كتاب : محاضرات الأدباء
المؤلف : الراغب الأصفهاني

روي أن رجلاً سأل بلالاً وقد أقبل من الحلبة: من سبق؟فقال: المقربون. فقال السائل: سألتك عن الخيل. فقال: أنا أجبتك بالخير. قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟قال: ما بلغ بك الجنة وعدل بك عن النار. وقيل لأبي الدرداء وكان مريضاً: ما تشتكي؟فقال: ذنوبي!فقيل له: ما تشتهي؟فقال: الجنة فقيل: أندعو لك طبيباً؟قال: الطبيب أمرضني. وجاز الشبلي بمن يقول السعتر البري فتواجد فقيل له: ما يقول؟قال: يقول الساعة ترى برى. وأم أبو العلا عمراً يوماً فلما قال استووا غشي عليه وقال: قد وقع بقلبي هل استوى معي طرفة عين.

أنواع مختلفة:
قيل ليحيى بن معاذ: ما بال أبناء الدنيا يحبون الزاهدين وهم يفرون منهم؟قال: ذلك كالدباغ يستروح إلى العطار، والعطار يفر من ريحه. وقال ابن أبي الورد: إبليس يقول من ظن أنه نجا مني فبجهله وقع في حبائلي. ومر داود الطائي برطب فقال لبائعه: انسئني بدرهم لغد. فأبى فتبعه رجل وعرض عليه المال فوجده يقول: يا نفس تريدين الجنة وأنت لا تساوين درهماً؟وأبى قبول المال وقال: إنما أردت أن أعرف نفسي قدرها. وقال راهب: ازهد في الدنيا ودع أهلها وكن مثل النحلة، إن أكلت أكلت طيباً وإن أطعمت أطعمت طيباً، وإن وقعت على عودة لم تنكسر. وقالت امرأة العزيز: الحمد لله الذي جعل العبيد بطاعته ملوكاً والملوك بمعصيته عبيداً. وقيل: المحسن في معاده كالغائب يرد إلى أهله مسروراً، والمسيء كالآبق يرد مأسوراً. وقيل في قوله صلى الله عليه وسلم: نية المرء خير من عمله، أي خير يعد من عمله وليس من للتفصيل. وقال ابن عباس: كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يركب الناس الصعب والذلول، فلما ركبوها أقللنا وقال الزهري: حدثني فلان وفلان قبل تلاطخ الأحاديث. وقال الحسن: يا ابن آدم تحب الصالحين وتفر من أعمالهم وتبغض الفجار وأنت منهم؟وعن بعضهم أنه قال: ما معي من الصلاح غير حبي لأهله. وقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب.
مما جاء في المذاهب المختلفة
اختلاف أقوال غير أهل الكتاب في العالم:
قال أهل الدهر جميعاً: العالم كله قديم الطينة والصنعة. وأهل هذه المقالة مختلفون فمنهم من قال: إنه أربعة أشياء حر وبرد ويبس وبلة، ومعها روح سائح في جميعها يدبرها ويصورها ولا أول له ولا آخر. وقال آخر: الأشياء صنعت نفسها وصنعت بعضها بعضاً. وقالت السمنية لم تزل الأشياء منتقلة كاتقال البيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة. وقال بلعام بن باعوراء : العالم قديم وله مدبر خلافه في جميع معانيه. وقال بعض الملحدة: العالم جوهرة قديمة وهي في ذاتها واحدة لا اختلاف فيها ولكنها تختلف على قد الإلتقاء والمماسة، وعلى الحركات فتصير رطوبة وحراً وبرداً ويبساً. وقال أرسطو: الهيولي أصل طينة العالم قديمة، ومعناها أصل الشيء كالفضة أصل الدراهم. وقال الصابئون: النور قديم لم يزل وهو خالق الظلمة. وقالوا: الشيطان كلمة الله لا خلقه. وزعموا أن النور يخلق كل حسن، والظلمة تخلق كل قبيح.
وقالت الحرمية: أصل العالم النور فمسح بعضه بعضاً فاستحالت ظلمة. وقالت الثنوية بالنور والظلمة وأن للنور خمسة أجناس: الضياء والنسيم والماء والنار والروح، والظلمة خمسة أشياء: الدخان والحريق والظلمة والسموم والضباب، فخالط الدخان النسيم وخالط الحريق النار، وخالط النور الظلمة وخالط الريح السموم، وخالط الضباب الماء فما كان محموداً منها فمن النور ومذموماً فمن الظلمة. وزعموا أن هذه الأجناس من الظلمة لما خالطت أجناس النور عمد النور فبنى فيها عشر سماوات وثمان أرضين، وعمد إلى أكابر الشياطين فشدهم في السماوات وكبس العفاريت تحت الأرض، ووكل ملكاً بإدارة السماوات ليشد ما فيها فيمنعها من الصعود إلى النور، ووكل ملكاً بحمل السماوات وآخر بحمل الأرضين، ووكل الجو بأسفل الأرض إلى أعلى السماوات.

وقالت المجوس: الأشياء شيئان قديمان سميعان بصيران. وزعموا أن الله كان وحده ولا شيء معه، فلما طالت وحدته فكر فتولد من فكرته أهرمن وهو إبليس، فلما مثل بين يديه أراد قتله فامتنع عليه وسالمه إلى غايته، وزعموا أن العالم جوهر والظلمة والنور فيه غريب مجتاز، وزعموا أن للثلاثين يوماً كل يوم ملائكة إلا أهرمن فإنه الله تعالى؛قالوا: وكل من يقرب من أهرمن من الأيام فهو أقرب منه في المنزلة، وعظموا النار لكونها من جنس النور، وزعموا أن العذاب في الجحيم البرد لأنه لما جاء زردشت إلى بلخ وادعى بها النبوة كان البرد فيها يعظم. وزعموا أن كل مؤذ من خلق أهرمن وكل نافع من خلق الله وقالوا: الفأرة من خلق الله والهرة من خلق الشيطان. وزعموا أن سنوراً لو بال في البحر يقتل عشرة آلاف سمكة، والسمك أحق أن يكون من خلق الشيطان لأنه يأكل بعضه بعضاً، ويأكل من غرق من الناس. وشرع لهم نيك الأمهات والتوضؤ ببول البقر لما رآهم في غاية الغباوة. وقالت السوفسطائية: الأشياء على الحسبان نظنها ظناً ولا نعرف لها حقيقة، استدلالاً بأنا نرى الأشياء في المنام كما نراها في اليقظة، فلا ندري العالم قديم أم محدث. وأما البراهمة فاختلفوا منهم من قال بقدم العالم فقال: المدبرات هي النجوم من قال محدثة غير أنهم نفوا النبوات. وأما عبدة الأصنام من العرب فقد أثبتوا الصانع قديماً والأشياء محدثة، وزعموا أن ذلك يقربهم إلى الله، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر. والفلاسفة يثبتون أشياء كثيرة ثم يسمعون واحداً منها ملك الأملاك، ويجعلونه رأساً على ما يعبدون.

اختلاف أهل الكتب غير الإسلام:
فمنهماليهود فعامتهم جعلوه لحماً ودماً كمقالة مقاتل بن سليمان وقال: أبيض الرأس واللحية، والسامرية: لا يشبه شيئاً ؛والأصبهانية: عزير ابن الله. وعامة اليهود تقول ذلك لا على معنى يعقل. وقالوا ذلك من أجل أن بختنصر لما هدم بيت المقدس وقتل قراء التوراة كان عزير صغيراً فلم يقتله، ثم مات عزير بابل ورجع بنو اسرائيل إلى بيت المقدس، ولم يكن معهم أحد ليجدد لهم التوراة، فلما بعث الله عزيراً أتاهم وقال: أنا عزير. فكذبوه وقالوا: إن كنت إياه فأمل علينا التوراة ففعل فقال بعضهم: أبي حدثني أن التوراة جعلت في خابية ودفنت في أصل كرم لنا فانطلقوا فاستخرجوها. ونظروا فإذا هو لم يغادر منها شيئاً فقالوا: ما قدر على هذا إلا وهو ابن الله. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
النصارى:
النسطورية واليعقوبية والملكانية واللاهوتية والصقالبة، فالنسطورية منسوبون إلى نسطور الإسكندراني يقول: عيسى كلمة الله وروحه حلت في بطن مريم بطبيعة لاهوتية ويقولون: إنه ليس بجسم وفي عيسى روحان قديم ومحدث. والملكانية وصاحبهم توقياس قالوا: ليس في عيسى نفس مخلوقة والله اسم لثلاث معان: اب وابن وجوهر ثالث وهو روح القدس. واليعقوبية إلى يعقوب يقولون: عيسى كلمة الله وكلمة الله لا لحم ولا دم. ثم نزل في بطن مريم عليها السلام فاتخذ من لحمها هيكلاً فصارت الكلمة لحماً ودماً، فذلك هو الإبن اللاهوتي، وكاتن في مكان ثم صار في مكان، وهم ينالون مذهبهم للفظة زعموها في الإنجيل. والصابئون هم قوم من النصارى الصقالبة يقرون بالخالق فيسمونه نعم، وكان له ولد فغرقت الدنيا ولم يبق إلا الله، كأنهم يعنون نوحاً.
المتبجح بالتعطيل:
أبو نواس:
وأيسر ما أبثك ان قلبي ... بتصديق القيامة غير صاف
ديك الجن:
أأترك لذة الصهباء عمداً ... لما وعدوه من لبنٍ وخمر
حياةٌ ثم موتٌ ثم بعثٌ ... حديث خرافةٍ يا أم عمرو
وغضب الفضل بن الربيع على أبي نواس وقال أنت القائل:
يا أحمد المرتجى في كل نائبةٍ ... قم سيدي نعص جبار السموات
فقال: نعم. فسال جماعة من الفقهاء عنه فكل قال بحل دمه، فقال أبو نواس: إن كنتم قلتم ذلك من عقولكم فقبحاً لها وتخميناً فما أبعدكم من العقل، هل للسماء من جبر أو كان بها كسر فاحتيج إلى أن تجبر بعض الثنوية؟
عجبت لكسرى وإيوانه ... وغسل الوجوه ببول البقر
وقيصر لما ثوى عاكفاً ... لما عملته أكف البشر

وعجب اليهود برب يسر ... بسفك الدماء وشم القدر
وعند النصارى طريق النجاة ... بشرب الخمور وترك الزفر
وقومٌ يرومون بيت الحرام ... لرمي الجمار وحلق الشعر
يعيبون إذا أبصروا ساجداً ... لشمس النهار وضوء القمر

ذم المتبجح بالميل إلى الزندقة والتمجس:
شاعر:
ليس بزنديقٍ ولكنما ... أراد أن يوشم بالظفر
قال:
تزندق معلناً ليقول قومٌ ... إذا ذكروه: زنديق ظريف!
فقد بقي التزندق فيه وسماً ... وما قيل الظريف ولا اللطيف
وقال:
إذا ذكر الشرك في مجلسٍ ... أضاءت وجوه بني برمك
فإن تليت عندهم آيةٌ ... أتوا بالأحاديث عن مزدك
وقال:
يصيح لكسرى حين يسمع ذكره ... بصماء عن ذكر النبي صدوف
ويعجبه أخبار كسرى ورهطه ... وما هو في إعجالهم بشريف
علي بن الحسين الكاتب في الكندي:
ما أرغب الكندي في الزندقه ... تعساً ليعقوبٍ فما أحمقه!
لو علق الكندي في حلقه ... قلفةً ناء أبداً مخنقه
ما كان إلا مؤمناً مسلماً ... لا غفر الله لمن زندقه!
نوادر لمن أسلم عن كفر:
قيل لمجوسي أسلم وكان يتعاطى كل ما يتعاطاه في التمجس: ما أحسن ما عملت أسقطت عن نفسك الجزية!وأسلم نصراني فقالت أمه: سخنت عيناك محمد لم يعرفك والمسيح تبرأ منك. ولما أسلم صاعد قصده أبو العيناء مرتين فوجده يصلي فقال: لكل جديد لذة. وأسلم رجل فقيل له: صل اليوم. فقال: لا أبتدئ اليوم بالصلاة والقمر في المحاق.
نوادر من مال إلى الكفر:
سئل زنديق عن الأضحى فقال: وباء كل سنة يقع في الأغنام والبقر!وختن رجل ابنه فقال: أوه قتلتني!فقال: إنما قتلك أبوك إبراهيم. ولما أسر عيينة بن حصر دخل المدينة فقال له رجل: يا منافق!فقال: يا بارد متى كنت مسلماً حتى أكون منافقاً؟
نوادر في مناظرة النصارى والمجوس واليهود:
قال بعض المتكلمين لبعض النصارى: لم قلتم إن لله تعالى ولداً؟فقال: لأن كل من لم يكن له ولد يكون عقيماً. وهو وصف نقص. قال: فهل للإبن ابن؟قال: لا. قال: فإذاً يكون عقيماً. وجلس المأمون وبحضرته المتكلمون والجاثليق فأقبل الموبذ فقال: يا أمير المؤمنين أتحب أن أضحكك من الموبذ. فأقبل على الموبذ وقال: هذا يزعم أن باب الجنة في حر أمه فكلما أكثر من جماعه كان أقرب إلى باب الجنة فقال الموبذ: ما كنا نفعل ذلك حتى أخبرنا أن إلهكم خرج من ذلك، فأخجله، وضحك المأمون حتى فحص برجله. وقيل: أول ما ظهر من كيس إياس ابن معاوية أنه كان في المكتب فسمع عند المعلم نصارى يعيبون الإسلام فقال: من العجب أنكم تقولون أنكم في الجنة تأكلون وتشربون ولا تتغوطون. فقال إياس: أفما علمتم أن الدنيا مرآة الآخرة؟قالوا: نعم. قال: أفكلما يؤكل في الدنيا يخرج غائطاً؟قالوا: لا قال: فأين يذهب؟قالوا: غذاء!قال: فما يبعد أن يكون كل ما يؤكل في الجنة يكون غذاء. فقال المعلم: قاتلك الله منكراً!وقال يهودي لمسلم: أنتم قريبو العهد بنبيكم وافتتنتم. فقال: أنتم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم اجعل لنا غلهاً كما لهم آلهة. وناظر المأمون ثنوياً فقال: أخبرني هل ندم مسيء على فعله قط؟قال: نعم. قال: فالندم على الإساءة ما هو؟قال: إحسان لكني أقول أن الذي أحسن غير الذي أساء. قال: فهذا الذي ندم على فعله أو فعل غيره؟فأفحمه. وغرق مجوسي في البحر فجعل يقول: يا نار فارس يا نار أذربيجان!فقال: قل يا رب النار فإنك لو وقعت موقعها لكنت أسوأ حالاً منك!وقال ابو الهذيل لمجوسي: ما تقول في النار؟قال: بنية الله. قال: قالبقر؟قال: ملائكة الله تعالى. قال: فالماء؟قال: ثور الله. قال: فالجوع والعطش؟قال: هما فقراً بهمن وفاقته. قال: فمن يحمل الأرض؟قال: بهمن الملك. قال: بئسما عملتم أخذتم الملائكة ذبحتموها، ثم غسلتموها بنور الله، ثم شويتموها ببنت الله، ثم دفعتموها إلى فقر الشيطان وفاقته، ثم سلحتموها على الملك.
المتبجح بارتكاب المحظور المحتج له:

قيل لأبي الطمحان: ما أدنى ذنوبك؟قال: ليلة الدير، نزلت على نصرانية فأكلت عندها طنشيلاً بلحم خنزير، وشربت من خمرها وزنيت بها، وسرقت كساءها. وقيل لرجل: من أين؟فقال: من دير ليلى وزنت درهمين وأكلت رغيفين وشربت رطلين، وعملت فردين ولم أبع نقداً بدين. ورؤي شيخ يعفج أتاناً يوم الجمعة وكلما ضرطت صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: تنيك أتاناً؟فقال: عوضني عنها أختك وأنا أترك الأتان. فقيل له: في يوم الجمعة؟قال: تضمنها إلى يوم السبت؟فقيل له: ولم تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟فقال: الاير يضرط الأتان.

اختلاف الناس في القدر:
قالت عامة المعتزلة: إن الله يقدر على فعل الظلم ولكن لا يفعل، والدلالة على قدرة على ذلك قوله تعالى " إن الله لا يظلم مثقال ذرة " وقوله " ولو شاء الله لأعنتكم " . وإنما يتمدح بذلك من قدر على ضده. وقال بعضهم: لا يوصف بأنه قادر على الظلم. وقال بعضهم: لا يقدر على ذلك. وقال جهم بن صفوان: إن الله تعالى يفعل ما نعتقده ظلماً ولكنه عدل. وقالت المعتزلة: قدرتنا تصلح للضدين. وقال جهم: تصلح لأحدهما، فالكافر لم تجعل له قدرة على الإيمان، والمؤمن لم تجعل له قدرة على الكفر.
من ذهب مذهب أحد الفريقين من الشعراء:
قال بعض العلماء: قد ذهب الأعشى مذهب المعتزلة في قوله:
استأثر الله بالوفاء وبالعد ... ل وولى الملامة الرجلا
صالح بن عبد القدوس:
ولا أقول إذا ما جئت فاحشةً: ... إني على الذنب محمولٌ ومجبور
وقال:
لا تحل أفعالنا اللائي نذل بها ... إحدى ثلاث خصال في معانيها
إما تفرد مولانا بصنعتها ... فاللوم يسقط عنا حين نأتيها
فكان يشركنا فاللوم يلحقه ... إن كان يلحقنا من لائمٍ فيها
ولم يكن لإلهي في جنايتها ... صنعٌ فما الصنع ألا ذنب جانيها
الصاحب:
اصفع الجبر الذي ... بقضا السوء قد رضي
فإذا قال: لم فعلت ... فقل: هكذا قضي!
الزامات في المناظرة لمن ذهب مذهب المعتزلة:
قال أبو العتاهية لثمامة: ألا ترضى من خلق المعاصي رباً؟قال: لا ولا عبداً. وحضر يوماً عند الرشيد فحرك أبو العتاهية اصبعه وقال لثمامة: من حرك هذا؟قال: ابن زانية!فقال أبو العتاهية: أفتوني. فقال ثمامة: إن قلت أني حركتها فقد تركت المذهب، وإن قلت حركها غيري فلم أشتمك وإنما شتمته.
الزامات مخالفيهم:
صحب مجوسي معتزلياً فقال: ما بالك لا تسلم؟قال: حتى يشاء الله. فقال: قد شاء الله ولكن الشيطان لا يدعك. فقال: أنا مع أقواهما.
النهي عن الخوض في ذكر القدر:
روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آخر الكلام في القدر لشرار هذه الأمة. وقال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن القدر: إن الله لا يطالب بما قضى وقدر، وإنما يطالب بما نهى وأمر. وقال الأصمعي: سألت أعرابياً عن القدر فقال: ذاك علم اعتصمت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون، فالواجب علينا أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه. وذكر القدر عند أعرابي فقال: الناظر في القدر كالناظر في ضوء الشمس، يعرف ضوءها ولا يقف على حدودها. وقيل: اختصمت بنو اسرائيل في القدر خمسمائة سنة، ثم صاروا إلى عالم فسألوه عنه فقال: القدر حرمان للعاقل وظفر للجاهل ولم يعرف القدماء القدر.
حماقات العوام المجبرة:

قال ابو المنذر وكان من أجلة القراء المصريين: ما كان موسى إلا قدرياً حيث قال: وما أنسانيه إلا الشيطان . وقال: هذا من عمل الشيطان. وقال: لا أملك إلا نفسي وأخي. فلم يرض أن أدعي أن يملك نفسه حتى ادعى أنه يملك أخاه. ووجد عامي رجلاً يفجر بجاريته في دهليزه فأراد رفعه إلىالسطان فقال: اتق الله فهذا قضاء الله علي!فقال: قد عفوت عنك لمعرفتك بالسنة. ومر جعفر بن حرب برجل يقول: ما سرق مالي بعد الله إلا فلان فاطلبوه، فقيل له: قد ظفرت بأحد اللصين فكر وراء الآخر. وانكسرت رجل رجل فقيل له: اطلب مجبراً يجبرها. فقال: معاذ الله أيكسره الله وأجبره أنا؟إني إذاً عاديته. وكان عبادة مجبراً فناظره الزيادي عند المتوكل فقال: أترضى بقضاء الله؟قال: نعم. قال: إن دخلت دارك ورأيت رجلاً مع ا(مرأتك أليس ذلك بقضاء الله؟قال: ما عندي جواب فإني إن قلت رضيت أكون ديوثاً، وإن قلت لم أرض أكون قدرياً!فسقط امتوكل ضحكاً.

حكايات عن الأوائل:
حكى بعض الأوائل أن عبد الله بن الحسن قال لابنه محمد: يا محمد إن لامك لائم في العزل فما يكون من جوابك؟قال: أقول أتلومني على ما أقدر على تركه أم على ما لا أقدر على تركه؟فإن قال على ما لا تقدر على تركه قلت له: كيف أترك ما لا أقدر على تركه؟وإن قال الأخرى قلت له: صرت على قولي. قال: لله درك. وقال موسى بن جعفر: ليس من العدل أن يشترك اثنان في فعل فيعذر القوي ويلام الضغيف. يعني ما يقوله الأشعرية: ما من حركة ولا سكون إلا والله خالقه والعبد مكتسبه. وقال بعضهم: لو كان الزنا مما قضى الله لكان الرضا خيرة فجماع الناس على قولهم: الخيرة فيما قضى الله. وقيل: إن الحسن لما بلغه قول الحجاج بعد قتله لسعيد بن جبير الله قتله. قال: لعن الله قوماً باتوا وأقلامهم تجري بدماء المسلمين وأموالهم، ويقولون إنما تجري بأقلام الله، وكذبوا لأن اقلام الله تجري بالبر والتقوى، وأقلامهم تجري بالإثم والعدوان، فإن كذبوا وزعموا أن الله قد أسر عندهم كتاباً نهاهم عنه في العلانية لقد اغتشوا ربهم واتهموه وقالوا عنه قولاً عظيماً. وقال محمد بن سيرين لرجل: كيف جارك النصراني؟فقال: كما شاء الله. قال: قل كما علم الله إن الله لا يشاء المعاصي. وأتى عمر بسارق فقال له: ما حملك؟قال: قضاء الله. فقطع يده وقال: هذه للسرقة، وجلده، وقال: هذه لكذبك على الله. وسئل ابن خفيف: هل منع إبليس من السجود أو امتنع؟فقال: منع في لسان حكمه وامتنع في لسان ملكه. وقيل ليحيى ابن معاذ: إن الله ضمن أرزاقنا أضمنها حلالاً أم حرماً؟فقال: إن الله وعدنا شيئين فإن وفينا له وفى لنا، أوجب الطاعة على أن يجعل لنا الجنة وأوجب الصبر على أن يطعمنا الحلال، فإن صبرنا أكلنا الحلال وإن لم نصبر وقعنا في الحرام.
الإيعاد والإستطاعة:
قال أبو عمرو ابن العلاء لعمرو بن عبيد: أتيئس الناس من عفو ربهم والعرب تتمدح بإنجاز مواعيدها وتناسي وعودها؟زعلى ذلك قول الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وروى أن عمراً قال: إن الشاعر قد يذم بعض ما يمدح، فأين أنت عن كتاب الله: ما يبدل القول لدي؟وأن أبيت إلا الشعر فقل كما قال الأول:
إن أبا ثابت لمجتمع الرأ ... يعطى لضرورة الحل كريم الاباء والبيت
لا يثبت الوعد والوعيد ولا ... يثبت من ثاره على فوت
وقيل: ثلاثة ضمنهم الله على نفسه: إن الله لا يضيع أجر المحسنين، إن الله لا يهدي كيد الخائنين، إن الله لا يصلح عمل المفسدين. ورأى محمد بن سويد بخارياً فقال البخاري: أتقول لا استطاعة قبل الفعل وما من عامي إلا ويعلم خلاف قولك؟فقال: بل يعلم خلاف قولك فانظر، فدعا بحمال فقال: إن هذا يزعم أنك لا تستطيع حمل هذا الكوز، فقال: أم الذي يقول هذا ألف فاعلة.
خلق القرآن:

قال الذهبي: سألت جعفر بن محمد عن القرآن فقال: لا أقول خالق ولا مخلوق. واحتج بهذا أحمد بن حنبل رضي الله عنه على المعتصم فقال ابن أبي دؤاد: أين حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلق الله خلقاً أعظم من آية الكرسي؟وكان الخليل يمنع أن يوصف الكلام بالمخلوق فيقول: الكلام متى وصف بالخلق فالقصد به الكذب؟ولهذا يقال: هذا كلام خلقه فلان أي تقوله. وقال بعضهم: أصفه بأنه محدث ولا أقول بأنه مخلوق لقوله تعالى " ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدث " وسمع خنث رجلاً يقرأ قراءة قبيحة فقال: أظن هذا القرآن الذي يزعم ابن أبي دؤاد أنه مخلوق.
أبو العالية:
لو كان رأيك منسوباً إلى رشدٍ ... وكان عزمك عزماً فيه توفيق
لكان في الفقه شغلٌ لو قنعت به ... عن أن تقول كلام الله مخلوق
ماذا عليك وأصل الدين يجمعكم ... ما كان في الفرع لولا الجهد والموق
وكان بعض القصاص بأصبهان يتشدد في خلق القرآن، فسئل عن معاوية: هل كان مخلوقاً؟فقال: نعوذ بالله من نهايات الجهالات!

رؤية الله تعالى وتقدس:
من نفى عن الرؤية احتج بقلوه تعالى " لن تراني " وذلك مذكور على طريق التمدح فلا يختص به وقت دون وقت، ومخالفوه بقوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " . وقالت عائشة رضي الله عنها: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، ولكنه قد رأى جبريل مرتين في صورته وخلقه ساداً ما بين الأفق. وقال ابن عباس لقد رأى من آيات ربه الكبرى أنه رأى جبريل على رفرف قد سد أفق السماء. وروى أن أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه سمع رجلاً يقول: والذي احتجب بسبع سماوات، فقال: إن الله لا يحجبه شيء عن شيء. فقال: هل أكفر عن يميني؟قال: لا لأنك حلفت بغير الله ومن حلف بغيره لا تلزمه.
مما جاء في الأنبياء والمتنبئين
أدلة نبوة النبي في القرآن:
إعجاز العرب عن الإتيان بمثل القرآن حيث قال الله تعالى: " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ مثله " . فلم يقدروا مع فصاحتهم وبلاغتهم على الإتيان بمثله. وإخباره عن غيوب تحققت نحو: الم غلبت الروم، فكان كما ذكر. وقال: إذا جاء نصر الله والفتح؛يعني فتح مكة فكان. وقال: قل للمخلفين من الأعراب " الآية " فكان كما قال. وقال: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " الآية " فوعدوه إلى وادي باهلة. فقال: والذي نفسي بيده أن باهلوا أضرم الله عليهم الوادي فامتنعوا. وقال: إنا كفيناك المستهزئين؛كانوا الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن عبد المطلب والعاص بن وائل، والحارث بن الطلاطلة فنزل جبريل عليه السلام وقال: إذا طافوا بالبيت فاسأل فيهم ما أحببت حتى أفعل، فمر به الأسود فرمى بوجهه بورقة خضراء وقال: الهم اعم بصره وأثكله ولده ففعل. ومر بالأسود بن عبد يغوث فأومأ إلى بطنه فشق، فمات. ومر بالوليد بن المغيرة فاندمل جرح ببطنه فمات، ومر به العاص فأشار إلى أخمص رجله فدخل به شوك فمات، ومر به الحارث فأومأ إليه فتفقأ قيحاً فمات.
معجزاته المشهورة من فعلاته وأخباره الدالة على صدقه:

لما أصاب مضر الجهد ونهكهم الأزل سألوه أن يسأل الله تعالى الغيث لهم، فسأل فأتاهم ما هدم بيوتهم حتى قال صلى الله عليه وسلم: حوالينا ولا علينا، فأمطر الله تعالى ما حولهم وأمسك عنهم. وكتب عليه الصلاة والسلام إلى كسرى وبدأ باسمه فمزق كتابه فقال: اللهم مزق ملكه كل ممزق!فجذ الله تعالى أصله فكل ملك له بقية إلا ملكه. وكتب كسرى إلى فيروز الديلمي أن احمل إلي رأس هذا العبد الذي بدأ باسمه قبل اسمي ودعائي إلى غير ديني. فأتاه فيروز فقال: إن ربي أمرني أن أحملك غليه فقال صلى الله عليه وسلم: إن ربي أخبرني أنه قتل ربك البارحة، فالبث فإن جاءك ما دل على صدقي وإلا فأنت على رأس أمرك!فأتاه الخبر أن شيرويه قتل أباه في الليلة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم. فأسلم فيروز وحسن غسلامه، وهو الذي قتل مسيلمة. وقال في زيد بن صوحان: يسبقه عضو منه إلى الجنة فقطعت يده في يوم نهاوند. وقال عمر رضي الله عنه: فلأنزهن ثنيتي سهيل بن عمرو فلا يقوم عليك خطيباً. قال: فعسى يقوم مقاماً محموداً. فكان منه ما بلغنا حين هاج أهل مكة عند موته صلى اللله عليه وسلم وضلت ناقته، فقالت قريش: إن هذا يخبرنا عن السماء ولا يدري أين ناقته. فصعد المنبر وخطب فقال: إني لا أعلم إلا ما علمني الله وقد أخبرني أنها في وادي كذا، وتعلق زمامها بشجرة، فوجدوها كذلك. وأخبار الأمم بذلك كثيرة. وكلمته الذراع المسمومة والذئب والبعير. وأظلته غمامة وحن إليه عود المنبر وأطعم عشراً من ثريدة، وسقى عالماً ووضأهم بميضأة في جسم صاغ، وأمر بيده على ضرع شاة حائل حتى عادت كالحامل وما أرى أبا جهل حين أهوى بالصخرة نحو رأسه، فهوى له فحل ليلقم رأسه فرمى الصخرة وعاد إلى اصحابه ممتقع اللون فقال: كان كذا وكذا.

ما دل على نبوته من أخبار الفرس:
قيل: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى اله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، فسقطت منه اثنتا عشرة شرافة، وخمدت نار فارس ولم تكن خمدت قبل بألف عام، وغارت بحيرة ساوة فجمع كسرى الأكابر وأخبرهم فقال الموبذان: وأنا قد رأيت الليلة إبلاً صغاراً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادنا. فقال: وما هو؟قال: حادث يكون من العرب!فكتب إلى النعمان ابن المنذر أن ابعث إلي عالماً فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن نفيلة الغساني، فلما أخبره قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشأم. فقال له: اذهب وائتني بخبره فذهب وقال له: أصم أم يسمع غطريف اليمن. فلما رفع صوته رفع سطيح رأسه وقال: عبد المسيح على جمل مشيح إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك ساسان لارتجاج الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموذبان!ثم قال: يا عبد المسيح إذا بعث صاحب الهراوة وكثرت التلاوة وفاض وادي سماوه وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس فليست الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك على عدد الشرافات وكل ما هو آت آت، فأثار عبد المسيح راحلته وهو يقول:
شمر فإنك ماضي الأمر شمير ... لا يفزعنك تفريقٌ وتغيير
الخير والشر مقرونان في قرنٍ ... والخير متبعٌ والشر محذور
ما دل على نبوته مما أنزل الله تعالى في الكتب الأول:
قال الله تعالى " الذي يجدونه مكتوباً عندهم واسمه مشفح ومعناه محمد " .
كثرة آيات الأنبياء وقلتها:
قال العلماء رضي الله عنهم: كثر إعلام موسى لأن عمله كان مع غباوة بني إسرائيل ونقصان أحلام القبط. قال الجاحظ: ومتى أردت ذلك قانظر إلى بقاياهم هل لهم حكمة أو مثل أو شعر، وانظر إلى أولادهم مع طول لبثهم معنا هل تغيرت بذلك أخلاقهم؛ثم من غباوتهم ما حكى الله تعالى عنهم في قوله " اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، وأرنا الله جهرةً، واذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " . وآياتهم انقطعت بموتهم وعرفها بن بعدهم، وجعل من معجزات نبينا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأشرك الله تعالى فيه السلف وجعله باقياً على مرور الأزمان.
من ادعىالنبوة برقاعة غير حذق:
قيل للأحنف وكان ممن زف سجاح إلى مسيلمة: ما وجدته؟قال: ما هو بنبي صادق ولا متنبئ حاذق؛وفيها يقول:
أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

ولما تنبأت سجاح اتبعها ناس كثير من بني تغلب ومسيلمة باليمامة، وكان أصحاب سجاح يكذبون مسيلمة وأصحاب مسيلمة يكذبون سجاح فقالت سجاح: نذهب إليه فإن كان نبياً أطعناه، فذهبت بقومها فأغلق باب حصنه وشارطها على الدخول وحدها، فلما خلت به قالت: ما أنزل عليك؟قال: إنه يحل لي أن أنكح المتزوجات وتصبو إلي المرأة الفضيلة تجدها في وتدع زوجها. قالت: فهل من آية غيرها؟قال: لم أومر بآية فأقلع عنها حتى تقبل أو ترد. قالت: فقد ركنت إلى ذلك. قال فاسمعي:
ألا قومي إلى المهجع ... فقد هيء لك المضجع
فإن شئت علقناك ... وإن شئت على أربع
وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
ثم واقعها فخرجت إلى قومها فقالت: إني وجدت نبوته صادقة وتزوجته. فقالوا لها: إنا نكره رجوعنا بها بلا صداق. قال: قد حططت عنكم صلاة الفجر والعشاء الأخيرة. وقيل لنبي: ما دليلك قال: القرآن أما قال الله تعالى " إذا جاء نصر الله والفتح " واسمي الفتح. قالوا: فينبغي أن يشركك في النبوة من اسمه اسمك. قال: كم في الناس من محمد والله تعالى يقول " وما محمد إلا رسول " . ومن خرافات مسيلمة أنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة إلى محمد، أما بعد فإن الأرض بيننا وبين قريش نصفين، ولكن قريشاً قوم يظلمون!فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
نوارد من تنبأ فقتل: تنبأ رجل في زمن ابن هبيرة فصلب، فمر به خلف بن خليفة فقال: أما أنزل عليك قرآن؟قال: نعم إنا أعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر، إن عدوك هو الفاجر. فقال ابن خليفة: إنا أعطيناك العمود فصل لربك على العود، وإنا كفيلك أن لا تعود!وادعى رجل النبوة وادعى أنه نوح فصلب، فمر به مجنون فقال: يا نوح لم تحصل من سفينتك إلا على دقل؟وتنبأ آخر في زمن الرشيد فضربه بالسياط فأخذ يصيح فقال له المامون: اصبر كما صبر أولو العزم من الرسل؛فاستطار الرشيد إعجاباً بقوله. وتنبأ رجل فأمر بضربه والطواف فجعل يقول:
أنا مالي والنبوة ... ليس لي بالناس قوة
تركوا بطني وظهري ... فيهما عشرون كوة

متنبئ طالبه سلطان بمعجزته فتخلص:
تنبأ رجل في زمن المأمون فقال: أنا إبراهيم الخليل. فأحضره وقال: إن إبراهيم ألقي في النار فصارت عليه برداً وسلاماً، فهلم نلقيك في النار لنعرف معجزتك. فقال: هات غير هذا. قال: ائتني بمثل براهين موسى وعيسى عليهما السلام. قال: جئتني بالطامة الكبرى!قالوا: ما لك معجزة؟قال: سألتهم وقلت أنكم توجهونني إلى قوم شياطين فأعطوني حجة وإلا لم أذهب، فقال جبريل: أخذت في الشؤم الساعة اذهب أولاً وانظر ما يقولون، فضحك المأمون وقال: هذا هاجت به السوداء فخلوا عنه. وتنبأ آخر في زمن الواثق فأدخل عليه وهو على بركة فقال له: اضرب بعصاك هذا الماء حتى ينفلق. فقال: حتى تقول أنا ربكم الأعلى. وقيل لآخر: ما معجزتك؟قال: ائتوني بجارية أحبها حتى يكلمكم جنينها. فقالوا: هذه الشاة إن أحبلتها فأنت نبي. فقال: أنتم تريدون تيساً لا نبياً!وقيل لآخر: ما نبوتك؟قال: في حر أم من يشك في نبوتي. فقال: عبادة أشهد بنبوتك. وتنبأ آخر في زمن المعتصم وقال: أحيي الموتى ائتني بسيف أضرب به عنق أبي دؤاد ثم أحييه. فقال ابن أبي دؤاد: آمنت بك. وأتي المأمون بآخر فقال له: ما تقول؟قال: قال لي ربي لا تكلم المأمون بشيء واذهب إلى الهند!فضحك وأطلقه. وأتي المهدي بمتنبي فقال له: إلى من بعثت؟قال: أو تركتموني؟بعثت بالغداة فحبست بالعشي.
مما جاء في مبدأ القرآن ونزوله

قال النبي صلى الله عليه وسلم: بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً فرفعت رأسي، فإذا بالملك الذي جاءني على كرسي بين السماء والأرض، فجئت خديجة فقلت: زملوني زملوني فأنزل الله تعالى " يا أيها المزمل " !وعن جابر أن ذلك أول ما نزل. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أول ما نزل من الوحي " اقرأ باسم ربك الذي خلق " وإن والقلم. وقال الزهري: أول آية نزلت في القتال " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " . وقال علقمة: كل ما في القرآن من قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا " فإنه نزل بالمدينة أو يا أيها الناس، فإنه نزل بمكة. وقيل: نزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل في عشرين سنة. وذلك قوله تعالى " وقرآناً فرقناه " وقال البراء: أخر آية نزلت " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، وقال ابن عباس: آخر آية نزلت " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله " . فمات صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بليال. وقيل: آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا والوالدين.

جمع المصاحف:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت سورة قال: ضعوا هذه في الموضع الذي ذكر فيه كذا. وروي أن عمر رضي الله عنه كان قد جمع القرآن في مصحف كان عند حفصة، وهو الذي أرسل مروان فيه وهو والي المدينة إلى عبد الله بن عمر يوم ماتت حفصة، فأمر بإحراقه مخافة الاختلاف. وقال أبو بكر: إن عمر لما رأى القتل قد استحر بقراء القرىن يوم اليمامة قال: إني لأخشى أن يذهب قرآن كثير، وإني أرى أن يجمع القرآن، فقلت: كيف أفلع ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه لخير، فشرح الله صدري ففعلت. وقيل: أول من جمع القرآن بين لوحين أبو بكر رضي الله عنه. وقال زيد بن ثابت: دعاني أبو بكر وقال: إنك رجل شاب وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمع القرآن واكتبه؛ففعلت. وقيل: أحرق عثمان رضي الله تعالى عنه مصحف ابن مسعود وأن ابن مسعود كان يقول: لو ملكت كما ملكوا لصنعت بمصحفهم كذلك. وأحرق مروان مصحف عمر رضي الله عنه. وقيل: القرآن ثلاثمائة ألف حرف وواحد وعشرون حرفاً، ، وهو ستة آلاف وستمائة وتسع وتسعون آية.
ما ادعى أنه من القرآن مما ليس في المصحف وما ادعى أنه منه وليس فيه:
أثبت زيد بن ثابت سورتي القنوت في القرآن، وأثبت ابن مسعود في مصحفه: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: لولا أن يقال زاد عمر في كتاب الله تعالى لأثبت في المصحف، فقد نزلت الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله شديد العذاب. وقالت عائشة: لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير وكانتا في رقعة تحت سريري، وشغلنا بشكاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت داجن فأكلته. وقال علقمة: أتيت الشام فجاء رجل فقعد إلى جنبي فقي لي: هو أبو الدرداء، فقال: ممن أنت؟قلت: من الكوفة. قال: أتحفظ كيف كان يقرأ " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى " قلت: نعم هكذا أقرأنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفوه إلى فيّ فما زال هؤلاء بي حتى كادوا يردونني عنهما وأثبت ابن مسعود: بسم الله في سورة البراءة. وقالت عائشة: كانت الأحزاب تقرأ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مائة آية، فلما جمعه عثمان لم يجد إلا ما هو الآن وكان فيه آية الرجم، وأسقط ابن مسعود من مصحفه أم القرآن والمعوذتين.
قراءة تخالف صور حروفها ما في المصحف أو ترتيبها:
قرئ بدل كالعهن: كالصوف، وبدل كالحجارة فكانت كالحجارة. وذكر بعض العلماء أن ابن عباس كان يجوز أن يقرأ القرآن بمعناه، واستدل بما روي عنه أنه كان يعلم رجلاً طعام الأثيم فلم يكن يحسن الثيم. فقال: قل الفاجر، وليس ذلك بشيء فيما ذكره جل العلماء، لأن ابن عباس أراد أن يعرفه الثيم فعرفه بمعناه لما أعياه وقرئ بدل والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما: فاقطعوا أيمانهما. وكان عمر يقرأ: غير المغضوب وغير الضالين. وعبد الله بن الزبير: صراط من أنعمت عليهم، وقرأ بعضهم: وضربت عليهم المسكنة والذل، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه: وجاءت سكرة الحق بالموت.
ما روي فيه زيادة:

قرئ: اصبروا وصابروا ورابطوا. وقرأ بعضهم: وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. وقرأ بعضهم: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى. وقرئ: السارقون والسارقات فاقطعوا أيديهما، وابن عباس: أن لا يطوف وليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج، وعبد الله فلا إثم عليه لمن اتقى. وعن أبي ذرقان فاؤافيهن فإن الله غفور رحيم. وقوله: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر. وقرأ سعد: فإن كان له أخ أو أخت من أبيه. ومثل هذا كثير فلنقتصر على هذا القدر منه.

ما في القرآن من تغيير الكتابة:
كان القوم الذين كتبوا المصحف لكم يكونوا قد حذقوا الكتابة فلذلك وضعت أحرف على غير ما يجب أن تكون عليه. وقيل: لما كتبت المصاحف وعرضت على عثمان وجد فيها حروفاً من اللحن في الكتابة فقاتل: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو ستعبر بها. ولو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف.
ما سد منه لحناً:
ابن عروة عن أبيه قال: سالت عائشة عن لحن القرآن عن قوله: إن هذان لساحران، وعن قوله: والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة، وعن قوله: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون، فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتابة.
الرخصة في اختلاف القراءات:
كان عمر رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما قرأها وكان رسول الله صلى لله عليه وسلم أقرأنيها، فأخذت بثوبه وذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعته يقرأ القرآن على غير ما أقرأتني، فقال: اقرأ فقرأت، فقال صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت. ثم قال لهشام: اقرأ فقال صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت. ثم قال: إن هذا لقرآن نزل على سبعة أحرف فاقرأوها ما تيسر منه. وفي خبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني وقعد ميكائيل عن يساري فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف، وكل حرف شاف كاف.
تعظيم القرآن:
رأى عمر رضي الله عنه مصحفاً بخط دقيق فقال: ما هذا؟فقيل: القرآن كله فضرب صاحبه. وقالوا: عظموا كتاب الله. وكان أمير المؤمنين يكره أن يكتب القرآن في الشيء الصغير. وكان ابن عباس إذا رأى مصحفاً قد فضض أو ذهب يقول: أتغرون به السارق وزينته في جوفه؟وقال أبو ذر: إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدمار عليكم. وقال مالك والشافعي رضي الله عنهما: لا يمس القرآن إلا طاهر. قال الله تعالى: لا يمسه إلا المطهرون. وكان الشعبي لا يرى باساً أن يأخذ بغلافه وهو على غير وضوء. وقال صلى الله عليه وسلم: لا توسدوا القرآن واتلوه بالليل والنهار.
فضل قراءة القرآن:
قال النبي صلى الله عليه وشلم: إن العبد إذا قرأ فحرّف كتبه الملك كما أنزل. وكان ابن مسعود يقول: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة. وقال الله تعالى " الين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته " . قال ابن عباس: يتبعونه حق اتباعه. وقال تعالى في ذم قوم " فنبذوه ورواء ظهورهم " . قال الشعبي: إما أنه كان بين أيديهم ولكن نبذوا العمل به. وقال صلى الله عليه وسلم: قراءتك في المصحف تزيد على قراءتك ظاهراً، كفضل المكتوبة على النافلة.
تعظيم قراء القرآن:
قيل: عظموا من زينه الله بالقرآن وقال صلى الله عليه وسلم: إن من تعظيم الله إجلال ثلاثة: الإمام المقسط، وذي الشيبة، وحامل القرآن لا الغالي فيه ولا الجافي فيه. وكان عمر رضي الله عنه يجيري على كل حافظ قرآن مائة دينار.
فضل تعلم القرآن وتعليمه:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا لقرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته. وروي عنه: خياركم من تعلم القرآن وعلمه. وقال عقبة بن عامر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق، فيأخذ كل يوم ناقتين كوماوين زهراوين في غير غثم ولا قطيعة رحم؟فقلنا: كلنا يا رسول الله. قال: فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين ومن ثلاث. وقيل في قوله تعالى " قل بفضل الله وبرحمته " بالإسلام والقرآن.
الرخصة في أخذ الأجرة بتعليمه:

مما يدل على الرخصة في ذلك ما روى أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن نفراً من أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم مروا بحي من أحياء العرب، فلدغ رجل منهم فقالوا: هل فيمن من راق؟فرقاه رجل بأم الكتاب فأعطي قطيعاً من الغنم، فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال: من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق، اضربوا معكم بسهم. وقال صلى الله عليه وسلم: تعلموا القرآن وسلوا الله به من قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة نفر: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله. وأقرأ أبي رجلاً من أهل اليمن سورة فأعطاه فرساً فقال: إن كنت تريد أن تقلد سيفاً من النار فخذها.

الجهر والمخافتة:
مر صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وهو يخافت، وبعمر يجهر فسألهما فقال أبو بكر: إني أسمع من أناجي. فقال صلى الله عليه وسلم: ارفع شيئاً. وقال عمر: اطرد الشيطان وأوقظ الوسنان. فقال: اخفض شيئاً كأنه ذهب إلى قوله تعالى " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " .
المدة التي يستحب فيها الختم:
سأل قيس بن صعصعة النبي صلى الله عليه وسلم: في كم اقرأ القرآن؟قال: في كل خمس عشرة. قال: إني أجد في أقوى من ذلك. قال: ففي كل جمعة. وقال سعد بن المنذر الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن في كل ثلاث؟قال: نعم إن استطعت. وكان سليمان يقرأ القرآن في كل ليلة ثلاث مرات، يقعد في كل مرة فيجامع امرأته ويغتسل، فلما مات قالت: رحمك إن كنت لترضي ربك وأهلك. وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقرأ القرآن في ركعة.
تحقيق القرآن والتغني به:
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: اعربوا القرآن فإنه عربي. وقال ابو بكر: لا أعرب آية من القرآن أحب إلي من أن أحفظ آية. أ وقالعمر: تعلموا إعراب القرآن كما تتعلمون حفظه. وقال صلى الله عليه وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم. ودخل صلى الله عليه وسلم المسجد فسمع صوت رجل فقال: من هذا؟قيل: عبد الله بن قيس. فقال: لقد أوتي هذا من مزامير آل داوود. وكان عمر إذا رأى أبا موسى يقول: ذكرنا ربنا، فيقرأ عنده، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يتغن بالقرآن فقد تأولوه على هذا وعلى الاستغناء. وكره بعض الفقهاء التحدث بهذا الحديث كراهة أن يتأول على الألحان المكروهة. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن قوماً يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم وأعلمهم ليغنيهم به غناء. وقال الهيثم العلاف: قرأت عند المنصور فقال ما لكم أهل البصرة اقرأ البلاد؟فقلت: إن أهل الحجاز قرأوا على النصب غناء العرب، وأهل الشام قرأوا على قراءة الرهبان، وأهل الكوفة قرأوا على قراءة النبط، والبصرة على الخسرواني غناء فارس.
النهي عن المراء فيه وعن تفسيره:
قال صلى الله عليه وسلم: لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر. وسئل ابو بكر عن قوله تعالى " وفاكهة وأباً " فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم.
التداوي بالقرآن:
قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرض يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث. وكان الحسن يكره أن يغسل القرآن ويسقى. وسئل إبراهيم عمن حم فعلق عليه تعويذ فيه: يا نار كوني برداً " الآية " فكرهه. وسئل عطاء عن الرجل يعلق عليه شيئاً من القرآن فقال: ما سمعنا بكراهة ذلك إلا منكم معاشر أهل العراق.
الحذاق بالقرآن:

المشهور منهم ثلاثة عبد الله بن مسعود وأبي وزيد. وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يقرأ القرآن غضاًفليقرأه على قراءة ابن أم عبد. وقال ابن مسعود: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزلت " والمرسلات عرفاً " فأخذتها رطبة من فيه وهو أول من جهر بقراءة القرآن بمكة. وأقرأ معاذ بن جبل رضي الله عنه. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: أقرأكم أبي. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أعرض عليك القرآن فقال أبي سماني لك ربك. قال: " فبفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " . وقال له: أي آية في كتاب الله أعظم؟فقال: " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " . فضرب في صدره وقال: ليهنك العلم ابا المنذر، وإنما أخذ الناس بقراءته لكونه كان آخر من يقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنا نأخذ بالآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله.

بيع المصاحف:
بيعت المصاحف في زمن معاوية. وكره ابن عمر بيع المصاحف. وقال ابن عباس: اشتر المصاحف ولا تبعها. وسئل بعض الفقهاء عن ذلك فقال: كان حبرا هذه الأمة لا يريان ببيعها باساً: الحسن والشعبي.
مما جاء في العبادات
الطهارة والوضوء:
قال الله تعالى " وأنزلنا من السماء طهوراً، وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " . وسئل صلى الله عليه وسلم عن البحر فقال: الحل ميتته الطهور ماؤه. وقال: من لم يطهره البحر فلا طهارة له. وقال صلى الله عليه وسلم: خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه ولونه.
دباغ الجلود:
قال صلى الله عليه وسلم: أيما أهاب دبغ فقد طهر. ومر بشاة لميمونة وقد ماتت فألقيت فقال: هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟وقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس بجلد الميتة إذا دبغ، ولا بصوفها إذا غسل بالماء، واعتبر المزني الغسل في الشعر. وقال الشافعي: نجس غسل أو لم يغسل.
تحليل الأواني وتحريمها:
قال صلى الله عليه وسلم وقد خرج على أصحابه وفي إحدى يديه حرير وفي الأخرى ذهب فقال: هذان حرامان على ذمور أمتي حل لإناثها. وقال صلى الله عليه وسلم: من شرب في آنية من فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم!
السواك:
قال صلى الله عليه وسلم: ما لكم تدخلون علي قلحاً، استاكوا. وقال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. وقال: نظفوا أفواهكم فإنها ممر القرآن. وقيل: السواك مغسلة للفم مجلبة لشهوة الطعام جلاء للاسنان مطلق للسان. وعن ابن عباس: فيه عشر خصال: مرضاة للرب ومسخطة للشيطان ومقربة للملائكة، ومشد للثة وذاهب بالحفر وجال للبصر، ومطيب للفم ومقل للبلغم، وهو من السنة ومما يزيد في الحسنات.
التغوط والإستنجاء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول. ثم رؤي جالساً على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس. فقيل: إن الاستدبار منسوخ، وقيل: لم ينسخ وإنما النهي في الصحراء دونالبيوت. وقال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الملاعن؛وهو التغوط على قارعة الطريق. وقال: من استجمر فليوتر ومن لا فلا حرج. وقال سلمان رضي الله عنه: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أننجتزي بأقل من ثلاثة أحجار نستطيب منهن، ونهى عن الروث والرمة وقال: إنه زاد إخوانكم من الجن. وقال: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه. وأهدى أعرابي إلى عبد الملك شيئاً فقال: كيف أقبله منك وأنت لا تحسن أن تطوف؟أي تقضي حاجتك. فقال: إني لأطيل المشي حتى أتوارى كراهة أن أرى، ولا أستقبل الريح وأجتنب القبلة، وأستتر بالموجود وأقدم رجلاً وأؤخر أخرى، وأفج افجاج الثعلب وأتمسح بالحجر والمدر، وأجتنب الروث والرمة. فقال عبد الملك: أنت نبيل أصيل فقيه، وقبل هديته وأجزل عطيته. وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وروي : أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم. ولم يكن يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
الوضوء:

اعتبر الشافعي رضي الله عنه النية في الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم: الأعمال بالنيات، والتسمية مستحبة لقوله إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله فإنه يطهر جسده، وإن لم يذكر اسم الله لم يطهر إلا ما مر عليه الماء. وقال صلى الله عليه وسلم: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله. وقال: بالغ في الإستنشاق إلا أن تكون صائماً. وقال: خللوا الشعر واتقوا البشرة فإن تحت كل شعرة جنابة. وتوضأ صلى الله عليه وسلم مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ومن توضأ مرتين فهو أفضل ثم ثلاث مرات. وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي. ورأى صلى اله عليه وسلم قوماً تلوح عراقيبهم ما يصيبها الماء فقال: ويل للعراقيب من النار!وكان عبد الله بن وراحة وقع على جارية له ورأته امرأته فأنكر، فأمرته أن يقرأ القرآن فقال:
شهدت بأن وعد الله حقٌ ... وأن النار مأوى الكافرينا
فقالت: صدق الله وكذب بصري ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكره.

كراهة صب ماء الوضوء على الإنسان:
كان الرضا عند لامأمون، فلما قرب وقت الصلاة رأى الخدم يأتونه بالطشت والماء، فقال الرضا: لو توليت هذا من نفسك لأن الله تعالى يقول: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " . فقال: سمعاً وطاعة وأمر الغلمان بانصرافهم. وقد أجازوا ذلك. ووضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء فقال: من صنع هذا؟فقيل: ابن عباس؟. فقال: اللهم فقهه في الدين.
وضوء العرب والحمقى:
كان أعرابي إذا توضأ قدم غسل وجهه على استه ويقول: لا أقدم السوءة على الوجه. وقال أبو مهدية: كنا نتوضأ وضوءة تكفينا السبوع والأسبوعين حتى جاءنا هذا الوالي فأمرنا أن نليق كل يوم استاهنا إلاقة الدواة، فأفسد علينا ما كنا فيه. وانتفض أعرابي ثم أقبل فقيل له: ألا تمس ماء فتتنظف به؟فقال: هبوني غسلت ظاهرها فكيف أصنع بباطنها؟وقال أعرابي: إني لأسبغ الوضوء وما تقع على الأرض مني قطرة. وكان بعض الناس يعاتب ابنه في تركه الوضوء والصلاة فلما أكثر عليه قال: يا أبت إما أن أتوضأ ولا أصلي أو أصلي ولا أتوضا.
نقض الوضوء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيئاً أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. وقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في التقاء الختانين من غير إنزال فقال بعضهم: لا يجب عليه الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء. وقال بعضهم: يجب. فبعث عمر إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: قال صلى اله عليه وسلم: إذا التقى الختانان وجب الغسل. فقال عمر: لئن بلغني عن أحد أنه فعل ذلك ولم يغتسل عاقبته.
سؤر الكلب:
قال صلى الله عليه وسلم: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب.
التنزه من البول وغسله:
قال ابن عباس: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كثير: أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة. ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، ثم قال: لعلهما يخفف عنهما ما لم ييبسا.
المني:
قالت عائشة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا أصاب ثوبه المني غسله وكأني أنظر إلى النقع في ثوبه من أثر الغسل. ورآه صلى الله عليه وسلم في ثوب رجل فقال: امطه عنك باذخرة.
فضل من بات على الوضوء:
قال صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك فتوضأ للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أرسلت وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت في ليلتك مت على الفطرة.
الحيض:
قالت عائشة رضي الله عنها: كنت إذا حضت يأمرني رسول الله صلى اله عليه وسلم أن أتزر ثم يباشرني، وأيكم يملك إربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملك إربه.
التيمم:

قال الله تعالى " فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً " وقال صلى الله عليه وسلم: التيمم ضربتان للوجه وضربة لليدين. وقال صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب وقال: إني أجنبت فلم أصب الماء. فقال عمار بن ياسر لعمر رضي الله عنهما: أما تذكر أنا كنا في سفر فأجنبت أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل وأنا تمعكت بالتراب فصليت، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لي: إنما كان يكفيك هكذا، وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه.

مما جاء في الصلاة
الحث على عمارة المساجد:
قال الله تعالى " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله وباليوم الآخر " وقال صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، لأن الله تعالى يقول " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله. وقال أبو بكر رضي الله عنه: من بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة. وقال الحسن: مهور الحور العين في الجنة كنس المساجد وعمارتها. وروي أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده كان مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزده أبو بكر. وبناه عمر كما كان في عهده صلى الله عليه وسلم ثم غيره عثمان وزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره من الحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه من ساج. وقال صلى الله عليه وسلم: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم وشراءكم وبيعكم. ولما حصب عمر المسجد قال: هو أعفر للنخامة.
فضل القعود في المساجد:
قال أبو الدرداء لابنه: ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول: المساجد بيوت المتقين. وقال صلى الله عليه وسلم: ترهب أمتي الجلوس في المساجد. وقيل: المساجد مجالس الكرام. وقال بعض الأنصار: من أتى المسجد وجد فيه ثمان خلال: أخاً مستفاداً وعلماً مستظرفاً وآية محكمة ورحمة منتظرة، وكلمة ترد عن رديء وترك الذنوب حياء وحشمة. وقال صلى الله عليه وسلم: الملائكة يصلون على أحدكم ما دام في المسجد الذي صلى فيه يقولون: اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه.
أوقات الصلوات:
قال الله تعالى " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " . وقال صلى الله عليه وسلم: إذا زالت الشمس فصلوا. وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم لما صار ظل كل شيء مثله، وصلى في اليوم الثاني لما صار ظل كل شيء مثليه، وقال: يا محمد ما بين هذين وقت. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم. وروى: أنا كنا نصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى اقصى المدينة والشمس حية. وقال: لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم، فإذا غربت فقد وجبت الصلاة. وقال: لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل. وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الأخيرة إلى نصف الليل، ثم صلى بنا ثم قال: قد صلى الناس وناموا أما أنكم لن تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها.
أوقات الضرورة للصلاة:
قال صلى الله عليه وسلم: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. وروي: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر.
الأوقات المنهي فيها عن الصلاة:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان. وقال: إذا بزغ حاجب الشمس فدعوا الصلاة وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغرب الشمس. وروت عائشة رضي الله عنها: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد الصلاة في بيتي قط.
باب الآذان

روي عن بلال أنه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أؤذن للفجر بالليل. وروي أنه غاب ليلة عن أصحابه ومعه أخو صدي فلما كان وقت السحر قال: قم فأذن، فما زلنا ننتظر الصبح بعد ذلك حتى جاء بلال فاراد ان يقيم فقال صلى الله عليه وسلم: إن أخا صدي قد أذن وإنما يقيم من أذن. ويروى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلال بالترجيع. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كان الآذان على عهد الرسول صلى اله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة مرة مرة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة مرتين. وكان عثمان رضي الله عنه يقول إذا سمع الاذان: مرحباً بالقائلين عدلاً وبالصلاة مرحباً وأهلاً. وروي أن المسلمين لما قدموا المدينة كانوا يجتمعون فيتحينون للصلاة وليس ينادى بها فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً كناقوس النصارى. وقال بعضهم: قرناً كقرن اليهود، فقال عمر رضي الله عنه: أو لا تبغون رجلاً ينادي بالصلاة؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فناد بالصلاة فأمره أن يشفع الآذان ويوتر بالإقامة.

السخف في الاذان:
قيل: استؤجر رجل في قرية على أن يؤذن بعشرة دراهم فاستزادهم. فقالوا: ليس لنا ما نزيدك ولكن قد سامحناك في حي على الفلاح فلا معنى له مع قولك حي على الصلاة. وقال بعضهم: مررت برجل يقول في آذانه: أشهد أن لا اله إلا الله وهم يشهدون أن محمداً رسول لله!فقلت: ما لك لا تشهد شهادتهم؟فقال: إنه يهودي مستأجر. وقال بعضهم: دخلت قرية فحان وقت الصلاة فدخلت مسجدها فأذنت وأقمت وصليت بجماعة منها دخلوا المسجد، فلما سلمت ودعوت قال أحدهم: أمسلم أنت أم يهودي؟قلت: هل رايت يهودياً صلى بمسلمين؟قال: إنما نقول لأن يهودكم خير من مسلمينا.
الواجب من الصلاة:
قال ابو حنيفة رضي الله عنه : إن الوتر واجب ولم يوجبه غيره. واستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى زادكم صلاة ألا إنهاالوتر فأوتروا. وروي أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فساله عن الصلاة الواجبة عليه فذكرها له فقال: هل علي غيرها؟قال: لا إلا أن تتطوع. وروي أن أعرابياً قال للنبي صلى الله عليه سلم بعد ان علمه الصلاة: هل علي غيرها؟قال: لا قال: والله لا أزيد فيها ولا أنقص. فقال: أفلح إن صدق. وروي: أن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله. وروي: من ترك صلاة العصر فكأنما حبط عمله.
الحث على صلاة الجماعة:
قال صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وقول الله تعالى " إنما يعمر مساجد الله أي بالسعي إليها والصلاة فيها.
الصلاة في المطر:
خطب ابن عباس في يوم جمعة وكان ذا مطر، فأمر المؤذن أن يؤذن فلما قال حي على الصلاة قال: أمسك وأذن الصلاة في الرحال، فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال: قد أنكرتم ذلك قد فعله خير مني ومنكم فإنها عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال.
القراءة في الصلاة:
قال لله تعالى " فاقرأوا ما تيسر من القرآن " . قيل: عنى ذلك في لصلاة. وقال صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. وروى أبو سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال في كل ركعة قراءة: فمن لم يقرأ في جميع الركعات فلا صلاة له. وقال: إذا أمن الإمام فأمنوا.
رفع اليدين والذكر:
روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع راسه من الركوع. وقال: إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الجمل. وقال: مكن وجهك من الأرض حتى تجد حجم الأرض. وقال: أمرت أن أسجد على سبعة آراب.
التشهد والتسليم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات إلى آخره. وروي أنه كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. وقال صلى الله عليه وسلم: تحريمها للتكبير وتحليلها التسليم.
ستر العورة في الصلاة:

قال الله تعالى " خذوا زينتكم عند كل مسجد " قيل: المراد بها الصلاة لإجماع الناس أن أخذ الزينة لأجل المكان لا يجب. وسأل سلمة بن الأكوع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربما أكون في الصيد وليس علي إلا ثوب واحد وأريد الصلاة فقال: زره ولو بشوك. ولما سئل عن جواز الصلاة في الثوب الواحد قال: أوكلكم يجد ثوبين؟وقال: غط فخذك فإنها عورة. وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت. وقال: إذا زوج أحدكم عبده من أمته فلا ينظر إلى ما بين سرتها وركبتها فإن ذلك عورة من كل مسلم، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عن اشتمال الصماء، وهو أن يجعل الثوب على أحد عاتقيه.

الكلام في الصلاة:
روى أبو هريرة أن النبي صلى اله عليه وسلم تكلم بالمدينة فبنى. وروى زيد بن أرقم فقال: كان الرجل منا يتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخل الداخل فيقول: بكم سبقت حتى أنزل الله تعالى " وقوموا لله قانتين " فأمرنا بالسكوت. وقال النب صلى الله عليه وسلم: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هي قراءة وتسبيح.
إعادة الصلاة لمن حضر الجماعة:
روي ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر، فلما فرغ رأى رجلين خلف الصف فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟قالا: كنا قد صلينا في رحالنا فقال: إذا جئتما فصليا وإن كنتما قد صليتما تكون الأولى فريضة والثانية سنة.
إعادة الصلاة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة إلا ذلك لقوله تعالى " أقم الصلاة لذكري " .
سجود التلاوة والشكر:
قيل: سجدات القرآن أربعة عشر. وقال مالك: ليس في المفصل سجود. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد في: إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك الأعلى. وروى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم في الحج سجدتان فمن لم يسجدهما فلا يقرأها. وروى عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه سولم سجد فأطال السجود، فقال: بشرني جبريل أن من صلى عليك واحدة صليت عليه عشراً.
فسجدت هذه السجدة شكراً لله تعالى.
الشك في الصلاة:
قال صلى الله عليه وسلم: من شك في صلاته فلم يدر أثلاثاً أم أربعاً فليصل أخرى. فإن كانت رابعة فقد تمت صلاته، وإن كانت خامسة كانت الركعة، والسجدتان ترغيماً للشيطان. وروي عنه أنه صلى الظهر خمساً، فلما أن سلم قيل له: أحدث في الصلاة حدث؟قال: وما ذاك؟فقيل له في ذلك، فثنى رجله وسجد سجدتي السهو.
المرور بين يدي المصلي والإعتراض بينه وبين القبلة:
روي أن أبا سعيد كان يصلي، فمر رجل من آل أبي معيط بين يديه فمنعه، فأبى فدفع في صدره قال: ومروان يومئذٍ على المدينة فشكا إليه فقال مروان لأبي سعيد فقال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مر بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان، وإني كنت نهيته فابى ان ينتهي. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه. وذكر بعد ذلك عند عائشة أن الصلاة يقطعها الكلب والحمار والمرأة، فأنكرت ذلك لما كانت تعلم من حالها. وكان صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت زينب على عاتقه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
التوجه للقبلة:
قال البراء: قدم رسول الله صلىلالله عليه وسلم المدينة فصلى للقدس ستة عشر شهراً أو سبعة. وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو القبلة فأنزل الله تعالى " قد نرى تقلب وجهك في السماء " فمر رجل من الذين انحرفوا معه للقبلة بقوم من الأنصار يصلون للقدس فقال: أشهد لقد تحولت القبلة للكعبة. فانحرفوا في صلاتهم نحو الكعبة. فقالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. فقال تعالى " قل لله المشرق والمغرب " . وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل.
رمي البراق في الصلاة:

رأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في الصلاة فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه فقام فحكه وقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة فلا يبصقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه إلى بعض فقال: أو يفعل هكذا.

الصلاة خلف كل مسلم:
قال صلى الله عليه وسلم: صلوا خلف كل بر وفاجر. وكان ابن عمر رضي الله عنه يصلي مع الحجاج فقيل له في ذلك فقال: إذا دعونا إلى الصلاة أجبناهم، وإذا دعونا إلى الشيطان تركناهم.
القصر في الصلاة:
قال الله تعالى " لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة " . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بالنا نقصر وقد أمنا؟قال: صدقة تصدق الله بها عليكم. وروي أنا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا من أتم ومنا من قصر فلم يعب بعضنا بعضاً.
غسل الجمعة وفضله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة.
وجوب الجمعة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض عليكم الجمعة في عامكم هذا في شهركم هذا في يومكم هذا إلا من تخلف عنها في حياتي أو بعد وفاتي، ألا لا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا لا صلاة له ألا لا زكاة له ألا لا حج له!وقال: الجمعة واجبة على كل مسلم إلا امرأة أو صبياً أو مملوكاً. وقال: من ترك ثلاث جمعات متواليات طبع الله على قلبه. وروى أبو هريرة رضي الله عنه: من علم أن الليل يؤويه إلى أهله فليشهد الجمعة. وقال: إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين قبل أن يجلس.
النهي عن تأخير الصلاة عن وقتها:
قال صلى الله عليه وسلم: الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخر الوقت عفو الله. وقال وكيع: من لم يأخذ أهبة الصلاة قبل وقتها فما وقرها. وقال رجل لابنه وهو مسافر: إياك وتأخير الصلاة عن وقتها فإنك تصليها لا محالة، فصلها وهي تقبل. وقام بشر المريسي من مجلس المأمون للصلاة فقال له علي بن صالح: أتقوم وأمير المؤمنين جالس؟قال: هذا وقت ليس لمخلوق فيه طاعة. فقال المأمون: صدق!وكان الحجاج يخطب فأطال فقام إليه رجل فقال: إن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك. وقال ثعلب: ما يكاد وقت الصلاة إلا تذكرت قول أبي تمام:
وأحق الفتيان أن يقضي الدين امرؤ كان للإله غريما
الحث على المحافظة على الصلوات:
قال الله تعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " قيل هي العصر. وقيل هي العشاء. وقال صلى الله عليه وسلم: الصلاة عماد الدين. وقال : أقرب ما يكون العبد من ربه وقت صلاته، ولذلك أمر بالدعاء في عقبها، وقيل: إذا كان يوم الجمعة بعث إبليس شياطينه إلى الناس بالركائب أي يذكرونهم الحاجات.
بركة الصلاة وفضل التهجد:

كان صلى الله عليه وسلم إذا أصاب أهله خصاصة أمرهم بالصلاة ويقول: بهذا أمرني ربي. قال تعالى " وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " . وقال تعالى " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " وقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل فإنه توبة إلى الله وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسم. وقال جعفر الخلدي: رأيت الحسن في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟قال: طاحت تلك العبارات وطارت تلك الإشارات وفنيت تلك العلوم ودرست الرسوم، فما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في السحر. وقال يوسف بن أسباط: إذا أخلص الرجل التعبد لله أربعين صباحاً أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة. وقال صلى الله عليه وسلم: أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة، ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم. وقيل للربيع: لم لا تنام بالليل؟قال: أخاف البيات. وحكي عن بعض النتعبدين بمكة أنه افتتح الصلاة ورفع رجلاً إلى نصف الليل ثم وضعها، ورفع الأخرى إلى الصباح فقيل له فقال: لسعتني عقرب لما دخلت في الصلاة، فرفعت الملسوعة فلما كان نصف الليل لسعت عقرب الرجل الأخرى فرفعتها ووضعت الأخرى، واستحييت أن أنصرف من بين يدي الله تعالى للسعة عقرب!وقال ابو ذر: صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور وصوموا في شدة الحر لحر النشور.

التكاسل عن التهجد:
قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: لست أقوى على قيام الليل. قال: فلا تعصه بالنهار أي عجزك بالليل لعصيانك بالنهار. وقال رجل لسليمان: لا أستطيع قيام الليل، فقال: لعلك تفجر بالنهار.
عتب من يخفف حتى يخل بالأركان:
قال صلى الله عليه وسلم: اسوأ الناس سرقة من يسرق من صلاته. ونظر الشبلي إلى رجل يسرع في صلاته فقال له: إنك لتخون وبعد الخيانة لا تقبل الأمانة. وقال بعضهم: إن الصلاة مكيال فمن وفى وفي له ةومن طفف فويل للمطففين. وصلى رجل صلاة خفيفة ثم قال: اللهم زوجني من الحور العين فقال أعرابي: بئس الخاطب أنت أعظمت الخطبة وأسأت النقد. ونظر الجماز إلى من يخففها فقال: صلاتك رجز؛فأتى بالتشبيه بما هو من صنعته.
عذر من صلى صلاة خفيفة:
صلى رجل صلاة خفيفة فقيل له: ما هذه الصلاة؟قال: صلاة ليس فيها رياء. وصلى بعض العلماء فخفف وقال: أغالب شيطاني. ورأى أبو حنيفة رجلاً يصلي ولا يركع فقال: ما هذا؟قال: إني رجل عظيم البطن فإذا صليت وركعت ضرطت فأيهما أحسن؟
عتب إمام يطيلها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: أفتان أنت يا معاذ؟وقال عثمان بن أبي العاص: آخر ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أممت قوماً فأخفف بهم الصلاة. وقرأ إمام سورة طويلة فعاتبه من كان خلفه فقال الإمام قد قرأ أبو بكر البقرة وآل عمران في صلاة الصبح. فقال الرجل: قد رايت ما فعل أهل الردة من هذا وأشباهه. وأطال إمام الصلاة فلما فرغ عاتبه من كان خلفه فقال: وإنها لكبيرةٌ إ لا على الخاشعين. فقال الرجل: أنا رسول الخاشعين إليك إنك ثقيل، وإنهم لا يقدرون على احتمال بردك.
المعير بترك الصلاة:
قال أبو العيناء لابن مكرم: قم وصل. فقال: قد جمعت بينهما. فقال: نعم بالترك. وكان بأصبهان رجل يقال له الكناني في أيام أحمد بن عبد العزيز، وكان يتعلم أحمد منه الإمامة فاتفق أن تطلعت عليه أم حمد يوماً وقالت: يا فاعل جعلت ابني رافضياً. فقال الكناني : الرافضة تصلي كل يوم إحدى وخمسين ركعة، وابنك لا يصلي كل أحد وخمسين يوماً ركعة.
المكره على الصلاة:
أمر المنصور ابا دلامة أن يلازم الصلاة فقال:
ألم تعلموا أن الخليفة لزني ... بمسجده والقصر مالي وللقصر
أصليهما كرهاً على غير نيةٍ ... فمالي في الأولى ولا العصر من أجر
ويحبسني عن مجلسٍ أستلذه ... أعلل فيه بالغناء وبالخمر
وما ضره والله يصلح أمره ... ولو أن ذنوب العالمين على ظهري
وله:
وجفاني الأمير كي أتقرا ... فتقرأت مكرهاً لجفائي
والذي أنطوي عليه المعاصي ... علم الله نيتي من سمائه

وكانت امرأته تكره ابنها على الطهارة والصلاة وهو يأبى فقال: أرضى بأحدهما. فقالت: رضيت بالطهارة فلما تطهر. قالت: صل فالطهارة بلا صلاة ليست بشيء، فضرط وقال: نقضت فنقضنا.

طرف من صلاة الأعراب:
أقام أعرابي فقال: على العمل الصالح قد قامت الفلاح. ثم قام يصلي فقال: اللهم حسبي ونسبي اردد ضالتي واحفظ هملي والسلام عليكم. ودخل أعرابي الحضر فقام يصلي في الصف الأول فقرأ الإمام: ألم نهلك الأولين، فتأخر إلى الآخر فقال: ثم نتبعهم الآخرين، فخرج من المسجد يقول: يا ابن الفاعلة أهلكت الفريقين. وصلى أعرابي مع قوم فلما سجدوا عدا وقال: قد صعق القوم ورب الكعبة. وصلت أعرابية مع الجماعة فقرأ الإمام: وأنكحوا الأيامى، وارتج عليه فجعل يرددها فخرجت الأعرابية إلى أخيها فقالت: يا أخي ما زال الإمام يأمرهم بنكاحنا حتى خفت أن يثبتوا علي.
المتبجح بترك الصلاة:
رؤي أبو نواس وهو يصلي في الجماعة فقيل له: ما هذا؟قال: أردت أن يرتفع إلى السماء خبر ظريف. وقال السفاح لأبي دلامة: الصلاة. فقال: حتى تذهب حمياها. قال: وما حمياها؟قال: الركعتان الأولتان لأنهما أطول. وقال بعضهم: تعلمت من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاث أحاديث ونصفاً: الأول إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال، الثاني ليس من البر الصيام في لسفر، الثالث إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدأوا بالعشاء، ونصف الحديث: حبب ما هذا؟قال: أردت أن يرتفع إلى السماء خبر ظريف. وقال السفاح لأبي دلامة: الصلاة. فقال: حتى تذهب حمياها. قال: وما حمياها؟قال: الركعتان الأولتان لأنهما أطول. وقال بعضهم: تعلمت من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاث أحاديث ونصفاً: الأول إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال، الثاني ليس من البر الصيام في لسفر، الثالث إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدأوا بالعشاء، ونصف الحديث: حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقد قال: وجعلت قرة عيني في الصلاة.
المعتذر لتركه الصلاة: قال الأصمعي: رأيت أعرابياً في يوم بارد وقد عمد إلى أكمة فكنسها بشملته ثم توجه إلى القبلة فقال:
إليك اعتذاري من صلاتي قاعداً ... على غير طهرٍ مؤمناً نحو قبلتي
فما لي ببرد الماء يا رب طاقةً ... ورجلاي لا تقوى على ثني ركبتي
ولكنني أحصيه والله جاهداً ... وأقضكيه يا رب في وجه صيفتي
فإن أنا لم أفعل فأنت مسلطٌ ... بما شئت من صفعي ومن نتف لحيتي
ابن طباطبا:
وماطلت ربي بالصلاة ولم يزل ... يساهلني ربي لحسن قضائي
المحرض على ترك الصلاة:
قال بعض الخاسرين لرجل كان يأتي الصلاة من أربع فراسخ ويكتري حماراً بأربعة دراهم: أنت تسير أربعة فراسخ وترجع أربعة وتضيع أربعة وتعزم أربعة. ونظر بعض المعتزلة إلى رجل مغموم فسأله فقال: فاتني ركعة!فقال: إنما فاتك ما أدركته. وكان بعضهم يتباطأ عن الجمعة فرأى من يستعجل ويقول: أخشى أن تفوتني الجمعة!فقال: أنا أخشى أن أدركها.
صلاة الاستسقاء:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى فطلب رداءه وكان يخطب يوم الجمعة، فدخل رجل المسجد فقال: يا رسول الله أهلكت الأموال وانقطع النسل فادع الله أن يغيثنا. قال " فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا!قال أنس رضي الله عنه: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت أو دار فطلعت سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المستقبلة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع الرسول عليه الصلاة والسلام يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الأشجار. قال: فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس.
الزكاة
فضل التصدق ومدحه:
في الخبر: الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء. وقال صلى الله عليه وسلم: ما تصدق أحد بصدقة إلا وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل. ثم قرأ: " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات. وقال: استنزلوا الرزق بالصدقة. وكان أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بالرجل والرجلين وسعد بن عبادة ينطلق بثمانين.

التداوي بالصدقة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقة دواء منجح. وقال عليه الصلاة والسلام: حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة. واستقبلوا البلاء بالدعاء. وعاد حاتم الأصم بعض الأغنياء، فلما خرج بعث إليه بمال فقال: أهذا كان فعله في الصحة؟فقيل: لا، فقال: اللهم أدم حاله هذه فإنه صلاح الفقراء.
الحث على الصدقة بالقليل:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة. قال عليه الصلاة والسلام: لا يمنعكم من معروف صغره. وقال عليه السلام: لا تردوا السائل ولو بظلف محرق أو صلة حبل. وقال عليه الصلاة والسلام: لا تحقروا اللقمة فإنها تعود يوم القيامة كالجبل العظيم ثم تلا " يمحق الله الربا ويربي الصدقات. وقال عليه السلام: مهور الحور العين فلق الخبز وقبضات التمر. وقال صلى الله عليه وسلم على كل مسلم صدقة. قيل: يا رسول الله أرأيت لو لم يجد؟قال: يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قيل: فإن لم يجد؟قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قيل: فإن لم يستطع؟قال: يأمر بالمعروف. قيل: فإن لم يستطع؟قال: يمسك عن الشر فإن له صدقة!وروي أن عائشة كانت تأكل العنب فتعرضت لها سائلة فأعطتها حبة، فقيل لها في ذلك فقالت: إن فيها مثاقيل ذر تعني بذلك قوله تعالى " فمن يعمال مثقال ذرة خيراً يره " .
الحث على اخفاء الصدقة:
قال الله تعالى " إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " . وقال " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس " وقيل: لا خير في المعروف إذا ذكر ولا في الصدقة إذا نشرت. وقال عليه السلام: ثلاث من كنوز الجنة كتمان الصدقة والمرض والمصيبة. وقال جعفر بن أبي طالب: حسن الجوار عمارة الدار، وصدقة السر مثراة المال.
الحث على التصدق أيام الصحة:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الصدقة أعظم أجراً؟فقال: أن تتصدق صحيحاً تأمل العيش وتخاف الفقر، ولا تمهل حتى إذا كانت في الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا.
الحث على تطييب الصدقة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بلا طهور ولا صدقة من غلول. وقال الله تعالى " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " . فلما نزلت هذه الآية قام أبو طلحة فقال: أحب الأموال إلي بئرحا والصدقة لله تعالى أرجو ذكرها. وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال عليه السلام: بخ بخ إن ذلك مال رابح أرى أن تضعه في الأقربين! بعضهم:
بنيت بما خنت الإمام سقايةً فلا شربوا إلا أمر من الصبر
فما كنت إلا مثل بائعة استها ... تعود على المرضى به طلب الأجر
من يجب له ان يتصدق من غير ماله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فإن لها أجرها بما أنفقت. ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخادم مثل ذلك، ولا ينقص بعضهم أجر بعض.
ما يدل على وجوب الزكاة:
قال الله تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " . وقال الله تعالى " قد أفلح من تزكى " . وقال " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " . وقال تعالى " وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " وقال تعالى " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " . وقيل: الكنز هو كل ما لم تؤد زكاته بدلالة قوله عليه الصلاة والسلام: ما أدى زكاته فليس بكنز ولما منع الزكاة من منع من العرب قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟فقال أبو بكر رضي الله عنه: من حقع أداء الزكاة والله لو منعوني عناقاً لقاتلتهم على منعها.
من يجب أن تدفع الزكاة إليه ومن لا يجوز دفعها إليه:

قال الله تعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل " . وقال صلى الله عليه سولم: ابدأ بمن تعول. وقال عليه الصلاة والسلام: لا تردوا السائل ولو على فرس. وقال عليه السلام: قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوقعت بيد سارق وتصدق في اليوم الثاني، فوقعت في يد زانية، وتصدق في اليوم الثالث فوقعت في يد غني، فقيل له في ذلك فساءه ذلك فأتي في منامه فقيل: إن الله قبل صدقتك فالزانية استعفت بصدقتك، وكذلك السارق والغني اعتبر بصدقتك. وقال أبو هريرة: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ!ليطرحها أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة. وقالت عائشة رضي الله عنها: أتي النبي عليه السلام بلحم فقلنا: هذا مما تصدق به على فلانة. فقال: هو لها صدقة وهو لنا هدية.

فرض الإبل:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أمر الله بها، فمن سئلها على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم، وفي كل خمس شاة إذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، وإذا بلغت ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، وإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابناً لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقنان، طروقتا الفحل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن بلغت صدقته جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المتصدق عشرين درهماً أو شاتين.
صدقة البقر والغنم:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذ أن يأخذ من ثلاثين تبيعاً، ومن أربعين مسنة. وروي أنه أتي بدون ذلك فلم يأخذه وقال: لم أسمع من رسول الله عليه السلام فيه شيئاً حتى ألقاه فأسأله، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ. وقال عليه السلام: ليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها شاة ولا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وإحدى عشرين، فإذا بلغتها ففيها شاتان وليس في زيادتها شيء حتى تبلغ مائتين وشاة، فإذا بلغتها ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة. وقال عمر رضي الله عنه: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي ولا تأخذها ولا تأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم، وخذ الجزعة الثنية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: إياك وكرائم أموالهم.
صدقة الخليطين:
في الحديث لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة. وما كان في الخليطين فإنهما متراجعان بالسوية معناه لا يفرق بين ثلاثة خلطاء في عشرين ومائة شاة، فإنما عليهم شاة وإذا كانت لثلاثة كان فيها ثلاث شياه، ولا يجمع بين متفرق رجل له مائة شاة ورجل له مائة شاة، فإذا تركتا متفرقتين ففيهما شاتين، وإذا جمعتا ففيهما ثلاث شياه، فخشية الساعي أن ثقل الصدقة، وخشية رب المال أن تكثر فأمر كلا. وفي حديثه عليه الصلاة والسلام: لا أخلاط ولا وراط، ومن أحبى فقد أربى وكل مسكر حرام.
وجوب الزكاة في مال اليتيم لا المكاتب:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتجروا في مال اليتيم لا تأكله الصدقة. وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا زكاة في مال المكاتب وهو عبد ما لم يؤد كتابته، بدلالة قوله عليه السلام: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
تعجيل الزكاة:
روي أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه سولم في تعجيل صدقته قبل ان تحل، فإذن له. وشكوا خالداً والعباس وابن جميل فقال: أما العباس فإنا قد أسلفنا منه صدقة العام والعام المستقبل. وروي أنه عليه الصلاة والسلام استسلف بكراً من الصدقة.
ما لم تجب فيه الزكاة:

قيل: لا تجب في عوامل الإبل صدقة بدلالة قوله عليه السلام: في سائمة الغنم زكاة، فدلالة خطابه دل أن لا زكاة في علوفتها. وقال عليه السلام: ليس في الكسعة ولا في الجبهة ولا في النحة صدقة، والأفراس عند الشافعي رضي الله عنه لا تجب فيه الزكاة. وعند أبي حنيفة تلزم في إناثها، ويستدل أن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة واستشارهم حتى كتبوا إليه من الشام أن أخرج المصدقين إليها، فأوجب في كل فرس ديناراً، وروى أصحابه عن النلبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في كل فرس سالم دينار، وليس في المرابطة شيء.

زكاة الحبوب والثمار:
قال الله تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " وروي أن الرسو ل عليه الصلاة والسلام أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والذرة. وقال عليه السلام: فيما سقت السماء العشر. فلم يعتبر أبو حنيفة القدر وأوجب في القليل والكثير، والشافعي خصص هذا الخبر بقوله عليه السلام: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، فلم يوجب في دونها. وأما الخضراوات فقد أوجب أبو حنيفة رحمه الله تعالى في جميعها الزكاة، بدلالة قوله تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " . ومنع من إيجابها الشافعي استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس في الخضراوات صدقة.
خرص النخل والكرم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود حين افتتح خيبر: ما أقركم إلا على أن التمر بيننا وبينكم.
وكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي. فكانوا يأخذونه. وقال عليه السلام: في زكاة الكرم تخرص كما تخرص النخل، ثم يؤدي زكاته زبيباً كما يؤدي زكاة النخل تمراً. وقال أبو حنيفة: لا يعتبر الخرص بدلالة ما روى جابر أنه نهى عن الخرص وعن المزاينة، وهي بيع الثمار على رؤوس النخل بخرصه تمراً.
زكاة الذهب والفضة والعرض:
قال الني صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون مائتي درهم شيء، فإذا بلغت ماائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وماد زاد فبحسابه. وقال عليه السلام: في الرقة ربع العشر فأما الحلى فقد اختلف فيه الزكاة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأتين معهما حلى: أديا زكاتهما. وأنه قال: في الحلى زكاة. وروي عنه أنه قال: زكاة الحلى إعارتها. وقال حماس: مررت على عمر بن الخطاب وعلى عنقي أدمة أحملها فقال: ألا تؤدي زكاته يا حماس؟قلت: يا أمير المؤمنين ما لي غير هذه راهت في القرظ. فقال: ذاك مال فضع. فوضعتها بين يديه فوجدها قد وجب فيها الزكاة فأخذها منها.
زكاة الفطر:
روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر وعبد، ذكراً وأنثى من المسلمين.
مما جاء في الصوم
وجوب الصوم:
قال اله تعالى " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " وقال " فمن شعهد منكم الشهر فليصمه " وقال رجل للنبي صلى اله عليه وسلم: أخبرني بما فرض الله من الصيام؟قال: شهر رمضان إلا أن تتطوع.
فضل شهر رمضان والصوم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين. وقال عليه السلام: يا معشر الشبان من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأعف للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. وقال ابن عباس: ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان. وكان يصوم إذا صام حتى يقول القائل لا يفطر، ويفطر حتىيقول القائل لا يصوم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أني اقول: لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت. فقال عليه السلام: إنك لا تستطيع ذلك فصم وافطر ونم وقم وصم في الشهر ثلاث ايام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: فصم يوماً وافطر يوماً فذلك صيام داود؛وهو أعدل صيام. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك فقال عليه السلام: لا أفضل من ذلك.
النية في الصوم:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صيام لمن لا يبيت النية من الليل. وروي: من لم ينو الصوم قبل الفجر فلا صوم له. وروي أنه بعث إلى أهل العوالي وقد تعالى النهار: إن من أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم. ويجوز النية للمتطوع في النهار عند الشافعي، واستدل بأنالنبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه فقال: هل عندكم غذاء؟فقالوا: لا. فقال: إني إذاً صائم.

صوم عاشوراء:
روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء إلى أن فرض رمضان وروي أن معاوية دخل المدينة فخطب فقال: أين علماؤكم؟سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما كتب الله عليكم صيامه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر.
نفع الصوم وثوابه:
سئل ابو عبد الله بن الحسين رضي الله تعالى عنه عن الصوم: لم أوجبه الله تعالى؟فقال: ليجد الغني الجوع فيعود بالفضل على الفقير. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وحدث مجاهد: أيما رجل أكل عنده وهو صائم صلت عليه الملائكة ما دام ذلك الطعام يؤكل عنده. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصوم العبد يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه من النار خريفاً.
رؤية هلال رمضان:
قال صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الهلال فعدوا ثلاثين. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: تراءينا الهلال فرأيته فأخبرته صلى الله عليه وسلم فصام، وأمر الناس بالصيام. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تراءينا الهلال على عهد رسول الله عليه السلام فجاء أعرابي فشهد أنه رأى الهلال ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا اله إلا الله وتمامه؟قال: نعم. فقال: يا بلال ناد في الناس أن يصوموا غداً. وفي خبر آخر: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان، وروي أنه كان يقبل في هلال رمضان شهادة الواحد ولا يقبل في شهادة شوال إلا عدلين. وأتى رجل في زمن عمر رضي الله عنه فشهد أنه رأى الهلال فقال: بأي عينيك رأيت الهلال؟قال: بشرهما وهي الباقية لأن الأخرى ذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته؛فأجاز شهادته.
كراهة رؤيته:
نظرمخنث إلى قمر رمضان فقال: أرانيك الله بالسل؛فأخذه ابن المعتز فقال:
يا قمراً قد صار مثل الهلال ... من بعد ما صيرني كالخلال
الحمد لله الذي لم أمت ... حتى أرانيك بداء السلال
وطلبوا يوماً هلال رمضان فقال لهم أبو مهدية: كفوا فما طلب أحد عيباً إلا وجده. وصعد قوم لطلب هلال رمضان فلم يروه، فلما أرادوا الانصراف رآه صبي فأراه القوم فقال لهم بعضهم: بشر أمك بالجوع المضني. وقيل لرجل: أما تنظر إلى الهلال؟قال: ما أصنع به محل دين ومقرب حين، ومؤذن بالجوع.
ما يستحب للصائم تجنبه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم. وقال عليه السلام: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فلا حاجة لله أن يضع طعامه وشرابه. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لأربه.
ما يفسد الصوم والكفارة المتعلقة بإفطاره والرخصة فيه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ذرعه القيء لم يقض، وما استقاء عامداً فليقض. وروي أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت وأهلكت!فقال: ما أهلكك؟قال: واقعت امرأتي في نهار رمضان وأنا صائم. فقال: اعتق رقبة فقال: لا أستطيع. فقال كصم شهرين متتابعين. قال: لا أستطيع. قال: فأطعم ستين مسكيناً. قال: لا أستطيع. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر فيه ثلاثون صاعاً فقال: تصدق به. قال: ليس بين لابتيها أحوج إليه مني. فقال صلى الله عليه وسلم: كله أنت وعيالك. وقال: من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة. وقال الله تعالى " وعلى الذين يطيقونه فدية " . وقال صلى الله عليه وسلم في المرضع: إذا خافت على ولدها أفطرت ولزمها نصف صاع. وروى بعضهم: إذا سافرنا مع الني صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يعير المفطرعلى الصائم ولا الصائم على المفطر.

ما يفعل عن نسيان في الصوم مما ينافيه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صيامه، فإنما أطعمه الله وسقاه. ومن النوادر في ذلك ما روي أن أبا هريرة أتاه رجل فقال: دخلت داراً فأطعموني ولم أدر. فقال: الله اطعمك وسقاك. قال: ثم دخلت داري فجامعت فقال: ليس هذا فعل من تعود الصيام. وسئل عكرمة عن القبلة للصائم فقال: هي كالخبز إذا وضعته على فمك.
الوقت المنهي عن الصوم فيه:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق. وقال ايضاً : ليس من البر الصيام في السفر. وقال: من صام في السفر فلا صام ولا أفطر. وهذا على مذهب الإمام أبي حنيفة، فأما الشافعي فمذهبه أنه مخير بين أن يصوم أو أن يفطر. وروي أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى اله عليه وسلم: أصوم في السفر؟قال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر. وقال أنس رضي الله عنه : سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأصوم يوم الجمعة فلا أكلم أحداً؟قال: لا تصم ايام الجمعة إلا في أيام هو أحدها أو في شهر، ولأن تتكلم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر خير من أن تسكت.
النهي عن المواصلة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تواصلوا. قالوا: إنك لتواصل!قال: إني لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى.
إباحة الأكل والجماع في ليالي الصوم:
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدهم صائماً 5فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلا مثلها، وإن قيس ابن صرمة كان صائماً وكان يومه ذاك يعمل في أرضه، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندكم طعام؟قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عيناه فنام، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: قد نمت وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله وكلوا واشربوا " . وقال عدي بن حاتم لما نزلت هذه الاية؛عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لي الأبيض من السود تركت الأهل، فلما أصبحت غدوت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: إن كان وسادك لعريضاً إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل. وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح جنباً أفطر ذلك النهار، فسالت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت: ليس كما قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنباً من جماع غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم. ثم سئلت أم سلمة فقالت كقول عائشة، فلما روجع أبو هريرة قال: لا علم لي إنما أخبرنيه مخبر، وبعض الأخبار أنه قال: أخبرنيه الفضل ابن العباس.
ما يتقوى به على الصوم:
قيل لرجل؟كيف تقدر على الصوم في هذا الحر؟فقال: من عرف قدر من يسأله هان عليه ما يبذله. وقيل: قوام الصوم بثلاث من أطاقهن فقد ضبط الصوم من تسحر وقال وأكل قبل أن يشرب. وقيل: لا يقوى على الصوم إلا من كبر لقمه وطاب ادمه.
التسحر والإفطار:
في الخبر من السنة: تعجيل الإفطار وتأخير السحور. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الإفطار. وقال أيضاً: تسحروا فإن في السحور بركة.
الرخصة في الإفطار عن التطوع:

روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وابي الدرداء، فرأى سلمان امرأة أبي الدرداء صيدله فقال لها: ما شأنك؟قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم بالليل ويصوم بالنهار، وليبس له في أي شيء من الدنيا حاجة. فجاء ابو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاماً فقال له سلمان: أطعمه. قال: إني صائم. قال: أقسمت عليك لتفطرن. فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل معه ثم بات عنده فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فسمعه سلمان فقال: إن لجسدك عليك حقاً ولربك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً صم وافطر وصل وائت أهلك وأعط كل ذي حق حقه. فلما كان وجه الصبح قال له: قم الآن إن شئت. فقام وتوضأ ثم ركعا وخرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان، فقال رسول الله صلى لله عليه وسلم: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً على ما قال سلمان.

المسرة بإتيان الصيام:
شاعر:
جاء الصيام فجاء الخير أجمعه ... ترتيل ذكرٍ وتحميدٌ وتسبيح
فالنفس تداب في قولٍ وفي عملٍ ... صوم النهار وبالليل التراويح
أدعية الصوم:
كان صلى الله عليه وسلم يقول في شهر رمضان: اللهم سلمه لنا وتسلمه منا. وكان الربيع بن خيثم يقول: الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت.
التبرم بالصوم في غير رمضان:
قيل لأعرابي: ألا تصوم البيض؟قال: دعني منها فبين يديها ثلاثون كأنها القباطى. وقيل لمزيد: صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة، فصام إلى الظهر وقال: يكفيني ستة أشهر فيها رمضان.
التبرم بشهر رمضان:
أسلم مجوسي فأطل عليه شهر رمضان فعجز عن الصوم فقيل له: كيف ترى في الإسلام؟قال:
وجدنا دينكم سهلاً علينا ... شرائعه سوى شهر الصيام
ابن الرومي:
شهر الصيام وإن عظمت حرمته ... شهر ثقيل ٌ بطيء السير والحركه
يا صدق من قال: أيام مباركة ... إن كان يكنى عن اسم الطول بالبركه!
آخر:
الغوث من شهر الصيام ... إذ صار لي مثل اللجام
ما إن أمتع بالطعا ... م وبالمدام وبالغلام
بعض الكتاب:
ثقل الصوم علينا ... أثقل الله عليه!
زارني بالأمس خلٌ ... كنت مشتاقاً إليه
فمضى فلم أقض منه ... حاجةً كانت لديه
المسرة بانقضاء شهر رمضان:
أبو علي البصير:
أقول لصاحبي وقد بدا لي ... هلال الفطر من خلل الغمام:
غداً نغدو إلى ما قد ظمئنا ... إليه من المدامة والغلام
ونسكر سكرةً شنعاء جهراً ... وننقر في قفا شهر الصيام
أبو نواس:
منّ شوالٌ علينا ... وحقيقٌ بامتنان
جاء بالقصف وبالعز ... ف وتغريد القيان
أوفق الأشهر لي ... أبعدها من رمضان
السري:
تصرم شهر الصوم شهر الزلازل ... وشال به شوال شهر الفضائل
ولاح هلال الفجر نضواً كأنه ... سنانٌ لواه الطعن في رأس عامل
ودارت علينا الراح ين أهلةٍ ... تضيء وأغصانٍ رطابٍ موائل
فرحنا وفي أجسامنا سحر بابلٍ ... يدب وفي ايماننا خمر بابل
التجاسر على ركوب المعاصي في رمضان:
حكى بعض الناس أن ديك الجن رآه يوماً في شهر رمضان فقال له: هل لك في سكباجة وشواء حنيذ وخمر صافية وغلام غرير يلهينا؟فقلت: أفي هذا الوقت؟قال: أي والله، فأزريت به وأعرضت عنه فقال:
وحياة ظبيٍ لم أصم عن ذكره ... إلا عضضت تندماً إبهامي
لأشافهن من الذنوب عظامها ... ينقد عنها جلد كل صيام
الخبزارزي:
أرى لي في شهر الصيام إذا أتى ... ليالي عيارٍ وأيام عابد
أناسٌ بعلات الصيام تفرجوا ... وكانت أمورٌ باعتلال المساجد
صام أعرابي رمضان فلما اشتد أفطر فقالت ابنته: ألا تصوم يا أبت ؟فقال:
أتأمرني بالصوم لا در درها ... وفي القبر صومٌ يا أميم طويل
وقال:

طال ما عذبنا الصو ... م وقراء المصاحف

نوادر تارك صوم رمضان:
قدم أعرابي إلى الوالي فقيل له: إنه أفطر رمضان. فقال الأعرابي: إن الله يعلم أني صائم ولكني وجدت حماوة في فؤادي فأردت أن أفثأها بشربة. وأسلم مجوسي يقال له مرزبان فأظله رمضان حار فعجز عن الصوم، فتناول خبزاً واستتر في بيت يأكله، فرآه بعض أصحابه فقال له: من أنت؟قال: أنا مرزبان آكل خبز نفسي من شؤمي في خفية!وقيل في مجلس عضد الدولة: إن الشيعة تعقد الصوم قبل وجوبه بيوم وتخرج منه قبل رؤية الهلال بيوم، وأهل السنة يعقدونه برؤية الهلال ويفارقونه. فقال: أنا نتسانن عند الدخول فيه ونتشيع عند الخروج منه، ليحصل لنا يومان: يوم من أوله ويوم من آخره.
الاعتكاف:
قال الله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر وقال: التمسوها في العشر الأواخر؛يعني ليلة القدر. وكان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر. وقال عمر: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال عليه السلام: أوف بنذرك.
مما جاء في الحج والعمرة
وجوب الحج والعمرة:
قال الله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " . وقال صلى الله عليه وسلم: الاستطاعة الزاد والراحلة. وقيل: لما أهبط آدم إلى الأرض أمره الله تعالى بحج البيت. وفي رواية أن الملائكة لقيت آدم بمكة عند باب زمزم، فهنأنه على ذلك وقالت له: يا آدم بر حجك فلقد حجبناه قبلك بألفي عام، ثم أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بالأذان بالحج فقال " وأذن في الناس بالحج " . فقال إبراهيم: وأين يبلغ ندائي؟فقال الله تعالى: عليك النداء وعلينا الإبلاغ. فوقف إبراهيم على أبي قبيس أو بين البيت والمقام، فنادى فأجابه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء. وقال تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " . وقال صلى الله عليه وسلم: من وجد زاداً وراحلة وأمكنه الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً. وقال: حجوا قبل أن لا تحجوا. وقال: حجة مبرورة لا ثواب لها إلا الجنة. وقال: علامة الحجة المبرورة أن يكون صاحبها بعدها خيراً منه قبلها. وقال: الحج والعمرة فريضتان.
فضل الحج:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات في هذا الطريق جائياً أو ذاهباً، لقيه الله تعالى يوم القيامة ولم يحاسبه وأدخله الجنة. وما من أحد جاء يؤم البيت العتيق فركب بعيره إلا لم يرفع البعير خفاً إلا كتبت له به حسنة ومحيت عنه سيئة. وقال: من حج هذا البيت أو اعتمر فلم يرفث ولم يفسق كان كمن ولدته أمه. وقال: من حج وعليه دين قضى الله دينه. واستاذن رجل الجنيد في الحج فقال: جرد قلبك من الهو ونفسك من السهو ولسانك من اللغو.
فضيلة العمرة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما. وقال: عمرة في رمضان تعدل حجة. وقال ابن عباس: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر، ويقولون إذا وبر الوبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة رابع مهل ذي الحجة أمرهم أن يحلوا، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟قال: الحل كله. وقال أيضاً: لولا أني سقت الهدى لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا أتحلل من حرام حتى يبلغ الهدي محله.
النيابة في الحج:
روي أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الحج أدركت ابي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على راحلته، فهل ترى أن أحج معه؟فقال: نعم. قالت: افينفعه ذلك؟قال: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان ينفعه؟قالت: نعم فقال صلى الله عليه وسلم: ودين الله أحق أن يقضى. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يلبي عن شبرمة فقال: ومن شبرمة؟قال: أخ لي أو قريب لي. قال: وهل حججت عن نفسك؟قال: لا. قال: هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمتك.
كيفية حجة النبي صلى الله عليه وسلم:

اختلفت الصحابة في حج النبي صلى الله عليه وسلم: فمنهم من قال أفرد، ومنهم من قال قرن، ومنهم من قال تمتع، والصحيح هو الأول عند الشافعي رضي الله تعالى عنه؟لما روى جابر أن النبي صلى اله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحجج ثم اذن في الناس بالحج، فخرج وأحرم عليه السلام ينتظر القضاء ولم ينو أحد بهما، فلما دخلنا مكة وسعينا بين الصفا والمروة نزل عليه القضاء بأن من ساق الهدي فليقم على إحرامه، ومن لم يسق فليجعلها عمرة. وروى أنس رضي الله تعالى عنه أنه قرن فقال نافع: دخلت على ابن عمر فأخبرته بما قال، فقال: رحم الله أنساً إن أنساً كان يتولج على النساء متكشفات الرؤوس لصغره في ذلك الوقت، وأنا كنت تحت ناقة رسول الله صلى اله عليه وسلم يصيبني لغامها أسمعه يلبي بالحج. وقال عليه الصلاة والسلام: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة.

الإهلال بالحج وتقبيل الحجر والوقوف بعرفة:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بر الحج؟قال: العج والثج، فالعج الإهلال والثج النحر. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب الشعث الغبر والثجاج والعجاج، وكان عمرو بن معد يكرب يقول: الحمد لله لقد رأيتنا من قريب ونحن إذا حججنا نقول:
لبيك تعظيماً إليك عمراً ... نغدو بها مضمراتٍ شزرا
- قد تركوا الأوثان خلواً صفرا ونحن نقول اليوم كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: لبيك لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك. وأتىعمر بن الخطاب رضي الله عنه الحجر فقبله وقال: إني أعلم أنك حجر أسود لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقبلك ما قبلتك. وقال عروة بن مضرس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجمع فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلي طيء لم أدع جبلاً إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟قال عليه السلام: من صلى هذه الصلاة معنا وقد وقف قبل ذلك بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه.
دخول البيت والخروج منه:
لا يجوز لأحد دخول الحرم إلا محرماً إلا الحطابين والرعاة، وحرم على المشركين دخول الحرم. وقال البراء: كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها، فجاء رجل فدخل من بابه فقيل له في ذلك، فنزلت هذه الاية " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وائتوا البيوت من أبوابها.
السعي والطواف:
قال عروة: قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيت قول الله تعالى " إن الصفا والمروة ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما " . قالت: بئسما قلت يا ابن أختي، لأنها لو كانت على ما أولتها عليه لكانت أن لا يطوف بهما، ولكنما أنزلت هذه الآية، إن هذا الحي من الأنصار كانوا قبل أن أسلموا يتحرجون أن يطوفوا بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام فأنزل الله تعالى هذه الآية. ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب فقال المشركون: قدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى قعد لهم المشركون، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنيرملوا ثلاثة فصار ذلك سنة.
ما يجب للمحرم تجنبه:
قال الله تعالى " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً متضمخاً بالخلوق فقال: انزع الجبة واغسل الصفرة. وكان صلى الله عليه وسلم يتطيب لإحرامه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهىالنساء عن القفازين والنقاب ومس الورس والزعفران. وقال: لا ينكح المحرم ولا ينكح. وحرم الله تعالى الصيد على المحرم في حال الإحرام وأوجب فيه كفارة. فقال تعالى " ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به عدل منكم.
الرمي والحلق:
روى ابن عباس قال: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني المطلب على جمرات العقبة، وجعل يلطخ أفخاذنا ويقول: أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس وقال ابن عمر: وقف رسول الله عليه السلام بمنى في حجة الوداع للناس يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله قد نحرت قبل أن أرمي، فقال: ارم ولا حرج. قال: فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج.
حرم مكة والمدينة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قطع شجرة من الحرم صوب الله رأسه في جهنم. وقال يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيده ولا يعضد شوكه ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه ولا يحل فيه القتال لأحد من بعدي ولم يحلل إلا ساعة من نهار. وقال صلى الله عليه وسلم: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فيما سواه. وقال عليه الصلاة والسلام: لا تشد الرحال إلا على ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدكم هذا، والمسجد الأقصى. وحرم ما بين لابتي المدينة ونهى عن الصيد فيه وقال: من أخذ رجلاً يصيد فيه فله سلبه. وسلب سعد بن أبي وقاص من رآه يصيد في حرم المدينة فكلموه فيه فقال: لا أرد عليكم طعمة أطعمنيها الله ولكن إن شئتم أعطيتكم ثمن سلبه.

زيارة قبره صلى الله عليه وسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة. وقال: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي من البعد سمعته.
إباحة المبايعة وكراهتها للحجاج: قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذو المجان وعكاظ متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت الاية " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم " . وقالوا: ما حج ولكن دج أي خرج للتجارة. وقيل: فلان حاج أو داج. وقال الفضيل رحمه الله: وضعت مكة للعبادة والتوبة والحج والعمرة والزهادة وأعمال الآخرة، ولم توضع للتجارة ولا يغرنك أقوام اتخذوا فيها حوانيت ويقولون: نحن مجاورون وقد أعياهم الكسب في بلادهم فصاروا فيها تجاراً، حكذبوا ما هم بمجاورين إنما المجاور من هو مقيم بها للعبادة وعمل الآخرة، فينفق من فضل الله ما آتاه الله ولا يكسب فيها ولا يشغل نفسه بالكسب فيها، ولأن ترجع إلى بلدك فتشتري به وتبيع وتحج في كل عشرين سنة أحب إلي من أن تكون مقيماً بمكة وتحج وتعتمر كل سنة وتبيع وتشتري فيها.
دخول البادية بلا راحلة ولا زاد:
قال علي بن الموفق وكان من كبار الصوفية متحققاً مجتهداً: حججت ستين سنة فكنت سنة في محملي فرأيت رجالة فأحببت أن أمشي معهم فنزلت ومشيت وتقدمت الناس، ثم عدلناإلى الطريق فنمت فرأيت في المنام جواري لم أر كحسنهن، معهن طسوت من ذهب وأباريق، فأقبلن على أولئك المشاة يغسلن أرجلهن حتى بقيت، فأرادت واحدة أن تغسل رجلي فقالت لها الأخرى: ليس ذا منهم هذا له محمل فقالت: بلى أحب أن يماشيهم فغسلت رجلي، فذهب عني كل تعب. وسئل الجلاء عن رجال يدخلون البادية بلا زاد فقال: هم رجال الحق. قيل: فإن هلك أحدهم؟قال: الدية على العاقلة. وقال بنان الحمال: دخلت بادية تبوك فاستوحشت فهتف بي هاتف: نقضت العهد، تستوحش أليس الحبيب معك؟وقيل لبعضهم: أتدخل البادية بلا زاد؟فقال: إن معي زادي وهو التقوى أليس الله يقول " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " . وأما الفقهاء فقد كرهوا ذلك لقوله تعالى " ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة " .
يوم النحر:
وقف الرسول عليه الصلاة والسلام بمنى في الحجة التي حج وذلك يوم النحر فقال: هذا يوم الحج الأكبر. وقال صلى الله عليه وسلم: أفضل الأيام عند الله تعالى يوم النحر.
الأضحية:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبشين أقرنين يهلل ويكبر ويسمي وقال: البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء، فالمقابلة التي يقطع طرف أذنها، والشرقاء التي تشق أذنها، والخرقاء التي تخرق اذنها. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة، فالمصفرة التي تستاصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستاصلة المقدودة من أصلها، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة التي لا تزال تتبع الغنم عجفاً وضعفاً والكسراء الكسيرة.
من تعاطى الخسارة بعلة الحج:
أبو علي البصير:
أتينا بعدكم مكة حجاجاً وعمارا
فلما شارف الحير ... ة حادي إبل حارا
فقلت: احطط بها الرحلا ... ولم أحفل بمن سارا

وجددنا عهوداً ... أخلفت منا وآثارا
فصادفنا بها ديراً ... وبستاناً وخمارا
وظبياً عاقداً بين ... النقا والخصر زنارا
إذا جاذبته حارا ... وإن حاكمته جارا
كشفنا لك أخباراً ... ودامجناك أخبارا
أبو نواس:
ألم ترني وموسى قد حججنا ... وكان الحج من خير التجاره
فآب الناس قد بروا وحجوا ... وأبنا موقرين من الخساره

مما جاء في الأدعية
الحث على الاستغفار:
قال الله تعالى " واستغفر لذنبك " وقال تعالى " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً " . " واستغفروا إن الله غفور رحيم " . وقال صلى الله عليه وسلم: افصلوا بين حديثكم بالإستغفار. وقال: الاستغفار ممحاة للذنوب. وقال: لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار. وقال مالك ين أنس: كنا عند جعفر ابن محمد فدخل سفيان الثوري فقال له حدثني رحمك الله، فقال: يا أبا عبد الله قد أكثرت من الحديث وكثرة الحديث تخبل، أعلمك ثلاثاً هن خير لك من مال كثير: يا سفيان إذا أنعم الله عليك نعمة فأكثر من الحمد لله فإن الله تعالى يقول " لئن شكرتم لأزيدنكم " . وإذا قلت نفقتك فعليك بالاستغفار فإنه يزيد ك من المال والولد والنعمة؛قال الله تعالى " استغفروا ربكم إن الله كان غفاراً يرسل عليكم السماء مدرارا ويمددكم بأموال وبنين " . وإذا اشتد بك كرب فعليك بلا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة، فجعل سفيان يقولها ويعدها في يده ثلاثاً وأي ثلاث، فقال جعفر: قد والله عقلها وفهمها.
الحث على حفظ معنى الاستغفار ومراعاته دون التفوه به:
قال أبو عبد الرحمن المقري: سمعني سوار الراهب وأنا استغفر الله تعالى فقال لي: يا فتى سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين. وقالت رابعة: استغفر الله من قلة صدقي في قولي استغفر الله. وقيل: من قدم الاستغفار على الندم كان مستدعياً.
الحث على الأدعية وأنها متضمنة الإجابة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أعطى أربعاً أعطي أربعاً وهي في كتاب الله: من أعطى الذكر ذكره الله لقوله تعالى " اذكروني اذكركم " ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة لقوله تعالى " ادعوني أستجب لكم " ، ومن أعطى الشكر أعطي الزيادة لقوله تعالى " ولئن شكرتم لأزيدنكم " ، ومن أعطى الاستغفار أعطي المغفرة لقوله تعالى " استغفروا ربكم إنه كان غفارا " . وقال صلى الله عليه وسلم: " حصنوا أموالكم بالزكاة وادفعوا البلاء بالدعاء.
الحث على فعل ما يقتضي إجابة الدعاء:
قال بعضهم: لا تستبطئ الإجابة من دعائك وقد سددت طريقه بالذنوب. وقيل لمالك بن دينار: ادع الله لفلان المحبوس؛فقال: مثل محبوسكم مثل شاة غدت إلى عجين فقير فأكلته فاتخمت، فصاحبها يقول: اللهم سلمها، وصاحب العجين يقول: الهم أهلكها ولا ينفع دعاء صاحبها مع دعاء المظلوم، فقولوا لصاحبكم يرد إلى كل ذي حق حقه فإنه لا يحتاج إلى دعائي حينئذ. قال طاووس: يكفي من الدعاء مع الورع ما يكفي العجين من الملح. وقيل: ثلاثة لا يستجاب لهم دعوة: رجل كانت له امرأة يدعو عليها فيقول: ألم أجعل أمرها بيدك؟ورجل جالس في بيته يقول اللهم ارزقني فيقول: ألم آمرك بالطلب؟ورجل له مال فأفسده ثم يقول: اخلفه لي فيقول: ألم آمرك بإصلاح المال؟ورأى أعرابي ظالماً يدعو فقال: إنما يستجاب لمظلوم أو لمؤمن ولست بأحدهما، وإني أراك تخف لديك العيوب وتخفى عليك الغيوب.
مدح الاستغفار بالأصابع:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سالتم الله فأسألوه بباطن أكفكم وإذا استعذتموه فاستعيذوا بظاهرها. وقالت عائشة رضي الله عنها: استغفروا الله باصابعكم التي كسبتم بها الذنوب. وفي بعض التفاسير: فما استكانوا لربهم وما يتضرعون، قالوا ما دعوه وما رفعوا أيديهم ولم يبسطوا راحتهم ولا حركوا أصابعهم. ولما صاف قتيبة الترك وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع فقالوا: ها هو ذا في أقصى الميمنة جانحاً على سية قوسه بأصابعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الأصابع الفاردة أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وسنان طرير.
ذم رفع اليدين واستعمال السبحة:

رأى شريح رجلاً يدعو ربه رافعاً يديه إلى السماء فقال له: غض بصركم وكف يديك فإنك لن تراه ولن تناله. ومر عمر بن عبد العزيز برجل يسبح الحصى، فإذا بلغ المائة عزل حصاة فقال له: الق حصاك واخلص الدعاء.

شكر الله تعالى على نعمه:
قال الله تعالى " لئن شكرتم لأزيدنكم " . وقال الحسن في قوله تعالى: إن الإسنان لربه لكنود " قال: ينسى النعم ويذكر المصائب. وقالت هند بنت المهلب: إذا رأيتم النعيم مستدراً فبادروه بالشكر قبل الزوال، إلهي قد أوليتني منائح باع الحمد قصيراً، وترد لسان الشكر حسيراً، فأجرني على أحسن ما عودتني، وأنجز أفضل ما وعدتني، إلهي لك الحمد على النعم ما اختلفت يمين وشمال، ولك الشكر ما هبت جنوب وشمال. وقال بعضهم: اللهم إنك تعرف عجزي عن الشكر فاشكر نفسك عني.
الدعاء بغزالة الخوف والبلاء المخوف:
حكي عن سنيد بن داود قال: رأيت عفان بن مسلم يمضي به ليمتحن فقلت له: قف يا شيخ أعطك كلمات، فإنك لن ترى إلا خيراً، قل: حسبي الله ونعم الوكيل، فإن الله تعالى يقول " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " وقل: وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فإنه يقول " فوقاه سيئات ما مكروا " ، وقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله " . وقال عفان: فقلتها فما رايت إلا خيراً. ويروى أن رجل أخافه عبد الملك فهرب منه فلقيه شيخ وسيم بأرض فلاة فقال: ما قصتك؟قال: خائف!قال: ومن أخافك؟قال: عبد الملك. قال: فأين أنت عن السبع؟فقال: لا أعرفها. فقال: قل سبحان الواحد الذي ليس غيره إله، سبحان الدائم الذي لا يعادله شيء، سبحان الذي خلق ما يرى وما لا يرى، سبحان الذي علم كل شيء بغي تعلم، قال: فقلتها فألقى الله تعالى في قلبي الأمن، فأتيته فلما مثلت بين يديه قال لي: أف تعلمت السحر؟قلت: لا ولكن من قصتي كيت وكيت، فكتبه عني وأمنني وأجرى لي رزقي.
من سأل الله أن يوفقه للشكر والصبر:
قال أعرابي أبطأ عنه ابنه فخافه: اللهم إن كنت أنزلت به بلاء فأنزل معه صبراً، وإن كنت وهبت له عافية فأفرغ عليه شكراً، الهم إن كان عذاباً فاصرفه، وإن كان صلاحاً فزد فيه، وهب لنا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء.
التعوذ من الفقر والاستدعاء للرزق:
قال بعضهم في بعض مواقف الحج: اللهم لا تعيني بطلب ما لم تقدر لي وما قدرته فاجعله ميسراً سهلاً، وكافئ عني ابواي وكل ذي نعمة علي. وقال سعيد بن المسيب : كنت جالساً عند القبر والمنبر فسمعت قائلاً ولم ار شخصاً: اللهم إني أسالك عملاً باراً ورزقاً داراً وعيشاً قاراً، اللهم لا تجعل بيننا وبينك في الرزق أحداً سواك، اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فيسره، وإن كان قليلاً فثمره، وإن كان يسيراً فكثره، أعوذ بالله من القنوع والخضوع والخنوع، اللهم اجعلني أفقر خلقك إليك وأغناهم بك، اللهم اجعل لي رزقاً واسعاً واجعلني به قانعاً. وقال قيس بن سعد: اللهم ارزقني مجدا ً وحمداً، فلا حمد إلا بفعال ولا مجد إلا بمال، اللهم إني أعوذ بك ممن فقر مكب وضروع إلى غير محب.
من فزع إلى الله في أن يوافقه لمصلحة في كسبه وإنفاقه:
اللهم احجبني عن السرف وقومني بالاقتصاد، وعلمني حسن التقدير وأجر من أسباب الحلال رزقي، ووجه في أبواب البر نفقتي واجعل ما خولتني من عطائك وصلة إلى قربك وذريعة إلى جنتك، اللهم هب لنا غنى لا يطغينا وصحة لا تلهينا، وأعذنا من فقر ينسينا. وكان جعفر يقول: اللهم ارزقني التفضل على من قترت عليه مما وسعته علي، اللهم أغنني عمن أغنيته عني وسهلني لمن أحوجته إلي واجعلني لأنعمك من الشاكرين.
من استعاذ بالله أن يقيه من آفات ونوب حصرها:

اللهم إنا نعوذ بك من هيجان الحرص وسورة الغضب وغلبة الحسد، وضعف البصر وقلة القناعة والحاح الشهوة ومخالفة الهدى، وسنة الغفلة وتعاطي الكلفة وإيثار الباطل على الحق، والإصرار على المأثم واستكثار الطاعة والإزراء على المقلين، وسوء الولاية لما تحت أيدينا وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا، وأن نعضد ظالماً أو نخذل ملهوفاً، أو نروم ما ليس لنا بحق أو نقول في العلم بغير علم، ونعوذ بك من سوء السيرة واحصاء الصغيرة، ونعوذ بك من شماتة الأعداء ومن الفقر إلى غير الأكفاء، ومن عيشة في شدة ومن ميتة على غير عدة، ومن سوء المآب وحرمان الثواب وحلول العقاب. ودعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه والسفيه وعدواه، وذي الرحم ودعواه ومن عمل لا ترضاه، اللهم أمتعنا بخيارنا وأعنا على شرارنا واجعل امال في سمحائنا. ودعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك من عضال الداء وخيبة الرجاء وشماتة الأعداء وزوال النعمة وفجاءة النقمة.

من سأل الله العافية:
اللهم إني أعوذ بك مما يقلق قلب الصديق ويضحك سن العدو، اللهم استرنا بستورك الحصينة واعصمنا بحبالك المتينة، وأدخلنا في كفالتك الأمينة، اللهم إني أسألك سترك الذي لا تخرقه الرماح ولا تزيله الرياح.
من دعا لنفسه وقومه بالعافية:
قال رجل في عقب صلاته: اللهم عافني في نفسي فإنها أعز الأنفس إلي، وفي أولادي فإنهم لحمي ودمي، وفي عشيرتي فإنعهم ناصري وعزي، وفي جماعة المسلمين فإن صلاحي لا يتم إلا بصلاحهم، اللهم استودعك ما أحاطت به شفقتي وعجزت عنه قوتي.
من سأل الله أن يقيه الشر من مرديه:
أسأل الله الذي يعد أنفاسي أن لا يكلني إلى احتراسي، اللهم إني تخليت من حولي وحيلتي إلى حولك وحيلتك، اللهم اجعلني أفقر خلقك إليك وأغناهم بك. وكان مطرف يقول: اللهم إنك أمرتنا بأمرك ولا نقوى عليه إلا بكرمك ونهيتنا عما نهيتنا عنه ولا ننتهي عنه إلا بعصمتك.
أدعية لأوقات معلومة:
كان إبراهيم بن أدهم إذا أصبح يقول: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون. وقيل لرجل: الحق دارك فقد احترقت. فقال: ما احترقت والله. فقيل: أتحلف على ذلك؟قال: نعم إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال حين يصبح ربي الله لا اله غلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأن الله أحاط بكل شيء علماً، أعوذ بالله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم، لم ير يومئذ في نفسه ولا أهله ولا ماله شيء يكرهه، وقد قلتها اليوم فلما انتهوا إلى داره وجدوها قد احترق ما حولها ولم تحترق. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى هلال رمضان يقول: اللهم هذا شهر رمضان فسلمه لنا وتسلمه منا بيسر وعافية، وارزقنا صيامه وقيامه متقبلاً بإيمان واحتساب. وكان إذا أتي بالباكورة قبلها ووضعها على عينيه ويقول: اللهم أريتنا أوله فأرنا آخره. وقال أمير المؤمنين كرم اله وجهه: علمني رسول الله صلى اله عليه وسلم إذا لبست ثوباً جديداً ان أقول: الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أتجمل به في الناس، اللهم اجعلها ثياب بركة أسعى بها لمرضاتك وأعمل فيها بطاعتك. وكان عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، اللهم هب لي من حقك وأرض عني خلقك. قال البناني: بلغنا أنه يستجاب الدعاء عند المطر، ثم تلا: " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته " .
من سأل الله التوفيق لعبادته:
قال سعيد بن المسيب: مر بي صلة بن اشيم فقلت: ادع لي، فقال: رغبك اله فيما يبقى وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليق5ين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا يعول في الدين إلا عليه، اللهم إني أحب طاعتك وإن قصرت فيها، وأكره معصيتك وإن ركبتها، فتفضل علي بالجنة وإن لم أستحقها، وخلصني من النار وإن استوجبتها. اللهم إني اسألك الإقبال عليك والإصغاء إليك، والفهم عنك والبصيرة في أمرك، والنفاذ في طاعتك والمراقبة على ارادتك، والمبارزة في خدمتك وحسن الأدب في معاملتك، والتسليم والتفويض إليك.

المقر بذنبه السائل من الله تعالى الرحمة:
اللهم إني رهين بذنوبي أتعثر في ذيولها وأستخفي تحت سدولها، فتفضل علي بعفو يبسط حافة رجائي ويقبض المخافة عن أرجائي. الهي لست أنفكّ منقلباً أزمة الخطايا وأعنة السيئات، فوفقني لتوبتي وامنن علي عند انتهاء نوبتي. أعرابي: يا رب تظاهرت علي منك النعم وتكاثفت مني عندك الذنوب، وأحمدك على النعم التي لا يحيط بها إلا علمك. ووضع أعرابي يده على باب الكعبة وقال: يا رب سائلك بابك قد مضت أيامه وبقيت آثامه، فارض عنه وإلا ترض عنه فاعف عنه، فقد يعفو السيد عن العبد وهو عنه غير راض. وقال عمرو بن العاص حين احتضر: يا رب إنك أمرتنا فلم نأتمر، وزجرتنا لم ننزجر، وإنا لا نعتذر ولكن نستغفر. وقال ابن السماك عند وفاته: اللهم إنك تعلم أني كنت أعصيك وأحب أن أكون ممن يطيعك. الهي كم تتحبب إلي بنعمتك وأنت غني عني، وكم أتبغض إليك بذنوبي وأنا إليك فقير، سبحان من إذا توعد عفا وإذا وعد وفى. وقالت امرأة: اللهم إني أقوم كسلى وأصلي عجزى، فاغفر لي ما عز قبل وما جرى. ووقف أعرابي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قبلنا منك وحفظنا ما أديت عن ربك، ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً، فقد ظلمنا أنفسنا واستغفرنا فاستغفر لنا. وكان شريح يقول: اللهم إني اسالك الجنة بلا عمل عملته، وأعوذ بك من النار بذنب ركبته. قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد وهو ساجد: إني ظلمت نفسي فاغفر لي، ثلاثاً.
من سأل خير الدارين:
طاف أعرابي بالبيت ثم صلى ركعتين ونهض فقيل له: ما لك حاجة إلى الله؟فقال: بلى وقد سألته. قيل: وما قلت؟قال: قلت اللهم إنك قد أحصيت ذنوبي فاغفرها، وعلمت حاجتي فاقضها. وقال بعضهم: استغفر الله والحمد لله. فقيل له في ذلك فقال: ما رأيت أجمع من هاتين الكلمتين، أنا بين ذنب ونعمة استغفر الله من الذنب وأحمده على النعمة.
من سأل الله الغفران بفعلة كانت منه:
دعا رجل بالبصرة في مسجد فقال: اللهم إني وإن كنت عصيتك فبحبي فيك من أطاعك إلا رحمتني. فهتف به هاتف: يا هذا لقد عقدت عقداً لا ينحل أبداً!ولما حج عمر بن ذر اجتمع الناس إليه فقالوا له: ادع لنا بدعوة. فقال: اللهم ارحم قوماً لم يزالوا منذ خلقتهم على مثل ما كانت عليه السحرة يوم رحمتهم، وقانا الله هول المطلع وضيق المضجع وسوء المرتجع. اللهم لو سألتني حسناتي مع حاجتي إليها لوهبتها لك وأنا عبد، فكيف لا تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت رب؟اللهم اسألك المغفرة يوم كل نفس إليك فقيرة، فإن النعمة فيها كثيرة.
الاستسقاء:
اللهم اسقنا غيثاً مريعاً ريعاً مجللاً مجلجلاً سحاً سفوحاً طبقاً غدقاً ودقاً؛فسمع أعرابي ذلك فقال: أخشى الطوفان ورب الكعبة، دعني يا نوح إلى جبل يعصمني من الماء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك حبست عنا نطر السماء فذاب الشحم وذهب اللحم ورق العظم، فارحم أنين الآنة وحنين الحانة، اللهم ارحم تحيرها في مراتعها وحنينها في مرابضها. وصعد عمر المنبر للاستسقاء فلم يزد على الاستغفار فقيل له: إنك لم تستسق. فقال: قد استسقيت بمجاديح السماء؛ذهب إلى قوله تعالى " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل عليكم السماء مدراراً " . وخرج سليمان بن عبد الملك يستسقي فسمع أعرابياً يقول:
رب العباد ما لنا وما لكا ... قد كنت تسقينا فما بدا لكا؟
- أنزل علينا الغيث لا أبا لكا! فضحك سليمان وقال: أشهد أنه لا أبا له ولا صاحبة ولا ولد.
أنواع شتى من ذلك:

اللهم أعوذ بك من أن تحسن في العيون علانيتي، وتقبح في الخلفيات سريرتي. اللهمكما اسأت وأحسنت إلي فإن عدت فعد علي. وكان الحجاج إذا تلا قوله تعالى " رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد بن بعدي " ، يقول: كان سليمان حسوداً، وإذا تلا قوله تعالى " اجعلني على خزائن الأرض " ، قال أحب يوسف الإمارة. يا من يغضب على من لا يسأله لا تحرم من قد سألك. وقال الأصمعي: سمعت أعرابية تدعو على ظالم لها: اللهم اشفني منه في الدنيا فإني في الآخرة عنه مشغولة، اللهم لا تنزلني منزل سوء فأكون امرأة سوء. اللهم أصلحني قبل الموت وارحمني عند الموت، واغفر لي بعد الموت. وقال أعرابي وقد صلى: اللهم عفرت لك جبيني وبسطت إليك يميني، فانظر ما تعطيني. وقال مالك بن دينار: اللهم سهل لي المجاز ويسر لي الجواز. ومن دعاء موسى بن جعفر عليهما السلام: اللهم أفرغني لما شغلتني له ولا تشغلني بما تكلفت لي به يا رب العالمين.

مما جاء في فضائل أعيان الصحابة
قد كان من شرط هذا الكتاب أن لا نشتغل بذكر الرجال على الترتيب إذا كان القصد فيه تنويع المعاني، لكن لم يوجد بد من ذكر فضائل الصحابة إذ كانت الحاجة إليه تكثر.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
قيل: سمي عتيقاً لجمال وجهه، وقيل لقوله صلى الله عليه وسلم: أ، ت عتيق الله من النار، وقيل: لأن أمه لم يكن يبقى لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت وقالت: اللهم اجعل هذا عتيقاً من الموت وهبه لي، وقيل: كان لأبيه ثلاثة أولاد عتيق ومعتق وعتيق، ولد بعد عام الفيل بسنتين ودوين أربعة اشهر، ومات بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأربعة اشهر وهو ابن ثلاث وستين سنة.
من فضائله: له أربعة فضائل لم يشاركه فيهن أحد: كاني ثاني اثنين في
الغار، وثاني اثنين في المشورة، وثاني اثنين في العريش، وثاني اثنين في القبر، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه. قال الشعبي: سألت ابن عباس عنأول الناس اسلاماً فقال: أما سمعت قول حسان بن ثابت فيه:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
الثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كان له تردد وكبوة إلا أبا بكر. وقال: ما أحد أمن علي بصحبته وماله من أبي بكر. وسماه النبي صلى الله عليه وسلم عتيقاً حتى غلب على اسمه واسم أبيه، وكفى له شرفاً قوله تعالى " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا " . فسماه صاحباً في كتابه. ولما برز ابنه عبد الرحمن يوم واحد وقال: هل من مبارز؟نهض إليه ابو بكر بسيفه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: شم سيفك وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك.
عمر رضي الله تعالى عنه:
سمي الفاروق لفرقه بين الحق والباطل. طعن لسبع بقين من ذي الحجة ومات غرة المحرم. وقيل: كان ابن ثلاث وستين. وقيل: ابن ستين وقيل خمس وخمسين وخلافته كانت عشر سنين وسبعة أشهر وخمس ليال، وقيل: ثمانية أشهر وأربعة ايام.
من فضائله:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أيد الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام. فأصبح عمر فقرع الباب على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وخرج فصلى في المسجد ظاهراً. وقال عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يفرق من عمر. وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر؟قالوا: لعمر بن الخطاب!فذكرت غيرته فوليت مدبراً، فبكى عمر وقال: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟وقال عليه الصلاة والسلام: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك. وعرض على عمر وعليه قميص يجره قالوا: ما أولت يا رسول الله؟قال: الدين. وقال عليه الصلاة والسلام: إن من قبلكم كان فيهم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب. وقال عبد الله بن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، كان والله للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه الناس ما دام حياً، ولا يخرجون منه. فلما مات انثلم ذلك الحصن، وكان يبغض الملق والتقرب، وضرب ناساً على أن قالوا: يا خير الناس، وقدموا اسمه في الديوان فغضب وقال: ضعوا عمر وآل عمر حيث وضعهم الله. وكان عبد الملك يقول: إذا ذكر عمر كان ذكره أسفاً للأمة وطعناً على الأثمة.

من فضائل عمر وابي بكر رضي الله تعالى عنهما:

روي عن أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نظر إلى أبي بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة. وقال عليه السلام: اقتدوا بالذين من بعدي عمر وأبي بكر. وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما أسس بناء المسجد جاء بحجر فوضعه، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: هم أمراء الخلافة بعدي. وقيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: ما منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم؟فقال: منزلتهما منه اليوم. وحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء أبو بكر بماله كله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لعيالك؟فقال: نصف مالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين الرجلين ما بين الكلمتين. ولما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في أسارى بدر قال: قومك فيهم الآباء والأبناء والإخوان، فامنن عليهم أوفادهم يستنقذهم الله بك من النار، وما أخذت منهم فهو قوة للإسلام. فاستشار عمر فقال: يا نبي الله هم أعداء الله كذبوك وحاربوك وأخرجوك، اضرب رقابهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل أبي بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرضا والغفران، وفي الأنبياء بإبراهيم طرحه قومه في النار، فما زاد على أن قال: " أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " . وقال " فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم " . وكمثل عيسى إذ يقول: " إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " . ومثل عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالسخط والنقمة، وفي الأنبياء كنوح حيث قال " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً " ومثل موسى حيث قال " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " . وقد أحسنا تاثيرهما في الولاية أما ابو بكر رضي الله عنه فإنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر: كيف مات النبي والله تعالى يقول " ليظهره على الدين كله " ، فقام ابو بكر فقال: أيها الناس إن الله تعالى قد نعى إليكم نبيكم وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم فقال " إنك ميت وإنهم ميتون " . فسكن الناس، وتلا " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، ثم تلا " كل نفس ذائقة الموت وكل من عليها فان " ، ثم قال: ليظهر الله دينه ويتم نوره. وأمره في ارتداد العرب ومنعهم الزكاة معروف حيث خالف جماعة الصحابة وقال: لو منعوني عقالاً لقاتلتهم. وقال: إنقبلت قولكم لأنقضن عرى الإسلام عروة عروة. واجتهد في تجهيز جيش أسامة وخالفه الصحابة فقال: لو بقيت وحدي حتى تأكلني الكلاب ما أخرت جيشاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنفاذه والوحي ينزل عليه. وأما عمر رضي الله عنه فإنه فتح الفتوح ودون الدواوين، وفرض العطية ومصر الأمصار وجى الفيء، وبلغت خيله افريقية واوطأ خيله خراسان وكرمان، وأزال ملك بني ساسان. ولما طعن قيل له: ألا تستخلف؟فقال: أن أترك فقد ترك من هو خير مني، يعني رسول الله، وأن أستخلف فقد استخلف خير مني؛يعني أبا بكر.

عثمان رضي الله تعالى عنه:

كان يلقب ذو النورين. وكان ختن النبي صلى الله عليه وسلم على ابنيته قتل يوم الأربعاء لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثون، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وقيل: أنه كان أصبح فقال إني رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: يا عثمان أفطر عندنا الليلة، فأصبح صائماً فقتل من يومه وأشرف عليهم. وقال: علام تقتلونني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنا بعد احصان فعليه الرجم، أو رجل ارتد بعد افسلام فعليه القتل، أو قتل عمداً فعليه القود؛فوالله ما زنيت في جاهلية ولا اسلام، ولا قتلت أحداً ولا ارتددت منذ أسلمت. وقال أبو موسى: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً وأمرني بحفظ الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فإذا أبو بكر. ثم جاء آخر يستاذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فإذا عمر. ثم استأذن آخر فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة بعد بلوى ستصيبه؛فإذا عثمان بن عفان. وصعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فضربه برجله، وقال: اسكن أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان؟واستأذن عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم وكان مكشوف الفخذ، فغطاها وعنده أبو بكر وعمر فقيل له في ذلك فقال: كيف لا استحي ممن تستحي منه الملائكة؟

ذكر فتوحاته:
افتتح أرمينية بحبيب بن مسلمة، وأذربيجان بالمغيرة، وافريقية بعبد الله بن سمرة.
ذكر ما عتب عليه:
قالوا: آوى طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بن العاص، وأعطاه مائة ألف درهم، ونفى أبا ذر إلى الربذة وعامر بن عبد القيس إلى الشام. وتصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهزور على المسلمين، وهو موضع سوق المدينة، فنقضه عثمان وأقطعه الحارث بن الحكم أخا مروان وأقطع فدك مروان وكل ذلك مما وصفه به عمر رضي الله عنهما حيث قال: هو كلف بأقاربه.
علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه:
قتل لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان يوم الجمعة سنة أربعين. وهو ابن ثلاث وستين، وقيل ابن ثلاث وخمسين، وخلافته أربع سنين وثمانية اشهر وتسعة عشر يوماً، ودفن بالكوفة وغيب قبره. وقال صلى الله عليه سولم: الخلافة ثلاثون عاماً ثم تكون ملكاً. وكناه النبي صلى الله عليه وسلم ابا تراب، وذلك أنه دخل على ابنته فاطمة فقال: اين ابن عمك؟فقالت: في فناء المسجد، فوجده مضطجعاً في التراب فقال النبي صلى الله عليه سولم: قم يا ابا تراب!وذلك من شدة ما أعجب به.
من فضائله:

قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟قال: بلى. قال: فأنت كذلك. وقال: علي من وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي، وأخذ بيده فقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره وأخذل من خذله. وقال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. ثم دعا علياً وهو رمد فأعطاه اللواء وقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة. وقال صلى الله عليه سولم: النظر إلى علي عبادة أي إذا برز يكبر الناس فيقولون: لا اله الا الله ما اجله وما أعلمه ما أشجعه ما أشرفه!وقال عليه السلام: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله أتبعثني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء؟فقال: انطلق فإن اله تعالىسيهدي قلبك ويثبت لسانك. قال: فما شككت في قضاء بين رجلين. ولما أنزل الله عز وجل " وتعيها أذن واعية " قال النبي عليه السلام لعلي: سالت الله أن يجعلها أذنك فما سمع بعدها شيئاً إلا حفظه. وعن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر إلى النبي عليه السلام فقعد بين يديه فقال: يا رسول اللله قد علمت مناصحتي وقدمي في افسلام وإني وإني. قال: وما ذاك؟قال: تزوجني فاطمة. فسكت عنه فرجع ابو بكر إلى عمر فقال: هلكت وأهلكت!قال: وما ذاك؟قال: خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني فقال: مكانك حتى آتي التبي عليه السلام فأطلب مثل ما طلبت. فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه وقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني فقال: وما ذاك؟قال: تزوجني فاطمة فأعرض عنه فرجع عمر إلى أبي بكر فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا. قال علي: فأتياني وأنا في سبيل فقالا: ابنة عمك تخطب، فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي طرف على عاتقي وطرف على الأرض حتى أتيت النبي عليه السلام فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني وإني. قال: وما ذاك يا علي؟قلت تزوجني فاطمة. قال: وما عندك؟قلت: فرسي وبدني، يعني درعه فقال: أمافرسك فلا بد لك منه، وأما درعك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة فقال: يا بلال أبغنا بها طيباً وأمر أن يجهزوها. فجعل لها سرير مشرط بالشريط، ووسادة من أدم حشوها ليف، وملأ البيت كثيباً يعني رملاً وقال: إذا أتتك فلا تحدث شيئاً حتى آتيك، فجاءت مع أم أيمن فقعدت في جانب البيت، وأنا في جانب وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ههنا أخي. فقالت: أم أيمن أخوك وقد زوجته ابنتك. فدخل فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمة: ائتني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء وأتته به، فمج فيه ثم قال: قومي فنضح ثدييها وعلى رأسها ثم قال: اللهم أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. ثم قال: ائتني بماء فعلمت الذي يريده فملأت القعب ماء وأتيته به، فأخذ منه بفيه ثم مجه فيه ثم صب على رأسي وبين يدي وقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم. ثم قال: ادخل على أهلك باسم الله والبركة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة، وعمر على بغل وأنا على فرس ، فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب فقال: أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن ابي بكر؟؟ ؟؟فقلت في نفسي: لا أقالني الله إن أقلته. فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين وأنت وصاحبك وثبتما وافترعتما الأمر منا دون الناس. فقال: إليكم ين بني المطلب أما أنكم أصحاب عمر بن الخطاب فتأخرت وتقدم هنيهة فقال: سر ولا سرت!وقال: أعد علي كلامك. فقلت: إنما ذكرت شيئاً فرددت عليك جوابه ولو سكت سكتنا فقال: أنا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها. قال: فأردت أن أقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك؟فقال: لا جرم فكيف ترى والله ما نقطع أمراً دونه ولا نعمل شيئاً حتى نستأذنه. وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لم اسأل عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال

علي: وما هن؟قال: حب الرجل الرجل لم يجر بينهما خلطة ولا معرفة فأنى ذلك والرؤيا منها ما يصدق كأخذ باليد، ومنها ما يكون أضغاثاً فأنى ذلك والرجل يتحدث بالحديث أحياناً ويختلف أحياناً فأنى ذلك. فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من حب الرجل الرجل لم تجر بينهما خلطة ولا معرفة، فإن الله خلق الأرواح قبل الأجساد فتلتقي الأرواح على سبب بين السماء والأرض فتتشام كما تتشام الخيل فما تعارف ثم ائتلف هنا، وأما الرؤيا فإن العقل إذا عرج بنفسه وهو في النوم في المصعد فهو كأخذ باليد، وإذا هبط إلى جسده تلتقطه الشياطين بالأضغاث لكي تحزنه، وأما أخبرت به فهو الذي لا يصدق. وأما الرجل يتحدث بالحديث ثم ينسى فإن القلب تغشاه ظلمة كظلمة القمر، فإذا تغشى القلب تخلى عنه ذكره. وعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب. وقال رسول عليه الصلاة والسلام لفاطمة: لقد زوجتكه سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة. ، لا يبغضه إلا منافق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أوحي إلي في علي ثلاث: أنه سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال عليه الصلاة والسلام: الحق مع علي وعلي مع الحق، لن يزولا حتى يردا على الحوض. وعن جابر وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا وعلي من شجرة واحدة. وقال له علي: آخيت بين الناس يا رسول اله فمن أخي؟قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة. وما هن؟قال: حب الرجل الرجل لم يجر بينهما خلطة ولا معرفة فأنى ذلك والرؤيا منها ما يصدق كأخذ باليد، ومنها ما يكون أضغاثاً فأنى ذلك والرجل يتحدث بالحديث أحياناً ويختلف أحياناً فأنى ذلك. فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من حب الرجل الرجل لم تجر بينهما خلطة ولا معرفة، فإن الله خلق الأرواح قبل الأجساد فتلتقي الأرواح على سبب بين السماء والأرض فتتشام كما تتشام الخيل فما تعارف ثم ائتلف هنا، وأما الرؤيا فإن العقل إذا عرج بنفسه وهو في النوم في المصعد فهو كأخذ باليد، وإذا هبط إلى جسده تلتقطه الشياطين بالأضغاث لكي تحزنه، وأما أخبرت به فهو الذي لا يصدق. وأما الرجل يتحدث بالحديث ثم ينسى فإن القلب تغشاه ظلمة كظلمة القمر، فإذا تغشى القلب تخلى عنه ذكره. وعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب. وقال رسول عليه الصلاة والسلام لفاطمة: لقد زوجتكه سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة. ، لا يبغضه إلا منافق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أوحي إلي في علي ثلاث: أنه سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال عليه الصلاة والسلام: الحق مع علي وعلي مع الحق، لن يزولا حتى يردا على الحوض. وعن جابر وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا وعلي من شجرة واحدة. وقال له علي: آخيت بين الناس يا رسول اله فمن أخي؟قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

فضائل الحسين والحسن رضي الله عنهما:

قال النبي صلى اله عليه وسلم: ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمةً؟قالوا بلى يا رسول الله. قال: الحسن والحسين عمهما جعفر الطيار، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب. وقال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم حاملاً الحسن فقال له رجل: يا غلام نعم المركب ركبت!وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم وقد امتطاه الحسن والحسين: نعم المطي مطيكما ونعم الراكبان أنتما وأبوكما خير منكما. وقال أبو هريرة: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس سجدات بلا ركوع فقيل له قال: أتاني جبريل فقال: إن الله يحب علياً فسجدت ورفعت رأسي فقال: إن الله يحب فاطمة فسجدت، ثم قال إن الله يحب الحسن والحسين فسجدت. فقال: إن الله يحب من أحبهم فسجدت. وقال إبراهيم النخعي: لو كنت ممن أعان على الحسين ثم قيل لي ادخل الجنة لاستحييت أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. وقال أبو بكر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر ينظر إلى الحسن مرة وغلى الناس مرة. وقال: إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين. وسأل بعض أهل العراق ابن عمر عن قتل الذباب فقال: يا أهل العراق تسألونني عن قتل الذباب وقد قتلتم ابن بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتي من الدنيا؟وقال عمر بن عبد العزيز يوماً وقد قام من عنده علي بن الحسين: من أشرف الناس؟فقالوا: أنتم. فقال: كلا أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفاً، من أحب الناس أن يكونوا منه ولم يحب أن يكون من أحد. وذكر الحسن والحسين عليهما الرضوان عند المأمون فقال: بخ بخ ما تقولون في غلامين حسن خلقهما الجليل وناغاهما جبريل، وولدا بين التنزيل والتبجيل، هل الذين من عديل جدهما الرسول وأمهما البتول وأبوهما المقبول؟وقال عمر بن الخطاب في طلب مصاهرته علياً: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. وقال عليه الصلاة والسلام: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
؟

مناقب جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين:

سمى النبي صلى اله عليه وسلم طلحة يوم أحد طلحة الخير. وفي غزوة العسرة طلحة الفياض، ويوم خيبر طلحة الجود. ودخل على النبي صلى اله عليه سولم فقال: يا طلحة أنت ممن قضى نحبه. وقال: الزبير حواريي وابن عمتي وطلحة حواريي. وقال سعد: ما أسلم في اليوم الذي أسلمت فيه أحد ولقد مكثت سبعة أيام وغني لثلث الإسلام. وقال: نبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بوم أحد وقال: ارم فداك أبي وأمي. وقال عليه الصلاة والسلام: اللهم سدد رميه وأجب دعوته. وقال عبد الرحمن: كان اسمي عبد عمرو، فلما أسلمت سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ. وقال عليه السلام: أقواكم أبي وأفرضكم زيد، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ وأقضاكم علي. وقال: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر. وقال: يأتيكم خير ذي يمن وعليه مسحة ملك فأتاهم جرير بن عبد الله البجلي، وقال: رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك. وقال: رضيت لأمتي ما رضي ابن أم عبد وكرهت لها ما كره ابن أم عبد، يعني عبد الله بن مسعود. وقال ابن عباس: ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: اللهم علمه الحكمة. وقال النبي عليه السلام: نعم الرجل عبد الله بن عمر، كان يصلي بالليل ثم ما كان ينام من الليل إلا قليلاً. وقال عليه الصلاة والسلام: إن عبد الله بن عمر رجل صالح. وقال: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الأطعمة. وقال سابق الحبشة: وكان عمر يقول: أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً. وكان عليه السلام يقول: ما لكم وعمار إنما عمار جلدة ما بين عيني. وكان بنو مخذوم يعذبونه وأمه. وكان يمر بهما النبي عليه السلام ويقول: صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. وقال: من أحب أن ينظر إلى رجل يحب الله ورسوله بكل قلبه فلينظر إلى سالم. وقال عمر في شكاته وكان عنده المهاجرون والأنصار: لو أدركت سالماً ما تخالجني فيه شك. واجتمع باب عمر الأجلاء من العرب، فخرج أذنه وفيهم أبو سفيان وعيينة بن حصن، فخرج الأذن وقال: أين بلال أين عمار اين صهيب اين سلمان؟ادخلوا فتمعرت وجوههم واستبان الجزع فيهم؛فقال سهيل بن عمرو: ما لكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أعظم. وقال المهدي لعبد الله بن مصعب: ما تقول فيمن ينتقص أصحاب النبي عليه السلام؟قال: أمرنا أن نقتل من ينتقص النبي بأيسر تنقص، وإن من أشد النقص أن يقال كان راضياً بأصحاب سوء يصحبونه. وقال سفيان لابن عيينة: من أبغض أبا طالب فهو كافر!فقيل: لمه؟قال: لأن النبي عليه السلام كان يحبه، ولذلك قال تعالى " إنك لا تهدي من أحببت " وإن من أبغض من يحبه الرسول عليه السلام فهو كافر.
؟

نبذ من ذكر فضائل معاوية:
قيل لأبي برد الأسلمي: لم اخترت صاحب لشام على صاحب العراق؟فقال: لأني رأيته أطوى لسره، وأملك لعنان أمر جيشه، وأفطن لما في نفس عدوه. وسئل عمر بن عبد العزيز عن يوم الجمل ويوم صفين فقال: تلك دماء صان الله عنها يدي فلا أغمس فيها لساني. وقال بعضهم: علي بن أبي طالب آخرة لا دنيا معه ومعاوية دنيا لا آخرة معه.
؟
مما طعن فيه:
قيل لهشام بن الحكم: هل شهد معاوية يوم بدر؟فقال: نعم من ذلك الجانب. وبلغ الحسن أن نافعاً كان يقول: إن معاوية كان يسكته الحلم وينطقه العلم. فقال: كان يسكته الحصر وينطقه البطر. وقال الحسن: لقد فعل معاوية ثلاثاً كلها موبقات: منازعة الأمر أهله، وادعاؤه زياداً، واستخلافه يزيد. وقال معاوية: أعنت على علي بثلاث: كان رجلاً يظهر سره وكنت كتوماً، وكان في أخبث جند وشره وكنت في أطوع جند وأقله خلافاً، وكنت أحب إلى قريش منه . رضي الله عن الصحابة أجمعين.
نوادر للشيعة:

قيل لبهلول وكان يتشيع: وزن أبو بكر وعمر بالأمة فرجحا. فقال: لعله كان في الميزان عيب!وقيل له: أتأخذ درهمين وتشتم فاطمة؟قال: بل آخذ دانقاً وأشتم معاوية. وقال بعضهم: رأيت في بغداد مكفوفاً يقول من أعطاني حبة سقاه الله من الحوض على يد معاوية، فتبعته حتى خلوت به فلطمته لطمة وقلت له: عزلت أمير المؤمنين عن الحوض؟فقال: بحبة أسقيهم من يد أمير المؤمنين؟لا والله؟! وتخاصم رجلان إلى بعض الولاة وكان يتشيع، وكان اسم أحد الخصمين علي وكنيته أبو عبد الرحمن، واسم الآخر معاوية، فلما عرف الوالي اسميهما ضرب معاوية مائة سوط، ففطن الخصم للقصة فقال للوالي: إن رأيت أن تسأل خصمي عن كنيته فسأله فقال: كنيتي أبو عبد الرحمن فغضب عليه وضربه مائة سوط فقال له المسمى معاوية: ما أخذته مني بالاسم استرجعته منك بالكنية وبقزوين قرية أهلها متناهون في التشيع فمر بهم رجل فسألوه عن اسمه فقال عمران، فاجتمعوا عليه يضربونه، فقال: ليس اسمي عمر فتضربونني لماذا؟قالوا: هو اشر من ذلك فإنه عمر وفيه حرفان من عثمان.
؟

تعريضات للشيعة:
كان شيطان الطاق يتشيع فأخذه بعض الخوارج فقال له: إن لم تتبرأ من عثمان وعلي قتلتك؟فقال: أنا من علي، ومن عثمان بريئ؛وإنما أراد أنا من علي أي من مواليه، وبريء من عثمان فتخلص من الخارجي. ومر ابن المعدل بقوم فسلم عليهم فلم يجيبوه فقال: لعلكم تظنون ما يقال في من الرفض، إن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً من نقص واحداً منهم فهو كافر وامرأته طالق. فسر القوم ودعوا له، فقال بعض من كان معه من شيعته: ويحك ما هذه اليمين؟قال: إني أردت من قولي من نقص واحداً منهم علي بن أبي طالب وحده. وقال أبو سهل الصعلوكي لأبي عبد الله الحصيري: كم تقول أمير المؤمنين وما كان له قط يوم أبيض؟فقال: ولا اليوم الذي رجع فيه إلى الحق وبايع أبا بكر. فقال: كان في ذلك اليوم مكرهاً. فقال أبو عبد الله: اشهدوا حتى لا يقول في المناظرة إن أمير المؤمنين كان راضياً بتولية أبي بكر.
؟
نوادر للناصبة:
كان بعض الشيعة يستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: علي مني كهارون من موسى، فقال بعض النواصب: ما تلك المنازل فإن هارون كان أخا موسى من أبيه وأمه وكان شريكه في النبوة، ومات قبله وليس شيء من هذه المنازل لعلي، فلم يبق إلا أن يأخذ بلحيته وبراسه، يعني قوله لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. ولد لرجل من النواصب ولد فسماه حسيناً فقال بعض اصدقائه: والله لو عق عن ابنه بمعاوية ما كان إلا ناصبياً.
ذم الغلو والتهافت في الصحابة:
قال يحيى بن زيد بن علي: نحن من أمتنا بين أربعة أصناف: ظالم لنا حقنا وبالغ بنا فوق قدرنا، ومعطينا ما يجب لنا وحامل علينا ذنب غيرنا. وقال بعض عوام الناصبة: لمعاوية ليس بمخلوق!فقيل: كيف؟قال: لأنه كاتب الوحي والوحي ليس بمخلوق، وكاتبه منه. وقيل: إن عبد الرحمن صاحب الأندلس أنهى إليه أن رجلاً من العملة وقع في علي رضي الله عنه، فأمر بتأديبه، فقيل له لم يزل الخلفاء من أسلافك يجوزون هذا، فقال: أنا لم أنكر من فعل معاوية شيئاً كإنكاري لهذا، فإن في هذا تجسيراً للعامة على الوقوع في علي، وعلي إن قعد به أدبه لم يقعد به حسبه، ومن الخطأ في السياسة ترخيص الملوك للعامة في الوقيعة فيهم. وسئل رجل: هل الحسن أفضل من الحسين؟قال: الحسن لأن الله تعالى يقول " ربنا آتنا في الدنيا حسنة ولم يقل حسينة!وسئل بعضهم: هل كان النبي حسنياً أم حسينياً؟قال: كان حسنياً و حسينياً، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
الحد الحادي والعشرون
في الموت وأحواله
أسماء الموت ووصفه:

يقال له: النبط والهمع والرمد وأم قشعم وشعوب، والموتان والموت والحمام والفود ومرت زؤام وذعاف وجحاف. ويقال: فقس وفطس ويتبل وعضد وطن، ولعق اصبعه ورق بنفسه وجرض بريقه وآثر الله به، وانخل تركيبه ومضى لما خلق له وأتاه ما كان يحذر، ودعاه ما كان يخبر، شرب الدهر عليهم وأكل وأفلت حريضاً وأفضه شعوب، ووجبت نفسه ونضب ظله وقرض رباطه وصل به إلى أبي يحيى وسلم لمائه. وقيل لحكيم: ما الحياة وما الموت؟قال: الحياة ميتة أدت إلى سعادة، والموت حياة أوجبت على أهلها الحجة. وأجود اسم له ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر هادم اللذات. وقيل: الحتوف أربعة: سخطي بعقوبة الله وذلك ما ذكر الله " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً " ، وطبيعي وذلك بالهرم وانقطاع الأمل، وعرضي ما هو يسمى الموت الفجأة، واكتسابي وهو ما يكون بالتعرض لحرب أو سباع ونحو ذلك.

تعظيم أمر الموت:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظراً فظيعاً إلا والموت أفظع منه.
عبد الله بن معاوية:
والموت أعظم حالةٍ ... مما يمر على الجبله
وقال رجل للحسن: إن عشت تر ما لم تره. فقال الحسن: إن مت تر ما لم تر. وكان كثيراً ما يقول الحسن: عند الموت يأتيك الخبر. وقال: إن الموت فضح الدنيا.
الحث على تصور الموت:
قال بعض الخلفاء لابن السماك: عظني وأوجز. فقال: اعلم أنك أول خليفة تموت، وهذا كما سأل ازدشير بعض الحكماء عن دار بناها وقال: هل ترى فيها عيباً؟فقال: نعم عيباً لا يمكنك اصلاحه. فقال: وما هو؟قال: لك منها مخرجة لا عود بعدها أو دخلة لا خروج بعدها. وقال روح بن عبادة: رأيت في منامي كأن قائلاً يقول:
لا تكونوا كالأولى من قبلكم ... لم يخافوا بأسنا حتى نزل
وكتب أبو العتاهية على سقف بيته بتزويق:
أتطمع أن تخلد لا أبالك ... أمنت قوى المنية أن تنالك؟
أما والله إن لها رسولاً ... بها لو قد أتاك لما أقالك
كأني بالتراب عليك يحثى ... وبالباكين يقتسمون مالك
ولست مخلفاً في الناس شيئاً ... ولا متزوداً إلا فعالك
وكان الحسن إذا خوف من الموت يقول للشيوخ: الزرع إذا بلغ لا بد أن يحصد. ويقول للشبان: هل رايتم زرعاً لم يبلغ أدركته الآفة. وقيل: اذكر حفرة سمكها قصير وساكنها أسير. وقيل: من ضاق به أمر فليتذكر الموت فإنه يتسع عليه. ونحوه: من أحس بأنه يموت فليس ينبغي أن يغتم لأمر صعب ينزل به. وقيل لجعفر بن محمد عليهما السلام: كيف صار الموت يأخذ على فنون شتى؟قال: أحب الله أن لا يؤمن على حال. شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قساوة قلبه فقال: اكثر من ذكر هادم اللذات فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقها عليه. وقال معبد الجهني: نعم نصيحة القلب ذكر الموت، يطرد فضول الأمل ويكف غرب المنى، ويهون المصائب ويحول بين القلب وبين الطغيان. وقيل: وما دخل ذكر الموت بيتاً إلا رضي أهله بما قسم الله لهم وجدوا في أمر آخرتهم. وقيل: أبلغ العظات النظر إلى محل الأموات ومصارع البنين والبنات.
التخويف من الموت بما يشاهد:
قال الحسن وقد قعد عند راس ميت: إن امرأ هذا آخره لأهل أن يزهد فيما قبله، وإن امرأ هذا أوله لأهل أن يحذر ما بعده. وقف أعرابي على قبر هشام وخادم له يقول: ما لقينا بعدك صنع بنا فقال الأعرابي: إيهاً عليك أما أنه لو نشر لأخبر أنه لقي أشد مما لقيتم. ومر أمير المؤمنين بمقابر الكوفة فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، أما الأزواج فقد نكحت وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خير ما عندنا فما خبر ما عندكم، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما أنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى. ونظر الحسن إلى صبية بين جنازة أبيها تقول: يا أبت مثل يومك لم أره!فضمها الحسن وقال: أي بنية وأبوك مثل هذا اليوم لم يره!فبكى الخلق.
حث الإنسان على الاستدلال على موته بمن مات من أقاربه:
قال بعض الحكماء: ذهب أبوك وهو أصلك وابنك وهو فرعك، فما حال الباقي بعد ذهاب اصله وفرعه؟وقال محمود في معناه:

وغادروك بلا أصلٍ ولا طرفٍ ... فما بقاؤك بعد الأصل والطرف؟
أبو نواس:
ألا با ابن الذين فنوا وماتوا ... أما والله ما ماتوا لتبقى
قال أبو حازم إن امرأ ما بينه وبين آدم أب إلا ميت لمعرق في الموت. قال لبيد:
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتبه ... لعلك تهديك القرون الأوائل
فإن لم تجد من دون عدنان باقياً ... ودون معدٍ فلترعك العواذل
امرؤ القيس:
فبعض اللوم عاذلتي فإني ... سيكفيني التجارب وانتسابي
إلى عرق الثرى وشجت عروقي ... وهذا الموت يسلبني شبابي
أبو تمام:
تأمل رويداً هل تعدن سالماً ... إلى آدم أو هل تعد ابن سالم
متى يرع هذا الموت عيناً بصيرةً ... تجد عادلاً منه شبيهاً بظالم
عمارة:
وما نحن إلا رفقةٌ قد ترحلت ... لقصدٍ وأخرى قد أنيخت ركابها
البحتري:
وما أهل المنازل غير ركبٍ ... مناياهم رواحٌ وابتكار
لما أتى معاوية موت زياد توجع وقال:
وأفردت سهماً في الكنانة واحداً ... سيرمى به أو يكسر كاسره

الاعتبار بمن مات من الكبار والسلاطين:
قيل: لما مات الإسكندر وقف عليه أرسطاطاليس فقال: طالما كان هذا الشخص واعظاً بليغاً، وما وعظ بموعظة في حياته من عظته في مماته؛أخذ هذا المعنى أبو العتاهية فقال:
وكانت في حياتك لي عظاتٌ ... فأنت اليوم أوعظ منك حيا
وحمل إلى أمه في تابوت من ذهب فقالت: جمعت الذهب حياً وجمعك ميتاً.
الأسود بن يعفر:
ماذا أؤمل بعد ىل محرقٍ ... تركوا منازلهم بغير أياد
أهل الخورنق والسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
المتنبي:
أين الأكاسرة الجبابرة الأولى ... كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه ... وحواه عند الموت لحدٌ ضيق
آخر:
ألم تر صول الدهر في آل برمكٍ ... وآل نهيكٍ والأولى سلفوا قبل
لقد غرسوا غرس النخيل تمكناً ... فما حصدوا إلا كما يحصد البقل
ونظرت امرأة إلى جعفر بن يحيى مصلوباً فقالت: لئن كنت في الحياة غاية فلقد صرت في الممات آية! شاعر:
ومن كان ذا بابٍ شديدٍ وحاجبٍ ... فعما قليلٍ يهجر الباب حاجبه
آخر:
الموت يأتي كل محتجبٍ ولا يستأذن
تناهى بعد من مات:
أبو حية النمري:
فلا غائبٌ من كان يرجى إيابه ... ولكنه من ضمن اللحد غائب
آخر:
بلى كل من تحت التراب بعيد
آخر:
ومن نصب المنون بعيد
النابغة:
حسب الخليلين نأي الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بالي
الغفلة عن الموت:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: كان الحق على غيرنا وجب، وكان الموت على غيرنا كتب، وكان من نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوءهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم. وقال الحسن: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت؛أخذه محمد بن وهب فقال:
تراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض الدنيا فتلهو وتلعب
يقينٌ كأن الشك غالب أمره ... عليه وعرفانٌ من الجهل ينسب
وقال الحسن وهو في جنازة: يا قوم لو أن هذا الرجل أخذه سلطانكم لفزعتم؟قالوا: بلى. قال: قد أخذه ربكم فلم لا تفزعون؟وقيل: من لم يرتدع بالموت وبالقرآن ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع. وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: ما هذا التغافل عما أمرتم به والتسرع إلى ما نهيتم عنه؟إن كنتم على يقين فأنتم حمقى، وإن كنتم على شك فأنتم هلكى! أبو العتاهية:
الموت لو صح اليقين به ... لم ينتفع بالموت ذاكره
محمد بن بشير:
يا حسرتي في كل يوم مضى ... يذكرني الموت وأنساه
الموسوي:
ونأمل في وعد المنى غير صادقٍ ... ونأمن من وعد المنى غير كاذب
نراع إذا ماشيك أخمص بعضنا ... وأقدامنا ما بين شوك العقارب
الأجل حائل بين الإنسان والأمل:

قيل: لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال. ووجد حجر بدمشق مكتوب عليه: يا ابن آدم لو رأيت ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك. وقال أمير المؤمنين: إنكم في أجل محدود وأمل ممدود ونفس معدود، ولا بد للأجل أن يتناهى وللأمل أن يطوى وللنفس أن يحصى. وقيل لحكيم: ما ابعد الأشياء عن الناس؟قال: الأمل؛فقيل: وما أقرب الأشياء منهم؟قال: الأجل.

من مات بعد الكبر:
عاش نوح عليه السلام ما عاش وقيل له لما أشرف على الموت: كيف وجدت الدنيا؟قال: وجدتها داراً دخلتها من باب وخرجت من آخر. وقال بعضهم:
وكل امرئٍ يوماً وإن عاش حقبةً ... له غايةٌ تجري إليه ومنتهى
محمود الوراق:
وما صاحب السبعين والعشر بعدها ... بأقرب ممن حنكته القوابل
ولكن آمالاً يؤملها الفتى ... وفيهن للراجين حقٌ وباطل
المتنبي:
وأوفى حياة الغادرين لصاحبٍ ... حياة امرئٍ خانته بعد مشيب
الموت لا يفوته أحد:
قيل: من لم يمت عاجلاً مات آجلاً.
شاعر:
فمن لم يلاق الموت كأس منيةٍ ... فلا بد منه أن تصادفه غدا
آخر:
كل حيٍ مملكٍ ... سوف يفنى وما ملك
آخر:
وكل جمع في الورى تفرق
آخر:
من لم يمت غبطةً يمت هرماً
وقيل لابن المقفع: قد كنت نعيت إلينا فقال: ما بعد كائن ولا قرب بائن.
ابن المعتز:
ألا إنما جسمي لروحي مطيةٌ ... ولا بد يوماً أن يعرى من الرحل
الموت لا يتخلص منه بالطب:
قيل للربيع بن خيثم في مرضه: ألا نعدو لك طبيباً؟قال: وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيرا، لقد كان فيهم أطباء فما أرى المداوي بقي ولا المداوى صلح.
ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرئ مثله فيما مضى
هلك المداوي والمداوى الذي ... جلب الدواء وباعه ومن اشترى
المتنبي:
يموت راعي الضأن في جهله ... موتة جالينوس في طبه
ودخل الفرزدق على مريض يعوده فسمعه يطلب طبيباً فقال:
يا طالب الطب من داءٍ تخوفه ... إن الطبيب الذي أبلاك بالداء
هو الطبيب الذي يرجى لعافيةٍ ... لا من يدوف لك الترياق بالماء
آخر:
واعياً دواء الموت كل طبيب
وفي باب الطب بعض ذلك وأشباهه.
التحرز لا يخلص من الموت:
قيل: إذا انقضت المدة فالحتف في العدة.
شاعر:
كل شيءٍ قاتلٌ ... حين تلقى أجلك
أبو ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع
المخبل:
ولئن بنيت لي المشقر في ... هضبٍ يقصر دونه العصم
وقيل: إن عبد الملك هرب من الطاعون فركب ليلاً وأخرج غلاماً له، وكان ينام على دابته فقال للغلام: حدثني. فقال: وما أنا حتى أحدثك؟قال: على كل حال حدث حديثاً سمعته. فقال: بلغني أن ثعلباً يخدم أسداً ليحميه ويمنعه ممن يريده، فكان يحميه فرأى الثعلب عقاباً فلجأ إلى الأسد فأقعده على ظهره، فانقض العقاب واختلسه، فصاح الثعلب: يا أبا الحارث أغثني واذكر عهدك لي!فقال: إنما أقدر على منعك من أهل الأرض وأما أهل السماء فلا سبيل لي إليهم. فقال عبد الملك: وعظتني وأحسنت انصرف، فانصرف ورضي بالقضاء. ويروى لبعض الجن:
رأى الحصن منجاةً من الموت فارتقى ... إليه فزارته المنية في الحصن
آخر:
يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يصادفها
آخر:
وإذا خشيت من الأمور مقدراً ... وفررت منه فنحوه تتوجه
جحر العبسي:
فقل للمتقي عرض المنايا: ... توق فليس ينفعك اتقاء
ثعلبة العبدي:
أمن حذرٍ آتي المتالف سادراً ... وأية أرضٍ ليس فيها متالف
آخر:
لا تأمنن وإن أصبحت في حرمٍ ... إن المنايا بجنبي كل إنسان
أبو ذؤيب:
يقولون لي: لو كان بالرمل لم يمت ... نشيبة والطراق يكذب قيلها
ول أنني استودعته الشمس لارتقت ... إليه المنايا عينها ورسولها
آخر:
كل يدور على البقاء مجاهداً ... وعلى العناء تديره الأيام
كل إنسان يفقد أو يفقد أقاربه:

قال بعض الحكماء: ما طال عمره رأى المصائب في إخوانه وجيرانه، ومن قصر عمره كانت مصيبته في نفسه.
شاعر:
كل امرئٍ ستئيم منه العرس أو منها يئيم
الموسوي:
فمؤجلً يلقى الردى في أهله ... ومعجل يلقى الردى في نفسه
المتنبي:
سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها ... منعنا بها من جيئةٍ وذهوب
تملكها الآتي تملك سالبٍ ... وفارقها الماضي فراق سليب

الموت لا يدفع بالأسلحة:
علقمة:
بل كل قومٍ وإن عزوا وإن كثروا ... عريقهم بأثافي الشر مرحوم
المتنبي:
نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال
ونرتبط السوابق مقرباتٍ ... وما ينجين من خبب الليالي
ومن لم يعشق الدنيا قديماً ... ولكن لا سبيل إلى الوصال
الموسوي:
تفوز بنا المنون وتستبد ... ويأخذنا الزمان فلا يرد
رويدك بالفرار من المنايا ... فليس يفوتها الساري المجد
وكل فتى يحف بجانبيه ... خواطر بالقنا قنبٌ وجرد
فما دفع المنايا عنه وفرٌ ... ولا هزم النوائب عنه جند
الحياة معرضة لسهام المنايا:
أبو العتاهية:
إن للموت لهماً قاصداً ... ليس يفدي أحداً منه أحد
الرفاء:
نحن أغراض خطوبٍ إن رمت ... حيرت في دقة الرمي ثعل
وإذا ما اختلفت أسهمها ... فأصابت بطل القرم بطل
صحيح مات:
قيل لحكيم: مات فلان أصح ما كان!فقال: أو صحيح من الموت في عنقه. وقيل للحسن: مات فلان فجأة، المرض فجأه، ثم قال: اللهم أجرني من أكون مختلساً، وقيل لأعرابي: كيف مات أبوك؟قال: مات سراً؛يعني فجأة.
شاعر:
وربما غوفص ذو غرةٍ ... أصح ما كان وما يسلم
وقيل لرجل: ما كان سبب موت فلان؟فقال: كونه. وقال سفيان: يا ابن آدم إن جوارحك سلاح الله عليك بأيها شاء قتلك.
ضعف بنية الإنسان وتركيبه:
سئل جالينوس عن الإنسان فقال: سراج ضعيف وكيف يدوم ضوؤه بين أربع رياح، يعني بالسراج روحه وبالرياح الأربع طبائعه.
شاعر:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يصير رماداً بعد إذ هو ساطع
وقال أفلاطون: إذا كانت الطينة فاسدة والبنية ضعيفة والطبائع متنافية، والعمر يسيراً والمنية راصدة فالثقة باطلة.
شاعر:
انظر إلى هذه الأنام بعبرةٍ ... لا يعجبنك خلقه ورواؤه
ببناه كالورق النضير تقبضت ... أغصانه وتسلبت شجراؤه
وقال الحسن: مسكين ابن آدم مكتوب الأجل والعلل، أسير الجوع والشبع.
إتيان المرء حتفه حيثما قدر له:
قيل لفيلسوف: مات فلان في الغربة، فقال: ليس بين الموت في الوطن والغربة فضل، لأن الموت في جميع المواضع واحد، والطريق إلى الآخرة من كل مكان سواء.
شاعر:
إذا ما امرؤٌ حانت عليه منيةٌ ... بأرضٍ أتاها مكرهاً لا تطوعا
آخر:
إذا ما حمام المرء كان ببلدةٍ ... دعته إليها حاجةٌ أو تطرب
جهل الإنسان بوقت موته وموضع مضجعه:
قال الله تعالى " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت " . وقيل لجعفر بن محمد عليهما رضوان الله: كيف يأتي الموت من وجوه شتى على أحوال شتى؟فقال: إن الله أراد أن لا يؤمن في حال. وقيل: أمر لا تدري متى يغشاك، ألا تستعد له قبل أن يفجأك؟ ديك الجن:
الناس قد علموا أن لا بقاء لهم ... لو أنهم عملوا مقدار ما علموا
آخر:
وإنك لا تدري بأية بلدةٍ ... تموت ولا عن أي شقيك تصرع
تسوية الموت بين الأفاضل والأراذل:
قال مالك بن دينار: قدم علينا بشر بن مروان أخو الخليفة، فطعن في قدمه فمات فأخرجناه إلى القبر، فلما صرنا إلى الجبان إذا نحن بسودان يحملون صاحب لهم إلى القبر، فدفناه ودفنوا صاحبهم، فعدت قبل السبوع فلم أعرف قبر الأسود من قبره. وعلى هذا قول الشاعر:
ولقد مررت على القبور فما ... ميزت بين العبد والمولى
المتنبي:
وصلت إليك يدٌ سواءٌ عندها الباز الاشيهب والغراب الأبقع

ويروى أن الإسكندر مر بمدينة قد ملكها غيره من الملوك فقال " : انظروا هل بقي بها أحد من نسل الملوك؟فقالوا: رجل يسكن المقابر. فأحضره وساله عن إقامته فقال: أردت أن أميز عظام الملوك عن عظام عبيدهم، فوجدتها سواء!فقال: هل تتبعني فأحيي شرفك إن كان لك همة؟فقال: همتي عظيمة أن أنلتنيها. فقال: وما هي؟فقال: حياة لا موت معها وشباب لا هرم معه، وغنى لا فقر معه وسرور لا مكروه فيه!فقال: ليس عندي هذا. فقال: دعني ألتمسه ممن هو عنده. فقال: ما رأيت مثله حكيماً. وأمر بشر بن الوليد أن يكتب على قبره:
من مات فات وفي المقابر يستوي ... تحت التراب شريفه ووضيعه
وقال صالح بن عبد القدوس:
فيا منزلاً سوى البلى بين أهله ... فلم يستبن فيه الملوك من السوقى
انقضاء ناس بعد ناس ورجوعهم إلى الموت: قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: إن لله في كل يوم ثلاث عساكر: عسكر ينزل من الأصلاب إلى الأرحام، وعسكر ينزل من الأرحام إلى الأرض، وعسكر ينزل من الدنيا إلى الآخرة.
شاعر:
وما نحن إلا رفقةٌ غير أننا ... أقمنا قليلاً بعدهم ونروح
ودخل العتبي المقابر فأنشد:
سقياً ورعياً لإخوانٍ لنا سلفوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد
نمدهم كل يومٍ من بقيتنا ... ولا يؤب إلينا منهم احد
الغطمش:
أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب
ونحوه:
إذا زرت أرضاً بعد طول اجتنابها ... فقدت صديقاً والبلاد كماهيا
وقيل لبهلول وقد أقبل من مقبرة: من أين؟قال: من عسكر الموتى!فقيل: وما قلت وما قالوا؟قال: سألتهم متى يرحلون؟فقالوا: ننتظر قدومكم ثم نرتحل. ونحو هذا قول الحسن: يا عجباً لقومٍ أمروا بالزاد وأذنوا بالارتحال، وأقام أولهم على آخرهم وآخرهم قعود يلعبون، فليت شعري ما الذي ينتظرون؟ الموسوي:
تملي المقادير أعماراً وتنسخها ... ويضرب الدهر أياماً بايام

مرجع الإنسان إلى ما خلق منه:
قال الله تعالى " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " .
المتنبي:
إلى مثل ما كان الفتى يرجع الفتى ... يعود كما أبدى ويكري كما أرمى
الخبزارزي:
هو الموت مخلوقٌ له الخلق أجمع ... فليس له عن أنفس الناس مقلع
المتنبي:
نحن بنو الدنيا فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه
تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمانٍ هن من كسبه
فهذه الأرواح من جوه ... وهذه الأجساد من تربه
لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه
ومنها:
يموت راعي الضأن في جهله ... ميتة جالينوس في طبه
وربما زاد على عمره ... وزاد في الأمن على سربه
فهذا الكلام هو الجوهر الذي لا قيمة له.
ذم من يخاف الموت ولا يستعد له:
قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل: كيف انتم؟قال: نرجو ونخاف. قال: من رجا شيئاً طلبه ومن خاف شيئاً هرب منه. وقال أبو الدرداء: العجب لمن يكره الموت لإساءته ولا يكره الإساءة في حياته. ونظر الحسن إلى جنازة يزدحم الناس عليها فقال: ما لكم تزدحمون؟ها هي سارية في المسجد اقعدوا تحتها واصنعوا ما كان يصنع حتى تكونوا مثله. وقال الحسن لشيخ في جنازة: أترى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا كان يعمل صالحاً؟قال: نعم قال: إن لم يكن ذاك فكن أنت ذاك.
علي بن عبد العزيز:
إذا قلت لم يبلغ بي السن مبلغاً ... وعظت بطفلٍ صار قبلي إلى الترب
الحث على تعاطي ما يسهل الموت:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أكره الموت. فقال: ألك مال؟قال: نعم قال: قدمه فإن قلب كل امرئ عند ماله. وقال رجل لأبي الدرداء: ما بالنا نكره الموت؟قال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب. وقال أبو حازم: كل عمل تكره الموت لأجله فدعه كي لا تخاف منه متى أتاك.
من أمر ذويه بالبكاء عليه:
قيل فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه أنه إنما عنى إذا هو أمر به نحو قول طرفة بن العبد:

إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يا أم معبد
وقول الفرزدق:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... فكل جميلٍ قلت فيّ مصدق
ابن المعتز:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... ولا تذخري دمعاً إذا قام نائح
وقولي: ثوى طود المكارم والعلى ... وعطل ميزانٌ من الحلم راجح
من أظهر جزعاً عند موته:
لما أحضر حجر بن عدي ليقتل سأل أن يمهل حتى يصلي ركعتين، وأظهر جزعاً فقيل له: أتجزع؟قال: كيف لا وإني لأرى سيفاً مشهوراً وقبراً محفوراً، ولست أدري إلى جنة يمضي بي أم إلى نار؟وبكى الحسن بن علي رضوان الله عليهما فقيل له: ما يبكيك وقد ضمن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة؟فقال: إني أسلك طريقاً لم أسلكها وأقدم على سيد لم أره. وقيل لبشر بن الحارث: كرهت الموت؟قال: القدوم على الله شديد!

من أظهر الندم عمد موته على ما فرط منه:
قال عبد الملك عند موته: وددت أني كنت غسالاً آكل كل يوم كسب يومي لا يفضل عني. فقيل ذلك لأبي حازم فقال: الحمد لله الذي جعلنا بحيث يتمنى الملوك حالنا عند الموت، ولا نتمنى حالهم. ولما نزل الموت بهشام جعل ولده يبكون عليه فقال: جاد هشام عليكم بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما اكتسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له!ولما أدنف المأمون أمر أن يفرش له جل فجعل يتمرغ فيه ويقول:
كل عيشٍ وإن تطاول يوماً ... صائرٌ مرةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل يومي هذا ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
وأغمي عليه ثم أفاق وهو يقول:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
اللهم لا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر، ثم أغمي عليه فلما أفاق قال:
إن تغفر اللهم تغفر جماً ... وأي عبد لك ما ألما
وتمثل عضد الدولة عند موته بقول القاسم بن عبيد الله:
قتلت صناديد الرجال ولم أدع ... عدواً ولم أمهل على ظنةٍ خلقا
وأخليت دور الملك من كل نازلٍ ... فشردتهم غرباً وبددتهم شرقا
فلما بلغت النجم عزاً ورفعةً ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رمى لي الردى سهماً فأخمد جمرتي ... فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى؟
وأوصى الشبلي رحمه الله أن يكتب على قبره: تركت الجنة وليس لها قيمة وتعلقت بالدنيا وليس لها بقاء، وضيعت العمر وليس له بدل واتبعت النساء وليس لهن وفاء، وجفوت الرب وليس منه عوض.
ذم من امتنع من التوبة عند موته:
اعتل أعرابي فقيل له: لو تبت؟فقال: لست ممن يعطي على الذل، إن عافاني الله تبت وإلا مت هكذا. وقيل للحجاج: ألا تتوب؟قال: إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع.
ذم من أوصى بما ليس له من ماله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لك من مالك الثلث والثلث كثير. وقال: لا نذر في معصية الله ولا وصية في مال الغير. وقيل لميمون بن مهران: رقية أعتقت كل مولاة لها عند موتها. فقال: إنهم يعصون في أموالهم مرتين، يبخلون بها وهي في أيديهم حتى إذا صارت لغيرهم أسرفوا فيها.
الحث على أن يكون الإنسان وصي نفسه:
قيل: كن وصي نفسك ولا تجعل الرجال أوصياءك، واعلم صدق الذي يقول:
ولا يغررك من توصى إليه ... فقصر وصية المرء الضياع
وفي الزهديات بعض ما أوصى به الصالحون:
ذكر الحسن عن بعضهم لما حضرتاه المنية قيل له: أوص؛فقال: أوصيكم على المحافظة بآخر سورة النحل " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " . وقيل لهرم بن حيان: أوص؛فقال: ما لي من مال فقد صدقتني في الحياة نفسي، ولكني أوصي بخواتيم سورة البقرة. وقيل لعمر بن عبد العزيز: أوص لبنيك، فقال: أوصي بهم الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين.
من أوصى بشر عند موته وذكر قساوة قلبه:

لما حضرت ركيعاً الوفاة دعا بنيه فقال: ين بني إن قوماً سيأتونكم قد قرحوا جباههم وعرضوا لحاهم، يدعون أن لهم عند أبيكم ديناً فلا تقضوهم، فإن أباكم قد حمل من الذنوب ما أن غفرها الله لم تضره هذه، وإلا فهي معها. ولما حضرت سعد بن زياد الوفاة جمع ولده وقال: يا بني أوصيكم بالناس شراً، كلموهم نزراً وأطعنوهم شزراً، ولا تقبلوا لهم عذراً، اقصروا الأعنة واشحذوا الأسنة، وكلوا القريب يرهبكم البعيد. ولما حضرت الفرزدق الوفاة قال لقومه:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جل عن الخطاب؟
إلى من تفزعون إذا حثيتم ... بأيديكم علي من التراب؟
فقالت مولاة له: إلى الله تعالى. فقال: أتتكلين على غيري وأنت تعيشين في مالي؟امحوا اسمها وكتبها من الوصية. وقيل للحطيئة: أوص يا أبا مليكة. قال: نعم أخبروا الشماخ أنه أشعر العرب!فقيل: أوص للمساكين!فقال: أوصيهم بالإلحاف في المسألة!قيل: أعتق عبدك فلاناً. قال: هو عبد ما بقي على ظهر الأرض، وعتيق إذا صار في بطنها!فقيل: أوص فإن لك بنات قال: مالي للذكور دون الإناث. فقالوا له: إن الله لم يقل كذا. قال: أنا أقوله. قيل: فأوص للأيتام بشيء. قال: كلوا أموالهم وانكحوا أمهاتهم. ثم قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم قط، وويل للشعر من رواة السوء!وكان دريد بن الصمة قد عاش أربعمائة عام، فلما نزل به الموت قال لولده: أوصيكم بالناس شراً طعناً لزاً وضرباً أزاً، وإن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة، اقصروا الأعنة وأطيلوا الأسنة وارعوا الكلأ. ثم قال:
اليوم هيي لدريدٌ بيته ... يا رب بهت حسن حويته
ومعصمٍ ذي مرةٍ لويته ... لو كان للدهر بلى أبليته
- أو كان قرني واحداً كفيته قال إسماعيل بن قيس: دخلنا على معاوية في مرضه الذي مات فيه فقال: هل الدنيا إلا ما جربنا؟لوددت أني لا أقيم فيكم ثلاثاً حتى ألقى الله. فقلنا : إلى رحمة الله. فقال: إلى ما شاء الله إني لم آل فيكم إذ وليتكم، فإن الله لو كره أمراً غيره. قال ابن عتيبة: هذا والله الاغترار ألم تكن مقاتلته علياً وقتله حجراً وبيعته ليزيد مما يكره الله تعالى؟

من أحب الموت وذكر نفعه ومضرته:
قال عبد الله بن مسعود: ما من نفس حية إلا والموت خير لها، إن كان براً فإن الله تعالى يقول " وما عند الله خير للأبرار " وإن كان فاجراً فإن الله تعالى يقول " ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً " . ولما حضر بشر الموت فرح، فقيل له: تستبشر بالموت؟قال: أتجعلون قدومي على خالق أرجوه كمقامي على مخلوق أخافه؟وقال بعضهم: لا يكره الموت إلا مريب. وسئل فيبلسوف عن الموت فقال: هو فزع الأغنياء وشهوة الفقراء. وقال المتنبي:
نعير حلاوات النفوس قلوبنا ... فنختار بعض العيش وهو حمام
وله:
وما الدهر أهلٌ أن تؤمل عنده ... حياةً وأن تشتاق فيه إلى النسل
آخر:
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا: ... في الموت ألف فضيلةٍ لا تعرف
وقال بعضهم: لا يكون الحكيم حكيماً حتى يعلم أن الحياة تسترقه والموت يعتقه. وقال الأخطل:
والناس همهم الحياة ولا أرى ... طول الحياة يزيد غير خبال
وقال الجنيد: من كان حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه، فتصعب عليه ومن كان حياته بربه فإنه ينتقل من حياة الطبع إلى حياة الأصل، وهي الحياة على الحقيقة.
من تمنى الموت:
قيل: شر من الموت ما إذا نزل تمنيت الموت لنزوله. وقيل: خير من الحياة ما إذا فقدته أبغضت لفقده الحياة.
المهلبي:
ألا موتٌ يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه
إلا رحم المهيمن روح حرٍ ... تصدق بالوفاة على أخيه
المتنبي:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا
الموسوي:
آهاً لنفسٍ حبست في جلدي ... إن الأسير غرضٌ بالقد
واعتل الشبلي ثم برأ فقال له بعض أصحابه: كيف أنت؟قال:
كلما قلت قد دنا حل قيدي ... قدموني وأوثقوا المسمارا
الحياة لا تمل:

قال بعض الحكماء: الحياة وإن طالت لا تمل، وإنما يمل المرء تكاليف الحياة؛ولهذا فضل قول زهير:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم!
على قول لبيد:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس: كيف لبيد؟
وقيل: إن الحياة لا تسأم، وإنما تسأم تكاليفها.
المتنبي:
ولذيذ الحياة أنفس في النفس ... وأشهى من أن يمل وأحلى
وإذا الشيخ قال أفٍ فما م ... ل حياةً وإنما الضعف ملا
آلة العيش صحةٌ وشبابٌ ... فإذا وليا عن المرء ولى
ودخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق فرأى شيخاً فقال: يا شيخ أيسرك أن تموت؟قال: لا والله. قال: لم وقد بلغت من السن ما أرى؟قال: نفي الشباب وشره وبقي الشيب وخيره، فأنا إذا قعدت ذكرت الله، وإذا قمت حمدت الله، فأحب أن تدوم لي هاتان الحالتنان.

المستنكف أن يموت حتف أنفه:
الشنفري:
فلا تقبروني إن قبري محرمٌ ... عليكم ولكن أبشري أم عامر
بكر بن عبد العزيز:
إن موت الفراش ذلٌ وعارٌ ... وهو تحت السيوف فضلٌ شريف
وإني لأستحسن قول أبي فراس بن حمدان:
متى ما يدن من أجلي كتابي ... أمت بين الأسنة والأعنة
آخر:
فيا رب لا تجعل حياتي دنيئةً ... ولا ميتتي يا رب بين النوائح
ولكن صريعاً بين أرماح فتيةٍ ... طوال القنا من فوق أدهم قادح
وقال أبو عمرو الشيباني: رأيت بالبصرة جنازة عليها مطرف خز أخضر، فسألت عنها فقيل: جنازة الطرماح، فذكرت قوله:
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن ... على شرجع يعلى بخضر المطارف
فعلمت أن الله لم يستجب دعاءه؛وهذا من باب الشجاعة وقد مر مثله.
العذر لعصابة تسرع إليهم المنية:
أبو تمام:
عليك سلام الله وقفاً فإنني ... رأيت الكريم الحر ليس له عمر
السامي:
فلا تجزعن من موته وهو ناشئٌ ... ولا ينكرن هذاك من جرب الدهرا
فكل طويل المجد يقصر عمره ... كذاك سباع الطير أقصرها عمرا
تسلي الناس عمن مات:
قيل: إذا أردت أن تنظر الناس من بعدك فانظر إليهم بعد من مات قبلك.
أبو العتاهية:
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل
منصور الفقيه:
كل مذكورٍ من الناس إذا ما فقدوه
فهو في حكم حديثٍ ... حفظوه فنسوه
آخر:
هالوا عليه الترب ثم انثنوا ... عنه وخلوه وأعماله
لم ينقض النواح من داره ... عليه حتى اقتسموا ماله
كلمات وجدت على قبور:
قرئ على قبر: نقلنا من دار خبرة إلى دار عبرة، أليس فينا عبرة؟حكى أبو الفرج الكوفي قال: حضرت مجلس الصاحب وعنده علوي شامي يحدثه بما شاهد من الأعاجيب. قال: رأيت قبراً بفلسطين مكتوباً عليه: قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون. وقرئ على قبر:
أنا في القبر وحيدٌ ... قد تبرا الأهل مني
أسلموني بذنوبي ... خبت إن لم تعف عني
وقرئ على آخر:
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ... ويحدث بعد للخليل خليل
إذا انقطعت عني من العيش مدتي ... فإن غناء الباكيات قليل
وعلى آخر:
أيها الأخ الذي قد ... غاب عني وجفاني
سوف يأتيك من الله رسولٌ قد أتاني
فيبوئك من الأر ... ض مكاناً كمكاني
وعلى آخر:
عشت دهراً في نعيمٍ ... وسرورٍ واغتباط
ثم صار القبر بيتي ... وثرى الأرض بساطي
وعلى باب مدينة جبلة بالشام:
إلى أي المدائن صرت يوماً ... رأيت قبورها قبل القصور
أتاك الوعظ قبل الحظ منها ... نعم ونذيرها قبل البشير
نفي الشماتة عن الموت والنهي عنها:

لما مات الحسن بن علي عليهما السلام دخل عبد الله بن عباس على معاوية فقال له معاوية: يا ابن عباس مات الحسن بن علي!قال: نعم وقد بلغني سجودك، أما والله وما سد جثمانه حفرتك ولا زاد انقضاء أجله في عمرك!قال: أحسبه ترك صبية صغاراً ولم يترك عليهم كثير معاش. فقال: إن الذي وكلهم إليه غيرك.
الفرزدق:
فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا
عدي بن زيد:
أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور؟
أم لديك العهد الوثيق من الأيام بل أنت جاهلٌ مغرور
آخر:
تمنى رجالٌ أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد
وحكى المبرد عن بعضهم أنه شاهد رجلاً على قبر وهو يكثر البكاء فقلت: أعلى قريب أو على صديق؟قال: أخص منهما قد كان لي عدو فخرج إلى الصيد، فرأى ظبياً فتبعه فعثر بالسهم فخر هو والظبي ميتين، فدفن فانتهيت إلى قبره شامتاً به فإذا عليه مكتوب:
وما نحن إلا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلاً بعدهم وترحلوا
فها أنا واقف أبكي على نفسي. ولما مات الفرزدق بكى عليه جرير ورثاه فقيل له: أبعد تلك المعاداة؟فقال: لم أر اثنين بلغا الغاية ومات أحدهما إلا ولحقه الآخر عن كثب؟فكان كذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك. ومما يتصل بذلك لما أتى عيبد الله بن الزبير خبر قتل مصعب أخيه احتجب أياماً. فخبر بمجيء قوم للتعزية فقال: أكره وجوهاً تعزي ألسنتها وتشمت قلوبها!

نفي العار عن الموت:
ليلى الأخيلية:
لعمرك ما بالموت عارٌ على الفتى ... إذا لم تصبه في الحياة المعاير
ومثله:
وهل بالموت يا ... للناس عار؟
آخر آمر المرء بالموت:
شاعر:
نل كل ما شئت وعش ناعماً ... آخر هذا كله الموت
الموت منهاة الرجال:
قال ابو بكر العنبري: كنت قاعداً في الجامع فمر بي معتوه فأقبل علي وقال:
فهبك ملكت هذا الناس طراً ... ودان ذلك العباد فكان ماذا؟
ألست تصير في لحدٍ يحوي ... تراثك عنك هذا ثم هذا؟
آخر:
هبك قد نلت كلما تحمل الأر ... ض فهل بعد ذاك إلا المنية؟
آخر:
لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى ذهاب
كلمات لهج بها من حضره الموت فذكر الشهادة:
لما حضرت ابن جلاء الوفاة قيل له: قل لا اله إلا االله. فقال: اليوم كذا سنة في أي شيء نحن؟وقال الكسائي: دخلت البادية فرأيت شاباً قد اشرف على الموت، وقد دنوت منه وقلت: قل لا اله إلا الله، فلم يجب فثنيت وثلثت فقال: كم تذكرني بالله وأنا محترق في الله؟وقيل لرجل كان مستهتراً بالنبيذ: قل لا اله إلا الله، فقال:
يا رب سائلةٍ تمشي وقد تعبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب؟
وقيل لبعض الشطرنجيين ذلك فقال: شاه مات.
الكفن:
لما حضرت زياد الوفاة قال له ابنه: يا أبت قد هيأت لك ثوبين لكفنك!فقال: يا بني قد دنا من أبيك لباس هو خير من هذا أو سلب هو شر منه. وأوصى عبد الوهاب الإفريقي أن يكفن في عباءته وقال: إني ختمت فيها ثلاثة آلاف ختمة.
الطواعين:

الطواعين المشهورة في الإسلام خمسة: منها طاعون شبرويه في المدائن سنة ست من الهجرة، وطاعون عمواس في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وطاعون الجارف سنة تسع وستين في شوال هلك في ثلاثة أيام كل يوم سبعون ألفاً، مات لأنس بن مالك في ثلاث وثلاثون ابناً، ولعبد الرحمن ابن أبي بكر أربعون ابناً، ومنها طاعون سنة إحدى وثلاثون ومائة كان يحصى في المربدة كل يوم عشرة آلاف جنازة، وقال بعضهم: رأيت في المنام في أيام الطاعون أنه أخرج من داري اثنا عشر جنازة، وكنا اثني عشر نفساً فمات منا أحد عشر، فما شككت أني تمام العدة، فخرجت يوماً وعدت إلى داري فإذا لص قد دخل الدار يسرق ما فيها، فطعن ومات من ساعته فأخرجنا جنازته، ومات أهل دار ولم يبق فيها أحد، فدخلوا الدار بعد أربعة أشهر فإذا صبي في الدار يحبو، فنظروا فإذا كلبة تأتيه وترضعه، وكانت الدار تصبح وفيها خمسون وتمسي وليس فيها أحد. وقال بعضهم: تزوجت بامرأة ودخلت بها في أهلها، فخرجت وهي في عشيرتنا، فعدت فوجدتهم قد ماتوا كلهم، وكان لا يجزع أحد على أحد لخوف كل أحد على نفسه، وأول ما أحدث كيف أصبحت وكيف أمسيت ايام الطاعون.

من استصوب الهرب من الطاعون:
تقدم خبر عمر مع المغيرة في أول الكتاب، وأراد هشام أن يهرب من الطاعون فقيل له: لا تخرج فالخلفاء لا يطعنون. ولم يسمع بخليفة مات مطعوناً قط. فقال لهم: أتريدون أن تجربوا ذلك فيّ؟
النهي عن ذلك:
كتب بعض عمال عمر إليه: إن الطاعون قد نزل بنا فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في إتيان قرية خربة فوقع في كتابه: إذا أتيت القرية الخربة فسلها عن أهلها والسلام. وكتب شريح إلى صديق له هرب إلى النجف من الطاعون: إن المكان الذي أنت فيه بعين من لا يفوته طلب ولا يعجزه هرب، والمكان الذي خلفت لا يعجل إلى امرئ حمامه وأنت وهم على بساط واحد، وأن النجف من ذي قدرة لقريب.
من عزم على الهرب فعرض له ما صرفه:
قد تقدم خبر عبد الملك حين هرب من الطاعون في هذا الفصل. وأراد رجل من أهل البصرة أن يهرب من الطاعون فركب حماراً له ومعه غلام يتبعه، فسأله ان يرتجز. فقال:
لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي منعةٍ طيار
- قد يصبح الله أمام الساري فقال: صدقت وحط رحله ومات فيمن مات.
كثرة الوباء:
كثر الموت سنة بالبصرة فقيل للحسن: ألا ترى؟قال: ما أحسن ما صنع ربنا أقلع مذنب وأنفق ممسك ولم يغلط بأحد، وإذا قيل له قل الموت يقول ما يبقى أحد.
مما جاء في الغموم والصبر والتعازي والمراقي
الأسباب الموجبة للحزن:
قال يعقوب الكندي: اسباب الحزن فقد محبوب أو فوت مطلوب، ولا يسلم منهما إنسان لأن الثبات والدوام معدومان في عالم الكون والفساد. وقال الحسن: الدنيا دار غموم فمن عوجل فجع بنفسه، ومن أجل فجع بأحبابه. وقال بعض أصحاب المنطق: من أراد أن لا يصاب بمصيبة فقد أراد ما لا يكون لأن المصائب بالكون والفساد في الطبع، فينبغي أن يكون منا على بال أن جميع الأشياء التي تصل إلينا كانت قبلنا لغيرنا، فانتقلت إلينا بشريطة ما كان لمن قبلنا.
النهي عن اتخاذ ما يورث الجزع ومدح فاعل ذلك: ابن الرومي:
ومن سره أن لا يرى ما يسوؤه ... فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقدا
وقيل لسقراط: ما لك لا تجزع؟قال: لأني لا أقتني ما يحزنني فقده.
من نهى عن الجزع وبين قلة عنايته:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من انقطع رجاؤه مما فات استراح بدنه. وقيل لرجل اشتد جزعه: لو آمنت بالمرتجع لم تجزع، ولو اقتصدت بالتمتع لم تضرع، فالجزع لا يلم ما تشعث ولا يرم ما انتكث. الجزع منقصة الحياة ومن أعان على نقصان حياته فقد عظمت خطيئته. وقيل: التأسف على الفائت تضييع وقت ثان إن كنت جازعاً لما أفلت منك فاجزع على ما لم يصل إليك. الحزم التسلي عما لا يغني الغم فيه والاحتيال لدفع ما يندفع بالحيلة. وقيل لحكيم: الخوف أشد أم الحزن؟قال: الحزن لأن الخوف صار مكروهاً لما فيه من الحزن، فكما أن السرور غاية كل محبوب فالحزن غاية كل مكروه.
ذهاب الحزن بعد انقضاء المدة:
الحزن ينضو عن ابن آدم كما ينضو الصبغ عن الثوب ولو بقي لقتله.
المتنبي:
وللواجد المكروب من زفراته ... سكون عزاءٍ أو سكون لغوب

حقيقة الصبر:
قيل: الصبر حبس النفس على المكروه وعما تدعوك إليه. وقيل: الصبر صبران: صبر على المكروه فيما يلزمك فعله، وصبر عما يدعوك إليه الهوى. وسمع رجل آخر يقول: الهم ارزقني صبراً فقال له: ما أراك تسأل الله إلا الغم.
الحث على دفع الندب بالصبر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب، أفضل العدة الصبر على الشدة. وقال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: الصبر مطية لا تكبو والقناعة سيف لا ينبو، إذا استهدف غرض الغم فارمه بنبال الصبر. وقيل: اجعل صبرك على النوائب كفاء شكرك على المواهب. الصبر عند النقم والشكر عند النعم. وقال عمر رضي الله عنه: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت. الصبر يناضل الحدثان والجزع من أعوان الزمان. وما في الشكوى إلا أن تحزن صديقك وتشمت عدوك. وقال أنوشروان: جميع مكاره الدنيا تنقسم إلى قسمين: ضرب فيه حيلة فالاضطراب دواؤه، وضرب لا حيلة فيه فالاصطبار شفاؤه. وقالت الفرس: كلمتان يقولهما العاقل عند نائبته: إحداهما هذه الحال خير مما هو شر منها، والأخرى لعل الله أن يجعل في هذا المكروه خيراً، وكلمتان يقولهما الجاهل: لعل ما أصابني يدعو إلى شر منه، والأخرى لو كان بدل هذا كذا وكذا من المصيبة.
شاعر:
ولخير حظك في المصيبة أن ... يلقاك عند نزولها الصبر
الصبر يفضي إلى الفرح والظفر:
الصبر على مرارة العاجل يفضي إلى حلاوة الآجل. إنك لن تنال قليل ما تحب إلا بالصبر على كثير ما تكره، حيلة من لا حيلة له الصبر. قيل: لكل شيء ثمرة وثمرة الصبر الظفر. أنوشروان: الصبر كاسمه وعاقبته العسل. وقيل: الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت. وقيل: مكتوب على باب الجنة: من صبر عبر.
حث الجزوع على الصبر وتحكيمه بين الجزع والصبر:
أمير المؤمنين كرم الله وجهه: إن صبرت فأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك المقدور وأنت مأزور. قال بعضهم: رآني راكب وأنا مكب على قبر أبكي فقال: اصبر فالصبر خير معية، فلم أصغ فولى وهو يقول:
فإن تصبرا فالصبر خير معيةٍ ... وإن تجزعا فالأمر ما تريان
أبو راكد:
فإن صبرت فلم ألفظك من شبعٍ ... وإن جزعت فعلق منفس ذهبا
النابغة:
ألا أيها الباكي لأحداث دهره ... تحمل على ما يحدث الدهر فاصبر
فإن أنت لم تصبر لما كان جائياً ... وأبصرت تنكيراً لذاك فأنكر
الحث على تصور النوائب والاستعداد لها لتخف عند نزولها:
قيل: ما أمتع الدهر إلا ليمنع، ولولا اغترار الجاهل بفوائده لخلت النفوس من الحسرة على نوائبه. قيل: لا تخل قلبك من عوارض الفكر وخواطر الذكر فيما تعروك به الأيام من ارتجاع ودائعها وحلول وقائعها. وقيل: من كان متوقعاً لم يلف متوجعاً.
ابن الرومي:
ألم تر رزء الدهر من قبل كونه ... كفاحاً إذا فكرت في الخلوات
فما لك كالمرمي في مأمن له ... بنبلٍ أتته غير مرتقبات
فإن قلت مكروهٌ أتاني فجأةً ... فما فرحت نفسٌ مع الخطرات
ولا عوفصت نفسٌ لبلوى وقد رأت ... عظات من الأيام بعد عظات
إذا بغتت أشياء قد كان مثلها ... قديماً فلا تعتدها بغتات
الغم يمرض البدن:
سئل عبد الله بن عباس رضي اله تعالى عنه عن الحزن والغضب فقال: اصلاحهما واحد، وذلك وقوع الأمر على خلاف المحبة، فأما فرعاهما فمختلفان، فالمكروه ممن فوقك ينتج حزناً وممن دونك ينتج غضباً.
المتنبي: وحزن كل أخي حزنٍ أخو الغضب وقيل: الأحزان تسقم القلوب كما أن الأمراض تسقم البدان. وقيل: الغم يشيب القلب والهرم يشيب الرأس.
النهي عن الإفراط في البكاء وإظهار الجزع على الأموات:

روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله. وأنكرت عائشة ذلك وقرأت " ألا تزر وازرة وزر أخرى " . وقيل: معناه يعذب بأفعاله التي يندب بها من غاراته وقتاله. ودخلت أعرابية الحضر فسمعت بكاء من دار فقالت: ما هذا؟أراهم من ربهم يستغيثون، ومن استرجاعه يتضجرون، ومن جزيل ثوابه يتبرمون!وقال أبو سعيد البلخي: من أصابته مصيبة فأكثر الغم جعل الله عقوبته غماً مثله. قال الله تعالى " فأثابكم غماً بغم لكيلا تحزنوا " . وقال عليه السلام: النائحة إذا لم تتب قبل أن تموت أقيمت يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من كبريت.
الرخصة في البكاء وإظهار الجزع ما لم يكن إفراطاً:
دخل عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه على النبي صلى الله عليه وسلم يوم موت ابنه إبراهيم، فوجد عينيه تذرفان فقال: يا رسول الله ألست تنهانا عنه؟قال: أنا ذو رحمة ولا يرحم من لا يرحم، وإنما نهى عن النياحة وأن يندب المرء بما ليس فيه. وسمع عمر رضي الله عنه باكية في جنازة فزجرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعها فإن العهد قريب، والنفس مصابة!وقام الحسن البصري على قبر أخيه فبكى شديداً، فقيل له في ذلك فقال: ما رأيت الله عاتب يعقوب على طول بكائه على يوسف عليهما السلام بل قال: وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. وقيل لأعرابي: اصبر فالصبر أجر؛فقال: أعلى الله أتجلد؟والله لا الجزع أحب إلي لأن الجزع استكانة والصبر قساوة. وقيل لفيلسوف: أخرج الحزن من قلبك؛فقال: لم يدخله بإذني فأخرجه بإذني. وأفرطت امرأة في الجزع على ابنها، فعوتبت في ذلك فقالت: إذا وقع حكم الضروريات لم يقع عليها حكم المكتسبات، فأما جزعي فليس في الطاعة صرفه ولا في القدرة منعه، ولي عذر للضرورة فإن الله تعالى يقول " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " . وقال خالد بن صفوان: صبرك في مصيبتك أحمد من جزعك، وجزعك في مصيبة أخيك أحمد من صبرك.

نفع البكاء في دفع الأحزان:
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه كنت إذا أصابتني مصيبة وأنا شاب لا أبكي وكان يؤذيني ذلك حتى سمعت أعرابياً ينشد:
لعل انحدار الدمع يعقب راحةً ... من الوجد أو يشفي نجي البلابل
فسألته لمن الشعر؟فقال: لذي الرمة، فكنت إذا أصبت بكيت فاسترحت.
العبق: ويشفي مني الوجد ما أتواجع المتنبي:
وقلّ غناء عبرة تكسبانها ... على أنها تشفي الحرارة في الصدر
قلة نفع البكاء:
أبو تمام:
أجدر بجمرة لوعةٍ اطفاؤها ... بالدمع إن تزداد طول وقوع
وقال اراكة:
أعيني إن كان البكا رد هالكاً ... على أحدٍ قبلي فلا تتركا جهدا
الموسوي:
وإن غبين القوم من ظاعن الردى ... إذا جاء في جيش الرزايا بأدمع
آخر:
إن الدموع طليعة الأحزان
من سلا عن الولد أو سلي عنه بسلامته في نفسه:
قيل لعبد الله بن عبيد الله بن طاهر وقد مات له ولد، ثم أتاه الخبر قبل عوده من جنازته بأن مات له آخر، فانتظر حتى جهز فدفنه وانصرف مع أصحابه ودعا بالطعام، فقيل له في ذلك فقال: إذا سلمت الجلة فالسخل هدر!ودخل أبو العتاهية على الفضل بن الربيع يعزيه بابنه فقال: الحمد لله الذي جعلنا نعزيك به ولا نعزيه بك.
الموسوي:
فتسل عن سيفٍ طبعت غراره ... وأعرت صفحته سناً ومضاء
فالابن للأب إن تعرض حادثٌ ... أولى الأنام بأن يكون فداء
من تسلى عنه بما له من الثواب:

دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه عبد الملك، وكان قد أصابه الطاعون، فقال: دعني أمس قرحتك. وكان يقال إذا كان ليناً يرجى، وإذا كان خشناً لا يرجى، فامتنع عبد الملك من أن يمسها، فعلم عمر لم منعه فقال: دعني أمسها فوالله لأن أقدمك فتكون في ميزاني أحب إلي من أكون في ميزانك!فقال: والله لأن يكون ما تريد أحب إلي من أن يكون ما أريد، فلمسها فقال: يا عبد الملك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين!فقال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين. وقال عليه السلام: من مات له ولد فصبر أو لم يصبر، جزع أو لم يجزع، احتسب أو لم يحتسب، لم يكن له ثواب إلا الجنة. ولما مات ذر بن عمر بن ذر قام أبوه على قبره فقال: يا ذر شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك، فليت شعري ما الذي قلت وما الذي قيل لك؟اللهم إنك قد ألزمته طاعتك وطاعتي لإغني قد وهبت له ما قصر فيه من حقي، فهب لي ما قصر فيه من طاعتك. اللهم ما وعدتني من الأجر على مصيبتي به فقد وهبته له فهب لي من فضلك؟ثم قال عند انصرافه: ما علينا بعدك من غضاضة وما بنا إلى إنسان مع الله حاجة، وقد مضينا وتركناك ولو أقمنا ما نفعناك.

من رأى المفقود من ولده له دون الباقي:
قال زياد لرجل: أين منزلك؟قال: وسط البلد. قال: كم لك من ولد؟قال: تسعة. فقال بعض من حضر: أيها الأمير إنه يسكن المقابر وله ابن واحد. فقال: أجل داري بين أهل الدنيا والآخرة. ومات لي تسعة فهم لي، وبقي واحد لا أدري أهو لي أو أنا له. وقيل لأعرابي: كم لك من الولد؟فقال: لي عند الله خمسة وعندي ثلاثة. وقال رجل للرشيد: بارك الله لك في الماضين وآجرك في الباقين. فقال له: اعكس تصب. قال: لا لأن الله تعالى يقول " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " .
التسلية عن الأب ببقاء الابن:
عزى رجل آخر بموت أبيه فقال: من كنت من بقيته لموفور، ومن كنت خلفه لمجبور، ومن كنت وليه لمنصور! المتنبي: فإنك ماء الورد إن هذب الورد علي بن الجهم:
فما مات من كنت ابنه لا ولا الذي ... له مثل ما اسدى أبوك وما سعى
التعزية بالبنات:
نعي إلى ابن عباس رضي اللله عنهما بنت له وهو في سفر فقال: عورة سترها الله، ومؤونة كفاها الله، وأجر ساقه الله. وماتت لعمر بن عبد العزيز بنت، فأقبل الناس لتعزيته فأمر بحجبهم وقال: إنا لا نعزى في البنات ولا في الأخوات.
من فجع بمختص به فلم يحزن لتصوره قبل وقوعه:
دخل رجل على حكيم وهو يأكل فقيل له: قد مات ابنك!فقال: قد علمت ولم يقطع الأكل. فقيل له: ومن أين علمت ذلك؟قال: من قول الله تعالى " إنك ميت وإنهم ميتون " . وحضر الموبذ عند المأمون بمرو وهو يكالمه إذ وردت عليه خريطة من الحسن فيها أخبار العراق، وموت ابن الموبذ، فقال المأمون: أحسن لله لك العوض وعليه الخلف!فأجابه: بصالح الأدعية فعجب المأمون وقال: أتدري ما أردت؟قال: لا. قال: يقال أن ابنك مات. قال: قد علمت ذلك. قال: ومن أين علمت ذلك والخريطة الساعة وردت؟قال: قد علمت ذلك يوم ولد!وهذا كما سئل أفلاطون فقيل له: ما علة موت ابنك؟قال: وحوده!وقيل لعمر رضي الله عنه مثل ذلك فقال: هذا أمر كنا نتوقعه قبل كونه فلما ورد لم ننكره.
شهر: وهل جزع مجدٍ علي فأجزع وقال الطرماح:
ولما رأى أن الأسى غير دافع ... عن المرء مقدوراً من الأمر سلما
وقال:
هممت بأن لا أطعم الدهر بهدهم ... حياةً وكان الصبر أبقى وأكرما
المتنبي:
أردد ويلي لو قضى الويل حاجةً ... وأكثر لهفي لو شفى غلةً لهف
من مات له عدة بنين فصبر:
مات لأنس بن مالك رضي الله عنه في الطاعون ثلاثون ابناً، ولعبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما أربعون ابناً، ولعبيد الله بن عمر رضي الله عنهما ثلاثون ابناً سنة أربع وستين. ومات لأعرابية ابن وأخ وزوج دفعة فلم تبك وقالت:
أفردني ممن أحب الدهر ... ثلاثةٌ هم نجوم زهر
فإن جزعت إن ذا لعذر ... وإن صبرت لا يخيب الصبر

ونظر رجل بالبصرة إلى امرأة فقال: ما رأيت مثل هذه النضارة وما ذاك إلا من قلة الحزن!فقالت: ما حزن كحزني، ذبح زوجي شاة ولي صبيان يلعبان فقال أحدهما للآخر: تعال أريك كيف ذبح ابي الشاة فذبحه، ثم خاف فهرب إلى الجبل فرهقه ذئب فافترسه، وخرج زوجي في طلبه فاشتد عليه الحر فمات عطشاً، فقيل لها: كيف صبرت؟قالت: لو وجدت في الحزن دركاً ما اخترت غيره.
حث الإنسان أن يستعمل من التسلي عاجلاً ما يعود إليه آجلاً:
عزى رجل رجلاً فقال: إن رأيت أن تقدم ما أخرته الفجرة فتريح نفسك وترضي ربك. وأصيب ابن المبارك بابن رجل فدخل عليه مجوسي فقال: إن رأيت أن تفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام. فقال ابن المبارك: اكتبوا هذا. وعزى أمير المؤمنين رضي الله عنه أشعب فقال: إن صبرت جرى عليك المقدور وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك وأنت موزور.

طول العهد يقتضي التسلي:
اعتكفت فاطمة بنت الحسين على قبر زوجها سنة، فلما أرادت الانصراف سمعت قائلاً من جانب البقيع يقول: هل وجدوا ما سلبوا؟فأجابه من الجانب الآخر : بل يئسوا فانقلبوا. وقيل لأم الهيثم: ما أسرع ما سلوت؟فقالت: إني فقدت منه سيفاً في مضائه ورمحاً في استوائه، وبدراً في بهائه ولكن قلت:
قدم العهد وأسلاني الزمن ... إن في اللحد لمسلى والكفن
وكما تبلى وجوهٌ في الثرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن
وقال عمر لمتمم بن نويرة: ما بلغ من حزنك على أخيك؟فقال: بكيت عليه حتى ساعدت عيني العوراء الصحيحة!قال: ثم مه؟قال: سلوت!وقيل: لم يخلق الله شيئاً إلا كان صغيراً فكبر إلا المصيبة فإنه خلقها كبيرة فصغرت.
التسلية بعد وقوع المحذور:
اشتكى ابن لعمر بن عبد العزيز فجزع عليه ثم مات، فرؤي متسلياً فقيل له في ذلك فقال: إنما كان جزعي رقة له ورحمة، فلما وقع القضاء زال المحذور. وقالت امرأة مات واحدها فرؤيت حسنة الحال: أمنني من المصائب بعد.
البحتري:
صعوبة الحزن تلقى في توقده ... مستقبلاً وانقضاء الرزء أن يقعا
آخر:
فقد جر نفعاً فقدنا لك إننا ... أمنا على كل الرزايا من الجزع
وقال:
وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
ومرض ابن لجعفر بن محمد فجزع ثم مات فلم يجزع، فقيل له فقال: أما بعد وقوع الأمر فلم يبقى إلا الرضا والتسليم. وقال بعضهم نزلت بامرأة ذات أولاد وثروة فلما أردت الارتحال قالت: لا تخلني إذا وردت هذا الصقع. ثم أتيتها بعد أعوام فوجدتها قد افتقرت وثكلت أولادها وهي ضاحكة مسرورة، فسألتها فقالت: إني كنت ذا ثروة وجاه وكانت لي أحزان؛فعلمت أن ذلك لقلة الشكر، وأنا اليوم بهذه الحالة أضحك شكراً لله تعالى على ما أعطاني من الصبر؛ومن أحسن ما قيل في ذلك قول أوس بن حجر:
أيتها النفس أجملي جزعاً ... إن الذين تحذرين قد وقعا
وقيل: إذا استأثر الله تعالى بشيء قاله عنه:
فلست أرجو ولست أخشى ... ما أحدثت بعده الدهور
فليجهد الدهر في مساتي ... فما يرى بعد ما يضير
وقال:
ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا
من تمنى زوال الدنيا وموت الورى:
قالت أم جرير:
فلا وضعت أنثى ولا ابٌ واحد ... ولا ذر قرن الشمس بعد جرير
محمد بن صالح:
قل للردى: لا تغادر بعده أحداً ... وللمنية: من أحببت فاعتمدي
المتنبي:
لا قلبت أيدي الفوارس بعده ... رمحاً ولا حملت جواداً أربع
الحث على التسلي لقرب اللحوق بالميت والتمدح بذلك:
دخل الطائي على جعفر بن سليمان وقد توفي له أخ فاشتد جزعه عليه فقال: اذكر مصيبتك في نفسك تنس فقد غيرك، واذكر قول الله تعالى " إنك ميت وإنهم ميتون " ، وخذ بقول الشاعر:
وهون ما ألقى من الموت إنما ... أصابك منه يا بني مصيبي
وكتب بعضهم: فيم الجزع ونحن على مدرجة المتوفي؟ إبراهيم بن المهدي:
وإني وإن قدمت قبلي لعالمٌ ... بأني وإن أبطأت عنك قريب
يحيى بن زياد:
وهون وجدي أنني سوف أغتدي ... على أثره يوماً وإن نفس العمر
الحث على التسلي بمن أصابه كمصيبته والتمدح بذلك:

روي أن الإسكندر حكم له أنه لا يموت إلا بأرض سماؤه ذهب وأرضه حديد، فلما سقط من دابته على درع وظلل بترس من ذهب، فلما أفاق ورأى ذلك فطن لما حكم له وقال: قاتل الله المنجمين يقولون ولا يفسرون!فكتب إلى والدته أن اصنعي طعاماً وادعي له من لم تصبه مصيبة، فامتثلت فبقي الطعام ولم يأته أحد، ففطنت أنه أرسل يعزيها وقال:
وما أنا بالمخصوص من بين من أرى ... ولكن أتتني نوبتي في النوائب
وتوفي ابن لمسلمة فاشتد جزعه حتى أمسك عن الطعام والشراب، فدخل في غمار الناس رجل رث الهيئة فأنشد:
وطيب نفسي عن شراحيل أنني ... إذا شئت لاقيت امرأً مات صاحبه
فقال: ويحك أعد!فأعاده فدعا بالطعام.
الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
حريث:
ولولا الأسى ما عشت في الناس بعده ... ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي
ونزل عروة بن الزبير بالوليد ومعه ابنه، فضربته دابة فأصبح ميتاً ووقعت الأكلة في رجله، فقطعت بالمنشار ولم يمسكه أحد فقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً. ثم قدم قوم من عبس على الوليد وفيهم ضرير فقال: نزلت ليلة في بطن واد ولا أعلم في الأرض عبساً أكثر مالاً مني، فطرقنا سيل ذهب بأهلي ومالي غير بعير ومولود، فند البعير فسمعت صرخة الولد، فرجعت فإذا الذئب قد أكله، فرجعت للبعير وتعلقت بذنبه فحطم وجهي فأعماني، فأصبحت لا أهل ولا مال ولا عين!فقال الوليد: خذوا بيده إلى عروة ليتسلى به. وقال رجل لقوم عزاهم: ما منكم بدأت وإليكم انتهت؛وعكس ابن الرومي فقال:
ليس تأسو كلوم غيري كلومي ... ما به ما به وما بي ما بي
وقال فيلسوف: لئن كنت تبكي لنزول الموت بمن أنت له محب، فلطالما نزل بمن كنت له مبغضاً. وقال أفلاطون لرجل رآه مغموماً: لو أحضرت قلبك ما فيه الناس من المصائب لقل همك.

الحث على التسلي بموت النبي عليه السلام:
قال صلى الله عليه وسلم: من أصابته مصيبة فليذكر مصيبته بي.
ديك الجن:
تأمل إذا الأحزان فيك تكاثفت ... أعاش رسول الله أم ضمه القبر؟
رؤي على قبر:
تعزفكم لك من أسوةٍ ... تبرد عنك غليل الحزن
بموت النبي وقتل الوصي ... وذبح الحسين وسم الحسن
التسلي بأنه معزى لا معزى به:
قال بعضهم: لا زلنا نعزيك ولا نعزي بك.
أبو نواس:
كن المعزي لا المعزى به ... إن كان لا بد من الواحد
لا بد من فقدٍ ومن فاقدٍ ... هيهات ما في الناس من خالد
المتنبي:
مهما يعزي الفتى الأمير به فلا بإقدامه ولا الجود
ومن منا بقاؤه أبداً ... حتى يعزى بكل مولود
التسلية عمن مضى بمن بقى:
الحمدوني:
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراشٌ وبعض الشر أهون من بعض
البحتري:
تعزى بالصبر واستبدل أسى بأسى ... فالشمس طالعة إن غيب القمر
المتنبي:
قاسمتك المنون شخصين جوراً ... جعل القسم نفسه فيك عدلا
فإذا قست ما اخذت بما غا ... درت سرى عن الفؤاد وسلى
وقيل لرجل ماتت امرأته نفساء: عظم الله أجرك فيما أباد وبارك لك فيما افاد!
التعزية بمملوك:
دخل إبراهيم بن العباس على الواثق وقد أصيب بخادم كان مشغولاً به فقال: في بقاء السيد المالك عزاء عن المملوك الهالك!
أدعية لذوي المصيبة:
جعل الله رزيته خاتمة الرزايا، وصب على أعدائه ديم المنايا لا جرعك الله مصيبة غيرها ولا أنالك قارعة سواها. لا نهشتك بعدها حية ولا لذعتك كية. جعل الله مصيبتك أدباً ولا جعلها غضباً. لقاك الله الصبر ووقاك ما يحبط الأجر. لا أنساك الله المصيبة بأعظم منها وهب الله لك عمراً طويلاً وأجراً جزيلاً وصبراً جميلاً. وقال رجل لابن عمر: عظم الله أجرك!فقال: بل جعل لي العافية؛معناه أن تعظيم الأجر في تعظيم ما يؤجر عليه من المصيبة. ويقال: أخلف الله عليك لما منه عوض، وقال يحيى البرمكي: التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة.
تعازي الحمقاء:

مات ابن لعبد الملك فجاء ابنه الوليد يعزيه فقال: يا بني مصيبتي فيك أقدح في بدني من المصيبة بأخيك!قال: أمي أمرتني بذلك!واغتم الحجاج بموت صديق له وعنده شامي أوفده إليك عبد الملك في مهم فقال الحجاج: ليت إنساناً يعزيني عنه بأبيات!فقال : أقول أيها الأمير؟قال: قل فقال: كل خليل سوف يفارق خليله بموت أو بصلب، أو يقع فوق البيت أو يقع البيت عليه، أو يسقط في بئر أو يكون سبب لا نعرفه. فقال الحجاج: حسبك فمصيبتي بأمير المؤمنين حيث أرسل مثلك في مهم أنستني هذه!ودخل حمصي على عروة بن الزبير لما قطعت رجله فقال: أقطعت رجلك؟قال: نعم حبذا أفأنت مغتم؟قال: كما يكون مثلي. قال: لا تغتم فإنك لو رأيت ثوابها لتمنيت أن الله قطع رجلك ويديك، وأعمى بصرك ودق صلبك!وعزى بعض الحمقاء جاراً له بامرأته فقال: أعظم الله أجرك ورحم الظعينة فقد ماتت في يوم جيد يوم الثلاثا!فقيل له: إن هذا اليوم جيد لإخراج الدم. فقال: هو لإخراج الروح أجود.

الرزية فقد الأماثل لا فقد الأموال:
شبيب بن البرصاء:
لعمرك ما الرزية بالمطايا ... ولا الخيل الجياد ولا العبيد
ولكن الرزية كل خرق ... من الفتيان متلافٍ مفيد
آخر:
لا أعد الإقلال عدماً ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
لبيد:
إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان كل أخٍ كضوء الكواكب
الموت يعاجل الأفاضل ويؤخر الأراذل:
هو الدهر لا يبقى عليه مقدمٌ ... جوادٌ ولا وغدٌ من الناس واضع
بكلٍ أراه فاجعاً غير أنه ... إلى الحر والعلق النفيس مسارع
أبو تمام:
إن ينتحل حدثان الدهر أنفسكم ... ويسلم الناس بين الحوض والعطن
فالماء ليس عجيباً أم أعذبهيفنى ويمتد عمر الآجن الأسن
آخر:
يقود الزمان جياد الخيول ... ويبقى الرذال على المذود
آخر:
كريم الزاد يحبسه الوعاء
الحمدوني:
إذا ما اتقيت على فرحةٍ ... فكل بلاءٍ بها مولع
آخر:
وسهم المنايا بالذخائر مولع
موت السني والصديق وبقاء الدنيء والعدو:
سعيد بن عبد الرحمن:
إن الزمان ولا تفنى عجائبه ... أبقى لنا ذنباً واستأصل الراسا
البسامي:
حياة هذا كموت هذا ... فلست تخلو من المصائب
الفقعسي:
لعمرك إني بالخليل الذي له ... علي دلال واجب لمفجع
وإني بالمولى الذي ليس نافعي ... ولا ضائري فقدانه لممتع
من عم به مصاب الناس:
الرفاء:
تساوت قلوب الناس في الحزن إذ ثوت ... كأن قلوب الناس في حزنها قلب
سلم:
كادت له مهج الأنام تسيل
آخر:
يشاركني في فقده البدو والحضر
الموسوي:
يموت قومٌ ولا يأسى لهم أحدٌ ... وواحدٌ موته همٌ لأقوام
من اغتم بموته الجمادات:
أبو تمام:
أظلمت الآفاق من بعده ... وعريت عن كل حسنٍ وطيب
آخر:
لقد حزنت لفقدهم الشهور
من ذكر طول حزنه على من رثاه:
سلم:
وحزنٍ كطول الدهر باقٍ إذا مضت ... أوائله عادت إلينا الأواخر
آخر:
أأسرع الحزن في عقلي وفي جسدي
آخر:
أصاب غليلي عبرتي فأسالها ... وعاد احتمامي ليلتي فأطالها
أبو فراس:
أوصيك بالحزن لا أوصيك بالجلد ... جل المصاب على التفنيد والنفد
أبكي بدمعٍ له من حسرتي مددٌ ... وأستريح إلى صبرٍ بلا مدد
آخر:
وظلت بي الأرض الفضاء كأنما ... تصعد بي أركانها وتجول
أبو فراس:
يعزون عنك وأين العزاء؟ ... ولكنها سنةٌ تستحب
من زاد سوء حاله على حال الميت:
المتنبي:
بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل ... وهذا الذي يضني كذاك الذي يبلي
كأنك أبصرت الذي بي وخفته ... إذا عشت فاخترت الحمام على الثكل
الموسوي:
يفوز بالراحة الفقيد وللفاقد طول العناء
الراغب عن الحياة لأجل من رثاه:
بثينة:
سواء علينا يا جميل بن معمر
آخر:

طلقت من بعده السرور ... وفرغت فؤادي للهم والحزن
فليتني مت إذ فجعت به ... بل ليته لم يكن ولم أكن
آخر:
وما في حياةٍ بعد موتك طائلٌ

من أصابه ما لو أصاب الجبال لهدمها:
هدب:
أصبنا بما لو أن سلمى أصابها ... لسهل من أركانها ما توعرا
البحتري:
ولو أن الجبال فقدن إلفاً ... لأوشك جامدٌ منها يذوب
كثرة البكاء على الميت:
أبو ذؤيب:
فالعين بعدهم كأن حداقها ... سلت بشوكٍ فهي عور تدمع
جرير:
أظن انهمال الدمع ليس بمنتهٍ ... عن العين حتى يضمحل سوادها
أبو الغمر:
وحلت وكاء الدمع في وجناته ... كما انفجرت عن مائهن المنابع
من يستقل لموته البكاء:
شاعر:
لا أستطيع سوى الدمو ... ع وأستقل له الدموعا
وفي كتاب: يقل له البكاء ولو كان بدمع الحشا.
بعضهم:
إن المغيرة فوق نوح النائح
الإنكار على من لا يغمه الموت :
امرأة:
أيا شجر الخابور ما لك مورقاً ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
الشماخ:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتز العضاه بأسوق
آخر:
أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري ... مقيماً وقد غالت يزيد غوائله
عبد الصمد:
ما للسماء عليه ليس تنفطر ... وللكواكب لا تهوى فتنتثر
من اعتذر وتذمم لبقائه:
بعضهم:
ومن عجبٍ إن بت مستشعر الثرى ... وبت بما زودتني متمتعا
آخر:
ولو أنني أنصفتك الود لم اقم
خليفة بم خلف:
أعاتب نفسي إن تبسمت خالياً ... وقد يضحك الموتور وهو حزين
الهذلي:
تقول أراه بعد عروة سالياً ... فلا تحسبي أني تناسيت عهده
المستقبح بموته الصبر:
ديك الجن:
إذا الصبر أهدى الأجر فالصبر مأثمٌ ... لدي وترك الصبر فيك هو الأجر
ابن الرومي:
لا أسأل الله حسن مصطبرٍ ... فإنه عنك يوم مصطبر
وحزن نفسي عليك من كرمٍ ... وهو على من سواك من خور
آخر:
الصبر والأجر فيك إثم
العتبي:
الصبر يحمد في المصائب كلها ... إلا عليك فإنه مذموم
أبو تمام:
وإن امرأ لم يمس فيك مفجعاً ... بمجهوده في رأيه لمفجع
المتنبي:
أجد الحزن فيك حفظاً وعقلاً ... وأراه في الخلق وعراً وجهلا
شق الجيب:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شق الجيوب؛قال أبو سعيد البلخي: من أصيب بمصيبة فشق ثوباً وضرب صدراً فكأنما أخذ رمحاً يريد أن يقاتل به ربه.
المتنبي:
علينا لك الإسعاد إن كان نافعاً ... بشق قلوبٍ لا بشق جيوب
أبو عطاء:
عشية قام النائحات وشققت ... جيوبٍ بايدي مأتم وخدود
بعض بني ثعلبة:
أنحى علي الدهر بعدك بركةً ... حتى ضججت له ضجيج الأدبر
رجل من طيئ:
ولو لم يفارقني عطية لم اهن ... ولم أعط أعدائي الذي كنت أمنع
شجاعٌ إذا لاقى ورام إذا رمى ... وها أناذا ما أظلم الليل مصرع
أبو الشيص:
يا أيها الدهر أقصر عن تنقصنا ... فلست منتهياً عن غشمنا ابدا
أضحى سنان قناتي بعد حدته ... مرت به عثرات الدهر فانقصدا
زيارة القبور تجديد الحزن بها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً.
عبد الملك الحارثي:
أتيناه زواراً فأمجدنا قرى ... من البث والداء الدخيل المخامر
وأبنا بزرعٍ قد نما في صدورنا ... من الوجد يسقى بالدموع البوادر
خلف بن خليفة:
وبالدير أشجاني فكم من شبحٍ له ... دوين المصلى بالبقيع شجون
ربا حولها أمثالها إن أتيتها ... ترينك أشجاناً وهن سكون
أعرابية:
لقد كنت أعدو إلى فقصره ... فقد صرت أعدو إلى قبره
وكنت أراني غنياً به ... عن الناس لو مد في عمره
العقر على قبر الميت:

كانت عادة العرب أن تعقر على قبر ميتهم تعظيماً له، وهذا سوى ما يجعلونه من البلية، وهي ناقة توقف على قبر ميتهم إلى أن تموت، ويزعمون أن الميت يركبها يوم الحشر.
زياد الأعجم:
وإذا مررت بقبره فاعقر له ... وانضج جوانب قبره بدمائها
ويقال: أن زياداً دخل على المهلب فأنشده هذه القصيدة، فلما أتى على هذا البيت قال له: هلا عقرت عليه يا أبا أمامة فرسك؟فقال: إني كنت على مقرف ولو كنت على عتيق لفعلت، فاستحسن قوله وقال لمن حضر مجلسه من ولده ومواليه: لينفذ كل واحد منكم إلى زياد فرساً من خيله، فانصرف بعدة أفراس.
عبيد الله بن إسحاق:
فإن يك يا ابن المصطفى قبر سيدٍ ... تعقر خيلٌ حوله ونجائب
فقبرك أهلٌ أن يعقر حوله ... رجال المعالي والنساء الكواعب

تذكر الميت وتصور محاسنه:
الخنساء:
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... وأذكره لكل مغيب شمس
كلثوم:
لم يخل من تمثاله بصري ... يوماً ولا من لفظه أذني
يا من تمثل من محاسنه ... للعين مشبوحٌ بلا بدن
زيارة طيف الميت:
ديك الجن:
جاءت تزور وسادي بعدما دفنت ... فبت ألثم خداً زانه الجيد
فقلت: قرة عيني قد نعيت لنا ... فكيف ذا، وطريق القبر مسدود؟
قالت: هناك عظامي في ملحده ... ينهشن منها بنات الأرض والدود
وهذه النفس قد جاءتك زائرةً ... هذي زيارة من في القبر ملحود
فداء الميت لو قبل عنه الفداء:
متمم:
فلو أخذت مني المنية فديةً ... فديتك منها بالسوام وبالأهل
إبراهيم بن إسماعيل:
أجاري لو نفسٌ فدت نفس ميتٍ ... فديتك مسروراً بأهلي وماليا
البحتري:
بي لا بغيري تربةٌ محفورةٌ ... لك في ثراها رمةٌ وعظام
من ذكر أنه لو أمكنه دفع المنية لدفعها:
الجميح:
فلو أني استطعت دفعت عنه ... ولكن باعه من لا يقيل
ابن الرومي:
ولو كان هذا الموت قرناً أطيقه ... لما فاتني إحدى الليالي بثاره
الفرزدق:
فلو كانت الأحداث يدفعها امرؤٌ ... بعزٍ لما نالت يداه عريني
الموسوي:
أتته المنية مغتالةً ... رويداً تخلل من سيره
فلم تغن أجناده حوله ... ولا المسرعون إلى نصره
من ذكر انه لو حضر لدفع قاتله:
سعيد بن علقمة:
وغيبت عن قتل الحباب وليتني ... شهدت حتاتاً يوم ضرج بالدم
وفي الكف مني صارمٌ ذو حفيظةٍ ... متى ما يقدم في الضريبة يقدم
فتعلم أحيا مالكٍ ولفيفها ... بأن لست عن قتل الحتات بمجرم
البحتري:
فلو أسفي أن لا أكون شهدته ... فحاست شمالي دونه ويميني
وإلا لقيت الموت أحمر دونه ... كما كان يلقى الدهر أغبر دوني
من مات حتف أنفه وكان يخشى عليه القتل:
لبيد يرثي اخاه وقد أصابته صاعقة فمات:
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السماك والأسد
فجعني البرق والصواعق بالفارس يوم الكريهة النجد
كعب بن زهير:
لعمرك ما خشيت على أبيّ ... مصارع بين قوباء السلي
ولكني خشيت على أبيّ ... جريرة رمحه في كل حي
المتنبي:
نفى وقع أطراف الرماح برمحه ... ولم يخش وقع النجم والدبران
ولم يدر أن الموت فوق شواته ... معار جناحٍ محسن الطيران
من اختطفته المنية لما أدرك المشتهى أو تناهى:
سلم الخاسر:
لما استظل بتاج الملك واجتمعت ... له الأمور فمنقاد ومقسور
حطت عليه بمقدارٍ منيته ... كذاك تصنع بالناس المقادير
وقيل: وقوع المنية في إدراك الأمنية وذلك نحو قوله:
إذا تم أمرٌ بدا نقصه ... توقع زوالاً إذا قيل: تم
وله باب.
من الموت مرديه مع كثرة توقيه:
رجل من بني أسد:
أبعدت من يومك الفرار فما ... جاوزت حتى انتهى بك القدر

لو كان ينجي من الردى حذرٌ ... أنجاك مما أصابك الحذر
أبو تمام:
وقد كان لو رد غرب الحمام ... كثير توقٍ طويل احتماء

التصامم عن النعي والتوجع له:
قال:
وفي السمع عما خبروا غدوةً وقر
آخر:
أعلل نفسي بالمرجم غيبةً ... وكاذبتها حتى أبان كذابها
اليربوعي:
ولما نعى الناعي بزيدٍ تغولت ... بي الأرض فرط الحزن، وانقطع الظهر
عساكر تغشى النفس حتى كأنني ... أخو سكرةٍ دارت بهامته الخمر
الموسوي:
أبدي التصامم عنه حين أسمعه ... عمداً وقد بلغ الناعون أسماعي
من دعا على ناعيه ودافنيه:
الخنساء:
ألا ثكلت أم الذين غدوا به ... إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر؟
أبو فراعة:
لأمك الويل تترى أيها الناعي ... أوجعت سوداء قلبي أي إيجاع
قوم تفانوا واحداً بعد واحد:
رجل من خثعم:
نهل الزمان وعل غير مصردٍ ... من آل عتابٍ وآل الأسود
فاليوم أضحوا للمنون وسبقه ... من رائحٍ عجلٍ وآخر مقتد
ابن هرمة:
أنهبٌ للمنية يعتريهم ... رجالي أم هم درج السيول
من تصيبه كل يوم مصيبة:
شاعر:
وتقرعني في كل يوم ٍ مصيبةٍ ... فقد صرت ذا أنسٍِ بقرع المصائب!
لعمرك ما تعفو كلوم مصيبةٍ ... على صاحبٍ إلا فجعت بصاحب
من قاسمته فأخذت النصيبين:
المتنبي في سيف الدولة وقد ماتت أختاه فرثى الأولى، فقال:
قاسمتك المنون شخصين جوراً ... جعل القسم نفسه فيه عدلا
ثم ماتت الأخرى فقال:
قد كان قاسمك الشخصين دهرهما ... وعاش درهماً المفدى بالذهب
وعاد في طلب المتروك تاركه ... إنا لنغفل والأيام في الطلب
ما كان أقصر وقتاً كان بينهما ... كأنه الوقت بين الورد والقرب
من اغتاله الموت وكان من خدامه:
مسلم بن الوليد:
ألم تعجب له أن المنايا ... فتكن به وهن له جنود
بكر بن النطاح:
ألم تر للأيام كيف تتابعت ... به، وبه كانت تذاد وتدفع
من استوحش فناؤه بموته:
أبو حية النمر:
فإن يمس وحشاً داره فلربما ... أقام به بعد الوفود وفود
أبو تمام:
فيا وحشة الدنيا وكانت أنيسةً ... ووحشة من فيها لمصرع واحد
الموصوف بأنه لو خلد أحد لخلد هو:
الخنساء:
لو كان للدهر مالٌ كان متلدةً ... لكان للدهر صخرٌ مال فتيان
أبو ذؤيب في قريب من هذا المعنى:
لو كان مدحة حي أنشرت أحداً ... أحيا أباكن يا ليلى الأماديح
من بقيت نعمته بعد موته:
أبو الزبرقان:
فمات وأبقى من تراث عطائه ... كما أبقت الأنواء للحيوان
أبو مطير:
فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا
صرم:
إما مضيت فكالربيع بمائه ... يعفو وتحسن بعده الآثار
من خلف العلى دون اللها:
قال مالك بن عمرو الحارثي:
ولما حضرنا لاقتسام تراثه ... أصبنا عظيمات اللها والمآثر
عمارة بن عقيل:
لم يكن موسراً من المال لكن ... موسراً من مكارم ٍ ومعالي
من يحسن تأبينه ومدحه:
مطيع بن إياس:
يا خير من يحسن البكاء به اليوم ومن كان أمس للمدح
البحتري:
مضى غير مذمومٍ وأصبح ذكره ... حلي القوافي بين راثٍ ومادح
آخر:
قد مات قومٌ وهم في الناس أحياء
العطوي:
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قومٍ تقصف
وليس بريح المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
آخر:
اذهب كما ذهبت غوادي مزنةٍ ... أثنى عليها السهل والأوعار
المرثي بالجود:
مروان بن أبي حفصة:
وكان الناس كلهم لمعنٍ ... إلى أن زار حفرته عيالا
السلامي:
أما طلاب المعالي فاستهين به ... وأكرمت بعده الأوراق والذهب
آخر:

أتاه الردى في زي عافٍ وإنما ... أبى جوده أن يرجع الموت خائبا

من مات بموته الجود والكرم:
شاعر:
سلوا عن المجد والمعروف اين هما ... فقيل: إنهما ماتا مع الحكم
زياد الأعجم:
إن السماحة والمروءة ضمنا ... قبراً يمر على الطريق الراضع
آخر:
ولما مضى معنٌ مضى الجود وانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
آخر:
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفافٍ وجود
المتنبي:
يحسبه دافنه وحده ... ومجده في القبر من صحبه
من تضمن قبره عزاً ومنفعةً:
أبو الشيص:
يا حفرة طولها خمسٌ إذا ذرعت ... في خمسةٍ قد دفنا عزنا فيها
ديك الجن:
عجبت لحفرةٍ حشيت بطودٍ ... وقبرٍ حشوه بلدٌ رحيب
التنوخي:
ولحدٍ حوى شمساً وأرض تضمنت ... سماءٌ نجوم المجد فيها ثواقب
من توجع له المكارم:
أوس بن حجر:
ليبكك الضيف والمكارم ... والفتيان طراً وطامعٌ طمعا
أشجع:
أنعي فتى الجود إلى الجود ... ما مثل ما أنعي بموجود
الخوارزمي:
أعزيكم أم أعزي الندى ... فما هو دونكم في الألم
أبو تمام:
يعزون عن ثاوٍ تعزى به العلى ... ويبكي عليه الجود والبأس والشعر
من فقد الآمال بموته:
أبو تمام:
توفيت الآمال بعد محمدٍ ... وأصبح مشغولاً عن السفر السفر
وقال:
وكانت الآمال مبسوطةً ... حتى إذا مات طويناها
دعبل:
مات الثلاثة لما مات مطلبٌ ... مات الرجال ومات الرعب والرهب
المرثي بحفظ الجوار:
بعضهم:
بمن يستجير الحر أفقر بيته ... إذا لم يجد في الأرض قرضاً ولا فرضا
ومن للأمور المعضلات إذا عرت ... ومن يحسن الإبرام بعدك والنقضا
بعض بني أسد:
كانوا على الأعداء نار محرق ... ولقومهم حرماً من الإحرام
آخر:
يا طالباً وزراً من ريب حادثةٍ ... أودى سعيدٌ فلا كهفٌ ولا وزر
أبو القاسم العلاء في الصاحب:
قام السعاة وكان الخوف أقعدهم ... واستيقظوا بعدما نام الملاعين
لا يعجب الناس لما مات فانتشروا ... مضى سليمان فانحل الشياطين
من مات بموته من لم يمت:
شاعر:
ماتوا بموتك غير أن شخوصهم ... نصب الهموم مقيمةٌ لم تقبر
امرؤ القيس:
فلو أنها نفسٌ تموت بموته ... ولكنها نفسٌ تساقط أنفسا
هشام أخو ذي الرمة:
ولم يك قيسٌ هلكه هلك واحدٍ ... ولكنه بنيان قومٍ تهدما
ابن المقفع:
لقد ضمنت جلد القوى كان يتقى ... به جانب الثغر المخوف زلازله
ليلى:
قتلتم فتىً لا يسقط الرعب رمحه ... إذا الخيل جالت في قنا متكسر
الفرزدق:
ألا هلك المكسر فاستارحت ... حوافي الخيل والحلي الحريد
لما أتى معاوية نعي عمرو بن العاص أنشد:
ماذا رزقنا به من حيةٍ ذكر ... نضاضة بالرزايا صل أصلال
من هابته الحوادث فاشتفت بموته:
أبو الغمر:
وسألت عنه فقيل: مات لما به! ... قلت: الندى لا شك مات لما به
فكأنما ضن الزمان على الورى ... ببقائه أو هابه فبدا به
محمد بن وهب:
كأن الموت صادف منك غنماً ... أو استشفى بموتك من سقام
من تبجح به الموت وطاب القبر:
فلان تباشرت القبور بموته وأشرقت المقابر بحفرته.
العقيلي:
لئن أظلمت من بعدك الأرض وحشةً ... لقد أشرقت أنساً إليك المقابر
الطائي:
مضى طاهر الأخلاق لم تبق بقعةً ... من الأرض إلا تشتهي أنها قبر
وقال:
أرادوا ليخفوا قبره عن محبه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
المرثي بالعلم:
أنشد ابو نواس أبا عبيدة في مرثية خلف الأحمر قوله:
أودى جماع العلم مذ أودى خلف ... فليذم ما العياليم الخسف؟
- رواية لا يجتنى من الصحف

في أبيات كثيرة قال: ما أحسنها وطوبى لمن يرثى بمثلها. فقال: مت راشداً وعلي أن أرثيك بخير منها. ولما مات سفيان بن عيينة قال ابن مناذر:
راحوا بسفيانٍ على نفسه ... والعلم مكسوين أسفانا
لا يبعدنك الله من هالكٍ ... ورثنا علماً وأحزانا
وقال آخر:
يبكيك للمجد اقلامٌ مهذبةٌ ... والأمر والنهي والديوان والعمل
التنوخي:
ثوى الفقه في قعر الثرى مذ ثوى به ... وغاصت بحار الشعر وانقطع النظم
ولو أن هذا الموت خصمٌ مفوهٌ ... لأفحمه من عز ألفاظه خصم

المرثي بالزهد والعبادة:
رأى رجل ميتاً فقال: كان والله بالليل قواماً وبالنهار صواماً، يجمع بين طرفي النهار والليل بالعبادة. كما قال الأفوه:
لقد أبقى مكانك في لؤي ... وآل محمدٍ خللاً مبينا
دليل قد دأبت له بآيٍ ... من الفرقان بين الساجدينا
فآنس شخصك الجدث المعفى ... وأوحش قبرك المتهجدينا
عبد الصمد بن المعدل:
لو كان يبكي كتاب الله من أحدٍ ... لطول إلفٍ بكتك الآي والسور
المختص بمرثية الأبوين:
قيل: موت الأبوين سد بابين من ابواب الجنة. قال قتيبة بن مسلم: لما ماتت أمه لأبي مجلز: لقد سد دوني باب من ابواب الجنة. قال: نعم وباب من أبواب النار لأنك ما كنت تأمن أن تعقها.
كشاجم:
أبعد مصاب الأم آلف مضجعاً ... وأوي إلى خفضٍ من العيش أو ظل
سترجع عيني قبرها من دموعها ... بما كلفته من رضاعي ومن حملي
رثيت لنصلٍ يأخذ الموت جفنه ... وأعجب من فرعٍ ينوح على أصل
وبكت صبية اباها فقالت: واأبتاه تركتنا كالبهم ليس لنا رعاة!واأبتاه تركتنا كالزرع ليس له مسقاة!
الفجيعة بولد صغير:
أحمد بن أبي طاهر:
بدر ليلٍ بدر النقص له قبل تمامه
كان نوراً من رياضٍ ... فذوى قبل ابتسامه
أعرابي:
يا غائباً ما يؤوب من سفره ... عاجله موته على صغره
شربت كأساً أبوك شاربها ... لا بد منها ولو على كبره
المتنبي:
فإن تك في قبرٍ فإنك في الحشا ... وإن تك طفلاً فالأسى ليس بالطفل
ومثلك لا يبكى على قدر سنه ... ولكن على قدر المخيلة والأصل
بنفسي وليد عاد من بطن أمه ... إلى بطن أمٍ لا تطرق بالحمل
وقد مدت الخيل العتاق عيونها ... إلى وقت تبديل الركاب من النعل
وريع له جيش العدو وما مشى ... وجاشت له الحرب الضروس وما تغلي
وكتب كاتب: عاجله موته على صغره وعاقصه رداه قبل سفره.
التنوخي:
كغصنٍ ثنته الريح عند اعتداله ... رياحٌ غوادٍ بالردى وروائح
التحسر على الولد:
أبو الشيب:
بأبي وأمي من عبأت حنوطه ... بيدي وودعني بماء شبابه
كيف السلو وكيف أنسى ذكره ... وإذا دعيت فإنما أدعى به
وقال:
لعمرك ما أبقى لنا الدهر باقيا ... نقر به عيناً غداة نؤوب
كأني وترت الدهر بابنٍ أفاده ... على حين كانت كبرةٌ فمشيب
العتبي:
دفنت بكفي بعض نفسي فأصبحت ... لها دافنٌ من نفسها ودفين
المتوجع لموت البنين وبقاء البنات:
قال أبو الغمر وقد مات له خمس بنين وحصلت له خمس بنات:
مضى خمسةٌ وجهي بهم كان مشرقاً ... بخمسٍ بهن الوجه أسود سافع
العتبي:
ألا يدرأ الدهر عنا المنونا ... فيبقي البنات ويفني البنينا
وكنت ابا خمسةٍ كالبدور ... وقد فقأوا أعين الحاسدينا
فمروا على حادثات الزمان ... كمر الدراهم بالناقدينا
مرثية عروس:
امرأة مات عنها زوجها ليلة العرس فقالت:
أبكيك لا للنعيم والأنس ... بل للمعالي والرمح والترس
ابكي على فارسٍ فجعت به ... أرملني قبل ليلة العرس
وقال:
يا قرب مأتمها من العرس
صالح بن عبد القدوس:

وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
المتنبي:
أتتهن المصيبة غافلات ... فدمع الحزن في دمع الدلال

من قتل محبوبه:
قال بعضهم وقد اتهم امرأته فقتلها:
يا طلعةً طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثرى ولطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها
وذباب سيفي في مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خديها
ديك الجن وكان اتهم امرأته فقتلها ثم تبين له بطلانه:
تبكي وتقتل من تحب فقدك من عجبٍ عجيب
وقال:
وآنسةٍ عذب الثنايا وجدتها ... على خطةٍ فيها لذي اللب مألف
فأصلت حر السيف في حر وجههاوقلبي عليها من جوى الوجد يرجف
فخرت كما خرت مهاةٌ أصابها ... أخو قنصٍ مستعجلٍ متعسف
سيقتلني حزناً عليها تأسفي ... وهيهات ما يجدي علي التأسف
مرثية عشيقة:
العباس:
ريحانتي واختلست من يدي ... أبكي عليها آخر المسند
كانت يدأ كانت بها قوتي ... فاختلس الدهر يدي من يدي
مرثية زوجة:
الفرزدق في مرثية امرأة حامل ماتت له:
وجفن سلاحٍ قد رزئت فلم أمت ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جفنه من دارمٍ ذو حفيظةٍ ... لو أن المنايا أخطأته لياليا
الموسوي:
إن لم تكن نصلاً فغمد نصول ... غالبت أحداث الزمان بغول
أولا تكن بأبي شبول ضيغمٍ ... تدمي أظافره فأم شبول
مرثية ضال:
أعرابي يرثي أخاً له ضل:
فلو أنه إذ جاءه الدهر عادياً ... أتيح له موتٌ وغيبه قبر
إذاً لصبرت النفس ثم احتسبته ... وفي الصبر لي حسن المثوبة والأجر
ولكن طوت عني المقادير علمه ... فما لي به لما انتأى شخصه خبر
أموتٌ فيسلى أم حياةٌ فيرتجى ... أبرٌ أتى من دون مثواه أم بحر
آخر:
رمى بصدور العيس مخترق الصبا ... فلم يدر خلقٌ بعدها أين يمما
وسنان بن حارثة استهوته الجن فزعمت العرب أنها استفحلته طلباً لكرم نجله. وقارظ عنزة ممن فقد، وقيل أنه خرج مع خزيمة بن مالك، وكان خزيمة يهوى ابنته فانتهيا إلى بئر فيها معسل، فأرسله خزيمة فلما قال أجذبني قال: لا افعل أو تزوجني ابنتك!قال: أخرجني لأزوجك فأما على هذه الحالة فلا. فقال: لا أفعل وتركه؛وبه ضرب المثل الشاعر بقوله:
إذا ما القارظ العنزي آبا
وكان فيهم قارظ آخر فقد وفيه قيل:
وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب بن وائل
مرثية مصلوب:
قال الرقاشي: كنت من صنائع البرامكة فلما صلب جعفر أردت أن أبكي عليه إذا انتهيت إليه فلم يمكني من حوله، فمررت يوماً والدنيا خالية فبكيت وقلت:
أما والله لولا خوف واشٍ ... وعينٌ للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس للركن استلام
فلما دخلت على الرشيد قال: ايه أما والله لولا خوف واش!فانتفضت وقلت: ما أحسب إلا الجن تأتيك بالأخبار. ولأبي الحسن بن الأنباري في أبي طاهر بن بقية ابيات متناهية في هذا المعنى:
علوٌ في الحياة وفي الممات ... فحق أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا ... وفودٌ نداك أيام الصلات
كأنك قائمٌ فيها خطيباً ... وكلهم قيامٌ للصلاة
مددت يديك نحوهم اتقاءً ... كمكها إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الممات
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا ... من الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى ... بحراسٍ وحفاظٍ ثقات
وتمام ذلك مذكور في كتاب الأحداق.
مرثية المغني ومتعاطي اللهو والشرب:
دعبل في الموصلي:
سيبكى البم من جزعٍ عليه ... وتبكيه المثالث والمثاني
وتثكله القيان وحافظوها ... وينعاه الزقاق إلى الدنان
آخر:

فليبكها الخمر إذ ماتت منائحها ... وليبكه الرخ والفرزان والشاه
وكان لخلاد بن معزوه صديق فلما مات خلاد جاء صديقه معزياً، فأقام على قبره برهة يكثر البكاء عليه، فعوتب على كثرة بكائه فقال: كيف لا أتوجع على رجلٍ ما أدخلنا مؤاجراً قط إلا قال لي تقدم ابداً فإن قوي لي والأقواه وراضه. ومن مليح المراثي قول ابن الرومي في بستان المغنية:
بستان أسقيت من مدامعنا ... لا من سواري الغيوث والمطر
بل حق صهباك أن تكون من ال ... صهباء صهباء حمص أو هجر
بل من رحيق الجنان يختم بالمسك سلافاته بلا عكر
بل من نجيع القلوب يمزج بالعطف وصفو الوداد لا الكدر

موت شرير:
قيل: إذا مات الخير استراح من الدنيا، وإذا مات الشرير استراحت منه الدنيا.
الحسن بن أيوب:
مات يحيى فمات شر كثير ... ولقد كان شره يستطير
إن موت الأشرار فتحٌ عظيمٌ ... وغياثٌ ونعمةٌ وسرور
ما شمتنا بموت يحيى ولكن ... سرنا أن شره مقبور
الصاحب:
نعوا إلي ابن دهشوذان عن كثبٍ ... فقلت: إن صح هذا مات إبليس!
ولما مات المكتفي وطولب الناس بالبقايا قال أحمد بن واضح:
مات الخليفة وانقضت أوطاره ... مما حوته يداه من دنياه
قد كان حياً وهو عنا ميتٌ ... فالآن لمت مات عاش أذاه
مالك بن طوق:
فبعداً لا انقضاء له وسحقاً ... فغير مصابه الحدث العظيم
الصاحب لما مات أبو الحسن الطبري الطبيب:
قالوا ابو الحسن الطبيب قد انقضى ... فبكت عليه مدامع الألحاد
كلا بل الألحاد مات بموته ... فكأنما كانا على ميعاد
أبو سهل المجوسي:
أريحوا النفوس فلا تكثروا ... حديث قرانكم المفتعل
فقد دلنا موت هذا الخسيس ... على أن تأثيره في السفل
الاستهانة بموت النساء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: دفن البنات من المكرمات. وقيل: دفن الحرم من أعظم النعم.
الفرزدق:
وأهون مفقودٍ إذا الموت ناله ... على المرء من أصحابه من تقنعا
أصحاب الصنائع الخسيسة:
قال البقطري الكاتب يرثي غلاماً له يدعى مباركاً:
مبارك من ذا يسوس الدواب في القيظ والليلة الشاتيه؟
ومن ذا يصب لنا في الجباب ... مياهاً إذا اصبحت خاليه؟
لقد كنت أخدم سواسنا ... وأسلمهم عندنا ناحيه
فوقاك ربك نار السموم ... ولا زلت في عيشةٍ راضيه
جحظة في مرثية طباخ كان يسمى صندل:
لقد عظمت صائبات الرزايا ... وأودت بصندلٍ كف المنايا
فمن للبوادر قبل الطبيخ ... ومن للمبزر قبل القلايا؟
نبش القبور:
قال عمرو بن هانئ الطائي: بعثنا ابو غانم المروزي على نبش قبور بني أمية فانتهيت إلى قبر هشام فاستخرجته صحيحاً، فما فقدت منه شيئاً إلا أطراف أنفه، إلا أنه كان كريشة فأحرقناه، ثم استخرجنا سليمان من أرض دابق فلم نجد إلا صلبه وجمجمته، وكذلك كان عبد الملك، ووجدنا معاوية كخط أسود كأنه رماد، ولم يوجد في قبر يزيد بن معاوية إلا عظم واحد، وما وجد من عظامهم أحرقناه.
ومن أنواع هذا الباب:
قال الجاخظ: ما سمع في صفة النوائح المستأجرات مثل قول الراجز:
كأنها نائحة تفجع ... تبكي لميت وسواها المفجع
ونحوه:
بكى الشجو ما دون اللهى من حلوقه ... ولم يك شجو ما وراء الحناجر
وقال زياد الحارثي: رمسنا رجلاً في زمن أبي بكر فبكى رجل فقال:
فبينما المرء في الأحياء مغتبطٌ ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي عليه غريبٌ ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور

فقال له بعضهم: أتعرف قائل هذا الشعر؟قال: هذا الميت والله قائله، وذاك وارثه مسرور بماله وأنت الغريب الباكي عليه، نهاية الصبر أن لا تحدث بمصيبتك أحداً ولا تذل نفسك عنده. الصبر على المصيبة يفل حد الشامت بها. وقال محمد بن هريمة: أقبلت من مصر فلما انتهينا إلى باعينانا قعد صاحبي ليبول فقال له رجل شيخ: هذا قبر عجيف كان المعتصم قتله ههنا وألقى عليه هذا الحائط. فقال الرجل: سبحان الله رأيتني بهذا المكان وقد دعا لي عجيف بالسوط فبلت من خوفه، وها أنا أبول على قبره!الناس بين فرح بمولود وترح بمفقود.

الحد الثاني والعشرون
في السماء والأزمنة والأمكنة والنبات
والأشجار والنيران
مما جاء في وصف الملوين والسماء والنجوم
قال الإسكندر لبعض الحكماء: أيما أول الليل أو النهار؟فقال: هما في دائرة واحدة والدائرة لا يعرف لها أول من آخر، ولا أعلى من اسفل. وجعلت العرب الليل قبل النهار في التاريخ، ولذلك أرخوا بالليل دون النهار، وغلبوا التأنيث على التذكير في هذا الموضع خصوصاً؛ولذلك قال ابن مقبل في هذا المعنى:
فطافت ثلاثاً بين يومٍ وليلة
ولم يقل ثلاثة، وذكر أنه وجد مكتوب على حجر قبل الإسلام بألف عام في بعض غيران نجد:
خدنان لم يريا معاً في منزلٍ ... وكلاهما يجري به المقدار
لونان شتىً يكسوان خلوقه ... ما عاورته الريح والأقطار
شاعر على سبيل اللغز:
ما سبعةٌ كلهم إخوان ... ليس يموتون وهم شبان
- لم يرهم في موضع إنسان يعني أيام الأسبوع.
ومما يدخل في ذكر الأيام:
دخل الكميت على جعفر بن محمد عليهما السلام فدعاه إلى الغداء فقال: إني صائم. فقال: وأي يوم للصوم أحق من يوم قتل فيه الحسين، وقبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وكان المتوكل يتبرك بيوم الأربعاء لأنه ولي فيه الخلافة وكان يكثر فيه ما يحبه وقال:
وعندي نعمى الأربعاء جليلةٌ ... سأشكرها حتى أغيب في لحدي
يقال ثقيلٌ وهو عندي مباركٌ ... بنفسي معيبٌ عيبه زاده عندي!
السماء:
قيل لأكمه: ما تشتهي؟قال: أن أرى وجه السماء. فقيل: وكيف اخترت ذلك؟قال: لقول الله تعالى " إنا زينا السماء الدنيا بمصابيح " وقوله تعالى " إنا زينا السماء بزينة الكواكب " فهل شيء أحسن مما يخبر الله عز وجل أنه زينة؟ونظر أعرابي إلى السماء فقال: سبحان الذي ادى حواشيك إلى غير علاقة، ووكد أعاليك بلا تسنم، وأقل أسافلك بلا عمد. وسئل حكيم عن مساحة طول السماء فقال: مسيرة يوم للشمس.
ماهية الشمس:
اختلفوا في ماهية الشمس فقال بعض الفلاسفة: هي فلك أجوف مملوء ناراً له فم يجيش بهذا الوهج. وقيل: هي اجتماع أجزاء نارية يرفعها البخار الرطب. ثم اختلفوا على شكلها فقالوا: صفيحة عريضة، وقيل: كرة مدحرجة. واختلفوا في مقدارها فقيل: مثل الأرض سواء، وقيل: هي أعظم منها، وقيل: هي أصغر منها.
نعت الشمس:
قال بعضهم في وصفها:
وسائرة لا ينقضي الدهر سيرها ... وليست على حيٍ من الناس تنزل
لها صاحبٌ لم تلقه الدهر مرة ... على أثرها يمشي يسير ويعمل
بعضهم:
الشمس معرضةٌ تمور كأنها ... ترسٌ يقلبه بحيٍ رامح
التنوخي:
والأرض من صبغ النبات كأنما ... أعلامها مثل القميص المعلم
أو مثل جام من عقيق أو كطا ... سٍ من زجاجٍ بالمدامة مفعم
الشمس قبل الطلوع:
ابو نواس:
قد أغتدي والشمس في حجابها ... مثل الكعاب الرود في نقابها
الشمس المستترة بالغيم:
جندل الطهري:
جاء الشتا واجتال غيمٌ أغبر ... وتطلعت شمسٌ عليها مغفر
ابن الرومي:
شمسٌ تسايرنا وقد بعثت ... ضوءاً يلاحظنا بلا لهب
ابن طباطبا:
متى أبصرت شمساً تحت غيمٍ ... ترى المرآة في كف الحسود
يقابلها فيلبسها غشاء ... بأنفاسٍ تزايد في الصعود
المهلبي:
والشمس حيرى خلف غيمٍ عارضٍ ... وكأننا في ضوء ليلٍ مقمر
؟الشمس اللائحة من خلل الغمام: ابن المعتز:
تظل الشمس ترمقنا بلحظٍ ... مريض مدنف من خلف ستر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11