كتاب : إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ
المؤلف : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

إدارة المحمل إلى ثامن شعبان بسبب شغل المماليك الرماحة بأنفسهم وبمن ماتت من رفقتهم وأداروه على العادة المعهودة .
وفي شعبان اشتغل بدر الدين بن الأمانة بتدريس الفقه بالشيخونية وجمال الدين ابن المحبر بمشيخة الصلاحية ، وكان ابن المحمرة استنابهما في وظيفتيه المذكورتين لما توجه قاضيا بالشام وسعيا إلى أن استقلا ، ثم لما عزل هو وعاد استعادهما ، ثم لما سارإلى مشيخة الصلاحية بالقدس لم يعد إلى استنابتهما .
وفيات سنة 833
ذكر من مات في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة
من الأعيان إبراهيم بن ناصر الدين بن الحسام ، الصقري صارم الدين ، نشأ طالبا للعلم فتأدب وتعلم الحساب والكتابة والأدب والخط البارع ، وقد ولى الحسبة بالقاهرة في أوخر ايام المؤيد ؛ ومات في ثامن عشر جمادى الآخرة مطعونا .
إبراهيم بن أحمد بن وفاه ، الشاذلي أبو المكارم ، ولد سنة 88ومات في هذه السنة مطعونا .
إبراهيم بن المؤيد شيخ واخوه الملك المظفر أحمد ماتا صغيرين بالإسكندرية .
أحمد ولد ناظر الجيش عبد الباسط شهاب الدين - مات في مستهل شعبان ، وكان قد بلغ ونبغ وناب عن والده في كتابة العلامة فطعن ، وكانت جنازته حافلة .
أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان ، الشريف شهاب الدين الحسيني الدمشقي ، ولد سنة 744 ونشأ بدمشق ومع والده نقابة الأشراف وكان فيه جرأة وإقدام ، ثم ترقى بعد موت أبيه فولى نقابة الأشراف ،ثم ولي كتابة السر في سلطنة المؤيد ، ثم ولي القضاء بدمشق في سلطنة الأشرف ، ثم ولي كتابة السر في ذي الحجة سنة اثنتين وباشرها إلى أن مات بالطاعون في جمادى الآخرة .
أحمد بن علي بن عبد الله بن علي بن حاتم بن محمد بن يوسف ، البعلي الأصل الحنبلي القاضي شهاب الدين ابن الحبال الطرابلسي ، ولد سنة تسع وأربعين ، وتفقه وسمع الحديث ، ثم كان مع الذين قاموا في السعي في إزالة دولة الظاهر وأخ معهم وضرب ، واشتهر بعد اللنك بطرابلس وعظم شأنه ، ثم ولي القضاء بها وصار أمر البلد إليه ، وكان يقوم على الطلبة ويرد عنهم ، ويتعصب لعقيدة الحنابلة ، ثم نوه به ابن الكويز فنقله إلى قضاء دمشق في أول دولة ططر فدخلها في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين ، فاستمر إلى أن صرف في سنة اثنتين وثلاثين في شعبان بسبب ما اعتراه من ضعف البصر والارتعاش وثقل السمع ، وكانت الأمور بسبب ذلك تخرج كثيرة الفساد ، وكان مع ما أصابه كثير العبادة ويلازم صلاة الجماعة ، وكان منصفا لأهل العلم قليل البضاعة في الفقه ؛ ورحل إلى طرابلس فمات بها في شهر ربيع الأول بعد قدومه بيوم .أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله ، القيسري صدر الدين المعروف بابن العجمي ، ولد سنة 777 ، واعتنى به أبوه في صغره ، وصلى بالناس التراويح بالقرآن أول ما فتحت الظاهرية في سنة 88 وهو ابن إحدى عشرة سنة لم يكملها ، وأقرأه الفقه والعربية والمعاني والبيان . وأحضر له المؤدبون والمعلمون وترعرع وبرع ، وباشر التوقيع في ديوان الإنشاء ، ثم ولى الحسبة مرارا ونظر الجوالي وغير ذلك ، وتنقلت به الاحوال كما مضى في الحوادث ؛ مات في الطاعون في الرابع عشر من شهر رجب .
أزبك الدوادار مات بالقدس بطالا يوم الثلاثاء - في سادس عشر ربيع الأول .
إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد ، التدمري تاج الدين خطيب الخليل ، ذكر أنه أخذ عن قاضي حلب شمس الدين محمد بن أحمد بن المهاجر وعن شيوخنا العراقي وابن الملقن وغيرهما ، وأجاز له ابن الملقن في الفقه ؛ ومات ليلة العيد من شهر رمضان .إسحاق بن داود صاحب الحبشة مات في هذه السنة ، وقد قدمت نبأه في ترجمة أبيه سنة 812 .
أبو بكر بن علي بن إبراهيم بن عدنان ، الشريف الماضي أخوه أحمد قريبا ، ولد سنة تسعين تقريبا ، ونشأ بزي الجندية ، ثم بعد ذلك تزيا بزي المباشرين ، وكان الغالب عليه الديانة والخير والعفة ، وانطلقت الألسن بالثناء عليه ، وعين بعد أخيه لكتابة السر وباشر بغير تولية ، فعوجل بالطاعون أيضا ومات في رجب ولم يبق بعد أخيه سوى ستة عشر يوما .
أبو بكر بن عمر بن عرفات بن عوض بن أبي السعادات بن أبي الظاهر محمد بن أبي بكر بن أحمد بن موسى بن عبد المنعم بن علي بن عبد الرحمن بن سالم بن عبد العزيز بن أحمد بن علي بن ضياء الدين عبد الرحمن بن أبي المعالي سالم بن الأمير المجاهد عز العرب وهب بن مالك الناقل من أرض الحجاز بن عبد الرحمن بن مالك بن زيد بنثابت الأنصاري الخزرجي الشيخ زين الدين القمني - هكذا رأيت نسبه بخطه وأملاه على بعض الموقعين ، ولا شك أنه مركب ومفتري ، وكذا لا يشك من له أدنى معرفة بالأخبار أنه كذب ، وليس لزيد بن ثابت ولد يسمى مالكا ، وتلقيبه عبد الرحمن بن سالم ضياء الدين من أسمج الكذب ، فإن ذلك العصر لم يكن التلقيب فيه - بالإضافة للدين ، وكان مولده على ما كتب بخطه سنة ثمان وخمسين ، وذكر لي بلفظه أنه حضر درس الشيخ جمال الدين وهو بالغ وعرض عليه التنبيه ، فيحتمل أن يكون بلغ وهو ابن ثلاث عشرة سنة أو ذهل حين كتب مولده ، وقدم القاهرة في حدود السبعين ، واول شيء رأيته من سماعه في جمادى سنة أربع وسبعين من الشيخ بهاء الدين بن خليل ثم في رمضان سنة ثمان وسبعين ، سمع في البخارى على التقي عبد الرحمن بن أحمد البغدادي ، وسمع أيضا من عبد الله بن الناجي وعبد الله بن مغلطاي وصلاح الدين البلقيني ، ثم من تقي الدين بن حاتم وابن الخشاب وعزيز الدين المليجي ، ونشأ يتيما فقيرا بجامع الأزهر ، ثم اتصل بعلاء الدين بن قشتمر فنبه قليلا ، ثم تنقلت به الاحوال إلى أن صحب قلطماي الدويدار في سطلنة الظاهر فصار له ذكر ، واتفق تسحب الشيخ شمس الدين ابن الجزري إلى بلاد الروم فشغرت عنه الصلاحية فوثب عليها ، وكان رحل إلى الشام قبل التسعينفسمع ابن المحب وابن الذهبي وابن العز والبرهان بن جماعة وهو يومئذ قاضي الشام ومحمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري والكمال بن النحاس وابن خطيب يبرود وابن الرشيد وناصر الدين محمد بن عمر بن عوض بصالحية دمشق ، وسمع من متقدمي شيوخنا كالشامي والغزي والصردي والمطرز وابن صديق وابن أبي المجد ثم الحلاوي والسويداوي ومن الحافظين والأبناسي واللقيني والهيثمي شمس الدين وابي بكر بن حسين المراغي - وخرج له ابن الشرائحي مشيخة عن أربعة وأربعين شيخا وحدث بها مرتين وكان يتبجح بها لكنه لا يعرف عاليا من نازل ، وكان عريض الدعوى كثير المجازفة - سامحه الله مات في رجب مطعونا .
برد بك السيفي أحد مقدمي الألوف بمصر ، مات في يوم الاحد عاشر جمادى الأخرى بالطاعون وهو والد فرج .
بيبغا المظفري التركي كان من مماليك الظاهر ، وتأمر في دولة الناصروعمل الأتابكية وقد سجن مرارا ونكب - ، وكان قوي النفس ؛ مات ليلة الأربعاء - سادس جمادى الآخرة .
حسن العلقمي بدر الدين ناظر الأوقاف مات بالقاهرة ، وكان حسن العشرة والأخلاق بساما ، جاوز الستين .
زين خاتون بنتي وهي بكر أولادي ولدت في رجب سنة اثنتين وثمانمائة ، وتعلمت الكتابة والقراءة ، واسمعتها من الشيخ زين الدين العراقي والشيخ نور الدين الهيثمي ، وأجاز لها كثير من المسندين من أهل دمشق ؛ وماتت وهي حامل بالطاعون فجمعت لها شهادتان .
سرداح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن محمد بن راجح بن إدريس بنحسين بن أبي عزيز ، الحسني ؛ الينبعي ولي أبوه إمرة الينبع مدة ثم قبض عليه وحبس بالإسكندرية في سنة خمس وعشرين إلى أن مات بها وكحل ولده ، فيقال إنه رأى النبي e في المنام فمسح عينيه فأبصر واتهم السلطان من كحله - فالله أعلم .
العباس بن المتوكل بن المعتضد أمير المؤمنين المستعين أبو الفضل ولد في سنة 20000 واستقر في الخلافة بعهد من أبيه في شهر رجب سنة ثمان وثمانمائة ، فلما انهزم الناصر فرج وحوصر بدمشق بويع للمستعين بالسلطنة مضافة للخلافة فتصرف بالولاية والعزل ، وفي الحقيقة إنما كان له العلامة والخطبة وضربت السكة في الذهب والفضة باسمه ، فلما توجه العسكر إلى مصر كان الأمراء كلهم في خدمته على هيئة السلطنة ولكن الحل والعقد للأمير شيخ ثم سكن الإصطبل وصار الجميع إذا فرغت الخدمة من القصر نزلوا في خدمته إلى الإصطبل ، فأعيدت الخدمة عنده ووقع الإبرام والنقض ثم يتوجه دويداره إلى السلطانفيعلم على المناشير والتواقيع ، فلم يزل على ذلك إلى أن تسلطن المؤيد فلم يوافق العباس على ذلك فصرح المؤيد بعزله من الخلافة وقرر فيها اخاه داود ولقب المعتضد ، فلما خرج المؤيد إلى نوروز ارسله إلى الإسكندرية فاعتقل بها ، فلم يزل بها إلى أن تكلم ططر في المملكة ، فأرسل في إطلاقه وأذن له في المجئ إلى القاهرة ، فاختار الاستمرار في سكنى الإسكندرية لأنه استطابها ، وحصل له مال كثير من التجارة ، فاستمر إلى أن مات بالطاعون شهيدا ، وخلف ولده يحيى .
عبد اللهبن محب الدين خليل بن فرج بن سعيد جمالد الدين ، القدسي الأصل الدمشقي البرماوي ، ولد في حدود الستين ، وقرأ على ابن الشريشي وابن الجابي وغيرهما ، ودخل مصر فحمل عن جماعة ، وجاور بمكة مدة طويلة ، ثم قدم الشام فاقام على طريقة حسنة وعمل المواعيد واشتهر ، وكان شديد الحط على الحنابلة وجرت له معهم وقائع ؛ ومات في ربيع الآخر .
عبد البر بن القاضي جلال الدين محمد بن قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن البقاء كان شابا جميل الصورة طيب النغمة ، وكان قد أذن له في نيابة الحكم في اواخر السنة الماضية ، ثم سافر إلى الشام ورجع فمات في سابع عشر شهر رجب ولم يكمل الثلاثين .عبد الغني بن جلال الدين عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي ثم المكي نسيم الدين ، اشتغل كثيرا ومهر وهو صغير ، وأحب الحديث فسمع الكثير وحفظ وذاكر ، ودخل اليمن فسمع من الشيخ مجد الدين ، وكتب عني الكثير ؛ ومات مطعونا بالقاهرة .
عبد القادر بن عبد الغني بن أبي الفرج ، المكي ، ولي الاستادارية كأبيه ، ومات في يوم الأربعاء سابع عشري - جمادى الآخرة .
عبد الكريم ، كريم الدين ابن سعد الدين بركة ، القبطي المعروف بابن كاتب جكم ، كان أبوه يخدم الوزير علم الدين بن كاتب سيدي ثم تعلق بخدمة الأمراء فخدم عند الأمير حكم فشهر به ، واستقر بعده ولده سعد الدين - إبراهيم وصاهر تاج الدين ابن الهيصم قبل أن يلي الأستادارية ، واستقر مستوفي الدولة في مباشرة ابن نصر الله ، ثم ولي نظر الدولة وباشر ديوان السلطان قبل أن يتسلطن ، ثم سعى في نظر الخاص لما ولي ابن نصر الله الاستادارية ، فباشر بسكون وحشمة ونزاهة ،وأكثر من زيارة الصالحين ومن الفقراء ، والزم ولديه إبراهيم ويوسف الذي ولوا الخاص بعده واحدا بعد واحد بالاشتغال بالعلم وأحضر لهم من يعلمهم العربية والكتابة ، وكانت وفاته سادس عشر شهر - ربيع الاول قبل وقوع الطاعون ، واستقر ولده إبراهيم فاستمر - في وظيفته وهو امرد ، ولم يظن أحد أنه يستمر لصغر سنه لكنه استعان أولا بجده لامه ثم استقل بالأمور بعد وفاته وقد تدرب ، وكان يتكلم بالتركي ويحسن المعاشرة مع لثغة في لسانه ، وخلفه أخوه جمال الدين يوسف وفاق أخاه وإياه .
علي بن تاج الدين عبد الوهاب بن القاضي ولي الدين ، العراقي تقي الدين .
علي بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي ، الحسني المكي الشريف مات بالقاهرة في ثالث جمادى الآخرة مطعونا ، وقد ولي إمرة مكة مرة ودخل الغرب بعد أن عزل عنها فأكرمه أبو فارس ، وكان حسن المحاضرة ويذاكر بالشعر وغيره ومات بالقاهرة .علي الأسيوطي الشيخ ويقال له أبو الخلق ، وكان ممن يعتقد ويذكر عنه مكاشفات كثيرة .
عمر القاضي سراج الدين ، النويري الشافعي ، قاضي الشافعية بطرابلس ، مات في جمادى الآخرة .
قاسم بن الامير كمشبغا الحموي ، وكان أحد الحجاب الصغار .
كشبغا الفيسي الكاشف المزوق الظاهري ، كان جريئا على سفك الدماء ، مات منفيا بدمشق في 14 ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين .
ماجد بن أبي الفضائل بن سناء الملك فخر الدين ابن المزوق ، كان من أولاد الكتبة ، وخدم عند سعد الدين ابن غراب ، فولي بعنايته نظر الجيش وكتابة السر واحدة بعد أخرى ، ثم ولي نظر الإصطبل ، ثم تعطل في الدولة المؤيدية وما بعدها إلى أن مات في ليلة الخميس 12 رجب .محمد بن أحمد بن سليمان ، الاذرعي الحنفي شمس الدين ، أخذ عن ابن الرضي والبدر المقدسي في مذهب الحنفية ، ثم بعد اللنك انتقل إلى مذهب الشافعي وولي قضاء بعلبك وغيرها ، ثم عاد حنفيا وناب في الحكم ودرس وأفتى ، وكان يقرأ البخاري جيدا ، ويكتب على الفتوى كتابة حسنة وخطه مليح ، وتوجه إلى مصر في آخر عمره فعند وصوله طعن فمات غريبا شهيدا في جمادى الآخرة .
محمد تاج الدين بن العماد إسماعيل ، البطرني المغربي الأصل نزيل دمشق ، كان في خدمة القاضي علم الدين القفصي وعمل نقيبه ، ثم بعد موته ولي قضاء طرابلس ، ثم رجع وناب عن القاضي المالكي ، وكان عفيفا في مباشرته ، ويستحضر طرفا من الفقه ؛ مات بالطاعون في صفر .
محمد بن الملك الأشرف برسباي ، وكان قد عين للسلطنة بعد أبيه مات في يوم الثلاثاء 26 جمادى الأولى مطعونا وقد ناهز الاحتلام ، ودفن بالمدرسة الأشرفية .
محمد بن ططر السلطان الصالح بن الطاهر ، خلع في خامس عشرربيع الأول سنة خمس وعشرين ، وأقام عند السلطان الملك الأشرف مكرما إلى أن طعن ، ومات في سابع عشري جمادى الآخرة هذه السنة .
محمد بن الناصر فرح بن الظاهر برقوق ، مات بسجن الإسكندرية في يوم الاثنين حادي عشري جمادى الىخرة مطعونا عن 21 سنة ، ودفن بها ثم نقل إلى مصر .
محمد بن عبد الحق بن إسماعيل بن أحمد الانصاري السبتي صاحبنا ، كتب إلي وشرح البردة ، وله يد في النظم والنثر والتصوف ، وكان حسن الطريقة .
محمد بن عبد الواحد بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد ، السنقاري شرف الدين نزيل هون ولد في المحرم ، سنة 773 ، وتفقه قليلا ، وأخذ عن المشايخ ، وكان أبوه موسرا فمات في الثمانين ، ونشا هو يتعاني التجارة والزراعة ويتردد إلى القاهرة ، وتقلبت به الأمور ، وكان فاضلا مشاركامتدينا ، وكان يقول : ما عشقت قط ولا طربت قط ، مات في الطاعون في جمادى الآخرة ، وكان يحكي عن ناصر الدين محمد بن محمد بن عطاء الله قاضي هو أنه كان بجانب داره نخلة جربها بضعا وثلاثين سنة ، فإن قل حملها توقف النيل ، وأن كثر زاد ، وأنها سقطت في سنة ست وثمانمائة فقصر النيل تلك السنة ووقع الغلاء المفرط .
محمد بن عبد الوهاب بن نصر الله ، شرف الدين أبو الطيب بن تاج الدين ، ولد في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ، ونشأ في حجر السعادة وتعلم الكتابة واشتغل بالعلم ، وكتب في الإنشاء ، وعظم في دولة الظاهر ططر ، وولاه نظر الكسوة ودار الضرب ونظر الأشراف وغير ذلك ؛ ومات في سابع عشري ربيع الىخر بمرض السل .
محمد بن عمر بن عبد العزيز ، بن أمين الدولة قاضي الحنفية بحلب شمس الدين ؛ مات يوم الخميس 12 شعبان .
محمد جلال الدين بن بدر الدين محمد بن بدر الدين محمد بن مزهر ، ولد سنة 14 وحفظ القرآن واشتغل قليلا ، فلما مات أبوه في سنة اثنتين وثلاثين قرر مكانه في كتابة السر فباشرها ، والاعتماد في ذلك على شرف الدين الموقع وكان قد تقرر في نيابة كتابة السر وانفصل بدر الدينالمذكور ، وكان لقب في أيام مباشرته في كتابة السر بلقب أبيه بدر الدين ، ومات بالطاعون - يوم الإثنين سنة ست وعشرى رجب - .
محمد زين الدين بن القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الملك ، الدميري المالكي ، كان حسن الصورة ، له قبول تام عند الناس لكثرة حشمته ، وقد ولي الحسبة مرارا ، وبيده التحدث في المارستان نيابة عن الأمير الكبير على قاعدة أبيه ، ولم أظنه جاوز الخمسين ومات في 3 شعبان .
محمد الإسكندراني شمس الدين العروف بابن المعلمة ، ولي حسبة القاهرة مدة ، وكان مالكيا فاضلا مشاركا في العربية وغيرها ، مات في شعبان .
مدلج بن علي بن نعير واسمه محمد بن حيار أمير آل فضل وكان وليإمرة العرب بعد أخيه وعذراء ودخل في الطاعة ، ثم وقع بينه وبين ابن عمه قرقماس قاتل أخيه عذراء الوقعة المقدم ذكرها في الحوادث ، وقتل مدلج في 2 ذي القعدة منها بظاهر حلب .
مرجان الهندي مملوك شهاب الدين بن مسلم ، أخذه المؤيد قبل أن يلي السلطنة قهرا من أستاذه ، فنجب عنده وترقت منزلته جدا إلى أن اتضعت في أيام ططر فمن بعده ، وصودر إلى أن مات في سادس عشرى جمادى الآخرة .
ناصر بن محمد البسطامي الشيخ ناصر ، من تلامذة الشيخ عبد الله البسطامي ، ثم قدم القاهرة وقطنها ، مات بها في الطاعون .
نصر الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل ، الأنصاري الشيخجلال الدين الروياني العجمي الحنفي ، ولد سنة ست وستين ، وتجرد وبرع في علم الحكمة والتصوف ، وشارك في الفنون ، وكتب الخط الفائق ، وقدم القاهرة مجردا ، واتصل بأمراء الدولة وراج عليهم لما ينسب إليه من معرفة علم الحرف وعمل الأوفاق ، وسكن المدرسة المنصورية ، وكان مفضالا مطعاما محبا للغرباء فهرعوا إليه ولازموه ، وقام بأمرهم وصيرهم سوقه التي ينفق منها وينفق بها ، واستخلص بسبب ذلك من أموال الأمراء وغيرهم ما أراد حتى كان كثير من الأمراء يفرد له من إقطاعه أرضا يصيرها رزقة ثم يسعى هو حتى يشتريها ويحبسها ، وكان فصيحا مفوها حسن التأني عارفا بالأمور الدنيوية عريا عن معرفة الفقه ، له اقتدار على التوصل لما يطلب ، كثير العصبية والمروءة ، حسن السياسة والمداراة ، عظيم الأدب ، جميل العشرة ، وله عدة تصانيف في علم الحرف والتصوف ، منها غنية الطالب فيما اشتمل عليه الوهم من المطالب ، وإعلام الشهود بحقائق الوجود ، ومات في ليلة الجمعة سادس شهر رجب بالطاعون .
- ياقوت الأرغون شاوي الحبشي مقدم المماليك ، مات مطعونا في يوم الإثنين ثالث رجب ، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالصحراء -هابيل بن قرا يلك ، مات مسجونا بالقلعة مطعونا .
هاجر خوند بنت منكلى بغا زوج برقوق ، ماتت في رابع رجب ، وأمها خوند فاطمة بنت الأشرف شعبان بن حسين بن قلاوون - .
يحيى نظام الدين بن الشيخ سيف الدين بن محمد بن عيسى السيرامي ، ولد سنة . . . . . وكان حسن التدريس والتقرير ، جيد الفهم ، قليل التكلف ، قوي الفهم ، متواضعا مع صيانة ، قليل الشر كثير الإنصاف ، ولم يكن في أبناء جنسه مثله ، وكان قد اختص بالمؤيد وسامره ، وكان يبيت عنده كثيرا من الليالي ويثق به ويعقله ، ولما وقع الطاعون استكان وخضع وخشع ، ولازم الصلاة ، على الأموات بالمصلى إلى أن قدر اللهأنه مات بالطاعون في أواخره .
يحيى بن الإمام شمس الدين محمد بن يوسف بن علي ، الشيخ تقي الدين الكرماني الشافعي ، ولي نظر المارستان وكان ثقيل السمع ، وكان قد ضعف وطال رمده ، ثم مات مطعونا في يوم الخميس ثاني عشرى جمادى الآخرة .
يشبك أخوالسلطان الأشرف وكان أسن منه لكن السلطان أسرع إليه الشيب دونه ، طعن فاقام أياما يسيرة ، ويقال إنه مات ساجدا ، وكان شديد العجمة وتعلم اللسان التركي ، ولم يفقه بالعربي إلا القليل ، وكان فيه عصبية لمن يلتجئ إليه ومكارم أخلاق .
يعقوب بن إدريس بن عبد الله بن يعقوب ، الشهير بقرا يعقوب الرومي النكدي الحنفي ، نسبة إلى نكدة من بلاد ابن قرمان ، ولد سنة تسع وثمانين ، واشتغل في بلاده ، ومهر في الأصول والعربية والمعاني وكتب على المصابيح شرحا وعلى الهداية حواشي ، ودخل البلاد الشامية ،وحج سنة تسع عشرة ثم رجع وأقام بلارندة يدرس ويفتي ، ثم قدم القاهرة بعد موت المؤيد فاجتمع بمدير المملكة ططر ، فأكرمه إكراما زائدا ووصله بمال جزيل ، فاقتنى كتبا كثيرة ورجع إلى بلاده فاقام بلارندة إلى أن مات في شهر ربيع الأول .
يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن داود بن أبي الفضل بن أبي المنجب ابن أبي الفتيان ، الداودي الطبيب جمال الدين ، مات في أول شهر رجب وله زيادة على التسعين .
حوادث سنة 834
سنة أربع وثلاثين وثمانمائة
استهلت وقد غلا سعر الذهب إلى أن بلغ مائتين وخمسة وسبعين ، وانتهت فيه زيادة النيل إلى تسعة عشر ذراعا وعشرين إصبعا ، وخرج الأمراء المجردون في آخره ثم أمر بعودهم فعادوا ن خانقاه سرياقوس ، وفيه رخص الفول جدا حتى صار بدرهمين ونصف فضة وزنا كل إردب والشعير كل إردب بثلاثة ، والقمح بستة ونصف ، وهذا غاية الرخص إلا ما تقدم في دولة المؤيد ، فإن القمح نزل فيه إلى ستة دراهم بندقية ، وفيه خرج السلطان إلى الصيد بالهيئة الكاملة فشق المدينة وخرج من باب الشعرية ثم عاد من يومه .
وفيها حصل للحاج عطش عند رجوعهم بمنزلة الوجه فمات منهم ناس كثير ، قيل : قدر ثلاثة آلاف ، كلهم من الركب الأول ، ومات منالجمال والدواب شيء كثير جدا ، وذهب لمن مات من الاموال ما لا يحصى .
وفيها حجر السلطان على المباعة أن لا يتبايعوا إلا بالدراهم الأشرفية التي جعل لكل درهم منها بعشرين من الفلوس ، وانتفع الناس بها بالميزان ، وشدد في الذهب أن لا يزاد في سعره ، فإذا قل ازداد ، ولم يزل الأمر يتمادى على ذلك إلى أن بلغ كل دينار أشرفي مائتين وخمسة وثماتين درهما من الفلوس . واستقر الأمر على ذلك إلى آخر الدولة الأشرفية .
وفيها استبد ابن الركاعنة صاحب فاس وتلمسان بالمملكة ، فسار إليه أبو فارس صاحب تونس بنفسه وظفر به ، وقرر في المملكة أحمد بن أبي حمو ، وذلك في رجب سنة أربع وثلاثين .
وفي ربيع الآخر جهز السلطان الفعلة وأهل المعرفة بالبناء لإصلاح الآبار وأماكن المياه التي في طريق الحجاز .
وفيها حفرت بعيون القصب بئر عظيمة فعظم النفع بها ، وكانت عيون القصب تجري من واد عظيم ينبت فيه القصب الفارسي ويجري الماء بين تلك الغابات ، وكان للحاج به رفق بحيث يبيتون فيه ليلة ، ثم عمرتتلك العيون وصاروا يقتنعون بالحفائر ، وكان الماء الذي يخرج منها يفسد في ليلته ، فأشار ناظر الجيش لما حج بحفر بئر هناك فخرج ماؤها عذبا ، وحفروا قبل ذلك بئرين بزعيم وقبقاب ، فاستغنى الناس بهما عن ورود الوجه ، والوجه مكان فيه بئران لا يحصل الماء فيهما إلا بالمطر ، فإذا لم يقع المطر ووردهما الحاج لم يجدوا فيهما إلا النزر اليسير ، وفي الغالب يقع لهم العطش والهلاك فاستغنوا بالبئرين عن الوجه .
وفيها استقر تاج الدين عبد الوهاب ابن الخطير في نظر الديوان المفرد بعد موت تاج الدين ابن الهيصم ، وهو من بيت كبير في القبط ، وكان اسمه جرجس ولقبه الشيخ التاج ، فأسلم على يد السلطان الأشرف قبل أن يتسلطن ، وذلك في الأيام المؤيدية ، وخدم في ديوان الخاص ، ثم ولاه الأشرف نظر الإصطبل بحكم شغوره عن بدر الدين بن مزهر لما ولى كتابة السر وأستادرية ولد السلطان ، فشكرت سيرته وأمانته وحسن سياسته وكثرة بره .
وفي ثاني عشر جمادى الأولى سار سعد الدين القبطي المعروف بابن المرأة إلى مكة بسبب المكس المتعلق بالتجار الواصلين إلى جدة ، وخرج معه نحو ألف نفس للمجاورة فلما كانوا فيها بين الوجه وأكرى وجدوا عدة موتى ممن مات بالعطش في العام الماضي ، فلما نزلوا رابغ خرج عليهمالشريف زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني ومن معه وكانوا نحو مائة فارس وأرادوا نهبه فصالحوهم على مال بعد أن وقعت بينهم مناوشة وقتل بينهم قلائل من الطائفتين ، ودخلوا مكة في ثامن عشرى جمادى الآخرة عرب زبيد ، فصالحوهم على مائة دينار بذلها ابن المرأة من ماله - .
وفي ثاني عشر رمضان نودي بمنع المعاملة بالفضة اللنكية وبأن الذهب الأشرفي - الدينار - بمائتين وخمسين .
وفي سادس عشرى جمادى الأولى أعيد كاتبه إلى وظيفة القضاء الشافعية وهي المرة الثانية .
وفيها مات شهاب الدين أحمد الأسود الدويدار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأقطع فاستقر جانبك الناصري رأس نوبة إبراهيم بن المؤيد الشهير بالتور نائبا بالإسكندرية وكانمن مماليك يلبغا الناصري .
وفي ذي القعدة جرى بين شخص في خدمة كاتب السر ابن السفاح يقال له ابن الناظر الصفدي وبين مملوك لابن السفاح مشاجرة فاغتاله فقتله بسكين ، فاطلع عليه بعض الخدم فنم عليه ، فانزعج كاتب السر لذلك وحرص على أنه يعرف السبب ، فقيل إنه كان بسبب صبي تعايرا عليه ، وقيل إن ابن الناظر ذكر لقاتله أنه يعرف السحر وأنه قتل شخصا بسحره وأن العلماء أفتوه بقتل من يقتل بسحره فما أفادته هذه الدعوى ، وبلغ السلطان الخبر فاستدعاه فلما سأله واعترف أمر بقتله ، فحرص كاتب السر على أن يؤخر قتله إلى أن يحضر أولياء المقتول ، فامتنع السلطان وأمر بتوسيطه ، وحصل لكاتب السر من ذلك مشقة شديدة لقصة مملوكه وكان يميل إليه ولفقد صديقه وكان يأتمنه على كثير من أحواله - فلله الأمر .
وفي ذي الحجة استقر التاج الوالي الشويكي في نظر الأوقاف الجكمية ، وقرر له من مال الأوقاف في الشهر ثلاثة آلاف ، ولم يباشر شيئا بل قنع بالمعلوم المذكور .
وفي يوم الإثنين من ذي القعدة الموافق لثامن عشرى أبيب أوفى النيل وكسر الخليج وزاد بعد ذلك ، فكان في أول يوم من مسرى سبعة عشر ذراعا وأصابع من الثامن عشر ، ولا يحفظ ذلك اتفق فيما مضى قط ، وأعجب منه أنه زاد ثاني يوم الوفاء نصف ذراع ولم يحفظفيما مضى مثل ذلك إلا في سنة ست عشرة فإن الملك المؤيد صاحب حماة ذكر في تاريخه بنظير ذلك في هذا العصر أن النيل أوفى تاسع عشرى أبيب وقال إنه غريب .
وفي شعبان كانت الزلزلة ، بغر ناطة وخسف بعدة أماكن وعدة مواضع وانهدم بعض القلعة ، ودامت الأرض تهتز أياما ، وسقط من جدار الجامع الأعظم ، وخاف أهل البلد كلهم فخرجوا إلى الصحراء .
وفيها غزاهم الفرنج فكادوا يقبضون عليهم قبض اليد ، فأدركهم الله بالفرج ، فخرج الشيخ يحيى بن عمر عثمان بن عبد الحق شيخ الغزاة في ألفين من الجند ، وسار نصف الليل حتى بعد عن عسكر الفرنج ، وقرر مع أهل البلد أن يخرجوا إلى الفرنج فإذا حملوا عليهم انهزموا أمامهم ، ففعلوا وطمع الفرنج في أهل البلد - وإذا بالشيخ يحيى قد دهمهم بمن معه من خلفهم - فأطلق النيران في معسكرهم ، فجاءهم الصريخ فرجعوا ، فركب المسلمون أقفيتهم أسرا وقتلا ، فقيل بلغ عدة القتلى زيادة على ثلاثين ألفا والأسرى إثني عشر ألفا .وفي الرابع والعشرين من المحرم عقد مجلس بين أمير آخور جقمق العلائي الذي ولي السلطنة بعد ذلك وبين القاضي زين الدين التفهني وكان يومئذ مدرس الخنفية بمدرسة قانباي ، فقرئ محضر يتضمن أن قانباي فوض النظر للتفهني والزمام ثم عزلهما ، وأحضر جقمق جماعة يشهدون بذلك ، فأسر السلطان لناظر الجيش كلاما فغاب والشهود معه ثم عاد فقال : اتفقت شهادتهم ، ثم أمر السلطان بعقد مجلس بالصالحية وادعى وكيل جقمق على وكيل التفهني أن التفهني حكم في المدرسة المذكورة بغير طريق شرعي ، فأجاب وكيل التفهني بأن جقمق ليس ناظرا إلى أن يثبت ذلك ، فوصل كتاب الوقف بالشافعي فوجد فيه أن النظر بعده لم يكون أمير آخور يوم ذلك ، فقال الوكيل : هذا يقتضي التقييد بذلك الوقت وليس فيه تعميم ، فقال الشاهدان على الواقف : نحن نشهد على الواقف أنه جعل النظر بعده لمن يكون أمير آخور ، فوقع البحث في ذلك ، فادعى وكيل الحنفي أنه له دافعا ، فأمهل ثلاثة أيام ، فحكم الحنبلي في غضون ذلك بمقتضى ما شهد به الشاهدان وأن ذلك مقبول ولا يقدح في شهادتهما وإنما هو تفسير لما أبهم ؛ وانفصل الأمر على ذلك .
وفي سابع عشر المحرم وصل الأمراء الذين كانوا مجردين بحلب ، وأمر السلطان بإخراج بعض العسكر إلى البلاد الحلبية لدفع قرايلكعن ملطية وكان نائبها قانباي البهلوان أرسل لطلب المدد ، فلما تجهز الأمراء وصل الخبر بالإستغناء عن ذلك فأمر برجوعهم فرجعوا بعد أن رحلوا مرحلة واحدة ، وقيل كان السبب أن نائب الشام أرسل يذكر للسلطان أنه لا حاجة إلى إرسال أحد من مماليك السلطان ، فتخيل منه وأراد إختبار حاله فأرسل له كتابا صحبة ساعي يستدعى حضوره إلى القاهرة ، فوصله الكتاب وهو راكب فخرج في الحال إلى ظاهر دمشق واستدعى آلة السفر وتوجه فوصل في سادس جمادى الآخرة ، فأكرمه السلطان وخلع عليه بالإستمرار ، وعمل له السلطان ضيافة بخليج الزعفران ، وسافر في ثالث عشر الشهر الذي جاء فيه .
وفي هذه السنة قرئ البخارى على العادة ، فكثر من يحضر من آحاد الطلبة الذين يقصدون الظهور ومنعوا فشغبوا ، وصار لغطهم يزيد وسوء أدبهم يفحش فهددوا فلم يرتدعوا ، فأمر السلطان في المجلس الثاني أن تكون القراءة في القصر التحتاني ، وصار إذا جاء يجلس في الشباك الذي يطل من القصر الفوقاني على القصر التحتاني ، وحصل بذلك للقضاة ولأعيان المشايخ اتضاع منزلة ، وعظم اللغط بالنسبة لما كان يحضره السلطان ، وصار السلطان بعد ذلك يتشاغل بكتابة العلامة فيجتمع عنده من يتعلق بها ويصير بالتبعية له في أعلى منزلة بالنسبة لمن هو في الحقيقة فوقهم ؛ ولما رأى ابن البلقيني أنه ما بقي يظهر له مقصود انقطع عن الحضور ،واستمر إلى سنة أربعين ، فسعى في العود كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وفيها توجه قرقماس الشعباني وهو يومئذ الحاجب الكبير إلى الصعيد ، فلاقاه موسى بن عمر شيخ عرب هوارة وقدم له تقدمة ، فلما رجع بلغ موسى أن ابن عمه عمران استقر مكانه وعزله ، فخاف موسى ودخل البرية بمن أطاعه ، وتوجه الوزير إلى قرقماس ليتعاونا على رجوع موسى فعجزا عنه . ثم لم يزل الوزير يراسل موسى ويتلطف به حتى عاد ، وأحضره إلى السلطان فخلع عليه ثم أمسكه بعد أيام ثم حبسه ، فبلغ ذلك عربه فأفسدوا في البلاد وأحرقوا الغلال ، ووصل عبد الدائم شيخ الفقراء ومعه طائفة من الفقراء في شوال ، فهرع الناس للسلام عليه والتبرك به ، وكان قد أذن لموسى بن عمر في التوجه إلى السلطان وضمن له السلامة ، فلما سمع بحبسه جاء للشفاعة فيه ، فأرسل لهم السلطان القاضي بدر الدين العيني فأحضرهم عنده وتأدب معهم وكانوا ثلاثة : عبد الدائم ، وشجاع ، والعريان ، وأتباعهم ، وقبل السلطان شفاعتهم وأذن لهم في تسليم ابن عمر بعد أن يحلفه كاتب السر عند العيني ، ففعل ذلك ورجعوا .وفي جمادى الأولى شاع عن أهل التقويم أنهم اتفقوا أن الشمس تكسف في ثامن عشري هذا الشهر بعد الزوال ، فتأهب السلطان وغيره لذلك وترقبها إلى أن غربت ، ولم يتغير منها شيء البتة .
وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر رجب تزوج سيدي محمد ولد الأمير جقمق بنت أحمد بن أرغون شاه ، وعمل له أبوه وليمة عظيمة وقدم له السلطان ومن دونه تقادم سنية .
وفي شوال أرسل السلطان ثلاثمائة مملوك إلى جزيرة قبرس بمطالبة صاحبها بما استقر عليه من المال في كل سنة ، وأوصاهم أن يرسوا على بعض الجزائر ويراسلوه ، فإن أجاب بالامتثال رجعوا وصحبتهم ما يوصله لهم ، وإن امتنع اعتصموا ببعض الجزائر وراسلوا السلطان ، فعادوا بعد بضعة وعشرين يوما وصحبتهم أثواب صوف بقيمة ثلاثة آلاف دينار .
وفيها حجب خوند جلبان زوج السلطان ، وكانت أمته فأعتقها وتزوجها وصيرها أكبر الخوندات ، وجهزها في هذه السنة تجهيزا عظيما ، وأرسل صحبتها جوهر اللالا وناظر الجيش ونصب فيالودك المتعلق بها على شاطئ النيل وكان امرا مهولا ، وسافروا بالمحمل من أجلها في 7 شوال ورحلوا به من البركة يوم الحادي والعشرين منه قبل العادة بثلاثة أيام .
وفي 12 ذي القعدة أوفى النيل ستة عشر ذراعا ، ونودي عليه بزيادة نصف ذراع بعد الستة عشر ، وذلك في تاسع عشري أبيب ، وقد تقدم في سنة خمس وعشرين انه أوفى في تاسع عشري أبيب أيضا ولكن بزيادة اصبعين على الستة عشر فقط ، وأوفى قبل ذلك في سنة ست عشرة آخر يوم من أبيب وهي من النوادر ، وافسد تعجيل الزيادة من الزروع التي بالجزائر شيئا كثيرا كالبطيخ والسمسم .
وفيها قدم الامير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك في ذي القعدة ، فأخبر أن نائب الشام اقام أياما محتجبا ، فأنكر عليه وسباي الحاجب الكبير فأجابه بالشتم والضرب والإهانة وخرج النائب إلى ظاهر البلد فأقام هناك ، فوقع الراي على رجوع ابن منجك بخلعة استمرار للنائب وأخرى للحاجب وأن يصلح بينهما ، فبادر وصحبته سودون ميق وهو يومئذ أمير آخور ثاني فاصلحا بينهما واستمر الحال ، واشتهر فيها وقوع زلزلة بالأندلس هدم بها من الأمكنة شيء كثير .وفيها نودي على الذهب بأن كل أشرفي بمائتين خمسة وثلاثين ومن خالف ذلك شنق في يده فاستمر على ذلك .
وفها قدم غادر بن نعير على السلطان مفارقا لاخيه قرقماس ، فأكرمه وأمره عوضا عن أخيه ، فلما رجع عصى وآذى بعض الناس ، فأرسل السلطان إلى نائب حلب ونائب حماة أن يركبوا عليه ، فبلغه ذلك فهرب وأحاطوا بما وجدوه من ماله .
وفيها أرسل شاه رخ قرايلك في طلب إسكندر بن قرا يوسف فواقعه ، فانهزم اسكندر وفر إلى بلاد الكرج فنزل بقلعة سلماس ، وبعث إليه شاه رخ عسكرا فقاتلوه إلى أن انهزم ونجا بنفسه جريحا ، فاتفق أنه وقع الغلاء ثم الوباء في عسكر شاه رخ فكر راجعا إلى بلاده .
وفي العشرين من ذي الحجة مات فارس الذي كان رأس المماليك المقيمين بمكة لكف أذى وكان غيره قد توجه عوضهمع الحاج ورجع هو مبشرا فمات في الطريق ، وتاخر قدوم المبشرين بسبب ذلك يومين عن العادة ، فقدموا في ثامن عشري ذي الحجة وأخبروا بالرخاء لكن كان الماء قليلا .
وفيات سنة 834
ذكر من مات في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم برهان الدين البلقيني الأصل المعروف بابن الظريف بالظاء المعجمة وتشديد التحتانية ، ولي نيابة الحكم بالحسنية في ولاية البلقيني ، ثم أضيفت إليه نيابة الحكم بالقاهرة ومصر وباشر مباشرة حسنة ، وكان حسن العشرة والمعاملة كثير الإسراف على نفسه - سامحه الله مات في يوم السبت ثاني عشر - شوال بعد مرض طويل .
أحمد الدوادار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأبتع ، مات يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة بالقاهرة .إسماعيل بن أبي الحسن بن علي بن محمد ، البرماوي الشافعي ولد في حدود الخمسين ، ودخل القاهرة قديما وأخذ عن المشايخ وسمع ، ومهر في الفقه والفنون ، وتصدى للتدريس ، وخطب بالجامع العمري بمصر ؛ مات في يوم الأحد الخامس عشر - نصف ربيع الآخر .
إسماعيل الرومي الطبيب الصوفي المقيم بالخانقاه البيبرسية ، كان يقرئ العربية والتصوف والحكمة ، وامتحن بمقالة ابن العربي ونهى مرارا عن إقرائها ، ولم يكن محمود السيرة ولا العلاج ، وكان من صوفية البيبرسية ؛ مات في تاسع شوال .
حمزة بن يعقوب ، الحريري الدمشقي ؛ مات في صفر .
شاهين الرومي المزي عتيق تقي الدين أبي بكر المزي ، وكان عارفا بالتجارة ، على طريقة سيده في محبة أهل الخير ، ووصاه على أولاده فرباهم ،ثم مات بالقولنج وهم صغار فأحيط بموجوده ، فيسر الله تعالى القيام في أمرهم مع السلطان إلى أن أسعدته ، فصار الذي لهم في ذمو شاهين ، وظهر لشاهين أخ شقيق ، فلما أثبت نسبه قبض ما بقي من تركة أخيه بعد مصالحة ناظر الخاص ؛ وكان موته في ثالث عشري ذي القعدة .
عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج ، المقدسي ثم الصالحي الشيخ شرف الدين ابن القاضي شمس الدين أخو القاضي تقي الدين ، ولد في ربيع الأول سنة خمسين ومات أبوه وهو صغير ، فحفظ المقنع ومختصر ابن الحاجب ، وأخذ عن بعض مشايخ أخيه وسمع الحديث ، وأجاز له عز الدين ابن جماعة وجمال الدين ابن هشام النحوي وغيرهما ، وسمعمن جده لأمه جمال الدين المرداوي وشرف الدين بن قاضي الجبل وغيرهما ، وافتى ودرس واشتغل وناظر وناب في الفضاء دهرا طويلا وصار كثير المحفوظ جدا ، وأما استحضار فروع الفقه فكان فيه عجبا مع استحضار كثير من العلوم ، وكان ينسب إلى المجازفة في النقل أحيانا وعليه مآخذ دينية ، وانتهت إليه رئاسة الحنابلة في زمانه ، وعين للقضاء غير مرة فلم يتفق ذلك ، وولي ابن اخيه في حياته وقدم عليه ؛ مات في ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة ، أرخه مؤرخ الشام وأرخه قاضي الحنابلة في خامس عشر شوال .
عبد الرحمن وجيه الدين بن الجمال ، المصري ، ولد بزبيد سنة وتفقه ، وتزوج بنت عمه النجم المرجاني ، وقطن مكة وأشغل الناس بها في الفقه واشتهر بمعرفته ؛ ومات في 17 رجب .عبد الرزاق بن سعد الدين تاج الدين إبراهيم ابن الهيصم ، كتب في الديوان المفرد ثم ولي الاستادارية بعد جمال الدين ، ثم ولي الوزارة في الدولة المؤيدية ونكب مرارا ؛ ومات في يوم الخميس العشرين من ذي الحجة .
عمر بن منصور ، الشيخ سراج الدين البهادري الحنفي ، ولد سنة بضع وستين ، واشتغل بالفقه والعربية والطب والمعاني وغير ذلك حتى مهر واشتهر ودرس وناب في الحكم ، وصار يشار إليه في فضلاء الحنفية وفي الأطباء ولم يكن محمود العلاج ؛ مات في العشر الثاني من شوال .
محمد ناصر الدين ابن أرغون ، المارداني القبيباتي ، ولد سنة خمسين وسبعمائة ، ونشأ في خدمة الأمراء من عهد آقتمر عبد الغني النائب وهلم جرا ، وولي الجيزة والحجوبية والأستادراية عند غير واحد ، وكان عارفا بالأمور ، وصحب الناس وعرف أخلاق أهل الدولة وعاشرهم ومازجهم ، ثم أقبل على الاشتغال بالفقه حتى صار يستحضر كثيرا منالمسائل الفقهية ، ويقرأ عنده في الروضة وغيرها ، ويكثر من مسايلة من يلقاه من العلماء ، وسمعت منه فوائد ولطائف ، وكان من جملة من ينتمي إلى أصهارنا بقرابة من النساء ؛ مات في رمضان .
محمد بن الأشراف برسباي محمد بن الحسن بن محمد ، الشيخ شمس الدين الحسني ابن أخي الشيخ تقي الدين الحصني ، اشتغل على عمه ولازم طريقته في العبادة والتجرد ، ودرس بالشامية وقام في عمارة البادرائية ؛ ومات في شهر ربيع الأول ، وكان شديد التعصب على الحنابلة .
محمد بن حمزة بن محمد بن محمد ، الرومي العلامة شمس الدين الحنفي المعروف بابن الفنري - بفتح الفاء والنون مخففا ، ولد في سنة 751 في صفر ، وأخذ ببلاده عن العلامة علاء الدين المعروف بالأسود شارحالمغني وعن الكمال محمد بن محمد المعري والجمال محمد بن محمد بن محمد الأقصرائي وغيرهم ولازم الاشتغال ، ورحل إلى الديار المصرية سنة ثمان وسبعين وله عشرون سنة ، فأخذ عن الشيخ أكمل الدين وغيره ، ثم رجع إلى الروم فولي قضاء برصا مدة ؛ ثم تحول إلى قونية فأقام بها ، فلما وقع الحرب بين ابن قرمان وابن عثمان وانكسر ابن قرمان أخذ ابن عثمان الشيخ شمس الدين المذكور إلى برها ففوض إليه قضاء مملكته وارتفع قدره عنده فوصل عنده المحل الأعلى وعذق به الأمور كلها وصار في معنى الوزير واشتهر ذكره وشاع فضله ، وكان حسن السمت كثير الفضل والإفضال غير أنه يعاب بنحلة بن العربي وبأنه يقرىء الفصوص ويقرره ، ولما قدم القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك ، وحج سنة اثنتين وعشرين ، فلما رجع طلبه المؤيد فدخل القاهرة واجتمع بفضلائها ، ولم يظهر عنه شيء مما كان رمي به من المقالة المذكورة ، وكان بعض من اعتنى به أوصاه أن لا يتكلم في شيء من ذلك ، فاجتمع به فضلاء العصر وذاكروه وباحثوه وشهدوا له بالفضيلة ، ثم رجع إلى القدس فزاره ، ثم رجع إلى بلاده وكان قد اثرى إلى الغاية حتى يقال إن عنده من النقد خاصة مائة وخمسين ألف دينار ، وكان عارفا بالقراآت والعربية والمعاني ، كثير المشاركة في الفنون ، ثم حج سنة ثلاث وثلاثين على طريق أنطاكية ورجع فمات ببلاده في شهر رجب وكان قد أصابه رمد وأشرف على العمى بل يقال إنه عمي ثم رد الله عليه بصره فحج هذه الحجة الأخيرة شكر الله على ذلك ، وله تصنيف في أصول الفقهجمع فيه المنار والبزدوي وغيرهما ، وأقام في عمله ثلاثين سنة ، وأقرأ العضد نحو العشرين مرة ، كتب لي بخطه بالإجازة لما قدم القاهرة .
محمد تقي الدين بن الشيخ نور الدين علي بن أحمد بن الأمين ، المصري ولد سنة ستين ، وتفقه قليلا ، وتكسب بالشهادة مدة طويلة ، وكان يحفظ شيئا كثيرا من الآداب والنوادر ، واشتهر بمعرفة الملح والزوائد المصرية وثلب الأعراض خصوصا الأكابر ، فكان بعض الأكابر يقربه لذلك ، ولم يكن متصونا في نفسه ولا في دينه - والله يسامحه مات في شوال .
محمد بن الناصر فرج - محمد بن محمد بن محمد بن محمد الحافظ - الإمام المقرئ شمس الدين ابن الجزري ، ولد ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 751 بدمشق ، وتفقه بها ، ولهج بطلب الحديث والقراآت ، وبرز في القراآت ، وعمر مدرسة للقراء سماها دار القرآن وأقرأ الناس ، وعين لقضاء الشام مرة ، وكتب توقيعه عماد الدين بن كثير ثم عرض عارض فلم يتم ذلك .وقدم القاهرة مرارا ، وكان مثريا وشكلا حسنا وفصيحا بليغا ، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمشن فاتفق أنه نقم عليه شيئا فتهدده ، ففر منه فنزل البحر إلى بلاد الروم في سنة ثمان وتسعين ، فاتصل بابي يزيد ابن عثمان فعظمه ، وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت وأكثروا عنه ، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللنكية ، فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللنك فعظمه وفوض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة ، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز ، وأخذ عنه أهل تلك البلاد في القراآت وسمعوا عليه الحديث ، ثم اتفق أنه حج سنة اثنتين وعشرين فنهب ففاته الحج وأقام بينبع ثم بالمدينة ثم دخل مكة ، فجاور إلى أن حج ورجع إلى العراق ، وكان كاتب المؤيد يأذن له في دخول القاهرة ، فمات المؤيد في تلك السنة فرجع ، ثم عاد في سنة ست وعشرين وحج ودخل القاهرة سنة 127 فعظمه الملك الأشرف وأكرمه وحج في آخرها وأقام قليلا ، ودخل اليمن تاجرا فاسمع الحديث عند صاحبها ووصله ورجع ببضاعة كثيرة ، فقدم القاهرة في سنة سبع وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة إلى أن وصل إلى شيراز ، وقد انتهت إليه رئاسة علم القراآت في الممالك ، وكان قديما صنف الحصن الحصين في الأدعية ولهج به أهل اليمن واستكثروا منه ، وسمعوه علي قبل أن يدخل هو إليهم ثم دخل إليهم فأسمعهم ، وحدث بالقاهرة بمسند أحمد ومسند الشافعي وبغير ذلك ، وسمع بدمشق وبمصر من ابن أميلةوابن الشيرجي ومحمود بن خليفة وعماد الدين بن كثير وابن أبي عمر وإبراهيم بن أحمد بن فلاح والكمال بن حبيب وعبد الرحمن بن أحمد البغدادي وغيرهم وبالإسكندرية من عبد الله الدماميني وابن موسى وببعلبك من أحمد بن عبد الكريم ؛ وطلب بنفسه وكتب الطباق وعني بالنظم ، وكانت عنايته بالقراآت أكثر ، وذيل طبقات القراء للذهبي وأجاد فيه ، ونظم قصيدة في قراءة الثلاثة ، وجمع النشر في القراآت العشر جوده ، وذكر أن ابن الخباز أجاز له واتهم في ذلك ، وقرأت بخط القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية انه سمع الحافظ أبا إسحاق إبراهيم سبط ابن العجمي يقول : لما دخلت دمشق قال لي الحافظ صدر الدين الياسوفي : لا تسمع مع ابن الجزري شيئا ؛ قلت : وقد سمعت بعض العلماء يتهمه بالمجازفة في القول ، وأما الحديث فما أظن ذلك به إلا إنه كان إذا رأى للعصريين شيئا أغار عليه ونسبه لنفسه ، وهذا أمر قد أكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به ؛ وكانت وفاته في أوائل سنة ثلاث وثلاثين ، وكان يلقب في بلاده الإمام الأعظم ، ولم يكن محمود السيرة في القضاء ، واوقفني فتأملتها فوجدته خرجها بأسانيده من جزء الأنصاري وغيره وأخذ كلام شيخنا العراقي في أربعينه العشاريات بنصه ، فكأنه استخرج عليهامستخرجا بعضه بالسماع وأكثره بالإجازة ، ومنه ما خرجه شيخنا من جزء ابن عرفة فإنه رواه عن ابن الخباز بالقراءة فأخرجه ابن الجزري عن ابن الخباز بالإجازة .
محمد جمال الدين ابن الشيخ بدر الدين يوسف بن الحسن بن محمود ، الحلواني ، قدم القاهرة سنة 34 فأكرم . ثم طلبه صاحب الحصن بن الاشرف فجهزه إليه ، فمات بمصر في هذه السنة ، وكان فاضلا في عدة علوم ، وما اظنه أكمل أربعين سنة .
محمد بن الشيخ بدر الدين ، الحمصي المعروف بابن العصياتي ، اشتغل كثيرا ، وكان في أول أمره جامد الذهن ثم اتفق أنه سقط من مكان فانشق رأسه نصفين ثم عولج فالتأم فصار حفظة ومهر في العلوم العقلية وغيرها ، وكان يرجع إلى دين وينكر المنكر ويوصف بحدة ونقص عقل ؛ مات في صفر - .
محمد بن ناصر الدين الشيخي ، تولى الوزارة للناصر ، ثم عزل في سنة أربع وثمانمائة ، وصودر بسبب انه ظهر عنده من يعمل الزغل ويخرجه على الناس ، فقبض عليه وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة . واستقر بعده في الوزارة سعد الله بن عطايا .محمود بن أحمد بن محمد ، الفيومي الأصل نور الدين الحموي ابن خطيب الدهشة ، ولد سنة خمسين وسبعمائة ، وسمع من جماعة وتفقه ببلده على علمائها في ذلك العصر ودخل الشام ومصر طالب علم ، ثم ولي قضاء حماة في أول دولة المماليك المؤيد وباشر مباشرة حسنة بعفة ونزاهة وصرف بزين الدين ابن الخزري في أوائل سنة ست وعشرين ، واختصر القوت للأذرعي وسماه لباب القوت ، وله تكملة شرح المنهاج للسبكي ، وشرح الكافية الشافية في العربية ، وله منظومة في الخط وشرحها ، وهذب المطالع لابن قرقور في قدر ضعفه وانتهت إليه رئاسة المذهب بحماة مع الدين والتواضع المفرط والعفة ، والانكباب على المطالعة والاشتغال والتصنيف ، وكان مشاركا في الأدب وغيره وحسن الخط ؛ مات في يوم الخميس تاسع عشر شوال بحماة ، وكانت جنازته مشهودة ، ومن نظمه :
وصل حبيبي خبر
لانه قد رفعه
ينصب قلبي غرضا
إذ صار مفعولا معه
وبينه وبين الشيخ بدر الدين ابن قاضي أذرعات مكاتبات منظومة .حوادث سنة 835
سنة خمس وثلاثين وثمانمائة
وفي تاسع عشر المحرم وصل الأمير طرباي نائب طرابلس فسلم على السلطان وخلع عليه ، فأقام خمسة أيام ورجع إلى بلده .
وفي شهر رمضان منها استقر دولات خجا الظاهري في ولاية القاهرة عوضا عن التاج ، واستقر التاج في بقية - وظائفه ، وكان هذا ظالما غاشما ، ولي كشف الوجه القبلي فتعدى الحد في العقوبة حتى كان يأمر بأن ينفخ في دبر من يريد عقوبته حتى تندر عيناه وينفلق دماغه ، ثم ولي كشف الوجه البحري ، ثم استقر في الولاية فجمع كل من في سجن الوالي من أولى الجرائم فأطلقهم ، وحلف جهد يمينه أنه متى ظفر بأحد منهم وسطه وفعل ذلك ببعضهم فكفوا ، وركب في الليل وطاف وأكثر من ذلك ، وألزم الباعة بكنس الشوارع ورشها ووقيد القناديل في حوانيتهم كل ليلة ، ومنع النساء من الخروج إلى الترب أيام الجمع ، فاستمر على ذلك قدر شهرين ثم أعيد التاج .
وفي الخامس من صفر انتشر بمصر جراد كثير في الآفاق ولكن لم يحدث منه شر ، ووردت الأخبار بأنه وقع فيما بين بغداد وتبريز فلم يدع خضراء وكثر فساده ، وعم الغلاء حتى حدث منه الشدائد وأعقبهالوباء المفرط ، وفيه أعيد آقبغا الجمالي لكشف الوجه القبلي ، وفي ربيع الآخر نزل بعض المماليك من الطباق لنهب بيت الوزير وكان استعد لهم فلم يظفروا به ولا بشيء منه ، فلما أصبح استعفى من الأستادارية ، فقرر السلطان فيها الصاحب بدر الدين بن نصر الله في ثالث عشري ربيع الآخر ، فباشرها شهرين ثم انفصل وأعيد آقبغا الجمالي في جمادى الآخرة ، وسبب ذلك أنه كان حصل من الصعيد بالظلم والعسف مالا كثيرا فرافعه بعض الناس فسعى في الحضور فأجيب ، فسعى في الأستادارية على أن يزن عشرة آلاف دينار ويلتزم بالتكفية فأجيب ، ثم حوقق على جهات احتاط عليها فزيد على الذي وعد به خمسة آلاف دينار فالتزم بها .
وفيها أجريت العيون حتى دخلت مكة فامتلأت برك باب المعلي ومرت على سوق الليل إلى الصفا فعم النفع بها ، وكان القائم على ذلك سراج الدين ابن شمس الدين بن المراق كبير التجار بدمشق ، وصرف على ذلك من مال نفسه شيئا كثيرا ، وفي السابع والعشرين من جمادى الآخرة صرف القاضي زين الدين التفهني من قضاء الحنفية وأعيد العيني ، وكانت علة التفهني طالت لأنها ابتدأت به من ذي الحجة ، فأقام مدة وعوفي ثم انتكس واستمر ، وتداولته الأمراض إلى أن أشيع موته ، واستقر في قضاء الحنفية بدر الدين العينتابي ، وبلغ التفهني ذلك فشق عليه وركب في اليوم الثاني إلى القرافة حتى شاهده الناس ليتحقق أن العينتابي يقول عليه أنه بلغ الموت لكن لم يفد ذلك فلما دخل شوال مات ، وكان مولده سنة بضع وستين . فإن القاضي شمس الدين البساطيذكر أنه يعرفه من سنة ثمانين وهو بالغ ، وكان في غضون مرضه نزل لولده شمس الدين محمد - عن تدريس الصرغتمشية ، فشق ذلك على العينتابي وقام فيه وقعد ، فصده ناظر الجيش عنه ، وأمضى السلطان النزول ، فلما مات التفهني صودر ولده على خمسمائة دينار ، وكان التفهني سمع الحديث من النجم ابن الكشك وغيره واشتغل على جماعة من المشايخ ، وأول من نوه به كاتب السر الكلستاني ، وكان أصله من تفهنة إحدى القرى الغربية وأبوه طحان ، ومات وهو صغير فرباه أخوه شمس الدين محمد ، فلما ترعرع دخل القاهرة ونزل في كتاب السبيل بالصرغتمشية ، ثم صار عريفا بالمكتب ، ثم نزل في الطلبة ثم نزل في طلبة الشيخونية ، فلما نوه به الكلستاني ناب في القضاء وحمدت سيرته ، ولازم الاشتغال وحسن خطه ، وكتب على الفتاوى فأجاد ، وكان حسن الأخلاق كثير الاحتمال شديد السطوة ، إذا غضب لا يطاق وإذا رضي لا يكاد يوجد له نظير - رحمه الله تعالى .
وفي شعبان صرف القاضي شهاب الدين بن المحمرة عن قضاء الشامواستقر كمال الدين البارزي وخلع عليه يوم الجمعة ثاني شعبان مع استمراره في كتابة سر الشام ، فلما بلغ الشام توجه إلى بيت المقدس فصام شهر رمضان هناك وقدم بعد شوال إلى القاهرة ، وكان لما سار إلى الشام استناب بدر الدين ابن الأمانة في تدريس الشيخونية وجمال الدين ابن المجبر في مشيخة الصلاحية ، فلما تمادت إقامته هناك استنجز مرسوم السلطان بالاستقلال ، فلما عاد إلى القاهرة استعاد الوظيفتين منهما بإذن السلطان ولم يلتفت إلى شرط الواقف أن من غاب عن وظيفته أزيد من مدة مجاورة الحاج أخرج منها ، وهذا بخلاف شرط سعيد السعداء فإن شرط واقفها أن من غاب عن وظيفته يعود إليها إذا عاد ولو طالت غيبته ، فحجة ابن الأمانة قائمة وحجة ابن المجبر داحضة .
وفيها وصل من زنوك الصين عدة ومعهم من التحف ما لا يوصف فبيع بمكة ، وفيها أسر حمزة بن قرايلك صاحب آمد ، ساره ناصر الدين أمير ماردين وسجنه ، لأن أباه كان يغير على معاملة مادرين ويكثر الفساد ، فسار قرايلك حتى نازل ماردين وحاصرها مدة إلى أن ملكه ، وهرب ناصر الدين أميرها وخلص حمزة بن قرا يلك ، واستمرتماردين في يد قرايلك .
وفي رجب قدم نائب الشام أيضا مطلوبا فوصل في حادي عشري رجب وخلع عليه في ثاني عشري رجب ، واستقر أتابك العساكر عوضا عن جار قطلي وخلع على جار قطلي بنيابة الشام عوضه ، وتوجه في أول شعبان منها .
وفيها صمم السلطان على السفر إلى البلاد الشمالية بسبب قرا يلك وتجهز غالب الناس ولم يبق إلا السفر ، فقدم قاصد قرا يلك وصحبته مفاتيح قلعة ماردين وكان قد غلب عليها وقتل صاحبها ، ففتر العزم في هذه السنة .
وفيها أراد السلطان عمل دار العدل كما كانت في أيام الظاهر برقوق ، فبادروا إلى ترميمها وإصلاح ما تشعث منها ، وجلس يوما ثم ترك . وفيها حج ركب المغاربة وركب التكرور ومعهم بعض ملوكهم . وفيها اشتد تحجير السلطان على التجار وألزمهم بعدم بيع بضائعهم إلا بإذنه ، ثم جمعهم في رمضان وسألهم أن يبيعوا عليه جميع ما عندهم من الفلفل بسعر خمسين الحمل ، فشق عليهم ولم يجدوا بدا من المطاوعة وكانوا قد باعوه عليهم من قبل السلطان قبل ذلك بسعر ثمانين ، فذكر له بعضهم ذلك فلم يلتفت إليه ، ثم كتب مراسيم وأرسلت الشام والحجاز والإسكندرية أن لا يبيع أحد البهار ولا يشتريه إلا السلطان ، وفيذي القعدة عقد مجلس حضره القضاة الأربعة وقرقماس الحاجب الكبير بإذن السلطان بسبب ما حكم به نائب الحنفي من هدم دار ابن النقاش . وكان السبب في ذلك أن علم الدين البلقيني كان سأل ناظر الجيش أن يتنزع له من كاتبه نظر جامع طولون ونظر الناصرية ليسكت عن طلب العود للقضاء والسعي فيه ، فرضي كاتبه بذلك وفوض له ذلك وأخذ به توقيعا سلطانيا ، فمن حمقه أنه هنأ السلطان بعيد الفطر فسأله عن أمر النظرين فشكر السلطان فقال له : ينبغي أن يشكر القاضي الذي أعطاك ، فقال : أنا ما أعطاني إلا السلطان ، وهذا غاية في الحمق والجهل ، فإن الواقف شرط النظر للقاضي الشافعي فلو ولاه السلطان لغيره لم تصح ولايته ، فلما بلغني ذلك صرحت بعزله ، فما بالي بذلك واستمر يتحدث فيهما افتياتا من غير مبالاة ، فلا استمر على التحدث في جامع طولون استخرج من أوراق أخيه محضرا كان كتبه على ابن النقاش يتضمن أن أمين الدين الطرابلسي حيث كان قاضي الحنفية حكم عليه بسد السراب الذي فتحه في جدار الجامع ليستطرق منه إلى الدخول وان البيت الذي بناه من جملة حريم الجامع فيكون له حكم المسجد ، وسأل القاضي بدر الدين العينتابي أن يأذن لأحذ نوابه أن يحكم بذلك ، فأسند ذلك للقاضي ناصر الدين الشنشي ، فحكم وعرض ذلك على السلطان ، فاستعظم الناس هدم البيت المذكور بعد مضي أربعين سنة أو أكثر ، وشاهد ذلك أكابر العلماء والأئمة ، فأمر السلطان بعقد مجلس ، فلما اجتمعوا ادعى مدعي على ولد ابن النقاش بأن البيت في أيديهم يجب هدمه ، لأنه عمر في حريم الجامعفله حكم المسجد ، وأنه يجب عليهم أجرة المثل عن المدة الماضية في تركة أبيهم إلى أن مات ثم في المدة التي منذ مات يجب من ريعه ، فأجاب بأن أباه استأذن القاضي جلال الدين البلقيني في استئجار المذكورة فأذن لنائبه القاضي ولي الدين العراقي في النظر في ذلك فاستوفى الشروط وأذن لبعض العدول في إجارته فأجره بأجرة معينة - مدة معينة ليبني في ذلك الزمان ما أراد واتصل ذلك بالعراقي وحكم به ، وذلك مصير منهم إلى أن الأرض المذكورة ليست مسجدا ؛ فاتصل ثبوت ذلك بالقاضي المالكي في المجلس لكونها شهادة على الخط ثم اتصل بالشافعي ، فحكم بابقاء البناء المذكور وعدم التعرض لهدمه ، وكان ابن النقاش قد سد الإستطراق المذكور فحاول العلم أن يهدم ما سده ثم يبني ، فلم يوافقه أحد ، وانفصل المجلس على ذلك وقصر حكم نائب الحكم بأن الساحة المذكورة الدائرة حول الجامع من حريم الجامع وأن لها حكم الجامع على ما بناه فيه مما لم يتقدم به حكم أحد من الحكام ، وحصل للعلم والحنفي من ذلك حنق زائد ، فأما العلم فبذل جهده في السعي ليعود إلى القضاء فتعذر عليه ذلك ، وأما الحنفي فصار يمتنع من حضور المجالس معالشافعي ولله الحمد .
وأدير المحمل في هذه السنة في ثالث رجب ، وفي هذه السنة منع الناس من السفر في وسط السنة إلى الحجاز صحبة ابن المرأة خشية عليهم من نهب العرب ، وكان كسر الخليج في الخامس من مسرى ، وانتهت الزيادة في هذه السنة إلى أحد وعشرين إصبعا من ثمانية عشر ذراعا في آخر مسرى ، ووصل المبشر يوم الجمعة خامس عشرى ذي الحجة ، فقطع المسافة في أربعة عشر يوما ، وهذا أسرع ما سمع في ذلك .
وفي سابع عشر شعبان وهو الثالث والعشرون من برموده أرعدت السماء وأمطرت مطرا غزيرا ، في هذه السنة تقطع غالب الجسور التي عملت للنيل ، فشرق بسبب ذلك كثير من الأراضي ، وفي أول رمضان تراءى الناس الهلال فخفى عليهم ، فشهد به إثنان بعد العشاء فثبت ، فلما أصبح السلطان استغرب ذلك لكونه تراءى هو ومن معه ومكانهم بالقلعة مرتفع جدا وكانت السماء صاحية ، فاستدعى بالشهود فحضروا عنده ، فامتحنهم بأن فرق بينهم وبأن ألزمهم أن يشيروا إلى الجهة التي رأوا الهلال فيها في أول ليلة ، ففعلوا فلم يخطئوا فمضى الأمر ، واتفق في هذه السنة أنهم لم يروا الهلال ليلة الترائي ، ثم ثبت في اليوم الثاني من ذي الحجة ، فتوافق العيدان في المعنى المذكور ، وفيه أكثر السلطان من الركوب إلى الصيد والتنزه حتى ركب في يوم واحد إلى بيت ناظر الجيشثم إلى بيت ناظر الخاص فحملا له تقادم جليلة ، وفيه استقر الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخات في كتابة السر مضافا للوزارة في ثالث شوال عوضا عن ابن السفاح ، وكان السلطان أرسل إلى شهاب الدين ابن الكشك قاضي الحنفية بدمشق بأن يحضر ويستقر في كتابة السر ، فأرسل بالإعتذار وبذل مالا على الكف عنه ، فأجيب واستقر كريم الدين ، فباشر قليلا ثم صرف بعد قليل لما حضر ابن البارزي ، وفي ذي القعدة استقر القاضي عز الدين عبد العزيز بن علي البغدادي في قضاء الحنابلة بدمشق وفي أواخر جمادى الأولى صرف العينابي من الحسبة ، واستقر صلاح الدين بن بدر الدين بن نصر الله .
وفي شوال قتل نصراني وقع في حق داود عليه السلام فحبس مدة ليسلم فأصر فقتل .
وفي هذه السنة ثارت فتنة عظيمة بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق ، وتعصب الشيخ علاء الدين البخارى نزيل دمشق على الحنابلة وبالغ في الحط على ابن تيمية وصرح بتفكيره ، فتعصب جماعة من الدماشقة لابنتيمية ، وصنف صاحبنا الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين جزءا في فضل ابن تيمية وسرد أسماء من أثنى عليه من أهل عصره فمن بعدهم على حروف المعجم مبينا لكلامهم وأرسله إلى القاهرة ، فكتب له عليه غالب المصريين بالتصويت ، وخالفوا علاء الدين البخارى في إطلاقه القول بتفكيره وتفكير من أطلق عليه أنه شيخ الإسلام ، وخرج مرسوم السلطان على أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره ومن أظهر شيئا مجمعا عليه سمع منه ، وسكن الأمر ؛ واستقر جارقطلي في نيابة الشام في ثامن عشرى رجب ، وفيه ألزم أهل سوق الخيل أن لا يبيعوا لمعم فرسا ولا لجندي من أولاد الناس ، ثم بطل ذلك عن قرب ، وفيه وقع الفناء في الخيول ، فأخذت الناس من الربيع ثم شفع فيهم فأعيد أكثرها ، وتوجه عدة من الأمراء إلى بلاد الريف لأخذ الخيول من أيدي الفلاحين .
وفي ثالث ربيع الآخر أمر السلطان بإخراج من في السجون على الديون والمصالحة عنهم ، وفي أولها اهتم السلطان بأمر الأسعار وأمر بإخراج البذر من حواصله للأراضي البائرة ، فكثر الزرع وفرح الناس بذلك وتراجع السعر . وفيها مات جينوس بن ثاني الفرنجيمتولي قبرس الذي كان أسر ، ووصل الخبر بذلك في ذي القعدة ، واستقر ولده مكانه فبذل الطاعة لصاحب مصر والتزم بما كان أبوه التزم به وأرسل مع رسل السلطان إليه بذلك أربعة وعشرين ألف دينار وكان السلطان الأشرف جهز إلى جوان ابن جينوس الفرنجي متولي قبرص رسولا ، فقابله بالإكرام وقبل الأرض قائما أمام الكتاب وأجاب بالطاعة وأنه نائب عن السلطان ، وجهز المال الذي كان تأخر على والده وجهز سبعمائة ثوب صوف ملونة ، وسألوا السلطان أن يكون عندهم نائب من جهته ، فأرسل إليهم أميرا ومعه أربعون مملوكا .
وفيها اشتهر خراب الشرق من بغداد إلى تبريز ، وكثر الغلاء حتى بيع الرطل اللحم بنصف دينار ، وأكلوا الكلاب والميتات ، ثم فشا الوباء في العراق والجزيرة وديار بكر . وفيها أمر القضاة بإحضار جميع نوابهم إلى السلطان ليعرفهم ، ففعلوا ذلك في أول ذي القعدة ، ثم أمروا بتأخير النواب ، فسألهم السلطان عن النواب فوقع الكلام إلى أن قال السلطان : يستقر للشافعي خمسة عشر وللحنفي عشرة وللمالكي سبعة وللحنبلي خمسة ، فامتثلوا ذلك ثم قال : لا يستنب أحد من غير مذهبه بالقاهرة وأما الضواحي فيستنيب الشافعي عز الدين الحنبلي في قضاء الشام عوضا عن نظام الدين ابن مفلح .حوادث سنة 835
ذكر من مات في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن إسماعيل ، الأشيطي الشيخ شهاب الدين ، تفقه قليلا ، ولزم قريبه الشيخ صدر الدين الأبشيطي ، وأدب جماعة من أولاد الأكابر ، ولهج بالسيرة النبوية فكتب منها كثيرا إلى أن شرع في جمع كتاب حافل في ذلك ، وكتب منه نحوا من ثلاثين سفرا يحتوي على سيرة ابن إسحاق وما وضع عليهما من كلام السهيلي وغيره وعلى ما احتوت عليه المغازي للواقدي ، وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد بن كثير وغير ذلك ، وعنى بضبط الألفاظ الواقعة فيها ؛ ومات في سلخ شوال وقد جاوز السبعين .
أحمد بن صالح بن محمد بن محمد بن أبي السفاح ، شهاب الدين ابن السفاح كاتب السر بحلب ثم بالديار المصرية ، ولد سنة 72 ، وسمع من الكمال ابن حبيب وجماعة من الحلبيين ، وحفظ القرآن . وتعانى الكتابة في التوقيع إلى أن مهر فيه ، وولي نظر الجيش بحلب ، فباشر التوقيع عند يشبك بعد أخيه ناصر الدين ، ثم ولي كتابة السر بصفد ثم بحلب مرتين ،ثم قدم القاهرة واستقر في توقيع السلطان قبل سلطنته ، فلما تسلطن استقر به كاتب السر ابن الكوين في كتابة السر ببلده بحلب إرادة للراحة منه ، فتوجه إليها بعد أن كان يباشر توقيع الدست مدة ، فلما كان من وفاة الشريف شهاب الدين كاتب السر ما كان وتبعه أخوه أو بكر شغرت وظيفة كاتب السر وذكر لها جماعة ، فاقتضى رأي السلطان تقرير هذا فأرسل إليه ، فقدم في شهر رمضان سنة ثلاث من حلب ، واستقر في أواخره ، واستمر فيها إلى أن وعك في شهر رمضان هذه السنة فلم يلبث سوى خمسة أيام ومات . وكان قليل الشر غير مهاب ضعيف التصرف قليل العلم جدا ، وكان السلطان يمقته في طول ولايته مع استمرار خدمته له ببدنه وماله ، ويقول إنه أزعجه بشئ هدده به فضعف قلبه من الرعب ومات منها ؛ قال القاضي علاء الدين : هو أخي من الرضاعة وكان صديقي وفيه حشمة ومروءة وعصبية وقيام في حاجة من يقصده ؛ ومات في ليلة الأربعاء 14 رمضان عن ثلاث وستين ، وعينت بعده للقاضي شهاب الدين ابن الكشك قاضي الحنفية بدمشق فعاد جوابه بالإستعفاء فعيب عليه ، والتزم بمال يحمله بسبب الإعفاء ، وعين القاضي كمال الدين البارزي ، فإلى أن يحضر استقر الوزير كريم الدين مضافا إلى الوزارة ، واستقر في الأستادارية آقبغا الجمالي إلى أن قدم جمال الدين .أحمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن العلامة جمال الدين بن هشام ، المصري النحوي شهاب الدين ، اشتغل كثيرا بمصر ، وأخذ عن الشيخ عز الدين ابن جماعة وغيره . وفاق في العربية وغيرها ، وكان يجيد لعب الشطرنج ، وانصلح بأخرة ، وسكن دمشق فمات بها في رابع جمادى الآخرة .
أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله ، الحنفي ابن الكلواتاني الشيخ شهاب الدين ، ولد في شهر رمضان سنة ست وستين وسبعمائة ، وأجاز له قديما القاضي عز الدين ابن جماعة ، وأحب الحديث بعناية صديق أبيه شمس الدين ابن الوفاء فسمع وهو مترعرع منه الكثير ، ثم طاف على الشيوخ في سنة تسع وتسعين وسبعمائة وهلم جرا إلى أن مات ، ما فتر ولا ونى ولكنه لم ينجب ولم ينتقل عن الحد الذي ابتدأ فيه في الفهم والمعرفة والحفظ والقراءة درجة بل كان شديد الحرص على الاشتغال في الحديث والفقه والعربية والقراآت ، وأعلى من عنده بالسماعناصر الدين محمد بن علي الحراوي صاحب الدمياطي ، وسمع من أصحاب ابن الصواف وابن القيم ثم من أصحاب أصحاب النجيب ثم من أصحاب أصحاب الفخر ثم من أصحاب ست الوزراء وابن الشحنة والواني والدبوسي والحنفي ثم من بعدهم حتى قرأ على أقرانه ومن سمع بعده ، وخرج لنفسه شيئا لم يكمله ، وشرع في اختصار تهذيب الكمال فكتب منه شيئا وتركه ، ونسخ بخطه من تصانيف شيوخنا ثم من تصانيف أقرانه كالقاضي ولي الدين وكاتبه وغيرهما شيئا كثيرا ، وخطه ردئ وفهمه بطئ ولحنه فاشي لكنه كان دينا خيرا كثير العبادة ، على وجهه وضاءة الحديث ، وكان في أكثر عمره متقللا من الدنيا حتى كان يتكسب بالشهادة ، ثم قرر في قراءة الحديث في القلعة بأخرة بعد الشيخ سراج الدين قارئ الهداية ، ومات في 14 جمادى الآخرة .
جينوس بن جاكم بن بيدو بن أنطون بن جينوس متملك قبرس وصاحب الواقعة مع المسلمين ، هلك واستقر ابنه في قبرس بعده .
حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس ، آخر ملوك العراق من ذرية أويس ، وكان اللنك أسره وأخاه حسنا ، وحملهما إلى سمرقند ثم أطلقا ، فساحا في الأرض فقيرين مجردين ، فأما حسن فاتصل بالناصر فرج وصار في خدمته ومات عنده قديما . وأما حسين فتنقل في البلاد إلى أندخل العراق فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس وكان أبوه صاحب البصرة فمات فملك ولده شاه محمد ، فصادفه حسين قد حضره الموت فعهد إليه بالمملكة فاستولى على البصرة وواسط وغيرهما ثم حاربه أصبهان شاه بن قرا يوسف ، فانتمى حسين إلى شاه رخ بن اللنك ، فتقوى بالانتماء إليه وملك الموصل واربل وتكريت وكانت مع قرا يوسف ، فقوي اصبهان شاه واستنقذ البلاد وكان يخرب كل بلد ويحرقه - إلى أن حاصر حسينا بالحلة منذ سبعة أشهر ، ثم ظفر به بعد أن أعطاه الامان فقتله خنقا في ثالث صفر هذه السنة .
خالد بن قاسم بن محمد ، العاجلي ثم الحلبي زين الدين ، ولد في رمضان سنة 753 ، ولازم القاضي شرف الدين بن فياض وولده أحمد ، واخذ عن شمس الدين ابن اليانونية ، وأحب مقالة ابن تيمية ، وكان من رؤوس القائمين مع أحمد بن البرهان على الظاهر ، وهو آخر من مات منهم ، وتنزل بالآثار النبوية ، وكان قد غلب عليه حب المطالب فمات فلم يظفربطائل ، ونزله المؤيد بمدرسته في الحنابلة ؛ ومات في ثالث ذي الحجة .
عبد الله بن نور الدين محمد بن قطب الدين عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث ، البهنسي قطب الدين ، ويقال له أيضا جمال الدين ، ولد في رجب سنة 755 ، واشتغل وسمع الحديث وقال الشعر وكان موسرا لكنه كان كثير التقتير على نفسه جدا وأصيب في عقله بأخرة وأكمل الثمانين ؛ مات في شهر رمضان . قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي : أنشدني جمال الدين البهنسي لنفسه :
إذا الخل قد فاجاك بالهجر فاسطبر
وسامح له واغفر بنصح وداره
فإن عاد فاقتله ولا تذكر اسمه
فحول طريق القصد عن باب داره
عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم ، التفهني القاضي زين الدين الحنفي ، ولد سنة بضع وستين ، وسأل اخاه شمس الدين أحد من ينوب في الحكم عن النائب بها عن مولده فذكر أنه ولد سنة 43 وأنه أسن من القاضي زين الدين بعشرين سنة ، ولست أرتاب في مجازفتهفي كل ذلك ، ومات أبوه وهو صغير فانتقل إلى القاهرة وهو شاب ، وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش ، ثم ترقى إلى أن صار عريفا وتنزل في الطلبة هناك ، ولازم الاشتغال ودار على الشيوخ فمهر في الفقه والعربية وجاد خطه وشهر اسمه وخالط الأتراك وصحب بدر الدين محمود الكلستاني كاتب السر فاشتهر ذكره ، وناب في الحكم عن الطرابلسي ثم عن ابن العديم كمال الدين ونوه به كمال الدين عند الأكابر ، وكان قد تقرر في طلب الشيخونية كمال الدين مشيختها فصار من أفاضلهم ، وولي تدريس الصرغتمشية بعناية ابن العديم بعد أن تنازع فيها هو والشيخ شرف الدين التباني ، وحصرها التباني ثم انتزعها منه ، وتزوج فاطمة بنت شهاب الدين المحلي كبير التجار بمصر ثم انتزعها منه ، وسعى في قضاء الحنفية بعد موت ناصر الدين ابن العديم ، وراج أمره ثم لم يتم ذلك وولي شمس الدين بن الديري ، ثم لما قرر المؤيد الديري في مشيخة المؤيدية فوض إليه قضاء الحنفية في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين فباشره مباشرة حسنة ، وكان حسن العشرة ، كثير العصبية لأصحابه ، عارفا بأمور الدنيا عارفا بمخالطتهم ، على أنه يقع منه في بعض الأمور لجاج شديد يعاب به ولا يستطيع أن يتركه ، وصرف عن القضاء في سنة تسع وعشرين وبالعيني ، ثم أعيد في سنة ثلاث وثلاثين ، ثم صرف قبل موته في جمادى الآخرة ؛ ومات تاسع شوال ، وقد انتهت إليه رياسة أهل مذهبه ، ويقال إن أم ولده دست عليه سما ، لأن زوجته لما ماتت ظنت أم ولده أنها تنفرد به ، فتزوج امرأة وأخرج الأمة فحصلتلها غيرة ، والعلم عند الله تعالى - والله يسامحه .
عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد ، المغربي الأصل البصروي زين الدين ، قدم دمشق فاشتغل بالفقه والعربية والقراآت وفاق في النحو ، وشغل الناس وهو بزي أهل البر ، وكان قانعا باليسير حسن العقيدة ، موصوفا بالخير والدين ، سليم الباطن ، فارغا من الرياسة ؛ مات في 4 جمادى الآخرة .
عيسى بن محمد بن عيسى ، الأقفهسي شرف الدين أحد نواب الحكم ، تفقه وعرف كثيرا من الفروع وكان يستحضرها ، وناب في الحكم مدة طويلة ؛ ومات في جمادى الآخرة ، ولم يكن مشكورا ، وأظنه جاوز الثمانين وكان يذكر أنه حضر درس الشيخ جمال الدين الأسنوي ثم لازم شيخنا البلقيني وقرأ عليه في تاج الأصول ، ورأيت خطه له بذلك ، وفيه أنه أذن له في التدريس ، وفيه إلحاق الفتوى بخط شرف الدين نفسه الذي لا يخفي فوق قشط ، وكانت إجازة الشيخ له في سنة 75 ، فعاش بعدها ستين سنة ، وكان يذكر أنه ناب في الحكم في بعض البلاد عن البرهان ابن جماعة - سامحه الله تعالى .
محمد بن سعد الدين ، جمال الدين ، ملك الحبشة المسلمين ، قتل في جمادى الآخرة ، وكانت ولايته بعد فقد أخيه منصور في سنة ثمان وعشرين ، وكان شجاعا بطلا مديما لجهاد وكان عنده أمير يقال له حرب جوس ، كان نصرانيا فأسلم فحسن إسلامه ، وكان لا يطاق في القتال ، فهزم الحبشة الكفار مرارا وأنكأ فيهم ، وغزاهم جمال الدين مرة ومعه حرب جوسفغنم غنائم عظيمة حتى بيع الرأس الرقيق بربطة ورق ، وانهزم منهم مرة الحطي صاحب الحبشة ، ولم يزل جمال الدين على طريقته في الجهاد حتى ثار عليه بنو عمه فقتلوه في هذه السنة ، وكان من خير الملوك دينا ومعرفة وقوة وديانة ، وكان يصحب الفقهاء والصلحاء ، وينشر العدل في أعماله حتى في ولده وأهله ، ومن جملة سعده هلالك الحطي إسحاق بن داود بن سيف أرغد في أيامه في سنة ثلاث وثلاثين ، وأقيم بعده اندراس ، واسلم على يد جمال الدين خلائق من الحبشة ، واستقر بعده في مملكة المسلمين أخوه شهاب الدين أحمد ويلقب بدلاي ، فأول ما صنع جد حتى وجد قاتل أخيه فاقتص منه .
محمد أبو عبد الله بن صاحب المغرب أبي فارس عبد العزيز ، مات وكان ولي عهد أبيه ، وأسف عليه أبوه أسفا كثيرا ، وكان موصوفا بالشهامة ومكارم الأخلاق ، لا يعرف له صبوة إلا في الصيد ، وكان أبوه قد تخلى له عن الملك غير مرة فيمتنع ويبالغ في الامتناع ، فقدرت وفاته بطرابلس المغرب بزاويته التي أنشأها هناك ، وكثر الأسف عليه ، ويقال إنه كان مغرما بالجواري ، وكان أبوه يعرف ذلك فكان يقول له : إياك والنساء ويكرر ذلك في المجلس حتى يخجله ولا يرتدع ، وكان حدث له ورم في ركيتيه ، فكان أبوه يخشى عليه من كثرة الجماع . فقدر أن وفاته كانت بسبب ذلك فيما يقال .
محمد بن ناصر الدين محمد بن محمد ، الحافظ تاج الدين الكركي ابنالغرابيلي سبط العماد الكركي ، ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة حيث كان جده لامه ونقله أبوه إلى الكرك حيث عمل إمرتها ، ثم تحول به إلى القدس سنة سبع عشرة ، فاشتغل وحفظ عدة مختصرات كالكافية لابن الحاجب والمختصر الأصلي والإلمام والألفية في الحديث ، ولازم الشيخ عمر البلخي فبحث عليه في العضد والمعاني والمنطق ، وتخرج أيضا بنظام الدين قاضي العسكر وبابن الديري الكبير ، ومهر في الفنون إلا الشعر ، ثم أقبل على الحديث بكليته فسمع الكثير وعرف العالي والنازل ، وقيد الوفيات وغيرها من الفنون ، وشرع في شرح على الإلمام ، وذكر لي بعض اصحابه أنه أقبل على الحديث من سنة خمس وعشرين ، فأقبل لي النظر في التواريخ والعلل ، وسمع الكثير ببلده ، ورحل إلى دمشق ورحل إلى القاهرة فلازمني إلى أن حرر نسخته من المشتبه غاية التحرير ، واغتبط به الطلبة لدماثة خلقه وحسن وجهه وفعله ، وقدرت وفاته في جمادى الآخرة بعد أن هم بالحج صحبة ابن المرأة فلم يتهيأ له ذلك ، ووعك إلى إن مات وكان من الكملة فصاحة لسان وجرأة ومعرفة وقياما مع أصحابه ومروءة وتوددا وشرف نفس وقناعة باليسيروإظهارا للغني مع قلة الشيء ، وقد عرض عليه كثير من الوظائف الجليلة فامتنع واكتفى بما كان يحصل له من شيء كان لأبيه ، وكان الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما يبلغهم من جميل أوصافه ، فيمتنع إلا أن يكون الكبير من أهل العلم - رحمه الله تعالى .
يحيى بن عبد الله ، القبطي علم الدين أبوكم ، باشر نظر الأسواق ثم ولي الوزارة في دولة الناصر فرج ، ثم خمل وحج وجاور بمكة مرة - إلى أن مات في 22 رمضان بالقاهرة وقد جاوز السبعين ، وكان إسلامه حسنا .
حوادث سنة 836
سنة ست وثلاثين وثمانمائة
في المحرم حولت السنة الخراجية على العادة ، وكان أول السنة الخراجية ثاني يوم المحرم ، وكان أوله يوم الجمعة فأول السنة الخراجية يوم السبت ، وكان الذهب الأشرفي حينئذ بمائتين وسبعين ، وانتهت زيادة النيل إلى خمسة أصابع بعد العشري ، وفي السادس والعشرين منه غضب السلطان على آقبغا الجمالي الأستادار وضربه بحضرته عدة مقارع ونحو ثلاثمائة عصا على ما قيل ، وأنزل على حمار إلى بيت والي الشرطة وأعيدت الاستادراية إلى الوزير ، وانفصل من ولاية كتابة السر ، وكوتب جمال الدين محمد بن ناصر الدين محمد البازري وكان قد استقر قاضيالشافعية ليلى كتابة السر ، فوصل في أول الجمعة تاسع عشر ربيع الأول ، ولم يلبث حتى حمل المال الذي قرر عليه بسبب ذلك ، وخلع عليه في يوم السبت العشرين منه ، وقرئ تقليده في يوم الخميس ثامن جمادى الأولى ، فلم يقم إلا قليلا حتى تحرك السلطان للسفر إلى الشام فخرج معه ، واستقر في قضاء دمشق صهره بهاء الدين ابن حجي ، وعرضت كتابة السر على شهاب الدين ابن الكشك ، فاعتذر بضعف بصره ، فقرر فيها تاج الدين عبد الوهاب بن أفتكين وكان أحد الموقعين بها ويتوكل عن كاتب سر مصر ابن مزهر ، وكان الشتاء في هذه السنة معتدلا بحيث لم يقع به برد شديد سوى أسبوع ، وبقيته يشبه مزاجه فصل الربيع في الاعتدال ، وفي هذا الشهر أظهر السلطان الجد في التوجه إلى بلاد الشمال ، وأعلم الناس بذلك فتجهزوا ، وفي حادي عشر جمادى الآخرة أنفق على العسكر ثم أنفق في - المماليك السلطانية والأمراء في سلخ جمادى الآخرة - وهم ألف وسبعمائة .
وفي ربيع الأول استقر محيي الدين يحيى بن حسن بن عبد الواسع الحيحاني المالكي في قضاء دمشق عوضا عن الشهاب الأموي بحكموفاته ، وفي ثاني عشر شهر رجب أدير المحمل المكي بغير زينة ولا سوق الرماحة ولا رمي النفط ولم يصل المحمل إلى مصر على العادة بل رجعوا به من الصليبية .
وفيها حج صاحب التكرور في جمع كثير ، فلما رجع من الحج سار إلى الطور ليركب البحر ، فمات ودفن بالطور .
وفي رجب كائنة القاضي سراج الدين الحمصي بطرابلس مع الشيخ شمس الدين ابن زهرة شيخ الشافعية بطرابلس ، وذلك أنه بلغه ما وقع بين علاء الدين البخاري والحنابلة في أمر الشيخ تقي الدين ابن تيمية وأن البخاري أفتى بأن ابن تيمية كافر وأن من سماه شيخ الإسلام يكفر ، فاستفتى عليه بعض من يميل لابن تيمية من المصريين فاتفقوا على تخطئته في ذلك وكتبوا خطوطهم ، فبلغ ذلك الحمصي فنظم قصيدة تزيد على مائة بيت بوفاق المصريين ، وفيها أن من كفر ابن تيمية هو الذي يكفر ، فبلغ ذلك ابن زهرة فقام عليه فقال : كفر القاضي ، فقام أهل طرابلس على القاضي وأكثرهم يحب ابن زهرة ويتعصب له ، ففر الحمصي إلى بعلبك وكاتب أهل الدولة ، فأرسلوه له مرسوما بالكف عنه واستمراره على حاله ، فسكن الأمر .
وفي صفر استقر في نيابة البحيرة حسن بك بن سالم الدكري أحد أمراء التركمان ، وخلع عليه وأمر له بمائة قرقل ومائة قوس ومائة تركاش وثلاثين فرسا ، وفي أواخره ضربت رقبة نصراني كان أسلم خوفامن الوالي لأنه ظفر به مع امرأة مسلمة ثم بدا له بعد ثلاثة أيام فارتد ، فقتل فأحرقت جثته ، وفي سابع عشر جمادى الآخرة أعيد دولات خجا إلى ولاية القاهرة .
ذكر السفرة الشمالية في يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب
وهو أول يوم نزلت فيه الشمس الحمل رحل السلطان من الريدانية قبل صلاة الجمعة بقدر نصف ساعة ، فصلينا الجمعة بالقاهرة وسرنا فبتنا مع العسكر بالعكرشة ، ورحل سحرا فوصل بلبيس قبل الظهر ، ورحل طلوع الفجر فنزل الحطارة بعد الظهر ، ورحل نصف الليل فوصل الصالحية بعد طلوع الشمس يوم الاثنين ، ثم رحل منها في ثالثة الثلاثاء إلى الغرابي فنزلها بعد العشاء بكثير فقطع أربعة برد : بتر الوالي ثم العقولة ثم بتر حبوة ثم الغرابي ، ورحل يوم الأربعاء وقت الزوال فوصل قطيا بعد العصر والأثقال بعد المغرب ، وأقام إلى أن رحل منها بكرة الجمعة فوصل السوادة بعد العشاء ، وهي ثلاث برد - : معن ثم المطيلب ثم السوادة ، ثم رحل قبل طلوع الشمس فوصل إلى العريش بعد العشاء وهي ثلاثة برد الورادة ثم برد ويل فبات بالعريش ليلة الأحد ورحلفي الثالثة إلى الحروبة ثم الزعقة قبل المغرب ، ثم رحل بعد نصف الليل أول يوم من شعبان فاجتاز على رفخ ثم خان يونس ثم نزل خارج غزة ، ثم دخلها وقت العصر سلخ رجب فدخلها - في موكب عظيم فبات خارجها إلى جهة الشام ، وسلمنا على السلطان يوم الثلاثاء وهنأناه بالسلامة وبالشهر ، وكان ثبت عندهم يوم الاثنين ، وحصل من الجند في زرع الناس فساد كبير ، وأقام بها ليلة الخميس فرحل فوصل إلى المجدل بعد طلوع الشمس ، ونزل بموضع يقال له السكرية ، ووقع في تلك الليلة برد شديد عند السحر أشد من الشتاء المعتاد بعد إن كان في النهار شديدا إلى الغاية ، ورحل بعد المغرب على طريق العوجاء ولم يدخل الرملة واجتاز بسازور ، ورحل قبل طلوع الشمس يوم السبت إلى قاقون وهي منزلة نزهة لكثرة الخضرة والنضارة فنزل بعد العصر ، ورحل إلى اللجون ونزل - قبل الفجر ، وهي منزلة وعرة إلى الغاية فنزلبعد الظهر ، ورحل يوم الاثنين أول النهار فنزل ببيسان وهي طريق وعرة بعد المغرب ، ورحل قبل الفجر إلى جسر أم جامع - وحصل لهم فيه وحلة عظيمة عند القنطرتين وهناك النهر من بحيرة طبرية ، فوصل إلى الكرك آخر النهار ليلة العاشر ، وطلع العقبة وهي كثيرة الوعر مع الخضرة في أرضها فنزل بالخربة الظهر ، وبات ليلة الحادي عشر فوصل نائب الشام والقضاة أول النهار وسلموا ، وسار ليلة الجمعة سحرا إلى العدوانية فنزل الظهر ، وفي الطريق قنطرة حصل عندها ازدحام شديد ، ورحل ليلة السبت إلى شقحب بعد الظهر والطريق إليها شديد الوعر جدا ، وفيه مخاضات وهي أرض فيحاء خضرة ، ووصل ليلة الرابع عشر قبل الفجر إلى قبة يلبغا ورم على خان ذي النون والكسوة فبات ليلة النصف واصبح فعمل الموكب ودخل دمشق من أول النهار إلى أن وصل الخيام ببرزة ، وهبت في آخر النهار ريح شديدة ، وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشرة هنينا السلطان بالسلامة ، وعقدت مجلس الإملاء بدمشق فاستملي القاضي نور الدين بن سالم ، وحضر الحافظ شمس الدين ابنناصر الدين والقاضي شهاب الدين ابن الكشك وجمع وافر .
وفي السابع عشر عقد مجلس بسبب وقف حكم فيه نائب الحنفي ، فاعترضه الشيخ علاء الدين البخاري وأفتى بنقض حكمه ، فاتفق الجماعة على استمرار الحكم ونفذوه بحضرة الدويدار الكبير ، وامتنع ابن حجي من التنفيذ حتى يأذن له الشيخ علاء الدين ، فلم يلتفتوا إليه ، وصلينا الجمعة بالقابون ، ورحل طلوع الفجر العشرين منه فنزل بمرج عذراء ، ورحل بعد صالة الفجر وفي الطريق مخاضات ووعر ونزل القطيفة ووصل النبك في صبيحة الثاني والعشرين ، ورحل وقت الظهر إلى مكان عيون القصب ، واجتاز في هذه الرحلة بقارا وحسيان وكانت شديدة المشقة ، ووصل هناك نائب طرابلس ونائب حماة ، ورحل قبل الفجر رابع عشري شعبان إلى حمص فنزل بظاهرها يوم الخميس ، ورحل منها صبح الجمعة وزار خالد بن الوليد وأمر لمن فيه بمائة دينار وكان الزحام على جسر الرستن شديدا ونزل الرستن في أرض وعرة ورحل سحرا ودخل حماة بعد طلوع الشمس يوم السبت ، ورحل بعد صلاة الفجر يوم الاثنين فنزل العيون نصف الليل ورحل قبل الزوال فنزل تل السلطان وأمطرت السماء على الناس مطرا شديدا ولاقوا شدة حتى نزلوا نصف الليل تل السلطان فبات ليلة الخميس ، وهنئ السلطان بالشهر ووصل قضاة حلب فسلموا وذكروا أنهم لم يروا هلال رمضان ليلة الثلاثاء ثم تبينأنه ثبت عندهم ورحل يوم الخميس ثم نزل قنسرين ليلة الجمعة ، ثم رحل فنزل عين مباركة بعد الظهر يوم الجمعة ، ثم دخل صبيحة السبت خامس شهر رمضان في موكب هائل إلى حلب ، فنزل الشافعي عند القاضي الشافعي ، والحنفي في منزل وحده ، والمالكي والحنبلي جميعا في مدرسة ، وكانت الإقامة بحلب خمسة عشر يوما وفي أثنائها استقر محي الدين ابن الشحنة في قضاء الحنفية بحلب ، وكانت الوظيفة شاغرة منذ تحول بأكثر إلى القاهرة ، وحضر إلى السلطان أكابر أمراء التركمان مثل ابن رمضان وابن قراجا وابن دلغار ومن أمراء العرب ، وفي الثامن من شهر رمضان أغار . .وفي السادس عشر من شهر رمضان تقدم إلى جهة الفرات نائب طرابلس ونائب صفد ونائب حماة ونائب غزة ، وجاء الخبر بان الجسر عمر وأتقن وأن قرقماس البدوي العاصي أرسل جماعة ليحرقوه فأمسك منهم أكثر من عشرين نفسا وسافر بعدهم نائب حلب في تاسع عشر شهر رمضان ، ورحل السلطان وجميع العسكر في ليلة الحادي والعشرين من رمضان ، وأذن للقاضيين المالكي والحنبلي في الإقامة بحلب ، وسافر صحبته الشافعي ، وكان الحنفي استأذنه أن يزور أهله بعينتاب فأذن له ، فلما رحل السلطان من حلب أرسل إليه مرسوما أن يلاقيه بالبيرة ، وفي رابع عشري رمضان أغار قرقماس البدوي على ابن الأقرع البدوي فقتله واستاق من ماله نحو مائتي بعير ، وخرج نائب الغيبة بحلب في طلبه فلم يظفر به ، وفي يوم الجمعة اجتاز السلطان الجسر المعد على الفرات واجتاز العسكر بعده أولا فأولا فلم يتكاملوا إلى بقية يوم الأحد لكثرتهم ، فلما كان يوم الأحد وقت الظهر أذن السلطان للقاضيين الشافعي والحنفي في الرجوع ، فلما سلم عليه الشافعي خيره بين الإقامة و بالبيرة أو بحلب ، فاختار التوجه صحبة الحنفي إلى عينتاب ليأكل ضيافته ببلده ، ثم توجه إلى حلب ، فأذن في ذلك واصحبه أميرا صحبته خمسة من الرماة ، وتوجها صحبة الأمير فدخلا عينتاب قبل العيد بثلاثة ايام ثم صلينا العيد ، وتوجهت إلى جهة حلب ، وتخلف العيني ببلده أياما ثم وصل إلى حلب في حادي عشر شوال ،وفي الثامن والعشرين من شوال كسفت الشمس بعد العصر واستمرت إلى وقت الغروب فانجلت بعد أن صليت بالجماعة بالجامع الكبير صلاة الكسوف على الصورة المشروعة في السنة النبيوية فما سلمت إلا وقد انجلت ، وغربت الشمس فصلينا المغرب بالجامع وانصرفنا بغير خطبة ، وكنت بعد السلام من الصلاة أرسلت بعض الشهود ليصعد المنارة ليشاهد الشمس هل تم انجلاءها فصعد وعاد بأنها انجلت انجلاء تاما ، وذكر أنه صادف في طلوعه رجلا يفجر بشاب في سلم المنارة ، وتعجبت من جرأته في مثل تلك الحالة ؛ أما العسكر فاستمر السلطان حتى وصل الرها فعبروها فوجدها خالية ، واستمر إلى آمد فنازلها أول يوم وقتل من الفريقين جماعة وتبين أن بها ولد قرايلك وجماعة من العسكر وهي في غاية الحصانة ، فلم يقدر عليها فنصب عليها منجنيقا أقام في عمله مدة ، وتبين أن قرا يلك مقيم بجبل بالقرب من آمد ، فتوجه إليه بعض العسكر وأوقع به ساقة العسكر فانهزم مكبدة ، ثم عطف عليهم
لما عرف بعدهم من الجريدة فأوقع بهم فانهزموا وراموا من أمير الجريدة أن يتبعه فخشوا من كيده فتركوه ، وبلغ السلطان ذلك فغضب منه ، ويقال إن نائب الشام كان غضب من تقدم اينال الجكمي عليه فقصر في طلبقرا يلك مع قدرته عليه لشهامته وفروسيته ، وكل شيء له أجل محدود لا يتعداه ، وصاروا في شدة في زمن حصار آمد من كثرة الحر والذباب ووخم الأرض من الجيف المقتولة ، وعزت الأقوات فوضعوا أيديهم في الزروع التي في ضواحي البلد فأفسدوها ، ونقلوا ما بها من الشؤن فتوسعوا به ، واتخذوا أرحية ليطحن لهم غلمانهم فيقتاتوا بذلك ، ودام الأمر خمسة وثلاثين يوما إلى أن ملوا ولم يظفروا بشيء فتراسلوا في الصلح ، فاستقر الأمر على أن يخطب للسلطان ببلاده ، وأن لا يتعرض لأحد من جهة السلطان ولا من معاملات بلاده ، ولا يمكن أحدا من جهته يقطع طريق التجار ولا القوافل وأن يسلم أكثرها فأجاب إلى ذلك وانتظم الأمر ، وتوجه القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي كبير موقعي الدست لتحليفه فحلفه ورجع ، وتوجه السلطان بالعساكر إلى الرها فدخلها في تاسع عشر ذي القعدة ، وقرر بها نائبا اينال الأجرود الذي كان نائبا بغزة ، وجعل عنده مائتي مملوك ليحفظها ، وأعطاه تقدمة قانباي البهلوان بحلب ، وأعطى قانباي تقدمة تغرى بردى المحمودي بدمشق وقدم إلى حلب ، فتلقيناه بالباب وبزاعة في اليوم الأحد رابع عشري ذي القعدة ، ودخل حلب في ليلة الاثنين بغير موكب ، وأقام بالمخيم أيضا ، واستهل به شهر ذي الحجة ، ثم خرج منها يوم السبت السابع منه ، فدخل دمشق يوم الخميس التاسع عشر منه ونزل بقلعتها ، ونزل الجند ينهبون الناس وحصل الضرر بهم ولكن لم يفحش ، ثم رحل منها يوم السبت الثاني والعشرين منه ،وفي مستهل ذي الحجة أرسل قرقماس بن نعير ولده إلى السلطان بهدية سنية ، ومن جملتها فرس كان اشتراه بألف دينار ، ورد على السلطان فرسا سرقه منه تركمانيان فظفر به معهما فجهزهما مع الفرس ، فأعجب السلطان ذلك وخلع على ولده وأمر بشنق التركمانيين ؛ وذكر الشيخ شهاب الدين أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني أين يعقوب بن قرايلك أمير خرت برت على معتقد النسيمي المقتول بحلب ، وأنه يرى تحريم معاملة خادم الحرمين وأرسل ينكر على أبيه ، وكذا أنكر عليه أخوه علي بك أمير كماخي ، وأن قرا يلك راسل اينال الأجرود يتهدده ، فأراد قتل رسوله ثم شفع فيه وضربه ورده ردا عنيفا ؛ فبلغ ذلك قرا يلك فندب عسكره إلى القتال فامتنعوا ، وأنه بلغه أن السلطان أراد العود إلى آمد فأمر بإحراق جميع المراعي التي حولها وكان قرايلك خرج من آمد إلى أرمس وترك بآمد ولده ، فلما زحف العسكر على آمد قتل مراد بك بن قرا يلك بسهم ، ونزل محمود بن قرا يلك في عسكر على جبل مشرف على العسكر فصار يتحدى من خرج ، فندب السلطان سرية فأحضروا عشرين رجلا منهم فوسطوا تجاه القلعة . لما عرف بعدهم من الجريدة فأوقع بهم فانهزموا وراموا من أمير الجريدة أن يتبعه فخشوا من كيده فتركوه ، وبلغ السلطان ذلك فغضب منه ، ويقال إن نائب الشام كان غضب من تقدم اينال الجكمي عليه فقصر في طلب قرا يلك مع قدرته عليه لشهامته وفروسيته ، وكل شيء له أجل محدود لا يتعداه ، وصاروا في شدة في زمن حصار آمد من كثرة الحر والذباب ووخم الأرض من الجيف المقتولة ، وعزت الأقوات فوضعوا أيديهم في الزروع التي في ضواحي البلد فأفسدوها ، ونقلوا ما بها من الشؤن فتوسعوا به ، واتخذوا أرحية ليطحن لهم غلمانهم فيقتاتوا بذلك ، ودام الأمر خمسة وثلاثين يوما إلى أن ملوا ولم يظفروا بشيء فتراسلوا في الصلح ، فاستقر الأمر على أن يخطب للسلطان ببلاده ، وأن لا يتعرض لأحد من جهة السلطان ولا من معاملات بلاده ، ولا يمكن أحدا من جهته يقطع طريق التجار ولا القوافل وأن يسلم أكثرها فأجاب إلى ذلك وانتظم الأمر ، وتوجه القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي كبير موقعي الدست لتحليفه فحلفه ورجع ، وتوجه السلطان بالعساكر إلى الرها فدخلها في تاسع عشر ذي القعدة ، وقرر بها نائبا اينال الأجرود الذي كان نائبا بغزة ، وجعل عنده مائتي مملوك ليحفظها ، وأعطاه تقدمة قانباي البهلوان بحلب ، وأعطى قانباي تقدمة تغرى بردى المحمودي بدمشق وقدم إلى حلب ، فتلقيناه بالباب وبزاعة في اليوم الأحد رابع عشري ذي القعدة ، ودخل حلب في ليلة الاثنين بغير موكب ، وأقام بالمخيم أيضا ، واستهل به شهر ذي الحجة ، ثم خرج منها يوم السبت السابع منه ، فدخل دمشق يوم الخميس التاسع عشر منه ونزل بقلعتها ، ونزل الجند ينهبون الناس وحصل الضرر بهم ولكن لم يفحش ، ثم رحل منها يوم السبت الثاني والعشرين منه ، وفي مستهل ذي الحجة أرسل قرقماس بن نعير ولده إلى السلطان بهدية سنية ، ومن جملتها فرس كان اشتراه بألف دينار ، ورد على السلطان فرسا سرقه منه تركمانيان فظفر به معهما فجهزهما مع الفرس ، فأعجب السلطان ذلك وخلع على ولده وأمر بشنق التركمانيين ؛ وذكر الشيخ شهاب الدين أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني أين يعقوب بن قرايلك أمير خرت برت على معتقد النسيمي المقتول بحلب ، وأنه يرى تحريم معاملة خادم الحرمين وأرسل ينكر على أبيه ، وكذا أنكر عليه أخوه علي بك أمير كماخي ، وأن قرا يلك راسل اينال الأجرود يتهدده ، فأراد قتل رسوله ثم شفع فيه وضربه ورده ردا عنيفا ؛ فبلغ ذلك قرا يلك فندب عسكره إلى القتال فامتنعوا ، وأنه بلغه أن السلطان أراد العود إلى آمد فأمر بإحراق جميع المراعي التي حولها وكان قرايلك خرج من آمد إلى أرمس وترك بآمد ولده ، فلما زحف العسكر على آمد قتل مراد بك بن قرا يلك بسهم ، ونزل محمود بن قرا يلك في عسكر على جبل مشرف على العسكر فصار يتحدى من خرج ، فندب السلطان سرية فأحضروا عشرين رجلا منهم فوسطوا تجاه القلعة .
وفيها حاصر إسكندر بن قرا يوسف قلعة ساهي وكان صاحبها من نوابه ، فلما رجع إسكندر من محاربته مع شاه رخ أرسل إليه النائب ولده ليهنئه بالسلامة ، وكان شابا جميلا فحبسه عنده يرتكب منه الفاحشة فيما قيل ، ثم أرسله لأبيه ، فلما أخبر أباه بما جرى له عصى على إسكندر فتوجه إليه وحاصره فلم يظفر منه بشيء ، وكان للإسكندر في تلك القلعةعدة من النساء فخشي عليهن من أيدي أعاديه لحصانتها ، فنفذ الأمير إلى النسوة المذكورات فقسمهن بينه بين ولده الذي أفحش فيه الإسكندر وبين ابن عمه وجعلوهن بمنزلة السراري لهم ، فبلغ ذلك الإسكندر فزاد في حنقه .
وفي ذي الحجة توقف النيل عن العادة ونقص منه عدة أصابع قبل الوفاء واستمر ذلك ستة أيام ، فضج الناس وغلا السعر قليلا ، ثم وقعت الزيادة وأوفى وكان ما سنذكره في السنة المقبلة إن شاء الله تعالى .
وفي هذه السنة قبض ايدكي بن أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم على أخيه أرصر بك فأكحله وسجنه مدة طويلة ، فاتفق أنه مات في هذه السنة وكان له مملوك يخدمه في السجن اسمه طوغان فدس له جارية في صورة مملوك فأقامت عنده للوطىء حتى اشتملت منه على حمل فولدت منه ذكرا سماه سليمان وبنتا فلما مات أخذهما طوغان وأمهما وهرب بهم من السجن إلى حلب فلاقى السلطان لما عاد من آمد وشكا له حاله ، فأكرمه وجهز الأخوين إلى القاهرة ورتب له راتبا وأسكنهما القلعة إلى أن جرى لهما ما سيأتي ذكره في سنة أربعين .
ذكر الحوادث في غيبة السلطان الأشرف بالقاهرة
قرأت بخط الشريف صلاح الدين الاسيوطي في أوائل شعبان :دخل سائل إلى السوق الحاجب يسال فقال له تاجر : يفتح الله فتناول من يد التاجر أوراق حساب خطفا وخرج هاربا ، فاتبعه التاجر ليأخذ منه الحساب - فخطف من جزار سكينة وضرب بها التاجر فمات في الحال وأظهر الفقير التجانن فحمل إلى المارستان ، وذهب دم التاجر هدرا .
وفي رمضان تخاصم أقيماوي ولحام على نصف فضة فخنق أحدهما الآخر فوقع مغشيا عليه فمات بعد يومين ، وتخاصم اثنان من المسحرين فضرب أحدهما الآخر فسقط ميتا ، وطلق عجمي زوجته ثم ندم فتبعها في زقاق فضربها بسكين فماتت ، وتزوج بعض مشاهير البزازين بنت أمير فعشقت عليه عبدا أسود فأدخلته في زي امرأة وقالت لزوجها إنها بنت أمير كبير ، فعمل لها ضيافة وجلست يومها مع ذلك العبد والزوج لا يجسر على دخول البيت إكراما لها ، فلما دخل الليل سألته أن يبيت في طبقة وحده وتبيت هي مع حوند إكراما لها ، فقبل ذلك ونامت هي مع محبوبها فسكرا فسولت لها نفسها أن اتفقت معه أن يقتل زوجها فهجم عليه بسكين فضربه فخابت الضربة ، فاستغاث فأمسك العبد وضرب فأقر فأمضى فيه الحكم . وأما الزوجة فحلفت لزوجها أنها هي وبنت الأمير باتتا تلك الليلة وما علمتا بقصة ذلك العبد أصلا ، فصدقها واستمر معها .
وفها احترق بيت البرهان المحلي التاجر الذي على شاطئ النيل بمصر ، وكان أعجوبة الدهر في إتقان اليناء وكثرة الرخام والزخرفة والمنافع الكثيرة من القاعات والأروقة ، فاحترق جميعه وسلمت المدرسة التي بجواره وهي من إنشاء المحلي أيضا ، وكان يقال إن مصروف بيت المحليالمذكور خمسون ألف مثقال ذهبا ، وذلك في شعبان ، ووقع الجريق في مصر والقاهرة في عدة أماكن لكنها لا يقارب هذا ، وكان سعر القمح بكل دينار أشرفي إردب ونصف مصري يكون ثمنها من الفضة بالوزن ستة دراهم الإردب ، ومن الفضة الكاملة دون العشرة وهذا في نهاية الرخص ، وحج بالناس أينال الششماني والحاج قليل جدا فساروا ركبا واحدا ، وفي غيبة السلطان وقع في عدة أماكن الحريق ، منها بيت المحلي كما تقدم ، واحترقت غلال كثيرة في الجرون بناحية شيبين القصر .
وفي رابع عشر ذي القعدة خسف القمر ، في ليلة الثالث عشر من جمادى الأولى خسف القمر كله قدر ثلاث ساعات ، وفي الثامن عشر جمادى الآخرة أسفر اسنبغا الطياري إلى جدة لتحصيل المكوس الهندية ، وأرسل معه سعد الدين ابن المرأة كاتبا على عادته واسنبغا شادا عليه ، وسافر معه جماعة لقصد المجاورة من تجار وغيرهم .
وفيها قدم مقبل الرومي نائب صفد وقدم هدية هائلة وخلع عليه خلعة استمرار ، وتوجه إلى بلاده في جمادى الأولى ، وكانت له إلى الآن في نيابة صفد نحو عشر سنين .
وفي شهر رمضان منها ذكر لي رفيقنا الفاضل إبراهيم بن حسن ابن عمر البقاعي أنه رأى ي النوم قبل إن ندخل إلى حلب أن السلطان مات وأنه صار يتعجب من كونه مات على فراشه واستيقظ ثم لم يظهر لنا تعبير ذلك المنام والعلم عند الله تعالى . وفيها انتزع أصبهانابن قرا يوسف بغداد من مراد بن محمد فبعث أربعين رجلا في زي القلندرية وقرر معهم أن يقتلوا البوابين ويفتحوا له الباب في يوم معين ففعلوا ففر محمد ، ثم استولى أصبهان على بغداد فسار فيها أفحش سيرة - ولله الأمر .
وفيات سنة 836
ذكر من مات في سنة ست وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن حجاج ، الأبناسي برهان الدين ، اشتغل كثيرا وسكنزاوية سميه الشيخ برهان الدين الأبناسي ، وانتفع الطلبة له ؛ ومات بعد ضعف طويل في سابع عشري ربيع الآخر .
أحمد الملك الأشرف بن العادل سليمان ابن المجاهد غازي بن الكمال محمد بن العادل أبي بكر بن الأوحد عبد الله بن المعظم توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر ابن الكامل محمد صاحب مصر ابن العادل أبي بكر صاحب مصر ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان - الأيوبي صاحب حصن كيفا وكان خرج في عسكره لملاقاة السلطان على حصار آمد فاتفق انه نزل لصلاة الصبح فوقع به فريق من التركمان فأوقعوا به على غرة فقتل ، ووصل بقية أصحابه وولده إلى السلطان ، فقرر ولده في مملكة أبيه ، وكان فاضلا دينا ، له شعر حسن ، وقفت على ديوانه وهو يشتمل على نوائح في أبيه وغزل وزهديات ، وغير ذلك ، وكان جوادا محبا في العلماء - رحمه الله تعالى واستقر في مملكته ولده الملك الصالح خليل وهو على طريقة والده في محبة العلماء خصوصا الشافعية ، وله نظم أيضا ، وقدم أخوه شرف الدين يحيى بتقدمة أخيه على السلطان بآمد ، فخلع عليه وكتب عهد أخيه ولقب بالملك الكامل ، وسار في بلاده سيرة حسنة ونشر العدل ، واستوزر القاضي زين الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن المجير وهو قاضي شافعي عالم حسن السيرة ، ووقع من قرا يلك تعرض للإفساد ببعض بلاده فأرسل إليه يهدده ، فخضع له وصالحه علىأن كلا منهما لا يتعرض لبلاد الآخر - واستمر الصلح بينهما .
أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمد ، الأموي القاضي شهاب الدين المالكي ، نشأ بدمشق وتعاطى الشهادة وكتب جيدا وخدم البرهان التادلي ثم ولي قضاء طرابلس ، ثم ولي قضاء دمشق سنة خمس وثمانمائة نحو ثلاثة اشهر ، ثم أعيد سنة ست وثمانمائة فامتنع النائب من إمضاء ولايته ، ثم ولي من قبل شيخ سنة اثنتي عشرة وانفصل بعد أربعة اشهر وهرب مع شيخ إلى بلاد الروم وقاسى شدة ، ثم لما تسلطن شيخ ولاه القضاء بالديار المصرية وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة ، فباشر دون السنة بأيام ، وكان شيخ يكرهه ويسميه الساحر ولكن كان بعض أهل الدولة يراعيه ، ثم استقر في قضاء الشام سنة إحدى وعشرين ونحو أربعة أشهر ثم أعيد في جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين واستمر إلى أن مات بسبب أن الأشرف كان يعتقده ، لأنه بشره وهو في السجن بأنه سيلي السلطنة فلما تسلطن اتفق أنه كان حينئذ قاضيا فاستمر به ولم يسمع فيه كلام أحد مع شهرته بسوء سيرته والجهل الزائد ، وكان متجاهرا بأخذ الرشوة ، وحصل مالا طائلا تمزق بعده ؛ مات ليلة الثلاثاء حادي عشر صفر .
أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد ، الميقاتي شهاب الدين الكوم الريشي اشتغل في فن النجوم وعرف كثيرا من الأحكام وصار يحل الزيج ويكتب التقاويم واشتهر بذلك ؛ مات في صفر وقد أناف على الخمسين .أبو بكر زين الدين الأنبابي الشافعي ، أحد نواب الحكم ، وكان كثير الاشتغال ، أخذ عن الشيخ علاء الدين الأقفهسي وابن العماد والبلقيني وغيرهم وكان خيرا ؛ مات في شعبان .
تاني بك الناصري أحد أمراء العشرات ، رأس نوبة ، ويعرف بالبهلوان ؛ مات في شوال .
جاني بك الحمزاوي ، ولي نيابة غزة ، قتل بها في ذي الحجة - .
تغرى بردى المحمودي ، تنقل في الخدم إلى أن ولي تقدمة ألف وقرر راس نوبة كبيرا ، ثم صرف وحبس بعد أن كان رأس الذين غزوا الفرنج بقبرس ، ثم أفرج عنه وقرر أميرا بدمشق ؛ ومات في قتال قرا يلك في ذي القعدة .
سودون ميق الظاهري ، أحد أمراء الألوف بمصر ؛ مات في آخر شوال .
حسن بن شرف الدين أبي بكر بن أحمد ، الشيخ بدر الدين القدسي الحنفي وهو يومئذ شيخ الشيخونية ، قرر فيها لما أعيد التفهني في رجب سنة 33 إلى القضاء وكان أولا ينوب عنه ، واشتغل قديما من سنة ثمانين وهلم جرا بالقدس ثم بدمشق ثم بالقاهرة ، وكان فاضلا في العربية وغيرها ؛ مات ثالث ربيع الآخر وكان ذلك يوم الخميس - وقد قاربالسبعين ، واستقر بعده في تدريس جامع المارداني الشيخ سعد الدين ابن الديري فلبس بعض الناس على السلطان أنه نزل له ، وكان السلطان أمر بترك النزولات وعدم إمضائها ، فغضب وأمر بتقرير محب الدين بن الشيخ زاده فيها ، فتالم الناس لسعد الدين ، واعتذر محب الدين بأنه لم يكن له في ذلك سعي ولا يقدر على مخالفة السلطان خشية على نفسه ، واستقر في مشيخة الشيخونية عوضا عن القدسي الشيخ باكير الملطي نقلا من قضاء حلب ، وتأخر حضوره إلى رجب ، وباشر ، وهو أبو بكر بن إسحاق الحنفي وأصله من ملطية وسكن حلب مدة ، وهو كثير السكوت ، قليل البضاعة ، حسن الهيئة .
عبد الرحمن بن محمد ، القزويني المعروف بالحلالي - بمهملة ولام وثقيلة - الشيخ زين الدين من أهل جزيرة ابن عمر ، وهو ابن أخت العالم نظام الدين عالم بغداد ، ولد سنة بضع وسبعين ، وأخذ عن أبيه وغيره ، وبرع في الفقه والقراآت والتفسير ، وحج ، وقدم حلب لطلب زيارة القدس فزار ، ثم رجع إلى حلب وهو في سن الكهولة وظهرت فضائله ، ودخل القاهرة في سنة 34 وأخذوا عنه ثم رجع ؛ فلما وصل إلى بلده مات بعد أربعة اشهر ، وذلك في سنة ست وثلاثين ظنا - قاله القاضي علاء الدين قال : واجتمعت به فرأيته عالما بالفقه والمعاني والبيان والعربية ، وله صيت كبير في بلادهوكان عالمها ، قرأت بخط عبد الرحمن بن محمد الحلالي الشافعي القزويني أنه يروى البخاري عن قاضي المدينة عن الحجار ولم يسمه ، وأنا أظنه شيخنا زين الدين ابن حسين ، فإنه كان يروي عن الحجار بالإجازة وهو آخر من حدث عنه بها فيما أعلم وأنه يرويه عن المحدث شمس الدين ابن كثير بسماعه له على الحجار ، وكتب خطه في أواخر سنة 831 .
عبد الوهاب بن أفتكين الذي ولي كتابة السر في العام الماضي بدمشق ، مات في آخر السنة ، وقرر السلطان عوضه في كتابه السر بدمشق نجم الدين ابن المدني نقلا من نظر الجيش بالشام إليها ، وأرسل توقيعه بذلك في أواخر ذي الحجة ، فوصل في آخر المحرم وباشر ونعم الرجل هو .
عثمان الأمير فخر الدين بن الأمير ناصر الدين محمد الطحان الحاجب بحلب ، كان مات في خامس عشر المحرم خارج حلب - وأحضر إليها في سابع عشرة ودفن فيه . علي بن عمر الكثيري انتزع ظفار من عبد الله بن محمد بن عمرابن أبي بكر بن عبد الوهاب بن علي بن نزار انطفاري ، واستمر فيها إلى هذه الغاية .
علي بن محمد بن نور الدين بن جلال الدين ، الطنبذي ، انتهت إليه رياسة التجار بالديار المصرية ، وكان كثير الحج ، كثير الإسراف على نفس ، حسن المعاملة ، وشاهدته يقرض المحتاج بغير ربح مرارا ، وكان له بر الجماعة ومروءة في الجملة على ما فيه ؛ مات في ليلة الجمعة 14 صفر وقد جاوز السبعين .
علي بن يوسف بن عمر بن أنور ، صاحب مقدشوه في عصرنا ، ويلقب المؤيد بن المظفر بن المنصور .
محمد بن جوهر ، المدير في الجيش ؛ مات بحلب في رمضان .
محمد بن عبد الرحيم بن أحمد ، المنهاجي المعروف بسبط ابن - اللبان الشيخ شمس الدين الشافعي ، ولد بعد السبعين ، واشتغل قديما ، وأخذ عن مشايخ العصر كالعز بن جماعة وشمس الدين بن القطان ، وقرأ على ابن القطان صحيح البخاري بحضوري ، وقرأ على ترجمة البخاري يوم الختم ، وتعاني نظم الشعر فتمهر فيه ، وله عدة قصائد ومقاطيع ، ومهر في الفقه والأصول ، وعمل المواعيد وشغل الناس ، ولزم بأخرة جامع عمرو بن العاص يقرأ فيه الحديث والمواعيد ويشغل الناس ، وكان حسنالإدراك واسع المعرفة بالفنون ، حج هذه السنة من البحر فسلم ، ودخل مكة في شهر رجب فجاور إلى زمن إقامة الحج فحج وقضى نسكه ورمى جمرة العقبة ثم رجع فمات بمنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة ، سمعت من نظمه ، وطارحني مرارا ، وكتب عني كثيرا .
محمد بن عبد الحق بن إسماعيل ، السبتي أبو عبد الله ، ولد سنة 783 ، وأخذ عن الحاج أبي القاسم بن أبي حجة ببلده ، ووصل إلى غرناطة فقرأ بالأدب ، وقدم القاهرة سنة 32 فحج ، وحضر عندي في الإملاء فزار وأوقفني على شرح البردة له ، وله آداب وفضائل ؛ مات في صفر .
محمد بن علي بن موسى ، الشيخ شمس الدين الدمشقي المعروف بابن قديدار . ولد سنة 152 تقريبا ، لأنه قال : كتب في فتنة تنبغا روس رضيعا ،وقرأ القرآن في صغره ، وحفظ المنهاج والعمدة والألفية ، وتلا بالسبع على جماعة منهم ابن اللبان ، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي والشيخ قطب الدين ، وأقبل على العبادة ، واشتهر من بعد سنة تسعين حتى أن اللنك لما طرق الشام أرسل من حماه وحمى من معه ، وكان شيخ المؤيد يعظمه ، وأرسله في سنة ثمان وثمانمائة رسولا عنه إلى الناصر ، فاجتمعنا به بالقاهرة ومصر وسمعنا من فوائده ، وكان سهل العريكة ، لين الجانب ، متواضعا جدا ، محبا في العلماء والمحدثين ، وكان قدم رفيقا له في ذلك الشيخ شهاب الدين بن حجى فنزلا بمدرسة البلقيني ثم بمدرسة المحلى على شاطئ النيل ثم رجعا ، وبنى شيخ له زاوية ، وكان يتردد إلى بيروت للمرابطة ، وله بها زاوية فيها سلاح كثير ، وكلمته نافذة عند الفرنج ، ويكتب إليهم بسبب المسلمين فيقبلون ما يكتب به ، وحصل له في آخر عمره ضعف في بدنه وثقل سمعه ؛ ومات ليلة عيد الفطر ودفن صبيحتها ، وكانت جنازته مشهودة ، وصلينا عليه بحلب صلاة الغائب .
منكلى بغا الحاجب وهو من مماليك الظاهر ، اشتغل كثيرا ، وكتب الخط الحسن ، وولي حسبة القاهرة في دولة المؤيد ، وأرسله الناصر فرجإلى اللنك ، وكان يذاكر بشئ من الفقه ؛ مات - في ليلة الخميس - في حادى عشر ربيع الأول .
يوسف جمال الدين بن صاروجا بن عبد الله ، المعروف بالحجازي ، تنقلت به الأحوال في الخدم ، وعمل أستادارا ، وتقدم في أواخر دولة الناصر عند الدويدار طوغان ، وكان زوج ابنته ويدعوه : أبي ، وكثر ذلك حتى صار يقال له : أبو طوغان ، وكان عارفا بالأمور .
خوند والدة عبد العزيز بن برقوق .
حوادث سنة 837
سنة سبع وثلاثين وثمانمائة
أولها الثلاثاء بلا نزاع ، فإن الهلال غاب ليلة الثلاثاء قبل العشاء بنحو نصف ساعة ، وفي الحساب أولها الإثنين ، وفي أول يوم منها أوفى النيل ، ثم كسر الخليج في يوم الأربعاء الثاني منه ، واستمرت الزيادة إلى يوم وصول العسكر ، واستهلت ونحن بالطريق إلى غزة ، ورحل السلطان منها يوم الخميس يوم عاشوراء ، وساق على الطريق التي توجه فيها ، وأرسل إلى القدس خمسة آلاف دينار صدقة ، وكان الوصول إلى بلبيس يوم الجمعة ثامن عشرة ، ومات ما بين غزة وبلبيس من الجمال والبغال والحمير والخيول مالا يحصى كثرة بحيث صارت الأرض منتنة الرائحة مع شدة الحر ، ووصل إلى خانقاه سرياقوس ليلة السبت ، فأصبح فدخل القاهرة في موكب عظيمجدا ، وشق القاهرة وأمامه الخليفة والقضاة والأمراء . وزينت له المدينة . وبعد يومين وصل الحاج وأخبروا بالرخاء والأمن وأنه مات منهم في طريق المدينة خلق كثير من شدة الحر ، وأمطرت السماء مطرا غزيرا ، فنقص النيل نقصا فاحشا وكان انتهى إلى سبع عشر إصبعا من ثمانية عشر ذراعا ، فبادروا إلى كسر سد الأميرية فظهر النقص فيه ، وانكشف كثير من الأراضي ، واستشعر الناس الغلاء فبادروا إلى خزن الغلال - والله المستعان .
ثم تراجعت الزيادة إلى أن نودي بإصبع من ثمانية عشر ، ثم عاد النقص وأظنه لكسر الصليبي ، فنودي في يوم الأحد عاشر صفر الموافق لثالث عشر توت بإصبع لتكملة ستة عشر إصبعا من سبعة عشر ذراعا ، وبلغ سعر القمح مائة وثمانين بعد أن كان بتسعين ، والفول بمائة وعشرة ، والشعير كذلك ، وامتدت الأيدي إلى تحصيل الغلال إما للمؤنة وإما للتجارة فاشتد الخطب - ولله الأمر ومع ذلك فلطف الله بأهل مصر لطفا عظيما كما سيأتي بيانه بحيث أن جميع من خزن القمح ندم على ذلك لعدم إرتفاع سعره في طول المدة ، وفيها أرسل يوسف بن محمد بن يوسف ابن محمد بن يوسف بن محمد بن الأحمر إلى أبي عبد الله محمد بن نصر بن أبي عبد الله بن الأحمر المعروف بالأيسر عسكرا حاصره وهو بالمرية ، وكان من شأنه أنه ثار على محمد بن الموال ففر إلى مالقة فجمع عسكرا ونازل ابن الموال فغلب عليه فقتله ، ثم ثار عليه محمد بن يوسف والديوسف المذكور فغلب على غرناطة ، ففر الأيسر إلى تونس فأقام في كنف أبي فارس حتى جهز معه عسكرا إلى غرناطة ، فملكها ثالث مرة وقتل محمد بن يوسف ، فثار عليه يوسف ولده فقتله وكان صحبة أبي فارس منذ قتل أبوه ، فلما مات أبو فارس توجه إلى صاحب فنشالة الفرنجي فأمده بعسكر ، وكتب إلى أهل رندة ومالقة وغيرها أن يعينوه ، وإلى أهل غرناطة أن يطيعوه ، وتهددهم إن خالفوه ، فسار يوسف فملك رندة ودخل غرناطة وفر منه الأيسر واستقر فيها ، فلما كان في هذه السنة جهز إلى الأيسر عسكرا وهو بالمرية .
وفي شعبان طلب من البلاد بالوجه البحري خيول ، فوظف على كل بلد فرس واحد ، وعلى البلد الكبير إثنان أو ثلاثة ، وإن لم يوجد فيه خيل أخذ عوض الفرس خمسة آلاف ، فكانت مظلمة حادثة ، - وفيه - في التاسع والعشرين منه كان ختان يوسف ابن السلطان الذي ولي السلطنة بعد أبيه ولقب العزيز وعمره يومئذ نحو تسع سنين ، أو هو ابن عشر ودخل في الحادية عشرة ، وختن معه عدة من أولاد الأمراء وغيرهم ، وكان مهما حافلا ؛ ورأيت في كتاب بعض من يذكرالحوادث أن امرأة طلقت وهي حامل فكتمت حملها وتزوجت ، ثم طلقها الزوج فتزوجت بثالث ثم بعد ذلك أخذها الطلق ووضعت ولدا صورته صورة الضفدع في قدر الطفل ، فسترها الله بأن أماته - قرأت ذلك بخط الشيخ تقي الدين المقريزي ، وأعيد التاج إلى ولاية القاهرة عند قدوم السلطان إلى القلعة وعزل دولات خجا ، ثم أعطى ولاية القليوبية والمنوفية في ربيع الآخر ، وانتهت زيادة النيل إلى سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا ، ثم نقص بعد النيروز دفعة واحدة قدر ذراع ثم عادت الزيادة إلى أن كاد يكمل السابع عشر ، فنقص أيضا قدر خمسة عشر إصبعا ، ثم عادت الزيادة في العشرين من توت فتناهت إلى قدر عشرين إصبعا من السابع عشر ، ثم عاد النقص واستمر وشرقت غالب البلاد العالية من الصعيد الأعلى فما دونه ، وشرق بعض بلاد الجيزة وما والاها ، ومع ذلك لطف الله تعالى بالمسلمين في هذه السنة المباركة لطفا عظيما بحيث أن سعر القمح مع ارتفاعه قليلا لم ينقطع الواصل منه ، واستمر ذلك إلى أن جاء المغل الجديد وتناقص السعر ، وفي صفر أعيد آقبغا الجمالي إلى كشف الوجه القبلي ، وفي ليلة السبت تاسع ربيع الأول هبت ريح شديدة قلعت كثيرا من الأشجار بدمياط من أصولها ، فتساقطت نخيل كثيرة وفسدت أشجار الموز ، وفسد كثير من الأقصاب ، وأسف كثير من الناس على ما تلف من ماله ، وشاع أن في أوائله وقع سراق الفرنج على سبعة مراكبللمغاربة المسلمين ، فأسروا من فيها ، ونهبوا الأموال والبضائع ، وأحرقوا ثلاثة منها وساروا بأربعة ، وفي ثامن عشر ربيع الأول أخرج إقطاع الأمير - الكبير - سودون بن عبد الرحمن وكان نائب الشام وأمر بلزوم بيته ، فأرسل سودون في صبيحة ذلك اليوم جميع ما عنده من الخيل والجمال والبغال للسلطان ، ولم يقرر في المارستان أحدا ولا في الأتابكبية ، وأضيف الإقطاع إلى الديوان المفرد ، ثم أمر بنفيه إلى دمياط في جمادى الآخرة ، فاستمر بها إلى أن مات ، والعجب أنه ولد له في ذا الشهر مولود من جارية ولم يكن له ولد ذكر ، وقيل إنهم تكلموا مع السلطان في إحضاره إلى القاهرة ثم لم يتم ذلك وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الآخر نزل السلطان في عدد يسير فدخل المرستان وقرر أمره ونادى بأنه الناظر عليهم ، ومن كانت له حاجة أو ظلامة فليحضر إلى باب السلطان وفيه استقر إينال الششماني في نيابة صفد بحكم وفاة مقبل . - وفيه - في ثالث عشرى شوال استقر خليل بن شاهين الصفوي في نظر الإسكندرية ، وكان أبوه يسكن القدس ونشأ ابنه هناك ، ثم قدم القاهرة وتزوج أخت خوند جلبان زوج السلطان فعظمت حرمته ، وسعىفي حجوبية الإسكندرية ثم في نيابتها .
وفي صفر ألزم الوزير بحمل ما يوفر من العليق في ديوان الدولة وفي ديوان المفرد ، فكان جملته سبعين ألف إردب ، وفي ربيع الأول عملت مكحلة لرمي المنجنيق من نحاس وزنها مائة وعشرون قنطارا بالمصري ، ونصبت خارج باب القرافة ، ورموا بها إلى جهة الجبل بأحجار زنة بعضها قدر ستمائة رطل .
وفيه وصل كتب من دمياط بأنه هبت بها رياح عاصفة - فتقصفت نخيل كثيرة ، وتلفت أشجار الموز وقصب السكر من الصقيع - ، وانهدمت عدة دور ، - وفزع الناس من شدة الريح حتى خرجوا إلى ظاهر البلد - وسقطت صاعقة فأحرقت شيئا كثيرا ، ثم نزل المطر فدام طويلا .
وفيها وقع بمكة سيل عظيم طبق ما بين الجبلين ، وانهدمت بمكة دور كثيرة ، ووصل الماء إلى قرب باب الكعبة ، وطاف بعض الناس سبحا ، وأقام الماء يوما بالحرم إلى أن صرف ، وفاضت زمزم إلى أن شرع الماء بها هدرا قرأت في كتاب علي بن إبراهيم الأبي الزبيدي نزيل مكةلما كان في ليلة الحادي والعشرين من جمادى الأولى وقع بمكة مطر غزير سالت منه الأودية وكانت ليلة الجمعة ، فأصبحوا وقد صار في المسجد ارتفاع أربعة أذرع - ماء - ، فأزيلت عتبة باب إبراهيم فخرج الماء من المسفلة ، فبقى من الطين في المسجد نحو نصف ذراع ، وتهدمت في تلك الليلة دور كثيرة ، ومات تحت الردم جماعة ، وقرأت في كتاب صاحبنا شهاب الدين الجرهي أنه تلف له كتب كثيرة من السيل ، وعقب هذا السيل وباء .
وفي يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة وعك السلطان فاستمر بالقولنج خمسة أيام ثم تماثل وعدته فوجدته كما به ، ثم عدته في أول يوم من شهر رجب فوجدته تماثل ، ثم صلى الجمعة ثاني شهر رجب وكانوا أرجفوا بموته وتحزبوا أحزابا ، ووجل الناس من إثارة الفتنة ، وفي أوائل شعبان قرئ البخاري في القلعة على العادة ، وحضر شخص عجمي يقال له شمس الدين - محمد - الهروي ويقال له ابن الحلاج كهلمن أبناء الأربعين ادعى أنه يعرف مائة وعشرين علما ، فأظهر بأوا عظيما وشرع يسأل أسئلة مشكلة ، وظهرت منه أمور تدل على إعجاب زائد فآل أمره إلى أن وقعت منه أمور أنكرت من جهة المعتقد ، فزجر فخذل بعد ذلك وصار كآحاد الطلبة ، واعتذر بعد ذلك أن بعض الناس أغراه بذلك ظنا منه أن ينقص من قدر كاتبه ، فأبى الله ذلك وحاق المكر السيئ بأهله - ولله الحمد وفيه في الجملة ذكاء وعلى ذهنه فوائد كثيرة وعنده استعداد ويعرف الطب ، وعدت عليه سقطات ، وبحث مع سعد الدين بن الديري فلم يحبه ، وقرر من جملة المشايخ ورتب له ما يكفيه .
وفيه استعفى الوزير كريم الدين من الوزارة وشكا من كثرة المصروف وقلة المتحصل ، فاسترضى بزيادة بلد أضيفت له فاستمر ، ثم تغيب في يوم السبت ثالث عشرى رجب بعد أن طلع القلعة ، واستقر في الوزارة أمين الدين إبراهيم الذي كان ولي نظر الدولة ، وهو ولد مجد الدينعبد الغني ابن الهيصم الذي كان ولي نظر الخاص في دولة الناصر فرج ، ولبس الخلعة في هذا اليوم المذكور ، وهرع الناس للسلام عليه بمنزله ظاهر باب القنطرة بالقرب من الميس ، فلما كان يوم الثلاثاء استقر ولده وهو صغير السن في نظر الدولة ، وألبس خلعة لذلك وشغرت الأستادارية ، وتكلموا مع السلطان في استقرار جانبك مملوك ناظر الجيوش عبد الباسط فيها فأجاب لذلك ، ثم بطل ذلك وسعى ناظر الجيش في إعفائه ، - وتغيظ السلطان على المباشرين ، وألزم ناظر الخاص فيما قيل بالمباشرة فيها ، واستعفى - فأمر أن ينادي بأمان الأستادار ، فبلغه ذلك فظهر ، وذلك في السابع والعشرين منه ، وطلع إلى السلطان ، فخلع عليه قباء كان عليه ، ونزل إلى داره وفرح الناس - به - وكان يوما مشهودا - تم في . . . . - ، ومن حوادث سنة 37 أنه أحصى من في الإسكندرية من الحاكة فوجد فيها ثمانمائة نول ، وكان ذلك وقع في سنة 797 ، فبلغوا أربعة عشر ألف نول بمباشرة جمال الدين محمود الأستادار ، ونحو هذا أن كتاب الجيش أحصوا قرى مصر قبلها وتحررها ، فبلغت عدتها ألفين ومائة وسبعين قرية ؛ وقد ذكر بعض القدماء في أوائل دولة الفاطميين أن عدتها عشرة آلاف .وفيها أعيد جلال الدين أبو السعادات على القضاة في جمادى الآخرة عوضا عن الجمال محمد بن علي الشيبي ، وفي رجب سافر الناس صحبة أرنيغا إلى مكة .
وفي ذي القعدة استقر الشيخ شمس الدين محمد - بن أحمد - المالكي الفرياني المغربي في قضاء نابلس شافعيا وسافر إليها ، وهو كثير الإستحضار للتواريخ ، وكان يتعانى عمل المواعيد بقرى مصر وبدمياط وبلاد السواحل ، وصحب الناس ، وهو حسن العشرة نزها عفيفا ، وقد حدث بحلب عن أبي المجالس البطرني وما أظنه سمع منه فإنه ذكر لنا أن مولده سنة ثمانين ببلده وكان البطرني بتونس ومات بعد سنة تسعين ، ورأيت له عند أصحابنا بحلب إسنادا للمسلسل بالأولية مختلفا إلى السلفي وآخر أشد اختلافا منه إلى نصر الوائلي ، وسئلت عنهما فبينت لهم فسادهما ، ثم وقفت مع جمال الدين ابن السابق الحموي على كراسة كتبها عنه بأسانيده في الكتب الستة أكثرها مختلق وجلها مركب ، وأوقفني الشيخ تقي الدين المقريزي له على تراجم كتبها له بخطه كلها مختلفة إلا الشئ اليسير - والله المستعان ثم وقفت على ذلك بخط الفرياني المذكور وهو بضم الفاء وتشديد الراء بعدها ياء آخر الحروف وبعد الألف نون .وفي رمضان ألزم السلطان القاضي بدر الدين ابن الأمانة بالحج لأنه ترجم له بأنه من المياسير وأنه قارب الثمانين ولم يحج فسأله فقال ؛ حججت وأنا صغير ، فقال : لا بد أن تحج حجة الإسلام هذه السنة ، فأجاب وحج ورجع سالما ، وجرى نظيره للعراقي فمات كما تقدم ، ومن العجب أن ابن الأمانة لما ألزم تكره ذلك كثيرا ؛ وفي يوم السبت عاشر ذي الحجة يوم عيد الأضحى ولد لمحمد ولدي ابنة سماها بيرم ، ثم ماتت عن قرب بعد أن استهلت السنة ، وفي يوم السبت خامس عشرى ذي الحجة وافق سابع مسرى كسر الخليج على العادة ، وحصل للناس السرور بالوفاء ، وكانت الوقفة بمكة يوم الجمعة ، وكان الحج كثيرا ، وحج جقمق وهو يومئذ أمير سلاح في أواخر ذي القعدة على الرواحل وصحبته خلق كثير ، فحج ورجع أيضا في العاشر من المحرم .
وفي هذه السنة كثر فساد الفرنج الكتيلان ، فأخذوا عدة مراكب للتجار وأسروا من فيها ، وباعوهم أسرى ، وكاتب صاحبهم السلطان ينكرعليه إلزامه للفرنج بشراء بضائعه من الفلفل وغيره ، فمزق السلطان كتابه لما قرئ عنه .
وفي التاسع والعشرين من شعبان ليلة السبت تراءى الناس الهلال فلم يروه ، وأجمع أهل الفن أنه تغيب مع غيبوبة الشمس ، فحضر ولد شهاب الدين أحمد بن قطب الدين محمد بن عمر الشيبي فأخبر أنه رأى الهلال ، وكان المحتسب حاضرا وكانوا كتبوا الورق على العادة بتضمن عدم الرؤية ، وحضرت إلى السلطان فقلت للمحتسب : استصحب هذا معك ، فتوجه به فذكر أنه صمم على أنه رآه ، فسأل السلطان عنه فأثنوا عليه لكونه يقرب لجليس السلطان ولي الدين ابن قاسم ، فأمر بالعمل بما يقتضيه الشرع ، فحكم الحنبلي بمقتضى شهادته ونودي في الناس بالصيام ، وذكر أن الناس بمد عدة ثلاثين تراءوا الهلال ليلة الإثنين فلم يروه ، ولم يجئ أحد من البلاد يخبر برؤيته ليلة الأحد ، لكن نحن اعتمدنا على حكم الحنبلي وأكملنا العدة ثلاثين ولم نتعرض للترائي ومن زعم أن الناس خرجوا للترائي فقد وهم ، وإنما شاع أن بعض الناس تراءى فلم ير شيئا ، واتفق أن غالب الجهات المتباعدة وكثيرا من المتقاربة عيدوا يوم الإثنين .
وكان وفاء النيل في الثامن عشر من ذي الحجة ، وصادف أنه أول يوم من مسرى وكان في العام الماضي تأخر إلى العشر الأخير منه ، فبسبب ذلك التأخير وهذا الإسراع وقع الوفاء في أول العام وفي آخره ، ولكن لزم منه أنه لم يقع في العام المقبل وفاء بل تأخر إلى أن دخل العامالذي يليه ، فصار كالعام الوفاء مرتين وخلا عن العام الذي يليه ، وهو من النوادر .
وفيها كانت لا ينال الأجرود النائب بالرها وقعة مع التركمان ، وسببها أن بعض أتباعه كان في تسيير خيله فوقع بطائفة منهم فثار بهم فقتل منهم ، فخرج إينال نجدة له - فخرج عليه كمينهم - فوقع بينهم قتال فقتل بين الطائفتين جماعة ودخل إينال المرقب فبلغ ذلك السلطان فكتب إلى نائب حلب قرقماس أن يتوجه بالعسكر إلى الرها ، وكتب إلى سائر الممالك الشامية أنهم إن تحققوا نزول قرايلك على الرها أن يتقدموا بعساكرهم إلى اللحاق بقرقماس لقتال قرايلك .
وفيها أخرب أصبهان بن قرا يوسف بغداد وتشتت أهلها منها ، وأخرب قبل ذلك الموصل .
وفيها جهز السلطان الجنيد أمير آخور إلى الغرب لمشتري الخيول ، فعاد ومعه كتب من تونس وهدية من صاحبها وخيول جياد اشتراها .
وفيات سنة 837
ذكر من مات في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن داود بن محمد - بن أبي بكر - العباسي ولد أمير المؤمنين المعتضد ابن المتوكل العباسي ، ولم يكن بقى له غيره ، وكان رجلاحسنا كبير الرئاسة ، قرأ القرآن وحفظ المنهاج واشتغل كثيرا ، وخلف أباه لما سافر خلافة حسنة شكر عليها ، ومات بمرض السل في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة ولم يكمل الثلاثين ، ولم يبق لأبيه ولد ذكر ، وذكر أنه تمام عشرين ولدا ذكرا .
أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل - بن محمد - بن أبي العز ، الدمشقي شهاب الدين الحنفي المعروف بابن الكشك ، انتهت إليه رئاسة أهل الشام في زمانه ، وكا شهما قوي النفس مستحضرا لكثير من الأحكام ، ولي قضاء الحنفية استقلالا مدة ثم أضيفت إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها ثم صرف عنهما معا ، ثم أعيد لقضاء الشام وعين لكتابة السر بعد موت شهاب الدين ابن السفاح ، فاعتذر لضعف يعتريه وهو عسر البول ، وكانت بينه وبين نجم الدين ابن حجى معاداة فكان كل منهما يبالغ في الآخر ، لكن كان ابن الكشك أجود من ابن حجى - سامحهما الله تعالى عاش ابن الكشك بضعا وخمسين سنة وكانت وفاته ليلة الخميس سبع ربيع الأول بالشام .إسماعيل بن أبي بكر بن المقرئ عالم البلاد اليمنية ، شرف الدين أصله من الشرجة من سواحل اليمن ، وولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين ، وسكن زبيد ، ومهر في الفقه والعربية والأدب ، وجمع كتابا في الفقه سماه عنوان الشرف ، يشتمل على أربعة علوم غير الفقه ، يخرج من رموز في المتن عجيب الوضع ، اجتمعت به في سنة ثمانمائة ثم في سنة ست وثمانمائة ، وفي كل مرة يحصل لي منه الود الزائد والإقبال ، وتنقلت به الأحوال ، وولي إمرة بعض البلاد في دولة الأشرف ، ونالته من الناصر جائحة تارة وإقبال أخرى ، وكان يتشوف لولاية القضاء بتلك البلاد فلم يتفق له . ومن نظمه بديعية التزم أن تكون في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي ، وله مسائل وفضائل ، وعمل مرة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت آلافا ، وله شرح - مختصر - الحاوي في مجلدين ، وحج سنة بضع عشرة ، وأسمع كثيرا من شعره بمكة رحمه الله تعالى .
آقبغا الجمالي الذي كان عمل الأستادرية الكبرى غير مرة ، وفي الآخر ولاه السلطان كشف البحيرة فتوجه إلى هناك فأغار على بعضالعرب ، فتجمعوا عليه وذهب دمه هدرا ، وكان أهوج مقداما غشوما ، وهو من مماليك كمشبغا الجمالي ، وخرج الوزير الأستادار عبد الكريم ابن كاتب المناخات بعسكر فجمع العرب وأمنهم وأحضرهم إلى السلطان في 21 ربيع الآخر .
أبو بكر بن علي بن حجة ، الحموي الحنفي ، الشيخ الأديب الفاضل ، شاعر الشام ، تقي الدين الأزراري ، كان في ابتداء أمره يعقد الأزرار ، وكان يخضب بالحمرة ، ثم تعانى النظم فتولع أولا بالأزجال والمواليا ومهر في ذلك وفاق أهل عصره ، ثم نظم القصائد ومدح أعيان أهل بلده ، ودخل الشام فمدح برهان الدين ابن جماعة قبل التسعين بقصيدة كافية أعجبته ، فطاف بها على نبهاء عصره فقرظوها له ، ودخل بسبب ذلك إلى القاهرة فدل على القاضي فخر الدين بن مكانس ومدحه وطارح ولده وكتب له على القصيدة ، ومن نظمه :
سرنا وليل شعره ينسدل
وقد غدا بنومنا مسفرا
فقال صبح ثغره مبتسما
عند الصباح يحمد القوم السرى
ومنه :
في سويدا مقلة الحب نادى جفنه
وهو يقنص للأسود صيدا
لا تقولوا ما في السويداء رجال
فأنا اليوم من رجال السويدا
واجتمعت به إذ ذاك ، ثم عاد مرة أخرى فتأكدت الصحبة ، ولما رجعفي الأول صادف الحريق الكائن بدمشق لما كان الظاهر يحاصر دمشق بعد أن خرج من الكرك وكان أمرا مهولا ، فعمل فيه رسالة وكاتب بها ابن مكانس وهي طويلة ، وأقام بحماة يمدح أمراءها وقضاتها ، وله قصيدة في علاء الدين ابن أبي البقاء قاضي دمشق ، ومدح أمين الدين الحمصي كاتب السر حينئذ وغيره ودخل القاهرة ، ثم نوه به القاضي ناصر الدين البارزي في الدولة المؤيدية فعظم أمره وشاع ذكره ، وكان نظم قصيدة بديعية على طريقة شيخه المعز الموصلي وشرحها في ثلاث مجلدات ، وجمع مجاميع أخرى مخترعة وله في المؤيد غرر القصائد وقرر في ديوان الإنشاء منشئ الديوان ، وعمل في طول الدولة المؤيدية من إنشائه مجلدين في الوقائع ، ودخل مع المؤيد بلاد الروم ، فلما انقضت الدولة المؤيدية رق حاله فرجع إلى بلده حماة فأقام بها على خير إلى أن مات في الخامس والعشرين من شعبان ، سمعت من نظمه كثيرا ، وسمعت عليه معظم شرحه على بديعيته وجملة من إنشائه ، ولقيته بحماة سنة ست وثلاثين ذهابا وإيابا ، وبيننا مودة أكيدة - والله المسؤول إن يرحمه ونعم الرجل كان - رحمه الله تعالى . أبو بكر المقيم ببولاق ، أحد من كان يعتقد ، وكان مقيما بالحسينية ظاهر القاهرة ثم تحول إلى بولاق وبنيت له زاوية ، فاتفق أنه أمر بأن يبنى له بها قبر فبنى ، فلما انتهت عمارته ضعف فمات فدفن فيه في المحرم ، ويحكى عنه كرامات ، ومكاشفات - وكان في الغالب ثملا - .جار قطلي نائب الشام ، تنقل في الخدم إلى أن ولي نيابة حماة في الدولة المؤيدية ثم نقل إلى نيابة حلب عوضا عن تاني بك البجاسي واستقر البجاسي في نيابة دمشق فكان دخوله إلى حلب في شوال سنة ست وعشرين ، ثم نقل إلى القاهرة في سنة ثلاث وثلاثين فأمر تقدمة ، ثم قرر أتابك العساكر بها ثم نقل إلى نيابة دمشق بعد عزل سودون من عبد الرحمن ، فكانت مدة ولايته لها قدر سنة واحدة إلى أن مات - ليلة الإثنين في تاسع عشر - في شهر رجب ، وكان شهما مسرفا على نفسه ، يحب العدل والإنصاف ولم يخلف ولدا ، واستقر بعده في نيابة الشام قصروه نائب حلب نقلا منها ، واستقر عوضه في نيابة حلب قرقماس الحاجب الكبير ، واستقر عوضه في الحجوبية يشبك المشد ، ومن الاتفاق أن رفيقا لي رأى لما كنا في سفرة آمد قبل أن ندخل حلبا وذلك في رمضان أن الناس اجتمعوا فطلبوا من يؤم بهم فرأوا رجلا ينسب إلى الصلاح فسألوه أن يؤم بهم فقال بل يؤم بهم قرقماس ، ففي الحال حضر قرقماس فتقدم فصلى بهم ، فوليها بعد ذلك بدون السنة ، ونفى سودون من عبد الرحمن الذي كان نائب الشام إلى دمياط بعد أن كان بذل في نيابة الشام ستينألف دينار يعجل نصفها ويجهز ويرسل نصفها بعد الولاية فلم يجب ، واستقر عوضه في إمرته الأمير الكبير إينال الجكمي أمير سلاح ، واستقر عوضه آقبغا التمرازي أمير سلاح وكان أمير مجلس ، واستقر عوضه أمير مجلس جقمق أمير آخور ، واستقر عوضه أمير آخور تغرى برمش الذي كان نائب الغيبة في سفر الشام ، كل ذلك في يوم الخميس سلخ رجب ، وفي الثالث من شعبان ماتت أم تغرى برمش المذكور ، وكان الجمع في جنازتها حافلا ومنع ابنها أكابر الناس من المشي في جنازتها وركب وركبوا إلى مصلى المؤمني . رمبثة بن محمد بن عجلان ، الحسني الذي كان ولي إمرة مكة ، وكان خرج في طائفة من العسكر للوقيعة ببني إبراهيم على نحو من ثمانية أيام من مكة ، فقتل في المعركة .
عبد الله بن عبد الله العفيف المعروف بالأشرفي كان مملوكا روميااشتراه أرغون الفاخوري ورباه ، فتعلم الخط وحذق اللسان العربي وتعانى الخدم ، فرآه البرهان المحلى - التاجر - فأعجبه ، فاشتراه من أرغون ثم أعتقه ، ثم تنقلت به الأحوال حتى اتصل المذكور بالملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن ، فعظم عنده جدا وفوض إليه أمر المتاجر بعدن ، وصار يكتب بخطه الأشرفي واشتهر بها ، فشرق به المحلى وتولدت بينهما العداوة ، وكان يباشر بصرامة وشهامة وبعض عسف مع معرفة تامة ، فلم يزل على ذلك من سنة ثمانمائة يتنقل الحال في ذلك بينه وبين نور الدين ابن جميع إلى أن مات الأشرفي وتولى ولده الناصر ومات ابن جميع ، وتحول العفيف الأشرفي إلى مكة فسكنها نحوا من عشر سنين ، ثم تحول إلى القاهرة فقطنها ، واستقام أمره إلى أن قدر أنه خرج في تجارة إلى جهة طرابلس فأسر من طائفة من الفرنج وقعوا بالمركب الذي هو فيه فانتبهوا ما معه ، واستمر في الأسر نحوا من أربع سنين إلى أن مات في هذه السنة في ربيع الآخر .
عبد الله جمال الدين بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد ، العراقي الحلبي الأصل نزيل القاهرة ، ولد سنة 64 تقريبا بحلب ، وكان أبوه من صدورعلمائها ، وتربى هو بعد موته عند الشيخ شهاب الدين الأذرعي ، وحصل له وظائف أبيه ، ثم تعلق بعد أن كبر بولاية الحكم فناب في عدة بلاد وولي قضاء بعض البلاد على غير مذهبه ، ولم يكن متحريا وكان يعرف الشروط ، ويستكثر من شراء الكتب مع عدم فراغه للاشتغال ، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين فقطنها إلى أن مات ، وفي هذه السنة قيل للسلطان إنه لم يحج ، فأرسل إليه في العشر الأخير من شوال ، فسأله عن ذلك فاعترف ، فأمره أن يحج في هذه السنة ، فبادر إلى الإجابة وأظهر الفرح بذلك ، فنزل في الحال فتجهز وتوجه صحبة الركب الأول ، فقدرت وفاته بمغارة نبط - ذاهبا - على ما بلغنا ، ولم أعرف له سماعا في الحديث ولا حدث ، وكان مبغضا للناس بغير سبب غالبا - عفا الله عنه - .
عبد الله بن مسعود ، التونسي المكي الشيخ الجليل المعروف بابن القرشية أخذ عن والده وذكر أنه . . . . قرأت بخطه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة أبا عبد الله بن عرفة وقاضي الجماعة أبا العباس أحمد بن محمد بن جعدة أخذ عن محمد بن عبد السلام شارح ابن الحاجب ، ومنهمأبو القاسم أحمد بن أبي العباس الغبريني ، أخذ عن أبي جعفر بن الزبير وعن ابن عربون وابن هارون ، ومنهم أبو العباس أحمد بن أدريس الزواوي شيخ بحاية ، وحدث بالحديث المسلسل بالأولية ومصافحة المعمر ، ومنهم أبو عبد الله بن مرزوق ، ومنهم أبو الحسن محمد بن أبي العباس أحمد الأنصاري البطرني ، وذكر أنه قرأ عليه القراآت وسمع عليه كثيرا من الحديث وألبسه خرقة التصوف ، ومنهم أبو العباس أحمد بن مسعود بن غالب البلنسي ، أخذ عن الوادياشي وعن أبي عبد الله بن هزال .
عبد العزيز السلطان أبو فارس بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر الهنتاني الحفصي صاحب تونس ، مات وهو قاصد إلى تلمسان وقد مضى كثير من أخباره في الحوادث ، قرأت بخط صاحبنا أبي عبد الله محمد ابن عبد الحق الهنتي فيما كتب من سيرته أنه بلغه أنه كان لا ينام منالليل إلا قليلا حتى حزر مقدار ما ينامه بالليل أربع ساعات لا يزيد قط بل ربما نقصت ، وليس له شغل إلا النظر في مصالح ملكه ، وكان يؤذن بنفسه ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر ويقرب أهل الخير ، وقد أبطل كثيرا من المفاسد والتركاس بتونس منها العيالة وهو مكان يباع فيه الخمر للفرنج ويحصل منه في السنة شئ كثير وكان لأكثر الجيش عليه رواتب فأبطله وعوضهم - وأخرج المحسس بولده ، قال - وشكى إليه قلة القمح - بالسوق - فدعا تجاره فعرض عليهم قمحا من عنده وقال : أريد بيع هذا بسعر دينار ونصف ، فاسترخصوه ، فأمر ببيعه بذلك السعر وأن لا يشتري أحد من غيره بفوق ذلك ، فاحتاجوا أن يبيعوا بذلك القدر فترك هو البيع فبلغه أنهم زادوا قليلا فأمر بأن يباع ما عنده بسعر دينار واحد ، وتقدم إلى خازنه أنه إن وجد القمح بالسوق لا يبيع من عنده شيئا وإلا باع بسعر دينار فاضطروا إلى أن باعوا ، فكانت تلك من أحسن الحيل في تمشية حال الناس ، ولم يكنببلاده كلها شئ من المكوس ولكنه كان يبالغ في أخذ الزكاة والعشر ، وكان محافظا على عمارة الطرق حتى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده . وذكر أنه حضر محاكمة مع منازع له في بستان إلى القاضي فحكم عليه ، فقبل الحكم وأنصف الغريم ، وكان إذا مر في الأسواق يسلم ، ولا يلبس الحرير ولا يجلس عليه ولا يتختم بالذهب . وكانت صدقاته إلى الحرمين وإلى جماعة من الصلحاء بالقاهرة وغيرها مستمرة ، وما سافر قط مع كثرة أسفاره إلا قدم بين يديه صدقات للزوايا وكذلك إذا عاد ، وكتب إليه ابن عرفة مرة : والله لا أعلم يوما يمر - علي ولا ليلة - إلا وأنا داع لكم بخير الدنيا والآخرة فإنكم عماد الدين ونصرة المسلمين ؛ مات في 14 ذي الحجة عن ست وسبعين سنة بعد أن خطب له بفاس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى إحدى وأربعين سنة وأزيد ، وقام من بعده حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد بن الأمين أبي عبد الله محمد ابن أبي فارس .
عبد العزيز عز الدين بن القاضي بدر الدين محمد بن عبد العزيز بنالأمانة ، مات في سابع عشرى جمادى الأولى ، وكان شابا صالحا عفيفا فاضلا ، اشتغل كثيرا ودرس وعمل المواعيد بالجامع الأزهر .
علي بن حسين ابن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي أبو الحسن ابن زكنون ، ولد قبل الستين وكان في ابتداء أمره جمالا ، وسمع علي بن يحيى بن يوسف الرحبي ويوسف الصيرفي ومحمد بن محمد بن داود وغيرهم ، وكان يذكر أنه سمع من ابن المحب ثم أقبل على العبادة والإشتغال فبرع ، وأقبل على مسند أحمد فرتبه على الأبواب ، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب المغنى وغيره ، وفرغ في مجلدات كثيرة ، وكان منقطعا في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق ، وكان يقرئ الأطفال ثم انقطع ويصلي الجمعة بالجامع الأموي ويقرأ عليه بعد الصلاة في الشرح ، وثار بينه وبين الشافعية شر كبير بسبب الإعتقاد ، وكان زاهدا عابدا قانتا خيرا لا يقبل لأحد شيئا ، ولا يأكل إلا من كسب يده ؛ توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة ، وكانت جنازته حافلة .
عمر بن علي بن حجى ، الشيخ الحنفي البسطامي ، أصله من العجم ، وصحب بعض الفقراء ، ودخل القدس فلازم الشيخ عبد الله البسطامي فعرف به ، وأخذ عن الشيخ محمد القرمي ، ثم قدم مصر وسكن بقرب اللؤلؤة بالعارض ، وكان خيرا ساكنا ، يعتقدون الناس فيه ، وله مدد من عقار يملكه ويستأجره ، وكان قد أقعد وهو مع ذلك ملازم الصلاةوالذكر ، وقل أن ترد رسائله ؛ مات في حادي عشر ذي الحجة وقد قارب التسعين ، وسمعت بعض الناس يذكر أنه جاوز المائة وليس كما يظن .
قطلو بغا حجى البانقوسي حمو الظاهر ططر ، ولي نظر الأوقاف في أيام الأشرف مدة ، وباشر بعنف شديد ثم لانت عريكته ، ثم انفصل ومات في يوم السبت 25 صفر .
محمد بن أحمد ، المالكي فتح الدين ابن النعاس - بالعين والسين المهملتين - أحد موقعي الحكم ، كان حسن الخط عارفا بالوثائق ، وولي الخطابة بمدرسة ناظر الجيش عبد الباسط وكان يتلمذ لإبن وفاء وتقدم في الصلاة عليه بإشارة ناظر الجيش بحضور القاضي الحنبلي وغيره من الأعيان . ولم يتفق لي حضورها .
محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة . المارديني الحلبي الحنفي الشيخ بدر الدين ، اشتغل ببلده مدة ولقى أكابر المشايخ وحفظ عدة مختصرات ومهر في الفنون وشغل الناس ، وقدم إلى حلب مرارا فاشتغل بهاثم درس في أماكن وأقام بها مدة عشر سنين ثم رجع ، ولما غلب قرايلك على ماردين نقله إلى آمد فأقام مدة ، ثم أفرج عنه فرجع عنه إلى حلب فقطنها ، ودرس في عدة مدارس ، ثم حصل له فالج قبل موته بنحو عشر سنين فانقطع ، ثم خف عنه وصار ثقيل الحركة ، وكان حسن النظم والمذاكرة ، اجتمعت به في حلب ، وذكر لي أن مولده سنة خمس وخمسين ومدحني بقصيدة رائية وأجبته عنها ، ومات ثانى صفر سنة 837 ، وكان فقيها فاضلا صاحب فنون من العربية والمعاني والبيان ، وأخذ عن شريحا وجماعة ، وقد ذكرت له ترجمة حسنة في معجمي ومات وله اثنتان وثمانون سنة ولم يخلف بحلب بعده مثله .
محمد ابن أبي بكر بن محمد السمنودي المقرئ تاج الدين الشهير بابن تمرية ، ولد قبل الثمانين بيسير ، وكان أبوه تاجرا بزازا ، فنشأ هو محبا في الإشتغال مع حسن الصورة والصيانة وتعانى القراآت فمهرفيها ، ولازم الشيخ فخر الدين بالجامع الأزهر والشيخ كمال الدين الدميري ، وولي خطابة جامع بشتاك ، وأخذ أيضا عن الشيخ خليل المشبب ، مات يوم الجمعة عاشر صفر .
محمد بن عبد الله السلمي الشيخ بدر الدين ، مات في تاسع عشر ذي الحجة .
محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر ، قاضي مكة جمال الدين القرشي العبدري المكي الشيبي أبو المحاسن ، ولد في رمضان 779 ، وسمع على برهان الدين ابن صديق وغيره ، وله إجازة من النشاورى والحافظ العراقي ونحوهما ، وتعانى الأدب والنظر في التواريخ ، وصنف أشياء لطيفة ، منها ذيل على حياة الحيوان سماه طيب الحياة ، ومن نظمه قوله في القاضي جلال الدين لما أعيد إلى القضاء بعد الهروي في سنة إثنتين وعشرين :
عود الإمام لدى الأنام كعيدهم
بل عودة لا عيد عاد مثالهأجلى جلال الدين عنا غمة
زالت بعون الله جل جلاله
وولى سدانة البيت في سنة 27 ، ثم ولي قضاء مكة بعد صرف أبي السعادات في سنة ثلاثين فباشره ، فحمدت سيرته وأضيف إليه نظر الحرم ، ولم يكن يعاب إلا بما يرمى به من تناول لبن الخشخاش .
قال القاضي تقي الدين الشهبي : ولي حجاجة البيت سنة 28 وولي قضاء مكة سنة ثلاثين وجمع مجاميع كثيرة ، منها تعليق على الحاوي وطيب الحياة مختصر حياة الحيوان مع زوائد ، وكان رحل إلى شيراز وبغداد ، وكتب بخطه حوادث زمانه ؛ مات ليلة الجمعة ثامن عشرى ربيع الأول عن نحو من سبعين سنة .
محمد بن علي الحكري - بدر الدين - ، ولي أبوه القضاء مدة لطيفة ، كما تقدم ذكره في سنة ست وثمانمائة ، ونشأ ابنه هذا نشأة حسنة واشتغل كثيرا ثم ناب في الحكم مدة ، وكان جميل الصورة حسن المعاشرةمتواضعا ، فاشتغل ومهر وبحث المقنع والمستوعب على القاضي الحنبلي ، وكتب بخطه كثيرا ؛ ومات في أول شهر ربيع الأول ، طلعت له جمرة في قفاه فمات بها ، وعاش ثلاثا وخمسين سنة محمد بن قطلبك الكماخي - بالخاء المعجمة - شمس الدين ، أحد نواب الحنفي ؛ مات في الخامس من جمادى الآخرة ، وكان مذموم السيرة .
محمد بن محمد بن محمد بن القماح ، التونسي المحدث بها أبو عبد الله ، سمع من أبي عبد الله بن عرفة وجماعة وحج فسمع من شيخنا تاج الدين ابن موسى خاتمة من كان عنده حديث السلفي بالعلو بالسماع المتصل بالقاهرة من شيخنا حافظ العصر زين الدين العراقي ومن مسند القاهرة برهان الدين السامي وجماعة ، ورجع إلى بلاده فعنى بالحديث واشتهر به وكاتبني مرارا بمكاتبات تدل على شدة عنايته بذلك ولكن بقدر طاقته في البلاد ، وقد ولي قضاء بعض الجهات بالمغرب ، وحدث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة وعن غيره من المشارقة وحدث بالكثير ؛ مات في أواخر شهر ربيع الآخر ، كتبإلي بوفاته الشيخ عبد الرحمن البرشكي من تونس وقال : كان حسن البشر سمح الأخلاق محبا للحديث وأهله - رحمه الله تعالى .
محمد بن شفشيل ، شمس الدين الحلبي ، أحد الفقهاء بها ، اشتغل كثيرا وفضل ، سمعت من نظمه بحلب ، وكتب عني كثيرا ؛ مات في جمادى الأولى .
محمد بن الفخر ، المصري ناصر الدين المعروف بابن النيدي . . كان أبوه تاجرا ، فنشأ هو محبا في العلم فمهر في العربية ، وصاهر شيخنا العراقي على ابنته ، ثم ماتت معه فتزوج بركة بنت الشيخ ولي الدين أخي زوجته الأولى ومات وهي في عصمته وخلف ولدين وكان معروفا بكثرة المال فلم يظهر له شيء وله بضع وستون سنة .محمد بن فندو ملك بنجالة جلال الدين أبو المظفر ويلقب بكاس ، وكان سبب تملكه لها أن أباه كان كافرا فثار على شهاب الدين مملوك سيف الدين حمزة بن غياث الدين أعظم شاه بن إسكندر شاه بن شمس الدين ، فغلبه على بنجالة وأسره ، وكان أبو المظفر قد اسلم فثار على أبيه واستملك منه البلاد ، وأقام شعار الإسلام ، وجدد ما خربه أبوه من المساجد ، وراسل صاحب مصر بهدية ، واستدعى بعهد من الخليفة وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء الدين البخاري نزيل مصر ثم دمشق ، وعمر بمكة مدرسة هائلة ، وكانت وفاته في شهر ربيع الآخر ، واقيم بعده ولده المظفر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة .
محمد الدمشقي المعروف بابن تيمية ناصر الدين ، وكان يتعانى التجارة ثم أتصل بكاتب السر فتح الله وبشمس الدين بن الصاحب وسافر في التجارة لهما ، وولي قضاء الإسكندرية مدة ، وكان عارفا بالطب ، ودعاويه في الفنون أكثر من علمه ؛ مات في تاسع شهر رمضان وقد جاوز السبعين .مقبل بن عبد الله الرومي الذي كان دويدارا عند موت المؤيد ، وفر إلى الشام فرقا من ططر ، ثم أمنه واستعان به على جقمق الذي كان نائب الشام ثم استقر في النيابة بصفد فباشرها مدة طويلة وحسنت سيرته فيها وسمعته ، وكان فارسا بطلا عارفا بالسياسة ؛ مات بصفد في يوم الجمعة 29 ربيع الأول ، واستقر في نيابتها بعده اينال الششماني وكان قريب العهد من المجئ من إمرة الحاج وهم يشكون من جوره ووهنه - فلله الأمر وقدم جماعة من المقادسة والخليلية يشكون من نائبها أركماس الجلباني أنواعا من الظلم والأذية - لجميع الطوائف ، ومما أعتمده أنه حبس القاضي شمس الدين البصروي وهو يومئذ قاضي الشافعية وزعم أنه استنقذه من العوام لئلا يرجموه وحجر على المياه التي لبيت المقدس فختم على الآبار ومنع الناس من الاستفاء منها إلا بثمن - إلى غير ذلك ، فلما علم السلطان بسيرته أمر بعزله وقرر غيره في الإمرة وهو أخو - تغرى برمش الذي ناب عن السلطان في الغيبة .حوادث سنة 838
سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة
كان أولها يوم الخميس ، فيها كائنة شمس الدين محمد المعروف بابن الادمي الجوهري ، كان أحد طلبة العلم واشتغل كثيرا ، وتنزل في بعض المدارس ، ثم ترك فلزم التسبب بالبضاعة ، فاتفق أنه حضر مجلس جوهر الخازندار فأراد أن يطريه ، فقال له : أنت سئلت لهذه الوظيفة ويوسف عليه السلام سأل فيها فأنظر كم بين السائل والمسؤل وأعاد ذلك مرة أخرى ، فقال : فانظركم بين المقامين . فشاع ذلك عنه فبادر إلى الحنفي واعترف فحقن دمه وحكم له باستمراره على الإسلام ، ونفذ ذلك ، وبلغ ذلك الشيخ يونس الالواحي فثار كعادته فاستشكى واستكثر من الاستفتاء على ذلك ، فبلغ الخازندار فشق عليه وتوعد يونس . قلت : واستمر ابن الأدمي على حالته وتنصل من ذلك ، وتالم لما نسب إليه من ذلك ومن غيره .
وفيها أعيد ناصر الدين بن عز الدين البكري إلى قضاء الفيوم عوضا عن رجب بن العماد الفيومي ، ثم صرف وأعيد رجب بعناية جوهر الخازندار .
وفيها في المحرم قدم السيد الشريف تاج الدين بن عبد الله الحسيني الشيرازي رسولا من قبل السلطان شاه رخ بن تيمور وقدم هديةللاشرف ، وسأل أن يؤذن له في كسوة البيت الحرام ، وكانت الهدية ثمانين ثوبا من الحرير الاطلس وألف قطعة فيروزج ، وتاريخ كتابه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ، ولقيت السيد المذكور فوجدته فاضلا متواضعا ، ذكر لي انه تزوج بنت السيد الشريف الجرجاني صاحب التصانيف وأن السيد الشريف المذكور ذكر له انه اشتغل بالقاهرة ، وأخذ عن أكمل الدين وغيره ، وأقام بالخانقاه السعيدية أربع سنين ، ثم خرج إلى بلاد الروم ثم لحق ببلاد العجم ورأس هناك ، وكان قدومه من جهة الحجاز فحج ووصل مع الحجاج ، ثم عقد الموكب وأحضر الرسول المذكور ومعه ولده وذكر أنه رزقه من بنت الشريف الجرجاني وهو كهل من أبناء الثلاثين وله فضيلة أيضا ، ثم في اثناء صفر أحضر الرسول والقضاة المصرية ودار بينهم كلام يتعلق بالرسالة المذكورة ، وانفصل المجلس على أن السلطان اعتذر من الإجابة خشية أن يتطرق إلى ذلك غيره من الملوك ، وقنع الرسول بهذا الجواب ، ثم جهز معه أقطوه الذي كان دويدار صغيرا ثم صار مهمندار السلطان رسولا من قبل سلطان مصر بهدية وجواب ، وسافروا من طريق الشام ، وأظهر السلطان بعد ذلك حنقا على القضاة في عدم مبالغتهم في الرد على الرسول فيما احتج به على تعين غجابة مرسله وكانوا استفتوا على ذلك أهل العلم بالقاهرةفأجابوا ، وتواردت أجوبتهم على المنع ، ومنهم من أجاب من قبل أن يسال بل كتب السؤال والجواب بخطه معا ، فمن عجيب ذلك أن بعضهم كتب لا يجوز ذلك لما فيه من تعطيل الوقف ، وكتب الآخر لا يجوز لسلطان مصر الإجابة لذلك لما فيه من الافتيات على سلطان مصر - إلى غير ذلك من الاستدلالات الواهية ، كل ذلك زعموا لطلب مرضاة السلطان ، فقدر الله تعالى أنه لم يعجبه شيء مما كتبوا به أجمعين ، ولم أعرج في جوابي إلا على ما تقدم من أن ذلك يفضي إلى تسليط غيره لطلب ذلك - فينخرق السياج وترتفع الخصومة ، ولما شاع غضب السلطان من القضاة تحرك صالح البلقيني في العود إلى القضاء ، وذكر القاضي - شمس الدين بن القاضي زين الدين التفهني الذي كان أبوه في وظيفة القضاء بالقاهرة أن يستقر في وظيفة أبيه ، فيقال إنه مال إلى ذلك وسعى أو سعى له فيه ، ولم ينبرم لواحد منهما أمر - والأمر بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار .
وفي المحرم شرع الأمير سودون المحمدي في عمل سقف الكعبة بأمر الملك الأشرف . فبدأ فيه في نصف الشهر وعمله سقفا جديدا ، فشرع فيه أوائل شهر ربيع الأول منها ، وهدم منارة باب السويقة وعمرها جديدة فوجد فيها مالا .
وفي أوائل صفر صرف بهاء الدين أبو البقاء محمد بن القاضي نجم الدينابن حجي عن قضاء الشام ، وقرر شهاب الدين ابن المحمرة عودا على قدر التمس منه أن يدفع للسفر بذلك خمسمائة دينار ، فامتنع وصمم ، فغضب السلطان وأمر بنفيه إلى القدس بطالا أو مكة قاضيا ، فأجاب إلى مكة واستمهل إلى رجب أو شوال ، فسعى حينئذ لسراج الدين عمر بن موسى بن حسن الحمصي الذي كان نائب الحكم باسيوط من الصعيد ثم ولي قضاء طرابلس ، فأجيب ساعيه بمال جزيل وأرسل إليه خلعته وصرف شمس الدين محمد بن شهاب الدين بن الكشك عن قضاء الحنفية بدمشق أيضا ، وقرر شمس الدين الصفدي على مال جزيل ، وتوجهت خلعة الصفدي أيضا وفي وسط صفر قصر الوزير المستقر عن قرب وهو امين الدين إبراهيم بن مجد الدين عبد الغني ابن الهيصم الذي ناظر الدولة وكان أبوه ناظر الخاص ومن قبل في الديوان المفرد فقصر في تجهيز المرتبات السلطانية ، فهجم جماعة من المماليك الجلب على داره فنهبوا ما وجدوا فيها ، ثم توجهوا إلى منزل الاستادار وهو كريم الدين عبد الكريم بن تاج الدين عبد الوهاب بن كاتب المناخات فنهبوا ما وجدوا فيه أيضا ، ثم توجهوا إلى منزل - ناظر الجيوش زين الدين عبد الباسط بن خليل فأفحشوا في نهب ما قدروا عليه منها ، فلما أصبحوا بكر الوزير والأستادار فشكيا حالهما ، ثم أراد ناظر الجيش أن يحضر بين يدي السلطان فمنعه وراسله بأن يتوجه إلى الإسكندرية حتى تنكسر شوكة المماليك ، فصعب ذلك عليه وراسل السلطان يستعفيه ، فأعفاه وأمره بالحضور فحضر ، واستقر الحال على أنه يتكفل بأمر الوزيرويسعفه في جمع ما يحتاج إليه وستمر الاستادار على حاله ، ثم بعد يومين استقر جانبك دويدار ناظر الجيش في وظيفة الاستادراية وقبض على الاستادر وصودر واستتر الوزير . فأمر السلطان ناظر الدولة - وهو سعد الدين إبراهيم بن كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين كاتب حكم في الكلام في الوزارة ، فلما أصبح ألزمه السلطان بأن يستقر وزيرا .
فامتنع فأمر بضربه ، وضرب ضربا مبرحا ، وتوجه إلى منزله ملزوما بتكفية الوزارة ، وكان ذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر ، فصار ينظر في أمور الوزارة إلى أن استقر أخوه جمال الدين يوسف فباشر بشدة وعسف ، واستقر قبطي يقال له ابن قطارة في نظر الدولة وألزمه بسد الأمور ، ثم في يوم الأربعاء ضرب الاستادار ضربا مبرحا وعصر وألزم بخمسين ألف دينار ، فشرع في بيع دوره ودواليبه وقماش أهله وعرض مماليكه وجواريه للبيع .
وانتهت زيادة النيل في سابع عشري توت إلى عشرين ذراعا ونصف ذراع ، وانفتق من الخليج فتق فنفذ إلى ناحية شبرا ومنية الشيرج ، فغرق من ذلك شيء كثير ، وبقي الناس أياما في شدة .
وصرف والي الشرطة عمر أخو التاج الشويكي عن ولايته وأعيددولات خجا الذي كان استقر في سنة ست وثلاثين وصرفه نائب الغيبة ، فأعيد وباشر سد المقطع المذكور .
وفي ربيع الآخر قدم أرغون شاه من الشام وهو الذي كان ولي الوزارة قبل ذلك بالقاهرة ، واستقر عوض الحمصي بطرابلس ولد قاضيها شهاب الدين وهو صدر الدين محمد بن أحمد بن محمد النويري ببذل ثلاثمائة دينار .
وفي ربيع الآخر قبض قرقماش نائب حلب على ولد ناصر الدين ابن صدر الباز التركماني بسبب أن أباه نزع ابن أخيه من نيابة مرعش وكان السلطان قرره فيها ، فانتمى إلى نائب حلب فكاتب فيه ، فأذن له أن يسير إلى مرعش ويقرره في نيابته ويخرج من عائده ، فتوجه لذلك فوقع بينهم مناوشة ، فكسرهم وقبض على ابن ناصر الدين المذكور وجماعة وأحضرهم إلى حلب وكاتب بذلك ، فعاد إليه الجواب عن ذلك .
وفي جمادى الأولى أول يوم منه أمر السلطان القضاة بقراءة كتب الاوقاف بالمدارس الكبار والخوانق وأتباع شرط الواقفين فيها وشدد في ذلك ، فلما كان يوم الأربعاء رابعه اجتمعوا بالشيخونية وقرئ كتاب الوقف فقال لهم الشافعي : يقام ناظر بشرط الواقف ليعمل بالشرط وينفذ تصرفه . فانفصلوا على ذلك ، ثم حضر المشايخ والطلبة يوم الثلاثاء حاديعشره عند السلطان ، فقال لهم : ما فعلتم ? فقالوا : الحال يتوقف على ناظر يتكلم . فقال للشيخ : أنت ناظر فقال : وكذلك كاتب السر ، فأمر كاتب السر في الكلام معه ، فحضروا يوم الأربعاء وقرئ شرط الواقف فتكلموا أولا في البيوت فوجدوا الشرط أن يسكنها العزاب ، فوجد من المترددين نحو العشرين ، فأمر أن يخرج من المتزوجين بعددهم ويسكن المترددون ووعدوا بأن يحضر لكتابة ذلك من يوثق له فلم يحضر أحد ، وحضروا يوم العشرين بالصالحية فقرئ كتاب وقف الناصري ، فترددوا فيمن يستحق النظر هل هو الشافعي أو المالكي ونزل إلى الشيخونية جمدار فأخبر الشيخ وهو في الحضور أن السلطان رسم أن كل أحد على حاله فسروا بذلك وقرؤا للسلطان ، ثم تبين للسلطان أن الذي قام في ذلك كان فيه هوى وتعصب ، وأشير عليه بترك الناس على حالهم ، وأن الذي يصل إليهم من المعاليم هو من جملة أموال المسلمين وهم مستحقون إلى غير ذلك من الاعتذارات إلى أن أمر بترك ذلك وخمدت الكائنة واستمر الامر على ما كان
في المحرم قدمت هدية قرا يلك وفيها دراهم مكتوب عليها سكة السلطان الأشرف . وفيه استقر جانبك الذي كان نائبا بالإسكندرية حاجبا عوضا عن بردبك الإسماعيلي بحكم نقله إلى دمياط ، ونودي يوم النوروز بزيادة إصبعين فصار على أربع عشرة إصبعا من الذراع العشرين ولا يحفظ مثل ذلك فيما مضى .
وفيه استمر إسكندر بن قرا يوسف على قلعة شاهين وكانالأمير بها من قبل أن يستمر رمضان وقد قدمت بسبب عصيانه عليه ، وهي على مسيرة يومين من تبريز فاستمر فيها إلى الآن ، فحاصرها إلى أن نفد زاده ومات في الحصار ، فملكها الإسكندر واستنقل نساءه بها .
وفيها رفع داود الكيلاني التاجر عن قاضي مكة أمورا عظيمة من الظلم والأحكام الباطلة ، وسعى في أن يقرر في نظر الحرم عوضه على مال بذله فأجيب ، فراجع أمير مكة وذم داود المذكور وذكر أنه أمر سودون المحمدي الذي جهز من القاهرة لترميم البيت والحرم أن ينظر في ذلك إلى أن يعود المرسوم من القاهرة ، فأجيب بتقرير سودون المذكور في ذلك .
وفيها استقر سفر الذي تجهز من مصر لقبض المكوس الهندية بجدة في البحر وبطل السفر من البر ، وكان للناس فرح كبير لأن كثيرا من المسلمين يحبون المجاورة بمكة فكان السفر في هذه الأيام يحصل لهم به صيام رمضان بمكة والعمرة والمجاورة وفي غضون ذلك يحصل للكثير منهم المكاسب ، وجدد في هذه السنة مرسوم بأن لا يؤخذ من تجار الهند إلا العشر من كل شئ معهم بضاعة من غير تكليف للدرهم الفرد ، فإن وجد منهم مصري أو شامي يؤخذ منه الخمس عقوبة لهم على مخالفة الأمر ، وإن وجد يمني أخذ جميع ماله ، واتفق أن قرئ هذا المرسوم تجاه الحجر الأسود ، ثم راجع أمير مكة السلطان في ذلك حتى أمر بالتسوية بين الجميع بعد ذلك .
وفي ليلة التاسع والعشرين من صفر سقط صبي لعبد الرحمن بنفيروز عمره ست سنين من منزلهم الذي على الخليج الناصري في الماء فغرق ، فتتبعوه في الماء فلم يقدروا عليه ، فبعد يومين وجدوه في بركة في آخر الخليج فدفنوه ، فلما كان بعد ذلك ظهروا على أن جارية لهم سوداء غضبت من أمه فألقته في الماء وهو نائم ، فتحيلوا عليها حتى أقرت كيفية ذلك ، فرفعوا الأمر إلى بعض نواب المالكي فحكم بتغريقها في المكان الذي ألقت فيه الصبي ، فألقوها موثقة بالكتاف ، فتخبطت في الماء قليلا وانغمست فماتت ، وذلك في تاسع عشرى الشهر المذكور . وانتهت زيادة النيل على ما زعم القياس إلى عشرين ذراعا ونصف والحس لا يقبل ذلك بل لم يكمل العشرين ولكن الري كان عاما في جميع البلاد العالية .
شهر ربيع الأول أوله الثلاثاء الموافق لثامن بابة ، ونقص النيل نحو الذراع ، وتشاغل الناس بزرع البرسيم على العادة ، وفيه ادعى على والي الشرطة عند المالكي بأنه ضرب شخصا حتى مات ، فأجاب بأنه أتى به إليه وهو سكران فضربه الحد وما زاد عليه وأقيمت البينة بذلك ، فدرأ عنه القتل ، وبلغ السلطان ذلك فأنكره ، واتفق أن أولياء المقتول أبرؤا الوالي وطاح دم ذلك القتيل .
وفي أول يوم - منه - استقر يوسف بن كريم الدين عبد الكريمابن سعد الدين بن كاتب جكم في الوزارة وخلع عليه ، وهرع الناس للسلام عليه ، وخلع على أخيه - إبراهيم - خلعه الرضا واستقر في نظر الخاص ، واستمر الأستادار في المصادرة فعرض جميع عقاراته وكل ما يملكه للبيع ، واستقرت مصادرته على عشرين ألف دينار . فسلم للتاج أستادار الصحبة على المال المذكور ، فأقام في منزله حتى أورد نحو أربعة ألف دينار ؛ وعمل المولد السلطاني يوم الخميس الثالث منه .
وفيه أغار ولد قرايلك على معاملة ملطية ودوركي ونهب شيئا كثيرا ، وتوجه أبوه للإغارة على الرها .
وفي أواخر جمادى الآخرة استقر تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير ابن نصر الله القبطي ناظر الإصطبل في الوزارة بعد القبض على جمال الدين يوسف ابن كريم الدين ابن كاتب جكم ومصادرته ، وكان يوسف قد استعفى بسبب قلة المتحصل وكثرة المصروف ، فأعفاه السلطان ولكنه قبض عليه وعلى أخيه ناظر الخاص وصادرهما على مال يقال إنه ثلاثون ألف دينار ، ثم خلع في صبيحة ذلك اليوم يوم الإثنين السابع عشرى جمادى الآخرة على ناظر الخاص مستمرا ، وأمر الخطير أن يتكلم في الوزارة بغير ولاية إلى أن يرى من يتكلم ، فتكلم في ذلك يوم الأحدويوم الأثنين ، ثم خلع عليه يوم الثلاثاء بالوزارة ، وشرع ناظر الخاص وأخوه في بيع أملاكهم ورزقهم من أراضي وعقار ، ثم خفف عنهما من مال المصادرة نحو النصف ، واستمر ناظر الخاص ، واستقر أبو الحسن بن تاج الدين في نظر الإصطبل عوض والده .
من الحوادث
فيها تولية دولات خجا كشف منفلوط واستقرار علاء الدين علي ابن محمد ابن الطبلاوي الذي كان واليا في الأيام الناصرية فرج وبعدها في الولاية ، وكان له مدة طويلة خاملا ، فاستقر في سابع عشر جمادى الأولى .
وفيها استقر جلبان نائبا بطرابلس نقلا من حماة ، واستقر قانبائي الحمزاوي في نيابة حماة نقلا من إمرته بالقاهرة ، واستقر خجا سودون عوضا عن قانبائي ، وأضيف إقطاع سودون خجا للوزير تقوية له .
وفي هذا الشهر جدد سودون المحمدي سقف الكعبة وأتقنه ، وحمل إليه من الرخام من القاهرة لمرمة الحجر وشاذروان البيت .
وفيها كانت الوقعة بين الأمراء وبين عرب هوارة فقتل منهمجماعة ، فعين السلطان يوم السبت أول يوم من جمادى الآخرة وهو السادس من كانون الثاني كريم الدين الذي كان أستادارا ووزير كاتب المناخات فتوجه لكشف الوجه القبلي وألبس خلعة بزي الأمراء وفرح الناس بذلك ، وصحبه محمد الصغير الذي كان كاشفا قبله ودويدارا في خدمته ، وأمر على الدم ولي الكشف القبلي أيضا والوجه البحري مرة أخرى ، واستمر ناظر الخاص رأس نوبة بين يديه فتوجه إلى الصعيد فأصلح أحوال العرب ورجع ، والسبب في ذلك أن تغري برمش أمير آخور خرج في السرحة التي جرت بها العادة فالتزم له الكاشف واسمع محمد الصغير بمقدار من المال عن السرحة ، فبلغ ذلك أكابر العرب فتحالفوا على أن لا يعطوا أحد شيئا ووقع بينهم تناوش ، فراسل أمير آخور السلطان ، فجرد له جماعة من أكابر الأمراء فتوجهوا في هذه السنة وكان ما سيأتي .
وفيها وثب فياض بن ناصر الدين محمد بن دلغادر على ابن عمه حمزة أمير مرعش فأخرجه واستقر بها بغير تولية من السلطان ، فتوجهالأمير قرقماس نائب حلب فقبض على فياض المذكور وولاها لابن عمه حمزة بك بن علي بن بك بن دلغادر ، فبلغ ذلك ناصر لدين بك والد فياض المذكور وهو يومئذ أمير الأبلستين وقيصرية فشق عليه ، وجهز قرقماس فياضا المذكور إلى القاهرة فسجن بالقلعة .
فبعث ناصر الدين زوجته خديجة والدة فياض تشفع في ولدها وجهز معها هدية ومفاتيح قيصرية وأن يكون زوجها ناصر الدين بك نائبا عن السلطان فيها ، فوصلت حلب في رمضان فوصلت القاهرة في آخر شوال ، فقبلت هديتها وأفرج عن ولدها وأعطي نيابة مرعش ، واستقر أبوه على حاله بقيصريه ، وكان إبراهيم بن قرمان راسل السلطان أن يعطيه قيصرية على أن يحمل كل سنة عشرة آلاف دينار وغيرها ، فأمره قرقماس نائب حلب أن يتجهز إلى أخذها ويسلمها لابن قرمان ، فوقع لصاحبها ما ذكر فبطل ذلك ، وفي أثناء ذلك لجأ حمزة إلى ابن عمه سليمان بن ناصر الدين بك واجتمع جانبك الصوفي الذي كان أميرا بمصر وسجن بالإسكندرية وهرب من أول الدولة الأشرفية بعد أن اختفى ثلاث عشرة سنة واستمرار السلطان في التنقيب عليه ، فجز داوداره ومحمد بن كند غدي ابن رمضان إلى ناصر الدين بك ابن دلغادر بالأبلستين فحلفاه على أنه إذا قدم عنده جانبك الصوفي لا يسلمه ولا يخذله ، ثم اجتمع جانبكبسليمان بن دلغار فتلقاه هو وأمراؤه وأمراء قلماس بن كبك ومحمد ابن قطلبك ونزلوا بملطية فجاء إليهم ناصر الدين بك ثم توجهوا جميعا إلى محمد بن قرا يلك وهو بقلعة كركر فقواهم ثم نازلوا قلعة ديركي وضايقوا أهلها بالحصار وجاء قاصد شاه رخ إلى قرا يلك يأمره بالمسير إلى قتالإسكندر بن قرا يوسف فترك جابي بك الصوفي ومن معه بدوركي وتوجه بجماعته إلى ملطية فحاصرها فمشى عليه إسكندر وأغار على أرزن الروم فأخذها ففر قرا يلك إلى آمد فأقام بها ثم خرج إلى ارقنين فلما كان في صفر سنة تسع وثلاثين التقى إسكندر بن قرا يوسف وقرا يلك على أرزن الروم ، فخرج على قرا يلك كمين لإسكندر فهزمه ، فلما كاد يؤخذ رمى بنفسه في خندق المدينة فغرق ، فطلع به أولاده بعد ذلك فدفنوه هناك ، فجاء إلى اسكندر من عرفه بذلك ، فأرسل من أخرجه من قبره بعد ثلاثة أيام وحز رأسه ورأس اثنين من أولاده ، وثلاثة من ألزامه وأرسلهم إلى القاهرة فنصبت على باب زوبلة ، وذلك في ربيع الأول وزينت القاهرة فرحا بذلك ، وأكرم السلطان قصاد الإسكندر وأعطاهم مالا وقماشا بقدر عشرة آلاف دينار ، وكتب سليمان بن دلغادر إلى جانبك الصوفي بأنه معه معينا له على مقاصده ، فاغتر بذلك فاجتمعا بملطية ، فبالغ في إكرامه والمناصحة له ، وأقاما على ذلك مدة ، ثم خرجا يوما للصيدوالتنزه فأبعدا في ذلك ، وكان جانبك قد رتب فرسانه وجماعته على حصار ديركي ، فقبض أصحاب سليمان على جانبك وقيدوه ، وسرى به سليمان على الدمس ليلة كاملة حتى صبح الأبلستين فسجنه ، وراسل السلطان الملك الأشرف يعلمه بالقبض عليه .
وفيها جرد أربعة أمراء من الألوف إلى عرب البحيرة ، والسبب في ذاك أن وكانت طائفة من عرب لبيد قحلت بلادهم فدخلوا البحيرة وصالحوا أهلها ، فمكنوهم من التوجه إلى عرب محارب بالوجه القبلي ، فنزلوا في الأراضي التي بارت من الزرع وطلع فيها مرعى يقال له الكتيح - بكاف ومثناة ومهملة مصغر - فلم يمكنهم الكائف من الرعي فيه إلا ببذل مال ، فأنفقوا من ذلك ووقع بينهم قتال ، فكان ذلك سبب بعث الأمراء فنهبوا منهم كثير من جمالهم وفروا من أيديهم ، فرجع الأمراء في شعبان .
وفي رمضان الوافق لبرمودة من أشهر القبط عند دخول فصل الصيف وقع بمصر مطر غزير دلفت منه البيوت وجاء سيل عظيمبحيث أقام بالصحراء أياما . وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي ورأيت في كتاب ورد من أرض الحبشة فيه : وفي أول رجب أي سنة ثمان وثلاثين غزا الأمير خير الدين أخو السلطان مدلاي بن سعد الدين بلادا للقرم فتح سبعة أبواب من أبواب الحطى وانتصر عليهم ، وقتل أميرا من ألزام الحطى وحرق بلادهم ، وأخذ من المال غنيمة شيئا كثيرا وقتل منهم عددا كثيرا ، ورجعوا ومعهم من الذهب والفضة والزرد والدروع والوصفان كثير ، ولم يسوقوا شيئا من الإبل والبقر والغنم ولا العجائز والشيوخ بل جعلوا عليهم علامات ، وخربوا ست كنائس وعدة قرى ورد ألف بنت من المسلمين ، ووصفوا خير الدين بعدل كثير والرخاء عندهم كثير .
وفيها مات الحطى ووقع الخلف بعده . ثم اتفقوا على صبي صغير وسلطانهم مدلاي عادل خير .
وفيها وقع الوباء في بلاد المسلمين والكفار فمات به خلق كثير جدا ، وفي شوال منها خرج خير الدين أيضا غازيا .
وفيها في شعبان راجت الفلوس التي ضربها السلطان عن كل درهم ثمانية عددا منها وأبطل الفلوس الأول ، وصار الرطل من هذه بحساب سبعة وعشرين درهما ومن القديمة بثمانية عشر ، فكانت تؤخذ من الباعة وتحمل لدار الضرب لتضرب جديدة وتمشي الأمر على ذلك ولكنها قليلة لعدم الاعتناء بكثرتها لقلة المتحصل منها .وفيها نقل قانصوه النورزي من نيابة طرسوس إلى الحجوبية بحلب ، ونقل الحاجب طوغان إلى إمرة مائة بدمشق ، وقرر يوسف ابن فلدوا في نيابة طرسوس .
وفي ربيع الأول استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء حلب نقلا من قضاء طرابلس عوضا عن بهاء الدين ابن حجي ، ويقال إنه بذل ثلاثة آلاف دينار ، واستقر شمس الدين محمد بن علي بن عمر بن علي بن مهنا بن أحمد الصفدي في قضاء دمشق عوضا عن شمس الدين بن الكشك ، وشرط عليه بذل ألفي دينار ، فلما وصل إليه التوقيع والخلعة امتنع ورحل إلى القاهرة مستعفيا ، وكان قد أقام في قضاء طرابلس مدة طويلة ، ثم ولي قضاء دمشق عوضا عن شهاب الدين ابن الكشك ثم صرفوأعيد ابن الكشك ، فلما رحل السلطان إلى جهة حلب قرره لما رجع في عدة بلاد نزعها من نواب ابن الكشك واستمر ابن الكشك في القضاء ، فلما مات ابن الكشك أمل أن يعود فقدم عليه ولد ابن الكشك على مال كثير بذله واستقر هذه المدة اللطيفة ثم صرف ، فلما امتنع ابن الصفدي من الوالية بالشرط المذكور واستعفى أعفي ورجع إلى دمشق من فوره على ما بيده من المدارس واستمر ابن الكشك ثم ألزم ابن الصفدي بالتوجه إلى صفد فسار إليها فيما قيل ، ولد في ذي القعدة سنة 775 ، وذكر أنه سمع موطأ القعنبي على ابن حبيب الكمال قرأ عليه ابن فهد منتفى منه وقرأه عليه كاملا صاحبنا البقاعي ثم ظهر بطلان لهما ورجعا عن روايته لاشتباهه عليهما .
وفيه ثار شمس الدين الهروي على القاضي علم الدين صالح ، وادعىأن بيده وظائف كثيرة بغير شروط الواقفين ، فتعصب له ناظر الجيش ودافع عنه ، واستمر على ما بيده واندفع الهروي بذلك ، ثم عمل ناظر الجيش مولده في السابع والعشرين من الشهر أرسل إليه فأصلح بينهما - والله المستعان .
شهر ربيع الآخر أوله الأربعاء بالرؤية ، في أوائله منع الوالي السقائين من الملء من الخليج الحاكمي ثم الناصري ، ونقص الماء إلى أن صار في مقدار الوفاء ، فكانت مدة ما انتفع أهل البلد بالخلجان نحو المائة يوم ، وفي الرابع منه وقعت زلزلة لطيفة وزالت بسرعة . وفي أوله وصلت البنادقة وهم تجار القطائع من الفرنج الذي يسمونها القطائع فتأخروا عن عادتهم نحو العشرين يوما ولم يصلوا في العام الماضي ، وعجلوا عن عادتهم في الذي قبله بنحو الشهرين ، ولم يحفظ ذلك فيما مضى بل الذي تمادى عليه حالهم أنهم يصلون في أول العشر الثاني من بابةويرجعون في أوائل هاتور ، فألزم السلطان التجار بعدم البيع إلى أن يباع ما يتعلق به ، وطلب من الفرنج أن يشتروا منه الفلفل بمائة وعشرين كل جمل ، فامتنعوا وتراضوا مع نائب الإسكندرية إلى أن يشتروا منه ثلاثمائة جمل بسعر كل جمل بمائة ، ومشوا ولم يشتروا من المسلمين جملا واحدا ، وكسدت بضائع التجار واشتد أسفهم وشق عليهم ذلك مشقة شديدة - والأمر بيد الله .
وفي السادس منه - ووافق ثاني عشر هاتور - أمطرت السماء وقت العصر ، وسرح السلطان في هذا اليوم ورجع وقد صاد ، وفي أواخر امشير في العشر الأخير من رجب وقع برد شديد ، وحصل المطر أياما وسر الناس بذلك ، وتمادى البرد نحوا من عشرة أيام أشد مما كان في طوبة وكهيك ، ثم عاد فراح الوقت كما كان ، وفي الجملة من نحو ثلاثين سنة ما عهد أقل بردا من فصل الشتاء في هذه السنة .
وفي نصف شوال أعيد التاج الوالي إلى ولاية القاهرة وعزل ابن الطبلاوي ، وفيه قطعت إصبع عبد القدوس بن الجيعان لما تكرر منه من التزوير . وفيه اهتم السلطان بأمر الجسور وأمر بإتقانها ، وندبلذلك تمرباي الدوادار الثاني والوزير فاجتهدا في ذلك ، ثم ضاق بالوزير الحال في المصروف فاستعفى وكان ما سنذكره .
وفيها نازل اصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد الموصل فراسل صاحبها رمال قرا يلك ، فأمده بودله محمود في مائتي فارس ، فأنزلهم عنده كالمسجونين فراسل محمود أباه ، فأمده بأخيه محمد بن قرايلك في ألف فارس ، فنزل على الموصل ولم يمكن من رؤية أخيه ، وكان قرا يلك برأي العين فتوجه على نصيبين ، فبلغه إن إسكندر بن قرا يوسف قصد محاربته بعد فراره من شاه رخ ملك الشرق .
وفي التاسع عشر من جمادى الآخرة سافر تغري برمش أمير آخور إلى سرحة الصعيد في تجمل كبير ونزل معه غالب الأمراء فودعوه ووقع له مع عرب الصعيد وقعة قتل فيها من أصحابه جماعة ، وبعث يطلب نجدة ، فأمر تمراز رأس نوبة بالتوجه إليه ، وأمر كل أمير مقدم أن يرسل معه عشرين مملوكاص وتكمل له من غير المقدمين ثلاثمائة ، وسافر في سابع جمادى الآخرة .وفي أول شعبان أمر السلطان القاضي الشافعي إذا حضر المجلس لسماع الحديث إن يحضر صحبته فلقة وعصى ، ومن تعدي في كلامه أو أساء الأدب أدب وأكد في ذلك .
وفي رمضان أمر السلطان بترك أكثر الخلع التي قررت لمن يحضر سماع الحديث ، ثم شفع فيهم وقيل له : لو كان هذا قبل أن يحضروا ، فإن كان ولا بد وقد قضوا المدة كلها تصرف لهم هذا العام ثم يعلموا ويقطعوا فيما يستقبل ، فأمر بالصرف لهم .
وفي أواخر رمضان حضر عند السلطان شريف من الشام ومعه أوراق بخط الشيخ علاء الدين البخاري فيما يتعلق بالنسيمي وشيخه فضل الله ، وأن بالشام ومصر جماعة على عقيدته ، وأنه تصدى لتتبعهم وكشف عورتهم ، وأنه وجد بالقاهرة شخصا منهم ، فقرئ كتاب الشيخ علاء الدين فأمر السلطان بإحضار الرجل وما في بيته من ورق ففعل ذلك ، وهذه هي الطائفة المبتدعة المعروفة بالحروفية ثم بالنسيمية ، فلما كان في رابع شوالعقد مجلس بالقصر عند السلطان وأحضرت الكتب وبعضها من كلام شيخه وهي باللسان الفارسي فقرأ من أول واحد منها شيئا يسيرا وفسره بالعربي وهي مقالة مركبة من قول المشبهة والاتحادية ، فقرأ الشافعي خط الشيخ علاء الدين وفيه أن شعر الإنسان في وجهه ورأسه سبعة شهور : شعر أجفانه الأربعة وحاجباه ورأسه ، وأن في وجهه سا آخر سبعة ، وأن عقد أصابعه في اليدين أربعة عشر . فذلك عدد حروف المعجم ونحو من هذا . وفيه أن الإلهية انتقلت من الله لآدم ومن آدم لآخر إلى أن انتقلت لفضل الله وكلاما من هذا حاصله إن الله هو الحروف ؛ ثم أحضر الرجل فسئل عنها فقيل إنه شراها من حصن كيفا بثلاثين درهما ولا يعتقد شيئا مما فيها وأعلن بالشهادتين والتبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام وصرح بكفر من صنف هذه الكتب وشيخه أو يعتقد ما فيها ، فقال له الشافعي إن كنت صادقا فاحرق هذه الكتب بيدك .
فامتثل ذلك بعد أن حاد عن الجواب وباشر إحراق ذلك بنفسه ، ثم سأل السلطان : هل على إثم إذا أخرجت هذا ومثاله من بلادي ? فقال : لا ، فنودي من عرف من أهل مذهب النسيمي ووجد عنده شيء من كتبه وأحضره للسلطان كان له مائة دينار ، ثم أمر فنودي أن يخرج جميع العجم من القاهرة والقلعة بأسرهم ولا يتأخر منهم إلى ثلاثة أيام ،ثم لم يتم ذلك . وفي يوم الأحد ثاني عشر شعبان أشيع موت زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي ، وكان مولده في المحرم سنة 755 واشتغل على أبيه وغيره ، وسمع من الصدر ابن غنوم جزءا من الخلعيات سنة بضع وستين بسماعه من العراقي أنا ابن عماد ، وسمع الكثير من شيوخ ذلك العصر بحلب وغيرها ، وقدم مع أبيه دمشق فأسمعه من . . . ، وأجاز له جماعة تفرد بالرواية عنهم لكني لا أعلم أنه حدث عنهم بشيء غير جزء أو جزءين ثم ظهر أنه لم يمت إذ ذاك ، فذكر لي ابن فهد أنه توجه إليه هو وغيره من الرحالة كالبقاعي وابن الإمام في هذه السنة فمات بعد وصولهم إليه بقليل ، وكان قدومه القاهرة سنة بضع عشرة فاستوطنها وولي نيابة الحكم ، ثم ولي قضاء دمنهور الوحش والبحيرة فاستقرت قدمه بها بعد منازعات ، وأقام على ذلك بغير منازعة أكثر من عشر سنين ، وكان فاضلا يستحضر أشياء في الفقه ويذاكر بأشياء حسنة ، وله نظم حسن ومدحي قديما وحديثا ، واستهل شهر رمضان الخميس ووافق برمهات .
وفيها وصلت هدية نائب الشام وفيها مائة وخمسون فرسا وعشرة قطرة جمال وألف ثوب بعلبكي ومثلها بطان وخمسون قباء سمور ووشقوعشرة آلاف دينار ونعالا خيل من ذهب ومسامير فضة ، قيل إن في كل نعل خمسين دينارا ، وقيل إن مجموع قيمتها ثلاثين ألف دينار ، وكان قدومهم سابع عشر ذي الحجة .
وفي سادس شهر رمضان هبت ريح شديدة باردة وتراب كثير عم القاهرة وسقط عدة من الدور ، وفي الثالث عشر منه أمطرت ليلا ، وتمادى ذلك في أول النهار مع رعد وبرق . وذلك عند حلول الشمس برج الثور ، ثم تمادى المطر ذلك اليوم كله لكن بغير توالي حتى توحلت الأرض كلها ووكفت البيوت ، ثم أمطرت صبيحة ذلك اليوم بعد الفجر مطرا غزيرا جدا حتى وكفت البيوت وفسدت الأمتعة والزروع - والأمر لله وحده وهبت ريح شديدة وقت العصر من اليوم الماضي حتى انتصف النهار ثم انجلت عن قرب .
وفيه استقر . . في كشف الوجه القبلي ، وصرف كريم الدين ودخل القاهرة ، وفي آخر يوم من رمضان خطبت بجامع عمر بن العاص ، قايضت الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى بما كان معي من خطابة جامع الأزهر بما معه من نصف خطابة جامع عمرو ، وكان أكثر الفاكهة في هذه السنة غير ناجب بسبب كثرة الماء ولفقده في البساتين ، ثم تأخر المطر في الشتاء كله فكان الورد قليلا وكذا المشمش والليمون حتى بيعت الليمونةالواحدة بنصف درهم ، وأمطت في عشي يوم الجمعة سابع شوال قبل المغرب مطرا خفيفا ، ووافق ذلك الحادي عشر من بشنس والشمس يومئذ في أواخر برج الثور ، وأمطرت أيضا يوم السبت بعد أن هبت ريح عاصف بتراب ثم انجلت ، واستمر البرد في طرفي النهار شديدا بنحو ما كان في فصل الشتاء أو دونه يسيرا ولكن في وسط النهار وفي جوف الليل يقع فيهما بعض الحر ، وتأخر لبس الصوف إلى يوم الجمعة سابع شوال المذكور فتأخر عن العام الماضي نحو عشرين يوما ، وزاد النيل في غير أوانه في اول العشر الثالث من بشنس ، وتعجل بنحو عشرين يوما ، وغرقت بعض الأمتعة .
وفي الثامن عشر من شوال طيف بالمحمل وخرج إلى بركة الجب وأميرهم تمربائي الدوادار الثاني وأمير الأول المحتسب صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين بن نصر الله ، ورحلوا من البركة الحادي والعشرين منه ، وفي أواخر بشنس من الأشهر القبطية زاد النيل قبل أوان عادته زيادة عظيمة ، وغرق غالب ما زرع من المقاث البطيخ والسمسم وغيره في الجزائر وفسد للناس شيء كثير من البطيخ ونحوه ، ثم عادت الزيادة في أوائل بؤنة ، وكل ذلك قبل الوقت الذي جرت فيه العادة بالزيادة . فلما كان الثاني عشر من بؤنة وهو أول وقت المعتادزاد أيضا بحيث بلغت الزيادة في المدة المذكورة نحو ستة أذرع ثم نقص نحو ذراع ونصف ، ثم لما كان في الخامس والعشرين من بؤنة وهو اليوم الذي جرت فيه العادة بابتداء القياس وجد الماء قد بلغ إلى أحد عشر ذراعا وعشرة أصابع وقد كان قد بلغ ثلاثة عشر ذراعا لكن نقص في أول العشر الأخير ، وهذا شيء لم يعهد مثله بمصر ، وأكثر ما وصل إلى يوم الخامس والعشرين إلى عشرة أذرع ولكنها لم تفتح زيادتها قبل الأوان ، وزاد في اليوم السادس والعشرين إصبعين ، وفي الذي بعده إصبعين ثم ثلاثة ، ثم توقف عن الزيادة من ثامن عشري بؤنة إلى رابع أبيب ، ثم زاد فيه إصبعا وإصبعا ثم إصبعين وتمادى ، وكان نقص سبعة عشر إصبعا ، وتحرك سعر القمح فازداد كل يوم شيئا إلى أن وصل إلى مائتين وخمسين بعد إن كان بمائة وثمانين ، وفي آخر يوم من المحرم وهو اليوم الثاني من أيام النسىء كانت الزيادة خمسة أصابع فانتهى إلى تسعة عشر ذراعا وأربعة أصابع ، وصادف أنه كان في العام الماضي في مثل هذا اليوم من أيام النسيم كان انتهى إلى هذا القدر سواء ، وهذا من عجائب الاتفاق ، وفي أول ذي القعدة وصل الخبر من شيراز من شاه رخ بأنه جهز إلى مكة كسوة للكعبة وهي التي كانعقد المجلس بسببها في أوائل هذه السنة وجهزت الرسل بالأجوبة ، فجهز هو الكسوة من قبل أن يعود عليه الجواب وانزعج السلطان وكان من سيأتي ذكره .
وفي الرابع والعشرين من ذي القعدة كسرت عدة جرار تزيد على المائتين من الخمور فيها كبار تسع الواحدة نحو القطار ، وذكر أنها لشخص يقال له أبو بكر بن الشاطر سمسار القماش الإسكندراني ، وكان لكسرها في وسط البحر رجة واجتمع فيه خلق كثير . والسبب فيه أنه عثر عليه في بعض الحواصل بساحل بولاق فاستعان بأناس من الجند .
فهجموا على الذين عثروا عليهم فضربوهم ، فهربوا فحولوا جميع ذلك إلى مركب وانحدروا بهم إلى قرب شبرا ، فتوجه إليهم الوالي فقبض عليهم . فتمكنوا منهم وأخذوا الجرار ، فرجعوا بأهالي الساحل فكسروها وكان يوما مشهودا .
وفيها وقع بين جماعة من نواحي الزبداني فتنة ، فقتل خطيب الجامع وجماعة نحو الستة عشر نفسا ، واتهم بذلك زين الدين بن صادر الاستادارفبلغ السلطان ذلك فأرسل يستدعيه ويأمره أن يحضر معه بتقدمة ، فبادر إلى الحضور ، فلما وصل إلى قطيا جهز السلطان عمر الوالي وأمره أن يقتله حال اجتماعه به ، فلاقاه إلى بليس فقتله وحمل رأسه إلى السلطان ، وهو عبد الرحمن بن محمد بن صادر ، ولي الأستادارية في المستأجرات والحمامات السلطانية ، وكان أستادار جقمق دويدار الملك المؤيد بالقاهرة ، وتنقلت به الاحوال بعده إلى أن مات عن نحو من سبعين سنة . وفيه خرج عرب بني لام على المبشرين بالوجه فقتلوا منهم اثنين وسلم المبشر وهو بيرم خجا القرشي ، فدخل في الثامن والعشرين من ذي الحجة وليس معه شيء من الكتب ، وذكر أنه نهب لهم أشياء وأنه كان معه نفائس حصلها فجاء مسلوبا ، وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة خرج شهاب الدين ابن المحمرة على مشيخة الصالحية بالقدس ، فصادف قدوم عز الدين القدسي فالتقيا بالخانقاه الناصرية ، ودخل عز الدين يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة القاهرة ، واستمر بها على نيابة القضاء فقط ، وصرف عز الدين الناعوري عن قضاء حمص وأضيف ذلك إلى قاضي الشام .وفيات سنة 838
ذكر من مات في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن عبد الخالق بن عبد العزيز ، الاسيوطي شهاب الدين ، سمع من أبيه ومن عبد الرحمن بن القارئ وأجاز له ، وكان يواظب التكسب بالشهادة في جامع ظاهر الوراقين ، وكتب في الاستدعاآت بأخرة وحدث به وسمع الفضلاء ، ومات في ثاني عشر ربيع الآخر .
أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن سلطان كلبركة شهاب الدين أبو المغازي ، أقام في مملكته أربع عشرة سنة وكان خيرا ، له مآثر بمكة ، واستقر بعده ابنه ظفر شاه واسمه حميد أيضا .
أحمد بن عمر ، البلبيسي البزاز شهاب الدين ، مات في يوم الجمعة ثاني عشر رجب وقد جاوز الثمانين ، وكان من خيار التجار ثقة ودينا وأمانة وصدق لهجة ، وله عدة مجاورات بمكة ، وسمع الحديث الكثير وأنجب أولادا رحمه الله تعالى .إبراهيم السلطان أمير زه ابن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمور خان صاحب شيراز ، كتب الخط المنسوب قارب ياقوت ، ومات في رمضان ، ووجد عليه أبوه وأهل شيراز .
أحمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير ، البلقيني شهاب الدين ، ابن أخي شيخنا سراج الدين ، مات في السادس والعشرين من رجب بعلة السل ، ولد سنة ست وتسعين ، ولما ترعرع كان بان عم أبيه القاضي جلال الدين قاضيا وقد استناب أباه فتعلم القرآن ، وحفظ كتبا . ودربه أبوه في توقيع الحكم ، واشتغل في القراآت والعربية ، وكان حسن الصوت بالقرآن ، أم بالمدرسة الملكية بالقرب من مشهد الحسين ، ووقع في الحكم ، ثم ناب في القضاء بأخرة ، وخدم ابن الكويز وهو كاتب السر ثم ابن مزهر ، فأثرى وصارت له وجاهة وحصل جهات ، ثم تمرض أكثر من سنة ، ودفن عند أبيه بمقابر الصوفية . أحمد بن محمد ، ناصر الدين المعروف ابن أمية الحكم ، وكان ينوب في الحكم بمصر وعدة بلاد من البهنساوية ، وكان له مدة منقطعا بمرض عرض له فالج فانقطع بسببه .أحمد بن محمد - الماجري المصمودي الشيخ . . .
أحمد الحنبلي شهاب الدين الحلبي المعروف بالخازوق ، ولي قضاء الحنابلة بها مرارا ، وفي سنة خمس صرف وتقرر ابن الرسام ، فدخل القاهرة ليعود إلى القضاء فتعذر ذلك مدة إلى أن قرر ، فلما وصل لدمشق ضعف فتوصل إلى حلب في محفة فدخلها مريضا ، فاستمر على ذلك إلى أن مات بعد دخوله حلب بقليل .
إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم ، البيضاوي الزمزمي . المؤذن بمكة ، يكنى أبا الطاهر ويلقب مجد الدين ، ولد سنة ست وستين ، وأجاز له صلاح الدين ابن أبي عمر وعمر بن أميلة وأحمد ابن النجم وحسن بن مقبل وآخرون ، وكان يتعانى النظم ، وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بالآلة ، ثم أخذ العروض عن الشيخ نجم الدين المرجاني ومهر ، وكان فاضلا ، ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخنا ، وكان قليل الشر مشتغلا بنفسه وعياله مشكور السيرة ملازما لخدمة قبة العباس ، وله سماع من قدماء المكيين ، وحدث بشيءيسير ، سمعت من نظمه ، وأخوه إبراهيم ولد سنة 777 ، وأجاز لي في سنة 787 النشاوري والشهاب ابن ظهيرة وآخرون ، واشتغل في عدة فنون ، وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض والحساب فمهر فيهما .
أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس ، رفيقي زكي الدين المهجمي الأصل ثم المصري ، ولد بعد السبعين بيسير ، ونشأ في حال بزة وترفه ، ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين ولازم الشيوخ ، وسمع معي من عوالي شيوخي مثل البرهان الشامي وابن الشيخة وابن أبي المجد وبنت الأذرعي وغيرهم فأكثر جدا ، وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرحلة الشامية ، ورافقني في الاشتغال على الأبناسي والبلقيني والعراقي وغيرهم .
ثم دخل اليمن في سنة ثمانمائة فاستمر بالمهم وبعدن إلى أن عاد من قريب فسكن مصر ، ثم ضعف بالذرب واختل عقله جدا - وثم منه جيرانه فنقلوه إلى المارستان المنصوري ، فأقام به نحو شهرين ومات ، وصليت عليه ودفنته بالتربة الركنية بيبرس في سلخ المحرم .
باني سنقر بن شاه رخ بن تيمور صاحب مملكة كرمان ، مات في ذي الحجة .
أبو بكر الشيخ تقي الدين اللوبياني الفقيه الشافعي ، أحد الفضلاء الشافعية بدمشق فباشر تدريس الشامية الجوانية وغيرها ، ومات في شوال .حسين بن علي بن سبع ، المالكي شرف الدين وبدر الدين البوصيري ، ولد سنة 45 ، وسمع على المحب الخلاطي أكثر الدار قطني أنا الدمياطي وصفة التصوف لابن طاهر خلا من أول الزهد إلى آخر الكتاب ، وسمع أيضا على عز الدين بن جماعة غالب الأدب المفرد للبخاري ، وعرض على مغلطاي شيئا من محفوظه وأجاز له ، وكان من الطلبة بالشيخونية ، وحدث ، سمع منه رضوان وابن فهد والبقاعي وغيرهم ، واجاز لابني محمد ومن معه ، ومات في ربيع الأول .
طرباي الظاهر نائب طرابلس ، وبها مات في يوم السبت ثالث رجب فجأة .
خضر بن أحمد ، اصله من . . وكان يتجر في الزيت ثم في البر يجلبه ويبيعه ، وأنجب ابنه إبراهيم صاحبنا ، وذكر أن مولده سنة سبع وأربعين فبلغ التسعين وكان عجز بأخرة وانقطع فآواه ولده إلى أن مات .
زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسني ،قتل في حرب وقعت بينه وبين أمير المدينة مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز في شهر رجب ، وقتل معه جمع من بني حسين ، منهم ابن عزيز بن هيازع الذي كان أبوه أمير المدينة ، وكان زهير فاتكا يقطع الطريق ومعه جماعة ، كما تقدم في حوادث سنة أربع وثلاثين .
عبد الله بن سلمان المحلي جمال الدين أحد موقعي الحكم ، وقد ناب في الحكم في بعض الجهات وفي بعض النواحي بالقاهرة قليلا ، مات في يوم الاثنين ثاني عشر رجب .
عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي زين الدين ، ولد في رمضان سنة 789 ، وأسمعه عمه الكثير من ابن المحب وابن عوض وابن داود وابن الذهبي وابن العز ، مات فجأة في 14 شهر ربيع الآخر ، فمن مسموعه على ابن العز السادس من مسند أنس من المختارة للضياء والثاني والسبعين منها ، وسمع على ابن داود الثاني من أمالي المحاملي رواية ابن أبي عمر ابن مهدي أنا سليمان ابن حمزة .
عبد الرحمن بن نجم الدين عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيىابن عبد المحسن ، المسند زين الدين أبو زيد القبابي ثم المقدسي الحنبلي ، ولد في 13 شعبان سنة 49 ، وأجاز له أبو الفتح الميدومي وجل شيوخ شيخنا .
العراقي ، وسمع من الشيخ تقي الدين السبكي وصلاح الدين ابن أبي عمر وابن أميلة وصلاح الدين العلائي وناصر الدين التونسي والتباني وابن رافع وأحمد بن النجم إسماعيل والخلاطي وابن جماعة ومغلطائي وابن نباتة والرساوي وحسن بن هبل ، وشيوخه بالسماع والإجازة نحو المائة وخمسين نفسا خرجت له عنهم مشيخة ، وأجاز لي غير مرة ، مات في سابع شهر ربيع الآخر ببيت المقدس ، وقد أكثر عنه الرحالة وقصد لذلك ، وبلغ سبعين سنة إلا قليلا ، وتفرد بأكثر مشايخه .
عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب ، الفوي الأصل ثم المكي العلامة النحوي جلال الدين أبو المحامد الشهير بالمرشدي ، ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين بمكة ، وأسمع على النشاوري والأميوطي والشهاب بن ظهيرة وغيرهم ، ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعضشيوخنا ، ومهر في العربية ، وقرأ الأصول والمعاني والفقه ، وكان نعم الرجل مروءة وصيانة ؛ ومات في يوم الجمعة 24 شعبان ، وكثر الأسف عليه .
علي بن طيبغا بن حاجي بك ، التركماني الشيخ علاء الدين العينتابي الحنفي ، كان فاضلا وقورا ، مهر في الفنون ، وقرره السلطان الأشرف مدرسا وخطيبا بالتربة التي أنشأها بالصحراء ؛ مات في طريق الحجاز ودفن بالقرب من الينبع .
علي بن محمد بن موسى بن منصور ، المحلي ثم المدني الشيخ نور الدين ، كان مولده في جمادى الأولى سنة 754 بالمدينة ، وسمع علي ابن حبيب وابن خليل وابن القارئ وأبي البقاء السبكي وغيرهم ، وأجاز له ابن أميلة وابن هبل وابن أبي عمر ، وحدث باليسير وأجاز لنا : ومات يوم مات في الثالث من شوال وليس ببلاد الحجاز أسند منه .
عمر البسطامي المقيم بالعارض بسفح المقطم ، كان كثير الذكر مستمرا عليه لا يفتر عنه لسانه ، وتحكى عنه كرامات ، وللناس فيه اعتقاد وعمر نحو التسعين .
. . . . تقدم في التي قبلها فيحرر .
فاطمة بنت خليل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسية ثم القاهريةزوج غازي الحنبلي ، ولدت في . . . وأجاز لها أكثر شيوخ القباني الذين ذكروا قبل ، وخرجت لها مشيخة اضفتها إلى مشيخة القباني ، وحدثت بأخرة ، سمع منها الطلبة ؛ وماتت في أول يوم من جمادى الأولى وقد تفردت عن بعضهم .
محمد بن المنصور بن أبي فارس بن عبد العزيز بن المنتصر ملك الغرب عم أبيه الحسين ، وكان فاضلا ذكيا شاطرا ، يحفظ المذهب وكثيرا من معاني الحديث ، وكحل .
محمد بن عبد الله بن عبد القادر ، الشيخ نجم الدين الواسطي السكاكيني ، يقال إنه قرأ على العاقولي ومهر في القراآت والنظم والفقه ، يقال إنه أقرأ الحاوي ثلاثين مرة ، وله شرح على منهاج البيضاوي ، ونظم بقية القراآت العشر وتكملة للشاطبي على طريقته حتى يغلب على سامعه انه نظم الشاطبيوخمس البردة وبانت سعاد ؛ مات بمكة في سادس عشري شهر ربيع الآخر .
محمد بن علي ، جمال الدين التوريزي التاجر ، تنقلت به الاحوال ، وتولى ببلاد اليمن التحدث في المتجر السلطاني بعدن ثم صرف ، وكان تسحب من القاهرة من ديون ركبته في سنة 24 ولم يعد إليها ، ومات في هذه السنة بمكة ، وهو أخو على المذكور قبل بسنتين المقتول سنة أربع وثلاثين .
محمد بن محمد بن عمر ، تقي الدين بن شيخنا سراج الدين البلقيني ؛ مات في أول ليلة الثاني عشر من شوال ، ودفن صبيحة ذلك اليوم الأربعاء على أبيه وجده ، وكان مولده سنة تسع وثمانين مات أبوه وهو طفل فرباه جده ، وحفظ القرآن وصلى بالناس وهو صغير له نحو عشر سنين ، ودرس في المنهاج ، ولازم الشيخ كمال الدين الدميري وغيره ، وكان ذكيا حسن النغمة ، ونشا في إملاق ، ولما ولي عمه القضاء نبه قليلا ، وولي بأخرة نيابة الحكم بمنية الأمراء وغيرها من الضواحي ، ودرسبعد موت عمه جلال الدين في الفقه بجامع طولون ، وتمول بملازمة ناظر الجيوش عبد الباسط ، وحصل وظائف وإقطاعات ورزقا ، وصار كثير المال جدا في مدة يسيرة . وسيرته مشهورة وسبب تقدمه عند المذكور مشهور ، وتقدم في الصلاة عليه عمه علم الدين وله نحو الخمسين ، وخلف ولدا كبيرا وآخر صغيرا وابنتان ، وقد حدث عن جده بشيء يسير ، قرأ بعض الطلبة عليه كتاب الجمعة للنسائي بسماعه من جده أنا إسماعيل البلقيني بسنده .
محمد ناصر الدين بن الشيرازي نقيب الجيوش ، مات في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الآخر عن بضع وخمسين سنة ، وكان تام القامة كثير المداراة محببا إلى الناس لكنه كان مسرفا ، وله في هذه الوظيفة مدة طويلة .
تقي الدين بن الجيعان أخو كاتب ديوان الجيش ، وكان ساكنا وقورا يباشر في عدة جهات . . . . ، وكانت جنازته حافلة ، وكثر التاسف عليه .
عماد الدين السرميني موقع الدست بدمشق ، وكان فاضلا ذكيا ، مات في شوال وقد بلغ الأربعين أو قاربها .
الحطي ملك الحبشة الكافر - لا رحم الله فيه - بغرز إبرة .حوادث سنة 839
سنة تسع وثلاثين وثمانمائة
استهلت بالخميس ، ووافق ذلك رابع مسري من شهري القبط . وبلغت زيادة النيل فيه إلى دون خمسة عشر ذراعا . ثم وقع الوفاء وكسر الخلج في يوم الاثنين خامس المحرم ووافق ثامن مسري ، وكان نظير ذلك في العام الماضي في سابع مسري ، وزاد من الذراع - السابع عشر أربعة اصابع ، وباشر ذلك ولد السلطان ، وكان يوما مشهودا ، وسر الناس بذلك ، وتباشروا بانحطاط السعر - فلله الحمد .
واستمرت الزيادة بعد ذلك إلى أن كان في آخر يوم من مسري قد انتهى إلى تسعة عشر ذراعا سوى إصبع واحد . ولم يعهد مثل هذا فيما مضى من السنين سوى في السنة الماضية - فالله المحمود على كل حال .
وفيه وصل إلى حلب رسل من قبل جانبك الصوفي ، فبلغ السلطان ذلك فجهز لنائبها بقتلهم فقتلوا ، ثم تبين أن ذلك كان في آخر - في السنة الماضية ، وكان النيروز يوم الثلاثاء ، خامس صفر ، وكانت السنة القبطية كبيسا ولم يلعب أحد فيه لنهي السلطان عن ذلك وبلغت زيادة النيل فيه تسعة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا ، وساوى العام الماضي في ذلك وزاد ثلاثة أصابع ثم زاد في أول يوم من توت إصبعين ، وفي الثاني إصبعا ، وكان في العام الماضي قد نقص في أول يوم من توت أربعة أصابعومع ذلك فلم ترو عدة بلاد من الجيزية التي كان من شأنها أن تروى من ستة عشر لفساد الجسور - والأمر لله ثم يسر الله أن زاد حتى وفي قدر العام الماضي ولم يكن أحد يظن ذلك ، وانتهت زيادة النيل في أول يوم من بابة إلى عشرين إصبعا ، ورئي شهر ربيع الأول ليلة السبت ، وثبت ذلك فلم ينقص منه إلى الرابع من شهر ربيع الآخر سوى قدر ذراع ، ودخل هاتور من الأشهر القبطية وهو على ثباته ، وتأخر زمان الزرع عن العادة ، وضج الناس من ذلك ، وغلا السعر في القمح وغيره إلى أن بلغ القمح نحو الدينار ثم تناقص .
وفيها استدعى شاه رخ قرا يلك وأمره بقتال إسكندر فكان ما حكيناه في السنة الماضية ، ووصل أحمد بن شاه رخ نجدة لقرا يلك ، فلقوا إسكندر على ميافارقين ، فقتل من الفريقين جمع جم ، وانهزم إسكندر إلى بلاد الروم ، فوصل إلى أفشر وكاتب صاحب مصر فقام متوليها بخدمته ، ودل عليه أحمد بن شاه رخ ، فسار في طلبه فتبعه العسكر فانهزم ودخل توقات من بلاد الروم ، فأرسل صاحبها يستأذن ملك الروم مراد بن محمد بن عثمان - في أمره - ، فأرسل إليه هدية بما قيمته عشرة آلاف ديناروأمر بإكرامه ، فإلى أن يصل إليه ذلك جرى على عادته من الفساد والنهب ، فشق ذلك على متولى توقات وراسل صاحبه ، فأمر برد الهدية وإخراج إسكندر من بلاده ، فسار إلى جهة بلاد القرانية ، وراسل شاه رخ ملوك الروم وجهز لهم خلعا وأمرهم بطرد اسكندر وملك أحمد بن شاه رخ ملك الروم وتزوج بنت قرايلك ، ولما وصل الخبر للسلطان شرع في التجهيز للسفر وعرض أجناد الحلقة ، وفي الثالث من شهر ربيع الأول خلع على شرف الدين أبي بكر بن سليمان الحلبي سبط ابن العجمي كبير الموقعين ونائب كتابة السر بكتابة السر بحلب ، وقرر ولده مكانه في جهاته ، وهو معين الدين عبد اللطيف ، وجهز إلى كاتب السر بها زين الدين عمر بن السفاح بالحضور ، لأن كاتب السر ابن السفاح بحلب كتب يحذر من - غائلة - قرقماس وأنه يريد الخروج عن الطاعة ، ففطن قرقماس فراسل يطلب الحضور ، وصادف توجه النجاب بطلبه فسبق قاصده ، فعرف السلطان براءته مما رمى به وأذن له في المجئ ، وحنق على ابن السفاح وعزله من كتابة السر وأمره بالقدوم ، ثم شفع فيه أن يستمر بطالا ، وتوجه شرف الدين ، واتفق قدوم قرقماس على الهجن في أربعة عشر يوما في سادس ربيع الأول ، فلما قدم أكرم .
وفي صبيحة وصوله خلع أمير سلاح مكان جقمق ، وخلع علىإينال الجكمي الأمير الكبير بنيابة حلب . وعين جقمق الذي كان أمير سلاح في وظيفته ، وعوتب قرقماس بأنه راسل جانبك الصوفي ، فتنصل وكان ما سيأتي ، ثم سافر إينال الجكمي وشرف الدين في الرابع عشر من شهر ربيع الأول إلى مدينة حلب ، - وخلع على جقمق مكان الجكمي قبل ذلك - في السابع منه ، وخلع عليه أيضا بنظر المارستان - في السادس عشر منه - ، والعجب أنه بعد ثلاث سنين ولي السلطنة في هذا الشهر ، وحضر المولد السلطاني في الثالث عشر منه وجلس رأس الميمنة وجلس قرقماس رأس الميسرة ، ثم جاء ولد السلطان فجلس فوقه وكان السرور طافحا على جقمق وقرقماس مكتئب .
وفي حادى عشر ربيع الآخر وصل الخبر بموت قصروه نائب الشام ، فقرر مكانه إينال الجكمي الذي توجه قريبا إلى حلب ، وتوجه القاصد إليه بنقله عن حلب إلى دمشق ، وقرر تغرى برمش أمير آخور التركماني نائبا بحلب ، فسار في أول الشهر إلى جهة حلب وخرج في بحمل زائد ، وقرر عوضه جانم أخو السلطان الأشرف من أمه أمير آخور ،وخلع عليه في سابع جمادى الأولى - أيضا - ، وأمر تغرى بردى المؤذى تقدمة ، وورد كتاب صاحب حصن كيفا يخبر فيه بمنازلة شاه رخ تبريز وإذعان إسكندر بن قرا يوسف له ، ثم ظهر أن إسكندر انكسر ودخل شاه رخ تبريز ونزل من رساع يشتى فيها ، وأرسل عسكرا مع ولده إبراهيم يتبع إسكندر فدخل اسكندر بلاد صاحب مصر واستأذنه في الإقامة بها ، فأجابه الأشرف لذلك ، فأرسل إليه هدية وآثره بجملة من المال ، وورد كتاب نائب ملطية يخبر فيه بإمساك جانبك الصوفي ، وتاريخه ثامن عشر ربيع الأول ، ثم أحضرت رأس عثمان بن قرايلك وولده وعلقتا بباب زويلة - وذكر نائب ملطية في كتابه أنه - وقع بينه وبين قوم آخرين من التركمان حرب فسقط عن فرسه في المعركة - فغرق - فلم يشعر به إلا بعد يومين - فعرف ، وكوتب السلطان فأمر السلطان بإحضار رأسه - وشرح نائب ملطية أمورا - كثيرة - ،فأرسلت إليه هدية وأمر ، ووصل قاصد ابن دلغادر يخبر بإمساك جانبك - الصوفي - ، ووصل جمال الدين يوسف بن عبد الله الكركي قريب ابن الكويز الذي كان ولي كتابة السر بعد موته قدر نصف سنة ختام سنة ست وعشرين وأوائل سنة سبع وعشرين ، ثم صرف وولي أخيرا نظر الجيش بالشام فاستمر فيه ، ثم صرف ثم أعيد مدة فوصل مطلوبا في أول يوم من شهر ربيع الآخر فتوعك ، واستمر إلى أن خلع عليه يوم السبت سادس جمادى الأولى بكتابة سر الشام وصرف من نظر الجيش ، فاستقر فيها بهاء الدين بن حجى وكان وليها مرة قبل هذه ، وفي أواخر شهر ربيع الآخر غلا سعر القمح فتزايد وقل الخبز من الحوانيت فضجت العامة ، فأمر السطان بفتح الشؤن - والبيع - منها ، فمشى الحال قليلا وتزايد السعر إلى أن بلغ القمح أربعمائة والفول مائتين والشعير مائة وسبعين ، وسكن الحال بوجود ذلك وبيع الرغيف الذي زنته نصف رطل بدرهم ونصف قنطار من الدقيق - ويسمى عندهم بطه - بمائة وعشرة ، وهذا كله والري قد شمل الأرض قبلها وبحررنها فكيف لو كان فيه تقصير اللهم الطف بعبادك يا رب العالمين .وفيها وقع الطاعون ببرصا فدام أربعة أشهر ، وفيه قبض على جانبك الصوفي وقد تقدم ذكر ظهوره في السنة الماضية فاتفق أنه توجه هو قرمش الأعور وابن سلامش وابن قطلبك إلى محمد بن قرايلك فقواهم ، فنازلوا قلعة دوركي ونهبوا ما حولها ، ثم توجه محمد إلى أبيه بأمر شاه رخ لقتال إسكندر ، وتوجه جانبك ومن معه إلى ملطية فحاصروها ، فأظهر له سليمان بن ناصر الدين بن دلغادر أنه معه ، فكتب إليه أن يقدم عليه ، فقدم في مائة وخمسين فارسا ، فتلقاه جانبك فأظهر له المناصحة حتى اطمأن إليه ، ثم غدر به وقبض عليه وتوجه له ليلا حتى دخل الأبلستين ، وكتب إلى نائب حلب يعلمه بأنه قبض عليه في سابع عشر ربيع الأول ويقر في مقابلته خمسة آلاف دينار ، فجهز نائب حلب كتابه إلى السلطان بمصر ، وجهز ناصر الدين قاصده إلى ولده سليمان أن يرسل إلى صاحب مصر بالإعلام بذلك - ويخبر جنبك ليتخذ عنده يداكي يطلق ولده فياضا ولم يكن بلغه إطلاقه ، ففي غضون ذلك وصلت إليه خديجة وابنها فياض ، وأرسل جانبك كتابا إلى يلبان نائب درنده يستميله ، فقبض على قاصده وسجنه وأرسلبكتابه إلى الأشرف ، فتحقق غدر ابن دلغادر ، ووقع الإرجاف بأمر جانبك ، وكثر القال والقيل لا سيما ممن يتعصب له ، وكان ناصر الدين قبل ذلك نازله تغري برمش نائب حلب ، ففر منه فأمر أهل الأبلستين بالرحيل منها وأحرقها . ونهب العسكر من بقي بها . فكانت غيبته خمسين يوما .
وفي شوال رجع شاه رخ إلى الشرق ، واستناب بتبريز شاه جهان وأنعم عليه بجميع نساء إسكندر بن قرايوسف ، ووجد مع جانبك بعد القبض عليه كتاب شاه رخ يحرضه على أخذ البلاد الشامية ويعده بأنه يرسل إليه ولده أحمد نجدة له بالعساكر ، فقلق صاحب مصر من ذلك وكتب إلى نواب الشام بالاستعداد .
وفي ربيع الآخر نودي بعرض أجناد الحلقة ، فعرضوا على السلطان فقال : اخرجوا كلكم ، من قدر على فرس ركب فرسا ، ومن قدر على حمار ركب حمارا ، وفي سابع عشره ورد الأمير شاهين الأيدكاري وصحبته قصاد إسكندر بن قرا يوسف ومعهم راس قرا يلك ورأس ولديه ، فأمر السلطان بالرؤوس فطيف بها وزينت القاهرة - وعلقت الرؤوس على باب زويلة وحمل إلى الإسكندر مال .وفي آخر الشهر سابع عشر منه تجهز شاذ بك راس نوبة بمال وفرس وسرج ذهب وكنبوش مزركش إلى سليمان بن دلغادر وابنه ناصر الدين ليسلما - جانبك الصوفي ، فجاء الخبر بعد قليل - بأنهما أخذا المال وأطلقا جانبك ، قدم شاذ بك في حادي عشر رجب بذلك ، فشق على السلطان وكاتب أهل البلاد بالشام ونادى في العسكر بالتجهيز للسفر ، وكاتب ملك الروم أن يتأهب للترافق معه على قتال شاه رخ ، ثم جهز السلطان جماعة من الأمراء وهم الأمير الأتابك جقمق الذي ولي السلطنة بعده والد يدار أركماس الحاجب الكبير ويشبك ونائب القلعة تنبك وتغري بردى البكلمشي المعروف بالمؤذي - وقرا قجا الحسني -الذي صار أمير آخور وتاني بك نائب القلعة وتغري برمش الذي صار دويدار كبيرا ، وخجا سودون وألف فارس من مماليكه وألف فارس من جند الحلقة ، وأنفق فيهم سبعة عشر ألف دينار ، وتوجهوا إلى حلب فالتقوا بأميرها تري برمش وساروا جميعا ، وقبض على مملوك لابن دلغادر توجه من جهتهم ليكشف حال أهل حلب فدلهم على جانبك الصوفي أنه مقيم بالأبلستين ، فتوجهوا ففر منهم جانبك ، وهجموا البلد فاحتملوا - ونهبوا ما فيها وعادوا إلى حلب ، وتخلف عنهم خجا سودون بعينتاب ، فاجتمع جاني بك ومن معه على أن يكبسوه فلاقاهم فوقعت بينهم محاربة شديدة انجات عن أخذ قرمش الأعور وجماعة معه ، وفر جانبك وسجن قرمش ومن أسر معه بقلعة حلب ، ثم جهزت رأس قرمش بعد قتله إلى القاهرة .
وفي رابع عشري رمضان قدم اسلماس بن كبك التركماني إلى القاهرة مراغما لجانبك الصوفي ، فأكرمه السلطان وخلع عليه وجهزه إلى بلاده ، وقرر شاذ بك في نيابة الرها عوضا عن أينال الاجرود وأمر بإحضار أينال .وفي هذه السنة أكثر السلطان من النزول إلى الصيد ، ونزل غير مرة إلى الضواحي ، ومنها إلى جامع عمرو فصلى ركعتين ، وإلى خليج الزعفران مرة وغير ذلك .
وفي ثالث عشري ربيع الآخر رسم بعقد مجلس بالقضاة ليتشاوروا في جمع المال لقتال اللنك ، ثم أعفوا من ذلك وأشار السلطان بأن من ينسب إلى الغنى يجهز ما يقدر عليه من المقاتلة ، وقرر على القاضي الشافعي خمسة عشر وعلى الحنفي عشرة ونحو ذلك .
وفي أواخر شهر ربيع الآخر شاع أن شاه رخ قاصد البلاد الشامية ، فنودي في أجناد الحلقة بالعرض فعرضوا عند الدويدار الكبير ، وحصل لهم مشقات كبيرة خصوصا لصعاليكهم ، واستمر التشديد عليهم .
وفيه خلع علي ولي الدين محمد بن تقي الدين أبي القاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن محمد بن عبد القادر الششيني نزيل المحلة نديم السلطان ناظر الحرمين عوضا عن سودون المحمدي وشيخ الخدام بالمدينة عوضا عن بشير التنمي ، ثم خلع على الصاحب كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين ابن كاتب المناخات بالنظر علي الكارم بجدة ، وشرع في التجهيز صحبة ابن قاسم ، وخلع على يلخجا الثاني أخو الطنبغا الصغير - بشادية جدةعوضا عن نكار ، وخرجوا وصحبتهم جماعة لقصد العمرة والمجاورة وهو الركب الرحبي في نحو أربعمائة جمل ، وساروا في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة ، ووصل نكار إلى القاهرة محتفظا به ، ويقال إنه أهين وصودر على مال ، وكان نكار المذكور توجه إلى جدة فلم ينجع كما نجع من قبله ، فسخط عليه لسوء تصرفه .
وفي جمادى الأولى وصل الخبر من اقطوه الذي كان توجه رسولا إلى شاه رخ بأنه وصل إلى حلب وصحبته رسل من شاه رخ ، فأجيب بالإذن لهم في المجئ ، فلما كان في جمادى الآخرة وصل اقطوه سالما كما سيأتي .
وفي ذي الحجة وصلت هدية ملك بنجالة إلى السلطان فغرق المركب ، وقام الصاحب كريم الدين ومن معه إلى أن استخرجوا الشاشات من البحر وأصلحوها بالقصار وجهزوها وفات ما عدا ذلك ، وكان أصلها أن السلطان جهز هدية إلى ملك بنجالة فمات ، فأرسل ولده أحمد بن أبي المظفر جواب الهدية بتحف كثيرة ، فاتفق أن الريح ألقتهم بجزيرة قرب ديبة ، فمات الطواشي الذي من جهة السلطان ، فاحتاط صاحب ديبةعلى موجوده وترك الهدية ، فوصلت إلى جدة فغرقت دون ذلك ، فبلغ السلطان فشق عليه وأمر بالقبض على كل من وصل مكة من بنجالة ، فقبض عليهم وعلى أموالهم حتى أفتكوها بغرامة ما فسد من الهدية .
ودخل فصل الشتاء في يوم الأربعاء السابع عشر من كيهك وقد اشتد البرد بالديار المصرية جدا كاشد ما عهد في وسط الشتاء ، وكان برد ذلك في الثالث والعشرين من جمادى الأولى ، وكان ابتداء شدة البرد في يوم العشرين منه قبل انفصال الشمس عن القوس بثلاثة ايام ، وتزايد البرد مع عدم الهواء والسحب وما جرت به العادة في الشتاء بمصر بل الهواء غير مزعج الهبوب مع شدة برده ، وأكثر ما تهب من جهة الشرق عن يسار القبلة .
وفي الحادي والعشرين من كيهك صار الماء الذي في البرك وبقايا الخلجان جليدا ، فجمع منه شيء كثير جدا بحيث صار أصحاب المزايل يجمعونه فيبيعونه ، والناس يتسارعون إلى شرائه والتناول منه ويظنون أنه من جملة الثلج ، وكثر ذلك جدا بحيث لم يسمع ينظير ذلك في هذه الأعصار ، وكان الأمر في العام الماضي قبل هذه الأيام بالعكس من استمرار الحر وعدم البرد البتة - فسبحان من له الملك .
وفي السادس عشر منه صرف خليل نائب الإسكندرية عن الإمرة والنظر ، وذكر لنا خليل بن شاهين المذكور أنه في ولايته أبطل ما كانمقررا على الباعة لجهة الحسبة وهو في كل شهر ثلاثون ألفا يحمل إلى ديوان النيابة ، ونقش ذلك في رخامات جعلت على أبواب البلد ، وأنه وجد ابن الصفير الناظر على الثغر أخذ ما بالمجانيق التي بقاعة السلاح من الرصاص فعمر به حماما له ، فطالع بذلك السلطان فأمر بانتزاعه منه فانتزع ، وعمر بالمجانيق كما كانت ، وجدد بها واحدا كبيرا ووضعه على برج يقال له الضرغام ، ووصف لنا ما بالقاعة من العدد فكان شيئا كثيرا وأمرا مهولا حتى أنه قيل إنه في بعض الكائنات احتيج إلى أخذ ورق منها فأخرجت منها خمسة آلاف فلم يؤثر في كثرتها .
وفي العشرين منه استقر سرور المغربي ناظرا وقاضيا بالثغر ولبس الخلعة بذلك ، وبلغني أنه عوتب فقال إن الجمع بينهما جائز لأن الذي ينظر عليه ليس مكسا بل هو زكاة الأموال من المسلمين ، وما يؤخذ من الكفار ليس بمكس ، ثم بعد يوم أهين وضرب على ما بلغني ، ثم قرر اقباي اليشبكي الدويدار في إمرة الإسكندرية ، ثم قرر خليل المذكور في نظر دار الضرب بالقاهرة عوضا عن ابن قاسم وكان قد استناب فيها أخاه فصرف .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشري جمادى الآخرة منها - أو في شهر رجب وصل أقطوه الدويدار الذي كان رسولا إلى شاه رخ ابن تمرلنك وصحبته رسل منه ، فاجتمع بالسلطان في يومه ثم وصل الرسل يوم الأربعاء وانزلوا بالقاهرة ، ثم أخذ منهم الكتاب فقرئ وفيه إنكارما يصنع بمكة من اخذ - المكوس والتحذير من أمر إسكندر ابن قرا يوسف والإذن له في دخول هذه البلاد وأن يخطب له بمصر وتضرب السكة باسمه والتغليط في ذلك والتهديد ، وصحبة الرسول خلعة بنيابة مصر وتاج ، ثم راسله القاصد بان معه كلاما مشافهة ، فأحضر يوم السبت فأداه ، فأمر - بضربه وضرب رفيقه ، فضربا ضربا مبرحا وغمسا في ماء البركة في شدة البرد ولكن بثيابهما حتى كادا يهلكان غما ، ثم أمر بإخراجهما فأعيدا إلى المكان الذي أنزلا فيه ، ثم أمر بنفيهما إلى مكة في البحر ، فحجا وتوجها إلى العراق ، وعزم السلطان على السفر إلى البلاد الحلبية بالعساكر ، وكاتب الأشرف بن عثمان أن يكون عونا على شاه رخ ، وجهز المراسيم إلى بلاد الشام بتجهيز الإقامات ، وكتب إلى جميع المدن الكبار بتجهز العساكر واستخدام جند من كل بلد - فالله يختم بخير .
وفيها أدير المحمل على خلاف العادة ، وأمر مشايخ الخوانق أن يركبوا في صوفيتهم بغير رماحة وأن يلاقوا المحمل من الجامع الجديد إلى الرميلة ويرجع القضاة من هناك .
وفيها وقعت بقرب عسفان بين سرية من أمير مكة وبين بعض العرب من بطون حرب ، فتحيل عليهم العرب وأظهروا الهزيمة فرجعوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة وانهزم من بقي ، وممن قتل الشريف ميلب بنعلي بن مبارك بن رميثة ، وغنموا منهم اثنين وثلاثين فرسا وجملة من السلاح .
وفي يوم الخميس السابع من شهر رجب استقر شيخ الشيوخ محب الدين محمد بن الشيخ شرف الدين عثمان المعروف بابن الأشقر في كتابة السر الشريف عوضا عن القاضي كمال الدين ابن البارزي .
واستقر ولده شهاب الدين أحمد في مشيخة الشيوخ بسرياقوس عوضا عن والده وباشر ، وهرع الناس للسلام عليه فركب هو مسرعا فطاف على كبراء الدولة فسلم عليهم ورجع ونظر في الأمور ، ورجع من يسلم عليه يتوجع للمنفصل على العادة .
وفي رمضان نقل قانصوه إلى دمشق بتقدمة ألف عوضا عن جانبك المؤيدي لموته ، ونقل حسن ناظر القدس على إمرة قانصوه بدمشق .
وفي جمادى الآخرة صرف أمين الدين القسطلاني عن قضاء المالكية بمكة وأعيد أبو عبد الله النويري .
وفي رجب أوقع تغري برمش نائب حلب بالتركمان بمدينة مرعش ، فقتل منهم جماعة وأسر جماعة وغنم منهم غنيمة كثيرة ، ورجع إلى حلب سالما .
وفيها في الخامس من جمادى الآخرة استقر جمال الدين ابن الصفي الكركي كاتب سر دمشق عوضا عن يحيى بن المدني بحكم عزله ، واستقر بهاء الدين بن حجي في نظر الجيش عوضا عن جمال الدين ، واستقرالشريف بدر الدين محمد بن علي بن أحمد الجعفري في قضاء الحنفية بدمشق عوضا عن الشريف . . .
وفيها نازل اسكندر بن قرا يوسف أرزن الروم فأخذها ، وفر منه قرا يلك إلى آمد بعد ليلة إلى أرقنين .
وفيها وقع بين طوائف من الإفرنج حروب هائلة ، وأنجد المنتصر صاحب تونس بعض الطوائف وكانت أمه منهم ، فكانت النصرة لهم على الباقين .
وفيها حصر العرب مدينة تونس ، وكان المنتصر ضيق عليهم ومن معهم - ومنعهم من دخول تونس ، فانتمى إليهم ابن عمه زكرياء بن محمد بن أبي العباس وأمه بنت أبي فارس ، وكان المنتصر مريضا فأنجد عثمان أخو المنتصر أخاه ، وكانت بينهم مقتلة عظيمة .
وفيها عزل جمال الدين يوسف بن أبي أصيبعة من نظر الجيش بحلب ، وأضيف لزين الدين ابن السفاح كاتب السر .
وفي ذي الحجة خرجت طائفة من العرب من غزة على مبشري الحاج ففتكوا بهم وسلبوهم ، فمشوا حتى وقعوا على بعض ذوي الدول من جهينة ، فآووهم وكسوهم وحملوهم إلى القاهرة ، وحج في هذه السنةأمير ديبه و بلاد الهند ، واسمه حسن بن أبي بكر بن حسن الشهير بابن بدر ويلقب الناصر .
وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان و فشا الطاعون بهراة حتى سمعت اقطعوه الذي كان رسولا إلى شاه رخ ملك الشرق يقول - إنه سمع وهو عند شاه رخ أن عدة من مات بهراة ثمانمائة ألف . وتوجه شاه رخ في جمع عظيم لقتال اسكندر بن قرا يوسف ، والسبب في ذلك أن اسكندر كان نازل قلعة شماخي من بلد شروان وقاتل صاحبها خليل ابن إبراهيم الدربندي مدة ، فاغتنم غيبة اسكندر في الصيد فهجم على عسكره فقتل منهم ناسا واسر ولد اسكندر وابنته وزوجته ، فبعث بالابن إلى شاه رخ فسيره إلى سمرقند ، ووقف خليل بنت اسكندر وزوجته في الخرابات مع البغايا ، فلما عاد اسكندر غلب على شماخي حتى خربها ونهب ما بها من الأموال وأفحش في القتل والسبي ، فهرب خليل واستنجد بشاه رخ فخرج في نصرته ، وظفر اسكندر ببنت خليل وامرأته فوقفهما في البغايا ، وألزم واحدة منهما أن تمكن خمسين رجلا يزني بها جزاءما فعل خليل ، وكان خروج شاه رخ في ربيع الأول فنزل على قزوين في رجب ، وأمر فيروز شاه أمير الأتراك أن يتوجه إلى البلاد ما بين قزوين إلى السلطانية إلى تبريز وسائر العراقين وينادي بعمارة ما خرب من البلاد وزراعة ما تعطل من الأرض وغراس البساتين وحط الخراج عمن زرع إلى خمس سنين وإعانة الزراع والفلاحين بالبذر والمال .
فلما بلغ آبهان بن قرا يوسف خبره راسل شاه رخ بأنه في طاعته فكف عنه - ثم أرسل شاه رخ ولده أحمد إلى ديار بكر في ذي الحجة ، وأقام على قرا باغ وجد في عمارة تبريز ، واظهر العدل إلى أن كان ما سنذكر في السنة المقبلة .
وفي هذا الشهر نزلت الشمس برج الحمل في يوم الأحد ثالث عشري شعبان في النصف من برمهات من أشهر القبط ، وانقضى فصل الشتاء والبرد أشد ما كان كنحو الذي كان في طوبة من اشهر القبط وهو كانون من أشهر الروم ، ثم بعد ثلاثة أيام هجم الحر دفعة واحدة فدام على ذلك سبعة أيام ، ثم عاد البرد على الحال واستمر في رمضان إلا أنه في العشر الأخير منه تناقص ووقع بعض الحر .
وفي يوم الخميس سادس عشري شعبان برز الأمراء بمقدمة العسكر المجرد إلى حلب إلى الريدانية وخرج آخرهم يوم الجمعة ، وهم سبعة أمراء فيهم الأتابك والدويدار الكبير والحاجب الكبير فتوجهوا ، فلما استهلشهر رمضان بيوم أشيع خروج بقية العسكر مع السلطان ثم فتر العزم .
وفي شهر رجب اجتمعت طائفة من عرب بني حرب ومنازلهم حول عسفان بعد أن كانوا يفرقون في أعمال . . . فنهبوا غنما لبعض أهل مكة ، فقبض ابن عجلان على الغنم وردها لأصحابها وأنكر عليهم .
فاعتذروا بأنهم اتفقوا مع والده حسن بن عجلان إن لا حرج عليهم من قبله فيما يفعلونه في غير الحرم ، فأنكر ذلك وأمر بالغارة عليهم ، فخرج إليهم طائفة من أهل مكة منهم أخوه علي بن حسن ووزيره سليمان وميلب بن علي بن مبارك بن رميثة وخرج أرنبغا مقدم المماليك المقيمين بمكة من قبل سلطان مصر ومعه عشرون مملوكا ، وذلك في الثالث عشري من شهر رجب ، فأوقعوا بهم فقتلوا منهم طائفة وانهزم الباقون واستاقوا إبلا كثيرة واشتغل من طلب النهب ، فكمن لهم بعض من انهزم في مضيق فأخذوهم على غرة ، فقتل ميلب وفر أرنبغا وقتل من أهل مكة نحو الثلاثين ومن الترك ثمانية أنفس ونهب جميع ما معهم ودخلوا مكة في أسوأ حال ، وفاز العرب بالغنيمة وتوجهوا إلى بلادهم فصادفهم وصول الوزير وولي الدين بن قاسم ويلخجا الذي قرر شادا على البهار بجدة ، فبلغهم طرف من الفضة فأخذوا حذرهم ، فمروا بمكان الوقعة فدفنوا بعض القتلى وتوجهوا خائفين فلم يلقوا أحدا ودخلوا مكة سالمين في أول يوم من شعبان ، فتوجه أرنبغا ومن بقي معهمن الترك إلى القاهرة ، فدخلوها في أوائل العشر الثاني من شهر رمضان ، وذكروا أنه وصل إلى مكة ناس من التجار ومعهم بضائع من قبل شاه رخ ابن اللنك أمر بيعها بمكة وتفرقتها فيها صدقة على من عينه من أهل مكة ، وان المتكلم على البضائع من قبل سلطان مصر أساء عشرتهم وأخذ منهم عشور ما معهم وكاتب السلطان يستأذنه في تمكينهم من بيع ما أحضروه ومن تفرقته .
وفي السابع من شهر رمضان قرر خليل الذي كان نائب الإسكندرية في الوزارة وصرف تاج الدين الخطير وكان قد أظهر العجز ، فاتفق أن لحم المماليك الاجلاب تأخر فرجموه فسعى في الاستعفاء فأناط السلطان الأمر بناظر الجيش ، فتروي في الأمر ثم قرر هذا ، فباشر دون الشهر ثم عجز وقصر - ، فتغيظ السلطان فتلافى ناظرالجيش الأمر وآل الأمر - إلى أن صرف خليل عن الوزارة ، وتكلم ناظر الجيش في ذلك إلى أن يصل كريم الدين ابن كاتب المناخات - من جدة ، فأقام ناظر الدولة يتصرف ويراجعه ، واستمر الحال إلى أن قدم كريم الدين ، واستهل شوال يوم الأربعاء ، فلبس السلطان الأبيض ، وذلك قبل العادة القديمة بأسبوعين - فإن العادة جرت أن يكون ذلك في ثامن بشنس فوقع هذا في الثالث والعشرين من برمودة .
وفي ليلة السبت ثاني ذي القعدة ولد علي بن محمد ابن كاتبه ، أنشأه الله صالحا في دينه ودنياه ، وأمطرت في صبيحة هذا اليوم بعد طلوع الشمس واستمر في طول النهار أحيانا ، وذلك في رابع عشري بشنس ، وكان تقدم قبل ذلك سموم حارة في معظم النهار في الجمعة التي قبلها وفي الليل واضر ذلك بكثير من الخضراوات . وفيه نودي بمنع ضرب أواني الفضة وآلاتها ، وشدد على من يحمل الدراهم المضروبة إلى الحجاز ، لان التجار يستفيدون فيها لرغبة الهنود في الفضة فلذلك قلت بأيدي الناس .وفيه استقر شمس الدين الصفدي في قضاء الحنفية بدمشق على مال يحمله ، وكان قدم القاهرة ليخف عنه فزيد عليه .
وفي ليلة السبت خامس عشري الشهر هبت هواء باردة بحيث عاود الناس لبس الصوف وخصوصا في الليل وفي أوائل النهار ، وذلك عند انفصال فصل الربيع ودخول فصل الصيف .
واستهل شهر - ذي الحجة بالسبت وكنا تراءيناه فتعسرت رؤيته ثم ثبت في اليوم الثاني .
وفي يوم الخميس سادس ذي الحجة نودي على البحر ، وكانت القاعدة يومئذ سته أذرع وستة عشر إصبعا .
وفيها وصل حمزة بك بن علي بن دلغادر فوقف بين يدي السلطان ، فقبض عليه وسجن .
وفيها وقعت بين خجا سودون ومن معه من جيش حلبوبين قرمش ومن معه من اتباع جانبك الصوفي بعينتاب وقعة كبيرة أمسك فيها قرمش وجماعة ممن فر إلى جانبك ، وسر السلطان بذلك لما وصل إليه الخبر - .
وفيها على ما قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه بلغه في مجاورته بمكة هذه السنة أن أندراس الحطي صاحب مملكة الحبشة الكفرة مات في الطاعون العظيم الذي وقع في بلاد الحبشة حتى مات بسببه من لا يحصى من المسلمين والنصارى ، وأقيم بعده ولد له صغير ، فغزاهم شهاب الدين أحمد الملقب بدلاي ملك المسلمين بالحبشة ، فغنم وسبى وفتح عدة قرى ، واستنقذ الباني وهي بلدة من بلاد المسلمين كان العدو غلب عليها ، فأنزل بها ألف بيت من المسلمين ، وأقام أخاه خير الدين في بلد ركله ، ونشر العدل وأمنت الطريق في زمانه - ولله الحمد .
وفي هذه السنة فشا الوباء في بلاد اليمن سهلها وجبلها إلى صعدة وصنعاء ، وفي مقابلها من بلاد بربر والحبشة والزنج .وفيات سنة 839
ذكر من مات في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم أمير زاه بن شاه رخ صاحب شيراز ، وكان قد ملك البصرة ، وكان فاضلا حسن الحظ جدا ، مات في رمضان .
أحمد بن شاه رخ ملك الشرق ، مات في شعبان بعد أن رجع من بلاد الجزيرة وأرزن الروم فحزن عليه أبوه ، واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز وكرمان ، وهذا كان أعهدهم ، ويقال له أحمد جوكي .
أحمد بن عبد العزيز ، الشبكي ثم الشيرازي الشيخ همام الدين ، قرأ على الشريف الجرجاني ، قرأ عليه المصباح في شرح المفتاح ، وقدم بمكة فنزل في رباط اشت ، فاتفق أنه كان يقرئ في بيته فسقط بهم البيت إلى طبقة سفلى فلم يصب أحد منهم بشيء وخرجوا يمشون ، فلما برزوا سقط السقفالذي كان فوقهم وكان حسن التقرير قليل التكلف مع لطف العبارة وكثرة الورع عارفا بالسلوك على طريق كبار الصوفية ، وكان يحذر من مقالة ابن العربي وينفر عنها ، مات في خامس عشري شهر رمضان .
أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن محمد ، الزاهدي الخباز المعمر العابد شهاب الدين ، خادم ضريح الشيخ رسلان لدمشق ، ذكر أنه ولد سنة 739 ، واسمع من زينب بنت الكمال وغيرها فقرؤا عليه بإجازتها ولم يظهر له سماع ؛ ومات في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان .
إسماعيل بن عبد الخالق ، الأسيوطي مجد الدين ابن الشيخ ، كان وقورا ، ملازما حانوت الشهود ، قليل الشر ، وله سماع وحضور وإجازة من عبد الرحمن بن القارئ ؛ مات في ثاني المحرم .
بابي سنقر بن شاه رخ صاحب كرمان ، مات في ذي الحجة ، وكان ولي عهد أبيه ، وفيه شجاعة موصوفة .تاج بن سينا بن عبد الله ، الشويكي - بالشين المعجمة والكاف مصغر نسبة إلى الشويكة مكان ظاهر دمشق - المعروف بالتاج الوالي ، وقديما كان يعاني خدمة الأكابر في الحاجة ، وذكر لي أنه كان يخدم الشيخ شهاب الدين ابن الجابي بدمشق ، ذكر لي مرارا ما يدل على أن مولده كان بعد الخمسين ، واتصل بالملك المؤيد قبل سلطنته بعد أن اتصل بالأمير الطنبغا القرمشي فخدمه وراح عليه ، فلما استقر في الملك بالقاهرة ولاه الشرطة فباشرها ، وفوض إليه في أثناء ولايته أمر - الحسبة ، فكان في مباشرته ذلك الغلاء المفرط ، ثم في أواخر الدولة صرف عنها واستقر استادار الصحبة ، وفي مرض موت المؤيد أعيد ، وحصل له في أوائل دولة الأشرف انحطاط منزلة وهو مستمر على الولاية ثم خدم الأشراف فراج عليه أيضا واستقر معه مضافا إلى الولاية المهمدارية وأستادار الصحبة وشاد الدواوين والحجوبية ونظر الأوقاف العامة وغير ذلك ، فأما الشرطة فكان الذي يباشرها عنه غالبا أخوه عمر ، ثم في الآخر صار كالمستبد ثم صرف واستقر غيره ثم صرف مرة أخرة وأعيد ابن الطبلاوي ، ثم صرف ومات وهو على هذه الوظائف كلها ، مات بعلة - بعسر البول في آخر يوم العشرين من المحرم ، وبلغني أنه كان لقي منه شدائد ، وكان يعتريه قبل هذا بحيث أنه شق مرة فخرجت حصاة كبيرةوأفاق دهرا ، ثم عاوده ثم كانت هذه القاضية ، وكان حسن الفكاهة ، ذرب اللسان لا يبالي بما - يقول ، وتنقل عنه كلمات كفر مخلوطة بمجون لا ينطق بها من قبله دون - ذرة من إيمان ، فإن كان . . . مرضا نفعه فإنه كان كثير الصدقة والبر المستمر ، ولم يتعرض السلطان لماله وترافع أخوه عمر وزوجته وقرر عليها خمسة آلاف دينار ، ثم أعفيت من ذلك باعتناء أهل الدولة .
جلبان خوند الجركسية زوج السلطان ووالدة ولده يوسف الذي قرر أميرا كبيرا وهو مراهق ، وكانت من جواريه فأعتقها وتزوجها وحظيت عنده ، وحجت سنة أربع وثلاثين ، فكانت في عظمة زائدة مفرطة ، وماتت بعلة الصرع في يوم الخميس ثاني شوال ، وقد أقدم السلطان من أهلها عددا كثيرا أحضرهم من بلاد الجركس وأقطعهم وخولهم ، وخلفت من الأمتعة والملابس والنقد شيئا كثيرا جدا يقال يقرب من سبعين ألف دينار .
الحسين الإمام العلامة المفتي الأمير ابن أمير المسلمين أبي فارس ، الحفصي ، وكان أخوه لما مات في العام الماضي استقر ولده في المملكة ، ثم أراد الحسين الثورة فظفر به فقتله وقتل أخوين له ، وعظمت المصيبة بقتل الحسين ، وكان فاضلا مناظرا ذكيا - ذكر لي ذلك صاحبنا الشيخعبد الرحمن البرشكي رحمه الله تعالى .
خشقدم الخصي الظاهري كان خازندار السلطان ثم صرف عنها ، واستقر زماما إلى أن مات ، وخلف مالا جزيلا يقارب مائة ألف دينار ، منه غلال مخزونة قومت بستة عشر ألف دينار ، وصار للسلطان من تركته مال كثير ، وكذا من تركة خوند زوجة يلبغا الناصري ، وقيل : وصل ثمنها قدر عشرين ألف دينار ، وكان مرضه بالقولنج في أوائل السنة فتعافى ، ثم انتكس مرارا إلى أن مات ، وكان شهما يحب الصيد ، وفيه عصبية وخلقه سيء إلى الغاية ، واتفق أنه كان أنشأ مكانا بالقرب من الأخفاقيين يجعله مدرسة ، وعجل ببناء صهريج ، وابتدأ في عمل سبيل لسقي الماء تكمل في مدة ضعفه ، وجرت لشمس الدين الرازي بسبب إثبات وقفية داره في مرض موته إهانة من جهة السلطان واستقر جوهر اللالا زماما بعد موت خشقدم مضافا لوظيفته .
سعد بن محمد بن جابر العجلوني ثم - الأزهري الشيخ مات في شوال ، وكان خيرا دينا سليم الباطن ، ولكثير من الناس فيه اعتقاد ، وذكر عنه كرامات ، وكانت بيده إمامة المدرسة الطيبرسية المجاورة للجامع الأزهر .
صالح بن محمد بن موسى المغربي الزواوي الشيخ صالح كان خيرا ذاكرا لكثير من الفقه ملازما لحضور مجالس العلم ، وجاور بالمدينةالشريفة مدة وحصلت له جذبة ، وقدم القاهرة وسكن بتربة الظاهر بالصحراء ، وحسن ظن كثير من الناس فيه ، ثم سكن القاهرة وتنزل يدرس الحديث بالمؤيدية ورتب له في الجوالي ، ودخل في وصايا كثيرة لكن لم نسمع عنه سوءا في تصرفه وكان يصل إليه من سلطان المغرب كل سنة مبلغ ، وكان شهما يقوم في الحق عند الظلمة ولا يبالي بهم ، وذكر انه سمع من . . . وأجاز لأولادي ، ومولده تقريبا سنة ستين ، رأيت بخطه : ولدت أوان الستين وسبعمائة ، ومات في ليلة الأربعاء ثامن عشري رجب .
عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر ، المصري ثم الدمشقي زين الدين ، واسم الفخر محمد بن علي ، تفقه قليلا ، واسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره . فسمع على الكمال ابن حبيب سنن ابن ماجة ، وعلى ابن المحب جزء العالي أنا الحجاز وعشرة الحداد أنا إبراهيم بن صالح ، وعلي الصلاح بن أبي عمر مسند عائشة من مسند أحمد ، ومات في جمادى الآخرة .عبد الرحمن بن علي بن محمد ، الحلبي الحنفي الشريف ركن الدين المعروف بالدخان ، اشتغل بدمشق وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالا بعد موت ابن الكشك ، وكان ماهرا في فروع مذهبه ، مات في ليلة الأحد 7 المحرم .
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ، العدناني الشهير بالبرشكي صاحبنا المحدث الرحال الفاضل زين الدين ، أخذ ببلاده عن . . . وعن جماعة ، ورحل إلى المشرق قديما سنة ست عشرة فحج ، وحمل عن المشايخ وأجاز له الشيخ برهان الدين الشامي قديما ، وكان حسن الأخلاق لطيف المجالسة كريم الطباع رحمه الله تعالى .
عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ابن عمر بن حياة بن قيس ، الحراني الأصل الدمشقي نزيل . . . . عز الدين أبو العز ويدعى محمدا ، كان كثير العبادة ملازما للصلاة في الليل ، وله اشتغال بالعلم وتصانيف ونظم ونثر ، ويذكر عنه كرامات وكلام في الرقائق . مات في 13 جمادى الأولى .عبد الملك بن علي بن أبي - ، المنى البابي نزيل حلب ويعرف بالشيخ عبيد ، ولد في حدود سنة سبعين ، واشتغل بالفقه والعربية والقراآت وكان حفظ المنهاج ، واشتغل على الشيخ بيرو والقاضي شرف الدين الأنصاري وشمس الدين النابلسي ، وكان يشغل في الجامع الكبير بحلب ، وأخذ عنه جمع جم ، وناب في الخطابة بالجامع ، ولم يكن صينا ، مات في جمادى الآخرة ، وكانت جنازته حافلة جدا ، وعاش ستين سنة وقد تقدم في العربية والقراآت وشغل الناس كثيرا ، وناب في الخطابة والإمامة بالجامع مدة إلى أن مات .
عبد الولي بن محمد بن الحسن ، الخولاني الإمام ولي الدين ، ولد بغرب من التغلن ، ولازم بتعز الإمام رضي الدين ابن الخياط والإمام جمال الدين محمد بن عمر العوادي والفقيه أحمد بن عبد الله الحرازيوالفقيه وحيد الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الزوفري وقرأ عليهم الفقه ، ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي وأخذ عنه النحو واللغة ، وجاور معه بمكة وبالطائف ومهر إلى أن صار مفتي تعز مع ابن الخياط ، ومات بالطاعون أيضا .
عثمان بن قطلبك بن طرغلي ، التركماني المعروف بقرايلوك ، كان أبوه من أمراء التركمان بديار بكر وتأمر هو بعده ، وكان شجاعا أهوج ، وله مع الترك والعرب وقائع ، ولما طرق اللنك البلاد انتمى إليه ، ودخل في طاعته فاستنابه في بلاده ، وحضر معه فتح البلاد الشامية ، ووقعت له وقعة مع جكم لما ولي السلطنة بحلب فقتل جكم في الوقعة وقوي قرا يلك واستولى على ماردين وقتل صاحبها وهو آخر أهل بيته ، وكان بينه وبين حديثه بن سيف بن فضل أمير العرب ، وكانتبينه وبين حميد بن نعير عداوة ، فنصر قرا يلك هذا فكبس حديثة بالقرب من شيزر ، فكاتب الملك المؤيد قرا يوسف في الغارة على قرا يلك وسار المؤيد من مصر ، فلما بلغ ذلك قرا يلك ترامى على المؤيد وانتمى إليه فأرس إلى قرا يوسف فشفع فيه فرجع عنه ، ثم صار قرا يلك يغير على بلاد قرا يوسف فخنق منه وكبسه ، ففر منه إلى حلب فتبعه ، فجفل أهل حلب من قرا يوسف وفروا على وجوههم إلى الشام ثم إلى مصر ، ثم كبس قرا يلك على بيرم النائب بأرننكان فقتله ، واتفقت وفاة قرا يوسف ثم المؤيد ، وغلب قرا يوسف على أرزنكان ، وكانت له وقعة مع برسباتي قبل أن يلي السلطنة وبرسباتي يومئذ نائب طرابلس انكسر فيها برسبائي ، وبسبب هذه الوقعة غزا برسبائي في سلطنته آمد ، وكانت له وقعة أخرى مع برهان الدين قاضي سيواس قتل فيها البرهان ، واستمر قرا يلك أميرا مدة وملك الديار ديار بكر ، وشرع في إيواء من هرب من السلطان الأشرف فجهز له عسكرا في سنة 32 فتوجهوا لجهة آمد ، فكبس هابيل بن قرا يلك وهي في طاعة السلطان فأخذها عنوة واستباحها ، فوصل العسكر فأسروه ، ثم جهز للقاهرة فاتفق موته بالطاعونسنة 33 ثم غزا الملك الأشرف آمد ففر قرا يلك واستمر الأشرف يحاصر آمد ، ثم رجع إلى الديار المصرية واستمر قرا يلك على حاله في نهب القوافل وقطع الطريق ، ثم إن قرا يلك جهز من نهب التركمان الذين حول حلب فتجهز له الأشرف نفسه فلم يتم له أمر وأذعن للصلح ، ثم اتفق أن إسكندر بن قرا يوسف فر من مروان شاه ولد اللنك فبلغ خبره قرا يلك فتبعه ، فلما تلاقوا كسره إسكندر كسرة شنيعة وانهزم قرا يلوك فوقع في خندق البلد وهي ارزن الروم ، فنزل إليه جماعة من جهته فاحتملوه ودلي من بالقلعة لهم الجبال فربطوه ورفعوه ، فمات في العشر الأخير من صفر في هذه السنة وقد بلغ التسعين أو زاد عليها وذكر لي الشيخ بدر الدين بن سلامة أنه لما استولى على ماردين استصحبه ، قال : فوجدته في عيشة شظة إلى الغاية وفي غالب زمانه مشتغل بالشر ، وتفرق أولاده بعدة بلاد وانكسرت شوكتهم جدا ، فجهز ولده علي بك ينتمي إلى سلطان مصر ويلتزم أن يكون من جهته .
علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن الحسين الحسني إمام الزيدية مات وأقيم ولده بعده فمات عن قرب بعد شهر ، فقام بقصر صنعاء عبد بن عبيد الإمام يقال له سنقر وأراد إن يجعلها مملكة بالشوكة ، فأنف الزيدية من ذلك وثاروا عليه وأقاموا مهدي بن يحيى ابن حمزة قريب الإمام ، وجده مزة هو أخو محمد - جد صلاح ،ويقال إن أم الإمام راسلت صاحب زبيد الملك الظاهر تسأله أن يرسل أميرا على صنعاء ، ولم يتحقق ذلك إلى الآن .
فيروز قطب الدين فيروز شاه بن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق ابن طبق شاه صاحب هرمز والبحرين والحسا والقطيف .
قصروه نائب الشام كان من بقايا مماليك الظاهر برقوق ، تقدم في دولة الأشرف وولي أمير آخور في أول دولته ، ثم ولاه نيابة طرابلس ، ثم نقل إلى حلب في سنة ثلاثين فاستمر إلى سنة 37 ، ثم نقل لنيابة دمشق بعد موت جارقطلي في شعبان منها ، وكان عاقلا فاستمر إلى أن مات ليلة الأربعاء - في ثالث ربيع الآخر .
كبيش بن جماز الحسيني كان قصد القاهرة ليتولى إمرة المدينة ، فظفر به قوم لهم عليه ثأر فقتلوه قبل أن يدخلها .
مانع بن علي بن عطية بن منصور - أمير المدينة النبوية ماتفتنازع العجل بن عجلان وعلي بن مانع في الإمرة ثم استقرت الإمرة لوميان بن مانع عوض أبيه ، وكان قتله في جمادى الآخرة .
محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر ، الفوي الأصل المكي جمال الدين بن عبد الوهاب بن أحمد ، أبو المحامد المرشدي ، ولد في ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة ، واسمع على النشاوري وأبي الفضل النويري والأميوطي وغيرهم ، ورحل إلى القاهرة فسمع بها الكثير ، وطلب بنفسه فسمع على التقي ابن حاتم ، وقرأ الألفية على الحافظ زين الدين العراقي وأذن له ، وله إجازة من مسندي الشام كالصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وغيرهما ، وخرج له الشيخ خليل الأقفهسي أربعين والجمال بن موسى فهرستا ، وصحب المجد الشيرازي وحفظ عنه من اللغة شيئا كثيرا وصار يتعانى ذلك في كلامه وفي مراسلاته ، ومات في حادي عشري شهر رمضان وقد قارب السبعين ، ولم يتأخر في مكة من له المعرفة بالفقه والنحو مع الديانة والصيانة نظيره .محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن الأمانة ، الأبياري ثم القاهري القاضي بدر الدين ، ولد في حدود الستين وقدم القاهرة مع أبيه واشتغل ، فذكر لي أنه قرأ على الشيخ عبد الخالق الأسيوطي وأن الأسيوطي أخبره أن الشيخ سراج الدين البلقيني قرأ على الأسيوطي في مبتدأ أمره وكان الأسيوطي قد عمر ، وهو والد إسماعيل وأحمد المقدم ذكرهما قريبا ، وسمع الشيخ بدر الدين المذكور من عبد الله الباجي ومن السراج الكومي وبطبقتيهما وأكثر عن شيوخنا ، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني وابن الملقن والعراقي ، واشتغل في الفقه والحديث والعربية ومهر ، وسكن المدرسة الصالحية ووقع فيها لي الحكام مدة ثم ناب عن القضاة ، واستمر إلى أن كان كثير النواب في آخر عمره ، وحج قبل موته بقليل ، ودرس للمحدثين في المنصورية ، وولي عدة وظائف ، ودرس بالكهارية ، وتصدى للفتيا وللاشتغال بالفقه وغيره ، وأضيف إليه قضاء الجيزة مدة وغيرها ، وكان قليل الشر حسن المحاضرة والمذاكرة ، يستحضر كثيرا من أخبار القضاة الذين أدركهم وما جرياتهم ، وله نوادر ظريفة ، حضر معنا سماع الحديث بالقلعة يوم الأحد إلى العصر ورجع إلى بيته فأقام يوم الاثنين وهو طيب إلى أن دخل الليل فصلى العشاء ودخل الفراش فقال : أجد غما ، فلم يلبث أن مات فجأة وقد قارب الثمانين - رحمه الله تعالى واتفقأن بعض الناس شكك أهله وأولاده في موته ، وقال لهم : هذا به سكتة ويب أن تختبروا أمره لئلا تدفنوه حيا ، فأحضروا طبيبا فجسه وأمر بفصده ، فامتنع الفاصد حتى اجتمع ثلاثة من الأطباء وقالوا إن ذلك لا يضر ففصد فخرج منه دم كثير ، ثم فصد في الذراع الآخر فخرج منه دم كثير أيضا ، فترك إلى أن أمسى ثم إلى أن اصبح فأروح ، فاتفقوا على موته ، ودفن ثامن عشر شعبان ضحى يوم الأربعاء ، وخلف أربعة أولاد ذكور .
محمد بن أبي بكر بن محمد بن الخياط ، الحافظ الجليل المفتي حافظ البلاد اليمنية جمال الدين ابن الإمام رضي الدين ، ولد سنة . . . وتفقه بأبيه وغيره حتى مهر ، ولازم الشيخ نفيس الدين العلوي في الحديث ، فما مضى إلا اليسير حتى فاق عليه حتى كان لا يجاريه في شيء ، وتخرج بالشيخ تقي الدين الفاسي ، وأخذ عن القاضي مجد الدين الشيرازي واغتبط به حتى كان يكاتبه فيقول : إلى الليث ابن الليث والماء ابن الغيث ، ودرس جمال الدين بتعز وأفتى ، وانتهت إليه رياسة العلم بالحديث هناك ، وأخذ عن الشيخ شمس الدين الجزري لما دخل اليمن بأخرة ، ومات بالطاعون في هذه السنة .
محمد بن عمر بن أبي بكر تاج الدين ابن الشرابيشي ، مات في يومالأحد تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن يوم الاثنين العشرين منه وقد أسن وتغير عقله ، سمع الكثير من الشيخ بهاء الدين ابن خليل ، ورأيت قراءته عليه في صحيح البخاري سنة سبعين وبلغ بضعا وثمانين سنة ، وطلب الفقع وكتب الكثير بخطه الحسن المتقن ، ولازم شيخنا ابن الملقن ، وأكثر عن شيخنا العراقي ، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السبط والطبقة ومن أصحاب أصحاب المحب ثم أصحاب الفخر - ودار على الشيوخ وسمع معي كثيرا ولم يمهر ولكن كان يستحضر شيئا كثيرا من الفوائد الفقهية والحديثية ، وكان يعلق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة حتى حصل من ذلك جملة كثيرة ، ثم تسلط عليه بعض أهله فمزقوا كتبه بالبيع تمزيقا بالغا ، لأنهم كانوا يسرقون المجلدات مفرقات من عدة كتب قد أتقنها وحررها فيبيعونها تفاريق وكذلك الكتب التي لم تجلد يبيعونها كراريس بالرطل ، وضاعت كراريسه وفوائده ، وقد تصدى للأسماع ، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات رحمه الله تعالى ، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرة .
محمد بن محمد بن أبي فارس ، المنتصر أبو عبد الله ، مات في 21 صفر بتونس ، ولم يهن في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن ، واستقربعده شقيقه عثمان فقبض على الهلالي القائد وفتك ف أقاربه بالقتل ، فخرج عليه عمه أبو الحسن صاحب بجاية .
يحيى بن يحيى بن أحمد بن حسن ، القبابي شمس الدين أبو زكريا المصري ، ولد في أواخر سنة ستين أو في أول التي قبلها ، وقدم القاهرة فاشتغل بها وحفظ التنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب ، وحضر دروس البلقيني وابن الملقن والأبناسي وغيرهم ، واشتغل في علم الحديث على العراقي ، ولازم عز الدين بن جماعة في قراءة المختصر ومحب الدين بن هشام في العربية ، وطاف على الشيوخ في الدروس ، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل ، فأثنى شهاب الدين الزهري ، قرأ عليه نصف المختصر وأذن له ، وتكلم على الناس بالجامع ، وسكن بعد الفتنة العظمى بيت روحاء فأقام بها ، ودخل مصر حين دخل إليها مع الشاميين ، ثم عاد فلازم عمل الميعاد ، وكان فصيحا مفوها فاجتمع عليه العامة وانتفوا به ، وقرأ صحيح البخاري عند نوروز ، ثم ناب في الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرةوثمانمائة واستمر في ذلك ، ولم يكن في أحكامه محمودا ، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضر وهو مستمر على الحكم ، وكان يؤخذ بيده فيعلم بالقلم ويكتب عنه الفتوى ثم يكتب هو اسمه ، وكان فصيحا ذكيا مشاركا في عدة فنون ، جيد الذهن ، لين العريكة ، سهل الانقياد ، قليل الحسد مع المروءة والعصبية ، وقد أقبل في أواخر عمره على إقراء الفقه فدرس في المنهاج والتنبيه والحاوي بالجامع حلا لكل منها في أشهر قليلة من غير مطالعة ، وكان قد درس بالرواحية ، وناب في تدريس الشامية البرانية ، اجتمع في ذي الحجة سنة ست وثلاثين بالعادلية الصغرى ، وذكر أنه قرأ على شيوخنا العراقي والبلقيني وغيرهما ، وسمع من ابن المحب ، وسمعت عليه جزء الخلفاء ، من حديثه وسمع على شيئا ومات في صفر ، نقلت غالب ترجمته من كتاب القاضي تقي الدين الأسدي إلي - أبقاه الله تعالى .
طاهر بن عبد الله ، المراكشي الشيخ المغربي نزيل مكة ، مات بها في شوال ، وكان قرا على عبد العزيز الحلفاوي قاضي مراكش وغيره ، وكان خيرا دينا صالحا .حوادث سنة 840
سنة أربعين وثمانمائة
استهلت ليلة الاثنين ، ووصل شاه رخ إلى السلطانية فنزلها وعزم على الإقامة بها حتى يبلغ غرضه من اسكندر بن قرا يوسف ، وفي عاشر المحرم أعيد لأجناد الحلقة ما كان أخذ منهم بسبب التجريدة ، وقبض على التاج الخطير وصرف من أستادراية ولد السلطان ، وقرر عوضه في الوزارة ناظر الخاص .
وفي حادي عشرية طرق مينا الإسكندرية ثلاثة أغربة من الكتيلان وأخذوا مركبين ، فخرج إليهم آقباي النائب فراماهم حتى استعاد أحد المركبين ، وأحرق الفرنج الأخرى ، وتحارب مركب للجنوية مع مركب الكتيلان فانهزم الكتيلان .
وفيها حصر أبو الحسن بن أبي فارس صاحب بجاية قسطنطينية ، فخرج صاحب تونس عثمان - إلى قتاله وهو ابن أخيه ، وفي الثامن عشر منه أو في النيل وكسر الخليج وصادف التاسع عشر من مسري ، وباشر ذلك يوسف بن السلطان ، ووصل رأس قرمش الأعور - وكمشغبا الظاهري - فعلقتا بباب زويلة ، ثم أمر السلطان أن تلقيا في السراب الحاكمي ، وكان قبض عليهما بيد خجا سودون المؤيدي - بعينتاب ، وكان جمعا عسكرا وكبسا العسكر المصري فكسروا وأسروا - .وفي هذه السنة رخص العسل النحل إلى أن بيع بتسعمائة القنطار وعادته ألف وخمسمائة ، وكانت جميع الغلال وأصناف المطعومات والفواكه رخيصة ، وجاء الزرع في غاية الخصب والنماء في الزرع بالغ جدا ، واستمر وقوع الفناء في عسكر اللنكية فرجعوا إلى بلادهم ، ووصل الحاج فشكوا من أميرهم كثيرا فلم ينجع ذلك ، ومن جملة قبائحه التي حكوها أنه طلب من التجار في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة مالا يجبى منهم فامتنعوا ، فرحل بالناس في آخر الحادى عشر ليفوت عليهم البيع بمنى في الثامن عشر والثالث عشر ، فكانت من أفحش الفعلات فإنه فوت عليهم المبيت والرمي .
واستهل صفر ليلة الأربعاء ، واستهل ربيع الأول ليلة الخميس ، وفي شهر ربيع الأول قام الشيخ ناصر الدين محمد بن علي الطبناوي في هدم الدير الذي في بحرى ، وحضر المولد النبوي ، وأخرج محضرا يتضمن أن النصارى يحجون إليه في كل سنة ، ويجتمع عنده من النصارى والمسلمين للفرجة والتجارة من لا يحصى حتى صاروا يضاهون بذلك أهل الموقف بعرفة ، وأفتى العلماء بهدم ذلك الدير وإزالة تلك العادة ، ففوض السلطان الأمر للقاضي المالكي فلم يتفق أنه يقوم في ذلك حق القيام حتى كانذلك في السنة المقبلة فهدم - ولله الحمد .
وفيه هرب سليمان بن عثمان مع جماعة من الروم والتركمان في غراب وكان مقيما بالقلعة من سنة آمد ، فلما عرف السلطان ذلك شق عليه فأرسل في آثارهم فأتى بهم ، فحبس الصبي وقطع أيدي قوم وقتل آخرين ، وكان السبب في ذلك أن سليمان هذا وهو ابن أرخن بك بن محمد بن عثمان كان عمه مراد صاحب برصا قبض على والده أرخن بك وكحله وسجنه ، وكان له مملوك يقال له طوغان يقوم بخدمته ، فأدخل إليه جارية وهو في السجن فحملت منه ، فلما مات أرخن في السجن فر المملوك طوغان هذا بسليمان وأخته شاه زاده إلى حلب ، فلما قدم السلطان إليها وقف بهما إليه وأخبره خبرهما ، فأكرمهما ثم صحبهما معه إلى القاهرة ، فأمر بسليمان أن يمشي في خدمة ولده يوسف ، وأقامت أخته في القلعة لتكبر ويتزوجها السلطان أو ولده ، فلما كانت ليلة خامس ربيع الأول فر سليمان وأخته ومن انضم إليهما فركبا بحر النيل وتوجها إلى جهة رشيد لينزلا في مركب إلى بلاد الروم ، فبلغ السلطان فأرسل في آثارهم فقبض عليهم وعلى من في المركب وعدتهم خمسة وستونرجلا ، فوسط طوغان مملوك سليمان وثمانية من مماليك السلطان صحبوهم وقد قطعت أيدي الباقين ولا ذنب لهم البتة لأنهم تجار رافقهم أولئك ، فلما جاء الذين أرسلهم السلطان في طلب المتسحبين خشى التجار على أنفسهم فدافعوا عنها من غير أن يعلموا الخبر لكونهم قصدوا الإستيلاء عليهم ونهبهم فظنوا أنهم حرامية ، فلما دافعوا عن أنفسهم وقع الحرب بينهم فغلبوهم وأسروهم وكان ما كان .
وفي السادس من شهر ربيع الأول استقر - الصاحب - كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين - ابن كاتب المناخات - في الوزارة على قاعدته ، فباشر مباشرة حسنة وفرح الناس به ، واستقر معه أمين الدين ابن الهيصم ناظر الدولة على عادته ، وكانت الوزارة منذ صرف عنها خليل بن شاهين لم يستقر فيها أحد بل عذق أمرها بناظر الجيش ، فأقام ناظر الدولة عنه متحدثا وأحال مصروف كل جهة على متحصل جهة من الجهات وكل جهة لم يف متحصلها بها أكملها من عنده ، فاستمر الحال على ذلك إلى أن قدم .
وفيه نودي بمنع لبس الزموط الحمر وعملها وهي التي يلبسها العرب ويسموه الشاشبة فنودي بذلك ، فوقف له جماعة ممن اشترى الصوف لذلك فصمم على المنع ، ثم رفع له بعض الغلمان من الهجانة وغيرهم فأغلظ لهم القول واستمر على المنع ونودي أن لا يحمل أحدا سلاحا ، وفيه وصل العسكر المجرد إلى الأبلستين فوصلوا إلى تجاه سيواسفوجدوا - في تاسع عشره جانبك ومن معه فقدموا - . وفيه قتل جاسوس وجد معه كتب من جانبك الصوفي . وفيه وقع بين الهنود الذين يقيمون بظاهر - المدرسة - الصالحية لإصلاح شعور اللحى ، وثب رجل هندي على رجلين فقتلهما قدام الصالحية ، وذلك أنه تقاتل مع واحد فقتله ثم مر برجل يصلح شاربه فضرب الذي يصلح في كتفه فوقع ميتا وحصل للرجل فزع - فحمل إلى بيته - فمات هو والقاتل فصاروا أربعة فقبض عليه فقطعت يده ثم قتل ، ونودي بعد غد أن لا يبقى أحد من الهنود بالقاهرة .
وفيه عين خليل الذي أمر بالإسكندرية أن يكون شادا على المكوس بجدة وأميرا على المماليك المجردين بمكة وأمر ابن المرأة بالسفر ، وسافر خليل ومن معه من البر ونودي للناس بالسفر صحبتهم .
واستهل ربيع الآخر ليلة الجمعة ، ففي السادس عشر منه جمع الخازندار الجزارين وأشهد عليهم أن لا يشتروا اللحم إلا من ذبائح السلطان ، فصاريذبح لهم كل يوم ما يحصل عند السلطان من الغنم المحضر من البلاد .
وفي الخامس من ربيع الآخر فقد سليمان بن أرخن بن كرجى بن أبي يزيد بن عثمان وأخته شاه زاده - وقد تقدم خبر عنهما في سنة ست وثلاثين ، فكان مملوكهما الذي أحضرهما اتفق معهما أن يسير بهما إلى بلادهما وواطئوا على ذلك جماعة من تجار الروم ، فأخذهما طوغان فتوجه بهما إلى الغراب فتوجهوا إلى رشيد ، فلما عرف الأشرف بالقصة كاتب نواب البلاد بطلبهما ، فحاربهم شاد رشيد بحضرة قاصد السلطان ، فحبسوا بالريح فاتفق أن الريح هبت عاصفة فصادف وصول نائب الإسكندرية فقبض عليهم ، وجهز جميع من في الغراب من التجار وغيرهم ، ثم أمر بقطع أيدي بقية التجار وهم نحو الخمسين ، وأدب سليمان بالضرب تحت رجليه ، ونظر إلى أخته فاستحسنها - فعقد عقده عليها وابتكرها ، وقد تزوجها - بعده - الملك الظاهر جقمق .
واستهل جمادى الأولى ليلة السبت ، فيه قدمت رسل مراد بن محمد بن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية ، وفي سابع عشرة قدم الأمراء الذين جردوا لحلب ، فهرع الناس للسلام عليهم ثم طلعوا القلعة فخلع عليهم ، وفي صبيحة قدم الأمراء المجردون إلى البحيرة وصحبتهم الأمير حسن بك بن سالم البلوى التركماني ومحمد بن بكارابن رحاب وقد دخل في الطاعة ، وفيه رفعت يد القاضي الحنفي من وقف الطرخي ، وأمر أن يحاسب على متحصله وأن يتحدث فيها جوهر الخازندار ، ثم بطل ذلك وأعيدت للقاضي .
وفيه نودي من له ظلامة فليحضر إلى باب السلطان في يومي الثلاثاء والسبت ، وأمر القضاة أن يحضروا مجلس الحكم في المظالم ، فحضروا يوما واحدا ثم بطل ذلك .
وفي سابع جمادى الأولى خرج الركب الحجازي وأميرهم خليل الذي - كان - ناب في الإسكندرية ومعه نحو السبعين من المماليك ليقيم بهم بمكة عوضا عن الذي كان فيها وخرج معه عدد كثير من الحاج والتجار ، ورحلوا من خليج الزاعفران في التاسع منه .
وفي الخامس عشر منه وصل الأمراء - الذين كانوا بحلب - وفيهم جقمق الأمير الأمير الكبير الذي ولي السلطنة بعد هذا بسنتين والدويدار الكبير أركماس الظاهري ، وتأخر منهم خجا سودون فلم يحضر .
وفي يوم السبت تاسع عشر منه حضر القضاة الأربعة بأمر السلطان مجلس الحكم وتكلم الشافعي معه في عدة حكومات بين حكم الشرع فيها ، ثم لما فرغوا أمرهم السلطان أن يبطلوا الوكلاء من أبوابهم فأجابوابالإمتثال ، ثم تكلموا في الذين يعاملون بالربا وما الحكم فيهم ، فقال - له - الشافعي : الحيلة في ذلك سائغة عندي وعند الحنفي فليفوض أمرهم إلى المالكي والحنبلي ، ثم سأل عن النواب فقال له الشافعي : كان السلطان أمر قبل السفر بعشرين وهم الآن أربعون لكن كل اثنين في نوبة ثم سأل من الرسل وأمر أن لا يعطي الرسول إلا ثلثين وانصرفوا ، ثم لم يعد يطلبهم إلى مجلس حكم بعد أن كان شاع أنه أمر أن يواظبوه كل سبت وثلاثاء ، فبطل ذلك .
واستهل جمادى الآخرة ليلة الاثنين ، فيه أرسل ناصر الدين بن دلغادر ولده سليمان إلى مراد بن عثمان صاحب الروم يستنجد به على إبراهيم بن قرمان ، وكان ابن قرمان قد أخذ منه - قيصرية ونازل صاحب أماسية وهو من حاشية ابن عثمان ، فجهز مع سليمان عسكرا وندب معه صاحب توقات وأمره بمحصارة قيصرية ويسلمها لابن دلغادر ، وجهز عيسى أخا إبراهيم على عسكر آخر ليغير على بلاد أخيه إبراهيم ، فبلغ ذلك صاحب مصر فكتب إلى أمراء الطاعة من التركمان بمعاونة إبراهيم بن قرمان .
وفي يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة أرسل القاضي المالكيورقة إلى كاتب السر يستعفي من القضاء ، فقرأها على السلطان فأعفاه وأمره إن يعين قاضيا غيره ويستمر بمعاليم القضاء له - دون الذي تعين ، فلما بلغ ذلك ولد القاضي قام وقعد وسعى عند علي باي الخازندار وأنكر أن يكون أبوه كتب الورقة ، فبلغ ذلك كاتب السر فصعب عليه نسبتهم إياه إلى الكذب ، وأخرج الورقة فوجدوها بخطه الذي لا يرتاب فيه ، ومع ذلك فاعتنى بهم على باي ، ولم يستطع كاتب السر يوسع في القضية كلاما رعاية لخاطر الخازندار المذكور فإنه كان يومئذ من أقرب الناس منزلة عند السلطان ، فاستقر الحال على أنه تحيل للسلطان أن يعيد ولاية المالكي فأجابهم لذلك ، واستمر في القضاء بعد ذلك إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين - كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
وفيه رخص القمح إلى أن بيع بمائة وأربعين إلى مائة ، فأمر السلطان بشراء القمح وحزره فغلا السعر - ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وفيه قدم شرف الدين ابن الأشقر من حلب ، فلما كان في الثالث من شعبان استقر ولده تقي الدين عبد اللطيف - في كتابة السر بحلب وخلع عليه ، واستمر والده نائبا لكاتب السر على عادته . وفيهتوجه الوزير وناظر الجيش وأينال الأجرود ويشبك الحاجب لحفر خليج الإسكندرية ثم عادوا وقد قرروا الأمر ، وفوض السلطان لآقبغا التمرازي أن يباشر حفره فتوجه ، وجهز معه المال الذي جبوه من البلاد بسبب ذلك ومائتي قطعة من الجراريف والمقلقات وستمائة رأس بقر .
واستهل شهر رجب ليلة الثلاثاء في أواخره وهو العاشر من أمشير والطالع سعد بلع ، هبت الريح المريسية شديدة البرد اليابس مع شعث ، فكان البرد أشد ما وقع في هذا الفصل ، ودام ذلك إلى آخر الشهر ، ومضى طوبة معتدلا ليس فيه برد شديد أصلا ، وهذا بخلاف العادة المعهودة ، ولم يزل البرد شديدا إلى يوم نزلت الشمس الحوت وهو سابع عشر أمشير فخف قليلا ، ثم في اليوم - الذي يليه - كان الطالع سعد السعود ، فوقع المطر وهبت الريح الباردة ودام المطر ليلة الأربعاء وفي يومها وفي ليلة الخميس ، ثم صحت في صبيحة عن أوحال في البلد كثيرة وصلح الزرع - ولله الحمد .وفيه استقر خليل بن شاهين الذي كان أمير الإسكندرية أمير الحاج - وفي رجب توجه جانبك الدويدار والقاضي عبد الباسط إلى شبرار الخيام فهدما الكنيسة المحدثة . وفي يوم الجمعة ثاني شعبان توجه القاضي كمال الدين البارزي إلى قضاء دمشق وسار معه من حاشيته جمع جم ، وتأخر أهله وصغار ولده بمنزلهم بالقاهرة ، ونزل عن قضاء دمياط لجوهر الخازندار ، وكان ابن قاسم قد نزل له عنه وتعوض عنه في مقابلة خمسين ألف درهم فيما قيل ، فسأله جوهر أن ينزل له عنه فلم يسعه إلا الإجابة ولا وسع القاضي الشافعي إلا الإمضاء ، وسار جوهر في ذلك أحسن من سيرة ابن قاسم وصار يكتب على الكتب التي يحتاج إليها إلى دمياط الداعي جوهر الحنفي ، ولم يل القضاء خصى قبله .
وفي يوم الأحد الرابع من شعبان ابتدئ بقراءة البخارى بالقلعة على العادة وحضر الجماعة كلهم ، وكان الأمير . . . يفرد الأعيان من الجماعة على حدة ومن عداهم على حدة ليقل اللغط ، ثم بدا للسلطان أن يحضروا الجميع وينصتوا لسماع الحديث ، ففعلوا ولم يتكلم أحد إلا أن الشافعي رد على القارئ مواضع من الأسانيد أسماء يبدلها أو يحرفها من سبق اللسان ، وحضر في المجلس - الثاني - القاضي علم الدين البلقيني بسعى . . منه فيذلك ، وكان يظن أن الأمر على العادة ليشغب كعادته فوجدهم ألزموا السكوت ، فلما كان في المجلس الثالث وقع في الليل مطر غزير فكير الوحل في الطرقات .
وفيه استقر أينال الأجرود أمير صفد عوضا عن يونس وأن يقيم يونس بطالا بالقدس ، واستقر قراجا شاد الشر بخاناة في إمرة إينال ، واستقر إينال الخازندار شاد الشربخاناة ، واستقر على باى خازندارا عوضا عن إينال ، وهذان الشابان نشأ عند السلطان نشأة حسنة فأحبهما وقربهما ومولهما - فصار لهما - الجاه والحرمة الوافرة - وكان لهما بعده ما سنذكره في الحوادث .
وفي شعبان نودي بأن يجتمع الذين قطعت أيديهم من الذين كانوا رفقة سليمان ولد ابن عثمان ، فاجتمعوا ظنا منهم أنه ينفق فيهم توسعة على رمضان ، فجعل كل إثنين في قرمة خشب وأنزلوا في مركب إلى البحر لينفوا إلى بلاد الروم ، فكثر ضجيجهم ودعاءهم - ولله الأمر .
وفي عاشر رمضان - جاءت أخبار - من جهة ابن عثمان ومن جهة جانبك الصوفي فعزم السلطان على السفر ، واستهل رمضان ليلةالجمعة بعد أن ترأوه فلم يتحدث أحد برؤيته ، وأوقد غالب أهل البلد المنائر بغير رؤية فنودي لهم بإطفائها ، فأصبح الناس فأفطر الكثير منهم ، ثم أرسل السلطان ثلاثة أنفس من المماليك ذكروا أنهم رأوا الهلال ، فلما سمع الناس بذلك بادروا ، فما تعالى النهار حتى ثبت عند ثلاثة من الحكام ونودي بالإمساك ، واستمر البرد .
وفي يوم الإثنين الرابع منه نزلت الشمس الحمل ، واستمرت الأيام رطبة ويأتي الحر أحيانا في أثناء النهار وفي أثناء الليل . وفي عاشره عقد - مجلس - مشورة بسبب التوجه إلى البلاد الشمالية من أجل ابن دلغادر وجانبك الصوفي وشاع بأن ابن عثمان قصد نصرتهم ، فاستقر الأمر على أن يتوجه نواب الشام نجدة لإبن قرمان إبراهيم ويطالعوا بما تجدد .
وفي يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان ختم البخارى على العادة ، وكان علاء الدين الرومي سعى في مشيخة الشيخونية عوضا عن باكير وألحوا على السلطان في أمره ، فامتنع وقال إنه كثير الشر ولا يحتملهأهل الشيخونية ، وأمر أن يرتب له في الجهات السلطانية مرتبات ، وعند القاضي الشافعي في الأوقاف ألفا وخمسمائة ، وعند الحنفي النصف من ذلك ، فلم يقنع بذلك وشرع في الحط على شيخنا فأكثر فوقع منه قبيل مجلس الختم أن بحث في شئ فتكلم باكير ، فرد عليه ثم بالغ إلى أن كفره ، فرد عليه الشافعي ووافقه الجماعة ووافقهم السلطان ، فسكت الرومي على مضض ثم شرع في كتابة أسئلة ودسها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي ، فأحضرها بعض الدويدارية - فسلمها للشافعي فقرأها - وقال له : يطلب الجواب ، فذهب ولم يعد ، فذكر الشافعي للحاضرين أن أول الورق مقسما بأيمان عظيمة أن - أعلم - أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول الله ، وكلاما آخر فيه عجرفة ولحن ، فأجمع من سمع ذلك على ذمه .
ثم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رمضان أمر السلطان بعقد مجلس بسبب منازعة إبراهيم السفارى مع جهة الحرمين في جزيرةقاو من الصعيد وكانت بيد مستحقي الحرمين وشرف الدين السفارى مستأجرها منهم ، ثم ادعى في سنة أربع وثمانين أنها وقف أبيه وسأل في كتابة محضر فسطر ثم بطل ، فلما كان في سنة ست وثلاثين بعد موت شرف الدين قام إبراهيم هذا وهو صهره فأكمل المحضر المذكور عند المالكي قبل السفر إلى آمد وثبت ، فلما عاد العسكر قام المستأجر على الأمراء إلى أن استمرت في يد مستحقي الوقف فلما كان في السنة الماضية سأل إبراهيم السفاري عقد مجلس فرسم له عند كاتب السر فحضر القضاة الأربعة ، فحكم الحنفي بإبقاء الوقف في يد مستحقي الحرمين وبإلغاء ما يخالف ذلك ، فلما كان في شهر رجب هذه السنة أحضر إبراهيم محضرا من الصعيد فيه حكم قاضي هو بأن الجزيرة المذكورة اشتراها السفارى الكبير من بيت المال ووقفها على ذريته ، فنفذ ذلك الحنفي وضمنه حكما بناه على حكم المالكي الأول ، فقام في نقض ذلك زمام الدور السلطانية جوهر نيابة عن ناظر الحرمين ، وأوصل القصة بالسلطان ، وأوضح له تناقض الحنفي في المسألة ، فرسم بعقد مجلس عنده فعقد ، فلما تبين له الحال قطع المستند الذي بيد إبراهيم بحضرة الحنفي وغيره وأبقى الجزيرة المذكورة بيد مستحقي الحرمين ، فلما انقضى المجلس طلب باكير من السلطان الإذن للشافعي أن يأخذ له حقه من علاء الدين الرومي ، فأذن له .وفي يوم السبت طلب شرف الدين أبو بكر بن إسحاق الملطي شيخ الشيخونية علاء الدين علي بن موسى الرومي لمجلس الحكم وادعى عليه أنه كفره بمجلس الحديث بحضرة السلطان والعلماء في يوم الاثنين ثامن عشرة ونسب أنه قال : الوجوب والإيجاب متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار ، فأنكر الرومي ذلك فخرج الملطي على البيان ، ثم عقد مجلس بحضرة السلطان في القصر يوم الاثنين خامس عشريه ، فتنازعا قليلا فقام الحنفي فأصلح بينهما ، وذكر أن ذلك بإشارة السلطان ، وانفصل الأمر على ذلك ، فرفع الرومي إلى السلطان أن الرسل الذي طلبوه إلى اشرع أنزلوه عن فرسه وجروه على الأرض وقطعوا فرجيته وأحضروه وحوله نحو من مائتي نفر من العامة يصيحون عليه يا رافضي كفرت ، فأمر بإحضارهم ، فأحضر منهم اثنان فضربا بحضرته ثم أطلقا ، وانفصل الأمر على ذلك ، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرية ، وافتتح القاضي علم الدين البلقيني بالسعي ، فدس الحمصي الذي صرف عن قضاء الشام وحضر إلى القاهرة ليسعى في العود فكتب قصة يطلب فيها تولية قضاء الشافعية بمصر وكتابة السر بها أو نظر الجيش بالشام ، فقال قائل : لأي معنى عزل عن الشام ? فقال بعض من رتب في القول : إذا وعد هذا ببذل الكثير فغيره يبذل ذلك ويستقر وهو أحمق منه ، وهو كان صاحب الوظيفة فأصغى السلطان لذلك ، ثم بدا له فترك القول في ذلك حتى انسلخ شهر رمضان .وفي أول شوال جدد الساعي للقاضي علم الدين السؤال ، فأمر السلطان بعض الخاصكية أن يتكلم مع كاتبه في بذل شيء ، فامتنع ، فلما كان في يوم الخميس خامسه صرف كاتبه عن القضاء واستقر القاضي علم الدين البلقيني ، وفي يوم السبت السابع منه رسم بعقد مجلس بعلماء الحنفية بسبب شرط الشيخونية ، فأحضرت أربعة كتب وهي الهداية والبزدوي والمفتاح والكشاف ، وذكر السلطان للجماعة أن بعض الفقهاء قال له إنه لم يبق أحد يعرف يقرر هذه الكتب ، فوقع بينهم الكلام وبدر القاضي الشافعي فقال : يا مولانا السلطان هؤلاء الجماعة هم أعيان العلماء ، وليس في الدنيا مثلهم ، وما منم إلا من يعرف - يقرر هذه الكتب ، فمن ادعى خلاف ذلك فليحضر حتى نسمع كلامه ونرده عليه ، فأعجب السلطان ذلك ، وانفصل المجلس على أن القائل هو الحنفي ، فلما لم يجب عن ذلك كلمة وظهر منه الرجوع عن ذلك ظهر للسلطان أنه تكلم يعرض لأجل الرومي ، ففصل الأمر وانقضى المجلس .
وفي يوم الأربعاء توجه القاضي المستقر إلى مصر على العادة ، وكان استقر في نقابة الحكم بشخص يقال له حسن الأميوطي وكان رسولا في الحكم ، فنقم عليه شيء فصار يتوكل في المحاكمات ، ثم اتصل بالقاضيالمستقر ، فلما كان هذا اليوم طلع إلى القلعة ومعه شيء من الذهب الموعود به فخلع عليه قباء بطراز ، فاستمر لابسه وهو راكب قدام القاضي من مصر إلى القاهرة في الشارع ، وتعجب الناس من ذلك . وفيه نزلت صاعقة بحدة فأتلفت شيئا كثيرا ، ووقع حريق وهلك نحو المائة نفس ، وتلف لبعض التجار مال كثير ، ومن العجائب أن البضاعة المتعلقة بالسلطان سالمة ، ويقال إن غالب الأبنية المتجددة في جدة احترقت واحترق أيضا مركبان بما فيهما من البضاعة ، ووقعت وقعة بين القواد وجانبك شاد جدة فجرح عدة ، ثم أصلح بينهم من كان أمير مكة ، وفي العشر الأخير منه موافقا لأوائل بشنس من اشهر القبط زاد النيل زيادة كثيرة وشاهدت المقياس واعتبرته فوجدت الماء في نصف الذراع الثامن هذا وقد بقي للأمد المعتاد أكثر من أربعين يوما .
وفي السابع عشر منه طيف بالمحمل وخرج الحاج وفي الظن أنهم قليل ، فاجتمع في بركة الجب خلائق بحيث أنهم صاروا ثلاثة ركوب . الأول ولد الدويدار الكبير وأمير المحمل غرس الدين خليل الذي كان أمير الإسكندرية ، وتوجه جمع كثير من الركبين صحبة جماعة من الخاصكية ، وسافر الأول يوم الأحد . وفي ثالث عشري شوال قتل شخص كان نصرانيا فأسلم ثم ارتد فعرض عليه الإسلام فامتنع فقتل .
وفي آخر شوال أحضرشخص ثلاث شعرات ذكر أن تاجرا أوصى أن يدفع ذلك للسلطان ومات بحلب فاستدعى النائب والقضاة وسلمها لهم ، ففرح بها - السلطان وأراد أن يبني لها زاوية ويتركها فيها لتزار كما يزار الآثار التي بمصر ثم . .
واستهل شهر - ذي القعدة بالاثنين ، وفيه اصطلح ابن عثمان وابن قرمان ، وعاد نائب حلب من مرعش ، ووقع بين حمزة ابن قرايلكو صاحب ماردين وبين أصبهان بن قرا يوسف حرب انهزم فيها أصبهان ومن معه وأقام شخصا بالقلعة فولاه - .
وفي يوم الأربعاء شهد جماعة برؤية الهلال تلك الليلة ، فلم يقبل القاضي شهادتهم ورددهم وبين القاضي الحنفي ، فبلغ السلطان ذلك فذكر إن اثنين من المماليك أخبرا السلطان بذلك وأنه ارتقب الهلال ليلة الخميس فغاب قبل العشاء ، فاستدلوا بذلك - على بطلان شهادةمن شهد برؤيته ليلة الأربعاء ، وقوي عندهم ذلك أن أهل التقويم أطبقوا على أن رؤيته يوم الأربعاء غير ممكنة في العادة لأنه تغيب على نحو ثلث ساعة ، واستمر الحال على ذلك إلى أن ضحي جماعة من الناس يوم الجمعة اعتمادا على من رأى ليلة الأربعاء ، وانتشر الأمر وكثر عدد من ينسب إلى الرؤية ، وامتنع جماعة من صيام يوم الجمعة اعتمادا على من شهد ويتهم من اتهم الذين لم يقبلوا الشهادة المذكور بأنهم فعلوا ذلك محاباة للسلطان لما جرت العادة من نظيرهم بخطبتين في يوم ، فنقض عليهم بأن القاضي ولي الدين العراقي خطب في شوال سنة وهي ول سنة تقرر فيها الأشرف في السلطنة ثم لم يزل مستقيما في مملكته إلى الآن ، وكثرت الشناعة بسبب ذلك - والله المستعان ، وعيد جماعة يوم الجمعة وصلوا في بيوتهم العيد ، وأفطر جمهور الناس يوم الجمعة خشية أن يكون هو يوم العيد ، واتفق أهل الشام والقدس وما حولهما على أن أول ذي الحجة يوم - الأربعاء .وفيات سنة 840
ذكر من مات في سنة أربعين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي ، دخل بلاد العجم وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره وأقام بمكة ، فكان حسن الخلق كثير البشر بالطلبة ، انتفعوا به كثيرا في عدة فنون وجلها المعاني والبيان ، وكان يقررها تقريرا واضحا ، مات في آخر المحرم .
أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عمر بن عثمان البوصيري الشيخ شهاب الدين نزيل القاهرة ، ولد في المحرم سنة 762 ، واشتغل قليلا وسكن القاهرة ، ولازم شيخنا العراقي على كبر فسمع نه الكثير ، ثم لازمني في حياة شيخنا فكتب عني لسان الميزان والنكت على الكاشف ، وسمع على الكثير من التصانيف وغيرها ، ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية وفي الأجزاء ، وكتب - على نسخ الفردوس ومسند الفردوس وعلق بذهنه من أحاديثهما أشياء كثيرة وكان يذاكر بها ، واشتغل في النحو قليلا على بدر الدين القدسي ، ولم يكن يشارك في شيء منه ولا من الفقه ، وكان كثير السكون والعبادة والتلاوة مع حدة الخلق . وجمعأشياء ، منها زوائد سنن ابن ماجة على الكتب الأصول الستة ، وعمل زوائد المسانيد العشرة وزائد السنن الكبير للبيهقي ، وجمع من مسند الفردوس وغيره أحاديث ، وأراد أن يذيل بها على الترغيب والترهيب للمنذري ولم يبيضه وسماه تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب ، ولم يزل مكبا على الاشتغال والنسخ إلى أن مات في ليلة الثامن عشري المحرم بمدرسة السلطان حسن بالرميلة وله ثمان وسبعون سنة .
أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السمسار المعروف بابن المحمرة شيخ الصلاحية شهاب الدين ، ولد في صفر سنة 767 ، وحفظ القرآن صغيرا والعمدة والمنهاج وكان ذكيا ، ولازمالشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ زين الدين العراقي ، ودار على الشيوخ وقتا ، وكتب بعض الطباق ، ثم تشاغل بالجلوس في رحبة العيد وتقرر في المخبز بالخانقاه الصلاحية ولازم السالمي فقرأ له بنفسه على جمع من الشيوخ عدة من الكتب ، وسمع قديما من عبد الله بن علي الباجي وتقي الدين ابن حاتم ونحوهما ، ثم أكثر عن شيوخنا البرهان الشامي وابن أبي المجد ، ثم استنابه القاضي جلال الدين في الحكم ، فأقبل على ذلك بكليته واقتنى مالا وعقارا ، وكان كثير الدربة في الحكم حسن التجمل جدا ، فاتفق أن الملك الأشرف قرر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام بعد قتل أبيه فسار سيرة سيئة ، فاتصل ذلك بالسلطان فعرض ذلك على القاضي علم الدين البلقيني فاستعفى ، فذكر شهاب الدين للسلطان فعرفه بحسن شكله فقرره وذلك في سنة 32 ، فتوجه وسار سيرة حسنة ، فلم يزل على ذلك حتى وقع بينه وبين كاتب السر القاضي كمال الدين بدمشق البارزي فسعى عليه فاستقر في القضاء وعاد إلى القاهرة . ثم لم ينشب القاضي كمال الدين أن نقل إلى كتابة السر من دمشق إلى القاهرة ، واستمر شهاب الدين بالقاهرة إلى أن شغرت مشيخة الصلاحية فصرف الشيخ عز الدين القدسي عنها ، فسار إليها في ذي الحجة سنة 38 فباشرها إلى أن مات في يوم السبت - 4 شهر ربيع الآخر ، قال القاضي تقي الدينالشهبي ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفصلها ، وولي بعض البلاد فحصل منها مالا ، وصار يتجر بعد أن كان مقلا يتكسب من شهادة المخبز بالخانقاه الصلاحية ، ولما ولي قضاء دمشق سار سيرة مرضية بحسب الوقت ، ولم يعدم من يفتري عليه إلا أنه كان متساهلا بحيث - لا يبحث عن القضايا الباطلة ، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل شيئا ولا ينكر على ما يصدر من نوابه مع اطلاعه على حالهم .
أحمد بن محمد بن رمضان - المكي الشاعر المعروف بالحجازي أبو العباس ، ذكر لي أنه ولد سنة 771 تقريبا بجياد مكة ، فولع بالأدب وقدم الديار المصرية في سنة ست وثمانين وسبعمائة صحبة زكي الدين الخروبي وتردد ، ثم استقر بالقاهرة وتكسب بمدح الأعيان ، فكان ينشد قصائد جيدة منسجمة غالبها في المديح ، فما أدري بمدح الأعيان أكان ينظم حقيقة أو كان ظفر بديوان شاعر من الحجزيين فكان يتصرف فيه وإنما ترددت فيه لوقوعي في بعض القصائد على إصلاح في بعض الأبيات عند المخلص أو اسم الممدوح فيكون فيه زحاف أو كسر - والله يعفو عنه وأظنه

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12