كتاب : إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ
المؤلف : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

والحلي والسلاح ما تعجب اللنك من كثرته حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال : ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر ، ثم تعدى أصحابه إلى نهب القرى المجاورة والمتقاربة والإفساد فيها بقطع الأشجار وتخريب الديار وجافت النواحي من كثرة القتلى حتى كادت الأرجل أن لا تطأ إلا على جثة إنسان وبني من رؤوس القتلى عدة مواذن منها ثلاث في رابية بن جاجا وهلك من الأطفال التي أسرت أماتهم بالجوع أكثر ممن قتل ، وذكر القاضي محب الدين ابن الشحنة عن الحافظ الخوارزمي أنه أخبره أن ديوان اللنك اشتمل على ثمانمائة ألف مقاتل ، وذكر أيضا أن اللنك لما جلس في القلعة وطلب علماء البلد ليسألهم عن علي ومعاوية فقال له القاضي القفصي المالكي : كلهم مجتهدون ، فغضب وقال : أنتم تبع لأهل الشام وكلهم يريدون ويحبون قتلة الحسين ، وذكر أنه قرر في نيابة حلب لما توجه لدمشق الأمير موسى بن حاجي طغاي وكان رحيله عنها في أول يوم من شهر ربيع الآخر ؛ ويقال إن أعظم الأسباب من خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أغار بعض التركمان على أموال نعير فنهبها ، فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تمرلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب ، وقال بعضهم : إن دمرداش كان قد باطن تمرلنك لكثرة ما كان تمرلنك قد خدعه ومناه . وطائفته في قيودهم ، ثم استحضرهم تمرلنك بعد أن طلع القلعة في ناس قليل بين يديه وعنفهم ، وامتدت الأيدي لنهب أموال الناس التي حصنت بالقلعة لظن أصحابها أنها تسلم فكأنهم جمعوا ذلك للعدو حتى لا يتعب في تحصيلها ، وعرضت عليه الأموال ومن أسر من الأبكار والشباب ففرق ذلك على أمرائه وكان بالقلعة من الأموال والذخائر والحلي والسلاح ما تعجب اللنك من كثرته حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال : ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر ، ثم تعدى أصحابه إلى نهب القرى المجاورة والمتقاربة والإفساد فيها بقطع الأشجار وتخريب الديار وجافت النواحي من كثرة القتلى حتى كادت الأرجل أن لا تطأ إلا على جثة إنسان وبني من رؤوس القتلى عدة مواذن منها ثلاث في رابية بن جاجا وهلك من الأطفال التي أسرت أماتهم بالجوع أكثر ممن قتل ، وذكر القاضي محب الدين ابن الشحنة عن الحافظ الخوارزمي أنه أخبره أن ديوان اللنك اشتمل على ثمانمائة ألف مقاتل ، وذكر أيضا أن اللنك لما جلس في القلعة وطلب علماء البلد ليسألهم عن علي ومعاوية فقال له القاضي القفصي المالكي : كلهم مجتهدون ، فغضب وقال : أنتم تبع لأهل الشام وكلهم يريدون ويحبون قتلة الحسين ، وذكر أنه قرر في نيابة حلب لما توجه لدمشق الأمير موسى بن حاجي طغاي وكان رحيله عنها في أول يوم من شهر ربيع الآخر ؛ ويقال إن أعظم الأسباب من خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أغار بعض التركمان على أموال نعير فنهبها ، فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تمرلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب ، وقال بعضهم : إن دمرداش كان قد باطن تمرلنك لكثرة ما كان تمرلنك قد خدعه ومناه .
وفي أواخر ربيع الأول عرض يشبك الدويدار أجناد الحلقةفقرر بعضهم وقطع بعضهم وسافر سودون من زاده في سلخه على هجين لكشف الأخبار ، ثم تحققت أخبار حلب بوصول قاصد أسنبغا الذي توجه قبل ذلك لكشف الأخبار ، فخرج السلطان في ثالث ربيع الآخر واستقر تمراز نائب الغيبة ، ورحل السلطان من الريدانية عاشر ربيع الآخر فوصل غزة في العشرين منه ، وتوجه منها في السادس والعشرين منه بعد أن قرر نواب البلاد عوضا عن المأسورين ، فولي تغري بردىنيابة دمشق وآقبغا الجمالي نائب طرابلس وتمر بغا المنجكي نائب صفد وطولو نائب غزة ، ووصل السلطان دمشق في سادس جمادى الأولى ، فوافاهم جاليش تمرلنك في نحو ألف فارس فالتقى معه بعض العسكر فكسروه في ثامن الشهر المذكور ، ثم نازل تمرلنك الشام وراسل السلطان أن يطلق له أطلمش قريبه على أن يطلق جميع من عنده من الأسارى ويرحل من البلاد ، فامتنعوا من ذلك وظنوا أن ذلك لعجزه عنهم ، فكرر الطلبمرارا فأصروا ، ثم وقعت الحرب بينهم واقتتلوا مرارا لكن لم يقع بينهم وقعة جامعة بل مناوشة .
فلما كان في الثاني عشر من الشهر المذكور وقع الاختلاف بين أمراء العسكر المصري فخاف بعضهم من بعض فاختفى ، فظن من أقام أن الذي اختفى قد توجه إلى القاهرة ليتملكها ، فاخذوا السلطان وتوجهوا به إلى نحو صفد ثم إلى غزة فتركوا الناس في فوضى ، ووصل السلطان إلى مصر في خامس من جمادى الآخرة وصحبته الخليفة وهم في غاية من الذل ليس معهم خيل ولا جمال ولا قماش ولا عدة ، وصار الجيش بعد هرب السلطان يخرجون من دمشق إلى جهة مصر فيسلبهم العشير أثوابهم وربما قتلوا بعضهم ، ومنهم من ركب البحر الملح حتى وصل إليهم إلى القاهرة في أسوء حال ، ولما تحقق تمرلنك فرار العسكرأمر عسكره باتباعهم فصاروا يلتقطون منهم من تخلف فأغلق أهل دمشقصفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .أبوابها وركبوا أسوارها وتراموا مع اللنكية فقتل منهم جماعة ، فأرسل تمرلنك يطلب من أهل البلد رجلا عاقلا يتكلم معه في الصلح ، فأرسلوا إليه القاضي برهان الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن مفلح ، فرجع وأخبر أنه تلطف معه في القول وسأله في الصلح فأجابه ، فأطاعه كثير من الناس وأبى كثير منهم فأصبحوا في يوم السبت نصف جمادى الآخرة وقد غلب رأي من أراد الصلح وأخرجوا إلى تمرلنك الضيافة جبوها من مياسير الناس ، فكتب لهم أمانا قرء على المنبر يتضمن أنهم آمنون على أنفسهم وأهاليهم ، ثم فتح الباب الصغير واستحفظ عليه بعض أمراء تمرلنك لئلا ينهب التتار البلد ، واستقر الصلح على ألف ألف دينار فوزعت على أهل البلد ، ثم روجع تمرلنك فتسخطها وقال : إنه إنما طلب ألف تومان والتومان عشرة آلاف دينار ، فتزايد البلاء على أهل البلد وندموا حيث لا ينفع الندم ، ثم أول شيء فعله اللنك من القبائح تعطيل الجمعة من الجامع الأموي فإنه نزل فيه شاه ملك وزعم أنه نائب تمرلنك على دمشق فسكنه بأهله وخيوله وأسبابه ومنع الناس مندخوله وتعطلت من المساجد الصلوات والأسواق من المعائش وشرع اللنكية في حصار القلعة واستكتب تمرلنك من بعض أهل دمشق أسماء الحارات وقسمها في أصحابه وأقطعها لهم ، فنزل كل أمير حيث أقطع وطلب سكان ذلك الخط فكان الرجل يقوم في أسوء هيئة على باب داره ويطلب منه المال الجزيل فإن امتنع عوقب إلى أن يخرج جميع ما عنده فإذا لم يبق له شيء أحيط على نسائه وبناته وبنيه فيفجر بهم حتى قيل إنهم يفعلون ذلك بهم بحضرته مبالغة في الإهانة ثم بعد وطئهم يبالغون في عقوبتهم لإحضار المال ، فأقاموا على ذلك سبعة عشر يوما فهلك تحت الضرب والعقوبة من لا يحصى ، ثم خرج منها الأمراء المذكورون وصبح البلد في سلخ رجب المشاة والرجالة في أيديهم السيوف المصلتة فانتهبوا ما بقي من المتاع وألقوا الأطفال من عمر يوم إلى خمس تحت الأرجل وأسروا أمهاتهم وآباءهم ثم أطلقت النار في البيوت إلى أن أحترق أكثر البلد وخصوصا الجامع وما حواليه ، ثم رحل تمرلنك بعساكره في ثالث شعبان فأعقب رحيله جراد كثير إلى الغاية ودام أياما ، ومات في هذا الشهر من أهل الشام من لا يحصى عدده إلا الله تعالى ، فمنهم من حريقا ، ومنهم عن عجز من الهرب فمات جوعا ، ومنهم من توجه هاربا فمات إعياء ، ومنهن من كان ضعيفا فاستمر إلى أن مات ، وبلغ الأمر بأهل دمشق قبل رحيل العسكر عنهم ان الواحدمن التمرية كان يدخل إلى البيت وفيه العدد الكثير فيصنع بهم ما أراد من نهب وقتل وإحراق وإفساد وفسق ، ولا تمتد إليه يد ولا تخاطبه لسان لما غلب على القلوب من الخوف منهم ، وبيع القمح بعد رحيلهم كل مد بأربعين درهما ، واخذ الناس في ضم الجراد وبيعه وصار هو غالب القوت بالبلد ، وبيع الرطل منه بأربعة ونصف ، وصار من بقي حفاة عراة ، وأعيانهم عليهم العبي والجلود وهم يبيعون الجراد ، وينادون عليه ويتتبعون ما بقي من خلق المتاع ويبيعونه ليشتروا به الجراد ، واستمر الحريق في البلد لعجز من بقي عن طفيه حتى عم جميعها ، ومن بعد رحيل تمرلنك عن الشام قصد ماردين فنازلها ، ووصل إله في تلك الأيام العادل صاحب حصن كيفا فأكرمه وكان وصوله إلى حلب راجعا في سابع عشر شعبان ولم يدخلها بل امر المقيمين بها من جهته بتخريبها وتحريقها ففعلوا ثم لحقوا به وحدث كثير ممن كان أسر معهم . . . . . وسار هو قاصد البلاد الشمالية ، وذكر بعض من يوثق به انه قرأ في الحائط القبلي بالجامع النوري بحماة منقوشا على رخامة بالفارسي ما نصه : إن الله يسر لنا فتح البلاد والممالك
حتى انتهى استخلاصنا إلى بغداد فجاورنا سلطان مصر والشام فراسلناه لتتم بيننا المودة فقتلوا رسلنا وظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أهلنا فسجنوهم فتوجهنا لاستخلاصمتغلبينا من أيدي مخالفينا ، واتفق في ذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخر ، وكان لما وصل إلى حمص لم يتعرض لها إكراما لخالد بن الوليد ، ولما تكامل الجند بمصر قام بأمرهم يلبغا السالمي فصار يكسوا العرايا منهم ويحما إليهم الأموال والأمتعة والسلاح وقام في تحصيل الأموال لتجهيز العساكر إلى الشام لدفع تمرلنك بزعمه عن دمشق ، فبسط يده في أخذ أموال الناس بغير رضاهم ، فمن حضر قاسمه ماله قسمة صحيحة ، ومن غاب أخذ نصف ما يجده له ويترك النصف وعم ذلك حتى في اموال الأيتام والأوقاف وفرض على البيوت كل بيت كراء شهر ، وعلى كل فدان حبوب عشرة دراهم ، وعلى كل فدان قلقاس أو قصب مائة درهم ، وعلى البساتين كل فدان ، مائة درهم ، وفرض على الإقطاع عن عبرة كل ألف دينار ثمن فرس خمسمائة درهم .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .صفحة فارغة .وفي ذي الحجة منها حاصر نعير أمير العرب حلب وأميرها إذ ذاك دمرداش النائب والعساكر بها قليلة جدا فغلا السعر عندهم واشتد عليهم الخطب فاستنجد دمرداش بابن رمضان فحضر إليه بخيله ورجاله ووقع القتال فرأى نعير الغلبة وقد أشرف دمرداش وابن رمضان على كسرهم ففر ليلا بمن معه فساروا في أثرهم فلم يدركوهم ورجع ابن رمضان إلى بلده وقد فرج الله عن الحلبيين به .
وفي ليلة الإثنين النصف من صفر طلع القمر خاسفا فصلى ابن أبي البقاء بدمشق صلاة الخسوف وخطب وفرغ عند وقت العشاء وانجلى القمر عند غياب الشفق .
ومن الحوادث غير قصة تمرلنك في أول يوم منها ولي تغري برمش ولاية القاهرة عوضا عن أحمد بن الزين .
وفي تاسعه استقر نور الدين ابن الجلال في قضاء المالكية عوضا عن ابن خلدون .
وفي أواخره صرف تقي الدين الكفري عن قضاء الحنفية بدمشقوأعيد بدر الدين القدسي .
وفي خامس عشرى المحرم قرئ على المحدث جمال الدين عبد الله ابن الشرائحي بالجامع كتاب الرد على الجهمية لعثمان الدارمي فحضر عندهم زين الدين عمر الكفيري فأنكر عليهم وشنع وأخذ نسخة منالكتاب وذهب بها إلى القاضي المالكي فطلب القارئ وهو إبراهيم الملكاوي فأغلظ له ثم طلب ابن الشرائحي فآذاه بالقول وأمر به إلى السجن وقطع نسخه ابن الشرائحي ثم طلب القاري ثانيا فتغيب ثم أحضره فسأله عن عقيدته فقال : الإيمان بما جاء عن رسول الله e ، فانزعج القاضي لذلك وأمر بتعزيره فعزر وضرب وطيف به ، ثم طلبه بعد جمعة وكان بلغه عنه كلام أغضبه فضربه ثانيا ونادى عليه وحكم بسجنه شهرا .
وفي ثاني عشر المحرم عزل ابن خلدون عن قضاء المالكية وأهين وطلب بالنقباء من عند آقباي الحاجب ماشيا من القاهرة إلى بيت الحاجب بالكيش وأوقف بين يديه ورسم عليه وحصل له إخراق زائد وأطلق بعض من سجنه ثم بعد مدة من عزله أعطي تدريس المالكية بوقف الصالح .وفي الرابع والعشرين منه كسر يلبغا السالمي من شبرى نحو من خمسين ألف جرة خمر .
وفي عاشر ربيع الآخر استقر بدر الدين العيني في الحسبة عوضا عن البجاسي ثم عزل بعد رجوع السلطان من دمشق وأعيد البجاسي في سابع جمادى الآخرة .
وفي أواخر ربيع الآخر خلع تمراز نائب الغيبة على منكلي بغاالزيني بكشف البهسنا فنزل إلى يلبغا السالمي الأستادار فعراه الخلعة وضربه بالمقارع ، فبلغ ذلك نائب الغيبة فغضب ، فدخل النائب بينهما إلى أن أعاد السالمي على المذكور خلعته واستمر به .
وفي نصف جمادى الأولى منع يلبغا السالمي اليهود والنصارى من دخول الحمامات إلا بشعار يعرفون به نساء ورجالا وشدد في ذلك فبلغ ذلك نائب الغيبة فنادى بإبطاله ثم وصل كتاب السلطان في أوائل جمادى الأولى وفيه أن يلبغا السالمي لا يحكم إلا فيما يتعلق بالديوان المفرد خاصة وكان السالمي عند سفر السلطان استنجز مرسوما بأنه يحكم في الأحكام الشرعية وكتب له عليه قضاة القضاة ، فلما وقع الخلاف بينه وبين نائب الغيبة سعى عليه في إبطال ذلك فتم له ما أراد وأمر بان ينادى في البلد : من وقف ليلبغا السالمي في شكوى عوقب ومن له على السالمي ظلامة يرفعها لنائب الغيبة ثم أمر بكتابة محضر بأحوال السالمي وما هو فيه من الهوج ، وكان السالمي يومئذ غائبا فلما رجع وبلغه ذلك أهان الذي كتب المحضر وأحضر دويدار الوالي فضربه بسبب إشهاره النداء ، فبلغ ذلك الوالي فهرب إلى بيت نائب الغيبة ثم وصل السلطان فتمكن يلبغا السالمي من التحكم في البلد ونودي له بذلك فصنع ما تقدم شرحه قريبا .
وفي ثاني عشر جمادى الآخرة استقر القاضي أمين الدين عبد الوهاب ابن القاضي شمس الدين الطرابلسي في قضاء الحنفية عوضا عن القاضيجمال الدين الملطي وكان قد تعوق عن السفر إلى الشام لضعفه فمات في غيبتهم وتعطل المنصب بعده إلى هذه الغاية واستقر القاضي جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي في قضاء المالكية عوضا عن نور الدينابن الجلال لأنه كان مات في غزة لما توجه العسكر إلى الشام ثم عزل بعد يسير واستقر القاضي ولي الدين ابن خلدون في رمضان .وفي ثالث رجب استقر علم الدين أبو كم في الوزارة عوضا عن فخر الدين ابن غراب .
وفي رجب وقع بحسبان من الشام برد كبار مثل الكف ومنه مثل الخيار وزن الواحدة سبعة وعشرون درهما ولم يعهدوا مثل ذلك من قبل .
وفي رجب حضر رسول تمرلنك يطلب أطلمش ويعدهم أنهم إذاأرسلوه يرسل كل من عنده من الأسرى أميرا كان أو فقيها وكانوا قد أسروا قاضي القضاة صدر الدين المناوي وشغر المنصب عنه ابتداء هرب السلطان من دمشق ، فلما وصل الكتاب لم يسعهم المخالفة فأخرجوا أطلمش وأعطوم مالا وأرسلوا رسلا يخبرون تمرلنك بإكرامه وإعزازه ؛ وفي ثامن عشر رجب استقر سعد الدين ابن غراب استادارا مضافا إلى ما بيده من نظر الخاص والجيش وشرط أن لا يغير ملبوسه ، وسلم له السالمي ليحاسبه على الأموال التي أخذها من الناس ، فسلمه لناصر الدين بنكلفت شاد الدواوين فأهانه وهدده وعصره ، ثم أطلق في أول يوم من شوال ولقد عدته مهنئا بسلامته فوجدته مصرا على تحسين أفعاله المستقبحة المقدم ذكرها ويوجه ذلك بانه لولا أشيع عنه تحصيل الأموال وتجهيز العساكر بها ما رحل تمرلنك عن دمشق ، وهذا من غلطاته الظاهرة فإن رحيل اللنك إنما كان لضيق العيش على من معه فخشي أن يهلكوا جوعا وإلا فما الذي يمنعه من اتباعهم إلى مصر ؛ ثم قبض عليه مرة أخرى في ذي القعدة وتسلمه أحمد بن رجب شاد الدواوين فضربه وعصره حتى أشيع موته ، ثم أفرج عنه في نصف الشهر .
وفي سابع شعبان وصل نائب طرابلس شيخ المحمودي إلى القاهرة وكان قد هرب من أسر تمرلنك ، فتلقاه يشبك وبقية الأمراء وأرسلوا إليه الخيول والمال ، ثم خلع عليه في رمضان بنيابة طرابلسعلى عادته ؛ وفي تاسع عشره حضر دقماق نائب حماة فارا أيضا من أسر تمرلنك .
وفي أواخر شعبان نودي بالقاهرة : لا يقيمن عجمي بها ومن أقام لا يلومن إلا نفسه فشرعوا في الخروج منها ثم فتر ذلك وشفع فيهم .
وفي تاسع عشرين شعبان استقر ناصر الدين الصالحي في قضاء الشافعية عوضا عن صدر الدين المناوي بعد السأس منه وشغر المنصب عنه أكثر من شهرين ، وفيه أخذ الذهب في الأرتفاع لكثرة من يطلبهلأن الفضة كانت في غاية الغلاء وغالب نقد الناس الفلوس وهي مثقلة لمن يقتنيها ولا سيما من يخاف على نفسه .وفي أوائل شوال عمل يشبك الدويدار على جماعة من الخاصكية والأمراء ليخرجهم من القاهرة وقرر السلطان أن يؤمرهم في دمشق وغيرها فلما علم بذلك جكم ونوروز وغيرهما من كبار أهل الدولة تفطنوا لمقصود يشبك فعاكسوه واتفقوا مع الذين عينوا أن يردوا المناشير فدا بينهم وبين يشبك كلام فأغلظ لهم فخرجوا عليه فضربوا قطلوبغا الكركي وأخاه الخازندار بالرميلة وجرح قطلوبغا في وجهه ووقف المماليك إلى الليل وانضاف إليهم جكم ووقع بينهم وبين جركس المصارع الدويدارصفحة فارغة .صفحة فارغة .الثاني ثم توجه جكم ومعه جمع كثير نحو الخمسمائة إلى جهة بركة الحبش ثم سودون طاز أمير آخور وأخذ معه الخيل التي في الاصطبل والطبول وأتلف أشياء كثيرة من آلات الاصطبل كالقرب والوايا ، فأرسل السلطان لهم نوروز وصحبته القاضي الشافعي في الحادي عشر يستخبرهم عن سبب نفرتهم ويأمرهم بالرجوع إلى الطاعة فأعلموهمبباطن القضية فرجع القاضي إلى السلطان فأطلعه على ما سمع وتأخر نوروز موافقا لهم فخشي السلطان أن يتفلل من بقي عنده فنزل إلى الاصطبل وأمر رؤوس النوب بمنع المماليك من مساعدة أحد الفريقين وأرسل إلى يشبك يعلمه بانهم ليس لهم قصد غيره ويقول له : قاتل عن نفسك .
فلما كان حادي عشر شوال التقى الجمعان فانكسر يشبك وقبض على أخوته وهم آقباي وقطلوبغا الكركيان وجركس المصارع وأرسلوا إلى الإسكندرية ثم قبض على يشبك وأرسل أيضا واستقر جكم دويدارا وسودون من زاده خازندار ثم استعفي منها في سادس ذي الحجة واستقر شاد الشربخاناه وطلب المماليك الإنفاق بسبب النصرة فامر ناظر الخاص بتحصيل مال النفقة فشرع في الاقتراض من التجار وطلع في أول ذي القعدة لينفق لكل مملوك ألف درهم فثارت عليه المماليك فأمسكوه وضربوه فهرب واختفى عند الزمام ثم توجه إلى مصر ومعه النفقة وعدا من مصر إلى الجيزة وتمادى سائرا إلى تروجة وذلك في سادس عشري ذي القعدة وفي أثناء ذلك قبض يشبك على الشيخ لاجينشيخ الجراكسة فأخرجه إلى بلبيس وقبض على سودون الفقيه أحد دعاة الشيخ لاجين وسجنه بالإسكندرية .
وفي السادس من ذي الحجة قرر السلطان ناصر الدين ابن سنقر أستادارا واستقر أبو كم الوزير في نظر الخاص واستقر سعد الدين ابن بنت الملكي صاحب ديوان الجيش في نظر الجيش .
فلما كان في تاسع ذي الحجة وصل قاصد من مشايخ تروجة يخبرأن ابن غراب حضر إليهم وعلى يده مثال شريف باستخراج الأموال وأن يتوجهوا صحبته إلى الإسكندرية لإخراج يشبك وإخوته فكتب جوابه بعدم تمكينه من المال وأن يقبض عليه ثم جاء من مشايخ تروجة قاصد يطلب الأمان لابن غراب فكتب له عن لسان السلطان .
وفيها بلغ رسطاي نائب الإسكندرية أن ابن غراب أرسل إلى كبير الزعر أبي بكر غلام الخدام أن يجمع له الزعر ويحضر إلى تروجة ووعد كل واحد بخمسمائة درهم وأنهم يفتكون بنائب الإسكندرية فلما علم بذلك أمسك أبا بكر المذكور فضربه بالمقارع ثم وصل إليه كتاب ابن غراب يقول له إحذر أن تتعرض ليشبك أو لأحد من أخوته يصبك مثل ما أصاب ابن عرام فأرسل الكتاب إلى القاهرة ثم أظهر ابن غرابأنه يسافر إلى بلاد المغرب فهيأ حاله وركب متوجها ثم انفتل إلى جهة مصر فحضر إلى القاهرة في ليلة الحادي والعشرين من ذي الحجة فدخل على جمال الدين يوسف البيري أستادار بجاس وهو يومئذ بخدمة سودون طار فأنزله عنده إلى يوم الخميس ثالث عشريه فطلع به إلى السلطان فخلع عليه واستقر في الأستادارية على عادته مضافا إلى نظر الخاص والجيش ونزل فسلم على جميع الأمراء فلما وصل إلى بيت جكم حجبه ومنعه من الدخول إليه ثم توجه إليه بعد أيام مع سودون من زاده فشفع فيع عنده حتى باس يده ولم يكلمه بكلمة واحدة .ثم انفق ابن غراب النفقة على المماليك فثار به جماعة منهم ورجموه ففر إلى بيت نوروز الحافظي فتركوه ورجع إلى بيته إلى أن أرضى أعيانهم وأكابرهم وأكمل النفقة واستمر حاله .
وفي ذي القعدة بعد إمساك يشبك وإخوته سافر شيخ المحمودي نائب طرابلس ودقماق نائب حماة إلى بلادهما بعد أن استقر دقماق في نيابة صفد والتقى دقماق مع متيريك بن قاسم بن متيريك أمير عربان حارثة فانكسر دقماق وقتل ممن معه اثنا عشر مملوكا وأسرت والدته فبلغ ذلك شيخ المحمودي فلاجع إليه وحارب متيريك وقومه فكسروهم وأسروا منهم جماعةثم قبضوا على ولدي متيريك فأمر بتوسيطهما وأخذ لمتيريك ستة آلاف جمل وأرسل نائب صفد يطالع بذلك فعاكسه الأمير جكم وأمر بأن يكتب إليه وإلى شيخ بالإعراض عن متيريك المذكور ورد ما أخذه منه .
وفي شوال كان تمرلنك قد وصل ماردين فقعد بها وأرسل من عنده رسولا في خمسة آلاف نفس إلى بغداد يطلب من متوليها مالا كان وعد به وطلب من يتسلمه منه ، فلما وصل الرسول رآه أهل بغداد في قلة فطمعوا فيه فقتلوا غالب من معه ، فأرسل الرسول إلى تمرلنك يطلب منه نجدة ، فتوجه بالعساكر فوصل في أواخر شوال فملكها وبذل فيها السيف ثلاثة أيام ، ثم أمر أن يأتيه كل فارس من عسكره برأس فشرعوا في قتل الأسرى حتى أحضروا إليه مائة ألف رأس فبناها مواذن أربعين ، ثم أمر بنهب الحلة فنهبوها وخربوها ورحل عنالعراق آخر ذي الحجة متوجها بعد أن أمر بخراب بغداد . . . . .
وفي أولها رحل قرا يوسف وأحمد بن أويس إلى جهة حلب طالبين بلاد الروم ، فصدهما دمرداش نائب حلب عن ذلك ، فهرب أحمد ونهب وتوجه هو وقرايوسف إلى ملطية ، ثم أن بعض الجند نصح أحمد وعرفه أن قرايوسف يريد الغدر به ، فلما تحقق ذلك فر منهم فنهبما خلفه وأساء في حق أخيه ورجع أحمد بن أويس إلى سيواس ثم توجه إلى برصا واجتمع بابن عثمان ، ومن بعد وصول أحمد بقليل وصل تمرلنك إلى سيواس فحاصرها وذلك في المحرم فطلبوا الأمان فأمنهم . وأوفى النيل في سلخ ذي الحجة في هذه السنة وكسر الخليج في أول يوم من السنة المقبلة وفرح الناس لأنه كان توقف .
وفي هذه السنة سار أبو فارس عبد العزيز صاحب تونس إلى طرابلس الغرب فأخذ يحيى وعبد الواحد ابني أبي بكر بن محمد بنثابت بن عمار العجيسي أميريها وانتهت إمرتهم عليها وكا أول من غلب عليها جدهم ثابت بن عمار من نحو سبعين سنة بعد موت سعيد بن طاهر البروعي أميرها ، ثم ولي ابنه محمد بن ثابت مكانه سنة ست وعشرين ، وكان يمشي في السوق ويتجر ثم قتل بعد عشرين سنة ، فقام ابنه ثابت ابن محمد ثم قتل سنة ثلاث وأربعين بالبادية واستولى الفرنج على طرابلس ، ولحق أولاد ثابت بن عمار بالإسكندرية تجارا ، فجمع أبو بكر محمد ابن ثابت جيشا ونازل طرابلس سنة إحدى وسبعين فأخذ البلد عنوة واستعادها من الفرنج وخطب لصاحب تونس إلى أن مات سنة اثنتين وسبعين ، فولي مكانه علي بن عمار بن محمد بن ثابت فحاصره أخو السلطان ثم خالف على أخيه فقبض عليه أبو فارس ، ثم قبض على ابن عمار سنة ثمانمائة وأقيم مكانه يحيى بن أبي بكر وأخوه عبد الواحد إلى أن استولى أبو فارس بعده ، فقبض عليهما وانتهت مملكة آل عمار .
وفيات سنة 803
ذكر من مات في سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي بدر الدين النابلسي كانينوب عن القاضي الحنبلي ، مات في رمضان وقد ناهز الستين وكان يستحضر فقها جيدا ويتقن الفرائض وكان مشكور السيرة .
إبراهيم بن محمد بن علي التادلي برهان الدين يكنى أباسا لم قاضي المالكية بدمشق كان جريئا مهابا ، مات بعد أن حضر الوقعة مع اللنكية وجرح جراحات فحمل فمات قيل سفر السلطان من دمشق في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين لأن مولده كان سنة اثنتين وثلاثين وقد ولي قضاء الشام من سنة ثمان وسبعين إلى هذه المدة عشر مرار يتعاقب هو والقفصي وغيره ، فكانت مدة مباشرته ثلاثعشرة سنة ونصفا وقد ولي قضاء حلب سنة إحدى وسبعين استقلالا وكان ناب في الحكم بها وكان قوي النفس مصمما في الأمور ويلازم تلاوة القرآن في الأسباع وقد تقدم ما جرى منه على ابن الشرائحي وغيره في أول السنة .
إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الصالحي الحنبلي تقي الدين ابن العلامة شمس الدين ولد سنة إحدى وخمسين ، وحفظ كتبا واشتغل حتى مهر وأخذ عن أبيه والجمال المرداوي وأبي البقاء وجماعة ثم ولي قضاء الحنابلة وكان بارعا عالما بمذهبه وأفتى وجمع وشاع اسمه واشتهر ذكره ، ولما طرق اللنك الشام كان ممن تأخر بدمشقفخرج إلى اللنك وسعى في الصلح وتشبه بابن تيمية مع غازان ثم رجع إلى دمشق وقرر مع أهلها أمر الصلح فلم يتم لم أمر وكثر ترداده إلى اللنك ليدفع عن المسلمين فلم يجب سؤاله وضعف عند رجوعهم ، ولقيته وسمعت منه قليلا ومات بعد الفتنة بأرض البقاع في أواخر شعبان ولم يخلف بعده في مذهبه ببلده مثله .
إبراهيم التملوشقي أحد الفضلاء بدمشق في مذهب الشافعي مع الدين والخط الحسن والنجماع ، مات في شوال .
أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي الصالحي المعروف بابن معتوقحدثنا علي بن أبي بكر بن حصن الحراني مات في عيد الفطر .
أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد الممدوح بن أحمد ابن محمد بن الحسن بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني ثم الإسحاقي الحلبي أبو جعفر عز الدين نقيب الأشراف الحلبية ولد سنة إحدى وأربعين وسمع من جده لأمه الجمال إبراهيم بن الشهاب محمود والقاضي ناصر الدين ابن العديم وغيرهما وأجاز له من مصر أبو حيان والواديى أشي والميدومي وآخرون مندمشق وغيرها واشتغل كثيرا واعتنى بالأدب ونظم الشعر فأجاد قال القاضي علاء الدين : كان من حسنات الدهر زهدا وورعا ووقارا ومهابة وسمتا لا يشك من رآه أنه من السلالة النبوية ، حتى انفرد في زمانه برياسة حلب فكانت كلمته مسموعة والرؤساء حتى القضاة يترددون إليه ، وباشر مشيخة الخانقاه العديمية بحلب ونزل في بعض المدارس ، وكان حسن المحاضرة جميل الصورة حلو الحديث شريف النفس مقتفيا آثار السلف الصالح شافعي المذهب متمسكا بالسنة وطريق السلف ، وقد حدث بالاستيعاب بإجازته من الوادي آشي سمعه عليه جماعى منهم شيخنا الخضر بن المصريوقد قرأته عليه بقراءة الحافظ برهان الدين ، قلت : وأجاز لنا من حلب قبل موته بسنة وخرجت عنه في بعض التخاريج أنشدنا الشريف أبو جعفر بن أحمد إجازة فيما أنشده لنفسه وكتب عنه بحلب مقتبسا :
يا رسول الله كن لي
شافعا في يوم عرضي
فأولوا الأرحام نصا
بعضهم أولى ببعض
وقد قال مضمنا :
وذي ضغن يفاخر إذ وردنا
لزمزم لا بجد بل بجد
فقلت تنح ويح أبيك عنها
فإن الماء ماء أبي وجدي
وقد قال مفتخرا :
يا سائلي عن محتدي وأرومتي
البيت محتدنا القديم وزمزم
والحجر والحجر الذي أبدا ترى
هذا يشير له وهذا يلثم
ولنا بأبطح مكة وشعابها
أعلام مجد أنت منها الأنجم
القانتون العابدون الحامدون
السائحون الراكعون القومالآمرون الناس بالمعروف وال
ناهون عما ينكرون ويحرم
العاطفون زمان ما من عاطف
والمطعمون زمان أين المطعم
وكان الشريف تحول في الكائنة العظمى إلى تيزين وهي من أعمال حلب بينهما مرحلتان إلى جهة الفرات فمات بها في شهر رجب فنقل إلى حلب فدفن عند أهله .
أحمد بن آقبرص بن بلغان بن كجك الخوارزمي ثم الصالحي سمع من إسحاق بن يحيى الآمدي ومحمد بن عبد الله بن المحب وزينب بنت الكمال أخذت عنه بالصالحية كثيرا وكان خيرا ومات في الفتنة .أحمد بن خليل بن يوسف بن عبد الرحمن العينتابي الحنفي الضرير المقرئ ، كان يسكن بحارة البساتين بعينتاب ويقرئ الناس ، وكان عارفا بالقراآت وله يد طولى في حل الشاطبية ونونية السخاوي ومنظومة النسفي في الفقه قال البدر العينتابي في تاريخه : قرأت عليه سنة ست وسبعين ، وأرخه في صفر سنة خمس وثمانمائة ، وقال في آخر ترجمته : إنه توفي قبل ذلك بسنتين أيام تمرلنك .
أحمد بن راشد بن طرخان الدمشقي الشافعي المعروف بالملكاوي شهاب الدين ، برع في الفقه وشارك في غيره ودرس وأفتى وأجادوناب في الحكم وكان يحب الحديث والسنة ، سمعت منه قليلا وكان دينا خيرا ، قال شهاب الدين الزهري في حياة شرف الدين الشريشي وغيره : ليس في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره وقال ابن حجي : كان ملازما للأشغال والإشتغال ويكتب على الفتاوى كتابة جيدة محررة واشتهر بذلك فصار يقصد من الأقطار ، قال : وكان في ذهنه وقفة ، وكان يلازم الجامع الأموي في الصلوات وله حلقة يشفل فيها به ، ودرس بالدماغية وغيرها ، وكان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد رجحان كثير من مسائله ، وكانت عند حدة وعنده نفرة من كثير من الناس ، انفصل من الوقعة وهو سالم وحصل له جوع فتغير مزاجه وتعلل إلى أن مات في رمضان .
أحمد بن ربيعة المقرئ ، أحد المجودين للقراآت العرفين بالعلل ،أخذ عن ابن اللبان وغيره ، وانتهت إليه رياسة هذا الفن بدمشق وكان مع ذلك خاملا لمعاناة ضرب المندل واستحضار الجن ، مات في شعبان وقد جاوز الستين .
أحمد بن الزين الوالي كان ظالما غاشما لمن كان للمفسدين به ردع ما .
أحمد بن عبد الله النحريري شهاب الدين القاضي المالكي قدم إلى القاهرة وهو فقير جدا ، فاشتغل وأقرأ الناس في العربية ثم ولي قضاء طرابلس فسار إليها ، فنالته محنة من منطاش ضربه فيها بالمقارع وسجنه بدمشق ، فلما فر منطاش رجع إلى القاهرة وقد تمول ، فسعى إلى أن ولي قضاء المالكية في المحرم سنة أربع وتسعين ، بعد موت الشمس الركراكيفلم تحمد سيرته فصرف في ذي القعدة منها واستمر إلى أن مات معزولا في رجب ، وكان بيده نظر وقف الصالح تلقاه عن العماد الكركي في رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة فلم تحمد سيرته فيه أيضا ؛ ومات في رجب .
أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي بن محمد المحمدي القوصي سعد الدين ، ولد بقوص وتفقه ثم دخل القاهرة واشتغل ثم دخل الشام فأقام بها ثم دخل العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز ، ثم استمرمقيما بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في شهر ربيع الآخر منها .
أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي وكيل بيت المال بها ، سمع الكثير من الحجار وابن تيمية والمزي وغيرهم ، وقد ولي نظر المارستان النوري قديما ووكالة بيت المال ونظر الأوصياء ، وكان بيدمر يعتني به ويقدمه ، وكان مشكورا في مباشرته ثم ترك المباشرة وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن مات ، قرأت عليه كثيرا ، وكان ناصر الدين بن عدنان يطعن في نسبه ؛ مات في رابع ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى .أحمد بن علي القبائلي وزير صاحب المغرب ، كان سلفه من خواص بني عبد المؤمن وقتل أبوه أبو الحسن سنة اربع وسبعين بيد يعقوب بن عبد الحق المريني ، وكان كاتبا ، مطيقا ، ونشأ ولده فأتقن الكتابة وباشر الأعمال السلطانية وكانت له معرفة في الحساب وصناعة الديوان ، فلما ظهر السلطان أبو العباس امتحن ثم خدمه ولزم خدمته وناصحه وقام بعده بولاية ولده أبي الفارس ثم عقد لأخيه أبي عامر ثم ببيعةأخيه أبي سعيد ثم أوقع أهل الشر بينهما فأرسل إليه وإلى أبنه عبد الرحمن فسجنهما ثم ذبحهما في شوال سنة ثلاث وثمانمائة ، وكان عارفا حسن السياسة .
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم الرملة يلقب زغلش بمعجمتين أوله زاي الحنبلي أبو العباس ويعرف بابن العجمي وبابن المهندس ، سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام وطلب بنفسه فحصل كثيرا من الأجزاء والكتب وتمهر قليلا ثم افتقر وانخمل ، سمعت منه بالرملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية واستطابها وصار زري الملبس والهيئة ، سمعت منه فيثامن عشر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة ، وقد سمع أبوه من الفخر علي وحدث ؛ مات شهاب الدين هذا في وسط السنة وتمزقت كتبه مع كثرتها .
أحمد بن محمد بن عماد شهاب الدين أبو العباس ويقال له أحمد الضرير وأصله من الديار المصرية وسكن حلب وكان ينظم الشعر حسنا ويعبر الرؤيا ويعلم الوعاظ ما يقولون في المشاهد والمجامع ، ودخل الشام فأقام بها ثم استوطن حلب ، ثم توجه منها في الفتنة العظمى فمات ؛ وهو الذي رثى القاضي شهاب الدين ابن أبي الرضا قاضي حلب بالموشح المشهمر .
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجندي الحنفي ، ولد سنة تسع عشرةواشتغل كثيرا وسمع الحديث وحدث وله تصانيف ، وكان مقيما بالمدينة النبوية ومات بها ، نقلت تاريخ وفاته من تاريخ العيني .
أحمد بن موسى الحنبلي شهاب الدين ابن الضياء نقيب القاضي الحنبلي ، مات في صفر ، وهو والد صاحبنا شمس الدين ابن الضياء الشاهد بباب البحر ظاهر القاهرة .
أحمد بن نصر الله بن أبي الفتح الحنبلي القاضي موفق الدين بن القاضي ناصر الدين ، ولد سنة تسع وستين في المحرم وولي القضاء مرتين وسافر مع العسكر المصري ثم رجع بعد الهزيمة إلى أن مات في رمضان .أحمد بن يوسف البانياسي ثم الدمشقي المقرئ قرأ بالروايات وسمع الحديث من سنة سبعين من بعض أصحاب الفخر وغيرهم مات في شعبان عن ستين سنة .
أحمد الطنبشي إمام السلطان تقدم في دولة الناصر وصار يقضي الأشغال .أسعد بن محمد من محمود جلال الدين الشيرازي قدم بغداد صغيرا فاشتغل على الشيخ شمس الدين السمرقندي في القرآن وفي مذهب الحنفية ثم حضر مجلس الشيخ شمس الدين الكرماني وقرأ عليه صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة وجاور معه بمكة سنة خمس وسبعين وكان يقرأ ولديه ويشغلهما في النحو والصرف وغيرهما ودرس وأعاد وحدث وأفاد ، وكانت عند سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع وكان يكتب خطا حسنا ، كتب البخاريفي مجلدين وأخرى في مجلد وكتب الكشاف وتفسير البيضاوي وغير ذلك وولي في الآخر إمامة الخانقاه السميساطية ومات بدمشق في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين .
إسماعيل بن عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن عليابن محمد ابن رسول الملك الأشرف بن الأفضل بن المجاهد ابن المؤيد بن المظفر بن المنصور الغساني االيمني ممهد الدين ويقال إن اسم رسول محمد بن هارون بن أبي الفتح بن يوحي بن رستم التركماني الأصل ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمسا وعشرين سنة ، وكان فيابتداء أمره طائشا ثم توقر وأقبل على العلم والعلماء وأحب جمع الكتب ، وكان يكرم الغرباء ويبلغ في الإحسان إليهم ، امتدحته لما قدمت بلده فأثابني أحسن الله جزاءه مات في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل الخمسين .
إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي نزيل دمشق كان بارعا في مذهبه وناب في الحكم وأفتى وتفقه به الشاميون ، مات في شعبان عن نحو سبعين سنة ، وقد ضعف بصره .أبو بكر بن إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي عماد الدين الحنبلي المعروف بالفرائضي وسمع الكثير على الحجار وابن الزراد وغيرهما ، وأجاز له أبو نصر ابن الشيرازي والقاسم ابن عساكر وأخرون ، أكثرت عليه وكان قبل ذلك عسرا في التحديث فسهل الله تعالى لي خلقه ؛ مات في أيام الحصار عن نحو من ثمانين سنة .
أبو بكر بن إبراهيم بن معتوق الكردي الهكاري ثم الصالحي روىلنا عن علي بن أبي بكر الحراني ، ومات في الحصار أيضا ، وقد تقدم ذكر أخيه أحمد .
أبو بكر بن سليمان بن صالح الشيخ شرف الدين الدادبخي نسبة إلى دادبخ وهي قرية من قرى سرمين ، قرأ بحلب الفقه على الباريني والنحو على الأندلسيين ، وأخذ بدمشق عن ابن كثير والسبكي والموصلي ، وبرع ودرس وأفتى ونفع الناس ، وولي القضاء بحلبمدة وشغل بها ، وكان دينا عالما ؛ مات في الكائنة العظمى باللنكية في جمادى الأولى سنة ثلاث .
أبو بكر بن سنقر الجمالي سيف الدين أحد الأمراء الحجاب بالقاهرة ، ولي إمرة الحج مرارا بعد موت خاله بهادر الجمالي ، وكانت فيه مداراة ولم تكن له حرمة .
أبو بكر بن عبد الله بن العماد أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد ابن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة بن التقي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ثنا عن أحمدابن عبد الله بن جبارة والبهاء علي بن العز عمر وغيرهما ، وحدث سمع منه شيخنا وذكره في معجمه وإنبائه مات في الحصار .
أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة شرف الدين الحموي الأصل المصري ، سمع الكثير من جده اتلميدومي ويحيى بن فضل الله وغيرهم وسمع من أحمد بن مسعود الشاعر قصيدته التي أولها :
سلوا ظبية الوعساء فقدت إلفا
وكان مولده في ذي الفعدة سنة ثمان معشرين وأجاز له مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه واشتغل مدة ، وناب عن أبيه في الحكم والتدريس ، ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم ، وكان يدري أشياء عجيبة صناعية ، رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ ما فيه من غيرأن يكون شاهده ؛ مات في رابع عشر جمادى الأولى في مصر ، وأنجب ولده الإمام عز الدجين محمد بن أبي بكر .
أبو بكر بن الجندي الساعاتي الدمشقي ، كان عارفا بحساب النجوم ، مات في شعبان ؛ أخذ عن ابن القماح ، وكان ابن القماح يقدمه على نفسه .
بجاس وهو الأمير الذي ينسب إليه جمال الأستادار ، وتزوج ابنته سارةوهو بجاس النوروزي النحوي سيف الدين ، قدم القاهرة وهو كلبير فاشتراه الظاهر برقوق وترقى عنده إلى أن أمره : وكان من كبار الجراكسة في بلاده ؛ مات في رجب .
البدر بن الشجاع عمر الكندي ثم المالكي من بني مالك بطن من كندة الظفاري ملك ظفار ، غلب أبوه على مملكة ظفار في حدود الستين وسبعمائة ، وكان وزير صاحبها المغيث بن الواثق من ذرية علي بن رسول فوثب عليه فقتله وتملك ظفار ، ثم مات عن قرب ووليولده البدر المذكور ، فطالت مدته وغلب على أعدائه ومهد بلاده وعدل فيها واشتهر ، وكان جوادا مهابا ؛ مات في هذ السنة واستقر ولدهصفحة فارغة .أحمد ودبر المملكة معه جماعة من إخوته ، ثم وقعت بينهم الفتنة وتفرق شملهم وغلب بعضهم على بعض حتى تفانوا ، وكان من آخر أمرهم تشتتهم في الأرض فحضر بعضهم القاهرة فاقام بها غريبا طريدا إلى أن خرج منها في سنة ثمان مائة وخمس وعشرين .جكم بالجيم والكاف وزن قمر الجركسي الظاهري .
حسن بن علي بن سرور الدمشقي شرف الدين ابن خطيب جبرين ، مات في رمضان عن خمس وستين سنة بدمشق .
الحسن بن محمد بن علي العراقي نزيل حلب ، كان شاعرا ماهرا يمدح الأكابر ويتكسب بذلك وبالشهادة ، وكانت فيه شيعية فكان خاملا بسببها رث الحال ، صنف الدر النفيس في أجناس التجنيس في مدح البرهان ابن جماعة يشتمل على سبع قصائد أولها .
لولا الهلال الذي في حيكم سفرا
ما كنت أنوي إلى مغناكم سفرا
ومن نظمه :
جرى در دمع من عيون أحبتي
وسالت دموعي كالعقيق بهم حمرا
فراحوا وفي أعناقهم من دمائنا
عقيق وفي أعناقنا منهم درا
مات في سابع عشر المحرم .
حسن بن محمد بن شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعليثم الدمشقي الحنبلي بدر الدين بن بهاء الدين ابن العلامة الشمس سمع من زينب بنت الكمال والجزري ، مات في شعبان وقد جاوز الستين .
خديجة بنت إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم ابن سلطان البعلية ثم الدمشقية أحضرت علي القاسم ابن عساكر وأجاز لها أبو نصر ابن الشيرازي والدبابيسي وآخرون ، أكثرت عنها ؛ ماتت وقد قاربت التسعين وهي آخر من حدث عن القاسم بالسماع في الدنيا .خديجة بنت أبي بكر بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحية المعروفة ببنت الكوري حدثتنا عن زينب بنت الكمال وماتت في حصار دمشق .
خديجة بنت الإمام نور الدين محمد بن أبي بكر بن محمد بن قوام البالسية ثم الصالحية سمعت من زينب بنت الخباز وحدثت ماتت في شوال .
داود بن أحمد بن علي بن حمزة البقاعي الدمشقي الحنبلي حدثنا عن الحجار مات في شعبان .داود بن علي الكردي نزيل حلب أخذ الفقه عن الزين الباريني وتكسب بالشهادة وكان كثير التلاوة مات بها .
دريب بن أحمد بن عيسى الحرامي أمير حلى قتل في حرب وقعت بينه وبين بني كنانة وكان شهما كريما واستقر بعده أخوه موسى .
رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقينيبهاء الدين أبو الفتح بن أخي شيخ الإسلام سراج الدين اشتغل في الفقه كثيرا ومهر وشارك في غيره وناب في الحكم وتصدى للإفتاء والتدريس وانتفع الناس به في جميع ذلك ، مات في آخر جمادى الأولى وله سبع وأربعون سنة وكثر التأسف عليه مع الوقار وحسن الخلق والشكل وكان كثير المنازعة لعمه في اعتراضاته على الرافعي ، وقال الشيخ شهاب الدين ابن حجي : كان من أكابر العلماء وحمدت سيرته في القضاء .
رقية بنت علي بن محمد بن أبي بكر بن مكي الصفدية ثم الصالحية روت لنا عن زينب بنت الخباز سماعا ماتت في رمضان .زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عباس ابن جعوان سمعت من الحجار وعبد القادر بن الملوك وغيرهما ، ماتت في شوال سمعت عليها أيضا .
ست الكل بنت أحمد بن محمد بن الزين القسطلانية ثم المكية حدثت بالإجازة عن يحيى بن فضل الله ويحيى بن المصريوابن الرضي وغيرهم من الشاميين والمصريين سمعت عليها جزءا بمكة .
شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي شرف الدين سمع من أصحاب الفخر وكان بصيرا بمذهبه ودرس في العربية وحصل له خلل في عقله ومع ذلك يدرس ويتكلم في العلم ، مات في شوال .
شمس الملوك بنت ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب ابن الملك العادل الدمشقية روت عن زينب بنت الكمال وماتتفي شعبان ولي منها إجازة .
ططر بنت عز الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجا التنوخية الدمشقية أخت شيختنا فاطمة سمعت من آقوش الشبلي وحدثت بالإجازة عن الجزري وبنت الكمال ، وماتت في شعبان .
عبد الله بن سالم بن سليمان بن عمر ابن البصروي ثم الدمشقي جمال الدين ولد سنة ست وأربعين وسلك طريق الفقراء وأحضر على بعض الشيوخ ثم سمع بنفسه وتجرد ثم تزوج وتنزل في المدارس ومات في شعبان .عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد ابن عبيد الله المقدسي ثم الصالحي تقي الدين سمع من الحجار وغيره ، قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة .
عبد الله بن محمد بن عبد الأحد الحراني الأصل الحلبي ولد سنة بضع عشرة وتفقه على الفخر عثمان بن خطيب جبرين وناب في الحكم وكان خيرا ومات في الكائنة العظمى بحلب .عبد الله بن نجيب بن عبد الله الحلبي شرف الدين النجيب ولي نظر الجيش بحلب مدة ثم أضاف إليه يلبغا نظر ديوانه لما ولي نيابة حلب فاستمر في خدمته إلى أن ملك الديار المصرية وهو معه ثم رجع معهلما أطلق من حبس الإسكندرية بعد رجوع الظاهر من الكرك وتولية الناصري النيابة بحلب ، فلما قدم الظاهر وأمسك الناصري وقتله طلب شرف الدين المذكور فهرب واستمر في الأختباء إلى أن مات برقوق فلما ولي دمرداش النيابة بحلب ظهر شرف الدين المذكور فاستخدمه دمرداش في ديوانه أيضا واستمر إلى الوقعة العظمى وكان فيمن فر من حلب إلى قلعة الروم فأقام بها فاتفقت وفاته في آخر السنة ، ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه وقال : كان عاقلا رئيسا يحب الصالحين ويبرهم .
عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر الدمشقي الحنفي تقي الدين المعروف بابن الكفري قاضي الحنفية وابن قاضيهم بدمشق ولد سنة ست وأربعين واشتغل وتمهر وتنبه وسمع على أصحاب ابن عبد الدائم وإسماعيل بن أبي اليسر وأحضر على السلاوي في الثالثة وعلى ابن الخباز في الخامسة وحضر في العربيةعند العتابي وفي الأصول عند بهاء الدين المصري وفي المعقول عند القطب التحتاني وولي قضاء العسكر مدة ثم ناب في الحكم ثم استقل سنة خمس وثمانين ، وكان يذاكر بأشياء ويحفظ أيام الناس ، سمعت عليه يسيرا فيما أحسب وأجاز لي ، وقد درس وحدث في حياة أبيه وخطب ، وخرج له أنس بن علي المحدث أربعين حديثا ، ولم يكن يحمد في حكمه مع سياسة كانت عنده ومداراة ، وجمع بين الخبرة بالأحكام والحشمة ؛ مات وله بضع وخمسون سنة في ذي الحجة بعد أن أوذي في المحنة وسكن بعض المدارس .
عبد الأحد بن محمد بن عبد الأحد الحراني الأصل الحلبي ولد سنة بضع عشرة واشتغل بالفقه وقرأ القراآت على الفخر خطيب جبرين وعلى غيره وناب في الحكم بحلب ، وقال القاضي علاء الدين في تاريخه : كان دينا ظريفا حسن المحاضرة مع كبرسنه ، ثم وقع في يد الططر فعاقبوه فمات في شهر ربيع الأول .عبد الرحمن بن أحمد بن علي القبائلي تقدم ذكره في هذه السنة مع والده .
عبد الرحمن بن عبد اله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي وثنا عن المزي وغيره ، مات في رجب .
عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرجاء بن أبي الزهر التنوخي بن السلعوس الدمشقي سمع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وداود بن العطار وابن الخباز وغيرهم وحدث ، مات في شعبان أو في رمضان وله نحو السبعين .عبد الرحمن بن فخر الدين الحسني تقي الدين أخو نقيب الأشراف وابن نقيبهم ، مات في ربيع الأول .
عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرشيدي ثم المصري زين الدين سمع علي الميدومي ومحمد بن إسماعيل الأيوبي وغيرهما وسمع بدمشق من عمر بن زباطر وابن أميلة وغيرهما وحدث ، وكان بارعا في الفرائض وفي الحساب والميقات ، وله مجاميع حسنة وشرح الجعبرية والأشنهية والياسمينية ولم يكن ماهرا ؛قال القاضي تقي الدين الشهبي : وقفت على شرحه وفيه أوهام عجيبة ، مات في مستهل جمادى الأولى وله اثنتان وستون سنة ، قرأت عليه قليلا عن الأيوبي وسمعت منه المسلسل .
عبد الرحمن الطنتداي المعروف بالخليفة شيخ الطائفة السطوحية كان ينزل المدرسة الفارسية من القاهرة ويعمل بها بعد صلاة الجمعة عنده السماع فيحضر الخلائق وكان متوددا قل أن ترد شفاعته ، مات في جمادى الآخرة .
عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الحلبي كان فاضلا ، أتقن الشروط ورأس فيها ، وكان مشكور السيرة ؛ ماتفي شعبان بمدينة الشغر .
عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر المصري عز الدين المعروف بالطيبي ولد قبل سنة ثلاثين وأسمع علي يحيى بن فضل الله وصالح بن مختار وأحمد بن منصور بن الجوهري في آخرين ، ووقع في الحكم عند أبي البقاء فمن بعده وباشر نظر الأوقاف ، ولم يكن محمودا في معرفته بالشروط ، سمعت عليه شيئا وخرجتله جزءا ؛ مات في ثالث عشر المحرم .
عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفراء المعروف بابن القمر سبط الحافظ الذهبي ، سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري في آخرين ، حدثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة .
عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس أبو الفضائل كريم الدين ولي الوزارة وغيرها مرارا ، وكان مهابا مقداما متهورا ؛ مات في جمادى الآخرة ، وكان ابتداء ولايته الوزارة في أواخر دولة الأشرف ؛صفحة فارغة .ثم لما قتل الأشرف وقبض على الشمس المقسي تولى كريم الدين مصادرته واستقر في نظر الجيش بدله في سنة ثمانين ، ثم قبض عليه بسبب تهوره وصودر ثم ضرب ، ثم عاد في دولة يلبغا الناصري وتقلبت به الأمور ، ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدين من الإنسانية والأدب إلا أنه كان مفضالا كثير الجود لأصحابه .
عبد اللطيف بن أحمد بن علم الأسنائي تقي الدين ابن أخت الشيخ جمال الدين اشتغل على خاله قليلا وناب عنه في الحسبة وعن غيره ثم ناب في الحكم ، وقد سمع على الميدومي وغيره وحدث يسيرا ، أخذ عنه أبو زرعة ابن العراقي والطلبة مات في ربيع الآخروقد جاوز الستين ، وكان مشكورا في الأحكام ، ولم أجد لي عنه شيئا .
عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر تأنصاري السعدي العبادي فخر الدين الكركي ثم الدمشقي الشافعي الكاتب المجود ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين ، فسمع بها من أحمد بن علي الجزري والسلاوي ثم عاد إلى بلده ، ثم استوطن دمشق من سنة خمس وأربعين ، واشتغل في التنبيه وسمع أيضا من زينب ومحمد ابني اسماعيل بن الخباز وفاطمة بنت العز ، ثم دخل مصر فأقام بها مدة وتزوج بنت العلامةجمال الدين ابن هشام ثم جاور بمكة ، ثم عاد إلى دمشق وحدث ، وسمع منه الياسوفي وغيره من القدماء ؛ مات في شعبان .
علي بن إبراهيم بن علي بن علي بن يعقوب بن محمد بن صقر الكلبي الكاتب كان من روؤساء الحلبيين ومن أهل بيت فيهم ، سمع على محمد وصافي ابني نبهان الأربعين المخرجة لابن المحبر ? بسماعهما منه ، وأجاز لي في سنة اثنتين وثمانمائة ، وفي هذه السنة حدث بالأربعين المذكورة فسمعها منه قاضي حلب العلائي وذكره في ذيل تاريخ حلب وأثنى عليه وقال : مات في الكائنة العظمى في هذه السنة بحلب ، قلت : وقدحدثت أنا والقاضي علاء الدين بهذه الأربعين في سنة ست وثلاثين وثمانمائة أنا بالإجاوة والمكاتبة عنه وهو بالسماع وخرجت عليها بأسانيدي إلى من في أثناء كل حديث منها وبعلو .
علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي علاء الدين كاتب الحكم للحنابلة أسمع الكثير على زينب بنت الكمال وعائشة بنت المسلم وابن أبي التائب وابن الرضي وغيرهم سمعتمنه كثيرا ؛ مات في رمضان وقد جاوز السبعين ، قال ابن حجي : كان أقدم من بقي من شهود الحكم وشهد علي المرداوي الكبير وكان خيرا جيدا .
علي بن أيوب الماحوزي النساج الزاهد كان يسكن بقرب قبر عاتكة وينسج بيده ، ويباع ما ينسجه بأغلا ثمن فيتقوت منه هو وعائلته ولا يرزأ أحدا شيئا ، وكانت له مشاركة في العلم ، قال ابن جي : هو عندي خير من يشار إليه بالصلاح في وقتنا ؛ مات في عاشر ربيع الآخر ، وللناس فيه اعتقاد زائد ويذكر عنه كرامات ومكاشفات ، وكان طلق الوجه حسن العشرة .علي بن عبد الله بن محمد الطبلاوي علاء الدين بن سعد الدين أصله من طبلاوة قرية بالوجه البحري ، وكان عنه بهاء الدين تاجرا بقيسارية جركس في البر فمات فحصل له من ميراثه مال فسعى في شد المارستان فباشره واستمر ، ثم ولي شد الدواوين وولاية القاهرة في سنة اثنتين وتسعين ، واتفق أن الظاهر بعد رجوعه إلى الملك والحكم بين الناس صار يقف في خدمته ويراجعه في الأمور فعظم أمره واشتهر ذكره واستناب أخاه محمدا في الولاية ومحمودا في الحسبة في سنة ست وتسعينثم أمر في سنة سبع وتسعين طبلخاناه واستقر حاجبا ، وفي شعبان استقر في النظر على المتجر السلطاني ودار الضرب ، وخرج على محمود ورافعه وساعده ابن غراب حتى نكب واستقر ابن الطبلاوي استادارا خاص للسلطان والذخيرة والأملاك ثم في نظر الكسوة في المحرم سنة ثمان وتسعين ثم ولي نظر المارستان في آخر السنة فعظم أمره وصار رئيس البلد والمعول عليه في الجليل والحقير واستقر استادار الأملاك والذخيرة ، فلما كان في جمادى الآخرة استقر سعد الدين ابن غراب في نظر الخاص فانتزع من ابن الطبلاوي الكلام على الإسكندرية ، ثم قبض عليه في سادس عشر شعبان منها في بيت ابن غراب وكانعمل وليمة مولود ولد له فلما مد السماط قبض عليهما يعقوب شاه الخازندار وعلى ابن عمه ناصر الدين شاد الدواوين وأرسل ابن غراب إلى أخيه والي القاهرة وإلى جميع حواشيه فأحيط بهم فسلم ليلبغا المجنون ، فاجتمعت العامة ورفعوا المصاحف والأعلام واجتمعوا بالرميلةوسألوا إعادة ابن الطبلاوي ، فأجيبوا بالضرب والشتم فتفرقوا ، وأرسله يلبغا راكبا على فرس وفي عنقه باشة وخنزير حديد وشق القاهرة فوصل إلى منزله فأخرج منه اثنين وعشرين حملا من القماش والصوف والحرير والفرش وغير ذلك ومن الذهب مائة وستين ألف دينار ونحو ستمائة ألف فلوس ، وفي سادس عشرى شعبان طلب الحضور بين يدي السلطان فأذن له فسأل أن يسر إليه كلاما فامتنع وأخرج فرأى خلوة فضرب نفسه بسكين معه فانجرح في موضعين فنزعت من يده ، وتحقق السلطان أنه كان أراد أن يضربه بالسكين إذا سارره ، فنزل يلبغا وعاقبه فأظهر مائة وأربعين ألف دينار وبيع عقاره وأثاثه وأخذ من حواشيهنحوا من خمسمائة ألف درهم وسجن بالخزانة ، ثم أفرج عنه في رمضان وفرح به العامة وزينوا له البلد وأكثروا من الخلوق بالزعفران فأمر السلطان بنفيه إلى الكرك فأخرج إليها في شوال ، فبلغه موت السلطان وهو بالخليل فأقام بالقدس وأرسل يسأل الأمير أيتمش في الإقامة بالقدس فأذن له ثم أمر بإحضاره إلى مصر ، فوجدوا الأمير تنم قد طلبه إلى الشام فوافاه البريد بطلبه إلى مصر فاستجار بالجامع وتزيا بزي الفقراء ، فلما خامر تنم عمله أستادار الشام فباشر على عادته في التعسف والظلم وحصل اتنم أموالا من التجار وغيرهم ، فلما كسر تنم قبض عليه وقيد وأخذ جميع ما وجد له وأهين جدا ثم قتل في ثاني عشر شهر رمضان بمدينة غزة .
علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد الشريفزين الدين الحسيني سبط زين الدين علي كان من أعيان الحلبيين وجرت له مع اللنكية أعجوبة وهو أنهم أمسكوه ليعاقبوه فملأوا سطلا نحاسا ماء وملحا ليسعطوه وهو مربوط معهم ، فجاء ثور فشرب السطل فلما رأوا ذلك أطلقوه ، ولم يتعرضوا له بعد ذلك ؛ واتفقت وفاته في آخر السنة سنة ثلاث .
علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان البعلي ثم الدمشقي الحنبلي علاء الدين المعروف بابن اللحام ولد بعد الخمسين وتفقه ببلدهعلى شمس الدين ابن اليونانية ثم انتقل إلى دمشق وبرع في مذهبه ودرس وأفتى وناب في الحكم ووعظ بالجامع الأموي في حلقة ابن رجب بعده وكان يعمل مواعيد نافعة ويذكر مذاهب المخالفين وينقلها من كتبهم محررة ، وكان حسن المجالسة كثير التواضع ، وترك الحكم بأخره وانجمع على الاشتغال ويقال عرض عليه قضاء الشام استقلالا فامتنع ، وتلمذ لابن رجب وغيره وشارك في الفنون وقدم القاهرة بعد الكائنة العظمى بدمشق مع من جفل عند أخذ تمرلنك حلب فسكنها وولي تدريس المنصورية ثم نزل عنها وكان أبوه لحاما فمات وعلاء الدين رضيع فرباه خاله وعلمه صنعة الكتابة ثم حبب إليه الطلب فطلب بنفسه وأنجب إلى أن صار شيخ الحنابلة بالشام مع ابن مفلح فانتفع الناس به ، وعين للقضاء بعد موت موفق الدين بن نصر الله فامتنع على ما قيل ؛ وماتبعد ذلك بيسير في يوم عيد الأضحى وقد جاوز الخمسين .
علي بن محمد بن علي الكفرسوسي مات في رمضان وقد ناهز السبعين .
علي بن محمد بن يحيى الصرخدي الشيخ علاء الدين نزيل حلب تفقه وهو صغير وسمع من المزي وغيره ، وجالس الأذرعي وكان يبحث معه ولا يرجع إليه ، وكان يلازم بيته غالبا ولا يكتب على الفتاوى إلا نادرا ، ثم درس بجامع تغري بردى الذي بناه وهو نائب مات في أيدي اللنكية ، قال القاضي علاء الدين قاضي حلب في تاريخه : قرأت عليه وانتفعت به كثيرا ، وكان قد ناب في الحكم عن ابن أبي الرضى وغيره ، قال : وكان البلقيني لما قدم حلب ومجالسه يثني عليه .علي بن يحيى الطائي الصعدي بسكون المهملة المعروف بابن جميع - بالتصغير - أحد أعيان التجار باليمن ، ولاه الأشرف الإشراف على المتجر بعدن ثم فوض إليه جميع أمورها فكان الأمير والناظر من تحت أمره ، وكان محبا للغرباء مفرطا في الإحسان إليهم محببا إلى الرعية ، اجتمعت به وسر بي كثيرا لأنه كان صديق خالي قديما وبالغ في الإحسان إلي وكان زيدي المعتقد لكنه يخفي ذلك ؛ مات في ليلة عيد الفطر وقد جاوز الستين .علي بن يوسف بن مكي بن عبد الله الدميري ثم المصري نور الدين ابن الجلال أصله من حلب وكان جده مكي يعرف بابن نصر ثم قدم مصر وسكن دميرة فولد له بها يوسف فاشتغل بفقه المالكية ، ثم سكن القاهرة وناب عن البرهان الأخناي وعرف بجلال الدميري وولد له هذا فاشتغل حتى برع في مذهب مالك ولم يكن يدري من العلوم شيئا سوى الفقه وكان كثير النقل لغرائب مذهبه شديد المخالفة لأصحابه إلى أن اشتهر صيته بذلك ، وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالا في أوائل سنة ثلاث وعيب ، بذلك لأنه اقترض مالا بفائدة حتى بذله للولاية وكان حنق من ابن خلدون في شيء فحمله ذلك على هلاك نفسه بما صنعه من بذل الرشوة ليلي الحكم ، وكان منحرف المزاج مع المعرفة التامة بالأحكام فاتفق أنه حضر مع القاضي صدر الدين المناوي مجلسا فعرضه في قضية فغضب الصدر وكلمه بكلام فاحش فتأثر منه ولم يقدر على أن يجاوبه فحصل له انكسار من ذلك الوقت ؛ ثم سافر مع العسكر إلى قتال اللنكفمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللجون ولم يحصل له سعد في استقلاله بالحكم .
عمران بن أدريس بن معمر الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ، وعني بالقراآت فقرأ على ابن اللبان وابن السلار ولازم القاضي تاج الدين السبكي وقرأ ، وحصل له فيلسانه ثقل فكان لا يفصح بالكلام إلا إذا قرأ فإنه يقرأ جيدا ، واشتغل في الفقه ، وكان يحج على قضاء الركب الشامي ، وقد سمع من بعض أصحاب الفخر ؛ مات في رجب أو شعبان لما أخرجت وقد قارب الستين بل جاوزها ؛ قال ابن حجي : لم يكن مشكورا في ولاياته ولا شهاداته ، وكان يلبس دلقا ويرخي عذبة عن يساره وينظم نظما ركيكا ، وكان فقير النفس لا يزال يظهر الفاقة وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها ، وكان كثير الأكل جدا ، وكان يقرأ حسنا ؛ مات بعد الكائنة العظمى ومعمر جده بالتشديد .
عمر بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة اللهبدر الدين ابن النصيبي الحلبي وكان من أعيان الحلبيين ولي قضاء العسكر بحلب والحسبة بها مرارا وباشرها بحرمة وافرة ؛ ومات بعد الكائنة بأيام .
عمر بن براق الدمشقي ولد سنة سبعماية وإحدى وخمسين في أولها وكان سريع الحفظقوي الفهم حنبلي المذهب على طريقة ابن تيمية ، وكان له ملك وإقطاع ، وكان ممن أوذي في الفتنة وأخذ ماله وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب ؛ ثم مات في عاشر شوال .
عمر بن عبد الله بن عمر بن داود الكفري الفقيه الشافعي زين الدين ابن جمال الدين اشتغل كثيرا حتى قيل إنه كان يستحضر الروضة ، وعرض عليه الحكم فامتنع ، وأفتى بدمشق ودرس وتصدر بالجامع ، وكان قوي النفس يرجع إلى دين ومروءة ، قتل في الفتنة التمرية وقد تقدم ما جرى منه في حق ابن الشرائحي في أول هذه السنة .
عمر بن عبد الله العلبي اشتغل كثيرا وانقطع بالجامع الأموييشغل الأولاد في القرآن وفي الفقه ويشرح لهم ، وانتفع به جماعة ، وكان عنده سكون وانجماع ؛ مات في شهر رمضان .
عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي الملقن زين الدين أسمعه أبوه الكثير من ابن أبي التائب حضورا ومن المزي والذهبي والبرزالي وبنت الكمال وخلق كثير ، وكان مكثر جدا كثيرالبر للطلبة شديد العناية بأمرهم ، يقوم بأحوالهم ويأويهم ويدور بهم على المشايخ ويفيدهم ، وكان لا يضجر من التسميع ، قرأت عليه الكثير وسمعت عليه ومعه ؛ مات في شعبان وقد جاوز السبعين بشيء يسير .
عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي زين الدين ابن الحافظ شمس الدين وهو ابن أخت المسندة فاطمة بنت عبد الهادي حدثنا عن زينب بنت الكمال ؛ مات في شعبان وقد ناهزالتسعين .
عمر بن محمد الحمصي ثم الدمشقي زين الدين أحد الفضلاء بدمشق في مذهب الشافعي ، وكان يستحضر الكثير من الروضة وكان يتكسب من أنوال حرير يدولبها مع الخير والدين ؛ مات في شوال .
عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية ثم الصالحية ، روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغاري ، ماتت في ثالث عشر شعبان .
عائشة بنت محمد بن أحمد بن عمر بن سلمان البالسية ثم الصالحية أخت شيخنا عمر ، روت لنا عن الجزري ؛ ماتت بعد أخيها .فاطمة بنت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجا أم الحسن بنت عز الدين التنوخية الدمشقية سمعت من عبد الله بن الحسين بن أبي التائب وغيره وأجاز لها أبو بكر الدشتي والتقي سليمان وعيسى المطعم وإسماعيل بن مكتوم ووزيرة بنت عمر بن المنجا وأبو بكر بن عبد الدائم وانفردت بالرواية عنهم في الدنيا ، قرأت عليها الكثير من الكتب الكبار والجزاء ؛ ماتت بدمشق في ربيع الآخر أو الذي بعده وقد قاربت التسعين .
فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسيةثم الصالحية أم يوسف ، كان أبوها محتسب الصحالية وهو عم الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي ، اسمعت الكثير على الحجار وغيره وأجاز لها أبو نصر ابن الشيرازي ويحيى بن سعيد وآخرون من الشام وحسن الكردي وعبد الرحيم النشاوي وآخرون من مصر ، قرأت عليها من الكتب والأجزاء بالصالحية ونعم الشيخة كانت ، ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين قطلوبغا التركي الحنفي أحد مشايخهم ، مات بالقاهرة .محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المناوي ثم القاهري قاضي القضاة صدر الدين أبو المعالي ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عز الدين ابن جماعة ، وأمه بنت قاضي القضاة زين الدين عمر البسطامي ، فنشأ في حجر السعادة وحفظ التنبيه ، وأسمع من الميدومي والحسن بن السديد وابن عبد الهادي وغيرهم يجمعهم مشيخته التي خرجها له أبو زرعة في خمسة أجزاء وسمعناها عليه ، وناب في الحكم وهو شاب ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل وتدريس الشيخونية والمنصورية : وخرج احاديث المصابيح وتكلم على مواضع منه وحدث به ، سمعت منه قطعة منه وكتب شيئا علىجامع المختصرات ثم ولي القضاء استقلالا كما في الحوادث وكان كثير التودد إلى الناس معظما عند الخاص والعام ومحببا إليهم ، وكان قبل الاستقلال بالقضاء يسلك طريق ابن جماعة في التعاظم ،فلما استقل ألان جانبه كثيرا ، وكانت له عناية بتحصيل الكتب النفيسة على طريق ابن جماعة فحصل منها شيئا كثيرا ، وكان يهاب الملك الظاهر فلما مات أمن على نفسه وظن أنه لا يعزل لما تقرر له في القلوب من المهابة ، فسافر مع العسكر فأسر مع اللنكية فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته حتى مات معهم وهو في القيد غريقا ، غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى أهوالا ، عسى الله أن يكون قد كفر بها عنه لما جناه عليه القضاء ، وكان شديد الخوف من ركوب البحر إما لمنام رآه أو رئي له أو اعتمادا على قول بعض المنجمين فكان لا يركب بحر النيل إلا نادرا ، فاتفق أنه مات غريقا في غيره وكان بعض التمرية قد أسره فلما جاوزا نهر الفرات خاض الأمير في النهر هو وأتباعه لأجل ازدحام غيرهم على القنطرة فغرق القاضي لتقصيرهم في حقه .
محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي شمس الدين ابن الظهير سمع من ابن الخباز وغيره وأكثر عن أحاب الفخر بطلبه ،وكان خيرا إلا أنه يتغالى في مقالات ابن تيمية ؛ مات في تاسع عشر شوال عن ستين سنة .
محمد بن أحمد بن إسماعيل بن يحيى التركماني العبطيني ثم الحلبي نزيل مصر ناصر الدين آغا ، ذكر العينتابي في تاريخه : أنه كان فاضلا اشتغل في علوم كثيرة وحصل كتبا كثيرة وكان بزي الجند وله اتصال بالأمير منكلي بغا الشمسي وتحدث عنه في المارستان لما كان ناظره في دولة الأشراف ، وذكر أنه تلقن الذكر ولبس الخرقة من الشيخ أمين الدين الحلواي عن أبي الكشف محمد بن أوحد المروزي عن أبي الفيض عاصم بن أحمد ابن عبد العزيز عن علي بن محمد بن عثمان المدعو بسلطان عن أحمد بن يوسف ابن محمود بن مسعود بن سعد المعروف بمولانا عن محمد بن محمد النعماني عن الشيخ نجم الدين أبي الحباب أحمد بن عمر الخيوفي بسنده ، وقال إن المذكور فقد بالشام في الكائنة العظمى وكان توجه مع العسكر وكان استنابه الجمال الملطي لضعفه لما سافر السلطان فيوقعة اللنك ففقد مع من فقد .
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن الفضل الهاشمي عماد الدين شيخ الشيوخ بحلب ، وليها بعد أبي الخير الميهني وباشر مدة وكان من بيوت الحلبيين وأحد الأعيان بها ، مات في الكائنة العظمى مع اللنكية في الأسر .
محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعري ثم الحلبي الشيخ شمس الدين ابن الركن كان ينسب إلى أبي الهيثم التنوخي عن أبي العلاء المعري ، ولد سنة بضع وثلاثين ، وتفقه وأخذ عن الزين الباريني والتاج بن الدريهم ، وأخذ بدمشق عن التاج السبكي ، وكتب بخطه من الكتب الكبار شيئا كبيرا وهو ضعيف لكنه متقن ، وخطب بجامع حلب مدة ، وكان حاد الخلق مع كثرة البر والصدقة ، وله خطب في مجلدة أنشأها ، وله نظم وسط ، فمنه قوله في معالج :
جسمي سقيم من هوى
مهفهف يعالج
كيف تزول علتي
وممرضي معالج
وله أيضا :
أحببت رساما كبدر الدجى
بل فاق في الحسن على البدر
فقلت : ما ترسم يا سيدي
قال : بتعذيبك بالهجرقلت : وهو شعر نازل ؛ مات في الكائنة العظمى ، اخذ عنه القاضي علادء الدين وابن الرسام .
محمد بن أحمد بن محمد بن الشيخ أحمد بن المحب عبد الله المقدسي الصالحي الحنبلي سمع بعناية أبيه من ابن الخباز وغيره وكان يعمل المواعيد مات في سلخ رمضان عن ثلاث وخمسين سنة .
محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس شمس الدين البابي ثم الحلبي ولد بالباب ثم قدم حلب ، وكان يسمى سالما فتسمى محمدا ، وقرأ على عمه العلامة علاء الدين علي البابي والزين الباريني ، وبرع في الفرائض والنحو وشارك في الفنون ، وشغل الطلبة وأفتى ودرس وكان دينا عفيفا ، وولاه القاضي شرف الدين الأنصاري قضاءملطية ، فلما حاصرها ابن عثمان عاد هذا إلى حلب إلى أن عدم في الكائنة العظمى .
محمد بن إسماعيل بن عمر ابن كثير البصروي ثم الدمشقي بدر الدين ابن الحافظ عماد الدين ولد سنة تسع وخمسين ، واشتغل وتميز وطلب فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم وسمع معي بدمشق ، ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخها وتميز في هذا الشأن قليلا ، وتخرج بابن المحب وشارك في الفضائل مع خط حسن معروف جيد الضبط ، ودرس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربةأم الصالح ومات في ربيع الآخر فارا عن دمشق بالرملة وله أربع وأربعون سنة ، وكان قد علق تاريخا للحوادث التي في زمنه ذكر فيه أشياء غريبة قال ابن حجي : لم يكن محمود السيرة .
محمد بن أبي بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن السراج أمين الدين الدمشقي شمس الدين ابن العماد وهو ابن أخي شمس الدين المذكور في السنة الماضية ، روى لنا عن عبد الرحيم بن أبي اليسر وزينب بنت الخباز ؛ ومات في رمضان أو شوال .
محمد بن بهادر المسعودي الصلاحي حدثنا عن الحجار ، ماتفي الكائنة العظمى ، سمعت منه .
محمد بن بيليك التركي شمس الدين موقع الحكم وهو أخو أحمد خازندار بيبرس قريب السلطان ، مات في صفر .
محمد بن حسن بن أبي بكر بن منصور الفارقي السلاوي ، كان شمس الدين العطار السمرقندي زوج امه وجيها عند تمر فصار لهذا وجاهة في هذه الأيام ، فلما رحل تمرلنك عن البلد أخذ هذا وعوقب فمات في رجب .
محمد بن حسن بن عبد الرحيم الصالحي الدقاق حدثنا عن الحجار ، سمعت عليه أجزاء .
محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي المعروف بابن المنصفي ولد سنة ست وأربعين ، واشتغل في الفقه وشارك فيالعربية والأصول ، وطلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر فمن بعدهم وسمع بالقاهرة من بعض شيوخنا وقد حصلت له محنة بسبب مسألة الطلاق المنسوبة لابن تيمية ولم يرجع عن اعتقاده ، وكان خيرا صينا دينا سمعت منه شيئا ؛ مات في شعبان بعد أن عوقب واستمر متألما حتى مات ، قال ابن حجي : كان فقيها محدثا حافظا قرأ الكثير وضبط وحرر وأتقن وألف وجمع مع المعرفة التامة ، تخرج بابن المحب وابن رجب ، وكان يفتي ويتقشف مع الانجماع ولم يكن الحنابلة ينصفونه ، قال : وكان في حال طلبه يعمل الأزرار في حانوت ثم ترك وأقام بالضيائية ثم بالجوزية .محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي شمس الدين الشافعي تفقه وتمهر واعتنى بالأصول والعربية وكان من عدول دمشق وقرأ الروضة على علاء الدين بن حجي وكتب عليها حواشي مفيدة وأذن له في الافتاء ودرس واعاد وتصدر وأفاد وكان أكثر اقرانه استحضارا للفقه مات في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللنكية وقارب الستين وليس في لحيته شعرة بيضاء وكان أسمر شديد السمرة ، وكان يكتب الحكم وكتب من مصنفات تاج الدين السبكي له كثيرا .
محمد بن عبد الله بن سلام الدمشقي أخو علاء الدين وهو الأصغر مات في رجب بعد انفصال التمرية .
محمد بن عبد الله ناصر الدين التروجي أحد نواب الحكم للمالكية كان مشكورا .
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن التقي سليمان بن حمزةالمقدسي ثم الصالحي ناصر الدين المعروف بابن زريق تصغير أزرق سمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم تخرج بابن المحب وتمهر وكان يقظا عارفا بفنون الحديث ذاكرا للأسماء والعلل ولم يكن له اعتناء بصناعة الرواية من تمييز العالي والنازل بل على طريق المتقدمين مع حظ من الفقه والعربية رتب المعجم الأوسط على الأبواب فكتبه بخط متقن حسن جدا ورتب صحيح ابن حبان ورافقني كثيرا وأفادني من الشيوخ والأجزاء وكان دينا خيرا صينا لم أر من يستحق أن يطلق عليه اسم الحافظ بالشام غيره ، مات أسفا على ولده أحمد في رمضان ولم يكمل الخمسين وكان اللنكية قد أسروه وهو شاب له نحو العشر .محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي شمس الدين بن أبي هريرة الكفر بطناوي سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وغيرهما سمعت منه وكان من شيوخ الرواية قتل بالعقوبة في حادي عشر جمادى الأولى وقيل بل ضربت عنقه صبرا وكان ببلده كفر بطنا فأخذه العسكر التمري فعوقب ثم قتل .
محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر البعلي ثم الدمشقي الحنبلي شمس الدين النبحالي - بفتح النونوسكون الموحدة بعدها مهملة - سمع من ابن الخباز وغيره وأجاز له الميدومي وغيره وكان صالحا خيرا دينا متواضعا أفاد وحدث وجمع مجاميع حسنة منها كتاب في الجهاد وكان خطه حسنا ومباشرته محمودة ومات في رمضان عن ثمان وسبعين سنة وكان قد سافر فمات في غزة قال ابن حجي : جمع وألف وعباراته جيدة في تصانيفه .
محمد بن علي بن إبراهيم بن أحمد الصالحي البزاعي بواب الناصرية بالصالحية حدثنا عن زينب بنت الخباز ومات في السادس عشر من شوال .محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن هبة الله بن عبد المنعم بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي الكتائب العجلي النهاوندي الأصل المشقي ناصر الدين ابن أبي الطيب ولد سنة ست وأربعين ، وأول ما ولي نظر الخزانة بدمشق بعد والده سنة تسع مستين ثم ولي كتابة السر بحلب ثم بدمشق ، مات في رجب عن بضع وخمسين سنة وكان يكتب بخطه العمري العثماني لأن أمه من بني فضل الله وقيل هي بنت شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله وكان هو يزعم أنه من نسل عثمان بن عفان ولم يصب في ذلك وإنما هو من بني عجل ، وكان يلبس بزى الجند وهو شاب ، وأول ما ولي بعد موت أبيه تدريس بعض المدارس ثم ولي كتابة السر بحلب سنة ثمان وسبعين عوضا عن شمس الدين بن مهاجر ثم بطرابلس ثم ولي كتابة السر بحلب أيضا عوضا عن انصر الدين ابن السفاح في سنة سبع وتسعين ، ثم عزل في أخر القرن فسافر إلىدمشق فأقام بها إلى أن ولي كتابة السر في المحرم سنة إحدى وثمانمائة ثم عزل في شعبان سنة اثنتين وثمانمائة في فتنة تنم وأهين وأخذ إلى مصر موكلا به ثم أطلق فقدم مع العسكر لقتال التتر ، فلما فر السلطان عن الشام توصل إلى أن ولي كتابة السر عن اللنكية ثم عوقب إلى أن مات في من مات في شهر رجب في العقوبة .
محمد بن محمد بن إسماعيل البكري شمس الدين ابن مكين المصري المالكي اشتغل في الفقه فبرع فيه وكان قليل المشاركة في غيره وسمع من ابن عسكر وعبد الرحمن بن القاري وغيرهما وولي تدريس الظاهرية بين القصرين وعين للقضاء فامتنع مع استمراره في نيابة الحكم إلى أن مات في ربيع الأول وقد بلغ الستين .محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدماميني ثم الإسكندراني شرف الدين ابن معين الدين ولد في خامس . . . . وتفقه واشتغل بالعربية والأصول وكان ذكيا وتعنى الكتابة وكان أبوه معين الدين ناظر الإسكندرية ونشأ هو فباشر في أعمال الدولة في الإسكندرية ثم سكن القاهرة وكان حاد الذهن فاشتغل بالمباشرة عند محمود الستادار واشتغل بالعلم في غضون ذلك فبرع في الفقه والأصول وولي حسبة القاهرة سنة سبع وتسعين وتكرر فيها مرارا ، ثم ولي وكالة بيت المال مع الكسوة في رجب سنة ثمان وكان سعى بعد موت الكلستاني في كتابة السر بقنطار من الذهب وهو عشرة ألاف دينار فلم يسعفه برقوق بذلك ثم ولي نظر الجيش في ثامن ربيع الأولسنة تسع وتسعين بعد جمال الدين القيصري ثم عزل برفيقه عند محمود كان هو سعد الدين ابن غراب في سابع ذي القعدة في سنة ثمانمائة وولي قبل ذلك وكالة بيت المال والكسوة وسعى في القضاء وعين له فقام عليه المالكية فلم يتم له ذلك ثم استقر في نظر الجيش ونظر الخاص جميعا لما هرب ابن غراب ثم عاد ابن غراب فقبض عليه عن قرب ثم أفرج عنه فولي قضاء الإسكندرية إلى أن مات وكان فيه مع حدته وذكاءه كرم وطيش وخفة رحمه الله تعالى وكان يعادي ابن غراب فعمل عليه إلى أن أخرجه من القاهرة لقضاء الإسكندرية فلم يلبث أن مات بها مسموما على ما قيل وذلك في المحرم منها .
محمد بن محمد بن الخيار الدمشقي تقي الدين التاجر ولد سنة ثمان وأربعين وتفقه شافعيا ثم رجع حنفيا ولم ينجب واشتغل بالتجارة وولي الحسبة والوكالة وهرب أيام الفتنة ثم رجع ومعه مال فصار يشتري المتاع برخص فكسب كسبا جزيلا فلم يلبث أن مات فيشوال وتمزق ماله .
محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الخزرجي بدر الدين بن أبي البقاء الشافعي ، سمع في صغره من عبد الرحيم ابن أبي اليسر ونفيسة بنت الخباز وعلي بن العز عمر وغيرهم ، واشتغل بالفقه والأصول ، وولي القضاء مرارا وفوض له قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجه إليه ، وولي خطابة الجامع بعد ابن جماعة ، ودرس بالأتابكية بدمشق قديما وأول ما ولي القضاء بعد ابن جماعة في شعبان سنة تسع وسبعين وهو دون الأربعين فباشر سنة وأربعة أشهر ، ثمأعيد ابن جماعة واستمر هو بطالا بغير وظيفة إلى أن أعيد بصفر سنة أربع وثمانين ، سمعت منه ، وكان لين الجانب في مباشرته قليل الحرمة ، وفي الآخر فسد حاله بسبب ابنه جلال الدين واستقر في تدريس الشافعي بعد عزله الأخير فاستمر إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين ، وقد تقدم تاريخ ولايته في الحوادث ، وقد ناب في الحكم عن أبيه ، ودرس في الحديث ، بالمنصورية ثم درس بالفقه بها بعد أبيه وبالشافعي فلما ولي القضاء انتزعت منه المنصورية للشيخ ضياء الدين والشافعيللشيخ سراج الدين وكان بخيلا بالوظائف وغيرها مع حسن خط وفكاهة قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه كان كثير الإنصاف وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده رحمهما الله تعالى .محمد بن محمد بن عبد الله الصالحي الحنفي أحد نواب الحكم بدمشق .
محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المالكي أبو عبد الله شيخ الإسلام بالمغرب ، سمع من ابن عبد السلام والوادي آسي وابن سلمة وابن برلال واشتغل وتمهر بالفنون ، وأتقن المعقول إلى أن صار إليه المرجع في الفتوة ببلاد المغرب ، وكان معظما عند السلطانفمن دونه مع الدين المتين والخير والصلاح وله تصانيف منها كتاب المبسوط في المذهب في سبعة أسفار إلا أنه شديد الغموض ، وله مختصر الحوفي في الفرائض ونظم قراءة يعقوب ، مات في جمادى الاخرة وله سبع وثمانون سنة ، أجاز لي وكتب لي خطه لما حج بعد التسعين بالإجازة عنه ، وعلق عنه بعض أصحابه كلاما في التفسير كثير الفؤاد في مجلدين وكان يلتقطهفي حال قراءتهم عليه ويدونه أولا فأولا ، وكلامه فيه دال على التوسع في الفنون وإتقان وتحقق .محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن القدوة أبي بكر بن قوام الصالحي بدر الدين كان دينا خيرا به طرش يسير سمع الكثير من الحجار وإسحق الآمدي وغيرهما فقرأنا عليه شبيها بالأذان وكنا نتحقق أنه يسمع ما نقرأه بامتحانه تارة ، وبصلاته على النبي e تسليما أخرى ، وبالترضي عن الصحابة كذلك ، مات في شعبان محترقا بدمشق ، وقد جاوز الثمانين .محمد بن محمد بن محمد ابن منيع الصالحي الموقت المعروف بالوراق محب الدين ، سمع من ابن أبي التائب وابن الرضي وغيرهما ، سمعت منه الكثير ، ومات في حصار دمشق .
محمد بن محمد بن محمد الشرمساحي ثم المصري عز الدين ابن قطب الدين المعروف بابن أخي موقع الحكم وكان وجيها عند الرؤساءوكان بيته مجمعا لهم وأحضر على الميدومي وسمع على غيره ، سمعت منه يسيرا ، ومات في رجب ولم يكمل الخمسين .
محمد بن محمد بن محمود الحنفي صائن الدين الدمشقي أحد شهود الحكم بدمشق وكان يفتي ويذاكر ، مات في ذي الحجة .
محمد بن محمد بن مقلد المقدسي ثم الدمشقي بدر الدين الحنفي ، ولد سنة سبعمائة وأربع وأربعين وبرع في الفقه والعربية والمعقول ، ودرس وأفتى ، وناب فيالحكم بدمشق ، وولي القضاء استقلالا نحو سنة ثم عزل ولم تحد مباشرته ثم سار إلى القاهرة فسعى في العود فأعيد فوصل إلى الرملة فمات بها في ربيع الآخر .محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضرير ، قرأ بالروايات واشتغل في الفقه ، مات في رجب .
محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي من بيت الملك وقد ناب في إمرة مكة ، وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع امرا دونه وكانت لديه فضيلة ، وينظم الشعر مع كرم وعقل ، مات في شوال وقد جاوز الأربعين .
محمد بن محمود بن إسحاق الزرندي ثم الصالحي السمسار يلقب زقي ، حدثنا عن زينب بنت الكمال ، مات في شعبان .
محمد الزيلعي شمس الدين الكاتب المجود ، وكان عارفا بالخطالمنسوب وبالميقات ، تعلم الناس منه وأخذ عنه غالب أهل البلد ، وانتهت إليه رياسة الفن بدمشق ، وكان ماهرا في معرفة الأعشاب أخذ ذلك عن ابن القماح ، وكان ابن القماح يقول : إنه أفضل منه في ذلك ، مات في شعبان .
محمد بدر الدين الأقفاصي ثم المصري صاحب ديوان الجاي كان من الأعيان بمصر ، مات في ربيع الآخر .
موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري القاضي شرف الدين قاضي حلب ، ولد سنة ثمان وأربعين ونشأ في حجر عمه شهاب الدين خطيب حلب ، واشتغل كثيرا وتفقه بالذرعي وقدم دمشق سنة سبعين ، ودخل مصر وأخذ عن الآسناي والمنفلوطي ، وسمع الحديثمن جماعة ، منهم أحمد بن محمد الأيكي المعروف بزغلش ، ورجع وق دصار فاضلا في الفنون وفهم من كل علم طرفا جيدا ، وأدمن الاشتغال حتى مهر ، وأفتى ودرس ، وخطب بجامع حلب واشتهر ، ثم ولي القضاءفي زمن الملك الظاهر مرارا ثم أسر مع اللنكية ، فلما رجع اللنك عن بلاد الشام أمر بإطلاق جماعة هو منهم فأطلق من أسرهم في شعبان فتوجه إلى أريحا وهو موعوك فمات بها ، وكان فاضلا دينا كثير الحياء قليل الشر ، وكتب قطعة على الغاية القصوى للبيضاوي .
يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي نزيل حلب اشتغل كثيرا في الفقه وغيره بدمشق ثم قدم حلب فقرره الناصري في قضاء الباب ثم قضاء تيزين فمات فيالكائنة العظمى ، وكان فاضلا في الفقه مقتصرا عليه ، قاله القاضي علاء الدين في تاريخ حلب .يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين بن عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي اصله من خرت برت ونشأ بملطية ، ولد سنة ست وعشرين أو في التي بعدها ، واشتغل بحلب حتى مهر ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير فأخذ عن علمائها ، وسمع من عز الدين بن جماعةومغلطاي وحدث عنه بالسيرة النبوية وذكر أنه سمعها منه سنة ستين ، واشتغل وحصل وأفتى ودرس ، وكان يستحضر الكشاف والفقه على مذهبهم ، فاستدعاه الظاهر برقوق لما مات شمس الدين الطرابلسي فحضر من حلب في ربيع الآخر سنة ثمانمائة ونزل عند بدر الدين الكلستاني كاتب السر ، وخلع عليه في العشرين من الشهر واستقر في قضاء الحنفية ، فكانت مدة الفترة مائة وعشرة أيام ، فباشر مباشرة عجيبة فإنه قربالفساق واستكثر من استبدال الأوقاف وقتل مسلما بنصرني ثم لما مات الكلستاني استقر بعده في تدريس الصرغتمشية ووقع في ولايته أمور منكرة ، منها ما قدم من الأبخاس في الاستبدال ، ومنها أنه قتل مسلما بنصراني واشتهر أنه كان يفتي باكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا وأنه كان يقول : من نظر في كتاب البخاري تزندق ، وعمل فيه محب الدين ابن الشحنة أبياتا هجاه بها كان يزعم أن أنشدها له بلفظه موهما أنها لبعض الشعراء القدماء في بعض القضاة ، وقد أثنى عليه ابن حجي في علمه ولم يكن محمودا في مباشرته ، مات في ربيع الآخر بالقاهرة وشغر منصب القضاء عن الحنفية بعده قليلا إلى أن استقر أمين الدين الطرابلسي ، قال العيني : كان يتصدق في كل يوم بخمسة وعشرين درهما يصرف بها فلوساويعطيها للفقراء لا يخل بذلك ، وكان عنده بعض شح وطمع وتغفيل وكان قد حصل بحلب مالا كثيرا فنهب في اللنكية ، قال : وكان ظريفا ربع القامة ، وقال : وهو أحد مشايخي قرأت عليه بحلب سنة ثمانين وقرأت بخط القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه أن الملطي هذا سمع من مغلطاي السيرة النبوية والدر المنظوم من كلام المعصوم ، قال : وقرأتهما عليه بروايته عنه ، قال : وأخذ عن جمال الدين ابن هشام وغيره ، قال : وكان فاضلا كثير الاشتغال والإشغال وله ثروة زائدة حصلها بحيلة العينة وقرره تغري بردى في التدريسبجامع حلب ثم ولي قضاء الديار المصرية ولما هجم اللنكية البلاد عقد مجلس بالقضاء والعلماء لمشاطرة الناس في اموالهم فقال الملطي : إن كنتم تعملون بالشوكة فالأمر لكم وأما نحن فلا نفتي بهذا ولا نحل أن يعمل ، فوقف الحال وعدت من حسناته ، قال : ولما طلب إلى مصر على رأس القرن قال : أنا الآن ابن خمس وسبعين ، مات في شهر ربيع الآخر من هذه السنة ، وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب : مات من الفقهاء الشافعية في الكائنة وبعدها في السنة علاء الدين الصرخدي وشرف الدين الدادبخي وشهاب الدين ابن الضعيف وشمس الدين البابي وبهاء الدين داود الكردي وشمس الدين ابن الزكي الجعبري .صفحة فارغة .حوادث سنة 804
سنة أربع وثمانمائة
في المحرم منها أعرس نوروز بسارة بنت الملك الظاهر في الحادي والعشرين منه وكانت الوليمة هائلة يقال إنه ذبح فيها ثلاثمائة رأس من الغنم .
وفيه كائنة تغرى بردى مع أهل دمشق فهرب إلى حلب واتفق مع دمرداش واستقر في نيابة دمشق بعده آقبغا الجمالي في صفر ، وكانأصل ذلك أن الأعراب أفسدت في الطرقات كثيرا حتى نهب القفل القادم من مصر فخرج النائب لقتالهم بالعسكر فلم يدركهم فرجع بغير نفع ووصل الأمر بالقبض عليه من مصر فأراد الحاجب القبض عليه ليلة الجمعة ثاني عشر المحرم فهرب إلى ناحية حلب فوصل إلى دمرداش وكان دمرداشه قد قبض على علي بك بن خليل بن دلغادر التركماني وعلى خمسين نفرا من قومه وحبسهم ، فلما وصل تغرى بردى استشفعوا به فشفع فيهم عند دمرداش فأطلقهم .وفي صفر نازل الفرنج طرابلس واستولوا على مراكب كثيرة للمسلمين في المينا ففزع إليهم أهل البلد وقاتلوهم قتالا شديدا فأسر من المسلمين جماعة فدخل الناس بينهم في الصلح والفداء فغدروا بمن طلع إليهم من الرسل في ذلك وأسروه ثم أسروا طائفة أخرى من قرية بقرب طرابلس ثم توجه طائفة منهم إلى قرية أخرى فحال بينهم وبين ذلك أميرها فقبضهم وجاء بهم إلى طرابلس فسجنوا وأخذا المسلمون مراكبهم .
وفيها وقع دمرداش ومن اجتمع معه وبين دقماق نائبحلب حرب فكسره دمرداش فاستعان دقماق بنعير ومن معه من العرب فوقع بينهم وقعة عظيمة انكسر فيها دمرداش ومن اتبعه ، والسبب في ذلك أن دمرداش جمع العساكر بعد أن خامر وجاء إليه تغرى بردى فجمع دقماق الذي قرر في حلب العساكر بحماة ثم استنجد بأهل دمشق ثم توجه إلى جهة حلب فخامر بعض من معه من التركمان فرجع دقماق يطلب النجدة من عسكر دمشق فنودي بالقاهرة للخروج فوصل دمرداش إلى ظاهر حلب ووصل جاليشه إلى المعرة فتوجه من دمشق آسن باي وبكتمر ومعهما جماعة ثم التقوا في جمادى الأولى ظاهر حلب فانكسر دمرداش واستولى ابن دلغادر على حلب فكاتب السلطان بذلك وسلمها لدقماق نائبها من جهة السلطان ثم جمع دمرداش جمعا من التركمان ومعهم ابن رمضان فخرج إليهم نائب حلب والعسكر وجاءهم نعير فردوا هاربين فأدركت آثارهم وأخذ منهم شيء كثير واستمر ابن رمضان ودمرداش منهزمين وأدركهم بعض من يعادي ابن رمضان فنالهم منه جراح وغير ذلك .
وفيها أوقع جنتمر الطرنطاي التركماني كاشف الوجه القبلي عرب ابن عمر الهواري .وفيها نودي بدمشق بمنع العمارة ظاهر البلد ، ومن عمر ظاهر البلد خربت عمارته ، وكانوا بعد حريق دمشق قد سكنوا في العمران الذي بقي في ظاهرها فاكثروا فيه العمارة ، واستولى كثير من الناس على كثير من الأوقاف ؛ فرفع الأمر للسلطان فأمر بالنداء بذلك في جمادى الأولى .
وفيه استقر شمس الدين بن عباس الصلتي في قضاء الشافعية بدمشق وصرف الإخناي ورسم عليه وأمر بالكشف عما استولى عليه منالأوقاف والأموال وأمر بالنداء عليه فنودي عليه في أرجاء البلد ثم بالصالحية وجاء الناس أفواجا أفواجا يشكون منه وعقد له مجلس عند النائب وبهدل كثيرا ، وفيه عزل ابن منجا من قضاء الحنابلة واستقر النابلسي .
وفي صفر عزل ابن القطب من قضاء الحنفية واستقر شهاب الدين الجواشني ، وفيه كثر الجراد ببلاد الشام كالسنة الماضية ، وفيه ولي القاضي نجم الدين ابن حجي قضاء حماة .
وفيها في صفر كثرت الفتن والأقاويل بين سودون الحمزاوي وسودون بقجة وأزبك وقانباي الخازندار وغيرهم فغضب أكابر الأمراء من ذلك مثل نوروز وجكم وسودون طاز وتمربغا المشطوب فعين سودون الحمزاوي لنيابة صفد ومشوا بينهم في الصلح إلى أن اصطلحوا على ذلك وأنهم لا يحضرون للخدمة حتى يسافر الحمزاوي وأن جماعة من المماليك سموهم لا يطلعون إلى القلعة أصلا ، وخلع على نوروز وكان له مدة أشهر لم يطلع للخدمة ، وخلع على جكم وكان له مدة شهرينكذلك وذلك في شهر ربيع الأول .
وفي المحرم استقر شمس الدين ابن البنا شاهد ديوان جكم في نظر الأحباس ، ثم مات في السابع من صفر .
واستقر بدر الدين العيني ثم صرف في أواخر ذي القعدة بناصر الدين الطناحي فقيه السلطان .
وفي أواخر ربيع الآخر استقر مبارك شاه في الوزارة عوضا عن أبي كم .وفي صفر توارى أبو كم الوزير علم الدين يحيى من كثرة الكلف على الوزارة ثم ظهر فخلع عليه بالاستمرار . وفيها استقر شمس الدين محمد الشاذلي في حسبة القاهرة عوضا عن شمس الدين البجاسي .
وفي أواخر صفر خلع على فخر الدين ابن غراب ناظر الخاص عوضا عن أخيه سعد الدين باختياره .
وفيه خلص الطنبغا العثماني من أسر تمرلنك فقرر نائبا في غزة .
وفي ذي القعدة استقر حسن بن الآمدي في مشيخة سرياقوس وصرف أبينا التركماني .
وفي رابع جمادى الآخرة عزل ناصر الدين الصالحي عن قضاءالشافعية واستقر الإمام جلال الدين ابن شيخ الإسلام البلقيني عوضا عنه بمال كثير بذله بعناية سودون طاز ، وغضب جكم من ذلك وأساء له القول لما جاء إلى بيته فلاطفه شيخ الإسلام والده وخرج هو وولده .
ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى دبت العداوة بين جكم وسودون طاز فانقطع نوروز وجكم عن الخدمة مدة فبرز جكم إلى بركة الحبش فأقام أياما واجتمع العسكر على سودون طاز ثم خامر نوروز ويشبك بن ازدمر ومن معهما إلى جكم ووقع بينهما عدة وقعات فانقطع نوروز وجكم عن الخدمة مدة ، فلما كان ثاني عيد الفطر وقعت الحرب بينهم ثم نزل الناصر إلى الاصطبل ومعه سودون طاز وبعث طائفة إلى بيت نوروز ليكبسوا عليه فركب وركبت الجماعة فقتل جماعة في المعركة وجرح آخرون .
وممن فقد في الوقعة قانباي فلم يعرف له خبر مع أنه كان خلع عليهصفحة فارغة .صفحة فارغة .بنيابة حماة فامتنع وتغير وهرب جكم ومن اتبعه وأسر سودون من زاده جريحا مع أن جهة نوروز كانت راجحة إلا أن سودون طاز تحيل فأمر الناصر أن يبعث الخليفة والقضاة إلى نوروز في طلب الصلح فوصلوا إليه فانقاد لهم وتبعه جكم وغيره وتركوا الحرب ، فدار القضاة والخليفة وحلفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان وأخمدوا الفتنة ، وطلع نوروز إلى الخدمة فخلع عليه ، ثم طلع جكم فلم يخلع عليه ، ثم طلب منه جماعة من الأمراء الذين كانوا معه فجحد معرفة أمكنتهم وبرز هو ومن معه من الأمراء والخاصكية إلى بركة الحبش ، ثم جاء تمربغا المشطوب وغيره إلى نوروز فأركبوه إلى بركة الحبش واجتمع عندهم ما يقارب ألفي نفس .
فلما كان يوم الرابع عشر من شوال نزل السلطان وجميع من معه وخرجوا من باب القرافة وجكم ومن معه لا خبر عندهم من ذلك لأنهم كانوا سمعوا بأنه نودي بعرض الأجناد فبنوا الأمر على أن الحرب تقع بينهم يوم النصف ، فبادر سودون طاز بالسلطان ومن معه عقبالعرض يوم الأربعاء رابع عشره فالتقوا فانكسرت مقدمة نوروز وجكم وأسر تمربغا المشطوب وعلي بن ينال وأرغون ، وولى جكم ونوروز هاربين أيضا ، وسفر تمربغا ومن أسر إلى الإسكندرية واستقر بيبرس قريب السلطان أتابك العساكر وأمر أن يخرج يشبك من الحبس فسار إليه القاصد يوم النصف من الشهر فوصلها رابع عشريه فاستقر دويدارا على عادته ثم ظهر نوروز وراسل بيبرس من الجيزة فأمنه وحلف له بالطلاق أنه يستقر نائب الشام فركب إليه وخرج ليلا بغير علم أحد فحضر عنده فأمسك وقيد ثم أرسل إلى الإسكندرية ثم قبض على جكم أيضا وقيد وأرسل إلى قلعة المرقب وغضب بيبرس من مخالفة رأيه وحنث يمينه فأرضي بالمال .
وفي جمادى الآخرة عصى صرق نائب غزة وذلك أنه كانبلغه أن بعض الحرامية يقطع الطريق فخرج إليه في عسكره وأوقع بهم وأحضر منهم إلى غزة جماعة فوسطهم وأخذ منهم شيئا كثيرا فلما رجع بلغه أن كتاب السلطان جاء إلى حاجب غزة سلامش بالقبض على صرق فأظهر المخالفة فواقعه سلامش ومعه جركش نائب الكرك فكسرهم صرق وبدد شملهم وقبض على جركش وهرب سلامش فاستغاث عرب آل جرم فأعانه عمر بن فضل الجرمي ورجع بهم إلى غزة فواقعوا صرق فكسرهم ثم تكاثروا فكسروه فهرب وذلك في نصف الشهر فأدركوه وقبض عليه وأحضروه إلى سلامش فقيد وحصل النهب في بعض غزة ولولا أن عمر بن فضل رد العرب عن النهب لم يبق فيها دار إلا نهبت وقتل في الوقعة أكثر من خمسين نفسا وجرح أكثر من ثلاثمائة ثم جاءت من مصر لصرق ولاية الكشف بالغور ثم كشف الكشاف فباشر في شوال .وفي جمادى الآخرة باشر علاء الدين ابن المغلي قاضي حماة الحنبلي قضاء حلب .
وفي رجب رخصت الأسعار بدمشق بالنسبة إلى ما كان عقب الكائنة العظمى .
وفيه قبض على كثير من المفسدين بدمشق وشنقوا بكلاليب معلقة في أفواههم وكانوا قد كثروا بعد الكائنة وهجموا على الناس وأبادوهم قتلا وخنقا ونهبا ووجد عندهم من قماش الناس ما لا يحصى كثرة فأحضر بدار النيابة فصار من عرف شيئا أخذه .
وفي شعبان وقعت صاعقة على رجل تحت القلعة بدمشق فقتلته .
وفي سادس عشر شعبان أقيمت الجمعة بالجامع الأموي وكان لها مدة قد عطلت ثم نودي في الناس بالاجتماع للعمل فيه وتنظيفه .
وفيه زكا الزرع بأعمال دمشق حتى عد من حبة واحدة أنبتت مائتي سنبلة وسنبلة حكى ذلك ابن حجي أنه شاهده مع الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير إبراهيم بن منجك .
وفي شعبان عزل ابن خلدون من قضاء المالكية بمصر واستقر جمال الدين البساطي وهو شاب .وفيه كانت وقعة الفيل ظاهر القاهرة وذلك أنهم اجتازوا به بقنطرة بعد قنطرة الفخر فانخسفت فاشتبك فيها وعجز عن النهوض وصار معلقا فلم يقدروا على تخليصه حتى مات وهو كذلك وأنشدوا فيه أشعارا وغنوا بسبب قصته هذه أغاني .
وفيه أغار ابن صوجي التركماني على بعض عمال طرابلس فخرج شيخ نائبها في إثره فأظهر الهزيمة إلى أن بعد عن البلد وهو يتبعه فلما كاد يهجم عليه وافاه كتاب نائب حلب دقماق يشفع فيه فقبل شفاعتهورجع وتفرق العسكر فاغتنم ابن صوجي الفرصة وقاطع على شيخ وهو بعسكر جرار وشيخ في نحو الخمسين فقط ، فكر عليهم شيخ فهزمهم وقتل منهم جماعة وفر الباقون ورجع سالما .
وفي شوال قبض سودون الحمزاوي بصفد على متيريك البدوي أمير بني حارثة من العربان وكان قد تمرد وكثر فساده فاعتقله إلى أن قتله في صفر من السنة المقبلة وسلخه ومثل به .
وفي رجب منها ظهر كوكب كبير قدر الثريا له ذؤابة ظاهرة النور جدا فاستمر يطلع ويغيب ونوره قوي يرى مع ضوء القمر حتى رؤي بالنهار في أوائل شعبان فأوله بعض الناس بظهور ملك شيخ المحمودي فانه نقل في هذه السنة بعد خلاص يشبك إلى نيابة دمشق عوضا عن آقبغا الجمالي في ذي القعدة وقرر نيابة طرابلس بعدهدمرداش ، واستقرت قدم شيخ بدمشق فلم يزل بترقي بعد ذلك حتى ولي السلطنة واستمر بعد هذه الحادثة عشرين سنة كما سيأتي تفصيله أميرا وسلطانا ونقل آقبغا الجمالي إلى دمشق بطالا وطلب تغرى بردى إلى القاهرة .وفي ذي القعدة عزل تغرى بردى نائب الشام عن نيابة الشام وصرف إلى القدس بطالا ، واستقر في نيابة الشام شيخ المحمودي نقلا من نيابة طرابلس فوصل في نصف ذي الحجة .
وفيها استقر تقي الدين ابن الشيخ شمس الدين الكرماني في قضاء العسكر بدمشق وإفتاء دار العدل وكان يؤم بالنائب ففوض له ذلك .
وفيها في ذي الحجة تجمعت التركمان مع ابن رمضان ووافقهمقرا يوسف واجتمعوا على دمرداش ونازلوا حلب وجمع نائب حلب دقماق العسكر وجاء إليه نائب حماة وأمير العرب نعير وبلغ ذلك نائب دمشق فأرسل إلى دمرداش ينهاه عن ذلك فلم يصل إليه رسولا .
وفيها رجع تمرلنك بعساكره عن سيواس قاصد الجهة الشمالية لبلاد ابن عثمان .
وفيها نازل السلطان أبو فارس عبد العزيز صاحب المغرب مدينة بسكرة وأسر صاحبها أبا العباس أحمد بن يوسف بن منصور بن فضل ابن علي بن أحمد بن الحسن بن علي بن مزنى بفتح الميم وسكون الزاي بعدها نون وياء ثقيلة فأسره أبو فارس وحمله إلى تونس فسجنه بها حتى مات بعد مدة وزالت بزواله دولة بني مزني وكان لها نحو أمنسبعين سنة يتنقلون فيها وكان ولده ناصر بن أحمد وهو من أبناء العشرين قد حج في هذه السنة فبلغه ما جرى على أبيه وأهله فأقام بالقاهرة بعد أن حج واشتغل بها ومهر في التاريخ وأسماء الرجال وجمع من ذلك مجاميع فسدت بعده ومات بعد مدة .
وفيها قتل جنتمر النظامي كاشف الوجه القبلي في حرب جرت بينه وبين محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري أمير العربان هناك .
وفيها أبطل السالمي مقسم اللحم .وفي ثامن ذي القعدة اجتمع الأمراء في بيت بيبرس يلعبون الكرة فترصد جماعة من المماليك نحو الألف لسودون طاز وهاشوا عليه وأرادوا قتله فخلصه منهم الأمير بشبك وحماه إلى أن وصل إلى باب السلسلة واستقر يشبك في الدويدارية في رابع عشري ذي القعدة .
فيه خرج الأمراء عن بكرة أبيهم إلى عرب تروجة فأوقعوا بهم ثم قدموا ليلة عيد الأضحى .
وفي سادس عشري ذي الحجة أواخر النهار استقر ولي الدينابن خلدون في قضاء المالكية وصرف البساطي واستقر جمق الدويدار في نيابة الكرك عوضا عن سلمان التركماني واستقر علان في نيابة حماة عوضا عن يونس الحافظي وكان من أعيان أصحاب سودون طاز وقيل أرادوا بذلك قص جناحه وكان اللنك لما رحل من الشام وصل إلى ماردين فتحصن أهلها بالقلعة فحاصرها اللنك وراسل صاحبها الطاهرصفحة فارغة .عيسى فما أجابه بشيء فلما أعياه أمرها أظهر أنه متوجه إلى جهة بغداد في أواخر رمضان فخرب نصيبين والموصل وصور فوهبها لحسين بك بن بابي حسن ، وجهز ما حصل من الأموال صحبة الشيخ زاده إلى سمرقند ثم وجه إلى بغداد عشرين ألف مقاتل وأمر عليهم أمير زاه رستم وأمره إذا غلب على بغداد أن يستقر فيها أميرا وتوجهوا ، وكان أحمد بن أويس قد رحل عنها وأمر عليها أميرا ، وأوصاه أن لا يغلق بابها إذا قدم اللنك عليهم فلما وصل العسكر استعد أميرها واسمه فرج للقتال ، فبلغ ذلك اللنك فسار إليهم ممدا لهم فأخذ بغداد عنوة يوم الأضحى فضحى بذبح المسلمين إلى أن جرت بدمائهم دجلة وبنيت برؤوسهم عدة منارات حتى يقال بلغتعدة القتلى صبرا تسعين ألفا ، وكان قد وظف على كل أمير من عسكره أن يحضر له عددا من الرؤوس فكان إذا لم يقدر على توفية العدة من أهل بغداد يقطع رؤوس من معه من الأسرى من جميع البلاد ، ثم أمر اللنك بتخريب بغداد كعادته في غيرها وأبلغ في ذلك ثم رحل عنها راجعا إلى البلاد الشمالية .
وفيات سنة 804
ذكر من توفي في سنة أربع وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الله الرفا كان مقيما بزاوية بمصر قرب جامع عمرو وللناس فيه اعتقاد كبير ويحكى عنه كرامات ، مات في جمادى الأولى .
إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي برهان الدين الشافعي أحد الفضلاء بدمشق اشتغل وحصل ومهر في القراآت ، وقد تقد في الحوادث في السنة الماضية ما جرى له مع القاضي المالكي وكان يشغل في الفرائض بين المغرب والعشاء بالجامع ، مات في جمادى الآخرة .
أحمد بن الحسن بن محمد بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسيالمصري شهاب الدين السويداوي اعتنى به أبوه فأسمعه الكثير من يحيى ابن المصري وجماعة من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب ونحوهم وأكثر له من الشيوخ والمسموع واشتغل في الفقه وبحث في الروضة وكان يتعانى الشهادات ثم أضر بأخرة وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النصر ، قرأت عليه الكثير ونعم الشيخ كان وقد حدث قديماقبل الثمانين وتفرد بمرويات كثيرة وكان الشيخ جمال الدين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته ، مات في تاسع عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها .
أحمد بن عبد الخالق بن علي بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات شهاب الدين ابن صدر الدين المالكي اشتغل بالفقه والعربية والأصول والطب والأدب وتمهر في الفنون ونظم الشعر الحسن وكان بيننا مودة وهو القائل :
إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة
ويستحسن الأقوام منك المقبحا
تزي بزي الترك واحفظ لسانهم
وإلا فجانبهم وكن متصولحامات في شوال ولم يكمل الأربعين .
أحمد بن علي بن محمد بن أبي الفتح نور الدين الدمشقي نزيل حلب المعروف بالمحدث ، سمع الكثير من أصحاب الفخر ومن غيرهم بدمشق وحلب ، واشتغل في علم الحديث وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق وكان حسن المحاضرة ، ومن شيوخه في الأدب صلاح الدين الصفدي ، ذكره لي القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية .أحمد بن محمد بن محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي قاضي الحنابلة بدمشق تقي الدين ابن صلاح الدين ابن شرف الدين تفقه قليلا وناب عن أخيه ودرس وكان هو القائم بأمر أخيه وولي القضاء في أواخر العام الماضي فلم تطل مدته وكان شهما نبيها ؛ مات معزولا ولم يكمل الخمسين .
أحمد بن محمد بن محمد المصري نزيل القرافة الشيخ شهاب الدين ابن الناصح ، سمع من الميدومي وذكر أنه سمع من ابن عبد الهادي وحدث عنه بمكة بصحيح مسلم وحدث عن الميدومي بسنن أبي داود وجامعالترمذي سماعا ومن لفظ نور الدين الهمذاني . أخذت عنه قليلا وكان للناس فيه اعتقاد ونعم الشيخ كان سمتا وعبادة ومروءة ، مات في أواخر رمضان وتقدم في الصلاة عليه الخليفة .
أسماء بنت أحمد بن محمد بن عثمان الحلبي ثم الصالحي روت لناعن الحجار سماعا ، ماتت في ثالث عشر المحرم عن نحو من ثمانين سنة .
أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني تقي الدين المقدسي الحنفي ، سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم ، مات في أواخر السنة ببيت المقدس .
أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السعدي الدمشقي ثم المصري الحنبلي عماد الدين ، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وسمع من المزي والذهبي وغيرهما وأحب الحديث فحصل طرفا صالحا منه ، وسكن مصر قبل الستين فقرر في طلب الشيخونية فلم يزل بها حتى مات ، وجمع الأوامر والنواهي من الكتب الستة وجوده وكان مواظبا على العمل بما فيه ، وله اختصار تهذيب الكمال ، وقد حدث عن الذهبي بترجمة البخاري بسماعه منه ، اجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة ، مات في آخر جمادى الأولىجنتمر بن عبد الله التركماني الطرنطاي ، كان قد ولي نيابة حمص ونيابة بعلبك وأسر في المحنة العظمى ثم خلص من الأسر بعد مدة وحضر إلى مصر فتولى كشف الصعيد ، وكان حسن المحاضرة بشوشا كريما مع ظلم كثير وعسف .
خليل بن علي بن أحمد بن بوزبا الشاهد المصري وسمع من ابن نمير السراج وغيره ، سمعت منه قليلا وكان معمرا فإنه ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة فلو كان سماعه على قدر سنه لأتى بالعوالي مات في سابع عشري شعبان وله ثمان وثمانون سنة .سعد ابن أبي الغيث بن قتادة بن إدريس بن حسن بن قتادة الحسني أمير ينبع ، عزل عن إمرتها فأقام بمصر حتى مات في ذي القعدة عن ستين سنة .
شقراء بنت حسين بن الناصر محمد بن قلاوون أخت الأشرف شعبان ، ماتت في ثامن عشر المحرم .
صالح بن خليل بن سالم بن عبد الناصر بن محمد بن سالم الغزي الشافعي ، سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم ، مات في ذي القعدة ببيت المقدس .عبد اللطيف بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصر زين الدين بن تقي الدين بن الحافظ قطب الدين أحضر على ابن عبد الهادي وسمع من الميدوى سمعت منه وكان وقورا خيرا ، مات في وسط صفر .
عبد المؤمن العينتابي المعروف ، بمؤمن كان فاضلا في عدة علوم منها الفقه على مذهب الحنيفة . وكان حسن الوجه مليح الشكل ، درس بعينتاب ثم تحول إلى حلب فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة نقلته من تاريخ العيني .عبد الوهاب بن محمد بن محمد بن عبد المنعم البرنباري شرف الدين ابن تاج الدين كان أبوه كاتب السر بطرابلس وناب هو في توقيع الدرج عند علاء الدين ابن فضل الله إلى أن مات في خامس عشر ذي الحجة سنة أربع عن نحو الثمانين سنة .
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المخزومي البلبيسي ثم المصري الشافعي فخر الدين المقرئ الضرير إمام الجامع الأزهر تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السبع وصار أمة وحده ، وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجن يقرؤن عليه ، وقرأ عليه خلق كثير ، وكان صالحا خيرا أقام بالجامعالأزهر يؤم فيه مدة طويلة ، وقد حدث عنه خلق كثير في حياته ، وانتفع به من لا يحصى عددهم في القراءة وانتهت إليه الرياسة في هذا الفن ، وعاش ثمانين سنة ، يقال مات في أول سنة خمس ، وأرخه المقريزي والبغداديفي ثاني ذي القعدة سنة أربع وثمانمائة أخبرني محمد بن علي بن ضرغام إجازة قال حدثني الشيخ فخر الدين عثمان المقرئ في سنة وأربعين أن بعض الجن أخبره أن الفناء يقع في مصر بعد سنة ويكون عاما في أكثر الناس ، قال : وكنت عزمت على الحج فلم أرجع من مكة وأقمت بها مجاورا إلى هذه الغاية ووقع الطاعون العام سنة تسع وأربعين كما قيل .
علي بن بهادر بن عبد الله الداوداري النائب بصفد علاء الدين كان جوادا ممدحا عارفا بالمباشرة ودارى عن صفد أيام تمرلنك حتى سلمت من النهب ، ويقال إنه أحصى ما أنفقه في تلك الأيام فبلغ عشرة آلاف دينار وأكثر من ذلك ، وكان ينفق على الواردين إليها من قبل الكائنة والهاربين إليه بعدها ، واستقر بعد ذلك حاجبا بصفد فعمل عليه نائب صفد الآتي ذكره سودون الحمزاوي وضربه ضربا مبرحا واستأصل أمواله ومات من العقوبة في أواخر السنة وقد قتل به سودون قصاصابعد ذلك كما سيأتي .
علي بن عبد الله التركي نزيل القرافة بالجبل المقطم كان للناس فيه اعتقاد كثير ويحكى عنه كرامات وكانت شفاعته لا ترد مات في ربيع الأول ، وكان أبوه من المماليك السلطانية فنشأ هو في بيت الملك الناصر الكبير ، فلما كبر خرجت في وجهه قوبا فتألم منها وعالجها فلم ينجع فيها دواء فوجد شيخا يقال له عمر المغربي فطلب منه الدعاء فاستدناه ولحس القوبا بلسانه فشفاه الله سريعا فاعتقده ورمى الجندية وتبع الشيخ المذكور وتسلك على يديه وانقطع إلى الله ولم يترك زي الجندية ولا أخذ في يده سبحة ولا لبس مرقعه بل كان مقتصدا في ملبسه ومأكله وكلما يفتح عليه يتصدق به ويؤثر غيره ، ومات وله أربع وثمانون سنة ، وكان يقول : ما رأيت أورع من الشيخ عمر ولاأهيب من الناصر ، وكان يقول : أعرف الناس من أيام الناصر ، ما رأيت لهم عناية بأمر الدين لكن كان فيهم حياء وحشمة تصدهم عن أمور كثيرة صارت تبدو من رئيس الرؤساء الآن ، قلت : فكيف لو أدرك زماننا يقال بلغ التسعين ، وذكر لي أنه كان يذكر ما يدل على أن عمره أربع وثمانون سنة ، وقد زرته وأنا صغير وسمعت كلامه ودعا لي ولكني لا أتذكر أني زرته وأنا كبير فالله أعلم .
علي بن عبيد بن داود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي سمع من أحمد بن عبد الرحمن المرداوي وحدثنا عنه وكان يكتب خطا حسناويعتمد الحكام عليه في الشهادة بالصالحية وهو أخو الفقيه شمس الدين ابن عبيد ، مات في جمادى الآخرة .
علي بن غازي بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحي عرف بالكوري سمع من زينب بنت الكمال وحدثنا عنها بالصالحية ، مات في شوال .
عمر بن الشرف الغزولي الحنبلي ، مات في سادس عشر ذي القعدة منها بحلب .
عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي ثم المصري سراج الدين ابن أبي الحسن المعروف بابن الملقن ولد سنةثلاث وعشرين في رابع عشري ربيع الأول منها ، وكان الملقن واسمه عيسى زوج أمه فنسب إليه ، ومات أبوه أبو الحسن وهو صغير ، وكان عالما بالنحو وأصله من الأندلس ، رحل أبوه منها إلى التكرور وأقرأ أهليها القرآن فحصل له مال ، ثم قدم القاهرة فولد له هذا فمات وله سنة وأوصى به إلى الشيخ عيسى المغربي وكان يلقن القرآن في الجامع الطولوني فتزوج بأمه فعرف به ، وحفظ القرآن والعمدة وشغله في مذهب مالك ، ثم أشار عليه بعض أصحاب والده أن يقرئه المنهاج فحفظه وأنشأ له وصيه ربعا فكان يكتفي بأجرته ويوفر له بقية ماله وكان يقتني الكتب ، بلغني أنه حضر في الطاعون العام بيع كتب شخص من المحدثين فكان وصيه لا يبيع إلا بالنقد الحاضر ، قال : فتوجهت إلى منزلي فأخذت كيسا من الدراهم ودخلت الحلقة فصببته فصرت لا أزيد في الكتاب شيئا إلا قال : بع له ، فكان فيما اشتريت مسند الإمام أحمد بثلاثين درهما ، وكان ربما عرف بابن النحوي وربما كتب بخطه كذلك فلذلك اشتهر بها ببلاد اليمن ، عني في صغره بالتحصيل ، فسمع من ابن سيد الناس والقطب الحلبي وأكثر عن أصحاب النجيب وابن عبد الدائم وتخرج بزين الدين الرحبي ومغلطاي وكتب عنهما الكثير ، وتفقه بشيوخ عصره ومهر في الفنون ، واعتنى بالتصنيف قديما فشرح كثيرا من الكتبالمشهورة كالمنهاج والتنبيه والحاوي على كل واحد منها عدة تصانيف ، وخرج أحاديث الرافعي وشرح البخاري ثم شرح زوائد مسلم عليه ثم زوائد أبي داود عليهما ثم زوائد الترمذي على الثلاثة ثمالنسائي كذلك ثم ابن ماجه كذلك ، واشتهر بكثرة التصانيف حتى كان يقول إنها بلغت ثلاثمائة تصنيفا واشتهر اسمه وطار صيته ، وكانت كتابته أكثر من استحضاره فلهذا كثر القول فيه من علماء الشام ومصر حتى قرأت بخط ابن حجي كان ينسب إلى سرقة التصانيف فإنه ما كان يستحضر شيئا ولا يحقق علما ويؤلف المؤلفات الكثيرة على معنى النسخ من كتب الناس ، ولما قدم دمشق نوه بقدرة تاج الدين السبكي سنة سبعين وكتب له تقريظا على كتابه تخريج أحاديث الرافعي وألزم عماد الدين ابن كثير فكتب له أيضا ، وقد كان المتقدمون يعظمونه كالعلائي وأبي البقاء ونحوهما فلعله كان في أول أمره حاذقا ، وأما الذين قرؤا عليه ورأوه من سنة سبعين فما بعدها فقالوا : لم يكن بالماهر في الفتوى ولا التدريس وإنما كان يقرأ عليه مصنفاته غالبا فيقرر على ما فيها ، وجرت له محنة بسبب القضاء تقدمت في الحوادث وكان ينوبفي الحكم فترك ، وكان موسعا عليه في الدنيا وكان مديد القامة ، حسن الصورة ، يحب المزاح والمداعبة مع ملازمة الاشتغال والكتابة ، وكان حسن المحاضرة جميل الأخلاق كثير الإنصاف شديد القيام مع أصحابه ، واشتهر بكثرة التصانيف حتى كان يقال إنها بلغت ثلاثمائة مجلدة ما بين كبير وصغير . وعنده من الكتب ما لا يدخل تحت الحصر منها ما هو ملكه ومنها ما هو من أوقاف المدارس لا سيما الفاضلية ، ثم إنها احترقت مع أكثر مسوداته في أواخر عمره ففقد أكثرها ، وتغير حاله بعدها فحجبهولده نور الدين إلى أن مات في سادس عشري ربيع الأول وقد جاوز الثمانين بسنة وكان حسن المحاضرة ويحب المداعبة مع جميل الأخلاق وكثرة الإنصاف وجمال الصورة والقيام مع أصحابه .
فضل الله بن أبي محمد التبريزي أحد المتقشفين من المبتدعة وكان من الاتحادية ثم ابتدع النحلة التي عرفت بالحروفية فزعم أن الحروف هي عين الآدميين إلى خرافات كثيرة لا أصل لها ، ودعا اللنك إلى بدعته فأراد قتله فبلغ ذلك ولده أمير زاده لأنه فر مستجيرا به فضرب عنقه بيده فبلغ اللنك فاستدعى برأسه وجثته فأحرقهما في هذه السنة ، ونشأ منأتباعه واحد بلقب : نسيم الدين ، فقتل بعد ذلك وسلخ جلده في الدولة المؤيدية سنة إحدى وعشرين بحلب .
محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأرموي ثم الصالحي سمع من فاطمة بنت العز وحدثنا عنها ، مات بدمشق .
محمد بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني ناصر الدين أخو شيخالإسلام سراج الدين ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة ، ولم يرزق من العلم ما رزق أخوه ولا ما يقاربه ، وكان مقيما ببلده يتعانى الزراعة ويقدم على أخيه أحيانا ، ولو اتفق له سماع الحديث لكان عالي الإسناد ، رأيته قبل موته بقليل ، وهو شيخ جلد صحيح البنية يظهر للناظر أن الشيخ أسن منه لأن الشيخ قد سقطت أسنانه كلها بخلاف هذا ، وكانت لهما أخت عاشت إلى سنة ثلاث وجاوزت التسعين .
محمد بن عثمان الأشليمي ثم المصري أصيل الدين ولد بعد سنة أربعين ، ولما ترعرع تعانى القرآن ، ثم اشتغل قليلا في الفقه وتكسب بالشهادة ولازم صدر الدين ابن رزين ثم ناب في الحكم بالقاهرة ثم سعى في قضاء القضاة على القاضي تقي الدين الزبيري بتحسين القاضي صدر الدين المناوي له ذلك وتحريضه عليه وإظهاره الرضا به ، فلما شرعفي ذلك وجد المناوي السبيل إلى السؤال في العود فأعيد وقرر الأصيل في قضاء دمشق ، فوليه في شعبان سنة إحدى وثمانمائة في أواخر دولة الظاهر بمال اقترضه وافر فباشر قليلا فلم تحمد سيرته ، فلم يلبث الظاهر أن مات فسعى الأخناي حتى عاد ورجع الأصيل إلى مصر واستمر معزولا ، ونالته بالقاهرة محنة بسبب الديون التي تحملها وسجن بالصالحية مدة ثم أطلق ، وكان له استحضار يسير من السيرة النبوية ومن شرح مسلم فكان يلقي درسه غالبا من ذلك ولا يستحضر من الفقه إلا قليلا ، مات عن ستين سنة أو أكثر في أواخر ذي الحجة من السنة .
محمد بن علي بن محمد بن عقيل بن محمد بن الحسن بن علي أبو الحسن البالسي ثم المصري نجم الدين ابن نور الدين ابن العلامة نجم الدين ، تفقه كثيرا ثم تعانى الخدم عند الأمراء ثم ترك ولزم بيته ، ودرس بالطيبرسية إلى أن مات وقد أضر قبل موته بيسير ، ونعم الشيخ كان خيرا واعتقادا جيدا ومروءة وفكاهة ، لزمته مدة وحدثني عن ابن عبد الهادي ونور الدين الهمذاني وغيرهما ؛ مات في عاشر المحرم وله أربع وسبعون سنة .محمد بن محمد بن عنقة - بنون وقاف وفتحات - أبو جعفر البسكري - بفتح الموحدة بعدها مهملة - ثم المدني كان يسكن المدينة ويطوف البلاد وقد سمع من جمال الدين ابن نباتة قديما ثم طلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق وحمل عن ابنرافع وابن كثير وحصل الأجزاء وتعب كثيرا ولم ينجب ، سمعت منه يسيرا وكان متوددا رجع من الإسكندرية إلى مصر فمات بالساحل - غريبا - رحمه الله .
محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الحجاوي والد الشيخ شهاب الدين كان خيرا كثير التلاوة ؛ مات في رجب وعاش ستا وسبعين سنة .
محمد بن . . . . بن البناء ناظر ديوان الأمير جكم وولي بعنايته نظر الأحباس ؛ ومات في خامس ربيع الآخر .
لاجين بن عبد الله الجركسي كان معظما عند الجراكسةوكانوا يتحاكون بينهم أنه يلي المملكة وهو لا يكتم ذلك ويتظاهر به وكان السلطان والأكابر يبلغهم ذلك فلا يكترثون به ويعدون كلامه من سقط المتاع ، وكان قد عين جماعة لعدة وظائف وكان يعد أنه إذا تملك أن يبطل الأوقاف كلها ، وأن يخرج الإقطاعات كلها ، وأن يعيد الأمر إلى ما كان عليه في عهد الخلفاء ، وأن يحرق كتب الفقهاء كلها ، وأول من يعاقب شيخ الإسلام البلقيني ، فحال الله بينه وبين ذلك ، ومات قبل البلقيني بسنة ، وكان له إقطاع تغل في كل سنة عشرة آلاف كانت في ذلك الوقت قدر ثلاثمائة دينار ورزقة أخرى تغل هذا القدر أو أكثر منه ، وكان منقطعا في بيته وأكابر الأمراء يترددون إليه وغيرهم يفعل ذلك تبعا لهم ، وشاع أن الظاهر أراد أن يقرره في نيابة السلطنة ولم يتم ذلك ، وقيل : بل كان الامتناع منه ، وكان مشهورا بسوء العقيدة يفهم طريق ابن العربي ويناضل عنها وله أتباع في ذلك ، واشتهر عنه أنه سيلي الأمر استقلالا فيغير معالم الشريعة ويحرق كتب المسلمين ، وكان يتهدد الأعيان كالبلقيني بالقتل والعقوبة إلى أن قدر الله موته في رابعربيع الأول من هذه السنة قبل البلقيني بسنة ونصف وكفى الله شره وكان قد قارب الثمانين أو جاوزها .
يوسف بن الحسن بن محمود السرائي الأصل التبريزي عز الدين الشهير بالحلوائي - بفتح أوله وسكون اللام مهموزا - الفقيه الشافعي ، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وتفقه ببلاده ، وقرأ على الشيخ جلال الدين القزويني والشيخ بهاء الدين الخونجي والقاضي عضد الدين ، واجتمع في بغداد بالشيخ شمس الدين الكرماني وأخذ عنه الحديث وشرحه للبخاري ومهر في أنواع العلوم ، وأقبل على التدريس وشغل الطلبة ، وعمل على البيضاوي شرحا ، فلما دخل الدعادعة وهم أتباع طقتمش خان تبريز وخربوها تحول الشيخ عز الدين إلى ماردين فأقام بها مدة ، ثم راسله مرزا ابن اللنك فقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها ، وكتب على الكشاف حواشي وشرح الأربعين للنووي ، وكان زاهدا عابدا معرضا عن أمور الدنيا مقبلا على العم ، وكان قد حج ثم زار المدينة فجاور بها سنةوكان لا يرى مهموما قط ، وكانت وفاته سنة أربع وثمانمائة بالجزيرة فإنه رجع إليها لما كثر الظلم في تبريز فقطنها إلى أن مات ، وخلف ولدين بدر الدين محمدا وجمال الدين محمدا ، وحج بدر الدين سنة تسع وعشرين وأقام بحصن كيفا فشغل الناس بالعلم ، وحج جمال الدين سنة ثلاث وثلاثين ، وقدم القاهرة سنة أربع وثلاثين وأقام بها مدة وتوجه وقد تقدم ذكره في سنة اثنتين وثمانمائة .
يوسف بن الحسين الكردي الشافعي نزيل دمشق كان عالما صالحا معتقدا تفقه وحصل ، قال الشيخ شهاب الدين الملكاوي : قدمت من حلب سنة أربع وستين وهو كبير يشار إليه وكان يميل إلى الأثر والسنة وينكر علىالأكراد في عقائدهم وبدعتهم ؛ وكانت له اختيارات ، منها المسح على الجوربين مطلقا وكان يفعله ، وله مؤلف لطيف جمع فيه أحاديث وآثارا ، ومنها تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا جد . وقال ابن حجي كان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد صواب ما يقوله في الفروع والأصول ، وكان من يحب ابن تيمية يجتمع إليه ، وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الصلاحية وأعاد بالظاهرية وكان الشهاب الملكاوي يقول : قدمت من حلب سنة أربع وستين وهو كبير يشار إليه وكان وقع بينه وبين ولده الشيخ زين الدين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة وتهاجرا مدة إلى أن وقعت فتنة اللنكية فتصالحا ، ثم جلس مع الشهود وأحسن إليه ولده في فاقته فلم يلبث أن مات في شوال .
حوادث سنة 805
سنة خمس وثمانمائة
في أولها استولى اللنك على أبي يزيد ابن عثمان وأسره وأسر ولدهموسى ثم قتل أبو يزيد ، وكان من أكبر ملوك الإسلام وأيمنهم نقيبة وأكثرهم غزوا في الكفار ، وكان ينكر على ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخذهم المكوس فلما رجع تمرلنك في سنة ثلاث من البلاد الشامية إلى جهة الشرق ثم عرج على بغداد عاد إلى جهة الروم فوصل إليها فيأواخر السنة الماضية وأرسل إلى صاحب ماردين يأمره بالحضور إليه فلم يكن له بد من موافقته فتوجه إليه وراسل أبا يزيد في الصلح على عادته في المكر والدهاء ، وكان أبو يزيد قد جمع العساكر لما بلغه قصده إلى بلاده واستكثر فيها فلم يجبه إلى الصلح ورحل بعسكره إلى جهة تمرلنك ليطرده عن بلاده فسار خمسة عشر يوما فراسله تمر أيضا يقول له إنك رجل مجاهد في سبيل الله وأنا لا أحب قتلك ولكن انظر إلى البلاد التي كانت معك من أبيك وجدك فاقنع بها وسلم لي البلاد التي كانت مع أرطنا صاحب الروم في زمن الملك أبي سعيد ، فمال ابن عثمان إلى ذلك ، فبلغه أن التمرية أغاروا على كماخ ونهبوها فتحقق أبو يزيد أن تمر لا يحب الصلح ولا يذكره إلا تخذيلا ، فلما تقارب العسكران أظهر تمر الهزيمة خديعة فلم يفطن ابن عثمان لذلك وساق خلفه إلى مكان يسمى الآنالمكسورة فلما قربوا منهم أخرج تمرلنك طائفة كانوا مستريحين وأراح المنهزمين فتلاقوا مع عسكر ابن عثمان وهم كالموتى من التعب ، فلاقاهم أولئك على الفور فقتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم هجم عليهم كمين لتمرلنك فهزمهم ، وتوجه سليمان بن أبي يزيد بن عثمان إلى جهة برصا منهزما ثم عدا إلى القسطنطينية ومعه أكثر العسكر ، وأحاط التمرية ببقية العسكر وفيهم أبوه فأسروه وأتوا به إلى تمر وتفرقت العساكر شذر مذر ، وخاض التمرية في بلاد الروم فأفسدوا ونهبوا وأحرقوا عدة قرى وأقاموا بالروم أربعة أشهر في الإفساد ، ومات أبو بن مراد بن أردخان بن عثمان في أسر تمرلنك وكان مطلقا فأدركه أجله إما من القهر أو من غيره ، وفرق تمر ممالكه على من كانت بيده قبل انتزاع ابن عثمان لها منهم ، ورجع تمرلنك إلى بلاده في شعبان من السنة بعد أن صنعوا في الروم نحو ما صنعوا في الشام ، فمات السلطان محمود خان وكان تمر يدبر مملكته والاسم والفعل لهم وهو من ذرية جنكيز خان وكان حضر واقعة الشام مع تمر ، وكان أبو يزيد بن عثمان من خيار ملوك الأرض ولم يكن يلقب ولا أحد من آبائه وذريته ولا دعي بسلطانولا ملك وإنما يقال الأمير تارة وخوند خان تارة ، وكان مهابا يحب العلم والعلماء ويكرم أهل القرآن ؛ وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه سمع الأمير حسن الكجكني يقول دخلت معه لما توجهت إليه رسولا الحمام فكان الحوض الذي يغتسل منه جميعا فضة وكذا كانت أوانيه التي يأكل فيها ويشرب ويستعملها ، قال : وأخبرني شمس الدين ابن الصغير الطبيب وكان الملك الظاهر وجهه إليه بسؤاله في طبيب حاذق فلما وصل إليه أكرمه وأعطاه ، قال : فكان بعد أن رجع يحكي أن ابن عثمان كان يجلس بكرة النهار في براح متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال ، وكان الأمن في بلاده فاشيا بحيث يمر الرجل بالحمل مطروحا بالبضاعة فلا يتعرض له أحد ، وكان يشرط على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون ، ولكنه كان يصنع من الشهوات ما أراد ، قال : وكان الزنا واللواط وشرب الخمر والحشيشفاشيا في بلادهم يتظاهرون به ، ويكرمون كل من ينسب إلى العلم غاية الإكرام ، وكان أبو يزيد لا يمكن أحدا من التعرض لمال أحد من الرعية حيا ولا ميتا ، وإن مات ولا وارث له يودع ماله عند القاضي ، وكل من غزا معه لا يتعرض لشيء مما يحصل في يده ؛ وترك لما مات من الأولاد سليمان ومحمدا وموسى وعيسى فاستقل بالملك سليمان وسار على طريقة أبيه ، ثم ثار عليه أخوه عيسى فقتل ثم ثار أخوه موسى فغلب وقتلسليمان ثم ثار محمد فقتل موسى ، واستقل محمد بالملك إلى أن مات في سنة . . . وقام بعده ولده مراد بن محمد بن أبي يزيد بن عثمان .
وكان السبب في قصد اللنك بلاد ابن عثمان أن أحمد بن أويس وقرا يوسف كانا قد فرا إليه فأجارهما فراسله اللنك بعد أن غلب على بغداد فيهما فامتنع فجعل ذلك ذريعة إلى قتاله فتوجه إليه ، وكان ابن عثمان قوي النفس فجمع العساكر ولم يقنع بالانتظار فكان ما كان .
وأول ما ملك اللنك قلعة كماخي وكانت في غاية الحصانة ثم راسل التتار الترك بالروم ومت إليهم بالجنسية ومناهم ووعدهم فوعدوه بالمعاونة ، فمن الرأي الفاسد أن ابن عثمان أراد أن يدهم عسكر اللنك على غرة ، فسلك بعسكره الجرار في مهامه وقفار ليصير من وراء العسكر ويظفر بهم فسار مجدا فتعبوا ولغبوا وجاعوا وعطشوا واستمر اللنك سائرا لا يرده أحد عن قرية ولا بلد بل سار بعسكره متمهلا وقد بلغه ما صنعه ابن عثمان من جواسيسه فتباطأ في سيره وأراح جيوشه ، فاتفق أنهم التقوا فتناجزوا القتال فانهزم التتار الذين كان قد خدعهم وانهزم الباقون بهزيمتهم ، وكانملتقاهم بمدينة أنقرة ، فسار سليمان بن أبي يزيد بن عثمان بمن معه إلى جهة الساحل وركبوا البحر إلى القسطنطينية ، وقبض على أبيه ابن عثمان فأحضر بين يدي اللنك فلامه وعنفه واستمر معه في الأسر وكانت الوقعة في ذي الحجة من هذه السنة .
وفيها أرسل تمرلنك رسلا من عنده إلى صاحب ماردين بكتاب يرسله صحبة من يثق به من عنده إلى القاهرة ثم أرسل رسلا في البحر من بلاد الروم منهم مسعود الكجحاني يستنجز إرسال أطلمش ويهددهمإن لم يرسلوه يقصدهم ، فوصل إلى دمشق رسول صاحب ماردين وهو بدر الدين محمد بن تاج الدين حسين بن بدر الدين حسن بن شمس الدين بن حسام الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الجيلي وهو ممن له حرمة في تلك البلاد ومكارم وإحسان وكلمة مسموعة وذكر أنه لم يحمله على المجيء في هذه الرسالة إلا قصد النصيحة للمسلمين ، وقد تقدم ذكر أبيه في سنة خمس وسبعين ، ولما وصلوا إلى مصربادر المصريون بتجهيزه إليه وصحبته هدية جليلة في جمادى الآخرة ، وكان مسعود المذكور قد صحب تمرلنك لما طرق المملكة الشامية فجاء في الرسلية منه ، وفي كتاب تمرلنك الآتي على يد مسعود أن مهما يقول مسعود ويقع الاتفاق معه عليه فهو بإذني ، ومهما حلف عليه فهو لازم لي . وأرسل مع مسعود لواء مذهبا عليه اسم تمرلنك ووصل مع مسعود ولد ابن الجزري وأخبر أن أباه كان مع ابن عثمان فأسر وأحضر عند تمرلنك ، فأكرمه لاشتهاره بعلم القراآت ، ووصل أطلمش دمشق في جمادى الآخرة ووصل إلى حلب في رجب ، ثم توجه إلى تمرلنك فالتقيا بعد رجوع تمر من بلاد الروم ورجعت الرسل الذين كانوا مع أطلش فوصلوا في شوال وحققوا توجهه إلى بلاد الدشت ، ثم وصل من عند مسعود المذكور رسولا ومعه هدية فيل وغيره وكتاب يشكر الأمراء علىإرسال أطلش . وقرأت بخط الشيخ برهان الدين المحدث بحلب ما نصه ورد رسول تمر مسعود بن محمود الكجحاني وصحبته شهاب الدين أحمد بن خليل وخاصكي من جهة الناصر فرج يقال له قانباي في ثاني ذي القعدة سنة خمس وصحبتهم هدية من تمر إلى الناصر فرج من جملتها فيل وفهد وبازي وسنقر وصقر وقبا قصيركم مزركش مريش وخوقاني ? مزركش مريش مفرى بقاقم وسولق وبند وقبع قال وكان الثلاثة المذكورون توجهوا في العام الماضي إلى تمر وصحبتهم الأمير أي أطلش الذي كان مسجونا بالقاهرة من جهة تمر ، قال وكان سببوقوعه لأهل مصر أنه كان أميرا على بعض القلاع فنازله قرا محمد فأمسكه وأرسل به إلى القاهرة فحبس بها ، فلما دخل تمر الشام أرسل طلبه وتكررت رسله بطلبه فأرسلوه مكرما وتوجهوا به من جهة طرسوس إلى أن اجتمعوا به وهو في أرض الروم ثم قدر بعد ذلك مجيء مسعود إلى هذه البلاد وباشر نظر الأوقاف في الدولة المؤيدية ومات بها .
وفي المحرم استقر صدر الدين الأدمي في كتابة السر بدمشقوعلاء الدين ابن أبي البقاء في القضاء بدمشق وزين الدين الكفري في قضاء الحنفية بها .
وفي صفر ضرب الحاجب فقيها ادعى عليه بمال عنده فأنكر ثم صالح عليه غريمه ، فظن الحاجب أنه كاذب في إنكاره فعزره ، فبلغ ذلك القاضي الشافعي فأرسل إلى الغريم وعزره وطيف به فبلغ ذلك الحاجب فشكي إلى النائب فسلمه الشاهد المذكور والشهود الذين عينهم فضربهم وطوف بهم ونادى عليهم جزاء من يرمي الفتن بين الحكام وتألم الناس لذلك .
وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر برز سودون طاز إلى ناحية المرجوالزيات فنزل هناك بجماعته وأخوته منافرا ليشبك بسبب أنه ذكر له أنه قصد القبض عليه ، فلم يخرج أحد إليه إلا أن بعض المماليك أغلظوا ليشبك في الرميلة وأفحشوا في القول وساق بعضهم ليضربه فدخل بيت الأتابك بيبرس وأقام فيه أياما ثم تراسلوا فأرسل السلطان إلى سودون طاز يترضاه فما رضي فلما كان يوم الاثنين تاسع عشره خلع على إينال باي بن قجماس بوظيفة سودون طاز واستقر أمير آخور وأخرجت إقطاعات مماليك سودون طاز ومن يلوذ به ثم استعد السلطان لتحصين القلعة بالرماة ليخرج إليه فحصل بين بعض المماليك خلف ، ثم اتفقوا ولبسواالسلاح يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر ثم خرجوا إليه في يوم الأربعاء سادسه فلما علم سودون طاز بتوجه السلطان ركب لجهة خليج الزعفران ثم خرج إلى جهة النيل حتى وصل إلى بولاق وسار إلى الميدان الكبير بالقرب من قناطر السباع ، وأما العسكر فوصلوا إلى جهة المرج فقيل لهم إنه توجه إلى جهة البحر فرجعوا مسرعين فتلاقوا عند الكبش فانكسر وانهزم راجعا فأمسك قانباي أخوه وجرح هو وجماعة من الطائفتين ومات من جراحه خازنداره فلما كان في اليوم الثالث من حربه قبض عليه وجيء به إلى بيت يشبك فرسم بحبسه في دمياط مكرما ونزل على فرس إلى البحر وشيعه الأمراء إلى نزل إلى الحراقةوساروا به إلى دمياط مكرما واستقر آقباي الكركي الخازندار على إقطاع سودون طاز فلم يلبث أن مات من جراحة كانت أصابته ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى ، واستقر إقطاعه لسودون الحمزاوي وهو يومئذ شاد الشربخاناه .
وفي ثالث عشر جمادى الآخرة وصل سودون الجلب إلى دمياطواجتمعت أخوة سودون طاز وأشاروا عليه بأن يسافر إلى الشام ، فأرسل إلى والي دمياط فقبض عليه وهجم هو ومن معه على الطواحين فأخذوا منها ما شاءوا من الخيول وتوجهوا فنزلوا على بكتمر بن بقر أمير العربان بالشرقية ، فبلغ ذلك السلطان من بقر فأرسل إليه عسكرا فأحاطوا به وقبضوا عليه وعلى من معه وسمر سودون الجلب وبعض المماليك متاعه بالرميلية تسمير سلامة ثم أطلقوا وسجن سودون طاز بالإسكندرية وذلك في ثالث شهر رجب ، ثم قبض على قانباي وحبس بالإسكندرية ، ثم أمر في شهر رمضان بإرسالهم مفرقين إلى الحبوس في قلاع الشام .
وفي شعبان حبس نوروز وقانباي في الصبيبة وجكم في قلعةحصن الأكراد وسودون طاز في قلعة المرقب ثم حول إليها جكم .
وفي سادس عشر رجب استقر كمال الدين بن العديم في قضاء الحنفية بالقاهرة بعد صرف أمين الدين الطرابلسي ، وكان كمال الدين قد قدم في أوائل السنة من حلب بعد أن أسره اللنك وأهانه فقدم ليسعى في أمور تنفعه بحلب فلقي الأمر بالقاهرة معدوفا بالأمراء فداخلهم حتى استقر بالقاهرة .
وفيها أطلق جماز بن هبة الحسيني الذي كان أمير المدينة من سجنالإسكندرية وكان له به سبع سنين ، وقرر في إمرة المدينة عوضا عن ثابت بن نعير .
وفيها أمسك ابن غراب وأخوه فخر الدين الوزير وسلما للركن ابن قايماز ، واستقر الركن أستادارا وتاج الدين ابن البقري ناظر الخاصوعلاء الدين الأخميمي المعروف بالشريف وزيرا ، وأصل ذلك أن سودون الحمزاوي تفاوض هو وابن غراب بحضرة الناصر في أواخر شعبان ، فلما خرج ابن غراب من القلعة ضربه بعض المماليك ورموا عمامته ، فهرب وألقى نفسه وحمل إلى باب السلسلة عند الأمير إينال باي بن قجماس أمير آخور وانقطع عن الخدمة أياما إلى أن أمر الناصر بمسكه في ثامن عشر رمضان وأمسك أخوه وجماعة من ألزامهما وعوق جمال الدين يوسف أستادار بجاس بباب يشبك ثم أطلق بعد قليل وعمل أستادارية الأمير بيبرس الأتابك مضافا لأستادارية سودون الحمزاوي .
وفي مستهل شوال وصل يلبغا السالمي إلى القلعة وكان قد أمر بعد مسك ابن غراب بإطلاقه ، واستقر في الوزارة مبارك شاه في رابعشوال وعزل الأخميمي ثم عزل في ثامن عشري شوال وقرر تاج الدين عبد الرزاق والي قطيا واستقر بالسالمي مشير الدولة فقط وسعرالسالمي الذهب الهرجة بستين والأفلوري بخمسة وأربعين وتسلم ابن غراب وأخاه فلم يمكن من ضربهما ، ثم تسلمهما ابن قايماز وضرب فخر الدين بن غراب بعض شيء ثم شفع فيهما يشبك وأطلقا في أواخر ذي القعدة .
وفي سلخ شوال عزل تاج الدين ابن الدماميني من نظر الجيشباستعفائه وأضيف إلى ابن البقري .
وفي سابع ذي القعدة استعفى تاج الدين والي قطيا من الوزارة واستقر كاشفا بالبحيرة ، وفي سابع عشري ذي القعدة السالمي أستادارا مع الإشارة .
وفي أول استقرار السالمي في الإشارة عزل ابن البلقيني من القضاء وأعاد ابن الصالحي في ليالي خروج الحاج ، ويقال إنه التزم في ذلك بمال جزيل يزيد على ستة آلاف دينار .
وفي أواخر شوال استقر سودون الحمزاوي رأس نوبة كبيرا عوضاعن سودون المارداني ، واستقر المارداني أمير مجلس عوضا عن تمراز ، واستقر تمراز أمير عوضا عن بكتمر ، واستقر طوخ خازندارا عوضا عن سودون الحمزاوي .
وفيها نازل الإفرنج الإسكندرية فاهتم أهل الدولة لذلك وجهزوا عسكرا فيهم يلبغا الناصري وبكتمر وجركس المصارع وآقباي الحاجب وسودون المارداني وتمراز وتغرى بردى وغيرهم ، وقدموا فيه برهان الدين المحلى بسؤاله في ذلك طلبا لنباهة الذكر فأنفق عليهم جملة كثيرة من ماله وتوجهوا في أواخر هذه السنة .
وفيها في أواخر السنة قفل المماليك أبواب القلعة على الأمراء بسبب النفقة ، فنزل الأمراء من باب السر إلى الإصطبل وركبوا منخيوله إلى منازلهم ، وتغيب السالمي ثم حصلوه وعوقوه في القلعة بسبب النفقة ثم تسلمه أمير آخور إينال باي ابن قجماس .
وفي جمادى الأولى مات آقباي الخازندار .
وفيها في أثناء السنة كائنة ابن دقماق وجد بخطه حط صعب على الإمام الشافعي فطولب بذلك من مجلس القاضي الشافعي فذكر أنه نقله من كتاب عند أولاد الطرابلسي فعزره القاضي جلال الدين بالضرب والحبس ولم يكن المذكور يستأهل ذلك .وفيها استقر دمرداش في نيابة طرابلس وأحضر تغرى بردى إلى القاهرة وكذلك سودون الحمزاوي وقرر عوضه في نيابة صفد شيخ السليماني ، واستقر سودون في وظيفة شيخ السليماني شاد الشربخاناه ثم قرر خازندارا بعد موت آقباي الكركي في جمادى الآخرة ثم تزوجابنة ابنة السلطان برقوق في رجب ، وفي ربيع الأول أعيد أبينا التركماني إلى مشيخة سرياقوس بعد موت حسن ابن الأمدي .
وفي جمادى الأولى استقر كريم الدين محمد الهوى في حسبة القاهرة عوضا عن شمس الدين الشاذلي ثم صرف واستقر محمد بن شعبان في شعبان ثم ضرب بعد أيام بحضرة يشبك وعزل .
وفيها في رجب ارتفعت الأسعار فبلغ القمح سبعين والشعير أكثرمن ذلك والفول تسعين والتبن خمسين ، وارتفعت أسعار سائر المأكولات وكذلك الملابس .
وفي ذي الحجة قدم دمشق ابن الحربي المصري الذي ولي وزارة دمشق بسبب محاسبة الوزير المستقر على ما عنده ومحاسبة أهل الأوقاف على ما استفادوه ، وشرع في مظالم كثيرة بدمشق ، فبلغ ذلك نائبها وهو غائب فأرسل بمنعه فمنع وتوجه إلى القاهرة فأرسل في أمره فرجع وضربه ضربا مبرحا وسجنه بالقلعة بعد أن نودي عليه ، ففرح الناس بذلك ودعوا له .
وفي جمادى الآخرة صرف علاء الدين على ابن أبي البقاء عن قضاء الشافعية واستقر شمس الدين بن عنان .وفي ذي القعدة صرف ابن الآدمي عن كتابة السر وأعيد علاء الدين نقيب الأشراف فسعى ولده ناصر الدين بالقاهرة ، واستنجز لشهاب الدين ابن حجي نظر الحرمين والغزالية وتدريسها .وفيها استقر بدر الدين حسن الجابي في قضاء المالكية عوضا عن الأموي ،ثم وصل توقيع عيسى قبل أن يباشر حسن فاستمر عيسى واستناب حسنا المذكور ورسم على الأموي بسبب ما تأخر عليه من الرشوة .وفي رجب أغار التركمان أصحاب سالم الدوكاري على قارا وما حولها من القرى فاستباحوها ونهبوا حوالي ثلث البلد ولم يخرج إليهم نائب حلب ولا أزعجهم ، وذكروا أنهم عاقبوا الناس على المال كصنيع التمرية .
وفي رجب أكملت عمارة دار السعادة بدمشق بعد إلزام النائب أهل البلد بعمارتها ومرمة ما يحتاج إليه السكنى منها وتحول إليها فسكنها .
وفي شعبان ولي شهاب الدين الأموي قضاء المالكية بدمشق وكان قبل ذلك قاضي طرابلس وقد ولي بعد ذلك قضاء مصر .
وفيه استقر كمال الدين بن جمال الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الخشاب في قضاء الحنفية بدمشق عوضا عن عبد الرحمنبن الكفري ، وفي رمضان ولي فتح الدين بن شمس الدين الجزري وكالة بيت المال بدمشق وتدريس الأتابكية انتزعها من جلال الدين ابن أبي البقاء .
وفي رمضان قتل نائب القدس ، قتله العشير وكان خرج إليهم ليكبسهم فاستعدوا له فقتلوه .
وفي شوال ولي محيى الدين بن الأمدي كتابة السر بطرابلس .
وضرب قاضي حلب ابن يحيى فقتل ، ضربه رجل بسكين فمات ، واستقر عوضه شمس الدين محمد بن أحمد البيري أخو جمال الدين الأستادار .
وفي شوال عزل عز الدين عبد الرحمن ابن الكفري عن قضاءالحنفية بدمشق ، واستقر عوضا عنه جمال الدين ابن القطب ، قال ابن حجي وهو أحسن سيرة من ابن الكفري وإن اشتركا في الجهل .
وفيه هرب نجم الدين ابن حجي من حماة مغاضبا لنائبها علان لأنه اطلع منه على إرادة العصيان فكاتب فيه فاطلع علان على كتابه فأراد قتله ففر منه إلى دمشق .
وفيها استشهد سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي ، بن كذا ، بنصير الدين بن ولوى بن منصور بن عمر الملقب ولسمع ، استقر في مملكة الحبشة للمسلمين بعد أخيه حق الدين ، فسار على سيرته في جهاد الكفرةوكانت عنده سياسة وكثرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته حتى وقع له مرة أن يبيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة ، وبلغ سهمه من بعض الغنائم أربعين ألف بقرة فيقال إنه لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرقها ، وله في مدة ولايته وقائع وأخبار يطول ذكرها ، فلما كان في هذه السنة جمع الحطى صاحب الحبشة جمعا عظيما وجهز عليهم أميرا يقال له باروا فالتقى الجمعان فاستشهد من المسلمين جمع كثير منهم أربعمائة شيخ من الصلحاء أصحاب العكاكيز ، وتحت يد كل واحد منهم عدة فقراء مسلكون عنده ، واستحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانهزم من بقي ، ولجأ سعد الدين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر ، فحصروه فيها إلى أن وصلوا إليه ، فأصيب في جبهته بعد وقوفه في الماء ثلاثة أيام فطعنوه فمات ، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة ، واستولى الكفار على بلاد المسلمين وخربوا المساجد وبنوا بدلها الكنائس وأسرواوسبوا ونهبوا ، وفر أولاد سعد الدين وهم صير الدين علي و معه تسعة من أخوته إلى البر الآخر فدخلوا مدينة زبيد ، فأكرمهم الناصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولا ومالا فتوجهوا إلى مكان يقال له سيارة ، فلحق بهم بعض عساكرهم ، واستمر صير الدين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطى وحرق عدة من الكنائس وغنم عدة غنائم ، وسيأتي خبر صير الدين في سنة خمس وعشرين .
وفي العشر الأخير من شوال سعى السالمي في إبطال مكس الذبيحة من الغنم والبقر وغيرهما ، والسبب أن غالب المتجوهين أخذوا مراسيم بمساميح ، بعضهم ببقرة وبعضهم بشاة أو أكثر ، فما بقي لجهة الدولة شيء يتحصل من الجهة فنودي بإسقاط ذلك ، ثم أعيد بعد مدة لكن بصورة أخرى وهي ترك الصوف والجلد لجهة الدولة .وفيه سعر اللحم فالسليخ بدرهم ونصف ، والسميط بدرهم وربع ، والبقري بدرهم .
وفي أواخر ذي الحجة ثار الجند بالأستادار يلبغا السالمي وأغلق باب القلعة فهرب من باب السر ، ثم أخرج من طاحون بالقرافة ورسم عليه السلطان وألزمه بتكفية العليق والنفقة وانسلخت السنة على ذلك .
وفيها خرج طاهر بن أحمد بن أويس على أبيه وحاربه وكسر جمعه وأطاعه العسكر بغضا منهم في أبيه لسوء سيرته ، ففر أحمد إلى الحلة فتبعه ولده وحاربه ففر إلى بغداد ليأخذ وديعة له ، فهجم عليه طاهر واستنقذ منه المال فاستنجد أحمد بقرا يوسف من تبريز فأعانه فاجتمعا على حرب طاهر فانهزم ، واتفق أنه اقتحم فرسه في حال الهزيمة جانبا من دجلة لينجو منه إلى البر الآخر فغرق .وفي سنة خمس وثمانمائة تزوج سودون الحمزاوي زينب بنت الملك الظاهر وعمرها يومئذ نحو عشر سنين .
وفيها ضرب ابن شعبان المحتسب بحضرة يشبك لسوء سيرته .
وفيات سنة 805
ذكر من مات في سنة خمس وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن داود السرحموشي الدمشقي ، كان رجلا حسنا يحب الفقراء وكان كثير الضيافة مع فقره ، وولي في آخر عمره مشيخة الخانقاه النجيبية وسكنها إلى أن مات في رمضان وله ستون سنة .
أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري شهاب الدين ، تفقه ولازم الشيخ ولي الدين الملوي وبرع في الفنون ودرس مدة ، وأفاد وتعانى التصوف ، وتكلم على مصطلح المتأخرين فيه ، وكان ذكيا ، سمعت منفوائده ، ومات في جمادى الأولى .
أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي شهاب الدين قاضي كرك نوح ، قال ابن حجي : كان من خيار الفقهاء وولي قضاء القدس ، مات في ذي الحجة ، قال ابن حجي : ولي الخطابة والقضاء بكرك نوح ثم القدس وناب في الخطابة بالجامع الأموي وفي تدريس البادرائية .
أحمد بن عبد الله العرجاني الدمشقي ، اشتغل قليلا وكتب خطا حسنا وتعانى الإنشاء والنظم وباشر أوقاف السميساطية وكان يحب السنة والآثار ، مات في المحرم .
أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الخليلي ، نزيل غزة ، سمعمن الميدومي ومحمد بن إبراهيم بن أسد وأكثر عن العلائي وغيره ، وكان دينا صالحا خيرا بصيرا ببعض المسائل ، سكن غزة واتخذ بها جامعا وكان للناس فيه اعتقاد ، اجتمعت به ونعم الشيخ كان ، قرأت عليه عدة أجزاء ، ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة .
أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي المعروفبالثوم ، بمثلثة مضمومة ، روى عن أحمد بن علي الجزري وغيره ، ومات في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة ، وكان له مال وثروة ثم افتقر بعد الكائنة وصارت أمواله حججا لا تحصيل منها .
أحمد بن محمد الحلبي ثم الدمشقي شهاب الدين قاضي كرك نوح والخطيب بها ، قال ابن حجي : كان من خيار الفقهاء ، وقد ولي قضاء القدس وولي تدريس المدرسة البادرائية بدمشق ، مات في ذي الحجة .
أحمد بن يحيى العثماني المعري - من معرة سرمين - شهاب الدين اشتغل ومهر وولي قضاء الشافعية بحلب في مستهل شوال سنة خمس وثمانمائة ، وكان حسن السيرة ، فلم يلبث أن قتل ليلة الأربعاء ثاني عشري الشهر المذكور ، هجم عليه شخص فضربه في خاصرته بسكين فمات منها في الثاني والعشرين منه ، نقلت ذلك من خط مجهول وجدته في هامش جزء منمسودة تاريخ حلب لابن العديم ، ثم وجدته في تاريخ القاضي علاء الدين فقال : أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك السرميني - من معرة سرمين - كان قاضي بلده مدة ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر ، فاغتيل بعد صلاة الصبح ثالث عشر شوال ، قال : وكانت له مروءة وفيه سكون وسيرته حسنة .
أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن مقبل زين الدين المعروف بالتاجر ، ناب في الحكم وكان فاضلا في مذهبه وكان في أوله سمسارا في قيسارية الشرب فانكسر عليه مال كثير فترك صناعته واشتغل بالعلم فتنبه ، ولازم الاشتغال حتى استنابه جمال الدين التركماني بعناية محب الدين ناظر الجيش ، ولم يزل ينوب عن القضاة إلى أن مات ، وكان مشهورا بالديانة غير متقيد بزينة الحياة الدنيا مطرحا للتكلف في ملبسه وهيئته مع المهابة وقلة الكلام ، ثم مات في ثالث ذي الحجة عن نحو الثمانين ، وهو غير زين الدين السكندري الحنفي نائب الحكم أيضا الأديب الفاضل تأخر عن الأول ، ولهم ثالث وهو زين الدين المخدوم الحنفي ناب في الحكم أيضا وتأخر عن الثاني .بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض بن عمر الدميري المالكي تاج الدين ، كان فاضلا في مذهبه ، أخذ عن الشيخ خليل وغيره وبرع وأفتى ودرس بالشيخونية وغيرها ، وشرح مختصر الشيخ خليل فلم يفت منه إلا الدلائل والعلل وهو في مجلدة واحدة ، وولي تدريسالشيخونية وقضاء المالكية بعد موت ابن خير في ثاني عشري شهر رمضان سنة إحدى وتسعين أيام قيام منطاش ، وتوجه مع القضاة إلى الشام لحرب الظاهر ، فلما عاد الظاهر عزله في ثاني عشر ربيع الأول بالركراكي ، ومات معزولا في سابع جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين لأنه ولد سنة أربع وثلاثين ، وله سماع من البياني وتفقه على الرهوني وله نظم وكان محمود السيرة .
الحسن بن علي الأمدي - بفتحتين من غير مدة - كان بزي الجند ، من أهل الحسينية ، ثم توصل بصحبة بعض الأمراء حتى ولي مشيخة سرياقوس ، وترك لبس الجند ولبس بالفقيري ومات في شعبان .سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد سعد الدين بن صدر الدين النووي ثم الخليلي ، ولد سنة تسع وعشرين وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ثم مهر ودرس واشتغل على ابن قاضي شهبة ، وناب في الحكم بها وحمل عن التاج المراكشي وابن كثير ، وقرأ عليه مختصره في علم الحديث وأذن له ، وسمع الحديث من الذهبي وعبد الرحيم بن أبي اليسر وشمس الدين ابن نباتة وغيرهم ، وحدث وأفتى ودرس بأم الصالح وأعاد بالناصرية ، ثم ولي قضاء بلد الخليل بعد كائنة تمرلنك فمات هناك في جمادى الأولى عن ستوسبعين سنة وكان أسن من بقي من الشافعية ، قال ابن حجي : كان ذا ثروة جيدة فاحترقت داره في الفتنة وأخذ ماله ، فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود ، ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلده الخليل .
سلمان بن عبد الحميد بن محمد بن مبارك البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي ، سمع من ابن الحموي وغيره ، وكان بصيرا ببعض المسائل ، متعبدا خيرا .
سودون طاز ، تقدم ذكره في الحوادث وكان مسجونا بقلعة المرقب ، مات في هذه السنة .سارة بنت علي بن عبد الكافي السبكي ، أسمعت من أحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال وغيرهما ، وسمعت على أبيها أيضا ، وتزوجها أبو البقاء فلما مات تحولت إلى القاهرة ثم رجعت إلى دمشق في أيام سري الدين وكان صاهرها ، ثم رجعت إلى القدس ثم إلى القاهرة ، فسمعنا منها قديما ثم في سنة موتها ، ماتت بالقاهرة في ذي الحجة بعد مرض طويل وقد جاوزت السبعين .
عبد الله بن خليل بن الحسن بن ظاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرحمن الحرستاني ثم الصالحي المؤدب ، سمع من الشرف ابن الحافظ وغيره وأجاز له الحجار ، سمعت منه .عبد الجبار بن عبد الله المعتزلي الحنفي عالم الدشت عند تمرلنك ، قدم معه دمشق ودخل معه الروم ورجع فمات ، أخبر بموته في هذه السنة مسعود الكجحاوي .
وفيها أرخه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب وذكر أنه اجتمع به بقلعة حلب لما طرقتها اللنكية في شهر ربيع الأول سنة ثلاث ، قال : فوجدته ذكيا فاضلا ، وسألته عن مولده فقال : يكون لي الآن نحوالأربعين ، وتكلم مع علماء حلب بحضرة اللنك وكان معظما عنده ، ورأيت شرح الهداية لأكمل الدين وقد طالعه عبد الجبار المذكور وعلم على مواضع منه وذكر أنها غلط ، وختم ترجمته بأنه كان عالم الدشت في زمانه .
عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني أبو الفضل الفاسي ثم المكي المالكي ، سمع من تاج الدين ابن بنت أبي سعد وشهاب الدين الهكاري وغيرهما ، وعنيبالفقه فمهر فيه وأفتى ودرس أكثر من أربعين سنة ، وكان نبيها في الفقه مشاركا في غيره ، مات بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة .
عبد الكريم بن محمد النووي تقي الدين ، اشتغل قديما ثم ترك واشتغل بالسعي في القضاء بالبلاد فولي نوى ، ثم باشر قضاء أذرعات مدة ، ولم يكن مرضيا ، وكان جوادا بالقرى ، مات في رجب .
عبد الوهاب بن عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكي تاج الدينابن الشيخ عفيف الدين ، اشتغل بالفقه وأذن له شيخنا الأبناسي ودرس بالحرم ، مات في رجب عن خمس وخمسين سنة لأنه ولد سنة خمسين ، وسمع من أبيه وجماعة بمكة ، ورحل إلى دمشق فسمع من ابن أميلة وغيره ، وتفقه بالأميوطي وغيره ، وكان خيرا عابدا ورعا قليل الكلام فيما لا يعنيه ، أم في مقام إبراهيم نيابة ، اجتمعت به وسمعت كلامه .
عثمان بن عبد الله الملقب بالفيل أحد من كان يعتقد بمصر ، مات فيجمادى الأولى .
عمر بن رسلان بن نصير بن صالح السراج البلقيني شيخ الإسلام ابن شهاب الدين ابن عبد الخالق بن عبد الحق الكناني البلقيني نزيل القاهرة ، ولد سنة أربع وعشرين في شعبان ، وحفظ القرآن وله سبع سنين ببلده ، وحفظ المحرر والكافية لابن مالك ومختصر ابن الحاجب الأصلي والشاطبية ، وقدم مع أبيه القاهرة في طلب العلم سنة ست وثلاثين ، وعرض على القزويني والسبكي بعض محفوظاته ثم قدمها سنة ثمان وثلاثين فاستوطنها واخذ عن نجم الدين الأسواني وشمس الدين بن عدلان ومشايخ العصر ، وأفتى ودرس وهو شاب ، وناظر الأكابر وظهرت فضائله وبهرت فوائده وطار في الآفاق صيته من قبل الطاعون ، وسمع الحديث من جماعة من مشايخ عصره كمحمد بن غالي وأحمد بن كشتغدي وإسماعيل التفليسي وشمس الدين بن القماح وابن عبد الهادي والميدومي وغيرهم ، وأجاز له الذهبي والمزي والجزري وابن نباتة وآخرون ، وأخذ النحو عن أبي حيان ، وأذن له في إقرائه وأطراه فيما كتبه له ، وأخذ الأصول عن الأصبهاني ، ولازم ابن عقيل وتزوج بنته سنة اثنتين وخمسين ، وانتهت إليه الرياسة في الفقه والمشاركة في غيره حتى كان لا يجتمع به أحد منالعلماء إلا ويعترف بفضله ووفور علمه وحدة ذهنه ، قال القاضي جلال الدين في ترجمته كان يلقى الحاوي في الأيام اليسيرة وبلغ من أمره في ذلك أن أقرأه في ثمانية أيام بالجامع الأزهر ، وكان معظما عند الأكابر عظيم السمعة عند العوام ، إذا ذكر البلقيني خضعت الرقاب حتى كان الشيخ جمال الدين الأسنوي يتوقى الإفتاء مهابة له لكثرة ما كان ينقب عليه في ذلك ، وقد ولي قضاء الشام بعد صرف تاج الدين السبكي في سنة تسع وستين ، وجرت له معه أمور مشهورة ولم يقم في ذلك إلا دون السنة وعاد إلى القاهرة متوفرا على الاشتغال والإفتاء والتصنيف ، وقد عين مرات لقضاء الشافعية فلم يتفق ذلك إلا بعد دهر طويل لولده ، ولم يكمل من مصنفاته إلا القليل لأنه كان يشرع في الشيء فلسعة علمه يطول عليه الأمر ، حتى كتب من شرح البخاري على نحو من عشرين حديثا مجلدين ، وكتب على الروضة عدة مجلدات تعقبات وعلق بعض طلبته من خطه من حواشي نسخته باروضة خاصة مجلدين ، وقد عمل له ولده جلال الدين ترجمة جمع فيها أسامي تصانيفه وأشياء من اختياراته أجادها ، سمعتها كلها منه ، وخرجت أنا له أربعين حديثا عن أربعين شيخا ، حدثت بها مرارا ، وقرأت عليه دلائل النبوة للبيهقي فشهد لي بالحفظ في المجلس العام ، وقرأت عليه دروسا من الروضة ، وأذن لي بخطه وكتب لي بخطه على جزء من تعليق التعليق الذي وصلت فيه تعاليق البخاري ، وكنت رأيت في هذه السنة أنني دخلت مدرسة وهو يصلي الظهر فأحس بداخل فتمادى في الركوع فأدركت معه صلاة الظهر ، فعبرتها عليه فقال لي يحصل لكظهور كثير ، قلت : وبقية المنام أنك تأخرت لي أدركتك فأخذت عنك وأذنت لي ، فأقر ذلك وكان الأمر كذلك ، وكانت آلة الاجتهاد في الشيخ كاملة إلا أن غيره في معرفة الحديث أشهر وفي تحرير الأدلة أمهر ، وكان عظيم المروءة جميل المودة كثير الاحتمال مهيبا مع كثرة المباسطة لأصحابه والشفقة عليهم والتنويه بذكرهم ، وله نظم كثير شائع نازل الطبقة جدا ، وأقبل على عمل المواعيد بأخرة فكان يحصل له فيها خشوع وخضوع ، قال ابن حجي : كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي واشتهر بذلك ، وطبقة شيوخه موجودون ، قدم علينا دمشق قاضيا وهو كهل فبهر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودة معرفته ، وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله ، ثم رجع وتصدى للفتيا فكان معول الناس عليه في ذلك وكثرت طلبته فنفعوا وأفتوا ودرسوا وصاروا شيوخ بلادهم وهو حي . قال : وله اختيارات في بعضها نظر ، وله نظم وسط وتصانيف كثيرة لم تتم ، يبتدئ كتابا فيصنف منه قطعة ثم يتركه وقلمه لا يشبه لسانه ، مات في عاشر ذي القعدة وكثر أسف الناس عليه ، وبلغني وفاته وأنا مع الحجيج بعرفة فعملت فيه مرثية تزيد على مائة بيت وهي مشهورة ، وعاش إحدى وثمانين سنة وربع سنة ، رحمه الله تعالى .
عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي قاضي تمرلنك مات بعد رجوعه من الروم في هذه السنة .عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي يكنى أبا نما ولد بمكة سنة اثنتين وأربعين ، ورباه عمه سند بن رميثة لما قتل أبوه ، فلما مات استولى على خيله وسلاحه وأثاثه فأراد عجلان نزع ذلك منه لأنه وارث سند ففر عنان منه ، ثم أرسل يؤمنه فعاد إليه فأكرمه ، وبالغ عنان في خدمته حتى كان عجلان يقول : هنيئا لمن ولد له مثل عنان ثم تزوج بابنة ابن عمه أم المسعود واختص بوالدها أحمد بن عجلان ، ثم تنكر له أحمد فذهب عنه عنان إلى صاحب حلى ، ثم توجه عنان وحسن بن ثقبة إلى مصر وبالغا في الشكوى من أحمد بن عجلان واتفق كون كبيش بن عجلان بمصر فساس المر إلى أن رجع عنانومعه مراسيم السلطان بإعطائه ولحسن ما التمساه ، فلم يوافق أحمد بن عجلان على ذلك ، ففر عنان وحسن بن ثقبة منه فردهما أبو بكر بن سنقر أمير الحاج ، فلما عادا ورجع أبو بكر بالحاج قبض عليهما أحمد بن عجلان وعلى أخيه محمد وعلى أحمد بن ثقبة وابنه علي ، وسجن الخمسة ، ففر عنان وتوصل إلى مصر وذلك في سنة ثمان وثمانين ، وجرت له في هربه خطوب ، فاتفق موت أحمد بن عجلان وولاية ابنه محمد ، فبادرإلى كحل المسجونين ، فبلغ ذلك الظاهر فغضب فأرسل إلى محمد بن أحمد بن عجلان من فتك به لما دخل الحاج مكة ، واستقر عنان أمير مكة ودخل مع آقباي المار داني أمير الحاج ، ووقع الحرب بينه وبين بني عجلان فهزمهم ، فلما رجع الحاج تجمع كبيش بني عجلان ومن معه وكبسوا جدة ونهبوا أموال التجار ، فلم يقاومهم عنان واحتاج إلى تحصيل مال أخذه من المقيمين من أهل مكة من التجار وغيرهم ليرضي به من معه ، وأشرك معه في الإمارة أحمد بن نعير وعقيل بن مبارك ودعا لدفعه ، ثم أشرك معهم علي بن مبارك ، فتفرق الأمر وكثر الفساد فبلغ السلطان ذلكفأمر علي بن عجلان على مكة فقاتله عنان خارج مكة في رمضان سنة تسع وثمانين ، فقتل في الوقعة كبيش وجماعة وانهزم علي ومن معه إلى الوادي ، فلما قدم الحاج فر عنان إلى نخلة وقام علي بن عجلان بإمرة مكة ، فلما رجع الحاج عكف عنان على وادي مر وعلى جدة وكاتب السلطان ، فكتب بأن يشترك مع علي بن عجلان في الإمرة ، فلم يتم ذلك ، وقدم مصر سنة تسعين فلم يقبل عليه السلطان وسجن في أيام تغلب منطاش ، فلما عاد الظاهر إلى الملك أعاده إلى الإمرة شريكا لعلي بن عجلان ، فسار إلى ينبع فحاربه وبير بن مخبار أمير ينبع ، فظهر عليهم ونزل الوادي في شعبان سنة اثنتين وتسعين ثم دخل مكة ودعي له إلى رابع صفرسنة أربع وتسعين ، ثم وثبوا عليه ليقتلوه وهو في الطواف ففر ، وفي غضون ذلك فسدت الطرقات بالحجاز ، فأرسل السلطان فأحضر عنانا وعليا فدخلا مصر في جمادى الآخرة ، فأفرد عليا بالإمرة وأمر عنانا بأن يقيم بمصر ورتب له ما يقوم به ، ثم سجن بالقلعة في سنة خمس وتسعين ، ثم نقل في أواخر سنة تسع وتسعين إلى الإسكندرية هو وجماز بن هبة أمير المدينة ومعهما علي بن مبارك بن ثقبة ، ثم أعيد عنان إلى القاهرة في آخر سنة أربع وثمانمائة ، فمرض بها ومات يوم الجمعة أول شهر ربيه الأول ، وكان شجاعا كريما ، له نظم ، قليل الحظ في الإمارة ، وافر الحظ من الخلاص من المهالك إلى أن حضر أجله في ربيع الأول وله ثلاث وستون سنة .
عيسى بن محمد بن محمد الحجاجي أبو الروح الصوفي ولد في ثالثعشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة ، وكان لطيفا ظريفا معروفا بذلك .
كلثم بنت الحافظ تقي الدين محمد بن رافع السلامي الدمشقية تكنى أم عمر سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضورا وغيره ، أجازت لي قديما ، وماتت في ربيع الأول .
محمد بن أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن حمدان الأذرعي شمس الدين سمع على صالح الأشنهي والميدومي وغيرهما ، وولي خطابة جامع شيخونومشيخة الجامع الجديد بمصر ، وكان حسن السمت ، مات في رابع عشري ذي القعدة وله بضع وستون سنة ، سمعت منه .
محمد بن أحمد بن محمود النابلسي ثم الصالحي شمس الدين الحنبلي ولي قضاء الحنابلة بدمشق ، ثم أسر مع اللنكية ثم نجا من بغداد وعاد فتولى قضاءها ثم مات وكان له اشتغال في لعربية وغيرها ، وكان في أول أمره خياطا بنابلس ، ثم اشتغل على علي شمس الدين ابن عبد القادر ، وقدم دمشق بعد السبعين وحضر درس أبي البقاء ، ثم شهد على القضاة واشتهر فصار يقصد في الأشغال واستقر كبير الشهود ، ثم وقع بينه وبين القاضي علاء الدين ابن المنجا فسعى عليه في القضاء فولي سنة ستوتسعين وسبعمائة واستمر القضاء نوبا بينهما ثم دخل مع التمريةصفحة فارغة .في أذى الناس ونسبت إليه أمور منكرة وأخذ أسيرا معهم ، فهرب من بغداد وكانوا قد حكموا بفسقه لما يتعاطاه مع التمرية من الأمور المنكرة ، فعاد في المحرم سنة أربع فلم يبال بذلك وسعى في القضاء ، فعزل به تقي الدين أحمد ابن المنجا ومات بعده بأيام يسيرة ، ولم يكن مرضيا في الشهادة ولا في القضاء ، وهو أول من أفسد أوقاف دمشق وباع أكثرها بالطرق الواهية ، مات في المحرم .
محمد بن أحمد الهاروني المصري كان ممن يعتقد بمصر وكان مجذوبا ، وكان أهل مصر يلقبونه خفير البحر ، مات في صفر .
محمد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي جمال الدين الشافعي ، اشتغل بالقاهرة وحفظ المنهاج واتصل بالقاضي برهان الدين ابن جماعة ، فلما ولي قضاء الشام استنابه واعتمد عليه في أمور كثيرة ، وكان حسن المباشرةمواظبا عليها وعنده ظرف ونوادر وكان مقلا مع العفة ، ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فر إلى القاهرة فاستنابه القاضي جلال الدين ، ومات في ذي القعدة .
محمد بن إسحاق بن أحمد بن إسحاق الأبرقوهي ثم الشيرازي غياث الدين نزيل مكة كان عارفا بالطب وله فيه تصنيف ، مات بمكة في جمادى الأولى وله ثمانون سنة ، وكانت له قبل ذلك مكانة عند شاه شجاع وهو الذي تولى له عمارة الرباط بمكة .
محمد بن أيوب بن عبد القادر بن بركات بن أبي الفتح بدر الدينالحنفي . . .
محمد بن عبد الله الخواص أحد من كان يعتقد بمصر ، مات بالوراريق في جمادى الآخرة .
محمد بن محمد بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن قاضي القضاة تقي الدين بن رزين العامري الحموي ثم المصري علاء الدين سمع من جده لأمه سراج الدين الشطنوفي وحدثنا عنه قليلا ولم يكن متصاونا ، خطب بالجامع الأزهر وباشر أوقافا ، ومات في رمضان .محمد بن محمد بن محمد الدمشقي المالكي علم الدين ابن ناصر الدين القفصي ، ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرة في مدة خمس وعشرين سنة أولها في رجب سنة تسع وسبعين باشر فيها ثمان سنين وعشرة أشهر ، ومات وهو قاض وقد ولي قضاء حلب وحماة مرارا ، وكان عفيفا ، له عناية بالعلم مع قصور فهم ونقص عقل ، وكان جده قد قدم دمشق في سنة تسع عشرة فناب في الحكم وكان أبوه جنديا ثم ألبس ولده كذلك ، ثم شغله بالعلم وهو كبير ودار في الدروس واشتغل كثيرا ، قال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب : أصيب في الوقعة الكبرى بماله ، وأسرت ابنته ، سكن عقيب الفتنة قرية من قرى سمعان إلى أن انزاح الططر عن البلاد فرجع إلى حلب على ولايته ، قال : وكان بيننا صحبة وكان يكرمني وولاني عدة وظائف علمية ، ثم توجه من حلب إلى دمشقفقطنها وولي قضاءها ، ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين وهو قاضي دمشق .
محمد بن محمد بن محمود بن السلعوس شمس الدين الدمشقي التاجر كان رجلا خيرا ، حدثنا عن ابن أبي النائب بجزءين سمعهما منه بدمشق .
محمد بن يوسف الإسكندراني المالكي كان فقيه أهل الثغر ودرس وأفتى ، وانتهت إليه الرياسة في العلم ، وكان عارفا بالفقه مشاركا في غيره مع الدين والصلاح .
محمود بن عبد الله الصامت أحد من كان يعتقد بمصر ، وكان شكلا بهيا حسن الصورة منور الشيبة ، وكان لا يتكلم البتة ، وأقام بالجيزةمدة طويلة وللناس فيه اعتقاد كبير ، مات في ذي القعدة .
محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمود بن عبد الحميد بن هلال الدولة واسمه عمر بن منير الحارثي الدمشقي موقع الدست بدمشق ، كان كاتبا مجودا ناظما ناثرا ولم يكن ماهرا ، وكان ابن الشهيد يعتمد عليه ، وكان مشهورا بالخفة والرقاعة والضنانة بنفسه ، أخذ عن صلاح الدين الصفدي وغيره وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود ، وأجازت له زينب بنت الكمال ، مات بالقاهرة فجأة وله فوق الستين ، فإن مولده سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين ، وعنوان شعره أن بعض الرؤساء أعطاه فرجية خضراء فأنشده :
مدحت إمام العصر صدقا بحقه
وما جئت فيما قلت بدعا ولا نكرا
تبعت أبا ذر بمصداق لهجتي
فمن أجل هذا قد أظلتني الخضرامحمود بن عبد الله العينتابي بدر الدين الحنفي العابد الواعظ ، أخذ في بلاد الروم عن الشيخ موفق الدين وجمال الدين الأقصرائيين ، وقدم عينتاب فنزل بجامع مؤمن مدة يذكر الناس ، وكان يحصل للناس في مجلسه رقة وخشوع وبكاء ، وتاب على يده جماعة ، ثم توجه إلى القدس زائرا فأقام مدة ، ثم رجع إلى حلب فوعظ الناس بالجامع العتيق ، قال البدر العينتابي : أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزى والفرائض السراجية وغير ذلك . وذكره فيمن مات في هذه السنة ثم قال : ذكرته في هذه السنة تبركا ، وقد مات قبل ذلك بكثير كما تقدم .
محمود خان الطقتمشي المغلي كانت السلطنة باسمه وهو مع اللنك ليس له من الأمر شيء ، ولما رجعوا مات محمود في هذه السنة .مريم بنت أحمد بن أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمدبن إبراهيم الأذرعي أم عيسى ، سمعت الكثير من علي بن عمر الواني وأبي أيوب الدبوسي والحافظ قطب الدين الحلبي وناصر الدين بن سمعون وغيرهم وأجاز لها التقي بن الصائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز وغيره من الأئمة بدمشق ، خرجت لها معجما في مجلدة .
وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازة ، وهي أخت الشيخ شمس الدين المقدم ذكره في هذه السنة ، عاشت أربعا وثمانين سنة ، ونعمت الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبة في العلم ، وهي آخر من حدث عن أكثر مشايخها المذكورين ، وقد سمع أبو العلاء الفرضي من أيوب الدبوسي وسمعت هي منه وبينهما في الوفاة مائة وبضع سنين .أبو يزيد بن مراد بك بن أردخان بك بن علي بن سليمان بن عثمان تقدم ذكره في الحوادث ، وكانت مملكته قد اتسعت إلى أن ملك سيواس بعد برهان الدين أحمد ، واستولى على البلاد القرمانية أيضا ، وحاصر ملطية بعد موت الظاهر فأخذها بالأمان ورفق بأهلها فسلموا من النهب وغيره ، وكان يؤثر العدل ويحب العلماء ويكرمهم ، ثم قصده اللنك كما قدمنا فمات في أسره ، وقسم اللنك البلاد على من كانت بيده قبل استيلاء بن عثمان عليها ، ثم رجع إلى بلاد الشرق ، وكان هذا دأبه إذا بلغه عن مملكة كبيرة أو ملك كبير لا يزال يبالغ في الاستيلاء عليها إلى أن يحصل مقصوده فيتركها بعد أن يخربها ويرجع ، فعل ذلك بالشرق كله وبالهند وبالشام وبالروم إلى أن أهلكه الله تعالى .
يوسف بن أحمد الملكاوي جمال الدين أحد الفضلاء بدمشق ، وكان يميل إلى اعتقاد الحنابلة مع الدين والخير ، درس وخطب . مات في شوال .
حوادث سنة 806
سنة ست وثمانمائة
في ثالث المحرم وصلت رسل تمرلنك الذين قدمنا ذكرهم وفي رابع المحرم بعد أن أمسك السالمي قرر ركن الدين عمر بن قايماز فيالأستادارية وتوارى ابن البقري فطلب جمال الدين ليستقر وزيرا ، فاستعفى من ذلك وصمم وأشار بأن يستقر أبو كم في الوزارة ونظر الخاص ، فأقام خمسة عشر يوما ، ثم ظهر ابن البقري فأعيد إلى الوزارة ونظر الخاص مضافا إلى نظر الجيش ، ثم أرسل إلى الإسكندرية في صفر بعد أن كان سلم لابن قايماز ، فحبسه في مكان كان السالمي أعده لحبس من يصادره وكان ابن قايماز سكن في بيت السالمي بإذن من السلطان ، ثم نقل السالمي إلى الأصطبل عند أمير آخور ، فعرضت عليه آلات العقوبة بحضرة السلطان فكتب خطه بمال جزيل فسلم لشاد الدواوين ليستخلصهمنه وكانت ولايته لذلك في هذه الأيام مضافة إلى ولاية القاهرة والحجوبية ، وشرع السالمي في بيع ثيابه وكتبه ورفق به الوالي فحمل ما قدر عليه ، وفي الثالث من المحرم وصلت الرسل المتوجهة بأطلمش إلى اللنك ومعهم علمان أخضران وهدية للسلطان وهي فيل كبير وفهدان وصقران وملبوس للسلطان على صورة الخلعة له من اللنك بأن يكون نائبه على الديار المصرية والشامية فدخلوا القاهرة وكان بعض الرسل ينشر العلمين الأخضرين بيده وهو راكب الفيل .
ولما كان في السادس من المحرم عملت الخدمة بالإيوان وعرضت الهدية ، فأمر للرسل بالنزول في دار الضيافة ولم يخلع عليهم ولا لبس الخلعة ومنع الناس من الدخول عليهم ، ثم أذن لهم في الركوب والتصرف في شوارع البلد والتنزه في مواضع النزه ، وكان من جملة الرسالة أن يتزوج الناصر بنت ملك من ملوك الشرق لتكمل المودة والمحبة فأقاموا مدة ثم كتب لهم الأجوبة وتوجهوا مقهورين .
وفي أواخر المحرم رجم المماليك السلطانية الوزير بسبب تأخر معاليمهم ثم هرب في جمادى الأولى واستقر في الوزارة تاج الدين والي قطيا ، وأعيد ابن غراب إلى الأستادارية وأضيف له نظر الجيش وذلك. . . . . وقرر في الخاص بدر الدين حسن بن نصر الله في خامس جمادى الأولى ، ثم أعيدت الوظيفتان الوزارة ونظر الخاص إلى ابن البقري في أواخر جمادى الآخرة ، ثم هرب ثم أمسك في سابع عشر شوال منها واستقر بدر الدين بن نصر الله في الوظيفتين .
وفي ثالث عشر المحرم استقر شمس الدين الإخنائي قاضي الشام في قضاء الشافعية بالقاهرة عوضا عن الصالحي لما مات .وفي أول جمادى الأولى استقر كريم الدين ابن النعمان الهوى في حسبة القاهرة وكان اتصل بالسلطان ونادمه فولاه الحسبة عوضا عن البجاسي فاتفق أن البجاسي مات بعد ثلاثة أيام ، ثم صرف الهوى عن الحسبة بعد أيام واستقر شمس الدين الشاذلي ، ثم صرف في شعبان واستقر محمد بن شعبان ، وفي رابع ربيع الأول صرف الإخنائي عن قضاء الشافعية بالقاهرة واستقر القاضي جلال الدين البلقيني وهي المرة الثانية ، وصرف ابن خلدون في سادس ربيع الأول عن قضاء المالكية واستقر جمال الدين يوسف البساطي ، ثم أعيد الإخنائي في شعبان ثم صرف في ذي الحجة وأعيد البلقيني وهي الثالثة للبلقيني .
وفيها زاد فساد مماليك السلطان وأضروا بالمسلمين جدا واستلبوا النساء من الحمامات والصبيان من الطرقات للفساد بهم .وفيها وصل الذين جردوا إلى الإسكندرية بسبب الفرنج سالمين .
وفيها نازل الفرنج طرابلس فأقاموا عليها ثلاثة أيام فبلغ ذلك نائب الشام فنهض إليهم مسرعا فانهزموا وأوقع بهم وكان ذلك مبدأ سعادته ثم توجه الفرنج إلى بيروت وكانوا في نحو من أربعين مركبا فواقعهم دمرداش ومن معه من الجند والمطوعة وقتل بعض الناس من الفريقين وجرح الكثير وكان نائب الشام ببعلبك فجاءه الخبر فتوجه من وقته وأرسل إلى العسكر يستنجده ومضى على طريق صعبة مشقة إلى أن وصل إلى طرابلس في المحرم ، ثم توجه من فوره إلى بيروت فوجده قد نهبوا ما فيها وأحرقوها وكان أهلها قد هربوا إلى الجبال إلا المقاتلة منهم فوقع بين الفريقين مقتلة عظيمة فأمر النائب بإحراق قتلى الفرنج ثم توجه إلى صيدا ومعه العساكر فوصل إليها وقد أخذ الفرنج من البهار الذي للكيتلان شيئا كثيرا فوصل النائب بالعسكر فوجدهم في القتال مع أهل صيدا ولم يتقدمه أحد بل كان معه عشرة أنفس لا غير فحمل على الفرنج فكسرهم وفروا إلى مراكبهم وفروا راجعين إلى ناحية بيروت ثم نزلوا لأخذ الماء فمانعهم بعض أصحاب النائب فغلبوه على الماء وأخذوا حاجتهم وتوجهوا إلى جهة طرابلس ثم مروا عنها إلى الماعوضة فركز النائب طائفة بصيدا وطائفة ببيروت وتوجه إلى دمشق وكانت مدة غيبته دون نصف شهر ، ولما رجع لاقاه الناس فلام القضاة على تأخرهمعن الغزاة فأجابه الحنفي بجواب أغضبه فأهانه واستهزأ به .
وفيها في ليلة الرابع عشر من المحرم توقف النيل بمصر مدة أيام فاتفق خسوف القمر بتمامه وهو في برج الدلو بحيث لم يبق من ضوئه شيء أصلا فاستشعر الناس عدم الزيادة فأمر الخطباء أن يستسقوا في الخطب ففعلوا فزاد في الجمعة التي تليها واطمأن الناس بعد أن اضطربوا ثم توقف فمضت مسرى من شهور القبط ولم يوف ثم نزل إصبعين في أيام النسيم ثم إصبعين فبادروا في أول يوم من توت وهو في العشرين من صفر وخلقوا المقياس وكسروا السد بغير وفاء ثم لم يزد بعد ذلك سوى نصف ذراع ثم انهبط دفعة واحدة فلم يصبح في الخلجان ماء وشرق غالب البلاد وذعر الناس بسبب ذلك وذلك في صفر وخرج القاضي جلال الدين ماشيا إلى الجامع الأزهر بعد الظهر فاستمر فيه إلى العصر في الدعاء والتضرع والقراءة وانضم إليه جمع كبير على ذلك فبلغ ذلك القضاة وشيوخ الخوانق فاستمروا إلى قريب المغرب وذلك في تاسع صفر ثم توجه إلى الآثار يوم السبت ثالث عشر صفر فوضعها على رأسه وهو واقف في المحراب يتضرع ويبكي ويدعوثم رجع .
وفي أول ربيع الأول وقع الغلاء في القمح واشتد الأمر وشرق غالب البلاد وقدر الله تعالى أن الذي وقع في الري من البلاد زكت الأرض بالزرع حتى جاء الفدان الواحد من الشعير في الفيوم إحدى وسبعين إردبا بكيل الناحية يكون بالكيل المصري مائة إردب وجاء الفدان في غير الفيوم بثلاثين إردبا إلى عشرة وثمانية وخرج الناس إلى الصحراء يستسقون بعد صيام ثلاثة أيام فخطب فيهم الحافظ زين الدين العراقي أوائل ربيع الآخر ثم رجعوا فتزايد السعر في القمح وجميع الغلال إلا أن المأكولات كثيرة جدا والبيع والشراء ماش الحال وأعيد البجاسي في هذه الحالة إلى الحسبة .
وفي ربيع الأول منها استقر شمس الدين البيري أخو جمال الدينيوسف الأستادار في قضاء الشافعية بحلب وهي أول نيابة أخيه جمال الدين بالقاهرة وذلك أنه كان عمل أستادارية سودون طاز ثم أستادارية سودون الحمزاوي ثم عمل أستادارية بيبرس ابن عم السلطان في سنة خمس وثمانمائة فظهرت حسن مباشرته وأهل للوظائف الكبار وعين للوزارة فامتنع وأصر على ذلك وصارت له كلمة نافذة وأحبه الناس .
وفي جمادى الآخرة حدث بالقاهرة سعال عقب هبوب ريح جنوبية شديدة البرد كثيرة الرطوبة وفشا السعال ثم الحمى وجاء الشتاء شديدا أزيد من العادة ففشا الموت في أهل المسكنة وكان يموت بالجوع والبرد في كل يوم فوق الألف وقام أهل المروءة بتكفين من يموت منهم مثل سودون المارداني وسعد الدين ابن غراب خارجا عما يكفن منالمارستان ووقف الطرحي فيقال كان عدة من تكفل ابن غراب بمواراته إلى سلخ شوال اثني عشر ألف نفس وسبعمائة نفس .
وفي شوال تزايد هبوب الريح المريسي وكثرت الأمراض ووقع الطاعون والأمراض الحادة وغلت الأدوية حتى بيع القدح من لب القرع بمائة درهم وبيع الرطل الشيرشخت بمائة وثلاثين ، والقنطار البطيخ الصيفي بثمانمائة درهم والفروج الواحد بسبعين درهما والزهرة الواحدة من النيلوفر بدرهم والخيارة الواحدة البلدية بدرهم ونصف .
وفي رجب غلت الأسعار جدا حتى وصل القمح إلى أربعمائة وهو بالذهب خمسة مثاقيل والفول والشعير إلى مائتين وخمسين ونحو ذلك .
وفي ذي الحجة غلت الأنعام لأجل النحر حتى بيع العجل الصغير بألفي درهم .
وفي أوائل هذه السنة عزل دقماق عن نيابة حلب وأمر بمجيئهإلى القاهرة واستقر عوضه آقبغا الجمالي الأطروش فهرب دقماق ثم مات آقبغا في وسط هذه السنة فجاء دقماق وقد جمع جمعا كثيرا من التركمان واستولى على حلب فقرر السلطان دمرداش نائب طرابلس في نيابة حلب وقرر في نيابة طرابلس شيخ السليماني وكان نائب صفد وقرر في نيابة صفد بكتمر جلق وكان من أمراء دمشق ، ولما استقر دمرداش بحلب كاتب نعير فيه إلى الناصر بأنه جمع جماعة وعصب عصبة وكذلك دقماق وأن كلا منهما لا يصلح للإمرة وأن نعيرا التزم أنه لا ينصر واحدا منهما ويشير بأن يولى غيرهما ليكون معه من جهة السلطان . وفي رجب تجهزت رسل تمرلنك .
وفيها توجه تمرلنك بعساكره إلى سمرقند بسبب جماعة خانوه في أموال أرسلها معهم إلى بعض القلاع فعصوا عليه وكان بعد رجوعاللنك من بلاد الروم أغار على بلاد الكرج فنازلهم وأبادهم ولم يزل يحاصرهم إلى أن غلب عليهم فطلبوا الأمان فأمنوا وشفع فيهم الشيخ إبراهيم الحاكم بشيروان فشفعه فصالحهم على مال ورحل عنهم .
وفيها توجه منكلي بغا رسولا بهدية إلى تمر من الناصر فرج وفيها زرافة فدخلوا حلب يوم عيد الفطر سنة ست وكان الناصر لما وردت عليه هدية تمر بالفيل وغيره وتوجهوا في شوال .وفيها في الثامن من شعبان زلزلت بحلب وأعمالها زلزلة شديدة وأخربت أماكن كثيرة وزلزلت قبل ذلك في يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة وقت الاستواء ثم سكنت ثم زلزلت زلازل كثيرة متفرقة في طول السنة وكانت الزلازل بالجهة الغربية منها أكثر ، وفي ذي الحجة أفرجدمرداش لما تحول من طرابلس إلى حلب عن سودون طاز وجكم الدويدار وكان دمرداش أخرج جكم من السجن بالمرقب وصحبه معه في حركاته ثم سجنه لما حارب التركمان بالقصر ثم أفرج عنه وأخذه معه إلى حلب ثم فر منه إلى حماة ثم إلى أنطاكية ، فلما أوقع دمرداش بأمير أنطاكية ورجع إلى حلب وصل الأمر السلطاني بالإفراج عن جكم وأن يسكن حيث شاء من البلاد ، فتوجه إلى طرابلس واستولى عليها وأخرج شيخ السليماني نائبا عنها ، ثم نازل حلب فهزم دمرداش ودخلها عنوة واستقرت قدمه بها إلى أن اتفقت حركة يشبك في ركوبهعلى السلطان ثم انهزم ومن معه إلى الشام واقتضى رأيهم خلع الناصر من الملك ، فكاتبوا نواب البلاد فأطاعوهم إلا دمرداش ، ثم كانت وقعة السعيدية فتفرقوا ورجع جكم إلى حلب فاستولى عليها وكسر التركمان ودعا أهل حلب إلى مبايعته بالسلطنة فأجابوه ، وذلك في تاسع شوال وكان قطع الخطبة للناصر من جمادى الآخرة وتلقب العادل ولم يتسلطن إلا في شوال ، وخطب له على المنابر ولبس خلعة السلطان في عاشره وركب من دار العدل إلى القلعة ، وكتب إلى نواب الشامات فأطاعوه إلا القليل ، وبلغ ذلك الناصر فخرج طالبا قتاله فقتل سودون طاز ، قتله دويدار دمرداش بغير أمره وهرب جكم .
وفيها هرب قانباي العلائي من محبسه بقلعة الصبيبة وكان مع نوروز وغيره .
وفي ذي الحجة تقلد القاضي عز الدين عبد العزيز البغدادي الحنبليقاضي القدس سيفا ووقف بالمسجد الأقصى وجمع الناس وأشهد على نفسه أنه حكم بزندقة القاضي شهاب الدين الباعوني خطيب المسجد الأقصى ومنع الناس من الصلاة خلفه ، فسئل عن مستنده في ذلك فذكر أنه سمعه يقول إنه رأى النبي e يقبل يد الباعوني ، فاستفتى الباعوني عند ذلك العلماء بالقدس ، فأفتوا بأن ذلك لا يقتضي كفرا ولا زندقة ، فوصل الباعوني إلى دمشق في المحرم من السنة المقبلة فشكاه إلى نائب دمشق فأرسل إليه ليحكم بينهما ففر إلى العراق .
وفيها حاصر قرا يوسف التركماني صاحب تبريز بغداد فهربصاحبها أحمد بن أويس إلى جهة الشام فوصل إلى دمشق فغلب قرا يوسف على بغداد ، فجهز إليه تمرلنك طائفة فكسرهم ، فبلغ ذلك تمرلنك فجهز إليه ولده مرزا شاه في مائة ألف ، فنازلوا قرا يوسف فهزموه فهرب إلى الرحبة ولم يمكن من دخولها ، وتعصب عليه جماعة من جهة نعير فهرب أيضا إلى جهة الشام ، فوقع بينه وبين نعير وقعة فانكسر قرا يوسف ووصل إلى الشام في ربيع الآخر ، فأكرمه النائب وكان قد تعب وجهد منذ توجه من الرحبة إلى دمشق في البرية بلا ماء ولازاد حتى وصل إلى بيروت وهو لا يشعر فلم يفجأه إلا وقاصد النائب يطلبه فتوجه إليه فبلغ ذلك الأمراء بمصر فأرسلوا بطلبه ، فشفع فيه نائب الشام شيخ المحمودي فقبلت شفاعته ، واستقر بالشام أميرا يركب في خدمة النائب ، واعتقل أحمد بن أويس ملك بغداد بدار السعادة ، وكان وصوله إلى بعلبك بعد وصول قرا يوسف إلى دمشق وذلك في ربيع الآخر ، ودخل دمشق في سادس جمادى الأولى ، وتلقاه النائب فأنزله بدار السعادة وكاتب فيهما فوصل الجواب بالقبض عليهما ، والسبب في ذلك ما وقع من الاتفاق مع تمرلنك أن من جاء من عنده يحبس حتى يكاتب فيه وكذا من جاء من عندنا إليه ، فقيد أحمد وقرا يوسف وسجن أحدهما ببرج السلسلة والآخر ببرج الحمام ، ثم وصل مرسوم السلطان في شعبان بقتلهما ، فتوقف النائب وراجع في ذلك ، ثم وصل كتاب تمر في شوال إلى نائب الشام يعاتبه على إكرامه قرا يوسف ويستبطئ مجيء رسوله مسعود وكان قد توجه في رمضان من حلب ، وكان وصل كتاب نعير يخبر فيه أن تمرلنك أرسل إليه يهدده إن أمكن قرا يوسف من دخول الشام فانزعج الناس لذلك ، ومع ذلك فلم يذكر النائب لقرا يوسف ذلك وكان السلطان قد جهز مسعودا ومن معه من رسلاللنك وصحبتهم منكلى بغا الحاجب وصحبته هدية جليلة وتوجهوا في رجب وصحبتهم زرافة ، وكان وصولهم إلى حلب يوم عيد الفطر ، وتوجهوا منها إلى جهة الشرق .
وفيها شرع نائب الشام في إعادة عمارة الجامع الأموي .
وفي المحرم عزل عز الدين الحنبلي عن قضاء الشام بابن عبادة ، ثم أعيد في ربيع الآخر ، ثم عزل في جمادى الأولى بابن عبادة ، ثم أعيد في شعبان .
وفي ربيع الأول أعيد زين الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضا عن ابن القطب ، ثم عزل في ربيع الأول بمحيي الدين بن العز ولم يباشر فباشر ابن القطب ثم عزل بابن الكفري في رمضان ثم أعيد ابن القطب في ذي القعدة .
وفي جمادى الآخرة استقر علاء ابن أبي البقاء في قضاءالشافعية بدمشق عوضا عن ابن خطيب يبرين وكان ، ابن الخطيب استقر في ذي القعدة في العام الماضي عوضا عن شمس الدين بن عباس وكان الحصفاوي الذي ولى قضاء حلب قد سعى في قضاء الشافعية بدمشق وكتب توقيعه ، فسعى ابن العديم في الحط عليه وعقدت له مجالس فبطلت قضيته ، ووصل كتاب النائب يشفع في عود علاء الدين ابن أبي البقاء فأعيد ، ثم وصل مرسوم السلطان إلى النائب أن يقبض من ابن أبي البقاء مائتي ألف درهم وهي التي جرت عادة القضاة بدمشق ببذلها للسلطان وأن السلطان أنعم بها على إينال حطب وأن إينالكتب إلى ناظر الجيش أن يقبضها ويشتري له بها أمتعة ، فكانت هذه الكائنة من أقبح ما نقل ثم وصل الخبر باستقرار أبي العباس أحمد الحمصي قاضي حمص في قضاء دمشق ولم يصل فكاتب النائب أيضا فيه .
وفي ربيع الآخر قدم الشهاب أحمد الأموي على قضاء المالكية بدمشق عوضا عن عيسى ، فلم يمكن من المباشرة وكوتب فيه فأعيد شرف الدين ، ثم عزل في شوال بحسن الجابي وكان النائب توقف عن إمضاء ولايته وأهانه ثم أمضاها ثم أعيد في ذي القعدة .
وفي سابع جمادى الأولى صرف الهوى عن الحسبة واستقر الشاذلي ، ثم صرف في ثالث عشري شعبان واستقر ابن شعبان .
وفيها استقر عبد الله المجادلي في وكالة بيت المال عوضا عنفتح الدين بن الشيخ شمس الدين الجزري .
وفيها باشر شمس الدين محمد بن يوسف الحلاوي وكالة بيت المال ونظر الكسوة بالقاهرة .
وفي رمضان باشر الشيخ شهاب الدين ابن حجي خطابة الجامع بدمشق ومشيخة السميساطية انتزعتا من القاضي الشافعي وهو ابن خطيب يبرين .
وفي ذي الحجة أوقع نائب الشام بعرب آل فضل وكان كبيرهم علي بن فضل قد قسم بلاد الشام سنة ثلاث وثمانمائة فطمع أن يفعل ذلك في هذه السنة ، فبلغ ذلك النائب فاحتال عليه إلى أن قبض عليه وكبس بيوته ونهب ما فيها .
وفيها وقع بين نعير أمير عرب آل فضل وبين دمشق خجا بن سالم الدوكاري التركماني وقعة عظيمة قتل فيها ابن سالم وانكسر عسكره وغلب نعير وأرسل برأس ابن سالم إلى القاهرة وكان ذلك في رمضان ، قرأت في تاريخ القاضي علاء الدين أن دمشق خجا كان أمير جعبر وأن محمد ابن شهري لما أراد القيام على دقماق نائب حلب استعان به فوصل في جمعهوحاصرا دقماق إلى أن هرب وطاف عسكر دمشق خجا في أعمال حلب وأفسدوا فيها الفساد الفاحش أشد من فعلات اللنكية ولم يرحموا أحدابل بالغوا في النهب والعقوبة والفسق وذلك في بلاد عزاز وغيرها ، ثم رجع المذكور إلى جعبر في رجب فدهمه نعير أمير آل فضل وكان يعاديه فتواقعا فيها بين جعبر وبالس واستمر القتال أياما إلى أن قتل دمشق خجا في سابع عشر شهر رمضان ، قال : وكان من المفسدين في الأرضكهفا للصوص وقطاع الطريق فأراح الله البلاد والعباد منه برأفته ورحمته .
وفي جمادى الأولى أبطل النائب من دمشق مكس الخضراوات وكاتب في إبطاله إلى مصر ، فجاء التوقيع بحسب ما رسم به واستمر ذلك وكتب في صحيفته .
وفيها جهز النائب المحمل المكي وطيف به في شهر رجب على العادة وقد كان تعطل الحج من طريق دمشق إلى مكة ، وخروج المحمل سنة ثلاث واللتين بعدها ، فاهتم النائب بأمره في هذه السنة وجهزه فخرجوا في نصف شوال وأمير الحاج فارس دويدار تنم وحج من الأمراء برش باي أحد الأمراء ويحيى بن لاقي وكان نقيب الجيش .
وفي رمضان كمل الجامع الذي بناه سودون من زاده ظاهر القاهرة وخطب به ابن الطرابلسي ودرس به عز الدين البلقيني للشافعية وبدر الدين المقدسي للحنفية .
وفيه عزل الشريف النسابة من مشيخة الخانقاه البيبرسية واستقر شهاب الدين النبراوي إمام السلطان في المشيخة ، وفي النظر شاهين السعدي .
وفيها رسم بإبطال القاضيين المالكي والحنبلي من القدس فأبطلا منه ومن غزة فعزل عبد العزيز البغدادي فجاء إلى دمشق في ذي القعدةفسعى في العود .
وفي ذي القعدة نقب برج الخيالة بقلعة دمشق وهرب منه قطاع الطريق وكانوا أمسكوا بعد أن قطعوا الطريق على ابن المغربل التاجر وباعوا بدمشق بعض الأمتعة ورجعوا إلى نابلس ففطن بهم فقبض عليهم ثم هربوا إلا واحدا منهم ضخما لم يستطع الخروج فقتل ، وأرسل في آثارهم فأخذوا من عكا فوسطوا إلا واحدا منهم هرب ووسط معهم السجان .
وفي ذي الحجة بلغ نائب دمشق شيخ المحمودي أن سودون الحمزاوي تعين لنيابة الشام فشق عليه ذلك وتوجه إلى نوروز وهو في سجن الصبيبة ليتفق معه فلم يقع ذلك وانسلخت السنة والأمر على ذلك .
وفي أواخرها وقع بين دمرداش والتركمان وقعة عظيمة فانكسر دمرداش ، وكان النيل في هذه السنة احترق حتى أنهم اعتبروا المقياس في أواخر يوم على العادة : جاء القاع ذراعا واحدا ونصفا بنقص إصبعين ولم يسمع بمثل ذلك قبلها ، فزاد إلى أن انسلخت السنة أربعة أذرع وثلثي ذراع ، ونقص سعر القمح من ثلاثمائة إلى مائتين وخمسين .
وفيها مات محمد سلطان ابن خان تنكز بن اللنك وكان ولي عهده وكان يحب العدل ويلوم جده على القتل ، ويحب العلماء والفضلاءفاتفق أن اللنك لما عزم على الدخول لبلاد لروم أرسل إليه أن يحضر هو وجنوده فحضر إليه فمات بعد الوصول والظفر بابن عثمان فبدل فرح اللنك ترحا وحزنا عظيما بحيث أنه جعله في تابوت وحمله إلى سمرقند فدفنه بمدرسته التي أنشأها هناك ، واتفق وفاة محمد سلطان ووفاة أبي يزيد بن عثمان في وقت واحد ، ويقال : إن ابن عثمان قال للنك : إني أعرف أني لا أبقى معك ولكني أوصيك بثلاث : لا تسفك دماء الروم فإنهم ردء الإسلام ، ولا تترك التتار بهذه البلاد فإنهم من أهل الفساد ، ولا تخرب قلاع المسلمين وحصونهم فتسلط الكفرة عليهم ، فقبل وصيته في الأمور الثلاثة وعمل حيلة قتل بها غالب رجال التتار .
وفيها بعد قتل اللنك ابن عثمان أخرج محمدا وعليا ولدي ابن قرمان من حبس ابن عثمان ، وخلع عليهما ، فاستولى كل منهما على جهة ، ووصل اسفنديار أحد ملوك الروم وكان ممن يعادي ابن عثمان فأكرمهأيضا ، ومن ممالكه سبتيون وتلقب جزيرة العشاق يضرب بظرفها المثل ، فأقبل اللنك عليه وأكرمه .
وفيها زلزلت بحلب زلزلة عظيمة فخرب من الجهة الغربية أماكن كثيرة ثم كثرت الزلازل فيها ، وفي السنة التي بعدها زلزلت بحلب أيضا وكانت عظيمة وبقيت ساعة ، وذلك في جمادى الأولى ، وجأر الناس بالدعاء والتوبة .
وفيها انضم جكم بعد هروبه إلى فارس ابن صاحب الباز التركماني بإنطاكية ، فبلغ ذلك دمرداش فحاصرهم مدة ولم يظفر بطائل ، وراسل جكم الحاجب بطرابلس فقبض على النائب بها وهو شيخ السليماني ودخلها جكم فغلب عليها ثم كان ما سنذكره في سنة سبع .
وفيات سنة 806
ذكر من مات في سنة ست وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عمر بن علي المحلى برهان الدين التاجر الكبير ، كانيذكر أنه طلحي النسب ، وهو سبط الشيخ شمس الدين ابن اللبان ، تقدم شيء من ذكره في الحوادث من تجديده مقدمة جامع عمرو ، وذلك في سنة أربع وثمانمائة ، ومن تجهيز العسكر من ماله إلى الإسكندرية ، وكان معظما عند الدولة ، عارفا بأمور الدنيا ، وكان في آخر أمره قد تمول جدا وأنجب ابنه أحمد فبلغ الغاية في المعرفة بأمور التجارة ، ومات برهان الدين في ربيع الأول بمصر ، وولده إذ ذاك باليمن فوصل إلى مكة ومعه من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر حتى أنه كان معه في تلك السنة ستة آلاف زكيبة من أصناف البهار ، فتفرقت أموالهما شذر مذر بأيدي العباد في جميع البلاد ، وقد سمعت من برهان الدين عدة فوائد وسمع على ترجمة البخاري من جمعي ، وكان يقول ما ركبت في مركب قط فغرقت ، وسمعته يقول : أحضرت عند جدي لما ولدت فبشر أبي بأني أصير ناخوذه ثم سمعت ذلك من جدي وأنا ابن أربع سنين وكان أبوه مملقا فرزق هو من المال ما رقى سماه .إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف الدمشقي المؤذن المعروف بالرسام ، وكان أبوه بواب الظاهرية مسند الدنيا من الرجال ، سمع من الحجار الكثير ومن إسحاق الآمدي والشيخ تقي الدين ابن تيمية وطائفة تفرد بالرواية عنهم ، ومتع بسمعه وعقله ، سمعت منهبمكة وحدث بها بسائر مسموعاته ، وقد رحل في السنة الماضية إلى حلب ومعه ثبت مسموعاته فأكثروا عنه وانتفعوا به ، وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر ورجع إلى دمشق ولم يتزوج ، ومات في شوال وله خمسوثمانون سنة وأشهرا .
أحمد بن إبراهيم بن عمر المحلى أبو الفضل التاجر ، كان شابا حسنا كريم الشمائل عفيف الفرج ، مات بعد موت أبيه بمكة في أواخرذي القعدة .
أحمد بن داود بن إبراهيم بن داود الصالحي القطان ، روى عن عبد الرحيم ابن أبي اليسر ، مات في رجب .
أحمد بن عبد الكافي بن عبد الوهاب البليني ، كان أبوه قاضي البلينة ، واشتغل وتفقه وأقام بالقاهرة ، وناب في الحكم بالحسينية ، وولي الإعادة بالشافعي ، وكان فاضلا خيرا دينا ، مات كهلا .
أحمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن علي بن عبد الكافيالبكري الغضائري المؤذن المعروف بابن سكر ، أخو شيخنا شمس الدين المقدم ذكره ، سمع بإفادة أخيه من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره ، وحدث ، سمعت منه بالقاهرة ، ومات في رجب وقد جاوز السبعين .أحمد بن علي التركماني ، يعرف بابن الشيخ ، ولي نيابة الكرك وصفد واستقر في الآخر أميرا كبيرا بدمشق ، مات في ذي القعدة بمصر .
إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي الزبيدي ، ولد سنة 722 على ما ذكر ،وتعانى الاشتغال ثم تصوف ، وكان خيرا عابدا حسن السمت والملبوس مغري بالسماع محبا في مقالة ابن العربي ، وكنت أظن أنه لا يفهم الاتحاد حتى اجتمعت به فرأيته يفهمه ويقرره ويدعو إليه حتى صار من لم يحصل كتاب الفصوص من أصحابه لا يلتفت إليه ، وكان السلطان الأشرف قد عظمه بسبب أنه قام معه عند حصار الإمام صلاح ، الزيدي زبيد فاعتقده ، وصار أهل زبيد يقترحون له كرامات ، وكان يداوم قراءة سورة يس في كل حالة ويعتمد فيه حديثا موضوعا ، وأراني جزءا جمعه له شيخنا مجد الدين الشيرازي في ذلك ، وقام عليه مرة الشيخ صالح المصري فتعصبوا عليه حتى نفوه إلى الهند ، ثم كان الفقيه أحمد الناشري عالم زبيد يقوم عليه وعلى أصحابه ولا يستطيع أن يغيرهم عما هم فيه لميل السلطان إليهم ، وقد حدث الشيخ إسماعيل بالإجازةالعامة عن القاسم بن عساكر وبالخاصة عن أبي بكر بن المحب ، ومات في نصف رجب وله بضع وثمانون سنة لأنه ذكر أن مولده سنة 722 .إسماعيل بن علي بن محمد البقاعي ثم الدمشقي الناسخ ، كان يشتغل بالعلم ويصحب الحنابلة ويميل إلى معتقدهم مع كونه شافعيا ، وكان يقرأ الحديث للعامة وينصحهم ويعظهم ويكتب للناس مع الدين والخير ، وله نظم حسن أنشدني منه بدمشق ، وقد كتب بخطه صحيح البخاري في مجلدة واحدة معدومة النظير سلمت من الحريق إلا اليسير من حواشيها فبيعت بأزيد من عشرين مثقالا ، وفر في الكائنة إلى طرابلس فأقام بها إلى آخر سنة خمس ، ورجع فمات بدمشق في المحرم .
أقبغا الهدباني الظاهري ، كان من عتقاء الظاهر برقوق ، وتنقل في الخدمة إلى أن ولي الحجوبية بحلب بعد رجوع الظاهر إلى السلطنةمن الكرك ثم نيابة صفد ثم نيابة طرابلس ثم نيابة حلب في سنة إحدى وثمانمائة سنة وفاة الظاهر ، ثم كان ممن أعان تنم نائب دمشق ، فلما انكسر تنم أسر أقبغا فيمن أسر ثم أطلق وولي نيابة طرابلس سنة أربع ، ثم ولي نيابة حلب بعد دقماق فدخلها في جمادى الأولى سنة ست وثمانمائة فأقام بها أربعين يوما ، ومات ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الآخرة ، وكان عاقلا كثير السكون ، وأنشأ بحلب جامعا وداخله تربة له دفن فيها .
أبو بكر بن داود الصالحي أحد من كان يعتقد ويزاربالصالحية بدمشق ، وله زاوية هناك ، وكان على طريقة السلف وله إلمام بالعلم ، مات في سابع عشري رمضان .
أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطي بن أحمد بن عبد المعطي الخزرجي المكي ، سمع من عثمان ابن الصفي أحمد الطبري بمكة ومن غيره ، ودخل بلاد التكرور فاتفق أنهم كانوا احتاجوا أن يستسقوا فاستسقوا به فسقوا وذلك ببلد ماني ، ثم رجع إلى مصر فأقام بها ، وكان يكثر زيارة الصالحين بالقرافة ويشارك في قليل من الفقه ويدري التاريخ ، اجتمعت به مرارا ، مات وله سبع وسبعون سنة وكان يعرف عند أهل مصر بالفقيه أبي بكر الحجازي .أبو بكر بن محمد الحبشي العدني قاضي عدن وليه بها مرارا ، وكان نبيها في الفقه ، مات في أواخر السنة .
دمشق خجا بن سالم الدوكاري التركماني ، تقدم ذكره في الحوادث ، قتل في رمضان من هذه السنة .
عبد الله بن عبد الله الدكاري المغربي المالكي نزيل المدينة ، أقرأ بها ودرس وأفاد وناب في الحكم في بعض القضايا ، وكان يتجرأ على العلماء سامحه الله .
عبد الله بن عثمان بن محمد الصالحي المعروف بابن حمية ، روىلنا عن البرزالي ، سمع من محيى الدين ابن خطيب بعلبك وحدثنا عن الحافظ علم الدين البرزالي .
عبد الله بن الشيخ بن أحمد بن عبد الرحمن ، ويقال : ابن عثمان بن عمر التركستاني المعروف بالقرمي ، هو ولد الشيخ المشهور ببيت المقدس اشتغل قليلا وقدم حلب ثم دخل بغداد وأسر مع اللنكية ثم خلص ، ويقال إنه جرت له محنة فخنق نفسه بسببها ، على ما استفاض بين الناس ، ومات في سنة ست وثمانمائة في أواخرها .
عبد الله بن محمد المارديني ، جمال الدين المعروف بتمنع ، كان من أولاد الأغنياء فورث مالا جزيلا فأنفقه في الخيرات ثم افتقر فصار يكدى بالأوراق وينظم البيتين في ذلك أحيانا وكان يعاشر الرؤساء ، وللشيخ عز الدين الموصلي فيه نظم ، مات في رمضان بدمشق .عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني المولد العراقي الأصل الكردي الشيخ زين الدين العراقي حافظ العصر ، ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين ، وحفظ التنبيه في الفقه ، واشتغل بالفقه والقرآآت ، ولازم المشايخ في الرواية وسمع في غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وعلاء الدين التركماني ، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين ابن البابا ، وتشاغل بالتخريج ثم تنبه للطلب بعد أن فاته السماع من مثل يحيى بن المصري آخر من روى حديث السلفي عاليا بالإجازة ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب وابن علاق ولكنه أدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسنادا ، وسمع أيضا من ابن الملوك وابن القطرواني ، ثم رحل إلى دمشق فسمع من ابن الخبازومن أبي العباس المرداوي ونحوهما ، وعني بهذا الشأن ورحل فيه مرات إلى دمشق وحلب والحجاز ، وأراد الدخول إلى العراق ففترت همته من خوف الطريق ورحل إلى الإسكندرية ، ثم عزم على التوجه إلى تونس فلم يتم له ذلك ، وصنف تخريج أحاديث الإحياء وأكمل مسودته الكبرى قديما ثم بيضه في نحو نصفه ولم يكمل تبييضه ، ثم اختصره في مجلد واحد ولم يبيضه ، وكتبت منه النسخ الكثيرة ، وشرع في إكمال شرح الترمذي لابن سيد الناس ، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح ألفية وشرحها وعمل عليه نكتا ، وصنف أشياء أخر كبارا وصغارا ، وصار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسناي وهلم جرا ، ولم نر في هذا الفن أتقن منه ، وعليه تخرج غالب أهلعصره ، ومن أخصهم به صهره شيخنا نور الدين الهيثمي ، وهو الذي دربه وعلمه كيفية التخريج والتصنيف ، وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له ، وصار الهيثمي لشدة ممارسته أكثر استحضارا للمتون من شيخه حتى يظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه ، وليس كذلك لأن الحفظ المعرفة ، وولي شيخنا قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين فأقام بها نحو ثلاث سنين ثم سكن القاهرة ، وأنجب ولده قاضي القضاة ولي الدين ، لازمت شيخنا عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها ، قرأت عليه كثيرا من المسانيد والأجزاء وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك ، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن ، وكتب لي خطه بذلك مرارا وسئل عند موته عمن بقي بعده من الحفاظ فبدأ بي وثنى بولده وثلث بالشيخ نور الدين ، وكان سبب ذلك ما أشرت إليه من أكثرية الممارسة ، لأن ولده تشاغل بفنون غير الحديث ، والشيخ نور الدين كان يدري منه فنا واحدا ، وكان السائل للشيخ عن ذلك القاضي كمال الدين ابن العديم ، ثم سأله الشيخ نور الدين الرشيدي على ما أخبرني بذلك بعد ذلك فقال : في فلان كفاية ، وذكر أنه عناني وصرح بذلك ، مات الشيخ عقب خروجه من الحمام في ثامن شعبان وله إحدىوثمانون سنة وربع سنة نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين ، وفي ذلك أقول في المرثية :
لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما
العام كالعام حتى الشهر كالشهر
عاشا ثمانين عاما بعده سنة
وربع عام سوى نقص لمعتبر
والإشارة بذلك إلى أنهما لم يكملا الربع بل ينقص أياما ، وقد ألممت برثائه في الرائية التي رثيت بها شيخ الإسلام البلقيني وخصصته بمرثية قافية وهي :
مصاب لم ينفس للخناق
أصار الدمع جارا للمآقي
فروض العلم بعد الزهو ذاو
وروح الفضل قد بلغ التراقي
وبحر الدمع يجري في اندفاق
وبدر الصبر يسري في المحاق
وللأحزان بالقلب اجتماع
ينادي الصبر حتى على الفراق
وكان الصب أن يدفع لصبر
يهون عليه مع رجوي التلاقي
فأما بعد يأس من تلاق
فهذا صبره مر المذاق
لقد عظمت مصيبتنا وجلت
بسوق أولى العلوم إلى السياقوأشراط القيامة قد تبدت
وأذن بالنوى داعي الفراق
وكان بمصر والشام البقايا
وكانوا للفضائل في استباق
فلم تبق الملاحم والرزايا
بأرض الشام للفضلاء باق
وطاف بأرض مصر كل عام
بكأس الحين للعلماء ساق
فأطفأت المنون سراج علم
ونور ناره لأولي النفاق
وأخلفت الرجا في ابن الحسين
الإمام فألحقته بالمساق
فيا أهل الشآم ومصر فابكوا
على عبد الرحيم ابن العراقي
على الحبر الذي شهدت قروم
له بالانفراد على اتفاق
على حاوي علوم الشرع جمعا
بحفظ لا يخاف من الإباق
ومن فتحت له قدما علوم
غدت عن غيره ذات انغلاق
وجارى في الحديث قديم عهد
فأحرز دونه خصل السباق
وبالسبع القراآت العوالي
رقى قدما إلى السبع الطباق
فسل إحيا علوم الدين عنه
أما وافاه مع ضيق النطاق
فصير ذكره يسمو وينمو
بتخريج الأحاديث الرقاق
وشرح الترمذي لقد ترقى
به قدما إلى علي المزاقونظم ابن الصلاح له صلاح
وهذا شرحه في الأفق راق
وفي نظم الأصول له وصول
إلى منهاج حق باشتياق
ونظم السيرة الغرا يجازى
عليها الأجر من راقي البراق
دعاه بحافظ العصر الإمام الكب
ير الأسنوي لدى الطباق
وعلا قدره السبكي وابن العلا
ي والأئمة باتفاق
ومن ستين عاما لم يجار
ولا طمع المجاري في اللحاقيقضي اليوم في تصنيف علم
وطول تهجد في الليل واقي
فبالصحف الكريمة في اصطباح
وبالتحف الكريمة في اغتباق
فما فتنته كأس بالتثام
ولا ألهاه ظبي باعتناق
فتى كرم يزيد وشيخ علم
لدى الطلاب مع حمل المشاق
فيقري طالبي علم ويقري
قرى وقراءة ذات اتساق
فيا أسفي عليه لحسن خلق
أرق من النسيمات الرقاق
ويا أسفي عليه لحفظ ود
إذا نسيت مودات الرفاق
ويا أسفي لتقييدات علم
تولت بعده ذات انطلاق
عليه سلام ربي كل حين
يلاقيه الرضا فيما يلاقي
وأسقت لحده سحب الغوادي
إذا انهملت همت ذات انطباق
وذاقت روحه في كل يوم
تحيات إلى يوم التلاق
عبد الصادق بن محمد الحنبلي الدمشقي كان من أصحاب ابنالمنجا ثم ولي قضاء طرابلس وشكرت سيرته ثم قدم دمشق وتزوج بنت السلاوي زوجة مخدومه تقي الدين ابن المنجا ، وسعى في قضاء دمشق ، ومات في المحرم ، سقط عليه سقف بيته فهلك تحت الردم .
علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله بن محمد المصري الحنبلي نور الدين الحكري كان فاضلا نبيها ، درس وأفاد وعمل المواعيد بالجامع الأزهر ، ثم ولي قضاء الحنابلة قليلا عوضا عن موفق الدين أحمد بن نصر الله في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة فاكثر من النواب ، وسافر مع العسكر في وقعة تنم ثم رجع فأعيدالموفق في ذي الحجة منها ، واستمر مفصولا إلى أن مات في تاسع المحرم ، وهو والد بدر الدين الحكري الذي ناب في الحكم بعد ذلك بمدة وسيأتي في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة .
علي بن عمر بن سليمان الخوارزمي أبو الحسن علاء الدين ولد سنة ست وستين بمصر ، وكان أبوه من الأجناد فنشأ ولده على أجمل طريقة وأحسن سيرة وأكب على الاشتغال بالعلم ، ثم طالع في كتب ابن حزم فقوي كلامه واشتهر بمحبته والقول بمقالته وتظاهر بالظاهر ، وكان حسن العبارة كثير الإقبال على التضرع والدعاء والابتهال ، ونزل عن إقطاعه في سنة بضع وثمانين ، وأقام بالشام مدة ثم عاد إلى مصر وباشر عند بعض الأمراء وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أن المذكور باشر شد الأقصر لبعض الأمراء فذكر أن مساحتها أربعة وعشرون ألف فدان ، وأنه لما باشرها في سنة إحدى وتسعين لم يكن يزرع بها إلا نحو ألف فدان وباقيها خرس وبور ، وكان حسن العبارة شديد الإقبال على الله ، مات في تاسع صفر .علي بن محمد بن عبد الوارث بن جمال الدين محمد بن زين الدين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن محمد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري الشيخ نور الدين اشتغل بالعلم ومهر في الفقه خاصة ، وكان كثير الاستحضار قائما بالمعروف شديدا على من يطلع منه على أمر منكر ، فجره الإكثار من ذلك إلى أن حسن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة ، فولي حسبة مصر مرارا وامتحن بذلك حتى أضر ذلك به ؛ ومات في ذي القعدة مفصولا وله ثلاث وستون سنة .
عمر بن إبراهيم بن سليمان الرهاوي الأصل ثم الحلبي زين الدينكاتب الإنشاء بحلب قرأ على الشيخ شمس الدين الموصلي وأبي المعالي ابن عشائر . وتعانى الأدب وبرع في النظم وصناعة الإنشاء وحسن الخط ، وولي كتابة السر بحلب عوضا عن ناصر الدين ابن أبي الطيب ثم ولي خطابة الجامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري ، وكان فاضلا ذا عصبية ومروءة وهو القائل :
يا عائبين وفي سري محلهم
دم الفؤاد بسهم البين مسفوك
أشتاقكم ودموع العين جارية
والقلب في ربقة الأشواق مملوك
ومن شعره :
وحائك يحكيه بدر الدجى
وجها ويحكيه القنا قدا
ينسج أكفانا لعشاقه
من غزل جفنيه وقد سداوفيه يقول زين الدين عبد الرحمن بن الخراط رحمه الله :
وفي الرهاوي لي مديح
مسير أعجز الحلاوي
قد أطرب السامعين طرا
وكيف لا وهو في الرهاوي
مات في ثاني شهر ربيع الآخر من السنة .
عمر بن علي بن طالوت بن عبد الله بن سويد النابتي ثم الدمشقي ركن الدين ناظر البادرائية بدمشق وكان بزي الجند ، مات في ذي الحجة .
عوض بن عبد الله الزاهد كان منقطعا بجامع عمرو بن العاص وللناس فيه اعتقاد ؛ مات في رمضان .
فارح بن مهدي المريني القائد كان مدبر دولة بني مرين في سلطنة أبي سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بفاس ، ومات في أواخر السنة بفاس .قطلبك بن عبد الله عمل أستادارية أيتمش واشتهر به ، ثم ولي الأستادارية للسلطان مرارا ، مات في ربيع الأول .
محمد بن إبراهيم بن عمر البيدمري نشأ نشأة حسنة وقرأ القرآن العظيم ونظم الشعر وتأمر وباشر الخواص ، وكانت له معرفة بالأمور ، مات في ربيع الآخر .
محمد بن أحمد بن علي بن محمد أمين الدين المنهاجي سبط الشيخ شمس الدين ابن اللبان ولد سنة بضع وثلاثين واشتغل بالعلم وحفظالتنبيه ، وأسمع على ابن عبد الهادي في صحيح مسلم وعلى جده لأمه ، وكان معه عدة جهات يباشر فيها من الأوقاف الجكمية ، وانقطع إلى القاضي صدر الدين المناوي فاشتهر بصحبته وصارت له وجاهة ، ثم تعانى التجارة واتخذ له مطبخ سكر وكثر ماله ؛ ومات في شهر رمضان منها ، سمعت منه قليلا .
محمد بن أحمد بن علي بن موسى الصحب فخر الدين سليمان بن الشيرجي كان يعرف بالأنصاري ، صحب الشيخ أبا بكر الموصلي وتلمذ له ، حج فمات بمكة في ذي الحجة .
محمد بن حسن بن علي المصري الصوفي المقرئ المعروف بالفرسيسيسمع من الحافظ أبي الفتح بن سيد الناس ومن أحمد بن كشتغدي وغيرهما وحدث ، ولم يظهر سماعه إلا بأخرة فانه حضر السماع على الشيخ تقي الدين ابن حاتم في السيرة فقرئت الطبقة فوجد اسمه فيها ، فأقيم من السامعين فاجلس مع المسمع ووجد سماعه بفوت ، ثم وجد في بعض النسخ ما يدل على أنه أكمل له ، وإلى الآن لم أتحقق ذلك ، مات في شهر رجب وله سبع وثمانون سنة .
محمد بن حسن بن الشيخ مسلم السلمي أحد المشايخ المعتقدين بمصر ، مات في ربيع الأول .
محمد بن حيان بن العلامة أبي حيان محمد بن يوسف بن عليالغرناطي ثم المصري أبو حيان بن فريد الدين بن أثير الدين ولد سنة 34 وسمع من جده ومن ابن عبد الهادي وغيرهما وكان شيخا حسن الشكل منور الشيبة بهي المنظر حسن المحاضرة أضر بأخرة سمعت منه يسيرا ومات في ثالث رجب .
محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية شمس الدين الطائي ابن خطيب الناصرية ولد سنة ثلاث وأربعين وتفقه بعد أن حفظ التنبيه على أبي الحسن علي البابي والكمال عمر بن العجمي والجمال ابن الحكم التيزيني وسمع الحديث من بدر الدين ابن حبيب وغيره وولي خطابة الناصرية واشتهر بها إلى أن مات وكان كثير التلاوة والعبادة سليم الصدر مات في جمادى الأولى وهو والد قاضي قضاة حلب علاء الدين أبقاه الله .محمد بن سلمان بن عبد الله شمس الدين الحراني الفقيه الشافعي الحموي نزيل حلب أصله من الشرق وأقدمه أبوه طفلا فسكن حماة وعلمه صناعة الخرط ثم ترك وأقبل على الاشتغال فاخذ عن شرف الدين يعقوب خطيب القلعة والجمال يوسف ابن خطيب المنصورية وصاهره ثم رحل إلى دمشق وأخذ عن زين الدين القرشي ودأب وحصل وشارك في الفنون ثم قدم حلب سنة ثلاث وتسعين وناب في الحكم عن ناصر الدين ابن القطب ثم عن أبي البركات ثم ولي قضاءالرها ثم ولي قضاء بزاعة ثم ناب في الحكم بحلب أيضا وولي عدة تداريس وكان فاضلا مفننا مشكورا في أحكامه ومات في سابع شهر ربيع الأول بالفالج .
محمد بن عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى ناصر الدين ابن القاضي محي الدين ابن شيخ الشيوخ تقي الدين ابن قاضي القضاة محي الدين ابن الزكي ولد بعد الخمسين وسمع من الفرضي وابن الجوخي وغيرهما من أصحاب الفخر وكان يرجع إلى دين وعقل وهو أسن أخوته خرج مع القاضي علاء الدين ابن أبي البقاء في قسم بعضالمغلات فقطع عليهم الطريق فقتل هذا وجرح علاء الدين فسقط فظنوا أنه مات فسلم وذلك في المحرم من هذه السنة .
محمد بن علي بن عبد الله الحرفي بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء الشيخ شمس الدين المعري مات في شوال .
محمد بن مبارك الآثاري شمس الدين شيخ الآثار مات في المحرم عن ثمانين سنة وكان مغرى بالمطالب والكيمياء كثير النوادر والحكايات المعجبة أعجوبة في وضعها والله يغفر له ولي .
محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز المقدسي الشيخ شرف الدينأبو الفضل ، ولد بعد الأربعين ، وسمع من الميدومي على ما كان يزعم ثم حبب إليه الطلب فسمع الكثير من أصحاب الفخر وابن عساكر والأبرقوهي ثم من أصحاب وزيرة والقاضي والمطعم ونحوهم ، ثم من أصحاب الواني والدبوسي والختني ونحوهم ، ثم من أصحاب ابن قريش وابن كشتغدي والتفليسي ونحوهم ، وعني بتحصيل الأجزاء وإفادة الطلبة وكتابة الطباق والدلالة على المشايخ وتسميع أولاده والإحسان إلى من يقدم عليه من الغرباء خصوصا الشاميين وكتب بخطه الحسن ما لا يحصى ، وكان يحبس عن الناس أسمعتهم فلم يمتع بما سمع ، ولا عاش له ولد ذكر بعد أن كان يبالغ في تسميتهم ويجتهد في التحصيل لهم ، وكان يتعانى نظم الشعر فيأتي منه بما يضحك إلا أنه كان ربما وقع له ديوان غير شهير فيأخذ منه ما يمدح به الأعيان خصوصا القضاة إذا ولوا ويستعين بمن يغير له بعض الأسماءوربما عثر على القصيدة في ديوان صاحبها . وأعجب ما وقع له أنه أنشد لنفسه عندما ولي ناصر الدين ابن الميلق القضاء :
إن ابن ميلق شيخ رب زاوية
غر من الناس بالأحوال غير دري
قد ساقه قدر نحو القضاء ومن
يسطيع رد قضاء جاء عن قدر
فوجد البيتان بعينهما للقاضي بدر الدين ابن جماعة وقد غير منهما بعض الشطر لأول من البيت الأول فقط وهما والعبد فهو فقير رب زاوية إلى آخرهما ومات في شوال بعد أن جرت له محنة مع القاضي جلال الدين لكونه مدح القاضي الذي عزل به فضربه أتباعه وأهانوه فرجع متمرضا فمات ، وتفرقت كتبه وأجزاؤه شذر مذر .
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن فريج المصري القاضي ناصر الدينابن الصالحي من الصالحية التي بظاهر القاهرة ولد سنة بضع وخمسين ، وسمع على ما ذكر من الشيخ جمال الدين ابن نباتة وغيره ، وتعانى الأدب فنظم الشعر الوسط وكتب الخط الحسن ، ووقع عن القضاة ثم ناب في الحكم عن الحنفية ثم عن الشافعية ، ثم وثب على منصب القضاء لما غاب المناوي فتم له ذلك عشرة أشهر ثم عزل ثم أعيد بعناية السالمي في شوال فاستمر فيه أربعة أشهر ، ومات بعلة القولنج الصفراوي ، وأسف أكثر الناس عليه لحسن تودده وكرم نفسه وطيب عشرته ومشاركته في العلم ولأنهم ألفوا من المناوي ذلك البأو المفرط فألان لهم الصالحي جانبه وتواضع وتكرم ، مات في ثاني عشر شهر الله المحرم ، وتقدم في الصلاة عليه القاضي الحنفي وكان كثير البر للفقراء والأغنياءلا يرد سائلا وكان ذلك يؤدي إلى حرمان بعض المستحقين لأن الذي تحت يده المال لا يرد خطه فيدفع لمن يكتب له من أموال الأيتام والأوقاف فيضيع ذلك على مستحقه من بعده ، وقد أكثر في ولايته الأولى هذه من النواب بالشفاعات من الأكابر ، ومنهم شمس الدين محمد بن يحيى المقري الصالحي ، كان استقر إماما عند قطلوبغا الكركي فكلم القاضي حتى قرره في الحكم بإيوان الصالحية في نوبة عز الدين البلقيني وشق ذلك على كثير من نواب الحكم .محمد بن محمد بن محمد بن الحسن المصري الصوفي القمني ، سمع من شمس الدين بن القماح صحيح مسلم بفوت وسمع من غيره وحدث ، سمعت منه قليلا ، مات وله سبع وسبعون سنة فإنه كتب لي بخطه أن مولده سنة 729 .
محمد بن محمد البخانسي شمس الدين ، ولي الحسبة مرارا ، وكان جائرا في الحكم ، قليل العلم ، مبالغا في السطوة بالناس إلا أن أعف من غيره ، مات في رابع جمادى الأولى .
محمد بن ويسف بن إبراهيم بن عبد الحميد المقدسي ثم الدمشقي المقرئ المؤذن ، روى لنا عن زينب بنت الخباز ، ومات بطرابلس .مسرور الحبشي ، المعروف بالشبلي ، شيخ الخدام بالمدينة النبوية ، مات معزولا لعجزه .
يحيى بن عبد الله بن محمد بن محمد بن زكريا الغرناطي ، أبو بكر ، كان إماما في الفرائض والحساب ، وشارك في الفنون ، وصنف في الفرائض كتاب المفتاح ، وولي القضاء ببلده ، ومات في ربيع الأول سنة ست وثمانمائة .
يوسف بن إبراهيم بن أحمد الصفدي ، كان شيخا حسنا معظما معتقدا ، وله كلام على طريق الصوفية ، مات في ذي الحجة بصفد .
حوادث سنة 807
سنة سبع وثمانمائة
فيها أوفى النيل وزاد زيادة حسنة وباشر الناصر كسر الخليجبنفسه ومنع الناس من الدخول إلى بركة الرطلي في الشخاتير وعمل على رأسها جسرا بقنطرة وباشر ذلك باشباي فنسب إليه واستمر ذلك وتراجع السعر كثيرا ثم رجع عند التحضير وحصل الفناء في الصعاليك وغيرهم ، ووقع الغلاء في كل شيء حتى اشترى بعض الناس زوج إوز بألف ومائتي درهم ، وبلغ سعر الشيرخشك كل رطل بثلاثمائة درهم ، وخرج من الإسكندرية خمس سفن ملأى ناسا هاربين من الغلاء فتفرقوا أجمعين .
وفيها ظهر من الجانب الغربي من مصر وفي القليوبية على شاطئ النيل بالليل في المزارع شبيه الفئران يشعل مثل المشاعل .
وفي المحرم ولي سويدان ، واسمه محمد بن سعيد الصالحي نسبةإلى الملك الصالح صالح بن التنكزية وكان أحد قراء الجوق بالقاهرة حسبتها عوضا عن الهوى .
وفي ثالث صفر صرف بدر الدين ابن نصر الله عن نظر الخاص وأعيد إلى فخر الدين ابن غراب .
وفي أوائلها أشيع أن نائب الشام شيخ المحمودي عزم على الخروج عنالطاعة فأرسلوا إليه الأمير طولو الذي كان أمير الركب في العام الماضي ليكشف أخباره وفي الباطن هو معه على هواه ، فقرر أمره ورجع سريعا وكان النائب تلقاه وبالغ في إكرامه ورجع في ربيع الأول .
وفيها غلب جكم على حلب وهرب دمرداش ثم غلب على حماة وحمص وأطاعه خلق كثير من التركمان والعرب والترك ، وكان شهمامهابا فكاتبه الناصر يطلب منه الدخول في الطاعة وأن يؤمر على البلاد التي غلب عليها فامتنع ، ثم كاتبه نائب الشام ومن معه فأجاب إلى الدخول معهم ، ثم وقعت بين جكم وقرا يلك التركماني وقعة انتصر فيها جكم وأسروا قرا يلك وفر دمرداش في البحر إلى دمياط فأذن له في دخول القاهرة فاستقر بها أحد الأمراء واستقر جكم بحلب وغلب عليها .
وفي أولها أوقع نائب الشام بالعرب من بني العزارى فهدم دورهم واستاق ما لهم من الأنعام وكانوا قد هربوا منه لما قصد عجلون ظنا منهم أن ذلك ينجيهم منه ففعل بهم ذلك فرجعوا فطلبوا الأمان .وفيها في ثالث جمادى الأولى تزلزلت مدينة حلب وقت الظهر ، وكانت ساعة مهولة وضج الناس بالدعاء ثم سكنت وانتشرت في عدة من تلك البلاد ، ذكر لي ذلك القاضي علاء الدين .
وفي هذا الشهر تعصب أكثر الأمراء على يشبك واتفقوا مع الناصر أن يقبض عليه فلما أحس بذلك جمع أخوته ومن أطاعه فوافقه تمراز ويلبغا الناصري وإينال حطب وقطلوبغا الكركي وسودونصفحة فارغة .الحمزاوي وطولو وتوثب على مدرسة حسن فصعد إليها لأنها كانت مجاورة بيته ورتب فيها آلات الحرب ثم أظهر الشقاق وأراد أخذالمملكة فقام عليه باقي الأمراء فدامت الحرب بينهم أياما من رابع جمادى الأولى إلى سابعه ، ثم كانت الكسرة على يشبك وأتباعه فهرب في الليل هو وأكثر من أطاعه وهرب معه سعد الدين ابن غراب واستمرت هزيمتهم إلى الشام فوصلوها في آخر جمادى الأولى ودخلوا دمشق في أول رجب فتلقاهم نائب الشام وبالغ في إكرامهم حتى قيل إن جملة ما ألزمه عليهم مائتا ألف دينار ، وكان شيخ النائب قد أخرج نوروز من قلعة الصبيبة وأحسن إليه ، ووصل إليهم أسن باي من صفد وكانمسجونا بها ووصل إليهم قنباي العلائي الذي كان هرب من السجن فأرسلوه إلى جكم فاستماله حتى استمال معهم وتوجه إلى دمشق فتلقوه وأنزل في الميدان وأرسل إليه شيخ بهدايا جليلة ثم أفرج عن قرا يوسفمن السجن فركب معه وجمع جمع جم من التركمان وأنعم شيخ على نوروز بالدورة التي جرت العادة بها في بلاد الشام فحصل جملة مستكثرة ، ولما فر يشبك كان قد أغلقت أبواب القاهرة في هذه الفتنة أياما ففتحت وزاد الكلام ونقص ثم استقر الأمر وقرر إينال باي بن قجماس قريب السلطان أمير آخور وسكن الاصطبل واستقر بيبرس قريب السلطان أتابكا ويشبك ابن ازدمر رأس نوبة كبيرا وسودون المارداني في الدويدارية الكبرى ووصل دقماق نائب حلب إلى دمشق بحسب تفويض السلطان ذلك إلى اختياره والإذن له في المقام بأي بلد شاء ، واستقر أبو كم في نظر الجيش وابن قيماز في الإستادارية عوضا عن ابن غراب ثم صرف أبو كم واستقر بدر الدين ابن نصر الله في ثاني عشري جمادى الآخرة ، فكانت مدة أبو كم في نظر الجيش عشرة أيام ثم صرف ابن البقري عن الوزارة ونظر الخاص وأضيفتا لابن نصر الله وقبض على ابن البقري ثم صرفتا عنه ووليهما ناصر الدين قريب ابن الطبلاوي في رمضان وكان قبل ذلك شاد الدواوين .وفي رابع رجب صرف ابن قيماز من الأستادارية واستقر جمال الدين يوسف البيري أستادارا بجاس .
وفي شعبان أفرج عن يلبغا السالمي أيضا من الإسكندرية وقدم في رمضان واستقر مشير الدولة ، ثم لما اجتمعت الأمراء على العصيان على الناصر هرب منهم دقماق واحتاج نائب الشام إلى الأموال فأخذ من التجار عشرة آلاف دينار ومن الغوطة من كل بستان دينارين واستولى على كل شعير بدمشق ولما استقر يشبك بدمشق كاتب جكم فجمع العساكر وجاء إلىدمشق واجتمعت كلمة غالب النواب على ذلك وخرج معهم قرا يوسف بمن معه من التركمان فاجتمع من لا يحصى وأنفق فيهم نائب الشام شيخ من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر ، وساروا أولا إلى صفد فحاصروها وبها بكتمر جلق فصالحوه ثم توجهوا جميعا بعد قدوم جكم من الشام إلى مصر وبلغ ذلك الأمراء بمصر فتجهزوا فخرجوا في ثامن ذي الحجة ، وكان يشبك لما خرج على السلطان أرسل بالإفراج عن السالمي وأعيد إلى الإشارة فباشرها بشدة عظيمة وسطوة وصار الوزير وغيره لا يقطعونأمرا دونه وخلص من سجن الإسكندرية سودون من زاده والمشطوب وصرق فاستقر سودون من زاده حاجبا كبيرا وصرق كاشفا وجمال الدينأستادار بجاس في الأستادارية في شهر رجب من هذه السنة وأضيف إليه كشف الوجه البحري وخرج العسكر إلى الريدانية في الثاني من ذي الحجة ثم ساروا إلى جهة الشام ، فلما انتهوا إلى منزلة السعيدية في رابع عشر ذي الحجة وجدوا العسكر الشامي قد وصل ، وكانوا خرجوا من رمضان وهلم جرا فالتقى الجمعان ليلا بغير تعبية ، فأشار قرا يوسف على الشاميين بالمبيت على العسكر المصري ، فدهمهم ما لم يكن في حسابهم فانهزموا لا يلوي أحد على أحد إلى أن انتهوا إلى القاهرة . وأما الناصر فأركبه سودون طاز وغيره الهجن وشق به البرية إلى أن انتهى به إلى القلعة بعد معاناة عظيمة ومقاساة جهد بعد يأس شديد ، واجتمع إليه من انهزم وتحايوا وتهيئوا للقتال ، ووقع في القاهرة هرج عظيموغلقت أبواب البلد والدروب وانقطعت المعايش وتباطأ الشاميون بسبب النهب فأخذوا من العسكر المصري ما لا يدخل تحت الوصف من الأقمشة والجمال والخيول ، ووقع صرق في قبضة نائب الشام فضرب عنقه صبرا ، ولما عزموا في الرحيل إلى جهة القاهرة استعجل جكم فالتمس منهم أن يبايعوه بالسلطنة قبل دخول القاهرة فأنفوا من ذلك واختلفت الكلمة ، وكانوا قد حاصروا القلعة وكادوا أن يملكوا البلد فراسلوا الناصر فاقتضى رأي شيخ ومن وافقه الرجوع إلى الشام ، واقتضى رأي يشبك ومن وافقه الدخول إلى مصر خفية ، واقتضى رأي كراي ويلبغا الناصري وسودون الحمزاوي الدخول تحت طاعة الناصر ، فوصلوا إليه وتفرق بقية الناس فدخل أكثرهم القاهرة خفية ، ورجع جكم لما رأى الخذلان إلى جهة الشام حمية بمن معه ، واستمرت الهزيمة على الشاميين فتفرقوا ، ثم اجتمع جكم وشيخ وقرا يوسف ومن بقي معهم ببلبيس ورجعوا ولم يظفروا بطائل فنودي بالقاهرة على أعيان الأمراء الذين اختفوا ثم سكن الحال واحتيط على موجود الأمراء الهاربين وقررعلى مباشري يشبك مائة ألف دينار وعلى مباشري سودون الحمزاوي ثلاثين ألف دينار ، وكان جملة من فر من مماليك السلطان مائتي نفر ، وصودر شمس الدين الحلاوي وعصر لأنه كان يباشر عند يشبك ، وسلم الشيخ زين الدين القمني لشادي الدواوين لأنه كان أعان يشبك بقسي وسهام ومال ، وسعى ابن غراب إلى أن أمنوه فظهر هو وكثير منالأمراء في العام الآتي ثم ظهر يشبك وأعيدت إليه وظائفه وعفا السلطان عنه . ويقال : إن سبب ذلك أن العسكر المصري لما كبس ركب السلطان فأبصره يشبك وقد أراد بعض المماليك أن يقتله فحماه منه إلى أن نجا فرعى له ذلك .
وفي آخر هذه السنة سجن الأمراء الذين استأمنوا إلىالناصر وكان يشبك لما انهزم أرسل طولو إلى الشيخ يخبره بأمرهم ويستأذنه في قدومهم عليه فأذن وجهز له الإقامة ثم تلقاه وترجل له فترجل يشبك أيضا ودخل دمشق بمن معه في رابع رجب ، ثم راسل شيخ خلف نوروز فحضر إليهم من الصبيبة وكان معتقلا بها وكذا حضر دقماق نائب حلب وأفرج شيخ عن قرا يوسف وكان معتقلا بقلعة دمشق ، وأنفق فيهم ما يزيد على مائتي ألف دينار وراسله بكتمر جلق نائب صفد بأنه يوافقهم واتفق خروج المحمل فركب في موكب جليل وركب معه جميع الأمراء القادمين ، وهم يشبك وسودون الحمزاوي وجركس المصارع وتمراز وقطلوبغا الكركي وإينال حطب ويلبغا الناصري وابن غراب وابن سنقر في آخرين ، ثم قدم عليه جكم فوافقهمبعد أن كان اجتاز بحلب ففر منه دمرداش ثم سار بالعساكر من الشام وخلف بدمشق تمراز ويلبغا الناصري وجماعة معهما وانضم إلى شيخ أحمد ابن بشارة بعشيره وعيسى الكابولي بعشيره والتركان مع قرا يوسف ونزلوا كلهم على صفد فأرسلوا قاضي العسكر تقي الدين يحيى ابن الكرمانيإلى بكتمر يدعوه إلى الموافقة فلم يقبل ، فحاصروه إلى أن طلب الأمان ، وخربت في تلك المدة صفد خرابا شنيعا ، ثم إنهم رجعوا إلى دمشق ، وأعطى شيخ الأمير نوروز الدورة في بلاد حوران والرملة فغدر به وتوجه إلى القاهرة ومعه جماعة فدخلوا في طاعة الناصر ، وقطعت الخطبة من دمشق للناصر ، ثم أفرج عن أحمد بن أويس من الاعتقال ، وخرجت العساكر من دمشق في يوم الإثنين ثاني عشر ذي القعدة إلى قبة يلبغا ، وخلف بدمشق سودون الظريف ، وتقدم الجاليش ثم تبعه بقية الأمراء ففر منهم دقماق إلى صفد ، ولما وصلوا غزة استناب فيها الطنبغا العثماني ، واستناب بالقدس الشهاب ابن اليغموري فوصلوا إلى الصالحية يوم التروية فاستولوا على ما كان للسلطان بها من إقامة ، فلما رحل من الصالحية أخبر بأن السلطان جمع العساكر ونزل بلبيس ثم التقت كشافة الفريقين ، ثم نزل السلطان بعساكره السعيدية ، ونزل شيخبمن معه قريبا فلما جن عليهم الليل كبسهم شيخ ومن معه فانكسر عسكر الناصر وقاموا لا يلوي أحد على أحد من الدهشة وانهزموا ، فنجاالناصر بنفسه مع الهجانة إلى بلبيس ثم إلى قلعة الجبل ، واستولى شيخ على الخليفة والقضاة وجماعة من المماليك والأمراء ثم ركب بمن معه إلى أن وصل إلى الريدانية فوقف عند تربة الظاهر وما بقي إلا الظفر ، فاختلفت الآراء فيمن يكون سلطانا ، وتنمر لهم جكم وصرح بإرادة السلطنة فأنفوا من ذلك ففر خلق كثير إلى الناصر وطلبوا الأمان ، منهم إينال حطب وجمق ويلبغا الناصري وسودون الحمزاوي ، ودخل يشبك ومن معه وطائفة ليلا إلى القاهرة فتوزعوا في البيوت ، ورجع شيخ ومن معه لما رأوا ذلك إلى دمشق ، وخلص الخليفة والقضاة ومن معهم فتوجهوا إلى منازلهم وذلك بعد أن وقع القتال بينهم تحت القلعة من جهة دار الضيافة فخامر إينال حطب وجمق وأسن باي ويلبغا الناصري والحمزاوي ، وقتل في هذه الكائنة صرق وأسن بيه وأقباي الحاجب الكبير ، ولما تفرق الأمراء بعد إشرافهم على الظفر خلص من كان أسر منهم من الخليفة والقضاة والجند ثم أمر السلطان بحبس الأمراء الذين خامروا بالإسكندرية ولما فر الأمراء أحبط على موجودهم فقرر على مباشري يشبك مائة ألف دينار وعلى مباشري سودون الحمزاوي ثلاثون ألف دينار ، وكان جملة من فر من المماليك السلطانية مائتي نفس من المنزلين في ديوان السلطان .وفي أول هذه السنة حاصر دمرداش نائب حلب أنطاكية وبها فارس ابن صاحب الباز التركماني ، فأقام مدة ولم يظفر منها بطائل ، وكان جكم مع فارس فتوجه جكم بعده إلى طرابلس فغلب عليها وطرد عنها نائبها وهو شيخ السليماني ، ثم توجه إلى حلب فنازلها وبها دمرداش وذلك في شعبان فالتقيا وجرى بينهما قتال كبير فانكسر دمرداش وخرج من حلب فركب البحر إلى القاهرة وملكها جكم ودخل من باب أنطاكية ثم خرج إلى جهة البيرة فقطع الفرات وأوقع بالتركمان وغلب على مواشيهم وأسر منهم جمعا كثيرا ، ورجع في سلخ شعبان ثم توجه إلى طرابلس ثم إلى دمشق .
وفيها في جمادى الأولى زلزلت مدينة حلب زلزلة عظيمة ففزع الناس لها ولجأوا إلى الله ، فسكنت ثم عاودت مرارا ولم تفسد شيئا ولله الحمد .
وفيها توجه شهاب الدين أحمد بن كندغدي رسولا إلى اللنكمن المصريين فاتفق وفاته بحلب في ليلة السبت رابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة .
وكان الغلاء قد اشتد فيها فخرجوا إلى الاستسقاء فاستسقوا في شهر رجب فخطب بهم في اليوم الثاني أبو زرعة ابن القاضي شرف الدين الأنصاري ،ثم عادوا في الثالث فخطب بهم شمس الدين ابن الحداد الطوفي ، فلما انصرفوا حصل مطر لكنه غير غزير لكنهم استبشروا به ثم جاء المطر بعد ذلك .
وفي هذه السنة نودي على الفلوس أن يتعامل بها بالميزان وذلك في شعبان وسعرت كل رطل بستة دراهم وكانت فسدت إلى الغاية بحيث صار وزن الفلس ربع درهم بعد أن كان مثقالا .
وفي يوم عيد النحر والعسكر خارج البلد أمر السالمي أن ينادى على الفلوس كل رطل بأربعة دراهم ، فحصل للناس من ذلك تشويش عظيم وأكثروا الدعاء عليه ، فبلغ ذلك السلطان فكاتب السالمي بالمنع من ذلك وأمر بإعادة الفلوس إلى ستة كل رطل ، ثم أرسل السلطان بإمساك السالمي ، فأمسكليلة كبس السلطان بالسعيدية ، ثم سجن بالإسكندرية في نصف ذي الحجة بعد أن سلمه السلطان لجمال الدين فعوقب بالعصي بسبب أنه كاتب السلطان أنه حصل له ثلاثة آلاف دينار فطلبت منه ، وفي سابع عشر ذي الحجة نقل إلى دمياط ، ثم في تاسع عشر ذي الحجة بعد استقرار السلطان بمملكته وظهور ابن غراب أعيد أخوه فخر الدين إلى الوزارة ونظر الخاص .
وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة استقر نوروز في نيابة الشام ، ووصل شيخ وجكم وقرا يوسف إلى الشام في ثامن عشريذي الحجة ، واستقر بكتمر الجركسي في نيابة صفد ، وسعد الدين بن غراب مشيرا ، ولبس بزي الأمراء حينئذ ، واستمر جمال الدين في الأستادارية .
وفي ذي الحجة هرب أحمد بن أويس من دمشق إلى جهة بلاده ، وكان النائب قد أطلقه من السجن ، فخشي أن ينكسروا فيقبض عليه فهرب .
وفيه أحدث بمكة قاضيان مالكي وحنفي ، فالحنفي شهاب الدين أحمد بن الضياء محمد بن محمد بن سعيد الهندي ، والمالكي المحدث تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي ، وذلك بعناية السالمي ، وكنت ممن ساعد الفاسي في ذلك .وفي أولها وصل اللنك إلى سمرقند ، واستقبله ملوك تلك البلاد وقدموا له الهدايا ، وأمر بعد قدومه بتزويج ولده شاه رخ ، وعمل له عرسا عظيما بلغ فيه المنتهى ، وراعى وصية ابن عثمان في التتار فاستصحبهم معه في جملة العسكر إلى أن فرقهم في البلاد ولم يجعل لهم رأسا فتمزقوا ، ثم عزم اللنك على الدخول إلى بلاد الخطا ، فأمر أن يصنع له خمسمائة عجلة وتضبب بالحديد ، وبرز في شهر رجب ورحل إلى تلك الجهة ، فلما وصل إلى أترار فجأه الأمر الحق فوعك فاستمر في توعكهأياما ، ولم ينجع فيه الطب إلى أن قبض في سابع عشر شعبان ، وحمل حينئذ إلى سمرقند .
وفيه في جمادى الأولى جهزت بنت تنم ، وهي أخت الناصر لأمه إلى الشام ، وتلقاها زوجها نائب الشام شيخ ، فدخلت في جمادى الآخرة فدخل بها وأولدها ومات عنها ، وتزوجت بعده بعض الأمراء الصغار ، وماتت في عصمته سنة ست وثلاثين .
وفي ثامن عشر من جمادى الآخرة صرف جلال الدين البلقيني من قضاء الشافعية ، واستقر شمس الدين الأخنائي وهي الثالثة للأخنائي ، ثم صرف الأخنائي في ثالث عشري ذي القعدة ، واستقر جلال الدين وهيالرابعة له وصرف جمال الدين البساطي عن قضاء المالكية واستقر ولي الدين ابن خلدون في حادي عشر رجب ، ثم صرف في أواخر ذي القعدة واستقر جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي .
وفي أول يوم من المحرم وصل أبو العباس الحمصي دمشق على قضاء الشافعية بها .
وفي ربيع الأول صرف أبو العباس الحمصي عن قضاء دمشق وكان قبيح السيرة متجاهرا بأخذ الرشوة ، وولي علاء الدين ابن أبي البقاء .وفي صفر وصل عبد العزيز البغدادي من القدس فعقد له مجلس مع الباعوني فزعم عبد العزيز أنه قطع عليه الطريق وأخذ قماشه ونهب ما معه من الورق والمستندات فادعى عليه الباعوني أنه حكم عليه بما حكم به مع ثبوت العداوة بينهما ، وكان قد أثبت ذلك على قاضي القدس الشافعي ونفذها له المالكي بدمشق فأنكر عبد العزيز العداوة ، فحكم عليه المالكي بثبوتها عنده واقتضى الحال تعزيره فعزر فكشف رأسه ثم توجه المذكور إلى بغداد فأقام بها وولي قضاءها وكان ما سنذكره .
وفيها مات الطاغية تمرلنك الخارجي في سابع عشر شعبان بعلة الإسهال القولنجي وله تسع وسبعون سنة وكان بصفه بطالا وقد أباد البلاد والعباد ، وأكثر في الأرض الفساد ، ولم يكن له في عراقالعجم منازع ، ثم ملك عراق العرب ودخل البلاد الشامية فملكها إلا اليسير منها ، ثم دخل الروم فحارب المسلمين بها وترك الفرنج ودخل الهند قبل ذلك ، فحارب المسلمين بها وترك الكفار ، وعزم في آخر عمره على الدخول إلى الصين فمضى في الشتاء فهلك من عسكره أمم لا يحصون ، فرجع إلى سمرقند فأخذه أسر البول فتمادى به حتى هلك بالقولنج ، وأراح الله منه .
وفي أواخر هذه السنة وعك السلطان إلى أن أشرف على الموت ثم فرج الله تعالى عنه وتعافى .
وفيات سنة 807
ذكر من مات في سنة سبع وثمانمائة
أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد الأنصاري أبو اليسرمحي الدين ابن تقي الدين بن نور الدين ابن الصائغ الدمشقي نزيل الصالحية ولد سنة تسع وثلاثين في جمادى الآخرة ، وسمع من الواد آشى وأحمد ابن علي الجزري وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فاكثر وسمع من زين الدين ابن الوردي ، وعني بالأدب والتاريخ وطلب بنفسه وكتب الطباق وتخرج بابن سعد وتفرد بأشياء سمعها ، كان حسن المذاكرة سمعت منه بدمشق وكان عسرا في الرواية ، مات في شهر رمضان .
أحمد بن كندغدي التركي أحد الفضلاء المهرة من الحنفية ، اشتغل في عدة علوم وفاق فيها ، وكان قد اتصل بالملك الظاهر في أواخر دولته ونادمه ثم توجه رسولا من ولده الناصر إلى تمرلنك في أواخر سنة ست فقدرت وفاته بحلب في ربيع الأول من هذه السنة في الرابع عشر منه ، أرخه البرهان المحدث وأثنى عليه بالعلم والمروءة ومكارم الأخلاق رحمه الله تعالى لقيته مرارا وسمعت من فوائده وقرأ عليهصديقنا مجد الدين بن مكاس المقامات فكان يجيد تقريرها على ما أخبرني به المجد وقال القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه : كان عالما دينا تمرض لما دخل إلى حلب ؛ فعزم على الرجوع فأدركه الأجل المحتوم في شهر ربيع الأول ، ودفن خارج باب المقام ، وقد جاوز الستين .
أنس بن علي بن محمد بن أحمد بن سعيد بن سالم الأنصاري أبو حمزة الدمشقي سمع بعناية قريبه صدر الدين ابن إمام المشهد من عبد الله بن القيم واستجاز له القلانسي وغيره وطلب بنفسه فسمع من جماعة من أصحاب القاضي سليمان فمن بعدهم وقرأ بنفسه وانتقى على بعضالشيوخ وكان متيقظا نبيها عارفا بالوثائق والأدبيات مع المروءة والديانة ، وكان في بدايته بزي الأجناد ثم لبس زي الفقهاء ، مات في رجب وله ثمان وخمسون سنة ، سمعت منه قليلا ، وكتب عني من نظمي ، وسمع معي كثيرا وأفادني .
أبو بكر بن داود بن أحمد الحنفي الدمشقي أحد الفضلاء في مذهبه ، ناب في الحكم ودرس ، مات في جمادى الأولى .
تاج بن محمود بن محمد الأصفهندي الشيخ تاج الدين العجمي نزيل حلب ، قدم من بلاد العجم حاجا ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسةالرواحية وأقرأ بها النحو ، ثم انثالت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ لغير الاشتغال بل يقرئ من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع ومن الظهر إلى العصر بجامع منكلى بغا ، ويجلس من العصر إلى المغرب بالرواحية للإفتاء ، وكان عفيفا ولم يكن له حظ ولا تطلع إلى أمر من أمور الدنيا ، وأسر مع اللنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرما ، فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول ، أخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا به ، وقد شرح المحرر في الفقه ، وأقرأ الحاوي ، قرأت بخط القاضي علاء الدين في تاريخه سألته عن مولده في سنة إحدى وثمانمائة فقال لي : الآن اثنتان وسبعون سنة .تيمور اللنك بن ططرغان الجقطاي ، قد قدمت أوليته في هذا المجموع كان من اتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرية جنكز خان ، فلما مات وقرر في السلطنة ولده محمود استقر تيمور أتابكه وكان أعرج وهو اللنك بلغتهم ، فعرف بتمر اللنك ، ثم خفف فقيل : تمرلنك ، وتزوج أم محمود وصار هو المتكلم في المملكة ، وكانت له همة عالية وتطلع إلى الملك ، فأول ما جمع عسكرا ونازل بخارى فانتزعها من يد أميرها حسن المغلي ، ثم نازل خوارزم فاتفق وفاةأميرها حسن المغلي ، واستقر أخوه يوسف فانتزعها اللنك أيضا ، ولم يزل إلى أن انتظم له ملك ما وراء النهر ، ثم سار إلى سمرقند وتملكها ثم زحف إلى خراسان فملك هراة ، ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع وثمانين ، فنجا صاحبها شاه وتعلق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجه اللنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان ، فهلك شاه في الحصار وملكها اللنك ، ثم ملك أصبهان وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدين وأعانه طقتمش خان صاحب صراي فرجع إليهم ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقل بمملكة المغل ، وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها ، ثم تحولإلى فارس وبها أعيان بني المظفر اليزدي فملكها ثم رجع إلى بغداد سنة خمس وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها ، وفر أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام واتصلت مملكة اللنك بعد بغداد بالجزيرة وديار بكر ، فبلغت أخباره الظاهر برقوق فاستعد له وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان فنزل بقراباغ ، فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين ، ففر إلى دلغادر ، وانضم عسكر المغل إلى اللنك فاجتمع معه فرسان المغل وغيرهم ثم رجع إلى بغداد ، وكان أحمد فر منها ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكهاوهرب أحمد ثانيا فسار إلى أن وصل إلى سيواس فملكها ثم حاصر بهسنا مدة ، وبلغ ذلك أهل حلب ومن حولها فانجفلوا ، ونازل حلب في ربيع الأول فملكها ، وفعل فيها الأفاعيل الشنيعة ، ثم تحول إلى دمشق فسار من حلب في أول ربيع الآخر ، فكان من أمر الناصر ورجوع العساكر إلى مصر ما تقدم ، وتوجه من دمشق في شعبان ، فلما كان في سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الروم فغلب عليها وأسر صاحبها ، ومات في الاعتقال . ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها ، وكان مغرى بغزو المسلمين وترك الكفار ، وصنع ذلك في بلاد الروم ، ثم في بلاد الهند ؛ وكان شيخا طوالا شكلا مهولاطويل اللحية ، حسن الوجه ، بطلا شجاعا ، جبارا ، غشوما ، ظلوما سفاكا للدماء ، مقداما على ذلك ، وكان أعرج ، شلت رجله في أوائل أمره ، وكان يصلي من قيام ، وكان جهير الصوت ، وكان يسلك الجد مع القريب والبعيد ، ولا يحب المزاح ، ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى ، وزاد فيها جملا وبغلا وجع رقعته عشرة في أحد عشر ، وكان فيها ماهرا وكان لا يلاعبه به إلا الأفراد ، وكان يقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه ، فكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب ، وما اخرب البلاد إلا بذلك لأنه كان من أطاعه في أول وهلة أمن ، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن . وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب عجيبة وفراسة قل أن تخطئ ، وكان عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعه ، لأنه لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفرا وحضرا ، وكان مغرى بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقا بها ، وكان أميا لا يحسن الكتابة ، وكان حاذقا باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة ، وكان بقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلا ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أنشعائر الإسلام في بلاد ظاهرة ، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على بصيرة من أمرها ، وبلغ من دهائه أنه كان إذا أراد قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات فيأخذ تلك الجهة المذكورة حذرها ويأمن غيرها فإذا ضرب النفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فإلى أن يصل الخبر الثاني دهم هو الجهة التي يريد وأهلها غافلون . وكان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين وقصورا عجيبة ، فكانت من أعظم النزه ، وبنى
عدة قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز ، ولما مات كان له من الأولاد أمير زاه شاه وشاه رخ وبنت له اسمها سلطان بخت ، وكان له ثلاث زوجات ، ومن السراري شيء كثير ، وكان يجمع العلماء ويأمرهم بالمناظرة ويعنتهم في المسائل ؛ وأخباره مطولة .صفحة فارغة .حرمي بن سليمان البباءي ثم القاهري ، ولد قبل الخمسين وتفقه قليلا ، وسمع من الشيخ بهاء الدين ابن خليل وغيره ، وناب في الحكم ودرس بالشريفية ، وولي الإعادة في المنصورية ، نزل له عنها بعض العجم وفي ذلك يقول الشاعر :
قالوا توالى الببائي مع جهالته
وكان أجهل منه النازل العجمي
فأنشد الجهل بيتا ليس تنكره
ما سرت من حرم إلا إلى حرميواتفق أن جركس الخليلي غضب على شاهد عنده مرة فصرفه واستخدم عنده حرمي هذا فنقم عليه أمرا فأنشده :
ما سرت من حرم إلا إلى حرمي
وأشبع فتح الراء فعد ذلك من نوادر الخليلي ، مات في رمضان وقد جاوز الستين .
عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك ، جمال الدين أبو المعالي الهندي السعودي الأزهري ، المعروف بالحلاوي بمهملة ولام خفيفة أسمع الكثير من يحيى ابن المصري وأحمد بن علي المستولي وإبراهيمابن علي الخيمي وجمع جم من أصحاب النجيب وابن علاف وابن عزوز وابن عبد الدائم فأكثر ، وكان ساكنا خيرا صبورا على الإسماعقل أن يعتريه نعاس ، قرأت عليه مسند أحمد في مدة يسيرة في مجالس طوال ، وكان لا يضجر وكان جده الشيخ مبارك معتقدا فبنى له بالأبارين بقرب الجامع الأزهر زاوية يسكن بها أولاده ، وكانت موعدا لإسماع المشايخ ، فلذلك كثرت سماعات شيخنا وأكثر ما حدث به فمن أصوله ، وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرواية من شيوخنا أحسن أداء ولا أصغى للحديث منه ، مات في صفر وقد قارب الثمانين ، لأن مولده في وسط سنة ثمان وعشرين وسبعمائة .
عبد الله بن عمر المدني التواتي كان من أهل الخير والصلاح وأقام بالمدينة مجاورا إلى أن مات ، وكان يتردد إلى مصر والشام ، مات بالقاهرة .
عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إدريس بن نصر النحريري جمال الدين المالكي ، ولد سنة أربعين واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر وفضلوسمع من الظهير ابن العجمي وشمس الدين محمد بن حسن الأنفي وغيرهما ثم ناب في الحكم بحلب ، ثم ولي قضاء حلب سنة سبع وستين فبعث إلى القيام مع ابن أبي الرضا على الملك الظاهر ، وقدم مرسوم الظاهر إلى حلب بإمساكه ، وذلك بعد أن رجع الظاهر من حلب بعد قتل الناصري فأحس بذلك ، فخشي منه ففر إلى بغداد فأقام بها على صورة فقير فلم يزل هناك إلى أن وقعت الفتنة اللنكية ففر إلى تبريز ، ثم تحول إلىحصن كيفا فأكرمه صاحبه فأقام عنده ، وكان قد سمع الكثير من أصحاب الفخر ، وكانت على ذهنه فوائد حديثية وفقهية ، وكان يحب الفقهاء الشافعية ويعجبه مذاكرتهم ، ثم رجع من الحصن إلى حلب فدخلها في صفر فحدث بها وأقام بها أياما ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحج ، ثم رجع قاصدا الحصن ، فلما كان بسرمين مات في بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول منها . قرأت بخط حاكم البلاد الحلبية القاضي علاء الدين في تاريخها : كان إماما فاضلا فقيها يستحضر كثيرا من التاريخ ويستحضر مختصر ابن الحاجب في الفقه ، وكان يحب العلم وأهله ، وكان من أعيان الحلبيين ، وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب أنه سأل نور الدين ابن الجلال عن فرعين منسوبين للمالكية فلم يستحضرهما وأنكر أن يكونا في مذهب مالك ، قال : فسألت الشيخ جمال الدين فاستحضرهما وذكر أنهما يخرجان من كلام ابن الحاجب الفرعي .عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرشيدي ، سمع من الميدومي وابن الملوك وغيرهما ، وكان يلازم قراءة صحيح البخاري ، وسمعنا بقراءته ، وكان حسن الأداء ، وسمعت منه من المعجم الكبير أجزاء ، مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر .عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان ابن أبي الرجاء بن أبي الأزهر الدمشقي المعروف بابن السلعوس ، يكنى أبا بكر ، سمع من زينب بنت ابن الخباز وحدث عنها ، أجاز لي .
عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز النستراوي الأصل المصري ، ولد في ربيع الأول سنة ست وثلاثين ، وتنقلت به الأحوال في المباشرات إلى أن ولي صحابة ديوان الجيش ، ثم ولي نظر الجيش . ثم عزل واستمر خاملا إلى أن مات ، وكان قد سمع من جمال الدين ابن نباتة وعمه بدر الدينبن عبد العزيز وابن البوري بالإسكندرية ، وكان محبا في الصالحينوفي أهل الخير ، اختل حاله في أواخر عمره ومات فلم يخلف إلا نزرا يسيرا إلا أنه لم يخلف عليه دينا فشابه عمه من جهة وفارقه من جهة ، فإن عمه مات وخلف دينا كثيرا وتركة زوجته فجاء ما يحصل من تركة زوجته من نصيبه بقدر وفاء دينه ، وهذا لما مات لم يخلف إلا ستمائة درهم فاخرج منها ولم يخلف فرسا ولا حمارا ولا دارا إلا قليلا من الثياب الملبوسة وأثاثا يسيرا ، وخلف خمس بنات وزوجة وابني أخ ، فلم تبلغ تركته إلا شيئا يسيرا ، وهو جد أولادي لأمهم ؛ مات في آخر ربيع الأول ، سمعت منه قليلا .
عبد المنعم بن سليمان بن داود الشيخ شرف الدين البغداديالحنبلي ولد ببغداد واشتغل بها ، وتفقه ومهر وأفتى ودرس وصحب تاج الدين السبكي وغيره ، وأخذ الفقه عن الموفق الحنبلي ، وتعين للقضاء غير مرة فلم يتفق ذلك وكان صاحب نوادر وفكاهة ، وقد درس للحنابلة بالمنصورية وإفتاء دار العدل ، ثم دخل القاهرة فاستوطنها ، وولي تدريس أم الأشرف بعد حسن النابلسي سنة اثنتين وسبعين ؛ ومات في شوال .
عبيد الله - بالتصغير - بن عبد الله الإردبيلي جلال الدين الحنفي لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها ، وقدم القاهرة فولي قضاء العسكر ودرس بمدرسة أم الأشرف بالنيابة وغير ذلك ، وكانت لديه فضيلة في الجملة مات في أواخر شهر رمضان .صفحة فارغة .علي بن إبراهيم بن علي القضامي علاء الدين الحموي تفقهبالقاضي صدر الدين ابن منصور وأخذ النحو عن سري الدين المالكي وبرع في الأدب وكتب في الحكم عن البارزي ثم ولي القضاء بحماة وكان من أهل العلم والفضل والذكاء مع الدين والخير والرياسة سمعت من فوائده لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة وكتب عني من نظمي ومن شعره :
عين على المحبوب قد قال لي
راح إلى غيرك يبغي اللجين
فجئته بالتير مستدركا
وقلت ما جئتك إلا بعينوكانت وفاته في ثامن عشر شهر ربيع الآخر من السنة .
علي بن عمر بن علي الأنصاري نور الدين ابن سراج الدين ابن الملقن ولد فيسابع شوال سنة ثمان وستين وتفقه قليلا ، وسمع من أبيه وبعض المشايخ بالقاهرة ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة وأسمعه هناك ، ثم ناب في الحكم ودرس بمدارس أبيه بعده وكان عنده سكون وحياء وتمول في الآخر وكثرت معاملاته ، مات في شعبان .
علي بن محمد بن محمد بن وفا أبو الحسن الشاذلي الصوفي ولد

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12