كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

له إذا ردها أن يحبس ولدها فإن أبى أن يرد ولدها لم يكن له في العيب شيء إلا أن يردها بالولد.
قلت: فإن كان اشتراها بيعا فاسدا فولدت عنده ولدا ثم مات الولد أله أن يردها ويأخذ الثمن في قول مالك؟ قال: لا لأنها حين ولدت عنده فقد فاتت وحالت الأسواق, فلا يرد البيع كانت من المرتفعات أو الوخش, وليس عليه إلا قيمة الأم يوم قبضها.
قلت: فبم فرق مالك بين البيع الفاسد إذا حالت عند المبتاع بنقصان بدن أو بزيادة بدن أو زيادة سوق أو نقصان سوق أو ولادة؟ لم يكن له أن يردها ويرجع على بائعها بالثمن إلا أن يرضى البائع والمبتاع بالرد, وبين الذي اشترى بيعا صحيحا فأصاب عيبا وقد نقضت بتغير سوق أو زيادة بدن أو نقصان أو أصاب بها عيبا غير مفسد كان له أن يرد في قول مالك ولا شيء على المشتري في ذلك.
قلت: فبم فرق مالك بين هذين؟ قال: لأن بيع الحرام هو بيع وإن كان قد أخطأ فيه وجه العمل فهو ضامن, وقد باعه البائع ولم يدلس له عيبا وأخذ للجارية ثمنا, فلما كان ذلك البيع مردودا إن أصاب الجارية بحال ما أخذت منه ردت عليه فأما إن تغيرت فليس له أن يرد لأنه ليس له أن يأخذ منه جارية صحيحة ويردها معيبة أو يأخذها وقيمتها ثلاثون دينارا فتحول سوقها فيردها وقيمتها عشرة دنانير فيذهب من مال البائع بعشرين دينارا أو تنمو في بدنها وقد كان لها ضامنا فيأخذ البائع من المبتاع زيادة عشرة دنانير أو ثلاثين دينارا وإنما كانت الزيادة في ضمان غيره, وإنما أخطأ في العمل فلزمته قيمتها يوم قبضها وإنما العيب أمر كان سببه من البائع ولم يكن سببه من المبتاع, فلذلك ردها وكان ما أصابها من عيب يسير من حمى أو رمد أو ضرر جسم أو عيب يسير لا يكون مفسدا فليس على المبتاع فيه شيء إلا أن يكون كثيرا فاحشا أو عيبا مفسدا مثل العور والقطع والصمم وما أشبهها, فذلك حينئذ يكون المبتاع بالخيار إن شاء ردها ورد ما نقص العيب منها وإن شاء أمسكها وأخذ قيمة العيب من الثمن إلا أن يقول البائع: أنا آخذها ناقصة وأدفع إليك الثمن كله, فلا يكون للمبتاع هاهنا حجة في حبسها إلا أن يحبسها ولا يرجع على البائع بشيء أو يردها ولا شيء له.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت من اشترى من سلعة إلى أجل مجهول فقال المبتاع, أنا أبطل الأجل وأنقدك الثمن الذي شرطت إلى الأجل, وقال البائع: لا أقبل ولكني آخذ سلعتي لأن

الصفقة وقعت فاسدة, ما قول مالك في ذلك؟ قال: للبائع أن يأخذ سلعته عند مالك ولا ينظر في هذا إلى قول المبتاع لأن الصفقة وقعت فاسدة إلا أن تفوت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق فيكون عليه قيمتها.
قلت: أرأيت إن اشترى ثمرة نخل قبل أن يبدو صلاحها فجذها قبل أن يبدو صلاحها؟ قال: البيع جائز إذا لم يكن في البيع شرط أنه يتركها حتى يبدو صلاحها.
قلت: فإن اشتراها قبل أن يبدو صلاحها فتركها حتى يبدو صلاحها فجدها ما عليه؟ قال: عليه قيمتها يوم جدها إن كان رطبا.
قلت: وكذلك إن تركها حتى صارت تمرا فجدها؟ قال: إذا تركها حتى يصير تمرا ثم جدها فعليه مكيلة ثمرتها التي جدها وهو قول مالك.
قال ابن وهب: قال يونس وقال ربيعة: لا تجمع صفقة واحدة شيئين يكون أحدهما حلالا والآخر حراما, ومن ذلك ما يدرك فينقص ومن ذلك ما يتفاوت فلا يدرك نقصه إلا بظلم فيترك. قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] فكل بيع لم يدرك حتى تفاوت ولا يستطاع رده إلا بمظلمة فقد تفاوت رده, وما كان من أمر ينقصه بين أهله بغير ظلم فلم يفت ذلك فانقضه.
قال ابن وهب قال: وسمعت مالكا يقول: الحرام البين من الربا وغيره يرد إلى أهله أبدا فات أو لم يفت وما كان مما كرهه الناس فإنه ينقض إن أدرك بعينه فإن فات ترك.

في اشتراء القصيل والقرط واشتراط خلفته
قلت: ما يقول مالك في اشتراء القصيل أو القرط أو القضب واشترط أن يؤخر ذلك إلى شهر أو نحو ذلك حتى يقضب ويشتد ثم يقصله, أو اشتراه واشترط خلفته خلفة القصيل أو القرط أو القضب؟ قال: قال مالك: ما اشتريت من القصيل أو القضب أو القرط وقد بلغ إبانا يرعى فيه أو يحصد فيعلف ولم يكن في ذلك فساد, فلا أرى بذلك بأسا أن يشتري ويشترط خلفته إذا كانت الخلفة مأمونة إذا لم يشترط أن يدعه حتى يصير حبا, فإن اشترط ذلك فإن ذلك حرام لا يجوز والبيع فيه مفسوخ, فإن لم يشترط ذلك عليه وتركه حتى صار حبا فإنه ينظر إلى ما أكل منه وإلى ما خرج حبا فيحسب كم قدر ذلك منه ثم يرد على صاحبه ويأخذ من الثمن من البائع بقدر ذلك. قال: وتفسير ما قال لي مالك في ذلك: أن الرجل إذا اشترى واشترط خلفته فأكل رأسه وغلبته الخلفة بالحب أنه لا ينظر إلى الثمن, ولكن ينظر كم قيمة الرأس الأول في زمانه وتشاح الناس فيه,

وكم كان قيمة الخلفة مما يتشاح الناس فيه وقيمتها وقدر ثمنها فيحمل على ذلك, فإن كان الرأس الثلثين أو ثلاثة أرباعه والخلفة الثلث أو الربع, وإن كانت الخلفة هي أغزر قرطا أو قضبا أو أكثر نباتا لم ينظر في ذلك, وإنما ينظر إلى قيمة ذلك فيفض الثمن على ذلك, وإن كان الأول هو الثلث أو الربع والخلفة هي الثلثان أو ثلاثة أرباع فيقسم الثمن على قيمة الأول وقيمة الآخر ثم ينظر إلى قدر ذلك من الثمن مما فات بالحب فيرد بقدر ذلك, وإن خرج الحب في نصف الخلفة أو نصف الرأس الأول فقيمته أيضا على ما وصفت لك في ذلك فهذا وجه ما فسر لي مالك من كراء الدور والأرضين.
قلت: فإذا خرج بعض هذا القصيل أو بعض القضب أو بعض القرط فصار حبا لم يقوم الحب ولم يلتفت إلى قيمة الحب في قول مالك؟ قال: نعم, وإنما يقوم الأول والخلفة ولا يقوم حبا.
قلت: أرأيت قول مالك في بيع القصيل؟ قال: إذا بلغ القصيل إبانه ولم يكن على وجه الفساد.
قلت: فأي شيء معنى الفساد؟ قال: معنى قوله أنه يريد إذا كان قبل أن يبلغ الزرع الرعي أو أن يحصد.
قلت: ما قول مالك في القصيل إذا خرج من الأرض ولم يبلغ أن يرعى أو يحصد أيصلح بيعه ويشترط تركه حتى يبلغ أن يرعى أو يحصد؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك.
قلت: فإن اشتراه وقد بلغ أن يرعى أو يحصد واشترط تركه حتى يقضب أو اشترط أن يتركه شهرا أو نحو ذلك ثم يحصده أو يرعاه؟ قال: لا يعجبني ذلك إذا كان تركه شهرا لأنه إنما يعتري بتركه شهرا الزيادة في النبات, فإذا كان إنما يتركه لنبات يزداده فلا يعجبني ذلك إلا أن يبدأ بقصله مكانه يشرع في ذلك, فيكون على وجه ما يؤكل فيه يتأخر شهرا قبل أن يحصد جميعه لأن كل شيء اشتراه رجل من زرع يشترط فيه نباتا أو زيادة حتى يصير إلى غير الحال التي يكون الزرع فيها حين اشتراه لم يكن ذلك طيبا كطيب النخل والعنب إذا أزهت فإن النخل والعنب إذا أزهت فاشترى رجل ثمرتها فإنما الزيادة في الثمرة هاهنا طيب وحلاوة ونضاج وقد تناهى عظم الثمرة والنبات, وأما في القصيل فهو نشور وزيادة, فالثمار في هذا مخالفة للزرع في الشراء ; قال: ومن ذلك أن بعض القصيل والقرط يسقى, فيشترط عليه حين يشتريه أن يرعى فيه وأن يسقيه له شهرا أو شهرين إلى أن يبلغ قصيله, فلا يجوز لأنه قد اشترط زيادة في النبات فكأنه إنما اشترى منه الساعة على أن يدعه إلى بلوغه فهذا اشترى شيئا بعينه إلى أجل فلا يصلح,

وإن أصابته جائحة كانت من البائع فكأنه إنما ضمن له القصيل إلى أن يبلغ ولو أجزت هذا لأجزته حين يكون بقلا ثم يسقيه إلى أن يبلغ القصيل.
قلت: أرأيت لو اشتريت بقل الزرع على أن يرعاه تلك الساعة؟ قال: لم يكن بذلك بأس وإن اشترط عليه سقيه إلى أن يبلغ القصيل لم يكن في ذلك خير وهو قول مالك, وإنما اعترى في مسألتك الأولى النبات والزيادة ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا اشترى من رجل صوفا على غنم, وهي لو جزت لم يكن جزازها فسادا وفيها ما لا يجز فاشتراه رجل على أن لا يجزه إلا إلى إبان يتناهى الصوف فيه نبات الصوف ويتم لم يكن في ذلك خير, وهو مما نهى عنه مالك, فالقصيل عندي إذا بلغ أن يرعى فيه فاشتراه واشترط تركه إلى أجل لزيادة يطلبها فيه فهو بهذه المنزلة.
قلت: أرأيت إن اشترى أول جزة من القصيل ثم اشترى بعد ذلك الخلفة أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز في قوله.
قلت: فهل يجوز لغير الذي اشترى الأول أن يشتري الخلفة؟ قال: لا يجوز ذلك في قول مالك ; قال: ومما يبين لك المسألة في القصيل لو أن رجلا اشترى طلع نخل على أن يجدها لم يكن بذلك بأس ولو اشترط على صاحب النخل أن يسقيها حتى تكون بلحا فيجدها فيقلعها عند ذلك لم يكن فيه خير, فالقصيل والطلع بمنزلة واحدة.

في الرجل يشتري ما أطعمت المقثأة شهرا أو شرطين في بيع والثمن مجهول
قلت: أرأيت إن اشتريت من مقثأة ما أطعم الله منها شهرا أيجوز هذا الشراء أم لا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا البيع في رأيي لأن حمله في الشهور مختلف إذا اشتد الحر كثر حمله وإذا اشتد البرد قل حمله فهذا يشتري ما لا يعرف فلا خير فيه.
قلت: أرأيت إن اشترى سلعة إلى أجلين إن نقد إلى أجل كذا وكذا فبكذا وكذا وإن نقد إلى أجل كذا وكذا فبكذا وكذا؟ قال: قال مالك: هذا البيع مفسوخ لا يجوز.
قلت: فإن قال المبتاع أنا أنقده الثمن حالا؟ قال: البيع على كل حال مفسوخ.
قلت: أرأيت إن قال: له اشتر مني إن شئت بالنقد فبدينار وإن شئت إلى شهرين فبدينارين وذلك في طعام أو عرض ما قول مالك في ذلك؟ قال: قال مالك: إن كان هذا القول منه وقد وجب البيع على أحدهما ليس له أن يرجع في البيع, فالبيع باطل وإن كان

هذا القول, والبيع غير لازم لأحدهما إن شاء أن يرجعا في ذلك رجعا لأن البيع لم يلزم واحدا منهما فلا بأس بأن يأخذ بأي ذلك شاء بالنقد أو بالنسيئة.
قلت: أرأيت لو جئت إلى رجل وعنده سلعة من السلع فقلت له: بكم تبيعها؟ قال: بالنقد بخمسين, وبالنسيئة بمائة, فأردت أن آخذ السلعة بمائة نسيئة أو بخمسين نقدا أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان البائع إن شاء أن يبيع باع, وإن شاء أن يمسك أمسك, وإن شاء المشتري أن يأخذ أخذ, وإن شاء أن يترك ترك فلا بأس بذلك, وإن كان إن شاء أحدهما أن يترك ترك, وإن شاء أن يأخذ أخذ والآخر قد وجب عليه فلا خير فيه, وإن كان قد وجب عليهما جميعا فهو مكروه أيضا لا خير فيه.
قلت: أرأيت إن بعت جارية بألف مثقال فضة وذهب ولم أسم كم الذهب وكم الفضة؟ قال: لا يجوز هذا في قول مالك لأنه لا يدري ماله من الذهب وماله من الفضة.

في الرجل يبتاع العبد على أن يعتقه أو الجارية على أن يتخذها أم ولد
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا على أن أعتقه أيجوز هذا الشرط في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: لم أجزته وهذا البائع لم يستقص الثمن كله للشرط الذي في العبد؟ قال: لأن البائع وضع من الثمن للشرط فلم يقع فيه الغرر, وإنما كان يكون فيه الغرر ولو باعه على أن يعتقه إلى سنين أو يدبره فهذه المخاطرة والغرر فلا يجوز ما وضع له هاهنا من الثمن, فإن فات هذا البيع هاهنا بعتق أو تدبير رد إلى القيمة في رأيي.
قلت: وكيف الغرر هاهنا وقد فعل المبتاع ما اشترط عليه البائع؟ قال: لأن العتق إلى أجل, والتدبير غرر, وإن فعل المبتاع ذلك لأن العبد إن مات قبل أن يأتي الأجل مات عبدا, ولأن المدبر إذا مات قبل مولاه مات عبدا ولعل الدين يلحقه بعد موت سيده فيرق, ولعله لا يترك مالا فلا يعتق إلا ثلثه وهذا يدلك على أنه غرر, وإن بتات العتق ليس بغرر لأنه بتت عتقه.
قلت: فما قول مالك إن اشتريت عبدا على أن أعتقه؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: فإن أبى المبتاع أن يعتقه بعد أن اشتراه؟ قال: قال مالك: إن كان اشتراه

على إيجاب العتق لزمه العتق, وإن كان لم يشتره على إيجاب العتق كان له أن لا يعتقه وأن يبدله بغيره.
قال ابن القاسم: وأرى للبائع أن يرجع إذا لم يعتقه فيأخذه وينتقض البيع إذا كان بحدثان ذلك ما لم يفت أو يسلمه البائع إن شاء بلا شرط قال: فإن فات العبد وشح البائع على حقه كانت فيه القيمة. وقال أشهب: يأخذه بذلك والشرط لك لازم وعليك أن تعتقه, وهو بيع جائز لا بأس به.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا على أن لا أبيع ولا أهب ولا أتصدق؟ قال: قال مالك: هذا البيع لا يجوز, فإن تفاوت فالقيمة.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية على أن أتخذها أم ولد؟ قال: قال مالك: هذا البيع لا يصلح.
قلت: فإن اتخذها أم ولد وفاتت بحمل؟ قال: قال مالك: يكون عليه قيمتها يوم قبضها.
قلت: وكذلك إن أعتقها ولم يتخذها أم ولد أيكون عليه قيمتها يوم قبضها في قول مالك ويكون العتق جائزا؟ قال: نعم إلا أن مالكا قال لي في الذي يبتاعها على أن يتخذها أم ولد إذا فاتت بحمل ردت إلى القيمة, فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي ابتاعها به لم يكن له أن يرجع على البائع بشيء وإنما الحجة هاهنا للبائع وليس للمبتاع هاهنا حجة لأنه قد رضي أن يأخذها بما قد أعطاه.

في الرجل يكون له على الرجل الدين حالا أو إلى أجل فيبتاع منه سلعة بعينها فيتفرقا قبل أن يقبضها
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دينا حالا أو إلى أجل قرضا أو من بيع فاشتريت منه سلعة بعينها قبل محل الأجل أو بعد محل أجل الدين فافترقنا قبل أن أقبض منه السلعة, والسلعة قائمة بعينها أيفسد البيع بيننا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: من كان له على رجل دين فلا يبتعه بشيء من الأشياء إلا أن يقبضه مكانه ولا يؤخره, ولقد سألت مالكا عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيأخذ منه سلعة هو فيها بالخيار أو جارية رائعة مما يتواضعانها للاستبراء.

قال مالك: لا خير فيه فهذا يدلك على مسألتك أو هو مثله.
قال: فقلت لمالك أفيشتري منه طعاما بعينه يدا بيد فيبدأ بكيله فيكثر ذلك وتغيب عليه الشمس فيكتاله من الغد؟ قال: قال مالك: لا بأس بهذا.
قلت: وإن كان الدين قد حل أو لم يحل من قرض كان أو من بيع أهو عند مالك سواء؟ قال: قال مالك: هو سواء.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت من رجل ثوبا بعينه بعشرة دراهم إلى أجل فافترقنا قبل أن أقبض الثوب منه أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: البيع جائز, وللمبتاع أن يأخذ ثوبه ولا يفسد البيع افتراقهما لأنه لم يمنع من أخذ ثوبه لأن الثمن إلى أجل وليس للبائع أن يحبس الثوب ويقول: لا أدفعه حتى آخذ الثمن.
قلت: ما فرق بين هذا وبين الذي كان له على رجل دين فابتاع به منه سلعة بعينها فافترقا قبل أن يقبض لم كره مالك هذا وجوز هذه المسألة الأخرى؟ قال: لأن الرجل قد يستكري الدابة والدار بالدين إلى أجل ولا يجوز له أن يأخذهما بدين له على رجل يركب الدابة أو يسكن الدار وكذلك هذا في الخياطة وما أشبهها من الأعمال لأن هذا دين بدين.
قلت: كراء الدابة وكراء الدار إنما هما عليه دين فلذلك كرهه. قال: لأنه دين بدين لأن الكراء مضمون وليس شيئا بعينه ; أرأيت العبد الذي هو بعينه لم كرهه مالك ولعله لا يكره العبد وليس يشبه العبد الكراء قال: الذي حفظنا عن مالك أنه إذا كان له دين على رجل فلا يشتري به سلعة إلا سلعة يأخذها مكانه ولا يؤخرها, فإن أخرها فلا يجوز ذلك ولقد سألت مالكا عن الرجل يشتري الدار الغائبة وينقد ثمنها وهي في بلد غير بلده قال: قال مالك: لا بأس بذلك لأن الدار مأمونة وليست عندي بمنزلة غيرها من السلع. قال: فقلت لمالك: أفرأيت الرجل يكون له على الرجل الدين أيأخذ به دارا له غائبة؟ قال: لا خير فيه, فهذا يدلك على مسألتك ; ولقد سألت مالكا عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيأخذ به منه أرضا يزرعها بدينه ذلك وقد رويت ; قال: لا خير فيه فليس قبض آمن من الأرض وقد كرهه مالك.
قال ابن القاسم: ومما يدلك أيضا على مسألتك أن الرجل يسلف في طعام إلى أجل فلا بأس أن ينقد بعد يوم أو يومين يشترط ذلك, فلو كان له عليه دين فاشترى منه سلعة وشرط عليه أنه لا يقبضها إلا بعد يوم أو يومين لم يجز ذلك عند مالك, فهذا أيضا

يدلك على مسألتك, والذي سمعناه من مالك أنه من كان له دين على رجل فاشترى به منه سلعة فليقبضها ولا يؤخرها.

في الرجل يبتاع السلعة بدين فيفترقا قبل أن يقبض السلعة
قلت: أرأيت لو أني اشتريت سلعة بعينها بدين إلى أجل فافترقنا قبل أن أقبض أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: لا بأس بذلك في قوله وليقبض سلعته إلا أن مالكا كره أن يبتاع الرجل طعاما كيلا بدين إلى أجل, والطعام بعينه ثم يؤخر كيل الطعام إلى الأجل البعيد, قال: فأنا أرى في السلع كلها أن لا يؤخرها الأمد البعيد.

في الرجل يبتاع السلعة بقيمتها أو بحكمهما أو بحكم غيرهما
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بقيمتها بحكمي أو بحكم البائع أو برضائي أو برضا البائع أو برضا غيرنا أو بحكم غيرنا؟ قال: لا يجوز عند مالك.

في اشتراء الآبق وضمانه
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا آبقا ممن ضمانه في إباقه؟ قال: ضمانه من البائع لأن البيع فاسد.
قلت: فإن قدرت على العبد فقبضته أيجوز البيع أم لا؟ قال: لا يجوز البيع لأن أصل البيع كان فاسدا, فإن أدرك هذا البيع قبل أن تحول الأسواق أو يتغير العبد بزيادة بدن أو نقصان بدن رد, وإن تغير كان من المبتاع قيمته يوم قبضه وكذلك قال مالك, وكذلك الجنين يشتريه الرجل فتلده أمه ثم يقبضه المشتري فهو بمنزلة ما وصفت لك من العبد الآبق, قال: وكذلك الجنين في بطن أمه والبعير الشارد.
قلت: أيجوز أن يبيع عبده الآبق في قول مالك كان قريب الغيبة أو بعيد الغيبة؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك.
قلت: وكذلك البعير الشارد أو الشاة الضالة أو البعير الضال لا يجوز بيع شيء من ذلك في قول مالك؟ قال: نعم إلا أن يدعي المبتاع معرفته بموضع قد عرفه فيه فيشتريه على ذلك فلا بأس, ويتواضعان الثمن فإن وجده على ما يعرف قبضه وجاز البيع, وإن وجده قد تغير أو تلف كان من البائع ورد الثمن إلى المبتاع, وكذلك قال مالك في الآبق: إذا عرف المبتاع موضعه فهو بمنزلة العبد الغائب يباع. قال: وقال مالك: لا يباع الجنين في بطن أمه.

في بيع المعادن
قال: وسئل مالك عن بيع غيران المعادن, قال: لا أرى ذلك جائزا ولا يحل لأنه إذا مات قطع الغار لغيره فلا أرى ذلك يحل بيعه.
قلت: فالمعادن لا ترثها ولاة الميت في قول مالك قال؟ قال مالك: نعم لا يرثها ولاة الميت ولقد سئل مالك أيضا فيما بلغني عن المعادن التي ظهرت بأرض المغرب فقال: ذلك إلى الوالي يقطع بها للناس فيعملون فيها ولم يرها لأهلها.
قال ابن القاسم: ومما يبين لك أيضا أنها ليست لأهلها أن المعادن قد ظهرت قديمة في أرض الإسلام في أرض العرب التي أسلموا عليها فلم يزل الولاة يقطعونها للناس ولم يكن أهلها أحق بها من غيرهم, فكذلك ما ظهر في كل أرض أسلم عليها أهلها وهو قول مالك في معادن العرب التي ظهرت في أرضهم فقال: أرى ذلك إلى السلطان يليها ويقطع بها لمن يعمل فيها ويأخذ منها الزكاة. قال: فقلت لمالك: فتراب الذهب والورق أيباع؟ قال: لا بأس بذلك أن يباع تراب الذهب بالورق وتراب الورق بالذهب فقيل له: إنه غرر لا يعرف ما فيه هو مختلط بالحجارة فقال قد عرفوا ناحيته وحزره فلا أرى به بأسا, وحدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب بقطع المعادن.
قال ابن القاسم: وذلك رأيي, وذلك عندي لأنه لا يجتمع إليه المعادن إلا شرار الناس.
قلت: أرأيت المعادن إذا عمل فيها الرجل فأدرك نيلا أيكون له أن يبيع ما أدرك من نيلها في قول مالك؟ قال: لا وهو حرام لأنه يبيعه ما لا يدري ما يدوم له أيدوم له يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين أو ما تحت ما ظهر فهذا من بيع الغرر فلا يحل.
قلت: أرأيت المعادن إذا عمل الرجل فيها فأدرك نيلا أيكون له أن يمنع جميع ما

أدرك من نيلها في قول مالك؟ قال: نعم ولا يشبه هذا الماء لأن هذا لم يجئ فيه مثل ما جاء في فضل الماء.
قال ابن القاسم: يمنع من بيعها لأن للناس فيها حقا. وأخبرني ابن وهب, عن عبد الجبار بن عمر, عن ربيعة أنه كان لا يرى بأسا باشتراء تراب المعادن الذهب بالورق والورق بالذهب وعن يحيى بن سعيد مثله.
وقال يونس, وقال ربيعة: لا يجوز من بيع المعدن ضريبة يوم ولا يومين وذلك بمنزلة المخاطرة وقال الليث ومالك مثل قول ربيعة.

في بيع الإبل والبقر والعوادي
قلت: أرأيت ما سمعتك تذكر عن مالك أنه قال: تباع الإبل العوادي في الزرع والبقر كيف هذا؟ قال: قال مالك: إذا كانت إبل تعدو في زروع الناس أو بقر أو رمك قد ضربت بذلك ; قال مالك لنا: قد استشرت في الإبل هاهنا بالمدينة فأشرت أن تغرب وتباع في بلاد لا زرع فيها, قال: فسألنا مالكا عن البقر بمصر والرمك ووصفناها له فقال أراها مثل الإبل.
قلت: أفرأيت الغنم؟ قال: ما سمعت من مالك في الغنم شيئا, ولكن إذ قال في الإبل والبقر والرمك فأرى الغنم والدواب بمنزلة الإبل والبقر في ذلك تباع إلا أن يحبسها أهلها عن الناس.

في البيع إلى الحصاد والدراس والعطاء
قلت: ما قول مالك فيمن باع إلى الحصاد أو إلى الجداد أو إلى العصير أو إلى العطاء أو النيروز أو المهرجان أو فصح النصارى أو إلى صوم النصارى أو إلى الميلاد قال: قال مالك: من باع إلى الحصاد أو إلى الجداد أو إلى العصير فذلك جائز لأن ذلك معروف, قال مالك: وإن كان العطاء له وقت معروف فالبيع إليه جائز.
قال ابن القاسم: ولم نسأل مالكا عن النيروز والمهرجان وفصح النصارى ولا صوم النصارى ولا الميلاد ولكن إذا كان وقتا معلوما فذلك جائز لا بأس به.
قلت: أرأيت إن اشترى رجل إلى الحصاد ما أجل الحصاد, والحصاد مختلف أوله في شهر كذا وكذا وآخره بعد ذلك بشهر؟ قال: سألنا مالكا عنها فقال ينظر إلى حصاد

في بيع الحيتان في الآجام والزيت قبل أن يعصر
قلت: ما قول مالك فيمن باع حيتانا محظرا عليها في الآجام أيجوز ذلك أم لا؟

قال: سألت مالكا عن الرجل يبيع برك الحيتان يبيع صيدها من الحيتان فكره ذلك وقال: لا خير فيه, وكيف تباع الحيتان في الماء؟ قال: ولا أرى لأهلها أن يمنعوا أحدا يصيد فيها.
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: اعصر زيتونك فقد أخذت منك زيته كل رطل بدرهم ففعل أيلزمني البيع في قول مالك؟ قال: إن كان ذلك لا يختلف وهو أمر معروف مثل القمح يشترى منه وهو في سنبله قد يبس واستحصد كل قفيز بدرهم فلا بأس بذلك, قال: وإن كان الزيت يختلف إذا خرج من عصيره فلا خير في ذلك عندي إلا أن يشترط إن خرج جيدا أخذته بكذا وكذا ولا ينقد أو يشترط أنه بالخيار ولا ينقد, ويكون عصره قريبا الأيام اليسيرة العشرة أو ما أشبهها فلا أرى بذلك بأسا لأني سألت مالكا عن الرجل يأتي عند الحصاد إلى الزراع قد استحصد قمحه فيشتري منه وهو يحصده على أن يدفع إليه ثمنه وينقده وهو يمكث في ذلك العشرة الأيام والخمسة عشر في حصاده ودراسه وتذريته, قال مالك: هذا أمر قريب فأرجو أن لا يكون به بأس.
قلت: وإن كان الزيت مأمونا في معرفة الناس في خروجه وعصره بأمر قريب يعرف حاله كما يعرف القمح, قال: فلا أرى بالنقد فيه بأسا إذا كان عصره قريبا مثل حصاد القمح وإن كان يختلف لم أر النقد يجوز فيه إلا أن يبيعه إياه على أنه إن خرج على ما يعرف أخذه أو على الخيار فلا بأس به لأنه أمر قريب وليس فيه دين بدين ولا سلعة مضمونة بعينها.
وقال أشهب: بيع الزيت على الكيل إذا عرف وجه الزيت ونحوه فلا أرى به بأسا, وأما بالرطل فإن كان القسط يعرف كم فيه من رطل ولا يختلف فلا بأس به وإن كان يختلف فلا خير فيه لأنه لا يدري ما اشترى لأن الكيل فيه معروف والوزن فيه مجهول.

في بيع الزبل والرجيع وجلود الميتة والعذرة
قلت: أرأيت الزبل هل يجيز مالك بيعه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى ببيعه بأسا.
قلت: فهل سمعت مالكا يقول في بيع رجيع بني آدم شيئا مثل الذي يباع بالبصرة؟ قال: سمعت مالكا يكرهه.
وقال أشهب في الزبل المبتاع: أعذر فيه من البائع يقول في اشترائه, وأما بيع الرجيع فلا خير فيه.

وقال ابن القاسم: وسئل مالك عن رجل ماتت في داره ميتة فاستأجر من يطرحها بجلدها فكره ذلك وقال: لم يكن يرى بأسا أن يستأجر من يطرحها بالدنانير والدراهم, ولكن إنما كره ذلك لأنه لم يكن يرى أن تباع جلود الميتة وإن دبغت, قال: وسألت مالكا عن بيع العذرة التي يزبلون بها الزرع فقال: لا يعجبني ذلك وكرهه ; قال: وإنما العذرة التي كره رجيع الناس.
قلت: فما قول مالك في زبل الدواب؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه عند مالك نجس وإنما كره العذرة لأنها نجس فكذلك الزبل أيضا ولا أرى أنا به بأسا.
قلت: فبعر الغنم والإبل وخثاء البقر؟ قال: لا بأس بهذا عند مالك وقد رأيت مالكا يشترى له بعر الإبل, قال: ولقد سئل مالك عن عظام الميتة أترى أن يوقد بها تحت القدور فكره ذلك وقال: لا خير فيه.
قلت: فلغير الطعام؟ قال: إنما سألناه عن الطعام فقال لا يعجبني أن يسخن الماء بها للعجين ولا للوضوء, ولو طبخ بها الجير والطوب لم أر بذلك بأسا.
قلت: أرأيت مالكا هل كره الانتفاع بعظام الميتة؟ قال مالك: لا أرى أن تشترى عظام الميتة ولا تباع ولا أنياب الفيل ولا يتجر فيها ولا يمشط بأمشاطها ولا يدهن بمداهنها, قال: وكيف يجعل الدهن في الميتة ويمشط لحيته بعظام الميتة وهي مبلولة وكره أن يطبخ بها.

اشتراء الصبرة على الكيل فوجدها تنقص
قلت: أرأيت لو أني اشتريت صبرة من طعام على أنها مائة إردب فدفعت إلى ربها الدراهم وقلت لربها: كلها فكالها فوجدها تنقص عن مائة إردب هل يلزم البيع أم لا؟ قال: قال مالك: إذا اشتراها على أن فيها مائة إردب فوجد فيها مائة إردب إلا شيئا يسيرا لزمه البيع فيما أصاب في الصبرة من عدد الأرادب بحصة ذلك من الثمن, قال: وإن كان الذي نقص من الصبرة الشيء الكثير لم يلزمه البيع إلا أن يشاء لأن المبتاع يقول ليس هذا حاجتي وإنما أردت طعاما كثيرا فهذا يعلم أنه إذا أصاب في الصبرة شيئا قليلا أنه لم يقصد قصدها وإنما قصد قصد الكبيرة حين سمى مائة إردب فهو حين أصابها تنقص شيئا قليلا لزمه البيع, وإن أصابها تنقص شيئا كثيرا لم يلزمه البيع.
قلت: فإن اشتريت منه هذه الصبرة على أن فيها مائة إردب أكان مالك يجيز هذا ولا يرى هذا الشرط يفسد البيع؟ قال: نعم كان يجيزه ولا يرى هذا الشرط يفسد البيع.

قلت: لم؟ قال: قال مالك: كأنه اشترى من هذه الصبرة مائة إردب فهو وإن قال على أن فيها مائة إردب يشبه هذا ولا يفسد البيع.
قلت: أرأيت إن اشترى الصبرة على أن فيها مائة إردب فأعطاه غرائره يكيل فيها أو أمره أن يكيل في غرائر عنده ويرفع في موضع من المواضع وغاب عنه المشتري فلما أتاه قال: قد كلتها وضاعت وكانت تسعين إردبا أو كانت تمام المائة وكذبه المشتري فقال: لم تكل أو قال: قد كلت وكانت عشرة أرادب أو عشرين إردبا ذكر من ذلك شيئا قليلا؟ قال: أرى أنه لا يلزم المبتاع ما قال البائع إلا أن تقوم البينة أنه كال مائة إردب أو كالها فوجد فيها أقل من مائة شيئا يسيرا. قال: فهذا يلزم المبتاع.
قلت: ولم لا يلزم المشتري إذا قامت البينة أنه قد كالها فلم يجد فيها إلا شيئا يسيرا لم لا يلزم المبتاع ذلك اليسير؟ قال: لأنه لا يلزمه ذلك البيع إلا أن يشاء إذا لم يكن في الصبرة من الطعام إلا شيء يسير.
قلت: فهل يسأل المبتاع هل قبل ذلك الشيء اليسير, فإن قال: قد قبلته ألزمته بحصته من الثمن؟ قال: هو يدفع عن نفسه الضمان فلا أراه يرضى أن يقبله الآن بعد ما تلف.
قلت: فإن كالها والمبتاع حاضر فأصاب فيها شيئا يسيرا يكون الخيار للمبتاع في أن يأخذ ما وجد فيها بحصته من الثمن وإن شاء ترك في قول مالك قال: نعم.
قلت: ولا خيار في ذلك للبائع؟ قال: نعم.
قلت: وإن كان في الصبرة أكثر من المائة الإردب إلا شيئا يسيرا لزمهما جميعا ولم يكن لواحد منهما في ذلك خيار في قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجلين يجمعان السلعتين لهما فيبيعانهما صفقة واحدة
قلت: أرأيت إن جمع رجلان ثوبين لهما فباعهما صفقة واحدة من رجل أيجوز هذا البيع في قول مالك؟ قال: لا أحفظه عن مالك الساعة ولا يعجبني هذا البيع لأني أراهما جميعا لا يعلم كل واحد منهما بما باع به سلعته فكل واحد منهما باع سلعته بما لا يعلم ما هو, والمبتاع أيضا لا يدري لمن يتبع كل واحد منهما لو استحقت واحدة منهما إلا بعد القيمة.
قلت: وكذلك لو استأجرت دارا أسكنها سنة وعبد فلان يخدمني سنة صفقة واحدة

بمائة درهم؟ قال: هذا مثل ما قبله من مسائلك وهو كما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن باعوا هذه الأشياء التي سألتك عنها صفقة واحدة على أن بعضهم حملاء عن بعض أيجوز أم لا؟ قال: لا أراه جائزا وإن تحمل بعضهم عن بعض لأني أرى المشتري كأنه إنما اشترى سلعة هذا على أن يتحمل بهذا أو على أن يشتري سلعة هذا على أن يتحمل بهذا يتحمل مليئهم بمعدمهم فكأنه إنما اشترى من المليء سلعته على أن يتحمل له بما اشترى من هذا المعدم فلا يصلح, وكذلك قال مالك: في الذي يشتري من الرجل سلعته على أن يتحمل له بمال على رجل آخر ; قال مالك: هذا لا يصلح, وقد كان أجاز أن يجمع الرجلان سلعتين فيبيعانهما جميعا وقال: هو جائز إذا جمعا السلعتين وباعاهما بمائة دينار إن ذلك جائز وهو قول سحنون إنه جائز.

في البيع على الحميل بعينه والبيع على الرهن بعينه وبغير عينه وما يخاف فيه الخلابة
قلت: أرأيت إن بعته بيعا أو أقرضته قرضا على أن يعطيني فلانا حميلا بعينه أيجوز ذلك؟ قال: أرى ذلك جائزا إن رضي فلان, فإن أبى فلان فلا بيع بينهما ولا قرض إلا أن يشاء البائع أن يمضي البيع بحميل غيره إن طاع بذلك له أو بغير حميل فيجوز ذلك, قال: وهذا إذا كان الحميل الذي شرط في البيع قريب الغيبة أو بحضرتهما ولم يتباعد ذلك.
قلت: وكيف النكاح في هذا؟ قال: لا أعرف النكاح في هذا ولا أرى النكاح في هذا عندي جائزا لأن النكاح لا خيار فيه والبيع فيه الخيار.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا ولكن مالكا قال: في الرجل يتزوج المرأة على أنه إن لم يأت بالمهر إلى أجل يسميه فلا نكاح بينهما, قال مالك: ليس هذا بنكاح ولا نكاح بينهما.
قلت لمالك فالرجل يبيع السلعة على أنه إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا وكذا يسميه فلا بيع بينهما؟ قال: شرطهما باطل والبيع لهما لازم, وهذا مما يدلك على الغرر في مسألتك.
قلت: كيف هذا في الخلع؟ قال: إن لم يرض فلان بالكفالة فهي زوجته.
قلت: والدم العمد كذلك يكون على حقه في القصاص إن لم يرض فلان

بالكفالة؟ قال: نعم كذلك قال مالك: في الدم العمد إذا عفا على أن يعطيه مالا, فإن أعطاه مالا وإلا ضرب عنقه.
قلت: أرأيت لو أني بعت سلعة على أن يعطيني حميلا رجلا سماه له والرجل غائب؟ قال: إن كانت غيبته قريبة فالبيع جائز إن رضي فلان أن يتحمل بالثمن, قال: وإن كانت غيبته بعيدة في ذلك.
قلت: فإن أبى فلان أن يتحمل بالثمن؟ قال: فالبائع بالخيار إن شاء أمضى البيع ولا حميل له بحقه وإن شاء أبطل البيع وأخذ سلعته.
قلت: أرأيت إن بعت عبدا لي من رجل على أن يرهنني من حقي عبدا له غائبا؟ قال: البيع جائز, وإنما هو بمنزلة ما لو اشترى سلعة غائبة بسلعة حاضرة وتوقف الحاضرة فإن وجدت الغائبة بحال ما كانت تعرف جاز البيع بينهما وكذلك الرهن.
قلت: أرأيت إن قال: المشتري حين تلف العبد الذي سماه رهنا أنا أعطيك مكان العبد رهنا وثيقة من حقك ولا تنقض البيع أيكون له ذلك؟ قال ابن القاسم: لا ينظر إلى قول المشتري هاهنا وإنما ذلك إلى البائع إن شاء قبل وإن شاء نقض البيع لأنه لو أن رجلا باع رجلا سلعته على أن يرهنه عبدا بعينه ففعل ذلك فلما رهنه إياه قال صاحب العبد: أنا أحتاج إلى عبدي وأخاف عليه الفوت وهذه دار أرهنك إياها ثقة من حقك, والدار خير من العبد لم يكن ذلك له إلا أن يرضى المرتهن كذلك؟ قال مالك: فكذلك مسألتك إنما باع على رهن بعينه فليس له أن يصرفه إلى غيره.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت سلعة من رجل على أن أرهنه عبدا لي ففعلت فدفعت إليه العبد الرهن وأخذت السلعة فمات العبد عنده أيبطل هذا البيع أم لا؟ قال: لا يبطل البيع ويكون جائزا ولا يكون له أن يرجع عليك برهن آخر ويكون حقه عليك إلى أجله إن كان لذلك أجل أو حالا إذا لم تكونوا سميتم أجلا.
قلت: فالذي اشترى على أن يرهنه عبده فهلك العبد قبل أن يصل إليه لم أبطلت البيع بينهما إذا أراد ذلك البائع, ولم لا تجعل البيع جائزا بمنزلة الذي قبض الرهن فمات عنده؟ قال: لأن هذا إنما باعه على أن يوصل إليه الرهن, فهو لما لم يصل إليه لم يكن رهنا فهو مخير, قال: ومما يبين ذلك أنه لو فلس الرجل المبتاع صاحب العبد الذي سماه رهنا والعبد غائب لم يقبضه المرتهن لم يكن البائع الذي اشترطه رهنا أحق به وكان أسوة الغرماء لأنه رهن غير مقبوض وإنما باعه على أن يوصله إليه لأنه لم يقع في الرهن ولا

في البيع موضع خطر فلذلك أجزته ولا يشبه المسألة الأخرى لأن الرهن في مسألتك الأخرى قد وصل إلى صاحبه وتم البيع ثم هلك الرهن بعد تمام البيع فهذا فرق ما بينهما.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة إلى أجل على أن أعطيه بالثمن رهنا ولم أسم له الرهن أيجوز هذا البيع أم لا؟ قال: هذا البيع جائز وعليه أن يعطيه ثقة من حقه رهنا لأنه من اشترى على أن يعطي رهنا فإنما الرهن في ذلك الثقة ولم يقع الثمن على شيء من الرهن فيفسد البيع فالبيع جائز.
قلت: أرأيت لو أني بعت من رجل سلعة على أن يرهنني عبده فلانا فلما بايعته أبى أن يدفع إلي العبد؟ قال: يجبر على أن يدفع إليك العبد.
قلت: ولا يراه من الرهن الذي لم يقبض؟ قال: لا ويجبر على أن يدفع إليك العبد.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: وكذلك هذا في الكفالة إذا تكفلت به على أن يعطيني عبده رهنا فقال: نعم.
قلت: فإن أبى أن يعطيه عبده رهنا أتجبره عليه قال: نعم.
قلت: وكذلك إن كان اشترط عليه أن يعطيه حميلا بحقه ولم يسمه فالبيع جائز ويجبر على أن يعطيه حميلا بحقه؟ قال: نعم.
قلت: ولا عذر له ولا يفسخ البيع قال: نعم وهذا مثل الرهن.
قال: ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب أنه قال: لا بأس بالبيع بالنسيئة ويرتهن مع ذلك, وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه ضيف له فأتى يهوديا فرهنه درعه وقال: حتى يأتينا شيء.
قال: وأخبرني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له فقال رجل من القوم: ألا أراك تقول لرسول الله ما تقول, قال: دعه فإنه طالب حق ثم قال للرجل: انطلق إلى فلان فليبعنا طعاما إلى أن يأتينا شيء فأتى اليهودي فقال لا أبيعه إلا بالرهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب إليه بدرعي أما والله إني لأمين في السماء وأمين في الأرض"1.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الوكالة باب 6,5. من كتاب الاستقراض باب 13,7,6. مسلم في كتاب المساقاة حديث 122. النسائي في كتاب البيوع باب 64. ابن ماجه في كتاب الصدقات باب 17. أحمد في مسنده"2/509,416,393,373""5/308"

في الذريعة والخلابة
قلت: أرأيت إن اشتريت ثيابا ثم رقمتها بستر من شرائي ثم بعتها من الناس برقومها ولم أقل قامت علي بذلك أيجوز هذا البيع أم لا؟ قال: سألت مالكا عن هذا غير مرة وسمعته سئل عنه غير مرة فكرهه كراهية شديدة وخاف في ذلك الذريعة إلى الخلابة وإلى ما لا يجوز.

فيمن باع سلعة فإن لم يأت بالنقد فلا بيع بينهما
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا على أني إن لم أنقده إليه ثلاثة أيام فلا بيع بينهما؟ قال مالك: لا يعجبني أن يعقد البيع على هذا.
قلت: لم كرهه مالك؟ قال: لموضع الغرر والمخاطرة في ذلك كأنه زاده في الثمن على أنه إن نقده إلى ذلك الأجل فهي له وإلا فلا شيء له فهذا من الغرر والمخاطرة.
قلت: وهذا يكون من البيع الفاسد, ويكون سبيله سبيل البيع الفاسد في الفوت وغير الفوت؟ قال مالك: لا يكون سبيله سبيل البيع الفاسد ولكن يبطل الشرط ويجوز البيع فيما بينهما ويغرم الثمن الذي اشتراه به.
قلت لمالك فلو كان عبدا أو دابة فلم يقبضها المبتاع حتى هلكت في يدي البائع قبل أن يأتي الأجل الذي شرط؟ قال: أراها من البائع ولا يشبه هذا الذي يشتري على وجه النقد على أن يذهب يأتيه بالثمن ويحبس البائع السلعة حتى يأتيه المبتاع بالثمن هلاك هذه السلعة إذا كان إنما يحبسها البائع على أن يأتيه المبتاع بالثمن أراها من المبتاع وهذه السلعة الأخرى التي اشتراها إليه أجل, فإن لم يأته بالثمن فلا بيع بينهما قال مالك: أراها من البائع قال: فقلت لمالك أيجوز هذا البيع؟ قال: أكرهه ولكن إن نزل رأيت المصيبة من البائع حتى يقبضها المبتاع, وأرى الشرط باطلا والبيع لازما إذا وقع البيع.
قلت: وأصل قول مالك في هذه المسألة أن البيع إذا وقع بينهما على هذا إن لم ينقد إلى أجل كذا وكذا فلا بيع بينهما إذا وقع البيع بطل الشرط وجاز البيع والمصيبة من البائع قبل أن يقبضها المبتاع؟ قال: نعم.
قلت: وفرق مالك بين هذا وبين البيع الصحيح؟ قال: نعم.
قلت: وجعل البيع الصحيح المصيبة بعد عقده البيع من المبتاع؟ قال: نعم.

قلت: فما قول مالك في رجل باع سلعة من رجل على أنه إن لم ينقده إلى يوم أو يومين أو عشرة أيام فلا بيع بينهما؟ قال: قال مالك: أكره هذا البيع أن يعقداه على هذا الشرط فإن عقدا البيع على هذا الشرط بطل الشرط وجاز البيع بينهما.

في المريض يبيع من بعض ورثته
قلت: أرأيت إن بعت عبدا لي من ابني في مرضي ولم أحابه أيجوز أم لا؟ قال: نعم إذا لم يكن فيه محاباة.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي ; قال: وقال مالك في المريض: يوصي بأن يعتق عنه غلام لابنه فيقول الآخر: إني لا أبيعه بما يسوى من الثمن أترى أن يزاد عليه كما يزاد في الأجنبي إلى ثلث ثمنه؟ قال: لا وليس هو كالأجنبي, فقد أجاز مالك أن يشتري منه بالثمن بعد الموت ففي المرض أحرى أن يشتري فالاشتراء والبيع في ذلك سواء.

في بيع الأب على ابنته البكر
قلت: أرأيت الجارية إذا حاضت أيجوز صنيع أبيها في مالها بيعه وشراؤه؟ قال: نعم جائز عند مالك لأن مالكا قال: جوز أبيها لها جوز ولا يجوز لها قضاء في مالها حتى تدخل بيت زوجها ويعرف من حالها.

اشتراء الأمة لها الولد الصغير
قال: وقال مالك: من باع أمة لها ولد حر واشترط أن عليهم رضاعه سنة ونفقته سنة فذلك جائز إذا كان إن مات الصبي أرضعوا له آخر.
قلت: أرأيت إن اشتريت شاة على أنها حامل أيجوز هذا البيع في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا خير في هذا البيع لأنه كأنه أخذ لجنينها ثمنا حين باع بشرط أنها حامل.
قد تم وكمل كتاب البيوع الفاسدة من المدونة الكبرى ويليه كتاب البيعين بالخيار.

كتاب البيعين بالخيار
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم
كتاب البيعين بالخيارقلت لابن القاسم: صف لي بيع الخيار في قول مالك. قال: قال مالك: بيع الخيار أن يقول الرجل: أبتاع منك هذا الثوب أو هذه الدار أو هذه الجارية أو هذه الدابة وأنا عليك فيها بالخيار هذا اليوم أو هذه الجمعة أو هذا الشهر, قال: وقال مالك أما الثوب فلا بأس به أن يكون فيه بالخيار اليوم واليومين وما أشبه ذلك وما كان أكثر من ذلك فلا خير فيه, والجارية يكون الخيار فيها أبعد من ذلك قليلا الخمسة الأيام والجمعة وما أشبه ذلك فلا بأس بالخيار إلى ذلك ينظر إليه خيرها وهيئتها وعملها والدابة تركب اليوم وما أشبهه.
قال: فقلت لمالك: فإن اشترط أن يسير عليها البريد أو نحو ذلك ينظر إلى سيرها؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يتباعد, والدار أكثر من ذلك قليلا الشهر وما أشبهه, وللأشياء وجوه من هذه الوجوه تشترى إليها ليعرفها الناس بوجه ما تختبر فيه ويستشار فيها فما كان مما يشتري الناس حاجتهم في الاختبار مثل ما وصفت لك فلا بأس بالخيار في ذلك وما بعد من أجل الخيار في ذلك فلا خير فيه لأنه غرر لا تدري إلى ما تصير إليه السلعة إلى ذلك الأجل ولا يدري صاحبها كيف ترجع إليه, قال مالك: والنقد في ذلك فيما بعد من الأجل وفيما قرب لا يحل بشرط, وإن كانت دارا فلا بأس بالنقد فيما بينهما إذا كان بيع الخيار على غير النقد إن كان الخيار للبائع أو للمشتري.
قلت: لغيره ولا ترى بأسا أن يشترط استخدام العبد وركوب الدابة ولبس الثوب؟ فقال: أما إن اشترط لبس الثوب فإن ذلك لا يصلح, وأما ركوب الدابة واستخدام العبد

فإن ذلك لا بأس به ما لم يكن ركوب الدابة سفرا بعيدا يخاف عليها في مثله تغير شيء من حالها, فأما البريد والبريدان فلا بأس به وما أشبههما, وفرق ما بين العبد والثوب والدابة أنه لا يختبر الثوب باللبس ويختبر العبد بالاستخدام فيعرف بذلك عمله ونفاذه ونشاطه من ضعفه وبلادته وكسله فبذلك اختلفا, وإنما كرهت بيع الخيار إلى الأجل البعيد لما فيه من الغرر والمقامرة أنه يبلغ له من الثمن ما لم يكن ليبلغه لولا الخيار الذي فيه على أن يكون ضمان ذلك منه إلى الأجل الذي ضربا فيه فزاده زيادة بضمانه السلعة إلى ذلك الأجل إن سلمت إليه أخذ السلعة بأقل من الثمن الذي يشتري به إلى ذلك الأجل بغير ضمان أو بأكثر لما اشترط عليه من ضمانها إليه وهو في ذلك ينتفع بها إلى ذلك الأجل بغير اختبار وقد يختبر فيما دون ذلك من الأجل, وقد كره مالك اشتراء السلعة بعينها إلى أجل بعيد بغير اشتراط النقد. قال مالك: لما فيه من الخطر والقمار أنه زاده في ثمنها على أن يضمنها إلى الأجل وضمانها خطر وقمار.
قلت: والخيار إن اشترطه البائع فهو له جائز مثل ما لو اشترطه المبتاع في قول مالك؟ قال: نعم.

في رجل اشترى بطيخا أو قثاء أو فاكهة على أنه بالخيار
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى بطيخا أو قثاء أو فاكهة رطبة تفاحا أو خوخا أو رمانا على أنه بالخيار في ذلك يوما أو يومين أيكون له هذا الخيار الذي شرط في ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأرى أن ينظر في هذا إلى ما يصنع الناس فإن كانوا يستشيرون في ذلك ويرون هذه الأشياء غيرهم ويحتاجون فيه إلى رأي غيرهم رأيت لهم من الخيار قدر حاجتهم إلى ذلك على ما وصفت لك من الخيار في غيرها من الأشياء مما لا يقع فيه تغيير ولا فساد, قال: وتفسير ذلك أن لا يغيب المشتري على شيء من ذلك لأنه لا يعرف بعينه إذا غيب عليه.
قال أشهب: ومن الكراهية فيه إذا غيب عليه أنه يصير مرة بيعا إن اختار إجازته ويصير مرة سلفا إن رده ولم يختر إجازة البيع لأنه مما لا يعرف بعينه فيرد مثله, وقد كان انتفع به وكذلك كل ما لا يعرف بعينه من القطن والكتان والحناء والعصفر والقمح والزيت والعسل والسمن لأنه إنما باعه هذا وما أشبهه على أنه عليه بالثمن الذي باعه به إن شاء, وإن شاء كان عنده سلفا فيصير سلفا جر منفعة, وليس هذا مثل العروض ولا الحيوان. ألا ترى أنك لو بعت من رجل عبدين أو ثوبين بثمن إلى أجل فلما جاء الأجل أخذت منه

أحد عبديك أو أحد ثوبيك, وثمن الآخر لم يكن بذلك بأس ولم يكن فيه بيع وسلف لأنه رد إليك أحد عبديك بعينه أو أحد ثوبيك فلم يكن سلفا انتفع به ورد مثله, ولو أنه اشترط عليك في ابتياعه منك الثوبين أو العبدين يوم ابتاعهما منك أنه يرد عليك أحدهما على حاله التي يكون عليها يوم الرد من إخلاق الثوب ويقص العبد بنصف الثمن, ويعطيك نصف الثمن لم يكن بذلك بأس لأنك إنما بعت أحدهما وأخرت الآخر إلى ذلك الأجل بالثمن الذي يبقى في يد المبتاع منك, وذلك لا بأس به لأن كل ما يعرف بعينه وينتفع به منه بغير إتلافه تجوز إجارته, وأنك لو بعت من رجل فاكهة أو شيئا مما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه من القمح والزيت والعسل والقطن والعصفر والكتان وما أشبهه بثمن إلى أجل ثم أردت أن تأخذ قبل محل الأجل أو بعده بعض الثمن وبعض ما بعته به مما وصفت لك لم يصلح ذلك لأنه بيع وسلف, لأنك لا تعرف ما يرد إليك بعينه أنه لك وأنه لو اشترط عليك في ابتياعه ذلك منك أنه إذا حل الأجل أعطاك نصف الثمن ورد عليك نصف ما اشترى منك لم يصلح ذلك وكان بيعا سلفا لأنه مما لا تجوز فيه الإجارة ولا تجوز إجارة الأطعمة ولا الأدم ولا كل ما ينتفع به إلا بإتلافه إما بأكله وإما بعلفه وإما بشربه, وكل ما لا يعرف بعينه فذلك فيه لا يصلح, وإن كانت فيه منفعة لغير أكله وشربه لأنه يعود بيعا وسلفا أعطاك ثمن ما بعته ورد عليك مكان ما أسلفته غيره فهذا وجه هذا وكل ما أشبهه.

فيمن اشترى سلعة من رجل على أن أحدهما بالخيار فمات الذي له الخيار في أيام الخيار هل يكون ورثته كذلك
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة على أني بالخيار أو على أن البائع بالخيار ثلاثا أليس من مات منا فورثته مكانه في الخيار يقومون مقامه ويكون لهم ما كان للميت في قول مالك؟ قال: قال مالك: لورثته من الخيار ما كان للميت.
قلت: أرأيت إن جن جنونا مطبقا وله الخيار في هذا البيع أيقومون ورثته مقامه في هذا الخيار أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن ينظر السلطان في ذلك, فإن كان ذلك خيرا له أمضاه وإلا رده إلا أن يكون في ورثته من يرضاهم السلطان فيستخلف منهم من ينظر له أو يستخلف من غير الورثة من ينظر له لأن مالكا قال في المفقود: لا يحرك ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما يعلم أنه لا يعيش إلى ذلك الأجل وإنما يورث يوم تنقطع فيه حياته عند الناس ولا يرثه أحد ممن كان يرثه يوم فقد إذا لم يكن وارثه اليوم

حيا حين انقطعت حياته ولا بعد أربع سنين إلا أن يعم أنه قد هلك في شيء من ذلك في الأربع سنين أو بعدها فيرثه من ورثته من كان حيا ذلك اليوم ممن يرثه وينفق على أهله في الأربع سنين من ماله بقدر ما يرى السلطان فصار السلطان هاهنا ناظرا للمفقود في ماله, فكذلك الذي يجن السلطان ينظر له في ماله وينفق منه على عياله بقدر حاجتهم إلى النفقة فكذلك إذا جن وله الخيار, فالسلطان يقوم مقامه في خياره الذي كان له فإن رأى خيرا أخذه وإن رأى غير ذلك تركه, إلا أن مالكا قال لي في المجنون: يتلوم له السلطان وينفق على امرأته في هذا التلوم, فإن برئ وإلا فرق بينهما.
قال: وبلغني عن مالك ممن أثق به أنه قال: يضرب السلطان للمجنون أجل سنة ولم أسمعه منه, والذي سمعته أنا من مالك أن السلطان يتلوم له.
قال: وقال مالك: والمجذوم البين جذامه يفرق بينه وبين امرأته.
قال مالك: وهو الشأن وقد استعدت فيه امرأة فقضى به ببلدنا.
قال: وبلغني عن مالك في الأبرص أنه لا يفرق بينه وبين امرأته وقد ذكر علي بن زياد وابن وهب عن مالك في الأبرص مثل ما بلغ ابن القاسم.
قلت: أرأيت الخيار هل يورث في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت الخيار لم جعل مالك ورثته يقومون مقامه وجعل الخيار يورث, وإنما الخيار مشيئة كانت للميت إن شاء أمضى البيع وإن شاء رد, فإذا مات قال مالك: فإذا مات فورثته مكانه في ذلك فورثهم مشيئة كانت للميت, قال: لأنه حق كان للميت فورثته بمنزلته في ذلك.
قال: وقد سألت مالكا عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيستحلفه بالطلاق ليقضينه حقه إلى أجل يسميه إلا أن يشاء صاحب الحق أن يؤخره فمات صاحب الحق قبل أن يحل الأجل ألورثته أن يؤخروه كما كان لصاحبهم أن يؤخره؟ قال: نعم ثم ابتدأني مالك فقال: أرى الوصي إذا كان الورثة صغارا في حجره أن يكون ذلك للوصي وإن كانوا كبارا يملكون أمرهم أو يكون على الميت دين يغترق ماله فليس للوصي أن يؤخرها هاهنا مع الورثة الكبار ولا مع أهل الدين الذي قد اغترق مال الميت لأن المال هاهنا لغير الميت, ولا يجوز أن يؤخر الوصي إلا أن يرضى أهل الدين أو الكبار بذلك قلت: أرأيت إن قال: أهل الدين نحن نؤخره, والدين يغترق مال الميت, والدين الذي على الغريم أترى الغريم في فسحة من يمينه إذا أخره أصحاب الدين؟ قال: نعم لأن مالكا قال: ليس للوصي إذا كان الدين الذي على الميت يغترق جميع مال الميت

فليس لورثته أن يؤخروه إلا برضا من الغرماء فهذا يدلك على أن مالكا قد جعل التأخير إلى من يستحق ما على هذا الغريم الحالف بوراثة أو بغير ذلك؟ قال: فإن أخره من يستحق ما عليه إذا أبرءوا الميت فهو في فسحة من يمينه, فقد جعل مالك الخيار يورث, وجعل المشيئة إذا كانت في حق تورث أيضا ولا أرى للوصي أن يقبل تأخير الغرماء إلا أن يرضوا بذلك من دينهم فتبرأ ذمة الميت وإلا لم أر ذلك لهم. ولقد كتب إليه مالك فجاءه الكتاب وأنا عنده يسألونه عن رجل تزوج امرأة وشرطت عليه أمها إن تزوج عليها أو تسرر أو خرج بها من بلدها فأمرها بيد أمها فماتت الأم أفترى ما كان بيد الأم من ذلك قد انفسخ؟ قال مالك: إن كانت أوصت بما جعل لها من ذلك إلى أحد فذلك إلى من أوصت إليه بذلك, فقيل لمالك: فإن لم توص أترى ذلك لابنتها فكأني رأيت مالكا رأى ذلك لها أو قال ذلك لها ولم أتثبته منه.
قلت: أرأيت إن أوصت إلى رجل ولم تذكر ما كان لها في ابنتها أيكون للوصي ما كان لأمها؟ قال: لا أرى ذلك له ولا لابنتها أيضا.
قال سحنون: وقد روى علي بن زياد عن مالك أن ذلك لا يكون بيد أحد غير من كان جعله الزوج بيده لأنه يقول لم أكن أرضى أن أجعل أمر امرأتي إلا بيده للذي أعرف من نظره وحياطته وقلة عجلته
قلت لأشهب: أفرأيت إن جعلت ورثته يقومون مقامه في الخيار إن اختلفوا فقال بعضهم: أجيز البيع, وقال بعضهم: بل أنقضه, فقال لي: إما أجازوا كلهم وإما نقضوا كلهم لأن الميت الذي كان صار إليهم الأمر بسببه لم يكن يجوز له أن يختار إجازة بعض ذلك وترك بعض فكذلك هم واستحسن أن لمن أجاز منهم أن يأخذ مصابة من لم يجز من البائع أو المشتري أن يأخذ مصابته فلا يكون له عليه غير ذلك, وأما النظر غير الاستحسان فليس فيه إلا أن يأخذوا جميعا أو يردوا جميعا وكذلك لو باع رجل من رجل سلعة ثم مات المشتري وترك ورثة فظهروا من تلك السلعة على عيب ترد منه فليس لهم إلا أن يردوا جميعا أو يمسكوا جميعا إلا أن يشاء الذي أراد الإمساك أن يأخذ جميع ذلك فيكون ذلك له, فإن أبى فأراد البائع أن يقبل مصابة الذين أرادوا أن يردوا فيكون ذلك له.
وقال أشهب: وكذلك من باع سلعة من رجلين فوجدا بها عيبا ترد منه فأراد أحدهما ردها وأبى الآخر فليس ذلك لهما على البائع, ولكن يردان جميعا أو يمسكان جميعا, ولا بد للذي أراد أن يمسك من أن يرد مع صاحبه أو يأخذ السلعة كلها بالثمن.

وقد قال لي مالك هذا القول الآخر فكذلك الورثة في الخيار يردون جميعا أو يمسكون جميعا ولا بد للذين أرادوا أن يتمسكوا من أن يردوا مع أصحابهم أو يأخذوا السلعة كلها بالثمن.
قلت: فإن كان الورثة كلهم صغارا؟ قال: فالوصي ولي النظر لهم على الاجتهاد بلا محاباة في الرد والإجازة, فإن لم يكن وصي فالسلطان يلي النظر له وأن يجعل ناظرا على ما وصفت لك في الوصي ينظر بالاجتهاد بلا محاباة.
قلت: فإن كان وصي ومعه من الورثة من لا وصية للوصي عليه لأنه يلي نفسه؟ قال: فهما في ذلك بمنزلة ما وصفت لك في الورثة إذا كانوا كبارا مالكين لأنفسهم.
قلت: أرأيت إن كان الورثة صغارا كلهم ولهم وصيان؟ فقال ما اجتمعا عليه من رد أو إجازة بوجه الاجتهاد بغير محاباة فهو جائز, وإن اختلفا نظر في ذلك السلطان واستشار فمن صوب له رأيه منهما كان القول قوله واتبع رأيه, وليس الوصيان في هذا بمنزلة الورثة الذين يلون أنفسهم لأن الورثة يحكمون في أموالهم والوصيان إنما يحكمان في مال غيرهما, فذلك اختلفا في هذا وكان السلطان هو المجوز لصواب المصيب منهما.
قلت: فإن كان مع هذين الوصيين وارث كبير يلي نفسه؟ فقال لي إن اجتمعوا على رد أو إجازة جاز ما اجتمعوا عليه إذا كان ذلك من الوصيين على الاجتهاد, وإن قال أحدهما: أنا أرد, وقال الآخر: بل أنا آخذ فإنه إن كان الذي قال: أنا أرد هو الوارث فذلك له, ولا بد للوصيين من أن يأخذا مصابته أو يردا معه إلا أن يشاء الباقي من البائع أو المشتري أن يردها ويأخذ مصابة الذين يلونهم من الورثة فيكون ذلك له ولا يكون عليه أن يأخذ منه مصابة الذي اختار الرد عليه وكذلك إذا أراد الوارث الأخذ وأراد الوصيان الرد فلا بد للوارث الذي يلي نفسه من أن يرد معهما أو يأخذ مصابة الذي اختار الرد عليه ومصابة الورثة معه المولى عليهم إلا أن يشاء الباقي من البائع أو المشتري أن يدعه ويأخذ مصابته فقط فيكون ذلك له وإن كان الذي قال: أنا أرد الوارث الذي يلي نفسه وأحد الوصيين نظر السلطان في ذلك فإن رأى الرد أفضل كلف الوصي الذي قال: أرد الإجازة مع صاحبه. وإن رأى الإجازة أفضل كلف الوصي الذي قال: أرد الإجازة ثم لم يكن لهما بد من أن يردا كما رد الوارث أو يأخذ مصابة الوارث للورثة الذين يلونهم إلا أن يشاء الباقي من البائع أو المشتري أن يدعهما ويأخذ مصابة الذين يلونهما من الورثة فيكون ذلك له, ولا يكون للوصيين عليه أن يأخذا منه مصابة الوارث الذي اختار الرد

عليه. وكذلك إن كان الذي قال: آخذ الوارث وأحد الوصيين نظر السلطان في ذلك كما وصفت لك.
قلت لأشهب: أرأيت إن كان على الميت دين يغترق جميع ماله ألهم الخيار في الرد والإجازة على ما فسرت لي من الورثة الذين يلون أنفسهم؟ فقال لي: لا ليسوا بمنزلتهم وللغرماء متكلم في إن كانت الإجازة أردأ عليهم وعلى الميت في الأداء عن أمانته وبراءة ذمته فيما يصل إليهم من حقوقهم بإجازته كان ذلك لهم, وإن لم يكن ذلك على ذلك فليس لهم ذلك, وذلك إلى الورثة إن كانوا يلون أنفسهم, وإن كان الرد أردأ على الميت وأفضل لهم في اقتضاء ديونهم فذلك لهم, وللورثة أن يأخذوا ذلك إن شاءوا لأنفسهم من أموالهم ولا يأخذوا من مال الميت لأن الغرماء أولى بمال الميت منهم.

في الرجل يكون له الخيار ثم يغمى عليه في أيام الخيار
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا اشترى سلعة على أنه بالخيار ثلاثا فأغمي عليه في أيام الخيار كلها الذي كان له الخيار فيها هل يكون ورثته أو السلطان بمنزلته في قول مالك؟ قال: لا أحفظ فيه شيئا عن مالك ولا يكون للورثة هاهنا ولا للسلطان شيء ويترك حتى يفيق, فإذا أفاق كان على خياره إن شاء أخذ وإن شاء رد, ولا ينقطع عنه خياره لموضع ما أغمي عليه في أيام الخيار.
قلت: فإن تطاول بهذا المغمى عليه ما هو فيه؟ قال: ينظر السلطان في ذلك, فإن رأى أضرارا فسخ البيع بينهما وجاز فسخه.
قلت: ولا يكون للسلطان أن يأخذ لهذا المغمى عليه؟ قال: لا لأنه ليس بمجنون ولا صبي وإنما هو مريض.

في الرجل يبيع السلعة من الرجل فيلقاه بعد ذلك فيجعل أحدهما للآخر الخيار
قلت: أرأيت لو أني بعت من رجل سلعة فلقيته بعد يوم أو يومين فجعلت له الخيار أو جعل لي الخيار أياما أيلزم هذا الخيار أم لا؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من رجل ثم لقيته بعد يوم أو يومين فجعلت له الخيار أو جعل لي الخيار أيلزم هذا الخيار أم لا؟ قال: نعم إذا كان يجوز في مثله الخيار وهو بمنزلة بيعك إياه بالثمن من غيره وله الخيار عليك أو لك عليه وما أصاب السلعة في أيام الخيار فهو منك.

في المكاتب يبتاع السلعة على أنه بالخيار فيعجز في أيام الخيار
قلت: أرأيت المكاتب إذا اشترى سلعة على أنه بالخيار أياما فيعجز في أيام الخيار ما حال هذا البيع؟ قال: يصير خيار هذا المكاتب إلى سيده فإن شاء السيد أجاز وإن شاء رد.

في الرجل يبيع السلعة على أن أخاه أو رجلا أجنبيا بالخيار أو يشتريها لرجل على أنه بالخيار
قلت: أرأيت إن بعت سلعة من رجل على أن أخي أو رجلا أجنبيا بالخيار أياما أيجوز هذا البيع أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يبيع السلعة ويشترط البائع إن رضي فلان البيع فالبيع جائز, قال: لا بأس به وإن رضي البائع أو رضي فلان البيع فالبيع جائز فهذا يدلك على مسألتك.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت سلعة على أن فلانا بالخيار ثلاثا لرجل أجنبي أو ذي قرابة لي أو على إن رضي فلان أو على أن أستشير فلانا أيجوز هذا البيع في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا اشترى الرجل سلعة على أن يستشير فلانا فالبيع جائز. قال مالك: وإن اختار المشتري الشراء وقال البائع: ليس لك أن تختار حتى تستشير فلانا لم يلتفت إلى قول البائع وكانت السلعة للمشتري.
قلت: فإن كان أراد أن يرد؟ قال مالك: ذلك له فإن قال البائع: ليس ذلك لك حتى تستشير فلانا لم يلتفت إلى قول البائع, قال مالك: والذي اشترى على إن رضي فلان فليس ذلك للمشتري أن يمضي ولا يرد حتى يرضى فلان الذي جعل له الرضا والذي اشترى على أن فلانا بالخيار مثل ذلك, وقال أشهب: إنه جائز إذا اشترى سلعة على أن رجلا أجنبيا أو ذا قرابة منه بالخيار أياما.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية على أن أستشير فلانا فقال لي فلان: قد رددتها, وقال المشتري: قد قبلتها, قال: قال مالك: القول قول المشتري ولا يلتفت في هذا إلى رضا الذي جعل له المشورة مع رضا الذي شرط ذلك له.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة وشرطت مشورة فلان وأنا بمصر وفلان بإفريقية؟ قال: أرى البيع فاسدا وإنما يجوز من ذلك الأمر القريب.
قلت: فإن قال المشترط الذي اشترط الخيار لفلان الغائب: أنا أقبل البيع ولا أريد مشورة فلان, قال: يجوز البيع لأن العقدة وقعت فاسدة.

قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة لفلان اشتريتها له على أنه بالخيار ثلاثا؟ قال: فذلك جائز.
قلت: فإن اختار المشتري على أن يجيز على فلان المشتري له أيجوز هذا؟ قال: لا يجوز ذلك حتى يجيزها هو على نفسه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يبيع السلعة على أن البائع والمبتاع بالخيار
قلت: أرأيت إن بعت سلعة على أني بالخيار أنا والمشتري جميعا؟ قال: قال مالك: لا يجوز البيع إلا باجتماعهما على الإجازة.
قلت: أرأيت إن بعت سلعة من رجل على أني بالخيار أياما أيجوز هذا البيع أم لا؟ قال: قال مالك في الرجل يبيع السلعة ويشترط البائع: إن رضي فلان البيع فالبيع جائز, قال: قال مالك: البيع لا بأس به, فإن رضي فلان فالبيع جائز فهذا يدلك على مسألتك إذا كان فلان حاضرا الذي اشترط رضاه.

في الرجل يبيع السلعة من الرجلين على أنهما بالخيار فيختار أحدهما الرد والآخر الإجازة
قلت: أرأيت إن بعت سلعة عندي من رجلين على أنهما بالخيار جميعا فاختار أحدهما الأخذ واختار الآخر الرد وقال البائع: لا أقبل بعضها ولا أقبل إلا جميعها. قال ابن القاسم: ذلك لمن أبى, ولمن أراد أن يتمسك بالبيع وليس لصاحب السلعة في ذلك خيار وذلك لو أنه أوجب البيع لهما فأفلسا أو أفلس أحدهما تبع كل واحد منهما بنصف الثمن.

في الرجل يبتاع الجارية على أنه بالخيار ثلاثا فيختار الرد والبائع غائب أو يطؤها أو يدبرها أو يرهنها وما أشبه ذلك
قلت: أرأيت لو أني اشتريت جارية على أني بالخيار ثلاثا فغاب البائع فاخترت الرد وأشهدت على ذلك والبائع غائب أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك.

في الرجل يشتري العبد على أنه بالخيار فيموت في أيام الخيار
قلت: أرأيت لو أني اشتريت عبدا بعبد على أن أحدنا بالخيار ثلاثا أو نحن جميعا بالخيار ثلاثا فتقابضنا فمات أحد العبدين في أيام الخيار أيلزم البيع بعد الموت أم لا؟ قال: قال مالك: إن مات أحد العبدين في أيام الخيار فمصيبته من بائعه, وإن كانا قد تقابضا؟ قال: فقلت لمالك فلو أن رجلا ابتاع دابة على أنه بالخيار على أن ينقده ثمنها فنقده ثم ماتت الدابة في أيام الخيار؟ قال: المصيبة من البائع ويرد الثمن إلى المشتري.
قال: فقيل لمالك: فلو أن رجلا باع من رجل سلعة على أن أحدهما بالخيار ثم مات في أيام الخيار؟ قال: من مات منهما فورثته مكانه يكون لهم من الخيار ما كان لصاحبهم.

قلت: ما حجة مالك إذا جعل المصيبة في أيام الخيار من البائع؟ قال: لأن البيع لم يتم, ولا يتم بينهما إلا أن يقع الخيار فما لم يقع الخيار فالتلف من البائع.

في الرجل يبتاع الجارية على أنه بالخيار ثلاثا فيعتقها البائع في أيام الخيار
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع جارية على أن المشتري بالخيار ثلاثا فأعتقها البائع في أيام الخيار؟ قال: عتقه موقوف لأن الجارية قد باعها من المشتري.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك, ولكنه ندم منه فيما أوجب على نفسه بقوله وبالشرط على نفسه مما غيره فيه المقدم عليه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس على شروطهم"1 .
قلت: فإن اختار المشتري الرد أيلزم البائع العتق الذي أعتق في أيام الخيار؟ قال: نعم ذلك لازم لأن البيع لم يتم فيها إذا ردها المشتري بالشرط الذي كان له فيها وإن مصيبتها من البائع, وإن ما جنى عليها وما جنت فعلى البائع وله.
قلت: لم أجزته وقد كان يوم تكلم بالعتق غير جائز؟ قال: قال مالك: في الذي يخدم جاريته سنة أو يؤاجرها سنة ثم يعتقها: إن عتقها في تلك الحال غير جائز, وإنه موقوف, فإذا رجعت إليه عتقت عليه بالعتق الذي كان أعتقها يومئذ فكذلك الذي أعتق في أيام الخيار. ألا ترى أن ملكه لم يزل عن المخدمة والتي أجر, ورأيي أنه في عتقه مضار نادم فيما أوجب على نفسه من هذا الشرط الذي لزمه ولا يستطيع الرجوع فيه. قال ابن وهب: وإن يونس بن يزيد ذكر أنه سأل ابن شهاب عن رجل أسكن رجلا دارا حياته فتوفي رب الدار ولم يترك مالا غيرها وعليه دين قال ابن شهاب: لا تباع حياة الذي أسكنها, وأن عبد الله بن عمر قال في رجل أسكن رجلا دارا عشر سنين أو آجره ثم مات رب الدار قال: الدار راجعة إلى الورثة والسكنى إلى حدها, وأن عبد الجبار ذكر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: من أسلف رجلا سلفا فليس له أن يعجله إن كان سمى له أجلا إلا إلى أجله لأن ذلك معروف.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الإجازة باب 14. أبو داود في كتاب الأقضية باب 12. بلفظ "المسلمون" بدل "الناس".

في الرجل يبتاع السلعة أو الطعام على أنه بالخيار إذا نظر إليه
قلت: أرأيت إن اشتريت ثيابا على أني بالخيار إذا نظرت إليها أو رقيقا أو غنما فنظرت إليها كلها وأنا ساكت حتى إذا نظرت إلى آخرها فقلت: لا أرضى أيكون ذلك لي

في الرجل يبتاع الجارية على أنه بالخيار ثلاثا فيصيبها عيب في أيام الخيار
قلت: فما قول مالك فيمن اشترى جارية على أنه بالخيار ثلاثا فأصابها صمم أو عور أو بكم أو عيب أقل من ذلك وقد قبض المشتري الجارية أو لم يقبضها؟ قال: قال مالك في الموت: إنه من البائع وأرى في العيوب أن المشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك.
قلت: فإن أراد أن يأخذها ويضع عنه قيمة العيب الذي حدث؟ قال: ليس ذلك له, وإنما له أن يأخذها بجميع الثمن أو يدع.

قلت: فإن اشتراها على أنه بالخيار فحدث بها عيب قبل أن يقبضها أو بعد ما قبضها في أيام الخيار ثم ظهر على عيب كان بها عند البائع باعها به؟ قال: إن شاء ردها وإن شاء أخذها بجميع الثمن.
قلت: ولا يكون للمشتري أن يأخذها ويوضع عنه قيمة العيب الذي باعها وهو بها؟ قال: لا.
قلت: ولم وقد حدث بها عيب بعد ما اشتراها في أيام الخيار, وهو لو لم يكن له فيها خيار فحدث بها عيب بعد الشراء في الاستبراء ثم ظهر على عيب كان بها عند البائع كان له أن يأخذها ويرجع بقيمة العيب الذي باعها به من الثمن أو يردها وما نقص؟ قال: لا لأن العيب الذي أصابها في أيام الخيار أو في الاستبراء إذا كان مما لا يجوز بيعها على البراءة من الحمل إنما هو من البائع قبضها المشتري أو لم يقبضها, فليس ذلك من المشتري فكأنه اشتراها بذلك العيب الذي حدث في الخيار وفي الاستبراء, فليس للمبتاع هاهنا إلا أن يأخذها بجميع الثمن أو يدع.
قلت: أرأيت إن أراد المشتري لما ظهر على العيب الذي دلس له البائع وقد كان أصابها عيب في أيام الخيار وأصابها عنده بعدما قبضها وخرجت من الاستبراء عيب آخر مفسد فأراد أن يحبسها ويرجع بقيمة العيب الذي باعها به البائع؟ قال: ينظر إلى العيب الذي حدث في أيام الخيار, فإن كان عورا قيل ما قيمة هذه الجارية وهي عوراء يوم وقعت الصفقة بغير العيب الذي دلسه البائع وقيمتها بالعيب الذي دلسه البائع يومئذ أيضا فيقسم الثمن على ذلك كله فيطرح من الثمن حصة العيب الذي دلس البائع. فإن أراد أن يرد نظر إلى العيب الذي حدث عنده كم ينقص منها يوم قبضها فيرد ذلك معها ولا ينظر إلى العيب الذي حدث في أيام الخيار في شيء من ذلك.
قال ابن القاسم: وإنما مثل العيب الذي حدث في أيام الخيار فيقال للمشتري: إن أحببت أن تأخذ بالثمن كله وإلا فاردد ولا شيء لك, إنما ذلك بمنزلة العيب الذي يحدث في عهدة الثلاث فهو من البائع, وإن اطلع المشتري على العيب الذي باعها به البائع وقد حدث بها عيب آخر في عهدة الثلاث فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بالعيبين بجميع الثمن وإن شاء أن يردها وليس له أن يقول: أنا آخذها وأرجع بالعيب الذي دلسه لي البائع لأن ضمان العيب الذي حدث في عهدة الثلاث من البائع.
قلت: أرأيت إن اشتريت بئرا على أني بالخيار عشرة أيام فانخسفت البئر في أيام

الخيار؟ قال: قال مالك: ما كان من مصيبة في أيام الخيار فذلك من البائع, قال مالك: وسواء إن كان الخيار للبائع أو للمشتري فالمصيبة من البائع.

في الرجل يشتري الخادم على أنه بالخيار فتلد عنده أو تجرح أو عبدا فيقتل العبد رجلا
قلت: أرأيت لو أني اشتريت جارية على أني بالخيار ثلاثا فولدت عندي أو قطعت يدها قطعها رجل أجنبي أيكون لي أن أردها ولا يكون علي شيء؟ قال: نعم تردها وترد ولدها, ولا يكون عليك شيء إن نقصتها الولادة, وفي الجناية عليها أيضا تردها ولا شيء عليك, ويتبع سيدها الجاني إن كان جنى عليها أحد وإن كان أصابها ذلك من السماء فلا شيء عليك ولك أن تردها.
قلت: فإن كان المشتري هو الذي جنى عليها في أيام الخيار؟ قال: له أن يردها ويرد معها ما نقصها إن كان الذي أصابها به خطأ وإن كان الذي أصابها به عمدا فذلك رضا منه بالخيار.
قلت: أرأيت إن كان المشتري بالخيار أو البائع إذا باع فاختار الاشتراء وقد ولدت الأمة في أيام الخيار؟ قال: لم أسمع من مالك في ذلك شيئا وإن الولد مع الأم, ويقال للمشتري: إن شئت فخذ الأم والولد بجميع الثمن أو دع قال: وقال لي مالك في الرجل يبيع عبده: على أنه بالخيار أياما سماها فدخل العبد عيب أو مات إن ضمان ذلك من البائع, قال مالك: ونفقة العبد في أيام الخيار على البائع.
قال ابن القاسم: وكذلك الرجل إذا باع أمته على أنه بالخيار ثلاثا فوهب لأمته مال أو تصدق به عليها إن ذلك المال للبائع لأن البائع كان ضامنا للأمة وكان عليه نفقتها قال: ولقد قال مالك في الرجل: يبيع العبد وله مال رقيق أو حيوان أو عروض أو غير ذلك فيشترط المشتري مال العبد فيقبض مشتري العبد رقيق العبد ودوابه وعروضه فتلف المال في أيام العهدة الثلاثة, قال مالك: ليس للمشتري أن يرجع على البائع بشيء من ذلك ولا يرد العبد.
قلت: فإن هلك العبد في أيام الخيار في يدي المشتري أينتقض البيع فيما بينهما ولا يكون للمشتري أن يحبس مال العبد ويقول أنا أختار البيع وأدفع الثمن ; قال: نعم لأن العبد إذا مات في أيام العهدة انتقض البيع فيما بينهما وإن أصاب العبد عور أو عمى أو شلل أو دخله عيب فإن المشتري بالخيار إن أحب أن يرد العبد ويرد ماله على البائع

فذلك له وينتقض البيع, وإن أراد أن يحبس العبد بعينه ويحبس ماله ولا يرجع على البائع بشيء فذلك له.
قلت: فإن أراد أن يحبس العبد وماله ويرجع على البائع بقيمة العيب الذي أصاب العبد في أيام العهدة؟ قال: ليس ذلك له لأن ضمان العبد في عهدة الثلاث من العيوب والموت من البائع, ويكون المشتري بالخيار إن أحب أن يقبل العبد مجنيا عليه والعقل للبائع فذلك له, وإن أحب أن يرد العبد فذلك له, فلما قال: لي مالك في عقل جناية العبد في أيام العهدة: إنها من البائع علمت أن الجناية على العبد أيضا في أيام الخيار للبائع إذا اختار البيع ويكون المشتري بالخيار إن شاء قبل العبد بعيبه ويكون العقل للبائع, وإن شاء ترك, فالولد إذا ولدته الأمة في أيام الخيار مخالف لهذا عندي أراه للمبتاع إن رضي البيع.
وقال أشهب: الولد للبائع فإن اختار المشتري البيع وقبض الأم فاجتمعا على أن يضم المشتري الولد أو يأخذ البائع الأم فيجمعان بينهما وإلا نقض البيع بينهما في الأم وردت إلى البائع.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا على أني بالخيار أياما فقتل العبد رجلا أيكون لي أن أرده؟ قال: نعم.

في رجل اشترى ثوبا فأعطى ثوبين يختار أحدهما فضاعا أو أحدهما
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى ثوبين أو عبدين على أن يأخذ أحدهما بألف درهم أيهما شاء أخذ وهو بالخيار ثلاثا فمات أحد العبدين أو ضاع أحد الثوبين؟ قال: قال مالك: إذا اشترى الثوبين على أن يأخذ أيهما شاء بثمن قد سماه فضاع أحد الثوبين أن الضياع من المشتري في نصف ثمن الثوب التالف فلا يضمن إلا ذلك ولو ضاعا جميعا لم يضمن إلا ثمن واحد لأنه أخذ واحدا على الضمان وآخر على الأمانة.
قال سحنون: وقد قال لي أشهب: إن مات أحد العبدين فمن مات منهما فهو من البائع وأنت بالخيار في الباقي إن شئت أخذته بالثمن وإن شئت رددته.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا اشترى عبدين أو ثوبين على أن يأخذ أحدهما بألف درهم أيهما شاء وهو بالخيار ثلاثا فمات أحد العبدين أو ضاع أحد الثوبين؟ قال: قال مالك: في الرجل يشتري الثوبين على أن يأخذ أيهما شاء بثمن قد سماه فضاع أحد الثوبين, قال: يضمن المشتري نصف ثمن الثوب التالف ويكون له أن يرد الباقي إن

شاء, وقد سمعت مالكا أيضا يقول في الرجل يأتي الرجل يسأله الدينار فيعطيه ثلاثة دنانير يختار أحدهما ويرد دينارين فيأتي فيذكر أنه تلف منه ديناران قال مالك: يكون شريكا سحنون, ومعناه إن لم يعلم بتلفهما إلا بقوله.
قلت: أيكون للمشتري أن يقول أنا آخذ الباقي؟ قال: نعم.
قلت: فإن مضت أيام الخيار أينتقض البيع ولا يكون للمشتري أن يأخذ واحدا منهما؟ قال: أما ما قرب من أيام الخيار فله أن يأخذ أيهما شاء بالثمن الذي سماه وإن مضت أيام الخيار وتباعد ذلك فليس له أن يأخذ وقد انتقض البيع بينهما إلا أن يكون قد أشهد أنه قد أخذ قبل مضي أيام الخيار أو فيما قرب من أيام الخيار؟ قال: وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبين صفقة واحدة على أني بالخيار ثلاثا فضاع أحد الثوبين في أيام الخيار وجئت بالثوب الباقي لأرده؟ قال: ذلك لك ترده ويفض الثمن على قيمة الثوبين, فما أصاب الثوب الذي رددت من الثمن رد عليك وما أصاب الثوب الذي هلك من الثمن كان للبائع.
قلت: وكذلك لو أني اشتريت ثوبين على أني بالخيار ثلاثا ثم جئت لأردهما فضاعا في أيام الخيار؟ قال: لا يجوز قولك ولا تصدق بقولك إنهما ضاعا, والثمن لازم لك لأن الثوبين مما يغيب عليهما ولا تكون عليك القيمة لأنا إذا ذهبنا أن نردك إلى القيمة وكانت القيمة أقل لم نردك إلى أقل من الثمن بقولك ولم نصدقك خوفا من أن تكون غيبتهما, فإن كانت القيمة أكثر من الثمن لم يعطها البائع لأنه قد رضي بالثمن الذي باعها به.
قلت: أرأيت إن أخذت ثوبين على أن آخذ أيهما شئت بعشرة دراهم فذهبت بهما لأردهما فضاعا في يدي أو ضاع أحدهما في يدي؟ قال: إن ضاعا جميعا رأيت عليك الثمن في أحدهما وأنت في الآخر مؤتمن.

في البيعين بالخيار ما لم يفترقا
قلت لابن القاسم: هل يكون البائعان بالخيار ما لم يفترقا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا خيار لهما وإن لم يفترقا, قال مالك: البيع كلام, فإذا أوجبا البيع بالكلام وجب البيع, ولم يكن لأحدهما أن يمتنع مما قد لزمه.
قال مالك في حديث ابن عمر: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا إلا بيع الخيار1, قال مالك: ليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه, وقد كان ابن مسعود يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما بيعين تبايعا فالقول ما قال
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 79. عن نافع عن عبد الله بم عمر. البخاري في كتاب البيوع باب44. مسلم في كتاب البيوع باب 43.

البائع أو يترادان"1.
قال ابن وهب: وقد ذكر إسماعيل بن عياش, عن إسماعيل بن أمية, عن عبد الملك بن عبيد, عن ابن لعبد الله بن مسعود أنه حدثه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم كان المبتاع بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك"2 .
قال سحنون, وقال أشهب: الذي اجتمع عليه أهل العلم من أهل الحجاز أن البائعين إذا أوجبا البيع بينهما فقد لزم ولا خيار لواحد منهما إلا أن يكون اشترط الخيار أحدهما فيكون ذلك المشترط على الخيار على صاحبه, وليس العمل على الحديث الذي جاء البيعان بالخيار ما لم يتفرقا, ونرى والله أعلم أنه منسوخ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"3, ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف البيعان استحلف البائع"2.
قال سحنون, وقال غيره: فلو كان الخيار لهما كلف البائع اليمين, ولقال هب الأمر كما قال المبتاع أليس لي أن لا أقبل وأن يفسخ عني البيع, فإذا صادقته على البيع كان لي أن لا يلزمني, فإذا خالفته فذلك أبعد من أن يلزمني.
ابن وهب, وقد قال مالك: الأمر عندنا في الذي يشتري السلعة من الرجل فيختلفان في الثمن فيقول البائع: بعتكها بعشرة دنانير ويقول المشتري: اشتريتها بخمسة دنانير أنه يقال للبائع: إن شئت فأعط المشتري بما قال وإن شئت فاحلف بالله ما بعت سلعتك إلا بما قلت, فإن حلف قيل للمشتري إما أن تأخذ السلعة بما قال البائع وإما أن تحلف بالله ما اشتريتها إلا بما قلت, فإن حلف برئ منها وذلك أن كل واحد منهما مدع على صاحبه.
قال سحنون: وأخبرني ابن وهب ووكيع, عن سفيان, عن هشام, عن ابن سيرين, عن شريح قال: إذا اختلف البائعان وليس بينهما بينة قال: إن حلفا ترادا وإن نكلا ترادا وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لزمه البيع.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 80. الترمذي في كتاب البيوع باب 43.
2 رواه النسائي في كتاب البيوع باب 82.أحمد في مسنده "1/466".
3 رواه البخاري في كتاب الإجارة باب 14. أبو داود في كتاب الأقضية باب 12.

الخيار في الصرف
قلت: أرأيت هل يجيز مالك الخيار في الصرف؟ قال: لا.
قلت: فهل يجيز مالك الخيار في التسليف؟ قال: إذا كان أجلا قريبا اليوم واليومين ولم يقدم رأس المال فلا أرى به بأسا وهو قول مالك.
قلت: فإن أبطل الذي له الخيار خياره قبل أن يفترقا أو بعد ما تفرقا, وقد كان

الخيار في السلم أجلا بعيدا؟ قال: لا يجوز وإن أبطل الذي له الخيار خياره من قبل أن الصفقة وقعت فاسدة فلا يصلح وإن أبطل خياره.
قلت: وكذلك الخيار في الصرف إن كان أحدهما بالخيار وأبطل خياره قبل أن يتفرقا؟ قال: نعم لا يجوز ذلك إلا أن يستقبلا صرفا جديدا لأن الصفقة وقعت فاسدة.
قلت: أرأيت إن صرفت دراهم بدينار على أن أحدنا بالخيار؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا في الصرف, وهذا باطل ولا يجوز الخيار في الصرف, قال مالك: ولا حوالة ولا كفالة ولا شرط ولا رهن, ولا يجوز في الصرف إلا المناجزة حتى لا يكون بين واحد منهما وبين صاحبه عمل.
قال سحنون: ألا ترى إلى حديث مخرمة بن بكير الذي ذكره عن أبيه قال: سمعت عمرو بن شعيب يحدث يقول: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا عينا بعين ولا الورق بالورق إلا عينا بعين إني أخشى عليكم الرماء, ولا تبيعوا الذهب بالورق إلا هاء وهلم, ولا الورق بالذهب إلا هاء وهلم"1, وأن عمر قال في الصرف: وإن استظهرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره".
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "34" عن نافع عن عبد الله عمر, أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالذهب, أحدهما غائب والآخر ناجز, وإن ستنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنتظره إني أخاف عليكم الرماء والرماء هو الربا. ورواه أحمد في مسنده "2/409" "4/4".

في الرجل يشتري السلعتين على أنه بالخيار يختار إحداهما وقد وجبت له
قلت: أرأيت إن اشتريت جاريتين على أني فيهما بالخيار آخذ إحداهما بألف درهم فذلك لي لازم أترى هذا البيع لازما في قول مالك؟ قال: لا أرى به بأسا لأن مالكا قال في الثياب والكباش وما أشبههما من العروض: يشتري الرجل السلعة بكذا وكذا يختارها من سلع كثيرة أنه لا بأس بذلك. وكذلك الجواري, والثمن في مسألتك في السلع قد وجب عليه في إحداهما وإنما قال له: اختر في أيتهما شئت فهي لك بألف درهم ولم يقل له اختر إن شئت هذه بألفين, وإن شئت هذه بألف على أن إحداهما لازمة, فهذا الذي كره مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت جاريتين هذه بخمسمائة وهذه بألف على أن أختار إحداهما؟ قال: قال مالك: لا يصلح هذا البيع إذا كان يأخذهما على أن إحداهما قد وجبت له إن شاء التي بخمسمائة وإن شاء التي بألف؟ قال: قال مالك: فإن كان أخذهما على أن ينظر إليهما إن أحب أن يأخذ أخذ وإن أحب أن يترك ترك, والبائع أيضا, كذلك لا يلزمه شيء من البيع إن أحب أن يمضي أمضى, وإن أحب أن يرد رد فلا بأس بهذا,

وإن أخذهما على أن البيع في إحداهما لازم للمشتري أو للبائع فلا خير في ذلك عند مالك.
قلت: ولم كرهه مالك؟ قال: لأنه كأنه فسخ هذه في هذه أو هذه في هذه, فلذلك كرهه من قبل الخطر فيهما لأنه لا بد من أن تكون إحدى السلعتين أرخص من صاحبتها فهو إن أخطأ المشتري فأخذ الغالية كان قد غبنه البائع وإن أخذ الرخيصة كان المشتري قد غبن البائع وهو من بيعتين في بيعة, وإنما مثلهما مثل سلعة واحدة باعها بثمنين مختلفين مما يجوز أن يحول بعضها في بعض بدينار وثوب أو ثوب وشاة قد وجب عليه أن يأخذ أيهما شاء؟ قال مالك: لا خير فيه لأنه لا يدري بما باع ولأنه من بيعتين في بيعة.
قال سحنون, وقال ابن وهب وابن نافع: وقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يجيز مثل هذا إذا قال الرجل للرجل: هذا الثوب بسبعة وهذا الثوب بخمسة, والوزن واحد فاختر فيهما وقد وجب لك أحدهما فلا بأس بذلك وتفسير حلال ذلك أنه كأنه أخذ الذي بسبعة ثم رده وأخذ الذي بخمسة ووضع درهمين من السبعة عن نفسه وكأنه اشترى درهمين من السبعة التي كانت عليه والثوب الذي بخمسة بالثوب الذي كان أخذه بسبعة ثم رده وبقيت عليه خمسة وصار الثوب الذي بخمسة له فليس في هذا دراهم بدراهم.
قال عبد العزيز بن أبي سلمة: وإذا كانت الدراهم مختلفة الوزن هذه نقص وهذه وازنة فلا يصلح في رأيي, وتفسير ذلك أنه كأنه أخذ الثوب الذي بخمسة قائمة ثم رده وأخذ الثوب الذي بسبعة نقص وجعل مكان الخمسة القائمة سبعة نقصا فلا يستطيع إلا أن يخرجهما جميعا نقصا لأنه ليس موضع قصاص حين لم يكن مثلها.
قال مالك: وعبد العزيز في الذي يبيع السلعة بعشرة نقص أو بسبعة وازنة كلتاهما نقدا أو يوجب عليه إحدى الثمنين قالا: لا يصلح, وتفسير ذلك أنه ملكه وزنين مختلفين فهو كأنه أخذ بالنقص وصارت عليه ثم فسخ ما ملك فسخه وأعطاه مكانها وازنة فلا يصلح اشتراء أحد الثمنين بصاحبه. قال ابن وهب وقال يونس: سألت ربيعة ما صفة البيعتين تجيزهما الصفقة الواحدة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة واحدة فقلت: ما صفة ذلك فقال ربيعة: يملك الرجل السلعة بالثمنين عاجل وآجل, وقد وجب عليه أحدهما كالدينار نقدا والدينارين إلى أجل فكأنه إنما يبيع أحد الثمنين بالآخر فهذا مما يقارب الربا.
قال مالك وعبد العزيز: وتفسير ما كره من ذلك أنه ملكك ثوبه بدينار نقدا أو

بدينارين إلى أجل تأخذهما بأيهما شئت وقد وجب عليك أحدهما فهذا كأنه وجب عليك بدينار نقدا فأجزته وجعلته بدينار إلى أجل أو فكأنه وجب عليك بدينارين إلى أجل فجعلتهما بدينار نقدا فكل شيء كره لك أن تعطي قليلا منه بكثير إلى أجل فلا يصلح لك أن تملكهما بذلك يفسخ أحدهما بصاحبه ومن ذلك أن كل شيء كان عليك فلم يصلح لك أن تفسخه في غيره وتؤخره فلا يصلح لك أن تملك ذلك للخيار فيه. قال: وحدثني وكيع عن إسرائيل, عن سماك بن حرب, عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود, عن أبيه في الرجل يشتري من الرجل الثوب بالنقد بكذا وكذا وبالنسيئة بكذا وكذا فقال: الصفقتان في الصفقة ربا.
قال ابن وهب: قال يونس: وكان أبو الزناد يقول مثل قول ربيعة في البيعتين بالثمنين المختلفين.
قال مالك: ونهى عنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن يشتري بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى شهر.
قال ابن وهب: قال مخرمة, عن أبيه: وكره ذلك سليمان بن يسار والقاسم وعبد الرحمن بن القاسم ونافع.
قال ابن وهب: عن الليث بن أبي سعد قال: وقال يحيى بن سعيد البيعتان اللتان لا تختلف الناس فيهما ثم فسر من نحو قول ربيعة بن عبد الرحمن.

في الرجل يبتاع السلعة كلها كل إردب أو ثوب أو شاة بدينار على أنه بالخيار ثلاثا
قلت: أرأيت إن اشتريت هذا الطعام من رجل كل إردب بدرهم أو هذه الثياب كل ثوب بدرهم أو هذه الغنم كل شاة بدرهم على أني بالخيار ثلاثا فاخترت أن آخذ بعضها وأترك بعضها أيجوز لي هذا أم لا؟ قال: لا يجوز إلا أن تأخذ جميعه لأنها صفقة واحدة إلا أن يرضى البائع أن يجيز ذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم ألا ترى أن مالكا قال: في الرجل يشتري القمح المصبر كل قفيز بدرهم: إنه جائز وليس له أن يأخذ بعضه ويدع بعضه.

في الرجل يأخذ من الرجل السلعة على أنه بالخيار ثلاثا فيتلف منه قبل أن يختار
قلت: أرأيت من أخذ سلعة من رجل بمائة دينار إن رضيها أو على أن يريها فماتت

النقد في بيع الخيار
قلت: أرأيت كل شيء اشتراه الرجل من حيوان أو دور أو نخل أو عروض أو شيء مما يقع عليه بياعات الناس اشتراه رجل فاشترط الخيار يوما أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك أيصلح فيه النقد في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: فإن اشترط النقد؟ فقال قد وقعت الصفقة في قول مالك فاسدة. قال: وقال مالك لا يصلح النقد في بيع الخيار.
قلت: وإن لم يشترط والنقد وقعت الصفقة صحيحة ويكون بيعا جائزا؟ قال: نعم ووجه فساد اشتراط النقد أنه بيع وسلف لقول البائع للمبتاع أسلفني خمسين دينارا ثمنها وأنت علي بالخيار ثلاثا فإن شئت أخذت بها مني داري هذه أو عبدي أو متاعي هذا, أو ما كان فيه البيع فهو لك, فإن تم أخذه وصار له سلفا تم فيه البيع, وإن رد البيع ولم يجزه رجع فأخذ سلفه من البائع فانتفع البائع بالذهب باطلا من غير شيء.

قلت: فكل بيع اشتراه صاحبه وهو فيه بالخيار على أن ينقد فأصاب السلعة عيب في أيام الخيار ثم انقضت أيام الخيار وقبضها وعلم بالعيب في أيام الخيار ورضيه ثم حالت أسواق تلك السلعة أو تغيرت بنماء أو نقصان في بدنها ثم أصابها عنده عيب مفسد ثم ظهر على عيب دلسه له البائع قال: إن شاء حبسها ووضع عنه قدر العيب الذي دلس من قيمتها يوم قبضها لأنه قبضها على بيع فاسد فصارت قيمتها يوم قبضها هو ثمنها وبطل الثمن الأول كان أقل من القيمة أو أكثر من قيمتها وصارت قيمتها لها ثمنا وإن شاء ردها بالعيب الذي دلس له ويرد ما أصابها عنده من العيب أو يحبسها ويرجع بالعيب الذي دلس له من قيمتها. قال: فإن لم يحدث بها عنده عيب مفسد كان بالخيار إن شاء ردها بالعيب الذي دلس له وإن شاء حبسها وغرم قيمتها يوم قبضها.
قلت: والخيار له بحال ما وصفت لي؟ قال: نعم لأنه لما انقضت أيام الخيار فقبضها المشتري حدث بها في يديه عيب آخر أو حالت في بدنها وجبت له بقيمتها يوم انقضت أيام خياره وقبضها ثم كان بالخيار في ردها وأن يرد معها من قيمتها التي وجبت له عليه ما نقصها العيب.
قلت: أرأيت إن أسلفت رجلا في طعام معلوم على أن أحدنا بالخيار يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين؟ قال: إن اشترط أجل يوم أو يومين أو نحو ذلك فلا بأس بذلك ما لم يقدم النقد, وإن اشترط أبعد لم يجز قدم النقد أو لم يقدمه.
قلت: لم جوزته له إذا لم يقدم النقد وكرهته إذا قدم على ماذا رأيته من قول مالك؟ قال: إنما جوزت الخيار فيه إذا لم يقدم النقد وكان أجل الخيار قريبا لأني أجيز له أن يؤخر رأس مال السلف يوما أو يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك في قول مالك, فلما اشترط الخيار إلى الموضع الذي يجوز له أن يؤخر نقده إلى ذلك الأجل أجزت الخيار إلى ذلك الأجل وكرهت له أن يقدم نقده ويشترط الخيار لأحدهما لأنه يدخله سلف وبيع سلف جر منفعة, ألا ترى أنه إذا قدم النقد واشترط الخيار فكأنه أسلفه هذه الدنانير إلى أجل الخيار على أن جعلاها بعد أجل الخيار في سلعة إلى أجل موصوف فصارت الدنانير سلفا وصارت السلعة الموصوفة تبعا لهذه الدنانير بعد انقضاء أجل الخيار فصارت سلفا جر منفعة.
قلت: ولم كرهته إذا كان أجل الخيار إلى شهر أو شهرين إذا لم يقدم رأس المال؟ قال: لأنه يصير دينا بدين. والخيار لا يكون أيضا في قول مالك إلى شهر وإنما يجوز مالك الخيار في البيوع على قدر اختبار الناس السلع التي يشترون.

قلت: فإن قدم رأس المال واشترط الخيار وضرب للسلف أجلا بعيدا؟ قال: لا يجوز أيضا في قول مالك لأن مالكا لا يجيز هذا الخيار إلى هذا الأجل في شيء من البيوع.
قلت: وكل من اشترى سلعة من السلع على أنه بالخيار وإن كان خياره يوما واحدا فلا يجوز اشتراطه النقد في ذلك؟ قال: نعم لا يجوز اشتراط النقد في ذلك عند مالك.

الدعوى في بيع الخيار
قلت: أرأيت لو أني اشتريت سلعة على أني بالخيار ثلاثا فجئت بها في أيام الخيار لأردها فقال البائع: ليست هذه سلعتي؟ قال: القول قول المشتري لأن البائع قد ائتمنه على السلعة.
قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا.
قلت: أرأيت لو اشتريت جارية على أني بالخيار ثلاثا فغبت بالجارية ثم أتيت بها في أيام الخيار لأردها فقال البائع: ليست هذه جاريتي القول قول من؟ قال: أرى أن يحلف المبتاع أنها جاريته التي اشتراها منه على أن له الخيار ويردها.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا إلا أن مالكا قال في الرجل: يدفع إلى الرجل الذهب يقضيه إياها من دين كان له عليه فيقول له: خذها وانظر إليها وقلبها فيأخذها على ذلك ثم يأتي بها ليردها فينكر الدافع ويقول: ليست بذهبي؟ قال: القول قول المدفوعة إليه مع يمينه.
قلت: أرأيت إن كان إنما اشترى حيوانا أو دواب أو رقيقا على أنه بالخيار ثلاثا فادعى المشتري أن الدواب أفلتت منه والرقيق أبقوا أو ماتوا؟ قال: القول قول المشتري وهو مصدق في ذلك ولا يكون عليه شيء لأن هذا ليس مما يغاب عليه, والموت إذا كان بموضع لا يجهل موته سئل عن ذلك وكشف عن ذلك أهل تلك القرية ولا يقبل في ذلك إلا قول عدول فإن عرف في مسألتهم كذبه أغرمه وإن لم يعرف كذبه حمل من ذلك ما يحمل وحلف عليه وقبل قوله, وقد قاله مالك.
قلت: فالإباق والسرقة والانفلات إن ادعاه وهو بموضع يجهل لم تسأل البينة عن ذلك ويكون القول قوله؟ قال: نعم لا نسأل البينة, والقول قوله إلا أن يأتي بأمر يستدل به على كذبه.

قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت كل سلعة اشتريتها على أني بالخيار فيها من ثوب أو عرض سوى الحيوان فغبت عليها ثم ادعيت أنها تلفت في أيام الخيار أيكون القول قولي في قول مالك؟ قال: قال مالك: هو ضامن.
قلت: فإن أتى بالبينة على أن السلعة التي غاب عليها قد هلكت هلاكا ظاهرا يعرف من غير تفريط من المشتري؟ قال: يكون من البائع. قال: وقال مالك في الرهن وفي الضياع وفي العارية: ما هلك من ذلك مما يغيب عليه مما تثبته البينة العادلة أنه هلك بغير ضيعة من الذي كانت عنده فلا ضمان عليه قال مالك: ومن ذلك أن يرتهن الرجل الرهن وهو في البحر في المركب فيغرق وله بذلك البينة أنه غرق أو يحترق منزله أو يلقاه اللصوص ومعه رجال فيأخذ اللصوص السلعة منه فيشهد شهود على رؤية ما وصفت لك أنهم رأوه حين احترق أو أنهم رأوه حين أخذه اللصوص فهذا من صاحبه, والذي أعيره أو رهنه منه بريء ولا تباعة عليه, فكذلك الذي يشتري على أنه بالخيار فيغيب عليه هو مثل هذا.
قلت: أرأيت إن اشترى حيوانا على أنه بالخيار ثلاثا فقبض الحيوان وغاب بها ثم ادعى المشتري الذي غاب على الحيوان أنها هلكت أو أبقت إن كانت رقيقا؟ قال مالك: القول قوله إلا أنه في الموت إن كان مع أحد سئل عن بيان ذلك, فإن الميت إذا مات في قرية وفيها أهلها لم يخف عليهم ذلك وإن ادعى انفلاتا أو إباقا أو سرقة فالقول قوله مع يمينه إلا أن يأتي بما يستدل به على كذبه.
قلت: أرأيت إن سألوا في القرية عن موت الحيوان الذي ادعى أنه مات في تلك القرية فلم يصيبوا من يصدق قوله؟ قال: فأراه في هذا كاذبا حين لم يجدوا أحدا يعلم هلاك ما ادعى وهو في القرية فأرى عليه الغرم.

في الرجل يبيع العبد وبه العيب ولا يبينه ثم يأتيه فيعلمه أن بالعبد عيبا ويقول: إن شئت فخذ وإن شئت فدع
قلت: أرأيت إن بعت رجلا سلعة وبها عيب ولم أبين له العيب ثم جئته بعدما وجبت الصفقة فقلت له: إن بالسلعة عيبا فإن شئت فخذ وإن شئت فدع؟ قال: سألنا مالكا عنها فقال لنا: إن كان العيب ظاهرا يعرف أو قامت له بينة بالعيب ذكر إذا لم يكن ظاهرا كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك وإن كان إنما يخبر خبرا ليس

بظاهر وليس له عليه بينة يأتي بها فالمشتري على شرائه ولا يضره ما قال له البائع فإن وجد ذلك العيب بعد ذلك على ما قال البائع كان بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك.

في الرجل يبتاع السلعة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فلا يردها حتى تمضي أيام الخيار
قلت: ما قول مالك في رجل باع سلعة على أن المشتري بالخيار ثلاثا فقبض المشتري السلعة فلم يردها حتى مضت أيام الخيار ثم جاء بها يردها بعد ما مضت أيام الخيار أيكون له أن يردها أم لا؟ قال: إن أتى بعد مغيب الشمس من آخر أيام الخيار أو من الغد أو قرب ذلك بعد مضي الأجل رأيت أن يردها وإن تباعد ذلك لم أر أن يردها.
قال ابن القاسم: إلا أني قلت لمالك: أرأيت الرجل يشتري الثوب أو السلعة على أنه بالخيار اليوم واليومين والثلاثة فإن غابت الشمس من آخر أيام الأجل ولم يأت بالثوب إلى آخر الأجل لزم البيع قال مالك: لا خير في هذا البيع ونهى عنه.
قال: وقال مالك فيما يشبه هذا: أرأيت إن مرض المشتري أو حبسه السلطان أكان يلزمه البيع فكره هذا, فهذا يدلك من قوله على أنه يرد وإن مضى الأجل إذا كان ذلك قريبا من مضي الأجل. قال: وقال مالك أيضا في المكاتب يكاتبه سيده على أنه: إن جاء بنجومه إلى أجل سماه وإلا فلا كتابة له, قال: ليس محو كتابة العبد بيد السيد لما شرط ويتلوم للمكاتب وإن حل الأجل فإن أعطاه كان على كتابته, قال مالك: والقطاعة مثله يتلوم له أيضا وإن مضى الأجل فإن جاء به عتق.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة على أني بالخيار ثلاثا فلم أقبض السلعة من البائع ولم أختر في أيام الخيار ردها حتى تطاول تركي إياها في يدي البائع ثم جئت بعد مضي أيام الخيار بزمان فقلت: أنا أختار إجازة البيع, وقال البائع قد تركتها حتى مضت أيام الخيار فلا خيار لك ولا بيع بيني وبينك.
قال: قال مالك: إذا اختار بحضرة مضي أيام الخيار بقرب ذلك جاز خياره وكان البيع جائزا وإن لم يختر حتى تطاول ذلك بعد مضي أيام الخيار ويعرف أنه تارك لبعد ذلك فلا خيار له والسلعة للبائع.
قلت: فإن كان قبض السلعة المشتري وكان اشتراها على أنه بالخيار ثلاثا ولم يختر

في أيام الخيار الرد ولا الإجازة حتى مضت أيام الخيار وتطاول ذلك ثم جاء بعد ذلك يرد السلعة؟ قال: لا يقبل قوله والسلعة لازمة للمشتري في قول مالك إلا أن يردها بحضرة مضي أيام الخيار أو قرب ذلك فإن تطاول ذلك فالسلعة لازمة للمشتري.
قلت: وإنما ينظر في هذا إذا مضت أيام الخيار وتطاول ذلك حتى لا يقبل قول من له الخيار في السلعة حيث هي فإن كانت في يد البائع كانت له ولا بيع بينهما وإن كانت قد قبضها المشتري فالبيع جائز والسلعة لازمة له؟ قال: نعم إنما ينظر إلى السلعة حيث هي فإذا مضت أيام الخيار وتطاول ذلك فيجعلها للذي هي في يده.

في الخيار إلى غير أجل
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة على أني بالخيار ولم أجعل للخيار وقتا أترى هذا البيع فاسدا أو جائزا؟ قال: أراه جائزا وأجعل له من الخيار مثل ما يكون له في مثل تلك السلعة.

في الرجل يبيع ثمر حائطه ويستثني أن يختار ثمر أربع نخلات أو خمسة
قال سحنون: قال ابن القاسم: قال مالك: في الرجل يبيع ثمرة حائطه على أن يختار البائع ثمر أربع نخلات منها أو خمسة؟ قال: ذلك جائز.
قال ابن القاسم: قال مالك: إنما ذلك عندي بمنزلة رجل باع كباشه هذه على أن يختار البائع منها أربعة أو خمسة فذلك جائز ولا بأس به.
قلت: فإن باع أصل حائطه على أن يختار البائع منها أربع نخلات أو خمسة؟ قال: ذلك جائز في قول مالك.
قلت: أرأيت إن باع ثمرة نخل له واستثنى من مائة نخلة عشر نخلات ولم يسمها بأعيانها ولم يستثن البائع أن يختارها؟ قال: أرى أن يعطي عشر مكيلة ثمر الحائط وهما شريكان في الثمرة البائع والمشتري لهذا العشر ولهذا تسعة أعشار الثمرة لأنه كأنه باعه تسعة أعشار ثمرة حائطه فلذلك جعلته شريكا معه.

في الرجل يشتري من الرجل من حائطه ثمر أربع نخلات يختارها أو من ثيابه ثوبا أو من غنمه شاة يختارها
قلت: فإن اشترى أربع نخلات بأصولهن على أن يختارهن من هذا الحائط؟ قال: لا بأس بهذا عند مالك ما لم يكن فيهن ثمرة, فإن كان فيهن ثمرة فلا خير فيه. وليس هذا بمنزلة رجل باع حائطه كله على أن يختار منه أربعا أو خمسة قال: فذلك جائز ولا يعجبني ذلك في ثمرة النخل وإن نزل لم أفسخه ولا بأس به في الكباش.
قلت: والطعام كله إذا اشترى منه شيئا أن يختار منه؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك إذا كان صبرا مختلفة.
قلت: أرأيت إن قال: أنا آخذ منك ثوبين من هذه الأثواب وهي عشرون ثوبا بعشرة دراهم على أني بالخيار ثلاثا آخذ أحدهما بعشرة دراهم أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك جائز.
قلت: وسواء إن كانا ثوبين أو أثوابا كثيرة فاشترى منها ثوبا يختاره وضرب لذلك أجلا أياما قال: نعم هو سواء عند مالك.
قلت: أرأيت إن اختار المشتري أحد الثوبين بغير محضر من البائع أيكون ذلك له في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن اختار أحد الثوبين بغير محضر من البائع وأشهد على ذلك ثم ضاع الثوب الباقي؟ قال: هو فيه مؤتمن لأنه قد أخذ الثوب ببينة.
قلت: أرأيت إن أخذ الثوبين على أن يختار أحدهما فذهب فقطع أحدهما قميصا أو باعه أو رهنه أو أحرقه فأفسده أو نحو هذا أيلزمه هذا الذي أحدث فيه ما أحدث وتجعله منه وهو في الآخر مؤتمن؟ قال: نعم, وقد بينا هذا قبل هذا.
قلت: فالحيوان كلها إذا أخذها على أن يختار منها واحدة بكذا وكذا درهما كان ذلك جائزا له في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك في الغنم: إذا اشترى شاة من جماعة غنم يختارها فلا بأس بذلك أو عددا مسمى نحو العشرة من جماعة كثيرة فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى من رجل خمسين ثوبا من عدل فيه مائة ثوب على أن يختار الخمسين ثوبا من العدل؟ قال: إذا كانت الثياب التي في العدل نوعا واحدا موصوفة طولها وعرضها ورقعتها وإن كان بعضها أفضل من بعض مثل أن تكون هروية كلها أو مروية كلها أو فسطاطية كلها فلا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المرابحة

ما لا يحسب في المرابحة مما يحسب
وقال مالك في البر: يشترى في بلد فيحمل إلى بلد آخر؟ قال مالك: أرى أن لا يحمل عليه أجر السماسرة ولا النفقة ولا أجر الشد ولا أجر الطي ولا كراء بيت فأما كراء الحمولة فإنه يحسب في أصل الثمن ولا يجعل لكراء المحمولة ربح إلا أن يعلم البائع من يساومه بذلك كله فإن ربحوه بعد العلم بذلك فلا بأس بذلك وتحمل القصارة على الثمن والخياطة والصبغ ويحمل عليها الربح كما يحمل على الثمن, فإن باع المتاع ولم يبين شيئا مما ذكرت لك أنه لا يحسب له فيه الربح وفات المتاع فإن الكراء يحسب في الثمن ولا يحسب عليه ربح, وإن لم يفت المتاع فالبيع بينهما مفسوخ إلا أن يتراضيا على شيء مما يجوز بينهما.
قلت: أرأيت الحيوان إذا اشتريتها أو الرقيق فأنفقت عليهم ثم بعتهم مرابحة أأحسب نفقتهم أم لا؟ قال: نعم تحسب نفقتهم في رأس المال ولا أرى له ربحا.
قلت: أرأيت ما أنفق التاجر على نفسه في شراء السلعة هل تحسب نفقته في رأس مال تلك السلع في قول مالك أم لا؟ قال: لا يحسب ذلك في رأس مال تلك السلع وهو قول مالك. قال ابن القاسم وإن باع العامل متاعا مرابحة من مال القراض فلا يحمل عليه من نفقة نفسه ذاهبا وراجعا شيئا.

في المرابحة
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت المرابحة للعشرة أحد عشر, وللعشرة اثنا

عشر وما سمي من هذا وللعشرة خمسة عشر وللعشرة تسعة عشر وللدرهم درهم وأكثر من ذلك أو أقل جائز في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت من اشترى سلعة بعشرة فباعها بوضيعة للعشر أحد عشر أيجوز هذا البيع في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وكيف يحسب الوضيعة هاهنا؟ قال: تقسم العشرة على أحد عشر جزءا فما أصاب جزءا من أحد عشر جزءا من العشرة طرح ذلك من العشرة دراهم عن المبتاع ابن وهب, عن الخليل بن مرة, عن يحيى بن أبي كثير أن ابن مسعود كان لا يرى بأسا ببيع العشرة باثني عشر أو بيع عشرة إحدى عشر من العشرة.
ابن وهب, عن عبد الجبار بن عمر, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان لا يرى بأسا بالبيع للعشرة اثنا عشر وللعشرة أحد عشر.
ابن وهب, عن عبد الجبار بن عمر, عن ربيعة أنه كان يقول: في بيع عشرة أحد عشر لا يرى به بأسا يقول: إن الدراهم التي سميا عليها عشرة أحد عشر يقول: إنما هي اسم يعرفان بها العدة فإذا أثبتا العدة فإن أحبا أن يكتباها دنانير كتباها وإن أحبا أن يكتباها دراهم كتباها أيهما كتبا فهو الذي كان عقد البيع عليه إنما أخذ ثيابا بدراهم أو ثيابا بدنانير وكان ما سميا معرفة بينهما.

فيمن رقم سلعة ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت لو ورثت متاعا مرقمة فبعته مرابحة على رقمه أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا لأن مالكا قال لي: في الذي يشتري المتاع ثم يرقم عليه فيبيعه مرابحة على ما رقم أن ذلك لا يجوز, فالذي ورث المتاع أشد من هذا عندي لأنه من وجه الخديعة والغش.

فيمن ابتاع سلعة فأصابها عنده عيب ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فذهب ضرسها فأردت أن أبيعها مرابحة؟ قال: لا, حتى تبين.
قلت: وكذلك إن أصابها عيب بعد ما اشترى لم يبع حتى يبين؟ قال: نعم, وقال مالك: ولا يبيعها على غير مرابحة حتى يبين ما أصابها عنده.

فيمن ابتاع سلعة فاستغلها ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت لو أني اشتريت حوائط فأغللتها أعواما أو اشتريت دواب فاكتريتها زمانا أو اشتريت رقيقا فآجرتهم زمانا أو اشتريت دورا فاكتريتها فأردت أن أبيع ما ذكرت لك مرابحة ولا أبين ما وصل إلي من الغلة؟ قال: إذا لم تحل الأسواق فلا بأس أن يبيع مرابحة ولا يلتفت في هذا إلى ما اغتل لأن الغلة بالضمان إلا أن يتطاول ذلك فلا يعجبني إلا أن يخبره في أي زمان اشتراها, قال: ولا يكاد يطول ذلك فيما ذكرت لك إلا والأسواق تختلف.
قلت: أرأيت إبلا أو غنما اشتريتها فاحتلبتها أو جززتها فأردت أن أبيعها مرابحة في قول مالك؟ فقال: أما اللبن فإن كان شيئا قريبا قبل أن تحول أسواقها فلا بأس أن يبيعها مرابحة ولا يبين, فإن تقادم ذلك فالأسواق تتغير في الحيوان لأنها لا تثبت على حال وأما الصوف فهو لا يجز حتى تتغير أسواقها إن كان اشتراها وليس عليها صوف, وإن كان اشتراها وعليها صوف فجزه فهذا نقصان من الغنم فلا يصلح له في الوجهين جميعا أن يبيع مرابحة حتى يبين.

فيمن اشترى سلعة فولدت عنده ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت غنما فتوالدت عندي فأردت أن أبيع ما ذكرت لك مرابحة ولا أبين أيصلح لي ذلك في قول مالك؟ قال: لا أرى أن يصلح له أن يبيعها مرابحة ولا يبين لأن الأسواق عند مالك فوت فهذا أشد من ذلك.
قلت: فإن ضم إليها أولادها فباعها مرابحة ولم يبين أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا لأن تحويل الأسواق فوت وهذا أشد منه, وهذا قد حالت أسواقه لا شك فيه.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فولدت عندي ألي أن أبيعها مرابحة ولا أبين في قول مالك؟ قال: لا تبيعها مرابحة وتحبس أولادها إلا أن يبين فإن بين فلا بأس بذلك.

فيمن ابتاع سلعة فحالت أسواقها ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة فحالت الأسواق فأردت بيعها مرابحة أيجوز لي ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: لا تبع ما اشتريت مرابحة إذا حالت الأسواق إلا أن تبين.
قلت: أرأيت إن حالت الأسواق بزيادة أيجوز لي أن أبيع مرابحة ولا أبين في قول مالك؟ قال: إنما قال لنا مالك: إذا حالت الأسواق لم تبع مرابحة حتى تبين, ولم يذكر

فيمن ابتاع سلعة ثم ظهر منها على عيب فرضيها ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فظهرت على عيب بها بعد ما اشتريتها فرضيتها أيصلح لي أن أبيعها مرابحة ولا أبين فأقول قد قامت علي بكذا وكذا في قول مالك؟ قال: لا يصلح أن يبيعها مرابحة حتى يبين له أنه اشتراها بكذا وكذا بغير عيب ثم اطلع على هذا العيب فرضي الجارية بذلك لأنه لو شاء أن يردها ردها.

فيمن ابتاع سلعة بدين إلى أجل أيجوز له أن يبيعها مرابحة بنقد
قلت: أرأيت من اشترى سلعة بدين إلى أجل أيجوز له أن يبيع مرابحة نقدا؟ قال: قال مالك: لا يصلح له أن يبيعها مرابحة إلا أن يبين. قال: وقال مالك: وإن باعها مرابحة ولم يبين رأيت البيع مردودا, وإن فاتت رأيت له قيمة سلعته يوم قبضها المبتاع هذا ولا يضرب له الربح على القيمة.
قلت: فإن كانت القيمة أكثر مما باعها به؟ قال: فليس له إلا ذلك يعجل له ولا يؤخر وإنما قال مالك: له قيمة سلعته, وهكذا يكون.
قلت: أرأيت إن قال المشتري: أنا أقبل السلعة إلى ذلك الأجل ولا أردها؟ قال: لا خير فيه ولا أحب ذلك له.

فيمن ابتاع سلعة بنقد ثم أخر بالثمن ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بعشرة دراهم نقدا ثم أخرني البائع بالدراهم سنة فأردت أن أبيع مرابحة كيف أبيع في قول مالك؟ قال: لا تبع حتى تبين لأن مالكا قال:

فيمن ابتاع سلعة بنقد فتجوز عنه في النقد ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بعشرة دراهم فنقدت فيها عشرة دراهم فأصاب البائع فيها درهما زائفا فتجاوزه عني كيف أبيع مرابحة في قول مالك؟ قال: تبين ما نقدت في ثمنها وما تجوز عنك ثم تبيع مرابحة.

فيمن ابتاع سلعة بثمن فنقد فيها غير ذلك الثمن ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت لو أني بعت سلعة بألف درهم فأخذت بالألف مائة دينار هل يجوز في قول مالك له ذلك؟ قال: نعم ذلك جائز.
قلت: فإن أراد أن يبيعها مرابحة أيجوز له في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك جائز له أن يبيع مرابحة إذا بين له بما اشتراها به وبما نقد.
قلت: فإذا بين ما اشتراها به فقال: أخذتها بألف درهم ونقدت فيها مائة دينار أيجوز لي أن أبيعها مرابحة على المائة دينار أو على الألف الدرهم على أي ذلك شئت؟ قال: نعم إذا رضي به.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كنت اشتريت سلعة بمائة دينار فأعطيت بالمائة دينار عروضا أيجوز لي أن أبيع مرابحة في قول مالك؟ قال: نعم إذا بينت.
قلت: وكيف يبين؟ قال: يبين أنه اشتراها بمائة دينار وأنه قد نقد فيها من العروض كذا وكذا فيقول: فأبيعكها مرابحة على الدنانير التي اشتريتها بها.
قلت: فإن باع على العروض التي نقد في ثمنها مرابحة أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في الذي يشتري السلعة بالعروض فيبيعها مرابحة شيئا والذي أرى أنه لا بأس به أن يبيع ما اشترى بالعروض مرابحة إذا بين العروض ما هي وصفتها فيقول: أبيعك هذا بربح كذا وكذا ورأس ماله ثوب صفته كذا وكذا فهو جائز ويكون له الثياب التي وصفت وما سمى من الربح, ولا يبيع على قيمتها فإن باع على قيمتها فهو حرام لا يحل.

فيمن ابتاع سلعة ثم وهب له الثمن أو وهب سلعة ثم ورثها ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بمائة دينار ثم أنه وهبت لي المائة أيجوز لي أن أبيعها مرابحة على المائة؟ قال: نعم إن كان قد قبض المائة وافترقا ثم وهبت له بعد ذلك.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بمائة دينار فوهبتها لرجل ثم ورثتها من الموهوب له أيجوز لي أن أبيع مرابحة في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا يبيع مرابحة.

فيمن ابتاع نصف سلعة ثم ورث النصف الآخر ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن ورثت نصف سلعة ثم اشتريت نصفها الباقي فأردت أن أبيع نصفها مرابحة؟ قال: لا أرى لك أن تبيع نصفها مرابحة إلا أن تبين.
قلت: لم؟ قال: لأنه إذا باع نصفها وقع البيع على ما ورث وعلى ما اشترى, فلا يجوز أن يبيع ما ورث مرابحة حتى يبين فإذا بين فإنما يقع البيع على ما ابتاع فذلك جائز.

فيمن ابتاع سلعة صفقة واحدة ثم باع بعضها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت حنطة أو شعيرا أو شيئا مما يكال أو يوزن صفقة واحدة فأردت أن أبيع نصفه مرابحة على نصف الثمن أيجوز ذلك لي؟ قال: ذلك جائز إذا كان ذلك الشيء الذي بيع مرابحة غير مختلف, وكان الذي يحبس منه والذي بيع منه سواء وكان صنفا واحدا.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثيابا صفتها واحدة أو أسلمت في ثياب صفتها واحدة؟ قال: أما ما اشتريت بعينه ولم تسلم فيه فإنه لا يصلح لك أن تبيع بعضه مرابحة بما يصيبه من الثمن وذلك لو أنك اشتريت ثوبين صفقة واحدة بعشرين درهما فكان الثوبان جنسا واحدا وصفة واحدة لم يجز لك أن تبيع أحدهما مرابحة بعشرة دراهم لأن الثمن إنما يقسم عليهما بحصة قيمة كل ثوب منهما, وأما من أسلم في ثوبين صفتهما واحدة جاز له أن يبيع أحدهما مرابحة بنصف الثمن الذي أسلم فيهما إذا كان أحد الصفة التي أسلم فيها ولم يتجاوز رب السلم عن البائع في أخذ الثوبين في شيء من الصفة ; ألا ترى أن السلم لو استحق أحد الثوبين من يدي المشتري بعد ما قبضه رجع على البائع بمثله وإن كان اشترى الثوبين بأعيانهما صفقة واحدة ثم استحق أحدهما لم يكن له أن يرجع بمثله.

فيمن ابتاع سلعة واحدة ثم باع بعضها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة فبعت نصفها أو ثلثها مرابحة أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز عند مالك ولا بأس به, ولو كانت جماعة رقيق فباع نصفهم أو ثلثهم بنصف الثمن أو ثلثه ولم يكن بذلك بأس, ولو باع رأسا من الرقيق مرابحة بما يقع عليه من حصة الثمن لم يكن في ذلك خير, وإن كانت عروضا تكال أو توزن فلا بأس ببيع نصفها أو ثلثها مرابحة بنصف الثمن أو بثلثه, ولا بأس ببيع تسمية من كيله أو وزنه مرابحة مثل أن يقول: أبيعك من هذه المائة رطل حناء عشرة أرطال بما يقع عليها من الثمن والثمن مائة دينار ولأن الثمن يقع لكل رطل بدينار ولأنه يقسم الثمن عليه على القيم لأن الوزن أعدل فيه من القيمة.

فيمن ابتاع سلعة هو وآخر ثم باع مصابته مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت عدلا من بر بألف درهم أنا وصاحب لي ثم اقتسمناه فأردت أن أبيع نصيبي مرابحة على خمسمائة أيجوز لي ذلك؟ قال: أرى أن تبين, فإذا بينت جاز ذلك وإلا لم يجز.

فيمن ابتاع سلعة بشيء مما يكال أو يوزن ثم باعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من السلع بشيء مما يكال أو يوزن فأردت أن أبيعها مرابحة للعشرة أحد عشر أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: إذا بينت صنف ذلك الشيء الذي اشتريت به هذه السلعة فلا بأس أن تبيع مرابحة عند مالك وقد وصفنا لك مثل هذا قبل هذا.

فيمن ابتاع سلعة ثم باعها مرابحة ثم اشتراها بأقل من الثمن أو أكثر ثم أراد بيعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بعشرة دراهم فبعتها بخمسة عشر مرابحة ثم اشتريتها بعد ذلك بعشرة أو بعشرين ثم أردت أن أبيعها مرابحة؟ قال: ذلك جائز ولا ينظر إلى البيع الأول لأن هذا ملك حادث فلا بأس بأن يبيع مرابحة.

السلعة بين الرجلين يبيعانها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت نصف عبد بمائة درهم واشترى غيري نصفه الآخر بمائتي درهم فبعنا العبد مرابحة بربح مائة درهم؟ قال: أرى للذي رأس ماله مائة درهم مائة درهم وللذي رأس ماله مائتا درهم مائتي درهم ثم يقسم الربح بينهما على قدر رءوس أموالهما فيكون لصاحب المائة ثلث المائة مائة الربح ويكون لصاحب المائتين ثلثا المائة مائة الربح فيصير لصاحب المائتين ثلثا الثمن ولصاحب المائة ثلث الثمن, قال: وإن باعا مساومة فالثمن بينهما نصفين؟ قال: وقد بلغني هذا كله عن بعض من أرضى من أهل العلم
قال ابن القاسم: وإن باعها للعشرة أحد عشر فهذا مثل ما وصفت لك من بيع المرابحة.
قلت: أرأيت إن باعا العبد بوضيعة للعشرة أحد عشر من رأس المال؟ قال: أرى على صاحب المائة الثلث وعلى صاحب المائتين الثلثين من الوضيعة.

فيمن ابتاع سلعة ثم أقال منها أو استقال ثم أراد بيعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بعشرين دينارا ثم بعتها بثلاثين دينارا فاستقالني صاحب فأقلته أو استقلته فأقالني أيجوز لي أن أبيعها مرابحة على الثلاثين دينارا؟ قال: لا يجوز أن تبيعها مرابحة إلا على العشرين لأنه لم يتم البيع بينهما حين استقاله.

فيمن ابتاع سلعة فباعها مرابحة أو ولاها أو أشرك فيها ثم وضع عنه بائعها من ثمنها
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بمائة درهم فبعتها مرابحة فحط عني بائعي من ثمنها عشرين درهما أيرجع علي بها الذي بعته السلعة مرابحة؟ قال: نزلت بالمدينة فسئل عنها مالك ونحن عنده فقال: إن حط بائع السلعة مرابحة عن مشتريها منه مرابحة ما حط عنه لزمت المشتري على ما أحب أو كره وإن أبى أن يحط عن مشتريها منه مرابحة ما حطوا عنه كان مشتري السلعة مرابحة بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن الذي اشتراها به وإن شاء ردها.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بمائة درهم فأشركت فيها رجلا فجعلت له نصفها بنصف الثمن ثم إن البائع حط عني فأبيت أن أحط ذلك عن شريكي؟ قال: سئل مالك عنها فقال: يحط عن شريكه نصف ما حط عنه على ما أحب أو كره وفرق ما بين هذا وبين البيع مرابحة لأن البيع مرابحة على المكايسة وهذا إنما هو شريكه.
قلت: فلو أني اشتريت سلعة فوليتها رجلا ثم حط عني بائعها شيئا بعد ما وليتها رجلا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن المولى بالخيار إن أحب أن يضع عمن ولي الذي وضع عنه لزم البيع المولى وإن أبى أن يضع عنه كان الذي ولي بالخيار إن أحب أن يأخذها بجميع ما أخذ فذلك له, وإن أبى ردها بمنزلة ما ذكرت لك في بيع المرابحة لأن المولى يقول: إنما وضع لي حين لم أربح وربحني ولم يرد أن يضع لك ولم أستوضع لك ولكني حين لم أربح سألته الوضيعة لنفسي بمنزلة الذي باع مرابحة فاستقل الربح فرجع إلى بائعه فقال: لم أربح إلا دينارا فسأله أن يضع منه من الثمن لقلة ما ربح فيضع عنه فأرى المولى وهذا سواء, وهذا قول مالك في بيع المرابحة.

فيمن باع سلعة مرابحة فزاد في ثمنها أو نقص
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة مرابحة فأتلفتها أو لم أتلفها ثم اطلعت على البائع أنه زاد علي أو كذب لي؟ قال: قال مالك: إن كان لم يتلفها المشتري كان بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها وليس زيادته وظلمه بالذي يحمل عليه بأن يؤخذ بما لم يبع به, قال مالك: وإن فاتت السلعة قومت, فإن كانت قيمتها أقل من رأس المال ومن الربح لم ينقص من ذلك, وإن كانت قيمتها أكثر مما ابتاعها به المبتاع وربحه لم يزد على ذلك لأنه قد رضي بذلك أولا.
قلت: أرأيت إن دخل هذه السلعة التي باعها مرابحة وكذبني عيب كانت جارية فأصابها عند المشتري عور أو صمم أو عيب ينقصها أو حالت الأسواق أيكون للمشتري أن يردها إذا اطلع على كذب البائع وزيادته في رأس المال؟ قال: جعله مالك يشبه البيع الفاسد, فأرى إذا حالت الأسواق أو دخلها عيب ينقصها لم يكن للمشتري أن يردها وتلزمه القيمة على ما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بمائة درهم فبعتها بربح خمسينفقلت: للمشتري أخذتها بخمسين ومائة وأبيعكها مرابحة بخمسين ومائة فزدت على سلعتي خمسين درهما كذبت فيها فأخذها مني على أن رأس مالي خمسون ومائة وربح خمسين ثم تلفت السلعة ثم اطلع على الخمسين التي زدتها على الثمن الذي ابتعت به السلعة, قال: تقسم الخمسون الربح على الخمسين ومائة فتصير حصة المائة من الخمسين الربح ثلثي الخمسين فينظر ما جمع ذلك فيوجد مائة وثلاث وثلاثون وثلث فينظر إلى قيمتها يوم قبضها

المبتاع فإن كانت قيمتها أقل من مائة وثلاث وثلاثين وثلث قيل للمبتاع هي لك لازمة بمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لأنك قد رضيت أن تأخذها بما اشتراها به وذلك مائة والربح الذي ربحته وهو خمسون على الخمسين ومائة فصارت حصة المائة من الخمسين ثلثي الخمسين فقد رضيت بأن تأخذها بمائة وثلاثة وثلاثين وثلث, فلا يوضع عنك من ثمن السلعة بالصدق, وربحه قليل ولا كثير إن كانت قيمتها أقل من هذا لأنك قد رضيت أن تأخذها به فإن كانت قيمتها أكثر من هذا لزمك ما بينك وبين المائتين لأن البيع كان أشبه شيء بالفاسد فإن زادت قيمتها على المائتين قلنا للبائع: ليس لك أكثر من ذلك لأنك قد رضيت حين بعت بالمائتين لأنك بعت بمائة وخمسين زعمت أنه رأس مالك وخمسين ربحك الذي أربحك المشتري فليس لك وإن زادت قيمة سلعتك على أكثر من ذلك لأنك رضيت بذلك.
قلت: أرأيت إن كان هذا الذي اشتريت مرابحة طعاما أو شيئا مما يكال أو يوزن فاطلعت على كذب البائع وزيادته في رأس المال بعد ما أتلفت السلعة ما يكون علي في قول مالك؟ قال: عليك مثل وزن ذلك الشيء أو مثل مكيلته وصفته إلا أن ترضى أخذها بكذب البائع أو يرضى البائع إن أبيت أخذها بما زاد وكذب أن يسلمها لك بحقيقة الثمن الذي اشترى به وبما وقع عليه من الربح لأنك قد كنت رضيت أخذها بحقيقة الثمن والربح عليه لأن كل ما يقدر على رد مثله وإن كان فائتا فهو كسلعة بيعت بكذب ثم اطلع المشتري على كذبه ولم تفت أن المشتري بالخيار إن أحب أخذها بكذب البائع وزيادته وإلا ردها إلا أن يشاء البائع أن يسلمها إليه بحقيقة الثمن وربحه فيلزم ذلك المشتري.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة مرابحة فاطلعت على البائع أنه زاد في رأس المال وكذبني فرضيت بالسلعة ثم أردت أن أبيعها مرابحة؟ قال: لا أرى ذلك حتى تبين ذلك.
قال سحنون: وقد روى علي بن زياد عن مالك أن مالكا قال: فيمن باع جارية مرابحة للعشرة أحد عشر وقال: قامت علي بمائة دينار فأخذ من المشتري مائة دينار وعشرة دنانير فجاء للعلم بأنها قامت على البائع بتسعين فطلب ذلك المشتري قبل البائع أن الجارية إن لم تفت خير المشتري, فإن شاء ثبت على بيعه وإن شاء ردها إلا أن يرضى البائع أن يضرب له الربح على التسعين رأس ماله فلا يكون للمشتري أن يأبى ذلك, قال: وإن فاتت عند المشتري بنماء أو نقصان خير البائع بما يطلب قبله من الزيادة التي كذب فيها فإن شاء ضرب له الربح على التسعين رأس ماله وإن شاء أعطى قيمة سلعته إلا أن يشاء المشتري أن يثبت على شرائه الأول فإن أبى المشتري ذلك وقام على

طلب البائع أعطى البائع قيمة جاريته يوم باعها البائع إلا أن تكون القيمة أقل من ضرب الربح على رأس ماله التسعين فلا يكون للمشتري أن ينقص البائع من ضرب الربح على رأس ماله, وعلى التسعين لا ينقص البائع من تسعة وتسعين ; لأنه قد كان راضيا على أخذها برأس المال على الصدق والربح عليه أو تكون القيمة أكثر من الثمن الذي باعها به البائع ورضي وهو مائة دينار وربحه عشرة فلا يكون للبائع على المشتري أكثر مما باع به ورضي وإنما جاء المشتري يطلب الفضل قبله. وقال مالك في رجل باع جارية للعشرة إحدى عشر وقال: قامت علي بمائة فأخذها من المشتري مائة وعشرة فجاء العلم بأنها قامت بعشرين ومائة فطلب ذلك البائع قبل المشتري قال: إن كانت الجارية لم تفت خير المشتري فإن شاء رد الجارية بعينها وإن شاء ضرب له الربح على رأس ماله على العشرين ومائة, وإن فاتت عند المشتري بنماء أو نقصان خير المشتري أيضا, فإن شاء أعطى البائع قيمتها يوم تبايعا إلا أن تكون القيمة أقل من الثمن الذي اشتراها به ورضي وهو عشرة ومائة فلا يكون له أن ينقص البائع من الثمن الذي اشتراها به ورضي وإنما جاء البائع يطلب الفضل قبله أو تكون القيمة أكثر من ضرب الربح على رأس مال البائع على عشرين ومائة فلا يكون له على المشتري أكثر من ضرب الربح على العشرين ومائة.

في الرجل يشتري السلعة من عبده ثم يريد أن يبيعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت من عبدي أو مكاتبي سلعة أو اشتراها مني أيجوز لي أن أبيع مرابحة ولا أبين؟ قال: قال مالك في العبد المأذون له في التجارة: ما داينه به سيده فهو دين لسيده يحاص به الغرماء إلا أن يكون في ذلك محاباة فما كان من محاباة لم يجز ذلك, فإذا كان بيعا صحيحا فقد جعله مالك بمنزلة الأجنبيين فلا بأس أن يبيع مرابحة كما يبيع ما اشترى من أجنبي إذا صح ذلك, ألا ترى أن العبد إذا جنى أسلم بماله وأنه يطأ بملك يمينه وإن عتق تبعه ماله إلا أن يستثنى ماله.

في الرجل يبيع السلعة بعرض أو طعام فيبيعها مرابحة
قلت: أرأيت من اشترى سلعة بعرض من العروض أيبيع تلك السلعة مرابحة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يبيعها مرابحة إلا أن يبين.
قلت: فإن بين أيجوز؟ قال: نعم, ويكون على المشتري مثل تلك السلعة في صفتها, ويكون عليه ما سميا من الربح.
قلت: وكذلك إن كان رأس مال تلك السلعة طعاما فباعها مرابحة؟ قال: نعم,

فيمن ابتاع جارية فوطئها فباعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فوطئتها وكانت بكرا فافتضضتها أو ثيبا فأردت أن أبيعها مرابحة ولا أبين ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك في الافتضاض شيئا إلا أنا سألنا مالكا عن الرجل يشتري الثوب فيلبسه أو الدابة فيسافر عليها أو الجارية فيطؤها فيبيعهم مرابحة فقال: أما الثوب والدابة فلا حتى يبين, وأما الجارية فلا بأس أن يبيعها مرابحة.
قلت: فإن كانت بكرا فافتضها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال: إن اشتراها بكرا فافتضها ثم وجد بها عيبا ردها وما نقص الافتضاض منها فلا أرى أن يبيعها حتى يبين إذا كانت من الجواري التي ينقصهن ذلك, فإن كانت من الجواري التي لا ينقصهن الافتضاض وليس هو فيها عيبا فلا أرى بأسا أن يبيعها مرابحة ولا يبين. قال: وقد سمعت بعض من يقول: إن وخش الرقيق إذا افتضت كان أرفع لثمنها, فإن كان ذلك كذلك وليس لعذرتها قيمة عند التجار فلا أرى بأسا أن يبيعها مرابحة ولا يبين, وإن كان الافتضاض ينقصها فلا يبيعها حتى يبين, والمرتفعات من جواري الوطء هو نقصان فلا يبيعها حتى يبين, وقال غيره. كل ما فعل به من لبس أو ركوب فلم يكن فعله يغير شيئا عن حاله وكان أمرا خفيفا فلا بأس أن يبيع مرابحة ولا يبين.

في الرجل يبتاع الجارية ثم يزوجها ثم يبيعها مرابحة
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فزوجتها أأبيعها مرابحة ولا أبين؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى أن تبيع مرابحة حتى تبين لأن التزويج لها عيب, ولا تبيعها أيضا غير مرابحة حتى تبين أن لها زوجا.
قلت: فإن فعل فعلم بذلك فقام المشتري فطلب البائع؟ قال: إن كانت الجارية قائمة لم تفت أو فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق وكان النقصان يسيرا خير المبتاع فإن شاء قبلها ورضي بما اشتراها به أولا, وإن شاء ردها وليس للبائع أن يقول: أنا أحط عنك العيب وما يصيبه وليس حوالة الأسواق والزيادة والنقصان اليسير في البيع فوتا. ألا ترى أنه يشتري بيعا صحيحا ثم يجد عيبا وقد حدث عنده ما وصفت لك من الحوالة والنقص اليسير أن له الرد, فإذا كان في البيع فساد لم يكن فوتها عند المشتري بالذي

كتاب الغرر
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الغررقلت: أرأيت إن اشترى ثيابا مطوية ولم ينشرها ولم توصف له أيكون هذا بيعا فاسدا في قول مالك لأنه لم ينشر الثياب ولم توصف له؟ قال: نعم هو فاسد في قول مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة وقد كنت رأيتها قبل أن أشتريها بشهر أو شهرين أيجوز هذا البيع في قول مالك أم لا؟ قال: نعم إذا كانت من السلع التي لا تتغير من الوقت الذي رآها فيه إلى اليوم الذي اشتراها.
قلت: فإن نظرت إلى السلعة بعدما اشتريتها فقلت: قد تغيرت عن حالها وليست مثل يوم رأيتها, وقال البائع: بل هي بحالها يوم رأيتها؟ قال: القول قول البائع والمشتري مدع.
قال سحنون: وقال أشهب: بل البائع مدع.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال لي مالك: في جارية تسوق بها رجل في السوق وكان بها ورم فانقلب بها فلقيه رجل بعد أيام ورأى ما كان بها فاشتراها منه فلما أتاه بها ليدفعها إليه قال: ليست على حالها وقد ازدادت ورما, قال مالك: أرى المشتري مدعيا, ومن يعلم ما يقول, وعلى البائع اليمين.
قلت: فما الملامسة في قول مالك؟ قال: وقال مالك: الملامسة أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره ولا يتبين ما فيه أو يبتاعه ليلا وهو لا يعلم ما فيه, والمنابذة أن ينبذ

الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه على غير تأمل منهما ويقول كل واحد لصاحبه: هذا بهذا فهذا الذي نهى عنه من الملامسة والمنابذة.
قال مالك: والساج المدرج في جرابه والثوب القبطي المدرج في طيه أنه لا يجوز بيعهما حتى ينشرا ينظر إلى ما فيهما وإلى ما في أجوافهما وذلك أن بيعهما من بيع الغرر وهو من الملامسة, وقال يونس بن يزيد عن ربيعة بهذا, وقال: فكان هذا كله من أبواب القمار فنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ابن وهب, عن ابن لهيعة, عن الأعرج, عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين عن الملامسة والمنابذة1 فقال: الملامسة أن يبتاع القوم السلعة لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها, والمنابذة أن يتنابذ القوم السلع ولا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها فهذا من أبواب القمار والتغيب في البيع.
ابن وهب, عن يونس, عن ابن شهاب, عن عامر بن سعد, عن أبي سعيد الخدري أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة في البيع ثم فسر هذا التفسير, وأخبرني مالك بن أنس وغيره عن أبي حازم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر2.
قال: وقال لي مالك: وتفسير ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيع الغرر وأن يعمد الرجل إلى الرجل قد ضلت راحلته أو دابته أو غلامه, وثمن هذه الأشياء خمسون دينارا فيقول: أنا آخذها منك بعشرين دينارا فإن وجدها المبتاع ذهب من مال البائع بثلاثين دينارا وإن لم يجدها ذهب البائع منه بعشرين دينارا وهما لا يدريان كيف يكون حالهما في ذلك, ولا يدريان أيضا إذا وجدت تلك الضالة كيف تؤخذ وما حدث فيها من أمر الله مما يكون فيه نقصها وزيادتها فهذا أعظم المخاطرة.
ابن وهب, وأنس بن عياض, وابن نافع, عن عبد العزيز بن أبي سلمة مثله. وقال عبد العزيز: ومما يشبه المخاطرة اشتراء الضالة والآبق, ابن وهب.
وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغيب كله من كل شيء يديره الناس بينهم, وبلغني عن ابن عباس أنه كان يقول: لا يصلح بيع الغيب أن يشتري ما غاب عنه وإن كان وراء هذا الجدار ويشير بيده إلى جدار وجاهه ابن وهب.
قال يونس: قال ابن شهاب في بيع الشاة الضالة والبعير الشارد قبل أن يتواريا والآبق وغيره قال: لا يصلح بيع الغرر, وكان ربيعة يكره بيع الغيب, ابن وهب.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث"76" عن محمد بن يحيى بن جبان وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة. ورواه البخاري في كتاب البيوع باب 64. ومسلم في كتاب البيوع حديث 1.
2 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 75. مسلم في كتاب البيوع حديث 4.

وقال يحيى بن سعيد نحو قول ابن شهاب, وقد أخبرتك بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشيء الذي هو في أيديهما ولا ينظران إلى ويخبران عنه فكيف بما غاب أنه قد ند وأبق وذلك لو كانت صفته معروفة ما جاز لعظم خطره وأنه هو من الغرر.

في اشتراء سلعة غائبة قد رآها أو وصفت له أيكون له الخيار إذا رآها
قلت: أرأيت إذا نظر إلى دابة عند رجل فاشتراها بعد ذلك بعام أو عامين على غير صفة إلا على رؤيته أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: إن كان أمرا تكون فيه السلعة على حالها فلا بأس بذلك إذا لم يتباعد ذلك تباعدا شديدا, قال: وإنما قال مالك: إذا نظر إلى السلعة فاشترى السلعة بعد نظره إليها فذلك جائز, وإنما قاله لنا مبهما ولم يذكر لنا فيه الأجل البعيد ولا القريب فأرى إذا تباعد شراؤه من نظره إليها حتى يتفاحش ذلك ويعلم أنها لا تبلغ إلى ذلك الوقت من يوم نظر إليها حتى تتغير بزيادة أو نقصان أو ما أشبهه فلا أرى أن يشتريها إلا على المواصفة أو على أن ينظر إليها فإن رضي بذلك وإلا ترك.
قلت: أرأيت رجلا اشترى سلعة ولم يرها أله الخيار إذا رآها؟ قال: قال مالك: إذا وصفها وجلاها بنعتها وماهيتها فأتى بها أو خرج إليها فوجدها على الصفة التي وصفت له لزمه البيع وإن لم يكن رآها, فليس له أن يأبى ذلك عليه بعد أن يراها إذا كانت على الصفة التي وصفت له أن يقول: لا أرضاها. قال مالك: وإن كانت سلعة قد رآها قبل أن يشتريها له فاشتراها على ما كان يعرف منها وهي غائبة عنه فوجب البيع بينهما فوجدها على حال ما كان يعرف فالبيع لازم سحنون.
وقال بعض كبار أصحاب مالك وجلهم: لا ينعقد بيع إلا على أحد أمرين إما على صفة توصف له أو على رؤية قد عرفها أو اشترط في عقدة البيع أنه بالخيار إذا رأى السلع بأعيانها فكل بيع ينعقد في سلع بأعيانها على غير ما وصفنا فالبيع منتقض لا يجوز.
قلت: أرأيت الرجل يرى العبد عند الرجل ثم يمكث عشرين سنة ثم يشتريه بغير صفة أترى الصفقة فاسدة لتقادم الرؤية في قول مالك؟ قال: إنما قال لنا ما أخبرتك أنه لا يصلح إلا أن يوصف أو يكون قد رآه ولم أسمع منه في تقادم الرؤية شيئا إلا أني أرى إن كان قد تقادم تقادما يتغير فيه العبد لطول الزمان فالصفقة فاسدة إلا أن يصفه صفة مستقبلة.
قلت: أرأيت إن رأيت سلعة من السلع منذ عشر سنين أيجوز لي أن أشتريها على رؤيتي تلك في قول مالك؟ قال: السلع تختلف وتتغير في أبدانها: الحيوان يتغير بالعجف

والنقصان والنماء, والثياب تتغير بطول الزمان وتسوس فإن باعها على أنها بحال ما رآها فلا بأس بذلك ولا يصلح النقد فيه لأنه ليس بمأمون, قال: ولا يمكن هذا في الحيوان لأن الحيوان بعد طول المكث يتحول في شبه ليس الحولي كالقارح ولا كالرباع ولا الجذع كالقارح ولا يمكن أن تكون حاله واحدة سحنون, وقد بينا في أول الكتاب ما أغنى عن هذا.

اشتراء سلعة غائبة قد رآها أو وصفت له ولا يشترط الصفقة ثم تموت السلعة قبل وجوب الصفقة
قلت: أرأيت سلعة اشتريتها غائبة عني قد كنت رأيتها أو على الصفة أيجوز هذا؟ قال: نعم.
قال ابن القاسم: قلت لمالك: فإن فاتت السلعتان الموصوفة له والتي رأى ممن هما إذا كان فوتهما بعد وجوب الصفقة وقد فاتتا أو هما على حال ما كان يعرفان من صفة ما باعهما عليه أو رآهما, فقال: قال لي مالك في أول ما لقيته: أراهما من المشتري إذا وقعت الصفقة عليهما وهما بحال الصفة التي وصفهما له إلا أن يشترط المبتاع على البائع أنهما منك حتى أقبضهما, قال: ثم رجع فقال لي بعد: أراهما من البائع حتى يقبضهما المبتاع إلا أن يشترط البائع على المبتاع أنهما منك حين وجبت الصفقة وما كان فيهما من نماء أو نقصان فهو بسبيل ذلك على ما فسرت لك في قوله الأول والآخر فقال لي في قوله الأول هو من المبتاع وقال لي في قوله الآخر: هو من البائع.
قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه من البائع حتى يقبضها المبتاع الموت والنماء والنقصان ابن وهب.
قال الليث: كان يحيى بن سعيد يقول: من باع دابة غائبة أو متاعا غائبا على صفة لم يصلح أن يقبض البائع الثمن حتى يأخذ الدابة أو المتاع الذي اشترى, ولكن يوقف الثمن فإن كانت الدابة أو المتاع على ما وصف تم بيعهما وأخذ الثمن, وأخبرني عبد الجبار بن عمر أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثه قال: تبايع عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فرسا غائبة وشرط إن كانت هذا اليوم حية فهي مني. قال ابن جريج: قال ابن شهاب: كان عثمان وعبد الرحمن من أجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيع, فكان الناس يقولون: ليتهما قد تبايعا حتى ننظر أيهما أجد, فابتاع عبد الرحمن من عثمان فرسا باثني عشر ألفا إن كانت هذه اليوم صحيحة فهي مني

ولا أخال عبد الرحمن إلا وقد كان عرفها, ثم إن عبد الرحمن قال لعثمان: هل لك أن أزيدك أربعة آلاف وهي منك حتى يقبضها رسولي؟ قال: نعم, فزاده عبد الرحمن أربعة آلاف على ذلك فماتت وقدم رسول عبد الرحمن فعلم الناس أن عبد الرحمن أجد من عثمان ابن وهب.
قال يونس عن ابن شهاب بنحو ذلك قال: وإنه وجد الفرس حين خلع رسنها قد هلكت فكانت من البائع
يونس, أنه سأل ابن شهاب عن رجل باع وليدة بغلام والغلام غائب عنه فقبض المشتري الوليدة وانطلق ليبعث بالغلام إلى بائعه فوجد الغلام قد مات فبينما هو كذلك إذ ماتت الجارية قبل أن يبعث بها إلى صاحبها.
قال ابن شهاب: كان المسلمون يتبايعون الحيوان مما أدركت الصفقة حيا مجموعا فإن كان هذان الرجلان تبايعا بالعبد والوليدة على شرط المسلمين الذين كانوا يشترطون فلكل واحد منهما ما أدركت صفقته يوم تبايعا حيا وإن كانا تبايعا على أن يوفي كل واحد منهما صاحبه ما تبايعاه في هذين المملوكين فالبيع على هذا.
ابن وهب, عن يونس, عن ابن شهاب, عن حمزة بن عبد الله بن عمر, عن أبيه أنه قال: ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو على المبتاع.
قال الليث: قال ابن أبي جعفر عن ربيعة: لا بأس بأن يشتري الرجل غائبا مضمونا بصفة.
قال يحيى بن أيوب: قال يحيى بن سعيد في بيع الدابة الغائبة: إذا أدركتها الصفقة حية فليس بذلك بأس وعلى ذلك بيع الناس

الدعوى على بيع البرنامج
قلت: أرأيت إن باع عدلا ببرنامجه أيجوز أن يقبضه المشتري ويغيب عليه قبل أن يفتحه في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت أرأيت الرجل يبيع الرجل البز على البرنامج فيقبضه المشتري فيفتحه وقد غاب عليه فيقول: لم أجده على البرنامج ويقول البائع قد بعتكه على البرنامج؟ قال: القول قول البائع لأن المشتري قد صدقه حين قبض المتاع على ما ذكر له من البرنامج.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

قلت: وكذلك لو صارفته دراهم بدنانير ثم أتيته بعد ذلك وقد غبت على الدراهمفقلت: الدراهم رديئة القول قول من؟ قال: القول قول رب الدراهم, وعليه اليمين على علمه أنه لم يعطه إلا جيادا في علمه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اشتريت عدلا مرويا على برنامج أو على صفة ثم نقلته فأصبته زطيا فجئت به لأرده وقلت: أصبته زطيا وقال البائع: بل بعتك مرويا؟ قال مالك: القول قول البائع لأن المشتري قد رضي بأمانة البائع قبضه على قوله إلا أن يكون مع المشتري رجال لم يفارقوه من حين قبض العدل حتى فتحه فوجده بتلك الحالة فهذا يرده ويكون القول قوله.
قال: وقال مالك: والطعام يشتريه الرجل بكيله ويصدقه أن فيه مائة إردب ثم يكيله فيجده تسعين إردبا؟ قال: القول قول البائع إلا أن يكون معه قوم من حين اشتراه حتى كاله لم يغب عليه فهو مثل البز الذي وصفت لك.
قال: وقال مالك: وكل من دفع ذهبا في قضاء كان عليه مثل ما لو كانت عليه مائة دينار فدفع إليه دنانير في صرة فقال: هذه مائة دينار فصدقه المقتضي فوجدها تنقص في عدتها أو في وزنها؟ قال مالك: القول قول الدافع وهذا مثل الطعام والثياب.

البيع على البرنامج
قلت: أرأيت إن اشتريت عدلا زطيا على صفة برنامج, وفي العدل خمسون ثوبا بمائة دينار صفقة واحدة فأصاب فيه أحدا وخمسين ثوبا؟ قال: قال مالك: يرد ثوبا منها.
قلت: كيف يرد الثوب منها أيعطي خيرها أم شرها؟ قال: لا, ولكن يعطي جزءا من أحد وخمسين جزءا من الثياب.
قلت: فإن كان الجزء من أحد وخمسين جزءا لا يعتدل أن يكون ثوبا كاملا يكون أكثر من ثوب أو أقل من ثوب كيف يصنع؟ قال: قال لي مالك منذ حين: أرى أن يرد جزءا من أحد وخمسين جزءا ثم أعدته عليه فسألته عنه كيف يرد جزءا من أحد وخمسين ثوبا قال: يرد ثوبا كأنه عيب وجده فيه فيرده به.
قال: فقلت لمالك: أفلا تقسمها على الأجزاء؟ قال: لا وانتهرني ثم قال: إنما يرد ثوبا كأنه عيب وجده في ثوب فرده قال: فلم أر فيما قال لي مالك أخيرا أنه يجعله معه شريكا.

قال ابن القاسم: وأنا أرى قوله الأول أعجب إلي.
قلت: أرأيت لو باعه عدلا زطيا بصفة على أن فيه خمسين ثوبا صفقة واحدة بمائة دينار فأصاب فيه تسعة وأربعين ثوبا؟ قال: قال مالك: يقسم الثمن على الخمسين ثوبا فيوضع عن المشتري جزء من ذلك.
قلت: فإن أصاب فيه أربعين ثوبا أو نحو ذلك أو كان في العدل أكثر مما سمى من الثياب أيلزم ذلك البيع المشتري أم لا؟ قال: أرى أن يلزمه البيع بحساب ما وصفت إذا كان في العدل أكثر مما سمى من الثياب, فإن كان في العدل النقصان الكثير لم يلزم المشتري أخذها ورد البيع فيما بينهما, وإنما.
قلت: لك هذا للذي قال مالك من كيل الطعام وقد فسرت ذلك لك.
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل مائة ثوب في عدل برنامج موصوف أو على صفة موصوفة كل ثوب بعشرة دراهم على أن فيه من الخز كذا وكذا ومن الفسطاطي كذا وكذا ومن المروي كذا وكذا فأصبت في العدل تسعة وتسعين ثوبا وكان النقصان من الخز قال: أرى أن تحسب قيمة الثياب كلها فينظر كم قيمة الخز منها فإن كان الربع أو الثلث من الثمن وعدة الخز عشرة وضع عنه عشر ربع الثمن أو عشر ثلث الثمن لأن القيمة تكون أكثر من الثمن أو أقل وإنما يقسم الثمن على الأجزاء كلها ثم ينظر إلى ذلك الجزء الذي وجد فيه ذلك النقصان, ثم ينظر إلى ذلك النقصان منه فإن كان جزءا وضع عنه من الثمن قدر الذي أصابه من ذلك الجزء من الثمن.
ابن وهب, عن الليث, عن يحيى بن سعيد أنه قال في الرجل: يقدم بالبز من العراق فيأتي صاحب المدينة بتسمية متاعه وصفته فيبتاعه الناس منه ثم يبيعونه بعضهم من بعض فإن تم بيع الأول ووجد على ما قال فقد جازت بيوعهم كلها بينهم وإن هلك البز فضمانه على صاحبه سحنون.
وقد بينا قول من يجوز البيع على الصفة في الشيء بعينه وحديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام في الملامسة حين فسر لا ينظرون إليه ولا يخبرون عنه, فهذا دليل على أن الخبر جائز وهو خارج مما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول مالك في الرجل يقدم, له أصناف من البز فيحضره السوام ويقرأ عليهم برنامجه ويقول في عدل: كذا وكذا ملحفة بصرية, وكذا وكذا رايطة سابرية وذرعها كذا وكذا فيسمي أصناف تلك البزوز لهم بأجناسه وذرعه وصفاته ثم يقول: اشتروا على هذا فيشترون ويخرجون الأعدال على ذلك فيفتحونها فيشتغلون ويبرمون أن ذلك لازم لهم إذا كان موافقا للبرنامج الذي باعه عليه.

قال: قال مالك: فهذا الذي لم يزل الناس لم يجيزونه بينهم إذا لم يكن المتاع مخالفا لصفة البرنامج فكفى بقول مالك حجة فكيف وقد أخبر أنه فعل الناس مع ما ذكر من الآثار في ذلك.

اشتراء الغائب
قلت: أرأيت لو أني اشتريت من رجل عبدا غائبا وهو في موضع بعيد لا يجوز النقد فيه فهلك العبد بعد الصفقة ممن مصيبته في قول مالك؟ قال: قد اختلف قول مالك فيه فيما سمعت منه, والذي أخذته لنفسي من قول مالك: إن المصيبة من البائع إلا أن يشترط البائع الضمان من المشتري.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت من رجل دارا غائبة وقلت: قد عرفتها ولم نصفها في كتابنا أيجوز هذا الشراء؟ قال: نعم إذا كان البائع قد عرف ما باع.
قلت: ما قول مالك فيمن باع غنما عنده له غائبة بعبد غائب, ووصف كل واحد منهما لصاحبه سلعته ثم تفرقا قبل القبض؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: فإن ضربا للسلعتين أجلا يقتضيانهما إليه؟ قال: لا خير في هذا, وهذا دين بدين.
قلت: فإن ضربا لإحدى السلعتين أجلا ولم يضربا للأخرى ثم تفرقا قبل القبض؟ قال: لا يصلح تفرقا أو لم يتفرقا إذا ضربا الأجل لأن السلعة لا تباع إذا كانت بعينها إلى أجل إلا أن يكون قال: آتيك بالسلعة غدا أو بعد غد فهذا لا بأس به, فإن قال: إن لم آتك بها غدا أو بعد غد فلا بيع بيني وبينك أنه لا خير فيه لأنه مخاطرة, فإن نزل ذلك فالبيع ماض والشرط باطل.
قلت: أرأيت أصل قول مالك أن من باع عروضا أو حيوانا أو ثيابا بعينها وذلك الشيء في موضع غير موضعهما أنه إذا كان ذلك قريبا لم يكن بذلك بأس, ولا بأس بالنقد في ذلك وإن كان ذلك بعيدا جاز البيع, ولا يصلح النقد في ذلك إلا أن يكون دورا أو أرضين أو عقارا فإنه لا بأس بالنقد في ذلك بشرط كان قريبا أو بعيدا؟ قال: نعم هذا قول مالك. قال: وقال مالك: وذلك أن الدور والأرضين أمر مأمون.
قلت: وكذلك إن اشتريت دابة في بعض المواضع وموضعها بعيد بثوب بعينه لم يجز لي أن أنقد الثوب مثل ما لم يجز لي أن أنقد الدنانير إذا كان ثمن الدابة دنانير؟ قال: نعم كذلك قال مالك.

قلت: ولم كرهه مالك أن أنقد الثوب كما كره النقد في الدنانير؟ قال: لأن الثوب ينتفع به ويلبس فلا خير في النقد في ذلك.
قال: وقلت لمالك: فلو أن رجلا مر بزرع رجل فرآه وهو منه على مسيرة اليوم واليومين فاشتراه على أن أدركت الصفقة الزرع ولم تصبه آفة فهو من المبتاع أترى هذا البيع جائزا أو يكون مثل الحيوان والعروض في الشروط والنقد؟ قال: أراه بيعا جائزا, وأراه من المبتاع إذا اشترط الصفقة إن أصيب بعد الصفقة.
قلت: أرأيت ما اشتريت من سلعة بعينها غائبة عني بعيدة مما لا يصلح النقد فيها فماتت بعد الصفقة ممن ضمانها في قول مالك؟ قال: قد اختلف قول مالك فيها وآخر قوله أن جعل مصيبة الحيوان من البائع إلا أن يشترط على المشتري الصفقة والدور والأرضين من المشتري وأحب قوله إلي من الحيوان أن يكون من البائع, وأما الدور والأرضون فهي من المشتري على كل حال فيما أصابها بعد الصفقة من غرق أو هدم أو حرق أو سيل أو غير ذلك, وإنما رأيت ذلك لأن الأرضين والدور قال لي مالك: يجوز فيها النقد وإن بعدت لأنها مأمونة, والحيوان لا يجوز فيه النقد, ولذلك رأيت الدور والأرضين من المشتري.
قلت: أرأيت إن اشتريت منه عبدا أو دابة غائبة فأخذت منه بها كفيلا؟ قال: لا يكون في هذا كفالة لأنه إنما اشترى منه غائبا بعينه ألا ترى أنه لو ماتت الدابة أو العبد لم يضمن البائع شيئا ولا يصلح النقد فيه.
قلت: فإن كانت قريبة مما يصلح النقد فيها لم يصلح الكفيل فيها أيضا؟ قال: نعم.
قلت: فإن كانت بموضع قريب مما يصلح النقد فيها فماتت فما قول مالك في ذلك؟ قال: قال مالك: في العبد الغائب أنه من البائع حتى يقبضه المشتري إلا أن يشترط البائع على المشتري أنها إن كانت اليوم بحال ما وصفت لك فمصيبتها منك فيشتري على ذلك المشتري فتلفها من المشتري إذا كان تلفها بعد الصفقة وكانت يوم تلفت على ما وصفت لك قال: ولم يقل لي مالك في قرب السلعة ولا بعدها شيئا, وأرى أنا أن ذلك في القريب والبعيد سواء إلا في الدور والأرضين.

في اشتراء سلعة غائبة قد رآها أو وصفت له فيريد أن ينقد فيها أو يبيعها من صاحبها قبل أن يستوفيها أو من غيره
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة أو حيوانا قد رأيت ذلك قبل أن أشتريه أو اشتريت

ذلك على صفة وهم في موضع بعيد مثل المدينة من مصر أو برقة من مصر أو من إفريقية أيصلح لي فيه النقد في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: أفيجوز لي أن أبيع تلك السلعة من الذي باعنيها بأكثر أو بأقل أو بمثل ذلك وأنتقد أو لا أنتقد؟ قال: قال لي مالك في الرجل يبتاع السلعة الغائبة التي لا يصلح النقد فيها من رجل وصفها له أو قد رآها ثم يقيله منها: إن ذلك لا يصلح, قال مالك: وأراه من الدين بالدين لأن الدين قد ثبت على المبتاع إن كانت السلعة سليمة يوم وقعت الصفقة, فإذا أقاله منها بدين قد وجب له عليه فكأنه باعه سلعة غائبة بدين عليه لا يقبضه مكانه فيصير الكالئ بالكالئ, وكذلك فسر لي مالك, والسلعة الغائبة التي سألتني عنها لا تصلح بأقل ولا بأكثر من صاحبها ولا بمثل لأنه يصير دينا بدين كما وصفت لك, سحنون. وهذا على الحديث الذي جاء في السلعة إذا أدركتها الصفقة قائمة مجتمعة.
قال ابن القاسم: فأما إن باعها من غير صاحبها الذي اشتراها منه ولم ينقد فلا بأس به. قال: وكذلك قال لي مالك, وذلك أنه يبيع سلعة له غائبة فلا يصلح النقد فيها.
قال: وقال مالك: لو أن رجلا كان له على رجل دين فأخذ منه بدينه جارية مما تستبرأ أو مثلها يتواضع للحيضة لأنها من علية الرقيق فيتواضعانها للحيضة, قال مالك: لا خير في ذلك, وهذا يشبه الدين بالدين.
قال: فقلت لمالك: فإن اشترى رجل جارية فتواضعاها للحيضة فاستقاله صاحبها بربح يربحه إياه, قال مالك: إن لم ينتقد الربح فلا بأس بذلك لأنه لا يدري أيحل له ذلك الربح أم لا لأنها إن كانت حاملا لم يحل له الربح لأنه لا يجب له فيها بيع ولا شراء فأرى أنه لا يجوز للمشتري أن يقبل من البائع ربحا ينتقده في الثمن لأنه لا يدري أيتم له البيع أم لا كما لا يجوز للبائع الأول أن يقبل من المشتري زيادة يقيله بها من الجارية وكذلك فسر لي مالك.
قال: وقال مالك: لا أرى بأسا أن يقيله منها برأس ماله لا زيادة فيها ولا نقصان قبل أن تخرج من الحيضة, ولا أرى على صاحبها فيها استبراء.
قلت: ويبيعها من غير صاحبها بأقل أو أكثر؟ قال: نعم لا بأس بذلك إذا لم ينتقدا الثمن ولم يأخذ ربحا فإذا خرجت من الحيضة قبضها مشتريها وإن دخلها نقص عمل فيها كما يعمل في مشتريها وهذا أحب قول مالك فيها إلي.
قلت: وكذلك إذا آجرت داري من رجل إلى شهرين بثوب موصوف في بيته ثم

إني بعت ذلك الثوب منه قبل أن أقبضه منه بدراهم أو دنانير أو بثوبين مثله من صنفه أو بسكنى داره؟ قال: لا أرى به بأسا إذا علم أن الثوب قائم إذا وقعت الصفقة الثانية.
قلت: فإن اكتريت دارا لي بدابة بعينها موصوفة في موضع بعيد وقد رأيتها إلا أنها في موضع بعيد على أن يبتدئ بالسكنى الساعة؟ قال: لا يصلح ذلك لأن الدابة الغائبة لا يصلح فيها النقد وإن كان ثمنها عرضا, وكذلك قال لي مالك وغيره من أهل العلم فلما لم يصلح له فيه النقد لم يصلح لك أن تنقد في ثمنها سكنى دارك.
قلت: أرأيت إن اشتريت دابة وهي غائبة بسكنى داري هذه سنة على أن لا أدفع الدار حتى أقبض الدابة أيجوز هذا أم لا؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ولا تراه من الدين بالدين؟ قال: لا لأن هذا بعينه وهو غائب, وإنما الدين بالدين في قول مالك في المضمونين جميعا ولو كان أحدهما بعينه إلا أنه غائب في موضع لا يصلح فيه النقد والآخر مضمون إلى أجل لم يكن بذلك بأس, ولا يصلح النقد فيها بشرط حتى يقبض السلعة الغائبة التي بعينها إلا أن يتطوع المشتري بالنقد من عنده من غير شرط كان بينهما لأن مالكا قال لي: لا بأس أن يبيع الرجل من الرجل السلعة الغائبة التي لا يجوز في مثلها النقد أو الثمر الغائب في رءوس النخل الذي لا يجوز في مثله النقد بدين إلى أجل, ولم يقل لي مالك بذهب ولا بورق ولا بعرض, والذهب والورق الذي لا شك فيه أنه قوله, والعروض والحيوان أنه لا بأس به وهو أمر بين.
قلت: والثمر الغائب كيف هو عندك؟ قال: قال لي مالك: وكان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يبيع ثمار حوائطه وهو بالمدينة فيبيع ثماره كيلا التي بالصفراء وبخيبر بثمن إلى أجل كيلا فلم ير بذلك بأسا ولم يره أحد من الدين بالدين.
قال سحنون: وهذه حجة في بيع البرنامج, وقد قال مالك: ولو كانت على مسيرة خمسة أيام أو ستة هذه الحوائط جاز لصاحبها أن يبيعها.
قال ابن القاسم: فإذا كانت الحوائط بعيدة منه مثل إفريقية من المدينة فهذا لا يصلح لأنه لا يبلغ حتى تجد التمرة فلا خير في هذا لأنه لا يعرف هذا من بيوع الناس, وهذا مما لا ندركه ولا نعرفه.
قال: وقال لي مالك: لو كان هذا في الحيوان لم أر به بأسا إذا لم ينقد.

قال: وقال لي مالك: ولو كان في الدور والأرضين ورقاب النخل لم يكن بذلك بأس وإن نقده.
قال ابن القاسم: وإنما الثمار تفسير مني وما ذكرت لك من بعد الثمار عن مشتريها إذا كانت بإفريقية وما أشبهها فلم أسمعه من مالك وإنما هو تفسير مني سحنون إلا أن يكون الثمر يابسا.

الدعوى في اشتراء السلعة الغائبة
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة قد كنت رأيتها أو سلعة موصوفة فماتت قبل أن أقبضها فادعى البائع أنها ماتت بعد الصفقة وادعى المشتري أنها ماتت قبل الصفقة. قال: في قول مالك الأول: هي من البائع إلا أن يأتي بالبينة أنها ماتت بعد الصفقة, فإن لم تكن له بينة حلف المبتاع على علمه أنها لم تمت بعد وجوب البيع إذا ادعى البائع أن المبتاع قد علم أنها ماتت بعد وجوب البيع, فإن لم يدع البائع أن المبتاع قد علم أنها ماتت بعد وجوب البيع فلا يمين للبائع على المبتاع وهي من البائع.
قلت: فإن اشتراها بصفة أو كان قد رآها ثم ماتت قبل أن يقبض فقال البائع: ما أدري متى ماتت أقبل البيع أو بعد البيع وقال المبتاع ذلك أيضا؟ قال: قال مالك: هي من البائع في هذا الوجه في قول مالك الأول, وأما الآخر فهي على كل حال من البائع حتى يقبضها المشتري.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة قد رأيتها وأعلمت البائع أني قد رأيتها فاشتريتها منه على غير صفة فلما رأيتها قلت: ليست على الصفة التي رأيتها وقال البائع: هي على الصفة التي رأيتها من ترى القول قوله في ذلك؟ قال: القول قول البائع وعليه اليمين إلا أن يأتي المبتاع بالبينة على أنها يوم رآها هي على خلاف يوم اشتراها وذلك أني سمعت من مالك ونزلت بالمدينة في رجل أوقف جارية بالسوق وبرجلها ورم فتسوق بها وسام بها رجل ثم انصرف بها ولم يبعها, فأقامت عنده أياما ثم لقيه رجل فقال: ما فعلت جاريتك؟ قال: هي عندي, قال: فهل لك أن تبيعني إياها؟ قال: نعم فباعها إياه على الورم الذي قد عرفه منها فلما وجب البيع بينهما بعث الرجل إلى الجارية فأتى بها ولم تكن حاضرة حين اشتراها فقال المشتري: ليست على حال ما كنت رأيتها وقد ازداد ورمها, فقال مالك يلزم المشتري, ومن يعلم ما يقول وهو مدع إلا أن يكون له بينة على ما ادعى, وعلى البائع اليمين فمسألتك مثل هذه.

وقال أشهب: لا يؤخذ المشتري بغير ما أقر به على نفسه والبائع المدعي لأن المشتري جاحد والبائع يريد أن يلزمه ما جحد.

في الرجل يشتري طريقا في دار رجل
قلت: أرأيت إن اشتريت طريقا في دار رجل أيجوز هذا في قول مالك؟ قال :.
قلت: وكذلك أن لو باعه موضع جذوع له من حائط يجعل عليه جذوعا له؟ قال: نعم هذا أيضا قوله إذا وصف الجذوع التي تجعل على الحائط.
قلت: ويجوز هذا في الصلح؟ قال: نعم.

اشتراء عمود إنسان أو جفن سيفه بلا حلية
قلت: أرأيت إن اشتريت عمود رخام من رجل قد بنى على عموده ذلك غرفة في داره أيجوز هذا الشراء وأنقض العمود إن أحببت؟ قال: نعم, وهذا من الأمر الذي لا يختلف فيه أحد بالمدينة علمته ولا بمصر.
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل جفن سيفه وهو محلى ونصله وحمائله ولم أشتر منه فضته أيصلح هذا الشراء في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس به في قول مالك.
قلت: وينقض صاحب الحلية حليته إذا أراد صاحب السيف ذلك وأراد صاحب الحلية؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ولا ترى هذا من الضرر؟ قال: لا لأنهما قد رضيا.

باع عشرة أذرع من هواء هو له
قلت: أرأيت إن باع عشرة أذرع من فوق عشرة أذرع من هواء هو له أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا عندي, ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن يشترط له بناء يبنيه لأن يبني هذا فوقه فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن بعت ما فوق سقفي عشرة أذرع فصاعدا وليس فوق سقفي بنيان أيجوز هذا؟ قال: هذا عنده جائز.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا إذا بين صفة ما يبني فوق جداره من عرض حائطه.

باع سكنى دار أسكنها سنين
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع سكنى دار أسكنها سنين أتجعل هذا بيعا في قول مالك, أم تفسده, أم هو كراء وتجيزه؟ قال: بل هو جائز, وهو كراء لأن مالكا قال لي: لا أنظر إلى اللفظ وأنظر إلى الفعل, فإذا استقام الفعل فلا يضره القول, وإذا لم يستقم الفعل فلا ينفعه القول.
قلت: فبم يجوز لي أن أشتري سكناي وخدمة عبدي الذي أخدمته؟ قال: بما شئت من الدنانير والدراهم والطعام وجميع الأشياء.
قلت: فهل يجوز أن يشتري سكناي الذي أسكنته بسكنى دار لي أخرى أو بخدمته أو بخدمة عبد لي آخر أيجوز ذلك أم لا؟ قال: لا أرى به بأسا.
قلت: بم يجوز لي أن أشتري منحتي في قول مالك؟ قال: بالدنانير والدراهم والعروض كلها نقدا, أو إلى أجل, وبالطعام نقدا أو إلى أجل لأن مالكا قال: لا بأس بشراء شاة لبون بطعام إلى أجل.

اشتراء سلعة إلى الأجل البعيد
قلت: أرأيت إن اشترى الرجل السلعة إلى الأجل البعيد العشر السنين أو العشرين سنة أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز.
قال: فقلت لمالك: فالرجل يؤاجر عبده عشر سنين؟ قال: لا أرى به بأسا.
قال ابن القاسم: ولقد كنا نحن مرة نجيز ذلك في الدور ولا نجيزه في العبيد. قال: فسألت مالكا عنه في العبيد فقال: ذلك جائز وإجازة العبيد إلى عشر سنين عندي أخوف من بيع السلعة إلى عشر سنين وإلى عشرين سنة.

باع دارا واشترط سكناها سنة
قلت: أرأيت الدار يشتريها الرجل على أن للبائع سكناها سنة أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ذلك جائز إذا اشترط البائع سكناها الأشهر أو السنة ليست ببعيدة وكره ما يتباعد من ذلك, قال مالك: وإن اشترط سكناها حياته فلا خير فيه.
قال: وقال مالك في الرجل يهلك وعليه دين يستغرق ماله وله دار فيها امرأته ساكنة؟ قال: لا أرى به بأسا أن تباع ويشترط الغرماء سكنى المرأة عدتها فهذا يدلك على مسألتك.

في الرجل يبيع الدابة ويشترط ركوبها شهرا
قلت: أرأيت إن بعت دابتي هذه واشترطت ركوبها شهرا أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا خير فيه, وإنما يجوز من ذلك في قول مالك اليوم واليومين وما أشبهه وأما الشهر والأمر المتباعد فلا خير فيه.
قال: فقلت لمالك: فإن اشترط عليه من ذلك أمرا بعيدا فهلكت الدابة ممن هي؟ قال: هي من بائعها.
قلت: أرأيت الذي يشتري الدابة ويشترط عليه ركوبها شهرا فأصيبت الدابة قبل أن يقبضها المشتري لم قلت مصيبتها من البائع في قول مالك؟ قال: لأن الصفقة وقعت فاسدة, قال: وكل صفقة وقعت فاسدة فالمصيبة فيها من البائع حتى يقبضها المشتري.
قلت: فإذا قبضها المشتري فهلكت عنده فالصفقة فاسدة فأي شيء يضمن المشتري أقيمتها أم الثمن الذي وقعت به الصفقة؟ قال مالك: يضمن قيمتها يوم قبضها.
ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ربيعة أنه قال في الرجل يبيع البعير أو الدابة ويستثني ظهرها إلى المدينة قال ربيعة: بيعه مردود لا يجوز, وكذلك في العبد إذا اشترط أن لي خدمته إلى كذا وكذا.
يونس بن يزيد, عن ربيعة أنه قال: ولو باعه بثمن واشترط حملانه كان جائزا وعليه حملانه على ما أحب أو كره.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: ومن المخاطرة بيع الرجل راحلته أو دابته بكذا وكذا دينارا وله ظهرها سفره ذلك وتفسير ما كره من ذلك أنه باعه ناقته بعشرين دينارا وبظهرها حيث بلغت من سفره ذلك, قال مالك: إن اشترط ركوبها إلى قريب فلا بأس بذلك فأما أن يشترط بائع الدابة أن يركبها إلى الموضع البعيد الذي يخاف أن تدبر فيه دبرا يهلكها ولا ترجع منه فذلك بيع الغرر ولا يحل. وقال الليث مثله في القريب: لا بأس به والبعيد لا أحبه.

في الرجل يكون له على الرجل الدين العرض إليه أجل فيبيعه من رجل بدنانير أو بدراهم فيصيب فيها نحاسا أو زيوفا فيرد أينقض البيع
قلت: أرأيت إن كان لي على رجل دين وذلك الدين عرض من العروض فبعت

ذلك الدين من رجل بدنانير أو دراهم فأصبت الدنانير أو الدراهم نحاسا أو رصاصا أو زيوفا فرددتها أينتقض البيع بيننا أم لا في قول مالك؟ قال: أرى أن البيع لا ينتقض فيما بينهما وليس هذا مثل الصرف. ألا ترى أن السلم يجوز فيه تأخير اليوم واليومين, أو لا ترى أنه أيضا لو رضي بما في يديه من هذه الدراهم الرديئة كان البيع بينهما جائزا فالبيع جائز ويبدل ما أصاب في الدراهم والدنانير مما لا يجوز بينهما.

الرجل يبيع السلعة ببلد ويشترط أخذ الثمن ببلد آخر
قلت: أرأيت لو بعت طعاما إلى أجل بدراهم أو بدنانير ونحن بالمدينة وشرطت أو شرط على المبتاع أن يدفع إلي الدراهم أو الدنانير إذا حل الأجل بالفسطاط؟ قال: قال مالك: إذا ضرب لذلك أجلا وسمى البلد فلا بأس به, قال: وإن سمى البلد ولم يضرب لذلك أجلا فلا خير فيه, وإن ضرب الأجل ولم يسم البلد فذلك جائز وحيث ما لقيه إذ حل الأجل أخذ منه دراهم أو دنانير بالبلد الذي تبايعا فيها أو غير ذلك.
قلت: أرأيت إن كان قد سمى الأجل وسمى البلد الذي يقبض فيه الدراهم أو الدنانير فلقيه وقد حل الأجل في غير ذلك البلد الذي شرط فيه الوفاء؟ قال: قال مالك: إذا حل الأجل حيثما لقيه أخذ منه, وإن كان قد سمى بلدا فلقيه في غير ذلك البلد اقتضى منه ولا ينتظره حتى يرجع إلى ذلك البلد لأنه لو شاء أن لا يرجع إلى ذلك البلد أبدا فيحبس هذا بحقه أبدا فلا يستقيم هذا.
قلت: فإن كان إنما باع سلعته بعرض من العروض جوهرا أو لؤلؤا وثيابا أو طعاما أو متاعا أو رقيقا أو حيوانا أو غير ذلك من العروض وشرط أن يوفيه ذلك في بلد من البلدان إلى أجل من الآجال؟ قال ابن القاسم: أما العروض والثياب والطعام والرقيق والحيوان كله فسمعت مالكا يقول فيه: يوفيه بالبلد الذي شرطا فيه إذا حل الأجل, قال: ولم أسمع منه في اللؤلؤ والجوهر وما أشبهه شيئا ولكني أرى أنه لا يدفع ذلك إلا في البلد الذي شرطا فيه الدفع لأن هذه سلع وليس هذا مثل الذهب والورق لأن الذهب والورق عين في جميع البلدان.
قلت: فإن حل الأجل فقال الذي عليه هذه الأشياء: لا أخرج إلى ذلك البلد؟ قال: قال مالك: ليس له أن يوفيه إلا في ذلك الموضع أو يوكل وكيلا أو يخرج هو فيوفي صاحبه لا بد له من ذلك.

ما جاء فيمن أوقف سلعة له ثم قال: لم أرد البيع
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل: بعني سلعتك هذه بعشرة دنانير فيقول رب السلعة: قد بعتك, فيقول الذي قال بعني سلعتك بعشرة دنانير: لا أرضى قال: سألت مالكا عن الرجل يقف بالسلعة في السوق فيأتيه الرجل فيقول: بكم سلعتك هذه فيقول بمائة دينار فيقول قد أخذتها فيقول الآخر لا أبيعك وقد كان أوقفها للبيع أترى أن هذا يلزمه؟ قال: قال مالك: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما ساومه على الإيجاب في البيع ولا على الإمكان ولا ساومه إلا على أمر كذا وكذا لأمر يذكره غير الإيجاب فإذا حلف على ذلك كان القول قوله, وإن لم يحلف لزمه البيع فمسألتك تشبه هذا عندي.
قلت: أرأيت لو أني قلت لرجل: يا فلان قد أخذت غنمك هذه, كل شاة بعشرة دراهم فقال: ذلك لك, أترى البيع قد لزمني في قول مالك؟ قال: نعم.

بيع السمن والعسل كيلا أو وزنا في الظروف ثم توزن الظروف بعد ذلك
قلت: أرأيت إن اشتريت سمنا أو زيتا أو عسلا في ظروف كل رطل بكذا وكذا على أن أزن الظروف بالعسل أو بالسمن أو بالزيت ثم توزن الظروف فيخرج وزن الظروف؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك وسألت مالكا عن الرجل يشتري السمن أو العسل أو الزيت في الظروف كيلا فيريدون أن يزنوا ذلك السمن بظروفه أو العسل أو الزيت ثم يطرحون وزن الظروف من ذلك؟ قال: قال مالك: إن كان وزن القسط كيلا معروفا لا يختلف قد عرفوا ذلك القسط كم هو من رطل إذا وزنوه فلا بأس أن يزنوا ذلك فيعرفون كم من قسط فيه كيلا بالوزن ويطرحون وزن الظروف بما كان فيها وذلك أن البيع يقع على ما بعد وزن الظروف فإذا كان الوزن والكيل لا يختلف فلا بأس به.
قلت: أرأيت إن وزنوا السمن وتركوا الظروف عند البائع ثم إنهم رجعوا إليه فقال المشتري: ليست هذه الظروف التي كان فيها السمن وقال البائع: بل هي الظروف التي كان فيها السمن.
قال ابن القاسم: إن تصادقا على السمن ولم يفت إذا اختلفا في الظروف وزن السمن فإن كان السمن قد فات واختلفا في الظروف فالقول قول من كانت عنده الظروف مع يمينه لأنه مأمون لأن المشتري إن كان قبض السمن وذهب به وترك الظروف عند

البائع حتى يوازنه فقد ائتمنه عليها فالقول قوله مع يمينه, وإن كان البائع أسلم إلى المشتري الظروف بما فيها يزنها وصدقه على وزنها أو دفع الظروف إليه بعدما وزنها فادعى أنه قد أبدلها فهو مدع والقول فيها قول المشتري مع يمينه لأنه قد ائتمنه.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت من رجل جارية بمائة دينار فأصبت بها عيبا فجئت أردها فأنكر البائع العيب فقال رجل أجنبي: أنا آخذ منكما بخمسين دينارا على أن يكون على كل واحد منكما من الوضيعة خمسة وعشرون فرضيا بذلك أيلزم ذلك البائع الأول أم لا؟ قال: ذلك جائز لازم لهما عندي ولم أسمعه من مالك, ألا ترى لو أن رجلا اشترى عبدا من رجل على أن يعينه فلان بألف درهم فقال له فلان: أنا أعينك بألف درهم فاشتر العبد إن ذلك لازم لفلان.

الرجل يبيع الوديعة بغير إذن صاحبها ثم يرثها
قلت: أرأيت لو كان متاع في يدي وديعة بعتها من غير أن يأمرني صاحبها بذلك فلم يقبض المبتاع المتاع مني حتى مات رب المتاع الذي أودعني وكنت أنا وارثه فلما ورثته قلت: لا أجيز البيع الذي بعت لأني بعت ما لم يكن في ملكي وذلك معروف كما قلت؟ قال: أرى البيع غير جائز ولك أن تنقضه.

بيع العبد وله مال عين وعرض وناض وآجل بماله بذهب إلى أجل
قلت: أرأيت العبد يشتريه الرجل وله مال وماله دراهم ودنانير ودين وعروض ورقيق أيجوز للمشتري أن يشتريه بدراهم إلى أجل ويستثني ماله في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز في قول مالك والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
تم كتاب الغرر من المدونة الكبرى ويليه كتاب الوكالات.

كتاب الوكالات
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الوكالاتأخبرنا سحنون بن سعيد قال: قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا أمر رجلا يشتري له سلعة من السلع ولم يدفع إليه ثمنها أو دفع إليه ثمنها فمات الآمر ثم اشتراها وهو لا يعلم بموت الآمر أو اشتراها ثم مات الآمر؟ قال: ذلك كله لازم لورثته كلهم فإن اشتراها وهو يعلم بموت الآمر لم يلزم ذلك الورثة وكان ضامنا للثمن لأن مالكا سئل عن الرجل يوكل الرجل بالبلد يجهز إليه المتاع فيبيع له ويشتري وقد مات صاحب المتاع, قال: أما ما باع واشترى قبل أن يعلم بموت الآمر فذلك جائز على الورثة, وأما ما اشترى وباع بعد أن يعلم فلا يجوز ذلك فمسألتك مثل هذا لأن وكالته قد انفسخت.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يسلف لي في طعام إلى أجل ودفعت إليه الدراهم ففعل فأتى البائع إلى المأمور بدراهم فقال: هذه زيوف فأبدلها لي فصدقه المأمور ثم أتى إلى الآمر ليبدلها له. قال ابن القاسم: أرى إن كان المأمور يعرفها بعينها ردها البائع عليه ولزمت الآمر الدراهم وإن أنكر الآمر لم ينفعه ذلك لأن المأمور أمين له وإن لم يعرفها المأمور وقبلها لم يلزم الآمر لأن المأمور لم يعرفها بعينها ولزمت المأمور وحلف الآمر على علمه أنه لا يعرف أنها من دراهمه وما أعطاه إلا جيادا في علمه ولزمت المأمور لقبوله إياها وإن لم يقبلها المأمور ولم يعرفها حلف له أيضا أنه ما أعطاه إلا جيادا في علمه ولزمت البائع وللبائع أن يستحلف الآمر بالله ما يعرفها من دراهمه, وما أعطاه إلا جيادا في علمه ثم تلزم البائع.
قلت: أرأيت رجلا وكلته يبيع لي سلعة أيجوز أن يبيعها بنسيئة؟ فقال: لا.

قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم لأن المقارض يدفع إليه المال قراضا فلا يجوز له أن يبيع نسيئة, فكذلك الموكل لا يجوز له ذلك إلا أن يكون قد أمره بذلك.
قلت: أرأيت إن وكلني أبيع سلعة فبعتها بعرض من العروض أيجوز ذلك؟ قال لا يجوز ذلك إذا كانت تلك السلعة لا تباع إلا بدنانير أو بدراهم.
قلت: أرأيت إن وكلني أبيع السلعة له فبعتها من رجل فجحدني الثمن ولا بينة لي عليه بالبيع أأضمن أم لا؟ قال: نعم أنت ضامن لأنك أتلفت الثمن حين لم تشهد على المشتري منك لأن مالكا قال في البضاعة: تبعث مع الرجل فيزعم أنه قد دفعها وينكر المبعوث إليه أنه ضامن إلا أن تقوم له بينة بدفعها إليه.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يشتري لي جارية فاشتراها لي عمياء أو عوراء أو عرجاء أيجوز هذا أم لا؟ قال: قال مالك: من العيوب عيوب يجترأ على مثلها في خفتها وشراؤها فرصة, فإذا كان مثل ذلك رأيته جائزا, وأما ما كان من عيب مفسد فلا يجوز عليه إلا أن يشاء فإن أبى فله أن يضمنه ماله.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يشتري لي أمة فاشترى لي ابنتي أو أختي أيجوز ذلك علي؟ قال: إن كان علم فلا يجوز ذلك عليك وإن كان لم يعلم فذلك جائز عليك.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يشتري لي سلعة أو يبيع لي سلعة فاشترى لي أو باع بما لا يتغابن الناس في مثله أيجوز علي أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك عليك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم, قال مالك: لو أن رجلا أمره رجل أن يبيع له سلعة فباعها بما لا يعرف من الثمن ضمن عند مالك مثل أن يعطيه الجارية يبيعها ولا يسمي له ثمنا فيبيعها بخمسة دنانير أو أربعة وهي ذات ثمن كثير فلا يجوز. قال ابن القاسم: فإن أدركت الجارية نقض البيع وردت فإن تلفت ضمن البائع قيمتها.
قلت: أرأيت إن وكلت وكيلا يشتري لي سلعة بعينها فذهب فاشترى السلعة وهي بثمانمائة درهم فاشتراها بألف درهم؟ قال: لا يلزم الآمر ويلزم المأمور في قول مالك إلا أن يشاء ذلك الآمر فيكون ذلك له إلا في مثل ما يتغابن الناس في مثله فذلك يلزم الآمر ولا يلزم المأمور, وهذا قول مالك. قال: وسئل مالك عن الرجل يأمر رجلا أن يبيع له سلعة فيبيعها؟ قال مالك: يلزم البيع الآمر إلا أن يبيعها المأمور بما لا يشبه فيكون ذلك البيع غير جائز وينتقض البيع إن كانت لم تفت فإن كانت قد فاتت ضمن المأمور قيمة تلك السلعة للآمر.

قال ابن القاسم: ومن ذلك أن يقول الرجل للرجل: بع غلامي هذا أو دابتي هذه, فأخذها وباعها بدينار أو دينارين أو ما أشبه ذلك مما لا يتغابن الناس في مثله فهو ضامن؟ قال: وهذا قول مالك.
قلت: فإن وكلت رجلا يشتري لي عبد فلان بثوبه هذا أو بطعامه هذا؟ قال: أما في الطعام فهو جائز ويرجع المأمور على الآمر بطعام مثله وأما في الثوب فهو جائز أيضا ولا أرى به بأسا لأني أراهما كأنه أسلفه الطعام والثوب جميعا ويرد شراؤهما.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا ليشتري لي برذونا بعشرة دنانير فاشتراه بخمسة دنانير؟ قال: قال مالك: إن كان على الصفة فذلك جائز والبرذون لازم للموكل.
قلت: فإن اشتراه بعشرين دينارا؟ قال: قال مالك: الآمر مخير إن شاء أخذه بعشرين دينارا وإن شاء رده, قال مالك: وإن كان أمره أن يشتريه بعشرين دينارا فزاد الزيادة اليسيرة التي تزاد في مثله لزم الآمر ذلك وغرم تلك الزيادة وللزيادة عند مالك وجوه مثل الجارية يأمره أن يشتريها له بمائة دينار فيزيد دينارين أو ثلاثة فذلك جائز عليه. ولقد سألته فقلت له: الرجل يأمر الرجل أن يشتري له الجارية بأربعين دينارا فيزيد الدينار والدينارين فقال: ذلك لازم له إذا كانت الزيادة بقدر ما يرى أنها تكون زيادة في تلك السلعة وفي ذلك الثمن
قلت: أرأيت ما اشترى مما لا يلزم الآمر أيلزم المأمور في قول مالك؟ قال: نعم قال:
وقال مالك: لو أن رجلا أمره رجل أن يبيع له سلعة فباعها بما لا يعرف من الثمن ضمن يريد مالك مثل أن يعطيه الجارية يبيعها ولا يسمي له شيئا فيبيعها بخمسة دنانير أو بأربعة وهي ذات ثمن أكثر فهذا لا يجوز؟ قال: فإن أدركت الجارية نقض البيع وردت, وإن تلف ضمن البائع قيمتها, قال لي مالك: وإن أمره أن يبيعها فباعها بعشرة دنانير وقال: بذلك أمرتني وقال الآمر ما أمرتك إلا بأحد عشر دينارا أو أكثر قال: قال مالك: إن أدركت السلعة بعينها حلف الآمر بالله على ما قال: وكان القول قوله فقلت لمالك: فإن قال المشتري: إنما أنت نادم وقد أقررت بأنك أمرته بالبيع قال مالك: إذا أدركت السلعة بعينها حلف الآمر وكان القول قوله فإن فاتت حلف المأمور أنه أمره بذلك ولا شيء عليه يريد بذلك مالك إذا كان ما باع به المأمور غير مستنكر.
قلت: لم قال مالك: هذا ههنا وقد قال في الرجل يدفع إلى الرجل ألف درهم يشتري له بها حنطة فاشترى له بها تمرا إن القول قول المأمور مع يمينه؟ قال: إنما قلت

لك ذلك ولم أسمعه من مالك لأنه قد أقر له بالوكالة على الاشتراء فلما اشترى الوكيل ما زعم أنه وكيل به عليه والذهب مستهلكة كان الآمر مدعيا على المأمور يريد أن يضمنه فلا يقبل قوله إلا ببينة وأن السلعة التي اختلفا فيها قائمة فلذلك كان القول قول الآمر وإذا فاتت كان القول قول الوكيل لأن الآمر مدع يريد أن يضمنه ففوت السلعة مثل فوت الدنانير.
قلت: أرأيت لو أن رجلا دفع إليه رجل مالا وأمره أن يشتري له سلعة من السلع فاشترى له السلعة فضاع المال بعد ما اشتراها له؟ قال: قال مالك: في الرجل يأمر الرجل يشتري له السلعة ولم يدفع شيئا فاشتراها الرجل ثم دفع الآمر المال إلى المأمور ليقضيه فضاع المال من المأمور قبل أن يدفعه قال مالك: على الآمر الغرم ثانية.
قلت: فإن ضاع ثانية؟ قال: يلزمه ذلك, قال: وأما مسألتك في الذي دفع المال وأمر أن يشتري له به فإنما أمره أن يشتري له بذلك المال بعينه فإنما هو بمنزلة الذي يدفع المال إلى الرجل قراضا فيشتري به سلعة فيأتي إلى المال فيجده قد تلف فلا يلزم صاحب المال أداؤه ويكون صاحب القراض بالخيار إن شاء دفع المال ثانية, ويكون على قراضه, وإن شاء تبرأ منه ولا شيء عليه ويلزم العامل, فكذلك الذي دفع المال إلى المأمور وأمره أن يشتري له بذلك المال فإنه إن ضاع بعد ما اشترى كان بمنزلة ما أخبرتك في القراض وهو قول مالك ومسألتك مثله سواء.
قلت: أرأيت لو أني أمرت رجلا يشتري لي جارية بربرية فبعث إلي بجارية بربرية فوطئتها فحملت مني أو لم تحمل ثم قدم المأمور بجارية بربرية فقال: إنما كنت بعثت إليك بتلك الجارية وديعة وهذه جاريتك التي اشتريت لك, قال: إن كان لم يبين له ذلك في البعثة حين بعث إليه بالجارية أنها جاريته ولم تفت حلف وكان القول قوله وقبض جاريته ودفع إليه التي زعم أنه اشتراها له. وإن كانت قد فاتت بحمل أو عتق أو كتابة أو تدبير لم أر له شيئا ولم أر له عليها سبيلا لأني لا أنقض عتقا قد وجب وشبهته قائمة بقوله إلا أن يقيم البينة فتكون له جاريته, ويلزم الآمر الجارية التي أتى بها المأمور لأن مالكا قال: في رجل أمر رجلا أن يبتاع له جارية بمائة دينار فقدم فبعث إليه بجارية ثم لقيه بعد ذلك فقال له: إن الجارية كانت تقوم بخمسين ومائة دينار وبذلك اشتريتها, قال مالك: إن كانت لم تفت خير الآمر فإن أحب أن يأخذها بما قال أخذها وإلا ردها, وإن كانت قد حملت لم يكن عليه غرم شيء إلا المائة التي أمره بها بلغني ذلك عن مالك ممن أثق به فمسألتك مثله.

قلت: أرأيت العبد إذا وكل رجلا أن يشتريه بمال دفعه العبد إلى الرجل فاشتراه؟ قال: يغرم ثمنه ثانية ويلزمه البيع ويكون العبد له كاملا كذلك قال لي مالك, وسألته عن العبد يدفع إلى الرجل مالا فيقول: اشترني لنفسك فقال: ما أخبرتك.
قال ابن القاسم: إلا أن يستثني المشتري المال فيكون البيع جائزا ولا شيء عليه غير الثمن الذي دفع إليه أولا.
قلت: أرأيت إن أمرت رجلا أن يبيع لي سلعة فباعها وبعتها أنا لمن تجعل السلعة؟ قال: سألت مالكا عنها فقال: الأول أولاهما بيعا إلا أن يكون المشتري الآخر قد قبضها فهي له.
قال ابن القاسم: وأخبرني بعض أهل العلم عن ربيعة مثله ورأيت مالكا وربيعة فيما بلغني عنهما يجعلانه مثل النكاح, أن النكاح نكاح الأول إذا أنكح الوليان وقد فوض كل واحد منهما إلى صاحبه أن الأول أولى إلا أن يدخل بها الآخر.
ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ربيعة أنه قال في رجل بعث سلعة مع رجل وكله ببيعها ثم بدا للرجل: أن باع سلعته وبعث في أثر وكيله فوجد الوكيل قد باع وكان بيع سيد المال قبل أن يبيع الوكيل, فقال ربيعة: إن الوكالة بيع وبيع السيد جائز. وأيهما كان أول الوكيل أو السيد كان هو الذي يدفع السلعة إليه ويضمن بيعه فبيعه أجوز, وإن أدركت السلعة لم يدفعها واحد منهما إلى صاحبه فأولهما بيعا أجوزهما بيعا فيها.
قال الليث بن سعد: قال ربيعة: وإنما كان شراء الذي قبضها أجوز وإن كان الآخر لأنه قد ضمن إن كانت وليدة استحلها وإن كانت مصيبة حملها.

الدعوى في بيع الوكيل السلعة
قال: وقال مالك في الرجل يدفع إلى الرجل السلعة يبيعها له فيبيعها بطعام أو عرض نقدا فينكر صاحب السلعة البيع ويقول: لم آمرك أن تبيعها بطعام ولا بعرض قال مالك: إذا باعها بما لا تباع به فهو ضامن, وقال غيره: إن كانت السلعة قائمة لم تفت خير صاحبها فإن شاء أجاز البيع وأخذ العرض أو الطعام الذي بيعت به السلعة وإن لم يجز فعله نقض البيع وأخذ سلعته ولم يكن له أن يضمن البائع لأن السلعة لم تفت, فإن فاتت فهو بالخيار إن شاء أخذ الطعام بثمن سلعته وإن شاء ضمنه قيمتها وأسلم الطعام أو العروض للبائع, وقال غيره: كل من أدخل في الوكالات من الادعاء في البيع والاشتراء

ما ليس عليه أصله من الأمر المستنكر الذي ليس بمعروف مثل أن يأمر رجلا ببيع سلعته فيبيعها وتفوت بما لا يباع به مثلها ويدعي أنه أمره بذلك وينكر رب السلعة أن يكون أمره بذلك أو ادعى المأمور أنه أمره أن يبيعها بدينارين إلى أجل أو بخمسة دنانير وهي بثمانمائة دينار أو بطعام أو بعرض وليس مثلها يباع به, فإن هذا ليس بجائز على الآمر وإنما أمره الآمر بالبيع ولم يأمره بالاشتراء, ألا ترى أنه لما أمره ببيع سلعته فإنما البيع بالأثمان والأثمان الدنانير والدراهم وأن بيعه السلعة بالطعام والعروض وهي مما لا تباع به إنما هو اشتراء منه للعروض والطعام وهو لم يأمره بالاشتراء لأن العروض والطعام هو مثمون وليس هو بثمن, ألا ترى أنه من سلف طعاما بعينه في عرض إلى أجل فاستحق الطعام انفسخ السلم ولم يقل له ائت بطعام مثله. ولو سلف دراهم أو دنانير في عروض إلى أجل فاستحقت الدنانير والدراهم لم ينقض السلم وقيل له ائت بدراهم مثلها أو بدنانير مثلها لأنها ثمن وليست بالمثمونة والطعام والعروض مثمون وليست بثمن, وأن الرجل يشتري السلع بالدنانير أو الدراهم وليست عنده فلا يكون به بأس ولا يقال له: فيه باع ما ليس عنده ولا يجوز له أن يشتري السلع التي لا تكال ولا توزن بسلع تكال وتوزن من صنفها ولا من غير صنفها أو بطعام ليس عنده لأن ذلك وإن كان مشتريا لما اشترى من السلع التي لا تكال ولا توزن بسلع تكال أو توزن أو بطعام يكال ليس عنده فهو بائع أيضا فصار بائعا لما ليس عنده, وقد قامت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين: أنه لا يجوز بيع ما ليس عندك إلا ما قامت به السنة في التسليف المضمون.
قال سحنون: وقد وصفنا قبل هذا ما يجوز من التسليف وما لا يجوز وكذلك لو ادعى أنه أمره أن يشتري له سلعة تساوي خمسين دينارا بمائة دينار وادعى أنه أمره أن يشتري له سلعة بسلعة وليست تشترى السلعة التي ادعى أنه أمره أن يشتريها إلا بالعين وأنكر الآمر دعواه وهو مقر بالوكالة لم يقبل قول المأمور على الآمر وإن ادعى المأمور ما يشبه الوكالات مثل أن يقول: أمرتني أن أبيع سلعتك بعشرة وهي مما يتغابن الناس فيه وقد فاتت السلعة, ويقول رب السلعة إنما أمرتك بأحد عشر أو يقول أمرتني أن أشتري لك طعاما بعشرة دنانير وقد فعلت فيقول الآمر أمرتك أن تشتري بها سلعة فالقول قول المأمور فكل مستهلك ادعى المأمور فيه ما يمكن وادعى الآمر غيره فالقول قول المأمور وكل قائم ادعى فيه المأمور ما يمكن ولم يفت وخالفه الآمر وادعى غيره حلف الآمر وكان القول قوله فخذ هذا الأصل على هذا إن شاء الله. ومن ذلك الرجل يدفع ثوبه إلى الصباغ فيقول رب الثوب: أمرتك بعصفر ويقول الصباغ: أمرتني بزعفران أو يدفع ثوبه إلى الخياط فيقول أمرتك بقباء ويقول الخياط: أمرتني بقميص فليس على واحد منهما

إذا ادعى عليه غير العمل الذي عمل إلا اليمين بالله ما عملته لك إلا ما أمرتني به إذا كان ذلك كله من عمله أنه يصبغ بالضربين ويخيط الصنفين وهو قول مالك.

الوكيل في السلم أو غيره يأخذ رهنا أو يأخذ حميلا فيضيع عنده وقد علم به الآمر أو لم يعلم
قلت: أرأيت إن وكلت وكيلا في أن يسلم لي في طعام إلى أجل ففعل وأخذ رهنا أو حميلا من غير أن آمره أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم والرهن والحميل ثقة للآمر فهذا الوكيل لم يصنع إلا خيرا ووثيقة للآمر.
قلت: فإن ضاع الرهن عند الوكيل قبل أن يعلم بذلك الموكل؟ قال: الضياع من الوكيل لأن الآمر لم يأمر بذلك بأن يرتهن.
قلت: فما كان من ضرر في الرهن فهو على الوكيل وما كان من منفعة فهي للآمر؟ قال: نعم.
قلت: فالحميل؟ قال: الحميل ليس يدخله الرهن من التلف والحميل في كل وجه إنما هو منفعة للآمر.
قلت: فإن كان الآمر قد علم بالرهن فرضيه ثم تلف بعد ذلك؟ قال: إذا رضي بالرهن لزمه وكان كأنه أمره بذلك بأن يرتهنه له لأنه إنما ارتهن له.
قلت: فإن رده ولم يقبله رجع الرهن إلى ربه ولم يكن للوكيل أن يحبسه في قول مالك؟ قال: نعم.

دعوى الوكيل
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا بعث بكتابته مع رجل أو امرأة بعثت بمال اختلعت به من زوجها مع رجل أو رجل بعث بصداق امرأته مع رجل وزعم الذي بعث ذلك معه أنه قد دفع ذلك كله وكذبه المبعوث إليه المال قال: قال مالك: في الدين ما أخبرتك فهذا كله محمول الدين وعليهم أن يقيموا البينة أنهم قد دفعوا ذلك إلى المبعوث إليه وإلا ضمنوا.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا وديعة بغير بينة فوكلت وكيلا يقبضها منه فقال: قد دفعتها إلى الوكيل وقال الوكيل كذبت ما دفعت إلي شيئا, قال: إن لم يقم بينة غرم, وقال غيره: ألا ترى أن الوصي أمين, ولو زعم أنه تلف ما في يده لم يضمن وإنما الوصي أمين مأمور بدفع ما في يديه مما أوصى به إليه إلى من يرثه عمن أوصى به إلى

إقالة الوكيل وتأخيره
قلت: لو وكلت وكيلا في أن يسلم لي في طعام ففعل ثم أقال الوكيل بغير أمر الآمر أفيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز له ذلك عند مالك لأن الطعام إنما وجب للآمر.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يسلم لي في طعام ففعل, ثم إن الآمر أقال البائع أو ترك ذلك له أو وهب له؟ قال: أرى أن الطعام إنما وجب للآمر فكل شيء صنع في طعامه مما يجوز له فذلك جائز ولا ينظر ههنا إلى المأمور في شيء من ذلك.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يسلم لي دنانير في عشرة أرادب حنطة ففعل الوكيل ذلك ثم إن الوكيل أقاله بعد ذلك؟ قال ابن القاسم: إن كان ذلك ثبت للذي ابتاع له بالبينة أو باعتراف من الوكيل قبل أن يقبله أنه إنما ابتاع ذلك للذي وكله فلا تجوز إقالته إلا بأمر الآمر الذي وجب له الطعام.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن وكلت وكيلا يسلم لي في طعام أو يبتاع لي سلعة بعينها ففعل ولم يذكر عند عقدة الشراء للبائع أنه إنما ابتاع لغيره وقد شهد الشهود عليه أنه أقر بأنه إنما ابتاع لي أو شهدت البينة حين أمرته بذلك لمن تكون العهدة ههنا للوكيل على البائع أم للآمر؟ قال: لا ولكنها للآمر على البائع.
قلت: فإن أصاب الوكيل عيبا بعد ما اشترى لم يكن له أن يردها لأن العهدة إنما وقعت لغيره؟ قال: إذا كان إنما أمره أن يشتري سلعة بعينها منسوبة فقال: له اشتر لي عبد فلان أو دار فلان لم يكن له أن يرد, وإن كانت سلعة موصوفة ليست بعينها فللوكيل أن يردها إن وجد فيها عيبا.
قلت: لم؟ قال: لأن الوكيل ههنا ضامن لأنه لو اشترى سلعة بها عيب تعمد ذلك ضمن ذلك, فلذلك إذا وجد بها عيبا بعد ما اشترى وهو يقدر على ردها فلم يفعل فهو

ضامن, قال: وإنما يعطي الناس أن تشترى لهم السلعة على وجه السلامة وقال غيره: السلعة بعينها وبغير عينها العهدة على البائع للآمر والآمر المقدم في الإجازة والرد عن نفسه والآمر بالخيار فيما فعل المأمور من الرد إن شاء أجاز رده وإن شاء نقضه وارتجع السلعة إلى نفسه إن كانت قائمة وإن كانت قد فاتت فله أن يضمن المأمور لأنه متعد في الرد لسلعة قد وجبت للآمر.
قلت لابن القاسم ولم يرد الوكيل هذه السلعة التي بغير عينها أمن قبل أن للوكيل على البائع عهدة قال: لا.
قلت: فلأي شيء جعلته يرد إذا أصاب عيبا وليست له عهدة؟ قال: لأنه ضامن إن اشترى عيبا ظاهرا فلهذا الوجه جعلته يرد السلعة بغير عينها.
قلت: وكذلك لو وكل وكيلا يبيع له سلعة فباعها لم يكن له أن يقبل ولا أن يضع من ثمنها شيئا؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قال ابن القاسم: وهذا في الوكيل على شراء شيء بعينه أو بيعه في الشيء القليل المفرد, وأما الوكيل المفوض إلى الذي يشتري ويبيع باجتهاده فهذا الذي يكون كل ما صنع على النظر من إقالة أو رد بعيب أو ابتداء اشتراء عيب جائز على الآمر إذا لم يكن فيما فعل محاباة.
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يسلم لي في طعام ففعل فلما حل الأجل أخذ الوكيل الذي عليه الطعام من غير أن يأمره بذلك الآمر؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك وقد فسرنا ما يشبه هذا.

في رجل وكل رجلا يبتاع له سلعة والثمن من عند الوكيل ففعل وأمسك حتى يأخذ له ذلك
قلت: أرأيت إن وكلت رجلا يشتري لي طعاما من السوق أو سلعة من السلع وأمرته أن ينقده من عنده ففعل ثم أتيته لأقبض ذلك منه فمنعني من ذلك حتى أدفع إليه الثمن الذي نقد؟ قال: أرى أن تأخذ السلعة وليس للمأمون أن يمنعه السلعة لأنه إنما أقرضه الدنانير التي اشترى له بها السلعة ولم يرتهن شيئا فليس له أن يمنعه ما اشترى له من ذلك.

قال ابن القاسم: ولو أن رجلا أمر رجلا يبتاع له سلعة من بلد من البلدان ولم يدفع الثمن إليه وقال: أسلفني ثمنها فابتاعها ثم قدم فقال الآمر: ادفع إلي السلعة وقال المأمور: لا أدفع إليك حتى تدفع إلي الثمن فأبى أن يدفع إليه السلعة كان ذلك للآمر لأن الثمن كان سلفا والسلعة عنده وديعة وليست برهن وليس له أن يرتهن ما لم يرهنه وذلك أن مالكا سئل عن رجل أمر رجلا يبتاع له لؤلؤا من مكة وينقد الثمن من عنده حتى يقدم فيدفع إليه الآمر ثمنه فقدم المأمور فزعم أنه قد ابتاع له الذي أمره به وأنه ضاع منه بعد ما اشتراه. قال مالك: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنه قد ابتاع له ما أمره ونقده عنه ويأخذ منه الثمن لأنه قد ائتمنه حين قال: ابتع لي وانقد عني فلو كان رهنا يجوز له حبسه عنه لحقه ما قال مالك: إن له أن يرجع بثمنه حتى يقاصه بثمنه إلا أن يكون له بينة على هلاكه فلما قال مالك: إنه يرجع بالثمن ويحلف, علمنا أنه ليس برهن وليس له عند مالك أن يجعله رهنا بعد ما اشتراه ووجب للآمر إلا أن يرضى الآمر من ذي قبل أو يكون الآمر قال: له ابتعه لي وانقد عني من عندك واحبسه حتى أدفع إليك الثمن فهذا رهن عنده.
قال ابن القاسم: ومما يبين ذلك أن لو اشترى له ببينة وكان ذلك مما يغيب عليه مثل الثياب والجوهر واللؤلؤ أو ما أشبه ذلك ثم ادعى أنه هلك في يديه لم تسأل البينة ولم يقاص بشيء منها فيما دفع عن الآمر في ثمنها وحلف إن اتهم واستوفى ثمنها فهذا يدلك على أنها ليست برهن ويدلك على أنه ليس له أن يحبسها إذا اشتراها لغيره ووجب الثمن الذي دفع فيها قرضا منه له وإنما هي عنده وديعة من الودائع مصدق فيها.
قلت: أرأيت الرجل يبيع السلعة من الرجل فيدعي البائع أنه باعه على أن الخيار للبائع ثلاثا وأنكر المشتري فقال: اشتريتها وما شرطت علي الخيار؟ قال: لا يصدق البائع والبيع له لازم, قال: وسألت مالكا عن الرجل يبيع من الرجل السلعة فيأتيه من الغد بالثمن وقد احتبس صاحب السلعة السلعة فيقول البائع: إنما بعتك أمس على أن جئتني بالثمن اليوم وإلا فلا بيع بيني وبينك, وقال الآخر: لا لم اشترط لك شيئا من ذلك قال: قال مالك: البيع له لازم وهو مدع فمسألتك مثل هذا. قال: وقال مالك: ولو ثبت له هذا ما رأيت ذلك ينفعه ورأيت البيع له لازما ولم يره مثل الخيار في هذا الوجه.
قلت: أرأيت لو أني اشتريت من رجل طعاما فأصبت بالطعام عيبا فجئت لأرده فقال: البائع بعتك حملا من طعام بمائة درهم وقال: المشتري بل اشتريت منك نصف حمل بمائة درهم؟ قال: القول قول المشتري إذا كان يشبه أن يكون نصف الحمل بمائة درهم

لأن البائع قد أقر له بالمائة, ألا ترى لو أن رجلا باع فرسا أو جارية أو ثوبا فوجد المشتري عيبا فجاء ليرده فقال: بعتكه وآخر معه بمائة دينار وقال المشتري: بل بعتنيه وحده بمائة دينار كان القول قول المشتري لأن البائع قد أقر له بالثمن, والبائع مدع فيما زعم أنه باعه معه, فإن لم يشبه ما قال المشتري وتفاحش ذلك كان القول قول البائع مع يمينه ولا يرد من الثمن إلا نصفه نصف ثمن القمح, ولا غرم على المشتري في نصف الحمل الباقي إذا حلف لأن البائع فيه مدع.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لفلان علي مائة دينار باعني إلى أجل كذا وكذا وقال المقر له: بل هي حالة القول قول من في قول مالك؟ قال: سئل مالك عن رجل باع من رجل سلعة فأتاه يقتضيه الثمن بعد ذلك فقال المبتاع: بعني إلى أجل كذا وكذا, وقال البائع: بل حال, قال: إن كان الذي ادعى المبتاع أجلا قريبا لا يتهم في مثله, فالقول قوله وإلا كان القول قول البائع الذي قال: حال إلا أن يكون لأهل تلك السلعة أمر يتبايعون عليه قد عرفوه فيكون القول قول من ادعى الأمر المعروف عندهم, ومن ادعى عليه قرض فادعى الأجل وقال الآخر: حال, فالقول قول المقرض, ولا يشبه هذا البيع وقال غيره في القرض والبيع: هو مثل ما قال عبد الرحمن.
قلت: أرأيت الرجل يدفع إلى الرجل السلعة فيقول الدافع: أمرتك أن ترهنها ويقول المدفوعة إليه: بل أمرتني أن أبيعها, قال: القول قول صاحبها فاتت أو لم تفت.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال: لي مالك في الرجل يدعي السلعة في يد الرجل فيقول المدفوع إليه: رهنتنيها ويقول صاحبها: بل استودعتكها إن القول قول ربها.
قلت: فإن قال الدافع: أمرتك أن تبيعها بطعام وقال المأمور: أمرتني أن أبيعها بدنانير, قال: إن لم تفت السلعة كان القول قول الدافع وإن فاتت فالقول قول المأمور ويحلف لأن مالكا قال في الرجل: يدفع إلى الرجل السلعة يبيعها له فيقول المأمور: أمرتني بعشرة ويقول الآمر: بل أمرتك باثني عشر, قال: القول قول صاحبها إن لم تفت ويحلف, فإن فاتت كان القول قول المأمور ولا شيء عليه.
قلت: أرأيت إن دفع إليه دنانير فقال رب الدنانير: أمرتك أن تشتري بها طعاما وقال المأمور: بل أمرتني أن أشتري بها بزا قال: القول قول المأمور.
قلت: ما فرق بين الدنانير والدراهم والسلعة؟ قلت: في الدراهم والدنانير القول قول المأمور, وقلت في السلع: إذا أمرته أن يبيعها إن القول قول الآمر, قال: لأن السلع

قائمة بأعيانها لم تفت وإن كانت في يد المشتري فلذلك كان القول قوله إذا هي لم تفت والدنانير والدراهم حين أذن له أن يشتري له سلعة فالدنانير والدراهم فائتة مستهلكة, فالقول فيها قول المأمور وكذلك أيضا في السلع إذا كانت مستهلكة قد فاتت, فالقول فيها قول المأمور أيضا.
قلت: أرأيت هذه الأقاويل كلها هي قول مالك؟ قال: أما في السلع إذا فاتت وإذا لم تفت فهو قول مالك وأما في الدنانير والدراهم فلم أسمعه منه وهو رأيي.

في رجل وكل رجلا يرهن له ويأتيه بالسلف فادعى الآمر أنه أمره بأقل مما قال المأمور وادعى أنه لم يقبل منه الدراهم وقال المأمور: قد دفعتها إليه
قلت: أرأيت لو أني دفعت إليه رجل ثوبا ليرهنه ففعل فلما جئت أفتكه قال الرسول: قد رهنته بعشرة دنانير وقد دفعتها إليك, وقال الآمر: ما أمرتك إلا بخمسة وقبضتها منك أو قال: لم أقبضها منك. قال: إذا أقر بالرهن فالقول قول المرتهن إذا كان الرهن يساوي ما قال المرتهن, فإن قال: لم أقبض منك شيئا وقد أمرتك أن ترهنها وقال الرسول: قد رهنتها ودفعت إليك الذهب كان القول أيضا قول الرسول في الدفع, والقول قول المرتهن فيما رهن به إذا كان قيمة الرهن مثل ما قال.
قلت: ولم كان القول قول الرسول إذا قال الآمر: لم أقبض منك شيئا؟ قال: لأنه ائتمنه عليه ومثل ما لو قال له: بع لي هذه السلعة فباعها وقال: قد دفعت إليك الثمن وقال الآمر: لم تدفع إلي شيئا كان القول قول البائع لأن من باع سلعة فإن له قبض المال وإن لم يكن قيل له بع واقبض, وإنما قيل له بع فسنة من باع أنه يقبض فهو مصدق في القبض وهو بمنزلة رجل قبل وديعة لرجل فقال له المستودع: قد رددتها عليك, فالقول قوله لأن المستودع لم يأمره بالدفع إلى غيره فيكون على المستودع ما على ولي اليتيم. وقال المخزومي: ولو دفع رجل إلى رجل ثوبا ليرهنه لرب الثوب فاختلفا كان كما وصفت لك في صدر الكتاب وإن كان إنما دفعه إليه ليرهنه لنفسه يقر له رب الثوب بذلك أنه أعاره ليرهنه لنفسه ثم اختلفا فقال رب الثوب: أمرتك أن ترهنه بخمسة. وقال الراهن لنفسه المستعير للثوب ليرهنه: أذنت لي أن أرهنه بعشرة والثوب يساوي عشرة, فالقول قول رب الثوب إنه لم يأذن له إلا بخمسة ولا يكون رهنا إلا بما أقر به المعير, والمستعير مدع عليه.

في الرجل يوكل الرجل يبتاع له سلعة بدين له عليه
قلت: أرأيت لو كان لي على رجل ألف درهم فقلت له: اشتر لي بها سلعة من السلع جارية أو دابة أو أمرته أن يشتري لي بها سلعة بعينها؟ قال: قال مالك: إذا كان الآمر صاحب الدين حاضرا حيث يشتريها له المأمور الذي عليه الدين لم أر بذلك بأسا, قال مالك: وأرى إن كان الآمر ليس بحاضر لم يعجبني ذلك, قال: وذلك أن مالكا قال لنا: لو أن رجلا قدم من بلد من البلدان بمتاع فباع من أهل الأسواق فصارت ذهبه عند أهل الأسواق فقال لهم بعد ذلك: إني مشغول ولا أبصر سلعة كذا وكذا فاشتروها لي بمالي عندكم من تلك الذهب وهو حاضر, قال مالك: لا بأس بذلك.
قال: فقلت لمالك فلو أن رجلا كان له على رجل دين وهو غائب عنه فكتب إليه أن يشتري له بذلك الدين سلعة من السلع؟ قال: لا يعجبني ذلك إلا أن يكون كتب في ذلك إلى رجل وكله بقبض ذلك الدين منه فلا بأس به ولم يره مثله إذا لم يوكل؟ قال: وقال لي مالك: لو أن رجلا كتب إلى رجل أن يشتري له حاجة في بلد غير بلده من كسوة يحتاج إليها أو غير ذلك ففعل فبعث بها إليه ثم كتب بذلك إليه وأمره أن يبتاع له بتلك الذهب التي اشترى له بها شيئا مما يحتاج إليه في بلده. قال مالك: لا بأس بذلك وهذا من المعروف الذي ينبغي للناس أن يفعلوه فيما بينهم ففرق لي مالك بين هذه الوجوه الثلاثة على ما فسرت لك. قال ابن القاسم: وهي في القياس واحد
تم كتاب الوكالات من المدونة الكبرى ويليه كتاب العرايا.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العرايا

ما جاء في العرايا
قلت لابن القاسم: صف لي العرايا ما هي, وفي أي الثمار هي, ولمن يجوز له بيعها إذا أعريها؟ قال مالك: العرايا في النخل وفي جميع الثمار كلها مما ييبس ويدخر مثل العنب والتين والجوز واللوز وما أشبهه مما ييبس ويدخر يهب ثمرتها صاحبها للرجل ثم يبدو لصاحبها الذي أعراها أن يبتاعها من الذي أعريها والثمر في رءوس النخل بعدما طابت أنها تحل لصاحبها الذي أعراها أن يشتريها بالدنانير والدراهم وإن كانت أكثر من خمسة أوسق ويشتريها بالطعام الذي هو من غير صنفها إذا جدها مكانه أو بالعروض نقدا أو إلى أجل ويبتاعها بخرصها بصنفها إلى جدادها إذا كانت خمسة أوسق فأدنى وإن كانت أكثر من خمسة أوسق لم يصلح بيعها بتمر إلى الجداد ولا يصلح بتمر نقدا ولا ينبغي له أن يبتاعها بشيء من الطعام مخالفا لها إلى أجل ولا بأس أن يبتاعها في قول مالك بطعام مخالف لها إذا جد الثمر مكانه صاحبها الذي يبتاعها ويدفع إليه الطعام المخالف للثمرة مكانه قبل أن يفترقا وإن تفرقا قبل أن يجدها وإن دفع إليه الطعام فلا خير فيه, فهذا الذي سمعت من قول مالك في العرايا ابن وهب.
قال مالك: وإنما بيع العرية بخرصها من التمر إن ذلك يتحرى ويخرص في رءوس النخل وليست له مكيلة وإنما ذلك بمنزلة التولية والشركة والإقالة ولو كان ذلك بمنزلة غيره من البيوع ما أشرك الرجل أحدا في طعام اشتراه حتى يستوفيه ولا أقال منه حتى يقبضه ولا ولاه, قال: وبيع العرايا إلى الجداد إنما ذلك مرفق من صاحب الحائط على صاحب العرية يكفيه عريته ويضمن له خرصها حتى يعطيها إياه تمرا ولولا ذلك ضاعت عريته أو يستأجر عليها فتذهب الإجارة ببعضها.

قال مالك: وإنما فرق بين العرايا بالتمر وبين المزابنة لأن المزابنة بيع على وجه المكايسة وأن بيع العرايا بالتمر على وجه المعروف لا زيادة فيه ولا مكايسة ومثل ذلك: الرجل يبدل للرجل الدراهم بأوزن من دراهمه فإذا كان ذلك على وجه المعروف جاز ذلك وإن كان على وجه البيع لم يجز وإنما وضع ذلك على وجه المرفق لصاحب التمر الذي ابتاعه وفيه العرية العذق والعذقان والثلاثة فينزله الرجل بأهله فيشق عليه أن يطأه رب العرية كلما أقبل وأدبر ويريد رب الثمر الذي ابتاعه أن يسد بابه ولا يدخله أحد فيأتي رب العرية فيدخل فلا ينبغي أن يحال بينه وبين ما جعل له من عريته فيرخص لرب الثمر أن يبتاع من رب العرية عريته بخرصها يضمنها له حتى يوفيه إياها تمرا لموضع مرفق ذلك له وأنه ليس على وجه المكايسة والتجارة وأن ذلك معروف منه كله ولا أحب أن يجاوز خمسة أوسق ويدلك على ذلك أن عبد الله بن وهب ذكر أن عمر بن محمد وعبد الله بن عمر ومالك بن أنس حدثوه عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها1 تمرا. وذكر مالك عن داود بن الحصين أن أبا سفيان مولى ابن أبي أحمد أخبره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها ما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق2 شك داود لا يدري قال: خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق سحنون ويدل على أنها معروف وأنها لا تنزل على وجه البيع والمكايسة وأنها رخصة لما فيه من المرفق لمن أريد إرفاقه وطرح المضرة عمن أرفق لما يدخل عليه من واطئة الرجل والأذى لحائطه ما ذكر ابن لهيعة وإن كان مالك يأخذ ببعضه. ولكن يزعم من أنكر ذلك ابن وهب, وذكر عن ابن لهيعة, عن يزيد بن أبي حبيب أنه سئل عن العرايا فقال: كان الرجل يطعم أخاه النخلة والنخلتين أو الثلاث نخلات فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص للذي أطعمهن أن يبيعهن قبل أن يبدو صلاحهن فقد جوز في هذا الحديث بيعها قبل أن يبدو صلاحها لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتمام المعروف وطرح المضرة والضيق.
ابن وهب, عن عمرو بن الحارث, عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال: العرية الرجل يعري الرجل النخلة, أو الرجل يستثني من ماله النخلة أو الاثنين يأكلها فيبيعها بتمر.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث14. البخاري في كتاب البيوع باب82. مسلم في كتاب البيوع حديث60.
2 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث14. البخاري في كتاب البيوع باب83. مسلم في كتاب البيوع حديث710

في عرية النخل وليس فيها ثمر
قلت: فهل يجوز أن يعري الرجل الرجل النخل أو الشجر قبل أن يكون فيها الثمرة وقبل أن يطلع في الشجر شيء؟ قال: لا بأس به عند مالك, قال مالك: ولا بأس أن

يعري الرجل الرجل النخلتين أو الثلاث يأكل ثمرتها السنتين والثلاث.
قال ابن وهب, وقال مالك: أو ما عاش المعرى, قال مالك: وهذه العرايا لا يشتريها حتى تطيب ثمرتها بحال ما وصفت لك لا يشتريها بعد ما تطلع حتى تزهى ويحل بيعها.

بيع العرية من غير الذي أعراها
قال: وقال لي مالك: لا أرى بأسا لصاحب العرية أن يبيعها ممن له ثمرة الحائط وإن كان غير الذي أعراه بخرصه. قال لي مالك: إنه يجوز أن يأخذ ذلك بخرصها ممن اشترى ثمرة الحائط أو اشترى أصل النخلة بثمرة لأن الثمرة إذا طابت زايلت النخل قال: وفيها قال لي مالك: لو أن رجلا باع حائطا وترك الثمرة لنفسه أو باع حائط من رجل والثمرة من رجل آخر وفيه نخل قد أعراه جاز لمن كانت له الثمرة إذا كان صاحبها أبقاها لنفسه أو باعها من غيره أن يأخذ تلك العرية بما وصفت لك.

في العرية يبيعها صاحبها ثم يشتريها الذي أعراها
قلت: أرأيت لو أن الرجل الذي أعرى هذه النخل باعها من غيره بعد ما أزهت وحل البيع ثم أراد صاحب النخل الذي له الثمرة أن يأخذ بخرصها من الذي اشتراها من الذي أعراها أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: قول مالك: أنه جائز ; لأنه لو أن رجلا أسكن رجلا منزلا في دار له حياته ثم وهب ذلك السكنى لرجل غيره حياته لجاز لصاحب الدار أن يبتاع من الموهوب له ذلك السكنى كما كان يجوز له أن يشتري من الموهوبة له نفسه ذلك المسكن والذي أسكن حياته لا يبيع سكناه حياته ويجوز له أن يهبه, فهبة السكنى بمنزلة بيع الثمرة وهبتها لمن أراد أن يشتريها منه.
قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يكون له الحائط ولرجل فيه نخلة فيريد بعد أن تطيب النخلة ويحل بيع الثمار أن يبتاعها منه بخرصها إلى الجداد فقال: قال لي مالك: إن كان على وجه ما يكره من دخوله وخروجه فلا يعجبني ذلك وأراه من بيع التمر بالرطب لأن هذا له الأصل ولم يعر وإن كان على وجه الكفاية له والمؤنة لم أر بأسا إذا كان على وجه المعروف. فالعرايا قد تجوز على الوجهين جميعا على وجه الكفاية وكراهية الدخول والخروج وقد يشتريها منه على وجه الكفاية فلا يكون بذلك بأس فلا تبالي إذا خرجت من يد الذي أعريها إلى غيره بهبة أو بثمن أن يشتريها الذي له الثمرة لأن الرخصة فيها إنما هي للذي أعراها على وجه ما يكره من دخوله وخروجه أو على وجه كفاية المؤنة

في العرية تباع بغير صنفها من التمر أو البسر أو الرطب
قلت: أرأيت إن أعراني نخلا له صيحانيا فأراد شراءه بتمر برني إلى الجداد أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز له أن يأخذه إلا بصنفه وإلا دخله بيع الرطب بالتمر إلى أجل ودخلته المزابنة وخرج من حد المعروف الذي سهل بيعه. ألا ترى أن التولية في الطعام إن تأخر أو زاد أو نقص وحال عن موضع رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم صار بيعا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع.
قلت: ولا يجوز أن تشترى العرايا بالرطب ولا بالبسر؟ قال: نعم لا يجوز.

في المعري يشتري بعض عريته
قلت: أرأيت إن اشترى بعض العرية وترك بعضها وهي خمسة أوسق فأكثر أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لا بأس أن يشتري منها خمسة أوسق فأدنى.
قال ابن القاسم: وأنا أرى ذلك حسنا لأن مالكا قال لي: لو أن رجلا أسكن رجلا داره لم يكن بأس أن يشتري ممن أسكن بعض سكناه ويترك بعضه, فهذا عندي مثل العرية ولم أسمع العرية من مالك إلا أني سمعت السكنى من مالك, والعرية على هذا واستحسنه على ما بلغني ابن وهب.
قال مالك: ولا أحب أن يجاوز خمسة أوسق من كل رجل أعرى وإن كان منهم من قد أعراه ما يكون خرص ثمرته أكثر من خمسة أوسق فلا يعطاها كلها فإما أن يكون رجلا قد أعرى ناسا شتى فيأخذ من هذا خرص خمسة أوسق ومن هذا خرص وسقين فيكون

في الرجل يعري أكثر من خمسة أوسق من يريد شراءها
قلت: أرأيت إن أعراه حائطه كله أيجوز له أن يأخذه منه بخرصه بعد ما أزهى وحل بيعه في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك ولم أسمعه منه أنه كان يقول: إذا كان الحائط خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق فأعراه كله جاز شراؤه للذي أعراه بخرصه إلى الجداد بحال ما وصفت لك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق في العرايا أن تباع بخرصها. قال: فإن كان الحائط أكثر من خمسة أوسق لم يجز له أن يشتري منه إلا خمسة أوسق؟ قال: ولقد سألت مالكا عنها فقال: لا بأس به بالدنانير والدراهم وإن كان ذلك الحائط الذي أعراه أكثر من خمسة أوسق.
قال: فقلت لمالك: فإلى الجداد بالتمر فأبى أن يجيبني فيه, وقد بلغني أنه قاله وأجازه وهو عندي سواء, ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا أسكن رجلا دارا له كلها حياته فأراد أن يبتاع منه بعض سكناه بدنانير يدفعها إليه لم يكن بذلك بأس, قال: ولقد سألت مالكا عنه فقال لي: لا بأس بذلك.
قلت: وإن كانت الدار كلها؟ قال: والدار كلها إذا أسكنها ربها رجلا والبيت سواء.
قال ابن القاسم: فإن قال قائل: إن الحائط إذا كانت خمسة أوسق فأدنى لا يدخل على ربه فيه أحد ولا يؤذيه ; لأنه قد أعرى ثمرته كلها فلا يجوز له أن يشتري ذلك وإنما

الرخصة على وجه ما يتأذى به من دخول من أعراه وخروجه فليس هو كما قال, والحجة على من قال: إن الدار إذا أسكنها رجل كلها لم يدخل عليه أحد ولم يخرج منها ولا بأس لصاحب المسكن أن يشتري سكنى المسكن أو بعضه, وأصل هذا إذا كان قد أعرى الحائط وهو خمسة أوسق فأراد شراء ذلك فلا بأس بذلك.

في الرجل يعري من حوائط له ثم يريد شراءها
قلت: أرأيت لو أن رجلا له حوائط كثيرة متباينة في بلد واحد أو في بلدان شتى أعرى من كل واحد منها خمسة أوسق فأدنى أو أكثر أفيجوز له أن يشتري من كل حائط منها خمسة أوسق فأدنى؟ قال: نعم بلغني أن مالكا قال: نعم يجوز له أن يشتري من كل حائط خمسة أوسق فأدنى, قال: وكذلك لو أنه أعرى من حائط واحد ناسا شتى, واحدا أربعة أوسق وآخر ثلاثة أوسق وآخر خمسة أوسق جاز له أن يشتري من كل واحد منهم ما أعرى, وإن كان ذلك إذا جمع يكون أكثر من خمسة أوسق فذلك جائز لا بأس به, وقد بلغني عن غير واحد أن مالكا يقوله.

في الرجال يعرون رجلا واحدا
قلت: ما قول مالك في عشرة رجال اشتركوا في حائط أعروا رجلا خمسين وسقا فأراد كل واحد منهم أن يأخذ خمسة أوسق بما يجوز أن تشتري به العرايا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولم يبلغني عنه وأراه جائزا ; لأن كل واحد منهم إنما أعرى خمسة أوسق فلا بأس به وهو عندي أجوز وأصح من الرجل يعري عشرة أوسق فيشتري خمسة ويترك خمسة, وقد أجازها مالك فهذا أجوز, ومما يبين لك أن لو اشتروها جميعا بخرصها لم يكن بذلك بأس وكذلك وإن تفرقوا إنما اشترى كل واحد منهم ما أعرى.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعرى عشرة رجال حائطا له فأراد أن يأخذ من كل واحد منهم خمسة أوسق بخرصها أو مما ذكرت مما يجوز بيعه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا بأس به.

في عارية الفاكهة الرطبة والبقول
قلت: هل تكون العارية في الفاكهة الخضراء التفاح أو الرمان أو الخوخ أو ما أشبه هذا أو البطيخ والموز والقصب الحلو وما أشبه هذا من الأشياء من الفاكهة والبقول؟ قال: لم أسمع في هذا شيئا ولا أرى العرايا في هذا جائزة أن تشترى بخرصها ; لأنها تقطع خضراء فكيف يبيع ما يقطع مكانه ولا يؤخر لييبس ويدخر قال: ولا بأس إن أعراه هذه

في منحة الإبل والبقر والغنم
قلت: ما قول مالك في الإبل والبقر والغنم يمنحها صاحبها رجلا يحتلبها عاما أو عامين أو أعواما هل يجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا بأس أن يمنح الرجل لبن إبله وبقره وغنمه العام والعامين وأعواما.
قلت: فهل له إذا أعرى أو منح أن يرجع في ذلك بعدما أعرى أو منح في قول مالك؟ قال: ليس له أن يرجع في ذلك, قال: والسكنى عند مالك بهذه المنزلة والخدمة.
قلت: أرأيت الذي يمنح الرجل اللبن العام أو الأعوام إن أراد شراء ذلك أيجوز في قول مالك ويرتجع غنمه ولبنها؟ قال: له أن يشتري منحته لأن مالكا قال: لو أن رجلا أخدم رجلا عبدا له حياته أو أسكن رجلا دارا له حياته جاز له أن يشتري خدمة الغلام وسكنى الدار وذلك يجوز فلما أجاز ذلك للذي أخدم أو أسكن جاز للذي منح أن يشتري منحته أيضا.
قلت: بم يجوز لي أن أشتري منحتي في قول مالك؟ قال: بالدنانير والدراهم والعروض كلها والطعام نقدا أو إلى أجل ; لأن مالكا قال: لا بأس بأن يشتري شاة لبونا بطعام إلى أجل.

قلت: فبم يجوز لي أن أشتري سكناي وخدمة عبدي الذي أخدمته؟ قال: بما شئت من الدراهم والدنانير والعروض والطعام وجميع الأشياء.
قلت: فهل يجوز له أن يشتري سكناه الذي أسكنه بسكنى دار له أخرى أو خدمته بخدمة عبد له آخر أيجوز أم لا؟ قال: لا أرى به بأسا سحنون, وإنما معناه إنما يجوز بخدمة عبد له آخر وسكنى دار له أخرى يعطيه الدار بأصلها أو سكناها عشر سنين أو أقل من ذلك إذا كان أمرا معروفا والعبد مثل الدار.

في المعري يموت ولم يقبض المعرى عريته
قلت: أرأيت إن أعراني نخلا له فمات ربها قبل أن يطلع في النخل شيء وقبل أن يحوز المعرى النخل ألورثته أن يبطلوا ذلك؟ قال: نعم ذلك للورثة والعرية غير جائزة للذي أعريها إن مات ربها قبل أن يطلع في النخل شيء وقبل أن يحوز النخل.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فلو مات صاحب العرية الذي أعراها قبل أن يطيب النخل وقبل أن يقبض صاحب المنحة الذي منح اللبن قبل أن يكون اللبن أو قبل أن يقبض اللبن والسكنى والخدمة مات ربها قبل أن يقبض ذلك المسكن أو المخدم وقبل أن يأتي إبان ذلك إن كان ضرب لذلك أجلا أو قال: إذا خرجت الثمار أو جاء اللبن فاقبض ذلك وأشهد له فمات رب هذه الأشياء قبل أن يقبض الغنم أو النخل أو العبد أو الدار؟ قال: قال مالك: في هذا: لا خير فيه لمن أعرى, ولا منح ولا أسكن ولا أخدم في شيء من ذلك إذا مات ربها الذي منحه, قال: ولا منحة للذي يمنح لأنه لم يقبض منحته حتى مات الذي منحها.
قال: وقال لي مالك: لو أن رجلا قال: فرسي هذه بعد سنة في سبيل الله وأشهد على ذلك وبتله ثم مات صاحبها قبل السنة وقبل أن ينفذه فلا حق لأهل سبيل الله وهو موروث على فرائض الله بين من ورثه.
قال مالك: ولو أن رجلا تصدق على ابن له كبير وهو غائب أو رجل غائب بدار حاضرة فلم يقدم ابنه ولا الرجل حتى مات ربها فلا شيء للمتصدق عليه, قال: وقد علم أن الذي منعه من قبض صدقته غيبة المتصدق عليه وإن مات ربها قبل أن يقبض فكل شيء ذكرت لك من هذه الأشياء مثل هذا فهو واحد ولقد قال مالك: لو أن رجلا منح رجلا بعيرا إلى الزراع فمات صاحبه قبل أن يأتي الزراع وهو في يد صاحبه لم يقبضه لم يكن له شيء فهذا مثل الذي سألت عنه.

في زكاة العرايا وسقيها
قلت: زكاة العرايا على من هي؟ قال: قال لي مالك: على الذي أعراها وهو رب الحائط وليس على الذي أعريها شيء.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعرى حائطا له ولا ثمرة فيه على من علاج الحائط في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: السقي والزكاة على رب المال. قال: وكذلك لو قسمه بين المساكين فأنت تعلم أنه لو تصدق بثمرة حائطه على المساكين لكان سقيها على صاحبها ولم يؤخذ من المساكين يستأجر عليهم فيها منها وهو الذي سمعت ممن أثق به قديما ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا وهب ثمرة حائطه أو نخلات قبل أن تطيب لكان سقيها وزكاتها على الذي وهبت له إن كانت تبلغ الزكاة وإن لم تكن تبلغ الزكاة لم يكن على واحد منهما زكاة, والعرايا ليست كذلك سقيها وزكاتها على الذي أعراها وليس على المعري قليل ولا كثير وإن لم تبلغ الزكاة, ولو أن رجلا وهب ثمرة حائطه أو ثمرة نخلات من حائطه سنين لم يجز لرب الحائط أن يشتري من الموهوب له قليلا ولا كثيرا بشيء من الخرص إلى الجداد. ولا يجوز له أن يشتري إلا بالدراهم والدنانير كما يجوز لغيره أن يشتريها أو يشتري صدقته كلها.
قلت: فإن أعراه جزءا نصفا أو ثلثا؟ قال: الذي سمعت من مالك وبلغني عنه أنه قال: السقي على من أعراه ولو كان يكون على الذي أعرى إذا أعراه نصفا أو ثلثا لكان إذا أعراه نخلات بأعيانها أن يكون على الذي أعريها سقيها ولكان عليه زكاتها, فالعرايا والهبة تختلف, فإذا كان أصل ما أعطاه على العرايا فعلى صاحبها الذي أعراها أن يسقيها وعليه زكاتها وليس على الذي أعري شيء وإن كانت هبة أو تعمير سنين من نخلات بأعيانهن وجزأ فعلى الذي أعمرها أو وهبت له سقيها. قال ابن القاسم: وهذا وجه حسن وقد كان كبار من أدركت من أصحابنا يحملون ذلك ويرون أن العرايا مثل الهبة وأبى ذلك مالك وفرق بينهما في الزكاة والسقي.

في اشتراء العرايا بخرصها قبل أن يحل بيعها
قلت: أرأيت العرايا قبل أن يحل بيعها أيجوز له أن يشتريها بخرصها؟ قال: لا يجوز حتى يبيعها.
قلت: فإذا حل بيعها أيجوز أن يأخذها بخرصها من التمر نقدا أو بشيء من الطعام؟ قال: فأما التمر فلا يجوز له إلا أن يشتريها بخرصها تمرا إلى الجداد وأما أن

يعجله فلا وأما بالطعام فلا يصلح أيضا إلا أن يجد ما في رءوسها مكانه, ولا يجوز أن يشتريها بطعام إلى أجل ولا بثمر نقدا وإن جدها.
قلت: فالدنانير والدراهم؟ قال: لا بأس أن يشتريها من الذي أعريها بالدنانير والدراهم إذا حل بيعها نقدا أو إلى أجل وكذلك بالعروض.
قلت: فإن اشتراها منه قبل أن يحل بيعها بالدنانير أو بالدراهم أو بشيء من العروض أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك إلا أن يشتريه ليقطعه مكانه فأما أن يشتريه على أن يتركه فلا يجوز له ذلك.
قلت: وإنما وسع له في أن يأخذها بخرصها تمرا إنما ذلك إذا لم يعجله وكان إنما يعطيه التمر من صنفها إلى الجداد؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في اشتراء العرية بخرصها ببرني أو بتمر من حائط آخر
قلت: أرأيت الرجل إن أعرى نخلا وهي عجوة أيجوز له أن يشتريها بخرصها إلى الجداد ببرني في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك في رأيي.
قلت: أرأيت إن اشترى عريته بخرصها تمرا من حائط له آخر؟ قال: لا أحب هذا الشرط, ولكن يأخذها بخرصها مضمونا عليه ولا يسمي ذلك في حائط بعينه لأنه إذا أخذ العرية بخرصها كان له أن يبيع الحائط كله رطبا ويكون عليه ما كان ضمن للمعرى تمرا إذا جاء الجداد ويعطيه من حيث شاء.
قلت: تحفظه عن مالك أنه إذا باع حائطه رطبا أن المعرى لا يكون له أن يأخذ ما ضمن له رب الحائط من خرص العرية إلا إلى الجداد؟ قال: نعم. قال: وقال لنا مالك: لا ينبغي لرب الحائط أن يشتريها إلا بخرصها إلى الجداد فلا أرى إذا باع حائطه رطبا أن يكون للمعرى أن يلزم رب الحائط شيئا مما ضمن له إلا إلى الجداد ولا أمنعه من بيع حائطه إن أراد ذلك والله أعلم
قد تم كتاب العرايا من المدونة الكبرى ويليه كتاب التجارة بأرض العدو.

كتاب التجارة إلى أرض العدو
ماجاء في التجارة إلى أرض العدوبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتاب التجارة إلى أرض العدوما جاء في التجارة إلى أرض العدو
أخبرنا سحنون بن سعيد قال: قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره أن يتجر الرجل إلى أرض الحرب؟ قال: نعم, كان يكرهه مالك كراهية شديدة, ويقول: لا يخرج إلى بلادهم حيث تجري أحكام الشرك عليه
قلت لابن القاسم: أرأيت أهل الحرب هل يباعون شيئا من الأشياء كلها, كراعا أو عروضا أو سلاحا أو سروجا أو نحاسا أو غير ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: أما كل ما هو قوة على أهل الإسلام مما يتقوون به في حروبهم من كراع أو سلاح أو خرثي أو شيئا مما يعلم أنه قوة في الحرب من نحاس أو غيره فإنهم لا يباعون ذلك

في الاشتراء من أهل الحرب والذمة بالدنانير والدراهم المنقوشة
قال: وسئل مالك عن قوم يغزون فينزلون قبرس فيشترون من أغنامهم وعسلهم وسمنهم بالدنانير والدراهم فكره ذلك مالك وقال لنا ابتداء من عنده: إني لأعظم أن يعمد إلى دراهم فيها ذكر الله وكتابه ويعطاها نجس, وأعظم ذلك إعظاما شديدا وكرهه.
قلت: هؤلاء الذين ينزلون بساحلنا منهم وأهل ذمتنا أيصلح لنا أن نشتري منهم بالدنانير والدراهم؟ قال مالك: أكره ذلك.
قال فقيل له: إن في أسواقنا صيارفة منهم أفنصرف منهم؟ قال: قال: أكره ذلك.

في الربا بين المسلم والحربي وبيع المجوسي من النصراني
قلت هل سمعت مالكا يقول: بين المسلم إذا دخل بلاد الحرب وبين الحربي

اشتراء المسلم الخمر
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن مسلما دفع إلى نصراني دراهم يشتري له بها خمرا ففعل النصراني فاشترى الخمر من نصراني؟ قال: قال مالك: لو أن رجلا مسلما اشترى من نصراني خمرا كسرتها على المسلم ولم أدعه يردها ولم أعط النصراني ثمنها إن كان لم يقبض الثمن وتصدقت بثمنها حتى لا يعود هذا النصراني أن يبيع من المسلمين خمرا, والذي سألت عنه إنما هو نصراني باع من نصراني فأرى الثمن للنصراني البائع إن كان لم يعلم أنه إنما اشتراها النصراني منه للمسلم, فإن كان علم تصدق بالثمن إذا كان لم يقبضه وإن كان قبضه لم أنتزعه منه وكسرت تلك الخمر التي اشتراها النصراني لهذا المسلم على كل حال ولا تترك في يد هذا النصراني ; لأنه إنما اشتراها لمسلم

في بيع الذمي أرض الصلح
قلت: أرأيت الذمي تكون له الأرض والدور وهي من أرض الصلح قد صولحوا عليها أله أن يبيعها؟ قال: نعم.

في بيع الذمي أرض العنوة
قلت: أرأيت ما افتتح من البلاد عنوة؟ قال: ليس له أن يبيع من أرضه شيئا.
قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: نعم.
قال ابن القاسم: فقيل لمالك فداره في هذه الأرض التي افتتحت عنوة أيبيعها؟ فقال: داره عندي بمنزلة أرضه ليس له أن يبيعها وليس لأحد أن يشتريها.
قلت: فأرض مصر؟ قال: سمعت مالكا يقول: لا يجوز شراؤها ولا يجوز أن تقطع لأحد.
ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمر بن عبيد الله مولى عفرة أن الأشعث بن قيس اشترى من أهل سواد الكوفة أرضا لهم واشترطوا عليه إن رضي عمر بن الخطاب فجاءه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين إني اشتريت أرضا من أهل سواد الكوفة واشترطوا علي إن أنت رضيت, فقال عمر: ممن اشتريتها؟ فقال: من أهل الأرض فقال عمر: كذبت وكذبوا ليست لك ولا لهم

في اشتراء أولاد أهل الصلح
قلت: أرأيت لو أن قوما من أهل الحرب كانت بيننا وبينهم هدنة, فأغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم فباعوهم من المسلمين أيجوز للمسلمين أن يشتروهم؟ قال: قال مالك: لا يشتروهم ; وذلك أنا سألنا مالكا عن النوبة يغير عليهم غيرهم فيسبونهم ويبيعونهم من المسلمين قال مالك: لا أرى أن يشتروهم

الاشتراء من أهل الحرب أولادهم إذا نزلوا بأمان
قلت: أرأيت القوم من أهل الحرب تجارا يدخلون بلادنا بأمان فيبيعوننا أولادهم ونساءهم وأمهات أولادهم أنشتريهم منهم أم لا؟ قال: سئل مالك عن القوم من أهل الحرب يقدمون بأبنائهم أفنبتاعهم منهم؟ فقال مالك: أبينكم وبينهم هدنة قالوا: لا, قال: فلا بأس بذلك.
قلت: فما معنى قول مالك إن الهدنة إذا كانت بيننا وبينهم في بلادهم, ثم قدم علينا بعضهم فأرادوا أن يبيعونا أولادهم فهؤلاء الذين لا يجوز لنا أن نشتريهم منهم قال: نعم.
قلت: وأما من لا هدنة بيننا وبينهم في الأصل إذا قدم علينا تاجر فنزل بأمان أعطيناه أنه لا بأس أن نشتري منه أولاده إذا كانوا صغارا معه وأمهات أولاده؟ قال: نعم, وهذا قول مالك الذي أخبرتك. قال: وسمعنا مالكا يقول لصغارهم من العهد مثل ما لكبارهم.
قلت: أرأيت الحربي يقدم بأم ولده أو بابنه أو بابنته فيبيعهم أيصلح لنا أن نشتريهم منهم؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن أهل الحرب هل نشتري منهم أبناءهم؟ فقال مالك: ألهم عهدا وذمة قالوا: لا, قال مالك: فلا بأس باشتراء ذلك منهم.
قلت: إنما سألتك عنهم إذا نزلوا بلادنا فأعطيناهم العهد على أن يبيعوا تجارتهم وينصرفوا, أيكون هذا عهدا يمنعنا من شراء أولادهم وأمهات أولادهم منهم في قول مالك أم لا؟ قال: لم يكن محمل قول مالك عندي حين قال: أبينكم وبينهم عهد إلا أنهم قدموا علينا تجارا وليس يلتقي أهل الإسلام وأهل الحرب إلا بعهد, ألا ترى أن الداخل عليهم أيضا إن كان هذا المسلم هو الداخل عليهم بلادهم فإنه لا يدخل عليهم إلا بعهد, فقد جاز لهذا أن يشتري منهم ممن ذكرنا عن مالك فقد دخل عليهم بعهد فكذلك هم إذا خرجوا, فكان لهم العهد فلا بأس أن يشتري منهم من ذكرت من الأبناء والآباء وغيرهم.

قلت: فالعهد الذي ذكره مالك وقال: اللهم عهدا قالوا: لا ما هذا العهد؟ قال: إذا كان العهد بيننا وبينهم وهم في بلادهم على أن لا نقاتلهم ولا نسبيهم أعطونا على ذلك شيئا أو لم يعطونا, فهذا العهد الذي ذكره مالك وليس العهد الذي ينزلون به ليبيعوا تجارتهم يشبه هذا.

في اشتراء النصراني المسلم
قلت: أرأيت لو أن حربيا دخل بلادنا بأمان فاشترى مسلما أينقض شراؤه أم يجبر على بيعه؟ قال: أجبره على بيعه ولا أنقض شراءه مثل قول مالك في الذمي.
قلت: أرأيت النصراني يشتري الأمة المسلمة أو العبد المسلم أيجبره السلطان على البيع أم يفسخ البيع بينهما؟ قال: قال مالك: البيع بينهما جائز ويجبر السلطان النصراني على بيع الأمة أو العبد.
قلت: أرأيت نصرانيا اشترى عبدا مسلما أينقض البيع أم يكون البيع جائزا ويجبر السلطان النصراني على البيع؟ قال: سألنا مالكا عن ذلك فقال: البيع جائز ويجبر النصراني على بيع العبد.
قلت: وكذلك لو اشترى النصراني مصحفا؟ قال: لم أسمعه من مالك وأرى أن يجبر النصراني على بيع المصحف ولا يرد شراؤه على قول مالك في العبد المسلم

في اشتراء أولاد أهل الصلح وأخذهم منهم في صلحهم
قلت: أرأيت إن صالحنا قوما من أهل الحرب على مائة رأس كل عام فأعطونا أولادهم لا يجوز لنا أن نأخذهم أو نرى أولادهم في الصلاح معهم؟ قال: هؤلاء إنما صالحوا صلحا ثانيا لهم ولأبنائهم فلا يجوز ذلك, وهم مثلهم فإن كانوا إنما صالحوا السنة والسنين ونحو ذلك فلا بأس أن يؤخذ منهم أولادهم ونساؤهم, وسألنا مالكا عن النوبة أيشترون إن سباهم قوم؟ قال مالك: ما يعجبني ذلك ; لأنهم قد عوهدوا قال: فأرى لأبنائهم من العهد ما كان لآبائهم.
قلت: فمن عاهدهم, ولقد سألنا مالكا عن القوم من العدو كانوا يأتون بأبنائهم أنشتريهم منهم؟ قال: أبينكم وبينهم هدنة أو قال عهد؟ قالوا: لا, قال: لا بأس به

في النصراني يبيع العبد على أنه بالخيار ثلاثا فأسلم العبد في أيام الخيار
قلت: أرأيت لو أن كافرا باع عبدا كافرا من كافر على أن أحدهما بالخيار ثلاثا

ما جاء في عبد النصراني يسلم
قلت: أرأيت عبد النصراني أو أمته إذا أسلما أيباعان عليه في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا له عبد صغير نصراني فأسلم هذا العبد النصراني الصغير أيجبر هذا النصراني على بيعه في قول مالك؟ قال: أرى أنه يجبر على بيعه إذا كان الغلام قد عقل الإسلام ; لأن مالكا قال: في الحر إذا عقل الإسلام فأسلم ثم بلغ فرجع عن الإسلام: إنه يجبر على الإسلام, كما جعل مالك إسلامه وهو صغير إذا كان يعقل الإسلام إسلاما يجبر على بيعه.
قلت: أرأيت لو أن عبدا نصرانيا لرجل من المسلمين اشترى عبدا مسلما أيجبر على بيعه أم لا؟ قال: أرى أن يجبر على بيعه ; لأن هذا العبد النصراني ماله له حتى ينزعه منه سيده ويلحقه فيه الدين فأرى أن يباع عليه.
قلت: أرأيت المرأة النصرانية تكون تحت الرجل المسلم ولها رقيق فأسلموا ولها أولاد صغار من زوجها هذا المسلم فتصدقت برقيقها على ولدها هؤلاء الصغار أو باعتهم من زوجها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه جائزا ; لأنه إنما يحتاج في هذا إلى أن يزول ملكها عمن أسلم من العبيد.
قلت: أرأيت إن أسلم عبد النصراني ومولاه غائب أيباع أم ينتظر النصراني حتى يقدم؟ قال: إن كان قريبا نظر السلطان في ذلك وكتب فيه وإن كان بعيدا بيع عليه ولم ينتظر ; لأن مالكا قال: في امرأة النصراني تسلم وزوجها غائب قال: إن كان الزوج قريبا نظر السلطان في ذلك خوفا أن يكون قد أسلم قبلها, قال مالك: فإن كان بعيدا فكانت

ممن لم يدخل بها فسخ السلطان نكاحه بغير طلاق وتزوجت ولم تنتظر قدومه ولا عدة عليها, وإن كان قد دخل بها قال لها السلطان: اذهبي فاعتدي, فإذا اعتدت, ثم قدم زوجها وقد انقضت عدتها ولم تتزوج وقد كان أسلم قبل إسلامها أو في عدتها كان أحق بها, فإن تزوجت ودخل بها زوجها فلا سبيل له إليها إلا أن يدركها قبل أن يدخل بها فيكون أحق بها إن كان قد أسلم قبل انقضاء عدتها.
قلت: فإن أسلم بعد انقضاء عدتها فلا سبيل له إليها في قول مالك؟ قال: نعم.

في عبد النصراني يسلم فيرهنه سيده أو يهبه
قلت: أرأيت إن أسلم عبد النصراني فأخذه فرهنه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أبيعه وأقضي الغريم دينه إلا أن يأتي برهن ثقة مكان العبد فأدفع الثمن إلى النصراني إذا أتى برهن ثقة.
قلت: أرأيت إن أسلم عبد النصراني فوهبه لمسلم للثواب فلم يثبه المسلم أله أن يرجع في هبته؟ قال: نعم, ثم يباع العبد عليه

في هبة العبد المسلم للنصراني
قلت: أرأيت لو أني وهبت عبدا لي مسلما لنصراني أو تصدقت به عليه أتجوز الصدقة والهبة أم لا؟ قال: أرى أن الهبة والصدقة جائزة في هذا العبد لهذا النصراني ويباع العبد على النصراني ويدفع إليه ثمنه ; لأن مالكا أجازه في البيع فهو في الهبة والصدقة مثل البيع إنه جائز

في التفرقة بين الأم وولدها في البيع
قلت: ما حد ما يفرق بين الصبيان العبيد وأمهاتهم في البيع في الجواري والغلمان؟ قال: قال لي مالك: الإثغار إذا لم يعجل وضرب مالك لذلك حججا فقال: الحقاق ليست سواء, وبنات اللبون ليست سواء في القدر فإذا كان الإثغار الذي لم يعجل فهو عندي الاستغناء عن الأمهات ; لأنه قد عرف ما يؤمر به وما ينهى عنه فلا بأس أن يفرق بينهم جواري كن أو غلمانا.
قلت: فكل ذي رحم محرم من أخوات أو ولد ولد أو جدات أو عمات أو خالات أو غير ذلك من القرابات أيفرق بينهم في قول مالك؟ قال: نعم متى ما شاء سيدهم صغارا كانوا أو كبارا, قال: وإنما منع من التفرقة بينهم في الأم والولد خاصة في قول

الجمع بين الأم وولدها في البيع
لو أن أمة لرجل أجنبي من الناس, وابن لها صغير لرجل أجنبي من الناس أيضا أيجبران جميعا على أن يجمعا بينهما في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم يجبران جميعا على أن يجمعا بينهما أو يبيعانهما جميعا ولا يفرق بينهما.
قلت: أرأيت إن هلك رجل وترك ابنين وترك أمة وولدها صغارا فأراد الابنان أن

يبيعا الأم وولدها أو يدعا الأم وولدها على حالها بينهما؟ قال: لا بأس بذلك حتى إذا أرادا القسمة أو البيع أجبرا على أن يجمعا بينهما وقد فسرت لك ذلك عن مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلين اشتريا أمة, وولدها صغار صفقة واحدة أكنت تجبرهما على أن يبيعا أو يشتري كل واحد منهما حصة صاحبه؟ قال: لا ولكنهما يقران ولدها بحال ما اشتريا.
قلت: فلو أن رجلا له أمة وولدها صغار فباع الولد السيد أيجوز البيع في قول مالك؟ ويأمرهما بأن يجمعا بين الولد وبين الأم أم ينتقض البيع؟ قال: قال مالك: لا ينبغي له أن يبيع الولد دون الأم.
قلت: فإن فعل؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, وأرى أن يفسخ البيع إلا أن يجمع بينهما في ملك واحد.
قال: وسئل مالك عن أخوين ورثا أمة وولدها صغيرا فأرادا أن يتقاوما الأم وولدها فيأخذ أحدهما الأم والآخر الولد ولا يفرق بين الولد والأم حتى يبلغ الولد ويشترطان ذلك؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك لهما إلا أن تقوم الأم وولدها فيأخذها هذا بولدها أو يأخذها هذا بولدها أو يبيعان جميعا في سوق المسلمين, ولا يجوز أن يتقاوماهما فيأخذ هذا الأم ويأخذ هذا الولد, وإن اشترطا أن لا يفرق بينهما فلا يجوز ذلك ولو كان الأخوان في بيت واحد. ونزلت بالمدينة فسئل مالك عنها فقال فيها مثل الذي أخبرتك.
قلت: والهبة للثواب في هذا تصير مثل البيع سواء؟ قال: نعم.
قال سحنون: وقد حدثني أنس بن عياض الليثي, عن جعفر بن محمد, عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم عليه السبي صفهم فقام ينظر إليهم فإذا رأى امرأة تبكي قال: ما يبكيك؟ فتقول: بيع ابني, بيعت ابنتي فيأمر به فيرد إليها.
وذكر ابن وهب, عن ابن أبي ذئب وأنس بن عياض, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جده أن أبا أسيد الأنصاري قدم بسبي من البحرين فصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام ينظر إليهم, فإذا امرأة تبكي فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟" فقالت: بيع ابني في بني عبس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أسيد: "لتركبن فلتجئني به كما بعته بالثمن" فركب أبو أسيد فجاء به.
ابن لهيعة, عن عبيد الله بن أبي جعفر, عن يونس بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب على سرية فأصابوا سبيا فأصابتهم حاجة ومخمصة

فابتاع أعنزا بوصيفة ولها أم, فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره فقال: "أفرقت بينها وبين أمها يا علي" فاعتذر فلم يزل يردد عليه حتى قال: أنا أرجع فأستردها بماعز وهان قبل أن يمس رأسي الماء.
ابن أبي ذئب, عن حسين بن عبد الله بن ضميرة, عن أبيه, عن جده ضميرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال لها: "ما يبكيك أجائعة أنت أم عارية أنت؟" فقالت: يا رسول الله فرق بيني وبين ابني, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرق بين الوالدة وولدها", ثم أرسل إليه الذي عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر.
قال ابن أبي ذئب: ثم أقرأني كتابا عنده.
ابن وهب, عن ابن أبي ذئب, عمن سمع سالم بن عبد الله يذكر عن أبيه أنه قال: لا يجوز أن يفرق بين الأم وولدها فقال سالم: وإن لم يعتدل القسم؟ قال عبد الله: وإن لم يعتدل القسم.
وأخبرني عن الليث بن سعد قال: أدركت الناس وهم يفرقون بين الأخوين في البيع وبين الوالد وولده ولا يفرقون بين الأم وولدها حتى يبلغ. قال: فقلت له: وما حد ذلك؟ قال: حده أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو نحو ذلك, وسألت مالكا عن الحديث الذي جاء: لا توله والدة على ولدها فقال لي مالك: أما نحن فنقول: لا يفرق بين الوالدة وولدها حتى يبلغ. قال: فقلت لمالك: وما حد ذلك؟ قال: إذا أثغر. فقلت لمالك: أرأيت الوالد وولده قال: ليس من ذلك في شيء

في الرجل يهب ولد أمته لرجل أجنبي
قلت: فلو أن لرجل أمة ولأمته ولد صغير وهب ولدها لرجل أجنبي كيف يقبض هذا الرجل الأجنبي الموهوب له الولد؟ قال: قال مالك: لا يفرق بين الأم وولدها إذا كانوا صغارا فهذا الذي وهب لا يستطيع أن يفرق ولا يستطيع الموهوب له أن يفرق, ولا يجوز له أن يقبض الولد دون الأم, فإن دفع الواهب الأم مع الولد ليجوزها الموهوب له الولد ويجوز قبضه فذلك جائز ويكون قبضه قبضا وحيازة.
قلت: فإن قبض الولد دون الأم أتراه قد أساء ويكون قبضه قبضا إن هلك الواهب؟ قال: نعم إن مات أو أفلس والصبي في يديه.
قلت: فإن قبض الموهوب له الولد أتجبره وسيد الأمة على أن يجمعا بين الأم وولدها في قول مالك؟ قال: نعم.

قلت: وتأمرهما إما أن يرد صاحب الولد الولد إليه الأم وإما أن يضم صاحب الأمة الأمة إلى ولدها وإما أن يبيعاهما جميعا في سوق المسلمين؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم جله قول مالك ومنه رأيي.
قلت: أرأيت إن وهبت ولد أمتي صغيرا لرجل أتجوز الهبة في قول مالك؟ قال: قال مالك: تجوز هبته ولا يفرق بينه وبين أمه ويترك مع أمه, فإن أراد سيد الأمة والذي وهب له الغلام أن يبيع أحدهما بيعا جميعا بحال ما وصفت لك, فإن وهبه لولد له صغير في حجره كان بهذه المنزلة إن أراد أن يبيع أو رهق أحدهما دين يضطر فيه إلى البيع باعا جميعا ولم يفرقا بينهما.

باب في ولد الأمة الصغير يجني جناية
قلت: أرأيت إن كانت عندي أمة وولدها صغير فجنى الولد جناية فأردت أن أدفعه أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: نعم يجوز له إلا أنه في قول مالك يقال للمجني عليه ولسيد الأمة: بيعا الأمة والولد جميعا ولا تفرقا بينهما ويكون للمجني عليه قيمة الولد ولسيد الأمة قيمة الأم ثم يقسم الثمن على قيمتهما.
قلت: أرأيت إن كانت لي جارية وولدها صغير فجنى ولدها جناية أو جنت هي فأردت أن أدفع الذي جنى بجناية؟ قال: ذلك لك, ويجبران على أن يجمعا بينهما كما وصفت لك في البيع يجمع بينهما جميعا ويقسمان الثمن على قدر قيمتهما.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي

في الرجل يبتاع الأمة وولدها فيجد بأحدهما عيبا
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية وولدها صغار فأصبت بالجارية أو بالولد عيبا ألي أن أرد الذي وجدت به العيب منهما, فإن كان الولد دون الأم أو كانت الأم دون الولد؟ قال: أرى أنه ليس لك أن ترد إلا جميعا.
قلت: لم لا يكون لي أن أرد بالعيب إذا كان العيب بالولد أو بالأم ويكون الذي لا عيب به لي؟ قال: لأن مالكا كره أن يباع الولد دون الأم, فإذا وجد العيب ردهما جميعا أو حبسهما جميعا.

في الرجل يبتاع نصف الأمة ونصف ولدها
قلت: فلو أن رجلا أتى إلى رجل فاشترى منه نصف أمة له ونصف ولدها صغيرا في حجرها أيجوز هذا؟ قال: نعم.

باب في الرجل تكون له الأمة وولدها فيعتق أحدهما أو يدبره دون الآخر أو باع أحدهما نصيبه دون الآخر
قلت: أرأيت إن أعتقت ابن أمتي وهو صغير فأردت بيع أمتي أيجوز لي ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: يجوز بيعه ويشترط على المشتري أن لا يفرق بين الولد وبين الأم, وأن تكون مؤنته على المشتري. قال: وكذلك قال لي مالك, ويشترط النفقة عليه.
قلت: أرأيت إن أعتقت الأم أيجوز لي أن أبيع الولد في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم, ويباع الولد ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينه وبين أمه.
قلت: فإن كاتبت الأم أيجوز لي أن أبيع الولد في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولكني أرى أن لا يباع الولد ; لأن المكاتبة تعد في ملكه, ألا ترى أنها إن عجزت رجعت له رقيقا إلا أن يبيع الولد وكتابة الأم من رجل واحد فيجوز ذلك إذا جمع بينهما.
قلت: فإن دبر الأم أيجوز أن يبيع الولد في قول مالك؟ قال: لا يجوز له أن يبيع الولد.
قلت: ولا يستطيع في قول مالك أن يبيع المدبر ولا خدمته؟ قال: نعم لا يجوز.
قلت: وأيهما دبر الولد أو الأم لم يكن له أن يبيع الآخر في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن بعت الأم والولد قسمة للعتق أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم ; لأنه إذا أعتق. فلا تفرقة بينهما

في الرجل يبتاع الأمة ويبتاع عبده الولد
قلت: أرأيت لو أني اشتريت أمة واشترى غلامي المأذون له في التجارة ولدها وهو صغير أترى أن نجمع بينهما؟ قال ابن القاسم: أرى للذي باع الأمة من السيد والولد من العبد أن لا يفعل ; لأن هذا تفرقة ; لأن العبد لو جرح جرحا كان الجرح في ماله وفي رقبته, ولو رهقه دين كان في ماله, فالمال مال العبد حتى يأخذه سيده منه.
قلت: فإن فعل؟ قال: أرى أن يؤمر أن يجمعا بينهما ولا يقران على ذلك حتى يجمعا فيكونان للسيد جميعا أو للعبد جميعا أو يبيعانهما جميعا ممن يجمعهما, فإن لم يجمعهما رد البيع

في الرجل يوصي بأمته لرجل وولدها لآخر
قلت: أرأيت لو أن أمة لي ولها أولاد صغار حضرتني الوفاة فأوصيت بأولادها لرجل وأوصيت بالأمة لرجل؟ قال: الوصية لهما جائزة في قول مالك ويجبر الموصى لهما على أن يجمعا بينهما بين الأم والولد بحال ما وصفت لك في الهبة والصدقة

في الرجل يبتاع الأمة على أنه بالخيار ثلاثا ثم يبتاع ولدها في أيام الخيار
قلت: أرأيت إن بعت جارية لي على أني بالخيار ثلاثة أيام فاشتريت في أيام الخيار ولدها صغيرا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولكني لا أرى أن يمضي البيع ; لأنه إن أمضى البيع كرهت ذلك له كما يكره له أن يبيع الأم دون الولد ; لأن البيع إنما يتم بإمضاء الخيار, فإن فعل وأمضى رددت البيع إذا كان الخيار للبائع إلا أن يجمعا بينهما في ملك واحد, قال: وإن كان الخيار للمبتاع رأيت إن اختار المبتاع الاشتراء أن يجبرا على أن يجمعا بينهما على ما وصفت لك أو يبيعاهما جميعا

في النصراني يسلم وله أولاد صغار
قلت: أرأيت لو أن عبدا لنصراني زوجه أمته فولدت الأمة من زوجها أولادا فأسلم الأب أيكون أولاده مسلمين بإسلام أبيهم وهم صغار؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني سمعت مالكا يقول: يفرق الرجل بين عبده وولده الصغار إذا كانوا مسلمين وأراد أن يبيعهم, ولا يفرق بينهم وبين أمهم. قال مالك: وليس التفرقة إلا من قبل الأم, فهذا فيما قال لي مالك أنهم يقرون مع أمهم وهم على دين أبيهم, ويباعون مع أمهم من

في النصراني يسلم وله أسلاف من ربا
قلت: أرأيت الربا بين أهل الذمة هل يجوز في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يعرض لهم.
قلت: فإن اشترى ذمي من ذمي درهما بدرهمين إلى أجل, ثم أسلما قبل القبض هل يفسخ بيعهما ويترادان؟ قال: قال مالك: إن أسلما جميعا ترادا الربا فيما بينهما, وإن أسلم الذي له الحق رد إليه رأس ماله, وإن أسلم الذي عليه الحق قال: قال مالك: لا أدري ما حقيقته. قال مالك: إن أمرته أن يرد رأس ماله خفت أن أظلم الذمي. قال ابن القاسم: وأنا أرى: أيهما أسلم منهما رد إليه رأس ماله ; لأنه حكم بين مسلم ونصراني فيحكم فيه بحكم الإسلام.
قال: فقلت لمالك: فلو أن نصرانيا أسلف نصرانيا في خمر؟ قال: إن أسلما جميعا نقض الأمر بينهما وإن أسلم الذي عليه الحق رد رأس المال وإن أسلم الذي له الحق فلا أدري ما حقيقته ; لأني إن أمرت النصراني أن يرد رأس المال ظلمته وإن أعطيت الخمر المسلم أعطيته ما لا يحل له وخالف بينه وبين الذي يعطي الدينار بالدينارين.
قال ابن القاسم: وأنا أرى أيضا إذا أسلم الذي له الحق رد إليه الآخر رأس ماله بحال ما وصفت لك من الحكم بين النصراني والمسلم

في بيع الشاة المصراة
قلت: أرأيت إن اشتريت شاة مصراة فحلبتها ثم حبستها حتى حلبتها الثانية ثم جئت لأردها أيكون ذلك لي؟ قال: نعم لك أن تردها وإنما يختبر ذلك الناس بالحلاب الثاني ولا يعرف بالأول.
قلت: فإن حلبتها ثلاث مرات؟ قال: إذا جاء من ذلك ما يعرف أنه قد اختبرها قبل ذلك فما حلب بعد ذلك فهو رضا منه بالشاة ولا يكون له أن يردها, قال: وهو رأيي.
قلت: أرأيت إن اشتريت شاة على أنها تحلب قسطا؟ قال: البيع جائز في رأيي, وتجرب الشاة فإن كانت تحلب قسطا وإلا ردها, قال: وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رد من الغنم ما لم تشترط فيها أنها تحلب كذا وكذا إذا اشتراها وهي مصراة فهذه أحرى أن يردها إذا اشترط ; لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيا أمسكها, وإن ردها رد معها صاعا من تمر.
قلت: أكان مالك يأخذ بهذا الحديث؟ قال ابن القاسم: قلت لمالك: أتأخذ بهذا الحديث؟ قال: نعم. قال مالك: أو لأحد في هذا الحديث رأي؟ ابن القاسم وأنا آخذ به إلا أن مالكا قال لي: وأرى لأهل البلدان إذا نزل بهم هذا أن يعطوا الصاع من عيشهم ومصر الحنطة هي عيشهم.
قلت: أرأيت المصراة ما هي؟ قال: التي يترك اللبن في ضرعها, ثم تباع وقد ردت لحلابها, فلا يحلبوها, فهذه المصراة ; لأنهم تركوها حتى عظم ضرعها وحسن درها فأنفقوها بذلك, فالمشتري إذا حلبها إن رضي حلابها وإلا ردها ورد معها مكان حلابها صاعا, وقد وصفت لك الصاع الذي يرد عند مالك.
قال ابن القاسم: والإبل والبقر بمنزلة الغنم في هذا.
ابن وهب, عن حيوة بن شريح أن زياد بن عبيد الله حدثه: أنه سمع عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: لأن يجمع رجل حطبا مثل هذا الأمرخ يعني جبل الفسطاط, ثم يحرق بالنار حتى إذا أكل بعضه بعضا طرح فيه حتى إذا احترق دق حتى يكون رميما, ثم يذرى في الريح خير له من أن يفعل إحدى ثلاث: يخطب على خطبة أخيه, أو يسوم على سوم أخيه, أو يصر منحة.
قلت: أرأيت إن حلبها فلم يرض حلابها فأراد ردها واللبن قائم لم يأكله ولم يبعه

ولم يشربه فقال: لي خذ شاتك وهذا لبنها الذي حلبت منها أيكون ذلك له أم يرد الصاع معها ويكون له اللبن أو لا يكون له أن يردها ويرد معها اللبن للحديث الذي جاء؟ قال: يكون عليه صاع وليس له أن يرد اللبن, ولو كان له أن يرد اللبن وإنما أريد بالحديث الصاع مكان اللبن إذا فات اللبن لكان عليه أن يرد لبنا مثله في مكيلته ولكنه حكم جاء عن النبي عليه السلام فإذا زايلها اللبن كان المشتري بالخيار إن شاء أن يمسكها أمسكها وإن شاء أن يردها ردها وصاعا معها من تمر وليس له أن يردها بغير صاع وإن كان معها لبن إلا أن يرضى البائع أن يقبلها بغير لبنها.
قلت: فإن قال: البائع أنا أقبلها بهذا اللبن الذي حلبت منها, قال: لا يعجبني ذلك لأني أخاف أن يكون ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفي ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عليه صاعا من تمر إن سخط المشتري الشاة, فصار ثمنا قد وجب للبائع حين سخط المشتري الشاة صاع من تمر عليه يفسخه في صاع من لبن قبل أن يقبض الصاع الذي وجب له فهذا لا يجوز في رأيي. ولم أسمع من مالك فيه شيئا.
قلت: أرأيت إن اشترى شاة للبن ولم يخبره البائع بما تحلب وليست بمصراة في إبان لبنها أيكون للمشتري الخيار إذا حلبها ويكون فيها بمنزلة من اشترى مصراة؟ قال: أما الغنم التي شأنها الحلاب, وإنما تشترى لمكان درها في إبان درها فإني أرى إن لم يبين ما حلابها إذا باعها غير مصراة ولم يذكر حلابها وقد كان حلبها البائع وعرف حلابها رأيت: المشتري بالخيار ذلك ; لأن الغنم التي شأنها اللبن إنما تشترى لألبانها ولا تشترى للحومها ولا لشحومها فإذا عرف البائع حلابها, ثم كتمه كان بمنزلة من باع طعاما جزافا قد عرف كيله وكتمه, فلا يجوز بيعه إلا أن يرضى المشتري أن يحبس الشاة التي يدفع في ثمنها ويرغب فيها لمكان لبنها ولا يبلغ شحمها ولا لحمها ذلك الثمن, وإنما تبلغ ذلك الثمن للبنها, فذلك عندي لموضع لبنها بمنزلة الطعام الذي قد عرف كيله فكتمه فبيع جزافا فإذا باعها صاحبها وهو يعرف حلابها كان قد غره.
قلت: فإن كان لا يعرف حلابها وإنما اشتراها وباعها؟ قال: لا شيء عليه وهو بمنزلة الطعام الذي لا يعرف كيله.
قلت: أرأيت إن اشترى شاة في غير إبان اللبن, ثم جاء في إبان اللبن فحلبها فلم يرض حلابها أيكون له أن يردها؟ قال: لا ; لأن البائع لم يبع على اللبن.
قلت: وإن كانت شاة لبن؟ قال: وإن كانت شاة لبن.

قلت: وإن كان البائع قد عرف حلابها قبل ذلك؟ قال: نعم ; لأنها إذا لم تكن في إبان لبنها اشتريت لغير شيء واحد.
قلت: فالبقر عند مالك بهذه المنزلة التي وصفت لك؟ قال: إن كانت البقر يطلب منها اللبن مثل ما يطلب من الغنم من تنافس الناس في لبنها ورفعهم في أثمانها للبنها فهي بمنزلة ما وصفت لك في الغنم, قال: والإبل أيضا إن كانت مما يطلب منها اللبن, فهي بمنزلة ما وصفت لك من الغنم والبقر.
قلت: وتحفظ هذه الأشياء التي سألتك عنها من أمر الغنم والبقر من مالك؟ قال: ما أحفظ فيها عن مالك فقد أخبرتك وما لم أخبرك به عن مالك فلم أسمعه منه وهو رأيي.
وأخبرني ابن لهيعة أن الأعرج أخبره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم فمن اشتراها بعد ذلك فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر"1.
وأخبرني ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب أنه قال: بلغنا أنه قال: يقضى في الشاة أو اللقحة المصراة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلبها فإن رضي لبنها أخذها وإن سخطها رجعها إلى صاحبها ومدين من قمح أو صاعا من تمر.
يعقوب بن عبد الرحمن الزهري أن سهيل بن أبي صالح أخبره عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع شاة مصراة, فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر"2
يزيد بن عياض, عن عبد الكريم بن أبي المخارق, عن إبراهيم النخعي, عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "96" عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الركبان للبيع, ولا يبع بعضكم على بيع بعض, ولا تناجشوا, ولا يبع حاضر لباد, ولا تصروا الإبل والغنم....الخ" ورواه البخاري في كتاب البيوع باب 64. ومسلم في كتاب البيوع حديبث 11.
2 رواه البخاري في كتاب البيوع باب 71,65,64. ابن ماجه في كتاب التجارات باب42. الدارمي في كتاب البيوع باب19. أحمد في مسنده "1/430" "2/273,242".

باب في بيع ماء الأنهار
قلت: أرأيت لو أن نهرا لي انخرق إلى أرضي فجاء رجل فبنى عليه رحى ماء بغير أمري فأصاب في ذلك مالا؟ قال: أما ما بنى في الأرض فالكراء له لازم فيما بنى, وأما الماء فلا كراء لصاحب الماء على صاحب الرحى ; لأن الماء لا يؤخذ له كراء.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول في البركة تكون للرجل والغدير يكون فيه الحيتان والبحيرات: فيكون في ذلك كله السمك فيريد أهله أن يبيعوه, قال: لا

يعجبني بيعه ولا ينبغي لأهله أن يمنعوا منه أحدا يصيد فيه ولا يمنع من شرب بشفة ولا سقي كبد, وقال مالك: لا يمنع الماء لشفة ولا لسقي كبد إلا ما لا فضل فيه عن صاحبه, فلا أرى لماء النهر كراء للذي قال مالك في هذه الأشياء, ولقد سألت مالكا عن بئر الماشية أيستقي منها الناس لمواشيهم على ما أحب أهلها أو كرهوا, قال: لا إلا عن فضل, ألا ترى أن الحديث إنما هو لا يمنع فضل ماء فهم أحق بمائهم حتى يقع الفضل فإذا كان الفضل فالناس في الفضل سواء

في بيع شرب يوم
قلت: أرأيت إن بعت شرب يوم أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: ذلك جائز.
قلت: فإن بعت حظي بعت أصله من الشرب وإنما لي فيه يوم من اثني عشر يوما أيجوز في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن لم أبع أصله ولكن جعلت أبيع منه السقي إذا جاء يومي بعت ما صار لي من الماء ممن يسقي به أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم.

في بيع ماء مواجل السماء وبئر الزرع وبئر الماشية
قلت: أكان مالك يكره بيع ماء مواجل السماء؟ قال: سألت مالكا عن بيع ماء المواجل التي على طريق أنطابلس فكره ذلك
قلت: فهل كان مالك يكره بيع فضل ماء الزرع من العيون والآبار؟ فقال: لا بأس ببيع ذلك
قلت: فهل كان مالك يكره بيع رقاب آبار ماء الزرع؟ قال: قال مالك: لا بأس ببيع ذلك.
قلت: وكذلك العيون لا بأس ببيع أصلها وبيع مائها ليسقي به الزرع؟ قال: نعم لا بأس بذلك عند مالك
قلت: وإنما كره مالك بيع بئر الماشية أن يباع ماؤها أو يباع أصلها؟ قال: نعم.
قلت: وأهلها أحق بمائها حتى إذا فضل عنهم كان الناس فيه أسوة؟ قال: نعم.
قلت: فكان مالك يكره بيع آبار الشفة؟ قال: قال مالك: إن كانت البئر في داره أو أرضه لم أر بأسا أن يبيعها ويبيع ماءها.

ما جاء في الحكرة
قال: وسمعت مالكا يقول: الحكرة في كل شيء في السوق من الطعام والكتاب والزيت وجميع الأشياء والصوف وكل ما يضر بالسوق, قال: والسمن والعسل والعصفر وكل شيء. قال مالك: يمنع من يحتكره كما يمنع من الحب.

قلت: فإن كان ذلك لا يضر بالسوق؟ قال مالك: فلا بأس بذلك إذا كان لا يضر بالسوق.
قلت: أرأيت إن اشترى رجل في القرى خرج إليها فاشترى فيها ليجلبها إلى السوق وكان ذلك مضرا بالقرى يغلي عليهم أسعارهم؟ قال: سألت مالكا عن أهل الريف إذا احتاجوا إلى ما بالفسطاط من الطعام فيأتون فيشترون من الفسطاط فأراد أهل الفسطاط أن يمنعوهم وقالوا: هذا يغلي علينا ما في سوقنا أترى أن يمنعوا من ذلك؟ قال مالك: لا أرى أن يمنعوا من ذلك إلا أن يكون ذلك مضرا بالفسطاط فإن كان مضرا بهم وعند أهل القرى ما يحملهم منعوا من ذلك وإلا تركوا؟ قال: فأرى القرى التي فيها الأسواق بمنزلة الفسطاط.

البيع بسعر فلان وسعر فلان
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: أشتري منك هذا العسل أو هذا السمن بمثل ما أخذ منك فلان منه بذلك السعر؟ قال: قال مالك: لا خير في ذلك.
قلت: وكذلك هذا في الخياطة إذا قال: أخيط لك هذا الثوب بمثل ما خطت به لفلان من الأجر والصناعة والصباغ يصبغ لرجل ثوبا فهو بهذه المنزلة, وكل هذا مكروه عند مالك وكذلك هذا في الإجارة يقول: أؤاجرك نفسي مثل ما آجر فلان نفسه؟ قال: وهذا كله مكروه من قول مالك إذا لم يعلم ما كان أول ذلك

فيمن اشترى جملة طعام أو اشترى دارا أو ثوبا كل مدي أو ذراع بكذا وكذا
قال: وسمعت مالكا وسئل عن رجل اشترى ثلاث جنيات من رجل من حائطه ما استجنى منها فهو له من حساب أربعة آصع بدينار؟ قال: لا بأس بذلك وهذا أمر معروف وهو مثل ما يقول: أشتري منك طعامك هذا كله أو حائطك هذا كله أربعة آصع بدينار ; لأن السعر قد عرف, فإن قال قائل: فالذي يستجني لا يدري ما هو؟ قال مالك: فكذلك الحائط والزرع والبيت فيه القمح يشترى كله ثلاثة أرادب بدينار أو أربعة أرادب بدينار, فالسعر قد عرف فلا يدري كم يخرج من هذا الحائط فالثلاث جنيات مثل ذلك وسئل مالك عن الرجل يبتاع بأربعين دينارا من رطب حائط ما يجني كل يوم يأخذه بحساب ثلاثة آصع بدينار. قال: قال مالك: لا خير في هذا إلا بأمر معروف ويبين ما يأخذ كل يوم قال: وقد كان الناس يبتاعون اللحم بسعر معلوم فيأخذ كل يوم وزنا معلوما والثمن إلى

في بيع الشاة والاستثناء منها
قلت: أرأيت الشاة إذا باعها الرجل أو البعير أو البقرة واستثنى منها ثلثا أو ربعا أو نصفا أو استثنى جلدها أو رأسها أو فخذها أو كبدها أو صوفها أو شعرها أو كراعها أو استثنى بطونها كلها أو استثنى أرطالا مسماة, كثيرة أو قليلة أيجوز هذا البيع كله في قول مالك أم لا؟ قال: أما إذا استثنى منها ثلثها أو ربعها أو نصفها فلا بأس بذلك عند مالك, وأما إذا استثنى جلدها أو رأسها فإنه إن كان مسافرا فلا بأس بذلك وإن كان حاضرا فلا خير فيه.
قلت: ولم أجازه في السفر وكرهه في الحضر؟ قال: السفر إذا استثنى فيه البائع الرأس أو الجلد فليس لذلك عند المشتري ثمن.
قال مالك: فأما في الحضر فلا يعجبني ذلك ; لأن المشتري إنما يطلب بشرائه اللحم.

قلت: أرأيت إن قال المشتري: إذا اشترى في السفر واستثنى البائع رأسها أو جلدها قال المشتري: لا أذبحها, قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال في الذي يبيع البعير الذي قام عليه: يبيعه من أهل المياه ويستثني البائع جلده ويبيعهم إياه ينحرونه فاستحيوه. قال مالك: أرى لصاحب الجلد شروى جلده.
قال: فقلت لمالك: أو قيمة الجلد؟ قال مالك: أو قيمة الجلد كل ذلك واسع.
قلت: وما معنى شروى جلده عند مالك؟ قال: جلد مثله.
قال: فقلنا لمالك أرأيت إن قال صاحب الجلد: أنا أحب أن أكون شريكا في البعير بقدر الجلد؟ قال مالك: ليس ذلك له يبيعه على الموت ويريد أن يكون شريكا في الحياة ليس ذلك له وليس له إلا قيمة جلده أو شرواه, فمسألتك في المسافر مثل هذا, قال: وأما إذا استثنى فخذها فلا خير في ذلك.
قلت: وهذا قول مالك في الفخذ؟ قال: نعم, وأما كبدها فإن مالكا قال: لا خير في البطن, والكبد من البطن, قال: فأما إذا استثنى صوفها أو شعرها فإن هذا ليس فيه اختلاف أنه جائز, قال: وأما الأرطال إذا استثناها فإن مالكا قال لي: إن كان الشيء الخفيف الثلاثة الأرطال والأربعة فهو جائز.
قلت: أرأيت إن استثنى أرطالا مما لا يجوز له فقال المشتري: لا أذبح؟ قال: أرى أن يذبح على ما أحب أو كره.
قال ابن وهب: قال مالك: فيمن باع شاة حية واستثنى جلدها أو شيئا من لحمها قليلا كان أو كثيرا ووزنا أو جزافا قال: أما إذا استثنى جلدها فلا أرى به بأسا, وأما إذا استثنى من لحمها فلا أحب ذلك جزافا كان أو وزنا ; لأنه حينئذ كأنه ابتاع لحما لا يدري كيف هو أو باع لحما لا يدري كيف هو.
قال ابن وهب: ثم رجع مالك فقال: لا بأس به في الأرطال اليسيرة تبلغ الثلث أو دون ذلك.
قال: وقال مالك: إن اشترى رجل من رجل شاة فقال: بع لي لحمها بكذا وكذا فذلك غرر لا يصلح, وإذا اشتريتها فضمنتها وحزتها فلا بأس بذلك, وإن شرطت للذي ابتعتها منه الرأس والإهاب ; لأنك إذا اشتريتها منه وضمنتها وشرطت له رأسها وإهابها فإنها

إن ماتت فهي من الذي اشتراها وأنه إذا باعك لحمها فماتت قبل أن يذبحها فضمانها على بائعها. قال ابن وهب: وأخبرني محمد بن عمرو, عن ابن جريج أن زيد بن ثابت قضى في جزور بيعت واشترط البائع مسكها فرغب الرجل فيها فأمسكها فقال زيد بن ثابت: له شروى مسكها, وأخبرني إسماعيل بن عياش أن علي بن أبي طالب وشريحا الكندي قضيا في رجل باع بعيرا أو شاة واشترط المسك والرأس والسواقط فبرئ البعير فلم ينحره صاحبه فقال: إذا لم ينحره أعطاه قيمة ما استثنى. قال شريح: أو شرواه, قال مالك والليث: شرواه أو قيمته ابن وهب.
وأخبرني موسى بن شيبة الحضرمي, عن يونس بن يزيد, عن عمارة بن غزية, عن عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج هو وأبو بكر من مكة مهاجرين إلى المدينة مرا براعي غنم فاشتريا منه وأشرط عليهما أن سلبها له.
وأخبرني الليث بن سعد, عن يونس بن يزيد, عن عمارة بن غزية, عن النبي عليه السلام بهذا. قال الليث: فذلك حلال لمن اشترطه

فيمن باع من لحم شاته أرطالا قبل أن يذبحها أو باع شاته واستثنى من لحمها أرطالا مسماة
قلت: أرأيت لو بعت عشرة أرطال من لحم شاتي هذه أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز.
قلت: فإن بعته رطلا من شاتي هذه أيجوز هذا أيضا؟ قال: لا يجوز عند مالك.
قلت: فإن بعت شاتي واستثنيت رطلا من لحمها أو عشرة أرطال من لحمها أيجوز في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا اشترط الشيء الخفيف من ذلك الرطل والرطلين وما أشبه فذلك جائز.
قلت: فإن اشترط من لحمها ما هو أقل من الثلث أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: ما رأيت مالكا يبلغ الثلث إنما يجوز من ذلك الشيء الخفيف.
قلت: ولم جاز هذا عند مالك أن أبيع شاتي وأشتري من لحمها الرطلين والثلاثة والأربعة وما أشبهه ولا يجوز لي أن أبيع من شاتي رطلين أو ثلاثة قبل أن أذبحها وأسلخها؟ قال: لأنه لا يجوز لك أن تبيع ثمر حائطك قبل أن يكون ثمرا حين يزهى

ويحل بيعه وتشترط من ثمر الحائط آصعا معلومة تأخذها تمرا إذا طابت وكانت الثمر الثلث فأدنى, ولا يجوز أن تبيع من ثمر حائطك حين يزهى ويحل بيعه تمرا آصعا معلومة وإن كانت دون الثلث يأخذها تمرا إذا كان إنما يعطيه ذلك التمر من تمر هذا الحائط فلا يجوز هذا وإن كان الذي باعه من ذلك أقل من الثلث.
قلت: ما قول مالك في شراء لحوم الإبل والبقر والغنم والطير كلها قبل أن تذبح فيقال له: اذبح فقد أخذنا منك كل رطل بكذا وكذا؟ قال مالك: لا يجوز ذلك ; لأنه مغيب لا يدري كيف يكون ما اشترى ولا يدري كيف ينكشف

في الرجل يدعي على الرجل فيصالحه من دعواه على عشرة أرطال من لحم شاة بعينها
قلت: أرأيت لو أني ادعيت في دار رجل دعوى فصالحني من ذلك على عشرة أرطال من لحم شاته أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا عندي

في اشتراء اللبن في ضروع الغنم
قلت: أرأيت إن اشتريت لبن عشر شياه بأعيانها في إبان لبنها أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز إذا سمى شهرا أو شهرين أو ثلاثة وقد كان عرف وجه حلابها فلا بأس به وإن لم يعرف حلابها فلا خير فيه.
قلت: أرأيت إن اشترى لبنها ثلاثة أشهر ثم احتلبها شهرا ثم يموت منها خمسة؟ قال: ينظر إلى الخمسة الهالكة كم كان حلابها كل يوم فإن كان حلابها كل يوم قسطين قسطين قيل: فما حلاب هذه الخمسة الباقية كل يوم, فإن كان حلابها قسطا قسطا قيل: فكم كان الشهر الذي احتلبت فيه العشرة كلها من الثلاثة الأشهر التي اشترى حلابها فيها في قلة اللبن وكثرته وغلائه ورخصه فإن بين اللبن في أوله وآخره تفاوتا بعيدا في الثمن يكون شهرا في أوله يعدل شهرين في آخره وأكثر من ذلك, فإن قيل الشهر الذي احتلبت فيه يعدل الشهرين الباقيين أن لو كانت الغنم الهالكة قياما في نفاق اللبن في الشهر الأول لغلائه فيه ورخصه في الشهرين الباقيين قيل: قد قبضت أيها المشتري نصف حقك بحلابك الغنم كلها الشهر الأول وبقي نصف حقك فلا حق لك في نصف الثمن الباقي وقد استوجبه البائع بحلابك غنمه شهرا ويرد عليك البائع لما هلكت الخمس التي كانت تحلب قسطين قسطين وبقيت التي تحلب قسطا قسطا ثلثي نصف الثمن ; لأن لبن الهالكة قسطان قسطان ولبن الباقية قسط قسط فعلمنا أن الهالكة هي الثلثان من نصف الثمن الباقي والباقية الثلث من نصف الثمن الباقي وإنما هي في هذا النصف الباقي بمنزلة رجل

في الرجل يكتري البقرة يحرث عليها وهي حلوب فيشترط حلابها
قال: وسألت مالكا أو سئل وسمعته عن الرجل يكتري البقرة تحرث له أو يستقي

عليها الأشهر وهي حلوب أو الناقة ويشترط حلابها في ذلك؟ قال: إن كان قد عرف حلابها فلا أرى بذلك بأسا

في الرجل يشتري الجلجلان على أن عليه عصره والقمح على أن عليه طحنه
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل جلجلانه هذا على أن عليه عصره أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا.
قلت: لم؟ قال: لأنه كأنه باعه ما يخرج منه وهو لا يدري ما يخرج منه.
قلت: وكذلك لو باعه زرعا قائما ويشترط المشتري على البائع أن عليه حصاده ودراسه؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا.
قلت أرأيت إن باعه حنطته هذه ويشترط عليه المشتري أن يطحنها؟ قال: استثقله مالك وجوزه ورأى أنه خفيف وهو جل قول مالك إجازته.
قال: وقال لي مالك: ولو أن رجلا ابتاع من رجل ثوبا على أن يخيطه له لم أر بذلك بأسا ولو ابتاع نعلين على أن يحذوهما له لم أر بذلك بأسا ولو ابتاع قمحا على أن يطحنه له؟ قال لي مالك: فيه مغمز وأرجو أن يكون خفيفا وأنا لا أرى به بأسا.
قال: فقلت له: فالسمسم والفجل والزيتون يشتريه على أن على البائع عصره فكرهه مالك وقال: لا خير فيه إنما هذا اشترى ما يخرج من زيته, والذي يخرج لا يعرفه فرددته عليه عاما بعد عام فكل ذلك يكرهه ولا يقف فيه وقال: لا خير فيه.
قلت: فالقمح يشتريه على أن على بائعه حصاده ودراسه وذروه يشتريه زرعا قائما قد يبس؟ قال: لا خير فيه, ورأيته عنده من المكروه البين ; لأنه إنما يشتري ما يخرج من الزرع.
قلت: فما فرق بين الطحن وبين هذه الأشياء التي كرهها المجهول ما يخرج منها والدقيق يخرج من الحنطة؟ قال: كأني رأيته يرى أمر الطحن أمرا قريبا ويرى أن القمح قد عرف وجه ما يخرج منه فلذلك خففه على وجه الاستثقال منه له في القياس.
قال: ولقد قال لي مالك مرة: لا يعجبني ثم خففه وجل قوله في القديم والحديث مما حملناه عنه نحن وإخواننا على التخفيف على وجه الاستحسان ليس على القياس والله أعلم بالصواب
تم كتاب التجارة إلى أرض الحرب في المدونة الكبرى ويليه كتاب التدليس.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب التدليس بالعيوبفي العبد يشترى ويدلس فيه بعيب ويحدث فيه عيب آخر
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت لو أني اشتريت عبدا بدنانير فأصابه عندي عيب ثم ظهرت على عيب دلسه لي البائع ألي أن أرده في قول مالك؟ قال: نعم إلا أن يكون العيب الذي أصابه عندك مفسدا مثل القطع والعور والشلل والعمى وشبه ذلك فإن كان العيب الذي أصابه عندك مثل هؤلاء العيوب المفسدة كنت مخيرا في أن ترد العبد وتغرم بقدر ما أصابه عندك من العيب, وإن شئت احتسبت العبد وأخذت من البائع ما بين الصحة والداء إلا أن يقول البائع: أنا أقبله بالعيب الذي أصابه عندك وأرد الثمن كله فيكون ذلك له.
قلت: ولم كان هذا هكذا إذا أصابه عند المشتري عيب مفسد لم يكن للبائع أن يأخذه ويرجع على المشتري بقدر ما أصابه عنده من العيب؟ قال: لأن العيب إذا كان مفسدا فأصابه ذلك عند المشتري فهو فوت, فليس للبائع أن يقول: أنا آخذه وأرجع بقيمة العيب الذي أصابه عند المشتري ; لأنه قد فات.
قلت: ولم لا يكون على المشتري إذا رد العبد بعيب ظهر عليه وقد أصابه عنده عيب غير مفسد قيمة هذا العيب الذي أصابه عنده, وإن كان غير مفسد؟ قال: لأنها ليست من العيوب التي هي تلف للعبد التي تنقصه نقصانا كثيرا وهذا مثل الحمى والرمد وما أشبه ذلك, ألا ترى أنه إن حم يوما أو أصابه رمد أو دماميل ثم ظهر على عيب دلسه له البائع أن له أن يرده.
قلت: فإن كان هذا العيب الذي أصابه عند المشتري قد نقصه إلا أنه ليس من

العيوب المفسدة أيكون للمشتري أن يرده إذا ظهر على عيب قد دلسه له البائع ولا يكون عليه لما نقص العيب الذي أصاب العبد عنده شيء؟ قال: قال مالك: له أن يرده ولا شيء عليه إذا كان عيبا ليس مفسدا, وإن كان قد نقصه.
قلت: أرأيت إن قطعت أصبعه أو أصابه أمر من السماء فذهبت إصبعه ثم ظهر المشتري على عيب دلسه له البائع أله أن يرده؟ قال: لا أحفظه من مالك إلا أني أراه عيبا مفسدا لا يرده إلا بما نقص.
قلت: فإن ذهبت أنملته أو ظفره؟ قال: أما أنملته فهو عيب ولا يرده إلا بما نقص منه إلا أن يكون من وخش الرقيق الذي لا يكون ذلك مفسدا فيهم ولا ينقصه كثيرا فإن كان كذلك رده ولا شيء عليه, وأما الظفر فله أن يرده ولا شيء عليه ولا أراه عيبا.
لسحنون: الظفر في الجارية الرائعة عيب.
قلت: فتحفظ عن مالك أنه قال: إن أصابه عنده حمى أو رمد أو صداع أو كي وكل وجع ليس بمخوف أن له أن يرده إذا أصاب به عيبا قد دلس به البائع ولا شيء عليه؟ قال: نعم

في الرجل يشتري العبدين صفقة واحدة فيموت أحدهما ويجد بالآخر عيبا
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدين في صفقة واحدة فهلك أحدهما في يدي وأصبت بالباقي عيبا أيكون لي أن أرده عند مالك؟ قال: نعم, لك أن ترده عند مالك وتأخذ من الثمن بحساب ما كان يصير لهذا العبد من الثمن يقوم هذا الميت والمعيب فينظر ما يصيب قيمة هذا الذي أصبت به عيبا من الثمن فيرجع بذلك على البائع.
قلت: فإن اختلفا في قيمة الميت فقال المبتاع: قيمة الميت الثلث, وقيمة هذا الثلثان, وقال البائع: لا, بل قيمة هذا الثلث وقيمة الميت الثلثان؟ قال: يقال لهما: صفا الميت فإن تصادقا في صفته دعي لصفته أهل المعرفة به فيقومون تلك الصفة, وإن تناكرا في صفته فالقول في صفته قول البائع مع يمينه إذا كان قد انتقد الثمن ; لأن المبتاع مدع للفضل على ما يقول البائع, فالقول قول البائع مع يمينه وعلى المبتاع البينة على الصفة, فإن لم يأت بالبينة على الصفة حلف البائع وكان القول قوله إذا كان قد انتقد الثمن, فإن لم يكن انتقد فالقول قول المشتري
قلت: أرأيت إن اشتريت شاتين مذبوحتين فأصبت إحداهما غير ذكية أتلزمني

الذكية بحصتها من الثمن في قول مالك أم لا؟ قال: أرى ذلك مثل الرجل يبتاع الطعام فيقال له: إن فيه مائة إردب فيشتري على ذلك فلا يجد فيه إلا خمسين أو أربعين؟ قال: لا يلزمه أخذ ذلك الطعام إلا أن يكون الذي نقص من ذلك مثل الأرادب اليسيرة وهذه الشاة إذا وجدها ميتة وإنما كان شراء الرجل شاتين لحاجته إلى جملة اللحم, والرجل إذا جمع الشراء في الصفقة الواحدة كان أرخص له فأرى الشاتين بمنزلة ما وصفت لك من الطعام عند مالك ويرد الجميع إلا أن يشاء أن يحبس الذكية بالذي يصيبها من حصة الثمن فذلك له
قلت: فإن اشتريت عشر شياه مذبوحة فأصبت إحداهن ميتة؟ قال: أرى أن تلزمك التسع بحصتها من الثمن.
قلت: وكذلك الرجل يشتري قلال خل فيصيب إحداهن خمرا أو اشترى قلتين خلا فأصاب إحداهما خمرا فهو على ما وصفت لي من قول مالك؟ قال: نعم.
وقال أشهب: إذا اشترى شاتين أو قلتين أو عبدين متكافئين فإن هذا لم يشتر أحدهما لصاحبه فإن أصاب بأحدهما عيبا أو استحق أحدهما رجع بما يصيب المستحق من الثمن, وإن كان عيبا رده وأخذ ما يصيبه من الثمن, وكذلك يقول ابن القاسم في العبدين المتكافئين.
سحنون, وليس العبدان المتكافئان كعبدين أحدهما تبع لصاحبه إنما اشتري لمكان صاحبه أو كجملة ثياب أو رقيق أو كيل أو وزن كثير فيستحق منه اليسير ويبقى الكثير, فإن هذا قد سلم له جل صفقته فيلزمه ما صح ويرجع بثمن ما استحق, وإن كان ما استحق مضرا به في صفقته لكثرة ما استحق من يديه ويعلم أن هذا إذا استحق منه دخل عليه فيه الضرر لتبعيض ذلك عليه, وأن مثله إنما رغب في جملة ما اشترى فإن هذا له أن يرد الصفقة كلها ويأخذ الثمن. وإن أراد أن يحبس ما سلم في يديه ويرجع بثمن ما استحق فإن كان ما اشترى على الكيل والوزن فذلك له أو كان ما استحق مما بيع على العدد فكان الاستحقاق على الأجزاء نصف ما اشترى أو ثلثيه أو ثلاثة أرباعه أو ثلثه فذلك له ; لأن ما رضي به يصير له بثمن معروف, وإن كان استحق نصفه أو ثلثاه فرضي بما بقي صار له بنصف الثمن أو بثلثيه, وكذلك كل ما استحق من المكيل والموزون ; لأن الذي يبقى ثمنه معروف ; لأنه مما لا يقسم عليه الثمن إن كان ما استحق منه جزءا معروفا أو عددا على عدد السلع, وإن كان ما باع عددا واستحق من العدد ما يصير للمشتري حجة في أن يرد

فأراد أن يحبس ما بقي بما يصيبه من الثمن, فإن ذلك لا يجوز له ; لأنه إذا وجب له رد جميع ما بقي في يديه فليس له أن يقول: أنا أحبس ما بقي بما يصير له من الثمن ; لأنه يحبسه بثمن مجهول ; لأنه أوجبه على نفسه بما يصير له من الثمن وذلك ثمن غير معروف حتى تقوم السلع, ثم يقسم الثمن عليها فما صار للذي بقي أخذ بحصته من الثمن وذلك مجهول, وأما في العيب فإنه إذا أصاب العيب في كثير من العدد حتى يضر ذلك به في صفقته أو في كثير من وزنه أو كيله فإنه مخير في أن يقبل الجميع بعينه أو يرده كله وليس له خيار في أن يحبس ما صح في يديه مما بقي له بما يصيبه من الثمن, وإن كان معروفا وهو خلاف الاستحقاق في هذا الموضع ; لأن صاحب العيب إنما باع على أن حمل بعضه بعضا فإما رضي منه بما رآه وإما رد عليه.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتريت عبدا بثوبين فهلك أحد الثوبين عند صاحبه وأصاب بالثوب الباقي عيبا فجاء ليرده كيف يكون هذا في قول مالك؟ قال: ينظر إلى الثوب الذي وجد به العيب, فإن كان هو وجه ما اشترى وفيه الفضل فيما يرى الناس رده ونظر إلى العبد, فإن كان لم يفت رده ونظر إلى قيمة الثوب التالف فرده قابضه مع الثوب الذي وجد به العيب, وإن كان العبد قد فات بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق أو بشيء من وجوه الفوت رد قيمته يوم قبضه, وإن كان الثوب الذي وجد به العيب ليس وجه ما اشترى, وهو أدنى الثوبين رده ونظر إلى الثوب الباقي كم كان من الثوب التالف فإن كان ثلثا أو ربعا نظر إلى قيمة العبد فغرم قابض العبد لصاحب الثوب من قيمة العبد بقدر الذي يصيبه من صاحبه, إن كان ثلثا أو ربعا يغرم له من قيمة العبد ثلثها أو ربعها, ولا يرجع في العبد بشيء, وإن كان إنما أصاب العيب قابض العبد بالعبد وقد تلف أحد الثوبين عند بائع العبد ; رد العبد ونظر إلى الثوب الباقي إن كان هو وجه الثوبين ومن أجله اشتراهما رد الثوب الباقي وغرم قيمة التالف إن كان الثوب الباقي لم يفت بنماء أو نقصان ولا باختلاف أسواق, وإن كان قد فات بشيء من ذلك أو كان الباقي هو أدناهما وليس من أجله كان الاشتراء أسلما لمشتريهما وغرم قيمتهما جميعا لصاحب العبد

الرجل يشتري السلعة فتموت عنده أو ظهر منها على عيب
قلت: ما قول مالك فيمن اشترى جارية بيعا صحيحا فلم يقبضها صاحبها إلا بعد شهر أو شهرين وقد حالت الأسواق عند البائع وقبضها وماتت عند المشتري ثم ظهر على عيب كان عند البائع, أي القيمتين تحسب على المشتري, وتجعلها قيمة الجارية إذا أراد

أن يرجع بالعيب, أقيمتها يوم قبض الجارية أم قيمتها يوم وقعت الصفقة؟ قال: بل قيمتها يوم وقعت الصفقة.
قلت: فإن كان البيع حراما فاسدا فأي القيمتين تحسب على المشتري؟ قال: قيمتها يوم قبضها ليس قيمتها يوم وقع البيع ; لأن المشتري في البيع الفاسد لا يضمن إلا بعد ما يقبض ; لأن له أن يترك فلا يقبض والبيع الصحيح القبض له لازم, وليس له أن يفسخ ذلك, ومصيبتها منه فهذا فرق ما بينهما.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بيعا صحيحا فلم أقبضها حتى ماتت عند البائع وقد نقدته الثمن أو لم أنقده وقد ماتت الجارية أو حدث بالجارية عيب عند البائع قبل أن أقبضها؟ قال: قال مالك: الموت من المشتري, وإن كان البائع احتبسها بالثمن. قال ابن القاسم: فالعيب عندي بمنزلة الموت يكون ذلك كله من المشتري. سحنون: إذا كانت الجارية مما لا يواضع مثلها وبيعت على القبض.
قلت: فإن كان اشتراها على صفة فأصابها بعد وجوب الصفقة على ما ذكرت لك؟ قال: قال مالك: إذا كان اشتراها وهي على الصفة التي وصفت به فما أصابها من حدث بعد ذلك فهو من المشتري. قال ابن القاسم, وقال لي مالك بعد ذلك في هذه المسألة فيمن اشترى على الصفة: أنها إن ماتت قبل أن يقبضها المشتري فهي من البائع.
قال ابن القاسم: ولم يذكر لي في الموت والعيوب في هذه المسألة شيئا, إلا أنه قال لي قبل ذلك في الموت والعيوب: إنها من المشتري جميعا وأرى أن ذلك كله من البائع إلا أن يشترط البائع أن ما أصابها بعد الصفقة فهو من المشتري فيكون ذلك على ما اشترط وهو قول مالك الآخر الذي ثبت عليه وقاله لي غير عام, وأرى العيوب التي تصيب السلعة قبل أن يقبضها المبتاع بمنزلة الموت ضمان ذلك من البائع إلا أن يشترطه كما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بها عيب لم أعلم به فلم أقبضها حتى ماتت عند البائع أو أصابها عيب مفسد مثل القطع والشلل وما أشبهه وذلك كله عند البائع قبل أن أقبضها أتلزمني الجارية أم لا وهل يكون ما أصابها من العيوب أو الموت الذي كان بعد الصفقة من المشتري أم من البائع إذا اطلع على العيب الذي كان بالجارية عند البائع؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما قال لي مالك في الموت: إذا اشتراها فاحتبسها

البائع للثمن فهي من المشتري إذا كانت مما لا يتواضع مثلها وبيعت على القبض ; لأن هذه السلعة قد وجبت للمشتري,, وإن كان له أن يردها ; لأنه لو شاء أن يأخذها أخذها بعيبها ولم يكن للبائع فيها حجة, ألا ترى أن عتقه جائز فيها, وأن عتق البائع فيها غير جائز ولا يشبه هذا البيع الفاسد ; لأن المشتري في البيع الفاسد لو أراد أن يأخذ لم يكن له ذلك, وأن البائع لو أعتق في البيع الفاسد لجاز له ذلك ولم يكن للمشتري عتق معه إلا أن يكون المشتري أعتق قبل البائع, فيكون قد فوتها, وفي البيع الصحيح لا عتق للبائع مع عتق المشتري ولا عتق له, وإن لم يعتق المشتري ; لأن المشتري كان على شرائه أن يأخذها إن أحب, وإن احتبسها بعد وجوب البيع بالثمن.
قال: وكذلك قال لي مالك: أراها بمنزلة الرهن إن احتبسها بعد وجوب البيع بالثمن, فإن ماتت فهي من المشتري فهي إذا باعها وبها العيب فاحتبسها بالثمن فهي رهن, ولو لم يحتبسها لقبضها المشتري وكان المشتري ضامنا لما أصابها فحبس البائع إياها بمنزلة الرهن وقبض للمشتري بعد الوجوب, فأرى أن كل ما أصابها من عيب أو موت, وإن كان بها يوم باعها البائع عيب كان عنده, فهي من المشتري حتى يردها قبضها من البائع أو لم يقبضها حتى يرجعها بقضاء من السلطان أو يبرئه منها البائع.
وقال ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة: أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يقول: اشترى رجل عبدا من آخر فقال الذي باعه: قد وجب لك, غير أني لا أدفع إليك العبد حتى تنقدني ثمنه فإني لا آمنك فانطلق المشتري يأتيه بثمنه فلم يأت بثمنه حتى مات العبد عند الذي باعه؟ قال يزيد: قال سعيد بن المسيب: هو من الذي مات في يديه.
وقال سليمان بن يسار: هو من الذي اشتراه ووجب له, وقد قال مالك بقوليهما جميعا. ابن وهب. قال الليث: كان يحيى بن سعيد يقول: من باع دابة غائبة أو متاعا غائبا على صفة لم يصلح أن يقبض البائع الثمن حتى يأخذ الدابة أو المتاع الذي اشترى ولكن يوقف الثمن فإن كانت الدابة أو المتاع على ما وصف له البائع تم بيعهما وأخذ الثمن.
ابن وهب, عن يحيى بن أيوب, عن يحيى بن سعيد أنه قال في بيع الدابة الغائبة: إن أدركتها الصفقة حية فليس بذلك بأس وعلى ذلك بيع الناس.
وأخبرني عن ابن وهب عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب, عن حمزة بن عبد الله بن عمر, عن أبيه قال: ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع.

ابن وهب, عن عبد الجبار بن عمر بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه حدثه قال: تبايع عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فرسا غائبة وشرط إن كانت هذا اليوم حية فهي مني.
ابن وهب, عن ابن جريج, عن ابن شهاب قال: كان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف من أجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيع فكان الناس يقولون: ليتهما قد تبايعا حتى ننظر أيهما أجد فابتاع عبد الرحمن بن عوف من عثمان بن عفان فرسا أنثى غائبة باثني عشر ألف درهم إن كانت هذا اليوم صحيحة فهي مني, ولا أخال عبد الرحمن إلا وقد كان عرفها, ثم إن عبد الرحمن قال لعثمان: هل لك أن أزيدك أربعة آلاف وهي منك حتى يقبضها رسولي؟ قال: نعم فزاده عبد الرحمن أربعة آلاف على ذلك فماتت, فقدم رسول عبد الرحمن فعلم الناس أن عبد الرحمن أجد من عثمان.
ابن وهب, عن يونس, عن ابن شهاب قال: وإن رسول عبد الرحمن وجد الفرس حين خلع رسنها قد هلكت فكانت من عثمان

في الرجل يبتاع الجارية وبها العيب لم يعلمه حتى باعها ثم ترد عليه
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية وبها عيب لم أعلم به ثم بعتها, فتداولها رجال فتغيرت في بدنها أو أسواقها ثم اشتريتها فعلمت بالعيب الذي كان عند البائع الذي باعنيها؟ قال سحنون: لك أن تردها عليه إن لم يكن دخلها عيب مفسد مثل ما وصفت لك, وقال غيره: لك أن تردها على الذي اشتريتها منه أخيرا ; لأن عهدتك عليه.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتراها بيعا صحيحا وبها عيب لم يعلم به فباعها أو أجرها أو رهنها أو تصدق بها أو كاتبها أو اتخذها أم ولد أترى هذا كله فوتا في قول مالك أم لا؟ قال: أما الرهن والإجارة والبيع فليس هو بفوت, وقد بلغني عن مالك ممن أثق به أنه لم يره في البيع فوتا ورأيي الذي آخذ به أن البيع ليس بفوت ; لأنه قد أخذ له ثمنا إنما هو على أحد وجهين إما أن يكون رأى العيب فقد رضيه حين باعه ولو شاء لم يبعه حتى يثبت من صاحبها فيردها عليه بالعيب, وإما أن يكون لم يره فهو إن كان نقص في بيعه الجارية لم ينقص لموضع العيب.
قال: وأما التدبير والكتابة والموت واتخاذها أم ولد والصدقة فإن مالكا قال لي في ذلك كله: إنه فوت.

قلت: فما قول مالك في الهبة إذا وهبها وقد اشتراها وبها عيب؟ قال مالك: إن كان وهبها للثواب فهو بيع, وإن كان وهبها لغير ثواب فهو من وجه الصدقة وهو فوت. ويرجع فيأخذ قيمة العيب, والبيع الصحيح إذا أصاب البيع بعد ما رهن أو آجر فلا أراه فوتا ومتى ما رجعت إليه بافتكاك أو بانقضاء أجل الإجارة فأرى أن يردها إن كانت بحالها, وإن دخلها عيب مفسد ردها وما نقصها العيب الذي حدث بها.
وقال أشهب: إن افتكها حين علم بالعيب فله أن يردها وإلا رجع بما بين الصحة والداء

في الرجل يبتاع الأمة فتلد أولادا ثم يجد بها عيبا
قلت: أرأيت لو ابتاع أمة فولدت عند المشتري ولدا فمات ولدها فأصاب بها عيبا أله أن يردها وقد مات الولد عنده؟ قال: نعم يردها إذا مات الولد ولا شيء عليه ويرجع بالثمن كله ولا شيء عليه في الولد.
قلت: فإن كانت الولادة قد نقصتها وقد مات الولد ثم أصاب بها عيبا؟ قال: له أن يردها وما نقصت الولادة منها, وكذلك قال لي مالك: وكذلك لو لم تلد وأصابها عند المشتري عيب مفسد مثل القطع والعور والشلل ونحو ذلك فنقصان الولادة مثل العيوب المفسدة.
قلت: أرأيت إن اشترى الرجل جارية وبها عيب لم يعلم به ثم ولدت عنده أولادا فماتت الأم أو قتلها رجل وبقي الأولاد عنده ثم علم بالعيب؟ قال: يرجع على بائعه فيأخذ قيمة العيب منه كما فسرت لك.
قلت: فتقوم الجارية إن كانت ميتة أو مقتولة وولدها معها؟ قال: تقوم هي نفسها كما وصفت لك. قال سحنون: وقد قال بعض: رواه مالك, إلا أن يكون ما وصل إليه من قيمة الأم مثل الثمن الذي يرجع به على البائع فلا تكون له حجة, ألا ترى أن البائع لو أن الأم لم تقتل ولكنها ماتت لو قال للمشتري: أنا أرد عليك جميع الثمن ورد علي الولد ولا أعطيك ما بين القيمتين كان ذلك له, وقيل للمشتري: إما أن رددت عليه الولد وأخذت الثمن وإما أن تمسكت بالولد ولا شيء لك فهو إذا كانت القيمة في يده وهي مثل الثمن والولد فضل أيضا لم يكن للمشتري حجة ; لأن الذي يريد أن يرجع به في يديه مثله منها

في الرجل يبتاع الجارية ثم يبيعها أحدهما من صاحبه ثم يظهر على عيب
قلت: أرأيت لو أني بعت من رجلين ثوبا فباع أحدهما من صاحبه حصته ثم ظهر على عيب كان عندي؟ قال: أرى أن الذي باع حصته من صاحبه قد أخرج ما كان في يديه من السلعة فلا يرجع عليك بما بين الصحة والداء, وأما الذي لم يبع فله أن يرد حصته التي في يده عليه بنصف الثمن فيكون نصف السلعة في يدك ونصفها في يد الذي اشتراها من صاحبه.

في الرجل يبتاع الجارية على جنس فيصيبها على جنس آخر
قلت: أرأيت لو أني اشتريت جارية على أنها بربرية فأصبتها خراسانية؟ قال: لك أن تردها.
قلت: فإن اشتريتها على أنها صقلية أو آبرية أو أشبانية فأصبتها بربرية أو خراسانية؟ قال: ليس لك أن تردها.
قلت: لم؟ قال: لأن البربرية والخراسانية أفضل من الصقلية والآبرية ; لأن الناس إنما يذكرون الأجناس لفضل بعضها على بعض فيزداد لذلك في أثمان الرقيق, فإذا كانت أرفع جنسا مما شرط فليس له أن يرد.
قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا إلا أن يكون في ذلك أمر يعرف به أن المشتري قد أراده فيرد عنه, مثل أن يكره شراء البربريات لما يخاف من أصولهن وحريتهن وسرقتهن, فما كان من هذا وما أشبهه فأرى أن يرده, وما لم يكن على هذا الوجه وليس فيها عيب ترد به ولا ثمن يوضع فلا أرى أن ترد.
قال: ولقد سمعت مالكا, وسأله ابن كنانة, ونزلت هذه المسألة بالمدينة في رجل اشترى جارية فأراد أن يتخذها أم ولد فإذا نسبها من العرب فأراد ردها لذلك وقال: إن ولدت مني وعتقت يوما ما جر العرب ولاءها ولا يكون ولاؤها لولدي؟ قال مالك: لا أرى هذا عيبا ولا أرى له أن يردها

في الرجل يبتاع العبد وبه عيب فيفوت عنده بموت أو بعيب مفسد
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا بمائة دينار وبه عيب دلسه لي البائع وقيمته مائة وخمسون دينارا فتغير عندي العبد بعيب مفسد أو مات فأردت أن أرجع على البائع بالعيب؟ قال: ينظر إلى قيمته صحيحا يوم قبضه عند مالك, فزعمت أن قيمته خمسون

في الرجل يبتاع العبد بيعا فاسدا ثم يعتقه قبل أن يقبضه
قلت: أرأيت لو أني اشتريت عبدا بيعا فاسدا فلم أقبضه من البائع حتى أعتقته أيلزمني العتق أم لا؟ قال: العتق لازم للمشتري قبض أو لم يقبض إذا كان البيع فاسدا, ويقوم عليه في ماله وتؤخذ من ماله قيمته إذا كان له مال, فإذا لم يكن له مال فلا يجوز عتقه.
قلت: لم أجزت عتقه قبل أن يقبضه والبيع فاسد, وهو إنما يضمنه يوم يقبضه, والبيع الذي كان بينهما مفسوخ لا يقر فعقدتهما التي عقدا باطل فلم أجزت عتقه قبل أن يقبضه؟ قال: لأن عتقه العبد قبل أن يقبضه قبض منه للعبد, فهو إذا أعتقه دخل في عتقه إياه قبضه للعبد وفوات للعبد.
قلت: وكذلك لو كان العبد لم يتغير بنقصان بدن ولا بزيادة ولا بحوالة أسواق؟ قال: نعم.
قال ابن القاسم: وإنما مثل ذلك مثل الرجل يشتري العبد الغائب ويشترط على البائع أنه منه حتى يقبضه فتجب الصفقة بينهما أن البيع جائز وضمانه من البائع حتى يقبضه المبتاع ولا يصلح النقد فيه بشرط إلا أن يتطوع بذلك المشتري بعد وجوب الصفقة, فإن أعتقه المشتري وقد اشترط أن ضمانه من البائع جاز العتق عليه وكذلك

البيع الفاسد إذا أعتقه المشتري قبل أن يقبضه جاز عتقه على المشتري, وإن كان العبد في ضمان البائع, وهذا مثل الأول.
قلت: وما وصفت من بيع العبد الذي يكون في بعض المواضع ويشترط سيده أن ضمانه منه أن البيع جائز أهو قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: والعبد إذا أعتقه المشتري قبل أن يقبضه أنه جائز أهو قول مالك؟ قال: لا أثبته عنه في العتق
قلت: فلو أني اشتريت عبدا أيكون لسيده أن يمنعني من قبضه في قول مالك حتى أدفع إليه حقه؟ قال: نعم.
قلت: فلو أعتقه المشتري بعد وجوب الصفقة وقبل أن يدفع إليه الثمن أيجوز عتقه وقد كان للبائع أن يبيعه؟ قال: العتق جائز عند مالك إن كان للمشتري مال ويؤخذ منه الثمن, وإن لم يكن له مال لم يجز عتقه, فإن أيسر قبل أن يباع عليه وأدى الثمن وقبض العبد جاز ذلك العتق عليه.
قال: وقال مالك: فإن بيع عليه في ثمنه ثم اشتراه بعد ذلك لم أره يعتق عليه ; لأنه قد بيع عليه فبطل عتقه ذلك
قلت: ما قول مالك فيمن اشترى سلعة بسلعة عنده في بيته موصوفة فقبض السلعة الحاضرة ثم أصاب السلعة الغائبة التي كانت في البيت قد تلفت أو ماتت قبل وقوع الصفقة؟ قال: يأخذ سلعته بعينها إن كانت لم تتغير.
قلت: فإن كانت التي قبض جارية فأعتقها ثم أصاب السلعة الموصوفة التي كانت في البيت قد تلفت أو ماتت قبل وجوب الصفقة؟ قال: أرى عتقه جائزا وعليه قيمتها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال لي مالك في البيع المكروه: إنه من صاحبه إذا قبضه ضامن له وهذا إن كانت السلعة غائبة غيبة بعيدة فالنقد فيها مكروه, فإذا شرط النقد فيها صار بيعا مكروها وهو قول مالك وغيره ممن هو أكبر منه, فهي من المشتري إذا قبضها, وعتقه فيها جائز, ولو باعها نفذ البيع وكان عليه قيمتها يوم قبضها وجاز البيع لمن باعها إذا كان الأول قد قبضها, وكذلك لو كانت حاضرة أو غائبة غيبة قريبة مما يجوز فيه النقد إذا اشترط أن ينقده فهو ضامن إذا قبض السلعة حتى يدفع الثمن, فإن باع أو أعتق جاز ذلك له إلا أن يعتق ولا مال له فيكون عتقه باطلا
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بيعا فاسدا فأعتقها المشتري قبل أن يقبضها أو

كاتبها أو تصدق بها أيكون هذا فوتا, وإن كان لم يقبضها؟ قال: نعم على ما فسرت لك إن كان ذا مال.
قلت: فإن كانت عند البائع فأصابها عيب من العيوب أو تغيرت بسوق أو زيادة بدن أو نقصان أو ماتت وكل هذا قبل أن يقبضها المشتري من البائع؟ قال: قال مالك: ذلك كله من البائع ; لأنه لم يقبضها المشتري, فيكون ضامنا لها ; لأن البيع حرام فلا يضمن ذلك المشتري حتى يقبض, فأما العتق والصدقة والتدبير والكتابة فهذا أمر أحدثه المشتري فضمن بما أحدث وصار فوتا إذا كان يقدر على ثمنها.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بيعا فاسدا فكاتبتها وجعلت كتابتها نجوما كل شهر فعجزت من أول شهر ولم تتغير بزيادة سوق ولا نقصان سوق ولا زيادة بدن ولا تغير بدن ثم رجعت إلي رقيقا فأردت ردها أيكون ذلك لي أم تراه فوتا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الحيوان لا يثبت في الأيام اليسيرة على حال واحدة ورآه مالك فوتا, فالشهر أبين عند مالك أنه فوت في البدن, وإن لم تتغير الأسواق فهذا لما مضى شهر فقد فاتت الجارية وليس له أن يردها وعليه القيمة, وإنما يكون له أن يردها لو كان ذلك قريبا الأيام اليسيرة, قال: وكذلك قال لي مالك في الأيام اليسيرة.
قال سحنون: وقال غيره: وإنما كان قبضه لها على قيمة فلما حدثت فيها الكتابة تم وجوب القيمة, وإن عجزت من ساعتها.
قلت: أرأيت لو أن مسلما اشترى من نصراني جارية بخمر فأحبلها أو أعتقها أيكون ذلك فوتا؟ قال: لم أسمع هذا من مالك, ولكنه فوت وأرى لهذا النصراني على المسلم قيمة جاريته.
قلت: أرأيت إن اشتراها بيعا فاسدا فرهنها مكانه أيكون هو فوتا أم لا؟ قال: إن كان يقدر أن يفتكها لسعة في يده فإني لا أراه فوتا, وإن كان لا يقدر على أن يفتكها ولا سعة له فأراه فوتا وأراه من وجوه البيع ; لأنه قد أعتق رقبتها وكذلك هو في الإجارة إن قدر على فسخها وإلا هو فوت.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بيعا فاسدا وهي جارية فأخذتها أم ولد أيكون هذا فوتا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن دبرها أو كاتبها أو أعتقها أو باعها أو تصدق بها أو آجرها أو رهنها؟ قال: نعم هذا كله في البيع الفاسد في قول مالك فوت إلا الإجارة والرهن, فإني لم أسمعه.

وأخبرني ابن وهب, عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل باع بيعا بعضه حلال وبعضه حرام ففطن له فقال: أنا أضع عنك الحرام وأمضي لك الحلال.
قال ابن شهاب: إن كانت الصفقة فيهما واحدة تجمعهما فأرى أن يرد ذلك البيع كله, وإن كانتا بيعتين شتى لكل واحدة منهما صفقة على حدة فأنا أرى أن يرد الحرام ويجاز الحلال.
قال ابن وهب, وقال يونس: قال ربيعة: لا تجمع صفقة واحدة شيئين يكون أحدهما حلالا والآخر حراما, ومن ذلك ما يدرك فينقض, ومن ذلك ما يتفاوت فلا يدرك بعضه إلا بظلم فيترك, قال الله تبارك وتعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: من الآية279] فكل بيع لا يدرك حتى يتفاوت فلا يستطاع رده إلا بمظلمة فقد تفاوت رده وما كان من أمر تنقضه بين أهله بغير ظلم فلم يفت ذلك فانقضه.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19