كتاب : محاضرات الأدباء
المؤلف : الراغب الأصفهاني

مدح الناصر وإن كان ذا عذر:
في المثل: الفحل يحمي شوله معقولاً. الخيل تجري على مساويها شاعر:
يفرّ جبان القوم عن أمّ نفسه ... ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه
الحث على نصرة واقع في محنة:
قال بعض البلغاء: لتكن معاونتك أخاك بمهجتك عند البلاء، أكثر من معاونتك إياه عند الرخاء.
وقيل: أفضل المعروف نصرة الملهوف.
حامي الحرم:
عنترة:
أبينا أن تضب لثاتكم ... على مرشفات كالظباء عواطبا
وقال آخر:
فأيقن كلّنا أن سوف تحمي ... جرامتها بشوكتها النخيل
الحامي حرمه المبيح حرم غيره:
الأخنس بن شهاب:
وحامي لواء قد قتلنا، وحامل ... لواء منعنا، والسيوف شوارع
طفيل الغنوي:
أبحنا روضه ولنا رياض ... تقطّع دون مطلعها النفوس
جرير:
أبحت حمى جرير بعد نجد ... وما شيء حميت بمستباح
المؤثر نفع غيره على نفع نفسه:
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفتا في من نجلّ ونكرم
فقلنا له: نعماك فيهم أتمّها ... ودع أمرنا إنّ الأهم المقدم!
عمارة:
ينسى مضرته لنفع صديقه ... لا خير في شرف إذا لم ينفع
نصر كل امرىء لشكله:
قال: إن الكريم للكريم محل وفي كتاب كليلة: إذا عثر الكريم لم يستقل إلا بكرام، كالفيل إذا وحل لم يقلعه إلا الفيلة.
جرير:
إن الكريمة ينصر الكرام ابنها
الحث على المظاهر:
لن يعجز القوم إذا تعاونوا فبالساعد يبطش الكف.
شاعر:
إن السهام إذا تبدّد جمعها ... فالوهن والتكسير للمتبدّد
يامض الكلابي:
ألم تر أن جمع القوم يخشى ... وإن حريم واحدهم مباح؟
وأن القدح حين يكون فرداً ... فيصهر لا يكون له اقتداح
تولى نزار بن محمد التجي البصرة فرفع إليه في رجل يقول بخلق القرآن، فأمر بحبسه فاستعان الرجل باسمعيل الصفار، وكان أحد شيوخ المعتزلة بالبصرة، فكلم غير واحد من أجلاء البصرة فلم يجيبوه، ثم إن اسمعيل طاف على المعتزلة وجمعهم وقال: قد جرأ عليكم إذ رآكم متفرقين، فأتى بهم دار نزار بن محمد وقال: لم حبست فلاناً؟ قال:إنه يقول القرآن مخلوق قال فكلنا ممن يقول بقوله، فإما تحبسنا معه أو تطلق صاحبنا، فقوله في ذلك قولنا! فنظر نزار فإذا فتنة تثور، فرأى إطلاقه وترك التعرض لهم في مذهبهم!
وصف متظاهرين:
أبو فراس:
وإني وإياه كعين وأختها ... وإني وإياه ككف ومعصم
بعض القدماء في جهينة:
فإنا وكليباً كاليدين متى تقم ... شمالك في الهيجا تعنها يمينها
ذم جار السوء:
في بعض الأدعية: أعوذ بالله من جار السوء عينه تراني وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة كتمها، وإن رأى سيئة أذاعها! وعرض على أبي مسلم فرس جواد فقال لمن بحضرته: لم يصلح هذا الفرس؟ فقيل: للغزو. فقال: لا إنما يصلح أن يركبه الرجل فيفرّ به من جار السوء. وقيل له: ما الداء العياء؟ فقال: الجار السوء إن قاولته بهتك، وإن غبت سبعك. وقيل لبعضهم: لم بعت دارك؟ فقال: لأبيع جاري! وقيل: الجار قبل الدار، ثم الرفيق قبل الطريق.
ذم من لا يصون جاره:
الحطيئة:
لما بدا لي منكم ذات أنفسكم ... ولم يكن لجراحي فيكم آس
أزمعت يأساً مبيناً من جواركم ... ولن ترى طارداً للحر كاليأس!
المتنبي:
رأيتكم لا يصون العرض جاركم ... ولا يدر على مرعاكم اللبن
جزاء كل قريب منكم ملل ... وحظ كل محب منكم ضغن
وقال رجل لابن الزيات: أمت إليكم بجواري! فقال: نسب بين حيطان! نظم ذلك بعضهم فقال: ؟أرى الجوار نسباً بين الجدر والعطف والرقة حيناً والخور
طباع نسوانٍ وصبيان غرر
ذم من لا نصرة لديه:
إبراهيم بن العباس:
وإني إذا أدعوك عند ملمة ... كداعية بين القبور نصيرها
ريقان:
فما دار عمي لي بدار خفارة ... ولا عهد عمي لي بعهد جوار!
عامر:
فجارك عند بيتك لحم ظبي ... وجاري عند بيتي لا يرام!

وسأل سليمان بن علي خالد بن صفوان عن ابنيه فقال: كيف تحمد جوارهما؟ فأنشد:
أبو مالك جار لها وابن برثن ... فيا لك جاري ذلة وصغار!
وفي المثل: لا جر بوادي عوف

المستنصر بمن يضره:
في المثل: كالمستغيث من الرمضاء بالنار.
شاعر:
رب من ترجو به دفع الأذى ... سوف يأتيك الأذى من قبله
وقال ابن الرومي:
كمتق لفح نار يستعد له ... بالجهل درعين من قار وكبريت
وله:
كان كمن خاف حريقاً واقعاً ... فزاد فيه حطباً على حطب
إبراهيم بن العباس:
اتخذتكم درعاً وترساً لتدفعوا ... نبال العدا عني فكنتم نصالها
وله في أولاده:
خلتكم عدة لصرف زماني ... فإذا أنتم صروف زماني
المستنصر بمن لا نصرة لديه:
في المثل: مقعد استعان بدف. ذليل عاذ بقرملة. عبد صريخه أمة.
شاعر:
بعثتك عاجلاً فلبثت حولاً ... متى يأتي غياثك من تغيث؟
وقال آخر:
لو بغير الماء حلفي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
وقال آخر:
كنت من كربتي أفر إليهم ... فهم كربتي، فأين الفرار؟
تأسف من خذله ناصره:
اليزيدي:
إذا كنت تجفوني وأنت ذخيرتي ... طقعت القوى مع محمل كان باليا؟
وقال آخر:
بأي نجاد تحمل السيف بعدما ... قطعت القوى من محمل كان باليا؟
ذلة من لا ناصر له:
قدمت امرأة مكة، وكانت ذات جمال، فأعجبت أبن أبي ربيعة فآذاها، فلما أرادت الطواف قالت لأخيها: اصحبني! فصحبها فإذا ابن أبي ربيعة تعرض لها بمقال، فرأى أخاها فانزجر.
فأنشأت:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي مربض المستنفر الحامي
عدي:
وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر ... إذا خطرت أيدي الرجال بمشهد
وقيل: اللؤم إحراز المرء نفسه وإسلامه عرسه.
المستعين بغيره في أمر:
شاعر:
أعيين هلاً إذا أتى قدر ... كنت استغثت بفارغ العقل!
أقبلت ترجو الغوث من قبلي ... والمستغاث إليه في شغل
معاتبة متباطئ عن النصرة:
أبو الشمردل:
ومن يفرد الأخوان في ما ينوبهم ... ثنته الليالي مرة وهو مفرد
عدي التميمي:
ألا هبلتك أمك يا عدي! ... أتقعد لا أفك ولا أصول؟
ولو كنت الأسير ولا تكنه ... إذا علمت معدٌّ ما أقول
عذر متباطئ عن ذلك:
شاعر:
أي عذر يكون أوضح في إبطاء نصرٍ من قلة الإمكان؟
وقيل للجاحظ: لم خذلت ابن الزيات وهربت منه لما أصابته المحنة؟ فقال: خفت أن يقال ثاني اثنين إذ هما في التنور! وذلك أن ابن الزيات عوقب في تنور من حديد حتى مات. وفي الأخوانيات وذكر الأقارب أبواب تليق بهذا الفصل.
مما جاء في الأخلاق الحسنة والقبيحة
الحث على حسن الخلق ومدح ذلك:
قال الله تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف. قيل: ما عفا لك من محاسن أخلاق الناس. وقال تعالى: " واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم. ويقارب ذلك ما قيل لفيلسوف: هل من جود يتناول به الخلق؟ فقال: نعم أن تحسن الخلق وتنوي لكل أحد الخير. وقال صلى الله عليه وسلم: إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكتافاً، الذين يألفون ويؤلفون. وقال صلى الله عليه وسلم: حرم الله النار على كل هين لين سهل قريب. وقال لأبي الدرداء: ألا أدلك على أيسر العبادة وأهونها على البدن؟ قال: بلى يا رسول الله؛ فقال: عليك بالصمت وحسن الخلق فإنك لن تعمل مثلهما. وقيل: في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق. وقال مكحول: المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف، إن قدته انقاد، وإن انخته على صخرة استناخ.
شاعر:
ما لم يضق خلق الفتى ... فالأرض واسعة عليه
وقال آخر:
لو إنني خيرت كل فضيلة ... ما اخترت غير مكارم الأخلاق!
الممدوح بحسن الخلق:
سئلت عائشة رضي الله عنه عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أو ما تقرؤون القرآن: " وإنك لعلى خلق عظيم " ؟ وقيل: فلان على خير من تبنى عليه الضرائب. وقال البحتري:

سلام على تلك الخلائق إنها ... مسلمة من كل عار ومأثم
أبو الفرج الأصبهاني:
خلائق كالحدائق طاب منها النسيم وأينعت منها الثمار
وقيل: صفاء الأخلاق من نقاء الأعراق.

النهي عن سوء الخلق:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ساء خلقه عذب نفسه. وقال عليه السلام: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق وقيل: سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الصبر العسل. وقال الأحنف: الداء الدوي الخلق الردي واللباس البذي، بئس الملبوس العبوس. وقيل: ليس لسيء الخلق توبة لأنه كلما خرج من ذنب دخل في آخر لسوء خلقه.
المذموم بسوء الخلق:
صحب رجل رجلاً سيء الخلق فلما فارقه قال: قد فارقته وخلقه لم يفارقه. وقال أعرابي لرجل: إنك شكس الخلق دائم القطوب! عمرو بن كلثوم:
وكنت أمرأ لو شئت أن تبلغ المنى ... بلغت بأدنى غاية تستديمها
ولكن فطام النفس أثقل محملاً ... من الصخرة الصماء حين ترومها
وقيل: لا مداراة للخلق السيء القبيح، كالشجرة المرة لو طليت بالعسل لم تثمر إلا مراَ، أو كذنب الكلب لو أدخلته القالب سنين لعاد إلى اعوجاجه.
المتمدح بمصابرة سيء الخلق:
قال رجل لأحمد بن أبي خالد: لقد أعطيت ما لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: لئن لم تخرج من ذلك لأضربنك! فقال الرجل: إن الله تعالى قال لبنيه: " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، وأنت فظ ونحن لا ننفض من حولك. وقال شعيب بن حرب: خطبت امرأة فأجابتني، فقلت: إني سيء الخلق فقالت أسوأ خلقاَ منك من يلجئك إلى سوء الخلق! وقال حبيب لرجل سيء الخلق: إن استطعت أن تغير خلقك وإلا فليسعك من أخلاقنا ما ضاق به ذرعك.
صعوبة ترك العادة والرجوع عنها:
قيل: للعادة على كل إنسان سلطان، وكل امرئ جار على ما تعود. وقيل: لكل كريم عادة يستعيدها. وقيل: اللسان مقاضيك ما عودته.
المتنبي:
وتأبى الطباع على الناقل
وقالت الحكماء: العادة طبيعة ثانية.
نفي العيب عن تعاطي ما كان خلقاً:
بعض القدماء:
ظلمت امرأً كلفته غير خلقه ... وهل كانت الأخلاق إلا غرائزا؟
الخبزارزي:
يعاب الفتى فيما أتى باختياره ... ولا عيب في ما كان خلقاً مركباً
المتخلق يرجع إلى شيمته:
قال عمر رضي الله تعالى عنه: من تخلق للناس بما ليس خلقاً له شأنه الله. وفي كتاب كليلة، الطبع المتكلف كلما زدنه تثقيفاً زادك تعقيفاً. وقيل: كل إناء يرشح بما فيه. وقال: إن التخلق يأبى دونه الخلق.
ذو الإصبع:
ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها
زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
آخر:
وللنفس أخلاق تدل على الفتى ... أكان سخاء ما أتى أم تساخيا
الحث على ملازمة العادة الحسنة:
قال أبو عبد الله بن حنيف: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعليه قميص محلول الإزار، فسلم علي فقال: يا أبا عبد الله من عرف طريقاً من الخير فسلكها ثم رجع عنها عذبه الله تعالى عذاباً لم يعذب به أحداً من العالمين؛ فانتبهت وأنا أقرأ: " من يكفر منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين " . وقال جعفر بن محمد وقد ليم في جوده: إن الله عودني عادة، فأخاف أن يقطع عني عادته إن قطعت عادتي.
الحث على لين الكلام وطلاقة الوجه:
قال الله تعالى: " وقولوا للناس حسناً:. وقال: فقولا له قولاً ليناً. وقال: وقل لهما قولاً كريماً. وقال: وقل لهم قولاً ميسوراً. وقيل: من لانت كلمته وجبت محبته.
سفيان بن عيينة:
بني إن البر شيء هين: ... وجه طليق، وكلام لين
وقال: طلاقة الوجه عنوان الضمير بها يستنزل الأمل البعيد. وقيل: حسن البشر اكتساب الذكر. البشاشة مصيدة المودة.
الحث على مدارات الناس:

عن النبي صلى الله عليه وسلم: مداراة الناس صدقه. وقيل: ثلثا التعايش مداراة الناس. وقال إبراهيم بن يسار: ما يسرني ترك المداراة ولي حمر النعم! قيل: لمَ؟ قال: لأن الأمر إذا غشيك فشخصيت له أدراك، وإذا تطأطأت له تخطاك. وقيل: داروا الناس تسلموا: وقال معاوية: لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، لأنهم إذا جذبوا أرسلتها، وإذا أرسلوها جذبتها.
دار الصديق إذا استشاط تغيظاً ... فالغيظ يخرج كامن الأحقاد!

حث من حسن خلقه أن يحسن خلقه:
نظر فيلسوف إلى غلام حسن الوجه يتعلم العلم فقال: أحسنت إذ قرنت بحسن خلقك حسن خلقك. وقال جالينوس: ينبغي للرجل أن ينظر إلى وجهه إلى المرآة، فإن كان حسن الوجه جعل عنايته أن يضم جمال وجهه كمال خلقه وكمال نفسه، وإن رأى صورة سمجة تحرز من أن يكون ذميم الخلق والخلق.
مدح من حسن خلقه وخلقه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحسن الله خلق أحد وخلقه فأطعمه النار! ووصف خالد بن صفوان رجلاً فقال: يقرى العين جمالاً والأذن بياناً.
ابن الرومي:
كل الخلال التي فيكم محاسنكم ... تشابهت فيكم الأخلاق والخلق
كأنكم شجر الأترج طاب معاً ... حملاً ونوراً، وطاب العود والورق
محياه قد زرت عليه شمائله
وقال أحمد بن يوسف لرجل: ما أدري أي حسنيك أبلغ: ما وليه الله تعالى من تسوية خلقك وكمال خلقك، أو ما وليته لنفسك من تحسين أدبك وكمال مروءتك.
الاستدلال من حسن الوجه على حسن الخلق:
قال قتادة: ما بعث الله تعالى نبياً إلا بعثه حسن الخلق حسن الوجه وقيل لابن دلبر المنجم: ما الدليل على أن المشتري سعد؟ فقال: حسنه. وقال الفلاسفة: قل صورة حسنة تتبعها نفس رديئة. منظره ينبيك عن مخبره. نقش الطوالع مقروء من الطين. كفاك منظره إيضاح مخبره في حمرة الخد ما يغني عن الخجل.
حث من قبح وجهه على تحسين خلقه:
تقدم ما قال جالينوس في ذلك وقال الأوقص: قالت لي أمي خلقت خلقة قبيحة لا تصلح معها لمجالسة الفتيان في بيوت القيان، فعليك بالأخلاق التي ترفع الخسيسة وتتم النقيصة، فنفعني الله تعالى بكلامها، فتعلمت العلم أدركت به. وقال الأحنف لابنه وكان دميماً: إنك قليل فكن فطناً.
ذم من حسن منظره وقبح مخبره:
نظر فيلسوف إلى رجل حسن الوجه خبيث النفس فقال: بيت حسن وفيه ساكن نذل! ورأى آخر شاباً جميلاً فقال: سلبت محاسن وجهك فضائل نفسك. قال الشاعر:
خلق ممثلة بغير خلائق ... ترجى وأجسام بلا أرواح
وقال آخر:
فإنكم ومدحكم بجيراً ... تراه العين أخضر ذا رواء
كالنفس التي ترجو المعالي ... وتمنع بالمرارة والإباء
وقال آخر:
قلت وجوه المصر حتى إذا ... كشفتهم كشفت أستاها
غيره:
ألم تر أن الماء يخلف طعمه ... وإن كان لون الماء في العين صافيا
غيره:
فلا تجعلن دليل المرء صورته ... كم مخبر سمج من منظر حسن!
غيره:
فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى ... فما كل مصقول الحديد يماني!
ذم من قبح خلقه وخلقه:
استعرض المأمون الجند فمر به رجل ذميم، فاستنطقه فرآه ألكن فأمر بإسقاطه، وقال: إن الروح إذا كانت ظاهرة كانت وسامة، وإذا كانت باطنة كانت فصاحة، وأراه لا ظاهر له ولا باطن. وفي المثل: أحسن ما في خالد وجهه وفيه ستعلم الشاهد بالغائب. قال الشاعر:
مخبره أقبح من وجهه ... وجهه بالقبح مشهور
آخر:
قد رأيناك فما أعجبتنا ... وبلوناك فلم ترض الخبر
الاستدلال بقبح الوجه على قبح الصنيع:
قالت العرب: ليس على وجه الأرض قبيح إلا وجهه أحسن شيء منه.
شاعر:
يدل على قبيح الفعل منكم ... وأصلكم وجوهكم القباح
وقيل: أحسن ما في القبيح وجهه.
من قبح منظره وحسن مخبره:
لما عاد الحجاج من محاربة الخوارج قال: اطلبوا إلي فاضلاً أخرجه إلى عبد الملك، فأتوه برجل دميم المنظر حسن المخبر، فلما رآه عبد الملك استبشع منظره، فاستنطقه فملأ أذنه صواباُ، فتعجب منه عبد الملك وأنشد متمثلاً:
وإن عراراً إن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم

فقال أمير المؤمنين أتدري لمن هذا الشعر؟ قال: نعم هو لعمرو بن شاس في ابنه عرار، فقال: أنا عرار ابنه! فتعجب عبد الملك من مطابقة القول الحال، فأمر له بمال وأوصى به إلى الحجاج. وكلم علي بن الهيثم عمر رضي الله عنه في حاجة، وكان أعور دميماً، فلما تكلم فأحسن صعد عمر رضي الله عنه فيه النظر وصوبه وقال: لكل أناس في جميلهم خبر.
ألم تسل الفوارس من سليم ... بنضلة، وهو موتور يشيح
رأوه فازدروه وهو خرق ... وينفع أهله الرجل القبيح
فلم يخشوا مصالته عليهم ... وتحت الرغوة اللبن الصريح
واستعان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه برجل كريه المنظر فوجده حسن المخبر فقال: ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً. وقال بعضهم: فلان دميم الخلق كريم الخلق، ولئن أمرت أوراقه لقد حلا مذاقه.

تفاوت أخلاق الناس:
الناس أشكال وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم
الناس في اختلافهم في خلقهم كاختلافهم في خلقهم.
شاعر:
وتفاضل الأخلاق إن حصلتها ... في الناس حسب تفاضل الأجناس
غيره:
الناس أخلاقهم شتى وإن جبلوا ... على تشابه أرواح وأجساد
قال خالد بن صفوان: الناس أخياف منهم من هو كالكلب لا تراه الدهر إلا هراراً على الناس، ومنهم كالخنزير لا تراه الدهر إلا قذاراَ، ومنهم كالقرد يضحك من نفسه. وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: الناس أصناف أربعة: أسد وذئب وثعلب وضأن، فأما الأسد فالملوك يأكلون الناس أكلاً، والذئب التجار يختلسون، والثعلب القراء المخادعون، وأما الضأن فالمؤمن ينتهشه كل من رآه. وقال بعضهم: الناس أخياف علق مضنة لا يباع وعلق مظنة لا يبتاع. وقال بعضهم: الناس في أخلاقهم كما قال أبو العتاهية:
من لك بالمحض، وليس محض ... يخبث بعض، ويطيب بعض!
التمدح بمخالفة الناس والحث عليه:
قال الشعر:
أنا كالمرآة ألقى ... كل وجه بمثاله
وقال آخر:
متخلق من حسن كل خليقة ... كعطارد في طبعه المتمازج
وقال آخر:
أحامقه حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
وقال آخر:
فكن أكيس الكيسي إذا كنت فيهم ... وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا
ذم متفاوت الخلق متلون:
هو ذو لون مختلف الفعال. وقال الأحنف: لأن ابتلى بألف جموح لجوج أحب إلي من أن ابتلى بمثلون واحد.
فتى شان أخلاقه بلقة ... ففيهن بيض وفيهن سود
أديب جواد جميل الرجاء ... فصيح بليغ كريم مجيد
وقد شان تحسينه أنه ... عجول حديد حقود حسود
وقال رجل: إنه ليبلغ من مللي أن أغير كل شهر كنيتي مرتين، وقال خالد بن صفوان: إنه ليبلغ من مللي أن أتبرم بنفسي فأتمنى أن يؤخذ مني رأسي فلا يرد إلي إلا في كل أسبوع. وقال الجاحظ: التلون أن يكون سرعة رجوع المرء عن الصواب كسرعة رجوعه عن الخطأ.
الحث على تخلية المتلون:
إذا كان ذو لون حؤول من الهوى ... موجهة في كل صوب ركائبه
فخل له وجد الفراق ولا تكن ... مطية رحال كثير مذاهبه
اللجوج:
قيل: اللجاج أن يكون ثبات العزم على إمضاء الخطأ كثبات العزم على إمضاء الصواب.
النافع:
ألج لجاجاً من الخنفساء ... وأزهى إذا ما مشى من غراب!
مما جاء في المزاح والضحك مدحاً وذماً
النهي عن المزاج والتخويف منه: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إياك والمزاج فإنه يذهب ببهاء المؤمن، ويسقط مروءته، ويجر غضبه. وقيل: المزاج مجلبة للبغضاء، مثلبة للبهاء، مقطعة للإخاء. وقيل: إذا كان المزاج أول الكلام كان آخره الشتم واللكام. سأل الحجاج ابن الفرية عن المزاح فقال: أوله فرح وآخره ترح، وهو نقائص السفاء مثل نقائص الشعراء، المزاح فحل لا ينتج إلا الشر.
مسعر بن كدام:
أما المزاجة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
المزاج أسباب النوك. وقيل: لا تمازح صغيراً فيجترئ عليك، ولا كبيراً فيحقد عليك؛ ونحوه قول الشاعر:

فإياك إياك المزاح فإنه ... يجري عليك الطفل والدنس النذلا
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لا يكون المزاح إلا من سخف أبو بطر. وقيل: المزاح يبدي المهانة ويذهب المهابة. والغالب فيه واتر، والمغلوب ثائر. وقيل: لا تفاكه أمة ولا تبل على أكمة. وقيل: إحذر فلتات المزاح فسقطة الاسترسال لا تقال.

النهي عن مزاح من لا تجوز مباسطته:
قيل: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم.
لا تعرضن بمزح لامرئ طبن ... ما رامه قلبه أجراه في الشفة
فرب مخرمة بالمزح جارية ... مشبوبة لم يرد إنماؤها نمت
حمد الاقتصاد في المزح:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقاً. وقال تعالى في صفة المؤمنين: " وإذا مروا باللغو مروا كراما " . وقال سعيد بن العاص لابنه: اقتصد في مزاحك فالإفراط به يذهب البهاء ويجرئ عليك السفاء، وتركه يقبض المؤانسين ويوحش المخالطين. خالد بن صفوان: لا بأس بالمفاكهة تخرج الرجل من حال العبوس. وقال رجل لابن عيينة: المزاح سبة. فقال: بل سنة لمن يحسنه.
يا ساعتي في مجوني ... قد طبت فيك وطبت
إني إذا ضاق صدري ... قطعت بالسخف وقتي
وقيل: الناس في سجن ما لم يتمازحوا!
وقد ينفس عن جد الفتى اللعب.
بعض ما روي عن الأماثل في المزاح:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أفكه الناس؛ فقالت له عجوز من الأنصار: يا رسول الله ادع لي بالجنة! فقال صلى الله عليه وسلم: إن الجنة لا يدخلها عجوز! فبكت المرأة وضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أما سمعت قول الله تعالى: " إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً " ؟ وقال لأخرى: زوجك في عينه بياض! فرجعت إلى زوجها فأخبرته فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها؟ وقال صلى الله عليه وسلم لصبي: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ وجاء رجل إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: إني احتلمت على أمي! فقال: لتقم في الشمس وليضرب ظلك الحد. وقال صلى الله عليه وسلم لجاريته وقد وضأته، فلما نهض اعتمد عليها فقال: أنظري لا تضرطي! وقال ابن عمر رضي الله عنهما لخادمه: خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام.
النهي عن الغضب من المزح:
قال ابن سيرين رضي الله عنه: ليس يحسن الخلق الغضب من المزح.
الممدوح بأن فيه الجد والهزل في موضعهما:
إذا جد عند الجد أرضاك جده ... وذو باطل إن شئت ألهاك باطلة!
آخر:
الجد شيمته وفيه فكاهة ... طوراً ولا جداً لمن لا يلعب
آخر:
أهازل حيث الهزل يحسن بالفتى ... وإني إذا جد الرجال لذو جد
وقال بعضهم: لا عدمتك مزيناً بجدك مجلس الحفلة وبهزلك مجالس البذلة.
هو الظفر الميمون إن راح أو غدا ... به الركب والتلعابة المتحبب
عذر من كان منه ضحك وهو مهموم:
وربما ضحك المكروب من عجب ... السن تضحك والأحشاء تضطرم
آخر:
وقد يضحك الموتور وهو حزين
النهي عن كثرة الضحك وذمه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياك وكثرة الضحك فإنها تميت القلب وتورث النسيان. وقال عبد الله بن أبي دؤاد: فشا الضحك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " ؟ عن الثوري: عظموا العلم ولا تكثروا الضحك فتمجه القلوب، وكثرة الضحك من الرعونة. وضحك اسحق بن يدي المأمون حتى فتح فاه، فأمر بأن يؤخذ سيفه ومنطقته ويدفع إليه منديل الشراب وقال: الشراب أليق بك! فقال: أقلني مرة يا أمير المؤمنين! فأقاله. فما رؤي بعد ذلك ضاحكاً ومرت معاذة العدوية على شبان عليهم الصوف وهم يضحكون فقال: سبحان الله ليس الناسكين وضحك الغافلين! وقال كعب: إن الله يبغض المضحاك من غير عجب.
النهي عن تعاطي ما يضحك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم! ويل له ويل له! وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل يتكلم بالكلمة يضحك بها الناس، فينزل أبعد ما بين السماء والأرض. وقيل لأبي العيناء: فلان يضحك منك! فقال: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون.
إيراد جد في مسلك هزل:

قيل: جديدة في لعيبة. وقال خالد بن صفوان: رماني بأصلب من الجندل ونشقني بأحر من الخردل ثم قال: إني أمازحك!
لي صاحب ليس يخلو ... لسانه من جراحي
يجد تمزيق عرضي ... على طريق المزاح

مما جاء في الحياء والوقاحة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحياء شعبة من شعب الإيمان ومن لا حياء له فلا إيمان له. وفسر قوله تعالى: ولباس التقوى بالحياء، وقال: أبى عليك بالحياء والأنفة فإنك إن استحييت من الغضاضة اجتنبت من الخساسة، وإن أنفت من الغلبة لم يتقدمك أحد في مرتبة. وقيل: احي حياءك بمجالسة من يستهي منه. وقيل: من جمع بين الحياء والسخاء فقد أجاد الخلة إزارها ورداءها.
الممدوح بالحياء:
في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: إنه شديد الحياء، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً في وجهه. وسأل يحيى بن خالد رجلاً عن ابنه فقال: تركته وماء الحياء يتحدر من أسارير وجهه، وسيول الجود سائلة من فروج أنامله، ولآلئ العلم متناثرة من ميازيب منطقه! شاعر:
ترك الحياء بها رداع سقيم
المتنبي:
وأوجه فتيان حياء تلثموا ... عليهن لا خوفاً م الحر والبرد
وليس حياء الوجه في الذئب شيمة ... ولكنه من شيمة الأسد الورد
مروان بن أبي حفصة:
يكاد يخرج في ديباج أوجههم ... خوف المذلة حتى ينفطرن دما
من مدح بالحياء في السلم والوقاحة في الحرب:
شاعر:
كريم بغض الطرف فرط حيائه ... ويدنوا وأطراف الرماح دوان
آخر:
يتلقى الندى بوجه حيي ... وسيوف العدا بوجه وقاح
الموسوي:
يجري الحياء الغض من قسماتهم ... في حين يجري في أكفهم الدم
من يستحي من الناس دون نفسه وربه:
قال كعب: استحيوا من الله في سرائركم كما تسحيون من الناس في علانيتكم. وقيل: من يستحي من الناس ولا يستحي من نفسه فلا قدر لنفسه عنده. قال رجل للنعمان: أوصني فقال استحي من الله كما تستحي من رجل من عشيرتك. وفي ضد ذلك:
إذا كان ربي عالماً بسريرتي ... فما الناس في عيني بأعظم من ربي
ذم الوقاحة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مما أدرك النسا من كلام النبوة، إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
شاعر في معناه:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء
وفي معناه أيضاً:
إذا لم تصن عرضاً ولم تخش خالقاً ... وتستحي مخلوقاً فما شئت فاصنع
وقيل: إذا لم تستح فقل، وإذا لم تخش فقل، الفاقة خير من الصفاقة.
هجاء وقح:
قيل: فلان بعد الحياء جنة والوقاحة جنة، هو أوقح من الدهر، وجه صلب ولسان خلب.
شاعر:
يا ليت لي من جلد وجهك رقعة ... فأقد منها حافراً للأشهب
منصور بن ماذان: الصخر هش عند وجهك في الوقاحه. ومن الأبيات الرائقة الرائعة التي لا أرتاب لها:
إن يعجزوا أو يبخلوا ... أو يغدروا لم يجفلوا
وغدوا عليك مرجلين ... كأنهم لم يفعلوا
الناجم:
لك عرش مثلم من قوار ... يرو وجه ململم من حديد.
مدح الوقاحة:
قال علي رضي الله عنه: قرنت الخبية بالهيبة، والحياء بالحرمان، والفرصة تمر مر السحاب.
شاعر:
إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً ... تقلب في الأمور كما يشاء
ولم يك للأمور ولا لشيء ... يعالجه له فيه عناء
وقال معاوية لعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم: ما اللذة؟ فقال: ترك الحيا واتبع الهوى.
الشاكي حياءه:
قال العتابي: فيّ خصلتان اعتقلتاني عن كثير من المنافع: حصر مقيد بالحياء، وعزة نفس شبيهة بالجفاء.
أبو الأسود:
وأعطيت حظاً من حياء واشتكى ... من العجز ما لم يبد للناس عائبه
أخر:
لساني وقلبي شاعران كلاهما ... ولكنّ وجهي مفحم غير شاعر
العباس بن الأحنف:
من راقب الناس مات غمّاً ... وفاز باللذة الجسور
الحث على الأمانة والنهي عن الخيانة:

قال الله تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " . وقال: " ولاتكن للخائنين خصيما " . وقال: " إن الله لا يهدي كيد الخائنين " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا أمانة له. ومن دعائه عليه السلام: أعوذ بك من الخيانة فبئست البطانة! وقال الجاحظ: سقى الله قبر الأحنف حيث يقول: الزم الصحة يلزمك العمل. وقال: إذا لم تكن خائناً فبت آمناً. وقيل: أفحش الزمانة عدم الأمانة. إذا ذهب الوفاء نزل البلاء، وإذا مات الاعتصام عاش الانتقام. خيانة الناس أقبح الإفلاس. وقال معاوية: الزم الرفيعين، الأمانة والعدل.

الحث على الوفاء ومدحه:
قال الله تعالى: " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون " . وقال: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " . وقال: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها " . وقيل: إذا ذهب الوفاء نزل البلاء، وإذا ظهرت الخيانات استمحقت البركات. وقيل: الوفاء من شيم الكرام والغدر من همم اللئام. وقيل في قوله تعالى: " وثيابك فطهّر " : لا تلبس ثيابك على الغدر.
مدح ذوي الوفاء:
قال الله تعالى: " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " . " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " .
شاعر:
ولم توقد لها بالغدر نار
المسيب بن عيسى:
أنت الوفي فما تذم وبعضهم ... يوفي بذمته عقاب ملاح
وقال أعرابي: فلان لا يشكره الخنا ولا يشكوه الوفا.
التنوخي:
عظائم لو أن السموأل خافها ... لخان امرأ القيس الوكيد من العهد
من التزم مكروهاً في التزام الوفاء:
قيل: أكرم الوفاء ما كان عند الشدّة، وألأم الغدر ما كان عند الثقة. كان السموأل أودعه امرؤ القيس دروعاً، فقصده الملك وأخذ ابنه وقال: إن دفعت الدروع إلي وإلا ذبحت ابنك! فقال: أجلني يوماً، فجمع عشيرته واستشارهم، فكل أشار بأن يدفع إليه. فلما أصبح قال: ليس إلي دفعها سبيل فافعل ما بدا لك! فذبح الملك ابنه؛ فوافى السموأل بالدروع الموسم ودفعها إلى ورثة امرئ القيس. فقال:
وفيت بأدرع الكندي إني ... إذا ما خان أقوام وفيت
وفيه قال الأعشى وهي أبيات جيدة رائقة:
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كسواد الليل جرار
بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار
قد سامه خطتي خسف فقال له: ... قل ما بدا لك إني سامع دار!
فقال: ثكل وغدر أنت بينهما ... فاختر، وما فيهما حظ لمختار!
فكّر غير طويل ثم قال له:
اقتل أسيرك إني مانع جاري!
وعمير بن سليم الحنفي كان يقصده السواقط فلا يتعرض لقصاده. وكان مرداس في سجن عبيد الله ابن زياد فقال له السجان: أنا أحب أن أوليك حسني، فإن أذنت لك في الإنصراف إلى دارك أتدرج علي؟ فقال: نعم فكان يفعل ذلك به، فلما كان ذات يوم قتل بعض الخوارج صاحب شرطة زياد، نأمر زياد أن يقتل من في الحبس من الخوارج، وكان مرداس خارجاً، فقال أهله: إتق الله في نفسك فإنك مقتول إن رجعت! فقال: ما كنت لألقى الله غادراً وهذا جبار، ولا آمن أن يقتل السجان، فرجع. وقال للسجان: تساقط إليّ ما عزم صاحبك عليه من قتل أصحابنا فبادرت لئلا يلحقك مكروه! فقال السجان: خذ أي طريق شئت فانج نجاك الله!
الوفيات من النساء:
قال أبو عبيدة: لم تف امرأة لزوجها إلا قضاعيتان: نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان رضي الله عنه، وذلك أنه خطبها معاوية لما قتل عثمان فدعت بفهر فقلعت ثنيها وقالت: إني رأيت الحزن يبلى فلم آمن أن يبلى حزني فتدعوني نفسي إلى التزوج! وامرأة هدبه، فإنها حين يقتل زوجها قطعت أنفها وكانت حسنة الأنف، لئلا يرغب فيها.
قلة الوفاء في الناس ووصف عامتهم بالغدر:
قال تعالى: " وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " . وكان يحيى بن خالد إذا اجتهد في يمينه يقول: لا والذي جعل الوفاء أعز ما يرى. وكان يقول: هو أعز من الوفاء! وقيل لحكيم: أي أصناف الناس أقل وفاء؟ فقال: أهل الأمانة والوفاء.
موسى العلوي:
وخان الناس كلهم ... فلا أدري بمن أثق
المتنبي:
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ... إن قاتلوا جبنوا أو حدّثوا شجعوا

أهل الحفيظة إلا أن تجربهم ... وفي التجارب بعد الغي ما يزع
أبو فراس:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ... ذئاباً على أجسادهن ثياب
وله:
أبغي الوفاء بدهر لا وفاء له ... كأنني جاهل بالدهر والناس
وله:
نعم دعت الدنيا إلى الغدر دعوة ... أجاب إليها عالم وجهول
آخر:
والمنتمون إلى الوفاء جماعة ... إن حصّلوا أفناهم التحصيل
الموسوي:
أبى الناس إلا ذميم الفعال ... إذا جربوا وقبيح الكذب

ذم الغدر وذويه:
قال الله تعالى: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " . وقال تعالى: " افأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون " . وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: الغدر مكر والمكر كفر! وقيل: الخيانة خزي وهوان. وقيل: من عامل الناس بالمكر كافأوه بالغدر.
شاعر:
لقد غدرت وعيب الغدر مشتهر
وكانت العرب إذا غدر منهم غادر يوقدون له بالموسم ناراً وينادون عليه يقولون: ألا إن فلاناً غدر، ولذلك قال الغادرة الغطفاني:
إسمي ويحك هل سمعت بغدرة ... رفع اللواء بها لنا في المجمع؟
وقيل: حج وفاء زهير المازني في الجاهلية ورأى في منامه كأنه حاض، فقص رؤياه على قيس ابن ساعدة فقال: إنك غدرت أو غدر بعض عشيرتك! فلما قدم على أهله وجد أخاه قد غدر بجار له فعقله. وقال: علام سميت وفاء إذا رضيت بالغدر؟
رجوع الغدر إلى صاحبه وسرعة إدراك عقوبته:
قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: ثلاث هن راجعات إلى أهلها، المكر والنكث والبغي. ثم تلا قوله تعالى: " ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله " . وقال: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه. وقال: إنما بغيكم على أنفسكم. وقيل: رب حيلة كانت على صاحبها وبيلة. وقيل: رب حيلة أهلكت المحتال.
إمرؤ القيس:
ويغدو على المرء ما يأتمر
آخر:
وكم من حافر لأخيه ليلاً ... تردّى في حفيرته نهارا
وقيل: من حفر مغواة وقع فيها. وقيل: في من عاد إليه مكره: عاد الرّمي على النزعة. وقيل: أربع من أسرع الأعمال: عقوبة من عاهدته ورأيك أن تفي له ورأيه الغدر، ومن سعى على من لم يسع عليه، ومن قطع رحم من يواصله، ومن كافأ الإحسان بإساءة.
الموصوف بالغدر:
قال أعرابي: إن الناس يأكلون أماناتهم لقماً وفلان يحسوها حسواً. ويقال: فلان أغدر من الذئب. قال الشاعر:
هو الذئب أو للذئب أوفى أمانة
وقيل: الذئب يادو للغزال أي يختله. واستبطأ عبيد الله بن يحيى أبا العيناء فقال: أنا والله ببابك أكثر من الغدر في آل خاقان.
حسان:
إن تغدروا فالغدر فيكم شيمة ... والغدر ينبت في أصول السخبر
عارق الطائي:
غدرت بأمر أنت كنت اجتذبتنا ... إذا هو أمسى حلبة من دم الفصد
الخبزارزي:
ولم تتعاطى ما تعوّدت ضدّه ... إذا كنت خواناً فلم تدّعي الوفا؟
الباذاني في أبي دلف وكان نقش خاتمه الوفاء:
الغدر أكثر فعله ... وكتاب خاتمه الوفاء
وقيل: كان بنو سعد يسمون الغدر كيسان ويستعملونه؛ وفيهم يقول اليمني:
إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... إلى الغدر أدنى من شبابهم المراد
التعويض بمن كان منه غدر:
قال المنصور لإسحق بن مسلم العقيلي عند قتله ابن هبيرة. ما كان أعظم رأس صاحبك! فقال: نعم وأمانته كانت أعظم! وكان لعبد الملك صديق يختصه فغاب عنه غيبة قتل عبد الملك فيها عمرو ابن سعيد بعد أن أمنه، فلما قدم قال له يوماً: ما تقول في قتل عمرو بن سعيد؟ فقال: اعفني! فقال: أقسمت عليك لتقولن: فقال: لو قتلته يا أمير المؤمنين وأنت حي كان جميلاً! فقال: أو ما تراني حياً؟ قال: ليس بحي من أقام نفسه مقاماً لا يوثق به، والله لا يخرج عليك بعدها خارجي إلا وبلغ الغاية في معاداتك، وإن بذلت له كل أمانة. فقال عبد الملك: لو سبق إلى أذني لم أصنع ما صنعت، ولقد صدق من قال: نصف عقلك مع صاحبك.
جحظة:

وأمنتني ثم عاقبتني ... فكان أمان أبي مسلم!

مدح سوء الظن بالناس:
قيل: ما الجزم؟ قال: سوء الظن بالناس.
ببغاء البغدادي:
وأكثر من تلقى يسرّك قوله ... ولكن قليل من يسرك فعله
وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي ... فأدبني هذا الزمان وأهله
وقد تقدم هذا الباب.
ذم من ساء ظنه:
قيل لبعضهم: ما ظنك بالناس؟ قال: ظني بنفسي.
المتنبي:
إذ ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهّم
وقيل: أخفض الناس من لا يثق بأحد، ولا يثق به أحد.
النهي عن الوقوف موضع التهمة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقومن مقام التهمة. وقيل: من وقف موقف التهمة لم يكن له أجر الغيبة. من جعل نفسه عرضاً للتهم فلا يلومن من أساء به الظن.
حقيقة النفاق:
قيل: حقيقة النفاق اختلاف السر و العلانية، واختلاف القول والعمل. وقال صلى الله عليه وسلم: علامة النفاق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أتمن خان.
موصوف بالنفاق:
قال أبو الحسين بن سعد:
ما إن له في الفضل ... والخيرات جمعا من خلاق
إلا النفاق فإنه ... وافي النصيب من النفاق
ذم ذي الوجهين:
قال الأحنف: إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيهاً.
صالح بن عبد القدوس:
قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشجّ وأخرى منك تأسوني
تذمني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين، وكل منك يأتيني!
النهي عن الإستعانة بخائن:
قيل: من استرعى الذئب ظلم.
شاعر:
إن العفيف إذا استعان بخائن ... كان العفيف شريكه في المأثم
آخر:
إذا أنت حملت الخؤون أمانة ... فإنك قد أسندتها شرّ مسند
آخر:
إن العفيف إذا تكفنه الظنين هو الظنين
وقال علي رضي الله عنه: من تتهمه فلا تأتمنه، ومن تأتمنه فلا تتهمه.
عذر من استعان بخائن سهواً:
أبو تمام:
هذا النبيّ وكان صفوة ربّه ... من بين باد في الأنام وقار
قد خصّ من أهل النفاق عصابة ... وهم أشد أذى من الكفار
واختار من سعد لغير بني أبي ... سرح لوحي الله غير خيار
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الحث على نقض عهد الغادر:
قال بعض العلماء: حق على من جعل لغادر عهداً أن ينقضه لألن الله تعالى يقول: " لا ينال عهدي لظالمين " . وقال الأعمش: نقض العهد مع من لا عهد له وفاء بالعهد.
الحث على الغدر والتبجح به:
قال:
خرق على الناس وخرق لهم ... فإنما الدنيا مخاريق
مسعود الأسدي:
قالوا:غدرت؟ فقلت: حير فربما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر
العباس بن الأحنف:
ملّني واثقاً بحسن وفائي ... ما أضرّ الوفاء بالإنسان
ومما جاء في المسابقة إلى المعالي والرفعة
والمجد وصيانة النفس
والمروءة والفتوة وتعظيم الأماثل
الممدوح بأن مجاريه إلى العلاء تأخر عنه:
مدح كاتب رجلاً فقال: فلان طالت إلى المساعي خطاه، وبذّ بشأوه من ساعاه وجاراه. وخطب عمر رضي الله عنه أبا بكر وفضله فقال: وأنه كان كما قال الشاعر:
من يسع كي يدرك مسعاته ... يجتهد الشد بأرض فضاء
والله لا يدرك أيامه ... ذو مئزر ضاف ولا ذو رداء
وفي المثل: فلان لا يشق غباره. وكتب كاتب: لسنا لاحقيك إذا ابتدأت، ولا سابقيك إذا كافأت، سئل مجنون: كيف رأيت بني فلان مع من فاخر؟ فقال:
كانوا ومن عاداهم من البشر ... كأنما أجريت خيلاً وبقر
سلم الخاسر:
جاراك قوم فلم ينالوا ... مداك والجري لا يعار
المتنبي:
من تعاطى تشبهاً بك أعيا ... ه ومن دلّ في طريقك ضلاّ
البحتري:
في فتية طلبوا غبارك إنه ... وهج ترفع من طريق السوود
ابن الرومي:

رجحتم على أكفائكم إذ وزنتم ... وهل يستوي الآلاف والعشرات
أبو تمام:
محاسن أقوام متى تقرنوا بها ... محاسن أقوام تكن كالخبائث

من يبكت مساميه ومباريه:
بشار:
أيها الجاهل المباهي بريداً ... ليس بدر السماء منك بدان
أبو تمام:
ويا أيها الساعي ليدرك شأوه ... ترحزح قصيّا أسوأ الظن كاذبه
بحسبك من نيل المكارم أن ترى ... عليماً بأن ليست تنال مناقبه
آخر:
نحيت بيربوع لتدرك دارماً ... ضلالاً لمن منّاك تلك الأمانيا
سعيت شباب الدهر لم تستطعهم ... أفالآن لمّا أصبح الدهر فانيا
الموسوي:
يريد المعالي عاطل من أداتها ... وهيهات من محصوصة طيرانها
حث من يحسد فاضلاً أن يفعل فعله:
رأى الحسن قوماً يتهافتون على جنازة بعض الصالحين فقال: مالكم تتهافتون على ما لا يجدي عليكم؟ هاهي الأسطوانة التي كان يلزم، ألزموها تكونوا مثله.
أسجع:
يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع
ابن المعتز:
يا طالباً للملك كن مثله ... تستوجب الملك وإلا فلا
وأنشد أبو العيناء:
إذا أعجبتك خلال امرئ ... فكنه يكن منك ما يعجبك
الموصوف بأنه نال السماء رفعة:
تميم بن مقبل:
نالوا السماء فأمسكوا بعنانها ... حتى إذا كانوا هناك استمسكوا
صاحب البصرة:
ملكنا السماء بأحسابنا ... ولولا السماء ملكنا السما
أخذه من قول النابغة الجعدي:
بلغنا السماء نجدة وتكرّما ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
وأنشد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إلى أين؟ فقال: إلى الجنة! فقال صلى الله عليه وسلم: لا فض فوك! الفرزدق:
فلو أن السماء دنت لمجد ... ومكرمة دنت لهم السماء
النازل ذروة الشرف:
شاعر:
سما فوق صعب لا تنال مراتبه
حسان:
سموت إلى العلياء بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيئاً ولا وغلا
ابن الرومي:
تدلوا على هام المعالي إذا ارتقى ... إليها أناس غيرهم بالسلالم
غيره:
على قمة المجد المؤثل جالس
المبادر إلى تناول المكرمات:
يستحسن في هذا المعنى قول الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد ... وقصّر مبتغوها عن مداها
وضاقت أذرع المثرين عنها ... سما أوس إليها فاحتواها
ابن الرومي:
سجايا إذا همّت بخير تسرّعت ... إليه، وإن همّت بشرّ تناءت
وصف أعرابي رجلاً فقال: هو وساع إلى الخير قطوف عن الشر؛ وعكس ذلك شاعر فقال:
هو في الخير قطوف ... وهو في الشر وساع
المختصر طريق المكرمات:
البحتري:
له طريق إلى العليا مختصر
ابن طباطبا:
كأنه من سمّو همته ... يأتي طريق العلا فيختصر
الرفاء:
قلت إذا برّز سبقاً في العلا: ... إلى المجد طريق مختصر
المتدرع للعلا:
شاعر:
ألبسه الله ثياب العلا ... فلم تطل عنه ولم تقصر
أشجع:
مكارم ألبست أثوابها ... كل جديد عندها بال
الأخطل:
وأقسم المجد حقّاً لا يخالفهم ... حتى يحالف بطن الراحة الشعر
وقيل: المجد دثاره والكرم شعاره.
من انتهى إلى العلا ابتداء منه:
أحمد بن أبي طاهر:
خلائقه للمكرمات مناسب ... تناهى إليه كل مجد مؤثل
أبو تمام:
ما أنشئت للمكرمات سحابة ... إلا ومن أيديهم تتدفق
الموصوف بأنه يحمي المكرمات:
قال أعرابي لقوم: أنتم والله حضان الشرف. وقال رجل لآخر: لو وجد الكرم في يد غيرك لعلم أنه ضالة لك.
أبو شراعة:
مولى المكارم يرعاها ويعمرها ... إن المكارم قد قلّت مواليها
أبو تمام:
قوم تراهم غيارى دون مجدهم ... حتى كأن المعالي عندهم حرم
أبو تمام:
مضوا وكأن المكرمات لديهم ... لكثرة ما أوصوا بهن شرائع
آخر:
يحمي شريعة مجد غير مورود
من ارتفع بيت شرفه:
شاعر:

فإما بيتكم إن عدّ بيت ... فطال السمك وارتفع الفناء
وإما أسه فعلى قديم ... من العادي إن ذكر البناء
أبو تمام:
له نبعة فرعها في السماء ... وفي هامة الحوت أعراقها
أبو فراس:
لنا بيت على عنق الثريا ... بعيد مذاهب الأطباب سام
تظلله الفوارس بالعوالي ... وتفرشه الولائد بالطعام
آخر:؟
له قبة في المجد رأس عمادها

المتدرع للمعالي:
الراعي:
فمن يفخر بمكرمة فإنا ... سنناها لأيدي الفاعلينا
ابن الرومي وقد أحسن:
هم المبدعون بديع العلى ... إذا كان غيرهم المتّبع
وما الدين إلا مع التابعين ... ولكنهما المجد للمبتدع
أبو تمام وقد أحسن:
ومهما يكن من وقعة بعد لا يكن ... سوى حسن مما فعلت مردّد
محاسن أصناف المغنين جمة ... وما قصبت السبق إلا لمعبد
المتنبي:
يمشي الكرام على آثار غيرهم ... وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع
وقال أرسطوطاليس للإسكندر: أما مناقبك فقد نسخها تواترها، فصارت كالشيء القديم يتأسى به، لا كالبديع يتعجب منه.
المتبث بالمعالي والخادم لها:
أبو الشيص:
عشيق المكارم فهو معتمد لها ... والمكرمات قليلة العشّاق
المتنبي:
تلذّ له المروءة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام
ومن هنا أخذ الصاحب قوله:
أشبّب لكن بالمعالي أشبّب ... وأنسب لكن بالمكارم أنسب
أبو تمام:
خدم العلى فخدمته وهي التي ... لا تخدم الأقوام ما لم تخدم
العديم النظير والشبيه:
وصف أعرابي رجلاً فقال: ما نطف فحل بمثله. قال:
ما ولدت مثلك أرحام النساء
آخر:
إن الزمان بمثله لعقيم
المتنبي:
ليس له عيب سوى أنه ... لا تقع العين على شبهه
وليس ذلك بعيب، وإنما هو كقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
علي بن عبد العزيز:
جملة القول أن مثلك لا يمكن في مثل دهرنا تكوينه
أبو نواس:
خلقت بديعاً لا يقال كأنه ... تعالى، ولم يسمع بمثلك سامع
آخر:
ولم تقع عين على مثله
ابن طباطبا:
تعالين عن وصف فلست بذاكر ... كأن لدى تشبيهها وكأنما
ابن سكرة في الصابي:
خرجت أطلب شيئاً لا وجود له ... ومن غدا يطلب المفقود لم يجد
شبه الكريم أبي اسحاق في كرم ... ما ليس في الظن هل يسطاع في بلد؟
من اشتغاله كسب المعالي:
البحتري:
إلى فارغ من كل شغل يشينه ... فإن يشتغل بالمجد طاب اشتغاله
المتنبي:
ويشغلهم كسب الثناء عن الشغل
من يتزايد في المجد على مرور الدهر:
شاعر:
وجدتك أمس خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس
أبو الهول:
ما كنت في غاية، إلا سبقت ولا ... طال المدى بك إلا زدت إحسانا
من لا يحصى بحده:
أبو شراعة:
وحزت بهم لا بل بنفس ابن حرة ... مآثر يحصى دون إحصائها الرمل
دعبل:
معاليه يحصى قبل إحصائها القطر
الموصوف بأنه تجمع فيه عالم لفضله:
عقيل:
يصول إذا استجير به نفير
أبو نواس:
متى تخطى إليه الرجل سالمة ... تستجمع الخلق في تمثال إنسان
وله:
ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
المتنبي:
نسقوا لنا نسق الحساب مقدماً ... وأتى فدلك إذ أتيت مؤخراً
من يستحقر في جنبه أجلاء الناس:
بكر بن النطاح:
ما الناس إلا ملك وحده ... غير خشارات وتساس
وشنة بن الأبيض:
الناس عند علي حين نذكرهم ... كالشوك يذكر بين الورد والآس
ابن العوام:
فنحن السنام والمناسم غيرنا ... ومن ذا يسوي بالسنام المناسما؟
وذلك مأخوذ من قول الآخر:
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟
أبو السعداء:
الناس أيام الشهو ... ر وأنت فيهم عيد

من تنزين به الدنيا:
وصف أعرابي رجلاً فقال: لئن عابه كونه في الزمان لقد تزين الزمان بكونه فيه.
الجريمي:
تحلت به الدنيا فغطت عيوبها ... وأمست به الدنيا تجل وتحمد
المتنبي:
أنت الذي بجح الزمان بذكره ... وتزيلت بحديثه الأسمار
وقال أبو الفضل به العميد أمدح بيت قول المتنبي:
الدهر لفظ وأنت معناه
قال الشيخ رحمه الله: وأنا استحسن قول الشاعر:
فما أحسن الدنيا وفي الدار خالد ... وأقبحها لما تجهز غازيا!
ابن الرومي:
يا زينة الدين والدنيا إذا احتفلا ... وأظهرا ما أعداء من الزين
من تنافست فيه الأيام:
نصيب:
وهل يخفى على الناس النهار؟
ابن الرومي:
شمس الضحى أبرع ... من أن تطمسا
آخر:
إني إذا خفي الرجال وجدتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكان
ابن هرمة:
إذا خفي القوم اللئام رأيتني ... ما قرن شمس في المجرة أو بدر
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما يطوف بالبيت، فرآه يزيد فقال: من هذا؟ فقال له الحارث ابن الليث:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
اعتذار من لم يعرف:
قال رجل لسقراط: ذكرتك عند فلان فلم يعرفك! فقال: يضره أنه لا يعرفني لأنه لا يجهل مكان ذي العلم إلا خسيس! وقال محمد بن الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت ومن أبوك؟ فقال: أما أنا فالذي تعرفني، وأما أبي فالذي لم يعرفك ولا أباك! المتنبي:
وإذا خفيت على الغبي فعاذر ... أن لا تراني مقلة عمياء
وصف الإنسان بأنه لا يخلو من العيب:
قيل لبعض الفلاسفة: من الذي لا عيب فيه؟ فقال: الذي لا يموت! وقال الأحنف: الشريف من عدت سقطاته أي الرجل المهذب.
شاعر:
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها؟ ... كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه!
ولهذا باب آخر في الأخوانيات.
الحث على إكرام النفس عند المذلة:
قال عمرو بن العاص: المرء حيث يجعل نفسه، إن صانها ارتفعت وإن قصر بها اتضعت: بعضهم:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل
حاتم:
ونفسك أكرمها فإنك إن تهن ... عليك فلن تلقى لها الدهر مكرما
صالح بن عبد القدوس:
إذا ما أهنت النفس لم تك مكرماً ... لها بعد ما عرضتها لهوان
أنشد غلام أبي عبيدة:
ولا تهن للصديق مكرمة ... نفسك حتى تعد من خوله
يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله
وإنما يعني بذلك الهوان الذي هو لاعسف، لا الهون الذي قالت العرب فيه: إذا عز أخوك فهن؛ قال صلى الله عليه وسلم: سيد القوم خادمهم.
الممدوح بصيانة النفس:
قال بعضهم: جعلت الدنيا دون عرضي فآثر لدي ما صانه، وأهونها على ما شانه. ووصف آخر رجلاً فقال: اشترى بالمعروف عرضه من الأذى فلو كانت الدنيا له فأنفقها صيانة لنفسه لاستقلها.
ابن نباتة:
ليست من الحوادث كل ثوب ... سوى ثوب المذلة والهوان
مدح إهانة النفس حيث تحمد:
مدح أعرابي رجلاً فقال: كان يهين نفساً كريمة لقومه، ولا يبقي لغد ما وجد في يومه.
الخنساء:
نهين النفوس وهو النفو ... س يوم الكريهة أوفى لها
ويروى أن الشافعي رضي الله عنه:
أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها
ما جاء في الفتوة:
قيل: الفتوة طعام موضوع ونائل مبذول وبشر مقبول، وعفاف معروف وأذى مكفوف. وجاء جماعة إلى حسان فقالوا: من الفتى؟ فقال:
إن الفتى لفتى الهواجر والسرى ... وفتى الطعان ومدره الحدثان
ذاك الفتى إن كان كهلاً أو فتىً ... ليس الفتى بمنعم الشبان
المروءة:

قال معاوية لقرشي: ما المروءة؟ قال: إطعام الطعام وضرب الهام، وقال ذلك لثقفي فقال: هي تقوى الله وإصلاح المعيشة، فقال لعمرو: اقض بينهما، فقال: أما ما قاله القرشي فهو المروءة، وقد أجاد الثقفي ولم يصب، ولكن من بدأ بكلام حسن، زين بذلك سائر كلامه. وإن المروءة أن تعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك. وقال عبد الله بن عباس: المروءة أن تحقق التوحيد، وتركب المنهج السديد، وتستدعي من الله المزيد. وقيل: جماع المروءة في قول الله تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون " . وقيل لعمرو بن العاص: ما المروءة؟ فقال: العفة عما حرم، وقيل للأحنف ذلك فقال: أن لا تعمل في السر ما يستحيا منه في العلانية؛ وقيل له مرة أخرى فقال: اجتناب الريب فإنه لا ينبل مريب، وإصلاح المال فلا مروءة لمحتاج، والقيام بحوائج الأهل فلا مروءة لمن يحتاج قومه إلى غيره. وقيل لآخر فقال: مواطأة القلب اللسان. وقيل: الحسب إحصاء المكارم، والنسب إحصاء الآباء:

جواز تقبيل اليد:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لأحد أن يقبل يد آخر إلا رجلاً من أهل بيتي أو يد عالم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل معروفاً، فقبل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مرات. ولما قدم عمر بن الخطاب الشأم قبل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يده، ثم تناول رجله ليقبلها فقال: مه أما هذا فلا! ودخل عطية بن عبد الرحمن الثقفي فمثل بين يدي مروان ابن محمد فاستأذنه أن يقبل يديه فقال: القبلة من المسلم ذلة، ومن الذمي خدعة، ولا حاجة لي في أن تذل أو تخدع. مد المأمون يده لأعرابي فتناولها بكمه فقال: أتقذر لها؟ فقال: لا بل أتعزز بها.
من منع من ذلك أو امتنع:
قالت امرأة لأبي مسلم: ناولني يدك أقبلها فقد نذرت! فقال: عليك بالحجر الأسود تصيبين أجراً وتفضين نذراً! ودخل عقال بن شبة على هشام وأراد أن يقبل يده فقال: لا يفعل هذا من العرب الأهلوع، ولا من العجم إلا خضوع. وقيل: لما أفضت الخلافة إلى أبي العباس السفاح وقدت عليه قريش فأمروا بتقبيل يده، حتى دخل إبراهيم بن محمد العدوي فقال: يا أمير المؤمنين لو كان تقبيل اليد يزيد في القرية منك لأخذت بحظي منه، وإنك لغني عما لا أجر فيه لك وفيه منقصة لنا! فأقره ولم ينقصه من حظوظ أصحابه شيئاً.
الممدوح بأنه مقبل اليد والرجل:
إبراهيم الصولي:
لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها المثل
فباطنها للندى ... وظاهرها للقبل
أخذه ابن الرومي فقال:
فامدد إلي يداً تعوّد بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا
الخوارزمي:
تعاورت الشفاه الكم عنها ... ونافست الشفاه بها الخدودا
وله:
يقبل رجليه رجال أقلهم ... تقبل في الدست الرفيع أنامله
وفي ضده يقول الهنادي لبعض بني هاشم:
يا قبلة ذهبت ضياعاً في يد ... ضرب الاله بنانها بالنقرس
ودخل أبو العميثل على طاهر بن الحسين متمدحاً وقبل يده فقال: ما أخشن شاربك يا أبا العميل! فقال: أيها الأمير إن شوك القنفذ لا يضر ببرثن الأسد! فضحك وقال: إن هذا الكلمة أعجب إلي من كل شعر، فأعطاه للشعر ألف درهم ولكلمته هذه ثلاثة آلاف درهم.
المقبل أرضه:
المتنبي:
يقبل أفواه الملوك بساطة ... ويكبر عنه كمه وبراجمه
أبو القاسم بن أبي العلاء:
يقبل صيد الناس سدة بابه ... ويعظم عنه أخمص وركاب
لدى ملك قد خط في كل جبهة ... كتابة رق والمداد تراب
أحمد بن إبراهيم:
سجدنا للقرود رجاء دنيا ... حوتها دوننا أيدي القرود
فما أبت أناملنا بشيء ... رجوناه سوى ذل الخدود!
من يقام له وينزل إليه وجواز ذلك وكرامته:
شاعر:
فلا تعجب لأسراعي إليه ... فإن لمثله شرع القيام
إبراهيم الصولي:
إذا ما بدا والقوم فوق سروجهم ... تناثرت الأشراف منهم على الأرض
آخر:
وترى الناس هيبة حين يبدو ... من قيام وركع وسجود
آخر:

يأتي الجوانب لا يرجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان

الممدوح بأنواع من المكارم:
قال عمرون بن عتبة في أمر وقع بين بني أمية وبين غيرهم: إن لقريش درجاً يزلق عنه أقدام الرجال، وأفعالاً تخضع لها رقاب الأموال، وألسناً تكل عنها الشفار المحددة، وغايات تقصر عنها الجياد المسومة، لو احتفلت الدنيا لم تتزين إلا بهم! وقال عمرو بن معدي كرب في مدح قوم: نعم القوم عند السيف المسلول، والخير المسؤول، والطعام المأكول، وذكر إدريس بن معقل أبا مسلم فقال: بمثله يدرك الثأر وينفي العار، ويؤكد العهد، ويبرم العقد ويسهل الوعر، ويخاص الغمر، ويفل الناب ويفتح الباب. ومدح أعرابي على قبر عامر ابن الطفيل فقال: لقد كنت سريعاً إذا وعدت بطيئاً إذا أوعدت، وكانت هدايتك هداية النجم وجراءتك جراءة ا لسهم. وأخبر بعض الحكماء عن صاحب له فقال: عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد، وخارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له رأياً ولا بدناً.
امرؤ القيس:
أفاد وجاد وساد وقاد ... وذاد وعاد وزاد وأفضل
ديك الجن:
ن العلى شيمي والبأس من نقمي ... والمجد خلط دمي والصدق حشو فمي
مسلم بن عقيل:
يذكرنيك الخير والشر والذي ... أخاف وأرجو والذي أتوقع
آخر:
يذكرنيك الجود والبخل والنهى ... وقول الخنى والحلم والعلم والجهل
فألقاك على مذمومها متنزهاً ... وألقاك في محمودها ولك الفضل
تشبيه الممدوح بجماعة مختلفة في معان مختلفة:
قال رجل للمهدي: إنك ليوسفي العفو اسماعيلي الصدق، شعبي الرفق، سليماني الملك، داودي الفضل. وحكة محمد الأنماطي الفقيه يوماً قال: قد تغدينا يوماً عند المأمون، فكان كلام وضع لون يقول: من به كذا فليأكل هذا، ومن به كذا فليجتنبه. فقال يحيى بن أكثم: لله درك يا أمير المؤمنين! فإنا إن خضنا في الطب فأنت جالينوس، وإن ذكرنا النجوم فأنت هرمس، أو العلم فأنت علي بن أبي طالب، أو السخاء فأنت حاتم، أو الصدق فأنت ذر، أو الكريم فأنت كعب ابن مامة، أو الوفاء فأنت السموأل! فقال المأمون: للإنسان فضل على غيره بالنطق والفهم، ولولا ذلك لم يكن لحمه أطيب لحم.
أبو تمام:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء أياس
قيل: فلان فيه ورع ابن سيري، وعقل مطرف، ودهاء معاوية، وحفظ قتادة! وقيل: له بذل هاشم، وعز كليب، وضبط عائشة، وبر عثمان، وشجاعة عتيبة، ومكر قيصر.
الطائي:
أصبحت حاتمها جوداً وأحنفها ... حلماً وكيسانها علماً ودغفلها
الرستمي:
سماحة كعب في رزانة أحنف ... ونجدة عمرو في وفاء ابن ظالم
السري الوفاء:
أوفى وكان محلقاً، ومضى وكا ... ن مزلقاً، وسطاً وكان محرقا
تشبيه الممدوح بأشياء مختلفة في معان مختلفة:
أبو تمام:
له كبرياء المشتري وسعوده ... وسورة بهرام وطرف عطارد
مسلم:
كأنه قمر أو ضيغم هصر ... أو حية ذكر أو عارض هطل
وهب الهمذاني: تلقاه في الظلماء والهيجاء والمحل المجيع كالغيث والليث المحامي والعقيلة والصديع البحتري:
كالغيث في آخذامه والغيث في ... ارهامه والليث في إقدامه
إن كنت تنكر ما أقول فجاره ... أو باره أو حاكمه أو سامه
ابن طباطبا:
كالبدر إذ يجري، وكالليل إذ ... يسري، وكالصارم إذ يفري
محمد بن وهيب:
تحكي أفاعيله في كل نائبة ... والغيث والليث والصمصامة الذكرا
الخوارزمي:
ستلقى به بدراً وبحراً وضيغماً ... وسيفاً وإنساناً وطوداً وفيلقا
أبو طالب المأموني:
جبال الحجا أسد الوغا غصص العدا ... شموس العلا سحب الندى أنجم الفضل
الممدوح بمعنى واحد في أحوال أو جوارح مختلفة:
المتنبي:
طويل النجاد طويل العماد ... طويل القناة طويل اللسان
حديد اللحاظ حديد الحفاظ ... حديد الحسام حديد الجنان
الخوارزمي:
سريع اللسان سريع السنان ... سريع البنان سريع القلم

الممدوح بأنه لو كان كذا لكان خيره:
قال أبو عمرو بن العلاء: لو كانت ربيعة فرساً لكان شيبان غرتها.
قال:
لو كانت ماء كنت من مزنة ... أو كنت نجماً كنت سعد السعود
آخر:
فلو كنت ماء كنت ماء غمامة ... ولو كنت نوماً كنت تعريسة الفجر
ولو كنت لهواً كنت تعليل ساعة ... ولو كنت ليلاً كنت من ليلة القدر
الكندي:
ولو خلق الناس من دهرهم ... لكانوا الظلام وكنت النهارا
ضرب من المدح يقال فيه يا كذا:
يا مشربا سائغاً بلا كدر ... يا سمرا ممتعاً بلا سهر!
كشاجم:
يا عوضاً من فائت ... لم يحتسب منه عوض
يا دعة وراحة ... من تعب ومن مضض!
مما جاء في النذالة والتأخر عن المكارم
حد السفلة ووصفها:
قال معاوية: السفالة من ليس له فعل موصوف ولا نسب معروف؛ وقيل: هو الذي لا يعيبه ما صنع له؛ وقيل: هو الذي لا يبالي بما يقول وبما يقال له؛ وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: هو الذي يعصي الله تعالى.
أبو ناظرة:
أيا سفلة الناس والأصدقاء ... ويا سفلة الكسب في المأكل
ونحوه لابن الحجاج:
وسخ الثوب والعمامة والبر ... ذون والوجه والقفا والغلام
وقيل: المروءة التامة مباينة العامة. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ما لله عز وجل على العاقل بعد الإسلام نعمة أفضل من مباينة العامة بالفهم والعقل.
مضرة اجتماع السفلة والغاغة:
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: نعوذ بالله من قوم إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يعرفوا. وقيل في قوله الله تعالى: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم " أي من السلطان " أو من تحت أرجلكم " أي من السفل " " . أتى أمير المؤمنين كرم الله وجهه برجل ذي جنابة فرأى ناساً يعدون خلفه فقال: لا مرحباً بوجوه لا ترى إلا عند كل سوء! وقال معاوية لعصعة بن صوحان: صف لي الناس؛ فقال: خلق الناس أطواراً طائفة للسيادة والولاية، وطائفة للفقه والسنة، وطائفة للبأس والنجدة، ورجرجة بين ذلك يغلون السعر ويكدرون الماء، إذا اجتمعوا ضرواً وإذا تفرقوا لم يعرفوا.
من تصاحبه النذالة:
قال الشاعر:
أناخ اللؤم وسط بني رباح ... مطيته فاقسم لا يريم
كذلك كل ذي سفر إذا ما ... تناهى عند غايته مقيم
جحظة:
كم سألنا عن النذالة واللؤ ... م فكانا في داره راتبين
الموصوف بالذلة:
قيل: هو أذل من النقد ومن القردان تحت المناسم ومن الوتد.
وكنت أذل من فقع بقاع ... يشجج رأسه بالقهر واجي
أي وأجيء فلين الهمزة. ويقال: هو أذل من الحذا.
المتبجح بالإساءة والنذالة:
قيل: شر الناس الذي لا يتوفى أن يراه الناس مسيئاً؛ ومن هنا أخذ الشاعر:
أحق الناس في الدنيا بعيب ... مسيء لا يبالي أن يعابا
وقال بعضهم: فلان لا يستحي من الشر، ولا يحب أن يكون من أهل الخير، لا يقعد مقعداً إلا حرمت الصلاة فيه، ولو أفلتت كلمة سوء لم تضم إلا إليه، ولو نزلت لعنة لم تقع إلا عليه. تشاجر رجلان فقال كل واحد منهما: أنا ألأم! فتحاكما إلى رجل فقال: قد حكمتماني فأخبراني بأخلاقكما، فقال أحدهما: ما مر في أحد إلا اغتبته ولا ائتمنني أحد إلا خنته، وقال آخر: أنا أبطر الناس في الرخاء وأجبنهم عند اللقاء وأقلهم عند الحياء، فقال الرجل: كلاكما لئيم وألأم منكما الحطيئة، فإنه هجا أباه وأمه ونفسه، ومن أحسن إليه هجا أباه فقال:
لحالك الله ثم لحاك أباً ... وما ألحاك من عم وخال!
وقال يهجو نفسه:
أرى لي وجهاً شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله
وقال فيمن أعطاه:
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً ... فسيان لا لوم عليك ولا حمد
الموصوف بالشرية:
ذم أعرابي قوماً فقال: ما زال فيهم خميرة سوء يبقيها الماضي للباقي حتى أورثوها فلاناً، فعجنها بيده ثم أكلها بفمه! وقال الصاحب رحمه الله في بعض أهل الزمان: فلان راية الشر!
المقصر في المكارم والمعاني:
قال إبراهيم بن رجاء:

يمد بنو كليب للمعالي ... سواعد لم تزل عنها قصارا
آخر:
متى جرت الكودان في الرهان
آخر:
لن يلحق الفرس الحمار الموكف
آخر:
وابن اللئيم معقل باللؤم يغمر
آخر:
جرى طلقاً حتى إذا قيل سابق ... تداركه عرق اللئيم فبلدا
آخر:
جري المدا كي حسرت عنه الحمر
آخر:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البذل القناعيس
وقال غيره:
إنك كالجاري إلى غاية ... حتى إذا قاربها قام
أبو الهداهد الأصفهاني:
لهم عن كل مكرمة حجاب ... فقد تركوا المكارم واستراحوا

السابق إلى الملاوم المتأخر عن المكارم:
هشام بن قيس:
إذا ما سوءة دارت رحاها ... وجدتهم لا سواها ثقالا
الطرماح:
تميم بطريق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلت
البسامي:
هو في الخير قطوف ... وهو في الشر وساع
آخر:
إذا نهض الناس للمكرمات ... وقاموا إليها جميعاً قعد!
الباذاني:
يداك يد تطول إلى المخازي ... وعن طلب العلا أخرى قصيره
آخر:
رأوا في اللؤم رخصاً فاشتروه ... ويمنعهم عن الكرم الغلاء
آخر يهجو امرأة:
تكره ذكر الله في بيتها ... وهي إلى الفحشاء مشتاقه
إن ذكر الخير فما إن لها ... من جمل فيه ولا ناقه
مقدامة في الشر سباقة ... وفي تقى الله على الساقه
ذم من يتكلف ادراك ما لا يدركه:
ذكر أن قصاراً كان يعمل على شاطىء نهر، وكان يرى كركياً يجيء كل يوم فليتقط من الحمأة دوداً ويقتصر في القوت عليه، فرأى يوماً بازياً قد ارتفع في الجو فاصطاد حماماً فأكل منها بعضاً وترك في موضعه البعض، وطار فتفكر الكركي في نفسه وقال: ما لي لا أصطاد الطيور كما يصطاد، وأنا أكبر جسماً منه، فارتفع في الجو وانقض على الحمام فأخطأ، فسقط في الحمأة فلتلطخ ريشه ولم يمكنه أن يطير، فأخذه القصار وحمله إلى منزل، فاستقبله رجل فقال: ما هذا؟ قال: كركي يتصقر! وكان المتنبي ألم بهذا المعنى في قوله:
ومن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه لا يرى
وفي المثل: أطرق كرى إن النعام في الكرى ونحو ذلك قول يربوع:
بخست بيربوع لتدرك دار ما ... ضلالاً لمن منَّاك تلك الأمانيا
وقد تقدم ذلك.
الحكم بين فاضل ونذل:
سئل أبو العيناء عن رجلين فقال: وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج! وسئل أبو ثور عن حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار فقال: بينهما في القدر ما بين جديهما في الصرف. وقال أعرابي: فلان يدعي الفضل على فلان، ولو وقع في ضحضاح معروفه لغرق شاعر وهل يقاس ضياء الشمس بالقمر؟ محمد بن منادر:
ومن يجعل الوجه مثل القفا ... وعالية الرمح كالسافل؟
وفي المثل:
مذكية تقاس بالجذاع ... وفيه: ليس قطاً مثل قطي
سبيع التميمي:
أسويك بالمرء الذي لست مثله ... وكيف يسوّى صالح القوم بالرذل؟
تفضيل رجل على آخر في الفضل:
في المثل: ماء ولا كصداه، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك. في كل شجرة نار واستمجد المرخ والعفار. قال حسان بن ثابت للحارث بن أبي الشمر: أبيت اللعن! إن النعمان بن الحارث يساميك، ووالله إن قفاك أحسن من وجهه، وشمالك خير من يمينه، وإن عدتك أحضر من عده، وعدك أوسع من يومه، وكرسيك أرفع من سريره، وأمك أشرف من أبيه.
من يغبط أو يحسد فاضلاً أن يفعل مثله:
رأى الحسن رضي الله عنه قوماً يتزاحمون على جنارة بعض الصالحين فقال: ما لكم تتهافتون عليه افعلوا فعله تكونوا مثله! أبو العميثل:
يا من يؤمل أن تكون خصاله ... كخصال عبد الله أنصت واسمع
فلأنصحنك في المروءة والذي ... حج الحجيج إليه فاقبل أودع
اصدق وعف وبر وانصر واحتمل ... واحلم وكف ودار واصبر واشجع
أخذ لك من قول عروة بن الزبير:
يا أيها المتمني أن يكون فتى ... مثل ابن زيد لقد خلى لك السبلا!

أعدد نظائر أخلاق عددن له ... هل سب من أحد أو سب أو بخلا؟
أنشد أبو العيناء في معناه:
إذا أعجبتك خلال امرئ ... فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات ... إذا جئتها حاجب يحجبك!

الحكم بين نذلين:
سئل أبو العيناء عن رجلين فقال: هما الخمر والميسر، اثمهما أكبر من نفعهما! وتفاخر رجلان في الكرم وتراضيا بأبي العيناء فحكماه فقال: أنتما كما قال الشاعر:
حمارا عبادي إذا قيل: نبنا ... بشرهما يوماً، يقول: كلاهما!
وفي المثل: كثير ويرعر وكل عير خير. وقيل: زندان في وعاء. وقيل: زندان في رقعة. وقيل: سواسية كأسنان الحمار، وعكس هذا المعنى الصنوبري فأتى بأجود لفظ وأوضح معنى فقال:
أناس هم المشط استواء لدى الوغا ... إذا اختلف الناس اختلاف المشاجب
عذر من ذكر فاضلاً ونذلاً معاً:
قال بعض الكبار لرجل: أتذكرني مع فلان وفلان؟ فقال: قد ذكر الله النار والجنة. وفرعون مع موسى، وآدم مع إبليس، فلم يهن بذلك أوليائه ولم يكرم به أعداءه!
اختيار أراذل:
وصف أعرابي قوماً فقال: هم كلاب وفلان من بينهم سلوقي، وهم حنظل وهو هبيد وأن في الشر خسارا، وليس العاقل من يعرف الخير من الشر، وإنما العاقل من يفرق بين الشرين.
محمود:
ذممتك أولاً حتى إذا ما ... بلوت سواك عاد الذم حمدا
ولم أحمدك من خير ولكن ... رأيت سواك شرّاً منك جدا
فعدت إليك مختلاً ذليلاً ... لأني لم أجد من ذاك بدّا
كمجهود تعاظم أكل ميت ... فلما اضطر عاد إليه شدّا
من لا يفرح بموته ولا يسر بحياته:
شاعر:
إذا كنت لا ترجى لدفع ملمّة ... ولم يك في المعروف عندك مطمع
ولا أنت ممن يستعان بجاهه ... ولا أنت يوم الحشر ممن يشفع
فعيشك في الدنيا وموتك واحد ... وعود خلال من وصالك أنفع
ذكر أحمد بن الخطيب عند أبي العيناء فقال: إن دنوت منه غرك، وإن بعدت منه ضرك! فبلغ كلامه أحمد فقال: تفسيره أن حياته لا تنفع وموته لا يضر! وقيل لرجل: مات فلان! فقال: من لم تنفع حياته لم تجزع وفاته.
فبعداً لا انقضاء له وسحقاً ... فغير مصابه الخطب العظيم
من لا يستحضر في المحافل ولا يعرج عليه الأماثل:
الأخطل:
أما كليب بن يربوع فليس لهم ... عند التفاخر أيراد ولا صدر
مخلّفون ويقضي الناس أمرهم ... وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا
الآكلون خبيث الزاد وحدهم ... والسائلون بظهر الغيب: ما الخبر؟
وقيل:
شهادته وغيبته سواء
آخر:
كزائدة الإبهام خلف الرواجب
آخر:
كزائدة النّعامة في الكراع
عبدان:
خرجنا غداة إلى نزهة ... وفينا زياد أبو صعصعة
فستة رهط به خمسة ... وخمسة رهط به أربعة
سحيم بن موسى:
عن المكارم تنفي طيء طردا ... نفي الزيوف أبتها كفّ منتفد
المتعري من الإنسانية:
وصف أعرابي رجلاً فقال: ليس فيه من الآدمية إلا أنه سمى آدمياً، وقال فتى لابنه: ما لي إذا أخذتم في الأشعار والأخبار تسلط علي المنام؟ لأنك حمار في مسلاخ إنسان! ويقال: فلان حارض بن حارض، لمن خير فيه.
ذم من لا يبالي بما ارتكب:
وصف أعرابي رجلاً فقال: يهون عليه عظام الذنوب في ويحسن في عينه قباح العيوب، ولو كان في بني سباخ أنه لمن سباخهم! المري:
قوم إذا خرجوا من سوءة ولجوا ... في سوءة لم يخبّوها بأستار
وقيل: من الأبيات الرائعة المعجبة التي لا أرياب لها قول الشاعر:
إن يغدروا أو يجنبوا ... أو يبخلوا لا يحفلوا
وغدوا عليك مرجلين ... كأنهم لم يفعلوا
الموصوف بكثرة المساوي:
قيل: مدفع المعائب ومجمع المثالب قذف على الليل لونه لانطمست نجومه.
الأخطل:
قوم تناهي إليهم كل فاحشة ... وكل مخزية سبت بها مضر!
أبو تمام:
مساو لو قسمن على الغواني ... لما أمهرن إلا بالطلاق
زبينا النصراني:

لي صاحب لست أحصي من محاسنه ... شيئاً صغيراً ولا أحصي مساويه
وليس فيه من الخيرات واحدة ... وأكثر السوء لا بل كله فيه!
ابن الرومي:
معايب الناس وسوآتهم ... قد جمعت لي منك في شخص
ابن ابي عيينة:
جمعت خصال الردى جملة ... وبعت خصال الندى جملة
آخر:
فمالك في الخير من خلة ... وكم لك في الشر من خلة!
ابن الحجاج:
مقابح فيك شتى ... أوصافها لا تحد

ذم من لا يصلح لخير ولا شر:
قال بعضهم: فلان أملس ليس فيه مستقر طير ولا شر؛ فقيل: ذلك ميت الأحياء. وقال حاجب بن رارة: ما هو برطب فيعصر ولا بيابس فيكسر.
شاعر:
مسيخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر
كأنك ذاك الذي في الضروع ... بقادم أضرتها المنتشر
وسمع رجل آخر يقول: أنت لم تأت قط بخير! فقال: إن لم آت بخير فقد أتيت بشر! وقد قيل: إذا لم ترفع في الخير شعاراً فارفع في الشر شناراً. ثم أنشد:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يرجى الفتى كما يضر وينفع
وهذا ضد قول القائل:
خمول الذكر اسنى ... من لذرك الذميم
مروان بن أبي حفصة:
وما فعلت بنو مروان خيراً ... ولا فعلت بنو مروان شراً
أبو الفرج الأصفهاني:
كأنه التيس قد أودى به هرم ... فلا للحم ولا عسب ولا تمن
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل فقال: هو فصل لا حر ولا برد، وهو عوسجة لا ظل ولا ثمر. وقال أبو علي ابن عبدوس الشيرازي:
هم السكوب فلا أصل ولا ثمر ... ولا نسيم ولا ظل ولا زهر!
ذم من لا يضر ولا ينفع:
قيل: فلان إن دنوت منه غرك وإن تباعدت عنه ضرك، شره يفيض وخيره يغيض.
وشرك في البلاد يسيل سيلاً ... وخيرك رمية من غير رام!
هو كالسمرة التي قل ورقها وكثر شوكها وصعب مرتقاها، لا كالكرمة التي حسن ورقها وطاب ثمرها وسهل مجتناها، لا يؤمن خباله ولا يجرى نواله، حديثه غث وكلامه رث، عيال في الجدب عدو في الخصب، قليل الخير جم الضير.
ابن الحجاج:
أعيذكم بالله من عصبة ... تباع مجاناً ولا تشترى
فإنكم من حيث ما استنشقت ... روائح الآمال فيكم خرا
وفي المثل: يا عبري مقبلة ويا سهري مديرة. وقيل: أغيرة وجبناً؟
يا ليت حظي من نداك الصافي ... والخير إن تركتني كفاني
آخر:
ليت حظي من أبي كرب ... سد عني خيره خبله
آخر:
فراشة الحلم فرعون العذاب وإن ... تطلب نداه فكلب دونه كلب
من يرضى منه أن يكف شره:
قيل: أسوأ ما في الكريم أن يمنعك نداه، وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه. المتنبي في معناه:
إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال
ذم من يعادي أوليائه دون أعدائه:
قيل لمعاوية: من النذالة؟ قال: الجراءة على الصديق والنكول عن العدو! وذم أعرابي رجلاً فقال: هو أقل الناس ذنوباً إلى أعدائه، وأكثرهم تجرؤاً على أصدقائه وأوليائه! وكتب بعضهم: عدوه بمعزل عنه وصديقه على وجل منه، إن شهد عافه، وإن غاب عنه خافه. وفي الأقارب باب يقرب من هذا.
من أخلف فيه الظن لنذالته:
أبو علي البصير:
كان ظني بك الجميل فالفيتك ... من لك ما ظننت بعيدا
قيل لجعيفران: أقصد فلاناً وسله! فقال: إنه قطوف عن الخيرات لا يثمر شجره ولا يمته حجره، فقيل: ليس كما تظنه؛ فأتاه فلم ير منه طائلاً فقال له:
يا فتى أخلف فيه الظن من كل فنون ... لم يكن ظني بك الخير، ولكن خدعوني!
الموفي على كل لئيم:
قد كان ألأم طفل لف في خرق! وقيل: هو ألأم من الذئب. وفي ضده قيل: هو أكرم من الليث. ولؤم الذئب أنه يأخذ ما يعن له وان كان شبعان، والأسد يتلطف عن ذلك إذا شبع. وقيل: ليئم راضع! وذلك من باب البخل.
من لا يبالي بغضبه:
قيل لرجل: فلان غضب عليك؛ فأنشد:
إذا غضبت تلك الأنوف لم أرضها ... ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها
ابن الرومي:
غضبت وطلت من سفه وطيش ... تهزهز لحية في قد رفش

فما افترقت لغضبتك الثريا ... ولا اجتمعت لذاك بنات نعش
وفي المثل: غضب الخيل على اللجم. ومما يضرب به المثل في ذلك قول المتنبي:
وغيظ على الأيام كالنار في الحشا ... ولكنه غيظ الأسير على القد
وقيل:
فلا سل من تلك الصدور قتادها
أبو علي البصير:
أبو جعفر كالناس يرضى ويغضب ... ويبعد في كل الأمور ويقرب
ولكن رضاه ليس يجدي قلامة ... فما فوقها إذ سخطه ليس يرهب
ويقرب من ذلك قولهم: ما أبالي ما نهى من ضبك وما نضج. وعكس هذا الباب قول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
وضيع ارتفع:
قيل: إذا استنسر البغات حلت الأحداث. وقيل: إذا ذهبت العتاق ارتفعت الدقاق وجاء ما لا يطاق. وقال ازدشير:ما شيء أسرع في انتقال الدول من رفع وضيع إلى مرتبة شريف. قيل: السفل إذا تعلموا تكبروا، وإذا تمولوا استطالوا، والكرام إذا تعلموا تواضعوا وإذا افتقروا صالوا. وقيل: لأن يسقط ألف من العلية خير من أن يرتفع واحد من السفلة!

الاغتياظ لوضيع تعرض لرفيع:
لما ولي زياد البصرة خطب فقال: إني رأيت خلالاً ثلاثاً نبذت إليكم منهن النصيحة: لا يأتيني شريف بوضيع لم يعرف شرفه إلا عاقبته، ولا كهل بحدث لم يعرف فضل سنه إلا عاقبته، ولا عالم بجاهل عنته إلا عاقبته، فإنما الناس أشرافهم وذوو سنهم وعلماؤهم. ووجد في كتب العجم إن بازيار الأبرويز أطلق شاهينه على طائر فأخطأه، فانقض على عقاب تراءت له فضربها ضربة أبان رأسها من جسدها، فأخذ البازيار الشاهين والعقاب وأتى به الملك ليعلمه بفعل الشاهين، رجاء أن يسره بذلك وينال به مالاً، فلما أخبره أخذ الشاهين من البازيار فقطف رأسه، ثم التفت إلى وزرائه وأوليائه وقال: يتكايدني أن أرى يداً دنيئة تسلطت على يد رفيعة.
وضيع يتعرض لرفيع لعجزه:
الأعشى:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
كشاجم:
تبارزني ونفسك من رصاص ... وهل يبقى على النار الرصاص؟
من افتخر بما ليس عنده:
قيل لأبي عبيدة: أن الأصمعي قال: بينا أبي يساير سلم بن قتيبة على فرس قال أبو عبيدة: سبحان الله المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، ووالله ما ملك أبوه دابة إلا في ثوبه. وقيل: فخر البغي يخدج زينتها. فلان يفخر بغير نداء ويبجح بما في بطن سواه طاهر بن الحسين:
محارب يفرحون بعز قيس ... كما فرح الخصي بمن يقود
وقيل: تجشى لقمان من غير شبع. وقيل: ليس هذا بعشك فادرجي. وقيل: من فاته الدين والمروءة فرأس ماله العصبية والتبجح بمال غيره. ورؤي رجل من نظارة السباق وقد سبق فرس وهو يظهر النشاط وفرط السرور والابتهاج فقيل له: أهو لك؟ فقال: لا ولكن لجامه لي. وللمتنبي في نفي المفاخرة بما لغيره عن نفسه:
وما أسر بما غيري الحميد به ... ولو حملت إلي الدهر ملآنا
وقال الأجدع الهمداني وهو مما يتمثل به فيمن يتبجح بفعل لم يفعله بعد:
وكيف افتخار القوم قبل لقائهم؟ ... ألا أن ما بعد اللقاء هو الفخر!
الموصوف بأنواع من المعائب:
سئل بعضهم عن رجل فقال: هو غث في دينه قذر في دنياه، رث في مروءته سمج في هيئته، منطقع إلى نفسه راض عن عقله، بخيل بما وسع الله عليه من رزقه، كتوم لما آتاه الله من فضله، حلاق لجوج لا ينصف إلا صاغراً، ولا يعدل إلا راغماً، لا يرفع عن منزلة الأذل بعد تعززه فيها. وقال بعضهم: فلان قليل الخير جم الضير عسيف السير، كذوب الوعد خؤن العهد قليل الرفد وقال آخر: هو صغير القدر قصير الشبر ضيق الصدر كثير الفخر، ولئن كان للإنسان سبخ إنه لمن سبخ بني آدم! وذكر أعرابي رجلاً فقال: لو أفلتت مخزية لم تصل إلا إليه، ولو نزلت لعنى لم تكن إلا عليه! وقال إبراهيم بن المدبر في رجل: له كبد مخنث وجسد نائحة، وشره قواد وذل قابلة وملق دابة، وبخل كلب وحرص نباش، وقحة مصلحي ونتن جورب ووحشة فرد! ابن الحجاج:
نسيم حش وريح مقعدة ... ونفث أفعى ونتن مصلوب
وقال ابن ثوابة لأبي العيناء: أما تعرفني؟ فقال: أعرفك ضيق العطن لئيم الوطن نؤماً على الذقن! شاعر:

الناس من كدتيك في تعب ... فم بذي، وفقحة غلمه
والأصل نذل والدين ذو دخل ... والأب فدم والأم متهمه
بعض الأدباء:
أرى فيك أخلاقاً ولست بقائف ... ولكنها لم تخلف في متحدث
شمائل تياس وخفة حائك ... وتقطيع طبال وطيش مخنث

المشهور بالشؤم:
يضرب المثل في الشؤم بقدار وطويس ووافد عاد، فأما قدار فعاقر ناقة صالح عليه السلام، وأم طويس فإنه كان يقول: ولدت يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفطمت يوم مات أبو بكر رضي الله عنه، وبلغت الحلم يوم قتل عمر رضي الله عنه، وتزوجت يوم قتل عثمان رضي الله عنه، وولد لي يوم توفي علي رضي الله عنه. ووافد عاد هو الذي بعثوه إلى الحرم ليستسقي لهم، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يشرب الخمر وتغني له الجرادتان، ثم أتى جبال مهرة فقال: اللهم إني لم أجيء لفائت فأوديه، ولا لأسير فأفاديه، ولا لمريض فأداويه، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه! فعرضت لهم سحابة أهلكتهم. وقيل: أشأم من قاشر، لفحل أرسل في غبل فماتت عن آخرها. وقيل: وهو من قولهم: أبعث إليهم سنة قاشورة، تحتلق المال احتلاق النوره. وأشأم من داحس والغبراء، وخبرهما مشهور.
محمد بن حازم:
لقاؤك للمبكر فال سوء ... ووجهك أربعاء لا تدور
عمرو بن لحا:
جريت ليربوع بشؤم كما جرى ... إلى غاية قادت إلى الموت داحس
إبراهيم بن سبأ:
شؤمه يفلق الصخور فلوزاً ... رأبانا لهد ركني أبان
وقال مخنث لآخر: يا وجه البوم وعين الزقوم، ومقراض الآمال وجلم الآجال! وقال الشاعر:
يا سعد إنك قد حجبت ثلاثة ... كل عليه منك وسم لائح
وأراك تخدم رائعاً لتبيده ... فارفق به فالشيخ شيخ صالح!
وصف العائن بعينه:
ذكر بعض العلماء أن العين حق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبته، والهند والفرس تتدين به، وكذلك اليونانيون، ويذكرون أنه بخار ينصل من العين والجوف فيدخل في المعيون، ولهذا كرهوا الأكل بين يدي السباع والكب والسنور، ورأوا أن يشغلوا السباع عند أكلمهم بشيء يرمى به، لئلا ينفصل بخار رؤيته فيؤثر في المعيون. قالوا: ومثل تأثير العائن في المعيون نظر الرجل إلى العين المحمرة فتحمر عينه، والطامث تدنو من إناء اللبن لتسوطه فتفسده. وصعد سليمان بن عبد الملك المنبر يوم الجمعة وقد غلف لحيته بالغالية وقال: أنا الملك الشاب! فأصابته عين فما جمع بعدها. وكان المعدل ابن غيلان العبدي شديد العين، دخل يوماً على جعفر بن سليمان فاستحسن أكله، فعانه فاقشعر جلده فقال: لدمني المعدل بعينه! فخرج عبد الله بن جعفر ليقتله فطار واستخفى. وكتب إلى جعفر: لو كنت أخشى أن أعينك قلعتها أتعين عيني نورها؟ وكان ابن الزبير ومعاوية يتسايران، فأبصرا راكباً من بعيد فقال ابن الزبير: هو فلان، فلما قدم كان إياه فقال معاوية: ما أحسن هذه الحدة مع الكبر! فقال: برك يا أمير المؤمنين، فسكت فقال ابن الزبير: ما أحسن هذه الثنايا واطرأ هذا الوجه! فقال معاوية: برك! فسكت فافترقا فشكا ابن الزبير عينه، ثم شارفت الذهاب وسقطت ثنيتا معاوية، فالتقيا بعد ذلك بسنة فقال معاوية: يا أبا بكر أينا أشوه؟ فقال: رجل معين أصابته العين وشأنه ومشوه وشقذ شديد الإصابة بالعين.
المذموم بأنه لو كان كذا لكان شره:
دخل أبو الأسود على ابن عباس رضي الله عنهما يجر رجله فقال: لو كنت بعيراً كنت ثقالاً، فقال له أبو الأسود: ولو كنت راعي البعير لما بلغته الكلأ، ولما حفظته من الضيعة. وقيل لأم بهلول: كيف ترين ابنك؟ فقالت: قبحه الله لو كان داء ما برئ منه! قال:
لو كنت ريحاً كانت الدبورا ... أو كنت غيماً لم تكن مطيرا
أو كنت ماء لم تكن نميرا ... أو كنت بردا كنت زمهريرا
أو كنت مخاً كان مخاريرا
آخر:
لو كنت ماء لم تكن بعذب ... أو كنت سيفاً لم تكن بعضب
أو كنت لحماً كنت لحم كلب
ضرب من الذم يقال يا كذا:
يا طيرة الشؤم ويا فأل التلف يا سوء كيل وغلاه وحشف! أبو نواس:
يا غراب البين في الشؤ ... م وميزاب الجنابه!

يا كتاباً بطلاق ... وعزاء بمصابه
يا مثالاً من هموم ... وتباريج كآبه
الناجم:
يا قوة اليأس ويا ضعف الأمل ... يأكل مكروه وكرب وبخل
يا حيرة المملق أعيته الحيل ... يا زحل الدهر ومريخ الدول!

الحد الخامس
في الأبوة والبنوة ومدحهما وذمهما
مما جاء في البنين والبنات
نفع الولد وحمده:
قال الله تعالى: " آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات الرجل انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له. وقال حكيم في ميت: إن كان له ولد فهو حي، وإن لم يكن له ولد فهو ميت! والعرب تسمي من لا ولد له صنوبرا، ولهذا قالوا: إن محمداً صنوبر. وقيل لحكيم: ما منفعة الولد؟ فقال: يستعذب به العيش ويهون به الموت! وقيل: خير ما أعطى الرجل بعد الصحة والأمن والعقل ولد موافق من زوجة موافقة. قال:
ومتعة العيش بين الأهل والولد
ابن أبي فنن في وصف شراب:
أطيب في الأنف إذا ... جاءتك من ريح الولد
وقيل لبعضهم: أي الريح أطيب؟ فقال: ريح ولد أربه وبدن أحبه. وفي الحديث: ريح الولد من رائحة الجنة. قيل لبزرجمهر: ما السعادة؟ قال: أن يكون للرجل ابن واحد! فقال: الواحد يخشى عليه الموت، قال: لم تسألني عن الشقاوة!
مضرة الولد وذمه:
قيل لبعض الزهاد: ألا تزوجت فرما يكون لك خلف؟ فقال: كفى بالتزهيد فيه قوله تعالى: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " ، وقوله: " إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم " . وقال صلى الله عليه وسلم: الولد مبخلة مجبنة مجهلة. وقيل: قلة العيال أحد اليسارين. وقيل: قلة العيال كنز لا ينفذ. وسئل حكيم عن ولده فقال: إن عاش كذبني، وإن مات هدّني. وبشر حسن البصري بابن فقال: لا مرحباً بمن إن كنت غنياً أذهلني، وإن كنت فقيراً أتعبني، ولا أرضى كدي له كداً، ولا سعيي له في الحياة سعياً، أهتم بفقره بعد وفاتي حين لا ينالني به سرور ولا يهمه لي حزن. وأصحر يوماً فرأى صياداً فقال: ما أكثر ما يقع في شبكتك! قال: كل طير زاق. فقال الحسن: هلك المعيلون! قال ابن عباس رضي الله عنهما لرجل معه ولده: إن عاش فتنك، وإن مات أحزنك؛ وقد أحسن المتنبي في قوله:
وما الدهر أهل أن يؤمل عنده ... حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل
وقيل: النكد من رماه الأبد كل عام بولد.
كون الولد مكسباً لأبويه بأفعاله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. وقال صلى الله عليه وسلم: أولادكم كسبكم فكلوا من أموالكم. وناول عمر رضي الله عنه رجلاً شيئاً فقال له: خدمك بنوك؟ فقال: بل أغناني الله عنهم!
شفقة الأبوين على الولد:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فطلع الحسن رضي الله عنه يتخطى الناس فسقط، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فتناوله ثم رجع، فقال: والذي نفسي بيده ما علمت كيف نزلت؟ صدق الله عز وجل: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " ! وضرب رجل وطولب بمال فلم يسمح به، فأخذ ابنه وضرب فجزع فقيل له في ذلك فقال: ضرب جلدي فصبرت، وضرب كبدي فلم أصبر.
شاعر:
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض
من كره الموت شفقة على ولده:
شاعر:
يقر بعيني وهو ينقص مدتي ... مرور الليالي كي يشبّ حكيم
مخافة أن يغتالني الموت قبله ... فينشو مع الصبيان وهو يتيم
آخر:
لقد زاد الحياة إليّ حبا ... بناتي إنّهن من الضّعاف!
مخافة أن يذقن اليتم بعدي ... وأن يشربن رنقاً بعد صاف
متحمل تعباً لأولاده:
شاعر:
والله لولا صبية صغار ... وجوههم كأنها أقمار
لما رآني ملك جبار ... ببابه ما طلع النهار؟
ونحو هذا قولهم:
لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أقاس الدّجا في حندس الظلم
الأبيات وهي مذكورة في الحماسة. حطان بن المعلي:
لولا بنيات كزغب القطا ... رددن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطول والعرض

وقال معاوية رضي الله عنه: لولا يزيد لأبصرت رشدي.
؟؟؟؟؟

محبة الولد وملاعبته:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الأولاد فما قبّلت واحداً منهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك؟ قال موسى عليه السلام: يا رب أي الأعمال أحب إليك، قال: ألطاف الصبيان فإنهم فطرتي، وإذا ماتوا أدخلتهم جنتي، وقال كسرى لغيلان: أي الأولاد أحب إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يبرأ. كان عبد الله بن عمير يدخل معه سبعون ذكراً المقصورة فقيل له: كيف حبك لجماعتهم؟ فقال: تفرق حب الأول عليهم: وهذا غريب الحب.
؟؟
محبة الأب للابن وبغض الابن له:
قال زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم لابنه: إن الله رضيني لك فأوصاك بي وحذرني منك؟ وأجمعوا أن الولد البار أبر من الوالد، لأن بر الوالدين طبيعة وهذا واجب، والواجب أبداً. كتب إبراهيم بن داحة إلى أحد أبويه: جعلني الله فداءك، فكتب إليه: لا تكتب بمثل هذا فأنت على يومي أصبر مني على يومك.
؟؟؟؟
إعجاب المرء بابنه:
قيل: زين في عين والد ولده. ونحوه وإن لم يكن من بابه، من يمدح العروس إلا أهلها.
أبو تمام الطائي:
ويسيء بالإحسان ظناً لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون
وقيل: شكت الخنفساء إلى أمها استقذار الناس إياها، وإن من دنا منها يبزق عليها! فقالت لها: إنهم لحسنك ونظافتك ينفثون عليك مخافة العين، أعيذك بالله! وقال أعرابي:
يا رب ما لي لا أحب حشوده ... وكل خنزير يحبّ ولده
إعجاب المرء بأبيه:
في المثل: كل فتاة بابيها معجبة. وقيل: من يطل اير أبيه ينتطق به. وحضر صالح العباسي مجلس المنصور وكان يحدثه ويكثر من قوله أبي رحمه الله فقال له الربيع: لا تكثر الترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين. فقال له: لا ألومك فإنك لم تذق حلاوة الآباء! فتبسم المنصور وقال: هذا جزاء من تعرض لبني هاشم! وقال أبو العيناء: ما أخجلني أحد كما أخجلني ابن صغير لعبد الرحمن ابن رجاء، قلت له يوماً: أبيعك أبوك مني فإني أريد ابناً مثلك؟ فقال: البيع لا يمكن إن شئت احمل أبي على امرأتك لتأتيك بولد مثلي! ومر الأخطل بالفرزدق وهو صبي فقال: أيسرك أن أكون أباك؟ فقال: لا ولكن يسرني أن تكون أمي ليأكل أبي من أطايبك!
تفضيل كبار الولد وصغاره:
قيل: من سره بنوه ساءته نفسه؛ وبذلك ألم الشاعر فقال:
نشا بنيّ فكان مثلي ... يلبس ما قد نزعت عني
فسرني ما رأيت منه ... وساءني ما رأيت مني
وقال:
إن بني صبية صيفيون ... أفلح من كان له ربعيون
وقيل: كان بين عمرو بن العاص وبين ابنه عبد الله اثنا عشر سنة في السن ولا يعلم أحد كان بينه وبين أبيه هذا القدر، فأما من بينه وبين أبيه أربع عشرة سنة فعددهم كثير. وقال حماد بن إسحاق بن إبراهيم: كان أبي أكبر مني بأربع عشرة سنة، وأنا أكبر من ابني بأربع عشرة سنة، والموفق أكبر من المعتضد بأربع عشرة سنة. وقال انوشروان لرجل هرم رآه يعمل: هلا أدلجت؟ فقال: أدلجت ولكني أضللت! والخبر مذكور في فصل النكاح. وقيل ابنك ريحانك سبعاً، ثم يصير عدواً ظاهراً أو شريكأ مظاهراً. وقيل لرجل أبطأ في التزوج فقال: أريد أن أسبق أولادي في اليتم قبل أن يسبقوني في العقوق!
فضل الابن:
قيل: ابنك ابن بوحك أي الذي ولدته نفسك لا من تبنيته. ونحوه: ابنك من دمي عقبيك أي من نفست به. وقال بعض العرب إن ابنك ابنك، وابن أخيك ابنك، وابن عمك ابنكن وابنك ابن بوحك مصطبحاً بصبوحك. وفي ضده: رب ابن لم تلده!
المادح ولده مدحاً حسناً:
كتب المأمون إلى طاهر بن الحسين: صف لي ابنك فقال: ابني إن مدحته ذممته ظلمته إلا أنه نعم الخلف لسيده من عبده، إذا اخترمت عبده منيته! فكتب إليه المأمون: يا ذا اليمينين، لم ترض بمدحه حتى أوصيت به! وقال له يوماً: أخبرني عن ابنك. فقال: قدح في كف مثقف ليوم رهان أمير المؤمنين! وقيل لرجل: صف ابنك. فقال: ولد الناس أبناء وولدته أباً، يحسن ما أحسن ولا أحسن ما يحسن. مدح أعرابي ابنه فقال:
يا حبذا روحه وملمسه ... أملح شيء ظلاًّ وأكيسه

الله يرعاه لي ويحرسه

أولاد سخنت أعين آبائهم لتخلفهم:
مات لعبد الملك ابن فجاء له آخر فعزى أباه به فقال: يا بني مصيبتي فيك أقدح في بدني من مصيبتي في أخيك! فقال: أمي أمرتني بذلك. فقال: يا بني إذا كانت الأبناء قرة أعين الوالدين فأنت قرة عين الشامتين! وبعث رجل ابنه ليشتري حبلاً فقال: اجعله عشرين ذراعاً. فقال: في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك يا بني! وقال أبو حنيفة لشيطان الطاق وكان له ابن معتوه: إنك في بستان من ابنك! فقال: ذاك لو كان ابنك! وقيل لصبي: لم لا تتعلم الأدب؟ فقال: أخاف أن أكذب والدي لأنه قال لي: إنك لا تفلح أبداً! وكان للمبرد ابن متخلف فقيل له يوماً: غط سوءتك! فوضع يده على رأس ابنه.
من كثرت أولاده فانجب:
قيل: كان لعبد الله بن عمير سبعون ذكراً كلهم يطيقون حمل السلاح، وكانت فاطمة بنت الحوشب الأنمارية يقال لها أم الكملة، وأم البنين بنت عامر بن فارس ولدت عامر بن ملك وطفيل الخيل ومعاوية بن ملك معوذ الحكماء. وسقط للمهلب لصلبه إلى الأرض ثلاثمائة ولد. وكان الرجل في الجاهلية إذا ولد له سبعة ولد تقنع وتم شرفه. وكان يقال: فلان من المقنعين، فمنهم حذيفة من بني بدر وعيينة وعلقمة بن الأحوص. وقال عبد الملك للفرزدق: أي الحي أكثر؟ فقال: تميم! فقال: وأين طيء؟ فقال: يا أمير المؤمنين لو أن نساء تميم بلن على جبل طيء لغرقوا! فقال صبي من طيء كان حاضراً: يا أمير المؤمنين لو أنا سددنا مبال نساء تميم لكان يفضل كمر كثير.
المشبه أباه وغير المشبهه:
قيل: من سعادة المرء أن يشبهه ابنه، وقيل: فلان ينظر عن عين أبيه ويبطش بيديه.
سعيد بن صمصمة يرقص ابنه:
أحب ميمون أشد حبّ ... أعرف منه شبهي ولبّي
ولبه أعرف من ربي
بعض بني عبس:
وإنّا نرى أقدامنا في نعالهم ... وأنفنا بين اللحى والحواجب
وقال آخر:
والله ما أشبهني عصام ... لا خلق منه ولا قوام
محبة البنات وتفضيلهن:
قال محمد بن جعفر بن محمد: البنات حسنات والبنون نعم، والحسنات مثاب عليها والنعم مسؤول عنها. وقال المدائني: قال وهب بن منبه: من يمن المرأة أن تلد الأنثى قبل الذكر إن الله بدأ بالإناث فقال: " يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور " . دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده بنية له يلاعبها فقال له: انبذها عنك يا أمير المؤمنين، فوالله إنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء ويؤدين الضغائن! فقال معاوية: لا تقل فما ندب الموتى، ولا تفقد المرضى ولا أعان على الحزن مثلهن! ولدت لأعرابية بنية فقالت:
وما عليّ أن تكون الجارية ... تكنس بيتي وترد العاريه؟
تمشط رأسي وتكون الفالية ... وترفع الساقط من خماريه
حتى إذا بلغت ثمانيه ... رديتها ببردة يمانيه
زوجتها مروان أو معاويه ... أصهار صدق للمهور غاليه
آخر:
بنيتي ريحانة أشمها ... فديت بنتي وفدتني أمها!
وكان لمعن بن أوس ثماني بنات ويقول: ما أحب أن يكون لي بهن رجال، وفيهن قال:
رأيت رجالاً يكرهون بناتهم ... وفيهنّ لا تكذب نساء صوالح
وفيهنّ والأيام يعثرن بالفتى ... عوائد لا يمللنه ونوائح
كراهة البنات:
قال الله تعالى: " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودأً وهو كظيم " . وبشر لأحنف بابنة فبكى فقيل له في ذلك فقال: وكيف لا تأخذني العبرة وهي عورة، هديتها سرقة، وسلاحها البكاء، ومهنؤها لغيري؟ وولدت لأعرابي جارية اسمها حمزة، فهجر أمها وبنته، فسمع أمها ترقصها وتقول:
ما لأبي حمزة لا يأتينا ... غضبان أ لا نلد البنينا
وإنما يكره ما أعطينا
فرجع إلى منزله وصالحها وطابت نفسه بها. وقال الحسين رضي الله عنه: والد بنت متعب، ووالد بنتين مثقل، ووالد ثلاث فعلى العباد أن يعينوه. وقال الزهري: كانوا لا يرون على صاحب ثلاث بنات صدقة ولا جهاداً، والعرب لم تكن تأكل طعام صاحب البنات. وقال:
إذا ما المرء شبّ له بنات ... عصبن برأسه عنتاً وعارا

وسأل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه نصيبياً عن حاله فقال: كبر سني ورق عظمي وبليت ببنات نفضت عليهن من لوني، فكسدن علي! فبكى عمر رضي الله عنه من قوله.

فائدة موتها وتمنيه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الختن القبر. وقال: دفن البنات من المكرمات. ونظر أعرابي إلى بنت تدفن فقال: نعم الصهر صاهرتم! وكانوا إذا هنأوا بها قالوا: أمنكم الله عارها وكفاكم مؤنتها وصاهرتم قبرها. وقيل: تقديم الحرم أفضل النعم وموت الحرة أمان من المعرة قال:
ولم أر نعمة شملت كريماً ... كعورته إذا سترت بقبر!
إسحاق بن خلف:
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً ... والموت أكرم نزال على الحرم
قال: وما ختن فينا أعفه من القبر.
تمني موت الأولاد:
أعرابي كان له أولاد:
الناس يعطون أموالاً وميسرة ... وأنت أعطيتني يا رب صبيانا
خذهم إليك فكل صار في خلق ... وأنت أعطيته يا رب عريانا
قد كنت كلفتهم في أمهم ثمناً ... فخذهم عاجلاً يا رب مجّانا
وأد البنات:
كانت العرب تئد البنات إلى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن ذلك وأنزل الله تعالى: " وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت " ؟ ودخل قيس بن عاصم على النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: إني وأدت اثني عشرة بنتاً فما أصنع؟ فقال: اعتق عن كل مؤودة نسم. فقال له أبو بكر رضي الله عنه: فما الذي حملك على ذلك وأنت أكثر العرب مالاً؟ قال: مخافة أن ينكحهن مثلك! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سيد أهل الوبر. وقال قيس: ما ولدت لي ابنة إلا وأدتها سوى بنية ولدتها أمها وأنا في سفر، فلما عدت ذكرت أنها ولدت ابنة ميتة فأودعتها أخوالها حتى كبرت، فأدخلتها منزلي متزينة فاستحسنتها فقلت: من هذه؟ فقالت هذه ابنتك وهي التي أخبرتك أنني ولدتها ميتة، فأخذتها ودفنتها حية وهي تصيح وتقول: أتتركني هكذا فلم أعرج عليها! فقال صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يرحم.
سياسة الولد وتأديبه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ أولادكم سبع سنين فمروهم بالطهارة والصلاة، وإذا بلغوا عشراً فاضربوهم عليها، وإذا بلغوا ثلاث عشرة ففرقوا بينهم في المضاجع. وقيل: لاعب ابنك سبعاً، وجالس به إخوانك سبعاً يتبين لك أخلف هو بعدك أم خلف.
حق الولد على الوالد:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن كنيته وأدبه وأن يعفه إذا بلغ.وقال صلى الله عليه وسلم: حق الولد على الوالد أن يعلمه كتاب الله والسباحة والرمي. وقال رجل لأبيه: يا أبت إن أعظم حقك علي لا يذهب بصغير حقي عليك، وإن الذي تمت به إلي أمت بمثله إليك، ولست أزعم أنهما سواء ولكن لا يحل الاعتداء!
حق الوالدين على الولد والحث على مراعاته:
قال الله تعالى: " ووصينا الإنسان بوالديه حسناً " . وقال تعالى: " ولا تقل لهم أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " . ولو علم الله أدنى من أف لنهى عنه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن الوالد باب من أبواب الجنة فاحفظ ذلك الباب. وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أريد الغزو فقال عليه الصلاة والسلام: أحي أبواك؟ قال: نعم. ففيهما فجاهد! وقال عليه الصلاة والسلام لآخر: هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: الزمها وإن مفتاح الجنة تحت رجليها. وقال الحسن: حق الوالد أعظم وبرّ الوالدة الزم.
حقيقة برهما:
سئل الحسن رضي الله عنه عن بر الوالدين فقال: أن تبذل لهما ما ملكت وتطيعهما في ما أمراك، ما لم يكن معصية والدلالة على ذلك قوله تعالى: " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً " .
وصف بررة:
قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: نلك من أبر الناس بوالدتك، ولسنا نراك تأكل معها قال: إني أخاف أن أسبقها إلى شيء سبقت عينها إليه فأعقها بذلك! وقيل لعمرو بن ذر لما مات ابنه: كيف بره بك؟ قال: ما ماشيته قط بالنهار إلا مشى خلفي، ولا بالليل إلا مشى أمامي، ولا رقي سطحاً أنا تحته. وقيل: كان أعرابي يحمل أمه على ظهره ويطوف بها وينشد:
أحمل أمي وهي الحماله ... ترضعني الدرة والعلاله
ولا يجازي أحد فعاله

وقيل في المثل: أبر من الهرة.

وصف عقلة:
قيل: الولد العاق إن مات نغصك وإن عاش نقصك. وقال بعضهم لابن له عاق: أنت كالإصبع الزائدة إن تركت شانت، وإن قطعت آذت! وقيل: أعظم الأسف سوء الخلف. العقوق ثكل من لا يثكل. قيل لأعرابي: كيف ابنك؟ قال: هو عذاب رعف به الدهر، وبلاء لا يقاومه البر، وفائدة لا يجب بها الشكر. وكان لمنازل بن رفعان ابن يقال له خلنج، فعق والده فقدمه إلى والي اليمامة فقال:
تظلمني حقي خلنج وعقني ... علي حين كانت كالحني عظامي
لعمري لقد ربيته فرحاً به ... فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام
قال: فأراد الوالي ضربه فقال الابن للوالي: لا تعجل علي، هذا منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه:
جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنزل الدين طالبه " الأبيات "
وهي في الحماسة فقال الوالي: يا هذا عققت وعققت.
قال:
إن بني خيرهم كالكلب ... أبرهم أولعهم بسبي
فليتني كنت عقيم الزب ... وليتني مت بغير عقب
وقيل في المثل: أعق من ضب.
احتجاج عاق لعقوقه:
قيل لبعض الفلاسفة: لم تعق والديك؟ قال: لأنهما أخرجاني إلى الكون والفساد. وقال العتبي لابن له صغير: يا بني اعرف وصية الله إياك بي. فقال: يا أبت وأنت اعرف وصيته إياك بي، واستجز الأولى بالأخرى. وضرب رجل أباه فقيل له: أما عرفت حقه؟ قال: لا لأنه لم يعرف حقي! قيل: فما حق الولد على الوالد؟ قال: أن يتخير أمه ويحسن أسمه ويختنه ويعلمه القرآن! ثم كشف عن عورته فإذا هو أقلف وقال: اسمي برغوث ولا أعلم حرفاً من القرآن، وقد استولدني من زنجية، فقيل للوالد: احتمله فإنك تستأهل!
المعارض أبويه فيما ادعيا من حقوقهما عليه بسخف:
جفى جحا أمه فقال: هذا جزائي وقد حملتك في بطني تسعة أشهر؟ فقال: ادخلي في أستي حتى أحملك سنين وخلصيني. وقال امرأة لابنها: هذا جزائي وقد أرضعتك سنتين؟ فقال: ارتجعي عن دورقين لبناً دورقين مخيضاً واعفيني.
المناقض أباه فيما ادعى عليه من فساد أمه:
غضب الرشيد يوماً على المأمون فقال: يا ابن الزانية! فقال المأمون: الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك! وقال أبو العيناء مثل ذلك لابنه فقال: لقد كنت والله أحفظ لأهلك من أبيك لأهله. وعير رجل ابنه بأمه فقال: هي والله خير لي منك لأنها أحسنت لي الاختيار فولدتني من حر، وأنت أسأت الاختيار فولدتني من أمة!
المعارض أباه في السب:
كان لحنظلة النميري ابن عاق يقال له مرة فقال له يوماً: يا مرة إنك لمر! فقال: أعجبتني حلاوتك يا حنظلة! فقال: إنك خبيث كاسمك! فقال: أخبث مني من سماني به! فقال: كأنك لست من الناس! فقال: من أشبه أباه فما ظلم! فقال: ما أحوجك إلى أدب! فقال: الذي نشأت على يده أحوج إليه مني! فقال: عقمت أم ولدتك! فقال: إذ ولدت من مثلك! فقال: لقد كنت مشؤوماً على أخوتك دفنتهم وبقيت! فقال: أعجبني كثرة عمومتي! فقال: لا تزداد إلا خبثاً! فقال: لا يجتنى من الشوك العنب. وقال عبد الله بن صفوان لابنه: يا لكع! فقال: أما يشبه الرجل أباه؟ فمهما كان من حسن وقبيح فمنك تولد وفعلك جالبه. وقال رجل لابنه: ما أطيب الثكل يا بني! فقال الابن: اليتم أطيب منه يا أبت.
اختيار الأمهات للأولاد:
قال أبو الأسود لبنيه: أحسنت إليكم قبل أن ولدتم وبعده. قالوا: كيف أحسنت قبل الولادة؟ فقال: لأني اتخذت أمهاتكم من حيث لا تعابون به! شاعر:
حميت على الأولاد أطهار أمهم ... وبعض الرجال المدعين جفاء
آخر:
تخيرتها للنسل وهي غريبة ... فجاءت به للنسل خرقاً سميدعا
تأثير أجناس الأمهات في الأولاد:
سئل بعضهم عن ولد الروميه فقال: صلف معجب بخيل. قيل: فولد الصقلبية. قال: طفس زنيم! قيل: فولد السوداء. قال: شجاع سخي. قيل فولد الصفراء. قال: هم أنجب أولاداً وألين أجساداً وأطيب أفواهاً! قيل: فولد النوبية. قال: فاسق زان! قيل: فولد العربية: قال: أنف حسود! قيل: فولد اليهودية؟ قال: دغل قذر. قيل: فولد الفارسية؟ قال: مكر وخديعة. وقيل: لما نر أماً حمقاء أنجبت إلا أم نعمان بن المنذر وأم هشام بن عبد الملك؛ قال:

فلو كنتم لمكيسة أكاست ... وكيس الأم يعرف في البنينا
وقال عبد الله بن زياد: لم يكن جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر إلا خرج مائقاً.

ضواية الولد من بنات العم:
روي في الخبر: اغتربوا لا تضووا.
شاعر:
وقد يضوي وليد الأقارب
ونظر عمر رضي الله عنه إلى قوم من قريش صغار الأجسام فقال: ما لكم صغرتم؟ قالوا: قرب أمهاتنا من آبائنا. قال: صدقتم اغتربوا، فتزوجوا في البعداء فأنجبوا.
شاعر:
ليس أبوه بابن عم أمه
آخر:
أنذر من كان بعيداً لهم ... تزويج أولاد بنات العم
فليس ناج من ضوى وسقم
وقال التعيبي: تزوج أهل بيت بعضهم في بعض، فلما بلغ البطن الرابع بلغ بهم الضعف إلى أن كانوا يحبون حبواً لا يستطيعون القيام ضعفاً. وفي ضده ازدشير: تزوجوا في الأقارب فإنه أمس للرحمن وأثبت للنسب! وهذا مبني على مذهب المجوس.
أولى الأبوين بتفقد الولد:
تنازع أبو الأسود الدؤلي وامرأته في ابن لهما وكل واحد منهما يقول: أنا آخذه. فقال أبو الأسود: حملته قبل أن حملته، ووضعته قبل أن وضعته، فقال امرأته: حملته خفاً وحملته ثقلاً، ووضعته شهوة ووضعته كرهاً، وكان حجري فناءه، وبطني وعاءه، وثديي سقاءه، فدفع الولد إلى أمه.
الرضاعة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة. قالت عائشة رضي الله عنها: دخل علي ابن أبي القعيس فاستترت منه فقال: تستترين مني وأنا عمك؟ قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي. قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال: إنه عمك فليلج عليك. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان.
مدة الرضاع سنتين وإذا فطم الصبي قبل ذلك يقال له مختل:
قال الله تعالى: " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " . وقال الصاحب: في سبطه عباد الحسنى وكان أبلغ أنه فطم قبل حين الفطم.
يا رب لا تخلني من صنعك الحسن ... يا رب حطني في عبادك الحسني
إن كان قد فطموه قبل موعده ... لا بأس فهو رضيع المجد لا اللبن
وله:
لئن فطموه عن رضاع لبانه ... لما فطموه عن رضاع المكارم
تأثير الرضاع في الأولاد والحث على اعتباره:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رضاع الحمقاء، وقال: لا تسترضعوا الحمقاء فإن الولد ينزع إلى اللبن. وقال عبد الملك: إياك وحصانة الرعناء ورضاعة الورهاء. وقال رجل في وصف آخر نسبة إلى الرعونة: كيف لا يكون أرعن وقد أرضعته فلانة؟ ووالله إنها كانت تزق الفرخ فأرى الرعونة في طيرانه. وقيل: إن الحسن البصري رحمة الله عليه كانت أمه تغشى أم سلمة رضي الله عنه على ثديها، فدرت عليه من لبنها فورث منه علمه وفصاحته، وإنما قالت العرب لله دره إشارة إلى أنه أرضعته من أورثته الفضائل لا الرذائل.
اليتم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد حلم. واليتيم من الناس من فقد أباه ومن البهائم من فقد أمه، والعجمي من الناس من فقد أمه، واللطيم من فقد أبويه. وقال صلى الله عليه وسلم: ما بيت بر ولا مدر أكرم من بيت فيه يتيم. قتادة في قوله تعالى فذلك الذي يدع اليتيم: أي ينتهره.
بلوغ الصبيان:
بلوغ الصبيان: بلوغ الصبي بالاحتلام أو استتمام خمس عشرة سنة، وبلوغ الجارية الحيض أو استكمال خمس عشرة سنة، والإنبات بلوغ الكفار دون المسلمين. وقال أمير المؤمنين: لا يلقح الغلام حتى يتفلك ثدياه ويسطح إبطاه.
مما جاء في ممادح الأبوة ومذامها
اعتبار الأب:
قيل:
نجل الجواد جريه يتقيل
آخر:
وابن السرى إذا سرى أسراهما
آخر:
إلا أن غصن الدوح للدوح تابع
وقال عدي بن أرطاة لأياس: دلني على قوم من القراء أوليهم. فقال: القراء ضربان ضرب يعملون للدنيا فما ظنك بهم، وضرب يعملون للآخرة فلا يعملون لك، ولكن عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولهم. قال الحسن رحمه الله لعمر بن عبد العزيز: عليك بذوي الأحساب فإنهم إن لم يتقوا استحيوا، وإن لم يستحيوا تكرموا.
الممدوح بأنه من أصل شريف:
مدح أعرابي فقال: ذاك من شجر لا يخلف ثمره، ومن ماء لا يخاف كدره.

مصعب:
كأنك جئت محتكماً عليه ... تخير في الأبوة ما تشاء
آخر:
هم حلوا من الشرف المعلى ... ومن حسب العشيرة حيث شاؤوا
أبو تمام:
نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نوراً ومن فلق الصباح عمودا
آخر:
نمته بدور ليس فيهن كوكب
ودخل بعض أولاد ابن الزبير على سليمان بن محمد فجلس على نمرقة فاغتاظ من ذلك، وقال: من أجلسك ههنا؟ قال: صفية بنت عبد المطلب! فسكن غضبه.

من تمنى كل قوم كونه منهم لشرفه:
الفرزدق:
أرى كل قوم ود أكرمهم أباً ... إذا ما انتمى لو كان منا أوائله
مسلم:
وكم عائب لي ورد أني ولدته ... وإن كرمت أعراقه وزكا الأصل
المسابق أباه في ابتناه علاه:
قال الربيع: جلس المنصور يوماً فقال: من يصف صالحاً ابني؟ وقد رشحه لأن يوليه بعض أموره، فكلهم هاب المهدي فقال شبة بن عقال: لله دره ما أفصح لسانه، وأمضى جنانه، وأبل ريقه، وأسهل طريقه! وكيف لا يكون كذلك وأمير المؤمنين أبوه والمهدي أخوه ثم أنشد:
هو الجواد فإنه يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا
أو يسبقا على ما كان من مهل ... فمثل ما قدما من صالح سبقا
فقال المنصور: ما رأيت مثل مخلصه، مدح وأرضاني وسلم من المهدي! زهير:
وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء أبائهم قبل
قال الأحنف: إن زهيراً ألقى على المادحين فضول الكلام بهذا البيت.
ذكر أشراف توالوا:
في الخبر: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم صلوات الله عليهم، ليس في الأرض خمسة أشرف متناسقة، كتب عنهم الحديث إلا جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الرضوان، ولا أربعة إلا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهم. وكان قيس بن عبادة بن دلهم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف سبعة أجواد، يتلو بعضهم بعضاً ليس بينهم فرق ولا فضل.
المشابه أباه في علاه ابتناه:
شنشنة أعرفها من أخزم
عمرو بن سراقة:
ومكرمة كانت سجية والدي ... فعلمنيها والدي فعلمتها
شاعر:
وإن امرأ في الفضل أشبه جده ... ووالده الأدنى لغير ظلوم
أبو الغمر:
تشابهوا في العلا حتى كأنهم ... لم يفتقد لهم ميت ولا افترقوا
وقيل: أصل راسخ وفرع شامخ.
محمد بن وهيب:
أنت غصن من ذلك المنبت الزا ... كي ونصل من ذلك الفولاذ
من مكارمه تدل على كرم سلفه:
أبو تمام:
فروع لا ترف عليك إلا ... شهدت بها على طيب الأروم
وفي الشرف الحديث دليل صدق ... لمختبر على الشرف القديم
أبو هفان:
لا تنظرن إلى امرئ ما أصله ... وانظر إلى أفعاله ثم احكم
المستغني بنفسه عن شرف آبائه:
دخل البحتري على بعض العلوية فسأله حاجة بعد حاجة، فأجابه إلى كل ما التمس، فأثنى عليه فقال بعض من حضر، كيف لا يعطي وهو من منصب الفضل؟ فقال:
لا توجبن لكريم أصلك منة ... لو كنت من عكل لكنت كريما
دعبل:
لو لم تكن لك أجداد تنوبهم ... إلا بنفسك نلت النجم من كثب
عامر بن الطفيل:
وإني وإن كنت ابن فارس عامر ... وفي السر منها والصميم المهذب
فما سودتني عامر من وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
المتنبي:
ويغنيك عما ينسب الناس أنه ... إليك تناهى المكرمات وتنسب
وله:
خد ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
من تشرف به آباؤه ولم يتشرف بهم:
الفرزدق:
وإن تميما كلها غير سعدها ... زعانف لولا عز سعد لذلت
فقيل: لقد وضع من قومه أكثر مما رفع من نفسه.
علي بن جبلة:
فما سودت عجلا مآثر قومه ... ولكن به سادت على غيرها عجل
فغير عليه هذا المعنى وقيل: غض عن حسبه ونقص من شأن نفسه؛ واقتدى المتنبي به فقال:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي فخرت لا بجدودي
أنشد الحسن يوماً:

لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله
فقال الحسن: أمدحه أم ذمه؟ فقيل: مدحه وذم قومه، فقال: ما مدحه من ذم قومه وما فضل الولد على الوالد بأحسن من قول المتنبي حيث يقول:
فإن تكن تغلب العلياء عنصرها ... فإن في الخمر معنى ليس في العنب
وقوله أيضاً:
فإنك ماء الورد إن ذهب الورد

من ازداد شرف آبائه به:
ولو علم الشيخان أدو يعرب ... لسرت إذا تلك العظام الرمائم
الخوارزمي:
هو ابن الرئيس والعميد كليهما ... وفوقهما قدراً وإن كان منهما
وقد يوقد الزندان ناراً لقابس ... فتضحي من الزندين أعلى وأعظما
ابن الرومي:
وكم أب قد علا بابن ذرا شرف ... كما علت برسول الله عدنان!
يسمو الرجال بآباء وآونة ... تسمو الرجال بأبناء وتزدان
من زان شرف أبيه بفعله:
شارع:
زانوا قديمهم بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق بحسن وجوه
آخر:
قد زينوا أحسابهم بسماحهم ... لا خير في حسب بغير سماح!
المزين أباه والمتزين به:
أبو تمام:
وحسب امرئ وأنت امرؤ آخر له ... وحسبك فخراً أنه لك أول
الخبزارزي:
فطوبى لقوم أنت فارع أصلهم ... وطوباك إذ من أصلهم أنت فارع!
المتزين بمكانه الناس قاطبة:
المتنبي:
تشرف عدنان به لا ربيعة ... وتفتخر الدنيا به لا العواصم
آخر:
يا زينة الدين والدنيا إذا احتفلا ... وأظهرا ما أعداه من الزين
لا اعتداد بمن شرف أصله ولم يشرف بنفسه:
قال الأحنف: من فاته حسب بدنه فلا حسب له. وقيل: الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية. وقال أبو وائل لرجل شريف الأصل دنيء النفس: ما أحوج عرضك إلى أن يكون لمن يصونه، فيكون فوق من أنت اليوم دونه! وقال ارسطوطاليس: إذا كان خسيس الأبوين شريف النفس كان خسة أبويه زائداً في شرف. وإذا كان شريف الأبوين خسيس النفس كان شرف أبويه زائداً في خسته! وقال الصاحب: شرف نفسي خير من شرف رمسي، وعصامي خير من عظامي؛ يعني قول النابغة:
نفس عصام سودت عصاما. ويعني بعظامي.
قول الآخر:
إذا ما الحي عاش بعظم ميت ... فذاك العظم حي وهو ميت
ابن الرومي:
وما الحسب الموروث لا در دره ... لمحتسب إلا بآخر مكتسب
إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعسة ... من المثمرات اعتده الناس في الحطب
ببغاء:
إذا المرء لم يبن افتخاراً لنفسه ... تضايق عنه ما ابتنته جدوده
ولا خير في من لا يكون طريفه ... دليلاً على ما شاد قدماً تليده
آخر:
وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهله!
عذر من شرف نفسه ولم يشرف أصله:
قال سقراط لرجل عيره بحسبه: حسبي مني ابتدأ وحسبك إليك انتهى! وقال آخر: قومي عار علي وأنت عار على قومك! وطعن في حسب رجل آخر فقال: لأن يكون حسبي عيباً على أصلح من أن أكون عيباً على حسبي. وقيل: لأن يكون الرجل شريف النفس دنيء الأصل أفضل من أن يكون دنيء النفس شرف الأصل، ألا ترى أن رأس الكلب خير من ذنب الأسد؟
عذر دنيء قصر عن أفعال آبائه الأشراف:
قيل لرجل من ولد بشر بن مروان وكان مأبوناً: إن أبك كان سهماً من سهام المسلمين وسيفاً لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: وأنا جعبة من جعابهم وغمد لسيوفهم! قال الأصمعي رحمة الله: دخلت خضراء روح بن زنباع، فإذا أنا برجل من ولده يفسق به في موضع كان أبوه يهب فيه المال ويضرب فيه أعناق الرجال فقلت: يا فضيحة هذا موضع كان أبوك يهب فيه! فأنشأ:
ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصنيعا
إذا الحسب الرفيع تعاورته ... ولاة السوء أوشك أن يضيعا

وقيل لحكيم: كان أبوك أجمل منك وأعقل وأفضل! فقال: لأني كنت به ولم يكن بي، فهو أولى بالكمال مني: وخطب أبو العذري إلى رجل من بني تميم ابنته فقال: لو كنت مثل أبيك زوجتك. فقال: لو كنت مثل أبي لم أخطب إليك. قيل لرجل من الأعراب: ما أشبهت أباك! فقال: لو أشبه كل رجل أباه كنا كآدم.

من أخذ سوء خصال أبيه:
قيل لرجل: كان أبوك أقبح الناس خلقاً وأحسنهم خلقاً، وكانت أمك أحسن الناس وجهاً وأقبحهم خلقاً، فأخذت قبح أبيك وسوء خلق أمك، فيا جامعاً مساوئ أبويه. وقال آخر: إنما أنت كالبغل يأخذ أسوأ خصال الفرس والحمار. وكان عمارة بن عقيل قال: والله لأتزوجن امرأة جميلة يخرج والدها على جمالها وفطنتي، فتزوج برعناء فجاءت بابن في رعونتها ودمامته.
ذم من قصر عن آبائه:
ذم رجل آخر فقال: هو مزبلة بين جبلين أي دنئ من رفيعين. وقال علي بن الجهم:
إن تكن منهم بلا شك فللعود قتار
آخر:
فإن قلتم كعب أبونا وأمنا ... فأي أديم ليس فيه أكارع؟
آخر:
لئن فخرت بآباء لهم شرف ... لقد صدقت ولكن بئسما ولدوا!
آخر:
إذا انتسبوا ففرع من قريش ... ولكن الفعال فعال عكل!
أبو خالد يهجو خالد بن يزيد المهلبي ويمدح أباه ولم يجتمع هذان المعنيان لأحد كما اجتمعا له:
أبوك لنا غيث نعيش بسيبه ... وأنت جواد لست تبقي ولا تذر
وله فيه:
أيا عجباً نبعة أنبتت ... خلافاً وريحانة بقلة
وله:
خالد لولا أبوه ... كان والكلب سواء
الحارثي في معناه:
شريف بجديه وضيع بنفسه ... لئيم محياه كريم المركب
أخذه أبو تمام فقال:
يا أكرم الناس آباء ومفتخراً ... وألأم الناس مبلواً ومختبرا!
ونظر رجل إلى ابن دنيء عن أب شريف فقال: سبحان الله من قائل: يخرج الخبيث من الطيب! ونظر خالد بن صفوان إلى لئيم النفس كريم الأبوين فقال:
فلا يعجبن الناس منك ومنهما ... فما خبث من فضة بعجيب!
ذم من شان آباءه الكرام بلؤمه:
إبراهيم بن العباس:
لئن لحقت بأبناء الكرام به ... لقد تقدم أبناء اللئام بكا
أبو حنش:
لئن كان معن زان شيباً كلها ... لقد شان روح كل آل مهلب
من لم يعتد بشرف النفس ما لم يضامه أبوه:
سمع عمرو بن أبي ربيعة قول القائل:
كن ابن من شئت واتخذ أدباً ... يغنيك موروثه عن النسب
فقال: اسكت فلا فخر، ثم أنشأ يقول:
لا فخر إلا فخار منتخب ... يسمو بأم كريمة وأب
من يخزى من ذكر آبائه:
سئل رجل عن نسبه فقال: أنا ابن أخت فلان! فقال أعرابي: الناس ينتسبون طولاً وأنت تنتسب عرضاً.
أبو محمد الترمذي:
قلت وادغمت أباً خاملاً ... أنا ابن أخت الحسن الحاجب
دعبل:
سألته عن أبيه ... فقال: دينار خالي!
فقلت: دينار من هو؟ ... فقال: والي الجبال
ولعبد الله بن سليمان في فصل إلى إسماعيل بن بليل: وإن من كان بلبلاً أبوه لجدير أن يفض فوه ليخرس عن تشقيق الكلام، وتزويق الكتب بالكذب والآثام.
من نسب أبوه إليه:
عبدان:
أرى الآباء ينتسبون جهلاً ... إلى الأبناء من فرط النذاله
نازع عبد الله بن مسعود عمرو بن هبيرة فقال: يا واحداً ابن واحد، عرفت بأبيك فنسبت إليه، وعرف أبوك بك فنسب إليك.
من لا يعتد بأبيه:
الأخطل:
فإذا وضعت أباك في ميزانهم ... قفزت حديدته إليك فشالا
ولبعض شعراء أصبهان ويعرف بمحمد بن عبد الله بن كسبر:
تبجح بالكتابة كل وغد ... فقبحا للكتابة والعماله!
أرى الآباء نسبتهم جميعاً ... إلى الأبناء من فرط النذاله!
كون الابن جارياً مجرى الأب:
العصا من العصية هل تنتج الناقة إلا لمن لقحت له؟ زهير:
وما يفعلوا من فعل صدق فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل
الربيع اليهودي:
وفي أرومته ما ينبت العودا
الأعشى:

العود يعصر ماؤه ... ولكل عيدان عصاره
هل تلد الحية إلا حيية؟ الأعشى:
العود يعصر ماؤه ... ولكل عيدان عصاره
هل تلد الحية إلا حيية؟ لحميري:
كيف تأتيك بخير ... بيضة من بيض حيه؟
أشبه الفرخ أباه ... والعصا من العصيه!
وقيل: " فلان لا أصل له ولا فصل " فالأصل الوالد والفصل الولد.
ظفر بن الحرث العبدلي:
وإن أحق الناس أن لا تلومه ... على الشر من لم يفعل الخير والده
إذا المرء ألفى والديه كليهما ... على اللؤم فاعذره وإذا خاب رائده

قوم تشابهوا في اللؤم:
كثير عزة:
سواء كأسنان الحمار فما ترى ... لذي كثرة منهم على ناشئ فضلا
آخر:
إذا ما قلت أيهم لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس
آخر:
بلوناهم واحداً واحداً ... وجدناهم الكل كالواحد
فلا ذرأ الرب ولدانهم ... ولا بارك الرب في الوالد!
آخر:
وإن امرأ في اللؤم أشبه جده ... ووالده الأدنى لغير ظلوم
من لؤم نفسه وأصله:
قيل في المثل: الكمئة لا أصل ثابت ولا فرع نابت.
جرير:
فرع لئيم وأصله غير مغروس
معاوية:
السفلة من ليس له نسب معروف ولا فعل موصوف:
من لؤم أبواه:
إذا ذكر الإنسان بغاية اللؤم قيل: هو عبد قن؛ وهو المملوك الأبوين.
شاعر:
أب غير محمود السجيات سفلة ... ووالدة فيها الحديث يطول
آخر:
أب كثرت في العالمين فضائحه
من ذكر أن الشرف بالتقى:
قال الله تعالى: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ؛ قال بعض العارفين: ما أبقى الله بهذه الآية لأحد شرف أبوه. وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى رجلاً يقول: أنا ابن بطحاء مكة! فوقف عليه فقال: إن كان لك دين فلك شرف، وإن كان لك عقل فلك مروءة، وإن كان لك علم فلك شرف، وإلا فأنت والحمار سواء! وقيل: كان الشرف في الجاهلية بالبيان والشجاعة والسماحة، وفي الإسلام بالدين والتقى، وأما الأبوة فلا أبوة.
شاعر:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على الحسب
فقد زين الإيمان سلمان فارس ... وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
كون الشريف من شرفه السلطان:
اصطنع كسرى أنو شروان رجلاً لم يكن له نسب، فقيل له في ذلك فقال: اصطناعنا إياه نسب له. ووفد حاجب بن زرارة على كسرى فاستأذن عليه فقال كسرى لحاجبه: سله من هو؟ فقام رجل منهم فلام مثل بين يديه قال له: من أنت؟ قال: سيد العرب! قال: ألست زعمت أنك رجل منهم؟ قال: منذ أكرمتني وأجلستني صرت سيدهم! فحشا فاه لآلىء.
ما اختص به كل قبيلة من فضيلة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش. وقال: الناس تبع لقريش في الخير والشر. وقال: لا يقومن أحد لأحد إلا لهاشمي. قال يونس: ما في أسد إلا خطيب أو شاعر أو قائف أو زاجراً أو فارس. وقال: ليس في هذيل إلا شاعر أو رام أو شديد العدو. وقال معاوية: من لم يكن من بني هاشم جواداً، ومن بني العوام شجاعاً، ومن بني مخزوم ذا إباء وأبهة، ومن بني أمية حليماً لم يشبه أباه! وقال محمد بن اسحق: ما فتش أحد من بني المطلب إلا عن خصلتين بأس وكرم. وقيل لرجل: ممن أنت؟ فقال: من قوم إذا عشقوا ماتو! قيل: فأنت إذاً من بني عذرة.
المعرض بهجاء قبيلة:
قصد شويعر أبا دلف يمدحه فقال أبو دلف: ممن أنت؟ قال: من تميم. قال: الذي يقول فيهم الشاعر
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا!
قال: نعم بتلك الهداية جئتك! فخجل أبو دلف وخوله وشارطه أن يستر ذلك عليه. ومازح معاوية الأحنف بن قيس فقال: ما الشيء الملفف في البجاد؟ فقال الأحنف: السخينة يا أمير المؤمنين؛ أراد معاوية قول الشاعر:
إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجى بزاد:
بسمن أو بتمر أو بخبز ... أو الشيء الملفف في البجاد!
وأراد الأحنف ما يعير به قريش من أكل السخينة. ولقي شريك النميري تميماً فقال له التميمي: يعجبني البازي، فقال: خاصة إذا اصطاد القطا؛ أراد التميمي قول الشاعر:
أنا البازي المطل على نمير

وأراد شريك قوله:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
وكان سنان النميري يماشي عمرو بن هبيرة الفزاري وهو على بغلة فقال: غض من بغلتك! فقال: إنها مكتوبة، أراد ابن هبيرة قول الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير
وأراد سنان قول الأخطل:
لا تأمنن فزارياً خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
ومرت أعرابية بجماعة من بني نمير فرمقوها فقالت: يا بني نمير ما أخذتم بقول الله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا بأبصارهم " ، ولا بقول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير
ودخل محاربي على هلالي، وكان على حافة غدير فيه ضفادع، فقال: ما تركتنا البارحة شيوخ بني محارب أن ننام. فقال: إنها أضلت برقعاً فكانت في بغائه، أراد الهلالي قول الشاعر:
تنق بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل علياه صوتها حية البحر
وأراد المحاربي قول الشاعر:
لكل هلالي من اللؤم جبة ... ولا بن يزيد برقع وقميص
ورأى بعضهم على قيسي برداً فقال: إنكم لتغالون بالبرود؛ أراد قول الشاعر:
المشترى الفسو ببرد حبره
عرض ابن هبيرة على ضبي يلاعبه فص فيروزج فخجل منه؛ أراد به قول الشاعر:
ألا كل ضبي من اللؤم أزرق

هجو القبائل:
روي أن رجلاً عطش في مفازة فانتهى إلى خباء فعدت صبية فأقبلت عليه بماء ولبن، فسألها عن قبيلتها فقال: من بني عامر؛ فقال الذي يقول فيهم الشاعر:
لعمرك ما تبلى سرائر عامر ... من اللؤم ما دامت عليها جلودها!
فتعثرت الصبية كمداً فكسرت الأناءين وقالت: يا عماه ممن أنت؟ قال: من تميم! قالت: الذي يقول فيهم الشاعر:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
فقال: بل أنا من باهلة! فقال:
إذا ولدت حليلة باهلي ... غلاماً زاد في عدد اللئام
فقال: بل أنا من بني أسد! فقالت:
ما سرني أن أمي من بني أسد ... وإن لي كل يوم ألف دينار
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم: بولي على النار!
فقال: بل أنا من بني عبس! فقالت:
إذا عبسية ولدت غلاماً ... فبشرها بلؤمن مستفاد
فقال: بل أنا من قيس! فقالت:
إذا قيسية عطست فنكها ... فإن عطاسها سبب الوداق
فقال: بل أن من كلب! فقالت:
إذ كلبية خضبت يداها ... فزوجها ولا تأمن زناها
فقال: أنا من ثقيف! فقالت:
أضل الناسبون أبا ثقيف ... فما لهم أب إلا الضلال
فقال: بل أنا من خزاعة! فقالت:
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت ... بزق خمر وأثواب وأبراد
فقال: بل أنا من جرم! فقالت:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم
فقال: بل أنا من حنيفة! فقالت:
أكلت حنيفة ربها ... زمن التقحم والمجاعه
فقال: بل أنا من عبد االقيس! فقالت:
علامة عبد القيس لا ينكرونها ... أعاصير من فسو عليهم تفتر
فضجر الرجل فقال: أنا من ابليس! فقالت:
عجبت من إبليس في تيهه ... وخبث من أظهر من نيته
تاه على آدم في سجدة ... وصار قواداً لذريته

فقال: اعفيني! فقالت إلى لعنة الله إذا نزلت بقوم فلا تجحد إحسانهم! خرج قتيبة متنزهاً فلقي أعرابياً فقال له: ممن الرجل؟ فقال: من عبد قيس! فقال: نسب مهزول! فقال الأعرابي: ممن أنت؟ فقال: من باهلة! فقال: وا ويلاه وا هولاه! أمثلك يقول نسبي مهزول وأنت بين الدعة والخمول؟ فقال له قتيبة: يا أعرابي أيسرك أنك أمير وأنك باهلي؟ فقال: لا ولا خليفة الله في أرضه! فقال: ولك حمر النعم؟ فقال: لا ولا ما طلعت عليه الشمس! فقال: وإنك تدخل الجنة! فأطرق ثم رفع رأسه فقال: إن كان ولا بد فعلي أن لا تعلم بذلك أهل الجنة! فضحك قتيبة ووصله. وسأله أعرابي عن نسبه فقال: من باهلة! فقال: أعيذك بالله! وقال آخر لأعرابي: أن مولى باهلة فأخذ الأعرابي يتمسح به ويقول: ما أبلاك الله بذلك إلا وجعلك من أهل الجنة! وتساب رجلان فقال أحدهما: يا ابن الزانية! فقال الآخر: يا باهلي فقضى له وقيل له ربأت عليه. سأل أعرابي عبد الملك وقد رآه متنكراً: ممن أنت؟ قال: من بني أمية! فقال: أنتم في الجاهلية مربون في التجارة، وفي الإسلام تعادون أهل الطهارة، سيدكم حمار وأميركم حبار، إن نقصكم عن أربعين لم تدركوا بثأر، وإن بلغتموه كنتم بشهادة الرسول من أهل النار! وفجر على خالد بن صفوان ناس من بني الحارث بن كعب عند السفاح فقال له السفاح: ألا تتكلم يا خالد؟ فقال: أخوال أمير المؤمنين وعصبته، وما عسى أن أقول لقوم كانوا بين ناسج برد ودابغ جلد وسائس فرد وراكب عرد؟ دل عليهم هدهد وملكتهم امرأة وغرفتهم فأرة! فقال الجاحظ وقد بلغه مقاله: لئن تفكر في هذا الكلام وأعده إنه لرواية كبير، ولئن حضره حين حرك فما له في العالمين نظير! وقال عمرو ابن عبد العزيز لحميري: قومك الذين قالوا ربان باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم؟ فقال: وقومك الذين قالوا: فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم؟ فتبسم عمر رضي الله تعالى عنه.

من افتخر بنسبه فاعترض عليه بما أخجله:
قال قرشي لشريك: ألا ترى إلى حسن ما قال الله تعالى فينا: وإنه لذكر لك ولقومك؟ فقال شريك: قد قال في موضع آخر: وكذب به قومك وهو الحق! وقال علوي لرجل: إنك تحتاج أن تدعو لي كل يوم خمس مرات تقول: اللهم صلى الله عليه وسلم على محمد وعلى آل محمد؛ فقال: إني أقول معه الطيبين الطاهرين فأخرجك منهم! ودخل رجل من ولد قتيبة الحمام وبشار في الحمام فقال: يا أبا معاذ وددت أنك مفتوح البصر فتى استي فتعلم أنك كذبت في قولك:
إذا أعيتك نسبة باهلي ... فارفع عنه حاشية الازار
على أستاه سادتهم كتاب ... موالي عامر وسم بنار
فقال بشار: فأنت من سادتهم أو من سفلتهم؟ فقال: بل أنا من سادتهم! فقال: أخطأت إنما قلت على أستاه سادتهم وأنت من سفلتهم لا من سادتهم!
من افتخر بأب مطعون فيه فعورض بتعريض أو تصريح:
قال بلال بن أبي بردة لأبي الأسود: أنا ابن الحكمين! فقال: أما أحدهما ففاسق، وأما الآخر فمخدوع مائق! أنشد بلالاً ذو الرمة:
وحق لمن أبو موسى أبوه ... يوقفه الذي نصب الجبالا
فقال ابن أبي علقمة: والله ما وفق الله أبا موسى نفسه فكيف يوفق ابنه؟
تفضيل العلوية على سائر الناس:
قال منصور لجعفر بن محمد: نحن وأنتم في رسل الله سواء! فقال: لو خطب إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج منك لجازله، ولا يجوز أن يتزوج منا فهذا دليل على أنا منه وهو منا! وقال المأمون لعلوي: ما فضلكم علينا في العرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إنه عليه الصلاة والسلام يدخل على حرمنا ولا يدخل على حرمك! وقال عمر بن عبد العزيز يوماً، وقد قام من عنده علي بن الحسين من أشرف الناس؟ فقيل: أنتم لكم الشرف في الجاهلية والخلافة في الإسلام! فقال: كلا أشرف الناس هذا القائم من عندي، فإن أشرف الناس من أحب إنسان أن يكون منه، ولا يحب أن يكون من أحد وهذه صورته.
الممدوح بأنه من عثرة الرسول:
أبو الغمر:
تبوأ من بيت النبوة مفخراً ... علا في السماء فوق قطب الكواكب
يخاطب فيه الروح بالوحي جده ... وقدك هما من مرسل ومخاطب
بشار:
دم النبي مشوب في دمائهم ... كما يخالط ماء المزنة الضرب
عبد الله بن موسى:

أنا ابن الفواطم من هاشم ... نماني علي وبنت النبي
إلي تناهى فخار الورى ... وكلهم لي بحق ولي

الحجة في أنهم أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال الحجاج ليحيى: أنت تزعم أن الحسن والحسين أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم! قال: والله لأقتلنك إن لم تأت بآية تدل على ذلك! فقال: نعم إن الله تعالى: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب، إلى قوله: وزكريا ويحيى وعيسى وهو ابن مريم وقد نسبه إليه! فقال الحجاج: أولى لك قد نجوت! ولما أنزل الله تعالى آية المباهلة دعا النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين فدعا بهما إلى المباهلة، ولما قدم عليّ البصرة اتخذ الأحنف طعاماً فحضره، فقعد على سرير والحسن عن يمينه والحسين عن يساره، وجاء محمد بن الحنفية فلم يكن له على السرير موضع، فقعد ناحية فتغير لذلك فقال أمير المؤمنين له: إنهما ابنا رسول الله وأنت ابني!
ذم علوي:
كتب أبو الحسين بن طباطبا إلى الكادوشي:
لن تحلب الشاة أفاويقها ... أو يخلع التيس عليها الرسن
فاحذر على ثغرك من منعظ ... يقطع عن ضرعك عرق اللبن
فكتب إليه الكادوشي:
أبا حسن أيما حاجة ... دعتك إلى شين هذا النسب
تصون بعرضك عرض اللئام ... كأنك تحلهم عن نشب
وتعنق في سبل المنكرا ... ت ظلماً لتنصر أهل الريب!
لذلك الخلافة لم ترضكم ... ولا نصرتكم عليها العرب
تحللت بالنسب لما رأيت ... أديمك صح ومن سبّ سبّ
فإن لم نجد فيك من مغمز ... سلكنا إليك طريق الكذب!
ولولا النبي عليه السلام ... ولولا عليّ لقيت العجب!
المتنبي:
بها علوي جده غير هاشم
وله:
إذا علويّ لم يكن مثل طاهر ... فما هو إلا حجة للنواصب
الخوارزمي:
كأن الله لم يخلقه إلا ... لتنعطف القلوب على يزيد!
ابن الحجاج علوي من أجله: رحم الله معاوية.
بعضهم في ذم جعفري وبكري:
إن كان جعفرهم طيار أجنحة ... فإن أولادهم فينا مقاصيص
وإن تقولوا إلى الطيار نسبتنا ... فالتمر ينبت في أضعافه الشيص
قال أحمد بن يزيد: تعدّى بكري على أبي في مجلس فاحتمله وقال: احتملته كرامة لأبي بكر! فقال: ما أمكنك أن تقول فيّ فقل! فقال أبي:
لا بارك الله في البكري إن له ... أباً خياراً وسعياً غير مختار
ثانٍ لراكبه رجليه معتمل ... أبوه ثاني رسول الله في الغار
أبوك يعلو إلى الفردوس سلّمه ... وأنت مقتحم تهوي إلى النار
وكان ثوباه من فضل ومن كرم ... وأنت ثوباك من خزيٍ ومن عار!
استنكاف العرب من الهجنة:
صار أعرابي إلى سوًار القاضي فقال: إن أبي مات وتركني وأخي فخط خطين ناحية، وترك هجيناً فخط آخر ناحية بعيداً من الأولين، فكيف يقسم المال؟ قال: المال بينكم أثلاثاً! فقال الأعرابي: لا أحسبك فهمت فأعاد عليه الفتيا فقال: المال بينكم سواء. فقال: أيأخذ الهجين كما نأخذ؟ قال سوار: نعم. فغضب الأعرابي وقال: اعلم أنك قليل الخالات بالدهناء! فقال: لا يضرني. وجاء أعرابي إلى المهدي في طريق مكة فقال: يا أمير المؤمنين. أنا عاشق بنت عم لي وقد أبى أن يزوجنيها! فقال: لعله أكثر منك مالاً. قال: لا. قال: فما القصة؟ قال: ادن مني يا أمير المؤمنين. فضحك المهدي وأصغى إليه برأسه فقال سراً أنا هجين! فدعا عمه وقال: لم لا تزوج ابن أخيط؟ فقال: إنه هجين! فقال: إن ذلك لا يضره إخوة أمير المؤمنين كلهم هجناء، زوجه فقد أصدقت عنه عشرة آلاف درهم! قال الجاحظ: قلت لعبيد الكلابي وكان فصيحاً فقيراً: أيسرك أن تكون هجيناً ولك ألف جريب؟ قال: لا أحب اللؤم بشيء! قلت: فإن أمير المؤمنين ابن أمة! قال: أخزى الله من أطاعه! قلت نبيا الله محمد وإسماعيل كانا ابني أمة! قال: لا يقول هذا إلا قدري. قلت: فما القدري؟ قال لا أدري: شاعر:
لا أرضع الدهر إلا ثغر واضحة ... لواضح الجسم يحمي حوزة الجار
ذلة الموالي عندهم والاستخفاف بهم:

كانت العرب إلى أن عادت الدولة العباسية إذ أقبل العربي من السوق ومعه شيء فرأى مولى دفعه إليه ليحمله معه غلا يمتنع، ولا السلكان يغير عليه، وكان إذا لقيه راكباً وأراد أن ينزله فعل، وإذا رغب أحدهم في مناطحة مولاة خطب إلى مولاها دون أبيها وجدها، وكان نافع بن جبير إذا مرت به جنازة فيقال عربي يقول: يا قوماه! وإن قيل مولى يقول: مال الله يأخذ ما يشاء، ويدع ما يشاء، ولا يقولون للمولى كريم ولا حسيب، وإنما يقولون فاره.

مناقب أولاد السراري:
قال عمر بن الخذاب رضي الله عنه: ليس قوم أكيس من أولاد السراري لأنهم يجمعون عز العرب ودهاء العجم. عاتب هشام زيد بن علي وقال: بلغني أنك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وأنت ابن أمة؟ فقال: كان اسماعيل ابن أمة واسحاق ابن حرة، فأخرج الله من صلب اسماعيل خير ولد آدم! فقال هشام: إذاً لا تراني إلا حيث تكره. كانت أم علي بن الحسين عليهما السلام جيهان شاه بنت يزدجرد، أخذها الحسين من جملة الفيء، وقال له أمير المؤمنين: خذها فستلد لك سيداً في العرب، سيداً في العجم، سيداً في الدنيا والآخرة. ولما فتح قتيبة بعض بلاد العجم أخذ إحدى بنات يزدجرد فقال يوماً لبعض جلسائه: أترى ابن هذه يكون يكون هجيناً؟ فقالت امرأة: نعم من قبل الأب!.
عذر الهجناء:
سابق عبد الملك بين بنيه فجاء الوليد سابقاً وسليمان مصلياً ومسلمة سكيتاً، وكان ابن أمة فقال عبد الملك: لله در الأعور الشني حيث يقول:
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدركوا
وما يستوي المرآن هذا ابن حرة ... وهذا هجين بضعه متشرك
قعدن به خالاته فخذلنه ... ألا إن عرق السوء لابد يدر
فقال: مسلمة بيني وبينك الشني أليس هو القائل:
وكائن ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا
فما زادها فينا السباء نقيصة ... ولا احتطبت يوماً ولا طبخت قدرا
آخر:
لا تزري فتى من أن يكون له ... أم من الروم أو سوداء عجماء
فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللأحساب آباء
أصناف الموالي:
الناس ثلاثة أصناف: عرب وعجم وموال، فالعرب قسمان: ولد اسماعيل بن إبراهيم وقحطان بن عابر، وهم هجان وهو الخالص، وهجين وهو الذي أمة أعجمية حرة كانت أو أمة، فإذا تردد فيه أعراق العجم فهو المعلهج، وأما الفلنقس فهو الذي أمه أمة وخاله عبد، والمكركس الذي أمه أمة وكذلك جدته وجدة أمه، وإذا أحدقت به الإماء فمحيوس من الحيس، وهو الخلط، وإذا وصفوا الإنسان بغاية اللؤم قيل فن، وهو المملوك الأبوين، وعبد العصا لكل ذليل، وعبد مملكة وكعبيد ذي الكلاع باليمن، وعبيد بن الأشعث بن قيس من أهل نجران الذين حكم عمر رضي الله عنه بأن يردوا أحراراً بلا عوض، وعبيد الأعتاق من سباهم النبي صلى الله عليه وسلم من هوازن وفزارة وبني المصطلق، وسماهم بذلك لأنه سار بهم كسيرته في سبايا غيره، ومن الموالي مولى السائبة وهذا كان في الجاهلية وهو الذي سيب نذراً إلى الآلهة، فلا يمنع من ماء ولا كلاء ولا يورث ولا يعقل عنه وصار خليعاً.
كون الموالاة قرابة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: مولى القوم منهم. وقال صلى الله عليه وسلم: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يورث! وقيل: الرجل لأبيه والمولى من مواليه. وقيل: المعتق من فضل طينة المعتق. وروي أن سلمان أخذ من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمرة من تمر الصدقة فوضعها في فيه، فانتزعها النبي صلى الله عليه وسلم من فمه فقال: إنما يحل لك من هذا ما يحل لنا! وقال عمر رضي الله عنه: أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا فأجراه مجراه في السؤدد. وكان المهدي يمشي وبين يديه عمارة بن حمزة فقال له رجل: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا أخي وابن عمي عمارة؛ فلما ولى الرجل قال عمارة: انتظرت أن تقول: ومولاي فانقض يدي من يدك! فتبسم المهدي وقال: أنا بنو هاشم موالينا أحب إلينا من أهالينا. وكان لرجل عبد عامل أراد أن يستخلفه فقال: ليست أستأثر عليكم ولأن أكون عبداً أحب إلي من أن أكون عربياً لاحقاً!.
فضلاء الموالي:

قال عمر رضي الله عنه: لو كان سالم مولى حذيفة حياً لاستلحقته. ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على المهاجرين والأنصار، وولى عليهم أبو بكر رضي الله عنه سالماً يوم اليمامة، وقال أبو بكر حين أرادوه على البيعة: علام تبايعون ولست بأقواكم ولا أتقاكم؟ أقواكم عمر وأتقاكم سالم؛ قال الله تعالى: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة. يعني بقوله أفمن يلقى في النار أبا جهل وبقوله أم من يأتي آمناً عمار بن ياسر.

فضيلة العجم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا فارساً فما سبه أحد إلا انتقم الله منه عاجلاً وآجلاً. وحضر عند النبي صلى الله عليه وسلم مجوسي حسن الهيئة وضيء الوجه، فجعل تحته وسادة حشوها قز وأكرمه فلما نهض قال عمر رضي الله عنه: هذا مجوسي! فقال: قد علمت ولكن أمرني جبريل عليه السلام أن أكرم كريم كل قوم. قال سليمان بن عبد الملك: العجب لهذه الأعاجم كان الملك فيهم فلم يحتاجوا إلينا، فلما ولينا لم نستغن عنهم! وقال أيضاً: ألا تتعجبون من هذه الأعاجم؟ احتجنا إليهم في كل شيء حتى في تعلم لغاتنا منهم. فقال المأمون: الشرف نسب فشريف العرب أولى بشريف العجم من وضيع العجم بشريفهم، وشريف العجم أولى بشريف العرب من وضيع العرب بشريفهم، وهذا كلام شريف. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه ردفه غنم سود فردفتها غنم بيض ما يرى السود فيها لكثرتها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقال: السود العرب ويسلمون، والبيض العجم يسلمون بعدهم حتى ما يرى فيهم العرب لكثرتهم. فقال صلى الله عليه وسلم: بذلك أخبرني الملك سحراً.
الممدوح بكونه من العجم:
بشار:
نمت في الكرام بني عامر ... فروعي وأصلي قريش العجم
وأنشد الموبذ:
أنا ابن المكارم من آل جم ... وطالب ارث ملوك العجم
لنا علم الكابيان الذي ... به نرتجي أن نسود الأمم
فقل لبني هاشم أجمعين: ... هلموا إلى الخلع قبل الندم!
وعودوا إلى أرضكم بالحجاز ... وأكل الضباب ورعي الغنم
فإني لأعلو سرير الملوك ... نجد الحسام ورأس القلم
أبو سعيد الرستمي:
بها ليل عز من ذوابة فارس ... إذا انتسبوا لا من عرينة أو عكل
هم راضة الدنيا وسادة أهلها ... إذا افتخروا لا راضة الشاة والإبل!
المستنكف والمزري بهم:
سمع أعرابي يقول لآخر: أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة؟ فقال الآخر: نعم أرى ذلك بأعمالهم الصالحة! فقال: توطأ رقابنا والله قبل ذلك. وكان ناسك يقول: اللهم اغفر للعرب خاصة وللموالي عامة، وأما العجم فهم عبيدك والأمر إليك. وقال زياد للأحنف: أرى هذه الحمراء قد كثرت وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب وعلى السلطان، وقد رأيت أن أقبل شطراً وأدع شطراً لإقامة الشرف وعمارة الطرق.
ابن الحجاج:
لا تغترر أنك من فارس ... في معدن الملك وديوانه
لو حدثت كسرى بذا نفسه ... صفعته في جوف إيوانه!
ذم النبط وأهل الرساتيق:
روي في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تفيهقت الأنباط ونطقت بالعربية وتعلمت القرآن فالهرب الهرب منهم، فإنهم أكلة الربا ومعدن الشر وأهل غش وخديعة! قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو كان الشيطان إنسياً ما كان إلا نبطياً.
شاعر:
نبط إذا عرك الهوان بهم ... ذلوا، وإن أكرمتهم ضغنوا
ورفع إلى المأمون أن رجلاً شكا جاراً له وقال: وأسيرة عمراه! ذهب العدل منذ مات عمر. فاستحضره وسأله، فذكر ما يشكو منه، فقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل ناتية وهم نبط! فقال المأمون: إن عمر كان يقول من كان جاره نبطياً فاحتاج إلى ثمنه فليبعه، فإن كنت تطلب

سيرة عمر فهذا حكمه! ثم أمر له بألف درهم وأمر صاحبه أن ينصفه. ولما نزل الحجاج واسطاً نفى النبط عنه، وكتب إلى عامله بالبصرة وهو الحكم بن أيوب يقول: إذا أتاك كتابي فانف من قبلك من النبط، فإنهم مفسدة للدين والدنيا فكتب إليه: قد نفيت النبط إلا من قرأ القرآن وتفقه في الدين، فكتب إليه الحجاج: إذا قرأت كتابي فادع من قبلك من الأطباء ونم بين أيديهم ليقفوا عروقك، فإن وجدوا فيك عرقاً نبطياً فاقطعه، والسلام. وأمر بعض الملوك عاملاً له أن يصيد شر طائر. ويشويه بشر حطب، ويبعثه على شر رجل، فصادر خمسة وشواها ببعر ودفعها إلى خوزي، فقال الخوزي: أخطأت في كل ما أمرك به الملك، صد بومة وأشوها بدفلى وادفعها إلى نبطي ولد زنا! ففعل الرجل وكتب به إلى الملك فقال الملك: أصبت ولكن كفى أن يكون الرجل نبطياً لا يحتاج إلى ولد زنا، فليس يزداد النبطي بذلك شراً، فقد بلغ بجنسه الغاية! قيل: إذا جاء الرستاقي بسلة فارغة ومعدة جائعة فأضرب الباب في وجهه! وقال أبو الحسن علي بن أحمد بن العباس: لم يظلم أحد كما ظلم أهل الرستاق لأنهم غرسوا الخشب وليست تكسر إلا على ظهورهم. ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأكراد جيل الجن كشف عنهم الغطاء! وإنما سموا الأكراد لأن سليمان عليه السلام لما غزا الهند، سبى منهم ثمانين جارية وأسكنهم جزيرة، فخرجت الجن من البحر فواقعوهن، فحمل منهم أربعون جارية، فأخبر سليمان بذلك فأمر بأن يخرجن من الجزيرة إلى أرض فارس، فولدن أربعين غلاماً، فلما كثروا أخذوا في الفساد وقطع الطرق، فشكوا ذلك إلى سليمان فقال: أكردوهم إلى الجبال! فسموا بذلك أكراداً.

مما جاء في الدعوة
النهي عن ادعاء غير الأب:
قال الله تعالى: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله. وقال صلى الله عليه وسلم: ملعون ملعون من انتسب إلى غير أبيه وانتمى إلى غير مواليه! وقال عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش وللعاهر الحجر. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قبول شهادة الزنيم.
المعرض بنسبه:
لقي مزيد رجلاً فقال له: ممن أنت؟ قال: قرشي والحمد لله. فقال: الحمد لله في هذا الموضوع ريبة.
أبو نواس:
إذا ذكرت عدياً في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين في النسب
أحمد بن أبي سلمة:
حنفي كما زعم ... وبريء من الكرم
زد على الفاء نقطة ... وارفع النون بالقلم
وقال زياد لرجل: يا دعي! فقال: الدعوة قد تشرف بها المدعي علي فكيف عير بها؟
التعريض بمن لا يشبه أباه أو ذويه خلقة:
قال عبد الملك لعبيد الله بن زياد: بلغني أنك لا تشبه أباك! قال إني والله أشبه به من الماء بالماء والتمرة بالتمرة، ولكن إن شئت أنبأتك بمن لا يشبه أباه؛ قال: من هو؟ قال: من لم يولد لتمام، ولم ينضج في الأرحام، ولم يشبه الأعمام! يعرض بعبد الملك. فقال: ومن هو؟ قال: سويد بن هجوف! فقال لسويد: أكذا أنت؟ قال: نعم! دعبل:
إن بني عمر ولأعجوبة ... تعجز عن وصفهم الفكره
أبوهم أسمر في لونه ... وهؤلاء لونهم شقره
أظنه حين أتى أمهم ... صيّر في نقطته مُغره!
آخر:
كأنهم خبز كتاب وبقال
وهيب الهمذاني:
ألوانهم إليك عن أنسابهم معتذره
كان بأصبهان مجنون يعرف بابن المستهام فقيل لأحمد بن عبد العزيز: إنه مليح ذو نوادر. قال: فاستحضره فلما تأمله قال:
في اختلاف الوجوه من آل عجل ... لدليل على فساد النساء
فأراد أن يبطش به، ثم كف عنه مخافة أن يتحدث الناس بقوله فيكثر.
التعريض بمن لا يشبه أباه فعلاً:
دخل أبو الحسن بن طباطبا على أحمد بن عثمان البري، وكان هجاه أبو الحسن بأهاجي كثيرة فقال له: بلغني أنك تشعر وتجيد. فقال: كذا يقول الناس. فقال له تعريضاً: أشعرت أن قريشاً لم تكن تجيد الشعر؟ وقال مروان بن أبي الجيوب في علي بن الجهم، وقد أجاد تعريضاً إلى الغاية:
لعمرك ما جهم بن بدر بشاعر ... وهذا علي ابنه يدعي الشعرا
ولكن أبي قد كان جاراً لأمه ... فلما ادعى الأشعار أفهمني أمرا
التعريض بالرجل أن ابنه من زنية:

اختصم إلى معاوية في غلام ادعى فقال: ائتوني غداً أقض بينكما. فلما أتوه أخرج حجراً دفعه إلى المدعي، يعني بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: وللعاهر الحجر، فقال له الرجل: أنشدك بالله هلا قضيت بقضائك في زياد؟ فقال معاوية: قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بأن يتبع من قضائي! دخل ابن مكرم على أبي العيناء مهنئاً له بابن ولد له، فوضع عنده حجراً فلما خرج قيل لأبي العيناء فقال: لعن الله هذا! أما تعلمون ما عنى؟ إنما أراد قول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. ورأى عنده منجماً فقال: ما يصنع هذا؟ قال: إنه يعمل طالع مولد ابني. قال: فسله قبل هل هو ابنك حقيقة؟ أبو علي البصير:
أتانا أبو العيناء بابن مزور ... سنحكم فيه عادلاً غير جائر
نهنئه في أسبوعه وملاكه ... فإن مات عزينا سعيد بن ياسر
وله فيه:
لأبي العيناء أولا ... د هم في الناس آيه
فأبو القوم سعيد ... وأبو العيناء دايه
وقيل لرجل: ولدت امرأة فلان بعد الزفاف بخمسة أشهر؛ فقال: كان اناؤنا ضارباً! وقيل لآخر مثله فقال: إنه بنى جداره على أس غيره. وقال رجل من أولاد زياد لآخر: يا ابن الزانية! فقال: لا تسبني بشيء به شرفت.

من راجع قاذفه بدعوة بأحسن تعريض:
كان بين يزيد بن معاوية وبين اسحق بن طلحة بن عبيد الله كلام بين يدي معاوية فقال يزيد: يا اسحق إن خيراً لك أن يدخل بنو حرب كلهم الجنة! فقال اسحق: وأنت والله لخير لك أن يدخل بنو العباس كلهم الجنة! فأنكر يزيد ولم يدر ما عناه؛ فلما قام اسحاق قال معاوية: أتدري ما عناه اسحق؟ قال يزيد: لا. قال: فكيف تشاتم رجلاً قبل أن تعلم ما يقال لك وفيك؟ إنه عنى ما زعم الناس أن أبا العباس أبي، وكانت هند اتهمت به وبغيره، ولذلك لما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه فتلا عليها الآية، فلما بلغ قوله ولا يزنين قال: وهل تزني الحرة؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر وتبسم. وخاصم غيلان رجلاً من ولد زياد فقال له الزيادي: يا دعي! فأنشد يقول:
بثينة قالت: يا جميل أربتنا ... فقلت: كلانا يا بثين مريب!
فبلغ قولهما ابن عائشة فقال: والله إن غيلان في التمثل بهذا البيت أشعر من جميل. وشاتم أعرابي ابنه فقال: لست بابني! فقال الإبن: أنا والله أشبه بأبيك ولأنت كنت أغير على أمي من أبيك على أمك.
من احتمل عيباً لتصحيح نسبه:
نافر لهبي رجلاُ من ولد عمرو بن العاص فعابه بسورة إنا أعطيناك، وعاب اللهبي بسورة تبت يدا أبي لهب، فقال اللهبي: إنك لو علمت ما لأولاد أبي لهب من الدرك في سورة تبت لم تفه بها، لأن الله تعالى صحح نسبهم بقوله: وامرأته حمالة الحطب، وأنهم من نكاح لا من سفاح، ونفى بني العاص بقوله: عتل بعد ذلك زنيم. والزنيم المنتسب إلى غير أبيه. قال العودي: مضيت يوماً في حاجة مع يحيى بن أكثم فاختصر بي طريقاً لم أعرفها، فقلت له: أنا ابن بجدة هذه البلدة ومن لا يبرحها ولا أعرف هذا الطريق. قال: لأن قول الشاعر لم يلحقك:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
فاحتمل هذا الهجاء تصحيحاً لنسبه.
المعروف بأنه عجمي أو نبطي متعرب:
بشار:
أرفق بعمرو إذا حركت نسبته ... فإنه عربي من قوارير
آخر:
عربي في مجان نبطي في الحقيقة
مخلد الموصلي:
أنت عندي عربي ... ليس في ذاك كلام
عربي عربي ... عربي والسلام
شعر أجفانك قيصو ... م وشيح وثمام
المدعى أكارم العجم:
لبعضهم:
يصيح لكسرى حين يسمع ذكره ... بصماء عن ذكر النبي صدوف
ويعجبه أخبار كسرى وذكره ... وما هو في أعلاجهم بشريف
جحظة:
وأهل القرى كلهم ينتمون ... لكسرى ادعاء فأين النبيط؟
ذم مدعي العلوية:
محمد بن وهب:
فتى لما رأى الأنساب عزاً ... تناول غير نسبة والديه
ويرضى أن يقال له شريف ... ومن يرضى إذا كذبوا عليه؟
ذم من يدعي نسباً مرغوباً عنه:
قال حماد عجرد في بشار بن برد:

نسبت إلى برد وأنت لغيره ... فمبك لبرد نكت أمك من برد؟
وهذا البيت في الهجاء من الأبيات النادرة العجيبة، وقيل: إن بشاراً لما سمع ذلك قال: تهيأ لحماد في هذا البيت بهجائي خمسة معان أرادها جرير في الفرزدق فلم يستكملها حيث يقول:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وضع البغيت جدعت أنف الأخطل
وقال أبو محمد البريدي في الأصمعي:
أبن لي دعي بني أصمع ... متى كنت في الأسرة الفاضله؟
ومن أنت هل أنت إلا امرؤ ... إذا صح أصلك من باهله؟

المتقلب في الدعوة:
دعبل:
كل يوم لأبي سعد ... على الأنساب غاره
فهو يوماً في تميم ... وهو يوماً في فزاره
وقال أبو نواس:
لهم في بيتهم نسب ... وفي وسط الملا نسب
من ادعى نسباً لاستفادته جاهاً أو نسباً:
خالد التمار:
عصام بن فيض باللجين وبالذهب ... ولبس الكسا والزعفران الذي يهب
ودار بناها في ثقيف ومسجد ... يرجّي عصام أن يعد من العرب
دعبل:
ليهنك دولة حدثت ... فأحدث عزها نسبا
من نسبه مقصور عليه:
قيل: فلان نفع بقاع ليس له فعل موصوف ولا نسب معروف.
شاعر:
كالود بالقاع لا ... أصل ولا ورق
الجاحظ:
نسب الخمار مقصو ... ر إليها منتهاه
آخر:
يقول سهل: والدي صاعد ... فقل لسهل: من أبو صاعد؟
للناس آباء وما ينتمي ... سهل إلى أكثر من واحد
آخر:
ليس له ما خلا اسمه نسب ... كأنه آدم أبو البشر
من صار مدعى بين جماعة:
خبر زياد بن أبيه معروف جعيفران:
ما جعفر لأبيه ... ولا له بشبيه
هذا يقول بني ... وذا يخاصم فيه
والأم تضحك منهم ... لعلمها بأبيه!
من نفى عنه الدعوة خسة:
قال ابن الزيات لابن أبي دؤاد في مناظرته: ما أنا بدعي! فقال: صدقت ما دونك أحد فتستنزل إليه، ولا فوقك من يقبلك فتنتمي إليه. وقال رجل بين يدي أبي عبيدة: إن الأصمعي دعي! فقال: كذبت لا يدعى إلى أصمع أحد! شاعر:
فما أنفيك كي تزداد لؤماً ... لا ألأم من أبيك ولا أذلا
المتشكك في أمه فضلاً عن أبيه:
عبدان وهو من الأبيات الجيدة المشهورة:
صحح لنا والدة أولاً ... وأنت في حل من الوالد
آخر:
إذا أقمت لنا أماً فصح لها ... وأنت في حرج إن جئتنا بأب
إذا الأدعياء ادعوا والداً ... وجدناك مدعياً والده
مساور الوراق:
ابن عبد العزيز أدغم فيه ... شبه من شرار كل قبيله
صدره من محارب ويداه ... من غنى ورأسه من بجيله
ذكاء ولد الزنا وفرعنته:
قال قدامة: أولاد الزنا أنجب لأن الرجل يزني بشهوة ونشاط، فيخرج الولد كاملاً، وما يكون عن حلال فعن تصنع للرجل إلى المرأة.
ابن بوسة الأصبهاني:
إني إذا ما رأيت فرخ زنا ... فليس يخفى علي جوهره
لو في جدار يخط صورته ... لماج في كف من يصوره
مما جاء في الأقارب
فضل صلة الرحم وذم قطيعته:

قال الله تعالى: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. وقال عبد الله بن أبي أوفى: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا يجالسنا قاطع رحم! فقام شاب فأتى خالة له، وكان بينه وبينها شيء، فأخبرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغفرت له واستغفر لها، ثم رجع والنبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرحمة لا تنزل على قاطع رحم. وقال صلى الله عليه وسلم: صلة الرحم منماة للعود مثراة للمال منسأة في الأجل. وقال جعفر بن محمد: صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة. ثم تلا قوله تعالى: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. وتذاكر واصلة الرحم فقال أعرابي: منسأة في العمر مرضاة للرب محبة في الأهل. وقيل: الصلة بقاء والقطيعة فناء.

حث الأقارب على التظاهر:
دعا أكثم بن صيفي أولاده عند موته، فاستدعى بضمامة من السهام، وتقدم إلى كل واحد أن يكسرها فلم يقدر أحد على كسرها، ثم بددها وتقدم إليهم أن يكسروها فاستسهلوا كسرها فقال: كونوا مجتمعين ليعجز من ناوأكم عن كسركم كعجزكم.
شعر:
إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حرد وبطش أيد
عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالوهن والتكسير للمتبدد
عبد العنبري:
إذا ما أراد الله ذل قبيلة ... رماهم بتشتيت الهوى والتخاذل
المراعي رحمه والمحامي عليه:
بعض بني أسد:
وأستنفذ المولى من الأمر بعدما ... يزل كما زل البعير عن الدحض
وأمنحه مالي وودي ونصرتي ... وإن كان محني الصلوع على بغضي
بعضهم:
ومولى جفت عنه الموالي كأنه ... من البؤس مطلي به القار أجرب
رئمت إذا لم ترأم البازل ابنها ... ولم يك فيها للمبسين محلب
تفضيل الأقارب على الأباعد وإن عادوا:
لما استخلف يزيد بن المهلب ابنه بجرجان قال له: انظر إلى هذا الحي من اليمن فكن لهم كما قال العباس:
فقومك إن المرء ما عاش قومه ... وإن لامهم ليسوا له بأباعد
ونحوه قول بعضهم: أدناك أدناك وإن رفضك وقلاك! وقال بعض بني قيس:
وآخ لحال السلم إن شئت واعلمن ... بأن سوى مولاك في الجور أجنب
ومولاك مولاك الذي إن دعوته ... أجابك طوعاً والدماء تصبب
آخر:
لعمري لرهط المرء خير بقية ... عليه وإن عالوا به كل مركب
استبقاء الأقارب لدفع الأباعد:
النعمان بن حنظلة:
إني لأستبقي امرأ السوء عدة ... لعدوة عريض من القوم جانب
أخاف كلاب الأبعدين وهرشها ... إذا لم تهارشها كلاب الأقارب
هبيرة المري:
ولا تهجر كلابك واصطنعها ... لتطعمها كلاب الأبعدينا
وله:
وذوي ضباب مظهرين عداوة ... قرحى القلوب معاودي الأفناد
ناسيتهم نقصاهم وتركتهم ... وهم إذا ذكر الصديق أعادي
كيما لأعدهم لأبعد منهم ... عدا السلاح إلى ذوي الأحقاد
تفضيل بعض الأقارب على بعض:
قيل لامرأة اسر الحجاج زوجها وابنها وأخاها: اختاري واحداً منهم. فقالت: الزوج موجود، والابن مولود، والأخ مفقود، أختار الأخ! فقال الحجاج: عفوت عن جماعتهم لحسن كلامها!
ذم الأقارب:
قال بعضهم: الأب رب، والعم غم، الأخ فخ، والولد كمد، والأقارب عقارب.
شاعر:
إن الأقارب كالعقارب ... أو أضر من العقارب
آخر:
يقولون عز في الأقارب إن دنت ... وما العز إلا في فراق الأقارب
تراهم جميعاً بين حاسد نعمة ... وبين أخي بغض وآخر عائب
أبو نواس:
وما أنا مسرور بقرب الأقارب ... إذا كان لي منهم قلوب الأباعد
تفضيل بعيد موال على قريب معاد:
قال مقاتل: صديق موافق خير من ولد مخالف. ألم تسمع قول الله تعالى: " إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح " ؟ وقيل: القرابة تحتاج إلى المودة والمودة تستغني عن القرابة.

رب بعيد كأخ ناصح ... وابن أب منهم الغيب
الزبيري:
لمغترب يسر بحسن حالي ... وإن تدنه مني قرابه
أحب إليّ من ألفي قريب ... تبات صدورهم بي مسترابه
بشار:
ربما سرك البعيد وأصلا ... ك القريب النسيب ناراً وعارا
يزيد بن الحكم:
ولقد يكون لك الغريب ... أخاً ويقطعك القريب

التذمم لترك الأقارب واتباع الأباعد:
الحارث بن ظلامة:
سفهنا باتباع بني بغيض ... وترك الأقربين لنا انتسابا
سفاهة قارص لما تروى ... هراق الماء واتبع السرابا
ذم من نفعه للأباعد دون الأقارب:
ابن الأحوص:
من الناس من يغشى الأباعد نفعه ... ويشقى به حتى الممات أقاربه
آخر:
وما خير من لا ينفع الأهل عيشه ... وإن مات لم تجزع عليه أقاربه
آخر:
فتى هو لابن العم كالذئب إن رأى ... لصاحبه يوماً دماً فهو آكله
ذم من يناوىء ذويه ويضرع لأعاديه:
ذم أعرابي رجلاً فقال: هو أقل الناس ذنوباً إلى أعدائه، وأكثرهم تجرؤاً على أصدقائه وأقربائه. وقيل لمعاوية، ما النذالة؟ فقال: الجراءة على الصديق والنكول عن العدو.
الجعدي:
ألا إن قومي أصبحوا مثل خيبر ... بها الداء لكن لا يضر الأعاديا
بيهس الضبي:
إذا ما ألقى العدو فثعلب ... وعلى الأقارب شبه ليث ضيغم
الغطفاني:
جهلاً علينا وجبنا عن عدوهم ... لبئست الخلتان: النكل والجبن!
زياد الأعجم:
تلين لأهل الغل والغم منهم ... وأنت على أهل الصفاء غليظ!
أيوب:
تصول على الأدنى وتجتنب العدا ... وما هكذا تبنى المكارم يا يحيى
وأنت كفحل السوء يبدأ بأمه ... ويترك باقي الخيل سائمة ترعى
كشاج:
وتراه يكرم من نأى ... عنه، ويؤذي من حضر
كالشمس تنحس من دنا ... منها، وتسعد من نظر
عذر من يكره ويطرح قريباً:
إن يعجب الأقوام أني عندهم ... من دون ذي رحم بها يتوصل
فبنو أمية والفرزدق صنوهم ... نسباً وكان وصالهم لا يقبل
عداوة الأقارب وتعسر إزالتها:
أعداؤكم أكفاؤكم، والأقارب عقارب، وأمسهم بك رحماً أشدهم لك لدغاً! وقال جاويذان فروخ: ثلاث لا يستصلح فسادهم بشيء من الحيل: العداوة بين الأقارب، وتحاسد الأكفاء، والركاكة في الملوك. وكان ابن هبيرة يقول: اللهم احفظني من عداوة الأقارب.
طرفة بن العبد:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
ويروي عداوة ذي القربى:
الهيثم النخعي:
بني عمنا إن العداوة شرها ... ضغائن تبقى في نفوس الأقارب
ببغاء:
للظلم بين الأقربين مضاضة ... والذل ما بين الأباعد أروح
فإذا أتتك من الرجال قوارض ... فسهام ذي القربى القريبة أجرح
من يتحامل على ذويه إذا رآهم في محنة:
عامر بن لقيط:
لعمرك إني لو أخاصم حي ... إلى قعفس ما أنصفتني قعفس
فلما لهم طلساً إلي كأنهم ... ذئاب الفضا والذئب بالليل أطلس
عدي النبهاني:
أعاد على الدهر إذ حل برك ... كفى الدهر لو وكلته بي كافيا
آخر:
وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوماً أحال على الدم
الحمية للأقارب وإن كانوا أعداء:
في المثل:آكل لحمي ولا أدعه لآكل. وقيل: الحفائظ تذهب الأحقاد. لا يعدم الجوار من أمة حية.
شاعر:
لكل امرء حالان بؤس ونعمة ... وأعطفهم في النائبات أقاربه!
حريث بن جابر:
إذا ظالم المولى فزعت لظلمه ... فحرّك أحشائي وهرّت كلابيا
وقيل لأعرابي: ما تقول في ابن العم؟ فقال: عدوك وعدو عدوك. ولما مات عبادة بن الصامت رضي الله عنه بكى عليه أخوه أوس بن الصامت فقيل له: أتبكي عليه وقد كان يريد قتلك؟ فقال: حركني للبكاء عليه ارتكاضنا في بطن وارتضاعنا من ثدي.
التجافي عن ذنوبهم ومداواة عداوتهم:

قال الشعبي: لا يكون الرجل سيداً حتى يكون مستعملاً.
قول الشاعر:
وإني للبأس على المقت والقلى ... بني العم منهم كاشح وحسود
أذب وارمي بالعصا من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود
سالم بن وابصة:
ونيرب من موالي السوء ذي حسب ... يقتان لحمي وما تشفيه من قرم
داويت صدراً طويلاً غمره حقداً ... منه وقلمت أظفاراً بلا جلم
محمد بن عبد الازدي:
ولا أدع ابن العم يمشي على شفا ... وإن بلغتني من أذاه الجنادع
الأبيات كلها.
الموسوي:
لويت إلى ود العشيرة جانبي ... على عظم داء بيننا وتفاقم
وقلمت أظفاري وكنت أعدّها ... لتمزيق قربى بيننا ومحارم
وأوطأت أقوال الوشاة أخامصي ... وقد كان سمعي مدرجاً للنمائم

تأسف من جنى عليه أقاربه فلم يمكنه الإنتصاف منهم:
المتلمس:
فلو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما
وما كنت الأمثل قاطع كفه ... بكف له أخرى فأصبح أجدما
يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليه مقدما
فأطرق أطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لنابيه الشجاع ليمما
ذو الإصبع:
لولا أواصر قربيى لست تحفظها ... ورهبة الله في من لا يعاديني
إذا بريتك برياً لا انجياب له ... إني رأيتك لا تنفك تبريني
من جازى أقاربه بذنوبهم فتأسف لذلك:
العديل العجلي:
ظللت أساقي الهم أخوتي الألى ... أبوهم أبي عند المزاح وفي الجد
كفى حزناً أن لا أزال أرى القنا ... يمج نجيعاً من ذراعي ومن عضدي
وإني وإن عاديتهم وجفوتهم ... لتألم مما عض أكبادهم كبدي
قيس بن زهير:
فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني
آخر:
فإن تك حين تبلغهم بجرم ... وإن ظلموا لمحترق الضمير
الحث على معاقبة من يعادي من الأقارب:
أوس بن حبنا التميمي:
إذا المرء أولاك الهوان فأوله ... هواناً وإن كانت قريباً أواصره
غيره:
إذا مولاك كان عليك عوناً ... أتاك القوم بالعجب العجيب
فلا تخنع إليه ولا ترده ... ورام بنفسه عرض الجنوب
فما لك كالقلى في غيره جد ... إذا ولى صديقك من طبيب
من تبجح بمعاداة ذويه:
أرطاة بن سهية:
ونحن بنو عم على ذات بيننا ... ذراني فينا بغضة وتنافس
ونحن كصدع العس إن يعط شاعبا ... يدعه، وفيه عيبه متشاخس
تمثل يزيد بن معاوية لما بلغه قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بقول الفضل بن العباس بن عتبة:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا ... لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا!
الأبيات وهي في الحماسة.
ذم من يتطاول على ذويه في الرخاء ويضرع لهم في اللاواء:
علمس بن عقيل:
فأما إذا عضت بك الحرب عضة ... فإنك معطوف عليك رحيم
وأما إذا آنست أمناً لو رخوة ... فإنك للقربى ألدّ خصوم
شاعر:
إذا أخصبتم كنتم عدوّاً ... وإن أجدبتم كنتم عيالا
الشاكي ظلم مولاه وحده:
شاعر:
إذا ما ابتنى المجد ابن عمك لم تعن ... وقلت: ألا يا ليت بنيانه هوي
تملأ من غيظ علي فلم يزل ... به الغيظ حتى كاد في الغيظ ينشوي
عبد الله بن طاهر:
أخي مالك لا تنفك عن ترتي ... كأن أعضانا لم تغذ من جسد؟
ذم عشيرة بدد الجهل شملهم:
أبو يعقوب الجريمي:
كانوا بني أم ففرّق شملهم ... عدم العقول وخفة الأحلام
علاق بن مروان:
وكانت بنو ذبيان عزاً وأخوة ... فطرتم وطاروا يضربون الجماجما
وجوب تعظيم الأخ الأكبر:

حضر عند النبي صلى الله عليه وسلم أخوة فتكلم أصغرهم فقال عليه السلام: كبروا كبروا! وقيل لحكيم معه أخ أكبر منه: أهذا أخوك؟ فقال: بل أنا أخوه. وكان بين الحسن والحسين رضي الله عنهما كلام فقيل للحسين: ادخل على أخيك فهو أكبر منك! فقال: إني سمعت جدي صلى الله عليه وسلم يقول: أيما اثنين جرى بينهما كلام، فطلب أحدهما رضا الآخر كان سابقه إلى الجنة، وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر! فبلغ قوله أخاه فأتاه عاجلاً وأرضاه.

وصف أخوين مختلفين في الكيس والبله:
من الأخوين اللذين كانا لأب وأم وتفاوتا في العقل جداً علي وعقيل ابنا أبي طالب، أمهما فاطمة الأسدية، ومعاوية وعتبة إبنا أبي سفيان أمهما هند بنت عتبة.
وصف أخوين وضيع ورفيع:
قال الأصمعي: لم يقل أحد في تفضيل أخ على أخ وهما لأب وأم مثل قول ابن المعتز لأخيه صخر:
أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تفاضلت المناكب والرؤوس
ابن أبي عيينة:
داود محمود وأنت مذمم ... عجباً لذاك وأنتما من عود!
فلرب عود قد يشق لمسجد ... نصف وسائره لحش يهود
الموسوي:
تفرد بالعلياء عن أهل بيته ... وكل بهديه إلى المجد والد
وتختلف الأثمار في شجراتها ... إذا شرقت بالماء والماء واحد
السيد الحميري:
فإن قلتم: أبونا عبد شمس ... فإن الزنج من أولاد نوح
هما عرقان من أصل جميعاً ... ولكن ليس نبع مثل شيح
أبو العواذل:
علي وعبد الله ينميها أب ... وشتان ما بين الطبائع والفعل
ألم تر عبد الله يلحي على الندى ... علياً، ويلحاه عليّ على البخل
وقال رجل لأخيه: لأهجونك! فقال: كيف تهجوني وأنا أخوك لأبيك وأمك؟ فقال:
غلام أتاه اللؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من شطر أم ولا أب
عذر من صارم أخاه وباعده وجفاه:
كتب الفضل بن سهل إلى المأمون: أما بعد فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة، فقد فرق كتاب الله بينهما فيما اقتص علينا من نبأ نوح قال: يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح. فلا صلة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة ما كانت القطيعة في ذات الله والسلام. وقيل لأعرابي: لم تقطع أخاك شقيقك؟ فقال: أنا أقطع الفاسد من جسدي الذي هو أقرب إلي منه، فكيف لا أقطعه إذا فسد؟
وصف أخوة متفاوتة في الخلقة:
قال مخنث لأبي عباد وكان قبيحاً ومعه أخ صبيح: ما أمك إلا شجرة البلوط تحمل سنة بلوطاً وسنة عفصاً؛ أخذه ابن طباطبا فقال:
أم أبي عيسى واسحق غدت مرتهنة
بصورة قبيحة جداً وأخرى حسنة
متى تسل عن قصة ابنيها تقل: يا ابن هنه
أنا تشبهها البلوطة الممتحنة تحمل بلوطاً سنه وتحمل العفص سنه لقد أتت بحجة لله درّ الفطنة! آخر:
أم رأيت بني بدر وقد حفلوا ... كأنه خبز بقال وكتاب
هذا طويل وهذا حنبل جحد ... يمشون خلف عمير صاحب الباب
ما يجب أن يكون عليه فضلاء الأقارب:
قال عبد الملك لغيلان: أخبرني عن أفضل البنين. فقال: السار البار المأمون منه العار. قال: فأفضل البنات. قال: المتعجلة إلى القبر المفيدة أباها سنا الأجر. قال: فأفضل الإخوان. قال: الشديد العضد الكريم المشهد، الذي إذا شهد سرك وإذا غاب برك. قال: فأفضل الأخوات. قال: التي لا تفضح أخاها ولا تكسو عاراً أباها. فقال عبد الملك: لله أم درت عليك!
فضيلة الخؤولة وكونها كالأبوة:

يروى أن الأسود بن وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليه فبسط له رداءه فقال الأسود: حسبي أني أجلس على ما أنت عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس فإن الخال والد فأجلسه عليه. وقال عمر رضي الله عنه: لئن بقيت لأسوين بين طرفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قيل بنو هاشم قيل بنو زهرة، فإن الله اختارهم له من قبل أمه كما اختار بني هاشم من قبل أبيه. وقال الحجاج لابن معمر: إنك تزعم أن الحسن والحسين رضي الله عنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم. قال: والله لأقتلنك. فقال ابن معمر: أليس الله يقول ومن ذريته داوود وسليمان إلى قوله وزكريا ويحيى وعيسى؟ وإنما عيسى ابن مريم ابن بنت! فقال: نجوت.

ذم الخؤولة وإنها ليست بنسب:
حسان بن وعلة:
إذا كنت في سعد وأمك منهم ... غريباً، فلا يغررك خالك من سعد!
فإن ابن أخت القوم مصغ إناءه ... إذا لم تزاحم خاله بأب جلد
وقيل: خالك كلبك فعامله بمعاملة الكلب. وتقدم شاب إلى عبد الله بن الحسين فقال: أن جدي أوصى بثلث ماله لولد ولده، وأنا من ولد بنته، والوصي ليس يعطيني منه. فقال: لا حق لك فيه، أما سمعت قول الشاعر:
بنون بنو أبنائنا، وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
المدعي قرابة بعيدة:
قال رجل لآخر: لست ترعى حقي وبيننا قرابة. فقال: من أين؟ قال: إن أباك كان قد خطب أمي، فلو تم الأمر لكنت أنا أنت. فقال: هذه والله رحم ماسة! وتعرض رجل لهشام وادعى أنه أخوه فسأله: من أين ذلك؟ قال: من آدم. فأمر بأن يعطى درهماً فقال: لا يعطي مثلك درهماً! فقال: لو قسمت ما في بيت المال على القرابة التي ادعيتها لم ينلك إلا دون ذلك.
ابن مقرع في زياد:
وأشهد أن آلك في قريش ... كآل السقب من ولد الحمار
وفي شعر آخر:
كآل السقب من آل النعام
الحد السادس
في الشكر والمدح والحمد والذم
والاغتياب والأدعية والتهنئة والهدية والمرض
مما جاء في الشكر
حقيقة الشكر:
قيل: الشكر ثلاثة: شكر لمن فوقك بالطاعة؛ قال الله تعالى: " اعملوا آل داود شكراً " . ولمن فوقك بالأفضال؛ قال الله تعالى: " إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم " . ولنظيرك بالمكافأة؛ قال الله تعالى: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " . وقيل: الشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، وثناء اللسان، والمكافأة بالفعل، وقال عمر بن عبد العزيز: ذكر النعم؟ شكر.
إيجاب الشكر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان عليه يد فليكافىء عليها، فإن لم يفعل فليثنين عليه، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة. وقيل: إذا قصرت يدك بالمكافأة فليطل لسانك بالشكر.
شاعر:
أعليّ لوم إن مدحت معاشراً ... خطبوا إليّ المدح بالأموال؟
يتزحزحون إذا رأوني مقبلاً ... عن كل متكأ من الإجلال
ذم الكفران:
خطب نصر بن يسار فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أنعم على قوم فلم يشكروه فدعا الله عليهم استجيب له فيهم، اللهم إني قد أحسنت إلى آل سام فلم يشكروه، اللهم فأذقهم حر الحديد! فما دار عليهم الحول حتى قتلوا جميعاً. وقال الله تعالى: " ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم " . إذا قل الشكر حسن المن. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله قاطعي سبل المعروف! فقيل: من هم؟ قال: من أزهد في المعروف لكفران النعمة.
الحث على استزادة النعمة وارتباطها بالشكر:
قال الله تعالى: " لئن شكرتم لأزيدنكم " . وقال عمر رضي الله عنه: أهل الشكر في مزيد من الله تعالى لهذه الآية، قيل: لا زوال للنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت. الشكر نسيم النعم. النعمة وحشية فإشكلوها بالشكر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوطد الناس نعمة أشدهم شكراً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، وإذا كانت النعمة وسيمة فاجعل الشكر لها تميمة. وقال ابن المقفع: استوثقوا عز النعم بالشكر. وقيل: النعم إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت. قال ابن سقلاب: رأيت البحتري فقلت ما خبرك؟ فأنشد بديهة:

يزيد تفضلاً وأزيد شكراً ... وذلك دأبه أبداً ودأبي!

الحث عن الإسداء إلى من لا يشكر:
عمرو بن مسعدة قيل: لا تصحب من استمتاعه بمالك وجاهك أكثر من امتاعه لك بشكر لسانه وفوائد عمله. وقيل: اصنع المعروف إلى من يشكره ويذكره، واطلبه ممن ينساه.
من تكفل لمسترفده بشكره:
دعبل:
لأشكرن لنوح فضل نعمته ... شكراً تصادر عنه ألسن العرب
البحتري:
فإن أنا لم أشكرك نعماك جاهدا ... فلا نلت نعمي بعدها توجب الشكرا
عمارة بن عقيل:
فلأشكرنك بالذي أوليتني ... ما بلّ ريقي للكلام لساني
أبو تمام:
لئن جحدتك ما أوليت من حسن ... إني لفي اللؤم أحظى منك في الكرم
ولبعض المتأخرين:
لأملأن لسان الشكر فيك فقد ... أطلقته بفعال ملؤه كرم
من لم يرد عنه خوفه عن شكر المحسن إليه:
بعث المنصور إلى شيخ من بطانة هشام، فاستحضره وسأله عن تدبير هشام وأحواله، فأقبل الشيخ يقول: فعل رحمه الله، وقال يوم كذا رحمه الله! فقال المنصور: أقم لعنك الله أتطأ بساطي وترحم على عدوي؟ فقال الشيخ: إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا عم غاسلي! فقال المنصور: ارجع إلى حديثك فإني أشهد أنك غرس شريف وابن حرة! ولما قتل مسلمة بن عبد الله يزيد ابن المهلب أمر بأن يحضر الشعراء ليقولوا في ذلك، فلم يألوا أن ذكروه بأقبح ما قدروا عليه، ما خلا رجلاً من بني دارم، فإنه قال: لا أذم رجلاً لا أملك ربعاً ولا مالاً ولا أثاثاً إلا منه، ولو قطعت إرباً إرباً، ولقد رثيته بأحسن ما يرثى به رجل، فأنشد أبياتاً رائعة. فجزاء سليمان خيراً وقال: لا اصطنع فليصطنع مثل هذا.
المظهر عجزه عن شكر المنعم عليه:
أبو الوفاء:
أيادي لا أستطيع كنه صفاتها ... ولو أن أعضائي جميعاً تكلم
وقال بعضهم: شكري لايقع من نعمه المتظاهره موقع النقطة من الدائرة.
شاعر:
ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لساناً بيت الشكر فيك، لقصرا
آخر:
واسكتني نعمى كأني مفحم ... ولم أر مثلي مفحماً وهو مقول
آخر:
أيادي منهم ليس يبلغها الشكر
الغساني:
أثقلت بالشكر كل عاف ... فراقب الله في الرقاب
آخر:
ما زلت تحسن ثم تحسن عائداً ... وأعود شاكر نعمة فتعود
فتزيدني نعماً وأشكر جاهداً ... فكذلك نحن! تريدني وأزيد!
آخر:
فإن يك أربى عفو شكرك عن يدي ... أناس فق أربى نداه على شكري
المستنكف آلاء معطيه عجزاً عن شكره:
المتنبي:
ولم نملل تفقدك الموالي ... ولم نذمم أياديك الجساما
ولكن الغيوث إذا توالت ... بأرض مسافر كرة الغمام
محمد بن أبي عمران:
رويدك لا تعنف علي وأعفني ... على حسب أقضي ما أطيق من الشكر
وقد أجاد أبو نواس في هذا المعنى:
أنت امرؤ جللتني نعماً ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا
لا تسدين إلي عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا
وقد أبدع البحتري في هذا المعنى حيث يقول:
أخجلتني بندى يدي وسودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء
وقطعتني بالجود حتى أنني ... متخوف أن لا يكون لقاء!
وله أيضاً:
أيها أبا الفضل شكري منك في نصب ... أقصر فما لي في جدواك من أرب
لا أقبل الدهر نيلاً لا يقوم له ... شكري، ولو كان مسديه إلى أبي!
وقال العثماني في الصاحب:
وفدنا لنشكر كافي الكفاة ... ونسأله الكف عن برنا
فقال العلوي: قد كفيت فإن الصاحب صار لا يعطي شيئاً!
من لا يخفي أياديه:
أياد تتضوع ونعم تسطع وآلاء تتطلع.
الشمردلي:
أياديك لا تخفي مواقع صوبها ... فتعفو إذا ما ضيع الحمد والشكر
وهل يستطيع الأرض ما بعدما انطوت ... على ريها انكار ما فعل القطر
نصيب:
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
آخر:

هب الروض لا يثني على الغيث نشره ... أمنظره تخفى مآثاره الحسنا؟
أبو الحسين الحسنى:
وكيف بكفراني صنائعه التي ... إذا جحدت يوماً أقر بها جلدي

ذكر الحال بأنها منبئة عن المقال:
في المثل: لسان الحال أفصح من لسان الشكر. وقال الجاحظ: نحن نزخرف باللسان والناس يقضون بالعيان، وفي أمرنا أثر ينطق عنا ويتكلم إذا سكتنا.
الموسوي:
وإذا سكت فإن أنطق من فمي ... عني يد المعروف والإحسان
المسلف شكره قبل النعم:
محمد بن عمران:
شكرتك قبل الخير إن كنت واثقاً ... بأني بعد الخير لا شك شاكر
عتبك من شكوته ولما يستوجب:
مسلم:
فما من يد قدمتها كنت مثنياً ... عليك ولكني هززتك للمجد!
وإن شئت ألقيت التفاضل بيننا ... وقلنا جميلاً، واقتصرنا على الحمد
آخر:
وشكر الفتى من غير عرف ولا يد ... ولا منى توليه هزة عاتب
الصاحب:
وإذا الصديق أدام شكري للتي ... لم آتها إلا على التقدير
أيقنت أن العتب باطن أمره ... فسكت محتشماً على التقصير
آخر:
إذا ما المدح صار بلا ثواب ... من الممدوح كان هو الهجاء
دعبل:
لا يقبلون الشكر ما لم ينعموا ... نعماً يكون لها الثناء تبيعا
وقيل: من رضي بالثناء قبل الاستحقاق تبين ضعف عقله.
الحث على الشكر بقدر الاستحقاق:
قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: الثناء من غير الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عي وحسد. وقال رجل لابن الأعرابي: إن نصيباً يقول: إنما تمدح الرجال على قدر أثوابها. فقال: إن العرب تقول: على قدر ريحكم تمطرون.
شكر من هم بإحسان وإن لم تفعله:
من لم يشكر على حسن النية لم يشكر على إسداء العطية. وكتب الصاحب: إن شكرت فاشكر النية لا العطية؛ قال الشاعر:
لأشكرنك معروفاً هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا أذمك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
ثقل الحمد وتفضيله على الرفد:
محمود:
فلما بلغت أيدي المنيلين بسطة ... من الطول إلا بسطة الشكر أطول
ولا رجعت في الوزن يوماً صنيعة ... على المرء إلا منة الشكر أثقل
آخر:
تبهج لي بعرف تشتريه ... بشكرك إنه بالشكر غال
أبو تمام:
والحمد لله لا ترى مشتاره ... يجنيه إلا من نقيع الحنظل
غل لحامله ويحسبه الذي ... لم يوه عاتقه خفيف المحمل
ومن باب ثقل الشكر ما روي عن بعض الصالحين وقد قيل له: مالك لا تطلب الدنيا؟ فقال: من خاف السؤال عن الشكر طابت نفسه عن المال.
المستغني عن رفد من استغنى عن الشكر:
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
لئن طبت نفساً عن ثنائي إنني ... لأطيب نفساً عن نداك على عسري
أبو العتاهية:
ما فاتني خير امرئ وضعت ... عني يداه مؤنة الشكر
ذم من كفر نعمة:
قال الله تعالى: " قتل الإنسان ما أكفره " ! وقال: " وقليل من عبادي الشكور " . وقيل: من لم يشكر الناس لم يشكر الله؛ وأخذه البحتري فقال:
فمن لا يؤدي شكر نعمة خله ... فأنى يؤدي شكر نعمة ربه؟
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الخلائق يوم القيامة قال بعد هل شكرت فلاناً؟ فيقول: يا رب علمت أنك المنعم فشكرتك، فيقول الله تعالى: لم تشكرني إذا لم تشكر من أجريت ذلك على يده. وقيل: إذا وقع الكفر وجب المن.
الخبزارزي:
من لم يلاق كرامات الرجال له ... بالشكر أصبح في طرق الهوان لقي
أبو تمام:
شر الأوائل والأواخر ذمة ... لم تصطنع، وصنيعة لم تشكر
وقيل: هو أكثر من ناشرة. وكان قد أخذه همام بن مرة من أمه وأرادت أن تئده فلما بلغ سعى في قتل همام. وقيل: من لم يحمد صاحبه على حسن العطية كيف يحمد على حسن النية؟
مما جاء في المدح ومستحقيه والهجو وذويه
وصف الثناء بالبقاء والترغيب فيه:

فسر قول الله تعالى " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " بأنه الثناء الحسن. وقال تعالى: " وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم " . أي يقال له هذا. أطول الناس عمراً أعمهم بالخير ذكراً في الثناء الباقي على الدهر خلف من نفاذ العمر.
الأسدي:
وإني أحب الخلد لو استطيعه ... وكالخلد عندي إن أبيت ولم ألم
آخر:
وبقاء الذكر في الأحياء للأموات عمر
وقال الروم: ما فني من بقي ذكره، وقيل لبزرجمهر حين كان يقتل: تكلم بكلام تذكره. فقال: الكلام كثير ولكن إن أمكنك أن تكون حديثاً حسناً فافعل.
شاعر في معناه:
وكن أحدوثة حسنت فإني ... رأيت الناس كلهم حديثاً
آخر:
أرى الناس أحدوثة ... فكوني حديثاً حسن
ولم جعل ابن الزيات في التنور قال له خادمه: يا سيدي قد صرت إلى ما صرت وليس لك حامد! وقال: وما تقع البرامكة صنيعهم؟ قال: ذكرك لهم الساعة. فقال: صدقت! وقال:
حب الثناء طبيعة الإنسان

التحذير من ألسنة الشعراء وذمهم:
قيل: اتقوا ألسنة الشعراء فإنها سمة لائحة وأنشد:
وللشعراء ألسنة حداد ... على العورات موفية دليله
إذا وضعت مكاويهم عليها ... وإن كذبوا فليس له حيله
ومن عقل الفتى أن يتقيهم ... ويدفعهم مدافعة جميله
فضل الشكر على الوفر والحمد على الرفد:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنه هرم: ما وهب أبوك لزهير؟ فقال: أموالاً فنبت وأتراباً بليت وأشياء انتسبت. فقال عمر رضي الله عنه: لكن ما أعطاه كموه زهير لا يفنى ولا ينسى! وكتب أرسطوطاليس إلى الإسكندر: إن كل عقيلة يأتي عليه الدهر فيخلق أثره ويميت ذكره إلا ما رسخ في القلوب من الذكر الحسن يتوارثه الأعقاب.
التخويف من فعل يورث قبح الذكر:
قال بعضهم: فلان حافظ من اليوم أعقاب الأحاديث في غد.
عوف بن محلم:
فتى يتقي أن يخدش الذم عرضه ... ولا يتقي حد السيوف البواتر
أبو لحاد:
حذار الأحاديث التي يوم غيّها ... عقدن بأعناق الرجال المخازيا
حث محب الحمد على إسداء النعم:
قال حكيم: من أحب الثناء فليبصر على بذل العطاء، وليوطن نفسه على الحقوق المرة، وعلى احتمال المؤنة. قال الشاعر:
ما أعلم الناس أن الجود مكسبة ... للحمد لكنه يأتي على النشب
وقال: أي أحدوثة تحب، فكنها.
فضل استقبال الإنسان بممادحه:
خياركم من ملئت مسامعه من حسن الثناء وهو يسمع، وشراركم من ملئت من قبح الثناء وهو يحذر. وقال خالد بن سالم: دخلت على أسامة بن يزيد فأثني علي ثناء حسناً ثم قال لي:إنما حملني على أن أمدحك وجهك لأني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مدح الإنسان في وجهه ربا الإيمان في قلبه. وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أمدح! فقال: وما عليك أن تعيش حميداً وتموت فقيداً. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل فقد مدح نفسه وأمر العباد بمدحه.
كراهية ذلك:
سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على آخر فقال: قطعت مطاه لو سمع ما أفلح. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: المدح ذبح. وقيل: إن الإطراء يدعو إلى الغفلة. ولما جرح عمر رضي الله تعالى عنه أثنى عليه الناس فقال: المغرور من غررتموه، لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع. وقيل: استحياء الكريم من المدح أكثر من استحياء اللئيم من الذم. وأثنى رجل على هشام بن عبد الملك فقال: أنا أكره المدح. فقال: لست أمدحك ولكني أحمد الله فيك!
إستحسان المدح بين الإخوان واستقباحه:
قيل: إذا قدم الإخاء سمج الثناء.
كشاجم:
ومستهجن مدحي له أن تأكدت ... لنا عقد الإخلاص والحق يمدح
وما بي الذي في القلب إلا تبيّناً ... وكل إناء بالذي فيه يرشح
التحذير ممن يمدحك في وجهك تصنعاً:

قيل: أعوذ بالله من صديق يطري وجليس يغري. وكان رجل يكثر على الثناء على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وعلم من قلبه خلاف قوله فقال له: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك! الجاحظ: شر الشكر ثناء المواجه لك المسرف في مدحك، وخيره ثناء الغائب عنك المقتصد في وصفك. وصف العتابي رجلاً بالمداهنة فقال: ذلك إن وجد مادحاً مدح، وإن وجد قادحاً قدح، وإن استودع سراً افتضح.
أبو فراس:
ولا تقبلن القول من كل قائل ... سأرضيك مرأى لست أرضيك مسمعا

التحذير ممن يتجاوز الحد في مدحك:
قيل: كن ممن أفرط في تزكيتك أحذر ممن أفرط في الزراية بك. وقيل: من مدح الرجل بما ليس فيه فقد بالغ في ذمه. وفي المثل: من حقنا أو رفنا فليقتصد. وقيل: من أحب أن يمدح بما ليس فيه استهدف للسخرية.
من وضع نفسه وكره الثناء:
لما ولي أبو بكر رضي الله عنه خطب فقال: إني وليتكم ولست بخيركم؛ فلما بلغ الحسن قوله قال: بلى ولكن المؤمن يهضم نفسه. وقال الفضيل: لو شممتم رائحة الذنوب مني ما قربتموني. وأثنى على زاهد فقال: لو عرفت مني ما عرفت من نفسي لأبغضتني.
المتنبي:
يحدّث عن فضله مكرها ... كأن له منه قلباً حسودا
ما يقول الفاضل عند مدح الناس له:
كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول إذا مدح: اللهم أنت أعلم مني بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يحسبون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون. وقيل لأعرابي: ما أحسن الثناء عليك؟ فقال: بلاء الله عندي أحسن من وصف المادحين وإن أحسنوا، وذنوبي إلى الله أكثر من عيب الذامين وإن أكثروا.
النهي عن المدح قبل الإختبار:
قيل: لا تهرف قبل أن تعرف. وقيل: لا تحمدن أمة عام شرائها ولا حرة قبل بنائها. وقال رجل لعمر رضي الله عنه: أن فلاناً رجل صدق. فقال: هل سافرت معه أو ائتمنته؟ قال: لا. فقال: إذاً لا تمدحه لا علم لك به، لعلك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد.
عتب من يمدح نفسه:
قيل: خطب معاوية خطبة حسنة فقال: هل من خلل؟ فقال رجل من عرض الناس: خلل كخلل المنخل! فاستدعاه وقال: ما ذاك الخلل؟ فقال: إعجابك به ومدحك له! وقيل لحكيم: ما الذي لا يحسن وإن كان حقاً؟ قال: مدح الرجل نفسه. وقال معاوية لرجل: من سيد قومك؟ فقال: أنا. فقال له: لو كنت كذلك لم تقله. وسئل الشاعر الأهوازي: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت والله أظرف الناس، وأشعر الناس، وآدب الناس! فقال السائل: أسكت حتى يقول الناس ذلك! فقال: أنا منذ ثلاثين سنة أنتظر الناس وليسوا يقولون. ومدح أعرابي نفسه فعوتب في ذلك فقال: أكله إليكم إذا لا تقولون أبداً.
الرخصة في ذلك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا سيد العرب ولا فخر. وحكى الله تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام أنه قال: إني حفيظ عليم. ولم يستقبح ذلك من الشعراء إذ قالوه نظماً.
عذر من يحوج إلى مدح نفسه ومن عرض بذلك:
قد أحسن ابن الرومي في ذلك حيث يقول:
وعزيز علي مدحي انفسي ... غير أني جشمته للدلالة
وهو عيب يكاد يسقط فيه ... كل حرّ يريد يظهر حاله
ووصف للمنصور مشير بن ذكوان فأمر باشخاصه إليه، فلما دخل قال له: أعالم أنت؟ فقال: أكره أن أقول نعم وفيه ما فيه، أو أقول لا فأكون جاهلاً. فأعجب المنصور بجوابه وألزمه المهدي. وسأل المأمون عبد الله بن طاهر عن ابنه فقال: إبني إن مدحته ذممته، وإن ذممته ظلمته إلا أنه نعم الخلف لسيده من عبده إذا اخترمته منيته.
من عجز الشعراء عن استيعاب مدحه:
الماكي:
جهدت ولم أبلغ مداك بمدحة ... وليس مع التقصير عندي سوى العذر
وفي شعر آخر:
وليس على من كان مجتهداً عتب
آخر:
يزيد على شأوي زياد وجرول ... وقد غودر ابن العبد في نظمه عبدي
أشجع:
مدحناهم فلم ندرك بمدح ... مآثرهم ولم نترك مقالاً
المتنبي:
وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لساناً قائلاً فقل
ابن الحجاج:
هو البحر إن حدثت عن معجزاته ... ضعفت عن استغراق تلك العجائب
وإن رام شعري أن يحيط بوصفه ... أحاط بشعري العجز من كل جانب
من كثرت ممادحه سهل الشعر على مادحه:

قيل للفرزدق: أحسن الكميت في الهاشميات! فقال: وجد آجراً وجصا فبنى. كتب بعضهم: فتحت شيمه على المداح مستغلقات الكلام. وقال آخر: جود آل المهلب تركهم أهدافاً للمديح.
أحمد بن أبي طاهر:
إذا نحن حكنا الشعر فيك تسهلت ... علينا معانيه وذلّت صعابها
فما انتظمت إلاّ عليك عقودها ... وما انتشرت إلاّ عليك ثيابها
ابن الرومي:
كرمتم فجاش المفحمون لمدحكم ... إذا رحزوا فيكم أبيتم فقصدوا
كما أزهرت جنّات عدن وأثمرت ... فأضحت وعجم الطير فيها تغرد
وله:
عجبت لمن يهديه للشعر مدحكم ... وتنطقه أيامكم وهو مفحم
قال نصيب الأصغر:
ما لقينا من جود فضل بن يحيى ... ترك الناس كلّهم شعراء
فأجمعوا على جودته وأنه لا عيب فيه إلا أنه منفرد.
عابدة المهلبية:
فيا يوماً أديل الموت فيه ... وقال السيف للشعراء: قولوا!

من أحيا بأفضاله طريقة الشعر:
أبو تمام:
ملك إذا ما الشعر حار ببلدة ... كان الطريق لطرفه المتحير
وله:
وحياة القريض إحياؤك الجو ... د فإن مات الجود مات القريض
المتنبي:
يا أيها المحسن المشكور من جهتي ... والشكر من قبل الإحسان لا قبلي
عابدة المهلبية:
إليّ إليّ أيتها القوافي ... سيغلي مهرك الملك الجليل
ويروى للخوارزمي:
خذي ثار الكساد من الليالي ... لكل صناعة يوماً مديل
وقيل لذي الرمة: لم خصصت بلالاً بمدحك؟ قال: لأنه وطأ مضجعي وأكرم مجلسي فاستولى بذلك على شكري ومدحي.
المستفاد منه ما يمدح به:
أحمد بن إسمعيل:
وإني وإن أحسنت في القول مرة ... فمنك ومن إحسانك امتارها جسمي
آخر:
تعلمت مما قلته وفعلته ... فأهديت حلواً من جناي لغارس
ابن طباطبا:
لا تنكرنّ إهداءنا لك منطقاً ... منك استفدنا حسنه ونظامه
والله عزّ وجل يشكر فعل من ... يتلو عليه وحيه وكلامه
آخر:
إن جد معنى فمن جدواه معتصر ... أو جلّ لفظاً فمن علياه مهتصر
المعني بكل مدح حسن:
المتنبي:
متى ما أقل في آخر الدهر مدحة ... فما هي إلا في ليالي المكرم
فظنوني مدحهم كثيراً ... وأنت بما مدحتهم مرادي
من يليق به مدحه:
المتنبي:
وأصبح شعري منهما في مكانه ... وفي عنق الحسناء يستحسن العقد
ابن الرومي:
خذها هدايا ولم أنكحكها عزباً ... يا ابن الوزير وكم أنكحت من عزب!
علي بن عبد العزيز:
وأرى المديح إذا عداك نقيصة ... فأعافه ولو أنه في حاتم
فإذا امتدحت سواك قال الشعر لي: ... لم ترع حقي إذا أبحت محارمي
من يستطاب مدحه:
أبو تمام:
عذبت ممادحه بأفواه الورى ... فثناؤه ينتاب كل مكان
المتنبي:
ألذ من الصهباء بالماء ذكره ... وأحسن من يسر تلقاه معدم
المجمع على مدحه:
ذكر أعرابي رجلاً فقال: كأن الألسن والقلوب ريضت له، فما تعقد إلا على وده ولا تنطق إلا بحمده. وقيل: غاية المدح أن يمدحك من لا معرفة له بك ضرورة إلى مدحك، وأن يسلقك حسن الثناء من عسى أن لا يصل منك إلا نفع.
البحتري:
وأرى الخلق مجمعين على فضلك من بين سيد ومسود
عرف الجاهلون فضلك بالعلم. وقال الجهال بالتقليد
ابن أبي طاهر:
وما أنا في شكري علياً بواحد ... ولكنه في الفضل والجود واحد
من لا يجد أحد عن مدحه محيصاً:
قال أبو عمرو: غاية المدح أن يمدحك من لا يريد مدحك، وغاية الذم أن يذمك من لا يريد ذمك. وكتب بعضهم: الجاحد فضلك كمن سمى النهار ليلاً والشمس ظلاً.
ابن الرومي:
يا من إذا قلت فيه صالحة ... عند عدو أقر واعترفا
آخر:
ليس يستطيع أن يقول المعادي ... فيك إلا الذي يقول الموالي
السلامي:
فما عثرت لكم تهم الأعادي ... على خلق ولا خلق قبيح!
من مدحه صدق غير منحول:
الأحوص:

وما أثن من خمير عليك فإنه ... هو الحق معروفاً كما عرف الفجر
ابن الرومي:
إذا امتدحوا لم ينحلوا مجد غيرهم ... وهل ينحل الأطواق ورق الحمائم؟
وكتب بعضهم: مما يبسط لسان مدحك أمنه من تحمل الإثم فيه وتكذيب السامعين.

من يتزين بممادحه المدح والمداح:
ابن الرومي:
أنت زنت القلائد الزهر قدماً ... ضعف ما زانت القلائد جيدك
الرفاء:
إذا القوافي بذكره اشتملت ... عطرها ذكره وحلاها
آخر:
وتزينت بصفاته المدح
آخر:
على تطيب برياها مدائحنا ... كالمسك تأخذ منه الريح أعرافا
المستغني عن المدح لكثرة فضله:
كتب بعضهم: إذا أنا تعاطيت مدحك فكالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، وهل يخفى ذلك على الناظر؟ البحتري:
جل عن مذهب المديح فقد ... كاد يكون المديح فيه هجاء
المتنبي:
تجاوز قدر المدح حتى كأنه ... بأكثر ما يثنى عليه يعاب
من ذكر أن أحداً لا يستغني عن الشكر:
شاعر:
فلو كان يستغني عن الشكر ماجد ... لعزة ملك وارتفاع مكان
ولما أمر الله العباد بشكره ... فقال: اشكروا لي أيها الثقلان
مدحك محسناً لم يثلك إحسانه:
أبو تمام:
وحسبي إن أطري الحسام إذا مضى ... وإن كان يوم الروع غيري حامله
عمارة بن عقيل:
أرى الناس طراً حامدين لخالد ... وما كلهم أفضت إليه صنائمه
ولن يترك الأقوام أن يحمدوا الفتى ... إذا كرمت أعراقه وطبائعه
المعتذر إلى رئيس لمدحه غيره:
كان ابن الزيات عاتب أبا تمام في مدحه سواه، فاعتذر إليه بقوله:
أما القوافي فقد عضلت عذرتها ... فما يصاب دم منها ولا سلب
ولو منعت من الاكفاء أيمها ... ولم يكن لك في إظهارها إرب
كانت بنات نصيب حين ضن بها ... عن الموالي ولم تحفل بها العرب
قال بعض الأكابر لأبي هفان: ما لك لا تمدحني؟ فقال:
لسان الشكر تنطقه العطايا ... ويخرس عند منقطع النوال
تبكيت من يذم من لا يستحق الذم:
قام رجل في أيام صفين إلى معاوية فقال: اصطنعني فقد قصدتك من عند أجبن الناس وأبخلهم وألكنهم! فقال: من الذي تعنيه؟ قال: علي بن أبي طالب! فقال: كذبت يا فاجز! أما الجبن فلم يكن قط فيه، وأما البخل فلو كان له بيتان بيت من تبر وبيت من تبن لأنفق تبره قبل تبنه، وأما اللكن فما رأيت أحداً يخطب ليس محمداً صلى الله عليه وسلم أحسن من علي إذا خطب، قم قبحك الله! ومحا اسمه من الديوان. وقف رجل على شيرويه فقال: الحمد لله الذي قتل ابرويز على يديك وملكك ما كنت أحق به منه وأراحنا من عتوه ونكده، فقال للحاجب: احمله إلي. فقال له: كم كان رزقك؟ قال: ألفان. قال: والآن. قال: ما زيد شيء. قال: فما دعاك إلى الوقوع فيه وإنما ابتداء نعمتك منه ولم نزد لك. وأمر أن ينزع لسانه من قفاه.
بخيل راغب في مدح بلا صلة:
الغفالي:
عثمان يعلم أن المدح ذو ثمن ... لكنه يبتغي حمداً بمجان
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً ... حتى يروا عنده آثار إحسان
علي بن الجهم:
أردت شكراً بلا بر ومرزية ... لقد سلكت طريقاً غير مسلوك!
البحتري:
خطب المديح فقلت: خل طريقه ... ليجوز عنك فلست من أكفائه
أخذه أبو تمام حيث يقول:
تزحزحي عن طريق المجد يا مضر
عذر من يغتاب مسيئاً:
قال المتوكل لأبي العيناء: إلى كم تمدح الناس وتذمهم؟ فقال: ما أحسنوا وأساؤوا، وذلك دأب الله عز وجل، رضي عن عبد فمدحه وقال: نعم العبد إنه أواب، وغضب على آخر فزناه فقال: ويلك وكيف زناه؟ قال: إن قال في الوليد: عتل بعد ذلك زنيم، والزنيم هو الداخل في القوم وليس منهم؛ ثم أنشد:
إذا أنا بالمعروف لم أثن صادقاً ... ولم أذمم الحيس اللئيم المذمما
ففيم عرفت الخير والشر باسمه ... وشق لي الله المسامع والفما؟
ابن أبي عيينة:
أنا من عشت عليه ... اسوأ الناس ثناء

إن من كان مسيئاً ... لحقيق أن يساء
تذمم من مدح لئيماً فحرمه:
قال أعرابي وقد مدح رجلاً فخيبه: إن فلاناً تعدى بلؤمه من تسمى باسمه، ولئن خيبني قلوب قافية قد ضاعت في طلب كريم. ومدح بشار المهدي بشعر فخيبه فقيل له: لعلك لم تستجد المدح. فقال: لو مدحت بشعري ذلك الدهر لم أخش صرفه على حر، ولكن أكذب في العمل وأخيب في الأمل وأنشد:
إني مدحتك كاذباً فأثبتني ... لما مدحتك ما يثاب الكاذب
ابن الرومي وقد هجا كبيراً أمل منه كثيراً فأجازه حقيراً:
أتيتك مادحاً فهجوت شعري ... وكانت هفوة مني وغلطه
لذلك قيل في مثل سخيف: ... جزاء مقبل الوجعاء ضرطه!
ولابن ربذة:
مدحت الغالبي بمدح صدق ... فقابل مدحتي بجريب حنطه
فإن لاقيته يا صاح يوماً ... فحي سباله عني بضرطه
أبو هشام الباهلي:
لكل أخي مدح ثواب يعده ... وليس لمدح الباهلي ثواب
مدحت ابن سلم والمديح مهزة ... فكان كصفوان عليه تراب
ومدد أعرابي رجلاً فلم يعطه فقال المادح: إنه أباحني عرضه فتنزهت له.
أبو الهول:
هززتك للعلى فكبوت عنها ... كبو البغل طال به التعني
آخر:
ولم ألبسك ثوب الفخر إلا ... وجدتك قد خريت على الطراز
آخر:
ألا في سبيل الله سعي سعيته ... فمر ضياعاً لا ثواب ولا يد
فخيبة آمالي وعصيان خالقي ... وكفأرة الزور الذي كنت أنشد
متى يستحق الأجر من ظل عاكفاً ... على صنم يعنو له ثم يسجد؟
ومدح مخنث رجلاً فذمه الرجل، فالتفت إلى القوم وقال: أكذب عليه ويكذب علي ليعلم أينا أكذب!
رددت علي شعري بعد مطل ... وقد دنست ملبسه الجديدا
وقلت: أمدح به من شئت غيري ... ومن ذا يقبل المدح الرديدا؟
وما للحي في أكفان ميت ... لبؤس بعدما امتلأت صديدا

من استرده لما حرم الجدوى:
ابن الرومي:
ردوا علي صحائفاً سودتها ... فيكم بلا حق ولا استحقاق
وله:
إن كنت من جهل حقي غير معتذر ... وكنت من رد مدحي غير متئب
فأعطني ثمن الطرس الذي كتبت ... فيه القصيدة أو كفارة الكذب
من لا ليق به المدح:
البحتري:
خطب المديح فقلت: خل طريقه ... ليجوز عنك فلست من أكفائه
منصور بن باذان:
نبت المدائح عن طبائعه ... ولقد يليق بوجهه القذف
سلم الخاسر:
فإن تعطني جرم لأني امتدحتها ... فما علمت جرم لها مادحاً قبلي
مدح أبو خليفة رجلاً فلم يكن منه ما يحب فقال: لله در الكميت حيث يقول:
وقرظتكم لو أن تقريظ مادح ... يواري عواراً من أديمكم النغل
قال أبو نواس لما مات جعفر بن يحيى: لا يكون في الدنيا أكرم منه هجرته وقلت فيه:
ولست وإن أطنبت في مدح جعفر ... بأول إنسان خرى في ثيابه
فأمر لي بعشرة آلاف درهم وقال: اغسل بها ثيابك التي خريت فيها! الموسوي:
مدحتهم فاستقبح المدح فيهم ... ألا رب عنق لا يليق به العقد
من لا يستحق الهجو لحسنه ودناءته:
قال أبو مسلم لأصحابه: أي الأعراض أدنأ؟ فقال بعضهم: عرض بخيل! فقال: رب بخيل لم يكلم عرضه، أدنأ الأعراض عرض ولم يرتع فيه حمد ولا ذم. وقيل للفرزدق: وضعت كل قبيلة إلا تيما. فقال: لم أجد حسباً فأضعه ولا بناء فأهدمه. وقال ابن مناذ لرجل: ما لك أصل فأحقره ولا فرع فأهصره. وقال رجل للنمري: اهجني! فقال: إنما يهجو مثلك مثلك وقال:
إني لأكرم نفسي أن أكلفها ... هجاء جرم وما يهجوهم أحد
ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ... لا يبلغ الناس ما فيهم وإن جهدوا
مسلم:
أما الهجاء فدق عرضك ... والمدح فيك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق جدك إنه ... جد عززت به، وأنت ذليل
المتنبي:
فلو كنت أمرأ يهجى هجونا ... ولكن ضاق فتر عن مسير
أخذه من قول الراعي:

لو كنت من أحد يهجى هجوتكم ... يا ابن الرقاع، ولكن لست من أحد!

من لا يهتز لمدح ولا يغتم لهجو:
قال رجل لحكيم: لا أبالي مدحت أم هجيت! فقال: استرحت من حيث تعب الكرام. وقيل: من لا يبالي سخط الكرام وشكية الأحرار فطوقه سوءة الحمار. وقيل: ليعد ميتاً من لم يهتز لمدح ولا يرتمض من ذم.
ابن الرومي:
فما يرتاح للمدح ... ولا يرتاح للذم
وله:
لا يبالي الشم عرض ... كله شتم وذم
إبراهيم بن المدبر:
أحق الناس كلهم بعيب ... مسيء لا يبالي أن يعابا
قال أبو نواس وقد تبجح بقلة مبالاته وبما يقال فيه، ويعني بذلك في باب تعاطيه الخسارة!
جريت مع الصبا طلق الجموح ... وهان علي مأثور القبيح
من يشرف بالهجو:
أبو نواس:
أصبح فضل ظاهر التيه ... وذاك مذ صرت أهاجيه
كم بين فضل منذ هاجيته ... وبينه قبل هجائيه
من يصدق هاجيه ويكذب مادحيه:
مثقال:
ما قلت فيك هجاء خلته كذباً ... إلا بدت لك سوآت تحققه
ابن الرومي:
خير ما فيهم ولا خير فيهم ... أنهم غير آثمي المغتاب
منصور بن باذان:
أبا دلف يا أكذب الناس كلهم ... سواي فإني في مديحك أكذب
ونظر رجل إلى أبي هفان يحدث آخر فقال: فيم تكذبان؟ فقالا في مدحك.
من لا يأثم هاجيه:
ورد في الحديث: اذكروا الفاسق بما فيه. وقيل: لا غيبة للفاسق.
عبدان:
وقالوا في الهجاء عليك إثم ... وليس الإثم إلا في المديح
لأني إن مدحت مدحت زوراً ... وأهجو حين أهجو بالصحيح
المهجو بكل لسان:
ذكر أعرابي قوماً فقال: قد سلخت أقفاؤهم بالهجاء ودبغت جلودهم باللؤم، لباسهم في الدنيا الملامه، وزادهم في الأخرى الندامه.
الداعي على هاجيه وعائبه:
نظر الفرزدق إلى رجل ذي عمة فقال:
قبحت العينان تحت العمه
فقال:
بل قبح الهاجي وناك أمه
البسامي:
من هجاني من البرية طرا ... وسعى في مساءتي أو لحاني
فاللواتي عليه حرمهن الله في سورة النساء زواني
أخو دعبل:
بنيت قافية قيلت تناشدها ... قوم سأترك في أعراضهم ندبا
ناك الذين رووها أما قائلها ... وناك قائلها أم الذي كتبا
ذم قبيح الكلام:
قيل: قبيح الكلام سلاح اللئام. وسمع المهلب رجلاً يسب آخر فقال: اكفف فوا الله لا ينقى فوك من سهكها أبداً. وقال يزيد: إياك وشتم الأعراض فإن الحر لا يرضيه من نفسه شين.
النهي عن المشاتمة وذم الغالب منهما:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: البذاء لؤم وصحبة الأحمق شؤم. وقال ابن عامر: دعوا قذف المحصنات تسلم لكم الأمهات. وقيل: المبتدىء شاتم نفسه والبادي أظلم. وشتم رجل حكيماً فقال: اسكت فلست أدخل في حرب الغالب فيها شر من المغلوب. وقال أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه: ما تساب اثنان إلا غلب ألأمهما.
شاعر:
وإنك قد سابيتني فغلبتني ... هنيئاً مريئاً أنت بالسب أحذق!
وقيل: ما تسابّ اثنان إلا انحط الأعلى إلى مرتبة الأسفل. وقال حذيفة بن بدر لرجل: أيسرك أن تغلب شر الناس؟ قال: نعم. قال: لن تغلبه حتى تكون شرّاً منه. نازع رجل المهلب فأربى عليه فقيل: لم أمسكت عنه؟ فقال: كنت إذا أردت إجابته رغبت في غلبة اللئام، وكان إذا سبني تهلل وجهه واستنار لونه وتبجحت نفسه، فإن ظفر فبفضل القحة ونبذ المروءة وخلع ربقة الحياء، وقلة الاكتراث بسوء الثناء.
الحث على قطع مادة الذم بالسكوت عنه:
قيل: من سمع كلمة كرهها فسكت عنها انقطعت وإلا سمع أكثر منها. وما أحسن ما قال الشاعر:
وتقلق نفس المرء من أجل شتمة ... فيشتم ألفاً بعدها ثم يصبر
وقيل: إذا سمعت كلمة تؤذيك فتطأطأ لها تتخطاك.
شاعر:
كلما خفت من لئيم جواباً ... فأطلت السكوت عنه غممته
وشتم الحسن رجل وأكثر فقال: أما أنت فما أبقيت شيئاً وما يعلم الله أكثر.
ذم من ينزه عن سبه:

قيل: ذم من كان خاملاً إطراء. وشتم رجل آخر فلم يرد عليه، فقيل له في ذلك فقال: أرأيت لو نبحك كلب أتنبحه، أو رمحك حمار أكنت ترمحه؟ وقال آخر:
قد ينبح الكلب النجوما
آخر:
وما كل كلب نابح يستفزني ... ولا كلما طن الذباب أراع
شاعر:
شاتمني عبد بني مسمع ... فصنت منه النفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقاري له ... من ذا يعضّ الكلب إن عضّا
علي بن الجهم:
بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين
ينيلك منه عرضاً لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون
ونحو ذلك ما قال جرير لذي الرمة: هل لك أن تهاجيني؟ فقال: لا إن حرمك قد هتكتهن الأشعار فما فيهن مرتع! شاعر:
أو كلما طنّ الذباب زجرته ... إن الذباب إذاً علي كريم
وقيل لنصيب: ألا تهجو فلاناً وقد حرمك؟ فقال: إنما كان ينبغي أن أهجو نفسي حيث سألته! فقيل: ويحك قد هجوته بأشد هجاء! أبو علي بن عروس الشيرازي:
ومتى هجيت فقد مدحت لقد غلا ... سوم البعوضة إن رماها الصائد
عبد الله بن خلف:
دناءة عرضك حصن منيع ... يقيك إذا شاء منك الضبيع
فقل لعدوّك ما تشتهي ... وأنت الرفيع المنيع الوضيع
من لا يخاف لكونه ممتنعاً بغيره:
قيل: وقف جدي على سطح فمر به ذئب فأقبل الجدي يشتمه، فقال الذئب: لست تشتمني وإنما يشتمني المكان الذي تحصنت به! منصور بن باذان:
لو كنت أجسر أن أقولا ... أشفيت من نفسي الغليلا
لكن لساني صارم ... منئت مضاربه فلولا
آخر:
وما جهلت مكان الآمريك بذا ... يا من هويت، ولكن في فمي ماء
إجابة من عابك تعويضاً بما عابك به:
كتب ابن مكرم إلى أبي العيناء: لست أعرف طريقاً للمعروف أحزن ولا أوعر من طريقه إليك، لأنه ينضاف إلى حسب دنيء ولسان بذيء، وجهل قد ملك عنانك! فكتب إليه أبو العيناء في أسفل رقعته:
وأنت رعاك الله فينا فإنما ... مدحت بفضل ضعفه فيك يوجد
فعدوه أبلغ من الأول. قال ابن مكرم لأبي العيناء: يا مخنث! فقال: وضرب لنا مثلاُ ونسي خلقه. وقال ابن ثوابة لرجل: يا مأبون! فأنشد:
كلانا يرى الجوزاء يا جمل إن بدت ... ونجم الثريا، والمزار بعيد
وقال رجل لآخر: يا دعي! فقال:
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد
وقال رجل لآخر: يا ابن الفاعلة! فقال له ذاك: يا ابن الصالحة أكذب حتى أكذب؛ وعلى هذا المعنى قال:
ثالبني عمرو فثالبته ... فأثم المثلوب والثالب
قلت له خيراً، وقال الخنى ... كل على صاحبه كاذب
وقال رجل لشاعر: أنك تغتاب المحصنات. فقال: إذاً لا بأس على عيالك مني.

تعويضات عن الأجوبة في الذم بالنثر والنظم:
لما قال كعب الأشتر لزياد الأعجم:
وأقلف صلى، بعد ما ناك أمة ... يرى ذاك في دين المجوس حلالا
فقال زياد: لا جزيت أمه خيراً فقد أسبرته أني أقلف! ولما قال جرير لابن الرقاع:
يقصّر باع العاملي عن العلا ... ولكن أيرا العاملي طويل!
قال ابن الرقاع:
أأمك كانت أخبرتك بطوله ... أم أنت امرؤ لم تر كيف تقول؟
فقال: لم أدر كيف أقول. ولما قال أرطاة بن سهية للربيع بن قعنب:
لقد رأيتك عرياناً ومؤتزرا ... فما دريت أأنثى أنت أم ذكر
فقال الربيع:
لكن سهية أدرى يوم زرتكم
ومر الفرزدق بباب المكاري فقال:
وكم من هن يا باب ضخم حملته ... على الرجل فوق الأخدري المراكب
فقال باب: قد حملت النوار فيمن حملت. فقال الفرزدق: غلبني والله! ولما قال مسكين الدرامي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي ينزل القدر
قالت امرأته: نعم لأن القدر والنار للجار. ولما قال إبراهيم بن هرمة:
لا منع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
قال المزيد: صدق ابن الخبيثة، فإنه يشتري شاة الأضحية فيذبحها من ساعته. وتبجح رجل فقال: إن أبي ممن قال فيهم شاعر:
يقوم القعود إذا أقبلوا

فقال له: صدقت لأنه كان بين يديه حمل شوك.
من قصد مدحاً فاتفق منه هجو:
عيب على جرير قوله:
تعرضت تيم لي عمداً لأهجوها ... كما تعرض لاست الخارئ المدر
فقيل: جعل نفسه است الخارئ، ولو هجى بهذا لكان كثيراً! وقد تقدم في هذا المعنى باب في كتاب الشعر.

التهديد بالهجاء:
لما هجا جرير حنيفة بقوله:
إن اليمامة أضحت لا أنيس بها ... إلا حنيفة تفسو في مناحيها
لقيه عطية بن دعبل الحنفي فقال: يا جرير إنك قد عرفت نصرة الفخم وإن لي سيفاً يختصم الجزور فوالله لئن عدت لهجاء قومي لأسيلنه منك بشرطين. فقال: لا أنطق بعد هذا، فأعف هذه المرة! وتهدد الفرزدق رجلاً بالهجاء فقال له: قل وأصدق! فقال: إذاً أقول خيراً.
أبو القاسم بن أبي العلاء:
دع الفضائح تخفى ... والليث في الغيل رابض
وله:
لا تخرجني من خيسي فتنكرني ... وتؤذي الناس أحياء وأمواتا
كأنني بك ضيّعت موعظتي ... وجئتني نادماً والأمر قد فاتا
مما جاء في الغيبة والنميمة
حقيقة الغيبة:
محمد بن عبيدة الغيبة: أن تغتابه إذا أقلع لا أن تغتابه وهو مقيم على فسقه. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس للفاسق غيبة. وقال عليه الصلاة والسلام: إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته، وإن لم يكن فقد بهته. وقيل: ما قلته في وجه الرجل ثم تقوله من ورائه فليس بغيبة. وقال بعض الفقهاء: الغيبة إن تذكر الإنسان بما فيه من العيب من غير أن تحوج إليه، وفي ذلك احتراز مما بقول الشاهد عند الحاكم.
ذم الغيبة والنميمة وفضل تركها:
قال الله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه؟ " . فما رضي بأن جعله آكلاً لحم أخيه حتى جعله ميتاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الغيبة أشد من الزنا لأن الله تعالى يتوب على الزاني، ولا يغفر الغيبة إلا بتحليل صاحبها. وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما: إياك والغيبة فإنها أدم كلاب النار. وقال قتيبة لرجل يغتاب آخر: لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام، الغيبة مرعى اللئام وجهد العاجز. وقال المأمون: حسبك من السعاية أن ليس في الدنيا صدق مذموم غيرها. وقال تعالى: " همّاز مشّاء بنميم " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتاة. وقال: النميمة تفطر الصائم وتنقض الوضوء. وقال: من قلّ ماله وكثر عياله وحسنت صلاته ولم يغتب المسلمين كان معي يوم القيامة كهاتين. وقال: عذاب القبر من ثلاثة: من الغيبة والنميمة والبول. وقيل: الساعي غاش وإن قال قول المتنصح. وقال ابن أكثم: القول بالمحاسن في المغيب فريضة على كل ذي نعمة. وقال المأمون لإبنه العباس: قلم أظفارك من جليسك، فأخس الناس من دمي جليسه بظفره. قال: ولله در القائل:
لا أخدش الخدش بالجليس ولا ... يخشى جليس إذا إنتشبت يدي
من امتنع أن يجعل مغتابه في حل:
قال رجل لابن سيرين: قد نلت منك فاجعلني في حل. فقال: لا أحل ما حرم الله عليك. وقيل للحسن: إن الحجاج كان يذكرك بسوء. قال: علم ما في نفسي له فنطق، وعلمت ما في نفسي له فسكت، وكل امرئ بما كسب رهين.
من سمحت نفسه بأن يجعل في حل:
كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا خرج يقول: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. وقال كثير:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
وقيل لرجل: فلان شتمك واغتابك، فقال: هو في حل. فقيل: أتحل من يغتابك وبه يثقل ميزانك؟ فقال: لا أحب أن أثقل ميزاني بأوزار إخواني.
من قلت مبالاته بمن اغتابه:
قيل لفيلسوف: فلان يشتمك بالغيب. فقال: لو ضربني بالسياط في الغيب لم أبال به! قال:
وإن الذي يؤذيك منه استماعه ... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل
قال المتوكل لأبي العيناء: ما بقي أحد إلا اغتابك، فقال:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباناً عليّ لئامها
وقيل للأحنف: فلان اغتابك. فقال:
رب من يعيبه أمري ... وهو لم يخطر ببالي
قلبه ملآن من غيظي وقلبي منه خال

وقيل لأعرابية: فلانة تقع فيك. فقالت: دعوها فشكاتها وسكاتها عندي سواء. وقيل لرجل: فلان يغتابك. فقال: دعني يسترفعني الله بذلك، فمن أكثرت فيه الوقيعة رفعه الله، فإن بني أمية لعنوا علياً على المنابر فما زاده الله إلا رفعة. وحكي عن ببغا الشاعر البغدادي أنه قيل له: أن فلاناً يغتابك. فقال: لا ضير أنه أراد أن يمتحن ودي. وقيل لآخر ذلك فقال:
ولم يمح من نور النبي أبو جهل!
ذم ناقص يغتاب فاضلاً:
قيل: كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً وهو يقع في الصالحين.
شاعر:
عثيثة تقرض جلداً أملسا
المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فخي الشهادة لي بأني كامل
الموسوي:
عادات هذا الدهر ذمّ مفضل ... وملام مقدام ونقص جواد
وكأنه من قول الآخر:
وما زالت الأشراف تهجى وتمدح
ونحوه قول الآخر:
إنما الغيبة تلقيح الشّرف

من رمى غيره بعيبه:
رمتني بدائها وانسلت. عير بجير بجره نسي بجير خيره. وقيل: أتبصر القذاة في عين أخيك وتدع الجذع المعترض في حلقك؟
اغتياب المرء غيره يدل على عيبه:
قيل: من وجدتموه عياباً وجدتموه معيباً لأنه بعيب الناس بفضل عيبه. وفي ذلك قال:
ويأخذ عيب المرء من عيب نفسه ... مراد لعمري ما أراد قريب
قال أبو العيناء: ما قطعني أحد كما قطعني المهدي فإنه قال: بلغني أنك تغتاب الناس! فقلت له: يبطل ما قيل في شغلي بعيني. فقال: والله ذاك أشد لغيظك على أهل العافية أعرف الناس بعوار الناس المعور.
تشهي الغيبة واستطابها:
قال قتيبة لرجل يغتاب آخر: لقد تلمظت بما يعافه الكرام. فقال: لو تلمظت به ما صبرت عنه. وقال رجل لبنيه: إذا اجتمعتم فعليكم حديث أنفسكم ودعوا الاغتياب. فقال أحدهم: نحن نحتاج في هذه السنة إلى كذا وكذا، ونفعل ونصنع كذا وكذا، فقد فرغنا من حديثنا فبماذا نشتغل؟ وقيل: الغيبة فاكهة النساك والقراء. وقصد رجل ابن عمه مسترداً لحق له فأحسن إليه، فلما عاد سئل فقال: منعني التلذذ بالغيبة والشكوى. ونحوه قول الآخر:
فقضت حاجتي معجلة ... فجعتني بلذة الشكوى
من اغتاب فاغتيب:
قيل: من رمى الناس بما فيهم رموه بما ليس فيه. وقيل: بحثك عن عيوب الناس يدعو إلى بحثهم عن عيوبك. وقال آخر:
ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
الكاروشي:
تحللت بالسب لما رأيت ... أديمك صح، ومن سبّ سب
فإن لم نجد فيك من مغمز ... سلكنا إليك طريق الكذب
الشطني:
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله ستراً عن مساويكا
النهي عن استماع الغيبة:
قال عمرو بن عبيد لرجل يستمع إلى آخر يغتاب: ويلك نزه أذنك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن النطق به.
شاعر:
وسمعك صنّ عن سماع القبيح ... كصون اللسان عن النطق به
آخر:
والسامع الذمّ شريك له ... والمطعم المأكول كالآكل
وقال الفضيل: الرجل يقول سبحان الله وأخشى عليه بذلك النار، وهو الذي يستمد بذلك الغيبة إذا سمعها. وقيل: إذا رأيت من يغتاب الناس فأجهد جهدك أن لا يعرفك، فأشقى الناس به معارفه.
إبراهيم بن المهدي:
من نمّ في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
الممدوح بصيانة مجلسه عن الغيبة:
مدح بعضهم رجلاً فقال: ينزه مجالسه عن الغيبة ومسامعه عن التميمة.
كعب الغنوي:
إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب
ومثله قول البهلول:
نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس
الحث على التثبت فيما يسمع من السعاية:
وشي برجل إلى بلال فلما أتى به قال: قد أتاك كتاب الله في أمرنا فاعمل به؛ قال اله تعالى: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " . فقال: صدقت! وأبلغ ملك عن رجل منكراً فأمر بقتله فقال: إن قتلتني ومن سعى بي كاذب يعظم وزرك، وإن تركتني وهو صادق قل وزرك، وأنت من وراء ما تريد، والعجلة موكل بها الزلل، فأمر بإبقائه والفحص عن أحواله.
كثير:

وإن جاءك الواشون عني بكذبة ... فروها ولم يأتوا لها بحويل
فلا تعجلي يا عزّ أن تتبيني ... بنصح أتى الواشون أم بحبول

من سأل صاحبه أن لا يصغي إلى الساعي:
لما أراد عبد الملك بن صالح الهاشمي الخروج إلى الشام استدعى حوائجه من جعفر بن يحيى فقال: أسألك أن تكون لي كما قال ابن الدمينة:
فكوني على الواشين لدّاء شغبة ... كما أنا للواشي الدّ شغوب
فقال له جعفر: أكون كما قال الآخر:
وإذا الواشي أتى يسعى بها ... يقع الواشي بما جاء يضر
من بكت الساعي به ودل على بطلان قوله:
سعى رجل بالليث بن سعد إلى والي مصر فأحضره فقال: إن رأيت أن تسأله أسر ائتمنته عليه فخانه أم كذب بقوله؛ فالخائن والكاذب لا يقبل قولهما. ووشى واش إلى زياد بن همام وقال: إنه هجاك. فأحضره وأعلمه فقال: كلا. فقال: أخبرني بذلك الثقة. فقال: الثقة لا يكون نماماً. فأحضر الساعي وجبهه بذلك فقال:
وأنت امرؤ ما ائتمنتك خالياً ... فخنت، وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
وقال الواثق لأحمد بن أبي داؤد: فلان قال فيك كذا. فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب في ونزهني عن الصدق فيه.
من رد السعاية على الساعي وبكته:
كان الفضل بن سهل يبغض السعاة، فإذا أتاه ساع يقول: إن صدقتنا أبغضناك، وإن كذبتنا عاقبناك، وإن إستقلتنا أقلناك. ودخل رجل على عبد الملك فقال: هل من خلوة؟ فأقبل عبد الملك على أصحابه وقال: إذا شئتم. فقاموا فقال له عبد الملك: إسمع لا تمدحني في وجهي فإني أعرف بنفسي منك، ولا تكذبني فليس لكذوب رأي، ولا تسعين بأحد إلي. فقال الرجل: أأنصرف؟ قال: إذا شئت. فقام وانصرف. ووقع عبد الله بن طاهر في قصة ساع: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. ورفع رجل قصة إلى أنوشروان أن رجلاً من العامة دعاه إلى منزله فأطعمه طعام الخاصة، فوقّع في قصته: قد أحمدنا فعلك فيما تأتيه وذممنا صاحبك لسوء اختياره لمن يؤاخيه. ووقع طاهر بن الحسين في رقعة متنصح: قد سمعنا ما كره الله فانصرف لا رحمك الله. ووقع السفاح في قصة ساع: أنت ظاهر السعاية قليل النكاية. وسعي إلى عبد الملك بن مروان في عبد الحميد فوقع:
أقلوا عليه لا أبا لأبيكم ... من اللؤم أو سدّوا المكان الذي سدّا
وقال الواثق لأحمد بن أبي داؤد: مازال القوم في ثلبك إلى الساعة! فقال: يا أمير المؤمنين لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم، والله وليّ جزائه وعقابك من ورائه فما الذي قلت لهم؟ قال قلت:
وسعى إلي بعيب عزة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالها
الموسوي:
وأوطأت أقوال الوشاة أخامصي ... وقد كان سمعي مدرجاً للنمائم
قلة التخلص من اغتياب الناس وذمهم:
سأل بعض الأنبياء ربه عزّ وجل أن يدفع عنه ألسنة الناس باغتيابه وذمه فقال: هذه خصلة لم أجعلها لنفسي فكيف أجعلها لك؟ وقيل: ليس إلى السلامة من ألسنة الناس سبيل، فانظر إلى ما فيه صلاحك فألزمه.
شاعر:
إذا كنت ملحياً مسيئاً ومحسناً ... فغشيان ما تهوى من الأمر أكيس
ذم ناقل الغيبة:
قيل: الراوية أحد الشاتمين. وقيل: من بلغك فقد سبك. قال:
مبلغك السوء كباغيه لكا
وقيل لحكيم: فلان عابك بكذا. فقال: لقد لقيتك نفحتني بما استحى الرجل من إستقبالي به. وقيل: ما ضرت كلمة ليس لها مخاطب. ويدخل في هذا الباب قول الشاعر:
وأنت امرؤ ما ائتمنتك خاليا
" البيتين " وقد تقدما. وكان أبو ضمضم إذا قعد للحكم يقوم بإزائه رجل يعلق نوادره، فعلم بذلك أبو ضمضم فرماه يوماً بلوح في يده فشجه، فقال له بعضهم: ما أصاب. فقال: استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب.
الموصوف بالنميمة:
قال الله تعالى: " هماز مشاء بنميم " . وقيل: فلان أثم من الزهر. قال ابن الرومي:
أنم بما استودعته من زجاجة ... ترى الشيء فيها ظاهراً وهو باطن
آخر:
قد كان صدرك للأسرار جندلة ... ضنينة بالذي تحوي نواحيها
فصار من بثّ ما استودعت جوهرة ... رقيقة تستشف العين ما فيها

وأنكر بعضهم لمحة جليس له فنسبه إلى النميمة فقال: ما نطقت ولكن رمقت، ورب عين أنم من لسان وطرف أشد من سيف، وأوجع من حتف. وقال الرشيد لأبي عمرو الشفافي: فلان نمّ بك. فقال: يا أمير المؤمنين إن فلاناً لو كان بينك وبين واسطة لسعى بك إليه. وقال أعرابي: أتى فلان بنميمة منمنمة وسخيمة مسخمة.
العباس بن الأحنف:
أناس أمناهم فنمّوا حديثنا ... فلما كتمنا السر عنهم تقوّلوا
من قول أبي ذهل:
أمنّا أناساً كنت قد تأمنينهم ... فزادوا علينا في الحديث وأوهموا
وقالوا لنا ما لم نقل ثم أكثروا ... عليّ وراحوا بالذي كنت أكتم

من اغتاب غيره فرآه:
اغتاب أعرابي رجلاً فالتفت فرآه فقال: لو كان خيراً ما حضرته. ويقال لمن حضر إذا ذكر غائباً نزّه: اذكر الكريم وافرش له. اذكر الكلب وهيىء له العصا.
الحث على التحرز مما يقتضي الغيبة:
قال الحسن رضي الله عنه: من دخل مداخل التهمة لم يكن له أجر الغيبة. وقيل: من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن واغتابه.
من لا يحرم اغتيابه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس للفاسق غيبة. وقال: لا غيبة لثلاثة: فاسق مجاهر، وإمام جائر، ومبتدع فاجر.
نوع من ذلك:
روي فيما أظن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سعى رجلان بمؤمن آل فرعون إليه وقالا: إن فلاناً لا يقول أنك ربه. فأحضره فرعون وقال للساعيين: من ربكما؟ فقالا: أنت. وقال للمؤمن: من ربك؟ فقال: ربي بهما. فقال: سعيتما برجل على ديني لأقتله، لأقتلنكما! وأمر بهما فقتلا، فذلك قول الله عز وجل: " فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب. جرى بين بن رؤبة وبين بشار شيء فقال عتبة: أتقول لي كذا وأنا شاعر ابن شاعر ابن شاعر؟ فقال: أقول لك ذلك ولو كنت من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
مما جاء في التحية والأدعية والتهنئة
الحث على التحية ووصف فضلها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقيتم فابدأوا السلام قبل الكلام، ومن بدأ بالكلام فلا تجيبوه. وقال صلى الله عليه وسلم: بلوا أرحامكم ولو بالسلام. وقال بعضهم: بثوا السلام فهو رفع للضغينة بأيسر مؤونة، واكتساب أخوة بأهون عطية.
شعر:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الودّ في قلوب الكرام؟
عني تحية. فقال: هدية فلاناً. وقال رجل لآخر: أبلغ حسنة ومحمل خفيف.
الحث على الجواب:
روي أن التحية نافلة والجواب فريضة. ويدل عل ذلك قوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها. وسلم نصراني على الشعبي فقال: وعليك السلام ورحمة الله. فقيل: أتقول ذلك لنصراني؟ فقال: أليس في رحمة الله يعيش؟ وقال صلى الله عليه وسلم: أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام.
ذم من بخل بالتحية وعذره:
أنشد ثعلب:
ومالك نعمة سلفت إلينا ... فكيف نراك تخل بالسلام؟
كشاجم:
إذا كتبوا صادفوا في الدعا ... كأن دعاءهم مستجاب
وأنشد المبرد:
إذا لم تجد بجميل السلام ... فما الذي بعده تبذل؟
آخر:
يا جوداً بالثراء ... وبخيلاً بالدعاء!
فتفضل يا أخا الفضل بتفخيم الثّناء
وسلم آخر على رجل بسوطه فلم يجبه فقيل له في ذلك فقال: سلم علي بالإيماء فرددت عليه بالضمير.
لقد مرّ عمرو على مجلسي ... فسلّم تسليمة خافية
لئن تاه عمرو بفضل الغنى ... لقد فضّل الله بالعافية
وقيل: من بدأ بغيضاً بالسلام فهو أبغض منه. وقال ابن المقفع: لا تكونن نزر الكلام والسلام، ولا تتهافتن بالبشاشة والهشاشة، فإن أحدهما كبر والآخر سخف. وقال الشعبي: انتهت التحية إلى قولهم وبركاته. ولقي رجل أبا العيناء فقال: أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك. فقال: هذا العنوان ما هو. وقال المتنبي في عذر تخفيف السلام:
أقلّ سلامي حب ما خف عنكم ... واسكت كيما لا يكون جواب
مواضع التسليم:

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فقال صلى الله عليه وسلم: إذا أتيتني على هذه الحال فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت لم أرد عليك. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم المجلس فليسلم، فإن قام والقوم جلوس فليسلم، فالأولى ليست بأحق من الأخرى. أتى أبو معكم الأسدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يقول أبو معكم صادقاً: ... عليك السلام أبا القاسم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليك السلام تحية الموتى وكذا يقال للميت نحو: عليك سلام الله قيس بن عاصم. ودخل الحسن بن الكناني على عبد الله بن جعفر فأنشده:
عليك السلام أبا جعفر ... ولست بهرّ لدى المحضر
فقال: أخطأت، حييتني بتحية الموتى وقد أمكنك أن تقول: سلام عليك أبا جعفر. قال:
ألا طرقتنا آخر الليل زينب ... عليك سلام، هل لما فات مطلب؟
فقلت لها: حييت زينب خدنكم ... تحية الموتى، وهو في الحي يشرب

ذم تحية من لا نفع لديه:
شاعر:
وما مرحب إلا كريح تنسمت ... إذا أنت لم تخلط نوالاً بمرحب
آخر:
إذا كان رد المرء ليس بزائد ... على مرحباً أو كيف أنت وحالكا؟
فلم يك إلا كاشراً وموارياً ... فأف لود ليس إلا كذلكا!
التسليم:
دخل رجل على أمير المؤمنين كرم الله وجهه فقال: السلام عليك سلاماً تتصل آماله بسمعك أبداً ما بقيت من وليك بطوع قلبه وصادق وده ومن عدوك برغم أنفه وذل خده.
في التلبية:
لبيك إذ دعوتني لبيكا ... أحمد ربّاً ساقني إليكا
حمد المصافحة والحث عليها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا لقي المؤمن المؤمن فصافح أحدهما الآخر تناثرت الخطايا بينهما كما يتناثر ورق الشجر. وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافحه إنسان لم ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده. وقيل: المصافحة تزيد في المودة.
شاعر:
تصافحت الأكفّ وكان أشهى ... إلينا أن تصافحت الخدود
نعيش إذا التقى كفّ وكفّ ... فكيف إذا التقى جيد وجيد؟
آخر:
وصافحت من لاقيت في البيت غيرها ... وكلّ الهوى مني لمن لا أصافح
القصاني:
قد أحدث الناس ظرفا ... أربى على كلّ ظرف
كانوا إذا ما تلاقوا ... تصافحوا بالأكف
فأحدثوا اليوم لثم الخدود واللثم يشفي ... فصرت ألثم خدّيه من طريق التخفّي
بقية باب حمد المصافحة والحث عليها:
قيل لرجل من قريش: كيف حالك؟ فقال: حال من يهلك ببقائه ويسقم بصحته، ويؤتى من مأمنه. قال الربيع لأبي العتاهية: كيف أصبحت؟ فقال:
أصبحت والله في مضيق ... هل من دليل إلى طريق؟
ولها باب في غير هذا الموضع.
جواب من سئل من الصالحين عن حاله فشكا علة أو حالة منكرة:
قيل لأبي عمرو بن العلاء رضي الله عنه: كيف أصبحت؟ قال: لأصبحت كما قال الربيع الفزاري:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرل
والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا
وقيل للحسن بن وهب قال: أصبحت على النشاط كال القريحة صدئ الذهن ميت الخاطر من سوء اختيار الزمان وتغير الأخوان. وقيل لمحارب بن دثار فقال: كما قال الأعشى:
ولكن أراني لا أزال بحادث ... أعادي التي لم تمس عندي وأطرق
قيل لأبي العالية السامي: كيف أنت؟ فقال: على غير ما يحب الله وغير ما أحب، وغير ما يحب إبليس لأن الله يحب أن أطيعه وأنا أعصيه، وإبليس يحب أن أتعاطى ضروب الخسارة ولست كذلك، وأنا أحب أن يكون لي ثروة وصحة وليس كذلك. وقال أبو حزابة ليزيد بن المهلب: كيف الأمير؟ فقال: كما تحب. فقال: لو كنت كذلك لكنت قائماً مقامي وكنت قاعداً محلك.
الدعاء بالرحب والسعة:
قال رجل للأصمعي: مرحباً وأهلاً وسهلاً! فقال: أرحب الله بلدك وأهل رحلك وسهل أمرك. وقال رجل لخالد بن صفوان: مرحباً بك. فقال: رحب واديك وعز ناديك.
الدعاء بإطالة البقاء:

قيل: ليس في الدعاء مثل أطال الله لك البقاء وأدام لك العلاء. ومثل ذلك: عش ما شئت كما شئت.
المتنبي:
بقيت بقاء ما تبني فإني ... أراه بقاء يذبل أو أبان
آخر:
فلا زلت الشمس التي في سمائه ... مطالعة الشمس التي في لثامه
ولا زال يجتاز البدور بوجهه ... يعجب من نقصانها وتمامه
عمارة:
فذا الهرش زد في عمره من صلاتنا ... وأعمارنا حتى يطول له العمر
وقد نسب قوم أطال الله بقاءك وجعلني فداءك إلى الإحالة. وقد روي أن أول من خاطب بذلك أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه.

التفدية:
ابن بوقة:
أفديك بل أيام عمري كلّها ... يفدين أياماً عرفتك فيها
وله:
نفسي فداؤكما وقلّت في الورى ... للسيد المخدوم نفس الخادم
آخر:
بنفسي أنت لا بأبي فإني ... رأيت الجود بالآباء لؤما
وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: جعلني الله فداء نعلك. فقال: إذا يطيل الله هوانك.
يعقوب بن الربيع:
فلو أنني إذ كان وقت حمامها ... أحكم في عمري لشاطرتها عمري
فحل بنا المقدار في ساعة معاً ... فماتت ولا أدري ومتّ ولا تدري
الخوارزمي:
أطال الله أعمار المعالي ... وذاك بأن يطول لك البقاء
ولا زلت تمدّ إليك كفّ ... بضاعتها ثناء أو دعاء
وإن رضي الزمان بمثل روحي ... فداء عنك فهي لك الفداء
أبو سعيد الرستمي:
وقاك بنو الدنيا جميعاً صروفها ... فإن الجفن من خدم النصل
آخر:
فداؤك مالي فهو منك ومهجتي ... فإنك قد أقررتها في جوانحي
قال إبراهيم الصولي: إن قولهم قدمني الله قبلك مأخوذ من قول الأقرع بن حابس:
إذا ما أتى يوم يفرّق بيننا ... بموت فكن أنت الذي تتأخر
وقال منكة الطبيب الهندي ليحيى بن خالد البرمكي: لو أمكنني تخليف الروح عندك لفعلت وهذا يجوز على سبيل الدعاء له.
الدعاء بصبّحك الله بخير:
كانت العرب تتحيا في الجاهلية بقولهم:
صبّحك الله بخير فاخر ... ولحم طير وشراب خازر
قبل طلوع الشمس للمسافر
صبّحك الإفلاح بكل خير ونجاح. صبّحك الخير وجنبك الضير وقوى منك الأير. وقال رجل لآخر: كيف أصبحت؟ فقال: بخير. فقال: هلا قلت أحمد الله وأستغفره، فكان أوله شكراً وآخره عبادة. صبحتك الأنعمة بطيبات الأطعمة.
الدعاء بكبت العدا والحساد والأوغاد من شماتتها:
قال أعرابي: أراك الله في عدوك ما يعطفك عليه. وقالت امرأة لرجل: كبت الله كل عدو لك إلا نفسك. وإنما أرادت بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، أعاذك الله تعالى مما يقلق قلب الصديق ويضحك سن العدو، وأعاذك الله من خيبة الرجاء وشماتة الأعداء، وزوال النعمة وفجأة النقمة. الصاحب: لا زال أعداؤه في قل وذل وأمر منحل مضمحل.
الخوارزمي:
ولا زالت عداك بكل أرض ... لهم من سوء ظنهم نذير
قصير نهارهم خوف طويل ... بهم، وطويل عمرهم قصير
المتنبي:
وأراك دهرك ما تحاول في العدا ... حتى كأن صروفها الأقدار
الدعاء ببلوغ الأهل:
شاعر:
أنالك ربك ما تأمله ... وحق لك الله ما تسأله
الموسوي:
ظفرت بما اشتهيت من الليالي ... وأعطيت المراد من الأماني
الدعاء بأن جعل الله له النعم وأدامها عليه:
زادك الله كما زادنا بك وأعطاك أكثر مما أعطانا منك. وقال ابن القرية: لا زلت في رحب من البال وثروة من المال، في غبطة وسرور وبعد من المكروه والشرور، أعطاك تعالى حتى ترضى وزادك بعد الرضا، وتوفر لك من سعته ما لا تهتدي لمسألته ولا يحيط قلبك بمعرفته، وجعل ذلك موصولاً بالثواب المدخر للمحسنين، أنعم الله عليك بما يعجز عنه شكرك ولا أبلاك بما يضيق عنه صدرك. منحكم الله منحة لا تغار ليست بجداء ولا نكراء ولا ذات داء. جعل الله نعمك هبة مخلدة لا عارية مستردة.
المتنبي:
أتم سعدك من لقّاك أوله ... ولا استرد هبات منك معطيها
علي بن الجهم:

أتم الله نعمته علينا ... فإن تمامه نعم علينا

الدعاء بزيادة النعماء والعلاء:
المتنبي:
إن كان فيما نراه من حسن ... فيك مزيد فزادك الله
أبو تمام:
اسمع أقامت في ديارك نعمة ... خضراء ناعمة ترف رفيفا
عنان جارية الناطفي:
نعم إذا النعم انتقلن تخيمت ... وإذا نفرن عدت عليك ألوفا
آخر:
أيا رب زده نعمة وكرامة ... على غيظ أعداء وإرخام حاسد
الدعاء بأن يقيه الله من الفقر ويجعل له سعة من اليسر:
حعل الله لك في الخير جداً ولا جعل معيشتك كدّاً. أعاذك الله من القنوع والخضوع والخنوع، أعاذك من بطر الغنى ومذلة الفقر. جعل الله لك رزقاً واسعاً وجعلك به قانعاً. وهب الله لك من غناه ما لا يقدر عليه سواه. قال رجل لمسروق بن الأجدع: أعاذك الله من خشية الفقر وطول الأمل، ولا جعلك ردية السفهاء وشيناً على الفقهاء. وقال أعرابي: رزقك الله من غير طلب شديد، ولا سفر بعيد. جعلك الله في الرزق حولاً لغيرك.
الدعاء بالتوفيق والإعادة من الشرور:
فرغك الله لما له خلقك ولا شغلك بما تكفل به لك. وقال سعيد بن المسيب: مر بي صلة بن أشيم فقلت ادع لي فقال لي: رغبك الله في ما يبقى وزهدك في ما يفنى، أعاذك من هيجان الحرص وسورة الغضب وغلبة الحسد، ومخالفة الهدى وسنة الغفلة وإيثار الباطل على الحق، وأعاذك من سوء السيرة وإحصاء الصغيرة، ومن شماتة الأعداء والفقر إلى غير الأكفاء، ومن عيشة قي شدة وميتة من غير عدة، ومن سوء المآب وحرمان الثواب وحلول العقاب. وقال أعرابي: أعاذك الله من هول المطلع وضيق المضطجع وبعد المرتجع. وقال آخر: أعانك الله على الدنيا بالسعة وعلى الآخرة بالمغفرة.
المتنبي:
فلا تنلك الليالي إن أيديها ... إذا ضربن كسرن النبع بالغرب
ولا تعزّ عدوّاً أنت قاهره ... فإنهنّ يصدن الصقر بالخرب
ابن الرومي:
فزادكم بالمدح كل قصيدة ... ولا قصدتكم بالمراثي القصائد
أبو محمد الخازن:
لا زال ألسنة القريض نواطقاً ... يخدمن مجدك بالثناء الأفصح
تهنئة بولاية:
أهنىء بك العمل الذي وليته ولا أهنئك به، لأن الله تعالى أصاره إلى من يورده موارد الصواب، ويصدره مصادر الحجة. لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي اله عنه دخل عليه شاب من الأنصار فقال: ما طيبتك الخلافة ولك طيبتها وما زينتك الولاية بل زينتها، فأنت كما قال:
وتزيدن أطيب الطيب طيباً
إبراهيم بن العباس:
ما جددت لك من نعمي وإن عظمت ... إلا يصغرها القدر الذي فيكا
لا زلت مستحدثاً نعمى تسر بها ... على الليالي ولا زلنا نهنيكا
ابن الرومي:
قل لك الملك ولو أنه ... مجموعة فيه الأقاليم
والله يبقيك لنا سالماً ... يأتيك تبجيل وتعظيم
أبو الغمر:
ليهنك الفتح مشفوعاً حسا وزكا ... وصاحبتك الليالي غضة ضحكا
تهنئة بنيروز:
شاعر:
أنعم بنيروزك وابهج به ... متعت ألفاً مثله بعده
أهدى بعض الأدباء يوم نيروز وردة وسهماً وديناراً ودرهماً فقال:
لا زلت كالورد لذيذ المنسم ... ونافذاً مثل نفاذ الأسهم
في عز دينار ونجح درهم
تهنئة بمهرجان:
المهلب بن مالك:
جاءك المهرجان يختال طلقاً ... في هواء صاف وفي زعفرانه
نلت فيه الذي به نال افريدون من رغم حاسد وهوانه
تهنئة بزفاف:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال بالرفاه والبنين، وكان يقول: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما بخير. وهنا ابن القرية الحجاج فقال: أقر الله عينك ورزقك ودها وولدها، وجعلك الباقي بعدها.
ابن الرومي:
سيدة زفت إلى سيد ... أبدلنا اليسر من العسره
ألف بالتوفيق شملاهما ... في نعمة تمت وفي خيره
عمره الله وأبقى له ... ركنيه من عز ومن قدره
تهنئة بولد:

قال شبيب بن شبة المهدي: أراك الله في بنيك ما رأيته في أبيك. وقال رجل عند الحسن: ليهنك الفارس. فقال: لعله يكون بغالاً قل: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ورزقت رشده وبلغ أشده. ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل معه صبي فقال: أهذا ابنك؟ قال: نعم قال: أمتعك الله به. وقال اسحق الموصلي للفضل بن الربيع:
مد لك الله الحياة مدا ... حتى يكون ابنك هذا جدا
ثم يفدى مثلما تفدى ... أشبه منك سنة وقدا
الرفاء:
تمل فارسك المذكور في شيم ... بمثلها الذكر الصمصام مذكور
وافى ومولده الوافي يخبرنا ... بأنه ناصر للمجد منصور
فعاش ما نشر الديجور حلته ... وما انطوى بضياء الفجر ديجور
حتى تراه وقدح السيف في يده ... مثلم، وسنان الرمح مأطور.

تهنئة بابنة:
كانوا يقولون: أمنكم الله منها العار وكفاكم منها المؤنة.
الصاحب:
إياك أن تنكر الإناث فكم ... أنثى غدت في فخارها ذكرا
الدعاء للمسافر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أراد سفراً: اللهم اطو له البعيد وهون عليه العسير. وكانوا يقولون: استودع الله دينك وأمانتك وخواتم أعمالك، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل.
السري الرفاء:
الله جارك ظاعناً ومقيما ... وظهير نصرك حادثاً وقديما
إن تغن كان لك النجاح مصاحباً ... أو تثو كان لك السرور نديما
المتنبي:
وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت وديمة مدرار
وصدرت أغنم صادر عن مورد ... مرفوعة لقدومك الأبصار
الخبزارزي:
رعاه الله حيث غدا وسارا ... وأعقبه الغنيمة والإيابا
أبو المعافاة:
ردك الله إلينا سالماً ... بعد غنم واغتباط وظفر
الدعاء للقادم من سفر:
أبو العتاهية:
لا زلت من غم إلى راحة ... تقدم يا خير فتى قادم
ابن الرومي:
لا زلت من غنم إلى ... دعة وأمن قادما
وله:
قدوم سعادة وقفول يمن ... هو البشر المخفف كل حزن
وقيل: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان نساؤها يقلن:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
تهنئة بالصوم:
الصنوبري:
نلت في ذا الصيام ما ترتجيه ... ووقاك الاله ما تتقيه
أنت في الناس مثل ذا الشهر في الأشهر بل مثل ليلة القدر فيه
تهنئة بالعيد:
قبل الله منك الفرض والسنة واستقبل بك الخير والنعمة.
ابن خلاد:
بأسعد طالع عيدت يا من ... بطلعته سعادة كل عيد
المتنبي:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده ... وعيد لمن سمى وضحى وعيدا
ولا زلت الأعياد لبسك بعدها ... تسلم مخروقاً وتعطى مجدداً
آخر:
البس النعماء ما أو ... مض برق في غمام
وأصلاً عيداً بعيد ... ودواماً بدوام
تهنئة بخلعة:
أبو بكر الصولي:
خلع خلعت بها القلوب عداكا ... ملأت سروراً كل من يهواكا
لا زلت تلبس كل يوم مثلها ... أبداً على ارغام من عاداكا
ووقاك رب الناس ما تخشاه من ... عنت الزمان وظلمه وكفاكا
تهنئة بدار:
ابن الرومي:
دار أمن وقرار واعتلاء واقتدار
أسست والطير باليمن وبالسعد جوار
خير دار حل فيها خير أرباب الديار
وقديماً وفق الله خياراً لخيار
القاضي علي بن عبد العزيز:
ليهن ويسعد من به سعد الفضل ... بدار هي الدنيا وسائرها فضل
دعاء لتناول شيء من لحيته:
نزع رجل من لحية الحسن قذاة فقال: لا بك السوء. وقال آخر: لا عدمت ربك نافعاً. وتناول بعضهم من لحية رجل شيئاً فقال: صر الله عنك السوء. فقال: إليك لا عاد. ورأى الفتح شيئاً في لحية المتوكل فلم يمد يده إليه ولا قال له شيئاً بل قال: يا غلام هات مرآة أمير المؤمنين. فجيء بها ونظر فيها فأخذه بيده.

وعلى العكس من هذا الباب:
قال الأصمعي: نزع رجل من لحية آخر شيئاً فقال: نزع الله ما بك من نعمة. وتناول بشار من لحية رجل شيئاً فقال: لا يمنعني أن أقول صرف الله عنك السوء إلا مخافتي أن يذهب الله بوجهك فإنه سوء. ومن هذا الباب قال أبو الأسود: لا يقض الله فاك أي لا يجعله فضاء بذهاب الأسنان. وقال بعضهم: طاب طيبك وعاش حبيبك ولا زال خير ينوب. وقال رجل لآخر: رحمك الله. فقال له مجيباً له: يغفر الله لي ولكم. فقال: ما أنصفتنا آثرناك على أنفسنا بالدعاء وجعلتنا علاوة على نفسك.
دعاء مكروه المبدأ:
دعا رجل لسلطان فقال: لا صبحك الله إلا بخير. فأمر بأن يصفع وقال: من آخذني باحتمال قبيح ابتداء سلامه والصبر على انتظار تمامه. ولما أنشد أبو مقاتل الضرير الراعي يهنئه بمهرجان:
لا تقل بشرى ولكن بشريان
أمر بطرده وقال: أعمى ينشد يوم المهرجان لا تقل بشرى! وقال رجل لبعض الخلفاء في كلام نفاة: لا أطال الله بقاءك! فقال: قد علمتم لو تعلمتم: ألا قلت لا وأطال الله بقاءك؟ وعنى بذلك ما روى أن رجلاً قال لبعضهم: لا وأطال الله بقاءك. فقال: ما رأيت واواً أحسن موقعاً من هذا الواو. وقال رجل لآخر: كيف أنت؟ فقال: كبر ضعفي! فقال: قوى الله ضعفك. فقال: اسكت! إذاً يزيد في علتي، قل قواك الله على ضعفك. ويقرب من ذلك ما حكي أن رجلاً تعرض للصاحب فقال: أنا قاضي شلنبة وأدعو أبداً على مولانا. فقال: ادع على نفسك. فقال: لا بل على مولانا، وقدر أن ذلك زيادة في الدعاء، فقال الصاحب: زادنا في البر.
مما جاء في الدعاء على الإنسان
حذف اللئيم بالسباب وعجز الكريم عنه:
قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ما تساب اثنان قط إلا غلب ألأمهما؛ أخذه الشاعر فقال:
وإنك قد ساببتني فغلبتني ... هنيئاً مريئاً أنت بالسب أحذق!
ونازع رجل المهلب فأرى عليه فقيل له: لم سكت عنه؟ قال: استحييت من سخف المسابة ورغبت عن غلبة اللئام، وكان إذا سبني تهلل وجهه واستنار لونه وتبجحت نفسه، فإن غلب فيفضل القحة ونبذ المروءة وخلع ربقة الحياء، وقلة الاكتراث بسوء الثناء.
ما جعلته العرب تعجباً من الشتم:
تقول العرب: قاتله الله! قال ابن الأعرابي: إذا قيل قتله الله لا يكون إلا شتماً، وإذا قيل قاتله الله يكون تعجباً. ما له لا عد من نفره، وتربت يداه، وثكلته أمه وهدت أمه، كل ذلك يستعمل على طريق التعجب واستعظام القول فيه. ولهذا قال بعض الشعراء:
أسب إذا أجدت القول ظلما ... كذلك يقال للرجل المجيد
الحث على التعريض بالشتم دون التصريح:
قال أبو عمرو بن العلاء: أحسن الشتم ما يتذاكره ذوو المروءآت في مجالسهم، ولا يتحاشى من روايته أهل الأديان.
من شتم كثيراً معرضاً غير مصرح: سأل رجل بعض الكبار شيئاً فاعتذر إليه بفقر ناله فقال: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً، وإن كنت محجوباً فجعلك الله معذرواً. كتب هشام إلى ملك الروم: من هشام أمير المؤمنين إلى ملك الطاغية! فكتب إليه: ما ظننت أن الملوك تسب، وما الذي يؤمنك أن أكتب إليك: من ملك الروم إلى الملك المذموم: هشام الأحول المشؤوم! كان محرز الكاتب إذا رأى ابن شاهين قال: حياك الله وجهاً ألقاك به! وهو لا يفهم فلما أكثر قيل له: إنما عنى نفسه بما يقوله. فقال: دعوه لي، فلما رآه وقال له ذلك قال: لا حيا الله وجهاً أراك به! فضحك محرز وقال: آمنين.
بعضهم:
سلام ساقط الميم ... على وجهك بالحاء
لنا في البيت خروف ... فكل منه بلا فاء
ابن الحجاج:
وزنته ألفين يا ليته ... أصبح في تصحيف ألفين
أي في القبر. وسأل أمير المؤمنين بعض الناس فقال: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول علي منى كهرون من موسى، الله وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: كبرت سني ونسبته. فقال: إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامةَ! فصار ذا برص إلى أن مات.
من تملح في شتم كبير:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11