيره منهم شمس الدين بن أبي الحسن الغزي وابن قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي ، وسمع الحديث من جماعة من أصحاب الفخر منهم العماد بن الشيرجي واحمد بن إسماعيل ومحمد بن حميد وابن أميلة والصلاح ابن أبي عمر ، وكتب الكثير وتميز وتقدم في الفقه والحديث مع الدين والصيانة والإنجماع ، وجمع نكتا إلى الألغاز للأسنوي ، وجمع تاريخا مفيدا ، ودرس وأفتى وولي خطابة الجامع الأموي ونظر الجامع مرارا ، وآخر ما علق من تاريخه إلى ذي القعدة سنة خمس عشرة ، وقدم القاهرة مرارا آخرها في الرسلية عن الملك المؤيد قبل سلطنته سنة ثمان ، وحصل نسخة من تعليق التعليق وشهد لي في عنوانها بالحفظوكتب خطه في أصلي ، وأريد على قضاء الشافعية مرارا فامتنع ، وولي أخوه الأصغر نجم الدين وهو حي ، وانتهت في آخر وقته رئاسة العلم بدمشق ، عاش خمسا وستين سنة ، وجمع أسماء شيوخه على حروف المعجم ، وكان أشياخه ونظراؤه يثنون عليه ، وقد شرح قطعه من المحرر لابن عبد الهادي ، وله نكت على المهمات وعلى الألغاز ، وكان دينا خيرا ، له حظ من عبادة ، رأيت في تاريخه في ترجمة والده ، وقال : رأيت أبي في النوم في أواخر شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة في الأسدية فقمت خلفه فقلت : كيف أنتم ? فتبسم وقال : طيب ، فمشيت معه إلى الباب ، فكان من جملة ما سألته أيهما أفضل الاشتغال بالفقه أو الحديث ? فقال : الحديث بكثير ، قال : فقلت له : ادع لي فدعا لي بثلاث : بوفاء الدين ، وخاتمة الخير - ونسيت الثالثة ، ثم التفت إلى كالمودع فقال : إنهم يشكرونك ، فقلت : من ? قال : الملائكة ، فقلت : بالله قال : نعم ، قال : فاستيقظت مسرورا . قال القاضي تقي الدين الشهبي : ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين ، وحفظ التنبيه ، وسمع الحديث فأكثر ، واستجيزله من بلاد شتى ، وجمع لنفسه معجما مجردا للتراجم ، وأخذ الفقه عن أبيه وابن قاضي شهبة وأبي البقاء وعن الاذرعي والحسباني وابن قاضي الزبداني وابن خطيب يبرود وتاج الدين السبكي وشمس الدين الموصلي والعنابي ، وأذن له في التدريس والإفتاء ، وناب في الحكم مدة ، وجمع الدارس في أخبار المدارس في اخبار المدارس - وهو كتاب نفيس يدل على اطلاع كثير ، وذيل على تاريخ ابن كثير ، بدأ فيه - من سنة إحدى وأربعين ، وشرح المحرر لابن عبد الهادي ولم يكمل ، وله نكت على الألغاز للأسنوي . أحمد بن علي بن النقيب الحنفي ، تقدم في فقه الحنفية وشارك في فنون ، ولد سنة 51 ومات سنة 861 وكان يؤم بالمسجد الأقصى .
أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن المقدسي الناصري الباعوني - وناصرة من عمل صفد - القاضي شهاب الدين الباعوني نزيل دمشق - وباعونة قرية - بالقرب من عجلون ، وكانأبوه حائكا ثم اتجر في البز وولد له أحمد وإسماعيل ، وكان إسماعيل الأكبر ، فنشأ يصاحب الفقراء وسكن صفد وتصوف ، وناب في الحكم بالناصرة فتخرج به أخوه أحمد ، وحفظ المنهاج ولازم الاشتغال وكان قوي الذكاء ، عرض محفوظاته على تاج الدين السبكي وابن خطيب يبرود وابن قاضي الزبداني وابن قاضي شهبة وغيرهم وأخذ عنهم وانتفع بهم ، وأخذ النحو عن العنابي وأجاز له ، وكان مولده في سنة إحدى وخمسين تقريبا ، واشتغل بالفقه وسمع الحديث ، وكان ذكيا فطنا فقال الشعر وكتب الخط الجيد ، ثم وقعت له كائنة مع أهل صفد لكونه مدح منطاش وغض من برقوق ، فخرج منها خائفا يترقب حتى قدم القاهرة ونزل بخانقاه سعيد السعداء ، وكان السالمي يعرفه من صفد فنوه به عند الظاهر حتى أحضره عنده وقربه ، وعامله معاملة أهل الصلاح ، وولاه خطابه جامع دمشق ، وولاه القضاء بدمشق في ذي الحجة ، وباشر بحرمة وافرة ، وكان عريض الدعوى كثير المنامات التي يشهد سامعها بأنها باطلة ، ثم عزل وحصلت له إهانة فسجن ، ثم أطلق ولزم داره ، ثم ولي خطابة بيت المقدس ، ثم ولاه الناصر قضاء دمشق سنة اثنتي عشرة فباشره مباشرة - حسنة بعفة ونزاهة ومداراة وحرمة ، وعزل بقيت معه وظائف فاستمر فيها ، ونظم كتابا في التفسير ، وهو الذي أثبت المحضر المكتتب على الناصربالعظائم الشنيعة ، ثم لما توجه المستعين إلى القاهرة أقام الباعوني بدمشق إلى أن مات ، وكان طوالا مهابا فصيح العبارة جميل المحاضرة حسن المذاكرة سريع الدمعة جدا مقتدرا على ذلك حتى حكى لي من شاهده يبكي بعين واحدة ، وكان عفيفا نزها لا يحابى ولا يداهن ولا يعاب إلا بالإعجاب والتزيد في الكلام والمنامات ، ثم كان ممن قام في خلع الناصر فولاه المستعين قضاء الديار المصرية ، ثم صرف بعد استقرار الأمر من غير أن يباشره لم يرسل إلى القاهرة نائبا ، ثم ولي خطابة الجامع بدمشق ثم صرف ، وقد اجتمعت به ببيت المقدس ، وأنشدني من نظمه ، وسمعت عليه جزءا سمعه من أحمد بن محمد الأيكي صاحب الفخر ثم اجتمعت به بالقاهرة ، وهو القائل :
ولما رأت شيب رأسي بكت
وقالت عسى غير هذا عسى
فقلت البياض لباس الملوك
وإن السواد لباس الأسى
فقالت صدقت ولكنه
قليل النفاق بسوق النسا
وله قصيدة في العقيدة أولها :
أثبت صفات العلي وأنف الشبيه فقد
أخطا الذين على ما قد بدا جمدواوضل قوم على التأويل قد عكفوا
فعطلوا وطريق الحق مقتصد
قال القاضي تقي الدين الشهبي : كان يكاتب السلطان فيما يريد فيرجع الجواب بما يختار ، وانضبطت الأوقاف في أيامه ، وحصل الفقهاء مالا كانوا لا يصلون قبله ، وانتزع مشيخة الشيوخ من ابن أبي الطيب كاتب السر . وقال أيضا : وقعت له أمور تغير خاطر برقوق عليه منها وكان طلب منه اقتراض مال الأيتام فامتنع ، فعزل في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين بعدما باشر سنتين وشهرا ، وعقدت له بعد عزله مجالس ولفقوا عليه قضايا فلم تسمع عليه - مع كثرة من تعصب عليه - أنه ارتشى في حكم ولا أخذ من قضاة البر شيئا ، ثم إنه بعد ذلك ولي خطابة القدس مدة ، ثم ولاه الناصر خطابة دمشق والمشيخة ، ثم أضاف ا القضاء في صفر سنة اثنتي عشرة ، ثم صرفه شيخ بعد ثلاثة أشهر .
قال : وكان خطيبا بليغا ، له اليد الطولى في النظم والنثر والقيام التام في الحق ، وكتب بخطه كثيرا وجمع أشياء ، مات في رابع المحرم .أحمد الخالدي أحد القراء بصفد ، وكانت عنده عبادة وخير وله شهرة ، مات بصفد في ذي القعدة .
أبو بكر بن حسين بن عمر بن عبد الرحمن بن أبي الفخر بن نجم بن طولو العثماني المراغي نزيل المدينة زين الدين بن حسين الشافعي ، ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ، واشتغل بالقاهرة فسمع الحديث من صالح بن مختار وعبد القادر بن الملوك وأحمد بن كشتغدى وأخذ عن الشيخ تقي الدين السبكي والشيخ جمال الدين الأسنوي ، ثم دخل المدينة فاستوطنها ، وأجاز له قديما في سنة تسع وعشرين أبو العباس الحجار وأحمد ابن مزير والبرزالي والمزي وآخرون ، خرجت له عنهم أربعين حديثا عن أربعين شيخا ، وخرج له الحافظ جمال الدين ابن موسى مشيخة عن شيوخه بالسماع والإجازة وحدث بها ، وتفرد بالرواية عن أكثر شيوخه ،وعمل شرحا على المنهاج واختصر تاريخ المدينة ، سمعت عليه بمنى وبالمدينة وبمكة ، وولي قضاء المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة ، ثم عزل بزوج بنته أبي حامد بن المطري ، ومات في سادس عشر ذي الحجة ، وكان بعض من يتعصب عليه ينسبه إلى الخرف والتغيير ، ولم يمع ذلك فقد سمعت عليه بمكة سنة خمس عشرة وهو صحيح وأخبرني من أثق به أنه استمر على ذلك ، عاش دون تسعين سنة إلا يسيرا .
أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني رضي الدين ابن المستأذن حج كثيرا وقدم القاهرة ، وتعانى النظر في الأدب ومهر في القراآت ، وتكلم على الناس بجامع عدن وخطب ، ولم ينجب سمعت ، من نظمه وسمع مني كثيرا ، مات وقد جاوز السبعين -جابر بن عبد الله الحراشي - بمهملتين وبعد الألف معجمة - ولد سنة ست وخمسين ونشأ بها ، وتعانى التجارة ثم خدم الشريف حسن بن عجلان وكان نظير الشاد له في أمور مكة ، واشتهر بالأمانة والحرمة وبحسن المباشرة حتى قرر لبني حسن الرسوم وزادهم ، وبني بجدة فرضة ، ثم تغير على مخدومه حسن بن عجلان ووالى أصحاب ينبع وباشرهم وعمل لهم قلعة ولمدينتهم سورا ، وكان السبب في ذلك أن حسن بن عجلان تنكر عليه في رمضان سنة تسع فقبض عليه ، ثن أفرج عنه فتوجه إلى اليمن ، ثم قدم مصر موليا على حسن فما أفاده ذلك ، فرجع وكان قد دخل مصر أيضا فثار عليه الناصر وصادره وحمله في الحديد فتسلمه ، ثم أفرج عنه وأعاده إلى ولاية جدة ، فباشرها على عادته ، فاتهمه حسن بموالاة بن أخيه رميثة بن محمد بن عجلان ، وكان رميثة قد هجم على مكة في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وهجم على جدة منها ، فقام جابر في الصلح فلم يفده ذلك عند حسن إلا التهمة موالاة رميثة ، ثم ظفر به حسن فشنقه على باب شبيكة ، وكان داهية ماكرا داعية إلى مذهبالزيدية ، أرسل به الناصر إلى حسن بن عجلان سنة ثلاث عشرة فقتله بعد ذلك في هذا السنة في النصف من ذي الحجة .
حسام الدين حسام بن عبد الله الصفدي و كان ممن يعتقد ببلده ، وله زاوية بحارة يعقوب بصفد ، مات في شهر ربيع الأول .
حسن بن علي بن محمد الأبيوردي حسام الدين ، الشافعي الخطيب نزيل مكة ، كان عالما بالمعقولات : ثم دخل اليمن واجتمع بالناصر ففوض تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنية ، وكان قدأخذ عن الشيخ سعد الدين التفتازاني مع الدين والخير والزهد وله من التصانيف ربيع الجنان في المعاني والبيان وله غيره ذلك .
رزق الله بن فضل الله بن يونس القبطي تاج الدين ابن أبي الكرم ويقال له عند الرزاق - أول ما باشر ديوان النائب ثم ولي نظر الجيش بدمشق - فباشرها مدة وعزل في أثناء ذلك بسبب تغير الدول وكان ريئيسا محتشما كثير المداراة إلى الناس والعصبية لمن يقصده ، مات في رجب .
عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد ابن عبد الهادي ابن يوسف بن محمد بن قدامة ، المقدسي الأصل أبوها الصالحية ، ولدت سنة أربع وعشرين وسبعمائة ، وأحضرت في الرابعة على الحجاز سنةست وعشرين ، وسمعت عليه أربعي الطائي وأربعي الحجار وغير ذلك ، وأسمعت صحيح مسلم على جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم ومعظم السيرة على عبد القادر بن الملوك ، وشاركت أختها فاطمة في كثير من المسموعات والمجازات وتفردت ، وممن أجاز لها إبراهيم بن صالح بن العجمي من حلب ، والشيخ شرف الدين البارزي من حماة ، والبرهان الجعبري من بلد الخليل ، وعبد الله بن محمد بن يوسف من نابلس ، وتفردت بالسماع من الحجار ومن جماعة ، وسمع منها الرحالة فأكثروا ، وكانت سهلة في الإسماع سهلة الجانب ، ومن العجائب أن ست الوزراء كانت آخر من حدثت عن ابن الزبيدي بالسماع ثم كانت عائشة آخر من حدثت عن صاحبه الحجار بالسماع وبين وفاتهما مائة سنة ، ماتت في ربيع الأول .
عبد الله بن محمد بن أحمد بن قاسم ، العمراني الحرازي المكين عفيف الدين ، ابن القاضي تقي الدين ابن الشيخ شهاب الدين ، عني بالعلم وتنبه في الفقه ، ومات بمكة وله بضع وستون سنة .
عبد القوي بن محمد بن عبد القوي ، البجائي المغربي المالكي ، الفقيه ، نزيل مكة ، تفقه وأفاد ودرس وأعاد وأفتى ، وكان خيرا دينا ، مات في شوال وقد جاوز الستين .
عثمان بن إبراهيم بن أحمد بن فخر الدين البرماوي ، اشتغل كثيرا ومهرفي القراآت وولي تدريس الظاهرية فيها بعد الشيخ فخر الدين إمام الجامع الأزهر ، وكان نبيها في العربية ، وسمع الحديث كثيرا ورافقنا في بعض ذلك ، واستملى بعض مجالس عند شيخنا العراقي ، وناب في الحكم ، مات فجأة عند خروجه من الحمام في تاسع عشر شعبان ولم يكمل الخمسين ، وكان أبوه قد عمر فاستقبله بعشر ستين .
العجل بن نعير بن حيار بن مهنا يقال اسمه يوسف بن محمد ، ولد بعد الثمانين ونشأ في حجر أبيه ، ثم لما بلغ العشرين فارقه ومال مع جكم ، ولما وقع بين جكم وبين ابن صاحب الباز حضر نعير في نصر ابن صاحب الباز والباز وابنه مع جكم ، فلما كسر جكم نعيرا وأسره أحضر ابنه العجل فقبل يده وأعرض عنه وذلك سنة ثمان ، ثم هرب العجل من جكم فقرر جكم في إمرة العرب فضل بن علي بن نعير ، ثم حاصر العجل حماة ، فجاء نوروز من دمشق فأوقع به وكسره ونهب له شيء كثير ، ثم اتصل العجل بشيخ وحضر معه حصار حماة ونوروز بها ، فلما ولي شيخ نيابة حلب فر منه العجل ، فخرج شيخ إلى تل السلطان لمنع العجل من قسم إقطاعات العرب وقسمها هو ، ثم إن نوروز تصالح مع العجل ورد عليه إقطاعه بعد قتل الناصر ، ثم لما ولي نوروز يشبك بن أزدمر حلبوطردوه عنها واختاروا دمرداش وكان بقلعة الروم بطالا حضر نوروز إلى حلب فهرب دمرداش وقرر نوروز بحلب طوخ فلما رجع نوروز طرق دمرداش - حلب بغتة فاستنجد طوح بالعجل فحضر فرحل دمرداش ، ثم فهم طوخ من العجل عدم المناصحة واتفق أن العجل طلبه لضيافة عملها له فتعلل ، فركب العجل إلى طوخ في نحو العشرة أنفس فلاقاه طوخفي نحو العشرين فلما التقيا وتصافحا أمسك طوخ يد العجل وأشار إلى بعض أتباعه فقتله ، وذلك في تاسع عشر ربيع الأول ، ويقال إنه كان حينئذ سكرانا وكان شهما فتاكا محبا للخمر شديد السطوة والجرأة ، فلما قتل من أغضبه بغير موجب قتل ، وبقتله انكسرت شوكة آل مهنا .
على بن عبد الله المصري نور الدين القرافي الحنفي ، ناب في الحكم ومهر في ذلك ، وشارك في مذهبه ، مات في رمضان .
علي بن محمد بن محمد الدمشقي . صدر الدين ابن أمين ابن الأدمي الحنفي ، ولد سنة سبعين ، واشتغل بالأدب ونظر في الفقه وكتب الخط الحسن ، وناب في الحكم وولي كتابة السر ونظر الجيش بدمشق ، واشتغل بالقضاء بدمشق ثم بالقاهرة ، وجمع له القضاء والحسبة في دولة المؤيد كما تقدم وقد أصيب مرارا وامتحن ، ودخل القاهرة مع المؤيد فقيرا جدا حتى أنه احتاج إلى نزر يسير اقترضه من بعض أصحابه ، ولما مات خلف من المال جملة مستكثرة ، وكان لا يتصون ولا يتعفف - سامحه الله مات في رمضان بعلة الصرع القولنجي وبها مات أبوه ، ومن نظمه ما أنشدني لنفسه وكنت قد اقترحت عليه أن يعمل على نمط قولي
نسيمكم ينعشني والدجى
طال فمن لي بمجيء الصباح
ويا صباح الوجه فارقتكم
فشبت هما إذ فقدت الصباحفعمل ذلك في سنة سبع وتسعين ، وأنشدنيه عنه جماعة ثم لقيته فأنشدنيه لنفسه :
ما متهمي بالصبر كن منجدي
ولا تطل رفضي فإن على ل
أنت خليلي فبحق الهوى
كن لشجوني راحما يا خلي ل
عمر بن الشيخ خلف الطوخي ، سقط من سطح جامع الحاكم فمات وكان خيرا حسن السمت .
فتح الله بن معتصم بن نفيس الداودي التبريزي ، فتح الدين الحنفي ، ولد سنة تسع وخمسين ، وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمه بديع بن نفيس ، فتميز في الطب وبرع ، وقرأ المختار في الفقه ، وتردد إلى مجالس العلم وتعلم الخط وباشر العلاج ، وصحب بيبغا السابقي في أيام الأشرف واختص به ، فرافقه من ممالكيه الأمير شيخ الصفوي ، وكان بارع الجمال فانتزعه برقوق لما قبض على السابقي وصار من أخصالمماليك عنده ، فزوج فتح الله أمه وفوض أموره وأسكنه معه ، فاشتهر حينئذ وشاع ذكره ، واستقر في رئاسة الطب بعد موت عمه بديع ، ثم عالج برقوق فأعجبه ، وكان يدري كثيرا من الألسنة ومن الأخبار فراج عند الظاهر واختص به وصار له مجلس لا يحضر معه فيه غيره ، وباشر رئاسة الطب بعفة ونزاهة ، فلما مات الكلتساني قرره الظاهر في كتابه السر بعد أن سعى فيها بدر الدين ابن الدماميني بمال كثير فلم يقبل عليه الظاهر أحد أوصيائه واستمر في كتابه السر بعده ، ولم ينكب إلا في كائنة ابن غراب ثم عاد ، وكانت خصاله كلها حميدة إلا البخل والحرص والشح المفرط حتى بالعارية ، وبسبب ذلك نكب فان يشبك لما هرب من الوقعة التي كانت بينه وبين الناصر ترك أهله وعياله بمنزل بالقرب منه فلم يقرئهم السلام ولا تفقدهم بما قيمته الدرهم الفرد فحقد عليه ذلك ، وكان ذلك أعظم الأسباب في تمكين ابن غراب من الحط عليه ، فلما كانت النكبة المشهورة لجمال الدين كان هو القائم بأعبائها ، وعظم أمره عند الناصر من يومئذ وصار كل مباشر جل أو حقر لا يتصرف إلا بأمره ، فلما انهزم الناصر وغلب شيخ استمر به وقام بالأمر على عادته إلى أن نكبه في شوال سنة خمس عشرة وثمانمائة واستمر إلى أن مات ، قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي : كان لفتح الله فضائل جمة غطاها شحه حتى اختلق عليه أعداؤه معايب برأه منها فإني صحبته مدة طويلة تزيد على العشرينورافقته سفرا وحضرا فما علمت عليه إلا خيرا بل كان من خير أهل زمانه عقلا وديانة وحسن عبادة وتأله ونسك ومحبة للسنة وأهلها وانقيادا إلى الحق مع حسن سفارة بين الناس وبين السلطان والصبر على الأذى وكثرة الاحتمال والتؤدة وجودة المحافظة وكان يعاب بالشح بماله فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون وقد جوزي بذلك ، فإنه لما نكب هذه المرة تخلى عنه كل أحد حتى عن الزيارة فلم يجد معينا ولا مغيثا فلا قوة إلا بالله .
فضل بن عيسى بن رملة بن جماز أمير آل علي ، كان ممن نصر برقوق لما خرج من الكرك فصار وجيها عنده ولم يزل إلى أن قتله نوروز في ذي القعدة ، وولي الإمرة خمسا وثلاثين سنة .
محمد بن إبراهيم بن عبد الحميد بن علي الموغاني نزيل مكة ، اشتغل بالأدب ونظم الشعر وكان به صمم فكان لذكائه يدرك ما يكتب له في الهواء وما يكتب في كفه بالإصبع ليلا ، مات بمكة وقد قارب الستين ، وقد حاكاه في ذلك صاحبنا عبد الرحمن بن علي الحلبي الأصل سبط الشيخ أبي أمامة ابن النقاش .
محمد بن أحمد بن خليل ، المصري شمس الدين الغراقي - بالمعجمةوتشديد الراء بعد الألف قاف - اشتغل كثيرا وتمهر في الفرائض وشغل الناس فيها بالجامع الأزهر وكثرت طلبته ، وأم بالجامع المذكور نيابة مع الدين والخير وحسن السمت والتواضع والصبر على الطلبة ، وكان يقسم التنبيه والمنهاج فيقرن بينهما جميعا في مدة لطيفة ، وقد سمع من عز الدين ابن جماعة بمكة وحدث وجاور كثيرا ، وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر ، ويختم كل يوم ختمة ، مات في خامس شعبان .
محمد بن عبد الله الججيني الحنفي الملقب القطعة ، كان من أكبر الحنفية معرفة باستحضار الفروع مع جمود ذهنه ، وكان خطه رديئا إلى الغاية ، وكان رث الهيئة خاملا ، مات في رمضان .
محمد بن عمر العوادي - بفتح المهملة والواو الخفيفة - جمال الدين التعزي ، اشتغل ببلده وشغل الناس كثيرا ، واشتهر وأفتى ودرس ونفعالناس وكثرت تلامذته ثم ولي القضاء ببلده ، فباشر بشهامة وترك مراعاة أهل الدولة ، فتعصبوا عليه حتى عزل ، وقد أراق في مباشراته الخمور وأزال المنكرات وألزم ود بتغيير عماتمهم ، ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال والنفع للناس إلى أن مات .
محمد بن محمد بن سلام ، الإسكندراني ثم المصري ، نزيل جزيرة الفيل ، ناصر الدين ، أحد التجار الكبار بالقاهرة ، صاهر البرهان المحلي على ابنته فعظم أمره ، ثم لما مات خلف أموالا عظيمة فتصرف في أكثرها محب الدين المشير وغيره وتمزقت أمواله ، وكان عمر دارا جليلة بجزيرة الفيل ، فاستأجرها ناصر الدين البارزي وشيدها وأتقنها وأضاف ا مباني عظيمة إلى أن صارت دار مملكة أقام بها لملك المؤيد مدة ، ثم بعد ذلك عادت الدار إلى أصحابها وفرق بين المساكين ، ومات في أول هذه السنة .
محمد بن محمد بن عثمان ، الدمشقي ، القاضي شمس الدين الإخناي السعدي ، كان يذكر أنه من ذرية شاور وزير الفاطميين ، ولد سنة سبع وخمسين ، وأشتغل قليلا وناب في الحكم عن البرهان ابن جماعة بدمشق في بعض البلاد ثم ناب بدمشق ، ثم ولي قضاء حلب في سنة سبع وسبعين عوضا عن ناصر الدين خطيب يبرين نحو سنتين ثم دمشق في الأيامالظاهرية والناصرية ، ثم ولي قضاء الديار المصرية مرارا ثم أخرجه جمال الدين الأستادار إلى دمشق فولي قضاءها مرارا أيضا ، ثم امتحن مرارا ، وكان شكلا ضخما حسن الملتقى كثير البشر والإحسان إلى الطلبة عارفا بجمع المال كثير البذل على الوظائف والمداراة للأكابر ، وكان قليل الفقه فربما افتضح في بعض المجالس ولكنه يستر ذلك بالبذل والإحسان ، اجتمعت به عند السالمي وعند الكركي ولم يتفق أنني اجتمعت به في منزله لا بدمشق ولا بالقاهرة ، وكنت بدمشق سنة اثنتين وثمانمائة وهو قاضيها فلم أجتمع به ، وما كنت حينئذ أدمن الاجتماع بأحد من الرؤساء ولكني اجتمعت به في مجلس الحديث في بيت قطلوبغا الكركي ومرة أخرى في بيت يلبغا السالمي ، وكان يقول : أنا قاضي كريم والبلقيني قاض عالم - عفا الله عنه مات في رجب ولم يكمل السبعين .
محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود ناصر الدينابن الغرابيلي الكركي ، ولد بها سنة 53 ، وكان أبوه من أعيانها فنشأ في نعمة ، واشتغل بالعلم والآداب ، وصاهر العماد الكركي على ابنته ، وسكن القاهرة سنين ، ثم ولي نيابة قلعة الكرك ، ولما عزل سكن القدس إلى أن مات في شعبان ، وكان فاضلا يرجع إلى دين ، وأنجب ولده الحافظ تاج الدين الغرابيلي الذي مات سنة خمس وثلاثين .
موسى بن أحمد بن موسى الرمثاوي ثم الدمشقي الشافعي ، شهاب الدين ، ولد سنة ستين تقريبا ، واشتغل وأخذ عن الشيخ شرف الدين الغزي ولازمه وأذن له في الإفتاء ، وأخذ الفرائض عن محب الدين المالكي وفضل فيها ، وأخذ بمكة عن ابن ظهيرة ، وأخذ طرفا من الطب عن الرئيس جمال الدين . وكتب بخط ومهر ، وتعانى الزراعة ، ثم تزوج بنت شيخهالشرف فماتت معه ، فورث منها مالا ثم بذل مالا ، حتى ناب في الحكم واستمر ، ثم ولي قضاء الكرك سنة أربع وعشرين ، قال ابن قاضي شبهة في تاريخه : كان سيئ السيرة وفتح أبوابا من الأحكام الباطلة فاستمرت بعده ، وكان عنده دهاء ، ومات بدمشق في ربيع الأول ، وقيل إنه سم وصاهر الإخناي وقد امتحن مرة .
حوادث سنة 817
سنة سبع عشرة وثمانمائة
استهلت وقد صمم السلطان المؤيد على سف الشام لقتال نوروز فخرج في رابع محرم من القلعة إلى الريدانية في قليل من العسكر ، واستناب الطنبغا العثماني في باب السلسلة ، وقرر للحكم الحاجب ، وفي القلعة صماي وبردبك ، وقرر صدر الدين ابن العجمي في نظر الجيش بدمشق ، وصرف عن التربة الظاهرية ، وأعيد ا حاجي فقيه ، وأعيدت المواريث لديوان الوزارة ، وفي هذا اليوم هبت ريح شديدة تلاها رعد وبرق ومطر غزير وبرد ملأ وجه الأرض كل واحد قدر . . . وأكبر من ذلك فخربت عدة دور ، وجمع منه الكثير حتى بيع في الأسواق بستة كل رطل ، وأحضروا للسلطان منه وهو معسكر بالريدانية في طبق ، فأعجبه ذلك واستبشر به وتفاءل بأنه يدك بلاد الثلج ، وكان ذلك في بشنس من الأشهر القبطية وقد وقع قريب من ذلك سنة تسع وتسعين في سلطنة الظاهر برقوق ، واستمر متوجها في تاسع المحرم ومعه الخليفة الجديد والقضاة وأرباب الدولةثم رحل فنزل على قبة يلبغا في ثامن صفر ، وكان سبب تباطئه في السير الاحتراز على نفسه من أعدائه وممن معه ، وفي غضون ذلك كان يحضر جماعة بعد جماعة من الظاهرية والناصرية يفرون من نوروز ، وأكثرهم ممن كان يؤثر الإقامة بالديار المصرية ، ومن أسباب ذلك أنه كان وقع الغلاء في الشام ثم التقت طلائع الفريقين فترجحت طليعة نوروز وكان شيخ بشقحب فركب م فدهمهم فانهزم أصحاب نوروز واستعد نوروز للحصار وحصن القلعة ، فبعث المؤيد مجد الدين قاضي الحنابلة في طلب الصلح فامتنع فوقعت الحرب ، ووصل كزل نائب طرابلس فحمل بمن معه فانهزم نوروز كعادته وامتنع بالقلعة ، وملك المؤيد البلد ونزل بالميدان وحاصر القلعة إلى أن ضاق نوروز بالأمر ومال إلى طلب الصلح فأرسل قمش فقرر له الصلح ، ونزل هو يشبك ابن أزدمر وسودون كسا وبرسبغا وإينال وغيرهم ، فقبض عليهم جميعا وقتلوا في ليلتهم ، وبعث برأس نوروز إلى القاهرة ، فوصلوا بها على باب القلعة ،صحبه شرباش فاشوق وكان يومئذ أمير عشرة ، وكان أول ما تقدم نوروز تقدمة في صفر سنة سبع وسبعين في اليوم الذي تآمر فيه شيخ طبلخاناة ، ثم توجه المؤيد إلى جهة حلب في ثامن جمادى الأولى ، ثم توجه منها في أول جمادى الآخرة إلى الابلسيتن ، ودخل إلى ملطية وقرر قواعد البلاد ، ووافاه نواب القلاع فقرر من أراد وصرف من رأى صرفه ، وقتل طوغان نائب قلعة الروم وقرر فيها جانبك الحمزاوي ورجع إلى القاهرة ، واستناب في ملطية كزل وفي حلب إينال الصصلاي وفي حماة تنبك البجاسي وفي طرابلس سودون بن عبد الرحمن ، وفي الكرك يشبك المشد - وقد صارت خرابا من الفتن ، ثم قدم دمشق فوصل في ثالث رجب فاستناب فيها قانباي المؤيد - وسار القدس فوصلها في أول شعبان ، ومضى إلى غزة فاستناب فيها طرباي ، وسار منها فدخل سرياقوس في رابع عشري شعبان وأقام بها إلى آخر الشهر ، وعمل أوقاتا بالقراء والمغنيين والسماعات ، وفرق على أهلالخانقاه مالا ، وركب يوم الأربعاء سلخ شعبان فبات بالريدانية ، وأصبح يوم الخميس فعسكر وطلع إلى القلعة ، فانتقض عليه ألم رجله من ضربان المفاصل وانقطع به مدة .
وفي ثامن رمضان نفي شرباش كباشة وأرغون إلى القدس ، واستقر الطنبغا العثماني أتابك العساكر بالقاهرة بعد موت يلبغا الناصري وكان قد مات في حال رجوعهم من الشام .
وفي ثاني عشرة قبض على قجق وننبغا المظفري وتمنتمرءارق وسجنوا بالإسكندرية ، وعزل الأموي عن قضاء المالكية وأعيد جمال الدين الأقفاصي ، وقرر صماي في نيابة الإسكندرية ، وأحضر ابن محب الدين وكان قد ظلم فيها وعسف في غيبة المؤيد ، فوصل في آخر الشهر وقدم تقدمة قومت بخمسة عشر ألف دينار فخلع عليه وأعيد إلى الإستادارية ، وكان ابن أبي الفرج قد هرب من حماة إلى بغداد لأمر بلغه من السلطان خاف منه على نفسه ، فسد تقي الدين ابن أبي شاكر متعلقات الأستادارية في هذه المدة إلى هذا الغاية ، وفيه ضيق على الخليفة المستعين وكان قد أفردت له في القلعة دار فأقام فيها هو وأهله وخدمه ، ثم نقل إلى البرج الذي كان الظاهر برقوق سجن فيها والده الخليفة المتوكل ، فأقام فيهفي ضيق شديد إلى أن أخرجه في ذي الحجة من السنة المقبلة إلى الإسكندرية .
وفي خامس عشر رمضان استقر سودون القاضي حاجبا كبيرا عوضا عن قجق واستقر قجقار القردمي أمير مجلس وجانبك الصوفي أمير سلاح عوضا عن شاهين الأفرم بعد موته ، واستقر تاني بك ميق رأس نوبة عوضا عن جانبك الصوفي ، واستقر كزل العجمي أمير جندار عوضا عن شرباش كباشة ، واستقر اقبائي الخازندار في الديودارية الكبرى عوضا عن جاني بك الدويدار ، وكان قد مات في هذا السفرة من سهم أصابه في حصار دمشق فضعف منه إلى أن مات بحمص .
وكان سعر الغلال في هذا الشهر من هذه السنة في غاية الرخص حتى كان ثمن كل ثلاثة أردب من القمح دينارا واحدا هذا في البلد ، وأما في الريف فكان يصح بالدينار الواحد أربعة أرادب وخمسة أرادب ، وكثر حمل النارنج حتى بيع كل مائة وعشر حبات بدرهم واحد بندقي ثمنه من الفلوس اثنا عشر درهما .
وفي شوال سجن بالإسكندرية سودون الأسندمري وقصروه وكمشبغا الفيسي وشاهين الزردكاش ، وأحضر كمشبغا العيساوي من دمياط ، وفيه أمر المؤيد بضرب الدراهم المؤيدية فشرع فيها وكانما سنذكره في السنة المقبلة .
وفيه جلس المؤيد في الحكم بين الناس بالإصطبل ، واستقر ذلك يوم السبت والثلاثاء أول النهار وفي يوم الجمعة بعد الصلاة ، وكان يسمع الحكومة ويردها غالبا إلى القضاة إذا كانت شرعية .
وفي ليلة الخميس رابع عشر شوال خسف القمر وظل منخسفا قدر أربع ساعات .
وفيه راجت الدراهم البندقية وحسن موقعها من الناس ، وحض المؤيد الإستادار وغيره من المباشرين على مصادرة أهل الظلم من البرد دارية والرسل والمتصرفين ، وكانوا قد كثروا جدا في أيام جمال الدين يوسف وتزايدت أموالهم بحيث أن واجدا منهم يقال له سعد أنشأ ببركة الرطلي دارا صرف عليها نحو خمسين ألف دينار ، فمال عليهم ابن محب الدين وصادر أكثرهم ، واشتد المؤيد في جلوسه للحكم على طائفة القبط وأسمعهم ما يكرهون . وضرب جماعة منهم بالمقارع وحط من قدرهم ، وأوقع التوكيل بود والنصارى حتى ألزموا بحمل عشرين ألف دينار مصالحة عما مضى لهم من الجزية ، واستقر زين الدين قاسم البشتكي في تحصيل ذلك منهم وفي نظر الجوالي .
وفي سلخ شوال أضيفت حسبة القاهرة ومصر إلى التاج الواليوقبض على منكلي بغا الحاجب المحتسب فوكل به أياما ثم أطلقه .
وفي أول يوم من ذي القعدة توجه السلطان إلى وسيم بالجيزة ثم توجه إلى تروجة . وقرر كمشبغا الميساوي في كشف الوجه البحري وفي شوال سعى كاتب السرابن البارزوي في احضار القاضي علاء الدين المغلى قاضي حماه فاذن له فاحضر في ذي القعدة فوجد السلطان في سفره تروجة . فأقام عند كاتب السر إلى أن قدم السلطان ثم كان ما سنذكره في السنة المقبلة .
وفي هذا السنة كثر الوباء بكورة البهنسا فمات خلق كثير .
وفي خامس ذي الحجة كان أمير الحاج وهو جقمق الدويدار قد منع عبيد أهل مكة من حمل السلاح في الحرم ، فاتفق أن واحدا منهم دخل ومعه سيفه ولم يسمع النداء ، فأحضر إلى جقمق فضربه وقيده ، فبلغ ذلك رفقته فأرادوا إثارة الفتنة ، فبادر جقمق فأغلق أبواب المسجد وأدخل خيله فيه ومشاعله ، فهجم عبيد مكة بالسلاح ركوبا على الخيل إلى المسجد ، فمشى أهل الخير وأشاروا عليه بإطلاق ذلك العبد تسكينا للفتنة ، فأطلقه فسكنت ، وقام الشريف حسن بإطفاء الفتنة ومنع القواد من القتال بعد أن وقع بينهم الشر ، وحصل لبعض الحاج عند الدفع من عرفة نهب وجراج ، وقتل في المعركة جماعة ، ولم يحج أكثر أهل مكة خوفا على أنفسهم .وفيها مات يغمور بن بهادر الدكري من أمراء التركمان هو وولده بالطاعون في أول ذي القعدة .
وفيها تواقع قرا يوسف وشاه رخ ابن تمر لنك ، ثم اصطلحا وتصاهرا .
وفي أواخر السنة عيد شاه رخ عيد النحر بمدينة قزوين ، وأرسل إلى قرا يوسف يلتمس منه أمورا ذكرها ، فكان ما سنذكره في العام الآتي .
وفيها مات غير من تقدم من الأمراء سليمان بن هبة بن جماز ابن منصور الحسيني مسجونا في آخر ذي الحجة وقد ولي إمرة المدينة مرة ، وفي أولها مات طوغان .
وفي هذه السنة جددت مئذنة جامع الأزهر وكانت أصلحت في سنة ثمانمائة فكملت في هذه السنة فأمر المؤيد بتجديدها ، فهدمت وأعيدت بحجر منحوت ، وجددت تحتها بوابة جديدة وكتب عليها اسم السلطان ، وكان تكميل ذلك في السنة المقبلة .
وفيها أخذ الفرنج سبتة ، وكان السبب في ذلك أن أحمد بن أبي سالم المريني نزل عنها لابن الأحمر صاحب غرناطة ، فانتقل ما كان فيها من العدد والأسلحة والذخائر إلى غرناطة ، ثم اتفقت الفتنة المقدم ذكرها في سنة أربع عشرة بين السعيد وقريبه أبي سعيد إلى أن قتل السعيد ،وأعقب ذلك الغلاء والوباء بمدينة فاس والغرب كله ، فولى السعيد على فاس رجلا سامهم سوء العذاب ، ثم أرسل أبو سعيد ا رجلا من أقاربه يقال له صالح ، بن صالح فتناهى في الظلم وفشا فيهم الموت ، وبلغ ذلك الفرنج فعمروا عليهم عدة مراكب فحصر صالح أهل الجبال وأنزلهم على البلد ، فرجع الفرنج إلى جزيرة بين سبته وجبل الفتح يسمى طرف القنديل فأقام بها ، فطال الأمر على أهل الجبال وظنوا أن الفرنج رجعوا إلى بلادهم وقلت على أهل الجبال الأزواد فتفرقوا ، فبلغ ذلك الفرنج فنازلوا أهل سبتة فقاتلوه فغالبهم بالكثرة ، وملكوا منهم المينا ، فخرج المسلمون بأهلهم وأموالهم وما قدروا عليه ، فدخل الفرنج البلد في سابع شعبان من هذا السنة ، ونقلوا ما كان بها حتى الكتب العلمية ، وكان بها منها شيء كثير إلى الغاية ، ونقلوا ما وجدوا بها من الرخام والآلات والأمتعة حتى الأنوال ، وتركوها قاعا خرابا ، ومع ذلك فهي بأيدهم فلا قوة إلا بالله .وفيات سنة 817
ذكر من مات سنة سبع عشرة وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن أبي أحمد ، المقرئ الحلبي ، اعتنى بالقرآن فكان يقرئ بمسجد يجاور الشاذبختيه بحلب مدة ، ثم تحول من حلب إلى القدس قبل الوقعة العظمى ، ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها ، ثم إلى طرابلس فتأهل بها واستمر إلى أن مات في شوال سنة 817 أثنى عليه القاضي علاء الدين في تاريخه على خيره ودينه .
أحمد بن عبد الله المالقي . الناسخ ، كان شافعي المذهب إلا أنه يحب ابن تيمية ومقالاته ، وكان حسن الخط كتب ثلاثمائة مصحف وعدة نسخ من صحيح البخاري وأشياء غير ذلك ، مات في شوال مطعونا ، وأرخه القاضي تقي الدين ابن قاضي شهبة في جمادى الأولى سنة خمس عشرة - فليحرر هذا .
أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني ، تقي الدين العامري ، ابنقاضي الزبداني ، ولد في ذي الحجة سنة خمسين ، واشتغل بدمشق فبرع في الحساب ، وشارك في الفقه قرأ في الأصول ، وولي قضاء بعلبك وبيروت ، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى ، وكان أسر مع التمرية ثم تخلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له : علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل ، قال : وكان ذلك قد كثر في دمشق قبل مجيء تمر لنك ، وكان يقرأ في المحراب جيدا ، وولي قضاء كفرطاب ، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب ، وكان دينا خيرا يتعانى المتجر ، مات بدمشق في ذي الحجة .
حسن بن موسى بن مكي القدسي الشافعي بدر الدين قاضي القدس ، سمع من الميدومي جزء ابن عرفة ، جزء البطاقة ، وغير ذلك وحدث عنه وولي قضاء القدس مرارا وكان مزجي البضاعة في العلم ، مات عن ستين سنة .
سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي ثم العيني ، سعد الدين ، نزيل حلب ، كان فاضلا عاقلا دينا ، له مروءة ومكارم أخلاق ، وله وقع في النفوس الخيرة ونفعه للطلبة وإحسانه م بعلمه وجاهه ، مات في أولشعبان وخلف ولده سعد الدين سعد الله ، ولم تطل مدته بل مات سنة 21 ولم يكهل .
شاهين الأفرم ، مات في الرملة عند توجههم إلى قتال نوروز ، وكان مشهورا بقلة الدين بل كان بعض الناس يتهمه في إسلامه ، وذكر لي الشيخ برهان الدين ابن زقاعة شيئا من ذلك ، وقال العينتابي : كان مدمنا على الخمر واللواط ، ولم يشتهر عنه خير ولا معروف مع كثرة أمواله .
عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم بن أبي المعالي الشيباني المكي ، سمع من عثمان بن الصفي الطبري والفخر النوري والسراج الدمنهوري و غيرهم وتفرد بالرواية عنهم بمكة ، وكان خطيبا بجدة ، مات في ربيع الآخر وقد قارب الثمانين ، وقد تقدم ذكر أخيه جار الله بن صالح .
عبد الله بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح الكناني العسقلاني الحنبلي ، جمال الدين سبط القلانسي ، ولد سنة خمسين ، وأحضر عند الميدومي ، وأسمع القلانسي والعرضي وابن الملوك ، وحدث بالكثير في آخر أمره واحب الرواية فأكثروا عنه ، وكان أبوه قاضي القضاة وكان هو بزي الجند مع الدين والعبادة وعلى ذهنه مسائل نفيسة ، مات في نصف السنة بالقاهرة .عبد الرحمن بن حيدر بن أبي بكر بن علي الشيرازي الدهقلي التاجر ، سمع من أحمد بن محمد الجوخي وغيره بدمشق ، وكان أبوه من طلبة الحديث فأسمعه الكثير ثم ضاعت أسمعته ، لقيته بزبيد فحدثني عن ست العرب بنت محمد بن الفخر ، ثم لقيته بعدن فحدثني عن ابن الجوخي وأجاز لي ، ومات في جزيرة من جزائر الهند وقد قارب السبعين .
عبد الرحمن بن علي بن يوسف الحسن بن محمود الزرندي الحنفي المدني ، ابن القاضي نور الدين ، ولد قبل سنة خمسين ، واشتغل ، وسمع من العلائي ، وولي قضاء المدينة بعد أخيه أبي الفتح سنة أربع وثمانين إلى أن مات إلا أنه عزل مرة سنة أربع وثمانمائة ثم أعيد ? ، وولي حسبة المدينة أيضا ، وحدثنا بمسلسل التمر بالمدينة ولم أضبط ذلك عنه ، وتفرد بالإجازة من الزبير بن علي الأسواني راوي الشفاء ، مات في ربيع الأول .عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن عبد الله بن المهاجر زين الدين ، ولد سنة ، وولي مشيخة خانقاه الصالح بحلب ثم ولي كتابة السر بها ثم ولي نظر الجيش ، وكان حسن السيرة ؛ مات في شعبان بعد أن أرتفع الطاعون .
عبد الرحمن بن محمد الحضرمي ، الزبيدي ، وجيه الدين ، سمع من خاله عيسى بن أحمد بن أبي الخير الشماخي وعلي بن شداد ، وأجاز له خالاه عبد الرحمن وإبراهيم ابنا أحمد بن أبي الخير ، وكان يحفظ كثيرا من أحاديث الأحكام ويذاكر بأشياء حسنة وأشعار ؛ مات في أول المحرم وله ثلاث وثمانون سنة .
محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة ابن مرزوق بن محمد بن سليمان المخزومي المكي الشافعي ، جمال الدين ، أبو حامد ، ولد سنة خمسين تقريبا ثم تحرر لي أنه ولد في شوال سنة إحدى وخمسين وعني بالحديث فرحل فيه إلى دمشق وحلب وحماة ومصر والقدس وغيرها ، وحصل الأجزاء والنسخ ، وكتب الكثير بخطه الدقيق الحسن ، وبرع في الفقه والحديث ، وشغل الناس وأفادهمنحو من أربعين سنة بمكة ، ومن شيوخه في الحديث بدمشق أبن أميلة وابن الهبل وابن أبي عمر صلاح الدين من أصحاب الفخر وجماعة من أصحاب التقى سليمان ومن بعدهم ، ومن شيوخه في الفقه بمكة عمه أبو الفضل النويري ، وبدمشق البهاء السبكي وقرأ عليه الحديث بمصر ، والأذرعي بحلب ، والبلقيني بمصر ، ولازم شيخنا العراقي في الحديث وقد خرج له صاحبنا غرس الدين خليل معجما عن شيوخه بالسماع والإجازة في مجلد وقد شرح هو قطعة من الحاوي ، وله عدة ضوابط نظما ونثرا ، وله أسئلة تدل على باع واسع في العلم ، استدعى الجواب عنها من شيخنا البلقيني فأجابه عنها ، وهي معروفة تلقب الأسئلة الملكية ، ومن ضوابطه في المواطن التي يزوج فيها الحاكم ، انشدها عنه رفيقه الحافظ برهان الدين بحلب وذكر إن شيخنا البلقيني لما سمعها أعجبه وبالغ في شكره لقوله فيها إسلام أم الفرع وهي لكافر :
عدم الولي وفقده ونكاحه
وكذاك غيبة المسافر قاصر
وكذاك إغماء وحبس مانع
أمة لمحجور توارى القادر
إحرامه وتعزز مع عضله
إسلام أم الفرع وهي لكافر
وحدث بكثير من مروياته بالمسجد الحرام وقد سمعت منه وحدثني من لفظه ، وهو أول شيخ سمعت الحديث بقراءته بمصر ي سنة ست وثمانين وقد ولي قضاء مكة سنة ثمانمائة - وعزل وأعيدمرارا ، ومات وهو قاض في شهر رمضان وكان كثير العبادة والأوراد مع السمت الحسن والسكون والسلامة - رحمه الله تعالى .
محمد بن عزيز الواعظ ، الحنفي ، كان فاضلا ذكيا ، ولي مشيخة اليونسية ودرس بغير مكان ، وكان حسن الخط والعشرة كريم النفس ، كتب بخطه كثيرا ؛ ومات في جمادى الآخرة .
محمد بن محمد بن محمد ، المخزومي الإسكندراني ، فتح الدين ، سمع من ابن نباتة سيرة ابن هشام وحدث بها عنه بمكة ، وكان يتعانى التجارة فنهب مرة وأملق وأقام بزبيد ينسخ للملك الأشرف ، ثم حسنت حاله وتبضع فربح ، ثم والى الأسفار إلى أن أثرى وجاور بمكة ، ثم ورد في البحر قاصدا القاهرة ؛ فمات بالطور في أوائل شعبان .
محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر ، الشيرازي الشيخ العلامة مجد الدين ، أبو الطاهر الفيروزابادي ، كان يرفع نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه ، ويذكر أن بعد عمر أبا بكر بن أحمد بن أحمد ابن فضل الله بن الشيخ أبي إسحاق ، ولم أزل أسمع مشايخنا يطعنون فيذلك مستندين إلى أن أبا إسحاق لم يعقب ، ثم ارتقى الشيخ مجد الدين درجة فادعى بعد أن ولي قضاء اليمن بمدة طويلة أنه من ذرية أبي بكر الصديق وزاد إلى أن رأيت بخطه لبعض نوابه في بعض كتبه محمد الصديقي ، ولم يكن مدفوعا عن معرفة إلا أن النفس تأبى قبول ذلك ، ولد الشيخ مجد الدين سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون وتفقه ببلاده ، وسمع بها من محمد بن يوسف الزرندي المدني صحيح البخاري وعلى بعض أصحاب الرشيد بن أبي القاسم ، ونظر في اللغة فكانت جل قصده في التحصيل فمهر فيها إلى أن بهر وفاق أقرانه ، ودخل الديار الشامية بعد الخمسين فسمع بها وظهرت فضائله وكثر الآخذين عنه ، ثم دخل القاهرة ، ثم جال في البلاد الشمالية والمشرقية ودخل الهند ، وعاد منها على طريق اليمن قاصدا مكة ودخل زبيد ، فتلقاه الملك الأشرف إسماعيل بالقبول ، وكان ذلك بعد وفاة جمال الدين الريمي قاضي الأقضية باليمن كله فقرره الأشرف مكانه وبالغ في إكرامه مرارا فاستقدت قدمة بزبير واستمر في ذلك إلى ان مات وقدم في هذه المرة مكة وأقام بها وبالطائف ، ثم رجع وصنف القاموس المحيط في اللغة لا مزيد عليه في حسن الاختصار وميز فيه زياداته على الصحاح بحيث لو أفردت لكانت قدر الصحاح وأكثر في عدد الكلمات وقرئ عليه ؛ وكان أولا ابتدأ بكتاب كبير في اللغة سماه اللامع والمعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب ، وكان يقول لو كمل لكان مائة مجلد ، وذكر عنه الشيخ برهان الدين الحلبي أنه تتبع أوهام المجمل لابن فارس في ألف موضع وكان مع ذلك يعظم ابن فارسويثني عليه ، وقد اكثر المجاورة بالحرمين ، وحصل دنيا طائلة وكتبا نفيسة لكنه كان كثير التبذير ، وكان لا يسافر إلا وصحبته عدة أحمال من الكتب ، ويخرج أكثرها في كل منزلة ينظر فيها ويعيدها إذا رحل ، وكان إذا أملق باعها ، وكان الأشرف كثير الإكرام له حتى أنه صنف له كتابا وأهداه له على أطباق فملأها له دراهم ، وصنف للناصر كتابا سماه تسهيل الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول ، والإصعاد على رتبة الاجتهاد في أربعة أسفار ، وشرع في شرح مطول على البخاري ملأه بغرائب المنقولات ، وذكر لي أنه بلغ عشرين سفرا إلا أنه لما اشتهرت باليمن مقالة ابن العربي ودعا ا الشيخ إسماعيل الجبرتي وغلب على علماء تلك البلاد ، صار الشيخ مجد الدين يدخل في شرح البخاري من كلام ابن العربي في الفتوحات ما كان سببا لشين الكتاب المذكور ، ولم أكن أتهم الشيخ بالمقالة المذكورة إلا أنه كان يحب المداراة ، وكان لناشري فاضل الفقهاء بزبيد يبالغ في الإنكار على إسماعيل - وشرح ذلك يطول ، ولما اجتمعت بالشيخ مجد الدين أظهر لي إنكار مقالة ابن العربي وغض منها ، ورأيته يصدق بوجود رتن الهندي وينكر على الذهبي قوله في الميزان أنه لاوجود له ، قال الشيخ مجد الدين : إنه دخل قريته ورأىذريته وهم مطبقون على تصديقه ، وقد أوضحت ذلك في ترجمة رتن من كتاب الإصابة ومن تصانيفه شوارق الأسرار في شرح مشارق الأنوار ، والروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف ، وتحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين ، وكان يقول : ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر ، ولم يقدر له قط أنه دخل بلدا إلا وأكرمه متوليها وبالغ في إكرامه مثل شاه شجاع صاحب تبريز ، والأشرف صاحب مصر ، والأشرف صاحب اليمن ، وابن عثمان صاحب التركية ، وأحمد بن أويس صاحب بغداد ، وغيرهم ، ومتعه الله بسمعه وبصره إلى أن مات ، سمع الشيخ مجد الدين من ابن الخباز وابن القيم وابن الحموي وأحمد بن عبد الرحمن المرداوي واحمد بن مطر النابلسي والشيخ تقي الدين السبكي ، ويحيى بن علي بن محلي بن الحداد وغيرهم بدمشق في سنة نيف وخمسين ، وبالقدس من العلائي والتباني ، وبمصر من القلانسي ومظفر الدين وناصر الدين التونسي وابن نباتة والفارقي والعرضي والعز وجماعة ، وبمكة من خليل المالكي والتقي الحرازي ، ولقي بغيرها من البلاد جمعا جما من الفضلاء وحمل عنهم شيئا كثيرا وخرج له الجمال المراكشي مشيخة ، واعتنى بالحديث ، اجتمعت به في
زبيد وفي وادي الخصيب ، وناولني جل القاموس وأذن لي مع المناولة أن أرويه عنه ، وقرأت عليه من حديثه عدة الأجزاء ، وسمعت منه المسلسل بالأولية بسماعه من السبكي ، وكتب لي تقريظا على بعض تخريجاتي أبلغ فيه ، وأنشدني لنفسه في سنة ثمانمائة بزبيد بيتين كتبهما عنه الصلاح الصفدي في سنة سبع وخمسين بدمشقوبين كتابتهما عنه ووفاته ستون سنة : يد وفي وادي الخصيب ، وناولني جل القاموس وأذن لي مع المناولة أن أرويه عنه ، وقرأت عليه من حديثه عدة الأجزاء ، وسمعت منه المسلسل بالأولية بسماعه من السبكي ، وكتب لي تقريظا على بعض تخريجاتي أبلغ فيه ، وأنشدني لنفسه في سنة ثمانمائة بزبيد بيتين كتبهما عنه الصلاح الصفدي في سنة سبع وخمسين بدمشق وبين كتابتهما عنه ووفاته ستون سنة :
أخلانا الأماجد إن رحلنا
ولم ترعوا لنا عهدا وإلا
نودعكم ونودعكم قلوبا
لعل الله يجمعنا وإلا
مات في ليلة العشرين من شوال وهو ممتع بحواسه وقد ناهز التسعين .
نوروز كان ممن مماليك الظاهر ، وأول ما رقاه خاصكيا ، ثم أمير أخور عوضا عن بكلمش سنة ثمانمائة ، وكان قبل ذلك أمره رأس نوبة صغيرا في شهر رجب سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، ثم رام القيام على السلطان فنم عليه بعض المماليك فقبض عليه في صفر سنة إحدى وثمانمائة وقيده وحمل إلى الإسكندرية فسجن ثم نقل إلى دمياط ثم أفرج عنه في سنة اثنتين وثمانمائة واستقر رأس نوبة كبيرا واستقر في نظر الشيخونية ، وحضر قتال ايتمش ثم وقعة اللنك ورجع مع من انهزم ، واستمر ينتقل في الفتن على ما مر في الحوادث إلى أن قتل في ربيع الآخر ، وكان متعاظما سفاكا للدماء عبوسا مهابا شديد البأس ، وكان مشؤم النقيبة ، ما كان في عسكر قط إلا انهزم ، ولا حفظ له أنه ظفر في وقعة قط ، وهو الذي عمر قلعة دمشق بعد اللنك ، قال العينتابي : كان جبارا ظالما غشوما بخيلا - كذا قال وقد سمعت الشيخ تقي الدين المقريزي يقول سمعت نوروز هذا يقول ما معناه إني ليشق على أن لا يكون في مماليك أستاذي الملك الظاهر رجل كامل في أمور المملكة وتدبير الرعية والرفق بهم .يشبك بن أزدمر كان مشهورا بالشجاعة والفروسية ، وقال العينتابي : كان ظالما لم يشتهر عنه خير - كذا قال ، وقد باشر نظر - الشيخونية ، ورأيت أهلها يبتهلون بالدعاء له والشكر منه .
يلبغا الناصري كان من خيار الأمراء ، مات ليلة الجمعة في شهر رمضان .
حوادث سنة 818
سنة ثماني عشرة وثمانمائة
في الثاني من المحرم قدم المؤيد بعد أن قرر على مشايخها أربعين ألف دينار فكانت مدة غيبته شهرين .
وفي عاشره افرج عن بيبغا المظفري وبكتمر اليوسفي من سجن الإسكندرية .
وفيها استعد قرا يوسف للحرب بينه وبين شاه رخ بن تمر لنك وذلك أن ابن تمر لنك استناب في فارس بعد أن غلب عليها وانتزع من مملكتها ابن أخيه إسكندر بن مرزة بن تمر لنك أخاه رستم وأمر بالإسكندر فكحل ثم أطلق ، فجمع الإسكندر جمعا ، وحارب أخاه فانهزم الإسكندر ، فأمر به عمه فقتل وتسلم شاه رخ السلطانية وتفرغوجه شاه رخ لقرا يوسف وكان أرسل يطلب منه قريتين عينهما وامرأة أخي وابنة أخي وكان قرا يوسف قد أسرهما ويقال إنه تزوجهما ، ويلتمس منه أن يلتزم بديات من قتل من إخوته ورد ما وصل من أموالهم وأن يضرب السكة باسمه ويخطب له في بلاده فلم يفعل قرا يوسف ذلك واستعد للحرب من أواخر العام الماضي وأرسل إلى ابنه محمد شاه من بغداد وينبه عساكره المتفرقة في البلاد .
وفيه قدم كتاب فخر الدين بن أبي الفرج من بغداد بأنه مقيم بالمستنصرية وإنما هرب خوفا على نفسه ويسأل العفو ويطلب الأمان ، وكان استشفع بالشيخ محمد بن قديدار الدمشقي فأرسل كتابه قرين كتابه ، فأجيب بما طيب خاطره .
وفيه وصل كتاب أقبقا النظامي من جزيرة قبرس وكان قد توجه من العام الماضي لفك إساري المسلمين بأنه وجد هناك خمسمائة أسير وأزيد فافتكهم بثلاثة عشر ألف دينار ، وأنه أرسل للفرنج المبلغ الذي كان جهزه معه وهو عشرة آلاف دينار وسمح له متملك قبرس بالباقي ، وحمل منهم إلى جهة مصر مائتي أسير وفرق الباقي في سواحل الشام .
وفيها قتل طوغان الدويدار وسودون المحمدي ودمرداش المحمدي واسنبغا الزردكاش بسجن الإسكندرية وأقيم عزاؤهم بالقاهرة .
وفيه هزم إينال الصصلاي نائب حلب كردى بن كندر التركمانيوانتهب من غنمه شيئا كثيرا فاستعان عليه بعلي بن دلغادر ، فدخل بينهما في الصلح حتى رجع إينال عنه إلى حلب .
وفي المحرم في هذه السنة ابتدأ الطاعون بالقاهرة ، وتزايد في صفر حتى بلغ في ربيع الأول في كل يوم ثمانين نفسا ثم ارتفع في ربيع الآخر .
وفي مستهل صفر صرف مجد الدين سالم الحنبلي عن قضاء الحنابلة وأمر بلزوم بيته .
وفي الثاني عشر منه قرر في منصبه علاء الدين علي بن محمود بن مغلي الحموي وكان قد قدم من حماة في أواخر السنة الماضية والسلطان بالبحيرة .
واستقر قضاء حماة بيده وأذن له أن يستنيب عنه من شاء وسعى مجد الدين عند اقباي الدويدار فقام معه في ذلك قياما كليا ولم يفد ذلك شيئا .
وفيه عزل شهاب الدين بن سفري عن قضاء العسكر ، وقرر فيه تقي الدين أبو بكر بن عمر بن محمد الختني الحموي الحنفي وكان قدم صحبة ابن مغلي المذكور .
وفي صفر كثر ضرب الدراهم المؤيدية ، ثم استدعى المؤيد القضاةوالأمراء وتشاوروا في ذلك ، وأراد المؤيد إبطال الذهب الناصري وإعادته إلى الهرجة فقال له البلقيني : في هذا إتلاف شيء كثير من المال ، فلم يعجبه ذلك وصمم على إفساد الناصرية وأمر يشبك ما هو حاصل عنده وضربه هرجة ، فذكر لنا بعد مدة أنه نقص عليه سبعة آلاف دينار ، وأمر القضاة وغيرهم أن يدبروا رأيهم في تسعير الفضة المضروبة فاتفقوا على أن يكون كل درهم صغير بتسعة دراهم وكل درهم كبير بثمانية عشر على أن يكون وزن الصغير سبعة قراريط فضة خالصة ووزن الكبير أربعة عشر قيراطا واستمر ذلك وكثرت بأيدي الناس وانتفعوا بها ، ونودي على البندقية : كل وزن درهم بخمسة عشر .
وفي صفر وقع الشروع في حفر الرمل الكائن بين جامعي الخطيري ببولاق والناصري المعروف بالجديد بمصر ، وكانت الرمال قد كثرت هناك جدا بحيث كان ذلك أعظم الأسباب في تخريب منشاة المهراني ومنشاة الكتان وموردة الحبس وزريبة قوصون وحكر ابن الأثير وفم الخور ، وكانت هذه الأماكن في غاية العمران ، فلما انحسر عنها النيل ودام انحساره خربت فاتفق أن السلطان ركب إلى هذا النواحي وكان عهده بها عامرة فسأله عن سبب خرابها فأخبر به ، فأراد حفر ما بين الجامعين ليعود الماء ا صيفا وشتاء ، وشرع حينئذ في الأمر بعمارتها فابتدأ بذلك في عاشر صفر ، فنزل كزل العجمي وهو يومئذ أمير جندار ، فعلق مائة وخمسين رأسا من البقر لتجرف الرمال ، ثم تلاه سودون القاضي فاستمر العمل بقية صفر وربيع الأول ، فلما كانيوم الثاني من ربيع الأول ركب السلطان ومعه الأمراء وغيرهم إلى حيث العمل في حفر البحر ونزل في خيمة نصبت له ونودي بخروج الناس إلى الحفير فخرجت جميع الطوائف وغلقت الأسواق وعمل فيه حتى الأمراء وأرباب الدولة والتجار واستمر العمل ، ثم دخل الناس في العمل حتى الصوفية الذين بالظاهرية بين القصرين فإنهم توجهوا لتوجه ناظرها أمير أخور ثم أعفوا من العمل ، ثم صار يخرج كل يوم أمير كبير ومعه طوائف لا تحصى ، وتكرر النداء في القاهرة بالخروج إلى العمل واستمر طوال هذا الشهر ، وما أفاد ذلك شيئا بعد طول العناء .
وفي صفر قبض على شاهين الأيد كاري بحلب وسجن بالقلعة ، ومات سنقر الرومي بسجن الإسكندرية .
وفيه سأل حسن ابن بشارة أن يستقر في مشيخة العشير ويحمل ثلاثين ألف دينار فأجيب على ذلك ، وأرسلت خلعة مع يشبك الخاصكي فأعطاه ثلاثة عشر ألف دينار - وأحيل عليه أرغون شاه أستادار الشام بالباقي ، فبلغ ذلك أخاه محمدا فغضب واقتتلا ، فانكسر محمد وانهزم إلى جهة العراق .
وفي المحرم تسلم أحمد بن رمضان مدينة طرطوس عنوة بعد أن حاصرها سبعة أشهر وسبى أهلها وخطب فيها للمؤيد ، وأرسل إلى نائب حلب فأعلمه بذلك .وفيه أرسل حسين بن نعير ملك العرب يسأل قرا يلك أن يشفع له إلى السلطان وإرسال قوده وكتابه ، فأجيب إلى ذلك .
وفي هذا الأيام حاري كرسجي بن أبي يزيد بن عثمان محمد بن قرمان صاحب قونية ، فانكسر محمد وانتزعت منه بلاده سوى قونية .
وفي ربيع الأول عزل حسن بن عجلان عن إمرة مكة وقرر ابن أخيه رميثة بن محمد بن عجلان فبلغ ذلك ابن عجلان ، فصادر التجار المقيمين بمكة وأخذ منهم أموالا عظيمة .
وفي صفر الموافق لتاسع بشنس من شهور القبط في وسط الربيع حدث بمصر برق ورعد هائل لم يعهد مثله في هذا الزمان وأعقبه مطر كثير جدا بحيث سالت الأودية سيلا كثيرا تغير منه ماء النيل .
وفيه أول ربيع الأول أنكر المؤيد على القضاة كثرة النواب فخففوا منهم كثيرا ، فاستقر للحنفي ستة وللشافعي أربعة عشرة بشرط أن لا يرتشوا .وفيه قبض على آق بلاط نائب عينتاب وعلى شاهين الرزدكاش وسجنا بقلعة حلب .
وفيه استقر محي الدين المدني الموقع في كتابة السر بدمشق وكان أقام بالقاهرة مدة طويلة وباشر التوقيع بها ، ثم نقل في هذا الشهر إلى دمشق .
وفيه أمر السلطان أستاداره ووزيره وناظر خواصه في مصادرة المباشرين فصودروا على خمسين ألف دينار قررت عليهم على مراتبهم وشرعوا في جبايتها .
وفيه ابتدئ بعمارة المدرسة المؤيدة داخل باب زويلة ، وسببه أن المؤيد كان حبس في خزانه شمائل أيام فتنة منطاش فنذر لئن الله نجاه وملكه القاهرة أن يبني مكانها جامعا يقام فيه ذكر الله فابتدأ في الوفاء بنذره ، فأول شيء بدأ به أخذ القيسارية المعروفة بسنقر الأشقر مقابل سوق الفاضل فنزل التاج الوالي وجماعة من أرباب الدولة وابتدئ بالهدم فيها وما بجوارها وانتقل السكان بها ، فلما كان في الرابع من جمادى الآخرة ابتدئ بحفر الأساس وشرع في العمل وقرر الأمير ططر شادا على العمارة وبهاء الدين ابن البرجي الذي كان محتسبا مرة في النظر علىالعمارة المذكورة وكان صديق ططر فسعى له في ذلك فاستمر .
وفي أواخر ربيع الأول قدم على المؤيد شمس الدين شمس بن عطاء الله الرازي المعروف بالهروي وكان من أعوان تمر لنك ، فأرسله إلى جهاته فخانه فتهدده ، ففر منه إلى بلاد الروم فالتمس من ابن قرمان أن يجمع بينه وبين عالم بلادهم شمس الدين الغناري ، فامتنع ابن قرمان من ذلك ، وقال : هذا رجل منسوب على العلم والغناري عالمنا فلا يسهل بنا أن يغلب عالمنا ولا أن ينكسر خاطر هذا الغريب ، فأكرمه بأنواع من الكرامات غير ذلك فصرفه عن بلاده ، فدخل الشام وحج ثم رجع إلى القدس فانتزع الصلاحية بعناية نوروز من القمني واستمر بها مدرسا ثم سعى عليه القمني في دولة المستعين فعزل واستقر القمني ولم ينفذ ذلك لغلبة نوروز على البلاد الشامية . فلما توجه المؤيد إلى قتال نوروز لقيه الهروي فقرره في الصلاحية ، ولما رجع إلى القاهرة لقيه أيضا فاستأذنه أن يحضر إلى القاهرة فأذن له فحضر ، فخرج إلى لقائه جماعة ، وتعصب له كثير منمشايخ العجم ، وشاع عنه أنه يحفظ أثني عشرة ألف حديث ، وانه يحفظ صحيح مسلم بأسانيده ، ويحفظ متون البخاري ، فاستعظم الناس ذلك ودار القمني على الأمراء يلتمس أن يسألوا المؤيد أن يحضر الهروي ويعقد له مجلسا بالعلماء ليظهر له أنه مزجي البضاعة في العلم ، فلم يزل يسعى في ذلك إلى أن أجاب السلطان ، وكان الهروي قد اجتمع به وأحضره المولد الخاص ، وأرسل إلى القاضيين البلقيني وابن مغلي ، فتكلموا بحضرته ولم يمعنوا في ذلك وكان من جملة ما سأل الهروي عنه حينئذ هل ورد النص على أن المغرب لا تقصر في السفر ? فقال : نعم ، جاء ذلك من حديث جابر في كتاب الفردوس لأبي الليث السمرقندي ، فلما انفصلوا روجع البستان لأبي الليث فلم يوجد فيه ذلك ، فقيل له في ذلك فقال للسمرقندي بهذا الكتاب ثلاث نسخ : كبرى ووسطى ، وصغرى ، وهذا الحديث في الكبرى ولم يدخل الكبرى هذا البلاد فاستشعروا كذبه من يومئذ ، وأنزله السلطان دارا حسنة بالقاهرة ورتب له رواتب جليلة ، وهاداه أهل الدولة فأكثروا من فاخر الثياب وغيرها ، فلما كان يوم الخميس ثامن عشر شهر ربيع الآخر ، أحضر المؤيد الهروي المذكور وأمر القضاة الأربعة ومشايخ الفنون من العلماء بالحضور ، وكان مجلسا حافلا بالمنظرة التي داخل الحوش السلطاني ، فكان أول شيء سئل عنه الهروي على من سمع منه - صحيح البخاري ، فاختلق في الحال إسناد إلى أبي الوقت ، زعم أن أباه حدثه عن شيخ يقال له أحمد بن عبد الكريم البوشنجي ، عاشمائة وعشرين سنة عن آخر يقال له أبو الفح الهروي عاش أيضا مائة وعشرين سنة عن أبي الوقت ، فقال له كاتبه : أولادنا يرون الصحيح إلى أبي الوقت بمثل هذا العدد برجال أشهر من هؤلاء وكان المذكور قد ضبط عنه الرحالة أول ما قدم بيت المقدس منهم صاحبنا الحافظ جمال الدين محمد بن موسى المراكشي ثم المكي أنه يروي الصحيح عن علي بن يوسف بن عبد الكريم عن ناصر الدين محمد بن إسماعيل الفارقي عن ابن أبي الذكر الصقلي عن الزبيدي عن أبي الوقت وهذا الإسناد أيضا أظنه مما اختلق بعضه ، وذلك أن الكرماني الذي شرح البخاري هو محمد بن يوسف بن عبد الكريم وهو ذكر في مقدمة شرح البخاري أنه سمع الصحيح من جماعة منهم الفارقي المذكور بالإسناد المذكور ، فأن كان الهروي صادقا فيكون أخذه عن أخيه على إن كان للكرماني أخ اسمه علي ، ثم قال بعض خواص السلطان : ينبغي أن يفتح السلطان المصحف فأول شيء يخرج يقع الكلام فيه ، فأحضر مصحف فتناوله السلطان بيده وفتحه فخرج قوله تعالى : لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى الآية ، فتكلموا في معاني لو فبدر من الشيخ همام الدين الخوارزمي شيخ الخانقاه الجمالية وكان قد حضرمع الهروي حمية له لأنه كان يذكر أن الهروي قرأ عليه ، وكان الهروي قد صاهره على ابنته ، فتعصب الهمام للهروي على البلقيني ، وكان غرضهم إذا أغضبوه يتغير مزاجه لما عرفوا من سرعة انفعاله وعدم صبره على الضيم فتواصوا على أن يغضبوه ، فكلمه الهمام بكلام أزعجه فقال : مثلك يقول لمثلي هذا فقال : نعم ، أنا أفضل منك ، ومن كل شيء ، فبدر كاتبه فقال له : يا شيخ هذا الإطلاق كفر ، فجحد أن يكون قال ذلك وكان السلطان قد سمعه لأنه كان جالسا إلى جانبه ، فأظهر مع ذلك انزعاجا على كاتبه لكونه خالفه ، فقال : أنشد الله رجلا سمع ما سمعت إلا شهد به فشهد تقي الدين
الجيني وآخر ، فقال : ما قصدت بهذا الإطلاق إلا الحاضرين ، فقيل له : إذا سلم ذلك ففيه دعوى عريضة ، وإساءة أدب واشتد انزعاج البلقيني من ذلك حتى قال : ما أساء أحد علي الأدب منذ بلغت الحلم مثل اليوم . وصار لا ينتفع بنفسه بقية ذلك اليوم فتم لهم ما أبرموه إلا أنهم خذلوا بهذا السقطة ، وكانوا قد رتبوا مع الشيخ شرف الدين التباني على ما أخبر به بعد ذلك أن يسأل الهروي في المجلس عن حديث الوضوء بالنبيذ ومن خرجه ، فسأله عن ذلك - مع أنه لا يتعلق بما كانوا فيه ، فبادر أن قال : رواه الترمذي قال ثنا هناد بن السري ثنا شريك ثنا أبو قرارة عن أبي زيد عن ابن مسعودرضي الله عنه ورواه ابن ماجه قال ثنا العباس بن الوليد الدمشقي ثنا مروان بن محمد ثنا قاسم بن عبد الكريم عن حنش الصنعاني عن ابن عباس عن عبد الله بن مسعود ، فقال له كاتبه : هذا الإسناد الذي سقته لابن ماجه غلط ، وليس في ابن ماجه ، ولا غيره من الكتب الستة أحد اسمه قاسم بن عبد الكريم ، وأيضا فليس في سياق ابن ماجة أن الحديث لابن عباس عن ابن مسعود ، وليس لفظه مطابقا للفظ سياق الترمذي ، فقال الهروي : فما هو الصواب في هذا الإسناد ? فقال له : يكتب ما قلت وأنا أبين موضع الغلط ويحضر ابن ماجه ، فإن كان كما قلت وإلا تبين خطاءك فلم يجسر أحد أن يكتب ذلك حتى أشار السلطان إلى تقي الدين الجيني فكتب ذلك ، فظهر الصواب مع كاتبه فسقط عليه راو وأبدل وأحدا بآخر ، والساقط ابن لهيعة شيخ مروان بن محمد ، والمبدل قيس بن الحجاج فجعله الهروي قاسم بن عبد الكريم ، ووضحت مجازفة الهروي حينئذ ، ومال السلطان إلى كاتبه وصار يغمزه بعينه تارة ويرسل من يسر من خواصه أن لا تترك منازعة الهروي ، فقوي عليه بذلك وقال حينئذ : يا شيخ شمس الدين أنت تدعي أنك تحفظ اثني عشر ألفحديث وقد ارتاب من بلغه عنك ذلك في صحته ، وأنا أمتحنك بشيء واحد وهو أن تسرد لنا في هذا المجلس اثني عشر حديثا من كل ألف حديث حديثا واحدا بشرط أن تكون هذه الأحاديث متباينة الأسانيد ، فإن أمليتها علينا إملاء أو سردتها سردا أقررنا لك بالحفظ وإلا ظهر عجزك ، فقال : أنا ما أستطيع السرد ولكن أكتب فقال له الإملاء نظير الكتابة فقال : لا ، إلا أنا أكتب ، فأحضر له في الحال دواة وورق ، فشرع يكتب فلم يستتم البسملة إلا وهو يرعد ولم يكتب بعدها حرفا واحدا وقال : لا أستطيع أكتب إلا خاليا فيأمر السلطان أن أختلي في بيت وأنت في بيت ويكتب كل من حفظه ما يستطيعه ، فمن كتب أكثر كان أحفظ ، فقال له كاتبه : إنا لم نحضر لنتخاير في سرعة الكتابة ، مع أن شهرة كاتبه بسرعة الكتابة غير خفيه ولكن أراد إظهار عجز الهروي عما ادعاه من الحفظ ، والتمس منه أن يكتب في المجلس حديثا واحدا ليتبين للحاضرين خطاءه فيه فلم يستطع فضلا عن أن يمليه ، فطال الخطب في ذلك وكل أحد ممن يتعصب له يقصد ان ينصره بكلام وكل أحد ممن يتعصب عليه يدفع ما يقول للقائل ، وكلما فترت همتهم في ذلك أو كادت يرسل السلطان بعض خواصه لكاتبه يحدفه عليه إلى أن قرب وقت الصلاة للظهر ، وكان ابتداء الحضور ضحى النهار فقمنا إلى صلاة الظهر ثم تحولنا إلى البستان على شاطئ البركة الكبرى ، فقال السلطان للشيخ زين الدين القمني : ما لك لم تتكلم في هذا المجلس معالهروي ? فقال : نعم ، أتكلم معه في مسائل الوضوء فإنه لا يعرف شيئا ، وشرع في خطابته على عادة شقاشقه فلم ينجع شيئا ، ومد السماط فأكل الجماعة ثم جيء بالحلواء ثم بالفاكهة فقرأ قارئ مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها - الآية . فقال الشيخ نور الدين البلواني وهو ممن حضر المجلس : الظل لا يكون إلا عن ضوء والجنة لا شمس فيها ولا قمر فأجابه بعض الحاضرين وانجر الكلام إلى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم : سبعة يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله - الحديث ، فقال كاتبه : هل فيكم من يحفظ لهذا السبعة ثامنا ? فقالوا : لا ، فقال : ولا هذا الذي يدعي أنه يحفظ اثني عشر ألف حديث - وأشار ، فسكت ، فأعاد عليه فسكت ، فقال له بعضهم فهل : تحفظ أنت ثامنا ? فقال : نعم : أعرف ثامنا وتاسعا وعاشرا وأعجب من ذلك أن في صحيح مسلم الذي يدعي هذا الشيخ أنه يحفظه كله ثامن السبعة المذكورين ، فقيل له : أفدنا ذلك ، فقال : المقام مقام امتحان لا مقام إفادة وإذا صرتم في مقام الاستفادة أفدتكم ،
ثم جمع كاتبه بعد ذلك ما ورد في ذلك ، فبلغوا زيادة على عشر خصال زائدة على السبع المذكورة في الحديث المذكور ، وكان أبو شامة قد نظم السبعة المشهورة في بيتين مشهورين ، فجمع كاتبه سبعة وردت في أسانيد جياد فنظمها في بيتين ، ثم جمع سبعة ثالثة بأسانيد فيها مقال ونظمها في بيتين آخرين ، وانقضىالمجلس بصلاة العصر ، فلما أرادوا القيام قال كاتبه للسلطان : يا خوند أدعي على هذا إن لي عنده دينا ، فقال : ماهو ? فقال : اثنا عشر حديثا ، فتبسم وانصرفوا ، فلما كاد كاتبه أن يخرج من باب الحوش طلبه فعاد ، فوجد السلطان قد قام ليقضي حاجته فوقف مع خواصه إلى أن يحضر ، فقال له كاتب السر : إن السلطان قال : قد استحييت من فلان كيف يتوجه بغير ثواب فقلت له : إن كان شيخ البيبرسية وانتزعها منه أخو جمال الدين ظلما ، فلما استتم كلامه حضر السلطان فأشار إلى كاتب السر أن يعلم كاتبه بما تقرر من أمر البيبرسية فقال له ان السلطان قد اعاد اليك مشيخة البيرسية فشكرت له ذلك ثم قلت له قررتني في مشيخة البيبرسية ونظرها وعزل من هو مقرر فيها بحكم أنه انتزعها مني بغير حجة ، فقال : نعم ، فأشهدت عليه بذلك من حضر ، وفي غداة غد ليست بها خلعة وحضرتها وصرف أخو جمال الدين منها ، ثم عوض بعد سنتين مشيخة سعيد السعداء بعد موت البلالي - كما سيأتي - بعناية الأمير ططر الذي ولى السلطنة في سنة أربع وعشرين ، وكان أخو جمال الدين قد استعان على كاتبه بتنبك يبق فاستعان تنبك باقباي الدويدار الكبيروبططر المذكور وكلموا السلطان مرارا في ذلك فامتنع ، فلما أيسوا منه عدلوا إلى المخادعة ، فلم يزل ذلك في نفس ططر إلى أن قرر المذكور في الخانقاه السعيدية بعد موت البلالي وكفا الله شره ، وأما الهروي فإن طائفة من العجم ، وغيرهم سعوا عند الأمراء ، وسألوا السلطان أن ينعم عليه بما ينجبر به خاطره وخاطر صهره ، فأحضر يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الآخر وخلع عليه جبة بسمور وأركب فرسا مسروجا ورجع إلى منزله ومعه طائفة من الأمراء وغيرهم ، وأشيع بأنها خلعة استمرار تدريس الصلاحية ، فسقط في يد القمني وانزعج من ذلك لأنه كان أعظم الأسباب فيما وقع للهروي ، وإنما سعى في ذلك لينتزع منه الصلاحية لكونها كانت بيده قبل ذلك فدار على الأمراء وغيرهم فما أجيب إلى ذلك ، فلما يئس سأل أن يعوض عنها بسموح مركب في البحر لا يؤخذ منه على ما يحضر فيها مكس ، فكتب له بذلك واطمأنت نفسه واستمر يؤجرها هو بأجرة بالغة في الزيادة لتتوفر دواعي التجار على ركوبها ، فإذا وصلوا أخذ المستأجر من التجار الأجرة مضاعفة بسبب رفع المكس ، واستمر الهروي بعد ذلك مقيما بالقاهرة إلى أن خرج صحبة ركاب السلطان إلى الشام فقرره في نظر القدس والخليل زيادة على مشيخة الصلاحية كما سيأتي . م جمع كاتبه بعد ذلك ما ورد في ذلك ، فبلغوا زيادة على عشر خصال زائدة على السبع المذكورة في الحديث المذكور ، وكان أبو شامة قد نظم السبعة المشهورة في بيتين مشهورين ، فجمع كاتبه سبعة وردت في أسانيد جياد فنظمها في بيتين ، ثم جمع سبعة ثالثة بأسانيد فيها مقال ونظمها في بيتين آخرين ، وانقضى المجلس بصلاة العصر ، فلما أرادوا القيام قال كاتبه للسلطان : يا خوند أدعي على هذا إن لي عنده دينا ، فقال : ماهو ? فقال : اثنا عشر حديثا ، فتبسم وانصرفوا ، فلما كاد كاتبه أن يخرج من باب الحوش طلبه فعاد ، فوجد السلطان قد قام ليقضي حاجته فوقف مع خواصه إلى أن يحضر ، فقال له كاتب السر : إن السلطان قال : قد استحييت من فلان كيف يتوجه بغير ثواب فقلت له : إن كان شيخ البيبرسية وانتزعها منه أخو جمال الدين ظلما ، فلما استتم كلامه حضر السلطان فأشار إلى كاتب السر أن يعلم كاتبه بما تقرر من أمر البيبرسية فقال له ان السلطان قد اعاد اليك مشيخة البيرسية فشكرت له ذلك ثم قلت له قررتني في مشيخة البيبرسية ونظرها وعزل من هو مقرر فيها بحكم أنه انتزعها مني بغير حجة ، فقال : نعم ، فأشهدت عليه بذلك من حضر ، وفي غداة غد ليست بها خلعة وحضرتها وصرف أخو جمال الدين منها ، ثم عوض بعد سنتين مشيخة سعيد السعداء بعد موت البلالي - كما سيأتي - بعناية الأمير ططر الذي ولى السلطنة في سنة أربع وعشرين ، وكان أخو جمال الدين قد استعان على كاتبه بتنبك يبق فاستعان تنبك باقباي الدويدار الكبير وبططر المذكور وكلموا السلطان مرارا في ذلك فامتنع ، فلما أيسوا منه عدلوا إلى المخادعة ، فلم يزل ذلك في نفس ططر إلى أن قرر المذكور في الخانقاه السعيدية بعد موت البلالي وكفا الله شره ، وأما الهروي فإن طائفة من العجم ، وغيرهم سعوا عند الأمراء ، وسألوا السلطان أن ينعم عليه بما ينجبر به خاطره وخاطر صهره ، فأحضر يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الآخر وخلع عليه جبة بسمور وأركب فرسا مسروجا ورجع إلى منزله ومعه طائفة من الأمراء وغيرهم ، وأشيع بأنها خلعة استمرار تدريس الصلاحية ، فسقط في يد القمني وانزعج من ذلك لأنه كان أعظم الأسباب فيما وقع للهروي ، وإنما سعى في ذلك لينتزع منه الصلاحية لكونها كانت بيده قبل ذلك فدار على الأمراء وغيرهم فما أجيب إلى ذلك ، فلما يئس سأل أن يعوض عنها بسموح مركب في البحر لا يؤخذ منه على ما يحضر فيها مكس ، فكتب له بذلك واطمأنت نفسه واستمر يؤجرها هو بأجرة بالغة في الزيادة لتتوفر دواعي التجار على ركوبها ، فإذا وصلوا أخذ المستأجر من التجار الأجرة مضاعفة بسبب رفع المكس ، واستمر الهروي بعد ذلك مقيما بالقاهرة إلى أن خرج صحبة ركاب السلطان إلى الشام فقرره في نظر القدس والخليل زيادة على مشيخة الصلاحية كما سيأتي .
وفي هذه السنة قبض اقباي الدويدار على الشيخ شرف الدينالتباني بسبب الكسوة التي عملت في هذه ألسنة وأغرمه مالا كثيرا باع فيه دار قد استجداها في دول المؤيد ، وعزل عن نظر الكسوة ، ورد السلطان أمرها إلى ناظر الجيش علم الدين ابن الكوير ، وأمده بألف دينار مضافا إلى ما يتحصل من وقفها ، فعملت في السنة المقبلة فجاءت في غاية الحسن وفي جمادى الأولى عصى قانباي على السلطان وزين له الشيطان أن يستبد بالملك وكان السلطان لما بلغه طرف من ذلك عزله من نيابة الشام وقرر فيها الطنبغا العثماني ، وفي أثناء ذلك في رجب عثر بالقاهرة على كتاب من قانباي على جانبك الصوفي فأحضر جانبك وسئل عن ذلك فأنكر ، فعوقب عقوبة عظيمة وعصرت رجلاه ليقر على من وافق قانباي على العصيان والمخامرة ، واستقر الطنبغا القرمشي أميرا كبيرا عوضا عن العثماني ، واستقر تاني بك ميق أمير أخور عوضا عن القرمشي واستقر سودون قرا صقل حاجب الحجاب عوضا عن سودون القاضي ، واستقر سودون القاضي رأس نوبة عوضا عن سنقر ، وأرسل إلى قانباي جلبانأمير أخور لإحضاره إلى القاهرة واستقراره بها أميرا ، فوصل جلبان في أول جمادى الآخرة وبلغه الرسالة فأظهر الامتثال وأخذ في نقل حريمه من دار السعادة إلى بيت الغرس الأستادار بطرف القبيبات فبينا جلبان المذكور ومعه أرغون شاه وتنبغا المظفري ، ومحمد بن منجك ويشبك الأتمشي يسيرون تحت القلعة إذ وصل يلبغا كماج الكاشف إلى داريا فخرج قانباي فاتفقا على محاربة المؤيدية ، فبلغهم ذلك فتأهبوا للحرب ، ثم وقع القتال من بكرة النهار إلى العصر ، فانهزم المؤيدية ، ومروا على وجوههم إلى صفد ، واستمر محمد بن منجك في هزيمته إلى القاهرة ، ودخل قانباي دمشق فنزل دار السعادة وحاصر القلعة وتراموا بالسهام والمجانيق فاستظهروا عليه فتحول إلى خان السلطان ، ووصل طرباي نائب غزة مطاوعا له على العصيان وانضم اليه ثاني بك البجاسي نائب حماه وسودون الدجي بن عبد الرحمن نائب طرابلس وجماعة وكاتب نائب حلب اينال الصصلاي فوافقه على العصيان أيضا وخرج في عسكره من حلب لملاقاته ، فخرج قانباي بمن أطاعه إلى جهة حلب ، ولما بلغ قانباي خروج المؤيد إلى حربه توجه إلى جهة حلب - من طريق البرية وكان نائب حماةلما أظهر العصيان اتفق أنه خرج إلى المعرة فلما أراد دخول حماة منعه أهلها ، فلما وصل قانباي إلى تلك الجهة انضم واجتمعوا كلهم بحلب ، وكان شاهين الدويدار بحلب خالف إينال الصصلاي في العصيان ، وطلع إلى القلعة وحصنها واجتهد في قتال المخالفين ، فحاصرهم إينال نحو شهرين ونصف ، فبلغ الطنبغا العثماني الذي استقر نائب الشام خبر قانباي ومن معه فتوجه إلى جهتهم ومعه العسكر المندوب من القاهرة والذين كانوا انهزموا إلى صفد إلى أن وصلوا برزة ، فوجدوا قانباي قد تقدم فتبعوه فأخذوا من ساقته أغناما ووصل قانباي إلى سلمية في سلخ رجب ، ثم رحل من حماة في ثاني عشر شعبان فوافاه إينال نائب حلب وسودون ابن عبد الرحمن نائب طرابلس وكثر جمعهم ، ووصل إلى القاهرة محمد ابن إبراهيم بن منجك في ثالث عشري رجب فحقق للسلطان عصيان قانباي وأخبره بالوقعة التي انهزم هو فيها منه ، فلم يكذب السلطان خبرا وأصبح منزعجا فأنفق في العسكر وعين من يسافر معه منهم ، وأعفي القضاة والخليفة من السفر معه لكن سار معه القاضي الحنفي ناصر الدين ابن العديم باختياره ، وسار جريدة بعد وصول ابن منجك بأيام يسيرة وذلك في ثاني عشري رجب ، وقرر نيابة الغيبة ططر وقرر سودون قرا صقل حاجب الحجاب وقطلوبغا التيمي نائب القلعة وعزل ابن الهيصم عن الوزارة في تاسع عشر رجب وشغرت الوزارة فقرر أبوكمفي نظر الدولة ليسد المهمات في غيبة السلطان بمراجعة الأستادار .
واستمر السلطان في سفره فدخل دمشق في سادس شعبان وكان قد دخل غزة وخرج منها في يومه ثم خرج من دمشق في ثامن شعبان ، فلما كان في ثاني عشر شعبان قبل أن يصل السلطان بعسكره التقى عسكر قانباي وإينال ومن معهما وعسكر السلطان فالتقى العسكران فانكسر قانباي الدويدار وأسرهم وجماعة من العسكر وانهزم بعضهم فاتفق موافاة السلطان صبيحة ثاني يوم الوقعة وقد نزل العسكر واستغلوا بالنهب واطمأنوا ، فطلعت أعلامه عليهم من وراء أكمة فولوا الأدبار ولم يلو أحد على أحد ، فقبض المأسورون في الحال على من أسرهم واستعادوا ما نهب منهم ورجع الناهب منهوبا والغالب مغلوبا وأسر إينال الصصلاي وشرباش كباشة وتمنتمر واقبغا النظامي وجماعة ، واستمر السلطان على حلب والأسارى بين يديه مشاة في الأغلال والقيود فطلع القلعة ، واستمر قانباي في هزيمته إلى جهة اعزاز فلقيه بعض التركمان فآمنه وأنزله عنده ، ثم غدر به وقبض عليه وأحضره إلى السلطان فأمره به وبإينال الصصلاي وبكباشة وتمنترا فقتلوا وأرسلت رؤسهم إلى القاهرة فعلقت على باب زويلة ثم أرسل بها إلى الإسكندرية فطيف بها ، وفر سودون بن عبد الرحمن وطرباي وغيرهما فنجوا في هزيمتهم وقرر السلطان اقباي الدويدار في نيابة حلب وجار قطلي في نيابة حماة ويشبك الشربخاناه في نيابة طرابلس ، وفي مدة إقامةالسلطان بحماة قدم عليه أبو يزيد بن قرا يلك بهدية من أبيه وتهنئة له بالنصر على أعدائه فأكرم مورده ورده إلى أبيه ومعه هدية مكافأة على هديته .
وفيها فر كزل نائب ملطية إلى التركمان خوفا من السلطان لأنه كان قد وافق قانباي على العصيان عليه ، وعزم السلطان على الإقامة بحماة بقية السنة لحسم مادة الفتن وللقبض على من تسحب من النواب الذين خامروا وهم كزل نائب ملطية وسودون بن عبد الرحمن نائب طرابلس وطرباي نائب غزة ، ثم فتر عزمه عن الإقامة وأرسل طوغان نائب صفد إلى القاهرة على تقدمة ألف وأذن له في سفر البحيرة ليحصل شيئا يكون عونا له على تجديد ما نهب له في الوقعة ، وكانت الوقعة في رابع عشر شعبان ، واستمر المؤيد يقفو أثر المهزمين إلى قلعة الأمارب فبات بها ثم أصبح فدخل إلى حلب وأقام بحلب إلى ثاني عشر شوال ثم رجع إلى القاهرة فدخلها في ثاني عشري ذي القعدة .
وفي رمضان في ليلة الجمعة ثالثه أخذ رجل سكرانا وهو يشرب الخمر بالنهار ، فضرب الحد وطيف به ، فثار به عامة الصليبة فقتلوه ثم أججوا نارا فألقوه فيها حتى مات حريقا .وفي شوال ليالي توجه الحاج ابتدأ الغلاء العظيم بالقاهرة مع وجود الغلال وزيادة الماء وكثرة الزرع وكان أول السنة في الغلال من الرخص شيء عجيب بحيث أن القمح الذي هو في غاية الجودة لا يتجاوز نصف دينار كل إردب ودونه قد يبتاع بالدينار ثلاثة أرادب وذلك في كثير من الأوقات ، وأعظم الأسباب في هذا الغلاء كثرة الفتن بنواحي مصر من العرب وخروج العساكر م مرة بعد مرة ففي كل مرة يحصل الفساد في الزروع ويقل الأمن في الطرقات فلا يقع الجلب كما كان .
وفي أواخر ذلك توجه الأستادار لدفع العرب المفسدين في وقت قبض المغل فعاث من معه في الغلال وأفسدوا وعادوا واتفق وقوع القحط بالحجاز والشام فكثر التحويل في الغلال إلى النواحي من أراضي مصر وصعيدها ، واتفق أن بعض الناس ممن له أمر مطاع في غيبة السلطان أراد التجارة في القمح فصار يحجر على من يصل لشيء منه أن يبيعه لغيره فعز الجالب فرارا منه فوقع في البلد تعطيل في حوانيت الخبازين ، ووقع الفساد من ذلك قليلا قليلا بحيث لا ينتبه له إلى أن استحكم فبلغ الإردب من القمح إلى ثلاثمائة وكذلك الحمل من التبن ، وتزاحم الناس على الخبز في الأسواق إلى أن فقد من الحوانيت وصار الذي من شأنه أن يكتفي بعشرة أرغفة لو وجد مائة لاشتراها لما قذف في قلوبهم من خشية فقده وصار من عنده شيء من القمح يحرص على أن لا يخرج منه شيئا خشية أن لا يجد بدله فتزاحم الناس على الأفرانإلى أن قفلت صاروا يبيعوه من الأسطحة وآل الأمر إلى أن فقد القمح وبلغ الناس الجهد وانتشر الغلاء في قبلي مصر وبحريها ، واتفق أن الوجه البحري كان مقلا من الغلال بسبب الفأر الذي تسلط على الزرع في هذا السنة فاحتاجوا على جلبه من الصعيد ، وأمسك أهل الصعيد أيديهم عن البيع لما بلغهم من منع المحتسب من الزيادة في السعر فاشتد الأمر وعم البلاء ولما رأى التاج الوالي وهو المحتسب يومئذ ذلك استعفى من الحسبة فقرر نائب الغيبة فيها القاضي شمس الدين محمد ابن يوسف الحلاوي في العشرين من شوال فباشر أياما قلائل فلما أهل ذو القعدة تزايدت الأسعار واشتد الزحام بالأفران فخشي المحتسب على نفسه فاستعفى ، وأعيد أمر الحسبة إلى الوالي وهو التاج الشوبكي وذلك في حادي عشر ذي القعدة وقد امتدت الأيدي للخطف ، واجتمع ملا يحصى ببولاق لطلب القمح ، وتعطل غالب الأسواق من البيع والشراء بسبب اشتغالهم في تحصيل القوت ، لأن بعضهم كان يتوجه إلى الأفران من نصف الليل ليحصل له من الخبز ، وبعضهم يتوجه إلى السواحل ليحصل له شيء من القمح فمنهم من يجده ومنهم من يرجع خائبا ، فقلت أصناف المآكل وعظم الخطب وصارت المراكب من القمح إذا وصلت إلى الساحل تربط في وسط النيل خشية من النهب بالساحل ويتوجه الناس ا في الشخاتير ليشتروا منها ، ثم وقع التحجير على من يشتري زيادة على إردب وصار معظم الواصل يقسم على الطحانين ليطحنوهللفرانين ويحمل إلى حوانيت الخبازين ، ومع ذلك فالزحام عليه شديد حتى مات جماعة من الزحمة وغرق جماعة في البحر عند التوجه إلى المراكب الواصلة ، وخرج الناس في ثامن عشر ذي القعدة إلى الصحراء يستكشفون هذا البلاء ومقدمهم القاضي جلال الدين البلقيني فوقفوا قريبا من قبة النصر فضجوا ودعوا بغير صلاة ، وأتفق أن القاضي واجه التاج الوالي فأشار عليه أن يختفي خشية عليه مما اتفق لابن النشو بدمشق في آخر القرن الماضي على تقدم شرحه لأن الألسنة كانت انطلقت في حقه أن سبب الغلاء منه فرجع مختفيا ، ورجع بعد ذلك الموقف وقد تيسر وجود الخبز قليلا ثم فقد أشد مما تقدم فركب التاج الوالي إلى البلاد القريبة وتتبع مخازن القمح وألزم أصحابها بالبيع وقسم على الطحانين مقادير احتياجهم ، فبلغت البطة الدقيق مائة درهم وزاد الأمر فانتهت إلى مائتين وبلغ القمح إلى ثلاثمائة درهم كل إردب ، وبلغ الفول إلى ثلاثمائة ، والأرز إلى ألف وثمانين ، وتزايد في غضون هذه الأيام سعر الذهب إلى أن بلغ الهرجة مائتين وثمانين كل مثقال ، وندب نائب الغيبة إلى كل فرن طائفة من الترك لمنع من ينهب وقعد حاجب الحجاب بنفسه على بعض الأفران واجتهد في ذلك حتى رأى الخبز على الحوانيت ، وكان من اللطف الخفي في هذه المدة طلوع الزرع فاستغنى الناس لبهائمهم بالربيع ثم استغنوا لأنفسهم بأكل الفول الأخضر ثم فريك الشعير ، وخرج الناس من ابتداء ذي الحجة أفواجا أفواجا إلى الأرياف ، ثم استشعر من عنده قمح من أهل الحصار والصعيد . . . . . . . . . فأطلقوا أيديهم في البيعوكثر الجلابة من التجار فكثر الوصل ، ومع ذلك فالغلاء مستمر والطالب للقمح غير قليل .
وفي هذا السنة قدم فخر الدين ابن أبي الفرج من بغداد فالتقى بالسلطان ، فأكرمه وعفا عنه ذنبه الماضي وولاه كشف الشرقية والغربية والبحيرة وقطيا ، فقدم القاهرة في أواخر شوال وأقام بها قليلا وخرج إلى عمله ليحصل الأموال على عادته ، وخرج السلطان من حلب في أوائل ذي القعدة وقبض على سودون القاضي وسجنه بدمشق ، واستقر بردبك عوضه رأس نوبة ، وخرج إبراهيم ولد السلطان من القاهرة لملاقاة أبيه في أواخر ذي القعدة وصحبته كزل العجمي وغيره ، ووصل السلطان إلى سرياقوس في نصف ذي الحجة فعمل هناك وقتا حافلا بالقراء والسماع على العادة وهب الصوفية الخانقاه شيئا كثيرا ، وأصبح في السادس عشر فنزل الريدانية بكرة ومد السماط هناك وخلع على من له عادة بذلك وطلع القلعة من يومه ، ونودي من الغد بالأمان وأن لا يتكلم أحد في سعر الغلال فإن الأسعار بيد الله ومن زاحم على الأفران فعل له كذا وكذا ، وتصدى للنظر في أمر القمح بنفسه ، وجهز مرجان الخازندار وعبد الرحمن السمسار بمال جزيل إلى الصعيد ليشتروا بها قمحا ويحضرونه بسرعة ليكثر بالقاهرة وتبطل المزاحمة على الخبز ، وانسلخت السنة والأمر على ذلك .
وفي خامس عشر ذي الحجة استقر جقمق الدويدار دويدار كبيراعوضا عن اقباي ، واستقر يشبك دويدار ثانيا موضع جقمق .
وفي آخر السنة نودي على الذهب أن يكون الهرجة بمائتين وخمسين بعد ما كان بلغ مائتين وثمانين وشدد السلطان في ذلك وتوعد عليه .
واستقر إبراهيم المعروف بخرز في ولاية القاهرة عوضا عن التاج ونقل التاج إلى أستادارية الصحبة .
وفيها في صفر استقر رميثة بن محمد بن عجلان في إمرة مكة عوضا عن عمه حسن بن عجلان ، فلم يتهيأ له الدخول إلى مكة إلا مع الحجاج ، فدخلها في ذي الحجة ، ونزع عنها حسن وأولاده ، وحاشيته ، فاستقر أميرا بها إلى أن كان ما سنذكره في السنة الآتية .
وفيها في ربيع الآخر أهين ود والنصارى إهانة بالغة في استخراج الذهب الذي قرر عليهم في وفاء الجزية الماضية ونالهم محمد الأعوان كلف كثيرة .
وفي هذه السنة كثر عبث العربان بالوجه القبلي والبحري ، واشتد بأسهم وثارت الأحامدة من عرب الصعيد وهم ناقلة من أراضي الحجاز من آل بلي سكان دامة فما فوقها على جهة ينبع ، فتحولوا إلى الصعيد الأعلى ونزلوا فيه واتخذوه وطنا ، ووثبوا على والي قوص فقتلوه وقتلوا خلقا معه .وفيها في ربيع الآخر توجه تنبغا المظفري إلى دمشق فاستقر بها أميرا كبيرا ، ونقل طوغان من نيابة صفد إلى حجوبية دمشق ، ونقل خليل الجشاري من حجوبية دمشق على نيابة صفد ، وكان المتوجه من القاهرة إينال الأزعري .
وفيه توجه محمد شاه بن قرا يوسف صاحب بغداد إلى ششتر فحاصرها وفيها بقية آل أويس ، فقاتلوه ، ومنعوا البلد .
وفي جمادى الأولى استقر أقبردي المنقار في نيابة الإسكندرية عوضا عن صماي .
وفي ربيع الآخر توجه نائب حلب إينال الصصلاي ونائب طرابلس سودون التركماني قبل المخامرة على جرائد الخيل في طلب كردي بن كندر التركماني ففر منهم . فأخذوا أعقابه واستولوا على كثير من أغنامه وأبقاره ، ثم توجهوا على قلعة دربشاك فحاصروها ثلاثا فأخذوها ، وفر عن كردى أكثر أصحابه فتسحب على مرعش وانضم فارس بن مردخان ابن كندر .
وفيه توجه نائب ملطية كزل في طلب حسين بن كبك وأخيهسولو وكانا قد نازلا حرباص من أعمال ملطية وأحرقاها فأدركهما فتحصنا بقلعة كركر ، فقتل من جماعتهما خلقا ورجع إلى ملطية فخرجا وجمعا عليه من التركمان والأكراد جمعا كثيرا ورجعوا عليه فقاتلهم وهزمهم . وفيها سقطت دار من الدور القديمة التي أخذت لتضاف إلى المدرسة التي ابتدأ السلطان في إنشائها داخل بابي زويلة ، فمات تحت الردم منهم أربعة عشر نفسا .
وفي جمادى الآخرة طرق سودون القاضي الجامع الأزهر ، وهو يومئذ حاجب الحجاب و نظر الجامع بعد عشاء الآخرة ومعه كثير من أعوانه ، وكان بلغه أنه حدث بالجامع من الفساد بمبيت الناس فيه مالا يعبر عنه ، فأمر بعدم المبيت فيه فلم يرتدعوا فطرقهم ، فوقع من أعوانه النهب في الموجودين ، فامتنعوا بعد ذلك من المبيت ، وأخرج بعد ذلك ما بالجامع من الصناديق والخزاين للمجاورين لأنها ضيقت على المصلين .
وفيها في أولها كانت كائنة الشيخ سليم - وهو بفتح السين - وذلك أنه كان بالجيزة بالجانب الغربي من النيل كنيسة للنصارى فقيل إنهم جددوا فيها شيئا كثيرا ، فتوجه الشيخ سليم من جامع الأزهر ومعه جماعة فهدموها ، فاستعان النصارى بأهل الديوان من القبط فسعوا عندالسلطان بأن هذا الشيخ افتات على المملكة وفعل ما أراد بيده بغير حكم حاكم ، فاستدعى بالمذكور فأهين ، فاشتد ألم المسلمين لذلك ، ثم توصل النصارى ببعض قضاة السوء إلى أن أذن لهم في إعادة ما تهدم فجر ذلك لهم أن شيدوا ما شاؤا بعلة إعادة المنهدم الأول فلله الأمر .
وفيها صرف حسين بن نعير عن إمرة العرب واستقر حديثه ابن سيف في إمرة آل فضل فوقع بينهما حرب فغلب حديثه ، وتوجه حسين إلى الرحبة فأفسد زروعها ، ثم التقيا في أواخر رجب فقتل حسين في المعركة وبعث برأسه إلى القاهرة .
وفيها قدم رسول كبير البنادقة من الفرنج إلى القاهرة بهدية من صاحبه وكتاب ، فعرب الكتاب ، وقرئ على السلطان وقبلت الهدية وأمر السلطان ببيعها وصرف ثمنها في العمارة التي أحدثها ، وقرر لذلك كل هدية تصل من كل جهة .
وفيها أوقع آل لبيد من عربان العرب الأدنى من نحو برقة بأهل البحيرة بحري مصر ، فكسروهم ونهبوا منهم زيادة على ثلاثة آلاف بعير وأضعافها من الأغنام ، وانهزم أهل البحيرة إلى الفيوم ، ورجع أولئك وأيديهم ملأى من الغنائم .
وفي رجب نقل سودون القاضي من الحجوبية فصار رأس نوبة كبير ونقل رأس نوبة وهو تنبك بيق فصار أمير مجلس ، واستقر سودون قرا صقل حاجبا بدل سودون القاضي .
وفيها عزل صدر الدين العجمي عن نظر الجيش بدمشق وأهين وصودر ، واستقر ابن الكشك قاضي الحنفية في وظيفته .وفيات سنة 818
ذكر من مات في سنة ثماني عشرة وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن بركة المصري سعد الدين ابن البشيري ولد في ذي القعدة سنة ست وستين ، وخدم لما ترعرع في بيت ناظر الجيش تقي الدين بن محب الدين ، ثم تنقل في الخدم عند الأمراء وغيرهم إلى أن ولي نظر الدولة ، وباشر عند جمال الدين واعتمد عليه في أمر الوزارة ثم استقل بالوزارة بعد جمال الدين إلى أن قبض عليه في الدولة المؤيدة كما تقدم في سنة ست عشرة ، فلزم منزله إلى أن مات في صفر من هذه السنة ، ولم يتفق له عند القبض أن يضرب ولا مكنت منه أعداؤه ، وكان جيد الإسلام ، وهو الذي جدد الجامع بالقرب من منزل سكنه ببركة الرطلي ، وكان عارفا بالمباشرة ، وسلك طريق الوزراء السالفين من الحشمة الترتيب .
أحمد بن محمد بن أحمد عرندة ، المحلى شهاب الدين الوجيزي الناسخ ، ولد سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بالمحلة ، ثم قدم القاهرة فحفظ الوجيز فعرف به ، وأخذ عن علماء عصره ، ولازم القاضي تاج الدين السبكي لما قدم القاهرة ، وكتب الكتب له ولغيره شيئا كثيرا جدا ، وكان صحيح الخط ويذاكر بأشياء حسنة ، ثم حصل له سوء مزاج وانحراف ولم يتغيرعقله وكان عارفا بالحساب ، مات في جمادى الأولى .
اسنبغا الزردكاش ، كان أصله من أولاد حلب فباع نفسه ويسمى اسنبغا ، وتوصل إلى أن خدم الناصر فحظي عنده وارتفعت منزلته حتى زوجه أخته واستنابه لما خرج إلى السفرة التي قتل فيها ، فجرى من اسنبغا ما تقدم شرحه إلى أن قبض عليه وحبس بالإسكندرية فقتل بها ؛ قال العينتابي : كان ظالما غاشما لم يشتهر عنه إلا الشر .
إينال بن عبد الله الصصلاي ، كان من الظاهرية تنقل في الخدم إلى أن ولي الحجوبية الكبرى بالقاهرة ، وكان ممن انضم إلى شيخ فولاه نيابة حلب في شوال سنة ست عشرة وكان ممن حاصر معه نوروز إلى أن قتل نوروز ورجع إلى ولايته بحلب ، وكان شكلا حسنا عاقلا شجاعا عارفا بالأمور قليل الشر ، ثم كان ممن عصى على المؤيد هو وقانباي نائب الشام ونائب طرابلس ونائب حماة ، فآل أمرهم إلى أن انهزموا وأسروا ، وقتل إينال بقلعة حلب في شعبان من هذه السنة ، ورأيت الحلبيين يثنون عليه كثيرا ، ولما خامر على المؤيد لم يحصل لأحد من أهل بلده منه شر بل طلب أخذ القلعة فعصى عليه نائبها فحاصره أياما ثم تركه وتوجه إلى الشام - ذكره القاضي علاء الدين في ذيل تاريخه - .أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الباعوني الدمشقي ، ولد سنة تسع وأربعين ، وحفظ التنبيه وعرضه على ابن حملة وطبقته ، وأخذ عن العماد الحسباني وذويه ، ثم فتر عن الطلب واعتذر بأنه لم تحصل له فيه نية خالصة ، وكان ذا أوراد من تلاوة وقيام وقناعة واقتصاد في الحال وفراغ عن الرئاسة مع سلامة الباطن ، مات في صفر .
حاجي بن عبد الله زين الدين الرومي ، المعروف بحاجي فقيه شيخ التربة الظاهرية خارج القاهرة ، كان عريا من العلم إلا أن له اتصالا بالترك كدأب غيره ، مات في شوال ، واستقر في مشيختها الشيخ شمس الدين البساطي بعناية الأمير ططر نائب الغيبة ، وكان السبب في ذلك أن نائب الغيبة كان لا يحب القاضي جال الدين البلقيني فاتفق أن البلقيني أفتى فتيا فخالفه فيها كاتبه ، والبساطي المذكور ، فنم إليه بعض أهل الشر بذلك ، فوقف على ما كتبناه وتغير منه واحتشم مع كاتبه ، وتقوى على جانب البساطي لضعفه إذ ذاك فأرسل وأحضرهفأسمعه ما يكره وبالغ في إهانته ، فخرج وهو يدعو عليه فطاف على من له به معرفة يشكوه ، فبلغ ذلك الأمير ططر فغضب من ذلك ، واتفق موت حاجي فقيه فعينه في المشيخة مراغما للبلقيني ، ولم يستطع البلقيني تغيير ذلك بل استدعى البساطي المذكور وأظهر الرضا عليه وخلع عليه فرجية صوف من ملابسه واسترضاه لما علم من عناية الأمير ططر به فالله المستعان .
خلف بن أبي بكر ، النحريري المالكي ، أخذ عن الشيخ خليل في شرح ابن الحاجب ، وبرع في الفقه ، وناب في الحكم ، وأفتى ودرس ، ثم توجه إلى المدينة فجاور بها معتنيا بالتدريس ، والإفادة ، والانجماع والعبادة إلى أن مات بها في صفر عن ستين سنة .
دمرداش المحمدي الظاهري ، كان من قدماء مماليك الظاهر ، ولما جرت فتنة منطاش كان خاصكيا ، وكان معه في الوقعة ففر مع من انهزم إلى حلب ، فلما استقرت قدم الظاهر في السلطنة حضر فولاه نيابة طرابلس ، ثم نقله إلى الأتابكية بحلب فأقام مدة ، ثم ولاه نيابة حماة ، ثم مات الظاهر وهو نائبها فحاصره تنم لما أراد أن يتسلطن فأطاعه ووصل صحبته إلى غزة ففر إلى الناصر ، فولاه نيابة حلب بعد قتل تنم ، وذلك في رمضان سنة اثنتين وثمانمائة ، ففي تلك السنة غزا التركمان فكسروه ،الكسرة الشنيعة ، ثم كان من شأن اللنكية ما كان فيقال إنه باطنهم وفي الظاهر حاربهم وانكسر ، ثم أمسكه اللنك من القلعة واستصحبه إلى الشام بغير قيد ولا إهانة ، فلما قرب من الشام هرب إلى الناصر ، ثم لما فر الناصر ومن معه من اللنكية توجه هو إلى جهة حلب ، فلما نزح اللنك ومن معه دخل دمرداش إلى حلب في جمع جمعه ، وذلك في شعبان سنة ثلاث فأقام حاكما بحلب ، فولى الناصر دقماق نيابة حلب فواقع دمرادش ففر إلى التركمان ، ثم وبعد مدة ولاه الناصر نيابة طرابلس فاستمر بها إلى سنة ست ، ثم نقله إلى نيابة حلب في رمضان منها ، ثم واقعة جكم في سنة سبع فانهزم إلى إياس ، ثم ركب البحر ووصل إلى القاهرة ، ثم نكص راجعا إلى التركمان ، ثم هجم على حلب بغتة فاستولى عليها في سنة ثمان ، ثم أخرجه منها نوروز فتوجه إلى حماة فهجم عليها بغتة ، ثم أخرج منها فتوجه إلى دمشق فأقام عند نائبها شيخ الذي تسلطن بعد ذلك ، ثم كان معهم في وقعة السعيدية ووجه نائبا بحلب من قبل الناصر ، ودخل الناصر إلى حلب سنة تسع وهو في خدمته ، ثم رجع إلى مصر واستصحبه وقرر في نيابة حلب فأخرجه منها شيخ ففر إلى أنطاكية ، فلما توجه الناصر في طلب شيخ فر منه إلى الأبلستين ، فسار دمرداش في خدمة الناصر إلى أن قرره بمصر أتابكا ، ثم كان في خدمة الناصر إلى أن حضر بدمشق فاستأذنه في أن يتوجه إلى جهةحلب ويجمع له عسكرا كثيرا فأذن له فتوجه إلى حلب فلما بلغه قتل الناصر واستقرار نوروز بالمملكة الشامية خرج من حلب لما بلغه توجه نوروز إليها فوصل إلى قلعة الروم فأقام بها ، فلما بلغه سلطنة شيخ وأظهر نوروز مخالفته مال أولا إلى نوروز وكاتبه أن يقرره في نيابة حلب ففعل ، وبها يومئذ من جهته يشبك بن أزدمر ، فوردت مكاتبات المؤيد لمن بحلب أن تعانوا دمرداش على الركوب على ابن أزدمر ، ففعلوا وكسروا ، وذلك في ذي الحجة سنة خمس عشرة ، ودخل دمرداش إلى حلب حاكما ، ووصلت إليه الخلعة من مصر ، ثم بلغه في صفر سنة ست عشرة خروج نوروز من دمشق طالبا البلاد الحلبية فتوجه نحو العمق ، فدخل نوروز إلى حلب في صفر وقرر فيها طوخ نائبا ورجع نوروز إلى صفد فحاصره دمرداش فاستنصر طوخ بالعرب فنكص دمرداش إلى العمق ، ثم كانت بينه وبين طوخ وقعة عظيمة انكسر فيها دمرداش ، وذلك في ربيع الآخر سنة ست عشرة ، وفر دمرداش إلى أنطاكية وغيرها ، ثم ركب البحر إلى القاهرة فتلقاه المؤيد بالإكرام وأعطاه تقدمة ، وكان قرقماش وتغرى بردى ابنا أخي دمرداش صحبة المؤيد لما دخل مصر ، فأعطى كل منها تقدمة وولي قرقماش نيابة الشام فخرج هو وأخوه ، ثم رجع من غزة وأقام هناك ، فجهز المؤيد عسكرا إلى الإيقاعبالعرب وتقدم إليهم بالقبض على تغرى بردى في وقت عينه لهم ، ثم قبض هو على دمرداش وقرقماش في رمضان سنة سبع عشرة واعتقلهما بالإسكندرية ، وكانت وفاة دمرداش بها في المحرم سنة ثماني عشرة ؛ وكان دمرداش مهيبا عاقلا مشاركا في عدة مسائل كثير الإكرام لأهل العلم والعناية بهم ، اجتمعت به فوجدته يستحضر كثيرا من كلام الغزالي وغيره ، قال القاضي علاء الدين الحلبي في تاريخه : كان لا يواجه أحدا بما يكره ، وقد بنى جامعا بحلب ووقف عليه أوقافا كثيرة ، وله زاوية بظاهر طرابلس لها أوقاف كثيرة ، وهذا بخلاف قول العينتابي : ليس له معروف .
طوغان الحسيني قتل بمحبسه بالإسكندرية في المحرم ، وكان أصله من جلبان الظاهر برقوق ثم ترقى إلى أن ولي الدويدارية الكبرى للناصر ثم المستعين ثم المؤيد ، ثم قبض وحبس كما تقدم في الحوادث وخلف أموالا جمة ، وهو صاحب الصهريج والسبيل في رأس حارة برجوان .
عبد الله بن أبي عبد الله الفرخاوي جمال الدين الدمشقي ، عني بالفقه والعربية والحديث ودرس وأفاد ، وكان قد أخذ عن العنابي فمهر في النحو ، وكان يعتني بصحيح مسلم ويكتب منه نسخا ، وقد سمع من جماعة من شيوخنا بدمشق ، وفرخا - بالفاء والخاء المعجمة المفتوحتين بينهما راء ساكنة - قرية من عمل نابلس ، مات في عمل الرملة في . . .عبد الله بن أبي عبد الله العرجاني الدمشقي - بضم المهملة وبعد الراء جيم ، كان من أتباع الشيخ أبي بكر الموصلي ، ونشأ في صلاح وعبادة ، وكان سريع الدمعة ، وعنده نوع من الغفلة وخشوع وسرعة بكاء ، وباشر أوقاف الجامع الأموي مدة ، ولكن لم يعرف شيئا من حاله ، مات راجعا من الحج بالمدينة النبوية ، ويقال إنه كان يتمنى ذلك ، وقد غبطه الناس ببلوغ أمنيته في موطن منيته ، وذلك في ذي الحجة ، رحمه الله تعالى .
علي بن أحمد بن علي بن سالم ، الزبيدي موفق الدين ، أصله من مكة ، ولد بها سنة سبع وأربعين ، وعني بالعلم وبرع في الفقه والعربية ، ودخل إلى مصر والشام وأخذ عن جماعة ثم رجع إلى مكة ، وتحول إلى زبيد فمات بها في ذي القعدة .
قانباي كان من مماليك . . . وتنقلت به الأحوال إلى أن قدم مع المؤيد في سنة خمس عشرة ، واستقر دويدارا كبيرا ثم نقل إلى نيابة الشام كما تقدم في سنة سبع عشرة وثمانمائة ثم عصى كما في شرح الحوادث ، فلما هزم هو ومن معه فر إلى شمالي حلب فنزل عند بعض التركمان فغدر به وأحضره إلى السلطان في رابع عشر شعبان ، وكان حسن الصورةجميل الفعل ، بنى برأس سويقة الغربي مدرسة ، فقرر بها مدرسين للشافعية والحنفية ، ووقف لها وقفا جيدا .
محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي الصالحي الحنفي عزيز الدين المعروف بابن خضر ، ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ، واشتغل ومهر ، وأذن له في الإفتاء ، وناب في الحكم ، وصار المنظور في أهل مذهبه بالشام ، مات في شوال .
محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف ، التركماني الأصل شمس الدين ابن التباني الحنفي ، ولد في حدود السبعين ، وأخذ عن أبيه وغيره ، ومهر في العربية والمعاني وأفاد ودرس ، ثم اتصل بالملك المؤيد وهو حينئذ نائب الشام فقرره في نظر الجامع الأموي وفي عدة وظائف ، وباشر مباشرة غير مرضية ، ثم ظفر به الناصر فأهانه وصادره فباع ثيابه واستعطى باليد فساءه - وأحضره إلى القاهرة ثم أفرج عنه ، فلما قدم المؤيد القاهرة عظم قدره ، ونزل له القاضي جلال الدين البلقيني عن درس التفسير بالجمالية ، واستقر في قضاء العسكر ، ثم رحل مع السلطان في سفرته إلى نوروز فاستقر قاضي الحنفية بها ، ودرس بأماكن ، وكانت له في كائنةقانباي اليد البيضاء ، ثم توجه السلطان إلى حلب استدعاه وأراد أن يرسله إلى ابن قرمان فاستعفى ، ثم رجع فمات بدمشق في تاسع عشري رمضان ، وكان جيد العقل ، وباشر قضاء الحنفية مباشرة لا بأس بها ، ولم يكن يتعاطى شيئا من الأحكام بنفسه بل له نواب يفصلون القضايا بالنوبة على بابه .
محمد بن محمد بن محمد ، الحموي ناصر الدين بن خطيب نقيرين الشافعي - ولد . . . واشتغل قليلا ، وترامى على الدخول في المناصب إلى أن - ولي قضاء حلب سنة اثنتين وتسعين فباشرها مباشرة غير مرضية ، فعزل بعد سنة ونصف وتوجه إلى القاهرة ليسعى ، فأعاده الظاهر إلى تغري بردى نائب حلب فحصلت له محنة وإهانة وحبس بالقلعة ، ثم عاد إلى القضاء في سنة ست وتسعين فباشرها قليلا ، ثم صرف بعد سنة - بالإخناي فسافر عنها ، واستمر ينتقل في البلاد بطالا إلى أن عاد إلى ولايةقضاء حلب في أيام نيابة شيخ بها في أواخر دولة الناصر ثم عزل لما عزل المؤيد عنها - ثم عاد بعد قتل الناصر واستقرار شيخ مدبر المملكة للخليفة المستعين - إلى قضائها ، وفي غضون ذلك ولي قضاء دمشق مرة وطرابلس أخرى ، ولما قام نوروز بدمشق بعد قتل الناصر قربه ، فلما قتل نوروز وقبض عليه شيخ في سنة ثمان عشرة ، وجده جقمق الدويدار باللجون فقبض عليه وحبسه بصفد بأذن من السلطان ، فلما وصل السلطان إلى دمشق في فتنة قانباي أخرج ابن خطيب نقيرين من حبس صفد ميتا ، ويقال إن ذلك كان بدسيسة من كاتب السر ابن البارزي ، لأنه كان يعاديه في الأيام الناصرية والنوروزية ، ولما بلغ السلطان موته أنكر ذلك ونقم على ابن البارزي وكان يتهدده به كل حين ، وكان ابن خطيب نقيرين قليل البضعة كثير الجرأة كثير البذل والعطاء إلا أنه يتعانى التزوير بالوظائف والدروس ينتزعها من أهلها بذلك ، والله يسامحه .
نجم بن عبد الله القابوني ، أحد الفقراء الصالحين ، انقطع بالقابون ظاهر مدينة دمشق مقبلا على العبادة مدة - وكان صحب جماعة من الصالحين الزهاد - وكان ذا اجتهاد وعبادة وتحكى عنه كرامات وللناس فيه اعتقاد ، مات في صفر .حوادث سنة 819
سنة تسع عشرة وثمانمائة
استهلت والغلاء بالقاهرة مستمر ، ففي ثاني المحرم أرسل السلطان فارس الخازندار الطواشي بمبلغ كبير من الفضة المؤيدية ، ففرقها على الجوامع والمدارس والخوانق ، فكان لكل شيخ عشرة دنانير وإردب قمح ، ولكل طالب أو صوفي أربعة عشرة مؤيديا ، ومنهم من تكرر اسمه حتى أخذ بعضهم في خمس مواضع ، ثم فرق في السؤال مبلغا كثيرا لكل واحد خمسة مؤيدية ، فكان جملة ما فرق أربعة آلاف دينار ، ثم رسم بتفرقة الخبز على المحتاجين ، فانتهت تفرقته في كل يوم ستة آلاف رطل ، واستمر على ذلك قدر شهرين ، وتناهى سعر القمح في هذا الشهر إلى ثمانمائة درهم الإردب ، وقرر السلطان في الحسبة الشيخ بدر الدين العينتابي وأضاف إليه إينال الأزعوري وذلك في الخامس من المحرم ، وألزم الأمراء ببيع ما في حواصلهم فتتبعها إينال .
وفي سادس المحرم وردت عدة مراكب تحمل نحو ألفي إردب قمح فركب إينال ليفرقها مع المحتسب ، فاجتمع خلق كثير فطرد الناس عن القمح خشية النهب فتزاحموا عليه فحمل عليهم ، فمات رجل في الزحمة ، وغرقت امرأة ، وعمد إينال إلى أربعة رجال فصلبهم ، وضرب رجلين ضربا مبرحا ، ونهب الناس في هذا الحركة من العمائم والأردية شيء كثير ، وسألت أدمية جماعة من ضرب الدبابيس .وفي الثاني عشر من المحرم سفر الخليفة المستعين إلى الإسكندرية فسجن بها ، وسفر معه أولاد الناصر فرج وهم فرج ومحمد وخليل وكان الذي سافر بهم صهر كاتب السر ابن البارزي واسمه كزل الأرغون شاوى ، وفي هذا الشهر كثر البرسيم الأخضر ، فانحط بكثرته سعر الشعير واستغنت البهائم عنه .
وفي صفر تيسر وجود الخبز في حوانيت الباعة ، وفي آخره قدم مرجان من الصعيد وعلى يده شيء كثير من الغلال وقد انحط السعر بالقاهرة ، فرسم له أن يبيع ما اشتراه بالسعر الحاضر ولو خسر النصف .
وفي رابع عشر ربيع الآخر صرف العينتابي من الحسبة وأعيد ابن شعبان ، وفي آخره استقر العينتابي في نظر الأحباس بعد موت شهاب الدين الصفدي ثم صرف ابن شعبان في رجب منكلي بغا ويقال إنه أول من أضيفت وظيفة الحسبة من الترك .
وفيها أوقع أقباي نائب حلب بالتركمان بناحية العمق وكبيرهمكردي بك بن كندر ومن انضم إليه فهزمهم وانتصر عليهم ، ثم أوقع أقباي بالعرب بأرض البيرة فكسرهم بعد أن نال عسكره منهم مشقة عظيمة ووهن .
وفي ثاني عشر المحرم نقلت الشمس إلى برج الحمل فدخل فصل الربيع ، وابتدأ الطاعون بالقاهرة فبلغ في نصف صفر كل يوم مائة نفس ، ثم زاد في آخره مائتين ، وكثر ذلك حتى كان يموت في الدار الواحدة أكثر من فيها ، وكثر الوباء بالصعيد والوجه البحري حتى قيل إن أكثر هو هلكوا ، وفي طرابلس حتى قيل إنه مات بها في عشرة أيام عشرة آلاف نفس ، وبلغ عدد الأموات بالقاهرة في ربيع الأول ثلاثمائة في اليوم ، ثم في نصفه بلغوا خمسمائة ، وفي التحقيق بلغوا الألف لأن الذين يضبطون إنما هم من يرد الديوان وأما من لا يرده فكثير جدا ، وماتت ابنتاي غالية وفاطمة ، وبعض العيال ، وكان كل من طعن مات عن قرب إلا النادر ، وإن أهل فاس أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكان ستة وثلاثين ألفا ، حتى كادت البلدان تخلو من أهلها وتصدى الأستادار لمواريث الأموات ، ثم ابتدأ الموت في النقص من نصف ربيع الأول إلى أن انتهى في أول ربيع الآخر إلى مائة وعشرين ، ثم بلغ في تاسعه إلى ثلاثة وعشرين ، وتزايد الموت بدمشق وكان ابتداؤهعندهم في ربيع الأول فبلغت عدة من يموت في ربيع الآخر في اليوم ستين نفسا ، ثم بلغ مائتين في أواخره ثم كثر في جمادى الآخرة بها ، وكذلك وقع في القدس وصفد وغيرها ، ثم ارتفع في آخر ربيع الآخر فنزل في الثالث والعشرين منه إلى أحد عشر نفسا .
وفيه قدم مفلح رسول صاحب اليمن بهدية جليلة إلى الملك المؤيد ، فأكرم مورده وأمر بأن يباع الهدية وتصرف في عمارة المؤيدية فحصل من ثمنها جملة مستكثرة ، وعين كاتبه للتوجه إلى اليمن في الرسلية عن السلطان فاستعفى من ذلك فأعفى ، وعمل الملك المؤيد الخدمة في إيوان دار العدل ، ورتب الجند في القلعة ما بين الباب الأول إلى باب الدار المذكورة قياما في هيئة جميلة مهولة ، وطلب قاصد صاحب اليمن فأحضر فرأى ما يهال وقدم الكتاب الواصل صحبته ثم أحضر الهدية بعد ذلك على مائتي جمال وخلعت عليه خلعة سنية .
وفيها مات أحمد بن رمضان أمير التركمان وكان قديم الهجرة في الإمارة وقد تقدم في حوادث سنة خمس وثمانين قتل أخيه إبراهيم واستقراره بعده إلى هذا الغاية وكان معه أذنة وإياس وسيس وما ينضم إلى ذلك وكان يطيع أمراء حلب طورا ويعصى عليهم طورا .وقدم على الناصر فرج سنة ثلاث عشرة ، فخلع عليه وتزوج ابنته ورده إلى بلاده مكرما .
وفيه في الثاني عشر من المحرم قرر تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر في الوزارة وكانت بيده مباشرة النظر على ديوان سيدي إبراهيم ابن السلطان ، فقبل الوزارة بعد تمنع شديد وكانت شاغرة منذ سفر السلطان في العام الماضي ، فباشرها مباشرة حسنة .
وفي أواخر المحرم جمع السلطان الصناع من الحجارين أمرهم أن يقطعوا العمارة بجامعه داخل باب زويلة من مكان عينه تحت دار الضيافة وأقام هناك يوما كاملا ، وفي هذا الشهر ركب كزل نائب ملطية في جماعة من المخامرين فهجم على مدينة حلب فقاتلوه ، فقتلت طائفة وأنهزم .
وفيه استقر عمر بن الطحان في نيابة قلعة صفد .
وفيه كانت الفتن بين عرب الرحوم وعرب العاند بأرض القدس والرملة وغزة .
وفيه قبض على إينال أحد أمراء دمشق وسجن بالقلعة .
وفيه قبض على ابن أبي بكر بن نعير ففر أخوه أحمد ثم قتل في جمادى الآخرة ، ونزل أخوه الآخر فأحرق الرحبة .
وفي المحرم جمع السلطان القضاة والعلماء وأحضر من يتكلم في العمارة ، وذكر أن الشيخ شرف الدين ابن التباني تكلم معه في أن كثير من الأمور التي باشرها من يتكلم بالعمارة لا تجري على أحكام الشرعمن أخذ بيوت الناس بغير رضاهم ، وهدم الأوقاف بغير طريق ونحو ذلك ، فأصغى السلطان وجمع الجميع فأدار الكلام بينهم فتعصبوا الجميع على ابن التباني وفجر عليه أحمد بن النسخة شاهد القيمة ووافقه غيره ، إلى أن عجز عنهم وأعيته أجوبتهم ، فانفصل المجلس على غير شيء ، وحققوا للسلطان أنه متعصب عليهم وأن له غرضا في الوقيعة فيهم ، والتزم له القضاة بأنهم لا يجرون أموره في العمارة إلا على الوجه الشرعي المعتبر المرضي وانفصلوا على ذلك وسيسألون أجمعين عن ذلك ، واستمرت في سفر العمارة بالجامع ونودي أن لا يسخر فيه أحد ، وأن يوفى الصناع أجرهم بغير نقص ، ولا يكلف أحد فوق طاقته ، واستمر ذلك .
وفي أول صفر أمر السلطان القضاة الأربعة بعزل جميع النواب وكانوا قد قاربوا مائتي نفس ، فمنعوا من الحكم ، ثم عرضهم في ثاني عشر صفر ، وقرر للشافعي والحنفي عشرة عشرة وللمالكي خمسة وللحنبلي أربعة ، ثم سعى كثير ممن منع عند كاتب السر بالمال إلى أن عادوا شيئا فشيئا .
وفي نصف صفر نودي أن لا يزوج أحد من العقاد أحدا من مماليك السلطان إلا بأذنه .
وفي ربيع الأول عرض السلطان أجناد الحلقة فمر به شيخ يقال له قطلوبغا السيفي وكان قد أمر في دولة منطاش تقدمة ألف ثم أهين بعد زوال دولته وخمل في الأيام الظاهرية إلى أن صار بأسوء حال ، فعرفهالسلطان فسأله عن حاله فأعلمه بسوء حاله ، فاتفق أن السلطان كان تغير على أقبردي المنقار نائب الإسكندرية وعزله فقرر هذا في نيابتها بغير سعي ولا سؤال ولا قدرة حتى أنه لم يجد ما يتجهز به .
وفي سابع عشر شهر ربيع الأول أشهد عليه السلطان بوقف الجامع الذي جدده ، ثم اشتد الأمر في العمارة في وسط السنة ، وتباهى أهل الدولة في جلب الرخام إليها من كل جهة وكذلك الأعمدة .
وفيه ثار عليه ألم رجله وصار ذلك يعتاده في قوة الشتاء وفي قوة الصيف ويخف عنه في الخريف والربيع .
وفي ربيع الأول هجم الفرنج نستروه فنهبوا بها وحرقوا ثم قدموا في ربيع الآخر إلى يافا فأسروا من المسلمين نساء وأطفالا ، فحاربهم المسلمون ثم أفتكوا منهم الأسرى منهم بمال ، ثم كان منهم ما سنذكره قريبا .
وفيه هم السلطان بتغيير المعاملة بالفلوس ، وجمع منها شيئا كثيرا جدا ، وأراد أن يضرب فلوسا جددا ، وأن يرد سعر الفضة والذهب إلى ما كان عليه في الأيام الظاهرية ، فلم يزل يأمر بترخيص الذهب إلىأن انحط الهرجة من مائتين وثلاثين إلى مائتين وثمانين والأفلوري إلى مائتين وعشرة ، وأمر أن يباع الناصري بسعر الهرجة ولا يتعامل به عددا وعدل أفلوريا من الذهب بثلاثين من الفضة ، فاستقر ذلك إلى آخر دولته ، ثم كان ما سنذكره في سنة خمس وعشرين .
وفي هذا الشهر جردت طائفة من الأمراء إلى الصعيد لقتال العرب المفسدين به ، وجردت طائفة أخرى لقتال من بالوجه البحري ، فرجع المجردون إلى الوجه البحري وقد غنموا أموالا وأغناما وجمالا ، وحصل لفخر الدين الكاشف من ذلك ما لا يدخل تحت الحصر حتى كان جملة ما حمله للسلطان في مدة يسيرة أكثر من مائة ألف دينار .
وفيه اشتد الغلاء بالرملة ونابلس وكثر فساد محمد بن بشارة بمعاملة صفد .
وفيه كان وقعة بين نائب حلب وكزل فانهزم كزل ، وجرح وجماعة من أصحابه ، استولى حسن بن كبك على ملطية فأساء السيرة بها ، وغلب نائب حلب على حميد بن نعير وهزمه ، وغنم منه مالا جزيلا - وجمالا .وفيه توجه حديثة بن سيف أمير آل الفضل إلى الرحبة صحبة نائبها عمر ابن شهري وطائفة عسر الشام ، ففر عذراء وسبى ولدا على ابن نعير ، فرجع العسكر الشامي وأقام حديثة على الرحبة ، ونزل قريبا من تدمر ، فأتاه عذراء في ثلاثة آلاف نفس ، فوقعت بينهم مقاتلة عظيمة ، وكان النصر لحديثة .
وفيه غضب السلطان علي بدر الدين الأستادار المعروف بابن محب الدين وشتمه وهم بقتله وعوقه بالقلعة ، فتسلمه جقمق على ثلاثمائة ألف دينار ، وكان عاجزا في مباشرته مع كثرة إدلاله على السلطان وبسط لسانه بالمانة عليه حتى أغضبه .
فلما كان في الخامس والعشرين من هذا الشهر وهو ربيع الأول أعيد فخر الدين ابن أبي الفرج إلى الأستادارية ، واستمر بدر الدين في المصادرة ، ثم اشتد الطلب عليه في أول جمادى الآخرة ، وعوقب بأنواعالعقوبات ، ثم خلع في رابعه على فخر الدين ، واستقر مشيرا ثم نقل المذكور إلى بيت فخر الدين الأستدار فقبض على امرأته وعوقبت فأظهرت مالا كثيرا ، ثم أفرج عن ابن محب الدين في أواخر رجب ، وقرر كشف الوجه القبلي بعد أن قرر عليه مائة ألف دينار باع فيها موجوده وأثاثه وأثاث زوجته بعد أن عوقبت واستدان شيئا كثيرا .
وفي هذا الشهر أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدعاء له في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون ذكر - اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان ، فصنع كاتبه ذلك في الجامع الأزهر وابن النقاش ذلك في جامع ابن طولون ، وبلغ ذلك القاضي جلال الدين فما أعجبه كونه لم يبدأ بذلك فلم يفعل ذلك في جامع القلعة ، فأرسل السلطان يسأله عن ذلك فقال : لم يثبت هذا في السنة ، فسكت عنه وترك فعل ذلك بعد ذلك ، وكان مقصد السلطان في ذلك جميلا .
وفي ذي القعدة أخذ نائب طرابلس قلعة الجواي وهي من قلاع الإسماعيلية عنوة وخربها حتى صارت أرضا .
وفي أخر ربيع الآخر ابتدأ النيل في الزيادة ثم توقف ونقصأربعة عشر إصبعا ، فأرسل السلطان طائفة من القراء إلى المقياس ، فأقاموا ، فيها أياما يقرؤن القرآن وتطبخ لهم الأطعمة ، وأمر سودون صوفي حاجب الحجاب أن يركب إلى شاطئ النيل ويحرق ما يجده هناك من الأخصاص التي توضع للفساد ويظهر الفسقة فيها المناكر من الزنى وشرب الخمر واللواط متجاهرين بذلك غير محتشمين منه فأوقع بهم فنهب بعضهم بعضا ، فقدر الله بعد ذلك بوفاء النيل وزاد بعد الوفاء - زيادة بالغة إلى أن انتهت إلى عشرين ذراعا سواء وثبت إلى وقت انحطاطه ثباتا حسنا .
وفي ثاني عشري ربيع الآخر دخل مينا الإسكندرية مركب من الفرنج ببضاعة فثار بينهم وبين بعض العتالين شر آل إلى القتال فأخذ الفرنج مركبا فيها عدة من المسلمين فبعث إليهم النائب غريمهم العتال فردوا ما أخذوه من المسلمين وانتقموا من العتال ، ثم وثبوا على مركب وصلت للمغاربة فأخذوها بما فيها ، فما نجا منها غير خمسة عشر رجلا سبحوا في الماء .
ثم في سادس عشر جمادى الآخرة قدم صلاح الدين بن ناظر الخاص إلى الإسكندرية لتحصيل ما بها من المال فبينا هو في الخمس وبين يديه أعيان البلد إذ أسر شخص أن الفرنج الذين وصلوا في ثمانية مراكبقد عزموا أن يهجموا عليه ويأسروه ، فلم يكذب الخبر وقام مسرعا فتسارع الناس فسقط فانكسرت رجله ، وحمل إلى داره ثم أركب إلى النيل ثم ركب إلى أن وصل القاهرة منزعجا وهجم الفرنج عقب صنعه ذلك ، فكاثرهم أهل البلد حتى أغلقوا باب البحر ، فعاثوا فيمن هو خارج الباب من المسلمين فقتلوا منهم عشرين رجلا وأسروا جماعة تزيد عن السبعين وأخذوا ما ظفروا به وصعدوا مراكبهم ، ثم حاصروا البلد فتراموا بالسهام جميع الليل ، فأخذ كثير من المسلمين في الفرار من الإسكندرية وقام الصياح على فقد من أسر أو قتل ، فاتفق قدوم مركب من المغاربة ببضاعة فمال الفرنج عليهم فقاتلوهم ، فدافعوا عن أنفسهم حتى أخذوا عنوة وضربوا أعناقهم وأهل الإسكندرية يرونهم من فوق الأسوار ما فيهم منعة ، ووصل ابن ناظر الخاص بعد أن خرج أبوه لما سمع الخبر وخرج صحبته جماعة من الجند ، ثم سار الشيخ أبو هريرة بن النقاش في أناس من المطوعة على نية الجهاد في سبيل الله فقدموا الإسكندرية فوجدوا الفرنج قد أخذوا ما أخذوا وساروا مقلعين في مراكبهم . وفات ما فات .
وفيه نفى كزل العجمي إلى غزة ثم إلى صفد فسجن بالقلعة ، واستمر إلى أن أطلق في أيام الظاهر ططر في سنة أربع وعشرين .وفيها أحدث الوالي وهو خرز على النصارى واليهود برسم المماليك في المحمل في رجب المصادرة لهم على خمر كثير فتجوهوا في بعضه ببعض أهل الدولة فحقد ذلك عليهم ، ثم استأذن السلطان وركب وكبس سويقة صفية خارج القاهرة ، والكوم خارج مصر ، فأراق عدة جرار من الخمر ، وكتب على أكابرهم إشهادات بأمور اقترحها عليهم حتى كف عنهم .
وفي ربيع الآخر نقل جانبك الصوفي من سجنه بالقاهرة بالقلعة إلى الإسكندرية .
وفيه نزل العرب المعروفون بلبيد على ريف البحيرة في خمسمائة فارس سوى المشاة فأوقعوا بأهلها .
وفيه قبض على ابن بشارة وهو محمد بن سيف بن عمر بن محمدابن بشارة وكان قد زاد إفساده في طريق الشام وقطع الطريق فحمل إلى دمشق .
وفي رجب غضب السلطان على نجم الدين ابن حجي بسعاية شهاب الدين الشريف ابن نقيب الأشراف عليه وكانت بينهما منازعة أفضت على العداوة الشديدة حتى رحل إلى القاهرة في السعي عليه ، فلم يزل به إلى أن أوصل بالسلطان ما يقتضي الغضب عليه ، فأرسل بالكشف عليه بعد النداء بعزله وأن من له عليه حق يحضر إلى بيت الحاجب فاستمر النداء أياما فلم يثبت عليه شيء ، ثم نقل إلى المدرسة البيبرسية بالشرف الأعلى ورسم عليه وقرر في الحكم اثنان من نوابه وكتب عليه له إشهاد بما بيده من الوظائف وأنه إن ظهر بيده زيادة على ذلك كان عليه عشرة آلاف دينار على سبيل النذر لعمارة الأسوار ، واستمر غضب السلطان عليه ، وعرض منصب القضاء بدمشق على كاتبه مرارا فامتنع وأصر على الامتناع فأراده على ذلك ورغبه فيه حتى صرح بأن للقاضي بدمشق في الشهر عشرة آلاف درهم فضة معاليم قضاء وأنظار إذا كان رجلا جيدا فإن كان غير ذلك كان ضعف ذلك ، فأصر على الامتناع وبالغ في الاستعفاء ، فسعى بعض الشاميين لابن زيد قاضي بعلبك ، فقررفي قضاء دمشق على ثلاثمائة ثوب بعلبكي ، وفي عقب ذلك قدم نجم الدين ابن حجي القاهرة ، فأنزله زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة عنده ، وقام بأمره ، ولم يزل إلى أن صلح حاله عند السلطان وأعاده على القضاء في بقية السنة ، فلبس الخلعة بذلك في رابع ذي الحجة ، وعاد من كان منكرا على كاتبه في الامتناع مادحا على ذلك وكان شق هذا القدر على كثير من الناس حسدا وأسفا فلله الحمد على ما أنعم .
وفي جمادى الأولى تقاول فخر الدين الأستادار وبدر الدين ابن نصر الله ناظر الخاص بين يدي السلطان فأفضى الحال إلى السلطان ألزم ناظر الخاص بحمل خمسين ألف دينار .
وفي رجب قبض فخر الدين الأستادار على شمس الدين بن محمد بن مرجونة وكان متدركا بجوجر ، ثم سعى إلى أن ولي قضاءها فأمر بتوسيطه فوسط وذهب دمه هدرا ، وأحيط بموجوده فبلغ نحو خمسين ألف دينار ، فحملها إلى السلطان .
وفي ربيع الآخر شغر قضاء الحنفية بموت ابن العديم ، فسعى فيه جماعة وكاد أمره أن يتم للقاضي زين الدين التفهني ، بحيث أنه أجيب وبات على أن يخلع عليه في يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر ،ثم تأخر ذلك وأمر السلطان بطلب ابن الديري من القدس ، فوصل الخبر فتجهز وحضر في الثالث عشر من جمادى الأولى وهرع الناس للسلام عليه ثم اجتمع بالسلطان ففوض قضاء الحنفية في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى - فباشره بصرامة ومهابة .
وفي أواخر شعبان استقر زين الدين قاسم العلائي في قضاء العسكر وإفتاء دار العدل عوضا عن تقي الدين بن الجيتي بحكم وفاته في الطاعون وشغرت الوظيفتان هذه المدة ، وكان سعى فيها شمس الدين القرماني خادم الهروي فأجيب إلى أحديهما ، ثم غلبه قاسم عليهما .
وفي ذي الحجة قدمت خديجة زوج ناصر الدين بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر على المؤيد في طلب ولدها ، وكان السلطان استصحبه معه من بلادهم فأكرم مجيئها ورتب لها رواتب وجمع بينها وبين ولدها ، وهذه هي التي تزوج بعد ذلك الملك الظاهر جقمق ابنتها في ثلاث وأربعين ، وقدم أبوها طائعا فأكرم غاية الإكرام .
وفي رجب غضب قاضي الحنابلة القاضي علاء الدين ابن المغلي من الدويدار الكبير فعزل نفسه ، ولزم منزله ، وكان السبب في ذلكأن حكومة رفعت إلى الدويدار في جمال الدين الإسكندراني نقيب القاضي ، فبعث يطلبه فامتنع قاضيه من إرساله ، فأرسل بعض نوابه يسأل عن القضية فأفحش القول له فأعاد الجواب فغضب لاعتماده على كاتب السر فقام كاتب السر في تسكين القضية إلى أن أصلح بينهما وتحيل على السلطان حتى أمر له بخلعه فخلعت عليه بسبب قدومه بعد غيبته ، وأوهم السلطان أنه خشي لطول الغيبة أن يكون ولايته بطلت فأذن له فلبس الخلعة ، وقرره على ولاية القضاء ومشى الأمر على السلطان في ذلك ، وذلك كله من جودة تدبير كاتب السر وقوة معرفته بسياسة الأمور .
وفي شعبان مات أيدغمش التركماني في الاعتقال بدمشق .
وفيها فوض أمر النظر على الكسوة للقاضي زين الدين عبد الباسط بعد أن استعفى منها ناظر الشيخ فأعفي .
وفي شعبان قبض على محمد بن عبد القادر وأخيه عمر بغزة وحملا إلى القاهرة .
وفيه قدمت هدية كرسجي بن أبي يزيد بن عثمان من بلاد الروم فأكرم قاصده وقبلت هديته وأمر بصرف ثمنها في العمارة .
وفي سابع رمضان عزل خرز من ولاية القاهرة واستقر أقبغا شيطان وكان بيده شد الدواوين فاستمرت معه ، ثم انتزعها منها خرز واستمرخرز في نيابة الجيش أيضا .
وفيه قدم بركات بن حسن بن عجلان إلى القاهرة ، ومعه خيل وغيرها فقدمها ، فقبلت منه وأنزل عند ناظر الخاص وكتب تقليد أبيه بعودة إلى إمرة مكة ، وعزل رميثة ، فوصل الكتاب في شوال فبعث إلى آل عمر القواد وكانوا مع رميثة فاستدعاهم إلى الرجوع في طاعته فامتنعوا وقاموا مع رميثة محاربين لحسن ، فركب حسن إلى الزاهر ظاهر بمكة في ثاني عشر من شوال ، ووافاه مقبل بن نخبار أمير ينبع منجدا له بعسكره ، ثم دخلوا مكة بعسكر بقرب العسيلة فوقعت الحرب هناك فانكشف رميثة ومن معه وغلب حسن ومن معه فدخلوا البلد بعد أن أحرقوا الباب ، وكثرت الجراحات في الفريقين ، فخرج الفقهاء والفقراء بالمصاحف يسألون حسن بن عجلان الكف عن القتل فأجابهم ، فخرج رميثة من مكة هو ومن معه وتوجهوا إلى جهة اليمن ، ودخل حسن مكة في سادس عشر من شوال فغلب عليها ونادى بالأمان واستقرت قدمه وأقام ولده بركات في القاهرة ثم سار منها بإذن السلطان في أول ذي القعدة فوافى الحجاج قبل ينبع ،وفي رمضان حضر السلطان مجلس سماع الحديث بالقلعة وفيه القضاة ومشايخ العلم ، فسألهم عن الحكم في شخص يزعم أنه يصعد إلى السماء ويشاهد الله تعالى ويتكلم معه ، فاستعظموا ذلك ، فأمر بإحضاره فأحضر وأنا يومئذ معهم ، فرأيت رجلا ربعة عبل البدن أبيض مشربا بحمرة كبير الوجه كثير الشعر منتفشه ، فسأله السلطان عما أخبر به ، فأعاد نحو ذلك وزاد بأنه كان في اليقظة وأن الذي رآه على هيئة السلطان في الجلوس وأن رؤيته له تتكرر كثيرا ، فاستفسره عن أمور تتعلق بالأحكام الشرعية من الصلاة وغيرها ، فأظهر له أنه جاهل بأمور الديانة ، ثم سئل عنه فقيل أنه يسكن خارج باب القرافة في تربة خراب وإن لبعض الناس فيه اعتقاد كدأبهم على أمثاله ، فاستفتى السلطان العلماء ، فاتفق رأيهم على أنه إن كان عاقلا يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، فاستتيب فأمتنع ، فعلق المالكي الحكم بقتله على شهادة شاهدين يشهدان أن عقله حاضر ، فشهد جماعة من أهل الطب أنه مختل العقل مبرسم ، فأمر السلطان به أن يقيد في المارستان ، فأستمر فيه بقية حياة السلطان ، ثم أمر بعد موت السلطان بإطلاقه .
وفي شوال كانت الفتن بين أهل البحيرة فقتل موسى بن رحاب وحلاف بن عتيق وحسين بن شرف وغيرهم من شيوخهم ، وتوجهالأستادار لمحاربتهم ففتك فيهم ، وقدم في ذي القعدة ومعه من الغنم والبقر شيء كثير ووصل في طلبهم إلى العقبة الصغرى ، ثم توجه منها إلى جهة برقة فسار أياما ثم رجع .
وفيه قدم ركب التكرور في طلب الحج ومعه شيء كثير من الرقيق والتبر .
وفيه قدم إلى دمشق الخاتون زوجة إيدكي صاحب الدشت في طلب الحج وصحبتها ثلاثمائة فارس فحجوا صحبة المحمل الشامي .
وفي ذي القعدة أفرج عن سودون الأشقر من الإسكندرية وأرسل على القدس بطالا .
وفي أواخر شوال قلع باب مدرسة حسن ، وكان الملك الظاهر قد سده من داخله ومنع من الصعود منه ، ثم هدمت بعد ذلك بمدة البوابة ، ثم اشترى الملك المؤيد الباب من ذرية حسن والتنور الذي هو داخله بخمسمائة دينار ، فركبا بجامعه الذي أنشأه بباب زويلة .
وفي أوائل رمضان أعيد قاسم البشتكي إلى نظر الجوالي بعد أن كان عزل وصودر وأهين .
وفيه عاود المؤيد ضعف رجليه بالمفاصل .وفي رمضان نودي على المؤيدي أن يكون بثمانية والأفلوري بمائتين وثلاثين والفلوس كل رطل بخمسة ونصف ، فكان في ترخيص الذهب سبب إلى تكثير الفضة ، وأما ترخيص الفلوس فلا يعقل معناه فإنه رخيصة جدا بالستة وكان في الستة ترفق بمن لا يد له بالحساب لسرعة إدراك نصفها وثلثها وربعها وغير ذلك بخلاف الخمسة والنصف .
وفي سادس شوال قدمت رسل قرا يوسف على المؤيد فسمع الرسالة وأعاد الجواب .
وفي أواخر شوال مات أمير الركب الأول قمارى وكان أمير عشرة ، فسار بالركب الأمير صلاح الدين ابن ناظر الخاص صاحب بدر الدين ابن نصر الله وكان قد حج في هذه السنة ، فشكروا سيرته فيهم بعد أن وصلوا .
وفي العشرين من ذي القعدة استقر فخر الدين في الوزارة مضافا إلى الأستادارية بعد موت تقي الدين ابن أبي شاكر .
وفيه غلا البنفسج بالقاهرة حتى لم يوجد منه شيء البتة ، ووجدت باقة واحدة فبيعت بعشرين درهما فضة .
وفيه حاصر نائب طرابلس قلعة الجوابي إحدى قلاع الإسماعيلية ، فأخذها عنوة وخربها حتى صارت أرضا وفي آخره - مات محمد بن هيازعأمير آل مهدي من العرب فقرر مكانه مانع بن سنيد .
وفي أول ذي الحجة أمر جقمق الدويدار بعرض أجناد الحلقة ليسافروا صحبة ركاب السلطان إذا تجهز للبلاد الشمالية ، فاشتد عليهم جقمق وحلف السلطان ناظر الجيش بطلاق زوجته وبكل يمين أنه لا يكتم عنه شيئا ، فاشتد الأمر على أجناد الحلقة جدا ، ثم أمر السلطان أن يعرضوا عليه فكان ما سنذكر في السنة الآتية .
وفي عاشر ذي الحجة يوم عيد النحر أنزل المستعين بالله أبو الفضل العباس بن محمد العباسي إلى ساحل مصر على فرس وبفرج وخليل ومحمد أولاد الملك الناصر فرج في محفة وتوكل بهم الأمير كزل الأرغون شاوي وكان أحد الأمراء بحماة وزوج بنت كاتب السر فسار بهم إلى الإسكندرية ، وكان المستعين لما خلعه المؤيد من الملك نقله من القصر إلى دار من دور القلعة ومعه أهله وحاشيته ثم نقله إلى برج قريب من باب القلعة وكان الظاهر حبس فيه أباه المتوكل ثم نقله في هذا الشهر إلى الإسكندرية فأنزله في برج من أبراجها ولم يجر عليه معلوما ولا راتبا وانتهت هذا السنة وقد بلغت النفقة على الجامع المؤيدي أربعين ألف دينار ذهبا .وفي ثاني عشر ذي الحجة توجه السلطان إلى الربيع فأقام برسيم خمسة عشر يوما ، ونزل ليلة السابع والعشرين من ذي الحجة في حراقته الذهبية فجمع له بعض الناس له عدة مراكب وزينوها بالوقيد الكثير ، وكان الهواء ساكنا فكانت ليلة معجبة .
وفي هذه السرحة قدم الأستادار عشرة آلاف دينار ومائة وخمسين جملا غير الخيول - واستمر ذلك سنة بعده على المباشرين .
وفيها مات أحمد - ابن رمضان أحد أمراء التركمان وكان بيده سيس وأذنة فاختلف أولاده بعده .
وفيها بلغ السلطان في يوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة أن نائب الحكم ببلبيس أخبر أنه ثبت عنده هلال ذي الحجة ليلة الثلثاء ، فانزعج على القاضي الشافعي ونسبه إلى التفريط في الأمور المهمة . وتكلم في القضاة كلهم بكلام خشن .
وفي هذه السنة غلب الأمير بهار بن فيروز شاه بن محمد شاهابن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق بن طبق شاه سيف الدين بن قطب الدين على ملك هرمز ، وكان حسام الدين بن عدي قد خرج على أبيه وغلب على هرمز ، فثار عليه بهار المذكور في هذه السنة ففر منه إلى جزيرة تاردب ، ثم حج سنة عشرين وثمانمائة .
وفيات سنة 819
ذكر من مات في سنة تسع عشرة وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن أبي أحمد الصفدي شهاب الدين ، الشامي نزيل القاهرة ، كان قد قدم في التوقيع عند الملك المؤيد حيث كان نائبا ، ثم قدم معه القاهرة وظن أنه يلي كتابة السر ، فاختص القاضي ناصر الدين البارزي بالسلطان وكان يكره الصفدي لطرش فيه ، فأراد الإحسان وجبر خاطره فقرره في نظر المارستان ، ونظر الأحباس ، فباشرهما حتى مات في ربيع الأول ولم يكن محمودا ، وقرر عوضه في المارستان تقي الدين يحيى بن الشيخ شمس الدين الكرماني ، وفي نظر الأحباس بدر الدين محمود العيني .
أحمد بن رمضان التركماني الأجقي صاحب أذنة وسيسوإياس وغيرها ، ولي الإمرة من قبل الثمانين ، واستمر يشاقق العسكر الشامي تارة ويصالحوه أخرى ، وتجردوا أول مرة سنة ثمانين فكان ما ذكر في الحوادث ، وتجهزوا ثاني مرة سنة خمس وثمانين ، فكسر أمير عسكره إبراهيم أخوه ، فلما كانت الفتنة العظمى ورجع اللنك إلى العراق استقرت قدم أحمد هذا ، ولم يزل في ذلك إلى أن مات في أواخر هذا السنة ، وكان شيخا كبيرا مهيبا شهما ، وهو الذي تزوج الناصر ابنته ، وكانت له اليد البيضاء في طرد العرب عن حلب في ذي الحجة سنة ثلاث وثمانمائة . كما تقدم .
أحمد بن عبد الله ، الذهبي ، اشتغل قليلا وحفظ المنهاج ، ثم صحب الشيخ قطب الدين وغيره ، وسافر بعد اللنك إلى القاهرة فعظم بها ، وسافر معه أكابر الأمراء في الاعتناء بعمارة الجامع الأموي والبلد ، وحصل له إقبال كبير ، ثم عاد إلى مصر في أول الدولة المؤيدية ، ثم توجه رسولا إلى صاحب اليمن وحصلت له دنيا ، ثم عاد فمات في جمادى الأولى .
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الناصر ، الزبيري شهاب الدين بن القاضي تقي الدين الزبيري ، أحد موقعي الحكم ، كان قد مهر في صناعته وحصل فيهامالا جزيلا وورثه أخوه علاء الدين . وكان شهاب الدين شديد الإمساك وأخوه شديد الإتلاف فوسع الله بموت الشهاب على علاء الدين ، ويقال إنه ورث منه نحو ألفي دينار غير البيوت ، مات في نصف ذي الحجة .
أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن ، الفاسي ثم المكي المالكي الحسني شهاب الدين ، والد قاضي المالكية بمكة تقي الدين ، ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة وعني بالعلم فمهر في عدة فنون خصوصا الأدب ، وقال الشعر الرائق ، وفاق في معرفة الوثائق ، ودرس وأفتى وحدث قليلا سمع من عز الدين ابن جماعة وأبي البقاء السبكي وغيرهما ، وأجاز لي ، وباشر شهادة الحرم نحوا من خمسين سنة ، ومات في حادي عشري شوال .
أحمد بن عمر بن قطينة - بالقاف والنون مصغر باشر شد الخاص ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي الوزارة في سنة اثنتين وثمانمائة فلم ترسخ فيها قدمه بل أقام جمعة واحدة وعزل ، وتنقلت به الأحوال إلى أن مات في آخر المحرم .
أحمد بن أبي أحمد بن محمد بن سليمان ، المصري المعروف بالزاهد ، انقطع في بعض الأمكنة فاشتهر بالصلاح ، ثم صار يتتبع المساجد المهجورة فيبني بعضها ويستعين بنقض البعض في البعض ، ثم أنشأ جامعا بالمقس وصار يعظ الناس خصوصا النساء ، ونقموا عليه فتواه برأيه من غير نظر ،جيد في العلم مع سلامة الباطن والعبادة ، مات في رابع عشري ربيع الأول .
أحمد بن القاضي ، أصيل الدين محمد بن عثمان ، الاشليمي شهاب الدين ، ناب في الحكم ، ومات في صفر مطعونا .
أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد ، الحوراني ثم الدمشقي الشافعي ، ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة ، واشتغل بالعلم ومهر في الفقه واشتهر بالفضل ، وناب في الحكم بدمشق وأفتى ودرس .
وكان أول أمره أقرأ أولاد الزهري فحصل معهما عن مشايخ ذلك العصر إلى أن مهر فظهر فضله ، وأذن له البلقيني في الإفتاء سنة ثلاث وتسعين ، وجلس للاشتغال وأفتى ، وحمدت فتاويه مع وفور عقله وحسن تأنيه وإنصافه في البحث وحسن محاضرته ، ومات في جمادى الأولى .
أحمد بن محمد المرتقي أحد فضلاء الحنابلة ، ناب في الحكم واشتغل كثيرا ، وكان خيرا صالحا . مات في العشرين من ذي القعدة .
أحمد بن يوسف بن عبد الرحمن ، اليمني المعروف بابن الأهدل ، أحد من يعتقده الناس باليمن ، جاور بمكة زمانا ، وهو من بيت صلاح وعلم ، مات في سادس عشر ذي الحجة .
أرغون الرومي ، ولى نيابة الغيبة للناصر فرج ، وكان يرجع إلى دينوخير ، مات في ذي القعدة بالقدس بطالا .
أبو بكر بن عثمان بن محمد الجيتي - بكسر الجيم وسكن التحتانية بعدة مثناة - الحموي الحنفي ، أحد فضلاء أهل حماة ، عارف بالعربية ، حسن المحاضرة ، قدم صحبة علاء الدين بن مغلي من حماة فنزل على كاتب السر ابن - البارزي فأكرمه وأحضره مجلس السلطان وولاه قضاء العسكر وغيره ، مات في الطاعون في آخر ربيع الأول .
تاني بك الجركسي مشد الشربخاناة ، تنقل في الخدم إلى أن ولي إمرة الحج في سنة ثماني عشرة ، وقدم في أول هذه السنة وهو ضعيف ، وقد شكر الناس سيرته ، فمات في صفر .
ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة ، المخزومي المكي أبو أحمد ، سمع على عز الدين بن جماعة وغيره ، وأجاز له القلانسي ونحوه ، مات في صفر وقد جاوز السبعين بمكة .
عائشة بنت أنس الجركسية أخت الملك الظاهر ، وكانت في السن قرية منه وعاشت بعده دهرا وقد أسنت ، وهي والدة بيبرس الذي ولي أتابكية العسكر وغير ذلك من الوظائف ، ماتت في ذي القعدة .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12