كتاب : محاضرات الأدباء
المؤلف : الراغب الأصفهاني

رأى مخنث خادماً من بعيد فظنه أمرد فلما دنا منه قال: يا ناقص هذا صلف من له أربعة ايور، وأنت فارغ السراويل. ورأى مخنث رجلاً يتبختر فقال له: أعلوي أنت أم قرشي؟قال: أنا فوق ذلك إني اير!فقال: تبختر ثم تبختر. وسمع مخنث رجلاً يذم ابنه ويقول: ومع ذلك له اير في طول المنارة فقال: ابنك كله فضيلة وأنت لا تشعر!ونظر آخر إلى قبيح كبير الاير فقال: يا شين ما علق عليك هذا الرين. ونظر آخر إلى كبير الاير كثير الشعر فأخذ يبكي ويقول: انظروا إلى الخليفة في القطيفة! شاعر في اير:
ته على الناس جميعاً ... وتقدمهم بايرك
نال موسى بعصاه ... فوق ما نلت بايرك!

مفاخرة الرجل والمرأة بسوأتيهما:
قال المتوكل يوماً لعبادة وزكوية: تسابقا فأيكما سبق فله كذا فسبقت زكوية فقال المتوكل لعبادة: سخنت عينك تسبقك امرأة!فقال: هي تعدو ببادين، وأنا أعدو بخرجين وعلاوة. وقال جارية لمخنث: ما أعظم بليتي بك!قال: بليتك في حرك أعظم سود وجهه وشق وسطه وقطع لسانه، وحضر إلى جانبه كنيف!رأت صبية صبياً كشف لها عن ايره وقالت: لعن الله أبي ما زاد على أن شقه وتركه.
المستفتي في سوأته عالماً سخفاً:
سئل الأحنف: ما بال استاء الرجال عليها شعر واستاء النساء لا شعر عليها؟قال: لأن استاء الرجال حمى واستاء النساء مرعى. وسئل مخنث: ما بال هن المرأة ينبت أسرع من الرجل؟فقال: لقربه من السماء ويسقى من فوقه. قيل لقطرب: أيهما أسرع على المباضعة: الاير أم الحر؟فقال:
فوالله ما أدري وإني لصادقٌ ... ألاير أدنى للفجور أم الحر
فقد جاء هذا مرخياً من عنانه ... وأقبل هذا فاتحاً فاه يهدر
اختيار المرأة اير دون اير:
قالت ابنة الكميت لأمها: أي الايور أحب إليك؟قالت: اير فرس في حرارة قبس، في لين فنك في استدارة فلك في حقو رجل صمك. وقالت جارية: ما شيء أحب إلي من رجل ينيكني بايره في حري، وخصيته تدق على باب استي فتهيج شهوتي.
وصف المتاع في سبيل اللغز:
سأل خلف الأصمعي عن قول الشاعر:
ولقد غدوت بمشرقٍ يافوخه ... عسر المكرة ماؤه يتدفق
مرح يسيل من النشاط لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتمزق
فقال: يصف فرساً فقال: أرانيك الله على مثله. ووقف أعرابي ينشد بكراً على جماعة فقال: من عرف بكراً أحمر في عنقه علاط وفي أنفه خزام يتلوه بكرتان سمراوتان، وإن أقرب عهد العاهد به الليلة؟فقالت جارية: ما عنيت بذلك إلا ما ضمه سراويلك. وقال مخنث لأعرابي: هل لك في شيء أسفله زرع وأعلاه ضرع وليس بباذنجان ولا قرع؟فقال: على هذا لعنة الله.
وصف الحر بالضيق والحرارة:
سئلت بنت الحسن أي الأحراح أطيب؟فقالت: الذي إذا دخلت فيه غص وإذا أخرجت منه مص.
ووصف رجل امرأة فقال: أحر من الحمام وأمص من الحجام.
امرأة:
إن حري أضيق من تسعين ... يمص مص الحاجم المكين
وقال ابن الرومي يصف سوداء:
لها حرٌ تستعير وقدته ... من قلب صبٍ وصدر محتنق
يزداد ضيقاً على المراس كما ... تزداد ضيقاً أنشوطة الوهق
أخذه من قول النابغة:
وإذا لمست لمست أخشم جاثماً ... متحيزاً بمكانه ملء اليد
وإذا طعنت طعنت في مستهدفٍ ... رابي المجسة بالعبير مقرمد
وإذا نزعت نزعت عن مستحصفٍ ... نزع الحزور بالرشاء المحصد
الواسعة الباردة:
وصف أعرابي امرأة فقال: مفازة مكة في سعتها ثقب عفصة وبلح همدان عند بردها حر مكة. وسئل عمر بن عثمان عن جارية اشتراها فقال: فيها خصلتان من الجنة: البرد والسعة. وللصاحب: وفلانة وصفت بأنها في الضيق كوز فقاعه، فكشفتها في الخلوة عن ذيل دراعه. الناجم:
يشبه عندي بربخاً ... مركباً في مخرج
وقال رجل لجارية: ما أوسع حرك؟فقالت: فديت من كان يملأه ثم قالت:
وقال لما خلونا أنت واسعةٌ ... وذاك من خجلٍ مني تغشاه
فقلت لما أعاد القول ثانيةً: ... أنت الفداء لمن قد كان يملاه
وقال ماجن لجارية: لأنيكك باير مثل صومعة حصين. قالت: إذا والله امكنك من حر مثل صحراء نجد. ثم قالت تفتخر بحرها:

تدل بطول الاير منك وعرضه ... ولي كعثبٌ أخفيك في شطر بعضه
ولو أن عوجاً فوق فيل فاقبلا ... إليه لمر الفيل فيه بركضه
وقال أبو زيد الكتاف: بقيت زماناً لا أجد امرأة تستوعب ما عندي، فظفرت بواحدة فجعلت أدخله شيئاً فشيئاً حتى أوعبته ثم قلت: أخرجه؟فقالت: سقطت بعوضة على نخلة. فلما أن ارادت الطيران قالت استمسكي لا طير فقالت النخلة: ما شعرت بوقوعك فكيف أشعر بطيرانك؟
ذهبت والله نفسي ... فيك يا أحمق فكرا
إنما طولك فترٌ ... كيف تستوعب شبرا؟
وقالت امرأة لرجل جامعها وأبطأ الفراغ: افرغ فقد ضاق قلبي. فقال: لو ضاق حرك لكنت فرغت منذ زمان!ورأى رجل رجلاً يبول باير حمار فقال له: كيف تحمل هذا الاير؟فقال: أكبير هو؟قال: نعم فقال: إن امرأتي تستصغره.

اغتلام المرأة بغيبة الرجل:
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة يطوف بالمدينة، فمر بامرأة من نساء نجد تقول:
تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني إن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله والعار بعده ... لحرك من هذا السرير جوانبه
ثم تنفست وقالت: هان على ابن الخطاب وحشتي في بيتي وغيبة زوجي عني، فلما أصبح بعث إليها نفقة وكتب إلى عامله برد زوجها وسأل ابنته حفصة: ما قدر ما تصبر المرأة؟قالت: أربعة أشهر.
المتعرض للنكاح تعريضاً صريحاً:
كانت رقاش بنت عمرو بن الصلت عند كعب بن مالك فقال لها يوماً: اخلعي درعك؛فقالت: خلع الدرع بيد الزوج، فقال لها تجردي؛فقالت التجرد لغير النكاح مثله. وقال رجل لجاريته: نأكل ثم ننيك. فقالت: بل ننيك ثم نأكل. فاستملح ذلك منها وكتبت امرأة إلى صديقها:
عجل فقد أمكن الزمان ... وبادر الوصل يا جبان
بادر فإن الزمان غرٌ ... من قبل أن يفطن الزمان
ونتفت امرأة وكتبت إلى صديقها:
فديتك سهلت السبيل الذي اشتكى ... جوادك فيه للحفا من خشونته
فإن كنت تهوى أن تزور جنابنا ... فلا تبط عنا فالهلال ابن ليلته
وقالت جارية بن سيرين له يوماً: كن، وقدم النون. فقال: الساعة. وبعث هشام إلى عبدة بنت عبد الله بن معاوية وكانت غضبى فلم تجبه، فجاءت جارية له فكشفت جانب ستره وقالت: " أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى " فاستحسن ذلك ودعاها. وكان رجل يعشق جارية فاجتمع بها ليلة فجعل يعاتبها فقالت: يا جاهل دع العتاب للكتاب واجعل قميصي مخنقتي. وقال رجل لجارية ما اسمك؟قالت: اناك!قال: من خلف أم من قدام حلال ام حرام؟قالت: كيف شئت كما شئت. وقال أبو العيناء اشتريت جارية فقعدت يوماً بجنبي، فجعلت اقبلها وأترشفها لا أزيد على ذلك فقالت: أتحفظ لأبي النواس:
حدثنا الأشياخ فيما رووا ... ابو زيادٍ شيخنا عن شريك:
لا يشتفي العاشق مما به ... بالضم والتقبيل حتى ينيك!
وكان للرشيد مائتا جارية تبلغ النوبة إلى كل جارية في مائتي ليلة فصعد ليلة فإذا جارية تغني:
ألا يا داركم تحو ... ين من كسٍ ومن غلمه
أأير واحد يشفي ... تراه مائتي حرمه
متى يصلح طيانٌ ... ضعيفٌ مائتي ثلمه
فاستدعاها واستعاد أبياتها وقال: نزيد في زيارتك؟فقالت: لا أريد، أكانت كما قال أبو حكيمة:
أتت بجرابها تكتال فيه ... فقامت وهي فارغة الجراب
فقال: لا بل لا نرد الجراب فارغاً، وقام فواقعها؛وقال لها: يا لخناء جعلتني طياناً ضعيفاً فقالت: لو لم أجعلك هكذا لم آكل هذا الرغيف على هذا الجوع الصادق. واستعرض رجل جارية فقال لها: أتحسنين أن تضربي بالعود؟فقالت: بل أحب أن يضربني العود!وقالت امرأة لزوجها اشتر لي خفاً فقال: أنيكك فرداً فقالت: هذا الخف يكفي هذه السنة.
اختيار المرأة الرجل القوي على النكاح:

استعرض غلام وضيء جارية نفاشة، فعلمت الجراية أنه يدل بحسنه فقالت له: إن كنت يوسف الحسن وليس معك اير ذو عروق صلبة وهامة رحبة يدخل غضبان ويخرج سكران، لم أعدك إلا شيطاناً مريداً أو قرداً عنيداً. وقيل لبصرية أي الرجال تشتهين؟فقالت : لا أدري غير أني أعلم أن الأول داء والثاني دواء والثالث شفاء، ومن ربع فنفسي له فداء.

شكر المرأة لمن بالغ في مباضعتها:
قالت امرأة: ناكني فلان نيكاً كأنه يطلب في حري كنزاً من كنوز الجاهلية. كانا امرأة تبكي على قبر فقيل لها: ما كان لك؟قالت: زوجي، وكان والله يجمع بين الجناح والساق، ويهز هز الصارم للأعناق، وقد كذبتك امرأة تبكي لغير ما أخبرتك. وقيل: تزوج رجل بامرأة فجعل يقبلها ويشمها ويلاعبها فقالت:
ليس بهذا أمرتني أميوالله لا تمسكني بضمي
ولا بتقبيلٍ ولا بشم ... إلا بزعزاعٍ يسلي همي
- لمثل هذا ولدتني أمي
اختيار المرأة نوعاً من الجماع دون نوع:
اجتمع بنات حي المدينة عندها قالت للكبرى: كيف تحبين أن يأخذك زوجك؟فقالت: ان يقدم من سفر فيدخل الحمام ثم يأتيه زواره المسلمون عليه فإذا فرغ أغلق الباب وأرخى الستر فحينئذ أتى ما أرومه، فقالت لها أسكتي فما صنعت شيئاً. فقالت الوسطى: إن يقدم من سفره فيأتيه زواره، فإذا جاء الليل تطيبت له وتهيأت ثم أخذني على ذلك، فقالت : ما صنعت شيئاً. وقالت الصغرى: أن يقدم من سفر، وكان قد دخل الحمام وانطلى، ثم قدم وقد شول فيدخل علي ويغلق الباب ويرخى الستر، فيدخل ايره في حري ولسانه في فمي، واصبعه في استي، فينيكني في ثلاثة مواضع. فقالت: اسكتي فأمك الساعة تبول. !
الراغب عن متعرضة للنكاح:
أبو حكيمة:
وضاحكة إلي من النقاب ... تلاحظني بطرفٍ مستراب
كشفت قناعها فإذا عجوزٌ ... مسودة المفارق بالخضاب
فما زالت تجشمني طويلاً ... وتأخذ في أحاديث التصابي
تحاول أن تقيم ابا ريادٍ ... ودون قيامه شيب الغراب
فقلت لها: حللت بشر واد ... كريه المجتنى قحط الجناب
متى تشفى العجوز إذا استناكت ... بايرٍ لا يقوم على الشباب؟
وله:
دعاني إلى ما يستحل ابن أكثمٍ ... وقد يستحل المرء غير حلال
ولو قام لم أسعفه فيما أراده ... أحق بايري منه أم عيالي
ابن حجاج:
غطت النظراء لما ... قد رأت مفتاح ديري
ورجت مني خيراً ... قلت: لا ترجين خيري
أبعدي عني وهذا ... فافعليه مع غيري
أنت في دعوة أذني ... لست في دعوة ايري
إرضاء المرأة بالخلوة معها:
وقع بين رجل وامرأة خصومة فغضبت فكابدها حتى رضيت وقالت: خزاك الله فقد جئتني بشفيع لا أستطيع رده!ومر الحجاج متنكراً فرأته امرأة فقالت: الأمير ورب الكعبة!قال: فمن أعلمك أني الأمير؟قالت: شمائلك قال: هل عندك من قرىً؟ قالت: نعم الخبز الشعير والماء النمير!فأكل وشرب ثم قال: هل لك أن تصحبيني فتصلحي بيني وبين امرأتي؟قالت: هل عندك من جماع؟قال: نعم؛قالت: فهو يصلح بينكما إذاً.
حمد إفحاش الجماع ونحوه:
قال ابن سيرين ألذ الجماع أفحشه. وقال الأحنف: إن أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا النكاح وأحسنوا الخلق. وقال رجل للشعبي: ما تقول في امرأة تقول لزوجها إذا وطئها قتلتني أوجعتني؟فقال: يقتلها بذلك وديتها في عنقي. وقدم رجل امرأته إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه وقال: إنها مجنونة إذا جامعتها غشي عليها. فقال: أحسن إليها فما أنت لها بأهل. وقيل: موطنان يذهب فيهما العقل: المباشرة والمسابقة.
الأسباب المقوية للجماع من ملاعبة المحبوب:
قال الحسن: أكثروا من مداعبة النساء ولا تكونوا كالبهيمة التي يطرقها الفحل بغتةً، والمداعبة للشهوة كالرعد والبرق للمطر. القبلة بريد النيك.
شاعر:
إنما القبلة عنوان الصلة
وطلب رجل من امرأته فقالت: الإبساس قبل الإيناس.
كراهتها الاعتزال:

كره الفقهاء الاعتزال عن المرأة إلا برضاها وقال رجل لزانية: ما تقولين في الاعتزال؟قالت: بلغني أنه مكروه. قال: أو لم يبلغك ان الزنا حرام؟وكانت ليوسف بن عمر جارية تصحبه في السفر والحضر، وكانت يوماً قائمة على رأسه فورد عليه كتاب فتغير وجهه، فقالت الجارية: عزل؟قال: كيف علمت ذلك؟قالت: لأن وجهك قد تغير من حذر ولا سهر، ولكن استجزت عزلك عني كل يوم، وهذا طعمه عندك مرة واحدة.

ميلها إلى الاعتزال:
قال بعضهم: دخل قوم من الأعراب البصرة لجدب أصابهم، فرأيت جارية تتكفف فخدعتها وأدخلتها دهليزي، فلما وطئتها قالت: نح عني نزلتك لئلا تلحقني جنيناً. وقال بعضهم: اشتريت جارية فوطئتها فجعلت تروم التنحي فأكرهتها فقالت: أردت أن لا يأتيك أربع أكارع تضيع مالك، ، فأما وقد أبيت فشأنك وما تريد.
العذيوط:
وهو الذي إذا جامع وبلغ الفراغ وجرت النطفة في إحليله استرخت فقحته فسلح وكذلك المرأة وأما الربوخ فالمرأة يغشى عليها عند الجماع قبل الفراغ. وقال دعبل: كان جعيفران لا تقيم عليه امرأة فتزوج امرأة فأقامت عليه، فسألته فقال: إنها مثلي وقد قلت فيها:
لما ضربت بغرمولي مضارطها ... بالت فقلت اسلحي إن شئت أو بولي
إني سأخرى إذا أنعظت من شبقٍ ... فإن خريت فقد أعطيتني سولي
سلحٌ أتي بين عذيوطين شككني ... منها أتى أو أتى من تحت غرمولي
وسالحتني فلم أشعر بما فعلت ... حتى وجدت خراها في سراويلي
وقال بعض النخاسين: كانت عندنا جارية عذيوطة كلما بعناها ردت، فبعناها مرة فأبطأت فلقيتها فسألتها قالت: مولاي مثلي فإذا لقى سنبر قنبر أدخل الغلط.
الرخصة في إتيان المرأة في دبرها:
استدل مالك في ذلك بقوله تعالى " نساؤكم حرث لكم فائتوا حرثكم أنى شئتم " . وقالت عائشة رضي الله عنها: إذا حاضت المرأة حرم الجحران، فدل على أنهما كانا حلالاً قبل الحيض. وقال بعض أهل اللغة الجحران بالضم الفرج.
تحريم إتيانها في دبرها:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيانهن في محاشهن. وسئل: في أي الجزرتين؟قال: أما في قبلها فنعم، وأما في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن.
النوادر في إتيانها في ذلك الموضع:
قال مزيد لامرأته: دعيني آتيك في استك فقالت: لا أجعل استي ضرة لحري مع قرب ما بينهما. وسئل أبو حفص عن إتيان المرأة في دبرها فقال: إن الله يقول نساؤكم حرث لكم، والاست لها مزرعة من حلت له القرية حلت له المزرعة.
همام القاضي:
ومذعورةٍ جاءت على غير موعدٍ ... تقنصتها والنجم قد كاد يطلع
فقلت لها لما استمر حديثها ... ونفسي إلى أشياء منها تطلع:
أبيني لنا هل تؤمنين بمالكٍ ... فإني بحب المالكية مولع
فقالت: نعم إني أدين بدينه ... ومذهبه عدلٌ لدي ومقنع
فبتنا إلى الإصباح ندعو لمالكٍ ... ونؤثر فتياه احتساباً ونتبع
وحاضت امرأة أعرابي فتعرض لاستها وقال: قد يؤخذ الجار بذنب الجار.
ابن الحجاج:
حاضت وقد كانت لها مدةٌ ... طويلةٌ عند استها طائله
وثبت في الحال على سرمها ... ودية النيك على العاقله
رفعت امرأة قصة إلى القاضي تدعي أن زوجها يأتيها في دبرها، فسأله فقال: نعم أنيكها في دبرها وهو مذهبي ومذهب المالك!فخجل القاضي. ورفع رجل إلى ابن سيمجور قصة، وكان يتولى النظر بنفسه بين الرعية، وكان في القصة ابنتي تحت فلان التركي وهو يسومها النيك في دبرها. وكان الزوج غلاماً له فقال: إني حملت من تركستان إلى الطران فناكوني في استي، ثم إلى بخارى ثم إلى هراة وفي كل مكان ينيكوني في استي، ثم حملت إليك فكنت تنيكني في استي، فما علمت أن ذلك محظور!فخجل ابن سيمجور.
شكاية المرأة كثرة جماع زوجها:

تزوج مزيد مولاة لأبي المثنى الخزاعي فجاءت إلى أبي المثنى فشكت إليه كثرة جماعه فلقيه أبو المثنى فعاتبه فقال له مزيد: كن بيني وبينها كف عني ضرسها أكف ايري!أتراني أعلف ولا أركب؟ورفعت امرأة زوجها إلى القاضي تشكو جماعه، فقاره القاضي على عشرة كل ليلة، فقال: أيها القاضي سلها تسلفني متى شئت فأجابه إلى ذلك فعادت المرأة بعد ثلاث فقالت: أيها القاضي لا صبر لي عليه فقد استلف في ثلاث لخمس!

شكاية المرأة عنة زوجها:
رفعت امرأة زوجها إلى القاضي وقالت: بعلي هذا ليس يضاجعني فقال الرجل: صدقت ولكني مؤاخذ عنها. فقال القاضي: الحكم فيه أن تؤخر سنة. فقال: الحكم أحق أن يتبع. فلما خرجت فإذا هي بمخنث. فقال لها: أما تستحين أن تقولي للقاضي ليس ينيكني!فقالت: إن شيئاً نقلك من طبع الرجال غعلى طبع النساء حتى عفرت لحيتك في التراب حقيق ان لا يستحى منه. وقدمت امرأة زوجها إلى القاضي وقالت: إن زوجي ليس يضاجعني. فقال الزوج: إني عنين!فقالت المرأة: هو يكذب؛فقال القاضي: ناولني ايرك حتى أمتحنك!فتناول ايره يمرسه، وكان القاضي قبيحاً فلم يقم ايره، فقالت للقاضي: لو رآك ملك الموت منعظاً لاسترخى، إدفعه إلى غلامك هذا، وكان للقاضي غلاماً صبيح فدفعه إليه، فانتشر سريعاً فقالت: اعط القوس باريها. فقال القاضي: مر يا كشحان ونك امرأتك ولا تطمع في غلمان القضاة!وقال المهدي لجارية له: أنت أودق من أتان عاقر. قالت: إذا رزم الفحل ودقت الحجر، تعرض بأنه مقصر في الباه فخجل. وعشق رجل امرأة فزارية، فلما صارت عنده فأخذ يمر به طولاً وعرضاً على حرها وقال لها: ألك زوج؟فقالت: يا ابن اللخناء ، لو كان لي زوج لم أدعك تتخذ حري طنبوراً تضرب عليه بمضراب منكسر.
المتعذر من عجزه عن المطاعنة:
دخل ابن شبابة إلى امرأة وخرج سريعاً، فقال له صاحبه: فأومأ بيده إلى ايره وقال:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا
وقال:
ايري علي مع الزما ... ن فمن أذم ومن ألوم؟
وقال هارون لعنان جارية الناطفي، وقد قبلها ولم ينتشر عليه:
أقول وقد حاولت تقبيل خدها ... وبي رعدةٌ من حبها ليس تسكن:
فديتك إني أشجع الناس كلهم ... لدى الحرب إلا أنني عنك أجبن!
واستهدفت امرأة لرجل شيخ فأبطأ عليه الانتشار، فعاتبته فقال: أنت تفتحين بيتاً وأنا أنشر ميتاً!وقعد أعرابي بين فخذ امرأة فلم ينتشر، فقالت له: قم يا خائب!فقال: الخائب من فتح جرابه ولم يكتل، ومن هذا أخذ الشاعر قوله:
أتت بجرابها تكتال فيه ... فقامت وهي فارغة الجراب
تعيير العاجز عن الافتضاض:
كتب أبو العيناء إلى ابن مكرم: العجب لكم أنكم تناكون ولا تنيكون!كيف غررتم الحرائر واستهديتم المهائر، وعلام قدمتم وأنتم تحتاجون إلى الذكور، ولم أظهرتم حب الناسء وبكم عرق النساء، وكيف دعيتم يوم الروع الطعان وأنتم تخرون للأذقان؟فأنتم كما قال الشاعر:
فلسنا على الإقدام تدمى كلومنا ... ولكن على أعقابنا تقطر الدما
نساؤكم عند جيرانكم ورجالكم تحت غلمانكم، فيا بؤساً للعروس وإزارها لم يحلل وشعورها لم تبلل.
أبو علي البصير:
رد ابنة القوم أو فاطلب لها ذكراً ... يكفيك من شأنها بعض الذي عسرا
فقد تأبوك حتى لا أناة بهم ... وجمجموا الأمر حتى شاع واشتهرا
قالت: يقدم قبل الاير إصبعه ... متى تعاطى بكفيه حراً عقرا
وعجز رجل عن امرأته ليلة العرس فقالت:
تبيت المطايا حائراتٍ عن الهدى ... إذا ما المطايا لم تجد من يقيمها
اغتباط من تقوى على الجماع:
قيل لأبي مهدية: ما عندك من الجماع؟قال: ما يهيج شهوتها وينقص عفتها ويستدعي بغضتها. وقيل لآخر فقال: إن منعت غضبت وإن تركت عجزت. وقال: يمتد ولا يشتد، وغذا كرهته يرتد. وقيل لمدني: كيف حالك؟فقال: ايري إذا فقد قام، وإذا وجد نام.
لي ايرٌ أراحني الله منه ... صار همي به عريضاً طويلا
نام إذ جاءه الحبيب كياداً ... ولعهدي به ينيك الرسولا
المستحسن لعجزه:

سئل شيخ عن حاله فقال: ذهب مني الأطيبان السن والاير، وبقي الأرطبان الضراط والسعال. وقيل لأبي عبد الله المنتوف: ما بقي عندك من آلة الباه؟قال: البزاق. وقال ابن أبي البغل لقاضي أصبهان: هل في البيت صلاة؟قال: لا قال: أنا في البيت أصلي منذ سنتين، وأشار إلى متاعه. وقال أبو حكيمة من مرثيه لاير مما لا يسبق إليه:
أيحسدني إبليس داءين اصبحا ... برأسي وجسمي دملاً وزكاما؟
فليتهما كانا به وأزيده ... زمانة اير لا يطيق قياما
إذا انتبهت للنيك أزباب معشرٍ ... توسد إحدى خصيتيه وناما
ومن قوله وهو أحسن ما قيل في ذلك:
ينام على كف الفتاة وتارةً ... له حركات ما يحس بها الكف
كما يرفع الفرخ ابن يومين رأسه ... إلى والديه ثم يدركه الضعف
وله:
قلما تهوى الغواني ... حلم ايرٍ ووقاره
وله:
كأنه قوس ندافٍ بلا وتر
وله:
سير يلف على دوامة الريق
وله:
رشاء على رأس الركية ملتف
وفي وصفه قيل: قناة معقفة وعروة على الإبريق مركبة.

ذم كثرة الجماع:
قال جالينوس: صاحب الجماع يقتبس من نار الحياة فليكثر منه أو يقلل. وقال رجل لأرسطاطاليس: أي وقت أجامع؟قال: إذا شئت أن تضعف. قال معاوية: ما رأيت منهوماً بالجماع إلا تبينت ذلك في مشيته. وقيل: الضرير أنكح من البصير، والخصيان أصح بصراً من الفحول. وقال طبيب لرجل: قد ذهب الجماع ببصرك؛فقال: قد وهبت بصري لذكري.
نوادر امرأة غازلها رجل فأخجلته:
قال رجل لامرأة : أريد أن أذوقك فأنظر أنت أطيب أم امرأتي؟فقالت: سل زوجي فإنه ذاقني وذاقها!ونظر رجل إلى امرأة فقالت له: يا سيدي تريد النيك؟قال: نعم؛قالت: اقعد حتى يجيء مولاي لعله ينيكك. وقال رجل لامرأة: ايري في استك!فقالت: هلا جعلته في يدي أضعه حيث شئت. قال: قد جعلته في يدك. قالت: قد وضعته في حر أمك!وراود النظام جارية وتبعها فقالت: إن لي صاحباً ينيكني، ولي زوج لا يتركني عشرة، ولي صديق أنا أعشقه، ولي حبة لا تفتر عن النساء. فإن وجدت في حري فضلة فافعل. وأنعظ رجل اير فعرض ايره على بغي فقالت: يا رقيع اعرض هذا على من لم ير ايراً قط، وأما أنا فعندي من الايور أكثر من التكبير يوم الضحى!وكان لرجل دبة فقال لامرأة: خذي هذه الدبة واسمحي لي بواحد. فقالت: أخشى أن أرزق منك ولداً فيكون ابن قحبة بزيت. ومن النوادر أن امرأة مرت بأبي العيناء فقالت: أين درب الحلاوة؟قال: بين سراويلك!
من حامش امرأة باستدعاء نفع منها:
كتب رجل إلى صديقته: ابعثي لي بعلك بين دينارين، فكتبت إليه: قد سارعت إلى أمرك فتفضل برد الطبق والمكبة. استعملت قول النبي صلى الله عليه وسلم: استدروا بالهدايا برد الظروف. وقال رجل لامرأته: أعطيني خاتمك أذكرك به. فقالت: هذا ذهب وأخاف أن تذهب، ولكن خذ عوداً فلعلك تعود.
نوادرهن في كبر العجيزة وصغرها:
الجاحظ: مررت بامرأة قائمة كبيرة العجيزة فقلت لبعض من معي: ما أعظم عجيزتها إذا لم تكن عليها معظمة. فكشفت عن عجيزتها وقالت: انظر إلي الحق ولا تكن من الممترين. ولبست امرأة ثيابها واتخذت معظمة لترى عجزها، فرآها رجل فأعجبته فراودها، فلما خلا بها وجدها كالعود فسألها فقالت: ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً!
الكير بيخ:
جاءت امرأة إلى ربيعة الرأي فقالت: ما تقول في الكير بيخ؟فقال: أعز بي قبحك الله!فقالت: بل أنت قبحك الله!جئت أستشهد بك وأسترشدك فتردني بضلالتي!فقال: عافاك الله كل شيء استنزلت به شهوة غير بعلك فحرام. ومرت امرأة بمخنث ومعها كير بيخ فقالت: تأخذ درهمين والنيك عليك؛قال: نعم فأخذ درهمين ودخل خربة وقام على أربع، وشدت المرأة ذلك على حقوها وجعلت تدخل فيه وتخرج، فتطلع رجل من ورائهما وصاح: واعجباه من امرأة تنيك رجلاً!فقال المخنث: وأي عجب؟الرجال ينيكون النساء منذ خلقت الدنيا، إن ناكت امرأة رجلاً يوماً فلا عجب!
أنواع مختلفة في وصف الجماع:

لدغت عقرب جارية في فرجها فقالت أمها: واويلاه في أي وقت وأي موضع؟وكان عراقي يهوى امرأة فجاء على حمار مع غلام، وجاءت المرأة على أتان مع جاريتها، فخلا بها، والغلام بالجارية، والحمار بالأتان ، فقال: هذا يوم غابت عذاله!سأل جعفر بن سليمان عن قول جرير:
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
فقال فتى من الأعراب في آخر المجلس: أنا أعرف ما كان يفعل كان ينيكها!فضحكوا وقالوا: أصبت. وقيل: من حسن تربية الرجل لولده أن ينيك دابته. وكان لرجل غلام أسود سندي فسافر وخلف الغلام في أهله، فأحبل امرأته فلما جاء الرجل خرج للقائه، وجعل أحد الغلامين على عاتقه والآخر خلفه، فقال له: ما هذا يا مبارك؟قال: ابني، قال: أتزوجت؟قال: لا ولكن ولدته من الست. فقال: هذا عجب!فقال السندي: وهذا الذي فوق العجب. وقال إسحاق: أتت امرأة حي المدينة تسألها المهراس وزوجها يواقعها فقالت: اطلبي المهراس من ابني فمهراسنا مشغول في الهاون. وحكي أن ابن نوبخت كان له جارية وغلام، فكان إذا خرج أخرج أحدهما معه خشية أن يجتمعا، فلما أعياه الأمر زوج أحدهما الآخر، فكان يتعاطى معهما فقيل له في ذلك فقال: لئن أكشحتهما أحب إلي من أن يكشحاني.

مما جاء في السحق والمساحقات
تفضيل السحق على الجماع:
قالت امرأة لساحقة: ما في الدنيا أطيب من الموز، قالت: صدقت ولكن ينفخ الجنبين. تعني الحبل . وقال الأصمعي: كنت في دار الرشيد فخرج على غفلة فقال: اين الأصمعي؟فمثلت بين يديه فقال: من الذي يقول: ولا تستعملي المردي؟وما أوله؟فقلت هذا شعر لبعض السحاقات بالبصرة وأوله:
ضعي الهن على الهن ... ولا تستعملي المردي
فذا أحلى وذا أشهى ... من القائم كالوتد
فضحك وأمر لي بألف دينار.
تفضيل الجماع على السحق:
قيل لامرأة: ما تقولين في السحق؟قالت: إنه التيمم لا يجوز إلا عند عدم الماء. ونظر رجل إلى جارية على سطح تساحق فرمى نفسه فوقها فقالت: جاء الحق وزهق الباطل.
شاعر:
ألا يا ذوات السحق في الغرب والشرق ... أفقن فإن النيك أحلى من السحق
أفقن فإن الخبز بالأدم يشتهى ... وليس يسوغ الخبز بالخبز في الحلق
أراكن ترقعن الخروق بمثلها ... وأي لبيبٍ يرقع الخرق بالخرق
وقال:
أما والله لو ناجاك ايري ... قبيل الصبح في ظلماء بيت
إذاً لعلمت أن السحق زورٌ ... وأن العيش في ركض الكميت
وذكر السحق لامرأة فقالت: اير أبخر خير من حر مبخر.
نوادر في السحق:
قيل لأبي فرعون: امرأتك تساحق؛فقال: إنها والله تحسن؛قيل: ولم؟قال: لأنه أنقح لشعرتها وأنقى لصحن فرجها، وأحرى إذا ورد عليها الاير ان تعرف فضله. ودخل رجل على جاريته وهي تساحق وحرها رطب فقال: ما هذا؟قالت: ذكرك حري قبيل ما دخلت فبكى!
المعروفات بالسحق:
أول من سنت السحق ابنة الحسن، هويت امرأة النعمان بن المنذر وكانت قد وفدت عليها، فأنزلتها عندها وشغفت بها فلم تزل تزين لها ذلك وقالت: في اجتماعنا أمن من الفضيحة وإدراك للشهوة، فاجتمعتا وبلغ من شغف كل واحدة بالأخرى أنه لما ماتت ابنة الحسن اعتكفت هند امرأة النعمان على قبرها واتخذت الدير المعروف بهند في طريق الكوفة؛وفيها يقول الفرزدق:
وفيت بعهدٍ كان منك تكرماً ... كما لابنة الحسن اليماني وفت هند
سنن السحاقات:
عادتهن أن لا يتناولن ما فيه مشابهة من هز الرجال، فلا يأكلن القثاء والجزر والبانجان لأجل ذنبه، ولا الفالوذج لأنه يتخذ للوالدات منهن، ولا يشربن في الكأس لطوله، ولا يشربن من القناني لعنقها، ولا من الأباريق، ولا يتناولن المراوح لذنبها، ولا يقعدن في مجلس فيه ناي ولا طنبور لعنقه، ولا يأكلن العصب ولا المبعر المحشي، والكبار منهن لا يصلين لأجل الركوع، ولا يتخذن الديوك ولا الحمام لفساده ولا يكتحلن لدخول الميل.
مما جاء في الضراط والفسو
الحث على إرساله:
زعمت الهند أن حبس الضراط داء دوي، وإن إرساله منج، وأنه العلاج الأكبر. وكانوا في يوم اجتماعاتهم ومحافلهم لا يحبسون ضرطة، ولا يسرون فسوة، ولا يرون ذلك عيباً ولا ضحكة.
شاعر:

الريح في الجوف ليس عندي ... له دواءٌ سوى الضراط

وصفه بالشؤم:
روي عن بعض الكبار أن الضراط شؤم، وكلب قوم وقع بينهم ضراط تفرقوا.
شاعر:
ليس التظارف بالتضا ... رط يا سعيد من الفتوه
وإذا تضارط معشرٌ ... هدموا بضرطهم المروه
وقيل لضراط: الضراط شؤم. قال: هو جدير أن أخرجه من بطني. وقيل لآخر أنه يوم التفرق، فقال: لو كان حقاً لما آثر أهل السجن شيئاً عليه. وقيل لماجن: الضراط إثم؟فقال: إن كان الضراط إثماً فالخراء كفر.
الحاذق بالضراط المتكسب به:
جاء رجل إلى المعتصم فقال: ما بلغ من ضراطك؟قال: اضرط ضرطة فأفتق نيفق السراويل. فقال: إن فعلت فلك مائة دينار، وإن عجزت فمائة سوط!ففعل وأخذ المال. وكان رجل يصفق الباب بضرطة، وكان سعيد بن حميد يضرط على إيقاع العيدان.
من يضارطني يضارط موسراً ... يخرج الضرطة كالرعد القصف
وقيل: فلان أضرط من عنز، ومن عير ومن غول.
حبس الضراط وقرقرة البطن:
ضرب يزيد بن المهلب نميرياً فقال: والله لأضربنه حتى يضرط!فقيل: والله لا يرى ذلك أبداً، وإنه كما قال الأعشى:
كتوم الرغاء إذا هجرت ... وكانت بقية قومٍ كتم
وعكسه قال رجل لمخنث: لأضربنك حتى تخرأ، فمن أول سوط لطخ البساط، وقال: ألست تطلب الخراء خذه وخلصني؟وقال رجل لطبيب: في بطني معمعة وقرقرة، فقال: أما المعمعة أعرفها وأما القرقرة فضراط لم ينضج.
ابن مناذر:
بطنك يا عبدي قد قرقرا ... إن صدق الوعد مطرنا خرا
عذر من خرج منه ريح من الكبار وقلة مبالاته:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: العين وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء. وكان أبو عبيد يحدث بهذا الحديث. ويروى أن عمر رضي الله عنه كان يخطب فقال: أيها الناس إني ميزت بين أن أخاف الله وأخافكم، فرأيت خوف الله أولى، ألا وإني قد خرجت مني ضرطة ، وها أنا أتوضأ وأعود. وضرط الحجاج على المنبر فقال: ألا إن كل جوف ضروط. واستدعى بالماء فتوضأ. وكان بالأهواز عامل به صمم فاجتمع إليه أهل عمله وهو يضرط، فكتب إليه كاتبه إنك تضرط ولا تشعر، فوقع له: إننا استكفيناك أمر كتابتك ولم نجعلك محصياً علينا، فتغافل كما تغافل القوم والسلام. غنت مغنية فضرطت فأنشدت:
ضرطت فما أبدعت في الناس بدعةً ... ولم آت أمراً منكراً فأتوب
إذا كانت الأستاه تضرط كلها ... فليس علي في الضراط رقيب
الكميت:
أيا عجباً للناس يستشرفونني ... كأن لم يروا قبلي ضروطاً ولا بعدي
وضرط أبو الأسود عند معاوية فقال: اكتمها على يا أمير المؤمنين!قال لك ذلك فلما اجتمع عنده ناس قال: أعلمتم أن أبا الأسود ضرط آنفاً؟فقال أبو الأسود: إن من لم يؤتمن على ضرطة لحري أن لا يؤتمن على أمر الأمة.
نوادر من خرجت منه ضرطة في محفل:
صلى الدلال المخنث في جماعة فضرط في الصلاة فرفع رأسه وقال: سبح لك أعلاي وأسفلي!فضحك كل من في المسجد. وقال العتابي: كنت أمر في طريق فتقدمتني امرأة فاستعجلتها فضرطت فقلت: سبحان الله!فقالت: سبحت في غل وقيدين يا بغيض يا مقيت يا بارد لماذا لا تسبح؟قطعت عليك الطريق، شتمت لك عرضاً امض لا مصحوباً ولا محفوظاً، فما زالت تقول حتى خجلت كأني ضرطت!وقال أبو النواس: مرت امرأة في طريق فضرطت، فقلت: أتبيعين هذا الحمام الراعبي؟فقالت: لا ولكن إذا فرخ أطعمناك من فراخه. وحضر التنوخي نادياً فقام وحبق حبقة فضحك القوم فأنشأ
إذا نامت العينان من متيقظٍ ... تراخت بلا شكٍ مشاريخ فقحته
فمن كان ذا عقلٍ تناسى ضراطه ... ومن كان ذا جهلٍ ففي وسط لحيته

وكان رجل يقدر بناء فقال: يبنى ههنا كذا ويبنى ههنا كذا ثم وقف في مكان فضرط فقال: مهما شككت فلا اشك ان هذا موضع كنيف. ثم صور صورته. وورد أهل أصبهان على خليفة يشكو إليه آفة سنة وانقطاع غلة، فضرط في أثناء الكلام، فقال: وهذا أيضاً من آفات السنة، فوالله يا أمير المؤمنين ما تعودته إلا في موضعه!وكان أعرابي يكلم رئيساً فضرط، فالتفت إليه فقال: خلف نطق خلفاً، ألم أقل لك إذا رأيت إنساناً يتكلم فاسكتي؟وضرط شيخ في مجلس فقال: وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. ولما وقع مسيلمة على سجاح ضرطت فقال: ما هذا؟قالت: هذا من ثقل الوحي.
من عذر ضارطاً وسكن منه:
كلمت امرأة هشام بن عبد الملك في حاجة فضرطت، فسكتت وخجلت!فقال: تكلمي ولا تستحي فما سمعت هذا من أحد أكثر مما سمعته مني. وكان لمطيع بن إياس جليس فضرط، فغاب أيماً خجلاً فكتب إليه:
أمن قلوصٍ عدت أظهرت مقليةً ... وغبت عنا زماناً لست تغشانا
خفض عليك فما في الناس ذو إبلٍ ... إلا وأينقه يشردن أحيانا
وحضر بعض الفقهاء مجلس الصاحب فضرط فاشتد خجله، فقال الصاحب:
قل لابن دوشاب: لا تخرج على خجلٍ ... من ضرطةٍ أشبهت ناياً على عود
فإنها الريح لا تستطيع تحبسها ... إذ أنت لست سليمان بن داود
وله:
ابا الحسن الخضيري اغتفرنا ... ضراطك ما على استك من جناح
فلا تذهب على خجلٍ وعاود ... فبعض القول يذهب في الرياح
وكان ازادمر عند الحجاج يشكو إليه فساد غلته، فبدرت منه ريح، فخجل وأراد الحجاج أن يبسطه فقال: قد وضعت عنك الخراج، فهل من حاجة أخرى؟قال: نعم، والتفت فرأى أعرابياً يقدمه الحجاج للقتل فقال: تهبني هذا الأعرابي؟قال: قد وهبته لك فخذه، فخرج الأعرابي وجعل يقبل استه ويقول: بأبي استك التي تحط الخراج وتخلص الأسرى من القتل. وضرط حمدون بن إسماعيل بين يدي المتوكل فاستحيا وقال: ضرطت، فقال المتوكل: ما سمعت.

اعتذار ضاحك من ضارط:
كان ابن الرومي في مجلس فضرط بعض الحاضرين فضحك، فغضب الضارط وشتمه فأنشد:
بليت بفلتةٍ فضحكت فلته ... فلا تغضب كلا الأمرين بغته
ولي فضلٌ عليك لأن فعلي ... بغير أذى عليك فلم كرهته؟
أتسمعني الأذى وتسيمنيه ... وتجشمني رضا ما قد فعلته؟
وتغضب عن ضحكت بغير عمدٍ ... ولم تسمع أذاي ولا سمعته!
المعير بضرطة بدرت منه:
تعير عبداً لقيس بذلك، وذلك أن رجلاً من ايار خرجت منه ريح، فعير بذلك فقام بسوق عكاظ وقال: من يشتري عار الفسو ببردي حبرة؟فقام عبقسي فقال: أنا، فقال له قومه: جئتنا بعار الدهر!وحضر جنيد بن عبد الله عند مسلمة فزحف إلى المائدة فضرط فقال: كل جوف أضرط، فقال مسلمة: إنك عودته في الخلا فضحك في الملأ، وروي ذلك عن أمير المؤمنين رضي الله عنه. وتزوج قطني امرأة فضرط عندها يوماً وهو يشرب، فتمثل بقول الشاعر:
إن كنت ساقيةً يوماً على ظمإٍ ... صفو المدامة فاسقيها بني قطن
فقالت: وهذه أسقيها بني قطن، فخجل وطلقها. ودخل أعرابي على المساور الضبي وهو في عمله بالري فسأله وألح عليه، فسعل المساور فضرط، فجذب سفطه، وقال لكاتبه: غلطنا في الحساب، فقال الأعرابي:
أتيت المساور في حاجةٍ ... فما زال يسعل حتى ضرط
وحك قفاه بكرسوعه ... ومسح عثنونه وامتخط
وقال: غلطنا حساب الخراج ... فقلت: من الضراط جاء الغلط
وأمسكت عن حاجتي رهبةً ... لأخرى تقطع شرج السفط
وقال:
وما في الضرط للاستاه ذنبٌ ... إذا كانت توسع بالايور
آخر:
دخلت وهباً في حشاه قد كمن
وهب وهو صاحب البريد وكان في مجلس الوزير عبيد الله بن خاقان فضرط، فأكثر الشعراء القول فيها، وكان راكب يسير وبين يديه جمل عليه كمثرى فقال رجل استقبله: إن الكمثرى تهيج الريح، ومد يده ليأخذ واحدة فضرط فقال: ما رأيت شجرة أثمرت قبل أن تغرس غيرها. ودفع الفتح بن العميد إلى ابن الحجاج قول الشاعر:

ولما التقينا لجلجت في حديثها ... ومن آية الحب الحديث الملجلج
فقال:
ولما التقينا لجلجت في ضراطها ... ومن آية السرم الضراط الملجلج
ألا أيها الأستاذ دعوة شاعرٍ ... طريقته في السخف لا تتبهرج

التعريض بمن خرجت منه ضرطة فقدر أنها لم تسمع:
اضطجع رجل في مجلس فيه مزيد فضرط فضحكوا، وثنى فقال مزيد: نبهوه قبل أن يأتي بظلمة، فنبه فقال: كنت في أطيب نومة رأيت كأني صدت ديكين ألعب بهما، فقال مزدي: صدقت قد زقيا وسمعنا. ودخل بعض الكتاب حماماً بأصبهان وقدر أن ليس فيه أحد، فضرط ضرطة صياحة وقال: ما أطيب الضراط في الحمام!وكان ثم المعروف بابن الهذرة فسعل بعد ضراطه بساعة فقال: إذا خرجت فألقني قبل كل أحد، فدخل عليه فكتب له رقعة بخمسة أقفزة حنطة، زدني، فقال: أخزاك الله فقد صار ذلك نادرة.
لغز فيها:
ومولودةٍ لم تدر ما الطمث أمها ... وليس لها زوجٌ ولا تتحرك
يقهقه منها القوم من غير رؤيةٍ ... ووالدها من عارها ليس يضحك
ابن الرومي:
ماهنة عمت بني آدم ... فعير الناس بها الناسا
يعتمد العامد إتيانها ... فلا يرى الناس لها باسا
حتى إذا جاء بها فلته ... نكس من أصواتها الراسا
الضراط على الغير على سبيل التهكم:
الصاحب:
قل لابن حمزة يمسح ... بكفه عارضيه
فقد قرأت بجدر والمرسلات عليه
وقال:
وضرطةٍ مرعدةٍ مبرقه ... يحملها سرمٌ إلى عنفقه
مسحتها الشيخ ابا جعفرٍ ... وبعدها من سلحتي ملعقه
وقال:
ولحيةٍ طويلةٍ عريضه ... الضرط في أمثالها فريضه
الفساء:
دخل أعرابي الحمام في البصرة وكان يفسو، فأنكر القيم عليه فقال: الحلقة لي والريح لله يرسلها، فدع عنك أن للاست نمة وللأنف شمة، وليس كل ما تلقاه حبيباً ولا كل ما تشمه طيباً. وقيل: هو أفسى من الظربان، وذلك أنه يفرق بين الإبل بفسوه ويأتي حجر الضب فيفسو عليه فيأكله، ويقولون: هو أفسى من الخنفساء. ولبعضهم:
ولي صاحبٌ أفسى البرية كلها ... يشككني فوه إذا ما تنفسا
تحولت الأنفاس منه إلى استه ... فما أحدٌ يدري تنفس أم فسا
وقال:
لله در عصابةٍ نادمتهم ... من كل خرقٍ في بيوت بلال
باتوا موترةً علي قسيهم ... يرمونني رشقاً بغير نبال
يرمون نبلاً من رياح بطونهم ... هطلت مقاتلةً لغير قتال
سئل ابو حفص الوراق في بعض مداعباته: ما بال الفسو لا يبقى والطيب يعلق ويبقى؟فقال: إن للباطل جولة ثم يضمحل وللحق دولة لا ينخفض ولا يذل. وقال بعض القصاص: اشكروا الله فقيل: شكر الله على ماذا؟قال: تفسون فتذهب عنكم رائحته، وتتبخرون فتعلق بكم فائحته، أليس هذه نعمة من الله صافية؟
التخري على سبيل التلاعب:
تقايأ رجل على أبي الصلت فقال: ويحك ما هذا؟قال: جاشت نفسي!فقام وخرأ عليه فقال: ما هذا؟قال: جاشت استي. عبد الصمد بن بابك:
ولحيةٍ للمختلي ... خبأتها في أسفلي
حتى إذا ما اختضبت قلت لها: تنطلي
ابن الحجاج:
إن كنت تأذى نداني ... فر يشر باب كوني
وكنت داني بناجي ... فهاتها في البطون
وقال:
لو تمنيت أن أبلغ حالاً ... لتمنيت ساحةً في سبالك
وروي في مداعبات لأبي الفضل بن العميد، وكان عنده بعض من يخلع العذار في مداعبته، فتناول طاقة شعر من لحيته وقال: خذها يا فلان ودسها في استك حتى إذا قلت: لحيتك في استي كنت صادقاً.
ويقرب منه لزيتور بن أبي حماد:
كتبت على حر أم أبي نواس: ... أباجاد وهواز وحطي
وصيرت الختام عليه ايري ... فإن هم غيروه عرفت خطي
الحد السابع عشر
في خلق الإنسان
الخلقة المستحسنة عند العرب:
قيل لأعرابي: ما الجمال؟قال: ضخم الهامة وطول القامة، ورحب الشدق وبعد الصوت، ومما دل على حمد عظم الرأس ما قال جالينوس: إن الصغير الرأس لا عقل له. وسئل آخر فقال: غور العينين وإشراف الحاجبين ورحب الشدقين، وقال:

وصلع الرؤوس عظام البطون ... رحاب الشداق طوال القصر
وقالت امرأة خالد له: إنك لجميل؛فقال: كيف تقولين ذلك وفي عمود الجمال ولا رداؤه ولا برنسه؟إن عموده الطول ورداؤه البياض وبرنسه سواد الشعر وأنا قصير أسود أشمط، ولكن قولي إنك مليح.

الخلقة الدالة على النجابة أو غيرها:
دخل أعرابي على محمد بن سلمان فقال: أكان لك ولد؟قال: نعم المخش!قال: وما المخش؟قال: خرطمانياً أشدق، إذا تكلم سال لعابه، ينظر بمثل فلسين، كأن صدره كركرة بعير وكأن ترقوته خالفه، فقأ الله عيني إن رأيت قبله أو بعده مثله!وقال رجل لسنان بن سلمة: ما أنت بأرسخ فتكون فارساً ولا بعظيم الرأس فتكون سيداً.
شاعر:
تقلب رأساً لم يكن رأس سيدٍ ... وكفاً ككف الضب أو هي أحقر
وقال الزبرقان: أبغض صبياننا الأقيعس الذكر الذي كأنما يطلع في حجر، وإذا سأله القوم أين أبوك هر في وجوههم، وأحب صبياننا الطويل الغرلة أي جلدة الذكر، السبط الغرة العريض الورك الأبله الغفول الذي يطيع عمه ويعصي أمه. إن سأله القوم أين أبوك قال معكم.
الموصوف بحسن الوجه وإشراقه:
فلان كأنه شهاب في ظلمة الليل ساطع وكوكب في أفق السماء لامع.
ابن عبدل الأسدي:
وكأنما نظروا إلى قمرٍ ... أو حيث علق قوسه زحل
ابن العنقاء:
كأن الثريا علقت فوق نحره ... وفي أنفه الشعرى وفي وجهه القمر
أوس بن حجر:
تجرد في السربال أبيضٌ ناصعٌ ... مبينٌ لعين الناظر المتوسم
آخر:
تراه كالبدر جلىً ليلة الظلم
ابن الرومي:
كأنه الشمس إذ وافى المنيف بها ... على البرية لا نارٌ ولا علم
الموصوف بالقبح:
يقال: أقبح من القبيحة في عين ضرتها، كما يقال: أحسن من الحسناء في عين أمها، وأقبح من زوال النعمى وفوت المنى وطلعة الردى وأسمج من واو عمرو.
شاعر:
ووجهك من وجه يوم الفرا ... ق في مقلتي عاشق أقبح
لما سمع بشار قول حماد عجرد فيه:
شبيه الوجه بالقرد ... إذا ما عمي القرد
بكى وقال: ألم يكفه تشبيهي بالقرد حتى جعله أعمى؟وهو يراني فيصفني ولست أراه فأصفه!وقال المتنبي:
وإذا اشار محدثاً فكأنه ... قردٌ يقهقه أو عجوزٌ تلطم
وقيل أقبح من العزلى ومن زوال النعمة ومن الحدثان ومن سنة بلا نيل. ووقع بين الأعمش وبين امرأته وحشة، فسأل بعض أصحابه أن يرضيها ويصلح بينهما فدخل عليها وقال: إن أبا محمد شيخنا وفقيهنا فلا يزهدنك فيه عمش عينيه وحموشة ساقيه، وضعف ركبتيه وقزل رجليه ونتن إبطيه وبخر شدقيه، فقال الأعمش: قم عنا قبحك الله فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه وتبصره.
ابن الرومي:
يفزع الصبية الصغار به ... إذا بكى بعضهم فلم ينم
يقال: هو قراعة في قراح وخراة في مستراح. وجيء بعيار إلى بعض الكبار فقال لغلامه: الطم حر وجهه. فقال: يا سيدي ليس لوجهه حر لأنه كان قبيحاً.
آخر:
وجهٌ قبيحٌ حامضٌ ... لو عضه الكلب ضرس
المعرض بقبح غيره:
رأى خالد بن صفوان الفرزدق فقال: يا أبا فراس ما أنت بالذي لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن، فقال له: ولا أنت بالذي قالت الفتاة لأبيها يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. أخذ رجل من لحية آخر شيئاً فلم يدع له فغضب فقال: لا تغضب فما منعني أن أقول صرف الله عنك السوء إلا خوفاً أن يصرف عنك وجهك، فإن السوء كله فيه. وقيل لرجل: كيف رأيت فلاناً؟فقال: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً. وقال رجل للفرزدق: ما أقبح وجهك!كأنما خلق من أحراح!فقال: انظر هل ترى حر أمك فيه؟ونظر رجل قبيح وجهه في المرآة فقال: الحمد لله الذي أحسن خلقي!فقال مخنث: أم من يبهت ربه زانية!وقال أبن مكرم لأبي العيناء: يا قرد!فقال: وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه.
القبيح المتغازل:
إسماعيل القراطيسي:
جاريةٌ أعجبها حسنها ... ومثلها في الناس لم يخلق
قلت لها: إني محبٌ لها ... فأقبلت تضحك من منطقي
فالتفتت نحو فتاةٍ لها ... كأنها الربرب في القرطق
قالت لها: قولي لهذا الفتى ... انظر إلى وجهك ثم اعشق
ابن الرومي:

أقبح بوجه أبي فحصٍ وعفته ... هذان أمران لا والله ما اجتمعا
وقال:
تيسٌ تنفق بالدلال ليشتهى ... فازداد مقتاً بالدلال ومن نفق
فكأنه من يبسه وسواده ... محراك تنورٍ تلوى فاحترق
وقيل للحظوة: أين تذهبين؟قالت: أقارن القباح.

المستقبح وجه نفسه:
نظر أبو شراعة في المرآة وكان قبيحاً فقال: الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه سواه!ونظر بعضهم في المرآة وكان جدر فبدل خلقه فقال: الحمد لله الذي خلقني فأحسن خلقي ثم بدله وشوهني، فأخذه سعيد ابن نوقة فقال:
قد كان ربي سوى خلقه فطغى ... فأحسن الله في تشويه خلقته
الحطيئة:
أرى لي وجهاً قبح الله خلقه ... فقبح من وجهٍ وقبح حامله
المعتذر بقبحه:
قيل لحكيم: ما أقبح صورتك. فقال: ليس حسنك إليك فتحمد عليه، ولا قبحي إلي فأعاتب عليه، إنما ذلك صنع الباري تعالى من ذمه كفر.
ذم المجدور:
شاعر:
ووجهه بخرا الذبان منقوش
ويقال: كأنما ينظر من كرش. قال أبو جعفر: كنت أدور مع الصاحب فنظر إلى باب قلعت مساميره فقال:
وجه أبي جعفرٍ تصاويره ... كالباب إذا قلعت مساميره
ابن طباطبا:
لنا صديق نفسه ... في مقته منهمكه
ذو جدريٍ وصفه ... يحكيه جلد السمكه
وهي أبيات كثيرة ذات أوصاف.
الموصوف بحسن الأنف:
وصف رجل قوماً بالشمم فقال: ترد أنوفهم الماء قبل شفاههم.
شاعر:
شم الأنوف من الطراز الأول
الأنف القبيح:
خطب رجل قبيح الأنف امرأة فقال: عندي احتمال للمكروه ووفاء عظيم. فقالت: ما أشك في احتمالك للمكروه لأنك تحمل هذا الأنف أربعين سنة. كأن أنفه كنيف مملوء شسوعاً. بعض المحدثين:
بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
الممدوح بطول القامة:
شاعر:
كأن زرور القبطرية علقت ... علائقها منه بجزعٍ مقوم
ابو نواس:
اشم طويل الساعدين كأنما ... يناط نجاداً سيفه بلواء
آخر:
يمد ركابيه من الطول ماتح
عمرو الباهلي:
يطول على الرمح المديني قامةً ... ويقصر عنه باع كل نجاد
وفد على معاوية وفد الروم وفيهم رجلاً لم ير أتم خلقاً منه وكتب ملك الروم: مما فضل به الروم على العرب هذه الجسوم. فأحضر له قيس بن عبادة فرمى إليه سراويله فقال:
أردت لكيما أعلم القوم أنها ... سراويل قيسٍ والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيسٌ وهذه ... سراويل عادٍ قد نمته ثمود
المذموم بالطول:
هو ظل الرمح وظل النعامة وظل الشيطان للمنكر الضخم، وأطول من السكاك أي الهوى.
ابن الرومي:
من رأيتم بعد طالو ... ت له علمٌ وجسم
وقد مدح الله تعالى طالوت بقوله: " وزاده بسطة في العلم والجسم " .
نوادر في القصر:
وقف رجل طويل على بائع رمان فقال له: اقعد وانظر فلو نظرت من ههنا إلى بطيخة لم ترها الأعفصة. كان قصار يعمل كل يوم على نهر ويرى كركياً يأخذ الدود فيأكله، فرأى الكركي صقراً قد انحط على حمامة فأخذها بمخالبه، فقال الكركي: أنا أعظم جسماً منه فمالي رضيت بأكل القاذورات، فرأى حماماً فانقض عليه فوقع في الماء ونشب في الوحل، فأخذه القصار فكان يقول لمن يسأله عنه: هذا كركي تصقر فتصغر.
المذموم بالقصر:
أقصر من إبهام القطاة ومن فتر الضب ومن إبهامه ومن إبهام الحبارى.
شاعر:
رأيت خليلي من تقارب شخصه ... يعض القراد باسته وهو قائم
الناجم:
ألا يا بيدق الشطرنج ... في القيمة والقامه
لقد صغر منك الكل ... غير الدبر والهامه
وقال:
أقصر من يأجوج في دقه ... وقرفه أطول من عوج
عباس المصبصي:
يقطع دواجاً له سابغاً ... وريقة من ورق التوت
وقال:
كأنه البرغوث لم يخطه ... في صغر الجثمان والقرص

ويوصف القصير بالمكر والخبث. قيل: إن كسرى جلس للمظالم فتقدم إليه رجل قصير فأخذ يصيح: أنا مظلوم، وهو لا يلتفت إليه. فقال الموذبان: أنصفه!فقال إن القصير لا يظلمه أحد؛فقال الرجل: إن الذي ظلمني هو أقصر مني؛فضحك وأشكاه. وقيل إن سقراط قال: لا تجوز شهادة الأحدب والقصير، وأن تزكيا لخبثهما. فقيل: ولم خبثا؟قال: لقرب دماغيهما من فؤاديهما. كان يوسف بن عمر عامل هشام على العراق قصيراً وكان إذا خاط الخياط له ثوباً فقال له تحتاج إلى خرقة لأن تفصيل الأمير طويل يعطيه ما يريد، وإذا قال يكفيك أو يفضل يضربه ويشتمه.

المعتذر للقصر:
قال المهلب لرجل: ما أصغرك وأقلك!فقال: إن كثر عقلي فما تضرني قلتي، وإن طال زهدي فما يعيبني قصري. ولما استحضر النعمان ضمرة بن ضمرة قال: إن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال: كلا، الرجال ليسوا بجزر إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، إن نطق نطق ببيان وإن قاتل قاتل بجنان.
وما عظم الرجال لهم بفخرٍ ... ولكن فخرهم كرمٌ وخير
الممدوح بالخفة والمعتذر للنحافة:
فتىً قد دق السيف لا نتضائلٌ ... ولا رهلٌ لباته وبآذله
الأشجعي:
وإني على ما تزدري من نحافتي ... تزيد موازيني على الرجل الضخم
آخر:
بدنٌ ناحلٌ وعزمٌ جسيم
حاتم:
تراني كأشلاء اللجام ولا ترى ... أخا الحرب إلا ساهم الوجه أغبرا
ابن نباتة:
إن كان يؤتى فؤادٌ من نحافته ... فإن قلبي لا يؤتى من الخور
آخر:
لا تجزعن من الهزال فطالما ... ذبح السمين وعوفي المهزول
وقيل لأعرابي: ما أنحفك!فقال: سوء الغذاء وجدب المرعى وتناجي الهموم في صدري.
ذم السمن:
قيل: السمنة عقلة. ونظر عمر رضي الله عنه إلى رجل بادن فقال: ما هذا؟قال: بركة الله. فقال: بل سخطه، ثم قال: إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة ونتن في الممات. ورأى حكيم رجلاً سميناً فقال: ما أكثر عنايتك برفع سور جسمك!وقال الشافعي: ما رايت سميناً ذكياً إلا محمد بن الحسن.
ابن الرومي:
ليس بالراجح من رجحانه لحمٌ وشحم
من رأيتم بعد طالو ... ت له جسمٌ وعلم
وقال:
أمير كله شحمٌ ولحمٌ ... وليس وراءه علم ٌ وفهم
وقال بعضهم: محال أن يكون روح خفيف في جسم كثيف.
كشاجم:
كأنما قدامه بطنه ... راويةٌ قد نقصت دلوا
السبب المسمن:
قيل لسمين: أي شيء أسمنك؟فقال: أكلي الحار وشربي القار وإتكائي على اليسار، وأكلي من مال كل ذي يسار. ولآخر: لاتكائي على شمالي والأكل من غير مالي. وسئل آخر فقال: قلة الفكرة وطول الدعة والنوم على الكظة. وقيل لمحبوس فقال: القيد والرتعة.
ومن يكن جار الأمير يسمن
أعسر أيسر:
حضر أبو العيناء علوية المغني وكان يضرب بالعسر فقال: اسأل الله الذي جعل السرور بيسارك أن يعطيك كتابك بيمينك.
ذم القلح:
قال صلى الله عليه وسلم: ما لكم تدخلون علي قلحاً؟استاكوا وقال: نظفوا أفواهكم إنها ممر القرآن.
جرير:
كأن مقالع أضراسهم ... إذا ضحكوا جيف الخنفس
عبد الصمد:
إذا افتر أبرز قلح الأصول ... كما كشر العير للنهقه
عبدان:
ومن رأى من شيخهم ... أبدانه ومقشره
تجيش منه نفسه ... حتى يقيء العذره
ذم البخر:
شكا أبخر ضرسه ففتح فاه للطبيب، فشم منه رائحة كريهة فقال له: مر كناسك يكنسه فهذا كنيف!وقيل: اشترى رجل أبخر جارية فسأله صالح الخياط عن خبرها فقال: ما زالت تمص البارحة لساني؛فقال: أن صدقت فإنها بنت وردان. وكان عبد الملك يسمى أبا الذباب لأن الذباب كان يسقط إذا قرب من فيه. وسار سعيد بن حميد رجل به بخر فقال: مثلك لا يسار وإنما يكاتب.
ابن المعتز:
وإن امرءاً يقوى على لثم ثغره ... على الضغط والتعذيب في قبره ويقوى
وقال:
كلمتني فقلت خرأ وخيراً ... جعل الله بين فكيك دبرا
وقال:
إنما نحن في كنيفٍ إذا ما ... جمع الريق والخرا في مكان
وقالت امرأة:
فما جيفة الخنزير عند ابن مقربٍ ... قتادة الأريج مسكٍ وغاليه

علة طيب الفم والبخر:
قيل: من كثر ريقه وسال لعابه لا يعرض له الخلوف. ولذلك كانت الكلاب أطيب أفواهاً. ويعرض بانطباق الفم الخلوف. وأطيب الناس أفواهاً الزنج. والأسد والصقر موصوفان بالبخر.
طيب الرائحة:
شاعر:
الطيبون ثياباً كلما فرقوا
وقيل: أطيب ريحاً من المسك ومن نفخة النسيم.
نتن الإبط والجسد:
شاعر:
وإبطك قابض الأرواح يرمي ... بسهم الموت من تحت الثياب
الخبزارزي:
وكأن ريح صنانه من نتنه ... في أنف باكيةٍ سعوطٌ ينشق
وقيل لمخنث: لم كان الإبط أنتن الأعضاء؟قال: لأنه كان فقحة فنورت.
ؤيحه ريح كلابٍ ... هارشت في يوم طل
وكأن الريق منه ... طعم صحناةٍ بخل
الخياط الشامري:
يا رحمتي لبخوره من نتنه ... كم في الكنيف يضيع ريح العنبر؟
وقيل: أنتن من ريح الجورب.
الشاكي ضعف بصره:
شاعر:
أشكو إلى الله أهوالاً أكابدها ... إذا سرى القوم لم أبصر طريقهم
تسلي من كف بصره:
وقيل لرجل قد ذهب بصره: قد سلب حسن وجهك. قال: لكني منعت النظر إلى ما يلهي وعوضت الفكرة فيما يجدي، فحكي ذلك لبعض البلغاء فقال: العفاء على التعزي إلا بمثل هذا الكلام. وقال لجنيد : حضرت أبا علي الأشناني وكان ضريراً فقرأ قارئ: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فقال: سقط عني نصف العمل. أبو يعقوب الجريمي:
فإن تك عيني خبا نورها ... فكم مثلها نور عينٍ خبا
ولم يعم قلبي ولكنما ... أرى نور عيني إليه سرى
محصن بن كنان:
يقولون: ماء طيب خان عينه ... وما ماء عينٍ خان عيناً بطيب
ولكنه أزمان أنظر طيب ... بعني قطاميٍ على ظهر مرقب
كأن ابن حجلٍ مد فضل جناحه ... علي بإنسانيهما المتغيب
نوادر العميان في عماهم:
كان أعمى يقول: ارحموا ذا الزمانتين. فقيل: ما هما؟قال: العمى وقبح الصوت أما سمعتم؟
فبي عيبان إن عدا ... فخيرٌ منهما الموت
فقيرٌ ما له قدرٌ ... وأعمى ما له صوت
وقال المتوكل يوماً لجلسائه: لولا ذهاب بصر أبي العيناء لجعلته نديمي!فقال أبو العيناء لما بلغه ذلك : إن كان يريدني لقراءة نقش الخواتم وقراءة الأهلة لم أصلح؛فضحك واتخذه نديماً. وقال معاوية لابن العباس رضي الله عنهما: إنكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم!فقال: وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم!وقيل لبشار: ما أذهب الله عيني امرئٍ إلا عوضه عنهما فما الذي عوضك؟قال: أن لا أرى مثلك!وسأل رجل بشاراً عن دار فهداه إليها فلم يكن يهتدي فقال:
أعمى يقود بصيراً لا أبالكم ... قد ضل من كانت العميان تهديه
وتزوج أعمى امرأة فقالت: لو رأيت بياضي وحسني لعجبت!فقال: اسكتي فلو كنت كما تقولين لما تركك البصراء لي. وقيل: الأعمى مكابر والأعور ظلوم والأحول تياه. وقيل في أعمى يدعي العور:
أعمى يدلس نفسه في العور
وقال أعمى لآخر: فلان أقل حيلة من البصير، فعندهم البصراء قليلو الحيلة.
العور:
أصاب أعور أرمد فقال: يا رب ليس محله. وكتب الصاحب في أعور يريد ان يثبت اسمه في العميان: هذا الفتى قد جبر عور عينه بعمى قلبه، فألحقه بالعميان والسلام. وقيل لأعور: ما أشد العمى!قال: عندي نصف الخبر وقيل لأعور: أعمى الله عينك!قال: قد أجيبت نصف دعوتك. وأصاب حجر عين أعور الصحيحة فوضع يده عليها وقال: أمسينا وأمسى الملك لله. وتجارى قوم في مجلس فقال أحدهم: من كان أعور فهو نصف رجل، ومن لا يحسن السباحة فهو نصف رجل، ومن لا يتزوج فهو نصف رجل. وكان معهم رجل اجتمعت فيه هذه كلها فقال: إني أحتاج إلى نصف رجل حتى أكون لا شيء. وقال أعور في نفسه وصاحب له أعور:
ألم ترني وعمراً حين نغدو ... إلى الحاجات ليس لنا نظير
أسايره على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجلٌ ضرير
ومثله:
هي عوراء باليمين وهذا ... أعور بالشمال وافق شنا
بين شخصيهما ضريرٌ إذا ما ... قعدت عن شماله تتغنى
ما قيل في الحول:

خرج هشام فتلقاه أعور فقال: إني تشاءمت بعورك، فقال له الرجل: شؤم الأعور على نفسه، وشؤم الأحول على الناس. وكان هشام أحول فخجل. وعرض على أمير أثواب خز وفي المجلس أعور وأحول فقال الأعور للأحول بهذا الثوب عيب؛فقال: يا صفعان إن بصرك بعين واحدة أحد من بصري بعينين؛فقال الأعور: دريهم جيد خير من درهمين مزيفين. وفي وصف أحول:
ونجمين في برجين هادٍ وحائر ... متى طلعا حل الكسوف بواحد
لهذا على التقدير قوة زهرة ... وفي ذا على التشبيه ظرف عطارد
إذا أفل الهادي ووافاه برجه ... تراءى لنا المكسوف في زي قاصد
من الأنجم اللاتي جرت في بروجها ... ولم تدر ما معنى نجوم الفراقد

الصمم:
قال المأمون لليزيدي: لم نرك منذ أيام؛فقال: حصل في سمعي ثقل فأنا أتعبك الآن إفهاماً واستفهاماً. فقال: الآن طبت أن تكون معنا ما شئنا أسمعناكه وما احتشمنا فيه أسررناه عنك، فأنت غائب شاهد. وانصرف أطروش من الحلبة فلقيه رجل فقال: هذا الرجل يسألني الآن من أين فإذا قلت له من الحلبة فيقول من سبق؟فأقول الخليفة بالأدهم. فلما دنا الرجل سلم على الأصم فقال من الحلبة فقال: نكت أمك. قال: بالأدهم. وصلى أطروش بجنبه أبخر فلما سلما قال له الأبخر: أسها الإمام؟قال: لا بل فسا ألم تشم؟
عظم الأذن وصغرها:
قيل: طول الأذن دليل على طول العمر. وقدم رجل للقتل وكان طويل الأذن فقيل له: أليس زعموا أن طول الأذن دليل طول العمر؟فقال: لو تركوني لطال ولكن حالوا بيني وبينه. وأحضر رجل طويل للقتل فجعل يلمس أذنيه ويقول: واضياع أمله وانقطاع رجاه.
الحدب:
قال الجاحظ كمن اعتراه الحدب طال ايره واشتد شقه وكثر خبثه وظرفه. وأتى بعض الولاة بأحدب جنى جناية فقال: لأضربنك ضرباً يقيم ظهرك!فقال: إنك إذاً لعظيم البركة!وقال شاعر:
تعدو الجياد بخالدٍ ... فكأنما تعدو بقربه
تيسٌ أنب من التيوس ... كأن لحيته مذبه
العرج:
بشر:
إذا غدوا وعصي الطلح أرجلهم ... كما ينصب وسط البيعة الصلب
وقال:
قد كنت أمشي على رجلين معتدلاً ... فصرت أمشي على رجلٍ من الشجر
وقال:
وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلاً أقيم بها رجلي
الغساني:
إذا ما تعدت بي وسارت مخفة ... لها أرجلٌ يسعى بها رجلان
وما كنت من فرسانها غيرأنها ... وفت لي لما خانت القدمان
الاعتذار من سواد اللون ومدحه:
عبد بني الحسحاس:
إن كنت عبداً فنفسي حرةٌ كرماً ... او أسود اللون إني أبيض الخلق
وقال:
وما ضر أثوابي سوادي وتحته ... لباسٌ من العلياء بيضٌ نبائقه
المتنبي:
فدى لأبي المسك الكرام فإنها ... سوابق خيلٍ يهتدين بأدهم
وقيل لنصيب: أيها العبد الأسود، فقال: أما العبودية فإني ولدت حراً وأما السواد فأنا كما قال:
فإن يكن حائلاً لوني فإني ... لعقلٍ غير ذي سقطٍ وعاء
هجاء السودان:
كشاجم:
يا مشبهاً في لونه فعله ... لم تعد ما أوجبت القسمه
ظلمك من خلقك مستخرجٌ ... والظلم مشتقٌ من الظلمه
وهو مأخوذ من قول حكيم. وقيل له: ما تقول في السود؟فقال: خيره كلونه. وسال المتوكل رجلاً: لم ملت إلى السودان؟قال: لأنهن أسخن. فقال عبادة وكان حاضراً: نعم للعين. وقال جرير في أسود عليه ثوب أبيض:
كأنه لما بدا للناس ... اير حمارٍ لف في قرطاس
نوادر في السودان:
رأى مخنث زنجياً يفجر برومية فقال: يولج الليل في النهار. ورأى زنجياً يبكي فقال: كأنه مطبخ يكف. ورأى سوداء متخمرة بأصفر فقال: كأنها فحمة في رأسها نار.
البرص:
كان جذيمة أبرص فكني عنه بالأبرش. ودخل عامر بن مالك وكان عم لبيد وكان شيخاً على النعمان فعبث به الربيع بن زياد وأضحك منه الحاضرين، فخجل الشيخ وانصرف، وشكاه إلى لبيد فقال: دعه لي، فدخل على النعمان وهو يؤاكل الربيع فقال:
مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه
فقال النعمان : لمه؟فقال:
إن استه من برصٍ ملمعه ... وأنه يدخل فيها إصبعه

يدخله حتى يواري أشجعه ... كأنه يطلب شيئاً ضيعه
فأمسك النعمان ولم يأذن له بعد ذلك، فأرسل إليه يقول: إنه كاذب فأرسل من يفتشني، فقال النعمان:
قد قيل ما قيل إن حقاً وإن كذباً ... فما اعتذارك من قولٍ إذا قيلا
وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: إن كنت كاذباً فرماك الله ببيضاء لا تواريها العمامة، فصار به برص، وجلس عمر بن هذاب للشعر فأنشده طريف بن سوادة أرجوزة فيه حتى انتهى إلى قوله:
أبرصٌ فياض اليدين أكلفٌ ... والبرص أندى باللها وأعرف
وكان عمرو أبرص فثار به بعض حاضريه: اسكت قطع الله لسانك!فقال عمرو: مه إن البرص من مفاخر العرب، أما سمعت ابن حينا يقول:
لا تحسبن بياضاً فيه منقصةٌ ... إن اللهاميم في أقرابها بلق
وقال جرير:
كأن بني طهية رهطٍ سلمى ... حجارة خارئٍ يرمي كلابا
لها برصٌ بأسفل اسكتيها ... كعنفقة الفرزدق حين شابا
ويقال: لما أنشد صدر البيت وضع الفرزدق يده على عنفقته علماً بما يؤول إليه صدر البيت.

القمل:
كان أعرابي يفلي كساءه فيأخذ البراغيث ثم يدع القمل فقيل له فقال: ابدأ بالفرسان وأكر على الرجالة. ورأى فيلسوف قملة تدب في رأس أقرع فقال: هذا لص في خربة. وقال أبو نواس:
لله درك من أخي ... قنصٍ أظافره كلابه
رؤي أعرابي يأكل ويخرأ ويتفلى فقيل له في ذلك فقال: اخرج داءً وأدخل داء وأقتل عدواً.
وقال الصاحب:
أما ترى وجه أبا زيدٍ ... أقبح من حبسٍ ومن قيد
وحوشه ترتع في جيبه ... وظفره يركب للصيد
وقال:
للقمل حول أبي العلياء مصارعٌ ... ما بين مقتولٍ وبين عقير
وكأنهن لدى دروع قميصه ... فذٌ وتوأم سمسمٍ مقشور
كشاجم:
لو بدل الله قمله غنماً ... ما طمع الجار منه في صوفه
أنواع مختلفة متعلقة بهذا الفصل:
دخل أكتم البطحاء ورأى بني عبد مناف فقال: كأنهم أبرجة الفضة وكأن عمائمهم فوق الرجال يلحفون بالخيرات الأرض. وقال: يا بني تميم إذا أراد الله أن ينشأ دولة ثبت لها مثل هؤلاء. هذا غرس الله لا غرس الرجال. وقيل: من قصرت قامته وصغرت هامته وطالت لحيته كان حقيقاً على المسلمين أن يقروه على قلة عقله. وقال:
يلحن في المشي حين يفقدني ... وإن رآني مشى بأعراب
ما جاء في محاسن المحبوب وميل النفوس إليه
رأت رابعة الحسن يقبل غلاماً صغيراً مليحاً فقالت: أما شغلك حب الله عن حب غيره؟فقال: من حب الله حب من حسن خلقه.
الكامل الحسن:
شاعر:
ليس فيها ما يقال له: ... كملت لو أن ذا كملا
آخر:
خلقن أحسن مما قال من يصف
لو قسم الله جزأ من محاسنه ... في الناس طراً لتم الحسن في الناس
الموصوف بإزالة الظلام:
وإنه قائمٌ مقام أقمار
آخر:
رأيت عليه مسحة الشمس والبدر
آخر:
رأيت به من سنة البدر مطلعا
آخر:
كأنما البدر من إزراره طلعا
بكر بن النطاح يصف نسوة:
توزعن فيما بينهن سنا البدر
البحتري:
أضرت بضوء البدر والبدر طالعٌ ... وقامت مقام البدر لما تغيبا
- يا شبيه البدر في الحسن وفي بعد المنال ورأى بعضهم مليحاً يمشي في الشمس فقال: اتق ضرتك لا تكسفك.
من هو كالشمس الطالعة والجانحة:
قيس بن الخطيم:
فرأيت مثل الشمس عند طلوعها ... في الحسن أو كدنوها لغروب
البحتري يصف مرتحلة:
دنت عند الوداع لوشك بينٍ ... دنو الشمس تجنح للأصيل
الموفي على النيرين:
علي بن الجهم:
يا بدر كيف صنعت بالبدر ... وفضحته من حيث لا يدري؟
الدهر أنت باسره قمرٌ ... ولذاك ليلته من الشهر
علي بن الأصفهاني:
وقد خجلت شمس الضحى منك غدوةٌ ... فكادت كما جاءت إلى الشرق ترجع
كثير:
لو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفقٍ لقضى لها
فكمل المعنى بقوله عند موفق.
من يزداد حسناً بتزايد النظر إليه:
شاعر:

لها النظرة الأولى عليهم وبسطةٌ ... وإن كرت الأبصار كان لها العقبى
أبو نواس:
يزيدك وجهه حسناً ... إذا ما زدته نظرا

من يهواه لحسنه من يراه:
علي بن جبلة:
أغر توالد الشهوات منه ... فما تعدوه أهواء القلوب
وما اكتحلت به عينٌ فتبقى ... مسلمة الضمير من الذنوب
آخر:
كأن قلوب الناس في قلبه قلب
الصاحب:
وسألته: من أنت يا ... شغل القلوب؟فقال: افه
من هو قيد النواظر لجماله:
قيل هو قيد النواظر.
أبو فراس:
فإذا بدا اقتادت محاسنه ... قسراً إليه أعنة الحدق
ابن المعتز:
منظره قيدٌ عيون الورى ... فليس خلقٌ يتعداه
أبو نواس:
للحسن في وجناته بدعٌ ... ما أن يمل الدرس قاريها
من هو في الحسن كالنار أو كالثلج:
قال أعرابي: رأيت جارية كأنها نار موقدة.
وقال:
كجمر غضي هبت له الريح ذاكيا
ديك الجن:
إن بيتاً أنت ساكنه ... غير محتاجٍ إلى السرج
من أعطى من الحسن مشتهاه:
أبو نواس:
خليت والحسن تأخذه ... تنتقي منه وتنتخب
فاكتست منه طرائفه ... واستزادت فضل ما تهب
المتنبي:
حبيبٌ كأن الحسن كان يحبه ... فآثره أو جار في الحسن قاسمه
محمد بن وهب:
قد خلع الحسن على وجهه ... سربال محمودٍ ومحسود
حسن السافرة:
بعضهم:
وجوهٌ زهاها الحسن أن تنتقبا
الشماخ:
أطارت من الحسن الرداء المحبرا
يزيد بن الطثرية:
فألقت قناعاً دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كفٍ ومعصم
بعضهم:
لها حاجبان الحسن والقبح منهما ... كأنهما لونان من كف عاشق
العين المكسرة:
يستحسن في صفتها قول بشار:
حوراء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا
وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وسمع ذو الرمة إنساناً ينشد بقوله:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فقال ذو الرمة: فعولان كأنه تورع أن يقول فعولين فيكون ذلك بأمر الله تعالى.
العين الفاترة:
أشجع:
وتنال بحد مقلتها ... ما لا ينال بحده النصل
أبو تمام:
إن لله في العباد منايا ... سلطتها على القلوب العيون
المتنبي:
من طاعني ثغر الرجال جآذر ... ومن الرماح دمالجٌ وخلاخل
ولذا اسم أغطية العيون جفونها ... من أنها عمل السيوف عوامل
جعفر المصري:
نظرت إليها نظرةً فكأنما ... نظرت بتلك العين سكين شاطر
العين الساحرة:
كشاجم:
بالله يا متفرداً في حسنه ... ومقلباً هاروت بين محاجره
الصاحب:
ولو أن هاروتاً رأى فتر عينه ... تعلم كيف السحر من حد جفنه
العين الكحلاء:
صالح بن عبد القدوس:
كحل الجمال جفون أعينها ... فغنين عن كحلٍ بلا كحل
وقال:
كأنهما مكحولتان بأثمدٍ ... وما بهما غير الملاحة من كحل
المتنبي:
ليس التكحل في العينين كالكحل
العين الحولاء:
الصاحب من بديع ما قيل في الحول:
نظرت إليها والرقيب يخالني ... نظرت إليه فاسترحت من العذل
العين الضيقة:
الخوارزمي:
بأبي من عينه ابداً ... في عداتٍ وهي لا تعد
وقال:
يقارب ما بين الجفون كأنما ... يلاحظ من شق على حرف درهم
حسن الأنف:
طريح بن إسماعيل:
ولين المنخرين معتدل المارن لا سابل ولا جعد
حسن الثغر:
قيل: الثغر الحسن يحلي الوجه القبيح.
البحتري:
كأنما يفتر عن لؤلؤٍ ... منضدٍ أو برد أو أقاح
وله:
لك من ثغره ومن خده ما ... شئت من أقحوان أو جلنار
ومن جيده لبعض القدماء:
إذا ما اجتلى الراني إليها بطرفه ... غروب ثناياها أضاء واظلما
الأسنان:
المتنبي:

ويبسمن عن درٍ تقلدن مثله ... كأن التراقي وشحت بالمباسم
طرفة:
برد أبيض مصقول الشر
البحتري:
لها مبسم كالبدر يضحك عن در
الزاهر:
نونات درٍ على دالات مرجان
ذو الرمة:
جرى السحل الأحوى بطفلٍ مطرف ... على الغر من أنيابها فهي نصع

طيب الفم:
كشاجم:
تبسم عن واضحٍ برودٍ ... تضيق عن طيبه الكؤوس
المتنبي:
وأشنب معسول برد الثنايا ... لذيذ المقبل والمبتسم
ويقال: فمها أعذب من برد الشراب وجسمها أعجب من برد الشباب.
من ذكر طيب فم زعم أنه لم يذقه:
أول من قاله النابغة فقال:
زعم الهمام ولم أذقه أنه ... يشفي بريقتها من العطش الصدي
بشار:
يا أطيب الناس ريقاً غير مختبرٍ ... إلا شهادة أطراف المساويك
طيب الفم وحسن المبتسم معاً:
ابن الرومي:
وقبلت أفواهاً عذاباً كأنها ... ينابيع خمرٍ حصبت لؤلؤ البحر
وقال:
ومبسمٍ عذب الشر ... الف من خمرٍ ودر
وقال:
أحاذر في الظلمات أن يستشفني ... عيون الغيارى في وميض المضاحك
وقال:
تبسمن فاستضحكن طامسة الدجى ... عن الأفق في الظلماء أوجهها طحل
وقال:
كأن ابتسام البرق بيني وبينها ... إذا لاح في بعض البيوت ابتسامها
آخر:
تبسم إيماض الغمام المكلل
ولمسلم وهو نادر:
تبسم عن مثل الأقاحي تبسمت ... له مزنةٌ صيفية فتبسما
وقال:
كأن دراً إذا هي ابتسمت ... من ثغرها في الحديث ينتشر
الحسن الحديث والكلام:
أبو حية:
إذا هن ساقطن الحديث كأنه ... سقاط حصى المرجان من سلك ناظم
رمين فأقصدن القلوب ولم تجد ... دماً مائراً إلا جرى في الحيازم
البحتري:
ولما التقينا والنقا موعدٌ لنا ... تعجب رائي الدر حسناً ولاقطه
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
آخر:
كأن حديثها سكر الشباب
وقال:
هي الدر منظوماً إذا ما تكلمت ... وكالدر مجموعاً إذا لم تكلم
وقال:
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز
وقال:
كأنما عسلٌ رجعان منطقها ... إن كان رجع كلامٍ يشبه العسلا
الفرع الوارد والكثير:
قيل لعرابي: أي النساء أحسن؟فقال: الغراء الفرعاء أي الحسنة المفترة عن الثغر الوافرة الشعر، فمها بارد وشعرها وارد. بعضهم في وصف من حلقه عمر رضي الله عنه ، وقيل هو أحسن ما قيل في الشعر:
لقد حلقوا منها غدافاً كأنها ... عناقيد كرمٍ أينعت فإسبكرت
وقال: عناقيد غربيبٍ تدلين عن كرم المخبل السعدي:
وتضل مدراها المواشط في ... جعدٍ أغم كأنه كرم
ابن المعتز:
دعت خلاخيلها ذوائبها ... فجئن من رأسها إلى قدم
وصف الشعر والوجه معاً:
بكر بن النطاح:
بيضاء تسحب من قيامٍ فرعها ... وتغيب فيه وهو ليل أسحم
وكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم
آخر:
نشرت غدائر فرعها لتظلني ... حذر الوشاة من الغيور المطرق
فكأنني وكأنه وكأنها ... صبحان باتا تحت ليل مطبق
منصور النمري:
ودنت عناقيد الكرو ... م على الأهلة والبدور
السوالف:
امرؤ القيس:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحشٍ ... إذا هي نصته ولا بمعطل
بكر بن النطاح:
ترى القرط منها في قناةٍ كأنها ... بمهلكةٍ لولا العرى والمعاقل
وقيل: وهي بعيدة مهوى القرط. وقال ابن الرومي:
أساءني إعراضه ... عني ولكن سرني
سالفتاه عوضٌ ... من كل شيء حسن
الصنوبري:
للغصن أعطافها وقامتها ... وللرشا جيدها وعيناها
الصدغ:
أبو نواس:
كأن محط الصدغ في حر وجهها ... بقية أنقاس بإصبع لائق
ابن المعتز:

الم ترني بليت بذي دلالٍ ... خلي ما يرق وما يبالي
غلالة خده ورد جني ... ونون الصدغ معجمة بخال
ديك الجن:
كأن قافاً أديرت فوق وجنته ... واختط كاتبها من بعدها ألفا
الصنوبري:
عقرب الصدغ لماذا ... سالمته وهو وحده
تلدغ الناس جميعاً ... ثم لا تلدغ خده

العذار والطرة:
أبو الفضل بن العميد:
من عذيري من عذاري قمر ... عرض القلب لأسباب التلف
علم الشعر الذي عالجه ... أنه جار عليه فوقف
وقال بعضهم:
رأيت وقد لاح العذار بخده ... على وجهه نملاً يدب على عاج
وقال:
له شعر من زغبه في بياضه ... كمثل قطار النمل دب على ثلج
السلامي:
مددت طرته كيما ألاعبه ... فأقبلت واستدارت كالخواتيم
الشارب:
السلامي:
له من عيون الوحش عينٌ مريضةٌ ... ومن خضرة الريحان خضرة شارب
كأن غلاماً ماهراً خطه له ... فجاء كنصف الصاد من خط كاتب
حسن الكف والأنامل:
النابغة:
بمخضبٍ رخصٍ كأن بنانه ... عنمً يكاد من اللطافة يعقد
ابن المعتز:
أثمرت أغصان راحته ... لجناة الحسن عنابا
آخر:
أطرافه تعقد من لينه
آخر:
عضت العناب بالبرد
المتنبي:
ويمسح بالطل فوق الورد بالعنم
البنان المخضبة:
بعضهم: أنابيب درٍ قمعت بعقيق الناشئ:
كأن تطاريف الخضاب بكفها ... فصوص عقيقٍ فوق قضب زبرجد
ابن الرومي:
وكف كأن الشمس أبدت بنانها ... إلى الليل مخضوباً فقمعها الليل
دعبل يهجو:
كأنما كفها إذا اختضبت ... مخلب بازٍ قد ضرجت بدم
طول القامة:
تميم:
يهززن للمشي أعطافاً منعمه ... هز الجنوب ضحى أغصان يبرينا
أو كاهتزاز ردينيٍ تداوله ... أيدي التجار فزادوا متنه لينا
آخر:
ويخجل الغصن من تثنيه
ابو نواس:
طويلة خوط المتن عند قيامها ... ولي بالطويلات المتون ولوع
أنشد بشار قول المجنون:
ألا إنما ليلى عصا خيزرانةٍ ... إذا غمزتها الكف فهي تلين
فقال: والله لو جعلها عصا مخ أو ثريد لكان قد هجن فكيف يذكر العصا؟هلا قال كما قلت:
وحوراء المدامع من معدٍ ... كأن حديثها قطع الجمان
إذا قامت لحاجتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران
آخر:
كأنه في اعتداله ألفٌ ... ليس له في الكتاب تحريف
آخر:
شبهتها حين قامت ... ساريةً من سواري
أنامل أخرجتها ... شبهتها بالمداري
الربعة:
عبد الله بن عجلان:
ومخملةٍ باللحم من دون ثوبها ... تطول القصار والطوال تطولها
بعضهم: أعلاها قضيب وأسفلها كثيب، لم تذهب طولاً في افراط ولا قصراً في انحطاط.
طول القامة مع عظم العجيزة:
قيل لبعضهم: كيف رأيت فلانة؟فقال: غصناً حاملاً لكثيب.
عدي بن الرقاع:
تساهم ثوباها ففي الدرع غادةٌ ... وفي المرط لفاوان ردفهما عبل
الخبزارزي:
تراك سرقت قدك من قضيبٍ ... أم استوهبت ردفك من كثيب
وقال:
فنصفاً قناة ونصفاً نقا
عظم العجيزة:
وصف بعضهم نسوة فقال: هن والله غير قبيحات الطول، إذا مشين انتعلن الذيول، وإذا ركبن أثقلن الحمول. تجاهد بالمشي أكفالها أبو النجم:
تأزرن تحت الإزر أرمال عالج
ابن أبي زرعة:
إذا ما نهض الخصر ... به أقعده الردف
وقالت امرأة لأخرى: أتحتك وسادة؟فقالت: وسادة وسدنيها الله.
دقة الخصر:
مخصر الخصر هضيم الحشى ... صغير أثناء الوشاحين
آخر:
هضيم الكشح حاملة الوشاح
امرؤ القيس:
وكشحٍ لطيفٍ كالجديل مخصر
ابن الرومي:
ظبيٌ كأن بخصره ... من ضمره ظمأ وجوعا
السري الرفاء:
ضعفت معاقد خصره وعهوده ... فكأن عقد الخصر عهد وفائه
المتنبي:

وخصرٍ تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا
الرفاء:
أحاطت عيون الناظرين بخصره ... فهن له دون النطاق نطاق

عظم المخلخل ودقة الخصر:
قال أعرابي: أقبلن وخصورهن تخنق وحجولهن تقلق فكنا بين أسير ومطلق.
عباس:
بكى وشاحاها فلم يسكتا ... وإنما أبكاهما الجوع
ما بال خلخالك ذا خرسةٍ ... لسان خلخالك مقطوع
وفيه:
خلخالها مشبع ... وشاحها مجوع
عبيد الله بن طاهر:
وشاحها يحسد خلخالها ... كجائعٍ يحسد شبعانا
وعكس ذلك دعبل فقال:
خلخالها يسحب في ساقها ... وقرطها في الجيد ما ينطق
ابن أبي زرعة:
فاستكتمت خلخالها ومشت ... تحت الظلام به فما نطقا
حتى إذا ريح الصبا نسمت ... ملأ العبير بسرنا الطرقا
عظم الكفل مع دقة الخصر:
ابن الطثرية:
عقيلية أما ملاة إزارها ... فدعصٌ وأما خصرها فنبيل
المتنبي:
كأنما قدها إذا انفتلت ... سكران من خمر طرفها ثمل
يجذبها تحت خصرها عجزٌ ... كأنه من فراقها وجل
علي بن عاصم:
بيضٌ سرقن من الصريم عيونها ... ومن الصريم مآكم الأكفال
مدح عظم الثدي وتناهده:
قيل: لا تحسن المرأة حتى يعظم ثدياها. وقيل: خير الثدي ما يدفئ الضجيع ويروي الرضيع. وقيل للنظام: أي مقادير الثدي أحمد؟قال: وجدت الناس مختلفين في الشهوات ولكن سمعت الله تعالى يقول في وصف الحور: وكواعب أترابا، ولم يقل: فوالك ولا نواهد.
وقال مسلم:
فأقسمت أنسى الداعيات إلى الصبا ... وقد فاجأتها العين والشر واقع
فغطت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع
محمد بن الحسن الأزدي:
وقابلتني بفتور الجفون ... ومستوقرين على منبر
بحقين من لب كافورةٍ ... براسيهما نقطتا عنبر
ديك الجن:
وذات رمانتين في طبقٍ ... من فضةٍ فصصا بفصين
تناهد الثدي مع عظم العجيزة:
عروة بن الورد:
أبت الروادف والثدي لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا
وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... نبهن حاسدةً وهجن غيورا
وصف أعرابي امرأة فقال: بيضاء جعدة لا يمس الثوب إلا مشاشة منكبيها وحلمة ثدييها ورصاف ركبتيها وراتعة أليتيها.
طيب الرائحة:
وصف رجل امرأة فقال: ملذ كف ومشم أنف كنور يتبسم في الأشجار ونور يتنسم في الأشجار. ولما أنشد كثير عبد الملك بن مروان قوله:
وما روضةٌ بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهناً ... إذا أوقدت بالعنبر اللدن نارها
قيل له: امرؤالقيس أشعر منك حيث يقول:
ألم ترياني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيباً وإن لم تطيب
صالح اللخمي:
قسم الأترج قسمين بنصفين سواء
فلي اللون صفاءً ولك الريح ذكاء
وللبعيث:
إذا هي زارت بعد شحطٍ من النوى ... وشى نشرها لا مسكها وعبيرها
العباس:
فكيف أصنع بالواشين لا سلموا ... والعنبر الورد يأتيهم بأخباري؟
النونجي:
إذا كتمت زيارتها ... أذاع الطيب ما كتمت
فأنطق ألسن الواشين لا كانت ولا نطقت
من يطيب به ما يمسه:
عبد بني الحسحاس:
وبتنا وسادانا إلى علجانةٍ ... وحققت تهاداها الرياح تهاديا
فما زال بردي طيباً من ثيابها ... إلى الحول حتى أصبح البرد باليا
من تطيب به الأمكنة:
عبد الله بن محمد بن نمير:
تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت ... به زينبٌ في نسوةٍ خفرات
وأنشد ثعلب:
واستودعت نشرها الديار فما ... تزداد طيباً إلا على القدم
أبو عيينة:
تطيب دنياها إذا ما تنفست ... كأن فتيت المسك في دورنا نهبا
التثني في المشي:
أبو النجم:
إذا مشت سالت ولم تدحرج ... كما جرى الجدول بين الأفلج
امرؤ القيس:

وإذ هي تمشي كمشي النزيف ... يصرعه بالكثيب البهز
الشماخ:
تخامص عن برد الوشاح إذا مشى ... تخامص حافي الخيل في الأمغر النوحى
لو قاله في المرأة كان أبلغ.
ابن مقبل:
يهززن للمشي أعطافاً منعمةً ... هز الرياح ضحى عيدان يبرينا
يمشين هيل النقا مالت جوانبه ... ينهال حيناً وينهال الثرى حينا
ويستحسن للسعدي:
مريضات أوبات التهادي كأنما ... تخاف على أحشائها أن تقطعا
تسيب انسياب الأيم أحصره الندى ... فرفع من أعطافه ما ترفعا
البحتري:
لما مشين بذي الأراك تشابهت ... أعطاف قضبانٍ به وقدود
آخر:
يطأن ولو أعنقن في جد دوحلا
فهذا زاد بقوله يطأن في جد دوحلا.
الموسوي:
وكأنهن إذا أردن خطا ... يقلعن أرجلهن من وحل

وفي الربيبة النعمة:
عمر بن أبي ربيعة:
وأعجبها من عيشها ظل غرفةٍ ... وريان ملتف الحدائق أخضر
ووالٍ كفاها كل شيء يهمها ... فليس لشيءٍ آخر الليل تسهر
نصيب:
قليلة لحم الناظرين يزينها ... شبابٌ ومخفوضٌ من العيش بارد
المرقش:
نواعم لا يرين لبؤس عيشٍ ... أوانس لا تراع ولا تذاد
تفضيل السوداء:
العباس:
إن سعدى والله يكلأ سعدي ... ملكت بالسواد رق سوادي
أشبهت مقلتي وحبة قلبي ... وبها فهي ناظري وفؤادي
ابن الرومي في سوداء:
كأنها والمزاح يضحكها ... ليلٌ تعرى دجاه عن فلق
وذكرت قصيدة ابن الرومي في وصف السوداء وأبو الحسن الموسوي حاضر فأسرف بعضهم في مدحها فقال أبو الحسن بديهاً:
أحبك يا لون السواد لأنني ... رأيتكما في العين والقلب توأما
سكنت سواد العين إذ كنت شبهه ... فلم أدر من عز من القلب منكما
أوصاف مجموعة من الجمال:
قيل لأعرابي: أي امرأة أحسن؟قال: التي لطفت كفاها وخدلت ساقاها والتفت فخذاها وعرضت وركاها ونهد ثدياها، وعظمت اليتاها وسال خداها. ويقال: كأن وجهه البدر ليلة سعده وتمامه قد ركب في غصن بان وقضيب ريحان، أهيف القد أدعج العين مقرون الحاجبين أسيل الخدين مسبل الذراعين، أرق من الهواء والماء وأحسن من الدمى، وأضوأ من النهار إذا استنار وأبهى من سرابيل الأنوار لا يجري بوصفه الوهم ولا يبلغ نعته الفهم، كأن أنفه قصبة در وحد حسام وكأن فمه حلقة خاتم، وكأن جيده جيد ظبي قد أتلع لرؤية قانص، سبط الأنامل لين القصب دقيق الخصر حلو الشمائل، كأنما خلق من كل قلب فكل طرف له فيه حظ ولكل قلب إليه ميل. وفي وصف جارية: وجهها كضوء البدر وخدها كجنى الورد ولسانها ساحر وطرفها فاتر ضمها يهيج اللوعة ونطقها ينقع الغلة، تنهض بقد كالقضيب وتدبر بكفل كالكثيب، ثديها يرنو إلى ذقنها ولا يطرف عكنها، شعرها لاحق بذيلها في مثل سواد ليلها ثغرها ، كاللؤلؤ النظيم يجلو دجا الليل البهيم، ريحها كالراح المعتق ختامه كالمسك المفتق، يستجمع صنوف النعيم مضاجعها ولا يأسى على ما فاته مالكها، صحيحة الحدقة مريضة الجفون، كأن ساعدها طلعة ومعصمها جمار وأصابعها مداري فضة، وكأن نحرها من ساج وبشرتها من زجاج وسرتها من عاج، ولينها من خز ودثارتها من قز. وقال أعرابي في وصف امرأة: عذب ثناياها وسهل خداها ونهد ثدياها ولطف كفاها، ونعم ساعداها وعرضت وركاها والتفت خداها وخدلت ساقاها فتلك هي النفس ومناها.
المرقش الأكبر:
النشر مسكٌ والوجوه دنانير ... وأطراف الأكف عنم
علي بن عاصم:
السيف مضحكه والقوس حاجبه ... والنبل عيناه والأشفار أرماح
المتنبي:
سهاد لأجفانٍ وشمسٌ لناظرٍ ... وسقمٌ لأبدانٍ ومسكٌ لناشق
ما يجب أن تكون عليه الحسان من حسن الجوارح:

يجب أن يكون في المرأة أربعة أشياء سود: شعر الرأس والحاجبان وأشفار العين والحدقة، وأربعة بيض: اللون وبياض العين والأسنان والساق، واربعة حمر: السان والشفتان والوجنتان واللثة، وأربعة مدورة، الرأس والعنق والساعد والعرقوب، وأربعة طوال: الظهر والأصابع والذراعان والساقان، وأربعة واسعة: الجبهة والعين والصدر والوركان، وأربعة دقيقة: الحاجبان والأنف والشفتان والأصابع، وأربعة غليظة: العجز والفخذان والعضلتان والركبتان، وأربعة صغيرة : الأذنان والثديان واليدان والرجلان، وأربعة طيبة: الريح والعرق والفم والأنف والفرج، وأربعة عفيفة: الطرف والبدن واللسان واليد.

مما جاء في مقابح خلق النسوة
قبح الوجه:
دعبل:
ووجهٍ كوجه الغول فيه سماجةٌ ... مفوهةٌ شوهاء ذات مشافر
وقال:
تحاكي نعيماً زال في قبح وجهها
وقال:
في صورة الكلب إلا أنها بشر
وقال:
لها عينان من إقطٍ وتمرٍ ... وسائر خلقها بعد الثريد
النمش:
ابن الرومي:
كأن الثآليل في وجهها ... إذا سفرت بدد الكشمش
وقال:
رشت بخيلانها فجلدتها ... منقوشةٌ مثل جلدة النمر
وقال:
ووجه كبيض القطا الأبرش
الفم:
بعضهم:
رقطاء كيداء يبدي الكيد مضحكها ... تنوء بالعرض والعينان بالطول
لها فمٌ ملتقى شدقيه نقرتها ... كأن مشفرها قد طر من فيل
وقال:
كانت ثناياها وما ذقت طعمها ... لبا نعجةٍ سوطته بدقيق
وقال:
كأنما نكهتها كامحٌ ... أو حزمةٌ من حزم الثوم
وقال:
وتفتر عن ثلجٍ عدمت حديثها ... وعن جبلي طي وعن هرمي مصر
اليد والرجل:
كأن ذراعاً على كفها ... إذا حسرت ذنب الملعقة
وقال:
خنصراها كديبق القصار
وقال:
وساقٍ مخلخلةٍ حمشةٍ ... كساق الجرادة أو أحمش
وقال:
تمشي على قوائم عجافٍ ... كأنما جمعن من خلاف
وقال:
وتحفر الأرض إذا ما مشت ... كأنما تحفر رجلاها
القامة القصيرة:
قيل لرجل: كيف رأيت فلانة؟فقال:
دوامةٌ صغيرةٌ ... في زرقة المغيره
ابن الرومي:
دحداحة الخلقة حدباؤها ... قامتها قامة فقاعه
لو أنها ملكي ولي ضيعةٌ ... جعلتها للطير فزاعه
وقال:
حدباء وقصاء صيغت صيغة عجباً ... وفي ترائبها عن صدرها زود
الوطباء الثدي:
ابن مقلس الحنفي:
وثدي يجول على نحرها ... كقربة ذي التلة المعطش
دعبل:
وثديان ثديٌ كبلوطةٍ ... وآخر كالقربة المدهقة
المهزولة:
بعض القدماء:
لقد لمست معراها فما وقعت ... مما لمست يدي إلا على وتد
وقال:
وذات جسمٍ مشبه الساجور ... وجؤجؤ كجؤجؤ الطنبور
وقال:
وصدرٍ فسيحٍ كثير العظام ... تقعقع من يبسه المخنقه
الشعر البدن:
شاعر:
خصباء لا نبت في قفاها ... ولم تزل في استها ضفيره
دعبل:
بظراء سوداء لها شعرةٌ ... كأنها نملٌ على مسح
أوصاف مجموعة من المقابح:
ابن الرومي:
صغرت عينها ووسع فوها ... ومشقٌ استها وثقب المبال
الأسود ين يعفر:
لها وركا عنزٍ وساقا نعامةٍ ... وأسنان خنزيرٍ ومكشر أرنب
ناصر العلوي:
يا قردةً أبصرت في مأتمٍ ... تندب شجواً بتخاليط
تبكي فتلقي البعر من عينها ... وتلطم الشوك ببلوط
مما جاء في وصف اللحية
والشيب والخضاب وذكر المعمرين
مدح اللحية وذم المرادة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه. وكان من يمين عائشة رضي الله عنها: لا والذي زين الرجال باللحاء.
الموسوي:
رأت شعراتٍ في عذاري تبسمت ... كما افتر طفل الروض عن خلع الوسمي
فقلت لها: ما الشعر سال بعارضي ... ولكنه نبت السيادة والحلم

يزيد به وجهي ضياء وبهجةً ... وما تنقص الظلماء من بهجة النجم
قيل: لا تصافين من لا شعر على عارضيه، وإن كانت الدنيا خرباً إلا منه.

ذم اللحية:
قيل: فلان سبخ الله أرضه من غير رضاه. وقيل: كساه الحالك من نسيج أم سويد.
ابن طباطبا:
الموت أهون من سوا ... د العارضين لمن عرف
أبو العنتر:
أنى تتيه وقد علا ... ك الشعر في الحد المحل؟
وخرجت من حد الظبا ... ء وصرت في حد الإبل
وصف لحية طويلة لم يصرح بها بمدح ولا هجو:
شاعر:
يا لحية سرحتها ... فقعدت منها في جوالق
ابن نوقة:
يا لحية أربعةٌ في أربعه ... تنسج منها كل يوم مدرعه
قد ذهبت في الطول منها والسعه ... وتحتشي من حافتيها بردعه
مدح اللحية والاعتذار لها:
دخل رجل على قتيبة بن مسلم وكان عظيم اللحية وقتيبة خفيف اللحية فقال: لقد كبرت لحيتك، فقال: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، فقال قتيبة: قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوفير اللحية فقال: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى.
ذم طول اللحية ومدح خفتها:
قال الجاحظ: ما طالت لحية رجل إلا تكوسج عقله.
شاعر:
ألم تر أن الله أعطاك لحيةً ... كأنك منها بين تيسين قاعد
وقال مدني لرجل قد ملأت لحيته وجهه: خندق على وجهك قبل أن يجري الماء في العود فيصير وجهك كله رأساً وقيل: ما زادت لحية عن قبضة إلا نقص بمقدار زيادتها من العقل.
شاعر:
إذا لحيةٌ خفت وفا عقل ربها ... وإن ضخمت لم يحظ إلا بها الصدر
ابن الرومي:
إذا عرضت للفتى لحيةٌ ... وطالت وصارت إلى سرته
فنقصان عقل الفتى عندنا ... بمقدار ما زيد في لحيته
وعرض الرشيد خيل مصر فمر به أفراس كثيرة وسمها الجنيدي فسأل عنه فقيل: هو صاحب هذه الأفراس؛فاستحضره فإذا هو لحياني أحمق، فقال الرشيد: ما أحسن هذه الأفراس!فقال: هي للخليفة يقبلها. وقيل: اللحية الطويلة عش البراغيث ومزبلة التراب والغبار.
عذر من نتف من السخفاء:
قيل لمخنث: لم تنتف لحيتك وهي من هبة الله؟فقال: إن الله تعالى أمرني بذلك فقال: " إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " !ولم أجد أحسن منها فرددتها. وقيل لآخر: لم تنتف لحيتك وقد زين الله بها وجهك؟فقال: أتحب أن يزين بها فقحتك. قال: لا فقال: ما لا تحب أن يطلع في استك كيف أستصلحه لوجهي؟وكان لرجل ابن مخنث وكان يمنعه من نتف لحيته، فنام أبوه يوماً فحلقها وهو نائم فانتبه أبوه فقال: أين ذقنك؟قال: فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم. وقيل لأبي عبد الله المنتوف: لم تنتف لحيتك؟قال: وأنت لم تنتفها؟.
وصف الناتف:
كان بلال لا يجيز شهادة من ينتف اللحية أو يأكل الطين. قال ابن طباطبا في بعض من كان ينتفها:
يا من يزيل خلة ... الرحمن عما خلقت
هل لك عذرٌ عنده ... إذا الوحوش حشرت
في لحيةٍ إن سئلت ... بأي ذنبٍ نتفت
وفي حاذق بالنتف:
أنامله في عارضيه كأنما ... تسبح بالمنقاش في خفة النتف
وقال:
إن كان بالمنقاش يحصد نبتها ... فيد الليالي من وراه تزرع
قص الشعرات البيض:
قال أبو حنيفة رضي الله عنه للحجام: التقط هذه الشعرات البيض، فقال الحجام: لا تلتقطها فإنها تكثر. فقال: فإذاً التقط السود فلعلها تطثر. كان حجام يلتقط البيض من لحية رجل فلما كثر قال: ما ترى في الحصاد فقد ذهب وقت الالتقاط؟ ابن طباطبا:
تأوبني همٌ لبيضاء نابتة ... لها بغضة في مضمر القلب ثابتة
ومن عجب أني إذا رمت قصها ... قصصت سواها وهي تضحك شامتة
أبو دلف:
اشتعل الشيب فأخفيته ... وكل مقراضي فأعفيته
وكلما عالجت قصاً له ... وقلت في نفسي أخفيته
طلعني من طرتي طالعٌ ... كأنني بالأمس ربيته
أروم ما ليست له حيلةٌ ... أعياني الشيب فخليته
وقال:

يا شعرة طلعت في الراس طالعة ... كأنما طلعت في ناظر البصر
لئن قصصتك بالمقراض عن بصري ... فما قصصتك عن همي وعن فكري
فما تلبثت أن قهقهت ضاحكةً ... تحت الخضاب كفعل الشامت الأشر

ظهور الشيب واختلاط البياض بالسواد:
الفرزدق:
والشيب ينهض في السواد كأنه ... ليلٌ يصيح بجانبيه نهار
مروان:
كالصبح أحدث للظلام أفولا
وقال:
ليل تلفع مدبراً بنهار
البحتري:
مشيبٌ كبث السرعي بحمله ... محدثه أوصاف صدر مذيعه
دعبل:
لا تعجبي يا هند من رجلٍ ... ضحك المشيب برأسه فبكى
تميم بن مقبل:
يا حر أمسى سواد الرأس خالطه ... شيب القذال اختلاط الصفو بالكدر
وقال:
زمانٌ علي غراب غداف ... فطيره القدر السابق
وصار على وكره عقعق ... من البلق ذو شيةٍ ناعق
ابن الرومي:
شعراتٌ في الرأس بيضٌ ودعجٌ ... حل راسي خيلان رومٍ وزنج
طار على هامتي غراب شبابٍ ... وعلاه كأنه شاه مرج
حل في صحن هامتي منه لونا ... ن كما حل رقعة الشطرنج
مبدأ ظهور الشيب:
قال بعض الحكماء: ظهور الشيب في الناصية كرم وفي القفاء لؤم، وفي الهامة وفاء وفي الفودين شرف، وفي الصدغين شح وفي الشارب فحش.
نزول المشيب في وقته:
قيل لرجل: اين ذهب شبابك؟فقالذهب به خصال طال أمده وكثر ولده وقل عدده وذهب جلده.
أفنى الشباب الذي حاولت جدته ... مر الجديدين من آتٍ ومنطلق
لم يبقيا لي من طول اختلافهما ... شيئاً أخاف عليه لذعة الحدق
البحتري:
إن كان قد عبث المشيب بلمتي ... فلقد أخذت من الشباب نصيبي
وقال:
ومن يطلع شرف الأربعين ... يحيى من الشيب زوراً غريبا
ابن الرومي:
أدرى غراب الشيب فوق مفارقي ... ركض السنين الراكضات أمامي
وقال:
وافنتني الليالي أم عمرو ... وحلي في النتايف وارتحالي
وتربتي الصغير إلى مداه ... وتأميلي هلالاً عن هلال
وقال:
ومن يك رهناً لليالي ومرها ... تدعه كليل القلب والسمع والبصر
من شاب قبل أوانه:
أبو نواس:
وغذا عددت سني عمري لم أجد ... للشيب عذراً في النزول براسي
كشاجم:
إذا فكرت في شيبي وسني ... عتبت عليه فيما نال مني
كأن الشيب غار على الغواني ... فعرضهن للإعراض عني
وقال:
لو كان يمكنني سفرت عن الصبا ... فالشيب من قبل الأوان تلثم
ولقد رأيت الحادثات فلا أرى ... شيباً يميت ولا سواداً يعصم
وقال:
وهل أنا إلا ابن الثلاثين لم تشب ... لداتي ولكن الخطوب تضيم
وقال:
قد رأيناه بالعشي غلاماً ... فغدونا نعده في الكهول
الموسوي:
عجلت يا شيب على مفرقي ... وأي عذرٍ لك أنتعجلا؟
وكيف قدمت على عارضٍ ... ما استغرق الشعر ولا استكملا؟
يا زائراً ما جاء حتى مضى ... وعارضاً ما غام حتى انجلى
وما رأى الرؤون من قبلها ... زرعاً ذوى من قبل أن يقبلا
وقال:
وعارضني في عارضي منه أنجمٌ ... ظلمن شبابي وهي في القلب اسهم
ابن المعتز:
يا هند ما شاخ الفتى ... وإنما شاخ الشعر
من شاب من الوقائع والشدائد:
الحسن بن رجاء:
إن يشب رأسي فمن كرمٍ ... لا يشيب المرء من كبره
وخطوبٍ قد تحل به ... ومشيب الحر في صغره
ابن المعتز:
قالت: كبرت وشبت قلت لها: ... هذا غبار وقائع الدهر
وله:
إن شيب الرأس نوار الهموم
الموسوي:
وما شبت من طول السنين وإنما ... غبار حروب الدهر غطى سواديا
من شاب من استعمال الطيب وهجر الحبيب:
بعض الأقدمين:
جلا الأذفر الأحوى من الطيب فرقه ... وطيب الدهان رأسه فهو أنزع
وقال:

إنما شيبتي الطيب وأنفاس الغواني
واهتمامي بنزيلٍ أو بضيفٍ أو بعان
قصرت عن جانب الحق له مني اليدان
كشاجم:
لا تنكرين الشيب أنت جلبته ... بجنايةٍ وقطيعةٍ وعتاب
لو لم تروعي بالغرور وبالنوى ... طوراً لطال تمتعي بشبابي

الشاب مقتض لارتكاب التصابي:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبغض ابن الستين في طرة ابن العشرين. وقال أبو عمرو السلمي وقد رأى قوماً يعذلون شاباً: لا تعذلوه فقد رأيتني وأنا شائب أعض على الملام عض الجموح على اللجام حتى أخذ العيب بعنان شبابي، وإن لم يكن الشيب شعبة من الجنون فإنه عصارته.
أبو نواس:
إن الشباب مطية الجهل ... ومزين الضحكات والهزل
ومنه للنابغة:
فإن مطية الجهل الشباب
وقيل: اليد الفارغة والنفس المستريحة والشباب المقتبل تكتسب الآثام وتستحل الحرام.
ومنه:
إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدةً للمرء أي مفسده
الجريمي:
اللهو يحسن بالفتى ... ما لم يكن شيبٌ يشنه
شيب بن شيبة:
رعى الله دهراً أخرس العذل عذره ... بشرخ سبابٍ لم يشب صفوه كدر
وقال:
كل اللذاذات والتصابي ... قبل الثلاثين تستطاب
المتذمم لتعاطي ما تعاطاه في أيام الصبا:
قال الواسطي: حان حصادي ولم يصلح فسادي.
البحتري:
وأضللت حلمي والتفت إلى الصبا ... سفاهاً وقد جزت الشباب مراحلا
ابن المعتز:
أنت في الأربعين مثلك في العشرين قل لي: متى يكون الفلاح؟
المتنبي:
وفي الجسم نفسٌ لا تشيب بشيبه ... ولو أن ما في الوجه منه خراب
يغير مني الدهر ماشاء غيرها ... وابلغ اقصى العمر وهي كعاب
أبو سعيد الرستمي:
قبيح بذي الشيب أن يطربا ... وما للمشيب وما للصبا
أمن بعد خمسين ضاعت سدى ... وأودى بها اللهو ايدي سبا
تشيم بروق الدمى دائماً ... وقد شامت العارض الأشيبا
وأقبح بذي عارض أشيبٍ ... إذا قابل العارض الأشنبا
وأهلك والليل بادر به ... فقد كادت الشمس أن تغربا
علي بن عبد العزيز:
التصابي بلا شبابٍ محال
من أقلع لظهور شيبه:
نظر إياس بن معاوية في المرآة فرأى شيبة في لحيته فقال: لا أراني سميراً لحاجات بني تميم، فلزم بيته ولم يدخل بعد ذلك على السلطان. وقال مسلمة بن عبد الملك: ما وعظني شعر ما وعظني ما قال عمرو بن حطان:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل: ابعد!
وقال أعرابي: فلان وضع رداء مجونه لما بدا الفجر من ليالي قرونه. وقيل لرجل: ألا تشرب؟قال: في شيب الرأس مطردة عن الكاس. وكان الرجل إذا بلغ أربعين طوى فرشه وجد في عمله. وقيل: ثلاثة كل منها يقتضي تجنب الصبا: ظهور الشيب، والتحصن بالتزوج، والحج إلى بيت الله الحرام، وقالت امرأة لرجل كان يخادنها: ما فعل غزلك؟فقال: أماته شيب العارضين.
أبو الفرج الببغاء:
لا عذر بعد عذارٍ شاب أكثره ... فالشيب أوعظ إعذارٍ وإنذار
وقال كثير أتيت جميلاً استنصحه هل أظهر الشعر فأنشدته:
وكان الصبا خدن الشباب فأصبحا ... وقد تركاني في مغانيهما وحدي
فقال: حسبك أنت أشعر الناس.
أحمد بن أبي طاهر:
ركبت الصبا حتى إذا ما ونى الصبا ... نزلت من التقوى بأكرم منزل
ودين الفتى بين التنسك والنهى ... ودنيا الفتى بين الصبا والتغزل
فيمن زعم أنه ترك التصابي لغير ملالة:
إسحاق الموصلي:
سلامٌ على سير القلاص مع الركب ... ووصل الغواني والمدامه والشرب
سلام امرئٍ لم تبق منه بقيةٌ ... سوى نظر العينين أو شهوة القلب
البحتري:
إني وإن جانيت بعض بطالتي ... وتوهم الواشون أني مقصر
ليشوقني سحر العيون المجتلى ... ويروقني ورد الخدود الأحمر
وقال:
قد رأيت الشيب إلا أنني ... لم يرعني الشيب عن وجهٍ حسن
بشار:

إن المشيب وما ترى بمفارقي ... صرف الغواية فانصرفت كريما
وصحوت إلا من لقاء محدثٍ ... حسن الحديث يزيدني تعليما

تارك الصبا قبل هجوم شيبه:
ما كنت أول آخذٍ بعزيمةٍ ... هجر الغواني والمفارق سود
وقال:
لا أجمع الحلم والصهباء قد سكنت ... نفسي إلى ماء عن الماء العناقيد
لم ينهني كبرٌ عنه ولا فندٌ ... لكن صحوت وغصني غير محصود
الحث على مبادرة المشيب بتعاطي صلاح أو تصاب:
هارون بن علي:
أعط الشباب نصيبه ... ما دمت تعذر في الشباب
ابن أبي السمط:
وبادر بأيام الشباب فإنها ... تفوت وتمضي والغواية تنجلي
أنشد أبو العتاهية قوله:
إن الشباب حجة التصابي ... روائح الجنة في الشباب
وقال: كيف ترونه؟فقالوا: حسن. فقال: إن له جناحان يطير بهما في الجنة.
من تعاطى التصابي في مبدأ ظهور شيبه:
ديك الجن:
وقالوا: قد توشح عارضاه ... فقلت الآن أوضع في الآثام
ابن طباطبا:
أقول وقد أوقظت من سنة الهوى ... بعذل يحاكي لذعه لذعة الهجر:
دعوني وليل اللهو في ليل لمتي ... ولا توقظوني بالملام إلى الفجر
من استهان بالشيب فتعاطى بعده التصابي:
قيل لخاسر: ما أكبر ما صنع بك الشيب؟فقال: ما صنعت به أكبر، والله ما هبته ولا رعيته ولا امتنعت له عن تعاطي محرم وارتكاب مأثم، ونظمه من قال:
لعمري لئن حل المشيب بلمتي ... لقد كان ما أحلت بالشيب أعظما
سل الشيب عني هل عرفت وقاره ... وهل عفوت حوباً أو تجنبت مأثما
أبو نواس:
يقولون في الشيب الوقار لأهله ... وشيبي بحمد الله غير وقار!
ابن المعتز:
لما تولى الشباب عني ... صفعت وجهي على المشيب
بعض العلويين:
إن يكتهل منه القذال فحبه ... في الغانيات وحبهن غلام
هم متعاطي التصابي ومشتاق إليه:
حمل شاب غلاماً إلى خربة، فلما خلا به اطلع عليهما شيخ فقال: فعل الله بكم فمن مثل فعلكم يغلو السعر وينزل البلاء. فعدا الشاب خوفاً فخلا الشيخ بالغلام فاطلع الشاب فقال: يا عم الحمد لله قد رخص السعر وارتفع البلاء!ودخل شيخ مسجداً فراود صبياً، فعلم الإمام فعاتبه وعنفه، فلما أطال عليه قال له: كم ذا تعنفني كأن لم تر سفلة غيري!ورأى سفيان في مجلسه شيخاً يخترق صفوف النساء ويبكي، فظن أن بكاء لما سلف من ذنوبه فاستقبلهن ثم قال:
عليكن السلام فليس عندي ... لكن فدعنني غير السلام
وكن إذا نظرن إلي أمشي ... نقبن علي من خلل الخيام
وقيل: إن إبليس إذا رأى شيخاً ذا طرة قال: فديت من لا يفلح.
الحث على تعظيم المشايخ ومخالطتهم:
روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصابتني خصاصة. فقال: لعلك مشيت أمام شيخ!وقام وكيع لسفيان فأنكره وقال: ألست حدثتني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن. وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: إمام مقسط، وذو شيبة في الإسلام، وذو علم. وقال أزدشير لابنه: وقر المشايخ فهم مواطن الوقار ومعادن الآثار ورواة الأخبار وحفظة الأسرار، إن رأوك في قبيح منعوك أو جميل أيدوك، وإياك وأغمار الشباب فهم أهل الصبوة إلى الشهوات. وأوصى اليزيد بن المهلب ابنه فقال: ليكن جلساؤك ذوي الأسنان فالشباب شعبة من الجنون، ومر الحسن بفتيان فقال: شوبوا مجلسكم بشيخ. وقيل: من عرف حق من فوقه عرف حق من دونه.
تفضيل الشيب في الرأي على الشباب:
في المثل: جري المذكيات غلاء، جري المذاكي حسرت عنه الحمر. وقيل: الشيخ في رأيه كالجذل المحكك لا يهده خطب ولا يزعزعه صرف، والشاب كالغصن الناعم الذي يستحيل بأيسر ريح وأيسر آفة. وقيل: الشيخ كالبازل المستقل بما يحمل والشاب كابن اللبون لا ينهض بما يحمل. وقال:
وابن اللبون إذا ما لز في قرنٍ ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
تفضيل الشبان فيه:

قال صلى الله عليه وسلم: وسعوا للشبان في المجالس وأفهموهم الحديث. وكان عمر رضي الله عنه إذا نزل به معضل دعا الفتيان واستشارهم وقال: هم أحد قلوباً. وقيل: الشيخ كالزند الذي قد انثلم ورأي الشبان كالزند الصحيح الذي يوري بأيسر اقتداح.

مدح الشيب بالوقار والعفة:
تأمل حكيم شيبة فقال: مرحباً بزهرة الحنكة وثمرة الهدى، ومقدمة العفة ولباس التقوى!وروي أن إبراهيم عليه السلام لما بدا الشيب بعارضيه قال: يا رب ما هذا؟قال: وقار. قال: يا رب زدني وقاراً. وعبر حكيم بالشيب فقال: الشيب نور يورثه تعاقب الليالي والأيام، وحلم يفيده مر الشهور والأعوام، ووقار تلبسه مدة العمر ومضي الدهر.
دعبل:
أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلية المتحرج
ضيف ألم بمفرقي فقريته ... رفض الغواية واقتصاد المنهج
أبو تمام:
ولا يروعك إيماض القتير به ... فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب
مناقضة من مدح الشيب بالوقار:
أبو تمام:
حلمتني، زعمتم، وأراني ... قبل هذا التحليم كنت حليما
دقةٌ في الحياة تدعى جلالاً ... مثلما سمي اللديغ سليما
المتنبي:
ليت الحودث باعتني التي أخذت ... منى بحلمي الذي أعطت وتجريبي
فما الحداثة من حلمٍ بمانعةٍ ... قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
عبدان:
إن شيئاً نعى إلي حياتي ... لبغيضٌ وإن أفاد الرشادا
الموسوي:
غالطوني عن المشيب وقالوا: ... لا ترع إنه جلاء الحسام
قلت: بل مر بي على الرأس منه ... صارم الحد في يد الأيام
في حسن الشباب وطيبه وقبح الشيب وعيبه:
قال عكرمة في قوله تعالى " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين " إلى الهرم.
وللأخطل:
لا تحمدن شعراً تغشا ... ه البياض فليس يحمد
قد كنت أبيض في القلو ... ب زمان كنت تراه أسود
أبو تمام:
غرة مرة ألا إنما كنت أغرا أيام كنت بهيما
وقال:
متى لحظت بياض الشيب عيني ... فقد وجدته منها في السواد
أبو تمام:
لو رأى الله أن في الشيب فضلاً ... جاورته الأبرار في الخلد شيبا
البحتري:
وددت بياض السيف يوم لقيتها ... كأن بياض الشيب كان بمفرقي
المتنبي:
ضيفٌ الم برأسي غير محتشم ... والسيف أحسن فعلاً منه باللمم
الموسوي:
ما كان أضوا ذلك الليل في ... سواد عطفيه ولم يقمر
التسمية بما يدل على الكبر ذم:
لو قيل لعجوز منحنية: يا عجوز ويا جدة لغضبت واستوحشت، ولو قيل يا جارية لقالت لبيك وسعديك!وعلى ذلك: يا شيخ ويا فتى.
قال يزيد بن عتاب:
يا حرقة القلب بيا شيخ ويا ... برد الفؤاد حين يدعى: يا فتى
وقال:
وإذا دعونك عمهن فإنه ... نسبٌ يزيدك عندهن خبالا
وقد ظرف البحتري في قوله:
يتظرفن للدليل المسمى ... من تصابٍ دون العزيز المكني
أبو حازم:
إذا ما دعوت الشيخ شيخاً هجوته ... وحسبك مدحاً للفتى قول يا فتى!
ازورار النساء عن الشيب:
قال بعض المشايخ: رأيت امرأة راقتني فقلت: هل لك في؟فقالت: إن بي عيباً شيب راسي فثنيت عناني فصاحت: أثبت، وكشفت عن شعر كالحمم وقالت: إني أكره من الشيب ما كرهته.
المتنبي:
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموقع شيبهن من الرجال
ابن الرومي:
أعر طرفك المرآة وانظر فإن نبا ... بعينك منه الشيب فالبيض أعذر
إذا شنأت عين الفتى شيب نفسه ... فعين سواه بالشناءة أجدر
ابن المعتز:
لقد أبغضت نفسي في مشيبي ... فكيف يحبني البيض الكعاب
الحكم الحضرمي:
قد كان يعجب بعضهن نزاعتي ... حتى سمعن تنحنحي وسعالي
وقال الصاحب قد سبق ابن المعتز كل من قال في رغبة النساء عن المشيب بقوله:
فظللت أطلب وصلها بتذللٍ ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
وقال:

الشيب أعظم ذنباً عند غايته ... من ابن ملجم عند الفاطميينا

رغبة الشيب عن النساء:
قال بعض الشيوخ: كنت أخاف أني إذا شبت تزهد في النساء، فلما شبت كنت أزهد منهن فيه.
شاعر:
رمتني وستر الله بيني وبينها ... ونحن بأكناف الحطيم ذميم
فلو أنني لما رمتني رميتها ... ولكن عهدي بالنضال قديم
معرفة فضل الشباب عند فقده:
قال بعضهم: شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما: الصحة والشباب.
ابن الرومي:
لا تلم من يبكي شبيبته ... إلا إذا لم يبكها بدم
لسنا نراها حق رؤيتها ... إلا زمان الشيب والهرم
كالشمس لا تبدو فضيلتها ... حتى تغشى الأرض بالظلم
ولرب شيءٍ لا يبينه ... وجدانه إلا مع العدم
وقال ابن الأعرابي: لا أعرف في مدح الشاب وذم المشيب أحسن من قول محمد بن حازم:
لا تكذبن فما الدنيا بأجمعها ... من الشباب بيومٍ واحدٍ بدل
محمود الوراق:
سقياً لأيامٍ تولت به ... أحسن ما كانت صروف الزمن
ولى فما الدنيا بأقطارها ... لليوم والساعة منه ثمن
غم من ذهب شبابه قبل تمتعه به:
منصور النمري:
ما كنت أوفي شبابي كنه عزته ... حتى مضى فإذا الدنيا له تبع
وسمع ذلك الرشيد فقال: وما خير دنيا لا يخطر فيها برداء الشباب؟ عمر بن أبي ربيعة:
إن الشباب الذي كنا نزن به ... مضى ولم نقض من لذاته أملا
البكاء على فقد الشباب والتأسف له:
نظر رجل إلى شيبة في رأسه فجمع نساءه وقال: اندبنني فقد مات بعضي! الخزيمي:
إذا ما مات بعضك فابك بعضاً ... فبعض الشيء من بعضٍ قريب
وقال محمود الوراق:
أليس عجيباً بأن الفتى ... يصاب ببعض الذي في يديه؟
فمن بين باكٍ له موجعٌ ... وبين معنى معز إليه
ويسلبه الدهر شرخ الشباب ... وليس يعزيه خلق عليه
وقال:
شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناك حتى يؤذنا بذهاب
لم يبلغا المعشار من حقيهما: ... فقد الشباب وفرقة الأحباب
ذم الشباب بقلة الوفاء واللبث والتسلي عنه:
شاعر:
ما في يدي من الصبا ... إلا الندامة والأسف
كان الشباب كزائرٍ ... مل الزيارة وانصرف
بعضهم:
لم أقل للشباب: في دعة الله وفي حفظه، غداة تولى
زائرٌ زارني أقام قليلاً ... سود الصحف بالذنوب وولى
منصور الفقيه:
ما كان أقصر أيام الشباب وما ... أبقى حلاوة ذكراه التي يدع
المتنبي:
مشب الذي يبكي الشباب مشيبه ... فكيف توقيه وبانيه هادمه
تمني عوده والدعاء له:
أبو العتاهية:
ألا ليت الشباب يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المشيب
النمري:
والله لو أعطى المنى ... لوددت أيام الصبا
ومعاتبات كن لي ... ومداعبات للدمى
حميد:
فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوةً سنتوب
ليالي سمع الغانيات وطرفها ... إلي وإذ ريحي لهن جنوب
ديك الجن:
لله دري في الشبيبة من أخي لهو أريب
أيام يحملني الشبا ... ب على التهاون بالذنوب
تولي العيش بتولي الشباب:
كثير:
وكان الصبا خدن الشباب فأصبحا ... وقد تركاني في مغانيهما وحدي
وقال:
ولى الشباب وولى العيش والعمر ... وأقبل المدبران الشيب والكبر
رسبة بن الأبيض:
بان الشباب بكل ما ... تهوى النفوس وتستطيب
طفئ السراج وكلت ... الأضراس وانكسر القضيب
علي بن جبلة:
ولما انقضى عصر الشباب وعهده ... ذوى ورق الدنيا وأغصانها الهدل
كراهة ذهاب الشيب وكراهة نزوله:
مسلم:
الشيب كرهٌ وكرهٌ أن يفارقني ... فأعجب لشيءٍ على البغضاء مودود
يمضي الشباب ويأتي بعدع خلفٌ ... والشيب يذهب مفقود بمفقود
البحتري:

تعيب الغانيات علي شيبي ... ومن لي أن أمتع بالمعيب؟
أنشد ابن دريد في وصفه:
ولي صاحبٌ ما كنت أهوى لقاءه ... فلما التقينا كان أكرم صاحب
عزيزٌ علينا أن يفارق بعدما ... تمنيت دهراً أن يكون مجانبي

الشيب داء متمنى:
قيل لأبي العيناء: كيف أنت؟فقال: في الداء الذي يتمناه الناس؛يعني الهرم. وقيل لأعرابي وقد ضعف من الكبر: لقد أذنب إليك الدهر!فقال: كثر الله من ذنوبه عندي.
طول العمر يفضي إلى الهرم والمصائب:
قيل: من أخطأه سهم المنية قيده الهرم، ومن وطن نفسه على طول العمر فليوطنها على كثرة المصائب. وقال ابن الحارث في وصيته لبنيه: من متع بكبر بلي بعبر، ومن تأخر يومه مله قومه.
وقال زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
وقيل: كفى بالسلامة داء.
وقال:
فكيف ترى طول السلامة يفعل
من أضعفه كبره وهرمه:
سأل الحجاج شيخاً فقال: كيف طعمك؟قال: إذا أكلت ثقلت وإذا تركت ضعفت. قال: كيف نكاحك؟قال: إذا بذل لي عجزت وإذا منعت شرهت. قال: كيف نومك؟قال: أنام في المجمع وأسهر في المضجع. قال: فكيف قيامك وقعودك؟قال: إذا قعدت تباعدت عني الأرض وإذا قمت لزمتني. قال: كيف مشيك؟قال: تعقلني الشعرة وتعثرني البعرة. وقيل لشيخ: ما صنع بك الدهر؟قال: فقدت المطعم وكان المنعم، وأجمت النساء وكن الشفاء، فنومي سنات وسمعي خفات وعقلي تارات. وقيل لآخر فقال: أدرج من العشاش وآخرأ في الفراش وأنبو عن القماش وأنفر من لاش. وقيل لآخر فقال: ضعضع قناتي وأوهي شواتي وجرأ علي عداتي. وسئل ابن الفرية عن وصف الكبر فقال: إقبال البخر وإدبار الزفر وإنقباض الذكر. وقيل: الشيخوخة غمامة تمرض الأمراض.
قال أبو الطمحان:
حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتلٌ أدنو لصيد
قربت الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيداً، أني بقيد
وهذا من قول شيخ مر به غلام فقال: يا عماه قد قصر قيدك، فقال: تركت الذي قيدني يفتل قيدك. وقال ديك الجن:
نهنهت الخمسون من شدتي ... وضيقت خطوي بعد اتساع
وأتحفتني خوراً ظاهراً ... وكنت قبل الشيب عين الشجاع
تعترف النفس ببعض القوى ... فأمسك النفس ببعض الخداع
أذكر إنسان التي فوقها ... والموت قد يودي بمن في الرضاع
وكان أبو محلم لما كبر ينشد:
إذا ما امرؤ أحصي ثمانين حجةً ... وعاش تشكى كل عضوٍ ومفصل
وقد أحسن القائل:
قالوا أنينك طول الليل يسهرنا ... فما الذي تشتكي؟قات: الثمانينا
المشيب مؤذن بالموت:
قيل: المشيب تمهيد الحمام وتاريخه وعنوانه ورائده ونذيره. وقيل: الشيب مقوض الخيام ومقيض الحمام. وقيل: هو أول مواعيد الفناء. وقيل: هو واعظ نصيح ومنذر فصيح. وقيل: هو لمحة من لمحات المنون ونوبة من نوب الدهر الخؤون. وقيل في قوله تعالى " أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير " إن النذير الشيب. وقيل: إذا ضحك الشيب في القذال بكت الحياة للزوال. ونظر حكيم إلى شيبة فقال: أرى شيبة قد أينع ثمرها وحان قطافها. وأطرف ما قيل في ذلك قول منصور:
من شاب قد مات وهو حيٌ ... يمشي على الأرض وهو هالك
لو كان عمر الفتى حساباً ... لكان في شيبه فذالك
وقال:
الشيب والموت مقرونان في قرن
ونظر فضيل إلى رجل قد وخطه الشيب فقال: اتق الله فإن الموت قد غرز أعلامه في لحيتك. ولأبي الفضب بن العميد من فصل: قد طرزت الأيام عارضيك بتاريخ يفصح عما كتمته، وينشر للناس من أمرك ما طويته، وكأنك تقول هو مقدمة الهرم والمؤذن بالخرف، والعائد لي ولا أريد تطيراً من ذكره.
من مات أقرانه فقد آن أوانه:
أبو عيينة:
واستحصد القرن الذي أنا منهم ... وكفى بذاك علامة لحصادي
وقال معاوية لجلسائه: ما تعدون الغريب فيكم؟قالوا: الذي لا أحد له. فقال: بل الغريب الذي مات نظراؤه الذين كان يأنس بهم.
أبو محمد التيمي:
إذا ذهب القرن الذي أنت منهم ... وخلفت في قرنٍ فأنت غريب
ابن المعتز:

لأي غايات رجائي بعدما ... رأيت أترابي وقد صاروا ترابا
أبو سعيد الرستمي:
جاوزت سني الأشد ومارست بنفسي من الخطوب الأشدا
وتفانى الأقران دوني جميعاً ... وتبقيت في الكنانة فردا
العلوي الكوفي:
أجالس معشراً لا شكل فيهم ... وأشكالي قد اعتنقوا اللحودا

المدة التي يخاف عندها الموت:
قيل في قوله تعالى " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " : أنه الأربعون.
شاعر:
إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياءٌ ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى ... وإن مد أسباب الحياة له العمر
وقال رجل لعبد الملك: كم لك من السنين؟قال: أنا في معترك المنايا ابن ثلاث وستين. وكتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم: إني نظرت في سني فإذا أنا قد بلغت خمسين سنة وأنت نحو مني في السن، وإن امرأ قد سار خمسين حجة إلى منهل لقمين إن يرده؛فإخذ ذلك أبو محمد التميمي فقال:
فإن امرأً قد سار خمسين حجةً ... إلى منهل من ورده لقريب
فإن كان الستون سنك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيب
ابن المعتز:
إحدى وخمسون لو مرت على حجرٍ ... لكان من حكمها أن يفلق الحجر
جماعة سني العمر:
تقول العرب: الغلام إذا بلغ عشراً قد رمي، وفي عشرين قد لوي أي لوى يد غيره، وفي ثلاثين قد غوى، وأربعين قد استوى، وفي خمسين قد حري أي صار حرياً بأن يظهر فضله. وقيل: ابن عشر طفل وابن عشرين فحل وابن ثلاثين كهل وابن أربعين معتدل وابن خمسين مسترحل. وحكي عن بزر جمهر أنه قال: في عقد العشرة دليل على ان الصبي إذا بلغ عشر سنين فقد انعقد، فإذا صار إلى عشرين فقد توسط الخير والشر توسط الإبهام للسبابة والوسطى، فإذا صار في الثلاثين فقد كمل واستوى، وإذا بلغ الأربعين فقد بلغ الأشد وشد الأزر، وإذا بلغ الخمسين فقد انكسر وقعد، وإذا بلغ الستين فقد انضم، فإذا بلغ السبعين فقد عاد في أخلاق الصبيان، وأشبه ابن الثلاثين الكامل الشهوة، وابن العشرة الصبي، فإذا بلغ الثمانين فقد تقوس عقده، فإذا بلغ التسعين فقد صار في ضيق عيش كضيق عقدها، وإذا بلغ المائة انتقل عن الدنيا انتقال عقدها إلى اليد الأخرى. وقيل لرجل: ابن كم أنت؟فقال: ابن قبضة: يعني ثلاثاً وتسعين.
في المتبرم بحياته لضعفه:
زهير:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
زهير بن حباب:
الموت خيرٌ للفتى ... فليهلكن وبه بقيه
من أن يرى الشيخ البجا ... ل وقد تهادى بالعشيه
عبيد:
والمرء ما عاش في تكذبٍ ... طول الحياة له تعذب
وقيل: أهون هالك شيخ يقاد به البعير. وكان من عادتهم إذا تبرموا بشيخ ربما أنهم تركوه إذا ارتحلوا ليموت أو يأكله الذئب أو يحملوه على بعير نفور يسقطه فيموت فيستريحوا منه. وقيل: أهون هالك عجوز في سنة جدب.
المعمرون:
عاش نوح عليه السلام الف سنة وأربعمائة وخمسين سنة، بعث بعد مائتي سنة ولبث في قومه الف سنة إلا خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان مائتي سنة وخمسين سنة. فلما أتاه ملك الموت قال له: كيف رأيت الدنيا؟قال: كدار لها بابين دخلت من هذا وخرجت من هذا، وعاش لقمان خمسمائة وستين سنة، عمر سبعة أنسر كل نسر ثمانون سنة. ومنه قيل: طال الأمد على لبد. وعاش المستوغر بن زبيد ثلاثمائة وثلاثين سنة ولما بلغ ثلاثمائة قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من بعد السنين مئينا
مائةٌ جزتها بعدها مائتان لي ... ازددت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنا ... يومٌ يمر وليلةٌ تحدونا؟

وعاش معدي كرب الحميري مائتين وخمسين سنة، وعاش عامر بن الظرب ثلاثمائة سنة، وكذلك أكثم ابن صيفي، وكانا من حكماء العرب، وأدرك أكثم الإسلام واختلف في إسلامه. وعاش قس بن ساعدة الأيادي ستمائة سنة وكان من عقلاء العرب وحكمائهم، وهو أول من أقر منهم بالبعث، وأول من قال في الخطبة أما بعد. وعاش دريد ابن الصمة دهراً طويلاً حتى سقط حاجباه على عينيه ولم يسلم وشهد حنيناً، وعاش عبيد الجرهمي مائة سنة وعشرين سنة. وكان معاوية حج من الشام فقال: هل تعرفون أحداً بقي له علم بأيام العرب فنسأله؟فقالوا: عبيد وهو على طريقك!فدعاه فقال: ممن أنت؟فانتسب إلى قبيلة فقال: وهل بقي منهم أحد؟قال: نعم أنا، قال: وكم لك من السنين؟فقال: مائتان وعشرون سنة. فقال: من أين تعلم؟قال: أما قال الله تعالى " وجعلنا آية النهار مبصرةً لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا " . فقال: أخبرني عما رايتفقال: باتت علي سنيهات بلاء وسنيهات رخاء ويوم في أثر يوم وليلة في أثر ليلة. ومنهم لبيد بن ربيعة وخبره مشهور ومعاذ بن مسلم عاش مائة وخمسين سنة صحب بني مروان وفيه يقول الشاعر:
قل لمعاذٍ إذا مررت به: ... قد ضج من طول عمرك الأبد
قد أصبحت دار آدم خربت ... وأنت فيها كأنك الوتد
تسأل غربانها إذا أنعبت ... كيف يكون الصداع والرمد؟

فصل من ذلك:
قيل: فلان أعمر من القراد، وذلك أنه يعيش سبعمائة سنة، وأعمر من الضب. قال الأصمعي: إن الحسل يبلغ مائة سنة ثم يسقط.
قال:
فقلت لو عمرت عمر الحسل ... أو عمر نوحٍ زمن الفحظل
والصخر مبتلٌ كطين الوحل ... صرت رهين هرمٍ أو قتل
وقيل: أعمر من حية لأنها لا تموت حتف أنفها فيما يقال، وأعمر من نسر. وللفرس: زيود هشتاد كور نبرست رهمنه مروا ماري نه مريد خركش يوزينه مرد، معناه يعيش العير ثمانين سنة وثلاثمائة، والحية لا تموت إلا قتلاً.
الترغيب في الإختضاب والرغبة فيه:
قال عمر رضي الله عنه: اختضبوا بالسواد فإنه أسكن للزوجة وأهيب للعدو، وقيل لرجل: إلام أخضب؟قال: مال قام ايرك.
شاعر:
الشيب ضيفك فأقره بخضاب
وقال:
إن الخضاب هو الشباب الثاني
وقال:
إن الخضاب لحليلةٌ ... في رد أيام الشباب
رستم بن محمود:
ولما رأيت الشيب قد شان أهله ... تقنعت وابتعت الشباب بدرهم
ابن المعتز وقد ناقض بذلك محموداً الوراق حيث قال:
يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثةٍ يعود
إن النصول إذا بدا ... فكأنه شيبٌ جديد
فقال:
وقالوا: النصول مشيبٌ جديدٌ ... فقلت: الخضاب شبابٌ جديد
اساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود
الاعتذار لذلك:
قال علي بن عيسى لإبراهيم بن غسماعيل يوماً: الخضاب باطنه داء وظاهره غرور، ثم لقيه وقد اختضب فقال: اين كلامك؟قال: فكرت فإذا أمور الدنيا كلها مرمة وهذا من مرمتها.
ابن الرومي:
فإن تسأليني ما الخضاب؟فإنني ... لبست على فقد الشباب حدادي
من اختضب لمجيء الشيب في غير وقته:
محمود الوراق:
إذا ما الشيب جار على الشباب ... فعالجه وغالط في الحساب
فقل: لا مرحباً بك من نزيل ... وعذبه بأنواع العذاب
بنتفٍ أو بقصٍ كل يوم ... وأحياناً بمكروه الخضاب
وإن هو لم يجر وأتى لوقتٍ ... فقل: في رحب دارٍ واقتراب
الترغيب عن الخضاب والرغبة فيه:
قيل لأفلاطون: لم اختضب فلان؟فقال: كره أن يؤخذ بحنكة المشايخ.
ابن الرومي:
يا أيها الرجل المسود وجهه ... كيما يعد به من الشبان
أقصر فلو سودت كل حمامةٍ ... بيضاء ما عدت من الغربان
وقيل لأعرابي: لم لا تختضب لتصبو إليك النساء؟فقال: أما نساؤنا فما يردن بنا بدلاً، وأما غيرهن فلا نريد صبوتهن.
كشاجم:
يا خاضب الشيب والأيام تظهره ... هذا شبابٌ لعمر الله مصبوغ

وقيل لأعرابية: فلان يختضب، فقالت: لا ينال الشباب بالخضاب كما لا ينال الغنى بالمنى، ولما وفد عبد المطلب على سيف بن ذي يزن ورأى لحيته بيضاء بعث إليه جارية ومعها خطر ليخضب لحيته فأنشأ عبد المطلب:
وقائلةٍ تخضب فالغواني ... نوافر عن مصادقة الفتير
فقلت لها المشيب نذير عمري ... ولست مسوداً وجه النذير
وقال:
إذا ذهب الشباب فليس إلا ... غبار الشيب أو ذل الخضاب

مدح الصلع:
قال الخليل: كان الشريف إذا لم يصلع نتفوا شعره تشبهاً بذلك.
وأنشد العتبي:
قد حص رأسي فتيت المسك أخلطه ... بالعنبر الورد حتى ما به شعر
فقال: لشتان ما بينه وبين أبي قيس بن الأسلت في قوله:
قد حصت البيضة رأسي فما ... أطعم نوماً غير تهجاع
ذم الصلع:
دخل الأبرش الكلبي على هشام بن عبد الملك وحجام يحجمه فمس رأسه فقال: يا ابرش ما صلع لئيم قط؟فكشف رأس الحجام فإذا هو أصلع فقال: أمن كرم صلع هذا؟وقالت امرأة لزوجها وكان أصلع: لست أغبط إلا شعرك حيث فارقك فاستراح منك! شاعر:
خفافان مثل القدتين وهامةٌ ... يزل الذباب النقف عنها فيصرع
وقال:
إذا أبصرتهم صلعاً وثطا ... فقبح ذاك من صلعٍ وهام
التأسف لذلك:
قال بعضهم:
جزعت للشيب لما حل أوله ... فجاءني حادثٌ أنساني الجزعا
هب المشيب يداوي الخطر شائعه ... فكيف لي بدواء يذهب الصلعا
أبو النجم:
قد ترك الدهر صفاتي صفصفاً ... فصار رأسي جبهةً إلى القفا
- كأنما تلقى به ضعفي عفا
الاعتذار عنه:
بشر:
رأتني كأفحوص القطاة ذؤابتي ... وما مسها من منعمٍ يستشيبها
ابن الرومي:
يعير في لبس العمامة سادراً ... ويزعم لبسيها بعيبٍ مكتم
فقولا له: هبني كما أنا صلعةً ... ألست حصين الخلف ماضي المقدم
وأنى تعيب الصلع والاير منهم ... وأنت بحب الاير عين المتيم
نوادر للصلع:
قيل لأصلع: إن الصلعة من نتن الدماغ فقال: لو كان ذلك كذا لم يكن على حرامك طاقة شعر. وجلس أصلع بين يدي حجام فحلق نصف رأسه، وتماسكا في الأجرة فقال الأصلع: حلق نصف رأسي فله نصف الأجرة!فقال الحجام: حلقت له إبطين أذرع كأنهما تنوران يشوى فيهما السالخ لنتنهما، فحكم له بالأجرة تماماً. وقال أصلع لرجل رأى عليه جرباً كثيراً: أراك لابساً جوشناً بلا بيضة.
مما جاء في الأسماء والكنى والألقاب
الحث على تسمية الأبناء بأحسن الأسماء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم وهذه الأسماء القبيحة فما من مولود إلا ويحضره ملك وشيطان فيقول الملك: سموه بكذا اسماً حسناً ويقول الشيطان: سموه بكذا اسماً قبيحاً. وقال: كنية الرجل أحد شواهد عقله، واسمه أحد شواهد عقل أبيه. وقيل: أشيعوا الكنى فإنها منبهة. وقال صلى الله عليه وسلم: من آتاه وجهاً حسناً واسماً حسناً وجعله في غير موضع شائن فهو من صفوة خلقه.
الميل إلى الأسماء الحسنة والتفاؤل بها:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أحبكم غلينا أحسنكم أسماء، فإذا رأيناكم فأجملكم منظراً، فإذا اختبرناكم فأحسنكم مخبراً. وخرج الرشيد يوماً فرأى سعيد بن سلم فقال: من؟قال: سعيد أسعدك الله. فقال: ابن من؟قال: ابن سلم سلمك الله. قال: أبو من؟قال: أبو عمرو عمرك الله. قال: بارك الله عليك، وأكرمه.
المسمى باسم حسن معناه موجود فيه:
قال:
وقلما أبصرت عيناك من رجلٍ ... إلا ومعناه في اسمٍ منه أو لقب
ابن الرومي:
أنت أبو الفضل وأنت ابنه ... فالفضل لا يعدوك في كل حال
وسأل رجل صبياً صبيحاً: ما اسمك؟قال: وصف وجهي. فقال: ما أراك تسمى إلا حسناً فقال: كذلك؛وفي ذلك لأبي النواس:
إن اسم حسنى لوجهها صفة ... وما رأى ذا لغيرها اجتمعا
فهي إذا سميت فقد وصفت ... قد يجمع الاسم معنيين معا
ونظر المأمون إلى غلام فقال له: ما اسمك؟قال: لا أدري. فقال: لم أر مثل هذا، وأنشد:
تسميت لا أدري لأنك لا تدري ... بما فعل الحب المبرح في صدري

المسمى باسم حسن معناه معدوم فيه:
ولي رجل يقال له البحر أبو الغمر بعض كور خراسان فمدحه شاعر فأعطاه درهمين فقال:
تركت لبحرٍ درهمين ولك يكن ... ليدفع عني فاقتي درهما بحر
وقلت لبحرٍ: خذهما واصرفهما ... سريعين في نقص المروءة والفخر
وقالت غمرة بنت النعمان بن بشير:
سميت روحاً وأنت الفم قد زعموا ... لا روح الله عن روح بن زنباع
ومر صاعد ببشار فقال: من هذا؟قيل: صاعد. فقال: الصاعد اسماً السافل فعلاً. ودفع أبو الفياض ابن بحر رقعة إلى أبي الفضل بن العميد، فكتب عليها: بحر بن محمد بن بحر، فكتب تحتها محمد: مسكين غرق بين بحرين.
ابن الرومي:
سميت أحمد مظلوماً ولست به ... كلا ولكن من السماء مقلوب
عرضت على كشاجم جارية حسناء فقال: ما اسمك؟قالت: مظلومة فقال:
مملوكةٌ تملك أربابها ... ما شانها ذاك ولا عابها
قد سميت بالضد مظلومةً ... وهي التي تظلم أصحابها
من عير بقبيح اسمه:
قال بعضهم في رجل اسمه فضل:
هو فضلٌ وفضل الشيء لغوٌ ... ثم أردفت قلة التصغير
وأراد عمر رضي الله عنه أن يولي رجلاً فساله عن اسمه فقال: ظالم بن سراق، فقال: أنت تظلم زأبوك يسرق لا خير فيك!ولم يوله. وقال معاوية لجارية بنت قدامة: من هوانك على أخلك سموك جارية فقال: أنت كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية، وهي الأنثى من الكلاب!ووقف رجل على ثلاثة نفر فسألهم عن أسمائهم فقالوا: حافظ ومنيع ومحرز فقال: ما أظنكم من أسمائكم إلا كما قال ابو فراس:
إذا نسبوا لم يعرفوا غير ثعلبٍ ... ألا أشرار السباع الثعالب
وقال العتابي لإبراهيم الموصلي عند المأمونوكان أغرى بينهما: ممن وما اسمك؟قال: من الناس واسمي كل بصل فقال: أما النسبة فمعروفة وأما الإسم فمنكر. فقال: وما كلثوم من الأسماء؛البصل على كل حال أطيب. وقيل لرجل: ما اسمك؟قال: شعيب فقال: لا خير في اسم أوله شه وفي آخره عيب؛وهذا مثل قول الصاحب في قابوس: نصف اسمه ضعف وآخره بوس؛ونحوهما ما قال موسى بن عبد الملك في عيسى: أنى يكون بليغاً ونصف اسمه عي ومت تأخر عنه ثلثا حروف مسى؟وقيل في نفطويه:
أحرقه الله بنصف اسمه ... وصير الباقي نواحاً عليه
ونحوه:
أبو رياشٍ بغى والبغي مصرعه ... فشددوا العين ترموه بآبدته
عبدٌ ذليلٌ هجى للحين سيده ... تصحيف كنيته في صدع والدته
أي أبو رناس، وقال ابن أبي البغل: ولد لي سبط فما أسميه؟فقيل له: لا تخرج من الإصطبل وسمه ما شئت. ومن نوادر الصاحبي أنه وقع في قصة ابن حيلة لا تترك استعمال أبيك وقال:
ابن عذابٍ إذا تغنى ... فإنني منه في عذاب
وقال ابن سوادة لعبدان: أن ابوك كان ثنوياً ولذلم سماك عبدان أي عبد النور وعبد الظلمة. وقال الصاحب للبغلي: ما اسم أبيك؟قال: موسى. قال: وابنك؟قال: موسى، وهذه اللحية بين موسيين على خطر؛وفيه:
حلقت لحية موسى باسمه ... وبهارون إذا ما قلبا
من استمحق في اسمه:
قال ابن أبي عتيق لرجل: ما اسمك؟قال: وثاب. وقال: وكلبك؟قال: عمرو فقال:
فلو كان من التوفيق ... قد أعطي أسبابا
لسمى نفسه عمراً ... وسمى الكلب وثابا
وقال رجل لآخر: ما اسمك؟قال: وردان. قال: وفرسك؟قال: عمران. وذهب رجل إلى باب فقيل: من فقال: عبد من الأرض جميعاً قبضته والسماوات مطويات بيمينه. فقال: إن نصف المصحف بالباب. وسئل رجل عن كنيته فقال: أبو الحسن وأبو الغمر. فقيل: ألم تكف واحدة؟قال: لا إن ضاعت واحدة بقيت الأخرى.
المتأول قبيح اسمه على تأويل حسن:
كان بنو أنف الناقة يستنكفون من الاسم حتى قال فيهم الشاعر:
قومٌ هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟
فصاروا يتبجحون به. واستقبح قوم اسم العجلان فقال بعضهم:
وما سمي العجلان إلا لقوله: ... خذ الوطب واحلب أيها العبد واعجل
المعتذر لشناعة اسمه أو كنيته:

قيل لأعرابي اسمه نعامة: أي شيء هذا الاسم؟قال: الاسم علامة ولو كان كرامة لتشارك الناس كلهم في اسم واحد. وقال برصوماً لأبيه: ألم تجد اسماً أحسن من هذا؟قال: لو علمت أنك تجالس الخلفاء باسمك لسميتك يزيد بن مزيد. وطلب الحسن مؤدباً لولده فأتي بمعاوية بن القاسم وكان ضئيلاً فقال: ما اسمك؟قال: كنيتي أبو القاسم، ولضرورة تكنيت فاستظرفه. وقيل لحرم المخنث: لم تسميت بذلك؟قال: حتى أدبن فيقال: واحرماه!وأتى ضرار المتكلم بمجوسي ليكلمه فقال: أبو من أنت؟قال : نحن أجل من أن ننسب إلى أبنائنا إنما ننسب إلى آبائنا، فورد على ضرار ما لم يكن في حسابه فأطرق ساعة ثم قال: أبناؤنا أفعالنا وآباؤنا أفعال غيرنا. وسئل بعض الأعراب لم سموا أبناءهم بالأسماء القبيحة وعبيدهم بالحسنة فقال: لأن أبناءهم لأعداءهم وعبيدهم لأنفسهم.

مدح الكنية واللقب وذمهما:
قيل: الكنية للإبانة واللقب للتبجيل فلا يكون لله تعالى كنية لأنه بان بصفاته. واللقب على أوجه لقب على سبيل الهزء وذلك منهي عنه، وربما يخص الرجل على التعيين وربما يعم الجنس كقولهم للأحدب ابو الغصن وللقصير أبو الرماح، والثاني على سبيل التخفيف يستغنى به عن الاسم والنسب، وهو كثير كابي فلان، والثالث للتعظيم كلقب الخلفاء والأمراء، والرابع لفعل يختص به كهاشم لهشمه الثريد، وعدوان لعدوه على أخيه وقتله إياه، ودارم لدرمانه تحت المال.
المتفائل باسمه حسناً كان أو قبيحاً:
خرج عمر رضي الله عنه فلقي رجلاً من جهينة فقال: ما اسمك؟قال: شهاب. قال: أبو من؟قال: أبو جمرة. فقال: ممن أنت؟؟قال: من بني حرقة ثم من بني ضرام. قال: أين مسكنك؟قال: ذات لظى. قال: أدرك أهلك وما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا!فأتاهم وقد أحاطت بهم النار، ولما حاصر قتيبة سمرقند أرسل إليه دهقانها: لو حاصرتها الدهر الأطول لم تظفر بها فإنا نجد في كتبنا أنه لا يفتحها إلا بالان، فقال قتيبة: الله أكبر أنا صاحبها!لأن قتيبة تفسيره بالفارسية بالان، فلما يئس من مكابرتها هيأ صناديق وجعل لها أبواباً تغلق من داخل، وجعل فيها رجالاً مستلئمين وقال: أنا راحل عنكم ومعي أموال أريد أن أجعلها عندكم، فأمر دهقانها ففتح الباب وأدخلت الصناديق، فخرجوا وقتلوا من فيها وفتحوها.
المتسمي باسم لا يليق به:
بكر بن النطاح:
وأعجب منك اليوم تسليم أمره ... عليك على طنزٍ وأنك قابله
عبدان:
هل رأيتم أو سمعتم ... بكياء أصفهان
الصاحب:
الغضاري قال ادعى كياء ... لست أرضى بالشيخ والأستاذ
هل رأيتم يا سادتي أو سمعتم ... بكياء من أهل نصرأباذ؟
الحث على تعرف أسماء الأصدقاء:
قال ابن عباس: إذا آخى رجل رجلاً فليسأله عن اسمه واسم أبيه، وإلا فهي معرفة حمقى.
المشتركان في الاسم المختلفان في الفضل:
قال رجل لمعاوية: ولد لي ولد فسميته معاوية فقال: الطريق مشتركة فضلان ضمهما اسم وشتت الأخبار وقال:
وقد تلتقي الأسماء في الناس والكني ... كثيراً ولكن لا تلاقى الخلائق
وقال:
وكم من سميٍ ليس مثل سميه ... وإن كان يدعى باسمه فيجيب
وقال:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليمٍ والأغر بن حاتم
وفي فصل لأبي الفضل بن العميد إلى محمد بن يحيى: وما أحسبنا نشترك في الاسم، وشتان بين محمد ومحمد، فلو كنا السماكين لكنت الرامح وكنت الأعزل، أو النسرين لكنت الطائر وأنا الواقع، أو السعدين لكنت سعد السعود وكنت سعد الذابح.
الحث على تسمية الغير بأحسن الأسماء:
قال الله تعالى " ولا تنابزوا بالألقاب " .
وقال ابن الخزاعي:
ولست بذي نيرب في الكرام ... ومناع خير وسبابها
ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أتعلم ألقابها
وقيل: ثلاثة تثبت لك الود عند أخيك: أن تبدأه بالسلام وتوسع له في المجلس وتناديه بأحب الأسماء إليه. وقال الطائي:
لا يضمر الغدر للصديق ولا ... يخطو اسم ذي وده إلى لقبه
وقال:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقب

وجرى بين أبي بكر بن فريعة القاضي وبين بعض القواد كلام في مجلس ابن الحسين بن بويه، وكان أبو بكر يقول مرة يا إبراهيم ومرة يا إسحاق، فغضب القائد من ذلك وقال: لم لا تقول كياء؟قال: إنما نكياءك إذا أنصفتنا فإذا ظلمتنا سحقناك وبرهمناك.

الاعتذار لمن سمي بغير اسمه المشهور به:
صاح أعرابي بعبد الله بن جعفر فقال: يا ابا الفضل. فقال: ليس هذا كنيتي. فقال: إن لم يكن كنيتك فإنه وصفك. وكان يحيى بن اكثم يناظر رجلاً في أبطال القياس، وكان الرجل يكنيه بأبي زكريا، فقال يحيى: العجب أنك تكنيني بالقياس وتناظرني بإبطاله. ودخل رجل على أمير يدعى إسحاق فقال له : يا أبا يعقوب فقال: أخطأت أنا أبو الحسين. فقال: أخطأ الأمير لأن كل إسحاق يكنى أبا يعقوب.
المشاهير باسماء لا يعرف بها غيرهم:
إذا قيل أمير المؤمنين مطلقاً فهو أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، وابن عباس عبد الله، وابن عمر عبد الله، وكان لهما أولاد غيرهما، والحسن بالحسن البصري، والنابغة نابغة بني ذبيان، والأعشى أعشى بني قيس.
من سمي من الكبار بأسماء وكنى:
النبي صلى الله عليه وسلم محمداً ومحموداً وأحمد ولهذا باب طويل.
نوادر مختلفة في ذكر الأسماء:
قيل لحائك: ابو من؟فقال: أبو محمد عليه السلام. وقال علي رضي اللهعنه: ما اجتمع قوم في مشورة فلم يدخلوا فيها من اسمه محمد ألا لم يبارك لهم فيها. وقال ابن أبي ليلى: أحب الأسماء إلى الله تعالى ما فيه الإقرار بالعبودية له تعالى. ودق باب الجاحظ رجل فقال: من؟قال: أنا، قال: لا يعرف من اسمه أنا. ودق آخر فقيل: من؟قال: أنا. قال: ما أفلح ذو انا. ودخل مجوسي على والٍ فقال: ما اسمك؟قال: يزدان باذان. قال: اسمان وجزية واحدة لا يكون ذلك، وألزمه جزيتين. وقال رجل للفرزدق: من أنت؟قال: فرزدق. قال: لا نعرف فرزدقاً إلا عجيناً فتيتاً تأكله نساؤنا. فقال: الحمد لله الذي جعلني في بطون نسائكم!وقال أعرابي لرجل: ما اسمك؟قال: عبد الله. قال: ابن من؟قال: ابن عبيد الله. قال: ابو من؟قال: ابو عبد الله الرحمن. فقال الأعرابي: أشهد أنك تلوذ بالله لياذ لئيم جبان. وجاءت عجوز إلى لحام بالمدينة فدفعت له درهماً وقالت: ادفع لحماً طيباً واذكر اسمك لأدعو لك، فدفع إليها أخبث لحم وقال: اسمي من يمد، فجعلت المرأة تأكل وتقول: لعن الله من يمد، تلعن نفسها ولا تدري. وكان بالبصرة شيخ يقال له أبو حفص اللوطي، فدخل يعود جاراً له فوجده كالمغمى عليه فقال له: أتعرفني؟قال: نعم أنت أبو حفص اللوطي!فقال: تجاوزت حد المعرفة لا رفع الله صرعتك.
من غضب على غيره لموافقة اسمه من لا يحبه:
ظاهر أن الشيعة يبغضون ويقاتلون من كنى بأبي بكر أو سمي عمر، وكانت قرية يقال لها يزداد وأهلها من الشيعة، مربهم رجل فسألوه عن اسمه فقال عمران، فضربوه ضرب التلف وقالوا: في اسمه عمر وحرفان من اسم عثمان ألا يستحق القتل؟
المسمى بفعل منه جداً أو هزلاً:
سمي إبراهيم حنيفاً لأنه حنف عن عبادة الأوثان، ومريم البتول لتبتلها أي انقطاعها إلى الله تعالى. وخطب والي باليمامة فقال: إن الله تعالى لا يقر على المعاصي فقد أهلك أمة في ناقة لا تساوي مائتي درهم فسمي مقوم الناقة. وقال الخليل: كان قوم يلقبون كل من مر بهم فأتاهم رجل فقال: إني أريد أن أتصل بكم شرط أن تلقبوني، أدعوني راساً برأس. فلقبوه رأساً برأس والشعراء منهم كثير كالمرقش لقوله:
كما رقش في ظهر الأديم قلم
وجران العود لقوله:
خذا حذراً يا جارتي فإنني ... رأيت جران العود قد كان يصلح
والممزق لقوله: ولما أمزق.
ألقاب الخلفاء والولاة:

أول من لقب من الخلفاء عبد الملك بن مروان، لقب: الموفق لأمر الله. ثم الوليد: المنتقم لأمر الله. وأول من قال يا أمير المؤمنين قد جعل يمينك يمينه ويسارك يساره، فسمي ذا اليمينين. وكان أصحاب السلطان في زمن التبابعة سبعة أقاسم: التبابعة والعباهلة وهم الذين ليسوا فوقهم، والمقاول وقيل الأقيال والأقوال الواحد قيل وهم ستون رجلاً من أهل بيت الملك يرشحون له، ثم المثامنة ثمانون رجلاً إذا مات التبع وضعوا رجلاً من الأقيال تبعاً ووضعوا رجلاً من الثمانين في الأقيال مكانه، ثم الصنائع وهم ثقاب الملك يعدهم لنفسه، ثم الوضائع وهم أصحاب المناظر والمسالح والمقيمون في الثغور، ثم العباد وهم خدم السلطان الذين يلزمون بابه ويختلفون في رسائله، ثم الأخيار.

أسماء ملوك كل صقع وفرسانها:
فقد تقدم أسماء ملوك الأصقاع في السيادة؛فأما الفرسان فيقال: المرازبة في فارس، البطارقة في الروم، البكاكرة في السند والهند، والمقاول في اليمن، والكبش في ترار، وتبع في العرب.
من سماه أبوه باسم نفسه من الكبار:
عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الصديق، الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب، مسلم بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، عبد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عبد الله بن عبد الله بن عمر، سعيد بن سعيد ابن العاص بن أسيد.
شبه ألغاز باسماء:
قال المنصور لأبي بكر بن عياش: يا أبا بكر أخبرني عن عين فقأت عيناً؟يريد رجلاً أول اسمه عين قتل رجلاً أول اسمه عين، وأراد أن يعلم هل تحدث الناس بما كان منه إلى عبد الله بن علي فقال: نعم يا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قتله عبد الرحمن بن ملجم، وعبد الله بن الزبير قتله عبد الملك بن مروان، وعبد الملك قتله ابن عمه عمرو بن سعيد، وسقط البيت على عبد الله في عهد أمير المؤمنين عبد الله المنصور فقال: ويلك وذلك مني. وكان عبد الله بن علي خرج على المنصور فوجه إليه أبا مسلم فهزمه، ثم صار إلى المنصور بأمان فقيل: إنه بنى له بيتاً جعل في أساسه الملح وأجري الماء تحته فوقع فمات، ولذلك قال ما قال، وقال مروان: نجد في كتبنا أن علي ابن عين ابن عين يقتل ميم ابن ميم ابن ميم وأظن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قاتلي، فأنا مروان بن محمد بن مروان قال:
يا أبا إسحاق اقلب ... نظم إسحاق وصحف
واترك الحاء على حا ... لٍ فما للحال مصرف
المسمى باسم أمه وخاله:
فمما عير به قول دعبل يهجو:
سألته عن أبيه ... فقال دينار خالي
فقلت: دينار من هو ... فقال: والي الجبال
أبو محمد اليزيدي:
قلت وأدغمت ابا خاملاً: ... أنا ابن أخت الحسن الحاجب
ونحو ذلك ما حكي أن أبا العيناء سال ابن أخت ابي الوزير حاجة فلم يقضها له فقال: إنما ألوم نفسي في تأميلك وأنت مضاف إلى مضاف. ولأبي سعيد الرستمي:
كفى حزناً فاسمع علي بن رستمٍ ... لسبطك إن يدعى بسبط جنيد
وليس بحمد الله فيه مزلةٌ ... ولكن دعوا سعداً بلفظ سعيد
المنسوب إلى من يجالسه حتى صار كالعلم له:
قال خالد الواسطي الطحان: ما كنت طحاناً ولكن كنت أجلس إلى طحان فسميت به. وكذلك خالد الحذاء تزوج امرأة من الحذائين فنسب إليهم. واصل الغزال إنما كان يجلس إلى غزال. وإسماعيل المكي كان يتجر إلى مكة وهو من أهل البصرة، وسمي البتي لبت كان يعمله.
أنواع مختلفة:
دق إنسان على بشار فقال: من أنت؟قال: أنا. قال: انصرف يا أنا. قال أيو علي النطاح: كان المهدي يحب ابنه إبراهيم فقالت له شكلة أتراه يلي الخليفة؟فقال: لا ولا يليها من اسمه إبراهيم، إن إبراهيم الخليل أول من ألقي بالنار، وإبراهيم ابن النبي صلى الله علي وسلم لم يعش، وبويع إبراهيم ابن الوليد فلم يتم له الأمر، وأحكم إبراهيم الإمام أمر الملك فقتل، وتم لغيره، وطلب الخلافة إبراهيم ابن عبد الله بن الحسن فما تمت له على جلالته وكثرة جيشه، وقد بايع المتوكل لابنه إبراهيم المؤيد فلم يتم له وقتل.
الحد الثامن عشر
في الملابس والطيب
الرخصة في إجادة الملبس وعذر فاعله ديناً ودنيا:

قال الله تعالى " وأما بنعمة ربك فحدث " وقال تعالى " خذوا زينتكم عند كل مسجد " وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبد ه ويكره البؤس والتباؤس. وبعث ملك الروم إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة ديباج فلبسها ثم كساها عثمان. واشترى صلى الله عليه وسلم جبة بثمانين ناقة. وكان الحسن يلبس ثوباً بأربعمائة درهم، وفرقد السنجي كان يلبس المسوح فلقيه الحسن فقال: يا أبا سعيد ما ألين ثوبك!فقال الحسن: يا فريقد ليس لين ثوبي يباعدني من الله، ولا خشونتها تقربك منه، إن الله جميل يحب الجمال. وكان سعيد بن المسيب يلبس الحلة بألف درهم ويدخل المسجد ويقول: أجالس ربي.
ودخل الوليد بن يزيد على هشام وعليه عمامة وشي فقال: بكم أخذتها؟قال: بألف درهم. قال: عمامةبألف درهم؟قال: إني أخذتها لأشرف أعضائي وأنت أخذت جارية بألف دينار لأخس أعضائك. وقال ابن عباس: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأك اثنتان اسراف ومخيلة. وقيل: مروءتان ظاهرتان: الرياش والفصاحة. وقيل: المروءة الظاهرة الثياب الطاهرة. وأنشد:
إذا النفر السود اليمانون حاولوا ... له نسج برديه أدقوا وأوسعوا

الحث على تغطية سوء الحال بإجادة الثياب:
قال بعض الحكماء: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مآلاً فالكريم من كرمت عند الخصاصة خلته، واللئيم من لؤمت عند الحاجة طعمته. وكان بعض القرشيين إذا اتسع لبس أرث ثيابه، وإذا افتقر لبس أحسنها، ويقول: إذا اتسعت تزينت بالهبة وإذا افتقرت تزينت بالهيئة.
النهي عن الملابس المشهورة وما لا يليق بلابسه ومدح الاقتصاد:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب ذل يوم القيامة. وقال عمر رضي الله عنه: إياكم أن تلبسوا ألبسة مشهورة أو محقورة. وقال خالد: البسوا الثياب ما تستحسنه الملوك والسوقة، فإن تغيرت بأحدكم حال لم يعلم به أحد. وقيل: البس ما لا يزدريك به السفهاء ولا يعيبك به العلماء.
العلوي:
ليس لبس الطيالس ... من لباس الفوارس
لا ولا حومة الوغا ... كصدور المجالس
نهي من يداخل السلاطين عن الثياب الفاخرة:
قال دهقان لابنه: إياك إذا نلت منزلة من السلطان أن تلبس ما يديم نظره إليك، واعلم أن الوشى لا يلبسه الا أحمق أو ملك، وعليك بالبياض اللين فكل أبيض عندهم ثوب. وحكي أن الشيخ الأمين عباد بن العباس كان له جبات كثيرة كلها عنابي على لون واحد، يخدم بها ركن الدولة الحسن ابن بويه، فقال يوماً لحاشيته: انظروا إلى نظافته يلبس جبة كذا وكذا سنة لا يغيرها ولا يبليها. وقيل: أراد عمرو بن مسعدة يوماً الركوب إلى السطان في ثياب وشي فقال له نوح بن إبراهيم: لا تفعل. فقال: لم لا أفعل وغلتي كل شهر كذا؟قال إبراهيم: غلتك مسموعة وجبتك ملحوظة.
من لبس المعاوز من الصالحين:
قيل: كان أويس يلتقط الخرق من المزابل فيخيطها ويلبسها، وعمر رضي الله عنه رؤي عليه قميص فيه اثنا عشر رقعة وهو يخطب. وقال أبو أويس الخولاني: قلب نقي في ثوب دنس أحب من قلب دنس في ثوب نقي. وكان لعمر رضي الله عنه قميص قيمته أربعة دراهم فقال: إني أخشى أن أسأل عن لينه يوم القيامة، فبكى سلام غلامه وقال له: رأيتك قبل الخلافة لبست ثوباً بأربعين دينار فاستحسنته. فقال: يا سالم إني كنت لم أنل شيئاً إلا طلبت ما فوقه، فلما نلت الخلافة علمتت أن ليس فوقها إلا الجنة، فدعني أطلبها. وقال رجاء بن حيوة: قومت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة باثني عشر درهماً قميصه وخفه وعمامته وسراويله وقلنسوته.
حمد لبس المعاوز:
قيل: البس من الثياب ما يخدمك ولا يستخدمك. وقال عمرو بن العاص: لا أمل ثوبي ما ستر عورتي، ولا دابتي ما حملت رحلي. وكان حزيم الناعم لك يكن يلبس في الصيف إلا خلقاً ولا في الشتاء إلا جديداً.
عذر من لؤم لبسه وكرمت نفسه:

دخل النجار العذري على معاوية فازدراه فقال: يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك إنما يكلمك من فيها. فملأ سمعه حكمة ثم نهض ولم يسأله شيئاً فقال: ما رأيت أحقر أولاً ولا أكبر آخراً منه!وعاتب يحيى بن خالد العتبي في خلق ثيابه فقال: أخزى الله من ترفعه هيئتاه جماله وثيابه، ولم يرفعه أكبراه همته ونفسه، إنما الهيئة للأبناء والنساء. وقال حبيب بن أبي ثابت: لأن أعز في خميصة أحب إلي من أن أذل في مطرف. وقيل: لا يسود الرجل حتى لا يبالي في أي ثوبيه ظهر.
أبو هفان:
تعجبت در من شيبي فقلت لها: ... لا تعجبي فطلوع الشمس في السدف
وزادها عجباً أن رحت في سملٍ ... وما درت در أن الدر في الصدف
وقال:
أعاذل إن يكن برداي رثاً ... فلا يعدمك بينهما كريم
النمر بن تولب:
فإن يك أثوابي تمزقن عن بلى ... فإني كمثل السيف في خلق الغمد
ونظرت جارية لابن هبيرة وهو أمير العراق وعليه قميص مرقوع فضحكت فأنشد:
هزئت أمامة أن رأتني مملقاً ... ثكلتك أمك أي ذاك يروع؟
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلقٌ وجيب قميصه مرقوع
وقيل: لا يسود الرجل حتى لا يدري أي ثوبيه لبس. وقال البحتري:
وليس العلى دراعةً ورداءها ... ولا جبةً موشيةً وقميصها
وفي صبيح الوجه عليه خلق:
لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر

من عوتب في خلق ثيابه فاعتذر بالفقر:
قال بعض الكبار لأبي الأسود وعليه جبة خز خلقة طال صحبتها له: أما تمل لبسها؟فقال: رب مملول لا يستطاع فراقه؛فأمر له بمال. ودخل محمد بن كعب على سليمان فقال: ما هذه الثياب الرثة؟قال: أكره أن أقول الزهد فأطري نفسي، أو الفقر فأشكو ربي. وقال الإسكندر لرجل رث تكلم بفصاحة: ليكن حسن ثيابك كحسن كلامك فقال: أما الكلام فأنا قادر عليه، وأما الثياب فأنت تقدر عليها!فخلع عليه.
العريان:
قيل: فلان أعرى من المغزل. وقيل لأعرابي: ما تلبس؟قال: الليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس.
أبو هفان:
عريان أعرى من فصوص النرد ... كالسيف ماضٍ ما له من غمد
وأنشد رجل يحيى بن خالد:
إني امرؤ في أعالي بيت مكرمةٍ ... إذا تمزق ثوبي أرتدي حسبي
فقال يحيى: ما أقل غناء هذا الرداء في الكانونين. وقال الأصمعي: قلت لأعرابي في يوم بارد ألا تصلي؟قال: البرد شديد ومالي كسوة. وأنشد:
فإن يكسني ربي قميصاً وجبةً ... أصل وأعبده إلى آخر الدهر
وإن لا يكن إلا بقايا عباءةٍ ... مخرقةٍ ما لي على البرد من صبر
من يصون ثوبه ويهين نفسه:
ابن أبي الصمت:
أرى حللاً تصان على رجالٍ ... وأعراضاً تزال ولا تصان
وقال:
فترى خسيس القوم يترك عرضه ... دنساً ويمسح نعله وشراكها
عذر من يتشوه لبسه:
قال ابن أبي داوود، وكان مضطرب الطيلسان: لا يحسن لبسه. فقال له ابو العلاء المعري: لئن كنت لا تحسن أن تلبس الطيلسان إنك لتحسن أن تلبس نعمك جماعة الإخوان. وقال آخر وقيل له: لا تحسن أن تلبس الثياب فقال: لكني أحسن أن ألبسها. وعوتب آخر فقال: من عظمت مؤونته في نفسه قل تفقده لأمر غيره. وقيل: من كان شغله بنفسه فقد مكر به. وقيل: ما استوت عمامة على رأس كريم قط.
اعطاء الخلع:
قيل: من راح منك في الثياب تغدو منه في الثناء.
البحتري:
وراح في ثنائي ... ورحت في ثيابه
وقيل: أحق الناس بحلتك أصدقهم في خلتك. وقيل: ثوبك على أخيك بالياً أحسن منه عليك جديداً. وقال المهلب لأولاده: ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم.
من تزين به الثياب ولا يتزين بها:
كتب بعضهم: فلان تتزين به المطارف وتتشرف به المكارم.
بشار:
زين الملابس حين يلبسها ... وإذا تسلب زانه سلبه
وقال:
إن المليحة من تزين حليها ... لا من غدت بحليها تتزين
جميل:
إذا ابتزلت لم يزرها ترك زينةٍ ... وفيها إذا ازدانت لدى نيقةٍ حسب
المتنبي:
لبس الوشي لا متجملاتٍ ... ولكن كي يصن به الجمالا
كشاجم:

قد تأملت في الغلالة منه ... جسد النور في قميص الهواء

ذم من حسن لباسه ولؤم فعاله وخلقه:
ذم أعرابي رجلاً فقال: هو عبل البدن حسن الثياب عظيم الرواق صغير الأخلاق. الدهر يرفعه ونفسه تضعه. ونظر أرسطاطاليس إلى رجل حسن اللباس سيء الكلام فقال له: يا رجل تكلم على قدر لباسك، أو البس على قدر كلامك. وقيل: ثوب نظيف وجسم سخيف.
شاعر:
إذا لبسوا دكن الخزور وخضرها ... وراحوا فقد راحت عليك المشاجب
الفرزدق:
بكى الخز من عوفٍ وأنكر جلده ... وعجت عجيجاً من جذام المطارف
البسامي:
كأنه لما بدا مقبلاً ... في حللٍ يقصر عن لبسها
جاريةٌ رعناء قد قدرت ... ثياب مولاها على نفسها
الخوارزمي:
أبو سعد لخ ثوبٌ نفيسٌ ... ولكن تحت ذاك الثوب عريه
فإن جاوزت كسوته إليه ... فليس وراء عبادان قريه
وقال:
وما الثقفي إن جادت كساه ... وراعك شخصه إلا خيال
آخر:
استجيدوا الثياب إن حمار السوء تخفى عيوبه بالجلال
المتنبي:
ولا يروق مضيماً حسن بزته ... وهل يروق دفيناً جودة الكفن
ذم ملابس التصوف:
قال ابن السماك لصوفي: إن كان لباسكم وفقاً لسرائركم فقد احببتم أن يطلع الناس عليها، وإن كان مخالفاً لها فقد نافقتم وهلكتم. وقال الحسن فيما أظن: إن قوماً جعلوا تواضعهم في ثيابهم وكبرهم في صدورهم حتى لصاحب المدرعة بمدرعته أشد فرحاً من صاحب المطرف بمطرفه.
حمد لبس الصوف وذمه:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: من لبس الصوف وأكل خبز الشعير وركب الأتان فليس له فيه شيء من الكبر. وقيل: من أحب أن يجد حلاوة الإيمان فليلبس الصوف. وقيل لراهب: لم تلبسون السواد؟قال: لأنه أشبه بلباس المصيبة. وقال ابن سيرين: كان عيسى عليه السلام يلبس الصوف ونبينا يلبس الكتان، وهو أحب إلينا أن نقتدي به.
لبس الحرير والكتان:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له. وروي أنه صلى الله عليه وسلم خرج وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذهب فقال: هذان على ذكور أمتي حرامان، حلالان على إناثهم. وقال بعض الأمراء لحاجبه: أدخل إلي رجلاً عاقلاً. فأدخل رجلاً فقال: من أين عرفت عقله؟قال: رأيته لبس الكتان في الصيف والقطن في الشتاء، والعتيق في الحر والجديد في البرد. وقال أمير المؤمنين: لا يلبس الكتان إلا غني أو عني.
ذم سحب الثوب ومدحه:
روي في الحديث: فضل الإزار في النار. وقال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي إليك؟قال: أحسن طاعة. قال: فأطعني كما أطعتك، خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، ومن ثيابك حتى تبدو قدماك. وخلع الرشيد على يزيد بن مزيد، وكان يجالسه رجل من اليمن فقال اليماني: اجرر فما عرق جبينك في نسجه. فقال: عليكم نسجه وعلينا سحبه. ونظر سعيد بن سالم إلى أحمد ابنه وعليه ثوب طويل يجره فعاتبه فقال: يا أبتي إني قصير وعادتي إذا لبست ثوباً مرة ومرتين أن أهبه، وأكره أن أهبه لمن لا يصلح له، فاحتملت قبح ذلك لما فيه من مصلحتهم.
الثوب الخلق:
للحمدوني في ذلك أشعار كثيرة، وله اختصاص بوصف ذلك، منها قوله في طيلسان كثر رفوه:
يا ابن حربٍ أطلت فقري برفوي ... طيلساناً قد كنت عنه غنيا
فهو في الرفو آل فرعون في العر ... ض على النار بكرةً وعشيا
وقال:
طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى
وقوله:
عمرته الرقاع فهو كمصرٍ ... سكنته نزاع كل قبيله
ولآخر في جبة:
دب فيها البلى فدقت ورقت ... فهي تقرأ إذا السماء انشقت
البسامي:
أرقع كميها وأرفو ذيولها ... فلا رفوها يجدي ولا رقعها يغني
إذا قمت أو قعدت تنفست ... تنفس صبٍ ما يقر من الحزن
التعمم:
قال صلى الله عليه وسلم: اعتموا تزدادوا حلماً. وقال عمر رضي الله عنه: العمائم تيجان العرب. وقولهم: سيد معمم معصب فيه تأويلان: أحدهما هو المتعصب بجرائر قومه، والآخر بمعنى الشرف؛ومنه قول دريد:
عاري الأشاجع معصوبٌ بلمته ... أمر الزعامة في عرنينه شمم

وقال أبو أمامة: إذا طولت الكمة وكورت العمة ووسعت الأكمة فقد هلكت الأمة. وكان السيد يتعمم بعمامة صفراء ومنه الزبرقان لصفرة عمامته. وذكرت العمامة لأبي الأسود فقال: هي جنة في الحرب ومكنة في الحر ومدفأة في القر، ووقار في الندى وزيادة في القامة وتعظيم للهامة. وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد في بعض سراياه فعممه بيده وسدل طرف عمامته.
شاعر:
إذا لبسوا عمائمهم طووها ... على كرمٍ وإن سفروا أناروا

مدح التقنع وذمه:
كان فرسان العرب يتقنعون إلا أبو تميم بن طريف لم يتقنع قط ولم يبال أن يعرف. وقيل: التقنع بالليل ريبة وبالنهار مذلة. وكان التقنع من شيم الأشراف يقصدون بذلك مباينة العامة ويقولون: عدم القناع يفضي إلى ملال وابتذال، فمن وطئته الأعين وطئته الأرجل.
التاج:
كانت ملوك العجم وكثير من ملوك العرب يتتوجون ويقولون للملك: المتوج. وقالت الخزرج للنبي صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن أبي بن سلول: لقد جئتنا حين نظمنا الخرز لتتويجه. وكان السيد من قريش يتعصب في النادي ويفتخر، وبنو أمية جلسوا على الأسرة ولم يتتوجوا. وكان الوليد الخليع بنى قبة ليضعها فوق الكعبة لتكون مجلساً له ونزهة، وانتظر بذلك مع وضع التاج على رأسه كيف احتمال الناس له.
الألوان:
سئل بعض الأعراب عن ألوان الثياب فقال: الصفرة أشكل، والحمرة أجمل، والخضرة أنبل، والسواد أهول، والبياض أفضل. وقال ابن عباس: لو كان البياض صبغاً لتنوفس فيه.
شاعر:
وتعرضت لك في البياض كأنه ... درٌ تنظمه بغير فصول
العباس في سوداء لبست قميصاً مورداً:
فحمةٌ ألبست رداءً من الجمر ونارٌ تستن في حراق
وكان الأوزاعي يكره لبس السواد ويقول: يلبس في المأتم، وبمثله يعاقب المجرم، ولم أره على محرم، ولا جليت به عروس، ولا كفن فيه ميت. أفلاطون: الصبغ الشقائقي والروائح الزعفرانية تسكن الغضب، والصبغ الياقوتي والروائح الوردية والنرجسية تحرك السرور، فإذا قرنت اللون الأحمر باللون الأصفر حركت القوة العشقية، وإذا قرنت الأصفر بالأسود تحركت الشوقية، وإذا مزجت الحمرة بالصفرة تحركت القوة الغريزية، وإذا مزجت التفاحية بالخمرية تحركت الطبائع كلها.
الحث على صيانة الثوب:
قيل: لكل شيء راحة وراحة الثوب طيبه، وراحة البيت كنسه. وقيل: إن الثوب يقول صني بالليل أصنك بالنهار.
ذم من وسخ ثوبه:
بعضهم:
وسخ الثوب والعمامة والبر ... ذون والوجه والقفا والغلام
بعضهم:
دنس القميص غليظه ... من غير لحمته سداه
وشعاره من شعره ... فكأنه في مسك شاه
ودخل دسته على بعض المياسير بخراسان يستميحه وكان وسخ الثياب فقال: لو غسلت قميصك. فقال:
أشرت بغسل كمتنا علينا ... وقد أرعيتها أذناً سميعة
سأغسل كمتي ويدي منكم ... وأنشر عنكم لوم الطبيعة
وذكر لأبي أيوب المتشقفة فقال: ما علمت أن القذر من الدين. ورأى أبو الفتح بن زنكلة صوفياً قذراً فقال: ما علمت أن طريق الجنة على الكنيف.
النعل:
قال عمر رضي الله عنه: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا وتمعددوا أي افعلوا فعل معد. وقيل: استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال. وألغز بعضهم فيه:
ومخزومة الأذنين ما تشتكيهما ... ومطعونةٍ في الصدر ما فجرت دما
ودخل ابن سكرة الحمام فسرقت نعله فقال:
ولست بداخلٍ حمام موسى ... وإن كان المنى طيباً وبشرا
تكاثفت اللصوص علي حتى ... دخلت محمداً وخرجت بشرا
أي كنت صاحب النعل، فلما خرجت صرت بشراً الحافي. وقال هشام بن محمد: مثل الذي يقعد ولا يخلع نعليه مثل الدابة فلا يحل حملها.
شاعر:
يمسي ويغدو راجلاً ... في خلق من الحذا
خفك يمشي جانباً ... وأنت منه في حذا
وفي المثل: كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع.
أنواع من الثياب:

قيل: ثلاثة من لباس البخلاء: الخز والقومسية والأدم. وقيل: الدواويج من لباس القبط، والدراريع لباس الروم، والأقبية لباس الفرس، والفوط لباس الهند، والأزر لباس العرب. وقيل: كان لأبرويز عمامة طولها خمسون ذراعاً إذا اتسخت طرحت في النار فتأكل وسخها. وكان له ثوب قرمز يتلون كل ساعة بلون، وسراويل جوهر وتكة أنابيب زبرجد في اللين كالغصن.

الخاتم:
كان خاتمه صلى الله عليه وسلم حلقة فضة وعليه فص عقيق، وكان يتختم به في يمينه وسبب اتخاذه أنه كتب إلى ملك الروم فقيل له: إنه لا يقبل كتاباً إلا مختوماً، فاتخذه حينئذ. وعنه صلى الله عليه وسلم: لا يلبس الخاتم إلا أمير أو ذو مال، وأول من ختم في يساره معاوية. وقيل:
قالوا تختم في اليمين وإنما ... مارست ذاك تشبهاً بالصادق
وتقرباً مني لآل محمد ... وتباعداً مني لكل منافق
الماسحين فروجهم بخواتمٍ ... اسم النبي بهن واسم الخالق
اتخاذ الحلي:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الذهب والفضة وقال: من شرب في إناء من فضة فكأنما تجرجر في جوفه نار جهنم. واتخذ الهادي لجاماً من فضة فقال له المهدي: أما تعلم الناس أنلك فضة؟ارجع إلى حالك.
محبة الطيب والحث على تناوله:
قال صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. وقال صلى الله عليه وسلم: حق على كل مسلم الطيب والغسل والسواك يوم الجمعة، وأن يلبس من أحسن ثياب أهله، وأن يمس الطيب إن وجد، وإن لم يجد فالماء له طيب. وقال الشعبي: الرائحة الطيبة تزيد في العقل. وقيل: من طاب ريحه زاد عقله، ومن نظف ثوبه قل همه.
نهي من عرض عليه طيب فرده والحث على عرضه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم بطيب فليمس منه، وإذا أتى بحلواء فليمس منها. وروى ابو هريرة: لا تردوا الطيب فإنه أطيب الريح خفيف المحمل.
ما يستحب للرجال والنساء من الطيب:
كان ابن عمر يستجمر بالألوة غير مطراة وبكافورة معه. وقال صلى الله عليه وسلم: طيب الرجل ريح لا لون له، وطيب النساء لون لا ريح له. يعني طيب النساء إذا خرجن. وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: تحفة الصائم أن يدهن لحيته ويجمر ثيابه، وتحفة الصائمة أن تذرر وتمشط رأسها وتجمر ثيابها.
أنواع الطيب:
أول من سمى الغالية معاوية، وذلك أن عبد الله بن جعفر اتخذها وأهداها له، فساله عن كلفتها فأخبره فقال: هي غالية. وقال مالك بن أسماء لأخته وقد شم منها ريحاً طيبة: علميني هذا الطيب. فقالت: ما أخذته إلا من شعرك.
أطيب الطيب طيب أم أبان ... فأر مسكٍ بعنبرٍ مسحوق
فأدخل على الحجاج فقال: ما الذي أسهرني؟فسمي الساهرية وقال بعض النصارى: دخنة مريم تبلغ رائحتها عنان السماء. فقال مخنث: فالند إذاً يبلغ تحت العرش.
الاستقصاء في التبخر:
قيل: من الظرف والكرم الاستقصاء في التبخر. ووضعت مجمرة تحت رجل فاستعجله الواضع وقال: ألا تضجر منها؟فقال: إني أقعد على المستراح ساعات فلا أضجر، أفأضجر من ثلث ساعة أتبخر فيها؟
المستغني عن الطيب بطيب رائحته:
شاعر:
الطيبون ثياباً ... كلما عرقوا
آخر:
يا باسطاً كفه نحوي يطيبني ... كفاك أطيب في نفسي من الطيب
وقال:
وما ضر من أمسيت جارة بيته ... وفي رحله أن لا يمس من الطيب
البخور الطيب:
قال الخوارزمي:
بخورٌ مثل أنفاس الحبيب ... وطيبٌ قد أخل بكل طيب
يظل الذيل يستره ولكن ... تنم عليه أنفاس الجنوب
إذا ما شم أنفٌ حن قلبٌ ... كأن الأنف جاسوس القلوب
وصف من رؤي متطيباً:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف خروجه برائحة المسك وكان يعجبه المسك؛قال شاعر:
ويضوع مسكاً ريح طيب ثيابه ... وكذاك ريح الماجد الوهاب
وقال:
كأن تجاراً تحمل المسك عرسوا ... به ثم فضوا ثم كل ختام
أبو ذهيل:
في كفه خيزرانٌ ريحه عبقٌ ... من كف أروع في عرينه شمم
وكان الزهري يشم منه رائحة المسك حتى من علاقة سوطه.
طرفة:

ثم راحوا يعبق المسك بهم ... يلحقون الأرض هداب الأزر
أبو نواس:
وكأن القوم بهتى ... بينهم مسكٌ ذبيح
شاعر:
بأبي من بعضه من ... طيبه يعشق بعضا
حمل بخور إلى مجنون فحرق ثوبه، فحلف لا يتبخر إلا عرياناً.

مما جاء في آلات الدار
قال الله تعالى في ذم قوم " الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون " . والمحلات عند العرب الدلو والمقدحة والفأس والقربة والقدر، وذاك أن من كان معه ذلك حل حيث أراد.
لا يعدلن أتاويون تضربهم ... نكباء صر بأصحاب المحلات
وقيل أشبه امرأ بعض بزه وكل سلعة لا تشبه صاحبها سرقة. وقيل: استبن حزم الرجل بمتاع بيته. وأراد رجل أن يمدح رجلاً عند خالد بن عبد الله فقال: دخلت عليه فوجدته أثرى الناس داراً وآلة واثاثاً وفرشاً. فقال خالد: هذه حالة من لم تدع فيه شهوته للكرم والمعروف موضعاً. ودعا بعض الناس حكيماً إلى داره وهي في غاية الفرش والرجل في غاية الجهل، فبزق الحكيم في وجهه فغضب الرجل فقال الحكيم: طلبت موضعاً في دارك أبزق فيه فلم أجد موضعاً أقبح من نفسك، فجعلتها موضعاً لبزاقي إذ كان من شرطه أن يقذف في أخس ما كان.
شاعر في وسادة منقوشة:
ومكسورةٍ حمراً كأن متونها ... نسورٌ لدى جنب الخوان جموح
وقال:
ومكسورةٍ بإثنين وهي صحيحةٌ ... حبيبٌ إلى كل النفوس التزامها
وقيل: في الفراش الطبري فضيلتان برد صفحته ومجانسة لونه لون السماء فالنفس تسكن إليه من الجهتين.
الفرش المصورة:
كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى صورة في ثوب قصه ونهى عن التصاوير. وبعث كسرى إلى أبي سفيان بوسادة مصورة، فجعلها على رأسه فاستحمقه وقال: قد بعثتها إليك لتقعد عليها فقال: قد علمت ولكن رأيت عليها صورة الملك فوضعتها على أكرم أعضائي.
الببغاء في فأرة مصورة:
انظر إلى صورةٍ لو أنها علمت ... بمن تشبه لم تظهر لبانيها
ترى الملوك وقوفاً حول مالكها ... وعدة الدولة المأمول يعليها
الرفاء:
صنعت فوقها التماثيل أيدٍ ... عاجزاتٌ عن صنعة الخلاق
ألبستها محاسن الخلق لما ... عجزت عن محاسن الأخلاق
حيوانٌ بلا حياةٍ فمنه ... حائدٌ من منية وملاق
المتنبي:
وأحسن من ماء الشبيبة كله ... حيا بارق في فازة أنا شائمه
عليها رياضٌ لم تحكها سحابةٌ ... وأغصان دوحٍ لم تغن حمائمه
ترى حيوان البر منسرحاً بها ... يحارب ضد ضده ويسالمه
إذا ضربته الريح ماج كأنه ... تجول مذاكيه وتذأى ضراغمه
وفي صورة الرومي ذي التاج ذلةٌ ... لأبيض لا تيجان إلا عمائمه
الببغاء في تمثال سبع في رمح:
وضيغمٍ في ذابلٍ يلوح ... مساور تسيل منه الروح
جسمٌ ولكن ليس فيه روح
في صورة أفعى:
ومارقٍ معتدل الكعوب ... يقل أفعى مدة التركيب
تدب في الجو بلا دبيب
اللبد:
أبو طالب المأموني:
وواضعةٍ خدها بالصعيد ... لأربابها فلها حرمه
منسجةٌ من جلود النعاج ... بغير سداءٍ ولا لحمه
تزف على الزف زف الرئال ... وتربو على الخز في نعمه
خركاة:
أبو محمد البارودي في خركاة عليها ثياب بيض وقد كشف بعضها:
رأيتك والبستان يحكي حسنه ... سماء وفيها حول حسنك مضرب
وقد كشفت للجو منه جوانبٌ ... فنورك في آفاقه يتشعب
كأنك شمسٌ من وراء غمامةٍ ... يمزقها عنه الشعاع المطنب
الكرسي:
ابو طالب المأموني:
ومقتعدٍ يعجب الناظرينا ... ويعجز عن وصفه الواصفونا
كأن دعائمه إذ حنينا ... صوالجةٌ في يد اللاعبينا
وقال:
ومستوقفٍ بجلوس الحضور ... على أربعٍ بالعرى موثقه
يمد على فرعه مفرشاً ... ويظهر في خصره منطقه
فمن شاء صيره مقعداً ... ومن شاء صيره مرفقه

إذا ظل ينشر ما قد طواه ... أزى لحاضرين بما أوسقه
صليبي حديد إزاءين في ... عمودٍ وتعلوهما مشرقه

الشمعة:
أبو طالب المأموني:
وطاعنةٍ جلباب كل دجنةٍ ... بماضي سنانٍ في ذؤابة ذابل
تجود على أهل الندي بنفسها ... وما فوق بذل النفس جودٌ لباذل
ويقري عيون الناظرين ضياؤها ... وقد قيدت ألحاظهم بالأصائل
السري:
أغصان تبرٍ عريت من الورق ... آثارها بين مصابيح الأفق
يغني الندامى ضوؤها عن الفلق ... شفاؤها إن مرضت ضرب العنق
المنارة:
أبو طالب المأموني:
وقائمةٍ بين الجلوس على سوى ... ثلاثٍ فما تخطو بهن مكانا
على رأسها نجل لها لم تجنه ... حشاها ولا علته قط لبانا
يسدد في أعلاه كل عشيةٍ ... لشق جلابيب الظلام سنانا
ابن طباطبا في منارة وسخة:
ومنارةٍ في زي صاحبها ... وسخاً تراها رثةً قذره
سوداء منتنةً فتحسبها ... ملطوخةً بالكسب والعذره
وله:
يسيل على صدر المنارة بزرها ... كمثل لعاب حين سال به أنف
في سراج مظلم للصنوبري:
لنا سراجٌ نوره ظلمة ... كأنما يوقد من قلبي
الحب أضناني فما باله ... نضوٌ ولا يشكو جوى الحب
الكوز:
عاب عمرو بن عبيد قلة الخزف فقال: ليست بصغيرة فيسقى بها ولا بكبيرة فيستقى منها، وهي ضيقة الفم، ويمنع ذلك من النظر إلى القذى فيها: وثخينة فلا يصل إليها الهواء، وثقيلة على اليد فاصلة عن الروى.
الخوارزمي في كوز فقاع:
وضيقة الفم دحداحة ... عليها قميص ندىً أخضر
تثور إذا كشفوا رأسها ... وإن قبلوا فمها تهدر
الزجاج:
قال الله تعالى في شأنه " صرح ممرد من قوارير " وضربه مثلاً لنوره فقال " مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري " . وسئل النظام عن عيبه فقال: يسرع إليه الكسر ويقصر عنه الجبر. فقال:
مثل الزجاجة صدعها لا يشعب
وقيل: الزجاج لا يألف الزهومات ولا يقبل القاذورات، قابل للألوان المحمرة والأشكال المرموقة وقيل: الزجاج أبقى في التراب من الذهب.
كشاجم:
وجسم هواء وإن لم يكن ... يرى للهواء بكف شبح
يرد على الشخص تمثاله ... وإن تتخذه مرآة صلح
المدخنة:
بعضهم:
وفوارةٍ من أديم الصخور ... تخيم في فلك الخيزران
تغذي قطاعاً كعرف الحبيب ... وترقى وليس لها مسرجان
وتنبع عن مثل حب القلوب ... من الجمر ليس لها من دخان
الصنوبري:
مجمرةٌ طاف بها الغلمان ... كأنها فيما يحكى العيان
فوارة وماؤها الدخان ... في بركة حصباؤها نيران
المشط:
كشاجم:
مشطٌ من العود لم نعبه ولا ... مالت به خفةٌ ولا ثقل
يحبو اللحى طيبها وزينتها ... فهو على المعنيين مشتمل
آخر يذم مشط منتشر الأسنان:
مشط إذا سرحت يوماً به ... قطع لحييك بأسنانه
المنقاش:
أبو طالب المأموني:
لدي ذو نابين أعضلين ... ينتزعان شعر الخدين
حتى ترى الوجنة كاللجين ... كخصومةٍ قد طويت طاقين
المرآة:
امرؤ القيس:
وعينٍ كمرآة الصناع تديرها ... بمحجرها تحت النصيف المنقب
الببغاء:
كل فضل لكل نوع وجنس ... دون فضل المرآة من غير لبس
لطفت رقةً وفاقت صفاءً ... فهي كالماء في عيانٍ ولمس
واستدارت بباهر النور حتى ... ظنها الناظرون قطعة شمس
وهي أصفى أخٍ يكشف لي ... عني وأدنى خلٍ يوفر أنسي
وإذا ما نأى نديمي عني ... ظل طرفي بها ينادم نفسي
وفي ذمها قال بعض الشعراء:
مرآته سيان في لونها ... ولبنة من بعض حيطانه
المروحة:
وذات وصفٍ خص بالثناء ... من صفة الأرواح والأنداء

كأنما صيغت من الهواء ... تطرفنا في الصيف والشتاء

المذبة:
كشاجم:
مذبة تهدى إلى سيدٍ ... ما زال عن كل وليٍ يذب
ناصية الأدهم من عودها ... لم تك من عرفٍ ولا من ذنب
وذاك فألٌ إن تأملته ... لما يرجى من نواصي الرتب
الزنبيل:
أبو طالب المأموني:
وذي أذنين لا تعيان قولاً ... وجوفٍ للحوائج ذي احتمال
يكلف شغل أهل البيت طراً ... ويحمل فيه من قوت العيال
مطيعٌ في الحوائج غير عاصٍ ... ولا شاكٍ إليك من الكلال
تسر عليه في الأسواق سراً ... فلا يبديه إلا في الرحال
التفسرة:
وهي قارورة الطبيب التي تعرض عليه.
المأموني:
ركيةٌ تشف ذات طول ... من الزجاج الفائق المغسول
تظهر ما في الجسم من فضول ... مفصحةٌ للطب لا بقيل
عن كل داءٍ غامضٍ دخيل ... مرآة ما في جسد العليل
تبديه للعين على التفصيل ... مؤيداً بواضح الدليل
الأرجوحة:
المأموني:
سفينةٌ لا على ماءٍ ملجلجةٍ ... تجري براكبها في لجة الريح
إذا انتهت بي إلى أقصى نهايتها ... عادت كجري أتيٍ سال مسفوح
طرادة:
طائرة تسري بلا براح ... حول العقاب في سنا الصباح
ناطقة بألسن الرياح
أنواع:
وصف بط لبعضهم:
وبطٍ لا يزال الما ... ء يسقاه ويسقيه
شاعر:
ثلاثةٌ ثمينةٌ تدور ... الطشت والكاسات والبخور
رؤي على مقراض مكتوباً هذه الكلمة:
دبر مراراً ما هممت بقطعه ... فإذا استبان لك المقص فقصه
الحد التاسع عشر
في ذم الدنيا ونوبها
أسماء الدنيا
يسمى الدهر أبا العجب والدنيا أم دفر وأم شميل.
شاعر:
ما الدهر في فعله إلا أبو العجب
وقيل: الدهر اسم لزمان متصل والزمان اسم لدهر منفصل. وقال بندار الصوفي: الدنيا ما دنا من القلب وشغل عن الحق.
قلة لبث الإنسان في الدنيا:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيم انا من الدنيا ومالي ولها، وإنما مثلي ومثلها كراكب سار في يوم صائف فرفعت له شجرة فقال: تحتها ساعة من نهار ثم راح وتركها.
الموسوي:
وكأن طول العمر دوحة راكبٍ ... قضى اللغوب وجد في الإسراء
وقال المسيح: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال أمير المؤمنين: الدنيا دار ممر لا دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها.
أبو يعقوب:
لعمرك ما الدنيا بدار إقامةٍ ... ولكنها دار انتقال لمن عقل
وقيل لنوح عليه السلام: كيف وجدت الدنيا؟قال: كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. وكتب أبو زيد الطائي إلى صديق له: اجعل الدنيا كيوم صمته عن شهوتك واجعل فطرك الموت.
قلة متاع الدنيا
قال الله تعالى " قل متاع الدنيا قليل " . وقال تعالى " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء: وقال المنصور لما حضرته الوفاة: بعنا الآخرة بنومة.
شاعر:
إنما الدنيا كرؤيا ساعةٍ ... من رآها فرحته وأنقضت
آخر:
أراها وإن كانت تحب فإنها ... سحابة صيفٍ عن قليلٍ تقشع
وقال أعرابي: ما كانت الدنيا على بني فلان إلا طيفاً لما انتبهوا ولى عنهم.
العلوي الكوفي:
مررت بدورٍ بني مصعبٍ ... بدور السرور ودور الفرح
فشبهت سرعة أيامهم ... بسرعة قوسٍ يسمى قزح
تلون معترضاً في السماء ... فلما تمكن منها نزح
الماضي من الحياة والحاضر والمستقبل:
قال حكيم: أمسك ماض ويومك ممثل وغدك مبهم. وقال الحسن: أمس أجل واليوم عمل وغداً أمل.
أبو العتاهية:
أرى الأمس قد فاتني رده ... ولست على ثقةٍ من غد
وقال أبو حازم: بيني وبين الملوك يوم واحد، أما أمس فلا يجدون لذته ولا أجد شدته، وأما غد فإني وإياهم منه على خطر، وما هو إلا اليوم فما عسى أن يكون.
التحذير من تضييع الأيام:

قال عبد الله بن المبارك في قوله تعالى " ولا تنس نصيبك من الدنيا " : أي اعمل في الدنيا لآخرتك. وقيل: من لعب في عمره ضيع أيام حرثه، وإذا ضيع أيام حرثه ندم عند حصاده. وقال الحسن: ما وعظني شيء مثل ما وعظني كلام الحجاج في خطبته: إن امرأً ذهبت عنه ساعة من عمره في غير ما خلق له لحقيق أن تطول حسرته يوم القيامة. وقال حكيم: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما. وقال رجل لداود الطائي: ما ترى أن أتعلم الرمي؟قال: حسن ولكن إنما هي أيامك فافنها فيما شئت.

مرور الوقت هادمة للحياة:
حكيم: من كان الليل والنهار مطيته سارا به وإن لم يسر.
رأيت أخا الدنيا وإن كان خافضاً ... أخا سفرٍ يسعى به وهو لا يدري
وقيل: أنفاس المرء خطاه إلى أجله، وأمله خادعه عن عمله. لكل زمن فوت وفي كل طرفة موت. وقال:
ما ارتد طرف امرئٍ بلحظته ... إلا وشيءٌ يموت من جسده
وقال أعرابي: كيف تفرح بعمر تقطعه بالساعات معرضاً للآفات؟ أبو العتاهية:
تظل تفرح بالأيام تقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل
وقيل لأعرابي: انظر إلى الهلال. فقال: ما أصنع به؟محل دين ومقرب حين.
عبدة:
إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله ... كفى قاتلاً سلخي الشهور وإهلالي
وقال:
ألا إن الفتى رهنٌ ... بذي لونين خداع
ومنه قول ابن قميئة:
رمتني صروف الدهر من حيث لا ترى ... فكيف بمن يرمي وليس برام؟
فلو أنني لما رمتني رميتها ... ولكنها ترمي بغير سهام
وقال:
فوق الدهر إلينا نبله ... عللاً يقصدنا بعد نهل
فهو رامينا ولا نبصره ... مثل رامٍ رام صيداً فختل
البقاء في الدنيا سبب الفناء:
قال بعضهم: انصرفت من مجلس حماد الراوية فقال أبي: ما حدثكم؟قلت: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو لم يكسب ابن آدم إلا الصحة والسلامة لكفى بهما داء. فقال أبي: قاتل الله حميداً حيث قال:
أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ ... وحسبك داءٌ أن تصح وتسلما
وقال:
ودعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة داء
وقال:
لو لم يوكل بالفتى ... إلا السلامة والنعم
فتداولاه لأوشكا ... أن يسلماه إلى الهرم
معدي كرب:
أراني كلما أبليت يوماً ... أتاني بعده يومٌ جديد
يعود شبابه في كل فجرٍ ... ويأبى لي شبابي ما يعود
الصلتان:
إذا ليلةٌ هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يومٌ فتي
فرح الدنيا مشوب بالترح ومعقب بالهموم:
قيل: في كل جرعة شرطة ومع كل أكلة غصة. ونظر أنشروان إلى ملكه فأعجبه فقال: هذا ملك لولا أنه هالك، ونعيم لولا أنه عديم، وغناء لولا أنه عناء، وسرور لولا أنه شرور، ويوم لو كان يوثق له بغد.
المغيرة بن جيناء:
وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
وقال:
لا يغرنك عيشٌ ساكنٌ ... قد تولى بالمنيات السحر
وقال:
إن الليالي لم تحسن إلى أحدٍ ... إلا أساءت إليه بعد إحسان
وقال بعضهم: ما من إنسان قيل له طوباك إلا وقد هيأ له الدهر يوم سوء.
المتنبي:
ومن كان في السراء في حال معجبٍ ... فمحصوله منها على حال نادم
ابن لنكك:
كل من حاز سروراً ... أو نعيماً هو فيه
فالمنايا والرزايا ... عن قريبٍ تقتضيه
وقال:
لم يشفع الدهر الخؤون لمهجةٍ ... في العمر إلا عاد وهو خصيمها
الدنيا هموم وغموم:

قال رجل لأمير المؤمنين: صف لي الدنيا. قال: ما أصف في دار أولها عناء وآخرها فناء، حلالها حساب وحرامها عذاب، من أمن فيها سقم ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن. وقال بعض الصالحين: الدنيا دار غرست فيها الأحزان، وذمها الرحمن وسلط عليها الشيطان، يضل بها الإنسان. وسئل آخر عنها فقال: من نالها مات عنها ومن لم ينلها مات حسرة عليها. وقال سفيان: الدنيا دار التواء لا الثواء، من عرفها لم يفرح فيها برخاء ولم يحزن بشقاء. وسمع حكيم رجلاً يقول لآخر: لا أراك الله مكروهاً. فقال: دعوت عليه بالموت، من عاش لا بد له من مكروه.
آخر:
في كل دارٍ ترحةٌ وبليةٌ ... وهموم دارك إن شكرت أقلها
وقيل للنظام وفي يده قدح دواء: ما حالك؟فقال:
أصبحت في دار بليات ... أدفع آفاتٍ بآفات
أبو علي كاتب بكر:
أفٍ من الدنيا وأسبابها ... فإنها للحزن مخلوقه
همومها ما تنقضي ساعةً ... عن ملكٍ فيها ولا سوقه
وقال:
أمر الزمان لنا طعمه ... فما أن ترى ساعةً عذبه
وقال:
مضى قبلنا قومٌ رجوا أن يقوموا ... بلا تعبٍ عيشاً فلم يتقوما
المنصور:
كن موسراً إن شئت أو معسراً ... لا بد في الدنيا من الغم
وكلما زادك من نعمةٍ ... زاد الذي زادك في الهم

قلة السرور وكثرة الغموم:
روي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه:
محن الزمان كثيرةٌ لا تنقضي ... وسرورها يأتيك كالأعياد
وقال:
تأتي المكاره حين تأتي جملةً ... ونرى السرور يجيء في الفلتات
ابن نباتة:
وما خير عيشٍ نصفه سنة الكرى ... ونصفٌ به نعتل أو نتوجع
مع الوقت يمضي بؤسه ونعيمه ... كأن لم يكن والوقت عمرك أجمع
سرعة المكاره وتباطؤ المحاب:
شاعر:
الم تر أن سير الخير ريثٌ ... وأن الشر راكبه يطير
وكان لسفيان جار مخنث فمرض فعاده سفيان بأصحابه فقال: كيف تجدك؟قال: إن العلل والآفات تجيء في الدنيا بآفات، والعافية تجيء طاقات. فقال سفيان: ما خرجنا إلا بفائدة.
الحارثي:
تقضاك دهرك ما سلفا ... وكدر عيشك بعد الصفا
فلا تنكرن فإن الزمان ... رهينٌ بتشتيت ما ألفا
أبو الوليد:
وليس الدهر مؤتمناً ... على تفريق ما جمعا
وقال:
ألا إنما الدنيا مطية بلغةٍ ... علا راكبوها فوق أعوج أحدبا
شموسٌ متى أعطتك طوعاً زمامها ... فكن للأذى من عسفها مترقبا
التحذير من النقصان عند التمام:
قيل: من بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره. وقال الأصمعي: وجدت لبعض العرب بيتين كأنهما أخذا من قوله تعالى " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً " ؛وهما قول سعيد بن وهب:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف غب ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
ومن دعاء بعضهم: صرف الله عنك آفات التمام. وكتب الإسكندر إلى أرسطاطاليس: اكتب إلي موعظة تردع وتقنع، فكتب إليه: إذا استوت بك السلامة فجدد ذكر العطب، وإذا اطمأن بك الأمن فاستشعر الخوف، وإذا بلغت نهاية الملك فاذكر الموت.
شاعر:
إذا تم أمر بدا نقصه ... توقع زوالاً إذا قيل تم
عرض الدنيا عارية:
قال ابن مسعود: عرض الدنيا عارية، ومن فيها ضيف، والعارية مؤداة والضيف مرتحل.
والمال في الأقوام مستودعٌ ... عاريةٌ والشرط فيها الأداء
وقال:
وما المال والأهلون إلا ودائعٌ ... ولا بد يوماً أن ترد الودائع
وقال:
أبداً تسترد ما تهب الدنيا ... فيا ليت جودها كان بخلا
فكفى كون فرحة تورث ... الهم وخل يغادر الوجد خلا
وقال:
لم يظلم الدهر ولكنه ... أقرضني الإحسان ثم اقتضى
الدنيا متقلبة:

من أمثالهم: الدنيا طرفة عين لا تثبت على حالة. دخل أعرابي عمر مائة وعشرين سنة على معاوية فقال له: صف لي الدنيا؛فقال: سنيات بلاء، وسنيات رخاء، يولد مولود ويهلك هالك، ولولا المولود باد الخلق ولولا الهالك ضاقت الأرض.
شاعر:
هل الدهر إلا ضيقةٌ وانكشافها ... وشيكاً وإلا ترحةٌ وانفراجها
وقال:
وحادثاتٍ أعاجيبٍ خسا وذكا ... ما الدهر في فعله إلا أبو العجب
وقال:
الدهر من شأنه أن لا يدوم له ... ما يحتويه الفتى منه وما يمق
وقال:
وما حالةٌ إلا ستطرف حالها ... إلى حالة أخرى وسوف تزول
آخر:
ومن عادة الأيام أن صروفها ... إذا ساء منها جانبٌ سر جانب
وقال:
إنما الدنيا هباتٌ ... وعوارٌ مسترده
شدةٌ بعد رخاءٍ ... ورخاءٌ بعد شده

الدنيا لا يدوم فيها فرح ولا ترح:
شاعر:
وما اكتأبت نفسٌ فدام اكتئابها ... ولا ابتهجت نفسٌ فدام ابتهاجها
آخر:
هل الدهر إلا ساعةٌ ثم تنقضي ... بما كان فيها من بلاءٍ ومن خفض
فهونك لا تحفل اساءة عارضٍ ... ولا فرحةً تأتي فكلتاهما تمضي
ويرور عن أبي الفتح بن العميد لما قبض عليه قال: الفلك أحد والدوار أجد من أن يبقى أحداً على أحد.
اعتبار الباقي بالماضي:
قال الحجاج: والله إن الذي بقي من عمري لأشبه بما مضى من التمرة بالتمرة، ومن الماء بالماء.
الدهر آخره شبهٌ بأوله ... يومٌ بيومٍ وأيامٌ بأيام
حارثة بن بدر:
وما الدهر إلا مثل أمس الذي مضى ... ومثل الغد الجائي وكلٌ سيذهب
وقال أعرابي: جعلنا الله ممن يعتبر بمن يعبر الدنيا أي يعتبر بمن يقطعها.
وصف الدنيا بأنها غرارة:
قال أمير المؤمنين: الدنيا تغر وتضر وتمر. وقيل: الدنيا غرورٌ حائل وزخرف زائل، وظل آفل ومسند مائل. وقال يحيى: الدنيا جارية زانية وتتهم بمن يقرب منها.
يغر الفتى مر الليالي سليمةً ... وهن به عما قليل عواثر
آخر:
وما زالت الأيام تستدرج الفتى ... وتملي له من حيث يدري ولا يدري
آخر:
لقد غرت الدنيا رجالاً فأصبحوا ... بمنزلةٍ ما بعدها متحول
آخر:
يعللنا هذا الزمان من الوعد ... ويخدع عما في يديه من النقد
آخر:
فذي الدار أخدع من مومسٍ ... وأخون من كفة الحابل
وهذا مثل ما قيل: الدنيا قحبة يوماً عند عطار ويوماً عند بيطار.
النهي عن الإغترار بأوقاتها:
قيل: لا تغتر بصفاء الأوقات فتحتها غوامض الآفات. وقيل: لا يغرنك الأملء فالأملاء من الاستدراج. والله تعالى يقول " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين " . وقيل: مثل الدنيا مثل الحية لين مسها وفي جوفها السم الناقع، يهوي إليها الصبي الجاهل ويحذرها الحازم العاقل.
شاعر:
إن دنياك حيةٌ تنفث السم ... وإن كانت المجسة لانت
وقال أبو عمرو بن العلاء: كنت أدور في ضيعتي في شدة الحر فسمعت هاتفاً يقول:
وإن امرءاً دنياه أكبر همه ... لمستمسكٌ منها بحبل غرور
فنقشت ذلك على خاتمي. وقال الشاعر:
يا واثقاً بزمانه ... أخطر تصرفه ببالك
ووجد بخط نصر بن أحمد:
ولا تخدعنك صروف الزمان ... فإن الزمان كثير الخدع
تصور الدنيا يزيد الغموم:
قال الشاعر:
ومن عرف الأيام لم ير خفضها ... نعيماً ولم يعدد تصرفها بلوى
الدنيا واعظة:
قال أمير المؤمنين: أيها الذام الدنيا، بم غرتك؟بمصارع آبائك تحت الثرى أم بمضاجع أمهاتك في البلى؟كم مرضت بيديك وغسلت بكفيك فلم يغن عنك؟وقيل: ما ضمنت الدنيا لأحد المتاع بها بل نادت فصرخت أنها ميراث الدول وصبابة الأزمنة وأوعية الفجائع ومفرقة الآلات.
عبد الله بن عيينة:
إن الليالي والأيام لو بحثت ... عن عيب نفسها لم تكتم الخبرا
أبو تمام:
عمري لقد نصح الزمان وإنه ... لمن العجائب ناصحٌ لا يشفق
أبو العتاهية:
نحن في دار تخبرنا ... ببلاء ناطقٍ لسن

قال المسيح عليه السلام: الدنيا مزرعة إبليس وأهلها له حراث. وقيل: كل قتيل يقتص له يوم القيامة إلا قتيل الدنيا يقتص منه.

مدح الدنيا بأنها يتوصل بها إلى الآخرة:
ذم رجل الدنيا بحضرة أمير المؤمنين فقال: اسكت فإن الدنيا دار صدق لمن صدقها. ودار غناء لمن تزود منها ودار عافية لمن فهم عنها، مسجد أبينا آدم ومهبط وحيه ومتجر أوليائه، فاكتسبوا منها الرحمة وادخروا منها الجنة. وقيل: الدنيا دار تجارة والويل لمن تزود منها الخسارة.
الدنيا محبوبة وإن كانت معيوبة:
قال الشعبي: ما أعلم لنا والدنيا كقول كثير:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةٌ ... لدينا ولا مقليةٌ إن تقلت
وقال المأمون: لو نطقت الدنيا لم تصف نفسها بأجود مما قال أبو نواس:
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشفت ... له عن عدوٌ في ثياب صديق
وقال:
يذمون دنيا لا يريحون درها ... ولم أر كالدنيا يذم ويحلب
سابق البربري:
النفس تكلف بالدنيا وقد علمت ... أن السلامة منها ترك ما فيها
أبو العتاهية:
كلنا يكثر المذمة للدنيا وكلٌ بحبها مفتون
الموسوي:
دنيا تضر ولا تسر وذا الورى ... كل يجاذبها وكلٌ عائب
الدنيا ضارة لأهلها:
قيل: الدنيا تضر محبيها، ما كرمت على أحد نفسه إلا هانت عليه الدنيا. وقيل: أوحى الله تعالى إلى الدنيا: أن اخدمي من جفاك واستخدمي من يهواك. وقال عمر بن عبد العزيز: الدنيا لا تضر إلا من أمنها ولا تنفع إلا من حذرها. وقال عمر رضي الله عنه: ما كانت الدنيا هم امرئ إلا لزم قلبه خصال أربع: فقر لا يدرك غناه، وهم لا ينقضي مداه، وشغل لا ينفد أولاه، وأمل لا يدرك منتهاه.
أرى الدنيا لمن هي في يديه ... عذاباً كلما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصغرٍ ... وتكرم كل من هانت عليه
المتنبي:
وكلٌ يعشق الدنيا قديماً ... ولكن لا سبيل إلى الوصول
ابن نباتة:
تمل مآرب الأيام منا ... ونعشقها لقد عظم البلاء
أبو العيناء:
مذمومةٌ بالهم مخطوبةٌ ... سمٌ ذعافٌ در أخلافها
ولم تزل تقتل ألّافها ... أفٌ لمن تقتل ألافها!
تبكيت النفس في الميل إلى الدنيا مع المعرفة بها:
شاعر:
ومن عجب الدنيا ركوني وصبوتي ... إليها على سني كأني وليدها
أجاري الليالي ليلةً بعد ليلةٍ ... مشيحاً كأني تربها وطريدها
وتنقصني في كل يومٍ وليلةٍ ... ونفسي على نقصانها تستزيدها
وقال:
وإن امرءاً يبتاع دنيا بدينه ... لمنقلبٌ منها بصفقة خاسر
الموسوي:
نرجو البقاء كأننا لم نختبر ... عادات هذا العالم المشهود
الدنيا غير مستغنى عنها:
قال العتبي: كنت قاعداً في دهليزي عقب علةٍ، فدخل مجنون يدعى بالغيث فقلت: أنا منه بين لطمة وشتمة فنظر إلي ساعة ثم أنشأ يقول:
نظرت إلى الدنيا بعينٍ مريضةٍ ... بفكرةٍ مغرورٍ وتأميل جاهل
فقلت: هي الدار التي ليس مثلها ... ونافست فيها في عناء وباطل
وقال:
كفلت بنا الدنيا ولا ... طفلٌ يعيش بغير ظئر
وذكر لأمير المؤمنين قوم يحبون الدنيا فقال: هم أبناؤها أفيلام الرجل على حب والديه؟
بنو الدنيا غرض لأنواع البلاء:
قيل للحسن: كيف أصبحت؟قال: كيف يصبح من هو غرض لثلاثة أسهم: سهم رزية وسهم بلية وسهم منية.
ابن المعتز:
الدهر يطرف بالعنى ... والناس بين جفونه
شاعر:
أرى كل نفسٍ للمنايا درية ... وللعيش يمسي كدحها ودؤوبها
تناضلها الآفات من كل جانبٍ ... فتخطئها يوماً ويوماً تصيبها
وقال الربيع لأبي العتاهية: كيف أصبحت؟قال:
أصبحت والله في مضيقٍ ... فهل سبيلٌ إلى طريق؟
أفٍ لدنيا تلاعبت بي ... تلاعب الموج بالغريق
وقيل: من أخطأه سهم المنية لم يخطئه سهم الرزية.
انكار ذم الدهر:

قال صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه. وقال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر أي الفاعل هو الله لا الدهر. قال الشيخ أبو القاسم الراغب: ألم بهذا المعنى الخوارزمي فقال:
وكم نكني وكم نهجو الليالي ... وليس بخصمنا إلا القضاء
الناجم:
نعيب زماننا والعيب فينا ... ولو نطق الزمان بنا هجانا
وقال رجل للأصمعي: فسد الزمان!فقال:
إن الجديدين في طول اختلافهما ... لا يفسدان ولكن يفسد الناس
وقال أبو عبد الرحمن الأصم لأبي العتاهية: أي خلق الله أصغر عنده؟قال: الدنيا لا تساوي عنده جناح بعوضة. قال: أصغر منها محبها.
لم يفسد الدهر لكن أهله فسدوا
وقال:
ألا لا أري الأحداث حمداً ولا ذماً ... فما بطشها ولا كفها حلما

الدهر يتراذل:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: معروف زماننا منكر زمان قد فات ومنكره معروف زمان لم يأت. وسمع زياد امرأة تقول: اللهم اعزل عنا زياداً فقال لها: زيدي في دعائك: وأبدلنا خيراً منه فإن الأخير أبداً شر. وقال بعض العلماء: آخر الناس شرارهم الذين تقوم عليهم القيامة.
حمد ماضي الزمان وذم حاضره:
كانت عائشة رضي الله عنها تنشد قول لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلفٍ كجلد الأجرب
وتقول: رحم الله لبيداً كيف لو عاش إلى زماننا؟وكان ابن الزبير ينشده ويقول: رحم عائشة كيف لو عاشت إلى زماننا؟وقال بعضهم: كان الناس ورقاً بلا شوك فصاروا شوكاً بلا ورق.
شاعر:
لم أبك من زمنٍ شكوت صروفه ... إلا بكيت عليه حين يزول
وقال:
ننسى أيادي الزمان فينا وما ... نذكر من دهرنا سوى نوبه
المسرة من حيث تخشى المضرة:
قال الله تعالى " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " . وقيل: خف المضار من خلل المسار وأرج النفع من موضع المنع، فأكثر ما يأتي الأمن من محل الفزع. وقال حكيم: أعناق الأمور تتشابه فرب محبوب في مكروه ومكروه في محبوب، ومغبوط بنعمة هي داؤه ومرحوم من داء فيه شفاؤه. وقيل: رب سلامة تكون للتلف سبباً ومكروه يكون للنجاة مفتاحاً.
وقد يأسف المرء من فوت ما ... لعل السلامة من فوته
وقال حكيم: لله مصالح في مكاره عباده. وقيل: العاقل لا يجزع لأول نكبة ولا يفرح بأول نعمة، فربما أقلع المحبوب عما يضر وأسفر المكروه عما يسر.
كم مرةٍ حفت بك المكاره ... خار لك الله وأنت كاره
وقال أبو عمرو بن العلاء: خرجت هارباً من الحجاج فسمعت أعرابياً ينشد:
ربما تجزع النفوس من الأ ... مر لها فرحةٌ كحل العقال
سبب البلاء سبب اتيان الرخاء. وقال صلى الله عليه وسلم: اشتدي أزمة تنفرجي. وقيل: إذا اشتد الأمر هان.
من أشرف على الهلاك ففرج الله تعالى عنه:
أتي يزيد بخارجي فأراد قتله فقال:
عسى فرجٌ يأتي به الله إنه ... له كل يومٍ في خليقته أمر
فقال: والله لأضربن عنقك اقتلوه، فدخل الهيثم بن الأسود فقال: أمسكوه قليلاً فدنا منه فقال: يا أمير المؤمنين هب مجرم قوم لوافدهم. فقال: هو لك فخرج الخارجي وهو يقول: تأبى على الله فأبى إلا أن يكذبه، وغالبه إلا أن يغلبه. وأحضر رجل ليقتل في أيام نازوك، فدعا بطعام فأخذ يأكل ويضحك فقيل: تضحك وأنت مقتول؟فقال: من الساعة إلى الساعة فرج!فسمعت صيحة تقول: مات نازوك فخلوا الرجل. وشد بعض العمال رجلاً إلى اسطوانة يريد ضربه فقال: حلني من هذه إلى هذه، فحله فما حله إلا وقد عزل، وشد إلى الأسطوانة بعينها.
مستضعف أعانه الله فقواه:
قال الله تعالى " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض " . وقال: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض " .
حث الممتحن على مصابرة الزمن إلى انقضاء زمن المحن:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: للمحن أوقات ولها غايات، واجتهاد العبد في محنته قبل إزالة الله لها زيادة فيها. قال تعالى: " إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون " . وقيل: الممتحن كالمختنق كلما ازداد اضطراباً ازداد اخفاقاً. وقيل: إذا أراد الله خلاص غريق عبر البحر على سارية. وقيل: حامل الدهر إلى أن يحمل وأقبل منه إلى أن يقبل.

من زال غمه فنسي صنع الله تعالى:
قال الله تعالى: " وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون " . وقال الله تعالى " هو الذي يسيركم في البر والبحر " . وقال تعالى " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر " . شكا يوسف عليه السلام طول الحبس فأوحى الله تعالى إليه: أنت حبسك نفسك حيث قلت: السجن أحب إلي. وقيل: من سبح في النهر الذي فيه التمساح عرض نفسه للتهلكة. وقيل: ما صاحب البلاء الذي طال بلاؤه بأحق بالدعاء من المعافى.
من ذكر إحسان الزمان إليه بعد إساءته:
قال شاعر:
أيها الدهر حبذا أنت دهراً ... قف حميداً ولا تزول حميدا
كل يومٍ تزداد حسناً فما ... تبعث يوماً إلا حسبناه عيدا
آخر:
رق الزمان لفاقتي ... ورثى لطول تحرقي
فأنالني ما أرتجي ... وأجار مما أتقي
فلأغفرن له الكبير ... من الذنوب السبق
حتى جنايته بما ... فعل المشيب بمفرقي
آخر:
ربما أحسن الزما ... ن وإن كان قد أسا
وقال وهو الصدق:
وآخر إحسان الليالي إساءةٌ ... على أنها قد تتبع العسر باليسر
اصطحاب الرجاء والخوف:
شاعر:
في كل شيءٍ أرتجي مخافه ... في كل شيءٍ أشتهيه آفه
فضل العافية وسلامة الدين:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا. وقيل: أراني غنياً ما كنت سوياً. وقيل: من أوتي العافية فظن أن أحداً أوتي أكثر منه فقد قلل كثيراً وكثر قليلاً. وقيل: صلاح الآخرة بخلة واحدة وهي التقوى، وصلاح الدنيا بثلاث: العافية والغنى والعمر. وقيل: العافية الملك الخفي الهنيء. وقيل: الدنيا بحذافيرها الأمن والعافية.
لا تأس من دنيا على فائتٍ ... وعندك الإسلام والعافيه
إن فات شيئاً كنت تسعى له ... ففيهما من خلفٍ كافيه
معرفة فضل السلامة عند فوتها:
قيل: لا يعرف طعم النعمة إلا من نالته يد العلة والبلاء.
فبضدها تتميز الأشياء
وقيل: شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما: الغنى والعافية.
أبو تمام:
وليس يعرف طيب الوصل صاحبه ... حتى يصاب بنأيٍ أو بهجران
وقلب هذا المعنى المتنبي فقال:
ولولا أيادي الوصل في الجمع بيننا ... غفلنا فلم نشعر له بذنوب
وقال حكيم: كم من نعمة عرفت ببلية نزلت، ونعمة جهلت بسلامة لبثت!
الحد العشرون
في الديانات والعبادات
الدلالة على وحدانية الله تعالى:
من قول الأوائل قال أفلاطون لتلميذه أرسطو: ما الدليل على وحدانية الله تعالى؟فقال: ليس شيء من خلقه بأدل عليه من شيء. وقال لبيد:
فواعجبا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيءٍ له آيةٌ ... تدل على أنه واحد
ولله في كل تحريكةٍ ... وتسكينةٍ أبداً شاهد
وسئل سقراط عن دلالة الصانع فقال: دل الجسم على صانعه. فجمع بهذه اللفظة دلالة حدوث العالم، فإن صانعه حكيم. ونظر أعرابي إلى الناس يوم الجمعة فقال: صورة واحدة وخلق مختلف ما هذا إلا صنع رب العالمين.
نفي الكيفية عن الله سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " . وسئل جعفر بن محمد عن كيفية الله تعالى فقال: نور لا ظلمة فيه، وحياة لا موت فيها. وسأل رجل أمير المؤمنين: أين الله تعالى؟فقال: هذا سؤال عن المكان وكان الله ولا مكان.

وقال عثمان لأعرابي: أين ربك؟قال: بالمرصاد. وقال العتبي: من جعل الله في مكان فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد ثناه تعالى الله عن ذلك.

حقيقة الإيمان:
سئل الجنيد عن الإيمان فقال: ما أوجب الأمان. وأتى رجل إلى الحسن فقال له: أمؤمن أنت؟فقال له: إن كنت تريد قول الله تعالى " آمنا بالله وما أنزل علينا " فنعم به نتناكح، وبه نتناسل، وبه حقنا دماؤنا. وإن كنت تريد قوله " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " فما أدري أنا منهم أم لا. وسئل فضيل عن الورع فقال: اجتناب المحارم. وقيل لأبي هريرة: صف لنا التقوى فقال: إذا دخلت أرضاً فيها شرك كيف تصنع؟فقال: أتوقى وأتحرز. فقال: فاتق من الدنيا هكذا فهذه التقوى، أخذه ابن المعتز فقال:
كن مثل ماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً ... إن الجبال من الحصى
وقيل: ليس الإيمان بالتحلي ولا التمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال. وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بجارية فقيل له: هل تجزي هذه عن العتق؟فقال صلى الله عليه وسلم: أين ربك؟فرفعت يدها إلى السماء فقال لها: من أنا؟قالت: رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
حقيقة التقوى:
قيل: هي الامتناع عن المحرمات. وقيل: تغيب المولى في قلوب أوليائه يحثهم على الخير ويمنعهم من الشر. وقال الحارث: هي انتهاء الجوارح عما نهى الله تعالى عنه إلى ما أمر به. قال الله تعالى " إن المتقين في مقام أمين " . وقال عمر بن عبد العزيز: ليست التقوى قيام الليل ولا صيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله، فمن رزق خيراً بعد ذلك فهو خير. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: من آلك؟فقال: كل تقي إلا أن أولياء الله هم المتقون.
حقيقة المحبة وعلاماتها وأحوالها:
قال يحيى بن معاذ رحمه الله: حقيقة المحبة أن لا يزيدها البر ولا ينقصها الجفاء. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه وزاجراً من قلبه يأمره وينهاه. وقال: إن الله تعالى يقول ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه، وإن عبدي لا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته. وقال جعفر: إذا أحبك الله سترك وإذا أحببته شهرك. وقال: إذا أحبك أنامك وإذا أحبتته أقامك، فهذا هو الفرق بين المريد والمراد. وقال بعضهم: سمعت امرأة تطوف بالبيت وتقول: بحبك لي إلا ما غفرت لي. فقلت لها: أما يكفيك أن تقولي بحبي لك؟فقالت: أما سمعت قوله تعالى " يحبهم ويحبونه " فقدم محبته لهم. وسأل فقير الشبلي عن قول الله تعالى " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " فزعق وقال:
إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعةٌ ... فلا خير في ودٍ يكون بشافع
حال التصوف والمتصوفة والمريد والمراد:

قيل لأبي عبد الله الحضرمي: وكان يعرف بالصامت لأنه صمت عشرين سنة، وقد سئل عن المتصوفة فقال: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فقيل: كيف صفتهم؟قال: لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء. قيل: فأين محلهم؟قال: في مقعد صدق عند مليك مقتدر. قيل: زدنا قال: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً. وسئل بعضهم عن حد الصوفي فقال: الأكول الكسول الكثير الفضول. فحكي ذلك للإمام الشافعي فقال: الأكول للحلال، الكسول عن المعاصي، الكثير الفضول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقيل: الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وذاق طعم الهوى والجفا، وترك الدنيا والعفا. وسئل أبو سهل الصعلوكي عن التصوف فقال: الإعراض عن الإعتراض. وللجنيد: التصوف ترك التصرف. وقال أبو عبد الله بن خفيف: هو لائح لاح فاصطلم واستباح. وقال المحاسبي: الرضا بسكون القلب تحت جريان الحكم. وأقبل أبو العباس وشريح على الجنيد رحمه الله تعالى فقال: يا أبا العباس في كتاب الله تعالى آية تدل على مذهبكم، فبرك جنيد على رجليه وقال: بلى. قال الله " قل إن كان آباؤكم وأبناءكم وإخوانكم " وقال أبو العباس ابن عطاء: في كتاب الله تعالى آية هي صفتهم يعرف معناها من تلاها وهي " ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون " . وسئل أبو عبيد الله عن المراد والمريد فقال: المريد الذي سأل ربه فقال اشرح لي صدري ويسر لي أمري، والمراد الذي قيل له: ألم نشرح لك صدرك. وقيل: ما حقيقة الفقر؟قال: أن لا ترى مع الله في الدارين غيره.

حقيقة الذكر:
هي أن يكون القلب فارغاً إلا منه. قال الله تعالى " وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به " أي بذكر موسى من غير قصد منها إلى ذكره.
مدح الله تعالى باللسان:
قال الله تعالى " والذاكرين الله كثيراً والذاكرات اذكروا الله ذكراً كثيراً " . وقيل: أوجب الله الذكر في الصلاة في كثير من المواضع. وقيل: ما سمع صلى الله عليه وسلم أحداً ذكر الله إلا جاذبه الحمد. وقال معاذ: لا يتحسر أهل الجنة على شيء كتحسرهم على وقت مر عليهم ولم يذكروا الله تعالى فيه.
ذم ذكر الله تعالى باللسان وتذكره على النسيان:
قال تعالى " فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون " . وقال تعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " . قيل: السكران المذموم ههنا من تتعرى أجزاء صلاته عن الحضور.
التحذير من الكلام فيما يؤثم:
سمع حكيم رجلاً يفحش فقال: يا هذا إنك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربك. وقال عمر رضي الله عنه: من علم أن الكلام عمل أمسك. وقال الجنيد " : الرحمة تنزل على العارف في ثلاثة مواضع: عند الأكل فإنه لا يأكل إلا عن جوع، وعند الكلام فإنه لا يتكلم إلا عن ضرورة، وعند السماع فإنه لا يسمع إلا من الله. ورأى إبراهيم بن أدهم رجلاً يحدث بما لا يعنيه فوقف عليه وقال: أكلاماً ترجو منه ثواب؟قال: لا قال: أفتأمن عليه العقاب؟قال: لا قال: فعليك بذكر الله، ما تصنع بكلام لا ترجو منه ثواباً ولا تخاف عقاباً؟.
ذم من خلا قلبه من حلاوة الوحدانية:
قيل: أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء أما يستحيي من يدعي حبي وقلبه مملوء من غيري، هذه علامة الخدام؟قيل: وكان في بني اسرائيل حبر فقال في دعائه: يا رب كم أعصيك وأنت لا تعاقبني؟فأوحى الله تعالى إلى نبي ذلك الزمان: قل لعبدي كم أعاقبك ولا تدري، أسلبك حلاوة مناجاتي. وسئل الشبلي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم أهل البلاء فسلوا ربكم العافية، من هم؟قال: هم أهل الغفلة عن الله. وقيل: من لم يرتدع بأمر الله وذكر الموت ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع.
قلة المبالاة بما يفوت من عرض الدنيا:
قال الله تعالى " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم " . وقيل: حق المؤمن أن لا يتحاشى ما به نجاة نفسه ألا ترى إلى السحرة لما آمنوا وهددهم فرعون قالوا: اقض ما أنت قاض؟
الحث على اعتبار الله دون غيره:

قيل للشعبي: أوصني. فقال: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون. وقال أبو جعفر الجوهري: سمعت زنجياً يقول: هذا قلبي فتشوه فإن وجدتم فيه غير واحد فانبشوه. وسئل عن قوله تعالى " وإبراهيم الذي وفى " قال: الذي رضي بإسقاط الوسائط فإنه لما جعل في المنجنيق قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما صار في الجو أتاه جبريل عليه السلام فقال: ألك حاجة؟قال: أما إليك فلا. وكتب الجنيد إلى علي بن سهل: سل محمد بن يوسف ما الغالب عليك؟فقال: الله غالب على أمره. وقيل للشبلي: أنظر في الفقه لتفتي. فقال: خاطر يحرك سري أحب إلي من سبعين قضية قضاها شريح.

الأنس بالله في الخلوة:
قال عمرو بن عثمان: من كان في خلوته عيناً لله على نفسه كفاه الله هم أمره في علانيته. وقال بنان الحمال: دخلت بادية فاستوحشت فهتف بي هاتف: نقضت العهد، أليس حبيبك معك؟وقيل: من أنس بغير الله في الخلوة فهو أبداً في وحشة.
تعظيم الله تعالى:
سمع الشبلي رجلاً يكثر عند ذكر الله تعالى فقال: أحب أن تجله عن هذا، فإنه أجل من أن يجل. وقيل للجنيد: تقول الله، ولا تقول لا إله إلا الله. فقال: أخاف أن يدركني الحق في قولي لا وهو شأن الجحود. وقال عبد الله بن سهل: إن الله يطلع على القلوب فأي قلب رأى فيه غيره سلط عليه العدو.
مراعاة الله في الشدة والرخاء:
دخل حميد الطويل على سليمان بن علي والي البصرة فقال له: عظني. فقال حميد: لئن كنت حين عصيت ربك ظننت أنه يراك فقد اجترأت على الله، ولئن كنت ظننت أنه لا يراك فقد كفرت. وقال عمرو بن عثمان: قال عيسى يا رب من أشرف الناس؟قال: من إذا خلا علم أني ثانيه فأجل قدري عن أن يشهدني معاصيه. وقال رجل للحسين بن علي: من أشرف الناس؟قال: من اتعظ قبل أن يوعظ، واستيقظ قبل أن يوقظ. فقال: أشهد أن هذا هو السعيد. وسار سليمان عمر بن عبد العزيز فقال: هل يرانا من أحد؟فقال: نعم عين لا تحتاج إلى تحديق وترميق. ومر عمر رضي الله عنه بمملوك يرعى غنماً فقال: أتبيعني منها شاة؟قال: ليست لي. قال: فأين العلل؟قال: فأين الله؟فاشتراه عمر وأعتقه. فقال المملوك: اللهم قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر، أعوذ بك من قلب غائب عنك. وقال السري السقطي: بتصحيح الضمائر تغتفر الكبائر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة أي تعرف إليه في الرخاء بالشكر وذكر الآلاء يعرفك في الشدة بالعصمة.
الحث على مراعاة ما فيه رضا الله دون المخلوقين:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله إلى الناس. وقيل: من خاف الله تعالى جل، ومن خاف الناس ذل. وقال سهل بن عبد الله: أعجز الناس من خشي ما لا يضره ولا ينفعه، والله تعالى يقول " فلا تخشونهم واخشون " . وقيل: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء. قال الشبلي: ولذلك دليل خاف يعقوب على يوسف من الذئب فمحن بما محن، ولو خاف الله تعالى لمنع كيد الأخوة. وقال محمد بن السماك: إن قدرت أن لا تكون لغير الله عبداً ما وجدت للعبودية بداً فافعل. وقيل: ما أوطأ راحة الواثق بالله وآنس المطيع لله. وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: عليك بما يبقى لك عند الله فإنه لا يبقى لك ما عند الناس، فبلغ ذلك الزهري فقال: لقد وعظه بالتوراة والإنجيل والفرقان. وقال أمير المؤمنين: من حاول دفع أمر بمعصية كان ذلك أبعد لما رجا، وأقرب لمجيء ما اتقى. وقال بندار بن الحسين الصوفي: من أقبل على الدنيا أحرقته بنارها وصار رماداً لا ينتفع به، ومن أقبل على الآخرة أحرقته بنورها وصار سبيكة ذهب ينتفع بها، ومن أقبل على الله تعالى أحرقه التوحيد وصار جوهرة لا قيمة لها.
الحث على اصلاح الضمير:

قال سفيان بن عيينة: لو لم ينزل الله تعالى علينا إلا قوله تعالى " إن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه " لكان قد أعذر. وقال ذو النون: إذا فسدت النية وقعت البلية. وقال أبو سعيد الجزار: دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيراً عليه خرقتان فقلت في نفسي: هذا وأمثاله كل على الناس، فناداني: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، فاستغفرت الله تعالى في نفسي. فناداني: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، وغاب عني. وسئل ذو النون عن قوله تعالى " إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة " فقال: القرية قلب المؤمن والملك المعرفة فإذا سكنت المعرفة القلب طردت ما فيه غير ذكر الله. وقال أبو علي السوسني: بلغني يا رسول الله أنك قلت شيبتني هود فما الذي شيبك منها؟قال: قوله تعالى " فاستقم كما أمرت " .

العفو عن حديث النفس:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: عفي عن أمتي الخطأ والنسيان. وقال: إن العبد إذا هم بمعصية لم تكتب عليه. وسئل سفيان عن الهم: هل يؤخذ به العبد؟فقال: نعم إذا كان عزماً. قال الله تعالى " وهموا بما لم ينالوا " .
الحث على تقوى الله وطيب عيش فاعلها:
قال الله تعالى " إنه من يتق ويصبر " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن سره أن يكون أقواهم فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه. وقال: من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان وغنى بلا مال، فليخرج من ذل معصية الله تعالى إلى عز طاعته. وقال جعفر بن محمد: اتق الله بعض التقوى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رق. وقال بزرجمهر: من قوي فليقو على طاعة الله، ومن ضعف فليضعف عن معصية الله. وقال ابن المقفع: ليحرص البلغاء أن يزيدوا على هذه الكلمة حرفاً وقال عبد الملك لبنيه في مرضه: أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلة وأحصن كهف. فقال مسلمة: وأقرب إلى الصواب وأنفع إلى المآب. فقال عبد الملك: هاتان لا الأوليان.
الحث على الإشتغال بالله عن النفس:
قيل لداود الطائي: لو سرحت لحييك. قال: إن الرجل إذا اشتغل بنفسه نسي الله، وإذا اشتغل بالله نسي نفسه. وقيل: لقي داوود محمد بن واسع فقال: يا أخي ما لي لا أراك؟قال: لأني انقطعت إليك. فقال: الشأن في أن يقبلك فغشي عليه. وقال الهيثم الهاشمي: ذكر في مجلس ابي عبيد الله بن خفيف أن جنيداً قال لا تصحب من تحتاج أن تكتمه ما يعرف الله منك، فقال أبو عبد الله: أراد جنيداً أن يشغل الخلق عن الخلق بالله. وقال الجنيد: من ذكر الله نسي نفسه، ومن ذكر نفسه ذكر الخلق، ومن ذكر الخلق فقد هلك. وقال الشبلي:
يا منية المتمني ... شغلتك بك عني
عجبت منك ومني
ونحو ذلك قيل لأبي يزيد البسطامي: أين أبو يزيد؟فقال: أنا في طلب أبي يزيد منذ عشرين سنة. وقال رجل لأبي الربيع: أوصني؛فقال: إن الله لا يشغله عنك شيء فإن استطعت أن لا يشغلك عنه شيء فافعل.
الحث على الاهتمام بأمر الآخرة دون الدنيا:

قال ابن عباس: ما انتفعت بشيء بعده صلى الله عليه وسلم كانتفاعي بما كتب إلي أمير المؤمنين: أما بعد فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسؤوه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك وأسفك على ما فاتك منها، وليكن همك فيما بعد الموت والسلام. وقيل: من كان بالآخرة اشتغاله حسنت في الدنيا حاله. وقال زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم : اطلب ما يعنيك ودع ما لا يعنيك ففي تركه درك ما يعنيك، فإنما تقدم على ما قدمت ولا تقدم على ما أخرت، فآثر ما تلقاه غداً على ما لا تلقاه أبداً. وقيل: الدنيا والآخرة في قلب المؤمن ككفتي الميزان إذا رجحت هذه خفت هذه. وقال يحيى بن معاذ: الناس ثلاثة: رجل يشغله معاده عن معاشه وتلك درجة العابدين، ورجل يشغله معاشه عن معاده وتلك درجة الهالكين، ومشتغل بهما وهي درجة المخاطرين. وقيل لعبد الله بن إبراهيم: من أسخى الناس؟قال: من بذل دنياه في صلاح دينه. وقال صلى الله عليه وسلم: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. وقال رجل: من جعل همه في الله هماً واحدً جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وجعل الغنى في قلبه وأتته الدنيا راغمة، ومن شتت عليه همه شتت الله عليه ضيعته وجعل الفقر بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له ثم لم يبالي في أي وادٍ هلك.

الحث على مراعاة الدين والدنيا ومدح فاعل ذلك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه، ولكن من أخذ منهما جميعاً. وكان محمد بن علي يقول: اللهم أعني على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالتقوى. وقال بعض العلماء: لست آمركم بترك الدنيا فترك الدنيا فضيلة وترك الذنب فريضة، وأنت إلى إقامة الفرائض أحوج منك إلى اكتساب الفضائل. وقيل لعمر بن عبد العزيز: لم لا تنام؟قال: إن نمت بالليل أضعت نفسي، وإن نمت بالنهار أضعت الرعية. وقالت امرأة:
ولله مني جانبٌ لا أضيعه ... وللهو مني والخلاعة جانب
وقال ابن أبي حفصة لعمارة، أنشدت المأمون قولي:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلاً ... بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
فلم يهتم لذلك فقال عمارة: ما زدت على أن صيرته عجوزاً معتكفة في محرابها. فمن لأمور المسلمين؟هلا قلت كجرير:
فلا هو في الدنيا مضيعٌ نصيبه ... ولا غرض الدنيا عن الدين شاغله
احتمال المضرة في العاجل رجاء المسرة في الآجل:
قال صلى الله عليه وسلم: لن تنالوا ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون، ولا تبلغون ما تهوون إلا بترك ما تشتهون. وقال عليه الصلاة والسلام: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، احتمل مضرة يومك لمسرة غدك، العاقل يحتمل الضر في دار الفناء ايقاناً بالنفع في دار البقاء. ولما تاب عتبة الغلام كان لا يتهنأ بطعام ولا شراب فقالت له أمه: ارفق بنفسك فقال: الرفق أطلب لها.
الحث على حفظ النفس من النار:
نظر أبو هريرة إلى رجل وضيء فقال: إني أرى لك قدمين لطيفتين فابتغ لهما موقفاً صالحاً يوم القيامة. وقال رجل لحكيم: أوصني، فقال: إن استطعت أن لا تسيء إلى من تحب فافعل، فقال: وهل يسيء المرء إلى من يحب؟قال: نعم نفسك إن عصيت الله. وقيل: المغبون من رأى الدنيا بحذافيرها لبدنه ثمناً. وقيل: كل قتيل يودى إلا قتيل نفسه.
النهي عن التهافت في العبادة:
قال صلى الله عليه وسلم: إن الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: استبق نفسك ولا تكرهها فإنك إن أكرهت القلب على شيء عمي. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني بالحنيفية السمحة ولم يبعثني بالرهبانية، فمن رغب عن سنتي فليس مني وقال المرعشي: من شغله الفرض عن الفضل فهو معذور، ومن شغله الفضل عن الفرض فمغرور.
التوبة:

قيل: التوبة النصوح ترك ما تنكره السنة في الظاهر والباطن. وقال أمير المؤمنين: التوبة على أربعة دعائم: استغفار باللسان ونية بالقلب، وترك بالجوارح وإضمار أن لا يعود . وسئل السوسني عنها فقال: الرجوع عن كل ما ذمه العلم إلى ما مدحه. وقيل: هي الاعتراف والندم والإقلاع. وقال عليه الصلاة والسلام: من تاب قبل موته بفواق ناقة حرم الله وجهه من النار.

الحث على المبادرة إليها:
قيل في قوله تعالى " بل من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته " هو من مات على المعصية من غير توبة. وقال مجاهد: التوقف حسن إلا في التوبة. وقيل لرجل: أوص؛فقال: أحذركم سوف.
شاعر:
والمرء مرتهنٌ بسوف وليتني ... وهلاكه في سوفه والليت
وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم ولو، فإن لو من أقوال المنافقين. وقل من وجد في قلبه التخويف فلا يطلبن لنفسه التسويف. وقيل في قوله تعالى " ليفجر أمامه " أي يقول غداً أتوب. وقال أبو حازم: نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب ولا نتوب حتى نموت.
شاعر:
أسوف توبتي خمسين عاماً ... وظني أن مثلي لا يتوب
وقال:
متى يفلح من قد عا ... ش خمسين وما أفلح؟
وقال عمر بن عبيد الله لرجل: عظني؛فقال: قد قطعت عامة سفرك فإن استطعت أن لا تضل في آخره فافعل. وقال المؤلف: وأنا أقول قد ضللت عامة سفري، فإن لم يهدني الله فويل لي ختم الله لي تخير ولمن كتب وقرأ. وقال مصعب بن الزبير: ادفع سطوة الله بسرعة النزوع وحسن الرجوع، ويوشك أن المنايا تسبق الوصايا.
الحث على الإستغفار واختلاط سيء الأفعال بالحسن:
قال صلى الله عليه وسلم: ما أضر من استغفر وإن عاد في اليوم خمسين مرة. وقال بعضهم: حق على المؤمن أن يقتدي بأبويه في قولهما: ربنا ظلمنا أنفسنا. ومما قال نوح عليه السلام: وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين. وقوله تعالى: خلطوا عملاً صالحاً " وقال أمير المؤمنين: العجب لمن يقنط ومعه النجاة الاستغفار. وقيل: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار. وقال عمر رضي الله عنه: لم أر أشد طلباً وأسرع دركاً من حسنة حديثة لذنب قديم. وقيل لرجل: ألا تأتي إلى الحسن لتسمع منه؟قال: أنا مشغول بذنب أستغفر منه وبنعمة أشكر عليها، فمتى أتفرغ لإتيانه، وسئل بعض المجان: كيف أنت في دينك؟قال: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار. وقال بزرجمهر: أيها السلاطين لا بد لكم من المعاصي الكبار، فافعلوا بإزائها طاعات عظيمة، أيها الأوساط يمكنكم الطاعات العظيمة كالمصالح التي لا يقدر عليها إلا السلطان فلا تركبوا المعاصي الكبيرة.
النهي عن الاستغفار ما لم يصاحبه الفعل:
سمع مطرف رجلاً يقول: استغفر الله وأتوب إليه. فأخذ بذراعيه وقال: لعلك لا تفعل ومن وعد فقد أوجب. وقال أبو عبد الرحمن: سمعني راهب أقول أستغفر الله فقال: يا فتى سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين. ويدل على ما قاله قوله صلى الله عليه وسلم: المستغفر باللسان المصر على الذنب كالمستهزئ بربه. وقيل: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. وقال الربيع بن الهيثم: لا يقولن أحدكم أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنباً جديداً إذ لم يفعل، ولكن ليقل اللهم تب علي واغفر لي. فقيل: لم؟فقال: انته عما ينهاك عنه فإنه يغفر لك.
تحذير من دنا أجله وساء عمله:
اجتمع فيلسوف الروم وحكيم الهند وبزرجمهر عند كسرى، فتذاكروا في شر الأشياء فقال الرومي: الهم يقترن به العدم، وقال الهندي: سقم البدن ودوام الحزن، وقال بزرجمهر: دنو أجل وسوء عمل؛فحكم له. ودعا بعض الصالحين فقال: اللهم اجعل خير عملي ما ولي أجلي. وقال آخر: أعوذ بالله من وقوع المنية ولما أبلغ الأمنية. وقال ابن أبي البغل:
أستغفر الله من عمرٍ أضعت به ... حظي من الذكر في قالٍ وفي قيل
استغفر الله رب العرش من عمرٍ ... أضعته في خساراتٍ وتضليل
الحث على تجنب فعل مذموم:
قال حكيم: الأيام صحائف آجالكم فأودعوها أجمل أفعالكم. وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما: عجبت لمن يحتمي عن الطعام لمضرته، ولا يحتمي عن الذنب لمعرته؛فأخذ ذلك محمود الوراق حيث يقول:
عمرك قد أفنيته تحتمي ... فيه من البارد والحار
وكان أولى بك أن تحتمي ... من المعاصي خشية النار

وقال بعضهم: حضرت مجلس الشبلي فقام إليه رجل من أصحابه فقال له: أوصني، فقال له: لقد أوصاك الشاعر بقوله:
قالوا توق ديار الحي إن لهم ... عيناً عليك إذا ما نمت لم تنم
وقال يحيى بن معاذ: اجتناب السيئات أشد من اكتساب الحسنات.

النهي عن تضييع الوقت:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك. وقال سفيان: تذكر الماضي ورجاء الباقي ذهبا ببركة ساعاتك. وقال عمر بن ذر: الأيام إذا فكرت فيها ثلاثة: يوم مضى لا ترجوه، ويوم أنت فيه ينبغي أن تغنمه، ويوم في يدك أمله فلا تغتر بالأمل فتخل بالعمل، فإنما اليوم وأمس كأخوين نزل بك أحدهما فأسأت نزله وقراه، فرحل عنك وهو ذام لك ثم نزل بك أخوه فقال: إن أسأت إلي كما أسأت إلى أخي فما أخلقك أن تعدم شهادتنا. وسمع الحسن رجلاً يقول: اللهم اجعلنا منك على حذر!فقال: إنه فعل ذلك، أليس قد ستر عنك أجلك فلست من حياة ساعة على يقين؟.
عتب من يتوب ثم يعود:
شاعر:
كم قلت لست بعائدٍ في توبةٍ ... ونذرت فيها ثم صرت تعود
قال مالك بن دينار: دخلت على جار لي وهو مريض فقلت له: عاهد الله أن تتوب فلعله أن يشفيك. فقال: هيهات قد عاهدته فسمعت هاتفاً من جانب البيت: قد عاهدناك مراراً فوجدناك كذوباً.
حث الراجع عن التوبة بالعود:
جاء حبيب بن الحارث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مقارف للذنوب. فقال: تب. قال: إني أتوب ثم أعود!فقال: كلما أذنبت ذنباً فتب فعفو الله أكبر من ذنوبك. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليذنب فيدخل به الجنة؛فقيل: كيف يا رسول الله؟قال: يكون نصب عينه خائفاً منه حتى يدخله الجنة.
قلة من لا ذنب له من المكلفين:
قال الله تعالى " فنسي ولم نجد له عزماً " . وذكر يونس عليه السلام فقال " وذا النون إذ ذهب مغاضباً " وقص قصة داود عليه السلام. وقد عوتب محمد عليه الصلاة والسلام بعبس وتولى. " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً " " ولولا كتاب من الله سبق " . وقال في جميع الناس " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " .
جواز إظهار الكفر تقية:
قال الله تعالى " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " . وكان عمار أظهر الرضا بفعل الكفار مع انطواء قلبه على الإخلاص. وقال صلى الله عليه وسلم: إن عادوا فعد. وأتي مسيلمة برجلين فقال لأحدهما: تعلم أني رسول الله؟قال: بل محمد رسول الله!فقتله وقال للآخر فقال: أنت ومحمد رسول الله فخلى سبيله. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما الأول فمضى على عزمه ويقينه، وأما الآخر فأخذ برخصة الله فلا تبعة عليه، وكالمضاد له:
من راقب الناس في مذاهبه ... أصمه ربه وأعماه
رجاء رحمة الله وغفرانه ومدح ذلك:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " . وقال: إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء. وقال ابن عباس لابن عمر رضي الله عنهما أي آية أرجى؟قال: " إن الله لا يغفر أن يشرك به " فقال: إن هذه لمرجوة وأرجى منها قوله تعالى " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " . وقيل: أعظم من الذنب اليأس من الرحمة، وأشد منه المماطلة بالتوبة. وقال أعرابي لابن عباس: من يحاسب الخلق يوم القيامة؟قال: يحاسبهم الله تعالى. قال: نجونا ورب الكعبة. فقال: كيف؟قال: إن الكريم إذا قدر غفر. ورؤي الشبلي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك فأنشد:
حاسبونا فدققوا ... ثم منوا فأعتقوا

وسمع أعرابي ابن عباس يقرأ قول الله تعالى " وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " . قال: والله ما أنقذنا منها وهو يريد أن يلقينا فيها. فقال ابن عباس: خذوه من غير فقيه. ولقي يحيى عيسى عليهما السلام فعبس هذا وتبسم هذا، فقال هذا لهذا: ما لك عابس كأنك قانط؟وقال هذا لهذا: ما لك ضاحك كأنك آمن؛فأوحى الله تعالى إليهما أن أحبكما إلي أحسنكما ظناً بي. وقيل لرجل: كم تكون تاركاً للتوبة؟قال: رأيت الله تعالى وصف قوماً فقال " وآخرون اعترفوا بذنوبهم إلى عسى الله أن يتوب عليهم " وعسى من الله واجب. فقيل له: قد قال الله تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة " . وقال عمر بن عبد العزيز لعمر بن علقمة: أخاف عليك النار!فقال: لكني لا أخافها. قال: لمه؟فقال: لأن الله تعالى يقول " لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى " وأنا صدقت وأقبلت. وقال أبو نواس:
يا كثير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر
وقال بعضهم: يا رب حجتي حاجتي ووسيلتي فاقتي.

الحث على الجمع بين الرجاء والخوف:
قال الله تعالى في صفة المؤمنين " يرجون رحمته ويخافون عذابه " . وقال أمير المؤمنين: خف الله خوفاً ترى أنك بحسنات أهل الأرض لم تقبل منك، وارجه رجاء ترى أنك لو أتيت بسيئات أهل الأرض غفرها الله لك. وقيل: ارج إذا خفت وخف إذا رجوت، وكن كالمرأة الحامل ليس رجاؤها أن تلد ولداً ذكراً بأكثر من خوفها أت تلد أنثى. وقال بعض الصالحين: لو أنزل الله كتاباً إني معذب رجلاً واحداً لخفت أن أكونه، أو أنه راحم رجلاً واحداً رجوت أن أكونه، ولو أنزل الله إنه معذبي ما ازددت إلا اجتهاداً لئلا يعود على نفسي بلائمة. وقال رجل لابنه: خف الله خوفاً لا يمنعك من الرجاء، وارجه رجاء لا يمنعك من الخوف، فالمؤمن له قلبان يرجوه أحدهما ويخافه الآخر. وقال:
أنا بين الرجاء والخوف منه ... واقفٌ بين وعده والوعيد
أبو نواس:
لا تحظر العفو إن كنت إمرءاً حرجاً ... فإن حظركه بالدين إزراء
ذم من يرجو الغفران من غير ترك ذنب:
قال سعيد بن جبير: من الإغترار بالله المقام على الذنب ورجاء الغفران. وقال سليمان بن علي لعمرو بن عبيد: أخبرني عن هذا المال. فقال: أن آخذ من حله فوضع في حقه سلمت، فقال: أنا أحسن ظناً بالله. قال: ما كان أحد أحسن ظناً بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أخذ درهماً إلا من حله، ولا وضعه إلا في حقه. وقيل في قوله تعالى " بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتي صحفاً منشرة " ؛قال: يراه من الله من غير عمل يقدمه. ولقي زاهد أخاً له فقال: أتاك اليقين أنك وارد جهنم. قال: نعم. قال: فهل أتاك اليقين بالصدر؟قال: لا قال: فما الإنتظار والتناعس؟وقال الثوري: قطع أطماع العباد آيتان: " قل لله الشفاعة جميعاً " وقوله " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " .
محمود الوراق:
يا ناظراً يرنو بعيني راقدٍ ... ومشاهداً للأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان بها وفوز العائد
ونسيت أن الله أخرج آدماً ... منها إلى الدنيا بذنبٍ واحد
تكذيب من ادعى حسن ظنه بربه وفعله مناف لذلك:
قال الحسن: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم حسنة يقول إني أحسن الظن بربي، وكذب لو أحسن الظن بربه لأحسن العمل ثم تلا " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " . وقال جعفر: رأيت ميسرة العابد وقد بدت أضلاعه من الإجتهاد فقلت له: إن رحمة الله قريب. قال: نعم من المحسنين.
ذم متمن غير عامل:
قيل: إذا أبغض الله عبداً أعطاه ثلاثاً: يحبب إليه الصالحين ويمنعه القبول منهم، ويحبب إليه الأعمال ويمنعه الإخلاص فيها، ويجري الحكمة على لسانه ويمنعه الصدق بها. وكتب أبو عمير إلى صديق له: أما بعد فإنك تتمنى على الله بسوء فعلك إنما تضرب بحديد بارد.
التحذير من الاغترار بالله تعالى في تأخير العقوبة:

قال الله تعالى " إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً " . وقال ابن السماك: إن الله أمهلهم حتى كأنما أهملهم، ولقد ستر حتى كأنه غفر. وخطب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال: لا يغرنكم الإملاء فإن الإملاء من الاستدراج، والله تعالى يقول " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين " . وكتب أيضاً إلى عامل له: لا تغتر بتأخير العقوبة من الله فإنما يعجل خائف الموت.

عتب طالب الرخص:
قال الأصمعي: من التمس الرخص من الإخوان عند المشورة، ومن الأطباء عند المرض، ومن الفقهاء عند الشبهة تاه وازداد سقماً واحتمل وزراً. وقيل: إذا رأيت الزاهد يتروح إلى طلب الرخص فاعلم أنه قد بدا له في الزهد.
تفضيل المذنب المخالف على الورع المعجب:
الورع: الوقوف مع الشرع. وقال بعضهم: الورع ترك ما حاك في صدرك. وقال بعص الصالحين: ضحك العبد وهو مشفق من ذنبه خير من بكائه وهو مدل بربه. وقال أبو سليمان الداراني: ما عمل داود عملاً خيراً من خطيئته، ما زال خائفاً منها حتى لحق بربه. وقال مطرف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً خير من أبيت قائماً وأصبح معجباً. وقال القاسم بن محمد الصوفي: إذا كان الرجل لجوجاً معجباً برأيه ممارياً فقد استكمل الخسارة. وقال رجل ليحيى بن معاذ: متى أتهم قلبي؟قال: إذا فارقه الخوف. وقال الخلدي: سألت الجنيد عن الظرف فقال: أن تعمل لله ولا ترى أنك عملت. وقالت عاجلة في قوله تعالى " يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة " . يخاف أن لا يقبل منهم. وقال الحسين الحلاج: من نظر على العمل حجب عمن عمل له، ومن نظر إلى من عمل له حجب عن رؤية العمل.
التوقي من الصغائر:
قال علي كرم الله وجهه: إياكم ومحقرات الذنوب فإن الصغير منها يدعو إلى الكبير. وقيل: من العود إلى العود ثقلت ظهور الحطابين، ومن الهفوة إلى الهفوة كثرت ذنوب الخطائين.
بعض الأسديين:
ألا من لنفسٍ بالذنوب رهينةٍ ... قليلٌ على مس العذاب اصطبارها
كفى سقماً بالمرء يا أم عاصمٍ ... ركوب المعاصي عامداً أو احتقارها
وسقط من يد بعض الصالحين دينار فوجده في الحال فلم يأخذه وقال: لعله غير ديناري. وكان عمر أتى بالعشاء فأطفأ السراج وقال: لا آكل على سراج العامة.
المتبين فيه مخافة الله تعالى:
قيل: ما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكاً بعد نزول قوله تعالى " أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون؟ " . وقال رجل ليونس بن عبيد: صف لي الحسن فقال: كان إذا أقبل فكأنما أقبل من دفن حبيبه، وإذا جلس فكأنما أمر بضرب عنقه، وإذا ذكرت النار فكأنما خلقت له. ووصف ابن عباس أبا بكر رضي الله عنهم فقال: كان كالطائر الحذر له في كل وجه جسد، وكان يعمل لكل يوم بما فيه. وكان محمد بن المنكدر لا يرى إلا كئيباً فقيل له في ذلك فقال: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون. وقال الفضيل: من علامة الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل. وكان يقول: حقيق على من كان الموت موعده والقيامة مورده والوقوف والحساب مشهده أن يطول حزنه وبكاؤه. مالك بن دينار: في التوراة: إن الرجل إذا استكمل النفاق ملك عينيه.
المستكبر ذنب نفسه والمتذمم لفعله:
قال بعض الصالحين: كم لي من ذنب لو عرف به الصديق لمقتني، ولو عرف به العدو لهتكني. وقال مطرف: ما نزل بلاء فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فأستصغره. قيل لحكيم: كيف أصبحت؟قال: آكل رزق ربي مطيعاً عدوه. وقيل لحسان بن سنان: كيف أصبحت؟قال: اصبحت قريباً أجلي بعيداً أملي سيئاً عملي.
أبو العتاهية:
يظن الناس بي خيراً وإني ... لشر الناس إن لم تعف عني
أبو محمد الخازن:
بنعمة الله وفي داره ... عصيته جهلاً وسوء اختيار
إن لم يغثني عفوه عاجلاً ... فإنني والله في النار جار
الممتنع من تناول المشتهيات والمباحات:
عاد مالك بن دينار جاراً له فقال له: تشتهي شيئاً؟فقال: نفسي تنازعني منذ أربعين سنة رغيفاً أبيض ولبناً في زجاج. فأتاه بهما فجعل ينظر إليهما ويقول: دافعت شهوتي عمري حتى لم يبق إلا مثل ظمء الحمار!ومات بشهوته.
الحث على عبادة الله تعالى لا طلباً لثوابه ولا مخافة من عقابه:

قال النباجي: لو لم يكن لله ثواب يرجى ولا عقاب يخشى لكان أهلاً أن لا يعصى، ويذكر فلا ينسى بلا رغبة في ثواب ولا رهبة من عقاب، لكن لحبه وهو أعلى الدرجات أما تسمع قول موسى عليه السلام: : وعجلت إليك ربي لترضى؟ " وأن من عمل لحبه أشرف ممن عمل لخوفه. وقال: حكيم: إني لأستحي من ربي أن أعبده رجاء الجنة فأكون كالأجير، أو خوف النار فأكون كعبد السوء إن خاف عمل وإن لم يخف لم يعمل، لكن يستخرج مني حب ربي ما لا يستخرجه غيره. أبو يزيد البسطامي: الظالم الذي يعبده على العادة والمقتصد للرغبة والرهبة والسابق للمحبة. وقال الشبلي: من عبده رجاء الجنة فهو عبدها، أو خوف النار فهو عبدها، لأن من خاف شيئاً أو رجاه فهو معبوده. وقال بعضهم: من عبد الله بعوض فهو لئيم. علي بن الموفق: اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فاحرقني، أو طمعاً في جنتك فاحرمنيها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً لك وشوقاً إلى لقائك فأحبنيه. بعض الصوفية: حقيقة المحبة أن لا يزيدها البر ولا ينقصها الجفاء. وقيل لرابعة: ما لك لا تسألين الله الجنة في دعائك؟فقالت: الجار ثم الدار!وقال سهل بن عبد الله وتلا: " إن أصحاب الجنة اليوم في شغلٍ فاكهون " ولو علموا عمن شغلوا ما اشتغلوا به. وقيل في قوله صلى الله عليه وسلم: أكثر أهل الجنة البله، قال: لأنهم في شغل فاكهون شغلهم النعيم عن المنعم، ومن رضي بالجنة فهو أبله. وقال البوشنجي: الدنيا سجن المؤمن والجنة سجن العارف.

فضيلة من كان في كلاءة الله تعالى وحفظه:
قال ممشاد الدينوري: من كان مع الله فقد هلك، وإنما نجا من كان الله معه. وقال رجل للشبلي: متى يقرب العبد من ربه؟فزعق ثم أنشد:
من لم يكن للوصول أهلاً ... فكل إحسانه ذنوب
وقيل: أجل ما ينزل من السماء التوفيق، وأجل ما يصعد من الأرض الإخلاص.
في ذم عالم غير عامل:
قال أبو الدرداء: إن أخوف ما أخاف إن وقفت على الحساب أن يقال لي قد علمت فما عملت وقيل: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم سبع مرات. وقال محمد بن واسع: إن قوماً يشرفون على قوم يوم القيامة فيقولون قد نجونا بما أخذنا منكم فما لكم في العذاب؟فيقولون: كنا نعلم ولا نعمل.
قلة اليقين في الناس:
قال الشعبي: لم يقسم الله بين الناس أقل من اليقين. وقال بعض اصحابنا: من الدلالة على قلة اليقين تخير يوماً عن خير الدنيا بالنسيئة طمعاً في الربح، طفيف ربح مع ما فيه من الخطر، وتأبى أن تقرض الله درهماً بثمانمائة مع زعمك وقولك: إن مستقرضه ملي وفي.
ترغيب الله تعالى عباده في جنته:
قال الحسن: إن الله دعا كل قوم إلى الجنة فقال للعرب يشوقهم: ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً، لما كان أحب الأشياء إليهم ذلك؛وقال للفرس: يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير، لما كان أحب الأشياء إليهم ذلك. وقيل: إنما ذكر الله درجة الخائفين ولم يذكر درجة المحبين لأن القلوب لا تحتمل ذلك، كما أمسك عن ثواب النبيين وأظهر ثواب المتقين، فقال في النبيين " واذكر عبدنا داود " وأظهر ثواب المتقين فقال " وإن للمتقين لحسن مآب " . ومثال ذلك أن الشيء إذا عظم ثوابه لم يذكر مفصلاً كصوم رمضان والزكاة. وقال: " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " وقال " ولدينا مزيد " . وقال صلى الله عليه وسلم: فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وذكر الثواب في إماطة الأذى عن الطريق وعيادة المرضى ونحو ذلك.
فضيلة العبادة مع العلم:
قال الله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد. وقال الحسن: أدركت قوماً من أصحاب الرسول صلى اله عليه وسلم يقولون: من عمل بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه.
ذم الورع مع الجهل:

روي عن أمير المؤمنين أنه قال: جاهل متنسك وعالم متهتك. وروي عن الحسن: قصم ظهري عالم لا زهد معه، وزاهد لا علم معه، هذا يدعو إلى جهله بزهده، وذاك ينفر عن علمه بحرصه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر الزمان قراء فسقة وعباد جهلة، وركعة من عالم أفضل من سبعين ركعة من عابد لا علم معه. وكان لأبي سعيد الخراز ابناً فمات فرآه في المنام فقال: يا ولدي أوصني؛فقال: يا أبت لا تعامل الله على الحمق، فقيل: لإبراهيم؟فقال: نعم لأنه لم يلبس القميص ثلاثين سنة. وقيل لأنوشران: أي الناس أولاهم بالسعادة؟فقال: أقلهم ذنوباً. قيل: ومن أقلهم ذنوباً؟قال: أكملهم عقلاً.

ذم متحامق رقيع في ورعه:
حلق صوفي لحيته وقال: إنها نبتت على المعصية. ولطخ رقيع شاربه بالعذرة فقيل له في ذلك فقال: أردت التواضع لله. وأذن مؤذن فقال: أشهد أن أبا القاسم رسول الله، وقال: النبي عندنا أعظم من أن نسميه ولا نكنيه. ورأى ابن أبي ليلى رجلاً قد أخذ رمانة من حمال وأعطاها مريضاً وقال: إن سيئة بسيئة وحسنة بعشرة فقد ربحت تسعة. وكان رجل يحج عن حمزة بن عبد المطلب ويقول: قتل قبل فرض الحج. وآخر يضحي عن أبي بطر ويقول أخطأ السنة في الأضحية. وكان أبو شعيب العلائي لا يصلي ولا يصوم ويقول: من أنا حتى أصلي وأصوم؟إنما يفعل ذلك الكبراء الذين أريد منهم التواضع. وفضل اللخمي قبر إحدى عينيه وقال: النظر بهما اسراف. وقال بعضهم: صحبني رجل في طريق يدعي أنه بلغ من التصوف منزلة الرضا، فجاءني يوماً فقال: إن فلاناً دب على البارحة فما قلت شيئاً حتى فرغ، وكرهت أن أخرج من منزلة الرضا، فقلت: هذا رضا مأبون أحمق!وقال بعضهم: مررت برجل في يده سبحة أطول من باع وهو يقف في كل حبة مقدار عشر آيات!فقلت له : ما تقول؟فقال: أقول ايري في حر أم المعتزلة سبع مرات، وايري في است القدرية عشر مرات!فقلت: لم زدت هؤلاء؟قال: لأنهم خرجوا على أمير المؤمنين الحجاج بن مروان.
ذم مبالغ في نسكه إلى حد الرقاعة:
سأل الشعبي رجلاً: بم أفطر؟فقال: أفطرت بزيتونة أو نصف زيتونة أو ربع زيتونة أو ماشاء الله من زيتونة. ومر آخر بحمال معه شوك فشكت رجله فقال للحمال: اجعلني في حل من هذه الشوكة فلا يمكنني إخراجها.
الحث على التنظيف:
قال الله تعالى " خذوا زينتكم عند كل مسجد " . وقال صلى اله عليه وسلم: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ويكره البؤس والتباؤس. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال. وقال عيسى عليه السلام: البسوا لباس الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية.
النهي عن التماوت وفرط التخشع:
روي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً متماوتاً في إظهار النسك فعلاه بالدرة وقال: لا تمت علينا ديننا!ومر رجل بعائشة رضي الله عنها متماوتاً فقالت: ما له؟قالوا: متخشع؛قالت: هو أخشع من عمر. وكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع.
من تورع في الفسق:
اجتمع جماعة على امرأة فقال أحدهم: خذي هذه الخمسة دراهم وقولي قد فعل؛فقالت: أعوذ بالله إن أكذب جماعة بخمسة دراهم. فسق بعضهم بغلام وكان عليه خف فقال له: انزع خفك!فقال: أخاف أن ينتقض وضوئي. وقال بعضهم: أدخلت قحبة على جماعة فشارطوها كل فرد بدرهم وواحد يصلي ويقول: سبحان الله!ويشير إني أريد فردين بدرهم.
ذم الرياء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء الظاهر والشهوة الخفية. وقال أمير المؤمنين: لا تفعل شيئاً رياء ولا تتركه حياء. وقيل: أعظم الرياء حب المحمدة. وقيل: إذا عمل الرجل العمل وكتمه، وأحب إعلام الناس أنه كتمه فذلك أقبح الرياء. وكان الشبلي إذا رأى من يدعي التصوف يقول: ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب.
أبو نواس:
وإذا نزعت عن الغواية فليكن ... لله ذاك النزع لا للناس
وقال لقمان لابنه: اتق الله ولا تري الناس أنك تخشاه ليكرموك. وكان الناس يراؤون بما يفعلون فصاروا يراؤون بما لا يفعلون. وقيل: ما الدخان بأدل على النار من ظاهر أمر الرجل على باطنه.
شاعر:
إن التخلق يأبى دونه الخلق
وقيل:
له سمت أبي ذرٍ ... على قلب أبي جهل
ذم متنسك طمعاً في عرض الدينا:

قال صلى الله عليه وسلم: أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها. وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن الناس عبيد المال، والدين نعو على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم، فإذا فحص للإبتلاء قل الديانون. ويقال: إن بلال بن أبي بردة وفد على عمر بن عبد العزيز فجعل يديم الصلاة فقال عمر: ذلك للتصنع!فقال له العلاء: أنا آتيك بخبره. فجاءه وهو يصلي فقال له: ما لي عندك أن بعثت أمير المؤمنين على توليتك العراق؟قال: عمالتي سنة، وكان مبلغه عشرين ألف درهم فقال: اكتب به خطك، فكتب إليه فجاء العلاء إلى عمر فأخبره فقال: أراد أن يغرنا بالله!ودخل على المنصور رجل بين عينينه كركبة البعير يريد القضاء فقال: إن كنت أبررت الله بهذا فما ينبغي أن نشغلك عنه، وإن كنت أردت خداعنا فما ينبغي أن ننخدع لك! شاعر:
لا تصحبن صحابةً ... حلقوا الشوارب للطمع
يبكي وجل بكائه ... ما للفريسة لا تقع
ورأى المنصور رجلاً واقفاً ببابه وبين عينيه سجادة فقال له: بين عينيك درهم مثل هذا وتقف ببابي؟فقال: إنه ضرب على غير سكة. وقال بعضهم في أصحاب السجادات: أما ثقلت رؤوسهم أو خشنت الأرض؟ شاعر:
تصوف فازدهى بالصوف جهلاً ... وبعض الناس يلبسه مجانا
ولم يرد الإله به ولكن ... أراد به الطريق إلى الخيانه
وقال:
عمروا موضع التصنع منهم ... فكأن الصلاح منهم خراب
وقال:
تسبيحه ريحٌ فلا تسكنوا ... من شفة الشيخ إلى الريح
عبدان في أبي القاسم بن بحر وقد عاد من الحج:
تعنيت أبا القاسم في السعي إلى الحج ... بما سوغت من سحتٍ
زمان الجور والهرج ... وما يصلح ما تنفق للثج وللعج
ودخل المرء من سحتٍ ... كذا يخرج في الخرج

من يخادع الله في زكاته وصدقته:
قال الجاحظ: كان ببغداد لوطي موسر فإذا كان وقت الزكاة يدعو الغلام ويقول له: ألك أم أو أخت تستحق الزكاة؟فيدفعه له ويقول: خذ هذا من زكاة مالي وأنعم لي بواحد، وبعض أصحابنا يبيع زكاته من الفقير ويسترجعها منه بدرهم أو درهمين؛يخادعون الله وهو خادعهم.
ذم من حسن مقاله وقبح فعاله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: سيكون بعدي أقوام يعطون الحكمة على المنابر وقلوبهم أنت من الجيفة. وقال سليمان بن عبد الملك لبلال بن أبي بردة: صف لي الحجاج؛فقال: كان يتيزين بزينة المومسة، فإذا صعد المنبر تكلم بكلام القسيسين، وينزل فيعمل بعمل الفراعنة! شاعر:
إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعل
وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدر لها رسل
وقال:
قلوبهم أمر من دفل ... ولفظهم أحلى من العسل
المتبجح بتقواه رقاعة:
صلى رجل بحضرة الشعبي فأطال، فقال الشعبي: ما أحسن صلاته!فلما سلم الرجل قال: وأنا مع هذا صائم!وقال ذو اليمينين لأبي بكر المروزي: مذ كم صرت إلى العراق؟قال: مذ عشرين سنة وأنا أصوم مذ ثلاثين سنة.
تنسك كل صنف من الناس:
قال الجاحظ: لكل صنف من الناس نسك، فنسك الخصي غزو الروم، ونسك الخراساني الحج، ونسك المغني كثرة التسبيح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وشرب النبيذ، ونسك الرافضي ترك النبيذ وزيارة المشهد، ونسك السوادي ترك شرب المطبوخ، ونسك المتكلم رمي الناس بالجبر والتعطيل والزندقة، ونسك المخنث أن يصير دلال النسوة. وقيل: إذا نسك الشريف تواضع أو الوضيع تكبر.
رقاعة الجهال في زمن العلماء بالبدعة:

رفع إلى المأمون سبعمائة قصة في بشر المريسي تشهد بكفره، فجمعهم يوماً وقال لهم: ما الذي ظهر من كفره؟قالوا: قوله ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك. فقال المأمون: قد شهد الله بهذا فقال شيخ منهم: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى " وحاج موسى إبراهيم " فقال له: على من قرأت القرآن؟قال: على أبي وكان يقرأه بسبعة ألسن. وسئل رجل كان يشهد على رجل بالكفر عند جعفر بن سليمان فقال: إنه خارجي معتزلي ناصبي حروري جبري رافضي، يشتم علي بن الخطاب، وعمر بن أبي قحافة، وعثمان بن أبي طالب، وأبا بكر بن عفان، ويشتم الحجاج الذي هدم الكوفة على أبي سفيان. فقال جعفر: ما أدري على أي شيء أحسدك. أعلى علمك بالأنساب أم بالأديان أم بالمقالات؟وقال الصاحب: رأيت يوماً جماعة مجتمعين على رجل يضربونه ويقولون: يجب أن يقتل!فسألتهم: ما فعل؟فقال كل: ما أدري!كان المنصور أمر أبا دلامة أن يلازم صلاة الجماعة ويترك البطالة فقال:
ألم تعلمي أن الخليفة لزمني ... بمسجده والقصر ما لي وللقصر؟
يكلفني من بعد ما شبت توبةً ... يحط بها عني العظائم من وزري
وما ضره والله يصلح أمره ... لو أن ذنوب العالمين على ظهري؟
وقال:
وجفاني الأمير كي أتقرا ... فتقرأت مكرهاً لجفائه
والذي أنطوى عليه المعاصي ... علم الله نيتي من سمائه
التجاسر على الذنب اتكالاً على التوبة:
حكي أن الأعشى لما مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
ألم تغتمض عيناك ليلةً أرمدا؟
قصده بها فلقيه بعض الكفار فقال: ما تصنع عنده وقد حرم عليك الزنا وشرب الخمر؟فقال: أما الزنا فقد ضعفت عنه لكبري، ولكن عندي دنان فسأشربهما ثم أقصده. فمات قبل استيفاء شربهما! وقال جميل:
تعال نبع في العام يا بثن ديننا ... بدنيا فإن قابلاً سنتوب
وقال:
تعال نبع ديننا بدنيا نصيبها ... ونستغفر الرحمن فالله غافر
وقال:
سقى الله أيام الوصال وقولنا ... إذا ما صبونا صبوةً سنتوب!
وقال:
نسرق هذا اليوم من دهرنا ... فربما يعفى عن اللص

ذم خليع متمثل بما اعتقد فيه الصلاح:
مر أبو حازم في بعض الليالي فسمع قئلاً ينشد:
أسأت وقد أنبت فلا أعود!
فقال: اللهم إن الرحمة بيدك، وعبدك هذا قد اعترف بذنبه وقرع عليه الباب. وقال: سل ما تريد فإنه كريم يعطيك. فقال:
فعد للوصل قد سمج الصدود
فقال أبو حازم: أنت من جند إبليس يا فاسق!أتمزج الخبيث بالطيب؟أستغفر الله من دعائي. ومر سفيان برجل ينشد:
أتوب إلى الذي أمسي وأضحي ... وقلبي يرتجيه ويتقيه
تشاغل كل مخلوقٍ بشيءٍ ... وقلبي من محبته وفيه
فدنا منه وأخذ يبكي معه ثم قال:
عسى قلب الممكن من فؤادي ... يدق لذل طاعة عاشقيه
فقال سفيان: اللهم لا تضلنا بعد إذ هديتنا. ومر ناسك بدار فيها أبو نواس ينشد:
إن في توبتي لفسخاً لجرمي ... فاعف عني فأنت للعفو أهل!
فرفع يده وقال: اللهم تب عليه. فقال:
لا تؤاخذ بما يقول على السكر ... فتى ما له لدى الصحو عقل
فقال: اللهم أرشدنا.
خلع تأول كلام صالح على اعتقاده:
سرق لرجل دراهم فقيل له: تكون في ميزانك غداً فقال: مع الميزان سرقت. وسرق لآخر خرج فقيل: لو قرأت عليه آية الكرسي لما سرق. فقال: كان فيه مصحف!وسرق أعرابي نافجة مسك فقيل له: من غل شيئاً يأتي به يوم القيامة. فقال: إذاً والله آتي به خفيفة المحمل طيبة الريح.
عكس ذلك:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11