كتاب : محاضرات الأدباء
المؤلف : الراغب الأصفهاني

تحاول فتق غيمٍ وهو يأبى ... كعنين يحاول فتق بكر
ذو الرمة في وصف ذلك:
أصاب خصاصةً فبدا كليلاً ... كلاً وانعل سائره إنعلالا
أي ضعيفاً ليس بشيء.
آخر:
وشمس الله مسرجة الغلاف
؟الشمس الجانحة للغروب: أبو النجم:
وصارت الشمس كعين الأحول
آخر:
والشمس كالمرآة في كف الأشل
ابن الرومي:
كأن حنو الشمس ثم غروبها ... وقد جعلت في مجنح الليل تمرض
تخاوص عين ملء أجفانها الكرى ... يرنق فيها النوم ثم تغمض
حميد:
والشمس قد نفضت روساً على الأفق
آخر:
وودعت الدنيا لتقضي نحيبها
؟الهلال لأول الشهر: ابن المعتز في وصفه:
انظر إليه كزورقٍ من فضةٍ ... قد أثقلته حمولةٌ من عنبر
الناجم:
البدر قد قابلنا طالعاً ... كأنه حزة بطيخ
كشاجم فيه:
كشعيرةٍ من فضةٍ ... قد ركبت في خنجر
الرفاء:
ولاح لنا الهلال كشطر طوقٍ ... على لبات زرقاء اللباس
آخر:
سنان لواه الطعن في رأس عامل
ابن طباطبا:
كالنون إذ خطت بماء الذهب
؟البدر وقت طلوعه: قيل لأعرابي: الشمس أحسن أم القمر؟فقال: القمر أحسن والشمس أجهر. قيل: وكيف صار القمر أحسن؟قال: لأن العيون عليه أجسر. وقال بعضهم: سافروا في هذه الليالي فإن أنس القمر يذهب وحشة السفر. وقال أعرابي: ما فقدت القمر إلا فقدت أخاً أنيساً.
الموسوي:
يا من بغرته الهلال أما ترى ... بدر الهلال وقد بدا في المشرق؟
كظريفةٍ نظرت إلى عشاقها ... فتنقبت خجلاً بكمٍ أزرق
وخرج أعرابي في ليلة مظلمة فضل عن الطريق ثم طلع القمر فاهتدى فرفع رأسه إلى القمر وقال: ماذا أقول لك؟إن قلت حسنك الله فقد فعل وإن قلت رفعك الله فقد فعل. . وقال آخر يخاطب القمر: والله ما أبقيت لليل إلا اسمه. وزعم بعض العلماء أن السواد الذي في القمر هو صورة ما قابله من سواد الأرض لأن القمر كالمرآة يقبل الصورة المقابلة لانصقاله.

الهلال الماحق:
ابن المعتز في آخر شهر رمضان:
يا قمراً قد صار مثل الهلال ... من بعد ما صيرني كالخلال
فالحمد لله الذي لم أمت ... حتى أرانيك بهذا المثال
وله في وصفه:
مثل القلامة قد قدت من الظفر
الهلال في النهار:
ابن المعتز:
إذا الهلال فارقته ليلته ... يبدو لمن يبصره وينعته
- كأنه أسمر شابت لحيته
القمر مع الشمس:
بعضهم:
قد أصبح الجو مثل منتقدٍ ... في كفه درهمٌ ودينار
ابن المعتز في وصفهما:
فكأنه وكأنها ... قدحان من خمر وماء
البدر المبتدئ من وراء الغيم:
بعضهم:
البدر يأخذه غيمٌ ويتركه ... كأنه سافرٌ عن خد ملطوم
الرفاء:
والبدر يظهر في السحاب كأنه ... عذراء تنظر من وراء سجاف
القمر اللامع في الماء:
شاعر:
البدر يجنح للغروب كأنما ... قد سل فوق الماء سيفاً مذهباً
ابن المعتز:
البدر يضحك وسط دجلة وجهه ... والماء يرقص حولنا ويصفق
فكأنه فيها طرازٌ مذهبٌ ... وكأنها فيه رداءٌ أزرق
القمر المجتمع مع بعض النجوم:
ابن المعتز:
وهلال شوالٍ يلوح ضياؤه ... وبنات نعشٍ وقفٌ بإزائه
كبناته من مخلص لما بدا ... وجه الوزير دعا بطول بقائه
ابن طباطبا:
كأن الثريا والهلال جلتهما ... لي الشمس إذ ودعت كرهاً نهارها
كأسماء إذ باتت عشاءً وغادرت ... لدينا دلالاً قرطها وسوارها
عبد الله بن الخازن:
فأصبح بدراً والثريا تميمةً ... على جيده خوف العيون الحواسد
الكسوف والخسوف:

قال الرقاشي: حكي أن الزنج كانت تعبد القمر والهند تعبد الشمس، فألقى الله عليهما الكسوف والخسوف. وقيل: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم كسفت الشمس فقال الناس: إن ذلك لموته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما كذا فافزعوا إلى الدعاء. بعضهم شبه القمر الذي بدا من الكسوف فقال: كأنه درهم بدر من سكة.

النجوم:
قال الله تعالى " هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر " . وقال تعالى " الشمس والقمر بحسبان " . وقال تعالى " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " . وقال تعالى " فلا أقسم بمواقع النجوم " . وقال تعالى " تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً " . وقال تعالى " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب " .
معرفة النجوم:
قيل لأعرابي: أتعرف النجوم؟قال: وهل يجهل أحد سقف بيته. وقيل لآخر فقال: لا أعرف إلا بنات نعش ولو تفرقن. وقال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: كفى بالمرء جهلاً أن ركباً وقوفاً على رأسه كل ليلة لا يسميهم؛يعني النجوم.
المجرة:
شاعر:
كخط لجين في الزبرجد ممتد
آخر:
غصن بأحداق النجوم وريق
التنوخي:
وكأنما شرك المجرة بينها ... ماءٌ تسرى في نباتٍ أخضر
ابن طباطبا:
كأن التي حول المجرة أوردت ... لتكرع في ماءٍ هناك صبيب
خوافات للعرب في النجوم:
قالت العرب: إن الدبران خطب الثريا وأراد القمر أن يزوجه، فأبت عليه وولت عنه. وقالت للقمر: ما أصنع بهذا السبروت الذي لا مال له؟فجمع الدبران قلاصه يتمول بها فهو يتبعها حيث توجهت، يسوق قلاصها لصداقها، وإن الجدي قتل نعشاً فبناته تدور به، وإن سهيلاً خطب الجوزاء فركضته برجلها فطرحته حيث هو وضربها هو بالسيف فقطع وسطها، وإن الشعرى اليمانية كانت مع الشعرى الشامية ففارقتها وعبرت المجرة فسميت الشعرى العبور، فلما رأتها الشامية بكت حتى عمصت عيناها فسميت الشعرى العميصاء.
وصف حمل من النجوم غير مسماة:
سميت الكواكب شواهد الليل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد العصر حتى يبدو الشاهد. وقيل في قول الله تعالى " فلا أقسم بالخنس: أنها زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد. وقيل في قوله تعالى " المدبرات أمراً أنها النجوم السبعة. وشبه امرؤ القيس النجوم بقوله:
مصابيح رهبانٍ تشب لقفال
وفي وصفها:
دراهمٌ قد نثرت ... على بساطٍ أزرق
آخر:
در على أرضٍ من الفيروزج
ابن طباطبا:
كأن اخضرار الجو صرحٌ ممردٌ ... وفيه لآلي لم تشن بثقوب
التنوخي:
كأن نجوم الليل في ظلماته ... ثغور بني حام بدت للثات
البحتري:
كأن النجوم المستسرات في الدجى ... شكال دلاصٍ أو عيون جراد
يحيى بن علي بن المهلب:
ترى الفلك الدزوار زهراً نجومه ... كقبة ياقوتٍ بتبرٍ مدثرا
أبو بشر عبد الواحد بن علي بن أحمد بن سهل:
كأن السماء روضةٌ قد تفتقت ... أكمتها والبدر في الأرض درهم
تحير النجوم في الجو:
العباس بن الأحنف:
والنجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحير ما لديه قائد
وذكروا أن بشاراً كان يتعجب منه ويقول: لم يرض أن جعله أعمى حتى جعله بغير قائد.
الثريا:
ابن الطثرية:
إذا ما الثريا في السماء كأنها ... جمانٌ وهي من سلكه فتبددا
ابن المعتز:
كأن الثريا هودجٌ فوق ناقةٍ ... يخب بها حادٍ إلى الغرب أبلج
وله:
يتلو الثريا كفاغرٍ شرهٍ ... يفتح فاه لأكل عنقود
ونحوه:
كعنقود ملاحية حين نورا
وفي وصفها:
عنقود درٍ في كرم فيروزج
وفيه:
ولاحت لساريها الثريا كأنها ... على جانب الغربي قرطٌ مسلسل
آخر:
هي كأس في شروقٍ ... وهي قرطٌ في غروب
الخباز البلدي:
ونجم الثريا في السماء كأنه ... على نطع كيمخت بيادق عاج
محمد بن وهيب:
أما ترون الثريا ... كأنها عقد ريا

كشاجم:
كأن الثريا راحة تشبر الدجى ... لتنظر طال الليل أم قد تعرضا
فأعجب بليلٍ بين شرقٍ ومغربٍ ... يقاس بشبرٍ كيف يرجى له انقضا

الجوزاء:
قد شبهت بفأرة تسبح وقينة ترقص وفساطيط تركب. قال الراجز:
لابس درعٍ قد تمطى من تعب
آخر:
كراعٍ ساق بين يديه ثوراً ... بليداً قد أشال عصا طرود
ابن الزيات:
كأن كواكب الجوزاء لما ... سمت وتعرضت للمنكبين
الشعرى:
ذو الرمة:
إذا أمست الشعرى العبور كأنها ... مهاةٌ علت من رملٍ يبرين رابيا
آخر:
ولاحت الشعرى وجوزاؤها ... كمثل زجٍ جره رامح
آخر:
كأنما شعرتاه درتا صدف
آخر:
كأنما شعراه طرف باكية
سهيل:
قيل في تشبيه:
قريع هجانٍ عارض الشول حافز
وشبه مع النجوم براع وراء القطيع وبرقيب وبطرف أخزر وبشبوب تأخر عن الصوار.
آخر:
ولاح سهيلٌ من بعيد كأنه ... شهابٌ ينحيه عن الريح قابس
قال الأصمعي: وتقول العرب إذا طلع سهيل طاب الليل ورفع الكيل وللفصيل الويل أي رفع كيل الحنطة وجاء كيل التمر وخل لسان الفصيل أي منع من أمه. والأعرابي إذا رأى سهيلاً لطم عين فصيله وقول: مالك عندي قطرة.
المشتري:
ابن طباطبا:
كأن اكتتام المشتري في سحابه ... وديعة سرٍ في ضمير مذيع
وقيل لابن دلين المنجم: ما الدليل على أن المشتري سعد؟فقال: حسنه.
العقرب:
ابن المعتز:
وصيغت العقرب للمعارب ... بذنبٍ كصولجان اللاعب
الجدي:
ابن سلمة:
الجدي كالفرس الحصان شددته ... بالسرج إلا أنه لا يصهل
المريخ:
رجاء بن الوليد:
وكأنما المريخ مقلة ناعسٍ ... حمراء نبه من لذيذ نعاسه
النسر:
ابن المعتز:
والنسر قد بسط الجناح محوماً ... حتى تراه كطالبٍ لم يصطد
ابن هرمة:
وتربع النسران هذا باسطٌ ... يهوي لسقطته وهذا كاسر
والحوت يسبح في السماء كسبحه ... في الماء وهو بكل سبحٍ ماهر
الفرقدان:
ابن المعتز:
ورنا إلي الفرقدان كما رنت ... زرقاء تنظر من نقابٍ أسود
الموسوي في تشبيههما:
كأنها إلفان قال كلاهما ... لشخص أخيه: قل إني سامع!
بنات نعش:
ابن هرمة:
وبنات نعشٍ يشتددن كأنها ... بقرات رملٍ خلفهن جآذر
التنوخي:
كأن بني نعشٍ نساءٌ حواسرٌ ... قرائب قد شيعن نعش قريب
وقال ابن طباطبا في وصف ليلة مقمرة:
وليلةٍ مثل يومٍ شمسها قمرٌ ... بدت بدو الضحى ظلاء قمراء
يا حسنها ليلة عاد النهار بها ... أنساً وطيباً وإشراقاً ولألاء
ابن المعتز:
بيضاء قمراء أتاها صبحها ... وثيابها من ظلمةٍ لم تدنس
آخر:
كأنما فضةٌ ... ذابت على لبد
ظلمة الليل:
قال بعض الأعراب: خرجت في ليلة حندس قد ألقت على الأرض أكارعها فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالآذان. وقال آخر: سريت ليلة حين انحدرت أيدي النجوم وشالت أرجلها فما زلت أصدع الليل حتى تصدع لي الفجر. وسأل هشام بن عبد الملك خالد بن صفوان فقال: كيف سيرك؟فقال: قتل أرضاً عالمها وقتلت أرض جاهلها بينا أنا أسير ذات ليلة إذ عصفت ريح شديدة اشتدت ظلماؤها وأطبق سناؤها وطبق سحابها ونطق ذبابها، قبقيت محرنجماً كالأشقر، إن تقدم نحر وإن تأخر عقر، لا أسمع لواطئ همساً ولا لنائح جرساً، تدلت علي غيومها وتوارت عني نجومها، فلا أهتدي بنجم طالع ولا بعلم لامع، أقطع محجة وأهبط لجة في ديمومة قفر بعيدة القعر، فالريح تخطفني والشول تخبطني في ريح عاصف وبرق خاطف، قد أوحشني أكامها وقطعني سلامها، فبينا أنا كذلك وقد ضاقت علي معارجي وسدت مخارجي إذ بدا نجم لائح وبياض واضح، وعرضت لي أكام محرملة، فإذا أنا بمصانعكم هذه فقرت العين وانكشف الرين، وذهب الأين. فقال هشام: لله درك فما أحسن وصفك! شاعر:
هو ليلٌ كشبابٍ ... لم يطر فيه مشيب
آخر:

وجفن الليل مكتحل بقار ... ويقال: ليل في ثوب غراب
أبو الشيص:
وليلٍ يغرق الركبا ... ن في أمواجه الخضر
التنوخي:
كأن اسوداد الأفق بالليل ثاكل ... تسربل للأحداد ثوباً مسودا
آخر:
وليل يقول القوم من ظلماته ... سواءٌ بصيرات العيون وعورها
كأن لنا منها بيوتاً حصينةً ... مسوحاً أعاليها وساجاً كسورها
ابن المعتز:
يا رب ليلٍ ضاع مني كوكبه ... مشتبهٌ مشرقه ومغربه
قد اكتسى برد الشباب غيهبه ... وقبض اللحظ فما يسيبه

الفجر:
قال الطائي: سمعت أعرابياً يقول: خرجنا حين انتفض صبغ الليل. وقال آخر: حين بارق الصباح يعترض وصبغ الليل ينتفض، حين أشعل ناره وأنار آثاره. وقال آخر: خرجنا حين انحدرت النجوم وشالت أرجلها، فما زلت أصدع الليل حتى انصدع الفجر. وقيل: تعرى رجاء عن فلقه. ومثله: افتر الصبح عن ثغره وحل معقوداً زرره.
ابن المعتز:
وقد رفع الفجر الظلام كأنه ... ظليمٌ على بيض ترفع جانبه
أبو نواس:
لما تبدى الليل من حجابه ... كطلعة الأشمط من جلبابه
ذو الرمة:
وقد لاح للساري الذي كله السرى ... على أخريات الليل فتق مشهر
كلون الحصان الأنبط البطن قائماً ... تمايل عنه الجل واللون أشقر
ابن المعتز:
أما ترى الصبح تحت ليلته ... كموقدٍ بات ينفخ الفحما؟
وله وأحسن:
قد أغتدي والليل في إهابه ... كالحبشي فر من أصحابه
والصبح قد كشر عن أنيابه ... كأنما يضحك من ذهابه
الفجر الطالع مع بعض النجوم:
ابن المعتز:
وكأن الصبح لما ... لاح من تحت الثريا
ملكٌ أقبل في التا ... ج يفدى ويحيا
وله:
والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجى بسراج
قوس قزح:
قيل: سمي بذلك لتقزحه أي تلونه. يقال: قزحت القدر أي بزرتها وجعلت فيها توابل. وقيل: أن قزح اسم شيطان. وزعمت العرب أن الظاهر أيام الربيع هو قوسه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا قوس قزح وقولوا قوس الله.
شاعر:
ولاح قوس الله من تلقائها ... في أفق الشمس يزوق من نظر
قد ظللت بحمرةٍ وخضرةٍ ... وصفرةٍ كأنها برد حبر
آخر:
كأنه قوس رامٍ والبروق له ... رشق السهام وعين الشمس برجاس
ابن المعتز:
لقد نسجت أيدي الجنوب مطارفاً ... على الأفق دكناً والحواشي على الأرض
كأذيال خودٍ أقبلت في غلائلٍ ... مصبغةٍ والبعض أقصر من بعض
مما جاء في الحر والبرد والرياح
والسحاب والأمطار والمياه وما يتعلق بذلك
وصف الهواء بالحر وقلة تحرك الريح:
لقد حر الهواء فقيل هذا ... هوى لفظته في الجو القلوب
كأن الأفق جاحم كير قينٍ ... فما لم يحترق منه يذوب
وسئل بعضهم: كيف كان الهواء البارحة؟فقال: مات ولم يكن له نفس. وقال: سدت الرياح فانسدت طرق الأرواح.
مضرس:
ويوم كأن الشعريين بكفه ... يدا طابخٍ حث الوقود فألهبا
آخر:
تراه كأن الشمس فيه مقيمةٌ ... على البيد لم تعرف سوى البيد مذهبا
وقال:
وليلٍ من الشعرى يذوب لعابه ... أفاعيه من رمضائه تتململ
وقال:
وليل كتنور الإماء سجرنه ... وألقين فيه الجزل حتى تضرما
نهشل بن جري:
ويومٍ كأن المصطلين بحره ... وإن لم يكن جمرٌ قعودٌ على الجمر
ويقال: اصطلى فلان بوديقة فشمله رقب جمر ومسه أو ثاحر؟
وفي وصف السموم:
شاعر:
سمومٌ يكاد الجلد منها إذا بدا ... لها الجلد من تحت الثياب يذوب
الصاحب:
نحن والله من هوائك يا جر ... جان في خطةٍ وخطب شديد
حرها ينضج الجلود فإن هب ... ت شمالٌ تكدرت بركود
كحبيبٍ مهاجر كلما ه ... م بوصلٍ أحاله بصدود
الهاجرة:
شاعر:

وهاجرة يشوي هواء سمومها ... طبخت بها عيرانةً فاشتويتها
شمردل:
وهاجرة صادقٍ حرها ... تكاد الثياب بها تلهب
كأن الحرابي من حرها ... تلوح بالنار أو تصلب
آخر:
والشمس حيرى لها بالجو تدويم
آخر:
إذا الشمس في الأيام طال ركودها
آخر:
إذا الشمس مجت ريقها بالكلاكل

صفة الحر:
وهاجرةٍ بيضاء يعدي بياضها ... سواداً كأن الوجه منه محمم
آخر:
وانتعل الظل فصار جوربا
الأعشى:
حتى إذا انتعل المطي ظلالها
وله:
كالظل حين أحرزته الساق
تحرك الرياح:
قيل: خرج أعرابيان في غداة باردة فقال أحدهما: أرى الشمال تنفس الصعداء، وقال الآخر: أراها تشعبت على الجو. وقال بعضهم: جاءت الريح كأنها نسيم معشوق بعد هجير كأنه نفس مهجور.
ريح شديدة:
المتلمس:
ومستنسجٍ يستكشف الريح ثوبه ... ليسقط عنه وهو بالثوب معصم
الفرزدق:
وركبٍ كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترةً من جذبها بالعصائب
المهلب:
وريحٍ يضل الروح عن مستقره ... وتستلب الركبان فوق الركائب
فلو أنها ريح الفرزدق لم يكن ... لها ترةٌ من جذبها بالعصائب
نصبت لها وجهي وأنصبت صاحبي ... إلى أن حللنا في محل الحبائب
ابن أحمر:
عشواء تلتهم الجبال وأج ... واز الفلاة وبطنها صفر
آخر:
ريحٌ لجوجٌ سهوة المجاري
ابن أبي ربيعة في الشمال والجنوب:
ضرائر أوطنّ العراص كأنما ... أجلن على ما غادر الحي منجلا
حميد:
جرت به هوج الرياح ذيولها ... جر النساء فواضل الأذيال
ذو الرمة:
ثلاثٌ مرناتٌ إذا هجن هيجةً ... قذفن الحصى قذف الأكف الرواجم
وقيل: الرياح أربعة: ريح تقسم السحاب، وريح تثيره فتجعله كسفاً، وريح تؤلف بينه فتجعله ركاماً، والشمال تفرقها وهي باردة. ولذلك قال:
وأنت على الأدنى شمال مريةٍ ... شآمية تزوي الوجوه بليل
وأنت على الأقصى صباً غير قرةٍ ... تداءب منها مزرعٌ ومسيل
الريح المستطابة والمتمناة:
أنشد المجنون:
أيا جبلي نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا تخلص إلي نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارةً ... على كبد لم يبق إلا رسومها
فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنفست ... على كبدٍ حرى تجلت همومها
يزيد بن الطثرية:
إذا ما الريح نحو الأثل هبت ... وجدت الريح طيبةً جنوبا
آخر:
ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجدٍ ... فقد زادني مسراك وجداً على وجد
أم المثلم:
أتينا بريح المسك خالط عنبراً ... وريح الخزامى باكرتها جنوبها
الموسوي:
وهبت لأصحابي شمالٌ لطيفةٌ ... قريبة عهدٍ بالحبيب بليل
ترانا إذا أنفاسنا مزجت به ... نرنح في أكوارنا ونميل
كيفية البرد الشديد:
قيل لأعرابي: ما أشد البرد؟فقال: إذا أصبحت الأرض ندية والسماء نقية والريح شآمية. وقيل آخر فقال: إذا دمعت العينان وقطر المنخران ولجلج اللسان. وقيل لآخر فقال: إذا نديت الدقعاء وصفت الخضراء وهبت الجربياء. وقيل لآخر أي اليوم ابرد؟فقال: الأحص الورد والأزب الهلوف؛فالأحص الورد يوم تصفو شماله ويحمر أنفه، والأزب الهلوف يوم تهب فيه نكباء فتسوق الجهام. وسأل الرشيد بعض أصحابه عن شدة البرد فقال: ريح جربياء في ظل عماء في غب سماء.
وصف البرد:
كان أعرابي يرتعد في يوم شات فقيل له: تحول إلى الشمس؛فقال: الشمس تحتاج إلى قطيفة. وقيل لرجل: ما أثقل جبتك . فقال: البرد أثقل منها.
وهب الهمداني:
يوم من الزمهرير مقرور ... عليه ثوب الصباء مزرور
كأنما حشو جوه إبرٌ ... وأرضنا فرشها قوارير
وشمسه حرةٌ مخدرةٌ ... ليس لها من ضيائها نور
الشمسياطي في وصف شتاء:
ألقى كلاكله ببردٍِ قارصٍ ... حتى غدا من في جهنم يحسد
أخذه من أعرابي قال:

فإن كنت ربي مدخلي في جهنمٍ ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم!
وجد أعرابي البرد فقيل له: هذا لكون الشمس في العقرب. فقال: لعن الله العقرب فإنها مؤذية في الأرض كانت أم في السماء.
شاعر:
قد منع الماء من المس ... وأمكن الجو من الحس
أبو محمد المطراني:
وشتاءٍ يخنق الكلب فلا يعلو هريره
كلما رام هريراً زم فاه زمهريره
هو من قول الراعي:
لا ينبح الكلب فيها غير واحدةٍ ... حتى يلف على خرطومه الذنبا
قال الرشيد: ما أبلغ بيت في شدة البرد؟فأنشد هذا البيت بعضهم، فقال: أبلغ منه:
وليلةٍ قر يصطلي القوس ربها ... وأسهمه اللاتي بها يتنبل
فقال: حسبك ما بعد هذا شيء. وقال ابن سمعون: البرد بالري رافضي يقول بالرجعة أي متى ذهب رجع. وقيل لأعرابي: أما تجد البرد؟فقال: لا لأن العري اتصل على بدني فاعتاده كاعتياد وجوهكم. وقيل لآخر: ما أصبرك على البرد!قال: كيف لا يصبر عليه من طعامه الريح وسراجه الشمس وسقفه السماء؟

حمد البرق في الشتاء:
قال عروة بن الزبير: خير شتائكم ما اشتد برده، وخير صيفكم ما اشتد حره. وكانوا يستعيذون من الشتاء البارد. وقال الأصمعي: ما وقع طاعون في بلد إلا في شتاء سخن أو تعقبه مضرة البرد. وقال سعيد بن عبد العزيز: البرد عدو الدين. وفي الخبر: إن الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء لما يدخل في فقراء أمتي. وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من كلب الشتاء.
من شكا الفقر والقر:
صودف أعرابي يتكفف ويقول:
جاء الشتاء ومسنا قر ... وأصابنا في عيشنا ضر
ضرٌ وفقرٌ نحت بينهما ... هذا لعمر أبيكم الشر
وقيل لشيخ: كيف أنت؟قال: خلق في خلق.
أبو الحسن الطوسي:
هجم البرد والشتاء فما أملك ... إلا رواية العربيه
ويقل الغناء عني فنون العلم إن عصفت شمال عريه
وقيل لأعرابي: ما أعددت للبرد؟قال: شدة الرعدة وتفرقص القعدة وذرب المعدة. وقيل: رماه الله بالحرة تحت القرة أي العطش مع البرد.
جملة من أوصاف السحاب من نشئه وقطاره:
ملحد الجرمي:
أرقت وطال الليل للبارق الرمض ... حثيث سرى مجتاب أرضٍ إلى أرض
نساري من الإدلاج كدري مزنة ... نقضي بجذب الأرض ما لم نكن نقضي
تحن بأغوار الفلاة قطاره ... كما حن نيبٌ بعضهن إلى بعض
كأن شماريخ العلى من صبيره ... شماريخ من لبنان بالطول والعرض
يباري الرياح الحضرميات مزنه ... بمنهمر الأوداق ذي قزعٍ رفض
يغادر محض الماء وهو محضه ... على إثره إن كان للماء من محض
يروي العروق الهامدات من البلى ... من العرفج النجدي ذو باد والحمض
وبات الحيي الجون ينقض بالحيا ... كنهض المداني قيد بالموعث النقض
الحسين بن دعبل:
أما ترى الغيث قد سالت مدامعه ... كأنه عاشقٌ يسطو به الذكر
جاءت موقرة الأطراف خاشعةً ... تكاد تؤخذ بالأيدي فتقتصر
راحت رياح الصبا ينظمن عارضها ... حتى إذا نظمته ظل ينتثر
أضحت له الأرض سكرى والثرى طربٌ ... والأفق مبتسمٌ والجدب مستتر
السحاب المتدلية:
عبيد بن الأبرص:
دان منسفٍ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح
آخر:
ويسحب ذيليه على عفر الترب
آخر:
كأنه نعامٌ تعلق بالأرجل
السحابة البطيئة:
جاءت تهادى مشرفاً ذراها ... تحن أولاها على أخراها
الأخطل:
إذا زعزعته الريح جرت ذيولها ... كما زحفت عودٌ ثمال تحمل
الحطيئة:
تزجي الصبا منقل السحاب كما ... تزجي المطالي فصالها سبقا
آخر:
سحابٌ يزحف زحف الكبير
وكان معقر قد كف بصره فقال: يا بنية ما ترين؟قالت: سحابة عقاقة كأنها حولاء ناقة، ذات هيدب دان وسير وان. فقال: يا بنية وائلي إلى قفلة فإنها لا تنبت إلا بمنجاة من السيل.
السحاب المتحلبة المطر:
الحسين بن مطير:

كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ... فإذا تحلب فاضت الأطباء
وضروعه عدد النجوم وطله ... أخلافه عدد النجوم رواء
ووصف أعرابي سحاباً فقال: لقحته الجنوب ومرته الصبا واستدرته الشمال. وقالت أعرابية: صبته الصبا ومرته الجنوب وانتجفته الشمال انتجافاً. وقيل: أجود بيت في صفة السحاب قول الهذلي:
تلقحه ريح الجنوب وتقبل الشمال ... نتاجاً والصبا حالب يمري
وقالت أعرابية: أحب السحابة الخرساء لأنها تخرس حتى تمتلئ ماء وتصب طباً طقاً يكون حباً.
؟

بكاء السحاب:
عبيد الله بن طاهر:
وجاد بالقطر حتى خلت أن له ... إلفاً نآه فما ينفك يبكه
الطحاوي من شطر:
فما ترقا لهن مدامع
ابن ميادة:
إذا ما هبطن الأرض قد مات عوده ... بكين به حتى يعيش هشيم
ضحكة البرق وبكاؤه بالودق:
الحسين بن مطر:
متضاحكٌ بلوامع مستعبر ... بمدامعٍ لم تمرها الأقذاء
فله بلا حزنٍ ولا بمسرةٍ ... ضحكٌ إذا أبصرته وبكاء
ضحك الأرض من بكاء السماء:
الأبيض:
وللسماء بكاءٌ ليس عن حزنٍ ... وللرياض ابتسام ٌ ليس من عجب
آخر:
والأرض تبسم ... عن بكاء سماء
آخر وقد زاد:
فتضاحكت زهراتها بمسرةٍ ... وبكت سحائبها بلا أحزان
الراعدة البارقة معاً:
شاعر:
كأنما الرعد بها ثاكلة ... نادبة تخلط نوحاً بشجى
فاقدةٌ واحدها تذكرت ... ما قد مضى من عيشها ومن مضى
والبرق في حافاتها يفعل ما ... يفعله وجد الحزين في الحشا
وقال الرياشي في قول يزيد بن المفزع:
الريح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في غمامه
أي الريح تبكي والبرق يضحك كقولهم: ويلي الشجي من الخلي.
التنوخي:
ببرقٍ كأشجاني وقطرٍ كأدمعي ... ورعدٍ كعولي للوى ونحيبي
وهب الهمداني:
الرعد في اصطكاكه خطيب ... والبرق في خلاله لهيب
آخر:
يحن كشكلي في نشيج بكائه ... ويضحك فيه كالولود تبسما
وقال بعض البلغاء في سحاب: زجرت الرعود أردافه، وأضحكت البروق أعطافه، وحلبت الجنوب أحلافه.
وصف البرق:
برق كنبض العرق وخفق القلب وبطن شجاع يضطرب. ولمع المرائي في أكف الكواعب وكسلاسل تبر.
شاعر:
غابٌ تسنمه ضرام توقد ... وكأسياف تسل وتغمد
سطورٌ كتبن بماء الذهب
عدي بن الرقاع:
وحتى حسبت البرق نارين شبتا ... بعلياء نجدٍ ما يني موقداهما
وله:
نارٌ تعاود فيه العود جدته ... والنار تسفع عيداناً فتحترق
آخر:
كأنواحٍ بأيديها المألي ... كغرة شهباء في وجه دهماء
آخر:
كثغر زنجيةٍ تفتر ضاحكةً ... تبدو مشافرها طوراً وتنطبق
جرير:
يقول الناظرون إلى سناه ... بذي بلقاء شمس على نهار
آخر:
كأن بلق الخيل ... فيها تضرج
آخر:
أبلق جال جله ... حين وثب
وصف أعرابي سحاباً فقال: لما تراءى نشوه وتبدى بدوه، اضطرمت ناره، والتطمت بحاره.
آخر:
آض لنا ماء ... وكان ناراً
الرعد:
قال الله تعالى " يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته " .
وسمع عبد الملك صوت الرعد ففزع فقال عمر بن عبد العزيز: هذا حس رضا الله فكيف ترى حس غضبه؟ آخر:
بأجوازه أسد ... لهن برابر
آخر:
قد سبح الرعد ... به وكبرا
أبو الغمر:
كأن الرعود بأرجائه ... هدير مقاليت في بطن واد
التنوخي:
يحدو بها الرعد فإن كلت زجر ... كأنها والمزن دانٍ مكفهر
خوف بالبرق فوافى يعتذر ... أو قارئٍ أمّ بقومٍ فجهر
متعتعاً من أنفٍ ومن حصر
وقيل في صوته: كأنه عزيف الشيطان وحنين الثكلان، وكأنه صوت الرحى.
الشريف أبو الحسين علي بن الحسين الحسني:
فمن رواعده حنت صواهله ... ومن بوارقه انسلت قواضبه
السحابة المخصبة الممرعة:
امرؤ القيس:

ديمةٌ هطلاء فيها وطفٌ ... طبق الأرض تحري وتدر
قال الخالدي: طبق الأرض بديع لم يلحقه فيه متقدم ولا متأخر، ومن تعاطى أخذه فضحته نفسه: أبو تمام:
ساريةٌ سمحة القياد ... كم حملت لمقترٍ من زاد
ومن دواسنة جماد
آخر:
مقبلةٌ والخصب في إقبالها
قيل لامرأة " كيف المطر عندكم؟قالت: غثنا ما شئنا. وقال يونس لابن أبي الدفين: كيف كانت سماؤكم؟قال: ما تركت لنا هابطاً إلا أنافته، ولا وادياً إلا فهقته، ولا فارغاً إلا ملأته.
الحسين بن مطير:
لو أن من لجج السواحل ماءه ... لم يبق في لجج السواحل ماء
وخرج صعصعة بن صوحان إلى معاوية فيمن خرج إليه من وفد العراق، بعد قتل علي كرم الله وجهه فلقيه أعرابي فأراد أن يختبر صعصعة في المنطق فقال: كيف تركت السماء خلفك؟قال: تركته مد البصر وفوق مرتفعاً بغير عمد فيها الواحد الصمد. قال: فكيف تركت الأرض؟قال: عريضة أريضة حاملة للثقل منبتة للبقل أهلها منها على شغل. قال: فكيف تركت المطر؟قال: أسال الأودية وعلا الأخبية، وأفعم الحفر ووبل القطر. قال: بالله أنت إنسي أم جني؟قال: بل إنسي سوي من شيعة علي من أمة نبي مهدي. وقال أعرابي: باكرنا وسمي خلفه ولي، فالأرض بساط أحكم نسجه وبدا وشيه. قال سيابة بن عاصم: أصابتني سحابة بجوران فوقع قطر صغار وقطر كبار، وكان الصغار لحمة للكبار.

غيم ممسك:
شاعر:
دخان حريقٍ لا يضيء له جمر
آخر:
وكأنما كسيت جناح غراب
آخر:
كسيت بأجنحة الفواخت
ابن المعتز:
لقد لبس الدجن ثوب السما ... ء والأرض مطرفه الأدكنا
الرفاء:
غيومٌ تمسك أفق السما ... وبرقٌ يكتبها بالذهب
سحاب متدل:
عبيد بن الأبرص:
دان مسف فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح
فمن بنجوته كمن بعقوته ... والمستكن كمن يمشي بقرواح
غيم متفرع على السماء:
الوأواء الدمشقي:
أما ترى الغيم ممتداً سرادقه ... على السماء بتدريجٍ وتعريج
كأن ذاك وذا قطنٌ يفرقه ... تواتر الندف في زرق الدواريج
من قول ابن الرومي وقد نظر إلى غيم منقطع عن السماء فقال: كأنه قطن يندف على بطانة زرقاء.
يوم متلون بالصحو والغيم:
ابن طباطبا:
صحوٌ وغيمٌ وضياءٌ وظلمٌ ... مثل سرورٍ شابه عارض غم
آخر:
ألم تر هذا اليوم أفنى نهاره ... سحابٌ وأصحاء وشمسٌ ووابل
أشبهه إياك يا من صفاته ... صدودٌ وإعراضٌ ومنعٌ ونائل
آخر:
أما ترى اليوم ما أحلى شمائله ... صحوٌ وغيمٌ وإبراق وإرعاد
كأنه أنت يا من لا نظير له ... وعدٌ وخلفٌ وتقريبٌ وإبعاد
وقال بعضهم: مطر الربيع كغضب العشاق أي لا يدوم. قيل: خلق الربيع كخلق الصبيان والملوك وتلونهم بالصحو والغيم.
الجهام:
شاعر في جهام أراق ماءه:
كأن الغيوم خيول طرادٍ ... أعنتها في أكف الرياح
السري الرفاء:
كحلاء حالية بكت ... حتى انثنت مرهاء عاطل
مطر مضر:
كل أمطر في القرآن فهو في العذاب نحو " وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين " . وكل موضع فيه مطر فهو الرحمة.
أبو علي البصير:
بيتٌ جرى الماء فيه من أسافله ... ومن أعاليه حتى ساخ منطلقا
كأنني وعيالي في جوانبه ... طيور ماءٍ على سكرٍ قد التبقا
وقال:
من تكن هذه السماء عليه ... رحمةً أو يكن بها مسرورا
أيها الغيث كنت بؤساً وفقراً ... لي وللناس حنطةً وشعيرا
وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا. وكتب كاتب: فأتانا مطر مما سماه الله تعالى أذى، فخرج العمران وهدم البنيان، فكم من قتيل تحت هدمه وساهر تحت وكفه، وغريق في لجته وصريع في هوته. وقال أعرابي: أصابنا مسافر يؤذي المسافر ولا يرضي الحاضر.
الثلج:
كأن دقيق الثلج عند وقوعه ... على الأرض قطرٌ أو دقيقٌ يغربل
وقال رجل: السماء تنخل الدقيق، فسمعه عبادة فقال: قل لأمك تمسك الخمير.
شاعر:

وكرسفٍ يندف في الهواء ... منتثر لم يعد في استواء
مثل نقي الفضة البيضاء
كشاجم في وصفه:
شابت فسرت بذاك وابتهجت ... وكان شيبي بالشيب مستكرها
ويشبه الثلج بالحبيب وبلجين يسبك، وبآل يلمع ودراهم تنتثر وقرطاس ينشر:
كأن ستائر الكافور مدت ... بها والجو عريانٌ سليب

البرد:
الأخطل:
نثرت على الحصباء كالحصباء بل ... ألقت على الرضراض كالرضراض
علي بن جبلة:
كأن قوالبه بالعرا ... ء تلقى على الجلمد الجلمدا
آخر:
جاءت تهادى في برودٍ من حبرٍ ... تنثر دراً كان لو ذاب مطر
تطير في الجو كنوار الزهر ... أو شررٍ لو كان للماء شرر
؟
الصقيع:
الفرزدق:
وأصبح مبيض الصقيع كأنه ... على سروات النبت قطنٌ مندف
وجاء بصرادٍ كأن صقيعه ... خلال البيوت في المنازل كرسف
؟
اللثق:
شاعر:
لقد صار وجه الأرض كلاء مزلة ... تمايل صاحبها تمايل شارب
وقال الصاحب وقد ركب في وحل عظيم فترشش باللثق ثوبه:
لقد ركبت وكف الأرض كاتبةٌ ... على ثيابي سطوراً ليس تنكتم
فالأرض محبرةٌ والزاج من لثق ... والطرس ثوبي ونهي الأشهب القلم
؟
انقطاع المطر:
قيل لأعرابي: كيف خلفت ما وراءك؟قال: التراب يابس والأرض عابس.
شاعر:
إن وجه البقاع ينتظر القطر المحب رجع الرسول
العباس بن المأمون:
متى تريك رياض الأرض أوجهها ... إن لم يكن لك لا طلٌ ولا مطر
؟
ماهية الماء ووصفه:
قال الحجاج لغلامه: ائتني بأعز مفقود وأذل موجود؛فلم يفهم ما عناه فقال له ابن القرية: ائته بالماء. وقال ابن يزيد لشراعة: ما تقول في الماء؟قال: هو الحياة ويشركني فيه الحمار. وقيل: ليس للماء قيمة لأنه لا يباع إذا وجد، ولا يبتاع إذا فقد. وسمى الماء نفساً في قوله:
أتجعل النفس التي تدير ... في مسكٍ شاةٍ ثم لا تسير
ووصفه آخر فقال: هو مزاج الروح وصفاء النفس وقوى البدن. ومن فضيلته أن كل شراب وإن رق وصفاً وعذب وحلا فليس يعوض عنه، بل يطيب بممازجته ويعذب بمخالطته. قيل للنظام: ما لون الماء؟قال: لون إنائه وإذا بعد قعره تصور اسود. وقيل: الماء من جنس الهواء وكل واحد منهما يستحيل إلى الآخر لما بينهما من المناسبة ولا لون لهما. وقيل: بعث ملك الروم إلى معاوية بقارورة فقال: اجعل فيها من كل طعام وشراب شيئاً فلم يدر فقال ابن عباس: اجعل فيها الماء فإن الله تعالى يقول " وجعلنا من الماء كل شيء حي " فلما أتى به ملك الروم قال: هذا فعل رجل من بيت النبوة. وقال الله تعالى " فيها أنهار من ماء غير آسن فلم يذكره بأكثر مما في خليقته من السلامة من التغير الداخل عليه. وقال تعالى " هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج " .
شاعر:
مواقع الماء من ذي غلةٍ صادي
وقال بعض البلغاء في وصفه: وما ظنكم بشراب إذا ملح وخبث أنبت العنبر؟وولد القار والماء لا يغذو ولا يرى من اغتذى به، واستدلوا على ذلك بأن كل سيال إذا طبخ انعقد إلا الماء. وعلى قياسه قالوا: لا ينعقد في الجوف إذا طبخته الكبد، وإذا لم ينعقد لم ينبت منه لحم ولا عظم.
؟
جريان ماء الأودية:
ابن طباطبا:
يا حسن وادينا ومد الماء ... يختال في حليةٍ دكناء
فصيحه يفتر عن مساء
في صخبٍ عال وفي ضوضاء ... يحكي رغاء الناقة الكوماء
ترى به مناطح الظباء ... جماء قد شدت إلى قرناء
البحتري:
كأن مداد دجلة حين جاءت ... بأجمعها هلالٌ أو سوار
الولادي الأصبهاني:
كأن زر نرود السؤر منعطفاً ... نؤي حوالي خباءٍ مده سيل
الشريف:
أما ترى زر نرود طالعه ... غيم فأدى مثاله فيه
بين بياض ودكنةٍ وتكا ... سير من الموج في حواشيه
كأنه الرمل من زرودٍ إذا ... الحيات يزحفن في نواحيه
حسبت ماءً على تكدره ... أخلص ودي له وصافيه
ليس عجيباً منك التلون لي ... فهكذا كل من أؤاخيه
ابن مندويه:

كأن أتباع الموج موجاً أمامه ... حثيثاً تهادى فيلقٌ إثر فيلق
فليس بناجٍ ذا ولا ذا بمدركٍ ... ولا ذاك مع هذا مدى الدهر يلتقي
آخر:
كأنما يفقده من يشهده
المتنبي:
جيشاً وغى: هازم ومنهزم
وكتب عمرو بن العاص إلى عمر رضي الله عنه: البحر خلق عظيم يركبه خلق صغير كأنهم دود على عود.
؟

السيل الذاهب بما يعن له:
امرؤ القيس:
فأضحى سبيح الماء في كل بقعةٍ ... يكب على الأذقان دوح الكنهبل
كأن السباع فيه غرقى عشيةً ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل
ابن مندويه:
كأن خرير الماء عند التطامه ... زفير سعيرٍ في إناء مخرق
أشجع:
وكأن صوت الماء في حافاته ... زجل القيان تطارح الأصواتا
آخر:
جداول صخب الأمواج خرد
المتنبي:
وأمواهٍ يصل بها حصاها ... صليل الحلي في أيدي الغواني
السري الكندي:
ما بين ألحان الحما ... م وبين ألحان الجداول
؟
الماء الصافي:
العجاج:
فشن في الإبريق منه نزفاً ... من رصف نازع سيلاً رصفا
البحتري:
كأنما الفضة البيضاء سائلةٌ ... من السبائك تجري في مجاريها
الطرماح:
كمتنٍ اليماني سل وهو صقيل
وقيل: لجين الماء على زمرد الحصباء، وجدول مسجور كمهرق منشور ومنصل مشهور.
شاعر:
ماء كدرع مفرغ من فضة
مسلم:
وماءٍ كعين الشمس لا يقبل القذى
قيل: ماء كالصباح ومتن الصفاح.
شاعر:
هو الجو من رقةٍ غير أن ... مكان الطيور يطير السمك
أنشد ابن الأعرابي:
ومسيب خصر ثوى في ضلةٍ ... وإذا تحركه الرياح نزيف
حلت به بعد الهدو نطاقها ... بالجود دهماء النتاج رجوف
وقال الأصمعي: أحسن ما قيل في الماء قول امرؤ القيس:
فلما استظلوا صب في الصحن نصفه ... وجادوا بماءٍ غير طرقٍ ولا كدر
بماء سحابٍ زل عن ظهر صخرةٍ ... إلى بطن أخرى طيب ماؤها خصر
ابن المعتز:
على جدولٍ ريان لا يكتم القذى ... كأن سواقيها متون المبارد
وقال:
وقيعةٍ تصفو كعين الغراب ... وجدولٍ كالسيف منصلتا
أراد بوقيعة المنهل.
؟
الماء المتغير الكدر:
أبو بكر:
ولقد وردت الماء لون جمامه ... لون الفريقة صفيت للمدنف
فصدرت عنه ظامئاً فتركته ... يهتز غلفقة كأن لم يكشف
الفريقة حلبة للنفساء.
الأعشى:
واصفر كالحناء طامٍ جمامه ... إذا ذاقه مستعذب الماء يبصق
وقال بعضهم في صفة الماء: هو إذا رمقته زيت وإذا ذقته ميت، يزوي الوجه شاربه ويتركه وإن جدبه الظمأ طالبه.
عبد الطيب:
ومنهلٍ آجنٍ في جمه بعرٌ ... فما تسوق إليه الريح محلول
كأنه في دلاء القوم إذ نهلوا ... حم على ودكٍ في القدر محلول
؟
البئر الصافية الماء:
الرفاء:
إني هديت لنعمةٍ منكورةٍ ... فأثرتها من تربةٍ وصفاة
بئر كأن رشاءها في مائها ... سمراء قد ركضت إلى مرآة
كافورة الصيف التي يحيي بها ... منا النفوس وحمة الشهوات
طوقتها حجراً ولو أنصفتها ... طوقتها بفرائد اللبات
ابن المعتز:
حفرتها بيضاء منقورةً ... في دمثٍ سهلٍ وطيء التراب
تضمن ري الجيش للمستقي ... كأن دلويها جناحاً غراب
؟
الدولاب:
القصار البغدادي:
كأنما رنة الدولاب زامرةٌ ... وليس ناياتها إلاً سوانيها
كأنه حبشيٌ فوق عاتقه ... أولاده فهو في بحر يدليها
الرفاء:
ومشمرٍ في السير إلا أنه ... يسري فيمنعه السرى أن يقعدا
وصل الحنين بعبرةٍ مسفوحةٍ ... حتى حسبناه مشوقاً مكمدا
وقال:
فبات يسري ليله ولم ينم ... ولم يجاوز سيره قيد قدم
علي بن الجهم:
وفوارةٍ ثارها في السماء ... فليست تقصر عن ثارها

ترد على المزن ما أسبلت ... على الأرض من فيض مدرارها
ابن أبي طاهر:
فوارةٌ تمج منها ماء ... كما أذبت الفضة البيضاء
أمطرت الأرض بها السماء
قال ابن الصاحب: استظرف إجازة العجلي مع سوء معرفته بالشعر لعلي بن الجهم في صفة الفوارة قوله:
تراها إذا صعدت في السماء ... تعود علينا بأخبارها
؟

البركة:
علي بن الجهم:
أنشأتها بركةً مباركةً ... فبارك الله في عواقبها
كأنها والرياض محدقةٌ ... بها عروسٌ تجلى لخاطبها
من أي أقطارها أتيت رأي ... ت الحسن حيران في جوانبها
؟
المزملة:
الرفاء:
مجروحة الخصر غير داميةٍ ... كما تكون الجراح والندب
كأنما الماء حين يبعثها ... ذوب لجينٍ ميزابه ذهب
؟
السفينة:
أبو الشيص:
وبحرٍ تحار العين فيه قطعته ... بمهنوءةٍ من غير عر ولا جرب
عريضة صدر الزور بهماء رسلة ... سباد خليع الرأس مزمومة الذنب
مجفرة الجبين جوفاء جونةٍ نبيلة مج ... رى العرض في ظهرها حدب
مقتلة لا تشتكي الأين والوجا ... ولا تشتكي عض النسوع ولا الدأب
بعضهم في وصفها: عذراء ملجمة الدبر تشمر بفرسانها في البحر وتمتنع من المشي في البر.
وقال الفرزدق:
وواحلةٍ قد عودوني ركوبها ... وما كنت ركاباً لها حين توحل
قوائمها أيدي الرجال إذا انتحت ... وتحمل من فيها قعوداً وتحمل
البحتري:
ورمت سمت العراق أيانق ... سحم الخدود لغامهن الطحلب؟
من كل طائرةٍ بخمس خوافقٍ ... دعج كما ذعر الظليم الأحدب
؟
الزورق:
أبو نواس:
سخر الله للأمين مطايا ... لم تسخر لصاحب المحراب
أسداً باسطاً ذراعيه يسطو ... أهرت الشدق كالح الأنياب
لا يعانيه باللجام ولا الس ... وط ولا غمز رجله في الركاب
ذات زورٍ ومنسرٍ وجناح ... ين تشق العباب بعد العباب
تسبق الطير في السماء إذا ... ما استعجلوها بجيئةٍ وذهاب
؟
الزبزب:
ابن الراسطي:
كأنما السفن بأرجائها ... وهي على الماجريات
عقاربٌ في رفع أذيانها ... تسري على أبطن حيات
آخر:
زبازب تحكي إذا سيرت ... عقارب تجري على زنبق
آخر:
يا حبذا سكرٌ به جدلني ... وعودي في زبزبٍ كالأجدل
تحسبها العقرب في صورتها ... سارت على بطن شجاع مرسل
؟
ورود الماء:
قال الشاعر:
ولا يردون الماء إلا عشيةً ... إذا صدر الوراد عن كل منهل
النمري في مشاركة الماء:
ولا أسقي ولا يسقى شريبي ... وأمنعه إذا ما جاء مائي
آخر:
لا أورد الماء عرضي قبل شاربتي ... ولا أحن إذا ما حنت النيب
آخر:
لنا إبلٌ لم نسقها بعروضها ... وأحسابنا أخرى الليالي الغوابر
ألا إن شرب السؤر يزري بأهله ... وإن قيل نام في الذرى والخواصر
؟
سقي الأرض وحكم الطريق:
روي أن الزبير ورجلاً من الأنصار اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في شرب ماء كان من نهر يمر بهم، وكانت أرض الزبير فوق أرض الأنصاري، فقال النبي عليه السلام: يا زبير اسق أرضك، فإذا أرويتها فأرسل فضل الماء إلى أخيك؛فقال الأنصاري: يا رسول الله لا يمنعك كونه ابن عمتك أن تقضي بيننا بالحق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا زبير اسق أرضك فإذا أرويتها فاحبس الماء حتى يبلغ الماء الجدر ثم أرسل الماء إلى أخيك. قال الزبير: وهذا كان صريح الحكم. وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزبير بالمعروف ومواساة أخيه، فلما راده القول قضى بينهما بصريح الحكم فأنزل الله تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " .
؟
الضياع:
أبو منصور العدوي:
قد كانت الضيعة فيما مضى ... تغل من يملكها دائبه

فصار من يملكها يومنا ... تغل في مهجته الذاهبه
ستغرق الغلة في خرجها ... وتفضل الكلفة والنائبة

مما جاء في الربيع والخريف
والأزاهير والأشجار والنبات
؟
أصل النيروز والمهرجان:
سأل المأمون أصحابه عن أصل النيروز والمهرجان وصب الماء، فلم يخبره أحد فقال: الأصل في النيروز أن ابرويز عمر أقاليم إيران شهر، وهي أرض بابل، فاستوت له أسبابه واستقام ملكه يوم النيروز، فصار سنة للعجم، وكان ملكه ألفاً وخمسين سنة. ثم أتى بعده بيوراسف وملك ألف سنة، فقصد افريدون وأسره بأرض المغرب وسجنه بأرض بجبل دياوند يوم النصف من ماء نهر، فسمى ذلك اليوم مهرجاناً وصار سنة لهم تعظيمه. فالنيروز أقدم من المهرجان بألفين وخمسين سنة. وقيل: النيروز هو يوم ولد كيومرث بن هبة الله بن آدم لأن الجدران اخضرت لمولده، وأثمرت الأشجار لغير إبانها. وقيل: هو اليوم الذي أحرق فيه الله تعالى فيه الظلمة بالنور وخلق السموات والأرض، وكون الدنيا وأمر الفلك بالدوران. وأما صب الماء فهو قوم أصابتهم قحمة من الأزل فقحطوا زماناً، وانقطعت عنهم الأمطار وتموتت مواشيهم، ثم مطروا واستبشروا لطول عهدهم به، فكان من رش من ذلك المزن وسره وأعجبه، فجعلته العجم سنة إلى آخر الدهر. وقيل: فيهم نزل قول الله تعالى " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت " . وقيل: هو اليوم الذي تكلم فيه زو بن طهماسف، وقيل عيسى عليه السلام. وكان مات أبوه عن قحط شملهم وشمل الأقاليم، فتكلم زو في المهد وسأل الله تعالى أن يسقيهم، فسقاهم تبارك وتعالى. وأما السذق فقيل: إن آدم لما زوج بناته من بنيه وتموا مائة كانت هذه الليلة، فأوقدوا ناراً سروراً بذلك فجعلتها العجم عيداً، ومعنى السذق مائة وسئل بعضهم عن الخريف والربيع فقال: الخريف للفم والربيع للعين؛وذلك أن الربيع لا تكون فيه فاكهة. وسئل عنه بعضهم فقال: الربيع لأهل الوبر والخريف لأهل المدر.
؟
مدح الخريف:
الباذاني:
ولا زلت في عيشةٍ كالخريف ... فإن الخريف جميعاً سحر
ابن المعتز:
اشرب على طيب الزمان فقد حدا ... بالصيف من أيلول أسرع حاد
آخر:
وأشمنا بالليل برد خريفه
طيب الربيع وحسنه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يحيين القلب: النظر إلى الماء وإلى الخضرة وإلى الوجه الحسن. وقال الشاعر:
أربعةٌ نحيا بها ... روحٌ ونفسٌ وبدن
الماء والخضرة والند ... مان والوجه الحسن
وقال أبقراط: من لم يبتهج لرؤية الربيع ولا يتروع بنسيم أسحاره فهو عديم حس أو سقيم نفس. وكتب عمر بن الخطاب إلى أمير الأجناد: مروا بالناس أن يخرجوا إلى الصحارى أيام الربيع فينظروا إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها.
أبو تمام:
إن الربيع آثر الأزمان
وقال بعضهم: الربيع بهجة الدنيا ومجمع المنى.
ابن المعتز:
انظر إلى دنيا ربيعٍ أقبلت ... مثل المهاة تبرجت لزناة
آخر:
فالراح قد باحت بأسرار الندى ... فتنفس الريحان في الجنات
ابن محارب القمي:
تأمل في ربيع الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيونٌ من لجينٍ شاخصاتٌ ... كأن حداقها ذهبٌ سبيك
على قضب الزبرجد شاهداتٌ ... بأن الله ليس له شريك
تفضيل الربيع على سائر الأزمنة ومفاضلة الصيف والشتاء:
الصنوبري:
إن كان في الصيف ريحانٌ وفاكهةٌ ... فالأرض مستوقدٌ والجو تنور
وإن يكن في الخريف النخل مخترفاً ... فالأرض عريانةٌ والجو مقرور
وإن يكن في الشتاء الغيث متصلاً ... فالأرض محصورةٌ والجو مأسور
ما الدهر إلا الربيع المستنير إذا ... أتى الربيع أتاك النور والنور
الأرض ياقوتةٌ والجو لؤلؤةٌ ... والنبت فيروزجٌ والماء بلور
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه، وطال ليله فقامه.
؟الحث على اللهو أيام الربيع وعلى التمتع بها:

قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: إذا دخلت البساتين فأطل تأملها فإن فيها جلاء للبصر وارتياحاً للهم والفكرة، وتكرمة للطبائع وتسكيناً للصداع.
ابن سكرة الرازي:
لائمتي في المدام ظالمتي ... لا سيما والربيع قد هجما
لا تطمعي في إفاقتي وقفي ... حتى يولي الربيع منهزما
آخر:
يا حبذا الينروز من زائرٍ ... جاء على أحسن أوقاته!
فباكر القصف على وجهه ... ووفرن حق زياراته
القاضي علي بن عبد العزيز:
قد صفا الجو واستحال نسيماً ... وتندى الهواء وهو يميع
بشرتنا أوائل الزهر بالور ... د فكلف صباك ما تستطيع
وقيل لما سرجس: لم كان أبصار أهل الرساتيق أصح وطعامهم ثقيل؟قال: ما أعرف لذلك علة إلا كثرة وقوع أبصارهم على الخضرة.
؟رياض مونقة: قال أعرابي: أصابتنا ديمة على عهاد قديمة، فالناب يشبع قبل الفطيمة.
ابن المعتز:
وروضةٍ عذراء غير عانسه ... خضراء ما فيها خلاةٌ يابسه
... فيها شموسٌ للنهار وارسه
والبيت الثاني من قول آكل المرار:
في حيث خالطت الخزاعي عرفجاً ... يأتيك قابس أهله لم يقبس
ووصف بعضهم الأرض فقال: غدت في بردة خضراء وغدت في زي عذراء.
ابن طباطبا:
يا لها من جنة بدت كعروسٍ ... لم يكن حسن حليها مستعارا
؟

طيب رائحة الرياض:
ابن المعتز:
كأن غياب المسك بين بقاعها ... تفتحها أيدي الرياح اللطائف
الأخطل:
الأنف والطرف منه يسرحان معاً ... في ميسمٍ أرجٍ أو منظرٍ قشب
البازني:
وإذا تنفست الرياح حسبتها ... مسكاً تنفس عن جيوب غواني
ابن الرومي:
من نسيمٍ كأن مسراه في الأر ... واح مسرى الأرواح في الأجساد
ابن المعتز:
يا رب ليلٍ سحرٍ كله ... متضح البدر عليل النسيم
تلتقط الأنفاس برد الندى ... فيه فتهديه لحر السموم
؟
ألوان الرياض المختلفة:
التنوخي:
ربع الربيع بها فحاكت كفه ... حللاً بها عقد الهموم تحلل
فمدبجٌ ومحبرٌ وموشحٌ ... ومفضضٌ ومدنرٌ ومهلل
فتخال ذا ثغراً وذا عيناً وذا ... خداً يعضد تارة ويقبل
بارع:
وروضةٍ دبج الوسمي حلتها ... ودبرتها يد الأنواء والحقب
شكر الأرض للمطر:
ابن الرومي:
أصبحت الدنيا تروق من نظرٍ ... واهاً لها مصطنعاً لمن شكر
... أثنت على الأرض بآلاء المطر
ابن المعتز:
ما ترى نعمة السماء على الأر ... ض وشكر الرياض للأمطار
؟
النبات المائل بالرياح:
دعبل:
ضحوكٌ إذا لاعبته الرياح ... تأود كالشارب المرجحن
ابن نوقة:
رياحينها تهتز كالبيض أزمعت ... وداعاً فمالت للعناق قدودها
آخر:
عذارى يباثثن الحديث المكتما
آخر:
كالطامح المتماثل المتكسر
؟
الطل على الأرض:
جحظة:
لم يبق في الأرض زهرٌ يشتكي مرها ... إلا وناظره بالطل مكحول
وقال:
كأن بقاء الويل في جنباتها ... بقية دمعٍ فوق خدٍ مورد
آخر:
بطلٍ كرشحٍ فوق خد مورد
آخر:
فشنف أرضه درراً ... ونظمها الندى شذرا
الحمدوني:
إذا لطم الوسمي أحداق روضها ... بكين معاً باللؤلؤ المتفرد
وقال:
وشابت رؤوس غصون الجنان ... وما ذلك الشيب إلا الشباب
؟
ترنم الأطيار أيام الربيع:
إبراهيم بن ساوة:
والطير في وكناتها محتلةٌ ... فمرنمٌ ومزمزمٌ ومغرد
فكأنها تحكي الغريض ومعبداً ... أو كاد يحكيها الغريض ومعبد
أبو القاسم بن العلاء:
كأن صوادح الأطيار فيها ... جوارٍ والغصون لها ستائر
أخذه من الخباز البلدي حيث قال:
كأن القماري والبلابل بينها ... قيانٌ وأوراق الغصون ستائر
ابن المعتز:

إني لأعجب من حمائمها ... كيف اهتدين لمعربٍ محض
هل كان نحوي يعلمها ... نصباً وباب الرفع والخفض

تغريد الذباب بالرياض:
ابن الرومي:
وغرد ربعي الذباب خلاله ... كما حثحث النشوان صنجاً مشرعا
وكانت أرانين الذباب هنا وكم ... على شدوات الطير ضرباً موقعا
والأصل فيه قول عنترة:
وخلا الذباب بها فلبس ببارحٍ ... غرداً كفعل الشارب المترنم
هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
تشبيه المحبوب بالرياحين وتذكره بها:
البحتري:
لما مشين على الإراك تشابهت ... أغصان قضبانٍ به وقدود
في حلتي حبرٍ ووشيٍ فالتقى ... وشيان: وشي رباً ووشي برود
وسفرن فامتلأت عيونٌ راقها ... وردان: ورد جنى وورد خدود
الصاحب وقد شبه خدود المحبوب بالمنثور:
شرباً على وجه الذي ... تيمني بصده
فإن نآى فاذكر ... بالمنثور عند ورده
من أبيضٍ كوجهه ... وأحمرٍ كخده
وأشهلٍ كطرفه ... وقد سطا بحده
وأصفرٍ كسحنتي ... إذ راعني بصده
وصادق التوريد ... كالفضة بين جلده
ذي أرجٍ كهزله ... وروعةٍ كجده
وقصر في العمر قد ... شابه عمر وده
هذا وما يستطيع أن ... يذكرني بقده
فالفضل للظبي الذي ... أصبحت عبد عبده
ظل أوراق الشجر:
قد أحسن المتنبي حيث قال:
وألقى الشرق منها في ثيابي ... دنانيراً تفر من الثياب
مسكويه:
والشمس محجوبةٌ عنا سوى لمعٌ ... يسقطن من ورق الأشجار كالورق
؟
نفع النرجس:
قال جالينوس: من كان له رغيف فليجعل لصقه من النرجس. فإنه راعي الدماغ والدماغ راعي العقل. وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: تشمموا النرجس ولو في اليوم مرة، فإن في قلب الإنسان حالة لا يزيلها إلا شم النرجس.
أبو نواس:
غضي جفونك يا عيون النرجس ... كيما ألذ بقبلةٍ من مؤنسي
آخر:
وتخالهن إذا هممت بقبلةٍ ... حدقاً تفهم ما أقول فتنظر
آخر:
كأنما النرجس يحكي لنا ... عين محبٍ أبداً تنظر
لا يطرق الدهر لإشفافة ... تخوفاً من لحظه يقصر
ويشبه النرجس بالرقيب، قال أبو نواس:
لدى نرجسٍ غض القطاف كأنه ... إذا ما منحناه العيون عيون
مخالفةٌ في شكلهن فصفرةٌ ... مكان سوادٍ والبياض جفون
آخر:
مداهن تبرٌ حشوهن عقيق
آخر:
أحداق تبرٍ في محاجر فضة
وصف قامته:
شاعر:
ذابلات الأجفان كالعاشق الوا ... قف يشكو الهوى على فرد ساق
آخر:
غصن الزبرجد مرتدٍ ورقاً ... من فضةٍ لك أثمرت ذهبا
الباذاني:
ورق فوقها دنانير صفرٌ ... قد علت من زبرجدٍ أنبوبا
وبالفارسية نركس أزمرد دشه مروار يد فردوسته زوش كرميان بسته. فنظموه بالعربية فقالوا:
وياقوتةٍ صفراء في رأس درةٍ ... مركبة في قامةٍ من زبرجد
ريحه:
ابن الرومي:
يا حبذا النرجس ريحانةً ... لأنف مغبوقٍ ومصبوح
كأنه من طيب أرواحه ... ركب من راحٍ ومن روح
ابن طباطبا:
نرجسه ينسي الورى شكله ... مثل حبيبٍ فاتنٍ دله
نسيمه كالراح لو يحتوى ... والروح لو يعقد منحله
؟
فضل الورد ومحبته:

قيل: إن ملك بابل أهدى إلى ملك اضول وردة فأنكر ما رأى من شوكها وكافأه بأصول الغبيراء لأن زهرتها تولد داء عظيماً إذا شمت، فلما أينعت أصول الورد عنده سر به، فندم على ما كان منه فأهدى إليه شجر الخلاف، وهو دواء لما تولده الغبيراء. وقيل: كان المتوكل حرم الورد على جميع الناس وقال لا يصلح للعامة، فكان لا يرى إلا في مجلسه. وكان في ايامه يلبس الثياب الموردة ويفرشها ويورد جميع الآلات. ورفع صاحب الخبر إلى المأمون أن حائكاً يعمل العام كله لا يتعطل في عيد ولا جمعة، فإذا طلع الورد طوى عمله وغرد بصوت وقال:
طاب الزمان وجاء الورد فاصطبحوا ... ما دام للورد أزهارٌ وأنوار
فإذا شرب مع ندمائه غنى:
اشرب على الورد من حمراء صافية ... شهراً وعشراً وخمساً بعدها عددا
فلا يزال في صبوح وغبوق ما بقيت وردة، فإذا انقضى عاد إلى عمله، وأنشد:
فإن يبقني ربي إلى الورد أصطبح ... وندمان صدقٍ حاكة ونبيط
فقال المأمون: لقد نظر الورد بعين جليلة فينبغي أن نعينه على هذه المروءة، وأمر أن يدفع إليه في كل سنة عشرة آلاف درهم. وقال الحسين رض الله عنه: حباني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلتي يديه ووردة. وقال: إنه سيد الرياحين الجنة ما خلا الآس.
؟

حسنه:
خالد الكاتب:
عشية حياني بوردٍ كأنه ... خدودٌ أضيفت بعضهن إلى بعض
آخر:
كأن طلوع الورد والطل فوقه ... لثاتٌ عليها در ثغرٍ مفلج
وقال ازدشير: ياقوت أحمر وأصفر ودر أبيض على كراسي زبرجد يتوسط شذور من ذهب.
ظهور الورد وتفتحه:
جحظة:
لقد نطق الدراج بعد سكوته ... ووافى كتاب الورد إني مقبل
الرقاشي:
إذا أقبل الورد أهدى لنا ... سروراً بأيامه مقتبل
البحتري:
وقد نبه النيروز في غسق الدجى ... أوائل وردٍ كن بالأمس نوما
يقنعها برد الندى فكأنما ... تبث حديثاً كان قبل مكتما
قلة لبثه:
ديك الجن:
للورد حسنٌ وإشراقٌ إذا نظرت ... إليه عين محبٍ هاجه الطرب
خاف الملال إذ دامت إقامته ... فصار يظهر حيناً ثم يحتجب
أبو نواس:
زائرٌ يهدي إلينا ... نفسه في كل عام
ابن أبي البغل:
حبيبٌ إذا ما زارنا قل لبثه ... وإن هو عنا غاب طال جفاؤه
آخر:
أقام حتى إذا أنسنا ... بقربه أسرع انتقالا
وقال:
الورد أحسن زائر لو لم تكن ... تلك الزيارة حين زار لماما
صيانة الورد:
علي بن الجهم:
لم يضحك الورد إلا حين أعجبه ... حسن الرياض وصوت الطائر الغرد
لا عذب الله إلا من يعذبه ... بمسمعٍ باردٍ أو صاحبٍ نكد
جحظة:
اعزز علي بأن يشمك باخلٌ ... أو أن تراك نواظر السقطاء
وقيل: إن كسرى مر بوردة ساقطة فقال: أضاع الله من أضاعك، ونزل عن دابته وتناولها وشرب في مكانها أقداحاً. وقال بعض الكبار لأبي عبد الله الصائغ: قد جاء وردك يا أبا عبد الله، يعني ورد الكلاب. فقال: وقد جاء ورد أمك، يعني ورد القحبة. وقد نظم ذلك ابن طباطبا:
ولى الزمان وولى ورد أمكم ... وجاء ورد أبيكم يا بني العرر
؟
تفضيل الورد على النرجس:
قيل: الورد يبقى طول السنة رطباً ويابساً والنرجس لا يبقى إلا شهراً، ولو يبس لم ينتفع به، ثم منافع الورد لا تحصى كثرة رطباً ويابساً وطيباً ودواء.
الصنوبري:
زعم الورد أنه هو أبهى ... من جميع الأنوار والريحان
فأجابته أعين النرجس الغ ... ض بذلٍ من قولها وهوان
ايما أحسن: التورد أم مق ... لة ريمٍ مريضة الأجفان؟
أم فماذا يرجى لمحمرة الخد ... إذا لم يكن لها عينان؟
فزها الورد ثم قال مجيباً ... بقياسٍ مستحسنٍ وبيان:
إن ورد الخدود أحسن من عينٍ بها صفرةٌ من اليرقان
تفضيل النرجس على الورد:
قيل: النرجس إذا اجتني بقي شهراً، والورد لا يبقى إلا يوماً ثم يذبل وهو كالعين، وهو أفضل من الورد الذي هو كالخد.
ابن الرومي:

للنرجس الفضل برغم من زعم ... على صنوف الورد والفضل قسم
وله:
هذي النجوم هي التي ربينها ... بحيا السحاب كما يربي الوالد
فتأمل الأخوين من أدناهما ... شبهاً بوالده فذاك الماجد
أين العيون من الخدود نفاسةً ... ورياسةً لولا القياس الفاسد

تفضيل الآس على الورد والعكس:
كتب ابو الدلف إلى عبد الله بن طاهر:
أرى ودكم كالورد لبس بدائمٍ ... ولا خير فيمن لا يدوم له ود
وودي لكم كالآس حسناً ونضرةً ... له زهرةٌ تبقى إذا فني الورد
فأجابه:
وشبهت ودي الورد وهو شبيهه ... وهل زهرةٌ إلا وسيدها الورد
وودك كالآس المرير مذاقه ... وليس له في الطيب قبلٌ ولا بعد
وذهبت امرأة إلى معبر فقالت: رأيت زوجي أولاني باقة نرجس فقال: يطلقك!فقالت: لمه؟قال: لقول الشاعر:
ليس للنرجس عهدٌ ... إنما العهد للآس
ولعلي بن الجهم يفضل الورد على سائر الرياحين:
ما قابلت قضب الريحان طلعته ... إلا تبينت منه ذلة الحسد
الياسمين والآس:
كان مخنث ببغداد قعد يبيع الياسمين ويقول: من يشتري ريح المحبوب ولون المحب بقطعه. وتطير بالياسمين لكون الياس في أوله والمين في آخره. قال ابن الرومي:
ما أنصف الآس باليسمين مشبهه ... والآس منه مكان الياء مفقود
والياسمين إذا حصلت أحرفه ... فالياس منه مكان الياء معدود
إن الدليل على هذا تناثر ذا ... وإن ذاك على الأيام موجود
الشقائق:
أبو العلاء السروري ويروي لابن دريد:
جامٌ يكون من العقيق الأحمر ... فرشت قرارته بمسكٍ أذفر
خرط الربيع مثاله فأقامه ... بين الرياض على قضيبٍ أخضر
والريح تتركه إذا هبت به ... كالطافح المتمايل المتكسر
فتراه يركع ثم يرفع رأسه ... متمايلاً كالعاشق المتحير
وفيه:
جزعٌ وياقوتٌ وخرط زبرجد
الصنوبري:
أعلام ياقوتٍ نشر ... ن على رماحٍ من زبرجد
وللقصار:
وكأنه الحبشي يصبغ جسمه ... فثيابه مخضلةٌ بدمائه
الصنوبري:
شقائق يحملن الندى فكأنه ... دموع التصابي في خدود الخرائد
الأترج:
ابن دريد:
جسم لجينٍ قميصه ذهبٌ ... زر على لعبةٍ من الطيب
فيه لمن شمه وأبصره ... لون محبٍ وريح محبوب
ابن العميد:
يقدرها الرائي سبيكة عسجدٍ ... على أنها من فارة المسك أضوع
وما حكت العشاق صفرة لونها ... ولكن لما قاسى المحبين تجزع
أبو سعيد الرستمي:
وأترجةٍ مدت أصابع من ذهب ... لها أرجٌ من فارة المسك منتهب
تبدت لنا والريح داجٍ ظلامه ... كغابر نارٍ هزه الريح فانشعب
كشاجم:
كأن أترجها تميل به ... أغصانها حاملاً ومحمولا
سلاسل من زبرجدٍ حملت ... من ذهب اصفر قناديلا
ابن الرومي:
كأنكم شجر الأترج طاب معاً ... حملاً ونوراً وطاب الريح والورق
النارنج على الأشجار:
شاعر:
تطالعنا بين الغصون كأنها ... خدود عذارى في ملاحفها الخضر
التنوخي:
شموس عقيقٍ في قباب زبرجد
الصاحب:
كأنما النارنج تفاح الذهب ... أو فرح قنديلٍ تندى كاللهب
أو حمرةٌ شعاعها يمضي شعب ... أو ثدي خود ناهدٍ يحكي الكعب
الليمون:
محمد العباسي:
حبذا الليمون حسناً ... وبهاءً ونضاره
هو ريحانٌ أتى من ... أرض هندٍ للزياره
رام أن يشبهه النا ... رنج خرطاً واستداره
وتمنى أن يباهيه بأن يحكي اصفراره
ثم أعياه فلم يلحقه في زي وشاره
لونه والعرف والشكل فمنه مستعاره
الدستبول:
شاعر:
ككراتٍ طيقاتٍ تخال قشورها ... نون القسي منمرات يلمع
وقال:
كأنها من لب كافورةٍ ... قد غمرت من رطبٍ رطب
اللفاح:

أبو علي بن أبي العلاء:
كحتمة من ذهبٍ ... بلازوردٍ ممتعا
أو شعلة وقد علا ... دخانها وارتفعا
أبو القاسم ابنه:
ما جوهرٌ متنافسٌ ... فيه كندٌ في ندي
ومشم معشوقٍ تصا ... دفه على عرفٍ ذكي
وكأن رائق شكله ... لما بدا كرة الصبي
لولا ذوائبه التي ... قد أشبهت بيض الكمي

حب النيل:
أبو الحسن الزاهري:
ولاح لناظري بنات وردٍ ... لحب النيل تفضح كل ورد
كنونات اللجين مطرقات ... أسافلها بماء اللازورد
الخيري:
ابن الرومي:
خيريّ ورد أتاك في طبق ... قد ملأ الخافقين من عبقه
قد خلع العاشقون ما صنع ... الهجر بألوانهم على ورقه
أبو العلاء السروي:
أهدى إلي فنون الشوق والأرق ... نسيم رائحة الخيري في العبق
كأنه عاشقٌ يهدي صبابته ... صبحاً وينشرها في ظلمة الأفق
السوسن:
يشبه بأذناب الطواويس وبسبائك الفضة.
ابن المعتز:
كقطنٍ مسه بعض البلل
الموصلي:
كأنما زرقة أوراقه ... ذوائبٌ من لهب الفحم
عبدان:
وقد زخرف الدنيا ملاعق سوسنٍ ... فمن أزرق غض النبات وأقمر
كأعناق طير الماء أوراقها حكت ... مناقيرها صوراً بخد مقرر
الجلنار:
الحمدوني:
وجلنارٍ أحمرٍ ... على أعالي شجره
كأن في رؤوسه ... أحمره وأصفره
قراضةٌ من ذهب ... في خرقةٍ معصفره
الأرجوان:
عبدان:
كأن الأرجوان ضرام نارٍ ... بلا شررٍ تطاير في توالي
كأنا مصطلون بها قعوداً ... حواليها وما منا بصالي
المرزنجوش:
أبو الوفاء محمد بن عبد العزيز بن محمد بن سلمة الهذلي:
ومرزجوش كأن القطر شنفه ... دراً كما شنفت آذان أبكار
إذا أتته هبوب الريح جاذبةً ... كأنه مائلاً مصغٍ لأسرار
ورد العصفور:
ابن طباطبا:
ريحانةٌ في اصفرار مهديها ... شبهتها بعد فكرةٍ فيها
أحبةٌ لم تصخ لعاذلها ... تسد آذانها بأيديها
النيلوفر:
أبو عبد الله:
كأن نيلوفره عاشقٌ ... نهاره يرمق وجه الحبيب
حتى إذا الليل بدا وجهه ... وانصرف المحبوب خوف الرقيب
أطبيق جفنيه عسى في الكرى ... يبصر من قارعه عن رقيب
آخر:
ككاسات شرب في أكف وصائفٍ ... من السند عنهن السواعد حسر
الزاهي:
ونيلوفرٍ مثل الكؤوس شممته ... حكت ريحه ريح المحب الموافق
حكى رقدة المحبوب قبل انفتاحه ... وبعد انفتاح الجفن تسهيد عاشق
الآذريون:
ابن المعتز:
كأن آذريونها ... فوق سماء هاميه
مداهن من ذهب ... فيها بقايا غاليه
عبد الرحمن بن مندويه:
صلاء جمرٍ ... شب في كانون
الخرم:
ابن الرومي:
وخرم في صبغة الطيالسه ... تحكي الطواويس غدت مطاوسه
كأنما تلك الفروع النامسه ... تغمسها في اللازورد غامسه
ابن طباطبا:
صمامات وشيٍ هيئت للمخازن
الأقحوان:
التنوخي:
وأقحوانٍ كأن وردته ... دراهمٌ بينها دنانير
عبدان:
وتبسم عن ثغور الحور فيها ... ثغور القحوان من اللآلي
آخر:
عيون الأقاحي ما خلقتن للبكا ... فما بال مجرى الدمع منكن منكر
إذا ما سقاه الغيث كاساً من الندى ... تناوب سكراناً وبالريح يسكر
الشاهشفرم:
أبو العويص:
وقامة ريحانٍ أنيقٍ نباتها ... غذاها نمير الماء سقياً على قدر
وفاح بنشر طيب الشم ريحها ... له نشوات المسك في سائر العطر
فأصبح شاهاً للرياحين كلها ... وليس لها ما دام شيء من الأمر
الزاهي في وصف الأوراق:
لها ورقٌ كواواتٍ صغار

ما يتطير به من الرياحين:
قيل: في الياسمين يأس وفي الخلاف خلاف وفي النمام نميمة والشقائق شقاء، وفي البان بين وفي السفرجل سفر جل، وفي السوسن السوء.
العباس بن الأحنف:
أهدى له أحبابه أترجةً ... فبكى وأشفق من عيافة زاجر
متطيرٌ لما أتته لأنه ... لونان باطنه خلاف الظاهر
ابن الشاه:
لا بارك الله في النمام إن له ... اسماً قبيحاً من الأسماء مهجورا
لو لم ينم على العشاق سرهم ... ما كان فيهم بهذا الاسم مذكورا
البنفسج:
ابن المعتز:
أوائل النار في أطراف كبريت
ولعبدان:
لكالياقوت منه النار لا بل ... ككبريتٍ خفي الاشتعال
السروي:
كأ، ه خضر ديباجٍ أحاط به ... من لازوردٍ فصوصٌ ذات لألاء
التنوخي:
زينها بنفسجٌ كأنه ... فيروزجٌ قطع فيها أو خرط
الخودان:
بعضهم:
وكأن الخودان فيها لآلٍ ... مشرقات نظمن في عنقود
الخطمي:
الحسن بن محمد:
وقد أظهر الخطمي نوراً كأنه ... صحافٌ من الياقوت فيها ذرائر
الزعفران:
الباذاني:
كأن صبايا الزعفران إذا بدت ... نصال سهامٍ افردت لا تركب
زجاج متنصلة وكبريتة مشتعلة.
الباذاني الأصفهاني:
ورد يعظم والتراب محله ... وترى الكريم يعز حين يهون
محمد بن بحر:
هاك خذها عرائساً يتصد ... ين صباحاً ويختفين مساء
يتفلقن عن صبايا ثلاثٍ ... قد تعانقن إلفةً وصفاء
آخر:
كتخطيط المطرز في الكمام ... بلامٍ ثم لامٍ ثم لام
القطن النابت:
أبو العويص:
نشا عن ضمورٍ واستدارة قالب ... فصار عريضاً ناتئ القصيات
وأثمر تفاحاً بغير تفكه ... طويل على تفاحة الشجرات
نما وربا حتى تفتق صلبه ... بأربع فقراتٍ له حدبات
وإن بز عنه شحمه وسديفه ... تزيد شدق الفحل للنزوات
شبيه فم الشاهين ينقض فاغراً ... ليلهم يعفوراً على وكرات
الكمأة:
قال النبي صلى اله عليه وسلم: الكمأة بقية من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وفيها شفاؤ من السحر والسم. وأنشد الأصمعي لرجل من بني بكر:
وأشعث قد ناولته أحرش القوى ... أدرت عليه المدجنات الهواضب
تخطاه القناص حتى وجدته ... وخرطومه في منبع الماء راسب
يعني بالأشعث فقيراً وبأحرش القوى كماة خشنة.
الراعي:
بأرضٍ يبين النقع فيها قناعة ... كما انتص شيخٌ من رفاعة أجلح
اللبلاب:
الوأواء:
لبلابتي أحسن لبلابه ... قد حوت الحسن وأسبابه
كأنها بالغصن ملتفةٌ ... متيمٌ عانق أحبابه
الريباس:
المرادي:
ومكنونةٍ من بنات الثرى ... تجمع في الباب خطابها
تمد يداً برزت كفها ... بحر الزمرد عنابها
الباقلاء:
كشاجم:
تخال فيه النور جزعاً في سخبٍ ... أو بلق وقعت على قضب
الصنوبري:
ونبات باقلاء يشبه ورده ... بلق الحمام مقيمة أذنابها
وقال:
فصوص زمردٍ في غلف درٍ ... بأقماعٍ حكت تقليم ظفر
آخر:
زبرجدٌ ضمن درةٍ لبست ... حريرة بطنت بكافور
البطيخ:
قال بعضهم في وصف: هو فاكهة وأدم وأشنان وحلواء، وعند العدم قعب لمدام ويطلى في الحمام.
كشاجم:
وزائرٍ زار وقد تعطرا ... أسر شهداً وأذاع عنبرا
ملتحفاً للصين ثوباً أصفراً ... يظنه الناظر أن يقدرا
... دب الدبا بثمنه فأنشرا
وإذا أردت الشراء للبطيخ فخذ أثقلها راساً وأعظمها فلساً وأخشنها مساً.
أبو طالب المأموني:
وحمراء خلناها إذا غث وأضمرت ... وقد عل برديها جسامٌ وعندم
قراضة تبرٍ في صفائح فضةٍ ... تضمنها حق من الجزع مسهم
إذا قطعت كانت سفائن لجةٍ ... وإن لم تقطع فهي عكمٌ محزم

وله:
رياضةٌ مسكيةٌ عسليةٌ ... لها لون ديباجٍ وعرف مدام
وله في البطيخ الهندي:
ومبيضةٍ فيها طرائق خضرةٍ ... كما اخضر مجرى السيل في صيب الحزن
كحقة عاجٍ صيغت بزبرجدٍ ... حوت قطع الياقوت في قطع القطن

القثاء:
الخوارزمي:
يا رب قثاء برود المورد ... در الحشا زمرد المجرد
سخت الروس لصور المقلد ... مثل ذنابي ريش ديك أعقد
قد التوى فوق الثرى الرطب الندي ... كما تلوى أسودٌ بأسود
ذي زغبٍ وفيه لين الأجرد ... كالخد بين الملتحي والأمرد
كأنه في اللون والتأود ... صوالجٌ ركبن من زبرجد
يكاد للين وللتعقد ... تجنيه ألحاظ الفتى قبل اليد
... ماء كطعم السكر الطبرزد
الباذنجان:
وصفه بعضهم فقال: كرات أدم قمعت بكيمخت وحشيت بصغار الدر، وسط لبن حليب وقمعت بنفسجاً.
الزرع والغرس:
قال النبي صلى اله عليه وسلم: ما من رجل يغرس غرساً فيأكل منه إنساناً أو طائر أو بهيمة إلا كان له صدقة. وقالت عائشة: التمسوا الرزق في خبايا الأرض. وقال ابن الزبير: عليك بالزرع فإن العرب كانت تتمثل لذلك ببيت شعر:
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوماً أن تجاب فترزقا
وقال بعض البلغاء: أجود الزرع ما غلظت قصبته وعرضت ورقته، وادهامت خضرته وعظمت سنبلته والتفت نبتته. وقيل لبعض الفلاسفة: ما بال الحشيش أنضر وأغض من الزرع؟فقال: لأن الحشيش ابن للأرض، والأرض داية للزرع. وقيل: للزرع ألف آفة ليس فيها أعظم من جور السلطان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وفي يد أحكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها. وقال ابن عباس: المتوكل من يبذر.
البر:
قيل: أفضل نابت وأحب مأكول البر. وقال بعضهم: ما ظنك بشجرة فتنت آدم وحواء وأخرجتهما من الجنة على دار الكلفة والمهنة وعصيناهما الرحمن، وقال لهما إبليس: ما نهاكما ربكما.
مفاضلة البر والتمر:
قيل: غلة النخل العنا وغلة البر الغنى. وقيل: البر خبز والتمر أدم، والخبر أفضل من الأدم. وقيل: البر إذا أكل لا بد أن يداس ويذرى ويغربل ويخمر ثم لا يأكله بغير أدم إلا جائع، ومن أكله بغير طحن وخبز تولد في بطنه الدود. والتمر يؤكل من النخلة على أي نوع أردت ثم منافعه لا تحصى. واختلف في البر والتمر اثنان عند محمد بن سليمان فقال: طالما اختلف في ذلك الأمم، وقال لابن داحة: اقض بينهما، فقال لصاحب البر: خبرني أيهما أوجد في الجدب؟قال: التمر. قال: فأيهما أبقى على الغرق؟قال: النخل، قال: فأيهما الحرق أسرع إليه؟قال: السنبل. قال: أيهما أمنع من النار؟قال: النخل. قال: أي الأرضين أعز؟قال: أرض النخل. فقال سلمان: قد قضيت وفضلت النخل.
الكرم:
أبو نواس:
لنا هجمةٌ لا يدرأ الذئب سخلها ... ولا راعها زر العجالة والخطر
إذا منحت ألوانها مال صفرها ... إلى الجو إلا إنها ألوانها خضر
إبراهيم بن المهدي:
سلافة كرمٍ تظل النبيط ... ترفع منه عريشاً عريشا
إذا أنت قابلته خلته ... مطارف خضراً كسين النقوشا
الرفاء:
وشاحبة الظلال مقرطاتٍ ... ظروف الراح من زنجٍ وروم
أبو رافع الهروي:
كأن عناقيد العرائش فوقنا ... زنوجٌ ورومٌ علقوا بالحناجر
مدح النخل:
ابن المعتز:
ظلت عناقيدها يخرجن من ورقٍ ... كما اجتبى الزنج في خضرٍ من الورق

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكرموا النخل فإنها عمتكم. وقال: خلق آدم والنخلة والعنبة والرمانة من طينة واحدة. وقال: نعمت العمة لكم النخلة، تغرس في أرض خوارة وتسقى من عين خرارة. وقال ابن دريد: سالت أعرابياً فقلت: ما أموالكم؟قال: النخل. فقلت: اين أنتم من غيره؟قال: النخل سعفها صلاء وجذعها غماء وليفها رشاء، وفروها إناء ورطبها غذاء. وقال جعفر بن محمد: نعمت العمة لكم النخلة وعمرها كعمر الإنسان وتلقيحها كتلقيحه. وقيل: خير أموال الناس أشبهها بهم. وصف خالد بن صفوان لهشام النخل فقال: هن الراسخات في الوحل المطعمات في المحل، الملقحات تخرج أسفاطاً عظاماً وأوساطاً كأنها ملئت رياطاً، ثم تفترعن قضبان اللجين منظومة باللؤلؤ المزين، فيصير ذهباً أحمر منظوماً بالزبرجد الأخضر، ثم يصير عسلاً في لحاء معلقاً في هواء. ووصفها بعضهم فقال: شريعة العلوق سائحة العروق صابرة على الجدوب لا يخشى عليها عدو الذئب. وقيل: إن النخلة تقول للنخلة أبعدي ظلك من ظلي أحمل حملي وحملك. وقيل: الحر بالخفي أن تقرب النخلة من النخلة وهو كما قيل: الحر بالخفي أذكار الإبل. وقال بعض البصريين: النخلة تقتل نفسها سنة وصاحبها سنة، لأنها تحمل سنة كثيراً وسنة قليلاً.
شاعر:
لنا على دجلة نخلٌ منتخل ... نسلفه ماءً فيعطينا عسل
مسطر على قوامٍ معتدل ... يسقى بماءٍ وهو شيءٌ في الأكل
وقال احيحة بن الجلاح وكان قومه لاموه في ابتياعه النخيل:
يلومونني في اشتراء النخيل قو ... مي وكلهم يعذل
تغشى الحبوب بأذنابها ... ويجلب من ضرعها من عل
نعم لعمكم نافع ... وطفل لطفلكم يؤمل
هي المال والظل حق الظل ... يل والمنظر الأحسن الأجمل
وقيل: سمي النخل نخلاً لأنه منتخل.

ذم النخل ووصف الرديء منه:
عاب أعرابي النخل فقال: صعبة المرتقى بعيدة الهوى مهولة المجتنى، دقيقة السلاء شديدة المؤنة قليلة المعونة خشنة المس ضئيلة الظل. وأهدى رجل إلى جحظة نخلة زعمها قرشية فغرسها ولم يزل يتعاهدها حتى حملت، فإذا هي دقلة، فجاء الرجل فسأله عنها فقال: ما فعلت قرشيتك؟قال: هي قرشية من ولد زياد. بعضهم في نخلة قطعت فجعلت جذوعاً:
إلى الله أشكو هجمةً هجريةً ... تحرمها مر السنين الغوابر
فأضحت رذايا تحمل الطين بعدما ... تكون غنى للمقترين المفاقر
خرص النخل والكرم:
كان لخثعمة البكاري نخيل فجاء خارص يخرص عليه، فأخذ فأساً وجعل يضرب أصولها ويقول: أقطعها فأستريح!فقال عريفه: اكفف فليس عليك إلا الحق فقال:
لئن كان هذا الخرص فيكن دائباً ... فأبعدكن الله من نخلات
أفي كل عام خارصٌ غير عادلٍ ... تصعد من أفعاله زفراتي
شجر التفاح المثمر:
أبو العلاء السروي:
وأشجارٍ من التفاح زهر ... ثقلن بحمله ثقلاً وبيدا
تظل الريح تنثرها علينا ... فنلقطها ونحسبها خدودا
نفع التفاح وحسنه:
روي أن ارسطاطاليس حضرته الوفاة فاستدعى ثلاثة من تلامذته فعجز عن مناظرتهم، فاستدعى تفاحة اعتصم بها وبرائحتها ريثما قضى وطره. وقال أبقراط: الحمرة في التفاح صديقة الجسم وريحه صديقة الروح. وذكر التفاح بحضرة المأمون فقال: في التفاح الصفرة الرديئة والحمرة الذهبية، وبياض الفضة ونور القمر، تلذها من الحواس ثلاثة: العين بلونها والأنف بشمها، والفم بطعمها. وفي وصف احمراره قيل:
خدودٌ ملاح كدها لوم لائم
وقيل:
خدود عذارى ... قد جمعن على طبق
أبو نواس:
تفاحٌ جرى ذائباً ... كذلك التفاح خمرٌ جمد
فاشرب على جامد ذا ذوبٍ ذا ... ولا تدع فرصة يوم لغد
الرفاء:
لو جمدت راحنا اغتدت ذهباً ... أو ذاب تفاحنا غدا راحا
وقال المأمون: لو أن التفاح ينحل لكان قزحاً، ولو تجسم قزح غدا تفاحاً.
الفتاحة المهداة:
ابن المعتز:
تفاحةٌ معضوضةٌ ... صارت رسول القبل
أبو هفان:

تفاحةٌ من عند تفاحةٍ ... بالمسك والعنبر نفاحه
أخذتها من كف طبي وقد ... كانت إليه النفس مرتاحه
ما مسها طيبٌ ولكنها ... باشرها بالكف والراحه
وقال:
أهدى لنا التفاح من كفه ... يا ليته أهداه من خده

معاتبة من أكل التفاح:
نظر بعض الفتيان إلى آخر، وقد أقبل على أكل التفاح في بعض المجالس فقال:
يا ذا الذي يأكل التفاح من شره ... رفقاً فقدتك يا حتف التحيات!
أبو إسحاق بن العباس:
إن الذي يأكل تفاحة ... لمستخفٌ بمهاديها
الخبزارزي في الاعتذار لآكلها:
أكلت تفاحةً فعاتبني ... فتى رآها كخد معشوقه
فقال: خد الحبيب تأكله ... فقلت: لا، أمص من ريقه
وقال رجل لآخر أكل تفاحة حياه بها: أتأكل التحيات؟قال: والمباركات والطيبات.
اختلاف الأمكنة في إدراك الأصناف بصنعاء:
تدرك الحنطة بصنعاء مرتين، والشعير والذرة ثلاث مرات وأربعاً، والعنب دفعتين. وعندهم نحو سبعين لوناً عنباً، ويدرك الموز كل أربعين يوماً. وعندهم قصب السكر وباقلاء ولوز وتين ورمان وسفرجل.
تعانق الأشجار:
بعضهم:
كأن فروعها في كل ريحٍ ... جوارٍ بالذوائب ينتضينا
أبو محلم:
نشاوى تثنيها الرياح فتنثني ... ويلثم بعض بعضها ثم يرجع
سعيد بن حميد:
وترى الغصون إذ الرياح تنفست ... ملفتةً كتعانق الأحباب
التنوخي:
عذارى تباثثن ... الحديث المكتما
آخر:
فكأنما ينوي التعا ... نق ثم يدركه الخجل
ارتجاس الريح في الشجر:
التنوخي:
كأن ارتجاس الريح في جنباته ... إذاعة شكوى أو مرار تعاتب
عبدان:
كأن رقارق الأرواح فيها ... نشيش ملهوجات في المقال
السرو:
كان بعضه يبغض السرو ويقول: كأنه نساء لابسات حداداً. وكان يقول: كأن السرو ذنب عرس. خرج عبد الله بن طاهر فقال له رجل: قد جئتك ببشارة قد صدق الله قولك حيث تقول:
أيا سروتي بستان زكي سلمتا ... ومن لكما أن تسلما بضمان
أيا سروتي بستان زكي سلمتا ... وغال حبيبي غائل الحدثان
فقد سقطت إحداهما فقال له عبد الله: الم يكن بالرقة حمى تشغلك!وأمر له بخمسة آلاف درهم. وقال: أخشى أن لا أحقق ظنك.
نور شجر الخلاف:
أبو حاتم الوراق:
كأن نور شجر الخلاف ... أكف سنورٍ بلا خلاف
... مردودة البرثن في الغلاف
ضروب من الأشجار:
أشجار اللبان لا تورق بل تحمل أغصانها الكندر. أطول الشجر عمراً شجر الزيتون فإنه يقال أنه يبقى ثلاثة آلاف سنة. وكل زيتونة بفلسطين فمن غرس اليونانيين، وكانوا قبل الروم. والبقم ينبت من غير أن يغرس؟. والساج تتصاعد في الهواء ملساء مستوية لا تخرج أغصاناً. وغاية طول الشجر مائة وعشرون ذراعاً، وأوراقها عراض في رأس الشجرة، كل ورقة تقطع لرجل سراويل. واشجار الكافور طوال، ولها أغصان وعلى رأسها ورق مثل الترس، وفي نفس الشجر عقد فإذا أراد الرجل الكافور عمد إلى فهر فيعلوها به فيضربها، فإذا أحس بها أنها قد فجرت عمد إلى جبل فقلع الشجرة وتناثر الكافور الرياحي منها، فيجتمع في كل شجرة نحو ثلاثين منا، وأما ماء الكافور فإنه يعمد إلى الأشجار التي لم تعقر، فيضرب بالقدوم مواضع العقد ثم تؤخذ قلة وتشد على وقع القدوم، فيسيل ماء الكافور من تلك الضربة ويجتمع في تلك القلة. وبالزنج القرنفل ومشتريه يأتي بالدنانير فيضعها على ساحل البحر، وينصرف إلى منزله فإذا أصبح عاد إليه فيجد هناك القرنفل، وتكون الدنانير قد حملت. وبها الخيزران ويقال: إن خيزرانة يبلغ طولها تحت الأرض ست فراسخ. ولبعضهم في العوسج:
عذرنا النخل في إبداء شوكٍ ... يذود به الأنامل عن جناه
فما للعوسج الملعون أبدى ... لنا شوكاً بلا ثمرٍ تراه
تراه ظن فيه جنىً كريماً ... فأبدى عدة تحمي حماه
فلا يتسلحن لدفع كف ... كفاه لؤم مجناه كفاه!
ومما جاء في الأمكنة والأبنية
مكة:

قال الله تعالى " أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً " . وهي حرم إلى يوم القيامة واي ناحية من الكعبة يصيبها المطر فالخصب في تلك السنة في تلك الناحية، ومن علا الكعبة من العبيد فهو حر، وإن الذئب لا يصيد بها الظباء وإن الطير لا يعلو الكعبة إلا وهو عليل، وإذا طار فانتهى إلى الكعبة افترق فرقتين، وشأن الفيل معروف.

المدينة:
تسمى طيبة فإن من دخلها وأقام وجد من تربتها وحيطانها رائحة، ليس لها اسم في الأراييح وأنواع الطيب تزداد بها طيباً. وقال صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم عليه السلام حرم مكة، وأنا حرمت ما بين لابتي المدينة. ونهى أن يعضد شجرها فقال: لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ولا يكون بها مجذوم قط. وقال: الهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها واجعلها بالجحفة.
مصر:
لم يذكر الله تعالى شيئاً من البلدان باسمه سوى مصر وذكرها في مواضع بالكناية فقال " وقال نسوة في المدينة " . وقال " فلن أبرح الأرض يعني مصر " . وسئل بعضهم عن مصر فقال: عيش رخي وموت وحي.
الكوفة:
قال ابن عباس: لو كانت البصرة أمة للكوفة فضلت ما طلبتها رغبة عنها. وقال كوفي للبصري: أتمدون أرجلكم مع أهل الكوفة ولقد كانوا يقرأون بقراءة أسلاف الحرمين؟فجاء حمزة الزيات من الكوفة فقرأ بلغة لا تعرفها العرب، فتتابع الناس على قراءته حتى سكان دور الخلفاء، وكانت القضاة والفقهاء على أحكام سلفهم حتى جاء أبو حنيفة فتتابع كل الناس على رأيه.
البصرة:
قال الأحنف: نحن أعذب منكم برية وأكثر حرية وابعد سرية. وقال خالد بن صفوان: نحن أكثر منكم ساجاً وعاجاً وديباجاً وخراجاً ونهراً عجاجاً. وقال: مياهها قصب وأنهارها عجب وسماؤها رطب وأرضها ذهب. وتبقى النخلة بالبصرة مائة وعشرين سنة، وتبقى كأنها قدح، وما تطول نخلة بالبصرة إلا اعوجت. وقيل: تمثلت الدنيا على مثال طائر فمصر والبصرة جناحاها.
وصف جماعة من البلدان:
قال الحجادج لابن القرية صف لي البصرة قال: حرها شديد وشرها عتيد، مأوى كل تاجر وطريق كل عابر؛قال فواسط. قال: جنة بين حمأة وكمأة. قال: فالكوفة؛قال: نقصت عن حر البحرين وسفلت عن برد الشام فطاب ليلها وكثر خيرها؛قال: فالشام؛قال: عروس بين نسوة جلوس أطوع الناس للمخلوق في معصية الخالق. قال: فخراسان؛قال: ماؤها جامد وعدوها جاهد باسهم شديد وحرهم عتيد. قال: فكرمان؛قال: ماؤها وشل وتمرها دقل وعدوها بطل، إن قل الجيش بها ضاعوا وإن كثر جاعوا قال: فاصبهان؛قال: في حاضرة من الأرض زائغة من الطريق الأعظم. قال: وأحسن الأرض مخلوقة الري وأحسن الأرض مصنوعة جرجان، وأحسن الأرض قديمة وحديثة جندي سابور وهو شر البلاد. ودخل محمد بن عبد الملك الزيات على المأمون فقال: صف لي أصبهان وأوجز قال: هواؤها طيب وماؤها عذب وحشيشها الزعفران وجبالها العسل، إلا أنها لا تخلو من خلال أربع: جور السلطان وغلاء الأسعار وقلة مياه الأمطار. فاطرق ساعة وقال: لعل تجارها مرابون وقراءها منافقون. وقال المأمون: صف لي فارساً؛فقال: فيه من كل بلد بلد. وسئل أعرابي عن شهرزور فقال: إن رجالها لتوق وعقاربها لبرق أي شائلة أذنابها. وقال في بغداد: هي الشمطاء الحرقة والعجوز المتدللة، والعمياء المتكحلة والشلاء المختضبة، هواؤها دخان ونسيمها صدام، تنقبض فيها أيدي المستغنين وتصغر أنفس المفضلين، تجارها أسد مفترسون وصناعها لصوص مختلسون، جارها حاسد ومزاجها فاسد.
مضار البلدان ومنافعها:
خيبر يحم بها كل يوم مقيموها دون الطارئين عليها:
ولكن قومي أصبحوا مثل خبيرٍ ... بها داؤها ولا يضر الأعاديا
وقيل: حمى خيبر وطحال البحرين ودماميل الجزيرة وطاعون الشام، ومن أقام بالأهواز حولاً فتفقد عقله وجد فيه نقصاً بيناً، ومن أكثر الصوم بمصيصة خيف عليه الجنون، وقصبة الأهواز تقلب من نزلها إلى طبائع أهلها، ومحموها إذا نزعت عنه الحمى عاودته من غير علة، وفي جبالها الأفاعي وفي بيوتها الحرارات، وقيل: من نزل الكوفة ولم يقر لهم بثلاث فليست لهم بدار، فضل عثمان والحسن ورطب السكر وقال حكيم بن جابر: قال الجوع أنا لاحق بأرض العرب. قالت الصحة: وأنا معك.
عجائب البلدان:

بشيراز تفاحة نصفها في غاية الحلاوة ونصفها في غاية الحموضة. وبقرب قرميسين قرية يقال لها كركان من أخذ من طينها ليلة الميلاد وطين بها داره وبيته أمن الغوائل إلى قابل. وفي بعض جزائر الصين حيات تبتلع الإبلأ والبقر وقردة كالحمير. وبمصر حجر من يمسكه في يده يتقيأ ما دام في يده. والسف حجر يطفو على الماء، والأبنوس والشير يرسبان فيه، والمغناطيس حجر يجذب الحديد، وإذا مسح بالثوم لم يجذب. وبمدينة ختن من حدود الصين طواحين كثيرة، يدور الحجر الأسفل والذي فوقه قائم لا يتحرك. وبأذربيجان واد لا يقدر له أحد أن ينظر إليه.

أرض العرب:
قيل: إن نجداً من العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى اليمن وغلى جبل طيء، ومن ظهر البصرة وهو المربد إلى وجرة، وذات عرق أول تهامة إلى البحر وإلى جدة، وإن المدينة لا تهامية ولا نجدية فإنها حجاز فوق الغور ودون نجد، وإنها جلس لارتفاعها عن الغور ونجد. وقيل: القرى العربية مكة والمدينة والطائف واليمامة، فأما البحرين فهو خلط فيه عرب وعجم.
حد السواد:
من لدن الموصل ماراً إلى ساحل البحر ببلاد عيان من شرقي دجلة هذا طوله، وأما عرضه فحده منقطع الجبل من أرض حاران إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب، وعليه وقع الخراج والمساحة.
الأبنية المحكمة:
من ذلك الخورنق؛بناه سنمار لكسرى على فرات الكوفة، فلما صعد كسرى أعجب منه وخاف أن يبني لغيره مثله فقتله. وقيل: إنما قتله لقوله أعرف في أركانه موضع حجر إن نقضته تداعى هذا البناء كله. ومن ذلك مارد والأبلق الفرد. وفي المثل: تمرد مارد وعز الأبلق. وغمدان باليمن من أعجب ما بنى الملوك أربعة عشر غرفة بعضها فوق بعض، فهدم الحبشة بعضها وهدم عثمان بعضها، كما هدم آطام المدينة والمشقر وقصر سنداد بالكوفة، وفيه يقول الأسود:
ماذا أؤمل بعد آل محرقٍ ... تركوا منازلهم وآل إياد
أهل الخورنق والسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
وبناء الإسكندرية وقد ذكره النابغة في قوله:
وخيس الحن أني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد
وكان المنصور تقدم بهدم إيوان كسرى وحمل نقضه إلى مدينة السلام فقال له خالد: لا تهدم بناء دل على فخامة قدر بانيه الذي غلبته وأخذت ملكه، فتعجز عنه فيدل ذلك على عجز منك.
فقال: هذا الميل منك إلى المجوس!وأمر بهدمه فعجز عنه. فقال: يا خالد صرنا إلى رأيك.
فقال: الآن أشير أن لا تكف عنه، فإن الهدم أيسر من البناء، ويتحدث الناس إنك عجزت عن هدم بناء بناه عدوك. وقال المأمون لما سمع هذا: قد حبب إلي هذا الخبر أن لا أبني بناء يعجز عن هدمه. والهرمان قيل كل هرم سمكه أربعمائة في الهواء مبنية بحجارة المرمر والرخام، وغلظ كل حجر وطوله ما بين عشرة أذرع إلى ثمانية أذرع، مهندم لا يستبين مساده إلا حاد البصر، عليها منقور كل عجب من الطب والطلاسم، ومكتوب عليه: إنني بنيتها فمن ادعى قوة في ملكه فليهدمها. والهدم أيسر من البناء. وأراد بعض الخلفاء هدمها فإذا خراج مصر لا يقوم به فتركها. وفي الخبر: إن الإسكندرية بقيت مدة لا يدخلها أحد إلا على بصره خرقة سوداء من بياض جصها وبلاطها. وقيل: بنيت في ثلاثمائة سنة وكان فيها ستمائة ألف من اليهود خولاً لأهلها.
اختيار بلد دون بلد:
قيل: لا تقيموا ببلد ليس فيها نهر جار، وسوق قائمة وقاض عدل. وقيل: لا تبنى المدن إلا على الماء والمرعى الخصب.
مدح الدور الواسعة:
مر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء يبنى فقال: أوسعوه. وقيل: خير المنازل ما سافر فيه البصر، وأترع فيه البدن. وقال يحيى بن خالد لابنه الجعفر: تريد أن تبني دارك فاعلم أن عمرانها عمران قليل، وخرابها خراب قليل، فاستوسع فإن الهمة مع السعة. وقال: دارك قميصك فإن شئت فوسعها وإن شئت فضيقها. وسئل بعضهم: ما الغنى؟فقال: سعة البيوت ودوام القوت. وقيل لآخر: ما السرور؟قال: دار قوراء وامرأة حسناء ويسار مع طول البقاء.
ذم الدور الواسعة:

دخل بعض الناس على كبير يبني داراً واسعة، كبيرة الدرع واسعة الصحن رفيعة السمك عظيمة الأبواب. فقال: اعلم أنك ألزمت نفسك مؤنة وعيالاً يقل حمل مثلهم، ولا بد لك من الخدم والستور على حسب ما ابتنيته، فقد حملت نفسك عناء معنياً.

ذم الدور الضيقة:
وصف رجل داراً ضيقة فقال: أضيق من أفحوص القطاة، وأضيق من بياض الميم ومن خرق الإبرة، ومن عقد تسعين ومن مبعج الضب. وقيل: شؤم الدار أن تكون ضيقة فتكثر سخط مالكها ولا يرضى بما قسم له فيها. وشؤم الدابة أن لا تكون فارهة، وشؤم المرأة أن لا تكون موافقة.
ابن المعتز:
ولكنها في دار سوءٍ كأنها ... بقية ناووسٍ على ساحل البحر
ابن الحجاج:
في منزلٍ غمر ... الوقت أهله بالرخاء
وقدم الخاء حتى ... يصح معنى الهجاء
خالٍ على كل حال ... من سائر الأشياء
سوى كنوز بطونٍ ... مكنوزةٍ في الخلاء
أخاف فيه وأخشى ... من لا يخاف هجائي
ومن ضراطي ومن شعري ... في وجهه بالسواء
جزاهم الله عني ... تصحيف معنى الهجاء
الحث على إحكام البناء:
لما بلغ عمر رضي الله عنه أن سعداً وأصحابه بنوا بالمدر كتب إليهم: قد كنت أكره إليكم البنيان بالمدر، أما إذا فعلتم فعرضوا الحيطان وأطيلوا السمك وقاربوا بين الخشب. ولما بنى معاوية داره باللبن دخلها الروم فقالوا: ما أجودها للعصافير!فهدمها وبناها بالحجر. وقال يحيى البرمكي: ينبغي للإنسان أن يتنوق في دهليزه فهو وجه الدار ومنزل الضيف ومجلس الصديق إلى أن يؤذن له.
الدار الحسنة:
دخل المعتصم على خاقان في داره عائداً له، والفتح يومئذٍ غلام، فقال له: يا فتح دارنا أحسن أم داركم؟قال: دارنا ما دام أمير المؤمنين فيها. وقال جعفر بن سليمان: ليس في الدنيا أحسن من داري. قيل: كيف؟قال: لأن العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة وداري عين المربد. وقيل لأبي الدهمان: اين دارك؟قال: إذا دخلت سكة بني العنبر فالدار التي تدل على شرف أهلها داري. وقيل أجود الدور وأكثرها غلة ثلاثة: دار البطيخ بسر من رأى ودار الزبير بالبصرة ودار القطن ببغداد.
شاعر:
منزلٌ فيه كل ما صبت العين إليه من بهجةٍ وضياء
رجاء بن الوليد:
كأن الربيع بالزخارف أرضه ... وحسن السماء بالكواكب سقفه
وصف بعضهم دهليزاً فقال:
ودهليز دارٍ فيه للحسن بهجةٌ ... وللنفس فيه لذاذةٌ أوطار
إذا داخل لم يختبر ما وراءه ... توهمه من طيبه أنه الدار
عبدان:
دهاليزنا ضاقت لخوف نزولهم ... كأنا يهودٌ ندخل الباب سجدا
القصور الرفيعة:
لما بنى عيسى بن جعفر بناءه بالبصرة دخل إليه عبد الصمد فقال: بنيت أجل بناء بأطيب فناء، وأوسع فضاء على أحسن ماء بين صرار ورعاء وحيتان وظباء. فقال عيسى: كلامك أحسن من بنائنا.
البحتري في الجعفرية:
مخضرةٌ والغيث ليس بساكبٍ ... مبيضةٌ والليل ليس بمقمر
أربى على همم الملوك وغض من ... بنيان كسرى في الزمان وقيصر
عال على لحظ العيون كأنما ... ينظرن منه إلى بياض المشتري
ملأت جوانبه الفضاء وعلقت ... شرفاته قطع السحاب الممطر
ابن عيينة:
فيا حسن ذاك القصر من متنزهٍ ... بأفيح سهلٍ غير وعرٍ ولا ضنك
بغرسٍ كأبكار الجواري وتربةٍ ... كأن ثراها ماء وردٍ على مسك
كأن قصور القوم ينظرن حوله ... إلى ملك موفٍ على منبر الملك
يدل عليها مستطيلاً بحسنه ... ويضحك منها وهي مطرقةٌ تبكي
وقال الأشعري في قلعة افتتحها المسلمون بخراسان:
محلقةٌ دون المساء كأنها ... غمامة صيفٍ زال عنها سحابها
فما يلحق الأروى شماريخها الذرى ... ولا الطير إلا نسرها وعقابها
فما روعت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت إلا النجوم كلابها
أحد الخالديين:
وخرقاء قد تاهت على من يورمها ... لمرقبها العالي وجانبها الصعب

يزر عليها الجو جيب غمامةٍ ... ويلبسها عقداً بأنجمه الشهب

اختيار طرف البلد ووسطه:
قيل: الأطراف للأشراف. وقيل لرجل: في أي موضع من القرآن الأشراف في الأطراف؟قال: في قوله تعالى " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى " ؛فهذا أشرفهم. وكان ينزل اقصى المدينة وطرفها. وسأل الرشيد عبد الملك بن صالح عن منزله: أهو لك؟قال: هو لك ولي بك. قال: كيف هواؤه وماؤه؟قال: أطيب هواء وأعذب ماء. قال: كيف ليله؟قال: سحر كله.
أبنية متفاوتة:
استدان بعض الحمقاء خمسمائة درهم فأنفقها على مخرئه، فبلغ ذلك بعض إخوانه فقال: ليت شعري ما يريد أن يخرأ فيه؟وسأل رجل آخر: كم بيت في منزله؟قال: صفة وكنيفان. فقال: هذا تقطيع رجل مبطون.
من بنى بناء نفعه لغيره:
لما بنى الحجاج مدينة واسط قال لابن جامع: كيف ترى؟قال: بنيته في غير بلدك وورثته لغير ولدك.
شاعر:
ألم تر حوشباً أضحى ويبني ... بناءً نفعه لبني نفيله
يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يأتي كل ليله
وقال:
لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى التراب
وبنى أزدشير بناء عظيماً فدخله هو ووزيره فقال: هل فيه عيب؟قال: عيب عظيم لا يمكنك إصلاحه، لك منه خروج لا دخول بعده أو دخول لا خروج بعده!فقال: لقد نغصته علي. ودخل ابن السائب القاضي على المتقي وقد بنى داره فقال له: كيف ترى؟قال: تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك، جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا.
الرغبة عن البناء:
قيل ليزيد بن المهلب: ما لك لا تبني بالبصرة داراً؟قال: أنا لا أدخلها إلا أميراً أو أسيراً، فإن كنت أسيراً فالسجن داري وإن كنت أميراً فدار الإمارة داري. ومر رجل من الخوارج على دار تبنى فقال: من هذا الذي يقيم كفيلاً؟قال: كل مال لا ينتقل بانتقالك فهو كفيل. ولما بنى مروان داره قيل لأبي هريرة: كيف ترى؟قال: بناء شديد، وأمل بعيد، وعيش زهيد.
حرص الإنسان على البناء وذم الاشتغال به:
قيل: خل قالله آدم من تراب فهمته في حفر التراب، وخلقت المرأة من ضلع الرجل فهمتها في الرجل. وقيل: ليس في الأرض جواد ولا بخيل ابتاع داراً إلا هدم هذا وبنى هذا وإن قل. ونظر الحسن إلى قصور لبعض المهالبة فقال: يا عجباً رفعوا الطين وركبوا البراذين، واتخذوا البساتين وتشبهوا بالدهاقين فذرهم في غمرتهم حتى حين!ومر عبد الله بن جعفر بعبد الله بن صفوان، فأدخله بساتين اتخذها وقال له: كيف ترى؟قال: أراك خالفت ما قال لك إبراهيم عليه السلام: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع؛وأنت قد اتخذتها بساتين.
المعير بأن شرفه بناؤه:
هجا بعضهم بني عميرة وكان لهم دار شريفة في الدور الشارعة على المسجد فقال:
بنو عميرٍ مجدهم دارهم ... وكل قومٍ لهم مجد
كأنهم فقعٌ بدوية ... ليس لهم قبلٌ ولا بعد
وهجا بعضهم بني عدي فقال:
ليس لهم مجدٌ سوى مسجد ... به تعدوا فوق أطوارهم
لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوماً ولم يسمع بأخبارهم
عمر الحارق:
قد رأينا حسن سابا ... طك والدار الجليله
وعلمنا أن فيها ... كل ما يكفي قبيله
غير أن الجن لا تحسن في خبزك حيله
وقال:
يا من تشرف بالبنيان يرفعه ... ليس التشرف رفع الطين بالطين
إذا أردت شريف الناس كلهم ... فانظر إلى ملكٍ في زي مسكين
مسكويه:
لا يعجبنك حسن القصر تنزله ... فضيلة الشمس ليست من منازلها
الجار:
قيل: الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق. وكان ابن المقفع بجنب داره دار وكان يستامها وصاحبها يمتنع من بيعها، فاتفق أن ركب صاحب الدار دين واحتاج إلى بيعها فعرضت عليه فقال: ما قمت إذاً بحرمة الجوار إن رغبت في ابتياعها بعد أن باعها معدماً، وحمل إليه ثمن الدار وقال: بق دارك عليك ورد هذا على دينك. وساوموا جاراً لفيروز على داره بثمن فقال: هذا ثمن الدار فأين ثمن الجوار؟قالوا: وهل يباع الجوار؟قال: نعم لا أبيعه إلا باضعافه دراهم، فبلغ فيروز فأرسل إليه ثمن الدار.
هدم دور السلاطين المتقدمة:

قيل لابن الزبير: اهدم دور بني أمية، قال: لا أفعل، إن ظفرت بهم فهي مبنية أفضل وإن عطفت عليهم بأرحامهم فهو أجمل. فلما قتل ابن الزبير لم تمس لهم لبنة. ولما هم أهل البصرة بهدم دار زياد وانتهاب أهلها، قال الحسن رضي الله عنه: كل بلدة خربت الدار التي بنيت عليها إلا خربت وإن البصرة بنيت على دار زياد فانتهوا على ذلك.

بيع الدار وابتياعها:
قيل: لتكن الدار أول الشيء الذي يبتاع وأخر ما يباع. وقيل للأحنف: أي المال أبقى وأوفى؟فقال: المساكن والأرضون. وقال صلى الله عليه وسلم: من باع داراً أو عقاراً فلم يرد ثمنها في مثلها كان كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. وفي حديث آخر: فذلك مال جدير أن لا يبارك فيه. وباع رجل داراً فلما اراد أخذ الثمن وأشهد قال البائع: أما أنك قد أخذتها غليظة المؤونة قليلة المعونة. فقال المشتري: أما أنك قد أخذتها سريعة الذهاب بطيئة الاجتماع.
ذكر غلة الدار:
قيل: غلة الدار مسيل، وغلة النخل كفاف، وغلة الحب غنى. وقال الحكم بن سعيد: قال لي ملك سرنديب: صف لي أهل البصرة فقلت: قوم لهم نخل يأكلون فضول ثمارهم، وقوم لهم دور يكرونها، وقوم هم أرقاء يستعملونهم، وقوم لهم أموال يغدون إلى الأسواق فيأكلون فضولها. فقال: من كان معاشه من كراء منزله فلئيم، ومن استعمل الأرقاء فكلب، ولكن أصحاب النخل بها.
نوادر في كرائها:
دخل رجل ليكتري حجرة فقال: أين المطبخ؟قيل: في الجيران من يطبخ لك، قال: فأين المخبز؟قال: هم يخبزون لك؛قال: فأين المرتقى إلى السطح؟قيل: على باب الدار ساحة يطيب النوم بها. قال: إن كانت حوائج الدار كلها خارجها فنحن خارجون ونربح الأجرة.
الرحاء:
بعض الشعراء فيها:
وضيفين جاءا من بعيدٍ فقربا ... على فرشٍ حتى اطمأن كلاهما
قريناهما ثم انتزعنا قراهما ... لضيفين جاءا من بعيدٍ سواهما
وقال:
أغدو علي كالناب في هجارها ... الشارف النافر من حوارها
بصاحب قد ضج من أمرارها ... كأن فوق النار من غبارها
شيب عجوزٍ شف من خمارها
الحمام:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: بئس البيت الحمام يهتك العورة ويذهب الحياء الرفاء:
يتمشى إلى النعيم الذي فيه صلاح الأجساد والأرواح
بيت ريفٍ ترود عينك فيه بسواد الطلى وبيض الفقاح
وقيل للفضل الرقاشي: صف الحمام. قال: نعم البيت الحمام يذهب القشافة ويعقب النظافة؛ويهضم الطعام ويجلب المنام وينفي الغضب ويقضي الأرب. قيل: قد مدحته فذمه. قال: بئس البيت الحمام! يهتك الأستار ويؤلف الأقذار ويحرق كالنار.
شاعر:
وبيت خزيٍ ترى فيه العراة كما ... يوم القيامة موقوفون للنار
أيدي عفاةٍ وقد مدت إلى ملكٍ ... يعطي الجزيل بقلب غير خوار
ورد أعرابي الحضر فمر بحمام فقيل له: ادخل وتطهر، فدخل فشج رأسه فقال:
وقالوا: تطهر إنه يوم جمعةٍ ... فرحت من الحمام غير مطهر
وزودت منه شجةً فوق حاجبي ... بفلسين إني بئسما كان متجري
وما تحسن الأعراب في السوق مشيةً ... فكيف ببيتٍ من رخامٍ ومرمر؟
السري:
ذو قبةٍ كسماءٍ والبدور لها ... جاماتها في أعالي الجو تنسرج
حر وبرد وماء والهواء به ... معدل منهما ما شأنه عوج
وقال:
كأن ما قبب من سقفه ... قحفٌ من البلور مكبوب
ابن المعتز:
وحمامنا كالعجو ... ز يشقى بها الوارد
فبيتٌ له منتنٌ ... وبيتٌ له بارد
النورة:
السري الرفاء:
ومجردٍ كالسيف اسلم نفسه ... لمجردٍ يكسوه ما لا ينسج
ثوبٌ تمزقه الأنامل رقةٌ ... ويصيبه الماء القراح فينهج
وكأنه لما انتهى في خضرةٍ ... ثوبان ذا عاجٍ وذا فيروزج
وقال:
وقمص حجارةٍ نسجت بماءٍ ... ويلبسها الغني مع الفقير
الأطلال البالية:
بكر بن النطاح:
لعب البلا بطولها ورسومها ... لعب الصبابة في فؤاد العاشق
معلي الطائي:
لبسن البلى حتى كأن رسومها ... طعمن الهوى أو ذقن هجر الحبائب

وقال:
هو ملقى على الطريق الليالي
وذكر أعرابي قوماً فقال: كانوا بدور جموع ورجال ربوع، فصارت منازلهم معتصر الدموع مرت بها لريح أذيالها وحطت بها الغيوث أثقالها، وسلبتها الأيام جمالها.

البالية بالمطر:
ماتي:
المزن يمحو بكفٍ ما له قلم
وقال:
رهينة أرواح ... وصوب رعود
بشار:
وأبدى البلى فيها سطوراً مبينةً ... عباراتها أن كل بيت سيدثر
ابن المعتز:
وحيطان كشطرنجٍ صفوف ... فما تنفك تضرب شاه ماتا
وقال:
أرى سر من را مذ سنين كثيرةٍ ... تزيد خراباً كل يومٍ وتذبل
كأن بها داءً دخيلاً فجسمها ... على ما بها من سقمها يتسلل
دار شوهد منها النعيم:
قال:
لعهدي به والسعد في جنباته ... وثغر نعيم الخفض يبدي تبسما
استقباح المنزل لارتحال الحبيب عنه:
سليمان المحاربي:
إذا لم تكن ليلى بنجدٍ تغيرت ... محاسن دنيا أهل نجدٍ وطيبها
وقال:
فما أحسن الدنيا وفي الدار خالدٌ ... وأقبحها لما تجهز غازيا!
علي بن محمد:
إنما الدار بالحلول فإن هم ... فارقوها فحيث حلوا الديار!
دار خلت عن كثب:
أنشد أحمد بن أبي طاهر:
أما الطول فمخبرا ... تٌ أنهم ظعنوا قريبا
لم يعفها مطرٌ ولم ... تسف الرياح بها كثيبا
وطء النعل واثر مف ... ترشٌ ومغتسلاً رطيبا
الأطلال اللائحة:
مر الفرزدق بمؤدب ينشده صبي قول لبيد:
وجلا السيول عن الطلول كأنها ... زبر تجد متونها أقلامها
فنزل وسجد فقيل: ما هذا؟قال: أنتم تعرفون سجود القرآن وأنا أعرف سجود الأشعار، وهذا البيت موضع سجدة! طرفة:
يلوح كباقي الوش ... م في ظاهر اليد
أبو نواس:
لمن طللٌ تزداد حسن رسوم ... على طول ما أقوت وطيب نسيم
تجافى البلى عنهن حتى كأنما ... لبسن على الأقواء ثوب نعيم
البحتري:
دمنٌ موائل كالنجوم وإن عفت ... فبأي نجمٍ للصبابة نهتدي
مخلد الموصلي:
لم تجر فيها الصبا إلا مسلمةً ... ولم يشن وجهها الأرواح والديم
عرفان المركوب المحال المعهودة:
المتنبي:
مررت على دار الحبيب فحمحمت ... جوادي وهل تشكو الجياد المعاهد
وما تنكر الدهماء من رسم منزلٍ ... سقتها ضريب الشول فيه الولائد؟
السلامي:
أنا المشوق فما للخيل والإبل ... تحن قبلي إذا مرت على طلل
استبدال الدار بأهلها الوحوش:
قال بعضهم:
عهدت بها وحشاً عليها براقعٌ ... وهذي وحوشٌ أصبحت لم تبرقع
الوائلي:
فكم آنسٍ بدلت منه بنافرٍ ... وحالي الشوا بدلت منه بعاطل
أبو سعيد الرستمي:
ظباءٌ سرت بالأبطحين عواطلاً ... وكنت أراها في الرعاث وفي الحجل
الدار المتغيرة بالرياح:
ذو الرمة:
رسومٌ كساها لون أرضٍ غريبةٍ ... سوى أرضها منها الهباء المغربل
النابغة:
كأن مجر الراسيات ذيولها ... عليه قضيمٌ نمقته الرواسم
وقال:
وأربت بها الأرواح حتى كأنما ... تهادين على أعلى مرتبةٍ بالمناخل
الحماسي:
تعفوه بالغدو والأصائل ... كل هدوجٍ ذات ذيل ذائل
... كأنما ينخل بالمناخل
التنوخي:
كأن ارتجاس الريح في جنباتها ... إذاعة شكوى أو سرار تعاتب
استطابة أرض المحبوب:
بعض الأعراب:
أرى كل أرضٍ دمنتها وإن مضت ... لها حججٌ تزداد طيباً ترابها
النميري:
تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت ... به زينبٌ في نسوةٍ خفرات
وقال:
استودعت نشرها الرياح فما ... تزداد إلا طيباً على القدم
دار تفانى سكانها:
ذو الرمة:
منازل آلافٍ أتى الدهر دونهم ... وما الدهر والآلاف إلا كذلك
أعرابي:
وتشكو إلي الدار فرقة أهلها ... وعندي ما بالدار من فرقة الأهل

أخذه من محمد بن حبيب فقال:
طللان طال عليهما الأمد ... درساً فلا علمٌ ولا قصد
لبسا البلى فكأنما وجداً ... بعد الأحبة مثل ما أجد

محاورة الديار ومجاوبتها:
بشار:
وقفت بها صحبي فظلت عرصها ... بدمعي وأنفاسي تراح وتمطر
العتابي:
منازل لم تنظر بها العين نظرةً ... فتقلع إلا عن دموعٍ سواكب
الصمة:
أخادع عن أطلالها العين إنه ... متى تعرف الأطلال عنك تذيع
المنع من البكاء عليها ومساءلتها:
البحتري:
لا تقفني على الديار فإني ... لست من أربعٍ ورسمٍ محيل
في بكائي على الأحبة شغلٌ ... لأخي اللهو عن بكاء الطلول
أبو نواس:
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
سنة العشاق واحدةٌ ... فإذا أحببت فاستكن
ابن المعتز:
إن دمعي لضائعٌ في رسومٍ ... وسؤال عن المحال محال
وقال:
أحسن من وقفةٍ على طلل ... ومن بكاءٍ في أثر محتمل
كأس صبوحٌ أعطتك فضلتها ... كف صديقٍ والنقل من قبل
معاتبة من لا يقف عليها:
إسحاق بن إبراهيم:
يا ذا الذي جاز الديار ولم يقف ... قف لا وقفت أما ترى أطلالها؟
لو كنت ذا وجدٍ بساكنها لما ... جاوزتها حتى أطلت سؤالها
الاستسقاء للدار:
أبو تمام:
لا زلت ناضرة العراص ولم تزل ... فيك الرياح ضعيفة الأنفاس
ابن الرومي:
لا يحرم الله الطلول الدرسا ... أقاحياً وسوسناً ونرجسا
يكاد رياه إذا تنفسا ... ينشئ في تلك الموات أنفسا
الوابلي:
سقيت رجوع الظاعنين فإنه ... غنىً لك عن سقيا الغيوث الهواطل
الدعاء على الدار:
زياد بن جملة:
إذا سقى الله أرضاً صوب غاديةٍ ... فلا سقاهن إلا النار تضطرم
تنكر الدار وعرفانها:
امرؤ القيس:
لمن طللٌ درست داره ... وغيره سالف الأخرس
تنكره العين من حادثٍ ... ويعرفه شغف الأنفس
وفيه:
تعرفه العين ثم تنكره
وفيه:
فتعرفه عيني ... وينكره فمي
البحتري:
وما أعرف الأطلال من بطن توضحٍ ... لطول تعفيها ولكن أخالها
الأثافي والرماد:
بشر:
كأن خوالداً في الدار سفعاً ... بعرصتهم حماماتٌ وقوع
جرير:
مطايا القدر كالحدأ الجثوم
وقيل: ما بقي إلا ثلاث سفع كحمام وقع كانت مطايا القدور فانهلن في عرصة الدور.
شاعر:
أشاعت كالخيلان في خد كاعبٍ ... وسفع كنقط الثاء من كف عاتب
الكميت:
إلا ثلاثاً في المقا ... مة ما يحولهن ناقل
سفع الخدود كأنما ... نثرت عليهن المكاحل
ابن المعتز:
عفا غير سفعٍ ماثلاتٍ كأنها ... خدود عذارى مسهن شحوب
آخر:
رمادٌ كآطارٍ ... على بو ظائر
الراعي:
انخن وهن أغفالٌ عليها ... وقد ترك الصلاء بهن نارا
النؤي:
أبو تمام:
ونؤي مثل ... ما انقصم السوار
وقال:
والنؤي أهمد شطره فكأنه ... تحت الحوادث حاجبٌ مقرون
وقال:
ونؤي كمقلى القو ... س حالت شحوبه
التنوخي:
وعطفنا نؤيٍ ... كنون عرقت
الوتد:
ابن مقبل:
وقلدت أرسان الجياد معبداً ... إذا ما ضربنا رأسه لا يرنح
فبات يقاسي بعدما شج رأسه ... فحولاً جمعناها تشب وتضرح
مما جاء في المفازة
بعضهم:
وبيداء سمحالٍ كأن نعامها ... بأرجائها القصوى اباعر همل
ترى الثعلب الحولي فيها كأنما ... إذا ما حللناها حصان مجلل
بعضهم:
كأنما المكاء في بيدها ... سرادقٌ قد أوقدته الأصل
وقال:
تخال بها راعي الحمولة طائرا
الطريق الواضح:
لا حب كقرني الثعبان وكفرق الرأس وكحصير الراملات.
شاعر:
كأنه نشطب بالسرو مرمول

وكالسحل اليماني وكظهر برجد.
الراجز:
عودئٌ على عودٍ لأقوام أول ... يموت بالترك ويحيا بالعمل
آخر:
ملس الحصى يدرس ما لم يبسس

المفازة المهلكة للمطي:
عمرو بن معدي كرب:
به جيف اللواغب بالياتٌ ... كأن عظامها الرخم الوقوع
كثير:
بدوية يكون بها كثيراً ... نتاج المعجلات من السخال
الموسوي:
تلقى الأحبة قتلى في مسالكها ... دياتها في رقاب الفرز والأكم
المفازة التي تضج منها المطايا:
امرؤ القيس:
على لاحبٍ لا يهتدى لمناره ... إذا ساقه العود النباطي جرجرا
المفازة المجهولة:
وصف بعضهم مفازة فقال: هي غبراء الجوانب مجهولة المذاهب تقطع المطا ويحار فيها القطا.
علقمة:
ودويةٍ لا يهتدى لفلاتها ... بعرفان أعلامٍ ولا ضوء كواكب
وقال:
وفي ذكرها عند الأنيس خمول
وسأل رجل أعرابياً عن مفازة فقال: صادفتها عانسة عذراء فافترعتها بعيرانة دماء. الوزير الرئيس أبو العباس أحمد بن إبراهيم:
وبهماء مثل الوهم عذراء أعرضت ... فقالت لها نكحاً!وقلنا لها خطبا!
المفازة الواسعة:
دعبل:
وفضاءٍ يرجع الطرف به ... قبل أن يرجع مأواه البصر
ديك الجن:
يا رب خرقٍ كأن الله قال له ... إذا طوتك رقاب القوم فانتشر
ذو الرمة:
ودوٍ ككف المشتري غير أنه ... بساطٌ لأخفاف المراسل واسع
وقال:
مجهولةٌ تغتال خطو الخاطي
المتنبي:
مهالك لم يصحب بها الذئب نفسه ... فلا حملت فيها الغراب قوادمه
وقال:
مشوهة المعالم واليفاع
المأموني:
وكأن العرار راحة داعٍ ... أو مطا ساجدٍ عليه ملاء
المفازة الموصولة بالأخرى:
جابر بن حي:
إذا زال رعن عن يديها ونحرها ... بدا رأس رعنٍ وارد متقدم
آخر:
إذا قطعنا علماً بدا علم
المفازة التي يلمع فيها الآل:
عدي بن الرقاع:
وإذا بدا علم ٌ لهن كأنه ... في الآل حين يرى ذؤابة عالم
ووصف أبو النجم جبلاً في الآل فقال:
سائح ماء هم بالرسوب
المرقش في وصفه:
رؤوس رجالٍ في خليج تغامس
آخر:
كان أعلامها في آلها القزع
آخر:
وقوض الآل ساحرة السراب
المفازة التي تنخرق فيها الرياح:
خرق تنخرق فيه الرياح فتحسر طوراً وتلعب طوراً.
مسلم:
تمشي الرياح بها مرضى مولهةً ... حيرى تلوذ بأطراف الجلاميد
الموسوي:
توهمت عصف الريح بين خروجه ... يسير إلى سمعي بسرٍ يصمم
المفازة التي يعرف فيها الجان:
الأعشى:
وبلدةٍ مثل ظهر الترس موحشةٍ ... للجن بالليل في حافاتها زجل
آخر:
شياطينها في أوجه القوم كلح
حميد بن ثور:
وخرق تحدث غيطانها ... حديث العذارى بأسرارها
المفازة التي تصيح فيها الأصداء:
رؤبة:
وبلدةٍ عامية أعماؤه ... قد صخبت في ليلةٍ أصداؤه
ذو الرمة:
يظل لها الحرباء للشمس ماثلاً ... على الجذل إلا أنه لا يكبر
إذا حول الظل العشي رايته ... حنيفاً وفي قرن الضحى يتنصر
وقال:
كأن يدي حربائها متشمساً ... يد مذنبٍٍ يستغفر الله تائب
المرار:
كأن حرباءها يصلى بتنور
ابن المعتز:
كأن حرباءها والشمس تصهره ... صالٍ دنا من لهيب النار مقرور
مما جاء في التغرب
حمد التغرب والسفر:
قال الله تعالى " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: سافروا تغنموا فإنكم وإن لم تغنموا مالاً أفدتم عقلاً. وقال: سافروا تصحوا. وقيل: السعي جناح الجد والزماع أخو النجح. وقيل: من التوفيق رفض التواني ومن الخذلان مسامرة الأماني. وقيل: من لزم القرار سم الصغار. وقيل: شمر ذيلاً وأدرع ليلاً اتخذ الليل جمل وكان بشر بن الحارث يقول لأصحابه: سحوا فإن الماء إذا ساح طاب وإذا وقف تغير.

الحث على الانتقال من مكان نبا بصاحبه والتمدح بذلك:
قيل: أوحش وطنك إذا كان في إيحاشه أنسك، واهجر منزلك إذا نبت عنه نفسك. وقف بهلول على قوم من أهل الأدب فقال لهم: كيف ترون قول الشاعر:
وإذا نبا بك منزلٌ فتحول
قالوا: جيد فضرط لهم. وقال: إذا كان في حبس كيف يتحول؟قالوا: فما عندك؟قال:
إذا كنت في دارٍ يهينك أهلها ... ولم تك ممنوعاً بها فتحول
أبو دلف:
وإذا الديار تنكرت عن حالها ... فدع المقام واسرع التحويلا
ليس القمام عليك فرضاً واجباً ... في موطن يذر العزيز ذليلا
المتلمس:
ولي يقيم على خسفٍ يسام به ... إلا الأذلان: عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوطٌ برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد
قيس بن الحطيم:
وما بعض الإقامة في ديار ... يهان بها الفتى إلا بلاء
حرب بن خباب:
إذا ما اجتوتني بلدةٌ لم أكن بها ... نسيباً ولم تسدد علي المطامع
البحتري:
ومن عادتي والعجز من غير عادتي ... متى لا أرح عن منزل الذل أدلج
أبو فراس:
إذا لم أجد من بلدة ما أريده ... فعندي لأخرى عزمةٌ وركاب
مخالفة العذال في الترحل والنهي عن مخافة نزول الأجل:
لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب تعلقت به عاتكة وهي تبكي وتقول: قاتل الله القائل:
إذا ما اراد الغزو لم يثن همه ... حصانٌ عليها نظمٌ درٍ يزينها
ابن جبلة:
وخافت على التطواف فوتي وإنما ... تصاد غرار الوحش وهي رتوع
بشار:
يخاف المنايا إن ترحلت صاحبي ... كأن المنايا في المقام مناسبه
كراهة إطالة الإقامة بمكان:
أبو تمام:
وطول مقام المرء في الحي مخلقٌ ... لديباجتيه فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... على الناس إذ ليست عليهم بسرمد
آخر:
السيف إن قر في الغمود صدا
وقيل: الأغراب يعيد الجده ويفيد الحده. إذا أخلقك الوطن جددك الظعن. لا يألف الوطن إلا ضيق العطن.
يزيد بن المهلب:
وإن لزوم قعر البيت موتٌ ... وإن السير في الأرض النشور
النهي عن الإقامة بمكان مخصب فيه هوان:
سعد بن ثابت:
ولسنا بمتلين دار هضيمة ... مخافة موتٍ إن بنا نبت الدار
المتنبي:
وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ ... إذا لم أجلل عنده وأكرم
تأسف من يلحقه إذلال فيعسر عليه الانتقال:
شاعر:
أمالي في بلاد الله بابٌ ... يؤديني إلى سبل النجاح
بلى في الأرض متسعٌ عريضٌ ... ولكني منعت من البراح
وما يغني العقاب عيان صيدٍ ... إذا كان العقاب بلا جناح
قرئ على حائط بأسد اباد:
غيرت بين عزيمتين كلاهما ... أمضى علي من شباة سنان
هممٌ تشوقني إلى طلب العلى ... وهوىً يشوقني إلى الأوطان
وقيل: إذا أعيا المقام في الوطن أعيا الجلاء عن العطن.
إيثار اليسر في الغربة على العسر في الوطن:
قيل: اليسر في الغربة وطن والعسر في الوطن غربة. وقيل: إذا أيسرت فكل رجل رحلك، وإذا أعسرت اجتنبك أهلك. وقال عبد الملك للحارث: أي البلاد أحب إليك؟قال: ما حسنت فيه حالي وعرض فيه جاهي، لا كوفة أبي ولا بصرة أمي. خشونة الغربة مع الجدة أوطأ من لين الموطن مع الفقر. وقال بزرجمهر: السعيد يتبع الرزق والشقي يتبع مسقط الرأس؛أخذه من قال:
ذو اللب تنزع للرفاعة نفسه ... وترى الشقي نزوعه للموطن
المتنبي:
وما بلد الإنسان غير الموافق ... ولا أهله الأدنون غير إلا صادق
قال أبو نواس: دخلت دار السلطان بمدينة السلام فرأيت أبا دلف الكرخي متعلقاً ببعض ستائر الخاصة وهو يقول:
طلب المعاش مفرقٌ ... بين الأحبة والوطن
ومصير جلد الرجا ... ل إلى الضراعة والوهن
حتى يقود كما يقا ... د النضو في ثني الرسن
ثم المنية بعده ... فكأنه ما لم يكن

فقلت: أيها الأمير لو صرت إلى حجرتي لأنشدتك بيتين يسليانك فجاء معي فأكل وشرب وقال: هات ما عندك فأنشدته:
إذا كنت في أرض عزيزاً وإن نأت ... فلا تكثرن منها نزاعاً إلى الوطن
فما هي إلا بلدةٌ بعد بلدةٍ ... وخيرهما ما كان عوناً على الزمن
فسري عنه وحباني مالاً جماً.

إيثار العسر في الوطن على اليسر في الغربة:
قيل: عسرك في وطنك أطيب من يسرك في غربتك. وقيل: إذا وجدت بعض القوت فالزم قعر البيوت. وقيل: احفظ بلداً رباك. وقيل: بلد أغذيت فيه السلامة فلا تزايله. وقال:
وإن اغترابي كي أنال معيشةً ... وفضل غنى للوارثين خسار
ذم الخروج عن الوطن:
قيل: الغربة ذلة وكربة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رضي بالذل فليس منا. وقيل: السفر سفر ولكن غلط باسمه. وقيل: السفر شعبة من جهنم، ولذلك قيل: لولا فرحة الأوبة لعذبت بالسفر.
التنوخي:
مسيرٌ دعاه الناس سيراً توسعاً ... ومعنى اسمه إن حققوه إسار
وقيل: عذابان لا يعرف قدرهما إلا من بلي بهما: السفر الشاسع والعذاب الواسع. قال:
وإن اغتراب المرء من غي خلةٍ ... ولا همةٍ يسمو بها لعجيب
مروان:
إذا ما حمام المرء حم ببلدةٍ ... دعته من حيف دهرٍ يطالبه
وقال الحسن رضي الله عنه في دعائه: اللهم إنا نعوذ بك أن نمل معافاتك فقيل له في ذلك فقال: أن يكون الرجل في خفض فتدعوه نفسه إلى السفر. وقيل: ما دار من يشتاق إلى السفر بدار سلامة.
ذم الإقامة في غير الأهل:
قيل: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذل. وقال:
نصيبك من ذلٍ إذا كنت جاليا
وقال:
إذا كنت في قومٍ ولم تك منهم ... فكل ما علفت من خبيثٍ وطيب
الغريب كالغرس الذي زايل أرضه وفقد شربه، فهو ذاو لا يثمر وذابل لا ينضر. وقال الأعشى:
ومن يغترب عن قومه لا يجدله ... على من له رهطٌ حواليه مغضبا
وتدفن منه الصالحات وإن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كوكبا
وقال:
ولم أر عزاً لامرئ كعشيرةٍ ... ولم أر ذلاً مثل ناءٍ عن الأهل
أبو عيينة:
وقائلةٍ: ماذا نأى بك عنهم؟ ... فقلت لها: لا علم لي فسلي القدر
فيا سفراً أودى بلهوي ولذتي ... ونغصني عيشي عدمتك من سفر!
وروي أنه رؤي القاسم بن عبيد الله فقيل له: ما خبرك؟فقال:
وارحمتا للغريب في البلد ... النازح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده وما انتفعا
الحث على إجمال المعاشرة في السفر:
قيل: لا تحمدن امرأ حتى تجربه في معاملة أو سفر. وقيل: السفر ميزان القوم. وقيل: سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن الأخلاق المحمودة والمذمومة.
العطوي:
أكرم رفيقك حتى ينقضي السفر ... إن الذي أنت موليه سينتشر
ولا تكن كلئامٍ أظهروا ضجراً ... إن اللئام إذا ما سافروا ضجروا
أبو دلف:
ومما يسكن قلب الغريب ... رفيقٌ تطيب به الصحبه
وأراد الحسن الحج فقال له ثابت: نصطحب؟قال: دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
الكثير التقلب في البلدان:
مدح بعضهم رجلاً فقال: يدرع الليل ويستحقر السير فيظل بموماة ويمسي بغيرها: أسير في الآفاق من مثل.
البحتري:
تقاذف بي بلاد عن بلاد ... كأني بينها خبرٌ شرود
آخر:
وذاك تروكٌ للفراش الممهد
أبو تمام:
خليفة الخضر من يربع على وطن ... في بلدةٍ فظهور العيس أوطاني
آخر:
هو الحسام وما تحظى به الحلل
آخر:
وآفة غمدي في دلوفي عن جدي
ديك الجن:
فتى ينصب في ثغر الفيافي ... كما ينصب في المقل الرقاد
المتنبي: وأي بلادٍ لم تطأها ركائبي
المتشمر في السفر:
زياد بن جميل:
مخدمون ثقالٌ في مجالسهم ... وفي الرحال إذا صاحبتهم خدم
وقيل: فلان عبد أصحابه في السفر وسيدهم في الحضر.
شاعر:
وعبدٌ للصحابة غير عبد

وقال هشام لرجل أراد سفراً: اخدم أصحابك وإياك أن تكون كلبهم، فإن لكل رفقة كلباً ينبح دونهم، فإن كان خيراً أشركوه وإن كان شراً تقلده دونهم.

مشاركة الرفيق في المركوب والزاد:
قال ابن مسعود: كنا يوم بدر ثلاثة على بعير وكان أمير المؤمنين وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا دارت عقبتهما قالا: يا رسول الله اركب ونمشي عنك. فيقول: ما أنتما بأقوى مني وما أغنى بالأجر منكما.
حاتم:
إذا كنت رباً للقلوص فلا تدع ... رفيقك يمشي خلفه غي راكب
أنخها وأردفه فإن حملتكما ... فذاك، وإن كان العقاب فعاقب
آخر:
إذا ما خليلي ظل ينسل خلفها ... وفي ناقتي فضلٌ فلا حملت رجلي
ولم يك من زادي له مثل مزودي ... فلا كنت ذا زادٍ ولا كنت ذا رحل
حمد الإيغال في السير والتبجح به:
قيل لرجل: كيف كان سيرك؟قال: كنت آكل الوجة وأعرس إذا أسحرت، وارتحل إذا أسفرت فأسير الموضع واجتنب الملمع، فجئتكم بمشي سبع. وسار ذكوان من مكة في يوم ليلة فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة، فصلى العتمة فقال له ابو هريرة: حاج غير مقبول منه. فقال: لمه؟فقال: لأنك نفرت قبل الزوال. فأخرج كتاب مروان مؤرخاً بعد الزوال. وحذيفة بن بدر أغار على هجاء بن المنذر بن ماء السماء فسار في ليلة مسير ثمان. وفيه يقول قيس بن الحطيم:
هممنا بالإقامة ثم سرنا ... مسير حذيفة الخير بن بدر
ذم الإيغال في السير:
في الحديث: إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وفي الحديث: خير الأمور أوساطها وشر السير الحفحفة.
المرار:
نقطع بالنزول الأرض عنا ... وبعد الأرض يقطعه النزول
الشاحب اللون لسفره:
فلان رجيع سفر ووقيد سهر.
المرار:
وغبره تهجير ركب يلفهم ... سمومٌ أتت دون العجائب تلفح
وقال:
نضو هوىً بال على نضو سفر
آخر:
أترك أنقاضاً على أنقاض
البحتري:
رد الهجير لحاهم بعد شعلتها ... سوداً فعادوا شباباً بعدما اكتهلوا
من غلبه النعاس لإدامة السري:
شاعر:
فلان يجود من صباباته الكرى ... سقاه السرى خمراً فصار به سكر
كعب بن زهير:
وأشعث رخو المنكبين بعثته ... وللنوم منه في العظام دبيب
إسحاق:
ومعرسٍ نبهته ... فكأنما نبهت فهدا
قطع المفاوز بالليل:
علي بن جبلة:
وليلٍ بعيدٍ صبحه من مسائه ... منوع السرى لا يمتطيه هيوب
بنيت على أولاه أخراه فالتقى ... على العيس منه مطلعٌ ومغيب
وقال أعرابي: جبت أودية الظلام وهجرت لذيذ المنام إلى أن وصلت إلى المرام.
شاعر:
ونضوت سربال المفاوز بالسرى ... وجعلت أردية السرى سربالي
المتنبي:
وأسري في ظلام الليل وحدي ... كأني منه في قمرٍ منير
قطع المفاوز بالهاجرة:
قال أعرابي: خرجت في هاجرة كادت النفوس لها تلتهب، والحرابي من شمسها تصطلب.
النابغة:
إذا الشمس مجت ريقها بالكلاكل
علقمة:
وقد علت قتود الرحل يسعفني ... يومٌ تجيء به الجوزاء مسموم
حامٍ كأن أوار الشمس شامله ... دون الثياب ورأس المرء معموم
من ألفته السباع والمفاوز:
تأبط شراً:
أبيت بمغنى الوحش حتى ألفته ... وتصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا
أبو تمام:
ابن مع السباع القفر حتى ... لخالته السباع من السباع
المتنبي:
صحبت في الفلوات الوحش منفرداً ... حتى تعجب مني القور والأكم
الشنفري:
ولي دونكم أهلون سيد عملسٌ ... وأرقط زهلولٌ وعرفاء جيأل
المهتدي بالنجوم والعارف بالمفاوز:
بشار:
وبهماء يستاف التراب دليلها ... وليس له إلا اليماني مخلق
تجاوزتها وحدي ولم أرهب الردى ... دليلي نجمٌ أو حوارٌ محلق
حميد:
تيهاء لا يتخطاها الدليل بها ... إلا وناظره بالنجم معقود
تأبط شراً:

يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك
آخر:
ترى الليل كوراً والمجرة مقودا
المتنبي:
وإني لنجمٌ يهتدي صحبتي به ... إذا حال من دون النجوم سحاب
وقيل: فلان أدل من دعميص الرمل لأنه بلغ آخر رمال بني سعد ولم يبلغه غيره. وعبد الله ابن اريقط وهو الذي دل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة. وفلان أهدى من القطا ومن اليد إلى الفم.

القادر على المشي:
أعشى باهلة:
لا يغمز الساق من أينٍ ولا وصبٍ ... ولا يعض على شرسوفه الصقر
وقال:
تحسبني محجلاً سبط السا ... قين أبكي أن يظلع الجمل
المسرة بالعود من السفر سالماً:
ابن عيينة:
إذا نحن عدنا آيبين بأنفسٍ ... كرامٍ رجت أمراً فخاب رجاؤها
فأنفسنا خير الغنيمة إنها ... تؤوب وفيها ماؤها وحياؤها
وقال:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر
آخر:
رضيت من الغنيمة بالإياب
مسرة الراجع بقضاء الحاجة:
قيل لأعرابي: ما السرور؟فقال: أوبة بغير خيبة. وقال آخر: غيبة تفيد غنى وأوبة تعقب منى.
أبو تمام:
ما آب من آب لم يظفر بحاجته ... ولم يغب طالبٌ للنجح لم يخب
وسأل الحجاج أصحابه: أي شيء أذهب للتعب؟فقيل: التمريخ؛وقيل: الحمام وقيل: النوم، وكان فيهم فيروز فقال: ما شيء أذهب للتعب من قضاء الحاجة؛قال المؤلف: وهذا من قول القطامي:
وقد يهون على المستنجح العمل
الدعاء للمسافر:
كان يقال للمسافر: استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: اللهم أطوله البعيد وهون عليه السير. وقال: نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، ومن الحور بعد الكور، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والوطن.
مما جاء في الحنين إلى الأوطان
رضى الناس بمسقط رأسهم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا حب الوطن لخربت بلاد السوء. وقيل: بحب الأوطان عمارة البلدان. وقال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قنوعهم بأوطانهم لما شكا عبد رزقه. وقيل لأعرابي: كيف تصبرون على جفاء البادية وضيق العيش؟قال: لولا أن الله تعالى أقنع بعض العباد بشر البلاد ما وسع خير البلاد جميع العباد. وقال بعض الفلاسفة: فطرة الرجل معجونة بحب الوطن.
فضل محبة الوطن:
روي في الخبر: حب الوطن من طيب المولد. وقال أبو عمرو بن العلاء: مما يدل على كرم الرجل وطيب غريزته حنينه إلى أوطانه، وحبه متقدمي إخوانه وبكاؤه على ما مضى من زمانه. وقالت العجم: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة. وسمع ابو دلف رجلاً ينشد:
ألقى بكل بلادٍ إن حللت بها ... ناساً بناسٍ وإخواناً بإخوان
فقال: هذا ألأم بيت قالته العرب لقلة حنينه إلى ألافه.
الحث على صيانة مسقط الرأس:
قيل: لا تجف بلداً فيه قوابلك وأرضاً تبنكها قبائلك. وقيل: احفظ بلداً رشحك غذاؤه وارع حمى أكنك فناؤه. وقيل: ميلك إلى بلدك من شرف محتدك.
حب مسقط الرأس وصعوبة مفارقته:
قال حفص الطائي: رأيت جارية تقود عنزاً، فقلت: يا جارية أي البلاد أحب إليك؟فقالت:
أحب بلاد الله ما بين منعجٍ ... إلي وسلمى أن تصوب سحابها
بلادٌ بها نيطت علي تمائمي ... وأول أرضٍ مس جلدي ترابها
ابن الرومي:
ولي وطنٌ آليت أن لا أبيعه ... ولا أن أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمةً ... كنعمة قومٍ أصبحوا في ظلالكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها جسدٌ إن بان غودر هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
آخر:
وكل نفسٍ تحب محياها
وكفى بدلالة محبته قول الله تعالى " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه " . وقال الشريف الموسوي:

وفي الوطن المألوف للناس لذةٌ ... وإن لم ينلنها العز إلا التقلب

المستشفي بتراب أرضه وريحها:
لما أسر سابور ببلد الروم قالت له بنت الملك وكان قد مرض وعشقته: ما تشتهي؟قال: شربة من ماء دجلة وشمة من تراب اصطخر فحملا إليه فبرأ. واعتل أعرابي فقيل له: ما تشتهي؟قال: حسل فلاة وحسي قلاة. وكان من عادة العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تراب بلدها، فتنشقته عند نزلة أو صداع.
من تشوق مكان إلفه بعد ما كرهه:
بعضهم:
ألفنا دياراً لم تكن من ديارنا ... ومن يتألف بالكرامة يألف
وقال:
نزلنا مكرهين بها فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حب البلاد بنا ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
الحنين إلى البادية والتبرم بالحاضرة:
بعض الأعراب المتوجهين إلى خراسان في زمن عثمان رضي الله عنه يقول:
بلغت إلى حلوان والقلب نازعٌ ... إلى أهل نجدٍ اين حلوان من نجد؟
لجثجاث أرضٍ حين يضربه الندى ... أحب واشهى عندنا من جنى الورد
زينب أم حسنانة الضبية، وهي قاعدة على حافة بركة في وسط رياض وأزاهر قيل لها: أما ترين حسن هذا المكان؟فأطرقت ساعة وقالت:
أقول لأدنى صاحبي أسره ... وللعين دمع يحدر الكحل ساكبه
لعمري لنهي بالكرا نازح القذى ... بعيد النواحي غير طرق مشاربه
أحب إلينا من صهاريج ملئت ... للعبٍ ولم تملح إلي ملاعبه
فيا حبذا نجدٌ وطيب هوائه ... إذا أهضبته بالعشي هواضبه
وريح صبا نجدٍ إذا ما تنسمت ... ضحى وسرت جنح الظلام خبائبه
فاقسم لا أنساه ما دمت حيةً ... وما دام ليلٌ عن نهارٍ يعاقبه
ولا زال هذا القلب مسقي لوعةٍ ... بذكراه حتى يترك الماء شاربه
الحنين إلى منزل لا يرجى لحوقه:
رجل من بني طهم:
أحن إلى نجدٍ وإني لآيسٌ ... طوال الليالي من قفولٍ إلى نجد
وقال:
يقر بعيني أن أر ... ى رملة الفضا
آخر:
فلست وإن أحببت من يسكن الفضا ... بأول راجٍ راحةً لا ينالها
المتنبي:
أحن إلى أهلي وأهوى لقاءهم ... وأين من المشتاق عنقاء مغرب
حمد سكون البادية وذمه:
شاعر:
ومن تكن الحجارة أعجبته ... فأي أناس باديةٍ ترانا
وقال صلى الله عليه وسلم: من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد لها، ومن أتى السلطان فتن.
مما جاء في النيران
ماهية النار:
قال النظام: النار اسم للحر والضياء، وهما جوهران صعادان، والضياء هم الذي يعلو إذا انفرد ولا يعلى، فإذا قيل أحرقت النار وسخنت فذلك للحر لا للضياء. وقال: النار مكنة في الأشياء كلها، فإذا اطفئت نار الأتون فوجدنا حرها ولم نجدها مضيئة فلأن حر النار يهيج تلك الحرارات فأظهرها، ولم يكن ثم ضياء فيظهر إذا خالطته النار فهو أشد كالصاعقة.
منفعة النار:
قيل: من أكبر ماعون الماء والنار ثم الكلا والريح ومنافعها يطول حصرها ويصعب ذكرها. قال الله تعالى " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً " وهي أعظم ما زجر به عن المعاصي، وقد جعلها الله تعالى من عذاب الآخرة فقد عذب في الدنيا بالغرق والرياح، والحاصب والرجم والمسخ والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ولم يبعث عليهم ناراً وهي ما ركب منه العالم ولا يتعرى شجر ومدر منها. وقيل في الإخوان: هم بمنزلة النار قليلها ينفع وكثيرها يضر. وكانوا إذا تتابعت عليهم الأزمان وأحوجهم الاستمطار عقدوا في أذناب البقر شسعاً فصعدوا بها جبلاً وأوقدوها ناراً وضجوا بالدعاء، وناراً كانوا يوقدونها في التحالف وقد ذكرناه في الإيمان، وناراً كانوا يوقدونها خلف مسافر لا يريدون رجوعه.
شاعر:
وحمة أقوامٍ حملت ولم أكن ... لأوقد ناراً خلفهم للتندم
حسن النار ووصفها:

إذا وصفوا شيئاً بالحسن قالوا: ما هو إلا نار موقدة. وقالت امرأة: إنا والله أحسن من النار الموقودة. وقال قدامة في وصف الذهب: شعاع مركوم ونسيم معقود. ونظر مجوسي في مجلس الصاحب إلى لهيب نار فقال: ما أشرقه!فقال الصاحب: ما أشرقه وقوداً وأخسأه معبوداً.
إلياس:
ما ترى النار كيف أسقمها القر ... فأضحت تخبو زماناً وتبصر
وبدا الجمر والرماد عليها ... في قميصين مذهب ومعنبر
أحمد بن الضحاك:
كأنما النار حين ترمقها ... وجمرها من رمادها يحجب
وجنة عذراء مسها خجل ... فالتهبت تحت عنبرٍ أشهب
وقال الصاحب: الاصطلاء طيب عند الامتلاء.
شاعر:
وشعثاء غبراء الفروع منيفة ... بها توصف الحسناء أو هي أجمل
دعوت بها أبناء ليلٍ كأنهم ... إذا أبصروها معطشون قد أنهلوا
الجريمي:
نارٌ كهادي الشقراء نافرةٌ ... تركض من حولها أشافرها

النيران التي جعلها الله تعالى آية:
كانت بنو إسرائيل إذا قرب أحدهم قرباناً مخلصاً لله نزلت نار فتأكله، ومن لم تنزل النار وبقي القربان على حالته دل على أن صاحبه مدخول النية، وهذه النار هي التي اقترحوها على النبي صلى الله عليه وسلم، فحكى الله عنهم: " الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " . وقيل: إن الحجاج لما جنق الكعبة جاءت نار فوقعت في المنجنيق فأحرقته، فامتنع اصحابه من الرمي فقال الحجاج: إن هذه نار القربان دلت على أن فعلكم متقبل. ومن ذلك النار التي قصدها موسى فكانت سبب نبوته. ومنه نار إبراهيم التي صارت برداً وسلاماً. ومنه نار الحرتين وذلك أنه ظهر في حرة بلاد بني عبس نار تسطع بالليل والنهار ويظهر دخانها بالنهار، وكانت طيء تنقش فيها الإبل من مسيرة ثلاث، وربما ندرت منها عنق فتحرق ما تأتي عليه. فبعث الله تعالى خالد بن سنان وهو أول ولد إسماعيل عليه السلام ولم يكن في أولاده غيره، فاحتفر لها بئراً ثم أدخلها فيه والناس ينظرون وهو يقول: كذب ابن راعية المعزى لأخرجن منها وجبيني يندى، ثم لما حضرته الوفاة قال: إذا دفنتموني فأحضروا بعد ثلاث فإنكم ترون عيراً أبتر يطوف بقبري، فإذا رأيتم ذلك فأنبشوني أخبركم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلما حضروا بعد الثلاث ورأوا العير اختلفوا. قال ابنه: لا أفعل إني أدعى إذاً ابن المنبوش. وقدمت ابنته على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه بنت نبي ضيعه قومه وبسط لها رداءه. وقيل: سمعت قل هو الله أحد، فقالت: كأن أبي يتلو هذه السورة والمتكلمون ينكرون ذلك، فإن الله تعالى يقول " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى " . وخالد كان من الفدادين أعرابياً من أهل الوبر وما بعث الله نبياً قط إلا من أهل القرى وسكان المدن.
النيران المعبودة المعظمة:
أما النار العلوية فقد عبدت، قال الله تعالى " وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله " . وقد يجيء في الأثر وسنة بعض الأنبياء تعظيمها على جهة المحنة وإيجاب الشكر على النعمة، ويزعم أهل الكتاب أن الله تعالى أوصاهم وقال: لا تطفئوا النيران من بيوتي. وأما المجوس فقد جاوزوا الحد حتى اتخذوا لها البيوت والسدنة والوقوف الكثيرة.
نيران كانوا يوقدونها في أوقات مختلفة:
إذا أرادوا حرباً وقصدوا جمعاً يوقدون ناراً عظيمة يجعلونها أمارة لاجتماعهم. قال عمرو بن كلثوم:
ونحن غداة أوقد في خزازى ... رفدنا فوق رفد الرافدينا
الفرزدق:
ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا ... نارين أشرفتا على النيران
ومنها النار التي يوقدونها ليحيروا بها الظباء بالليل، ويهولوا على الأسد إذا حدق إليها.
ما يتراءى من النيران ولا حقيقة لها:
يحكى أن السعالى توقد ناراً حوالي الإنسان تخوفهم بها. قال عبيد الأبرص:
لله در الغول أي رفيقةٍ ... لصاحب قف خائفٍ متقتر!
أرفت بلحنٍ فوق لحنٍ وأبعدت ... حوالي نيرانا تبوخ وتزهر

ونار حباحب، وقيل أبي حباحب، وهو ما يكون من الأكسية ونحوها ما لا حقيقة له من النيران ونار البرق وكل نار تحرق العود إلا نار البرق فإنها تجيء بالمطر وتحدث حدة الشجر، ونار اليراعة وهي طائر كبعض الطيور بالنهار، وإذا طار بالليل فهو كشهاب قبس ويلمح لها لمع ينض ويلمع من بعيد، فإذا دنوت منها لم ترها شيئاً. والعرب تقول: أكذب من يلمع.

أنواع مختلفة من ذلك:
بعضهم:
كأن نيراننا في جنب قلعتهم ... مصقلات على أرسان قصار
وقال البحتري في حريق وقع في دار المعتز:
ما كان قدر حريقٍ إن بنيت له ... وكلنا قلق الأحشاء حران
تفاءل الناس واشتدت ظنونهم ... والفأل منه لبعض الناس تبيان
وأيقنوا أن تنوير الحريق هو الدنيا تملكها والنار سلطان
وقال بعض الحكماء: النيران أربع: نار تأكل وتشرب وهي نار المعدة، ونار تأكل ولا تشرب وهي النار الموقدة، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار الشجر، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار الحجر.
مدح السراج:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: المصباح مطردة للشيطان ومذبة للهوام ومدفعة للصوص.
النابغة:
ولا يضل على مصباحها الساري
يضرب ذلك مثلاً للمصباح المضيء.
الزند:
قالت العرب: في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار. وقيل: أرح يديك واسترح إن الزناد مرح. وقال ذو الرمة وقد ألغز:
وسقطٍ كعين الديك عاودت صاحبي ... أباها وهيأها لموضعه وكرا
مشهرة لا تمكن الفحل أمها ... إذا هي لم تمسك بأطرافها قسرا
أخوها أبوها والضوى لا يضيرها ... وساق أبيها أمها اعتقرت عقرا
الأعشى:
ولو بت تقدح في ظلمةٍ ... صفاة تتيع ولأوريت نارا
آخر:
وزندك أفضل أزنادها
الدخان:
يقال: دواخن تنصب ودخان الرمث. وقال في صفة ذئب:
كأن دخان الرمث خالط لونه
الراعي:
كدخان مرتجلٍ بأعلى تلعةٍ ... غرثان ضرم عرفجا مبلولا
والمرتجل الذي يطبخ رجل جراد أي جماعتها.
الحد الثالث والعشرون
في الملك والجن
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس من خلق الله تعالى أكثر من الملائكة. وعن أبي نجيح عن مجاهد: والمقسمات أمرا؛قال: الملائكة ينزلها الله تعالى بأمره على من يشاء. وعن مسلم عن مسروق: والنازعات غرقاً؛قال: هي الملائكة. وعن الحكم: وما ننزله إلا بقدر معلوم؛قال: بلغني أنه ينزل مع المطر أكثر من ولد آدم وولد إدريس يحصون كل قطرة وأين تقع، ومن يرزق ذلك النبات. وعن العلاء بن عبد الحكيم عن ابن سابط في قوله تعالى " وأنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم؛قال: في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة، ووكل به ثلاثة من الملائكة يحفظونه، فوكل جبريل بالكتاب أن ينزل به إلى الرسل، ووكل جبريل بالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوماً، ووكله أيضاً بالنصر عند القتال، ووكل ميكائيل بالحفظ والقطر ونبات الأرض، ووكل عزرائيل بقبض الأرواح، فإذا ذهب الله بالدنيا جمع بين حفظهم وبين ما في أم الكتاب فيجدونه سواء. وعن ابن عباس: ويتلوه شاهد منه؛قال: جبريل. وعنا النبي صلى الله عليه سولم: أنه رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.

وعنالربيع: ذو مرة فاستوى؛قال جبريل. وهو بالأفق الأعلى قال: بالسماء الأعلى يعني جبريل. فأوحى إلى عبده ما أوحى؛قال: على لسان جبريل. ولقد رآه نزلة أخرى؛يعني جبريل رآه في صورته. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الروح الأمين جبريل له ستمائة جناح من لؤلؤ قد نشرها مثل ريش الطواويس. عن ابن شبابة قال: يدبر الأمر أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، فجبريل على الريح والجنود وميكائيل على القطر والنبات وملك الموت على قبض الأرواح وإسرافيل يبلغهم ما يؤمرون به. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل: لم أر ميكائيل ضاحكاً. قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: يسألونك عن الروح؛قال: ملك له سبعون ألف وجه فيها سبعون ألف لسان، لكل لسان منها سبعون ألف لغة، يسبح الله بكل اللغات. عن ابن عباس قال: أتى نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الروح ما هو؟قال: جتند من جنود الله ليسوا بملائكة لهم رؤوس وأرجل يأكلون الطعام، ثم قرأ: يوم يقوم الروح والملائكة صفاً. قال: هؤلاء جند وهؤلاء جند. عن الأعمش أنه قال: سالت مجاهداً عن قوله تعالى " ويقوم يقوم الأشهاد، قال: هم الملائكة.

مما جاء في إبليس والجن
حقيقة الجن:
الجن من الخلق التي لطفت أجسادها ويشهد لحقيقته الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وذكر بعض الفلاسفة ممن لا يثبت القديم: أن لا حقيقة للجن والملائكة.
بعض التحذير الوارد في الشريعة من الشيطان:
قال الله تعالى " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين؛وذلك من آيات كثيرة. وقال عليه السلام: خمروا آنيتكم وأوكثوا أسقيتكم وأجيفوا الأبواب، وأطفؤوا المصابيح وأكفتوا صبيانكم فإن للشيطان انتشاراً وخطفة. وقال أيضاً: لا تشربوا من ثلمة الإناء فإنها كفل الشيطان.
رجم الشياطين:
قال الله تعالى: " ولقد زينا السماء الدنيا وجعلناها رجوماً للشياطين " وقال تعالى " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد " وحكى الله تعالى عنهم " إنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً " . وكان الشياطين يتسمعون ما يوحونه إلى أوليائهم. وقد زعم بعض الناس أن الله تعالى جعل الرجوم لنبيه صلى الله عليه وسلم وقال قوم: ليس كذلك فقد قال بشر:
فجال على نفر كما انقض كوكبٌ ... وقد حال دون النقع والنقع يسطع
وقال أمية بن أبي الصلت:
وترى شياطيناً تروغ مضافة ... ورواغها صبر إذا ما تطرد
تلقى عليها في السماء مذلةً ... وكواكب ترمى بها فتعرد
صرع الجن للإنسان وغيره:
عندهم أن الجن يصرع الإنسان لحبه له. وقيل: إن فتى قبيحاً حصل على جارية مليحة فقال لها: ما في الدنيا أملح مني!فجاء إلى بابه يوماً فتى ظريف يطلبه فتطلعت فرأته، فلما عاد قالت له: ألم تقل أن ما في الدنيا أحسن منك وقد جاء فلان يطلبك فرأيته أملح منك؟فقال الرجل يريد أن يقبحه في عينها: هو مليح ولكن له جنية تصرعه كل شهر مرة. فقالت: لو كنت جنيته لصرعته ألفين. واستدل على أن نتيجة الصرع من الجن بقوله تعالى " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " . وقالوا في بعير مجنون: أنه لا يرى ما لا ترى الإبل. وقالوا: قد يجن الجن، وأنشد لدعلج الحكم:
وكيف يفيق الدهر كعب بن ناشبٍ ... وشيطانه عند الأهلة يصرع
تصور الجن للإنسان بصور:
تزعم العامة أن الجن تتصور بأي صورة تشاء إلا الغول فإنها تتصور في صورة امرأة إلا رجليها فإنهما لا بد وأن يكونا رجلي حمار. وقاسوا ذلك بتصوير جبريل عليه السلام بصورة دحية الكلبي، وتصور إبليس بصورة سراقة بن مالك، وبصورة الشيخ النجدي، والغول تتصور للإنسان فتغوله أي تهلكه. ويقولون: من ضربها ضربة قتلها، وإذا زيدت لم تمت ولو ضربت الوفاً.
شاعر:
فقالت: زد، فقلت: رويد أني ... على أمثالها ثبت الجنان
من ادعى أنه قتله الجن:

قالوا: خرج علقمة بن صفوان في الجاهلية يريد مالاً على حمار ومعه سوطك في ليلة، فإذا بشيء يدور ومعه سيف وهو يقول: علقم إنك مقتول، وإن لحمك مأكول. فقال علقمة: شق مالي ولك تقتل من لا يقتلك أغمد عني منصلك. فواثبه وضرب كل واحد صاحبه فخرا ميتين. وقالوا: إن الجن قتلت حرب بن أمية وفيه قالت الجن:
وقبر حربٍ بمكانٍ قفر ... وليس قرب قبر حربٍ قبر
وقتلت سعد بن عبادة وقالت:
قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عباده
... ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده

من ادعى أنه قتل الجن:
من ذلك ما روي أن تأبط شراً قتل غولاً وعاد إلى قومه وقد تأبط رأسه فقيل تابط شراً. وروي أن عمر رضي الله عنه صرع جنياً.
ما نسب إليهم من الداء:
قالوا: الطاعون من الجن وسمي رماح الجن قال:
ولكني خشيت على أبي ... رماح الجن أو إياك جاري
الاستجارة بالجن:
كانت العرب إذا صار أحدهم في تيه من الأرض وخاف الجن يقول رافعاً صوته: أنا مستجير بسيد هذا الوادي، ويصير له بذلك خفارة. ولذلك قال الله تعالى " وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن " .
رثى الشعراء:
ادعى كثيراً من فحول الشعراء أنه له رثياً يقول الشعر بفيه وله اسم معروف، من ذلك مسحل شيطان الأعشى وفيه يقول:
دعوت خليلي مسحلاً ودعوا له ... جهنام جدعاً للهجين المذمم
وذكر أن خال مسحل هميم شيطان الفرزدق.
أبو النجم:
إني وكل شاعرٍ من البشر ... شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وقال آخر:
إني وإن كنت صغيراً سني ... فإن شيطاني كبير الجن
رؤية الجن وسماعهم وصحبتهم:
روي أن ابن علاثة قضى بين الجن في دم. وقال ابن الأعرابي: نزلت بأعرابي فاستطبت ماءه فسالت عن مكانهم. فقال: هو كثير الجان. فقلت: اوترونهم؟قالوا: نعم، مكانهم في ذلك الجبل، وأومأ بيده إلى جبل يقال له سواج. وقد ادعى عدة من العرب أنهم رأوا خياماً وناساً ثم فقدوهم من ساعتهم.
ذو الرمة:
للجن بالليل في غيطانها زجلٌ ... كما تناوح بوم الريح عيشوم
وقال:
ورمل عزيف الجن في عقداته ... هزير كتضراب المغنين بالطبل
ولا تتحاشى العرب من سماع الهاتف وذلك كثير. وقالوا: دوي الفيافي عزيف الجن، وأصل ذلك أن من سكن الفيافي وتوحش وقلت أشغاله ربما يتوسوس، فيتصور الصغير كبيراً ويتفرق ذهنه ثم يجعل ما يتصوره أحاديث فيحكيها.
عبيد بن أيوب:
أخو فقراتٍ حالف الجن واتقى ... من الأنس حتى قد نقضت وسائله
من ادعى أنه تجيبه الجن:
يقال: فلان مخدوم إذا كان ذا عزم على الجن فأجابوه، فمنهم عبد الله بن هلال الحميري صديق إبليس، وكرباس الهندي وصالح الدبيري. وقالوا: مكن أراد أن يحبه الجن فليتبخر باللبان ويراعي سير المشتري، ويغتسل بالماء القراح ويكثر من دخول الخرابات. وقالوا: إذا آخى الجني أنسياً أخبره ووجد حسه ورأى خياله. ومنهم الكهان نحو جارية جهينة وكاهنة باهلة وشق وسطيح. والعراف دون الكاهن.
من استهوته الجن:
قالت العرب: استهوت الجن سنان بن أبي حارثة يستفحلونه فمات فيهم. واستهووا طالب بن أبي طالب فلم يوجد له أثر قط، وعمرو بن عدي اللخمي ثم ردوه إلى جذيمة البرش. واستهووا عمارة ابن الوليد بن المغيرة ونفخوا في إحليله فصار مع الوحش. وقالوا: خرافة رجل استهوته الجن ثم عاد يخبر عنها، وبه ضرب المثل فقيل حديث خرافة. وروي أن عمر رضي الله عنه استخبر المفقود الذي استهوته الجن ما كان طعامهم؟قال: الفول، وقيل الرمة، وما لم يذكر اسم الله عليه.
من ادعى أنه من ولد الجن:
ذكرت العرب أن عمرو بن يربوع من ولد السعالى، وذكر أبو زيد النحوي أن سعلاة أقامت في بني تميم حتى ولدت فيهم، فلما رأت برقاً يلمع من نحو ديارهم حنت فطارت إليهم. وفيهم قال الشاعر:
يا قاتل الله ابني السعلاة: ... عمراً وقابوساً شرار النات
أي الناس. وذكروا أن جرهما من ولد الملائكة. واستدل على صحة تناسل الجن من الأنس بقوله تعالى " وشاركهم في الأموال والأولاد " . وقوله " لم يطمئهن إنس قبلهم ولا جان " . وزعموا أن النسناس تركيب ما بين الشق والإنسان.
مساكن الجن:

زعمت العرب: أن الله تعالى لما أهلك الأمة الساكنة ولوبار كما أهلك طسماً وجديساً وعاداً وثموداً، سكنت الجن منازلهم وحمتها من كل من أرادها وأنها أخصب بلد، فإن دنا اليوم منه إنسان غالط حثوا في وجهه التراب، فإن أبى الرجوع خبلوه، وإن من أراده ألقى على قلبه الصرفة حتى كأنهم أصحاب موسى في التيه. وقيل في المثل: لا يهتدي لكذا حتى يهتدي لوبار، وليس بذلك المكان إلا الجن والإبل الوحشية. وقالوا: شيطان الحماطة وغول القفر وجان العشر وشيطان عبقر. ونسب كل شيء في الجودة إلى عبقر حتى قيل: لم أر عبقرياً مثله.

مراكب الجن:
ادعوا أن الجن يركب كل وحش من البهائم والطيور إلا الأرنب لأنها تحيض، والضباع لأنها تركب أيور القتلى والموتى إذا جيفت ابدانهم، والقرد لأنها لا تغتسل من الجنابة، وقالوا يكثر ركوبها القنفذ والورل. وأنشدوا للجن:
وكل المطايا قد ركبنا فلم نجد ... ألذ وأشهى من ركوب الجنادب
ولم أر فيها غير فنقذ بوقةٍ ... يقود قطاراً من عظيم العناكب
وقالوا: من قتل من أول الليل بعض هذه المراكب لم يأمن على فحل إبله، ومتى اعتراه غم أو مرض في ماله وأهله حكموا بأن ذلك عقوبة من قتلهم.
ما نسب فعله إلى الجن:
نسب كثير من الناس أبنية محكمة إلى الجن واستدلوا على أنهم كانوا يبنون بقول الله تعالى " فيهم كل بناء وغواص " .
النابغة:
وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد
وقالوا للمأثور من السيوف: عملته الجن. وقالوا في الإبل: فيها عرقاء من سفاد الجن حتى قالوا الحوشية من نسل حوش، وهي إبل الجن، والمهرية منسوبة إلى فحل لهم. وذهبوا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كره الصلاة في أعطان الإبل لأنها خلقت من أعنان الشياطين. وقال الجاحظ: جهلوا مجاز الكلام فحملوا اللفظ على غير جهته.
الحد الرابع والعشرون
في الحيوانات
ما جاء في الخيل والبغال والحمير
قال الله تعالى " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة " . وقال خالد بن صفوان: الخيل للإيغال والبغال للجمال والحمير للأحمال. وقال الحسن رضي الله عنه: الجفاء مع أذناب الإبل والمذلة مع أذناب البقر، والسكينة مع أذناب الأغنام والعز في نواصي الخيل.
وصف البغل مدحا وذماً والاعتذار لركوبه:
قال شاعر في مدحه:
البغل فيه لمن يمارسه ... صبر الحمار وقوة الفرس
البحتري:
وأقب نهد للصواهل شطره ... يوم الفخار وشطره للمسحج
خرق يأتيه على أبيه ويدعي ... عصبيةً لابن الصليب وأعوج
مثل المدرع جاء بين عمومةٍ ... في عاتقٍ وخؤولة في الخزرج
وقيل: ما من شيء بين جنسين أخذ منهما الشبه على السواء كالبغل؛وسئل بعضهم: على أي مركب كنت في الطريق؟قال: على التي بين الحمار والبغل. وروي أنه وقع بين حيين منازعة فخرجت عائشة رضي الله عنها وقالت: ائتوني ببغلة أركبها وأصلح بينهما. فقال ابن أبي عتيق: ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل كيف توقعينا بهم يوم البغلة. قال الجاحظ: وهذا الحديث من توليد الروافض، فأما عائشة فكان أمرها أنفذ من أن تحتاج أن تركب واي شيء يتفاقم حتى تحتاج عائشة فيه إلى الركوب ثم لا يعرف خبره. وقال بعضهم في تفضيل الإناث منها:
عليك بالبغلة دون البغل ... مركب قاضٍ وإمام عدل
وعالم وسيد وكهل ... تصلح للوحل وغير الوحل
ويضرب به المثل في تلون أخلاقه، قال الشاعر:
خلقٌ جديدٌ كل يو ... م مثل أخلاق البغال
آخر:
متلونٌ كتلون البغل
لقي الرشيد موسى بن جعفر على بغلة فاستنكر ذلك وقال: أتركب دابة إن طلبت عليها لم تلحق وإن طلبت لم تسبق؟فقال: لست بحيث أحتاج أن أطلب أو أطلب، فإنها دابة تنحط عن خيلاء الخيل وترتفع عن ذلة الحمير، وخير الأمور أوسطها.
وصف الحمار مدحاً وذماً:

وصف الفضل بن عيسى الحمار فقال: هو أقرب الدواب داء وأكثرها دواء وأكبرها جماحاً أخفض مهوى وأقرب مرتقى، وقد تواضع راكبه ولو أراد أبو سيارة لركب في الموسم مهرياً وفرساً عربياً، لكنه ركب الحمار أربعين سنة فعارضه أعرابي فقال: الحمار إن وقفته أدلى وإن تركته ولى، كثير الروث قليل الغوث، لا ترقأ به الدماء ولا تمهر به النساء ولا يندى به الإناء. ونظر الرقاشي إلى حمار فاره لمسلم بن قتيبة فقال: قعدة نبي وبذلة جبار، ذهب إلى حمار عزير وحمار عيسى وحمار بلعم. وقرب إلى أبي لجيم حمار له يركبه وهو والي البصرة فقال خالد بن صفوان: أعيذك بالله ايها الأمير من ركوبه فإنه عير والعير عار وشنار، منكر الصوت بعيد الفوت متفرق الصحل متورط في الوحل بسائره مشرف ولراكبه مقرف. فقال أبو لجيم: أمصله. فقال خالد: اجعله لي. فقال: هو لك فعاد عليه راكباً فلما بصر به قال: ما هذا؟قال: عير من نسل الكداد أصحر السربال محملج القوائم، يحمل الرجل ويبلغ القعقبة ويمنعني أن أكون جباراً. وقيل: شر المال مالاً يزكي ولا يذكى، يعني الحمار لأنها لا تجيب الزكاة في سائمتها. وكتب قيصر إلى الرشيد على سبيل المعاياة: ابعث إلي بشر الطعام على شر الدواب مع شر الناس. فبعث إليه جبناً على حمار مع خوزي. وقيل: أصبر على الذل من الحمار. ويضرب المثل به في الصوت، قال الله تعالى " إن ا، كر الأصوات لصوت الحمير " وقيل لأعرابي: ألا تركب الحمار؟قال: إنه عثرة نخرة تبوع للحجرة. وقيل: الحمار مطية الدجال.
شاعر:
إن الحمار مع الحمار مطيةٌ ... فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وقيل لبعضهم: أي مركوب كلما كان أكبر كان أذل لصاحبه؟فقال الحمار. وقيل: لا تركب الحمار فإنه إذا كان سلساً أتعب يديك، وإن كان بليداً أتعب رجليك. ولقي جحظة بعض أصحابه على حمار فقال: ما لك اقتصرت على ركوب الحمار لا يساوي ثمن قضيمة؟فأنشأ يقول:
لا تنكرني على حمار ... يضيع في مثله الشعير
وكيف لا يمتطي حماراً ... من جل إخوانه حمير
وقال:
ولا عن رضا كان الحمار مطيتي ... ولكن من يمشي سيرضى بما ركب

فضل الفرس:
قال الله تعالى في الامتنان به " ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " . ومن فضيلته أن النبي عليه السلام أسهم له سهمين ولم يجعل لراكبه إلا سهماً. وقال عليه السلام: الخيل معقود في نواصيها الخير. وقال رجل من الأنصار وقد روي لامرئ القيس:
الخير ما طلعت شمسٌ وما غربت ... معلقٌ بنواصي الخيل معصوب
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرغ فرساً له ثم جعل يمسحه بردائه، فقيل له في ذلك فقال: بت البارحة وجبريل يعاتبني في سياسة الخيل. وكانت العرب لا تهنأ إلا بثلاث: إذا ولد للرجل ذكر قيل له: ليهنك الفارس، وإذا نبغ في الحي شاعر قيل: ليهنك من يذب عن عرضك، وإذا نتج مهراً قيل له: ليهنك ما تطلب عليه الثأر. وقال الجاحظ: لم تكن أمة قط أشد عجباً بالخيل ولا أعلم بها من العرب، ولذلك أضيفت إليهم بكل لسان ونسبت إليهم بكل مكان، فقالوا فرس عربي ولو يقولوا هندي ولا رومي ولا فارسي. وعرض الحجاج أفراساً وجواري بين يديه أعرابي فخيره بين فرس وجارية فقال:
لصلصلة اللجام برأس طرفٍ ... أحب إلي من أن تنكحيني
أخاف إذا حللنا في مضيقٍ ... وجد الركض أن لا تحمليني
الحث على إيثاره والإحسان إليه والتمدح بذلك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قدر على ثمن دابة فليشترها فإنها تعينه على رزقه وتأتيه برزقها. وقال أبو ذر: ما من ليلة إلا والفرس يدعو ربه ويقول: اللهم سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحب إليه من أهله وماله، اللهم ارزقه وارزقني على يديه. وقال ابن سيرين لرجل: لم بعت فرسك؟قال: لمؤدنتها. فقال: تراه خلق عليك رزقه؟وقال مالك بن نويرة:
جزاني دوائي ذو الخمار ومنعتي ... بما بات أطواء بني الأصاغر
رأى أنني لا بالقليل أموره ... ولا أنا عنه في المواساة ظاهر
يزيد العبدي:
قصرنا عليه بالمقيض لقاحنا ... رباعيةً أو بازلاً أو سداسيا
وقال:
مفداةٌ مكرمةٌ علينا ... تجاع لها العيال ولا تجاع
وقال:

هاجرتني يا بنت آل سعد ... أأ، حلبت لقحةً للورد
جهلت من عناقه الممتد ... ونظرتي في عطفه الألد
إذا جياد الخيل جاءت تردي ... مملوءةً من غضبٍ وحرد
وقال:
تلوم على أن أعطي الورد لقحةً ... وما تستوي والورد ساعة تفزع
عامر بن الطفيل:
وللخيل ايامٌ فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيامها الخير تعقب
كونه معقلاً:
شاعر:
إن الحصون الخيل لا مدرى القرى
لبيد:
معاقلنا التي نأوي إليها ... بنات الأعوجية لا السيوف
وعن بعض الفرس: الخيل حصون منيعة ومعاقل رفيعة. وقيل: لا حصن كالحصان ولا جنة كالسنان.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟الأمر بإهانته وإعارته: بعضهم:
أهينوا مطاياكم فإني رأيتكم ... يهون على البرذون موت الفتى الندب
آخر:
وإني إذا ما المرء آثر بغله ... على نفسه آثرت نفسي على بغلي
وأبذله للمستعيرين لا أرى ... به علةً ما دام ينقاد للحبل

مدح إناث الخيل:
قال عليه السلام: عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها عز وبطونها كنز. وقيل له: أي المال خير: فقال: سكة مابورة ومهرة مأمورة. وقال: بطون الخيل كنز وظهورها حرز. وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لولا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن الحصان لأمرت به فإنه أخفى للغارة والكمين ولكن عليكم بالإناث.
مشاهير الأفراس:
كان ملك الهند أهدى شبديز إلى كسرى، وكان من أزكى الدواب وأعظمها خلقاً وكان لا يبول ولا يروث تحته، وكان ينخر ولا يزيد وكان استدارة حافره ثلاثة اشبار، فبقي مدة ثم نفق فلإعجاب كسرى به أمر بتصويره، فلما تأمل صورته استعبر. ومن فحول العرب: العسجد والوجيه والرغاب ولاحق ومذهب ومكتوم. قال طفيلي:
بنات الوجيه والغراب ولاحقٍ ... وأعوج ينمي نسبة المتسبب
وأشقر مروان من نسل الذائد، والذائد من ولد بطين من البطان، وهو الذي بعث الحجاج إلى الوليد. ومن نسل أعوج داحس، كان لقيس بن جذيمة العبسي، والغبراء لحمل بن بدر بن حذيفة. وتشاءمت العرب بداحس لوقوع الحرب بسببها. والعصا فرس جذيمة البرش، وقيل إن قيصر ركبها لما صار جذيمة في بلد الروم فركضها فلم تقف إلا على رأس ثلاثين ميلاً، ثم وقفت هناك فبالت فبنى على ذلك الموضع برج يسمى برج العصا. وزهدم فرس عنترة، والنعامة فرس الحارث بن عباد. ومن أفراس النبي صلى الله عليه وسلماللزاز هداه المقوس إليه مع مارية، والسكب واليعبوب وبغلته دلدل وحماره يعفور وله ناقتان: العضباء والقصواء. وكان لعلي رضي الله عنه بغلة يقال لها: الشهباء. واليحموم والرقيب فرسا النعمان. والعباب فرس مالك بن نويرة. وهسون فرس الزبير بن العوام. والغزالة فرس خولان. والحرون لمسلم بن عمرو اشتراه بألف دينار. وكامل لزيد الفوارس. وقسام لبني جعدة. والزائد لمحمد بن عبد الملك.
الماهر بالركوب العاجز:
لم يركبوا الخيل إلا بعد ما كبروا
آخر:
وإني لأرثي للكريم إذا غدا ... على حاجةٍ عند اللئيم يطالبه
وأرثي له من وقفةٍ عند بابه ... كمر سني الطرف والعلج راكبه
اللازم لظهور الدابة:
يقال: فلان حلس دابته.
شاعر:
أراك لا تنزل عن ظهره ... ولو من البيت إلى الحبس
قال أمير المؤمنين: اضرب الفرس على العثار ولا تضربه على النفار فإنه برى ما لا تراه. وقال رجل لأمير المؤمنين: متى أضرب حماري؟قال: إذا لم يذهب إلى الحاجة كما ينصرف إلى البيت.
المستغني عن الضرب:
ثعلبة:
وتعطيك قبل السوط ملء عنانها
ابن المعتز:
أضيع شيء سوطه إذ يركبه
وله:
حسسنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيدي سواعٍ وأرجل
الخائف من الضرب:
قيل: أكرم الخيل لأمهاتها أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أشدهم بغضاً للكتاب، وأكرم المهار أشدها ملازمةً لأمهاتها. وقال علقمة يصف ناقة:
تلاحظ السوط شزراً وهي ضامرة
وقال الكميت:
إذا أعصو صبت في أنيقٍ فكأنما ... بزجرة أخرى من سواهن تضرب
الجيد العدو:

قيل لأعرابي: كيف عدو فرسك؟قال: يعدو ما وجد أرضاً. وقيل لآخر فقال: همه أمامه وسوطه عنانه وما ضربه أحد إلا ظلماً. وقال أعرابي في صفة فرس وهو رخو العنان: كأن له في كل قائمة جناحاً. وذكر رجل فرساً فقال: كأنه شيطان في أشطان إذا أرسل لمع لمع سحاب، أقرب الشياء إليه الذي تقع عينه عليه. ووصف ابن القرية فرساً بعثه الحجاج إلى عبد الملك: بعثت بفرس حسن القد أسيل الخد يسبق الطرف ويستغرق الوصف. وكتب عمرو بن مسعدة: يمر بالشاب مع قواه ويسير بالشيخ تحت هواه.

لاحق غير ملحوق:
عرض أعرابياً فرساً للبيع فقيل له: كيف هو؟قال: ما طلبت عليه إلا لحقت ولا طلبت إلا فت. فقيل له: ولم تبيعه؟فأنشأ يقول:
وقد تخرج الحاجات يا أم مالكٍ ... كرائم من رب لهن ضنين
المرقش:
ويسبق مطروداً ويلحق طارداً ... ويخرج من غم المضيق ويخرج
الناشي:
لم يعتصم ذو مهربٍ بفراقه ... يوماً ولا ذو مطلبٍ بلحاقه
المتنبي:
أدركته بجوادٍ ظهره حرم
المدرك ما طلب:
امرؤ القيس وهو أول من ابتدعه:
بمنجردٍ قيد الأوابد هيكل
الأسود:
قيد الأوابد والرهان جواد
عمارة بن عقيل:
وأرى الوحش في يميني إذا ما ... كان يوماً عنانه بشمالي
ابن مقبل:
لا ينفع الوحش منه أن تحذره ... كأنه معلق منها بخطاف
المشبه بالوحشيات:
مالك بن نويرة:
وكأنه فوق الجوالب جالياً ... ريم تضايقه كلاب أخضع
الجعدي:
كلفتها شيداً أزل مصدرا
آخر:
رحيل كسرحان الفضا المتأوب
؟؟؟
المشبه في السرعة بالطيور:
كأنه فتخاء كاسر وكأنما يهفو بتمثال طائر.
امرؤ القيس:
كأن غلامي إذ علا خال متنه ... على ظهر باز في السماء محلق
آخر:
تحسبه يطير وهو يعدو
مروان:
أقبل ينقض انقضاض الكوكب ... كأنه باز هوى من مرقب
يطلب صيداً في فضاء سبسب ... لجائع في وكره مزغب
؟
المشبه بالدلاء:
أبو النجم:
يهوى هوي الغرب من رشائه ... أخطأه المفرغ من أهوائه
ابن نويرة:
كالدلو خان رشاؤها المتقطع
آخر:
هوي دلو خانه الكرب
؟
المشبه بالماء الجاري والمطر:
ابن المعتز:
أسرع من ماء إلى تصويب
المرقش الأكبر:
يجم جموم الحسي جاش مضيقه ... وجرده من تحت ذيل وأبلج
زهير:
كشؤبوب غيث يحفش الأكم وأبله
المشبه بالريح والبرق والنجم:
نصيب الأصغر:
هي الريح إلا خلقها غير أنها ... تبيت غوادي الريح حيث تقيل
آخر:
سليل ريح لقحت من برق
امرؤ القيس:
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هوي الريح مرت بآثار
آخر:
كأنه لمعة من عارض برد
أبو العتاهية:
قد خلف الريح حسرى وهي تتبعه ... ومر يختطف الأبصار والنظرا
ابن الرومي:
تراه كالنجم خر منصلتاً ... أثر العفاريت والشياطين
السابق الطرف والوهم:
أبو النجم:
يسبق طرف العين من مضائه
في وصفه:
طرف يسبق الطرف ويفوت الوهم:
المتنبي:
أربعها قبل طرفها تصل
الناشي في وصفه:
مثل دعاء مستجاب إن علا ... أو كدعاء ناذل إذا هبط
المشبه بالنار والغليان:
شد كإضرام الحريق، كمعمعة السعف الموقد، كحريق في غريق إذا جاش حمية على مرجل.
تواتر أيديها وأرجلها في العدو: بكر بن النطاح:
كأنما اليدان والرجلان ... طالبتا وتر وهاربان
العماني يصف فرساً محجلاً:
كأن تحت البطن منه أكلبا ... بيضاً صغاراً ينتهشن المنقبا
ابن خلف:
وكأنما جهدت أليته ... أن لا تمس الأرض أربعه
آخر:
وكأنما يرفعن ما لا يوضع
الموسوي:
كأنه في سرعان الوخد ... يلعب في أرساغه بالنرد
الحاذق بالناورد:
كشاجم:
ماءٌ تدفق طاعة وسلاسة ... فإذا استدر الحضر منه فنار
وإذا عطفت به على ناورده ... لتديره فكأنه بركار
المتنبي:

تثني على قدر الطعان كأنما ... مفاصلها تحت الريح مراود
الصاحب:
له دور ناوردٍ على قدر درهم
امرؤ القيس:
له وثبات كوثب الظباء ... فواد خطار وواد مطر
آخر:
وأجرد ما يثبطه الخطار

المثير الغبار:
طفيل:
إذا هبطت سهلاً حبست غبارها ... بجانبه الأقصى دواخن تنصب
الخوارزمي:
يخف لوطئها الترب البليد
؟يرفع نقا كدخان العرفج أو مثل ندف الكرسف المنفج
تتابع الخيول:
شاعر:
يخرجن من تحت الغبار عوابساً ... كأصابع المقرور أقعى فاصطلى
ضمرة بن ضمرة:
كالتمر ينثر من جراب الجرم
الهملاج:
قال عمر بن عبد العزيز: ما شيء تركته لله فتاقت نفسي إليه إلا ركوب الهماليج. وقال مسلم: ما بقيت لذة إلا ركوب الهماليج وقتل الجبابرة.
السبق:
قال عليه السلام: الخيل تجري بأحسابها فإذا كان يوم الرهان جرت بجدود أربابها. وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فصعب على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه. وكان عمر رضي الله عنه يأمر أن يجري الفرس من رأس الميدان وهو أربعة فراسخ. وسابق عبد الملك بين بنيه فسبق الوليد وثنى سليمان، وجاء مسلمة بعدهما فقال عبد الملك لقبيصة الخزاعي: أتروي قول الشني:
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدرك
فتنفر كفاه ويسقط سوطه ... وتبرد ساقاه فلا يتحرك
وما يستوي المرآن هذا ابن حرةٍ ... وهذا هجين ظهره متشرك
فقال مسلمة: قد قال حاتم خيراً من هذا:
وكائن ترى فينا من ابن سبيةٍ ... إذا لقيا لأبطال يطعنها شزرا
فسر عبد الملك به وقبله بين عينينه.
مفاضلة ألوانها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لو جمعت خيول العرب في صعيد واحد لجاءت وسابقها أشقر. وقال: خير الخيل الأدهم الأرثم المحجل ثلاثاً المطلق اليمين، فإن لم يكن فكميت على هذه الهيئة. واستشار أعرابي النبي عليه السلام في شراء فرس فقال: اشتره أغر محجلاً مطلق اليمين تغنم وتسلم. وقال أيضاً: اليمن في شقر الخيل. وقال بعض الحكماء: إن طلبك صاحب أشقر فعليك بالحزن، فإن الأشقر رقيق الحافر، وإن طلبك صاحب أدهم فعليك بالوحل فإنه رديء القوائم، وإن طلبك صاحب كميت فعليك بالجدد فعسى أن تنجو. وقال محمد بن سلام: لم يسبق الحلبة أبلق قط ولا بلقاء. وزعموا أن الشيات كلها نقص وضعف، والشية كل لون دخل على لون. قال الله تعالى " لا شية فيها " . وكل حيوان إذا اسود شعره أو صوفه كان أقوى لبدنه ولا خير في البقع، وكذلك البقع من الخيل والبرق من الحمل والتيس.
أحوال ألوانها:
قال ابن عباس: كان عليه السلام يحب الشقر من الخيل. وقال صلى الله عليه سولم: إذا اعتددت فرساً فاعتده أقزح أرثم ومحجل ثلاث مطلق اليمين، فإنها ميامين، فإن لم يكن أدهم فكميت ثم أغر تغنم وتسلم إن شاء الله تعالى.
سلمة:
كميت غير مخلفةٍ ولكن ... كلون الصرف حل به الأديم
المرار:
فهو ورد اللون إن تزاره ... وكميت اللون ما لم يزأر
السلامي في أغر أرثم:
نظن نجماً منيراً فوق غرته ... وأنه بهلالٍ ظل يلتئم
ابن المعتز في محجل واحد مطلق الثلاث:
ومحجل غير اليمين كأنه ... متبخترٌ يمشي بكمٍ مسبل
أبو تمام في أبلق:
مسود شطرٍ مثل ما اسود الدجى ... مبيض شطرٍ كابيضاض المهرق
التحجيل:
ابن المعتز في كميت:
وقارحٍ أربعه أصواؤه ... كأنما من دمه غشاؤه
الأغر المحجل:
البحتري:
تتوهم الجوزاء في أرساغه ... والبدر غرة وجهه المتهلل
الغرة:
لنمر:
تخال بياض غرتها سراجا
آخر:
كأنما الشعرى على وجهه
ابن نباتة:
تطلع بين عينيه الثريا
وله:
وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه
المتنبي:
وعيني إلى أذني أغر كأنه ... من الليل باقٍ بين عينيه كوكب
ما يتفادى منه من الشيات:

كان صلى الله عليه وسلم يكره الشكال، وهو أن تكون اليد اليمنى والرجل اليسرى أو بالعكس متخالفين.
أنشد ابو عبيدة:
إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وازداد حراً عجانها
وقيل: آنق الخيل المهقوع وهو الذي في عرض زوره دائرة، وكانوا يستحبونه حتى أراد رجل شراء مهقوع مرة فامتنع صاحبه من بيعه فقرأ المشتري هذا البيت فصار يتفادى منه.

المرح:
وصف أعرابي فرساً فقال: هو شيطان في أشطان. وقال بشر:
مهارشة العنان كأن فيها ... جراءة هبرةٍ فيها اضطراب
آخر:
كأن به لسعة زنبور
غيلان بن حريث:
يكاد مما يزدهيه أشره ... يطير لولا أننا نوقره
ابو تمام:
كأ، ما خالطه أواقٍ ... أو خامرت هامته الخندريس
وقال:
كأنه سكران أو عابثٌ ... أو ابن ربٍ حدث المولد
الموسوي:
يزجون جرداً لا تقر على الثرى ... مرحاً كأن الترب شوك قتاد
الشديد الصهيل:
شاعر:
بأجش الصوت يعبوب
مزرد:
أجش صهيلي كأن صهيله ... مزامير شربٍ جاوبتها الجلاجل
الموسوي:
ويصهل في مثل قعر الطوى ... صهيلاً يبين للمعرب
البحتري:
وكأن صهلته إذا استعلى بها ... رعدٌ يقعقع في ازدحام غمام
الطامح العين والرأس:
مزرد:
يرى طامح العينين يرنو وكأنه ... مؤانس ذعرٍ فهو بالأذن خائل
المتنبي:
وينظرن من سودٍ صوادق في الدجى ... يرين بعيدات الشخوص كما هي
زهير:
وملجمنا ما إن ينال قذاله ... ولا قدماه الأرض إلا أنامله
الموصوف بالطول:
مدح أعرابي فرساً وراكبه فقال: كان والله طويل العذار أمين العثار، إذا رأيت صاحبه عليه حسبته بازاً على مرقب، معه رمح تقصر به الآجال.
عدي بن الرقاع:
لا يكاد الطويل يبلغ منه ... حيث يثنى من المقص العذار
الطويل العنق:
قال قطري لرجل: اشتر لي فرساً. قال: لا علم لي بنجابته. قال: اشتره ونصفه عنقه. ومنه أخذ ابو النجم:
يكاد هاديها يكون شطرها
امرؤ القيس:
ومثنانة في رأس جذعٍ مسذب
دقة الأذن:
أنشد العماني الرشيد:
كأن أذنيه إذا تشرقا ... قادمة أو قلساً محرقا
فخطأه فيه ثم قال لأصحابه: كيف يجب أن يقال؟فأعياهم. فقال: تخال أذنيه كأن هواديها أعلام وآذانها أقلام. وقيل: اذن مرهفة مؤللة.
ولبعضهم:
مقدودة الآذان أمثال القدود
سعة العين:
بعضهم:
وعينٍ لها حدرةٌ بدرةٌ ... وشقت مآقيها من أخر
آخر:
عينٌ كعين البكر حين تديرها ... بمحجرها تحت النصيف المنقب
الجبهة:
لها جبهةٌ كسراة المجن حذقه الصانع المقتدر
العرف:
واسحم ريان العسيب كأنه ... عثاكيل قنوٍ من سميحة مرطب
الذنب:
امرؤ القيس:
لها ذنبٌ مثل ذيل العروس ... تسد به فرجها من دبر
طفيل:
وأذنابها وحف كأن ذيولها ... مجر اشاء من سميحة مرطب
سعة الشدق:
شاعر:
وهي شدقاء كالجوالق فوهاً ... مستجاف يضل فيه الشكيم
الفلاح:
أشدق رحب المنكبين شرجب ... إن يلق في شدقيه كلبٌ يذهب
ونحوه للطفيل:
وإن يلق كلبٌ بين لحييه يذهب
سعة المنخر:
لها منخرٌ كوجار الضباع
آخر:
لها منخرٌ مثل جيب القميص
بشر:
كأن حفيف منخرها إذا ما ... كتمن الربو كيرٌ مستعار
وقال بعضهم: يمنع عنه وقوع البهر في السعة كنهر.
الواقص الذباب بطرفه:
المرقش:
بمحالةٍ نفض الذباب بطرفها
ابن مقبل:
ترى النعرات الخضر تحت لبانه ... فرادى ومثنى أصعقتها صواهله
فريساً ومغشياً عليه كأنما ... خيوطة ماويٍ لواهن قاتله
الضامر:
عمرو بن معدي:
تقول لها الفوارس إذا رأوه ... ترى مسداً أمر على الرماح
آخر:
كأنها هراوةٌ منوال
آخر:
كقدح رام طار عنه شذبه
آخر:
جوداء مثل هراوة المغراب
المحفر:

؟يصفون جياد الخيل بسعة الجوف.
قال:
ببطنه يعدو الذكر
وقيل: لم يسبق الحلبة أهضم قط.
الجعدي:
حيط على زفرة فتم ولم ... يرجع إلى دقةٍ ولا هضم

الصلب:
امرؤ القيس:
كجلمود صخرٍ حطه السيل من عل
طرفة:
وأروع نباض أحد ململم ... كمرداة صخرٍ في صفيحٍ مصمد
المتنبي:
مفاصلها تحت الرماح مراود
؟؟
القوائم:
امرؤ القيس:
عظيم الشظى عبل الشوى شنج النسا
وله:
لها ثننٌ كخوافي العقاب
سليم الجعدي:
كأن تماثيل أرساغه ... رقاب وعولٍ على مرقب
الحافر المنقعب:
عرف بن الوليد:
لها حافر مثل قعب الولي ... د تتخذ الفأر فيه مغارا
ويقال: حافر كالقدح المكبوب.
الموسوي:
وكم قرع الدف من حافرٍ ... تخال على الأرض قعباً يكب
الصلب الحافر:
امرؤ القيس:
وتخطو على صم صلابٍ كأنها ... حجارة غيلٍ وأرسات بطحلب
أخذه الجعدي فقصر عنه وإن كان قد بسط:
كأن حوافيه مدبراً ... حفين وإن كان لم تحطب
حجارة غيلٍ برضراضةٍ ... كسين طلاء من الطحلب
آخر:
حامل تحت رسغه جلمودا
رؤبة:
يرمى الجلاميد بجلمودٍ مدق
شملعة بن الأخضر:
إذا قرعت سنابكها بحزنٍ ... جعلن حزونة الأجبال هارا
ابن المعتز:
وحافرٍ أزرق كالفيروزج
المؤثر بحوافره في الصفا:
ابن المعتز:
صم الصفا حوافره ... طبع الخواتيم لين الطين
المتنبي:
تماشت بأيدٍ كلما وافت الصفا ... نقشن به صدر البزاة حوافيا
الببغاء:
وكأنما نقشت حوافر خيله ... للناظرين أهلةً في الجلمد
معوذ رائق:
سلمة بن حوشب:
تعوذ بالرقى من غي خبلٍ ... ويعقد في قلائدها التميم
ابن المعتز:
يكاد لولا اسم الإله يصحبه ... تأكله عيوننا وتشربه
هيئة مقبلة ومدبرة:
امرؤ القيس:
إذا أقبلت قلت دباءة ... من الحضر مغموسة في القدر
وإن أدبرت قلت أثقية ... ململمة ليس فيها أثر
وإن أعرضت قلت سرعوفة ... لها ذنبٌ خلفها مسبطر
البحتري:
وكأن فارسه وراء قذاله ... ودق فلست تراه من قدامه
ما يحمد من أوصاف أعضائه مجموعة:
سأل الحجاج ابن القرية: ما يحمد من الخيل؟قال: إذا كان قصير الثلاث طويل الثلاث رحب الثلاث صافي الثلاث فهو الجواد، أما القصير فالعسيب والساق والظهر، والطويل الأذن والنحر والسالفة، والرحب المنخر والجوف واللبان، والصافي الأديم والعين والحافر.
خباب:
وقد أغدو بطرف هيكلٍ ذي منعةٍ سكب
حديد الطرف والمنكب والعرقوب والقلب
عريض الخد والجبهة والصهوة والجنب
وقيل: الفرس يسرع بسعة إبطه وجلده وبطول عنقه وعظم حفرته. وأغار زهير على حي من أحياء بكر بن وائل فأصيب بعضهم فأتته جارية تسأله عن أبيها فقال: ما كان تحت أبيك؟قالت: طويل بطنها قصير ظهرها هاديها شطرها. فقال: إن صدق وصفك فقد نجا.
أوصاف مختلفة:
بعضهم:
طرفٌ تبين للبصير وغيره ... فيه النجابة جارياً ومقودا
المتنبي:
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب
البحتري وقد استوهب فرساً مسرجاً ملجماً:
والطرف أجلب زائرٍ لمؤنةٍ ... ما لم يزرك بسرجه ولجامه
؟
كثرة عرق الخيل وقلته:
ترى الماء من أعطافه يتحلب
أبو النجم:
كأنه في الخيل وهو يسام ... مشتملٌ جاماً من الحمام
آخر:
كأن على أعطافه ثوب مائح
وعاب الأصمعي أبا ذؤيب بقوله:
إلا الحميم فإنه يتبضع
امرؤ القيس:
فأدرك لم يعرق مناط عذاره
أثر العرق:
طفيل الغنوي:
كأن يبيس الماء فوق متونها ... أسارير ملحٍ في متون مجرب
عبيد:
ترها من يبيس الماء شهبا
المرار:
كعقبان الظلال ترى عليها ... يبيس الماء تحسبه صقيعا
البليد:

قيل: اغتفر من الدواب كل شيء إلا البلادة فإن راكبها مركوب. وسئل بعضهم: أي البراذين شر؟قال: الغليظ الركبة الكثير الجلبة الذي إذا ارسلته قال: امسكني وإذا أمسكته قال: أرسلني. ونظر رجل إلى برذون عليه راوية فقال:
ما المرء إلا حيث يجعل نفسه
لو هملج في سيره ما جعل راوية. وقيل لمكار: حمارك يريد العصا. فقال: إنما أغتم لو أراد بزماورد.
شاعر:
لو سابق الذر مشدوداً قوائمه ... يوم الرهان لكان الذر يسبقه
أوفر يوم الوغى والنمل يطلبه ... لكان قبل ارتداد الطرف يلحقه

الموصوف بالعيوب:
باع رجل فرساً فقيل له: هل فيه عيب؟قال: لا إلا قرر كأنه قثاءة ومشش كأنه سفرجلة ودخس كأنه بطيخة، فقيل: هو بستان لا برذون.
الحارثي:
دموعٌ برجليه وقوعٌ بصدره ... عضوضٌ بفيه طامحٌ متخبط
محمد بن جهور:
لي برذونٌ حرونٌ جرد ... ننخيٌ دخس رخو العصب
الموصوف بالهزال والكبر:
قيل لرجل على فرس هزيل: ما أرى فرسك يروي من الشعر إلا قول عنترة:
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل
وقيل لمزيد: ما بال حمارك يتبلد إذا أخذ نحو المنزل وحمير الناس إلى منازلهم أسرع؟قال: لمعرفته بسوء المنقلب! محمد بن موسى القاساني:
فلا تنكر بجهلك فضل مهري ... فمهري من ملائكة الدواب
بلا تبنٍ يعيش ولا قضيم ... ولا الموجود من برد الشراب
سوى ورق الحجارة أو خليطٍ ... يثير الريح مع ظل السحاب
ويقضم كل يومٍ كف شمسٍ ... إذا ما الشمس حانت لاغتراب
وإن يعطش وردت به هجيراً ... على نهرٍ يلوح من السراب
بعضهم:
برذون عمران أبي عباد ... يذكر كسرى وزمان عاد
كأنما أضلاعه هواد ... كأنه في السوق والقياد
... سفينة تدفع بالمرادي
أبو دلامة يصف فرسه:
وكانت قارحاً أيام كسرى ... وتذكر تبعاً عند الفصال
وقد مرت بقرنٍ بعد قرنٍ ... وآخر عهدها بهلاك مالي
وكتب أبو العيناء إلى عبيد الله بن يحيى: أما بعد اعلم الوزير أن ابنك محمداً حمل عبدك على دابة تسوء الأولياء وتسر الأعداء، تقف بالنثرة وتعثر بالبعرة كالقربة عجفاً والشنة دنفاً، تسعل وتحبق معاً، تضحك النسوان وتلعب الصبيان، ولقد ركبتها فمن وقفة وحبقة وسعلة، فمن قائل يقول نق شعيره وآخر يقول التقط واحتفظ، وآخر يقول اقطع قوائمه واجعله مسراحاً، وآخر يقول لا تمر به على العلاف فتخنقه العبرة.
ابن طباطبا:
قارحٌ ملجمٌ بالإيوان عندي ... مثل شيخٍ إذا تعاطى الخساره
هبك صيرته بالإيوان مهراً ... كيف تحتال إن أردنا فراره
شاعر:
كأن خضيعة بطن الجواد ... وعوعة الذئب بالفدفد
النهي عن الخصي:
قيل: لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم تبوك، حمل رجلاً من الأنصار على فرس وأمره إذا نزل أن ينزل قريباً منه شوقاً إليه وشهوة إلى صهيله، فلما قدم النتبي عليه السلام المدينة سأل الأنصاري عن الفرس فقال: خصيناه. فقال: مه مثلت به أعرافها أدفاؤها وأذنابها مذابها التمسوا نسلها وباهوا بصهيلها المشركين.
مما جاء في الغنم
؟
وصف النعم وتفضيل بعضها على بعض:
قال أهل اللغة: النعم اسم يشمل الغنم والبقر والإبل. وقال صلى الله عليه سولم: الغنم بركة موضوعة والإبل جمال لأهلها، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وقال أيضاً: الفخر في أهل الخيل والسكينة في اهل الغنم. وقيل لابنة الخس: ما تقولين في مائة من المعز؟قالت: قنى. وقيل: فمائة من الغنم؟قلات: غنى. قيل: فمائة من الإبل؟قالت: منى. وقيل: ما خلق الله تعالى نعماً خيراً من الإبل، إن حملت أثقلت وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت وإن نحرت أشبعت. وقيل: الإبل طويلة الظمأ بعيدة الروحة بسيطة المشية ثقيلة الحمل، وكل ظهر له كالعيال.
المتبجح بملك الإبل:
إبراهيم بن العباس:
لنا إبلٌ غر يضيق بها الفضا ... وتفتر عنها أرضها وسماؤها
فمن دونها أن تستباح دماؤنا ... ومن دوننا أن تستباح دماؤها

حمى وقرى فالموت دون مرامها ... وأيسر خطبٍ يوم حق فناؤها
المرار:
لهم إبلٌ لا من دياتٍ ولم تكن ... مهوراً ولا من مكسبٍ غير طائل
محبسة في كل رسلٍ ونجدةٍ ... وقد عرفت ألوانها في المعاقل
وصفها: أبو جرول:
مخاضٌ كسن الظبي لم أر مثلها ... سناء قتيلٍ أو حلوبة جائع
القطامي:
طوال القنا ما يلعن الضيف أهلها ... إذا هو رغى وسطها بعدما يسري
جفارٌ إذا صافت هضابٌ إذا شتت ... وبالصيف يردون المياه على العسر
يعض عليها الحاسدون بنانهم ... وليس بأيديهم غناي ولا فقري

ألوان الإبل وتفضيل بعضها:
قال حنيف الحناتم وكان آبل الناس: الرمكاء نهية تصغير نهية والحمراء صبراء والحمراء غزراء والصهباء سرعاء، وفي الإبل أخرى إن كانت عندي لم أبعها وإن كانت عند غيري لم أشترها لأنه لا يبيعها إلا العيب. وقال أبو نصر النعامي: هجر على حمراء وأسر بورقاء، وصبح القوم على صهباء. قيل ولم ذاك؟قال: لأن الحمراء أصبر على حر الهواجر، والورقاء على السرى، والصهبة أحسن الأوان حين ينظر إليها. وقيل: ورق الإبل أصفاها، والصهب أنقاها، والدهم أبهاها، والحمر أضناها أي أكثرها ولداً، والأدم أوضؤها والرمد أوطؤها.
المتشابهة الألوان:
ذو الرمة:
إذا أنتجت منها المثاني تشابهت ... على العود إلا بالأنوف سلائله
أي تشابهت على أمهاتها لكونها على نجاد واحد فلا يعرفن إلا بالشم.
الإبل المختلفة الألوان:
بعض اللصوص يصف إبلاً سرقها من أحياء مختلفة:
تسألني الباعة أي دارها ... لا تسألوني وانظروا آثارها
كل نجار في الروى نجارها ... وكل نار العالمين نارها
والنار السمة كردوس المراثي فيها:
أتسألني عن نارها وديارها ... وذلك علمٌ لا يحيط به الطمس
أي الخلق.
الإبل المعلمة:
قال الراجز:
كل علاةٍ توجت بنارها ... قبل تمام القوم في نجارها
ومن السمات العلاط والخياط والمحجر والخطاف والغراب والخطام والكشاح والجباب. وقيل: بعير محلق وطهور وأحزب. والميسم مباح في لشريعة، كان يسم إبل الصدقة.
وكانت القصوى والعضباء ناقتا رسول الله صلى الله عليه وسلم موسومتين. ومن منفعة السمة أنها إذا عرفت للرئيس لم تطرد عن الماء. قال:
قد سقيت آبالهم بالنار ... والنار قد تسقى من الأوار
إبل غير معلمة:
ربما يترك البعير غير معلم إما لأن أغفالها كالعلم لها، أو يكون ذلك ضناً من صاحبها بها لكرمها.
قال:
ولا عيش إلا كل صهباء غفل
وقال:
تناول الحوض إذا الحوض شغل ... ومنكباها خلف أوراك الإبل
وقال:
من كل حمارء يفاعٍ المنتمى ... يكرمها أربابها أن توسما
وصف البعير بالسرعة والقوة:
وصف أعرابي ناقة فقال: تقطع الأرض وترض الحجارة رضاً وتنهض في الزمام نهضاً، سريعة الوثوب بطيئة النكوب، مروح شروب. وقيل لآخر: كيف ناقتك؟فقال: عقاب إذا هوت وحية إذا التوت طوت الفلاة وما انطوت. وقال شيبة بن عقال: أقبلت من اليمن أريد مكة ومعي ثلاث جمال فصحبت يمنياً على ناقة فوقف بي جمل بعد جمل حتى بقيت راجلاً فخفت أن يفوتني الحج، فقال اليمني: أتطيب نفسك عما معك وتردفني؟فقلت: نعم، فنزل وقدم رحله فكاد يضعها على عنقها، ثم قال: خذ حر متاعك إن لم تطلب نفسك عنه. ففعلت وأردفني، فجعلت تعوم بنا عوماً كأ، ها ثعبان حتى انتهى بي إلى الموقف فقال: إن لي حاجة إليك أن لا تذكرها، فإن هذه آثر عندي من كل مال في الدنيا: أدرك عليها الثأر وأصيد عليها الوحش وأوافي عليها الموسم من صنعاء كل عام.
تحريك الأيدي والأرجل في المشي:
رؤبة:
كأن أيديهن بالقاع الفرق ... أيدي جوارٍ يتعاطين الورق
آخر:
يدا سابحٍ في غمرة يتبوع
آخر:
يدا معول خرقاء تسعد مأتما
آخر:
كأنها نائحةٌ تفجع ... تبكي لميتٍ وسواها الموجع
الشماخ:
كأن ذراعيها ذراعاً مدلة ... بعيد الشباب حاولت أن تعذرا
القضامي:

عوج فواج إذا حث الحداة بها ... حسبت أرجلها قدام أيديها
وصف أعرابي بعيره فقال في صفة قوائمه: وضعها تعليل ودفعها تحليل.

رمي الحصى بالأخفاف:
امرؤ القيس وعنه أخذ الشعراء:
كأن الحصى من خلفها وأمامها ... إذا نحلته رجلها حذف أعسرا
كأن صليل المروحين تشده ... صليل ذيوفٍ يتقدن بعبقرا
عبدة بن الطيب:
ترى الحصى مشمغراً عن مناسمها ... كما تخلخل بالوغل الغرابيل
ابن المعتز:
كأن يديها وهي تسترفض الحصى ... يدا ناقدٍ او نابلٍ لم يسدد
الخائف من الضرب والزجر:
وصف الكميت ناقة فقال:
بزجرة أخرى من سواهن تضرب
إبراهيم بن هرمة:
تكاد تخرج من بين الجبال إذا ... ما قال غيري لأخرى غيرها عاج
آخر:
سوطها لنقر الخفى ويداها لزجر الرحى
آخر:
كأن النير يلسعها ... إذا غرد حاديها
طريح:
تكاد تخرج من أنساعها مرحاً ... إذا ابن أرضٍ عوى بالبيدا وضبحا
الشماخ:
وتقسم نصف الأرض طرفاً أمامها ... ونصفاً تراه خشية السوط أزورا
أخذه مسلم بن الوليد فقال:
تمشي العرضنة قد تقسم طرفها ... وضح الطريق وخوف وقع المحصد
المشبه بالريح والبرق:
نصيب:
هي الريح إلا خلقها غير أنها ... تبيت غوادي الريح حيث تقيل
بكر بن النطاح:
كأن قوائمه في المسير ... رياحٌ تطارد بالقفر
وقال:
أي قلوصٍ راكبٍ تراها ... من ذكر الريح فقد سماها
... أو نعت البرق فقد كناها
المشبه بالطير:
وصف رجل بعيره فقال: ركبته كأنه نعامة أو إعارته الأجنحة حمامه.
مسلم:
إلى الإمام تهادينا بأرجلنا ... خلق من الريح في أشباه ظلمان
أبو سعيد المخزومي:
إليك خليفة الرحمن طارت ... ولم أر قبلها خفاً يطير
المشبه بالوحشيات:
زهير:
كأن كوري وأنساعي وراحلتي ... كسوتهن شبوباً من لظى لهبا
لبيد:
كأخنس ناشطٍ جادت عليه ... ببرقة واجف إحدى الليالي
وكل ذلك يدخل في صفة الوحشيات.
المشبه بالسفينة:
المثقب:
كأن الكور والأنساع منها ... على قرواء ماهرةٍ دقين
يشق الماء جؤجؤها وتعلو ... غوارب كل ذي حدبٍ مصين
أبو النجم:
كأنه إذ خط في الزمام ... قرقور ساجٍ مرسل الخطام
فهو يشق الماء بانتحام
النابغة:
يستن في ثني الجديل وينتحي ... فعل الخلية في الخليج الجاري
القليل المبالاة ببعد المفاوز:
الحطيئة:
إذا نظرت يوماً بمؤخر عينها ... إلى علم بالغور قالت له ابعد
المتقدم على ما يسايره من المطايا: قيل لأعرابي: كيف بعيرك؟قال: يتدرع المطايا إذا ماشته بغباره، ويخدن إذا برك في آثاره لا يبرك خفياً يتقدمه فهو كما قال:
موكلة بالأقدمين فكلما ... رأت رفقةً فالأولون لها تصبو
أبو نواس:
تذر المطي أمامها فكأنها ... صف تقدمهن وهي أمام
أخذه ابن المعتز وأبدع فقال:
وهي أمام الركب في ذهابها ... كسطر بسم الله في كتابها
المتنبي:
يمشي إذا عدت المطي وراءها ... ويزيد وقت جمامها وكلاله
ما يعجز الحادي عن إدراكه:
قال:
كيف ترى مر طلى حياتها ... والحادي اللاغب من حداتها
الأعشى:
حمين عراقيب الحصى وتركنه ... به نفسٌ عالٍ يخالطه بهر
آخر:
وإذا انتقصت إلى المفازة غادرت ... زيداً يبغل خلفها تبغيلا
أي لا يدركها الحادي السريع.
المترقص من الإبل:
المثقب:
وترقص في المسير كأن هراً ... يباريها ويأخذ بالوضين
الممزق:
ترى لو تراءى عند معقد غرزها ... تهاويل من إجلاء دهرٍ معلق
آخر:
كأن بها من طائف الجن أولقا
الساكن من الإبل:
ذو الرمة:
تصغي إذا شدها بالكور جانحةً ... حتى إذا ما استوى في غرزها تثب
آخر:

تمشي إذا ما هزت السوالفا ... مشي العذارى هزت المطارفا

المؤثر في الأرض بثفناته:
ابن المعتز:
كأن المطايا إذ غدون بسحرةٍ ... تركن أقاصيص القطا في المنازل
المثقب:
كأن مواقع الثفنات منها ... معرس باكراتٍ الورد جون
كأ، مناخها يلقي لجاماً ... على معرابها وعلى الوجين
الخفيف الوطء لسرعته:
بعضهم:
خفية وطء الجرس لو أن حمراً ... تخطاه في أعشاشه لم يطير
المجتر:
المثقب:
وتسمع للذباب إذا تغنى ... بتغريد الحمام على الركون
النابغة:
له صريفٌ صريف العفو بالمسد
الضامر:
الأعشى:
كتوم رغا إذا ضجرت وكانت ... نقية ذود كتمٍ للرغاء
الكميت:
كتومٌ إذا ضج المطي كأنما ... تكرم عن أظلافهن وترغب
الرغاء:
الكميت:
كأن رغاءهن بكل فجٍ ... إذا ارتحلوا نوائح معولات
كعب:
أرى إبلي ليست تحن كأنما ... تعاورن أنبوباً أجش مثقبا
اللغام:
أبو النجم:
كأنه من زبد الأفكل ... مبرنسٌ في كرسفٍ لم يغزل
أبو نواس:
يكتسى عثنونه زبداً ... فيحلاه إلى منحره؟
؟ثم تذروه الرياح كما طار قطن الندف عن وتره آخر:
لغامٌ كبيت العنكبوت الممدد
الضامر المهزول:
جرير:
خرقاء ضربها الوجيف كأنها ... جفنٌ طويت به نجاديات
الشماخ:
كأنها وقد يراها الأخماس ... شرائح النبع براه القوس
وفيه وقيد دبره ورجيع سفر كأنه مشحب أو هلال في ظلمة، أعجف.
سلم الخاسر:
عيسى تبارى بعد طول كلالها ... مثل الأهلة قد ذهبن محاقا
القطامي:
طواها السرى فالنسع يجري كأنه ... وشاح فتاةٍ دق عنه مخاصره
المعيبات:
قال بعضهم: ركبت ناقتي فأمضيتها حتى أنضيتها، أزجيها على الوجى وأسير بها على الحفا؛فعقالها إذا أنيخت كلالها.
إبراهيم بن هرمة:
جعل الوجى بذراعٍ كل نجيبةٍ ... قيداً أمر بغير كفي فاتر
الراعي:
كأن لها برحل القوم بوا ... وما إن طبها إلا اللغوب
الممزق:
نتاج طليحاً ما تراعى من الشذى ... ولو ظل في أوصالها الغل يرتعي
القوي الصليب:
الراعي:
نمت كتفاها إلى حاركٍ ... أشم كما أوفد المنبر
آخر:
جلديةٌ كأتان الضحل علكوم
ويقال هي كبر مشيد. المسيب:
وكأن قنطرةً بموضع كورها ... ملساء بين غوامض الأنساع
آخر:
كأن مواقع الغربان منها ... مناراتٌ بنين على جماد
وقال بعض العلماء: وصف القطامي نوقه بما لو وصف به امرأة لكان أشعر الناس. فقال:
يمشين رهواً فلا الأعجاز خاذلةٌ ... ولا الصدور على الأعجاز تتكل
العين:
بعضهم:
قلاة أعينها نزح القوارير
مدح المعز وتفضيلها:
قيل: العتاق معز الخيل والبراذين ضأنها. وإذا وصفوا الرجل بالضعف والموق قالوا: ما هو إلا نعجة من النعاج، وإذا مدحوه قالوا: فلان ماعز من الرجال. وفلان أمعز من فلان. وقيل: شعر المعز كشعر الإنسان وهو به أشبه وإليه أقرب. وقيل: سمي بالعنز كما سمي بالكبش فقيل: عنز اليمامة وعنز وائل وماعز بن مالك. وقيل: أحمق من راعي ضأن ثمانين. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: امسحوا رغام الشاء ونقوا مرابضها من الشوك والحجارة فإنها من الجنة. وقال: ما من مسلم له شاة إلا وقدس كل يوم مرة، فإن كانت له شاتان قدس كل يوم مرتين.
تفضيل لحم الضان والمعز:
يقال للطيب الطعام: فلان يأكل من رؤس الحملان، ولم يقولوا رؤوس المعز ضان، وشواء الضان هو المنعوت.
وقال بعض الأطباء: إياك ولحم الماعز فإنه يورث الهم ويحرك السوداء، ويورث النسيان ويفسد الدم. وقيل: شحم ثوب المعز وكليتها أطيب من الحمل.
شاعر:
كأن القوم شووا لحم ضأنٍ ... فهم نعجون قد مالت طلاهم

والمصروع إذا أكل لحم الضأن اشتد ما به في أوان الشرع في مبادئ الأهلة وانتصاف الشهور. جاءت امرأة إلى رسول الله عليه السلام فقالت: إني اتخذت غنماً ورجوت نسلها ورسلها وإني لا أراها تنمو. قال: ما ألوانها؟قالت: سود؟فقال: عفري أي اخلطي بها بيضاء.
الزاخر:
لهفي على عنزين لا أنساهما ... كأن ظل حجرٍ صغراهما
... وصانع معطرةٍ كبراهما
آخر:
أعددت للضيف وللرفيق ... حمراء من معز أبي مرزوق
تلحس خد الحالب الرفيق ... بلينٍ المس قليل الريق
كأن صوت شنجها العتيق ... نحيح ضب حنقٍ فتيق
... في حجرٍ ضاق أشد الضيق

وفي صفتها:
تحلب رسلاً طيب المذاق
امرؤ القيس:
لنا غنمٌ نسوقها غزار ... كأن قرون حلتها عصي
فتملأ بيتنا أقطاً وسمناً ... وحسبك من غنى شبعٌ وري
؟
نعت التيس:
قال مخارق بن شهاب المازني، وكان سيداً يصف تيس غنمه:
وراحت أصيلانا كأن ضروعها ... دلاءٌ وفيها وائد القرن ليلب
له رعثان كالشنور وغيره ... شريح ولونٌ كالوذيلة مذهب
وعينٌ أحم المقلتين ووغرةٌ ... يواصلها دانٍ من الظلف مكتب
أبو الحو والغر اللواتي كأنها ... من الحسن في الأعناق جزعٌ مثقب
ترى ضيفها فيها يبيت بغبطةٍ ... وضيف ابن قيسٍ جائعٌ متحوب
ووفد قيس هذا على النعمان فقال له: كيف مخارق فيكم؟فقال: سيد كريم يمدح تيسه ويهجو ابن عمه. وقيل: فلان أعلم من تيس بني حمان، زعموا أنه نفط سبعين عنزاً بعد أن فريت أوداجه. وحكي أن ثوراً وثب على بقرة بعد أن خصي فأحبلها.
حمل الشاة وولادتها:
قال الأصمعي: الوقت الجيد في حمل الشاة أن تخلى سبعة أشهر بعد ولادتها، ويكون حملها خمسة أشهر فتلد في السنة مرة فإن حمل عليها في السنة مرتين فذلك الأمغال يقال أمغل. وقيل لأعرابي: بأي شيء تعرف حمل شاتك؟قال: إذا ترزم حياؤها وزجت شعرتها واستفاضت خاصرتها.
ذم العنز:
اشترى رجل من طيء عنزاً بثمانية دراهم من ابن عم له يقال له حميد، فلم يحمدها فقال:
لقد لقيت من حميدٍ داهيه ... من أعور العين مشوم الناصيه
قد باعني الغول بأرضٍ خاليه ... أعجبني ضرعٌ لها كالداليه
فقلت ما هذا بجد غاليه ... ليت السباع لقيتها عادية
... أسأل رب الناس منها العافيه
مما جاء في الوحشيات
البقر:
تسمى مولعة لتولع جسدها ومذرعة لكون طرفها اسود وسائرها أبيض، وتوصف بأنها مخذمة الشري وخنساء الخنس لأنفها لا لطول ذنبها.
الجعدي:
ووجهاً كبرقوع القناة ملمعاً ... وروقين لما يعدوان تقشرا
لبيد في وصف بقرة وحش أكل وحيش ولدها:
أفتلك أم وحشيةٌ مسبوعةٌ ... خذلت وهادية الصوار قدامها
لمعفر فهد تنازع شلوه ... غبش كوسب ما يمن طعامها
الثور:
يوصف باللهق لبياضه وبالزهرة، ولذلك قال:
ولاح أزهر مشهور بنقبته ... كأنه حين يعلو عاقراً لهب
العاقر الرمل. النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنسٍ وحد
من وحش وجرة موشي أكارعه ... طاوي المصير كثيف الصيقل الفرد
آخر:
وانقض كالدري يتبعه ... نقعٌ يثور تخاله طنبا
الطرماح:
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيفٌ على شرفٍ يسل ويغمد
لبيد في سرعته:
يشق خمائل الدهنا يداه ... كما لعب المقامر بالفيال
آخر:
يقابل الريح روقيه وكلكله ... كالهبرفي تنحى ينفخ الفحما
ويقال به داء الظباء إذا لم يكن به داء. كان جعفر بن سليمان أحضر على مائدته بالبصرة يوم زاره الرشيد ألبان الظباء وسلاها وسمنها فاستطاب طعمها، فسأله عن ذلك فغمز جعفر بعض الغلمان فأطلق عن ظباء معها خشفانها فمرت في عرص الدار تجاه عينه مقرطة مخضبة.
أبو ذؤيب:
فما أم خشفٍ بالفلاة مشدن ... تنوش البرير حيث نال اهتصارها

موشحة بالطرتين دنا لها ... جنى أيكةٍ تصفو عليها قصارها
ذو الرمة يصف ظبية تصون خشفها:
إذا استودعته صفصفاً أو صريمةً ... نحته ونضت جيدها بالمناظر
حذاراً على وسنان يصرعه الكرى ... بكل مقيلٍ عن ضعاف فواتر
وتهجره إلا اختلاساً بطرفها ... وكم من محبٍ رهبة العين هاجر
وقال:
رأت مستخيراً فاسترابت بشخصه ... بمحنيةٍ يبدو لها ويغيب
يعني بالمستخير الصائد الذي يخور خور الغزال، فإذا التفتت الظبية علم أنها مغزل فيطلب غزالها. أبو ذؤيب في صفة غزال ضعيف:
إذا هي جاءت تقشعر مكانها ... ويشرق بين الليث منها إلى القفل
ترى حمشاً في صدرها ثم أنها ... إذا أدبرت ولت بمكتنزٍ عبل
وفي وصف الكناس قال بعضهم:
وبيت تخفق الأرواح فيه ... خلال الليل مغموم النهار
تمارشه صوانع مشفقاتٌ ... على خرقٍ تقوم بالمداري

جماعة الوحشيات:
زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفةً ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
آخر:
فأدبرن كالجزع المفصل بينه ... بجيد معم في العشيرة مخول
الزرافة:
تكون بأرض النوبة وتسمى بالفارسية: اشتركا وبلثك، كأنه بقرة نمر وزعموا أنها ولد النمرة من الجمل ولو جعلوا الفحل النمر والأنثى الناقة كان أقرب في الوهم، فللزرافة خطم الجمل وجلد النمر ورأس الإبل وظفلها، والزرافة طويلة اليدين منحنية إلى مآخرها، وليس لرجليها ركبتان وهذا كقولهم كارميش لما أشبه الثور، والكبش واستر مرك لما أشبههما لأن بين هذين الجنسين تلاقحاً.
الفيل:
الفيل والزندفيل جنسان كالبخت والعراب وكالبقر والجاموس وكالخيل والبراذين، وهي لا تنتج عندنا ولا تنبت أنيابها وزعمت الهند أن نابي الفيل قرناه وخرجا من الحنك أعقفين، ويدل على ذلك أنه مصمت إلا على مجوف الأسفل كالقرن، وأنه لا يعض به وإنما يستعمله استعمال القرن. وأصل لسان كل حيوان إلى داخل وأصل لسان الفيل إلى خارج، وقالت الهند: لولا أن لسان الفيل مقلوب لتكلم، وخرطومه أنفه وبه يوصل الطعام إلى جوفه، وهو بين الغضروف والعصب وبه يقاتل. ومتى اغتلم لم يملك وعاد وحشياً وأكبر الايور ايره. وقال:
لما بصرت باير الفيل أذهلني ... عن الحمير وعن تلك البراطيل
واجتمع عنه ابرويز تسعمائة وخمسون فيلاً. ولم تجتمع عند ملك قط، ووضعت فيلة عنده ولم تنتج بالعراق. وكانت حمير والتبابعة والمقاول والعباهلة والكيسوم من ملوك الحبشة يكرمون الفيلة ويركبونها.
ابن طباطبا:
أعجب بفيل آنسٍ وحشي ... بهيمةٍ في صفة الأنسي
يفهم من سائسه السندي ... غيب معاني رمزه الخفي
أقبل في سريباله الغيمي ... يزهى بجزءٍ منه طاروني
مملس الجلباب فاختي ... يخطو على أساسه القوي
مثل الدلى الموثق المبني ... سائسه عليه ذورقي
منتصبٌ منه على كرسي ... خرطومه كجعبة التركي
يعلو بشطر منه خابوطي ... ناباه في هوليهما المحشي
كمثل قرنٍ ناطحٍ طوري ... سبحان رب قادرٍ علي
... سخره للسائس النوبي
الكلب:
الكلب موصوفة بالسرقة والتشمم ويسمى فلحس، وفلحس اسم طفيلي وو يرجع في قيئه ويشغر ببوله في جوف أنفه، ومن مدائحه حفظه على أهله وحراسته، وفي أرحامها أعجوبة لأنها تلقح من جميع أجناس الكلاب بخلاف الغنم، وتؤدي شبه كل واحد، وإناثها تحيض كل سبعة أيام وعلامة ذلك ورم أطباؤها ولا تقبل السفاد في ذلك الوقت، ويعتريها عند الولادة هزال، وأكثرها ما تضع اثنا عشر جرواً، وربما وضعت واحداً وجراؤها لا تتهارش بل يؤثر بعضها بعضاً بالطعام، وإناثها أطول عمراً، والسلوقية كلما أسن كان أقوى على المعاظلة بخلاف سائر الحيوانات، وكل كلب إذا اسن كان صوته أجهر. ومن أمثالهم: أصبر على الهوان من كلب. وألأم من كلب على جيفة.
والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل
ومنها:
حتى تنام ظالع الكلاب

وأنظر من كلب، وأسمع وأشم منه، وعلى أهلها جنت براقش، وهو اسم كلبة. نعم مكلب في بؤس أهله. أجع كلبك يتبعك. سمن كلبك يأكلك، أجوع من كلب حومل. مطل كنعاس الكلب.
أسماؤه: سحام ومقلى القنيص وسلهب وجدلا والرهان والمتناول. وقال أبو محجن في رجل يسمى وثاباً ويسمى كلبه عمراً:
ولو هيا له الله ... من التوفيق أسبابا
لسمى نفسه عمراً ... وسمى الكلب وثابا

جواز قتله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، وإذا وجدتم الكلب البهيم الأسود فاقتلوه فإنه شيطان. وقال أمير المؤمنين: اقتلوا الجان ذا الطيفتين والأسود البهيم. وفي الخبر: إن دية كلب الصيد أربعون درهماً، ودية كلب الدار زنبيل تراب، حق على القاتل أن يوديه وعلى صاحب الكلب أن يقبله.
تحريم أكله:
أكله محرم وبنو أسد يعيرون بأكله ولذلك قال:
إذا أسدي جاع يوماً ببلدةٍ ... وكان سميناً كلبه فهو آكله
وقال مخاطباً بعضهم:
لو خافك الله عليه حرمه
ما يجوز ارتباطه من الكلاب:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا حرث ولا ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط. وقال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً.
محاربة الكلب والوحشيات:
امرؤ القيس في صفة ثور وكلب:
فأنشب أظافره في النساء ... فقلت هتكت إلا تنتصر
فكر إليه بميراته ... كما خل ظهر اللسان المجر
أبو ذؤيب:
والدهر لا يبقى على حدثانه ... سيب أقرته الكلاب مروع
شعف الكلاب الضاريات فؤاده ... فإذا يرى الصبح المصدق يفزع
ينهشنه ويذودهن ويحتمي ... عبل الشوى ذو طرتين مولع
صيد الكلب:
أبو نواس:
لما تبدى الصبح من حجابه ... كطلعة الأشمط من جلبابه
هجنا بكلبٍ طالما هجنا به ... ينشف المقود من جذابه
ما كان مثنيه لدى أسلابه ... متنا شجاع لج في أنسابه
كأنما الأظفور من قنابه ... موسى صناع رد في نصابه
وقال:
أنعت كلباً أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
فكل خيرٍ عندهم من عنده ... يظل مولاه له كعبده
ذا عزة محجلاً بزنده ... تلذ منه العين حسن قده
... يا لك من كلبٍ نسيج وحده!
الفهد:
كبارها أقبل للآداب من صغارها بخلاف سائر الحيوانات، وهو أنوم خلق فإنه نومة مصمت وجميع الحيوانات تشتهيه، ويستدل بريحه على مكانه، وربما يصطاد بالصوت الحسن يصغي إليه، وإناثها أصيد من ذكورها.
ابن طباطبا في وصفه:
لهوت فيه بصيد راكبةٍ ... نازلة كل وقت إيماء؟
تركية الوجه حين تنعتها ... رومية المقلتين كحلاء
أبرزها الحسن في مشهرةٍ ... قد فوفت مثل وشي صنعاء
يضاحك الصبح من ملمعها ... داجية شيبت بقمراء
يراقب الوحش في مراتعها ... بعين واشٍ ورعي حرباء
الأسد:
المتوكل الليثي:
وردٌ تظل له السباع تطيعه ... طوع العلوج تلين للأسوار
ويقل نسله لأن ولدها يجرح رحمها فتعقم وتقصد إذا قربت مملحة فتضع فيها الحمل خوفاً من النمل، لأن ولدها ككتلة شحم فيقصده النمل، ولذلك قال المتنبي:
يرد ابو الشبل الخميس عن ابنه ... ويسلمه عند الولادة للنمل
واستوصف عبد الملك أبا زيد أن يذكره نثراً فقال: له عينان حمراوتان مثل وهج التنور، كأ، ما نقرا بالمناقير في عرض حجر، لونه ورد وزئيره رعد، هامته عظيمة وجبهته شتيمة، نابه عنيد وشره عتيد، إذا استدبرته قلت أفرع وإذا استقبلته قلت أقرع، إذا مشى تبهنس وإذا أتى الليل أعلنكس تبوأ وتجسس. فقال: حسبك لقد وصفته بصفة خلته يثب علي. قال:
ضرغامةٌ أهرت الشدقين ذو لبدٍ ... كأنه برنساً في الغاب مدرع
الفرزدق:
هزبرٌ هريت الشدق ريبال غابة ... إذا سار عزته يداه وكاهله
شتيم المحيا لا يخاتل قرنه ... ولكنه بالصحصحان ينازله
ابن هرمة:

أسدٌ في الغيل يحمي أشبلاً ... قلما يعتاده فيه القرم
مطرقٌ يكذب عن أقرانه ... ينقض الكلم إذا الكلم التأم
المتوكل الليثي:
فهابوا وقاعي كالذي هب خادراً ... شتيم المحيا خطوه متدان
تشبه عينيه إذا ما فجأته ... سراجين في داجورةٍ يقدان
كأن ذراعيه وبلدة نحره ... خضبن بحناء فهن قوان
أزب هريت الشدق وردٌ كأنما ... يعلى أعالي لونه بدهان
مضاعف طي الساعدين مصنبرٌ ... هموس دجى الظلماء غير جبان

الذئب:
قصد ذئب الفرزدق إليه ربع مسلوخة كانت معه، فلما ارتحل عارضه فقال:
وليلة بتنا بالعرينين ضافنا ... على الزاد ممشوق الذراعين أطلس
تلمسنا حتى أتانا ولم يزل ... لدن فطمته أمه يتلمس
فقاسمته نصفين بيني وبينه ... بقية زادي والركائب نعس
وكان ابن ليلى إذ قرى الذئب زاده ... على طارق الظلماء لا يتعبس
النجاشي:
وماءٍ كلون البول قد عاد آجناً ... قليل به الأصوات جاوزته محل
وجدت عليه الذئب يعوي كأنه ... خليعٌ خلا من كل مال ومن أهل
فقلت له: يا ذئب هل لك في أخٍ ... يواسي بلا أثر عليك ولا نحل؟
فقال: هداك الله للرشد إنما ... دعوت لما لم يأته تبع قبلي
فلست بآتيه ولا أستطيعه ... وهاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
فقلت: عليك الحوض إني تركته ... وفد صدره فضل القلوص من السخل
فطرب فاستعوى ذئاباً كثيرةً ... وعدت كلانا من هواه على شغل
آخر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم
كعب بن زهير وكان قد رامه قومه أن يشتري غنماً:
تقول حياي من عوفٍ ومن جشمٍ: ... يا كعب ويحك لم لا تشتري غنماً؟
من لي بهن إذا ما أزمةٌ جلبت ... ومن أويسٌ إذا ما أنفه رزما
أخشى عليها كسوباً غير مدخر ... عاري الأشاجع لا يشوى إذا ضغما
إن يغد في سرعة لا يثنه بهرٌ ... وإن عدا واحداً لا يتقي الظلما
وقيل: أغدر وأخبث وأكسب من ذئب. وقيل: من استودع الذئب ظلم.
الخنزير:
إنما أظهر الله تحريمه أن كبار القبائل وملوكها تستطيبه وتأكله، ولم يكن كالقرد إذ عافته النفوس. ونظر معاوية في وجه بعض النصارى الشأم فرآه بضاً فقال: الخمر على أهالة الخنزير. وهو ضرار ربما طلب عرقاً مندفناً فيحفر خريب أرض ويفسد فساداً كثيراً وليس في ذوات الأنياب أشد ناباً منه والذكر يقاتل في زمان هيجه، ومتى قلع إحدى عينيه هلك. وأما فرخ الخطاف وفرخ الحية فإن عينها إذا قلعت تعود صحيحة، وخطمه يسمى الخرطوم تشبيهاً.
مما جاء في الطيور جميعها
الطيور ثلاثة أضرب: سباع وبهائم ومشترك بينهما. فالسباع تتغذى باللحم، والبهائم تتغذى بالحب، والمشترك يأكل النوعين، وجميعها تتنوع نوعين: قواطع وأوابد، وكرمها تسمى الجوارح وضعافها البغاث، وصغارها الخشاش. قال:
خشاش الطير أكثرها فراخاً ... وأم الصقر مقلاةً نزور
وفي المثل: هو كالطائر الحذر. وقيل: ريش طائرتنا عشر على عدد البروج وما يطير به سبعة على عدد الكواكب السبعة. وجناح الطائر يداه، والحمام يدفع بهما كما يدفع ذو اليد بيده.
العقاب:
هي من سيد الطيور موصوفة بطول العمر وصدق البصر والسرعة، تتغذى بالعراق وتتعشى باليمن، وريشها فروها في الشتاء وخيشها في الصيف. وقيل لبشار: لو خيرك الله أن تكون حيواناً أيها كنت تختار؟قال: العقاب لأنها تبيت حيث لا يبلغ سبع، وتحيد عنها سباع الطيور، ولا يرسل شيء من الجوارح إلى الصيد إذا كانت معه خوفاً منه، وقال صاحب المنطق: العقاب جافية لأولادها لا تحمل على نفسها في الكسب لها، وأشعارهم تدل على خلافه. قال دريد:
لها ناهضٌ في الركب قد مهدت له ... كما مهدت للبهل حسناء عاقر

وقيل: أحزم من فرخ العقاب لأنها تتحرك على شعف الجبال خشية السقوط، ولو كان مكانه فرخ أهلي لسقط.
امرؤ القيس:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
الهذلي:
ولقد غدوت وصاحبي وحشية ... تحت الرداء بصيرة بالمشرق
حتى انتهيت إلى فراش عزيزةٍ ... سوداء روثة أنفها كالمخصف
يعني بالوحشية الريح، والفراش عزيزة عش العقاب، والمخصف المخرز.

النسر:
طويل العمر وتخاف إناثها الخفاش على فراخها، فتفرش وكرها لئلا يقربه الخفاش، وقيل: يرتفع في الهواء ثمانية عشر ميلاً وينحط على ثمانية فراسخ.
الهذلي:
تمشي النسور إليه وهي لاهيةٌ ... مشي العذارى عليهن الجلابيب
النابغة في وصف جيش:
إذا ما غزى بالجيش حلق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبهم حتى يغرن مغاره ... من الضاريات بالدماء الذوارب
البازي:
كل رعاثٍ صاغه صائغ ... لم يدخر عنه التحاسينا
منسره أكلف فيه شقا ... كأنه عقد ثمانينا
ومقلةٍ أشرة آماقها ... تبرٌ يروق الصيرفيينا
أبو نواس:
قد اغتدى بشفرةٍ معلقة ... مبتكراً بزرق وزرقه
كأن عينيها لحسن الحدقه ... نرجسةٌ نابتةٌ في ورقه
جهم ابن اخت أبي عمرو بن العلاء:
كأن جناح حفيفه إذ ... تدلى من الجو برقٌ بدا
الكركدن:
قد أنكره بعضهم وأجروه مجرى عنقاء مغرب. وقيل: أنه ذكر في الزبور. وصاحب المنطق سماه: الحمار الهندي، أي مكان حل به ذهب منه جميع الحيوانات هيبة له. ويقال: إن قرب نتاجها ربما أخرج الولد رأسه. ويأكل الحشيش ثم يرجع يفعل ذلك اياماً ثم تضع.
عنقاء مغرب:
بالفارسية سيمرك كأنه بنفسه ثلاثون طيراً، ولم يوجد إلا صورته على البسط والجدر، ويقال في مثل: هو عنقاء مغرب لما لا يوجد وما لا يطمع فيه.
أبو تمام:
وذاك له إذا العنقاء صارت ... مرتعة وشب ابن الخصي
وزعم ابن الكلبي أنها كانت على عهد حنظلة بن صفوان نبي الرس، وكانت طويلة العنق فبذلك سميت عنقاء، فاختطفت غلاماً فغربت به فسميت مغرباً، ثم دعا عليها فاحترقت ولا نسل لها.
السمندل:
قيل هو طائر هندي يدخل في أتون النار فلا يحترق له ريش، قال:
وطائرٍ يسبح في حاجم ... كماهرٍ يسبح في غمر
وقد حكي عن المأمون: أن الطحلب الذي على وجه الماء إذا جفف لا تحرقه النار، وكذلك الفلفل البيض.
الظليم:
من أعاجيبه اغتذاؤه الصخر والجمر وإذابة حوصلته ذلك.
أبو النجم:
يلقيه إلى أمعائه ... وفيه من شكل البعير المنسم
والوظيف والعنق والخزامة في أنفه ومن الطائر الريش والجناح والذنب والمنقار والبيض، ولذلك قيل:
كمثل نعامةٍ تدعى بعيراً ... تعاظمها إذا ما قيل طيري
فإن قيل احملي قالت فإني ... من الطير المرتب في الوكور
بشار:
وكنت كالهيق غدا يبتغي ... قرناً فلم يرجع بأذنين
وهو موصوف بصدق التشمم يعرف ريح القانص من أكثر من غلوة. قال:
يستخبر الريح إذا لم يسمع ... بمثل مقراع الصفا الموقع
وأشد ما يكون عدواً إذا استقبل الريح، وفي عنقه يقول ابو قلابة:
كأنها والريح تصري وتذر ... اير حمارٍ فيه سمع وبصر
وقد قلب هذا المعنى جحشوية فقال في صفة الاير:
كأنه والأكف تمرسه ... عنق ظليم بغير منقار
ومتى كسرت إحدى رجليه لا ينتفع بالأخرى.
شاعر:
إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد ... على أختها نهضاً ولا باستها حبوا
وربما تركت بيضها فلم تهتد له فتذهب إلى بيض أخرى فتحصنه.
شاعر:
كتاركةٍ بيضها بالعراء ... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا
الأخفش:
تظل بها ربد النعام كأنها ... إذا ما تزجى بالعشي حواطب
علقمة:
كأنها خاضبٌ زعرٌ قوادمه ... أجنى له باللوى شري وتنوم
ووصف بالجبن فقيل: أجبن من نعامة. وشالت نعامة فلان وخف رياله. وقيل: أحمق من نعامة وفيه:
أسيفٌ من الجسان ضلت اباعره

ذو الرمة:
وبيضٍ كشفنا في الدجى عن متونها
آخر:
هجومٌ عليها نفسه غير أنه ... متى يرم في عينيه بالشخص ينهض
يقلب للأصوات من كل جانبٍ ... صماخاً كبيت العنكبوت المغمض

الكروان:
هذه اللفظة تقال للواحد والجمع. والعامة تقول الكيروان بن الحبارى.
شاعر:
ألم تر أن الزبد بالتمر طيبٌ ... وأن الحبارى خالة الكروان
وقيل في المثل: أطرق كرى أن النعام في القرى أي يا كروان. قيل الكركي تتحارس بالليل فلا تنام حتى يحرسها أحدها، فالحارس يقوم على إحدى رجليه ليسقط أن غلبه النوم فتتناوب على ذلك.
الغراب:
يقال له حاتم لأنه يحتم بالفراق ويتشاءم به في عامة كلامهم، وقد تيمن به بعضهم فقال:
وقالوا غراب قلت غرب من النوى
ويسمى ابن داية لأنه يقع على داية البعير الدبر فينقره. وهو قوي البدن لكنه من لثام الطيور لا يعاف القاذورات ولا يتعاطى الصيد، وهو يسر السفاد، وقيل إنما يسافد بالمنقار. وفرخه أقذر وأنتن من الهدهد. وقد مدح لقوله تعالى " فبعث الله غراباً " . وذم بأنه بعثه نوح من السفينة ليأتيه بخبر الماء فاشتغل بأكل الجيفة. ويوصف بالقزل والخجل.
كعب بن زهير:
وحمش بصير المقلتين كأنه ... إذا ما مشى مستقبل الريح أقزل
ويوصف بحدة البصر وصحة البدن. قال الشاعر في وصف رجل طويل العمر صحيح البدن:
قد أصبحت دار آدم خربت ... وأنت فيها كأنك الوتد
تسأل غربانها إذا حجلت: ... كيف يكون الصداع والرمد؟
ويدعى أعور على سبيل القلب. قال الكميت:
وصحاح العيون يدعين عورا
ويقال في المثل: أزهى من غراب وأسود من حلك الغراب وحنكه. وليس غرابه بمطار للساكن. وجد فلان ثمرة الغراب لأنه لا يقصد إلا الأجود الأطيب. ولا أفعله حتى يشيب الغراب.
ذو الرمة:
ومستشحجاتٍ بالفراق كأنها ... مثاكيل من صيابة النوب نوح
شبه الغربان الشاحجات بنساء من النوب ثاكلات. وقال:
كأن الشاحجات بجانبيها ... نساءٌ جئن من حبشٍ وروم
القطا:
سمي بذلك لحكاية صوته. قال أبو وجره:
وهن ينشبن وهناً كل صادقةٍ ... باتت تباشر عما غير أزواج
حتى سلكن الشوى منهن في مسكٍ ... من نسل جوابة الآفاق مهداج
وإنما قال غير أزواج لأنها لا تبيض إلا أفراداً وهو موصوف بالهداية. يقال: أهدى من قطاة وأصدق من قطاة. قال ابن المعتز في وصفها عند حمل الماء إلى فراخها:
وكأنها عدو قطاةٍ أصبحت ... زرق المياه وهمها في المنزل
ملأت دلاة تستقل بحملها ... تدآم كلكلها كصفر الحنظل
وغدت كجلمود العذاف يقلها ... وافٍ كمثل الطيلسان المخمل
ذو الرمة:
ومستخلفاتٍ من بلاد تنوفةٍ ... لمصفرة الأشداق حمر الحواصل
أي يستقين الماء لفراخ لم ينبت عليهن الزغب.
حميد:
قرينة سبعٍ إن تواترن مرةً ... ضربن فضفت أرؤسٍ وجنوب
الحمام:
قال المثنى: لم أر شيئاً في الرجل والمرأة إلا رايته في الحمامة، رب حمامة لا تريد إلا ذكرها وأخرى لا تمنع يد طالبها، وحمامة لا تزيف إلا بعد شدة وأخرى تزيف حالة يرومها الذكر، وذكر له أنثيان يحضن معهما وآخر يقتصر على واحدة. وكأن غرض الحمام بالجماع طلب الذرية، وهو أكثر الأشياء تغزلاً وتصنعاً من التقبيل والتنشيط وكره كثير من الناس كونها في بيت الفارغات من النساء، خشية أن تدعوهن إلى طلب الرجال. وكل طائر يرجع كالقمري. والفاختة والورشان واليمامة واللعبوب تسمين حماماً. بعضهم يصف لونه:
كأن بنحرها والجيد منها ... إذا ما أمكنت للناظرينا
مخطاً كان من قلم دقيقٍ ... فخط بجيدها والنحر نونا
أعرابي:
مزبرجةٍ الأعناق نمرٌ ظهورها ... مخطمة بالدر خضرٌ روائع
ترى طرراً بين الخوافي كأنها ... حواشي برودٍ أحكمتها الوشائع
ومن قطع الياقوت صيغت عيونها ... خواضب بالحناء منها أصابع
وقال:
مطوقةٌ كسيت زينةً ... بدعوة نوح لها إذ دعا

وذلك قيل أن نوحاً لما بعث الغراب ليأيته بخبر الماء فاشتغل بأكل الجيفة بعث في أثره الحمامة، فدعا له بأن يطوقه بطوق يتوارثه عنه بنوه، فطوقه من دعائه. وقيل: إن غناءه بكاء على هديل مات في زمن نوح عليه السلام ومن مليح ما قيل في ذلك قول ابن المعتز:
وبكيت من حزن كنوح حمامةٍ ... دعت الهديل فظل غير مجيبها
ناحت ونحنا غير أن بكاءنا ... بعيوننا وبكاءها بقلوبها
واستوصف المهدي محمد بن عبد العزيز القاضي حماماً فقال: قد قدقد الحكم وقوم تقويم القلم يمشي على عتمتين ويلتقط بدرتين وينظر من جمرتين، ترويه العبة وتكفيه الحبة. ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يتبع حماماً فقال: شيطان يتبع شيطاناً. وقال أيضاً: كونوا بلهاً كالحمام. وقيل لشيخ: من علمك هذا؟قال: من علم الحمامة تقليب بيضها لتعطي الوجهين نصيبهما من الحضن؟

القمري:
بعض الكتاب في وصفه:
سجعت هاتفة الور ... ق عناها شحط بين
ذات طوقٍ مثل خط النون أقنى الطرفين
وترى ناظرها يلمع في ياقوتتين
تخرج الأنفاس من ثقبين كاللؤلؤتين
كشاجم:
وفجعت بالقمري فجعة ثاكل ... وفقدت منه أمتع السمار
لون الغمامة والغمامة لونه ... ومناسب الأقلام بالمنقار
ومطوق من صنع خلقة ربه ... طوقين خلتهما من النوار
ولطالما استغنيت في غسق الدجى ... بهديره عن مطرب الأوتار
القبج:
أبو علي البصير في وصفه:
ولابسةٍ ثوباً من الخز أدكنا ... ومن أخضر الديباج راناً ومعجرا
مقلدة في النحر سبحة عنبرٍ ... على أنها لم تلتمس أن تعطرا
لها مقلتا جزعٍ يمانٍ تحملت ... جفونهما من موضع الكحل عصفرا
مطرزة الكمين طرزاً تخالها ... بتقويمها من حلكة الليل أسطرا
ابن طباطبا في وصفه في المجلس:
ومسجنٍ يهوى القتال ممنعٍ ... عن قرنه ذي صرخةٍ ودعاء
بادي التململ خلف حائط سجنه ... حب البراز مجيب كل نداء
في مجلسٍ ضنكٍ يود لو أنه ... لاقى مبارزه بجنب فضاء
فقد السلاح فجال أعزل جولة ... ومضى إلى الهيجاء ذا خيلاء
في حلةٍ دكناء قد رفعت له ... من جانبيه بيمنة السيراء
متشمراً متبختراً متكبراً ... متطوقاً بعمامةٍ سوداء
؟
الديك والدجاج:
يوصف الديك بالشجاعة والصبر والقوة على السفاد والسياسة للإناث، ويأخذ الحب فيلقيه إلى الإناث، وبه عنى قولهم أسمح من لاقطة، فإذا هرم لم يفعل ذلك. وقال ثمامة: إن ديكة مرو تطرد الدجاج عن الحب لطبع البلدة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الديكة فإنها تدعو للصلاة. وروي عنه أيضاً أنه قال: إن مما خلق الله تعالى ديكاً عرفه تحت العرش وبراثنه في الأرض السفلى، إذا ذهب ثلثا الليل ضرب بجناحيه وقال سبوح قدوس فعند ذلك تضرب الديكة أجنحتها وتصيح. وقيل: إنما لا يطير لأنه اجتمع مع الغراب عند خمار يشربان، فأخذا منه خمراً فشرباه فذهب الغراب ليحمل الثمن وترك الديك مرتهن، فعلق الرهن فقصه الخمار. ومن العجائب ذو ريش أرضي وذز جلد هوائي يعني: الديك والخفاش.
أعرابي:
دقوع الشوى حمر الصياصي كأنها ... شيوخٌ من الأعراب حمر المعالم
آخر:
مما يؤرقني ليلاً ويسهرني ... من صوت ذي رعثاتٍ ساكن الدار
كأن حماضة في راسه نبتت ... من أول الصيف قد همت بأثمار
ابن المعتز:
بشر بالصبح هاتفٌ هتفاً ... بشر بالليل بعدما انتصفا
مذكراً بالصبوح هاج بها ... كخاطبٍ فوق منبر وقفا
صفق إما ارتياحةً لسنا الفجر وإما على الدجى أسفا
وفي المثل: أغير من الديك وأشجع. وشراب أصفى من عين الديك. وأسشلح من دجاجة ساعة الأمن. وقيل: هو كالفروج إذا كاس في الصغر وحمق في الكبر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " : نعم متاع البيت الدجاج يقرين الضيف ويعن على نوائب بالدهر.
الحباري:

تنحسر دفعة واحدة فيبطئ نبات ريشها فربما تموت كمداً، ولذلك قال الشاعر:
وزيد ميت كمد الحباري
وقيل: مسلاحها سلاحها، وذلك أن لها خزانة بين دبرها وأمعائها إذا دنا الصقر رمته به فليتزق ريشه، فهي في سلاحها كالظربان في فسائه، والعقرب في إبرتها وهي حسناء اللون ترتبط لحسنها، وهي أحسن الطيور طيراناً تصاد بظهر البصرة، فيوجد في حوصلتها الحبة الخضراء غضة لم تتغير وهي علوية أو ثغرية أو جبلية.
ديك الجن:
وسرب جاريات فوق طودٍ ... أشبهها بمشيخة جلوس

الغرنوق:
وهو من طير الماء موصوف بالحذر، ومتى طار ترفع في الهواء خشية السباع، ويقوم على إحدى رجليه حذراً لئلا ينام. وسئل من صاد في يوم مائة غرنوق عن الحيلة لذلك فقال: أخذت قرعة يابسة فجعلت لها عينين وألقيتها في الماء حتى آنست بها الغرانيق، ثم جعلت رأسي فيها وانغمست في الماء وكلما دنوت من واحد قبضت على رأسه وغمسته في الماء، ودققت جناحه وتركته يطفو فوق الماء حتى انتهيت إلى الآخر.
ابو نواس:
سود المآقي صفر الحمالق ... كأنما يصفرن من معالق
... صرصرة الأقلام في المهادق
الكميت:
كأن بنات الماء في حجراته ... نبيطٌ قعود لابسات البرانس
الحرباء:
إذا انتصف النهار علا في رأس شجرة كراهب في صومعة.
ذو الرمة:
إذا جعل الحرباء يبيض لونه ... ويخضر من لفح الهجير غباغبه
ويسبح بالكفين سبحاً كأنه ... أخو فجرةٍ عال به الجذع صالبه
العصفور:
تجعل العرب الخرق والحمر والقنبر من العصافير وهو يساكن الأرض، ومتى فارق الإنسان داره فارقها، وإذا كان زمان البازي اجتمعت في البساتين فإذا انقضى زمانه عادت إلى الدور على امارات معروفة، وهو كثير السفاد كثير الشفقة على الولد، متى خاف عطباً عليه اجتمع جماعة فطرن حواليه واجتهدن في خلاصه، وإذا خرج من وكره لا يستقر؛ةوكذلك البلبل لكن البلبل كذلك ما دام في القفص، ويخرب البيوت والسقوف ويجلب الحيات لولوعها بأكله. وفي المثل: هو في حلم العصفور وبكر بكور العصفور.
المكاء:
شاعر:
إذا غرد المكاء في غير روضةٍ ... فويلٌ لأهل الشاء والحمرات
وإنما قال ذلك لأن المكاء لا يكاد يوجد إلا في الرياض.
امرؤ القيس:
كأن مكاكي الجواء غدية ... صبحن سلافاً من رحيق مفلفل
وقيل: إن حية أكلت بيض مكاء فأخذت حسكة بمنقارها وجعلت تفرفر على راسها حتى فتحت فاها فألقتها فماتت، وفيه قال:
فربما قتل المكاء ثعبانا
الخطاف:
ابو منصور الديلمي:
وطيرٍ يبشرنا بالمصيف ... زيارته أرضنا كل حين
يضم جناحين كالخنجرين ... على ذنبٍ يشبه البارجين
بسجع حكى هذيان الرياض ... من السند يتبعه بالأنين
الكندي:
تقسم زوارٌ من الهند سقفنا ... خفافٌ على قلب النديم شفاق
أعاجم تلتذ الخصام كأنها ... كواعب زنجٍ راعهن طلاق
أنسن بنا أنس الإماء تحننت ... وشيمتها غدرٌ بنا واباق
ابو نواس:
كأن أصواتها في الجو إذ سقطت ... صك الجلاد إذا ما جزت الشعرا
الهدهد:
قال ابن عباس: كان سليمان بن داوزد إذا فقد الماء في برية دله الهدهد، لأنه إذا نقر وجه الأرض عرف ما بينه وبين الماء. قيل: فكيف يجهل الفخ إذا دنا منه؟قال: إذا جاء القدر عمي البصر ولم يغن الحذر. والعرب تقول: قنزعته قبر أمه لأنه جعل قبرها على رأسه برايها، ونتن ريحه من الجيفة المدفونة في رأسه. وقال صاحب المنطق: الهدهد لما اتخذ العش من الزبل ترقى فيه ريشه فلذلك خبث ريحه. وقال بعضهم: الهدهد تكلف. واستدل بقوله تعالى " " وتفقد الطير " .
الرخمة:
وتسمى الأنوق وتنسب إلى الحمق.
شاعر:
وذات اسمين والألوان شتى ... وتحمق وهي كيسة الحويل

وقال محمد بن سهل: ما حمقها وهي تحضن البيض وتحمي فرخها وتحب ولدها، ولا تمكن من نفسها إلا زوجها، وتقطع في أول القواطع وترجع في أول الرواجع، ولا تطير في التحسير ولا تغتر بالشكير، ولا ترب بالوكور ولا تسقط في الحفير؛أي إذا رأت الحفير هربت منه. والصيادون يستدلون به على قطاع الطير. وقيل: أعز من بيض الأنوق.

البوم:
يعادي الغداف ولا يقوى عليه بالنهار، وهو يهجم على الغداف بالليل في أوكاره فيأكل فراخه. وهو موصوف بالشؤم، وقيل لصياد معه بومتان كبيرة وصغيرة: بكم؟قال: الكبيرة بدرهم والصغيرة بدرهمين. قيل له : لم ذلك؟قال: لأن شؤمه في إقبال.
الخفاش:
وهو طائر بلا ريش إنما هو لحم وجلد ولا يطير في ضوء ولا ظلمة لقوة بصره وكثرة شعاع عينه فيلتمس فيما بين الوقتين رزقه وهو يصيد البعوض. وقيل: أن أنثاه تحيض وترضع كالأرنب وما له منقار، وله أسنان حداد ويصبر على الطعام. ونهى عن قتله وقتل الضفدع. وقيل: إن أنثاه تحمل ولدها تحت جناحها ترضعه في طيرانها وتتجنب ورق الدلب حيث كان. وفيه قال ابن المعتز:
أبى علماء الناس أن يعلمونني ... وقد ذهبوا في الشعر في كل مذهب
بجلدة إنسانٍ وصورة طائرٍ ... وأظفار يربوع وأنياب ثعلب
الببغاء:
من غريزتها أن من كلمها نصب لها مرآة وكلمها من خلفها حتى تعتاد الكلام.
مما جاء في الحشرات والهوام
السنور:
يشبه الإنسان في امور شتى: في العطاس والتثاؤب والتمطي وغسل الوجه والعين. وقيل: إن الأصل في خلقه أن أصحاب نوح عليه السلام تأذوا في السفينة بالفأر، فسالوا نوح عليه السلام أن يسأل ربه فخرج السنور من عطسة الأسد فصاده. وتأذوا بالعذرة فخرج من سلحة الفيل الخنزير فأكله، ومتى رأى السنور الفأر زلق وإن كان بمعقل خوفاً منه، وهو يأكل الحشرات كالخنفساء وبنات وردان والحية وكل ذات سم وقد تأكل أولادها، وقيل إن ذلك لبرها بهم. والضب تأكل ولدها لعقوقها فقيل: أبر من هرة وأعق من ضب، وهي كثيرة الأسماء غير الصفات يقال لها: القط والضيون والهر والسنور، وأسماء الأسد أكثر صفات. وروي أن أعرابياً صاد سنوراً فلم يعرفه فتلقاه رجل فقال: ما هذا السنور؟قال: ما هذا الهر؟وآخر قال: ما هذا الضيون؟وآخر قال: ما هذا القط؟فقال الأعرابي: إني أحمله وأبيعه فسيجعل الله لي منه يسراً. فلما حمله إلى السوق قيل: بكم؟قال: بمائة. قيل: إنه يساوي نصف درهم، فرمى به وقال: لعنة الله فما أكثر اسماءه واقل نفعه!وكان النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من دخول دار قوم فيها كلب فقيل لهم: إنك تدخل دار فلان وفيها هر. فقال: الهر ليست نجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات. وقال عليه الصلاة والسلام: عذبت امرأة في هرة سجنتها فلم تطعمها ولم تسقها. وقيل: إنما يستر خرءه لئلا يشم الفأر ريحته فيهرب. ولابن العلاف البغدادي فيه مرثية مختارة أولها:
يا هر فارقتنا ولم تعد ... وكنت منا بمنزل الولد
وقال ابن طباطبا في هرة لم تكن تصيد الفأر:
وسنورةٍ سالمت فأرها ... فبينهما أبداً هدنه
تدور وفي فمها جوزةٌ ... وشيء أصابته من جبنه
لتنصب للفأر فخاً به ... كذا القرن مختتلٌ قرنه
وتبصرها مثل حواءةٍ ... لها رقية عيبٌ ولا هجنه
فمن لم يوافقه شرب الدوا ... ء للحصر يستعمل الدخنه
وقيل: كان لركن الدولة سنور يألف مجلسه، فكان بعض أصحابه أراد حاجة تعذر الوصول إليها فكتب قصته، ووجد السنور خارج الحجرة فشد القصة في عنقه وأرسله، فرآه ركن الدولة فأخذها وقرأها ووقع فيها.
الثعلب:

موصوف بالروغان والخبث والنذالة. قال بعضهم: أروغ من ثعلب. ومن فرط حبثه أنه يجري مع كبار السباع. وفي حديث العامة: أن الثعلب متى كثرت عليه البراغيث يتناول صوفة ثم يدخل رجليه في الماء فلا يزال يغعمس بدنه في الماء أولاً بأول حتى يجتمعن في خطمه فإذا غمس خطمه في الماء اجتمعن في الصوفة ثم يتركها في الماء ويثب خارجاً، ونضيبه أي قضيبه في صورة أنبوبة أحد شطريه أعظم، وهو في صورة مثقب والآخر عصب ولحم. ويولع بأكل القنفذ ويقال أنه يقلبه على ظهره ثم يبول على بطنه فيعتريه الأشر فيتمدد فيبقر بطنه.

الأرنب:
قيل: أنها تحيض والذكر منها الخزز وقضيبه على صورة قضيب الثعلب، وقيل أنها تنام مفتوحة العين وتطأ على مواخير القوائم كيلا تعرف الكلاب أثرها، وهو قصير اليد وليس يعرف بقصر اليد أسرع من الأرنب. والعرب تزعم أن من علق عليه كف أرنب لم تصبه عين ولا سحر، لأن الجن تهرب منه إذ ليست مطاياها لمكان الحيض. وهي أحسن الشياء صيداً لتدبيرها وتدبير الكلب عليها.
الضب:
يوصف بالكيس لأنه لا يبني بيته إلا على رابية خشية السيل.
قال الشاعر:
سقى الله أرضاً يعلم الضب أنها ... بعيدٌ من الآفاق طيبة البقل
بنى بيته منها على رأس كديةٍ ... وكل امرئ في حرفة العيش ذو عقل
وقيل: أنه يعد العقرب للحارش حتى إذا أدخل يده لسعته، وهو مسالم، ويضع من البيض سبعين، ويأكل كل حسلة. وقيل: أعق من الضب، ويضرب الحية بذنبه فيقتلها وله تركان أي اثران. قال:
سحل له تركان كان فضيلة ... على كل حافٍ في البلاد وناعل
وقيل: إنما هو واحد ولكن له طرفان كلسان الحية، وهو طويل الذماء صابر على الماء يتبلغ بالنسيم، طويل العمر.
قال:
لو أنني عمرت سن الحسل
وقيل في المثل: أخدع من ضب، وهو خب ضب. وقيل: بالنمر يخدع الضب. وأما لحمه فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام امتنع من اكله فقال: إنه ليس بطعامي. وأكله خالد بن الوليد فلم ينكر عليه. وقال فقيه لرجل كان يأكله: اعلم أنك أكلت شيخاً من مشيخة بني إسرائيل يعني أنه مسخ. قال:
وسكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم
فقال من عارضه:
فأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضب يعدو بالواد
القرد:
يضحك ويطرب ويحكي ويتناول بيده الطعام ويضعه في فمه، وله أصابع وأظافر وإذا سقط في الماء يغرق كالإنسان قبل أن يتعلم السباحة، ويتزاوج ويتغاير تغايرهم، فقال:
قردٌ يقهقه أو عجوزٌ تلطم
الدب:
أنثاه إذا وضعت ولدها رفعته في الهواء أياماً، تهرب به من الذر من مكان إلى مكان إلى أن تشتد أعضاؤه.
القنفذ:
جعل سلاحه شوكه وهو يأخذ الحيات فيأكلها، يقبع رأسه حتى يأتي عليها، وقال ابن الزبير في رجل خاشنه وهو يخطب ثم سكت: ما له ضبح ضبح الثعلب ثم قبع قبع القنفذ.
الجرذ والفأر:
ولا أتبع الجارات بالليل قابعاً ... قبوع القرنبا خلفته محاجره
قيل: إن الجرذ يعادي العقرب وإذا جعلا في إناء واحد لم يمكنهما الخروج تحاربا تحارباً عجيباً، ومتى ربط فأران بطرفي حبل تهارشا أعجب هراش، وإذا خليا مرة على وجوههما فإذا خصي واحد أكل صواحبه. وللفأر تدبير في السرقة تأتي القارورة الضيقة فتخرج منها الدهن بذنبها. وقيل: أسرق من ذبابة ومن جرذ. قال:
فكن جرذاً فيها تخون وتسرق
وهو قصير الذماء بخلاف الضب، ويقتله الشيء اليسير. وكثير من الناس ممن لا يخاف الأسود يخافه ويهرب منه. وفي الحديث: إن الفأرة تجذب الفتيلة فتجدبها فتحرق على أهل البيت كحل العيون وقص الرقاب والزباب صم. قال:
فهم زبابٌ حائرٌ ... لا تسمع الآذان رعدا
والخلد منها أعمى. واليرابيع ضرب منها تطأ على زمعاتها لتزوي موضع وطئها لئلا تقص. وتتخذ النافقاء والقاصعاء والداماء والراهطاء ليفلت من باب إذا أخذ عليه باب. وقيل إنما استخرج الروم الاحتيال بالمطامير والمخارق على تدبير اليربوع.
الجراد:

تعمد الجرادة إلى الصخرة الملساء التي لا يعمل بها المعول فتغرس ذنبها فيها فتصير كالأخدود لها، فتنتر فيها أي تبيض فيخرج منها الدبى فتصفر، فيقال لها اليرقان ثم تصير فيها خطوط سود وصفر فيقال مسيح، ثم يبدو حجم جناحها كثيفاً ثم ينبت جناحها ويحمر فيقال لها الغوغاء، ثم يقال الخيفان. ويقال للجرادة: أم عوف:
تنفض بردتيها أم عوفٍ ... كأن رجيلتيها منجلان
وبردتاها أي جناحاها.
سعيد بن عبد الرحمن:
من كل كنعان تراه أحدبا ... كأن سرجاً جيداً مضببا
على قراه ثابتاً مركباً ... لم يجعل الله عليه مركبا
أعرابي:
مر الجراد على زرعي فقلت لها: ... إياك أعني فلا تولع بإفساد
فقام منها خطيبٌ فوق سنبلةٍ ... إنا على سفرٍ لا بد من زاد
وقال عوف بن دروة في وصفها:
قد خفت أن يحدر بالمصعرين ... ويترك الدين علينا والدين
زحف من الحيفان بعد الزحفين ... ملعونة تسلح لوناً لونين
كأنها ملتفةٌ في بردين ... تنحى على الشمراخ مثل الفاسين
... أو مثل منشارٍ غليظ الحرفين

العنكبوت:
قال الله تعالى " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " . وذلك أجنس. جنس رديء على وجه الأرض فيجعله خارجاً وأطراف داخلة، فإذا انتهى إليها ما يألكها تناولها. وجنس حاذق يسدي بيته ويلحمه فإذا وقع عليه ذباب تثبت، فإذا وهن نقله إلى خزانته فمص رطوبته ثم رمى ما تشعث منه من بيته. وإنما تنسج الأنثى، وأما الذكر فإنه ينقض. وولدها أكيس من الفروج ساعة يولد. وجنس يصيد الذباب صيد الفهد يقال له الليث له ست عيون. قال الجاحظ: لا ينبغي أن يكون في الدنيا أصيد من فهد الذباب لأنه لا يطير، ويصيد ما يطير ويصيد ما يصيد، لأن الذباب يصيد البعوض. وخديعتك الخداع أعجب وجنس طويل الأرجل إذا مشت على جلد الإنسان بثر.
الورل:
لا يتخذ البيوت ابقاء على برثنه، ويعلم أن سلاحه الذي به يقوى وله ذنب يؤكل ويستطاب، ويأكل الضب ويشدخ رأس الحية ثم يبتلعها لا يضره سمها، وهو كثير التوقف والتلبث إذا مشى، وتزعم المحوس أن اهرمن لما قسم الشرور والسموم كان أخذ من الجرذ شراً فحضر وقد قسم الشر، فتداخلها الحسرة متى اشتدت تتذكر ما فاتها لتباطئها فتقوم وتنحسر.
الخنفساء:
موصوفة بالصبر وربما غرز على ظهرها شوكة فتجول كأنها عقرت، وربما تكون في العلف فيأكلها البعير، فمتى وصلت البعير، فمتى وصلت إلى جوفه حية قتلته وهي موصوفة باللجاج. قال:
أشد لجاجاً من الخنفساء
أم حبين:
دويبة أصغر من الحرباء كدرة المسراة بيضاء البطن. وقيل لأعرابي: ما تأكلون؟قال: ما دب ودرج إلا أم حبين؟فقال: لتهن أم حبين العافية.
الظربان:
على خلقة الكلب الصيني أخبث دابة فساءة لا يقوم لفسوها شيء، وتأتي جحر الضب فتفسو فيه وتضيق عليه حتى تداريه فيأخذه ويأكله، ويسمى مفرق النعم لأنها إذا فست فيها ندت تأذياً بفقسوها. وقيل: فسا بينهم الظربان إذا تفرقوا.
الوجرة:
دويبة كالعظاءة تلزق بالأرض، وقيل: وجر صدره إذا التزق بالعداوة التزاق تلك بالأرض؛وهذا كما يقال للحقود ضب.
العضرفوط:
دويبة لا خير فيها، تذكر العرب أنها لا تبول إلا تشعر بذنبها تلقاء القبلة والحيات تأكله.
الجعل:
يموت من ريح الورد ويعيش بالروث.
المتنبي:
كما تضر رياح الورد بالجعل
وتحرس القوم فكلما قام قائم منهم لحاجته تبعه وهو يدحرج الجعر. قال يهجو:
حتى إذا أضحى تدرى فاكتحل ... بجاريته ثم ولى فنبل
... رزق الأنوقين قريناً والجعل
وله جناحان لا يكادان يريان إلا إذا طار.
النمل:
يدخر في الصيف للشتاء ويخرج بالليل متى خاف بالنهار، وعادته أن ينقر القطمير من الحبة فيفلقها أنصافاً، فإذا كان حب الكزبرة فلقه أرباعاً لأن أنصافه تنبت من بين الحبوب، ولها حس وشم عجيب وينقل أضعاف جسمه مائة مرة، ومتى عجز عن حمل شيء ذهب إلى صواحبه فيتبعنه ويكلم بعضها بعضاً بدلالة قوله تعالى " قالت يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " قال:

لو أنني أوتيت علم الكحل ... علم سليمان كلام النمل
والنمل تأكل الأرضة، ومتى رأى بالجرادة والخنفساء عقراً تعرض لهما فأكلهما، وإذا لم يكن لهما عقر لم يأكلهما. وحكي عن بعض المهندسين: أنه أخرج طوقاً محمى من صفر، فرمى به فاشتمل على ذرة، فلم يمكنها أن تتخلص من جانبه لما لقيها من وهج النار، فعادت إلى وسط الدائرة فوجدها قد ماتت في موضع رجل البركار وربما طار. وقيل: إذا أراد الله بنملة شراً أنبت لها جناحين.
وفيه:
فما ذو جناحٍ له حافرٌ ... وليس يضر ولا ينفع
وعنى بحافره قوائمه وبهما يحفر.

الحية:
موصوفة بالقوة وكل ممسوح لا رجل له ولا يد فقوي البدن، ويقطع ذنبها ولا تموت طويل الذماء، وقيل لا تموت حتف أنفها، وهي أصبر شيء على الجوع مع شرهها وسرعة ابتلاعها فإذا تنسمت اكتفت به، وربما تأتي البقرة فتشتمل على فخذها فتلتقم خلفها فلا تستطيع البقرة أن تترمرم فلا تزال تمصه حتى تمتلئ، فيعرض حينئذ في ضرعها داء أو تموت. وتسلخ كل عام مرتين وربما يبقى في عنقها ما نفض من جلدها:
لها ربقةٌ في عنقها من قميصها ... وسائره عن متنها قد تقددا
وليس لرأسها عظم ولذلك يسرع إليها الهلاك إذا هشم، وفيها ذات شعور وقرون، وثلاثة لا تنفع معها الرقية: الثعبان والهندبة والأفعى، والشجاع ما تقوم على ذنبها وتوائب. وقيل: في رمال بلعم حية تصيد الطائر، فإذا انتصف النهار واشتد الحر انغرست كأنها خشبة، فتجيء الطير تحسبها عوداً فتركبها فتبتلعها. وقيل: كانت الحية في صورة جمل فمسخها الله تعالى عقوبة لها حين طاوعت إبليس وشق لسانها، وإنما تخرج لسانها إذا خافت لترى عقوبة الله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: ما سالمناهن منذ حاربناهن ومن ترك شيئاً منها فليس منا. وقال علي: اقتلوا الجان وذا الطفيتين والكلب الأسود البهيم. وقالت عائشة: من قتل حية فخاف اثرها فعليه لعنة الله.
خلف:
وحنشٍ كأنه رشاء ... ذنبه ورأسه سوا
يهرب من طلعته الرقاء ... لها إذا أبصرتها استحذاء
قد لوحته الشمس والهواء ... فسمته سيان والقضاء
أسدي في وصفه:
ولو عض حرفي صفاة أذاً ... لأنشب أظفاره في الصفا
عنترة:
لعلك تمنى من أراقم أرضنا ... بأرقم يبقى السم من كل منطف
تراه بأجواز الهشيم كأنما ... على برده أخلاق بردٍ مفوف
كأن بضاحي جلده وسراته ... ومجمع ليتيه تهاويل زخرف
إذا نسل الحيات بالصيف لم تزل ... يشاغرنا في جلدةٍ لم تعرف
العقرب:
لا تسبح ولا تتحرك في الماء، جارياً كان أو راكداً، وحتفها في ولدها إذا حان وقت ولادته بقر بطنها فتموت.
وفيه:
وحاملةٍ لا يكمل الدهر حملها ... تموت ويبقى حملها حين تعظب
والقاتلة بموضعين: شهرزور وقرى الأهواز، وهي التي يقال لها الجرارة، والعقارب يلسع بعضها بعضاً فتموت، وربما ضربت الطشت فتخرقه وتبقى إبرتها فيه. وتلسع الأفعى فتقتلها، وقيل إذا لسعت من لسعت أمه عقرب وهي حامل تموت العقرب ولا تضره. وتقصد العقرب بالليل الأصوات ولا تضرب المغشى عليه ولا النائم حتى يتحرك. وشر ما تضر الملدوغ إذا كان خارجاً من الحمام لسخونة بدنه وتفتح مسامه.
البعوض:
وأجناسه البق والجرجس والشذان والفراش والأذى، وللبعوض خرطوم ولكنه يخرجه ويطويه. وقال بعضهم: رايت البعوضة تغمس خرطومها في جلد الجاموس كما يغمس الرجل إصبعه في الثريد وكان يطير عن ظهره فيسقط الغصن فيقيء ما في جوفه ثم يعود. وأنشد في مجلس يونس قول جرير:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
قال: ما أراه يصف إلا البراغيث والبعوض. الهذلي في صوتها:
كأن وغى الخموش بجانبيه ... مآتم يلتدمن على قتيل
الكميت:
به حاضرٌ من غير جنٍ يروعه ... ولا حاضراه ذو اثاثٍ وذو رحل
الراجز:
مثل السفار دائم طنينها ... ركب في خرطومها سكينها
أبو جروة في صفة قارص:
تبيت جارته الأفعى وسامره ... رمد به عاذرٌ منهن كالجرب

يعني بالرمد البعوض والعاذر الأثر. وقال:
وليلةٍ لم أدر ما كراها ... أمارس البعوزض في دجاها
كل زجولٍ خفق حشاها ... لا يطرب السامع من غناها
وقال:
إذا تغنين غناء الزط ... وهن مني بمكان القرط
... فثق بوقعٍ مثل وقع الشرط

البراغيث:
تستحيل بقاً كما أن الدعموص فراشاً قال:
ليل البراغيث عناني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيث
كأنهن وجلدي إذ خلون به ... أيتام سوءٍ أغاروا في مواريث
وقال:
ألا يا عباد اله من لقبيلةٍ ... إذا ظهرت في الأرض شد مغيرها؟
فلا الدين ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذو سلاحٍ من معد يضيرها
أبو الشمقمق:
يا طول يومي وطول ليلته ... فليهن برغوثه بجذلته
قد عقدت بندها على جسدي ... واجتهدت في اقتسام جملته
وقال:
ألا رب برغوثٍ تركت مجدلاً ... بأبيض ماضي الشفرتين صقيل
يعني أظافره. وصف أعرابي البراغيث فقال: ما آذى صغارها وأطفر كبارها وأخفى انطمارها وأقبح آثارها!وحضر أعرابي حلقة يونس فأنشد رجل لأبي الحسين بن أبي البغل:
إذا ما رعاني شارباً لدمي انثنى ... وغنى غناء الشارب المترنم
يدين بأديان المجوس كأنما ... يقول له اصحابه: اشرب وزمزم!
وكتب ابن ثوابة إلى ابن مكرم: نحن نبعض فهل تبعضون؟فكتب إليه: نحن نبعض ونبرغث ونبقق.
القمل:
القمل يعترى من العرق والوسخ من الثوب والشعر. وقيل: يعترى من أكل التين، ويكون في رأس الأسود الرأس اسود، وفي أخضب الشعر بالحمرة أخضب، وفي الأخصف خصيفاً وفي الأبيض أبيض، وقيل هكذا كحرة بني سليم كل ما فيها من حيوان اسود، وبلاد الترك كل ما فيها على ألوان بلادهم. ومن زيبق ذهب قمله ويزيله لبس الحرير. وكان عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن عوام فاستأذنا رسول الله عليه السلام في الحرير فأذن لهما. ويكثر القمل في الدجاج والحمام إذا لم يغسلا. وكذلك في القرد ورتاه أبداً يتقمل ويضع قمله في فيه.
القراد:
يخلق من عر قالبعير ووسخه كالقمل في الإنسان، والقراد إذا كان صغيراً فمقامة ثم بيكون حنانة ثم قراداً ثم حلمة. ويقال له القل والطلح والعقير والبرام والقرشان. وقيل: أسجع من قراد وأرزق منه وأذل وأفطن من حلمة. ويقال: فلان يقرد فلاناً أي يحتال عليه، وأصله أن يؤخذ قراد البعير ليسكن ثم يجعل الخطام في عنقه.
السمك:
الأجناس المائية موصوفة بالخمول وليس فيها خصلة من الفطنة إلا ما يحكى عن صيد الجري للجرذان ودابة تحمل الغريق حتى تؤديه إلى الساحل. والتبوظ: ضرب من السمك ينتهي إلى الشبكة فلا يستطيع النفوذ منها فيعلم أنه لا ينجيه إلا الوثوب، فيجمع جراميزه قيد رمح فيثب ويغوص في الطين أيام الجزر والسمك. وقيل: يكون له اللسان والدماغ في الماء العذب لا الملح.
البحتري في بركة:
يقمن فيها بأوساطٍ مجنحةٍ ... كالطير ينقض من جوٍ خوافيها
السرطان:
له ثمان ارجل ويستعين مع ذلك بأسنانه فكأنه يمشي على عشر وعيناه في ظهره، وينسلخ مكن جلده في السنة سبع مرات، ويتخذ جحراً له بابان: أحدهما يشرع إلى الماء والثاني إلى اليبس، ومتى انسلخ سد الباب الذي في الماء لئلا تدخل عليه الحيات فتأكله، وترك الباب الذي يلي لتصيبه الريح فيعصب لحمه.
السلحفاة:
تكون برية وبحرية وتصيد الحيات وتبيض في الشط وفيها يقول محمد بن عبد الملك:
وسلحفاةٌ سمح ... سكونها والحركة
شبهتها بدليمي ... ساقطٍ في المعركة
مستترٍ بترسه ... عمن عسى أن يهلكه
الضفدع:

يتعيش في الماء ويبيض في الشط ولا عظم له، وقد يتخلق من الأرض إذا أصابها المطر، تراه غب المطر إذا كان ديمة في الضحاضح حيث لا بحر ولا نهر ولا بئر، حتى يزعم ناس أنها كانت في السحاب. وقيل: إن المخ في خراسان يكبس في الأزاج ويحال بينه وبين الريح والهواء والشمس، فمتى انخرق في تلك الخزانة خرق فدخله الريح استحال الريح كله ضفادع، ولا ينق اتلضفدع في الماء إلا إذا أدخل فيه حنكه الأسفل، ومتى أبصر إنسناً أو القمر أو الفجر أمسك عن النقيق. وتولع الحيات بأكله. قال الشاعر:
ضفادع في ظلماء ليلٍ تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
وقيل في الخرافيات: إن الضفدع كان ذا ذنب فسلبه لما راهن على الصبر عن الماء. وفي قرآن مسيلمة لعنه الله: يا ضفدع كم تنقين؟نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين ولا الشراب تمنعين. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله.
الخوارزمي:
أرقني والديك لما ينطق ... صوت غريقٍ نصفه لم يغرق
وجاحظ العين ولما يخنق ... بلحظٍ مخنوقٍ ولفظٍ أشرق
وفيه:
كعقدة الناكح حين ينزل

التمساح:
لا يكون إلا في نيل مصر ويأكل الإنسان. وقيل إن بطنه كقباء مفروج، وكل شيء يأكل بالمضغ دون الابتلاع فإنه يحرك فكه الأسفل إلا التمساح، فإنه يحرك الأعلى.
التنين:
ينكره أكثر الناس إلا بعض الشاميين، يزعم أنه أعصار فيه نار يخرج من بخار الأرض فلا يمر على شيء إلا أحرقه.
مما جاء في أحوال الحيوانات وطبائعها
المتزاوجة من الحيوانات:
ليس التزاوج إلا في ذي رجلين دون ذوات الأربع، وذلك في الإنسان والحمام وزأجناسها، وأما الدجاج والحجل فإنها تمكن كل ذكر من نفسها.
البائضة والوالدة:
كل ما لا أذن ظاهرة لجنسه فإنه يبيض، وما له أذن ظاهرة فإنه يلد ولا يبيض، وما يبيض على ثلاثة أضرب: هوائي ومائي وأرضي، فالطائر منها ما يبيض في السقوف والأجذاع كالخطاطيف، ومنهاما يبيض على شغف الجبال حيث لا يوصل إليه كالرخم، والمائية منها ما يبيض في الأرض ويحضن: كالبق والضفدع والسلحفاة. السراطين تبيض في بيوت لها في شطوط الأنهار لها بابان، وتقدم. والأرضي: كالحية والضب.
ما يكثر نسله وما يقل:
السمك يكثر نسلها ويأكل بعضها بعضاً، وكذلك الضب يخرج سبعين حسلاً ولولا أن بعضها يأكل بعضاً لصارت الصحارى ضباباً. والخنزيرة تضع عشرين خنوصاً لكن يموت أكثرها لعجزها عن تربيتها. ويخرج من جوف العقرب عقارب كثيرة، قال صاحب المنطق: نسل الأسد يقل جداً لأنه يجرح الرحم فتعقم. والجوارح من الطيور يقل فراخها والبغاث يكثر. قال:
بغاث الطير أكثرها فراخاً ... وأم الصقر مقلاةٌ نزور
وأقل الخلق عدداً وذرأ الكركدن. فأما الطيور فما تزق وتحضن كالحمام لم يكن لها أكثر من فرخين ما تلقم فزاد الله في عدد فراخه. والعقارب والضباب والسمك وكل ما لا تحضن ولا تزق ولا تلقم كثير أولادها جداً.
ما يكسب وقت ما يولد:
الفروج والعنكبوت والفأر والجري والنحل.
ما يكون من غير تناسل:
البعوض والبق والبرغوث لا يكون من توالد تخلق من عفن الماء. وقيل: الكمأة قد تتعفن فتتولد منها الأفعى.
ما تناسل من الأجناس المختلفة:
أما البغل فمعروف. والذئب والضبع يتسافدان وولدهما السمع. والكلبة وولدهما الديسم. وقال صاحب المنطق: تتوالد السلوقية من الثعلب، والثعلب يسفد الهرة الوحشية. وحكي عن صاحب الطيور: أنا رأينا كثيراً منها يتسافد. ورؤي أشياء عجيبة من أولادها. وأدعى جهلة أن الزرافة تنتج من بين الإبل الوحشية والبقرة الوحشية، لما رأوا اسمه بالفراسية اشتركا وبلنك أي بعير وبقر ونمر وقالوا في الجاموس: إنه بقر وضأن ولم يقولوا في النعامة، هذا وإن سمي اشترمرك. وادعوا تسافد الجن والإنس واستدلوا على ذلك بقوله تعالى " وشاركهم في الأموال والأولاد " . قالوا: الواقواق من نتاج بعض الحيوانات وبعض النبات.
القوة على الجماع:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11