كتاب : محاضرات الأدباء
المؤلف : الراغب الأصفهاني

الإنسان يغلب جميع الحيوانات في السفاد لأن ذلك دائم منه في جميع الأزمنة وعلى جميع الأحوال. والأبطاء في الفراغ للجمل والورل والذبان والعناكب والضفادع والخنازير. وأما الكلاب والذئاب فتلتحم وكذلك الذبان. وقال النوشجان: أقبلت من خراسان في بعض طرق جبالها فرأيت اثر ست أرجل أكثر من ميلين، فسالت فقيل لي: إن الخنزير في زمن الهياج يركب ذكره الأنثى وهي ترتع وتمر، فها أثرهما. وكثرة عدد الجماع من العصافير وكل جنس يحبل إلا البغل فإنه وإن أحبل لم يتم، وقفط تيس بني حمار مشهور.

المتسافد ذكوره:
الخنازير والحمار والحمام كل ذلك للذكر الذكر وللأنثى الأنثى.
ما يتغاير:
يتغاير الخنزير والجمل والفرس إلا أنها لا تتزاوج. وحمار الوحش يغار ويحمي إناثه الدهر كله. وأجناس الحمام تتزاوج ولا تتغاير. والقرد يتزاوج ويتغاير.
أشراف الحيوانات:
قيل: أشرف السباع ثلاثة: الأسد والببر والنمر، وأشرف البهائم ثلاثة: الكركدن والفيل والجاموس، وأشرف المركوبات الخيل والإبل، وأشرف الطيور: العقاب، وقيل الرياسة في الهواء للعقاب، وفي الماء للتمساح وفي الغياض للأسد. وقيل: الطير هوائي والسمك مائي، يعني أكثر استقرارهما في هذين الموضعين. ومن الحيوان ما لا يصلح أمره إلا بالرئيس كالنحل والغرانيق والكراكي. وأما الإبل والحمير والبقر فالرياسة لفحل الهجمة ولعير العانة ولثور الربرب. وقيل: لكل شيء سادة حتى النمل.
ما يتعادى من الحيوانات:
قيل اشد العداوة عداوة الجوهر وما يتعادى على ضربين: ضرب يعادي جنس جنسه وذلك نوعان أحدهما كل نظير صاحب كالأسد والفيل فإنهما يتقاتلان، وكل قد يقتل الآخر والفرس المائي يقتل التمساح ويتغالبان، والحية وسام أبرص يتقاتلان والسد والنمر والأسد والجاموس. ومنها ما يضر الآخر ولا يقوى الآخر عليه كالسنور والجرذ والذئب والشاة والدجاج مع ابن آوى، والحمام والشاهين والشاة أشد فرقاً من الذئب منها من السد، والدجاج يخاف ابن آوى أكثر مما يخاف الثعلب، والحمام اشد فرقاً من الشاهيم منه للبازي والصقر.
القوي المتفادي من الضعيف:
الجاموس يخشى البعوض خوفاً شديداً ينغمس في الماء. والفيل يهرب من الهرة، وقيل إنما يهرب من السد إذا ظنه سنوراً عظيماً، والحية إذا اصابها خدش تسلط عليها الذر فيهلكها. واللبوة إذا وضعت قصد الذر شبلها فيأكله. ولذلك قال المتنبي:
يذب أبو الشبل الخميس عن ابنه ... ويسلمه عند الولادة للنمل
ما تقوى إناثها :
كل صنف من الحيوان ذكورها أجرأ وأقوى إلا الفهد والذئب واللبوة.
الآكلة للناس من السباع:
الأسد والنمر والببر. وقيل لا يعرض ذلك للناس إلا بعد الهرم والعجز عن الصيد، والذئب اشد الناس مطالبة للناس، فإن عجز عوى مستغيثاً بالذئاب.
الآكل بعضها بعضاً:
السمك يأكل بعضها بعضاً أكلاً ذريعاً، والذئب متى رأى ذئباً أدمى أكله لا محالة قال:
وكنت كذئب السوء لما رأى دماً ... بصاحبه يوماً أحال على الدم
والجرذ إذا خصي أكلها أصحابها.
الصابرة عن الطعام:
الحية وسام أبرص والعضاة والتمساح تسكن في أعشتها الأربعة الأشهر الشديدة البرد فلا تطعم شيئاً. وسائر الحيوانات تسكن بطن الأرض. كذلك كل همج لا تبرز في الشتاء إلا النمل والذر والنحل فإنها تدخر ما يكفيها.
المدخرة:
الإنسان والنملة والذرة والجرذ والفأر والعنكبوت والنحل.
اختلاف الحيوان في الأكل:
الحيوان على ثلاثة أضرب: المشتركة كالإنسان والعصفور والغراب والسمك تأكل الحيوانات والنبات، والأكلة لحم في غالب الأمر كالحمام ثم تختلف فمنها ما يأكل حنساً واحداً كالنحل تأكل العسل، والعنكبوت يعيش من مص الذباب.
اختلاف مشيها:
من الحيوان ما لا يسيح بالمشي فالضبع عرجاء تخمع، والذئب أقزل أشنج النسا كأنه يتوخى إذا مشى، والسد إذا مشى يتخلع كأنه رهيص، والسنور والفهد في طريق الأسد، والغراب يحجل كأنه مقيد، والجراد يمشي ويطير، والعصفور يثب ويجمع رجليه معاً وكذلك القنبر والحمر وما أشبهها، والقطاة مليحة المشي مقاربة الخطو وبه شبه مشي المرأة قال:
فدفعتها فتدافعت ... مشي القطاة إلى الغدير

والذباب يمشي مشياً سبطاً، والبرغوث يمشي ويثب وسمي طامر بن طامر لوثوبه، وكل ذي أربع وذي اثنين إذا تكسر إحدى رجليه تحامل على الأخرى إلا النعامة قال:
وإني وإياه كرجلي نعامة

الطويلة العمر:
مما يوصف بطول العمر الحية، فإنه يقال لا تموت حتف أنفها، ويقطع ثلث جسمها فتعيش إن سلمت من الذر. والدخال يقطع بنصفين فيمران في الطريقين، والضب طويل الذماء مع هشم الرأس والطعن الحائف الذي لا يحتمله غيره. ويقال: الهم واقية كواقية الكلاب، وذلك لسلامتها من الآفات. والكبش تقطع اليتيه فيعيش.
ما يحد بصره:
الفرس والهدهد والعقاب والنسر، وأما السنور والفأر والجرذ والسباع فإنها تبصر بالليل كما تبصر بالنهار، والخفاش يبصر فيما بين الضوء والظلمة لكثرة شعاعها في بصرها، وأما ما يبصر بالليل فالسد والسنور والنمر والأفعى.
ما يصدق سمعه:
قيل: اسمع من قراد، لأنه يسمع تحرك البعير فيقصده وإن كان قد أتى عليه سنون، والفرس والقنفذ والدلدل.
الموصوف باللجاج:
الخنفساء والذباب لا ينطرد وإن طرد، والدودة الحمراء تروم الصعود إلى السقف كلما سقطت عادت.
الحاذق بالبناء:
الزنبور يعمل بيوتاً مدورة كأنها من كاغد مزردة، والسرفة تبني بيوتاً حسنة، وقيل: أصنع من سرفة. وكذلك التبوظ.
الحاذق بالنسج:
العنكبوت ودود القز تخرج القز من جوفها.
ما يحيض:
الكلب والأرنب والضبع والخفاش. وقيل: ذوات الأربع كلها تحيض.
الموصوف بالحمق:
الرخمة والحبارى وأنثى الذئاب وتسمى الجهيرة لأنها تتكفل ولد الضبع وتترك ذا بطنها؟قال:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بني بطنها هذا الضلال عن القصد
والضبعة والنعجة والعنز وكذلك الطاووس والقدرج مع حسنها، والزرافة.
الموصوف بالجبن:
العقعق والغراب والعصفور والصقر والصفرد.
ما يصدق شمه:
الذئب صادق السترواح. ولذلك قيل:
يستخبر الريح إذا لم يسمع ... بمثل مقراع الصفاء الموقع
وجل الوحشيات على ذلك. والنعامة صادقة الشم، وأعجب من ذلك الذرة نحو أن يشم رجل جرداة يابسة فيتهافت عليها، والفرس يتشمم رائحة الحجر من مسيرة ميل ومن ذلك السنور، والكلب ويبلغ من صدق شمه أنه يقصد الحجرة فيشمها فتعرف الكلاب بتشممه وجار الضبع فتقصده.
ما يسلخ:
كل ذي جسد محرز فإنها تسلخ كالحية والسرطان، كل طائر لجناحيه غلاف كالجعل والدبر. والسلخ للطير تحسرها، وللحوافر عقائقها، وللإبل طرح أوبارها، وللجراد جلودها، وللأيائل قرونها، وللأشجار ورقها، وللأسروع أن يصير فراشاً، وللبعوض أن يصير دعموصاً.
ما يتناسل:
قيل: إن البعوض يصير دعموصاً، والبعوض يستحيل برغوثاً، والأسروع فراشاً، والذباب والزنابير أول ما يتولد دوداً ثم يتصور، وقيل: العقاب والحدأة يتبدلان فيصير الذكر أنثى وهذا غريب، وقيل ليس ذلك بأغرب من الشجرة التي تثمر البلوط سنة والعفص سنة. وقيل: الضبع سنة أنثى وسنة ذكر، ولم تذكر العرب ذلك.
ما يكون وحشياً وغيره:
الفيل والسنانير والحمير والظباء، فالظباء تسمى عفراً، والتيوس الوحشية نعاجاً وهي بالمعز أشبه وليس بينها وبين الظباء تسافد، والخنزير وحشي وغير وحشي وهو ذو ظلف، ولا مشابهة بينه وبين ذوات الأظلاف بغير ذلك، وليس في الإبل وحشي إلا وحوش الإبل فيما يزعمون، ومما يكون أهلياً ولا يكون وحشياً الكلب، وأما الضبع والذئب والأسد والنمر والببر فلا تكون إلا وحشية وكذلك الثعلب وابن آوى، وقد يعلم الأسد فينزع نابه ويطول في الناس لبثه ومع ذلك يتشزن ولا تؤمن عرامته. وخبر من ربى الذئب ثم أكل شاته قد ذكر. وحكي أن بعضهم ضرى اسداً فاصطاد به، وذئباً فاصطاد به الظبي، وزنبوراً فاصطاد به الذباب. ومن الوحشيات ما إذا صار مع الناس يترك السفاد، ومنها ما يترك الطعام كالصالحية.
ما يعايش الناس:
الكلب والسنور والفرس والبعير والحمار والبغل والغنم والبقر ونحو ذلك. ومن الطيور: الدجاج والحمام والخطاف والزرزور والخفاش والعصفور، وليس فيها أطول عمراً من البغل ولا أقصر عمراً من العصفور، وعلل ذلك بقلة السفاد وكثرته.
ما يتكفل بولد غيره:
الذئب وقد تقدم، والنعام تحضن بيض غيرها، وحمل على ذلك قول الشاعر:

كتاركةٍ بيضها بالعراء ... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا
والدجاجة تحضن بيض الحمام والعكس. وكاسر العظام يتعهد فرخ العقاب وذلك أنها تفرخ ثلاثاً، فتعجز من شرهها عن تربية ما فوق الاثنين.

الكاسبة بالليل:
البوم والصدى والهامة والصونع والخفاش وغراب الليل، والبومة تدخل على كل طائر في بيته بالليل تأكل فراخه، والبعوض قد يؤذي بالنهار.
ما يحضن البيض وما لا يحضن:
الطيور تحضن والضب لا يحضن بل يغطيها بالتراب وينتظر أيام انصداعها ثم ينبش عنها التراب.
ما يتعين مكانه وما لا يتعين:
الخلد والفأرة والنمل والنحل، والضب لها مساكن معلومة تأويها. وأما أكثر الطيور فلا تتخذ بيتاً ترجع إليه بل ذكورها سيارة، وإناثها يقمن إلى تمام خروج الفراخ من البيض وتذهب. وأكثر الطيور قواطع كالخطاف والزرزور والغراب والحدأة. وأما السمك فكذلك منها ما يجيء من أقصى البحار كأنها تتحمض بحلاوة الماء وعذوبته.
ما ادعى فيه المسخ:
اختلف الناس في المسخ فأكثر الدهرية يجحدون ذلك وأقروا بالخسف والطوفان، وجعلوا الخسف كالزلزلة وقال بعضهم: لا ينكر أن يفسد الهواء في ناحية فتتغير تربتهم، فيعمل ذلك في طباعهم على الأيام كما عمل في الزنج والصقالبة، فتصير القوة من جنس أرضهم ألا ترى أن جراد البقول وديدانها خضر، والقمل في رأس الشباب أسود، وفي المخضوب أحمر، ولم ير أهل الكتاب أقروا بالمسخ غير أنهم أجمعوا على أن الله تعالى جعل امرأة لوط حجراً، وأجاز أكثر المسلمين ذلك فقال بعض: إن الممسوخ لا يتناسل ولا يبقى إلا بقدر ما يصير موعظة وعبرة، وبعض أجاز تناسله حتى جعلوا الضب والكلاب من أولاد تلك الأمم. وقالوا في الوزع: أن أباها لما نفخ في نار إبراهيم وفي نار بيت المقدس أصمه الله تعالى وأبرصه، فكل سام أبرص من ولده حتى صار قتله أجراً عظيماً. وعن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " للوزغ الفويسق " ، والحية كانت صورة إبل فلما أعانت إبليس مسخت. وقالت العرب: إن الله تعالى مسخ ملاكين أحدهما ضبعاً والآخر ذئباً. وقالوا: سهيل كان عشاراً وزهرة امرأة اسمها أباهيد. وقالت الهند في عطارد تشبيهاً بهذا. وقال الجاحظ: قلت لعبيد الكلابي وكان مشغولاً بالإبل أبينكم وبين الإبل قرابة؟فقال: نعم خؤولة. فقلت: مسخك الله بعيراً. فقال: إن الله تعالى لا يمسخ إنساناً على صورة كريم بل لئيم. وقيل: كانت الفأرة يهودية طحانة والأرضة يهودية والضب يهودياً، ولا يضيفون شيئاً من ذلك إلى النصرانية.
ما ادعى تكليفه:
زعم بعض الناس: أن الأشياء كلها مكلفة، وأنها أمم تجري مجرى الناس. وتأول قوله تعالى " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " . وقال تعالى " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال " وقال " يا جبال أوبي معه والطير واتبعوا ظاهر الآيات " . والعقرب والحية والغراب والوزغ والكلب عاصيات معاقبات. وقالوا: لم يكن من خشاش الأرض إلا كان يطفئ النار، عن إبراهيم عليه السلام، إلا الوزغ فإنها كانت تنفخها.
المنسوب إلى مكان من البهائم:
ذئب الخمر وأرنب الخلة وتيس الرمل وضب السحاب وهو نبت يحسن حاله به، وقنفذ برقة وشيطان الخماطة وغول القفر وجان العشرة وكان لهذه الأشياء اختصاص بهذه الأمكنة وقوة ذلك غير ممتنع. وكان يقال: من دخل تبت كان مسروراً من غير سبب ما دام بها، ومن أقام بالموصل حولاً ثم تفقد عقله وجده ناقصاً. وقيل: حمى خيبر وطحال البحرين ودمامل الجزيرة وجرب الزنج.
جملة من اختلاف الخلق:
كل حيوان أصل لسانه إلى داخل إلا الفيل. وكل سمك في العذب بلسان ودماغ. وكل ذي عين من ذوات الأربع فالأشفار لجفنها الأعلى، إلا الإنسان فللأعلى والأسفل، وكل حيوان ذي صدر فصدره ضيق إلا الإنسان والفيل والبقر. وللجواميس أربعة أخلاف في بطونها، وللشاة خلفان، وللناقة أربعة، وللسنور والكلب ثمانية أطباء، والخنزيرة كثيرة الأطباء، وللفهد أربعة، وللظبية اثنان، واللحية تكون للرجل والديك والتيس، والجمل له القنون، والكوسة من السمك في بطنه شحم طيب إن اصطادوه ليلاً وإلا فلا.
أحوال جماعة من الحيوانات:
قيل: الضفدع إذا أبصر النار تحير ولم ينق، والخنفساء والجعل إذا دفنا في الورد ماتا وفي العذرة يحييان.
المتنبي:

كما تضر رياح الورد بالجعل
وإذا دخلت الخنفساء في است الحمار غشي عليه ولا يفيق حتى تخرج. والزنبور إذا غرق في الزيت مات ويحيا بالخل. والذباب إذا غرق في الماء مات، وإذا دفنته بعد في التراب حيي. والأسد إذا رأى قربة منفوخة انهزم، واللبوة تضع ولدها حين تضعه شبلاً ميتاً، فيأتيه أبوه في الثالث فينفخ في منخريه فينبعث. وتضع الذئبة ولدها لحماً لا صورة له ثم تلحسه حتى تستوي صورته. من لدغته العقرب فأدخل في استه قطعة جليد برأ. وقيل بل هذا لمن لدغه الزنبور، والمرأة إذا لدغت فجومعت برئت. زبد الجمل الهائج يذهب العقل. إذا مدت على باب البيت شعرة من ذنب فرس عتيق لم يدخله البعوض ما دامت الشعرة ممدودة. الحمار إذا أكل خرء الثعلب مات، والفأرة إذا أكلت المرد أسنج ماتت. وإذا حفي الكلب فدهن استه ذهب حفاه، والثور إذا دهن استه لم يحف. والقنفذ لا ينام والفهد لا يسهر. والغداف إذا أخرج فرخه هرب منه لأنه يخرج أبيض فيجتمع عليه البعوض لزهومة رائحته فيبتلع منها ما يقيمه. إذا رأت الحية إنساناً عرياناً تهرب منه. النمل لا يتوالد من تزاوج لكنه يلقى في الأرض شيئاً يسيراً فيصير بيضاً ثم يتصور.

مما جاء في الصيد والذبائح
ما يجوز أكله من الصيد وما لا يجوز:
قال الله تعالى " وما علمتم من الجوارح مكلبين " . وقال عدي بن حاتم: سألت رسول الله عليه السلام فقلت: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب. فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك وإن قتل إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون مما أمسك على نفسه. وقال عدي: يا رسول الله أرمي الصيد فلا أجده إلا بعد ثلاثة، قال: إذا رايت سهمك فيه تعلم أنه قتل فكل. وفي حديث آخر: ما تجد أثر سبع. وفي حديث آخر: وما تأخر عنك للغد فلا تأكله فإنك لا تدري أرميتك قتلته. وفي رواية: كل ما أصميت ودع ما أنميت. وقال جابر: نهى عن صيد كلب المجوسي.
جواز أكل ما صيد بالقوس:
قال أبو ثعلبة: قال رسول الله عليه السلام: " كل ما ردت إليك قوسك " ، وفي آخر: ذكياً أو غير ذكي. وروى عدي بن حاتم عنه صلى الله عليه وسلم: ما اصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل. وفي آخر: إن أتيته وقد سبقك بنفسه فكل وإلا فلا تأكل حتى تذكى.
ما ذبح بغير سكين:
قال عدي: قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي فيأخذ الصيد فلا أجد ما أذبحه به إلا المروة والعصا، فقال: أجر الدم بما شئت واذكر اسم الله عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أنهرت الدم فكل، وفي حديث: ما خلا السن والعظم.
النهي عن المثلة بالحيوان والحث على تحسين الذبح:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من يمثل بالحيوان، ونهى أن تصبر البهيمة وأن يؤكل لحمها إذا ضرب. وقال أيضاً: لا تتخذوا الروح غرضاً. وقال: إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.
من تجوز منه الزكاة:
أبو العشر الدارمي عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أما تكون الزكاة إلا في اللبة والحلق؟قال: بلى، لو طعنت في حلقها إلا جزأ عنك. وسئل صلى الله عليه سولم عن ذبيحته النصارى لكنائسهم وأعيادهم فقال: إن لم تأكلوها فإني آكلها فأطعموني. وقال ابن عباس: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبيحة نصارى العرب وذبيحة الغلام. وروى جابر عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذبيحة المرأة والصبي فقال: إذا ذكر اسم الله عليه فلا بأس. وكانت العرب تقول: ما ذكر اسم الله عليه فلا تأكلوه وما ذبحتم لغير الله فكلوه، فأنزل الله تعالى " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق " .
الحد الخامس والعشرون
في فنون مختلفة
كلمات من الحكم في أبواب مختلفة

اجمعوا على أن الظفر مأسور بالصبر، والقدرة مقرونة بالحيلة، والإدراك موصول بالتأني. كتب كسرى إلى قيصر: أخبرني بأربعة أشياء ما أخالها إلا عندك ما عدو الشدة وصديق الظفر، ومدرك الأمل ومحتاج الفقر. وفي كتاب جاودان ثلاثة لا يصدقون: صبر الجاهل على المصيبة وعاقل أبغض من أحسن إليه، وحماة أحبت كنتها. وثلاث لا يستصلح فسادهن: العداوة بين الأقارب وتحاسد الأكفاء والركاكة في الملوك، وثلاث لا يفسد صلاحهن: العبادة في العلماء والقناعة في المستبصرين والسخاء في ذوي الأخطار. وثلاث لا يشبع منهن: العافية والحياة والمال. وقيل: إذا رأيت الفيل يمشي على الشرف فاطلبه في البئر. وقيل ستة لا تخطئهم الكآبة: فقير قريب العهد بالغنى وومكثر يخاف على ماله وطالب مرتبة فوق قدره والحسود والحقود وخليط أهل الأدب وهو غير أديب. وقالت الهند: ثلاثا يسرعن إلى العقل الفساد: طول الكفاية والتعظيم الدائم واهماء النفس. وقيل: أربعة تضيع: سراج في نهار ومطر في سبخة، وطعام عند غير ذي شهرة وزفاف بكر إلى عنين. وقال مسلم بن قتيبة: لا يجب الصبي أن يكون سخياً فإنه لا يعرف فضل السخاء، إنما يعطي ما في يده ضعفاً. وقال الأصمعي: المهلكات أربع: الكبر والحسد والبخل والحرص. وقال معاوية: ثلاث ما اجتمعن في حر: مباهتة الرجال وغيبتهم وملال أهل المودة. وقيل: إنما يحسن الاختيار لغيره من يحسنه لنفسه. وقال صالح بن عبد القدوس: ما شيء إلا وفيه منفعة، فقال بعض من حضره: لو علق رجل بإحدى يديه أي منفعة فيه؟قال: لا يعرق إبطه. النية اساس الأعمال والأعمال ثمار النيات. وقالت الترك: حفظ مرتبة خير من خفض مرتبة. وقال أبو الأسود الدؤلي: إذا كنت في قوم فحدثهم بقدر سنك، وخاطبهم بلفظ محلك، ولا ترتفع عن الواجب فتستقل، ولا تنحط فتحتقر. أربعة لا تنكتم: العقل والحمق والغنى والفقر. قيل: سمي الجار لتجيره والصديق لتصدقه والرفيق لترفق به. قيل: ما استقصى حر قط. قال الله تعالى " عرف بعضه وأعرض عن بعض " . فلم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم حفصة على ما كان منها. قال الأقطع رفيق الصناديقي: وقعت إلى بلدة قاصية من خراسان فسألوني هل تعرف شيئاً من شعر الصاحب؟فأنشدتهم:
بودي لو يهوى العذول ويعشق
فقال فضولي: هذا للبحتري. فقلت: لقد قال ذلك رجل بنيسابور فضرب ثلاثمائة سوط، فسكت. عمي أبو الحسن الصوفي على الرئيس أبو الفضل:
أنا إن لم أك أهوا ... ك فرأسي في حر أمي
توقيع للصاحب:
وإذا أردتم أن تسروا عامراً ... فتعمدوا بصنيعكم أصهارها
قال القاضي أبو الحسن: استعار رجل من الخلاد شعره فقال يا بني: نحن أكلنا شعر الطائي والبحتري ومن يجري مجراهما، وهؤلاء أكلوا شعر النابغة حتى خرؤوا مثل هذا الشعر وأنت إذا أكلت شعري فأي شيء تخرأ؟قال حكيم: الحياء يمنع من عمل السيئات، والحمية تمنع من عمل الحسنات. قال أبو عبد الرحمن خالد بن الأصم لأبي العتاهية: أي خلق الله أصغر؟قال: الدنيا لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة. قال: بلى أصغر منها من عظمها. ثلاث يخبلن العقل: الخصومة الدائمة والدين الفادح والمرأة السليطة. وقال أبو يوسف: تعلموا كل علم إلا النجوم فإنها تكثر الشؤم، والكيمياء فإنه يورثث الإفلاس والجدال في الدين فإنه يورث الزندقة. من هانت عليه نفسه فلا تأمنن شره. قال حكيم: من الذي بلغ جسماً فلم يبطر، واتبع الهوى فلم يعطب، وجاور النساء فلم يفتتن بهن، وطلب إلى اللئام فلم يهن، وواصل الأشرار فلم يندم، وصحب السلطان فدامت سلامته. قيل: جماع خير الدنيا والآخرة في ثلاث: أجر وشكر وذكر، فالأجر ثواب الله الذي لا يكون أجمع منه نفعاً وأدوم ولا أكرم منزلة، والذكر فوق منزلة الشكر ودون منزلة الأجر، لأن الأجر أشد اشتمالاً على جميع الخلق.

حكاية:

يقال أن المنصور أشخص رجلاً من الكوفة سعي به أن عنده أمولاً لبني أمية، فلما مثل بين يدي المنصور قال: ايها الرجل أخرج إلينا من ودائع بني أمية التي عندك. فقال: أوارثهم أنت يا أمير المؤمنين أم وصيهم؟قال: لا قال: فلم أدفع أموالهم إليك؟قال: إن بني أمية خانوا المسلمين وأنا القائم بأمرهم. قال: عليك بينة أن هذا المال من تلك الخيانات فقد كان للقوم أموال من وجوه شتى، فإن ثبت علي حكم خرجت منه فأطرق ساعة ثم قال: يا ربيع خل الرجل. فقال الرجل: ما عندي مال ولكن رأيت الاحتجاج أقرب إلى الخلاص، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحضر خصمي فلعله يفلجني بالحجة فإن في مالي سعة. فبعث المنصور إلى الساعي فأحضره فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا الساعي عبد لي أبق وقد سرق لي مالاً، فهدده فاعترف.

العجب:
العجب ما عدم فيه العادة ولذلك قيل: الدهر ابو العجب لإتيانه بما لم تجر عادة مشاهدته. وقيل للنظام: أي شيء أعجب؟قال: الروح. وقيل لأبي عصل فقال: السم. وقيل لسلم الخلال فقال: النار وقيل لأبي الشمر فقال: الذكر والنسيان. وقيل لبطليموس فقال: تدبير الفلك.
ابن الرومي:
وعجيب الزمان غير عجيب
الطائي:
ألا إنها الأيام قد صرن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب
وذكر أن أفلاطون سأل جماعته عن العجب فقال: كل ما حضره حتى انتهى إلى بقراط فقال: العجب ما يعرف سببه.
الخبزارزي:
عجبت وأعجب مني امرؤٌ ... رأى ما رأيت ولم يعجب
وقال بعضهم: لو سرقت الكعبة ما بقيت الأعجوبة أكثر من أسبوع.
ذكر خصال معدودة
خصلة محمودة:
قال أنوشوران وعنده جماعة: ليتكلم كل واحد بكلمة نافعة. فقال الموبذ: الصمت المصيب أبلغ حكمة. وقال مهنود: تحصن الأسرار أنفع رأي. وقال مهادر: لا شيء أنفع للرجل من المعرفة بقدر ما عنده من الفضل وحسن الاجتهاد في طلب ما هو مستحق له. وقال موسى: الاحتراز من كل أحد أحرز رأي. وقال بزر جمهر: لا يروح المرء على نفسه بمثل الرضا بالقضاء. فقال أنوشروان: كلٌ قد قال فأحسن ولا خلاص إلا التثبت للاختيار والاعتقاد للخيرة.
خصلتان:
قال عليه السلام: منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا. وقال بعضهم: شيئان لا يستطيع الرجل فراقهما: ظله وعقله. اثنان يهون عليهما كل شيء: العالم الذي يعلم العواقب والجاهل الذي لا يدري ما هو فيه. شيئان ينبغي للعاقل أن يحذرهما: الزمان والأشرار. شيئان يديران الناس: القضاء والرجاء. فساد جل الأمور من خصلتين: إذاعة الأسرار وائتمان أهل الغدر. خلتان في الجاهل: سرعة الإجابة وكثرة الالتفات. اثنان يستحقان البعد: من لا يؤمن بالمعاد ومن لا يستطيع غض بصره وكف جوارحه من المحارم.
ثلاث خصال:
ثلاثة تضر بأربابها الإفراط في الأكل اتكالاً على الصحة، والتفريط في العمل اتكالاً على القدر، وتكلف ما لا يطاق اتكالاً على القوة. ثلاثة من لم تكن فيه لم يجد طعم الإيمان: حلم يرد به جهل الجاهل، وورع يحجزه عن المحارم، وخلق يداري به الناس. ثلاثة من كن فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الظلم، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له. ثلاثة هن للكافر مثلهن للمسلم: من استشارك فانصحه، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه، ومن كان بينك وبينه رحم فصلها. وقال إبليس: إذا ظفرت من ابن آدم بثلاثة لم أطالبه بغيرها: إذا عجب بنفسه، واستكثر عمله، وتمنى علي بلية. ثلاثة لا يمن بها أحد فيسلم: صحبة السلطان وافشاء السر إلى النساء وشرب السم للتجربة. ثلاثة تزيد في الأنس بين الإخوان: الزيارة في الرجال والحديث على المائدة ومعرفة الأهل والحشم.
أربعة خصال:

قال عليه السلام: أربع من الشقاء: جمود العين وقساوة القلب والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا. وقال أمير المؤمنين: من استطاع أن يمنع نفسه أربعة خصال فهو خليق بأن لا ينزل به من المكروه ما ينزل بغيره: اللجاجة والعجلة والعجب والتواني، فثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجلة الندامة وثمرة العجب البغضة وثمرة التواني الذلة. كليلة: أربع خصال من حسن النظر: الرضا بالزوجة الصالحة وغض البصر والإقدام على الأمر بالمشاورة وكظم الغيظ. أربع خصال إذا أفرط فيهن المرء استهوته: النساء والصيد والقمار والخمر. أربع خصال يمتن القلب: الذنب على الذنب وملاحاة الأحمق وكثرة مصاقبة النساء والجلوس مع الموتى. قيل: ومن الموتى؟قال: كل عبد مترف وكل من لا يعلم فهو ميت. أربعة تجرئ على الذنوب: الحرص والتواني والرغبة في الدنيا والاستخفاف بالذنوب. أربع القليل منها كثير: الوجع والنار والدين والعداوة. أربعة يختبرون عند اللقاء: الشجاع والأمين بالأخذ والإعطاء والأهل والولد عند الفاقة والإخوان عند النوائب.

خمس خصال:
أمير المؤمنين: خمس خصال يذهبن ضياعاً: سراج في الشمس ومطر في السبخة وامرأة حسناء زفت إلى عنين وطعام اجتهد صاحبه فيه فقدم إلى شبعان أو إلى سكران، ومعروف صنعته إلى من لا يشكرك عليه. قال أزدشير: أوصيكم بخمسة فيهن راحة أبدانكم ودوام سروركم وصلاح أموركم: الرضا بالقسم، والقمع لفاحش الحرص، والتنزه من الحسد، والتعزي عند مضنون به أدبر ومرجو فات وترك السعي فيما لا يوافق نجحه وتمامه، فإن من لم يرض بما قسم له طالت معتبته ومن فحش حرصه ذلت نفسه ومن أتى إلى المنافسة والحسد لمن فوقه لم يزل مغموماً ومن أطال أساء على ما أدبر عنه لم يزل مهموماً فيما لا منفعة فيه، ومن شغل نفسه بتمني الأشياء لم يخل قلبه من الأحزان وحمل على نفسه عبأ ثقيلاً ليس للراحة فيه غاية، ومن سعى فيما لا تمام له كانت عاقبته الحسرة والندامة. قال ابن المقفع: المشتطون في خمسة متندمون: المفرط إذا فاته العمل، والمنقطع عن إخوانه إذا نابته النوائب، والمستمكن من عدوه ثم يفوته لسوء تدبيره، والمفارق للزوجة الصالحة إذا ابتلي بالطالحة، والجريء على الذنوب إذا حضره الموت. خمسة أقبح شيء فيمن كن فيه: الفسق في الشيخ، والحدة في السلطان، والكسب في ذي الحسب، والبخل في ذي الغنى، والحرص في العالم. خمسة المال أحب إليهم من أنفسهم: المقاتل بالأجرة وحفار القنى والآبار والتاجر في البحر والرقاء يتعرض للسع الحية للطمع والمخاطر على شرب السم.
ست خصال:
قال معاوية: ستة أشياء تعرف في الجاهل: الغضب من غير شيء، والكلام من غير نفع، والعطية في غير موضعها، وافشاء السر، والثقة بكل أحد، وقلة معرفة الصديق من العدو. ستة من مات منها فهو قاتل لنفسه: من أكل طعاماً قد أكله مراراً فلم يوافقه، ومن أكل فوق ما تطيقه معدته، ومن أكل قبل أن يستمرئ ما قد أكل، ومن رأى بعض أخلاط جسده قد هم بهيجان ورأى دلائل ذلك فلم يستدركها بالأدوية المسكنة، ومن أطال حبس الحاجة إذا هاجت به، ومن أقام بالمكان الموحش وحده. ستة أشياء لا ثبات لها: ظل الغمامة، وخلة الأشرار، وعشق النساء والثناء الكاذب، والمال الكثير، والسلطان الجائر. لا يوجد العجول محموداً ولا الغضوب مسروراً ولا الحر حريصاً ولا الكريم حسوداً ولا ذو الشره غنياً ولا الملول ذا اخوان. لا خير في القول إلا مع الفعل ولا في المنظر إلا مع المخبر ولا في المال إلا مع الجود ولا في الصدق إلا مع الوفاء ولا في العفة إلا مع الورع ولا في الحياة إلا مع الصحة والأمن والسرور. لا فقر كالحرص ولا بلاء كالشره ولا غنى كالقناعة ولا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق. ابن المقفع: العجب آفة العمل واللجاجة قعود الهوى والحمية سيف الجهل والبخل لقاح الحرص والمراء لقاح الشنان والمنافسة أخو العداوة.
سبع خصال:

المرأة بزوجها والولد بوالده والمتأدب بمؤدبه والجند بقائده والناسك بالدين والعامة بالملوك والملوك بالتقوى والعقل بالتثبت. سبعة يهزأ منهم: مدعي الشجاعة وشدة النكاية في الأعداء وبدنه سليم لا أثر فيه، ومنتحل الزهد والاجتهاد وهو غليظ الرقبة، والمرأة الخلية تعيب ذات زوج، والعالم يناظر الجاهل ويماريه، والمفضي بسره من لا يجرب، والمودع ماله من لم يختبره، والمحكم بينه وبين خصمه من لا يعرفه. سبعة يكثرون السخط: الملك المترف، والشيخ القلق والسفيه والأديب العديم الحلم والباذل نصيحته للأخرق والمكلف العمل بغير رفق.

ثمان خصال:
ثمانية إن اهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الجالس على مائدة لم يدع لها، والمتآمر على رب البيت، وطالب النصر من أعدائه، وطالب الفضل من اللئام، والداخل بين اثنين من غير أن يدخلاه، والمستخف بالسلطان، والجالس مجلساً ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لم يسمع منه. الأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين، والتوفيق خير قائد، والاجتهاد أربح بضاعة، ومال أعود من العقل. ولا مصيبة أعظم من الجهل ، ولا ظهير أوثق من المشورة، ولا وحدة أوحش من العجب.
تسع خصال:
تسعة لا ينامون: مدنف لا طبيب له، والكثير المال يخاف على ماله، والهام بدم يسفكه، ومتمني الشر للناس العامل في غشهم، والمحارب يخاف البيات، والغارم لا مال عنده، والعاشق لا ينال بغيته، والمطلع على السوء من أهله، والمغصوب ماله.
عشر خصال:
عشرة يمتحنون عند أعمالهم: المقاتل عند الحرب، والقنع عند الحاجة، وذو التؤدة عند الغضب، والتاجر عند المبايعة، والصديق عند الشدائد، والعالم عند العلم، والناسك عند الصبر على العبادة، والجواد عند العطاء، والأمين عند الوديعة. عشرة تقبح في عشرة أصناف: ضيق الذرع في الملوك، والغدر في الأشراف، والكذب في القضاة، والخديعة في العلماء، والغضب في الأبرار، والحرص في الأغنياء، والسفه في الشيوخ، والمرض في الأطباء، والتهزؤ في الفقراء، والفخر في القراء.
حكايات دالة على رقاعة قائلها:
زعموا أن الصخور كانت لينة وإن كل شيء يعرف وينطق، وأن الأشجار والنخيل لم يكن عليها شوك. قال:
قد كان ذا كم زمن القحطل ... والصخر مبتل كطين الوحل
وقيل: إن الشوك اعتراها في صبيحة اليوم الذي أظهرت فيه العتاة. رأى أحمق ثوراً فقال: ما أحسنه من بغل لولا أن حافره مشقوق. قال حكيم لعليل: كل الثلج. فقال: وأرمي بثفله؟حكى ابن مرداس عن بعض الثناة: أن مطراً جرف سنبله وبرقت برقة، فقال: ما أحسن ما عملت، أسرجت له حتى لا تفوته حبة. وكان كوشيد دخل بيته فنطح باب داره فغضب وحلف لا يدعه في داره، واتخذ باباً آخر إلى شارع آخر فاجتمع أهل المحلة يسألونه أن يرضى عن بابه وتشفعوا عنده فرضى. وسألوه أن يعمل لهم دعوة لصلح الباب ففعل ودعاهم. ودخل بعض الكبار الحمام فسرق ثوبه فقال له الحمامي: لعلك جئت بلا ثوب!وكان بأصبهان رجل يعرف بممية بن بطة حمل لبد إلى السوق ليبيعه فسيم بثمن بخس فقال: إذا كان كذلك أنا أحق به، ودفع ثمنه إلى الدلال وحمله إلى الدار. نظر حمصي إلى منارة فقال لصاحبه: ما أطول قامة الذين بنوا هذه؟فقال: يا أحمق إنما بنوها على الأرض ثم أقاموها.
أتى نصراني عبد الله بن الهيثم فقال: أريد أن أسلم على يديك فقال: يا ابن الزانية تريد أن توقع بيني وبين عيسى ابن مريم!نظر رجل في جب فرأى شخصه فدعا أمه وقال: إن في البئر لصاً. فنظرت فرأت شخصها فقالت: ومعه قحبة. ماتت امرأة حائك بشيراز فخرق سراويله فقيل له في ذلك فقال: المصيبة ما نالت إلا هذه الناحية. وقيل لمزبد: موسى لطم عين ملك الموت فاعور فقال: دعوه فإن طريق الأصلع على أصحاب القلانس. قيل لأبي العباس بن الأصبهيد: لم لا تصلي؟فقال: السورة القصيرة أستحي أن اقرأها والطويلة لا أحفظها. قال بعضهم: رأيت شيخاً بحمص الإمام يخطب وهو يشكر الله تعالى فسألته عن حاله فقال: صعد المنبر هذا تسعة كلهم زمر وابابرى أليس ذا نعمة. لما مات العطوي ازدحم الناس إلى جنازته، وكان له ابن معتوه فتنحى جانباً وقال: كلوه بسم الله بخل وخردل.
حكايات عن البهائم:

روي أن أرنباً وثعلباً تحاكما إلى الضب فقالا: جئناك لتحكم بيننا يا ابا الحسل. قال: في بيته يؤتى الحكم. فقال الأرنب: إني جنيت ثمرة. فقال: حلواً جنيت. فقال: إن هذا أخذها مني. فقال: لنفسه بغى الخير. فقال: وإني لطمته. فقال: البادئ أظلم. فقال: فلطمني. قال: كريم انتصر. فقال: احكم بيننا. فقال: حدث حديثين امرأة فإن لم تفهم فاربعاً، يعني: وفي طريقته في الحكم. وحكي أن عدي بن أرطأة بن إياس بن معاوية، قاضي البصرة، جلس في مجلس حكمه وعدي أمير وكان أعربي الطبع فقال له: يا هناة أين أنت؟قال: بينك وبين الحائط. قال: فاسمع مني. قال: للاستماع جلست. قال: إني تزوجت امرأة. قال: بالرفاء والبنين. فقال: وشرطت لأهلها أن لا أخرجها من بينهم. فقال: الشرط أملك أوف لهم به. وقال: أنا أريد الخروج. قال: في حفظ الله. قال: فاقض بيننا. قال: قد فعلت. وقيل: إن الثعلب نظر إلى عنقود فلم ينله فقال: إنه حامض.
أيها العائب سلمى ... أنمت منها كثعاله
رام عنقوداً فلما ... أبصر العنقود طاله
قال: هذا حامض ... لما رأى أن لا يناله
روي أن ضبعاً صادت ثعلباً فقال لها: مني علي أم عامر. قالت اختر خصلتين: إما أن آكلك أو أخصيك؟فقال لها: تذكرين يوم نكحتك؟قالت: لا. فانفتح فوها فأفلت الثعلب. فضربت العرب المثل، قالت: عرض علي خصلتي الضبع. وزعموا أن الفيل والحمار تجمعا في مرعى فطرد الفيل الحمار فقال: لم تطردني وبيننا رحم؟قال: وما هي؟قال: إن في غرمولي شبهاً من خرطومك، فقبل منه. بلع ذئب عظماً وبذل لكركي أجرة على أن يخرج العظم من حلقه، فأدخل الكركي رأسه فأخرج العظم، ثم قال للذئب: هات الأجرة. فقال: أنت لم ترض إن أدخلت رأسك في فم الذئب ثم أخرجته سالماً حتى تطلب الأجرة أيضاً. وقيل للحمار: لم لا تجتر؟قال: أكره مضغ الباطل، وهذا كمثل الأعرابي لما ارمى إليه علك فقال: تعب الحنجرة وخيبة المعدة.
لقي كلب أصبهاني كلباً رازياً بالري فقال له: ما أطيب اصبهان إني أرى الخبازين يرمون بالرغفان على قارعة الطريق. فقال الكلب الرازي: لا أعمل خيراً من الخروج إلى أصبهان، فلما خرج أول ما لقي دكان خباز من الطريق الذي يشرع إلى دولكاباذ فجاز بها، وأخذ الخباز يطرح الخبز على لوحه، والكلب أخذ يأكل، فنظره الخباز فأحمى السفود ومده إلى خرطومه وتناول سبخة يرميه بها فقال الكلب: على هذا السعر تصاحب ثعلبان، فلقيا اسد فقال أحدهما للآخر: ما الحيلة؟فقال: علي الحيلة فقال الأسد: ما الخبر؟فقالا: إنا ورثنا أغناماً من أبينا ونريد أن نقسمها بيننا. قال: اين هي؟قالا: قريب، فتبعهما حتى أتيا إلى مجرى ماء يخرج بستان فقال أحدهما للآخر: ادخل فأخرج الأغنام، فدخل وأبطأ، فقال أخوه: انظر إلى بطئه حتى أدخل أخرجه من الغنم فدخل، وجلس الأسد ينتظر فصعدا إلى السطح، فقالا: اذهب فقد اصطلحنا، فغضب الأسد وزأر فقالا: لا تكن بارداً فما رأينا من يغضب من صلح الخصمين غيرك. اشتكى الأسد فعاده السباع كلها إلا الثعلب. فقال الذئب: انظر إلى الثعلب كيف استخف بك فلم يأتك، وتطاير الخبر إلى الثعلب فأتاه. فقال له الأسد: يا ابن الفاعلة تأخرت عن الخدمة!فقال: إني مذ بلغني مرضك كنت في طلب دواء لك حتى وجدته. قال: وما هو؟قال: لا يصلح إلا مرارة الذئب. فقال: وأنى لي بذلك؟قال: أنا آتيك به فإذا أتاك فاقتله وتناول مرارته، فأتاه فقفز إليه الأسد فأفلت وعدا بدمه، فتبعه الثعلب فقال: يا صاحب السراويل الأحمر إذا جلست عند الملوك فاعقل كيف تتكلم.

وقيل للثعلب: أتحمل كتاباً إلى الكلب وتأخذ مائة دينار؟قال: أما الكراء فواف، ولكن الخطر عظيم. ووقع ثعبان في شرك صياد، فقال أحدهما للآخر: أين نلتقي يا أخي؟قال: في الفرايين بعد ثلاث. ودخل كلب مسجداً فبال في المحراب وكان هناك قرد فقال له: أما تستحي تبول في المحراب؟قال: ما أحسن ما صورك حتى تتعصب له. وزعموا أن أسداً وذئباً وثعلباً اشتركوا فيما يصيدون فاصطادوا حماراً وظبياً وأرنباً، فقال الأسد للذئب: اقسم بيننا وأعدل. فقال: أما الحمار فلك وأما الظبي فلي وأما الأرنب فللثعلب. فغضب الأسد وضربه ضربة أندر راسه، فوضعه بين يديه ثم قال للثعلب: اقسم بيننا وأعدل. فلما رأى الثعلب ما صنع بالذئب خشي أن يصيبه مثله فقال: أما الحمار فلك تتغذى به، وأما الأرنب فخلالاً تتخلل به فيما بينك وبين الليل، وأما الظبي فلك تتعشى به . فقال الأسد: ويحك يا ثعلب!ما ينبغي لك إلا أن تكون قاضياً من علمك هذا القضاء؟قال: الرأس الذي بين يديك.
نظر سقراط إلى شوك في الماء وعليه حية فقال: ما اشبه الملاح بالسفينة. وزعموا أن البازي قال للديك: ما أرى في الأرض أقل وفاء منك!قال: وكيف؟قال: أخذك أهلك بيضة فحضنوك ثم خرجت على أيديهم وأطعموك في أكفهم ونشأت بينهم، حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ههنا وههنا وصحت وصوت، وأخذت أنا من الجبال فعلموني وألفوني ثم يخلى منك عني فآخذ صيدي في الهواء فأجيء به إلى صاحبي. فقال له الديك: إنك لو رايت من البزاة في سفافيدهم مثل الذي رايت أنا من الديوك كنت أنفر مني. وفي أمثال الهند: أن ثعلباً قبض على أرنب فقال له الأرنب: والله ما هذا لقوتك ولكن لضعفي. وقف جدي على سطح فمر به ذئب فأخذ الجدي يشتمه، فقال: لست تشتمني إنما يشتمني المكان الذي تحصنت به.
كانت أفعى نائمة فوق حزمة شوك فحملها السيل، فقال ذئب: لا تصلح هذه السفينة إلا لهذا الملاح. أراد ثعلب أن يصعد إلى حائط فتعلق بعوسجة فعقرت يده فأخذ يلومها فقالت: يا هذا قد أخطأت حين تعلقت بي، ومن عادتي أن أتعلق بكل شيء. وقف كلب على قصاب فأخذ يكثر النبح، فقال له: إن ذهبت وإلا ضربت رأسك بهذه القطعة اللحم وتشاغل منه، فوقف الكلب ينتظر ثم قال: تضرب رأسي بشيء ولا أمر.
دخلت فأرة الحمام فلما خرجت رأت سنوراً فقال لها: طاب حمامك!فقالت: لو لم أرك يا ابن البظراء.
وقيل: إن جملاً وحماراً توحشا فوجدا مرعى خالياً يرتعان فيه، فقا ل الحمار يوماً وقد بطر: إني اريد أن أغني. فقال الجمل: اتق الله فينا فإني أخشى أن ينذر بنا فنؤخذ. قال: لا بد، ثم نهق فسمعته قافلة مارة فأخواهما، فأبى الحمار أن يمشي فحمل على الجمل فمروا به في عقبه فقال الجمل: إني طربت لغناك المتقدم وأريد أن أرقص رقصة. فقال الحمار: اتق الله إني أسقط فلا تفعل، فرقص فأسقط الحمار فوقصه. قال وهب: قال النمر: اللهم إن جلدي الذي خلق على أثر من تزين به يقدر أن يترك عليه. بعث ابن هبيرة إلى المنصور في الحرب بارزني فامتنع. فقال: لأسبقن امتناعك ولأعيرنك به. فقال: مثلنا في ذلك مثل خنزير قال للأسد: لست بكفؤى ومتى قتلتك لم يكن لي عز بقتل خنزير. فقال الخنزير: لأخبرن السباع بنكولك. فقال: احتمال تعيرك أهون من التلطخ بدمك!

أمثال من أبواب مختلفة:
ما قرع عصا عصا إلا سر قوماً وساء آخرين. نعم كلب في بؤس أهله.
مصائب قومٍ عند قوم فوائد
قوس ولا وتر، وسهم ولا قد، وعين ولا نظر نحل ولا عسل. هواينة الجبل متى تقل تقل الضبع تأكل ولا تدري ما قدر استها، ما شم حمارك أي ما غيرك.
من أمثال العوام:
عصفور مهزول على خوانك خير من كركي على خوان غيرك. الحب لغيري ونقل الحشيش علي. لا تسب أمي اللئيمة فاسب أمك الكريمة. إن لم يجيء معك فاذهب معه. تمرة وزنبور، كل ما يكر شر، لا تأكل خبزك على خوان غيرك، أنا أجره إلى المحراب وهو يجرني إلى الخراب، باع كرمه واشترى معصرة، أعتق من الحمأة، أقدم من الحنطة، أحمق من الجمل الذي يضرب استه ويصيح راسه ، إذا لم تجده لم تجلده، طريق الأقرع على أصحاب القلانس. حيث تقطع يخرج الدم، ذهب الحمار يطلب قرنين فرجع بلا أذنين، كأنه بلع عيراً فبقي ذنبه خارجاً، من لا يثق باسته لا يشرب الأهليلج.

ضرطت فلطمت عين زوجها. من يظفر من وتد إلى وتد يدخل أحدهما في استه. من أكل على مائدتين أحتتف المنخل جديد سبعة أيام. من كان له دهن دهن استه. من لم يقاوم الحمار تعلق بالأكاف. كل ما في القدر تخرجه المغرفة، من كان دليله البوم كان مأواه الخراب. من كان طباخه الجعران ما عسى أن تكون الألوان. الخصي ابن مائة سنة واسته ابنة ستين. إذا بطر الحائك اشترى بخبزه رماناً. قامت البنت تعلم الأم النيك. من استحى من ابنة عمه لم يولد منها. لا يشعر الشبعان ما يقاسيه الجائع. ماش خيراً من لاش. إذا كان بولك صحيحاً فارم به وجه الطبيب. البحر ملآن والكلب يلحس بلسانه. من عبد الله في خلق الله. شيء لا يشبه صاحبه فهو سرقة. ليس كل من سود بيته يقول أنا حداد، ولا كل من دمعت عيناه يقول أنا طباخ. أحوج ما تكون إلى اليهودي يقول اليوم السبت. تذاكر عاميان الأطعمة فقال أحدهما: السمك أحب إلي من اللحم. فقال الآخر: شجة يشجني القصاب خير من قبلة يقبلني السماك.

ولهم أمثال بإزاء أمثال:
يقولون: المولى يرضى والعبد يشق استه، بإزاء السيد يعطى والعبد يألم، لا يعرف مفساه من محساه بإزاء لا يعرف قبيلاً من دبير لا في حرها ولا في استها، بإزاء لا في العير ولا في النفير. بالكلمة اللينة تخرج الحية من جحرها، بإزاء لطف الكلام يخدع الكرام. هو يضرط من است واسع بإزاء هو يغرف من بحر. قدم خيرك ثم ايرك، بإزاء قدم خيراً تجده، الساجور خير من الكلب، بإزاء الجل خير من الفرس. تبخرنا ففسونا فلا لنا ولا علينا، بإزاء ما ربحنا ولا خسرنا.
ومما يضاده:
لا تفعل الخير لا يصيبك الشر، بإزاء افعل الخير ودعه. لا يكون بعد الظمأ إلا موت مريح بإزاء غمرات ثم ينجلين. النسيئة نسيان والتقاضي هذيان، بإزاء القرض فرض. الجماعة مجاعة بإزاء طعام الاثنين يكفي الأربعة، ويد الله مع الجماعة.
ما كره من الكلام:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقل أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل قست، وكأنه كره أن ينسب الخبث إلى نفسه. وقال أيضاً: لا يقولن المملوك ربي وربتي ولكن سيدي وسيدتي. وقال أيضاً: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر. قال عبد الرحمن بن مهدي: عنى قولهم: وما يهلكنا إلا الدهر. ونهى عليه السلام أن يقال قوس قزح. وقال: قولوا قوس الله. فإن قزح شيطان كانوا ينسبون إليه هذا التلون أيام الربيع. عن ابن عمر ومجاهد أنهما كرها أن يقال استأثر الله بفلان بل يقال مات. وكرهوا أن يقول قراءة فلان وسنة أبي بكر وعمر. وكره مجاهد مسيجد ومصيحف. وقال عمر رضي الله عنه: لا يقول أحدكم أهريق ماء ولكن ليقل أبول. وسأل عمر رجلاً شيئاً فقال: الله أعلم فقال عمر: قد خزينا إن كنا لا نعلم أن الله أعلم. إذا سئل أحدكم عن شيء إذا كان لا يعلمه قال لا علم لي بذلك. وسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: اجمعني من الأقلين. فقال: عليك من الدعاء بما يعرف. وكره عمر بن عبد العزيز قول الرجل: ضعه في إبطك. فقال: هلا قلت تحت يدك. قال الحجاج لأم عبد الرحمن بن الأشعث: عمدت إلى مال الله فجعلته تحت ذيلك. فقال الغلام فوضعته تحت استك فزجره تفادياً من القذع والرفث. وقال مسعود: لا تسموا العنب كرماً فإن الكرم هو الرجل المسلم. سمع الحسن رجلاً يقول: طلع سهيل فبرد الليل. فقال إن سهيلاً لم يأت ببرد. وقال ابن عباس: لا تقولوا والذي خاتمه على فمي إنما يختم الله على فم الكافر. وكره أن يقال انصرفوا عن الصلاة. وقال قولوا: قد قضوا الصلاة. وكره مجاهد أن يقال: دخل رمضان. قال: قولوا دخل شهر رمضان. وكره أن يقال: ضرة، بل يقال : جارة، ويقول لا تذهب من رزقها بشيء.
حكايات متفرقة من أبواب مختلفة:

قال اعرابي لرجل: اكتب لابني تعويذاً. قال: ما اسمه؟قال: فلان. قال: وأمه؟قال: ولم عدلت عن اسمي؟قال: لأن الأم لا يشك فيها. قال: اكتب فإن كان ابني فعافاه الله تعالى وإن لم يكن فلا شفاه الله. من هانت عليه نفسه فلا تأمنن شره. قيل للحسن بن سهل: ما بال كلام الأوائل حجة؟قال: لأنه مر على الأسماع قبلنا فلو كان ذيلاً لما تأدى إلينا مستحسناً. قال بعضهم: ما رأيت أعق من أربعة أشياء: الدينار إذا كسر والذراع إذا عقر والطومار إذا نشر والثوب إذا قص. عادل عروة بن الزبير إلى الشام إسماعيل بن بشار، فقال عروة لغلامه: انظر كيف ترى المحمل؟قال: معتدلاً. فقال إسماعيل: الله أكبر ما أعدل الحق والباطل قبل الليلة، فضحك عروة. لما دخل الشعبي على عبد الملك قال: أنا الشعبي. فتبسم عبد الملك وقال: أما علمت أنه لا يدخل علينا إلا من نعرفه؟ فرأى الأخطل وهو يقول: أنا أشعر الناس. فقال: من هذا؟فقال: ما علمت أن الملوك لا يسألون؟فاعتذر وقال: أنا سوقة ولا أعرف مثل هذا. فقال: هذا الأخطل فنظره فاستوحش الأخطل وقال: لأهجونك. فقال الشعبي: لا أعود لمثله. فقال الأخطل: ومن يوثق لي؟قال: أمير المؤمنين فقال عبد الملك: إذا صرت كفيلاً فمن الحاكم؟ كان تميم الداري خطب أسماء بنت أبي بكر في الجاهلية فماكس في المهر فلم يزوج، فلما جاء الإسلام جاء بعطر ليبيعه فساومته أسماء، فماكسها فقالت له: طالما ضرك مكاسك، فاستحى منها لما عرفها وسامحها في البيع.
كانت بنت سعيد بن العاص عند الوليد بن عبد الملك فلما مات عبد الملك لم تبكه، فقال لها الوليد: ما يمنعك من البكاء على أمير المؤمنين ولا مصيبة أجل من فقده؟فقالت: ما أقول استزيد الله في سلطانه حتى يقتل لي أخاً آخر. فقال: أي والله لقد كسرنا ثناياه وقتلناه. قالت: لقد علمت من شقت استه بالملمول قال: الحقي بأهلك. قالت: ألذ1 من الرفاه والبنين.
وقف يزيد بن عبد الملك على حائك وإلى جانبه فرس رائع مربوط فجعل يتعجب منه فقال: ما رايت كاليوم فرساً كأنه بغلة. فأعجب يزيد به فقال: وأريك ما هو أعجب، وأخرج سيفاً كأنه بلقة، فساومه يزيد فيه بأربعة آلاف دينار فأبى وقال: أريك أعجب من ذلك، ثم رفع ستراً فبدت جارية كفلقة القمر فقال: هل لك أن تنزل عنها بألف دينار؟فأبى. قال: ولم أريتنيها؟قال: لتعلم أن الله له نعم على أقنا الناس.
وقال بعض الأنصار: من أدمن اتيان المساجد رأى فيها ثمان خصال: أخاً مستفاداً، وعلماً مستظرفاً، وآية محكمة، ورحمة منتظرة، وكلمة تدل على الهدى، وأخرى ترد عن ردى، وترك الذنوب حياء أو خشية.
شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرده مع محمد بن سلمة الأنصاري وأمره أن يطوف في مساجدهم يسألهم عن سيرته، فجعلوا يقولون خيراً حتى أتى مسجد بني عبس، فقام أسامة بن زيد العبسي فقال: كنت والله لا تعدل في القضية ولا تعزو في السيرة ولا تقسم بالسوية. فقال: اللهم إن كان كاذباً فأطل عمره وأدم فقره ولا تنجيه من معاريض الفتن، فرؤي شيخاً كبيراً يمشي على محجن فيقول: شيخ أعمى أدركته دعوة العبد الصالح.
دخل بعض الشعراء على أمير فأنشده:
إن الأمير يكاد من كرمٍ ... أن لا يكون لامه بظر!
فقال: أعطوه شيئاً لئلا يهذي، وأحب أن لا يعود بمدحنا.
ودفع رجل إلى خياط ثوباً ليخيطه فقال: لأخيطنه لا تدري أقباء أم قميص. فقال: لأمدحنك ببيت لا تدري أهجاء أم مديح، وكان الخياط أعور فقال له:
خاط لي عمرو قبا ... ليت عينيه سوا
ولما أنشد النابغة النعمان قوله:
تخف الأرض إما بنت عنها ... وتبقى ما بقيت بها ثقيلا
غضب وقال: لا أدري أهجوتني أم مدحتني فقال:
حللت بمستقر العز منها ... وتمنع جانبيها أن تزولا
فرضي. كل موضع اعتدت فيه السلامة فلا تزايله.
وقال المأمون يوماً لمن عنده: أنشدوني بيتاً يدل أنه لملك فأنشد قول امرؤ القيس:
أمن أجل أعرابية حل أهلها ... جنوب الملا عيناك تبتدران
فقال: ما هذا مما يدل على ملكه قد يكون لسوقة إنما ذلك قول يزيد بن عبد الملك:
اسقني من سلاف ريق سليمى ... واسق هذا النديم كأس عقار
فأشارته إلى هذا النديم دلالة على أنه ملك، وقوله:

ولي المحض من ودهم ... ويغمرهم نائلي
سئل بعضهم عن بلد فقال:
به البق والحمى وأسدٌ حففنه ... وعمرو بن هندٍ يعتدي ويجور

مفردات من الأبيات البديعة:
طرفة:
أبا منذرٍ أفنيت فاستبق بعضنا ... حانيك بعض الشر أهون من بعض!
النابغة:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمه ... على شعثٍ أي الرجال المهذب؟
آخر:
لعمرك ما شيء مرنت بذكره ... كآخر يأتي بغتةً فيروع
آخر:
يمونني الأجر العظيم وليتني ... نجوت كفافاً لا علي ولا ليا
أبو نواس:
ولما قرعنا بابه قام خائفاً ... وبادر نحو الباب ممتلئاً ذعرا
أبو تمام:
كالبكر توحشها مضاجع بعلها ... والحيض علتها وليس بحائض
الخبزارزي:
كن في الجماعات حيث كانوا ... فالموت عرسٌ مع الجميع
وله:
مالي أحوط حول دجلة حائطاً ... لولا اعتراض حماقتي وفضولي
آخر:
ما أهون الموت على النوائح!
إسماعيل:
صاح أبصرت أو سمعت براعٍ ... رد في الضرع ما بقي في الحلاب
آخر:
وأترك الشيء أهواه فيعجبني ... أخشى عواقب ما فيه من العار
آخر:
فلو أن لي تسعين قلباً تشاغلت ... جميعاً فلم يفزع إلى غيرها قلب
آخر:
دلاً على حيلة فيها لنا فرجٌ ... إن الدليل على خيرٍ كمن فعلا
آخر:
ولي ظنان بينهما رجاء ... يكذب سوء ظني حسن ظني
هارون المعتصم:
إذا ما خانني يوماً جوادي ... جعلت الأرض لي فرساً وثيقا
آخر:
واسرع نسياني الذي لا يهمني ... ونسياني الشيء المهم قليل
آخر:
أنت والله حمارٌ ... قاعدٌ بين حمير
آخر:
هون الأمر تكن في راحةٍ ... قلما هونت أمراً لا يهون
المتنبي:
لله حالٌ أرجيها وتخلفني ... وأرتجي كونها دهري وتمطلني
محمد بن يحيى:
قتلت أعز من ركب المطايا ... وجئتك أستلينك في الكلام
يعز علي أن ألقاك إلا ... وفيما بيننا حد الحسام
ولكن الجناح إذا أصيبت ... قوادمه أسف على الأكام
الطاهر:
ولم أر دبدبةً قبله ... يدق على بابه دبدبه
أبو القاسم التنوخي:
تخير إذا ما كنت في الأمر مرسلاً ... فمبلغ آراء الرجال رسولها
آخر:
إذا تخازرت وما بي من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور
وجدتني ألوي بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خير وشر
ابو القاسم الأعمى:
إن الجديد إذا ما زيد في خلق ... تبين الناس أن الثوب مرقوع
ابن طباطبا:
أمن سربله الإشفاق سربال المروع
الخبزارزي:
أحب فمن ذا الذي كلفه ... ومل فمن ذا الذي استعطفه؟
فلا أحدٌ في الرضا سره ... ولا أحدٌ في القلى عنفه
وكنا وكان كما قد علمت ... فماذا التعدي وماذا السفه؟
وفي الناس من يتجنى الذنوب ... وذا قد تجاوز حد الصفه
وما كل من كان ذا قوةٍ ... يناوي الضعيف إذا استضعفه
ويزعمني صدفاً خالياً ... من الدر في مثل ما صرفه
ولو شئت عرفته من أنا ... وإن كان بي جيد المعرفه
وفوعون يعرف من ربه ... ولكن طغيانه سوفه
وسل من تعرض لي بالهجا ... وعن عرضه اين قد خلفه؟
ابن الرومي:
وامتناع النفس مما تشتهي ... خشية الإنفاق نقصٌ في النسب
البحتري:
أضيع في معشري وكم بلدٍ ... يعد عود البكاء من حطبه
جحظة:
إذا الشهر هل ولا رزق لي ... فعدي أيامه باطل
المتنبي:
توهم القوم أن العجز قربنا ... وفي التقرب ما يدعو إلى التهم
ابن الرومي:
توقي الداء خيرٌ من تصدٍ ... لأيسره وإن قرب الطبيب
آخر:
خرجنا لم نصد شيئاً ... وما كان لنا أفلت
المتنبي:

خذوا ما أتاكم به واعذروا ... فإن الغنيمة في العاجل
وله:
ذكر الفتى عمره الآتي وحاجته ... ما فاته من فضول العيش اشغال
ابن طباطبا:
طمعت يا أحمق في قمرها ... لو أمكن القمر قمرناها
أبو حكيمة في حرب محمد والمأمون:
تجافت بي الأحزان عن كل مرقدٍ ... وأرمضني ما فيه أمة أحمد
وما ضر قوماً يسفكون دماءهم ... صفا الملك للمأمون أو لمحمد
وقد نصبوا حرباً تحرق بينهم ... لكل رقي الشفرتين مهند
الخبزارزي:
فمن شغل قلبي بما نلته ... ذهلت به عن جميع الأمور
آخر:
كأنا من بشاشتنا ظللنا ... بيومٍ ليس من هذا الزمان
الخبزارزي:
ليس للثعلب حظٌ ... في غزالٍ عند ذئب
المتوكل:
لا أعدم الذم حين أخطي ... وليس لي في الصواب حمد
ابن الرومي:
وليس حصول فائدة حصولاً ... إذا ما أخطأ الغرض الحصول
الصنوبري:
وتجشم المكروه ليس بضائرٍ ... ما خلته سبباً إلى المحبوب
الموسوي:
وسر الفتى حمل النجاد وربما ... رأى حتفه في صفحتي ما تقلدا
البحتري:
والشيء تمنعه تكون بفوته ... أحرى من الشيء الذي تعطاه
ونحوه:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
آخر:
تعلمت فعل الدهر حتى سبقته ... فأنساني التلميذ فعل المعلم
آخر:
وأراك تشكو الدهر وتظلمه ... كل امرئٍ عاشرته دهر
ابن نباته:
فهو كالشمس بعدها يملأ البد ... ر وفي قربها محاق الهلال
أبو تمام:
قد كنت كالسائل الأيام مجتهداً ... عن ليلة القدر في شعبان أو رجب
آخر:
عيالة عنق الليل من أجل أنه ... إذا رام أمراً قام فيه بنفسه
آخر:
ومن راح ذا حرصٍ وجبنٍ فإنه ... فقيرٌ أتاه الفقر من كل جانب
قال قدامة: أصح الأقسام في الشعر قول زهير.

أبيات منقولة من الفارسية:
بعضهم:
ترى الديك فوق السطح في كل ساعةٍ ... وتنكر إن كان الحمار على السطح
محمد الأموي:
إذا ما كنت في طرفي كساءٍ ... ولم يكن الكساء يعم كلك
فلا تتبسطن فيه ولكن ... على قدر الكساء فمد رجلك
وقال:
وما ليس يشبه أربابه ... فلا شك في أنه من سرق
وقال:
وحق لمن قد صح تمييز عقله ... إذا ما رأى الدينار أن يترك الفلسا
آخر:
فانظر لذاك فليس يعلم كل ما ... في الخف غير الله والأسكاف
ابن طباطبا:
مثلي كبائع طشته بشرابه ... سراً لئلا يعلم الجيران
لما تملى ظل في غثيانه ... يشكو الصداع فعاده الأخدان
فدعوا بطشتٍ كي يقيء فقال مه ... لو كان طشت لم يكن غثيان
ربيعة الرقي:
فأنت كذئب السوء إذ قال مرةً ... لعمروسة، والذئب غرثان مرمل:
أأنت التي في كل قولٍ سببتني؟ ... فقالت: متى ذا، قال: ذا عام أول
فقالت: ولدت العام بل رمت غدرة ... فدونك كلني لا هنالك مأكل!
طريح:
وإذا استوت للنمل أجنحةً ... حتى يطير فقد دنا عطبه
بعضهم:
وقد خرق الأشواق شبعان مرتوٍ ... فقال رغيفٌ واحدٌ يشبع الخلقا
وقال:
لاطم الأشفى مضر كفه ... ومرامي الدهر رام كبده
وقال:
لا تقصدن كل دخانٍ ترى ... فالنار قد توقد للكي
آخر:
ومن يروم نزول البئر عن غرضٍ ... فليس في الشرط أن يحصي مراقيها
آخر:
من لسعته حية مرة ... تراه مذعوراً من الحبل
آخر:
إذا سقط الجدار ولم يغبر ... فما بعد السقوط له غبار
آخر:
كدود نشا في الخل ليس ببارحٍ ... كأن ليس في الدنيا مكانٌ يعادله
آخر:
ما رسول الليث إلا عنقه ... فلهذا عنق الليث غلظ
تمثل كل ذي صناعة بصناعته:

سأل الرشيد بختيشوع عن حرب شاهدها فقال: لقيناهم في صحن مقدار البيمارستان، فما كان مقدار ما يختلف الرجل مقعدين، حتى صيرناهم في أضيق من المخنقة، ثم قتلناهم بمبضع ما سقط إلا على كل رجل.
سئل جعفر الخياط عن حرب فقال: لقيناهم في صحن مقدار الطيلسان، فما كان مقدار ما يخيط الرجل درزاً حتى تركناهم في أضيق من الحربان، ثم قاتلناهم فلو طرحت إبرة ما وقعت إلا على زر رجل.
وسئل معلم فقال: لقيناهم في صحن مقدار الكتاب، فما لبثوا إلا مقدار ما يقرأ فتى مقدار عشر حتى تركناهم في أضيق من الرقم، فقتلناهم في أقل ما يكتب صبي لوحين.
بعضهم:
مشق الحب في فؤادي لوحين ... فأغرى جوانحي بالتلاقي
قيل لجارية عربية: بم تعرفين الصبح؟قالت: إذا برد الحلى. وقيل ذلك لنبطية فقالت: إذا جاءني الغائط.

معارضات:
عرضت جارية على المهدي فقال لبشار: امتحنها. فقال:
أحمد الله كثيراً
فقالت:
حين صيرت ضريراً
فقال: اشتر الملعونة فإنها حاذقة. عارض أبو العنبس البحتري في قوله:
من أي ثغرٍ تبتسم
فقال:
من أي سلحٍ تلتقم ... وبأي كفٍ تلتطم؟
... أدخلت رأسك في الحرم
فولى البحتري، فقال ابو العنبس:
وعلمت أنك تنهزم
قال ميمون بن مهران: رأيت البارزي وحاله متماسكة فسألته فقال: كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء فقال: لست أقبل إلا ممن قال مثل قول البحتري:
لو أن مشتاقاً تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر
فرجعت إلى داري وأتيته فقلت: قد أتيتك بأحسن مما قال البحتري في المتوكل:
ولو أن برد المصطفى إذ لبسته ... يظن لظن البرد أنك صاحبه
وقال قد أعطيته ولبسته: ... نعم هذه أعطافه ومناكبه
فقال: ارجع إلى منزلك وافعل ما آمرك به، فبعث إلي سبعة آلاف دينار وقال: ادخر هذه للحوادث بعدي ولك الجراية والكفاية ما دمت حياً. قال: وهذه حالة شبيهة:
كما كان بعد السيل محراه مرتعا
وكان بشار يعطي أبا الشمقمق في كل سنة مائتي درهم فأتاه سنة فقال: هات جزيتك. فقال: أو جزية هي؟قال: هو ما تسمع. فقال بشار له: لأهجونك. فقال أبو الشمقمق:
إني إذا ما شاعرٌ هجانيه ... ولج في القول له لسانيه
بشار يا بشار. فقام بشار وأمسك فمه وعلم أنه يكملها بقوله: يا ابن الزانيه، وقال: لا يسمعن هذا منك أحد، ودونك الدراهم. وروى أنه أتاه مرة فامتنع من اعطائه، فقال: قد سمعت الصبيان يقولون:
إن بشاراً لدينا ... مثل تيسٍ في سفينة
فرفع مصلاه عن دراهم وقال له: خذ هذه ولا تكن راوية للصبيان. اجتمع ثلاثة بجنب غدير يقال له بطياثاً فقال أحدهم:
نلنا لذيذ العيش في بطياثا
فقال الآخر:
وقد حثثنا القدح احتثاثا
فارتج على الثالث فقال:
وأم عمرو طالقٌ ثلاثا
فقيل له في ذلك فقال:
جلست على طريق القافية
ودخل الغالبي على أبي عباد الوزير وهو عليل فأنشده:
حالفك الفضل والكمال ... والبذل والجاه والنوال
فقال:
حالفني السقم والسعال ... ونقرسٌ ما إن له زوال
وقال بعضهم: مررت بجارية ذات جمال فأنشدتها:
ويح نفسي وكيف لي ... أن أنيك التي أرى؟
فقالت:
ذاك شيءٌ يبيحه ... في الورى كل من يرى
هو للضيف عندنا ... أول الزاد والقرى
قال الجماز: دخلت على الرشيد وبين يديه طبق فيه ورد فقال: قل في هذا شيئاً فقلت:
كأنه خد محبوبٍ يقبله ... فم الحبيب وقد أبدى به خجلا
فقالت جارية على رأسه: ألا قلت:
كأنه لون خدي حين تدفعني ... يد الرشيد لأمرٍ يوجب الغسلا؟
فضحك وقال: قومي لننظر. قصد أعرابي المأمون فقال: قد قلت شعراً. فقال: أنشده فأنشد:
حياك رب الناس حياك ... إذ بجمال الوجه رداكا
بغداد من نورك قد أشرقت ... وأورق العود بجدواكا
فأطرق المأمون ساعة ثم أنشد:
حياك رب الناس حياك ... إن الذي آملت أخطاك
أتيت شخصاً كيسه قد خلا ... ولو حوى شيئاً لأعطاكا

فقال: يا أمير المؤمنين إن بيع الشعر بالشعر ربا فاجعل بينهما محللاً، فضحك وأمر له بمال. وقيل: من أحسن شعر القدماء قول عبيد:
الليل ليلٌ والنهار نهار
فأنشد ماجن ذلك فقال:
القرع قرعٌ والخيار خيار ... والدب دبٌ والحمار حمار
اجتمع قوم عند رجل فلم يحضره شيء فرهن قطيفته ولما قعدوا للشرب غنى المغني:
أترى الذين تخملوا جنوا
فقال صاحب البيت:
أما أنا فقطيفتي رهن
فلا أدري أجنوا أم لا فاستغربوا ضحكاً وخلصوا قطيفته.

كلمات مجانين:
خرف النمر بن تولب فكان هجيراه: أصبحوا الضيف أغبقوا الراكب. وخرفت امرأة فكان هجيراها: زوجوني زوجوني. فقال عمر لأصحابه: ما لهج به أخو عكل خير مما لهجت به صاحبتكم.
كان سكران يمر بشيراز فتلقاه ابن ممشاد المعدل فأخذ السكران بايره وقال: أيترك القاضي أن أدخل هذا في بنته؟فقال: أن أحتاج إلى ختن وارتضاك فنعم. ومزق مجنون ثوب رجل وقال: علوان الرفاء يرده كما كان. وكان بهلول يتشيع فقال إسحاق الكندي: كثر الله في الشيعة مثلك!وكان يغني بقيراط ويسكت بدانق، وكان جيد القفا وكان يعبث به كل من يمر، فحشا قفاه بالعذرة وجلس على قارعة الطريق، فكل من صفعه يقول له شم يدك.
وبعث الرشيد إلى بهلول فأحضره وأجلسه في صحن الدار، وأم جعفر تراه من حيث لا يراها، وعيسى بن جعفر جالس فقال الرشيد: يا بهلول عد لنا المجانين. فقال: أولهم أنا. قال: هيه. قال: وهذه أشار إلى موضع أم جعفر. فقال له عيسى: يا ابن اللخناء تقول هذا لأختي. فقال بهلول: وأنت الثالث يا صاحب العربدة!فقال الرشيد: أخرجوه. فقال: وأنت الرابع! وعدا عيناوة يوماً بين يدي الصبيان فدخل داراً وصعد سطحها وأشرف على الصبيان وقال: من أين أبلاني الله بكم؟فقال له رجل في الدار: ارجمهم بالحجارة. فقال: أخاف إن رجعوا إلى آبائهم يقولوا أنه بدا يحرك يديه فيأخذوني فيغلوني ويقيدوني.
وأخذ الطائف مجنوناً فأمر به إلى المجلس فقال: إني حلفت أن لا أحبس عن منزلي، فضحك منه وأطلقه.
وأخذ أعرابي ادعوا أنه سكران فقال الوالي: استنكهوا الخبيث فلم يشموا رائحة، فقال: قيئوه. فقال: تضمن عشائي أصلحك الله.
حكم مجانين:
وعظ بهلول الرشيد وهو متوجه إلى الحج فقال: ما هكذا حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: هل لك في جائزة تقضي بها دينك؟فقال: الدين لا يقضى بالدين أي ما تعطيني ليس هو لك. ونظر بهلول إلى مجنون يوم العيد وهو يقول: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم. فلطمه بهلول على وجهه فقال: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه.
وعدا مجنون من صبيان ثم دخل داراً وكان ثم رجل له ذؤابتان فقال له: يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً؟ فأغلق الباب وأتاه بطبق فيه تمر وقال: كل فأخذ يأكل والصبيان يصيحون، فقال: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
كان مجنون تؤذيه الصبيان فقال له رجل: تريد أن اطردهم؟فقال: نعم وتنطرد معهم.
وقيل لمجنون: فيم يسعى هذا الخلق؟قال: فيما لا يجدونه ثم يطلبون الراحة وهي لا تكون في الدنيا.
قال الرشيد لبهلول: من أحب الناس إليك؟قال: من أشبع بطني. قال: فأنا أشبع بطنك فاحببني. قال: الحب لا يكون نسيئة.
استقبلت جعيفران امرأة صبيحة فبادر إليها واعتنقها فاجتمع الناس فضربوه فقال:
علقوا اللحم للبزا ... ة على ذروتي عدن
ثم لاموا المحب في ... ه على خلعه الرسن
لو أرادوا عفافه ... نقبوا وجهه الحسن
ومثل هذه الحكاية وإن لم تكن مما نحن فيه ما روي أن ابن زيدان كان عند يحيى بن أكثم يملي عليه، فقرص خده فغضب فأنشأ يقول:
أيا قمراً خمشته فتغضبا ... وأصبح لي من تيهه متجنبا
إذا كنت للتخميش والعض كارهاً ... فكن أبداً يا سيدي متنقبا
ولا تظهر الأصداغ للناس فتنةً ... وتجعل منها فوق خدك عقربا
فتقتل مشتاقاً وتفتن ناسكاً ... وتترك قاضي المسلمين معذبا
خرافات على سبيل التهكم:

رأى حمدويه المخنث بمكان منكر صاحب شرطة فقعد على روثة يريه أنه يخرأ فلما دنا منه قام فقال له: ما كنت تفعل؟قال: كنت أخرأ فإذا تحته روث. فقال: أتروث هذا؟فقال: ما لك وهذا كل إنسان يخرأ ما يريد.
قيل لعبد الرحمن القاضي: لم سمي العصفور عصفوراً؟قال: لأنه عصى وفر. قيل: فالطفشل؟قال: لأنه طفا وشال.
جعل سخفاء واحداً منهم على جنازة فمر بهم جحا فقالوا له: صل على هذا الفقير الغريب. فصلى فلما كبر ضرط والتفت إليهم وقال: إن كان على صاحبكم دين فاقضوه فهذا من ضغطة القبر. وقال له أبوه: قير هذا الجب فقيره من خارج. فقال: ويحك إنما يقير من داخل. فقال: اقلبوه.
علي بن عبد العزيز القاضي:
قومٌ إذا خرأوا خلوه وانصرفوا ... أليس ذا كرماً ناهيك من كرم
وقال:
لقيت أبا يحيى عشية جئته ... كريم المحيا ظاهر البشر وأقلب
كريمٌ كنصل السيف يهتز للندى ... كما اهتز ماضٍ للضريبة وأقلب
واير حمارٍ داخلٌ في حر أمه ... ولا تقلبن هذا فليس بو أقلب
قال بعضهم: ركبت سفينة من بغداد إلى واسط فإذا أنا بشيخ له رواء وهيبة، وكنا جماعة رفقة كل منا يشتهي مداعبة الشيخ ويتحاماه لهيبته، إلى أن بلغنا المقصد فقلت للشيخ: أوصني. فقال: إذا جاءتك الرياح فأرسلها لو بين الركن والمقام. فقلت: زدني؛فقال: يا بني إذا ملكت جارية فاستعن بدبرها على قبلها يكن لك منكحان؛فقلت: زدني. فقال: يا بني النيك من قدام يضعف الركبتين، فإياك أن تستعمله في الصيف خاصة، والنيك بغير بزاق أنظف للكف، ثم قال: تمسك بهذه الأربعة تكن لقمان زمانك.
قال المبرد: سأل رجل فقيهاً فقال: علمني الخصومة. فقال: أنا مستعجل فخذ جملتها: اجحد ما عليك، وادع ما ليس لك، واستشهد بشهود غيب، وأخر اليمين إلى أن تنظر فيها.
كان رجل وامرأته يبولان في الفراش، فاتفقا أن يتعاقبا في النوم ويحتفظ كل بصاحبه، فنام الرجل وسهرت المرأة قابضة على متاعه، فلما هم بالبول نبهته فقام وبال، ونامت المرأة من بعده فقبض على متاعها فلما همت بالبول كانت تنز من جانب إذا قبض على جانب.
ولى أبو العير أبا العجل وكتب له عهداً نسخته: يا ابا العجل وفقك وسددك وليتك خراج ضياع الهواء ومساحة الهباء، وكيل ماء الأنهار وعد الثمار، وصدقات البوم وكيل الزقوم وقسمة الشوم بين الهند والروم، وأجريت لك من الأرزاق بغض أهل حمص لأهل العراق، وأمرتك أن تجعل ديوانك ببرقة ومجلستك بإفريقية، وعيالك بميسان واصطبلك بهمدان، وخلعت عليك خفي حنين وقميصاً من دين، وسراويل من سخنة عين فدر في عملك كل يوم مرتين، والحمد لله على ما ألهمنا فيك فقابلنا بالشكر فيما نوليك.
قالت جارية مات أبوها: واأبتاه واخيلاه!فقالت لها امرأة: ويلك ومتى كان له خيل؟قالت: كان يريد أن يشتري.
ونظر مزيد إلى أهل الكوفة وقد أخرجوا صبيانهم للاستسقاء فقال: لو كان دعاؤهم مستجاباً لما بقي في الأرض معلم. أسلم نصراني فقالت أمه: سخنت عينك محمد بعد لم يعرفك وعيسى تبرأ منك.
وكان أعرابي يمدح أميراً فضرط فقال: والله إنه لينطق كل عضو مني بمدح الأمير.
وقال المأمون لأعرابي: إن عددت من جوارحك عشرةً أولها كاف أعطيتك عشرة آلاف درهم فقال: كوع كرسوع كبد كفل كف كشح كعب كاهل كرش وولى الأعرابي فقال: فإذا بإنسان يبول فعاد وقال: كمرة فأعطاه.

فتاوى على سبيل الحماقة:
قيل لابن مجاهد: ما أول الدخان؟قال: الحطب الرطب. وقيل: أين في القرآن الهريسة؟قال: بقرة صفراء وفومها، واضربوه ببعضها، وفار التنور، ولتركبن طبقاً عن طبق.
ذهب طبري إلى مفتي فقال: كنت في صلاتي فخرج من دبري شيء. فقال: أكان مثل حمصة؟قال: اكبر. قال: ابندقة؟قال: أكبر. قال: كجوزة؟قال: أكبر. قال: أراك قد خريت.
وقال بعضهم: رأيت جملاً بحمص يتبع بقرة فقلت: أهذا ولدها؟فقالوا: لا بل يتيم في حجرها.
مر العتابي بمنصور النمري فرآه كئيباً فساله فقال: امرأتي عسرت ولادتها فقال: اكتب على حرها هارون. فقال: ما هذا أتهزأ بي؟فقال: أعني قولك في هارون:
إن أخلف القطر لم تخلف مواهبه ... أو ضاق أمرٌ ذكرناه فيتسع

كان بعض أهل نصيبين شديد الغفلة وكان يسوق عشرة أحمرة، فركب حماراً منها وعدها قرأها تسعة فنزل وعدها فوجدها عشرة، فركب وعدها فوجدها تسعة فقال: أمشي وأربح حماراً أجود.

بلاغات من لم يختلف للكتاب:
كتب معاوية بن مروان إلى الوليد بن عبد الملك: بعثت إليك بقطيفة خز أحمر أحمر . فكتب إليه: قد وصلت وأنت أحمق أحمق أحمق والسلام.
قال أبو القاسم بن بابك الشاعر: أنشدني ابن البقراني لنفسه أنت يا ابن شيار أنت تحكم في الدين كرار غير فرار ولست كالقاضي الذي يتبع العار، وأمير المؤمنين الطائع أطال الله بقاؤه وأدام عزه وتأييده، وسعادته وكفايته لك مختار.
فقلت: لم طولت هذا البيت؟فقال: هو خليفة ولا يجوز أن ينقص دعاؤه.
قال دعبل: كان لي صديق يقول شعراً فاسداً فقال يوماً:
إن ذا الحب شديد ... ليس ينجيه الفرار
ونجا من كان لا يأ ... من من ذل المخازي
قلت: هذا لا يجوز. فالبيت الأول راء والثاني زاي فقال: لا تنقطه. قلت: فالأول مرفوع والثاني مجرور. فقال: انظر إلى حماقته أقول له لا تنطقه وهو يشكله.
وقال محمد بن العباس لوكيل: ما حال غلتنا بالأهواز؟فقال: أما متاع أمير المؤمنين فقائم على سوقه وأما متاع أم جعفر فمسترخ.
وقال بعضهم: احتجت من الخديعتين يعني الأخدعين. كان عبد الله بن عوانة يقول: الحمد لله واصطأفر الله والله فأكبر. وقال: المشي إلى بيت الله أعني به الطلاق الثلاث ثلاثين حجة أحرار لوجه الله وسبيلي حبيس في دواب الله فعلت موفقاً إن شاء الله تعالى.
وقال رجل للرئيس ابن العميد: إذا رأيت وجهك رأيت الباءة تريد البهاء. فقال: إذا وجهي سقنقور. أنشد عبد الله بن فضلويه:
يوم القيامة يومٌ لا دواء له ... إلا الطلاء وإلا الطيب والطرب
فقيل له: ويلك إنما هو يوم الحجامة. فقال: اعذروني فإني لا أعرف النحو. ولبعض أهل خراسان:
أنا شذرة أنا هذه ... أنا زين الخطبون
ولنا باب إش هشت ... كربه بيبرمون
ولنا وهوذه ... كل يوم دهمون
يحملوه كل يوم ... ذي سوى ما يطبخون
وقال:
ولنا برج حمامٍ ... كان جدي قد بنى
فيه بيضٌ وحمامٌ ... ودجاجٌ ورنا
أحسنت والله أمي ... حين جاءت بأنا
وقال رجل لأعين الطبيب: إني لأجد في بطني وجعاً لا أدري ما هو . قال: فخذ أيش هو واجعل فيه ما اسمه ودقه بقول أنت.
لعب الأعراب:
البقيري: هو جمع تراب يقطع نصفين. ويقول خذ أيهما شئت. وعظيم وضاح : عظم يرمي به أحد الفريقين فمن وجده من الفريقين ركب أصحابه الفريق الآخر من الموضع الذي وجد فيه إلى الموضع الذي رموا به. والحطيرة: أن يرمي أحد الفريقين بمخراق من خلفه فإن عجزوا عن أخذه رموا به إليهم فإن أخذوه ركبوهم. والدارة التي يقال لها الخرج. والشبحة التي يقال لها نجو بالفارسية. ولعبة الضب أن يصور الضب ثم يحول أحدهم وجهه فيضع يده على موضع فيقول عين الضب أو ذنبه أو كذا فإن أخطأ ركب هو واصحابه وإن أصاب حول وجهه فيصير هو السائل.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11