كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

بالله. فإنها كفارة لما قلت. قال: ابن مهدي عن عبد الله بن أبي جعفر الزهري عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة الزهري أن المسور دخل فألزمه جعفر يقول: كفرت بالله أو أشركت بالله فقال المسور بن مخرمة: سبحان الله لا أكفر بالله ولا أشرك بالله, وضربه وقال: أستغفر الله, قل آمنت بالله ثلاث مرات.
قال ابن مهدي عن أبي عوانة عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد في الرجل يقول علي غضب الله قال: لم يكونوا يرون عليه كفارة, يرون أنه أشد من ذلك. قال: رجال من أهل العلم: إن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر يقول: لا وأبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" 1. قال: وقال ابن عباس لرجل حلف بالله: والله لأن أحلف بالله مائة ثم آثم أحب إلي من أن أحلف بغيره مرة ثم أبر.
قال ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن وبرة عن همام بن الحارث أن عبد الله بن مسعود كان يقول: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النذر حديث 14 عن نافع عن عبد الله بن عمر. البخاري في كتاب الأيمان والنذر باب 4. مسلم في كتاب الأيمان حديث 3.

الاستثناء في اليمين
قلت: أرأيت إن قال رجل علي نذر إن كلمت فلانا إن شاء الله؟ قال مالك في هذه الأشياء: عليه. وهذا مثل الحلف بالله عند مالك. قال ابن القاسم: الاستثناء في اليمين بالله جائز وهي يمين كفارتها كفارة اليمين بالله, فأراها بمنزلة اليمين بالله والاستثناء فيها جائز ولغو اليمين يكون أيضا فيها, وكذلك العهد والميثاق الذي لا شك فيه.
قلت: أرأيت إن قال: والله لا أفعل كذا وكذا إن شاء الله ثم فعله؟ قال: قال مالك: إن كان أراد بذلك الاستثناء فلا كفارة عليه وإن كان أراد قول الله في كتابه, ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله. ولم يرد الاستثناء فإنه يحنث. قلت: أرأيت إن حلف على يمين ثم سكت ثم استثنى بعد السكوت؟ قال: لا ينفعه وكذلك قال لي مالك إلا أن يكون الاستثناء نسقا متتابعا فقلنا لمالك: فلو أنه لم يذكر الاستثناء حين ابتداء اليمين, فلما فرغ من اليمين ذكر, فنسقها بها وتدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه إلا أنه قد وصل الاستثناء باليمين, قال مالك إن كان نسقها بها فذلك لها استثناء, وإن كان بين ذلك صمات, فلا شيء له. ونزلت بالمدينة فأفتى بها مالك. قال ابن وهب وقال مالك: وإن استثنى في نفسه ولم يحرك لسانه لم ينتفع بذلك.

قال مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: من قال: والله ثم قال: إن شاء الله ولم يفعل الذي حلف عليه لم يحنث قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن ابن مسعود وابن عباس وابن قسيط وعبد الرحمن بن القاسم وزيد بن أسلم وابن شهاب وطاوس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد مثله. وقال عطاء: ما لم يقطع اليمين وتبرك.
قال ابن مهدي عن أبي عوانة عن الأعمش عن إبراهيم قال: إذا حلف الرجل فله أن يستثني ما كان الكلام متصلا. قال ابن مهدي عن المغيرة عن إبراهيم في رجل حلف واستثنى في نفسه قال: فليس بشيء. قال ابن مهدي عن أبي عوانة عن الأبرش عن إبراهيم في رجل حلف واستثنى في نفسه قال: ليس بشيء. قال ابن مهدي عن هشيم عن محمد الضبي قال: سألت إبراهيم في رجل حلف واستثنى في نفسه, قال: لا حتى يجهر بالاستثناء كما جهر باليمين.
قلت: أرأيت لو أن ذميا حلف بالله أن لا يفعل كذا وكذا فحنث بها بعد إسلامه أتجب عليه الكفارة أم لا في قول مالك؟ قال: لا كفارة عليه عند مالك.

النذور في معصية أو طاعة
قال ابن القاسم في النذر: إنه من نذر أن يطيع الله في صلاة أو صيام أو عتق أو حج أو غزو أو رباط أو صدقة أو ما أشبه ذلك وكل عمل يتقرب به إلى الله, فقال علي نذر أن أحج أو أصلي كذا وكذا أو أعتق أو أتصدق بشيء يسميه في ذلك فإن ذلك عليه ولا يجزئه إلا الوفاء لله به. كان ذلك النذر تطوعا جعله على نفسه أو يمينا فحنث في ذلك فذلك واجب.
قال: وإن كان حلف فقال علي نذر إن لم أعتق رقبة أو إن لم أحج إلى بيت الله أو ما أشبه ذلك مما سميت لك حلف به فقال: إن لم أفعل كذا وكذا فعلي نذر إن لم أعتق رقبة فهو مخير إن أحب أن يفعل ما نذر من الطاعة, فليفعل ولا كفارة عليه, وإن أحب أن يترك ذلك ويكفر عن يمينه كفر, وإن كان لنذره ذلك أجل. مثل أن يقول علي نذر إن لم أحج العام أو علي نذر إن لم أغز العام أو إن لم أصم رجب في هذا العام أو إن لم أركع في هذا اليوم عشر ركعات فإن فات الأجل في هذا كله قبل أن يفعله فعليه الحنث, ويكفر عن يمينه بكفارة اليمين إلا أن يكون جعل لنذره مخرجا, فعليه ذلك المخرج إذا حنث, وتفسير ذلك أن يقول: علي نذر ; صدقة دينار أو عتق رقبة أو صيام شهر إن لم أحج العام أو إن لم أغز العام أو ينوي ذلك وما أشبه ذلك فإن فات الأجل الذي وقت إليه ذلك

الفعل فقد يسقط عنه ذلك الفعل ووجب عليه ما نذر له مما سمى. وإن لم يجعل لنذره مخرجا فهو على ما فسرت لك يكفر كفارة يمين.
قال: ومن نذر في شيء من معاصي الله تبارك وتعالى فقال علي نذر إن لم أشرب الخمر أو إن لم أقتل فلانا أو إن لم أزن بفلانة أو ما كان من معاصي الله فإنه يكفر نذره في ذلك إذا قال: إن لم أفعل فالكفارة كفارة اليمين إن لم يجعل لنذره مخرجا يسميه ولا يركب معاصي الله, وإن كان جعل لنذره مخرج شيء مسمى من مشي إلى بيت الله أو صيام أو ما أشبه ذلك, فإنه يؤمر أن يفعل ما سمي من ذلك ولا يركب معاصي الله, فإن اجترأ على الله - عز وجل - وفعل ما قال من المعصية فإن النذر يسقط عنه, كان له مخرج أو لم يكن وقد ظلم نفسه والله حسيبه.
قال: وقوله لا نذر في معصية. مثل أن يقول علي نذر أن أشرب الخمر, أو قال: علي نذر شرب الخمر فيها بمنزلة واحدة, فلا يشربها, ولا كفارة عليه لأنه لا نذر في معصية, وقد كذب ; ليس شرب الخمر مما ينذر لله ولا يتقرب به إلى الله. قال: فإن قال: علي نذر أن أشرب الخمر. فلا يشربها ولا كفارة عليه وهو على بر إلا أن يجترئ على الله فيشربها فيكفر يمينه بكفارة يمين إلا أن يكون جعل له مخرجا سماه وأوجبه على نفسه من عتق أو صدقة أو صيام أو ما أشبه ذلك, فيكون ذلك عليه مع ما سمى من ذلك إن كان شربها.
قال: وإن قال: علي نذر أن أفعل كذا وكذا بشيء ليس لله بطاعة ولا معصية, مثل أن يقول: لله علي أن أمشي إلى السوق أو إلى بيت فلان, أو أن أدخل الدار, أو ما أشبه ذلك من الأعمال التي ليست لله بطاعة ولا لله في فعلها معصية, فإنه إن شاء فعل وإن شاء ترك, فإن فعل فلا وفاء فيه, وإن لم يفعل فلا نذر فيه عليه ولا شيء لأن الذي ترك من ذلك ليس لله فيه طاعة فيكون ما ترك من ذلك حقا لله تركه فهذا كله قول مالك.
قال ابن وهب عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" 1.
قال ابن وهب: قال: وأخبرني رجال من أهل العلم وابن عمرو بن العاص وطاوس وزيد بن أسلم ومصعب بن عبد الله الكناني وعمرو بن الوليد بن عبدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوم الجمعة فخطب فجاءت منه التفاتة فإذا هو بأبي إسرائيل رجل من بني عامر بن لؤي قائما في الشمس, فقال: ما شأن أبي إسرائيل فأخبروه فقال: "استظل وتكلم واقعد وصل وأتم صومك"2. وقال طاوس في الحديث فنهاه عن البدع وأمره بالصيام والصلاة.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النذر حديث 8. البخاري في كتاب الأيمان والنذر باب 28.
2 رواه في الموطأ في كتاب النذر حديث 6. وسيأتي بتمامه في الصفحة التالية.

قال ابن وهب عن مالك بن أنس عن حميد بن قيس وثور بن زيد الديلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن لا يتكلم ولا يستظل ولا يجلس وأن يصوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروه فليتكلم وليجلس وليستظل وليتم صيامه"1. قال مالك: ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة وقد أمره أن يتم ما كان لله طاعة وأن يترك ما كان لله معصية.
قلت: أرأيت الرجل يقول: والله لأضربن فلانا أو لأقتلن فلانا؟ قال: يكفر يمينه ولا يفعل فإن فعل ما حلف عليه فلا كفارة عليه. قلت: أرأيت إن حلف فقال: امرأته طالق أو عبده حر أو عليه المشي إلى بيت الله إن لم أقتل فلانا أو إن لم أضرب فلانا؟ قال: أما المشي فليمش ولا يضرب فلانا ولا يقتله, وأما العتق والطلاق فإنه ينبغي للإمام أن يعتق عليه ويطلق ولا ينتظر فيه. وهذا قول مالك, وإن قتله أو ضربه في هذا كله قبل أن يطلق عليه الإمام أو يعتق أو يحنث نفسه بالمشي إلى بيت الله فلا حنث عليه.
قلت: أرأيت الرجل يقول لامرأته والله لأطلقنك. إن طلق فقد بر وإن لم يطلق فلا يحنث, إلا أن يموت الرجل أو المرأة وهو بالخيار إن شاء طلق وإن شاء كفر عن يمينه. قلت: ويجبر على الكفارة وأن يطلق في قول مالك؟ قال: لا. قلت: ولا يحال بينه وبين امرأته في قول مالك قبل أن يكفر؟ قال: لا. قلت: أفيكون بهذا موليا في قول مالك؟ قال: لا.
قال ابن مهدي عن حماد بن زيد عن ابن لعبد الله بن قتادة عن معمر عن الزهري قال: سألت سعيد بن المسيب عن رجل نذر أن لا يكلم أخاه أو بعض أهله قال: يكلمه ويكفر عن يمينه. قال ابن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري قال: سمعت ابن المسيب ورجالا من أهل العلم يقولون إذا نذر الرجل نذرا ليس فيه معصية الله, فليس فيه كفارة إلا الوفاء به.
قال ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة قال: قالت امرأة لابن عباس: إني نذرت أن لا أدخل على أخي حتى أبكي على أبي فقال: قال ابن عباس: لا نذر في معصية الله كفري عن يمينك وادخلي عليه. قلت: وما كفارته؟ قال: كفارة يمين.
قال ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة أن رجلا أتى ابن عباس وفي أنفه حلقة فضة فقال: إني نذرت أن أجعلها في أنفي. فقال: ألقها ولم يذكر فيها كفارة. قال ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال: سألت ابن عمر قلت: إني نذرت أن لا أدخل على أخي. فقال: لا نذر في معصية كفر عن يمينك وادخل على أخيك.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النذر حديث 6. البخاري في كتاب الأيمان باب 31.

قال ابن مهدي عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم في رجل حلف أن لا يصل رحمه. قال: يكفر عن يمينه ويصل رحمه. قال ابن مهدي عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم قال: كل يمين في معصية الله فعليه الكفارة.

الرجل يحلف على أمر أن لا يفعله أو ليفعلنه
قلت: أرأيت إن قال: والله لأضربن فلانا ولم يوقت لذلك أجلا أو وقت في ذلك أجلا. قال: أرى إذا لم يوقت في ذلك أجلا فليكفر عن يمينه ولا يضرب فلانا, وإن وقت لذلك أجلا فلا يكفر حتى يمضي الأجل, لأني سألت مالكا عن الذي يقول لامرأته أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك. فأراد أن لا يتزوج عليها. قال مالك: يطلقها تطليقة ويرتجعها ولا شيء عليه, ولأني سمعت مالكا يقول في الذي يقول لامرأته: أنت طالق تطليقة إن لم أتزوج عليك إلى شهر. قال مالك: هو على بر فليطأها, فإذا كان على بر فليس له أن يحنث نفسه قبل أن يحنث, لأنه إنما يحنث حين يمضي الأجل, وإن الذي لم يوقت الأجل إنما هو على حنث من يوم يحلف, ولذلك قيل له كفر.
قلت: أرأيت إن قال: والله لا أضرب فلانا قال: هذا لا يحنث حتى يضرب فلانا. وأصل هذا كله في قول مالك أن من حلف على شيء ليفعلنه فهو على حنث حتى يفعله لأنا لا ندري أيفعله أم لا. قال: ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق إن لم أدخل دار فلان أو إن لم أضرب فلانا فإنه يحال بينه وبين امرأته, ويقال له: افعل ما حلفت عليه وإلا دخل عليك الإيلاء, فهذا يدلك على أنه حنث حتى يبر لأنا لا ندري أيفعل ما حلف عليه أم لا.
قال: ومن حلف على شيء أن لا يفعله فهو على بر حتى يفعله, ألا ترى أنه لو حلف بالطلاق أن لا يدخل دار فلان أنه لا يحال بينه وبين امرأته, وكذلك قال مالك: فهذا يدلك على أنه على بر حتى يحنث وهذا كله قول مالك.

الرجل يحلف في الشيء الواحد يردد فيه الأيمان
قلت: أرأيت لو أنه قال لأربع نسوة له: والله لا أجامعكن فجامع واحدة منهن أيكون حانثا في قول مالك؟ قال: نعم قلت له: فله أن يجامع البواقي قبل أن يكفر؟ قال: قد كان له أن يجامعهن كلهن قبل أن يكفر وإنما تجب عليه كفارة واحدة عند مالك في جماعهن كلهن أو في جماع واحدة منهن

الكفارة قبل الحنث
قلت: أرأيت إن حلف بالله فأراد أن يكفر قبل الحنث أيجزئ ذلك عنه أم لا؟ قال: أما قولك يجزئ عنه فإنا لم نوقف مالكا عليه, إلا أنه كان يقول: لا تجب عليه الكفارة إلا بعد الحنث, قال مالك: ولا أحب لأحد أن يكفر قبل الحنث, فاختلفنا في الإيلاء أيجزئ عنه إذا كفر قبل الحنث فسألنا مالكا عن ذلك فقال: أعجب إلي أن لا يكفر إلا بعد الحنث, فإن فعل أجزأ ذلك عنه واليمين بالله أيسر من الإيلاء وأراها مجزئة عنه إن هو كفر قبل الحنث. قلت: أرأيت إن حلف فصام وهو معسر قبل أن يحنث فحنث وهو موسر؟ قال: إنما سألنا مالكا فيمن كفر قبل الحنث فرأى أن ذلك مجزئ عنه وكان أحب إليه أن يكفر بعد الحنث, والذي سألت عنه مثله, وهو مجزئ عنه وإنما وقفنا مالكا عن الكفارة قبل الحنث في الإيلاء فقال: بعد الحنث أحب إلي, وأراه مجزئا عنه إن فعل فأما الأيمان بالله في غير الإيلاء فلم نوقف مالكا عليه, وقد بلغني عنه أنه قال: إن فعل رجوت أن يجزئ عنه.
قال مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل"1.
قال ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع قال كان عبد الله بن عمر ربما حنث ثم يكفر وربما قدم الكفارة ثم حنث. قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول: الحنث قبل الكفارة أحب إلي وإن كفر ثم حنث لم أر عليه شيئا.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النذر حديث 11. مسلم في كتاب الأيمان حديث 12.

الرجل يحلف أن لا يفعل شيئا حينا أو زمانا أو دهرا
قلت: أرأيت إن قال: والله لأقضينك حقك إلى حين, كم الحين عند مالك؟ قال:

كفارة العبد عن يمينه
قلت: أرأيت العبد إذا حنث في يمينه بالله أيجزئه أن يكسو عنه السيد أو يطعم؟ قال: قال مالك: الصوم أحب إلي وإن أذن له سيده فأطعم أو كسا أجزأه وما هو عندي بالبين وفي قلبي منه شيء والصيام أحب إلي قال ابن القاسم: وأرجو أن يجزئ عنه إن فعل وما هو عندي بالبين, وأما العتق فإنه لا يجزئه
قلت: كم يصوم العبد في كفارة اليمين. قال: مثل صيام الحر.
قلت: والعبد في جميع الكفارات مثل الحر في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت من حلف فحنث في اليمين بالله وهو عبد فأعتق فأيسر فأراد أن يعتق عن يمينه أيجزئه أم لا؟ قال: هو مجزئ عنه ولم أسمعه من مالك وإنما منع العبد أن يعتق وهو عبد لأن الولاء كان لغيره. قال ابن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي أسلم عن مجاهد قال: ليس على العبد إلا الصوم والصلاة.

كفارة اليمين أو إطعام كفارة اليمين
قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الحنطة في كفارة اليمين أتغربل؟ قال: إذا كانت نقية من التراب والتبن فأراها تجزئ, وإن كانت مغلوثة بالتبن فإنها لا تجزئ, حتى يخرج ما فيها من التبن والتراب.
قلت: أرأيت كم إطعام المساكين في كفارة اليمين؟ قال: قال مالك: مد مد لكل مسكين. قال مالك: وأما عندنا هاهنا فليكفر بمد النبي عليه الصلاة والسلام في اليمين بالله مد مد, وأما أهل البلدان فإن لهم عيشا غير عيشنا فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم, يقول الله: {أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]. قلت: ولا ينظر

إعطاء الذمي والغني والعبد وذوي القرابة من الطعام
قلت: أرأيت أهل الذمة أيطعمهم من الكفارة؟ قال: لا يطعمهم منها ولا من شيء من الكفارات ولا العبيد وإن أطعمهم لم يجز عنه. قلت: أرأيت إن أكسى أو أطعم عبد رجل محتاج أيجزئ عنه أم لا في قول مالك؟ قال: لا يجزئ عنه لأن مالكا قال: لا يجزئ أن يطعم عبدا. قلت: ويجزئ أن يطعم في الكفارات أم ولد رجل فقير؟ فقال: لا يجزئ لأنها بمنزلة العبد. قلت أرأيت إن أطعم غنيا وهو لا يعلم ثم علم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا يجزئه لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه {عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وهذا الغني ليس بمسكين فقد تبين له أنه أعطاه غير أهله الذين فرض الله لهم الكفارة فهو لا يجزئه.
قلت: أرأيت من له المسكن والخادم أيعطى من كفارة اليمين أم لا؟ فقال: سألت مالكا عن الرجل يعطي منها من له المسكن والخادم, فقال: أما من له المسكن الذي لا فضل في ثمنه والخادم التي تكف وجه أهل البيت التي لا فضل في ثمنها فأرى أن يعطى من الزكاة, وأرى كفارة اليمين بهذه المنزلة لأن الله تبارك اسمه قال في الإطعام في الكفارة {عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} فالأمر فيهما واحد في هذا. وقال في الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]. فهم هاهنا مساكين وها هنا مساكين. قلت: أرأيت إن أطعم ذا رحم محرم أيجزئه في الكفارة في قول مالك؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل تجب عليه الكفارة أيعطيها ذا قرابة إليه ممن لا تلزمه نفقتهم؟ قال: ما يعجبني ذلك. قلت: فإن

أعطاهم أيجزئه ذلك أم لا؟ قال: أرى إن كان فقيرا أجزأه. قلت: وجميع الكفارات في هذا سواء. قال: الذي سألت مالكا إنما هو عن كفارة اليمين وأراها كلها هي والزكاة سواء لأنه محمل واحد. قال: وأخبرني ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع أنه قال: لا يطعم نصراني في كفارة يمين. قال: وقال ربيعة وغيره من أهل العلم: إنه لا يعطى منها يهودي ولا نصراني ولا عبد شيئا. وقال الليث مثله.
قال ابن مهدي عن إسرائيل عن مهدي عن ليث عن مجاهد قال: لا يتصدق إلا على أهل دينه. قال ابن مهدي عن إسرائيل عن جابر عن الحكم قال: لا يتصدق عليهم. وقال الحكم: لا يجزئ إلا مساكين مسلمين. قال ابن مهدي عن حماد بن زيد قال: سألت أيوب عن الأخ أيعطيه من كفارة اليمين؟ قال: أمن عياله؟ قلت: لا. قال: نعم. قلت: فما تعلم أحدا من القرابة لا يعطى؟ قال: الغني قلت: فالأب؟ قال: لا يعطى. قال سحنون: وقد كره ابن المسيب ومالك إعطاء القريب من الزكاة.

تخيير التكفير في كفارة اليمين
قلت: أرأيت من حنث في اليمين بالله أهو مخير في أن يكسو أو يطعم أو يعتق في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يقدر على شيء صام؟ قال: نعم. قلت: وهل يجوز له أن يصوم وهو يقدر على أن يطعم أو يكسو أو يعتق؟ قال: لا يجزئه أن يصوم وهو يقدر على شيء. قال: وأخبرني ابن وهب عن عثمان بن الحكم الجذامي عن يحيى بن سعيد. أنه قال في كفارة الأيمان إن شاء أطعم وإن شاء أعتق, وإن شاء كسا, فإن لم يجد شيئا من هذه الثلاث صام ثلاثة أيام. وقال ابن شهاب مثله وقال ابن المسيب مثله وغيره من أهل العلم وقالوا: كل شيء في القرآن. أو أو فصاحبه مخير أي ذلك شاء فعل. قال ابن مهدي عن سفيان عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: كل شيء في القرآن أو فهو مخير وما كان فمن لم يجد يبدأ بالأول فالأول وقاله عطاء بن أبي رباح وقال أبو هريرة إنما الصيام لمن لم يجد في كفارة اليمين.

الصيام في كفارة اليمين
قلت: أرأيت الصيام في كفارة اليمين أمتتابع في قول مالك أم لا؟ قال: إن تابع فحسن وإن لم يتابع أجزأ عنه عند مالك. قلت: أرأيت إن أكل في صيام كفارة اليمين أو

كفارة الموسر بالصيام
قلت: أرأيت من كان ماله غائبا عنه أيجزئه أن يكفر كفارة اليمين بالصيام؟ قال: لا, ولكن يتسلف. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن حنث في يمينه فأراد أن يكفر وله مال وعليه دين مثله أيجزئه أن يصوم في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا. ولكن إذا كان عليه من الدين مثل جميع ما في يديه, ولا مال له غيره أجزأه الصوم. قلت: أرأيت إن كانت له دار يسكنها أو خادم أيجزئه الصوم في قول مالك. في كفارة اليمين؟ قال: لا يجزئه.
قلت: أرأيت من كان عليه ظهار وله دار أو خادم أيجزئه الصوم أم لا؟ قال: لا يجزئه وإنما جعل الله الصوم لمن لم يجد كفارة اليمين كما جعل الصيام في الظهار لمن يجد رقبة. قال ابن مهدي عن سفيان عن جابر عن الحكم في رجل عليه رقبة وله رقبة ليس له غيرها قال: يعتقها.

كفارة اليمين بالكسوة
قلت: أرأيت الرجال كم يكسوهم في قول مالك؟ قال: ثوبا ثوبا. قلت: فهل تجزئ العمامة وحدها؟ قال: لا يجزئ إلا ما تحل فيه الصلاة لأن مالكا قال في المرأة: لا يجزئ أن يكسوها في كفارة اليمين إلا ما يحل لها الصلاة فيه الدرع والخمار.
قال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: ثوبا لكل مسكين في كفارة اليمين. قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن مجاهد وسعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد وغيرهم من أهل العلم مثله. قال ابن مهدي عن سفيان وشعبة عن المغيرة وإبراهيم قال: ثوبا جامعا. قال سفيان عن يونس عن الحسن قال ثوبان قال ابن مهدي عن سفيان عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: عمامة يلف بها رأسه وعباءة يلتحف بها. قال سحنون: إذا كتبت هذا كقول مالك ثوبان للمرأة لأنه أدنى ما يصلى به.

كفارة اليمين بالعتق
قلت : أرأيت المولود والرضيع هل يجزيان في عتق كفارة اليمين؟ قال: وقال مالك: من صلى وصام أحب إلي وإن لم يجد غيره وكان ذلك من قصر النفقة رأيت أن يجزئ. قال مالك: والأعجمي الذي قد أجاب الإسلام عندي كذلك وغيره أحب إلي فإن لم يجد غيره أجزأ عنه.
قلت: وما وصفت لي من الرقاب في كفارة الظهار هو يجزئ في اليمين بالله؟ قال: سألت مالكا عن العتق في الرقاب الواجبة وما أشبهها فمحملها كلها عندي سواء كفارة اليمين وكفارة الظهار وغيرهما سواء يجزئ في هذا ما يجزئ في هذا. قلت: أرأيت أقطع اليد والرجل أيجزئه عند مالك؟ قال: سئل مالك عن الأعرج فكرهه مرة وأجازه مرة وآخر قوله أنه قال: إذا كان عرجا خفيفا فإنه جائز وإن كان عرجا شديدا فلا يجزئ والأقطع اليد لا شك فيه أنه لا يجزئه.
قلت: أرأيت المدبر والمكاتب وأم الولد والمعتق إلى سنين هل تجزئ في الكفارة قال: لا يجزئ عند مالك في الكفارة شيء من هؤلاء. قلت: فإن اشترى أباه أو ولده أو ولد ولده أو أحدا من أجداده أيجزئ أحد من هؤلاء في الكفارة؟ قال: سألت مالكا عنه فقال: لا يجزئ في الكفارة أحد ممن يعتق عليه إذا ملكه من ذوي القرابة لأنه إذا اشتراه

لا يقع له عليه ملك إنما يعتق باشترائه إياه. قال مالك: ولا أحب له أن يعتق في عتق واجب إلا ما كان يملكه بعد ابتياع ولا يعتق عليه.
قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل أعتق عني عبدك في كفارة اليمين أو كفر عني فيعتق عنه أو يطعم عنه أو يكسو؟ قال: ذلك يجزئه عند مالك. قلت: فإن هو كفر عنه من غير أن يأمره؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا أو أراه يجزئ ألا ترى أن الرجل يموت وعليه كفارة من ظهار أو غير ذلك فيكفر عنه أهله أو غيرهم فيجوز ذلك. قلت: وهذا قول مالك أن هذا يجزئه في الميت؟ قال: نعم في الميت هو قوله. قلت: أرأيت إن اشترى الرجل امرأته وهي حامل منه أتجزئ عنه في شيء من الكفارات إذا أعتقها قبل أن تضع حملها في قول مالك؟ قال: لا تجزئ عنه لأن مالكا جعلها أم ولد بذلك الحمل حين اشتراها.
قال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في المدبر لا يجزئ قال ابن وهب وقال عبد الجبار عن ربيعة لا يجزئ المكاتب ولا أم الولد في شيء من الرقاب الواجبة وقاله الليث. وقال ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن وعطاء في الموضع تجزئ في الكفارة.
قال ابن وهب عن مالك وسفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رجلا من الأنصار أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوليدة سوداء فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟" قالت: نعم, قال: "أتشهدين أن محمدا رسول الله؟" قالت: نعم, قال: فتوقنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم, قال: "أعتقها1".
قال ابن وهب عن مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية كانت ترعى غنما فقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت: أكلها الذئب, فأسفت وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فقالت: هو في السماء. ثم قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله, قال: "فأعتقها"2 . قال ابن وهب وقال مالك: أحسن ما سمعت في الرقبة الواجبة أنه لا يشتريها الذي يعتقها بشرط على أن يعتقها لأن تلك ليست برقبة تامة وفيها شرط يوضع عنه من ثمنها للشرط. قال ابن وهب: قال مالك: ولا بأس أن يشرط للتطوع. قال ابن وهب: قال مالك: وبلغني أن عبد الله بن عمر سئل عن الرقبة الواجبة
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العتق والولاء حديث 9.
2 رواه في الموطأ في كتاب العتق والولاء حديث 8.

هل تشترى بشرط؟ فقال: لا. وقال الحسن والشعبي: لا يجزئ الأعمى وقاله النخعي أيضا. وقال عطاء: لا يجزئ أشل ولا أعرج ولا صبي لم يولد في الإسلام من حديث بشر بن منصور عن جريج عن عطاء.
قال ابن مهدي وقال سفيان عن المغيرة عن إبراهيم وجابر عن الشعبي قال: لا تجزئ أم ولد في الواجب. قال ابن مهدي عن ابن المبارك عن الأوزاعي قال: سألت إبراهيم النخعي عن المرضع أتجزئه في كفارة الدم قال: نعم. قال ابن وهب عن عبد الجبار عن ربيعة أنه قال: لا يجزئ عنه إلا مؤمنة. وقال عطاء: لا تجزئ إلا مؤمنة صحيحة. وقال يحيى بن سعيد لا يجوز أشل ولا أعمى. وقال ابن شهاب لا يجوز أعمى ولا أبرص ولا مجنون.

تفريق كفارة اليمين
قلت: أرأيت إن كسا وأعتق وأطعم عن ثلاثة أيمان ولم ينو الإطعام عن واحدة من الأيمان ولا الكسوة ولا العتق إلا أنه نوى بذلك الأيمان كلها؟ قال: يجزئه عند مالك لأن هذه الكفارات كلها إنما هي عن الأيمان التي كانت بالله فذلك يجزئه. قلت: وكذلك إذا أعتق رقبة ولم ينو به عن أي أيمانه يعتقها, إلا أنه نوى بعتقها عن إحدى هذه الأيمان وليست بعينها, وقد كانت أيمانه تلك كلها بأشياء مختلفة إلا أنها كلها بالله أتجزئه في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن أطعم خمسة مساكين وكسا خمسة أيجزئه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا يجزئه لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}[ المائدة: 89] فلا يجزئ أن يكون بعض من هذا وبعض من هذا لا يجزئ إلا أن يكون نوعا واحدا.

الرجل يعطي المساكين قيمة كفارة يمينه
قلت: أرأيت إن أعطى المساكين قيمة الثياب أيجزئ أم لا؟ قال: لا يجزئ عند مالك. قال ابن مهدي عن سفيان عن جابر قال: سألت عامر الشعبي عن رجل حلف على يمين فحنث هل يجزئ عنه أن يعطي ثلاثة مساكين أربعة دراهم قال: لا يجزئ عنه إلا أن يطعم عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم.

بنيان المساجد وتكفين الأموات من كفارة اليمين
قلت: أرأيت إن أعطى من كفارة يمينه في ثياب أكفان الموتى أو في بناء المساجد أو في قضاء دين أو في عتق رقبة أيجزئه في قول مالك؟ قال: لا يجزئه عند مالك ولا يجزئه إلا ما قال الله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]. فلا يجزئ إلا ما قال الله ثم قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّا} [مريم: من الآية64]. قلت: أرأيت إن وهبت له كفارته أو تصدق بها عليه أو اشتراها أكان مالك يكره له ذلك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكن مالكا كان يكره للرجل أن يشتري صدقة التطوع فهذا أشد الكراهية وذلك رأيي. قلت: وقد كان يكره أن يقبل الرجل صدقة التطوع؟ قال: نعم, وقد جاء هذا عن عمر بن الخطاب وهذا مثبت في كتاب الزكاة.

الرجل يحلف أن لا يأكل طعاما فيأكل بعضه أو يشتريه
أو يحوله عن حاله تلك إلى حال آخر فيأكله
قلت: أرأيت إن قال: والله لا آكل هذا الرغيف فأكل بعضه أيحنث في قول مالك. قال: قال مالك: نعم. قلت: أرأيت إن حلف ليأكل هذه الرمانة فأكل نصفها وترك نصفها أيحنث أم لا قال: يحنث. قلت: وهذا قول مالك قال: نعم. قلت: أرأيت إن حلف ليأكلن هذا الرغيف اليوم فأكل اليوم نصفه وغدا نصفه. قال: أراه حانثا ولم أسمع من مالك في هذه الأشياء شيئا ولكنا نحمل الحنث على من وجدنا حانثا في حال. قلت: أرأيت الرجل يحلف أن لا يأكل هذا الدقيق فأكل خبزا خبز من ذلك الدقيق أيحنث أم لا في قول مالك أو حلف أن لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة فأكل سويقا عمل من تلك الحنطة أو خبزا خبز من تلك الحنطة أو الحنطة بعينها صحيحة أو أكل الدقيق بعينه, أيحنث أم لا في هذا كله في قول مالك؟ قال ابن القاسم هذا حانث في هذا كله لأن هذا كهذا يؤكل.
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل من هذا الطلع فأكل منه بسرا أو رطبا أو تمرا أيحنث في قول مالك؟ قال: إن كان نيته أن لا يأكل من الطلع بعينه وليس نيته على غيره فلا شيء عليه وإن لم تكن له نية فلا يقربه. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل من هذا اللبن فأكل من جبنه أو من زبده؟ قال: هذا مثل الأول إن لم تكن له نية, كما أخبرتك فهو حانث. قلت: أرأيت إن حلف فقال: والله لا

آكل من هذه الحنطة فزرعت فأكل من حب خرج منها؟ قال: قال مالك في الذي حلف أن لا يأكل من هذا الطعام فبيع فاشترى من ثمنه طعاما آخر. قال مالك: لا يأكل منه إذا كان على وجه المن وإن كان بكراهية الطعام لخبثه ورداءته أو سوء صنعته قال مالك: فلا أرى بأسا فقس مسألتك في الزرع على هذا إن كان على وجه المن فلا يأكل مما يخرج منه وإن كان لرداءة الحب فلا بأس أن يأكل مما يخرج منها.
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يشرب هذا السويق فأكله أيحنث؟ قال: إن كان إنما كره شربه لأذى يصيبه منه مثل المغص يصيبه عليه أو النفخ أو الشيء, فلا أراه حانثا إن هو أكله, وإن لم تكن له نية فإن أكله أو شربه حنث. قلت: أرأيت إن قال والله لا آكل هذا اللبن فشربه أيحنث في قول مالك أم لا؟ قال: قد أخبرتك في هذه الأشياء إن لم تكن له نية حنث وإن كانت له نية فله نيته.
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل سمنا فأكل سويقا ملتوتا بسمن فوجد فيه طعم السمن أو ريح السمن؟ قال: هذا مثل ما أخبرتك إن كانت له نية في ذلك السمن الخالص وحده بعينه فله نيته ولا يحنث وإن لم تكن له نية فهو حانث وقد فسرت لك. قلت: فإن لم يجد ريح السمن ولا طعمه في السويق؟ قال: لا يراد من هذا ريح ولا طعم وهو على ما أخبرتك وفسرت لك. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل خلا فأكل مرقا فيه خل؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا أرى فيه حنثا إلا أن يكون أراد أن لا يأكل طعاما داخله الخل.
قال ابن مهدي عن المغيرة عن إبراهيم قال: سئل عن رجل قال: كل شيء يلبسه من غزل امرأته فهو يهديه أيبيع غزلها ويشتري به ثوبا فيلبسه؟ قال إبراهيم: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها.

الرجل يحلف أن لا يهدم البئر فيهدم منها حجرا
أو يحلف أن لا يأكل طعامين فيأكل أحدهما
قلت: أرأيت الرجل يحلف أن لا يهدم هذه البئر فيهدم منها حجرا واحدا؟ قال: قال مالك: هو حانث إلا أن يكون له نية في هدمها كلها.
قلت: أرأيت إن قال: والله لا آكل خبزا وزيتا أو قال: والله لا أكلت خبزا وجبنا فأكل أحدهما أيحنث في قول مالك أم لا ولا نية له؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا

إلا أن مالكا قال: من حلف أن لا يأكل شيئين فأكل أحدهما أو قال: لا أفعل فعلين ففعل أحدهما حنث, فإن كان هذا الذي قال: لا آكل خبزا وزيتا أو خبزا أو جبنا لم تكن له نية فقد حنث وإن كانت له نية أن لا يأكل خبزا بزيت أو خبزا بجبن وإنما كره أن يجمعهما لم يحنث.

الذي يحلف أن لا يأكل طعاما فذاقه أو أكل ما يخرج منه
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل طعاما فذاقه, ولا يشرب شراب كذا وكذا فذاقه, أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال ابن القاسم: إن لم يكن يصل إلى جوفه لم يحنث. قلت: أرأيت إن قال: والله لا أكلت من هذه النخلة بسرا أو قال: والله لا أكلت بسر هذه النخلة فأكل من بلحها أيحنث أم لا؟ قال: لا يحنث. قلت: أرأيت إن قال: والله لا آكل لحما ولا نية له فأكل حيتانا. قال: بلغني عن مالك أنه قال: هو حانث لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً}[النحل: من الآية14]. قال مالك: إلا أن يكون له نية فله ما نوى.
قلت: أرأيت إن حلف أن يأكل رءوسا فأكل رءوس السمك أو حلف أن لا يأكل بيضا فأكل بيض السمك أو بيض الطير سوى الدجاج أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال ابن القاسم: إنما ينظر إلى الذي جرت يمينه ما هو فيحمله عليه لأن للأيمان بساطا فيحمل الناس على ذلك فإن لم يكن ليمينه كلام يستدل به على ما أراد بيمينه ولم تكن له نية لزمه في كل ما يقع عليه ذلك الاسم الحنث وقد أخبرتك في اللحم أنه إن أكل الحيتان حنث إن لم تكن له نية وإنما اللحم عند الناس ما قد علمت.
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: من حلف أن لا يأكل لحما فأكل شحما فإنه يحنث. قلت: فشحم الثروب وغيرها من الشحوم سواء في هذا؟ قال: الشحم كله عند مالك من اللحم إلا أن يكون له نية أن يقول إنما أردت اللحم بعينه. قال مالك: ومن حلف أن لا يأكل شحما فأكل لحما فلا شيء عليه ومن حلف أن لا يأكل اللحم فأكل الشحم حنث فلا يأكل الشحم لأن الشحم من اللحم.
قال ابن مهدي عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم قال: من حلف أن لا يأكل الشحم فليأكل اللحم ومن حلف أن لا يأكل اللحم فلا يأكل الشحم لأن الشحم من اللحم.

الرجل يحلف أن لا يكلم فلانا فسلم عليه
الرجل يحلف أن لا يكلم فلانا فيرسل إليه رسولا أو يكتب إليه كتابا
الرجل يحلف أن لا يكلم فلانا فيرسل إليه رسولا أو يكتب إليه كتابا
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يكلم فلانا, فأرسل إليه رسولا أو كتب إليه كتابا؟ قال: قال مالك: إن كتب إليه كتابا حنث وإن أرسل إليه رسولا حنث, إلا أن يكون له نية على مشافهته. قلت: أرأيت إن كان في الكتاب له نية على المشافهة؟ قال: قال مالك: في هذا مرة إن كان نوى فله نيته ثم رجع بعد ذلك فقال: لا أرى أن أنويه في الكتاب وأراه في الكتاب حانثا. قال مالك: وإن كتب إليه فأخذ الكتاب قبل أن يصل إلى المحلوف عليه فلا أرى عليه حنثا وهو آخر قوله.

الرجل يحلف أن لا يساكن رجلا
قلت: أرأيت الرجل يحلف أن لا يساكن فلانا, فسكنا في دار فيها مقاصير, فسكن هذا في مقصورة وهذا في مقصورة أيحنث أم لا؟ قال: إن كانا في دار واحدة وكل واحد منهما في منزله والدار تجمعهما فأراه حانثا في مسألتك, وكذلك سمعت مالكا يقول: وإن كانا في بيت واحد رفيقين فحلف أن لا يساكنه فانتقل عنه إلى منزل في الدار يكون

مدخله ومخرجه ومرافقه في حوائجه ومنافعه على حدة, فلا حنث عليه إلا أن يكون نوى الخروج من الدار, لأني سمعت مالكا يقول. وسأله رجل عن امرأة له وأخت له كانتا ساكنتين في منزل واحد وحجرة واحدة فوقع بينهما ما يقع بين النساء من الشر, فحلف الرجل بطلاق امرأته أن لا يساكن إحداهما صاحبتها, فتكارى منزلا سفلا وعلوا ولكل منزل منهما مرفقه على حدة مرحاضه ومغتسله ومطبخه ومدخله ومخرجه على حدة إلا أن سلم العلوي في الدار يجمعهما باب الدار يدخلان منه ويخرجان منه. قال مالك لا أرى عليه حنثا إذا كانا كذا معتزلين هكذا.
قلت: أرأيت إن قال: والله لا أساكنك فسكنا في قرية أيحنث أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أراه يحنث إلا إن كان معه في دار. قلت: وكذلك لو ساكنه في مدينة من المدائن؟ قال: نعم لا حنث عليه إلا أن يساكنه في دار. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يساكنه فزاره؟ قال: قال مالك: ليست الزيارة سكنى, قال مالك: وينظر في ذلك إلى ما كانت عليه أول يمينه فإن كان إنما ذلك لما يدخل بين العيال والصبيان والنساء فذلك عندي أخف, وإن كان إنما أراد التنحي عنه فهو عندي أشد.

الرجل يحلف أن لا يسكن دار رجل
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يسكن هذه الدار وهو فيها ساكن متى يؤمر بالخروج في قول مالك؟ قال: قال مالك: يخرج ساعة يحلف, فإن كانت يمينه في جوف الليل, قال: قال مالك: فأرى أن يخرج تلك الساعة فراجعه ابن كنانة فيها فقال له: ألا ترى له أن يمكث حتى يصبح؟ قال مالك: إن كان نوى ذلك وإلا انتقل تلك الساعة. فرأيته حين راجعه ابن كنانة راجعه فيها مرارا فلم يجبه على هذا ولم يسأله إن أقام حتى يصبح فرأيته يراه حانثا إن أقام حتى يصبح إن لم يكن له نية أنه حانث وذلك رأيي. فقلت لمالك: فإن كانت له نية حتى يصبح أيقيم يلتمس مسكنا بعد ما أصبح؟ قال: قال مالك: يتعجل ما استطاع, قيل له أنه لا يجد مسكنا, قال: هو يجده ولكنه لعله أن لا يجده إلا بالغلاء أو الموضع الذي لا يوافقه فلينتقل ولا يقم وإن كان إلى مثل هذه المواضع فلينتقل إليه حتى يجد على مهل فإن لم ينتقل رأيته حانثا.

فباعها فلان أيحنث إن سكن أم لا؟ قال: أرى أن لا يسكن هذه الدار إذا سماها بعينها وإن خرجت من ملك واحد بعد واحد إلا أن يكون أراد ما دامت في ملك المحلوف عليه فإن سكن حنث فهذا حين حلف أن لا يسكن دار فلان هذه فإن كان أراد أن لا يسكن هذه الدار فلا يسكنها أبدا فإن سكنها حنث. قال: وإن كان إذا أراد ما دامت لفلان فإن خرجت من ملك فلان فلا بأس عليه في سكناها.
قلت: فإن قال والله لا أسكن دار فلان فباعها فلان؟ قال: أرى أنه لا يحنث إن سكنها إلا أن يكون نوى أن لا يسكنها وإن خرجت من ملكه. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يسكن دار فلان فسكن دارا بين فلان ورجل آخر أيحنث أم لا؟ قال: نعم يحنث لأني سمعت مالكا يقول في رجل قال لامرأته أنت طالق إن كسوتك هذين الثوبين ونيته أن لا يكسوها إياهما جميعا فكساها أحدهما أنها قد طلقت عليه.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته إن سكنت هذه الدار وهي فيها ساكنة فأنت طالق؟ قال: تخرج فإن تمادت في سكناها يحنث. فكذلك اللباس والركوب إذا كانت راكبة أو لابسة فإن هي ثبتت على الدابة أو لم تنزع اللباس مكانها من فورها فهي طالق.

الرجل يحلف أن لا يدخل بيتا أو لا يسكن بيتا
قلت: أرأيت إن قال: والله لا أسكن بيتا ولا نية له وهو من أهل القرى أو من أهل الحاضرة فسكن بيتا من بيوت الشعر أتراه حانثا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه إن لم تكن له نية فهو حانث لأن الله تبارك وتعالى يقول: {بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: 80]. فقد سماها الله بيوتا. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ما له مال ولا مال له يعلمه فيكون قد وقع له ميراث بأرض قبل يمينه. قال مالك: إن كان لم ينو حين حلف أنه ما له مال يعلمه فأرى أنه قد حنث وإن كان نوى حين نوى أنه ما له مال يعني ما لا يعلمه لم يحنث.

الرجل يحلف أن لا يدخل على رجل بيتا
قلت: أرأيت رجلا حلف أن لا يدخل على رجل بيتا, فدخل عليه في المسجد أيحنث أم لا؟ قال: لا يحنث, قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قد بلغني عن مالك أنه قال: لا حنث على هذا وليس على هذا حلف. قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا

الرجل حلف أن لا يدخل دارا بعينها أو بغير عينها
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت حتى صارت طريقا أو خربة من الخرائب يذهب الناس فيها يخرقونها ذاهبين وجائين؟ قال: أرى إذا تهدمت وخربت حتى تصير طريقا فدخلها لم يحنث قلت: فلو بنيت بعد ذلك دارا؟ قال: لا يدخلها لأنها حين بنيت بعد فقد صارت دارا. قلت: أرأيت إن كان حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل بيت فلان المحلوف عليه وإنما فلان ساكن في ذلك البيت بكراء أيحنث أم لا؟ قال: أرى المنزل منزل الرجل بكراء كان فيه أو بغير كراء ويحنث هذا الحالف إن دخلها.
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يدخل دار فلان فقام على ظهر بيت منها أيحنث أم لا؟ قال: يحنث
قلت: أرأيت إن قال: والله لا أدخل من باب هذه الدار فحول بابها فدخل من بابها هذا المحدث أيحنث أم لا؟ قال: يحنث. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا, وهو رأيي إلا أن يكون كره الدخول من ذلك الباب لضيق أو لسوء ممر أو ممر على أحد ولم يكره دخول الدار بعينها, فإن هذا إذا حول الباب ودخل لم يحنث.
قلت: أرأيت إن قال: والله لا أدخل من هذا الباب فأغلق ذلك الباب وفتح له باب آخر فدخل من ذلك الباب الذي فتح أيحنث أم لا؟ قال: يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يدخل من هذا الباب وإنما أراد ذلك الباب بعينه ولم يرد دخول الدار, فإن لم تكن هذه نيته فهو حانث لأن نيته هاهنا إنما وقعت على أن لا يدخل هذه الدار. قلت: أرأيت من حلف أن لا يدخل دار فلان فاحتمله إنسان فأدخله أيحنث أم لا؟ قال: قال مالك وغيره من أهل العلم: إنه لا يحنث. قلت: أرأيت إن قال احتملوني فأدخلوني ففعلوا؟ قال: هذا حانث لا شك فيه.

الرجل يحلف أن لا يأكل طعام رجل
قلت: أرأيت إن قال: والله لا آكل من طعام فلان, فباع فلان طعامه ثم أكل من ذلك الطعام؟ قال: فإنه لا يحنث إلا أن يحلف: لا أكلت من هذا الطعام بعينه. فإنه لا يأكل منه وإن خرج من ملك فلان ذلك الرجل فإن أكل منه حنث وإن انتقل من ملك رجل إلى ملك آخر إلا أن يكون نوى ما دام في يده قلت: أرأيت إن قال: والله لا آكل من طعام فلان ولا ألبس من ثياب فلان ولا أدخل دار فلان. فاشترى هذا الحالف هذه الأشياء من فلان فأكلها أو لبسها أو دخلها بعد الاشتراء؟ قال: ليس عليه شيء إلا أن يكون نواه بعينه أن لا يأكله. قلت: فإن وهب هذا المحلوف عليه هذه الأشياء للحالف أو تصدق بها عليه فقبلها وأكلها أو لبس أو دخل الدار أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: ما يعجبني وما سمعت من مالك فيه شيئا ولكني إنما كرهته لك لأن هذا إنما يكره لوجه المن.
قال ابن القاسم: ألا ترى أنه إذا وهب له الهبة من الواهب عليه وإن اشترى منه فلا منة للبائع عليه ولا يعجبني هذا وأراه حانثا إن كان إنما كره منه إن فعل. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه سئل عن رجل حلف أن لا يأكل لرجل طعاما فدخل ابن الحالف على المحلوف عليه فأعطاه خبزا ثم خرج به الصبي إلى منزل أبيه فتناوله أبوه منه فأكل منه وهو لا يعلم, فسئل مالك عن ذلك فقال: أراه حانثا
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل من طعام يشتريه فلان فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر معه أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: أراه حانثا. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يأكل هذا الرغيف فأكره عليه فأكله؟ قال: لا يحنث في رأيي. قلت: فإن أكره فحلف أن لا يأكل كذا وكذا فأكله أيحنث أم لا؟ قال: لا يحنث عند مالك والمكره عند مالك على اليمين ليس يمينه بيمين.

الرجل يحلف أن لا تخرج امرأته إلا بإذنه أو لا يأذن لامرأته أن تخرج
قلت: أرأيت إن حلف أن لا تخرج امرأته من الدار إلا برأيه فأذن لها حيث لا تسمع فخرجت بعد الإذن أيحنث أم لا؟ قال: بلغني أن مالكا سئل عن رجل حلف أن لا تخرج امرأته إلا بإذنه, فسافر فخاف أن تخرج بعده فقال: اشهدوا أني قد أذنت لها إن خرجت فهي على إذني, فخرجت قبل أن يأتيها الخبر, قال مالك: ما أراه إلا قد حنث. وقال مالك: ليس الذي أراد ولم أسمعه أنا من مالك ولكن بلغني ذلك عنه وهو رأيي وكذلك مسألتك.

قلت : أرأيت إن حلف رجل أن لا يأذن لامرأته أن تخرج إلا في عيادة مريض فأذن لها فخرجت في عيادة مريض, ثم عرضت لها حاجة غير العيادة وهي عند المريض فذهبت فيها أيحنث الزوج أم لا؟ قال: لا يحنث. قلت: أرأيت إن حلف لامرأته أن لا تخرج إلا في عيادة مريض فخرجت من غير أن يأذن لها إلى الحمام أو إلى غير ذلك أيحنث أم لا؟ قال: لا يحنث في رأيي لأن الزوج لم يأذن لها إلى حيث خرجت إلا أن يعلم بذلك فيتركها, فإن هو حين يعلم بذلك لم يتركها فإنه لا يحنث. قلت: وإن لم يعلم حتى فرغت من ذلك ورجعت قال: لا حنث عليه في رأيي. قال سحنون: وقد ذكر عن ربيعة شيئا مثل هذا أنه حانث في العيادة إذا أقرها لأنه قد كان يقدر على ردها فلما تركها كأنه أذن لها في خروجها.

الرجل يحلف ليقضين فلانا حقه غدا أو ليأكلن طعاما غدا
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل: والله لأقضين حقك غدا, فعجل له حقه اليوم أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحنث إن عجل له حقه قبل الأجل وإنما يحنث إذا أخر حقه بعد الأجل. قلت: فإن قال: والله لآكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم أيحنث أم لا؟ قال: نعم هو يحنث. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: لم أحنثته في هذا ولم تحنثه في الأول؟ قال: لأن هذا حلف على الفعل في ذلك اليوم والأول إنما أراد القضاء ولم يرد ذلك اليوم بعينه إنما أراد أن لا يتأخر ذلك اليوم وكذلك قال مالك فيه.

الرجل يحلف أن لا يشتري ثوبا فاشترى ثوب وشي
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يشتري ثوبا فاشترى ثوب وشي أو غيره؟ قال: إن كانت له نية فله نيته فيما بينه وبين الله وإن كانت عليه بينة واشترى ثوبا حنث إن كان حلف بالطلاق أو بالعتاق أو بشيء مما يقضي عليه القاضي به. قال ابن القاسم: لو أن رجلا حلف أن لا يدخل دارا سماها فدخلها بعد ذلك وقال: إنما نويت شهرا قال: إن كانت عليه بينة لم يقبل قوله وإن كان فيما بينه وبين الله وجاء مستفتيا فله نيته فمسألتك مثل هذه.

الرجل يحلف أن لا يلبس ثوبا
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يلبس هذا الثوب, وهو لابسه فتركه عليه بعد اليمين؟

الرجل يحلف أن لا يركب دابة رجل فيركب دابة عبده
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يركب دابة رجل فركب دابة لعبده أيحنث أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول في العبد يشتري أرقاء لو اشتراهم سيده لعتقوا عليه, قال مالك: يعتقون على سيدهم فإن كان العبد هو الذي اشتراهم لنفسه فإنهم أحرار على السيد إذا كانوا ممن يعتقون على السيد فمسألتك مثل هذا عندي أنه حانث إلا أن يكون للحالف نية لأن ما في يدي العبد لسيده. ألا ترى أن ما في يديه من الأرقاء الذين يعتقون على السيد أنهم أحرار قبل أن يأخذهم منه السيد. وقال أشهب لا حنث عليه في دابة عبده. ألا ترى أنه لو ركب دابة لابنه كان يجوز له اعتصارها لم يحنث فكذلك هذا.

الرجل يحلف ما له مال وله دين وعروض
قلت: أرأيت رجلا حلف ما له مال وله دين على الناس وعروض وغير ذلك ولا شيء له غير ذلك الدين أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: يحنث عن مالك لأني سمعت

الرجل يحلف أن لا يكلم رجلا أياما فيكلمه فيحنث ثم يكلمه أيضا
قلت : أرأيت لو أن رجلا حلف لرجل والله لا أكلمك عشرة أيام فكلمه في هذه العشرة فأحنثه ثم كلمه بعد ذلك مرة أخرى؟ قال: لا حنث عليه عند مالك بعد الحنث الأول وإن كلمه في العشرة الأيام. قال: وكذلك إن كان كلمه في هذه العشرة أيام قبل أن يكفر مرارا لم يكن عليه إلا كفارة واحدة في قول مالك؟ قال: نعم

الرجل يحلف للرجل إن علم أمرا ليخبرنه فعلماه جميعا
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف لرجل إن علم أمر كذا وكذا ليخبرنه أو ليعلمنه ذلك فعلماه جميعا أترى الحالف إن لم يعلم المحلوف له أو يعلمه حانثا في قول مالك أو يقول إذا علم المحلوف له فلا شيء على الحالف؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا بعينه وأنا أرى أن علمهما لا يخرجه من يمينه حتى يخبره أو يعلمه. ولقد سئل مالك عن رجل أسر إليه رجل سرا فاستحلفه على ذلك ليكتمنه ولا يخبر به أحدا فأخبر المحلوف له رجلا بذلك السر, فانطلق ذلك الرجل فأخبر الحالف فقال: إن فلانا أخبرني بكذا وكذا فقال الحالف: ما كنت أظن أخبر بهذا غيري ولقد أخبرني به فظن الحالف أن

الرجل يحلف أن لا يتكفل بمال أو برجل
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل أتحنثه أم لا؟ قال: الكفالة عند مالك بالنفس هي الكفالة بالمال إلا أن يكون قد اشترط وجها بلا مال فلا يحنث. قلت: أرأيت إن حلفت أن لا أتكفل لرجل بكفالة أبدا فتكفلت لوكيل له بكفالة عن رجل ولم أعلم أنه وكيل للذي حلفت له؟ قال: إذا لم تعلم بذلك ولم يكن هذا الذي تكفلت له من سبب الذي حلفت له مثل ما وصفت لك قبل في صدر الكتاب فلا حنث عليك.

الرجل يحلف ليضربن عبده مائة
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة؟ قال مالك: لا يجزئه ذلك ولا يخرجه من يمينه. قلت: أرأيت إن قال: والله ليضربن عبده مائة ضربة فضربه ضربا خفيفا؟ قال: ليس الضرب إلا ما هو الضرب الذي يؤلم. لت: أرأيت هذا الذي حلف ليضربن عبده مائة جلدة إن أخذ سوطا له رأسان أو أخذ سوطين فجعل يضربه بهما فضربه خمسين بهذا السوط الذي له رأسان أو بهذين السوطين أيجزئه من يمينه؟ قال: سألت مالكا عن الرجل الذي يجمع سوطين فيضرب بهما قال: قال مالك: لا يجزئه ذلك.

الرجل يحلف أن لا يشتري عبدا أو لا يضربه أو لا يبيعه سلعة
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يشتري عبدا فأمر غيره فاشترى له عبدا أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: نعم. يحنث عند مالك. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يضرب عبده فأمر غيره فضربه أيحنث أم لا؟ قال: هذا حانث إلا أن يكون له نية حين حلف أن لا يضربه هو نفسه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت إن حلف ليضربن عبده فأمر غيره فضربه؟ قال: هذا بار إلا أن يكون يمينه أن يضربه هو نفسه. قلت: وكذلك لو حلف أن لا يبيع سلعة فأمر غيره فباعها أيحنث أم لا في قول مالك؟

الرجل يحلف أن لا يبيع سلعة رجل فأعطاه إياها غير الرجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يبيع لفلان شيئا, وأن المحلوف عليه دفع إلى رجل سلعة ليبيعها, فدفعها هذا الرجل إلى الحالف ليبيعها له ولم يعلم الحالف أنها للمحلوف عليه, فباعها أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: إن كان الذي دفع السلعة إلى الحالف من سبب المحلوف عليه أو من ناحيته فإني أرى أنه قد حنث لأني سمعت مالكا يقول في الرجل يحلف أن لا يبيع سلعته من رجل فباعها من غيره فإذا هذا المشتري إنما اشتراها للمحلوف عليه. قال: قال مالك: إن كان المشتري من سبب المحلوف عليه أو من ناحيته فأراه حانثا وإلا فلا حنث عليه. قال: فقيل لمالك: إنه قد يقدم إليه وقال له الحالف: إن علي يمينا أن لا أبيع من فلان فقال المشتري: إنما اشتريت لنفسي فباعه على ذلك فلما وجب البيع قال المشتري: ادفع السلعة إلى فلان المحلوف عليه فإني إنما اشتريتها له. قال: قال مالك: لزمه البيع. قلت: فإن الحالف يقول: فإني قد تقدمت إليه في ذلك؟ قال: لا ينفعه ذلك, قال: فقيل لمالك أترى عليه الحنث؟ قال: قال مالك: إن كان المشتري من سبب المحلوف عليه أو من ناحيته فقد حنث ولم ير ما يقدم إليه ينفعه. قال: فقلت لابن القاسم ما معنى قوله من سبب المحلوف أو من ناحيته؟ قال: الصديق الملاطف أو من هو في عياله أو هو من ناحيته ولم يفسره لنا هكذا ولكنا علمنا أنه هو كذا.

الرجل يحلف لغريمه ليقضينه حقه فيقضيه نقصا
قلت: أرأيت الرجل يحلف ليدفعن إلى فلان حقه وهو دراهم فقضاه نقصا؟ قال: قال مالك: لو كان فيها درهم واحد ناقص لكان حانثا. قال: وإن كان فيها شيء بار لا يجوز فإنه حانث. قلت: أرأيت إن حلف رجل لغريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي منه حقه فأخذ منه حقه فلما افترقا أصاب بعضها نحاسا أو رصاصا أو نقصا بين نقصانها أيحنث في قول مالك أم لا؟ قال: هو حانث لأني سألت مالكا عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ليقضينه حقه إلى أجل, فيقضيه حقه ثم يذهب صاحب الحق بالذهب فيجد فيها زائفا أو ناقصا بين نقصانها فيأتي به بعد ذلك وقد ذهب الأجل. قال مالك: أراه حانثا لأنه لم يقضه حقه حين وجد فيما اقتضى نقصانا أو زائفا قلت: وكذلك إن استحقها مستحق؟

الرجل يحلف أن لا يفارق غريمه حتى يقضيه فيفر منه
قلت: أرأيت إن حلفت أن لا أفارق غريمي حتى أستوفي حقي فيفر مني أو أفلت, أأحنث في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن كان إنما غلبه غريمه وإنما نوى أن لا يفارقه مثل أن يقول: لا أخلي سبيله ولا أتركه إلا أن يفر مني فلا شيء عليه. قال: وسمعت مالكا يقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن قبلتك فقبلته من خلفه وهو لا يدري. قال: لا شيء عليه إن كانت غلبته ولم يكن منه في ذلك استرخاء, فتكلم مالك في ذلك فقال: ومثل ذلك أن يقول الرجل لامرأته: إن صافحتك فأنت طالق فينام فتصافحه وهو نائم أنه لا شيء عليه ولو قال: إن ضاجعتني أو قبلتني فهذا كله خلاف للقول الأول وهو حانث. والذي حلف لغريمه أن لا يفارقه فغصب نفسه فربط فهذا يحنث إلا أن يقول: نويت إلا أن أغلب عليه أو أغصب عليه. قال: والذي حلف لغريمه أن لا أفارقه حتى أستوفي حقي منه فأحاله على غريم له قال: لا أراه يبر في ذلك.

الرجل يحلف لغريمه ليقضينه رأس الهلال حقه
قلت: أرأيت إن حلف لأقضين فلانا ماله رأس الهلال أو عند رأس الهلال؟ قال: قال مالك: ليلة ويوم من رأس الهلال. قال: قلت لمالك: وإلى رمضان؟ قال: إذا انسلخ شعبان ولم يقضه حنث لأنه إنما جعل القضاء فيما بينه وبين رمضان. قال: وقال مالك: عند رأس الهلال وإذا استهل الشهر بمنزلة واحدة له ليلة ويوم من أول الشهر وإلى استهلال الشهر, مثل قوله إلى رمضان وإن لم يقضه ما بينه وبين استهلال الشهر حنث.

الرجل يحلف ليقضين فلانا فيهبه له أو يتصدق به
قلت: أرأيت إن حلف ليقضين فلانا حقه رأس الهلال, فوهب له فلان ذلك دينه للحالف أو تصدق به عليه أو اشترى صاحب الدين به من الحالف سلعة من السلع؟ قال: قال مالك في هذه المسألة بعينها: إن كانت تلك السلعة هي قيمة ذلك الدين أن لو أخرجت إلى السوق أو أصاب بها ذلك الثمن فقد بر ولا شيء عليه, ثم سمعته بعد ذلك

الرجل يحلف أن لا يهب لرجل شيئا فيعيره أو يتصدق عليه
قلت: أرأيت إن حلف رجل أن لا يهب لفلان هبة فتصدق عليه بصدقة أيحنث أم لا؟ قال: قال مالك: في كل ما ينفع به الحالف المحلوف عليه أنه يحنث, كذلك قال مالك: وكل هبة كانت لغير الثواب فهي على وجه الصدقة. قلت: أرأيت إن حلفت أن لا أهب لرجل هبة فأعرته دابة أأحنث في قول مالك أم لا؟ قال: نعم, في رأيي إلا أن تكون تلك نيتك لأن أصل يمينك هاهنا على المنفعة.

الرجل يحلف أن لا يكسو امرأته
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يكسو امرأته فأعطاها دراهم اشترت بها ثوبا أيحنث أم لا؟ قال: نعم, يحنث عند مالك, وقد بلغني عن مالك أنه سئل عن رجل حلف أن لا يكسو امرأته فافتك لها ثيابا كانت رهنا قال مالك: أراه حانثا. قال ابن القاسم: وقد عرضت هذه المسألة على مالك فأنكرها وقال امحها وأبى أن يجيب فيها بشيء. قال ابن القاسم: ورأيي فيها أنه ينوي فإن كانت له نية أن لا يهب لها ثوبا ولا يبتاعه لها فلا أرى عليه شيئا, وإن لم يكن له نية رأيته حانثا وأصل هذا عند مالك إنما هو على وجه المنافع والمن. ولقد قال مالك في الرجل يحلف أن لا يهب لفلان دينارا أو لرجل أجنبي فكساه ثوبا فقال مالك: أرى هذا حانثا لأنه حين كساه فقد وهب له

الرجل يحلف أن لا يفعل أمرا حتى يأذن له فلان
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف بالله أن لا يدخل دار فلان لرجل سماه إلا أن يأذن له فلان لرجل سماه آخر, أو حلف بالعتق أو بالطلاق, فيموت فلان المحلوف عليه فيدخل الحالف دار فلان المحلوف عليه بإذن أيحنث أم لا؟ قال: يحنث. قلت: أينتفع بإذن الورثة إذا أذنوا له؟ قال: لا لأن هذا ليس بحق يورث. قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يعطي فلانا حقه إلا أن يأذن له فلان, فمات الذي اشترط إذنه المحلوف عليه, أيورث هذا الإذن أم لا؟ قال: لا يورث, قلت: أفتراه حانثا؟ قال: إن قضاه فهو

حانث. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا, إنما الذي سمعت من مالك أنه يورث ما كان حقا للميت وخلفا له فهذا يورث لأنه كان حقا للميت.

الرجل يحلف للسلطان أن لا يرى أمرا
إلا رفعه إليه فيعزل السلطان أو يموت
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف لأمير من الأمراء أنه لا يرى كذا وكذا إلا رفعه إليه تطوع باليمين فعزل ذلك الأمير أو مات كيف يصنع في يمينه؟ قال: سئل مالك عن الوالي يأخذ على القوم الأيمان أن لا يخرجوا إلا بإذنه فيعزل, قال: أرى لهم أن لا يخرجوا حتى يستأذنوا هذا الذي بعده فما كان من هذه الوجوه من الوالي على وجه النظر ولم يكن من الوالي على وجه الظلم فذلك عليهم أن يرفعوه إلى من بعده إذا عزل.

الرجل يحلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل
فيموت المحلوف له أو الحالف قبل الأجل
قلت: أرأيت من حلف لأقضين فلانا حقه رأس الشهر, فغاب فلان عنه؟ قال: قال مالك: يقضي وكيله أو السلطان فيكون ذلك مخرجا له من يمينه. قال مالك: وربما أتى السلطان فلم يجده أو يحجب عنه أو يكون بقرية ليس فيها سلطان فإن خرج إلى السلطان سبقه ذلك الأجل. قال مالك: فإذا جاء مثل هذا فأرى إن كان أمرا بينا يعذر به فأرى إن ذهب به إلى رجال عدول فأشهدهم على ذلك والتمسه فعلموا ذلك واجتهد في طلبه فلم يجده بأن تغيب عنه أو سافر عنه وقد بعد عنه السلطان أو حجب عنه, فإذا شهد له الشهود العدول على حقه أنه جاء به بعينه على شرطه لم أر عليه شيئا.
قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف ليوفين فلانا حقه إلى أجل كذا وكذا, فحل الأجل وغاب فلان ولفلان المحلوف عليه وكيل في ضيعته ولم يوكله المحلوف له بقبض دينه فقضاه هذا الحالف أترى ذلك يخرجه من يمينه؟ قال: قال لي مالك: ذلك يخرجه من يمينه وإن لم يكن مستخلفا على قبض الدين, إلا أنه وكيل المحلوف له فذلك يخرجه. قال ابن القاسم: ولقد سألت مالكا عن الرجل يحلف للرجل بالطلاق أو بالعتاق في حق عليه ليقضينه إلى أجل يسميه إلا أن يشاء أن يؤخره فيموت صاحب الحق قبل أن يحل الأجل فتريد الورثة أن يؤخروه بذلك أترى ذلك له مخرجا؟ قال: نعم, ونزلت هذه بالمدينة فقال فيها مالك مثل ما قلت لك. قال مالك: ولو كان له ولد صغار لم يبلغ أحد

المجلد الثاني
كتاب طلاق السنة

طلاق السنة
كتاب الطلاق السنة
طلاق السنة
قال سحنون قلت لعبد الرحمن بن القاسم: هل كان مالك يكره أن يطلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات في مجلس واحد؟ قال: نعم، كان يكرهه أشد الكراهية، ويقول: طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة طاهرا من غير جماع، ثم يتركها حتى يمضي لها ثلاثة قروء ولا يتبعها في ذلك طلاقا فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت للأزواج وبانت من زوجها الذي طلقها.
قلت: فإن أراد أن يطلقها ثلاث تطليقات عند كل طهر أو حيضة تطليقة؟ قال: قال مالك: ما أدركت أحدا من أهل بلدنا يرى ذلك ولا يفتي به ولا أرى أن يطلقها ثلاث تطليقات عند كل طهر طلقة، ولكن تطليقة واحدة ويمهل حتى تنقضي العدة كما وصفت لك قلت: فإن هو طلقها ثلاثا أو عند كل طهر واحدة حتى طلق ثلاث تطليقات أيلزمه ذلك في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: هل كان مالك يكره أن يطلق الرجل امرأته في طهر قد جامعها فيه أم لا؟ قال: نعم كان يكرهه ويقول: إن طلقها فيه فقد لزمه. قلت: وتعتد بذلك الطهر الذي طلقها فيه؟ قال: نعم قلت: وإن لم يبق منه إلا يوم واحد؟ قال: نعم، إذا بقي من ذلك الطهر شيء ثم طلقها فيه وقد جامعها فيه اعتدت به في أقرائها في العدة، كذلك قال مالك يعتد به ولا يؤمر برجعتها كما يؤمر الذي يطلق امرأته وهي حائض؟
قال ربيعة ويحيى بن سعيد في امرأة طلقت ثم حاضت قالا: يعتد بذلك الطهر

وإن لم تمكث إلا ساعة أو يوما حتى تحيض قال يونس وقال ابن شهاب، نحوه أشهب عن بعض أهل العلم عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال: من أراد أن يطلق للسنة فليطلق امرأته طاهرا في غير جماع تطليقة، ثم ليدعها فإن أراد أن يرتجعها فذلك له فإن حاضت ثلاث حيض كانت بائنا، وكان خاطبا من الخطاب، فإن الله تبارك وتعالى يقول: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق: 1] وقال ابن مسعود وإن أراد أن يطلقها ثلاثا فليطلقها طاهرا تطليقة في غير جماع ثم ليدعها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة أخرى ثم ليدعها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فهذه ثلاث تطليقات وحيضتان، وتحيض أخرى فتنقضي عدتها. أشهب عن القاسم بن عبد الله أن يحيى بن سعيد حدثه عن ابن شهاب أنه قال: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته للعدة كما أمر الله تعالى فليطلقها إذا طهرت من حيضها طلقة واحدة قبل أن يجامعها، ثم لتعتد حتى تنقضي عدتها، فتحيض ثلاث حيض، فإذا هو فعل ذلك فقد طلقها كما أمره الله فإنه لا يدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وهو يملك الرجعة ما لم تحض ثلاث حيض أشهب عن مالك بن أنس أن عبد الله بن دينار حدثه أنه سمع ابن عمر قرأ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].

طلاق الحامل
قلت: أرأيت الحامل إذا أراد زوجها أن يطلقها ثلاثا كيف يطلقها؟ قال: قال مالك: لا يطلقها ثلاثا ولكن يطلقها واحدة متى شاء ويمهلها حتى تضع جميع ما في بطنها قال مالك: وإن وضعت واحدا وبقي في بطنها آخر فللزوج عليها الرجعة حتى تضع آخر ما في بطنها من الأولاد، وقد قال مالك في طلاق الحامل للسنة أن يطلقها واحدة ثم يدعها حتى تضع حملا قال ذلك عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وغيرهما وقاله ابن المسيب وربيعة والزهري.
قلت: أرأيت إن طلقها ثلاثا وهي حامل في مجلس واحد أو مجالس شتى أيلزمه ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: يلزمه ذلك وكره له مالك أن يطلقها هذا الطلاق، وأخبرني عن أشهب عن القاسم بن عبد الله أن يحيى بن سعيد حدثه أن ابن شهاب حدثه أن ابن المسيب حدثه أن رجلا من أسلم طلق امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث تطليقات، فقال له بعض أصحابه إن لك عليها رجعة، فانطلقت امرأته حتى وقفت على

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن زوجي طلقني ثلاث تطليقات في كلمة واحدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد بنت منه ولا ميراث بينكما" . وأخبرني سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة أن يزيد بن أبي حبيب حدثه عن ابن عمر أنه سئل عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات في مجلس واحد، فقال ابن عمر: عصى ربه وخالف السنة وذهبت امرأته ابن وهب عن ابن لهيعة أن يزيد بن أبي حبيب حدثه عن سليمان بن عبد الملك بن الحارث السلمي أن رجلا أتى ابن عباس فقال له: يا أبا عباس إن عمي طلق امرأته ثلاثا، فقال له ابن عباس: إن عمك عصى الله فأندمه الله وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، فقال: أترى أن يحلها له رجل؟ فقال ابن عباس: من يخادع الله يخدعه الله.

عدة الحامل والتي قد يئست من المحيض والمستحاضة
عدة الصبية والتي قد يئست من المحيض والمستحاضة
قلت: أرأيت التي لم تبلغ المحيض متى يطلقها زوجها؟ قال: قال مالك: يطلقها متى شاء للأهلة أو لغير الأهلة، ثم عدتها ثلاثة أشهر وكذلك التي قد يئست من المحيض، قال مالك: والمستحاضة يطلقها زوجها متى شاء وعدتها سنة قال ابن القاسم: كان في ذلك يطؤها أو لا يطؤها وله عليها الرجعة حتى تنقضي السنة فإذا انقضت السنة فقد حلت للأزواج إلا أن يكون لها ريبة فتنتظر حتى تذهب الريبة فإذا ذهبت الريبة فقد مضت السنة فليس عليها من العدة قليل ولا كثير وقد حلت للأزواج قال مالك: وهي مثل الحامل يطلقها زوجها متى شاء إلا أن يعرف لها قرء فيتحرى ذلك فيطلقها عنده ابن وهب عن يونس بن يزيد وابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه قال: يطلق المستحاضة زوجها إذا طهرت للصلاة ابن وهب ويونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في المرأة تطلق وقد أدبر عنها المحيض أو شك فيه فقال: إن تبين أنها قد يئست من المحيض فعدتها ثلاثة أشهر، كما قضى الله، وقد كان يقال يستقبل بطلاقها الأهلة فهو أسد لمن أراد أن يطلق من قد يئس من المحيض، فإن طلق بعد الأهلة أو قبلها اعتدت من حين طلقها ثلاثة أشهر ثلاثين يوما كل شهر، وإن مضت ثلاثة أشهر قبل أن تحل فقد حلت ابن وهب قال يونس وقال ربيعة تعتد ثلاثين يوما من الأيام.

طلاق الحائض والنفساء
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته وهي حائض أنت طالق للسنة، أيقع عليها الطلاق وهي حائض أم حتى تطهر؟ قال: إذا قال الرجل لامرأته، وهي حائض: أنت طالق

طلاق الحائض والنفساء ورجعتها
طلاق النفساء والحائض ورجعتها
قلت: أرأيت الرجل يطلق امرأته وهي حائض أو نفساء أيجيزه مالك قبل أن يراجعها؟ قال: قال مالك: من طلق امرأته وهي نفساء أو حائض أجبر على رجعتها إلا أن تكون غير مدخول بها فلا بأس بطلاقها وإن كانت حائضا أو نفسا ابن وهب وأشهب عن ابن لهيعة عن بكير عن سليمان بن يسار أنه قال: إذا طلقت المرأة وهي نفساء لم تعتد بدم نفاسها واستقبلت ثلاثة قروء وقاله ابن شهاب وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد وابن قسيط وأبو بكر بن حزم ونافع مولى ابن عمر.
قلت: متى يطلقها إن أراد أن يطلقها بعد ما أجبرته على رجعتها؟ قال: يمهلها حتى تمضي حيضتها التي طلقها فيها ثم تطهر، ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن أراد وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام قلت: والنفساء؟ قال: يجبر على رجعتها فإن أراد أن يطلقها فإذا طهرت من دم نفاسها أمهلها حتى تحيض أيضا ثم تطهر، ثم يطلقها - إن أراد - ويحسب عليها ما طلقها في دم النفاس أو في دم الحيض قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعمقلت: فإن طلقها في دم النفاس أو في دم الحيض فلم يرتجعها حتى انقضت العدة. قال: لا سبيل له عليها وقد حلت للأزواج قلت: أرأيت إن طلقها في طهر قد جامعها

فيه هل يأمره مالك بمراجعتها كما يأمره بمراجعتها في الحيض؟ قال: لا يؤمر بمراجعتها وهو قرء واحد وإنما كان الصواب أن يطلق في طهر لم يجامع فيه. قال: ولو أن رجلا طلق امرأته في دم حيضتها فأجبر على رجعتها فارتجعها فلما طهرت جهل فطلقها الثانية في طهرها من بعد ما طهرت قبل أن تحيض الثانية لم يجبر على رجعتها، ولو طلقها وهي حائض فلم يعلم بها حتى حاضت حيضتين وطهرت أجبر على رجعتها على ما أحب أو كره، كما كان يجبر أن لو كانت في دم حيضتها يجبر على ذلك ما لم تنقض عدتها وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت المرأة إذا هي طهرت من حيضتها ولم تغتسل بعد، ألزوجها أن يطلقها قبل أن تغتسل أم حتى تغتسل في قول مالك؟ قال: لا يطلقها حتى تغتسل، وإن رأت القصة البيضاء، قال: وسألته عن تفسير قول ابن عمر فطلقوهن لقبل عدتهن، قال: يطلقها في طهر لم يمسها فيه.
قال ابن القاسم: ولا ينبغي أن يطلقها إلا وهو يقدر على جماعها، فهي وإن رأت القصة البيضاء قبل أن تغتسل فهو لا يقدر على جماعها بعد، ولو طلقها بعد ما رأت القصة قبل أن تغتسل لم يجبر على رجعتها قلت: أرأيت إن كانت مسافرة ورأت القصة البيضاء ولم تجد الماء فتيممت ألزوجها أن يطلقها الآن في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: ولم وهو لا يقدر على جماعها؟ قال: لأن الصلاة قد حلت لها وهي قبل أن تغتسل بعد ما رأت القصة البيضاء لم تحل لها الصلاة فهي إذا حلت لها الصلاة جاز لزوجها أن يطلقها أيضا.

في المطلقة واحدة هل تزين لزوجها وتشوف
قلت: أرأيت إن طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة هل تزين له وتشوف له؟ قال: كان قوله الأول لا بأس أن يدخل عليها ويأكل معها إذا كان معها من يتحفظ بها، ثم رجع عن ذلك فقال لا يدخل عليها ولا يرى شعرها ولا يأكل معها حتى يراجعها قلت: هل يسعه أن ينظر إليها أو إلى شيء من محاسنها تلذذا وهو يريد رجعتها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وليس له أن يتلذذ بشيء منها، وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها، وهذا على الذي أخبرتك أنه كره له أن يخلو معها أو يرى شعرها أو يدخل عليها حتى يراجعها ابن وهب عن عبد الله بن عمر ومالك بن أنس عن نافع أن ابن عمر طلق امرأته في مسكن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان طريقه في حجرتها فكان يسلك

الطريق الأخرى من أدبار البيوت إلى المسجد كراهية أن يستأذن عليها، حتى راجعها1 قال مالك: وإن كان معها فلينتقل عنها قال مالك: قد انتقل عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وقال عبد العزيز إن الرجل إذا طلق امرأته واحدة فقد حرم عليه فرجها ورأسها أن يراها حاسرة أو يتلذذ بشيء منها حتى يراجعها.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 65.

عدة النصرانية والأمة والحرة التي قد بلغت المحيض ولم تحض
قلت: أرأيت المرأة من أهل الكتاب إذا كانت تحت رجل مسلم فطلقها بعد ما بنى بها كم عدتها عند مالك وكيف يطلقها؟ قال: عدتها عند مالك مثل عدة الحرة المسلمة، وطلاقها عند مالك كطلاق الحرة المسلمة وتجبر على العدة عند مالك قلت: أرأيت لو أن نصرانية تحت نصراني أسلمت المرأة ثم مات الزوج قبل أن يسلم وهي في عدتها أتنتقل إلى عدة الوفاة في قول مالك؟ قال: لا تنتقل إلى عدة الوفاة وهي على عدتها التي كانت عليها ثلاث حيض.
قلت: كم عدة الأمة المطلقة إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ومثلها يوطأ وقد دخل بها في قول مالك؟ قال: ثلاثة أشهر ابن وهب وأشهب عن سفيان بن عيينة أن صدقة بن يسار حدثه أن عمر بن عبد العزيز سأل في امرأته على المدينة في كم يتبين الولد في البطن، فاجتمع له على أنه لا يتبين حتى يأتي عليه ثلاثة أشهر، فقال عمر لا يبرئ لأمه إذا لم تحض إن كانت قد يئست من المحيض إلا ثلاثة أشهر الليث بن سعد أن أيوب بن موسى حدثه عن ربيعة أنه قال: تستبرأ الأمة إذا طلقت وقد قعدت عن المحيض بثلاثة أشهر والتي تطلق ولم تحض تستبرأ بثلاثة أشهر، والأمة التي تباع ولم تحض تستبرأ منه بثلاثة أشهر إذا خشي منه الحمل أو كان مثلها يحمل ابن وهب.
قال الليث: حدثني يحيى بن سعيد أن التي لم تحض من الإماء إذا طلقت تعتد بثلاثة أشهر إلا أن تعرك عركتين يعلم الناس أن قد استبرأت رحمها قبل ذلك فإن انقضت الثلاثة الأشهر إلا يسيرا ثم حاضت حيضة اعتدت بحيضة أخرى والتي تباع منهن تعتد ثلاثة أشهر إلا أن تحيض حيضة قبل ذلك، والمتوفى عنها زوجها من الإماء اللاتي لم يحضن تعتد أربعة أشهر وعشرا إلا أن تحيض حيضة قبل شهرين وخمسة أيام فذلك يكفيها قال أشهب عن رشد بن الأوزاعي حدثه عن ابن شهاب أنه قال: عدة الأمة البكر التي لم تحض ثلاثة أشهر، وقال سليمان بن بلال سمعت ربيعة ويحيى بن سعيد يقولان عدة الحرة والأمة اللتين لم يبلغا المحيض والتي قد يئست من المحيض ثلاثة أشهر إذا طلقها زوجها أو باعها رجل كان نصيبها.

قال ابن وهب وقال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب وبكير بن الأشج في عدة الأمة التي يئست من المحيض والتي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر، وقال مالك: مثله قلت: أرأيت المرأة إذا بلغت ثلاثين سنة ولم تحض قط أو عشرين سنة ولم تحض قط فطلقها زوجها تعتد بالشهور أم لا، وكم عدتها في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عنها فقال تعتد بالشهور وهي ممن دخل في كتاب الله في هذه الآية {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] وإن بلغت ثلاثين سنة إذا كانت لم تحض قط. قلت: أرأيت إن بلغت عشرين سنة ولم تحض أتعتد بالشهور؟ قال: نعم، قال: وكل من لم تحض قط طلقها زوجها وهي بنت عشرين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر فإنما تعتد بالشهور وهي ممن دخل في كتاب الله في هذه الآية لم تخرج منها، بعد قول الله تبارك وتعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} ، فهي إذا كانت لم تحض قط فهي في هذه الآية حتى إذا حاضت خرجت من هذه الآية، فإن ارتفع عنها الدم وقد حاضت مرة أو أكثر من ذلك وهي في سن من تحيض، فعليها أن تعتد سنة كما ذكرت لك وهذا قول مالك قلت: أرأيت لو كانت صغيرة لا تحيض فطلقها زوجها فاعتدت شهرين ثم حاضت كيف تصنع في قول مالك؟ قال: ترجع إلى الحيض وتلغي الشهور قلت: أرأيت إن كانت قد يئست من المحيض فطلقها زوجها فاعتدت بالشهور فلما اعتدت شهرين حاضت؟ قال مالك: يسأل عنها النساء وينظر فإن كان مثلها تحيض رجعت إلى الحيض وإن كان مثلها لا تحيض لأنها قد دخلت في سن من لا تحيض من النساء فرأت الدم قال مالك: ليس هذا بحيض ولتمض على الشهور ألا ترى أن بنت سبعين سنة وبنت ثمانين سنة وتسعين إذا رأت الدم لم يكن ذلك حيضا قلت: أرأيت الرجل إذا طلق امرأته ولم تحض قط وهي بنت ثلاثين سنة فكانت عدتها عند مالك بالشهور كما وصفت لك، قلت: أرأيت إن حاضت بعد ما اعتدت بشهرين؟ قال: تنتقل إلى عدة الحيض قلت: فإن ارتفع الحيض عنها؟ قال: تنتقل إلى عدة السنة كما وصفت لك تسعة أشهر من يوم انقطع الدم عنها ثم ثلاثة أشهر، وعدتها من الطلاق إنما هي الأشهر الثلاثة التي بعد التسعة، والتسعة إنما هي استبراء، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إذا طلق الرجل امرأته ومثلها تحيض فارتفع حيضتها؟ قال: قال مالك: تجلس سنة من يوم طلقها زوجها فإذا مضت فقد حلت، قلت: فإن جلست سنة فلما قعدت عشرة أشهر رأت الدم؟ قال: ترجع إلى الحيض، قلت: فإن انقطع الحيض عنها؟ قال: ترجع إذا انقطع الدم عنها فتعتد أيضا سنة من يوم ما انقطع الدم عنها من الحيضة التي قطعت عليها عدة السنة، قلت: فإن اعتدت أيضا بالسنة ثم رأت الدم؟ قال: تنتقل إلى عدة الدم، قلت: فإن انقطع عنها

الدم؟ قال: تنتقل إلى السنة، قلت: فإن رأت الدم؟ قال: إذا رأت الدم المرة الثالثة فقد انقطعت عدتها لأنها قد حاضت ثلاث حيض وإن لم تر الحيضة الثالثة وقد تمت السنة فقد انقضت عدتها بالسنة وهو قول مالك.
قلت: لم قال مالك: عدة المرأة التي طلقها زوجها وهي ممن تحيض فرفعتها حيضتها؟ قال: تعتد سنة؟ قال: قال مالك: تسعة أشهر للريبة والثلاثة الأشهر هي بعد الريبة فالثلاثة الأشهر هي العدة التي تعتد بعد التسعة التي كانت للريبة قال: قال مالك: وكل عدة في طلاق فإنما العدة بعد الريبة، وكل عدة في وفاة فهي قبل الريبة، والريبة بعد العدة وذلك أن المرأة إذا هلك عنها زوجها فاعتدت أربعة أشهر وعشرا فإن استرابت نفسها أنها تنتظر حتى تذهب الريبة عنها، فإذا ذهبت الريبة فقد حلت والعدة هي الشهور الأربعة الأول وعشرة أيام قال مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد ويزيد بن قسيط حدثاه عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك، وإلا اعتدت بعد التسعة ثلاثة أشهر ثم حلت. ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن يحيى بن سعيد حدثه أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قضى عمر بن الخطاب بذلك قال عمرو فقلت ليحيى أتحسب في تلك السنة ما حل من حيضتها؟ قال: لا ولكنها تأتنف السنة حتى توفي الحيضة ابن وهب عن ابن لهيعة أن ابن هبيرة أخبره عن أبي تميم الجيشاني أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة تطلق فتحيض حيضة أو حيضتين ثم ترتفع حيضتها أن تتربص سنة تسعة أشهر استبراء للرحم وثلاثة أشهر كما قال الله تبارك وتعالى.

في الرجل يشتري الأمة فترتفع حيضتها
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى جارية وهي ممن تحيض فرفعتها حيضتها؟ قال: تعتد ثلاثة أشهر من يوم اشتراها فإن استبرأت قال: ينظر بها تسعة أشهر، فإن حاضت فيها وإلا فقد حلت، قلت: ولا يكون على سيدها أن يستبرئها بثلاثة أشهر بعد التسعة الأشهر التي جعلها استبراء من الريبة؟ قال: ليس عليه أن يستبرئ بثلاثة أشهر بعد تسعة أشهر الريبة؛ لأن الثلاثة الأشهر قد دخلت في هذه التسعة ولا تشبه هذه الحرة؛ لأن هذه لا عدة عليها وإنما عليها الاستبراء، فإذا أمضت التسعة فقد استبرأت، ألا ترى أنه إنما على سيدها إذا كانت ممن تحيض حيضة واحدة فهذا إنما هو استبراء ليعلم به ما في رحمها ليس هذه عدة فالتسعة الأشهر إذا مضت فقد استبرئ رحمها فلا شيء عليه بعد ذلك، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في المطلقة يختلط عليها الدم
قلت: أرأيت المطلقة إذا طلقها زوجها فرأت الدم يوما أو يومين أو ثلاثا، ورأت الطهر يومين أو ثلاثا أو خمسا، ثم رأت الدم بعد ذلك يوما أو يومين، فصار الدم والطهر يختلط عليها بحال ما وصفت لك؟ قال: قال مالك: إذا اختلط عليها بحال ما وصفت كانت هذه مستحاضة إلا أن يقع ما بين الدمين من الطهر ما في مثله يكون طهرا، فإذا وقع بين الدمين ما في مثله يكون طهرا اعتدت به قرءا وإن اختلط عليها الدم بحال ما وصفت ولم يقع بين الدمين ما في مثله طهر، فإنها تعتد عدة المستحاضة سنة كاملة ثم قد حلت للأزواج، قال: فقلت: وما عدة الأيام التي لا تكون بين الدمين طهرا؟ فقال: سألت مالكا فقال: الأربعة الأيام والخمسة وما قرب فلا أرى ذلك طهرا، وإن الدم بعضه من بعض إذا لم يكن بينهما من الطهر إلا الأيام اليسيرة الخمسة ونحوها.
ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب قال: عدة المستحاضة سنة كاملة ثم قد حلت للأزواج قال ابن لهيعة وقال لي يزيد بن أبي حبيب: عدة المستحاضة سنة وحدثني ابن المسيب أنه قال: عدة المستحاضة سنة.

في المطلقة ثلاثا أو أربعا يموت زوجها وهي في العدة
في المطلقة ثلاثا أو واحدة يموت زوجها وهي في العدة
قلت: أرأيت إن طلق امرأته ثلاثا وهو في مرضه ثم مات وهي في العدة، أتعتد عدة الوفاة تستكمل في ذلك ثلاث حيض أم لا؟ قال: قال مالك: ليس عليها أن تعتد عدة الوفاة إنما عليها أن تعتد عدة الطلاق ولها الميراث، قلت: فإن طلقها واحدة أو اثنين وهو صحيح أو مريض ثم مات وهي في العدة أتنتقل إلى عدة الوفاة؟ قال: نعم، ولها الميراث.
ابن وهب عن الليث بن سعد أن بكير بن عبد الله حدثه عن سليمان بن يسار أنه قال: يقال إنما آخر الأجلين أن يطلق الرجل المرأة تطليقة أو تطليقتين ثم يموت قبل أن تنقضي عدتها من طلاق، فتعتد من وفاته، فأما الرجل يطلق امرأته ألبتة ثم يموت وهي في عدتها فإنما هي على عدة الطلاق.
ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد بذلك قال عمرو وقال يحيى ذلك أمر الناس وهذه المطلقة واحدة أو اثنين.
ابن وهب عن يزيد بن عياض عن عمر بن عبد العزيز مثله، وقال: ترثه ما لم تحرم

عليه بثلاث تطليقات أو فدية، فإن كانت حرمت عليه فلا ميراث لها وهذا في طلاق الصحيح ابن وهب قال عمر بن عبد العزيز لا عدة عليها إلا عدة الطلاق أو عدة الفدية. قال بكير وقال مثل قول سليمان بن يسار وفي آخر الأجلين عبد الله بن عباس وابن شهاب.

في عدة المتوفى عنها زوجها
قلت: أرأيت إذا بلغها وفاة زوجها من أين تعتد؟ أمن يوم يبلغها؟ أم من يوم مات الزوج؟ قال: قال مالك: من يوم مات الزوج، قلت: فإن لم يبلغها حتى انقضت عدتها أيكون عليها من الإحداد شيء أم لا؟ قال: قال مالك: لا إحداد عليها إذا لم يبلغها إلا من بعد ما تنقضي عدتها. وقال مالك فيمن طلق امرأته وهو غائب فلم يبلغها طلاقه حتى انقضت عدتها: إنه إن ثبت على طلاقه إياها بينة كانت عدتها من يوم طلق وإن لم يكن إلا قوله لم يصدق واستقبلت عدتها ولا رجعة عليها وما أنفقت من ماله بعد ما طلقها قبل أن تعلم فلا غرم عليها لأنه فرط.
ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها من يوم طلق ومن يوم توفي عنها زوجها ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب وابن قسيط وأبي الزناد وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد مثله قال يحيى وعلى ذلك عظم أمر الناس ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر عن بكير عن سليمان بن يسار أنه قال: إذا قال الرجل لامرأته قد طلقتك منذ كذا وكذا لم يقبل قوله واعتدت من يوم يعلمها بالطلاق إلا أن يقيم على ذلك بينة، فإن أقام بينة كان من يوم طلقها وقاله ابن شهاب.

باب الإحداد وإحداد النصرانية
قلت: هل على المطلقة إحداد؟ قال: قال مالك: لا إحداد على مطلقة مبتوتة كانت أو غير مبتوتة، وإنما الإحداد على المتوفى عنها زوجها وليس على المطلقة شيء من الإحداد سحنون عن ابن وهب عن يونس أنه سأل ربيعة عن المطلقة المبتوتة ما تجتنب من الحلي والطيب قال: لا تجتنب شيئا من ذلك ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عمر وأبي الزناد وعطاء بن أبي رباح مثله وقال عبد الله بن عمر

إحداد الأمة وما ينبغي لها أن تجتنب من الثياب والطيب
قلت: وكذلك أمة قوم مات عنها زوجها أيكون عليها الإحداد في قول مالك؟ قال: نعم عليها الإحداد، وتعتد حيث كانت تبيت عند زوجها وتكون النهار عند أهلها اعتدت في ذلك المسكن الذي كانت تبيت فيه مع زوجها، وإن كانت في غير مسكن مع زوجها ولا تبيت معه إنما كانت في بيت مواليها وفيه تبيت إلا أن زوجها يغشاها حيث أحب ولم تكن معه في مسكن، فعليها أن تعتد في بيت مواليها حيث كانت تبيت وتكون، وليس لمواليها أن يمنعوها أن تعتد فيه قال: وهذا من الإحداد ولا من المبيت في الموضع الذي تعتد فيه، وإن باعوها فلا يبيعوها إلا ممن لا يخرجها من الموضع الذي قول مالك قال يونس، قال ابن شهاب تعتد في بيتها الذي طلقت فيه.
قلت: فهل يكون لهم أن يخرجوها إلى السوق للبيع في العدة بالنهار؟ قال: نعم. قلت: سمعته من مالك؟ قال ابن القاسم: قال مالك: هي تخرج في حوائج أهلها بالنهار فكيف لا تخرج للبيع؟ قلت: فإن أرادوا أن يزينوها للبيع؟ قال ابن القاسم: قال مالك: لا يلبسوها من الثياب المصبغة ولا من الحلي شيئا، ولا يطيبوها بشيء من الطيب، وأما الزيت فلا بأس به ولا يصنعوا بها ما لا يجوز للحاد أن تفعله بنفسها.
قلت: فلو أن رجلا باع أمة وهي في عدة من وفاة زوجها أو طلاقه ولم يبين أتراه عيبا فيها؟ قال: نعم هو عيب يجب به الرد قال: ولا بأس أن يلبسوها من الثياب ما أحبوا رقيقه وغليظه، فقلنا لمالك في الحاد هل تلبس الثياب المصبغة من هذه الدكن والصفر والمصبغات بغير الورس والزعفران والعصفر؟ قال: لا تلبس شيئا منه لا صوفا ولا قطنا ولا كتانا صبغ بشيء من هذا إلا أن تضطر إلى ذلك من برد ولا تجد غيره، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن تتقي الأمة المتوفى عنها زوجها من الطيب ما تتقي الحرة. سحنون عن ابن وهب عن الليث بن سعد وأسامة بن زيد عن نافع أن عبد الله بن عمر

قال: إذا توفي عن المرأة زوجها لم تكتحل ولم تطيب ولم تختضب، ولم تلبس المعصفر ولم تلبس ثوبا مصبوغا إلا بردا ولا تتزين بحلي ولا تلبس شيئا تريد به الزينة حتى تحل، وبعضهم يزيد على بعض رجال من أهل العلم عن ابن المسيب وعروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن وابن شهاب وربيعة وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد أن المتوفى عنها زوجها لا تلبس حليا ولا ثوبا صبغ بشيء من الصباغ. وقال عروة: لا أن تصبغه بسواد، وقال عطاء: لا تمس بيدها طيبا مسيسا. وقال ربيعة: تتقي الطيب كله وتحذر من اللباس ما فيه طيب وتتقي شهرة الثياب ولا تحنط بالطيب ميتا، قال ربيعة: ولا أعلم الآن على الصبية المتوفى عنها زوجها أن تجتنب ذلك.
قلت: فهل كان مالك يرى عصب اليمن بمنزلة هذا المصبوغ بالدكنة والحمرة والخضرة والصفرة أم يجعل عصب اليمن مخالفا لهذا؟ قال: رقيق عصب اليمن بمنزلة هذه الثياب المصبغة، وأما غليظ عصب اليمن فإن مالكا وسع فيه ولم يره بمنزلة المصبوغ سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمؤمنة تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تعتد أربعة أشهر وعشرا لا تلبس معصفرا ولا تقرب طيبا ولا تكتحل ولا تلبس حليا وتلبس إن شاءت ثياب العصب" 1. قلت: أرأيت الصبية الصغيرة هل عليها إحداد في قول مالك؟ قال: نعم.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الطلاق باب 49. أبو داود في كتاب الطلاق باب 46. النسائي في كتاب الطلاق باب 64.

عدة الأمة وأم الولد والمكاتبة والمدبرة من الوفاة وإحدادهن
قلت: والأمة وأم الولد والمكاتبة والمدبرة من الوفاة إذا مات عنهن أزواجهن في الإحداد في العدة والحرة سواء؟ قال: نعم، في قول مالك إلا أن أمد عدة الحرة ما قد علمت، وأمد عدة الأمة ما قد علمت على النصف من عدة الحرائر، وأم الولد والمكاتبة بمنزلة الأمة في أمر عدتها في قول مالك؟
قلت: أرأيت الحاد هل تلبس الحلي في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا ولا خاتما ولا خلخالين ولا سوارا ولا قرطا، قال مالك: ولا تلبس خزا ولا حريرا مصبوغا ولا ثوبا مصبوغا بزعفران ولا عصفر ولا خضرة ولا غير ذلك قال: فقلنا لمالك: فهذه الجباب التي يلبسها الناس للشتاء التي تصبغ بالدكن والخضر والصفر والحمر وغير ذلك هل تلبسه الحاد؟ قال: ما يعجبني أن تلبس الحاد شيئا من هذه إلا أن لا تجد غير ذلك فتضطر إليه قال مالك: ولا خير في العصب إلا الغليظ منه فلا بأس بذلك قال مالك: ولا بأس أن تلبس من الحرير الأبيض.

قلت: فهل تدهن الحادة رأسها بالزئبق أو بالخبز أو بالبنفسج؟ قال: قال مالك: لا تدهن الحاد إلا بالخل الشيرج أو بالزيت ولا تدهن بشيء من الأدهان المزينة، قال مالك: ولا تمتشط بشيء من الحناء ولا الكتم ولا شيء مما يختمر في رأسها. قال مالك: إن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: تجمع الحاد رأسها بالسدر قال: وسئلت أم سلمة أتمتشط بالحناء؟ فقالت: لا ونهت عنه قال مالك: ولا بأس أن تمتشط بالسدر وما أشبهه مما لا يختمر في رأسها.
قلت: فهل تلبس الحاد البياض الجيد الرقيق منه؟ فقال: نعم، قال: فقلنا لمالك: فهل تلبس الحاد الشطوي والقصي والفرقي والرقيق من الثياب؟ فلم ير بذلك بأسا ووسع في البياض كله للحاد رقيقه وغليظه، قلت: أرأيت الحاد أتكتحل في قول مالك لغير زينة؟ قال: قال مالك: لا تكتحل الحاد إلا أن تضطر إلى ذلك، فإن اضطرت فلا بأس بذلك وإن كان فيه طيب ودين الله يسر.
قلت: أرأيت الحاد إذا لم تجد إلا ثوبا مصبوغا أتلبسه ولا تنوي به الزينة أم لا تلبسه؟ قال: إذا كانت في موضع تقدر على بيعه والاستبدال به لم أر لها أن تلبسه، وإن كانت في موضع لا تجد البدل فلا بأس أن تلبسه إذا اضطرت إليه لعري يصيبها وهذا رأيي لأن مالكا قال في المصبوغ كله الجباب والكتان والصوف الأخضر والأحمر والأصفر: إنها لا تلبسه إلا أن تضطر له، فمعنى الضرورة إلى ذلك إذا لم تجد البدل، فإن كانت في موضع تجد البدل فليست مضطرة إليه.
سحنون عن ابن وهب عن عبد الله بن عمرو ومالك بن أنس والليث أن نافعا حدثهم عن صفية بنت أبي عبيد حدثته عن حفصة أو عائشة أو عن كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله أو تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها" 1 سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن محمد بن نافع أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة أخبرته أنها دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سفيان أبوها فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" 2.
ـــــــ
1 نفسه رقم ص 13.
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث"101". البخاري في كتاب الحيض باب 12. أبو داود في كتاب الطلاق باب 41، 43. الدارمي في كتاب الطلاق باب 14. أحمد في مسنده"5/85".

قال حميد: قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بالطيب فمست منه ثم قالت: أما والله ما لي حاجة بالطيب غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" 1. قال حميد: قالت زينب: سمعت أمي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول"جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا" ، قالت يا رسول الله إنها قد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي أربعة أشهر وعشر"وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول" 2 قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها من وراء ظهرها ثم تراجع بعد ما شاءت من الطيب وغيره.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 102.
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 103.

الإحداد في عدة النصرانية والإماء من الوفاة وامرأة الذمي
قلت: أرأيت النصرانية تكون تحت المسلم فيموت عنها زوجها أيكون عليها الإحداد كما يكون على المسلمة؟ قال: سألنا مالكا عنها فقال: نعم، عليها الإحداد لأن عليها العدة قال مالك: هي من الأزواج وهي تجبر على العدة.
قلت: وكذلك المدبرة والأمة وأم الولد والصبية الصغيرة إذا مات عنهن أزواجهن هل عليهن الإحداد مثل ما على الحرة الكبيرة المسلمة البالغة؟ قال: وقال مالك: عليهن الإحداد مثل ما على المسلمة الحرة البالغة
قلت: أرأيت امرأة الذمي إذا مات عنها زوجها وقد دخل بها أو لم يدخل بها أعليها عدة أم لا؟ قال: قال مالك: إن أراد المسلم أن يتزوجها فإن لم يكن دخل بها الذمي فلا عدة عليها، وليتزوجها إن أحب مكانه، قال: ولم ير مالك أن لها عدة في الوفاة ولا في الطلاق إن كان قد دخل عليها زوجها إلا أن عليها الاستبراء ثلاث حيض ثم تنكح.
ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أنه سمع القاسم بن محمد يخبر عن زينب بنت أبي سلمة أخبرته بأن أمها أم سلمة زوج النبي أخبرتها أن ابنة نعيم بن عبد الله العدوي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "إن ابنتي توفي عنها زوجها وكانت

تحت المغيرة المخزومي وهي محد وهي تشتكي عينيها أفتكتحل؟ قال: "لا" , ثم صمتت ساعة، ثم قالت ذلك أيضا وقالت إنها تشتكي عينيها فوق ما تظن أفتكتحل؟ قال: "لا" , ثم قال: "لا يحل لمسلمة أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوج" ثم قال: "أولستن كنتن في الجاهلية تحد المرأة سنة تجعل في بيت وحدها على دينها ليس معها أحد لا تطعم وتسقى حتى إذا كان رأس السنة أخرجت ثم أتيت بكلب أو دابة فإذا أمسكتها ماتت الدابة فخفف الله ذلك عنكن وجعل أربعة أشهر وعشرا" قال سحنون: فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلمة" فالأمة من المسلمات وهي ذات زوج.

في عدة الإماء
قلت: أرأيت الأمة تكون تحت الرجل فيطلقها تطليقة يملك بها الرجعة أو طلاقا بائنا فاعتدت حيضة واحدة ثم أعتقت أو اعتدت بشهر ثم أعتقت أفتنتقل إلى عدة الحرائر في قول مالك أم تبني على عدتها؟ قال: قال مالك: تبني على عدتها ولا تنتقل إلى عدة الحرائر، قلت: وسواء كان الطلاق يملك فيه الرجعة أم لا؟ قال: نعم، ذلك سواء عند مالك تبني ولا تنتقل إلى عدة الحرائر، قلت: أرأيت الأمة إذا مات عنها زوجها فلما اعتدت شهرا أو شهرين أعتقها سيدها أتنتقل إلى عدة الحرائر أم تبني على عدة الإماء وكيف هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: تبني على عدتها ولا ترجع إلى عدة الحرائر.

في عدة أم الولد
قلت: ما قول مالك في عدة أم الولد إذا مات عنها زوجها أو طلقها؟ قال مالك: عدتها إذا توفي عنها زوجها أو طلقها بمنزلة عدة الأمة، قلت: أرأيت إن كانت أم ولد لرجل زوجها من رجل فهلك الزوج والسيد ولا يعلم أيهما هلك أولا؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأرى أن تعتد بأكثر العدتين أربعة أشهر وعشرا مع حيضة في ذلك لا بد منها.
سحنون وهذا إذا كان بين الموتتين أكثر من شهرين وخمس ليال وإن كان بين الموتين أقل من شهرين وخمس ليال اعتدت أربعة أشهر وعشرا.
قلت: أرأيت إن جهل ذلك فلم يعلم أيهما مات أولا الزوج أم السيد أتورثها من زوجها أم لا؟ قال: قال مالك: لا ميراث لها من زوجها حتى يعلم أن سيدها مات قبل زوجها ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن ابن شهاب أن عثمان بن

في أم الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها
قلت: أرأيت أم الولد إذا مات عنها سيدها كم عدتها؟ قال: قال مالك: عدتها حيضة قال: فقلت لمالك: فإن هلك وهي في دم حيضتها؟ قال: لا يجزئها ذلك إلا بحيضة أخرى، قال: فقلت لمالك: فلو كان غاب عنها زمانا أو حاضت حيضا كثيرة ثم هلك في غيبته؟ قال: لا يجزئها حتى تحيض حيضة بعد وفاته ولو كان يجزئ ذلك أم الولد لأجزأ الحرة إذا حاضت حيضا كثيرة وزوجها غائب فطلقها، وإنما جاء الحديث عدة أم الولد حيضة إذا هلك عنها سيدها فإنما تكون هذه الحيضة بعد الوفاة كان غائبا أو اعتزلها أو هي عنده أو مات وهي حائض فذلك كله لا يجزئها إلا أن تحيض حيضة بعد موته.
قلت: ما فرق بين أم الولد في الاستبراء وبين الأمة وقد قال مالك في الأمة إذا اشتراها الرجل في أول الدم أجزأتها تلك الحيضة، فما بال استبراء أمهات الأولاد إذا مات عنهن ساداتهن وهن كذلك لا يجزئهن مثل ما يجزئ هذه الأمة التي اشتريت؟ قال: لأن أم الولد قد اختلفوا فيها، فقال بعض العلماء عليها أربعة أشهر وعشر وقال بعضهم ثلاث حيض وليست الأمة بهذه المنزلة لأن أم الولد ههنا عليها العدة وعدتها هذه الحيضة بمنزلة ما تكون عدة الحرائر ثلاث حيض وكذلك هذا أيضا.
قلت: أرأيت أم الولد إذا كانت لا تحيض فأعتقها سيدها أو مات عنها؟ قال مالك: عدتها ثلاثة أشهر
قلت: أرأيت أم الولد إذا زوجها سيدها فمات عنها سيدها أيكون على زوجها أن يستبرئ أو يصنع بها ما شاء في قول مالك؟ قال: لا قلت: أيكون للسيد أن يزوج أم ولده أو جارية كان يطؤها قبل أن يستبرئها؟ قال: قال مالك: لا يجوز له أن

يزوجها حتى يستبرئها، قال مالك: ولا يجوز النكاح إلا نكاح يجوز فيه الوطء، إلا في الحيض أو ما أشبهه، فإن الحيض يجوز النكاح فيه وليس له أن يطأها وكذلك دم النفاس.
قلت: أرأيت إن زوج أم ولده ثم مات الزوج عنها؟ قال: قال مالك: تعتد عدة الوفاة من زوجها شهرين وخمسة أيام ولا شيء عليها غير ذلك قلت: فإن انقضت عدتها من زوجها فلم يصبها سيدها حتى مات السيد، هل عليها حيضة أم لا؟ هل هي بمنزلة أمهات الأولاد إذا هلك عنهن ساداتهن أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع في هذا من قول مالك شيئا إلا أني أرى أن عليها العدة بحيضة وإن كان سيدها ببلد غائبا يعلم أنه لا يقدم البلد الذي هي فيه، فأرى العدة بحيضة عليها ومما يبين ذلك عندي أن لو أن زوجها هلك عنها ثم انقضت عدتها ثم أتت بعد ذلك بولد ثم زعمت أنه من سيدها رأيت أن يلحق به إلا أن يكون يدعي السيد أنه لم يطأها بعد الزوج فيبرأ، فذلك بمنزلة ما لو كانت عنده فجاءت بولدها فانتفى منه وادعى الاستبراء، ولو أن أم ولد رجل هلك عنها زوجها فاعتدت وانقضت عدتها وانتقلت إلى سيدها ثم مات سيدها عنها فجاءت بولد بعد ذلك لما يشبه أن يكون الولد من سيدها، قال: إذا ادعت أنه منه لحق به لأنها أم ولده وقد أغلق عليها بابه وخلا بها إلا أن يقول السيد: لم أمسها بعد موت زوجها فلا يلحق به الولد.

في أم الولد هل لها ن تواعد أحدا في العدة أو تبيت عن بيتها
في أم الولد هل لها أن تواعد أحدا في العدة أو تبيت عن بيتها
قلت: أرأيت أم الولد إذا مات عنها سيدها ماذا عليها؟ قال: قال مالك: حيضة، فقلت لمالك: فهل عليها إحداد في وفاة سيدها؟ قال مالك: ليس عليها حداد، قال مالك: ولا أحب لها أن تواعد أحدا ينكحها حتى تحيض حيضتها فقلت فهل تبيت عن بيتها؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لا تبيت إلا في بيتها.
قلت: أرأيت أم الولد إذا مات عنها سيدها فجاءت بولد بعد موته لمثل ما تلد له النساء أيلزم ذلك الولد سيدها أم لا؟ قال: قال مالك: يلزم ذلك الولد سيدها.

في الأمة يموت عنها سيدها فتأتي بولد يشبه أن يكون منه فتدعي أنه من سيدها أيلزمه ذلك أم لا؟
قلت: وكل ولد جاءت به أم ولد الرجل أو أمة لرجل أقر بوطئها وهو حي لم يمت

في الرجل يواعد المرأة في عدتها
قال: وسمعت مالكا يقول أكره أن يواعد الرجل في وليته أو في أمته أن يزوجها منه وهما في عدة من طلاق أو وفاة, وحدثني سحنون عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: لا يواعدها تنكحه ولا تعطيه شيئا ولا يعطيها حتى يبلغ الكتاب أجله, فهو

انقضاء عدتها والقول المعروف التعريض، والتعريض إنك لنافقة، وإنك لإلي خير، وإني بك لمعجب، وإني لك لمحب، وإن يقدر أمر يكن. قال: فهذا التعريض لا بأس به قاله ابن شهاب وابن قسيط وعطاء ومجاهد وغيرهم، وقال بعضهم لا بأس أن يهدي لها.
سحنون عن ابن وهب عن محمد بن عمرو وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء أيواعد وليها بغير علمها فإنها مالكة لأمرها؟ قال: أكرهه قال ابن جريج وقال عبد الله بن عباس في المرأة المتوفى عنها زوجها التي يواعدها الرجل في عدتها ثم تتم له قال: خير له أن يفارقها.
قال ابن وهب، قال مالك في الرجل يخطب المرأة في عدتها جاهلا بذلك ويسمي الصداق ويواعدها قال: فراقها أحب إلي دخل بها أو لم يدخل بها، وتكون تطليقة واحدة من غير أن يستثنى فيما بينهما ثم يدعها حتى تحل، ثم يخطبها مع الخطاب وقال أشهب عن مالك في الذي يواعد في العدة ثم يتزوج بعد العدة أنه يفرق بينهما دخل بها أم لم يدخل بها.

عدة المطلقة تتزوج في عدتها
قلت: أرأيت المرأة يطلقها زوجها طلاقا بائنا بخلع فتتزوج في عدتها فعلم بذلك ففرق بينهما قال: كان مالك يقول: الثلاث حيض تجزئ من الزوجين جميعا من يوم دخل بها الآخر وقول قد جاء عن عمر ما قد جاء يريد أن عمر قال: تعتد بقية عدتها من الأول ثم تعتد عدتها من الآخر قال: وأما في الحمل فإن مالكا قال: إذا كانت حاملا أجزأ عنها الحمل من عدة الزوجين جميعا.
قلت: هل يكون للزوج الأول أن يتزوجها في عدتها من الآخر في قول مالك إن كانت قد انقضت عدتها من الأول؟ قال: لا، قلت: أرأيت المرأة يطلقها زوجها طلاقا يملك الرجعة فتتزوج في عدتها فيراجعها زوجها الأول في العدة من قبل أن يفرق بينها وبين الآخر أو بعد ما فرق بينها وبين الآخر؟ قال: قال لي مالك: رجعة الزوج إذا راجعها وهي في العدة رجعة وتزويج الآخر باطل ليس بشيء إذا كانت لم تنقض عدتها منه إلا أن الزوج إذا راجعها لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها من الماء الفاسد بثلاث حيض إن كان قد دخل بها الآخر.
قال سحنون: قلت لغيره فهل يكون هذا متزوجا في العدة قال: نعم, ألا ترى أنه

يصيب في العدة وإن كان لزوجها فيها الرجعة إن لم يستحدث زوجها لها ارتجاعا يهدم به العدة بانت، وكانت يوم تبين قد حلت لغيره من الرجال، كما تحل المبتوتة سواء بغير طلاق استحدثه بعد ما بانت استحدث له عدة فهي مطلقة وهي زوجة تجري في عدة فمن أصابها في العدة أو تزوجها كان متزوجا في عدة تبين وتحل للرجال، وذلك الذي نقم من المتزوج في عدة قلت لابن القاسم: أرأيت إذا تزوجت المرأة في عدتها من وفاة زوجها ففرق بينها وبين زوجها؟ قال: أرى أن تعتد أربعة أشهر وعشرا من يوم توفي زوجها تستكمل فيه ثلاث حيض إذا كان الذي تزوجها قد دخل بها، فإن لم تستكمل ثلاث حيض انتظرت حتى تستكمل الثلاث حيض.
قلت: فإن كانت مستحاضة أو مرتابة؟ قال: تعتد أربعة أشهر وعشرا من يوم مات الزوج الأول وتعتد سنة من يوم فسخ النكاح بينها وبين الزوج الآخر، قلت لابن القاسم: أرأيت من تزوج في العدة فأصاب في غير العدة؟ قال: قال مالك: وعبد العزيز هو بمنزلة من تزوج في العدة ومس في العدة ألا ترى أن الوطء بعد العدة إنما حبسه له النكاح الذي نكحها إياه حيث نهي عنه؟ قال سحنون: وقد كان المخزومي وغيره يقولون لا يكون أبدا ممنوعا إلا بالوطء في العدة قلت لابن القاسم: فإن كان زوجها قد غاب عنها سنتين ثم نعي لها فتزوجت، فقدم زوجها الأول وقد دخل بها زوجها الآخر؟ قال: قال مالك: ترد إلى زوجها الأول ولا يقربها زوجها الأول حتى تنقضي عدتها من زوجها الآخر قلت: فإن كانت حاملا من زوجها الآخر؟ قال: فلا يقربها زوجها الأول حتى تضع ما في بطنها.
قلت: فإن مات زوجها الأول قبل أن تضع؟ قال: إن وضعت ما في بطنها بعد مضي الأربعة الأشهر وعشر من يوم مات الزوج الأول فقد حلت للأزواج وانقضت عدتها، وإن وضعته قبل أن تستكمل أربعة أشهر وعشرا من يوم مات زوجها الأول فلا تنقضي عدتها من زوجها الأول إذا وضعت ما في بطنها من زوجها الآخر إلا أن تكون قد استكملت أربعة أشهر وعشرا من يوم مات زوجها الأول قال: وكذلك قال مالك في هذه المسائل كلها، وكذلك قضى عمر بن عبد العزيز، أخبرنا الليث بن سعد في التي ردت إلى زوجها وهلك زوجها الأول وهي حامل من زوجها الآخر قال ابن القاسم: وهو قول مالك في أمر هذا الزوج الغائب وأمر الزوج الذي تزوجها في العدة وفي الوفاة عنها وفي حملها على ما وصفت لك، قلت لغيره: فرجل توفي عن أم ولده ورجل أعتق أم ولده ورجل أعتق جارية كان يصيبها فتزوجن قبل أن تمضي الحيضة فأصبن بذلك النكاح.

قال: يسلك بهن مسلك المتزوج في العدة إذا أصاب وإذا لم يصب.
قلت: فلو أن رجلا زوج عبده أمته أو غيره ثم طلقها الزوج وقد كان دخل بها فأصابها سيدها في عدتها، هل يكون كالناكح في عدة؟ قال: نعم، وقد قاله مالك قال: وقال من وطئ وطء شبهة في عدة من نكاح بنكاح أو ملك كان كالمصيب بنكاح في عدة من نكاح، ألا ترى أن الملك يدخل في النكاح حتى يمنع من وطء الملك ما يمنع به من وطء النكاح؟ قال: وأين ذلك؟ قال: رجل طلق أمة ألبتة ثم اشتراها، قال مالك: لا تحل له بالملك حتى تنكح زوجا غيره كما حرم على الناكح من ذلك، وقال عبد الملك: قال مالك في الرجل يتوفى عن أم ولده فتكون حرة وعدتها حيضة فتزوجها رجل في حيضتها: إنه متزوج في عدتها، قال عبد الملك فانظر في هذا فمتى ما وجدت ملكا قد خالطه نكاح بعده في البراءة أو ملكا دخل على نكاح بعده في البراءة فذلك كله يجري مجرى المصيب في العدة.
قال سحنون: وقد روى ابن وهب عن مالك أيضا في أم الولد أنه ليس مثل المتزوج في العدة سحنون قال ابن وهب قال مالك في التي تتزوج في عدتها ثم يصيبها زوجها في العدة ثم يستبرئها زوجها: إنه لا يطؤها بملك يمينه وقد فرق عمر بن الخطاب بينهما وقال: لا يجتمعان أبدا قال مالك: وكل امرأة لا تحل أن تنكح ولا تمس بنكاح فإنه لا يصلح أن تمس بملك اليمين فما حرم في النكاح حرم بملك اليمين والعمل عندنا على قول عمر بن الخطاب.
قلت: أرأيت إن طلق الرجل امرأته وعدتها بالشهور فتزوجت في عدتها ففرق بينها وبينه أيجزئها أن تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر مستقبلة؟ قال: نعم ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: حدثني سليمان بن يسار أن رجلا نكح امرأة في عدتها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فجلدهما وفرق بينهما وقال: لا يتناكحان أبدا وأعطى المرأة ما أمهرها الرجل بما استحل من فرجها ابن وهب عن عبد الرحمن بن سليمان الهجري عن عقيل بن خالد عن مكحول أن علي بن أبي طالب قضى بمثل ذلك سواء ابن وهب وقال مالك: وقد قال عمر أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم كان خاطبا من الخطاب فإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لم ينكحها أبدا قال ابن المسيب ولها مهرها بما استحل منها.

المطلقة تنقضي عدتها ثم تأتي بولد بعد العدة وتقول هو من زوجي ما بينها وبين خمس سنين
المطلقة تنقضي عدتها ثم تأتي بولد بعد العدة وتقول هو من زوجي بينها وبين خمس سنين
قلت: أرأيت إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة، فجاءت بولد لأكثر من سنين أيلزم الزوج الولد أم لا؟ قال: يلزمه الولد في قول مالك إذا جاءت بالولد في ثلاث سنين أو أربع سنين أو خمس سنين قال ابن القاسم: وهو رأيي في الخمس سنين، قال: كان مالك يقول ما يشبه أن تلد له النساء إذا جاءت به يلزم الزوج.
قلت: أرأيت إن طلقها فحاضت ثلاث حيض وقالت قد انقضت عدتي فجاءت بالولد بعد ذلك لتمام أربع سنين من يوم طلقها فقالت المرأة قد طلقني فحضت ثلاث حيض وأنا حامل ولا علم لي بالحمل وقد تهراق المرأة الدم على الحمل فقد أصابني ذلك، وقال الزوج: قد انقضت عدتك وإنما هذا الحمل حادث ليس مني أيلزم الولد الأب أم لا؟ قال: يلزمه الولد إلا أن ينفيه بلعان قلت: أرأيت إن جاءت به بعد الطلاق لأكثر من أربع سنين جاءت بالولد لست سنين وإنما كان طلاقها طلاقا يملك الرجعة أيلزم الولد الأب أم لا؟ قال: لا يلزم الولد الأب ههنا على حال لأنا نعلم أن عدتها قد انقضت وإنما هذا حمل حادث، قلت: ولم جعلته حملا حادثا أرأيت إن كانت مسترابة كم عدتها؟ قال: وقد قال مالك: عدتها تسعة أشهر ثم تعتد ثلاثة أشهر ثم قد حلت إلا أن تستراب بعد ذلك، فتنتظر حتى تذهب ريبتها.
قلت: أرأيت إن استرابت بعد السنة فانتظرت ولم تذهب ريبتها؟ قال: تنتظر إلى ما يقال إن النساء لا يلدن لأبعد من ذلك إلا أن تنقطع ريبتها قبل ذلك قلت: فإن قعدت إلى أقصى ما تلد له النساء ثم جاءت بالولد بعد ذلك لستة أشهر فصاعدا فقالت المرأة: هو ولد الزوج، وقال الزوج: ليس هذا بابني، قال: القول قول الزوج ليس هو له بابن لأنا قد علمنا أن عدتها قد انقضت وهذا الولد إنما هو حمل حادث، قلت: ويقيم على المرأة الحد؟ قال: نعم، قلت: أتحفظ هذا كله عن مالك؟ قال: لا، قلت: أرأيت إن جاءت بالولد بعد انقطاع هذه الريبة لأقل من ستة أشهر أيلزم الولد الأب أم لا؟ قال: لا يلزمه.
قلت: فإن جاءت به بعد الريبة التي ذكرت بثلاثة أشهر أو أربعة؟ قال: نعم, لا يلزمه ذلك, قلت: وهذا قول مالك قال: قال مالك: إذا جاءت بالولد لأكثر مما تلد له النساء لم يلحق الأب.
قلت: أرأيت إذا هلك الرجل عن امرأته فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم جاءت

بالولد لأكثر من ستة أشهر فيما بينها وبين ما تلد لمثله النساء من يوم هلك زوجها؟ قال: الولد للزوج ويلزمه، قلت: ولم قد أقرت بانقضاء العدة؟ قال: هذا والطلاق سواء يلزم الأب الولد وإن أقرت بانقضاء العدة، إلا أن للأب في الطلاق أن يلاعن إذا ادعى الاستبراء قبل الطلاق، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة فجاءت بولد لأكثر مما تلد لمثله النساء ولم تكن أقرت بانقضاء العدة، أيلزم الزوج هذا الولد أم لا؟ قال: لا يلزمه الولد وهو قول مالك قال ابن القاسم: والمطلقة الواحدة التي تملك فيها الرجعة ههنا والثلاث في قول مالك سواء في هذا الولد إذا جاءت به لأكثر مما تلد لمثله النساء سحنون عن أشهب عن الليث بن سعد عن ابن عجلان أن امرأة له وضعت له ولدا في أربع سنين وأنها وضعت مرة أخرى في سبع سنين.

في امرأة الصبي الذي لا يولد لمثله تأتي بالولد
قلت: أرأيت امرأة الصبي إذا كان مثله يجامع ولا يولد لمثله فظهر بامرأته حمل أيلزمه أم لا؟ قال: لا يلزمه إذا كان لا يحمل لمثله وعرف ذلك، قلت: فإن مات هذا الصبي عنها فولدت بعد موته بيوم أو بشهر، هل تنقضي عدتها بهذا الولد؟ قال: لا تنقضي عدتها إلا بعد أربعة أشهر وعشرا من يوم مات زوجها ولا ينظر في هذا إلى الولادة لأن الولد ليس ولد الزوج.
قلت: ويقيم عليها الحد؟ قال: نعم، إذا كان لا يولد لمثل هذا الزوج. قال: فإنما الحمل الذي تنقضي به العدة الحمل الذي يثبت نسبه من أبيه إلا أن حمل الملاعنة تنقضي به عدة الملاعنة وإن مات زوجها في العدة ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، وكذلك كل حامل طلقها زوجها فمات في العدة فإنها لا تنتقل إلى عدة الوفاة إذا كان طلاقها بائنا. وقال في الصبي الذي لا يحمل من مثله ومثله يقوى على الجماع فيدخل بامرأته ثم يصالح عنه أبوه أو وصيه أنه لا عدة على المرأة ولا يكون لها نصف الصداق ولا يكون عليها في وطئه غسل إلا أن تلتذ بذلك يريد تنزل.

في المرأة الخصي والمجبوب تأتي بالولد
في امرأة الخصي والمجبوب تأتي بالولد
قلت: هل يلزم الخصي والمجبوب الولد إذا جاءت به امرأته؟ قال: سئل مالك عن

في المرأة تتزوج في عدتها ثم تأتي بولد والرجلين يتزوجان المرأة فيطآها في طهر واحد
قلت: أرأيت امرأة طلقها زوجها طلاقا بائنا أو طلاقا يملك الرجعة فلم تقر بانقضاء عدتها حتى مضى لها ما تلد لمثله النساء إلا خمسة أشهر، فتزوجت ولم تقر بانقضاء العدة أيجوز النكاح لها أم لا؟ قال: إن قالت إنما تزوجت بعد انقضاء عدتي فالقول قولها، ولكنها إن كانت مسترابة فلا تنكح حتى تذهب الريبة عنها أو يمضي لها من الأجل أقصى ما تلد لمثله النساء.
قلت: فإن مضى لها من الأجل أقصى ما تلد لمثله النساء إلا أربعة أشهر، فتزوجت فجاءت بولد بعد ما تزوجت الزوج الثاني بخمسة أشهر، أيلزمه الأول أم الآخر؟ قال: أرى أن لا يلزم الولد أحدا من الزوجين من قبل أنها وضعته لأكثر مما يلد لمثله النساء من يوم طلقها الأول ووضعته لخمسة أشهر من يوم تزوجها الآخر فلا يلزم الولد واحدا منهما، ويفرق بينها وبين زوجها الآخر لأنه تزوجها حاملا ويقام عليها الحد وهذا رأيي.
قلت: أرأيت لو أن رجلين وطئا أمة بملك اليمين في طهر واحد أو تزوج رجلان امرأة في طهر واحد، وطئها أحدهما بعد صاحبه ثم تزوجها الثاني وهو يجهل أن لها زوجا، فجاءت بولد؟ قال: أما إذا كان ذلك في ملك اليمين فإن مالكا قال يدعى لها القافة، قال: وأما في النكاح فإذا اجتمعا عليها في طهر واحد فالولد للأول لأنه بلغني عن مالك أنه سئل عن امرأة طلقها زوجها فتزوجت في عدتها قبل أن تحيض فدخل بها زوجها الثاني فوطئها واستمر بها الحمل فوضعت قال: قال مالك: الولد للأول ولم أسمعه من مالك ولكني قد أخذته عنه ممن أثق به قال مالك: وإن كان تزوجها بعد حيضة أو حيضتين من عدتها فالولد للآخر إن كانت ولدته لتمام ستة أشهر من يوم دخل بها الآخر، فإن كانت ولدته لأقل من ستة أشهر فهو للأول وكذلك قال مالك.

في إقرار الرجل بالطلاق بعد أشهر
قال عبد الرحمن بن القاسم: قال مالك: في الرجل يكون في سفر فيقدم فيدعي

امرأة الذمي تسلم ثم يموت الذمي ثم تنتقل إلى عدة الوفاة وفي تزويجها في العدة
قلت: أرأيت لو أن ذمية أسلمت تحت ذمي فمات الذمي وهي في عدتها أتنتقل إلى عدة الوفاة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لو طلقها ألبتة لم يلزمها من ذلك شيء فهذا يدلك على أنها لا تنتقل إلى عدة الوفاة، قلت: ولا يكون لها من المهر شيء إن لم يكن دخل بها حتى مات في عدتها أو لم يمت؟ قال: نعم، لا شيء لها من مهرها، وهو قول مالك وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} [البقرة: 234]. فإنما أراد بهذا المسلمين ولم يرد بهذا من على غير الإسلام.
قلت: أرأيت إن توفي عنها زوجها فكانت في عدة الوفاة فتزوجت زوجا في عدتها وظهر بها حمل؟ قال: قال مالك: إن كان دخل زوجها بها قبل أن تحيض فالولد للأول، وإن كان بعد حيضة أو حيضتين فالولد للآخر إذا ولدته لتمام ستة أشهر من يوم دخل بها زوجها قال ابن القاسم: وأرى أنه إن كان دخل بها قبل أن تحيض فالعدة وضع الحمل كان أقل من أربعة أشهر وعشر أو أكثر وكان الولد للأول وإن كان بعد حيضة أو حيضتين وقد ولدته لستة أشهر من يوم دخل بها الآخر فالعدة وضع الحمل وهو آخر الأجلين والولد ولد الآخر؟
قال ابن القاسم: قال مالك: في امرأة تزوجت في عدتها قال: إن كان دخل بها قبل أن تحيض حيضة أو حيضتين فالولد للأول، وإن كان بعد ما حاضت حيضة أو حيضتين فالولد للآخر إذا أتت به لتمام ستة أشهر من يوم دخل بها، قال ابن القاسم: وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم دخل بها الآخر كان للأول سحنون وقال غيره: كان من تزوجها في العدة إذا فرق بينهما وقد دخل بها لم يتناكحا أبدا ألا ترى أنه لو أسلم وهي في العدة كانت زوجة له وإذا لم يسلم حتى تنقضي عدتها بانت منه ولم يكن له إليها سبيل، مثل الذي يطلق وله الرجعة فتتزوج امرأته قبل أن ترجع فهي متزوجة في عدة.

في عدة المرأة ينعي له زوجها فتتزوج تزويجا فاسدا ثم يقدم أين تعتد
في عدة المرأة ينعى لها زوجها فتتزوج تزويجا فاسدا ثم يقدم أين تعتد
قلت: أرأيت لو أن امرأة ينعى لها زوجها فتزوجت ودخل بها زوجها الآخر ثم قدم زوجها الأول؟ قال: قال مالك: ترد إلى زوجها الأول ولا يكون للزوج الآخر خيار ولا غير ذلك ولا تترك مع زوجها الآخر، قال مالك: ولا يقربها زوجها الأول حتى تحيض ثلاث حيض إلا أن تكون حاملا حتى تضع حملها، وإن كانت قد يئست من المحيض فثلاثة أشهر وقال مالك: وليست هذه بمنزلة امرأة المفقود وذلك أنها كذبت وعجلت ولم يكن إعذار من تربص ولا تفريق من إمام.
قلت: فهل يكون على هذه في البيتوتة عن بيتها مثل ما يكون على المطلقة؟ قال: سألت مالكا عن الرجل ينكح أخته من الرضاعة أو أمه أو ذات محرم من الرضاعة والنسب وجهل ذلك ولم يكن يعلمه ثم علم بذلك بعد ما دخل بها ففسخ ذلك النكاح أين تعتد؟ قال: فقال لي مالك: تعتد في بيتها التي كانت تسكن فيه كما تعتد المطلقة؛ لأن أصله كان نكاحا يدرأ عنهما به الحد ويلحق الولد فيه قال مالك: فأرى أن يسلك بها سبيل النكاح الحلال قال مالك: وهو أحب ما فيه إلي.
قال ابن القاسم: فما سألت عنه من هذه التي تزوجت وقدم زوجها أنها تعتد في بيتها الذي كانت تسكن فيه مع زوجها الآخر ويحال بينها وبين زوجها الآخر وبين الدخول عليها حتى تنقضي عدتها فترد إلى زوجها الأول قال ابن القاسم: فإن قال قائل هذه لها زوج ترد إليه وتلك لا زوج لها وإذا فسخ نكاحها فسخ بغير طلاق فهي لا تعتد من طلاق زوج وإنما تعتد من مسيس يلحق فيه الولد، وكذلك هذه أيضا أنها تعتد من مسيس يلحق فيه الولد وإن كانت ذات زوج ولا يلحق فيه الطلاق.

في عدة الأمة تتزوج بغير إذن سيدها وعدة النكاح الفاسد
قلت: كم عدة الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها إذا فرقت بينهما؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال: كل نكاح فاسد لا يترك أهله عليه على حال فإنه إذا فرق بينهما اعتدت عدة المطلقة فأرى هذه بهذه المنزلة تعتد عدة المطلقة ولما جاء فيها مما قد أجازه بعض الناس إذا أجازه السيد.
قلت: فالنكاح الفاسد إذا دخل بها زوجها إلا أنه لم يطأها أو تصادقا على ذلك،

ثم فرقت بينهما كم تعتد المرأة؟ قال: كما تعتد المطلقة من النكاح الصحيح ولا يصدق على العدة للخلوة لأنه لو كان ولد لثبت نسبه إلا أن ينفيه بلعان، وأرى أن لا صداق لها لأنها لم تطلبه ولم تدعه وكذلك قال مالك: وتعاض من تلذذه بها إن كان تلذذ منها بشيء قال مالك: ولا يكون في هذا صداق ولا نصف صداق.

المفقود تتزوج امرأته ثم يقدم والتي تطلق فتعلم الطلاق ثم ترتجع فلا تعلم
قلت: أرأيت المرأة ينعى لها زوجها فتعتد منه ثم تتزوج والمرأة يطلقها زوجها فتعلم بالطلاق ثم يراجعها في العدة وقد غاب عنها فلم تعلم بالرجعة حتى تنقضي العدة فتتزوج وامرأة المفقود تعتد أربع سنين بأمر السلطان ثم أربعة أشهر وعشرا فتنكح أهؤلاء عند مالك محملهن محمل واحد؟ قال: لا، أما التي ينعى لها فهذه يفرق بينها وبين زوجها الثاني وترد إلى زوجها الأول بعد الاستبراء وإن ولدت منه أولادا، وأما امرأة المفقود والتي طلقت ولم تعلم بالرجعة فإنه قد كان مالك يقول مرة: إذا تزوجتا ولم يدخل بهما زوجاهما فلا سبيل إليهما، ثم إن مالكا وقف قبل موته بعام أو نحوه في امرأة المطلق إذا أتى زوجها فقال مالك: زوجها الأول أحق بها، قال: وسمعت أنا منه في المفقود أنه قال: هو أحق بها ما لم يدخل بها زوجها الثاني، وأرى أنا فيهما جميعا أن زوجاهما إذا أدركاهما قبل أن يدخل بهما زوجاهما هؤلاء الآخران فالأولان أحق وإن دخلا فالآخران أحق.
قال سحنون وقال أشهب مثل قوله، واختار مثل ما اختار هو، وقال المغيرة وغيره بقول مالك الأول وقالوا: لا توارث امرأة زوجين توارث زوجها ثم ترجع إلى زوج غيره، وقال مالك وليس استحلال الفرج بعد الإعذار من السلطان بمنزلة عقد النكاح وقد جاء زوجها ولم يمت ولم يطلق.
قلت: أرأيت إن قدم زوجها الأول بعد الأربع سنين وبعد الأربعة أشهر والعشر أتردها إليه في قول مالك ويكون أحق بها؟ قال: نعم، قلت: أفتكون عنده على تطليقتين؟ قال: لا ولكنها عنده على ثلاث تطليقات عند مالك وإنما تكون عنده على تطليقتين إذا هي رجعت إليه بعد زوج.
قلت: أرأيت المفقود إذا ضرب السلطان لامرأته أربع سنين، ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا أيكون هذا الفراق تطليقة أم لا؟ قال: إن تزوجت ودخل بها فهي تطليقة,

قلت: فإن جاء زوجها حيا قبل أن تنكح بعد الأربعة أشهر وعشر أتمنعها من النكاح؟ قال: نعم، وهي امرأته على حالها وبعد ما نكحت قبل أن يدخل بها يفرق بينها وبين زوجها الثاني وتقيم على زوجها الأول.
قال سحنون: فإن تزوجت بعد الأربعة أشهر وعشر ثم جاء موته أنه قد مات بعد أربعة أشهر وعشر أترثه أم لا؟ قال: إن انكشف أن موته بعد نكاحها وقبل دخوله بها ورثت زوجها الأول لأنه مات وهو أحق بها، فهو كمجيئه أن لو جاء أو علم أنه حي وفرق بينها وبين الآخر واعتدت من الأول من يوم مات؛ لأن عصمة الأول لم تسقط وإنما تسقط بدخول الآخر بها وكذلك لو مات الزوج الآخر قبل دخوله بها فورثته ثم انكشف أن الزوج الأول مات بعده أو قبله بعد نكاحه أو جاء أن الزوج الأول حي بطل ميراثها مع هذا الزوج وردت إلى الأول إن كان حيا وأخذت ميراثه إن كان ميتا، فإن انكشف أن موته بعد ما دخل بها الآخر فهي زوجة الآخر ولا يفرق بينهما لأنه استحل الفرج بعد الإعذار من السلطان وضرب المدد، والمفقود حين فقد انقطعت عصمة المفقود، وإنما موته في تلك الحال كمجيئه لو جاء ولا ميراث لها من الأول، وإن انكشف أنها تزوجت بعد ضرب الأجل وبعد الأربعة الأشهر والعشر بعد موت المفقود، في عدة وفاته ودخل بها الآخر في تلك العدة فرق بينها وبين الآخر ولم يتناكحا أبدا وورث الأول، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما وورث الأول وكان خاطبا من الخطاب إن كانت عدتها من الأول قد انقضت؛ لأن عمر بن الخطاب فرق بين المتزوجين في العدة في العمد والجهل وقال: لا يتناكحان أبدا، وهذا المسلك يأخذ بالذي طلق وارتجع فلم تعلم بالرجعة حتى انقضت العدة وتزوجت زوجا في موتهما وفي ميراثهما وفي فسخ النكاح وإن انكشف أن موت المفقود وانقضاء عدة موته قبل تزويج الآخر ورثت المفقود وهي زوجة الأخير كما هي.
قال: وقال مالك في امرأة المفقود إذا ضرب لها أجل أربع سنين ثم تزوجت بعد أربعة أشهر وعشر ودخل بها ثم مات زوجها هذا الذي تزوجها ودخل بها، ثم قدم المفقود فأراد أن يتزوجها بعد ذلك أنها عنده على تطليقتين إلا أن يكون طلقها قبل ذلك.

ضرب أجل المفقود
قلت: أرأيت امرأة المفقود أتعتد الأربع سنين في قول مالك بغير أمر السلطان؟ قال: قال مالك: لا، قال مالك: وإن أقامت عشرين سنة ثم رفعت أمرها إلى السلطان نظر فيها وكتب إلى موضعه الذي خرج إليه فإذا يئس منه ضرب لها من تلك الساعة أربع

سنين فقيل لمالك: هل تعتد بعد الأربع سنين عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا من غير أن يأمرها السلطان بذلك؟ قال: نعم، ما لها وما للسلطان في الأربعة أشهر وعشر التي هي العدة.
وحدثنا سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل سحنون عن ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب ضرب للمفقود من يوم جاءت امرأته أربع سنين ثم أمرها أن تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ثم تضع في نفسها ما شاءت إذا انقضت عدتها، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن المفقود الذي لا يبلغه السلطان ولا كتاب سلطان فيه قد أضل أهله وإمامه في الأرض فلا يدرى أين هو وقد تلوموا في طلبه والمسألة عنه فلم يوجد فذلك الذي يضرب الإمام فيما بلغنا لامرأته الأجل، ثم تعتد بعدها عدة الوفاة، يقولون: إن جاء زوجها في عدتها أو بعد العدة ما لم تنكح فهو أحق بها وإن نكحت بعد العدة ودخل بها فلا سبيل له عليها.
حدثني سحنون عن ابن القاسم عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في المرأة يطلقها زوجها وهو غائب ثم يراجعها فلا تبلغها رجعته إياها وقد بلغها طلاقها فتتزوج أنه إن دخل زوجها الآخر قبل أن يدركها زوجها الأول فلا سبيل لزوجها الأول الذي طلقها إليها قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا في هذا وفي المفقود قال مالك: وقد بلغني أن عمر بن الخطاب قال: فإن تزوجت ولم يدخل بها الآخر فلا سبيل لزوجها الأول إليها قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا وفي المفقود ومع هذا إن جل الآثار عن عمر بن الخطاب إنما فوت التي طلق في المدخول بها.

النفقة على امرأة المفقود من مال المفقود
قلت: أرأيت المفقود أينفق على امرأته من ماله في الأربع سنين؟ قال: قال مالك: ينفق على امرأة المفقود الأربع سنين، قلت: ففي الأربعة أشهر وعشر بعد الأربع سنين؟ قال: لا؛ لأنها معتدة، قلت: أينفق على ولده الصغار وبناته في الأربع سنين في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، قلت: أينفق على ولده الصغار وبناته في الأربعة أشهر وعشر التي جعلتها عدة لامرأته؟ قلت: أرأيت المفقود إن كان له ولد صغار ولهم مال أينفق عليهم من مال أبيهم؟ قال: لا ينفق عليهم من مال أبيهم لأن مالكا قال: إذا كان للصغير مال لم يجبر الأب على نفقته.

قلت: أرأيت إن أنفقت على ولد المفقود وعلى امرأته من مال المفقود أربع سنين أنأخذ منهم كفيلا في ذلك في قول مالك؟ قال: لا، قلت: فإن علم أنه قد مات قبل ذلك وقد أنفق على أهله وولده في الأربع سنين قال: قال مالك في امرأة المفقود إذا أنفقت من ماله في الأربع سنين التي ضرب لها السلطان أجلا لها ثم أتى العلم بأنه قد مات قبل ذلك غرمت ما أنفقت من يوم مات لأنها قد صارت وارثا ولم يكن فيه تفريط ونفقتها من مالها قلت: فإن مات قبل السنين التي ضرب السلطان أجلا للمفقود أترد ما أنفقت من يوم مات؟ قال: نعم وكذلك المتوفى عنها زوجها ترد ما أنفقت بعد الوفاة.
قلت: أرأيت ما أنفق على ولد المفقود ثم جاء علمه أنه مات قبل ذلك؟ قال: هو مثل ما قال مالك في المرأة أنهم يردون ما أنفقوا بعد موته سحنون ومعناه إذا كان لهم أموال.

في ميراث المفقود
قال: وقال مالك: لا يقسم ميراث المفقود حتى يأتي موته أو يبلغ من الزمان ما لا يحيا إلى مثله فيقسم ميراثه من يوم يموت وذلك اليوم يقسم ميراثه قلت: أرأيت إن جاء موته بعد الأربعة أشهر وعشر من قبل أن تنكح أتورثها منه في قول مالك أم لا؟ قال: نعم ترثه عند مالك.
قلت: فإن تزوجت بعد أربعة أشهر وعشر ثم جاء موته أنه مات بعد الأربعة أشهر وعشر؟ قال: إن جاء أن موته بعد نكاح الآخر وقبل أن يدخل بها هذا الثاني ورثته وفرق بينهما واستقبلت عدتها من يوم مات، وإن جاء أن موته بعد ما دخل بها زوجها الثاني لم يفرق بينهما ولا ميراث لها منه إلا أن يكون يعلم أنها قد تزوجت بعد موته في عدة منه فإنها ترثه ويفرق بينهما، وإن كان قد دخل بها لم تحل له أبدا، وإن تزوجت بعد انقضاء عدتها من موته لم يفرق بينها وبين زوجها الثاني وورثت زوجها المفقود وهذا كله الذي سمعت من مالك.
قلت: أرأيت المفقود إذا هلك ابن له في السنين التي هو فيها مفقود أيورث المفقود من ابنه هذا في قول مالك؟ قال: لا يرثه عند مالك قلت: فإذا بلغ هذا المفقود من السنين ما لا يعيش إلى مثلها فجعلته ميتا أتورث ابنه الذي مات في تلك السنين من هذا المفقود في قول مالك؟ قال: لا يرثه عند مالك وإنما يرث المفقود ورثته الأحياء يوم جعلته ميتا. قال: وهذا قول مالك قلت: أرأيت إن مات ابن المفقود أيقسم ماله بين

ورثته ساعتئذ ولا يورث المفقود منه ويوقف حظ الأب منه خوفا من أن يكون المفقود حيا وما قول مالك في هذا؟ قال: يوقف نصيب المفقود فإن أتى كان أحق به وإن بلغ من السنين ما لا يحيا إلى مثلها رد إلى الذين ورثوا ابنه الميت يوم مات ويقسم بينهم على مواريثهم قال مالك: لا يرث أحد أحدا بالشك.

في العبد يفقد
قلت: أرأيت لو أن عبدا لي فقد وله أولاد أحرار فأعتقته بعد ما فقد العبد أيجر ولاء ولده الأحرار من امرأة حرة أم لا؟ قال: لا يجر ولاء ولده الأحرار من امرأة حرة لأنا لا ندري إن كان يوم أعتقه حيا أم لا ألا ترى أن مالكا قال في المفقود إذا مات بعض ولده أنه لا يرث المفقود من مال ولده هذا الميت شيئا إذا لم يعلم حياة المفقود يوم يموت ولده هذا لأنا لا ندري لعل المفقود يوم يموت ولده هذا كان ميتا ولكن يوقف قدر ميراثه فكذلك الولاء على ما قال لي مالك في الميراث إن سيد العبد لا يجر الولاء حتى يعلم أن العبد يوم أعتقه السيد حي.
قلت: أرأيت العبد الذي فقد فأعتقه سيده إذا مات ابن له حر من امرأة حرة أيوقف ميراثه أم لا في قول مالك؟ قال: أحسن ما جاء فيه وما سمعت من مالك أنه يؤخذ من الورثة حميل بالمال إن جاء أبوهم دفعوا حظهم من هذا المال بعد ما يتلوم للأب ويطلب. قلت: فإذا فقد الرجل الحي فمات بعض ولده أيعطى ورثة الميت المال بحميل بنصيب المفقودة وأنصبائهم؟ قال: لا، ولكن يوقف نصيب المفقود. قلت: ما فرق ما بينهما؟ قال: لأن مالكا قال: لا يورث أحد بالشك والحر إذا فقد فهو وارث هذا الابن الميت إلا أن يعلم أن الأب المفقود قد مات قبل هذا الابن وأما العبد الذي أعتق فإنما ورثه هذا الابن الحر من الحرة إخوته وأمه دون الأب لأنه عبد حتى يعلم أن العبد قد مسه العتق قبل موت الابن، والعبد لما فقد لا يدرى أمسه العتق أم لا لأنا لا ندري لعله كان ميتا من يوم أعتقه سيده، فلذلك رأيت أن يدفع المال إلى ورثة ابن العبد ويؤخذ بذلك منهم حميل، ورأيت في ولد الحر أن يوقف نصيب المفقود ولا يعطى ورثة ابنه الميت نصيب المفقود بحمالة، فهذا فرق ما بينهما وهو قول مالك أنه لا يورث أحد بالشك فلذلك رأيت أن يدفع المال إلى ورثة ابن العبد ويؤخذ منهم بذلك حميل، ورأيت في ولد الحر أن يوقف نصيب المفقود، ألا ترى في مسألتك في ابن العبد أن ورثته الأحرار كانوا ورثته إذا كان أبوهم في الرق فهم ورثته على حالتهم. حتى يعلم أن الأب قد مسه العتق.

قلت: أرأيت قول مالك لا يرث أحد بالشك أليس ينبغي أن يكون معناه أنه من جاء يأخذ المال بوراثة يدعيها فإن شككت في وراثته وخفت أن يكون غيره وارثا دونه لم أعطه المال حتى لا أشك أنه ليس للميت من يدفع هذا عن الميراث الذي يريد أخذه؟ قال: إنما معنى قول مالك لا أورث أحدا بالشك إنما هو في الرجلين يهلكان جميعا ولا يدرى أيهما مات أولا وكل واحد منهما وارث صاحبه إنه لا يرث واحد منهما صاحبه وإنما يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء.
قلت: فأنت تورث ورثة كل واحد منهما بالشك لأنك لا تدري لعل الميت هو الوارث دون هذا الحي. قال: الميتان في هذا كأنهما ليسا بوارثين وهما اللذان لا يورث مالك بالشك، وأما هؤلاء الأحياء فإنما ورثناهم حيث طرحنا الميتين فلم يورث بعضهما من بعض فلم يكن بد من أن يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء فالعبد عنده إذا لم يكن يدري أمسه العتق أو لا فهو بمنزلة الميتين لا أورثه حتى أستيقن أن العتق قد مسه.

القضاء في مال المفقود ووصيته وما يصنع بماله إذا كان في يد الورثة
قلت: أرأيت ديون المفقود إلى من يدفعونها؟ قال: يدفعونها إلى السلطان، قلت: ولا يجزئهم أن يدفعوها إلى ورثته؟ قال: لا، لأن الورثة لم يرثوه بعد، قلت: أرأيت المفقود إذا فقد وماله في يدي ورثته أينزعه السلطان منهم ويوقفه؟ قال مالك: يوقف مال المفقود إذا فقد، فالسلطان ينظر في ذلك ويوقفه ولا يدع أحدا يفسده ولا يبذره.
قلت: أرأيت المفقود إذا كان ماله في يد رجل قد كان المفقود داينه أو استودعه إياه أو قارضه به أو أعاره متاعا أو أسكنه في داره وأجره إياها أو ما أشبه هذا أينزع السلطان هذه الأشياء من يد من هي في يده أم لا يعرض لهم السلطان؟ قال: أما ما كان من إجارة فلا يعرض لها حتى تتم الإجارة، وأما ما كان من عارية فإن كان لها أجل فلا يعرض لها حتى يتم الأجل وما كان من دار سكنها فلا يعرض لمن هي في يده حتى تتم سكناه، وما استودعه أو داينه أو قارضه فإن السلطان ينظر في ذلك ويستوثق من مال المفقود ويجمعه له ويجعله حيث يرى لأنه ناظر لكل غائب ويوقفه وكذلك الإجارات والسكنى وغيرها إذا انقضت آجالها صنع فيها السلطان مثل ما وصفت لك ويوقفها ويحرزها على الغائب.
قلت: وإن كان قد قارض رجلا إلى أجل ثم فقد؟ قال: القراض لا يصلح فيه

الأجل عند مالك وهذا قراض فاسد لا يحل، فالسلطان يفسخ هذا القراض ولا يقره ويصنع في ماله كله مثل ما وصفت لك ويوكل رجلا بالقيام في ذلك أو يكون في أهل المفقود رجل يرضاه فيوكله فينظر في ذلك القاضي للغائب، قلت: ولم قلت في العارية إذا كان لها أجل أن السلطان يدعها إلى أجلها في يد المستعير؟ قال: لأن المفقود نفسه لو كان حاضرا فأراد أن يأخذ عاريته قبل محل الأجل لم يكن له ذلك عند مالك لأنه أمر أوجبه على نفسه فليس له أن يرجع فيه، فلذلك لا يعرض فيه السلطان لأن المفقود نفسه لم يكن يستطيع رده ولأنه لو مات لم يكن للورثة أن يأخذوها منه.

فيمن استحق شيئا من مال المفقود
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع خادما له ثم فقد فاعترفت الخادم في يد المشتري وللمفقود عروض أيعدى على العروض فيأخذ الثمن الذي دفعه إلى المفقود من هذه العروض؟ قال: نعم، عند مالك لأن مالكا يرى القضاء على الغائب، قلت: أرأيت المفقود إذا اعترف متاعه رجل فأراد أن يقيم البينة أيجعل القاضي للمفقود وكيلا؟ قال: لا أعرف هذا من قول مالك، إنما يقال لهذا الذي اعترف هذه الأشياء أقم البينة عند القاضي، فإن استحققت أخذت وإلا ذهبت.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أقام البينة أن المفقود أوصى له بوصية أتقبل بينته؟ قال: نعم، عند مالك، فإن جاء موت المفقود وهذا حي أجزت له الوصية إذا حملها الثلث وإن بلغ المفقود من السنين ما لا يحيا إلى مثلها وهذا حي أجزت له الوصية، قلت: وكذلك إن أقام رجل البينة أن المفقود أوصى إليه قبل أن يفقد؟ قال: أقبل بينته، وإذا جعلت المفقود ميتا جعلت هذا وصيا، قلت: فكيف تقبل بينته وهذا لم يجب له شيء بعد وإنما يجب لهما ذلك بعد الموت؟ قال: يقبلها القاضي لأن هذا الرجل يقول: أخاف أن تموت بينتي، قلت: فإن قبل بينته ثم جاء المفقود بعد ذلك أتأمرهما بأن يعيدا البينة إن قد أجزتهما تلك البينة؟ قال: قد أجزتهما تلك البينة.
قلت: أرأيت إذا ادعت امرأة أن هذا المفقود كان زوجها أتقبل بينتها أم لا؟ قال: نعم، تقبل منها البينة لأن مالكا يرى القضاء على الغائب.

الأسير يفقد والمرأة يتزوجها الرجل في العدة فيقبلها أو يباشرها في العدة
الأسير يفقد والمرأة تتزوج في العدة فيقبلها أو يباشرها في العدة
قلت: أرأيت الأسير يفقد في أرض العدو، أهو بمنزلة المفقود في قول مالك؟

فيمن لا عدة عليها من الطلاق وعليها العدة من الوفاة
قلت: هل تعتد امرأة الخصي أو المجبوب إذا طلقها زوجها؟ قال: أما امرأة الخصي فأرى عليها العدة في قول مالك.
قال أشهب: لأنه يصيب ببقية ما بقي من ذكره وأراه يحصن امرأته ويحصن هو بذلك الوطء قال ابن القاسم وأما المجبوب فلا أحفظ الساعة عن مالك في عدة الطلاق شيئا إلا أنه إن كان ممن لا يمس امرأة فلا عدة عليها في الطلاق وأما في الوفاة فعليها أربعة أشهر وعشر على كل حال قلت: أرأيت الصغيرة إذا كان مثلها لا يوطأ فدخل بها زوجها فطلقها هل عليها عدة من الطلاق وعليها في الوفاة العدة؟ قال مالك: لا عدة عليها من الطلاق وقال مالك: وعليها في الوفاة العدة؛ لأنها من الأزواج، وقد قال الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} [البقرة: 234].

عدة المرأة تنكح نكاحا فاسدا
قلت: أرأيت المرأة يموت عنها زوجها ثم يعلم أن نكاحها كان فاسدا هل عليها الإحداد؟ قال: قال مالك: لا إحداد عليها ولا عدة وفاة وعليها ثلاث حيض استبراء لرحمها ولا ميراث لها ويلحق ولدها بأبيه ولها الصداق كله الذي سمى لها الزوج ما قدم إليها وما كان منه مؤخرا فجميعه لها.

في عدة المطلقة والمتوفى عنهن أزواجهن في بيوتهن والانتقال من بيوتهن إذا خفن على أنفسهن
قلت: أرأيت المطلقة والمتوفى عنها زوجها إن خافت على نفسها أيكون لها أن تتحول في عدتها في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا خافت سقوط البيت فلها أن تتحول وإن كانت في قرية ليس فيها مسلمون وهي تخاف عليها اللصوص وأشباه ذلك ممن لا يؤمن عليها في نفسها فلها أن تتحول أيضا، وأما غير ذلك فليس لها أن تتحول.
قلت: أرأيت إن كانت في مصر من الأمصار فخافت من جارها على نفسها ولها جار سوء، أيكون لها أن تتحول أم لا في قول مالك؟ قال: الذي قال لنا مالك: إن المبتوتة والمتوفى عنها زوجها لا تنتقل إلا من أمر لا تستطيع القرار عليه، قلت: فالمدينة والقرية عند مالك يفترقان؟ قال: المدينة ترفع ذلك إلى السلطان وإنما سمعت من مالك ما أخبرتك قال: وقال لي مالك لا تنتقل المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا من شيء

في المطلقة تنتقل من بيت زوجها الذي طلقها فيه فتطلب الكراء من زوجها
قلت: أرأيت امرأة طلقها زوجها ألبتة فغلبت زوجها فخرجت فسكنت موضعا غير

بيتها الذي طلقها فيه، ثم طلبت من زوجها كراء بيتها الذي سكنته وهي في حال عدتها؟ قال: لا كراء لها على الزوج؛ لأنها لم تعتد في بيتها الذي كانت تكون فيه قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك قلت: أرأيت إن أخرجها أهل الدار في عدتها أيكون ذلك لأهل الدار أم لا؟ قال: نعم، ذلك لأهل الدار إذا انقضى أجل الكراء. قلت: فإذا أخرجها أهل الدار أيكون على الزوج أن يتكارى لها موضعا في قول مالك؟ قال: نعم، على الزوج أن يتكارى لها موضعا تسكن فيه حتى تنقضي عدتها قال: وقال مالك: وليس لها أن تبيت إلا في الموضع الذي يتكاراه لها زوجها قلت: فإن قالت المرأة حين أخرجت أنا أذهب أسكن حيث أريد ولا أسكن حيث يكتري لي زوجي أيكون ذلك لها أم لا؟ قال ابن القاسم: نعم، ذلك لها، وإنما كانت تلزم السكنى في منزلها الذي كانت تسكن، فإذا أخرجت منه فإنما هو حق لها على زوجها فإذا تركت ذلك فليس لزوجها حجة أن يبلغها إلى منزل لم يكن لها سكنى، وإنما عدتها في المنزل الذي تريد أن تسكن فيه والمنزل الذي يريد أن يسكنها فيه زوجها في السنة سواء.
ابن وهب عن مالك عن نافع أن ابنة لسعيد بن زيد كانت تحت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان فطلقها ألبتة فانطلقت فأنكر ذلك عليها عبد الله بن عمر بن الخطاب1 ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن مروان سمع بذلك في امرأة فأرسل إليها فردها إلى بيتها وقال سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، وقال يونس: قال ابن شهاب: كان ابن عمر وعائشة يشددان فيها وينهيان أن تخرج أو تبيت في غير بيتها قال ابن شهاب وكان ابن المسيب يشدد فيها مالك قال عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار لا تبيت المبتوتة إلا في بيتها.
قلت: أرأيت كل من خرجت من بيتها في عدتها الذي تعتد فيه وغلبت زوجها أيجبرها السلطان على الرجوع إلى بيتها حتى تتم عدتها فيه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الأمير إذا هلك عن امرأته أو طلقها وهي في دار الإمارة أتخرج أم لا؟ قال: ما دار الإمارة في هذا أو غير دار الإمارة إلا سواء وينبغي للأمير القادم أن لا يخرجها من بيتها حتى تنقضي عدتها قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: قال مالك في رجل حبس دارا له على رجل ما عاش، فإذا انقرض فهي حبس على غيره فمات في الدار هذا المحبس عليه أولا والمرأة في الدار، فأراد الذي صارت الدار إليه المحبس عليه من بعد هذا الهالك أن يخرج المرأة من الدار، قال: قال مالك: لا أرى أن يخرجها حتى تنقضي عدتها فالذي سألت عنه من دار الإمارة أليس من هذا؟ ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 64.

الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: دخلت على مروان فقلت: إن امرأة من أهلك طلقت فمررت عليها آنفا وهي تنتقل فعبت ذلك عليها فقالوا أمرتنا فاطمة بنت قيس بذلك وأخبرتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتقل حين طلقها زوجها إلى ابن أم مكتوم فقال مروان: أجل هي أمرتهم بذلك فقال عروة: قلت: وأما والله لقد عابت ذلك عائشة أشد العيب فقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أنه سمع القاسم بن محمد يقول: خرجت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم كلثوم من المدينة إلى مكة في عدتها وقتل زوجها بالعراق فقيل لعائشة في ذلك فقالت: إني خفت عليها أهل الفتنة وذلك ليالي فتنة أهل المدينة بعد ما قتل عثمان بن عفان قال محمد وكانت عائشة تنكر خروج المطلقة في عدتها حتى تحل ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انتقلت بأم كلثوم حين قتل طلحة وكانت تحته من المدينة إلى مكة قال: وذلك أنها كانت فتنة.

في عدة الصبية الصغيرة من الطلاق والوفاة في بيتها والبدوية تنتقل إلى أهلها
قلت: أرأيت الصبية الصغيرة إذا كانت مثلها يجامع فبنى بها زوجها فجامعها ثم طلقها ألبتة، فأراد أبواها أن ينقلاها لتعتد عندهما وقال الزوج: لا بل تعتد في بيتها؟ قال: تعتد في بيتها في قول مالك ولا ينظر إلى قول الأبوين ولا إلى قول الزوج وقد لزمتها العدة في بيتها حيث كانت تكون يوم طلقها زوجها، قلت: فإن كانت صبية صغيرة مات عنها زوجها فأراد أبواها الحج أو النقلة إلى غير تلك البلاد ألهم أن يخرجوها؟ قال: ليس لهم أن يخرجوها؛ لأن مالكا قال: لا تنتقل المتوفى عنها زوجها لتعتد في بيتها إلا البدوية فإن مالكا قال فيها وحدها أنها تنتوي مع أهلها حيث انتوى أهلها.
وحدثني سحنون عن ابن وهب عن مالك وسعيد بن المسيب والليث عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في المرأة البدوية يتوفى عنها زوجها أنها تنتوي مع أهلها حيث انتوى أهلها عبد الجبار عن ربيعة مثله قال ربيعة: وإذا كانت في موضع خوف أنها لا تقيم فيه.
قال مالك: إذا كانت في قرار فانتوى أهلها لم تنتو معهم فإن كانوا في بادية فانتوى أهلها انتوت معهم قبل أن تنقضي عدتها وإن تبدى زوجها فتوفي فإنها ترجع ولا تقيم تعتد

في البادية، قلت: وقال مالك في البدوي يموت أن امرأته تنتوي مع أهلها وليس تنتوي مع أهل زوجها.
قلت: أرأيت المرأة التي لم يدخل بها زوجها ومات عنها وهي بكر ببيت أبويها أو ثيب مالكة أمرها أين تعتد؟ قال: حيث كانت تكون يوم مات زوجها، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في عدة الأمة والنصرانية في بيوتهما
قلت: أرأيت الأمة التي مات عنها زوجها التي ذكرت أن مالكا قال: تعتد حيث كانت تبيت إن أراد أهلها الخروج من تلك البلاد والنقلة منها إلى غيرها ألهم أن ينقلوها أو يخرجوها؟ قال ابن القاسم: نعم ذلك لهم وتستكمل بقية عدتها في الموضع الذي ينتقلون إليه وهي بمنزلة البدوية إذا انتجع أهلها. قال: وهذا قول مالك. قال يونس قال ابن شهاب في أمة طلقت قال: تعتد في بيتها الذي طلقت فيه. وقال أبو الزناد إن تحمل أهلها تحملت معهم.
قلت: أرأيت المشركة اليهودية والنصرانية إذا كان زوجها مسلما فمات عنها فأرادت أن تنتقل في عدتها أيكون ذلك لها في قول مالك؟ أم لا؟ قال: قال لنا مالك: تجبر على العدة فإن أرادت أن تنكح قبل انقضاء عدتها منعت من ذلك وأجبرت على العدة، قال: قال مالك: وعليها الإحداد أيضا فأرى أن تجبر على أن لا تنتقل حتى تنقضي عدتها؛ لأنه قد أجبرها على العدة وعلى الإحداد.
قال ابن القاسم: سبيلها في كل شيء من أمرها في العدة مثل الحرة المسلمة تجبر على ذلك.
وحدثني سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلق امرأته فأراد أن يعزلها في بيت من داره أو طلقها عند أهلها قال: ترجع إلى بيتها فتعتد فيه وحدثني سحنون عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال: ترجع إلى بيتها فتعتد فيه وتلك السنة وقال: وبلغني عن عثمان بن عفان مثله.

في خروج المطلقة بالنهار والمتوفى عنها زوجها وسفرهما
قلت: هل كان مالك يوقت لهم في المتوفى عنها زوجها إلى أي حين من الليل لا

في مبيت المطلقة والمتوفى عنها زوجها وهل يجوز لها أن تبيت في الدار
قلت: أرأيت إذا طلقت المرأة تطليقة يملك الرجعة، هل تبيت عن بيتها؟ قال: قال مالك: لا تبيت عن بيتها. قال: فقلت لمالك: فإن استأذنت زوجها في ذلك؟ قال: لا إذن لزوجها ذلك حتى يراجعها ولا تبيت إلا في بيتها.
حدثني سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن المطلقة واحدة أو اثنتين أتعود مريضا أو تبيت في زيارة فكرها لها المبيت وقالا لا نرى عليها بأسا أن تعود كما كانت تصنع قبل تطليقه إياها.
قلت: أرأيت المطلقة واحدة يملك الزوج الرجعة أو المبتوتة هل تبيت واحدة منهما في عدة من طلاق أو وفاة في الدار في الصيف من الحر؟ قال: قول مالك والذي يعرف من قوله أن لها أن تبيت في بيتها وفي أسطوانها في الصيف من الحر وفي حجرتها وما كان من حوزها الذي يغلق عليه باب حجرتها.
قلت: فإن كان في حجرتها بيوت وإنما كانت تسكن معه بيتا منها ومتاعها في بيت من ذلك البيوت وفيه كانت تسكن أيكون لها أن تبيت في غير ذلك البيت الذي كانت تسكن فيه؟ قال: لا تبيت إلا في بيتها وأسطوانها وحجرتها الذي كانت تصيف فيه في صيفها وتبيت فيه في شتائها، ولم يعن بهذا القول تبيت في بيتها المتوفى عنها والمطلقة أنها لا تبيت إلا في بيتها الذي فيه متاعها، إنما هو وجه قول مالك أن جميع المسكن الذي هي فيه من حجرتها وأسطوانها وبيتها التي تكون فيه لها أن تبيت حيث شاءت في ذلك. قلت: فلو كانت مقصورة هي فيها في الدار وفي الدار مقاصير لقوم آخرين والدار تجمعهم كلهم أيكون لها أن تبيت في حجر هؤلاء تترك حجرتها والدار تجمع جميعهم في قول مالك؟ قال: ليس لها ذلك ولا تبيت إلا في حجرتها وفي الذي في يدها من الذي وصفت لك وليس لها أن تبيت في حجر هؤلاء؛ لأنها لم تكن ساكنة في هذه الحجر يوم طلقها زوجها، وهذه الحجر في يد غيرها وليست في يدها.

حدثني سحنون عن ابن وهب عن محمد بن عمر وعن ابن جريج عن إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال: "استشهد رجال يوم أحد فأيم منهم نساؤهم وهن متجاورات في دار، فجئن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: إنا نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا تبادرنا إلى بيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة إلى بيتها" .
قلت: أرأيت المطلقة ثلاثا أو واحدة بائنا أو واحدة يملك الرجعة وليس لها ولزوجها إلا بيت واحد البيت الذي كانا يكونان فيه؟ قال: قال مالك: يخرج عنها ولا يكون معها في حجرتها تغلق الحجرة عليه وعليها، والمبتوتة والتي يملك الرجعة في هذا سواء. قال: وقال مالك: وإذا كانت دار جامعة لا بأس أن يكون معها في الدار تكون هي في بيت وهو في بيت آخر. قال مالك: وقد انتقل عبد الله بن عمرو وعروة بن الزبير سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة أن يزيد بن أبي حبيب حدثه أن عمر بن الخطاب كان يبعث إلى المرأة بطلاقها ثم لا يدخل عليها حتى يراجعها وقال ربيعة يخرج عنها ويقرها في بيتها لا ينبغي أن يأخذهما غلق ولا يدخل عليها إلا بإذن في حاجة، إن كان له فالمكث له عليها في العدة واستبراؤه إياها فهو أحق بالخروج عنها.

في رجوع المطلقة والمتوفى عنهن أزواجهن إلى بيوتهن يعتددن فيها
قلت: ما قول مالك في المرأة يخرج بها زوجها زائرا إلى مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة فيهلك هناك زوجها أترجع إلى منزلها فتعتد فيه أم تعتد في موضعها الذي مات فيه زوجها؟ قال: قال مالك: ترجع إلى موضعها فتعتد فيه قلت: فإن كان سافر بها مسيرة أكثر من ذلك؟ قال: سألت مالكا غير مرة عن المرأة يخرج بها زوجها إلى السواحل من الفسطاط يرابط بها ومن نيته أن يقيم بها خمسة أشهر أو ستة، ثم يريد أن يرجع أو يخرج إلى الريف أيام الحصاد، وهو يريد الرجوع إذا فرغ ولم يكن خروجه إلى الموضع خروج انقطاع للسكنى، أو يكون مسكنه بالريف فيدخل بالفسطاط بأهله في حاجة يقيم بها أشهرا، ثم يريد أن يرجع إلى مسكنه بالريف قال: قال مالك: إن مات رجعت إلى مسكنها حيث كانت تسكن في هذا كله، ولا تقيم حيث توفي. فقيل لمالك: فلو أن رجلا انتقل إلى بلد فخرج بأهله ثم هلك؟ قال: هذه تنفذ إن شاءت إلى الموضع الذي انتقلت إليه فتعتد فيه، وإن شاءت رجعت فقيل له فالرجل يخرج إلى الحج فيموت في

الطريق, قال: إن كان موته قريبا من بلده ليس عليها في الرجوع كبير مؤنة رجعت، وإن كان قد بعدت وتباعد فلتنفذ فإذا رجعت إلى منزلها فلتعتد بقية عدتها فيه.
قلت: أرأيت إن خرج بها إلى موضع من المواضع انتقل بها إليه فهلك زوجها في بعض الطريق وهي إلى الموضع الذي خرجت إليه أقرب أو إلى الموضع الذي خرجت منه أقرب فمات زوجها، أتكون مخيرة في أن ترجع إلى الموضع الذي انتقلت منه، أو في أن تمضي إلى الموضع الذي انتقلت إليه، أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، أرى أن تكون بالخيار إن أحبت أن تمضي مضت وإن أحبت أن ترجع رجعت وسكنت وكذلك بلغني عن مالك.
قلت: أرأيت إن خرج بها إلى منزله في بعض القرى، والقرية منزله فهلك هناك؟ قال: إن كان خرج بها على ما وصفت لك من جداد يجده أو حصاد يحصده أو لحاجة فإنها ترجع إلى بيتها الذي خرج بها الزوج منه فتعتد فيه ولا تمكث في هذا الموضع، فإن كان منزلا لزوجها فلا تقيم فيه إلا أن يكون خرج بها حين خرج بها يريد سكناه والمقام فيه، فتعتد فيه ولا ترجع وقال ربيعة إن كان بمنزلة السفر أو بمنزلة الظعن فالرجوع إلى مسكنها أمثل سحنون عن ابن وهب عن حيرة بن شريح أن أبا أمية حسان حدثه أن سهل بن عبد العزيز توفي وهو عند عمر بن عبد العزيز بالشام ومعه امرأته فأمر عمر بن عبد العزيز امرأة سهل أن ترحل إلى مصر قبل أن يحل أجلها فتعتد في داره بمصر ابن وهب عن عمر بن الحارث عن بكير بن الأشج قال: سألت سالم بن عبد الله عن المرأة يخرج بها زوجها إلى بلد فيتوفى عنها أترجع إلى بيته أو إلى بيت أهلها؟ فقال سالم: تعتد حيث توفي عنها زوجها أو ترجع إلى بيت زوجها حتى تنقضي عدتها ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد بن محمد عن القاسم بن محمد بهذا قال يونس وقال ربيعة: ترجع إلى منزلها إلا أن يكون المنزل الذي توفي فيه زوجها منزل نقلة أو منزل ضيعة لا تصلح ضيعتها إلا مكانها.
قلت: فإن سافر بها فطلقها واحدة أو اثنين أو ثلاثا وقد سافر أو انتقل بها إلى موضع سوى موضعه فطلقها في الطريق؟ قال: الطلاق لا أقوم على أني سمعته من مالك، ولكنه مثل قوله في الموت وكذلك أقول؛ لأن الطلاق فيه العدة مثل ما في الموت. قلت: والثلاث والواحدة في ذلك سواء؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن سافر فطلقها تطليقة يملك الرجعة أو صالحها أو طلقها ثلاثا أو كان انتقل بها من موضع إلى موضع وقد بلغت الموضع الذي أراد إلا مسيرة اليوم أو اليومين أو أقل من ذلك، فأرادت المرأة أن ترجع

إلى الموضع الذي خرجت منه وبينها وبين الموضع الذي خرجت منه شهر وليس معها ولي ولا ذو محرم، أيكون ذلك لها في قول مالك أم لا؟ قال: إن كان الموضع الذي خرج إليه موضعا لا يريد سكناه مثل الحج أو المواجيز وما وصفت لك من خروجه إلى منزله في الريف، إن كانت قريبة من موضعها الذي خرجت منه رجعت إلى موضعها، وإن كانت قد تباعدت، لم ترجع إلا مع ثقة وإن كانت إنما انتقل بها فكان الموضع الذي خرجت إليه على وجه السكنى والإقامة فإن أحبت أن تنفذ إلى الموضع الذي خرجت إليه، فذلك لها وإن أحبت أن ترجع فذلك لها إن أصابت ثقة ترجع معه؛ لأن الموضع الذي انتقلت إليه مات قبل أن يتخذه مسكنا.
قلت: فإن كان مات قبل أن يتخذه مسكنا فلم جعلت المرأة بالخيار في أن تمضي إليه فتعتد فيه وأنت تجعله حين مات الميت قبل أن يسكنه غير مسكن، فلم لا تأمرها أن ترجع إلى موضعها الذي خرجت منه وتجعلها بمنزلة المسافرة؟ قال: لا تكون بمنزلة التي خرج بها مسافرا؛ لأنه لما خرج بها منتقلا فقد رفض سكناه في الموضع الذي خرج منه وصار الموضع الذي خرج منه ليس بمسكن ولم يبلغ الموضع الذي خرج إليه فيكون مسكنا له، فصارت المرأة ليس وراءها لها مسكن ولم تبلغ أمامها المسكن الذي أرادت، فهذه امرأة مات زوجها وليس في مسكن، فلها أن ترجع إن أرادت إذا أصابت ثقة أو تمضي إلى الموضع الذي أرادت إن كان قريبا، وإن كان بعيدا فلا تمضي إلا مع ثقة.
قلت: أرأيت إن قالت المرأة لا أتقدم ولا أرجع ولكن أعتد في موضعي الذي أنا فيه، أو أنصرف إلى بعض المدائن أو القرى فأعتد فيها أيكون ذلك لها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ويكون ذلك لها فيه؛ لأنها امرأة ليس لها منزل، فهي بمنزلة امرأة مات زوجها أو طلقها ولا مال له، وهي في منزل قوم فأخرجوها فلها أن تعتد حيث أحبت، أو بمنزلة رجل خرج من منزل كان فيه فنقل المرأة إلى أهلها فتكارى منزلا يسكنه، فلم يسكنه حتى مات فلها أن تعتد حيث شاءت؛ لأنها لا منزل لها إلا أن تريد أن تنتجع من ذلك انتجاعا بعيدا فلا أرى ذلك لها.
قلت: أرأيت المرأة تخرج مع زوجها حاجة من مصر فلما بلغت المدينة طلقها زوجها أو مات عنها، أتنفذ لوجهها أو ترجع إلى مصر، وهذا كله قبل أن تحرم أو بعد ما أحرمت؟ قال: سئل مالك عن المرأة تخرج من الأندلس تريد الحج فلما بلغت إفريقية توفي زوجها. قال: قال مالك: إذا كان مثل هذا فأرى أن تنفذ لحجها؛ لأنها قد تباعدت من بلادها، فالذي سألت عنه هو مثل هذا قلت له: فالطلاق والموت في مثل هذا

سواء؟ قال: نعم سواء عندي.
سحنون عن مالك عن ابن لهيعة عن عمران بن سليم قال: حجت معنا امرأة توفي عنها زوجها قبل أن توفي عدتها، فلما بلغت المدينة انطلقت إلى عبد الله بن عمر فقالت: إني حججت قبل أن أقضي عدتي فقال لها: لولا أنك قد بلغت هذا المكان لأمرتك أن ترجعي.
قلت: أرأيت إن لم تكن تمضي في المسير في حجها إلا مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة فهلك زوجها أو طلقها، أترى أن ترجع عن حجها وتعتد في بيتها أم لا؟ قال: قال مالك: إذا كان أمرا قريبا وهي تجد ثقات ترجع معهم، رأيت أن ترجع إلى منزلها وتعتد فيه، فإن تباعد ذلك وسارت مضت على حجها سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في امرأة طلقت وهي حاجة قال: تعتد وهي في سفرها.
قال ابن القاسم في تفسير قول مالك: في اللائي ردهن عمر بن الخطاب من البيداء إنما هن من أهل المدينة وما قرب منها، قال: فقلت لمالك: فكيف ترى في ردهن؟ قال مالك: ما لم يحرمن فأرى أن يرددن، فإذا أحرمن فأرى أن يمضين لوجههن وبئس ما صنعن، وأما التي تخرج من مصر فهلك زوجها بالمدينة ولم تحرم قال: قال مالك: هذه تنفذ لحجها وإن لم تحرم.
قلت أرأيت إن سافر بامرأته والحاجة لامرأته إلى الموضع الذي تريد إليه المرأة والزوج لخصومة لها في تلك البلدة أو دعوى قبل رجل أو مورث لها أرادت قبضه، فلما كان بينها وبين الموضع الذي تريد إليه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة هلك زوجها عنها ومعها ثقة أترجع معه إلى بلدها أم تمضي للحاجة لوجهها التي خرجت إليها أو ترجع إلى بلادها وتترك حاجتها؟ قال: قال مالك: إن هي وجدت ثقة ترجع إلى بيتها وإن لم تجد ثقة تنفذ إلى موضعها حتى تجد ثقة فترجع معه إلى موضعها فتعتد فيه بقية عدتها إن كان موضعها الذي تخرج إليه تدركه قبل انقضاء عدتها قلت: فإن خرج بامرأته من موضع إلى موضع بعيد فسافر بها مسيرة الأربعة الأشهر والخمسة الأشهر، ثم إنه هلك وبينها وبين بلادها الأربعة الأشهر والخمسة الأشهر؟ قال: إنه إذا كان بينها وبين بلادها التي خرجت منها ما إن هي رجعت انقضت عدتها قبل أن تبلغ بلادها فإنها تعتد حيث هي أو حيثما أحبت ولا ترجع إلى بلادها.
قلت: أرأيت المرأة من أهل المدينة إذا اكترت إلى مكة تريد الحج مع زوجها,

فلما كانت بذي الحليفة أو بملل أو الروحاء لم تحرم بعد، هلك زوجها أو طلقها ثلاثا، فأرادت الرجوع، كيف يصنع الكري بكرائها أيلزم المرأة جميع الكراء ويكون لها أن تكري الإبل في مثل ما اكترتها أم يكون لها أن تفاسخ الجمال ويلزمها من الكراء قدر ما ركبت في قول مالك أم ماذا يكون عليها؟ قال: قال مالك: أرى الكراء قد لزمها، فإن كانت قد أحرمت نفذت وإن كانت لم تحرم وكانت قريبة رجعت واكترت ما اكترت في مثل ما اكترته وترجع، قلت: أرأيت إن هلك زوجها بذي الحليفة وقد أحرمت وهي من أهل المدينة أترجع أم لا؟ قال: قال مالك: إذا أحرمت لم ترجع.

في نفقة المطلقة وسكناها
قلت: أرأيت المطلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أيلزمها السكنى والنفقة في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: السكنى تلزمه لهن كلهن فأما النفقة فلا تلزم الزوج في المبتوتة ثلاثا، كان طلاقه إياها أو صلحا إلا أن تكون حاملا فتلزمه النفقة، والنفقة لازمة للزوج في كل طلاق يملك فيه الزوج الرجعة حاملا كانت امرأته أو غير حامل؛ لأنها تعد امرأته على حالها حتى تنقضي عدتها وكذلك قال مالك، وقال مالك: وكل نكاح كان حراما نكح بوجه شبهة مثل أخته من الرضاعة أو غيرها مما حرم الله عليه إذا كان على وجه شبهة ففرق بينهما فإن عليه نفقتها إذا كانت حاملا فإن لم تكن حاملا فلا نفقة عليه وتعتد حيث كانت تسكن.
قلت: فهل يكون لها على الزوج السكنى وإن أبى الزوج ذلك؟ قال: قال لي مالك: تعتد حيث كانت تسكن، ففي قول مالك هذا أن لها على زوجها السكنى؛ لأن مالكا قال: تعتد حيث كانت تسكن؛ لأنه نكاح يلحق فيه الولد فسبيلها في العدة سبيل النكاح الصحيح وهذا قول مالك قلت: ولم جعلتم السكنى للمبتوتة وأبطلتم النفقة في العدة؟ قال: كذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا ذلك مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المبتوتة لا نفقة لها" 1 سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "ليس لك عليه نفقة" 2.
ـــــــ
1 رواه النسائي في كتاب الطلاق باب 70، 73.
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 67. مسلم في كتاب الطلاق حديث 35.

في سكنى التي لم يبن بها وسكنى النصرانية
قلت: أرأيت النصرانية تحت المسلم هل لها على زوجها إذا طلقها السكنى مثل ما

في عدة الصبية التي لا يجامع مثلها وسكناها من الطلاق والوفاة
قلت: أرأيت الصبية التي لا يجامع مثلها وهي صغيرة ودخل بها زوجها فطلقها ألبتة، أتكون لها السكنى في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا عدة عليها ولذلك لا سكنى لها. قلت: فإن مات عنها زوجها وقد دخل بها وهي صبية صغيرة؟ قال: لها السكنى؛ لأنه قد دخل بها وإن كان لم يكن مثلها يجامع؛ لأن عليها العدة فلا بد أن تعتد في موضعها حيث مات عنها زوجها، فإن كان لم يدخل بها وهي في بيت أهلها ومات عنها فلا سكنى لها على زوجها إلا أن يكون الزوج اكترى لها منزلا لا تكون فيه وأدى الكراء فمات وهي في ذلك الموضع فهي أحق بذلك السكنى، وكذلك الكبيرة إذا مات عنها قبل أن يبني بها زوجها ولم يسكنها الزوج مسكنا به ولم يكتر لها مسكنا تسكن فيه فأدى الكراء ثم

مات عنها فلا سكنى لها على الزوج، تعتد في موضعها عدة الوفاة، وإن كان قد فعل ما وصفت لك فهي أحق بذلك السكنى حتى تنقضي عدتها، وإن كانت في مسكنها حين مات عنها ولم يكن دخل بها فعليها أن تعتد في بيتها عدة الوفاة ولا سكنى لها على الزوج، وكذلك الصغيرة عليها أن تعتد في موضعها ولا سكنى لها على الزوج إذا لم يكن الزوج قد فعل مثل ما وصفت لك قال: وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت الصبية الصغيرة التي لا يجامع مثلها إذا دخل بها ثم طلقها أيكون لها السكنى على الزوج أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا عدة عليها فإذا قال مالك: لا عدة عليها فلا سكنى لها، قال مالك: ليس لها إلا نصف الصداق.

في سكنى الأمة ونفقتها من الطلاق ونفقة امرأة العبد حرة كانت أو أمة
قلت: أرأيت الأمة إذا طلقها زوجها فأبت طلاقها أيكون لها السكنى على زوجها أم لا؟ قال: قال مالك: تعتد في بيت زوجها إذا كانت تبيت عنده. فإن كانت إنما كانت لا تبيت عنده قبل ذلك فعليه السكنى، قلت: أرأيت إن كانت تبيت عند أهلها قبل أن يطلقها ألبتة أيكون لها عليه السكنى؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أنه قال: تعتد عند أهلها حيث كانت تبيت ولم أسمعه يذكر السكنى أن على الزوج في هذه شيئا بعينها، ولا أرى أنا على زوج هذه السكنى؛ لأنها إذا كانت تحت زوجها لم يسكنوها معه ولم يبوئها معه بيتا فتكون فيه مع الزوج، فلا سكنى لها على الزوج، ولا سكنى على الزوج في هذه؛ لأنها إذا كانت تحته ثم لو أرادوا أن يغرموه السكنى لم يكن ذلك لهم إلا أن يبوئها معه مسكنا يخلوها معه فيه، وإنما حالها اليوم بعد ما طلقها كحالها قبل أن يطلقها في ذلك ولم أسمع هذا من مالك قال وسئل مالك عن العبد يطلق زوجته وهي حرة أو أمة وهي حامل أعليه لها نفقة أم لا؟ قال: قال مالك: لا نفقة لها عليه إلا أن يعتق وهي حامل فينفق على الحرة ولا ينفق على الأمة إلا أن تعتق الأمة بعد ما أعتق وهي حامل فينفق عليها في حملها؛ لأن الولد ولده.
وقال ربيعة في الحر تحته الأمة أو الحرة تحت العبد فيطلقها وهي حامل، قال: ليس لها عليه نفقة. وقال يحيى بن سعيد: إن الأمة إذا طلقت وهي حامل إنها وما في بطنها لسيدها وإنما تكون النفقة على الذي يكون له الولد وهي من المطلقات ولها متاع بالمعروف على قدر هيبة زوجها سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد

عن سعيد بن المسيب أنه سأل عن المرأة يطلقها زوجها وهي في بيت بكراء على من الكراء؟ قال سعيد على زوجها قال: فإن لم يكن عنده قال: فعليها، قال: فإن لم يكن عندها قال: فعلى الأمير1.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 66.

في نفقة المختلعة والمبارئة والملاعنة والمولى منها وسكناهن
قلت: أرأيت الملاعنة أو المولى منها إذا طلق السلطان على المولى أو لاعن بينه وبين امرأته فوقع الطلاق بينهما أيكون على الزوج السكنى والنفقة إن كانت المرأة حاملا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: عليه السكنى فيهما جميعا، وقال في النفقة إن كانت هاته التي آلى منها ففرق بينهما السلطان حاملا كانت أو غير حامل كانت لها النفقة على الزوج ما كانت حاملا أو حتى تنقضي عدتها إن لم تكن حاملا،؛ لأن فرقة الإمام فيها غير بائن وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة، وأما الملاعنة فلا نفقة لها على الزوج إن كانت حاملا؛ لأن ما في بطنها ليس يلحق الزوج ولهما جميعا السكنى.
قلت: أرأيت المختلعة والمبارئة أيكون لهما السكنى أم لا في قول مالك؟ قال: نعم لهما السكنى في قول مالك ولا نفقة لهما إلا أن يكونا حاملين سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن بكير عن سليمان بن يسار أنه قال: إن المفتدية من زوجها لا تخرج من بيتها حتى تنقضي عدتها ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا قال مالك: الأمر عندنا أنها مثل المبتوتة لا نفقة لها سحنون عن ابن وهب عن موسى بن علي أنه قال: قال ابن شهاب عن المختلعة والمبارئة والموهوبة لأهلها أين يعتددن قال: يعتددن في بيوتهن حتى يحللن قال: خالد بن أبي عمران وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار.
قلت: أرأيت المختلعة والمبارئة أيكون لهما السكنى والنفقة في قول مالك؟ قال: إن كانتا حاملين فلهما النفقة والسكنى في قول مالك وإن كانتا غير حاملين فلهما السكنى ولا نفقة لهما ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال: المبارئة مثل المطلقة في المكث لها ما لها وعليها ما عليها.

في نفقة المتوفى عنها زوجها وسكناها
قلت: أرأيت المتوفى عنها زوجها، أيكون لها النفقة والسكنى في العدة في قول

سكنى الأمة وأم الولد
قلت: أرأيت الأمة إذا أعتقت تحت العبد فاختارت فراقه، أيكون لها السكنى على زوجها أم لا في قول مالك؟ قال: إن كانت قد بوئت مع زوجها موضعا فالسكنى على الزوج لازم ما دامت في عدتها، وإن كانت غير مبوأة معه وكانت في بيت ساداتها اعتدت هنالك ولا شيء لها على الزوج من السكنى.
قلت: أرأيت إن أخرجها ساداتها فسكنت موضعا، أترى لها السكنى مع زوجها أم لا؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا قال لي: تعتد حيث كانت تسكن

إذا طلقت، فهذا طلاق، ولا يلزم العبد شيء عند مالك إذا لم تكن تبيت عنده، وإن أخرجها أهلها بعد ذلك نهوا عن ذلك وأمروا أن يقروها حتى تنقضي عدتها، قلت: فهل يجبرون على أن لا يخرجوها؟ قال: نعم.
قلت: فإن انهدم المسكن فتحولت فسكنت في موضع آخر بكراء، أيكون على زوجها شيء من السكنى أم لا؟ قال: قال مالك: إذا كانت لا تبيت عند زوجها فإنها تعتد حيث كانت تبيت ولا شيء عليه من سكناها، وإنما يلزم الزوج ما كان يلزمه حين طلقها، فما حدث بعد ذلك لم يلزم الزوج منه شيء قال: وإن أعتق الزوج وهي في العدة قال: إذا أعتق وهي في العدة لم أر السكنى عليه. قال: قال لي مالك في العبد تكون تحته المرأة فيطلقها وهي حامل قال: لا نفقة لها عليه.
قلت: فإن أعتق قبل أن تضع حملها؟ قال عليه نفقتها؛ لأنه ولده قال مالك ولو أن عبدا طلق امرأته وهي حامل وقد كانت تسكن معه كان لها السكنى ولا نفقة لها للحمل الذي بها. سحنون وهذا في الطلاق البائن، قلت: أرأيت إن كانت في مسكن بكراء هي اكترته، فطلقها زوجها فلم تطلب زوجها بالكراء حتى انقضت عدتها، ثم طلبته بالكراء بعد انقضاء العدة؟ قال: ذلك لها، قلت: وكذلك إن كانت تحت زوجها لم يفارقها فطلبت منه كراء المسكن الذي اكترته بعد انقضاء الكراء أو السكنى؟ قال: نعم، ذلك لها تتبعه بذلك إن كان موسرا أيام سكنته وإن كان في تلك الأيام عديما فلا شيء لها عليه.

في الرجل يطلق امرأته وهو معسر ثم يوسر قبل أن تنقضي عدتها أتتبعه بالنفقة والسكنى
قلت: أرأيت إن طلقها وكان عديما أيكون لها أن تلزمه بكراء السكنى؟ قال: لا يكون ذلك لها؛ لأن مالكا سئل عن المرأة يطلقها زوجها وهي حامل وهو معسر، أعليه نفقتها قال لا إلا أن يوسر في حملها فتأخذه بما بقي، وإن وضعت قبل أن ييسر فلا نفقة لها في شيء من حملها، قلت: أرأيت السكنى إن أيسر بشيء من بقية السكنى؟ قال: هو مثل الحمل إن أيسر في بقية منه أخذ بكراء السكنى فيما يستقبل.
قلت: أرأيت أم الولد إذا أعتقها سيدها أو مات عنها سيدها؟ قال: عدتها حيضة، قلت: وهل يكون لها في هذه الحيضة السكنى أم لا؟ قال: نعم، وهو قول مالك قال: قال مالك: إذا أعتق الرجل أم ولد له وهي حامل منه فعليه نفقتها وكل شيء كانت فيه

تحبس له فعليه سكناها إذا كان من العدد والاستبراء والريبة، وليس شبه السكنى النفقة؛ لأن المبتوتة والمصالحة لهما السكنى ولا نفقة لهما، فكذلك أم الولد لها السكنى ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، قلت: أرأيت أم الولد إذا أعتقها سيدها وهي حامل أيكون لها النفقة في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، قال لي مالك: وكذلك الحر تكون تحته الأمة فيطلقها ألبتة وهي حامل فلا يكون عليه نفقتها ثم تعتق قبل أن تضع فعليه أن ينفق عليها بعدما عتقت حتى تضع؛ لأنه إنما ينفق على ولده منها.

سكنى المرتدة
قلت: أرأيت المرتدة أتكون لها النفقة والسكنى إن كانت حاملا ما دامت حاملا؟ قال: نعم؛ لأن الولد يلحق بأبيه، فمن هنا لزمته النفقة وإن كانت غير حامل يعرف ذلك لم تؤخر واستتيبت فإن تابت وإلا ضرب عنقها، فلا أرى لها عليه نفقة بهذه الاستتابة؛ لأنها قد بانت منه فإن رجعت إلى الإسلام كانت تطليقة بائنة ولها السكنى.

في سكنى امرأة العنين والذي يتزوج أخته من الرضاعة والمستحاضة
قلت: أرأيت الذي لم يستطع أن يطأ امرأته ففرق السلطان بينهما، أيكون لها على زوجها السكنى ما دامت في عدتها؟ قال: نعم
قلت: أرأيت من تزوج أخته من الرضاعة ففرقت بينهما أيكون لها السكنى أم لا؟ قال: قال مالك: تعتد حيث كانت تسكن فلما قال لي مالك ذلك علمت أن لها النفقة على زوجها ولها السكنى؛ لأنها محبوسة عليه لأجل مائة وإن كان ولد لحق به قلت: أرأيت المستحاضة إذا طلقها زوجها ثلاثا أو خالعها، أيكون لها السكنى في قول مالك في التسعة الأشهر الاستبراء وإنما عدتها ثلاثة أشهر بعد التسعة؟ قال: قال مالك: لها السكنى في الاستبراء وفي العدة، وهذا أيضا مما يدلك على تقوية ما أخبرتك أن على الزوجين إذا أسلم أحدهما ففرق ما بينهما أن لها السكنى. سحنون ولقد قال عبد الملك: إنما عدة المستحاضة سنة سنة وليست مثل المرتابة؛ لأن عدة المستحاضة سنة سنة.

استبراء أم الولد والأمة يعتقان ثم يريدان التزويج
قلت: أرأيت أمة كان يطؤها سيدها فلم تلد منه، فمات عنها أو أعتقها، هل عليها

في المكاتب يشتري امرأته فيموت عنها أو يعجز فيصير رقيقا فيموت كم عدتها؟
قلت: أرأيت مكاتبا اشترى امرأته وقد كانت ولدت منه أو لم تلد فعجز فرجع رقيقا أو مات عنها ماذا عليها من العدة أو من الاستبراء؟ قال: إن كان لم يطأها بعد اشترائه إياها فإن مالكا قال لي مرة بعد مرة: عدتها حيضة، ثم رجع فقال أحب إلي أن تكون حيضتين، وتفسير ما قال لي مالك في ذلك أن كل فسخ يكون في النكاح فعلى المرأة عدتها التي تكون في الطلاق إلا أن يطأها بعد الاشتراء، فإن وطئها بعدما اشتراها فقد انهدمت عدة النكاح وصارت إلى الاستبراء استبراء الإماء؛ لأنها وطئت بملك اليمين.
قال: ابن القاسم: وقوله الآخر أحب ما فيه إلي أنها تعتد حيضتين إذا لم يطأها حتى أعتقها أو توفي عنها، فإن وطئها فعليها الاستبراء بحيضة، قلت: من أي وقت يكون عليها حيضتان إذا هو لم يطأها أمن يوم استبرائها أم من يوم مات عنها أو عتق؟ قال: لا بل من يوم اشتراها، قلت: أتعتد وهي في ملكه؟ قال: نعم، ألا ترى أن هذه العدة إنما

جعلت مثل العدة في الطلاق وقد تعتد الأمة من زوجها وهي في ملك سيدها، قلت: أرأيت إذا مات عنها هذا المكاتب أو عجز بعدما اشتراها وحاضت عنده حيضتين فصارت الأمة لسيد المكاتب أيكون عليه أن يستبرئ في هذه الأمة وقد قال المكاتب إنه لم يطأها من بعد الشراء؟ قال: نعم، على سيدها أن يستبرئها بحيضة، وإن هي خرجت حرة ولم يطأها المكاتب بعد الشراء فلا استبراء عليها ولا بأس أن تنكح مكاتبها؛ لأنها خرجت من ملك إلى حرية، ولم تخرج من ملك إلى ملك وقد قال مالك في رجل تزوج أمة فلم يدخل بها حتى اشتراها أنه يطؤها بملك يمينه ولا استبراء عليها.

في العبد المأذون له في التجارة يعتق وله أم ولد قد ولدت منه قبل أن يعتق أو أعتق وفي بطنها ولد منه
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا اشترى جارية فوطئها بملك اليمين بإذن السيد أو بغير إذن السيد فولدت منه، ثم أعتق العبد بعد ذلك فتبعته كما يتبعه ماله، أتكون بذلك المولود أم ولد؟ قال: قال مالك: لا تكون به أم ولد، وله أن يبيعها، وكل ولد ولدته قبل أن يعتق أو أعتقه سيده وأمته حامل منه لم تضعه فإن ما ولدته قبل أن يعتقه سيده وما في بطن أمته رقيق كلهم للسيد، ولا تكون بشيء منهم أم ولد؛ لأنهم عبيد، وإنما أمهم بمنزلة ماله؛ لأنه إذا أعتقه سيده تبعه ماله.
قال ابن القاسم: إلا أن يملك العبد ذلك الحمل الذي في بطن جاريته منه بعد حريته قبل أن تضعه فتكون به أم ولد. قال: فقلت لمالك فلو أن العبد حيث أعتقه سيده أعتق جاريته وهي حامل منه؟ قال: قال لي مالك: لا عتق له في جاريته، وحدودها وحرمتها وجراحها جراح أمة حتى تضع ما في بطنها، فيأخذه سيده، وتعتق الأمة إذا وضعت ما في بطنها بالعتق الذي أعتقها به العبد المعتق ولا تحتاج الجارية ههنا إلى أن يجدد لها عتقا. قال مالك: ونزل هذا ببلدنا وحكم به. قال ابن القاسم: وسأله بعض أصحابه ابن كنانة بعدما قال لي هذا القول بأعوام: أرأيت المدبر إذا اشترى جارية فوطئها ثم حملت ثم عجل سيده عتقه وقد علم أن ماله يتبعه أترى ولده يتبع المدبر؟ قال: لا، ولكنها إذا وضعته كان مدبرا على حال ما كان عليه الأب قبل أن يعتقه السيد والجارية للعبد تبع؛ لأنها ماله.
قلت: وتصير ملكا له ولا تكون بهذا الولد أم ولد؟ قال: قد اختلف قول مالك في هذا بمنزلة ما اختلف في المكاتب وجعله في هذه الجارية بمنزلة المكاتب في جاريته.

قال ابن القاسم والذي سمعت من مالك أنه قال: تكون أم ولد إذا ولدته في التدبير أو في الكتابة، فقلت لمالك: وإن لم يكن لها يوم تعتق ولد حي؟ قال: وإن لم يكن لها يوم تعتق ولد حي، قلت: ما حجة مالك في التي في بطنها ولد من هذا العبد الذي أعتقه سيده فقال المعتق هي حرة لم جعلها في جراحها وحدودها بمنزلة الأمة وإنما في بطنها ولد للسيد وهي إذا وضعت ما في بطنها كانت حرة باللفظ الذي أعتقها به العبد المعتق؟ قال: لأن ما في بطنها ملك للسيد فلا يصلح أن تكون حرة وما في بطنها رقيق، فلما لم يجز هذا وقفت ولم تنفذ لها حريتها حتى تضع ما في بطنها، ومما يبين لك أن العبد إذا كاتبه سيده وله أمة حامل منه أن ما في بطنها رقيق ولا يدخل في كتابة المكاتب إلا أن يشترطه المكاتب.
تم وكمل كتاب طلاق السنة من المدونة الكبرى ويليه كتاب الأيمان بالطلاق وطلاق المريض.

كتاب الأيمان بالطلاق
فيمن قال لامرأته أنت طالق إن شئت أو لعبده أنت حر إذا قدم فلانبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم
كتاب الأيمان بالطلاققلت لابن القاسم: أرأيت إن طلق رجل امرأته فقال له رجل ما صنعت قال: هي طالق، هل ينوي إن قال: إنما أردت أن أخبره أنها طالق بالتطليقة التي كنت طلقتها؟ قال: نعم، ينوي ويكون القول قوله قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو إن أكلت أو شربت أو لبست أو ركبت أو قمت أو قعدت فأنت طالق ونحو هذه الأشياء، أتكون هذه أيمانا كلها؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن قال لها: إذا حضت أو إن حضت فأنت طالق؟ قال ليس هذه يمينا؛ لأن هذا يلزم الطلاق الزوج مكانه حين تكلم به من ذلك، وكذلك قال مالك.
فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن شئت أو لعبده أنت حر إذا قدم فلان
قلت: أرأيت لو قال رجل لامرأته أنت طالق إذا شئت قال: قال مالك: إن المشيئة لها وإن قامت من مجلسها ذلك توقف، فتقضي أو تترك فإن هي تركته فجامعها قبل أن توقف أو تقضي فلا شيء لها وقد بطل ما كان في يديها من ذلك.
قال ابن القاسم: وإنما قلت لك في الرجل الذي يقول لامرأته أنت طالق إن شئت أن ذلك بيدها حتى توقف وإن تفرقا من مجلسهما؛ لأن مالكا قد ترك قوله الأول في التمليك ورجع إلى أن قال ذلك بيدها حتى توقف، فهو أشكل من التمليك؛ لأن مالكا كان يقول مرة إذا قال الرجل لغلامه أنت حر إذا قدم أبي أو أنت حر إن قدم أبي كان يقول: هما مفترقان، قوله إذا قدم أبي أشد وأقوى عندي من قوله إن قدم أبي ثم رجع، فقال:

هما سواء إذا وإن، فعلى هذا رأيت قوله إذا شئت فأنت طالق أو إن شئت فأنت طالق على قوله إذا قدم أبي فأنت حر وإن قدم أبي فأنت حر.
قلت: أرأيت إن قبلته أيكون هذا تركا لما كان جعل لها من ذلك؟ قال: نعم وهو رأيي ولم أسمعه من مالك قلت: وكذلك إن قال: أمرك بيدك فهو مثل هذا؟ قال: نعم، وإنما الذي سمعت من مالك في أمرك بيدك.

فيمن قال لها إن فعلت كذا فأنت طالق وقال لها ثانية
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال لها بعد ذلك: إذا دخلت الدار فأنت طالق، والدار التي حلف عليها هي دار واحدة فدخلت الدار كم يقع عليها؟ قال: يقع عليها تطليقتان، إلا أن يكون نوى بقوله في المرة الثانية إذا دخلت الدار فأنت طالق يريد بذلك الكلام الأول ولم يرد به تطليقة ثانية؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا قال لامرأته: إن كلمت فلانا فأنت طالق، ثم قال لها بعد ذلك: إن كلمت فلانا فأنت طالق، أنه إن أراد بالكلام الثاني اليمين الأولى فكلمه فإنما تلزمه تطليقة، وإن كان لم يرد بالكلام الثاني اليمين الأولى فكلمه فهما تطليقتان ولا يشبه هذا عند مالك الأيمان بالله، مثل الذي يقول والله لا أفعل كذا وكذا ثم يقول بعد ذلك والله لا أفعل كذا وكذا لذلك الشيء بعينه أنه إنما تجب عليه كفارة واحدة، ولا يشبه هذا الطلاق في قول مالك. قال ابن القاسم: وفرق ما بين ذلك لو أن رجلا قال والله والله والله لا أكلم فلانا فكلمه إنما تجب عليه كفارة واحدة وإذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن كلمت فلانا أنها طالق ثلاثا إن كلمته إلا أن يكون نوى بقوله أنت طالق أنت طالق أنت طالق واحدة وإنما أراد بالبقية أن يسمعها فهذا فرق ما بينهما.

فيمن قال لامرأته أنت طالق إن كنت تتحبيني أو إن كنت قلت كذا
فيمن قال لامرأته أنت طالق إن كنت تحبيني أو إن كنت قلت: كذا
قلت: أرأيت إن قال الرجل لامرأته أنت طالق إن كنت تحبيني، أو قال أنت طالق إن كنت تبغضيني، قال: قال مالك وسأله رجل عن امرأة وقع بينها وبين زوجها كلام فقالت: فارقني، فقال الزوج: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق ثلاثا، فقالت المرأة فإني أحب فراقك، فقالت بعد ذلك ما كنت إلا لاعبة وما أحب فراقك؟ قال: قال مالك: أرى أن يفارقها ويعتزلها ولا يقيم عليها يصدقها مرة ويكذبها مرة هذا لا يكون ولا يقيم عليها.

فيمن قال لامرأته أنت طالق إذا حضت أو إذا حاضت فلانة
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته أنت طالق إذا حاضت فلانة لامرأة له أخرى أو أجنبية إذا كانت ممن تحيض؟ قال: أرى أنها طالق ساعة تكلم بذلك؛ لأن هذا أجل من الآجال في قول مالك قلت: فإن قال أنت طالق إذا حضت، فأوقعت عليه الطلاق في قول مالك مكانه فاعتدت المرأة فلم تر حيضا في عدتها، فاعتدت اثني عشر شهرا ثم تزوجها بعد انقضاء عدتها زوجها الحالف فحاضت عنده أيقع عليها بهذه الحيضة طلاق أم لا في قول مالك؟ قال: لا يقع عليها في قول مالك بهذه الحيضة طلاق؛ لأن الطلاق الذي أوقعه مالك عليها حين حلف إنما هو بهذه الحيضة وقد أحنثته في يمينه بهذه الحيضة ولا تحنثه بها مرة أخرى.

فيمن قال أنت طالق إن لم أطلقك أو إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق
قلت: فإن قال لها: أنت طالق إن لم أطلقك؟ قال: يقع الطلاق عليها مكانه حين تكلم بذلك، وقد قال مالك لا تطلق إلا أن ترفعه إلى السلطان وتوقفه، قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق، فطلقها واحدة فتزوجت زوجا غيره فأكلت نصف الرغيف في ملك الزوج الثاني ثم طلقها الزوج الثاني فتزوجها الزوج الأول الحالف فأكلت نصف الرغيف الباقي عنده أيقع عليها الطلاق في قول مالك؟ قال: يقع عليه الطلاق في قول مالك إذا أكلت من ذلك الرغيف ما بقي من طلاق ذلك الملك الذي حلف فيه لم يقع عليه إن أكلت الرغيف في ملك الحالف أو بعض الرغيف طلاق؛ لأنه إنما كان حالفا بطلاق ذلك الملك، فإذا ذهب طلاقه فقد ذهب ما قد كان به حالفا وصار بمنزلة من لا يمين عليه قال: وسئل مالك عن رجل كان بينه وبين رجل شر، وكان لأحد الرجلين أخ فلقي أخوه الرجل الذي نازع أخاه فقال: قد بلغني الذي كان بينك وبين أخي أمس وامرأته طالق ألبتة إن لم يكن، لو كنت حاضرا لفقأت عينك قال مالك أراه حانثا؛ لأنه حلف على شيء لا يبر فيه ولا في مثله.

فيمن قال: أنت طالق إن قدم فلان أو إن كان كلم فلان فلانا ثم شك في كلامه إياه
قلت: أرأيت إن قال لها: أنت طالق إن قدم فلان أو إذا قدم فلان؟ قال: لا تطلق عليه حتى يقدم فلان فيما أخبرتك من قول مالك قلت: ولم لا تطلقون عليه وأنتم لا تدرون لعل فلانا يقدم فيكون هذا قد طلق امرأته وقد وطئها بعد الطلاق وأنتم تطلقون بالشك؟ قال: ليس هذا من الشك وليس هذا وقت هو آت على كل حال وإنما تطلق المرأة على الرجل الذي يشك في يمينه فلا يدري أبر فيها أم حنث وهذا لم يحنث بعد، إنما يحنث بقدوم فلان وإنما ذلك لو أن رجلا قال امرأته طالق إن كان كلم فلانا ثم شك بعد ذلك، فلا يدري أكلمه أم لا، فهذا الذي تطلق عليه امرأته عند مالك لما شك في يمينه الذي حلف بها، فلا يدري لعله في يمينه حانث فلما وقع الشك طلقت عليه امرأته؛ لأن يمينه قد خرجت منه وهو لا يتيقن أنه فيها بار، فكل يمين لا يعلم صاحبها أنه فيها بار ويمينه بالطلاق فهو حانث، وهذا الآخر لا يشبه الذي قال أنت طالق إن قدم فلان؛ لأنه على بر وهو يستيقن أنه لم يحنث بعد، وإنما يكون حنثه بقدوم فلان ولم يطلق إلى أجل من الآجال.

فيمن قال لها إذا حبلت فأنت طالق أوبعد قدوم فلان بشهر
فيمن قال لها إذا حبلت فأنت طالق أو بعد قدوم فلان بشهر
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: إذا حبلت فأنت طالق؟ قال: لا يمنع من وطئها، فإذا وطئها مرة واحدة فأرى أن الطلاق قد وقع عليها؛ لأنه بعد وطئه أول مرة قد صارت بمنزلة امرأة قال لها زوجها: إن كنت حاملا فأنت طالق، ولا يدري أبها حمل أم لا وقد قال مالك في هذه: هي طالق؛ لأنه لا يدري أبها حمل أم لا، وكذلك قال مالك في امرأة قال لها زوجها إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ثلاثا: إنها تطلق مكانها؛ لأنه لا يدري أحامل هي أم لا فأرى مسألتك على مثل هذا من قول مالك قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق بعد قدوم فلان بشهر؟ قال مالك: إذا قدم فلان وقع الطلاق عليها مكانه ولا ينتظر بها الأجل الذي قال.

فيمن قال لها إذا حملت ووضعت فأنت طالق
قلت: أرأيت إن قال لامرأته وهي غير حامل إذا حملت فوضعت فأنت طالق؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأنا أرى إن كان وطئها في ذلك الطهر أنها طالق مكانها ولا

فيمن قال أنت طالق إذا مت أو مات فلان أو كلما حضت أو كلما جاء يوم أو جاءت سنة
قلت: أرأيت رجلا قال لامرأته أنت طالق إذا مت؟ قال مالك لا تطلق عليه؛ لأنه إنما طلقها بعد موته قلت: فإن قال: إذا مات فلان فأنت طالق؟ قال مالك: تطلق عليه حين تكلم بذلك.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: أنت طالق كلما حضت حيضة؟ قال: قال مالك في الذي يقول لامرأته كلما حضت حيضة فأنت طالق: إنها طالق الساعة، فأرى مسألتك أنها طالق الساعة ثلاث تطليقات، قلت: أرأيت إن قال لها؟ أنت طالق كلما جاء يوم أو كلما جاء شهر أو كلما جاءت سنة؟ قال: أرى أنها طالق ثلاثا حين تكلم بذلك؛ لأن مالكا قال: من طلق امرأته إلى أجل هو آت إنما هو طلاق حين تكلم بذلك.
قلت: أرأيت إن طلقتها عليه ثلاثا بهذا القول، ثم تزوجها بعد زوج، أيقع عليه من يمينه تلك شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليه من يمينه تلك عند مالك؛ لأن يمينه التي كانت بالطلاق في ذلك الملك قد ذهب ذلك الملك فذهب طلاقه كله, وإنما كان حالفا بطلاق ذلك الملك الذي قد ذهب وذهب طلاقه.
قلت: أرأيت إن قال لها: أنت طالق قبل موتك بشهر متى يقع الطلاق؟ قال: يقع الطلاق مكانه حين تكلم بذلك، قلت: فإن قال لامرأته وهي حامل إذا: وضعت فأنت طالق؟ قال: قال مالك: أراها طالقا حين تكلم به.

قلت: أرأيت إن قال لامرأة أجنبية: أنت طالق غدا ثم تزوجها قبل غد أيقع الطلاق عليها أم لا؟ قال لا يقع الطلاق عليها إلا أن يكون أراد بقوله ذلك إن تزوجتك فأنت طالق غدا فإن أراد بقوله ذلك إن تزوجها فتزوجها فهي طالق مكانها.
قال ابن القاسم: فقلت لمالك فرجل قال لامرأته ونزلت هذه المسألة بالمدينة وكان بين رجل وامرأته منازعة، فسألته الطلاق فقال: إن لم يكن بك حمل فأنت طالق أفترى أن يستأنى بها حتى يتبين أنها حامل أم لا؟ قال مالك بل أراها طالقا حين تكلم بذلك ولا يستأنى بها.
قال ابن القاسم: أخبرني بعض جلساء مالك أنه قيل له: لم طلقت عليه حين تكلم قبل أن يعلم أنها حامل؟ قال: أرأيت لو استأنيت بها حتى أعلم أنها حامل فماتت أكان الزوج يرثها؟ فقيل له: لا، قال فكيف أترك رجلا مع امرأة لو ماتت لم يرثها.
وأخبرني محمد بن دينار أن مالكا سئل عن رجل قال لامرأته وكانت تلد منه جواري فحملت، فقال لها: إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق ألبتة، فإنك قد أكثرت من ولادة الجواري، قال: أراها طالقا الساعة ولا ينتظر بها أن تضع، قلت لابن القاسم: فإن ولدت غلاما هل ترد إليه؟ قال: لا؛ لأن الطلاق قد وقع، وإنما ذلك عند مالك بمنزلة قوله إن لم تمطر السماء في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا فأنت طالق ألبتة، قال مالك: تطلق عليه الساعة؛ لأن هذا من الغيب، فإن مطر في ذلك اليوم الذي سمى لم ترد إليه قال مالك ولا يضرب له في ذلك أجل إلى ذلك اليوم لينظر أيكون فيه المطر أم لا.
قال ابن القاسم؟ وأخبرني بعض جلسائه أنه قيل لمالك ما تقول في رجل يقول: إن لم يقدم أبي إلى يوم كذا وكذا فامرأتي طالق ألبتة؟ قال مالك لا يشبه هذا المطر؛ لأن هذا يدعي أن الخبر قد جاءه، أو الكتاب بأن والده سيقدم وليس هذا كمن حلف على الغيب ولم أسمعه من مالك، ولكن قد أخبرني به من أثق به من أصحابه والذين بالمدينة.
قلت: أرأيت إن قال لها: أنت طالق إن لم أدخل هذه الدار، وإن لم أعتق عبدي فلانا أيقع الطلاق عليه ساعة تكلم بذلك؟ قال: لا يقع عليها في قول مالك الطلاق حين تكلم بذلك، ولكن يحال بينه وبين وطئها، ويقال له: افعل ما حلفت عليه، فإن لم يفعل ورفعت أمرها إلى السلطان ضرب لها السلطان أجل الإيلاء أربعة أشهر من يوم ترفع أمرها إلى السلطان، ولا ينظر إلى ما مضى من الشهور والسنين من يوم حلف ما لم ترفعه إلى

السلطان، وليس يضرب السلطان لها أجل الإيلاء في قول مالك إلا في هذا الوجه وحده؛ لأن كل إيلاء وقع في غير هذا الوجه من غير أن يقول إن لم أفعل كذا وكذا حلف بالله أن لا يطأها أو بمشي أو بنذر صيام أو عتاقة أو طلاق امرأة له أخرى أو بعتق رقبة عبده أو حلف لغريم له أن لا يطأ امرأته حتى يقضيه.
قال مالك: فهذا كله وما أشبهه هو مول منها من يوم حلف وليس من يوم ترفعه إلى السلطان وليس يحتاج في هذا إلى أن ترفعه إلى السلطان؛ لأن هذا إذا وطئ قبل أن ترفعه إلى السلطان ولا إيلاء عليه فقد بر، والوجه الآخر هو وإن وطئ فيه قبل أن ترفعه إلى السلطان، فإن ذلك لا تسقط عنه اليمين إلا التي حلف عليه إذا كان لم يفعلها فهذا فرق ما بينها.
قلت: وما حجتك حين قلت: في الرجل الذي قال لامرأته إن لم أطلقك فأنت طالق أنها طالق ساعتئذ، وقد قلت عن مالك في الذي يقول لامرأته: إن لم أدخل هذه الدار فأنت طالق أن يحال بينه وبينها ويضرب له أجل الإيلاء من يوم ترفعه إلى السلطان فلم لا تجعل الذي قال: إن لم أطلقك فأنت طالق مثل هذا الذي قال: إن لم أدخل الدار فأنت طالق؟ وما فرق بينهما؟ قال: ولأن الذي حلف على دخول الدار إن دخل سقط عنه الطلاق ولأن الذي حلف بالطلاق ليطلقن ليس بره إلا في أن يطلق في كل وجه يصرفه إليه لا بد بأن يطلق عليه مكانه حين تكلم بذلك.
قلت: أرأيت إن قال: إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال إن كلمت فلانا الآخر فأنت طالق فكلمهما جميعا كم يقع عليه من الطلاق أواحدة أو اثنتان؟ قال: يقع عليه اثنتان ولا ينوي وإنما ينوي في قول مالك لو أنه قال: إن كلمت فلانا فأنت طالق، ثم قال: إن كلمت فلانا فأنت طالق لفلان ذلك بعينه ومسألتك لا تشبه هذه، قلت: أرأيت جوابك هذا هو قول مالك؟ قال: نعم هو قول مالك، قال مالك: ولو أن رجلا حلف بعتق عبد له أن لا يكلم رجلا فباعه فكلم الرجل ثم اشتراه أو وهب له أو تصدق به عليه فقبله أنه إن كلم الرجل حنث؛ لأن اليمين لازمة له لم تسقط عنه حين كلم الرجل والعبد في غير ملكه. قال مالك: ولو ورثه هذا الحالف ثم كلم الرجل الذي حلف بعتق هذا العبد أن لا يكلمه لم أر عليه حنثا؛ لأنه لم يدخله على نفسه وإنما جره إليه الميراث قال: فقلت لمالك: فلو فلس هذا الحالف فباعه السلطان عليه ثم كلم فلانا ثم أيسر يوما ما فاشتراه قال مالك إن كلمه حنث، وأرى بيع السلطان العبد في التفليس بمنزلة بيع السيد إياه طائعا.

وسئل مالك عن امرأة من آل الزبير حلفت بعتق جارية لها أن لا تكلم فلانا، ثم إن الجارية وقعت إلى أبيها ثم مات أبوها فورثتها ابنته الحالفة وإخوة لها، فباعوا الجارية فاشترتها في حصتها أترى أن تكلم فلانا ولا تحنث؟ قال: أرى إن كانت الجارية هي قدر ميراثها من أبيها أو الجارية أقل من ذلك فلا أرى عليها حنثا واشتراؤها إياها عندي في هذا الموضع بمنزلة مقاسمتها إخوتها، وإن كانت الجارية أكثر من ميراثها فإنها إن كلمته حنثت.
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته أنت طالق إن دخلت هذه الدار، فطلقها تطليقتين، ثم تزوجت زوجا ثم مات عنها، فرجعت إلى زوجها الحالف فدخلت الدار كم تطلق أواحدة أم ثلاثا في قول مالك؟ قال: قال مالك: تطلق واحدة ولا تحل له إلا بعد زوج؛ لأنها رجعت إليه على بقية طلاق ذلك الملك، وإنما كان حالفا بالتطليقتين اللتين طلق وبهذه التي بقيت له فيها يحنث ولا يحنث بغيرها، وليس عليه شيء مما يحنث به في يمينه إلا هذه التطليقة الباقية.

فيمن قال لها أنت طالق إذا حضت أو طهرت
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: أنت طالق إذا حضت؟ قال: هي طالق الساعة وتعتد بطهرها الذي هي فيه من عدتها، وهذا قول مالك قلت: فإن قال لها وهي حائض إذا طهرت فأنت طالق؟ قال: قال مالك: هي طالق الساعة ويجبر على رجعتها قال مالك وإذا قال لها وهي حامل إذا وضعت فأنت طالق، فهي طالق الساعة.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: أنت طالق يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلا، أيقع عليها الطلاق في قول مالك؟ قال: أرى أن الطلاق واقع عليه إن دخلها ليلا أو نهارا إلا أن يكون أراد بقوله يوم أدخل النهار دون الليل، فإن كان أراد النهار دون الليل، فالقول قوله وينوي في ذلك؛ لأن النهار من الليل والليل من النهار في هذا النحو من قول مالك إذا لم تكن له نية. قال: وكذلك إن قال: ليلة أدخل دار فلان فأنت طالق فدخلها نهارا قال: هو مثل ما وصفت لك إلا أن يكون أراد الليل دون النهار، قال مالك: وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1،2]. فقد جعل الله الأيام مع الليالي.

فيمن قال: أنت طالق إن دخلت دار فلان ودار فلان فدخل إحداهما
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: امرأتي طالق إن دخلت دار فلان ودار فلان فدخل

الشك في الطلاق
قلت: أرأيت لو أن رجلا طلق امرأته فلم يدر كم طلقها أطلقة واحدة أم اثنتين أم ثلاثا، كم يكون هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
قال ابن القاسم: وأرى إن ذكر وهي في العدة أنه لم يطلق إلا واحدة أو اثنتين أنه يكون أملك بها فإن انقضت العدة قبل أن يذكر فلا سبيل له إليها وإن ذكر بعد انقضاء العدة أنه إنما كانت تطليقة أو تطليقتين فهو خاطب من الخطاب وهو مصدق في ذلك قلت: أتحفظه عن مالك قال: لا، قلت: أرأيت إن لم يذكر كم طلقها ففرقت بينهما ثم تزوجها زوج بعد انقضاء عدتها ثم طلقها هذا الزوج الثاني أو مات عنها أتحل للزوج الذي لم يدر كم طلقها؟ قال: تحل له بعد هذا الزوج؛ لأنه إن كان إنما طلقها واحدة رجعت عنده على اثنتين، وإن كان إنما طلقها هذا الزوج اثنتين رجعت إليه على واحدة وإن كان إنما طلقها ثلاثا فقد أحلها هذا الزوج، فإن طلقها هذا الزوج أيضا تطليقة فانقضت عدتها أو لم تنقض عدتها لم يحل له أن ينكحها إلا بعد زوج؛ لأنه لا يدري لعل طلاقه إياها كان تطليقتين فقد طلق أخرى فهذا لا يدري لعل الثلاث إنما وقعت بهذه التطليقة التي طلق، فإن تزوجت بعد ذلك زوجا آخر فمات أو طلقها فانقضت عدتها فتزوجها الزوج الأول فطلقها أيضا تطليقة، إنه لا يحل له أن ينكحها إلا بعد زوج أيضا؛ لأنه لا يدري لعل الطلاق الأول إنما كان تطليقة واحدة، والطلاق الثاني إنما كان تطليقة ثانية، وإن هذه الثالثة، فهو لا يدري لعل هذه هي التطليقة الثالثة، فلا يصلح له أن ينكحها حتى تنكح زوجا غيره.
قلت: فإن نكحت زوجا غيره ثم طلقها أو مات عنها هذا الزوج الثالث ثم تزوجها الزوج الأول أيضا؟ قال: فإنها ترجع إليه أيضا، على تطليقة أيضا بعد الثلاثة الأزواج إلا أن يبت طلاقها وهي تحته في أي النكاح كان، فإن بت طلاقها فيه ثم تزوجت بعد زوجا ثم رجعت إليه رجعت على طلاق مبتدأ.

فيمن قال: لها أنت طالق إن دخلت الدار فقالت قد دخلتها
قلت: أرأيت إن قال الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فقالت المرأة: قد دخلت الدار وكذبها الزوج؟ قال: أما في القضاء فلا يقضى عليه بطلاقها ويستحب للزوج أن لا يقيم عليها؛ لأنه لا يدري لعلها قد دخلت.
قال: وكذلك قال لي مالك في رجل قال لامرأته وسألها عن شيء فقال لها: إن لم تصدقيني أو إن كتمتني فأنت طالق فأخبرته فقال مالك: أرى أن يفارقها ولا يقيم عليها، قال مالك: وما يدريه أصدقت أم لا؟ قال: ابن القاسم وسمعت الليث يقول مثل قول مالك فيها.
قلت: أرأيت إن قالت: قد دخلت الدار فصدقها الزوج ثم قالت المرأة بعد ذلك: كنت كاذبة؟ قال: إذا صدقها الزوج فقد لزمه ذلك في رأيي، قلت: أرأيت إن لم يصدقها وقالت: قد دخلت ثم قالت بعد ذلك: كنت كاذبة؟ قال: أرى أنه ينبغي له أن يجتنبها فيما بينه وبين الله ولا يقيم عليها وأما في القضاء فلا يلزمه ذلك.

في الشك في الطلاق أيضا
فيمن قال: لها أنت طالق إن دخلت الدار فقالت قد دخلتها
قلت: أرأيت إن قال الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فقالت المرأة: قد دخلت الدار وكذبها الزوج؟ قال: أما في القضاء فلا يقضى عليه بطلاقها ويستحب للزوج أن لا يقيم عليها؛ لأنه لا يدري لعلها قد دخلت.
قال: وكذلك قال لي مالك في رجل قال لامرأته وسألها عن شيء فقال لها: إن لم تصدقيني أو إن كتمتني فأنت طالق فأخبرته فقال مالك: أرى أن يفارقها ولا يقيم عليها، قال مالك: وما يدريه أصدقت أم لا؟ قال: ابن القاسم وسمعت الليث يقول مثل قول مالك فيها.
قلت: أرأيت إن قالت: قد دخلت الدار فصدقها الزوج ثم قالت المرأة بعد ذلك: كنت كاذبة؟ قال: إذا صدقها الزوج فقد لزمه ذلك في رأيي، قلت: أرأيت إن لم يصدقها وقالت: قد دخلت ثم قالت بعد ذلك: كنت كاذبة؟ قال: أرى أنه ينبغي له أن يجتنبها فيما بينه وبين الله ولا يقيم عليها وأما في القضاء فلا يلزمه ذلك.

فيمن قال لامرأته قد طلقتك من قبل أن أتزوجك
فيمن قال: لامرأته قد طلقتك من قبل أن أزوجك
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته: قد طلقتك من قبل أن أزوجك، أيقع عليه

شيء من الطلاق أم لا؟ قال: أرى أنه لا شيء عليه، قلت: وكذلك لو قال: قد طلقتك وأنا مجنون أو وأنا صبي؟ قال: إن كان يعرف بالجنون فلا شيء عليه، وكذلك قوله قد طلقتك وأنا صبي أنه لا يقع عليه به الطلاق.
قلت: أرأيت إن طلق بالعجمية وهو فصيح بالعربية أتطلق عليه امرأته في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في الطلاق بالعجمية شيئا، وأرى ذلك يلزمه إذا شهد عليه العدول ممن يعرف بالعجمية أنه طلاق بالعجمية، قلت: أرأيت الرجل إن قال: لامرأته يدك طالق أو رجلك طالق أو إصبعك طالق؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أنه إذا طلق يدا أو رجلا أو ما أشبه ذلك فهي طالق كلها وكذلك الحرية.

فيمن قال لها: أنت طالق بعض تطليقة أو قال: بينكن تطليقة
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: أنت طالق بعض تطليقة؟ قال: لم أسمعه من مالك وأرى أن تجبر عليه التطليقة فتكون تطليقة كاملة قد لزمته، قلت: أرأيت إن قال لأربع نسوة له: بينكن تطليقة أو تطليقتان أو ثلاث أو أربع؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكني أرى أنه إذا قال: بينكن أربع تطليقات أو دون الأربع أنها تطليقة على كل واحدة منهن، وإن قال: بينكن خمس تطليقات إلى أن يبلغ ثمان، فهي اثنتان اثنتان، فإن قال: تسع تطليقات فقد لزم كل امرأة منهن ثلاث تطليقات، ولم أسمع هذا من مالك ولكنه رأيي ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن رجل قال لامرأته أنت طالق سدس تطليقة قال: نرى أن يوجع من قال ذلك جلدا وجيعا وتكون تطليقة تامة وهو أملك بها.
قال ابن يونس قال ربيعة من قال لامرأته أنت طالق بعض تطليقة فهي تطليقة تامة، وإن سليمان بن حبيب المحاربي أخبر أن عمر بن عبد العزيز قال له: لا تقبل السفهاء سفههم، إذا قال: السفيه لامرأته: أنت طالق نصف تطليقة فاجعلها واحدة، وإن قال: واحدة ونصفا فاجعلها اثنين، وإن قال: اثنين ونصفا فاجعلها ألبتة.

فيمن قال: إحدى نسائي طالق أو قال: واحدة فأنسبها
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: إحدى امرأتي طالق ثلاثا ولم ينو واحدة منهما بعينها أيكون له أن يوقع الطلاق على أيتهما شاء؟ قال: قال مالك: إذا لم ينو حين تكلم بالطلاق واحدة بعينها طلقتا عليه جميعا، وذلك أن مالكا قال في رجل له امرأتان أو أكثر

من قال: أنت طالق إن شاء الله أو إن شاء فلان أو إن شاء هذا الحجر
قلت: أرأيت إن قال: فلانة طالق إن شاء فلان، أيكون هذا استثناء وتوقع الطلاق عليها مكانه ولا تلتفت إلى مشيئة فلان أم لا؟ قال ليس قوله أنت طالق إن شاء فلان مثل قوله أنت طالق إن شاء الله، إنما الاستثناء في قول مالك أن يقول أنت طالق إن شاء الله، فالطلاق فيه لازم، وأما إذا قال: إن شاء فلان فلا يطلق حتى يعرف أيشاء فلان أم لا، قلت: أرأيت إن قال: أنت طالق إن شاء فلان وفلان ميت أيقع الطلاق عليها الساعة في قول مالك؟ قال لا أرى أن يطلق؛ لأنا نعرف أن الميت لا يشاء قد انقطعت مشيئته ولا يشاء أبدا.

قلت: فإن قال: أنت طالق إن شاء فلان فمات فلان قبل أن يشاء، وقد علم أو لم يعلم بذلك حتى هلك، أتطلق مكانها حين مات الذي جعلت إليه المشيئة في قول مالك أم لا؟ قال هو عندي بمنزلة من قال: ذلك للميت الذي قد انقطعت مشيئته إن لم يشأ حتى مات فلا طلاق عليه قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق إن شاء الله أتطلق مكانها قال: نعم في قول مالك قال مالك: لا ثنيا في الطلاق.
قلت: أرأيت إن قال لها: أنت طالق إن شاء هذا الشيء لشيء لا يشاء شيئا، مثل الحجر والحائط قال أرى أنه لا شيء عليه؛ لأنه جعل المشيئة إلى من لا يعلم له مشيئة ولا يستطيع الناس علم مشيئته فجعل المشيئة إليه فلا طلاق عليه قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأة كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثا فتزوجها فطلقها ثلاثا، ثم تزوجها بعد زوج، أتطلق ثلاثا أيضا في قول مالك قال: نعم، قال مالك: إذا قال: كلما فاليمين لازمة له كلما تزوجها بعد زوج قلت: أرأيت إذا قال: تزوجتك ومتى ما تزوجتك وإن تزوجتك أهذه بمنزلة كلما في قول مالك قال: قال: مالك: إن تزوجتك أو إذا تزوجتك فلا يكون على مرة واحدة ومتى ما تزوجتك فلا يكون إلا على مرة واحدة، إلا أن يريد بذلك مثل ما قوله كلما تزوجتك، فإن أراد بقوله متى ما كلما فهو كما نوى، وإن لم ينو شيئا فهو على أول مرة ولا شيء عليه غيره وهذا كله قول مالك.
قلت: أرأيت إن قال لامرأة ليست له بامرأة أنت طالق يوم أكلمك أو يوم تدخلين الدار أو يوم أطؤك أيقع الطلاق إذا تزوجها فكلمها أو وطئها أو دخلت الدار؟ قال: قال مالك: لا يقع الطلاق إلا أن يكون أراد بقوله ذلك إن تزوجتها ففعلت هذا فأنت طالق إذا كان أراد ما وصفت لك.

فيمن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه وليتزوج أربعا قال: قال مالك: وكذلك لو كان هذا في يمين أيضا قال: إن دخلت الدار فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فدخل الدار فليتزوج ما شاء من النساء ولا يقع الطلاق عليه؛ لأنه عم فقال: كل امرأة. قال مالك: وكذلك لو كن عنده ثلاث نسوة أو امرأتين، كان له أن يتزوج اثنتين تمام الأربعة، فإن طلق منهن شيئا فله أن يتزوج إن شاء، وهذا كمن لم يحلف. قال: مالك: وكذلك لو كانت تحته امرأتان فقال: إن دخلت هذه الدار فكل امرأة أتزوجها طالق فدخل الدار، كان له أن يتزوج ولا يكون عليه في

المرأتين اللتين تزوج شيئا وهو كمن لم يحلف. قال مالك: وكذلك لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، أو قال: إن دخلت الدار فكل امرأة أتزوجها طالق فدخل الدار إنهما سواء لا يكون عليه شيء وهو كمن لم يحلف وقال مالك فإن قال: كل امرأة أتزوجها إن دخلت هذه الدار هي طالق فتزوج امرأة ثم دخل الدار إنه لا شيء عليه في امرأته التي تزوج وليتزوج فيما يستقبل ولا شيء عليه؛ لأنه كمن لم يحلف.

من قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلا من موضع كذا
قلت: أرأيت إن قال: كل امرأة أتزوجها إلا من الفسطاط فهي طالق قال: يلزمه في قول مالك أن لا يتزوج من غير الفسطاط قلت: أرأيت إن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلا من قرية كذا وكذا ويذكر قرية صغيرة؟ قال أرى أن ذلك لا يلزمه إذا كانت تلك القرية ليس فيها من يتزوج قلت: أرأيت إن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلا فلانة وسمى امرأة بعينها ذات زوج أو لا زوج لها قال: بلغني أنه قال: لا أرى عليه شيئا، قال: وهو بمنزلة رجل قال: إن لم أتزوج فلانة فكل امرأة أتزوجها فهي طالق، وهو رأيي؟
قلت: أرأيت إن قال: إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أنكحها فهي طالق؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن لا يتزوج إلا من الفسطاط وإلا لزمه الحنث قلت: أرأيت إن قال: كل امرأة أتزوجها إلى أربعين سنة أو ثلاثين سنة فهي طالق؟ قال: سألت مالكا عن غلام ابن عشرين سنة أو نحو ذلك حلف في سنة ستين ومائة أن كل امرأة ينكحها إلى سنة مائتين فهي طالق، قال مالك: ذلك عليه إن تزوج طلقت عليه قال: ابن القاسم وهذا قد حلف على أقل من أربعين سنة ورأيي والذي بلغني عن مالك أنه لا يتزوج إلا أن يخاف على نفسه العنت وذلك أن يكون لا يقدر على مال فيتسرر منه فيخاف على نفسه العنت فيتزوج.
قلت: أرأيت إن قال وهو شيخ كبير: إن تزوجت إلى خمسين سنة فكل امرأة أتزوجها فهي طالق وقد علم أنه لا يعيش إلى ذلك الأجل قال: ما سمعت من مالك ولكن سمعت من أثق به يحكي عن مالك أنه قال: إذا ضرب من الآجال أجلا يعلم أنه لا يعيش إلى ذلك الأجل، فهو كمن عم النساء فقال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ولم يضرب أجلا فلا يكون يمينه شيئا ولا يلزمه من يمينه طلاق بهذا القول إن تزوج وقال

في الذي يحلف فيقول: كل امرأة أتزوجها إلى مائتي سنة فيمينه باطل وله أن يتزوج متى ما شاء.

من قال: كل امرأة أتزوجها من موضع كذا أو ما عاشت فلانة فهي طالق
قلت: أرأيت إن قال: كل امرأة أتزوجها من الفسطاط أو قال: كل امرأة أتزوجها من همدان أو من مراد أو من بني زهرة أو من الموالي فهي طالق فتزوج امرأة من الفسطاط أو من مراد قال: تطلق عليه في قول مالك قلت: أرأيت إن تزوجها بعدما طلقت عليه قال: ترجع اليمين عليه ويقع عليه الطلاق إن تزوجها ثانية قلت: فإن تزوجها ثلاث مرات فبانت منه بثلاث تطليقات ثم تزوجها بعد زوج أيقع عليه الطلاق أيضا في قول مالك؟ قال: نعم، يقع الطلاق عليها كلما تزوجها وإن بعد ثلاث تطليقات كذلك قال مالك. قال: ولقد سئل مالك: عن رجل من العرب كانت تحته امرأة من الموالي فعاتبه بنو عمه في تزويجه الموالي، فقال: كل امرأة أتزوجها من الموالي فهي طالق ثلاثا، فقضى أنه طلق المرأة التي كانت تحته، ثم أراد أن يتزوجها فسأل عن ذلك مالكا فقال مالك: لا تتزوجها وأراها قد دخلت في اليمين وإن كانت تحته يوم حلف؛ لأنها من الموالي فلا يتزوجها.
قلت: ولا شيء عليه ما لم يطلقها في قول مالك؟ قال: نعم لا شيء عليه ما لم يطلقها قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: كل امرأة أتزوجها ما عاشت فلانة فهي طالق قال: قال مالك: كل امرأة يتزوجها ما عاشت فلانة فهي طالق وهذه التي حلف عليها في حياتها هي امرأته قال: قال مالك: إن كانت نيته أنه إنما أراد بها ما عاشت فلانة، أي ما كانت عندي، فكل امرأة أتزوجها فهي طالق أنه يدين ذلك وتكون له نيته وليس له أن يتزوج ما كانت تحته، فإذا فارقها كان له أن يتزوج وإن لم تكن له نية فلا يتزوج حتى تموت امرأته التي حلف أن لا يتزوج ما عاشت طلقها أو كانت تحته وهذا من وجه ما فسرت لك أنه ليس له أن يتزوج إلا أن يخاف العنت فإن خاف العنت تزوج.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق، تطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين أو ثلاثا، ثم تزوج امرأة ثم تزوج امرأته التي حلف لها أن لا يتزوج عليها فتزوجها بعد زوج أو قبل زوج إن كان الطلاق تطليقة أيقع على الأجنبية التي تزوج من الطلاق شيء أم لا؟ قال: قال مالك: إذا طلق امرأته التي حلف أن لا يتزوج

عليها ثلاثا ثم تزوج امرأة ثم تزوج امرأته التي حلف عليها أنه لا شيء عليه في التي تزوج ولا في امرأته التي حلف لها وإن كان طلاقه إياها واحدة فانقضت عدتها ثم تزوج امرأة ثم تزوجها عليها، قال مالك: فإنما يطلق أيتهن كانت فيها اليمين ما بقي من ذلك الطلاق شيء، قلت: أرأيت إن قال: لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق فطلقها ثلاثا، ثم تزوجها بعد زوج ثم تزوج عليها قال: قال: مالك: لا تلزمه اليمين.
قلت: لم؟ قال: لأن طلاق ذلك الملك الذي كان حلف فيه قد ذهب كله، ألا ترى أنه قال: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق، فلما ذهب ملك المرأة التي تحته فلا يمين عليه وكذلك المسألة الأولى قلت: فإذا هو طلقها تطليقة ثم تزوجها ثم تزوج عليها؟ قال: تطلق التي تزوج عليها في قول مالك، فإن طلقها تطليقة ثم تزوج امرأته، قال: قال مالك: تطلق عليه الأجنبية قلت: لم وإنما قال: كل امرأة أتزوجها عليك فهو إنما تزوج أجنبية ثم تزوجها على الأجنبية؟ قال: قال مالك: يلزمه الطلاق، تزوجها قبل الأجنبية أو تزوج الأجنبية قبلها ما بقي من طلاق امرأته التي كانت في ملكه شيء.
قلت: أرأيت إن كانت نيته حين حلف أن لا يتزوج عليها، كانت نيته أن لا يتزوج عليها ولكن أراد أن يتزوجها على غيرها إلا أن تكون عليه يمين؟ قال: لم أر مالكا ينويه في شيء من هذا قال مالك: ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء فهو سواء إن تزوجها هي على الأجنبية أو تزوج الأجنبية عليها؛ لأنه عند ملك ما بقي من طلاق تلك المرأة شيء فإنما أراد أن لا يجمع بينهما قلت: أرأيت إن قال: كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك فطلقها واحدة ثم تزوجها بعد انقضاء عدتها ثم تزوج عليها في هذا الملك الثاني؟ قال: قال مالك: إذا تزوج عليها في الملك الثاني فأمر التي تزوج عليها في يدها ما بقي من طلاق ذلك الملك الذي حلف فيه شيء قلت: وكذلك إن تزوج أجنبية بعد ما طلق التي قال لها: كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك ثم تزوج هذه التي جعل لها ما جعل أيكون أمر الأجنبية في يدها أم لا وإنما تزوجها على الأجنبية ولم يتزوج الأجنبية عليها؟ قال: قال مالك: إن هو تزوجها على الأجنبية أو تزوج الأجنبية عليها فذلك سواء، وذلك في يدها إذا بقي من طلاق الملك الذي قال لها فيه: أمر كل امرأة أتزوجها عليك شيء.
قلت: وسواء إن شرطوا ذلك عليه في عقدة النكاح أو هو كان الذي شرط لها بعد عقدة النكاح أهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم، هو سواء عند مالك ابن وهب عن مالك بن أنس ويونس بن يزيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن

وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار أخبروه كلهم عن أبي هريرة أنه قال: استفتيت عمر بن الخطاب عن رجل طلق امرأته تطليقة واحدة أو تطليقتين ثم تركها حتى تحل ثم تنكح زوجا غيره ويموت عنها أو يطلقها فيخطبها زوجها الأول الذي طلقها فينكحها على كم تكون قال: عمر تكون عنده على ما بقي من طلاقها1, وقال: يونس في الحديث فإذا طلقها ثلاث تطليقات لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثم إن نكحها بعدما استقبل الطلاق كاملا من أجل أنه لم يبق له من الطلاق شيء ابن وهب عن مسلمة بن علي عن رجل عن عمر بن شعيب أن أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا هي عنده على ما بقي من الطلاق إذا طلقها واحدة أو اثنتين.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 77.

فيمن شرط أن لا يتزوج عليها فإن فعل فأمرها بيدها
قلت: أرأيت لو أن امرأة شرطت على زوجها أن لا يتزوج عليها، فإن فعل فأمر نفسها في يدها فتزوج عليها فطلقت امرأته نفسها ثلاثا أيكون ذلك لها إن أنكر الزوج الثلاث؟ قال: قال مالك في هذه المسألة بعينها: إن ذلك لها ولا ينفع الزوج إنكاره قلت: وسواء كان قد دخل بها أو لم يدخل بها حتى تزوج عليها؟ قال: الذي حملنا عن مالك أن ذلك شرط لها دخل بها أو لم يدخل بها؛ لأنها حين شرطت إنما شرطت ثلاثا فلا تبالي أدخل بها حين تزوج أو لم يدخل بها، لها أن تطلق نفسها ثلاثا فإن طلقت نفسها واحدة فإن كانت مدخولا بها كان الزوج أملك بها وإن كانت غير مدخول بها كانت بائنا لواحدة.
قلت: أرأيت إن طلقت نفسها واحدة، أيكون لها أن تطلق نفسها أخرى بعد ذلك ويقول ما ملكتك إلا في واحدة قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن ملكها أمرها فقالت قد قبلت نفسي قال: قال مالك: هي ألبتة إلا أن يناكرها الزوج قلت: فما فرق ما بين قد قبلت أمري وقد قبلت نفسي قال: لأن قولها قد قبلت أمري إنما قبلت ما جعل لها من الطلاق، فتسأل عن ذلك كم طلقت نفسها، وللزوج أن يناكرها في أكثر من تطليقة إن كانت أرادت بقولها قد قبلت أمري الطلاق، وإذا قالت: قد قبلت نفسي فقد بينت إنما قبلت جميع الطلاق حين قبلت نفسها فهي ثلاث إلا أن يناكرها الزوج، ولا يحتاج ههنا إلى أن تسأل المرأة كم أردت من الطلاق؛ لأنها قد بينت في

قولها: قد قبلت نفسي قال مالك: ولو قالت بعد أن تقول قد قبلت نفسي أو اخترت نفسي إنما أردت بذلك واحدة لم يقبل قولها.
قلت: أرأيت إذا ملكها فقالت قد قبلت أمري، ثم قالت بعد ذلك لم أرد بذلك الطلاق، أيكون القول قولها ولا يلزم الزوج من الطلاق شيء قال: نعم، قلت: أرأيت إذا ملكها الزوج فقالت قد قبلت أمري، ثم قالت بعد ذلك لم أرد بقولي قد قبلت أمري طلاقا فصدقتها في قول مالك، أيكون لها أن تطلق نفسها وقد قامت من مجلسها الذي ملكها الزوج فيه أمرها؟ قال: نعم، ذلك لها في قول مالك قلت: وإن بعد شهر أو شهرين؟ قال: نعم قال: وقال مالك: ولا يخرج ذلك من يدها إلا السلطان أو تترك هي ذلك؛ لأنها قد كانت قبلت ذلك، قلت: وكيف يخرجه السلطان من يدها؟ قال: يوقفها السلطان، فإما أن تقضي وإما أن ترد ما جعل لها من ذلك قلت: ويكون للزوج أن يطأها قبل أن يوقفها السلطان؟ قال: إن أمكنته من ذلك فقد بطل ما كان في يدها من ذلك وقد ردته حين أمكنته من الوطء قلت: وهذا قول مالك قال: نعم قلت: وإن غصبها نفسها فهي على أمرها حتى يوقفها السلطان؟ قال نعم، ولم أسمعه من مالك.
قلت: أرأيت إن قال: لها أمرك بيدك فطلقت نفسها واحدة، فقال: الزوج لم أرد أن تطلق نفسها واحدة وإنما ملكتها في ثلاث تطليقات إما أن تطلق نفسها جميع الثلاث وإما أن تقيم عندي بغير طلاق؟ قال مالك: ليس له في هذا قول والقول قولها في هذه التطليقة وقد لزمت التطليقة الزوج إنما يكون للزوج أن يناكرها إذا زادت على الواحدة وعلى الاثنتين قلت: أرأيت إذا قال: الرجل لامرأته قد ملكتك الثلاث تطليقات، فقالت: أنا طالق ثلاثا؟ فقال: ذلك لها في قول مالك قلت: أرأيت إذا قال: لها أمرك بيدك إذا جاء غد، أتجعله وقتا أم تجعله بمنزلة قوله أمرك بيدك إذا قدم فلان؟ قال: قوله أمرك بيدك إذا جاء غد عند مالك وقت وليس ذلك بمنزلة قوله أمرك بيدك إذا جاء فلان. قلت: أرأيت إذا قال لها: أمرك بيدك، أمرك بيدك أمرك بيدك فطلقت نفسها ثلاثا؟ قال: يسأل الزوج عما أراد، فإن كان إنما أراد به واحدة حلف فتكون واحدة ويحلف، وإن كان أراد الثلاث فهي ثلاث، وإن لم تكن له نية فالقضاء ما قضت، فإن قضت واحدة فذلك لها وإن قضت اثنتين فذلك لها وإن قضت ثلاثا فذلك لها.
قلت: أرأيت إن قال لها أمرك بيدك وأراد الزوج ثلاث تطليقات، فطلقت نفسها واحدة أيكون ذلك لها؟ قال: نعم، قال: إذا وقفت فطلقت نفسها واحدة لم يكن لها أن تطلق نفسها بعد ذلك قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي قلت: أرأيت إن

طلقت نفسها واحدة ولم توقف، أيكون لها أن تطلق بعد الواحدة الأخرى أو تمام الطلاق؟ قال: إذا طلقت نفسها واحدة بعدما تزوج عليها وإن لم توقف على حقها فليس لها أن تطلق بعد ذلك غيرها؛ لأنها قد تركت ما بعد الواحدة وقضت هي بالذي كان لها بالطلاق الذي طلقت نفسها به وإنما توقف حتى تقضي أو ترد إذا هي لم تقض شيئا، فأما إذا فعلت وطلقت نفسها واحدة فهي بمنزلة من وقفت فطلقت نفسها فليس لها أن تطلق بعد ذلك.
قلت: أرأيت إن تزوج عليها امرأة فلم تقض، ثم تزوج عليها بعد ذلك أخرى، أيكون لها أن تطلق نفسها أم لا؟. قال: قال مالك: لها أن تطلق نفسها ثلاثا إن أحبت أو واحدة أو اثنتين وتحلف بالله ما كانت تركت الذي كان من ذلك حين تزوج عليها، وأنها إنما رضيت بنكاح تلك الواحدة ولم ترض أن يتزوج عليها أخرى. قال مالك: ويكون لها أن تقول إنما تركته أن يتزوج هذه الواحدة ولم أقض لعله يعتب فيما بقي فلذلك لم أقض قال: فيكون لها إذا حلفت على ذلك أن تقضي إذا هو تزوج عليها ثانية، قلت: أرأيت إن تزوج عليها فلم تقض ثم طلق التي تزوج عليها، ثم تزوجها بعينها فقضت امرأته بالطلاق على نفسها أيكون ذلك لها والزوج يقول إنما تزوجت عليك من قد رضيت بها مرة؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لها أن تطلق نفسها؛ لأنها وإن كانت رضيت بها مرة فلم ترض بها بعد ذلك قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: لامرأته إن لم أتزوج عليك اليوم فأنت طالق ثلاثا، فتزوج عليها نكاحا فاسدا قال أرى أن تطلق عليه امرأته؛ لأن مالكا قال في جارية قال لها سيدها: إن لم أبعك فأنت حرة لوجه الله، فباعها فإذا هي حامل منه قال مالك: تعتق عليه؛ لأنه لا بيع له فيها حين كانت حاملا، فهذا يشبه مسألتك في النكاح قلت: فإن تزوج عليها أمة قال: آخر ما فارقنا عليه مالكا أنه قال: نكاح الأمة على الحرة جائز إلا أن للحرة الخيار إذا تزوج عليها الأمة إن شاءت أن تقيم أقامت، وإن شاءت أن تفارق فارقته، ونزلت هذه بالمدينة فقال مالك: فيها مثل ما وصفت لك قلت: وتكون الفرقة تطليقة؟ قال: نعم، قال مالك: وإن رضيت أن تقيم فالمبيت بينهما بالسوية يساوي بينهما في القسم ولا يكون للحرة الثلثان والأمة الثلث.

من قال: كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق
قلت: أرأيت إن قال: كل امرأة أتزوجها من أهل الفسطاط فهي طالق ثلاثا، فتزوج امرأة من أهل الفسطاط فبنى بها أيكون عليه مهر ونصف مهر أم مهر واحد؟ قال: عليه

مهر واحد في قول مالك قلت: فما حجة مالك حين لم يجعل لها إلا مهرا واحدا؟ قال: قال مالك: هي عندي بمنزلة رجل حلف بالطلاق فحنث فلم يعلم فوطئ أهله بعد حنثه، ثم علم أنه لا شيء عليه إلا المهر الأول الذي سمى لها قلت: أيكون عليها عدة الوفاة إن دخل بها ثم مات عنها في قول مالك؟ قال: لا وإنما عليها ثلاث حيض.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق فوكل رجلا يزوجه فزوجه امرأة من الفسطاط، أتطلق عليه أم لا؟ قال: نعم قلت: فإن وكله فزوجه بعد يمينه ولم يسم له موضعا فزوجه من الفسطاط، فقال: الزوج إني قد حلفت في كل امرأة أتزوجها من الفسطاط بالطلاق، وإني إنما وكلتك أن تزوجني من لا تطلق علي؟ قال: ينظر في ذلك إلى قول الزوج والنكاح له لازم إلا أن يكون قد نهاه عن نساء أهل الفسطاط قال: وقال مالك في الرجل يحلف أن لا يبيع سلعة كذا وكذا فيوكل غيره ببيعها: إنه حانث قال ابن القاسم وهذا عندي مثله.
قلت: أرأيت رجلا قال لرجل أخبر امرأتي بطلاقها متى يقع عليه الطلاق أيوم أخبرها أم يوم قال له أخبرها؟ قال: يقع الطلاق في قول مالك يوم قال له أخبرها في قول مالك قلت: فإن لم يخبرها؟ قال: فالطلاق واقع في قول مالك وإن لم يخبرها؛ لأن مالكا قال في رجل أرسل رسولا إلى امرأته يعلمها أنه قد طلقها فكتمها الرسول ذلك قال: لا ينفعه وقد لزمه الطلاق قال: وسمعت مالكا وسئل عن رجل يكتب إلى امرأته بطلاقها فيبدو له فيحبس الكتاب بعدما كتب، قال: مالك: إن كان كتب حين كتب يستشير وينظر ويختار فذلك له والطلاق ساقط عنه ولو كان حين كتب مجمعا على الطلاق فقد لزمه الحنث وإن لم يبعث بالكتاب فكذلك الرسول حين يبعثه بالطلاق. قلت: أرأيت إن كان حين كتب الكتاب غير عازم على طلاقها، فأخرج الكتاب من يده أتجعله عازما على الطلاق لخروج الكتاب من يده أم لا؟ قال لا أحفظ من مالك في هذا شيئا وأرى حين أخرج الكتاب من يده أنها طالق إلا أن يكون إنما أخرج الكتاب من يده إلى الرسول وهو غير عازم فذلك له يرده إن أحب ما لم يبلغها الكتاب.

طلاق السكران والأخرس والمبرسم والمكره والسفيه والصبي والمعتوه
قلت: أرأيت الأخرس، هل يجوز طلاقه ونكاحه وشراؤه وبيعه وتحده إذا قذف

وتحد قاذفه وتقتص له في الجراحات وتقتص منه؟ قال: نعم هذا جائز فيما سمعت من مالك، وبلغني عنه إذا كان هذا يعرف من الأخرس بالإشارة وبالكتاب يستيقن ذلك منه فإن ذلك لازم للأخرس، قلت: أرأيت الأخرس إذا أعتق أو طلق أيجوز ذلك في قول مالك قال: أرى أن ما أوقف على ذلك وأشير إليه به فعرفه أن ذلك لازم له يقضي به عليه، قلت: وكذلك إن كتب بيده الطلاق والحرية؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال: يلزمه ذلك في الإشارة فكيف لا يلزمه في الكتاب.
قلت: أرأيت المبرسم أو المحموم الذي يهذي إذا طلق أيجوز طلاقه؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن رجل مبرسم طلق امرأته بالمدينة، فقال مالك: إن لم يكن معه عقله حين طلق فلا يلزمه من ذلك شيء
قلت: أيجوز طلاق السكران؟ قال: نعم، طلاق السكران جائز قلت: لابن القاسم ومخالعة السكران جائزة؟ قال: نعم، ومخالعته قلت: أرأيت طلاق المكره ومخالعته قال: مالك: لا يجوز طلاق المكره فمخالعته مثل ذلك عندي.
قلت: وكذلك نكاح المكره وعتق المكره لا يجوز في قول مالك قال: نعم، كذلك قال مالك
قلت: أرأيت المجنون هل يجوز طلاقه؟ قال: إذا طلق في حال يخنق فيه فطلاقه غير جائز وإذا طلق إذا انكشف عنه فطلاقه جائز وهو قول مالك قلت: أرأيت المعتوه هل يجوز طلاقه؟ قال: لا يجوز طلاقه في قول مالك على حال؛ لأن المعتوه إنما هو مطبق عليه ذاهب العقل قلت: والمجنون عند مالك الذي يخنق أحيانا ويفيق أحيانا ويختنق مرة وينكشف عنه مرة؟ قال: نعم، قلت: والمعتوه والمجنون والمطبق في قول مالك واحد؟ قال: نعم، قلت: والسفيه؟ قال: السفيه الضعيف العقل في مصلحة نفسه المطال في دينه فهذا السفيه.
قلت: فهل يجوز طلاق السفيه في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أيجوز طلاق الصبي في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: لا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم قلت: أرأيت لو أن نصرانية تحت نصراني أسلمت المرأة فطلقها زوجها بعدما أسلمت وهي في عدتها وزوجها على النصرانية، أيقع طلاقه عليها في قول مالك؟ قال: لا يقع طلاقه عليها في قول مالك، ولا يقع طلاق المشرك على امرأته في قول مالك، قال مالك: وطلاق المشرك ليس بشيء قلت: أرأيت طلاق المشركين هل يكون طلاقا إذا أسلموا في قول مالك؟ قال مالك: ليس بطلاق.

من حلف بطلاق على شيء فوجده خلافا أو أن لا يكلم فلانا فكلمه ناسيا
سحنون عن عبد الله عن ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن رجل قال: هذا فلان، فقال رجل: ليس به، قال: امرأته طالق ثلاثا إن لم يكن فلانا، أو قال: إن كلم فلانا فامرأته طالق ثلاثا، فكلمه ناسيا قال: نرى أن يقع عليه الطلاق ابن وهب عن يونس أنه سأل ربيعة عن رجل ابتاع سلعة فقال له رجل: بكم أخذتها فأخبره، فقال: لم تصدقني فطلق امرأته إن لم يخبره، فقال: بكم؟ فقال: بدينار ودرهمين ثم إنه ذكر فقال: أخذتها بدينار وثلاثة دراهم قال ربيعة أرى إن خطأه بما نقص أو زاد سواء قد طلق امرأته ألبتة.
قال: سحنون وحديث عمر بن عبد العزيز في البدوي الذي حلف على ناقة له فأقبلت أخرى وله امرأتان أن عمر قال: إن لم يكن نوى واحدة منهما فهما طالقتان، وقال جابر بن زيد في رجل قال: إن كان هذا الشيء كذا وكذا وهو علمه أنه كذلك فكان على غير ما قال يلزمه ذلك في الطلاق إن كان حلف بالطلاق ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن رجل اتهم امرأته على مال ثم سألها المال فجحدته، فقال: إن لم أكن دفعت إليك المال فأنت طالق ألبتة قال: ترى هذا حلف على سريرة لم يطلع عليها أحد من الناس غيره وغيرها فأرى أن يوكلا إلى الله ويحملا ما تحملا وقال: ربيعة ويحيى بن سعيد على ذلك وأخبرني محمد بن عمر وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فذلك عليه، وقال: سعيد بن المسيب مثله. وقال: الليث لا استثناء في الطلاق ابن لهيعة عن عبد ربه بن سعيد عن إياس بن معاوية المزني أنه قال: في الرجل يقول لامرأته أنت طالق أو لعبده أنت حر إن فعلت كذا وكذا فبدأ بالطلاق أو العتق فقال: هي يمين إن بر فيها وإن لم يفعل فلا شيء عليه ولا نرى ذلك على ما أضمر.
ابن وهب عن السري بن يحيى عن الحسن البصري بذلك ابن وهب عن يحيى بن أيوب أنه سأل ربيعة عن رجل قال لجارية امرأته إن ضربتها فأنت طالق ألبتة ثم رماها بحجر فشجها فقال ربيعة أما أنا فأراها قد طلقت وقال يحيى بن سعيد مثله ابن وهب عن يونس أنه سأل ربيعة عن الذي يقول إن لم أضرب فلانا فعلي كذا وكذا وأنت طالق ألبتة قال ربيعة: ينزل بمنزلة الإيلاء إلا أن يكون حلف بطلاقها ألبتة ليضربن مسلما، وليس له على ذلك الرجل وتر ولا أدب وإن ضربه إياه لو ضربه خديعة من ظلم

فإن حلف على ضرب رجل بهذه المنزلة فرق بينه وبين امرأته لا ينتظر به ولا نعمة عين قال: ربيعة وإن حلف بالبتة ليشربن خمرا أو بعض ما حرم الله عليه، ثم رفع ذلك إلى الإمام رأيت أن يفرق بينهما.
ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال في رجل قال: إن لم أفعل كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا قال ابن شهاب: إن سمى أجلا أراده أو عقد عليه قلبه حمل ذلك في دينه وأمانته واستحلف إن اتهم وإن لم يجعل ليمينه أجلا ضرب له أجل الإيلاء، فإن أنفذ ما حلف عليه فسبيل ذلك وإن لم ينفذ ما حلف عليه فرق بينه وبين امرأته صاغرا قميئا، فإنه فتح ذلك على نفسه في اليمين الخاطئة التي كانت من نزغ الشيطان ابن وهب عن الليث عن ربيعة أنه قال في رجل قال لامرأته: إن لم أخرج إلى إفريقية فأنت طالق ثلاثا، قال ربيعة: ليكف عن امرأته ولا يكون منها بسبيل فإن مرت به أربعة أشهر نزل بمنزلة المولي وعسى أن لا يزال موليا حتى يأتي إفريقية ويفيء في أربعة أشهر.

من حلف لامرأته بالطلاق
وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن في الذي يحلف بطلاق امرأته ألبتة ليزوجن عليها أنه يوقف عنها حتى لا يطأها ويضرب له أجل المولي أربعة أشهر، قال الليث: نحن نرى ذلك أيضا ابن وهب وأخبرني من أثق به أن عطاء بن أبي رباح قال في رجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إن لم أنكح عليك، قال: إن لم ينكح عليها حتى يموت أو تموت توارثا قال: وأحب إلي أن يبر في يمينه قبل ذلك ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال: إن مات لم ينقطع عنه ميراثه ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمر بن الخطاب قال: من طلق امرأته إن هو نكحها أو سمى قبيلة أو فخذا أو قرية أو امرأة بعينها فهي طالق إذا نكحها ابن وهب عن مالك بن أنس قال: كان ابن عمر يرى أن الرجل إذا حلف بطلاق امرأة قبل أن ينكحها ثم أثم أن ذلك عليه إذا نكحها قال مالك وبلغني أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وابن مسعود والقاسم وابن شهاب وسليمان بن يسار كانوا يقولون إذا حلف الرجل بطلاق امرأة قبل أن ينكحها ثم أثم فإن ذلك لازم له1.
ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن حبيب المحاربي وربيعة بن أبي عبد الرحمن ومكحول وزيد بن أسلم ويحيى بن سعيد وعطاء بن أبي رباح وأبي بكر بن حزم مثله، وأن ابن حزم فرق بين رجل وامرأة، قال: لها مثل
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 73.

ذلك، قال: مالك وبلغني أن عبد الله بن مسعود كان يقول إذا نص القبيلة بعينها أو المرأة بعينها فذلك عليه وإذا عم فليس عليه شيء1 وأخبرني عيسى بن أبي عيسى الحناط أنه سمع عامر الشعبي يقول: ليس بشيء، هذه يمين لا مخرج فيها إلا أن يسمي امرأة بعينها أو يضرب أجلا ابن وهب وأخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة بنحو ذلك في الطلاق والعتاقة قال ربيعة: وإن ناسا ليرون ذلك بمنزلة التحريم إذا جمع تحريم النساء والأرقاء ولم يجعل الله الطلاق إلا رحمة، والعتاقة إلا أجرا فكان في هذا هلكة لمن أخذ به.
قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عروة بن الزبير وعبد الله بن خارجة بن يزيد وربيعة أنه لا بأس أن ينكح إذا قال: كل امرأة أنكحها فهي طالق، قال ربيعة إنما ذلك تحريم لما أحل الله ابن وهب وأخبرني الليث بن سعد وغيره عن يحيى بن سعيد أن رجلا من آل عمر بن الخطاب كانت عنده امرأة فتزوج عليها وشرط للمرأة التي تزوج على امرأته أن امرأته طالق إلى أجل سماه لها، وأنهم استفتوا سعيد بن المسيب فقال لهم: هي طالق حين تكلم به وتعتد من يومها ذلك ولا تنتظر الأجل الذي سمى طلاقها عنده ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة بذلك وقال ابن شهاب: وليس بينهما ميراث وليس لها نفقة إلا أن تكون حاملا ولا تخرج من بيتها حتى تنقضي عدتها ابن وهب وأخبرني عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب وربيعة عن ابن المسيب بنحو ذلك ابن وهب وحدثني عطاف بن خالد المخزومي عن أبيه أنه سأل ابن المسيب عن ذلك، فقال له هذا القول وقال: لو مس امرأته بعد أن تزوج ثم أتيت به وكان لي من الأمر شيء لرجمته بالحجارة.
ابن وهب عن مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن مكحول، أنه قال في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك امرأة فهي طالق، قال: فكلما تزوج عليها فهي طالق قبل أن يدخل بها فإن ماتت امرأته أو طلقها فإنه يخطب من طلق منهن مع الخطاب وأخبرني شبيب بن سعيد التميمي عن يحيى بن أبي أنيسة الجزري يحدث عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن عبد الرحمن بن جابر عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب وجاءه رجل من بني جعشم بن معاوية فقال: يا أمير المؤمنين إني طلقت امرأتي في الجاهلية اثنتين ثم طلقتها منذ أسلمت تطليقة، فماذا ترى، فقال عمر: ما سمعت في ذلك شيئا وسيدخل علي رجلان فاسألهما، فدخل عبد الرحمن بن عوف، فقال عمر: قص عليه
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 73.

قصتك، فقص عليه فقال عبد الرحمن: هدم الإسلام ما كان قبله في الجاهلية هي عندك على طلقتين بقيتا، ثم دخل علي بن أبي طالب فقال له عمر: قص عليه قصتك ففعل، فقال علي بن أبي طالب: هدم الإسلام ما كان قبله في الجاهلية وهي عندك على تطليقتين بقيتا وبلغني عن ربيعة بن عبد الرحمن أنه سئل عن نصراني طلق امرأته وفي حكمهم أن الطلاق بتات ثم أسلما فأراد أن ينكحها قال ربيعة: نعم، فذلك لهما ويرجع على طلاق ثلاث بنكاح الإسلام مبتدئا ابن وهب وقال لي مالك في طلاق المشركين نساءهم ثم يتناكحون بعد إسلامهم قال: لا يعد طلاقهم شيئا.

طلاق المكره والسكران
قال: وأخبرني ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عبيد بن عمير ومجاهد وطاوس وغيرهم من أهل العلم أنهم كانوا لا يرون طلاق المكره شيئا، وقال ذلك عبد الرحمن بن القاسم ويزيد بن قسيط وقال عطاء قال الله تبارك وتعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] وقال ابن عبيد الليثي: إنهم قوم فتانون ابن وهب عن حيوة عن محمد بن العجلان أن عبد الله بن مسعود قال: ما من كلام يدرأ عني سوطين من سلطان إلا كنت متكلما به وقال عمرو بن عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز في طلاق المكره إنه لا يجوز، وقال مالك: وبلغني عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهما سئلا عن طلاق السكران إذا طلق امرأته أو قتل فقالا: إن طلق جاز طلاقه وإن قتل قتل. ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال عبد الله بن مقسم: سمعت سليمان بن يسار يقول: طلق رجل من آل البختري امرأته قال: حسبت أنه قال: عبد الرحمن وقد قيل لي أنه هو المطلب بن أبي البختري طلق امرأته وهو سكران فجلده عمر بن الخطاب الحد وأجاز طلاقه.
ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن القاسم بن محمد وسالم وابن شهاب وعطاء بن أبي رباح ومكحول ونافع وغير واحد من التابعين مثل ذلك يجيزون طلاق السكران وقال بعضهم: وعتقه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: لا نرى طلاق الصبي يجوز قبل أن يحتلم، قال: وإن طلق امرأته قبل أن يدخل بها فإنه قد بلغنا أن في السنة أن لا تقام الحدود إلا على من احتلم أو بلغ الحلم، والطلاق حد من حدود الله قال الله تبارك وتعالى: {فَلا تَعْتَدُوهَا} فلا نرى أوثق من الاعتصام بالسنن ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عباس وربيعة مثله وأن عقبة بن عامر الجهني كان يقول: لا يجوز طلاق الموسوس ابن وهب عن رجال من

أهل العلم عن علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب وربيعة ومكحول أنه لا يجوز طلاق المجنون ولا عتاقه. وقال ابن شهاب إذا كان لا يعقل فلا يجوز طلاق المجنون ولا المعتوه وقال ربيعة المجنون الملتبس بعقله الذي لا تكون له إفاقة يعمل فيها برأي وقال يحيى بن سعيد ما نعلم على مجنون طلاقا في جنونه ولا مريض مغمور لا يعقل، إلا أن المجنون إذا كان يصح من ذلك ويرد إليه عقله فإنه إذا عقل وصح جاز عليه أمره كله كما يجوز على الصحيح وقال ذلك مكحول في المجنون.

في الأمة تحت المملوك تعتق
قلت: لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت لو أن أمة أعتقت وهي تحت مملوك أو حر؟ قال: قال مالك: إذا عتقت تحت حر فلا خيار لها وإذا كانت تحت عبد فلها الخيار ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أن عائشة أخبرته أن بريرة كانت تحت مملوك قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت أملك بنفسك إن شئت أقمت مع زوجك وإن شئت فارقته ما لم يمسك" 1 ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الفضل بن حسن الضمري قال: سمعت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أعتقت الأمة وهي تحت العبد فأمرها بيدها فإن هي قرت حتى يطأها فهي امرأته لا تستطيع فراقه" 2 وقال: ربيعة ويحيى بن سعيد وإن مسها ولم تعلم بعتقها فإنها بالخيار حتى يبلغها قلت: فإن اختارت نفسها أيكون فسخا أم طلاقا؟ قال: قال مالك: يكون طلاقا وقال مالك: إن طلقت نفسها واحدة فهي واحدة بائنة, وإن طلقت نفسها اثنتين فهما اثنتان بائنتان, وهي في التطليقتين تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره; لأن ذلك جميع طلاق العبد قال: وذكر مالك عن ابن شهاب أن زبراء طلقت نفسها ثلاثا.
قلت: ولم جعل مالك خيارها تطليقة بائنة؟ قال: لأن كل فرقة من قبل السلطان فهي تطليقة بائنة عند مالك, وإن لم يأخذ عليها مالا, ألا ترى أن الزوج إذا لم يستطع امرأته فضرب له أجل سنة ففرق بينهما أنها تطليقة بائنة؟ يونس عن ابن شهاب أنه قال: إن خيرت فقالت قد فارقته أو طلقته فهي أملك بأمرها, وقد بانت منه, وأخبرني رجال من
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت فخيّرت في زوجها. ومثل هذا روى البخاري في كتاب الطلاق باب 14. ومسلم في كتاب العتق حديث 14. وروي في الموطأ أيضاً عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء، أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت. قالت: فأرسلت إلى حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت: إني مخبرتك خبراً، ولا أحب أن تصنعي شيئاً، إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك، فإن مسّك فليس لك من الأمر شيء. قالت فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا.
2 رواه أحمد في مسنده"5/278".

أهل العلم عن ربيعة ويحيى بن سعيد وعطاء بن أبي رباح مثله وقال يحيى وعطاء: وإن عتق زوجها قبل أن يحل أجلها لم تكن له عليها رجعة إلا أن تشاء المرأة ويخطبها مع الخطاب.
قلت: أرأيت إذا قالت هذه الأمة حين أعتقت: قد اخترت نفسي أتجعل هذا الخيار واحدة أم اثنتين أم ثلاثا إذا لم تكن لها نية؟ قال أما إذا لم تكن لها نية فهي واحدة بائنة؛ لأن مالكا كان مرة يقول ليس لها أن تطلق نفسها أكثر من واحدة وكان يقول خيارها واحدة، ثم رجع إلى القول الذي قد أخبرتك فأرى إذا لم يكن لها نية أنها واحدة بائنة إلا أن تنوي اثنتين أو ثلاثا فيكون لها ذلك قال: ابن القاسم وقد سألت مالكا عن الأمة يطلقها العبد تطليقة ثم تعتق فتختار نفسها قال: هما تطليقتان ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قلت: أرأيت الأمة إذا أعتقت وهي تحت عبد فاختارت فراقه عند غير السلطان، أيجوز ذلك في قول مالك: قال: نعم، قلت: ويكون فراقها تطليقة قال: ذلك إلى الجارية إن فارقته بالبتات فذلك لها، وإن فارقته تطليقة فذلك لها قلت: لم قال مالك: لها أن تفارقه بالبتات؟ قال: لحديث زبراء1 حين عتقت وهي تحت عبد، فقالت لها حفصة إن لك الخيار ففارقته ثلاثا قلت: أرأيت إذا أعتقت الأمة وهي تحت عبد فلم تخبر حتى أعتق زوجها، أيكون لها الخيار في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا خيار لها إذا أعتق زوجها قبل أن تختار يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال في الأمة تكون تحت العبد فيعتقان جميعا، قال: لا نرى لها شيئا من أمرها، وقاله مجاهد وقاله ابن شهاب في المكاتب والمكاتبة يعتقان جميعا بكلمة واحدة قال: ليس لها خيار إن أعتقهما بكلمة واحدة معا ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال: ما نعلم الأمة تخير، وهي تحت الحر إنما تخير الأمة فيما علمنا إذا كانت تحت عبد ما لم يمسها وأخبرني رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي وغيرهم من أهل العلم مثله.
قلت: أرأيت الأمة إذا أعتقت وهي حائض فاختارت نفسها أيكره لها ذلك أم لا؟ قال لا أقوم على حفظ قول مالك فيها وأكره ذلك لها، إلا أن تختار نفسها فيجوز ذلك لها قلت: أرأيت الأمة تكون تحت العبد فأعتقت فلم يبلغها إلا بعد زمان، وقد كان العبد يطؤها بعد العتق ولم تعلم بالعتق أيكون لها الخيار في قول مالك قال: نعم، كذلك قال مالك، قلت: والخيار لها إنما هو في مجلسها الذي علمت فيه بالعتق في قول مالك؟ قال: نعم، لها الخيار ما لم يطأها من بعد ما علمت قلت: وإن مضى يوم أو يومان أو شهر أو شهران فلها الخيار في هذا كله إذا لم يطأها من بعد العلم في قول مالك؟ قال: نعم، إذا وقفت في هذا الذي ذكرت لك وقوفا للخيار فيه ومنعته نفسها وكذلك قال مالك
ـــــــ
1 تقدم في رقم"1" ص 84.

طلاق المريض
قلت: أرأيت إذا طلق رجل امرأته وهو مريض قبل البناء بها؟ قال: قال مالك: لها نصف الصداق ولها الميراث إن مات من مرضه ذلك قلت: فهل يكون على هذه عدة الوفاة أو عدة الطلاق؟ قال: قال مالك: لا عدة عليها لا عدة وفاة ولا عدة طلاق قال مالك: وإن طلقها طلاقا بائنا وهو مريض وقد دخل بها كان عليها عدة الطلاق ولها الميراث، وإن كان طلاقا يملك رجعتها فمات وهي في عدتها من الطلاق انتقلت إلى عدة الوفاة وإن انقضت عدتها من الطلاق قبل أن يهلك فهلك بعد ذلك فلها الميراث ولا عدة عليها من الوفاة قلت: هل ترث امرأة أزواجا كلهم يطلقها في مرضه، ثم تتزوج زوجا والذين طلقوها كلهم أحياء ثم ماتوا من قبل أن يصحوا من مرضهم ذلك وهي تحت

في طلاق المريض أيضا
قلت: أرأيت المريض إذا طلق امرأته في مرضه قبل البناء بها ثم تزوجها في مرضه ذلك قال لا أرى له نكاحا إلا أن يدخل بها فيكون بمنزلة من نكح وهو مريض ودخل قال: ابن شهاب فحدثني طلحة بن عبد الله بن عوف أن عبد الرحمن عاش حتى حلت تماضر وهو حي فورثها عثمان بن عفان من عبد الرحمن بعدما حلت للأزواج قال ابن شهاب وحدثني طلحة أنه قال: لعثمان بن عفان بم ورثتها من عبد الرحمن بن عوف وقد عرفت أن عبد الرحمن لم يطلقها ضرارا ولا فرارا من كتاب الله قال: عثمان أردت أن تكون سنة يهاب الناس الفرار من كتاب الله قال: ابن شهاب وبلغنا أن عثمان أمير المؤمنين قد كان ورث أم حكيم بنت قارظ من عبد الله بن مكمل وطلقها في وجعه ثم توفي بعدما حلت مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن طلق امرأته وهو مريض فورثها عثمان بعد انقضاء عدتها1 مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنها كانت آخر ما بقي له من الطلاق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد بذلك قال: قيل لعثمان أتتهم أبا محمد قال: لا، ولكن أخاف أن يستن به. رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وربيعة وابن شهاب بذلك قال ربيعة: وإن نكحت بعده عشرة أزواج ورثتهم جميعا وورثته أيضا سفيان بن سعيد عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن الخطاب قال: في الرجل يطلق امرأته وهو مريض قال: ترثه ولا يرثها، وقال: ربيعة مثله والليث أيضا مثله يزيد بن عياض عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن مجاهد بن جبير أنه كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض قبل أن يدخل بها فلها ميراثها منه وليس لها إلا نصف الصداق. مخرمة بن بكير عن أبيه قال: يقال إذا طلق
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث"40" غير أنه قال: "... طلق امرأته ألبتة...".

الرجل امرأته ثلاث تطليقات قبل أن يمسها وقد فرض لها فطلقها وهو وجع أنها تأخذ نصف صداقها وترثه. قال: قال: ربيعة إذا طلق وهو مريض ثم صح صحة يشك فيها، قال: إن صح صحة حتى يملك ماله انقطع ميراثها وإن تماثل ونكس من مرضه ورثته امرأته. يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن رجل يكون به مرض لا يعاد منه رمد أو جرب أو ريح أو لقوة أو فتق أيجوز طلاقه؟ قال ابن شهاب إن بت الطلاق فيما ذكرت من الوجع فإنها لا ترثه. قال يونس ثم قال ربيعة: إنهما يتوارثان إذا كان مرض مخوف. يونس عن ربيعة أنه قال في رجل أمر امرأته أن تعتد وهو صحيح، ثم مرض وهي في عدتها ثم مات قبل أن يصح وقد انقضت عدتها قبل أن يموت وكيف إن أحدث لها طلاقا في مرضه أو لم يحدث أترثه وتعتد منه؟ قال: لا ميراث، لها إلا أن يكون راجعها ثم طلقها، فإن راجعها ثم طلقها في مرضه، فلها الميراث، وإن انقضت عدتها إذا مات من ذلك المرض وليس عليها عدة إلا ما حلت منه من الطلاق.
وقال عبد الرحمن بن القاسم: بلغني عن بعض أهل العلم في رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم تزوج أخرى فلم يدخل بها فطلق إحداهما تطليقة، ثم هلك الرجل قبل أن تنقضي عدتها ولم يعلم أيتهما المطلقة المدخول بها أم التي لم يدخل بها قال: أما التي قد دخل بها فصداقها لها كاملا ولها ثلاثة أرباع الميراث، وأما التي لم يدخل بها فلها ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث؛ لأنها إن كانت التي لم يدخل بها هي المطلقة فلها نصف الصداق ثم تقاسم الورثة النصف الصداق الآخر بالشك؛ لأنها تقول صاحبتي المطلقة ويقول الورثة بل أنت المطلقة فتنازعا النصف الباقي فلا بد من أن يقتسما بينهما، وأما الميراث فإن التي قد دخل بها تقول لصاحبتها أرأيت لو كنت أنا المطلقة حقا واحدة ألم يكن لي نصف الميراث فأسلميه إلي فيسلم إليها، ثم يكون النصف الباقي بينهما نصفين؛ لأنه لا يدري أيتهما طالق، ولأنهما يتنازعانه بينهما فلا بد من أن يقسم بينهما، وإن كان طلقها ألبتة فإنه يكون للتي قد دخل بها الصداق كاملا ونصف الميراث، ويكون للأخرى التي لم يدخل بها ثلاثة أرباع الصداق ونصف الميراث؛ لأن الميراث إنما وقع بطلاق ألبتة، وقالت كل واحدة منهما هو لي وأنت المطلقة، ولم تكن للورثة الحجة عليها؛ لأن الميراث أيتهما حلت به فهو لها كله وكانت أحق به من الورثة فلا بد من أن يقسم بينهما، وأما الصداق فإن التي قد دخل بها قد استوجبت، صداقها كلها وأما التي لم يدخل بها فلها النصف إن كانت هي المطلقة لا شك فيه وتقاسم الورثة الباقي بالشك، فكلما يرد عليك من هذا الوجه فقسه على هذا وهو كله رأيي، وإن طلقها واحدة فانقضت عدتها التي دخل بها قبل أن يموت فهو مثل ما وصفت لك في ألبتة.

قلت: أرأيت إن تزوج امرأة وأمها في عقدة مفترقة ولا يعلم أيتهما أول وقد دخل بهما أو لم يدخل بهما حتى مات ولا يعلم أيتهما أول قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن إن كان قد دخل بهما فلا بد من الصداق الذي سمى لكل واحدة منهما ولا ميراث لهما وإن كان لم يدخل بهما فلا بد من صداق واحدة فيما بينهما يتوازعانه بينهما، والميراث فيما بينهما، وإن كان صداقهما الذي سمى مختلفا صداق واحدة أكثر من صداق أخرى لم يعط النساء أقل من الصداقين ولا أكثر الصداقين، ولكن النصف من صداق كل واحدة الذي سمى لها؛ لأن المنازعة في الأقل من الصداقين أو الأكثر من الصداقين صار بين النساء وبين الورثة قلت: وكذلك إن مات وترك خمس نسوة ولا يعلم أيتهن الخامسة قال: نعم.

في الشهادات
قلت: لابن القاسم أرأيت لو أن رجلين شهدا على رجل أنه طلق إحدى نسائه هؤلاء الأربع، وقالوا: نسيناها قال: أرى شهادتهما لا تجوز إذا كان منكرا ويحلف بالله ما طلق واحدة منهن قلت: أرأيت إن قالوا نشهد أنه قال: إحدى نسائي طالق يقال للزوج إن كنت نويت واحدة بعينها فذلك لك وإلا طلقن عليك كلهن قال ولم أسمع هذا من مالك ولكنه رأيي قلت: أرأيت إن شهد شاهد على رجل بتطليقة وشهد آخر على ثلاث؟ قال: قال مالك: يحلف على البتات فإن حلف لزمته تطليقة وإن لم يحلف سجن حتى يحلف وكان مرة يقول إذا لم يحلف طلقت عليه ألبتة، وسمعته منه ثم رجع إلى أن قال: يسجن حتى يحلف قلت: واحدة لازمة في قول مالك إن حلف وإن لم يحلف؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن شهد أحدهما على رجل أنه قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار وأنه قد دخل الدار، وشهد الآخر أنه قال: لامرأته أنت طالق إن كلمت فلانا وأنه قد كلمه أتطلق عليه أم لا؟ قال: قال مالك: لا تطلق عليه وفي قول مالك يلزم الزوج اليمين أنه لم يطلق ويكون بحال ما وصفت لك إن أبى اليمين سجن، وفي قوله الأول إن أبى اليمين طلقت عليه. قال مالك: وكذلك هذا في الحرية مثل ما وصفت لك في الطلاق وأيمانه اليمين في الحرية وفي الطلاق سواء يسجن قال مالك: وإن شهد عليه واحد أنه طلقها يوم الخميس بمصر في رمضان، وشهد الآخر أنه طلقها يوم الجمعة بمكة في ذي الحجة أنها طالق، وكذلك هذا في الحرية، قال: وإذا شهد عليه أحدهما أنه قال في رمضان: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق وشهد الآخر أنه قال: في ذي

الحجة إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهدا عليه أنه قد دخلها من بعد ذي الحجة فهي طالق ولا تبطل شهادتهما لاختلاف المواضع التي شهدا فيها على يمينه، وتطلق عليه امرأته إذا شهدا عليه بالدخول أو شهد عليه بالدخول غيرهما إذا كان دخوله بعد ذي الحجة؛ لأن اليمين إنما لزمته بشهادتهما جميعا.
فإن شهدا عليه جميعا في مجلس واحد. أنه قال: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد أحدهما أنه دخلها في رمضان وشهد الآخر أنه دخلها في ذي الحجة؟ قال لم أسمع في هذا من مالك شيئا وأرى أن تطلق عليه؛ لأنهما قد شهدا على دخوله وإنما حنثه بدخوله، فقد شهدا على الدخول فهو حانث وإنما مثل ذلك عندي مثل ما لو أن رجلا حلف بطلاق امرأته أن لا يكلم إنسانا، فاستأدت عليه امرأته فزعمت أنه كلم ذلك الرجل فأقامت عليه شاهدين فشهد أحدهما أنه رآه يكلمه في السوق وشهد الآخر أنه رآه يكلمه في المسجد فشهادتهما جائزة عليه وكذا هذا في العتاقة، وإنما الطلاق حق من الحقوق وليس هو حدا من الحدود. قلت: أرأيت إن شهد عليه أحدهما أنه قال لامرأته أنت طالق ألبتة، وشهد الآخر أنه قال لامرأته: أنت علي حرام؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأرى شهادتهما جائزة وأراها طالقا؛ لأنهما جميعا شهدا على الزوج بكلام هو طلاق كله، وإنما مثل رجل شهد فقال: أشهد أنه قال: لامرأته أنت طالق ثلاثا، وقال: الشاهد الآخر أشهد أنه قال: لامرأته أنت طالق ألبتة فذلك لازم للزوج وشهادتهما جائزة قلت: أرأيت إن شهد أحدهما بخلية وشهد الآخر ببريئة أو بائن؟ قال: ذلك جائز على الزوج وتطلق عليه قال: وقال مالك: وقد تختلف الشهادة في اللفظ ويكون المعنى واحدا، فإذا كان المعنى واحدا رأيتها شهادة جائزة.
قلت: أرأيت لو أن شاهدا شهد فقال: أشهد أنه طلق ثلاثا ألبتة وقال الآخر أشهد أنه قال: إن دخلت الدار فهي طالق، وأنه قد دخلها وشهد معه على الدخول رجل آخر؟ فقال: لا تطلق هذه عليه هذا شاهد على فعل وهذا شاهد على إقرار ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل شهد عليه رجل أنه طلق امرأته بإفريقية ثلاثا، وشهد آخر أنه طلقها بمصر ثلاثا، وشهد آخر أنه طلقها بالمدينة ثلاثا لا يشهد رجل منهم على شهادة صاحبه هل يفعل بهم شيئا؟ قال لا قلت: فهل تنتزع منه امرأته؟ قال نعم. يونس عن ربيعة أنه قال في نفر ثلاثة شهدوا على رجل بثلاث تطليقات يشهد كل رجل منهم على واحدة ليس معه صاحبه، فأمر الرجل أن يحلف أو يفارق، فإن أبى أن يحلف وقال: إن كانت علي شهادة تقطع حقا فأنفذها قال:

أرى أن يفرق بينه وبينها وأن تعتد عدتها من يوم يفرق بينهما وذلك لأني لا أدري عن أي شهادات النفر نكل، فعدتها من اليوم الذي نكل فيه. يونس عن أبي الزناد وابن شهاب في رجل شهد عليه رجال مفترقون على طلاق واحد بثلاث وآخر باثنين وآخر بواحدة قالا: ذهبت منه بتطليقتين.
قلت: أتجوز الشهادة على الشهادة في الطلاق، في قول مالك؟ قال: نعم, قلت: وتجوز شهادة الشاهد في قول مالك؟ قال: لا تجوز إلا شاهدان على شاهد. قول مالك ولا يجوز أن يشهد شاهد على شاهد ويحلف المدعي مع الشاهد على شهادة ذلك الشاهد الذي أشهده؟ قال: لا يحلف في قول مالك؛ لأنها ليست بشهادة رجل تامة إنما هي بعض شهادة فلا يحلف معها المدعي قلت: وتجوز الشهادة على الشهادة في قول مالك في الحدود والفرية؟ قال: قال لي مالك: الشهادة على الشهادة جائزة في الحدود والطلاق والفرية وفي كل شيء من الأشياء, الشهادة على الشهادة فيه جائزة في قول مالك وكذلك قال لي مالك قلت: فهل تجوز شهادة الأعمى في الطلاق؟ قال: نعم, إذا عرف الصوت قال ابن القاسم: فالرجل يسمع جاره من وراء حائط ولا يراه، يسمعه يطلق امرأته فيشهد عليه وقد عرف صوته قال: قال مالك: شهادته جائزة، وقال: ذلك علي بن أبي طالب والقاسم بن محمد وشريح الكندي والشعبي وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد وربيعة وإبراهيم النخعي ومالك والليث قلت: أرأيت المحدود في القذف أتجوز شهادته في الطلاق قال: قال مالك: نعم, تجوز شهادته إذا ظهرت توبته وحسنت حاله، قال: وأخبرني بعض إخواننا أنه قيل لمالك في الرجل الصالح الذي هو من أهل الخير يقذف فيجلد فيما يقذف أتجوز شهادته بعد ذلك وعدالته وقد كان من أهل الخير قبل ذلك؟ قال: إذا ازداد درجة إلى درجته التي كان فيها. قال: ولقد كان عمر بن عبد العزيز عندنا ههنا رجلا صالحا عدلا فلما ولي الخلافة ازداد وارتفع وزهد في الدنيا وارتفع إلى فوق ما كان فيه فكذلك هذا.
يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أجاز عمر بن الخطاب شهادة من تاب من الذين جلدوا في المغيرة بن شعبة, وأجازها عبد الله بن عبيد وعمر بن عبد العزيز والشعبي وسليمان بن يسار وابن قسيط وابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد وسعيد بن المسيب وشريح وعطاء بن أبي رباح.
قلت: أرأيت أهل الذمة هل تجوز شهادة بعضهم على بعض في شيء من الأشياء في قول مالك؟ قال: لا, وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وعطاء بن أبي رباح والشعبي

لا تجوز شهادة ملة على ملة، وقال: عبد الله بن عمر لا تجوز شهادة أهل الملل بعضهم على بعض وتجوز شهادة المسلمين عليهم. قلت: أتجوز شهادة نساء أهل الذمة في الولادة في قول مالك قال: لا قلت: أرأيت لو أن رجلين شهدا على رجل أنه أمرهما أن يزوجاه فلانة، وأنهما قد زوجاه وهو يجحد؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادتهما عليه؛ لأنهما خصمان في قول مالك قلت: وكذلك إن شهدا أنه أمرهما أن يبيعا له بيعا وأنهما قد فعلا والرجل ينكر ذلك؟ قال: نعم، لا تجوز شهادتهما عليه في قول مالك؛ لأنهما خصمان قلت: أرأيت إن قال: قد أمرتهما أن يبتاعا لي عبد فلان، وأنهما لم يفعلا، وقالا: قد فعلنا قد ابتعناه لك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن القول قولهما أنهما قد ابتاعا العبد؛ لأنه قد أقر أنه أمرهما بذلك فالقول قولهما قلت: أرأيت إن شهد أحدهما أنه قالت له امرأته: طلقني على ألف درهم، وأنه قد طلقها، وشهد الآخر أنها قالت له: طلقني على عبدي فلان وأنه قد طلقها؟ قال: قد اختلفا فلا تجوز شهادتهما في قول مالك قلت: أرأيت شهادة النساء في الطلاق؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة النساء في شيء من الأشياء إلا في حقوق الناس، الديون والأموال كلها حيث كانت، وفي القسامة إذا كانت خطأ؛ لأنها مال، وفي الوصايا إذا كن إنما يشهدن على وصية مال. قال: ولا تجوز على العتق ولا على شيء إلا ما ذكرت لك مما هو مال مما يغيب عليه النساء من الولادة والاستهلال والعيوب، وآثار هذا مكتوب في كتاب الشهادات، قلت: أرأيت الاستهلال أتجوز فيه شهادة النساء أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: شهادة امرأتين في الاستهلال جائزة قلت: أرأيت كم يقبل في الشهادة على الولادة من النساء؟ قال: قال مالك: شهادة امرأتين قلت: ولا تقبل شهادة المرأة الواحدة على الولادة؟ قال: قال مالك: لا تقبل امرأة واحدة في شيء من الأشياء مما تجوز فيه شهادة النساء وحدهن قلت: أرأيت لو أن قوما شهدوا على رجل أنه أعتق عبده هذا والعبد ينكر والسيد ينكر؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك وأراه حرا؛ لأنه ليس له أن يرق نفسه.

في السيد يشهد على عبده بطلاق امرأته
قال عبد الرحمن بن القاسم في الرجل يشهد على عبده أنه طلق امرأته أيجوز شهادة سيده والعبد ينكر؟ قال لا تجوز شهادته؛ لأنه يفزع عبده ويزيد في ثمنه وهو متهم ولم أسمعه من مالك قلت: وسواء إن كانت الأمة للسيد أو لغير السيد؟ قال: نعم سواء قال: وقال: مالك في رجل شهد على عبده أنه طلق امرأته هو ورجل آخر والعبد ينكر أن

شهادته لا تجوز؛ لأنه زيد في ثمنه فهو متهم فلا تجوز شهادتهما ولم أسمعه من مالك قلت: وسواء كانت الأمة له أو لغيره أو كانت حرة؟ قلت: أرأيت رجلا قال: لامرأته أنت طالق إن كنت دخلت دار فلان ثم أقر بعد ذلك عند شهود أنه قد دخل دار فلان، ثم قال: قد كنت كاذبا فشهد عند القاضي عليه به الشهود؟ قال يطلقها عليه بذلك السلطان قلت: ولا ينفعه إنكاره بعد الإقرار؟ قال: نعم، لا ينفعه إنكاره بعد الإقرار. قال: وقال لي مالك: لو أن رجلا أقر أنه قد فعل شيئا أو فعل به ثم حلف بعد ذلك بطلاق امرأته ألبتة أنه ما فعل ذلك ولا فعل به ثم قال: كنت كاذبا وما أقررت بشيء فعلته، صدق وأحلف ولم يكن عليه شيء ولو أقر بعدما شهد عليه الشهود بأنه فعله لزمه الحنث.
قلت: أرأيت إن لم يشهد عليه الشهود وكفوا عن الشهادة عليه أيسعه فيما بينه وبين الله أن تقيم معه امرأته وقد كان كاذبا في مقالته قد دخلت دار فلان؟ قال: نعم، يسعه أن يقيم عليها فيما بينه وبين خالقه قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن لم يسمع هذا الإقرار منه أحد إلا امرأته، ثم قال لها: كنت كاذبا أيسعها أن تقيم معه؟ قال: لا أرى أن تقيم معه إلا أن لا تجد بينة ولا سلطانا يفرق بينهما، وهي بمنزلة امرأة قال لها زوجها: أنت طالق ثلاثا، وليس لها عليه شاهد فجحدها قلت: أرأيت إذا قال: لها أنت طالق ثلاثا فجحدها؟ قال: قال مالك لا تتزين له ولا يرى لها شعرا ولا صدرا ولا وجها إن قدرت على ذلك، ولا يأتيها إلا وهي كارهة ولا تطاوعه قلت: فهل ترفعه إلى السلطان؟ قال: قال مالك: إذا لم يكن لها بينة ما ينفعها أن ترفعه إلى السلطان قلت: لا ينفعها أن ترفعه إلى السلطان وليس لها أن تستحلفه؟ قال: قال مالك: لا يستحلف الرجل إذا ادعت المرأة الطلاق عليه، إلا أن تقيم شاهدا واحدا، فإذ أقامت شاهدا حلف الزوج على دعواها وكانت امرأته وقال: مالك في الرجل يطلق امرأته في السفر ثم يشهد عليه بذلك رجال ثم يقدم قبل قدوم القوم فيدخل على امرأته فيصيبها ثم يقدم الشهود فيسألون عنه فيخبرون بقدومه ودخوله على امرأته فيرفعون ذلك إلى الإمام ويشهدون عليه، فينكر ذلك وهم عدول ويقر بالوطء بعد قدومه قال: قال مالك: يفرق بينهما ولا شيء عليه.
الليث عن يحيى بن سعيد مثله. قال يحيى ولا ضرب. جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم الأزدي عن شريح الكندي مثله ولم يحدهما. يونس عن ربيعة مثله قلت: لابن القاسم ولم لم يحلفه مالك إذا لم يكن لها شاهد؟ قال: لأن ذلك لو جاز للنساء على أزواجهن لم تشأ امرأة أن تتعلق بزوجها بشهرة في الناس إلا فعلت ذلك قلت: وإذا أقامت شاهدا واحدا لم لا تحلف المرأة مع شاهدها ويكون طلاقا في قول

مالك؟ قال: لا، ولا تحلف المرأة في الطلاق مع شاهدها قال: قال مالك: لا يحلف من له شاهد فيستحق بيمينه مع الشاهد في الطلاق ولا في الحدود ولا في النكاح ولا في الحرية، ولكن في حقوق الناس يحلف مع شاهده، وكذلك في الجراحات كلها خطئها وعمدها يحلف مع شاهده بيمين واحد فيستحق ذلك إن كان عمدا اقتص، وإن كان خطأ أخذ الدية، وفي النفس تكون القسامة مع شاهده خطأ كان القتل أو عمدا ويستحق مع ذلك القتل أو الدية، ولا يقسم في العمد إلا الاثنان فصاعدا من الرجال.
يونس عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلق امرأته ألبتة عند رجلين وامرأته حاضرة ثم أقبلا فوجداه عندها فأتيا السلطان فأخبراه وهما عدلان فأنكر الرجل وامرأته ما قالا قال ابن شهاب نرى أن يفرق بينهما بشهادة الرجلين ثم تعتد حتى تحل ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره عقبة بن نافع قال: سئل يحيى بن سعيد عن الرجل يطلق امرأته ويشهد على طلاقه ثم يكتم هو والشهود ذلك حتى تنقضي عدتها ثم تحضره الوفاة فيذكر الشهداء طلاقه إياها؟ قال: يعاقبون ولا تجوز شهادتهم إذا كانوا حضورا ولامرأته الميراث قلت: أرأيت إن ادعى رجل قبل امرأة النكاح وأنكرت المرأة أيكون له عليها اليمين وإن أبت اليمين جعلته زوجها؟ قال: لا أرى إباءها اليمين مما يوجب له النكاح عليها ولا يكون النكاح إلا ببينة؛ لأن مالكا قال: في امرأة تدعي على زوجها أنه قد طلقها قال: لا أرى أن يحلف إلا أن تأتي بشاهد واحد قلت: فإن أتت بشاهد واحد فأبى أن يحلف أتطلق عليه أم لا؟ قال: لا، ولكن أرى أن يسجن حتى يحلف أو يطلق فقلنا لمالك فإن أبى أن يحلف؟ قال: فأرى أن يحبس أبدا حتى يحلف أو يطلق ورددناها عليه في أن يمضي عليه الطلاق فأبى، قال ابن القاسم وقد بلغني عنه أنه قال: إذا طال ذلك من سجنه خلي بينه وبينها وهو رأيي وإن لم يحلف، فلما أبى مالك أن يحلف الزوج إذا ادعت المرأة قبله الطلاق إلا أن تأتي المرأة بشاهد واحد، فكذلك النكاح عندي إذا ادعى قبلها نكاحا لم أر له عليها اليمين.
قلت: أرأيت إن أقام الزوج على المرأة شاهدا واحدا أنها امرأته، وأنكرت المرأة ذلك، أيستحلفها له مالك ويحبسها كما صنع بالزوج في الطلاق؟ قال: لا أحفظها عن مالك ولا أرى أن تحبس ولا أرى إباءها اليمين وإن أقام الزوج شاهدا واحدا أنه يوجب له النكاح عليها، ولا يوجب له النكاح عليها إلا بشاهدين قلت: أرأيت إن ادعت المرأة على زوجها أنه طلقها وقالت استحلفه لي؟ قال مالك لا نحلفه لها إلا أن تقيم المرأة شاهدا واحدا قلت: أرأيت إذا لم يكن لها شاهد أتخليها وإياه في قول مالك؟ قال:

نعم قلت: أرأيت المرأة تدعي طلاق زوجها فتقيم عليه امرأتين أيحلف لها أم لا؟ قال: قال مالك: إن كانتا ممن تجوز شهادتهما عليه أي في الحقوق رأيت أن يحلف الزوج وإلا لم يحلف قلت: أرأيت إن أقامت شاهدا واحدا على الطلاق؟ قال: قال مالك: يحال بينه وبينها حتى يحلف قلت: فالذي وجبت عليه اليمين في الطلاق يحال بينه وبين امرأته حتى يحلف في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، في قول مالك.
تم وكمل كتاب الأيمان بالطلاق وطلاق المريض من المدونة الكبرى ويليه كتاب النكاح الأول.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح الأول

نكاح الشغار
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن قال: زوجني مولاتك وأزوجك مولاتي ولا مهر بينهما، أهذا من الشغار عند مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن قال: زوجني ابنتك بمائة دينار على أن أزوجك ابنتي بمائة دينار قال: سئل مالك عن رجل قال: زوجني ابنتك بخمسين دينارا على أن أزوجك ابنتي بمائة دينار فكرهه مالك ورآه من وجه الشغار قلت: أرأيت إن قلت لرجل زوجني أمتك بلا مهر وأنا أزوجك أمتي بلا مهر؟ قال: قال مالك: الشغار بين العبيد مثل الشغار بين الأحرار وأرى أن يفسخ وإن دخل بها، فهذا يدلك على أن مسألتك شغار، ألا ترى أنه لو قال: زوجني أمتك بلا مهر على أن أزوجك أمتي بلا مهر، أو قال: زوج عبدي أمتك بلا مهر على أن أزوج عبدك أمتي بلا مهر أن هذا كله سواء وهو شغار كله قلت: أرأيت نكاح الشغار إذا وقع فدخلا بالنساء وأقاما معهما حتى ولدتا أولادا أيكون ذلك جائزا أم يفسخ؟ قال: قال مالك: يفسخ على كل حال قلت: وإن رضي النساء بذلك فهو شغار عند مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت نكاح الشغار أيقع عليها طلاقه قبل أن يفرق بينهما، أم يكون بينهما الميراث أم يكون فسخ السلطان نكاحهما طلاقا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وقد أخبرتك أن كل ما اختلف الناس فيه من النكاح حتى أجازه قوم وكرهه قوم، فإن أحب ما فيه إلي أن يلحق فيه الطلاق ويكون فيه الميراث، وقد روى القاسم وابن وهب وعلي بن زياد عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار", والشغار أن يزوج الرجل ابنته لرجل على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق1. ابن وهب عن
ـــــــ
1رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 24. البخاري في كتاب النكاح باب 28. مسلم في كتاب النكاح حديث 57.

عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا شغار في الإسلام" 1. ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: كان يكتب في عهود السعاة أن ينهوا أهل عملهم عن الشغار، والشغار أن ينكح الرجل امرأة وينكحه الآخر امرأة بضع إحداهما ببضع الأخرى بغير صداق وما يشبه ذلك قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول في الرجل ينكح الرجل المرأة على أن ينكحه الآخر امرأة ولا مهر لواحدة منهما ثم يدخلا بهما على ذلك قال مالك: يفرق بينهما قال: وقال مالك: وشغار العبدين مثل شغار الحرين لا ينبغي ولا يجوز.
قال سحنون والذي عليه أكثر رواة مالك أن كل عقد كانا مغلوبين على فسخه ليس لأحد إجازته، فالفسخ فيه ليس بطلاق ولا ميراث فيه، وقد ثبت من نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار وما لا يحتاج فيه إلى حجة.
قلت: أرأيت لو قال: زوجني ابنتك بمائة دينار على أن أزوجك ابنتي بمائة دينار إن دخلا أيفرق بينهما؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن لا يفرق بينهما إن دخلا، وأرى أن يفرض لكل واحدة صداق مثلها؛ لأن هذين قد فرضا والشغار الذي نهي عنه هو الذي لا صداق فيه قلت: أرأيت إن كان صداق كل واحدة أقل مما سميا قال: يكون لهما الصداق الذي سميا إن كان الصداق أقل مما سميا قلت: ولم أجزته حين دخل كل واحد منهما بامرأته؟ قال: لأن كل واحد منهما تزوج امرأته بما سميا من الدنانير وبضع الأخرى، والبضع لا يكون صداقا، فلما اجتمع في الصداق ما يكون مهرا وما لا يكون مهرا أبطلنا ذلك كله وجعلنا لها صداق مثلها، ألا ترى أنه لو تزوجها بمائة دينار وثمر لم يبد صلاحه إن أدركته قبل أن يدخل بها فسخت هذا النكاح، فإن دخل بها قبل أن يفسخ كان لها مهر مثلها ولم يلتفت إلى ما سمياه من الدنانير والثمرة التي لم يبد صلاحها وجعل لها مهر مثلها إلا أن يكون مهر مثلها أقل مما نعدها فلا ينقص منه شيئا، ألا ترى لو أن رجلا تزوج امرأة بمائة دينار نقدا وبمائة دينار إلى موت أو فراق، ثم كان صداق مثلها أقل من المائة لم ينقص من المائة فهذا مثله عندي، ألا ترى أن الرجل إذا خالع امرأته على حلال وحرام أبطل الحرام وأجيز منه الحلال ولم يكن للزوج غير ذلك فإن كان إنما خالعها على حرام كله مثل الخمر والخنزير والربا فالخلع جائز ولا يكون للزوج منه شيء ولا يتبع المرأة منه بشيء وإن كان خالعها على ثمر لم يبد صلاحه أو عبد لها آبق أو جنين في بطن أمه أو البعير الشارد جاز ذلك وكان له أخذ الجنين إذا وضعته أمه وأخذ الثمر وطلب العبد الآبق والبعير الشارد وكذلك بلغني عن مالك وهو رأيي.
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب النكاح حديث 60. ابن ماجه في كتاب النكاح باب 16. النسائي في كتاب النكاح باب 60. أحمد في مسنده"2/35، 91، 215" "3/162" "4/429، 439".

قلت: أرأيت إن قال: زوجني ابنتك بمائة دينار على أن أزوجك ابنتي بلا مهر، ففعلا ووقع النكاح على هذا ودخل كل واحد منهما بامرأته قال: أرى أن يجاز نكاح الذي سمى لها المهر ويكون لها مهر مثلها ويفسخ نكاح التي لم يسم لها صداق دخل بها أو لم يدخل بها قال: وقال مالك: والشغار إذا دخل بها فسخ النكاح ولا يقيم على النكاح على حال دخل بها أو لم يدخل، ويفرض لها صداق مثلها ويفرق بينهما، قال مالك: وشغار العبيد كشغار الأحرار. قال: فقلنا لمالك: فلو أن رجلا زوج ابنته رجلا بصداق مائة دينار على أن زوجه الآخر ابنته بصداق خمسين دينار قال مالك: لا خير في ذلك ورآه من وجه الشغار قال ابن القاسم: ويفسخ هذا النكاح ما لم يدخلا، فإن دخلا لم يفسخ وكان للمرأتين صداق مثلهما. قلت: أرأيت هاتين المرأتين أيجعل لهما الصداق الذي سميا، أم يجعل لهما صداق مثلهما لكل واحدة منهما صداق مثلها قال: قال: لي مالك: في الشغار يفرض لكل واحدة منهما صداق مثلها إذا وطئها، فأرى هذا أيضا من الوجه الذي يفرض لهما صداق مثلهما ولا يلتفت إلى ما سميا قال سحنون إلا أن يكون ما سميا أكثر فلا ينقصا من التسمية.

إنكاح الأب ابنته بغير رضاها
قلت: أرأيت إن ردت الرجال رجلا بعد رجل تجبر على النكاح أم لا؟ قال: لا تجبر على النكاح ولا يجبر أحد أحدا على النكاح عند مالك إلا الأب في ابنته البكر وفي ابنه الصغير وفي أمته وعبده والولي في يتيمه، قال: ولقد سأل رجل مالكا وأنا عنده، فقال له: إن لي ابنة أخ وهي بكر وهي سفيهة وقد أردت أن أزوجها من يحصنها ويكفلها فأبت قال مالك: لا تزوج إلا برضاها قال: إنها سفيهة في حالها قال مالك: وإن كانت سفيهة فليس لك أن تزوجها إلا برضاها قلت: أرأيت إذا زوج الصغيرة أبوها بأقل من مهر مثلها أيجوز ذلك عليها في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول يجوز عليها إنكاح الأب، فأرى أنه إن زوجها الأب بأقل من مهر مثلها أو بأكثر فإن ذلك جائز إذا كان إنما زوجها على وجه النظر لها، قال: ولقد سألنا مالكا امرأة ولها ابنة في حجرها وقد طلق الأم زوجها عن ابنة له منها، فأراد الأب أن يزوجها من ابن أخ له فأبت فأتت الأم إلى مالك فقالت له إن لي ابنة وهي موسرة مرغوب فيها وقد أصدقت صداقا كثيرا فأراد أبوها أن يزوجها من ابن أخ له معدما لا شيء له أفترى أن أتكلم؟ قال: نعم إني لأرى لك في ذلك متكلما قال ابن القاسم: فأرى أن إنكاح الأب إياها جائز عليها إلا أن يأتي من ذلك ضرر فيمنع من ذلك.

قلت: أرأيت لو أن رجلا زوج ابنته بكرا فطلقها زوجها قبل أن يبني بها أو مات عنها أيكون للأب أن يزوجها البكر في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وإن بنى بها فطلقها أو مات عنها قال: قال مالك: إذا بنى بها فهي أحق بنفسها. قال ابن القاسم ولها أن تسكن حيث شاءت إلا أن يخاف عليها الضيعة والمواضع السوء أو يخاف عليها من نفسها وهواها فيكون للأب أو للولي أن يمنعها من ذلك، قلت: أرأيت إن زنت فحدت أو لم تحد أيكون للأب أن يزوجها كما يزوج البكر في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي قلت: فإن زوجها تزويجا حراما فدخل بها زوجها فجامعها ثم طلقها أو مات عنها ولم يتباعد ذلك أيكون للأب أن يزوجها كما يزوج البكر في قول مالك؟ قال: أرى أنه ليس له أن يزوجها كما يزوج البكر؛ لأنها إنما افتضها زوج وإن كان نكاحا فاسدا، ألا ترى أنه نكاح يلحق فيه الولد ويدرأ به الحد قال مالك: وتعتد منه في بيت زوجها الذي كانت تسكن فيه، وجعل العدة فيه كالعدة في النكاح الحلال، فهذا يدلك على خلاف الزنا في تزويج الأب إياها قلت: أرأيت الجارية يزوجها أبوها وهي بكر فيموت عنها زوجها أو يطلقها بعدما دخل بها، فقالت الجارية ما جامعني وكان الزوج أقر بجماعها أيكون للأب أن يزوجها كما يزوج البكر ثانية أم لا في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ويقيم معها، ثم يفارقها قبل أن يمسها فترجع إلى أبيها أهي في حال البكر في تزويجه إياها ثانية أم لا يزوجها أبوها إلا برضاها؟ قال: قال مالك: أما التي قد طالت إقامتها مع زوجها وشهدت مشاهد النساء، فإن تلك لا يزوجها إلا برضاها وإن لم يصبها زوجها، وأما إذا كان الشيء القريب فإني أرى له أن يزوجها قال: فقلت لمالك فالسنة؟ قال: لا أرى أن يزوجها وأرى أن السنة طول إقامة، فمسألتك هكذا إذا أقرت أنه لم يطأها وكان أمرا قريبا جاز إنكاح الأب عليها؛ لأنها تقول أنا بكر وتقر بأن صنيع الأب جائز عليها، ولا يضرها ما قال الزوج من وطئها وإن كان قد طالت إقامتها فلا يزوجها إلا برضاها أقرت بالوطء أو لم تقر.
قلت: أرأيت المرأة الثيب التي قد ملكت أمرها إذا خاف الأب عليها الفضيحة من نفسها أو الولي أيكون له أن يضمها إليه وإن أبت أن تنضم إليه؟ قال: نعم تجبر على ذلك وللولي أو الأب أن يضماها إليهما وهذا رأيي قلت: أريت إذا احتلم الغلام أيكون للوالد أن يمنعه أن يذهب حيث شاء؟ قال: قال مالك: إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء وليس للوالد أن يمنعه قال ابن القاسم: إلا أن يخاف من ناحيته سفها فله أن يمنعه.

في رضا البكر والثيب
قلت: أرأيت البكر إن قال: لها أنا أزوجك من فلان فسكتت، فزوجها وليها، أيكون هذا رضا منها بما صنع الولي؟ قال: قال مالك: نعم، هذا من البكر رضا، وكذلك سمعت من مالك قال سحنون وقال غيره من رواة مالك: وذلك إذا كانت تعلم أن سكوتها رضا، قلت: فالثيب أيكون إذنها سكوتها؟ قال: لا، إلا أن تتكلم وتستخلف الولي على إنكاحها قلت: أتحفظه عن مالك قال: نعم، هذا قول مالك
قلت: أرأيت الثيب إذا قال: لها والدها إني مزوجك من فلان، فسكتت فذهب الأب فزوجها من ذلك الرجل، أيكون سكوتها ذلك تفويضا منها إلى الأب في إنكاحها من ذلك الرجل أم لا؟ قال: تأويل الحديث"الأيم أحق بنفسها"أن سكوتها لا يكون رضا"والبكر تستشار في نفسها، وإذنها صماتها", وأن السكوت إنما يكون جائزا في البكر إن قال الولي إني مزوجك من فلان فسكتت، ثم ذهب فزوجها منه فأنكرت أن التزويج لازم لها ولا ينفعها إنكارها بعد سكوتها، وكذلك قال مالك في البكر على ما أخبرتك.
ابن وهب قال: أخبرني السري بن يحيى عن الحسن البصري أنه حدثه"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج عثمان بن عفان ابنتيه ولم يستشرهما". ابن وهب وأخبرني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال: لا يكره على النكاح إلا الوالد، فإنه يزوج ابنته إذا كانت بكرا قال ابن القاسم ولقد سمعت أن مالكا كان يقول في الرجل يزوج أخته الثيب أو البكر ولا يستأمرها، ثم تعلم بذلك فترضى، فبلغني أن مالكا مرة كان يقول: إن كانت المرأة بعيدة عن موضعه فرضيت إذا بلغها لم أر أن يجوز وإن كانت معه في البلد فبلغها ذلك فرضيت جاز ذلك، فسألنا مالكا ونزلت بالمدينة في رجل زوج أخته ثم بلغها فقالت ما وكلت ولا أرضى ثم كلمت في ذلك ورضيت قال مالك: لا أراه نكاحا جائزا ولا يقام عليه حتى يستأنف نكاحا جديدا إن أحبت.
قال: وسألنا مالكا عن الرجل يزوج ابنه الكبير المنقطع عنه، أو الابنة الثيب وهي غائبة عنه أو هو غائب عنها فيرضيان بما فعل أبوهما قال مالك: لا يقام على ذلك النكاح ولو رضيا؛ لأنهما لو ماتا لم يكن بينهما ميراث قلت: أرأيت الجارية البالغة التي حاضت وهي بكر لا أب لها زوجها وليها بغير أمرها فبلغها فرضيت أو سكتت فيكون سكوتها رضا؟ قال: لا يكون سكوتها رضا ولا يزوجها حتى يستشيرها، فإن فعل وزوجها بغير مشورتها وكان حاضرا معها في البلد فأعلمها حين زوجها فرضيت رأيت جائزا وإن كان على غير ذلك من تأخير إعلامها بما فعل من تزويجه إياها أو بعد الموضع عنه فلا

يجوز ذلك وإن أجازته، قال: سحنون فهذا قول مالك الذي عليه أصحابه ابن القاسم وابن وهب وعلي بن زياد عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها" 1. قال مالك: وذلك الأمر عندنا في البكر اليتيمة، وقالوا عن مالك إنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار كانوا يقولون في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها: إن ذلك لازم لها، وقالوا عن مالك إنه بلغه أن القاسم وسالما كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن قال مالك: وذلك الأمر عندنا في الأبكار ابن نافع عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن السبعة أنهم كانوا يقولون الرجل أحق بإنكاح ابنته البكر بغير أمرها وإن كانت ثيبا فلا جواز لأبيها في إنكاحها إلا بإذنها وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار مع مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل.
ابن وهب عن شبيب بن سعيد التميمي عن محمد بن عمرو بن علقمة يحدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليتيمة تستأمر في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها" 2. قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن عبد العزيز وابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كل يتيمة تستأمر في نفسها فما أنكرت لم يجز عليها وما صمتت عليه وأقرت جاز عليها وذلك إذنها" 3, وقال مالك: لا تزوج اليتيمة التي يولى عليها حتى تبلغ ولا يقطع عنها ما جعل لها من الخيار وأمر نفسها أنه لا جواز عليها حتى تأذن للحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وكيع عن الفزاري عن الأشعث بن سوار عن ابن سيرين عن شريح قال: "تستأمر اليتيمة في نفسها فإن معصت لم تنكح وإن سكتت فهو إذنها". قال سحنون ويدل على أن اليتيمة إذا شورت في نفسها أنها لا تكون إلا بالغا؛ لأن التي لم تبلغ لا إذن لها فكيف يشاور من ليس له إذن.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 4. مسلم في كتاب النكاح حديث 66.
2 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 23، 25. الترمذي في كتاب النكاح باب 19. الدارمي في كتاب النكاح باب 12. أحمد في مسنده"4/394، 408، 411".
3 رواه الترمذي في كتاب النكاح باب 19.

في وضع الأب بعض الصداق ودفع الصداق إلى الأب
قلت: أرأيت إن زوج ابنته وهي بكر، ثم حط من الصداق، أيجوز ذلك على ابنته في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز للأب أن يضع من صداق ابنته البكر شيئا إذا

لم يطلقها زوجها؟ قال ابن القاسم: وأرى أن ينظر في ذلك فإن كان ما صنع الأب على وجه النظر مثل أن يكون الزوج معسرا بالمهر فيخفف عنه وينظره فذلك جائز على البنت، لأنه لو طلقها ثم وضع الأب النصف الذي وجب لابنته من الصداق، إن ذلك جائز على البنت فأما أن يضع من غير طلاق ولا وجه النظر لها فلا أرى أن يجوز ذلك له ابن وهب عن مالك عن يونس وغيرهما عن ربيعة أنه كان يقول الذي بيده عقدة النكاح هو السيد في أمته والأب في ابنته البكر ابن وهب قال مالك: وسمعت زيد بن أسلم يقول ذلك ابن وهب عن مالك ويونس قال ابن شهاب الذي بيده عقدة النكاح فهي البكر التي يعفو وليها فيجوز ذلك ولا يجوز عفوها هي قال ابن شهاب: وقوله تبارك وتعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فالعفو إليها إذا كانت امرأة ثيبا فهي أولى بذلك ولا يملك ذلك عليها ولي؛ لأنها قد ملكت أمرها، فإن أرادت أن تعفو فتضع له من نصفها الذي وجب لها عليه من حقها جاز ذلك لها، وإن أرادت أخذه فهي أملك بذلك ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي مثل قول ابن شهاب في المرأة الثيب قال ابن وهب وقال ابن عباس مثل قول ابن شهاب في البكر وقال مالك: لا أراه جائزا لأبي البكر أن يزوج وضيعته إلا إذا وقع الطلاق وكان لها نصف الصداق، ففي ذلك تكون الوضيعة، فأما قبل الطلاق فإن ذلك لا يجوز لأبيها وكذلك فيما يرى موقعه من القرآن.
قلت: أرأيت الثيب إذا زوجها أبوها برضاها فدفع الزوج الصداق إلى أبيها أيجوز ذلك أم لا؟ قال: سئل مالك عن رجل زوج ابنته وهي ثيب فدفع الزوج الصداق إلى أبيها ولم ترض، فزعم الأب أن الصداق قد تلف من عنده قال: قال مالك: يضمن الأب الصداق
قلت: أرأيت إن كانت بكرا لا أب لها زوجها أخوها أو جدها أو عمها أو وليها برضاها فقبض الصداق، أيجوز ذلك على الجارية أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك على الجارية إلا أن يكون وصيا، فإن كان وصيا فإنه يجوز قبضه على الجارية؛ لأنه الناظر لها ومالها في يديه، ألا ترى أنها لا تأخذ مالها من الوصي وإنما هو في يديه، وإن كانت قد طمثت وبلغت فذلك في يد الوصي عند مالك تتزوج ويؤنس منها الرشد والإصلاح لنفسها في مالها قلت: وما سألتك عنه من أمر البكر أهو قول مالك؟ قال: نعم، قال ابن القاسم: وإنما رأيت مالكا يضمن الصداق الأب الذي قبض في ابنته الثيب لأنها لم توكله بقبض الصداق وأنه كان متعديا حين قبض ولم يدفعه إليها حين قبضه، فيبرأ منه، بمنزلة مال كان لها على رجل فقبضه الأب بغير أمرها فلا يبرأ الغريم والأب ضامن للمرأة أن تتبع الغريم.

في إنكاح الأولياء
قلت: أكان مالك يقول إذا اجتمع الأولياء في نكاح المرأة أن بعضهم أولى من بعض؟ قال: قال مالك: إن اختلف الأولياء وهم في القعدة سواء نظر السلطان في ذلك، قال وإن كان بعضهم أقعد من بعض فالأقعد أولى بإنكاحها عند مالك قلت: فالأخ أولى أم الجد؟ قال: الأخ أولى من الجد عند مالك قلت: فابن الأخ أولى أم الجد في قول مالك؟ قال: ابن الأخ أولى قلت: فمن أولى بإنكاحها الابن أم الأب؟ قال: قال مالك: الابن أولى بإنكاحها وبالصلاة عليها.
ابن وهب عن ابن شهاب أنه سأله عن المرأة لها أخ وموال فخطبت فقال: أخوها أولى بها من مواليها
قلت: فمن أولى بإنكاحها والصلاة عليها ابن ابنها أم الأب؟ قال: الابن أولى قلت: أرأيت ما يذكر من قول مالك في الأولياء أن الأقعد أولى بإنكاحها أليس هذا إذا فوضت إليهم، فقالت زوجوني، أو خطبت فرضيت فاختلف الأولياء في إنكاحها وتشاحوا على ذلك؟ قال: نعم، إنما هذا إذا خطبت ورضيت وتشاح الأولياء في إنكاحها فإن للأقرب فالأقرب أن ينكحها دونهم قلت: أرأيت المرأة يكون أولياؤها حضورا كلهم وبعضهم أقعد بها من بعض، منهم العم والأخ والجد وولد الولد والولد نفسه، فزوجها العم، فأنكر ولدها وسائر الأولياء تزويجها، وقد رضيت المرأة؟ قال: ذلك جائز على الأولياء عند مالك قال: وقال مالك في المرأة الثيب لها الأب والأخ، فيزوجها الأخ برضاها وأنكر الأب ذلك أذلك له؟ قال مالك: ليس للأب ههنا قول إذا زوجها الأخ برضاها؛ لأنها قد ملكت أمرها قال: وقال لي مالك: أرأيت المرأة لو قال الأب لا أزوجها لا يكون ذلك له قلت: أرأيت البكر إذا لم يكن لها أب وكان لها من الأولياء من ذكرت لك من الإخوة والأعمام والأجداد وبني الإخوة، فزوجها بعض الأولياء وأنكر التزويج سائر الأولياء أيجوز هذا النكاح في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن قول عمر بن الخطاب أو ذي الرأي من أهلها من ذو الرأي من أهلها؟ قال مالك: الرجل من العشيرة أو ابن العم أو المولى وإن كانت المرأة من العرب، فإن إنكاحه إياها جائز قال مالك: وإن كان ثم من هو أقعد منه فإنكاحه إياها جائز إذا كان له الصلاح والفضل إذا أصاب وجه النكاح فكذلك مسألتك.
قال سحنون، وقال ابن نافع عن مالك إن ذا الرأي من أهلها الرجل من العصبة، قال سحنون: وأكثر الرواة يقولون: لا يزوجها ولي وثم أولى منه حاضر فإن فعل وزوج نظر السلطان في ذلك، وقال آخرون للأقرب أن يرد أو يجيز إلا أن يتطاول مكثها عند الزوج

وتلد منه أولادا لأنه لم يخرج العقد من أن يكون وليه ولي وهذا في ذات المنصب والقدر والولاة، وقال بعض الرواة: ويدل على ذلك من الكتاب ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] فالعضل من الولي وأن النكاح يتم برضا الولي المزوج ولا يتم إلا به، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها" 1 وقال أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واليتيمة تستأذن في نفسها" 2 وقال عليه السلام في الحديث المحفوظ عنه: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" 3 فكان معناه من لا ولي له ويكون أيضا أن يكون لها ولي فيمنعها إعضالا لها، فإذا منعها فقد أخرج نفسه من الولاية بالعضل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" 4 فإذا كان ضرر حكم السلطان أن ينفي الضرر ويزوج فكان وليا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: أرأيت إن كان في أولياء هذه الجارية وهي بكر أخ وجد وابن أخ أيجوز تزويج ذي الرأي من أهلها إياها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه جائزا إذا أصاب وجه النكاح قلت: أرأيت البكر أيجوز لذي الرأي أن يزوجها إذا لم يكن الأب؟ قال: قال مالك: في تأويل حديث عمر ما أخبرتك فتأويل حديث عمر يجمع البكر والثيب، ولم يذكر لنا مالك بكرا من ثيب، ولم نشك أن البكر والثيب إذا لم يكن للبكر والد ولا وصي سواء قلت: أرأيت الرجل يغيب عن ابنته البكر أيكون للأولياء أن يزوجوها؟ قال: قال مالك: إذا غاب غيبة منقطعة مثل هؤلاء الذين يخرجون في المغازي فيقيمون في البلاد التي خرجوا إليها مثل الأندلس أو إفريقية، أو طنجة، قال: فأرى أن يرفع أمرها إلى السلطان فينظر لها ويزوجها، ورواه علي بن زياد عن مالك قلت: أفيكون للأولياء أن يزوجوها بغير أمر السلطان؟ قال: هكذا سمعت مالكا يقول: يرفع أمرها إلى السلطان. قلت: أرأيت إن خرج تاجرا إلى إفريقية أو إلى نحوها من البلدان وخلف بنات أبكارا فأردن النكاح ورفعن ذلك إلى السلطان أينظر السلطان في ذلك أم لا؟ قال: إنما سمعت مالكا يقول في الذي يغيب غيبة منقطعة فأما من خرج تاجرا وليس يريد المقام بتلك البلاد، فلا يهجم السلطان على ابنته البكر فيزوجها وليس لأحد من الأولياء أن يزوجها، قال: وهو رأيي لأن مالكا لم يوسع في أنه تزوج ابنة الرجل إلا أن يغيب غيبة منقطعة.
قلت: أرأيت إن كانت ثيبا فخطب الخاطب إليها نفسها، فأبى والدها أو وليها أن يزوجها
ـــــــ
1 نفسه رقم"1" في ص 103.
2 نفسه رقم"2" في ص 103.
3 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 19. الترمذي في كتاب النكاح باب 14. الدارمي في كتاب النكاح باب 11. أحمد في مسنده"6/166".
4 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث"31" عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه. ورواه ابن ماجه في كتاب الأحكام باب 17. وأحمد في مسنده"5/327".

فرفعت ذلك إلى السلطان وهو دونها في الحسب والشرف إلا أنه كفء في الدين فرضيت به وأبى الولي؟ قال: يزوجها السلطان ولا ينظر إلى قول الأب والولي إذا رضيت به وكان كفؤا في دينه قال: وهذا قول مالك قلت: أرأيت إن كان كفؤا في الدين ولم يكن كفؤا في المال، فرضيت به وأبى الولي أن يرضى، أيزوجها منه السلطان أم لا؟ قال: لم أسمع منه في ذلك شيئا إلا أني سألت مالكا عن نكاح الموالي في العرب، فقال: لا بأس بذلك ألا ترى إلى ما في كتاب الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
قلت: أرأيت إن رضيت بعبد وهي امرأة من العرب وأبى الأب أو الولي أن يزوجها وهي ثيب أيزوجها منه السلطان أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك. قال: ولقد قيل لمالك إن بعض هؤلاء القوم فرقوا بين عربية ومولى، فأعظم ذلك إعظاما شديدا، وقال أهل الإسلام كلهم بعضهم لبعض أكفاء لقول الله في التنزيل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وقال غيره ليس العبد ومثله إذا دعيت إليه إذا كانت ذات المنصب والموضع والقدر مما يكون الولي في مخالفتها عاضلا؛ لأن للناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا بها.
قلت: أرأيت البكر إذا خطبت إلى أبيها فامتنع الأب من إنكاحها أول ما خطبت إليه، وقالت الجارية وهي بالغة زوجني فأنا أحب الرجال، ورفعت أمرها إلى السلطان أيكون رد الأب الخاطب الأول إعضالا لها وترى للسلطان أن يزوجها إذا أبى الأب؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى إن عرف عضل الأب إياها وضرورته إياها لذلك ولم يكن منعه ذلك نظرا إليها رأيت السلطان إن قامت الجارية بذلك وطلبت نكاحه أن يزوجها السلطان إذا علم أن الأب. إنما هو مضار في رده وليس بناظر لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار" 1 وإن لم يعرف فيه ضررا لم يهجم السلطان على ابنته في إنكاحها حتى يتبين له الضرر قلت: أرأيت البكر إذا رد الأب عنها خاطبا واحدا أو خاطبين، وقالت الجارية في أول من خطبها للأب زوجني فإني أريد الرجال وأبى الأب، أيكون الأب في أول خاطب رد عنها معضلا لها؟ قال: أرى أنه ليس يكره الآباء على إنكاح بناتهم الأبكار إلا أن يكون مضارا أو معضلا لها فإن عرف ذلك منه وأرادت الجارية النكاح فإن السلطان يقول له إما أن تزوج وإما زوجتها عليك، قلت: وليس في هذا عندك حد في قول مالك في رد الأب عنها الخاطب الواحد أو الاثنين؟ قال: لا نعرف من قول مالك في هذا حدا إلا أن نعرف ضرورته وإعضاله.
ـــــــ
1 نفسه رقم"4" في ص 106.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19