كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

الأولى ثم جلس شيئا يسيرا، ثم قام فخطب الخطبة الثانية حتى إذا قضاها استغفر الله ثم نزل فصلى. قال ابن شهاب: وكان إذا قام أخذ عصا فتوكأ عليها وهو قائم على المنبر، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك. ابن وهب وقال مالك: وذلك مما يستحب للأئمة أصحاب المنابر أن يخطبوا يوم الجمعة ومعهم العصي يتوكئون عليها في قيامهم وهو الذي رأينا وسمعنا.

ما جاء في المواضع التي يجوز أن تصلى فيها يوم الجمعة
قال: وقال مالك في الدور التي حول المسجد والحوانيت التي حول المسجد التي لا يدخل فيها إلا بإذن، لا تصلى فيها الجمعة وإن أذن أهلها في ذلك للناس يوم الجمعة، قال: فلا تصلى فيها الجمعة وإن أذنوا، وقال مالك: وما كان حول المسجد من أفنية الحوانيت وأفنية الدور التي تدخل بغير إذن فلا بأس بالصلاة فيها يوم الجمعة بصلاة الإمام، قال: وإن لم تتصل الصفوف إلى تلك الأفنية فصلى رجل في تلك الأفنية فصلاته تامة إذا ضاق المسجد. قال: وقال مالك: ولا أحب لأحد أن يصلي في تلك الأفنية إلا من ضيق المسجد، قال ابن القاسم: وإن صلى أجزأه، قال مالك: وإن كان الطريق بينهما فصلى في تلك الأفنية بصلاة الإمام ولم تتصل الصفوف إلى تلك الأفنية فصلاته تامة. قال: وإن صلى رجل في الطريق وفي الطريق أرواث الدواب وأبوالها؟ قال مالك: صلاته تامة، ولم يزل الناس يصلون في الطريق من ضيق المساجد وفيها أرواث الدواب وأبوالها. قلت: وكذلك قول مالك في جميع الصلوات إذا ضاق المسجد بأهله، قال: هو قول مالك. قال: وقال مالك فيمن صلى يوم الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام، قال: لا ينبغي ذلك ; لأن الجمعة لا تكون إلا في المسجد الجامع. قلت: فإن فعل؟ قال: يعيد وإن خرج الوقت أربعا. قال: وقال مالك: لا بأس بذلك في غير الجمعة أن يصلي الرجل بصلاة الإمام على ظهر المسجد والإمام في داخل المسجد. قال: وسألت مالكا عن إمام الفسطاط يصلي بناحية العسكر يوم الجمعة واستخلف من يصلي بالناس في المسجد الجامع الجمعة، أين ترى أن نصلي أمع الإمام حيث صلى في العسكر أم في المسجد الجامع؟ قال: أرى أن يصلوا في المسجد الجامع وأرى الجمعة للمسجد الجامع والإمام قد تركها في موضعها. قال سحنون عن ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب عن محمد بن عبد الرحمن: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يصلين في بيوتهن بصلاة أهل المسجد. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة

وعمر بن عبد العزيز وزيد بن أسلم وربيعة مثله، إلا أن عمر قال: ما لم تكن جمعة. قال ابن وهب قال مالك وحدثني غير واحد ممن أثق به: أن الناس كانوا يدخلون حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ويصلون فيها الجمعة، وكان المسجد يضيق على أهله فيتوسعون بها وحجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليست من المسجد، ولكنها شارعة إلى المسجد ولا بأس بمن صلى في أفنية المسجد ورحابه التي تليه، فإن ذلك لم يزل من أمر الناس لا يعيبه أهل الفقه ولا يكرهونه، ولم يزل الناس يصلون في حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى بني المسجد. قال ابن وهب وقال لي مالك: فأما من صلى في دار مغلقة لا تدخل إلا بإذن، فإني لا أراها من المسجد ولا أرى أن تصلى الجمعة فيها.

فيمن تجب عليه الجمعة
قال: وقال مالك في القرية المجتمعة التي قد اتصلت دورها كان عليها وال أو لم يكن، قال: أرى أن يجمعوا الجمعة. قلت: فهل حد مالك في عظم القرية حدا؟ قال لا، إنه قال: مثل المناهل التي بين مكة والمدينة مثل الروحاء وأشباهها. قال: وقد سمعته غير مرة يقول في القرى المتصلة البنيان التي يكون فيها الأسواق يجمع أهلها، وقد سمعته غير مرة يقول في القرية المتصلة البنيان يجمع أهلها ولم يذكر الأسواق. قال: وقد سأله أهل المغرب عن الخصوص المتصلة وهم جماعة واتصال تلك الخصوص كاتصال البيوت، وقالوا ليس لنا وال؟ قال: يجمعون الجمعة وإن لم يكن لهم وال. قال: وقال مالك في أهل مصر أو قرية يجمع في مثلها الجامع مات وليهم ولم يستخلف فبقي القوم بلا إمام؟ قال: إذا حضرت صلاة الجمعة قدموا رجلا منهم فخطب بهم وصلى الجمعة. قال مالك: وكذلك القرى التي ينبغي لأهلها أن يجمعوا فيها الجمعة لا يكون عليهم وال، فإنه ينبغي لهم أن يقوموا رجلا فيصلي بهم الجمعة يخطب ويصلي. وقال مالك: إن لله فرائض في أرضه لا ينقصها شيء إن وليها وال أو لم يلها نحوا من هذا يريد الجمعة. قال: وقال مالك فيمن كان على ثلاثة أميال من المدينة. أرى أن يشهدوا الجمعة وقال مالك: وإنما أبعد العوالي وبين المدينة ثلاثة أميال قال وإن كانت زيادة فزيادة يسيرة قال: فأرى ذلك عليه، قال: وقد كان أبو هريرة في كهف جبل بذي الحليفة فكان ربما تخلف ولم يشهد الجمعة. قلت: ما قول مالك إذا اجتمع الأضحى والجمعة أو الفطر أو الجمعة فصلى رجل من أهل الحضر العيد مع الإمام ثم أراد أن لا يشهد الجمعة، هل يضع ذلك عنه شهوده صلاة العيد ما وجب عليه من إتيان الجمعة؟ قال: لا وكان يقول: لا يضع

ذلك عنه ما وجب عليه من إتيان الجمعة، قال مالك: ولم يبلغني أن أحدا أذن لأهل العوالي إلا عثمان، ولم يكن مالك يرى الذي فعل عثمان، وكان يرى: إن من وجبت عليه الجمعة لا يضعها عنه إذن الإمام وإن شهد مع الإمام قبل ذلك من يومه ذلك عيدا وبلغني ذلك عن مالك. قال سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب، فقال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهل العوالي في مسجده يوم الجمعة فكان يأتي الجمعة من المسلمين من كان بالعقيق ونحو ذلك، قال مالك: والعوالي على ثلاثة أميال. قال سحنون عن ابن وهب عن الليث بن سعد: أن عمر بن عبد العزيز كتب أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلا فليؤمهم رجل منهم، وليخطب عليهم يوم الجمعة وليقصر بهم الصلاة قال ابن وهب قال ابن شهاب: إنا لنرى الخمسين جماعة إذا كانوا بأرض منقطعة ليس قربها إمام. قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلي بن حسين وابن عمر مثله، وذكر ابن وهب عن القاسم بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اجتمع ثلاثون بيتا فليؤمروا عليهم رجلا منهم يصلي بهم الجمعة".

في البيع والشراء يوم الجمعة والعمل فيه
قال: عبد الرحمن بن القاسم: وقال مالك: إذا قعد الإمام يوم الجمعة على المنبر فأذن المؤذنون فعند ذلك يكره البيع والشراء، قال: وإن اشترى رجل أو باع في تلك الساعة فسخ ذلك البيع. قال: وكره مالك للمرأة أو العبد والصبي من لا تجب عليه الجمعة البيع والشراء في تلك الساعة من أهل الإسلام. قلت لابن القاسم: فهل يفسخ ما اشترى أو باع هؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يفسخ شراء من لا تجب عليه الجمعة ولا بيعه وهو رأيي. قلت: فإن كان اشترى من تجب عليه الجمعة من صبي أو مملوك؟ قال: فالبيع مفسوخ، ثم احتج مالك بالذي اشترى الطعام من نصراني أو يهودي، وقد اشتراه النصراني على كيل فباعه من المسلم قبل أن يكتاله النصراني أو اليهودي. قلت: فبيعه غير جائز؟ قال: نعم كذلك قال مالك، ثم قال: إذا اشترى أو باع من تجب عليه الجمعة ممن لا تجب عليه الجمعة فالبيع منتقض. قال: وقال مالك: لا ينبغي للإمام أن يمنع أهل الأسواق من البيع يوم الجمعة. قال: وقال مالك: وإذا أذن المؤذن وقعد الإمام على المنبر منع الناس من البيع والشراء الرجال والعبيد والنساء. قال مالك: وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون أن يترك الرجل العمل يوم الجمعة، كما تركت اليهود والنصارى العمل في السبت والأحد قال ابن وهب عن ابن أبي ذئب أن عمر بن عبد العزيز كان يمنع الناس

من البيع إذا نودي بالصلاة يوم الجمعة. قال ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال: يحرم النداء للبيع حين يخرج الإمام يوم الجمعة، وقال ذلك عطاء بن أبي رباح وزيد بن أسلم قال ابن وهب عن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: يفسخ، قال ابن وهب وقال مالك: يفسخ.

في الإمام يحدث يوم الجمعة
قال ابن القاسم: وقال مالك في الإمام يخطب يوم الجمعة فيحدث بين ظهراني خطبته: أنه يأمر رجلا يتم بهم الخطبة ويصلي بهم، فإن أحدث بعدما فرغ من خطبته فكذلك أيضا يستخلف رجلا يصلي بهم الجمعة ركعتين. قلت: فإن قدم رجلا لم يشهد الخطبة؟ قال: بلغني عن مالك أو غيره من أهل العلم أنه كره ذلك أن يصلي بهم أحد ممن لم يشهد الخطبة، فإن فعل فأرجو أن تجزئهم صلاتهم. قلت لابن القاسم: فلو أن إماما صلى بقوم فأحدث فخرج فمضى ولم يستخلف؟ قال: لم أسأل مالكا عن هذا. قال ابن القاسم: أرى أن يقدموا رجلا فيصلي بهم بقية صلاتهم. قلت: فإن صلوا وحدانا حين مضى إمامهم لما أحدث ولم يستخلف هل يجزئهم أن يصلوا لأنفسهم ولا يستخلفوا في بقية صلاتهم؟ قال: أما الجمعة فلا تجزئهم، وأما غير الجمعة فإن ذلك مجزئ عنهم إن شاء الله ; لأن الجمعة لا تكون إلا بإمام. قال: وقال مالك في الإمام يحدث يوم الجمعة وهو يخطب، قال: يستخلف رجلا يتم بهم بقية الخطبة ويصلي بهم ولا يتم هو بهم بعدما أحدث بقية الخطبة. وقال ابن القاسم في الإمام يخطب يوم الجمعة فيحدث في خطبته أو بعدما فرغ منها قبل أن يحرم أو بعدما أحرم: إن ذلك كله سواء، ويقدم من يتم بالقوم بقية ما كان عليه من الخطبة أو من الصلاة، فإن جهل ذلك أو تركه عامدا قدم القوم لأنفسهم من يتم ذلك بهم وصلاتهم مجزئة، قال ابن القاسم: ويقدمون من شهد الخطبة أحب إلي، فإن قدموا من لم يشهد الخطبة فصلى بهم أجزأت عنهم صلاتهم ولا يعجبني أن يتعمدوا ذلك ولا يتقدم بهم. قال: وقال مالك في الإمام يحدث يوم الجمعة فيقدم رجلا جنبا ناسيا لجنابته أو ذاكرا لها فيصلي بهم: إن الجمعة في هذا وغير الجمعة سواء، فإن كان ناسيا فصلى بهم تمت صلاتهم ولم يعيدوا، وإن كان ذاكرا لها فصلى بهم فسدت عليهم صلاتهم، وإن هو خرج بعدما دخل المحراب قبل أن يعمل من الصلاة شيئا فقدم رجلا أو قدموه لأنفسهم فصلى بهم تمت صلاتهم ولم يعيدوا. قال: وقال مالك: في الإمام يحدث فيقدم مجنونا في حال جنونه أو سكرانا في صلاة الجمعة أو غيرها: إنه بمنزلة من لم يقدم فإن صلى بهم فسدت صلاتهم ولم تجزهم. قال: وقال

مالك في الإمام يحدث يوم الجمعة فيخرج ولا يستخلف، فيتقدم رجل من عند نفسه بالقوم ولم يقدموه هم ولا إمامهم: إن ذلك مجزئ عنهم وهو بمنزلة من قدمه الإمام. أو من خلفه، والجمعة في هذا وغيرها سواء. قال: وقال مالك في الإمام يحدث يوم الجمعة فيستخلف من لم يدرك الإحرام معه وقد أحرم الإمام، ومن خلفه فيحرم هذا الداخل بعدما يدخل: إن صلاتهم منتقضة ولا تجوز وهم بمنزلة القوم يحرمون قبل إمامهم، فلا تجوز صلاتهم ولا تجوز صلاة هذا المستخلف على صلاة الجمعة أيضا; لأنه قد صار وحده، ولا يجمع صلاة الجمعة واحد ويعيدون كلهم صلاة الجمعة. قال: وقال مالك فيمن خطب فأحدث فاستخلف رجلا، قال: يصلي بالناس ركعتين. قال ابن القاسم: ومن أحدث يوم الجمعة والإمام يخطب، قال: قال مالك: ينصرف بلا إذن، وإنما ذلك الإذن كان في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغني أن ذلك كان في الجمعة.

يجمع فيها أهلها لصغرها فلا يجزئها، وإنما كان للإمام أن يجمع في القرى التي يجمع في مثلها إذا كانت في عمله وإن كان مسافرا ; لأنه إمامهم، قال: ومن صلى مع هذا الإمام الجمعة في الموضع التي لا تكون فيه جمعة، فإنما هي لهم ظهر ويعيدون صلاتهم ولا يجزئهم ما صلوا معه ويعيد الإمام أيضا، ولا يعتد بتلك الصلاة وإن صلاها بهم. قال: وقال ابن نافع عن مالك تجزئ الإمام. قال: وقال مالك: لا يصلي العبد بالناس العيد ولا الجمعة ; لأن العبد لا جمعة عليه ولا عيد. وقال ابن القاسم في الإمام يخطب فيهرب الناس عنه ولا يبقى معه إلا الواحد والاثنان، ومن لا عدد له من الجماعة وهو في خطبته أو بعدما فرغ منها: إنهم إن لم يرجعوا إليه فيصلي بهم الجمعة صلى أربعا ولم يصل بهم الجمعة، ولا تجمع الجمعة إلا بجماعة وإمام وخطبة. وقال ابن القاسم في الإمام يؤخر الخروج إلى الجمعة ويأتي من ذلك ما يستنكر: إنهم يجمعون لأنفسهم إن قدروا على ذلك، فإن لم يقدروا على ذلك صلوا فرادى لأنفسهم الظهر أربعا ويتنفلون صلاتهم معه. وقال ابن القاسم: وأخبرني مالك بن أنس أن القاسم بن محمد في زمان الوليد بن عبد الملك كان يفعله، وأنه كلم في ذلك فقال: لأن أصلي مرتين أحب إلي من أن لا أصلي شيئا. علي بن زياد عن سفيان بن أيوب عن ابن أبي العالية قال: أخر عبيد الله بن زياد الصلاة، فلقيت ابن أخي أبي ذر عبد الله بن الصامت قال: فسألته فضرب فخذي ثم قال: سألت أبا ذر فقال لي: سألت خليلي يعني النبي فضرب فخذي ثم قال: "صل الصلاة لوقتها فإن أدركتك فصل معهم ولا تقل إني صليت فلا أصلي". علي عن سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن أبي عبيدة، أنهما كانا يصليان الظهر في المسجد يوم الجمعة إذا أمسى الإمام بالصلاة، ويصليان العصر إذا أمسى الإمام ثم يصليان معه بعد إذا كان يؤخرها. قال ابن القاسم وقال مالك: بلغني أن النبي عليه السلام كان إذا صلى الجمعة انصرف ولم يركع في المسجد، قال: وإذا دخل بيته ركع ركعتين. قال مالك: وينبغي للأئمة اليوم إذا سلموا من صلاة الجمعة أن يدخل الإمام منزله ويركع ركعتين ولا يركع في المسجد. قال: ومن خلف الإمام إذا سلموا فأحب إلي أن ينصرفوا أيضا ولا يركعوا في المسجد قال: وإن ركعوا فذلك واسع.
قال: وقال ابن القاسم: أحب إلي أن يقرأ في صلاة الجمعة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1]
مع سورة الجمعة. قلت لابن القاسم فأيتهما قبل؟ قال: سورة الجمعة قبل عندي، وذلك أن مالكا قال في رجل فاتته ركعة من صلاة الجمعة: فقال أحب إلي إذا أقام يقضي أن يقرأ فيها سورة الجمعة من غير أن يرى ذلك واجبا عليه، فبهذا علمت أن سورة الجمعة تبدأ قبل في الركعة الأولى

ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: بلغني أنه لا جمعة إلا بخطبة فمن لم يخطب صلى الظهر أربعا وكيع عن سفيان عن خصيف عن سعيد بن جبير قال: كانت الجمعة أربعا فحطت ركعتان للخطبة. وكيع عن سفيان عن الزبير بن عدي: أن إماما صلى الجمعة ركعتين فلم يخطب فقام الضحاك فصلى أربعا. ابن القاسم وقال مالك: ليس على النساء والعبيد والمسافرين جمعة، فمن شهدها منهم فليصلها. علي عن سفيان عن هارون بن عنترة السعدي عن شيخ يقال له حميد عن امرأة منهم قالت: جاءنا عبد الله بن مسعود يوم الجمعة ونحن في المسجد فقال: إذا صليتن في بيوتكن فصلين أربعا، وإذا صليتن في المسجد فصلين ركعتين، وما عام إلا والذي بعده شر منه ولن تؤتوا إلا من قبل أمرائكم، ولبئس عبد الله أنا إن أنا كذبت ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: ليس على الأمير جمعة في سفر إلا أن يجمع أن يقيم بقرية من سلطانه فتحضره بها الجمعة ابن وهب وقال ذلك مالك ويحيى بن سعيد وعمر بن عبد العزيز. مالك: أن عمر بن الخطاب كان يجمع بأهل مكة الجمعة وهو في السفر. وقال مالك: وليس على الإمام المسافر الجمعة إلا أن ينزل بقرية من عمله تجب فيها الجمعة فيجمع بأهلها ; لأن الإمام إذا نزل بقرية من عمله تجب فيها الجمعة لا ينبغي له إن وافق الجمعة أن يصليها خلف عامله، ولكنه يجمع بأهلها ومن معه من غيرهم، قال: وإذا جهل الإمام المسافر فجمع بأهل قرية، لا تجب فيها الجمعة، فلا جمعة له ولا لمن جمع معه، وليعد أهل تلك القرية ومن حضرها معه ممن ليس بمسافر الظهر أربعا. وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن عون بن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: ليس على المسلمين جمعة في سفرهم ولا يوم نفرهم. وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب أنه قال: لا جمعة في سفر.

في القوم تفوتهم الجمعة فيريدون أن يجمعوا الظهر أربعا
قال: وقال مالك في قوم أتوا الجمعة ففاتهم الجمعة، أترى أن يجمعوا الظهر أربعا في مسجد سوى مسجد الجماعة؟ فقال: لا ويصلون أفذاذا. قال مالك: ومن كان في السجن أو مسافرا ممن لا تجب عليهم الجمعة والمرضى يكونون في بيت فلا بأس أن يجمع هؤلاء. قال: وقال مالك: يجمع الصلاة يوم الجمعة أهل السجون والمسافرون ومن لا تجب عليهم الجمعة يصلي بهم إمامهم ظهرا أربعا، ومن تجب عليهم الجمعة لا يجمعونها ظهرا أربعا إذا فاتتهم. وكيع عن الفضل بن دلهم عن الحسن في قوم تفوتهم الجمعة في المصر، قال: لا يجمعون الصلاة.

التخطي يوم الجمعة
قال: وقال مالك: إنما يكره التخطي إذا خرج الإمام وقعد على المنبر. فمن تخطى حينئذ فهو الذي جاء فيه الحديث، فأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كانت بين يديه فرج وليترفق في ذلك. قال سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة أن أبا النضر حدثه عن بشر بن سعيد أنه قال: دخل رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فأقبل يتخطى رقاب الناس حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه ثم جلس، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته التفت إليه فقال: "أشهدت الصلاة معنا" فقال: نعم، أولم ترني يا رسول الله حين سلمت عليك؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيتك تتخطى رقاب الناس". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخر صنع مثل ذلك: "ما صليت ولكنك آنيت وآذيت1". قال سحنون: يعني أبطأت وآذيت الناس.
ـــــــ
1 رواه ابن ماجة ف كتاب الإقامة باب 88. أحمد في مسنده "4/190,188".

ما جاء في جمعة الحاج
قال: وقال مالك: لا جمعة في أيام منى كلها بمنى ولا يوم التروية بمنى ولا يوم عرفة بعرفة، قال: فقلت لمالك: فالرجل يدخل مكة فيقيم بها أربعة أيام قبل يوم التروية، ثم يحبسه كريه يوم التروية بمكة حتى يصلي أهل مكة الجمعة أترى على هذا الرجل جمعة؟ قال: نعم عليه الجمعة معهم ; لأنه قد صار مقيما وهو كرجل من أهل مكة، وقال مالك: وإن كان لم يقم أربعة أيام فلا جمعة عليه ; لأنه مسافر وليس بمقيم، قال مالك: ولا يخرج إلى منى يصلي الجمعة قال ابن وهب عن عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد عن نافع أن ابن عمر قال: لا جمعة على مسافر. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن أبي بكر بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد وابن شهاب مثله. قال سحنون وقال ابن مسعود: ليس على المسلمين جمعة في سفرهم ولا يوم نفرهم.

ما جاء في صلاة الجمعة في وقت العصر
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن إماما لم يصل بالناس الجمعة حتى دخل وقت العصر؟ قال: يصلي بهم الجمعة ما لم تغب الشمس، وأن لا يدرك بعض العصر إلا بعدالغروب.

ما جاء في صلاة الخوف
قلت: وما قول مالك في صلاة المغرب في الخوف؟ قال: يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعتين ثم يتشهد بهم ويقوم، فإذا قام ثبت قائما وأتم القوم لأنفسهم ثم يسلمون، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يسلم ولا يسلمون هم، فإذا سلم الإمام قاموا وأتموا ما بقي عليهم من صلاتهم بقراءة، قال: والطائفة الأولى الذين صلوا ما بقي عليهم من صلاتهم والإمام قائم يقرءون بأم القرآن فقط في تلك الركعة التي صلوها بغير إمام، والطائفة الأخرى التي لم يصل بهم الإمام فإن الإمام لا يقرأ في تلك الركعة التي يصلونها مع الإمام إلا بأم القرآن، ويقرءون هم كما يقرأ الإمام ويقضون لأنفسهم بأم القرآن وسورة في الركعتين. قال: وقال مالك: لا يصلي صلاة الخوف ركعتين إلا من كان في سفر ولا يصليها من هو في حضر، قال: فإن كان خوف في حضر صلوا أربع ركعات على سنة صلاة الخوف ولم يقصروها. قال: وقال مالك: لا يصلي أهل السواحل صلاة الخوف ركعتين، ولكن يصلونها أربعا مثل صلاة أهل الإسكندرية وعسقلان وتونس. قلت لابن القاسم فإن كان الإمام مسافرا والقوم أهل حضر ليسوا بمسافرين أفيصلي بهم الإمام صلاة الخوف؟ قال: لا أرى أن يصلي بهم صلاة الخوف ; لأنه وحده، فإن جهل حتى صلى بهم صلى ركعة ثم يقوم فيثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثلاث ركعات، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلون خلفه ركعة ثم يسلم ثم يقومون فيصلون لأنفسهم ثلاث ركعات. قلت: فإن كان في القوم أهل حضر ومسافرون فوقع الخوف كيف يصلون؟ قال: أرى إن صلى بهم مسافر صلى بهم ركعة ثم يثبت قائما، ثم يصلي من كان خلفه من المسافرين ركعة ثم يسلمون وينصرفون تجاه العدو، ويصلي من كان خلفه من أهل الحضر ثلاث ركعات ثم ينصرفون إلى العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيكبرون خلفه فيصلي بهم ركعة ثم يتشهد ويسلم، فمن كان خلفه من المسافرين صلى ركعة وسلم ومن كان خلفه من أهل الحضر صلوا ثلاث ركعات، وإن كان إمامهم من أهل الحضر صلى بكل طائفة منهم ركعتين كانوا مسافرين أو حضريين، ثم يتشهد ويقوم فيثبت قائما ويتمون لأنفسهم ركعتين، ثم جاءت الطائفة الأخرى فصفوا خلفه ثم يصلي بهم ركعتين ثم يتشهد ويسلم بهم ثم قاموا فأتموا لأنفسهم وهو قول مالك.

ما جاء في صلاة المسابقة
قال: وقال مالك: إذا اشتد الخوف فلم يقدروا على أن يصلوا إلا رجالا أو ركبانا وجوههم إلى غير القبلة فليفعلوا. قلت: فإن انكشف الخوف عنهم وهم في الوقت؟

قال: فلا إعادة عليهم، قال: وليصلوها ركعتين إن كانوا مسافرين يومئون للركوع والسجود على دوابهم وعلى أقدامهم ويقرءون، قلت: فالرجالة إذا كانوا في خوف شديد أيومئون؟ قال: نعم هو قوله. قال: وقال مالك: إذا كان خوفا شديدا قد أخذت السيوف مأخذها، فليصلوا إيماء يومئون برءوسهم إن لم يقدروا على السجود والركوع حيث وجوههم، وإن كانوا يركضون ويسعون صلوا على قدر حالاتهم. قال مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: وإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: السنة في صلاة الخوف إذا اشتد الخوف أن يصلوا إيماء برءوسهم، فإن كان خوفا أكثر من ذلك صلوا رجالا قياما أو ركبانا يسيرون ويركضون، أو راجل يمشي أو يسعى صلى كل على جهته يومئون برءوسهم بالركوع والسجود.

في السهو في صلاة الخوف
قلت لابن القاسم: أرأيت إن سها الإمام في صلاة الخوف في أول صلاته كيف تصنع الطائفة الأولى والثانية؟ قال: تصلي الطائفة الأولى مع الإمام ركعة ويثبت الإمام قائما، فإذا صلت هي لنفسها بقية صلاتهم سجدوا للسهو، فإن كان نقصانا سجدوا قبل السلام ثم يسلمون وإن كان زيادة سلموا ثم سجدوا، فإذا جاءت الطائفة الأخرى صلوا مع الإمام الركعة التي بقيت للإمام ثم يثبت الإمام جالسا ويقومون هم فيتمون لأنفسهم، فإذا فرغوا سجد بهم الإمام للسهو. قلت وهذا قول مالك؟ قال: هذا تفسير حديث يزيد بن رومان الذي كان يأخذ به مالك أولا، ثم رجع إلى حديث القاسم فقال: هو أحب إلي وحديث القاسم: أن تفعل الطائفة الأخرى كما فعلت تلك في الأولى سواء، إلا أنه إنما اختلف قول مالك في الحديثين في الطائفة الآخرة في سلام الإمام، يسلم الإمام في حديث القاسم ويكون القضاء بعد ذلك، فلذلك أمروا في حديث القاسم أن يسجدوا معه السجدتين إن كانت السجدتان قبل السلام، وإن كانتا بعد السلام فإذا قضوا ما عليهم سجدوهما بعد فراغهم من صلاتهم. قلت لابن القاسم: أرأيت في قول مالك إذا صلت إحدى الطائفتين مع الإمام الركعة الأولى أتنصرف أم تتم؟ قال: بل تتم، قال مالك في القوم يكونون أهل إقامة فينزل بهم الخوف: إنهم لا يصلون صلاة الخوف ركعتين ويصلونها أربعا على سنتها على سنة صلاة الخوف ركعتين لكل طائفة. قال مالك عن يزيد بن رومان أنه حدثه عن صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: إن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالتي

معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، فجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا حتى أتموا لأنفسهم ثم سلم بهم1، وحديث القاسم: أنه سلم بالطائفة الأخرى ثم قامت تقضي لأنفسها. قال وكيع عن سفيان عن إبراهيم في قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}، قال: ركبانا حيثما كان وجهه يومئ إيماء.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب صلاة الخوف حديث 1. البخاري في متاب المغازي باب غزوة ذات الرقاع. مسلم في كتاب صلاة المسافر حديث 310.

ما جاء في صلاة الخسوف
قال ابن القاسم وقال مالك: لا يجهر بالقراءة في صلاة الخسوف، قال وتفسير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو جهر بشيء فيها لعرف ما قرأ. قال: والاستفتاح في صلاة الخسوف في كل ركعة من الأربع ب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال: ولا أرى للناس إماما كان أو غيره أن يصلوا صلاة الخسوف بعد زوال الشمس، وإنما سنتها أن تصلى ضحوة إلى زوال الشمس وكذلك سمعت. قال سحنون وقد روى ابن وهب عن مالك: أنها تصلى في وقت كل صلاة وإن كان بعد زوال الشمس. قلت لابن القاسم: هل تحفظ عن مالك في السجود في صلاة الخسوف أنه يطيل في السجود كما يطيل في الركوع؟ قال: لا إلا أن في الحديث ركع ركوعا طويلا. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يسجد سجودا طويلا ولا أحفظ طول السجود عن مالك، قلت: فهل يوالي بين السجدتين في قول مالك في صلاة الخسوف ولا يقعد بينهما؟ قال: نعم، وذلك ; لأنه لو كان بينهما قعود لذكر في الحديث. قلت: فهل كان مالك يرى أن صلاة الخسوف سنة لا تترك مثل صلاة العيدين سنة لا تترك؟ قال: نعم، قلت: هل يصلي أهل القرى وأهل العمود والمسافرون صلاة الخسوف في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك في المسافرين يصلون صلاة الخسوف جماعة إلا أن يعجل بالمسافرين السير، قال: وإن كان رجلا مسافرا صلى صلاة الخسوف وحده على سنتها. قال مالك: وإن صلوا صلاة الخسوف جماعة أو صلاها رجل وحده فبقيت الشمس على حالها لم تنجل، قال: يكفيهم صلاتهم لا يصلون صلاة الخسوف ثانية ولكن الدعاء ومن شاء تنفل، وإنما السنة في صلاة الخسوف فقد فرغوا منها. قلت: أرأيت من أدرك الركعة الثانية من الركعة الأولى في صلاة الخسوف وقد فرغ الإمام، هل على الذي فاتته الركعة الأولى في صلاة الخسوف أن يقضي شيئا؟ قال: تجزئه الركعة الثانية التي أدركها من الركعة الأولى التي فاتته، كما يجزئ من أدرك الركوع في الصلاة من القراءة إذا فاتته القراءة وكذلك قال لي مالك، قال: وأنا أرى في الركعة الثانية أنها بمنزلة الركعة الأولى إذا فاته أول الركعة من الركعة الثانية وأدرك الآخرة، أن يقضي ركعتين بسجدتين ويجزئ عنه. قال: وقال مالك: وأرى أن تصلي المرأة صلاة الخسوف في بيتها، قال: ولا أرى بأسا أن تخرج المتجالات من النساء في صلاة خسوف الشمس.

قلت: أرأيت الإمام إذا سها في صلاة خسوف الشمس أعليه سجدتا السهو في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك في صلاة خسوف القمر: يصلون ركعتين ركعتين كصلاة النافلة ويدعون ولا يجمعون، وليس في خسوف القمر سنة ولا جماعة كصلاة خسوف الشمس. قال ابن القاسم: وأنكر مالك السجود في الزلازل قال سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، أن عبد الله بن عباس قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه فسجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك بهما فاذكروا الله". قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت؟ فقال: "إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا ورأيت أكثر أهلها النساء" . قالوا: يا رسول الله بم؟ قال: "بكفرهن" قيل: يكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط1". قال مالك: وإنما يعني بقوله في الركعة الثانية فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول يعني: القيام الذي يليه، قال: وكذلك قوله في الركوع الآخر إنما يعني دون الركوع الذي يليه. قال ابن وهب قال مالك: ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلا في خسوف الشمس، ولم يعمل أهل بلدنا فيما سمعنا وأدركنا إلا بذلك. قال: وما سمعنا أن خسوف القمر يجمع له الإمام، قال ابن وهب وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة في خسوف القمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فإذا رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى الصلاة2" ، وفي حديث عائشة "فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة".
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب صلاة الخسوف حديث 2 بتمامه غير أن فيه "ثم رفع فق ام قياما طويلا وهو دون القيام الأول" بدل قوله هنا "ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون الركوع الأول" ثم قال مالك: ثم ركع ركوعا طزيلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس إلى آخر الحديث بتمامه بزيادة لفظة "قط" بعد قوله هنا "فلم أر كاليوم منظرا" ورواه البخاري في كتاب الكسوف باب 9. مسلم في كتاب الكسوف باب 17.
2 رواه البخاري في كتاب الكسوف باب 13,5,4, مسلم في متاب الكسوف حديث 3. النسا ئي في كتاب الكسوف باب 14. ابن ماجة في كتاب الإقامة باب 152. أحمد في مسنده "1/459" "6/168".

ما جاء في صلاة الاستسقاء
قال وسألت مالكا عن الذي يخرج إلى المصلى في صلاة الاستسقاء فيصلي قبل

الإمام أو بعده أترى بذلك بأسا؟ فقال: لا بأس بذلك. قال: وقال مالك في صلاة الاستسقاء إنما تكون ضحوة من النهار لا في غير ذلك الحين من النهار وذلك سنتها. قلت لابن القاسم: هل يخرج بالمنبر في صلاة الاستسقاء قال: أخبرنا مالك: أنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم منبر يخرج به إلى صلاة العيدين، ولا لأبي بكر ولا لعمر، وأول من أحدث له منبرا في العيدين عثمان بن عفان منبر من طين أحدثه له كثير بن الصلت. قلت لابن القاسم: ويجلس الإمام فيما بين الخطبتين في صلاة الاستسقاء؟ قال: وقال مالك: نعم، فيما بين كل خطبتين جلسة. قلت: فهل قبل الخطبة جلسة كما يصنع الإمام يوم الجمعة، ومثل ما أمر به مالك في خطبة العيدين؟ قال: نعم، قال: وليس يخرج في صلاة الاستسقاء بمنبر، ولكن يتوكأ الإمام على عصا قال: وهو قول مالك. قال: وقال مالك: يجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء قال: وهي السنة. قال: وقال مالك: لا أرى أن يمنع اليهود والنصارى إذا أرادوا أن يستسقوا. قال: وسألت مالكا هل يستسقى في العام الواحد مرتين أو ثلاثا؟ قال: لا أرى بذلك بأسا، قلت: هل كان يأمر مالك بأن يخرج بالحيض من النساء والصبيان في الاستسقاء؟ قال: لا أرى أن يؤمر بخروجهن، ولا يخرج الحيض على حال، فأما النساء والصبيان فإن خرجوا فلا أمنعهم أن يخرجوا، وأما من لم يعقل من الصبيان الصلاة فلا يخرجوا ولا يخرج إلا من كان منهم يعقل الصلاة. قال: وقال مالك في صلاة الاستسقاء: يخرج الإمام فإذا بلغ المصلى صلى بالناس ركعتين يقرأ فيهما {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] ونحو ذلك، ويجهر بالقراءة ثم يسلم ثم يستقبل الناس ويخطب عليهم خطبتين يفصل بينهما بجلسة، فإذا فرغ من خطبته استقبل القبلة مكانه وحول رداءه قائما يجعل الذي على يمينه على شماله والذي على شماله على يمينه حين يستقبل القبلة، ولا يقلبه فيجعل الأسفل الأعلى والأعلى الأسفل، ويحول الناس أرديتهم كما يحول الإمام فيجعلون الذي على أيمانهم على أيسارهم والذي على أيسارهم على أيمانهم، ثم يدعو الإمام قائما ويدعون وهم قعود فإذا فرغ من الدعاء انصرف وانصرفوا، قال: ويحول القوم أرديتهم وهم جلوس والإمام يحول رداءه وهو قائم، قال: والإمام يدعو وهو قائم والناس يدعون وهم جلوس. قال: وقال مالك: ليس في الاستسقاء تكبير في الخطبة ولا في الصلاة، قال: ويحول الرداء في الاستسقاء مرة واحدة. قلت لابن القاسم: أرأيت إن أحدث الإمام في خطبة الاستسقاء أيقدم غيره أم يمضي؟ قال: لا أحفظ عن مالك في ذلك شيئا، قال: وأراه خفيفا أن يمضي. قلت: فهل يطيل الإمام الدعاء في الاستسقاء أم لا في قول مالك؟ قال: لا أحفظ من مالك في ذلك شيئا ولكن وسطا من ذلك. قال: وقال مالك: في

صلاة الاستسقاء: يجهر الإمام بالقراءة، قال وكل صلاة فيها خطبة يجهر فيها الإمام بالقراءة. قال مالك: عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه سمع عباد بن تميم المازني يقول: سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة1. قال ابن وهب قال ابن أبي ذئب في الحديث فقرأ فيهما. قال سحنون عن ابن وهب عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب قال: لم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستمطار. قال ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في الاستسقاء ركعتين فجهر فيهما بالقراءة، قال مالك: لا بأس بالصلاة النافلة قبل صلاة الاستسقاء وبعدها.

في صلاة العيدين
قال ابن القاسم وقال مالك في الغسل في العيدين، قال أراه حسنا ولا يوجبه كوجوب الغسل يوم الجمعة. قال: والذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا أنهم كانوا يغدون إلى المصلى عند طلوع الشمس. قلت لابن القاسم: أمن المسجد أم من داره؟ قال: لا أحفظه وذلك عندي سواء. قال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن الاغتسال يوم الفطر والأضحى قبل أن يخرج إلى المصلى حسن. قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عمر وابن عباس وعلي بن أبي طالب وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي عبد الرحمن الحبلي مثله، قال: وإن ابن عمر كان يغتسل ويتطيب. قال: وقال مالك: والتكبير إذا خرج لصلاة العيدين يكبر حين يخرج إلى المصلى، وذلك عند طلوع الشمس فيكبر في الطريق تكبيرا يسمع نفسه ومن يليه، وفي المصلى إلى أن يخرج الإمام فإذا خرج الإمام قطع. قلت لابن القاسم: فهل يكبر إذا رجع؟ قال: لا. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم هو قوله. قال ابن القاسم: ألا ترى أنه قال: إذا خرج الإمام قطع. قلت لابن القاسم: فهل ذكر لكم مالك التكبير كيف هو؟ قال: لا، قال: وما كان مالك يجد في هذه الأشياء حدا والتكبير في العيدين جميعا سواء. قال ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يجهر بالتكبير يوم الفطر إذا غدا إلى المصلى حتى يخرج الإمام فيكبر بتكبيره. قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن سعيد بن المسيب وبكير بن عبد الله بن الأشج وابن شهاب ويحيى بن سعيد وأبي الزناد ومحمد بن المنكدر ومسلم بن أبي مريم وابن حجيرة وابن أبي سلمة كلهم يقولون ذلك ويفعله في العيدين. قال: وقال مالك: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم

كان يخرج من طريق إلى صلاة العيدين ويرجع في طريق أخرى، قال مالك: وأستحسن ذلك ولا أراه لازما للناس. قال: وقال مالك: وقت خروج الإمام يوم الأضحى والفطر وقت واحد. قال مالك: وأحب للإمام في الأضحى والفطر أن يخرج بقدر ما إذا بلغ إلى المصلى حلت الصلاة. قال: وسألت مالكا عن العبيد والإماء والنساء، هل يؤمرون بالخروج إلى العيدين وهل يجب عليهم الخروج إلى العيدين كما يجب على الرجال الأحرار؟ قال. لا، قال: فقلنا لمالك فمن شهد العيدين من النساء والعبيد ممن لا يجب عليهم الخروج، فلما صلوا مع الإمام أرادوا الانصراف قبل الخطبة يتعجلون لحاجات ساداتهم ولمصلحة بيوتهم؟ قال: لا أرى أن ينصرفوا إلا بانصراف الإمام، قال: فقلت لمالك فالنساء في العيدين إذا لم يشهدن العيدين؟ قال: إن صلين فليصلين مثل صلاة الإمام، يكبرن كما يكبر الإمام ولا يجمع بهن الصلاة أحد وليس عليهن ذلك إلا أن يشأن ذلك، فإن صلين صلين أفذاذا على سنة صلاة الإمام يكبرن سبعا وخمسا، وإن أردن أن يتركن فليس ذلك عليهن بواجب وكان يستحب فعل ذلك لهن. قال: وقال مالك: ويقرأ في صلاة العيدين {الشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] ونحوهما. قال ابن القاسم وصلاة الاستسقاء عندي مثله. قال: وأخبرني مالك: أن مروان بن الحكم أقبل هو وأبو سعيد الخدري إلى المصلى يوم العيد، فذهب مروان ليصعد المنبر فأخذ أبو سعيد بردائه ثم قال له: الصلاة، قال: فاجتبذه مروان جبذة شديدة، ثم قال له: قد ترك ما هنالك يا أبا سعيد، فقال له أبو سعيد: أما ورب المشارق لا تأتون بخير منها. قال داود بن قيس إن عياض بن عبد الله حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيدين فيصلي فيبدأ بالركعتين، ثم يسلم فيقوم قائما فيستقبل الناس بوجهه يعلمهم ويأمرهم بالصدقة، فإن أراد أن يضرب على الناس بعثا ذكره وإلا انصرف. قال سحنون عن ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الخطبة.
قال: وقال مالك: وتكبير العيدين سواء التكبير قبل القراءة في الأولى سبعا وفي الآخرة خمسا في كلتا الركعتين التكبير قبل القراءة. قال: وقال مالك: ولا يرفع يديه في شيء من تكبير العيدين إلا في الأولى. قال: وقال مالك فيمن فاتته صلاة العيدين مع الإمام: إن شاء صلى وإن شاء لم يصل، قال: ورأيته يستحب أن يصلي، قال: وإن صلى فليصل. مثل صلاة الإمام ويكبر مثل تكبيره في الأولى والآخرة. قال سحنون عن

ابن وهب عن كثير بن عبد الله المزني يحدث عن أبيه عن جده أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في الأضحى سبعا وخمسا قبل القراءة وفي الفطر مثل ذلك. قال: ابن وهب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كبر في الفطر والأضحى سبعا وخمسا سوى تكبيرة الركوع. قال: وأخبرني غير واحد: أن أبا هريرة وجماعة من أهل المدينة على سبع في الأولى وخمس في الآخرة. قال مالك عن نافع قال: شهدت الفطر والأضحى مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة1، قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا. قال: وقال مالك: من أدرك الجلوس من صلاة العيدين، قال: يكبر التكبير كما يكبر الإمام ويقضي إذا سلم الإمام بالتكبير أحب إلي. قلت: أفيكبر في قول مالك أول ما يفتتح التكبير كله تكبير الركعة الأولى؟ قال: إذا هو أحرم جلس، فإذا قضى الإمام صلاته قام فكبر ما بقي عليه من التكبير ثم صلى ما بقي عليه كما صلى الإمام. قال: وقلت لمالك: إنا نكون في بعض السواحل فنكون في مسجد على الساحل يصلي بنا إمامنا صلاة العيد في ذلك المسجد، فهل يكره للرجل أن يصلي قبل العيد في ذلك المسجد إذا أتى وهو ممن يصلي معهم صلاة العيد في ذلك المسجد؟ قال: لا بأس بذلك. قال: وإنما كره مالك أن يصلي في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها شيئا. قال فقلت لمالك: فإن رجعت من المصلى أأصلي في بيتي؟ قال: لا بأس بذلك، قال: وإنما كان يكره مالك الصلاة في المصلى يوم الأضحى والفطر قبل صلاة العيد وبعدها، فأما في غير المصلى فلم يكن يرى بذلك بأسا قال ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة وأبي الزناد وإسحاق بن عبد الله البجلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي في المصلى يوم العيد لا قبل الصلاة ولا بعدها, ابن وهب عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي قبل صلاة العيد ولا بعدها شيئا. قال ابن وهب: وبلغني عن جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في العيدين قبل الإمام. قال ابن وهب عن يونس وقال ابن شهاب: لم يبلغني أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسبح يوم الفطر ولا يوم الأضحى قبل الصلاة ولا بعدها. قال مالك عن نافع: أن ابن عمر كان لا يصلي يوم الفطر قبل صلاة العيد ولا بعدها2، قال مالك: وذلك أحب إلي. قال: وقال مالك في الإمام إذا نسي التكبير في أول ركعة من صلاة العيدين حتى قرأ، قال: إن ذكر قبل أن يركع عاد فكبر وقرأ وسجد سجدتي السهو بعد السلام، قال: وهو قول مالك، قال: وإن لم يذكر حتى ركع مضى ولم يكبر ما فاته من الركعة الأولى في الركعة الثانية وسجد سجدتي السهو قبل السلام، قال: وهذا قول مالك. قال: وقال مالك في أهل القرى يصلون صلاة العيدين كما يصلي الإمام
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب صلاة العيدين حديث 9. أبو داود في كتاب الصلاة 242.
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب صلاة العيدين حديث 10. البخاري في كتاب العيدين باب 26. مسلم في كتاب صلاة العيدين حديث 13.

ويكبرون مثل تكبيره، ويقوم إمامهم فيخطب بهم خطبتين، قال: وأحب ذلك إلي أن يصلي أهل القرى صلاة العيدين. قلت: أرأيت الإمام إذا أحدث يوم العيد قبل الخطبة بعدما صلى يستخلف أم يخطب بهم على غير وضوء؟ قال: أرى أن لا يستخلف وأن يتم بهم الخطبة. قال: وقال مالك: لا يصلى في العيدين في موضعين ولا يصلون في مسجدهم، ولكن يخرجون كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى المصلى، ثم استن بذلك أهل الأمصار, قال ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيدين من طريق ويرجع من طريق أخرى. قال ابن القاسم: وكان يستحب مالك للإمام أن يخرج أضحيته فيذبحها أو ينحرها في المصلى ويبرزها للناس إذا فرغ من خطبته، قال: وكان مالك يستحب للرجل أن يطعم قبل أن يغدو يوم الفطر إلى المصلى، قال: وليس ذلك في الأضحى. قال ابن وهب عن وكيع عن سفيان الثوري عن جعفر بن برقان أن عمر بن عبد العزيز كتب من استطاع منكم أن يمشي إلى العيدين فليفعل. قال ابن وهب عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن مسافر عن ابن شهاب قال: قال سعيد بن المسيب: من سنة الفطر المشي والأكل قبل الغدو والاغتسال.

في التكبير أيام التشريق
قلت لابن القاسم: كيف التكبير أيام التشريق في قول مالك؟ قال: سألناه عنه فلم يحد لنا فيه حدا، قال: قال ابن القاسم: وبلغني عنه أنه كان يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا. قال: وقال مالك فيمن أدرك بعض صلاة الإمام في أيام التشريق فسلم ثم كبر: إن هذا لا يكبر حتى يقضي ما فاته به الإمام، فإذا قضى صلاته كبر. قال: وقال مالك: وإن نسي الإمام التكبير أيام التشريق بعدما سلم الإمام من صلاته وذهب وتباعد، فلا شيء عليه وإن كان قريبا قعد فكبر. قلت لابن القاسم: فإن ذهب فلم يكبر والقوم جلوس هل كان مالك يأمرهم أن يكبروا؟ قال: نعم. قلت: وهل كان يرى على النساء ومن صلى وحده وأهل القرى وأهل البوادي والمسافرين وغيرهم من المسلمين التكبير أيام التشريق؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: من نسي التكبير أيام التشريق في دبر الصلاة، قال: إن كان قريبا رجع فكبر، وإن كان ذهب وتباعد فلا شيء عليه. قال: وقال مالك في التكبير أيام التشريق، قال: يكبر النساء والصبيان والعبيد وأهل البادية والمسافرون وجميع المسلمين. قال: وسئل مالك عن التكبير في أيام التشريق في غير دبر الصلوات؟ فقال: قد رأيت الناس يفعلون ذلك، وأما الذين أدركتهم واقتدي بهم فلم

يكونوا يكبرون إلا في دبر الصلوات، قال: وأول التكبير دبر صلاة الظهر من يوم النحر، وآخر التكبير في الصبح في آخر أيام التشريق يكبر في صلاة الصبح ويقطع في الظهر، قال: وهذا قول مالك. قال ابن وهب عن عبد الله بن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن التكبير في أيام التشريق؟ فقال: يبدأ بالتكبير في أيام الحج دبر صلاة الظهر من يوم النحر إلى دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق. قال بكير وسألت غيره فكلهم يقول ذلك. قال ابن وهب عن يحيى بن سعيد وابن أبي سلمة مثله. قال علي بن زياد عن مالك قال: الأمر عندنا أن التكبير خلف الصلوات بعد النحر أن الإمام والناس يكبرون: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا، في دبر كل صلاة مكتوبة وأول ذلك دبر صلاة الظهر من يوم النحر، وآخر ذلك دبر صلاة الصبح في آخر أيام التشريق، وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحج وبالناس بمنى، قال: وذلك على كل من صلى في جماعة أو وحده من الأحرار والعبيد والنساء، يكبرون في دبر كل صلاة مكتوبة مثل ما كبر الإمام.

في الصلاة بعرفة
قال: وقال مالك: لا يجهر الإمام بالقراءة بعرفة في الظهر ولا في العصر، ولا يصلي الظهر أربعا ولا العصر أربعا ويصليهما ركعتين ركعتين قال: وقال مالك: ويتم أهل عرفة وأهل منى بمنى، ومن لم يكن من أهل عرفة فليقصر الصلاة بعرفة، ومن لم يكن من أهل منى فليقصر الصلاة بمنى. قلت: أرأيت إن كان الإمام من أهل عرفة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، قال: ولا أحب أن يكون الإمام من أهل عرفة فإن كان من أهل عرفة أتم الصلاة بعرفة. قال: وقال مالك: أذان المؤذن يوم عرفة إذا خطب الإمام وفرغ من خطبته وقعد على المنبر فأذن المؤذن، فإذا فرغ من أذانه أقام فإذا أقام نزل الإمام فصلى بالناس، فإذا صلى بالناس أذن أيضا للعصر وأقام ثم صلى العصر أيضا. قال: وقال مالك في الإمام يخطب بعرفة: أنه يقطع التلبية إذا راح ولا يلبي إذا خطب، ويكبر بين ظهراني خطبته. قال: وأما الناس فيقطعون إذا راحوا إلى الصلاة أيضا. قال: والإمام يوم الفطر يكبر بين ظهراني خطبته، قال: ولم يوقت لنا مالك في ذلك وقتا. قال: وقال مالك: كل صلاة فيها خطبة يجهر فيها الإمام بالقراءة. قلت لابن القاسم: فعرفة فيها خطبة ولا يجهر فيها الإمام بالقراءة؟ قال: خطبته تعليم للناس. قال: وأما الاستسقاء فيجهر فيها بالقراءة ; لأن فيها خطبة وأما الخسوف فلا يجهر فيها ; لأنه لا خطبة فيها وهو قول مالك. قلت لابن القاسم: أليس عرفة خطبة فيها والإمام لا يجهر فيها بالقراءة؟ قال: لأن

خطبة عرفة إنما هي تعليم للحاج وليس هي للصلاة. قال مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة بمنى ركعتين، وكان أبو بكر يصليها ركعتين وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين1. قال: وأخبرني مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه كان حين يكون بمكة يتم فإذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة. قال ابن وهب عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: سألت القاسم وسالما وطاوسا فقلت: أأتم الصلاة بمنى وعرفة؟ فقالوا لي: صل بصلاة الإمام ركعتين، قال فقلت للقاسم: إني من أهل مكة، فقال لي: قد عرفتك. قال ابن وهب وقال ربيعة: يقصر الصلاة ; لأنه بمنزل سفر وهي صلاة إمامهم. قال سحنون عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة ولم يسبح بينهما، وصلى المغرب والعشاء فجمع ولم يسبح بينهما، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وابن عمر جمعوا بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، وقد صلى عمر بن الخطاب بأهل مكة فقصر الصلاة، ثم قال لأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، قال: ولم يفعل ذلك بمنى ولا بعرفة. قال وكيع عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم البصري عن ابن جدعان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمكة ركعتين ثم قال: "إنا قوم سفر فأتموا الصلاة2" . ولم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ولا بعرفة, قال: وأخبرني وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: ليس على المسلمين جمعة في سفرهم ولا يوم نفرهم.
كمل كتاب الصلاة الثاني بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الحج حديث 29 ونصه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين, فإذا استوت راحلته أهل". رواه البخاري في كتاب الحج باب 2.
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب السفر حديث 19: ع مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر.

بسم الله الرجمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وصحبته وسلم
كتاب الجنائز

ما جاء في القراءة على الجنائز
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أي شيء يقال على الميت في قول مالك؟ قال: الدعاء للميت. قلت: فهل يقرأ على الجنازة في قول مالك؟ قال: لا. قلت: فهل وقت لكم مالك ثناء على النبي وعلى المؤمنين؟ فقال: ما علمت أنه قال إلا الدعاء للميت فقط. قال ابن وهب عن داود بن قيس أن زيد بن أسلم حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة على الميت: "أخلصوه بالدعاء1", قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وفضالة بن عبيد وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن المسيب وربيعة وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد: أنهم لم يكونوا يقرءون في الصلاة على الميت. قال ابن وهب وقال مالك: ليس ذلك بمعمول به ببلدنا إنما هو الدعاء، أدركت أهل بلدنا على ذلك. قال ابن وهب عن الليث بن سعد عن إسماعيل بن رافع المدني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلى على الميت: "اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت هديته للإسلام وأنت قبضت روحه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئنا لنشفع له فشفعنا فيه، اللهم إني أستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء ذمة وقه من فتنة القبر وعذاب جهنم". قال ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي حمزة بن سليم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجنائز باب 56. بلفظ "فأخلصوا له الدعاء".

خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وقه من فتنة القبر وعذاب النار1" . قال عوف فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن وهب عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه سأل أبا هريرة كيف تصلي على الجنازة؟ فقال: أنا لعمر الله أخبرك، اتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ثم أقول: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده2. قال مالك: هذا أحسن ما سمعت في الدعاء على الجنازة وليس فيه حد معلوم. قال سحنون عن أنس بن عياض عن إسماعيل بن رافع المدني عن رجل قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول، كان ابن مسعود يقول إذا أتى بالجنازة استقبل الناس فقال: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مائة أمة ولن تجتمع مائة لميت فيجتهدون له بالدعاء إلا وهب الله ذنوبه لهم وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم فاجتهدوا له بالدعاء" ، ثم استقبل القبلة فإن كان رجلا قام عند وسطه، وإن كانت امرأة قام عند منكبيها ثم قال: اللهم إنه عبدك وابن عبدك أنت خلقته وأنت هديته للإسلام، وأنت قبضت روحه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئنا شفعاء له، اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة، اللهم أعذه من فتنة القبر وعذاب جهنم، "اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه"، قال: يقول هذا كلما كبر، وإذا كانت التكبيرة الآخرة قال مثل ذلك ثم يقول: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على أسلافنا وأفراطنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ثم ينصرف". قال إسماعيل قال إبراهيم: كان ابن مسعود يعلم الناس هذا في الجنائز وفي المجالس، قال: وقيل له: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر إذا فرغ منه؟ قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه ثم قال: "اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا وراء ظهره ونعم النزول به أنت، اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه".
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الجنائز حدي 86,85. الترمذي في كتاب الجنائز باب 38. النسائي في كتاب الجنائز باب 49. متاب الجنائز باب 77. ابن ماجة في كتاب الجنائز باب 23. أحمد في مسنده "6/28,23".
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب الجنائز حديث 17.

رفع الأيدي في التكبير على الجنائز
قال: وقال مالك بن أنس: لا ترفع الأيدي في الصلاة على الجنائز إلا في أول

تكبيرة. قال ابن القاسم: وحضرته غير مرة يصلي على الجنائز فما رأيته يرفع يديه إلا في أول تكبيرة. قال ابن القاسم: وكان مالك يرى رفع الأيدي في الصلاة على الجنازة إلا في أول مرة. قال ابن وهب وأن عبد الله بن الخطاب والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وموسى بن نعيم وابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد، كانوا إذا كبروا على الجنازة رفعوا أيديهم في كل تكبيرة. قال ابن وهب وقال لي مالك: إنه ليعجبني أن يرفع يديه في التكبيرات الأربع.

في المشي أمام الجنازة وسبقها إلى المقبرة
No pages

ما جاء في حمل سرير الميت
قال ابن القاسم قلت لمالك: من أي جوانب السرير أحمل الميت، وبأي ذلك أبدأ؟ فقال: ليس في ذلك شيء مؤقت، احمل من حيث شئت إن شئت من قدام وإن شئت من وراء، وإن شئت احمل بعض الجوانب ودع بعضها، وإن شئت فاحمل وإن شئت فدع، ورأيته يرى أن الذي يذكر الناس فيه أن يبدأ باليمين بدعة. قال ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن منصور عن عبيد بن نسطاس عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود قال: احملوا الجنازة من جوانبها الأربع فإنها السنة، ثم إن شئت فتطوع وإن شئت فدع.

في الصلاة على الجنازة في المسجد
قال: وقال مالك: أكره أن توضع الجنازة في المسجد، فإن وضعت قرب المسجد للصلاة عليها فلا بأس أن يصلي من المسجد عليها بصلاة الإمام الذي يصلي عليها إذا ضاق خارج المسجد بأهله. قال: وقال مالك: ولا بأس بالجلوس عند القبر قبل أن توضع الجنازة عن أعناق الرجال، وقد فعل ذلك عروة بن الزبير.

الصلاة على قاتل نفسه
قال : وقال مالك: يصلى على قاتل نفسه ويصنع به ما يصنع بموتى المسلمين وإثمه على نفسه، قال: وسئل مالك عن امرأة خنقت نفسها؟ قال مالك: صلوا عليها وإثمها على نفسها. قال ابن وهب وقال: وقال مثل قول مالك عطاء بن أبي رباح. قال: علي بن زياد عن سفيان عن عبد الله بن عون عن إبراهيم النخعي قال: السنة أن يصلى على قاتل نفسه.

الصلاة على من يموت من الحدود والقود
قال: وقال مالك: كل من قتله الإمام على قصاص أو قتله في حد من الحدود، فإن الإمام لا يصلي عليه ولكن يغسل ويحنط ويكفن ويصلي عليه الناس غير الإمام. قلت: فما قول مالك فيمن ضربه السلطان الحد مائة جلدة فمات من ذلك؟ قال: لا أحفظ هذا عن مالك ولكن أرى أن يصلي عليه الإمام. قلت: لم؟ قال: لأن حده هو الجلد، ولم يكن القتل وإنما مات من مرض أصابه من وجع السياط فأرى أن يصلي عليه. قال: وقال مالك: يصلي على المرجوم أهله والناس، ولا يصلي عليه الإمام ; لأنه قال: من قتله الإمام على حد من الحدود فلا يصلي عليه الإمام وليصل عليه أهله. قلت: أليس معنى قول مالك يصلي عليه أهله أن تصلي الناس كلهم سوى الإمام؟ قال: نعم هو تفسيره عندي. قال مالك: وسمعت ربيعة يقول في الذي يقتل قودا أن الإمام لا يصلي عليه ويصلي عليه أهله وبه يأخذ مالك. قلت: أرأيت من قتل في قصاص أيغسل ويكفن ويصلى عليه في قول مالك؟ قال: نعم، إلا أن الإمام لا يصلي عليه. قال ابن وهب، وقال مثل قول مالك ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن.

في الصلاة على الأعمى والصغير
قلت: أرأيت الصغير إذا صار في سهمان رجل من المسلمين، أو اشتراه فمات

الصلاة على السقط ودفنه
وقال مالك: لا يصلى على الصبي ولا يرث ولا يورث، ولا يسمى ولا يغسل ولا يحنط حتى يستهل صارخا وهو بمنزلة من خرج ميتا. قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن السقط أيدفن في الدار؟ فكره ذلك. مالك. قال حدثني ابن شهاب أن السنة أن لا

يصلى على المنفوس حتى يستهل صارخا حين يولد. قال ابن وهب قال يونس وقال ابن شهاب: لا يصلى على السقط ولا بأس أن يدفن مع أمه.

في الصلاة على ولد الزنا
قلت: هل يصنع بأولاد الزنا إذا ماتوا صغارا أو كبارا ما يصنع بأولاد الرشدة؟ قال: نعم. قلت: أهو قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن وهب عن محمد بن عمر عن سفيان يرفع الحديث إلى النعمان بن أبي عياش قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة هلكت من نفاس ولدها، وعن ابن عمر مثله. قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن عباس وربيعة بن أبي عبد الرحمن مثله.

في الصلاة على الغلام المرتد
قلت: أرأيت الغلام إذا ارتد من قبل أن يبلغ الحلم، أتؤكل ذبيحته ويصلى عليه إن مات في قول مالك؟ قال: لا يصلى عليه ولا تؤكل ذبيحته.

الصلاة على بعض الجسد
قال: وقال مالك : لا يصلى على يد ولا رأس ولا على رجل ويصلى على البدن. قال ابن القاسم: ورأيت قوله أنه يصلى على البدن إذا كان الذي بقي أكثر البدن بعد أن يغسل. قلت: ما يقول مالك إذا اجتمع الرأس والرجلان بغير بدن؟ قال: لا أرى أن يصلى إلا على جل الجسد وهذا عندي قليل.

في اتباع الجنازة بالنار وفي تقليم أظفاره وحلق العانة
قال ابن القاسم قال مالك: أكره أن يتبع الميت بمجمرة أو تقلم أظفاره أو تحلق عانته، ولكن يترك على حاله، قال: وأرى ذلك بدعة ممن فعله. قال مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة: أنه نهى أن تتبع جنازة بنار تحمل معه بعد موته1. قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عائشة وعمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وغيرهم مثله، وقالت عائشة: لا يكون آخر زاده أن يتبعوه بنار.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الجنائز حديث 13 ونصه: "...... أنه نهى أن يتبع يعد موته بنار".

في الذي يفوته بعض التكبير
قال: وسألت مالكا عن الرجل يأتي الجنازة وقد فاته الإمام ببعض التكبير أيكبر

في الجنازة توضع ثم يؤتى بأخرى بعدما يكبر على الأولى
قلت: أرأيت لو أتي بجنائز فوضع بعضها وقدم بعضها ليصلى عليها، ثم قدم بعد ذلك ما وضع؟ قال: لا ينبغي ذلك وليس بحسن. قلت: فلو صلى على جنازة فلما فرغ من الصلاة عليها أتي بجنازة أخرى فنحيت الجنازة الأولى فوضعت، ثم صلى الناس على هذه التي جاءوا بها؟ قال: هذا خفيف وأرجو أن لا يكون بها بأس. قال: قال مالك في الجنازة إذا صلى عليها فإذا كبروا بعض التكبير أتي بجنازة أخرى فوضعت؟ قال: يستكملون التكبير على الأولى ثم يبتدئون التكبير على الثانية، ولا يدخلون الجنازة الثانية في صلاة الجنازة الأولى. قال: وقال مالك في الصلاة على الجنازة إذا صلوا عليها ثم جاء قوم بعدما صلوا عليها؟ قال: لا تعاد الصلاة ولا يصلي عليها بعد ذلك أحد، قال فقلنا لمالك: والحديث الذي جاء أن النبي عليه السلام صلى عليها وهي في قبرها؟ قال قال مالك: قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل.

جناز الرجال والنساء
قال مالك: إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء، جعل الرجل مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة. قال فقلت له: فإن كانوا رجالا كلهم؟ فقال: في أول ما لقيته يجعلون واحدا خلف واحد يبدأ بأهل السن والفضل، فيجعلون مما يلي الإمام، ثم سمعته بعد ذلك يقول: أرى ذلك واسعا إن جعل بعضهم خلف بعض أو جعلوا صفا واحدا، ويقوم الإمام وسط ذلك ويصلي عليهم وإن كانوا غلمانا ذكورا ونساء جعل الغلمان مما يلي الإمام والنساء من خلفهم مما يلي القبلة، وإن كن نساء صنع بهن كما يصنع بالرجال، كل ذلك واسع بعضهم خلف بعض أو صفا واحدا. قال مالك: بلغني أن

في الصلاة على قتلى الخوارج والقدرية والإباضية
قلت: أرأيت قتلى الخوارج أيصلى عليهم أم لا؟ فقال، قال مالك: في القدرية والإباضية لا يصلى على موتاهم ولا يتبع جنائزهم ولا تعاد مرضاهم، فإذا قتلوا فذلك أحرى عندي أن لا يصلى عليهم.

في الشهيد وكفنه ودفنه والصلاة عليه
قال: وقال مالك: من مات في المعركة فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ويدفن بثيابه قال: ورأيته يستحب أن يترك عليه خفاه وقلنسوته، قال: ومن عاش فأكل أو شرب أو عاش حياة بينة ليس كحال من به رمق وهو في غمرة الموت، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويكون بمنزلة الرجل تصيبه الجراح فيعيش أياما ويقضي حوائجه ويشتري ويبيع ثم يموت فهو وذلك سواء. قال وقال مالك: ما علمت أنه يزاد في كفن الشهيد أكثر مما عليه شيئا. قال وقال مالك: لا ينزع من الشهيد الفرو، وقال وما علمت أنه ينزع مما عليه شيء. قال ابن القاسم: تفسير قول مالك أنه لا يدفن معه السلاح لا سيفه ولا رمحه ولا درعه، ولا شيء من السلاح وإن كان للدرع لابسا. قلت: فهل يحنط الشهيد في قول مالك؟ قال: قول مالك من لا يغسل لا يحنط ألا تسمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "زملوهم بثيابهم1 ". قلت: أرأيت من قتله العدو بحجر أو بعصا أو خنقوه خنقا حتى مات، أيصنع به ما يصنع بالشهيد من ترك الغسل وغيره؟ قال من قول مالك: أنه من قتل في المعركة فهو شهيد وقد تقتل الناس بالألوان من القتل، فكلهم شهيد فكل من قتله العدو أي قتلة كانت صبرا أو غيره في معركة أو غير معركة فأراه مثل الشهيد في المعركة.
ـــــــ
1 رواه النسائي في كتاب الجنائز باب 82. أحمد في مسنده "5/31""بلفظ: "زملوهم بدمائهم".

شهيد اللصوص
قال وقال مالك: ومن قتل مظلوما أو قتله اللصوص في المعركة فليس بمنزلة الشهيد، يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه، وكذلك كل مقتول أو غريق أو مهدوم عليه إلا الشهيد وحده في سبيل الله فإنه يصنع بهذا وحده ما يصنع بالشهداء، لا يغسلون ولا يكفنون إلا بثيابهم ولا يحنطون ولا يصلى عليهم ولكن يدفنون. قلت: ويصنع بقبورهم ما يصنع بقبور الموتى من الحفر واللحد؟ قال: نعم. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم، وهو رأيي. قال ابن القاسم: وهذه قبور الشهداء بالمدينة قد حفر لهم ودفنوا. قلت: أرأيت إن بغى قوم من أهل الإسلام على أهل قرية من المسلمين فأرادوا حريمهم فدافعوهم أهل القرية عن أنفسهم فقتل أهل القرية، أترى في قول مالك أن يصنع بهم ما يصنع بالشهيد؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، ولا أراهم بمنزلة الشهيد وهم بمنزلة من قتله اللصوص.

في الصلاة على اللص القتيل
قلت: ما قول مالك في هؤلاء الذين كابروا إذا قتلوا، أيصلى عليهم أم لا؟ قال: نعم يصلى عليهم. قلت: أفيصلي عليهم الإمام؟ قال: لا. قلت وهو قول مالك؟ قال: لا، ولكنه رأيي ; لأنه إذا كان حقا على الإمام إذا أتي بهم إليهم قتلهم أو جاهدهم حتى ينبغي له أن يبعث من يقتلهم حين خربوا الطريق وقطعوا السبيل وقتلوا، فمن قتلهم من الناس فلا أرى للوالي أن يصلي عليهم ; لأنهم قتلوهم على حد من الحدود فرضه الله في كتابه، وليصل عليهم أولياؤهم. قال سحنون وقد ثبتنا آثار هذا في رجم المرجوم.

في غسل الميت
قال: وقال مالك: ليس في غسل الميت حد يغسلون وينقون. وقال مالك: ويجعل على عورة الميت خرقة إذا أرادوا غسله ويفضي بيده إلى فرجه الذي يغسله إن احتاج إلى ذلك، ويجعل على يده خرقة إذا أفضى بها إلى فرجه وإن احتاج إلى ترك الخرقة ومباشرة الفرج بيده كان ذلك واسعا. قلت: هل يوضأ الميت وضوء الصلاة في قول مالك إذا أرادوا غسله؟ قال: لم يحد لنا مالك في ذلك حدا، وإن وضئ فحسن وإن غسل فحسن. قلت: هل تحفظ من مالك أنه يغسل رأس الميت بالكافور؟ وقال: لا إلا ما جاء في الحديث. قال ابن القاسم قال مالك: يعصر بطن الميت عصرا خفيفا. قال ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد قال: إذا غسل الميت فطهر فذلك له غسل وطهور، قال: والناس يغسلون الميت ثلاث مرات كل ذلك يجزئ عند الغسلة الواحدة، وما فوق ذلك مما تيسر من غسل فهو يكفي ويجزئ. قال مالك: وأحب إلي أن يغسل ثلاثا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثا وخمسا بماء وسدر، ويجعل في الآخرة كافورا إن تيسر ذلك1". هذه رواية ابن وهب.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الجنائز حديث 2: عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن ممد بن سيرين عن أم عطية الأنصاري قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنيه فقال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر, واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور, فإذا فرغتن فآذنني. قالت: فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال: "أشعرنها إياه " تعني بحقوه إزاره. ورواه البخاري في كتاب الجنائز باب 7. ومسلم في كتاب الجنائز باب 36.

غسل الرجل امرأته والمرأة زوجها
قال: وسألته عن الرجل يغسل امرأته في الحضر وعنده نساء يغسلنها؟ فقال: نعم. قلت: والمرأة تغسل زوجها وعندها رجال؟ فقال: نعم، فقلت له: أيستر كل واحد منهما عورة صاحبه؟ قال: نعم، وليفعل كل واحد منهما بصاحبه كما يفعل بالموتى يستر عليهم عورتهم. قال ابن القاسم: لو مات الرجل عن امرأته وهي حامل، فوضعت قبل أن يغسل؟ لم يكن بأس أن تغسله وإن كانت عدتها قد انقضت وليس يعتبر في هذا العدة ولا يلتفت إليها، ولو كان ذلك إنما هو للعدة ما غسل الرجل امرأته ; لأنه ليس في عدة منها. قال ابن القاسم: وأم الولد عندي بمنزلة الحرة تغسل سيدها ويغسلها سيدها. قلت: أرأيت الرجل إذا طلق امرأته بطلقة يملك الرجعة فمات أتغسله؟ قال: لا. وقال: ولقد سئل مالك عن المرأة يطلقها زوجها واحدة واثنتين وهو يملك رجعتها فتستأذن زوجها أن تبيت في أهلها ولم يراجعها؟ فقال: ليس إذنه بإذن وما له ولها لا قضاء له عليها حتى يراجعها فهذا مما يدل على الذي مات عنها وهي مطلقة واحدة أنها لا تغسله، وقد غسلت أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق. قال ابن وهب، وذكر عبد الله بن يزيد عن رجل عن عبد الكريم عن أم عطية: أن أم عطية غسلت أبا عطية حين توفي. قال سحنون، وذكر ابن نافع: أن علي بن أبي طالب غسل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.

الرجل يموت في السفر وليس معه إلا نساء والمرأة كذلك
قال: وقال مالك في الرجل يموت في السفر وليس معه إلا نساء أمه أو أخته أو عمته أو خالته، وذات رحم محرم منه فإنهن يغسلنه ويسترنه، قال: وكذلك المرأة تموت في السفر مع الرجال ومعها ذو رحم محرم منها يغسلها من فوق الثوب، وهذا إذا لم يكن نساء وفي المسألة الأولى إذا لم يكن رجال. قال وقال مالك إذا مات الرجل مع النساء وليس معهن رجل ولا منهن ذات محرم منه تغسله، يممنه بالصعيد فيمسحن بوجهه ويديه إلى المرفقين يضربن بأكفهن الأرض ثم يمسحن بأكفهن على وجه الميت، ثم يضربن بأكفهن الأرض ثم يمسحن بأكفهن على يدي الميت إلى المرفقين، قال: وكذلك المرأة تموت مع الرجال إلا أن الرجال لا ييممون المرأة إلا على الكوعين فقط، ولا يبلغوا بها إلى المرفقين.

في غسل المرأة الصبي
وقال مالك : لا بأس أن تغسل المرأة الصبي إذا كان ابن سبع سنين وما أشبه.

في غسل الميت المجروح
قال: وسئل مالك عن الذي تصيبه القروح فيموت وقد غمرت القروح جسده، وهم يخافون غسله أن يتزلع. قال: يصب عليه الماء صبا على قدر طاقتهم. قلت: أليس قول مالك لا ييمم بالصعيد ميت إلا رجل مع نساء أو امرأة مع رجل؟ فأما مجروح أو أجرب أو مجدور أو غير ذلك ممن بهم الداء، فلا ييممون ويغسلون ويحنطون على قدر ما لا يتزلعون منه ولا يتفسخون؟ قال: نعم.

المسلم يغسل الكافر
قال ابن القاسم قال مالك : لا يغسل المسلم والده إذا مات الوالد كافرا، ولا يتبعه ولا يدخله قبره إلا أن يخشى أن يضيع فيواريه. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال في كافر مات بين المسلمين وليس عندهم كفار، قال: يلفونه في شيء ويوارونه. قال ابن وهب قال الليث قال ربيعة: عليهم أن يواروه ولا يستقبلوا به القبلة ولا قبلتهم. وقال يحيى بن سعيد مثله.

في الحنوط على الميت
قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن المسك والعنبر للميت؟ فقال: لا بأس بذلك، وقال ابن القاسم: يجعل الحنوط على جسد الميت فيما بين أكفان الميت ولا يجعل من فوقه. قال وقال مالك المحرم: لا بأس أن يحنط إذا كان الذي يحنطه غير محرم، ولا تحنطه امرأته بالطيب. وقال ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: إن السنة إذا حنط الميت يذر حنوطه على مواضع السجود منه السبعة. قال ابن وهب عن عطاء بن أبي رباح قال: أحب الحنوط إلي الكافور، ويجعل منه في مراقه وإبطيه ومراجع رجليه مع بطنه ورفغيه وما هنالك، وفي أنفه وفمه وعينيه وأذنيه ويجعل الكافور يابسا. وأن ابن عمر حنط سعيد بن زيد فقالوا: يأتوك بمسك؟ فقال: نعم، وأي شيء أطيب من المسك. وعن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب مثله.

في ولاة الميت إذا اجتمعوا في الصلاة على الجنازة
قلت لابن القاسم: أيهم أولى بالصلاة الجد أم الأخ؟ قال: الأخ. قال ابن القاسم قال مالك: إنما ينظر في هذا إلى من هو أقعد بالميت فهو أولى بالصلاة عليه. قال: وقال مالك: العصبة أولى بالصلاة على الميتة من زوجها، وزوجها أولى بالدخول بها في قبرها من عصبتها. وقال مالك: الوالي والي المصر أو صاحب الشرط إذا كانت الصلاة إليه أولى بالصلاة على الميتة من وليها، والقاضي إذا كان هو يلي الصلاة. قلت: أرأيت صاحب الشرط إذا ولاه الوالي الشرط وهو مستخلف على الصلاة حين ولاه الشرط؟ قال: نعم هو عندي كذلك، وكذلك كل بلدة كان ذلك عندهم، وأن ابن عمر بن الخطاب وابن شهاب وربيعة وعطاء وبكير بن الأشج ويحيى بن سعيد: كانوا لا يرون لزوج المرأة إذا توفيت حقا أن يصلى عليها وثم أحد من أقاربها.

خروج النساء وصلاتهن على الجنائز
قلت: هل يصلين النساء على الجنائز في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: هل كان مالك يوسع للنساء أن يخرجن مع الجنائز؟ قال: نعم، قال مالك: لا بأس أن تشيع المرأة جنازة ولدها ووالدها ومثل زوجها وأخيها وأختها، إذا كان ذلك مما يعرف أنه يخرج مثلها على مثله، قال فقلت: وإن كانت شابة؟ قال: نعم وإن كانت شابة، قال: فقلت له: فنكره لها أن تخرج على غير هؤلاء ممن لا ينكرها الخروج عليهم من قرابتها؟ قال:

في السلام على الجنازة
قال: وقال مالك في السلام على الجنائز: يسمع نفسه وكذلك من خلف الإمام يسمع نفسه وهو دون سلام الإمام تسليمة واحدة للإمام وغيره. وقال مالك في السلام على الجنازة: يسلم الإمام واحدة قدر ما يسمع من يليه، ويسلم من وراءه واحدة في أنفسهم وإن أسمعوا من يليهم لم أر بذلك بأسا. ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يسلم تسليما خفيفا حين ينصرف، والسنة أن يفعل من وراءه مثل ما فعل أمامه. وقال القاسم بن محمد: سلم إذا فرغت من الصلاة رويدا، وقال يحيى بن سعيد خفيا سحنون عن علي عن سفيان عن إبراهيم عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقول: يسلم تسليمة خفية، منصور عن إبراهيم مثل ذلك عن يمينه.

في تجصيص القبور
وقال مالك: أكره تجصيص القبور والبناء عليها وهذه الحجارة التي يبنى عليها. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة قال: إن كانت القبور لتسوى بالأرض. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي زمعة البلوي صاحب النبي عليه السلام: أنه أمر أن يصنع ذلك بقبره إذا مات، قال سحنون: فهذه آثار في تسويتها فكيف بمن يريد أن يبني عليها.

في إمام الجنازة يحدث
قلت: أرأيت رجلا صلى على جنازة فلما كبر بعض التكبير أحدث؟ قال: يأخذ بيد رجل فيقدمه فيكبر ما بقي على هذا الذي قدمه قلت: يجب عليه إن هو توضأ وقد بقي بعض التكبير من الصلاة على هذه الجنازة أن يرجع فيصلي؟ قال: إن شاء رجع فصلى ما أدرك، وقضى ما فاته وإن شاء ترك ذلك.

الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر
وقال مالك : لا بأس بالصلاة على الجنازة بعد العصر ما لم تصفر الشمس، فإذا

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
كتاب الصيام

باب في السحور ومن أكل بعد طلوع الفجر
قال سحنون. قلت لعبد الرحمن بن القاسم: ما الفجر عند مالك؟ فقال: سألنا مالكا عن الشفق ما هو فقال: الحمرة. قال مالك: وإنه ليقع في قلبي وما هو إلا شيء فكرت فيه منذ قريب، أن الفجر ويكون قبله بياض ساطع فذلك لا يمنع الصائم من الأكل، فكما لا يمنع الصائم ذلك البياض من الأكل حتى يتبين الفجر المعترض في الأفق، فكذلك البياض الذي يبقى بعد الحمرة لا يمنع مصليا أن يصلي العشاء. قلت: أرأيت لو أن رجلا تسحر وقد طلع الفجر وهو لا يعلم بطلوع الفجر ثم نظر فإذا الفجر طالع؟ قال: قال مالك: إن كان صومه ذلك تطوعا مضى في صيامه ولا شيء عليه. وليس له أن يفطر، فإن أفطره فعليه القضاء، قال: وإن كان صومه هذا من نذر أوجبه على نفسه مثل قوله: لله علي أن أصوم عشرة أيام، فإن كان نواها متتابعات وليست أياما بأعيانها فصام بعض هذه الأيام ثم تسحر في يوم منها في الفجر وهو لا يعلم، فإنه يمضي على صيامه ويقضي ذلك اليوم ويصله بالعشرة الأيام، فإن لم يصل هذا اليوم بالعشرة الأيام قضاها كلها متتابعات ولم يجزه ما صام منها، قال: وإن أفطر ذلك اليوم الذي تسحر فيه في طلوع الفجر متعمدا فعليه أن يستأنف الصوم. قال: فإن تسحر بعد طلوع الفجر في أول يوم منها وهو لا يعلم وهي هذه الأيام التي ليست بأعيانها وقد نواها متتابعات، فإنه إن شاء أفطر واستأنف صيام عشرة أيام من ذي قبل ; لأنها ليست أياما بأعيانها، ولا أحب له أن يفطره فإن أفطره فإنما عليه عشرة أيام يفعل ذلك اليوم في هذه العشرة الأيام أحدها قضاء ذلك اليوم. قلت: فإن كانت أياما بأعيانها نذرها فقال: لله

علي أن أصوم هذه العشرة الأيام بعينها، أو شهرا بعينه، أو سنة بعينها، فصام بعضها ثم تسحر بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم أو أكل ناسيا؟ فقال: يمضي على صومه ذلك ويقضي يوما مكانه. قال ابن القاسم: ومن أكل في رمضان وهو لا يعلم بالفجر أو ناسيا لصومه وقد علم بالفجر فعليه قضاء يوم مكانه، قال: وإن كان أكل في قضاء رمضان ناسيا فأحب أن يفطر يومه ذلك، أفطره وقضى يوما مكانه وأحب إلي أن يتمه ويقضي يوما مكانه. قال: ومن أكل في صيام ظهار أو قتل نفس بعدما طلع الفجر وهو لا يعلم أو ناسيا لصومه، مضى وقضى ذلك اليوم ووصله بصيامه فإن ترك أن يصله بصيامه استأنف الصيام. قلت: ما قول مالك فيمن شك في الفجر في رمضان فلم يدر أكل فيه أو لم يأكل؟ قال قال مالك: عليه قضاء يوم مكانه. قلت: وكان مالك يكره للرجل أن يأكل إذا شك في الفجر؟ قال: نعم. قال سحنون: وإنما لم يكن عليه أن يقضي في التطوع ; لأن ابن وهب حدثني عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبد الله بن عمر عن القاسم بن محمد أنه قال: إن كان في فريضة فليصم ذلك اليوم وليقضه يوما مكانه وإن كان في تطوع فليصم ذلك اليوم ولا يقضيه. قال: وإن ربيعة قال فيمن أكل في رمضان ناسيا: أنه يتم صومه ويقضي يوما مكانه. قال ابن وهب وحدثني سفيان الثوري عن زياد بن علاقة عن بشر بن قيس قال: كنا عند عمر بن الخطاب فأتى بسويق فأصبنا منه وحسبنا أن الشمس قد غابت، فقال المؤذن: قد طلعت الشمس، فقال عمر: فاقضوا يوما مكانه. قال: وإن مالكا حدث أن زيد بن ثابت حدثه أن خالد بن أسلم حدثه عن عمر بن الخطاب: أنه أفطر يوما في رمضان في يوم ذي غيم ورأى أنه قد أمسى وقد غربت الشمس، ثم جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير وقد اجتهدنا. قال مالك: يريد بالخطب القضاء، قال سحنون: وإنما رأيت أن يقضي الواجب لما حدثنا به، قال وإن يحيى بن سعيد قال في رمضان مثله. وقال فيمن أكل ووطئ ناسيا أنه يتم صومه ويقضي يوما مكانه.

في الذي يرى هلال رمضان وحده
قلت: أرأيت من رأى هلال رمضان وحده أيرد الإمام شهادته؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أفيصوم هذا الذي رأى هلال رمضان وحده إذا رد الإمام شهادته؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن أفطر أيكون عليه الكفارة مع القضاء في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن رآه وحده أيجب عليه أن يعلم الإمام في قول مالك؟ قال: نعم، لعل غيره قد رآه معه فتجوز شهادتهما. قلت:

أرأيت استهلال رمضان، هل تجوز فيه شهادة رجل واحد في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تجوز فيه شهادة رجل واحد وإن كان عدلا. قلت: فشهادة رجلين؟ قال: هي جائزة في قول مالك. قلت: أرأيت هلال شوال؟ قال: كذلك أيضا لا تجوز فيه أقل من شهادة رجلين، وتجوز شهادة الشاهدين إذا كانا عدلين. قال: وكذلك قال مالك قلت: أرأيت العبيد والإماء والمكاتبين وأمهات الأولاد هل تجوز شهادتهم في استهلال رمضان وشوال؟ قال: ما وقفنا مالك على هذا، وهذا مما لا شك فيه أن العبيد لا تجوز شهادتهم في الحقوق ففي هذا بعد أن تجوز فيه. قال: وقال مالك: في الذين قالوا إنه يصام بشهادة رجل واحد؟ قال: قال مالك: أرأيت إن أغمي عليهم هلال شوال كيف يصنعون أيفطرون أم يصومون واحدا وثلاثين، فإن أفطروا وخافوا أن يكون ذلك اليوم من رمضان. قلت: أرأيت هلال ذي الحجة؟ قال: سمعت مالكا يقول في الموسم إنه قال: يقام بشهادة رجلين إذا كانا عدلين. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب قال: إذا شهد شاهدان في رؤية هلال رمضان صيم بشهادتهما. قال ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى عن سعيد: أن عمر بن الخطاب أجاز شهادة رجلين على رؤية هلال رمضان وقال يحيى بن سعيد فيمن رأى هلال رمضان وحده: إنه يصوم ; لأنه لا يفرق بذلك جماعة ولا يصام بشهادته. قال ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن أبي وائل، قال: كتب إلينا عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا، إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية. قال ابن وهب، وأخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر: إن ناسا رأوا هلال الفطر نهارا فأتم عبد الله بن عمر صيامه إلى الليل، وقال: لا حتى يرى من حيث يرى بالليل. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومروان بن الحكم وعطاء بن أبي رباح مثله، قال ابن مسعود: إنما مجراه في السماء ولعله أبين ساعتئذ وإنما الفطر من الغد من يوم يرى الهلال. قال ابن وهب وقال لي مالك بن أنس: من رأى هلال شوال نهارا فلا يفطر ويتم يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي، وقال ابن القاسم عن مالك مثله. قال سحنون: وروى ابن نافع وأشهب عن مالك أنه سئل عن هلال رمضان إذا رئي أول النهار أيصومون ذلك اليوم؟ فقال: لا يصومون، قيل له: هو عندك بمنزلة الهلال يرى بالعشي؟ قال: نعم هو مثله. قال ابن مهدي عن ابن المبارك عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: أن عثمان بن عفان أبى أن يجيز شهادة هشام بن عتبة وحده على هلال رمضان. قال ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث بن نبهان

عن علي بن أبي طالب قال: إذا شهد رجلان مسلمان على رؤية الهلال فصوموا أو قال فأفطروا.

في القبلة والمباشرة والحقنة
والسعوط والحجامة وصب الدهن في الأذن للصائم
قلت: يقبل الصائم أو يباشر في قول مالك؟ قال قال مالك: لا أحب للصائم أن يقبل أو يباشر. قلت: أرأيت من قبل في رمضان فأنزل، أيكون عليه الكفارة في قول مالك؟ فقال: نعم والقضاء كذلك، قال مالك. قلت: أرأيت إن كان من المرأة مثل ما كان من الرجل أيكون عليها القضاء والكفارة في قول مالك؟ فقال: نعم إن طاوعته فالكفارة عليها، وإن أكرهها فالكفارة عليه عنه وعنها، وعلى المرأة القضاء على كل حال. قلت: أرأيت إن قبل الرجل امرأته قبلة واحدة فأنزل ما قول مالك في ذلك؟ فقال قال مالك: عليه القضاء والكفارة. قلت: أكان مالك يكره للصائم القبلة؟ فقال: نعم. قال ابن وهب عن ابن أبي ذئب أن شعبة مولى ابن عباس حدثه، أن ابن عباس كان ينهى الصائم عن المباشرة. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن ابن عمرو وابن شهاب وعطاء بن أبي رباح مثله. قال ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد، أنه قال في رجل باشر امرأته في رمضان بعد الفجر أو في قضاء رمضان، قال: إن كان باشرها متلذذا بذلك فإنه يقضيه، وقاله ربيعة بن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن عطاء بن أبي رباح، أنه قال في الرجل يقبل أهله في رمضان أو يلاعبها حتى ينزل الماء الدافق إن عليه الكفارة. قال سحنون: وروى ابن وهب وأشهب، عن مالك في رجل قبل امرأته في رمضان أو غمزها أو باشرها حتى أمذى في رمضان، قال: أرى أن يصوم يوما مكانه، وإن لم يمذ فلا أرى عليه شيئا. قال ابن وهب عن مالك والليث أن نافعا حدثهما أن ابن عمر كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم في رمضان وغيره1. وقال أشهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن قصير مولى نجيب أنه أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه شاب فقال: أأقبل وأنا صائم؟ قال: لا، ثم جاءه شيخ فقال: أأقبل وأنا صائم؟ فقال: نعم، فنظر بعضهم إلى بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه". قال وقال أبو هريرة وأبو أيوب الأنصاري وابن عباس مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الشاب والشيخ.
قلت: أرأيت من جامع امرأته نهارا في رمضان فيما دون الفرج حتى أنزل، أترى عليه القضاء والكفارة في قول مالك؟ قال: نعم.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الصيام حديث 20: عن مالك عن نافع أن عبد الله بت عمر كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم.

قال: وسألت مالكا عن المباشرة يباشر الرجل امرأته في رمضان فيجد اللذة؟ فقال: إن أنزل الماء الدافق فعليه القضاء والكفارة، وإن أمذى فعليه القضاء ولا كفارة عليه، وإن أنعظ وحرك ذلك منه لذة وإن لم يمد رأيت عليه القضاء وإن كان لم ينزل ذلك منه منيا أو لم يحرك ذلك منه لذة ولم ينعظ فلا أرى عليه شيئا. قلت: فلو أن رجلا احتقن في رمضان؟ فقال: كرهه مالك ورأى أن عليه في ذلك القضاء. قال ابن القاسم: ولا كفارة عليه وقد بلغني ذلك عن مالك. قلت: أرأيت من احتقن في رمضان أو في صيام واجب عليه أن يكون عليه القضاء والكفارة في قول مالك؟ قال: قال مالك: عليه القضاء، قال ابن القاسم: ولا كفارة عليه. قلت: أفكان مالك يكره الحقنة للصائمة؟ قال: نعم. قال: وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة؟ قال: أرى ذلك خفيفا ولا أرى عليه فيه شيئا، قال مالك: وإن احتقن بشيء يصل إلى جوفه فأرى عليه القضاء، قال ابن القاسم: ولا كفارة عليه، وقال أشهب مثل ما قال ابن القاسم في الحقنة والكحل وصب الدهن في الأذن والاستسعاط، وقال: إن كان في صيام واجب فريضة أو نذر، فإنه يتمادى في صيامه وعليه القضاء ولا كفارة عليه إن كان في رمضان. قلت لابن القاسم: فهل كان مالك يكره السعوط للصائم؟ قال: نعم. قلت: فهل كان مالك يكره الكحل للصائم؟ فقال قال مالك: هو أعلم بنفسه، منهم من يدخل ذلك حلقه ومنهم من لا يدخل ذلك حلقه، فإن كان ممن يدخل ذلك حلقه فلا يفعل. قلت: فإن فعل أترى عليه القضاء والكفارة؟ فقال قال مالك: إذا دخل حلقه وعلم أنه قد وصل الكحل إلى حلقه فعليه القضاء. قلت: أفيكون عليه الكفارة؟ قال: لا كفارة عليه عند مالك. قلت: أرأيت الصائم يكتحل بالصبر والذرور والإثمد وغير هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: هو أعلم بنفسه إن كان يصل إلى حلقه فلا يكتحل. قلت: فهل كان مالك يكره أن يصب في أذنيه الدهن في رمضان؟ فقال: إن كان يصل ذلك إلى حلقه فلا يفعل. قال ابن القاسم وقال مالك: فإن وصل إلى حلقه فعليه القضاء. قلت: أرأيت من صب في أذنيه الدهن من وجع؟ فقال قال مالك: إن كان يصل إلى حلقه فعليه القضاء، قال ابن القاسم: ولا كفارة عليه وإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه. قال ابن وهب، وأخبرني الحارث بن نبهان عن يزيد بن أبي خالد عن أيوب عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكره الكحل للصائم وكره له السعوط أو شيئا يصبه في أذنيه. قال ابن وهب: قال مالك فيمن يحتقن أو يستدخل شيئا من وجع، قال: أما الحقنة فإني أكرهها للصائم، وأما السبور فإني أرجو أن لا يكون به بأس، قال ابن وهب، والسبور الفتيلة. قال ابن وهب وأخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج قال. قال عطاء بن أبي رباح في الذي يستدخل الشيء،

قال: لا يبدل يوما مكانه وليس عليه شيء. قلت: أرأيت من قطر في إحليله دهنا وهو صائم أيكون عليه القضاء في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وهو عندي أخف من الحقنة، ولا أرى فيه شيئا. قلت: أرأيت من كانت به جائفة فداواها بدواء مائع أو غير مائع ما قول مالك في ذلك؟ فقال: لم أسمع منه في ذلك شيئا. قال: ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة، قال: لأن ذلك لا يصل إلى مدخل الطعام والشراب، ولو وصل ذلك إلى مدخل الطعام والشراب لمات من ساعته. قال وقال مالك: إنما كره الحجامة للصائم لموضع التعزير، ولو احتجم رجل فسلم لم يكن عليه شيء. ابن وهب عن هشام بن سعد، وسفيان الثوري عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يفطر منهن الصائم القيء والحجامة والحلم1". ابن وهب، وذكر ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الصوم باب 24.

في ملامسة الصائم ونظره إلى أهله
قلت: أرأيت إن لامس رجل امرأته فأنزل أعليه القضاء والكفارة؟ فقال: نعم. عليه القضاء والكفارة عند مالك. قلت: وإن هي لامسته عالجت ذكره بيدها حتى أنزل أيكون عليه القضاء والكفارة في قول مالك؟ قال: نعم عليه القضاء والكفارة عند مالك إذا أمكنها من ذلك حتى أنزل، فعليه القضاء والكفارة. قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الرجل ينظر إلى أهله في رمضان على غير تعمد فيمذي؟ قال: أرى، أن يقضي يوما مكانه. قال مالك: وقد كان رجال من أهل الفضل ممن مضى وأدركناهم وأنهم ليتجنبون دخول منازلهم نهارا في رمضان خوفا على أنفسهم واحتياطا من أن يأتي من ذلك بعض ما يكرهون. قلت: أرأيت من نظر إلى امرأته في رمضان فأنزل، عليه القضاء والكفارة في قول مالك؟ قال: إن تابع النظر فأنزل فعليه القضاء والكفارة. قلت: فإن لم يتابع النظر إلا أنه نظر فأنزل ما عليه في قول مالك؟ قال: عليه القضاء ولا كفارة عليه.

ذوق الطعام ومضغ العلك والشيء يدخل في حلق الصائم
قلت: أكان مالك يكره أن يذوق الصائم الشيء مثل العسل والملح وما أشبهه وهو صائم ولا يدخله جوفه؟ فقال: نعم لا يذوق شيئا، قال: ولقد سألته عن الرجل يكون في فيه الجفر فيداويه في رمضان ويمج الدواء؟ فقال: لا يفعل ذلك، ولقد كره مالك للذي يعمل الأوتار أوتار العقب أن يمر ذلك في فيه يمضغه أو يملسه بفيه. قال ابن

في القيء للصائم
قلت: أرأيت القيء في رمضان ما قول مالك فيه؟ فقال قال مالك: إن ذرعه القيء في رمضان فلا شيء عليه، وإن استقاء فعليه القضاء. ابن وهب قال، وأخبرني حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري عمن يثق به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذرعه القيء لم يفطر وإذا استقاء طائعا أفطر" ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن عطاء بن عجلان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذرع الرجل القيء وهو صائم فإنه يتم صيامه ولا قضاء عليه وإن استقاء فقاء فإنه يعيد صومه1". قال أشهب، وقاله ابن عمر وعروة بن الزبير. وقال أشهب: إن كان صومه تطوعا فاستقاء فإنه يفطر وعليه القضاء، وإن تمادى ولم يفطر فعليه القضاء، وإن كان صيامه واجبا فعليه أن يتم صيامه وعليه القضاء، وإن ذرعه القيء فلا شيء عليه. قلت: أرأيت من تقيأ في صيام الظهار يستأنف أم يقضي يوما يصله بالشهرين؟ قال: يقضي يوما يصله بالشهرين.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الصيام حديث 47: عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: من استقاء وهو صائم فعليه القضاء, ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء.

المضمضة والسواك للصائم
قلت: أرأيت من تمضمض فسبقه الماء فدخل حلقه أعليه القضاء في قول مالك؟ فقال: إن كان في رمضان أو في صيام واجب عليه فعليه القضاء ولا كفارة عليه، وإن كان في تطوع فلا قضاء عليه. قلت: أرأيت إن كانت هذه المضمضة لوضوء صلاة أو لغير وضوء صلاة فسبقه الماء فدخل عليه، أهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فهل كان مالك يكره أن يتمضمض الصائم عن عطش يجده أو من حر يجده؟ قال قال مالك: لا بأس بذلك وذلك يعينه على ما هو فيه، قال: ويغتسل أيضا. قلت: فإن دخل حلقه من هذه المضمضة التي من الحر أو من العطش شيء، فعليه عند مالك إن كان صياما واجبا مثل رمضان أو غيره القضاء ولا كفارة عليه، وإن كان تطوعا فلا كفارة عليه ولا قضاء؟ قال: نعم.
قلت: ما قول مالك في السواك أول النهار وفي آخره؟ قال قال

الصيام في السفر
قال ابن القاسم، قال مالك: الصيام في رمضان في السفر أحب إلي لمن قوي عليه، قال: فقلت لمالك: فلو أن رجلا أصبح في السفر صائما في رمضان ثم أفطر متعمدا من غير علة ماذا عليه؟ قال: القضاء مع الكفارة مثل من أفطر في الحضر. قال: وسألت مالكا عن هذا غير مرة ولا عام، فكل ذلك يقول لي عليه الكفارة وذلك أني رأيته أو قاله لي، إنما كانت له السعة في أن يفطر أو يصوم فإذا صام فليس له أن يخرج منه إلا بعذر من الله، فإن أفطر متعمدا كانت عليه الكفارة مع القضاء. قال فقلت لمالك: فلو أن رجلا أصبح في حضر رمضان صائما ثم سافر فأفطر؟ قال: ليس عليه إلا قضاء يوم ولا أحب أن يفطر، فإن أفطر فليس عليه إلا قضاء يوم. قلت: ما الفرق بين هذا الذي صام في السفر ثم أفطر وبين هذا الذي صام في الحضر ثم سافر من يومه ذلك فأفطره عند مالك؟ قال قال لنا مالك: أو فسر لنا عنه ; لأن الحاضر كان من أهل الصوم فخرج مسافرا فصار من أهل الفطر، فمن ههنا سقطت عنه الكفارة ولأن المسافر كان مخيرا في أن يفطر وفي أن يصوم فلما اختار الصيام وترك الرخصة صار من أهل الصيام، فإن أفطر فعليه ما على أهل الصيام من الكفارة، وقد قال المخزومي وابن كنانة وأشهب في الذي يكون في سفر في رمضان ثم يفطر: إن عليه القضاء ولا كفارة عليه، إلا أن أشهب قال: إن تأول أن له الفطر ; لأن الله قد وضع عنه الصيام. قال أشهب: وإن أصبح صائما في السفر ثم دخل على أهله نهارا فأفطر، فعليه القضاء والكفارة ولا يعذر أحد في هذا. وقال المخزومي: رأى ابن كنانة فيمن أصبح في الحضر صائما ثم خرج إلى السفر فأفطر يومه ذلك: إن عليه القضاء والكفارة ; لأن الصوم وجب عليه في الحضر، وقد روى أشهب حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أفطر وهو بالكديد حين قيل له إن الناس قد أصابهم العطش. قال ابن القاسم: فقلت لمالك: لو أن رجلا أصبح صائما متطوعا ثم سافر فأفطر أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: نعم، قال: فقلت: فإن غلبه مرض أو حر أو عطش أو أمر اضطره إلى

الفطر من غير أن يقطعه متعمدا؟ قال: ليس عليه إذا كان هكذا قضاء. وقال: من صام في السفر في رمضان فأصابه أمر يقطعه عن صومه فليس عليه إلا القضاء، ومن أصبح صائما في السفر متطوعا فأصابه مرض ألجأه إلى الفطر فلا قضاء عليه، وإن أفطره متعمدا فعليه القضاء. قلت: أرأيت من أصبح مسافرا ينوي الفطر في رمضان ثم دخل بيته قبل طلوع الشمس فنوى الصيام؟ قال: لا يجزئه. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إذا علم أنه يدخل بيته من سفره في أول النهار فليصبح صائما وإن لم يصبح صائما أصبح ينوي الإفطار ثم دخل بيته وهو مفطر فلا يجزئه الصوم وإن نواه، وعليه قضاء هذا اليوم. قلت: هل كان مالك يكره لهذا أن يأكل في بقية يومه هذا؟ قال: لا يكره له أن يأكل في بقية يومه هذا قال: وقال مالك: من دخل من سفره وهو مفطر في رمضان فلا بأس عليه أن يأكل في بقية يومه. قلت لابن القاسم: أرأيت من أصبح في بيته وهو يريد السفر في يومه ذلك فأصبح صائما، ثم خرج مسافرا فأكل وشرب في السفر؟ قال قال مالك: إذا أصبح في بيته فلا يفطر يومه ذلك وإن كان يريد السفر ; لأن من أصبح في بيته قبل أن يسافر وإن كان يريد السفر من يومه فليس ينبغي له أن يفطر. قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب: كان إذا علم أنه داخل المدينة من أول يومه وكان في سفر صام فدخل وهو صائم. ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه أقبل في رمضان حتى إذا كان بالروحاء فقال لأصحابه: ما أرانا إلا مصبحي المدينة بالغداة وأنا صائم غدا فمن شاء منكم أن يصوم صام ومن شاء أفطر. قلت: فإن أفطر بعدما خرج؟ قال: قال مالك: عليه القضاء ولا كفارة عليه. ابن وهب، وأخبرني الحارث بن نبهان عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال: وإن كانوا ليرون أن من صام أفضل. قال أنس: ثم غزونا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان له ظهر أو فضل فليصم". ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي، أنه قال: يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه1" . ابن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر.
ـــــــ
1 رواه النسائي في كتاب الصيام باب 57. أحمد في مسنده "1/92".

في صيام آخر يوم من شعبان
قلت: أرأيت رجلا أصبح في أول يوم من رمضان ينوي الفطر ولا يعلم أن يومه

ذلك من رمضان، ثم علم مكانه قبل أن يأكل ويشرب؟ قال قال مالك: يكف عن الأكل والشرب ويقضي يوما مكانه. قلت: فإن أفطره بعدما علم؟ قال قال مالك: لا أرى عليه الكفارة وعليه القضاء لذلك اليوم إلا أن يكون أكل فيه وهو يعلم ما على من أفطر في رمضان متعمدا وجرأة على ذلك، فأرى عليه القضاء مع الكفارة. قلت: وأول النهار في هذا الرجل وآخره سواء عند مالك، إن كان لم يعلم أن يومه من رمضان، إلا بعدما ولى النهار، فقال: ذلك عند مالك سواء. قلت: فلو أن رجلا أصبح صائما في أول يوم من رمضان وهو لا يعلم أنه من رمضان؟ فقال: قال مالك: لا يجزئه من صيام رمضان وعليه قضاؤه، وقال مالك: لا ينبغي أن يصام اليوم الذي من آخر شعبان الذي يشك فيه أنه من رمضان قلت: فلو أن قوما أصبحوا في أول يوم من رمضان فأفطروا ثم جاءهم الخبر أن يومهم ذلك من رمضان، أيدعون الأكل والشرب في قول مالك؟ قال: نعم ويقضون يوما مكانه ولا كفارة عليهم. قلت: فلو أكلوا وشربوا بعدما جاءهم الخبر أن يومهم من رمضان أيكون عليهم الكفارة؟ قال: لا كفارة عليهم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، إلا أن يكونوا أكلوا جرأة على ما فسرت لك. أشهب، عن الدراوردي، عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا1". مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له2" . ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن عطاء عن ربيعة، أنه قال في الرجل يصوم قبل أن يرى الهلال من رمضان بيوم، ويقول: إن كان الناس قد رأوه كنت قد صمته، قال ربيعة: لا يعتد بذلك، اليوم وليقضه ; لأنه صام على الشك. وقال ربيعة في رجل جاءه الخبر بعدما انتصف النهار أن هلال رمضان قد رئي وصام الناس ولم يكن هو أصاب طعاما ولا شرابا ولا امرأته؟ قال: يصوم ذلك اليوم ويقضيه.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 1. مسلم في كتاب الصيام حديث 120. النسائي في كتاب الصيام باب 32. الدارمي في كتاب الصوم باب 46. أحمد في مسنده "2/497,438".
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب الصيام حديث 46: عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: .....". رواه البخاري في كتاب الصيام باب 11. مسلم في كتاب الصيام حديث 3.

في الذي يصوم متطوعا ويفطر من غير علة
قلت: أرأيت من أصبح صائما متطوعا، فأفطر متعمدا أيكون عليه القضاء في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أن رجلا أصبح يوم الأضحى أو يوم الفطر صائما فقيل له إن هذا اليوم لا يصلح فيه الصوم فأفطر أيكون عليه قضاؤه في قول مالك أم لا؟

قال: لا يكون عليه قضاؤه عند مالك.

في رجل أصبح صائما ينوي قضاء
يوم من رمضان ثم ذكر في النهار أنه قد كان قضاه
قلت: أرأيت لو أن رجلا أصبح صائما ينوي به قضاء يوم من رمضان، ثم ذكر في النهار أنه قد كان قضى ذلك اليوم قبل ذلك وذكر أنه لا شيء عليه من رمضان أيجوز له أن يفطر؟ فقال: لا يجوز له أن يفطر وليتم صومه. قال أشهب: ولا أحب له أن يفطر وإن أفطر فلا شيء عليه ولا قضاء عليه، إنما هو بمنزلة رجل شك في الظهر فأخذ يصلي ثم ذكر أنه قد كان صلى، فإنه ينصرف على شفع أحب إلي وإن قطع فلا شيء عليه. قلت لابن القاسم: أكان مالك يكره أن يعمل الرجل في صيامه في النافلة ما يكره له في الفريضة؟ قال: نعم. ابن وهب عن مالك وعبد الله بن عمر ويونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: بلغني أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام فأفطرتا عليه، فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فقالت حفصة: وبدرتني بالكلام وكانت بنت أبيها يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقضيا مكانه يوما آخر1". ابن وهب وقال عبد الله بن عمر في الذي يصبح صائما متطوعا ثم يفطر بطعام أو غيره من غير ضرورة؟ ذلك الذي يلعب بصومه.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الصيام حديث 50. ولكن عن مالك عن ابن شهاب أن عائشة.....الخ. ورواه أبو داود في كتاب الصوم باب 73. والترمذي في كتاب الصوم باب 63.

فيمن التبست عليه الشهور فصام رمضان قبل دخوله أو بعده
قلت: أرأيت الأسير في أرض العدو إذا التبست عليه الشهور فصام شهرا ينوي به رمضان فصام قبله؟ قال: بلغني عن مالك ولم أسمعه منه أنه قال: إن صام قبله لم يجزه وإن صام بعده أجزأه. قلت: أرأيت لو أن رجلا التبست عليه الشهور مثل الأسير والتاجر في أرض الحرب وغيرهما فصام شهرا تطوعا لا ينوي به رمضان فكان الشهر الذي صامه رمضان؟ فقال: لا يجزئه وعليه أن يستقبل قضاء رمضان ; لأن مالكا قال: لو أن رجلا أصبح في أول يوم من رمضان وهو لا يعلم أنه من رمضان فصامه متطوعا، ثم جاءه الخبر أنه من رمضان، قال: لا يجزئه وعليه أن يعيده. وقال سحنون: وقد ذكر لنا عن ربيعة ما يشبه هذا وهذا من ذلك الباب وقد قال أشهب مثل قول ابن القاسم سواء. قال أشهب: لأنه لم ينو به رمضان وإنما نوى به التطوع.

في الجنب والحائض في رمضان
قال ابن القاسم، قال مالك: لا بأس أن يتعمد الرجل أن يصبح جنبا في رمضان،

في المغمى عليه في رمضان والنائم نهاره كله
قلت: أرأيت رجلا أغمي عليه نهارا في رمضان ثم أفاق بعد ذلك بأيام، أيقضي صوم ذلك اليوم الذي أغمي عليه فيه أم لا؟ فقال: قال مالك: إن كان أغمي عليه من أول النهار إلى الليل، رأيت أن يقضي يوما مكانه، وإن أغمي عليه وقد قضى أكثر النهار أجزأه ذلك، قال: فقلت له: فلو أنه أغمي عليه بعد أن أصبح ونيته الصيام إلى انتصاف النهار ثم أفاق بعد ذلك أيجزئه صيامه ذلك اليوم؟ قال: نعم يجزئه. قلت: أرأيت المغمى عليه أياما هل يجزئه صوم اليوم الذي أفاق فيه إن نوى أن يصومه حين أفاق في قول مالك؟ فقال: لا يجزئه وعليه قضاؤه ; لأن من لم يبيت الصيام فلا صيام له. قلت: أرأيت إن أغمي عليه ليلا في رمضان وقد نوى صيام ذلك اليوم فلم يفق إلا عند المساء من يومه ذلك، هل يجزئه صيامه في قول مالك؟ فقال: لا. قلت: فإن أفاق بعدما أضحى، أيجزئه صوم يومه ذلك؟ فقال: لا أرى أن يجزئه. قال ابن القاسم: وقد بلغني عن بعض من مضى من أهل العلم أنه قال: إن أغمي عليه في رمضان قبل الفجر فلم يفق إلا بعد الفجر لم يجزه صيامه ذلك. قال ابن القاسم: والمغمى عليه لا يكون بمنزلة النائم، ولو أن رجلا نام قبل الفجر وقد كان سهر ليلته كلها فنام نهاره كله وضرب على أذنه النوم حتى الليل أجزأ عنه صومه، ولو أغمي عليه من

مرض حتى يفارقه عقله قبل الفجر حتى يمسي لم يجز عنه صومه، هذا أحسن ما سمعت. قلت: فإن أصبح في رمضان ينوي الصوم ثم أغمي عليه قبل طلوع الشمس فلم يفق إلا عند غروب الشمس أيجزئه صومه في قول مالك أم لا؟ فقال قال مالك: لا يجزئه ; لأنه أغمي عليه أكثر النهار. قال سحنون وقال أشهب مثل ما قال ابن القاسم عن مالك، وقال: قولنا أن من أغمي عليه أكثر النهار أن عليه القضاء احتياطا واستحسانا، ولو أنه اجتزأ به ما عنف ولرجوت ذلك له إن شاء الله. قلت: ما قول مالك فيمن بلغ وهو مجنون مطبوق فمكث سنين ثم إنه أفاق؟ فقال قال مالك: يقضي صيام تلك السنين ولا يقضي الصلاة.

فيمن أكل في رمضان ناسيا
قلت: أرأيت من أكل أو شرب أو جامع امرأته في رمضان ناسيا، أعليه القضاء في قول مالك؟ قال: نعم ولا كفارة عليه. قلت: أرأيت من أكل أو شرب أو جامع امرأته في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يفسد عليه صومه، فأفطر متعمدا لهذا الظن بعدما أكل ناسيا أيكون عليه الكفارة في قول مالك. قال ابن القاسم: لا كفارة عليه وعليه القضاء، وذلك أني سمعت مالكا وسئل عن امرأة رأت الطهر ليلا في رمضان فلم تغتسل حتى أصبحت، فظنت أن من لم يغتسل قبل طلوع الفجر فلا صوم له فأكلت، فقال: ليس عليها إلا القضاء. قال: وسمعت مالكا وسأله رجل عن رجل كان في سفر فدخل إلى أهله ليلا فظن أنه من لم يدخل في نهار قبل أن يمسي أنه لا يجزئه صومه وأن له أن يفطر فأفطر؟ فقال مالك: عليه القضاء ولا كفارة عليه. قال: وسئل مالك عن عبد بعثه سيده يرعى إبلا له أو غنما، فخرج يمشي على مسيرة ميلين أو ثلاثة يرعى فظن أن ذلك سفر وذلك في رمضان فأفطر؟ فقال: ليس عليه إلا القضاء ولا كفارة عليه. قال ابن القاسم: وكل ما رأيت مالكا يسأل عنه من هذه الوجوه على التأويل، فلم أره يجعل فيه الكفارة إلا امرأة ظنت، فقالت: حيضتي اليوم وكان ذلك أيام حيضتها فأفطرت في أول نهارها وحاضت في آخره، فقال: عليها القضاء والكفارة. قال مالك: ولو أن رجلا أكل في أول النهار من رمضان ثم مرض في آخره مرضا لا يستطيع الصوم معه، لكان عليه القضاء والكفارة جميعا. قلت: أرأيت من أصبح في رمضان صائما فأكل ناسيا أو شرب ناسيا أو جامع ناسيا فظن أن ذلك يفسد صومه فأكل متعمدا؟ قال: قال مالك في الحائض إذا طهرت من الليل ولم تغتسل إلا بعد الفجر فظنت أن ذلك لا يجزئ عنها فأفطرت: أنه لا كفارة عليها. قال: وسئل مالك عن رجل قدم في الليل من سفره فظن عليه أنه من لم يقدم

نهارا قبل الليل أن الصيام لا يجزئه فأفطر ذلك اليوم؟ قال: سمعت مالكا يقول: ليس عليه إلا قضاء ذلك اليوم، قال والذي سألت عنه يشبه هذا.

في صيام الصبيان
قال: وسألت مالكا عن الصبيان متى يؤمرون بالصيام؟ فقال: إذا حاضت الجارية واحتلم الغلام، قال: ولا يشبه الصيام في هذا الصلاة.

من أكل أو شرب في صيامه مكرها
قلت: أرأيت من أصبح في رمضان صائما فأكره فصب في حلقه الماء، أيكون صائما أو يكون عليه القضاء والكفارة في قول مالك؟ قال: عليه القضاء ولا كفارة عليه. قلت: فإن فعل هذا به في التطوع؟ فقال: لا قضاء عليه عند مالك. قلت: فإن صب في حلقه الماء في صيام نذر واجب عليه ماذا يوجب عليه في قول مالك؟ قال: عليه القضاء. قلت: فإن صب في حلقه الماء في صيام من تظاهر أو قتل نفس، أو كفارة أيجزئه أم يستأنف؟ قال: يقضي يوما مكانه ويصله. قلت: أرأيت إن صب في حلقه الماء في صيام متتابع عليه أيعيد صومه أم يقضي مكانه في قول مالك؟ قال ابن القاسم: يقضي يوما مكانه ويصله بالشهرين. قلت: أرأيت إن أكره الصائم فصب في حلقه الماء أو شيء وكان نائما، أيكون عليه القضاء والكفارة؟ فقال: عليه القضاء ولا كفارة عليه. قلت: فلو أن امرأة جومعت وهي نائمة في رمضان نهارا؟ فقال: عليها القضاء عند مالك ولا كفارة عليها.

صيام الحامل والمرضع والشيخ الكبير
قلت: أرأيت الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فأفطرتا؟ فقال: تطعم المرضع وتفطر وتقضي إن خافت على ولدها. قال: وقال مالك: إن كان صبيها يقبل غير أمه من المراضع وكانت تقدر على أن تستأجر له أو له مال تستأجر له به فلتصم ولتستأجر له، وإن كان لا يقبل غير أمه فلتفطر ولتقض ولتطعم من كل يوم أفطرته مدا لكل مسكين، وقال مالك في الحامل: لا إطعام عليها ولكن إذا صحت قويت قضت ما أفطرت. قلت: ما الفرق بين الحامل والمرضع؟ فقال; لأن الحامل هي مريضة، والمرضع ليست بمريضة. قلت: أرأيت إن كانت صحيحة إلا أنها تخاف إن صامت أن

في صيام المرأة تطوعا بغير إذن زوجها
قال وقال مالك في المرأة تصوم من غير أن تستأذن زوجها. قال: ذلك يختلف من الرجال من يحتاج إلى أهله، وتعلم المرأة أن ذلك شأنه فلا أحب لها أن تصوم إلا أن تستأذنه، ومنهن من تعلم أنه لا حاجة له فيها فلا بأس بأن تصوم.

في صيام قضاء رمضان في عشر ذي الحجة وأيام التشريق
قلت: ما قول مالك أيقضي الرجل رمضان في العشر؟ فقال: نعم. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ففي أيام التشريق؟ فقال: أما في اليومين الأولين بعد يوم النحر فلا، وأما في اليوم الثالث من بعد يوم النحر؟ فقال: إذا نذره رجل فليصمه ولا يقضي فيه رمضان ولا يبتدئ فيه صيام من ظهار أو قتل نفس أو ما أشبه هذا. إلا أن يكون قد صام قبل ذلك فمرض ثم صح وقوي على الصيام في هذا اليوم، وفي أيام النحر فإنه لا يصوم أيام النحر ويبتدئ في هذا اليوم الآخر من أيام التشريق فيبني على صيامه الذي كان قد صامه. قال: وكذلك قتل النفس وأما قضاء رمضان فإنه لا يصومه فيه. قال ابن وهب عن سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما أيام أحب إلي أن أقضي فيها شهر رمضان من هذه الأيام لعشر ذي الحجة. قال ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة بن شريح عن خالد بن أبي عمران، أنه سأل القاسم وسالما عن رجل عليه يوم من رمضان أيقضيه في العشر؟ فقال: نعم ويقضيه يوم عاشوراء.

في الذي يوصي أن يقضى عنه صيام واجب
قلت: أرأيت لو أن رجلا أفطر في رمضان من عذر ثم صح أو رجع من سفره ففرط ولم يصمه حتى مات، وقد صح شهرا وقدم فأقام في أهله شهرا فمات وأوصى أن يطعم

جامع الصيام
قلت: ما قول مالك في كل صيام في القرآن أمتتابعا أم لا؟ فقال: أما ما كان من صيام الشهور فهو متتابع ; لأن الله عز وجل يقول: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وما كان من صيام الأيام التي في القرآن مثل قوله في قضاء رمضان: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184-185] قال: فأحب إلي أن يتابع بين ذلك فإن لم يفعل أجزأه. قلت: فإن صام رجل كفارة اليمين متفرقا أيجزئه في قول مالك؟ فقال: نعم. قال: وقال مالك: وإن فرق صيام ثلاثة أيام في الحج أجزأه، قال مالك: وإن صام يوم التروية ويوم عرفة ويوما من آخر أيام التشريق أجزأه. قلت: أرأيت صيام جزاء الصيد والمتعة أيتابع بينه في قول مالك أم يفرقه إن أحب؟ فقال مالك: أحب إلي أن يتابع، فإن

فرق لم يكن عليه شيء وأجزأه عنه. وقال ربيعة: لو أن رجلا فرق قضاء رمضان لم آمره أن يعيد، وأن ابن عباس وعمرو بن العاص وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وأبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل قالوا: لا بأس بأن يفرق قضاء رمضان إذا أحصيت العدة. قال أشهب: وأن ابن عمرو وعلي بن أبي طالب وابن عمر وسعيد بن المسيب: كرهوا أن يفرق قضاء رمضان. قال وقال مالك: من أسلم في رمضان فليس عليه قضاء ما مضى منه وليصم ما بقي. قلت أرأيت اليوم الذي أسلم؟ فقال: قال مالك: أحب إلي أن يقضيه ولست أرى عليه قضاءه واجبا.

في الذي ينذر صياما متتابعا بعينه أو بغير عينه
قال ابن القاسم قال مالك: من نذر أن يصوم أياما أو شهرا أو شهرين ولم يسم أياما بأعيانها ولا شهرا بعينه، فقال: يصوم عدد ذلك إن شاء فرقه وإن شاء تابعه، قال: فقلت لمالك: فليس عليه أن يتابعه وإن قال شهرا أو شهرين؟ فقال: ليس عليه أن يتابعه، والشهور عندي مثل الأيام وهو في سعة من تفرقته أو متابعته إلا أن ينويه متتابعا. قلت: فإن نذر سنة؟ قال: قال مالك: أرى أن يصوم سنة على وجهها ليس فيها رمضان ولا أيام الذبح ولا أيام الفطر. قال فقلنا لمالك: فإن نذر سنة بعينها أفعليه أن يقضي رمضان ويوم الفطر وأيام الذبح؟ قال: لا وإنما عليه أن يصوم ما كان منها يصام ويفطر منها ما كان يفطر، قال: وإنما مثل ذلك عندي بمنزلة الذي يقول: لله علي أن أصلي اليوم فليس عليه في الساعات التي لا تحل الصلاة فيها قضاء. قال ابن القاسم: وأنا أرى في الذي نذر سنة بغير عينها أن يصوم اثني عشر شهرا ليس فيها يوم الفطر ولا أيام الذبح ولا رمضان، قال: ويصوم اثني عشر شهرا ما كان منها من الأشهر فعلى الأهلة، وما كان منها يفطر مثل رمضان ويوم الفطر وأيام الذبح أفطره وقضاه، ويجعل الشهر الذي يفطر فيه ثلاثين يوما، إلا أن ينذر سنة بعينها فيصوم منها ما كان يصام، ويفطر منها ما كان يفطر ولا قضاء عليه في شيء مما كان يفطر فيه، إلا أن يكون نوى قضاءه وما مرض فيه حتى ألجئ إلى الفطر فلا قضاء عليه فيه ; لأن مالكا قال فيمن نذر أن يصوم شهرا بعينه فمرض. فلا قضاء عليه ; لأن الحبس إنما أتى من الله عز وجل ولم يكن من سببه، فكذلك السنة بعينها قال فقلنا له: فلو أن رجلا ابتدأ صياما عليه من نذر نذره صوم أشهر متتابعات أو غير متتابعات، فصام في وسط الشهر فكان الشهر تسعة وعشرين يوما أيقضي ما أفطر منه أم يستكمل الشهر بما صام منه ثلاثين يوما؟ قال: بل يستكمل الشهر تاما

حتى يكمل عدد ثلاثين يوما، وما صام للأهلة. فذلك على الأهلة وإن كانت تسعة وعشرين يوما. قلت: أرأيت إن نذر صيام أشهر غير متتابعات أله أن يجعلها على غير الأهلة في قول مالك كلها؟ فقال: نعم، وإن كانت متتابعات أيضا إلا أن يكون نذر شهورا بأعيانها فليصمها بأعيانها. قلت: فإن نذر أن يصوم سنة بعينها؟ فقال: يصومها. قلت: فإن أفطر منها شهرا؟ قال: يقضيه. قلت: فإن كان الشهر الذي أفطره تسعة وعشرين أيقضي تسعة وعشرين أم ثلاثين يوما؟ فقال: يقضي تسعة وعشرين عدد الشهر الذي أفطره. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قال: فقلت لمالك: فرمضان ويوم الفطر وأيام النحر الثلاثة، كيف يصنع فيها وإنما نذر سنة بعينها أعليه قضاؤها أم ليس عليه قضاؤها إذا كانت لا يصلح الصيام فيها؟ فقال: أولا لا قضاء عليه إلا أن يكون نوى أن يصومهن. قال: ثم سئل عن ذي الحجة من نذر صيامه أترى عليه أن يقضي أيام الذبح؟ فقال: نعم عليه القضاء إلا أن يكون نوى حين نذر أن لا قضاء لها، قال: وأحب قوله إلي الأول، أنه يصوم ما كان يصام ويفطر ما كان يفطر ولا قضاء عليه إلا أن يكون نوى قضاء ذلك اليوم. قال ابن القاسم: وأما آخر أيام التشريق اليوم الذي ليس من أيام الذبح فأرى أن يصومه ولا يدعه. قال مالك: وكذلك لو أن رجلا نذر أن يصوم ذا الحجة فعليه قضاء أيام الذبح إلا أن يكون نوى حين نذر أن لا يقضيها، قال: ونزلت برجل وأنا عنده قاعد فأفتاه بذلك. قال: وقال مالك: ومن نذر شهرا بعينه، فمرض فيه فلا قضاء عليه إذا كان الله هو الذي منعه، إلا أن يكون أفطر ذلك وهو يقوى على صيامه فعليه قضاء عدد تلك الأيام. قلت: أرأيت إن نذر صيام شهر بعينه فأفطره أتأمره أن يقضيه متتابعا؟ فقال: إن قضاه متتابعا فذلك أحب إلي، فإن فرقه فأرجو أن يكون مجزئا عنه ; لأن رمضان لو قضاه متفرقا أجزأه، قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لله علي أن أصوم غدا فأفطره، أيكون عليه كفارة يمين، مع القضاء؟ فقال: لا، فقلت: وهو قول مالك؟ فقال: نعم، قال: وتفسير ذلك أنه من نذر نذرا ولم يجعل له مخرجا فكفارته كفارة يمين وهذا قد جعل لنذره مخرجا للصيام. قلت: وهذا التفسير فسره لكم مالك؟ فقال: نعم، هو قوله. قلت: أرأيت من قال لله علي أن أصوم شهرا، أيصومه متتابعا أو متفرقا؟ قال: قال مالك: إن لم ينوه متتابعا فرقه إن شاء. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لله علي أن أصوم المحرم فمرض المحرم أو أفطره متعمدا؟ فقال: قال مالك: إن أفطره متعمدا فعليه قضاؤه وإن مرضه لم يكن عليه قضاؤه. قلت: فإن قال لله علي أن أصوم المحرم فأفطر منه يوما وصام ما بقي؟ قال: يقضي يوما مكان اليوم الذي أفطره إلا أن يكون أفطره من مرض. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو

أن رجلا قال: لله علي أن أصوم شهرا متتابعا فأفطر يوما بعد صيام عشرة أيام من غير مرض؟ قال: يبتدئ ولا يبني. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لله علي أن أصوم كل خميس يأتي فأفطر خميسا واحدا من غير علة؟ فقال: قال مالك: عليه القضاء، قال: ورأيت مالكا يكره هذا كراهية شديدة الذي يقول لله علي أن أصوم يوما يوقته. قلت: أرأيت من قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم فلان ليلا أيكون عليه صوم أم لا؟ فقال: أرى عليه صوم صبيحة تلك الليلة فيما يستقبل. قلت: وتحفظ هذا عن مالك؟ فقال: لا ولكن الليل من النهار. قلت: أرأيت إن قدم فلان نهارا وقد أكل فيه الحالف أيكون عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: لا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا وهو رأيي. قلت: فإن قدم فلان بعدما أصبح وهو ينوي الإفطار أعليه قضاء هذا اليوم؟ فقال: لا يقضيه في رأيي ; لأنه لما أصبح وهو ينوي الإفطار لم يجزه ولم يكن عليه القضاء ; لأن فلانا لم يقدم إلا وقد جاز لهذا الرجل الإفطار. قلت: أرأيت إن قال: لله علي أن أصوم غدا فيكون غدا الأضحى أو الفطر وهو يعلم بذلك أو لا يعلم، أيكون عليه قضاؤه في قول مالك؟ قال ابن القاسم: لا صيام عليه فيه ; لأنه إن كان لا يعلم أن غدا النحر أو الفطر فذلك أبعد من أن يلزمه ذلك أو يجب عليه، قال: وإن كان يعلم أن الفطر غدا أو النحر فذلك أيضا لا يلزمه ; لأن النبي عليه السلام نهى عن صيامهما فلا نذر لأحد فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزمه ذلك وهو رأيي والذي أستحسن. قلت: فهل يلزمه قضاؤه بعد ذلك إذا كان صومه لا يلزمه؟ فقال: لا قضاء عليه فيه بعد ذلك. قلت: فلم لا يقضيه؟ قال ; لأنه أوجب على نفسه صياما فجاء المنع من غير فعله، جاء المنع من الله عز وجل فكل منع جاء من الله عز وجل فلا قضاء عليه وإن جاء المنع منه فعليه القضاء. قال ابن القاسم: ورأيي والذي أستحسن أن من نذر صوم سنة بعينها أو أشهرا بعينها أو يوما بعينه، صام من ذلك ما يصام وأفطر من ذلك ما يفطر، ولم يكن عليه لما أفطر قضاء إلا أن يكون نوى عندما نذر أن عليه قضاء ما أفطر من ذلك. قال: وإن كان نذر سنة أو شهرا بغير عينه صام سنة ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام النحر، وكان عليه اثنتا عشر شهرا وهذا الذي ذكرت لك قول مالك. وكذلك من نذر شهرا فإن عليه صيام شهر كامل وهذا رأيي.
قال مالك: وأما الذي نذر سنة بعينها بمنزلة من نذر صلاة يوم بعينه، فهو يصلي ما كان من اليوم يصلي منه ولا يصلي في الساعات التي لا يصلي فيها ولا شيء فيها ولا قضاء عليه، قال: وإن جاء المنع منه فعليه القضاء. قلت: أرأيت إن قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم فلان يوم الاثنين أعليه أن يصوم هذا اليوم فيما

يستقبل أبدا في قول مالك؟ فقال: نعم عليه أن يصومه في رأيي. قلت: أرأيت لو أن امرأة قالت: لله علي أن أصوم سنة ثمانين أتقضي أيام حيضتها؟ فقال: لا تقضي أيام حيضتها ; لأن الحيضة عندي مثل المرض، قال: ولو أنها مرضت السنة كلها لم يكن عليها قضاء. قال: ولقد سمعت مالكا غير مرة يسأل عن المرأة تجعل على نفسها أن تصوم الاثنين والخميس ما بقيت فتحيض فيها أو تمرض أو تسافر؟ فقال مالك: أما الحيضة والمرض فلا أرى عليها فيهما قضاء، وأما السفر فقال مالك: فإني لا أدري ما هو. قال ابن القاسم: وكأني رأيته يستحب القضاء فيه. قلت: أرأيت امرأة قالت لله علي أن أصوم غدا فحاضت قبل الغد، أيكون عليها قضاء هذا اليوم في قول مالك. فقال: لا، قال مالك ; لأن الحبس جاء من غيرها. قلت: فإن قالت: لله علي أن أصوم أيام حيضتي أتقضيها أم لا؟ فقال: لا تقضيها. قال ابن القاسم: وقال مالك: من نذر صياما أو كان عليه صوم واجب أو نذر صيام ذي الحجة، فلا ينبغي له أن يصوم أيام الذبح الثلاثة ولا يقضي فيها صياما واجبا عليه من نذر أو رمضان، ولا يصومها أحد إلا المتمتع الذي لم يجد الهدي فذلك يصوم اليومين الآخرين، ولا يصوم يوم النحر أحد وأما آخر أيام التشريق فيصام إن نذره رجل، أو نذر صيام شهر ذي الحجة فأما أن يقضي به رمضان أو غيره فلا يفعل. قال مالك: ومن نذر صيام شهرين ليسا بأعيانهما فإن شاء صام للأهلة، وإن شاء صام ستين يوما لغير الأهلة، وإن شاء صام بعض شهر بالأيام ثم صام بعد ذلك شهرا للأهلة. ثم يكمل ثلاثين يوما بعد هذا الشهر بالأيام التي صامها قبل الشهر، فيصير عليه شهر بالأيام وشهر بالأهلة قال ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب، أن إياس بن حارثة حدثه أن أمه نذرت أن تصوم سنة، فاستفتى لها سعيد بن المسيب، فقال: تصوم ثلاثة عشر شهرا فإن رمضان فريضة وليس من نذرها، قال: ويومان في السنة الفطر والأضحى.

في الكفارة في رمضان
قلت: ما حد ما يفطر الصائم من المخالطة في الجماع في قول مالك؟ فقال: مغيب الحشفة يفطره ويفسد حجه ويوجب الغسل ويوجب حده. قلت: وكيف الكفارة في قول مالك؟ فقال: الطعام لا يعرف غير الطعام ولا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام. قلت: وكيف الطعام عند مالك؟ فقال: مدا مدا لكل مسكين. قلت: فهل يجزئه في قول مالك أن يطعم مدين مدين لكل مسكين فيطعم ثلاثين مسكينا؟ فقال: لا يجزئه ولكن يطعم ستين مسكينا مدا مدا لكل مسكين. قلت: فما قول مالك فيمن أكره امرأته في رمضان

فجامعها نهارا ما عليها وماذا عليه في قول مالك؟ قال: عليه القضاء والكفارة وعليه الكفارة أيضا وعليها أيضا هي القضاء. قال: وكذلك الحج أيضا عليه أن يحجها إن هو أكرهها ويهدي عنها. قلت: فما قول مالك فيمن جامع امرأته أياما في رمضان؟ فقال: عليه لكل يوم كفارة وعليها مثل ذلك إن كانت طاوعته، وإن كان أكرهها فعليه أن يكفر عنها وعن نفسه وعليها قضاء عدد الأيام التي أفطرتها. قلت: فإن وطئها في يوم مرتين ما قول مالك في ذلك؟ فقال: عليه كفارة مرة واحدة. قال ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد: إن الرجل إذا وقع على امرأته نهارا في رمضان وهي طائعة فعليهما الكفارة. قلت: أرأيت إن جامع رجل امرأته نهارا في رمضان طاوعته ثم حاضت من يومها ما قول مالك في ذلك؟ فقال: عليها القضاء والكفارة. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي صخر عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أفطرت يوما في رمضان متعمدا، فقال له رسول الله: "أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين أو أطعم ستين مسكينا". قال أشهب بن الليث بن سعد أن يحيى بن سعيد حدثه عن عبد الرحمن بن القاسم عن محمد بن جعفر بن الزبير، قال عن عائشة حدثت عن رجل أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احترقت احترقت، قال: بم قال: وطئت امرأتي نهارا في رمضان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدق بصدقة". فقال: ما عندي شيء، فأمره أن يمكث فجاءه بعرق فيه طعام فأمره أن يتصدق به1. قال مالك والليث عن ابن شهاب، حدثهما عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا2. قلت: ما قول مالك فيمن كان عليه صيام رمضان فلم يقضه حتى دخل عليه رمضان آخر؟ فقال: يصوم هذا الرمضان الذي دخل فيه، فإذا أفطر قضى ذلك الأول فأطعم مع هذا الذي يقضيه مدا لكل يوم، إلا أن يكون كان مريضا حتى دخل عليه رمضان آخر فلا شيء عليه من الطعام، وإن كان مسافرا حتى دخل عليه رمضان آخر فلا شيء عليه أيضا إلا قضاء رمضان الذي أفطره ; لأنه لم يفرط. قال: وإن صح من مرضه أياما قبل أن يدخل عليه رمضان المقبل، فعليه أن يطعم عدد الأيام التي صح فيها إذا قضى الرمضان الذي أفطره، وكذلك المسافر إن كان قدم من سفره فأقام أياما فلم يصم حتى دخل، دخل عليه رمضان آخر فإن عليه أن يطعم عدد الأيام التي فرط فيها، قلت: فمتى يطعم المساكين؟ قال: إذا أخذ في رمضان الذي أفطره. في سفره أو في مرضه. قلت: ففي أوله أو في آخره؟ فقال: كل ذلك سواء. قلت: فإن لم يطعم المساكين فيه حتى مضى قضاؤه؟ فقال: يطعمهم، وإن مضى قضاؤه لرمضان يطعم بعد ذلك. قلت:
ـــــــ
1 رواه البخاري في متاب الصوم باب 30. مسلم في كتاب الصيام حديث 81.
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب الصوم حديث 27 وتتمته "فقال: لا أجد, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرث تمر فقال: خذ هذا فتصدق به. فقال: يا رسول الله, ما أجد أحوج مني. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: "كله ". ورواه البخاري في كتاب الصوم باب 30. مسلم في كتاب الصيام باب 81.

ولا يسقط عنه الطعام إذا هو قضى رمضان فلم يطعم فيه؟ فقال: لا يسقط عنه الطعام على كل حال. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قال أشهب عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، أنه كان يقول: من كان عليه صيام من رمضان ففرط فيه وهو قوي على الصيام حتى يدخل عليه رمضان آخر، أطعم مكان كل يوم مدا من حنطة وكان عليه القضاء. قال مالك: بلغني عن سعيد بن جبير مثل ذلك. قال أشهب عن ابن لهيعة، أنه سأل عطاء بن أبي رباح عمن توانى في قضاء أيام من رمضان كانت عليه حتى أدركه رمضان آخر؟ قال: يصوم الرمضان الآخر إذا فرغ من صيامه صيام الأول، ثم أطعم لكل يوم مسكينا مدا. قلت: أرأيت لو أن رجلا أصبح ونيته الإفطار في رمضان ولم يأكل ولم يشرب حتى غابت الشمس، أو مضى أكثر النهار أعليه القضاء والكفارة؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم. قلت: وإن أصبح ينوي الإفطار في رمضان، ثم نوى الصيام بعد طلوع الشمس؟ قال ابن القاسم: عليه القضاء والكفارة. قلت: أرأيت إن نوى الإفطار في رمضان يومه كله إلا أنه لم يأكل ولم يشرب؟ فقال: قد قال مالك في ذلك شيئا فلا أدري الكفارة قال والقضاء، أو القضاء ولا كفارة وأحب ذاك إلي أن يكون القضاء فيه مع الكفارة. قلت: أرأيت لو أن رجلا أصبح ينوي الإفطار في رمضان متعمدا، غير أنه لم يأكل ولم يشرب ثم بدا له الرجوع إلى الصيام بعد ما نوى الإفطار؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: عليه القضاء والكفارة، وقال: ولم أسمعه منه، قال ابن القاسم: وعليه القضاء. قلت: أرأيت من أفطر من رمضان متعمدا ثم مرض من يومه مرضا لا يستطيع الصوم معه أتسقط عنه الكفارة؟ فقال قال مالك: لا تسقط عنه الكفارة، قال: وكذلك قال المخزومي وقال في الحائض مثل ذلك. قلت: أرأيت لو أن مسافرا أصبح ينوي الصوم في رمضان ثم دخل من يومه إلى أهله فأفطر وذلك في أول النهار أو في آخره؟ قال: قال مالك: عليه القضاء والكفارة، وإن أفطر أيضا وهو في سفره أو في أهله ; لأنه قد أوجب على نفسه صيام ذلك اليوم. قلت: أرأيت لو أن جارية حاضت في رمضان أو غلاما احتلم في رمضان فأفطر بقية ذلك الرمضان، أيعيدان ذلك الرمضان أيكون عليهما الكفارة في قول مالك؟ فقال: نعم. قلت: لكل يوم كفارة عند مالك أو كفارة واحدة تجزئهما لما أفطرا في رمضان كله؟ فقال: سئل مالك عن السفيه بعد أن يحتلم يفطر في سفهه في رمضان أياما؟ فقال: عليه لكل يوم أفطره كفارة، كفارة مع القضاء. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن رجل أصبح في يوم من رمضان ينوي الفطر فيه متعمدا فيه لفطره، فلما أصبح ترك الأكل وأتم صيامه؟

فقال: لا يجزئه ذلك اليوم. قال ابن القاسم: وبلغني عنه أن عليه الكفارة، وقال أشهب: عليه القضاء ولا كفارة عليه.

في الذي يصوم في رمضان وهو ينوي به قضاء رمضان آخر
قلت: ما يقول مالك فيمن كان عليه صيام رمضان فلم يقضه حتى دخل عليه رمضان آخر، فصام هذا الداخل ينوي به قضاء الذي عليه؟ فقال: قال لنا مالك في رجل كان عليه نذر مشي وكان ضرورة لم يحج، فجهل فمشى في حجته ينوي بحجته هذه قضاء نذره وحجة الإسلام؟ فقال: قال لنا مالك: أراها لنذره وعليه حجة الإسلام، قال ابن القاسم: وأما أنا فأرى في مسألتك أن ذلك يجزئه وعليه قضاء رمضان الآخر ; لأن بعض أهل العلم قد رأى أن ذلك الحج يجزئه لفريضته وعليه النذر، ورأيي الذي آخذ به في الحج أن يقضي الفريضة ; لأنه إذا اشتركا بدأ الفريضة والنذر فأولاهما بالقضاء أوجبهما عند الله، وأما الصيام فذلك يجزئه.

في قيام رمضان
قال: وسألت مالكا عن قيام الرجل في رمضان أمع الناس أحب إليك أم في بيته؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إلي وليس كل الناس يقوى على ذلك، وقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله، وكان ربيعة وعدد غير واحد من علمائهم ينصرف ولا يقوم مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل مثل ذلك. قال مالك: بعث إلي الأمير وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة، قال ابن القاسم: وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر ست وثلاثون ركعة والوتر ثلاث، قال مالك: فنهيته أن ينقص من ذلك شيئا، وقلت له: هذا ما أدركت الناس عليه وهذا الأمر القديم الذي لم تزل الناس عليه. قال: وسألته عن الرجل يقوم بالناس بإجارة في رمضان؟ فقال: لا خير في ذلك. قلت لابن القاسم: فكيف الإجارة في الفريضة؟ فقال: ذلك أشد عندي من ذلك، قلت: وهو قول مالك؟ قال: إنما سألناه عن رمضان وهذا عندي أشد من ذلك. قال ابن وهب عن مالك أن ابن شهاب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، وكان يقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه1" . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وأبو بكر وصدر من خلافة عمر. قال ابن وهب عن مالك والليث، أن ابن شهاب أخبرهما عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب رمضان حديث 2. والبخاري في كتاب صلاة التراوييح باب 1. ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب 174.

في القراءة في رمضان وصلاة الأمير خلف القارئ
قال: وسألت مالكا عن القراء في رمضان يقرأ كل رجل منهم في موضع سوى موضع صاحبه؟ فأنكر ذلك، وقال: لا يعجبني. ولم يكن ذلك من عمل الناس، وإنما اتبع هؤلاء فيه ما خف عليهم ليوافق ذلك ألحان ما يريدون وأصواتهم، والذي كان عليه الناس يقرأ الرجل خلف الرجل من حيث انتهى الأول، ثم الذي بعده على مثل ذلك، قال: وهذا الشأن وهو أعجب ما فيه إلي. قال: وقال مالك: ليس ختم القرآن في رمضان بسنة للقيام.
قال: وسئل مالك عن الألحان في الصلاة؟ فقال: لا يعجبني وأعظم القول فيه، وقال: إنما هذا غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم. قال ابن القاسم: قلت لمالك في الرجل يصلي النافلة يشك في الحرف وهو يقرأ وبين يديه مصحف منشور، أينظر في المصحف ليعرف ذلك الحرف؟ فقال: لا ينظر في ذلك الحرف ولكن يتم صلاته ثم ينظر في ذلك الحرف. قال: وقال مالك: لا بأس بقيام الإمام بالناس، في رمضان في المصحف. وقال مالك في الأمير يصلي خلف القارئ في رمضان: إنه لم يكن يصنع ذلك فيما خلا ولو صنع ذلك لم أر به بأسا. قلت لابن القاسم: لم وسع مالك في هذا وكره للذي ينظر في الحرف؟ قال ; لأن هذا ابتدأ النظر في أول ما قام به. قال: وقال مالك: لا بأس بأن يؤم الإمام بالناس في المصحف في رمضان وفي النافلة. قال ابن القاسم: وكره ذلك في الفريضة. قال ابن وهب قال ابن شهاب: كان خيارنا يقرؤون في

المصاحف في رمضان، وذكروا أن غلام عائشة كان يؤمها في المصحف في رمضان، وقال مالك والليث مثله. وقال ربيعة في ختم القرآن في رمضان لقيام الناس: ليست بسنة. ولو أن الرجل أم الناس بسورة حتى ينقضي الشهر لأجزأ ذلك عنه، فإني لا أرى أن قد كان يؤم الناس من لم يجمع القرآن. قال ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد، أنه سئل عن صلاة الأمير خلف القارئ؟ قال: ما بلغنا أن عمر وعثمان كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد. قال: وعن ربيعة أنه قال في أمير بلدة من البلدان: يصلح له في قيام رمضان أن يصلي مع الناس في القيام يؤمه رجل من رعيته؟ فقال: لا يصنع ذلك الإمام وليصل في بيته إلا أن يأتي فيقوم بالناس.

في التنفل بين الترويحتين
قال: وسألت مالكا عن التنفل فيما بين الترويحتين؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان يركع ويسجد ويسلم، فأما من يقوم ويحرم ويقرأ وينتظر الناس حتى يقوموا فيدخل معهم فلا يعجبني ذلك من العمل، ولكن إن كان يركع فلا بأس بذلك. ومعنى قوله، حتى يدخل معهم: أي يثبت قائما حتى إذا قاموا دخل معهم بتكبيرته التي كبرها أو يحدث لذلك تكبيرة أخرى. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن الهادي، قال: رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير وأبا بكر بن حزم ويحيى بن سعيد يصلون بين الأشفاع. قال: وحدثنا سحنون عن ابن وهب عن خالد بن حميد عن عقيل عن ابن شهاب، وسئل عن ذلك فقال: إن قويت على ذلك فافعله. قال: ابن وهب وقال مالك: لا أرى به بأسا وما علمت أن أحدا كرهه.

في قنوت رمضان ووتره
قال: وقال مالك في الحدث الذي يذكره: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال: ليس عليه العمل ولا أرى أن يعمل به ولا يقنت في رمضان لا في أوله ولا في آخره، ولا في غير رمضان ولا في الوتر أصلا قال مالك: والوتر آخر الليل أحب إلي لمن يقوى عليه. قلت لمالك: لقد كنت أنا أصلي معهم مرة فإذا جاء الوتر انصرفت فلم أوتر معهم انتهى.
وتم كتاب الصيام بحمد الله وعونه وحسن توفيقه, والحمد لله رب العالمين ويليه كتاب الاعتكاف.

كتاب الاعتكاف بغير صوم
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وآله وسلم
كتاب الاعتكاف بغير صوموسئل ابن القاسم: أيكون الاعتكاف بغير صوم في قول مالك؟ فقال: لا يكون إلا بصوم، وقال ذلك القاسم بن محمد ونافع، لقول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فقيل لابن القاسم: ما قول مالك في المعتكف إن أفطر متعمدا أينتقض اعتكافه؟ فقال: نعم. قلت: فإن أصابه مرض لا يستطيع معه الصوم فخرج؟ قال: فإذا صح بنى على ما اعتكف. قال: وإن هو صح فلم يبن على ما كان اعتكف وفرط فليستأنف ولا يبن عليه. قلت: أرأيت إن هو صح من مرضه ذلك بعدما مضى من النهار بعضه وقوي على الصيام وكان في أول النهار لا يقوى على الصيام، أيدخل المسجد حين يقوى على الصيام أم يؤخر ذلك حتى تغيب الشمس ثم يدخل المسجد قبل مغيب الشمس ثم يبني؟ فقال: لا يؤخر ذلك، بل يدخل حين يقوى على ذلك. ومما يبين ذلك، أن مالكا قال في الحائض إذا طهرت في أول النهار: أنها ترجع إلى المسجد في أي ساعة طهرت ولا تؤخر ذلك. ثم تبني على ما مضى من اعتكافها. قال مالك: ومثل ذلك المرأة يكون عليها صيام شهرين متتابعين في قتل نفس، فتحيض ثم تطهر فتبني على ما مضى من صيامها ولا تؤخر ذلك، فالمريض مثل الحائض إذا صح. قال ابن القاسم: ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا اعتكف بعض العشر الأواخر ثم مرض فصح قبل الفطر بيوم، فإنه يخرج ولا يثبت يوم الفطر في معتكفه ; لأنه لا يكون اعتكافا إلا بصيام، ويوم الفطر لا يصام فيه فإذا مضى يوم الفطر عاد إلى معتكفه، قيل: وهو قول مالك؟ قال: من هذا الموضع قولي لك في يوم الفطر وقولي لك ومما يبين ذلك في قول مالك. قال ابن نافع، قال مالك في المعتكف في العشر الأواخر من رمضان يمرض ثم يصح قبل الفطر: إنه يرجع إلى معتكفه فيبني على ما مضى، فإن

غشيه العيد قبل أن يفرغ من أيام اعتكافه فإنه يفطر ذلك اليوم ويخرج إلى العيد مع الناس ولا يرجع إلى بيته، ولكن يكون في المسجد ذلك اليوم ولا يعتد به فيما بقي عليه. وسئل ابن القاسم عن المعتكف إذا أكل ناسيا نهارا؟ فقال: يقضي يوما مكانه ويصله باعتكافه، قيل له: أتحفظ هذا عن مالك؟ فقال: قد سمعته من مالك ولا أحفظ كيف سمعته من مالك.

في المعتكف يطأ امرأته في ليل أو نهار
قلت: أرأيت إن جامع ليلا أو نهارا في اعتكافه ناسيا أيفسد اعتكافه؟ قال: نعم ينتقض ويبتدئ وهو مثل الظهار إذا وطئ فيه. قلت: أرأيت من دخل في اعتكافه فأغمي عليه أو جن بعدما اعتكف أياما؟ فقال: إذا صح بنى على اعتكافه ووصل ذلك بالأيام التي اعتكفها، فإن هو لم يصلها استأنف ولم يبن. قلت: أتحفظه عن مالك؟ فقال: قال مالك في المغمى عليه والمجنون: أنه مرض من الأمراض وهذا مثله.

في المعتكف يقبل أو يباشر أو يلمس أو يعود مريضا أو يتبع جنازة
قلت لابن القاسم: أرأيت المعتكف إذا قبل أو لمس أيفسد ذلك اعتكافه؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: بلغني عنه في القبلة أنه قال: تنقض اعتكافه. قال ابن القاسم: واللمس عندي مثل القبلة. وحدثني سحنون عن ابن وهب عن عمرو بن قيس ويزيد بن عياض عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، أنهما سمعا عائشة تقول: السنة في المعتكف أن لا يمس امرأته ولا يباشرها، ولا يعود مريضا ولا يتبع جنازة ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة ومن اعتكف فقد وجب عليه الصوم، وكانت عائشة إذا اعتكفت فدخلت بيتها للحاجة لم تسل عن المريض إلا وهي مارة، قالت عائشة: وإن رسول الله عليه السلام لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان, من حديث الليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة وعن عائشة. قال: وحدثني سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: إن أصاب المعتكف أهله فعليه أن يستقبله وعليه أن يجلد بعقوبة، قال ابن شهاب: وإن أحدث ذنبا مما نهي عنه في اعتكافه، فإن ذلك يقطع عنه اعتكافه حتى يستقبله من أوله، وعن عطاء بن أبي رباح مثله إلا العقوبة. قال سحنون عن ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا أفطر المعتكف أعاد اعتكافه يعني

في خروج المعتكف واشتراطه
قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن المعتكف أيخرج من المسجد يوم الجمعة للغسل؟ فقال: نعم لا بأس بذلك. قال: وسئل مالك عن المعتكف تصيبه الجنابة أيغسل ثوبه إذا خرج فاغتسل؟ فقال: لا يعجبني ذلك ولكن يغتسل ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه، وإني لأحب للمعتكف أن يتخذ ثوبا غير ثوبه إذا أصابته جنابة أن يأخذه ويدع ثوبه. قال: وسألت مالكا عن المعتكف أيخرج ويشتري لنفسه طعامه إذا لم يكن له من يكفيه؟ فقال قال لي مالك مرة: لا بأس بذلك، ثم قال بعد ذلك لا أرى ذلك له، قال: وأحب إلي إذا أراد أن يدخل اعتكافه أن يفرغ من حوائجه. قلت لابن القاسم: أرأيت للمعتكف إذا خرج لحاجته المكث بعد قضاء حاجته شيئا أم لا؟ قال: لا يمكث بعد قضاء حاجته شيئا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت معتكفا أخرج في حد عليه أو خرج فطلب حدا له أو خرج يقتضي دينا له أو أخرجه غريم له، أيفسد اعتكافه في هذا كله؟ فقال: نعم، فقال: أتحفظه عن مالك؟ فقال: لا، وقال مالك: لم أسمع أن أحدا من أهل العلم يذكر أن في الاعتكاف شرطا لأحد، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال كهيئة الصلاة والصيام والحج، فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل فيه بما مضى من السنة في ذلك وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه الأمر بشرط يشترطه أو بأمر يبتدعه، وإنما الأعمال في هذه الأشياء بما مضى فيها من

السنة، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المسلمون سنة الاعتكاف. وقال مالك: المعتكف مقبل على شأنه لا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه من التجارات أو غيرها. قلت: أرأيت المعتكف يسكر ليلا ثم يذهب ذلك عنه قبل أن ينفجر الصبح، أيفسد ذلك عليه اعتكافه؟ قال: نعم. قال سحنون وحديث ابن شهاب وعطاء بن أبي رباح دليل على هذا في الذنب الذي أحدثه في اعتكافه. قال ابن وهب عن يونس عن يزيد، أنه سأل ابن شهاب عن رجل اعتكف وشرط أن يطلع إلى قريته اليوم واليومين ويطلع على أهله ويسلم عليهم أو لحاجة؟ قال: لا شرط في الاعتكاف في السنة التي مضت. قال سحنون عن ابن وهب عن محمد بن عمر، وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا يبيع المعتكف ولا يبتاع ولا بأس أن يأمر إنسانا فيقول ابتع لي كذا وكذا.

في عيادة المعتكف المرضى وصلاته على الجنائز
قال: وسألت مالكا عن المعتكف، أيصلي على الجنائز وهو في المسجد؟ فقال: لا يعجبني أن يصلي على الجنائز وإن كان في المسجد. قال ابن نافع قال مالك: وإن انتهى إليه زحام الناس الذين يصلون على الجنازة وهو في المسجد، فإنه لا يصلي عليها ولا يعود مريضا معه في المسجد إلا أن يصلي إلى جنبه فيسلم عليه. قال: وقال مالك: لا يعود المعتكف مريضا ممن هو في المسجد معه، ولا يقوم إلى رجل يعزيه بمصيبة ولا يشهد نكاحا يعقد في المسجد يقوم إليه في المسجد، ولكن لو غشيه ذلك في مجلسه لم أر بأسا. قال: ولا يقوم إلى الناكح فيهنئه، ولا بأس أن ينكح المعتكف ولا يشغل في مجالس العلم. قال: فقيل له أفيكتب العلم في المسجد؟ فكره ذلك. قال سحنون وقال ابن نافع في الكتاب: إلا أن يكون الشيء الخفيف والترك أحب إليه. قال ابن وهب عن مالك، وسئل عن المعتكف يجلس في مجلس العلماء ويكتب العلم؟ فقال: لا يفعل ذلك إلا أن يكون الشيء الخفيف والترك أحب إلي. قال سحنون عن ابن وهب عن محمد بن عمر، وعن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: لا بأس أن تنكح المرأة وهي معتكفة ويقول إنما هو كلام.

في اشتراء المعتكف وبيعه
قيل لابن القاسم: ما قول مالك في المعتكف أيشتري ويبيع في حال اعتكافه فقال: نعم، إذا كان شيئا خفيفا لا يشغله من عيش نفسه.

في تقليم المعتكف أظفاره وأخذه من شعره
قال ابن القاسم وقال مالك : لا يقص المعتكف أظفاره ولا يأخذ من شعره في المسجد، ولا يدخل إليه حجام يأخذ من شعره وأظفاره، قال فقلنا له: إنه يجمع ذلك فيحرزه حتى يلقيه؟ قال: فقال: لا يعجبني وإن جمعه، قال: ولا بأس أن يتطيب المعتكف وأن ينكح وينكح، فقيل لابن القاسم: أكان مالك يكره للمعتكف حلق الشعر وتقليم الأظفار؟ فقال: لا إلا أنه إنما كره ذلك لحرمة المسجد.

في صعود المعتكف المنار للأذان
قيل لابن القاسم: هل كان مالك يكره للمعتكف أن يصعد المنار للأذان؟ قال: نعم، قد اختلف قوله في المؤذن. قال مالك: أكره للمؤذن المعتكف أن يرقى على ظهر المسجد، قال: ولا بأس أن يعتكف في رحاب المسجد. قال: وقد اختلف قول مالك في صعود المؤذن المعتكف المنار، فقال مرة لا، ومرة قال: نعم، وجل ما قال فيه الكراهية وذلك رأيي.

في الاستثناء في اليمين بالاعتكاف
قيل لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا قال: إن كلمت فلانا فعلي اعتكاف شهر إن شاء الله ما قول مالك في ذلك؟ فقال قال مالك في ذلك: لا ثنيا في عتق ولا في طلاق ولا مشي ولا صدقة فهذا عندي مما يشبه هذا. وقال لي مالك: لا ثنيا إلا في اليمين بالله، قال فبهذا يستدل أن ثنياه في اعتكافه ليس بشيء. قيل لابن القاسم: أرأيت إن قال: إن كنت دخلت دار فلان فعلي اعتكاف شهر، فذكر أنه كان دخل هل يكون عليه في قول مالك أن يعتكف؟ فقال: نعم.

في اعتكاف العبد والمكاتب والمرأة تطلق أو يموت عنها زوجها
قلت: أرأيت من أذن لعبده أو لامرأته أو لأمته في الاعتكاف، فلما أخذوا فيه أراد قطع ذلك عليهم؟ فقال: ليس ذلك له، قيل هذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قوله. قلت: أرأيت العبد إذا جعل على نفسه الاعتكاف فمنعه سيده ثم أعتق أو أذن له سيده أيكون عليه أن يقضيه؟ قال: نعم، قيل وهذا قول مالك؟ فقال: سمعت مالكا وسئل عن أمة

في قضاء الاعتكاف
قلت لابن القاسم: أرأيت المعتكف إذا انتقض اعتكافه أعليه القضاء في قول مالك؟ قال: نعم.

في إيجاب الاعتكاف والجوار وموضع الاعتكاف
قلت لابن القاسم: ما الذي يجب به الاعتكاف في قول مالك؟ فقال: إذا دخل معتكفه ونوى أياما لزمه ما نوى، قال مالك: وإن نذر أياما يعتكفها لزمه ما نذر. قال مالك: والاعتكاف والجوار سواء، إلا من نذر مثل جوار مكة يجاور النهار وينقلب الليل إلى أهله، قال: فمن جاور هذا الجوار الذي ينقلب به الليل إلى منزله فليس عليه في

في المعتكف يموت ويوصي أن يطعم عنه
قلت: أرأيت من أوجب على نفسه اعتكافا فمات قبل أن يعتكف فأوصى أن يطعم

عنه؟ فقال: يطعم عنه في رأيي ويطعم عدد الأيام مساكين لكل مسكين مد مد. قلت: أرأيت لو أن مريضا لا يستطيع الصيام أوجب على نفسه اعتكافا أياما فمات قبل أن يصح، أيطعم عنه أم لا وقد أوصى فقال: أطعموا عني عن اعتكافي الذي نذرت إن كان قد لزمني؟ فقال: لا شيء عليه ولا يطعم عنه شيء ; لأنه لم يجب عليه شيء.

في نذر الاعتكاف
قلت: أرأيت الرجل إذا قال: لله علي أن أعتكف يوما أيكون ذلك يوما دون ليلته؟ فقال: لا وذلك أن مالكا قال: أقل الاعتكاف يوم وليلة. قال سحنون وقاله عبد الله بن عمر وذكره ابن نافع. قال ابن القاسم: بلغني ذلك عنه فسألته عنه فأنكره، وقال أقل الاعتكاف عشرة أيام ولم يره فيما دون ذلك، قال ابن القاسم: ولا أرى اعتكافا دون عشرة أيام. قلت لابن القاسم أرأيت إن قال لله علي أن أعتكف ليلة؟ فقال: عليه أن يعتكف يوما وليلة، قال: وهذا حين أوجب على نفسه الليلة وجب عليه النهار. قلت: ما قول مالك فيمن قال لله علي أن أعتكف شهرا أله أن يقطعه؟ فقال ابن القاسم: لا ليس له أن يقطعه. قلت: أرأيت إن قال لله علي أن أعتكف ثلاثين يوما أله أن يفرق ذلك في قول مالك؟ فقال: لا، قيل: ويكون عليه أن يعتكف في هذا الليل مع النهار؟ فقال: نعم. قلت: أرأيت إن قال رجل: لله علي أن أعتكف شعبان فمضى شعبان وهو مريض أو فرط فيه، أو كانت امرأة قد نذرت ذلك فحاضت في شعبان؟ قال: أما التي حاضت فإنها تصل قضاء بما اعتكفت قبل ذلك فإن لم تصل استأنفت، قال: وأما الرجل المريض فلا قضاء عليه إن تمادى به المرض حتى يخرج الشهر مثل من نذر صوما فمرضه. قال: ولقد سئل مالك عن رجل نذر حج عام بعينه أو صيام شهر بعينه، فمرضه أو حبسه أمر من الله لم يطق ذلك فيه؟ فقال: لا قضاء عليه لهما، فالاعتكاف مثله والذي فرط عليه القضاء شهرا كاملا مكان شعبان. قلت: أرأيت إن قال لله علي أن أعتكف آخر أيام التشريق؟ فقال: قال مالك: من نذر أن يصوم آخر أيام التشريق فليصمه، قال ابن القاسم: وأرى الاعتكاف بهذه المنزلة. قلت: فلو نذر أن يعتكف أيام النحر؟ قال: لا أرى عليه اعتكافا ; لأنه نذر ما قد نهى النبي عليه السلام عن صيامه، ولا اعتكاف إلا بصوم. قلت: أرأيت إن قال رجل لله علي أن أعتكف في مسجد الفسطاط شهرا فاعتكفه بمكة أيجزئه ذلك؟ قال: نعم ولا يخرج إلى مسجد الفسطاط ولا يأتيه، وليعتكف في موضعه ولا يجب على أحد أن يخرج إلا إلى مكة والمدينة وإيلياء. قلت: أرأيت إن قال الرجل لله علي أن أعتكف في مسجد الرسول شهرا أيجزئه أن يعتكف في مسجد

لفسطاط؟ فقال: لا يجزئه قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: قال مالك: من نذر أن يأتي مسجد الرسول يصلي فيه، فليأته للحديث الذي جاء فيه، قال: وهذا لما نذر الاعتكاف فيه فقد نذر أن يأتيه.

في خروج المعتكف وطعامه ودخول أهله عليه وعمله
قال سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي كانت إذا اعتكفت لا تسل عن المريض إلا وهي تمشي ولا تقف. قال مالك: ولا يأتي المعتكف حاجة ولا يخرج إليها ولا يعين أحدا أن يخرج لحاجة الإنسان، ولو كان خارجا لشيء لكان أحق ما يخرج إليه عيادة المريض والصلاة على الجنائز واتباعها قال مالك: لا يكون المعتكف معتكفا حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف من عيادة المريض والصلاة على الجنائز واتباعها ودخول البيت إلا لحاجة الإنسان، ومما يدل على ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف لم يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. قال مالك: وسألت ابن شهاب عن الرجل المعتكف هل يذهب لحاجته تحت سقف بيت؟ فقال: نعم لا بأس بذلك.

في المعتكف هل يجوز له أن يعتكف في غير
مسجد الجماعة وهل يجوز له أن يبيت في غير المسجد
قال مالك: والأمر الذي لا اختلاف فيه أنه لا ينكر الاعتكاف في كل مسجد تجمع فيه الجمعة قال: ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا تجمع فيها الجمع إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها، قال: فإن كان مسجدا لا تجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأسا في الاعتكاف فيه ; لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فعم الله المساجد كلها ولم يخص منها شيئا. قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا تجمع فيها الجمعة: إذا كان لا يجب عليه أن يخرج إلى المساجد التي تجمع فيها الجمع. وقال مالك: لا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه، إلا أن يكون خباؤه في رحبة من رحاب، المسجد، وقال مالك: ومما يدل على ذلك، أنه لا يبيت إلا في المسجد قول عائشة: أن النبي كان إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. قال ابن القاسم قال مالك: وسألت ابن

في المعتكف يخرجه السلطان لخصومة أو لغير ذلك كارها
قال ابن نافع وقال مالك في المعتكف: إن أخرجه قاض أو إمام لخصومة أو لغير ذلك كارها، فأحب إلي أن يستأنف اعتكافه وإن بنى على ما مضى من اعتكافه أجزأ ذلك عنه، ولا ينبغي للقاضي ولا للإمام أن يخرج معتكفا لخصومة ولا لغير ذلك حتى يفرغ من اعتكافه، إلا أن يتبين للإمام أنه إنما اعتكف للواذ فرارا من الحق فيرى في ذلك رأيه. قال ابن نافع: وسئل مالك عن المعتكف أيدخل الأسواق ليشتري ما يصلحه من عشائه ومما لا بد له منه؟ فقال: لا يخرج المعتكف من المسجد ليشتري طعاما ولا غير ذلك، ولكنه يعد قبل أن يدخل ما يصلحه. قال: ولا أرى للذي لا يقوى أن يعتكف ولا يعتكف إلا من كان مكفيا حتى لا يخرج إلا لحاجة الإنسان لغائط أو لبول، فإن اعتكف وهو غير مكفي فلا أرى بذلك بأسا أن يخرج يشتري طعامه ثم يرجع ولا يقف مع أحد ولا يحدثه. قال مالك: والمعتكف مشتغل باعتكافه ولا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه من التجارات أو غيرها، ولا بأس أن يأمر المعتكف بضيعته وضيعة أهله ومصلحته وبيع ماله أو شيء لا يشغله في نفسه، كل ذلك لا بأس به إذا كان خفيفا أن يأمر بذلك من يكفيه إياه. قال مالك: ولم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أحدا من سلف هذه الأمة ولا ابن المسيب، ولا أحدا من التابعين ولا أحدا ممن أدركت ممن أقتدي به اعتكف، ولقد كان ابن عمر من المجتهدين وأقام زمانا طويلا فلم يبلغني أنه اعتكف، إلا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ولست أرى الاعتكاف حراما فقيل لم تراهم تركوه؟ فقال: أراه لشدة الاعتكاف عليهم ; لأن ليله ونهاره سواء. وقد نهى رسول الله عن الوصال، فقالوا له إنك تواصل؟ فقال: "إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني1". وقد قالت عائشة حين ذكرت القبلة عن رسول الله وهو صائم فقالت: وأيكم أملك لإربه من رسول الله، وأنهم لم يكونوا يقوون من ذلك على ما كان يقوى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال مالك: أكره للمعتكف أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته، ولكن ليتخذ مخرجا في غير بيته وداره قريبا من المسجد، وذلك أن خروجه إلى بيته ذريعة إلى النظر إلى امرأته وأهله وإلى النظر في ضيعته ليشتغل بهم، وقد كان من مضى ممن كان يعتكف ممن يقتدى به يتخذ بيتا قريبا من المسجد سوى بيته، فأما الرجل
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 49, 50. مسلم في كتاب الصيام حديث 61,60,58,57. الترمذي في كتاب الصوم باب 61. الدارمي في كتاب الصوم باب 14. أحمد فمسنده "2/257,244,237,231,23". "4/314" "5/364" "6/126".

القريب المجتاز فإنه إذا اعتكف خرج لحاجته حيث تيسر عليه، ولا أحب له أن يتباعد، وكان أبو بكر بن عبد الرحمن اعتكف فكان يذهب لحاجته تحت سقيفة في حجرة مغلقة في دار خالد بن الوليد، ثم لا يرجع حتى يشهد العيد يوم الفطر مع المسلمين. قال: وبلغني ذلك عن بعض أهل الفضل الذين مضوا، أنهم لا يرجعون حتى يشهدوا العيد مع الناس وهو الذي أرى، فقيل لمالك: أيذهب إلى بيته فيلبس ثيابه؟ قال: لا ولكن يؤتى بثيابه إلى المسجد. قال ابن وهب قال مالك: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حين يعتكف في وسط الشهر يرجع إلى أهله حين يمسي من اعتكافه، قال: وإنما يجلس حتى يصبح من اعتكف في العشر الأواخر، وتلك السنة أن يشهد العيد من مكانه ثم يرجع إلى أهله. قال: وقال مالك في حديث أبي سعيد الخدري في الاعتكاف: إن ذلك يعجبني وعلى ذلك رأيت أمر الناس، أن يدخل الذي يريد الاعتكاف في العشر الأواخر حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ويصلي المغرب فيه، ثم يقيم فيخرج حتى يفرغ من العيد إلى أهله وذلك أحب الأمر إلي فيه. قال: وسئل مالك عن المعتكف، أتأتيه امرأته في المسجد فتأكل معه وتحدثه وتصلح رأسه؟ فقال قال مالك: لا أرى بذلك بأسا ما لم يمسها أو يتلذذ بشيء منها وذلك في الليل والنهار، قال: وحدثنا سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. وقال مالك: لا بأس أن يتحدث المعتكف مع من يأتيه من غير أن يكثر. قال سحنون وقال ابن نافع: إن كان المعتكف حكما فلا أرى أن يحكم بين أحد وهو معتكف إلا بالشيء الخفيف. قال سحنون قال ابن نافع: وسئل مالك عن المعتكف يدخل البيت لحاجة الإنسان فتلقاه صبيه فيقبله أو يشرب ماء وهو قائم؟ قال مالك: لا أحب ذلك له وأجوز أن يكون من ذلك من سعة. وقال مالك: أكره للمعتكف أن يخرج من المسجد فيأكل ويشرب بين يدي الباب، ولكن ليأكل في المسجد فإن ذلك له واسع. قال سحنون قال ابن القاسم: وسئل مالك عن المعتكف يكون بيته قريبا من المسجد جدا أفيأكل فيه؟ قال: لا يأكل المعتكف ولا يشرب إلا في المسجد، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان لغائط أو بول، فقيل له: أيأكل في رحبة المسجد؟ فقال: نعم رحبة المسجد متصلة بالمسجد يصلي فيها، فقيل له أفوق ظهر المسجد؟ فقال: لا يأكل المعتكف فوق ظهر المسجد ولا يقبل فوقه. قال سحنون: قال ابن وهب. قلت لمالك: أفيقيم المعتكف المؤذن الصلاة مع المؤذنين أصحابه؟ فكره ذلك وقال: إنه يقيم الصلاة

ثم يمشي إلى الإمام وذلك عمل. قال سحنون قال ابن نافع، وقال مالك: لا يمشي المعتكف إلى ناس في المسجد ليصلح بينهم، ولا لينكح امرأة هو لنفسه ولا لينكحها غيره، فإن جاءوه في معتكفه فنكح أو أنكح أو أصلح بين قوم فلا بأس إذا كان خفيفا.
انتهى كتاب الاعتكاف بحمد الله وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين

وهذا ما جاء في ليلة القدر
قال سحنون وقال ابن وهب قال مالك: وسمعت من أثق به يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله وما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم من طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر. قال مالك: وبلغني أن ابن المسيب كان يقول: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها. قال سحنون: قال ابن وهب ومالك في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: "التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة1" . قال: أرى والله أعلم أنه أراد بالتاسعة من العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين، وبالسابعة ليلة ثلاث وعشرين، وبالخامسة ليلة خمس وعشرين. قال وحدثنا سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان2. قال حدثنا عن ابن القاسم عن مالك عن أبي النضر، أن عبد الله بن أنيس الجهني قال: يا رسول الله إني رجل شاسع الدار فمرني بليلة أنزل بها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان3".
وهما قد تم كتاب الصيام والاعتكاف وليلة القدر بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الإعتكاف حديث 13: زياد عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى اله عليه وسلم في رمضان فقال: إني أريت هذه الليلة في رمضان حتى تلاحى رجلان فرفعت, فلتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة. ورواه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر باب 4.
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب الإعتكاف حديث 10: زياد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ". ورواه البخاري في كتاب ليلة القدر باب 3. ومسلم في كتاب الصيام باب 219.
3 رواه مالك في الموطأ في كتاب الإعتكاف حديث 12. ومسلم في كتاب الصيام حديث 218.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وسلم
كتاب الزكاة الأول

في زكاة الذهب والورق
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: ما قول مالك فيما زاد على المائتين من الدراهم أيؤخذ منه فيما قل أو كثر بحساب ذلك؟ فقال: نعم ما زال على المائتين قل أو كثر ففيه ربع عشره.
قلت: فما قول مالك في رجل له عشرة دنانير ومائة درهم؟ فقال: عليه الزكاة. قلت: فما قوله في رجل له مائة درهم وتسعة دنانير قيمة التسعة دنانير مائة درهم؟ فقال: لا زكاة عليه فيها، قال: وقال مالك: إنما ينظر في هذا إلى العدد إذا تكافأ كل دينار بعشرة دراهم قلت الدنانير أو كثرت، إنما يجعل كل دينار بعشرة دراهم على ما كانت عليه الدراهم في الزمان الأول، فإن كانت تسعة دنانير وعشرة دراهم ومائة درهم وجبت فيها الزكاة، فأخذ من الفضة ربع عشرها ومن الدنانير ربع عشرها وهكذا جميع هذه الوجوه، ولا تقام الدنانير بالدراهم قال سحنون قال أشهب: وإن زكاة العين يجمع فيها الذهب والفضة كما يجمع في زكاة الماشية الضأن إلى المعز والجواميس إلى البقر، والبخت إلى الإبل العراب، قال سحنون: وهي في البيع أصناف مختلفة ولكنها تجمع في الزكاة. قال: والعشرة دراهم بالدينار أبدا، والدينار بعشرة دراهم في الزكاة أبدا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق زكاة1". والأوقية من الفضة أربعون درهما، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين دينارا "نصف دينار", فعلم أن الدينار بعشرة دراهم سنة ماضية.قال: وقال مالك: من كان عنده دنانير وتبر مكسور. يكون وزن التبر عشرين دينارا كانت فيه الزكاة وأخذ من الدنانير عشرها ومن التبر كذلك وكذلك الدراهم والتبر. قال: وقال مالك: من كان له دنانير وجبت فيها الزكاة، فأراد أن يخرج ما وجب عليه من
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 2: عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة, وليس دون خمس أواق من الورق صدقة, وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ". ورواه البخاري في كتاب الزكاة باب 42.

زكاة الدنانير دراهم بقيمتها فلا بأس بذلك. قلت: أرأيت الدنانير تكون عند الرجل عشرة دنانير فيتجر فيها فتصير عشرين دينارا بربحها قبل الحول بيومين، أيزكيها إذا حال الحول؟ قال: نعم. قلت: ولم وليس أصل الدنانير نصابا؟ قال ; لأن ربح الدنانير ههنا من المال بمنزلة غذاء الغنم منها التي ولدتها، ولم يكن أصلها نصابا فوجبت فيها الزكاة بالولادة، فكذلك هذه الدنانير تجب فيها الزكاة بالربح فيها. قلت: فإن كانت له عشرة دنانير حال عليها الحول عنده فاشترى بخمسة منها سلعة وأنفق الخمسة الباقية. ثم باع السلعة بعد ذلك بأيام أو بعد سنة أو سنتين بخمسة عشر دينارا؟ قال: إنه يزكي الخمسة عشر دينارا نصف دينار، وإنما ذلك بمنزلة رجل كانت له عشرون دينارا فأقرضها رجلا ثم اقتضى منها خمسة بعد سنة، ثم اقتضى الخمسة عشر الباقية بعد ذلك بأيام أو سنة أو سنتين، فإنه يزكيها ساعة يقتضيها نصف دينار. قلت: فإن أنفق خمسة من العشرة ثم اشترى سلعة بالخمسة الباقية فباعها بعد أيام أو بعد سنين بخمسة عشر دينارا؟ فقال: لا شيء عليه حتى يبيعها بعشرين دينارا.
قال سحنون: وقد احتج من يخالف في هذه العشرة التي حال عليها الحول فاشترى سلعة بخمسة وأنفق خمسة، أو أنفق خمسة واشترى سلعة بخمسة وباعها بخمسة عشر، إن ذلك كله سواء ; لأنه مال واحد وأصل واحد حال على جميعه الحول، ولو كانت العشرة لم يحل عليها الحول حتى اشترى بخمسة منها سلعة ثم أنفق الخمسة، أو أنفق الخمسة ثم اشترى بالخمسة الباقية سلعة لم يكن عليه في ثمن السلعة شيء إلا أن يبيعها بعشرين ; لأن ما أنفق قبل الحول لا يحسب فكما لا يحسب ما أنفق قبل الحول فكذلك لا يترك أن يحسب ما أنفق بعد الحول قبل الشراء أو بعد الشراء. قال: وسألت مالكا عن الذهب يكون للرجل عشرة دنانير فيبيعها بعدما حال عليها الحول بمائتي درهم هل ترى فيها زكاة؟ فقال: نعم ساعة إذ ولا يؤخر ذلك، قال أشهب: وإنما ذلك بمنزلة رجل كانت عنده ثلاثون ضائنة حلوبا، أو عشرون من الجواميس أو أربعة من البخت، فباع الضأن بعد الحول وقبل أن يأتيه المصدق بأربعين من المعز وهي من غير ذوات الدر، أو باع الجواميس بثلاثين من البقر أو باع البخت بخمسة من العراب، فإن الساعي يأخذ الزكاة منها ; لأنها إبل كلها وبقر كلها وغنم كلها، وسنتها في الزكاة أن لا يفرق بينها وإن كانت في البيوع مختلفة. قال أشهب عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صدقة في شيء من الزرع والنخل والكرم حتى يكون بخمسة أوسق ولا في الرقة حتى تبلغ مائتي درهم". قال أشهب عن

ابن لهيعة عمن أخبره عن صفوان بن سليم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في كل مائتي درهم خمسة دراهم وفي كل عشرين مثقالا ذهبا نصف مثقال". قال ابن وهب، وأخبرني جرير بن حازم الأزدي والحارث بن نبهان عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق الهمداني عن عاصم بن ضمرة، والحارث الأعور عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "هاتوا إلي ربع العشر من كل أربعين درهما درهما وليس عليك شيء حتى يكون لك مائتا درهم، فإذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك". قال: فلا أدري أعلي يقول بحساب ذلك أم رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أن جريرا قال: في الحديث عن النبي: "وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول" . قال ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: في كل مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك. قال ابن مهدي وذكر سفيان وشعبة عن المغيرة عن إبراهيم بمثل قول علي فيما زاد.

في المال يشتري به صاحبه بعد الحول قبل أن يؤدي زكاته
قال: وقال مالك: ولو أن رجلا كانت عنده عشرون دينارا فحال عليها الحول فابتاع بها سلعة ولم يكن أخرج زكاتها فأقامت السلعة بعد الحول عنده حتى حال عليها حول آخر ثم باعها بأربعين دينارا بعد الحول، قال: يزكي عشرين دينارا للسنة الأولى نصف دينار، ثم يزكي للسنة الثانية تسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار. قلت: ولم لا يزكي الأربعين كلها للسنتين؟ فقال: لا ; لأن المال إذا أخذ منه نصف دينار نقص، فإنما يزكي ما بعد نقصانه ; لأن النصف حين أعطاه المساكين فكأنه إنما أعطاه حين حال عليه الحول، فصارت عليه الزكاة فيما بقي للسنة الثانية. قال أشهب: وإن كان عنده عرض يكون قيمته نصف دينار أو أكثر، زكى الأربعين للسنة الأولى دينارا أو زكى للحول الأول نصف دينار ; لأن التفريط يحسب عليه شبه الدين وله عرض يحتمل دينه. قال: وقال لي مالك: وإن اشترى سلعة بالعشرين دينارا بعد الحول ولم يكن زكى العشرين حتى مضى الحول، ثم باع السلعة بعد ذلك بستة أشهر بثلاثين دينارا؟ فقال: لا زكاة عليه إلا في العشرين الدينار، ويستقبل بالتسعة والعشرين الدينار والنصف حولا من يوم حال الحول على العشرين. قلت: أرأيت لو كانت لرجل مائة دينار وحال عليها الحول فاشترى بها خادما فمات الخادم أعليه الزكاة في الدنانير؟ فقال: نعم ; لأنه حين اشترى الخادم بعدما حال

الحول على المائة ضمن الزكاة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن حال الحول وهي عنده ففرط في زكاتها حتى ضاعت؟ قال: عليه الزكاة وإن كان لم يفرط فلا زكاة عليه فيها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

زكاة الحلي
قال: وقال مالك في كل حلي هو للنساء اتخذته للبس. فلا زكاة عليهن فيه، قال فقلنا لمالك: فلو أن امرأة اتخذت حليا تكريه فتكتسب عليه الدراهم مثل الجيب وما أشبهه تكريه للعرائس لذلك عملته؟ فقال: لا زكاة فيه. قال: وما انكسر من حليهن فحبسنه ليعدنه أو ما كان للرجل فلبسه أهله وأمهات أولاده وخدمه والأصل له، فلا زكاة عليه فيه وما انكسر منه مما يريد أن يعيده لهيئته فلا زكاة فيه عليه. قال: وما ورث الرجل من أمه أو من بعض أهله من حلي، فحبسه للبيع أو لحاجة إن احتاج إليه يرصده. لعله يحتاج إليه في المستقبل ليس يحبسه للبس؟ فقال: أرى عليه فيما فيه من الذهب والورق الزكاة إن كان فيه ما يزكي، أو كان عنده من الذهب والورق ما تتم به الزكاة، قال: ولا أرى عليه في حلية السيف والمصحف والخاتم زكاة. قال: وقال مالك فيمن اشترى حليا للتجارة وهو ممن لا يدير التجارة، فاشترى حليا فيه الذهب والفضة والياقوت والزبرجد واللؤلؤ فحال عليه الحول وهو عنده، فقال: ينظر إلى ما فيه من الورق والذهب فيزكيه. ولا يزكي ما كان فيه من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت حتى يبيعه، فإذا باعه زكاه ساعة يبيعه إن كان قد حال عليه الحول، قال: وإن كان ممن يدير ماله في التجارات إذا باع اشترى قوم ذلك كله في شهره الذي يقوم فيه ماله، فزكى لؤلؤه وزبرجده، وياقوته وجميع ما فيه. إلا التبر الذهب والفضة، فإنه يزكي وزنه ولا يقومه. وقد روى ابن القاسم وعلي بن زياد وابن نافع أيضا: إذا اشترى رجل حليا أو ورثه فحبسه للبيع كلما احتاج إليه باع وللتجارة زكاه. قال وروى أشهب فيمن اشترى حليا للتجارة معهم وهو مربوط بالحجارة ولا يستطيع نزعه: فلا زكاة عليه فيه حتى يبيعه، وإن كان ليس بمربوط فهو بمنزلة العين يخرج زكاته في كل عام. وقال أشهب وابن نافع في روايتهما: أنه بمنزلة العرض يشترى للتجارة، وهو ممن يدير أو لا يدير يزكي قيمة في الإدارة ويزكي ثمنه إذا باع زكاة واحدة إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة إذا كان ممن لا يدير. قلت: فإن كان ممن يدير ماله في التجارة فاشترى آنية من آنية الفضة أو الذهب وزنها أقل من قيمتها، أيزكي قيمتها أم ينظر إلى وزنها؟ فقال: ينظر إلى وزنها ولا ينظر إلى قيمتها. قلت: وإن كانت قيمة هذه الآنية ألف درهم للصياغة التي فيها ووزنها خمسمائة درهم؟ فقال: إنما ينظر إلى وزنها ولا

ينظر إلى الصياغة. قلت: فهل تحفظ هذا عن مالك؟ قال: قال مالك: كل من اشترى حليا للتجارة ذهبا أو فضة فإنه يزنه ويخرج ربع عشره ولم يقل يقومه. قال ابن القاسم، ومما يدلك على هذا أنه لو اشترى إناء مصوغا فيه عشرة دنانير وقيمته بصياغة عشرون دينارا ولا مال له غيره فحال عليه الحول، إنه لا زكاة عليه فيه إلا أن يبيعه بما تجب فيه الزكاة، فإن باعه بما تجب فيه الزكاة وقد حال على الإناء عنده الحول زكاه ساعة يبيعه ; لأن هذا عندي بمنزلة ما لا تجب فيه الزكاة فحال عليه الحول فربح فيه فباعه بما تجب فيه الزكاة فإنه يزكيه مكانه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال مالك: إن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه القاسم بن محمد: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة1. قال أشهب عن سليمان بن بلال: أن يحيى بن سعيد حدثه أن إبراهيم بن أبي المغيرة أخبره أنه سأل القاسم بن محمد عن زكاة الحلي؟ فقال القاسم: ما أدركت وما رأيت أحدا صدقه. قال ابن وهب قال يحيى: فسألت عمرة عن صدقة الحلي؟ فقالت: ما رأيت أحدا يصدقه ولقد كان لي عقد قيمته اثنتا عشرة مائة فما كنت أصدقه. قال أشهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية، حدثه عن ربيعة أن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك كانا يقولان: ليس في الحلي زكاة إذا كان يعار وينتفع به. قال أشهب قال ابن لهيعة، وأخبرني عميرة بن أبي ناجية عن زريق بن حكيم أنه قال: كان عندي حلي فسألت ابن المسيب عن زكاته؟ فقال: إن كان مصوغا يلبس فزكه. قال أشهب عن ابن لهيعة، وأخبرني خالد بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: ليس في الحلي زكاة إذا كان يعار ويلبس وينتفع به. قال أشهب عن المنذر بن عبد الله، أن هشام بن عروة حدثه عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت عميس، أنه كان لها حلي فلم تكن تزكيه. قال هشام: ولم أر عروة يزكي الحلي. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب وربيعة وعمرة ويحيى بن سعيد وغيره، قالوا: ليس في الحلي زكاة. قال ابن مهدي عن هشام عن قتادة عن سعيد والحسن وعمر بن عبد العزيز قالوا: زكاة الحلي أن يعار ويلبس. ابن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: إن كان الحلي إذا كان يوضع كنزا، فإن كان مال يوضع كنزا ففيه الزكاة وأما حلي تلبسه المرأة فلا زكاة فيه.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 10.

في زكاة أموال العبيد والمكاتبين
قلت: ما قول مالك في أموال المكاتبين والعبيد وأمهات الأولاد، أعليهم صدقة في

عبيدهم وفي حروثهم وفي ناضهم وفيما يديرون للتجارة زكاة؟ فقال: لا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قول مالك. قال: وقال مالك: ليس عليهم إذا عتقوا وأموالهم في أيديهم زكاة، حتى يحول الحول على أموالهم التي في أيديهم من يوم عتقوا. قال: وقال مالك: ليس في مال العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد والمدبرة زكاة، لا في أموالهم ولا في مواشيهم ولا في حروثهم. قال: وقال مالك: ليس في أموال العبد زكاة لا على السيد ولا على العبد. قلت: أرأيت إن قبض الرجل مال عبده، أيزكيه مكانه أم حتى يحول الحول عليه؟ فقال: لا زكاة على السيد فيه حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه. قلت: وهذا قول مالك. قال: نعم. قلت: أرأيت المكاتب أعليه عشر فيما أخرجت الأرض؟ قال: لا. قلت وليس عليه في شيء من الأشياء زكاة؟ قال: نعم، قال مالك: ليس عليه في شيء من الأشياء زكاة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قوله. قلت: فهل يؤخذ من عبيد المسلمين إذا اتجروا أو مكاتبيهم الزكاة؟ فقال: لا. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت العبد أو المكاتب أيكون في شيء من أموالهم الزكاة في ماشية أو في حرث أو في ناض في قول مالك؟ فقال: لا قال ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: ليس على العبد ولا على المكاتب زكاة في أموالهما. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبد الله وسليمان بن يسار وابن شهاب وعطاء بن أبي رباح وعبد الرحمن الأعرج وعمر بن عبد العزيز، ويحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي سلمة وابن قسيط مثله، وحدثني عن ابن مهدي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: ليستأذن مولاه فإن أذن له زكاه. قال: ابن مهدي عن صخر بن جويرية عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: ليس على العبد في ماله زكاة، ولا يصلح له أن يعطي شيئا من ماله إلا بإذن سيده، ولا يتصدق إلا أن يأكل بالمعروف أو يكتسي أو ينفق على أهله إن كان له أهل. قال ابن مهدي وأخبرني رجال من أهل العلم، أن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب أنهم قالوا: ليس على المكاتب في ماله زكاة. قال ابن مهدي. قال أبو عوانة عن أبي الجهم أنه سأل ابن المسيب فقال: لا، ثم سألت ابن جبير فقال: لا، فقلت إن عنده وفاء وفضلا؟ فقال: وإن كان عنده فضل من ذا وأشار بيده يعني ما بين السماء والأرض. قال ابن مهدي عن سفيان الثوري عن عمرو بن ميمون عن أبيه، أن جدته مرت على مسروق بالسلسلة وهي مكاتبة فلم يأخذ منها شيئا.

في زكاة مال الصبيان والمجانين
قلت: هل في أموال الصبيان والمجانين زكاة؟ قال: سألت مالكا عن أموال الصبيان فقال: في أموالهم الصدقة وفي حروثهم وفي ناضهم وفي ماشيتهم وفيما يديرون للتجارة. قال ابن القاسم: والمجانين عندي بمنزلة الصبيان. قال أشهب عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اضربوا بأموال اليتامى" , أو قال: "اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة1". قال أشهب عن مالك بلغني أن عمر بن الخطاب قال: مثل ذلك سواء. ابن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب: أن عمر بن الخطاب قاله أشهب عن مالك وسفيان بن عيينة، أن عبد الرحمن بن القاسم حدثهما عن أبيه أنه قال: كانت عائشة تليني أنا وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة2. قال أشهب عن سليمان بن بلال، أن عبد الرحمن بن الحارث حدثه أنه سمع القاسم بن محمد يقول: كنا يتامى في حجر عائشة وكانت لنا عندها أموال، فكانت تقارض أموالنا فتخرج من ربح أموالنا الزكاة. قال أشهب عن الليث، إن نافعا حدثه. أن ابن عمر كان يكون عنده أموال لليتامى فيخرج زكاة أموالهم من أموالهم. قال أشهب قال أبو الزناد، وحدثني الثقة أن ابن عمر أتى بمال يتيم من أخواله من بني جمح وهو موسى بن عمر بن قدامة، فأبى أن يقبله إلا أن يكون يؤدي زكاة ماله كل عام فأبوا فأبى. قال ابن وهب عن يزيد بن عياض عن عمرو بن شعيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اضربوا لليتامى في أموالهم ولا تضعوها فتذهب بها الزكاة", قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وربيعة وعطاء كانوا يقولون ذلك، تخرج من مال اليتيم الزكاة. قال ابن وهب عن أشهب عن ابن لهيعة أن سليمان بن يسار وابن شهاب قالا في مال المجنون الزكاة. قال ابن مهدي عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن لأبي رافع، قال: باع لنا علي بن أبي طالب أرضا بثمانين ألفا فأعطاناها فإذا هي تنقص فقال إني كنت أزكيها. قال ابن مهدي عن شعبة بن الحجاج، أن الحكم قال: ولي علي بن أبي طالب مال ابن أبي رافع فكان يزكيه. قال ابن مهدي عن أبي عوانة عن الحكم بن عيينة أن عمر وعليا وعائشة كانوا يزكون أموال اليتامى. قال ابن مهدي عن إسرائيل بن يونس عن عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد قال: قال عمر بن الخطاب: اتجروا بأموال اليتامى وأعطوا صدقتها.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة جديث 12: عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكله الزكاة. ورواه الترمذي في كتاب الزكاة باب 15.
2 رواه مالك في الموطأ فيكتاب الزكاة حديث 13.

زكاة السلع
قال: وقال مالك : إذا كان الرجل إنما يشتري النوع الواحد من التجارة أو الأنواع

وليس ممن يدير ماله في التجارة، فاشترى سلعة أو سلعا كثيرة يريد بيعها فبارت عليه ومضى الحول فلا زكاة عليه فيها، وإن مضى لذلك أحوال حتى يبيع فإذا باع زكى زكاة واحدة، وإنما مثل هذا مثل الرجل يشتري الحنطة في زمان الحصاد فيريد البيع في غير زمان الحصاد ليربح فتبور عليه فيحسبها فلا زكاة عليه فيها. وقال علي بن زياد قال مالك: الأمر عندنا في الرجل يكون له عند الناس من الدين ما تجب فيه الزكاة فيغيب عنه سنين ثم يقبضه، أنه ليس عليه فيه إذا قبضه إلا زكاة واحدة، قال والدليل على ذلك أنه ليس على الرجل في الدين يغيب عنه سنين ثم يقبضه إنه ليس عليه إلا زكاة واحدة، وفي العروض يبتاعها للتجارة فيمسكها سنين ثم يبيعها إنه ليس عليه إلا زكاة واحدة، إنه لو وجب على رب الدين أن يخرج زكاته قبل أن يقبضه لم يجب عليه أن يخرج في صدقة ذلك الدين إلا دينا يقطع به لمن يلي ذلك على الغرماء يتبعهم به إن قبض كان له وإن تلف كان منه، من أجل أن السنة أن تخرج صدقة كل مال منه، ولا على رب العرض أن يخرج في صدقته إلا عرضا ; لأن السنة أن تخرج صدقة كل مال منه، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الزكاة في العين والحرث والماشية فليس في العروض شيء حتى تصير عينا". قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت عنده دابة للتجارة فاستهلكها رجل فضمن قيمتها فأخذ منه رب الدابة سلعة بقيمتها التي وجبت له، أيكون عليه في قيمة هذه السلعة التي للتجارة الزكاة؟ فقال: إن كان نوى بالسلعة التي أخذ التجارة، زكى ثمنها ساعة بيعها إن كان الحول قد حال على أصل هذا المال من يوم زكى أصل هذا المال وهو ثمن الدابة المستهلكة، وإن كان حين أخذ السلعة بقيمة الدابة المستهلكة لم ينو بها التجارة ونوى بها القنية فلا شيء عليها فيها، قال: وإن باعها حتى يحول الحول على ثمنها من يوم باعها، وإن كان أخذ في قيمة الدابة المستهلكة دنانير أو دراهم وقد حال الحول على الأصل، زكى الدنانير والدراهم ساعة يقبضها، وإن لم يكن حال الحول ثم اشترى بتلك الدنانير والدراهم سلعة فإن نوى بها التجارة فهي للتجارة، وإن نوى بها حين اشتراها القنية فهي على القنية لا زكاة عليه في ثمنها إذا باعها حتى يحول على ثمنها الحول. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: قول مالك في البيع مثل هذا، ورأيت أنا هذه المسألة في الاستهلاك مثل قول مالك في البيع.
قلت: فلو أن رجلا كانت عنده سلعة للتجارة فباعها بعدما حال عليها الحول بمائة دينار؟ فقال: إذا قبض المائة زكاها مكانه. قلت: فإن أخذ بالمائة قبل قبضها ثوبا قيمته عشرة دنانير؟ فقال: لا شيء عليه في الثوب حتى يبيعه. قلت: فإن باع الثوب بعشرة دنانير؟ قال: لا شيء عليه فيها وقد سقطت الزكاة عنه إلا أن يكون له مال قد جرت فيه

الزكاة إذا أضافه كان فيهما الزكاة. قلت: فإن باعها بعشرين دينار؟ فقال: يزكي يخرج ربع عشرها نصف دينار. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت عبدا اشتراه رجل للتجارة فكاتبه فمكث عنده سنين يؤدي فاقتضى منه مالا، ثم عجز فرجع رقيقا فباعه مكانه أيؤدي من ثمنه زكاة التجارة أم هو لما رجع إليه رقيقا صار فائدة؟ فقال: إذا عجز ورجع رقيقا رجع على الأصل فكان للتجارة ولا تنقض الكتابة ما كان ابتاعه له ; لأن ملكه لم يزل عليه، وإنما مثل ذلك عندي مثل ما لو أنه باع عبدا له من رجل فأفلس المشتري، فأخذ عبده أو أخذ عبدا من غريمه في دينه فإنه يرجع على الأصل ويكون للتجارة كما كان. قال: وكذلك لو أن رجلا اشترى دارا للتجارة فأجرها سنين ثم باعها بعد ذلك، فإنها ترجع إلى الأصل ويزكيها على التجارة ساعة يبيع قلت: أرأيت الرجل يتكارى الأرض للتجارة ويشتري الحنطة فيزرعها يريد بذلك التجارة؟ قال: قال مالك في هذا: إذا اكترى الرجل الأرض واشترى حنطة فزرعها يريد بذلك التجارة، فإذا حصد زرعه أخرج منه العشر إن كان مما يجب فيه العشر، أو نصف العشر إن كان مما يجب فيه نصف العشر، فإن مكثت الحنطة عنده بعدما حصده وأخرج منه زكاة حصاده حولا ثم باعه، فعليه الزكاة يوم باعه، وإن كان باعه قبل الحول فلا زكاة عليه فيه حتى يحول الحول عليه من يوم أدى زكاة حصاده، قال: وإن كان تكارى الأرض وزرعها بطعامه، فحصده وأدى زكاته حين حصده ورفع طعامه فأكل منه وفضلت منه فضلة فباعها، كانت فائدة ويستقبل بها حولا من يوم نض الثمن في يديه. قال: وإن كانت الأرض له فزرعها للتجارة، فإنه إذا رفع زرعه وحصده زكاه مكانه ولم يكن عليه إذا باع في ثمنه زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم قبض ثمنه قلت: أرأيت من اكترى أرضا للتجارة فاشترى حنطة وهو ممن يدير التجارة فزرع الأرض، أيكون عليه عشر ما أخرجت الأرض؟ فقال: نعم. قلت: فإن هو أخرج عشر ما أخرجت الأرض فحال عليه الحول أيزكي زكاة التجارة وهو ممن لا يدير ماله في التجارة؟ فقال: لا حتى يبيع الحنطة بعد الحول، فإذا باع زكى الثمن مكانه. قلت: فمن أين تحسب السنة أمن يوم اشترى الحنطة للتجارة واكترى الأرض أو من يوم أدى زكاة الزرع؟ فقال: من يوم أدى زكاة الزرع. قلت: فإن هو باع الحنطة من قبل أن يحول عليها الحول من يوم أدى زكاة عشر ما أخرجت الأرض؟ فقال: ينتظر به حتى تأتي السنة من يوم أخرج العشر. قلت: فإن كان هذا يدير ماله في التجارة؟ فقال: إذا رفع زرعه زكى العشر ويستقبل من يوم زكى الزرع سنة كاملة، فإذا جاءت السنة فإن كان له مال سوى هذا الناض ناض في سنته هذه زكى هذه الحنطة، وإن لم يبعها وهذا مخالف للذي لا يدير ماله ; لأن الذي يدير ماله هذه الحنطة في يده للتجارة

وعنده مال ناض غير هذه الحنطة فلما حال الحول على هذه الحنطة لم يكن له بد من أن يقوم هذه الحنطة قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى عروضا للتجارة فبدا له، فجعل ذلك لجمال بيته واقتناه أتسقط عنه زكاة التجارة؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: إن بار عليه العرض ولم يخلص إليه ماله فليس عليه صدقة حتى يخلص إليه، وإنما فيه إذا خلص العرض والدين صار عينا ناضا صدقة واحدة. وقال عطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد مثل قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن.

في زكاة الذي يدير ماله
قال: وقال مالك: إن كان رجل يدير ماله في التجارة، فكلما باع اشترى مثل الحناطين والبزازين والزياتين ومثل التجار الذين يجهزون الأمتعة وغيرها إلى البلدان، قال: فليجعلوا لزكاتهم من السنة شهرا، فإذا جاء ذلك الشهر قوموا ما عندهم مما هو للتجارة وما في أيديهم من الناض فزكوا ذلك كله، قال: فقلت لمالك: فإن كان له دين على الناس؟ قال: يزكيه مع ما يزكي من تجارته يوم يزكي تجارته إن كان دينا يرتجى اقتضاؤه، قال فقلت له: فإن جاءه عام آخر ولم يقتضه؟ فقال: يزكي أيضا ومعنى قوله في ذلك، أن العروض والدين سواء ; لأن العروض لو بارت عليه وهو ممن يقوم يريد يدير التجارة زكى العرض السنة الثانية، فالدين والعرض في هذا سواء فلو لم يكن على الدين شيء في السنة الثانية لم يكن على العرض في السنة الثانية شيء ; لأنه لا زكاة في عرض على من لا يدير التجارة حتى يبيع ولا في دين حتى يقبض، فلما كان الذي يدير التجارات الذي لا يشتري إلا باع، يزكي عروضه التي عنده فكذلك يزكي دينه الذي يرتجي قضاءه قال: وقال مالك: إذا كان الرجل يدير ماله في التجارة، فجاء يومه الذي يقوم فيه وله دين من عروض أو غير ذلك على الناس لا يرجوه؟ فقال: إذا كان لا يرجوه لم يقومه وإنما يقوم ما يرتجيه من ذلك قال مالك: ويقوم الرجل الحائط إذا اشتراه للتجارة إذا كان ممن يدير ماله. قال ابن القاسم: ولا يقوم الثمر ; لأن الثمر فيه زكاة الثمر فلا يقومه مع ما يقوم من ماله، قال سحنون: لأنه غلة بمنزلة خراج الدار وكسب العبد، وإن اشترى رقابها للتجارة وبمنزلة غلة الغنم ما يكون من صوفها ولبنها وسمنها وإن كان رقابها للتجارة أو للقنية. قلت: أرأيت رجلا كان يدير ماله للتجارة ولا ينض له شيء فاشترى بجميع ما عنده حنطة، فلما جاء شهره الذي يقوم فيه كان جميع ماله الذي يتجر فيه حنطة، فقال: أنا أؤدي إلى المساكين ربع عشر هذه الحنطة كيلا ولا أقوم؟ فقال قال لي مالك: إذا كان

الرجل يدير ماله في التجارة ولا ينض له شيء إنما يبيع العرض بالعرض، فهذا لا يقوم ولا شيء عليه ولا زكاة ولا تقويم حتى ينض له بعض ماله. قال: وقال مالك: من باع العرض والعين فذلك الذي يقوم. قال سحنون، وكذلك روى ابن وهب عن مالك في الذي لا ينض له شيء إنما يبيع العرض بالعرض. قلت: أرأيت إن كان يدير ماله للتجارة فحالت عليه أحوال لا ينض له منه شيء ثم باع منها بدرهم واحد ناض؟ فقال: إذا نض مما في يديه من العروض بعد الحول وإن كان درهما واحدا، فقد وجبت فيه الزكاة ويقوم العرض مكانه حين نض هذا الدرهم فيزكيه كله. ويستقبل الزكاة من ذي قبل. قلت: فإن أتت السنة من ذي قبل وليس عنده من الناض شيء، وماله كله في العرض وقد كان في وسط السنة وفي أولها وفي آخرها قد كان ينض له، إلا أنه لما حال الحول ذلك اليوم لم يكن عنده من الناض شيء فكان جميع ما في يديه عرضا؟ قال: يقوم ويزكي ; لأن هذا قد كان يبيع في سنته بالعين والعرض. قلت: فإن هو باع من ذي قبل بالعرض ولم ينض له شيء حتى أتى الحول وجميع ما عنده عرض، أيقوم؟ فقال: لا يقوم ; لأن هذا لم ينض له شيء في سنته هذه، وإنما كان رجل يبيع العرض بالعرض فلا تقويم عليه ولا زكاة حتى ينض له مما في يديه شيء من يوم زكى إلى أن يحول الحول من ذي قبل. قلت: فإن باع بعد الحول فنض له وإن درهم واحد زكاه؟ قال: نعم. قلت: ويكون هذا اليوم الذي زكى فيه وقته، ويستقبل حولا من ذي قبل ويلغي الوقت الأول؟ فقال: نعم ; لأن مالكا قال لي: لا يقوم على من يبيع العرض بالعرض ولا ينض له شيء. قال ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه حماس: أنه كان يبيع الجلود والقرون فإذا فرغ منها اشترى مثلها، فلا يجتمع عنده أبدا ما تجب فيه الزكاة، فمر به عمر بن الخطاب وعليه جلود يحملها للبيع، فقال له: زك مالك يا حماس، فقال: ما عندي شيء تجب فيه الزكاة، فقال: قوم مالك، فقوم ما عنده ثم أدى زكاته. قال سحنون. قال عمرو بن الحارث وقال يحيى بن سعيد: إنما هذا للذي يدير ماله فلو أنه كان لا يقوم ماله لم يزك أبدا، وأما الذي تكسد سلعته فلا زكاة عليه. قال سحنون: يعني حتى يبيع، وقال: قال ذلك مالك بن أنس رضي الله عنهما.

زكاة القرض وجميع الدين
قلت: أرأيت لو أني أقرضت رجلا مائة دينار وقد وجبت علي زكاتها ولم أخرج زكاتها حتى أقرضتها، فمكثت عند الذي أقرضتها إياه سنتين ثم ردها ماذا يجب علي من زكاتها؟ فقال: زكاة عامين، وهي الزكاة التي كانت وجبت عليك وزكاة عام بعد ذلك

أيضا وهو قول مالك. قلت: أرأيت دينا لي على رجل أقرضته مائة دينار فأقام الدين عليه أعواما فاقتضيت منه دينارا واحدا، أترى أن أزكي هذا الدينار؟ فقال: لا. قلت فإن اقتضيت منه عشرين دينارا؟ فقال: تزكي نصف دينار. قلت: فإن اقتضيت دينارا بعشرين دينارا؟ فقال: تزكي من الدينار ربع عشره، قلت: فإن كان قد أتلف العشرين كلها ثم اقتضى دينارا بعدما أتلفها؟ فقال: نعم يزكيه، وإن كان قد أتلف العشرين، لأنه لما اقتضى العشرين صار مالا تجب فيه الزكاة، فما اقتضى بعد هذا فهو مضاف إلى العشرين وإن كانت العشرون قد تلفت. قلت: ولم لا يزكي إذا اقتضى ما دون العشرين؟ فقال: لأنا لا ندري لعله لا يقتضي غير هذا الدينار، والزكاة لا تكون في أقل من عشرين دينارا. قلت: أليس يرجع هذا الدينار إليه على ملكه الأول وقد حال عليه الحول، فلم لا يزكيه؟ فقال: لأن الرجل لو كانت عنده مائة دينار فمضى لها حول لم يفرط في زكاتها حتى ضاعت كلها إلا تسعة عشر دينارا لم يكن عليه فيها زكاة لأنها قد رجعت إلى ما لا زكاة فيه، فكذلك هذا الدين حين اقتضى منه دينارا قلنا لا زكاة عليك حتى تقبض ما تجب فيه الزكاة، لأنا لا ندري لعلك لا تقتضي غيره فتزكي من مال لا تجب فيه الزكاة، وإن اقتضى ما تجب فيه الزكاة زكاه ثم يزكي ما اقتضى من الدين من قليل أو كثير. قلت: أرأيت إن كانت عنده عشرون دينارا وله مائة دينار دين على الناس، أيزكي العشرين إن كان الدين قد حال عليه الحول ولم يحل على العشرين الحول؟ فقال: لا. قلت: فإن اقتضى من الدين أقل من عشرين دينارا أيزكيه مكانه؟ قال: لا. قلت: لم؟ قال: لأن العشرين التي عنده ليست من الدين وهي فائدة لم يحل عليها الحول. قلت: فإن حال الحول على العشرين التي عنده وقد كان اقتضى من الدين أقل من عشرين دينارا؟ فقال: يزكي العشرين الدينار الآن وما اقتضى من الدين جميعا. قلت: فإن كان عنده العشرون ولم يقتض من الدين شيئا حتى حال الحول على العشرين، ثم اقتضى من الدين دينارا واحدا أيزكي الدينار الذي اقتضى؟ فقال: نعم. قلت: فإن تلفت العشرون بعد الحول فاقتضى بعدها دينارا أيزكيه؟ قال: نعم. قلت: وما الفرق بين ما اقتضى من الدين وبين الفائدة جعلت ما اقتضى من الدين تجب فيه الزكاة، يزكي كل ما اقتضى بعد ذلك وإن كان الذي اقتضى أولا قد تلف وجعلته في الفائدة إن تلفت قبل أن يحول عليها الحول، ثم اقتضى من الدين شيئا لم يزكه إلا أن يكون قد اقتضى من الدين ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: لأن الفائدة ليست من الدين إنما تحسب الفائدة عليه من يوم ملكها، وما اقتضى من الدين يحسب عليه من يوم ملكه وقد كان ملكه لهذا الدين قبل سنة فهذا فرق ما بينهما. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: ولو أن رجلا كانت له مائة

دينار فأقامت في يديه ستة أشهر ثم أخذ منها خمسين دينارا فابتاع بها سلعة فباعها بثمن إلى أجل، فإن بقيت الخمسون حتى يحول عليها الحول زكاها ثم اقتضى بعد ذلك من ثمن تلك السلعة من قليل أو كثير زكاه، وإن كانت الخمسون قد تلفت قبل أن يحول عليها الحول وتجب فيها الزكاة، فلا زكاة عليه فما اقتضى حتى يبلغ ما اقتضى عشرين دينارا، فإن بقيت الخمسون في يديه حتى يزكيها ثم أنفقها بعد ذلك فأقام دهرا ثم اقتضى من الدين دينارا فصاعدا فإنه يزكيه، لأن هذا الدينار من أصل مال قد وجبت فيه الزكاة وهي الخمسون التي حال عليها فزكاها، فالدين على أصل تلك الخمسين لأنه حين وجبت الزكاة في الخمسين صار أصل الدين وأصل الخمسين واحدا في وجوب الزكاة ويفترقان في أحوالهما، فإنما مثل ذلك مثل الرجل يبيع السلعة بمائة دينار ولا مال له غيرها، فتقيم سنة في يدي المشتري ثم يقتضي منها عشرين دينارا فيخرج منها نصف دينار ثم يستهلكها ثم يقتضي بعد ذلك من ذلك الدين شيئا، فما اقتضى من قليل أو كثير فعليه فيه الزكاة لأن أصله كله كان واحدا.
قال: وكل مال كان أصله واحدا أقرضت بعضه أو ابتعت ببعضه سلعة، فبعتها بدين وتبقى بعض المال عندك وفيما أبقيت ما تجب فيه الزكاة فلم تتلفه حتى زكيته، فهو والمال الذي أقرضت أو ابتعت به سلعة فبعت السلعة بدين فهو أصل واحد يعمل فيه كما يعمل فيه لو ابتيع به كله، فإذا اقتضى مما ابتيع به كله عشرين دينارا وجب فيه نصف دينار، وما اقتضى بعد ذلك من قليل أو كثير ففيه الزكاة وإن كان قد استهلك العشرين التي اقتضى، قال: وهو قول مالك. قال ابن القاسم: وكل مال كان أصله واحدا فأسلفت بعضه أو ابتعت ببعضه سلعة وأبقيت منه في يديك ما لا تجب الزكاة فيه فحال عليه الحول وهو في يديك ثم أتلفته، فإنه يضاف ما اقتضيت إلى ما كان في يديك مما لا زكاة فيه، فإذا تم ما اقتضيت إلى ما كان في يديك مما أنفقت بعد الحول، فإنه إذا تم عشرين دينارا فعليك فيه الزكاة. ما اقتضيت بعد ذلك من قليل أو كثير فعليك فيه الزكاة. قال: وكل مال كان أصله واحدا فابتعت ببعضه أو أسلفت بعضه وأبقيت في يديك ما لا تجب فيه الزكاة ثم استهلكته قبل أن يحول عليه الحول، فإنه لا يضاف شيء من مالك كان خارجا من دينك إلى شيء منه، وما اقتضيت منه قبل أن يحول عليه الحول فاستهلكته قبل أن يحول عليه الحول فهو كذلك أيضا لا يضاف إلى ما بقي لك من دينك، ولكن ما حال عليه الحول في يديك مما تجب فيه الزكاة فيه فإنه يضاف إلى دينك، فإن كان الذي في يديك مما تجب فيه الزكاة فإنك تزكي ما اقتضيت من قليل أوكثير من دينك، وإن كنت قد استهلكته وإن كان مما لا تجب فيه الزكاة مما حال عليه الحول فاستهلكته بعد الحول

فإنك لا تزكي ما اقتضيت حتى يتم ما اقتضيت وما استهلكت بعد الحول عشرين دينارا فتخرج زكاتها، ثم ما اقتضيت بعد ذلك من قليل أو كثير فعليك فيه الزكاة. قلت: ما قول مالك في الدين يقيم على الرجل أعواما لكم يزكيه صاحبه إذا قبضه؟ فقال: لعام واحد. قلت: وإن كان الدين مما يقدر على أخذه فتركه أو كان مفلسا لا يقدر على أخذه منه فأخذه بعد أعوام أهذا عند مالك سواء؟ قال: نعم عليه زكاة عام واحد إذا أخذه وهذا كله عند مالك سواء. قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت له دنانير على الناس فحال عليها الحول فأراد أن يؤدي زكاتها من ماله قبل أن يقبضها؟ فقال: لا يقدم زكاتها قبل أن يقبضها. قال: وقد قال لي مالك في رجل اشترى سلعة للتجارة فحال عليها الحول قبل أن يبيعها فأراد أن يقدم زكاتها، قال: فقال مالك: لا يفعل ذلك، فقال فقلت له: إن أراد أن يتطوع بذلك؟ قال: يتطوع في غير هذا ويدع زكاته حتى يبيع عرضه، والدين عندي مثل هذا، قال ابن القاسم: وإن قدم زكاته لم تجزئه، قال: فرأيت الدين مثل هذا. قال أشهب عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن دينار حدثه عن عبد الله بن عمر أنه قال: ليس في الدين زكاة حتى يقبض فإذا قبض فإنما فيه زكاة واحدة لما مضى من السنين. قال أشهب قال: وأخبرني ابن أبي الزناد وسليمان بن بلال والزنجي مسلم بن خالد، أن عمرا مولى المطلب حدثهم أنه سأل سعيد بن المسيب عن زكاة الدين فقال: ليس في الدين زكاة حتى يقبض، فإذا قبض فإنما فيه زكاة واحدة لما مضى من السنين. قال ابن القاسم: وابن وهب وعلي بن زياد وابن نافع وأشهب عن مالك عن يزيد بن خصيفة، إنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله أعليه زكاة؟ فقال: لا1. قال ابن وهب عن نافع وابن شهاب إنه بلغه عنهما مثل قول سليمان. قال ابن وهب عن يزيد بن عياض عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن الحكم بن عتيبة عن علي بن أبي طالب مثله. قال ابن وهب عن عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح، إنه كان يقول: ليس في الدين زكاة وإن كانت في ملاء حتى يقبضه صاحبه. قال سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: ليس في الدين إذا لم يأخذه صاحبه زمانا ثم أخذه أن يزكيه إلا مرة واحدة. قال ابن مهدي عن الربيع بن صبيح عن الحسن مثله. قال أشهب قال مالك: والدليل على أن الدين يغيب أعواما ثم يقبضه صاحبه فلا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة، العروض تكون عند الرجل للتجارة فتقيم أعواما ثم يبيعها فليس عليه في أثمانها إلا زكاة واحدة، فكذلك الدين وذلك أنه ليس عليه أن يخرج زكاة الدين أو العروض من مال سواه ولا يخرج زكاة من شيء عن شيء غيره.
ـــــــ
1 رواه ابن مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 19.

زكاة الفوائد
قلت: أرأيت إن كانت عند رجل خمسة دنانير فلما كان قبل الحول بيوم. أفاد عشرين دينارا بميراث أو بصدقة أو بهبة أو بغير ذلك إذا لم يكن ذلك من ربح المال؟ فقال: لا زكاة عليه فيها. قلت: لم قال: لأن هذا المال الذي أفاد بهبة أو بما ذكرت ليس من ربح المال، فليس عليه فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول من يوم أفاد هذا المال الذي وجبت فيه الزكاة، فإذا حال الحول عليه من يوم أفاد هذا المال جمع بعضه إلى بعض فزكى ذلك المال، لأنه لما أفاد الذي ذكرت بهبة أو بما ذكرت صار كأنه أفاد ذلك المال كله، لأن الأول لم تكن فيه زكاة وليس هذا المال الثاني من ربح المال الأول، والأول لا زكاة فيه والمال الثاني فيه الزكاة لأنها عشرون دينارا فصاعدا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إذا كان عند رجل دنانير تجب فيها الزكاة فمكثت عنده ستة أشهر ثم أفاد بعد ذلك ذهبا، تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة لم يضفها إلى ذهبه الأولى التي كانت فيها الزكاة، وزكى الذهب الأولى على حولها وذهبه الأخرى على حولها إذا كانت الذهبان في كل واحد منهما عشرون دينارا، وإن كانت الذهب الآخرة ليس فيها عشرون دينارا زكاها أيضا على حولها ولم يضفها إلى الأولى، فكلما مضى للأولى سنة من حين يزكيها زكاها على حيالها إذا حال عليها الحول. وكلما مضى للذهب الثانية سنة من يوم أفادها زكاها أيضا على حيالها إذا حال عليها الحول من يوم زكاها، فعلى هذا يكون سبيل الذهبين لا يجتمعان أبدا، يزكي كل واحدة من الذهبين على ما وجب عليه من وقتهما حتى ترجع الذهبان جميعا إلى ما لا زكاة فيه. قال: فإذا رجعتا جميعا هاتان الذهبان إلى ما لا زكاة فيه اجتمع الذهبان جميعا وبطل ما كان قبل ذلك من وقتهما عنده، وخلطهما واستقبل بهما حولا مستقبلا كأنه ذهب أفادها مكانه فيصير سبيلها سبيل ذهب أفادها لا زكاة فيها، قال: وإن أفاد إليها ذهبا أخرى ليس من ربحها، تكون هذه الفائدة وما بقي في يديه من الذهب الأولى يبلغ ما تجب فيه الزكاة ضمها إليها واستقبل بها حولا من يوم أفاد الآخرة، ثم لا زكاة عليه فيهما حتى يحول الحول عليه، وفيما في يديه كله ما تجب فيه الزكاة إلا أن يكون تجر في بقية المال الأول فيتم به عشرين دينارا فيزكيه إذا حال عليه الحول من يوم كان زكاه حين رجع المال إلى ما لا زكاة فيه، ولا ينتظر به إلى أن يحول عليه الحول من يوم ربحه فيه، والربح ههنا كما وصفت لك هو مخالف للفائدة، قال: وهذا الربح لا تبالي من أي بقية المالين كان، من الأول أو الآخر الذي كان لهما وقت لكل مال على حدته، فهو يوجب عليه الزكاة في جميع المال وهما على وقتهما إذا ربح فيهما أو في أحدهما ما تجب فيه الزكاة.

قلت: أرأيت لو أن رجلا أفاد مالا تجب فيه الزكاة، فلما مضى لذلك ستة أشهر أفاد أيضا مالا إن جمعه إلى ماله الأول لم تجب فيه الزكاة، فتجر في المال الثاني بعد ستة أشهر من يوم أفاد المال الثاني فربح فيه حتى صار بربحه إلى ما تجب فيه الزكاة؟ قال: ويضم المال الأول إلى المال الثاني لأنه كأنه رجل كانت له خمسة دنانير فائدة فمضت لها ستة أشهر، فلما مضت لها ستة أشهر أفاد أيضا خمسة دنانير فتجر في المال الثاني فربح فيه خمسة عشر دينارا، فإنه يضيف المال الأول إلى المال الثاني، فإذا حال الحول على المال الثاني من يوم أفاده زكى المال الأول والمال الآخر جميعا، لأن الفائدة الآخرة كأنها كانت خمسة عشر دينارا من يوم أفادها والخمسة الدنانير الزائدة التي فيها فضل، فإن كان إنما تجر في المال الأول وهو خمسة دنانير فربح فيه خمسة عشر دينارا فصارت بربحه تجب فيه الزكاة، فإنه يحتسب من يوم أفاد المال الأول سنة فيزكيه، ويحتسب للمال الثاني من يوم أفاده سنة فيزكيه، فيزكي المالين، كل مال على حياله إذا كان الربح في المال الأول كما وصفت لك في صدر هذا الباب، فإن كان الربح في المال الثاني أضاف المال الأول إلى المال الثاني فزكى المال الأول مع الثاني لأن الأول لم تجب فيه الزكاة، فإنما يزكيه يوم يزكي المال الثاني كما وصفت لك، قال وهذا كله قول مالك. قلت: فما قول مالك فيمن أفاد مائة دينار فأقرض منها خمسين دينارا، فضاعت الخمسون الأخرى في يديه مكانها قبل أن يحول عليها الحول عنده، ثم اقتضى من الخمسين الدينار عشرة دنانير بعدما حال عليها الحول من يوم ملكها؟ فقال: قال مالك: لا شيء عليه في هذه العشرة الدنانير التي اقتضاها. قلت: فإن أنفق هذه العشرة الدنانير التي اقتضاها ثم اقتضى عشرة أخرى بعدها؟ فقال: يزكي هذه العشرة الدنانير التي اقتضاها الساعة والعشرة التي أنفقها. قلت: لم يزكي العشرين جميعا وقد أنفق إحداهما قبل أن يقتضي الثانية، ولم لا توجب عليه الزكاة في العشرة الأولى حين اقتضاها وأوجبت عليه الزكاة في العشرة الثانية والعشرة الأولى حين اقتضى العشرة الثانية؟ فقال: لأن المال كان أصله مائة دينار فتلفت الخمسون التي كانت بقيت عنده قبل أن يحول عليها الحول، وأقرض الخمسين منها فحال عليها الحول، فلما اقتضى من الخمسين الدين بعد الحول عشرة دنانير، قلنا لا تزك ولا شيء عليك فيها الساعة لأنا لا ندري، لعل الدين لا يخرج منه أكثر من هذه العشرة الدنانير، فنحن إن أمرناه أن يزكي هذه العشرة الأولى حين خرجت، يخشى أن نأمره أن يزكي ما لا تجب عليه فيه الزكاة لأن الدين لا يزكى حتى يقتضى. قلت: ألا ترى أن الدين لو ضاع كله أو توى وقد حالت عليه أحوال عند الذي هو عليه لم يكن على رب المال فيه زكاة، فكذلك إذا اقتضى منه

ما لا تجب فيه الزكاة لم يزك ذلك حتى يقتضي ما تجب فيه الزكاة: فلما اقتضى العشرة الثانية وجبت عليه الزكاة في العشرة الأولى وفي هذه الثانية. وإن كان قد أتلف العشرة الأولى لأنها قد حال عليها الحول من يوم ملكها قبل أن ينفقها مع مال له أيضا قد حال عليه الحول قبل أن ينفقه وهي هذه العشرة التي اقتضى، ألا ترى أن هذه العشرة الثانية التي اقتضى ليست بفائدة وإنما هي من مال قد كان له قبل أن ينفق العشرة الأولى، فلا بد من أن تضاف العشرة الأولى التي أنفقها إلى هذه العشرة الثانية لأن الحول قد حال عليهما من يوم ملكهما فلا بد من أن يزكيهما؟ قال: وأما الخمسون التي أنفقها قبل أن يحول عليها الحول عنده، فلا يلتفت إلى تلك لأنه أخرجها من ملكه قبل أن يحول عليها الحول وقبل أن تجب الزكاة عليه فيها فلا يلتفت إلى تلك. قلت: فما خرج من بعد هذه العشرين من هذا الدين الخمسين وإن درهما واحدا زكاه؟ قال: نعم لأن هذا الدرهم الذي اقتضى من هذه الخمسين قد حال عليه الحول ووجبت فيه الزكاة، وهو مضاف إلى مال عنده قد وجبت فيه الزكاة وهي تلك العشرين التي زكاها. قلت: أرأيت لو أنه حين أقرض الخمسين الدينار بقيت الخمسون الأخرى في يده لم تضع منه حتى زكاها فأنفقها بعدما زكاها مكانه، ثم اقتضى من الخمسين الدين دينارا واحدا مكانه بعدما زكى الخمسين التي كانت عنده وبعدما أنفقها. أو اقتضى الدينار بعد ذلك بيسير؟ فقال: يزكي هذا الدينار ساعة اقتضاه. قلت: ولم وإنما اقتضى دينارا واحدا وقد زعمت في المسألة الأولى أنه لا يزكي حتى يقتضي عشرين دينارا؟ فقال: لا تشبه هذه المسألة الأولى، لأن هذه قد بقيت الخمسون في يديه حتى زكاها، والأولى لم تبق الخمسون في يديه حتى يزكيها فهذا لما بقيت الخمسون في يديه حتى زكاها كانت بمنزلة ما لو كانت المائة سلفا كلها، ثم اقتضى الخمسين بعد الحول فزكاها ثم أنفقها، فلا بد له من أن يزكي كل شيء يقتضي من ذلك الدين، وإن درهما واحدا لأنه يضاف إلى الخمسين التي زكاها، قال: وإن كان قد أنفقها لأن الزكاة لما وجبت عليه في الخمسين الدينار التي كانت عنده وجبت عليه الزكاة في كل مال يملكه من الناض مما أفاد قبل الخمسين مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب، فهو لما زكى الخمسين الدينار إنما امتنع من أن يزكي الدين لأنه لا يدري أيخرج أم لا يخرج، فلما خرج منه شيء وإن درهما واحدا لم يكن له بد من أن يزكيه. قلت: وأصل هذا عند مالك أن كل مال أفدته مما لا تجب فيه الزكاة ثم أفدت بعده ما تجب فيه الزكاة أو لا يبلغ أن يكون فيه الزكاة، إلا أن يجمع بعضه إلى بعض فتجب فيه الزكاة إن جمع، فإنما يضاف الأول إلى الآخر فيزكى إذا حال عليه الحول من يوم أفاد الفائدة الآخرة؟ قال: نعم. قلت: وكذلك لو أنه أفاد عشرة دنانير فأقرضها

رجلا ثم أفاد بعدها بسنة خمسين دينارا فحال الحول على الخمسين عنده، فزكى الخمسين ثم أتلفها ثم اقتضى من العشرة الدنانير دينارا واحدا زكاه لأنه يضاف هذا الدينار إلى الخمسين التي أفادها بعد العشرة فزكاها؟ قال: نعم. قلت: وأصل هذا في قول مالك أنك تنظر أبدا إذا أفاد الرجل ما تجب فيه الزكاة فأقام عنده حولا فزكاها، ينظر إلى كل مال كان له قبل أن يقيد هذا المال الذي وجبت فيه الزكاة من الديون التي على الناس ومما قد كان بيده من الناض مما لا تجب فيه الزكاة إذا كان ذلك في ملكه قبل أن يقيد هذا المال الذي وجبت فيه الزكاة فيضيفه إلى هذا المال الذي وجبت فيه الزكاة فيما كان في يديه من ذلك، زكاه مكانه مع هذا المال الذي وجبت فيه الزكاة وما كان من دين أخرته حتى تقبضه فتزكيه، فكل شيء تقبضه منه ولو درهما واحدا فتخرج ربع عشره لأنه إنما امتنع من أن يزكي هذا الدرهم الذي اقتضى من دينه يوم زكى ماله الذي وجبت فيه الزكاة، لأنه لم يكن في يديه فلما صار في يديه قلنا زكه مكانك الساعة، لأن الزكاة قد كانت وجبت فيه يوم زكيت مالك؟ قال: نعم.
قلت: فلو أنه أفاد دنانير أو دراهم تجب فيها الزكاة، ثم أفاد بعدها بستة أشهر دراهم أو دنانير لا تجب فيها الزكاة فحال الحول على المال الذي تجب فيه الزكاة عنده فزكاه ثم أنفقه مكانه، ثم حال الحول على المال الذي لا تجب فيه الزكاة أيزكيه الساعة أم لا في قول مالك؟ فقال: لا زكاة عليه. قلت: ولم وقد زكى المال الأول الذي أنفقه يوم زكاه وهذا المال الثاني في يديه؟ فقال: لأن هذا المال فائدة بعد المال الأول، والمال الأول إذا كان مما تجب فيه الزكاة لا يضاف إلى هذا المال الثاني، ويكون المال الأول على حوله والمال الثاني على حوله إن كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن مما تجب فيه فهو سواء وهو على حوله لا يضاف إلى المال الأول، فإذا جاء حول المال الأول زكاه ثم إذا جاء حول المال الثاني نظرنا، فإن كان يبلغ ما تجب فيه الزكاة زكاه وإن كان مما لا تجب فيه الزكاة نظرنا، فإن كان له مال قد أفاده قبله أو معه معا، والمال الذي أفاد قبله أو معه لم يتلفه وهو إذا أضيف هذا المال إلى مال أفاد قبله أو معه معا، يبلغ أن تجب فيه الزكاة ضم ذلك كله بعضه إلى بعض فزكاه إلا أن يكون قد زكى المال الذي أفاد قبله أو معه، فيزكي هذا وحده وإن لم يكن في يديه مما أفاد قبله أو معه مما إذا أضيفت هذه الفائدة إليه يبلغ جميعه ما تجب فيه الزكاة، لم يكن عليه في هذه الفائدة زكاة. قلت: فإن كان في يديه مال قد أفاده بعده فهو إذا أضاف هذه الفائدة إليه تبلغ ما يجب فيه الزكاة، وليس في يديه شيء مما أفاد قبلها أيضاف إلى ما أفاد بعدها فيزكيهما أم لا في قول مالك؟ فقال: لا يضاف إلى ما أفاد بعدها فيزكيهما مكانهما، ولكنها تضاف إلى ما

أفاد بعدها فإذا حال الحول على الفائدة الآخرة من يوم أفادها، نظرنا إلى كل مال بيده من يوم أفاد الفائدة الآخرة وقبل ذلك، فيجمع بعضه إلى بعض فإن كان مما تجب فيه الزكاة زكاهما جميعا إلا أن يكون منه شيء قد زكاه على حوله قبل أن تجب الزكاة في هذه الفائدة الآخرة فلا يزكيه مع هذه الآخرة، لأنه لا يزكى مال واحد في حول واحد مرتين، ولكنه في الإضافة يضاف بعضه إلى بعض كل مال في يديه قبل الفائدة الآخرة، فيزكي الفائدة الآخرة وما لم يزك مما بيديه قبل الفائدة الآخرة إلا ما قد زكاه على حوله إذا كان جميع ما كان في يديه من الفائدة التي قد حال عليها الحول وما قبل ذلك مما تجب فيه الزكاة، ولا يلتفت إلى ما في يديه مما لم يحل عليه الحول من الفوائد التي أفاد بعد هذه الفائدة التي حال عليها الحول حتى يحول الحول على الفوائد التي بعدها أيضا. قلت: وهذا الذي سألتك عنه قول مالك؟ والذي كان يأخذ به في الزكاة؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أفاد عشرين دينارا فلما مضى لها ستة أشهر أفاد عشرة دنانير، فمضت سنة من يوم أفاد العشرين الدينار فزكى العشرين، فصارت العشرون الدينار إلى ما لا زكاة فيها ثم حال على الفائدة الحول أيزكيها أيضا؟ فقال: إن كانت العشرون التي أخرج زكاتها بقيت في يديه إلى يوم حال الحول على العشرة أو بقي منها ما إذا أضفته إلى العشرة تجب الزكاة في جميعه، زكى العشرة وحدها ولم يزك العشرين التي أخرج زكاتها ولا ما بقي منها لأنه لا يزكى مال واحد في عام واحد مرتين. قلت له: ثم يزكيهما على حولهما جميعا حتى يرجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا اجتمعا؟ قال: نعم. قلت: فإن تجر في أحد هذين المالين بعدما رجعا إلى ما لا زكاة فيهما إذا جمعا، فربح في أحد هذين المالين فصار بربحه ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: يزكيهما جميعا على حوليهما، كان الربح في المال الأول أو في الآخر فهو سواء إذا كانت الزكاة قد جرت فيهما جميعا. قلت: فلو أن رجلا كانت له مائة دينار، فلما حال عليها الحول زكى المائة الدينار، ثم أنه أقرض منها خمسين دينارا وتلفت الخمسون الدينار الباقية التي بقيت عنده قبل أن يحول عليها الحول، ثم اقتضى من الخمسين التي أقرضها عشرة دنانير؟ فقال: لا يزكي هذه العشرة حتى يقتضي عشرة دنانير، إلا أن يكون عنده مال قد حال عليه الحول إذا أنت أضفته إلى هذه العشرة التي اقتضى يبلغ ما يجب فيه كله الزكاة فيزكيهما جميعا إلا أن يكون قد زكى الذي كان عنده قبل أن يقتضي هذه العشرة فلا يكون عليه أن يزكي إلا هذه العشرة وحدها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فلو أن رجلا كانت له مائة دينار أقرضها كلها رجلا فأقامت عند الرجل سنين، ثم إنه أفاد عشرة دنانير فحال على

العشرة الدنانير الحول، أيزكي هذه العشرة حين حال عليها الحول مكانه أم لا؟ فقال: لا زكاة عليه في هذه الفائدة العشرة الساعة، لأنه ليس في يديه مال تجب فيه الزكاة. قال ابن القاسم: ألا ترى لو أنه اقتضى من المائة الدينار الدين بعدما حال عليه الحول عشرة دنانير، لم يكن عليه زكاة في العشرة حتى يقتضي عشرين دينارا إذا لم يكن عنده مال سوى العشرة التي اقتضى. فكذلك هذه العشرة التي أفاد. قلت: فإذا اقتضى من المائة الدينار الدين عشرة دنانير بعدما حال على هذه العشرة الفائدة الحول؟ فقال: يزكي العشرة التي اقتضى والعشرة الفائدة جميعا ويصير حولهما واحدا. قلت: ولم أمرته أن يزكي العشرة الفائدة حين اقتضى العشرة من المائة الدين؟ قال: لأن العشرة الفائدة حين حال عليها الحول عنده وله مائة دينار دين، وجبت الزكاة في هذه العشرة إن خرج دينه أو خرج من دينه ما إن أضافه إلى هذه العشرة يبلغ ما تجب فيه الزكاة. وإنما منعنا أن نلزمه الزكاة في العشرة التي أفاد بعدما حال عليها عنده الحول ; لأنا لا ندري أيخرج من ذلك الدين شيء أم لا، فلما خرج من الدين ما إن أضفته إلى هذه العشرة الفائدة التي حال عليها الحول وجبت فيها الزكاة، وكان وقت ما خرج من الدين والعشرة الفائدة التي أتمها ما خرج من الدين اللذين يصير حولهما واحدا يوم زكاهما، ثم ما اقتضى من ذلك الدين بعد ذلك زكاه كل ما اقتضى منه شيئا، ويصير كل ما اقتضى من المائة الدين على حوله من يوم يزكيه شيئا بعد شيء، فتصير أحوال كل ما اقتضى من الدين وأحوال العشرة الفائدة على ما وصفت لك وهو قول مالك، ولو أنه استهلك الفائدة بعد أن حال عليها الحول، ثم اقتضى بعد ذلك من الدين عشرة دنانير، وجبت عليه في الفائدة الزكاة وإن كان قد استهلكها أو استنفقها قبل أن يقتضي هذه العشرة إذا كان الحول قد حال عليها قبل أن يستهلكها أو يستنفقها. قلت: أرأيت إن كاتب عبده على دنانير أو إبل أو بقر أو غنم فلم يقبضها منه حتى حال عليها الحول عند المكاتب؟ فقال: لا يزكيها حتى يقبضها من مكاتبه ويحول عليها الحول عنده بعدما قبضها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قال: وقال مالك: كل فائدة أفادها رجل من كتابة أو من دية وجبت له أو من غير ذلك إذا كانت فائدة، فليس على صاحبها فيها زكاة حتى يحول الحول عليها من يوم قبضها.
قال مالك: ولو أن رجلا ورث مالا عن أبيه فلم يقبضه حتى حالت عليه أحوال كثيرة ثم قبضه بعد ذلك؟ قال: يستقبل به سنة من ذي قبل وليس عليه فيه شيء للسنين الماضية لأنه لم يكن قبضه، قال: وكذلك لو أن رجلا ورث دارا عن أبيه فأقامت الدار في يده سنين فباعها، فمكث الثمن عند المشتري سنين ثم قبض الثمن فليس عليه فيه زكاة حتى يحول الحول عن الثمن من يوم قبضه؟ قال: وعلى هذا محمل الفوائد كلها

إنما تجب الزكاة عليه بعد سنة من يوم يقبض وهو قول مالك. قال: وقال مالك: كل سلعة كانت لرجل من ميراث أو هبة أو صدقة أو اشتراها لقنية من دار أو غيرها من السلع، فأقامت في يديه سنين أو لم تقم ثم باعها بنقد أو إلى أجل فمطل بالنقد أو باعها إلى أجل، فلما حل الأجل مطل بالمال سنين أو أخره بعدما حل الأجل سنين. ثم قبض الثمن، فإنه يستقبل حولا من يوم قبضه ولا يحتسب بشيء كان قبل ذلك، ولو كان إنما أسلف ناضا كان في يديه أو باع سلعة كان اشتراها للتجارة فمكث عند المتسلف أو المشتري سنين، ثم قبضه فإنه يزكي المال يوم قبضه زكاة واحدة مكانه. ولقد سألت مالكا عن الرجل تكون له على الرجل الذهب وهو ممن لو شاء أن يأخذها منه أخذها منه، فتقيم عنده الأحوال ثم يهبها له أترى على صاحبها الواهب فيها الزكاة؟ فقال: ليس على الواهب ولا على الذي وهبت له فيها الزكاة، حتى يحول الحول عليها في يد الموهوب له. قال سحنون: وهذا إذا كان الموهوب له ليس له مال غيرها، فأما أن لو كان له من العروض ما فيه وفاء بها، كانت عليه زكاتها وهبت له أو لم توهب له، لأن ضمانها عليه حتى يؤديها، وزكاتها عليه إن كان له مال وإن لم يكن له مال، فلا زكاة عليه فيها لو بقيت في يديه ولم توهب له، فلما وهبت له وصارت له صارت فائدة وجبت له الساعة فيستقبل بها حولا. قال سحنون وقال غيره: إن عليه فيها الزكاة كان له مال أو لم يكن له مال إذا وهبت له. قلت: أرأيت ما ورث الرجل من السلع مثل الثياب والدواب والطعام والعروض كلها ما عدا الحلي: الذهب والفضة، فنوى به التجارة حين ورثه أو وهب له أو تصدق به عليه فنوى به التجارة يوم قبضه، فحال عليه الحول ثم باعه أيكون عليه فيه الزكاة؟ فقال: لا. قلت: لم؟ فقال: لا تكون للتجارة هذه السلع حتى يبيعها، فإذا باعها استقبل بها حولا من يوم باعها لأنه يوم باعها صارت للتجارة ولا تكون للتجارة بنيته إلا ما ابتاع للتجارة. قلت: فإن كان ورث حليا مصوغا من الذهب والفضة فنوى به التجارة حين ورثه فحال عليه الحول أيزكيه؟ فقال: نعم، والفضة والذهب في هذا مخالفان لما سواهما من العروض، لأنه إذا نوى بهما التجارة صار بمنزلة العين، قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم. قلت: فلو ورث آنية من آنية الذهب والفضة أو وهبت له أو تصدق بها عليه، أيكون سبيلها سبيل الحلي؟ فقال: لا، ولكن الآنية إذا وهبت له أو تصدق بها عليه أو ورثها، نوى بها التجارة أو لم ينو إذا حال عليها الحول زكى وزنها، قلت: وما فرق بين الآنية في هذا والحلي؟ فقال: لأن مالكا كره اتخاذ الآنية من الذهب والفضة، ولم يكره الحلي، فلما كره اتخاذ الآنية من الذهب والفضة صارت بمنزلة التبر المكسور، فعليه إذا حال عليها الحول فيها الزكاة نوى بها التجارة أو لم ينو. قال مالك:

والسنة عندنا أنه ليس على وارث زكاة في مال ورثه في دين ولا عرض ولا عين ولا دار ولا عبد ولا وليدة، حتى يحول على ثمن ما باع من ذلك أو قبض من العين الحول من يوم قبضه ونض في يديه لأنه فائدة، وأرى غلة الدور والرقيق والدواب وإن ابتيع لغلة فائدة لا تجب في شيء من ذلك زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه. قال مالك: ومن أجر نفسه فإن إجارته أيضا فائدة، ومهر المرأة أيضا على زوجها فائدة لا يجب فيه عليها الزكاة حتى تقبضه، ويحول عليه الحول من يوم تقبض، وما فضل بيد المكاتب بعد عتقه من ماله فهو مثله لا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول من بعد عتقه. قلت: أرأيت المرأة إذا تزوجت على إبل بأعيانها فلم تقبضها حتى حال عليها الحول عند الزوج ثم قبضتها بعد الحول؟ فقال: أرى عليها زكاتها لأنها لو ماتت ضمنتها، وليس هذه مثل التي تغير أعيانها لأن التي ليست بأعيانها لم تجز فيها الزكاة لأنها لا تعرف وأنها مضمونة على الزوج، وقد قال مالك في المرأة تتزوج بالعبد بعينه تعرفه ثم لا تقبضه حتى يموت العبد، على من ضمانه؟ فقال: على المرأة. قلت: أرأيت المرأة إذا تزوجت على دنانير فلم تقبضها حتى حال عليها الحول عند الزوج ثم قبضتها بعدما حال عليها الحول على الدنانير عند الزوج، أعليها أن تزكيها إذا قبضتها أم تستقبل بها حولا من يوم قبضتها؟ قال: بل تستقبل بها حولا من يوم قبضتها لأنها فائدة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وما قول مالك في مهور النساء إذا تزوجن على ما تجب فيه الزكاة من الدنانير والإبل والبقر والغنم، فلم تقبضها حتى حال عليها عند الزوج أحوال؟ قال: إذا قبضت فلا شيء عليها حتى يحول عليها الحول من يوم تقبض، قال: ومهرها إنما هو فائدة من الفوائد. قال ابن القاسم، وقال مالك في قوم ورثوا دارا فباعها لهم القاضي ووضع ثمنها على يدي رجل حتى يقسم ذلك بينهم، فأقامت الذهب في يدي الموضوعة على يديه سنين ثم دفعت إليهم، أترى عليهم فيها الزكاة؟ فقال: لا أرى عليهم فيها الزكاة حتى يحول عليهم عندهم الحول من يوم قبضوها. ثم سئل أيضا عن الرجل يرث المال بالمكان البعيد، فيقيم عنده الثلاث سنين هل يزكيه إذا قبضه؟ فقال: إذا قبضه لم يزكه حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه، فقيل له: فلو بعث رسولا مستأجرا أو غير مستأجر فقبضه الرسول؟ فقال: رسوله بمنزلته يحسب له حولا من يوم قبضه رسوله. قال: وكذلك الأموال تكون للرجل دينا فيأمر من يتقاضاها له وهو عنها غائب، فكل ما اقتضاه وكيله فإنه يحسب له حولا من يوم قبضه. قال: وكذلك ما ورث الصغير عن أبيه من العين، فقبضه وصيه فمن حين قبضه وصيه يحسب له سنة من يوم قبضه الوصي. قلت:

أرأيت لو ورث ماشية تجب فيها الزكاة فحال عليها الحول قبل أن يقبضها وهي في يدي الوصي أو في يدي غير الوصي أعليه فيها الزكاة؟ قال: نعم عليه فيها الزكاة، وفيما ورث من ثمرة ولو أقام ذلك عنده سنين لا يعلم به أصلا، فإن الساعي يزكيها في كل عام ويأخذ زكاتها كل سنة وليس هذا مثل العين في هذا. قلت له: فما فرق ما بين الماشية والثمار وبين الدنانير والدراهم في الزكاة؟ فقال لي: لأن السنة إنما جاءت في الضمار وهو المال المحبوس في العين، وإن السعاة يأخذون الناس بزكاة مواشيهم وثمارهم ولا يأخذونهم بزكاة العين ويقبل منهم قولهم في العين فلو كانت الماشية والثمار لرجل وعليه دين يستغرق ماشية مثلها أو ثمار مثلها أو غير ذلك لم يمنعه ذلك من أن يؤدي زكاة ماشيته أو ثماره، ولو كانت لرجل دنانير أو دراهم أو ذهب أو فضة وعليه دين وليس له غيرها، كان دينه فيها كائنا ذلك الدين ما كان عينا أو عرضا ولم تكن عليه الزكاة، والذي يرث الدنانير لا تصير في ضمانه حتى يقبضها. قال: وسألت مالكا عن الرجل يشتري الغنم للتجارة فيجزها بعد ذلك بأشهر، كيف ترى في ثمن أصوافها أيكون زكاة الصوف مع رقابها؟ قال: لا بل الصوف فائدة يستقبل به حولا من يوم يبيعه وينض المال في يديه، وليس عليه يوم باع الصوف زكاة في ثمنه، والغنم إن باعها قبل أن يحول عليها الحول حسب من يوم زكى الثمن الذي اشتراها به. فهي خلاف الصوف، فإن أقامت في يديه حتى يحول عليها الحول ويأتيه المصدق زكى رقابها ولم تكن عليه زكاة التجارة فيها، فإن باعها بعدما زكى رقابها حسب من يوم أخذت منه زكاة الماشية فأكمل به سنة من يومئذ ثم يزكي أثمانها، والصوف وإنما هو فائدة من الغنم، والغنم إنما اشتريت من مال التجارة فلذلك افترقا. قال مالك: وكذلك كراء المساكن إذا كان اشتراها للتجارة، وكراء العبيد بهذه المنزلة وكذلك ثمن النخل قال: وقال مالك في الرجل يبتاع النخل للتجارة فتثمر النخل ويكون فيها ثمر فتخرص وتجد وتؤخذ منها الصدقة، ثم يبيع رب الحائط بعد ذلك الرقاب إنه يزكي ثمن الحائط حين باعه إذا كان قد حال على ثمنه الحول الذي ابتاع به الحائط، فقيل له: فالثمرة إذا باعها؟ فقال: لا زكاة فيها حتى يحول على ثمن الثمرة الحول من يوم باع الثمرة وقبض الثمن، فيصير حول الثمرة على حدة وحول المال الذي اشترى به النخل على حدة. ومما يبين لك ذلك أيضا، أن صاحب الحائط الذي اشتراه للتجارة لو كان ممن يدير ماله في التجارة وله شهر يقوم فيه لقوم الرقاب ولم يقوم الثمرة، لأن الثمرة إذا قومت سقط منها زكاة الخرص والخرص أملك بها، ولا يصلح أن يطرح من الثمرة زكاة الخرص لمكان زكاة التجارة فإذا صارت الثمرة بحال ما وصفت لك لم يكن بد من تحويل الوقت في الزكاة في الثمرة والنخل وهما جميعا للتجارة، فكذلك

الغنم الأولى التي وصفت لك إذا حال عليها الحول. قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك، عن محمد بن عقبة مولى الزبير بن العوام إنه سأل القاسم بن محمد عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم، هل عليه فيه زكاة؟ فقال له القاسم: إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول. قال القاسم بن محمد: وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم، يسأل الرجل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ فإن قال: نعم، أخذ من عطائه زكاة مال ذلك، وإن قال "لا" أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئا1. قال مالك بن أنس وحدثني محمد بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها أنه قال: كنت إذا جئت عثمان بن عفان آخذ عطائي سألني: وهل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ فإن قلت: نعم، أخذ من عطائي زكاة ذلك المال، وإن قلت: لا، أسلم إلي عطائي2. قال مالك: وقال ابن شهاب: أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان. قال ابن وهب عن عمر بن محمد وعبد الله بن عمر عن نافع، إن عبد الله بن عمر كان يقول: من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم، أن عثمان وعليا وربيعة ويحيى بن سعيد وسالم بن عبد الله وعائشة كانوا يقولون ذلك. قال ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول، فإذا حال عليه الحول ففي كل مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد فبالحساب. قال: وكذلك قال ابن عمر وعائشة مثل قول علي: لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 4.
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 5. بلفظ "دفع "بدل "أسلم".

زكاة المديان
قلت: أرأيت الرجل تكون له الدنانير فيحول عليها الحول وهي عشرون دينارا، وعليه دين وله عروض أين يجعل دينه؟ فقال: في عروضه، فإن كانت وفاء دينه زكى هذه العشرين الناضة التي حال عليها الحول عنده قلت: أرأيت إن كانت عروضه ثياب جسده وثوبي جمعته وسلاحه وخاتمه وسرجه وخادما تخدمه ودارا يسكنها؟ فقال: أما خادمه وداره وسلاحه وسرجه وخاتمه، فهي عروض يكون الدين فيها، فإن كان فيها وفاء الدين زكى العشرين التي عنده، قال: وهو قول مالك، وأصل هذا فيما جعلنا من قول مالك أنه ما كان للسلطان أن يبيعه في دينه فإنه يجعل دينه في ذلك، ثم يزكي ما كان عنده بعد ذلك من ناض، وإذا كان على الرجل الدين فإن السلطان يبيع داره وعروضه كلها ما كان من خادم أو سلاح أو غير ذلك، إلا ما كان من ثياب جسده مما لا بد له منه

ويترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام. قلت: أرأيت ثوبي جمعته أيبيع عليه السلطان ذلك في دينه؟ فقال: إن كانا ليس لهما تلك القيمة فلا يبيعهما، وإن كان لهما قيمة باعهما. قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ فقال: لا، ولكن هذا رأيي. قلت: أرأيت من له مال ناض وعليه من الدين مثل هذا المال الناض الذي عنده، وله مدبرون قيمتهم أو قيمة خدمتهم مثل الدين الذي عليه؟ فقال: يجعل الدين الذي عليه في قيمة المدبرين، قلت: قيمة رقابهم أم قيمة خدمتهم؟ فقال: قيمة رقابهم ويزكي الدنانير الناضة التي عنده. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: فإن كانت له دنانير وعليه من الدين مثل الدنانير وله مكاتبون؟ فقال: ينظر إلى قيمة الكتابة. قلت: وكيف ينظر إلى قيمة الكتابة؟ فقال: يقال ما قيمة ما على هذا المكاتب من هذه النجوم على محلها بالعاجل من العروض، ثم يقال ما قيمة هذه العروض بالنقد لأن ما على المكاتب لا يصلح أن يباع إلا بالعرض إذا كان دنانير ودراهم، فينظر إلى قيمة المكاتب الآن بعد التقويم فيجعل دينه فيه لأنه مال له، لو شاء أن يتعجله تعجله وذلك أنه لو شاء أن يبيع ما على المكاتب بما وصفت لك فعل، فإذا جعل دينه في قيمة ما على المكاتب زكى ما في يديه من الناض إن كانت قيمة ما على المكاتب مثل الدين الذي عليه، قال: وكانت الدنانير التي في يديه هذه الناضة تجب فيها الزكاة، فإن كانت قيمة ما على المكاتب أقل مما عليه من الدين جعل فضل دينه فيما في يديه من الناض، ثم ينظر إلى ما بقي بعد ذلك، فإن كان ذلك مما تجب فيه الزكاة زكاه. وإن كان مما لا تجب فيه الزكاة لم يكن عليه فيها شيء. قلت: وهذا قول مالك في هذه المسألة في المكاتب؟ فقال: لم أسمع منه هذا كله ولكن قال مالك: لو أن رجلا كانت له مائة دينار في يديه وعليه دين مائة دينار وله مائة دينار، أرأيت أن يزكي المائة الناضة التي في يديه ورأيت ما عليه من الدين في الدين الذي له إن كان دينا ترتجيه وهو على مليء. قلت: فإن لم يكن يرتجيه؟ فقال: لا يزكيه فمسألة المكاتب عندي على مثل هذا، لأن كتابة المكاتب في قول مالك لو أراد أن يبيع ذلك بعرض مخالف لما عليه كان ذلك له، وهو مال للسيد كأنه عرض في يديه لو شاء أن يبيعه باعه. قلت: أرأيت إن كان عليه دين وله عبيد قد أبقوا وفي يديه مال ناض، أيقوم العبيد الأباق فيجعل الدين فيهم؟ قال: لا. قلت: لم قال: لأن الأباق لا يصلح بيعهم ولا يكون دينه فيهم. قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا ولكن هذا رأيي. قلت: فما فرق ما بين الماشية والثمار والحبوب والدنانير في الزكاة؟ فقال: لأن السنة إنما جاءت في الضمار وهو المال المحبوس في العين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز كانوا يبعثون الخراص في وقت الثمار فيخرصون على الناس لإحصاء الزكاة، ولما للناس في

ذلك من تعجيل منافعهم بثمارهم الأكل والبيع وغير ذلك، ولا يؤمرون فيه بقضاء ما عليهم من دين ليحصل أموالهم، وكذلك السعاة يبعثونهم فيأخذون من الناس مما وجدوا في أيديهم ولا يسألونهم عن شيء من الدين. وقد قال أبو الزناد: كان من أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهى إلى قولهم، منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل، وربما اختلفوا في الشيء فأخذ يقول أكثرهم إنهم كانوا يقولون: لا يصدق المصدق إلا ما أتى عليه لا ينظر إلى غير ذلك وقال أبو الزناد وهي السنة. قال أبو الزناد: وإن عمر بن عبد العزيز ومن قبله من الفقهاء يقولون ذلك. قال ابن وهب: وقد كان عثمان بن عفان يصيح في الناس هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة، فكان الرجل يحصي دينه ثم يؤدي مما بقي في يديه إن كان ما بقي تجب فيه الزكاة. قال ابن مهدي عن أبي عبد الرحمن عن طلحة بن النضر، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: كانوا لا يرصدون الثمار في الدين وينبغي للعين أن ترصد في الدين. قال ابن مهدي عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: كان المصدق يجيء فأينما رأى زرعا قائما أو إبلا قائمة، أو غنما قائمة أخذ منها الصدقة. قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت في يديه مائة دينار ناضة فحال عليها الحول وعليه مائة دينار مهر لامرأته، أيكون عليه فيما في يديه الزكاة؟ فقال: لا. قلت: وهو قول مالك؟ فقال قال لي مالك: إذا أفلس زوجها حاصت الغرماء، فإن مات زوجها حاصت الغرماء فهو دين وهذا مثله.
قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت عنده مائة دينار فحال عليها الحول وعليه زكاة وقد كان فرط فيها، لم يؤدها من زكاة المال والماشية وما أنبتت الأرض، أيكون عليه فيما في يديه الزكاة؟ فقال: لا يكون عليه فيما في يديه الزكاة، إلا أن يبقى في يديه بعد أن يؤدي ما كان فرط فيه من الزكاة ما تجب فيه الزكاة عشرون دينارا فصاعدا، فإن بقي في يديه عشرون دينارا فصاعدا زكاه. قلت: هذا قول مالك؟ فقال: هذا رأيي وذلك لأن مالكا قال لي في الزكاة: إذا فرط فيها الرجل ضمنها وإن أحاطت بماله فهذا عندي مثله. قلت: أرأيت رجلا له عشرون دينارا قد حال عليها الحول وعليه عشرة دراهم لامرأته نفقة شهر قد كان فرضها عليه القاضي قبل أن يحول الحول بشهر؟ فقال: يجعل نفقة المرأة في هذه العشرين الدينار، فإذا انحطت فلا زكاة عليه فيها. قلت: أرأيت إن لم يكن فرض لها القاضي، ولكنها أنفقت على نفسها شهرا قبل الحول ثم أتبعته بنفقة الشهر وعند

الزوج هذه العشرون الدينار؟ فقال: تأخذ نفقتها ولا يكون على الزوج فيها زكاة. قلت: ويلزم الزوج ما أنفقت من مالها وإن لم يفرض لها القاضي؟ فقال: نعم إذا كان الزوج موسرا، فإن كان الزوج غير موسر فلا يضمن لها ما أنفقت، فمسألتك أنها أنفقت وعند الزوج عشرون دينارا فالزوج يتبع بما أنفقت يقضي لها عليه بما أنفقت من مالها، فإذا قضى لها بذلك عليه حطت العشرون الدينار إلى ما لا زكاة فيها فلا يكون عليه زكاة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك: أيما امرأة أنفقت على نفسها وزوجها في حضر أو في سفر وهو موسر، فما أنفقت فهو في مال الزوج إن أتبعته على ما أحب أو كره الزوج مضمونا عليه، فلما أتبعته به كان ذلك دينا عليه فجعلته في هذه العشرين فبطلت الزكاة عنه. قلت: أرأيت إن كانت هذه النفقة التي على هذا الزوج الذي وصفت لك إنما هي نفقة والدين أو ولد؟ فقال: لا تكون نفقة الوالدين والولد دينا أبطل به الزكاة عن الرجل، لأن الوالدين والولد إنما تلزم النفقة لهم إذا ابتغوا ذلك، وإن أنفقوا ثم طلبوه بما أنفقوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا والمرأة تلزمه ما أنفقت قبل أن تطلبه بالنفقة إن كان موسرا. قلت: فإن كان القاضي قد فرض للأبوين نفقة معلومة فلم يعطهما ذلك شهرا وحال الحول على ما عند هذا الرجل بعد هذا الشهر أتجعل نفقة الأبوين ههنا دينا فيما في يديه إذا قضى به القاضي؟ قال: لا. قال أشهب: أحط عنه به الزكاة وألزمه ذلك إذا قضى به القاضي عليه في الأبوين، لأن النفقة لهما إنما تكون إذا طلبا ذلك ولا يشبهان الولد، ويرجع على الأب بما تداين به الولد أو أنفق عليه إذا كان موسرا، ويحط بذلك عنه الزكاة كانت بفريضة من القاضي أو لم تكن لأن الولد لم تسقط نفقتهم عن الوالد إذا كان له مال من أول ما كانوا حتى يبلغوا، والوالدين قد كانت نفقتهما ساقطة فإنما ترجع نفقتهما بالفضة، والحكم من السلطان والله أعلم.
قلت لابن القاسم: أرأيت رجلا كانت عنده دنانير قد حال عليها الحول تجب فيها الزكاة، وعليه إجارة أجراء قد عملوا عنده قبل أن يحول على ما عنده الحول، أو كراء إبل أو دواب أيجعل ذلك الكراء والإجارة فيما في يديه من الناض ثم يزكي ما بقي؟ فقال: نعم إذا لم يكن له عروض. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: وسألت مالكا عن العامل إذا عمل بالمال قراضا سنة فربح ربحا، وعلى العامل المقارض دين فاقتسماه بعد الحول وأخذ العامل ربحه، هل ترى على العامل في حظه زكاة وعليه دين؟ فقال: لا، إلا أن تكون له عروض فيها وفاء بدينه فيكون دينه في العروض ويكون في ربحه هذا الزكاة، قال: فإن لم تكن له عروض فلا زكاة عليه في ربحه إذا كان الدين يحيط بربحه

كله، وقال غيره فيه الزكاة. قال ابن وهب وسفيان بن عيينة، إن ابن شهاب حدثهما عن السائب بن يزيد، أن عثمان بن عفان كان يقول: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده، حتى تحصل أموالكم، فتؤدون منها الزكاة. قال أشهب عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد، قال: سمعت عثمان بن عفان على المنبر وهو يقول: هذا شهر زكاتكم الذي تؤدون فيه زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقض دينه فإن فضل عنده ما تجب فيه الزكاة فليؤد زكاته، ثم ليس عليه شيء حتى يحول عليه الحول. قال ابن القاسم وابن وهب وأشهب عن مالك: إن يزيد بن خصيفة حدثه أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله، أعليه زكاة؟ قال: لا1. قال ابن وهب وأخبرني غير واحد عن ابن شهاب ونافع مثل قول سليمان بن يسار قال ابن مهدي عن أبي الحسن عن عمرو بن حزم، قال: سئل جابر بن يزيد عن الرجل يصيب الدراهم وعليه دين أكثر منها؟ فقال: لا زكاة عليه حتى يقضي دينه.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 19: عن مالك عن زيد بن خصيفة أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين أعليه زكاة؟ فقال: لا.

زكاة القراض
قلت: أرأيت الرجل يأخذ مالا قراضا على أن الزكاة على رب المال زكاة الربح ورأس المال، أو زكاة الربح ورأس المال على العامل أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز لرب المال أن يشترط زكاة المال على صاحبه، ألا ترى أن العامل لو لم يربح في المال إلا دينارا واحدا وكان القراض أربعين دينارا فأخرج ذلك الدينار في الزكاة، لذهب عمله باطلا فلا يجوز هذا، قال: ولو اشترط صاحب المال على العامل أن عليه زكاة الربح لم يكن بذلك بأس، ويجوز للعامل أن يشترط على رب المال زكاة الربح، لأن ذلك يصير جزءا مسمى كأنه أخذه على أن له خمسة أجزاء من عشرة ولرب المال أربعة أجزاء من عشرة، وعلى رب المال الجزء الباقي يخرجه من الربح عنها للزكاة. قال: وكذلك إذا اشترط العامل في المساقاة الزكاة على رب الأصل فيكون ذلك جائزا، لأن ذلك يصير جزءا مسمى وهو خمسة أجزاء من عشرة، ولرب المال أربعة أجزاء من عشرة أجزاء والجزء الفاضل في الزكاة، وقد قيل أيضا إنه لا خير في اشتراط زكاة الربح من أحدهما على صاحبه ولا في المساقاة أيضا، لأن مال القراض ربما كان أصله لا تجب فيه الزكاة، وإن كان أصله تجب فيه الزكاة فربما اغترقه الدين فأبطل الزكاة والمساقاة ربما لم يخرج الحائط إلا أربعة أوسق وربما أخرج عشرة، فتختلف الأجزاء فيصير العامل على غير جزء مسمى. قال: وسئل مالك عن الرجل يدفع المال إلى الرجل قراضا فيتجر به إلى بلد فيحول عليه الحول أترى أن يخرج زكاته المقارض؟ قال: لا حتى يؤدي إلى

الرجل رأس ماله وربحه. قلت: أرأيت هذا المقارض إذا أخذ ربحه وإنما عمل في المال شهرا واحدا، فكان ربحه الذي أخذ أقل من عشرين دينارا أو عشرين دينارا فصاعدا؟ فقال: لا زكاة عليه فيه ويستقبل بما أخذ من ربحه سنة من ذي قبل بمنزلة الفائدة، وإنما تكون الزكاة على العامل في القراض إذا عمل به سنة من يوم أخذه، فيكون في المال الزكاة، كانت حصة العامل من ذلك ما تجب فيه الزكاة أو لا تجب فهو سواء، يؤدي الزكاة على كل حال إذا عمل به سنة وهو قول مالك. قال مالك: ولو حال على العامل من يوم قبض المال حول وأخذ ربحه وعليه من الدين ما يغترق حصته من المال، فإنه لا زكاة عليه فيه حال عليه الحول في ذلك أو لم يحل. قال ابن القاسم: وإن كان على رب المال دين يغترق رأس ماله وربحه، لم يكن على العامل أيضا في حصته زكاة وإن كان قد حال الحول على المال من يوم أخذه، لأن أصل المال لا زكاة فيه حين كان الدين أولى به. وقال ابن القاسم: في الرجل يساقي نخلة فيصير للعامل في الثمر أقل من خمسة أوسق حظه من ذلك فيكون عليه فيه الصدقة. قال: وسألت مالكا عن الرجل يزكي ماله ثم يدفعه إلى رجل يعمل به قراضا فيعمل فيه سبعة أشهر أو ثمانية أو أقل من الحول، فيقتسمان فيدفع العامل إلى رب المال رأس ماله وربحه ويأخذ هو ربحه، وفيما صار للعامل ما يكون فيه الزكاة أو لا يكون فيحول على رب المال وربحه الحول فيؤدي الزكاة، هل ترى على العامل في المال فيما بقي في يديه مما أخذ من ربحه زكاة؟ فقال مالك: إذا قاسمه قبل أن يحول على العامل الحول من يوم زكاه ربه ودفع العامل إلى رب المال رأس ماله وربحه. قال: يستقبل العامل بما في يديه سنة مستقبلة لأنها في هذا الوجه فائدة، فلا تجب عليها الزكاة إلا أن يحول عليها الحول عنده من يوم قبض ربحه وفيه ما تجب فيه الزكاة. قال: وسألنا مالكا عن الحر يأخذ من العبد المأذون له في التجارة مالا قراضا فيعمل فيه سنة، فيقاسمه فيصير في يدي الحر العامل ربح فيه الزكاة هل ترى عليه في ربحه الزكاة؟ فقال: لا حتى يحول عليه الحول عنده، لأن أصل المال كان للعبد ولا زكاة في أموال العبيد، فلما لم يكن في أصل المال الذي عمل فيه هذا المقارض الزكاة، كان ربحه فائدة فلا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول.

في زكاة تجارة المسلمين
قلت: أكان مالك يرى أن يؤخذ من تجار المسلمين إذا اتجروا الزكاة؟ فقال: نعم. قلت: أفي بلادهم أم إذا خرجوا من بلادهم؟ فقال: في بلادهم عنده وغير بلادهم سواء، من كان عنده مال تجب فيه الزكاة زكاه. قلت: فيسألهم إذا أخذ منهم الزكاة هذا

لذي يأخذ عما في بيوتهم من ناضهم فيأخذ زكاته مما في أيديهم؟ فقال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا، وأرى إن كان الوالي عدلا أن يسألهم عن ذلك، وقد فعل ذلك أبو بكر الصديق قلت: أفيسأل عن زكاة أموالهم الناض إذا لم يتجروا؟ فقال: نعم إذا كان عدلا، وقد فعل ذلك أبو بكر الصديق كان يقول للرجل إذا أعطاه عطاء: هل عندك من مال قد وجبت عليك فيه الزكاة؟ فإن قال: نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال، وإن قال "لا "أسلم إليه عطاءه ولا أرى أن يبعث في ذلك أحدا، وإنما إلى أمانة الناس إلا أن يعلم أحد أن لا يؤدي فتؤخذ منه ألا ترى أن عثمان بن عفان كان يقول: هذا شهر زكاتكم. قلت: ما قول مالك أين ينصب هؤلاء الذين يأخذون العشور من أهل الذمة والزكاة من تجار المسلمين؟ فقال: لم أسمع منه فيه شيئا، ولكني رأيته فيما يتكلم به أنه لا يعجبه أن ينصب لهذه المكوس أحد. قال ابن القاسم: وأخبرني يعقوب بن عبد الرحمن من بني القارة حليف لبني زهرة عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل المدينة أن يضع المكس فإنه ليس بالمكس ولكنه البخس، قال الله تعالى: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [لأعراف: 85 وهود: 85 والشعراء: 183] ومن أتاك بصدقة فاقبلها منه ومن لم يأتك بها فالله حسيبه، والسلام قلت: أليس إنما تؤخذ من تجار المسلمين في قول مالك الزكاة في كل سنة مرة، وإن تجروا من بلد إلى بلد وهم خلاف أهل الذمة في هذا؟ فقال: نعم. قال: ومن تجر ومن لم يتجر فإنما عليه الزكاة في كل سنة مرة. قلت: أرأيت لو أن رجلا خرج من مصر بتجارة إلى المدينة، أيقوم عليه ما في يديه فتؤخذ منه الزكاة؟ فقال: لا يقوم عليه ولكن إذا باع أدى الزكاة. قال: ولا يقوم على أحد من المسلمين. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وأهل الذمة لا يقوم عليهم أيضا، فإذا باعوا أخذ منهم العشر؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أن رجلا من المسلمين قدم بتجارة، فقال هذا الذي معي مضاربة أو بضاعة أو علي دين أو لم يحل على ما عندي الحول أيصدق ولا يحلف في قول مالك؟ قال: نعم، يصدق ولا يحلف.

تعشير أهل الذمة
قلت: أرأيت النصراني إذا اتجر في بلدة من أعلاها إلى أسفلها ولم يخرج من بلاده إلى غيرها؟ فقال: لا يؤخذ منهم شيء ولا يؤخذ من كرومهم ولا من زروعهم ولا من ماشيتهم ولا من نخلهم شيء، فإذا خرج من بلدة إلى غيرها من بلاد المسلمين تاجرا لم يؤخذ منه مما حمل قليل ولا كثير حتى يبيع، فإن أراد أن يرد متاعه إلى بلاد أو يرتحل به إلى بلاد أخرى فذلك له، وليس لهم أن يأخذوا منه شيئا إذا خرج من عندهم بحال ما

دخل عليهم ولم يبع في بلادهم شيئا ولم يشتر عندهم شيئا، فإن كان قد اشترى عندهم شيئا بمال ناض كان معه أخذ منه العشر مكانه من السلعة التي اشترى حين اشترى. قلت: أرأيت إن هو باع ما اشترى بعدما أخذ منه العشر حين كان اشتراه، أيؤخذ من ثمنه أيضا العشر؟ قال: لا ولو أقام عندهم سنين بعد الذي أخذوا منه أول مرة يبيع ويشتري لم يكن عليه شيء. قلت: وكذلك إن أراد الخروج من بلادهم بما قد اشترى في بلادهم بعد أن أخذوا العشر منه مرة واحدة وقد اشترى وباع مرارا بعدما أخذوا منه العشر فأراد الخروج، لم يكن لهم عليه شيء فيما اشترى مما يخرج به من بلادهم؟ فقال: نعم. قلت: وإن دخل عليهم بغير مال ناض إنما دخل عليهم بلادهم بمتاع متى يؤخذ منه؟ فقال: إذا باعه: قلت: فإذا باعه أخذ منه العشر مكانه من ثمن المتاع؟ قال: نعم. قلت: فإن اشترى بعد ذلك وباع فسبيله سبيل المسألة الأولى في الناض، الذي دخل به؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال وسئل مالك عن النصراني، يكري إبله من الشام إلى المدينة أيؤخذ منه في كرائه العشر بالمدينة إذا دخلها؟ قال: لا. قلت: فإن أكرى من المدينة إلى الشام راجعا، أيؤخذ منه العشر بالمدينة إذا أكراها؟ فقال: نعم. قلت: فما يؤخذ من أهل الحرب إذا نزلوا بالتجارة؟ فقال: يؤخذ منهم ما صالحوا عليه في سلعهم ليس في ذلك عنده عشر ولا غيره. قلت: أرأيت الذمي إذا خرج بمتاع إلى المدينة فباع بأقل من مائتي درهم، أيؤخذ منه العشر؟ فقال: نعم. قلت: فيؤخذ منه مما قل أو كثر؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك فقال: نعم. قال: وقال مالك: إذا تجر عبيد أهل الذمة أخذ منهم كما يؤخذ من ساداتهم قال: وقال مالك: إذا تجر الذمي أخذ منه العشر من كل ما يحمل إذا باعه من ثمنه، بزا كان أو غيره من العروض على ما فسرت لك. قال ابن وهب عن ابن لهيعة، ويحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية، حدثهما عن ربيعة: إن عمر بن الخطاب قال لأهل الذمة الذين كانوا يتجرون إلى المدينة: إن تجرتم في بلادكم فليس عليكم في أموالكم زكاة، وليس عليكم إلا جزيتكم التي فرضنا عليكم، وإن خرجتم وضربتم في البلاد وأدرتم أموالكم أخذنا منكم وفرضنا عليكم كما فرضنا جزيتكم، فكان يأخذ منهم من كل ما جلبوا من الطعام نصف العشر كلما قدموا به من مرة، ولا يكتب لهم براءة كما يكتب للمسلمين إلى الحول، فيأخذ منهم كلما جاءوا وإن جاءوا في السنة مائة مرة ولا يكتب لهم براءة بما أخذ منهم. قال ابن وهب وكذلك قال لي مالك، وقال سحنون وقد روى علي بن زياد "في تجار أهل الحرب العشر". وقال ابن نافع مثل قول ابن القاسم، إنما هو ما راضاهم عليه المسلمون وليس في ذلك حد معلوم.

ما جاء في الجزية
قلت: أرأيت نصارى بني تغلب أيؤخذ منهم في جزيتهم الصدقة مضاعفة؟ فقال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا أحفظه، قال: ولو كانت الصدقة تؤخذ من نصارى بني تغلب مضاعفة عند مالك ما جهلناه ولكن لا نعرفه، قال: وما سمعت أحدا من أصحابه يذكر هذا، قلت: أفتحفظ عن مالك أنه قال تؤخذ الجزية من جماجم نصارى بني تغلب؟ فقال: ما سمعت من قوله في هذا شيئا وتؤخذ منهم الجزية، قال أشهب: وعلى كل من كان على غير الإسلام أن تؤخذ منهم الجزية {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وقد قال الله تبارك وتعالى ذلك في أهل الكتاب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن لا كتاب له: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" ، وذلك السنة والأمر الذي ليس فيه اختلاف عند أحد من أهل المدينة. قال سحنون: منه قول ابن القاسم ومنه قول غيره والمعنى كله واحد. قلت: أرأيت النصراني إذا أعتقه المسلم أيكون على هذا المعتق النصراني الجزية؟ فقال: لا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قول مالك، قال مالك: ولو جعلت عليه الجزية لكان العتق إذا أضر به ولم ينفعه العتق شيئا. قلت: أرأيت النصراني إذا أعتق عبده النصراني أتكون على العبد المعتق وهو نصراني الجزية أم لا؟ فقال: نعم تجعل عليه الجزية، وقد سمعت مالكا وهو يقول: تؤخذ من عبيد النصارى إذا تجروا في بلاد المسلمين من بلد إلى بلد العشر. قلت: أرأيت النصراني تمضي السنة به فلم تؤخذ منه جزية حتى أسلم أتؤخذ جزية هذه السنة وقد أسلم أم لا؟ قال: سمعت مالكا وقد سئل عن أهل حصن هادنوا المسلمين ثلاث سنين على أن يعطوا المسلمين في كل سنة شيئا معلوما فأعطوهم سنة واحدة ثم أسلموا، قال مالك: أرى أن يوضع عنهم ما بقي عليهم ولا يؤخذ منهم شيء، ولم أسمع من مالك شيئا في مسألتك وهو عندي مثله لا أرى أن يؤخذ منهم شيء، قلت: أرأيت هذا المال الذي هادنهم عليه أيخمس أم ماذا يصنع به؟ قال: ما سمعت فيه شيئا وأراه مثل الجزية. قلت: أرأيت إن أسلم الذمي، أتسقط الجزية عن جمجمته وعن أرضه في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن كانت أرضه أرض صلح سقطت الجزية عنه وعن أرضه وتكون أرضه له، قال: وإن كانوا أهل عنوة لم يكن له أرضه ولا ماله ولا داره وسقطت عنه الجزية. قال ابن مهدي عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد، وعن هشام عن إسماعيل عن الشعبي، في مسلم أعتق عبدا من أهل الذمة قال: ليس عليه الجزية وذمته ذمة مولاه. قال أشهب، وقد بلغني عن علي بن أبي طالب أنه قال في النصراني يعتق: لا جزية عليه ولم يفسر من أعتقه. قال ابن القاسم عن مالك، إنه بلغه: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين

يسلمون، قال مالك: وهي السنة التي لا اختلاف فيها. قال ابن وهب: وكان ابن عمر وابن عباس ومالك وغير واحد يكرهون بيع أرض العنوة. وقال ابن شهاب: إذا أسلم الرجل من أهل العنوة لم تكن له أرضه. قال ابن وهب عن أبي ذئب، أن عمر بن عبد العزيز قال لنصارى كلب وتغلب. لا نأخذ منكم الصدقة وعليكم الجزية، فقالوا: أتجعلنا كالعبيد؟ قال: لا نأخذ منكم إلا الجزية. قال: فتوفي عمر وهم على ذلك رحمه الله قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمر بن عبد الله مولى غفرة إن الأشعث بن قيس اشترى من أهل سواد الكوفة أرضا لهم فاشترطوا عليه رضا عمر بن الخطاب، فجاءه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين إني اشتريت أرضا بسواد الكوفة واشترطوا علي إن أنت رضيت، فقال عمر: ممن اشتريت؟ فقال: من أهل الأرض، فقال: عمر: كذبت وكذبوا ليست لك ولا لهم. قال ابن مهدي عن سفيان عن هشام عن الحسن، وعن داود بن أبي هند عن محمد بن سيرين: أن عمر نهى أن يشترى رقيق أهل الذمة وأرضهم. قال ابن مهدي عن سفيان عن منصور وجابر بن عبد الله بن معقل الأنصاري قال: لا نشتري أرضا من دون الجبل إلا من بني صليتا وأهل الحيرة فإن لهم عهدا قال ابن وهب عن محمد بن عمر، وعن ابن جريج: أن رجلا أسلم على عهد عمر بن الخطاب فقال: ضعوا الجزية عن أرضي، فقال عمر: لا إن أرضك أخذت عنوة. قال: ابن مهدي عن سفيان عن مغيرة عن أبي الحكم عن إبراهيم: أن رجلا من أهل السواد أسلم، فقال: ارفع عن أرضي الخراج، فقال عمر: إن أرضك أخذت عنوة، فقال له الرجل: إن أرض كذا وكذا لتطيق أكثر مما عليها من الخراج، فقال عمر: ليس عليهم سبيل إنما صالحناهم.

أخذ الإمام الزكاة من المانع زكاته
قال: وسألت مالكا عن الرجل يعلم الإمام أنه لا يؤدي زكاة ماله الناض، أترى أن يأخذ منه الإمام الزكاة؟ فقال: إذا علم ذلك أخذ منه الزكاة. قلت: أرأيت قوما من الخوارج غلبوا على بلد من البلدان فلم يؤدوا زكاة مواشيهم أعواما، أيأخذ منهم الإمام إذا كان عدلا زكاة تلك السنين إذا ظفر بهم؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم. قلت: وزكاة الثمار والحب بهذه المنزلة؟ قال: أرى أن يكون مثل هذا، وإنما سمعت مالكا يقول في زكاة الماشية وقد قال غيره: إلا أن يقولوا قد أدينا ما قبلنا لأنهم ليسوا بمنزلة من فر بزكاته، وإنما هؤلاء خرجوا على التأويل إلا صدقة العام الذي ظفر بهم فيه فإنها تؤخذ منهم.

تعجيل الزكاة قبل حلولها
قلت : أرأيت الرجل يعجل زكاة ماله في الماشية وفي الإبل أو في المال لسنة أو لسنتين، أيجوز ذلك، قال: لا. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم. قال: وقال لي مالك: إلا أن يكون قرب الحول أو قبله بشيء يسير فلا أرى بذلك بأسا، وأحب إلي أن لا يفعل حتى يحول عليه الحول. قلت: أرأيت الرجل يعجل صدقة ماشيته لسنين ثم يأتيه المصدق، أيأخذ منه صدقة ماشيته أم يجزئه ما عجل من ذلك؟ فقال لي مالك: لا يجزئه ما عجل من ذلك، ويأخذ منه المصدق زكاة ما وجب عليه من ماشيته، قال أشهب وقال مالك: وإن الذي أداها قبل أن يتقارب ذلك فلا تجزئه، وإنما ذلك بمنزلة الذي يصلي الظهر قبل أن تزول الشمس. وقال الليث لا يجوز ذلك. قال مالك عن نافع: إن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو بثلاثة1. قال أشهب عن الليث، إن عبد الرحمن بن خالد الفهمي حدثه عن ابن شهاب عن ابن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يخرجوا زكاة يوم الفطر قبل أن يخرجوا إلى الصلاة، فإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجها يوم الفطر قبل الخروج إلى الصلاة، فلا يخرج يوم الفطر حتى يطلع الفجر.
ـــــــ
1 رواه مالمك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 55

دفع الزكاة إلى الإمام العدل أو غير العدل
قال: وقال مالك: إذا كان الإمام يعدل لم يسع الرجل أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غير ذلك، ولكن يدفع زكاة الناض إلى الإمام ويدفعه الإمام، وأما ما كان من الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك. قلت: أرأيت قوما من الخوارج غلبوا على بلدة فأخذوا الصدقات والخراج ثم قتلوا، أتؤخذ الجزية والصدقات منهم مرة أخرى؟ قال: لا أرى ذلك أن تؤخذ منهم ثانية. قال ابن وهب عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، إن أبا سعيد الخدري وسعد بن مالك وأبا هريرة وعبد الله بن عمر قالوا كلهم: يجزئ ما أخذوا وإن فعلوا قال ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم، قال: يحتسب بما أخذ العاشر. قال ابن مهدي عن قيس بن الربيع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مثله. قال ابن مهدي عن عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن رفيع عن أنس بن مالك والحسن قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية، قال الحسن: ما استطعت أن تحبسها عنهم حتى تضعها حيث أمرك الله تعالى فافعل.

في المسافر تحل عليه الزكاة في السفر
قال: وسئل مالك عن المسافر تجب عليه الزكاة وهو في سفره، أيقسمها في سفره

إخراج الزكاة من بلد إلى بلد
قلت: أرأيت صدقة الإبل والبقر والغنم وما أخرجت الأرض من الحب والقطنية أو الثمار، أتنقل هذه الزكاة من بلد إلى بلد في قول مالك؟ قال: سئل مالك عن، قسم الصدقات أين تقسم؟ فقال: في أهل البلد التي تؤخذ فيها الصدقة، وفي مواضعها التي تؤخذ منهم فإن فضل عنهم فضل نقلت إلى أقرب البلدان إليهم، ولو أن أهل المدن كانوا أغنياء وبلغ الإمام عن بلد آخر حاجة نزلت بهم أصابتهم سنة أذهبت مواشيهم أو ما أشبه ذلك فنقلت إليهم بعض تلك الصدقة، رأيت ذلك صوابا لأن المسلمين أسوة فيما بينهم إذا نزلت بهم الحاجة. قال: فقلت له: فلو أن رجلا من أهل مصر حلت زكاته عليه، وماله بمصر وهو بالمدينة، أترى أن يقسم زكاته بالمدينة؟ فقال: نعم. قال: ولو أن رجلا لم يكن من أهل المدينة أراد أن يقسم زكاته فبلغه عن أهل المدينة حاجة. فبعث إليهم من زكاة ماله ما رأيت بذلك بأسا. قلت: ورأيته صوابا. قال: وقال مالك: تقسم الصدقة في مواضعها، فإن فضل عنهم شيء فأقرب البلدان إليهم وقد نقل عمر بن الخطاب. قال سحنون قال أشهب، وابن القاسم ذكر عن مالك: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر عام الرمادة، يا غوثاه يا غوثاه للعرب جهز إلي عيرا يكون أولها عندي وآخرها عندك، تحمل الدقيق في العباء فكان عمر يقسم ذلك بينهم على ما

يرى، ويوكل على ذلك رجالا ويأمرهم بحضور نحر تلك الإبل، ويقول: إن العرب تحب الإبل فأخاف أن يستحيوها، فلينحروها وليأتدموا بلحومها وشحومها وليلبسوا العباء الذي أتي فيها بالدقيق.

زكاة المعادن
قال: وقال مالك في زكاة المعادن: إذا أخرج منها وزن عشرين دينارا أو وزن مائتي درهم أخذت منه الزكاة مكانه ولم يؤخر، وما خرج منها بعد ذلك أخذ منه بحساب ذلك مما خرج ربع عشره إلا أن ينقطع نيل ذلك الغار، ثم يعمل في طلبه أو يبتدئ في شيء آخر ثم يدرك، فلا شيء عليه حتى يكون فيما يصيب وزن عشرين دينارا أو وزن مائتي درهم، قال: وإنما مثل ذلك مثل الزرع إذا رفع من الأرض خمسة أوسق أخذ منه، فما زاد فبحساب ذلك. قلت: أرأيت معادن الذهب والفضة أيؤخذ منها الزكاة؟ فقال قال مالك: نعم. قال: وقال مالك في المعادن: ما نيل منها بعمل ففيه الزكاة، فقيل له: فالندرة توجد في المعادن من غير كبير عمل؟ قال: أرى فيها الخمس، فقيل له: إنه قد تكلف فيها عمل؟ قال: ودفن الجاهلية يتكلف فيه عمل، فإذا كان العمل خفيفا ثم وجد هذا الذي وصفت لك من الندرة وهي القطعة التي تندر من الذهب والفضة، فإني أرى فيها الخمس ولا أرى فيها الزكاة. قال: وقال مالك: وما نيل من المعدن بعمل يتكلف فيه، وكانت فيه المؤنة حتى أصاب مثل الذي وصفت لك من الندرة فإنما فيه الزكاة. قال: وقال مالك: ما نيل من المعدن مما لا يتكلف فيه عمل أو تكلف فيه عمل يسير فأصيب فيه مثل هذه الندرة، ففيه الخمس وما تكلف فيه العمل والمؤنة والطلب ففيه الزكاة. قال أشهب، وقال في المعدن: يوجد فيه الذهب النابت لا عمل فيه، فقال لي: كلما كان من المعادن ففيها الزكاة، إلا ما لم يتكلف فيها من المؤنة ففيها الخمس، فكذلك ما وجد فيه من الذهب نابتا لا عمل فيه يكون ركازا ففيه الخمس. قلت: أرأيت المعادن تظهر في أرض العرب؟ فقال: ما زالت المعادن تظهر في أرض العرب ويعمل فيها الناس. وتكون زكاتها للسلطان، وقد ظهرت معادن كثيرة بعد الإسلام فما رأيت ذلك عند مالك يختلف وما كان منها في الجاهلية، قال: ولو اختلف ذلك عند مالك في أرض العرب أو عند أحد منهم لعلمنا ذلك من قوله إن شاء الله، وما شأن ما ظهر في الجاهلية وما ظهر في الإسلام إلا شأن واحدة. قال: وبلغني عن مالك، أنه سئل عن معادن البربر التي ظهرت في أرضهم؟ فقال: أرى ذلك للسلطان يليها ويقطع بها لمن يليها ويأخذ منها الزكاة. قلت: أرأيت قول مالك تؤخذ الزكاة من المعدن مما خرج منه؟ فقال: قال مالك: ذلك بعدما يخرج ذهبه أو فضته. قلت: فالذي يؤخذ منه خمسه الذي يناله بغير

عمل؟ فقال: ذلك إنما هو فضة كله يؤخذ منه خمسه إذا خرج. قال: وقال لي مالك: يؤخذ مما خرج من المعدن وإن كان الذي خرج له عليه دين لم ينظر في دينه، وأخذت منه الزكاة إذا كان يبلغ ما يخرج له مائتي درهم أو عشرين دينارا فصاعدا، قال: وهو مثل الزرع. قلت: أرأيت ما خرج من المعدن لم جعل مالك فيه الزكاة، وهو إن كان مغنما إنما كان ينبغي أن يكون فيه الخمس، وإن كان إنما فيه الزكاة فإنما هو فائدة، فإنه ينبغي أن لا يؤخذ منه شيء حتى يحول الحول عليه من يوم أفاده؟ فقال: قال مالك: إنما هو مثل الزرع إذا حصد كانت فيه الزكاة مكانه إذا كان فيه ما تجب فيه الزكاة، ولا ينتظر به شيئا إذا حصد. قال: وكذلك المعدن إذا خرج منه ما يبلغ أن تكون فيه الزكاة، زكي مكانه ولم ينتظر به حتى يحول عليه الحول من يوم أفاده. وقال أشهب: إنها لما كانت ذهبا وفضة وكانت تعتمل كما يعتمل الزرع وكان أصله النبات كنبات الزرع جعلته بمنزلة الزرع، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فكما كان يكون في الزرع زكاته إذا حصد وإن لم يحل عليه الحول إذا بلغ ما فيه الزكاة كان في المعدن الزكاة مكانه حين أخرجه وصفاه، وإن كان لم يحل عليه الحول من يوم إخراجه أو من يوم عمل فيه إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة مع ما فيه من الآثار. قلت: أرأيت زكاة المعدن أتفرق في الفقراء كما تفرق الزكاة أم تصير مثل الجزية؟ فقال: بل تفرق في الفقراء كما تفرق الزكاة. قلت: وهذا قول مالك. قال: لما قال مالك فيما أخرج من المعادن الزكاة، ومحمله كمحمل الزرع، علمنا أنه في الفقراء وهو مثل الزكاة، محمله كمحمل الزكاة. قال أشهب وابن وهب وابن القاسم عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وغير واحد من علمائهم حدثوه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن من معادن القبلية، وهي من ناحية الفرغ فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم1. قال أشهب عن ابن أبي الزناد، أن أباه حدثه: أن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ من المعادن ربع العشر، إلا أن تأتي ندرة فيكون فيها الخمس كان يعد الندرة الركزة فيخمسها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الركاز الخمس2". قال أبو الزناد: والركزة أن يصيب الرجل الندرة من الذهب أو الفضة يقع عليها ليس فيها كبير مؤنة. قال أشهب عن سفيان، قال سمعت عبد الله بن أبي بكر يذكر أن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ من المعادن من كل مائتي درهم خمسة دراهم.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 8.
2 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 9: "عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سليمان بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:..... ". ورواه البخاري في كتاب الزكاة باب 66.

معادن أرض الصلح وأرض العنوة
قلت: أرأيت المعادن تظهر في أرض صالح عليها أهلها؟ قال: أما ما ظهر فيها من

المعادن فتلك لأهلها، لهم أن يمنعوا الناس أن يعملوا فيها وإن أرادوا أن يأذنوا للناس كان ذلك لهم، وذلك أنهم صالحوا على أرضهم فهي لهم دون السلطان. قال: وما افتتحت عنوة فظهر فيها معادن، فذلك إلى السلطان يصنع فيها ما شاء ويقطع بها لمن يعمل فيها، لأن الأرض ليست للذين أخذوها عنوة.

في الركاز
قلت: أرأيت لو أن رجلا أصاب ركازا في أرض العرب، أيكون للذي أصابه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت من أصاب ركازا وعليه دين أيخمس أم لا؟ فقال: أرى أن يخمس ولا يلتفت إلى دينه. قال: وقال مالك: ما نيل من دفن الجاهلية بعمل وغير عمل فهو سواء وفيه الخمس. قال: وقال مالك: أكره حفر قبور الجاهلية والطلب فيها، ولست أراه حراما فما نيل فيها من أموال الجاهلية ففيه الخمس. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: إنما الركاز ما أصيب في أرض مثل الحجاز واليمن وفيافي البلدان من دفن الجاهلية فهو ركاز وفيه الخمس، ولم يجعله مثل ما أصيب في الأرض التي صالح أهلها وأخذت عنوة.
قلت: أرأيت ما أصيب في أرض العرب، أليس إنما فيه الخمس في قول مالك، ويأخذوا للذين أصابوه أربعة أخماسه؟ قال: نعم. قلت: أليس الركاز في قول مالك ما قل منه أو كثر من دفن الجاهلية فهو ركاز كله وإن كان أقل من مائتي درهم؟ قال: نعم. قلت: ويخرج خمسه وإن كان الذي وجده فقيرا؟ قال: نعم. قلت: وإن كان فقيرا وكان الركاز قليلا أيسعه أن يذهب بجميعه لمكان فقره؟ قال: لا.

الركاز يوجد في أرض الصلح وأرض العنوة
قال: وبلغني أن مالكا قال: كل كنز وجد من دفن الجاهلية في بلاد قوم صالحوا عليها، فأراه لأهل تلك الدار الذين صالحوا عليها وليس هو لمن أصابه، وما أصيب في أرض العنوة فأراه لجماعة مسلمي أهل تلك البلاد الذين افتتحوها وليس هو لمن أصابه دونهم، قال ابن القاسم: وهو بين لأن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها، فهو لجميع مسلمي أهل تلك البلاد ويخمس. قلت: وأرض الصلح في قول مالك أن جميعه للذين صالحوا على أرضهم لا يخمس ولا يؤخذ منهم شيء؟ فقال: نعم. قلت: وأرض العنوة يكون أربعة أخماسه للذين افتتحوها وخمسه يقسم في مواضع الخمس؟ قال: نعم. قال مالك: وذلك أنهم دخلوها بصلح فليس لأحد أن يأخذ منها شيئا مما وجد فيها. قلت:

في الجوهر واللؤلؤ والنحاس يوجد في دفن الجاهلية
قال ابن القاسم، كان مالك يقول في دفن الجاهلية: ما يصاب فيه من الجوهر والحديد والرصاص والنحاس واللؤلؤ والياقوت وجميع الجواهر فيه الخمس، ثم رجع فقال: لا أرى فيه شيئا لا زكاة ولا خمسا، ثم كان آخر ما فارقناه عليه أن قال: الخمس فيه. قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي أن يؤخذ منه الخمس من كل شيء يصاب فيها من دفن الجاهلية. قال سحنون: وإنما اختلف قوله في الجوهر والحديد والرصاص والنحاس، وأما ما أصيب من الذهب والفضة فيه فإنه لم يختلف قوله فيه قط أنه ركاز وفيه الخمس.

زكاة اللؤلؤ والجوهر والمسك
والعنبر والفلوس ومعادن الرصاص والنحاس
قلت: أرأيت معادن النحاس والرصاص والزرنيخ والحديد وما أشبه هذه المعادن؟

زكاة الخضر والفواكه
قال: وقال مالك: الفواكه كلها الجوز واللوز والتين، وما كان من الفواكه كلها مما يبس ويدخر ويكون فاكهة فليس فيها زكاة ولا في أثمانها، حتى يحول على أثمانها الحول من يوم تقبض أثمانها قال مالك: والخضر كلها: القضب والبقل والقرط والقصيل والبطيخ والقثاء وما أشبه هذا من الخضر، فليس فيها زكاة ولا في أثمانها حتى يحول على أثمانها

الحول. قال مالك: وليس في التفاح والرمان والسفرجل وجميع ما أشبه هذا زكاة. قال مالك: وليس الزكاة إلا في العنب والتمر والزيتون والحب الذي ذكرت لك والقطنية. قال ابن وهب، وأخبرني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن موسى بن طلحة مثله. قال ابن وهب، وأخبرني غير واحد عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في الخضر زكاة1" , قال ابن وهب، وأخبرني سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عمر بن الخطاب مثله. قال ابن وهب، وقال عبد الجبار بن عمر عن ربيعة: ليس في الجوز واللوز والجلوز والفاكهة اليابسة والرطبة والتوابل كلها زكاة. قال وأخبرني عن غير واحد من أهل العلم، عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن شهاب وعطاء بن أبي رباح وعطاء الخراساني، أنه قال: ليس في البقل والبطيخ والتوابل والزعفران والقضب والعصفر والكرسف والأترج والتفاح والخربز والتين والرمان والفرسك والقثاء وما أشبه ذلك زكاة، وبعض سمى ما لم يسم بعض وقاله الليث ومالك. قال سفيان بن عيينة عن عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة:: أن معاذ بن جبل أخذ الصدقة من كذا وكذا ولم يأخذ من الخضر صدقة.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الزكاة باب 13.

في قسم الزكاة
قلت: أرأيت زكاة مالي إن لم أجد إلا صنفا واحدا مما ذكر الله في القرآن أيجزئني أن أجعلها فيهم؟ فقال قال مالك: إن لم يجد إلا صنفا واحدا أجزأه أن يجعلها فيهم. قال مالك: وإذا كنت تجد الأصناف كلها الذين ذكر الله في القرآن وكان منها صنف واحد هم أحوج، آثر أهل الحاجة حيث كانت حتى تسد حاجتهم، وإنما يتبع في ذلك في كل عام أهل الحاجة حيث كانت وليس في ذلك قسم مسمى. قال: وسألناه عن الرجل تكون له الدار والخادم هل يعطى من الزكاة؟ فقال: إن الدور تختلف فإن كانت دارا ليس في ثمنها فضل إن بيعت اشترى من ثمنها دارا وفضلت فضلة يعيش فيها، رأيت أن يعطى ولا يبيع مسكنه، وإن كانت داره دارا في ثمنها ما يشترى به مسكنا وتفضل له فضلة يعيش فيها لم يعط منها شيئا والخادم كذلك. قال: وسألنا مالكا عن الرجل يكون له أربعون درهما أيعطى من الزكاة؟ فقال: رب رجل يكون له أربعون درهما وهو أهل لأن يعطى من الزكاة يكون له عيال وعدد. ورب رجل تكون عياله عشرة أو شبه ذلك فلا تكون له الأربعون درهما شيئا فأرى أن يعطى مثل هذا.
قلت: أرأيت رجلا له ألف درهم وعليه ألفا درهم دينا وله دار وخادم ثمنهما ألفا درهم أيكون من الغارمين وتحل له الصدقة؟ فقال: لا ويكون دينه في عروضه وخادمه وداره. قلت: فإن أدى الألف الذي عنده في

دينه وبقيت عليه الألف، وبقيت داره وخادمه أيكون من الغارمين والفقراء؟ فقال: نعم إذا لم يكن في الخادم والدار فضل عن دار تغنيه وخادم يغنيه كان من الغارمين والفقراء. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قال: وقال مالك: أرى أن يؤثر بالزكاة أهل الحاجة حيث كانوا. قلت: فهل كان مالك يقول ويرضخ لمن سوى أهل الحاجة من الذين لا يستحقون الزكاة؟ فقال: ما علمت أنه قال يرضخ لهؤلاء. قلت: هل يرفع من الزكاة إلى بيت المال شيء في قول مالك؟ قال: لا ولكن تفرق كلها ولا يرفع منها شيء، وإن لم يجد من يفرق عليه في موضعها الذي أخذها فيه فأقرب البلدان إليه.
قال ابن القاسم، ولقد حدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كنت مع ابن زرارة باليمامة حين بعثه عمر بن عبد العزيز مصدقا قال: وكتب إليه في أول سنة أن اقسم نصفها، ثم كتب إليه في السنة الثانية أن اقسمها كلها ولا تحبس منها شيئا، قال: فقلت لمالك: فالشأن أن تقسم في مواضعها إلا أن تكون كثيرة فيصرفها إلى أقرب المواضع إليه؟ فقال: نعم. قال: ولقد بلغني أن طاوسا بعث مصدقا وأعطى رزقه من بيت المال، قال فوضعه في كوة في منزله، قال: فلما رجع سألوه أين ما أخذت من الصدقة؟ قال: قسمته كله، قالوا: فأين الذي أعطيناك؟ قال: ها هو ذا في بيتي موضوع في كوة فذهبوا فأخذوه. قال ابن القاسم، وبلغني أن عمر بن الخطاب بعث معاذا مصدقا فلم يأت بشيء. قال مالك: ووجه قسم المال أن ينظر الوالي إلى البلد التي فيها هذا المال ومنها جبي، فإن كانت البلدان متكافئة في الحال آثر به أهل ذلك البلد فيقسم عليهم ولم يخرج إلى غيرهم، إلا أن يفضل عنهم فضلة فتخرج إلى غيرهم، فإن قسم في بلاده آثر الفقراء على الأغنياء، قال: وإن بلغه عن بعض البلدان حاجة وفاقة نزلت بهم من سنة مستهم أو ذهاب أموالهم وزرعهم وقحط السماء عليهم، فإن للإمام أن ينظر إلى أهل ذلك البلد الذين جبي فيهم ذلك المال فيعطيهم منه ويخرج جل ذلك المال إلى أهل ذلك البلد الذين أصابتهم الحاجة، وكذلك بلاد الإسلام، كلهم حقهم في هذا الفيء واحد، يحمل هذا الفيء إليهم من غير بلادهم إذا نزلت بهم الحاجة. قال مالك: والصدقات كذلك كلها في قسمتها مثل ما وصفت لك. قال أشهب عن مسلم بن خالد الزنجي: إن عطاء بن السائب حدثه عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول في هذه الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] كلها، إنما هو علم أعلمه الله، فإذا أعطيت صنفا من هذه التسمية التي سماها الله أجزأك وإن كان صنفا واحدا. قال أشهب قال الزنجي وحدثني سعيد بن أبي صالح عن ابن عباس، أنه كان يقول مثل ذلك. قال ابن وهب عن يونس بن يزيد،

إنه سأل ابن شهاب عن قول الله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]. قال: لا نعلمه نسخ من ذلك شيء إنما الصدقات بين من سمى الله، فأسعدهم بها أكثرهم عددا أو أشدهم حاجة. قال ابن وهب عن يونس بن يزيد: إنه سأل ابن شهاب عن الصدقة أيستعمل عليها غني أو يخص بها فقير؟ فقال: لا بأس أن يستعمل عليها من استعمل من أولئك، ونفقة من استعمل عليها من أولئك في عمله من الصدقة. قال ابن مهدي عن حفص بن غياث عن الحجاج بن أرطاة عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش عن حذيفة قال: إذا وضعتها في صنف واحد أجزأك. ابن مهدي عن سليمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال: إذا وضعت الصدقة في صنف واحد أجزأك. قال ابن مهدي عن سفيان عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء مثله قال ابن مهدي عن شعبة عن الحكم، قال قلت لإبراهيم: أضع زكاة مالي في صنف من هذه الأصناف؟ قال: نعم. قال ابن مهدي عن إسرائيل بن يونس عن جابر عن الشعبي، قال: لم يبق من المؤلفة قلوبهم أحد إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخلف أبو بكر انقطع الرشا. قال: وبلغني عن عمر بن عبد العزيز فيمن له الدار والخادم والفرس أن يعطى من الزكاة.

ما لا يقسم الرجل عليه زكاة ماله من أقاربه
قلت: أرأيت زكاة مالي من لا ينبغي لي أن أعطيها إياه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تعطها أحدا من أقاربك ممن تلزمك نفقته. قال: فقلت له: فمن لا تلزمني نفقته من ذوي قرابتي وهو محتاج إليها؟ فقال: ما يعجبني أن يلي ذلك هو بالدفع إليهم، وما يعجبني لأحد أن يلي قسم صدقته لأن المحمدة تدخل فيه والثناء، وعمل السر أفضل والذي أرى: أن ينظر إلى رجل ممن يثق به فيدفع ذلك إليه فيقسمه له، فإن رأى ذلك الرجل الذي من قرابته الذي لا يلزمه نفقته هو أهل لها أعطاه كما يعطي غيره من غير أن يأمره بشيء من ذلك، ولكن يكون الرجل الذي دفع إليه ليفرق هو الناظر في ذلك على وجه الاجتهاد. قلت: فمن تلزمني نفقته في قول مالك؟ فقال: الولد ولد الصلب دنية تلزمه نفقتهم الذكور حتى يحتلموا فإذا احتلموا تلزمه نفقتهم، والنساء حتى يتزوجن ويدخل بهن أزواجهن فإذا دخل بهن أزواجهن فلا نفقة لهن عليه، فإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها؟ قلت: فإن هو طلقها قبل البناء بها؟ فقال: هي على نفقتها. ألا ترى أن النفقة واجبة على الأب حتى يدخل بها، لأن نكاحها في يد الأب ما لم يدخل بها زوجها. قلت: فولد الولد؟ فقال: لا نفقة لهم على جدهم، وكذلك لا

يلزمهم النفقة على جدهم ولا يلزم المرأة النفقة على ولدها، وإنما يلزم الأب وحده النفقة على ولده وإن لم يكن لوالدها مال وهي موسرة لم تلزم النفقة على ولدها ويلزمها النفقة على أبويها، وإن كانت ذات زوج وإن كره ذلك زوجها كذلك قال مالك. قال والزوج تلزمه نفقة امرأته وخادم واحدة لامرأته ولا يلزمه من نفقة خدمها أكثر من نفقة خادم واحدة، ولا يلزمه نفقة أخ ولا ذوي قرابة ولا ذي رحم محرم منه. قلت: فالذين لا يجوز له أن يعطيهم من زكاة ماله، هم هؤلاء الذين ذكرت الذين تلزمه نفقتهم؟ فقال: نعم. قلت: ومن وراء هؤلاء من قرابته فهم في زكاته والأجنبيون سواء؟ قال: نعم على ما فسرت لك، إذا رأى الذي دفع إليه زكاته أن يعطيهم أعطاهم. قلت: أتعطي المرأة زوجها من زكاتها؟ فقال: لا. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا وهذا أبين من أن أسأل مالكا عنه. قال وقال مالك: لا يعطى أهل الذمة من الزكاة شيئا. قال سحنون، وأما قول الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فإن ذلك في الضرر على الوارث مثل ذلك أن لا يضار، وقد قال ذلك ابن شهاب وقاله مالك. قال أشهب: وقد كان ابن عباس وغيره من أهل العلم يرون أن إعطاء المرء قرابته من زكاته بوجه الصحة على وجه ما يعطي غيره من زكاة ماله مجزئ عنه. قال: وكان ابن المسيب وطاوس يكرهان ذلك، وكان مالك أكثر شأنه فيه الكراهية.

في العتق من الزكاة
قال: وقال مالك: من اشترى من زكاة ماله رقبة فأعتقها كما يعتق الوالي، إن ذلك جائز ويجزئه من زكاته ويكون ولاؤه لجميع المسلمين. قلت: وكان مالك يقول: يشتري الوالي من الزكاة رقابا فيعتقهم، فقال: نعم ويكون ولاؤهم لجميع المسلمين. قال: وحضرت مالكا يشير بذلك على من يقسم الصدقة، قال مالك: ويجوز للمرء أن يعمل في زكاة نفسه كما يجوز للوالي أن يعمل في زكاة المسلمين. قلت: فإن اشتراه من زكاة ماله وأعتقه من نفسه؟ فقال: لا يجزئه ولم أسمع هذا من مالك، ولكنه لا يجوز وعليه الزكاة ثانية، قال سحنون: لأن الولاء له فكأنها زكاة لم يخرجها، وإنما إخراجها أن يكون ولاؤها لهم.

إعطاء المكاتب وابن السبيل من الزكاة
قال: وقال مالك: لا يعجبني أن يعان بها المكاتبون، قال: وما علمت أنه كان في

تكفين الميت وإعطاء اليهودي والنصراني والعبد من الزكاة
قال: وقال مالك: لا تجزئه أن يعطي من زكاته في كفن ميت لأن الصدقة إنما هي للفقراء والمساكين ومن سمى الله، فليست للأموات ولا لبنيان المساجد. قال: وقال مالك: ولا يعطى من الزكاة مجوسي ولا نصراني ولا يهودي ولا عبد، وكما لا يعتق في الكفارات غير المؤمنين فكذلك لا يطعم منها غير المؤمنين، وقد قال: لا يعتق في الكفارات إلا مؤمنة "ربيعة"، و "عطاء" مؤمنة صحيحة. وقال نافع وربيعة: لا يطعم من الزكاة نصراني ولا يهودي ولا عبد، إلا أن نافعا لم يذكر اليهودي ولا العبد.

الرجل يعطي مكان زكاة الذهب والورق عرضا
قلت: أرأيت إن أعطى زكاة ماله وقد وجبت عليه وهي ألف درهم كانت عنده حال عليها الحول، فأعطى مكان زكاتها حنطة أو شعيرا أو عرضا من العروض قيمته ربع عشر هذه الألف درهم؟ فقال: قال مالك: لا يعطي عروضا ولكن يعطي ورقا وقيمة ذلك ذهبا. قال سحنون قال ابن وهب، وقد كره غير واحد اشتراء صدقة ماله، منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله، وقال يحيى: من الناس من يكره اشتراء صدقته.

الرجل يكون له الدين على
الرجل فيتصدق به عليه ينوي بذلك زكاة ماله .
قلت: أرأيت الرجل يكون لي عليه الدين فيجب علي الزكاة، فأتصدق عليه بذلك

قسم خمس الركاز
قلت: أرأيت لو أن رجلا أصاب ركازا وله أقارب فقراء، منهم من يضمنه الحاكم نفقته ومنهم من لا يضمنه الحاكم نفقته، أيجعل خمس هذا الركاز فيهم أم لا؟ فقال: لا يخصهم بذلك ولكن يعطيهم كما يعطي غيرهم من الفقراء فقراء موضعه، وذلك أن مالكا كره أن يعطي الرجل زكاته أقاربه الذين لا يضمن نفقتهم لمكان محمدتهم إياه، وقضاء مذمة كانت عليه ودفع صلات كانوا يرتجونها منه، فلو صح ذلك عنده ولم يكن بذلك بأسا. قال: وإنما كان يقول لنا مالك: إنما أخاف بذكر هذه الأشياء يحمدونه عليها. قال ابن القاسم: فهذا الخمس إن كان لا يدفع به شيئا مما وصفته لك من مذمة ولا يتخذ به محمدة إلا على وجه الاجتهاد لهم كاجتهاده في غيرهم، فلا أرى بذلك بأسا. قال: فأما ولد أو والد فلا يعجبني ذلك، لأن نفقتهم تلزمه فهو إذا أعطاهم دفع عن نفسه بعطيتهم نفقتهم، وإن كانوا أغنياء فغيرهم أحق بذلك منهم. وقد قال غيره: إذا أعطاهم كما يعطي غيرهم من الأباعد على غير إيثار جاز، لأن الخمس فيء وليس هو مثل الزكاة التي لا تحل لغني، والفيء يحل للغني والفقير إلا أن الفقير يؤثر على الغني. قلت لابن القاسم: أرأيت هذا الخمس لم لا يعطيه ولده ولا والده الذين يضمن نفقتهم فيغنيهم بذلك ويدفع عنهم نفقتهم، وهذا الخمس إنما هو عندك فيء وهؤلاء فقراء؟ فقال: ينبغي له أن ينظر إلى من هو أفقر من هؤلاء الذين يضمن هو نفقتهم فهم أولى بذلك، لأن الوالدين لو كانا فقيرين أحدهما له من ينفق عليه والآخر ليس له من ينفق عليه، بدأ بهذا الذي ليس له من ينفق عليه فكذلك هذا الرجل. وقد سئل مالك وأنا قاعد عنده، عن رجل محتاج له أب موسر أترى أن يعطى من القسم شيئا؟ قال: إن كان لا يناله معروف أبيه فلا أرى به بأسا، قال ابن القاسم: وإن كان يناله معروف والده فغيره من أهل الحاجة ممن لا يناله معروف أحد أولى بذلك. قلت: أي شيء هذا القسم؟ قال: هو الزكاة. قلت لابن القاسم: ما قول مالك في هذا الفيء أيساوي بين الناس فيه أم يفضل بعضهم على بعض؟ قال: قال مالك: يفضل بعضهم على بعض ويبدأ بأهل الحاجة حتى يغنموا منه. قلت لابن القاسم: أرأيت جزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها

عنوة وما صالح عليها أهلها، ما يصنع بهذا الخراج؟ قال: قال مالك: هذا جزية، قال ابن القاسم: والجزية عند مالك فيما يعلم من قوله فيء كله . قلت لابن القاسم: فمن يعطى هذا الفيء وفيمن يوضع؟ قال: قال مالك: على أهل كل بلد افتتحوها عنوة أو صالحوا عليها هم أحق به يقسم عليهم، يبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ولا يخرج منهم إلى غيرهم، إلا أن ينزل بقوم حاجة فينقل إليهم بعدما يعطى أهلها، يريد ما يغنيهم على وجه النظر والاجتهاد. قال ابن القاسم، وكذلك كتب عمر بن الخطاب: لا يخرج في قوم عنهم إلى غيرهم، ورأيت مالكا يأخذ بالحديث الذي كتب به عمر إلى عمار بن ياسر وصاحبيه إذ ولاهم العراق حين قسم لأحدهم نصف شاة وللآخرين ربعا ربعا، فكان في كتاب عمر بن الخطاب إليهم: إنما مثلي ومثلكم في هذا المال كما قال الله عز وجل في والي اليتيم: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]. قال: وسألته عن الرجل يوصي بالنفقة في سبيل الله، قال: يبدأ بأهل الحاجة الذين في سبيل الله، قال: وكلمته في غير شيء فرأيت قوله: إنه يبدأ في جميع ذلك بالفقراء. قال ابن القاسم قال مالك: يبدأ بالفقراء في هذا الفيء فإن بقي شيء كان بين الناس كلهم بالسوية، إلا أن يرى الوالي أن يحسبه لنوائب تنزل به من نوائب أهل الإسلام، فإن كان ذلك رأيت ذلك له، قال ابن القاسم: والناس كلهم سواء عربيهم ومولاهم، وذلك أن مالكا حدثني أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: يا أيها الناس إني عملت عملا وإن صاحبي عمل عملا، ولئن بقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس أعلاهم. قال وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه حتى لو كان راعيا أو راعية بعدن، قال: ورأيت مالكا يعجبه هذا الحديث. قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: قد يعطي الوالي الرجل المال يجيزه لأمر يراه فيه على وجه الدين أي وجه الدين من الوالي يجيزه لقضاء دينه بجائزة أو لأمر يراه قد استحق الجائزة، فلا بأس على الوالي بجائزة مثل هذا ولا بأس أن يأخذها هذا الرجل. قلت لابن القاسم: أيعطى المنفوس من هذا المال؟ قال: نعم. قال: وأخبرني مالك، أن عمر بن الخطاب مر ليلة فسمع صبيا يبكي فقال لأهله: ما لكم لا ترضعونه؟ قال: فقال أهله: إن عمر بن الخطاب لا يفرض للمنفوس حتى يفطم وإنا فطمناه، قال فولى عمر وهو يقول: كدت والذي نفسي بيده أن أقتله ففرض للمنفوس من ذلك اليوم مائة درهم. قلت لابن القاسم: فإن كان المنفوس والده غنيا أيبدأ بكل منفوس والده فقير؟ قال: نعم. قلت له: أفكان يعطي النساء من هذا المال فيما سمعت من مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول: كان عمر بن الخطاب يقسم للنساء حتى إن كان ليعطيهن المسك. قلت

لابن القاسم: ويبدأ بالفقيرة منهن قبل الغنية؟ قال: نعم. قلت: أرأيت قول مالك يسوى بين الناس في هذا الفيء الصغير والكبير، والمرأة والرجل فيه سواء. قال تفسيره: أنه يعطي كل إنسان قدر ما يغنيه، الصغير قدر ما يغنيه والكبير قدر ما يغنيه والمرأة قدر ما يغنيها، هذا تفسير قوله عندي "يسوى بين الناس في هذا المال ". قلت له: فإن فضل الآن بعدما استغنى أهل الإسلام من هذا المال فضل؟ قال: ذلك على وجه اجتهاد الإمام إن رأى أن يحبس ما بقي لنوائب أهل الإسلام حبسه، وإن رأى أن يفرقه على أغنيائهم فرقه وهذا قول مالك. قلت لابن القاسم: وهذا الفيء حلال للأغنياء؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
ولقد حدثني مالك، أنه أتي بمال عظيم من بعض النواحي في زمان عمر بن الخطاب، قال فصب في المسجد فبات عليه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص يحرسونه، فلما أصبح كشف عنه أنطاع أو مسوح كانت عليه فلما أصابتها الشمس ائتلقت وكان فيها تيجان، قال فبكى عمر فقال له عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين: ليس هذا حين بكاء إنما هذا حين شكر، فقال: إني أقول إنه ما فتح هذا على قوم قط إلا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم، ثم قال لابن الأرقم: أرحني منه أي اقسمه فقسمه. قال ابن القاسم، وسمعت مالكا يقول قال عمر بن الخطاب لابن الأرقم: اكتب لي الناس، قال: قد كتبتهم ثم جاءه بالكتاب، قال: فقال له: هل كتبت الناس؟ فقال: نعم قد كتبت المهاجرين والأنصار والمهاجرين من العرب والمحررين يعني المعتقين، قال: ارجع فاكتب فلعلك قد تركت رجلا لم تعرفه، أراه أن لا يترك أحدا فهذا ما يدلك أن عمر كان يقسم لجميع المسلمين. قال ابن القاسم: وسمعت مالكا وهو يذكر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر في زمان الرمادة. قال فقلنا لمالك: وما زمان الرمادة أكانت سنة أو سنتين؟ قال: بل سنتين. قال ابن القاسم: بلغني أنها كانت ست سنين. قال: فكتب إليه واغوثاه واغوثاه واغوثاه، قال فكتب إليه عمرو بن العاص: لبيك لبيك لبيك، قال: فكان يبعث إليه بالعير عليها الدقيق في العباء، فكان يقسمها عمر فيدفع الجمل كما هو إلى أهل البيت فيقول لهم: كلوا دقيقه والتحفوا العباء وانتحروا البعير فائتدموا بشحمه وكلوا لحمه. قال ابن القاسم: سمعت مالكا وهو يذكر، أن رجلا رأى فيما يرى النائم في خلافة أبي بكر: أن القيامة قد قامت وأن الناس قد حشروا، قال فكأنه ينظر إلى عمر بن الخطاب قد فرع الناس ببسطه، قال فقلت في منامي. بم فضل عمر بن الخطاب الناس؟ قال: فقيل لي: بالخلافة وبالشهادة وبأنه لا يخاف في الله لومة

لائم، قال: فأتى الرجل حين أصبح فإذا أبو بكر وعمر قاعدان جميعا فقص عليهما الرؤيا، فلما فرغ منها انتهره عمر ثم قال له: قم أحلام نائم فقام الرجل. فلما توفي أبو بكر وولي عمر أرسل إليه ثم قال له: أعد علي الرؤيا التي رأيتها، قال: أو ما كنت رددتها علي قال: فقال له: أو ما كنت تستحيي أن تذكر فضلي في مجلس أبي بكر وهو قاعد؟ قال: فقصها الرجل عليه فقال بالخلافة، قال عمر: هذه أولتهن يريد قد نلتها، ثم قال: وبالشهادة فقال عمر: وأنى ذلك لي والعرب حولي، ثم قال بلى وإن الله على ذلك لقادر، قال: وبأنه لا يخاف في الله لومة لائم، فقال عمر: والله ما أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من دار الحق فأديره. قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: اختصم قوم في أرض قرب المدينة فرفعوا ذلك إلى عثمان بن عفان، قال: فركب معهم عثمان لينظر فيما بينهم، قال فلما ركب وسار قال له رجل من القوم يا أمير المؤمنين أتركب في أمر قد قضى فيه عمر بن الخطاب، قال فرد عثمان دابته. وقال مالك: ما كنت لأنظر في أمر قد قضى فيه عمر. قلت لابن القاسم: هل يجبر الإمام أحدا على أخذ هذا المال إذا أبى أخذه؟ قال: لا. قال: وسمعت مالكا يذكر: أن عمر بن الخطاب كان يدعو حكيم بن حزام يعطيه عطاءه، قال فيأبى ذلك حكيم ويقول: قد تركته على عهد من هو خير منك، يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول عمر: إني أشهدكم عليه. قال ابن القاسم: فلم يجبر عمر هذا على أخذ هذا المال. قال: وسمعت مالكا: إنما تركه حكيم لحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث الذي جاء "إن خيرا لأحدكم أن لا يأخذ من أحد شيئا" قالوا: ولا منك يا رسول الله قال: "ولا مني".
وهنا انتهى وتم كتاب الزكاة الأول, بحمد الله وعونه وحسن توفيقه, ويليه إن شاء الله تعالى كتاب الزكاة الثاني من المدونة الكبرى.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19