كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وآله وسلم
كتاب الزكاة الثاني

ما جاء في زكاة الإبل
قال: وقال مالك في الساعي إذا أتى الرجل فأصاب له خمسا وعشرين من الإبل ولم يجد فيها بنت مخاض ولا ابن لبون ذكر: أن على رب الإبل أن يشتري للساعي بنت مخاض على ما أحب أو كره إلا أن يشاء رب الإبل أن يدفع إليه منها ما هو خير من بنت مخاض، فليس للمصدق أن يرد ذلك إذا طابت بذلك نفس صاحب الإبل وهو قول مالك. قلت: أرأيت إن أراد رب المال أن يدفع ابن لبون ذكرا إذا لم يكن في المال بنت مخاض ولا ابن لبون؟ قال: ذلك إلى الساعي إن أراد أخذه أخذه، وإلا ألزمه بابنة مخاض وليس له أن يمتنع من ذلك. قال مالك في الإبل: مثل أن يكون للرجل مائتا بعير فيكون فيها خمس بنات لبون أو أربع حقاق، فقال لي مالك: إذا كانت السنان جميعا في الإبل كان المصدق مخيرا في أي السنين شاء أن يأخذ أخذ إن شاء خمس بنات لبون وإن شاء أربع حقاق، فإذا لم يكن إلا سنا واحدا لم يكن للساعي غيرها، ولم يجبر رب المال على أن يشتري له السن الأخرى، قال مالك: وإذا لم يكن في الإبل السنان جميعا فالساعي مخير في أي ذلك شاء كان على رب المال أن يأتيه به على ما أحب رب المال أو كره يجبر على ذلك، قال: والساعي مخير في ذلك إن شاء أخذ أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون، وكذلك قال مالك قلت: هل كان مالك يأمر بأن يعاد في الغنم بعد عشرين ومائة من الإبل إذا أخذ منها حقتان فزادت؟ فقال: لم يكن مالك يقول: يرجع في الغنم إذا صارت الفريضة في الإبل لم يرجع إلى الغنم، إلا أن ترجع الإبل إلى أقل من فريضة الإبل فيرجع إلى الغنم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فما زاد على

عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة1 ". وهو صلى الله عليه وسلم ابتدأ الفرض من خمس، وقاله عمر بن الخطاب. قال أشهب وقال عمر: في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة، فإنما قال فدونها الغنم، ثم قال: وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين ابنة لبون، حتى انتهى إلى عشرين ومائة في تسمية أسنان الزكاة، قال: فما زاد على عشرين ومائة من الإبل، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة ولم يقل: فما زاد على ذلك ففي كل خمس شاة إلى أربع وعشرين كما ابتدأ به الصدقة. قال سحنون، وقاله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ابتدأ تبيين الفريضة وسنتها. قلت: أليس إنما يأخذ مالك في صدقة الإبل والغنم بما في كتاب عمر الذي زعم مالك أنه قرأه؟ قال: نعم. قلت: أرأيت قولهم: في عشرين ومائة حقتان فما زاد على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، إنما يعني بالزيادة ما زاد على عشرين ومائة فيها الحقتان في الإبل كما هي؟ فقال: لا ولكن تسقط الحقتان ويرجع إلى أصل الإبل، وتلغي الفريضة الأولى الحقتان اللتان وجبتا فيها إذا زادت على عشرين ومائة واحدة فصاعدا، ويرجع إلى الأصل فيأخذ من كل أربعين ابنة لبون ومن كل خمسين حقة. قلت: فإن زادت على عشرين ومائة واحدة؟ فقال: المصدق مخير إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن القاسم، وكان ابن شهاب يخالف مالكا في هذه المسألة ويقول: إذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة، وفي ثلاثين ومائة: حقة وابنتا لبون، ففي ثلاثين ومائة يتفق قول ابن شهاب ومالك ويختلفان فيما بين إحدى وعشرين ومائة إلى تسعة وعشرين ومائة، لأن مالكا يجعل المصدق مخيرا إن شاء أخذ حقتين وإن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وابن شهاب كان يقول: ليس المصدق مخيرا ولكنه يأخذ ثلاث بنات لبون، لأن فريضة الحقتين قد انقطعت. قال ابن القاسم: ورأيي على قول ابن شهاب لأن ذلك قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر بن الخطاب إذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، فأرى فيها ثلاث بنات لبون على كل حال كانت ثلاث بنات لبون في الإبل أو لم تكن كان فيها السنان جميعا أو لم تكن إلا إحداهما أو لم يكونا فيها جميعا فذلك عندي سواء كله وعلى رب الإبل أن يأتيه بثلاث بنات لبون على ما أحب، أو كره، وليس للساعي أن يأخذ إلا ثلاث بنات لبون وإن أراد أخذ الحقتين فليس له ذلك. قال: وقال مالك: إذا كانت الإبل ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون: في الخمسين منها حقة وفي الثمانين منها بنتا لبون فإذا كانت أربعين ومائة فبنت لبون وحقتان: في الأربعين بنت لبون
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 23. أبو داود في كتاب الزكاة باب 5. الترمذي في كتاب الزكاة باب 4.

وفي المائة حقتان، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق: في كل خمسين حقة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون: في كل أربعين بنت لبون، فإذا كانت سبعين ومائة فحقة وثلاث بنات لبون، فإذا كانت ثمانين ومائة فحقتان وابنتا لبون، فإذا كانت تسعين ومائة فثلاث حقاق وبنت لبون في كل خمسين حقة وفي الأربعين بنت لبون، فإذا كانت مائتين كان فيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، فلما اجتمع فيها السنان كان المصدق الآن بالخيار إن شاء أخذ الحقاق وإن شاء أخذ بنات لبون إذا كانت في الإبل، فإن لم يجد إلا حقاقا أخذها وإن لم يجد إلا بنات لبون أخذها، وإن لم يجد واحدا من السنين كان الساعي مخيرا، أي ذلك شاء كان على رب المال أن يأتيه به على ما أحب أو كره. قلت: أرأيت إن لم يجد المصدق في الإبل السن التي وجبت فيها، أيأخذ دونها ويأخذ من رب المال زيادة دارهم أو غير ذلك تمام السن التي وجبت له؟ فقال: لا. قلت: له: فهل يأخذ أفضل منها ويرد على صاحب المال دراهم قدر ما زاد على السن الذي وجب له؟ فقال: لا. قال أشهب ألا ترى أن المصدق اشترى التي أخذ بالتي وجبت له وبالدراهم التي زاد. قال ابن وهب: وقال مالك في الرجل يشتري من الساعي شيئا من الصدقة: فإن ذلك لا يصلح وإن سمى له سنا من الأسنان، لأنه لا يدري ما نحوها وهيئتها، قال: وذلك قبل أن يخرج الساعي.
قال أشهب: وإذا اشترى الرجل الصدقة التي عليه بدين إلى أجل لم يصلح لأنه دين بدين. قال أشهب، وقد قال ابن أبي الزناد: إن أباه حدثه أن عمر بن عبد العزيز كان يكتب في عهود عماله على السعاة خصالا كانت تكتب في عهود العمال قبله. قال أبو الزناد: كنا نتحدث أن أصلها كان من عمر بن الخطاب، فكان منها أن ينهاهم أن يبيعوا من أحد فريضة أو شاة تحل عليه بدين قليل أو كثير. قلت له: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم هو قوله، وذلك أنه نهى أن يأخذ المصدق فيها دراهم من ربها أو يشتريها ربها من المصدق. قال أشهب، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه1". قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، فريضة الإبل ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة فإذا بلغت خمسا ففيها شاة إلى تسع، فإذا بلغت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر فما فوق ذلك إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون، فما زاد إلى ستين
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 49 عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب. البخاري في كتاب الزكاة باب 59. مسلم في كتاب الهبات حديث 1.

ففيها حقة طروقة الفحل، فما زاد إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فما زاد إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فما زاد إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل، فما زاد على ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون. قال سحنون، وأخبرني عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب قال: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها، وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر حين أمر على المدينة، فأمر عماله بالعمل بها ثم ذكر نحو هذا الحديث. قال ابن وهب عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن قال: نهى عمر بن الخطاب أن يشتري الرجل فريضته من الإبل أو صدقته من الغنم، وقاله عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله. قال أشهب قال مالك: وقاله عبد الله بن عمر لرجل سأله عن ذلك، فقال: لا تشترها ولا تعد في صدقتك، ولكن سلمها واقترف من غنم جارك وابن عمك مثلها مكانها1. قال أشهب قال مالك: وأحب إلي أن يترك المرء شراء صدقته وإن كان قد دفعها وقبضت منه. قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت عنده خمس من الإبل فلما كان قبل الحلول بيوم هلكت منهن واحدة، ثم نتجت منهن واحدة من يومها فحال الحول وهي خمس من الإبل بالتي نتجت؟ فقال: فيها شاة. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم. قال: وقال مالك: إذا كانت الإبل لرجل ببعض البلدان وهي شنق، قال: فقلنا لمالك: ما الشنق؟ فقال: هي الإبل التي لم تبلغ فريضة الإبل مثل الخمسة والعشرة والخمسة عشر والعشرين، قال: فيأتيه الساعي فيجد عنده ضأنا ومعزا أو يجد عنده ضأنا ولا يجد عنده معزا، أو يجد عنده معزا ولا يجد عنده ضأنا؟ فقال: ينظر المصدق في ذلك فإن كان أهل تلك البلدة إنما أموالهم الضأن وهي جل أغنامهم وما يكسبون كانت عليهم الضأن فيما وجب في الإبل يأتون بها، وإن لم يجد صاحب الإبل إلا معزا فعليه أن يأتي بالضأن، قال: وإذا كانت، أموالهم المعزى ووجد المصدق عند صاحب الإبل ضأنا، لم يكن له على صاحب الضأن إلا المعزى ولم يكن للمصدق أن يأخذ من الضأن إلا أن يرضى بذلك صاحب الضأن فيعطيه الضأن، وإنما عليه أن يأتي بالمعزى، قال: وإذا بلغت الفريضة أن تؤخذ من الإبل فقد خرجت من أن تكون شنقا.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 50 عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فأراد أن يبتاعه فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبتعه ولا تعد في صدقتك. البخاري في كتاب الزكاة باب 59. مسلم في كتاب الهبات حديث 3.

ما جاء في زكاة البقر
قلت لابن القاسم : أيأخذ مالك بالحديث الذي يذكر عن طاوس عن معاذ في

البقر؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الذي جاء في البقر في أربعين منه أيؤخذ فيها الذكر والأنثى؟ قال: أما الذي جاء في الحديث فإنه يأخذ المسنة وليس له أن يأخذ إلا أنثى. قلت: والذي جاء في ثلاثين: تبيع، أهو ذكر؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال أشهب عن سليمان بن بلال قال: أخبرني يحيى بن سعيد أن طاوسا اليماني حدثه. قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا فأمره أن يأخذ من البقر الصدقة: من كل ثلاثين بقرة: تبيعا، ومن كل أربعين بقرة: مسنة، ومن كل ستين: تبيعين، ومن كل سبعين: تبيعا وبقرة مسنة على نحو هذا الحديث. قال أشهب عن الزنجي مسلم بن خالد، أن إسماعيل بن أمية حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤخذ من بقر شيء حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة1". قال ابن مهدي عن سفيان الثوري، ومحمد بن جابر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب بمثل ما فعل معاذ في ثلاثين: تبيع، وفي كل أربعين: مسنة. قال ابن مهدي عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتبة، أن معاذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأوقاص؟ فقال: "ليس فيها شيء2". قال ابن مهدي وقال سفيان ومالك: إن الجواميس من البقر. قال ابن مهدي عن عبد الوارث بن سعيد عن رجل عن الحسن مثله. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر، أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، فرائض البقر، ليس فيما دون ثلاثين من البقر صدقة فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة إلى أن تبلغ سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها بقرة مسنة وعجل جذع حتى تبلغ ثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان ثم على نحو هذا بعدما كان من البقر إن زاد أو نقص فعلى نحو فرائض أولها. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا أمره بهذا وأن معاذا صدق البقر كذلك. قال ابن وهب وقال الليث ومالك: سنة الجواميس في السعاية وسنة البقر سواء.
ـــــــ
1 رواه النسائي في كتاب الزكاة باب 23,22,21,8. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب 9.
2 رواه أحمد في مسنده "5/231".

في زكاة الغنم
قال: وقال مالك: إذا كانت الغنم ربى كلها أو ماخضا كلها أو أكولة كلها أو فحولا كلها، لم يكن للمصدق أن يأخذ منها شيئا، وكان على رب المال أن يأتيه بجذعة أو ثنية مما فيها وفاء من حقه فيدفعها إلى المصدق، وليس للمصدق إذا أتاه بما فيه وفاء أن يقول لا أقبلها. قلت: وهل كان مالك يقول: يأخذ ما فوق الثني أو ما تحت الجذع من الضأن؟ فقال: قال مالك: لا يأخذ إلا الجذع أو الثني إلا أن يشاء رب المال أن يعطيه ما

هو أفضل من ذلك. قلت: والجذع من الضأن والمعزى في أخذ الصدقة سواء؟ قال: قال مالك: نعم. قلت: أرأيت الذي يؤخذ في الصدقة من الغنم الجذع أهو في الضأن والمعز سواء؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: لا يأخذ تيسا والتيس هو دون الفحل، إنما يعد من ذوات العوار، والهرمة، والسخال "الزكاة "، قال: فقلت لمالك: ما ذوات العوار؟ قال: ذات العيب. قال: وقال مالك: إن رأى المصدق أن يأخذ من ذوات عوار أو التيس أو الهرمة إذا كان ذلك خيرا له أخذها. قلت: هل يحسب المصدق العمياء والمريضة البين مرضها والعرجاء التي لا تلحق الغنم على رب الغنم ولا يأخذها؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك قال: قال مالك: يحسب على رب الغنم كل ذات عوار ولا يأخذ منها المصدق، والعمياء من ذوات العوار ولا تؤخذ. قلت: وإن كانت الغنم كلها قد جربت؟ قال: على رب المال أن يأتيه بشاة فيها وفاء من حقه. قلت: وكذلك ذوات العوار إذا كانت، الغنم ذوات عوار كلها؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: لا يأخذ المصدق من ذوات العوار إلا أن يشاء المصدق أن يأخذ. إذا رأى في ذلك فضلا وخيرا. قال: وقال مالك: إذا كانت عجاجيل أو فصلانا كلها أو سخالا كلها، وفي عدد كل صنف منها ما يجب فيه الصدقة فعلى صاحب الأربعين من السخال أن يأتي بجذعة أو ثنية من الغنم، وعلى صاحب الثلاثين من البقر إذا كانت عجولا كلها أن يأتي بتبيع ذكر، وإن كانت فصلانا كلها خمسة وعشرين فعليه أن يأتي بابنة مخاض، ولا يؤخذ من هذه الصغار شيء. قال أشهب، لأن عمر بن الخطاب قال: يأخذ الجذعة والثنية ولا يأخذ المخاض ولا الأكولة ولا الربى ولا فحل الغنم وذلك عدل بين غذاء المال وخياره. قال مالك: وكما إذا لم يكن عنده إلا بزل اشترى له من السوق ولم يعطه منها، فكذلك إذا كان عنده الدون اشترى له من السوق فمرة يكون ذلك خيرا مما عنده ومرة يكون شرا مما عنده. قال ابن القاسم: قال مالك: ليس في الأوقاص من الإبل والبقر والغنم شيء، وإنما الأوقاص فيها من واحد إلى تسعة ولا يكون في العقد وقص يريد بالعقد عشرة، وقد سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن الأوقاص؟ فقال: "ليس فيها شيء".
قلت: أرأيت لو أن رجلا له ثلاثون من الغنم توالدت قبل أن يأتيه المصدق بيوم، فصارت أربعين أترى أن يزكيها عليه الساعي أم لا؟ فقال: يزكيها عليه لأنها قد صارت أربعين حين أتاه. قلت: ولم وقد كان أصلها غير نصاب؟ فقال: لأنها توالدت فإذا توالدت فأولادها منها فلا بد من الزكاة، وإن كانت غير نصاب لأنها لما زادت بالأولاد كانت كالنصاب وهو قول مالك. قلت: هل كان مالك يعرف أن المصدق يجمع الغنم ثم يفرقها فيختار رب المال أي الفريقين شاء، ثم يأخذ هو من الفرقة الأخرى؟ فقال: لم

يعرفه وأنكره. قال: وقال مالك: قد كان محمد بن مسلمة الأنصاري لا تساق إليه شاة وفيها وفاء من حقه إلا أخذها. قال: وقال مالك: من كانت له غنم أو بقر أو إبل يعمل عليها ويعلفها، ففيها الصدقة إن بلغت ما تجب فيها الصدقة، وكان مالك يقول: العوامل وغير العوامل سواء. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر، أنه أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في صدقة الغنم: "ليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغت أربعين شاة ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتي شاة فإذا كانت شاة ومائتي شاة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة شاة فما زاد ففي كل مائة شاة ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا إلا أن يشاء المصدق وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية1 ". قال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك. قال ابن وهب عن يحيى بن أيوب: إن هشام بن عروة أخبره عن عروة بن الزبير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أول ما أخذ الصدقة للمصدقين: "لا تأخذوا من حرزات الناس شيئا". قال: ابن وهب قال مالك: وقد نهى عن ذلك عمر بن الخطاب قال ابن وهب عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن، ابن لعبد الله بن سفيان الثقفي عن جده سفيان بن عبد الله أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقا فكان يعد على الناس بالسخل. ولا يأخذه، فقالوا: تعد علينا بالسخل ولا تأخذه منا، فلما قدم على عمر ذكر ذلك له، فقال عمر: نعم يعد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ولا يأخذها ولا يأخذ الربى التي وضعت ولا الأكولة ذات اللحم السمينة ولا الماخض الحامل ولا فحل الغنم، ويأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 23. أبو داود في كتاب الزكاة باب 5. النرمذي في كتاب الزكاة باب 4.

في زكاة الغنم التي تشترى للتجارة
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى غنما للتجارة فبارت عليه وأقامت عنده سنين، أيقومها كل سنة فيزكيها زكاة التجارة أم يزكيها زكاة السائمة كلما حال عليها الحول عنده وجاء المصدق؟ فقال: بل يزكيها زكاة السائمة كلما حال عليها الحول عنده وجاء المصدق أخذ منها صدقة السائمة. قلت: فإن أخذ منها المصدق اليوم زكاة السائمة وباعها صاحبها من الغد أعليه في ثمنها زكاة؟ فقال: لا شيء عليه في ثمنها حتى يحول الحول من يوم زكاها المصدق، فإذا حال عليها الحول من يوم زكاها المصدق زكى ثمنها، وهذا كله قول مالك، فعلى هذا فقس جميع ما يرد عليك من هذه الوجوه إن شاء الله جل وعز.

في زكاة ماشية القراض
قال: وقال مالك: وإن رجلا أخذ مالا قراضا فاشترى به غنما فحال الحول على الغنم وهي عند المقارض، فإن الزكاة على رب المال في رأس ماله ولا يكون على العامل شيء.

في زكاة ماشية الذي يدير ماله
قلت: أرأيت من كان يدير ماله في التجارة فاشترى غنما للتجارة فحال عليها الحول، وجاء شهره الذي يزكي فيه ماله ويقوم فيه ما عنده من السلع، أيقوم هذه الغنم التي اشتراها مع سلعه التي عنده أم لا؟ فقال: لا يقوم الغنم مع السلع لأن في رقابها الزكاة زكاة الماشية، فلا تقوم مع هذه السلع وإنما يقوم ما في يديه من السلع التي ليس في رقابها زكاة، مثل العروض والرقيق والدواب والطعام والثياب، لأني إذا قومت الغنم فجاء حولها أردت أن أسقط عنها الزكاة، فلا ينبغي أن أسقط عنها زكاة السائمة وهي غنم، فأصرفها إلى زكاة التجارة فتقيم سنين هكذا وللغنم فريضة في الزكاة وسنة قائمة. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يبتاع الغنم بالذهب للتجارة بعدما زكى الذهب بثلاثة أشهر أو بأربعة أشهر متى يزكي الغنم؟ فقال: يستقبل بها حولا من يوم ابتاعها وإن كان اشتراها للتجارة، فهذا يدلك على ما قبله أن الغنم إذا اشتريت خرجت من زكاة المال وصارت إلى زكاة الماشية، ولو لم تكن الغنم إذا اشتريت تخرج من زكاة المال إلى زكاة الغنم لكان ينبغي لهذا إذا كان عنده مال فمضى للمال عنده ستة أشهر ثم اشترى به غنما أن يزكي الغنم إذا مضى لها ستة أشهر، لأن المال قد مضى له ستة أشهر عنده فلما قال لنا مالك يستقبل بالغنم حولا من يوم اشتراها، وأسقط مالك عنه ما كان من شهور الدنانير علمنا أن الغنم إذا اشتريت خرجت من زكاة المال وصارت إلى زكاة الغنم على كل حال وإن كان المال يدار، ولم أحفظ عن مالك أنه قال لي إن كان ممن يدير وإن كان ممن لا يدير. قلت: أرأيت حين أمرته أن لا يقوم الغنم مع عروضه التي عنده، أرأيت إن هو باع الغنم قبل أن يأتيه المصدق أتسقط عنه زكاة الماشية وزكاة التجارة؟ فقال: لا ولكن تسقط عنه زكاة الماشية ويرجع في زكاتها إلى زكاة الذهب التي ابتاعها بها، فهو يزكيها من يوم أفاد الذهب ويرجع إلى أصل الذهب فيزكي ثمنها من يوم أفاد الذهب أو زكاها، قال: وهذا قول مالك، قال: وهذا مما يبين لك أن الغنم قد خرجت حين اشتراها من شهر زكاتها إذا حال عليها الحول وصار شهرها على حدة.

في زكاة الضأن والمعز والبقر والجواميس إذا جمعت
قلت: أرأيت الرجل يكون عنده المعز والضأن، يكون عنده من الضأن سبعون ومن المعز ستون؟ قال: عليه شاتان يأخذ من المعز واحدة ومن الضأن واحدة. قلت فإن كانت الضأن سبعين والمعز خمسين؟ قال: يأخذ من الضأن ولا يأخذ من المعز، لأنه إنما عليه شاة وإنما يأخذ من الأكثر، فانظر فإذا كان للرجل ضأن ومعز فإن كان في كل واحدة إذا افترقت ما يجب فيه الزكاة أخذ من كل واحدة، فإن كان في واحدة ما تجب فيه الزكاة والأخرى لا تجب فيها الزكاة، أخذ مما تجب فيه الزكاة ولم يأخذ من الأخرى، مثل أن يكون له سبعون ضائنة وستون معزة فجميعها مائة وثلاثون ففيها شاتان، فالسبعون لو كانت وحدها كانت فيها شاة، والستون لو كانت وحدها كانت فيها شاة. قال: وإذا كانت سبعين ضائنة وخمسين معزة فجميعها مائة وعشرون فإنما فيها شاة واحدة، فالقليلة تبع للكثيرة في هذا لأنها إنما فيها شاة واحدة، فتؤخذ من الضأن وهي الأكثر ولو كانت ستين من هذه وستين من هذه أخذ المصدق من أيهما شاء، ومثل ذلك الرجل يكون له مائة شاة وعشرون شاة ضائنة وأربعون ماعزة ففيها شاتان، في الضأن واحدة وفي المعز واحدة، ولو كانت ثلاثين معزة كان عليه في الضأن شاتان ولم يكن عليه في المعز شيء، لأنها لو كانت وحدها لم يكن عليه فيها شيء، وكذلك إذا كانت له ثلاث مائة ضائنة وتسعون ماعزة فإنما عليه ثلاث شياه من الضأن ولم يكن عليه في المعز شيء، لأنها في هذا الموضع وقص ولو لم يكن عنده معز ولم ينقص من الثلاث شياه شيء، ولا يكون في المعز شيء حتى تبلغ مائة فيكون فيها شاة. وكذلك لو كانت ثلاثمائة ضائنة وخمسين ضائنة وخمسين معزة كان على رب الغنم أربع شياه، يكون عليه ثلاث ضائنات ويكون الساعي مخيرا في الرابعة إن شاء أخذ من الضأن وإن شاء أخذ من الماعز لأن هذه الشاة اعتدلت فيها الضأن والمعز، وإن كانت الضأن ثلاثمائة وستين والمعز أربعين أخذ الأربعة من الضأن، لأن الأربعة من الضأن إنما تمت بالماعز وكانت مثل من كانت له ستون ضائنة وأربعون معزة، فإنما يؤخذ من الأكثر وهي الستون، ولو كانت الماعز ستين والضأن ثلاثمائة وأربعين أخذ ثلاث ضائنات ومعزة، وإن كانت مائتي ضائنة ومائة معزة أخذ ثلاث شياه: ضائنتين ومعزة، وإن كانت ثلاثمائة وخمسين: مائتي ضائنة وخمسين ومائة ماعزة أخذ من الضأن اثنتين ومن المعز واحدة، وإن كانت تسعين ومائة ضائنة وستين ومائة ماعزة أخذ ضائنتين ومعزة، وإن كانت له مائة وخمسة وسبعون ضائنة ومائة وخمسة وسبعون ماعزة أخذ منها ثلاثا: ضائنة ومعزة، وكان المصدق مخيرا في الثالثة إن شاء أخذ الشاة الثالثة من المعز وإن شاء أخذها من الضأن. فكذلك الذي تكون له الإبل العراب،

والبخت على ما فسرنا في الغنم وكذلك الذي تكون له البقر الجواميس والبقر الآخر غير الجواميس، مثل أن يكون له عشرون من الجواميس وعشرة من الأخرى فعليه تبيع من الجواميس ولو كانت أربعين جاموسا وثلاثين من البقر الأخرى، أخذ من الجواميس مسنة ومن الأخرى تبيعا ولو كانت أربعين جاموسا ومن الأخرى عشرين أخذ تبيعين من الجواميس واحدا ومن الأخرى آخر، وإن كان عشرون من الجواميس وعشرون من الأخرى، فالمصدق مخير إن شاء أخذ من هذه وإن شاء أخذ من هذه، وإن كانت ثلاثين وثلاثين أخذ من هذه تبيعا ومن هذه تبيعا فعلى هذا أخذ هذا الباب إن شاء الله تعالى.

في زكاة ماشية المديان
قال: وقال مالك: فيمن كان عليه دين وله ماشية يجب فيها الزكاة، والدين يحيط بقيمة الماشية ولا مال له غير هذه الماشية: إن عليه الزكاة فيها ولا تبطل الزكاة عنه فيها للدين الذي عليه إبلا كانت أو بقرا أو غنما قال ابن القاسم: وليس لأرباب الدين أن يمنعوا المصدق أن يأخذ صدقته من أجل دينهم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله. قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت له غنم قد حال عليها الحول وجاءه المصدق وعليه من الدين غنم مثلها بصفتها وأسنانها، أو كانت إبلا وعليه من الدين إبل مثلها، أو كانت بقرا وعليه من الدين بقر مثلها؟ فقال: قال مالك: عليه فيها الزكاة ولا يضع عنه ما عليه من الدين الزكاة في الماشية، وإن كان الدين مثل الذي عنده. قلت: فإن رفع الرجل من أرضه حبا أو تمرا وعليه من الدين حب مثل ما رفع من الحب أو تمر مثل ما رفع؟ فقال: قال مالك: لا يضع دينه زكاة ما رفع من الحب والتمر، وإنما يضع عنه من الدنانير والدراهم بحال ما وصفت لك. قلت: فإن كان لرجل عبد فمضى يوم الفطر والعبد عنده وعليه من الدين مثله بصفته؟ قال: لا زكاة عليه إذا لم يكن له مال. قال سحنون: وقد قيل إنه بمنزلة الحب والتمر وإن عليه الزكاة.
قال ابن القاسم قال: والأموال الناضة مخالفة لهذا الذي ذكرت لك من الماشية والتمر والحب، لأن الدنانير إذا كانت لرجل فحال عليها الحول وعليه دين ثياب أو حيوان أو حب أو ما كان من العروض أو الناض، فإنه يحسب دينه في الناض الذي عنده، فإن بقي بعد دينه الذي عليه ما تجب فيه الزكاة زكاه، وإلا لم يكن عليه شيء. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وما الفرق بين العين وبين الماشية والثمار؟ فقال: لأن السنة إنما جاءت في الضمار وهو المال المحبوس في العين، وأن السعاة يأخذون الناس

بزكاة مواشيهم وثمارهم، ولا يأخذونهم بزكاة العين ويقبل منهم قولهم في العين. قال أشهب: ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان والخلفاء الماضين، كانوا يبعثون الخراص في الثمار أول ما تطيب فيخرصون على الناس لإحصاء الزكاة ولما للناس في ذلك من تعجيل منافعهم بثمارهم للأكل والبيع، ولا يؤمرون فيه بقضاء ما عليهم من الدين ثم يخرص عليهم، وكذلك في المواشي تبعث السعاة، وقد كان عثمان بن عفان يصيح في الناس هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة، فكان الرجل يحصي دينه ثم يؤدي مما بقي في يديه إن كان ما بقي في يديه تجب فيه الزكاة. قال ابن مهدي عن أبي عبد الرحمن عن طلحة بن النضر قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: كانوا لا يرصدون الثمار في الدين وينبغي للعين أن ترصد في الدين. قال ابن مهدي عن حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين قال: كان المصدق يجيء فأين ما رأى زرعا قائما أو إبلا قائمة أو غنما قائمة أخذ منها الصدقة.

في زكاة ثمن الغنم إذا بيعت
وسألت ابن القاسم: عن الرجل يكون له الغنم تجب في مثلها الزكاة فيحول عليها الحول فيبيعها قبل أن يأتي المصدق؟ فقال: لا زكاة عليه فيها للمصدق، ولكن يزكي الثمن مكانه لأن الحول قد حال على الغنم وإنما يحسب للمال من يوم أفاد الغنم، ثم يحسب للمال من ذي قبل سنة من يوم زكى المال، ثم تجب فيه الزكاة أيضا إن كان عشرين دينارا فصاعدا، قال: وهذا قول مالك. قلت: أرأيت لو كانت لرجل أربعون شاة فحال عليها الحول فاستهلكها رجل بعدما حال عليها الحول قبل أن يأتيه المصدق فأخذ قيمتها دراهم؟ فقال: يزكي الدراهم مكانه لأن الحول قد حال على الغنم. قلت: فإن أخذ في قيمة غنمه إبلا؟ فقال: يستقبل بالإبل حولا من ذي قبل ولا شيء عليه حتى يحول الحول على الإبل من ذي قبل، قال: وتكون عليه زكاة القيمة إن كانت القيمة تبلغ ما يجب فيه الزكاة لأنه إذا قبض الإبل صار قابضا للدين، قال: لا لأن مالكا قال لي في رجل كانت عنده دراهم فابتاع بها سلعة للتجارة ثم باعها بعد الحول بذهب، تجب في مثلها الزكاة فلم يقبض تلك الذهب حتى أخذ بها عرضا من العروض للتجارة، قال: لا زكاة عليه حتى يبيع العروض وينض ثمنها في يده، وكذلك الإبل والبقر إذا أخذت من قيمة الغنم. قلت: وكذلك إن أخذ قيمتها بقرا؟ قال: نعم لا شيء عليها فيها. قلت: فإن أخذ في قيمتها غنما فكانت أقل من أربعين؟ فقال: لا شيء فيها. قلت: فإن أخذ

قيمتها غنما عددها أربعون فصاعدا؟ فقال: لا شيء عليه فيها أيضا، وقد كان عبد الرحمن يقول: عليه في الغنم التي أخذ الزكاة، وقوله لا زكاة عليه هو أحسن وكأنه باع الغنم بغنم والثمن لغو. قال: وسألنا مالكا عن الرجل يرث الغنم ويبتاعها فتقيم عنده حولا ثم يبيعها؟ فقال قال لي مالك: إن كان ورثها أو اشتراها لقنية ولم يشترها للتجارة، فلا شيء عليه في ثمنها حتى يحول عليها الحول من يوم قبض ثمنها إذا كان المصدق لم يأته وقد حال عليها الحول فباعها، فلا زكاة عليه فيها ولا في ثمنها حتى يحول على ثمنها الحول. قال: ولا أرى عليه للشاة التي كانت وجبت عليه في زكاتها إلا أن يكون باعها فرارا من الساعي، فإن كان باعها فرارا من الساعي فعليه الشاة التي كانت وجبت عليه، وهو أحسن من القول الذي روي عنه وأوضح. قال ابن القاسم: ثم قال لي مالك بعد ذلك غير مرة: أرى عليه في ثمنها زكاة إن كان باعها بعدما حال عليها الحول كأن اشتراها لقنية أو ورثها، قال: ومعنى القنية السائمة فأرى في ثمنها الزكاة يوم باعها مكانه ولا ينتظر أن يحول الحول على ثمنها، قال فقلت له: فإن باعها بعد ستة أشهر من يوم ورثها أو ابتاعها؟ فقال: أرى أن يحتسب بما مضى من الشهور ثم يزكي الثمن، قال: فرددتها عليه عاما بعد عام فثبت على قوله هذا ولم يختلف فيه، وهذا قوله الذي فارقته عليه آخر ما فارقته عليه وهو أحب قوله إلي. قلت: أرأيت لو كانت عندي أربعة من الإبل فحال عليها الحول فبعتها بعدما حال عليها الحول، أيكون علي زكاة في ثمنها يوم بعتها؟ فقال: لا. قلت: وهي مخالفة عندك للتي كانت تجب فيها الزكاة إذا بعتها بعد الحول قبل أن أزكيها؟ قال: نعم وهو قول مالك قلت: أرأيت إن كانت هذه الإبل تجب فيها الزكاة، فلما حال عليها الحول صدقتها ثم بعتها بدنانير بعدما أخذت مني صدقتها بأشهر متى أزكي ثمنها؟ فقال: حتى يحول على الدنانير الحول من يوم زكيت الإبل، قال: وهو قول مالك. قال فقلت لمالك أرأيت الرجل يكون عنده الذهب فيبتاع بها غنما أو إبلا أو بقرا متى يزكيها؟ قال: حتى يحول على الغنم الحول من يوم اشتراها أو الإبل أو البقر، ولم يجعلها مثل الغنم التي تباع بالدنانير.

في تحويل الماشية في الماشية
قال ابن القاسم قلت لمالك: فالغنم تجب في مثلها الزكاة تباع بالإبل أو البقر، والبقر تباع بالغنم؟ قال: ليس في شيء من هذه زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم اشترى الإبل أو البقر والغنم التي صارت في يديه، وإنما شراؤه الإبل بالغنم وإن مضى للغنم عنده ستة أشهر بمنزلة ما لو كان عنده ذهب أو ورق فأقامت عنده ستة أشهر، ثم

اشترى بها إبلا أو غنما أو بقرا، فإنه يستقبل بالماشية من يوم اشتراها حولا، ولا ينظر في هذا إلى اليوم الذي أفاد فيه الدنانير والدراهم وإنما ينظر في هذا إلى يوم اشترى فيه الماشية بالدنانير والدراهم فيحسب من ذلك اليوم حولا ثم يزكي، قال مالك: لأن الحول الأول قد انتقض. قال مالك: وإن اشترى بالغنم بعدما مضى لها ستة أشهر من يوم أفادها غنما فعليه زكاة الغنم كما هي. قلت: أرأيت إن كانت الغنم التي أفاد لما مضى لها عنده ستة أشهر باعها وكانت عشرين ومائة فباعها بثلاثين شاة؟ فقال: لا زكاة عليه فيها إذا حال عليها الحول. قلت له: فإن باعها بأربعين؟ فقال: إذا مضى لها ستة أشهر من يوم اشتراها زكاها بشاة واحدة، وذلك أن هذه الستة الأشهر أضيفت إلى الستة الأشهر التي كانت الغنم الأولى عنده فيها فزكى هذه التي عنده، لأن كل من باع غنما بغنم وإن كانت مخالفة لها فكأنها هي، لأن ذلك مما إذا أفيد ضم بعضه إلى بعض ثم زكي زكاة واحدة، وهو مما يجمع في الصدقة ولو باعها بإبل لم يكن عليه زكاة، واستقبل بها حولا لأنهما صنفان لا يجتمعان في الزكاة، فلما كانا لا يجتمعان في الزكاة انتقض حول الأولى وصارت هذه الثانية فائدة شراء كرجل كانت عنده دنانير، يجب فيها الزكاة فأقامت عنده ستة أشهر فاشترى بها إبلا يجب فيها الزكاة أو غنما، فإنه ينتقض حول الدنانير لأن الدنانير وما اشترى مما لا يجمع بعضه إلى بعض في الزكاة، فلما كان لا يجمع بعضه إلى بعض انتقض حول الدنانير وصار ما اشترى من الإبل والبقر والغنم فائدة شراء يستقبل بها حولا من يوم اشتراها. قال ابن القاسم: وقال مالك فيمن كانت له نصاب إبل، فباعها قبل الحول بنصاب غنم: إنه لا يزكي الغنم حتى يحول على الغنم الحول من يوم اشتراها، وليس عليه في الإبل شيء إذا لم يحل الحول على الإبل، قال: فإذا حال الحول على الإبل فباعها بنصاب ماشية يريد بذلك الهرب من الزكاة أخذ منه المصدق زكاة الإبل. قلت: فإن كانت زكاة الغنم أفضل وخيرا للمصدق؟ قال: لا يأخذ من الغنم شيئا ولكن يأخذ من الإبل، لأن الغنم إنما تجب فيها الزكاة من يوم اشتراها، فإن ذهب المصدق يأخذ من الغنم شيئا لم تجب له الزكاة فيها ولا يأخذ منها حتى يحول عليها الحول من يوم اشتراها. قلت: لم إذا باعها بعد الحول وهي مما تجب فيها الزكاة هذه الإبل بنصاب من الغنم، ولم يكن فارا أسقطت عنه الزكاة، قال: لأن حولها عند مالك هو إتيان المصدق وليس الحول. قلت: أرأيت لو باعها بدنانير بعدما حال عليها الحول ولم يكن فارا، أكانت تجب عليه في الدنانير الزكاة ساعة باعها؟ قال: نعم وهذا قول مالك. قال ابن القاسم: والدنانير مخالفة لما سواها مما بيعت به هذه الإبل. قلت: أرأيت إن أقام ثمن هذه الإبل على المشتري ولم يكن قبضه البائع أعواما ثم

قبضه؟ فقال: يزكيه زكاة واحدة وهي التي كانت وجبت عليه حين باع الإبل وهو قول مالك. قلت: فإن كان قد أخذ الثمن ثم أقرضه فمكث سنتين ثم أخذه؟ قال: يزكيه الآن زكاة سنتين.

في زكاة فائدة الماشية
قال: وقال مالك: من كانت له ماشية: إبل أو بقر أو غنم ورثها بعدما حال عليها الحول عند الميت، ثم جاء المصدق فليس له على من ورثها شيء حتى يحول عليها الحول عند من ورثها من ذي قبل، فإذا مر بها الساعي وهي عند من ورثها لم يفرقوها أخذ منها الصدقة عنهم وكانوا بمنزلة الخلطاء يترادون فيها إذا كان الورثة غير واحد، فمن كان شاؤه تجب فيها الصدقة فهو خليط لمن تجب عليه الصدقة ولمن هو أكثر غنما منه، ومن لم يكن شاؤه تجب فيها الصدقة فليس هو بخليط ولا غرم عليه، قال مالك: وكذلك الإبل والبقر. قال مالك: وإن كانوا فرقوها أخذ من كل واحد منهم صدقته على حساب ما يؤخذ من الرجل إذا لم يكن خليطا إذا كان في ماشية كل واحد منهم ما تجب فيه الصدقة. قال مالك: ومن ورث غنما فكانت عنده فجاءه المصدق قبل أن يحول عليها الحول من يوم ورثها، فليس عليه فيها شيء وليس عليه شيء فيما يستقبل حتى يمر به الساعي من عام قابل فيصدقه مع ما يصدق. قلت: أرأيت إذا مر الساعي قبل أن يستكمل السنة فاستكمل السنة بعدما مر به الساعي أيجب عليه أن يصدقها؟ فقال: لا يجب عليه أن يصدقها إلا أن يأتي الساعي من السنة المقبلة. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: من كان له نصاب ماشية من غنم فأفاد قبل أن يحول عليها الحول إبلا، يجب في مثلها الزكاة أو لا يجب في مثلها الزكاة، إنما عليه أن يزكي الغنم وحدها وليس عليه أن يضيف الإبل إلى الغنم، ولكن إن كانت الإبل مما تجب في مثلها الزكاة زكاها إذا مضى لها سنة من يوم أفاد الإبل، قال: وإنما تضاف الغنم إلى الغنم والبقر إلى البقر والإبل إلى الإبل، إذا كان الأصل الذي كان عند ربها - قبل أن يفيد هذه الفائدة - نصاب ماشية، فإنه يضيف ما أفاد من صنفها إليها إذا كان الأصل نصابا فيزكي جميعها، وإن لم يفد الفائدة قبل أن يحول الحول إلا بيوم زكاه مع النصاب الذي كان له. قال: وقال مالك فيمن أفاد ماشية وله نصاب ماشية، أفادها بعد الحول قبل أن يأتيه المصدق: أنه يزكي ما أفاد بعد الحول مع ماشيته إذا كان ذلك قبل أن يأتيه المصدق، فإن أتاه المصدق وماشيته مائتا شاة وشاة فنزل به الساعي فهلكت منها شاة قبل أن يسعى عليه وبعدما نزل به، فإنه يزكي على ما بقي ولا يزكي على ما مات منها. قلت: فلو

كانت عنده ثلاثون شاة فورث قبل أن يأتيه الساعي بيوم عشرة من الغنم؟ فقال: لا زكاة عليه في شيء من هذه حتى يحول الحول من يوم أفاد العشرة. قلت: لم؟ فقال لي: لأن هذه الثلاثين لم تكن نصابا، ولأن الفائدة لم تكن ولادة الغنم، وإنما الفائدة ههنا غنم غير هذه ولا تشبه هذه الفائدة ما ولدت الغنم لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت له نصاب ماشية تجب فيها الزكاة، فلما كان قبل الحول بيوم رجعت إلى ما لا زكاة فيها، ثم أفاد من يومه ذلك ما إن ضمنه إليها كانت فيها الزكاة؟ فقال: لا زكاة فيها. قلت: لم؟ قال: لأن الفائدة ليست منها، ولأنها لما رجعت إلى ما لا زكاة فيها قبل أن يحول عليها الحول، فكأنه لم يكن له في الأصل غيرها. قلت: فإن لم يكن هلك منها قبل الحول شيء ولكنها حال عليها الحول فزكاها، ثم هلك بعضها فرجعت إلى ما لا زكاة فيها ثم أفاد قبل الحول من يوم زكاها ما إن جمعها إليها وجبت فيها الزكاة، أيضمنها إليها ويزكي جميعها أم لا؟ فقال: لا زكاة عليه فيها إذا انتقصت الأولى مما تجب فيه الزكاة بعدما زكاها أو قبل أن يزكيها، ولكنه يضم الأولى إلى الفائدة الآخرة ثم يستقبل بهما حولا من يوم أفاد الفائدة الآخرة، فإن جاء الحول وفيهما ما تجب فيها الزكاة زكاهما، وإن حال الحول وفيهما ما لا تجب فيه الزكاة ثم أفاد فائدة أخرى، ضم المالين جميعا إلى الفائدة الآخرة واستقبل بهذا المال كله حولا من يوم أفاد الفائدة الآخرة، وكذلك الدنانير والدراهم والإبل والبقر. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قتل والده فقضى له على عاقلة القاتل بمائة من الإبل فلم يقبضها إلا بعد أعوام، أيزكيها ساعة قبضها أم ينتظر حتى يحول عليها الحول من يوم قبضها؟ فقال: بل ينتظر حتى يحول عليه الحول من يوم قبضها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المرأة إذا تزوجت على إبل بأعيانها خمسين من الإبل فلم تقبضها حتى حال عليها الحول عند الزوج ثم قبضتها بعد الحول؟ فقال: عليها أن تزكيها وليست التي بأعيانها كالتي بغير أعيانها، لأن التي بغير أعيانها إنما ضمانها على الزوج وهذه التي بأعيانها قد ملكتها بأعيانها يوم عقدوا النكاح وضمانها منها وهذا رأيي، قال: وذلك أني سألت مالكا عن الرجل يتزوج المرأة بعبدين تعرفهما عنده فوجب النكاح ثم هلك الرأسان قبل أن تقبضهما ممن هلاكهما أمن الزوج أم من المرأة؟ فقال: بل من المرأة. قلت: أرأيت إن تزوجته على إبل بأعيانها أو على غنم بأعيانها أو على نخل بأعيانها فأثمرت النخل عند الزوج، وحال الحول على الماشية عند الزوج ثم قبضت المرأة ذلك من الزوج بعد الحول؟ فقال: عليها زكاتها حين تقبض ولا تؤخر حتى يحول الحول من يوم تقبض، وليس الإبل وما ذكرت إذا كانت بأعيانها مثل الدنانير، لأن هذه

الإبل وما ذكرت إذا كانت بأعيانها فتلفها من المرأة إن هي تلفت. قلت: أفتحفظ عن مالك أنه جعل عليها زكاتها إذا هي قبضتها، ولا يأمرها أن تنتظر بها حولا مثل ما أمر في الدنانير؟ فقال: لا أحفظه عن مالك، ولكن مالكا قال لي: إذا ورث الرجل غنما زكاها إذا حال الحول عليها، ولم يقل لي قبض أو لم يقبض. قال: وقال مالك في القوم يرثون الغنم وقد أقامت عند أبيهم حولا: إنه لا زكاة على أبيهم فيها وإنهم لا تجب عليهم فيها زكاة حتى يمر بها حول، فإذا مر بها حول كانوا بمنزلة الخلطاء ولم يقل قبضوا أو لم يقبضوا. وقال لي مالك في الدنانير، إذا هلك رجل وأوصى إلى رجل فباع تركته وجمع ماله، فكان عند الوصي ما شاء الله: إنه لا زكاة عليهم فيما اجتمع عند الوصي ولا فيما باع لهم ولا فيما نض في يديه من ذلك حتى يقتسموا ويقبضوا. ثم يحول الحول بعدما قبضوا. قال ابن القاسم: وهذا إذا كانوا كبارا. فإن كانوا صغارا كان الوصي قابضا لهم وكانت عليهم الزكاة من يوم نض ذلك في يد الوصي. قلت: فإن كانوا كبارا وصغارا فلا يكون على الصغار زكاة أيضا فيما نض في يد الوصي حتى يقاسم لهم الكبار، فإذا قاسم لهم الكبار كان الوصي لهم قابضا لحصتهم فيستقبل بحصتهم حولا من يوم قاسم الكبار، ويستقبل الكبار أيضا حولا من يوم قبضوا؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك ولكن قال مالك: ليس على الكبار زكاة حتى يقتسموا ويقبضوا، فإذا كانت المقاسمة بين الصغار والكبار كان ذلك مالا واحدا أبدا حتى يقتسموا، لأنه ما تلف منه من شيء فهو من جميعهم فلا يكون قبض الوصي قبضا للصغار إلا بعد المقاسمة إذا كان في الورثة كبار، فعلى هذا فقس كل فائدة يفيدها صغير أو كبير أو امرأة من دنانير أو دراهم. قلت: أرأيت لو أن رجلا ورث مائة دينار غائبة عنه فحال عليها أحوال كثيرة قبل أن يقبضها وهي عند الوصي. ثم قبضها، أعليه فيها الزكاة لما مضى؟ فقال: لا شيء عليه فيها ويستقبل بها حولا من يوم قبضها، إلا أن يكون وكل بقبضها أحدا فإن كان وكل بقبضها أحدا فزكاتها تجب عليه من يوم قبضها الوكيل، وإن لم تصل إليه بعد قبض الوكيل حتى حال عليها الحول فعليه فيها الزكاة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فلو ورث رجل ماشية تجب فيها الزكاة فحال عليها الحول قبل أن يقبضها وهي في يد الوصي، أعليه فيها الزكاة؟ فقال: نعم. قلت: فما فرق بين هذه الغنم والدنانير؟ فقال: لا تشبه الغنم الدنانير، لأن الغنم لو كانت لرجل وعليه دين يغترقها زكى الغنم، والدنانير إذ كانت لرجل وعليه دين يغترقها وليس له غيرها كان دينه فيها ولم يكن عليه الزكاة، والذي ورث الدنانير لا تصير الدنانير في ضمانه حتى يقبضها، فإنما تكون عليه فيما ورث من الدنانير زكاة إذا صارت الدنانير في ضمانه ويحول عليها بعد ذلك حول، فأما ما لم تصر في ضمانه فلا زكاة عليه فيها، ومما يبين لك أيضا الفرق بينهما: أن

الرجل لو ورث مالا ناضا غائبا عنه لم يكن ينبغي أن يزكي عليه وهو غائب عنه، خوفا أن يكون صاحبه الذي ورثه مديانا أو يرهقه دين قبل محل السنة، والغنم لو ورثها وهي غائبة عنه أو حاضرة ثم لحقه دين لم يضع الدين عنه ما يجب فيها من الزكاة، فهذا يدلك أيضا وهو رأيي. قال ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد وربيعة: إنهما قالا: ليس في الإبل المفترقة صدقة إلا أن تضاف إلى إبل فيها الصدقة. وقال يحيى بن سعيد: أما زكاة الإبل والبقر والغنم فإنما تصدق جميعا في زمان معلوم وإن كان اشترى بعضها قبل ذلك بشهر.

في الرجل يموت بعدما حال الحول
على ماشيته ولم يأته المصدق ويوصي بزكاتها
قلت: أرأيت من له ماشية تجب فيها الزكاة فحال عليها الحول ولم يأته المصدق، فهلك رب الماشية وأوصى بأن يخرج صدقة الماشية فجاءه الساعي، أله أن يأخذ صدقة الماشية التي أوصى بها الميت؟ فقال: ليس للساعي أن يأخذ من الورثة الصدقة، ولكن على الورثة أن يفرقوها في المساكين وفيمن تحل لهم الصدقة الذين ذكر الله. قلت: لم لا يكون للمصدق أن يأخذ من الورثة الصدقة وقد أوصى بها الميت؟ فقال: لأن مالكا قال: إذا جاء المصدق وقد هلك رب الماشية فلا سبيل للمصدق على الماشية وإن كان الحول قد حال عليها قبل أن يموت ربها، قال مالك: وليست مثل الدنانير والدراهم فلما أوصى الميت بأن تخرج صدقتها، فإنما وقعت وصيته للذين ذكر الله في كتابه، الذين تحل لهم الصدقة وليس لهذا العامل عليها سبيل. قلت: أكان مالك يجعل هذه الوصية في الثلث؟ فقال: نعم. قلت: فابتدأ وصيته هذه في الماشية على الوصايا في قول مالك؟ فقال: لا، فقلت: لم؟ قال: لأن الزكاة لم تجب عليه إلا بإتيان الساعي، ولا يكون ذلك على من ورث وذلك أن المشتري والموهوب له والوارث كل مفيد، فلا زكاة عليهم في فائدة إلا أن يضاف ذلك إلى إبل أو بقر أو غنم تجب فيها الصدقة، تضاف الغنم إلى الغنم والبقر إلى البقر والإبل إلى الإبل، ولا تضاف الإبل إلى البقر ولا إلى الغنم ولا تضاف الغنم إلى الإبل والبقر، ولا تضاف البقر إلى الإبل والغنم، فإذا مات الرجل قبل أن يأتيه الساعي وأوصى بها فليست بمبدأة، وإنما تكون مبدأة في قول مالك ما قد وجب على الميت قبل موته مما فرط فيه، مثل الدنانير يموت الرجل وعنده دنانير أو دراهم قد وجبت فيها الزكاة فرط فيها، فليس على الورثة أن يؤدوا عن الميت زكاة الدنانير التي وجبت عليه إلا أن يتطوعوا بذلك أو يوصي بذلك الميت ولم يفرط في زكاة عليه، فإن أوصى بذلك الميت كان ذلك في رأس ماله مبدأ على ما سواه

من الوصايا وغيره. قال: فقلت لمالك: فالرجل يهلك ويترك عليه زكاة وعتق رقبة من ظهار أو قتل نفس، وقد أوصى الميت بأن يؤدى جميع ذلك بأيهم يبدأ إذا لم يحمل الثلث جميع ذلك؟ فقال: يبدأ بالزكاة ثم بالعتق الواجب من الظهار وقتل النفس، ولا يبدأ أحدهما على صاحبه ويبديان جميعا على العتق والتطوع، والعتق التطوع بعينه يبدأ على ما سواه من الوصايا.

الدعوى في الفائدة
قال: وسألت مالكا عن الرجل يأتيه المصدق وفي ماشيته ما تجب في مثلها الزكاة، فيقول إنما أفدتها منذ شهرين أو نحو ذلك أو أقل من ذلك؟ فقال مالك: إذا لم يجد أحدا يعلم ذلك غيره كان القول قوله وصدقه فيما قال ولم يأخذ منه شيئا.

في دفع الصدقة إلى الساعي
قلت: أرأيت مصدقا يعدل على الناس فأتى المصدق إلى رجل له ماشية تجب في مثلها الزكاة، فقال له الرجل قد أديت صدقتها إلى المساكين؟ فقال: لا يقبل قوله هذا، لأن الإمام عدل فلا ينبغي لأحد أن يمنعه صدقتها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم إذا كان الوالي مثل عمر بن عبد العزيز. قلت: أرأيت إذا حال الحول على ماشية الرجل عنده، أيجب عليه أن يزكيها أو ينتظر الساعي حتى يأتي؟ فقال: إن خفي عليه ذلك فليضعها موضعها إذا كان الوالي ممن لا يعدل، وإن كان من أهل العدل انتظره حتى يأتي، ولا ينبغي له أن يخرجها وإن كان ممن لا يعدل وخاف أن يأتوه ولا يقدر على أن يخفيها عنهم فليؤخر ذلك حتى يأتوه. قال: وقال مالك: إذا خفي لرب الماشية أمر ماشيته عن هؤلاء السعاة ممن لا يعدل فليضعها مواضعها إن قدر على ذلك، فإن أخذوها منه أجزأه، قال: وأحب أن يهرب بها عنهم إن قدر على ذلك. قال: وأخبرني مالك أن ابن هرمز كان إذا جاءت غنم الصدقة المدينة امتنع من شراء اللحم من السوق تلك الأيام. قال ابن مهدي عن سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أن أبا سعيد الخدري وسعد بن مالك وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو قالوا كلهم: يجزي ما أخذوا وإن فعلوا. قال ابن مهدي وقال إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير: يحتسب بما أخذ العاشر. قال ابن مهدي: وقال أنس والحسن: ما أعطيت في الطرق والجسور فهو صدقة. قال ابن وهب عن ابن لهيعة والليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عمن حدثه عن أنس بن مالك أنه قال: أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله، فقال يا رسول الله: إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال له رسول

في زكاة ماشية الخلطاء
قلت: ما الذي يكون الناس به في الماشية خلطاء؟ فقال: سألنا مالكا عن أهل القرية تكون لهم أغنام فإذا كان الليل انقلبت إلى دور أصحابها والدور مفترقة تبيت عندهم يحتلبونها ويحفظونها، فإذا كان النهار غدا بها رعاؤها أو راع واحد يجمعونها من بيوت أهلها. فانطلقوا بها إلى مراعيها فرعوها بالنهار وسقوها، فإذا كان الليل راحت إلى أربابها على حال مما وصفت لك أفترى هؤلاء خلطاء؟ فقال: نعم وإن افترقوا في المبيت والحلاب إذا كان الدلو والمراح والراعي واحدا، وإن افترقوا في الدور فأراهم خلطاء. قلت لابن القاسم: أرأيت إن فرقها الدلو فكان هؤلاء يسقون على ماء يمنعون منه أصحابهم وأصحابهم على ماء يمنعونهم منه؟ فقال: سمعت مالكا يقول: إذا كان الدلو والمراح والراعي واحدا، وإن تفرقوا في المبيت والحلاب فهم خلطاء، قال: والراعي عندي وإن كانوا رعاة كثيرين يتعاونون فيها فهم بمنزلة الراعي الواحد، وأما ما ذكرت من افتراق الدلو إذا كانت مجتمعة فذلك عندي بمنزلة المراح، مثل قول مالك لي: هي مجتمعة وإن فرقها الدلو بحال ما وصفت. قلت: فإن كان راعي هؤلاء أجرة عليهم خاصة، وراعي هؤلاء الآخرين أجرة عليهم خاصة إلا أن المسرح يجمعهم فيخلطون الغنم ويجتمعون في حفظها؟ فقال: قال مالك: هي بمنزلة الراعي الواحد إن كان أربابها جمعوها أو أمروهم بجمعها فجمعوها حتى كان المراح والدلو والمسرح واحدا فهم خلطاء وهو قول مالك. قلت: أرأيت إن اختلطوا في أول السنة وافترقوا في وسطها واختلطوا في آخر السنة؟ فقال: إذا اجتمعوا قبل انقضاء السنة بشهرين فهم خلطاء عند مالك، وقد وصفت لك ذلك في أول الكتاب. وإنما ينظر مالك في ذلك إلى آخر السنة ولا ينظر إلى أولها. قلت: فإن جمعها الدلو في أول السنة وفرقها في وسط السنة وجمعها في آخر

السنة؟ فقال: هذا بمنزلة ما وصفت لك من اجتماعهم وافتراقهم، وإنما ينظر مالك إلى آخر السنة ولا ينظر إلى أولها. قلت: أرأيت إن اجتمعت في آخر السنة لأقل من شهرين لأني سمعتك تذكر شهرين ونحوهما؟ فقال: إنما سألت مالكا عن الشهرين؟ فقال: أراهم خلطاء، ولم أسأله عن أقل من ذلك، وأنا أرى أنهم خلطاء في أقل من الشهرين ما لم يتقارب الحول ويهربا فيه إلى أن يكونا خليطين فرارا من الزكاة، وما نرى أنه نهى عن مثله في حديث عمر بن الخطاب. قلت: والفحل إن فرقها في بعض السنة وجمعها في آخرها بمنزلة ما وصفت في قول مالك؟ فقال: نعم إذا كان الدلو والمراح واحدا. قلت: أرأيت إن جمع هذه الغنم الدلو والفحل والراعي وفرقها المبيت هذه في قرية وهذه في قرية أخرى، أتراهم خلطاء في قول مالك؟ فقال: نعم كذلك قال لي فيها مالك. قلت: وترى هذه الغنم وإن فرقتها هذه القرى في مراح واحد؟ فقال: نعم هي بمنزلة المراح الواحد، وقد قال لي مالك: وإن فرقها المبيت فهم خلطاء. قلت: فأرى مالكا قد ضعف المبيت؟ فقال: نعم كذلك قال مالك. قلت: فإن جمعها المراح والراعي والمبيت، والفحل وفرقها الدلو؟ فقال ابن القاسم: وكيف يفرقها الدلو؟ قلت: يكون جميعها في مراحها وراعيها وفحلها واحدا في موضع واحد، حتى إذا كان يوم سقيها أخذ هؤلاء ماشيتهم فسقوها على مائهم، وأخذ هؤلاء ماشيتهم فسقوها على مائهم ثم جمعوها بعد ذلك، فكانوا في جميع الأشياء كلها خلطاء لا تفترق الغنم إلا في يوم ورودها، فقال: أراهم على ما قال لي مالك في المراح أنهم خلطاء، وهذا أهون عندي من تفرقة المبيت فأراهم خلطاء. قلت: فأين قولهم في الدلو والفحل والمراح والراعي؟ فقال إنما أريد بهذا الحديث فيما يظن ليعرف به أنهم خلطاء وأنهم متعاونون وأن أمرهم واحد ولم يريدوا بهذا الحديث إذا انخرم منه شيء أن لا يكونوا خلطاء. قلت: أفتحفظ هذا التفسير من مالك؟ قال: لا، ولكن هذا رأيي، وقال مالك: الخليطان في البقر بمنزلة الخليطين، في الغنم. قال: وسألت مالكا عن الخليطين يتخالطان بغنمهما قبل أن يحول الحول بشهرين أو ثلاثة، أيكونان خليطين أم لا يكونان خليطين إلا أن يتخالطا من أول السنة؟ فقال: نعم هما خليطان وإن لم يتخالطا إلا قبل أن يأتيهما الساعي بشهرين أو نحو ذلك، وقد يتخالط الناس قبل محل السنة بشهرين أو ما أشبه هذا، فإذا خلطوا رأيتهم خلطاء ويأخذ منهم المصدق الزكاة زكاة الخلطاء إذا أتاهم وهم خلطاء، وإن كان ذلك بعد شهرين من يوم خلطوا.
قلت: أرأيت الخليطين إذا بلغت إبلهما عشرين ومائة، أيأخذ منها المصدق حقتين؟ فقال: نعم. قلت: فإن كان لأحدهما خمسة من الإبل وللآخر خمسة عشر ومائة من الإبل كيف يترادان؟ قال: ينظر إلى قيمة الحقتين كم ذلك فإن كان قيمتهما مائتي درهم نظر إلى الخمس التي لأحد الرجلين من الإبل ما هي من الجميع، فوجدناها ربع

السدس وهو نصف جزء من اثني عشر جزءا فتقسم قيمة الحقتين على أربع وعشرين جزءا، فما أصاب جزءا من أربعة وعشرين جزءا من قيمة الحقتين فهو على صاحب الخمسة، وما أصاب ثلاثا وعشرين جزءا من أربع وعشرين جزءا من قيمة الحقتين فهو على صاحب الخمسة عشر ومائة، فعلى هذا الحساب يتراد الخليطان، قال: وهذا قول مالك. قال: وقال مالك: إذا كان لرجل تسع من الإبل ولخليطه خمس كانت على صاحب الخمس شاة وعلى صاحب التسع شاة، وكان يقول: لو أمرتهما يترادان لغرم صاحب الخمسة أقل من شاة، ثم رجع فقال لا أرى ذلك. قال مالك: وأراهما خليطين يترادان وإن صار على صاحب الخمسة أقل من شاة، لأن ذلك تفسير قول عمر بن الخطاب. قال مالك: وإنما يكونان خليطين إذا كان في ماشية كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة، فإن كان في ماشية أحدهما ما تجب فيه الزكاة ولم يكن في ماشية الآخر ما تجب فيه الزكاة، فليسا بخليطين إنما ينظر المصدق إلى الذي في ماشيته ما تجب فيه الزكاة فيأخذ منه الزكاة ويترك الذي ليس له ما تجب فيه الزكاة، ولا يحسب المصدق ماشية الذي لم تبلغ ما تجب فيه الصدقة عليه ولا على صاحبه ولا يعرض لهما. قال: فقلت لمالك: فإن كانت غنمهما كلها لا تجب فيها الصدقة، فتعدى المصدق فأخذ منها شاة وفي جميعها إذا اجتمعت ما تجب فيها الصدقة، أتراها على الذي أخذت من غنمه خاصة أو على عدد الغنم؟ قال: بل أراها على عدد الغنم يترادان فيها على عدد غنمهما. قلت: فإن كانوا ثلاثة: لواحد أربعون وللآخر خمسون وللآخر واحدة فأخذ الساعي منهم شاة وهم خلطاء؟ فقال: من كان منهم له دون الأربعين فلا شيء عليه والشاة على صاحب الأربعين والخمسين على تسعة أجزاء وكذلك قال مالك: قلت: فإن أخذ الساعي شاة صاحب الشاة في الصدقة؟ قال: يرجع بها على شريكيه على صاحب الخمسين بخمسة أتساعها، وعلى صاحب الأربعين بأربعة أتساعها فيأخذها منهما. قلت: فإن كانا خليطين لواحد عشرة ومائة وللآخر إحدى عشرة فأخذ الساعي شاتين؟ فقال: يلزم كل واحد منهما على قدر ما لكل واحد منهما من الغنم، وإنما ذلك بمنزلة ما لو كان لكل واحد منهما عشرون عشرون فصارت أربعين فأخذ منها شاة، فهي عليهما جميعا ألا ترى أن صاحب العشرة ومائة لولا خلط صاحب الإحدى عشرة لم تكن عليه إلا شاة واحدة، فدخلت المضرة عليه منه كما دخلت على صاحبي الأربعين، أدخل كل واحد منهما على صاحبه المضرة فلزمهما جميعا، فكذلك لزم هذين، وأن الثلاثة الذين لأحدهم أربعون وللآخر خمسون وللآخر واحدة لم يدخل صاحب الواحدة عليهما مضرة، لأن كل واحد منهما لو كان وحده كان عليه فرض الزكاة، فلما خلطا لم يكن عليهما إلا شاة فلم تدخل عليهما من صاحب الشاة مضرة، وكذلك لو كانا اثنين: لواحد أربعون ولآخر ثلاثون فأخذ

المصدق منهما شاة، فإنما هي على صاحب الأربعين وليس على صاحبه شيء لأن الفرض كان على صاحب الأربعين ولم يدخل عليه بصاحبه مضرة.
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة على إبل أو بقر أو غنم بأعيانها فتمكث في يد الزوج حتى يحول على الماشية الحول قبل أن يدفع ذلك إلى المرأة، ثم يطلقها قبل البناء بها وقبل أن يأتيهم الساعي؟ فقال: إذا أتاهم المصدق فإنه إن أصابها مجتمعة وفيها ما تجب فيه الزكاة في حظ كل واحد منهما أخذ منها زكاة الخليطين وإن أصابها وفي حظ الزوج ما لا تجب فيه الزكاة وفي حظ المرأة ما لا تجب فيه الزكاة، وهي إذا اجتمعت كان فيها الزكاة وهي مجتمعة فلا سبيل للساعي عليهما، وإن كان الزوج والمرأة قد اقتسماها قبل أن يأتيهما الساعي ولم يفرقاها نظر، فإن كان في حظ أحدهما ما تجب فيه الزكاة، والآخر ما لا تجب في حظه الزكاة، لقلة عدد ما أخذ من الغنم لارتفاع قيمتها وفضلها على الأخرى لقلة قيمة الأخرى، زكى المصدق الذي تجب في عدد ماشيته الصدقة ولم يزك ماشية الآخر. قال: وإنما كان على الزوج الزكاة فيما رجع إليه من هذه الماشية، ولم يجعل ما رجع إليه منها فائدة لأنه كان له فيها شريك، ويستدل على شركته في الغنم أن الغنم لو ماتت قبل أن يطلق امرأته ثم طلقها، لم يلزمها غرم شيء من الغنم، ولو مات بعضها وبقي بعض كان له نصف ما بقي، ولو نمت أضعاف عددها قبل أن يطلقها ثم طلقها أخذ نصف جميع ذلك، فإنما أخذ ذلك بالشرك الذي كان له فيها قبل أن يطلقها كأنهما كانا شريكين. قال: وكذلك قال لي مالك فيما أصدق الرجل المرأة من العروض والحيوان والدنانير: إنه شريك لها في ذلك في النماء والنقصان، إلا ما باعت من ذلك أو اشترت للتجارة من صداقها أو لغير ما تجهزت به من صداقها، فإن ذلك لها نماؤه وعليها نقصانه إن نقص أو تلف، قال: والمسألة الأولى عنده مثل هذا.
قلت: أرأيت إن كان رجل خليطا لرجل في غنم وله غنم أخرى ليس له فيها خليط؟ قال: سألنا مالكا عنها فقلنا له: ما تقول في رجل له أربعون شاة مع خليط له ولخليطه أيضا أربعون شاة، وله في بلاد أخرى أربعون شاة ليس له فيها خليط؟ فقال: يضم غنمه التي ليس له فيها خليط إلى غنمه التي له فيها خليط، فيصير في جميع غنمه خليطا يصير عليه ثلثا شاة في الثمانين، ويصير على صاحبه ثلث شاة في الأربعين، وهكذا يتراجعان في هذا الوجه كله. قال أشهب: قال عمر بن الخطاب: وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ذكره أشهب عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال ابن القاسم وأخبرنا مالك أنه قرأه في كتاب عمر بن الخطاب فهما خليطان. قال ابن وهب وأشهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر، أنه أخبره أن هذا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في صدقة

الغنم، ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا إلا أن يشاء المصدق، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية1. قال ابن وهب: وإن يونس بن يزيد ذكره عن ابن شهاب عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك. قال ابن وهب: وإن الليث أخبره أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: الخليطان في المال لا يفرق بينهما في الصدقة، وهو ما اجتمع على الفحل والراعي والحوض، وإن الليث ومالكا قالا: الخليطان في الإبل والبقر والغنم سواء. قال ابن وهب: وإن مالكا قال: إذا كان الحوض والدلو والراعي والمراح والفحل واحدا فهما خليطان. قال ابن وهب عن مالك قال: لا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة فإن كان لأحدهما ما لا تجب فيه الصدقة كانت الصدقة على الذي له ما تجب فيه الصدقة ولم يكن على الآخر شيء، وإن كان لأحدهما ألف شاة أو أقل وللآخر أربعون شاة أو أكثر كانا خليطين يترادان الفضل بينهما بالسوية. قال ابن وهب: وإن أبا بكر عبد الله بن يزيد بن هرمز وعبد العزيز بن أبي سلمة قالا مثل قول مالك. قال ابن وهب: وقال مالك: تفسير لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، إنما يعني بذلك أصحاب المواشي وذلك أن ينطلق النفر الثلاثة الذين لكل واحد منهم أربعون شاة، وقد وجب على كل واحد منهم في غنمه الصدقة فيجمعونها إذا أظلهم المصدق لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة فنهوا عن ذلك. قال مالك: وتفسير ولا يفرق بين مجتمع، أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما في ذلك ثلاث شياه، فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة، فنهوا عن ذلك فقيل لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة وهذا الذي سمعت في ذلك.
ـــــــ
1 المصدر السابق.

في الغنم يحول عليها الحول فيذبح صاحبها منها ويأكل ثم يأتيه الساعي
قال : وقال مالك: لو أن رجلا كانت عنده غنم فحال عليها الحول فذبح منها وأكل، ثم إن المصدق أتاه بعد ذلك وقد كان حال الحول عليها قبل أن يذبح: إنه لا ينظر إلى ما ذبح ولا إلى ما أكل بعدما حال عليها الحول، وإنما يصدق المصدق ما وجد في يديه ولا يحاسبه بشيء مما مات أو ذبح فأكل. قال ابن وهب عن ابن أبي ذئب: ألا ترى أن ابن شهاب قال: إذا أتى المصدق فإنه ما هجم عليه زكاه، وإن جاء وقد هلكت الماشية فلا شيء له. قال ابن وهب: وقال ابن شهاب: ألا ترى أنها إذا ثنيت لا يكون إلا من بقية المال، أولا ترى إلى حديث ابن أبي الزناد عن أبيه عن السبعة أنه قال: كانوا يقولون: لا يصدق المصدق إلا ما أتى عليه لا ينظر إلى غير ذلك.

في الذي يهرب بماشيته عن الساعي
قال: وسألنا مالكا عن الرجل يهرب بماشيته من الساعي وشاؤه ستون شاة، فتقيم ثلاث سنين وهي على حالها، ثم يفيد بعد ذلك مائتي شاة فيضمها إليها فتقيم بذلك سنتين أو ثلاثا، ثم يأتي وهو يطلب التوبة ويخبر بالذي صنع من فراره عن الساعي ويقول ما ترون علي أن أؤدي؟ فقلت لمالك: ما الذي ترى عليه؟ فقال: يؤدي عن كل عام زكاة ما كان عنده من الغنم، ولا يؤدي عما أفاد أخيرا في العامين الآخرين لما مضى من السنين، وذلك أني رأيت مالكا إنما قال ذلك لي، لأن الذي فر كان ضامنا لها لو هلكت ماشيته كلها بعد ثلاث سنين، ولم يضع عنه الموت ما وجب عليه من الزكاة لأنه ضمنها حين هرب بها، وإن الذي يهرب لو هلكت ماشيته وجاءه المصدق بعد هلاكها لم يكن عليه شيء، فكما كان الذي هرب بها ضامنا لما هلك منها فما أفاد إليها فليس منها، وكما كان الذي لم يهرب لم يضمن ما مات منها فما ضم إليها فهو منها وهو أمر بين وقد نزلت هذه المسألة واختلفنا فيها، فسألنا مالكا عنها غير مرة فقال، فيها هذا القول، وهو أحب ما فيها إلي. قلت: أرأيت من هرب بماشيته من المصدق وقد حال عليها الحول وقد تموت كلها، أيكون عليه زكاتها لأنه هرب بها من المصدق؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم.

زكاة الماشية يغيب عنها الساعي
قال ابن القاسم، قلنا لمالك: لو أن إماما شغل فلم يبعث المصدق سنين كيف يزكي إذا جاء؟ قال: يزكي السنين الماضية كل شيء وجده في أيديهم من الماشية لما مضى من السنين على ما وجد بين أيديهم. وقال مالك: إذا كانت غنم لرجل فغاب عنها الساعي خمس سنين فوجدها حين جاءها ثلاثا وأربعين، أخذ منها أربع شياه لأربع سنين وسقطت عن ربها سنة، لأنه حين أخذ منها أربع شياه لأربع سنين صارت إلى أقل مما فيه الزكاة فلا زكاة عليه فيها، وإن كانت قبل ذلك مائتين من الغنم لم يضمن له شيئا مما تلف منها. قلت: أرأيت إن كانت خمسا من الإبل فمضى لها خمس سنين لم يأته فيها الساعي فأتاه بعد الخمس سنين؟ فقال: عليه خمس شياه. قلت: لم يكن عليه خمس شياه ولم تجعل في الغنم حين صارت إلى ما لا زكاة فيها شيئا؟ فقال: لأن الإبل في هذا خلاف الغنم، الإبل زكاتها من غيرها، الإبل ههنا إنما زكاتها في الغنم والغنم إنما زكاتها منها، فلما رجعت الغنم إلى ما لا زكاة فيها حين أخذ المصدق منها ما أخذ لم يكن له عليها سبيل، وهذا كله قول مالك. قلت: فلو كانت لرجل ألف شاة. قضى لها خمس سنين لم يأته المصدق فيها وهي ألف شاة على حالها، فلما كان قبل أن يأتيه

الزناد: وهي السنة والأمر عندنا أن المصدق لا يصدق إلا ما أتى عليه ووجد عنده من الماشية يوم يقدم على المال، لا يلتفت إلى شيء سوى ذلك. قال أشهب: قال أبو الزناد: وكان عمر بن عبد العزيز ومن كان قبله من الفقهاء يقولون ذلك.

في إبان خروج السعاة
قال: وقال مالك: سنة السعاة أن يبعثوا قبل الصيف وحين تطلع الثريا ويسير الناس بمواشيهم إلى مياههم، قال مالك: وعلى ذلك العمل عندنا، لأن ذلك رفق بالناس في اجتماعهم على الماء وعلى السعاة لاجتماع الناس.

في زكاة الماشية المغصوبة
قلت: أرأيت لو أن رجلا غصبت ماشيته أو ظلمها ثم ردت عليه بعد أعوام، أيكون عليه الزكاة لتلك الأعوام أو لعام واحد، أم لا زكاة عليه فيها ويستقبل بها حولا؟ فقال: إذا غصبها أو ظلمها ثم ردت عليه بعد أعوام، لم يزكها إلا زكاة عام لعام لواحد. قال أشهب وابن القاسم أيضا: إنه وإن غصبها فلم تزل ماله، فما أخذت السعاة منها أجزأ عنه، فأرى إذا ردت عليه ولم يأخذ السعاة منها شيئا أن يزكيها لما مضى من السنين على ما توجد عليه عنده، وليس هو بمنزلة المال العين ألا ترى أنهما يختلفان في غير هذا، يختلفان في الذي عليه الدين أو لا ترى أيضا لو أن امرأ غصب حائطه فأثمر سنين في يدي مغتصبه ثم رد عليه وما أثمر، لكانت عليه صدقة ما رد عليه، فكذلك صاحب الماشية عليه صدقة ماشيته إذا ردت عليه لما مضى من السنين لأنه ماله بعينه والصدقة تجزئ فيه، وليست بمنزلة العين إذا اغتصبه عاد ليس بمال له وصار المغتصب غارما لما اغتصب. قال سحنون: والعين هو الضمار الذي يرد زكاته الدين فهذا فرق ما بينهما وقد قاله عبد الرحمن أيضا.

ما أخذ الساعي في قيمة زكاة الماشية
قال: وسمعت مالكا قال في رجل أجبر قوما وكان ساعيا على أن يأخذ منهم دارهم فيما وجب عليهم من صدقتهم؟ فقال: أرجو أن تجزي عنهم إذا كان فيها وفاء لقيمة ما وجب عليهم وكانت عند محلها، وإنما أجزأ ذلك لأن الليث بن سعد ذكره عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول: من الناس من يكره اشتراء صدقة ماله، ومنهم من لا يرى به بأسا. قال سحنون: فكيف بمن أكره.

في اشتراء الرجل صدقته
قال: وقال مالك: لا يشتري الرجل صدقة حائطه ولا زرعه ولا ماشيته. قال سحنون: ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله كرهوا ذلك.

في زكاة النخل والثمار
قلت: أرأيت النخل والثمار كيف تؤخذ منها صدقتها؟ فقال: إذا أثمر وجد أخذ منها المصدق عشره إن كان يشرب سيحا أو تسقيه السماء بعلا، وإن كان مما يشرب بالغرب أو دالية أو سانية فيه نصف العشر، قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم. قلت: فالكرم أي شيء يؤخذ منه؟ فقال: خرصه زبيبا. قلت: وكيف يخرص زبيبا؟ فقال: قال مالك: يخرص عنبا ثم يقال ما ينقص من هذا العنب إذا تزبب فيخرص نقصان العنب، وما يبلغ أن يكون زبيبا فذلك الذي يؤخذ منه. قال: وكذلك النخل أيضا يقال ما في هذا الرطب، ثم يقال ما فيه إذا جف وصار تمرا، فإذا بلغ تمره خمسة أوسق فصاعدا كانت فيه الصدقة. قلت: وهذا كله الذي سألتك عنه في الثمار هو قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كان لا يكون هذا النخل تمرا ولا هذا العنب زبيبا؟ فقال: يخرص، فإن كان في تمره خمسة أوسق أخذ من ثمنه، وإن بيع بأقل مما تجب فيه الزكاة بشيء كثير أخذ منه العشر، وإن كان مما تسقي السماء والعيون والأنهار ففيه العشر من الثمن، وإن كان مما يسقيه السواني ففيه نصف العشر. قال: وإن كان إذا خرص لا يبلغ خرصه خمسة أوسق وكان ثمنه إذا بيع أكثر مما يجب فيه الزكاة بأضعاف، لم يؤخذ منه شيء وكان فائدة لا تجب على صاحبه فيه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم يقبضه. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم. قال: وسئل مالك عن نخل يكون بلحا لا يزهى هذا شأنها، كذلك يباع ويؤكل أترى فيها الزكاة؟ فقال: نعم إذا بلغ خرصها خمسة أوسق، فقيل له: في ثمرها أو في ثمنها؟ فقال: بل في ثمنها وليس في ثمرها. قال: وسألت مالكا عن الرجل يكون حائطه برنيا يأكله، أيؤخذ منه أم يؤدي من وسط التمر؟ فقال: بل يؤخذ منه ولا يؤخذ من وسط التمر، قال: فقلت لمالك: أرأيت إن كان كله جعرورا أو مصران الفأرة أيؤخذ منه أو من وسط التمر؟ فقال: بل يؤخذ منه ولا يؤخذ من وسط التمر، ولا يلزمه أن يشتري له أفضل مما عنده، قال: وإنما رأيت مالكا يأمر بأن يؤخذ من وسط التمر إذا كان الحائط أصنافا من التمر، فقال: يؤخذ من وسط التمر. قال أشهب عن الليث بن سعد وابن لهيعة، إن بكيرا حدثهم عن بسر بن سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الزكاة فيما سقت السماء والبعل، وفيما سقت العيون العشر، وفيما سقت السواني نصف العشر. قال ابن وهب عن محمد بن عمرو عن عبد الملك بن عبد العزيز عن ابن

شهاب، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد حين استعمله على مكة، فقال: "أخرص العنب كما تخرص النخل ثم خذ زكاتها من الزبيب كما تأخذ زكاة التمر من النخل1". قال ابن وهب: وأخبرني عبد الجليل بن حميد اليحصبي، أن ابن شهاب حدثه، قال: حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] قال: هو الجعرور ولون حبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة, قال ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج: أن عمر بن عبد العزيز كتب أن يؤخذ البرني من البرني ويؤخذ اللون من اللون، ولا يؤخذ البرني من اللون وأن يؤخذ من الجرين ولا يضمنوها الناس. ابن وهب عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صدقة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق2".
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الزكاة باب 17. النسائي في كتاب الزكاة باب 100.
2 رواه مسلم في كتاب الزكاة حديث 6,5,4, النسائي في كتاب الزكاة باب 23,21. الدارمي في كتاب الزكاة باب 11. أحمد في مسنده "3/98,73,59".

في الرجل يخرص عليه نخله ثم يموت قبل أن يجد
قلت: أرأيت رجلا خرصت عليه ثمرة كرمه أو نخله فمات قبل أن يبلغ، أو يجد، وقد خرصت عليه عشرة أوسق فمات قبل بلوغ الثمرة، فصار في ميراث الورثة في حظ كل واحد منهم ما لا تجب فيه الصدقة؟ فقال: إذا خرصت فقد وجبت فيها الزكاة، ولا ينظر في هذا إلى موت الرجل ولا إلى حياته، لأنها إذا خرصت فقد وجبت فيها الصدقة. قلت: فمتى تخرص؟ فقال: إذا أزهت وطابت وحل بيعها خرصت، وأما قبل أن تزهي فلا تخرص. قلت: فإن مات ربها قبل أن تخرص وبعد أن أزهت، وحل بيعها، فمات ربها فصار في حظ الورثة لكل واحد منهم ما لا تجب فيه الزكاة؟ فقال: إذا أزهت وطابت وحل بيعها وإن لم تخرص، فقد وجبت فيها الزكاة مات ربها أو لم يمت فالزكاة لازمة في الثمرة، وإن لم يصر لكل وارث إلا وسق وسق، وإنما ينظر في هذا إلى الثمرة إذا أزهت وطابت ولا ينظر إلى الخرص، فإذا أزهت وطابت ثم مات صاحبها فقد وجبت فيها الصدقة ولا يلتفت إلى ما يصير للورثة. قلت: وجميع هذا قول مالك؟ فقال: نعم. قلت: فإن مات رب النخل والكرم قبل أن يزهي الرطب ويطيب العنب، فصار لكل وارث ما لا تجب فيه الصدقة؟ فقال: لا شيء عليهم إلا من بلغت حصته ما تجب فيها الصدقة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

ما جاء في الخرص
قول مالك؟ قال: نعم. قلت: والنخل متى يخرص؟ فقال: إذا أزهت وطابت وحل بيعها خرصت، وأما قبل أن تزهي فلا يخرص. قلت: أرأيت من لم يبلغ ما في نخله خمسة أوسق أيخرص أم لا؟ فقال: قال مالك: لا يخرص, قلت: هل يترك الخراص لأصحاب الثمار مما يخرصون شيئا لمكان ما يأكلون أو لمكان الفساد؟ فقال: قال مالك: لا يترك لهم شيء من الخرص وإن لم يكن في الخرص إلا خمسة أوسق أخذ من الخمسة ولم يترك لهم شيء. قلت: فإن خرص الخارص أربعة أوسق فجد فيه صاحب النخل خمسة أوسق؟ فقال: قال مالك؟ أحب إلي أن يؤدي زكاته، قال: لأن الخراص اليوم لا يصيبون فأحب إلي أن يؤدي زكاته قبل أن يؤكل أول شيء منها، قال: وكذلك في العنب. قال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص ثمار النخل حين يطيب أول شيء منه قبل أن يؤكل شيء منه، ثم يخير اليهود أيأخذونها بذلك الخرص أو يدفعونها إليه. قال ابن شهاب: وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالخرص، لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمرة وتفرق فكانوا على ذلك

زكاة الزيتون
قال ابن القاسم: وقال مالك بن أنس: والزيتون لا يخرص ويؤمن عليه أهله كما يؤمنون على الحب، فإذا بلغ ما رفعوا منه خمسة أوسق لكل إنسان منهم أخذ من زيته، فإن كان زيتونا لا يكون فيه زيت وليس فيه زيت مثل زيتون مصر ففي ثمنه على حساب ما فسرت لك في النخل والكرم. قلت: فإن كان هذا الزيتون مما يكون فيه الزيت فباع الزيتون قبل أن يعصر؟ قال: يؤخذ من صاحبه زيت مثل عشر ما كان يخرج منه من الزيت أو نصف العشر يأتي به، كذلك إن باع نخله رطبا إذا كان نخلا يكون تمرا أو كرمه عنبا إذا كان كرمه يكون زبيبا، فعليه أن يأتي بزكاة ذلك تمرا أو زبيبا. قال: وهذا إذا كان نخلا أو عنبا أو زيتونا يكون زبيبا وتمرا وزيتا، فأما ما لا يكون زبيبا ولا تمرا ولا زيتا فإنما عليه عشر ثمنه أو نصف عشر ثمنه إذا بلغ خمسة أوسق، وهذا مخالف للذي يكون تمرا أو زبيبا أو زيتا. قال ابن مهدي عن سفيان الثوري عن عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة: قال: عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه إنما أخذ من الحنطة والشعير والزبيب والتمر. قال ابن مهدي عن سفيان الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مثله وزاد فيه والسلت. قال ابن مهدي عن عمران عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مثله، وزاد فيه والزيتون عن نفسه. قال ابن وهب عن عمران عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري بمثل قول ابن عباس. قال ابن مهدي عن سفيان عن الأوزاعي عن الزهري أنه قال: في الزيتون زكاة.

زكاة الخلطاء في الثمار والزرع والأذهاب
قال: وقال مالك بن أنس في الشركاء في النخل والزرع والكرومات والزيتون والذهب والورق والماشية: لا يؤخذ من شيء منه الزكاة حتى يكون لكل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة، وإن كان مما يخرص فخمسة أوسق في حظ كل واحد منهم، وإن كان مما لا يخرص فخمسة أوسق، فإن صار في حظ كل واحد منهم ما لا تجب فيه الزكاة لم يلزمه الزكاة.

في زكاة الثمار المحبسة والإبل والأذهاب
قال: وقال مالك: تؤدى الزكاة عن الحوائط المحبسة لله، وعن الحوائط المحبسة على قوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم. فقلت لمالك: فرجل جعل إبلا له في سبيل الله فحبس رقابها وحمل على نسلها، أتؤخذ منه الصدقة كما تؤخذ من الإبل التي ليست محبسة؟ فقال: نعم فيها الصدقة. قلت لمالك: أو قيل له فلو أن رجلا حبس مائة دينار موقوفة يسلفها الناس ويردونها على ذلك جعلها حبسا هل ترى فيها زكاة؟ فقال: نعم أرى فيها زكاة. قلت له: فلو أن رجلا جعل مائة دينار في سبيل الله تفرق أو على المساكين، فحال عليها الحول هل تؤخذ منها الزكاة؟ فقال: لا هذه كلها تفرق وليست مثل الأولى، وكذلك البقر والإبل والغنم إذا كانت في سبيل الله تفرق أو تباع فتقسم أثمانها فيدركها الحول قبل أن تفرق فلا يؤخذ منها زكاة لأنها تفرق ولا تترك مسبلة، وهو رأيي في الإبل إذا أمر أن تباع ويفرق ثمنها مثل قول مالك في الدنانير. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر: أنه قال في النخل التي هي صدقة رقابها: إن فيها الصدقة تخرص كل عام مع النخل، قال أشهب: وقال مالك بن أنس ذلك. قال: وقد تصدق عمر بن الخطاب وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصدقة تؤخذ من صدقاتهم.

في جمع الثمار بعضها إلى بعض في الزكاة
قال: وقال مالك: يجمع الثمر كله في الزكاة بعضه إلى بعض، ويجمع العنب كله بعضه إلى بعض. قال: وقال مالك: وإن كانت كرومه متفرقة في بلدان شتى جمع بعضها إلى بعض، قال: وكذلك الغنم وجميع الماشية، قال: وكذلك الحب.

في الرجل يجد نخله أو يحصد زرعه قبل أن يأتيه المصدق ثم يتلف
قلت: أرأيت النخل يجد الرجل منها خمسة أوسق فصاعدا، أو الأرض يرفع منها

في زكاة الزرع
قلت: أرأيت إن استأجرت أرضا من أرض الخراج، أعلي من العشور شيء وهل فيما أخرجت الأرض من عشر؟ قال: قال مالك: نعم فيها العشر على المتكاري الزارع. قال: وقال مالك بن أنس: من كان عليه في أرضه الخراج أو زرع في أرض غيره وهي أرض خراج، فعليه الزكاة مما خرج له من الأرض ولا يضع الخراج عنه زكاة ما أخرجت الأرض. قال مالك: ومن زرع زرعا في أرض اكتراها، فزكاة ما أخرجت الأرض على الزارع وليس على رب الأرض من زكاة ما أخرجت الأرض شيء.
قلت: أرأيت لو أن رجلا أخرجت أرضه طعاما كثيرا تجب فيه الزكاة فباعه، ثم أتى المصدق أله أن يأخذ من المشتري شيئا أم لا؟ فقال: لا، ولا سبيل له على المشتري، ولكن يأخذ من البائع العشر أو نصف العشر طعاما. قال ابن القاسم: فإن لم يجد المصدق عند البائع شيئا ووجد المصدق الطعام بعينه عند المشتري، أخذ المصدق منه الصدقة ورجع المشتري على البائع بقدر ذلك من الثمن. قال سحنون: وقد قال بعض كبار أصحاب مالك: ليس

على المشتري شيء لأن البائع كان البيع له جائزا وهو عندي أحسن. قلت: أرأيت إن باع رجل أرضه وزرعه وفي الأرض زرع قد بلغ، على من زكاته؟ قال: على البائع وهذا قول مالك. قلت: فإن باع أرضه وفيها زرع أخضر اشترطه المشتري على من زكاته؟ قال: على المشتري وذلك قول مالك. قلت: أرأيت إن أكريت أرضي من ذمي أو منحتها ذميا فزرعها، أيكون علي من العشر شيء في قول مالك؟ قال: لا شيء عليك لأن العشر إنما هو زكاة، وإنما الزكاة على من زرع وليس عليك أنت في ذلك شيء إذا لم تزرع، ألا ترى أنك لو لم تزرع لم يكن عليك شيء. قلت: أرأيت لو أني منحت أرضا وأجرتها من عبد فزرعها العبد، أيكون على العبد من عشرها شيء أم علي في قول مالك؟ فقال: لا شيء عليك ولا على العبد. قلت: أرأيت الصبي إذا منح أرضا فزرعها أو زرع أرض نفسه، أيكون عليه العشر في قول مالك؟ قال: نعم لأن الصغير في ماله الزكاة. قال ابن وهب عن سفيان الثوري ومعاوية بن صالح ويحيى بن أيوب وسعيد بن أبي أيوب عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: من أخذ أرضا بجزيتها لم يمنعه أن يؤدي عشورها ما يؤدي من الجزية، عليه أن يعطي عشر ما زرع وإن أعطى الجزية. قال ابن وهب: قال يحيى: وقال ربيعة: زكاة الزرع على من زرع وإن تكارى من عربي أو ذمي. قال ابن وهب: وقال يحيى بن سعيد مثله: وقال يونس: وقال ابن شهاب: لم يزل المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده يعاملون على الأرض ويستكرونها، ثم يؤدون الزكاة مما خرج منها فنرى أرض الجزية على نحو ذلك.

في زكاة الزرع الأخضر يموت صاحبه ويوصي بزكاته
قلت: أرأيت إن مات الميت والزرع أخضر فأوصى أن يؤدوا زكاته؟ فقال: تجعل زكاته في ثلثه ولا تبدأ على ما سواها من الوصايا، لأنها ليست بزكاة واجبة عليه وإنما هي وصية، قال: ولا تضع وصيته حين أوصى الميت أن يؤدوا الزكاة عنه فأدوها لا يضع ذلك عن الورثة أن تؤخذ منهم الزكاة، لأنه كان رجلا استثنى عشر زرعه لنفسه وما بقي لورثته. قلت: فإن كان في حظ الموصى لهم ما يجب فيه الزكاة أيزكي عليهم؟ قال: نعم. قلت: فإن كان في حظ كل وارث منهم وحده ما تجب فيه الزكاة زكى عليهم؟ قال: نعم. قلت: وإن لم يكن في حظ كل وارث وحده ما تجب فيه الزكاة لم يكن عليه شيء؟ فقال: نعم وإنما مثل ذلك مثل ما لو قال: عشر مالي لفلان فإنما هي وصية: جعل صاحب العشر شريكا للورثة. قلت: فهل ترجع المساكين الذين أوصى لهم الميت بزكاة زرعه على الورثة بما أخذ منهم المصدق إذا كان الثلث يحمل أن يرجع عليهم؟ فقال: لا. قلت: لم؟ قال: لأن المساكين لما قاسموا الورثة، صار الذي أخذوه كأنه شيء بعينه

أوصى لهم به، فلما استحق المصدق بعضه لم يرجعوا به على الورثة لأن الميت لو أوصى شيئا بعينه لرجل فاستحق لم يرجع على الورثة بقيمة ذلك الشيء. قلت أرأيت المساكين لم جعلت المصدق يأخذ منهم وهم إنما يصير لكل واحد مد مد أو مدان مدان، فلم أمرت المصدق أن يأخذ منهم وأمرته أن لا يأخذ من الورثة وما في يد كل وارث أكثر مما في يد كل مسكين؟ فقال: لأن الرجل أوصى بثمر حائطه قبل أن يبلغ، أو بزرع أرضه قبل أن يبلغ، أو أوصى به كله للمساكين لم تسقط زكاته، وإن لم يصر لكل مسكين إلا مد واحد، والورثة لا يشبهون المساكين في هذا، لأن الورثة حين ورثوه وهو أخضر كأنهم هم زرعوه، فإذا لم يبلغ حظ كل واحد منهم ما تجب فيه لم يكن عليهم فيه شيء، والمساكين الذين صار لهم إنما هو مال الميت والميت رجل واحد، فحظ المساكين على أصل المال كما كان عند الميت فإذا كان في ذلك ما تجب فيه الزكاة أخذ المصدق منه، لأن الوصية إنما هي مال للميت، وإنما يبين ذلك لك أيضا. لو أن رجلا قال: ثمرة حائطي سنتين أو ثلاثة للمساكين أخذت منه الصدقة ولا يشبه هذا ما أوصى به لرجل بعينه ولا ما يرثه الرجل بعينه، قال: لأن الذي أوصى به لرجل بعينه قبل أن يبدو صلاح الزرع، صار بمنزلة الورثة لأنه عليه العمل مع الورثة فقد استحق ذلك يوم مات الميت، والزرع أخضر والمساكين إنما يستحقون ذلك بعد بلوغه وسقيه وعمله بمنزلة الحبس، فحظ المساكين من ذلك هو على الأصل كما كان على الميت حتى يقبضوه. قال: وقد كانت أحباس عمر بن الخطاب وأصحاب النبي عليه السلام تؤخذ منها الزكاة.

في زكاة الزرع الذي قد أفرك واستغنى عن الماء يموت صاحبه
قلت: أرأيت إن زرع رجل زرعا فأفرك واستغنى عن الماء، فمات رب هذا الزرع ما قول مالك فيه؟ فقال: قال مالك. قد وجبت فيه الزكاة إذا أفرك واستغنى عن الماء إذا كان فيه خمسة أوسق فصاعدا أوصى به الميت أو لم يوص. قال مالك: وإذا مات ولم يفرك ولم يستغن عن الماء، فليست عليه فيه الزكاة والزكاة على من ورثه تؤخذ منهم على قدر مواريثهم، فمن كانت حصته تبلغ خمسة أوسق فصاعدا أخذت منه على حساب ذلك، ومن كانت حصته لا تبلغ خمسة أوسق فلا زكاة عليه فيه، لأنه لو كان هو زارعه فلم يبلغ ما يرفع خمسة أوسق لم يكن عليه فيه شيء.

بعض في الزكاة، والأرز والذرة والدخن لا تضم إلى الحنطة ولا إلى الشعير ولا إلى السلت. ولا يضم بعضها إلى بعض، ولا يضم الأرز إلى الذرة ولا إلى الدخن، ولا تضم الذرة أيضا إلى الأرز ولا إلى الدخن، ولا يضم الدخن إلى الذرة ولا إلى الأرز، ولا يؤخذ من الأرز ولا من الذرة ولا من الدخن زكاة حتى يكون في كل واحد منها خمسة أوسق، والقمح والسلت والشعير يؤخذ من جميعها إذا بلغ ما فيها خمسة أوسق يؤخذ من كل واحد منها بحساب ما فيه، والقطاني كلها الفول والعدس والحمص والجلبان واللوبيا وما ثبتت معرفته عند الناس أنه من القطاني، فإنه يضم بعضه إلى بعض فإذا بلغ جميعه خمسة أوسق أخذ من كل واحد منها بحصته من الزكاة. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية، أن عبد الله بن أبي بكر أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "في النخل والزرع قمحه وسلته وشعيره فيما سقى من ذلك كله بالرشا نصف العشر وفيما سقى بالعين أو كان عثريا تسقيه السماء أو بعلا لا يسقى العشر من كل عشرة واحد". قال: وليس في ثمر النخل صدقة حتى يبلغ خرصها خمسة أوسق، فإذا بلغت خمسة أوسق وجبت فيها الصدقة كما كتبنا صدقة البعل والسقي. قال ابن وهب عن عمر بن قيس عن عطاء بن أبي رباح: أنه كان يرى في القطنية الزكاة. قال ابن وهب: قال يحيى بن أبي أيوب: إن يحيى بن سعيد حدثه قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن يؤخذ من الحمص والعدس الزكاة. وقال يحيى بن سعيد: وإن ناسا ليرون ذلك. قال ابن وهب: قال الليث: قال ربيعة: لا نرى بأخذ الزكاة من القطنية بأسا، وذلك لأنها تجري في أشياء مما يدخر بمنزلة القمح والذرة والدخن والأرز. قال ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن ابن المسيب قال: قال الله {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]. قال ابن المسيب: هي الزكاة المفروضة وإن ناسا ليرون ذلك.

في زكاة الفجل والجلجلان
قلت: أرأيت الفجل هل فيه زكاة؟ قال: قال مالك: فيه الزكاة إذا بلغ حبه خمسة أوسق أخذ من زيته. قلت: فالجلجلان هل فيه الزكاة؟ قال: قال مالك: إذا كان يعصر أخذ من زيته إذا بلغ ما رفع منه من الحب خمسة أوسق، قال: وإن كان قوم لا يعصرونه وذلك شأنهم إنما يبيعونه حبا للذين يزيتوه للادهان ويحملونه إلى البلدان، فأرجو إذا أخذ من حبه أن يكون خفيفا.

في إخراج المحتاج زكاة الفطر
قلت: أرأيت من تحل له زكاة الفطر أيؤديها في قول مالك؟ قال: نعم. قلت:

في إخراج زكاة الفطر قبل الغدو إلى المصلى
قلت: متى يستحب مالك إخراج زكاة الفطر؟ فقال: قبل الغدو إلى المصلي، قال: فإن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين لم أر بذلك بأسا. قال مالك: ويستحب للرجل أن يأكل قبل غدوه إلى المصلى يوم الفطر. قال: وأخبرني مالك قال: رأيت أهل العلم يستحبون أن يخرجوا صدقة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر من قبل أن يغدوا إلى المصلى، قال مالك: وذلك واسع إن شاء أن يؤدي قبل الصلاة أو بعدها. قال مالك: وأخبرني نافع أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.

في إخراج المسافر زكاة الفطر
قلت: ما قول مالك فيمن هو من أهل إفريقية وهو بمصر يوم الفطر أين يؤدي زكاة الفطر؟ قال: قال مالك: حيث هو، قال مالك: وإن أدى عنه أهله بإفريقية أجزأه.

في إخراج الرجل زكاة الفطر عن عبده المكاتب وغيره
قال: وقال مالك: على الرجل أن يؤدي زكاة الفطر عن مكاتبه ولا يؤدي المكاتب عن نفسه. قلت: أرأيت العبد المعتق نصفه ونصفه رقيق كيف تؤدى عنه زكاة الفطر؟ قال: سألت مالكا عنها فقال: يؤدي الذي له نصفه نصف صدقة الفطر عن نصفه، وليس على العبد أن يؤدي النصف الآخر. قال: فقلنا له: لم لا يؤدي عن نصفه الآخر وهذا النصف حر؟ فقال: لأنه لا زكاة عليه في ماله، فلما كان لا زكاة عليه في ماله لم يكن عليه زكاة الفطر. قال: وسألنا مالكا عن العبد يكون بين الرجلين كيف يخرجان عنه زكاة الفطر؟ فقال: يخرج كل واحد منهما نصف صدقة الفطر. قلت: فإن كان لأحدهما سدس العبد وللآخر خمسة أسداسه، أفعلى الذي له السدس سدس الصدقة وعلى الذي

في إخراج الرجل زكاة الفطر عن رقيقه الذي اشترى للتجارة
قلت: هل علي في عبيدي الذين اشتريت للتجارة زكاة الفطر؟ قال: نعم. قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم إن كانوا مسلمين. قال: وقال لي مالك: من كان عنده رقيق للتجارة مسلمون فعليه فيهم صدقة الفطر. قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى عبدا للتجارة ولا يساوي مائتي درهم، أتكون عليه فيه زكاة الفطر؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في إخراج زكاة الفطر على العبد الآبق
قال: وقال مالك في العبد الآبق: إذا كان قريبا يرجو حياته ورجعته فليؤد عنه زكاة الفطر، وإن كان قد طال ذلك ويئس منه فلا أرى أن يؤدي عنه.

في إخراج زكاة الفطر عن رقيق القراض
قال: وسألنا مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا فيشتري به رقيقا فيحضر الفطر، على من زكاتهم أمن المال أم على صاحب المال؟ فقال: بل على صاحب المال. قال: وقال مالك: نفقة عبيد المقارضة من مال القراض. وقال أشهب بن عبد العزيز: وإذا بيع رقيق القراض نظر، فإن كان فيهم فضل نظر كم ذلك الفضل فإن كان يكون ربع المال أو ثلثه وقراضهم على النصف فقد صار للعامل نصف ربع العبد وهو ثمنه أو نصف ثلثه وهو سدس العبد، فيكون عليه من زكاة الفطر بقدر الذي صار له من العبد لأنه قد كان به شريكا يومئذ.

في إخراج زكاة الفطر عن العبد المخدم والجارح والمرهون
قلت: أرأيت الموصي برقبته لرجل وبخدمته لآخر على من زكاة الفطر فيه؟ قال: أرى ذلك على الذي أوصى له برقبته إذا قبل ذلك. وإنما هو عندي بمنزلة ما لو أن سيده أخدمه رجلا فأرى صدقة الفطر على سيده الذي أخدمه. قلت: أرأيت العبد يجني جناية عمدا فيها نفسه فلم يقتل حتى يوم الفطر والعبد عند سيده، أعليه فيه صدقة الفطر؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي، وذلك أن مالكا قال لي في هذا: النفقة على سيده فعلى هذا قلت لك وهو رأيي. قال: وقال مالك في العبد المرهون: نفقته على سيده الذي رهنه، وزكاة الفطر أيضا على سيده الذي رهنه.

في إخراج زكاة الفطر عن العبد يباع يوم الفطر
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع عبده يوم الفطر بعدما أصبح على من زكاة الفطر؟ فقال: سألت مالكا عنها فقال لي غير مرة: أراه على الذي ابتاعه إن كان ابتاعه يوم الفطر، ثم رجع عنه فقال: أراه على البائع ولا أرى على المبتاع فيه شيئا لأن الزكاة قد وجبت على البائع قبل أن يبيعه، قال: وهو أحب قوله إلي. قال: وسألت مالكا عن الرجل يبيع عبده يوم الفطر، على من زكاته أعلى البائع أم على المشتري؟ فقال: على البائع.

في إخراج زكاة الفطر عن العبد الذي يباع بالخيار
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع عبده قبل يوم الفطر بيوم، على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام أو المشتري بالخيار ثلاثة أيام فمضى يوم الفطر والعبد في يد المشتري ثم رده بعد يوم الفطر بالخيار الذي كان له، على من صدقة الفطر في هذا العبد؟ فقال: على البائع: رده بالخيار أو أمضى البيع، قلت: لم؟ قال: لأن العبد لو مات في هذه الثلاثة الأيام كان من البائع لأن ضمانه عندنا من البائع، فلما كانت نفقته على البائع رأيت صدقة الفطر فيه على البائع. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: الضمان في الثلاثة الأيام هي من البائع أيهما كان له الخيار. قال: وقال مالك في الجارية تباع فيتواضعانها للحيضة: إن النفقة على البائع حتى تخرج من الاستبراء، قال: والاستبراء عندي بمنزلة الخيار في هذا العبد الذي ذكرت. قال ابن القاسم: وصدقة الفطر في هذه الجارية ينبغي أن تكون في قول مالك على البائع، لأن مالكا قال: كل من ضمن الرجل نفقته فعليه فيه زكاة الفطر.

في إخراج زكاة الفطر عن العبد يباع بيعا فاسدا
قلت: أرأيت لو اشترى رجل عبدا بيعا فاسدا فمضى يوم الفطر وهو عند المشتري، ثم رده على سيده بعد يوم الفطر على من زكاة الفطر؟ فقال: على مشتريه لأن ضمانه كان من مشتريه يوم الفطر، ونفقته عليه فعليه زكاة الفطر. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: فلو أنه رده يوم الفطر على من صدقة الفطر؟ قال: على المشتري الذي رده. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي، مثل ما قال في البيع لأنه إذا باع عبده يوم الفطر فزكاته على البائع عند مالك.

في إخراج زكاة الفطر عن العبد الموروث
قلت: أرأيت لو ورث رجل عبدا فلم يقبضه حتى مضى يوم الفطر، أعلى الذي ورثه فيه زكاة الفطر أم لا؟ فقال: نعم، لأن نفقته كانت عليه، قال: وهذا رأيي، قال: ولو كانوا فيه شركاء كان على كل واحد منهم قدر حصته.

في إخراج زكاة الفطر عن الذي يسلم يوم الفطر
قال: وقال مالك: من أسلم قبل طلوع الفجر من يوم الفطر استحب له أن يؤدي زكاة الفطر، قال: والأضحى عندي أبين، أن ذلك عليه يعني الأضحية.

في إخراج زكاة الفطر عن المولود يوم الفطر
قال: وقال مالك: لا تؤدى الزكاة عن الحبل، قال: وإن ولد له يوم الفطر أو ليلة الفطر فعليه فيه الزكاة. قال: ومن أراد أن يعق عن ولده فإنه إن ولد له بعد انشقاق الفجر لم يحتسب بذلك اليوم وحسب سبعة أيام سواه بلياليهن ثم يعق يوم السابع ضحى، قال: وهي السنة في الضحايا والعقائق والنسك، قال: فإن ولد قبل طلوع الفجر احتسب بذلك اليوم لأنه قد ولده قبل طلوع الفجر.

في إخراج زكاة الفطر عمن يموت ليلة الفطر
قلت: أرأيت إذا انشق الفجر يوم الفطر وعند رجل مماليك وأولاد صغار وزوجة وأبوان قد ألزم نفقتهم، وخادم أهله فماتوا بعدما انشق الفجر يوم الفطر، أعليه فيهم صدقة الفطر أم تسقط عنه صدقة الفطر فيهم لما ماتوا؟ فقال: بل عليهم فيهم صدقة

فيمن لا يلزم الرجل إخراج زكاة الفطر عنه
No pages

فيمن يلزم الرجل إخراج زكاة الفطر عنه
قال: وقال لي مالك: كل من كان ولده جارية فعلى أبيها صدقة الفطر فيها حتى تنكح، فإذا نكحت فلا صدقة عليه فيها. قال: والنكاح عند مالك الدخول إلا أن يدعى الزوج إلى الدخول بها فلا يفعل فتلزمه النفقة، فإذا لزم الزوج النفقة صارت صدقة الفطر في هذه الجارية على الزوج، كذلك قال مالك: قال: والغلمان حتى يحتلموا، قال: ومن كان من هؤلاء له مال ورثه أو وهب له فلأبيه أن ينفق عليه منه وأن يؤدي عنه زكاة الفطر من ماله ويحاسبه في ذلك بنفقته إذا بلغ، فيأخذ ذلك من ماله إذا بلغ ويضحي عنه من ماله. قال مالك: ويؤدي الزوج عن امرأته من ماله صدقة الفطر وإن كان لها مال

فليس على المرأة أن تؤدي عن نفسها إذا كان لها زوج، إنما صدقة الفطر فيها على زوجها لأن نفقتها على زوجها. قال مالك: ويؤدي الرجل عن خادم امرأته التي لا بد لها من صدقة الفطر. قلت: فلو أن رجلا تزوج امرأة على خادم بعينها ودفعها إليها والجارية بكر أو ثيب، فمضى يوم الفطر والخادم عند المرأة ثم طلقها بعد ذلك قبل البناء بها، على من زكاة هذه الخادم؟ فقال: عليها إن كان الزوج قد منع من البناء بها لأنه مضى يوم الفطر وهي لها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت إن كانت هذه المرأة التي تزوجها على هذه الخادم بعينها هي بكر في حجر أبيها ولم يحولوا بين الزوج وبينها، وهذه الخادم ممن لا بد للمرأة منها فمضى يوم الفطر والخادم عند المرأة، ثم طلقها الزوج بعد يوم الفطر قبل أن يبني بها على من زكاة هذا الخادم؟ فقال: على الزوج. قلت: لم؟ قال: لأنها هي وخادمها نفقتهما على الزوج حين لم يحولوا بين الزوج وبين البناء بها، والخادم لما لم يكن لها منها بد كانت نفقتها أيضا على الزوج، فلما كانت نفقة الخادم على الزوج كانت زكاة الفطر في هذه الخادم على الزوج، لأنه كان ضامنا لنفقتها. قلت: فلو أنهم كانوا منعوا الزوج من البناء بها والمسألة على حالها؟ فقال: لا شيء على الزوج في الخادم ولا في المرأة في زكاة الفطر، على المرأة أن تزكي زكاة الفطر عن هذه الخادم وعن نفسها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم وهو رأيي، قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين ذكره نافع عن ابن عمر.

في إخراج زكاة الفطر عن أبويه
قال: وقال مالك: يؤدي الرجل عن أبويه إذا ألزم نفقتهما زكاة الفطر. قال: وسألت مالكا عن الأبوين إذا كان على الابن أن ينفق عليهما لحاجتهما أتلزمه أداء زكاة الفطر عنهما؟ فقال: نعم.

في إخراج زكاة الفطر عن عبيد ولده الصغار
قلت: أرأيت عبيد ولدي الصغار، أعلي فيهم صدقة الفطر إذا لم يكن لولده الصغار مال؟ فقال: إذا حبسهم لخدمة ولده لم يكن له بد من أن ينفق على العبيد، فإذا لزمت نفقتهم لزمه أن يؤدي صدقة الفطر عنهم إلا أن يؤاجرهم فيخرج صدقة الفطر عنهم من إجارتهم، وصدقة ولده أيضا إن شاء أخرجها من إجارة عبيده إن كانت للعبيد إجارة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال لنا مالك: كل من تلزم الرجل نفقته فعليه فيه زكاة الفطر، فمن ههنا أوجبت على هذا الرجل صدقة الفطر عن عبيد ولده الصغار إذا

في إخراج زكاة الفطر عن اليتيم
قال: وقال مالك: يؤدي الوصي زكاة الفطر عن اليتامى الذين عنده من أموالهم وإن كانوا صغارا، ويؤدي عن مماليكهم أيضا. قلت: أرأيت لو أن يتيما في حجري لست له بوصي وله في يدي مال أنفق عليه من ماله؟ قال: أرى أن يرفع ذلك إلى السلطان فينظر له السلطان، قال: فإن لم يفعل فأنفق عليه من ماله وبلغ الصبي نظر إلى مثل نفقة الصبي في تلك السنين، فصدق الرجل في ذلك. قال: فإن قال قد أديت صدقة الفطر عنه في هذه السنين أيصدق على ذلك؟ قال: نعم في رأيي. قلت: فإن كانوا في حجر الوالدة فهم بهذه المنزلة؟ قال: نعم.

في إخراج القمح والذرة والأرز والتمر في زكاة الفطر
قلت: ما الذي تؤدى منه زكاة الفطر في قول مالك؟ قال: القمح والشعير والذرة والسلت والأرز والدخن والزبيب والتمر والأقط. قال: وقال مالك: لا أرى لأهل مصر أن يدفعوا إلا القمح لأن ذلك جل عيشهم، إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فلا أرى بأسا أن يدفعوا شعيرا. قال مالك: وأما ما ندفع نحن بالمدينة فالتمر.

في إخراج القطنية والدقيق والتين والعروض في زكاة الفطر
قلت: أرأيت من كانت عنده أنواع القطنية يجزئه أن يؤدي من ذلك زكاة الفطر؟ قال: قال مالك: لا يجزئه ذلك. قلت: فإن كان في الذي دفع من هذه القطنية إلى المساكين قيمة صاع من حنطة أو قيمة صاع من شعير أو قيمة صاع من تمر؟ قال: لا يجزئه عند مالك. قال: وقيل لمالك: فالدقيق والسويق؟ قال: لا يجزئه. قلت: فالتين؟ قال: بلغني عن مالك أنه كرهه. قال: وأنا أرى أنه لا يجزئه أداء كل شيء من القطنية

في قسم زكاة الفطر
قلت: أرأيت زكاة الفطر هل يبعث فيها الوالي من يقبضها؟ فقال: قال مالك وسألناه عنها سرا فقال لنا: أرى أن يفرق كل قوم زكاة الفطر في مواضعهم، أهل القرى حيث هم في قراهم وأهل العمود حيث هم وأهل المدائن في مدائنهم، قال: ويفرقونها هم ولا يدفعونها إلى السلطان إذا كان لا يعدل فيها. قال: وقد أخبرتك في قول مالك: إذا كان الإمام يعدل لم يسع أحد أن يفرق شيئا من الزكاة ولكن يدفع ذلك إلى الإمام. قلت: أرأيت الوالي لو كان عدلا كيف يصنع بزكاة الفطر إذ رفعت إليه، أيفرقها في المدينة حيث هو أم يرد زكاة كل قوم إلى مواضعهم؟ قال: قال مالك: لا يدفع أهل القرى إلى المدائن إلا أن لا يكون معهم أحد يستوجبها فيدفعها إلى أقرب القرى إليه ممن يستوجبها، وإنما يقسم زكاة الفطر أهل كل قرية في قريتهم إذا كان فيها مساكين ولا يخرجونها عنهم. قال: وقال مالك: لا بأس أن يعطي الرجل صدقة الفطر عنه وعن عياله مسكينا واحدا. قال: وقال مالك: لا يعطى أهل الذمة ولا العبيد من صدقة الفطر شيئا.

في الذي يخرج زكاة الفطر ليؤديها فتتلف
قال ابن القاسم: من أخرج زكاة الفطر عند محلها فضاعت منه، رأيت أنه لا شيء عليه وزكاة الأموال وزكاة الفطر عندنا بهذه المنزلة إذا أخرجها عند محلها فضاعت أنه لا

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وسلم
كتاب الحج الأول

ما جاء في القران والغسل للمحرم
قلت لابن القاسم: أي ذلك أحب إلى مالك القران أم الإفراد بالحج أم العمرة؟ قال: قال مالك: الإفراد بالحج أحب إلي. قلت لابن القاسم: هل يوسع مالك في ترك الغسل للرجل أو المرأة إذا أراد الإحرام؟ قال: لا إلا من ضرورة. قال: وقال مالك: والنفساء تغتسل والحائض تغتسل إذا أرادت الإحرام ولا تدع الغسل إلا من ضرورة، وكان مالك يستحب الغسل ولا يستحب أن يتوضأ من يريد الإحرام ويدع الغسل. قال مالك: إن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم، قال: أرى غسله مجزئا عنه، قال: وإن اغتسل بالمدينة غدوة ثم أقام إلى العشي ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم؟ قال: لا يجزئه الغسل، قال: وإنما يجوز الغسل بالمدينة لرجل يغتسل ثم يركب من فوره، أو رجل يأتي ذا الحليفة فيغتسل إذا أراد الإحرام.

ما جاء في التلبية
قلت لابن القاسم: هل كان مالك يقول يذكر المحرم شيئا سوى التلبية إذا أراد الإحرام، أم تجزئه التلبية وينوي بها ما يريد من حج أو عمرة ولا يقول اللهم إني محرم بحجة أو بعمرة؟ قال: كان مالك يقول: تجزئه التلبية ينوي بها الإحرام الذي يريد ولا يقول اللهم إني محرم بحجة، وكان ذلك أحب إليه من أن يتكلم بحج أو بعمرة. قلت لابن القاسم: متى يلبي في قول مالك أفي دبر صلاة مكتوبة أم في دبر صلاة نافلة، أو إذا استوت به راحلته بذي الحليفة أو إذا انطلقت به؟ قال: يلبي إذا استوت به راحلته في فناء المسجد. قلت لابن القاسم: أرأيت لو كنت فيما بين الظهر والعصر فأردت أن

أحرم، لم أمرني مالك أن أصلي ركعتين وهو يأمرني أن أحرم إذا استوت بي راحلتي، ولا يأمرني أن أحرم في دبر الصلاة؟ قال: كان مالك يستحب أن يصلي نافلة إذا أراد الإحرام إذا كان في ساعة يصلى فيها، قلنا له: ففي هذه النافلة حد؟ قال: لا. قلنا له: فلو صلى مكتوبة ليس بعدها نافلة أيحرم بعدها؟ قال: نعم. قلنا له: فلو جاء في إبان ليس فيه صلاة بعد الصبح أو في بعد العصر وقد صلى الصبح أو العصر؟ قال: لا يبرح حتى يحل وقت صلاة فيصليها، ثم يحرم إذا استوت به راحلته، إلا أن يكون رجلا مراهقا يخاف فوات حجه أو رجلا خائفا أو ما أشبه هذا من العذر، فلا أرى بأسا أن يحرم وإن لم يصل. قلت لابن القاسم: أرأيت إن توجه ناسيا للتلبية من فناء المسجد أيكون في توجهه محرما؟ قال ابن القاسم: أراه محرما بنيته فإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه، وإن تطاول ذلك منه أو تركه حتى فرغ من حجه رأيت أن يهريق دما. وقال مالك: يدهن المحرم عند الإحرام وبعد حلاقة رأسه بالزيت وما أشبهه، وبالبان السمح وهو البان غير المطيب، وأما كل شيء يبقى ريحه فلا يعجبني. قلت لابن القاسم: هل كان مالك يوسع في ثوبيه إذا كانا غير جديدين إذا أراد الإحرام أن لا يغسلهما؟ قال: قال مالك: عندي ثوب قد أحرمت فيه حججا وما غسلته ولم يكن يرى بذلك بأسا.

ما يكره من اللباس للمحرم
قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره الثوب المصبوغ بالعصفر للرجال والنساء أن يحرموا فيه؟ قال: قال مالك: أكره الثوب المفدم بالعصفر للرجال والنساء أن يحرموا في ذلك لأنه ينتفض. قال: وكرهه أيضا للرجال في غير الإحرام. قلت لابن القاسم: أي الصبغ كان يكرهه مالك؟ قال: الورس والزعفران والعصفر المفدم الذي ينتفض، ولم يكن يرى بالممشق والمورد بأسا.

ما يجوز للمحرم لبسه
قلت لابن القاسم: أكان مالك يرى بأسا أن يحرم الرجل في البركانات والطيالسة الكحلية؟ قال: لم يكن يرى مالك بشيء من هذا بأسا. قلت لابن القاسم: ما قول مالك أين إحرام الرجل؟ قال: قال مالك إحرام الرجل في وجهه ورأسه. قال: وكره مالك للمحرم أن يغطي ما فوق الذقن. قلت: فإن فعل؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى عليه شيئا لما جاء عن عثمان بن عفان. قلت لابن القاسم: أرأيت ما كان من المصبوغ بالورس والزعفران فغسل حتى صار لا ينتفض ولونه فيه، هل كان مالك يكرهه؟ قال: نعم كان يكره هذا الذي ذكرت من الثياب المصبوغة بالورس والزعفران وإن كان قد

في رفع اليدين عند استلام الحجر الأسود
قلت لابن القاسم: أفكان يأمره بأن يرفع يديه عند استلام الحجر الأسود إذا لم يستطع أن يستلمه فكبر هل يرفع في هذا التكبير يديه؟ قال: قال مالك. يكبر ويمضي ولا يرفع يديه. قلت لابن القاسم: فما قول مالك فيمن لم يستطع أن يستلم الركن اليماني لزحام الناس، أيكبر ويمضي أم لا يكبر؟ قال: يكبر ويمضي. قلت: أكان مالك يأمر بالزحام على الحجر الأسود عند استلامه؟ قال: نعم ما لم يكن مؤذيا. قلت لابن

القاسم: متى يقطع التلبية في قول مالك؟ قال: إذا راح إلى المسجد، يريد إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة قطع التلبية. قال: ووقفناه على ذلك فأخبرنا بما أخبرتك، فكان مما ثبت به هذا عندنا وعلمنا أنه رأيه، إنه قال: لا يلبي الإمام يوم عرفة على المنبر ويكبر بين ظهراني خطبته. قال: ولم يوقت لنا في تكبيره وقتا، قال: وكان مالك قبل ذلك يقول: يقطع المحرم التلبية إذا راح إلى الموقف، وكان يقول يقطع إذ زاغت الشمس، فلما وقفناه عليه قال: إذا راح إلى المسجد قطع، يريد إذا كان رواحه بعد زوال الشمس. قلت لابن القاسم: أكان مالك يأمر بالتكبير إذا قطع المحرم التلبية؟ قال: ما سألته عن هذا ولا أرى بأسا أن يكبر. قلت لابن القاسم: أرأيت الصلاة بالمشعر الحرام أيكبر في دبرها في المغرب والعشاء والصبح؟ قال: لا. قلت لابن القاسم: متى يقطع الذي فاته الحج التلبية؟ قال: إذا دخل الحرم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي لأنها قد صارت عمرة. قال: وقال مالك: والمحرم بالحج لا يقطع التلبية حتى يروح إلى الصلاة يوم عرفة، إلا أنه إذا دخل المسجد الحرام أول ما يدخل فطاف بالبيت يقطع التلبية حتى يسعى بين الصفا والمروة، ثم يرجع إلى تلبيته حتى يروح يوم عرفة إلى الصلاة. قال: وإن لبى إذا دخل حول البيت الحرام لم أر ذلك ضيقا عليه، ورأيته في سعة. قال ابن القاسم، قال مالك: لا بأس أن يلبي في السعي بين الصفا والمروة وذلك واسع. قلت لابن القاسم: أكان مالك يكره له إذا دخل في الطواف الأول يوم يدخل مكة وهو مفرد بالحج أو قارن أن يلبي من حين يبتدئ الطواف بالبيت إلى أن يفرغ من سعيه بين الصفا والمروة؟ قال نعم من غير أن يراه ضيقا عليه إذا لبى. قال: وكان مالك إذا أفتى بهذا يقول: لا يلبي من حين يبتدئ الطواف إلى أن يفرغ من سعيه بين الصفا والمروة، يقول على أثر ذلك: وإن لبى فهو في سعة، قال: وإذا فرغ من سعيه بين الصفا والمروة عاد إلى التلبية. قال ابن القاسم: قال مالك: والمحرم بالعمرة من ميقاته يقطع التلبية إذا دخل الحرم ثم لا يعود إليها، والذي يحرم من غير ميقاته مثل الجعرانة والتنعيم يقطعون إذا دخلوا بيوت مكة. قال: فقلت له: أو المسجد؟ قال: أو المسجد كل ذلك واسع. قلت لابن القاسم: أرأيت المحصر بمرض في حجته من أين يقطع التلبية إذا فاته الحج؟ قال ابن القاسم: قال مالك: لا يقطع التلبية حتى يدخل أول الحرم. قال: وقال مالك: ولا يحله من إحرامه إلا البيت وإن تطاول ذلك به سنين. قلت لابن القاسم: فإن هو تطاول به مرضه حتى جاء في حج قابل فخرج فوافى الحج وهو في إحرامه الذي كان أحصر فيه وحج به قابلا؟ قال: يجزئه من حجة الإسلام. قلت لابن القاسم: ويكون عليه الدم في هذا؟ قال: لا دم عليه في هذا، وهذا قول مالك. قال: قال مالك: والمحصور بعدو يحل بموضعه الذي حصر فيه وإن كان في غير الحرم، ويحلق أو يقصر ولا بد له

من الحلق أو التقصير. قلت لابن القاسم: أكان مالك يأمر بالهدي إذا أحصر بعدو أن ينحر هديه الذي هو معه؟ قال: نعم. قال: وقلت لمالك: فإن كان المحصور بعدو ضرورة أيجزئه ذلك من حجة الإسلام؟ قال: لا يجزئه وعليه حجة الإسلام من قابل. قلت لابن القاسم: أرأيت هذا المحصور بعدو إن كان قد قضى حجة الإسلام ثم أحصر فصد عن البيت، أيكون عليه قضاء هذه الحجة التي صد عنها؟ قال: لا. قلت: وكذلك إن صد عن العمرة بعدو حصره؟ قال: نعم لا قضاء عليه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن أحصر بعدو قبل أن تمضي أيام الحج ويفوت الحج؟ قال: لا يكون محصورا وإن حصره العدو حتى يفوته الحج. قلت: فإن أحصر فصار إن حل لم يدرك الحج فيما بقي من الأيام، أيكون محصورا أو يحل مكانه ولا ينتظر ذهاب الحج؟ قال: نعم هو الآن محصور. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: ما أدري، أوقفته عليه وهو رأيي. قلت لابن القاسم: أيلبي القارن والحاج في قول مالك في المسجد الحرام؟ قال: والحاج في قول مالك في المسجد الحرام؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: متى يقطع التلبية المجامع في الحج؟ قال: يفعل كما يفعل الحاج في جميع أمره، ولا يقطع إلا كما يقطع الحاج، قال وهو قول مالك. قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره أن يلبي الرجل وهو لا يريد الحج؟ قال: نعم كان يكرهه ويراه خرقا لمن فعله. قلت لابن القاسم: أليس في قول مالك من لبى يريد الإحرام فهو محرم إن أراد حجا فحج وإن أراد عمرة فعمرة؟ قال: نعم.
قلت لابن القاسم: ما حد ما ترفع المرأة المحرمة صوتها عند مالك في التلبية؟ قال: قدر ما تسمع نفسها. قلت لابن القاسم: أرأيت الصبي إذا كان لا يتكلم فحج به أبوه أيلبي عنه أول ما يحرم في قول مالك؟ قال: لا ولكن يجرده، قال مالك ولا يجرده إذا كان صغيرا هكذا حتى يدنو من الحرم. قال مالك: والصبيان في ذلك مختلفون، منهم الكبير قد ناهز ومنهم الصغير ابن سبع سنين وثمان سنين الذي لا يجتنب ما يؤمر به، فذلك يقرب من الحرم ثم يحرم والذي قد ناهز فمن الميقات لأنه يدع ما يؤمر بتركه. قال مالك: والصغير الذي لا يتكلم إذا جرده أبوه، يريد بتجريده الإحرام فهو محرم ويجنبه ما يجنب الكبير، قال: وإذا طافوا فلا يطوفن به أحد لم يطف طوافه الواجب، لأنه يدخل طوافين في طواف، طواف الصبي وطواف الذي يطوف به. قلت لابن القاسم: فما الطواف الواجب عند مالك؟ قال: طوافه الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة. قال ابن القاسم فقلنا لمالك: يسعى بهذا الصبي بين الصفا والمروة من لم يسع بينهما السعي الذي عليه؟ قال: السعي بين الصفا والمروة في هذا أخف عندي من الطواف بالبيت، ويجزئه ذلك إن فعل ولا بأس به. قال ابن القاسم: وإنما كره مالك أن يجمعه لنفسه

وللصبي في الطواف بالبيت، لأن الطواف بالبيت عنده كالصلاة وأنه لا يطوف أحد إلا وهو على وضوء، والسعي بين الصفا والمروة ليس بتلك المنزلة، قد يسعى من ليس على وضوء. قال ابن القاسم قال مالك: ولا يرمي عن الصبي من لم يكن رمى عن نفسه، يرمي عن نفسه وعن الصبي في فور واحد حتى يرمي عن نفسه فيفرغ من رميه عن نفسه ثم يرمي عن الصبي، وقال: ذلك والطواف بالبيت سواء ولا يجوز ذلك حتى يرمي عن نفسه ثم عن الصبي. قال ابن القاسم: قال مالك فيمن دخل مراهقا وهو محرم بالحج أو قارن أو متمتع: أنه إن خاف إن طاف بالبيت أن يفوته الحج، قال: يمضي لوجهه ويدع الطواف بالبيت إن كان مفردا بالحج أو قارنا، وإن كان متمتعا أردف الحج أيضا ومضى لوجهه ولا يطوف بالبيت ويصير قارنا ويقضي حجه ولا شيء عليه، وليس يرى قضاء للعمرة في جميع هذا ولا يكون عليه دم لما ترك من طوافه بالبيت حين دخل مكة لأنه كان مراهقا. قال: قال مالك: إن دخل غير مراهق مفردا بالحج أو قارنا فلم يطف بالبيت حتى مضى إلى عرفات، فإنه يهريق دما لأنه فرط في الطواف حين دخل مكة حتى خرج إلى عرفات. قلت لابن القاسم: فإن دخل غير مراهق معتمرا أو قارنا فلم يطف بالبيت حين دخل مكة حتى خرج إلى عرفات ففرض المعتمر الحج وخرج إلى عرفات ومضى القارن ولم يطف حتى خرج إلى عرفات؟ قال: يكونان قارنين جميعا ويكون عليهما دم القران، ويكون على القارن أيضا دم آخر لما أخر من طوافه حين دخل مكة، وليس على المعتمر غير دم القران لأن له أن يضيف الحج إلى العمرة ما لم يطف بالبيت. قلت لابن القاسم: هل الوصي إذا خرج بالصبي بمنزلة الأب؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا أحفظ، إلا أنه لا ينبغي للوصي أن يحج بالصبي من مال الصبي إلا أن يكون لذلك وجه يخاف عليه الضيعة وليس له من يكفله، فإن كان بهذه المنزلة رأيت أن يضمن ما أنفق على الصبي من ماله ويجوز له إخراجه إذا خاف عليه الضيعة ولم يجد من يكفله، فإذا جاز له أن يخرجه وينفق على الصبي من ماله جاز له أن يحرمه. قلت: فالوالدة في الصبي أتكون بمنزلة الوالد؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت إن حج به والده أينفق عليه من مال الصبي؟ قال: لا أحفظه عن مالك، ولا ينبغي لوالده أن يحج الصبي من مال الصبي إلا أن يخشى عليه مثل ما خشي الوصي فيجوز ما أنفق على الصبي، فإن لم يخف عليه ضيعة ووجد من يكفله لم يكن له أن يخرجه فينفق عليه من مال الصبي، فإن فعل كان ضامنا لما اكترى له وما أنفق في الطريق إلا قدر نفقته التي كان ينفقها عليه إن لو لم يشخص به.
قال: والأم إذا خافت على الصبي الضيعة كانت بمنزلة الأب والوصي في جميع ما وصفت لك. قلت لابن القاسم: فإن كان هذا الصبي لا يتكلم فأحرمه من ذكرت لك من

أب أو وصي أو أم أو من هو في حجره من غير هؤلاء من الأجنبيين أو الأقارب؟ قال: قال مالك: الصبي الذي رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المحفة، إنما رفعته امرأة فقالت: ألهذا حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم ولك أجر1". قال مالك: ولم يذكر أن معه والدا. قال ابن القاسم: فإذا أحرمته أمه في هذا الحديث جاز الإحرام، فأرى كل من كان الصبي في حجره يجوز له ما جاز للأم. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الذكور الغلمان الصغار يحرم بهم وعليهم الأسورة وفي أرجلهم الخلاخل؟ قال: لا بأس بذلك. قلت لابن القاسم: أفكان مالك يكره للصبيان الذكور الصغار حلي الذهب؟ قال: نعم قد سألته عنه غير مرة فكرهه. قلت لابن القاسم: أهل مكة في التلبية كغيرهم من الناس في قول مالك؟ قال: نعم، قال: وقال مالك: أحب إلي أن يحرم أهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة. قال: وكان مالك يأمر أهل مكة وكل من أنشأ الحج من مكة أن يؤخر طوافه الواجب وسعيه بين الصفا والمروة حتى يرجع من عرفات، قال: وإن أحب أن يطوف بالبيت تطوعا بعدما أحرم قبل أن يخرج فليطف، ولكن لا يسعى بين الصفا والمروة حتى يرجع من عرفات، فإذا رجع طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ويكون هذا الطواف الذي وصل به السعي بين الصفا والمروة هو الطواف الواجب. قلت لابن القاسم: أرأيت الأخرس إذا أحرم فأصاب صيدا أيحكم عليه كما يحكم على غيره؟ قال: نعم. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت لابن القاسم: أرأيت من أهل بالحج فأضاف إليه عمرة في قول مالك أتلزمه العمرة؟ قال: قال مالك: لا ينبغي له أن يفعل. قلت لابن القاسم: فإن فعل فما قول مالك فيه أتلزمه العمرة أم لا؟ قال: بلغني عنه أنه قال: لا تلزمه، قال ابن القاسم: ولا أرى العمرة تلزمه ولم يكن ينبغي له أن يفعل، ولا أرى عليه دم القران وقد سمعت ذلك عن مالك. قلت لابن القاسم: أي شيء يجزي في دم القران عند مالك؟ قال: شاة وكان يجيزها على تكره، يقول إن لم يجد، وكان يقول الذي يستحب فيه قول ابن عمر. قال ابن القاسم: وكان مالك إذا اضطر إلى الكلام قال تجزئ عنه الشاة، قال ابن القاسم: وقول ابن عمر الذي كان يستحبه مالك فيما استيسر من الهدي البقرة دون البعير. قال ابن القاسم: وكان مالك يكره أن يقول الرجل طواف الزيارة، قال وقال مالك: وناس يقولون زرنا قبر النبي عليه السلام، قال: فكان مالك يكره هذا ويعظمه أن يقال إن النبي يزار.قلت لابن القاسم: فما قول مالك فيمن أحرم بالحج أكان يكره له أن يحرم بالعمرة بعدما أحرم بالحج من لدن أن أحرم بالحج حتى يفرغ من حجه ويحل؟ قال: نعم كان يكرهه له. قلت: فإن أحرم بالعمرة بعدما طاف بالبيت أول ما دخل مكة أو بعدما خرج إلى منى أو في وقوفه بعرفة أو أيام التشريق؟ قال: كان مالك يكرهه. قلت: أفتحفظ عن مالك أنه كان يأمره برفض العمرة إن أحرم في هذه الأيام التي ذكرت لك؟
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الحج حديث 244 عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها: هذا رسول الله. فأخذت بضبعي صبي كان نعها فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم, ولك أجره. ومسلم في كتاب الحج حديث 409.

قال: لا أحفظ أنه أمره برفضها. قلت: أفتحفظ أنه قال تلزمه؟ قال: لا أحفظ أنه قال تلزمه. قلت: فما رأيك؟ قال: أرى أنه قد أساء فيما صنع حين أحرم بالعمرة بعد إحرامه بالحج قبل أن يفرغ من حجه، ولا أرى العمرة تلزمه وهو رأيي وقد بلغني ذلك عن مالك. قلت لابن القاسم: ويكون عليه العمرة مكان هذه التي أحرم بها في أيام الحج بعد فراغه بهذه التي زعمت أنها لا تلزمه؟ قال: لا أرى عليه شيئا. قلت لابن القاسم: أرأيت من أحرم بالعمرة ثم أضاف الحج إلى العمرة أيلزمه الحج في قول مالك؟ قال: نعم والسنة إذا فعل أن يلزمه الحج. قلت لابن القاسم: فما قول مالك إن أحرم بالعمرة فطاف لها ثم أحرم بالحج؟ قال: تلزمه الحجة ويصير قارنا وعليه دم القران، قلت أرأيت إن أضاف الحج إلى العمرة بعدما سعى بين الصفا والمروة لعمرته؟ قال: قال مالك: يلزمه الحج ويصير غير قارن، ولا يكون عليه دم القران ويكون عليه دم لما أخر من حلاق رأسه في عمرته، ويكون عليه دم لمتعته إن كان حل من عمرته في أشهر الحج، وإن كان إحلاله من عمرته قبل أشهر الحج لم يكن عليه دم لأنه غير متمتع.
قال ابن القاسم: وقال مالك: فمن تمتع من أهل مكة في أشهر الحج أو قرن فلا هدي عليه. قال ابن القاسم: لا يقرن الحج والعمرة أحد من داخل الحرم، قال: وكان مالك يقول: لا يحرم أحد بالعمرة من داخل الحرم. قال ابن القاسم: والقران عندي مثله، لأنه يحرم بالعمرة من داخل الحرم. قال ابن القاسم وكان مالك يقول: إحرام أهل مكة بالحج ومن دخل بعمرة من داخل الحرم. قال مالك: ولو أن رجلا من أهل الآفاق دخل في أشهر الحج بعمرة فحل وعليه نفس، فأحب أن يخرج إلى ميقاته فيحرم منه بالحج كان أحب إلي، قال: ولو أنه أقام حتى يحرم من مكة كان ذلك له. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن مكيا أتى الميقات أو جاوز الميقات إلى مصر أو إلى المدينة في تجارة أو غيرها، فأقام بمصر أو بالمدينة ما شاء الله من غير أن يتخذ المدينة أو مصر وطنا يسكنها، فرجع إلى مكة وهي وطنه فقرن الحج والعمرة؟ قال: قال مالك: يجوز قرانه ولا يكون عليه دم القران. قلت لابن القاسم: أرأيت من أحرم من وراء الميقات إلى مكة مثل أهل قديد وعسفان ومر الظهران، أهم عند مالك بمنزلة أهل مكة ولا يكون عليهم - إن قرنوا الحج والعمرة - دم القران؟ قال: وقال مالك: إن قرنوا فعليهم دم القران، ولا يكونوا بمنزلة أهل مكة إن قرنوا في أشهر الحج فعليهم دم القران. قال: وقال مالك: والذين لا دم عليهم إن قرنوا أو تمتعوا في أشهر الحج إنما هم أهل مكة وذي طوى لا غيرهم، قال: ولو أن أهل منى الذين يسكنون منى أو غيرهم من سكان الحرم قرنوا الحج والعمرة من موضع يجوز لهم أن يقرنوا الحج والعمرة منه، أو دخلوا بعمرة ثم أقاموا بمكة حتى حجوا كانوا متمتعين وليسوا كأهل مكة وأهل ذي طوى في هذا. قلت لابن القاسم: فما

قول مالك من أين يهل أهل قديد وعسفان ومر الظهران؟ قال: قال مالك: من منازلهم. قال: وقال مالك: ميقات كل من كان دون الميقات إلى مكة من منزله. قال: وقال مالك: ومن جاوز الميقات ممن يريد الإحرام جاهلا ولم يحرم منه فليرجع إلى الميقات إن كان لا يخاف فوات الحج فليحرم من الميقات ولا دم عليه، فإن خاف فوات الحج أحرم من موضعه وعليه لما ترك من الإحرام من الميقات دم، قال مالك: وإن كان قد أحرم حين جاوز الميقات وترك الإحرام من الميقات فليمض ولا يرجع، مراهقا كان أو غير مراهق وليهرق دما، قال: وليس لمن تعدى الميقات فأحرم أن يرجع إلى الميقات فينقض إحرامه. قلت: فأهل القرى الذين بين مكة وذي الحليفة عند مالك بمنزلة أهل الآفاق؟ قال: لا أحفظه عن مالك ولكنهم عندي بمنزلة أهل الآفاق لأن مواقيتهم من منازلهم. قلت: أرأيت من جاوز الميقات إلى مكة فأحرم بعدما تعدى الميقات فوجب عليه الدم، أيجزئه مكان هذا الدم طعام أو صيام في قول مالك؟ قال: لا يجزئه الطعام ويجزئه الصيام إن لم يجد الهدي، قال ابن القاسم: وقال مالك: وإنما يكون الصيام أو الطعام مكان الهدي في فدية الأذى أو في جزاء الصيد، وأما في دم المتعة إذا لم يجد فصيام ولا يكون موضع دم المتعة طعام.
قال: وقال مالك: كل هدي وجب على رجل من أجل عجز عن المشي أو وطئ أهله أو فاته الحج أو وجب عليه الدم لشيء تركه من الحج، يجبر بذلك الدم ما ترك من حجه فإنه يهدي، فإن لم يجد هديا صام، ولا يرى الطعام موضع هذا الهدي ولكن يرى مكانه الصيام. قلت لابن القاسم: فكم يصوم مكان هذا الهدي؟ قال: يصوم ثلاثة أيام وسبعة تحمل محمل هدي المتمتع، وإنما يجعل له مالك في هذا كله أن يصوم مكان هذا الهدي إذ هو لم يجد الهدي. قلت لابن القاسم: أرأيت من كان وراء الميقات إلى مكة فتعدى وهو يريد الحج فأحرم بعدما جاوز منزله إلى مكة وتعداه أترى عليه شيئا؟ قال: أرى أن يكون عليه الدم، قال لأن مالكا قال لي في ميقات أهل عسفان وقديد وتلك المناهل: إنها من منازلهم، فلما جعل مالك منازلهم لهم ميقاتا رأيت إن هم تعدوا منازلهم فقد تعدوا ميقاتهم، إلا أن يكونوا تقدموا لحاجة وهم لا يريدون الحج فبدا لهم أن يحجوا فلا بأس أن يحرموا من موضعهم الذي بلغوه، وإن كانوا قد جازوا منازلهم فلا شيء عليهم. قال مالك: وكذلك لو أن رجلا من أهل مصر كانت له حاجة بعسفان فبلغ عسفان وهو لا يريد الحج، ثم بدا له أن يحج من عسفان فليحج من عسفان ولا شيء عليه لما ترك من الميقات، لأنه جاوز الميقات وهو لا يريد الحج ثم بدا له بعدما جاوز أن يحج، فليحج وليعتمر من حيث بدا له وإن كان قد جاوز الميقات فلا دم عليه. قلت لابن القاسم: ما قول مالك في مكي أحرم من مكة بالحج فحصر بمرض، أو رجل دخل

مكة معتمرا ففرغ من عمرته ثم أحرم بالحج من مكة فحصر فبقيا محصورين حتى فرغ الناس من حجهم؟ قال: قال مالك: يخرجان إلى الحل فيلبيان من الحل، ويفعلان ما يفعل المعتمر ويحلان وعليهما الحج من قابل والهدي مع حجهما قابلا. قال ابن القاسم: قلت لك لو أن رجلا فاته الحج فوجب عليه الهدي أين يجعل هذا الهدي؟ قال: في حجه من قابل الذي يكون قضاء لهذا الحج الفائت. قال: فقلت لمالك: فإن أراد أن يقدم هذا الدم قبل حج قابل خوفا من الموت؟ قال: يجعله في حج قابل. قلت لابن القاسم: أليس إنما يهريقه في حج قابل في قول مالك بمنى؟ قال: نعم. قلت: فإن فاته أن ينحره بمنى اشتراه فساقه إلى الحل ثم قلده وأشعره في الحل إن كان مما يقلد ويشعر، ثم أدخله مكة فنحره بها أيجزئ عنه؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت من أحرم بالحج ففاته الحج فأقبل من السنة المقبلة حاجا يريد قضاء الحج الفائت، أله أن يقرن ويضيف إلى هذه الحجة - التي هي قضاء لحجته - عمرة؟ قال: لا ولكن يفرد كما كان حجه الذي أفسده مفردا. قلت لابن القاسم: فإن كان قارنا فأفسد حجه أو فاته الحج، ما قول مالك فيه إن أراد أن يفرق القضاء فيقضي العمرة وحدها ويقضي الحجة وحدها ولا يجمع بينهما؟ قال: قال مالك: يقضيهما جميعا قارنا كما أفسدهما قارنا، قال ابن القاسم: ولا يفرق بينهما. قال ابن القاسم: قال مالك في مكي أحرم بحجة من الحرم ثم أحصر، أنه يخرج إلى الحل فيلبي من هناك لأنه أمر من فاته الحج وقد أحرم من مكة، أن يخرج إلى الحل فيعمل فيما بقي عليه ما يعمل المعتمر ويحل.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا دخل مكة معتمرا في أشهر الحج أو في غير أشهر الحج فأراد الحج من عامه أله أن يعتمر بعد عمرته تلك عمرة أخرى قبل أن يحج؟ قال: قال مالك: لا يعتمر بعد عمرته حتى يحج. قلت لابن القاسم: أرأيت من اعتمر في غير أشهر الحج، لم لا يكون له أن يعتمر بعد عمرته؟ قال: لأن مالكا كان يقول: العمرة في السنة إنما هي مرة واحدة. قال: وقال مالك: لو اعتمر للزمته. قلت لابن القاسم: تلزمه إن اعتمر في قول مالك عمرة أخرى إن كان دخل بالأولى في أشهر الحج أو في غير أشهر الحج؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن مكيا أحرم بعمرة من مكة ثم أضاف إليها حجة؟ قال: يلزمه جميعا ويخرج إلى الحل من قبل أن الحرم ليس بميقات للمعتمرين. قلت: ويصير قارنا في قول مالك؟ قال: نعم ولكنه مكي فليس على المكي دم القران. قال ابن القاسم: من أهل بعمرة من مكة لزمه الإحرام وكان عليه أن يخرج إلى الحل يدخل منه مهلا على إحرامه ذلك لا يفسخه ولا يجدده، ولو أن رجلا بمكة حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث وهو بمكة وهو من أهلها أو غير أهلها، فعليه أن

يخرج من الحرم إلى الحل ويدخل مهلا إما بحج أو بعمرة. قال ابن القاسم: فإن هو أحرم بحجة بعدما سعى بين الصفا والمروة لعمرته وقد كان خرج إلى الحل فليس بقارن، وعليه دم لما أخر من حلاق رأسه في العمرة لأنه قد كان قضى عمرته حين سعى بين الصفا والمروة فلم يكن بقي عليه إلا الحلاق، فلما أحرم بالحج لم يستطع أن يحلق فأخر ذلك فصار عليه لتأخير الحلاق دم، وهو قول مالك: هذا الآخر، في المكي وغيره ممن تمتع الذي يحرم بالحج قبل أن يقصر بعدما سعى بين الصفا والمروة لعمرته يقول عليه الدم لتأخير الحلاق. قلت لابن القاسم: هذا قد عرفنا قول مالك فيمن أدخل الحج على العمرة، فما قوله فيمن أدخل العمرة على الحج كيف يصنع؟ قال: ليس ذلك بشيء وليس عليه في ذلك شيء، ولا تلزمه العمرة في قول مالك فيما سمعت عنه وهو رأيي. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا أحرم بالحج أو بالعمرة من الميقات ثم لم يدخل الحرم وهو غير مراهق، أو دخل الحرم ولم يطف بالبيت وهو غير مراهق حتى خرج إلى عرفات؟ قال: أما قول مالك ولم يدخل الحرم فلا أحفظه من قول مالك، ولكن أرى أنه إن كان غير مراهق أن يكون عليه الدم، وإن كان مراهقا فلا دم عليه لأن مالكا قال فيمن دخل مكة معتمرا أو مفردا بالحج فخشي إن طاف أو سعى، أن يفوته الوقوف بعرفة فترك ذلك وخرج إلى عرفات وفرض الحج هذا المعتمر، ومضى هذا الحاج كما هو إلى عرفات ولم يطف بالبيت أنه لا دم عليه لأنه كان مراهقا. قال ابن القاسم: فرأيت هذا الذي لم يدخل الحرم مثل هذا الذي ترك الطواف بعد دخول الحرم إذا كان مراهقا لا دم عليه، وإن كان غير مراهق وهو يقدر على الدخول والطواف فتركه عليه الدم. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن مكيا أحرم بالحج من خارج الحرم أو متمتعا بالعمرة أحرم بالحج من خارج الحرم، أيكون عليه الدم لما ترك من الإحرام من داخل الحرم؟ قال: لا يكون عليه الدم. قلت: وإن هو مضى إلى عرفات ولم يدخل الحرم، أيكون عليه الدم لما ترك من أن يعود إلى الحرم بعد إحرامه إذا كان مراهقا؟ قال: لا يكون عليه الدم، قال: وهذا رجل زاد ولم ينقص لأنه كان له أن يحرم من الحرم لأنه كان مراهقا، فلما خرج إلى الحل فأحرم منه زاد ولم ينقص. قلت له: أفيطوف هذا المكي إذا أحرم من التنعيم إذا دخل الحرم قبل أن يخرج إلى عرفات بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة ويكون خلاف من أحرم من أهل مكة من الحرم، لأن من أحرم من الحل وإن كان من أهل مكة إذا دخل الحرم وقد أحرم من الحل فلا بد له من الطواف بالبيت، وإذا طاف سعى بين الصفا والمروة؟ قال: نعم، وهو قول مالك. قال: وقال مالك: إذا أحرم المكي أو المتمتع من مكة بالحج، فليؤخر الطواف حتى يرجع إلى مكة من عرفات، فإذا رجع طاف وسعى بين الصفا والمروة. قال: فقلنا لمالك: فلو أن هذا المكي لما أحرم بالحج من مكة أو هذا

المتمتع طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى عرفات؟ قال: فإذا رجع من عرفات فليطف بالبيت وليسع بين الصفا والمروة، ولا يجزئه طوافه الأول ولا سعيه بين الصفا والمروة، قال: فقلنا لمالك: فلو أن هذا المتمتع لم يسع بين الصفا والمروة حين رجع من عرفات حتى خرج إلى بلاده أيكون عليه الهدي؟ قال: قال مالك: نعم وذلك أيسر شأنه عندي، وقال مالك: وإذا فات هكذا رأيت السعي الأول بين الصفا والمروة يجزئه ويكون عليه الدم. قلت لابن القاسم: أين المواقيت عند مالك؟ قال: ذو الحليفة لأهل المدينة ومن مر من غير أهل المدينة بالمدينة من أهل العراق، وأهل اليمن وغيرهم من أهل خراسان وأهل الشام وأهل مصر ومن ورائهم من أهل المغرب، فميقاتهم ذو الحليفة ليس لهم أن يتعدوها. قال مالك: ومن مر من أهل الشام أو أهل مصر ومن وراءهم بذي الحليفة فأحب أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة فذلك له واسع، ولكن الفضل له في أن يهل من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به، وأهل اليمن من يلملم وأهل نجد من قرن، قال مالك: ووقت عمر بن الخطاب ذات عرق لأهل العراق. قال مالك: وهذه المواقيت لمن مر بها من غير أهلها فميقاته من هذه المواقيت. قال: فقلنا لمالك: فلو أن رجلا من أهل العراق مر بالمدينة فأراد أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة؟ قال مالك: ليس له ذلك إنما الجحفة ميقات أهل مصر وأهل الشام ومن وراءهم، وليست الجحفة للعراقي ميقاتا فإذا مر بذي الحليفة فليحرم منها. قال ابن القاسم: قال لي مالك: وكل من مر بميقات ليس هو له بميقات فليحرم منه، مثل أن يمر أهل الشام وأهل مصر قادمين من العراق فعليهم أن يحرموا من ذات عرق، وإن قدموا من اليمن فمن يلملم، وإن قدموا من نجد فمن قرن، وكذلك جميع أهل الآفاق من مر منهم بميقات ليس له فليهلل من ميقات أهل ذلك البلد، إلا أن مالكا قال غير مرة في أهل الشام وأهل مصر: إذا مروا بالمدينة فأرادوا أن يؤخروا إحرامهم إلى الجحفة فذلك لهم، ولكن الفضل في أن يحرموا من ميقات المدينة، قال ابن القاسم: لأنها طريقهم. قال ابن القاسم: قال مالك: لو أن نصرانيا أسلم يوم الفطر رأيت عليه زكاة الفطر، ولو أسلم يوم النحر كان عندي بينا أن يضحي قلت لابن القاسم: أرأيت من أراد حاجة إلى مكة أله أن يدخل مكة بغير إحرام؟ قال: قال مالك: لا أحب لأحد من الناس أن يقدم من بلده إلى مكة فيدخلها من غير إحرام. قال مالك: ولا يعجبني قول ابن شهاب في ذلك. قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعا في مثل الذي صنع ابن عمر، حين خرج إلى قديد فبلغه خبر الفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام، فلا أرى بمثل هذا بأسا. قال: وقال مالك: ولا أرى بأسا لأهل الطائف وأهل عسفان وأهل جدة الذين يختلفون بالفاكهة والحنطة، وأهل الحطب الذين يحتطبون ومن أشبههم لا أرى بأسا أن يدخلوا مكة بغير إحرام لأن ذلك يكبر عليهم. قال ابن

القاسم وما رأيت قوله حين قال هذا القول إلا وأرى أن قوله في أهل قديد وما هي مثلها من المناهل، إذا لم يكن شأنهم الاختلاف ولم يخرج أحدهم من مكة فيرجع لأمر كما صنع ابن عمر، ولكنه أراد مكة لحاجة عرضت له من منزله في السنة ونحوها مثل الحوائج التي تعرض لأهل القرى في مدائنهم: أنهم لا يدخلوها إلا بإحرام وما سمعته ولكنه لما فسر لي ما ذكرت لك رأيت ذلك.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن قارنا دخل مكة في غير أشهر الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في غير أشهر الحج، ثم حج من عامه أيكون عليه دم القران أم لا؟ قال: قال مالك: عليه دم القران وهو رأيي. قلت لابن القاسم: لم؟ أو ليس قد طاف لعمرته في غير أشهر الحج وحل منها إلا أن الحلاق بقي عليه؟ قال: لم يحل منها عند مالك ولكنه على إحرامه كما هو، ولا يكون طوافه الذي طاف حين دخل مكة لعمرته ولكن طوافه ذلك لهما جميعا، وهذا قد أحرم بهما جميعا ولا يحل من واحدة منهما دون الأخرى، ولا يكون إحلاله من عمرته إلا إذا حل من حجته، قال: وهو إن جامع فيهما فعليه حجة وعمرة مكان ما أفسد. قلت لابن القاسم: أرأيت أهل مكة إن قرنوا من المواقيت أو من غير ذلك أو تمتعوا، هل عليهم دم القران في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: القران ودم المتعة واحد، ولا يكون على أهل مكة دم القران ولا دم المتعة أحرموا من الميقات أو من غير الميقات. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن أهل المناهل الذين بين مكة والمواقيت قرنوا أو تمتعوا، أيكون عليهم؟ في قول مالك الدم بما تمتعوا أو قرنوا؟ قال: نعم وإنما الذين لا يكون عليهم هدي إن قرنوا أو تمتعوا أهل مكة نفسها وأهل ذي طوى. قال: فأما أهل منى فليسوا بمنزلة أهل مكة، وإنما أهل مكة الذين لا متعة عليهم ولا دم قران إن قرنوا أهل مكة القرية نفسها وأهل ذي طوى، قال: فأما أهل منى فليسوا بمنزلة أهل مكة. قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن تعدى الميقات ثم جمع بين الحج والعمرة؟ قال: عليه دم لترك الميقات في رأيي، وهو قارن وعليه دم القران. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا أهل من الميقات بعمرة فلما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أحرم بحجة أضافها إلى عمرته، أيكون عليه دم لتركه الميقات في الحج؟ قال: لا، قلت: لم وقد جاوز الميقات ثم أحرم بالحج؟ قال: لأنه لم يجاوز الميقات إلا محرما، ألا ترى أنه جاوزه وهو محرم بعمرة، ثم بدا له فأدخل الحج، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله. قلت لابن القاسم: أرأيت إن تعدى الميقات ثم أهل بعمرة بعدما تعدى الميقات، ثم دخل مكة أو قبل أن يدخلها أحرم بالحج أترى عليه للذي ترك من الميقات في العمرة دما؟ قال: نعم، لأن مالكا قال لي: من جاوز الميقات وهو يريد الإحرام فجاوزه متعمدا فأحرم بعد ذلك، ولم يقل لي بعد ذلك في حج ولا عمرة إن

عليه دما. قال ابن القاسم: فلهذا رأيت على هذا دما وإن كان يريد العمرة ولا يشبه عندي الذي جاء من عمل الناس في الذين يخرجون من مكة ثم يعتمرون من الجعرانة والتنعيم، لأن ذلك رخصة لهم في العمرة وإن لم يبلغوا مواقيتهم، فأما من أتى من بلده فجاوز الميقات متعمدا بذلك فأرى عليه الدم كان في حج أو عمرة. قلت لابن القاسم: أرأيت من أحرم بالحج فجامع فأفسد حجه، ثم أصاب بعد ذلك الصيد وحلق من الأذى وتطيب؟ قال: قال مالك: يلزمه في جميع ما يصيب مثل ما يلزم الصحيح الحج، قلت: فإن تأول فجهل وظن أن ليس عليه إتمام ما أفسد لما لزمه من القضاء وتطيب ولبس وقتل الصيد مرة بعد مرة عامدا لفعله، أترى أن الإحرام قد سقط عنه ويكون عليه فدية واحدة لهذا أو لكل شيء فعله فدية؟ قال: عليه فدية واحدة تجزئه ما عدا الصيد وحده فإن لكل صيد جزاء. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا من أهل مصر دخل مكة بغير إحرام متعمدا أو جاهلا ثم رجع إلى بلده، أيكون عليه لدخول الحرم بغير إحرام حجة أو عمرة؟ قال: لا يكون عليه شيء ولكنه رجل عصى وفعل ما لم يكن ينبغي له. قال ابن القاسم: إنما تركت أن أجعل عليه أيضا حجة أو عمرة لدخوله هذا للذي قال ابن شهاب، إن ابن شهاب كان لا يرى بأسا أن يدخل بغير إحرام. قال: وإنما قال مالك: لا يعجبني أن يدخل بغير إحرام ولم يقل إن فعله فعليه كذا وكذا.
قلت لابن القاسم: أرأيت العبد ألسيده أن يدخله مكة بغير إحرام أو الجارية في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم يدخلهم بغير إحرام ويخرجهما إلى منى وعرفات وهما غير محرمين. قال مالك: ومن ذلك الجارية يريد بيعها أيضا فيدخلها بغير إحرام فلا بأس بذلك. قلت لابن القاسم: أرأيت إن أدخله سيده مكة بغير إحرام ثم أذن له فأحرم من مكة، أيكون على العبد دم لما ترك من الميقات؟ قال: لا، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت لابن القاسم: أرأيت النصراني يسلم بعدما دخل مكة ثم يحج من عامه، أيكون عليه لترك الوقت في قول مالك دم أم لا؟ قال: قال مالك في النصراني يسلم عشية عرفة فيحرم بالحج: إنه يجزئه من حجة الإسلام ولا دم عليه لتركه الوقت، والعبد يعتقه سيده عشية عرفة: إنه إن كان غير محرم فأحرم بعرفة أجزأه ذلك من حجة الإسلام ولا شيء عليه لتركه الوقت. قال مالك: وإن كان قد أحرم قبل أن يعتقه سيده فأعتقه عشية عرفة فإنه على حجه الذي كان وليس له أن يجدد إحراما سواه، وعليه حجة الإسلام ولا يجزئه حجه هذا الذي أعتق فيه من حجة الإسلام. قلت: أرأيت الصبي يحرم بحجة قبل أن يحتلم وهو مراهق، ثم احتلم عشية عرفة ووقف، أو قبل عشية عرفة بعدما أحرم أيجزئه من حجة الإسلام؟ قال: قال مالك: لا يجزئه من حجة الإسلام إلا أن يكون لم يحرم قبل أن يحتلم، ثم أحرم عشية عرفة بعد احتلامه أو احتلم قبل ذلك

فأحرم بعدما احتلم، فإن ذلك يجزئه من حجة الإسلام ولا يجوز له أن يجدد إحراما بعد احتلامه، ولكن يمضي على إحرامه الذي احتلم فيه ولا يجزئه من حجة الإسلام، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هذا قوله. قال: قال لي مالك: والجارية مثله إذا أحرمت قبل المحيض. قلت له: أي أيام السنة كان مالك يكره العمرة فيها؟ قال: لم يكن يكره العمرة في شيء من أيام السنة كلها إلا لأهل منى الحاج، كان يكره لهم أن يعتمروا في يوم النحر وأيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق. قال: فقلنا له: أرأيت من تعجل في يومين أو من خرج في آخر أيام التشريق حين زالت الشمس فوصل إلى مكة ثم خرج إلى التنعيم ليحرم؟ قال: لا يحرم أحد من هؤلاء حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق، ونهاهم عن ذلك. قال: وإن قفلوا إلى مكة فلا يحرموا حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق، قال: وإنما سألناه عن ذلك حين رأينا بعض من يفعل ذلك ويزعم أن بعض أهل العلم أفتاهم بذلك. قال: فقلنا لمالك: أفرأيت أهل الآفاق أيحرمون في أيام التشريق بالعمرة؟ قال: لا بأس بذلك وليسوا كأهل منى الذين حجوا، لأن هذا إنما يأتي من بلاده، وإحلاله بعد أيام منى وليس هو من الحاج. قال ابن القاسم: وهو عندي سواء كان إحلاله بعد أيام منى أو في أيام منى وليس هو من الحاج. قلت لابن القاسم: أرأيت رجلا أهل بالحج فجامع، ثم أهل بعدما أفسد حجه بإحرام يريد قضاء الذي أفسد وذلك قبل أن يصل إلى البيت ويفرغ من حجته الفاسدة؟ قال: هو على حجته الأولى ولا يكون ما أحدث من إحرامه نقضا لحجته الفاسدة، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي، قلت: أفيكون عليه قضاء الإحرام الذي جدد؟ قال: لا، قلت: أفتحفظه عن مالك؟ قال: لا وهو رأيي. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا أحرم بالحج ففاته الحج، فلما فاته الحج أحرم بحجة أخرى أتلزمه أم لا؟ قال: لا تلزمه وهو على إحرامه الأول. وليس له أن يردف حجا على حج، إنما له أن يفسخها في عمرة أو يقيم على ذلك الحج إلى قابل فيكون حجه تاما.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا أهل بالحج فجامع امرأته في حجه فأفسد حجه، ثم أصاب صيدا بعد صيد ولبس الثياب مرة بعد مرة وتطيب مرة بعد مرة في مجالس شتى، وحلق للأذى مرة بعد مرة وفعل مثل هذه الأشياء ثم جامع أيضا مرة بعد مرة؟ قال: قال مالك: عليه لكل شيء أصاب مما وصفت، الدم بعد الدم للطيب كلما تطيب به فعليه الفدية، وإن بلغ عددا من الفدية، وإن لبس الثياب مرة بعد مرة فكذلك أيضا وإن أصاب الصيد حكم عليه بجزاء كل صيد أصابه. قال: وقال مالك: والجماع خلاف هذا ليس عليه في الجماع إلا دم واحد، وإن أصاب النساء مرة بعد مرة امرأة واحدة كانت أو عددا من النساء، فليس عليه في جماعه إياهن إلا كفارة واحدة دم واحد.

قال: قال مالك: وإن هو أكرههن فعليه الكفارة لهن عن كل واحدة منهن كفارة كفارة، وعن نفسه في جماعه إياهن كلهن كفارة واحدة. قال: وعليه أن يحجهن إذا كان أكرههن وإن كان قد طلقهن وتزوجن الأزواج بعده فعليه أن يحجهن. قال مالك: وإن كان لم يكرههن ولكنهن طاوعنه فعليهن على كل واحدة الكفارة والحج من قابل، وعليه هو كفارة واحدة في جميع جماعه إياهن قلت لابن القاسم: فما حجة مالك في أن جعل عليه في كل شيء أصابه مرة بعد مرة كفارة بعد كفارة إلا في الجماع وحده؟ قال: لأن حجه من ذلك الوجه فسد، فلما فسد من وجه الجماع لم يكن عليه من ذلك الوجه إلا كفارة واحدة، فأما سوى الجماع من لبس الثياب والطيب وإلقاء التفث وما أشبه هذا فليس من هذا الوجه فسد حجه، فعليه لكل شيء يفعله من هذا كفارة بعد كفارة. وسألت ابن القاسم عن الرجل يكون له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق، فيقدم مكة معتمرا في أشهر الحج؟ قال: قال مالك: هذا من مشتبهات الأمور، والاحتياط في ذلك أعجب إلي. قال ابن القاسم: كأنه رأى أن يهريق دما لمتعته، قال: وذلك رأيي. وسألت ابن القاسم عن الرجل يدخل معتمرا في أشهر الحج ثم ينصرف إلى بلد من البلدان ليس إلى البلدة التي بها أهله، ثم يحج من عامه ذلك أيكون متمتعا أم لا؟ قال: قال مالك: إذا كان من أهل الشام أو أهل مصر، فرجع من مكة إلى المدينة ثم حج من عامه فإنه على تمتعه وعليه دم المتعة، إلا أن يكون انصرف إلى أفق من الآفاق تباعد من مكة ثم حج من عامه فهذا لا يكون متمتعا. قلت لابن القاسم: أرأيت من كان من أهل المواقيت ومن وراءهم إلى مكة اعتمروا في أشهر الحج، ثم أقاموا حتى حجوا من عامهم أيكون عليهم دم المتعة؟ قال: قال مالك: نعم عليهم دم المتعة. قال: وقال مالك: لو أن رجلا من أهل منى أحرم بعمرة في أشهر الحج ثم لم يرجع إلى منى حتى حج من عامه، أن عليه دم المتعة فإن هو رجع إلى منى سقط عنه دم المتعة لأنه قد رجع إلى منزله. قلت لابن القاسم: أرأيت المكي إذا أتى المدينة ثم انصرف إلى مكة فقرن الحج والعمرة، أيكون عليه دم القران؟ قال: قال مالك: لا يكون عليه دم القران لأنه من أهل مكة، وإن كان أهل من الميقات فإنه لا يكون عليه دم القران. قلت لابن القاسم: أرأيت رجلا أحرم بالعمرة في أشهر الحج وساق معه الهدي فطاف لعمرته وسعى بين الصفا والمروة، أيؤخر الهدي ولا ينحره حتى يوم النحر ويثبت على إحرامه أم ينحره ويحل؟ قال: قال مالك؟ ينحره ويحل ولا يؤخره إلى يوم النحر، قال: ولا يجزئه من دم المتعة هذا الهدي إن أخره إلى يوم النحر، لأن هذا الهدي قد وجب على هذا الذي ساقه أن ينحره. قال مالك: وليحلل إذا طاف لعمرته وينحر هديه. قلت لابن القاسم: فمتى ينحر هذا المتمتع هديه هذا في قول مالك؟ قال: إذا سعى بين الصفا والمروة نحره، ثم يحلق أو يقصر ثم يحل

فإذا كان يوم التروية أحرم، قال: وكان مالك يستحب أن يحرم في أول العشر. قال ابن القاسم: وقد قال مالك في هذا الذي تمتع في أشهر الحج وساق معه الهدي: إنه إن أخر هديه وحل من عمرته فنحره يوم النحر عن متعته، قال مالك: فأرجو أن يكون مجزئا عنه، قال: وقد فعل ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال مالك: ولكن الذي قلت لك من أنه ينحره ولا يؤخره أحب إلي. قلت لابن القاسم: ففي قول مالك إذا هو تركه حتى ينحره يوم النحر أيثبت حراما أم يحل؟ قال: قال مالك: بل يحل ولا يثبت حراما، كذلك قال مالك وإن أخر هديه. قلت لابن القاسم: ما قول مالك في هذا الذي تمتع بالعمرة فساق الهدي معه في عمرته هذه فعطب هديه قبل أن ينحره؟ قال: هذا الهدي عند مالك هدي تطوع، فلا يأكل منه وليتصدق به لأنه ليس بهدي مضمون لأنه ليس عليه بدله، قال ابن القاسم: وإن أكل منه كان عليه بدله وليحلل إذا سعى بين الصفا والمروة ولا يثبت حراما لمكان هديه الذي ساق معه، لأن هديه الذي ساقه معه لا يمنعه من الإحلال ولا يجزئه من هدي المتعة. قلت لابن القاسم: أرأيت إن استحق رجل هذا الهدي الذي ساقه هذا المعتمر في عمرته في أشهر الحج لمتعة أيكون عليه البدل؟ قال: نعم أرى أن يجعل ثمنه في هدي، لأن مالكا سئل عن رجل أهدى بدنة تطوعا فأشعرها وقلدها وأهداها، ثم علم بها عيبا بعد ذلك؟ قال: يرجع بقيمة العيب فيأخذه، فقيل له: فما يصنع بقيمة العيب؟ قال: يجعله في شاة فيهديها فهذا عندي مثله.

تفسير ما يجوز منه الأكل من الهدي
بعدى محلها أو قبل محلها إذا عطبت وما لا يجوز
قلت لابن القاسم: أرأيت الهدي الذي يكون مضمونا، أي هدي هو عند مالك؟ قال: الهدي الذي إذا هلك أو عطب أو استحق، كان عليه أن يبدله فهذا مضمون، قلت: فإن لم يعطب ولم يستحق حتى نحره أيأكل منه في قول مالك؟ قال: نعم يأكل منه. قال: وقال مالك: يؤكل من الهدي كله إلا فدية الأذى، وجزاء الصيد وما نذره للمساكين. قال: وقال مالك: يأكل من هديه الذي ساقه لفساد حجه أو لفوات حجه، أو هدي تمتع أو تطوع ومن الهدي كله إلا ما سميت لك. قال ابن القاسم: قال مالك: كل هدي مضمون إن عطب فليأكل منه صاحبه وليطعم منه الأغنياء والفقراء ومن أحب، ولا يبيع من لحمه ولا من جلده ولا من جلاله ولا من خطمه ولا من قلائده شيئا، وإن أراد أن يستعين بذلك في ثمن بدنة من الهدي فلا يفعل ولا يبيع منه شيئا. قال مالك: ومن الهدي المضمون ما إن عطب قبل أن يبلغ محله جاز له أن يأكل منه، وهو إن بلغ محله لم يكن له أن يأكل منه وهو جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين، فهو إذا عطب قبل

أن يبلغ محله جاز لك أن تأكل منه لأن عليك بدله، وإذا بلغ محله أجزأك عن الذي سقت له، ولا يجزئك إن أكلت منه ويصير عليك البدل إذا أكلت منه. قال: وقال مالك: وما سقت من الهدي وهو مما لا يجوز في الهدي حين قلدته وأشعرته فلم يبلغ محله حتى صار مثله، يجوز لو ابتدئ به مثل الأعرج البين العرج، ومثل الدبرة العظيمة تكون به، ومثل البين المرض ومثل الأعجف الذي لا ينقي، وما أشبه هذا من العيوب التي لا تجوز فلم يبلغ محله حتى ذهب ذلك العيب عنه وصار صحيحا، يجزئه لو ساقه أول ما ساقه بحاله هذه فإنه لا يجزئه وعليه البدل إن كان مضمونا. قال: قال مالك: وما ساق من الهدي مما مثله يجوز فلم يبلغ محله حتى أصابته هذه العيوب، عرج أو عور أو مرض أو دبر أو عيب من العيوب التي لو كانت ابتداء به لم يجز في الهدي، فإنه جائز عنه وليس عليه بدله. قال مالك: والضحايا ليست بهذه المنزلة ما أصابها من ذلك بعدما تشترى فإن على صاحبها بدلها.
قلت لابن القاسم: أكان مالك يجيز للرجل أن يبدل أضحيته بخير منها؟ قال: نعم. قلت: أكان مالك يجيز للرجل أن يبدل هديه بخير منه؟ قال: ألا قلت: فبهذا يظن أن مالكا فرق بين الضحايا والهدي في العيوب إذا حدثت؟ قال: نعم. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يشتري الضحية فتذهب فيجدها بعد أن تذهب أيام الدم، هل عليه أن يذبحها؟ قال: لا وإنما يذبح من هذه البدن التي تشعر وتقلد لله، فتلك إذا ضلت ولم توجد إلا بعد أيام منى نحرت بمكة، وإن أصيبت خارجا من مكة بعد أيام منى سيقت إلى مكة فنحرت بمكة. قال مالك: وإن لم توقف هذه البدن بعرفة فوجدت أيام منى سيقت إلى مكة فنحرت بها، قال: وإن كانت قد وقفت بعرفة ثم وجدت في أيام منى نحرت بمنى. قال: ولا ينحر بمنى إلا ما وقف بعرفة، قال: فإن أصيبت هذه التي وقف بها بعرفة بعد أيام منى نحرت بمكة ولم تنحر بمنى، لأن أيام منى قد مضت. قلت له: أي هدي عند مالك ليس بمضمون؟ قال: التطوع وحده. قلت: فصف لي التطوع في قول مالك؟ قال: كل هدي ساقه الرجل ليس لشيء وجب عليه من جزاء أو فدية أو فساد حج أو فوات حج، أو لشيء تركه من أمر الحج أو تلذذ به من أهله في الحج أو غير ذلك أو لمتعة أو لقران، ولكنه ساقه لغير شيء وجب عليه أو يجب عليه في المستقبل فهذا التطوع. قلت لابن القاسم: أي هدي يجب علي أن أقف به بعرفة في قول مالك؟ قال: كل هدي لا يجوز لك أن تنحره إن اشتريته في الحرم حتى تخرجه إلى الحل فتدخله الحرم، أو تشتريه من الحل فتدخله الحرم فهذا الذي يوقف به بعرفة، لأنه إن فات هذا الهدي الوقوف بعرفة لم ينحره حتى يخرج به إلى الحل إذا كان إنما اشتري في الحرم. قلت: أرأيت إن كان اشترى هذا الهدي في الحل وساقه إلى الحرم وأخطأه الوقوف به

بعرفة، أيخرجه إلى الحل ثانية أم لا في قول مالك؟ قال: لا يخرجه إلى الحل ثانية، قلت: فأين ينحر كل هدي أخطأه الوقوف بعرفة أو اشتراه بعدما مضى يوم عرفة وليلة عرفة ولم يقف به في قول مالك؟ قال: قال مالك: ينحره بمكة ولا ينحره بمنى. قال: وقال مالك: لا ينحر بمنى إلا كل هدي وقف به بعرفة، فأما ما لم يوقف به بعرفة فنحره بمكة لا بمنى. قلت لابن القاسم: أي الأسنان تجوز في الهدي والبدن والضحايا في قول مالك؟ قال: الجذع من الضأن والثني من المعز والثني من الإبل والبقر، ولا يجوز من البقر والإبل والمعز إلا الثني فصاعدا، قال مالك: وقد كان ابن عمر يقول: لا يجوز إلا الثني من كل شيء. قال: ولكن النبي عليه السلام قد رخص في الجذع من الضأن، وأنا أرى ذلك أنه يجزئ الجذع من الضأن في كل شيء من الضحية والهدي. قلت لابن القاسم: فما البدن عند مالك؟ قال: هي الإبل وحدها، قلت: فالذكور والإناث عند مالك بدن كلها؟ قال: نعم وتعجب مالك ممن يقول لا يكون إلا في الإناث. قال مالك: وليس هكذا قال الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} [الحج: 36] ولم يقل ذكرا ولا أنثى. قلت لابن القاسم: فالهدي من البقر والغنم والإبل هل يجوز من ذلك الذكر والأنثى في قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا قال لله علي بدنة أتكون في قول مالك من غير الإبل؟ قال: قال مالك: من نذر بدنة فإنما البدن من الإبل، إلا أن لا يجد بدنة من الإبل فتجزئه بقرة، فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم، الذكور في ذلك والإناث سواء. قلت لابن القاسم: فلو قال لله علي هدي في قول مالك ما يجب عليه؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولكن إن لم يكن له نية فالشاة تجزئه لأنها هدي.

تفسير فدية الأذى والمتداوي ومن لبس الثياب
قلت لابن القاسم: أرأيت ما كان من فدية الأذى من حلق رأس أو احتاج إلى دواء فيه طيب فتداوى به، أو احتاج إلى لبس الثياب فلبس أو نحو هذا مما يحتاج إليه ففعله، أيحكم عليه كما يحكم في جزاء الصيد؟ قال: لا في قول مالك، قال ولا يحكم عليه إلا في جزاء الصيد وحده. قال مالك: وهذا الذي أماط الأذى عنه أو تداوى بدواء فيه طيب أو لبس الثياب أو فعل هذه الأشياء، مخير أن يفعل أي ذلك شاء مما ذكر الله في كتابه {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ} قلت: فإن أراد أن ينسك فأين ينسك؟ قال: حيث شاء من البلاد، قلت: فإن أراد أن ينسك بمنى أعليه أن يقف بنسكه هذا بعرفة؟ قال: لا، قلت: ولا يخرجه إلى الحل إن اشتراه بمكة أو بمنى، وينحره بمنى إن شاء يوم النحر من غير أن يقف به بعرفة، ولا يخرجه إلى الحل

وينحره بمكة إن أحب حيث شاء؟ قال: نعم، قلت: وجميع هذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت من لبس الثياب فتطيب في إحرامه من غير أذى ولا حاجة به إلى الطيب من دواء ولا غيره إلا أنه فعل هذا جهالة وحمقا، أيكون مخيرا في الصيام والصدقة والنسك مثل ما يخير من فعله من أذى؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: قال مالك: لو أن رجلا دخل مكة في أشهر الحج بعمرة وهو يريد سكناها والإقامة بها، ثم حج من عامه رأيته متمتعا وليس هو عندي مثل أهل مكة، لأنه إنما دخل يريد السكنى ولعله يبدو له فأرى عليه الهدي. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا أحرم بعمرة من أهل الآفاق في غير أشهر الحج وحل منها في غير أشهر الحج، ثم اعتمر بعمرة أخرى من التنعيم في أشهر الحج ثم حج من عامه، أيكون عليه دم المتعة في قول مالك؟ قال: نعم وأرى أن يكون ذلك عليه، وهو عندي مثل الذي أخبرتك من قوله في الذي يقدم ليسكن مكة، فلما جعل مالك عليه الدم رأيت على هذا دم المتعة لأن هذا عندي لم يكن إقامته الأولى سكنى، وقد أحدث عمرة في أشهر الحج وهو عندي أبين من الذي قال مالك في الذي يقدم ليسكن. قلت لابن القاسم: أفتجعله بعمرته هذه التي أحدثها من مكة في أشهر الحج قاطعا لما كان فيه، وتجزئه عمرته هذه التي في أشهر الحج من أن يكون بمنزلة أهل مكة، وإن كان إنما اعتمر من التنعيم؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت من غسل يديه وهو محرم بالأشنان المطيب أعليه كفارة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان بالريحان وما أشبهه غير المطيب الغاسول وما أشبهه، فأراه خفيفا وأكره أن يفعله أحد، ولا أرى على من فعله فدية، فإن كان طيب الأشنان بالطيب فعليه فدية أي ذلك شاء فعل. قال: فقلنا لمالك: فالأشنان وما أشبهه غير المطيب الغاسول وما أشبهه يغسل به المحرم يديه؟ قال: لا بأس بذلك. قلت لابن القاسم: أرأيت من غسل رأسه بالخطمي وهو محرم أعليه الفدية في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فأي الفدية شاء؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: من دخل الحمام وهو محرم فتدلك فعليه الفدية. قال: وقال مالك: من دهن عقبيه وقدميه من شقوق وهو محرم فلا شيء عليه، وإن دهنهما من غير علة أو دهن ذراعيه وساقيه ليحسنهما لا من علة فعليه الفدية. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الصدغين يلصق عليهما مثل ما يصنع الناس إذا فعل ذلك المحرم؟ قال: قال مالك: عليه الفدية. قال: وسئل مالك عن القروح تكون بالمحرم فيلصق عليها خرقا؟ قال مالك: أرى إن كانت الخرق صغارا فلا شيء عليه، وإن كانت كبارا فعليه الفدية. قلت: أرأيت من كان عليه هدي من جزاء صيد فلم ينحره حتى مضت أيام التشريق فاشتراه في الحرم ثم خرج به إلى الحل، أيدخل محرما لمكان هذا الهدي أم يدخل حلالا؟ قال: قال مالك: يدخل

حلالا. قال: وقال مالك: ولا بأس أن يبعث بهديه هذا مع حلال من الحرم، ثم يقف هو في الحل فيدخله مكة فينحره عنه.

تفسير ما يجوز في الصيام في الحج وما لا يجوز
قلت لابن القاسم: أرأيت الصيام في الحج والعمرة في أي المواضع يجوز الصيام في قول مالك؟ قال: الصيام في الحج والعمرة عند مالك إنما هو في هذه الأشياء التي أصف لك، إنما يجوز الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج وإن لم يجد هديا صام قبل يوم النحر ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع، فإن لم يصمها قبل يوم النحر صامها أيام التشريق يفطر يوم النحر الأول ويصومها فيما بعد يوم النحر، فإن لم يصمها في أيام التشريق فليصمها بعد ذلك إذا كان معسرا، وفي جزاء الصيد قال الله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة: 95] وفي فدية الأذى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قال: وقال مالك: كل من وجب عليه الدم من حج فائت، أو جامع في حجه أو ترك رمي الجمار أو تعدى الميقات فأحرم أو ما أشبه هذه الأشياء الذي يجب فيها الدم، فهو إن لم يجد الدم صام. قلت لابن القاسم: فكم يصوم هذا الذي وجب عليه الدم في هذه الأشياء التي ذكرت لك إذا لم يجد الدم في قول مالك؟ قال: ثلاثة أيام في الحج ثم سبعة إذا رجع، قال ابن القاسم: وقد قال لي مالك في الذي يمشي في نذر فيعجز أنه يصوم متى ما شاء ويقضي متى شاء في غير حج فكيف لا يصوم في غير حج. قال ابن القاسم: وكل ما كان من نقص في حج من رمى جمرة أو ترك النزول بالمزدلفة فهو مثل العجز، إلا الذي يصيب أهله في الحج فإن ذلك عليه أن يصوم في الحج. قلت: فالذي يفوته الحج أيصوم الثلاثة الأيام في الحج إذا لم يجد هديا؟ قال: نعم يصوم في الحج. قلت لابن القاسم: أليس إنما يجوز له في قول مالك أن يصوم مكان هذا الهدي الذي وجب عليه في الجماع وما أشبهه إذا كان لا يجد الهدي، فإذا وجد الهدي قبل أن يصوم لم يجز له أن يصوم؟ قال: نعم. وهو قول مالك. قلت: أرأيت المتمتع إذا لم يصم حتى مضت أيام العشر وكان معسرا ثم وجد يوم النحر من يسلفه أله أن يصوم أم يتسلف؟ قال: قال مالك: يتسلف إن كان موسرا ببلده ولا يصوم، قلت: فإن لم يجد من يسلفه ولم يصم حتى رجع إلى بلده وهو يقدر ببلده على الدم أيجزئه الصوم أم لا؟ قال: قال لي مالك: إذا رجع إلى بلده وهو يقدر على الهدي فلا يجزئه الصوم وليبعث بالهدي، قال: قال لي مالك: وإن كان قد صام قبل يوم النحر يوما أو يومين في صيام التمتع، فليصم ما بقي في أيام التشريق. قلت لابن القاسم: وكذلك الذي جامع أو ترك الميقات وما أشبههم، أيجزئهم أن يصوموا مثل ما يجزئ المتمتع بعض صيامهم

قبل العشر وبعض صيامهم بعد العشر، ويجزئهم أن يصوموا في أيام النحر بعد يوم النحر الأول؟ قال: نعم. قلت: وكل شيء صنعه في العمرة من ترك الميقات أو جامع فيها، أو ما أوجب به مالك عليه الدم في الحج وما يشبه هذا، فعليه إذا فعله في العمرة الدم أيضا، فإن كان لا يجد الدم صام ثلاثة أيام وسبعة بعد ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وإن وجد الهدي قبل أن يصوم لم يجزه الصيام؟ قال: نعم، قلت: ولا يجزئ في شيء من هذا الهدي الذي ذكرت لك من الجماع وما أشبهه في قول مالك مما جعلته مثل دم المتعة الطعام؟ قال: نعم لا يجزئه الطعام. قلت: وليس الطعام في شيء من الحج والعمرة في قول مالك إلا فيما ذكرت لي ووصفته لي في هذه المسائل؟ قال: نعم، قلت: فأين موضع الطعام في قول مالك في الحج والعمرة، صفه لي في أي المواضع يجوز له الطعام في الحج والعمرة؟ قال: قال مالك: ليس الطعام في الحج والعمرة إلا في هذين الموضعين في فدية الأذى وجزاء الصيد فقط، ولا يجوز الطعام إلا في هذين الموضعين. قلت: هل في الحج والعمرة في شيء مما تركه أن يفعله المحرم هدي لا يجوز فيه إلا الهدي وحده ولا يجوز فيه طعام ولا صيام؟ قال: قال مالك: كل شيء يكون فيه الهدي لا يجده الحاج والمعتمر فالصيام يجزئ موضع هذا الهدي، وما كان يكون موضع الهدي صيام أو طعام فقد فسرته لك من قول مالك قبل هذه المسألة.

هدي التطوع يعطب قبل محله ما يصنع به
قلت لابن القاسم: أرأيت هدي التطوع إذا عطب كيف يصنع به صاحبه في قول مالك؟ قال: قال مالك: يرمي بقلائدها في دمها إذا نحرها ويخلي بين الناس وبينها ولا يأمر أحدا أن يأكل منها لا فقيرا ولا غنيا، فإن أكل أو أمر أحدا من الناس يأكلها أو يأخذ شيئا من لحمها كان عليه البدل، قلت لابن القاسم: فما يصنع بخطمها وبجلالها؟ قال: يرمي به عندها ويصير سبيل الجلال والخطم سبيل لحمها، قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كان ربها ليس معها ولكنه بعثها مع رجل فعطبت أيأكل منها في قول مالك هذا الذي بعثت معه كما يأكل الناس؟ قال: سبيل هذا المبعوثة معه سبيل صاحبها، ألا يأكل منها كما تأكل الناس، إلا أنه هو الذي ينحرها أو يأمر بنحرها ويفعل بها كما يفعل بها ربها أن لو كان معها وإن أكل لم أر عليه ضمانا، قال ابن القاسم: ولا يأمر ربها هذا المبعوثة معه هذه الهدية إن هي عطبت أن يأكل منها، فإن فعل فهو ضامن. قال ابن القاسم: ألا ترى أن صاحب الهدي حين جاء إلى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله ما أصنع بما عطب منها؟ فقال: "انحرها وألق قلائدها في دمها وخل بين الناس وبينها1" . قلت لابن القاسم: أرأيت كل هدي وجب علي في حج أو عمرة أو غير
ـــــــ
1 رواه الدارمي في كتاب المناسك باب 66. أحمد في مسنده "4/334".

ذلك، أيجوز لي في قول مالك أن أبعثه مع غيري؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت من أهل بعمرة من الميقات فلما طاف بالبيت وسعى بعض السعي بين الصفا والمروة أحرم بالحج، أيكون قارنا وتلزمه هذه الحجة في قول مالك؟ قال: قال لنا مالك: من أحرم بعمرة فله أن يلبي بالحج ويصير قارنا ما لم يطف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. قلت لابن القاسم: أرأيت إن بدأ بالطواف بالبيت في قول مالك، ولم يسع بين الصفا والمروة أو فرغ من الطواف بالبيت وسعى بعض السعي بين الصفا والمروة، ثم أحرم بالحج أليس يلزمه قبل أن يسعى؟ قال: الذي كان يستحب مالك أنه إذا طاف بالبيت لم يجب له أن يردف الحج مع العمرة. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن لا يفعل، فإن فعل قبل أن يفرغ من سعيه رأيت أن يمضي على سعيه ويحل، ثم يستأنف الحج وإنما ذلك له ما لم يطف بالبيت ويركع فإذا طاف وركع فليس له أن يدخل الحج على العمرة وهو الذي سمعت من قول مالك. قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان هذا المعتمر قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في عمرته، ثم فرض الحج بعد فراغه من السعي بين الصفا والمروة؟ قال: قال مالك: لا يكون بهذا قارنا، وأرى أن يؤخر حلاق شعره ولا يطوف بالبيت حتى يرجع من منى إلا أن يشاء أن يطوف تطوعا، لا يسعى بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، قال: وعلى هذا الذي أحرم بالحج بعد ما سعى بين الصفا والمروة في عمرته دم لتأخير الحلاق، لأنه لما أحرم بالحج لم يقدر على الحلاق، فلما أخر الحلاق كان عليه الدم، قلت: فهذا الدم كيف يصنع به في قول مالك؟ قال: قال مالك: يشعره ويقلده ويقف به بعرفة مع هدي تمتعه، فإن لم يقف به بعرفة لم يجزه إن اشتراه من الحرم إلا أن يخرجه إلى الحل فيسوقه من الحل إلى مكة فيصير منحره بمكة، قلت لابن القاسم: ولم أمره مالك أن يقف بهذا الهدي الذي جعله عليه لتأخير الحلاق بعرفة، وهو إن حلق من أذى لم يأمره بأن يقف بهديه؟ قال: قال مالك: ليس من وجب عليه الهدي بترك الحلاق، مثل من وجب عليه النسك من إماطة الأذى لأن الهدي إذا وجب من ترك الحلاق فإنما هو الهدي، وكل ما هو هدي فسبيله سبيل هدي المتمتع فيه والصيام إن لم يجد ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد ذلك، ولا يكون فيه الطعام، وأما نسك الأذى فهو فيه مخير إن شاء أطعم وإن شاء صام وإن شاء نسك، والصيام فيه ثلاثة أيام والنسك فيه شاة والطعام فيه ستة مساكين، مدين مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا فرق ما بينهما. قلت لابن القاسم: أرأيت من دخل مكة معتمرا في غير أشهر الحج ثم اعتمر في أشهر الحج من مكة ثم حج من عامه أيكون متمتعا؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن مكيا قدم من أفق من الآفاق فقرن الحج والعمرة أيكون قارنا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: لا

يكون عليه الهدي، وهو قارن يفعل ما يفعل القارن إلا أنه مكي فلا دم عليه. قلت لابن القاسم: فلو أن هذا المكي أحرم بعمرة فلما طاف لها بالبيت وصلى الركعتين أضاف الحج إلى العمرة؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا كان لا يرى لمن طاف وركع أن يردف الحج مع العمرة، وأخبرتك أن رأيي على ذلك أن يمضي على سعيه ويحل ثم يستأنف الحج وإنما ذلك له ما لم يطف بالبيت ويركع، فإذا طاف وركع فليس له أن يدخل الحج على العمرة. قال ابن القاسم: ولو دخل رجل بعمرة فأضاف الحج ثم أحصر بمرض حتى فاته الحج، فإنما يخرج إلى الحل ثم يرجع فيطوف ويحل ويقضي الحج والعمرة قابلا قارنا.

تفسير من أفسد حجه من أين يقضيه والعمرة كذلك
قلت لابن القاسم: أرأيت من أفسد حجه أو عمرته بإصابة أهله من أين يقضيهما؟ قال: قال مالك: من حيث أحرم بهما إلا أن يكون إحرامه الأول كان من أبعد من الميقات، فليس عليه أن يحرم الثانية إلا من الميقات. قلت لابن القاسم: فإن تعدى الميقات في قضاء حجته أو عمرته فأحرم؟ قال: أرى أن يجزئه من القضاء وأرى أن يهريق دما، قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا إلا أن مالكا قال لي في الذي يتعدى الميقات وهو ضرورة ثم يحرم، أن عليه الدم فليس يكون ما أوجب على نفسه مما أفسده أوجب مما أوجب الله عليه من الفريضة، ومما يبين ذلك: أن من أفطر في قضاء رمضان متعمدا أنه لا كفارة عليه وليس عليه إلا القضاء. قلت لابن القاسم: أرأيت إن تعدى الميقات فأحرم بعد ما جاوز الميقات بالحج وليس بضرورة، أعليه الدم في قول مالك؟ قال: نعم إن كان جاوز ميقاته حلالا وهو يريد الحج ثم أحرم فعليه الدم. قلت: أرأيت إذا خرج الرجل في العيدين أيكبر من حين يخرج من بيته في يوم الأضحى ويوم الفطر؟ قال: نعم، قلت: حتى متى يكبر؟ قال: يكبر حتى يبلغ المصلى ويكبر في المصلى حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام قطع التكبير، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم: قلت: والأضحى والفطر في هذا التكبير سواء عند مالك؟ قال: نعم، قلت: ولا يكبر إذا رجع من المصلى إلى بيته؟ قال: نعم لا يكبر، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإذا كبر الإمام بين ظهراني خطبته أيكبر بتكبيره؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وإن كبر فحسن وليكبر في نفسه، قال وهو رأيي. قال ابن القاسم: وسألت مالكا أو سئل عن الرجل يأتي في صلاة العيدين وقد فاته ركعة وبقيت ركعة، كيف يقضي التكبير إذا سلم الإمام؟ قال: يقضي سبعا على ما فاته، قال: فقيل لمالك: فلو أن رجلا أدرك الإمام في تشهده في العيدين، أيستحب أن يدخل معه بإحرام أم يقعد حتى إذا فرغ

الإمام قام فصلى؟ قال: بل يحرم ويدخل مع الإمام، فإذا فرغ صلى وكبر ستا وخمسا، فقيل له: فلو أنه جاء بعدما صلى الإمام وفرغ من صلاته، أترى أن يصلي تلك الصلاة في المصلى؟ قال: نعم لا بأس لمن فاتته، ويكبر ستا وخمسا وإن صلى وحده. قال مالك: ولو أن إماما نسي التكبير في العيدين حتى قرأ وفرغ من قراءته في الركعة الأولى ولم يركع، رأيت أن يعيد التكبير ويعيد القراءة ويسجد سجدتي السهو بعد السلام، وإن نسي حتى ركع مضى ولم يقض تكبير الركعة الأولى في الركعة الثانية ويسجد سجدتي السهو قبل السلام، وكذلك في الركعة الثانية إن نسي التكبير حتى يركع مضى ولم يقض تكبير الركعة ومضى ويسجد سجدتي السهو قبل السلام، قال: وإن نسي التكبير في الركعة الثانية حتى فرغ من القراءة، إلا أنه لم يركع بعد، رجع فكبر ثم قرأ ثم ركع وسجد لسهوه بعد السلام. قال ابن القاسم وإنما قال لنا مالك: من نسي التكبير كما فسرت لك ولم يقل لنا الركعة الثانية من الأولى، ولكن كل ما كتبت من هذه المسائل، فهو رأيي.

فيمن اعتمر في رمضان
وسعى بعض السعي فهل عليه شوال قبل تمام سعيه
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا اعتمر في رمضان وطاف بالبيت في رمضان وسعى بعض السعي بين الصفا والمروة في رمضان، فهل هلال شوال وقد بقي عليه بعض السعي بين الصفا والمروة؟ قال مالك: هو متمتع إلا أن يكون قد سعى جميع سعيه بين الصفا والمروة في رمضان، فأما إذا كان بعض سعيه بين الصفا والمروة في شوال فهو متمتع إن حج من عامه. قلت لابن القاسم: فإن كان قد سعى جميع السعي ثم هل هلال شوال قبل أن يحلق؟ قال: إذا فرغ من سعيه بين الصفا والمروة فهل هلال شوال قبل أن يحلق إلا أنه قد فرغ من سعيه بين الصفا والمروة، ثم حج من عامه ذلك فليس بمتمتع، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي لأن مالكا قال لنا: إذا فرغ الرجل من سعيه بين الصفا والمروة فلبس الثياب، فلا أرى عليه شيئا وإن كان لم يقصر. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الرجل يزاحمه الناس في طوافه في الأشواط الثلاث التي يرمل فيها؟ قال: قال مالك: يرمل على قدر طاقته. قلت: هل سمعت مالكا يقول: إذا اشتد الزحام ولم يجد مسلكا إنه يقف؟ قال: ما سمعته، قال ابن القاسم: ويرمل على قدر طاقته. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن رجل نسي أن يرمل أو جهل في أول طوافه بالبيت أو جهل أو نسي أن يسعى في بطن الوادي بين الصفا والمروة؟ قال هذا خفيف ولا أرى عليه شيئا. قال ابن القاسم: وقد كان مالك قال مرة عليه الدم، ثم رجع عنه بعد ذلك إلى هذا أنه لا دم عليه، سألناه عنه مرارا كثيرة، كل ذلك يقول لا دم عليه. قال

مالك: ويرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود. قال: وقال مالك: إن شاء استلم الحجر كلما مر وإن شاء لم يستلم، قال مالك: ولا أرى بأسا أن يستلم الحجر من لا يطوف يستلمه وإن لم يكن من طواف.

تفسير ما يبدأ به الرجل إذا دخل في الطواف
قلت لابن القاسم: أرأيت الرجل أول ما يدخل مكة فابتدأ الطواف أول ما يدخل مكة، كيف يطوف أيطوف بالبيت ولا يستلم الركن أو يبدأ فيستلم الركن؟ قال: قال مالك: الذي يدخل مكة أول ما يدخل يبتدئ باستلام الحجر ثم يطوف، قلت: فإن لم يقدر على استلام الحجر كبر ثم طاف بالبيت ولا يستلمه كما مر به في قول مالك؟ قال: ذلك واسع في قوله إن شاء استلم وإن شاء ترك، قلت: فإن ترك الاستلام أيترك التكبير أيضا كما ترك الاستلام في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يدع التكبير كلما حاذاه كبر. قلت لابن القاسم: أرأيت هذا الذي دخل مكة فطاف بالبيت الطواف الأول الذي أوجبه مالك الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة فأمر مالك بأن يستلم إلا أن لا يقدر فيكبر، قلت: أرأيت ما طاف بعد هذا الطواف أيبتدئ باستلام الركن في كل طواف يطوفه بعد ذلك؟ قال: ليس عليه أن يستلم في ابتداء طوافه إلا في الطواف الواجب، إلا أن يشاء ولكن لا يدع التكبير كلما مر بالحجر في كل طواف يطوفه من واجب أو تطوع. قلت: فالركن اليماني أيستلمه كلما مر به في الطواف الواجب أو التطوع؟ قال: قال مالك: ذلك واسع إن شاء استلمه وإن شاء تركه، قلت: أفيكبر إن ترك الاستلام؟ قال: قال مالك: يكبر كلما مر به إذا ترك استلامه. قال ابن القاسم: سألت مالكا عن هذا الذي يقول الناس عند استلام الحجر إيمانا بك وتصديقا بكتابك فأنكره، قلت لابن القاسم: أفيزيد على التكبير أم لا عند استلام الحجر والركن اليماني؟ قال: لا يزيد على التكبير في قول مالك. قلت لابن القاسم: أرأيت إن وضع الخدين والجبهة على الحجر الأسود؟ قال: أنكره مالك وقال هذا بدعة. قلت لابن القاسم: أرأيت من طاف في الحجر أيعتد به أم لا؟ قال: قال مالك: ليس ذلك بطواف، قلت: فيلغيه في قول مالك ويبني على ما كان طاف، قال: نعم. قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن الركن هل يسلمه من ليس في طواف؟ قال: لا بأس بذلك. قلت لابن القاسم: أرأيت من طاف بالبيت أول ما دخل مكة ثم صلى الركعتين فأراد الخروج إلى الصفا والمروة، أيرجع فيستلم الحجر قبل أن يخرج إلى الصفا والمروة في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم يرجع فيستلم الحجر ثم يخرج، قلت: فإن لم يفعل أيرى عليه مالك لذلك شيئا؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن طاف بالبيت بعدما سعى بين الصفا والمروة فأراد أن يخرج إلى منزله، أيرجع إلى الحجر فيستلمه كلما أراد الخروج؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا

وما أرى ذلك عليه، إلا أن يشاء أن يستلمه فذلك له. قلت، لابن القاسم: أي موضع يقف الرجل من الصفا والمروة؟ قال: قال مالك: أحب إلي أن يصعد إلى أعلاها في موضع يرى الكعبة منه. قال: فقلنا لمالك: إذا دعا، أيقعد على الصفا والمروة؟ قال مالك: ما يعجبني ذلك إلا أن يكون به علة. قلت لابن القاسم: فالنساء؟ قال: ما سألنا مالكا عنهن إلا كما أخبرتك. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن النساء مثل الرجال أنهن يقفن قياما إلا أن يكون بهن ضعف أو علة، إلا أنهن إنما يقفن في أصل الصفا والمروة في أسفلها وليس عليهن صعود عليهما، إلا أن يخلو فيصعدن. قلت: فهل كان مالك يذكر على الصفا والمروة دعاء موقوتا؟ قال: لا، قلت: فهل ذكر لكم مقدار كم يدعو على الصفا والمروة، قال: رأيته كأنه يستحب المكث في دعائه عليهما. قلت لابن القاسم: فهل كان مالك يستحب أن ترفع الأيدي على الصفا والمروة؟ قال: رفعا خفيفا ولا يمد يديه رافعا، قال: والذي رأيت أن مالكا يستحب أن يترك رفع الأيدي في كل شيء، قلت لابن القاسم: إلا في ابتداء الصلاة؟ قال: نعم إلا في ابتداء الصلاة، قال: إلا أنه قال في الصفا والمروة إن كان فرفعا خفيفا، وقال مالك في الوقوف بعرفات: إن رفع أيضا فرفعا خفيفا. قلت لابن القاسم: فهل يرفع يديه في المقامين عند الجمرتين في قول مالك؟ قال: لا أدري ما قوله فيه ولا أرى أن يفعل. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الإمام إذا أمر الناس بالدعاء وأمرهم أن يرفعوا أيديهم في مثل الاستسقاء، والأمر الذي ينزل بالمسلمين مما يشبه ذلك؟ قال: فليرفعوا أيديهم إذا أمرهم، قال: وليرفعوا رفعا خفيفا، قال: وليجعلوا ظهور أكفهم إلى وجوههم وبطونها إلى الأرض. قال ابن القاسم: وأخبرني بعض من رأى مالكا في المسجد يوم الجمعة ودعا الإمام في أمر، وأمر الناس أن يرفعوا أيديهم فرأى مالكا فعل ذلك، رفع يديه ونصبهما وجعل ظاهرهما مما يلي السماء. قال ابن القاسم: قال مالك: أكره للرجل إذا انصرف من عرفات أن يمر في غير طريق المأزمين، قال: وأكره للناس هذا الذي يصنعون يقدمون أبنيتهم إلى منى قبل يوم التروية، وأكره لهم أيضا أن يتقدموا هم أنفسهم قبل يوم التروية إلى منى، قال: وأكره لهم أن يتقدموا إلى عرفة قبل يوم عرفة هم أنفسهم أو يقدموا أبنيتهم. قال مالك: وأكره البنيان الذي أحدثه الناس بمنى، قال وما كان بعرفة مسجد منذ كانت عرفة، وإنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين. قال مالك: وأكره بنيان مسجد عرفة لأنه لم يكن فيه مسجد منذ بعث الله نبيه. قال فقلنا لمالك: فالإمام أين كان يخطب؟ قال: في الموضع الذي يخطب فيه ويصلي بالناس فيه، كان يتوكأ على شيء ويخطب. قلت لابن القاسم: فتحفظ عن مالك أنه كره أن يقدم الناس أثقالهم من منى أو يقدم الرجل ثقله من منى؟ قال: لا أحفظه عن مالك ولا أرى به بأسا.

قلت لابن القاسم: كيف الأبطح في قول مالك إذا رجع الناس من منى، وأي موضع هو الأبطح؟ قال: قال مالك إذا رجع الناس من منى نزلوا الأبطح فصلوا به الظهر والعصر والمغرب والعشاء إلا أن يكون رجل أدركه وقت الصلاة قبل أن يأتي الأبطح فيصلي الصلوات حيث أدركه الوقت ثم يدخل مكة بعد العشاء قلت لابن القاسم: فمتى يدخل مكة هذا الذي صلى بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء في أول الليل أم في آخر الليل؟ قال: قال مالك يصلي هذه الصلوات التي ذكرت لك ثم يدخل، قال: وأرى أنه يدخل أول الليل. قلت لابن القاسم: فأين الأبطح عند مالك؟ قال: لم أسمعه منه أين هو، ولكن الأبطح معروف هو أبطح مكة حيث المقبرة. قال: وكان مالك يستحب لمن يقتدي به، أن لا يدع أن ينزل بالأبطح وكان يوسع لمن لا يقتدي به إن دخل مكة ترك النزول بالأبطح، قال: وكان يفتي به سرا وأما في العلانية فكان يفتي بالنزول بالأبطح لجميع الناس. قال: وقال مالك: من قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد عنهما وهي السنة. قلت لابن القاسم: أرأيت من دخل مكة معتمرا مراهقا فلم يستطع الطواف بالبيت خوفا أن يفوته الحج، فمضى إلى عرفات وفرض الحج فرمى الجمرة، أيحلق رأسه أم يؤخر حلاق رأسه حتى يطوف بالبيت لمكان عمرته في قول مالك؟ قال: قال مالك: هذا قارن وليحلق إذا رمى الجمرة ولا يؤخر حتى يطوف بالبيت. قلت لابن القاسم: أرأيت رجلا دخل مكة معتمرا فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ونسي الركعتين اللتين على أثر الطواف حتى انصرف إلى بلاده ووطئ النساء؟ قال: يركعهما إذا ذكرهما وليهد هديا، قلت: فإن ذكر أنه لم يكن طاف بالبيت إلا ستا كيف يفعل؟ قال: يعيد الطواف بالبيت ويصلي الركعتين ويسعى بين الصفا والمروة ويمر الموسى على رأسه ويقضي عمرته ويهدي، قلت: فإن كان حين دخل مكة طاف بالبيت وسعى، ثم أردف الحج فلما كان بعرفة ذكر أنه لم يكن طاف بالبيت إلا ستا كيف يفعل؟ قال: هذا قارن يعمل عمل القارن. قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره الحلاق يوم النحر بمكة؟ قال: قال مالك: الحلاق يوم النحر بمنى أحب إلي، فإن حلق بمكة أجزأه ولكن أفضل ذلك أن يحلق بمنى. قال: وقال مالك في الذي تضل بدنته يوم النحر: إنه يؤخر حلاق رأسه ويطلبها، قلت: أنهاره كله ويومه كذلك؟ قال: قال مالك: لا ولكن فيما بينه وبين أن تزول الشمس، فإن أصابها وإلا حلق رأسه. قلت: أرأيت إن كانت هذه البدنة مما عليه بدلها أو كانت مما لا بدل عليه أذلك سواء؟ قال: نعم ذلك سواء عند مالك لا يحرمان عليه شيئا، وهو بمنزلة من لم يهد، يفعل ما يفعل من لم يهد من وطء النساء والإفاضة وحلق رأسه ولبس الثياب، كذلك قال مالك. قلت لابن القاسم: أرأيت ما وقفه غيري من الهدي أيجزئني في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجزئ إلا ما

وقفته أنت لنفسك. قلت لابن القاسم: هل توقف الإبل والبقر والغنم في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فهل يبات ما وقف به من الهدي بعرفة في المشعر الحرام؟ قال: إن بات به فحسن وإن لم يبت فلا شيء عليه. قلت: فهل يخرج الناس بالهدي يوم التروية كما يخرجون إلى منى ثم يدفعون بها كما يدفعون إلى عرفات؟ قال: لم أسمع من مالك أكثر من أن يقف بها بعرفة، ولا يدفع بها قبل غروب الشمس، قال: فإن دفع بها قبل غروب الشمس فليس ذلك بوقف. قلت: فإن عاد بها فوقفها قبل انفجار الصبح بعرفة أيكون هذا وقفا؟ قال: نعم هو عندي وقف، وذلك أن مالكا قال لي في الرجل يدفع قبل أن تغرب الشمس من عرفة، قال: إن أدرك أن يرجع فيقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر كان قد أدرك الحج، وإن فاته أن يقف بعرفة قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج، فعليه الحج قابلا وكذلك الهدي، إلا أن الهدي يساق إلى مكة فينحر بها ولا ينحر بمنى. قلت: أرأيت ما اشترى من الهدي بعرفات فوقفه بها أليس يجزئ في قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: من أين يستحب مالك للمعتمرين وأهل مكة أن يحرموا بالحج؟ قال: من المسجد الحرام.
قلت لابن القاسم: متى يقلد الهدي ويشعر ويجلل في قول مالك؟ قال: قبل أن يحرم صاحبه يقلد ويشعر ويجلل، ثم يدخل المسجد فيصلي ركعتين ولا يحرم في دبر الصلاة في المسجد، ولكن إذا خرج فركب راحلته في فناء المسجد فإذا استوت به لبى ولم ينتظر أن يسير وينوي بالتلبية الإحرام إن حج فحج، وإن عمرة فعمرة وإن كان قارنا فإن مالكا قال لي: إذا كان قارنا فوجه الصواب فيه أن يقول: لبيك بعمرة وحجة. يبدأ بالعمرة قبل الحجة، قال: ولم أسأله أيتكلم بذلك أم ينوي بقلبه العمرة ثم الحجة إذا هو لبى، إلا أن مالكا قال: النية تكفي في الإحرام ولا يسمي عمرة ولا حجة، قال: وأرى في القارن أيضا أن النية تجزئه ويقدم العمرة في نيته قبل الحج، قال: وقال مالك: فإن كان ماشيا فحين يخرج من المسجد ويتوجه للذهاب فيحرم ولا ينتظر أن يظهر بالبيداء. قلت لابن القاسم: أرأيت من قلد وهو يريد الذهاب مع هديه إلى مكة، أيكون بالتقليد أو بالإشعار أو بالتجليل محرما في قول مالك؟ قال: لا حتى يحرم، قال ابن القاسم: يقلد ثم يشعر ثم يجلل في رأيي وكل ذلك واسع. قلت لابن القاسم: أرأيت من ضفر أو عقص أو لبد أو عقد، أيأمره مالك بالحلاق؟ قال: نعم، قلت: لم أمرهم مالك بالحلاق؟ قال: للسنة. قلت: وما معنى هذا القول عندكم ولا تشبهوا بالتلبيد؟ قال: معناه أن السنة جاءت فيمن لبد فقد وجب عليه الحلاق، فقيل له من عقص أو ضفر فليحلق ولا تشبهوا أي لا تشبهوا علينا فإنه مثل التلبيد. قلت لابن القاسم: هل ذكر لكم مالك كم تأخذ المرأة من شعرها في الحج أو العمرة؟ قال: نعم، الشيء القليل، قال:

ولتأخذ من جميع قرون رأسها، قال: قال مالك: ما أخذت من ذلك فهو يكفيها، قلت: فإن أخذت من بعض القرون وأبقت بعضها أيجزئها في قول مالك؟ قال: لا. قلت: وكذلك لو أن رجلا قصر من بعض شعره وأبقى بعضه أيجزئه في قول مالك؟ قال لا، قلت: فإن قصر أو قصرت بعضها وأبقيا بعضا ثم جامعها؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا وأرى عليهما الهدي. قلت: فكم حد ما يقصر الرجل من شعره في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه حدا، وما أخذ من ذلك يجزئه. قلت لابن القاسم: أكان مالك يرى طواف الصدر واجبا؟ قال: لا، ولكنه كان لا يستحب تركه، وكان يقول إن ذكره ولم يتباعد فليرجع، ويذكر أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران خرج ولم يطف طواف الوداع. قلت: فهل حد لكم مالك أنه يرجع من مر الظهران؟ قال: لا لم يحد لنا مالك أكثر من قوله إن كان قريبا.
قلت لابن القاسم: أرأيت من طاف لعمرته وهو على غير وضوء ثم ذكر ذلك بعدما حل منها بمكة أو ببلاده؟ قال: قال مالك: يرجع حراما كما كان ويطوف بالبيت، وهو كمن لم يطف، وإن كان قد حلق بعدما طاف لعمرته على غير وضوء فعليه أن ينسك أو يصوم أو يطعم، قلت: فإن كان قد أصاب النساء وتطيب وقتل الصيد؟ قال: عليه في الصيد ما على المحرم لعمرته التي لم يحل منها، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن وطئ مرة بعد مرة، أو لبس الثياب مرة بعد مرة، أو أصاب صيدا بعد صيد، أو تطيب مرة بعد مرة؟ قال: أما الثياب والوطء فليس عليه إلا مرة واحدة، لكل ما لبس مرة واحدة ولكل ما وطئ مرة واحدة لأن اللبس إنما هو منه على وجه النسيان، ولم يكن بمنزلة من ترك شيئا ثم عاد إليه لحاجة إنما كان لبسه فورا واحدا دائما وليس عليه فيه إلا كفارة واحدة، وأما الصيد والطيب فعليه لكل ما فعل من ذلك فدية. قال ابن القاسم: قال مالك: إذا لبس المحرم الثياب يريد بذلك لبسا واحدا فليس عليه في ذلك إلا كفارة واحدة، وإن لبس ذلك أياما إذا كان لبسا واحدا أراده. قلت لابن القاسم: فإن كانت نيته حين لبس الثياب أن يلبسها إلى بريه فجعل يخلعها بالليل ويلبسها النهار حتى مضى لذلك من لباسه ثيابه عشرة أيام: ليس عليه في هذا عند مالك إلا كفارة واحدة. قال: والذي ذكرت لك من أمر المعتمر الذي طاف على غير وضوء ولبس الثياب لا يشبه هذا، لأنه لبس الثياب يريد بذلك لبسا واحدا فليس عليه في ذلك إلا كفارة واحدة. قلت لابن القاسم: أرأيت هذا الذي جعلت عليه في قول مالك إذا لبس الثياب لبسا واحدا جعلت عليه كفارة واحدة، أهو مثل الأذى؟ قال: نعم، قلت: فإن لم يكن به أذى ولكن نوى أن يلبس الثياب جاهلا أو جرأة أو حمقا في إحرامه عشرة أيام، فلبس بالنهار ثم خلع بالليل ثم لبس أيضا لما ذهب الليل؟ قال: ليس عليه أيضا في قول مالك إلا كفارة واحدة لأنه على

نيته التي نوى في لبس الثياب. قلت لابن القاسم: أرأيت الطيب إذا فعله مرة بعد مرة ونيته أن يتعالج بدواء فيه الطيب ما دام في إحرامه حتى يبرأ من جرحه أو قرحته؟ قال ابن القاسم: عليه كفارة واحدة، قال مالك: فإن فعل ذلك مرة بعد مرة ولم تكن نيته على ما فسرت لك فعليه لكل مرة الفدية. قال ابن القاسم: سأل رجل مالكا وأنا عنده قاعد في أخت له أصابتها حمى بالجحفة، فعالجوها بدواء فيه طيب ثم وصف لهم شيء آخر فعالجوها به، ثم وصف لهم شيء آخر فعالجوها به وكل هذه الأدوية فيها طيب وكان ذلك في منزل واحد، قال: فسمعت مالكا وهو يقول: إن كان علاجكم إياها أمرا قريبا بعضه من بعض وفي فور واحد فليس عليه إلا فدية واحدة.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا أفرد بالحج فطاف بالبيت، الطواف الواجب عند مالك أول ما دخل مكة، وسعى بين الصفا والمروة وهو على غير وضوء ثم خرج إلى عرفات فوقف المواقف ثم رجع إلى مكة يوم النحر فطاف طواف الإفاضة على وضوء، ولم يسع بين الصفا والمروة حتى رجع إلى بلاده وقد أصاب النساء ولبس الثياب وأصاب الصيد والطيب؟ قال: قال مالك: يرجع إن كان قد أصاب النساء فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، وعليه أن يعتمر ويهدي بعدما يسعى بين الصفا والمروة وليس عليه في لبس الثياب شيء، لأنه لما رمى الجمرة وهو حاج حل له لبس الثياب قبل أن يطوف بالبيت فليس عليه في لبس الثياب شيء، وهو إذا رجع إلى مكة رجع وعليه الثياب حتى يطوف ولا يشبه هذا المعتمر لأن المعتمر لا يحل له لبس الثياب حتى يفرغ من سعيه بين الصفا والمروة، وقال فيما تطيب به هذا الحاج هو خفيف لأنه إنما تطيب بعدما رمى جمرة العقبة فلا دم عليه، وأما ما أصاب من الصيد فعليه لكل صيد أصابه الجزاء، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أفيحلق إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حين رجع؟ قال: لا، لأنه قد حلق بمنى وهو يرجع حلالا إلا من النساء والطيب والصيد حتى يطوف ويسعى، ثم عليه عمرة بعد سعيه ويهدي، قلت: فهل يكون عليه لما أخر من الطواف بالبيت حين دخل مكة وهو غير مراهق دم أم لا في قول مالك؟ قال: لا يكون عليه في قول مالك دم لما أخر من الطواف الذي طاف حين دخل مكة على غير وضوء، وأرجو أن يكون خفيفا لأنه لم يتعمد ذلك وهو عندي بمنزلة المراهق، قال وقد جعل مالك على هذا الحاج العمرة مع الهدي، وجل الناس يقولون: لا عمرة عليه. فالعمرة مع الهدي تجزئه من ذلك كله وهو رأيي. قلت لابن القاسم: أرأيت من أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام التشريق؟ قال: سألت مالكا عمن أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام التشريق، قال: إن عجله فهو أفضل وإن أخره فلا شيء عليه. قال: وقال مالك: بلغني أن بعض أصحاب النبي عليه السلام كانوا يأتون مراهقين فينفذون لحجهم ولا يطوفون

ولا يسعون، ثم يقدمون منى ولا يفيضون من منى إلى آخر أيام التشريق فيأتون فينيخون بإبلهم عند باب المسجد ويدخلون فيطوفون بالبيت ويسعون ثم ينصرفون، فيجزئهم طوافهم ذلك لدخولهم مكة ولإفاضتهم ولوداعهم البيت. قلت: أرأيت من دخل مكة بحجة، فطاف في أول دخوله ستة أشواط ونسي الشوط السابع فصلى الركعتين وسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن كان ذلك قريبا فليعد وليطف الشوط الباقي ويركع ويسعى بين الصفا والمروة، قال: وإن طال ذلك أو انتقض وضوءه استأنف الطواف من أوله، ويصلي الركعتين ويسعى بين الصفا والمروة، قلت: فإن هو لم يذكر هذا الشوط الذي نسيه من الطواف بالبيت إلا في بلاده أو في الطريق، وذلك بعدما وقف بعرفات وفرغ من أمر الحج إلا أنه لم يسع بين الصفا والمروة إلا بعد طوافه بالبيت ذلك الطواف الناقص؟ قال: قال مالك: يرجع ويطوف بالبيت سبوعا، ويصلي الركعتين ويسعى بين الصفا والمروة ويفعل كما وصفت لك قبل هذه المسألة، فإن كان قد جامع بعدما رجع فعل كما وصفت لك قبل هذه المسألة. قلت لابن القاسم: أكان مالك يكره التزويق في القبلة؟ قال: نعم كان يكرهه، ويقول يشغل المصلين. قال مالك: وكان عمر بن عبد العزيز قد كان هم أن يقلع التذهيب الذي في القبلة، فقيل له إنك لو جمعت ذهبه لم يكن شيئا، فتركه. قال مالك: وأكره أن يكون المصحف في القبلة ليصلى إليه فإذا كان ذلك موضعه حيث يعلق فلا أرى بأسا.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا دخل مكة فطاف بالبيت أول ما دخل مكة لا ينوي بطوافه هذا فريضة ولا تطوعا ثم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: لا أرى أن يجزئه سعيه بين الصفا والمروة إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة، قال: فإن فرغ من حجه ورجع إلى بلاده وتباعد أو جامع النساء رأيت ذلك مجزئا عنه، ورأيت عليه الدم، والدم في هذا عندي خفيف، قال: قال: وإن كان لم يتباعد رأيت أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا، ولكنه رأيي، لأن مالكا قال في الرجل يطوف طواف الإفاضة على غير وضوء، قال: أرى عليه أن يرجع من بلاده فيطوف طواف الإفاضة إلا أن يكون قد طاف تطوعا بعد طوافه الذي طافه للإفاضة بغير وضوء، قلت: فإن كان قد طاف بعده تطوعا أجزأه من طواف الإفاضة؟ قلت: وطواف الإفاضة عند مالك واجب؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت من طاف بعض طوافه في الحجر فلم يذكر حتى رجع إلى بلاده؟ قال: قال مالك: ليس ذلك بطواف فليرجع في قول مالك وهو مثل من لم يطف. قلت لابن القاسم: هل سألت مالكا عمن طاف بالبيت منكوسا ما عليه؟ قال: لا أرى ذلك يجزئه. قلت لابن القاسم: أرأيت من طاف بالبيت محمولا من غير عذر؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، ولكن مالكا قال: من طاف

محمولا من عذر أجزأه. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يعيد هذا الذي طاف من غير عذر محمولا، قال: فإن كان قد رجع إلى بلاده رأيت أن يهريق دما. قلت: أرأيت من طاف بالبيت في حج أو عمرة طوافه الواجب فلم يستلم الحجر في شيء من ذلك أيكون لذلك عليه شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليه، قلت وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: هل تجزئ المكتوبة من ركعتي الطواف في قول مالك؟ قال: لا.

القراءة وإنشاد الشعر والحديث في الطواف
قلت: فهل كان يكره مالك الحديث في الطواف؟ قال: كان يوسع في الأمر الخفيف من ذلك. قلت: فهل كان مالك يوسع في إنشاد الشعر في الطواف؟ قال: لا خير فيه وقد كان مالك يكره القراءة في الطواف، فكيف الشعر؟ وقال مالك: ليس من السنة القراءة في الطواف. قلت: فإن باع أو اشترى في طوافه؟ قال: لا أحفظ من مالك فيه شيئا ولا يعجبني. قلت: فما يقول فيمن كان في الطواف فوضعت جنازة فخرج فصلى عليها قبل أن يتم طوافه؟ قال: قال مالك: لا يخرج الرجل من طوافه إلى شيء من الأشياء إلا إلى الفريضة. قال ابن القاسم: ففي قوله هذا ما يدلنا على أنه يستأنف ولا يبني. ولقد سألنا مالكا عن الرجل يطوف بعض طوافه فيذكر نفقة له قد كان نسيها فيخرج فيأخذها ثم يرجع؟ قال: يستأنف ولا يبني. قلت لابن القاسم: هل يؤخر الرجل ركعتي الطواف حتى يخرج إلى الحل؟ قال: قال مالك: إن طاف بالبيت في غير إبان صلاة فلا بأس أن يؤخر صلاته، وإن خرج إلى الحل فليركعهما في الحل وتجزئانه ما لم ينتقض وضوءه، فإن انتقض وضوءه قبل أن يرفعهما وقد كان طوافه هذا طوافا واجبا فليرجع حتى يطوف بالبيت ويصلي الركعتين، لأن من انتقض وضوءه بعد الطواف قبل أن يصلي الركعتين رجع فطاف لأن الركعتين من الطواف يوصلان بالطواف، قال مالك: إلا أن يتباعد ذلك فليركعهما ولا يرجع وليهد هديا. قلت لابن القاسم: أي شيء أحب إلى مالك الطواف بالبيت أم الصلاة؟ قال ابن القاسم: لم يكن مالك يجيب في مثل هذا، وأما الغرباء فالطواف أحب إلي لهم. قلت لابن القاسم: أرأيت رجلا طاف سبوعا فلم يركع الركعتين حتى دخل في سبوع آخر؟ قال: قال مالك: يقطع الطواف الثاني ويصلي الركعتين، قلت: فإن هو لم يصل الركعتين حتى طاف بالبيت، سبوعا تاما من بعد سبوعه الأول، أيصلي لكل سبوع ركعتين؟ قال: نعم، يصلي ركعتين لكل سبوع ركعتين لأنه أمر قد اختلف فيه. قلت لابن القاسم: هل يكره مالك أن يطوف الرجل بالبيت وعليه خفاه أو نعلاه؟ قال: لا لم يكن يكره ذلك، قلت: فهل كان مالك يكره أن يدخل البيت بالنعلين أو الخفين؟ قال: نعم، قلت: فهل يكره أن يدخل الحجر بنعليه أو خفيه؟ قال: لا أحفظ

من مالك فيه شيئا ولا أرى به بأسا. قال ابن القاسم: وكان مالك يكره أن يصعد أحد منبر النبي عليه السلام بخفين أو نعلين ; الإمام وغير الإمام. قلت: أرأيت من طاف بالبيت وفي ثوبه نجاسة أو جسده الطواف الواجب أيعيد أم لا؟ قال: لا أرى أن يعيد، وهو بمنزلة من قد صلى بنجاسة فذكر بعد مضي الوقت. قال: وبلغني ذلك عمن أثق به.
قلت: أرأيت الركن اليماني أيستلمه كلما مر به أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك واسع إن شاء استلم وإن شاء ترك، قال: ويستلم ويترك عند مالك. قلت: فهل يستلم الركنين الآخرين في قول مالك أو يكبر إذا حاذاهم؟ قال: قال مالك: لا يستلمان، قال ابن القاسم ولا يكبر. قلت: أرأيت من دخل فطاف بالبيت أول ما دخل في حج أو عمرة فنسي أن يرمل الأشواط الثلاث، أيقضي الرمل في الأربعة الأشواط الباقية؟ قال: قال مالك: من طاف أول ما دخل فلم يرمل، رأيت أن يعيد إن كان قريبا وإن تباعد لم أر أن يعيد ولم أر عليه لترك الرمل شيئا، ثم خفف الرمل بعد ذلك ولم ير الإعادة عليه أصلا. قلت: أرأيت رجلا نسي أن يرمل حتى طاف الثلاثة الأشواط، ثم ذكر وهو في الشوط الرابع كيف يصنع؟ قال: يمضي ولا شيء عليه لا دم ولا غيره. قلت: أرأيت من رمل الأشواط السبعة كلها أيكون عليه شيء في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت من طاف في سقائف المسجد بالبيت؟ قال: قال مالك: من طاف وراء زمزم من زحام الناس فلا بأس بذلك، قال ابن القاسم: وإن كان يطوف في سقائف المسجد من زحام الناس فلا بأس بذلك، قلت له: فإن كان إنما يطوف في سقائف المسجد فرارا من الشمس يطوف في الظل؟ قال: لا أدري ما قول مالك في هذا، قال: ولا يعجبني ذلك وأرى على من فعل ذلك لغير زحام أن يعيد الطواف. قلت: أرأيت من رمل في سعيه كله بين الصفا والمروة حتى فرغ من سعيه، أيجزئه ذلك في قول مالك؟ قال: يجزئه وقد أساء. قلت: أرأيت إن بدأ بالمروة وختم بالصفا كيف يصنع في قول مالك؟ قال: يزيد شوطا واحدا أو يلغي الشوط الأول حتى يجعل الصفا أولا والمروة آخرا. قلت: أرأيت إن ترك السعي بين الصفا والمروة في حج أو عمرة فاسدة حتى رجع إلى بلده، كيف يصنع في قول مالك؟ قال: يصنع فيهما كما يصنع من ترك السعي بين الصفا والمروة في حجه التام أو عمرته التامة، قلت: فإن كان إنما ترك من السعي بين الصفا والمروة شوطا واحدا في حج صحيح أو فاسد أو عمرة صحيحة أو فاسدة؟ قال: قال مالك: يرجع من بلده وإن لم يترك إلا شوطا واحدا من السعي بين الصفا والمروة. قلت له: هل يجزئ الجنب أن يسعى بين الصفا والمروة في قول مالك إذا كان قد طاف بالبيت وصلى الركعتين طاهرا؟ قال: إن سعى جنبا أجزأه في رأيي.
قلت لابن القاسم: أيصعد النساء على الصفا والمروة؟ قال: قال مالك: يقفن في

أصل الصفا والمروة، وكان يستحب للرجال أن يصعدوا على أعلى الصفا والمروة موضعا يرون البيت منه. قال ابن القاسم: وإنما تقف النساء في الزحام في أصل الصفا والمروة، ولو كن في أيام لا زحام فيها كان الصعود لهن على الصفا والمروة أفضل. قلت: هل كان مالك يكره أن يسعى أحد بين الصفا والمروة راكبا من رجل أو امرأة؟ قال: قال مالك: لا يسعى أحد بين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر، قال وكان ينهى عن ذلك أشد النهي. قلت لابن القاسم: فإن طاف راكبا هل كان يأمره مالك بالإعادة؟ قال: أرى إن لم يفت ذلك أن يعيد، قلت لابن القاسم: فإن تطاول ذلك هل ترى عليه دما؟ قال: نعم. قلت: ما قول مالك فيمن جلس بين ظهراني سعيه بين الصفا والمروة من غير علة؟ قال: قال مالك: إذا كان ذلك شيئا خفيفا فلا شيء عليه، قال ابن القاسم: وأنا أرى إن تطاول ذلك عليه حتى يصير تاركا للسعي الذي كان فيه أن يستأنف ولا يبني. قلت له: فإن لم يرمل في بطن المسيل بين الصفا والمروة هل عليه شيء؟ قال: لا شيء عليه كذلك قال مالك. قلت: أرأيت من سعى بين الصفا والمروة فصلى على جنازة قبل أن يفرغ من سعيه أو اشترى أو باع أو جلس يتحدث، أيبني في قول مالك أم يستأنف؟ قال: لا ينبغي له أن يفعل ذلك ولا يقف مع أحد يحدثه، قلت: فإن فعل شيئا من ذلك؟ قال: لا أدري ما قول مالك فيه، ولكن إن كان خفيفا لم يتطاول ذلك أجزأه أن يبني. قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يصيبه الحقن أو الغائط وهو يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: يذهب فيتوضأ ثم يرجع فيبني ولا يستأنف. قال: وقال مالك: إذا طاف المعتمر بالبيت وسعى ولم يقصر، قال فأحب إلي أن يؤخر لبس الثياب حتى يقصر، فإن لبس الثياب قبل أن يقصر فلا شيء عليه وإن وطئ قبل أن يقصر فأرى أن يهريق دما. قلت لابن القاسم: حتى متى يجوز للرجل أن يؤخر في قول مالك الطواف والسعي بين الصفا والمروة؟ قال: إلى الموضع الذي يجوز له أن يؤخر الإفاضة إليه، قلت: أرأيت إن هو أخر الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة بعدما انصرف من منى أياما ولم يطف بالبيت ولم يسع؟ قال: قال مالك: إذا تطاول ذلك رأيت أن يطوف بالبيت ويسعى ورأيت عليه الهدي، قلت: فما حد ذلك؟ قال: إنما قال لنا مالك: إذا تطاول ذلك، قال وكان مالك لا يرى بأسا إن هو أخر الإفاضة حتى ينصرف من منى إلى مكة وكان يستحب التعجيل.
قلت: أرأيت لو أن حاجا أحرم بالحج من مكة فأخر الخروج يوم التروية والليلة المقبلة فلم يبت بمنى وبات بمكة، ثم غدا من مكة إلى عرفات أكان مالك يرى عليه لذلك شيئا؟ قال: كان مالك يكره له ذلك ويراه قد أساء، قلت: فهل كان يرى عليه لذلك شيئا؟ قال ابن القاسم: لا أرى عليه شيئا، قلت: وكان مالك يكره أن يدع الرجل البيتوتة بمنى مع الناس ليلة عرفة؟ قال: نعم، قلت: كما كره أن يبيت ليالي أيام منى إذا

رجع من عرفات في غير منى؟ قال ابن القاسم: نعم كان يكرههما جميعا، ويرى أن ليالي منى في الكراهية أشد عنده، ويرى أن من ترك المبيت ليلة من ليالي منى بمنى أن عليه دما ولا يرى في ترك المبيت بمنى ليلة عرفة دما. قلت له: وهل كان يرى على من بات في غير منى ليالي منى الدم أم لا؟ قال: قال مالك: إن بات ليلة كاملة في غير منى أو جلها في ليالي منى فعليه دم، وإن كان بعض ليلة فلا أرى عليه شيئا، قلت: والليلة التي تبيت الناس بمنى قبل خروجهم إلى عرفات إن ترك رجل البيتوتة فيها، هل يكون عليه دم لذلك في قول مالك؟ قال: لا ولكنه كان يكره له ترك ذلك. قلت: هل كان مالك يستحب للرجل مكانا من عرفات أو منى أو المشعر الحرام ينزل فيه؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، قال ابن القاسم: وينزل حيث أحب. قلت له: متى يؤذن المؤذن بعرفة أقبل أن يأتي الإمام أو بعدما يجلس على المنبر أو بعدما يفرغ من خطبته؟ قال: سئل مالك عن المؤذن متى يؤذن يوم عرفة أبعد فراغ الإمام من خطبته أو وهو يخطب؟ قال: ذلك واسع إن شاء والإمام يخطب وإن شاء بعد أن يفرغ من خطبته، قلت له: فهل سمعتم منه يقول إنه يؤذن المؤذن والإمام يخطب أو بعد فراغه من الخطبة أو قبل أن يأتي الإمام أو قبل أن يخطب؟ قال: ما سمعت منه في هذا شيئا ولا أظنهم يفعلون هذا، وإنما الأذان والإمام يخطب أو بعد فراغ الإمام من خطبته، قال: قال مالك: ذلك واسع. قلت: أرأيت الصلاة في عرفة يوم عرفة في قول مالك، أبأذان واحد وإقامتين أم بأذانين وإقامتين؟ قال: بل بأذانين وإقامتين ; لكل صلاة أذان وإقامة، وكذلك المشعر الحرام أذانين وإقامتين، كذلك قال مالك أذان وإقامة لكل صلاة، قال لي مالك في صلاة عرفة والمشعر الحرام هذا، قال: وقال مالك: كل شأن الأئمة لكل صلاة أذان وإقامة. قال: ولقد سئل مالك عن إمام خرج إلى جنازة فحضرت الظهر أو العصر وهو في غير المسجد في الصحراء أتكفيه الإقامة؟ قال: بل يؤذن ويقيم، قال وليس الأئمة كغيرهم ولو كانوا ليس معهم إمام أجزأتهم الإقامة. قلت لابن القاسم: أرأيت الإمام إذا صلى يوم عرفة الظهر بالناس ثم ذكر صلاة نسيها قبل ذلك كيف يصنع؟ قال: يقدم رجلا يصلي بهم العصر ويصلي الصلاة التي نسيها ثم يعيد هو الظهر ثم يصلي العصر، قلت: فإن ذكر صلاة نسيها وهو يصلي بهم الظهر قبل أن يفرغ منها؟ قال: قال مالك: تنتقض صلاته وصلاتهم جميعا. قال ابن القاسم: وأرى أن يستخلف رجلا فيصلي بهم الظهر والعصر ويخرج هو فيصلي لنفسه الصلاة التي نسي، ثم يصلي الظهر والعصر، قلت له: فإن ذكر صلاة نسيها وهو يصلي بهم العصر؟ قال: ينتقض به وبهم العصر، ويستخلف رجلا يصلي بهم العصر ويصلي هو الصلاة التي نسيها، ثم يصلي الظهر ثم العصر وأحب إلي أن يعيدوا ما صلوا معه في الوقت، وإنما هم بمنزلته ما ينتقض عليهم في

رأيي ينتقض عليه، لأن مالكا سئل عن الإمام يصلي جنبا أو على غير وضوء؟ فقال: إن أتم بهم صلاتهم قبل أن يذكر أعاد ولم يعيدوا، وإن ذكر في صلاته قدم رجلا فبنى بهم وانتقضت صلاته ولم تنتقض صلاتهم. وقال مالك، في هذا الذي نسي إذا ذكر في صلاته انتقضت صلاتهم وصلاته، ولم يجعله مثل من صلى بغير وضوء أو جنبا، فذكر وهو في الصلاة قال: فرق مالك بينهما فكذلك أرى أن يعيدوا ما صلوا في الوقت. قال ابن القاسم: ولقد سألني رجل عن هذه المسألة ما يقول فيها مالك وكان من أهل الفقه؟ فأخبرته أن مالكا يرى أن تنتقض عليهم كما تنتقض عليه فلا أعلمه إلا قال لي كذلك قال لي مالك مثل الذي عندي عنه وهذا مخالف لما في كتاب الصلاة وهذا آخر قوله. قلت له: فإذا فرغ الناس من صلاتهم قبل الإمام أيدفعون إلى عرفات قبل الإمام أو ينتظرون حتى يفرغ الإمام من صلاته ثم يدفعون إلى عرفات بدفعه؟ قال: لم أسمع هذا من مالك، ولكن أرى أنهم يدفعون ولا ينتظرون الإمام لأن خليفته موضعه، فإذا فرغ من الصلاة دفع بالناس إلى عرفة ودفع الناس بدفعه.
أرأيت من دفع من عرفات قبل أن تغيب الشمس ما عليه في قول مالك؟ قال: إن رجع إلى عرفات قبل انفجار الصبح فوقف بها تم حجه، قال ابن القاسم: ولا هدي عليه وهو بمنزلة الذي يأتي مفاوتا، قال مالك: وإن لم يعد إلى عرفات قبل انفجار الصبح فيقف بها فعليه الحج قابلا، والهدي ينحره في حج قابل هو كمن فاته الحج. قلت: أرأيت إن دفع حين غابت الشمس قبل دفع الإمام، أيجزئه الوقوف في قول مالك؟ قال: لا أحفظه من مالك، وأرى ذلك يجزئه لأنه إنما دفع وقد حل له الدفع، ولو دفع بدفع الإمام كانت السنة وكان ذلك أفضل. قلت: أرأيت من أغمي عليه قبل أن يأتي عرفة فوقف به بعرفة وهو مغمى عليه حتى دفعوا من عرفات وهو بحاله مغمى عليه؟ قال: قال مالك: ذلك يجزئه. قلت: أرأيت إن أتى الميقات وهو مغمى عليه فأحرم عنه أصحابه أيجزئه؟ قال: إن أفاق فأحرم قبل أن يقف بعرفات أجزأه حجه، وإن لم يفق حتى وقفوا به بعرفات وأصبحوا من ليلتهم لم يجزه حجه، قلت: فإن أفاق قبل انفجار الصبح فأحرم فوقف أيجزئه حجه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن مر به أصحابه بالميقات مغمى عليه فأحرموا عنه ثم أفاق بعدما جاوزوا به الميقات فأحرم حين أفاق، أيكون عليه الدم لترك الميقات؟ قال: لا أحفظ هذا عن مالك ولكن أرجو أن لا يكون عليه شيء وأرجو أن يكون معذورا. قلت: أرأيت إن كان أصحابه أحرموا عنه بحجة أو عمرة أو قرنوا عنه، فلما أفاق أحرم بغير ذلك؟ قال: ليس الذي أحرم عنه أصحابه بشيء وإنما إحرامه هذا الذي ينويه هو، قلت: أتحفظ عن مالك؟ قال: لا وهو رأيي. قلت: فما قول مالك فيمن وقف بعرفات وهو جنب من احتلام أو على غير وضوء؟ قال: قد أساء ولا

شيء عليه في وقوفه جنبا أو على غير وضوء، وهذا رأيي. ولأن يقف طاهرا أفضل وأحب إلي. قلت لابن القاسم. أرأيت الرجل يكون حاجا أو معتمرا فنوى رفض إحرامه، أيكون بنيته رافضا لإحرامه ويكون عليه القضاء أم لا يكون رافضا بنيته، وهل يكون عليه لما نوى من الرفض إن لم يجعله رافضا أم لا في قول مالك؟ قال: ما رأيت مالكا ولا غيره يعرف الرفض، قال: وهو على إحرامه ولا أرى عليه شيئا. قلت: أرأيت من ترك أن يقف بعرفات متعمدا حتى دفع الإمام، أيجزئه أن يقف ليلا في قول مالك؟ قال: لا أعرف قوله، ولكن أرى أن يجزئه أن يقف ليلا وقد أساء، قلت: ويكون عليه الهدي؟ قال ابن القاسم: نعم عليه الهدي.
قلت: أرأيت من قرن الحج والعمرة فجامع فيهما فأفسدهما أيكون عليه دم القران أم لا؟ قال: نعم يكون عليه دم القران الفاسد وعليه أن يقضيهما قابلا قارنا وليس له أن يفرق بينهما. قال: وقال لي مالك: وعليه من قابل هديان ; هدي لقرانه وهدي لفساد حجه بالجماع. قلت: فإن قضاهما مفترقين قضى العمرة وحدها والحجة وحدها، أيجزئانه في قول مالك أم لا وكيف يصنع بدم القران إن فرقهما؟ قال: أرى أن لا تجزئانه وعليه أن يقرن قابلا بعد هذا الذي فرق وعليه الهدي إذا قرن هدي القران وهدي الجماع الذي أفسد به الحج الأول، سوى هدي عليه في حجته الفاسدة يعمل فيها كما كان يعمل لو لم يفسدها، وكل من قرن بين حج وعمرة فأفسد ذلك بإصابة أهله أو تمتع بعمرة إلى الحج فأفسد حجه لم يضع ذلك عنه الهدي فيهما جميعا وإن كانا فاسدين. قلت: أرأيت من جامع يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة قبل أن يحلق، أيكون حجه تاما وعليه الهدي في قول مالك؟ قال: نعم، وعليه عمرة أيضا عند مالك ; ينحر الهدي فيها الذي وجب عليه، قلت له: وما يهدي في قول مالك؟ قال: بدنة، قلت: فإن لم يجد؟ قال: فبقرة، فإن لم يجد فشاة من الغنم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وسبعة بعد ذلك، قلت له: فهل يفرق بين الأيام الثلاثة والسبعة في هذه الحجة؟ قال: نعم إن شاء فرقها وإن شاء جمعها، لأنه إنما يصومها بعد أيام منى إذا قضى عمرته، وقد قال مالك فيمن كان عليه صيام من تمتع إذا لم يجد الهدي: أن يصوم أيام النحر بعد اليوم الأول من أيام النحر، قلت: وهل لمن ترك الصيام في تمتعه بالحج إلى يوم النحر أن يصوم الثلاثة الأيام بعد يوم النحر ويصل السبعة بها؟ قال: قال مالك: قال الله تبارك وتعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فإذا رجع من منى فلا بأس أن يصوم. قال ابن القاسم: يريد أقام بمكة أو لم يقم، وكذلك أيضا من صام أيام التشريق ثم خرج إلى بلاده جاز له أن يصل السبعة بالثلاثة، وصيام الهدي في التمتع إذا لم يجد هديا لا يشبه صيام من وطئ بعد رمي الجمرة ممن لم يجد هديا لأن قضاءها بعد أيام منى، فإنما يصوم إذا قضى والمتمتع إنما

يصوم بعد إحرامه بالحج. قلت: أرأيت من مر بعرفة مارا ولم يقف بها بعدما دفع الإمام، أيجزئه ذلك من الوقوف أم لا؟ قال: قال مالك: من جاء ليلا وقد دفع الإمام، أجزأه أن يقف قبل طلوع الفجر ولم نكشفه عن أكثر من هذا، وأنا أرى إذا مر بعرفة مارا ينوي بمروره بها وقوفا أن ذلك يجزئه. قلت: أرأيت من دخل مكة بغير إحرام مر بالميقات فلم يحرم حتى دخل مكة فأحرم من مكة بالحج، هل عليه شيء في قول مالك؟ قال: إن كان جاوز الميقات وهو يريد الإحرام فترك ذلك حتى دخل مكة لحج فأحرم من مكة، فعليه دم لترك الميقات وحجه تام وقد كان ابن شهاب يوسع له في أن يدخل مكة حلالا وإن كان جاوز الميقات حتى دخل مكة وهو لا يريد الإحرام فأحرم من مكة فلا دم عليه لترك الميقات لأنه جاوز الميقات وهو لا يريد الإحرام، وقد أساء حين دخل الحرم حلالا من أي الآفاق كان وكان مالك يكره ذلك، قلت: فهل يرى مالك عليه لدخوله الحرم حلالا حجا أو عمرة أو هديا. قال: كان لا يرى عليه في ذلك شيئا. قلت: أرأيت من وقف بعرفة فأحرم بحجة أخرى أو بعمرة، أو لما رمى جمرة العقبة أحرم بحجة أو بعمرة أخرى؟ قال ابن القاسم: من أحرم بعرفة بحجة أخرى على حجته فقد أخطأ ولا يلزمه إلا الحجة التي كان فيها، فإن أحرم بعمرة فليست له عمرة وقد أخبرتك أن مالكا قال: من أردف العمرة إلى الحج لم يلزمه ذلك وكان على حجه. قلت لابن القاسم: قد أعلمتنا أن مالكا كره العمرة في أيام التشريق كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق لأهل الموسم، أفرأيت من أحرم منهم في أيام التشريق هل يلزمه في قول مالك أم لا يلزمه؟ قال: لا أدري ما قول مالك في هذا، ولا أرى أن يلزمه إلا أن يحرم في آخر أيام التشريق بعدما يرمي الجمار ويحل من إفاضته فإن ذلك يلزمه.
قلت: ما قول مالك فيمن صلى المغرب والعشاء قبل أن يأتي المزدلفة؟ قال: قال مالك: أما من لم تكن به علة ولا بدابته وهو يسير بسير الناس فلا يصلي إلا بالمزدلفة، قال ابن القاسم: فإن صلى قبل ذلك فعليه أن يعيد إذا أتى المزدلفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاة أمامك1". قال: ومن كانت به علة أو بدابته فلم يستطع أن يمضي مع الناس أمهل حتى إذا غاب الشفق صلى المغرب ثم صلى العشاء، فجمع بينهما حيثما كان وقد أجزأه. قلت: ما قول مالك إن أدرك الإمام المشعر الحرام قبل أن يغيب الشفق، أيصلي أم يؤخر حتى يغيب الشفق؟ قال: هذا ما لا أظنه يكون، قلت: ما يقول إن نزل؟ قال: لا أعرف قول مالك فيه، ولا أحب لأحد أن يصلي حتى يغيب الشفق ; لأن الصلاتين يجمع بينهما فتؤخر المغرب هناك إلى العشاء. قلت: أرأيت من ترك الوقوف بالمزدلفة غداة النحر أيكون عليه في قول مالك شيء أم لا؟ قال: قال مالك: من مر بالمزدلفة مارا ولم ينزل بها فعليه الدم، ومن نزل بها ثم دفع منها بعدما نزل بها، وإن كان دفعه منها في وسط
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الحج حديث 280,279,278,276. النسائي في كتاب المواقيت باب 50. الدارمي في كتاب المناسك باب 56. أحمد في مسنده "5/202,200".

الليل أو في أوله أو في آخره وترك الوقوف مع الإمام فقد أجزأه ولا دم عليه. قلت: فهل كان مالك يستحب أن لا يتعجل الرجل وأن يقف مع الإمام فيدفع بدفع الإمام؟ قال: نعم، قلت: والنساء والصبيان هل كان يستحب لهم أن يؤخروا دفعهم حتى يكون مع دفع الإمام من المشعر الحرام وأن يقفوا معه بالموقف في المشعر الحرام؟ قال: قال مالك: كل ذلك واسع إن شاءوا أن يتقدموا تقدموا وإن شاءوا أن يتأخروا تأخروا. قلت: أرأيت من لم يقف بالمشعر الحرام وقد دفع الإمام أيقف بعد دفع الإمام أم لا؟ قال: قال مالك: من ذهب إلى عرفات فوقف بها ليلا ثم أتى المزدلفة وقد طلعت الشمس، فلا وقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الشمس، قال ابن القاسم: فإن أتى قبل طلوع الشمس فليقف إن كان لم يسفر، ثم ليدفع قبل طلوع الشمس، قلت: فهل يكون من لم يقف مع الإمام حتى دفع الإمام ممن بات بالمشعر الحرام بمنزلة هذا، يقفون إن أحبوا بعد دفع الإمام قبل طلوع الشمس؟ قال: إنما قال لنا مالك: الذي ذكرت لك في الذي لم يبت بالمشعر الحرام ولم يدرك وقوف الإمام وإنما مر بالمشعر الحرام بعد أن طلعت الشمس، فلم ير له مالك وقوفا واستحسنت أنا إن لم يسفر أن يقف، فأما من بات مع الإمام فلا أرى أن يتخلف عن الإمام ولا يقف بعده. قال: وقلنا لمالك: لو أن الإمام أسفر بالوقوف بالمشعر الحرام فلم يدفع؟ قال: فليدفعوا وليتركوا الإمام واقفا. قال: وكان ينهى أن يقف أحد بالمشعر الحرام إلى طلوع الشمس والإسفار، ويرى أن يدفع كل من كان بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل الإسفار. قلت: أرأيت من وقف بالمشعر الحرام قبل صلاة الصبح وبعدما انفجر الصبح أيكون هذا وقوفا في قول مالك؟ قال: إنما الوقوف عند مالك بعد انفجار الصبح وبعد صلاة الصبح، فمن وقف قبل أن يصلي الصبح وإن كان بعد انفجار الصبح فهو كمن يقف. قلت: أرأيت من لم يدفع من المشعر الحرام حتى طلعت الشمس أيكون عليه شيء في قول مالك أم لا؟ قال: لا شيء عليه عند مالك، إلا أنه قد أساء حين أخر الدفع منها إلى طلوع الشمس. قلت: أرأيت من أتي به إلى المزدلفة وهو مغمى عليه أيجزئه ولا يكون عليه الدم في قول مالك؟ قال: نعم لا دم عليه، لأن مالكا قال: إن وقفوا به بعرفة وهو مغمى عليه حتى دفعوا منها وهو مغمى عليه أجزأه ولا دم عليه. قلت: من أين كان يستحب مالك أن يدخل الداخل مكة؟ قال: كان يستحب مالك لمن دخل مكة من طريق المدينة أن يدخل من كداء، قال: قال: وأرى ذلك واسعا من حيثما دخل. قلت: فهل كان يستحب للرجل إذا طاف بالبيت وأراد الخروج إلى الصفا والمروة أن يخرج من باب من أبواب المسجد يأمره به مالك؟ قال: لا لم يكن يجد في هذا شيئا.
قلت: فما يقول مالك فيمن حلق قبل أن يرمي الجمرة؟ قال: قال مالك: عليه

الفدية. قلت: فما يقول مالك فيمن حلق قبل أن يذبح؟ قال: لا شيء عليه وهو يجزيه، قلت: فما يقول مالك فيمن ذبح قبل أن يرمي؟ قال: يجزئه ولا شيء عليه، قال مالك: إن هو ذبح قبل أن يطلع الفجر أعاد ذبيحته، قال: وقال مالك: وإن رمى قبل أن يطلع الفجر أعاد الرمي. قال: وقال مالك: إذا طلع الفجر فقد حل النحر والرمي بمنى. قال: وقال مالك: وجه النحر والذبح ضحوة. قلت: ومن كان من أهل الآفاق متى يذبحون ضحاياهم في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا صلى الإمام وذبح، قلت: فإن ذبح قبل ذبح الإمام؟ قال: يعيد في قول مالك. قال: وقال مالك: سنة ذبح الإمام أن يذبح كبشه في المصلى. قلت: ما قول مالك فيمن ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر حتى إلى الليل؟ قال: قال مالك: من أصابه مثل ما أصاب صفية حين احتبست على ابنة أخيها فأتت بعدما غابت الشمس من يوم النحر رمت، ولم يبلغنا أن ابن عمر أمرها في ذلك بشيء، قال مالك: وأما أنا فأرى إذا غابت الشمس من يوم النحر، فأرى على من كان في مثل حال صفية يوم النحر ولم يرم حتى غابت الشمس أن عليه الدم. قال: وقال مالك من ترك رمي جمرة العقبة حتى تغيب الشمس من يوم النحر فعليه دم. قال: وقال مالك في المريض الذي يرمى عنه: أنه إذا صح في أيام التشريق فرمى الرمي الذي رمي عنه في الأيام الماضية أن عليه الدم ولا يسقط عنه ما رمى الدم الذي وجب عليه. قلت: وكان مالك يرى أن يرمي ما رمي عنه إذا صح في آخر أيام التشريق؟ قال: نعم قلت: حتى متى يؤقت مالك لهذا المريض إذا صح أن يعيد الرمي؟ قال: إلى مغيب الشمس من آخر أيام التشريق. قلت: أرأيت من ترك بعض رمي جمرة العقبة من يوم النحر ترك حصاة أو حصاتين حتى غابت الشمس؟ قال: قال مالك: يرمي ما ترك من رميه ولا يستأنف جميع الرمي، ولكن يرمي ما نسي من عدد الحصا، قلت: فعليه في هذا دم؟ قال ابن القاسم: قد اختلف قوله في هذا وأحب إلي أن يكون عليه دم، قلت: فيرمي ليلا في قول مالك هذا الذي ترك من رمي جمرة العقبة شيئا أو ترك الجمرة كلها؟ قال: نعم يرميها في قول مالك ليلا، قلت: فيكون عليه الدم؟ قال: كان مالك مرة يرى ذلك عليه ومرة لا يرى ذلك عليه، قلت: فإن ترك رمي جمرة من الجمار في اليوم الذي يلي يوم النحر ما عليه في قول مالك؟ قال: قد اختلف قول مالك مرة يقول من نسي رمي الجمار حتى تغيب الشمس فليرم ولا شيء عليه، ومرة قال لي يرمي وعليه دم، قال: وأحب إلي أن يكون عليه الدم، قلت: وكذلك في اليوم الذي بعده؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إن ترك حصاة من الجمار أو جمرة فصاعدا أو الجمار كلها حتى تمضي أيام منى، قال: أما في حصاة فليهرق دما، وأما في جمرة أو الجمار كلها فبدنة، فإن لم يجد فبقرة، قلت لابن القاسم: فإن لم يجد فشاة في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن لم يجد فصيام؟ قال:

نعم. قال: وقال لي مالك: إذا مضت أيام التشريق فلا رمي لمن لم يكن رمى. قلت: أرأيت إن كان رمى الجمار الثلاثة خمسا خمسا كيف يصنع إن ذكر في يومه؟ قال: يرمي الأولى التي تلي مسجد منى بحصاتين، ثم يرمي الجمرة التي تليها بسبع ثم العقبة بسبع وهو قول مالك، قلت: ولا دم عليه في قول مالك؟ قال: نعم لا دم عليه إن رمى من يومه ذلك. قلت: فإن لم يكن ذكر ذلك إلا من الغد أيرمي الأولى بحصاتين والجمرتين بسبع سبع؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وعليه دم في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي وقد أخبرتك باختلاف قوله. قلت: فإن كان قد رمى من الغد ثم ذكر قبل أن تغيب الشمس أنه قد كان نسي حصاة من الجمرة التي تلي مسجد منى بالأمس؟ قال: يرمي التي تلي مسجد منى بالأمس بالحصاة التي نسيها، ثم الجمرة الوسطى ليومه الذاهب بالأمس بسبع، ثم العقبة بسبع ثم يعيد رمي يومه لأن عليه بقية من وقت يومه وعليه دم للأمس، قال: فإن ذكر بعدما غابت الشمس من اليوم الثاني رمى الجمرة التي تلي مسجد منى بحصاة واحدة، وهي التي كان نسيها بالأمس ثم الوسطى والعقبة بسبع سبع لليوم الذي ترك فيه الحصاة من الجمرة التي تلي مسجد منى، ولا يعيد الرمي لليوم الثاني بعده إذا لم يذكر حتى غابت الشمس، وعليه لليوم الذي ترك فيه الحصاة من الجمرة التي تلي المسجد الدم؟ قال: فإن لم يذكر الحصاة التي نسي إلا بعد رمي يومين وذلك آخر أيام التشريق فذكر ذلك قبل أن تغيب الشمس، أعاد رمي الحصاة التي نسي وأعاد رمي الجمرتين الوسطى التي بعدها والعقبة لذلك اليوم، وأعاد رمي يومه الذي هو فيه لأن عليه بقية من وقت الرمي في يومه، ولا يعيد رمي اليوم الذي بينهما لأن وقت رميه قد مضى. قلت: أرأيت إن رمى جمرة العقبة من فوقها؟ قال: قال مالك: يرميها من أسفلها أحب إلي. قال ابن القاسم: قال مالك تفسير حديث القاسم بن محمد أنه كان يرمي جمرة العقبة من حيث تيسر، قال مالك: معناه من حيث تيسر من أسفلها، قال مالك: وإن رماها من فوقها أجزأه. قلت: وكان مالك يقول: يكبر مع كل حصاة يرمي بها؟ قال: نعم، قلت: وكان مالك يقول يوالي بين الرمي حصاة بعد حصاة ولا ينتظر بين كل حصاتين شيئا؟ قال: نعم يرمي رميا يترى بعضه خلف بعض يكبر مع كل حصاة تكبيرة، قلت: فإن رمى ولم يكبر مع كل حصاة أيجزئه الرمي؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وهو يجزئ عنه. قلت: فإن سبح مع كل حصاة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا والسنة التكبير. قلت: من أين يرمي الجمرتين في قول مالك؟ قال: يرمي الجمرتين جميعا من فوقها والعقبة من أسفلها عند مالك.
قلت: أرأيت إن رمى بسبع حصيات جميعا في مرة واحدة؟ قال: قال مالك: لا أرى ذلك يجزئه، قلت: فأي شيء عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: يرمي ست

حصيات بعد رميه هذا. وتكون تلك الحصيات التي رماهن جميعا موقع حصاة واحدة. قلت: أرأيت إن نسي حصاة من رمي الجمار الثلاث فلم يدر من أيتهن ترك الحصاة؟ قال: قال لي مالك مرة: إنه يعيد على الأولى حصاة ثم على الجمرتين جميعا الوسطى والعقبة سبعا سبعا. قال: ثم سألته بعد ذلك عنها فقال: يعيد رمي يومه ذلك كله على كل جمرة بسبع سبع، قال ابن القاسم: وقوله الأول أحب إلي إنه لا يشك أنه إذا استيقن أنه إنما ترك الحصاة الواحدة من جمرة جعلناها كأنه نسيها من الأولى فبنى على اليقين وهذا قوله الأول وهو أحب قوله إلي. قلت: أرأيت إن وضع الحصاة وضعا أيجزئه ذلك في قول مالك؟ قال: لا أحفظ من مالك فيه شيئا ولا أرى ذلك يجزئه، قلت: فإن طرحها طرحا؟ قال: كذلك أيضا لا أحفظه من مالك ولا أرى أن يجزئه. قلت: فإن رمى فسقطت حصاة في محمل رجل أو حجره فنفضها الرجل فسقطت في الجمرة؟ أو لما وقعت في المحمل أو في حجر الرجل طارت فوقعت في الجمرة؟ قال: إنما سألنا مالكا فقلنا: الرجل يرمي الحصاة فتقع في المحمل؟ قال: يعيد تلك الحصاة، قلت: فإن رمى حصاة فوقعت قرب الجمرة؟ قال: إن وقعت في موضع حصى الجمرة وإن لم تبلغ الرأس أجزأه، قلت: وتحفظه عن مالك؟ قال: هذا قوله. قال ابن القاسم: فأرى من رمى فأصابت حصاته المحمل ثم مضت حتى وقعت في الجمرة، إن ذلك يجزئه، ولا تشبه عندي التي تقع في المحمل ثم ينفضها صاحب المحمل، فإن تلك لا تجزئه. قلت: أرأيت إن نفد حصاه فأخذ ما بقي عليه من حصى الجمرة مما قد رمى به فرمى بها هل تجزئه؟ قال: قال مالك: تجزئه. قال: وقال مالك: ولا ينبغي أن يرمي بحصى الجمار لأنه قد رمى به مرة. قال ابن القاسم: ونزلت بي فسألت مالكا عنها فقال لي مثل ما قلت لك، وذلك أنه كانت سقطت مني حصاة فلم أعرفها، فأخذت حصاة من حصى الجمار فرميت بها فسألت مالكا فقال: إنه يكره أن يرمي بحصاة قد رمي بها مرة، قال: فقلت له: قد فعلت فهل علي شيء؟ قال: لا أرى عليك في ذلك شيئا. قلت: أرأيت إن لم يقم عند الجمرتين هل عليه في قول مالك شيء؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، قال ابن القاسم: ولست أرى عليه شيئا. قلت: فهل كان مالك يأمر بالمقام عند الجمرتين؟ قال: نعم، قلت: هل كان مالك يأمر برفع اليدين في المقامين عند الجمرتين؟ قال: لم يكن يعرف رفع اليدين هناك. قلت لابن القاسم: أرأيت من رمى جمرة العقبة قبل أن تطلع الشمس بعدما انفجر الصبح أيجزئه؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول، مالك؟ قال: نعم، قلت: والرجال والنساء والصبيان في قول مالك في هذا سواء؟ قال: نعم. قلت: أرأيت من رمى الجمار الثلاث قبل الزوال من آخر أيام التشريق هل يجزئه ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: من رمى الجمار في الأيام الثلاثة قبل زوال الشمس فليعد الرمي

ولا رمي إلا بعد الزوال في أيام التشريق كلها. قلت: أرأيت حصى الجمار في قول مالك مثل أي شيء هو؟ قال: كان مالك يستحب أن يكون أكبر من حصى الخذف قليلا، قلت: هل كان مالك يقول يؤخذ الحصى من المزدلفة؟ قال: كان مالك يقول خذ من حيث شئت. قلت: فهل يرمي الجمار راكبا أو ماشيا؟ قال: قال مالك: أما الشأن يوم النحر فيرمي جمرة العقبة راكبا كما يأتي على دابته يمضي كما هو يرمي، وأما في غير يوم النحر فكان يقول يرمي ماشيا. قلت: فإن ركب في رمي الجمار في الأيام الثلاثة أو مشى يوم النحر إلى جمرة العقبة فرماها ماشيا هل عليه لذلك شيء؟ قال: ليس عليه لذلك شيء.
قلت: وكيف يصنع المريض في الرمي في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان ممن يستطاع حمله ويطيق الرمي ويجد من يحمله فليحمل حتى يأتي الجمرة فيرمي، وإن كان ممن لا يستطاع حمله ولا يقدر على من يحمله أو لا يستطيع الرمي رمي عنه، وليتحر حين رميهم فيكبر سبع تكبيرات ; لكل حصاة تكبيرة، قال مالك: وعليه الهدي لأنه لم يرم وإنما رمي عنه. قلت: فلو أنه صح في آخر أيام الرمي، أيرمي ما رمي عنه في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: نعم، قلت: ويسقط عنه الدم؟ قال: لا، قال مالك: عليه الدم كما هو. قلت: فإن كانوا رموا عنه جمرة العقبة وحدها، ثم صح من آخر النهار قبل مغيب الشمس فرمى، أعليه في قول مالك الهدي أم لا؟ قال: لا هدي عليه في رأيي ; لأنه صح في وقت الرمي ورمى عن نفسه في وقت الرمي، قلت: فإن كان إنما يصح ليلا؟ قال: يرمي ما رمي عنه ليلا ولا يسقط عنه الدم عند مالك لأن وقت رمي ذلك اليوم قد ذهب. قلت: أرأيت الصبي أيرمى عنه الجمار؟ قال: قال مالك: أما الصغير الذي ليس مثله يرمي فإنه يرمى عنه، قال: وأما الكبير الذي قد عرف الرمي فإنه يرمي عن نفسه، قلت: فإن ترك الذي يقوى على الرمي أو تركوا أن يرموا عن الذي لا يقدر على الرمي، أعليهم الدم لهما جميعا في قول مالك؟ قال: نعم. قال مالك: ومن رمى عن صبي لم يرم عنه مع رميه حتى يرمي الجمار كلها عن نفسه، ثم يرمي عن الصبي وكذلك الطواف لا يطوف به حتى يطوف لنفسه ثم يطوف بالصبي. قلت: ما قول مالك في الصبي إذا أحرم به؟ قال: قال مالك: يجتنب به ما يجتنب الكبير، وإن احتاج إلى شيء من الدواء أو الطيب صنع ذلك به وفدى عنه. قال: ويطاف بالصبي الذي لا يقوى على الطواف محمولا ويسعى به، ولا تصلى عنه ركعتا الطواف إذا لم يكن يعقل الصلاة. قلت لابن القاسم: فهل يسعى الذي يطوف بالصبي في المسيل بين الصفا والمروة ويرمل في الأشواط الثلاثة بالبيت؟ قال: أرى أن يفعل ذلك بالصبي إذا طافوا به وسعوا به بين الصفا والمروة، قال مالك: ويسعى لنفسه والصبي معه بين الصفا والمروة

سعيا واحدا، يحمله في ذلك ويجزئهما جميعا. قلت: فإن أصاب الصبي صيدا أيحكم عليه في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فيلزم ذلك والده، أم يؤخر حتى يكبر الصبي في كل شيء وجب على الصبي من الدم في الحج؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، والذي أستحب من ذلك أن يكون على والده لأن والده هو الذي أحجه فلزم الصبي الإحرام بفعل الوالد، فعلى الوالد ما يصيب هذا الصبي في حجه. قال: ولو لم يكن ذلك على الوالد ثم مات الصبي قبل البلوغ بطل كل ما أصاب الصبي في حجته وهذا لا يحسن. قلت: فهل يصوم الوالد في جزاء الصيد والفدية عن الصبي؟ قال: لا، قلت: فيطعم؟ قال: نعم، له أن يطعم أو يهدي أي ذلك شاء.
قلت: أرأيت المجنون إذا أحجه والده أيكون بمنزلة الصبي في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت المغمى عليه في رمي الجمار في قول مالك أسبيله سبيل المريض؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المريض هل يرمي في كف غيره فيرمي عنه هذا الذي رمى في كفه في قول مالك؟ قال: لا أعرف هذا ولم أسمع من مالك فيه شيئا ولا من أحد من أهل المدينة، قال: ولا أرى ذلك لأن مالكا قد وصف لنا كيف يرمى عن المريض ولم يذكر لنا هذا. قلت: فهل يقف عند الجمرتين الذي يرمي عن المريض يقف عن المريض؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن أرى أن يقف الذي يرمي عن المريض في المقامين عند الجمرتين، قلت: فهل يتحين هذا المريض حال وقوفهم عنه عند الجمرتين فيدعو كما يتحين حال رميهم عنه فيكبر؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن ذلك حسن مثل التكبير في رميهم عنه عند الجمار يتحين ذلك في الوقوف فيدعو. قلت: أرأيت الرجل إذا قصر أيأخذ من جميع شعره أم يجزئه بعضه دون بعض؟ قال: يأخذ من شعر رأسه كله ولا يجزئه إلا أن يأخذ من جميعه. قلت: فإن جامع في عمرته بعدما أخذ بعض شعره وبقي بعضه لم يأخذ منه أيكون عليه؟ أم لا؟ قال: يكون عليه الهدي. قلت: والنساء والصبيان في ذلك بمنزلة الرجال؟ قال: نعم. قال: قال مالك: من وطئ النساء ولم يقصر من شعره في عمرته فعليه الهدي فهذا عندي مثله.
وهنا انتهى وتم هذا كتاب الحج الأول من المدونة الكبرى,
والحمد لله رب العالمين على عونه وحسن توفيقه. ويليه كتاب الحج الثاني.

كتاب الحج الثاني
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وسلم
كتاب الحج الثانيقلت لابن القاسم أرأيت لو أن محرما عبث بذكره فأنزل يفسد ذلك حجه؟ قال: قال مالك: إذا كان راكبا فهزته دابته فترك ذلك استلذاذا منه له حتى أنزل، فقد أفسد حجه، أو تذكر فأدام ذلك في نفسه تلذذا منه بذلك وهو محرم حتى أنزل، قال: قال مالك: قد أفسد حجه وعليه الحج قابلا. قلت: فإن كانت امرأة ففعلت ما تفعل شرار النساء في إحرامها من العبث بنفسها حتى أنزلت، أتراها قد أفسدت حجها في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي. قال: وقال مالك: إن هو لمس أو قبل أو باشر فأنزل فعليه الحج قابلا وقد أفسد حجه، وإن نظر فأنزل الماء ولم يدم ذلك فجاءه ماء دافق فأهراقه ولم يتبع النظر تلذذا بذلك فحجه تام وعليه الدم، قال: وإن أدام النظر واشتهى بقلبه حتى أنزل فعليه الحج قابلا والهدي وقد أفسد حجه. قال مالك: ومن قبل أو غمز أو باشر أو جس أو تلذذ بشيء من أهله فلم ينزل ولم تغب الحشفة منه في ذلك منها فعليه بذلك الدم وحجه تام. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن محرما بحج أحصر بعد وفي بعض المناهل، هل يثبت حراما حتى يذهب يوم النحر أو ييأس من أن يبلغ مكة في أيام الحج، أم يحل ويرجع؟ قال: فإذا أحصر بعد وغالب لم يعجل برجوع حتى ييأس، فإذا يئس حل مكانه ورجع ولم ينتظر، فإن كان معه هدي نحره وحلق وحل ورجع إلى بلاده وكذلك في العمرة أيضا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قوله. قال: وقال مالك فيمن حصر بعد ونحر إن كان معه هدي وحلق وقصر ورجع لا قضاء عليه إلا أن يكون ضرورة، ويحل مكانه حيث حصر حيثما كان من البلاد وينحر هديه هناك ويحلق هناك أو يقصر ويرجع إلى بلاده، قلت: فإن أخر الحلاق حتى يرجع إلى بلاده؟ قال: يحلق ولا شيء عليه. قال ابن القاسم: ومن حصر فيئس من أن يصل إلى البيت بفتنة نزلت أو لعدو

غلب على البلاد، وحال بينه وبين الذهاب إلى مكة خاف على نفسه فهو محصور، وإن كان عدوا يرجو أن ينكشف قريبا رأيت أن يتلوم، فإن انكشف ذلك وإلا صنع ما يصنع المحصور ورجع إلى بلاده. قلت: كيف يصنع الأقرع الذي ليس على رأسه شعر إذا أراد الحلاق في حج أو عمرة؟ قال: قال مالك: يمر الموسى على رأسه، قلت: فإن حلق الرجل رأسه عند الحلاق بالنورة؟ قال: لا أحفظه عن مالك وأرى ذلك مجزئا عنه. قلت: هل كان مالك يكره أن يغسل الرجل رأسه بالخطمي إذا حل له الحلاق قبل أن يحلق؟ قال: لا لم يكن يكره ذلك له، وكان يقول هو الشأن أن يغسل رأسه بالخطمي قبل الحلاق. قال مالك: وسمعت ذلك من بعض أهل العلم أنه لا بأس به. قلت: هل كان مالك يكره للمحرم والصائم الحلال أن يغطسا في الماء ويغيبا رءوسهما في الماء؟ قال: نعم كان مالك يكره ذلك لهما. قلت: فهل كان يرى عليهما شيئا إن فعلا ذلك؟ قال: كان يرى على المحرم إذا غيب رأسه في الماء أن يطعم شيئا وهو رأيي. قال: وقال مالك في الصائم إن لم يدخل حلقه شيء فلا شيء عليه. قال: وقال مالك: أكره للمحرم أن يغسل ثوبه إلا أن تصيبه جنابة فيغسله بالماء وحده، ولا يغسله بالحوض خشية أن يقتل الدواب. قال مالك: ولا أرى للمحرم أن يغسل ثوب غيره خشية أن يقتل الدواب. قال مالك: ولا يحلق المحرم رأس الحلال، قلت: فإن فعل هل عليه في قول مالك لذلك شيء أم لا؟ قال: قال مالك: يفتدي، قال ابن القاسم: وأما أنا فأرى أن يتصدق بشيء من طعام لموضع الدواب التي في الثياب والرأس. قلت لابن القاسم: ما قول مالك في محرم قلم أظفار حلال؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك، قلت: فإن قلم أظفار حرام؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن المحرم الذي قلمت أظفاره لا ينبغي له أن يقلم أظفاره وهو محرم، فإن كان الذي قلمت أظفاره أمره بذلك فعلى الذي قلمت أظفاره الفدية لأنه أمره بذلك، وإن كان إنما فعل به ذلك حلال أو حرام أكرهه أو وهو نائم، فأرى على الذي فعل ذلك به الفدية عنه، وقد بلغني عن مالك أنه قال ذلك في النائم. قلت: أرأيت لو أن حجاما محرما حجم حلالا فحلق موضع المحاجم، أيكون على هذا الحجام شيء أم لا في قول مالك لما حلق من موضع محاجم هذا الحلال؟ قال: قال مالك: إن حلق الشعر من موضع يستيقن أنه لم يقتل من الدواب شيئا فلا شيء عليه، قلت: فإن كان هذا الحجام وهو محرم حلق محرما؟ قال: لا ينبغي لهذا المحرم أن يحلق موضع المحاجم من المحرم، فإن اضطر المحرم إلى الحجامة فحلق فعليه الفدية. قلت: ولا يكره لهذا الحجام أن يحجم المحرم المحرمين ويحلق منهم مواضع المحاجم إذا أيقن أنه لا يقتل من الدواب شيئا؟ قال: لا أكره له ذلك إذا كان المحرم المحتجم إنما احتجم لموضع الضرورة، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن

كان هذا الحجام محرما فدعاه محرم إلى أن يسوي شعره أو يحلق الشعر من قفاه ويعطيه على ذلك جعلا، والحجام يعلم أنه لا يقتل شيئا من الدواب في حلقه الشعر من قفاه، أيكره للحجام أن يفعل ذلك؟ قال: نعم لأن المحرم الذي سأل الحجام ذلك لا ينبغي له أن يفعل ذلك فأكره للحجام أن يعينه على ذلك، قلت: فإن فعل؟ قال: لا أرى على الحجام شيئا وأرى على الآخر الفدية، قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، ولكنه رأيي. قلت: أرأيت إن أخر الرجل الحلاق حتى يرجع من منى ولم يحلق أيام التشريق، أيكون عليه لذلك الدم أم لا في قول مالك؟ وكيف بمن حلق في الحل ولم يحلق في الحرم في أيام منى أو أخر الحلاق حتى رجع إلى بلاده؟ قال: أما الذي أخر حتى رجع إلى مكة فلا شيء عليه، وأما الذي ترك الحلاق حتى يرجع إلى بلاده ناسيا أو جاهلا فعليه الهدي ويقصر أو يحلق، وأما الذي حلق في الحل في أيام منى فلا أرى عليه شيئا. قلت: أرأيت إن أحصر بعد وليس معه هدي أيحلق ويحل مكانه ولا يكون عليه هدي في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المحصر بمرض يكون معه الهدي أيبعث به إذا أحصر في قول مالك أم يؤخره حتى إذا صح ساق هديه معه؟ قال: يحبسه حتى ينطلق به معه إلا أن يصيبه من ذلك مرض يتطاول عليه ويخاف على الهدي، فليبعث بهديه وينتظر هو حتى إذا صح مضى، قال مالك: ولا يحل هو دون البيت، وعليه إذا حل إن كان قد فاته الحج هدي آخر، ولا يجزئه الهدي الذي بعث به عن الهدي الذي وجب عليه من فوات الحج، قال مالك: وإن لم يبعث بهديه وفاته الحج فلا يجزئه أيضا ذلك الهدي من فوات حجه، قال مالك: وإنما يكون هدي فوات الحج مع حجة القضاء.
قال: وقال لي مالك: لو أن امرأة دخلت بعمرة ومعها هدي فحاضت بعدما دخلت مكة قبل أن تطوف بالبيت أوقفت هديها معها حتى تطهر ولا ينبغي لها أن تنحر هديها وهي حرام، ولكن تحبسه حتى إذا طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ثم نحرت هديها وقصرت من شعرها ثم قد حلت، قال مالك: فإن كانت ممن تريد الحج وخافت الفوات ولا تستطيع الطواف لحيضتها، أهلت بالحج وساقت هديها معها إلى عرفات فأوقفته ولا تنحره إلا بمنى، وأجزأ عنها هديها من قرانها وسبيلها سبيل من قرن. قلت: هل كان مالك يكره أن يتطيب الرجل إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض؟ قال: نعم، قلت: فإن فعل أترى عليه الفدية؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه لما جاء فيه، قلت: هل كان مالك يوجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره؟ قال: لم يكن يوجبه، ولكن كان يستحب له إذا حلق أن يقلم وأن يأخذ من شاربه ولحيته، وذكر مالك أن ابن عمر كان يفعله. قلت: أرأيت لو أن رجلا حراما أخذ من شاربه ما يجب عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: من نتف شعرة أو شعرات يسيرة

كان هذا الحجام محرما فدعاه محرم إلى أن يسوي شعره أو يحلق الشعر من قفاه ويعطيه على ذلك جعلا، والحجام يعلم أنه لا يقتل شيئا من الدواب في حلقه الشعر من قفاه، أيكره للحجام أن يفعل ذلك؟ قال: نعم لأن المحرم الذي سأل الحجام ذلك لا ينبغي له أن يفعل ذلك فأكره للحجام أن يعينه على ذلك، قلت: فإن فعل؟ قال: لا أرى على الحجام شيئا وأرى على الآخر الفدية، قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، ولكنه رأيي. قلت: أرأيت إن أخر الرجل الحلاق حتى يرجع من منى ولم يحلق أيام التشريق، أيكون عليه لذلك الدم أم لا في قول مالك؟ وكيف بمن حلق في الحل ولم يحلق في الحرم في أيام منى أو أخر الحلاق حتى رجع إلى بلاده؟ قال: أما الذي أخر حتى رجع إلى مكة فلا شيء عليه، وأما الذي ترك الحلاق حتى يرجع إلى بلاده ناسيا أو جاهلا فعليه الهدي ويقصر أو يحلق، وأما الذي حلق في الحل في أيام منى فلا أرى عليه شيئا. قلت: أرأيت إن أحصر بعد وليس معه هدي أيحلق ويحل مكانه ولا يكون عليه هدي في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المحصر بمرض يكون معه الهدي أيبعث به إذا أحصر في قول مالك أم يؤخره حتى إذا صح ساق هديه معه؟ قال: يحبسه حتى ينطلق به معه إلا أن يصيبه من ذلك مرض يتطاول عليه ويخاف على الهدي، فليبعث بهديه وينتظر هو حتى إذا صح مضى، قال مالك: ولا يحل هو دون البيت، وعليه إذا حل إن كان قد فاته الحج هدي آخر، ولا يجزئه الهدي الذي بعث به عن الهدي الذي وجب عليه من فوات الحج، قال مالك: وإن لم يبعث بهديه وفاته الحج فلا يجزئه أيضا ذلك الهدي من فوات حجه، قال مالك: وإنما يكون هدي فوات الحج مع حجة القضاء.
قال: وقال لي مالك: لو أن امرأة دخلت بعمرة ومعها هدي فحاضت بعدما دخلت مكة قبل أن تطوف بالبيت أوقفت هديها معها حتى تطهر ولا ينبغي لها أن تنحر هديها وهي حرام، ولكن تحبسه حتى إذا طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ثم نحرت هديها وقصرت من شعرها ثم قد حلت، قال مالك: فإن كانت ممن تريد الحج وخافت الفوات ولا تستطيع الطواف لحيضتها، أهلت بالحج وساقت هديها معها إلى عرفات فأوقفته ولا تنحره إلا بمنى، وأجزأ عنها هديها من قرانها وسبيلها سبيل من قرن. قلت: هل كان مالك يكره أن يتطيب الرجل إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض؟ قال: نعم، قلت: فإن فعل أترى عليه الفدية؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه لما جاء فيه، قلت: هل كان مالك يوجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره؟ قال: لم يكن يوجبه، ولكن كان يستحب له إذا حلق أن يقلم وأن يأخذ من شاربه ولحيته، وذكر مالك أن ابن عمر كان يفعله. قلت: أرأيت لو أن رجلا حراما أخذ من شاربه ما يجب عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: من نتف شعرة أو شعرات يسيرة

كان هذا الحجام محرما فدعاه محرم إلى أن يسوي شعره أو يحلق الشعر من قفاه ويعطيه على ذلك جعلا، والحجام يعلم أنه لا يقتل شيئا من الدواب في حلقه الشعر من قفاه، أيكره للحجام أن يفعل ذلك؟ قال: نعم لأن المحرم الذي سأل الحجام ذلك لا ينبغي له أن يفعل ذلك فأكره للحجام أن يعينه على ذلك، قلت: فإن فعل؟ قال: لا أرى على الحجام شيئا وأرى على الآخر الفدية، قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، ولكنه رأيي. قلت: أرأيت إن أخر الرجل الحلاق حتى يرجع من منى ولم يحلق أيام التشريق، أيكون عليه لذلك الدم أم لا في قول مالك؟ وكيف بمن حلق في الحل ولم يحلق في الحرم في أيام منى أو أخر الحلاق حتى رجع إلى بلاده؟ قال: أما الذي أخر حتى رجع إلى مكة فلا شيء عليه، وأما الذي ترك الحلاق حتى يرجع إلى بلاده ناسيا أو جاهلا فعليه الهدي ويقصر أو يحلق، وأما الذي حلق في الحل في أيام منى فلا أرى عليه شيئا. قلت: أرأيت إن أحصر بعد وليس معه هدي أيحلق ويحل مكانه ولا يكون عليه هدي في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المحصر بمرض يكون معه الهدي أيبعث به إذا أحصر في قول مالك أم يؤخره حتى إذا صح ساق هديه معه؟ قال: يحبسه حتى ينطلق به معه إلا أن يصيبه من ذلك مرض يتطاول عليه ويخاف على الهدي، فليبعث بهديه وينتظر هو حتى إذا صح مضى، قال مالك: ولا يحل هو دون البيت، وعليه إذا حل إن كان قد فاته الحج هدي آخر، ولا يجزئه الهدي الذي بعث به عن الهدي الذي وجب عليه من فوات الحج، قال مالك: وإن لم يبعث بهديه وفاته الحج فلا يجزئه أيضا ذلك الهدي من فوات حجه، قال مالك: وإنما يكون هدي فوات الحج مع حجة القضاء.
قال: وقال لي مالك: لو أن امرأة دخلت بعمرة ومعها هدي فحاضت بعدما دخلت مكة قبل أن تطوف بالبيت أوقفت هديها معها حتى تطهر ولا ينبغي لها أن تنحر هديها وهي حرام، ولكن تحبسه حتى إذا طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ثم نحرت هديها وقصرت من شعرها ثم قد حلت، قال مالك: فإن كانت ممن تريد الحج وخافت الفوات ولا تستطيع الطواف لحيضتها، أهلت بالحج وساقت هديها معها إلى عرفات فأوقفته ولا تنحره إلا بمنى، وأجزأ عنها هديها من قرانها وسبيلها سبيل من قرن. قلت: هل كان مالك يكره أن يتطيب الرجل إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض؟ قال: نعم، قلت: فإن فعل أترى عليه الفدية؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه لما جاء فيه، قلت: هل كان مالك يوجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره؟ قال: لم يكن يوجبه، ولكن كان يستحب له إذا حلق أن يقلم وأن يأخذ من شاربه ولحيته، وذكر مالك أن ابن عمر كان يفعله. قلت: أرأيت لو أن رجلا حراما أخذ من شاربه ما يجب عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: من نتف شعرة أو شعرات يسيرة

أنهم قد حصروا عن البيت وأنهم قد منعوا وأن ذلك يشتد عليهم، فقال مالك: لا يحلهم إلا البيت ولا يزالون محرمين في حبسهم حتى يخرجوا فيقتلوا أو يحلوا فيأتوا البيت فيحلوا بالبيت.
قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن قرن الحج والعمرة فأصاب صيدا وهو محرم قارن؟ قال: قال مالك: عليه جزاء واحد، قلت له: ما قول مالك فيما أصاب المحرم من الصيد كيف يحكم عليه؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل يصيب الصيد وهو محرم فيريد أن يحكم عليه بالطعام أيقوم الصيد دراهم أم طعاما؟ قال: الصواب من ذلك أن يقوم طعاما ولا يقوم دراهم، ولو قوم الصيد دراهم ثم اشترى بها طعاما لرجوت أن يكون واسعا، ولكن الصواب من ذلك أن يحكم عليه بالطعام، فإن أراد أن يصوم نظر كم ذلك الطعام من الإمداد فيصوم مكان كل مد يوما، وإن زاد ذلك على شهرين أو ثلاثة. قلت له: فإن كان في الطعام كسر المد؟ قال: ما سمعت من مالك في كسر المد شيئا ولكن أحب إلي أن يصوم له يوما. وقال ابن القاسم: ولم يقل لنا مالك إنه نظر إلى جزاء الصيد من النعم فيقوم هذا الجزاء من النعم طعاما، ولكنه قال ما أعلمتك. قلت: وكيف يقوم هذا الصيد طعاما في قول مالك، أحي أم مذبوح أم ميت؟ قال: بل يقوم حيا عند مالك على حاله التي كان عليها حين أصابه، قال: قال مالك: ولا ينظر إلى فراهيته ولا إلى جماله، ولكن إلى ما يساوي من الطعام بغير فراهية ولا جمال، وشبه ذلك بفراهية البازي لا ينظر إلى قيمة ما يباع به أو لو صيد لفراهيته. قال ابن القاسم. وقال مالك: إن الفارة من الصيد والبزاة وغير الفارة إذا أصابه الحرام في الحكم سواء، قلت: فكيف يحكم عليه إن أراد أن يحكم عليه بالنظير من النعم؟ قال: لقلنا لمالك أيحكم بالنظير في الجزاء من النعم بما قد مضى وجاءت به الآثار، أم يستأنف الحكم فيه؟ قال: بل يستأنف الحكم فيه، قلت لابن القاسم: فإنما فيه الاجتهاد عند مالك إذا حكم عليه في الجزاء، قال: نعم، قال مالك: ولا أرى أن يخرج مما جاء فيه الاجتهاد عن آثار من مضى. قال: وقال مالك: لا يحكم في جزاء الصيد من الغنم والإبل والبقر إلا بما يجوز في الضحايا والهدايا من الثني فصاعدا، إلا من الضأن فإنه يجوز الجذع وما أصابه المحرم مما لم يبلغ أن يكون مما يجوز في الضحايا والهدي من الإبل والبقر والغنم فعليه فيه الطعام والصيام. قال مالك: ولا يحكم بالجفرة ولا بالعناق ولا يحكم بدون المسن.
قلت: ما قول مالك فيمن طرد صيدا فأخرجه من الحرم أيكون عليه الجزاء أم لا؟ قال: لا أحفظ الساعة عنه فيه شيئا وأرى عليه الجزاء. قلت: ما قول مالك فيمن رمى صيدا من الحل، والصيد في الحرم فقتله؟ قال: قال مالك: عليه جزاء ما قتل، وكذلك لو

أن رجلا في الحرم والصيد في الحل فرماه فقتله؟ قال: نعم عليه أيضا جزاؤه. قلت: فإن رمى صيدا في الحل وهو في الحل فأصابه في الحرم هرب الصيد إلى الحرم فأتبعته الرمية فأصابته في الحرم؟ قال: قال مالك: من أرسل كلبه على صيد في الحل وهو في الحل أيضا إذا كان ذلك قرب الحرم فطلبه الكلب حتى أدخله الحرم فأصابه في الحرم، فعلى صاحب الكلب الذي أرسله الجزاء لأنه غرر فأرسل كلبه على صيد قرب الحرم، قال ابن القاسم: فأرى الرمية بمنزلة الكلب الذي أرسله قرب الحرم، قال: ولم أسمع في مسألتك في الرمية بعينها شيئا من مالك، ولكن ذلك عندي مثل الذي يرسل كلبه قرب الحرم. قلت: فقول مالك في الذي يرسل بازه قرب الحرم مثل قوله في الذي يرسل كلبه قرب الحرم؟ قال: نعم. قلت: فما قول مالك إن أرسل كلبه وليس بقريب من الحرم فطلبه الكلب حتى أدخله الحرم فقتله؟ قال: قال مالك: لا شيء على الذي أرسل كلبه لأنه لم يغرر بالإرسال، قال مالك: ولا يؤكل ذلك الصيد، قلت: وكذلك البازي في قوله؟ قال: نعم. قلت: فما قول مالك إن أرسل كلبه أو بازه قرب الحرم والصيد وهو جميعا في الحل، فأخذ الكلب الصيد في الحل؟ قال: لا شيء عليه عند مالك لأنه قد سلم مما كان غرر به. قلت: أرأيت إن أرسل كلبه على صيد في الحل قرب الحرم وهو في الحل أيضا فطلبه الكلب حتى أدخله الحرم ثم أخرجه من الحرم أيضا فأخذه في الحل، أيكون على صاحبه الجزاء في قول مالك أم لا، وكيف إن قتله بعدما أخرجه إلى الحل أيحل أكله في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك في مسألتك هذه شيئا، ولكن أرى أن لا يأكله وأن يكون عليه في الجزاء، لأنه لما دخل الحرم والكلب في طلبه من فوره ذلك حتى أخرجه إلى الحل، فكأنه أرسله في الحرم لأنه إنما أرسله قرب الحرم مغررا. قلت: أرأيت إن أرسل كلبه أو بازه في الحل وهو بعيد من الحرم فطلب الكلب أو الباز الصيد حتى أدخله الحرم ثم أخرجه من الحرم طالبا له فقتله في الحل، أيؤكل أم لا في قول مالك، وهل يكون على صاحبه الجزاء أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى أن يؤكل، ولا على الذي أرسل الكلب أو البازي الجزاء ; لأنه لم يغرر في قرب الحرم. قلت: أرأيت لو أن محرما ذبح صيدا أو أرسل كلبه على صيد فقتله أو بازه فقتله أيأكله حلال أو حرام؟ قال: قال مالك: لا يأكله حلال ولا حرام لأنه ميتة ليس بذكي، قال وهو مثل ذبيحته، قلت فما ذبح للمحرم من الصيد وإن ذبحه رجل حلال، إلا أنه إنما ذبحه من أجل هذا المحرم ; أمره المحرم بذلك أو لم يأمره؟ قال: قال مالك: ما ذبح للمحرم من الصيد فلا يأكله حلال ولا حرام، وإن كان الذي ذبحه حلالا أو حراما فهو سواء لا يأكله حلال ولا حرام، لأنه إنما جاء ذبحه لهذا المحرم ومن أجله، قال مالك: وسواء إن كان أمره هذا المحرم أن يذبحه له أو لم

يأمره، فهو سواء إذا كان إنما ذبح الصيد من أجل هذا المحرم فلا يؤكل. قال ابن القاسم: وكان مالك لا يأخذ بحديث عثمان بن عفان حين قال لأصحابه: كلوا، وأبى أن يأكل، وقال عثمان لأصحابه إنما صيد من أجلي. قلت: ما قول مالك في محرم ذبح صيدا فأدى جزاءه ثم أكل من لحمه، أيكون عليه جزاء آخر، أم قيمة ما أكل من لحمه؟ قال: قال مالك: لا قيمة عليه ولا جزاء في لحمه، وإنما لحمه جيفة غير ذكي، فإنما أكل حين أكل منه لحم ميتة وما لا يحل. قلت: أرأيت ما أصاب المحرم من بيض الطير الوحشي ما عليه لذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: على المحرم إذا كسر بيض الطير الوحشي، أو الحلال في الحرام إذا كسره عشر ثمن أمه كجنين الحرة من دية أمه، قلت: وسواء في قول مالك إن كان فيه فرخ أو لم يكن فيه فرخ؟ قال: نعم ما لم يستهل الفرخ من بعد الكسر صارخا، فإن استهل الفرخ من بعد الكسر صارخا فعليه الجزاء كاملا كجزاء كبير ذلك الطير، وأنا أرى ذلك، قال: وإنما شبه مالك البيض بجنين الحرة، فلو أن رجلا ضرب بطن المرأة فألقت جنينا ميتا لم يكن عليه إلا عشر دية أمه إذا خرج ميتا، فإن خرج حيا فاستهل صارخا فالدية كاملة فعلى الجنين فقس البيض في كل ما يرد منه عليك، قلت لابن القاسم: ويكون في الجنين قسامة إذا استهل صارخا في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن لم يستهل صارخا فلا قسامة فيه؟ قال: نعم، قلت: فإن كسر البيضة فخرج الفرخ حيا يضطرب ما عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: من ضرب بطن امرأة فألقت جنينا حيا يضطرب فمات قبل أن يستهل صارخا، فإنما فيه عشر دية أمه، فكذلك البيض عندي هو مثله إنما فيه عشر ثمن أمه، وإن خرج الفرخ منه حيا فإنما فيه عشر ثمن أمه، إلا أن يستهل صارخا ففيه ما في كباره.
قلت: أرأيت لو أن محرما ضرب بطن عنز من الظباء فألقت جنينا ميتا وسلمت الأم؟ قال: عليه في جنينها عشر قيمة أمه، قال: ولم أسمع في جنين العنز من الظباء من مالك شيئا، ولكنه في رأيي مثل جنين الحرة. قلت: فما قول مالك في جنين الحرة لو ضرب رجل بطن امرأة فألقت جنينها ميتا ثم ماتت بعده؟ قال: قال مالك: إن عليه عشر دية أمه للجنين ودية كاملة للمرأة، قلت: وكذلك العنز من الظباء إن ضربها فألقت جنينها ثم ماتت بعدما طرحت جنينها؟ قال: نعم، هكذا أرى أن يكون عليه في جنين العنز عشر ثمن أمه ويكون أيضا عليه في العنز الجزاء كاملا. قلت: فما قول مالك في الحرة يضرب الرجل بطنها فتطرح جنينها حيا فيستهل صارخا ثم يموت وتموت الأم؟ قال: قال مالك: عليه إن كان ضربها خطأ دية للمرأة، ودية للجنين كاملة، تحمل العاقلة ذلك وفي الجنين قسامة، قلت: وكذلك إن ضرب بطن هذه العنز فألقت جنينها حيا فاستهل صارخا ثم مات وماتت أمه، إنه ينبغي أن يكون عليه جزاء الأم وجزاء الجنين كاملا؟ قال: نعم،

قلت: ويحكم في هذا الجنين في قول إذا استهل صارخا كما يحكم في كبار الظباء؟ قال: قال مالك: يحكم في صغار كل شيء أصابه المحرم من الصيد والطير الوحشي مثل ما يحكم في كباره، وشبههم بالأحرار. صغار الأحرار وكبارهم في الدية سواء، قال فكذلك الصيد. قلت: فهل ذكر لكم مالك في جراحات الصيد أنه يحكم فيها إذا هي سلمت نفسها من بعد الجراحات، كما يحكم في جراحات الأحرار أو مثل جراحات العبيد ما نقص من أثمانها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وما أرى فيها شيئا إذا استيقن أنها سلمت، قلت: فما ترى أنت في جراحات هذا الصيد إذا هو سلم؟ قال: لا أرى عليه شيئا إذا هو سلم من ذلك الجرح. قلت: أرأيت إذا ضرب الرجل المحرم فسطاطا فتعلق بأطنابه صيد فعطب، أيكون على الذي ضرب الفسطاط الجزاء في قول مالك أم لا؟ قال: لا أحفظه من مالك ولكن لا شيء عليه لأنه لم يصنع بالصيد شيئا إنما الصيد هو الذي فعل ذلك بنفسه، قال: وإنما قلته لأن مالكا قال في الرجل يحفر البئر في الموضع الذي يجوز له أن يحفر فيه فيقع فيه إنسان فيهلك، أنه لا دية له على الذي حفر البئر في موضع يجوز له أن يحفر، وكذلك هذا إنما ضرب فسطاطه في موضع لا يمنع من أجل الصيد. قلت: وكذلك من حفر بئرا للماء وهو محرم فعطب به صيد؟ قال: كذلك أيضا لا شيء عليه في رأيي. قلت: وكذلك أيضا إن رآني الصيد وأنا محرم ففزع مني فأحصر فانكسر من غير أن أفعل به شيئا فلا جزاء علي؟ قال: أرى عليك الجزاء إذا كان إنما كان عطبه ذلك أنه نفر من رؤيتك. قلت: أرأيت إذا فزع الصيد من رجل وهو محرم فحصر الصيد في حصره ذلك أيكون عليه الجزاء في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن نصب محرم شركا للذئب أو للسبع خافه على نفسه أو على غنمه أو على دابته فوقع فيه صيد ظبي أو غيره فعطب، هل تحفظ فيه عن مالك شيئا؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، ولكن أرى أن يضمن لأنه فعل شيئا ليصيد به فعطب به الصيد، قلت له: وإنما فعله للسباع لا للصيد فكيف يكون عليه الجزاء وقد كان جائزا له أن يفعله للسبع وللذئب؟ قال: لأن مالكا قال: لو أن رجلا حفر في منزله بئرا للسارق أو عمل في داره شيئا ليتلف به السارق، فوقع فيه إنسان سوى السارق رأيته ضامنا للدية، قلت: وهل يرى مالك أن يضمن دية السارق إن وقع فيه فمات؟ قال: قال مالك: نعم يضمنه.
قلت: ما قول مالك فيمن أحرم وفي بيته صيد؟ قال: لا شيء عليه ولا يرسله، قلت: فإن أحرم وفي يديه صيد؟ قال: قال مالك: يرسله، قلت: فإن أحرم والصيد معه في قفص؟ قال: قال مالك: يرسله، قلت: وكذلك إن أحرم وهو يقود صيدا؟ قال: نعم يرسله إذا كان يقوده. قلت: فالذي في بيته الصيد لم قال مالك لا يرسله إذا أحرم؟ قال: لأن ذلك أسيره وقد كان ملكه قبل أن يحرم فأحرم وليس هو في يده. قال: وقال مالك:

إنما يجب عليه أن يرسل من الصيد إذا هو أحرم ما كان في يديه حين يحرم فأرى ما في قفصه أو ما يقوده بمنزلة هذا. قال: وقال مالك: إذا أحرم أرسل كل صيد كان معه، فالذي في قفصه والذي في يده في غير قفص والذي يقوده سواء عندنا، قلت: فكل صيد صاده المحرم فعليه أن يرسله؟ قال: قال مالك: نعم عليه أن يرسله، قلت: فإن لم يرسله حتى أخذه حلال أو حرام من يده فأرسلاه أيضمنان له شيئا أم لا في قول مالك؟ قال: لا يضمنان له شيئا في رأيي لأنهما إنما فعلا في الصيد ما كان يؤمر هذا الذي صاده أن يفعله ويحكم عليه بإرساله. قلت: فلو أن الصيد كان قد ملكه وهو حلال ثم أحرم وهو في يديه فأتى حلال أو حرام فأرسله من يده أيضمنه له أم لا؟ قال: أرى أن لا يضمنا له شيئا لأن مالكا قال: وإن رجلا أخذ صيدا فأفلت منه الصيد فأخذه غيره من الناس، قال: قال مالك: إن كان ذلك بحدثان ذلك رأيت أن يرد على سيده الأول، وإن كان قد ذهب ولحق بالوحش واستوحش فهو لمن صاده، ولم ير مالك أن ملكه ثابت عليه إذا فات ولحق بالوحش، فهذا المحرم حين أحرم ينبغي له أن يرسل ولا يجوز له أخذه إذا أرسله حتى يحل من إحرامه، فهو إذا ألزمته أن يرسله ولم أجز له أن يأخذه بعدما يرسله حتى يحل من إحرامه، فقد زال ملكه عنه حين أحرم فلا شيء على من أرسله من يده بعد إحرامه لأن ملكه زال عن الصيد بإحرامه، أو لا ترى أنه لو حبسه معه حتى يحل من إحرامه وجب عليه أن يرسله أيضا، وإن كان قد حل، أو لا ترى أن ملكه قد زال عنه، أو لا ترى أنه لو بعث به إلى بيته بعد أن أحرم وهو في يده ثم حل من إحرامه لم يجز له أن يحبسه بعدما حل وكان عليه أن يرسله، فهذا الدليل على أن ملكه قد زال عنه وقد اختلف الناس في هذا أن يرسله أو لا يرسله، فقال بعض الناس: يرسله وإن حل من إحرامه لأنه كأنه صاده وهو حرام، وقال بعض الناس: لا يرسله وليحبسه ; لأنه قد حل من إحرامه ولا شيء عليه، قال: والذي آخذ به أن يرسله. وكذلك المحرم الذي صاد الصيد وهو حرام لم يجب له فيه الملك، فليس على من أرسل هذا الصيد من يدي هذين ضمان لهما. قلت لابن القاسم: أرأيت إن صاد محرم صيدا فأتاه حلال أو حرام ليرسلاه من يديه فتنازعاه فقتلاه بينهما ما عليهما في قول مالك؟ قال: عليهما في رأيي إن كانا حرامين الجزاء على كل واحد منهما، وإن كان الذي نازعه حلالا فعلى المحرم الجزاء ولا قيمة لهذا المحرم على الحلال ; لأن هذا المحرم لم يملك هذا الصيد، قلت: وكذلك إن أحرم وهو في يده قد كان صاده وهو حلال؟ قال: نعم هو مثل الأول، ولا ينبغي أن يضمن له شيئا لأنه زال ملكه عن الصيد الذي هو في يده حين أحرم، قلت: فهل يضمنان هذا الجزاء لهذا المحرم إذا نازعاه في الصيد الذي هو في يده حتى قتلاه؟ قال: لا أحفظ من مالك في هذا شيئا، ولكن لا أرى أن يضمنا له الجزاء لأنهما إنما أرادا أن

يرسلا الصيد من يده فنازعهما فمنعهما ما لم يكن ينبغي له أن يمنعهما فمات الصيد من ذلك، فلا يضمنان له شيئا لأن القتل جاء من قبله. قلت: فلو أن باز الرجل أفلت منه فلم يقدر على أخذه بحضرة ذلك حتى فات بنفسه ولحق بالوحش، أكان مالك يقول هو لمن أخذه؟ قال: نعم. قلت: فهل تحفظ عنه في النحل شيئا إن هي هربت من رجل ففاتت من فورها ذلك ولحقت بالجبال، أتكون لمن أخذها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن إن كان أصل النحل عند أهل المعرفة وحشية فهي بمنزلة ما وصفت لك من الوحش في رأيي. قال: وقال مالك في النحل يخرج من جبح هذا إلى جبح هذا ومن جبح هذا إلى جبح هذا، قال: إن علم ذلك واستطاعوا أن يردوها إلى أصحابها ردوها، وإلا فهي لمن ثبتت في أجباحه، قال مالك: وكذلك حمام الأبرجة. قال: وسئل مالك عن الحكمين إذا حكما في جزاء الصيد فاختلفا، أيؤخذ بأرفقهما أم يبتدئ الحكم بينهما؟ قال: يبتدئ الحكم فيه غيرهما حتى يجتمعا على أمر واحد، كذلك قال مالك، قلت: فهل يكون الحكمان في جزاء الصيد غير فقيهين إذا كانا عدلين في قول مالك؟ قال: لا يكونان إلا فقيهين عدلين، قلت: أرأيت إن حكما فأخطأ حكما خطأ فيما فيه بدنة بشاة أو فيما فيه بقرة بشاة أو فيما فيه شاة ببدنة، أينقض حكمهما ويستقبل الحكم في هذا الصيد؟ قال: نعم، قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت: فإن حكم حكمان في جزاء صيد أصابه محرم فحكما عليه فأصابا الحكم، وكان أمرهما أن يحكما عليه بالجزاء من النعم ففعلا، ثم بدا له أن ينصرف إلى الطعام أو الصيام بعدما حكما عليه بالنظير من النعم وأن يحكم عليه غيرهما أو هما؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكني أرى له ذلك أن يرجع إلى أي ذلك شاء، قلت: فهل يكون الحكمان في جزاء الصيد دون الإمام في قول مالك؟ قال: نعم من اعترض من المسلمين ممن قبله معرفة من ذوي العدل والعلم بالحكم في ذلك لذي أصحاب الصيد، فحكما عليه فذلك جائز عليه.
قلت لابن القاسم: أرأيت المحرم إذا قتل سباع الوحش من غير أن تبتدئه؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه في ذلك، قال ابن القاسم: قال مالك: لا شيء عليه وذلك في السباع والنمور التي تعدو وتفترس، فأما صغار أولادها التي لا تعدو ولا تفترس فلا ينبغي للمحرم قتلها، وقال مالك: لا بأس أن يقتل المحرم السباع يبتدئها وإن لم تبتدئه. قلت: فهل يكره مالك للمحرم قتل الهر الوحشي والثعلب؟ قال: نعم، قلت: والضبع؟ قال: نعم، قلت: فإن قتل الضبع كان عليه الجزاء في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن قتل الثعلب والهر أيكون عليه الجزاء في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم عليه الجزاء في الثعلب والهر، قلت: فإن ابتدأني الثعلب والهر والضبع وأنا محرم فقتلتها، أعلي في قول مالك لذلك شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليك وهذا رأيي. قلت: أرأيت سباع الطير

ما قول مالك فيها للمحرم؟ قال: كان مالك يكره قتل سباع الطير كلها وغير سباعها للمحرم، قلت: فإن قتل محرم سباع الطير، أكان مالك يرى عليه فيها الجزاء؟ قال: نعم. قلت: فإن عدت عليه سباع الطير فخافها على نفسه فدفعها عن نفسه فقتلها، أيكون عليه الجزاء في قول مالك؟ قال: لا شيء عليه وهو رأيي، وكذلك لو أن رجلا عدا على رجل فأراد قتله فدفعه عن نفسه فقتله، لم يكن عليه شيء فكذلك سباع الطير. قلت: هل كان مالك يكره أكل كل ذي مخلب من الطير؟ قال: لم يكن مالك يكره أكل شيء من الطير سباعها وغير سباعها، قلت: والغراب لم يكن مالك يرى به بأسا؟ قال: نعم لا بأس به عنده، قلت: وكذلك الهدهد عنده والخطاف؟ قال: جميع الطير لا بأس بأكلها عند مالك. قلت: فهل كان يوسع في أكل الحيات والعقارب؟ قال: لم يكن يرى بأكل الحيات بأسا، قال: ولا يؤكل منها إلا الذكي، قال: ولا أحفظ في العقرب من قوله شيئا، أو لكن أرى أنه لا بأس به. قلت له: وهل يكره مالك أكل سباع الوحش؟ قال: نعم، قلت: أفكان مالك يرى الهر من السباع؟ قال: قال مالك: لا أحب أن يؤكل الهر الوحشي ولا الأهلي ولا الثعلب. قلت: فهل تحفظ عن مالك أنه كره أكل شيء سوى سباع الوحش، من الدواب والخيل والبغال والحمير، وما حرم الله في التنزيل من الميتة والدم ولحم الخنزير؟ قال: كان ينهى عما ذكرت، فمنه ما كان يكرهه، ومنه ما كان يحرمه. قال: وكان مالك لا يرى بأسا بأكل القنفذ واليربوع والضب والظرب والأرنب وما أشبه ذلك، قال: ولا بأس بأكل الوبر عند مالك. قلت لابن القاسم: أرأيت الضب واليربوع والأرنب وما أشبه هذه الأشياء، إذا أصابها المحرم؟ قال: قال مالك: عليه الجزاء يحكم فيها قيمتها طعاما، فإن شاء الذي أصاب ذلك أطعم كل مسكين مدا، وإن شاء صام لكل مد يوما، وهو عند مالك بالخيار. قلت: فما قول مالك في حمام الحرم يصيده المحرم؟ قال مالك: لم أزل أسمع أن في حمام مكة شاة شاة، قال مالك: وحمام الحرم بمنزلة حمام مكة فيها شاة شاة. قلت: فما على من أصاب بيضة من حمام مكة وهو محرم أو غير محرم في الحرم في قول مالك؟ قال: عشر دية أمه، وفي أمه شاة. قلت: فما قول مالك في غير حمام مكة إذا أصابه المحرم؟ قال: حكومة، ولا يشبه حمام مكة ولا حمام الحرم. قال: وكان مالك يكره للمحرم أن يذبح الحمام إذا أحرم الوحشي وغير الوحشي، لأن أصل الحمام عنده طير يطير. قال: فقيل لمالك: إن حماما عندنا يقال لها الرومية لا تطير إنما تتخذ للفراخ؟ قال: لا يعجبني لأنها تطير، ولا يعجبني أن يذبح المحرم شيئا مما يطير، قال: فقلنا لمالك: أفيذبح المحرم الإوز والدجاج؟ قال: لا بأس بذلك، قلت لابن القاسم: أليس الإوز طيرا يطير، فما فرق بينه وبين الحمام؟ قال: قال مالك: ليس أصله مما يطير وكذلك الدجاج ليس أصله مما يطير. قال: فقلت

لمالك: فما أدخل مكة من الحمام الإنسي والوحشي، أترى للحلال أن يذبحه فيها؟ قال: نعم لا بأس بذلك، وقد يذبح الحلال في الحرم الصيد إذا دخل به من الحل، فكذلك الحمام في ذلك، وذلك أن شأن أهل مكة يطول وهم محلون في ديارهم فلا بأس أن يذبحوا الصيد، وأما المحرم فإنما شأنه الأيام القلائل وليس شأنهما واحدا. قال: وسئل مالك عن الجراد يقع في الحرم؟ قال: لا يصيده حلال ولا حرام، وقال مالك: ولا أرى أيضا أن يصاد الجراد في حرم المدينة. قال ابن القاسم: كان مالك لا يرى ما قتل من الصيد في حرم المدينة أن فيه جزاء، ولا جزاء فيه ولكن ينهى عن ذلك، وقال: لا يحل ذلك له لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. قال مالك: ما أدركت أحدا اقتدى به يرى بالصيد يدخل به الحرم عن الحل بأسا، إلا عطاء بن أبي رباح قال ثم ترك ذلك وقال لا بأس به. قلت: فما قول مالك في دبسي الحرم؟ قال: لا أحفظ من مالك في ذلك شيئا، إلا أن مالكا قال في حمام مكة شاة، وإن كان الدبسي والقمري من الحمام عند الناس ففيه ما في حمام مكة وحمام الحرم، قال ابن القاسم: وأنا أرى فيه شاة. قال ابن القاسم: واليمام مثل الحمام ولم أسمع من مالك فيه شيئا. قال: وقال مالك: في حمام الحرم شاة، قال ابن القاسم: قال مالك: وإنما الشاة في حمام مكة وحمام الحرم، قال مالك: وكل ما لا يبلغ أن يحكم فيه مما يصيبه المحرم بشاة ففيه حكومة ; صيام أو طعام.
قلت: أرأيت من قال لله علي أن أهدي هذا الثوب. أي شيء عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: يبيعه ويشتري بثمنه هديا فيهديه، قلت: من أين يشتريه في قول مالك؟ قال: من الحل فيسوقه إلى الحرم، فإن كان في ثمنه ما يبلغ بدنة فبدنة وإلا فبقرة وإلا فشاة، ولا يشتري إلا ما يجوز في الهدي ; الثني من الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن. قلت لابن القاسم: فما قول مالك في هذا الثوب إذا كان لا يبلغ أن يكون في ثمنه هدي؟ قال: بلغني عن مالك ولم أسمعه منه أنه قال: يبعث بثمنه فيدفع إلى خزان مكة فينفقونه على الكعبة، قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يتصدق بثمنه ويتصدق به حيث شاء. ألا ترى أن ابن عمر كان يكسو جلال بدنه الكعبة، فلما كسيت الكعبة هذه الكسوة تصدق بها. قلت: فإن لم يبيعوه وبعثوا بالثوب نفسه؟ قال: لا يعجبني ذلك لهم ويباع هناك ويشترى بثمنه هدي، ألا ترى أن مالكا قال: يباع الثوب والحمار والعبد والفرس وكل ما جعل من العروض هكذا. قال: وقال مالك: إذا قال ثوبي هذي هدي فباعه واشترى بثمنه هديا وبعثه ففضل من ثمنه شيء، بعث بالفضل إلى خزان الكعبة إذا لم يبلغ الفضل أن يكون فيه هدي. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يتصدق به. قال: وقال مالك: ومن قال لرجل حراما أهديك إلى بيت الله إن فعلت كذا وكذا فحنث، فعليه أن يهدي هديا، وإن قال: لا بل له هي هدي إن فعلت كذا وكذا فحنث، أهداها كلها إن

كانت ماله كله. قال: وقال مالك: وإن قال لشيء يملك من عبد أو دار أو دابة أو ثوب أو عرض من العروض هو يهديه، فإنه يبيعه ويشتري بثمنه هديا فيهديه. قال: وإن قال لما لا يملك من عبد غيره أو مال غيره أو دار غيره وهو يهديه، فلا شيء عليه ولا هدي عليه فيه. قال ابن القاسم: وأخبرني من أثق به عن ابن شهاب أنه كان يقول في هذه الأشياء مثل قول مالك سواء. قال مالك: ولا بأس بصيد البحر كله للمحرم، وصيد الأنهار والغدر والبرك، فإن أصاب من طير الماء شيئا فعليه الجزاء. قال: وقال مالك: يؤكل كل ما في البحر الطافي وغير الطافي من صيد البحر كله ويصيده المحرم. قال: وقال مالك: الضفادع من صيد البحر. قال: وقال مالك: ترس الماء من صيد البحر. وسئل مالك عن ترس الماء إذا مات ولم يذبح أيؤكل؟ فقال: إني لأراه عظيما أن يترك ترس الماء فلا يؤكل إلا بزكاة. قال: وقال مالك: في جرة فيها صيد وما أشبهه. وجد فيها ضفادع ميتة، فقال لا بأس بذلك لأنها من صيد الماء، قلت: فما يقول مالك في ترس الماء هذه السلحفاة التي في البراري؟ قال: ما سألت مالكا عنها، وما أشك أنها إذا كانت في البراري أنها ليست من صيد البحر وأنها من صيد البر، فإذا ذكيت أكلت ولا تحل إلا بذكاة ولا يصيدها المحرم. قلت: أرأيت المحرم إذا صاد طيرا فنتفه، ثم حبسه حتى نسل فطار؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: إذا نسل فطار فلا جزاء عليه. قلت: أرأيت لو أن محرما أصاب صيدا خطأ أو عمدا وكان أول ما أصاب الصيد أو قد أصابه قبل ذلك؟ قال: قال مالك: يحكم عليه في هذا كله.
قال: وقال مالك: ليس على من قطع شجر الحرم جزاء يحكم فيه، إلا أن مالكا يكره له ذلك ويأمره بالاستغفار. قلت له: أرأيت من وجب عليه الجزاء فذبحه بغير مكة؟ قال: قال مالك: لا يجزئه ما كان من هدي إلا بمنى أو بمكة، قلت: فإن أطعم لحمه المساكين وذلك يبلغ سبع عدد قيمة الصيد من الأمداد لو أطعم الأمداد؟ قال: لا يجزئه في رأيي. قلت له: أرأيت إن وجب عليه جزاء صيد فقوم عليه طعاما فأعطى المساكين ثمن الطعام دراهم أو عرضا؟ قال: لا يجزئه في رأيي. قلت: أرأيت ما كان من هدي واجب من نذر أو جزاء صيد أو هدي تمتع أو فساد حج أو ما أشبه ذلك، سرق من صاحبه بعدما قلده بمنى أو في الحرم أو قبل أن يدخله الحرم؟ قال: قال مالك: كل هدي واجب ضل من صاحبه أو مات قبل أن ينحره، فلا يجزئه وعليه البدل. قال: وكل هدي تطوع مات أو ضل أو سرق فلا بدل على صاحبه. قلت: أرأيت إن ذبح هديا واجبا عليه فسرق منه بعدما ذبحه أيجزئه في قول مالك؟ قال: نعم يجزئه في رأيي. قال مالك: يؤكل من الهدي كله إلا ثلاثا، جزاء الصيد والفدية وكل هدي نذره للمساكين، ويأكل ما وراء ذلك من الهدي. قال مالك: وإن كان أكل من هدي جزاء الصيد أو الفدية فعليه

البدل، وإن كان الذي أكل قليلا أو كثيرا فعليه بدله. قلت: فإن أطعم من جزاء الصيد أو الفدية يهوديا أو نصرانيا أيجزئه ذلك في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: لا يطعم من جزاء الصيد ولا من الفدية يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا، قلت: فإن أطعم هؤلاء اليهود أو النصارى أيكون عليه البدل؟ قال: أرى أن عليه البدل، لأن رجلا لو كانت عليه كفارة فأطعم المساكين فأطعم فيه يهوديا أو نصرانيا لم يجزه ذلك. قلت: فنذر المساكين إن أكل أيكون عليه البدل؟ قال: لم يكن هدي نذر المساكين عند مالك بمنزلة جزاء الصيد ولا بمنزلة الفدية في ترك الأكل منه، إلا أن مالكا كان يستحب أن يترك الأكل منه، قلت له: فإن كان قد أكل منه أيكون عليه البدل في قول مالك؟ قال: لا أدري ما قول مالك فيه، وأرى أن يطعم المساكين قدر ما أكل ولا يكون عليه البدل. قلت: أرأيت إن أطعم الأغنياء من جزاء الصيد أو الفدية أيكون عليه البدل أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، أو أرجو أن يجزئ إذا لم يكن تعمد ذلك. قلت: أرأيت الصيام في كفارة الصيد أمتتابع في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: يجزئه إن لم يتابع، وإن تابع فذلك أحب إلي. قال وكان مالك يقول في الرجل يطأ بعيره على ذباب أو ذر أو نمل فيقتلهم، أرى أن يتصدق بشيء من طعام. قال: وقال مالك: إن طرح الحلمة أو القراد أو الحمنان أو البرغوث عن نفسه لم يكن عليه شيء، قال: وإن طرح الحمنان والحلم والقراد عن بعيره فعليه أن يطعم. قال مالك: إن طرح العلقة عن بعيره أو دابته أو دابة غيره أو عن نفسه فلا شيء عليه. قلت: أرأيت البيض بيض النعام إذا أخذه المحرم فشواه، أيصلح أكله لحلال أو لحرام في قول مالك؟ قال: لا يصلح أكله لحلال أو لحرام في رأيي، قال: وكذلك لو كسره فأخرج جزاءه لم يصلح لأحد أن يأكله بعد ذلك في رأيي. قلت: أرأيت المحرم إذا أصاب الصيد على وجه الإحلال والرفض لإحرامه فانفلت وترك إحرامه، فأصاب الصيد والنساء والطيب ونحو هذا في مواضع مختلفة؟ قال: أما ما أصاب من الصيد فيحكم عليه جزاء بعد جزاء لكل صيد، وأما اللباس والطيب كله فعليه لكل شيء لبسه وتطيب كفارة واحدة، وأما جماع النساء فإنما عليه في ذلك كفارة واحدة وإن فعله مرارا. قلت: أرأيت فمن أصاب الصيد بعدما رمى جمرة العقبة في الحل، أيكون عليه الجزاء في قول مالك أم لا؟ قال: نعم عليه الجزاء عند مالك، قلت: فإن كان قد طاف طواف الإفاضة إلا أنه لم يأخذ من شعره فأصاب الصيد في الحل، ماذا عليه في قول مالك؟ قال: لا شيء عليه. قال: وقال مالك: المعتمر إذا أصاب الصيد في الحل فيما بين الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فإن عليه الجزاء، فإن أصابه بعد سعيه بين الصفا والمروة قبل أن يحلق رأسه في الحل فلا جزاء عليه. قلت له: أفيتصدق من جزاء الصيد على أب أو أخ أو ولد أو ولد ولد أو زوجة أو

مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد؟ قال: لا يتصدق على أحد ممن ذكرت من جزاء الصيد شيئا، قال: لأنه لا ينبغي له أن يعطي هؤلاء من زكاة ماله عند مالك، فكذلك جزاء الصيد أيضا عندي. قلت: أفيتصدق من جزاء الصيد أو من الهدي الواجب أو التطوع على فقراء أهل الذمة؟ قال: لا يتصدق بشيء من الهدي على فقراء أهل الذمة عند مالك.
قلت: أي الطعام يقوم في جزاء الصيد إن أراد أن يقوموه عليه، أحنطة أم شعير أم تمر؟ قال: حنطة عند مالك، قلت: فإن قوموه شعيرا أيجزئه في قول مالك؟ قال: إذا كان ذلك طعام ذلك الموضع أجزأه، قلت: وكم يتصدق على كل مسكين في قول مالك من الشعير أمدا أم مدين؟ قال: قال مالك: مدا مدا مثل الحنطة، قلت: فإن قوموه عليه تمرا أيجزئه؟ قال: لم أسمع من مالك في ذلك شيئا، ولكن أرى إن كان ذلك طعام تلك البلدة أجزأه ويتصدق على كل مسكين بمد مد وهو عندي مثل زكاة الفطر. قلت: فهل يقوم عليه حمص أو عدس أو شيء من القطاني إن كان ذلك طعام القوم الذين أصابوا الصيد بينهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يجزئ فيه ما يجزئ في كفارة الأيمان بالله، ولا يجزئ في تقويم الصيد ما لا يجزئ أن يؤدي في كفارة اليمين، قلت: أفيقوم عليه أقطا أو زبيبا؟ قال: هو مثل ما وصفت لك في كفارة الأيمان. قلت: ما قول مالك في الطعام في جزاء الصيد وفدية الأذى، أيطعم بالمد الهشامي أو بمد النبي عليه السلام؟ قال: بمد النبي عليه السلام، وليس يطعم بالهشامي إلا في كفارة الظهار وحده. قلت: أرأيت إن حكم عليه في جزاء الصيد بثلاثين مدا فأطعم عشرين مسكينا فلم يجد العشرة تمام الثلاثين، أيجزئه أن يصوم عشرة أيام مكان ذلك اليوم؟ قال: لا إنما هو طعام كله أو صيام كله في رأيي، كما قال الله تبارك وتعالى وهو مثل الظهار، لأنه لا يجزئه أن يصوم في النهار شهرا ويطعم ثلاثين مسكينا، إنما هو الصيام أو الطعام، قلت له: فهل له أن يذبح جزاء إذا لم يجد تمام المساكين؟ قال: نعم يجزئه إذا أنفذ بقيته على المساكين. قلت: أرأيت جزاء الصيد وما كان من الهدي عن جماع وهدي ما نقص من حجه أيشعره ويقلده؟ قال: نعم إلا الغنم، قال: وهذا قول مالك، ولا ينحره إذا كان في الحج إذا أدخله في الحج عند مالك إلا يوم النحر بمنى، قال: فإن لم ينحره يوم النحر بمنى نحره بمكة بعد ذلك ويسوقه إلى الحل إن كان اشتراه في الحرم، قال ابن القاسم: وإذا أدخله من الحل معه إلى مكة ونحره بمكة أجزأ ذلك عنه. قال وقال مالك: وما كان من هدي في عمرة، نحره بمكة إذا حل من عمرته إذا كان ذلك الهدي من شيء نقصه من عمرته فوجب عليه، أو هدي نذر أو هدي تطوع أو جزاء صيد فذلك كله سواء، ينحره إذا حل من عمرته وإن لم يفعل لم ينحره إلا بمكة أو بمنى، إلا ما كان من هدي الجماع في العمرة فإنه لا ينحره إلا في قضائها أو بعد قضائها بمكة. قلت: أرأيت من

فاته أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وهو متمتع بالعمرة إلى الحج ومضت أيام النحر، أيجزئه أن يهريق دما موضع الدم الذي لزمه أم لا يجزئه في قول مالك إلا الصيام، قال: قال مالك: يجزئه أن يهريق دما، قال: قال مالك: وذلك إن كان لم يصم حتى قدر على الدم فإنه لا يجزئه الصيام، وإن كان ذلك بعد الحج وإن كان في بلاده، قلت: فهل يبلغ شيء من هدي جزاء الصيد في قول مالك دمين؟ قال: لا، ليس شيء من الصيد إلا وله نظير من الغنم، قلت: فإن أصاب شيئا من الصيد، نظيره من الإبل؟ فقال: احكم علي من النعم ما يبلغ أن يكون مثل البعير أو مثل قيمة البعير، قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، قال: ولا أرى أن يحكم عليه إلا بنظير ما أصاب من الصيد إن كان من الإبل فمن الإبل، وإن كان من الغنم فمن الغنم، وإن كان من البقر فمن البقر، وكذلك قال الله تبارك وتعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فإنما ينظر إلى مثله من النعم في نحوله وعظمه. قلت: أرأيت من أحصر بمرض ومع هدي أينحره قبل يوم النحر أم يؤخره إلى يوم النحر، وهل له أن يبعث به ويقيم هو حراما؟ قال: إن خاف على هديه لطول مرضه بعث به فنحر بمكة وأقام على إحرامه، قال: وإن كان لا يخاف على الهدي وكان أمرا قريبا حبسه حتى يسوقه معه، قال وهذا رأيي.
قلت: أرأيت من فاته الحج، متى ينحر هدي فوات الحج في قول مالك؟ قال: في القضاء من قابل، قلت: فإن بعث به قبل أن يقضي حجه أيجزئه؟ فقال: سألت مالكا عن هذا، فقال: لا يقدم هديه ولا ينحره إلا في حج قابل، قال: فقلت لمالك: فإنه يخاف الموت؟ قال: وإن خاف الموت فلا ينحره إلا في حج قابل. قلت: فإن اعتمر بعد ما فاته حجه فنحر هدي فوات حجه في عمرته هل يجزئه؟ قال: أرى أن يجزئه في رأيي، وإنما رأيت ذلك لأنه لو هلك قبل أن يحج أهدي عنه لمكان ذلك، ولو كان ذلك لا يجزئه إلا بعد القضاء ما أهدي عنه بعد الموت. قال ابن القاسم: وقد بلغني أن مالكا قد كان خففه ثم استثقله بعد، وأنا أحب أن يفعل إلا بعد، فإن فعل وحج أجزأ عنه. قلت: أرأيت المحصر بمرض إذا أصابه أذى فحلق رأسه فأراد أن يفتدي، أينحر هدي الأذى الذي أماط عنه بموضعه حيث هو، أم يؤخر ذلك حتى يأتي مكة في قول مالك؟ قال: قال مالك: ينحره حيث أحب. قلت: أرأيت إن أفرد رجل الحج فجامع في حجه فأراد أن يقضي، أله أن يضيف العمرة إلى حجته التي هي قضاء لحجته التي جامع فيها في قول مالك؟ قال: لا، في رأيي، قلت: فإن أضاف إليها عمرة أتجزئه حجته من حجته التي أفسد أم لا في قول مالك حين أضاف إليها العمرة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، ولا أرى أن يجزئه إلا أن يفرد الحج كما أفسده، قال: لأن القارن ليس حجه تاما كتمام المفرد إلا بما أضاف إليه من الهدي. قال: وقال مالك: يقلد الهدي كله ويشعر.

قال: وفدية الأذى إنما هو نسك ولا يقلد ولا يشعر، قال: ومن شاء قلد وجعله هديا ومن شاء ترك، قال: والإشعار في الجانب الأيسر، والبقر تقلد وتشعر إن كانت لها أسنمة وإن لم تكن لها أسنمة فلا تشعر، والغنم لا تقلد ولا تشعر والإشعار في الجانب الأيسر من أسنمتها. قال: وسألت مالكا عن الذي يجهل أن يقلد بدنته أو يشعرها من حيث ساقها حتى نحرها وقد أوقفها، قال: تجزئه. قلت: هل كان مالك يكره أن يقلد بالأوتار؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى لأحد أن يفعله. قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: تشعر في أسنمتها عرضا، قال: وسمعت أنا مالكا يقول: تشعر في أسنمتها في الجانب الأيسر، قال: ولم أسمع منه عرضا.
قال مالك: لا يقطع أحد من شجر الحرم شيئا، فإن قطع فليس عليه كفارة إلا الاستغفار. قال: وقال مالك: كل شيء أنبته الناس في الحرم من الشجر مثل النخل والرمان وما أشبههما، فلا بأس بقطع ذلك كله، وكذلك البقل، كله مثل الكراث والخس والسلق وما أشبه ذلك. قال: وقال مالك: ولا بأس بالسنا والإذخر أن يقلع في الحرم. قال مالك: ولا بأس بالرعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش، والشجر. قال: وقال مالك: أكره للحلال والحرام أن يحتشا في الحرم مخافة أن يقتلا الدواب، والحرام في الحل مثل ذلك فإن سلما من قتل الدواب إذا احتشا فلا شيء عليهما، وأنا أكره ذلك. قال: وقال مالك: مر النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ورجل يرعى غنما له في حرم المدينة وهو يخبط شجرة، فبعث إليه فارسين ينهيانه عن الخبط. قال: وقال النبي عليه السلام: "هشوا وارعوا". قال: فقلنا لمالك: ما الهش؟ قال: يضع المحجن في الغصن فيحركه حتى يسقط ورقه ولا يخبط ولا يعضد، ومعنى العضد الكسر، قلت: فهل يقطع الشجر اليابس في الحرم؟ قال: لا يقطع في الحرم من الشجر شيء يبس أو لم ييبس، قلت: هو قول مالك؟ قال: هو قوله. قال: وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب لما ولي وحج ودخل مكة، أخر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم وقد كان ملصقا بالبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وقبل ذلك، وكانوا قدموه في الجاهلية مخافة أن يذهب به السيل، فلما ولي عمر أخرج أخيوطة كانت في خزانة الكعبة قد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت إذ قدموه مخافة السيل، فقاسه عمر فأخره إلى موضعه اليوم فهذا موضعه الذي كان في الجاهلية وعلى عهد إبراهيم. قال: وسار عمر في أعلام الحرم واتبع رعاة قدماء كانوا مشيخة بمكة كانوا يرعون في الجاهلية حتى تتبع أنصاب الحرم فحدده، فهو الذي حدد أنصاب الحرم ونصبه. قال: وقال مالك: وبلغني أن الله تبارك وتعالى لما أن أراد أن يري إبراهيم موضع المناسك، أوحى إلى الجبال أن تنحني له فنيخت له حتى أراه مواضع المناسك، فهو قول إبراهيم في كتاب

الله تبارك وتعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128]. قال: وقال مالك: من قتل بازيا معلما وهو محرم كان عليه جزاؤه غير معلم، قال مالك: وعليه قيمته معلما لصاحبه.
قلت: فما قول مالك في المرأة تريد الحج وليس لها ولي؟ قال: تخرج مع من تثق به من الرجال والنساء. قال: قال مالك: من بعث معه بهدي فليأكل منه الذي بعث به معه، إلا أن يكون هديا نذره صاحبه للمساكين أو جزاء الصيد أو فدية الأذى، فلا يأكل هذا المبعوث معه شيئا منه. قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان المبعوث معه مسكينا؟ قال: لا أرى بأسا أن يأكل منه إن كان مسكينا. قلت لابن القاسم: أيجوز في جزاء الصيد ذوات العوار؟ قال، لا، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فالفدية أيجوز فيها ذوات العوار؟ قال: لا، قلت: أفيجوز فيها الجذع من الإبل والبقر والمعز؟ قال: لا يجوز في الفدية إلا ما يجوز في الضحايا والهدي، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فجلود الهدي في الحج والعمرة وفي الأضاحي كل ذلك سواء؟ قال: نعم جلودها بمنزلة لحمها يصنع بجلودها ما يصنع بلحمها، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: لا يعطى الجزار على جزره الهدي والضحايا والنسك من لحومها ولا من جلودها شيئا منها، قلت لابن القاسم: وكذا خطمها وجلالها عندك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أن رجلا قدم مكة مفردا بالحج وطاف بالبيت وسعى ثم خرج إلى الطائف في حاجة له قبل أيام الموسم ثم أحصر، أيجزئه طوافه الأول عن إحصاره؟ قال: لا يجزئه ذلك الطواف، قال: وهو قول مالك. قال مالك: وكذلك لو أنه لما دخل مكة طاف وسعى بين الصفا والمروة ثم أحصر بمكة، فلم يشهد الموسم مع الناس لم يجزه طوافه الأول من إحصاره، وعليه أن يطوف طوافا آخر يحل به، قلت: فإذا طاف طوافا آخر بعد ما فاته الحج ليحل به أيسعى بين الصفا والمروة أم لا؟ قال: نعم عليه أن يسعى بين الصفا والمروة، قال وهو قول مالك. قال: وكذلك قال مالك فيمن أحصر بمرض ففاته الحج فقدم مكة فطاف بالبيت، فعليه أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: وليس لأحد ممن أحصر بمرض أن يحل إلا بعد السعي بين الصفا والمروة ثم يحلق. قلت: أرأيت من أخر الحلاق في الحج أو العمرة حتى خرج من الحرم إلى الحل، فمضت أيام التشريق أيكون عليه لذلك دم أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: من أخر الحلاق من الحاج حتى رجع إلى مكة حلق بمكة ولا شيء عليه، قال: وإن نسي حتى يرجع إلى بلاده، فإن مالكا قال: يحلق وعليه الهدي وهو رأيي. قلت: فما قول مالك فيمن أحصر بعدما وقف بعرفة؟ قال: قال مالك: من وقف بعرفة ثم نسي أيام رمي الجمار كلها حتى ذهبت أيام منى، قال: فإن حجه تام وعليه أن يهدي بدنة، قال: وإذا وقف بعرفة فقد تم حجه وعليه أن يطوف بالبيت طواف الإفاضة، ولا يحل من إحرامه حتى يطوف طواف

الإفاضة وعليه لكل ما ترك من رمي الجمار ولترك المزدلفة ولترك المبيت ليالي منى بمنى هدي واحد يجزئه من ذلك كله.
قلت: أرأيت إذا حج رجل وامرأته فجامعها متى يفترقان في قول مالك في قضاء حجهما؟ قال: قال مالك: إذا حجا قابلا افترقا من حيث يحرمان ولا يجتمعان حتى يحلا، قلت: أرأيت إن جامع امرأته يوم النحر بمنى قبل أن يرمي جمرة العقبة؟ قال: قال مالك: قد أفسد حجه. قلت: أرأيت إن ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر حتى زالت الشمس، أو كان قريبا من مغيب الشمس وهو تارك لرمي جمرة العقبة فجامع امرأته في يومه هذا؟ قال: قال لي مالك: من وطئ يوم النحر فقد أفسد حجه إذا كان وطؤه قبل رمي الجمرة وعليه حج قابل، ولم يقل لي مالك قبل الزوال ولا بعده وذلك كله عندي سواء. لأن الرمي له إلى الليل. وقال مالك: من وطئ بعد يوم النحر في أيام التشريق ولم يكن رمى الجمرة، قال: فحجه مجزئ عنه ويعتمر ويهدي، قال ابن القاسم: إلا أن يكون أفاض قبل أن يطأ فإن كان أفاض قبل أن يرمي في يوم النحر وغيره ثم وطئ بعد الإفاضة وقبل الرمي، فإنما عليه الهدي وحجه تام ولا عمرة عليه. قلت: أرأيت من قرن الحج والعمرة فطاف بالبيت أول ما دخل مكة وسعى بين الصفا والمروة، ثم جامع أيكون عليه الحج والعمرة قابلا أم الحج وحده؟ قال: لا بل يكون عليه الحج والعمرة، قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم، قلت: ولم لا تكون عمرته قد تمت حين طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة؟ قال: لأن ذلك الطواف وذلك السعي لم يكن للعمرة وحدها، وإنما كان للحج والعمرة جميعا فذلك لا يجزئه من العمرة، ألا ترى أنه لو لم يجامع ثم مضى على القران صحيحا لم يكن عليه إذا رجع من عرفات أن يسعى بين الصفا والمروة لحجته وأجزأه السعي الأول بين الصفا والمروة، فبهذا يستدل على أن السعي بين الصفا والمروة في أول دخوله إذا كان قارنا إنما هو للحج والعمرة جميعا ليس للعمرة وحدها. قلت: أرأيت من تمتع بالعمرة في أشهر الحج ثم حل من عمرته فأحرم ثم جامع في حجته، أيسقط عنه دم المتعة أم لا؟ قال: لا يسقط عنه دم المتعة عندي وعليه الهدي. قلت: أرأيت لو أن رجلا طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتين حتى جامع امرأته، أو طاف ستة أشواط أو خمسة أشواط ففطن أنه قد أتم الطواف، فصلى ركعتين ثم جامع ثم ذكر أنه إنما طاف أربعة أو خمسة، أو ذكر في الوجه الآخر أنه قد أتم الطواف ولم يصل الركعتين؟ قال: هذا يمضي فيطوف بالبيت سعيا يصلي الركعتين، ثم يخرج إلى الحل فيعتمر وعليه هدي، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت رجلا أحرم بعمرة فجامع فيها ثم أحرم بالحج بعدما جامع في عمرته أيكون قارنا أم لا؟ قال: لا يكون قارنا، ولا أحفظ عن مالك فيه شيئا ولا يردف الحج على العمرة الفاسدة.

قلت: أرأيت لو أن محرما دهن رأسه بالزيت غير المطيب أيكون عليه الدم أم لا؟ قال: قال مالك: عليه الفدية مثل فدية الأذى. قلت: أرأيت إن دهن رأسه بالزئبق وبالبان أو بالبنفسج أو شيرج الجلجلان أو بزيت الفجل وما أشبه ذلك، أهو عند مالك بمنزلة واحدة في الكفارة المطيب وغير المطيب منه إذا ادهن به؟ قال: نعم ذلك كله عنده في الكفارة سواء. قال: وقال مالك: من دهن شقوقا في يديه أو رجليه بزيت أو بشحم أو ودك فلا شيء عليه، وإن دهن ذلك بطيب كانت عليه الفدية. قلت له: هل يجوز مالك للمحرم بأن يأتدم بدهن الجلجلان في طعامه، قال: نعم، قال ابن القاسم: هو مثل السمن عندي، قلت: وكذلك زيت الفجل؟ قال: نعم. قلت له: أرأيت إن أراد أن يأتدم ببعض الأدهان المطيبة مثل البنفسج والزئبق أكان مالك يكره له ذلك؟ قال: كان مالك يكره أن يستسعط المحرم بالزئبق والبنفسج وما أشبهه، فإذا كره له أن يستسعط به فهو يكره له أن يأكله. قلت له وكان مالك لا يرى بأسا للمحرم أن يستسعط بالسمن والزيت؟ قال: نعم لم يكن يرى بذلك بأسا لأنه لا بأس أن يأكله. قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الرجل المحرم يجعل في شرابه الكافور، أيشربه المحرم؟ فكرهه وقال: لا خير فيه، قلت له: أكان مالك يكره للمحرم شم الطيب وإن لم يمسه بيده؟ قال: نعم، قلت: فإن شمه تعمد ذلك ولم يمسه بيده أكان مالك يرى عليه الفدية في ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى عليه فيه بأسا. قلت: فهل كان مالك يكره للمحرم أن يمر في مواضع العطارين؟ قال: سئل مالك عنه فكرهه، ورأى مالك أن يقام العطارون من بين الصفا والمروة أيام الحج، قال: وكان مالك يكره للمحرم أن يتجر بالطيب، يريد بذلك إذا كان قريبا منه يشمه أو يمسه، قلت له: فهل كان مالك يكره للمحرم شم الياسمين والورد والخيلي والبنفسج وما أشبه هذا؟ قال: كان مالك يكره للمحرم شم الرياحين، وهذا كله من الرياحين ويقول من فعله فلا فدية عليه فيه. قال: وكان مالك يكره للمحرم أن يتوضأ بالريحان أو يشمه، ويقول إن شمه رأيته خفيفا ولا شيء عليه فيه، فإن توضأ به فلا فدية عليه. قال: وكان لا يرى بأسا أن يتوضأ بالحرض. قال: وكان مالك يكره الدقة التي فيها الزعفران، قلت: فإن أكلها أيفتدي في قول مالك؟ قال: نعم. قلت له: هل كان مالك يكره للمحرم أن يحرم في ثوب يجد فيه ريح المسك أو الطيب؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل يكون في تابوته المسك فتكون فيه ملحفته فيخرجها ليحرم فيها وقد علق بها ريح المسك؟ قال مالك لا يحرم فيها حتى يغسلها أو ينشرها حتى يذهب ريحها. قلت: هل كان مالك يكره للمحرم أن يبدل ثيابه التي أحرم فيها؟ قال: لا بأس أن يبيعها وأن يبدلها. قلت: ما قول مالك فيمن أكل طعاما قد مسته النار فيه الورس والزعفران؟ قال: قال مالك: إذا مسته النار فلا بأس به، وإن لم تمسه النار فلا خير فيه. قلت لابن

القاسم: أرأيت المحرم يمس الطيب لا يشمه، أيكون عليه الفدية في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وسواء إن كان هذا كالطيب يلصق بيده أو لا يلصق بيده؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أن مالكا قال لنا: إذا مس الطيب فعليه الفدية. قال: وقال مالك في الذين يمسهم خلوق الكعبة؟ قال: أرجو أن يكون ذلك خفيفا ولا يكون عليهم شيء، لأنهم إذا دخلوا البيت لم يكادوا أن يسلموا من ذلك. قلت: فهل كان مالك يكره أن تخلق الكعبة في أيام الحج؟ قال: ما أحفظ عن مالك فيه شيئا وأرى أن لا تخلق. قلت: أرأيت إن تعمد المحرم شم الطيب ولم يمسه أتكون عليه الفدية في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى فيه شيئا.
قلت: ما قول مالك في المحرم يكتحل؟ قال: قال مالك: لا بأس أن يكتحل المحرم من حر يجده في عينيه، قلت: بالإثمد وغير الإثمد من الأكحال الصبر والمر وغير ذلك؟ قال: نعم لا بأس للرجل عند مالك إذا كان من ضرورة يجدها إلا أن يكون فيه طيب فإن كان فيه طيب افتدى، قلت: فإن اكتحل الرجل من غير حر يجده في عينيه وهو محرم لزينة؟ قال: كان مالك يكره له أن يكتحل لزينة، قلت له: فإن فعل واكتحل لزينة؟ قال: أرى أن تكون عليه الفدية، قلت: فالمرأة؟ قال: قال مالك: لا تكتحل المرأة لزينة، قلت: أفتكتحل بالإثمد في قول مالك لغير زينة؟ قال: قال مالك الإثمد هو زينة فلا تكتحل المحرمة به، قلت: فإن اضطرت إلى الإثمد من وجع تجده في عينها فاكتحلت، أيكون عليها في قول مالك الفدية؟ قال: لا فدية عليها، كذلك قال مالك لأن الإثمد ليس بطيب ولأنها إنما اكتحلت به لضرورة ولم تكتحل به لزينة، قلت: فإن اكتحلت بالإثمد لزينة أيكون عليها الفدية في قول مالك؟ قال: نعم كذلك قال مالك. قلت لابن القاسم: فما بال الرجل والمرأة جميعا إذا اكتحلا بالإثمد من ضرورة لم يجعل عليهما مالك الفدية، وإذا اكتحلا لزينة جعل عليهما الفدية؟ قال: ألا ترى أن المحرم لو دهن يديه أو رجليه بالزيت في قول مالك للزينة كانت عليه الفدية، وإن دهن شقوقا في يديه أو رجليه بالزيت لم يكن عليه الفدية، فالضرورة عند مالك مخالفة لغير الضرورة في هذا وإن كان الإثمد ليس بطيب فهو مثل الزيت عند مالك، لأن الزيت ليس بطيب. قلت: أرأيت إن أصاب المحرم الرمد فداواه بدواء فيه طيب مرارا أتكون عليه كفارة واحدة في قول مالك أم كفارة لكل مرة؟ قال: بل كفارة واحدة لجميع ما داوى به رمده ذلك، قال: فإن انقطع رمده ذلك ثم رمد بعد ذلك فداواه فعليه فدية أخرى، لأن هذا وجه غير الأول وأمر مبتدأ وكذلك قال لي مالك. قلت: وكذلك القرحة تكون في الجسد فيداويها بدواء فيه طيب مرارا؟ قال: نعم في قول مالك، إذا أراد أن يداويها حتى تبرأ فليس عليه إلا فدية واحدة، قلت: فإن ظهرت به قرحة أخرى في جسده فداواها بذلك

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19