كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

الدواء الذي فيه الطيب؟ قال: عليه كفارة مستقبلة لهذه القرحة الحادثة لأن هذا دواء تداوى به مبتدأ فيه طيب، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن شرب المحرم دواء فيه طيب أتكون عليه الفدية أم لا في قول مالك؟ قال: عليه الفدية في قوله، قال: وهذا رأيي، قال: وذلك أني سألته عن الرجل المحرم يشرب الشراب فيه الكافور فكرهه، قال ابن القاسم: وهو عندي بمنزلة الزعفران يأكله بالملح وما أشبهه، فقد كرهه وجعل مالك عليه الفدية وهو رأيي.
قلت لابن القاسم: أرأيت من ربط الجبائر على كسر أصابه وهو محرم؟ قال: قال مالك: عليه الفدية. قلت: أرأيت كل ما تداوى به القارن مما احتاج إليه من الطيب، أتكون عليه كفارة واحدة أم كفارتان في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون على القارن فيه شيء فيه الأشياء مما تطيب به أو نقص من حجه، إلا كفارة واحدة ولا تكون عليه كفارتان. قلت: فما قول مالك فيمن غسل رأسه ولحيته بالخطمي أتكون عليه الفدية؟ قال: نعم، قلت: وكذلك إن خضب رأسه أو لحيته بالحناء أو الوشمة؟ قال: نعم، قلت: وكذلك إن كانت امرأة فخضبت يديها أو رجليها أو رأسها؟ قال: نعم عليها عند مالك الفدية، قلت: وإن طرفت أصابعها بالحناء؟ قال: قال مالك: عليها الفدية. قلت: فلو أن رجلا خضب إصبعا من أصابعه بالحناء لجرح أصابه أتكون عليه الفدية في قول مالك؟ قال: إن كانت رقعة كبيرة فعليه الفدية، وإن كانت صغيرة فلا شيء عليه عند مالك، قلت: أكان مالك يرى الحناء طيبا؟ قال: نعم. قلت: فإن داوى جراحاته بدواء فيه طيب برقعة صغيرة أتكون عليه الفدية في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فما فرق ما بين الحناء والطيب؟ إذا كان الحناء إنما هو شيء قليل الرقعة ونحوها فلا فدية فيه ولا طعام ولا شيء، وقد جعل مالك الحناء طيبا فإذا كان الدواء فيه طيب فعليه الفدية، وإن كان ذلك قليلا، قال: لأن الحناء إنما هو طيب مثل الريحان وليس بمنزلة المؤنث من الطيب إنما هو شبه الريحان لأن المذكر من الطيب إنما تختضب به للزينة فلذلك لا يكون بمنزلة المؤنث من الطيب. ولقد قال مالك في المحرم يشم الريحان: أكره ذلك كله ولا أرى فيه فدية إن فعل قلت: وهل كان مالك يكره للمرأة المحرمة القفازين؟ قال: نعم، قلت: فإن فعلت أيكون عليها الفدية في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وكذلك البرقع للمرأة؟ قال: نعم. قلت: هل كان مالك يكره للمحرم أن يصب على رأسه وجسده الماء من حر يجده؟ قال: لا بأس بذلك للمحرم عند مالك، قلت: وإن صب على رأسه وجسده من الماء من غير حر يجده؟ قال: لا بأس به أيضا عند مالك. قلت: وكان مالك يكره للمحرم دخول الحمام؟ قال: نعم لأن الحمام ينقى وسخه، قال مالك: ومن فعله فعليه الفدية إذا تدلك وأنقى الوسخ. قلت: فهل كان مالك يكره

للمحرم أن يغيب رأسه في الماء؟ قال: نعم، قلت: لم كره له مالك أن يغيب رأسه في الماء؟ قال: قال مالك: أكره له ذلك لقتل الدواب. قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره للمحرم أن يدخل منكبيه في القباء من غير أن يدخل يديه في كميه ولا يزره عليه؟ قال: نعم، قلت: أفكان يكره له أن يطرح قميصه على ظهره يتردى به من غير أن يدخل فيه؟ قال: لا. قلت: ولم كره له أن يدخل منكبيه في قبائه إذا لم يدخل يديه ولم يزره؟ قال: لأن ذلك الدخول في القباء لباس له فلذلك كرهه. قلت: فهل كان مالك يوسع في الخز للحلال أن يلبسه؟ قال: كان مالك يكره الخز للرجال لموضع الحرير. قلت: هل كان مالك يكره للمحرم أن يحرم في العصب عصب اليمن، أو في شيء من ألوان الثياب غير الزعفران والورس؟ قال: لم يكن مالك يكره شيئا ما خلا الورس والزعفران والمعصفر المفدم الذي ينتفض. قلت: فهل كان مالك يكره للصبيان الذكور لبس الخز كما يكرهه؟ قال: لم أسمع منه في الخز شيئا، ولكن قال لنا مالك: أكره لبس الحرير والذهب للصبيان الذكور، كما أكرهه للرجال وأرجو أن يكون الخز للصبيان خفيفا. قلت: أرأيت هذه الثياب الهروية أيحرم فيها الرجال؟ قال: لم أسمع من مالك فيها شيئا، وأنا أرى إن كانت إنما صبغها بالزعفران فلا تصلح، وإن كان بغير الزعفران فلا بأس بها ; لأن الممشق قد وسع فيه. قال: وقال مالك: إذا احتاج الرجل المحرم إلى لبس الثياب فلبس خفين وقلنسوة وقميصا وسراويل وما أشبه هذا من الثياب؟ قال: إن كانت حاجته إلى هذه الثياب جميعا في فور واحد ثم لبسها واحدا بعد واحد وكانت حاجته إليها قبل أن يلبسها احتاج إلى الخفين لضرورة، والقميص لضرورة والقلنسوة لضرورة وما أشبه هذا لضرورة، فلبسها في فور واحد فإنما عليه في هذه الثياب كلها كفارة واحدة، قال: فإن كانت حاجته إلى الخفين فلبس الخفين، ثم احتاج بعد ذلك إلى القميص فلبس القميص، فعليه للبس القميص كفارة أخرى لأن حاجته إلى القميص إنما كانت بعد ما وجبت عليه الكفارة في الخفين، وعلى هذا فقس جميع أمر اللباس. قلت لابن القاسم: ما قول مالك هل يتوشح المحرم؟ قال: نعم لا بأس به ما لم يعقد ذلك. قال: فقلنا لمالك فهل يحتبي المحرم؟ قال: نعم لا بأس بذلك، قلت: أرأيت إن عقد المحرم على عنقه ثوبه الذي يتوشح به، أتكون عليه الفدية في قول مالك؟ قال: قال مالك إن ذلك ذلك مكانه فحله أو صاح به رجل فحله فلا شيء عليه، وإن تركه حتى تطاول ذلك وانتفع به فعليه الفدية. قلت: فهل كان مالك يكره للمحرم أن يخلل عليه كساءه؟ فقال: سئل مالك عن ذلك؟ فقال: أكره للمحرم أن يخلل عليه كساءه، قلت: فإن خلل أكان مالك يرى عليه الفدية؟ قال ابن القاسم: هو عندي مثل العقد يعقد إزاره أو يلبس قميصه، أنه

إن ذكر ذلك مكانه فنزعه أو صاح به أحد فنزعه فلا شيء عليه، وإن طال ذلك حتى ينتفع به فعليه الفدية.
قلت: أرأيت لو أن محرما غطى وجهه أو رأسه ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك: إن نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه لم ينزعه مكانه حتى انتفع بذلك افتدى، قلت: وكذلك المرأة إذا غطت وجهها؟ قال: نعم، إلا أن مالكا كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترا، فإن كانت لا تريد سترا فلا تسدل. قال مالك: وما جر النائم على وجهه وهو محرم من لحافه فاستنبه فنزعه فلا فدية عليه فيه، ولم أره يشبه عنده المستيقظ وإن طال ذلك عليه وهو نائم. قلت: فهل كان يأمرها مالك إذا أسدلت رداءها أن تجافيه عن وجهها؟ قال: ما علمت أنه كان يأمرها بذلك، قلت: وإن أصاب وجهها الرداء؟ قال: ما علمت أن مالكا ينهى عن أن يصيب الرداء وجهها إذا أسدلته. قلت: فهل كان يكره للمحرمة أن ترفع خمارها من أسفل إلى رأسها على وجهها؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا يشبه هذا السدل، قال: لأن هذا لا يثبت إذا رفعته حتى تعقده، قال فعليها إن فعلت الفدية. قلت: أرأيت إن غطى وجهه المحرم من عذر أو من غير عذر فنزعه مكانه أهو عند مالك سواء؟ قال: قال مالك: من غطى رأسه ناسيا أوجاهلا فنزعه مكانه فلا شيء عليه، قال: وإن تركه حتى ينتفع به فعليه الفدية، قلت: وفديتهما إذا وجبت عليهما عند مالك سواء؟ قال: نعم. قلت: هل كان مالك يكره للمرأة المحرمة لبس الحرير والخز والعصب؟ قال: قال مالك لا بأس به للمحرمة. قال: فهل كان مالك يكره أن أعصب على الجراح خرقة وأنا محرم؟ قال: لم يكن يكرهه إذا كانت به جراح، وكان يرى عليه إذا فعل ذلك الفدية. قلت أرأيت المحرم إذا عصب رأسه من صداع أو حر أو جرح أو خراج، أو عصب على شيء من جسده من جرح أو خراج، أكان عليه الفدية في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: والجسد والرأس عند مالك سواء؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن عصب على بعض جسده من غير علة؟ قال: عليه الفدية أيضا عند مالك، قال ويفتدي بما شاء، إن شاء بطعام وإن شاء بصيام وإن شاء بنسك، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: هل كان مالك يكره للمحرمة وغير المحرمة لبس القباء؟ قال: نعم، كان يكره لبس القباء للجواري، وأفتاني بذلك وقال: إنه يصفهن ويصف أعجازهن. قلت: فهل كان مالك يكره للنساء الحرائر؟ قال: أخبرتك بقول مالك في الإماء، فإذا كرهه للإماء فهو للحرائر أشد كراهة عنده. قلت: فهل كان مالك يكره للمحرمة لبس السراويل وغير المحرمة؟ قال: لم يكن يرى بلبس السراويل للمحرمة بأسا، قال ابن القاسم: فغير المحرمة عندي أحرى. قلت: فهل كان مالك يكره للمحرمة أن تحرم في الحلي أو تلبسه بعدما تحرم؟ قال: لم يكن مالك يكره للمحرمة

لبس الحلي. قلت له: أرأيت المرأة تغطي ذقنها، أعليها لذلك شيء في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك للرجل المحرم في قول مالك لا بأس به، فكيف للمرأة، قلت: فذقن المرأة في ذلك وذقن الرجل سواء؟ قال: نعم في رأيي قلت: أرأيت المحرمة تتبرقع وتجافيه عن وجهها هل يكرهه مالك؟ قال: نعم، قلت: ويرى فيه الكفارة إن فعلت؟ قال: نعم.

الكفارة في فدية الأذى
قلت لابن القاسم: إحرام الرجل في وجهه ورأسه عند مالك سواء؟ قال: نعم. قلت: وإحرام المرأة في وجهها؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الطعام في فدية الأذى كم يكون عند مالك؟ قال: لستة مساكين مدين مدين لكل مسكين، قلت: وهو من الشعير والحنطة من أي ذلك شاء؟ قال: إذا كان ذلك طعام البلد في قول مالك أجزأه أن يعطي المساكين منه، قال: وإن أعطاهم شعيرا إذا كان ذلك طعام تلك البلدة إذا أطعم منه فإنما يطعم مدين مدين، قلت: فهل يجزئه في قول مالك أن يغدي ويعشي ستة مساكين؟ قال: لا أرى أن يجزئه ولا أحفظ عن مالك فيه شيئا، وإنما رأيت أن لا يجزئه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النسك شاة أو إطعام ستة مساكين مدين مدين أو صوم ثلاثة أيام1", فلا أرى أن يجزئه أن يطعم وهو في كفارة اليمين، لا بأس أن يطعم، وكفارة اليمين إنما هو مد مد لكل مسكين فهو يغدي فيها ويعشي وهذا هو مدان مدان فلا يجزئه أن يغدي ويعشي، قلت: أكان مالك يكره أن يزر المحرم الطيلسان على نفسه؟ قال: نعم.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الحج حديث 237 عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عبد الرحمن بن كعب بن عجزة أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما, فآذاه القمل في رأسه, فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه وقال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين لكل إنسان, أو نسك بشاة, أي ذلك فعلت أجرا عنك ". ورواه البخاري في كتاب المحضر باب 6. ومسلم في كتاب الحج حديث 82.

في لبس المحرم الجوربين والنعلين
والخفين وحمله على رأسه وتغطية رأسه وهو نائم
قلت: هل كان مالك يكره للمحرم لبس الجوربين؟ قال: نعم قلت: أرأيت المحرم إذا لم يجد النعلين ووجد الخفين فقطعهما من أسفل الكعبين؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه، قلت: فإن كان يجد النعلين واحتاج إلى لبس الخفين لضرورة بقدميه وقطعهما من أسفل الكعبين؟ قال: قال مالك: يلبسهما ويفتدي، قلت: لم جعل عليه في هذا إذا كان بقدميه ضرورة الفدية، وترك أن يجعل على الذي لا يجد فيه نعليه الفدية؟ قال: لأن هذا كان إنما يلبس الخفين لضرورة فإنما هذا يشبه الدواء، والذي لا يجد النعلين ليس بمتداو وقد جاء في ذلك الأثر. قلت: هل كان مالك يكره للمحرم أن يحمل على رأسه الأطباق والغلال والغرائر والأخرجة وما أشبه هذا؟ قال: سألنا مالكا عن المحرم يحمل على رأسه خرجه فيه زاده مثل هذه الرجالة أو جرابه؟ قال: لا بأس بذلك،

في الذي يحلف بالمشي إلى بيت الله فيحنث
قلت: أرأيت الرجل يقول علي المشي إلى بيت الله إن كلمت فلانا فكلمه ما عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا كلمه وجب عليه أن يمشي إلى مكة، قلت: ويجعلها في قول مالك إن شاء حجة وإن شاء عمرة؟ قال: نعم، قلت: فإن جعلها عمرة فحتى متى يمشي؟ قال: حتى يسعى بين الصفا والمروة، قلت: فإن ركب قبل أن يحلق بعدما سعى في عمرته هذه التي حلف فيها أيكون عليه شيء في قول مالك؟ قال: لا وإنما عليه المشي حتى يفرغ من السعي بين الصفا والمروة عند مالك، قلت: فإن جعلها حجة فإلى أي موضع يمشي في قول مالك؟ قال: حتى يقضي طواف الإفاضة، كذلك قال مالك، قلت: فإذا قضى طواف الإفاضة أيركب راجعا إلى منى في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن جعل المشي الذي وجب عليه في حجه فمشى حتى لم يبق عليه إلا طواف الإفاضة، فأخر طواف الإفاضة حتى رجع من منى أيركب في رمي الجمار وفي

حوائجه من منى في قول مالك؟ قال: لا يركب في رمي الجمار. قال: وقال مالك: لا بأس أن يركب في حوائجه، قال ابن القاسم: وأنا لا أرى به بأسا، وإنما ذلك بمنزلة أن لو مشى فيما قد وجب عليه من حج أو عمرة فأتى المدينة فركب في حوائجه أو رجع من الطريق في حاجة له ذكرها فيما قد مشى، فلا بأس أن يركب فيه وهذا قول مالك للذي أحب وآخذ به، قلت له: ما قول مالك فيه إذا هو خرج ماشيا في مشي وجب عليه أله أن يركب في المناهل في حوائجه في قول مالك؟ قال: نعم قال ابن القاسم: لا أرى بذلك بأسا ليس حوائجه في المناهل من مشيه. قلت له: ما قول مالك إن طلب حاجة نسيها أو سقط بعض متاعه أيرجع فيها راكبا؟ قال: لا بأس به، قلت: وهل يركب إذا قضى طواف الإفاضة في رمي الجمار بمنى؟ قال: نعم وفي رجوعه من مكة إلى منى إذا قضى طواف الإفاضة، قلت: أرأيت إن هو ركب في الإفاضة وحدها وقد مشى حجه كله أيجب عليه لذلك في قول مالك دم، أم يجب عليه العودة ثانية حتى يمشي ما ركب؟ قال: أرى أن يجزئه ويكون عليه الهدي، قال: لأن مالكا قال لنا: لو أن رجلا مرض في مشيه فركب الأميال أو البريد أو اليوم، ما رأيت عليه الرجوع ثانية لمشيه ذلك ورأيت أن يهدي هديا ويجزئ عنه. وقال مالك: لو أن رجلا دخل مكة حاجا في مشي عليه، فلما فرغ من سعيه بين الصفا والمروة خرج إلى عرفات راكبا وشهد المناسك وأفاض راكبا؟ قال مالك: أرى أن يحج الثانية راكبا حتى إذا دخل مكة وطاف وسعى خرج ماشيا حتى يفيض، فيكون قد ركب ما مشى ومشى ما ركب ولم يره مثل الذي ركب في الطريق الأميال من مرض قلت: أرأيت إن مشى هذا الذي حلف بالمشي فحنث فعجز عن المشي كيف يصنع في قول مالك؟ قال: يركب إذا عجز فإذا استراح نزل فمشى، فإذا عجز عن المشي ركب أيضا حتى إذا استراح نزل، ويحفظ المواضع التي مشى فيها والمواضع التي ركب فيها، فإذا كان قابلا خرج أيضا فمشى ما ركب، وركب ما مشى وأهراق لما ركب دما، قلت: وإن كان قد قضى ما ركب من الطريق ماشيا أيكون عليه الدم في قول مالك؟ قال: نعم، قال مالك: عليه الدم لأنه فرق في مشيه، قلت: فإن هو لم يتم المشي في المرة الثانية أعليه أن يعود الثالثة في قول مالك؟ قال: ليس عليه أن يعود بعد المرة الثانية وليهرق دما ولا شيء عليه، قلت: فإن كان هو حين مضى في المرة الأولى إلى مكة مشى وركب فعلم أنه إن عاد الثانية لم يقدر على أن يتم ما ركب ماشيا؟ قال: قال مالك: إذا علم أنه لا يقدر أن يمشي المواضع التي ركب فيها في المرة الأولى، فليس عليه أن يعود ويجزئه الذهاب الأول إن كانت حجة فحجة، وإن كانت عمرة فعمرة، ويهريق لما ركب دما وليس عليه أن يعود. قلت: فإن كان حين حلف بالمشي فحنث يعلم أنه لا يقدر على أن يمشي الطريق كله إلى مكة في ترداده إلى مكة،

أيركب في أول مرة ويهدي ولا يكون عليه شيء غير ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: يمشي ما أطاق ولو شيئا ثم يركب ويهدي بمنزلة الشيخ الكبير والمرأة الضعيفة. قال: وقال مالك في رجل حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث فمشى في حج ففاته الحج، قال مالك: يجزئه المشي الذي مشى ويجعلها عمرة، ويمشي حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وعليه قضاء الحج قابلا راكبا، والهدي لفوات الحج ولا شيء عليه غير ذلك. قلت: أرأيت إن حنث فلزمه المشي فخرج فمشى فعجز ثم ركب وجعلها عمرة، ثم خرج قابلا ليمشي ما ركب وليركب ما مشى فأراد أن يجعلها قابلا حجة أله ذلك أم ليس له أن يجعلها إلا عمرة أيضا في قول مالك لأنه قد جعل المشي الأول في عمرة، قال: قال مالك: نعم يجعل المشي الثاني إن شاء حجا وإن شاء عمرة، ولا يبالي وإن خالف المشي الأول إلا أن يكون نذر المشي الأول في حج فليس له أن يجعل الثاني في عمرة، وإن كان الأول نذره في عمرة فليس له أيضا أن يجعل المشي الثاني في الحج، قال وهذا الذي قال لي مالك، قلت له: وليس له أن يجعل المشي الثاني ولا الأول في فريضة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن هو مشى حين حنث فعجز عن المشي فركب ثم رجع من قابل ليقضي ما ركب فيه ماشيا فقوي على أن يمشي الطريق كله، أيجب عليه أن يمشي الطريق كله أو يمشي ما ركب ويركب ما مشى قال: ليس عليه أن يمشي الطريق كله، ولكن عليه أن يمشي ما ركب ويركب ما مشى، قال وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إن حلف بالمشي فحنث وهو شيخ كبير قد يئس من المشي؟ قال: قال مالك: يمشي ما أطاق ولو نصف ميل ثم يركب ويهدي، ولا شيء عليه بعد ذلك، قلت: فإن كان مريضا هذا الحالف فحنث كيف يصنع في قول مالك؟ قال: أرى إن كان مريضا قد يئس من البرء فسبيله سبيل الشيخ الكبير، وإن كان مرض مرضا يطمع بالبرء منه وهو ممن لو صح كان يجب عليه المشي ليس بشيخ كبير ولا امرأة ضعيفة فلينتظر حتى إذا برأ أو صح مشى، إلا أن يكون يعلم أنه وإن برأ وصح لم يقدر على أن يمشي أصلا الطريق كله، فليمش ما أطاق ثم يركب ويهدي ولا شيء عليه في رأيي قلت: أرأيت إذا عجز عن المشي فركب كيف يحصي ما ركب في قول مالك، أيحصي عدد الأيام أم يحصي ذلك في ساعات النهار والليل، أم يحفظ المواضع التي ركب فيها من الأرض، فإذا رجع ثانية مشى ما ركب وركب ما مشى؟ قال: إنما يأمر مالك بأن يحفظ المواضع التي ركب فيها من الأرض ولا يلتفت إلى الأيام والليالي فإن عاد ثانية مشى تلك المواضع التي ركب فيها، قلت: ولا يجزئ عند مالك أن يمشي يوما ويركب يوما، أو يمشي أياما ويركب أياما فإذا عاد ثانية قضى عدد تلك الأيام التي ركب فيها؟ قال: لا يجزئه عند مالك، لأن هذا إذا كان هكذا يوشك أن يمشي في

الموضع الواحد المرتين جميعا ويركب في الموضع الواحد المرتين جميعا. فلا تم المشي إلى مكة، فليس قول مالك على عدد الأيام وإنما هو على عدد المواضع من الأرض، قلت: والرجال والنساء في المشي سواء؟ قال: نعم. قلت: أريت إن قال علي المشي إلى بيت الله حافيا راجلا، أعليه أن يمشي وكيف إن انتعل؟ قال: ينتعل وإن أهدى فحسن وإن لم يهد فلا شيء عليه وهو خفيف. قلت: هل يجوز لهذا الذي حلف بالمشي فحنث فمشى وجعلها عمرة أن يحج حجة الإسلام من مكة؟ قال: قال مالك: نعم يحج من مكة وتجزئه من حجة الإسلام، قلت: ويكون متمتعا إن كان اعتمر في أشهر الحج، قال: نعم. قلت: أرأيت إن قرن الحج والعمرة يريد بالعمرة عن المشي الذي وجب عليه وبالحج حجة الفريضة، أيجزئه ذلك عنهما في قول مالك؟ قال: لا يجزئ ذلك عندي من حجة الإسلام، قلت: ويكون عليه دم القران في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: ولم لا يجزئه من حجة الإسلام في قول مالك؟ قال: لأن عمل العمرة والحج في هذا واحد ولا يجزئه من فريضة ومن شيء أوجبه على نفسه. قال: ولقد سئل مالك عن رجل إن عليه مشي فمشى في حجه وهو ضرورة يريد بذلك وفاء نذر يمينه وأداء الفريضة عنه، قال لنا مالك: لا تجزئه من الفريضة وهي للنذر الذي وجب عليه من المشي، وعليه حجة الفريضة قابلا وقالها غير مرة.

في الشركة في الهدي والضحايا
قلت لابن القاسم: هل يشترك في جزاء الصيد إذا وجب عليه في جزاء الصيد شاة فشارك بسبع بعير أو شارك في سبع بعير في فدية وجبت عليه، أو شارك في هدي التطوع أو في شيء من الهدي أو البدن تطوعا أو فريضة؟ قال: قال مالك: لا يشترك في شيء من الهدي ولا البدن ولا النسك في الفدية، ولا في شيء من هذه الأشياء كلها. قلت: فلو أن رجلا لزمه الهدي هو وأهل بيته، وكان ذلك الذي لزم كل واحد منهم شاة شاة فأراد أن يشتري بعيرا فيشركهم جميعهم فيه عما وجب عليهم من الهدي؟ قال: لا يجزئهم في رأيي، قلت: فأهل البيت والأجنبيون في الهدي والبدن والنسك عند مالك سواء؟ قال: نعم كلهم سواء لا يشترك في النسك ولا في الهدي عنده وإن كانوا أهل بيت واحد، قلت: والهدي التطوع لا يشترك فيه أيضا عند مالك؟ قال: نعم قلت: فإن كان الرجل يشتري الهدي التطوع فيريد أن يشرك أهل بيته في ذلك لم يجزه في قول مالك؟ قال: نعم لا يجوز في قول مالك أن يشرك في شيء من الهدي لا في تطوعه، ولا في واجبه ولا في هدي نذر ولا في هدي نسك ولا جزاء الصيد. قلت: فالضحايا هل يشترك فيها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يشترك فيها إلا أن يشتريها رجل فيذبحها عن

نفسه وعن أهل بيته، فأما سوى هؤلاء من الأجنبيين فلا يشتركون. قلت: فإن كانوا أهل بيت أكثر من سبعة أنفس أيجزئ عن جميعهم شاة أو بعير أو بقرة؟ قال: يجزئ البعير والبقرة والشاة في الضحايا إذا ضحى بها عن نفسه وعن أهل بيته، وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس. قلت: فلو أن رجلا اشتراها فأراد أن يذبحها عن نفسه وعن ناس أجنبيين معه ولا يأخذ منهم الثمن ولكن يتطوع بذلك؟ قال مالك: لا ينبغي ذلك وإنما ذلك لأهل البيت الواحد. قال: ولقد سئل مالك عن قوم كانوا رفقاء في الغزو في بيت واحد، فحضر الأضحى وكانوا قد تخارجوا نفقتهم فكانت نفقتهم واحدة، فأرادوا أن يشتروا من تلك النفقة كبشا على جميعهم؟ فقال: لا يجزئهم ذلك وإنما هؤلاء عندي شركاء أخرج كل واحد منهم من الدراهم قدر نصيبه في الكبش فلا يجوز ذلك.

في الاستثناء في الحلف بالمشي إلى بيت الله وغير ذلك
قلت: أرأيت من قال علي المشي إلى بيت الله إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أرى خيرا من ذلك، ما عليه في قول مالك؟ قال: عليه المشي وليس استثناؤه في هذا بشيء في رأيي، لأن مالكا قال: لا استثناء في المشي إلى بيت الله. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى بيت الله إن شاء فلان؟ قال: هذا لا يكون عليه مشي إلا أن يشاء فلان، قال: وليس هذا باستثناء وإنما هذا مثل الطلاق، أن يقول الرجل: امرأتي طالق إن شاء فلان، أو غلامي حر إن شاء فلان، فلا يكون عليه شيء حتى يشاء فلان ولا استثناء في طلاق ولا عتاق ولا مشي ولا صدقة. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى بيت الله ينوي مسجدا من المساجد، أتكون له نيته في قول مالك: قال: نعم. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى بيت الله وليست له نية. ما عليه في قول مالك؟ قال: عليه المشي إلى مكة إذا لم تكن له نية. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى الصفا والمروة، قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، ولا أرى أنا أن يلزمه المشي. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى المسجد الحرام؟ قال: قال مالك: عليه المشي إلى بيت الله. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى الحرم؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى عليه شيئا. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى منى أو إلى عرفات أو إلى ذي طوى؟ قال: أرى أن من قال علي المشي إلى ذي طوى أو منى أو عرفات أو غير ذلك من مواضع مكة أن لا يكون عليه شيء، ولا يكون المشي إلا على من قال إلى مكة أو إلى بيت الله أو المسجد الحرام أو الكعبة، فما عدا أن يقول الكعبة أو إلى البيت أو المسجد أو مكة أو الحجر أو الركن أو الحجر فذلك كله لا شيء عليه، قلت: فإن سمى بعض ما سميت لك من هذه الأشياء، لزمه المشي. قلت أرأيت إن قال: إن كلمتك فعلي السير إلى مكة أو علي

الذهاب إلى مكة، أو علي الانطلاق إلى مكة أو علي أن آتي مكة أو علي الركوب إلى مكة؟ قال: أرى أنه لا شيء عليه إلا أن يكون أراد أن يأتيها حاجا أو معتمرا فيأتيها راكبا، إلا أن يكون نوى أن يأتيها ماشيا وإلا فلا شيء عليه أصلا. قال سحنون: رجع عنها، وقال: ذلك عليه وهي في كتب صحيحة، قال: وقد كان ابن شهاب لا يرى بأسا أن يدخل مكة بغير حج ولا عمرة، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلها غير محرم. قلت لابن القاسم: أرأيت إن قال علي المشي ولم يقل إلى بيت الله؟ قال: إن كان نوى مكة مشى، وإن لم يكن نوى فلا شيء عليه، قلت: وإن قال علي المشي إلى بيت الله ونوى مسجدا من المساجد كان ذلك له في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت قوله علي حجة أو لله علي حجة أهو سواء في قول مالك وتلزمه الحجة؟ قال: نعم، قال: وقال مالك؟ من قال لله علي أن آتي المدينة أو بيت المقدس أو المشي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس، فلا شيء عليه إلا أن يكون نوى بقوله ذلك أن يصلي في مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس فإن كانت تلك نيته وجب عليه الذهاب إلى بيت المقدس أو إلى المدينة راكبا ولا يجب عليه المشي، وإن كان حلف بالمشي ولا دم عليه. قال: وقال مالك: وإن قال لله علي المشي إلى مسجد بيت المقدس أو مسجد المدينة، وجب عليه الذهاب إليهما وأن يصلي فيهما. قال: وإذا قال علي المشي إلى مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس فهذا مخالف لقوله، علي المشي إلى المدينة وعلي المشي إلى بيت المقدس، فهو إذا قال علي المشي إلى بيت المقدس لا يجب عليه الذهاب إلا أن ينوي الصلاة فيه وإذا قال علي المشي إلى مسجد المدينة أو إلى مسجد بيت المقدس وجب عليه الذهاب راكبا والصلاة فيهما وإن لم ينو الصلاة فيهما، وهو إذا قال علي المشي إلى هذين المسجدين فكأنه قال لله علي أن أصلي في هذين المسجدين.

في حمل المحرم نفقته في المنطقة أو نفقة غيره
قلت لابن القاسم: ما قول مالك في المنطقة للمحرم التي فيها نفقته؟ قال: قال مالك: لا بأس للمحرم بالمنطقة التي يكون فيها نفقته، قلت: ويربطها في وسطه؟ قال: قال مالك: يربطها من تحت إزاره ولا يربطها من فوق إزاره، قلت: فإن ربطها من فوق الإزار افتدى؟ قال: لم أسمع من مالك في الفدية شيئا ولكني أرى أن تكون عليه الفدية لأنه قد احتزم من فوق إزاره، قال: قال مالك: إذا احتزم المحرم فوق إزاره بحبل أو خيط فعليه الفدية. قلت: هل كان مالك يكره أن يدخل السيور في الثقب التي في المنطقة ويقول بعقده؟ قال: قال مالك: يشد المحرم المنطقة التي فيها نفقته على وسطه ويدخل السيور في الثقب، ولا بأس بذلك قلت: هل كان يكره أن يجعل في المنطقة في عضده

أو فخذه؟ قال: نعم لم يكن يوسع أن يجعل منطقة نفقته إلا في وسطه، قلت: فإن جعلها في عضده أو فخذه أو ساقه، أتكون عليه الفدية في قول مالك؟ قال: لم أسمع منه في الفدية شيئا إلا الكراهية لذلك، قال ابن القاسم: وأرجو أن يكون خفيفا ولا تكون عليه الفدية. قال: ولقد سئل مالك عن المحرم يحمل نفقة غيره في منطقته ويشدها على بطنه؟ قال: لا خير في ذلك، وإنما وسع له أن يحمل نفقة نفسه ويشدها على وسطه لموضع الضرورة، ولا يجوز له أن يربط نفقة غيره ويشدها في وسطه، قلت: فإن فعل أتكون عليه الفدية في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في الفدية في هذا شيئا، قال: وأنا أرى يكون عليه الفدية في هذا لأنه إنما أرخص له في أن يحمل نفقة نفسه، قال: والذي أرى لو أن محرما كانت معه نفقة في هميان قد جعله في وسطه وشده عليه فاستودعه رجل نفقته فجعلها مع نفقته في هميانه ذلك وشد الهميان على وسطه، أنه لا يرى عليه شيئا لأن أصل ما شد الهميان على وسطه لنفسه لا لغيره.

فيما قال إن كلمت فلانا فأنا محرم بحجة أو بعمرة فحنث متى يحرم
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال إن كلمت فلانا فأنا محرم بحجة أو عمرة؟ قال مالك: أما الحجة فإن حنث قبل أشهر الحج لم تلزمه حتى تأتي أشهر الحج فيحرم بها إذا دخلت أشهر الحج، إلا أن يكون نوى أو قال في يمينه أنا محرم حين أحنث فأرى ذلك عليه حين حنث وإن كان في غير أشهر الحج. قال: وقال مالك: وأما العمرة فإني أرى الإحرام يجب عليه فيها حين حنث، إلا أن يجد من يخرج معه ويخاف على نفسه، ولا يجد من يصحبه فلا أرى عليه شيئا حتى يجد أنسا وصحابة في طريقه، فإذا وجدهم فعليه أن يحرم بالعمرة، قلت: فمن أين يحرم أمن الميقات أم من موضعه الذي حنث فيه في قول مالك؟ قال: من موضعه ولا يؤخره إلى الميقات عند مالك، ولو كان له أن يؤخر إلى الميقات في الحج لكان له أن يؤخر ذلك في العمرة. ولقد قال لي مالك: يحرم بالعمرة إذا حنث إلا أن يجد من يخرج معه ويستأنس به، فإن لم يجد أخره حتى يجد فهذا يدلك في الحج أنه من حيث حنث إذ جعله مالك في العمرة غير مرة من حيث حنث، إلا أن يكون نوى من الميقات أو غير ذلك فهو على نيته. قلت: أرأيت إن قال رجل حين أكلم فلانا فأنا محرم يوم أكلمه فكلمه؟ فقال: أرى أن يكون محرما يوم يكلمه. قال ابن القاسم: وقال مالك في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله فيحنث قال مالك: يمشي من حيث حلف إلا أن يكون له نية فيمشي من حيث نوى. قلت لابن القاسم: أرأيت إن قال: يوم أفعل كذا وكذا فأنا محرم بحجة. أهو في قول مالك مثل الذي قال يوم أفعل كذا وكذا فأنا محرم بحجة؟ قال: نعم هو سواء في قوله، قلت لابن

القاسم: أرأيت إن قال: إن فعلت كذا وكذا فأنا أحج إلى بيت الله؟ قال: قال: أرى قوله إن فعلت كذا وكذا فأنا أحج إلى بيت الله أنه إذا حنث فقد وجب عليه الحج، وهو بمنزلة قوله فعلي حجة إن فعلت كذا وكذا، قلت: وهذا مثل الذي يقول إن فعلت كذا وكذا فأنا أمشي إلى بيت الله أنه إذا حنث فقد وجب عليه الحج وهو بمنزلة قوله فعلي حجة، وهذا مثل الرجل يقول إن فعلت كذا وكذا فأنا أمشي إلى مكة أو فعلي المشي إلى مكة فهما سواء، وكذلك قوله فأنا أحج أو فعلي الحج هو مثل قوله فأنا أمشي أو علي المشي، قلت: وهذا قول مالك. قال: قال مالك: من قال علي المشي إلى بيت الله إن فعلت كذا وكذا، أو أنا أمشي إلى بيت الله إن فعلت كذا وكذا فحنث، أن عليه المشي وهما سواء، قال: ورأيت أن قوله أنا أحج له أو فعلي الحج على هذا، قلت: وكذلك قوله أنا أهدي هذه الشاة إن فعلت كذا وكذا فحنث أيكون عليه أن يهديها في قول مالك؟ قال: نعم عليه أن يهديها في قول مالك إذا حنث، إلا أن يكون بموضع بعيد فيبيعها ثم يشتري بثمنها بمكة شاة ويخرجها إلى الحل، ثم يسوقها إلى الحرم عند مالك إذا حنث. قلت لابن القاسم: ما قول مالك في الرجل يقول أنا أحج بفلان إلى بيت الله إن فعلت كذا وكذا فحنث؟ قال: قال مالك: إذا قال الرجل أنا أحمل فلانا إلى بيت الله فإني أرى أن ينوي، فإن كان إنما أراد تعب نفسه وحمله على عنقه فأرى أن يحج ماشيا ويهدي ولا شيء عليه في الرجل ولا بحجه، وإن لم ينو ذلك فليحج راكبا وليحج بالرجل معه ولا هدي عليه، فإن أبى الرجل أن يحج فلا شيء عليه في الرجل وليحج هو راكبا قال ابن القاسم: وقوله أنا أحج بفلان إلى بيت الله عندي أوجب من الذي يقول أنا أحمل فلانا إلى بيت الله لا يريد بذلك على عنقه، لأن إحجاجه الرجل إلى بيت الله من طاعة الله فأرى ذلك عليه، إلا أن يأبى الرجل فلا يكون عليه في الرجل شيء. قال ابن القاسم: قال لنا مالك في الرجل يقول: أنا أحمل هذا العمود إلى بيت الله أو هذه الطنفسة أو ما أشبه من هذه الأشياء، أن حج ماشيا ويهدي لموضع ما جعل على نفسه من حملان تلك الأشياء وطلب مشقة نفسه، وليضع المشقة عن نفسه ولا يحمل تلك الأشياء وليهد.
قلت لابن القاسم: لو أن رجلا قال: إن فعلت كذا وكذا فعلي أن أهدي دوري أو رقيقي أو أرضي أو دوابي أو غنمي أو بقري أو إبلي أو دراهمي أو دنانيري أو ثيابي أو عروضي لعروض عنده، أو قمحي أو شعيري فحنث كيف يصنع في قول مالك؟ وهل هذا كله عنده سواء إذا حلف به أم لا؟ قال: هذا كله عند مالك سواء إذا حلف فحنث أخرج ثمن ذلك كله فبعث به فاشترى له به هدايا، إلا الدراهم والدنانير فإنها بمنزلة الثمن يبعث بذلك ليشترى بها بدن كما وصفت لك. قال: وقال مالك: إذا قال الرجل إن فعلت كذا وكذا فإن علي أن أهدي مالي فحنث، فعليه أن يهدي ثلث ماله ويجزئه ولا

يهدي جميع ماله، قال: وكذلك لو قال: علي أن أهدي جميع مالي، أجزأه من ذلك الثلث في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إذا قال الرجل إن فعلت كذا كذا وكذا فعلي لله أن أهدي بعيري وشاتي وعبدي وليس له مال سواهم فحنث، وجب عليه أن يهديهم ثلاثتهم بعيره وشاته وعبده يبيعهم ويهدي ثمنهم، وإن كانوا جميع ماله فليهدهم، قلت: فإن لم يكن له إلا عبد واحد ولا مال له سواه، فقال: لله علي أن أهدي عبدي هذا إن فعلت كذا وكذا فحنث؟ قال: قال مالك: يجزئه أن يهدي ثلثه، قلت: وكذا ثمنه في هدي ولم يكن له مال سواه، قلت: فإن لم يكن له مال سوى هذا العبد، فقال إن فعلت كذا وكذا فلله علي أن أهدي جميع مالي فحنث؟ قال: قال مالك: يجزئه أن يهدي ثلثه. قلت: وكذلك لو قال: لله علي أن أهدي جميع مالي أجزأه من ذلك الثلث؟ قال: نعم. قلت: فإذا سمى فقال: لله علي أن أهدي شاتي وبعيري وبقرتي فعدد ما له، حتى سمى جميع ماله، فعليه إذا سمى أن يهدي جميع ما سمى وإن أتى ذلك على جميع ماله في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن لم يسم، ولكن قال: لله علي أن أهدي جميع مالي فحنث فإنما عليه أن يهدي ثلث ماله في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: ما فرق ما بينهما عند مالك إذا سمى فأتى على جميع ماله أهدى جميعه، وإذا لم يسم وقال: جميع مالي. أجزأه الثلث؟ قال: قال مالك: إنما ذلك مثل الرجل يقول: كل امرأة أنكحها فهي طالق فلا شيء عليه، وإن سمى قبيلة أو امرأة بعينها لم يصل له أن ينكحها، وكذلك هذا إذا سمى لزمه وكان أوكد في التسمية. قلت: فلو قال لله علي أن أهدي بعيري هذا وهو بإفريقية أيبيعه ويبعث ثمنه ليشترى به هدي من المدينة أو من مكة في قول مالك؟ قال: قال مالك: الإبل يبعث بها إذا جعلها الرجل هديا يقلدها ويشعرها، ولم يقل لنا مالك بلد من البلدان بعد ولا قرب، ولكنه قال: إذا قال بعيري أو إبلي هذه هدي. أشعرها وقلدها وبعث بها. قال ابن القاسم: وأنا أرى ذلك لازما من كل بلد، إلا من بلد يخاف بعدها وطول السفر أو التلف في ذلك، فإذا كان هكذا رجوت أن يجزئه أن يبيعها ويبعث بأثمانها فيشترى له بها هدي من المدينة أو من مكة أو من حيث أحب. قلت: فإن لم يحلف على إبل بأعيانها، ولكن قال: لله علي أن أهدي بدنة إن فعلت كذا وكذا فحنث؟ قال: يجزئه عند مالك أن يبعث بالثمن فيشتري البدنة من المدينة أو من مكة فتوقف بعرفة ثم تنحر بمنى، فإن لم توقف بعرفة أخرجت إلى الحل إن كانت اشتريت بمكة ونحرت بمكة إذا ردت من الحل إلى الحرم، قال مالك: وذلك دين عليه وإن كان لا يملك ثمنها. قلت: فلو قال: لله علي أن أهدي بقري هذه فحنث وهو بمصر أو بإفريقية. ما عليه في قول مالك؟ قال: البقر لا يبلغ من هذا الموضع فعليه أن يبيع بقرته هذه ويبعث بالثمن يشترى بثمنها هدي من حيث يبلغ، ويجزئه عند مالك أن يشترى له من المدينة أو من مكة أو من

حيث أحب من البلدان إذا كان الهدي الذي يشترى يبلغ من حيث يشترى. قلت: أرأيت إن قال لله علي أن أهدي بقري هذه وهو بإفريقية فباعها وبعث بثمنها، أيجزئه أن يشتري بثمنها بعيرا في قول مالك؟ قال: يجزئه أن يشتري بها إبلا فيهديها، لأني لما أجزت البيع لبعد البلد صارت البقر كأنها دنانير أو دراهم، فلا أرى بأسا أن يشتري بالثمن بعيرا وإن قصر عن البعير فلا بأس بأن يشتري غنما، قال: ولا أحب أن يشتري غنما إلا أن يقصر الثمن عن البعير والبقر. قلت: فلو قال لله علي أن أهدي غنمي هذه أو بقري هذه فحنث، وذلك في موضع يبلغ البقر والغنم منه، وجب عليه أن يبيعها بأعيانها هديا ولا يبيعها ويشتري مكانها في قول مالك؟ قال: نعم.
قال: قال مالك: وإذا حلف بصدقة ماله فحنث، أو قال مالي في سبيل الله فحنث أجزأه من ذلك الثلث، قال: وإن كان سمى شيئا بعينه وإن كان ذلك الشيء جميع ماله، فقال إن فعلت كذا وكذا فلله علي أن أتصدق على المساكين بعبدي هذا وليس له غيره، أو قال فهو في سبيل الله وليس له غيره، فعليه أن يتصدق به إن كان حلف بالصدقة وإن كان قال هو في سبيل الله فليجعله في سبيل الله، قلت: أيبعث به في سبيل الله في قول مالك أو يبيعه ويبعث بثمنه؟ قال: بل يبيعه فيدفع ثمنه إلى من يغزو في سبيل الله من موضعه إن وجد، فإن لم يجد فليبعث بثمنه، قلت: فإن حنث ويمينه بتصدقه على المساكين أيبيعه في قول مالك ويتصدق بثمنه على المساكين؟ قال: نعم. قلت: فإن كان فرسا أو سلاحا أو سروجا أو أداة من أداة الحرب؟ فقال: إن فعلت كذا وكذا فهذه الأشياء في سبيل الله يسميها بأعيانها، أيبيعها أم يجعلها في سبيل الله في قول مالك؟ قال: بل يجعلها في سبيل الله بأعيانها إن وجد من يقبلها إذا كان سلاحا أو دواب أو أداة الحرب، إلا أن يكون بموضع لا يبلغ ذلك الموضع الذي فيه الجهاد ولا يجد من يقبله منه ولا من يبلغه له، فلا بأس بأن يبيع ذلك ويبعث بثمنه فيجعل ثمنه في سبيل الله، قلت: أفيجعل ثمنه في مثله أو يعطيه دراهم في سبيل الله في قول مالك؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، وأراه أن يجعل في مثله من الأداة والكراع. قلت: ما فرق بين هذا وبين البقر إذا جعلها هديا جاز له أن يبيعها ويشتري بأثمانها الإبل إذا لم يبلغ؟ قال: لأن البقر والإبل إنما هي كلها للأكل، وهذه إذا كانت كراعا أو سلاحا فإنما هي قوة على أهل الحرب ليس للأكل فينبغي أن يجعل ثمنه في مثله. قلت: فإن كان حلف بصدقة هذه الخيل وهذا السلاح وهذه الأداة، باعه وتصدق به في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وكذلك إن كانت يمينه أن يهديه باعه وأهدى ثمنه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإذا حلف الرجل؟ فقال: إن فعلت كذا وكذا فمالي في سبيل الله، فإنما سبيل الله عند مالك في مواضع الجهاد والرباط؟ قال مالك: سبل الله كثيرة وهذا لا يكون إلا في الجهاد، قال

مالك فليعط في السواحل والثغور، قال: فقيل لمالك: أفيعطي في جدة؟ قال: لا ولم ير جدة مثل سواحل الروم والشام ومصر، قال: فقيل له: إنه كان بجدة أي خوف؟ فقال: إنما كان ذلك مرة ولم ير جدة من السواحل التي هي مرابط. قال: وقال مالك: إذا حلف بالصدقة وفي سبيل الله وبالهدي، فهذه الثلاثة الأيمان سواء إن كان لم يسم شيئا من ماله بعينه صدقة أو هديا أو في سبيل الله أجزأه من ذلك الثلث، وإن كان سمى وأتى في التسمية على جميع ماله وجب عليه أن يبعث بجميع ماله إن كان في سبيل الله أو في الهدي، وإن كان في صدقة تصدق بجميع ماله. قلت: فلو قال إن فعلت كذا وكذا فأنا أهدي عبدي هذا أو أهدي جميع مالي فحنث، ما عليه في قول مالك؟ قال: أرى أن يهدي عبده الذي سمى وثلث ما بقي من ماله، قلت: وكذلك هذا في الصدقة وفي سبيل الله؟ قال: نعم. وقال مالك: من قال لله علي أن أهدي بدنة فعليه أن يشتري بعيرا فينحره، فإن لم يجد بعيرا فبقرة فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم.
قلت: أرأيت إن كان يجد الإبل فاشترى بقرة فنحرها وقد كانت وجبت عليه بدنة أيجزئه في قول مالك؟ قال: قال مالك: فإن لم يجد الإبل اشترى البقر، قال: قال لي مالك: والبقر أقرب شيء من البدن. قال ابن القاسم: وإنما ذلك عندي إن لم يجد بدنة أي إذا قصرت النفقة فلم تبلغ نفقته بدنة وسع له أن يهدي من البقر وإن لم يبلغ نفقته البقر اشترى الغنم، قال: ولا يجزئه في قول مالك أن يشتري البقر إذا كان عليه بدنة، إلا أن لا يبلغ نفقته بدنة لأنه قال: فإن لم يجد فهو إن بلغت نفقته فهو يجد. قال ابن القاسم: وكذلك قال سعيد بن المسيب وخارجة بن زيد وقطيع من العلماء، ومنهم أيضا سالم بن عبد الله قالوا: فإن لم يجد بدنة فبقرة، قلت: فإن لم يجد الغنم أيجزئه الصيام؟ قال: لا أعرف الصيام فيما نذر عن نفسه إلا أن يحب أن يصوم فإن أيسر يوما ما كان عليه ما نذر على نفسه، فإن أحب الصيام فعشرة أيام. قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل ينذر عتق رقبة إن فعل الله به كذا وكذا، أترى أن يصوم إن لم يجد رقبة؟ قال: قال لي مالك: ما الصيام عندي يجزئه إلا أن يشاء أن يصوم، فإن أيسر يوما ما أعتق فهذا عندي مثله. قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يقول مالي في رتاج الكعبة؟ قال: قال مالك: لا أرى عليه في هذا شيئا لا كفارة يمين ولا يخرج فيه شيئا من ماله قال مالك والرتاج عندي هو الباب فأنا أراه خفيفا ولا أرى فيه شيئا قال: قاله لنا غير مرة. قلت لابن القاسم: أرأيت من قال مالي في الكعبة أو في كسوة الكعبة أو في طيب الكعبة أو في حطيم الكعبة، أو أنا أضرب به حطيم الكعبة أو أنا أضرب به الكعبة أو أنا أضرب به أستار الكعبة؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا. وأنا أرى أنه إذا قال مالي في كسوة الكعبة أو في طيب الكعبة أن يهدي ثلث ماله فيدفع إلى الحجبة وأما إذا قال مالي في حطيم الكعبة أو في الكعبة أو

في رتاج الكعبة فلا يكون عليه شيء، لأن الكعبة لا تنقض فتبنى بمال هذا ولا ينقض الباب فيجعل مال هذا فيه. قال وسمعت مالكا يقول: رتاج الكعبة هو الباب، قال: وكذلك إذا قال مالي في حطيم الكعبة لم يكن عليه شيء، وذلك أن الحطيم لا يبنى فتجعل نفقة هذا في بنيانه. قال ابن القاسم: وبلغني أن الحطيم فيما بين الباب إلى المقام، قال وأخبرني به بعض الحجبة. قال: ومن قال أنا أضرب بمالي حطيم الكعبة، فهذا يجب عليه الحج أو العمرة ولا يجب عليه في ماله شيء، وكذلك لو أن رجلا قال أنا أضرب بكذا وكذا الركن الأسود فإنه يحج أو يعتمر ولا شيء عليه إذا لم يرد حملان ذلك الشيء على عنقه، قال ابن القاسم فكذلك هذه الأشياء.
قلت لابن القاسم: أرأيت ما يبعث به إلى البيت من الهدايا، من الثياب والدراهم والدنانير والعروض، أتدفع إلى الحجبة في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك فيمن قال لشيء من ماله هو هدي قال: يبيعه ويشتري بثمنه هديا، فإن فضل شيء لا يكون في مثله هدي ولا شاة، رأيت أن يدفع إلى خزان الكعبة يجعلونه فيما يحتاج إليه من شأن الكعبة. ولقد سمعت مالكا، وذكر أنهم أرادوا أن يشتركوا مع الحجبة في الخزانة، فأعظم ذلك وقال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دفع المفاتيح إلى عثمان بن طلحة رجل من بني عبد الدار، فكأنه رأى هذه ولاية من النبي صلى الله عليه وسلم فأعظم أن يشرك معهم. قال ابن القاسم: أرأيت من قال لله علي أن أنحر بدنة أين ينحرها؟ قال: بمكة. قلت: وكذلك إذا قال لله علي هدي؟ قال: ينحره أيضا بمكة، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن قال لله علي أن أنحر جزورا أين ينحره أو لله علي جزور أين ينحره؟ قال: ينحره في موضعه الذي هو فيه، قال لي مالك ولو نوى موضعا فلا ينحره إلا بموضعه ذلك، قال ابن القاسم: كان الجزور بعينه أم بغير عينه ذلك سواء، قال: فقلت لمالك: فإن نذره لمساكين البصرة أو مصر وكان من غير أهل البصرة وغير أهل مصر؟ قال: نعم، قال مالك: وإن نذره لمساكين البصرة ومصر، فلينحرها بموضعها وليتصدق بها على المساكين عنده إذا كانت بعينها أو بغير عينها، أو نذر أن يشتريه من موضعه فيسوقه إلى مصر. قال: قال مالك: وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال. قلت لابن القاسم: أرأيت من ساق معه الهدي يؤم البيت متى يقلده ويشعره؟ قال: سئل مالك عن الرجل من أهل الشام أو أهل مصر يشتري بدنة بالمدينة يريد أن يقلدها ويشعرها بذي الحليفة ويؤخر إحرامه إلى الجحفة؟ قال: لا يعجبني ذلك إذا كان يريد الحج أن يقلد ويشعر إلا عندما يريد أن يحرم، إلا أن يكون رجلا لا يريد أن يحج فلا أرى بأسا أن يقلد بذي الحليفة. قال: وبلغني أن مالكا سئل عن رجل بعث بهدي تطوع مع رجل حرام، ثم بدا له بعد ذلك أن يحج فحج وخرج فأدرك هديه؟ قال: قال مالك: أرى إن أدركه قبل أن ينحر رأيت أن

يوقفه حتى يحل، وإن لم يدركه فلا أرى عليه شيئا. قلت لابن القاسم: ما كان مالك يكره القطع من الآذان في الضحايا والهدي؟ قال: كان يوسع فيها إذا كان الذي بأذنها قطعا قليلا مثل السمة في الأذن، قلت: وكذلك الشق في الأذن؟ قال: نعم كان يوسع إذا كان في الأذن الشيء القليل مثل السمة ونحوها، قلت: فإن كان القطع من الأذن شيئا كثيرا؟ قال: لم يكن يجزها إذا كانت مقطوعة الأذن أو قد ذهب من الأذن الشيء الكثير، قال: وإنما كان يوسع فيما ذكرت لك من السمة أو ما هو مثل السمعة. قلت: فما قول مالك في الخصي أيهدى؟ قال: نعم، قلت: وكذلك الضحايا؟ قال: نعم. قلت: ما قول مالك في الذي قد ذهب بعض عينه أيجوز في الضحايا والهدي والبدن والنسك؟ قال: قال مالك: بلغني عنه أنه وسع في الكوكب يكون في العين إذا كان يبصر بها ولم يكن على الناظر. قلت: أرأيت المريض أيجوز في الهدي والضحايا أم لا؟ قال: الحديث الذي جاء: "العرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها1". وقال: لا تجوز البين مرضها ولا البين عرجها وبهذا الحديث يأخذ مالك في العرجاء والمريضة. قلت: أرأيت من ساق هديا تطوعا فعطب في الطريق أو ضل أعليه البدل في قول مالك قال: لا، قلت: فإن أصابه بعدما ذهبت أيام النحر أينحرها في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن كانت أضحية ضلت منه فأصابها قبل يوم النحر أو في أيام النحر أينحرها في قول مالك؟ قال: نعم إلا أن يكون ضحى فلا شيء عليه، وإن أصابها يوم النحر إذا كان قد ضحى ببدلها وهذا قول مالك قلت: فإن أصابها بعدما ذهبت أيام النحر أيذبحها؟ قال: لا ولكن يصنع بها ما شاء، قلت: فما فرق ما بينها وبين الهدي في قول مالك؟ قال: لأن الهدي يشعر ويقلد فلا يكون له أن يصرفه إلى غير ذلك، والضحايا لا تشعر ولا تقلد وهو إن شاء أبدلها بخير منها، والهدي والبدن ليست بهذه المنزلة.
قلت: أرأيت إن ساق هديا واجبا من جزاء الصيد أو غير ذلك مما وجب عليه فضل في الطريق فأبدله فنحر البدل يوم النحر ثم أصاب الهدي الذي ضل منه بعد أيام النحر، أينحره أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ينحره أيضا، قلت: ولم ينحره في قول مالك وقد أخرج بدله؟ قال: لأنه قد كان أوجبه فليس له أن يرده في ماله. قلت: فإن اشترى هديا تطوعا فلما قلده وأشعره أصاب به عورا أو عمى كيف يصنع في قول مالك؟ قال: قال مالك: يمضي به هديا ويرجع على صاحبه بما بين الصحة والداء فيجعله في هدي آخر إن بلغ ما رجع به على البائع أن يشتري به هديا، قلت: فإن لم يبلغ ما رجع به على البائع أن يشتري به هديا؟ قال: قال مالك: يتصدق به. قلت: أرأيت هذا الهدي الذي قلده وأشعره وهو أعمى عن أمر وجب عليه وهو مما لا يجوز في الهدي، لم أوجبه مالك وأمره أن يسوقه؟ قال: قول مالك عندي لو أن رجلا اشترى عبدا وبه طيب فأعتقه عن أمر وجب عليه وهو أعمى مما
ـــــــ
1 رواه النسائي في كتاب الضحايا باب 7. أحمد في مسنده "4/300".

لا يجوز في الرقاب الواجبة، ثم ظهر على العيب الذي به فإنه يرجع على بائعه بما بين الصحة والداء فيستعين به على رقبة أخرى، ولا تجزئه الرقبة الأولى التي كان بها العيب عن الأمر الواجب الذي كان عليه، وليس له أن يرى الرقبة الأولى رقيقا بعد عتقها وإن لم تجزه عن الذي أعتقها عنه، قال مالك: وإن كان العيب مما تجوز به الرقبة، جعل ما يسترجع لذلك العيب في رقبة أو في قطاعة مكاتب يتم به عتقه وإن كانت تطوعا صنع به ما شاء، فالبدنة إذا أصاب بها عيبا لم يستطع أن يردها تطوعا كانت أو واجبة وهي إن كانت واجبة فعليه بدلها ويستعين بما يرجع به على البائع في ثمن بدنته الواجبة عليه، قلت: وإن كانت بدنته هذه التي أصاب بها العيب تطوعا لم يكن عليه بدلها وجعل ما أخذ من بائعه لعيبها الذي أصابه بها في هدي آخر؟ قلت: فإن لم يبلغ هديا آخر تصدق به على المساكين. قلت: أرأيت إن جنى على هذا الهدي رجل ففقأ عينه أو أصابه بشيء يكون له أرش فأخذه صاحبه ما يصنع به في قول مالك؟ قال: أرى ذلك بمنزلة الذي رجع بعيب أصابه في الهدي بعدما قلده. قلت: والضحايا لو أن رجلا جنى عليها فأخذها صاحبها لجنايتها أرشا كيف يصنع بها إن أصاب بها عيبا حين اشتراها أصابها عمياء أو عوراء كيف يصنع؟ قال: الضحايا في قول مالك ليست بمنزلة الهدي الضحايا إذا أصاب بها عيبا ردها وأخذ ثمنها فاشترى به بدلها، قلت: وكذلك إن جنى على هذه الضحايا جان أخذ صاحبها منه عقل ما جنى، وأبدل هذه الضحية واشترى غيرها ولا يذبح هذه التي دخلها بالعيب.
انتهى وتم كتاب الحج الثاني من المدونة الكبرى
والحمد لله على ذلك كما هو اهله. "ويليه" كتاب الحج الثالث

كتاب الحج الثالث
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى اللهى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الحج الثالثقلت لابن القاسم: أرأيت كل هدي قلده رجل من جزاء صيد أو نذر أو هدي القران أو غير ذلك من الهدي الواجب أو التطوع، إذا قلده وأشعره وهو صحيح يجوز في الهدي ثم عطب بعد ذلك أو عمي أو أصابه عيب، فحمله صاحبه أو ساقه حتى أوقفه بعرفة فنحره بمنى؟ قال: قال مالك: يجزئه، قلت: فلو ساقه إلى منى وقد فاته الوقوف بعرفة أيجزئه أن ينحره بمنى أو حتى يرده إلى الحل ثانية فيدخله الحرم في قول مالك؟ قال: إن كان قد أدخله من الحل يخرجه إلى الحل ثانية، ولكن يسوقه إلى مكة فينحره بمكة.قال: وقال مالك: كل هدي فاته الوقوف بعرفة فمحله مكة ليس له محل دون ذلك وليس منى له بمحل، قلت: فإن فاته الوقوف بهذا الهدي فساقه من منى إلى مكة فعطب قبل أن يدخل مكة؟ قال: لا يجزئه وهذا لم يبلغ محله عند مالك. قلت: أرأيت من اشترى أضحية عن نفسه ثم بدا له بعد أن نواها أضحية لنفسه أن يشرك فيها أهل بيته، أيجوز له ذلك عند مالك؟ قال: نعم في رأيي، ولم أسمع من مالك فيه شيئا لأنه كان يجوز له أن يشركهم أولا، قال: والهدي عند مالك مخالف للضحايا. قلت: أرأيت البقرة أو الناقة أو الشاة إذا نتجت وهي هدي، كيف يصنع بولدها في قول مالك؟ قال: يحمل ولدها معها إلى مكة، قلت: أعليها أم على غيرها؟ قال: إن كان له محمل يحمله على غيرها عند مالك، وإن لم يكن له محمل غير أمه حمله على أمه، قلت: فإن لم يكن في أمه ما يحمله عليها كيف يصنع بولدها؟ قال ابن القاسم: أرى أن يتكلف حمله. قلت: فهل يشرب من لبن الهدي في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يشرب من لبن الهدي شيء من الأشياء ولا ما فضل عن ولدها. قلت: أرأيت إن شرب من لبنها ما عليه في قول مالك؟ قال: لا أحفظ فيه من مالك شيئا، ولا يكون عليه فيه شيء لأنه قد

جاء عن بعض من مضى فيه رخصة إذا كان ذلك بعد ري فصيلها. قلت لابن القاسم: أرأيت إن بعث بهدي تطوعا، وأمرت الذي بعث به معه إن هو عطب أن يخلي بين الناس وبينه، فعطب فتصدق به أيضمنه أم لا في قول مالك؟ قال: لا أحفظ من مالك فيه شيئا، ولكني لا أرى على هذا ضمانا وأراه قد أجزأ صاحبه، لأن صاحبه لم يتصدق به وإنما هذا كأنه رجل عطب هديه تطوعا فخلى بين الناس وبينه، فأتى رجل أجنبي فقسمه بين الناس وجعل يتصدق به على المساكين، فلا يكون على صاحبه الذي خلى بين الناس وبينه شيء، ولا أرى على الذي تصدق به شيئا ولا ضمان عليه، لأن الآخر قد خلى بين الناس وبينه. قلت: أرأيت إن احتاج إلى ظهر هديه كيف يصنع في قول مالك؟ قال: إذا احتاج إلى ظهر الهدي ركبه، قلت: فإن ركبه أينزل إذا استراح أم لا في قول مالك؟ قال ابن القاسم: لا أرى عليه النزول لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اركبها ويحك". في الثانية أو في الثالثة1، وإنما استحسن الناس أن لا يركبها حتى يحتاج إليها فإن احتاج إليها ركبها. قلت: أرأيت إذا أطعم الأغنياء من جزاء الصيد أو الفدية أيكون عليه البدل أم لا في قول مالك؟ قال: أرى أن يكون عليه البدل لأن مالكا قال: إن أعطى زكاته الأغنياء وهو يعرفهم لم يجزه فكذلك هذا، قلت: أرأيت إن لم يعلم أنهم أغنياء؟ قال: لا أدري ما قول مالك، ولكني أرى إذا اجتهد فأخطأ فأعطى منه الأغنياء فلا أرى ذلك مجزئا عنه في الزكاة والجزاء والفدية، ولا يضع عنه خطؤه ما أوجب الله عليه من ذلك للمساكين والفقراء من جزاء الصيد وما يشبهه. قلت: أرأيت إن كنا رفقاء وقد سقنا كلنا الهدي كل واحد منا قد ساق هديه وقلده، فلما كان النحر وقع الخطأ بيننا فنحر هديي صاحبي ونحرت هديه أيجزئ عنا في قول مالك؟ قال: نعم يجزئ عندي في قول مالك، لأن الهدي إذا أشعر وقلد فمن نحره بعد أن يبلغ محله فهو مجزئ عن صاحبه.
قلت: فإن كانت ضحايا فأخطئوا فنحر هذا أضحية هذا ونحر هذا أضحية هذا أيجزئ عنهم ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجزئ ذلك في قول مالك، قلت: فما فرق ما بين الضحايا والهدي في قول مالك؟ قال: لأن الهدي إذا أشعر وقلد لم يرجع لصاحبه في حال، والضحايا لصاحبها أن يبدلها بخير منها فهذا فرق ما بينهما.
ـــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب الحج حديث 139 عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها. فقال: يا رسول الله اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة. ورواه البخاري في كتاب الحج باب 103. مسلم في كتاب الحج حديث 371.

كيف ينحر الهدي
قلت: كيف ينحر الهدي في قول مالك؟ قال: قال لنا مالك: قياما، قلت: أمعقولة أم مصفوفة يديها؟ قال: قال لنا مالك: الشأن أن ينحر قياما ولا أقوم على حفظ ذلك الساعة في المعقولة إن امتنعت، ولا أرى بأسا أن تنحر معقولة إن امتنعت. قلت: أفتنحر الإبل في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فالبقر في قول مالك كيف يصنع بها أتنحر أم

تذبح؟ قال: قال مالك: تذبح قلت: أيأمر بها بعد أن تذبح أن تنحر؟ قال: لا، قلت: وكذلك الإبل إذا نحرها لا يأمر مالك بذبحها بعد نحرها؟ قال: نعم لا يأمر بذبحها بعد نحرها.

إذا ذبح الضحية أو الهدي غير صاحبه أو يهودي أو نصراني
قلت: فهل يكره مالك للرجل أن ينحر هديه غيره؟ قال: نعم كراهية شديدة، وكان يقول: لا ينحر هديه إلا هو بنفسه، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك هو بنفسه، قلت: فالضحايا أيضا كذلك؟ قال: نعم. قلت: فإن ذبح غيري هديي أو أضحيتي أجزأني ذلك في قول مالك إلا أنه كان يكرهه؟ قال: نعم. قلت: فهل كان يكره مالك أن يذبح النسك والضحايا والهدي نصراني أو يهودي؟ قال: نعم، قلت: فإن ذبحها نصراني أو يهودي أجزأت في قول مالك وقد أساء فيما صنع؟ قال: قال مالك: لا يجزئه، وعليه أن يبدلها وكذلك قال مالك في الضحايا. والهدي عندي مثله. قلت: فإن ذبح يقول باسم الله والله أكبر اللهم تقبل من فلان بن فلان؟ قال: قال مالك: إذا قال ذلك فحسن، وإن لم يقل ذلك وسمى الله أجزأه ذلك. قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن نحر هديه بمنى قبل طلوع الفجر يوم النحر من جزاء صيد أو متعة أو نذر أو غير ذلك؟ قال: قال مالك: إذا حل الرمي فلقد حل الذبح ولكن لا ينحر حتى يرمي. قال: قال مالك: ومن رمى بعدما طلع الفجر قبل أن تطلع الشمس ثم نحر هديه فقد أجزأه، ومن رمى قبل الفجر أو نحر لم يجزئه ذلك وعليه الإعادة قلت: فمن سوى أهل منى هل يجزئهم أن ينحروا قبل صلاة العيد ونحر الإمام في قول مالك؟ قال: لا يجزئهم إلا بعد صلاة العيد ونحر الإمام. قلت: وأهل البوادي كيف يصنعون في قول مالك، الذين ليس عندهم إمام ولا يصلون صلاة العيد جماعة؟ قال: يتحرون أقرب أئمة القرى إليهم فينحرون بعده. قلت: أرأيت أهل مكة من لم يشهد الموسم منهم متى يذبح أضحيته في قول مالك؟ قال: هم مثل أهل الآفاق في ضحاياهم إذا لم يشهدوا الموسم. قال: وقال مالك: كل شيء في الحج إنما هو هدي وما ليس في الحج إنما هو أضاحي. قلت: فلو أن رجلا اشترى بمنى يوم النحر شاة أو بقرة أو بعيرا أو لم يوقفه بعرفة ولم يخرجه إلى الحل فيدخله الحرم وينوي به الهدي، وإنما أراد بما اشترى أن يضحي أيجوز له أن يذبحه قبل طلوع الشمس أو يؤخره وتكون أضحية تذبح إذا ذبح الناس ضحاياهم في الآفاق في قول مالك أم كيف يصنع؟ قال: يذبحها ضحوة وليست بضحية، لأن أهل منى ليس عليهم أضاحي في رأيي. قلت: أرأيت من أوقف هديه من جزاء صيد أو متعة أو غير ذلك، أوقفه بعرفة ثم قدم به مكة فنحره بمكة جاهلا وترك منى متعمدا، أيجزئه ذلك في قول مالك ويكون

قد أساء أم لا يجزئه؟ قال: قال مالك: في الهدي الواجب إذا أوقفه بعرفة فلم ينحره بمنى أيام منى ضل منه فلم يجده إلا بعد أيام منى، قال: لا أرى أن يجزئ عنه، وأرى عليه أن ينحر هذا وعليه الهدي الذي كان عليه كما هو. قال: وقد أخبرني بعض من أثق به عن مالك أنه كان يقول قبل الذي سمعت منه: إنه أصاب الهدي الذي ضل منه أيام منى بعد ما أوقفه بعرفة، أصابه بعد أيام منى أنه ينحره بمكة ويجزئ عنه، قال ابن القاسم: وقوله الأول الذي لم أسمعه منه أحب إلي من قوله الذي سمعت منه، وأرى في مسألتك أن يجزئ عنه إذا نحره بمكة. قلت: هل بمكة أو بعرفات في أيام التشريق جمعة أم هل يصلون صلاة العيد أم لا في قول مالك؟ قال: لا أدري ما قول مالك في هذا، إلا أن مالكا قال لنا في أهل مكة: إذا وافق يوم التروية يوم الجمعة أنه يجب عليهم الجمعة، ويجب على أهل مكة صلاة العيد، ويجب على من أقام بها من الحاج ممن قد أقام قبل يوم التروية أربعة أيام أجمع على مقامها، أنه يصلي الجمعة إذا زالت الشمس وهو بها إذا أدركته الصلاة قبل أن يخرج إلى منى.

من لا تجب عليهم الجمعة
قال: وقال مالك: لا جمعة بمنى يوم التروية ولا يوم النحر ولا أيام التشريق ولا يصلون صلاة العيد، قال: ولا جمعة بعرفة يوم عرفة.

ما نحر قبل الفجر
قلت: أرأيت ما كان من هدي ساقه رجل فنحره ليلة النحر قبل طلوع الفجر، أيجزئه أم لا؟ وكيف إن كان الهدي لمتعة أو لقران، هل يجزئه أو لجزاء صيد أو من فدية أو من نذر أيجزئه ذلك من الذي كان وجب عليه إذا نحره قبل طلوع الفجر في قول مالك أم لا؟ وهل هدي المتعة في هذا وهدي القران كغيرهما من الهدايا أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الهدايا كلها إذا نحرها صاحبها قبل انفجار الصبح يوم النحر لم تجزه، وإن كان قد ساقها في حجه فلا تجزئه وإن هو قلد نسك الأذى فلا يجزئه أن ينحره إلا بمنى بعد طلوع الفجر، والسنة أن لا ينحر حتى يرمي ولكن إن نحره بعد انفجار الصبح قبل أن يرمي أجزأه. قلت: أرأيت الهدايا هل تذبح إلى أيام النحر أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تذبح الضحايا والهدايا إلا في أيام النحر نهارا ولا تذبح ليلا. قال ابن القاسم: وتأول مالك هذه الآية {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] قال: فإنما ذكر الله الأيام في هذا ولم يذكر الليالي. قال: وقال مالك: من ذبح الضحية بالليل في ليالي أيام الذبح أعاد بضحية أخرى.

باب في الوصية بالحج
قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن مات وهو صرورة فلم يوص أن يحج عنه، أيحج عنه أحد يتطوع بذلك عنه ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي من الناس؟ قال: قال مالك: يتطوع عنه بغير هذا يهدي عنه أو يتصدق عنه أو يعتق عنه. قلت لابن القاسم: ما قول مالك في رجل أوصى عند موته بأن يحج عنه صرورة أحب إليك أن يحج عن هذا الميت أم قد حج؟ قال: قال مالك: إذا أوصى بذلك أنفذ ذلك ويحج عنه من قد حج أحب إلي، قال ابن القاسم: وأحب له إذا أوصى أن ينفذ ما أوصى به، ولا يستأجر له إلا من قد حج وكذلك سمعت أنا منه، قال ابن القاسم: فإن جهلوا فاستأجروا من لم يحج أجزأ عنه. قلت: أرأيت إن أوصى هذا الميت فقال يحج عني فلان بثلثي، وفلان ذلك وارث أو غير وارث كيف يكون هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان وارثا دفع إليه قدر كرائه ونفقته ورد ما بقي على الورثة، وإن كان غير وارث دفع الثلث إليه فحج به عن الميت، فإن فضل من المال عن الحج شيء فهو له يصنع به ما شاء، قلت: لم جعل مالك لهذا الرجل ما فضل عن الحج؟ قال: سألنا مالكا عن الرجل يدفع إليه النفقة ليحج عن الرجل فيفضل عن حجه من النفقة فضل لمن تراه؟ قال مالك: إن استأجره استئجارا. فله ما فضل، وإن كان أعطى على البلاغ رد ما فضل. قلت لابن القاسم: فسر لي ما الإجارة وما البلاغ؟ فقال: إذا استؤجر بكذا وكذا دينارا على أن يحج عن فلان فهذه

إجارة له ما زاد وعليه ما نقص، وإذا قيل له هذه دنانير تحج بها عن فلان على أن علينا ما نقص على البلاغ، أو يقال له خذ هذه الدنانير فحج منها عن فلان فهذه على البلاغ ليست إجارة، قال ابن القاسم: والناس يعرفون كيف يأخذون إن أخذوا على البلاغ فهو على البلاغ، وإن أخذوا على أنهم ضمنوا الحج فقد ضمنوا الحج. قلت لابن القاسم: ما قول مالك في رجل دفع إليه مال ليحج به عن ميت من بعض الآفاق فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة؟ قال: أرى أن ذلك مجزئ عنه إلا أن يكون اشترط على الذي يحج عن الميت أن يحج في أفق من الآفاق أو من المواقيت فأرى ذلك عليه ضامنا ويرجع ثانية فيحج عن الميت. قال سحنون: ثم رجع ابن القاسم عنها فقال: عليه أن يحج عنه ثانية وهو ضامن، قلت: فإن قرن وقد أخذ مالا ليحج به عن الميت فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه ضامنا للمال، لأنه أخذ نفقتهم وأشرك في عملهم غير ما أمروه به. قال ابن القاسم: في رجل حج عن الميت واعتمر عن نفسه، فعليه الهدي. قلت: أرأيت لو حج رجل عن ميت فأغمي عليه أو ترك من المناسك شيئا يجب عليه فيه دم؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكن أرى أن تجزئ الحجة عن الميت إذا كان هذا الحاج عن الميت لو كانت الحجة عن نفسه أجزأته، فكذلك إذا حج عن الميت وكذلك قال مالك فيمن حج عن نفسه فأغمي عليه أن ذلك مجزئ عنه. قلت: أرأيت إذا دفعوا وصية هذا الميت إلى عبد ليحج عن هذا الميت أيجزئ عن هذا الميت؟ قال: لا ولم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن العبد لا حج له فمن ثم رأيت أن لا يحج عن هذا الميت وكذلك الصبيان. قلت: فالمرأة تحج عن الرجل والرجل عن المرأة؟ قال: لا بأس بذلك، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فالمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر عندك في هذا بمنزلة العبد لا يحجون عن ميت أوصى؟ قال: نعم، قلت: فمن يضمن هذه النفقة التي حج بها هذا العبد عن الميت؟ قال: الذي دفع إليهم المال. قلت: أرأيت لو هلك رجل فأوصى أن يحج عنه فأنفذ الوصي ذلك ثم أتى رجل فاستحق رقبة الميت، هل يضمن الوصي أو الحاج عن الميت المال وكيف بما قد بيع من مال الميت فأصابه قائما بعينه؟ قال: أرى إن كان الميت حرا عند الناس يوم بيع ماله فلا يضمن له الوصي شيئا ولا الذي حج عن الميت، ويأخذ ما أدرك من مال الميت وما أصاب مما قد باعوا من مال الميت قائما بعينه، فليس له أن يأخذه إلا بالثمن ويرجع هو على من باع تلك الأشياء فيقبض منه ثمن ما باع من مال عبده، قال: لأن مالكا قال لي في رجل شهد عليه أنه مات فباعوا رقيقه ومتاعه وتزوجت امرأته، ثم أتى الرجل بعد ذلك قال: إن كانوا شهدوا بزور ردت إليه امرأته وأخذ رقيقه حيث وجدهم أو الثمن الذي به بيعوا إن أحب ذلك، قال مالك: وإن كانوا

شبه عليهم وكانوا عدولا ردت إليه امرأته وما وجد من متاعه أو رقيقه لم يتغير عن حاله وقد بيع أخذه بعد أن يدفع الثمن إلى من ابتاعه، وليس له أن يأخذ ذلك حتى يدفع الثمن إلى من ابتاعه، وما تحول عن حاله ففات أو كانت جارية وطئت فحملت من سيدها أو أستقت فليس له إلا الثمن وإنما له الثمن على من باع الجارية، فأرى أن يفعل في العبد مثل ذلك. قال ابن القاسم: وأنا أرى التدبير والعتق والكتابة فوتا فيما قال لي مالك، والصغير إذا كبر أيضا فوتا فيما قال لي مالك، لأن مالكا قال: إذا لم تتغير عن حالها فهذه قد تغيرت عن حالها، والذي أراد مالك تغيير بدنها. قلت لابن القاسم: فكيف تتبين شهود الزور ههنا من غير شهود الزور وكيف نعرفهم في قول مالك قال: إذا أتوا بأمر يشبه أن يكون إنما شهدوا بحق، مثل ما لو حضروا معركة فصرع فنظروا إليه في القتلى، ثم جاء بعد ذلك أو طعن فنظروا إليه في القتلى، ثم جاء بعد ذلك أو صعق به فظنوا أنه قد مات فخرجوا على ذلك، ثم جيء بعدهم أو أشهدهم قوم على موته فشهدوا بذلك عند القاضي، فهؤلاء يعلم أنهم لم يتعمدوا الزور فهذا وما أشبهه، وأما الزور في قول مالك فهو إذا لم يأتوا بأمر يشبه وعرف كذبهم. قال: وقال مالك: إذا شهدوا بزور رد إليه جميع ماله حيث وجده، قال ابن القاسم: وأنا أرى إذا كانوا شهود زور أنه يرد إليه ما أعتق من رقيقه وما دبر وما كوتب وما كبر وأم الولد وقيمة ولدها أيضا قال مالك: ويأخذ المشتري ولدها بالقيمة، وكذلك قال لي مالك في الذي يباع عليه بشهادة زور: إنه يأخذها ويأخذ قيمة ولدها أيضا إذا شهدوا على سيدها بزور أنه مات عنها فباعوها في السوق، وقد قال لي مالك في الجارية المسروقة إن صاحبها يأخذها ويأخذ قيمة ولدها وهو أحب قوله إلي قال ابن القاسم قال مالك: وإنما يأخذ قيمة ولدها يوم يحكم فيهم، ومن مات منهم فلا قيمة له.
قلت لابن القاسم: أرأيت من حج عن ميت وإنما أخذ المال على البلاغ ولم يؤاجر نفسه فأصابه أذى فوجبت عليه الفدية على من تكون هذه الفدية؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا ولكن أرى أن تكون هذه الفدية في مال الميت. قلت لابن القاسم: أرأيت إن هو أغمي عليه أيام منى فرمي عنه الجمار في أيام منى، على من يكون هذا الهدي أفي مال الميت أم في مال هذا الذي حج عن الميت؟ قال: كل شيء لم يتعمده هذا الحاج عن الميت فهو في مال الميت مثل الفدية وما ذكرت من الإغماء وما يشبه ذلك، قال وكل شيء يتعمده فهو في ماله إذا كان إنما أخذ المال على البلاغ، وإن كان أجيرا فكل شيء أصابه فهو في ماله من خطأ أو عمد. قلت لابن القاسم: أرأيت إن أخذ هذا الرجل مالا ليحج به عن الميت على البلاغ أو على الإجارة فصده عدو عن البيت؟ قال إن كان أخذه على البلاغ رد ما فضل عن نفقته ذاهبا وراجعا، وإن كان أخذه على

الإجارة رد المال وكان له من إجارته بحساب ذلك إلى الموضع الذي صد عنه، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي، وقد قال مالك في رجل استؤجر ليحج عن ميت فمات قبل أن يبلغ، فسئل عنه فقال: أرى أن يحاسب فيكون له من الإجارة بقدر ذلك من الطريق ويرد ما فضل. قلت لابن القاسم: أرأيت إن دفع إلى رجل مالا ليحج به عن ميت فأحصر بمرض وقد كان أخذ المال على البلاغ أو على الإجارة؟ قال: قال مالك: أما إذا أخذه على البلاغ فلا شيء عليه وله نفقته في مال الميت ما أقام مريضا لا يقدر على الذهاب وإن أقام إلى حج قابل أجزأ ذلك عن الميت، فإن لم يقم إلى حج قابل وقوي على الذهاب إلى البيت قبل ذلك فله نفقته. قلت لابن القاسم: أرأيت هذا الذي حج عن الميت إن سقطت منه النفقة كيف يصنع؟ قال: لا أحفظ من مالك في هذه المسألة بعينها شيئا، ولكن أرى إن كان إنما أخذ ذلك على البلاغ فإنه حيث سقطت نفقته يرجع ولا يمضي ويكون له عليهم ما أنفق في رجعته، وإن مضى ولم يرجع فقد سقطت عنهم نفقته وهو متطوع في الذهاب ولا شيء عليهم في ذهابه إلا أن يكون أحرم ثم سقطت منه النفقة فليمض ولينفق في ذهابه ورجعته، ويكون ذلك على الذي دفع إليه المال ليحج به عن الميت لأنه لما أحرم لم يستطع الرجوع، قال: وهذا إذا أخذ المال على البلاغ فإنما هو رسول لهم، قال وإذا أخذه على الإجارة فسقط فهو ضامن للحج أحرم أو لم يحرم. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا مات فقال حجوا عني بهذه الأربعين دينارا، فدفعوها إلى رجل على البلاغ ففضلت منها عشرون؟ قال: أرى أن يرد إلى الورثة ما فضل عنه، وإنما ذلك مثل ما لو قال رجل اشتروا غلام فلان بمائة دينار فأعتقوه عني فاشتروه بثمانين دينارا، قال: قال مالك: يرد ما بقي إلى الورثة فعلى هذا رأيت أمر الحج، وإن كان قال أعطوا فلانا أربعين دينارا يحج بها عني فاستأجروه بثلاثين دينارا فحج وفضلت عشرة؟ قال: أرى أيضا أن ترد العشرة ميراثا بين الورثة، لأني سمعت من مالك غير مرة يقول، وسألته عن الرجل يوصي أن يشترى له غلام فلان بمائة دينار فيعتق عنه فتشتريه الورثة بثمانين لمن ترى العشرين؟ قال مالك: أرى أن ترد إلى الورثة فيقسمونها على فرائض الله، فرأيت أنا الحج إذا قال ادفعوها إلى رجل بعينه على هذا، وسمعت مالكا وقد سئل عن رجل دفع إليه رجل أربعة عشر دينارا يتكارى بها في المدينة من يحج عن ميت له، فتكارى بعشرة كيف يصنع بالأربعة؟ قال: يردها إلى من دفعها إليه ولم يرها للذي حج عن الميت. قلت لابن القاسم: هل كان مالك يوسع أن يعتمر أحد عن أحد إذا كان يوسع في الحج؟ قال: نعم ولم أسمعه منه، وهو رأيي إذا أوصى بذلك. قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن حج عن ميت، أيقول لبيك عن فلان أم النية تجزئه؟ قال: النية تجزئه. قلت لابن القاسم: أرأيت من أصاب صيدا في

يحج عن الميت أيجوز له إذنه؟ قال: لا أرى بذلك بأسا إلا أن يخاف عليه في ذلك ضيعة أو مشقة من السفر فلا أرى أن يجوز ذلك، ولم أسمع من مالك في ذلك شيئا وإنما قلته لأن الولي إن أذن له أن يتجر وأمره بذلك جاز ذلك. ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي لم يكن بذلك بأس، قال: فإذا كان ذلك جائزا فجائز له أن يحج عن الميت إذا أوصى إليه الميت بذلك إذا أذن له الولي وكان قويا على الذهاب، وكان ذلك نظرا له ولم يكن عليه في ذلك ضرر، قلت: أرأيت إن لم يأذن له الولي؟ قال: يوقف المال حتى يبلغ الصبي، فإن حج به الصبي وإلا رجع ميراثا، قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا. قال ابن القاسم: وهذا الذي أوصى أن يحج عنه هذا الصبي علمنا أنه إنما أراد التطوع ولم يرد الفريضة، قال: ولو أنه كان صرورة وقصد رجلا بعينه، فقال: يحج عني فلان فأبى فلان أن يحج عنه؟ قال: يعطى ذلك غيره، قال: وهذا قول مالك قال ابن القاسم: وليس التطوع عندي بمنزلة الفريضة، قال: وهذا إذا أوصى بحجة تطوعا أن يحج بها عنه رجل بعينه فأبى ذلك الرجل أن يحج عنه ردت إلى الورثة. قال: ومثل ذلك مثل رجل قصد قصد مسكين بعينه، فقال تصدقوا عليه بمائة دينار من ثلثي فمات المسكين قبل الموصي أو أبى أن يقبل الوصية، فإن الوصية ترجع ميراثا للورثة، أو قال اشتروا عبد فلان فأعتقوه عني في غير عتق عليه واجب فأبى أهله أن يبيعوه، فإن الوصية ترجع ميراثا للورثة.
قلت: أرأيت امرأة أهلت بالحج بغير إذن زوجها وهي صرورة، ثم إن زوجها حللها ثم أذن لها من عامها فحجت أتجزئها حجتها التي وجبت عليها من التي حللها زوجها منها وعن حجة الإسلام؟ قال: أرجو ذلك ولا أحفظه عن مالك. قلت: فالعبد والأمة يحرمان بغير إذن سيدهما فيحللهما السيد ثم يعتقان، فيحجان عن الذي حللهما السيد وعن حجة الإسلام، أتجزئهما هذه الحجة منهما جميعا؟ قال: لا، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي لأني سمعت مالكا يقول في عبد نذر إن أعتق الله رقبته، أن عليه المشي إلى بيت الله في حج، قال: يحج حجة الإسلام ثم النذر بعدها فهذا حين أحرم فقد نذرها فلا تجزئه حجته حين أعتق عنهما. قلت: أرأيت السيد يأذن لعبده أو لأمته أو الزوج لزوجته بالإحرام فأراد أن يحلهم بعد ذلك، أله ذلك في قول مالك؟ قال: لا، قلت: وإن خاصموه قضى لهم عليه أن لا يحلهم في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن باع عبده أو أمته وهما محرمان أيجوز بيعه أم لا؟ قال: نعم في قول مالك يجوز بيعه إياهما، وليس للذي اشتراهما أن يحلهما ويكونان على إحرامهما، قلت: فإن لم يعلم بإحرامهما أتراه عيبا يردهما به إن أحب؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأراه عيبا يردهما به إن لم يكن أعلمه بإحرامهما إلا أن يكون ذلك قريبا. قلت: أرأيت إن

أحرم العبد بغير إذن سيده فحلله من إحرامه ثم أذن له في أن يحج قضاء عن حجته التي حلله منها بعدما مضى عليه ذلك، أتجزئه من التي حلله منها في قول مالك؟ فقال: نعم في رأيي، قلت: ويكون على العبد الصيام أو الهدي أو الطعام لموضع ما حلله السيد من إحرامه؟ قال: إن أهدى عنه السيد أو أطعم عنه أجزأه وإلا صام هو وأجزأه قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت الرجل يهل بحجة فتفوته أيهل منها حين فاتته بالعمرة إهلالا مستقبلا في قول مالك أم لا؟ قال: يمضي على إهلاله الأول ولا يهل بالعمرة إهلالا مستقبلا ولكن يعمل فيها عمل العمرة وهو على إهلاله الأول ويقطع التلبية إذا دخل الحرم، لأن الحج قد فاته فصار عمله فيما بقي منها في قول مالك مثل عمل العمرة. قلت: أرأيت رجلا حج ففاته الحج فجامع بعدما فاته الحج وتطيب وأصاب الصيد ما عليه في قول مالك؟ قال: عليه في كل شيء صنعه من ذلك مثل ما على الصحيح الحج، إلا أنه يهريق دما دم الفوات في حجة القضاء وما أصاب من الصيد وتطيب ولبس فيها فليهرقه متى ما شاء، والهدي عن جماعه قبل أن يفوته الحج أو بعد أن فاته هدي واحد ولا عمرة عليه، ولو كان يكون عليه عمرة إذا وطئ بعد أن فاته الحج لكان عليه عمرة إذا وطئ وهو في الحج ثم فاته الحج، لأن الذي فاته الحج قد صار إلى عمرة فعليه هديان هدي لوطئه وهدي لما فاته، وكذلك قال لي مالك. قلت لابن القاسم: أرأيت الرجل يحرم بالحج فيفوته الحج، أله أن يثبت على إحرامه ذلك في قول مالك إلى قابل أم لا؟ قال: قال مالك: من أحرم بالحج ففاته الحج فله أن يثبت على إحرامه إلى قابل إن أحب ذلك، قال مالك: وأحب إلي أن يمضي لوجهه فيحل من إحرامه ذلك ولا ينتظر قابلا، قال: وإنما له أن يثبت على إحرامه إلى قابل ما لم يدخل مكة، فإن دخل مكة فلا أرى له أن يثبت على إحرامه وليمض إلى البيت فليطف به وليسع بين الصفا والمروة وليحل من إحرامه، فإذا كان قابلا فليقض الحج الذي فاته وليهرق دما، قلت لابن القاسم: فإن ثبت على إحرامه بعدما دخل مكة حتى حج بإحرامه ذلك قابلا، يجزئه من حجة الإسلام أم لا؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت من أهل بحجة ففاتته فأقام على إحرامه حتى إذا كان من قابل في أشهر الحج حل منها، حج من عامه أيكون متمتعا في قول مالك أم لا؟ قال: لا أحفظ من مالك في هذا شيئا، ولكن لا أرى لأحد فاته الحج فأقام على إحرامه حتى يدخل في أشهر الحج أن يفسخ حجته في عمرة فإن فعل رأيته متمتعا. قلت لابن القاسم: أرأيت المرأة إذا أحرمت بغير إذن زوجها ثم حللها، والعبد إذا أحرم بغير إذن سيده ثم حلله فأعتقه، ثم حج العبد بعدما أعتقه عن التي حلله سيده وعن حجة الإسلام؟ قال: لا تجزئه، وإذا حجت المرأة إذا أذن لها زوجها عن حجة الإسلام وعن الحجة التي حللها منها زوجها؟ قال: تجزئها

هذه الحجة عنهما جميعا، قال: لأن المرأة حين فرضت الحج فحللها زوجها منها إن كانت فريضة فهذه تجزئها من تلك، وهذه قضاء تلك الفريضة وهي تجزئها من الفريضة التي عليها، قال: وإن كانت حين حللها زوجها إنما حللها من تطوع، فهذه قضاء عن ذلك التطوع الذي حللها زوجها منه. قال: والعبد ليس مثل هذه حين أعتق، لأن العبد حين حلله سيده إنما حلله من تطوع، فإن أعتق ثم حج حجة الإسلام ينوي به عن الحجة التي أحله منها سيده، وحجة الفريضة فلا تجزئه حجة واحدة من تطوع وواجب وتكون حجة هذا العبد التي حجها بعد عتقه إذا نوى بها عنهما جميعا عن التي حلله سيده منها، وعليه حجة الفريضة مثل ما قال مالك في الذي يحلف بالمشي إلى بيت الله فيحنث وهو ضرورة فيمشي في حجة الفريضة ينوي بذلك نذرا، وحجة الفريضة لم تجزه من حجة الفريضة وأجزأته من نذره وكان عليه حجة الفريضة فمسألة العبد عندي مثل هذا. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن مكيا قرن الحج والعمرة من ميقات من المواقيت، أيكون عليه دم القران في قول مالك أم لا؟ قال: لا يكون عليه دم القران.
قلت لابن القاسم: أرأيت من أتى وقد فاته الحج في قول مالك متى يقطع التلبية قال: إذا دخل الحرم
قلت لابن القاسم أرأيت من أتى وقد فاته الحج، أيرمل بالبيت ويسعى في المسيل بين الصفا والمروة في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: وكذلك من اعتمر من الجعرانة أو التنعيم، فإذا طاف بالبيت فأحب إلي أن يرمل وإذا سعى بين الصفا والمروة فأحب إلي أن يسعى ببطن المسيل. قلت: أفكان مالك يخفف ويوسع لهذا الذي اعتمر من الجعرانة أو التنعيم أن لا يرمل وأن لا يسعى ببطن المسيل بين الصفا والمروة؟ قال: كان يستحب لهما أن يرملا وأن يسعيا ويأمرهما بذلك، ولم أره يوجب عليهما الرمل بالبيت كما يوجب ذلك على من حج أو اعتمر من المواقيت، وأما السعي بين الصفا والمروة فكان يوجبه على من اعتمر من التنعيم وغير ذلك. قلت لابن القاسم: أرأيت طواف الصدر إن تركه رجل، هل عليه فيه عند مالك طعام أو دم أو شيء من الأشياء؟ قال: لا إلا أن مالكا كان يستحب له أن لا يخرج حتى يطوف طواف الوداع. قلت لابن القاسم: فلو أنه طاف طواف الوداع ثم اشترى وباع بعدما طاف أيعود فيطوف طواف الوداع أم لا؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يطوف طواف الوداع ثم يخرج من المسجد الحرام ليشتري بعض جهازه أو طعامه، يقيم في ذلك ساعة يدور فيها ثم يخرج ولا يعود إلى البيت؟ قال: لا شيء عليه ولا أرى عليه في هذا عودة إلى البيت، قال: فقلت له: فلو أن كريهم أراد بهم الخروج في يوم فبرز بهم إلى ذي طوى فطافوا طواف الوداع، ثم أقام كريهم بذي طوى يومه وليلته وبات بها، أكنت ترى عليهم أن يرجعوا فيطوفوا طواف الوداع؟ قال: لا وليخرجوا. قال: فقلت لمالك: أرأيت إذ هم

بذي طوى بعدما خرجوا يقصرون الصلاة أم يتمون وقد رحلوا من مكة إلى ذي طوى وهم على رحيل من ذي طوى إلى بلادهم؟ قال: يتمون بذي طوى حتى يخرجوا منها إلى بلادهم، لأن ذا طوى عندي من مكة. قلت لابن القاسم: أرأيت من أقام بمكة بعد طواف الوداع يوما أو بعض يوم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأنا أرى أن يعود فيطوف. قلت لابن القاسم: أرأيت طواف الصدر أهو على النساء والصبيان والعبيد في قول مالك؟ قال: نعم هو على كل واحد. قلت لابن القاسم: أرأيت من خرج من مكة ولم يطف طواف الوداع؟ قال: قال مالك: إن كان ذلك قريبا رجع إلى مكة فطاف طواف الوداع، وإن كان قد تباعد يمضي ولا شيء عليه. قلت لابن القاسم: فهل قال لكم مالك إنه يعود من مر الظهران إن هو ترك طواف الوداع؟ قال: لم يجد لنا مالك في ذلك شيئا، وأرى إن كان لا يخشى فوات أصحابه ولا منعا من كريه أن يقيم عليه فأرى أن يعود، وإن خاف أن لا يقيم عليه الكرى أو أن يفوته أصحابه فأرى أن يمضي ولا شيء عليه.
قلت لابن القاسم: ما قول مالك في امرأة طافت طواف الإفاضة ثم حاضت، أتخرج من قبل أن تطوف طواف الوداع؟ قال: نعم، قلت: فإن كانت لم تطف طواف الإفاضة ثم حاضت أتخرج؟ قال: قال مالك لا تخرج حتى تطوف طواف الإفاضة. قال: وقال مالك: يحبس عليها كريها أقصى ما كان يمسك النساء الدم، ثم تستظهر بثلاث ولا يحبس عليها كريها أكثر من ذلك. قال: وقال مالك: وفي النفساء أيضا يحبس عليها كريها أكثر ما يمسك النساء دم النفاس من غير سقم، ثم لا يحبس عليها بعد ذلك إذا كانت لم تطف طواف الإفاضة. قلت لابن القاسم: أيكون على أهل مكة إذا حجوا طواف الوداع أم لا؟ قال: لا أحفظه عن مالك ولا أرى عليهم طواف الوداع. قال: وسألنا مالكا عن الرجل يفرغ من حجه فيريد العمرة من التنعيم أو من الجعرانة، أعليه أن يطوف طواف الوداع؟ قال: قال مالك: لا أرى ذلك عليه. قال: وقال مالك: وإن هو خرج إلى ميقات من المواقيت مثل الجحفة وغيرها من المواقيت ليعتمر منها، فأرى عليه إذا أراد الخروج أن يطوف طواف الوداع. قلت لابن القاسم: وكل من دخل مكة حاجا يريد أن يستوطنها، أيكون عليه طواف الوداع؟ قال: لا وهذا سبيله سبيل أهل مكة. قلت لابن القاسم: أرأيت من حج من أهل مر الظهران أيكون عليه طواف الوداع أم لا إذا خرج في قول مالك؟ قال: أرى أن عليه طواف الوداع، لأن مالكا قال فيمن أراد الخروج من مكة إلى سفر من الأسفار، أنه يطوف طواف الوداع إذا أراد الخروج، قال: فأرى هذا بمنزلة المكي إذا أراد الخروج. قلت: وأهل عرفات عندك بهذه المنزلة في طواف الوداع في قول مالك؟ قال نعم، ولم أسمع من مالك في هذا شيئا وهو رأيي، وليس من يخرج

من مكة إلى منزله يريد الإقامة إن كان منزله قريبا بمنزلة من خرج إلى موضع قريب ثم يعود. قلت: أرأيت العمرة هل فيها طواف الوداع في قول مالك؟ قال: نعم إذا أقام ثم أراد الخروج طاف طواف الوداع، قال: وقد قال مالك في المكي إذا أراد الخروج إلى سفر من الأسفار، أنه يطوف طواف الوداع فهذا مثله، فإن خرج مكانه فلا شيء عليه ويجزئه طوافه ذلك عند مالك قلت: وكذلك من فاته الحج ففسخه في عمرة أو أفسد حجه فكذلك أيضا عليهم طواف الصدر؟ قال: نعم مثل قول مالك في المكي إذا أراد الخروج إذا أقام هذا أيفسد حجه بمكة، لأن عمله قد صار إلى عمل عمرة فإن خرج مكانه فلا شيء عليه.
قلت لابن القاسم: أرأيت من تعدى الميقات فأحرم بعدما تعدى الميقات ثم فاته الحج، أيكون عليه لترك الميقات في قول مالك الدم، قال: لا أحفظه عن مالك ولكن لا أرى عليه الدم قلت: فإن تعدى الميقات ثم جامع ففسد عليه حجه، أيكون عليه الدم لترك الميقات؟ قال: نعم، قلت: ما فرق ما بينهما؟ قال: لأن الذي فاته الحج إنما أسقطت عنه الدم لترك الميقات لأن عليه قضاء هذه الحجة، قلت: والذي جامع أيضا عليه قضاء حجته، قال: لا يشبه الذي فاته الحج الذي جامع في تركه الميقات، لأن الذي فاته الحج كان عمله في الحج فلما فاته الحج كان عمله عمل عمرة، فلا أرى عليه الدم لأنه لم يقم على الحج الذي أحرم عليه إنما كان الدم وجب عليه لترك الميقات، فلما حال عمله إلى عمل العمرة سقط عنه الدم، وأما الذي جامع في حجه فهو على عمل الحج حتى يفرغ من إحرامه، فلذلك ثبت الدم عليه لأنه لم يخرج من إحرامه إلى إحرام آخر مثل الذي فاته الحج فهذا فرق ما بينهما. قلت لابن القاسم: أرأيت من قلد هديه أو بدنته ثم باعه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن إن كان يعرف موضعه رد ولم يجز البيع فيه، فإن ذهب ولم يعرف موضعه كان عليه أن يشتري مكانه بدنة بثمنه إلا أن لا يجد بثمنه فعليه أن يزيد على ثمنه لأنه قد ضمنه حتى يشتري بدنة، وليس له أن ينقص من ثمنه وإن أصاب بدنة بأقل من ثمنه.
قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن دل على صيد وهو محرم أو أشار أو أمر بقتله، هل عليه في قول مالك لذلك شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليه إلا أن يكون الذي أمره بقتله عبده فيكون عليه جزاء واحد إلا أنه قد أساء، وعلى الذي قتله إن كان محرما الجزاء وإن كان حلالا فلا شيء عليه إلا أن يكون في الحرم. قلت لابن القاسم: أرأيت إن أفسد المحرم وكر الطير أيكون عليه شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليه إن لم يكن في الوكر فراخ أو بيض، قلت: فتحفظه عن مالك؟ قال: لا، قلت: فإن كان في الوكر فراخ أو بيض فأفسد الوكر؟ قال: أرى عليه في البيض ما يكون على المحرم وفي الفراخ، وذلك من قبل أنه لما أفسد الوكر فقد عرض الفراخ

والبيض للهلاك، قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قلت لابن القاسم: أرأيت من أرسل كلبه على صيد في الحرم فأشلاه رجل آخر فأخذ الصيد، أيكون على المشلي شيء أم لا؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا ولكن إن انشلى الكلب فأشلاه الرجل الذي أشلاه، فأرى على الذي أشلاه الجزاء أيضا، قلت: فإن أرسل كلبا على ذئب في الحرم فأخذ صيدا أيكون عليه الجزاء أم لا؟ قال: قال مالك: من غرر بقرب الحرم فأرسل كلبه على صيد في الحل قرب الحرم فأخذه في الحرم كان عليه الجزاء، قال: وأرى من أرسل كلبه في الحرم على ذئب فأخذ صيدا، فسبيله من غرر بقرب الحرم فعليه الجزاء. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن محرما أمسك صيدا فقتله حرام أو حلال أمسكه له حتى قتله أو أمسكه ولم يرد أن يمسكه للقتل فقتله القاتل؟ قال: إن أمسكه وهو لا يريد القتل إنما يريد أن يرسله فعدا عليه حرام فقتله فعلى القاتل جزاؤه لأن قتله من سببه, وإن قتله حلال فعلى قتله حرام فعليهما جميعا جزاآن, قال: وإن قتله حلال فعلى المحرم جزاؤه, وليسص على الحلال جزاء وليستغفر الله العظيم.
وهنا انتهى وتم كتاب الحج الثالث من المدونة الكبرى.
ويليه إن شاء الله تعالى كتاب الجهاد.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وسلم
كتاب الجهاد

الدعوة قبل القتال
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: هل كان مالك يأمر بالدعوة قبل القتال؟ قال: نعم كان يقول لا أرى أن يقاتل المشركين حتى يدعوا, قلت: ولا يبيتون حتى يدعوا؟ قال: نعم, قلت: وسواء إن غزوناهم نحن أو أقبلوا هم إلينا غزاة فدخلوا بلادنا, لا نقاتلهم نحن في قول مالك حتى ندعوهم؟ قال: قد أخبرتك بقول مالك ولم أسأل عن هذا وهذا كله سواء عندي. قلت: وكيف الدعوة في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيها شيئا, ولكن ندعوهم إلى الله ورسوله فيسلموا او يعطوا الجزية, وذكر عن مالك أيضا أما من قارب الدوب فالدعوة مطروحة عنهم لعلمهم بما يدعون إليه وما هم عليه من البغض والعداوة للدين وأهله من طول معارضتهم للجيوش ومحاربتهم لهم, فلتطب غرتهم ولا يحدث لهم الدعوة إلا تحذيرا وأخذ العدة لحاربة المسلمين ومنعا لما رجاه المسلمين من الظهور عليهم. وأما من بعد وخيف أن لا تكون ناحيته ناحية من أعلمتك, فإن الدعوة أقطع للشك وأبر للجهاد يبلغ ذلك بك وبه ما بلغ ويها تنال علم ما هو عليه من الإجابة لك. ابن وهب: ولعلهأن لا يكون عالما وإن ظننت أنه عالم, الليث بن سعد وابنم لهيعة وعميرة بن أبي ناحجية ويحيى بن أيوب, عن يحيى بن سعيد أنه قال: لا بأس بابتغاء عورة العدو بالليل والنهار, لأن دعوة الإسلام قد بلغتهم, وقد كان رسول الله صلى الله بعث إلى خيبر, فقتلوا أميرهم ابن أبي الحقيق عيلة, وإلى صاحب بني لحيان من قتله غيلة, وبعث نفرا فقتلوا آخرين إلى جانب المدينة من اليهود منهم ابن الأشرف. قال يحيى بن سعيد: وكان عنر بن عبد العزيز يأمر أمراء جيوشه ، لا ينزلوا بأحد من العدو إلا دعوهم, قال بن يحيى: ولعمري إنه لحقيق على المسلمين أن لا ينزلوا بأحد من العدو

في الحصون ممن يطعمون به ويرجون أن يستجيب لهم إلا دعوهم, فأما من إن جلست بأرضك وإن سرت إليهم قاتلوك, فإن هؤلاء لا يدعون ولا يدعى مثلهم ولو طعم بهم لكان ينبغي للناس أن يدعوهم. قال: وأخبرني القاسم بن عبد الله عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب, أنه لم يكن يقاتل أحدا من العدو حتى يدعهوهم ثلاث مرات. قلت لابن القاسم: وكان يفرق بين الروم في قتالهم وبين القبط؟ قال: نعم قال: ولا تقاتلوا حتى يدعوا, وقال أيضا: لا يبيتون حتى يدعوا, قلت: أكان مالك يرى أن يدعوا قبل أن يقاتلوا ولا يرى أن الدعوة قد بلغتهم؟ قال: نعم, قال ابن القاسم: وقال مالك في قتال السلابة تدعوه إلى أن يتقي الله, يدع ذلك, فإن أبى فقاتله وإ، عاجلك عن أن تدعوه فقاتله, قال: زكذلك أهل الحرب إن عاجلوا عن أن تدعوهم فقاتلوهم, قال ابن القاسم: وإ، طلبت السلابة الطعام أو الأمر الخفبف فأرى أن يعطوا ولا يقاتلوا, كذلك سمعته من مالك, قال ابن القاسم: وسألت مالكا رجل عن المغرب فقال: يا أبا عبد الله إنا نكون في حصوننا فأتينا قوم يكابروننا يريدون أنفسنا وأموالنا وحريمنا, أو قال: اموالنا وأهلنا؟ قال: ناشدوهم الله في ذلك فإن أبوا وإلا فالسيف. قال: وسئل مالك عن قوم أتوا إلى قوم في ديارهم فأرادوا قتالهم وأخذ أموالهم؟ قال: قال مالك: ناشدوهم الله فإن أبوا فالسيف. ابن وهب عن عقبة بن نافع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: إن كان عدوا لم تبلغهخ الدعوة ولا أمر النبوة, فإنهم يدعون ويعرض عليهم الإسلام والحق, وتسير إليهم الأمثال وتضرب لهم العبر ويتلى عليهم القرآن,حتى إذا بلغ العذر في دعائهم وأبوا طلبت غرتهم والتمست غفلتهم, وكان الدعاء ممن أعذر في ذلحك إليهم بعد الأعذار تحذيرا لهم. مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا, وكان إذا جاء قوما لم يغر حتى يصب ح, فلما أصبح خرجت عليه يهود خيبر بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا قالوا: محمد والله محمد والخميس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم " {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177]1. ابن وهب عن خالد بن حميد المهري, أن اسحاق بن أبي سليمان الأنصاري حدثهم أنه سأل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن رجل عرض له لص ليغصبه ماله فرماه فنزع عينه هل عليه دية؟ قال: لا ولا نفس, قلت: عمن تذكر هذا؟ فقال: كان سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف يخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل دون ماله فافضل شهيد قتل في الإسلام بعد أن يتعوذ بالله ثلاث مرات فإن قتل اللص فشر قتيل قتل في الإسلام". قال اسحاق: كان مسلم بن أبي مريم يرى هذا, ابن وهب عن عمر ين محمد بن زيد عن عاصم بن عبيد الله عن سعيد بن زيد
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الجهاد حديث 48. البخاري في كتاب الجهاد باب 102. مسلم في كتاب الجهاد حديث 121,120.

عن عمرو بن نفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل دون ماله حتى يقتل فهوشهيد1" . ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن عتيق قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد إنا نخرج تجارا فيعرض لنا قوم يقطعون علينا السبيل من أهل الإسلام؟ قال: أيها الرجل قاتل عن نفسك وعن مالك,. ابن وهب, قال أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين, أنه قال: ما علمت أن أحدا من الناس ترك قتال من يريد نفسه وماله آثما, وكانوا يكرهون قتال الأمراء. ابن وهب عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أنه قال: ما علمت أجدا ترك قتال الحرورية واللصوص تحرجا إلا أن يجبن الرجل فكذلك المسكين لا يلام. ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسل: "من حمل علينا السلاح فليس منا ولا راصدا بالطريق". ابن وهب عن مالك وعبد الله بن عمر ويونس وأيامة بن زيد وغيرهم أن نافعا أخبرهم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا2" . هذه الآثار كلها لابن وهب.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الديات باب 21. أحمد في مسنده "2/223, 221".
2 رواه البخاري في كتاب الفتن باب 6. مسلم في متاب الديات حديث 164,163,161.. النسائي في كتاب التحريم باب 29,26. التر مذي في كتاب الحدود باب 26. ابن ماجة في كتاب الفتن باب 11. الدارمي في كتاب السير باب 76. أحمد في مسنده "2/417,329,224,185,184,53,3".

الجهاد مع هؤلاء الولاة
قال: وقال مالك: لا أرى بأسا أن يجاهد الروم مع هؤلاء الولاة قال ابن القاسم: وكان فيما بلغني عنه ولم أسمع منه أنه كان يكره قبل ذلك جهاد الروم مع هؤلاء، حتى لما كان زمن مرعش وصنعت الروم ما صنعت، قال: لا بأس بجهادهم. قال ابن القاسم: وأما أنا فقد أدركته وهو يقول: لا بأس بجهادهم مع هؤلاء الولاة. قال ابن القاسم، قلت لمالك: يا أبا عبد الله إنهم يفعلون ويفعلون؟ فقال: لا بأس على الجيوش وما يفعل الناس، فقال: ما أرى به بأسا، ويقول لو ترك هذا أي لكان ضرارا على أهل الإسلام، ويذكر مرعشا وما فعل بهم وجراءة الروم على أهل الإسلام وأنه لو ترك مثل هذا لكان ضرارا على أهل الإسلام.

الغزو بالنساء
قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن الرجل يغزو بأهله إلى الرباط على بعض السواحل، فقال: لا بأس بذلك. قلت: فهل كشفتموه عن الرجل يدرب في أرض العدو غازيا بأهله معه، أو يغزو بالنساء مع الرجال في دار الحرب؟ فقال: ما كشفناه عن أكثر مما قلت لك في الرباط، ولا أرى أن يخرج بالنساء إلى دار الحرب قلت: أرأيت النساء هل يدرب بهن في أرض العدو في الغزو؟ قال: ما سمعت من مالك فيهن شيئا، ولكن سمعت مالكا يقول في السواحل: لا بأس أن يخرج الرجل بامرأته إلى السواحل

في قتل النساء والصبيان في أرض العدو
قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره قتل النساء والصبيان والشيخ الكبير في أرض الحرب؟ قال: نعم. قلت: فهل كان مالك يكره قتل الرهبان المحبسين في الصوامع والديارات؟ قلت: أرأيت الراهب هل يقتل؟ قال: سمعت مالكا يقول لا يقتل الراهب، قال مالك: وأرى أن يترك لهم من أموالهم ما يعيشون به لا يأخذوا منهم أموالهم كلها فلا يجدون ما يعيشون به فيموتون ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد ربه بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن شقيق بن سلمة عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قال "باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان1". مالك عن ابن شهاب، أن ابنا لكعب بن مالك الأنصاري أخبره قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفر الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان2. مالك وغيره عن نافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان3, ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه، قال حدثني المرقع بن صيفي أن جده رباح بن ربيع أخا حنظلة الكاتب أخبره، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها كان على مقدمة فيها خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا عليها ينظرون إليها ويعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له فانفرجوا عن المرأة، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "هاه ما كانت هذه تقاتل" ، قال: ثم نظر في وجوه القوم فقال لأحدهم: "الحق بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا
ـــــــ
1 رواه أحمد في مسنده "4/240".
2 رواه في الموطأ في كتاب الجهاد حديث 8.
3 رواه في الموطأ في كتاب الجهاد حديث 9. البخاري في كتاب الجهاد والسير باب 148. مسلم في كتاب الجهاد والسير باب 25,24.

عسيفا1" . مالك عن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق بعث جيشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان على ربع من الأرباع، فقال يزيد لأبي بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل؟ فقال له: ما أنت بنازل وما أنا براكب احتسب خطاي هذه في سبيل الله، فقال: إنك ستجد قوما قد فحصوا عن أواسط رءوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله تعالى فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرا إلا لمأكله، ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه، ولا تغلل ولا تجبن2، وذكر عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان، وعند حمة النهضات، وفي شن الغارات قلت لابن القاسم: هل كان مالك يكره أن تحرق قراهم وحصونهم بالنيران أو تغرق بالماء؟ قال: قال مالك: لا بأس أن تحرق قراهم وحصونهم بالنيران وتغرق بالماء وتخرب. قال سحنون: وأصل ما جاء عن أبي بكر في النهي عن قطع الشجر وخراب العامر، أن ذلك لم يكن من أبي بكر رحمة الله عليه نظرا للشرك وأهله، والحيطة لهم ولا ذبا عنهم، ولكن أراد النظر للإسلام وأهله والحيطة لهم والتوهين للشرك، ولأنه رجا أن يصير ذلك للمسلمين، وإن خرابه وهن على المسلمين للذي رجاه من كونه للمسلمين لأن خرابه ضرر على الإسلام وأهله ولم يرد به نظرا لأهل الشرك ومنع نواحيه، وكل بلد لا رجاء للمسلمين في الظهور عليها والمقدرة فوهن ذلك وضرورة على أهل الشرك، وهو أصل قول مالك وأصل هذا الملك، وقد اختلف عن مالك في الرهبان، فقال مالك: فيهم التدبير والنظر والبغض للدين والحب له، والذب عن النصرانية فهم أنكى ممن يقاتل بدينه، وأضر بالمسلمين، والأكثر والغالب أنهم لا يقتلون يعني الرهبان والشيخ الكبير. ابن وهب وذكر مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سألت عبد الرحمن بن القاسم ونافعا مولى ابن عمر عن شجر العدو: هل تقطع وهل تهدم بيوتهم؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: فقطع الشجر المثمر وغير المثمر أكان مالك يرى به بأسا؟ قال: قال مالك: يقطع الشجر في بلادهم المثمر وغير المثمر ولا بأس بذلك، قلت: وهل كان يرى حرق قراهم وحصونهم وقطع شجرهم وخراب بلادهم أفضل من ترك ذلك؟ قال: لا أدري، ولكني سمعته يقول: لا بأس بذلك وكان يتأول هذه الآية {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر:5] ويتأول هذه الآية إذا ذكر قطع الشجر وخراب بلادهم، وقد ذكر مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير ابن وهب عن الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرق نخل بني النضير وهي البويرة، ولها يقول حسان بن ثابت:
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب 111. ابن ماجة في كتاب الجهاد باب 30. أحمد في مسنده "3/488" "4/178".
2 رواه في الموطأ في كتاب الجهاد حديث 10.

وهان على سراة بني لؤي
حريق بالبويرة مستطير
فأنزل الله تبارك وتعالى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر:5] ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الجليل بن عبيد اليحصبي أنه سمع ابن شهاب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسامة بن زيد حين بعثه إلى الشام أن يسير حتى يأتي أبنى فيحرق ويهريق دما ففعل ذلك أسامة بن زيد. ابن وهب عن عمرو بن الحارث، أن بكيرا حدثه قال: سمعت سليمان بن يسار يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على جيش فأمره أن يحرق في أبنى. قلت: أرأيت إن سبوا رجالا ونساء وذراري فلم يجدوا لهم حمولة ولم يقووا على إخراجهم هل سمعت فيهم شيئا من ذلك؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن قتل الأسارى؟ قال: أما كل من خيف منه فأرى أن يقتل، قلت: أرأيت إن أخذ الإمام أسارى؟ هل سمعت مالكا يقول إن ذلك إلى الإمام إن شاء أن يضرب رقابهم وإن شاء استحياهم وجعلهم فيئا؟ قال: سمعته يقول: أما من خيف منه فإنه يقتل، قال: أرأيت مالكا فيما وقفته عليه يفر من قتل الذين لا يخاف منهم مثل الكبير والصغير. قال سحنون: ألا ترى إلى ما نال المسلمين من أبي لؤلؤة، فإذا كان الأسير من أبغض للدين وعادى عليه وأحب له وخيف عليه أن لا تؤمن غيلته، فهو الذي يقتل وأما غير ذلك فهم الحشوة ولهم قوتل المشركون، وهم كالأموال وفيهم الرغبة وبهم القوة على قتال أهل الشرك، وقد ذكر عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بن الخطاب أنه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الجيوش يأمرهم أن يقتلوا من الكفار كل من قد جرت عليهم المواسي، ولا تسبوا إلينا من علوجهم أحدا وكان يقول: لا يحمل إلى المدينة من علوجهم أحد فلما أصيب عمر بن الخطاب قال: من أصابني؟ قالوا: غلام المغيرة بن شعبة، فقال: نهيتكم أن تحملوا إلينا من هؤلاء الأعلاج أحدا فعصيتموني. ولقد سئل مالك عن الرجل من الروم يلقاه المسلمون فيقول: إنما جئت أطلب الأمان، فيقال له: كذبت ولكنا حين أخذناك اعتللت علينا بهذا. قال: قال مالك: وما يدريهم هذه أمور مشكلة، قال مالك: فأرى أن يرد إلى مأمنه.
قلت: أرأيت الرجل من أهل الحرب يدخل إلى بلاد الإسلام بغير أمان فيأخذه رجل من أهل الإسلام، أيكون له أم يكون فيئا لجميع المسلمين؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا قال فيما وجد على ساحل البحر من سواحل المسلمين من العدو فزعموا أنهم تجار وما أشبه ذلك، إن ذلك لا يقبل منهم ولا يكونون لأهل قرية إن سقطوا إليهم، ولكن ذلك إلى والي المسلمين يرى فيهم رأيه، وأنا أرى أن ذلك فيء للمسلمين ويجتهد فيه الوالي. قلت: أرأيت الرومي يحل بساحلنا تاجرا فينزل من غير أن يعطى أمانا، فيقول ظننت أنكم لا تتعرضون لمن جاءكم تاجرا حتى يبيع تجارته وينصرف

عنكم، أيعذر بهذا ولا يكون فيئا؟ قال: سمعت مالكا وسأله أهل المصيصة فقال: إنا نخرج في بلاد الروم فنلقى العلج منهم مقبلا إلينا، فإذا أخذناه قال إنما جئت أطلب الأمان أترى أن نصدقه؟ قال: وقال مالك: هذه أمور مشكلة وأرى أن يرد إلى مأمنه، فأرى هؤلاء مثله إما قبلت ما قالوا وإما رددتهم إلى مأمنهم وروى ابن وهب عن مالك في قوم من العدو يوجدون قد نزلوا بغير إذن من المسلمين على ضفة البحر في أرض المسلمين، فيزعمون أنهم تجار وأن البحر لفظهم هنا ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم قد انكسرت بهم ومعهم السلاح، أو يشكون العطش الشديد فينزلون للماء بغير إذن المسلمين؟ قال مالك: ذلك إلى الإمام يرى فيهم رأيه، ولا أرى لمن أخذهم فيهم خمسا لا وال ولا غيره.قال ابن وهب: قال مالك: ولا يكون الخمس إلا فيما أوجفت عليه الخيل والركاب، خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة وقسم النضير بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار، سهل بن حنيف وأبي دجانة والحارث بن الصمة. ابن وهب وابن لهيعة عن يحيى بن سعيد: ليس للعدو المحارب إذا قدر عليه المسلمون في نفسه قضاء، ولا أمرهم يقضون في أمره ما أحبوا ليس للعدو أن ينزلوا بأرض المسلمين للتجارة ولا يقبل منهم، إلا أن يكونوا رسلا بعثوا في أمر فيما بين المسلمين وعدوهم، فأما من أخذه المسلمون فزعم أنه جاء للتجارة أو مستأمنا بعدما أخذ فلا أمان له. ابن وهب. قال ابن لهيعة. وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: إن كانوا من أرض متجر قد أمنوا بالتجارة فيهم والاختلاف إليهم فهم على منزلة أمان يشربون من الماء ويقضون حاجاتهم، وإن كانوا من أرض عدو ولم يكن بينكم ولا بينهم ذمة ولم تكن التجارة منكم ولا منهم فيما بينكم وبينهم فلم يكن لهم عذر بقولهم إنا جئنا تجارا إلا أن تكون تجارة بين المسلمين وعدوهم بحبل قد ثبت وأمر قد جرى، ولو ترك أشباه هذا من العدو لم تزل عين من العدو مطلة على المسلمين يحذرونهم ويطمعون بضعفهم. وقال ابن القاسم: ولقد سألت مالكا عن الروم ينزلون بساحل المسلمين معهم التجارات بأمان فيبيعون ويشترون ثم يركبون البحر راجعين إلى بلادهم، فإذا أمعنوا في البحر رمتهم الريح إلى بعض بلدان المسلمين غير البلاد التي كانوا أخذوا فيها الأمان؟ قال: قال مالك: لهم الأمان أبدا ما داموا في تجرهم حتى يرجعوا إلى بلادهم ولا أرى لهم أن يهاجروا.

ما جاء في قتل الأسارى
ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمر بن مالك عن عبيد الله بن أبي جعفر عن حنش بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل سبعين أسيرا بعد الإثخان من يهود، وقتل عقبة بن معيط أتي به أسيرا يوم بدر فذبحه، فقال: "من للصبية"؟ قال: النار. ابن وهب، عن الليث بن

سعد عن يزيد بن أبي حبيب، حدثه أن عمر بن عبد العزيز أتي بأسير من الخزر فقال له عمر: لأقتلنك، قال له الأسير: إذا لا ينقص ذلك من عدد الخزر شيئا. فقتله عمر بن عبد العزيز ولم يقتل أسيرا في خلافته غيره فيما بلغنا. قال الليث: وكان أبو عبيدة وعياض بن عقبة بن نافع يقتلان الأسارى إذا أتي بهم في أرض الروم. مخرمة بن بكير، عن أبيه عن نافع مولى ابن عمر قال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيي بن أخطب صبرا بعد أن ربط. مخرمة، عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم قال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير صاحب بني قريظة صبرا.

في قسم الغنائم
قلت: أرأيت إذا غنم المسلمون غنيمة هل يكره مالك لهم أن يقسموا ذلك في بلاد الحرب؟ قال: الشأن عند مالك أن يقسم في بلاد الحرب ويباع، ثم قال: وكان يحتج فيه مالك يقول هم أولى برخصته. قال: وقال مالك: تقسم الغنائم وتباع في دار الحرب، وقال مالك: هو الشأن. قال سحنون: ألا ترى أن الطوائف والجيوش ليس سيرتهم سيرة السرايا، إنما سيرتهم على الإظهار وعلى غير الاختفاء وأنهم في اجتماعهم وكثرتهم إذا نزلوا بموضع فكأنهم غلبوا عليه وظهروا عليه، وهم الذين يبعثون السرايا وإليهم ترجع فليس يخاف عليهم أمر ولا يتعقب فيهم خوف وهم أمراء يقيمون الحدود ويقسمون الفيء. وذكر ابن وهب عن مسلمة عن الأوزاعي أنه قال في قسم الغنيمة في أرض الحرب قبل خروجهم منها، قال: لم يقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أصاب فيها مغنما إلا خمسه وقسمه قبل أن يقفل. قال: ومن ذلك غزوة بني المصطلق وخيبر وحنين، ثم لم يزل المسلمون على ذلك بعده ووغلت جيوشهم في أرض الشرك في خلافة عمر بن الخطاب إلى خلافة عمر بن عبد العزيز في البر والبحر، ثم هلم جرا في أرض الشرك حتى هاجت الفتنة. ابن وهب، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص يوم افتتح العراق: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس قد سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم وما أفاء الله عليهم، فإذا جاءك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس عليك في العسكر من كراع أو مال، فاقسمه بين من حضر من المسلمين واترك الأرضين والأنهار بعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك لو قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بقي بعدهم شيء.

في الرجل يعرف متاعه وعبيده قبل أن يقعوا في القسم
قلت: أرأيت ما كان من أموال أهل الإسلام من عبيد أو غير ذلك، وساداتهم غيب،

في الرجل يدخل بلاد الحرب فيشتري عبيد أهل الإسلام
قلت: أرأيت لو أن عبيدا للمسلمين أحرزهم أهل الحرب فدخل رجل من المسلمين بلادهم بأمان، فاشترى أولئك العبيد منهم أيكون لساداتهم أن يأخذوهم من هذا الذي اشتراهم بغير ثمن أم لا؟ قال: قال مالك: لا يأخذوهم إلا بالثمن الذي ابتاعهم به، قلت: وكذلك العبيد لو كانوا هم الذين أبقوا إلى بلاد الحرب فاشتراهم هذا الرجل؟ قال: قال مالك في العبيد إذا وقعوا في الغنم واقتسموا أن الآبق وغير الآبق سواء ليس لساداتهم أن يأخذوهم إلا بالثمن. قلت: أرأيت لو أن أهل الحرب أحرزوا عبيدا للمسلمين ثم دخل رجل أرض الحرب بأمان فوهبهم أهل الحرب لهذا الرجل أو باعوهم منه ثم خرج بهم إلى بلاد المسلمين، أيكون لساداتهم أن يأخذوهم من هذا الرجل بغير شيء في قول مالك؟ قال: إن كانوا وهبوهم له ولم يكافئ عليهم فذلك لهم، وأما ما ابتاعه فليس لهم أن يأخذوهم إلا أن يدفعوا إليه الثمن الذي ابتاع به المشتري، وكذلك إن كافأ عليهم لم يكن لساداتهم أن يأخذوهم إلا بعد غرم المكافأة التي كافأ بها. وهو قول مالك. قلت: أرأيت إن كان قد باعه هذا الذي اشتراه من أرض الحرب من رجل آخر أو باعه هذا الذي وهب له؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى أن ينفذ البيع ويرجع صاحبه بالثمن على الذي وهب له فيأخذ منه ما أخذ منه. قال ابن القاسم: وقال غيره: ينقض البيع ويرد إلى صاحبه بعد أن يدفع إليه الثمن، ويرجع به على الموهوب له فيأخذ منه ما أخذ، قال ابن القاسم: وأما الذي ابتاعه فأرى له الثمن الذي بيع به لصاحب العبد المستحق له بعد أن يدفع الثمن الذي ابتاعه به المشتري إن أحب. قلت: أرأيت إن اشتريت رجلا من المسلمين حرا، اشتريته من المشركين أسيرا في أيديهم بغير أمره، أيكون لي أن أرجع عليه بالثمن الذي اشتريته به في قول مالك، قال: نعم على ما أحب أو كره. قلت: أرأيت إن اشتريت أم ولد لرجل من المسلمين من أرض الحرب قد كانوا أسروها؟ قال: قال مالك: أرى أن يتبع سيدها بالثمن الذي اشتراها به على ما أحب أو كره، قال: لأن مالكا قال لي في أم ولد المسلم، إذا سباها العدو ثم اشتراها رجل من المغنم، ثم يأخذها سيدها أبقيمتها أم بالثمن الذي اشتراها به؟ قال: قال مالك: بل بالثمن الذي اشتراها به وإن كان أكثر من قيمتها، قال مالك: ويجبر سيدها، على أخذها، قال مالك: ولو لم يكن عند سيدها ثمن، رأيت أن تدفع إليه ولا تقر في يد هذا يطأ أم ولد رجل أو ينظر منها ما لا يحل له، ويتبع بثمنها سيدها دينا عليه. قال: وقال مالك في أم ولد رجل سباها العدو ثم بيعت في المقاسم فاشتراها رجل فاعترفها سيدها؟ قال: أرى لمشتريها على سيدها الثمن الذي اشتراها به، كان ذلك أكثر من قيمتها أو أقل، وأرى إن لم يجد عنده شيئا أن يقبضها سيدها ويكتب ذلك دينا عليه ولا ينبغي أن

تترك أم ولد رجل عند رجل لعله أن يخلو بها أو يرى منها ما لا ينبغي له. ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن عطاء بن أبي رباح، أنه قال في حرائر أصابهن العدو فابتاعهن رجل، فلا تصبهن ولا تسترقهن ولكن تعطيهن أنفسهن بالثمن الذي أخذهن به ولا يزداد عليهن، قال ابن وهب: وقال ذلك عبد الكريم، قال: وإن كانت من أهل الذمة فكذلك. ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: من ابتاع أسيرا من المسلمين حرا من العدو فهو حر وعليه ما اشتراه به. يونس بن يزيد، أنه سأل ابن شهاب عن رجل عرف أم ولده في أرض الروم وقد خمست، وأعطي أهل النفل نفلهم وأعطي القوم الذين هي لهم؟ قال: أرى إن قد أحرزها العدو حين عادت فيئا للمسلمين، فنرى أن يأخذها بقيمة عدل من أجل ما فيها من الرق، ولو كانت عتقت رأيت أن لا تؤخذ فيها فدية ولا يسترق أحدا عتقه الله من المسلمين حين نفاه الله عنهم. الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد، أنه قال في امرأة من أهل الذمة سباها العدو ثم اشتراها منهم رجل من المسلمين فأراد أن يطأها، قال: لا يطؤها ولكن له الثمن الذي أعطى بها وهي على أمرها أي دينها.

في الذمية والمسلمة يأسرهما العدو ثم يغنمهما المسلمون وأولادهما
قلت: أرأيت المرأة من أهل الذمة يأسرها العدو فتلد عندهم أولادا، ثم يغنمها المسلمون أيكون أولادها فيئا أم لا يكون فيئا؟ قال ابن القاسم: أرى أولادها بمنزلتها لا يكونون فيئا، وإنما هي بمنزلة الحرة المسلمة تسبى فتلد الأولاد فإن أولادها بمنزلتها. قلت: أرأيت المرأة المسلمة تسبى فتلد عند أهل الحرب فتغنم ومعها أولاد صغار أو كبار، والأمة تسبى فتلد عندهم فتغنم ومعها أولاد صغار أو كبار؟ قال ابن القاسم: أما الحرة المسلمة فما سبيت به من ولد صغير فهو بمنزلتها وهو يتبع لها، وما كان من ولد كبير قد بلغ وقاتل واحتلم فأراه فيئا، وأما ما سبيت به الأمة من ولد كبير أو صغير فهو لسيدها ولا يكون شيء من ولدها فيئا وهذا رأيي. قال سحنون: ورواه علي بن زياد عن مالك في الولد الصغير يسبى مع الحرة كما قال ابن القاسم.

في الحربي يسلم وفي يديه عبيد لأهل الإسلام
قلت: أرأيت لو أن عبيدا للمسلمين أسرهم أهل الحرب ثم دخل إلينا رجل من أهل الحرب بأمان والعبيد معه، أيعرض له ويؤخذ العبيد منه أم لا في قول مالك؟ قال: لا يؤخذون منه وهو رأيي. قلت: أرأيت إن دخل بهم هذا الحربي مستأمنا فأسلم عندنا؟ قال: هو حين أسلم قد صار من المسلمين فليس لسيدهم أن يأخذهم من قبل أنه كان

في الحربي يسلم ثم يغنم المسلمون أهله وولده
قلت: أرأيت إن أسلم في بلاد الحرب رجل منهم ثم خرج إلينا وترك ماله وولده في دار الحرب، فغزا المسلمون بلادهم فغنموهم ومال هذا المسلم؟ قال ابن القاسم: ماله وولده وأهله فيء للمسلمين. قال ابن القاسم: سألت مالكا عن رجل من المشركين أسلم ثم غزا المسلمون تلك الدار فأصابوا أهله وولده؟ قال مالك: أهله وولده فيء للمسلمين. قال ابن وهب: وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن في رجل اشترى عبدا من الفيء؟ قال: فدل سيده على ماله في أرض العدو أو لغيره عتق العبد أو لم يعتق أو كان كافرا لم يسلم؟ قال ربيعة: إن كان حرا مسلما أو أقام على دينه، أو كان عبدا فذلك المال مال حرب ليس للعبد ولا لسيده، وليس للجيش الذي كان معهم إذا قفلوا قبل أن يدله، وإن كان إنما دله في غزوة أخرى فإنما ذلك فيء للجيش الذي خرج فيهم، فإن

كان دله بعد أن اشتراه وقفل بقفول الجيش الذي كانوا سبوه، فهو على ذلك الجيش الذين كان فيهم ومال لعبد في ذلك، ومال غيره من الروم بمنزلة، سواء هو على ذلك الجيش، وإن كان إنما وجد المال ودل عليه بعد أن سبي العبد فقد انقطع المال منه وأبين.

في التاجر يدخل بلاد الحرب فيشتري عبد المسلم فيعتقه
قلت: أرأيت لو أن عبيدا لأهل الإسلام حازهم أهل الشرك، فدخل رجل من المسلمين أرض الحرب بأمان فاشتراهم فأعتقهم، وأغار أهل الشرك على بلاد المسلمين فحازوا رقيقا لأهل الإسلام، ثم غنمهم المسلمون بعد ذلك فلم يعلموا بهؤلاء الرقيق أنهم كانوا لأهل الإسلام، فقسموهم وصاروا في سهمان الرجال فأعتقوهم، ثم أتى ساداتهم بعد ذلك أينتقض العتق ويردوهم رقيقا إلى ساداتهم في الوجهين جميعا في قول مالك أم لا؟ قال ابن القاسم: في الوجهين جميعا إن أعتقوهم فالعتق جائز لا يردون ولا يكونون ساداتهم أحق بهم بالثمن، وإنما يكون ساداتهم أحق بالثمن ما لم يدخلهم العتق، وكذلك الذي اشتراهم من أرض العدو ما لم يعتقهم المشتري، فإنه يقال لسيد العبد ادفع إليه الثمن الذي اشتراه به وخذ عبدك، وإلا فلا شيء لك وليس للذي اشتراه من أرض الحرب أن يأبى ذلك على سيد العبد، لو أوصى بذلك سيد العبد وإنما الخيار في ذلك إلى سيد العبد، ألا ترى أن مشتريه كان ضامنا لو مات في يديه وإن سيده لم يكن يلزمه أخذه، فلذلك ثبتت عتاقته ولم يرد، وكذلك سمعت فيه عن بعض من مضى وهو الذي آخذ به. وكذلك لو أن جارية وطئت فحملت، كانت أم ولد للذي اشتراها من أرض العدو، أو وقعت في سهمانه وهو بمنزلة العتق إذا ثبت ولا يرد، وكذلك سمعت عن أهل العلم.

في الذمي ينقض العهد ويهرب إلى دار الحرب فيغنمه المسلمون
قلت: أرأيت لو أن قوما من أهل الذمة حاربوا وقطعوا الطريق وأخافوا السبيل وقتلوا فأخذهم الإمام أيكون فيئا أم يحكم عليهم بحكم أهل الإسلام إذا حاربوا؟ قال: أما إذا خرجوا حرابا محاربين يتلصصون، فإنه يحكم عليهم بحكم أهل الإسلام إذا حاربوا، وأما إذا خرجوا ومنعوا الجزية ونقضوا العهد وامتنعوا من أهل الإسلام من غير أن يظلموا، فهؤلاء فيء وهذا إذا كان الإمام يعدل فيهم. قلت: أرأيت الذمي إذا هرب ونقض العهد ولحق بدار الحرب، ثم ظفر به المسلمون بعد ذلك أيرد إلى جزيته ولا يقع في المقاسم؟ قال: أراهم فيئا إذا حاربوا ونقضوا العهد من غير ظلم يركبون به فأراهم فيئا. قال ابن

في عبد أهل الحرب يخرج إلينا تاجرا ليسلم ومعه مال لمولاه، أيخمس
قلت: أرأيت لو أن عبدا لرجل من أهل الحرب دخل إلينا بأمان فأسلم ومعه مال لمولاه، أيكون حرا ويكون المال له في قول مالك؟ قال: أراه للعبد ولا أرى فيه تخميسا وليس الخمس إلا فيما أوجف عليه. ابن وهب عن ابن لهيعة. عن عقيل عن ابن شهاب، أن المغيرة بن شعبة نزل وأصحاب له بأيلة فشربوا خمرا حتى سكروا، وناموا معهم وهم يومئذ كفار قبل أن يسلم المغيرة بن شعبة، فقام إليهم المغيرة فذبحهم جميعا ثم أخذ ما كان لهم من شيء، فسار به حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم المغيرة بن شعبة ودفع المال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نخمس مال أحد غصبا" ، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المال في يد المغيرة بن شعبة. ابن وهب عن عمر بن الحارث والليث بن سعد عن بكير بن الأشج أن المغيرة بن شعبة أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتل أصحابه، وجاء بغنائمهم فترك رسول الله ذلك المال للمغيرة وهو كافر وهم كفار. الليث عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال في قبطي فر من أرض العدو بمال وعليه الجزية، قال: المال مال الذي فر به وإن جاء مسلما فالمال ماله وهو من المسلمين. ابن وهب، عن عقبة بن نافع عن يحيى بن سعيد أنه قال: من أسره العدو فائتمنوه على شيء من أموالهم فليؤد أمانته إلى من ائتمنه، وإن كان مرسلا يقدر على أن يتخلص منهم ويأخذ من أموالهم ما قدر عليه ما لم يؤتمن عليه فليفعل.
في عبيد أهل الحرب يسلمون
في عبد أهل الحرب يخرج إلينا تاجرا ليسلم ومعه مال لمولاه، أيخمسقلت: أرأيت لو أن عبدا لرجل من أهل الحرب دخل إلينا بأمان فأسلم ومعه مال لمولاه، أيكون حرا ويكون المال له في قول مالك؟ قال: أراه للعبد ولا أرى فيه تخميسا وليس الخمس إلا فيما أوجف عليه. ابن وهب عن ابن لهيعة. عن عقيل عن ابن شهاب، أن المغيرة بن شعبة نزل وأصحاب له بأيلة فشربوا خمرا حتى سكروا، وناموا معهم وهم يومئذ كفار قبل أن يسلم المغيرة بن شعبة، فقام إليهم المغيرة فذبحهم جميعا ثم أخذ ما كان لهم من شيء، فسار به حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم المغيرة بن شعبة ودفع المال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نخمس مال أحد غصبا"، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المال في يد المغيرة بن شعبة. ابن وهب عن عمر بن الحارث والليث بن سعد عن بكير بن الأشج أن المغيرة بن شعبة أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتل أصحابه، وجاء بغنائمهم فترك رسول الله ذلك المال للمغيرة وهو كافر وهم كفار. الليث عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال في قبطي فر من أرض العدو بمال وعليه الجزية، قال: المال مال الذي فر به وإن جاء مسلما فالمال ماله وهو من المسلمين. ابن وهب، عن عقبة بن نافع عن يحيى بن سعيد أنه قال: من أسره العدو فائتمنوه على شيء من أموالهم فليؤد أمانته إلى من ائتمنه، وإن كان مرسلا يقدر على أن يتخلص منهم ويأخذ من أموالهم ما قدر عليه ما لم يؤتمن عليه فليفعل.

في عبيد أهل الحرب يسلمون
في العبد من أهل الحرب يسلم
في دار الحرب فيشتريه رجل من المسلمين
قلت: أرأيت لو أن عبدا لرجل من المشركين في دار الحرب أسلم فدخل إليهم رجل من المسلمين بأمان فاشتراه، أيكون رقيقا له أم لا في قول مالك؟ قال: لا أحفظ قول مالك في هذه المسألة بعينها، ولكني أراه رقيقا، لأنه لو أسلم عبد الحربي في دار الحرب ولم يسلم سيده وهو في دار لحرب والعبد في يده، كان رقيقا ما لم يخرج إلينا، فإذا باعه قبل خروجه إلينا فهو رقيق مثل ما صنع مولى بلال وشراء أبي بكر بلالا، قال: ولأن مالكا قال في عبد من عبيد المسلمين سباه أهل الشرك، فاشتراه منهم رجل من المسلمين: إنه رقيق، فكذلك العبد إذا أسلم في دار الحرب ومولاه حربي أنه رقيق، إن اشتراه منه أحد من المسلمين فهو رقيق له ولو أسلم عليه سيده في دار الحرب قبل أن

في عبيد أهل الحرب يسلمون في دار الحرب فيغنمهم المسلمون
قلت: أرأيت لو أن جيشا من المسلمين غزوهم فغنموا أولئك العبيد الذين أسلموا وهم في دار الحرب بعدوهم في أيدي ساداتهم؟ قال: لم أسمع من مالك في ذلك شيئا، وأرى أنهم أحرار لأنهم أسلموا، وليس لأحد من المسلمين عليهم ملك يردون إليه، فهؤلاء أحرار حين غنمهم أهل الإسلام لأن أهل الإسلام حين حازوهم إليهم فكأنهم أخرجوهم إلينا، ألا ترى أنهم يخرجونهم أحرارا، فكذلك إذا حازوهم أهل الإسلام وغنموهم فهم أحرار، وكذلك قال الأوزاعي: هو حر وهو آخرهم.

في استرقاق العرب إذا سبو
ا
قلت: أرأيت العرب إذا سبوا هل عليهم الرق في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا أقوم عليه لك، وهم في منزلة الأعاجم.

في الحربي المستأمن يموت ويترك مالا ما حال ماله
قلت: أرأيت لو أن رجلا من أهل الحرب دخل إلينا بأمان فمات عندنا وترك مالا ما، حال ماله هذا أيكون فيئا أم يرد إلى ورثته؟ قال: يرد إلى ورثته وهو قول مالك. قال: وقد سئل مالك عن رجل من أهل الحرب دخل إلينا بأمان فقتله رجل من المسلمين؟ قال مالك: ويدفع ديته إلى ورثته في بلاد الحرب، فهذا يدلك على مسألتك أن ماله لورثته، قال مالك: وتدفع ديته وماله إلى حكامهم، وأهل النظر لهم حتى كأنهم كانوا تحت أيديهم ماتوا عندهم.

في محاصرة العدو وفيهم المسلمون أسارى
قلت: أرأيت لو أن رجالا من المشركين في حصن من حصونهم حاصرهم أهل الإسلام، وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم أيحرق هذا الحصن وفيه هؤلاء الأسارى أو يغرق هذا الحصن؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين في البحر في مراكبهم أخذوا أسارى من المسلمين، فأدركهم أهل الإسلام أرادوا أن

في تحريق العدو مراكب المسلمين
قلت: أرأيت السفينة إذا أحرقها العدو وفيها أهل الإسلام، أكان مالك يكره لهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر، وهل تراهم قد أعانوا على أنفسهم؟ قال: بلغني أن مالكا سئل عنه فقال: لا أرى به بأسا إنما فروا من الموت إلى الموت. وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أيما رجل يفر من النار إلى أمر يعرف أن فيه قتله، فلا ينبغي له إذا كان إنما يفر من موت إلى موت أيسر منه، فقد جاء ما لا يحل له، وإن كان إنما يجتهد في ذلك رجاء النجاة منه ويقيم لعله أن يرى قرية أو يكون الأسر أرجى عنده أن يخلوه إلى الإسلام وأهله من الإقامة في النار، فكان متحملا لأمر عظيم يرجو النجاة فيه فلا جناح عليه وإن عطب فيه. قال ابن وهب: وبلغني عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: إن صبر فقد أكرم إن شاء الله تعالى، وإن اقتحم فقد عوفي ولا بأس إن شاء الله. ابن وهب، وسئل ربيعة عن قوم كانوا في سفينة فانخرقت أيثقل الرجل نفسه بسلاحه فيغرق، أم يعوم

فيلتمس النجاة بالغا ما بلغ أرأيت إن كان بقرب عدو فهو يخاف أن يؤسر إن عام؟ قال ابن وهب: قال ربيعة: كلاهما لا أحبهما، ولكن ليثبت في مركبه حتى يقضي الله.

في قسم الفيء وأرض الخراج والخمس
قلت: أرأيت الفيء كيف يقسم وهل سمعت من مالك فيه شيئا؟ قال: قال مالك: الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال. قال: وبلغني عمن أثق به أن مالكا قال: ويعطي الإمام أقرباء رسول الله على قدر ما يرى ويجتهد، وأما جزية الأرض فإنه لا علم لي بها ولا أدري كيف كان يصنع فيها، إلا أن عمر بن الخطاب قد أقر الأرض، فلم يقسمها بين الناس الذين افتتحوها، وكنت أرى لو أن نزل هذا بأحد سأل أهل تلك البلدة وأهل العلم والأمانة كيف كان الأمر فيه، فإن وجد علما يشفيه وإلا اجتهد في ذلك هو ومن حضره من المسلمين. قال ابن القاسم وأخبرني من أثق به عن مالك، أنه قال في المال الذي يقسم في وجوه مختلفة ينظر في البلد الذي فيه ذلك المال وفي غيره من البلدان، فإن رأى غيره من البلدان والبلد الذي فيه المال متكافئين في الحاجة، بدئ بالذي فيه المال وأعطاهم بقدر ما يسعهم ويغنيهم، فإن فضل فضل أعطاه غيرهم أو يوقفه إن رأى ذلك لنوائب أهل الإسلام، فإن كان في غير البلدة من هو أشد حاجة منهم فقد يأتي على بعض أهل البلدان بعض الزمان وبهم حاجة شديدة من الجدوبة وهلاك المواشي والحرث وقلة المال، فإذا كان على ذلك أعطى أهل ذلك البلد الذي فيه المال من ذلك المال، وينقل أكثر ذلك المال إلى البلد الذي فيه الجدوبة والحاجة، وكذلك حق أهل الإسلام إنما هم أهل الإسلام وإن تفرقوا في البلدان والمنازل لا يقطع ذلك حقهم. قلت: أرأيت الفيء الذي قال مالك يجعل الفيء والخمس في بيت المال، أي فيء هذا؟ قال ما أصيب من العدو فخمس، وكل أرض افتتحها أهل الإسلام بصلح فهذا فيء لأن المسلمين لم يكن لهم أن يقتسموها وأهلها على ما صالحوا عليه فهذا فيء، وكل أرض افتتحوها عنوة فتركت لم تقسم ولو أرادوا أن يقسموها لقسموها فتركوها لأهل الإسلام، فهذا الذي قال مالك يجتهد الإمام فيها ومن حضره من المسلمين، وأما الجماجم في خراجهم فلم يبلغني عن مالك فيه شيء إلا أني أرى الجماجم تبعا للأرض إذا كانوا عنوة أو صلحا. ابن وهب، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص يوم افتتح العراق: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس قد سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم وما أفاء الله عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس عليك إلى العسكر من كراع أو مال، فاقسمه بين من حضر من المسلمين واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك لو

قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بقي بعدهم شيء. قلت لابن القاسم: فما قول مالك في هذا الفيء أيسوى بين الناس فيه أم يفضل بعضهم على بعض؟ قال: قال مالك: يفضل بعضهم على بعض، ويبدأ بأهل الحاجة حتى يغنوا منه.

في قسم الفيء من الجزية وجائزة الإمام
قلت: أرأيت جزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة وما صالح أهلها عليها، ما يصنع بهذا الخراج قال: قال مالك: هذه جزية والجزية عند مالك فيما يعلم من قوله فيء كله. قال سحنون: وقد أعلمتك ما قال مالك في العنوة، قلت لابن القاسم: فمن يعطى هذا الفيء وفيمن يوضع؟ قال: قال مالك: في كل أهل بلدة افتتحوها عنوة أو صالحوا عليها هم أحق بها، يقسم عليهم ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ولا يخرج عنهم إلى غيرهم إلا أن ينزل بقوم حاجة، فينقل منهم إليهم بعد أن يعطي أهلها. يريد ما يغنيهم على وجه النظر أو الاجتهاد، قال ابن القاسم: وبذلك كتب عمر بن الخطاب: لا يخرج فيء قوم إلى غيرهم، قال: ورأيت مالكا يأخذ بالحديث الذي كتب به عمر بن الخطاب إلى عمار بن ياسر وصاحبيه إذ ولاهم العراق، حين قسم لأحدهم نصف شاة وللآخرين ربعا ربعا فكان في كتاب عمر إليهم: إنما مثلي ومثلكم في هذا المال كما قال الله جل ثناؤه في ولي اليتيم {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]. قال ابن القاسم قال مالك: يبدأ بالفقراء في هذا الفيء، فإن فضل شيء كان بين جميع المسلمين كلهم بالسواء، إلا أن يرى الوالي أن يحبسه لنوائب من نوائب أهل الإسلام، فإن كان كذلك رأيت ذلك له، قال ابن القاسم: والناس في ذلك سواء عربيهم ومولاهم، وذلك أن مالكا حدثني أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: أيها الناس إني عملت عملا وإن صاحبي عمل عملا وإن بقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلاهم. قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب قال: ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق، أعطيه وأمنعه حتى لو كان راعيا أو راعية بعدن قال: ورأيت مالكا يعجبه هذا الحديث وكان مالك يقول: قد يعطي الوالي الرجل يجيزه لأمر يراه فيه على وجه الدين أي على وجه الدين من الوالي يجيزه لقضاء دينه بجائزة أو لأمر يراه قد استحق الجائزة، فلا بأس على الوالي بجائزة مثل هذا ولا بأس أن يأخذها هذا الرجل، قلت: أيعطي المنفوس من هذا المال؟ قال: نعم قد أخبرني مالك أن عمر بن الخطاب مر ليلة فسمع صبيا يبكي، فقال لأهله: ما لكم لا ترضعونه؟ فقال أهله: إن عمر بن الخطاب لا يفرض للمنفوس حتى يفطم وإنا فطمناه، قال: فولى عمر وهو يقول كدت والذي نفسي بيده أن أقتله، ففرض للمنفوس من ذلك

اليوم مائة درهم، قلت: فإن كان هذا المنفوس والده غني أليس يبدأ بكل منفوس والده فقير في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي. قلت: أفكان يعطي النساء من هذا المال فيما سمعت من مالك؟ فقال: سمعت مالكا يقول: كان عمر بن الخطاب يقسم للنساء حتى أن كان ليعطيهن المسك، ومجمل ما رأيت من قول مالك أنه يبدأ بالفقيرة منهن قبل الغنية؟ قال: نعم. قلت: أرأيت ما قول مالك يسوي بين النساء في هذا الفيء، أرأيت الصغيرة والكبيرة والمرأة والرجل أهم فيه سواء؟ قال: إنما تفسيره أن يعطي كل إنسان بقدر ما يغنيه، الصغير بقدر ما يغنيه، والكبير بقدر ما يغنيه، والمرأة بقدر ما يغنيها، هذا تفسير قوله عندي يسوي بين الناس في هذا المال، قلت: فإن فضل بعدما استغنى أهل الإسلام من هذا المال فضل؟ فقال: ذلك على وجه اجتهاد الإمام، إن رأى أن يحبس ما بقي لنوائب أهل الإسلام حبسه، وإن رأى أن يفرقه على أغنيائهم فرقه وكذلك قال مالك. قلت: أهذا الفيء حلال للأغنياء؟ فقال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال ابن القاسم: ولقد حدثني مالك أنه أتي بمال عظيم من بعض النواحي في زمن عمر بن الخطاب، قال فصب في المسجد فبات عليه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص يحرسونه، فلما أصبح كشف عنه أنطاع أو مسوح كانت عليه فلما أصابته الشمس انفلقت وكانت فيه تيجان، فبكى عمر بن الخطاب، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين ليس هذا حين بكاء إنما هذا حين شكر، فقال: إني أقول ما فتح الله هذا على قوم قط إلا سفكوا عليه دماءهم وقطعوا أرحامهم، ثم قال لابن الأرقم: اكتب لي الناس فكتبهم ثم جاء بالكتاب، فقال له: هل كتبت الناس؟ قال: نعم قد كتبت المهاجرين والأنصار والمهاجرين من العرب والمحررين يعني المعتقين، قال: فقال له عمر: ارجع فاكتب فلعلك تركت رجلا لم تعرفه، أراد أن لا تترك أحدا ففي هذا ما يدلك أن عمر كان يقسم لجميع الناس. قال: وسمعت مالكا يذكر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر في زمن الرمادة، قال: فقلنا لمالك: وزمن الرمادة أكانت سنة أو سنتين؟ فقال: بل كانت ست سنين، قال: فكتب إليه، واغوثاه واغوثاه واغوثاه، قال فكتب إليه عمرو بن العاص: لبيك لبيك لبيك، قال: فكان يبعث إليه بالبعير عليه الدقيق في العباء قال فيقسمها عمر بن الخطاب فيدفع الحمل ببعيره كما هو إلى أهل البيت فيقول لهم: كلوا دقيقه والتحفوا العباءة وانحروا البعير وائتدموا شحمه وكلوا لحمه.

باب السلب
يبلغني أن ذلك كان إلا يوم حنين، قال مالك: وإنما ذلك إلى الإمام يجتهد فيه في النفل. قلت: أرأيت النفل هل يصلح للإمام أن ينفل بعدما صارت الغنيمة في يديه، أو هل يصلح له أن ينفل من قبل أن يغنموا، يقول من جاء بشيء فله ثلثه أو خمسه أو نصفه أو ما أشبه ذلك، قال: سئل مالك عن النفل أيكون في أول مغنم؟ قال: ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام، ليس عندنا في ذلك أمر معروف إلا الاجتهاد من الإمام قال: ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في مغازيه كلها، وقد بلغني أنه نفل في بعضها، وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول مغنم وفيما بعده. قلت: ففي قول مالك هذا أنه لا بأس بأن ينفل الإمام في الغنيمة بعدما صارت غنيمة وصارت في يديه؟ قال: نعم على وجه الاجتهاد منه، ولا يكون ذلك إلا في الخمس، كذلك قال لي مالك لا نفل إلا في الخمس. قلت: أرأيت هذا الذي نفله الإمام للناس أهو من الخمس أم هو من جملة الغنيمة؟ قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: النفل من الخمس مثل قول سعيد بن المسيب، قلت: قبل أن يغنموا أو بعد أن يغنموا أهو من الخمس في قول مالك؟ قال: أما ما نفل الإمام بعد الغنيمة من الخمس فذلك جائز عند مالك، وأما ما نفل قبل الغنيمة فذلك عنده لا يجوز. ابن وهب عن سعيد بن عبد الرحمن الجعفي عن صالح بن محمد بن زائدة الليثي، أن مكحولا حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نفل من نفل يوم خيبر من الخمس ابن وهب، قال مالك وأخبرني أبو الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إنما كان الناس يعطون النفل من الخمس، قال: قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت، ابن وهب عن سليمان بن بلال وغيره عن يحيى بن سعيد، أنه سمع ابن المسيب يقول ذلك. قال ابن وهب وأخبرني مالك ورجال من أهل العلم، عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله بعث سرية فيها عبد الله بن عمر فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا1. وابن وهب عن ابن لهيعة عن سليمان بن موسى أنه قال: لا نفل في عين ولا فضة. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: بلغنا أن من الأنفال السلب والفرس، وقد بلغنا أن رسول الله كان ينفل بعض من كان يبعث من السرايا فيعطيهم النفل خاصة لأنفسهم سوى قسم عامة الجيش. مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد، أنه سمع رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال، فقال عبد الله بن عباس: الفرس من النفل والسلب من النفل، ثم أعاد المسألة فقال: الأنفال التي قال الله تبارك وتعالى ما هي؟ قال القاسم بن محمد: فلم يزل يسأله حتى كاد أن يحرجه فقال ابن عباس أتدرون ما مثلي ومثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الجهاد حديث 15 وذكر فيها أن السرية كانت قبل نجد. ورواه البخاري في كتاب فرض الخمس باب 15. مسلم في كتاب الجهاد والسير حديث 35.

في ندبة الإمام إلى القتال بجعل
قلت: أرأيت إن قال الإمام من يقاتل في موضع كذا فله كذا وكذا، ومن يقتل من العدو رجلا وجاء برأسه فله كذا وكذا، أو بعث سرية في وجه من الوجوه فقال ما غنمتم من شيء فلكم نصفه؟ قال: سمعت مالكا يكره هذا كراهة شديدة، ويكره أن يقال لهم قاتلوا ولكم كذا وكذا، ويقول: أكره أن يقاتل أحد على أن يجعل له جعل وكرهه كراهة شديدة أن يسفك دم نفسه على مثل هذا، وقال مالك: ما نفل رسول الله إلا من بعد ما برد القتال، فقال: "من قتل قتيلا تقوم له عليه بينة فله سلبه," وفي رسول الله أسوة حسنة1 فكيف يقال بخلاف ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسن؟ ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولا عمل به بعد حنين، ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن ذلك أو أمر به فيما بعد حنين، كان ذلك أمرا ثابتا قائما ليس لأحد فيه قول، ثم كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الجيوش، فلم يبلغنا أنه فعل ذلك، ثم كان عمر بن الخطاب بعده فلم يبلغنا أيضا أنه فعل ذلك. قلت: أرأيت لو أن قوما من المسلمين أسارى في بلاد الشرك أو تجارا استعان بهم صاحب تلك البلاد على قوم من المشركين ناوءوه من أهل مملكته أو من غير أهل مملكته، أترى أن يقاتلوا معه أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول في الأسارى يكونون في بلاد المشركين فيستعين بهم الملك على أن يقاتلوا معه عدوه ويجاء بهم إلى بلاد المسلمين؟ قال: قال مالك: لا أرى أن يقاتلوا على هذا ولا يحل لهم أن يسفكوا دماءهم على مثل ذلك، قال مالك: وإنما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك، فأما أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر ويسفكوا دماءهم في ذلك، فهذا مما لا ينبغي ولا ينبغي لمسلم أن يسفك دمه على هذا.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الجهاد حديث 18 عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي ولكن بدون "وفي رسول الله أسوة حسنة" . البخاري في كتاب فرض الخمس باب 18. مسلم في كتاب الحهاد والسير حديث 41.

في السهمان
قلت : فكم يجب للفرس في الغنيمة؟ قال: سهمان للفرس وسهم لفارسه عند مالك فذلك ثلاثة أسهم، قلت: فالبراذين؟ قال: قال مالك: إذا أجازها الوالي فسهمانها كسهمان الخيل لها سهمان وللفارس سهم. قلت: أرأيت البغل والحمار أراجل هو أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وما أشك أنه راجل، قلت: أرأيت البعير؟ قال: ما سمعت فيه شيئا، وما أشك أنه راجل، ولقد غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبل فلم يعلم أنه قسم إلا للخيل. قلت: أرأيت إن حملوا الخيل معهم في السفن فلقوا العدو فغنموا، بكم يضرب للفارس؟ قال: يضرب له ثلاثة أسهم، للفرس سهمان وللفارس سهم وهو قول مالك. قلت: أرأيت لو أن قوما عسكروا في أرض العدو وفيهم أصحاب خيل ورجالة فسروا رجالة فغنموا غنائم وهم رجالة، أيكون للفارس أن يضرب له بسهمي الفرس وهم

رجالة؟ قال: نعم وذلك أن مالكا قال لي في السرية إذا خرجت من العسكر فغنمت: إن ذلك بين أهل العسكر وبين أهل السرية بعد خروج الخمس، ولم يذكر راجلا من فارس فهذا بينهم لا شك فيه أن للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما. قلت: فبكم يضرب إن كان معه فرسان في قول مالك؟ قال: قال مالك: يضرب له بسهم فرس ولا يزاد على ذلك. قال مالك وخلافه بلغني أن الزبير بن العوام شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرسين يوم حنين فلم يسهم له إلا بسهم فرس واحد. قلت: أرأيت من دخل من أرض المسلمين على فرس فنفق فرسه في أرض العدو فلقي العدو راجلا، أو دخل راجلا فاشترى في بلاد العدو فرسا فلقي العدو فارسا كيف يضرب له وهل سمعت من مالك فيه شيئا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكني سمعت مالكا يقول: إذا دخل الرجل أرض العدو غازيا فمات قبل أن يلقى المسلمون عدوا وقبل أن يغنموا غنيمة ثم غنم المسلمون بعد ذلك أنه لا شيء لمن مات قبل الغنيمة، قال مالك: وإن لقوا العدو فقاتل معهم ثم مات قبل أن يغنموا ثم غنموا بعدما فرغوا من القتال وقد مات الرجل قبل أن يغنموا، إلا أنه قد قاتل معهم أو كان حيا، قال مالك: أرى أن يضرب له بسهم، فالفرس إن نفق بمنزلة إن اشتراه فشهد به القتال، فإنما له من يوم اشتراه وإن مات قبل أن يلقى العدو فلا شيء له. ابن وهب، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للفرس سهمين وللفارس سهما. ابن وهب، عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد وصالح بن كيسان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم للفارس يوم حنين سهمين سهمين، وقسم يوم النضير لستة وثلاثين فرسا سهمين سهمين ابن وهب عن أسامة بن زيد عن مكحول، حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للفرس سهمين وللفارس سهما. ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز: أن السهمين فريضة فرضها رسول الله للفرس وسهما للراجل ابن وهب، وأخبرني سفيان بن سعيد الثوري عن عمرو بن ميمون عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: إذا بلغت البراذين مبلغ الخيل فألحقها بالخيل ابن وهب عن سفيان الثوري عن هشام بن حسان عن الحسن أنه قال: الخيل والبراذين سواء في السهمين.

في سهمان النساء والتجار والعبيد
قلت: أرأيت الصبيان والعبيد والنساء هل يضرب لهم في الغنيمة بسهم إذا قاتلوا في قول مالك؟ قال: لا، قلت: أفيرضخ لهم في قول مالك؟ قال: سألنا مالكا عن النساء هل يرضخ لهن من الغنيمة؟ قال: ما سمعت أحدا أرضخ للنساء، والصبيان عندي بمنزلة النساء، وقد قال مالك في العبيد: ليس لهم سهم. قلت: أرأيت التجار إذا خرجوا في عسكر المسلمين، أيرضخ لهم أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول في الأجير: إنه إذا شهد

في سهمان المريض والذي يضل في أرض العدو
قلت: أرأيت الرجل يخرج غازيا فلا يزال مريضا حتى شهد القتال وتحرز الغنيمة، أيكون له فيها سهم أم لا؟ قال مالك: نعم له سهمه. قال ابن القاسم، وبلغني عن مالك أنه قال في الفرس إذا رهص: أنه يضرب له بسهم وهو بمنزلة الرجل المريض. قال ابن القاسم: قال مالك في القوم يغزون في البحر يسيرون يوما فتضربهم الريح فتفرقهم الريح، وترد الريح بعضهم إلى بلاد المسلمين ويمضي بعضهم إلى أرض العدو فيلقون العدو فيغنمون؟ قال مالك: إن كان إنما ردتهم الريح وليس هم رجعوا، فلهم سهمانهم في الغنيمة مع أصحابهم. قلت: أرأيت إن غزا المسلمون أرض العدو فضل منهم رجل فلم يرجع إليهم حتى لقي العدو المسلمون فقاتلوهم فغنموا ثم رجع الرجل إليهم أيكون له في الغنيمة؟ قال: قد أخبرتك بقول مالك في الذين ردتهم الريح وهم في بلاد المسلمين فجعل لهم سهمانهم في الغنيمة التي غنمها أصحابهم، فهذا الذي ضل في بلاد العدو أحرى أن يكون له في الغنيمة نصيب.

في الجيش يحتاجون إلى الطعام والعلف بعد أن يجمع في المغنم
قلت: أرأيت الطعام والعلف في بلاد المشركين إذا جمع في الغنائم فيحتاج رجل

إليه، أيأكل منه بغير إذن الإمام في قول مالك؟ قال: قال مالك: سنة الطعام والعلف في أرض العدو أنه يؤكل وتعلف الدواب منه، ولا يستأمر فيه الإمام ولا غيره. قال مالك: والطعام هو لمن أخذه يأكله وينتفع به وهو أحق به، قال مالك: والبقر والغنم أيضا لمن أخذها يأكل منها وينتفع بها ابن وهب، عن عمرو بن الحارث عن بكير بن سواد الجذامي حدثه، أن زياد بن نعيم حدثه أن رجلا من بني ليث حدثه، أن عمه حدثه: أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فكان النفر يصيبون الغنم العظيمة ولا يصيب الآخرون إلا شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم أطعمتم إخوانكم" ، قال: فرميناهم بشاة شاة حتى كان الذي معهم أكثر من الذي معنا. قال بكر: فما رأيت أحدا قط يقسم الطعام كله ولا ينكر أخذه، ولكن يستمتع آخذه به ولا يباع، فأما غير الطعام من متاع العدو فإنه يقسم ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن سعيد عن مكحول قال: قال معاذ بن جبل: قد كان الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكلون ما أصابوا من البقر والغنم ولا يبيعونها، وأن رسول الله أصاب غنما يوم حنين فقسمها وأخذ الخمس منها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابوا البقر والغنم لم يقسم للناس إذا كانوا لا يحتاجون إليها. وقال يحيى بن سعيد عن مكحول، إن شرحبيل بن حسنة باع غنما وبقرا فقسمه بين الناس، فقال معاذ بن جبل: لم يسئ شرحبيل إذ لم يكن المسلمون محتاجين أن يذبحوها فترد على أصحابها يبيعونها فيكون ثمنها من الغنيمة في الخمس إذا كان المسلمون لا يحتاجون إلى لحومها ليأكلوها. ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن، عن رجل حدثه عن هانئ بن كلثوم أن عمر بن الخطاب كتب إلى صاحب جيش الشام يوم تخلف أن دع الناس يأكلون ويعلفون، فمن باع شيئا من ذلك بذهب أو فضة فقد وجب فيه خمس الله وسهام المسلمين. سحنون، عن أنس بن عياض عن الأوزاعي عن أسيد بن عبد الرحمن عن خالد بن الدريك عن ابن محيريز، قال: سمعت فضالة بن عبيد يقول: من باع طعاما أو علفا بأرض الروم مما أصاب منها بذهب أو فضة فقد وجب فيه حق الله وهي للمسلمين. قلت: أرأيت لو أصابوا بقرا كثيرا فأخذ الناس حاجاتهم وفضل فضلة من الغنم والبقر فجمعها الوالي وضمها إلى الغنائم، ثم احتاج الناس إلى اللحم أو بعضهم أيكون لمن احتاج إلى اللحم أن يأخذ من تلك البقر أو تلك الغنم بمنزلة الطعام بغير أمر الوالي، أو تراه واسعا له في قول مالك ولا يكون البقر والغنم من الغنائم؟ قال: سمعت مالكا يقول في البقر والغنم: إنها بمنزلة الطعام يذبحونها ويأكلونها بغير أمر الإمام، ولم أسمع من مالك إذا حازها الإمام شيئا، قال ابن القاسم: ولا أرى به بأسا قلت هل وسع مالك في شيء من الغنيمة ما خلا الطعام والشراب أن يؤخذ؟ قال: وسئل مالك عن جلود البقر والغنم يجدها المسلمون في

الغنائم؟ قال: قال مالك: لا أرى به بأسا إذا احتاجوا إليها أن يحتذوا منها نعالا ويجعلوا منها على أكتافهم، أو يجعلوا منها حزما أو يصلحوا منها أخفافهم، أو يتخذوا منها أخفافا إن احتاجوا إليها.
قلت: أرأيت السلاح يكون في الغنيمة فيحتاج رجل من المسلمين إلى سلاح يقاتل به، أيأخذه فيقاتل به بغير إذن الإمام؟ قال: سمعت مالكا يقول في البراذين تكون في الغنيمة فيحتاج رجل من المسلمين إلى دابة يركبها يقاتل عليها ويقفل عليها، قال: يركبها يقاتل عليها ويركبها حتى يقفل إلى أهله، يريد أرض الإسلام إن احتاج إلى ذلك ثم يردها إلى الغنيمة، قلت: فإن كانت الغنيمة قد قسمت؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى إن كانت قد قسمت أن يبيعها ويتصدق بثمنها، فالسلاح إذا احتاج أن يقاتل به بهذه المنزلة. قلت: أرأيت إن احتاج رجل إلى شيء من ثياب الغنيمة أيلبسه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى بأسا أن يلبسه حتى يقدم به موضع الإسلام، فإذا قدم موضع الإسلام رده وهو بمنزلة البراذين. قال سحنون: وقد روى علي بن زياد عن ابن وهب أن مالكا قال: لا ينتفع بدابة ولا بسلاح ولا بثوب، ولو جاز ذلك لجاز أن يأخذ الدنانير فيشتري بها، وقال بعض الرواة ما قال ابن القاسم واستحسنوه ورأوه صوابا. قلت لابن القاسم: أرأيت إن حاز الإمام هذه الثياب وهذه الجلود فاحتيج إليها بعدما حازها الإمام، أيكون لهم أن ينتفعوا بها كما كان لهم ذلك قبل أن يحوزها الإمام؟ قال: نعم ابن وهب عن مسلمة عن زيد بن واقد عن مكحول وسليمان بن موسى قالا: لا يتقي الطعام بأرض العدو ولا يستأذن فيه الأمير، ولا يتقيه أن يأخذه من سبق إليه، فإن باع إنسان شيئا من الطعام بذهب أو فضة فلا تحل له، وهو حينئذ من المغانم وذكر أن هذا الخبر من الطعام هو السنة والحق. ابن وهب عن مسلمة عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن رجل من قريش قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر جاع بعض الناس، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم، فلم يجدوا عنده شيئا فافتتحوا بعض حصونها فأخذ رجل من المسلمين جرابا مملوءا شحما، فبصر به صاحب المغانم وهو كعب بن زيد الأنصاري فأخذه، فقال الرجل: لا والله لا أعطيكه حتى أذهب به إلى أصحابي، فقال: أعطنيه أقسمه بين الناس، فأبى وتنازعاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خل بين الرجل وبين جرابه", فذهب به إلى أصحابه1.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب فرض خمس باب 20. كتاب الذبائح باب 22. مسلم في كتاب الجهاد حديث 73,72. أبو داود في كتاب الجهاد باب 27. النسائي في كتاب الضحايا باب 38. الدارمي في كتاب السير باب 56. أحمد في مسنده "4/378,311" "4/86".

في العلف والطعام يفضل منه
مع الرجل فضلة بعدما يقدم بلده
ابن وهب عن ابن لهيعة عن حيوة بن شريح عن خالد بن أبي عمران عن القاسم وسالم، أنهما سألا عن الرجل يجد في منازل الروم الطعام والودك الذي يغنم فيحمل منه

حتى يقدم به إلى أهله فيأكله في القرار؟ فقالا: لا بأس بذلك، فقيل لهما: أفيحل له بيعه؟ فكرها بيعه؟ قلت: أرأيت الرجل يأخذ العلف في دار الحرب فيعلف دابته فيفضل منه فضلة بعدما خرج إلى دار الإسلام؟ قال: سمعت مالكا يسأل عن الطعام يأخذه الرجل في دار الحرب فيخرج ومعه منه فضلة، قال مالك: لا أرى بأسا إذا كان شيئا يسيرا، قلت: أرأيت إن كان له بال؟ قال: إذا كان له بال تصدق به قلت: أرأيت الرجل يقرض الطعام في دار الحرب مما أصابه في دار الحرب أيكون هذا قرضا أم لا؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يكون في أرض العدو مع الجيش فيصيب الطعام، فيكون في الطعام فضل فيسأله بعض من لم يصب طعاما أن يبيع منه؟ قال: قال مالك: لا ينبغي له ذلك، وقال: إنما سنة العلف أن يعلف فإن كان استغنى عن شيء أعطاه أصحابه، فهذا يدلك على أن القرض ليس بقرض ولا أرى القرض يحل فيه، فإن نزل وأقرض لم يكن على الذي أقرض شيء ابن وهب عن جرير بن حازم عن أشعث بن سوار بن أبي محمد قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى وكان ممن بايع تحت الشجرة يوم الحديبية، وهو ممن أسلم، عن الطعام هل كان يقسم في المغانم؟ فقال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نقسم طعاما إذا أصبناه في المغانم ابن وهب، عن عطاء بن أبي خالد القرشي عن رجل حدثه عن سعيد بن المسيب، أنه سئل عن الطعام يأخذونه في أرض العدو من العسل والدقيق وغير ذلك؟ فقال: لا بأس به. ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن رجل من أهل الأردن، حدثه عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنا نأكل الجزر في أرض العدو ولا نقسمه، حتى أن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملوءة ابن وهب عن ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد أنه قال: قد رأينا الناس في الغزو وما الطعام إلا لمن أخذه، فإذا كان ذلك كان الذي عليه أمر الناس فمن أخذه أكله وأطعمه أهله إلا أن يكون بالجيش إليه حاجة بادية، فإنه يكره أن يذهب به إلى أهله وبالناس إليه من الحاجة ما بهم، فإن لم تكن بهم حاجة إليه فليأكله وليطعمه أهله ولا يبيع منه شيئا ابن وهب عن مسلمة بن علي عن زيد بن واقد قال، قال القاسم بن مخيمرة: أما شيء اصطنعته من عيدان أرض الروم أو فخارها فلا بأس أن تخرج به، وأما شيء تجده مصنوعا فلا تخرج به. وقال مكحول في المصنوع مثله إلا أن يشتريه من المقسم. قال ابن وهب: وقال زيد بن واقد وقال سليمان بن موسى: لا بأس أن يحمل الرجل طعاما إلى أهله من أرض العدو، وقد كان الناس فيما أدركنا وما لم ندرك فيما بلغنا عنهم يحملون القديد حتى يقدموا به إلى أهليهم فلا ينهون عن ذلك ولا يعاب عليهم إلا أن يباع، فإن بيع بعد أن يخرج به فإن وقع في أهله صار مغنما. ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران، أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن

عبد الله عن الرجل يصيد الطير في أرض العدو والحيات، أيبيعه ويأكل ثمنه؟ قالا: نعم، وسألتهما عن رجل يكون له غلام يعمل الفخار في أرض العدو فيبيعه أيحل له ثمن ما باع منها؟ قالا: نعم، قلت: وإن كثر حتى بلغ مالا كثيرا؟ قالا: نعم وإن كثر. قال ابن القاسم: ولقد سألنا مالكا عن القوم يكونون في الغزو فيصيب بعضهم القمح وآخرون العسل وآخرون اللحم، فيقول الذين أصابوا اللحم للذين أصابوا العسل أو أصابوا القمح أعطونا مما معكم ونعطيكم مما معنا يتبادلون ولو لم يعطوهم لم يعطوهم شيئا؟ قال: قال مالك: ما أرى به بأسا في الطعام والعلف، إنما هذا كله للأكل فلا أرى به بأسا أن يبدل بعضهم لبعض بحال ما وصفت لك، قال: قال مالك: والعلف كذلك. قلت: أرأيت ما اتخذه الرجل في بلاد الحرب من سرج تحته أو سهم يراه أو مشجب صنعه أو ما يشبه ذلك، ما عليه في قول مالك؟ قال: هو له ولا شيء عليه فيه، ولا يخمس ولا يرفعه إلى مقسم وهذا قول مالك. ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن سوادة، أنه قال: رأيت الناس ينقلبون بالمشاجب والعيدان لا يباع في المقسم لنا منه شيء سحنون: معناه إذا كان يسيرا وقد قيل إنه يأخذ إجارة ما عمل فيه، والباقي يصير فيئا إذا كان له قدر.

في عرقبة البهائم والدواب وتحريق السلاح والطعام في أرض العدو
قلت: أرأيت البقر والغنم والدواب والطعام والسلاح والأمتعة من متاع الروم ودوابهم وبقرهم وطعامهم، وما ضعف عنه أهل الإسلام من أمتعات أنفسهم وما قام عليهم من دوابهم، كيف يصنع بهذا كله في قول مالك؟ قال: قال مالك: يعرقبون الدواب أو يذبحونها، قال: وكذلك البقر والغنم، قال: وأما الأمتعات والسلاح فإن مالكا قال: تحرق، قلت: فالدواب والبقر والغنم هل تحرق بعدما عرقبت؟ قال: ما سمعته يقول تحرق، ولقد قال مالك في الرجل تقف عليه دابته: إنه يعرقبها أو يقتلها ولا يتركها للعدو ينتفعون بها.

في الاستعانة بالمشركين على قتال العدو
قلت: هل كان مالك يكره أن يستعين المسلمون بالمشركين في حروبهم؟ قال: سمعت مالكا يقول: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن أستعين بمشرك1", قال: ولم أسمعه يقول في ذلك شيئا، قال ابن القاسم: ولا أرى أن يستعينوا بهم يقاتلون معهم إلا أن يكونوا نواتية أو خداما، فلا أرى بذلك بأسا. ابن وهب عن الفضيل بن أبي عبد الله
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب 142. ابن ماجة في كتاب الجهاد باب 27. الدارمي في كتاب السير 53. أحمد في مسنده "6/149,68" .

في أمان المرأة والعبد والصبي
قلت: أرأيت أمان المرأة والعبد والصبي هل يجوز في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول أمان المرأة جائز، وما سمعته يقول في العبد والصبي شيئا أقوم بحفظه وأنا أرى أمانهما جائز، إلا أنه جاء في الحديث أنه يجير على المسلمين أدناهم إذا كان الصبي يعقل الأمان سحنون وقال غيره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال في أم هانئ وفي زينب: قد أمنا من أمنت يا أم هانئ، وفيما أجاز من جوار زينب أنه إنما كان من بعد ما نزل الأمان، وقد يكون الذي كان من إجارته ذلك إنما هو النظر والحيطة للدين وأهله، ولم يجعل ما قال يجير على المسلمين أدناهم أمرا يكون في يدي أدنى المسلمين فيكون ما فعل يلزم الإمام ليس له الخروج من فعله، ولكن الإمام المقدم ينظر فيما فعل فيكون إليه الاجتهاد في النظر للمسلمين. ابن وهب عن إسماعيل بن عياش قال: سمعت أشياخنا يقولون: لا جوار للصبي ولا للمعاهد، وإن أجارا فالإمام مخير فإن أحب أمضى جوارهما، وإن أحب رده فإن أمضى فهو ماض وإن لم يمضه فليبلغه إلى مأمنه. ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن سعيد بن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب فقرئ علينا كتابه إلى سعيد بن عامر بن حذيم ونحن محاصرو قيسارية: إن من أمنه منكم حرا وعبدا من عدوكم فهو آمن حتى تردوه إلى مأمنه، أو يقيم فيكون على الحكم في الجزية، وإذا أمنه بعض من تستعينون به على عدوكم من أهل الكفر فهو آمن حتى تردوه إلى مأمنه أو يقيم فيكم، وإن نهيتم أن يؤمن أحد أحدا فجهل أحد منكم أو نسي أو لم يعلم أو عصى فأمن أحدا منهم فليس لكم عليه سبيل من أجل أنكم نهيتموه فردوه إلى مأمنه إلا أن يقيم فيكم، ولا تحملوا

إساءتكم على الناس فإنما أنتم جند من جنود الله، وإن أشار أحدكم منكم إلى رجل منهم أن هلم أنا أقاتلك، فجاء على ذلك ولم يفهم ما قيل له فليس لكم عليه سبيل حتى تردوه إلى مأمنه إلا أن يقيم فيكم، وإذا أقبل الرجل إليكم منهم مطمئنا فأخذتموه فليس لكم عليه سبيل إن كنتم علمتم أنه جاءكم متعمدا، فإن شككتم فيه وظننتم أنه جاءكم ولم تستيقنوا ذلك فلا تردوه إلى مأمنه واضربوا عليه الجزية، وإن وجدتم في عسكركم أحدا لم يعلمكم بنفسه حتى قدرتم عليه، فليس له أمان ولا ذمة فاحكموا عليه بما ترون أنه أفضل للمسلمين. قال ابن وهب، وقال الليث والأوزاعي في النصراني يغزو مع المسلمين فيعطي لرجل من المشركين أمانا، قالا: لا يجوز على المسلمين أمان مشرك ويرد إلى مأمنه.

في تكبير المرابطة على البحر
قلت: أرأيت التكبير الذي يكبره هؤلاء الذين يرابطون على البحر أكان مالك يكرهه؟ قال: سمعت مالكا يقول: لا بأس به. قال: وسئل مالك عن القوم يكونون في الحرس في الرباط فيكبرون بالليل ويطربون ويرفعون أصواتهم، فقال: أما التطريب فلا أدري وأنكره، وقال: أما التكبير فلا أرى به بأسا.

الديوان
قلت أرأيت الديوان ما قول مالك فيه؟ قال: أما مثل ديوان مصر والشام وأهل المدينة ومثل دواوين العرب، فلم ير مالك به بأسا وهو الذي سألناه عنه. قلت: أرأيت الرجلين يتنازعان في اسم في العطاء مكتوب فأعطى أحدهما صاحبه مالا على أن يبرأ من الاسم إلى صاحبه أيجوز ذلك؟ قال: قال مالك في رجل زيد في عطائه فأراد أن يبيع تلك الزيادة بعرض: إنه لا يجوز ذلك، فكذلك ما اصطلحا عليه أنه غير جائز لأنه إن كان الذي أعطى الدراهم قد أخذ غير اسمه فلا يجوز شراؤه، وإن كان الذي يعطي الدراهم هو صاحب الاسم، فقد باع أحدهما الآخر شيئا لا يجب له، وإن كان الآخر هو صاحب الاسم فلا يجوز ذلك له لأنه لا يدري ما باع أقليلا أم كثيرا بقليل، فلا يدري ما تبلغ حياة صاحبه فهذا الغرر لا يجوز. قال سحنون: قال الوليد بن مسلم سمعت أبا عمرو الأوزاعي يقول: أوقف عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا البلد وخراج الأرض للمجاهدين، ففرض منه للمقاتلة والعيال والذرية فصار ذلك سنة لمن بعده، فمن افترض فيه ونيته الجهاد فلا بأس بذلك. قال سحنون: حدثني الوليد بن مسلم وحدثنا أيضا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن القاسم بن أبي عبد الرحمن عن رجل قال:

في الجعائل
قلت أرأيت الجعائل هل سمعت من مالك فيها شيئا؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك، قال: وأخبرنا مالك أن أهل المدينة كانوا يفعلون ذلك. قلت: أرأيت الجعائل في البعوث أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: سألنا مالكا عن هذا فقال لا بأس به، لم يزل الناس يتجاعلون بالمدينة عندنا يجعل القاعد للخارج، قال: فقلنا لمالك: ويخرج لهم العطاء؟ قال مالك: ربما خرج لهم وربما لم يخرج لهم، قلت: فهذا الذي ذكر مالك أنه لا بأس به، فالجعائل بينهم لأهل الديوان منهم؟ قال: نعم، قلت: فلو جعل رجل من أهل الديوان لرجل من غير أهل الديوان شيئا على أن يغزو عنه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا يعجبني. قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يأتي عسقلان وما أشبهها غازيا ولا فرس معه، فيستأجر من رجل من أهلها فرسا يغير عليه أو يرابط عليه؟ فكره ذلك ولم يعجبه أن يعمد رجل في سبيل الله معه فرس فيؤاجره، قيل لمالك: فالقوم يغزون فيقال لهم من يتقدم إلى الحصن وما أشبهه من الأمور التي يتعب فيها نفسه وله كذا وكذا، فأعظم ذلك وابتدأنا فيه بالكراهية من أن يقاتل أحد على مثل ذلك هذا، أو يسفك فيه دمه. قلت: أرأيت الذي قلت لي إن مالكا كره للرجل يكون بعسقلان فيؤاجر فرسه ممن يحرس عليه، لا يشبه الذي جعل لغيره على الغزو؟ فقال: هذا أيسر عندي في الفرس منه في الرجل، ألا ترى أن مالكا قال: يكره للرجل أن يؤاجر فرسه في سبيل الله، فهو إذا آجر نفسه هو أشد كراهية، ألا ترى أن مالكا قد كره للذي يعطيه الوالي على أن يقدم للحصن فيعاض فكره له على هذا الجعل فهذا يدلك، قلت: فلم جوز مالك لأهل العطاء يتجاعلون بينهم؟ قال: ذلك وخدماتهم لأنها مباعث مختلفة، وإنما أعطوا أعطياتهم على هذا وما أشبهه فأهل الديوان عندي مخالفون لمن سواهم. قال: والذي يؤاجر نفسه في الغزو إن ذلك لا يجوز في قول مالك وهو رأيي أنه لا يجوز، وأما أهل الديوان فيما بينهم فليس تلك إجارة، إنما تلك جعائل لأن سد الثغور عليهم وبهذا مضى

أمر الناس. ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكر بن عمرو المعافري عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول: لا بأس بالطوى من مأحوز إلى مأحوز إذا ضمنه الإنسان ابن وهب عن ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد قال في الطوى: لو أن رجلا قال لرجل: خذ بعثي وآخذ بعثك وأزيدك دينارا أو بعيرا أو شاة فلا بأس به، وقال الليث مثله ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح قال: يكره من الطوى أن يعقد الرجلان الطوى قبل أن يكتتبا في البعثين اللذين يتطاويان فيهما، وذلك أن يقول الرجل للرجل قبل الطوى اكتتب في بعث كذا وكذا وأنا أكتتب في بعث كذا وكذا ثم يتعاقدان على ذلك، وأما الطوى بعد الكتابة فلم أسمع أحدا ينكر ذلك إلا الرجل الذي يقف نفسه ينتقل من مأحوز إلى مأحوز التماس الزيادة في الجعل. ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة، أنه كان يقول: لا نرى بأسا بالطوى من مأحوز إلى مأحوز. سحنون. قال الوليد وحدثني أبو عمرو الأوزاعي وابن جابر وسعيد بن عبد العزيز التنوخي عن مكحول: أنه كان لا يرى بالجعل في القبيلة بأسا. قال ابن جابر: سمعت مكحولا وهو يقول: إذا هويت المغزى فاكتتبت فيه ففرض لك فيه جعل فخذه، وإن كنت لا تغزو إلا على جعل مسمى فهو مكروه. قال ابن جابر: فكان مكحول إذا خرجت البعوث أوقع اسمه في المغزى بهواه، فإن كان له فيه جعل لم يأخذه وإن كان عليه أداه. قال الوليد: وحدثني ابن لهيعة عن ابن ميسرة عن علي بن أبي طالب، أنه قال في جعيلة الغازي: إذا جعل رجل على نفسه غزوا فجعل له فيه جعل فلا بأس به، وإن كان إنما يغزو من أجل الجعل فليس له أجر. ابن وهب عن ابن لهيعة عن حيوة بن شريح عن حصين بن علي الأصبحي عن الصحابة، أنهم قالوا: يا رسول الله أفتنا عن الجاعل والمجتعل في سبيل الله، فقال: "للجاعل أجر ما احتسب وللمجتعل أجر الجاعل والمجتعل". ابن وهب عن الليث بن سعد، أن قيس بن خالد المدلجي يحدث عن عبد الرحمن بن وعلة الشيباني أنه قال: قلت لعبد الله بن عمر: إنا نتجاعل في الغزو فكيف ترى؟ قال عبد الله بن عمر: أما أحدكم إذا أجمع على الغزو فعرضه الله رزقا فلا بأس بذلك، وأما أحدكم إن أعطي درهما غزا وإن منع درهما مكث فلا خير في ذلك. حيوة بن شريح عن زرعة بن معشر عن تبيع، أن الأمداد قالوا له: ألا تسمع ما يقول لنا الربطاء، يقولون: ليس لكم أجر لأخذكم الجعائل، فقال: كذبوا والذي نفسي بيده إني لأجدكم في كتاب الله كمثل أم موسى أخذت أجرها وآتاها الله ابنها. ابن وهب عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجيلي، وعمرو بن بكر عن تبيع مثله. سحنون عن الوليد قال: أخبرني أبو بكر عن عبد الله بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلابي قال: خرج على الناس بعث في زمن عمر بن الخطاب غرم فيه القاعد مائة دينار.

باب الجزية
قلت أرأيت الأمم كلها إذا رضوا بالجزية على أن يقروا على دينهم أيعطون ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك في مجوس البربر إن الجزية أخذها منهم عثمان بن عفان، قال: قال مالك في المجوس ما قد بلغك عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"", فالأمم كلها في هذا بمنزلة المجوس عندي1. قال ابن القاسم: ولقد قال مالك في الفزازنة وهم جنس من الحبشة سئل عنهم مالك؟ فقال: لا أرى أن يقاتلوا حتى يدعوا إلى الإسلام، ففي قول مالك هذا لا أرى أن يقاتلوا حتى يدعوا ففي قوله هذا أنهم يدعون إلى الإسلام فإن لم يجيبوا دعوا إلى إعطاء الجزية وأن يقروا على دينهم، فإن أجابوا قبل ذلك منهم فهذا يدل على قول مالك في الأمم كلها إذ قال في الفزازنة أنهم يدعون فكذلك الصقالبة والآبر والترك وغيرهم من الأعاجم ممن ليسوا من أهل الكتاب ابن وهب عن مسلمة عن رجل عن أبي صالح السمان عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منذر بن ماري، أخي بني عبد الله من غطفان عظيم أهل هجر يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، فرضي بالإسلام وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل هجر، فمن بين راض وكاره فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قرأت كتابك على أهل هجر، فأما العرب فدخلوا في الإسلام، وأما المجوس واليهود فكرهوا الإسلام وعرضوا الجزية، وانتظرت أمرك فيهم، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم "إلى عباد الله الأسديين فإنكم إذا أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ونصحتم لله ولرسوله وآتيتم عشر النخل ونصف عشر الحب ولم تمجسوا أولادكم، فإن لكم ما أسلمتم عليه غير أن بيت النار لله ولرسوله، فإن أبيتم فعليكم الجزية". فقرأ عليهم فكرهت اليهود والمجوس الإسلام وأحبوا الجزية، فقال منافقو العرب: زعم محمد أنه إنما بعث يقاتل الناس كافة حتى يسلموا ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، ولا نراه إلا وقد قبل من مشركي أهل هجر ما رد على مشركي العرب، فأنزل الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم، قال: هذا كتاب أخذته من موسى بن عقبة فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى منذر بن ساوي هلم أنت فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن كتابك جاءني وسمعت ما فيه فمن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبائحنا فإن ذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله، ومن يفعل ذلك منكم فهو آمن ومن أبى فعليه الجزية.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الزكاة حديث 42 عن جعفر بن محسن بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: ما أرى كيف أصنع في أمرهم, فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب. بدون "فلأمم كلها..... "ولعله من كلام الإمام مالك.

في الخوارج
قلت: أرأيت قتل الخوارج ما قول مالك فيهم؟ قال: قال لي مالك في الإباضية

والحرورية وأهل الأهواء كلهم: أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا. قال ابن القاسم، وقال مالك في الحرورية وما أشبههم: إنهم يقتلون إذا لم يتوبوا إذا كان الإمام عدلا، وهذا يدلك على أنهم إن خرجوا على إمام عدل يريدون قتاله ويدعون إلى ما هم عليه دعوا إلى الجماعة والسنة، فإن أبوا قوتلوا. قال: ولقد سألت مالكا عن أهل العصبية الذين كانوا بالشام؟ قال مالك: أرى الإمام أن يدعوهم إلى الرجوع إلى مناصفة الحق بينهم، فإن رجعوا وإلا قوتلوا. قلت: أرأيت الخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا؟ قال: بلغني أن مالكا قال: الدماء موضوعة عنهم، وأما الأموال فإن وجدوا شيئا عندهم بعينه أخذوه، وإلا لم يتبعوا بشيء من ذلك إذا كانت لهم الأموال لأنهم إنما استهلكوها على التأويل وهو الذي سمعت. قلت: فما فرق ما بين المحاربين والخوارج في الدماء؟ قال: لأن الخوارج خرجوا على التأويل، والمحاربين خرجوا فسقا وخلوعا على غير تأويل، وإنما وضع الله عن المحاربين إذا تابوا حد الحرابة حق الإمام، وإنه لا يوضع عنهم حقوق الناس وإنما هؤلاء الخوارج قاتلوا على دين يرون أنه صواب. قلت: أرأيت قتلى الخوارج أيصلى عليهم أم لا؟ قال: قال لي مالك في القدرية والإباضية: لا يصلى على موتاهم ولا تشهد جنائزهم ولا تعاد مرضاهم، فإذا قتلوا فأحرى أن لا يصلى عليهم. ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: ذكرت الخوارج واجتهادهم عند ابن عباس وأنا عنده، فسمعته يقول: ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى ثم هم يضلون. ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عبد الكريم: أن الحرورية خرجت فنازعوا عليا وفارقوه وشهدوا عليه بالشرك. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، فقال يا رسول الله: اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل", فقال عمر: ائذن لي يا رسول الله فيه أضرب عنقه، فقال: "دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء وهو القدح، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على خير فرقة من الناس1" , قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت. ابن وهب عن عمرو بن
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب المناقب باب 25, كتاب الأدب 95, كتاب المرتدين باب 6. ابن ماجة في كتاب المقدمة باب 12. مسلم في كتاب الزكاة حديث 148, 142. أحمد في مسنده "3/355-353,65,56".

الحارث عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الحرورية لما خرجت وهي مع علي بن أبي طالب فقالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، ويقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه كطي شاة أو حلمة ثدي، فلما قاتلهم علي بن أبي طالب، قال: انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا، فقال: ارجعوا والله وتالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبد الله: أنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم. قال بكير بن الأشج وحدثني رجل عن ابن جبير أنه قال: رأيت ذلك الأسود. عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج، أن رجلا حدثه عن ابن عباس أنه قال: أرسلني علي إلى الحرورية لأكلمهم، فلما قالوا: لا حكم إلا لله، فقلت أجل صدقتم لا حكم إلا لله وإن الله قد حكم في رجل وامرأة، وحكم في قتل الصيد، فالحكم في رجل وامرأة وصيد أفضل من الحكم في الأمة ترجع به وتحقن دماءها ويلم شعثها، فقال ابن الكوي: دعوهم فإن الله قد أنبأكم أنهم قوم خصمون. ابن وهب عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه، عن عبد الله بن عمر وذكر الحرورية، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية1". ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب، قال: هاجت الفتنة الأولى فأدركت رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغنا أنهم كانوا يرون أن يهدر أمر الفتنة، فلا يقيمون فيه على رجل قاتل في تأويل القرآن قصاصا فيمن قتل، ولا حد في سبي امرأة سبيت، ولا نرى بينها وبين زوجها ملاعنة، ولا نرى أن يقذفها أحد إلا جلد الحد، ونرى أن ترد إلى زوجها الأول بعد أن تعتد فتنقضي عدتها من زوجها الآخر، ونرى أن ترث زوجها الأول. ابن وهب، وذكر عن ابن شهاب قال: لا يضمن مال ذهب إلا أن يوجد شيء بعينه فيرد إلى أهله مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك قال: سألني عمر بن عبد العزيز وأنا معه ما ترى في هؤلاء القدرية؟ قال: فقلت استتبهم فإن قبلوا ذلك وإلا فأعرضهم على السيف، قال عمر: وأنا أرى ذلك، قال مالك: ورأيي على ذلك. أسامة بن زيد عن أبي سهيل بن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال له: ما الحكم في هؤلاء القدرية؟ قال: قلت يستتابون، فإن تابوا قبل ذلك منهم، وإن لم يتوبوا قتلوا على وجه البغي، قال عمر: ذلك رأيي فيهم ويحهم فأين هم عن هذه الآية {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات:161- 163]
تم كتاب الجهاد من المدونة الكبرى, بحمد الله تعالى وعونه ويليه كتاب الصيد
ـــــــ
1 المصدر السابق.

كتاب الصيد من المدونة الكبرى
مدخليسم الله اللرجمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وسلم
كتاب الصيد من المدونة الكبرىقلت لابن القاسم : صف لي الباز المعلم والكلب المعلم في قول مالك: قال: قال مالك: هو الذي يفقه إذا زجر ازدجر وإذا أشلي أطاع. قلت: أرأيت إذا أرسل كلبه ونسي التسمية؟ قال: قال مالك: كله وسم الله، قلت: وكذلك في الباز والسهم؟ قال: نعم كذلك هذا عند مالك. قلت: أرأيت إن ترك التسمية عمدا في شيء من هذا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولقد سألته عن تفسير حديث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي حين قال لغلامه: سم الله ويحك مرتين أو ثلاثا، فيقول الغلام قد سميت ولا يسمعه التسمية؟ فقال مالك: لا أرى ذلك على الناس إذ أخبر الذابح أنه قد سمى الله، قال ابن القاسم: ومن ترك التسمية عمدا على الذبيحة، لم أر أن تؤكل الذبيحة وهو قول مالك، قال: والصيد عندي مثله. قال: وأما الرجل يذبح في خاصة نفسه فيأخذ بحديث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي فلا أرى به بأسا. قلت: أرأيت المسلم والمجوسي إذا أرسلا الكلب جميعا فأخذ الصيد فقتله، أيؤكل في قول مالك؟ قال: ما سمعت منه فيها شيئا إلا أني سمعت مالكا يقول في كلب المسلم: إذا أرسله المجوسي فأخذ فقتل أنه لا يؤكل وأرى هذا أنه لا يؤكل. قلت: أرأيت إن أرسلت كلبي على صيد فتواريا مني جميعا، فأخذه الكلب فقتله ثم وجدته أآكله أم لا؟ قال: قال مالك: إذا أصابه ميتا وفيه أثر كلبه أو أثر سهمه أو أثر بازه، وقد أنفذت هذه الأشياء مقاتله فليأكله إذا لم يفرط في طلبه ما لم يبت، قال مالك: فإن بات فلا يأكله، وإن كان الذي به قد أنفذ مقاتله فلا يأكله لأنه قد بات عنه، وإن أدركه من يومه ميتا وفيه أثر كلبه فليأكله. قلت: أرأيت إن توارى الصيد والكلب أو الباز عنه، فرجع الرجل إلى بيته ثم طلبه بعد ذلك فأصابه من يومه ذلك أيأكله أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، ولكن أرى أن

لا يأكله لأنه قد تركه ورجع إلى بيته، ألا ترى أنه لا يدري لعله لو كان في الطلب ولم يفرط أنه كان يدرك ذكاته قبل أن يموت، فهو لما رجع إلى بيته فقد فرط فلا يأكله لموضع ما فرط في ذكاته، ألا ترى أنه لو أدركه ولم ينفذ الكلب مقاتله فتركه حتى يقتله الكلب لم يأكله، فهذا حين رجع إلى بيته بمنزلة هذا الذي أدرك كلبه ولم ينفذ مقاتل الصيد فتركه حتى قتله الكلب فلا يأكله، لأنه لعله لو كان في الطلب أدركه قبل أن ينفذ الكلب مقاتله، ولعله إنما أنفذ الكلب مقاتله بعد أن جرحه وبعد أن أخذه، فلو كان هو في الطلب لعله كان يدركه قبل أن ينفذ الكلب مقاتله. قال: ولقد سئل مالك عن الرجل يرسل كلبه أو بازه على الصيد فيدركه وبه من الحياة ما لو شاء أن يذكيه ذكاه، ولم ينفذ الكلب أو الباز مقاتله فيشتغل بإخراج سكينه من خرجه، أو لعلها أن تكون مع رجل خلفه فينتظره حتى يأتيه، أو مع غلامه فلا يخرج السكين ولا يدركه من كان معه السكين حتى يقتل الكلب الصيد أو الباز أو يموت، وإن عزل الكلب أو الباز عنه؟ قال مالك: لا يأكله لأنه قد أدركه حيا، ولو شاء أن يذكيه ذكاه إلا أن يكون أدركه وقد أنفذت الكلاب أو البزاة مقاتله، فلا بأس بأن يأكله لأن ذكاته ههنا ليست بذكاة.
قال: ولقد سألت مالكا عن الصيد يدركه الرجل وقد أنفذت الكلاب مقاتله أو الباز، فيفرط في ذكاته ويتركه حتى يموت أيأكله؟ قال مالك: نعم لا بأس بذلك وليأكله. قلت: أرأيت الذي توارى عني فأصبته من الغد وقد أنفذت مقاتله بسهمي، أو أنفذت مقاتله بزاتي أو كلابي لم قال مالك لا يأكله إذا بات، وقال يأكله ما لم يبت؟ قال: لم أر لمالك حجة ههنا أكثر من أنها السنة عنده قلت: أرأيت السهم إذا أصبته فيه قد أنفذ مقاتله إلا أنه بات عني لم قال مالك لا يأكله؟ قال: في السهم بعينه سألنا مالكا أيضا، إذا بات وقد أنفذ السهم مقاتله، فقال: لا يأكله. قلت: أرأيت إن أرسل كلبه فأخذ الصيد فأكل منه أكثره أو أقله فأصاب بقيته، أيأكله في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: يأكله ما لم يبت قلت: أرأيت الكلب إذا كان كلما أرسله على صيد أخذه فأكل منه أو جعل أن يأكل ما أخذ، أهذا معلم في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أدركه وقد أنفذ الكلب مقاتله أو سهمه، أو الباز فأدركه على تلك الحال يضطرب أيدعه حتى يموت أو يذكيه؟ قال: يفري أوداجه، فذلك أحسن عند مالك، وإن تركه حتى يموت أكله ولا شيء عليه، ولقد سئل مالك عن الرجل يدرك الكلب أو الباز على صيده فيريد أن يذكيه فلا يستطيع؟ فقال مالك: إن هو غلبه عليه ولم يأت التفريط منه حتى فات بنفسه فليأكله، وإن هو لو شاء أن يعزله عزله عنه فذكاه فلم يعزله حتى مات فلا يأكله. قلت: أرأيت إن كنت لا أقدر أن أخلص الصيد من كلبي أو من بازي وأنه أقدر على أن أذكيه تحته أأتركه أم أذكيه؟ قال: قال مالك: ذكه، قلت: أرأيت إن لم أذكه في مسألتي هذه أآكله أم لا في قول مالك؟

قال: قال مالك: لا تأكله. قلت: أرأيت إن أدركته وقد فرى الكلب أوداجه أو فراه سهمي أو بازي؟ قال: هذا قد فرغ من ذكاته كلها وكذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن أدرك الصيد والكلاب تنهشه وليس معه ما يذكيه به، فتركه حتى قتلته الكلاب أيأكله أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يأكله قلت: أرأيت إن أدركه حيا فذهب أن يذبحه من غير أن يفرط ففات بنفسه، أيأكله أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يأكله عند مالك.

في صيد الطير المعلم
قلت: أرأيت الفهد وجميع السباع إذا علمت أهي بمنزلة الكلاب في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكنها عندي بمنزلة الكلاب. قلت: أرأيت جميع سباع الطير إذا علمت أهي بمنزلة البزاة؟ قال: لا أدري ما مسألتك هذه ولكن البزاة والعقبان والزمامجة والشذانقات والسفاة والصقور وما أشبه هذا، فلا بأس بهذا عند مالك. قلت: أرأيت الرجل يرسل كلبه على الصيد فيأخذ غيره، أيأكله أم لا؟ قال: قال مالك: لا يأكله. قلت: أرأيت إن نسي التسمية عند الإرسال أيأكل؟ قال: قال مالك: يسم الله إذا أكل. قلت: أرأيت إن ترك التسمية عمدا؟ قال: هذا بمنزلة الذبيحة إذا نسي التسمية فهو كمن نسي التسمية على الذبيحة، وإذا ترك التسمية عامدا عند الإرسال فهو كمن ترك التسمية عامدا عند الذبيحة لا يأكله. قلت: أرأيت إن أرسل كلبه على جماعة صيد ولم يرد واحدا منها دون الآخر فأخذها كلها أو أخذ بعضها. قال: سألنا مالكا عن الذي يرسل بازه على جماعة من الطير وهو ينوي ما أخذ منها، فيأخذ أحدها أو يرمي جماعة من الطير ينوي بها فيصيب واحدا منها؟ قال مالك: يأكله، فهذا يدلك على أنه إن أرادها كلها فلا بأس بأكلها كلها، وإن أصاب واحدا فلا بأس بأكله. قال: وقال مالك: إذا أصاب في رميته اثنين منها أكلهما. قال: ولقد سألناه عن الجماعتين من الطير تكونان في الهواء بعضها فوق بعض، فيرمي وهو يريد الجماعتين جميعا يريد ما أصاب منهما أكله؟ قال: قال لي مالك: ما أصاب من الجماعتين جميعا أكله. قال: وقال مالك: وإن أرسل كلبه على جماعة من الصيد ونوى واحدا منها بعينه فأصاب غيره فلا يأكله. قلت: أرأيت الكلاب غير السلالقة إذا علمت، أهي بمنزلة السلالقة في قول مالك؟ قال: قال مالك: السلالقة وغيرها إذا علمت فهي سواء. قلت: أرأيت الكلب غير المعلم إذا أرسلته فصاد أآكله أم لا؟ قال: لا تأكله إلا أن يكون معلما أو تدرك ذكاته فتذكيه وهو قول مالك.
قلت: أرأيت إن أرسلت كلبي من يدي وكان معي أو كان يتبعني، فأثرت الصيد فأشليت الكلب عليه، وليس الكلب في يدي ولكنه بحال ما وصفت لك فانشلى الكلب فأخذ الصيد فقتله، أآكله أم لا؟ قال: كان مالك مرة يقول إذا كان الكلب معه وأثار الرجل

الصيد فأشلى الكلب فخرج الكلب في طلب الصيد بإشلاء الرجل ولم يكن الكلب هو الذي خرج في طلب الصيد، ثم أشلاه سيده بعد ذلك؟ قال مالك: لا بأس، قال: وأما إن كان الكلب هو الذي خرج في طلبه ثم أشلاه سيده بعد ذلك، قال مالك: فلا يأكله، قال: وكان هذا قوله الأول ثم رجع عن ذلك فقال: لا يأكله إلا أن يكون في يده ثم أرسله بعد أن أثار الصيد، قال: وقوله الأول أحب إلي، وإذا كان الكلب إنما خرج في طلب الصيد بإشلاء سيده أكله، وإن كان في غير يده لأن الكلب ههنا إذا خرج بإشلاء سيده فكأن السيد هو الذي أرسله من يده. قلت: أرأيت صيد الصبي إذا لم يحتلم، أيؤكل إذا قتلت الكلاب صيده؟ قال: قال مالك: ذبيحة الصبي تؤكل إذا أطاق الذبح وعرفه، فكذلك صيده عندي بمنزلة الذبح. قلت: أرأيت إن أرسلت كلبا معلما على صيد فأعانه عليه كلب غير معلم أآكله أم لا؟ قال: قال مالك: إذا أعانه عليه غير معلم لم يؤكل. قلت: أرأيت إن أرسلت بازي على صيد فأعانه عليه باز غير معلم؟ قال: قال مالك: لا يؤكل. قلت: أرأيت إن أرسلت كلبي على صيد ونويت ما صاد من الصيد سوى هذا الصيد، ولست أرى شيئا من الصيد غير هذا الواحد، فأخذ الكلب صيدا وراء ذلك لم أره حين أرسلت الكلب فقتله أآكله أم لا؟ قال: قال مالك في الرجل يرسل كلبه على جماعة من الصيد ونوى إن كان وراءها جماعة أخرى، فما أخذ منها فقد أرسله عليها ذلك نيته ولا يعلم أن وراء هذه الجماعة جماعة أخرى من الصيد، فأصاب صيدا وراء ذلك من الجماعة التي لم يكن يراها حين أرسل الكلب، قال: قال مالك: يأكله، وإن كان إنما أرسله على هذه الجماعة ووراءها جماعة أخرى لم ينو الجماعة التي وراءها فلا يأكله إن أخذ من الجماعة التي لم ينوها، وإن رآها أو لم يرها. قلت: أرأيت إن أفلت الكلب من يدي على صيد فزجرته بعدما انفلت من يدي؟ قال: قال مالك في الكلب يرى الصيد فيخرج فيعدو في طلبه، ثم يليه صاحبه فينشلي: إنه لا يؤكل لأنه خرج بغير إرسال صاحبه. قلت: أرأيت الكلب إذا أرسلته على الصيد فأدركه فقطع يده أو رجله فمات من ذلك، أو قتله الكلب بعد ذلك أيؤكل اليد والرجل وجميع الصيد أم لا؟ قال: سئل مالك عن الرجل يدرك الصيد فيضرب عنقه فيخزله أو يضرب وسطه فيخزله نصفين؟ قال مالك: يؤكل هذا كله، فقيل لمالك: فإن قطع يدا أو رجلا؟ قال: لا يأكل اليد ولا الرجل، وليذك ما بقي منه وليأكله، فإن مات بنفسه قبل أن يذكيه من غير تفريط فليأكله ولا يأكل اليد ولا الرجل، فكذلك مسألتك في الكلاب إذا قطعت والبزاة مثل هذا. قلت: أرأيت إن ضرب عجزه فأبان العجز، أيأكل الشقين جميعا في قول مالك؟ قال: نعم، قال: وكذلك الباز إذا ضرب الصيد فأطار جناحه أو رجله لم يؤكل ما أبان من الطير من جناح أو رجل بحال ما وصفت لك، فإن خزلهما أكلهما جميعا؟ قال:

نعم على قول مالك في الضرب الذي وصفت لك. قلت: أرأيت النصراني واليهودي أيؤكل صيدهما في قول مالك إذا قتلت الكلاب الصيد؟ قال: قال مالك: تؤكل ذبائحهما، وأما صيدهما فلا يؤكل وتلا هذه الآية {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] ولم يذكر الله بهذا اليهود ولا النصارى. قال ابن القاسم: ولا يؤكل صيدهما. قال سحنون: قال ابن وهب: لا بأس بأكل صيدهما، وقاله علي بن زياد، فأنا لا أرى به بأسا لأن الله تبارك وتعالى قال {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قلت: أرأيت ما صاد المجوسي من البحر أيؤكل في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت ما صاد في البر أيؤكل في قول مالك؟ قال: لا إلا أن تدرك ذكاة ما اصطاده إذا لم ينفذ المجوسي مقاتله.

في الدواب تخرج من البحر
فتحيا الثلاثة الأيام ونحوها أتؤكل بغير ذكاة
قلت: أرأيت الدواب التي تخرج من البحر، فتحيا اليوم واليومين والثلاثة والأربعة، أتؤكل بغير ذكاة؟ قال: بلغني أن مالكا سئل عن ترس البحر أيذكى؟ فقال مالك: وإني لأعظم هذا من قول من يقول لا يؤكل إلا بذكاة.

في صيد المرتد وذبح النصارى لأعيادهم
قلت: أرأيت النصراني إذا ذبح وسمى باسم المسيح، أو أرسل كلبه أو بازه أو سهمه وسمى باسم المسيح أيؤكل أم لا؟ قال: سمعت مالكا يكره كل ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم، إذا ذبحوا لكنائسهم قال مالك: أكره أكلها. قال: وبلغني عنه أنه تلا هذه الآية {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}، وكان يكرهها كراهية شديدة، قال: وما سمعت من مالك في مسألتك إذا سموا المسيح شيئا. قال: وأراهم إذا سموا المسيح بمنزلة ذبحهم لكنائسهم فلا أرى أن تؤكل. قلت: أرأيت كلب المجوسي إذا علمه المجوسي فأخذه مسلم وأرسله، أيأكل ما قتل؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت أرأيت الغلام إذا كان أبواه من أهل الذمة أحدهما مجوسي والآخر نصراني، أتؤكل ذبيحته وصيده أم لا؟ قال: قال مالك: الولد تبع للأب في الحرية فأرى الوالد إذا كان نصرانيا أن تؤكل ذبيحته، ولا يؤكل صيده إلا أن يكون قد تمجس وتركه على ذلك فلا تؤكل ذبيحته. قلت: أرأيت ما قتلت الحبالات من الصيد أيؤكل أم لا؟ قال: قال مالك: لا يؤكل إلا ما أدركت ذكاته من ذلك، قال: فقيل لمالك: فإن كانت في الحبالات

ما جاء في أكل الجراد
قلت: أرأيت الجراد إذا وجدته ميتا يتوطؤه غيري، أو أتوطؤه فيموت أيؤكل أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يؤكل. قلت: فإن صدت الجراد فجعلته في غرارة فيموت في الغرارة أيؤكل أم لا؟ قال: قال مالك: لا يؤكل إلا ما قطعت رأسه وتركته حتى تطبخه أو تقليه أو تسلقه، وإن أنت طرحته في النار أو سلقته أو قليته وهو حي من غير أن تقطع رأسه، فذلك حلال أيضا عند مالك، ولا يؤكل الجراد إلا بما ذكرت من هذا. قلت: أرأيت إن أخذ الجراد فقطع أجنحتها وأرجلها فرفعها حتى تسلقها أو تقليها فتموت، أيأكلها أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، إلا أنه إذا قطع أرجلها وأجنحتها فتموتت فلا بأس بأكلها، لأنها قد تموتت من قبل فعله بها من قطع أرجلها وأجنحتها فهو بمنزلة قطع رءوسها، قلت: فحين أخذها وأدخلها غرائره أليس إنما ماتت من فعله؟ قال: لم أر عند مالك القتلة إلا بشيء يفعله بها بحال ما وصفت لك قال ابن القاسم: ولقد سألنا مالكا عن خنزير الماء فلم يكن يجيبنا فيه، ويقول أنتم تقولون خنزير، قال ابن القاسم: إني لأتقيه ولو أكله رجل لم أره حراما.

في الرجل يدرك الصيد وقد أخذته الكلاب فيذكيه وهي تنهشه حتى يموت
قلت: أرأيت الرجل يدرك كلابه وقد أخذت الصيد وهو يقدر على أن يخلصه منها فتركها تنهشه ويذكيه وهو في أفواهها، فتنهشه وهو يذكيه حتى يموت أيؤكل أم لا؟

قال مالك: لا يؤكل لأني أخاف أن يكون إنما مات من نهشها، قال ابن القاسم: إلا أن يكون قد استيقن أنه قد ذكاه وحياته فيه مجتمعة قبل أن تنفذ مقاتله الكلاب فلا بأس بأكله، لأن مالكا قال في الذي يذبح ذبيحته فتسقط في الماء بعدما ذبحها أو تتردى من جبل أنه لا بأس بأكلها. قال: وقال لي مالك في الذي يذبح ذبيحته فيقطع منها بضعة قبل أن تزهق نفس الذبيحة، قال مالك: بئس ما صنع، وأكل تلك البضعة حلال فهذا يدلك على أن الذي ترك الكلاب تصنع بصيدها ما صنعت أنه بئس ما صنع وأكلها حلال إذا كان ذكاه وهو يستيقن بحياته قبل أن تنفذ الكلاب مقاتله. قلت: أرأيت الرجل يرسل كلبه أو بازه على الصيد فيطلبه ساعة ثم يرجع الكلب، ثم يعود في الطلب فيأخذ الصيد فيقتله، أيؤكل أم لا وهل ترى رجوعه عن صيده قطعا لإرساله أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى إن كان إنما ضل عنه صيده فعطف الكلب أو الباز كما تصنع الجوارح إذا ضل عنها صيدها، طلبته يمينا وشمالا وعطفت كل ذلك في الطلب، فهي على إرسالها ما دامت بهذه الحال، فأما إن مر الكلب بكلب مثله. فوقف يشمه، ومر على جيفة فوقف يأكل منها أو ما أشبه هذا، أو يكون الطير عجز عن صيده فيسقط على موضع أو عطف راجعا لما عجز عن صيده، فهذا تارك لما أرسل فيه وقد خرج من الإرسال الأول، فإن كان لما عطف راجعا تاركا للطلب أبصر ذلك الصيد فطلبه أو لما رجع عاجزا عن صيده تاركا للطلب نظر إليه بعد ذلك فطلبه، فهذا ابتداء منه وليس بإرسال، وكذلك هذا في الكلاب ولم أسمع هذا من مالك. قلت: أرأيت الصيد إذا رماه رجل فأثخنه حتى صار لا يستطيع الفرار، فرماه آخر بعد ذلك فقتله أيؤكل أم لا؟ قال: قال مالك: لا يؤكل، قلت: فقد صار هذا عندك بمنزلة الشاة لا تؤكل إلا بذكاة؟ قال: نعم لأن هذا قد صار أسيره، قلت: فهل يضمنه هذا الذي رماه فقتله للأول أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا أو أراه ضامنا. قلت: أرأيت الرجل يرمي الصيد وهو في الجو فيصيبه فيقع إلى الأرض فيدركه ميتا، فينظر فإذا سهمه لم ينفذ مقاتله أيأكله في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يأكله لأنه لا يدري من أي ذلك مات أمن السقطة أم من السهم؟ قال: وقال مالك: وكذلك الصيد يكون في الجبل فيرميه الرجل فيتردى من الجبل فيموت، قال: قال مالك: لا يأكله إلا أن يكون قد أنفذ مقاتله بالرمية. قلت: أرأيت الرجل يطلب الصيد فيخرجه حتى يدخله دار قوم، فيأخذه أهل الدار أو يأخذه الذي طلبه في دار القوم، لمن يكون؟ وكيف إن قال رب الدار دخل الصيد داري قبل أن يقع لي ملكك أيها الطالب، فقد صار ما في داري لي وقال الطالب أخذته قبل أن يقع في ملكك يا صاحب الدار، لأن ما دخل دارك ليس بملك لك وإن كان لا مالك له ما القول في هذا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى إن كان الكلاب أو الرجل هو الذي اضطره ورهقه لأخذه

فأراه له، وإن كان لم يضطره وذلك بعيد لا يدري أتأخذه الكلاب أو الطارد في مثل ذلك أم لا وهو من الصيد بعيد، فأرى الصيد لصاحب الدار ولا أرى لصاحب الكلب ولا للطارد شيئا، وقد سمعت مالكا يقول في الحبالات التي تنصب: أن ما وقع فيها فأخذه رجل أجنبي أن صاحب الحبالات أحق به.قلت: أرأيت إن تعمدت صيدا فرميته وسميت وأصبت غيره، آكله أم لا؟ وكيف إن أنفذت الذي سميت عليه وأصبت آخر وراءه لم أتعمده؟ قال: قال مالك: لا تأكل إلا الذي تعمدت وحده. قلت: أرأيت إن رميت صيدا وتعمدته ونويت آخر إن كان وراءه فأصابه سهمي أنه مما أرمي ولست أرى وراءه شيئا أو أصبت هذا الذي رميت فأنفذته وأصاب السهم آخر وراءه، أو أصاب سهمي الذي وراءه وأخطأه أآكله أم لا؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا سئل عن الرجل يرسل كلبه على جماعة من الصيد فيطلبها، فيكون خلفها جماعة أخرى فيأخذ من تلك التي كانت من ورائه ولا يأخذ من الجماعة الأولى فيقتله؟ قال مالك: إن كان حين أرسله ينوي إن كان خلفها جماعة أخرى فيأخذ من تلك التي كانت وراء، ولا يأخذ من الجماعة الأولى فليأكله وإلا فمسألتك وهذه سواء.

في الرجل يرمي الصيد بمعراض
أو حجر أو عصا أو غير ذلك فأنفذ مقاتله أولم ينفذه
قلت: أرأيت ما أصاب بحجر أو ببندقة فخرق أو بضع أو بلغ المقاتل أيؤكل أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يؤكل، وقال مالك: ليس ذلك بخرق وإنما ذلك رض. قلت: أرأيت ما كان من معراض أصاب به فخرق ولم ينفذ المقاتل فمات، أيؤكل أم لا في قول مالك؟ قال: نعم وهو بمنزلة السهم إذا لم يصبه به عرضا. قال: وقال مالك: إذا خرق المعراض آكل. قلت: أرأيت إن رميت صيدا بعود أو بعصا فخرقته أيؤكل أم لا؟ فقال: هو مثل المعراض أنه يؤكل. قلت: وكذلك إن رمى برمحه أو بمطرده أو بحربته فخرق أيأكله؟ قال: نعم هذا كله سواء.

في الإنسية من الإبل وغير ذلك لم يقدر على أخذها فرماها فذكاها
قلت: أرأيت ما ند من الإنسية من الإبل والبقر والغنم، فلم يستطع أن يؤخذ أيذكى بما يذكى به الصيد من الرمي وغيره في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يؤكل ما ند منها إلا أن يؤخذ فيذكى كما تذكى الإبل والبقر والغنم. قلت: أرأيت ما أخذ من الصيد فدجن في أيدي الناس، ثم استوحش وند أيذكى بما يذكى به الصيد من الرمي

في رجل رمى صيدا بسكين أو غير ذلك فبضع منه وقتله
قلت: أرأيت إن رميت صيدا بسكين أو بسيف فأصبته فقتلته، وقد بضع السيف أو السكين منه إلا أنه لم ينفذ مقاتله، آكله في قول مالك أم لا؟ قال: إن مات قبل أن يدركه بغير تفريط فكله عند مالك. قال: وقال مالك: من رمى صيدا بسكين فقطع رأسه، قال: إن كان رماه حين رماه ونيته اصطياده فلا أرى بأكله بأسا، وإن كان رماه حين رماه وليس من نيته اصطياده فلا يأكله. قلت: أرأيت إن رميت حجرا وأنا أظنه حجرا فإذا هو ' صيد، فأصبته وأنفذت مقاتله آكله أم لا؟ قال: لا، ألا ترى أن مالكا قال في الذي يرمي الصيد بسكين فيقطع رأسه وهو لا ينوي اصطياده: إنه لا يأكله، فهذا الذي رمى حجرا لم ينو اصطياد هذا الصيد الذي أصاب فلا يأكله، قلت: وكذلك إن رمى صيدا وهو يظنه سبعا أو خنزيرا فأصاب ظبيا أنه لا يأكله؟ قال: نعم مثل ما أخبرتك لأنه حين رمى لم يرد برميته الاصطياد فلا يأكله. قلت: لم كره مالك هذا الذي رمى ظبيا وهو يظنه سبعا؟ فقال: لا يأكله، أرأيت لو أن رجلا أتى إلى شاة له فضربها بالسكين وهو لا يريد قتلها ولا ذبحها، فأصاب حلقها ففرى الحلق والأوداج أيأكلها في قول مالك؟ قال: لا يأكلها لأنه لم يرد بها الذبح، لأن مالكا قال: لا تؤكل الإنسية بشيء مما يؤكل به الوحشي من الضرب والرمي، فهذا والذي سألت عنه من إرساله على الصيد وهو يظن أنه سبع فهو سواء لا يؤكل واحد منهما لأنه إذا لم يرسله على صيد فلم يرد الذكاة، وكذلك إذا ضرب شاته بسيفه وهو لا يريد ذكاتها ففرى أوداجها فلا يأكلها. قلت: أرأيت إن طلب الكلاب الصيد أو البزاة فلم تزل في الطلب حتى مات من غير أن تأخذه الكلاب أو البزاة مات قبل أن يأخذه أيؤكل؟ قال: لا يؤكل قلت: أرأيت إن أخذته الكلاب فقتلته ولم تدمه، أيؤكل أم لا في قول مالك؟ وكيف إن صدمته الكلاب فقتلته ولم تدمه أيؤكل أم لا؟ وكيف إن أدركت الصيد فجعلت أضربه بسيفي ولا يقطع السيف حتى مات من ذلك

أيؤكل أم لا؟ وهل السيف في هذا إذا لم يقطع والكلاب إذا لم تنيب وتدم بمنزلة واحدة لا يؤكل شيء من ذلك في قول مالك؟ قال: لا يؤكل شيء من ذلك كله في قول مالك، لأن السيف إذا لم يقطع فهو عندي بمنزلة العصا لا تأكله، وأما الكلاب إذا صدمت فقتلت ولم تنيب فهو عندي بمنزلة العصا، ولا أرى أن يجوز من قتل الكلاب إلا ما يجوز من قتلك بيدك، وما مات من الصيد من طلب الكلاب أو مات من عضها ولم تنيبه فلا يؤكل وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إذا ند صيد قد كان دجن عندي فهرب مني فصاده غيري لمن يكون؟ قال: قال مالك: إذا أخذه هذا الآخر بحدثان ما هرب من الأول، ولم يلحق بالوحش ولم يستوحش فهو للأول، وإن كان قد استوحش ولحق بالوحش ولم يأخذه الآخر بحدثان ما هرب من الأول فهو لمن أخذه، قلت: وكذلك البزاة والصقور والظباء وكل شيء؟ قال: كذلك قال لي مالك في البزاة والصقور والظباء وكل شيء. قلت: أرأيت إن ضربت فخذ الصيد أو يده أو رجله فتعلقت فمات؟ قال: قال مالك: إن كان قد أبانها أو كانت متعلقة بشيء من الجلد أو اللحم لا يجري فيها دم ولا روح، ولا تعود لهيئتها أبدا فلا يؤكل ما تعلق منها على هذه الصفة، وليذكه وليأكله، وليطرح ما تعلق به إلا أن يكون مما لو ترك عاد لهيئته يوما، فلا بأس بأكله. قلت: أرأيت إن ضرب عنق الصيد فأبانه أيأكله أم لا؟ قال قال مالك: يأكل الرأس وجميع الجلد، قلت: فإن ضرب خطمه فأبانه أيأكله أم لا؟ قال: هو مثل اليد والرجل عندي، لا يأكله ولم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى أن يؤكل الخطم. قلت: أرأيت لو أن رجلا ضرب عنق شاة بالسيف فأبانها، وهو يريد الذكاة أيأكلها أم لا؟ قال: قال مالك في رجل ذبح شاة وهو يريد المذبح فأخطأ فذبح من العنق أو من القفا: أنها لا تؤكل، قال: فكذلك هذا الذي ضرب عنقها وهو يريد الذبح فأخطأ، لا يؤكل. قلت: فهل يكره مالك أكل شيء من الطير؟ قال: لا. قلت: أرأيت الأرنب والضب ما قول مالك فيهما؟ قال: قال مالك: لا بأس بأكل الضب والأرنب والوبر والظرابين والقنفذ. قلت: أرأيت الضبع والثعلب والذئب هل يحل مالك أكلها؟ قال: قال مالك. لا أحب أكل الضبع ولا الذئب ولا الثعلب ولا الهر الوحشي ولا الإنسي ولا شيئا من السباع. قال: وقال مالك: ما فرس وأكل اللحم فهو من السباع ولا يصلح أكله لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. قال سحنون: كان ابن القاسم يكره صيد النصراني، وأنا لا أرى بأكل صيد النصراني بأسا.
كمل كتاب الصيد من المدونة الكبرى والحمد لله كثيرا ويليه كتاب الذبائح.

كتاب الذبائح
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد نبيه وعلى آله وسلم
كتاب الذبائحقلت لابن القاسم: أرأيت اليربوع والخلد هل يحل أكله في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى به بأسا إذا ذكي وهو عندي مثل الوبر، وقد قال مالك في الوبر: إنه لا بأس به.
قلت: أرأيت هوام الأرض كلها خشاشها وعقاربها ودودها وحياتها، وما أشبه هذا من هوامها أيؤكل في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول في الحيات إذا ذكيت في موضع ذكاتها: إنه لا بأس بأكلها لمن احتاج إليها، قال: ولم أسمع من مالك في هوام الأرض شيئا، إلا أني سمعت مالكا يقول في خشاش الأرض كله: أنه إذا مات في الماء أنه لا يفسد الماء والطعام، وما لم يفسد الماء والطعام فليس بأكله بأس إذا أخذ حيا فصنع به ما يصنع بالجراد، وأما الضفادع فلا بأس بأكلها وإن ماتت لأنها من صيد الماء، كذلك قال مالك. قال: ولقد سئل مالك عن شيء يكون في المغرب يقال له الحلزون يكون في الصحارى يتعلق بالشجر أيؤكل؟ قال: أراه مثل الجراد ما أخذ منه حيا فسلق أو شوي فلا أرى بأكله بأسا، وما وجد منه ميتا فلا يؤكل. قلت: أرأيت الحمار الوحشي إذا دجن وصار يعمل عليه كما يعمل على الأهلي؟ قال: قال مالك: إذا صار بهذه المنزلة فلا يؤكل، قال ابن القاسم: وأنا لا أرى بأسا.قلت: أرأيت الجلالة من الإبل والبقر والغنم، هل يكره مالك لحومها؟ قال: قال مالك: لو كرهتها لكرهت الطير التي تأكل الجيف، قال مالك: لا بأس بالجلالة. قلت: أرأيت الطير كله أليس لا يرى مالك بأكله بأسا، الرخم والعقبان والنسور والحدأ والغربان وما أشبهها؟ قال: نعم، قال مالك: لا بأس بأكلها كلها ما أكل الجيف منها وما لم يأكل، ولا بأس بأكل الطير كله. قلت: أرأيت الرجل يذبح بالمروة أو بالعود أو بالحجر أو بالعظم ومعه السكين أيجوز ذلك؟ قال: قال مالك: إذا احتاج الرجل إلى الحجر والعود والعظم وما

سواه من هذه الأشياء فذبح بها، أن ذلك يجزئه، قال ابن القاسم: فإذا ذبح بها من غير أن يحتاج إليها لأن معه سكينا فليأكله إذا فرى الأوداج، قلت: ويجيز مالك الذبح بالعظم؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن ذبح فقطع الحلقوم ولم يقطع الأوداج، أو فرى الأوداج ولم يقطع الحلقوم، أيأكله. قال: قال مالك: لا يأكله إلا باجتماع منهما جميعا، لا يأكل إن قطع الحلقوم ولم يفر الأوداج، وإن فرى الأوداج ولم يقطع الحلقوم فلا يأكله أيضا، ولا يأكله حتى يقطع جميع ذلك الحلقوم والأوداج.
قلت: أرأيت المريء هل يعرفه مالك؟ قال: لم أسمع مالكا يذكر المريء. قلت: هل ينحر أو يذبح ما ينحر في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا ينحر ما يذبح ولا يذبح ما ينحر. قلت: قال ابن القاسم: فقلت لمالك: فالبقر إن نحرت أترى أن تؤكل؟ قال: نعم وهي خلاف الإبل إذا ذبحت، قال مالك: والذبح فيها أحب إلي لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] ، قال: فالذبح أحب إلي، فإن نحرت أكلت. قال: والبعير إذا ذبح لا يؤكل إذا كان من غير ضرورة لأن سنته النحر، قلت: وكذلك الغنم إن نحرت لم تؤكل في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان ذلك من غير ضرورة. قلت: وكذلك الطير ما نحر منه لم يؤكل في قوله؟ قال: لم أسأله عن الطير وكذلك هو عندي لا يؤكل. قلت: أرأيت إن وقع في البئر ثور أو بعير أو شاة، ولا يستطيعون أن ينحروا البعير ولا يذبحوا البقرة ولا الشاة؟ قال: قال مالك: ما اضطروا إليه في مثل هذا فإن ما بين اللبة والمذبح منحر ومذبح، فإن ذبح فجائز وإن نحر فجائز، قلت: ولا يجوز في غير هذا. قال ابن القاسم: قلنا لمالك: فالجنب والجوف والكتف؟ قال: قال مالك: لا يؤكل إذا لم يكن في الموضع الذي ذكرت لك ما بين اللبة والمذبح ويترك يموت. قلت: أرأيت مالكا هل كان يأمر أن توجه الذبيحة إلى القبلة؟ قال: قال مالك: نعم توجه الذبيحة إلى القبلة، قال مالك: وبلغني أن الجزارين يجتمعون على الحفرة يدورون بها فيذبحون الغنم حولها، قال: فبعثت في ذلك لينهى عن ذلك، وأمرت أن يأمروهم أن يوجهوا بها إلى القبلة. قلت: هل كان مالك يكره أن يبدأ الجزار بسلخ الشاة قبل أن تزهق نفسها؟ قال: نعم كان يكره ذلك ويقول: لا تنخع ولا تقطع رأسها ولا شيء من لحمها حتى تزهق نفسها، قلت: فإن فعلوا بها ذلك؟ قال: قال مالك: لا أحب لهم أن يفعلوا ذلك بها، قال: فإن فعلوا ذلك بها أكلت وأكل ما قطع منها. قلت: أرأيت النخع عند مالك أهو قطع المخ الذي في عظام العنق؟ قال: نعم، قلت: وكسر العنق من النخع؟ قال: نعم إذا انقطع النخاع في قول مالك. قلت: أرأيت إن سبقته يده في ذبيحته فقطع رأسها، أيأكلها أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يأكلها إذا لم يتعمد ذلك، قلت: فإن تعمد ذلك لم يأكله في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا،

وأرى إن كان أضجعها ليذبحها فذبحها فأجاز على الحلقوم والأوداج، وسمى الله ثم تمادى فقطع عنقها، فأرى أن تؤكل لأنها بمنزلة ذبيحة ذكيت، ثم عجل فاحترز رأسها قبل أن تموت فلا بأس بأكلها وكذلك قال لي مالك في التي تقطع رأسها قبل أن تموت. قال سحنون: اختلف قول ابن القاسم فيها فمرة قال لا تؤكل إذا تعمد، ثم رجع فقال لي تؤكل وإن تعمد. قلت: أرأيت إن وجه ذبيحته لغير القبلة أيأكل؟ قال: نعم يأكل وبئس ما صنع. قلت: كيف التسمية عند مالك على الذبيحة؟ قال: باسم الله والله أكبر. قلت هل كان مالك يكره أن يذكر على الذبيحة، صلى الله على رسول الله بعد التسمية، أو يقول محمد رسول الله بعد التسمية؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وذلك موضع لا يذكر هنالك إلا اسم الله وحده. قلت: أرأيت الضحايا هل يذكر عليها اسم الله، ويقول بعد التسمية اللهم تقبل من فلان، قال: قال مالك: يقول على الضحايا باسم الله والله أكبر فإن أحب قال: اللهم تقبل مني وإلا فإن التسمية تكفيه. قال: فقلت لمالك: فهذا الذي يقول الناس اللهم منك وإليك؟ فأنكره، وقال: هذا بدعة. قلت: أرأيت المرأة تذبح من غير ضرورة أتؤكل ذبيحتها في قول مالك؟ قال: نعم تؤكل. قال: ولقد سألت مالكا عن المرأة تضطر إلى الذبيحة وعندها الرجل النصراني أتأمره أن يذبح لها؟ قال: لا ولكن تذبح هي. قلت: أفتحل ذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن إذا حل ذبائح رجالهم فلا بأس بذبائح نسائهم وصبيانهم إذا أطاقوا الذبح، قلت: أرأيت ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم أيؤكل؟ قال: قال مالك: أكرهه ولا أحرمه، وتأول مالك فيه {أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وكان يكرهه كراهية شديدة من غير أن يحرمه. قلت: أرأيت مالكا هل كان يكره للمسلم أن يمكن أضحيته أو هديه من أحد من النصارى أو اليهود أن يذبحه؟ قال: كان مالك يكره أن يمكن أضحيته أو هديه من أحد من الناس أن يذبحه له، ولكن يليها هو بنفسه. قال مالك: وإن ذبح النصراني أضحية المسلم بأمر المسلم أعاد أضحيته، قال ابن القاسم: واليهودي مثله. قيل لابن القاسم: فهل يباع لحمها؟ قال: لا لأنها ذبحت على نسك، فلا يباع النسك وإن لم يجز كمثل الهدي الذي يعطب قبل أن يبلغ محله فينحر، لا يباع منه شيء وإن كان عليه بدله لأنه نسك. قلت: فإن ذبحها من يحل ذبحه من المسلمين أيجزئه في قول مالك؟ قال: قال مالك: يجزئه وبئسما صنع والشأن أن يليها هو بنفسه أعجب إلى مالك. قلت: أرأيت ما ذبحت اليهود من الغنم فأصابوه فاسدا عندهم لا يستحلونه لأجل الرئة وما أشبهها التي يحرمونها في دينهم، أيحل أكله للمسلمين؟ قال: كان مالك مرة يجيزه فيما بلغني، ثم لم أزل أسمعه يكرهه بعد، فقال: لا يؤكل قال ابن القاسم: ورأيت مالكا يستثقل ذبائح اليهود والنصارى ولا يحرمها، قال ابن القاسم: ورأيي أن ما ذبحت اليهود مما لا

يستحلونه أن لا يؤكل. قلت: هل كان مالك يكره ذبائح اليهود والنصارى من أهل الحرب؟ قال: أهل الحرب والذين عندنا من النصارى واليهود عند مالك سواء في ذبائحهم، وهو يكره ذبائحهم كلهم من غير أن يحرمها، ويكره شراء اللحم من مجازرهم ولا يراه حراما. قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب كتب إلى البلدان ينهاهم أن يكون النصارى واليهود في أسواقهم صيارفة أو جزارين، وأن يقاموا من الأسواق، فإن الله تبارك وتعالى قد أغنانا بالمسلمين قال: فقلت لمالك: ما أراد بقوله يقامون من الأسواق؟ قال: لا يكونون صيارفة ولا جزارين ولا يبيعون في أسواق المسلمين في شيء من أعمالهم، قال مالك: وأرى أن يكلم من عندهم من الولاة في ذلك أن يقيموهم. قلت: أرأيت الرجل المسلم يرتد إلى اليهودية أو النصرانية أتحل ذبيحته في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت ذبيحة الأخرس، أتؤكل؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى بها بأسا. قلت: إذا تردت الذبيحة من جبل أو غير ذلك، فاندق عنقها أو اندق منها ما يعلم أنها لا تعيش من ذلك، أتؤكل أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ما لم يكن قد نخعها ذلك قال فلا بأس به. قال: وقال لي مالك في الشاة التي تخرق بطنها فتشق أمعاؤها فتموت: إنها لا تؤكل لأنها ليست تذكية، لأن الذي صنع السبع بها كان قتلا لها، وإنما الذي فيها من الحياة خروج نفسها لأنها لا تحيا على حال. قلت: أرأيت الأزلام هل سمعت من مالك فيها شيئا؟ قال: قال مالك: الأزلام قداح كانت تكون في الجاهلية، قال: في واحد افعل وفي الآخر لا تفعل، والآخر لا شيء فيه، قال: فكان أحدهم إذا أراد سفرا أو حاجة ضرب بها، فإن خرج الذي فيه افعل فعل ذلك وخرج، وإن خرج الذي فيه لا تفعل ترك ذلك ولم يخرج، وإن خرج الذي لا شيء فيه أعاد الضرب.
كمل كتاب الذبائح من المدونة الكبرى
ويليه كتاب الضحايا

كتاب الضحايا
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وصحبه وسلم
كتاب الضحاياقلت لابن القاسم: أرأيت ما دون الثني من الإبل والبقر والمعز هل يجزئ في شيء من الضحايا والهدايا في قول مالك؟ قال: لا، إلا الضأن وحدها فإن جذعها يجزئ.
قلت: أرأيت الضحية هل تجزئ من ذبحها قبل أن يصلي الإمام في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: أرأيت أهل البوادي وأهل القرى في هذا سواء؟ قال: سمعت مالكا يقول في أهل القرى الذين ليس لهم إمام: إنهم يتحرون صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه. قال ابن القاسم: فإن تحرى أهل البوادي النحر فأخطئوا فذبحوا قبل الإمام لم أر عليهم إعادة إن تحروا ذلك ورأيت ذلك مجزئا عنهم.
قلت: أرأيت إن ذبحوا بعد الصلاة قبل أن يذبح الإمام أيجزئهم ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجزئهم ذلك ولا يذبحون إلا بعد ذبح الإمام عند مالك وهذا في المدائن.
قلت: أرأيت إن كانت مكسورة القرن هل تجزئ في الهدايا والضحايا في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم إن كانت لا تدمى. قلت: ما معنى قوله إن كانت لا تدمى أرأيت إن كانت مكسورة القرن قد بدا ذلك وانقطع الدم وجف أيصلح هذا أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، إذا برئت، إنما ذلك فيما إذا كانت تدمى بحدثان ذلك. قلت: لم كرهه مالك إذا كانت تدمى؟ قال: لأنه رآه مرضا من الأمراض.

قلت: أرأيت الإمام أينبغي له أن يخرج أضحيته إلى المصلى فإن صلى ذبحها مكانه كيما تذبح الناس؟ قال: قال مالك: هذا أوجه الشأن أن يخرج أضحيته إلى المصلى فيذبحها في المصلى.
قلت: أرأيت الجرباء هل تجزئ؟ قال: إنما قال مالك: في المريضة البين مرضها أنها لا تجزئ. قال: وقال مالك: في الحمرة أنها لا تجزئ. قلت لابن القاسم وما الحمرة؟ قال: البشمة، قال: لأن ذلك قد صار مرضا فالجرب إن كان مرضا من الأمراض لم تجز.
قلت: أرأيت الهدي التطوع أيجزئ أن أسوقه عن أهل بيتي في قول مالك، قال: قال مالك: لا يشترك في الهدي وإن كان تطوعا.
قلت: أرأيت الرجل يشتري الأضحية فيريد أن يبدلها؟ أيكون له ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يبدلها إلا بخير منها.
قلت: فإن باعها فاشترى دونها ما يصنع بها وما يصنع بفضلة الثمن؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يستفضل من ثمنها شيئا. وذكرت له الحديث الذي جاء في مثل هذا فأنكره، وقال: يشتري بجميع الثمن شاة واحدة.
قلت: فإن لم يجد بالثمن شاة مثلها كيف يصنع؟ قال: أرى أن يزيد من عنده حتى يشتري مثلها. قال: ولم أسمعه من مالك.
قلت: هل سألت مالكا عن الرجل يتصدق بثمن أضحيته أحب إليه أم يشتري أضحية؟ قال: قال مالك: لا أحب لمن كان يقدر على أن يضحي أن يترك ذلك قال: فقلت لمالك أفتجزئ الشاة الواحدة عن أهل البيت؟ قال: "نعم "، قال مالك: ولكن إذا كان يقدر فأحب إلي إلى أن يذبح عن كل نفس شاة وإن ذبح شاة واحدة عن جميعهم أجزأه. قال: وسألته عن حديث أبي أيوب الأنصاري وحديث ابن عمر، فقال: حديث ابن عمر أحب إلي لمن كان يقدر.
قلت: هل على الرجل أن يضحي عن امرأته في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس ذلك عليه، قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: ليس الأضحية بمنزلة النفقة.
قلت: أرأيت الأضحية إذا ولدت ما يصنع بولدها في قول مالك؟ قال: كان مرة يقول: إن ذبحه فحسن وإن تركه لم أر ذلك عليه واجبا، لأن عليه بدل أمه إن هلكت، فلما عرضته على مالك قال: امح واترك منها إن ذبحه معها فحسن. قال ابن القاسم: ولا

أرى ذلك عليه بواجب.
قلت: أرأيت البدنة إذا أشعرت ثم نتجت أيذبح سخلها معها؟ قال: "نعم "، وإنما فرق بين البدنة والضحية، أن البدنة لو أصابها عوار أو نقص لم يكن عليه بدلها، وأن الشاة لو أصابها عوار أو نقص لم يجزه أن يضحي بها، ومع ذلك أيضا أن الشاة هو يبيعها ويبدلها ويذبح غيرها وأن البدنة لم يجز له أن يبيعها ولا أن يحبسها ولا أن يبدلها فهذا فرق ما بينهما.
قلت: أرأيت الأضحية أيصلح له أن يجز صوفها قبل أن يذبحها؟ قال: قال مالك: "لا"
قلت: أرأيت جلد الضحية أو صوفها أو شعرها هل يشتري به متاعا للبيت أو يبيعه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يشتري به شيئا ولا يبيعه ولكن يتصدق به أو ينتفع به. ولقد سألناه عن الرجل يبدل جلد أضحيته بجلد آخر أجود منه، قال مالك: لا خير فيه، قال: ولو أجزت له هذا لأجزت له أن يبدله بقلنسية أو ما أشبهها.
قلت: أرأيت لبن الأضحية ما يصنع به؟ قال: سمعت من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا قد كره لبن البدنة، وقد جاء في الحديث ما علمت أنه لا بأس أن يشرب منها بعد ري فصيلها. قال ابن القاسم: وأرى إن كانت الضحية ليس لها ولد أن لا يأكله إلا أن يكون ذلك مضرا بها فليحلبه وليتصدق به، ولو أكله لم أر عليه بأسا وإنما رأيت أن يتصدق به لأن مالكا قال لا يجز صوفها، وصوفها قد يجوز أن ينتفع به بعد ذبحها فهو لا يجوز له جزه قبل ذبحها وينتفع به، فكذلك لبنها عندي ما لم يذبحها لا ينبغي له أن ينتفع به.
قلت: أرأيت العين إذا كان فيها نقص هل يجوز في الضحايا والهدايا؟ قال: قال مالك: إذا كان البياض أو الشيء اليسير ليس على الناظر وإنما هو على غيره فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت الأذن إذا قطع منها؟ قال: قال مالك: إذا كان إنما قطع منها الشيء اليسير أو أثر ميسم أو شق في الأذن يكون يسيرا فلا بأس به، وإن كان قد جذعها أو قطع جل أذنيها فلا أرى ذلك.
قلت: ولم يوقت لكم في الأذن نصفا من ثلث؟ قال: ما سمعته.
قلت: أرأيت العرجاء التي لا تجوز؟ صفها لي في قول مالك، قال: العرجاء البين

عرجها هذا الذي سمعت من مالك، وكذلك جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذا ما يدلك على ما يجوز منها. قال: قال مالك: إلا أن يكون الشيء الخفيف الذي لا ينقص مشيها ولا تعب عليها فيه وهي تسير بسير الغنم من غير تعب، فأرى ذلك خفيفا كذلك بلغني عن مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت أضحية وهي سمينة، فعجفت عندي أو أصابها عمى أو عور، أيجزئني أن أضحي بها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجزئك، وقال مالك: إذا اشترى أضحية فأصابها عنده عيب أو اشتراها بذلك العيب لم يجزه، فهي لا تجزئه إذا كان أصابها ذلك بعد الشراء.
قلت: لم قال مالك هذا في الضحايا؟ وقال في الهدي أنه يجزئه إذا اشتراها صحيحة ثم عميت أن ينحرها ولا شيء عليه في الهدي الواجب والتطوع.
قلت: فما فرق ما بين الضحايا والهدي، قال: لأن الأضحية لم تجب عليه كما وجب عليه الهدي ألا ترى أن الهدي إذا ضل منه ثم أبدله بغيره ثم وجده بعد ذلك نحره ولم يكن ما أبدل مكانه يضع عنه نحره، قال: وإن الضحية لو ضلت منه ثم أبدلها بغيرها ثم أصابها لم يكن عليه ذبحها وكانت مالا من ماله فهذا فرق ما بينهما.
قلت: أرأيت إن لم يبدل أضحيته هذه التي ضاعت حتى مضت أيام النحر ثم أصابها بعد أيام النحر كيف يصنع بها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيها شيئا، ولكن أرى أن لا شيء عليه فيها لأن مالكا قال إذا وجدها وقد ضحى ببدلها: أنه لا شيء عليه فيها، فلو كانت واجبة عليه لكان عليه أن يذبحها إذا أصابها وإن كان قد أبدلها وقد مضت أيام النحر فليس على أحد أن يضحي بعد أيام النحر وهو بمنزلة رجل ترك الأضحية.
قلت: وكذلك لو اشتراها فلم يضح بها حتى مضت أيام النحر ولم تضل منه؟ قال: هذا والأول سواء، وهذا رجل قد أثم حين لم يضح بها.
قلت: أرأيت إن سرقت أضحيته أو ماتت أعليه البدل؟ قال: قال مالك: إذا ضلت أو ماتت أو سرقت فعليه أن يشتري أضحية أخرى.
قلت: أرأيت إن أراد ذبح أضحيته فاضطربت فانكسرت رجلها أو اضطربت فأصاب السكين عينها فذهب عينها أيجزئه أن يذبحها وإنما أصابها ذلك بحضرة الذبح؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا إلا ما أخبرتك وأرى أن لا يجزئ عنه.

قلت: أرأيت الشاة تخلق خلقا ناقصا؟ قال: قال مالك: لا يجزئ إلا أن تكون جلحاء أو سكاء، والسكاء التي لها أذنان صغيران. قال ابن القاسم: ونحن نسميها الصمعاء، قال: وأما إن خلقت بغير أذنين خلقا ناقصا فلا خير في ذلك.
قلت: أرأيت إن ذبح رجل أضحيتي عني بغير إذني أيجزئني ذلك أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا إلا أني أرى إن كان مثل الولد وعياله الذين إنما ذبحوها له ليكفوه مئونتها فأرى ذلك مجزئا عنه وإن كان على غير ذلك لم يجز.
قلت: أرأيت إن غلطنا فذبح صاحبي أضحيتي وذبحت أنا أضحيته أيجزئ عنا في قول مالك أم لا؟ قال: بلغني أن مالكا قال لا يجزئ ويكون كل واحد منهما ضامنا لأضحية صاحبه.
قلت: أرأيت المسافر هل عليه أن يضحي في قول مالك؟ قال: قال مالك: المسافر والحاضر في الضحايا واحد.
قلت: أفعلى أهل منى أن يضحوا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: ليس على الحاج أضحية وإن كان من ساكني منى بعد أن يكون حاجا.
قلت: فالناس كلهم عليهم الأضاحي في قول مالك إلا الحاج؟ قال: نعم
قلت: فهل على العبيد أضاحي في قول مالك؟ قال: سئل مالك عن الأضحية عن أمهات الأولاد فقال: ليس ذلك عليهن، فالعبيد أحرى أن لا يكون ذلك عليهم، والعبيد مما لا اختلاف فيه أنه ليس عليهم أضحية.
قلت: أرأيت ما في البطن هل يضحى عنه في قول مالك؟ قال: "لا ".
قلت: أرأيت أيام النحر كم هي؟ قال: ثلاثة أيام، يوم النحر، ويومان بعده، وليس اليوم الرابع من أيام الذبح وإن كان الناس بمنى فإنه ليس من أيام الذبح.
قلت: أفيضحى ليلا؟ قال: قال مالك: لا يضحى ليلا ومن ضحى ليلا في ليالي أيام النحر أعاد أضحيته.
قلت: فإن نحر الهدايا ليلا أيعيدها أم لا؟ قال: قال مالك: من نحر هديه ليلة النحر أعادها ولم تجزه.
قلت: فإن نحرها في ليالي أيام النحر أيجزئه ذلك؟ قال: أرى عليه الإعادة وذلك أن مالكا قال لي واحتج بهذه الآية {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ

مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: من الآية28] فإنما ذكر الله الأيام ولم يذكر الليالي، قال ابن القاسم وإنما ذكر الله هذا في كتابه في الهدايا في أيام منى.
قلت: أرأيت كل من تجب عليهم الجمعة أعليهم أن يجمعوا في صلاة العيدين في قول مالك؟ قال: "نعم ".
قلت: فأهل منى لا جمعة عليهم ولا صلاة عيد، قال: "نعم" لا جمعة عليهم وليس عليهم صلاة العيد عند مالك.
قلت: أرأيت الأبرجة هل يصاد حمامها أو ينصب لها أو يرمى؟ قال: سئل مالك عن حمام الأبرجة إذا دخلت حمام هذا البرج في حمام هذا البرج أو حمام هذا في حمام هذا، قال مالك: إن كان يستطاع أن يرد حمام كل واحد منهما إلى برجه رد وإن كان لا يستطاع لم أر عليهم شيئا فأرى أن لا يصاد منها شيء، ومن صاده فعليه أن يرده أو يعرفه ولا يأكله.
قلت: أرأيت الأجباح إذا نصبت في الجبال فيدخلها النحل لمن يكون النحل؟ قال: قال مالك: هي لمن وضع الأجباح.
قلت: أرأيت إن صاد طيرا في رجليه سباقان بازا أو عصفورا أو غير ذلك أو صاد ظبيا في أذنه قرط أو في عنقه قلادة؟ قال: يعرفه وينظر فإن كان إنما كان هروبه من صاحبه ليس بهروب انقطاع ولا توحش فعليه أن يرده إلى صاحبه وإن كان هروبا قد ند وتوحش فليس لصاحبه الأول عليه سبيل وهو لمن أخذه. وكذلك قال مالك غير مرة ولا مرتين.
قلت لابن القاسم: فإن اختلفا فقال الذي صاده: لا أدري متى ذهب منك؟ وقال الذي هو له: إنما ذهب منذ يوم أو يومين، فإن القول قول الذي صاده وعلى الذي هو له البينة.
قلت: أرأيت إن قتلت بازا معلما ما علي في الغرم لصاحبه أو في الكفارة فيما بيني وبين خالقي إذا كنت محرما؟ قال: يكون عليك لصاحبه قيمته معلما ويكون عليك في الفدية قيمته غير معلم ولكن عدله في كثرة لحمه كما يقوم غيره من الوحشية ولا يكون عليك قيمته مقطعا.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: "نعم".
قلت: أرأيت الكلاب هل يجيز مالك بيعها؟ قال مالك: لا يجوز بيعها.

قلت: ولا السلالقة؟ قال: "نعم"لا يجيز بيعها سلوقية ولا غيرها.
قلت: أفيجيز مالك بيع الهر؟ قال: "نعم".
قلت: أفيجيز بيع السباع أحياء النمور والفهود والأسد والذئاب وما أشبهها؟ قال: ما سمعت من مالك فيها شيئا؟ ولكن إن كانت تشترى وتذكى لجلودها، فلا أرى بأسا لأن مالكا قال: إذا ذكيت السباع فلا أرى بالصلاة على جلودها ولا بلبسها بأسا. قال ابن القاسم: وإذا ذكيت لجلودها لم يكن ببيع جلودها بأس.
قلت: أرأيت كلب الدار إذا قتله رجل أيكون عليه قيمته؟ قال: قال مالك: كلاب الدور تقتل ولا تترك فكيف يكون على هذا قيمة؟
قلت: فكلب الزرع وكلب الماشية وكلب الصيد إن قتلها أحد أيكون عليه القيمة؟ قال: نعم
قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في نصراني باع خمرا بدينار أنه كره للمسلم أن يتسلف ذلك الدينار منه وكره أن يبيعه بذلك الدينار شيئا أو يعطيه فيه دراهم ويأخذ ذلك الدينار منه. قال مالك: ولا يأكل من طعام اشتراه النصراني بذلك الدينار. قال مالك: ولا بأس أن تقتضي ذلك الدينار من دين لك عليه. قلت: فما فرق بين الدين إذا قضاني الدينار وإذا وهبه لي أو اشتريته منه لم يجز؟ قال: قال مالك: لأن الله تبارك وتعالى قد أمر أن تؤخذ الجزية منهم.
قلت: أرأيت صيد الحرم حمامه وغير حمامه إذا خرج من الحرم أيصاد أم لا؟ قال: ما سمعت أن مالكا كان يكره في حمام مكة أنه إذا خرج من الحرم أنه يكرهه، ولا أرى أنا به بأسا أن يصيده الحلال في الحل.
قلت: أرأيت إن رمى صيدا في الحل وهو في الحرم فأصابه فقتله أيأكله أم لا؟ قال: قال مالك لا يأكله. قلت: وكذا إن كان الرجل في الحل والصيد في الحرم؟ قال: هذا لا شك فيه أنه لا يؤكل عند مالك وعليه جزاؤه.
قلت: والأول الذي رمى من الحرم والصيد في الحل أيكون عليه الجزاء في قول مالك أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى عليه الجزاء.
قلت: أرأيت ما صيد في الحل فأدخل الحرم أيؤكل في قول مالك أم لا؟ قال: "نعم".

قلت: أرأيت الشجرة يكون أصلها في الحرم وغصونها في الحل فيقع طير على غصنها الذي في الحل فرماه رجل أيأكله أم لا؟ قال: سئل مالك عنها فأبى أن يجيب فيها، قال ابن القاسم: ولا أرى أنا به بأسا ويؤكل ذلك الصيد إذا كان الغصن الذي عليه الطير واقعا قد خرج من الحرم فصار في الحل. قال سحنون: أنا أحرم أكله ولا أرى أن يؤكل لأن أصله في الحرم ولأنه مستأنس به.
كمل كتاب الضحايا من المدونة الكبرى والحمد لله كثيرا ويليه كتاب العقيقة.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وآله وسلم
كتاب العقيقة

ما جاء في العقيقة بالعصفور
قال: وقال ابن القاسم سئل مالك عن العقيقة بالعصفور، فقال: ما يعجبني ذلك وما تكون الذبائح إلا من الأنعام. قال: والعقيقة مستحبة لم تزل من عمل المسلمين وليست بواجبة ولا سنة لازمة ولكن يستحب العمل بها، وقد عق عن حسن وحسين ابني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يجزئ فيها من الذبائح إلا ما يجزئ في الضحية، لا يجزئ فيها عوراء ولا عرجاء ولا جرباء ولا مكسورة ولا ناقصة ولا يجز صوفها ولا يبيع جلدها ولا شيئا من لحمها. يتصدق منها وسبيل العقيقة في جميع وجوهها وقت ذبحها وقت ذبح الضحية ضحى في اليوم السابع من مولد الصبي الذكر والأنثى فيه سواء يعق عن كل واحد بشاة شاة.
وقد سئل مالك عن الرجل يولد له الولدان في بطن واحد أيعق عنهما بشاة واحدة؟ فقال: بل شاة شاة عن كل واحد منهما.
كمل كتاب العقيقة من المدونة الكبرى بحمد الله وعونه
ويليه كتاب النذر الأول.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وسلم
كتاب النذور الأول

في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله ثم يحنث
قلت لابن القاسم: أرأيت الرجل يقول علي المشي إلى بيت الله إن كلمت فلانا فكلمه ما عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا كلمه فقد وجب عليه أن يمشي إلى مكة.
قلت: ويجعلها في قول مالك إن شاء حجة وإن شاء عمرة؟ قال: نعم.
قلت: فإن جعلها عمرة فحتى متى يمشي؟ قال: حتى يسعى بين الصفا والمروة.
قلت: فإن ركب قبل أن يحلق بعدما سعى في عمرته التي حلف فيها أيكون عليه شيء في قول مالك؟ قال: لا، وإنما عليه المشي حتى يفرغ من السعي بين الصفا والمروة عند مالك.
قلت: فإن جعلها حجة فإلى أي المواضع يمشي في قول مالك؟ قال: حتى يطوف طواف الإفاضة، كذلك قال مالك:
قلت: فإذا قضى طواف الإفاضة أيركب راجعا إلى منى في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن فعل المشي الذي وجب عليه في حجه فمشى حتى لم يبق عليه إلا طواف الإفاضة فأخر طواف الإفاضة حتى يرجع من منى، أيركب في رمي الجمار وفي حوائجه بمنى في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يركب في رمي الجمار. قال مالك: ولا بأس أن يركب في حوائجه.

قال ابن القاسم: وأنا لا أرى به بأسا وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو مشى فيما قد وجب عليه من حج أو عمرة. فأتى المدينة فركب في حوائجه أو رجع من الطريق في حاجة له ذكرها فيما قد مشى. قال فلا بأس أن يركب فيها وهذا قول مالك الذي نحب ونأخذ به.
قال: وحدثني عبد الله بن لهيعة عن عمارة بن غزية أنه سمع رجلا يسأل سالم بن عبد الله عن رجل جعل على نفسه المشي مائة مرة إلى الكعبة، فقال سالم: ليمش مائة مرة.
قال ابن وهب عن يحيى بن سعيد أنه قال في رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله عشر مرات من إفريقية، قال: أرى أن يوفي بنذره وذلك الذي كان يقوله الصالحون ويأمرون به ويجدون في أنفسهم إذا قالوا غير ذلك لمن نذر نذرا أوجبه على نفسه غير وفاء الذي جعل على نفسه.
قال ابن وهب: وسئل مالك عن الذي يحلف بنذور مسماة إلى بيت الله أن لا يكلم أخاه أو أباه بكذا وكذا نذرا لشيء لا يقوى عليه. ولو تكلف ذلك كل عام لعرف أنه لا يبلغ عمره ما جعل على نفسه من ذلك. فقيل له هل يجزئه من ذلك نذر واحد أو نذور مسماة؟ فقال: ما أعلمه يجزئه من ذلك إلا الوفاء بما جعل على نفسه فليمش ما قدر عليه من الزمان وليتقرب إلى الله بما استطاع من الخير، وقاله الليث بن سعد.
قال ابن وهب وقال مالك: سمعت أهل العلم يقولون في الرجل والمرأة يحلفان بالمشي إلى بيت الله الحرام، إنه من مشى لم يزل يمشي حتى يسعى بين الصفا والمروة فإذا سعى فقد فرغ إن كان معتمرا وإن كان حاجا لم يزل يمشي حتى يفرغ من المناسك كلها، وذلك الذي عليه، فإذا فرغ من الإفاضة فقد فرغ وتم نذره. قال الليث: ما رأيت الناس إلا على ذلك.
قلت: ما قول مالك فيه إذا هو خرج ماشيا في مشي وجب عليه، أله أن يركب في المناهل في حوائجه؟ قال: قال مالك: نعم. قال: وقال مالك: لا بأس أن يركب في حوائجه. قال ابن القاسم: لا أرى بذلك بأسا وليس حوائجه في المناهل من مشيه. قلت له: ما قول مالك إذا ذكر حاجة نسيها أو سقط بعض متاعه أيرجع فيها راكبا؟ قال: لا بأس بذلك. قلت له: ما قول مالك إذا ذكر حاجة نسيها أو سقط بعض متاعه أيرجع فيها راكبا؟ قال: لا بأس بذلك.

قلت: وهل يركب إذا قضى طواف الإفاضة في رمي الجمار بمنى؟ قال: نعم، وفي رجوعه من مكة إذا قضى طواف الإفاضة إلى منى.
قلت: أرأيت إن هو ركب في الإفاضة وحدها وقد مشى في حجه كله، أيجب عليه لذلك في قول مالك دم أو تجب عليه العودة ثانية حتى يمشي ما ركب؟ قال: أرى أن يجزئه ويكون عليه الهدي، قال: لأن مالكا قال لنا: لو أن رجلا مرض في مشيه فركب الأميال أو البريد أو اليوم ما رأيت عليه الرجوع ثانية لركوبه ذلك ورأيت أن يهدي هديا ويجزئ عنه. قال: وقال مالك: لو أن رجلا دخل مكة حاجا في مشي عليه فلما فرغ من سعيه بين الصفا والمروة خرج إلى عرفات راكبا وشهد المناسك وأفاض راكبا، قال مالك: أرى أن يحج الثانية راكبا حتى إذا دخل مكة وطاف وسعى، خرج ماشيا حتى يفيض فيكون قد ركب ما مشى ومشى ما ركب. قيل لمالك: أفترى عليه أن يهدي؟ قال: إني أحب ذلك من غير أن أوجبه عليه، ولم أره مثل الذي ركب في الطريق الأميال من مرض.
قال ابن وهب: وأخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري وحفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: إذا قال الإنسان علي المشي إلى الكعبة، فهذا نذر فليمش إلى الكعبة. قال: وقال الليث مثله، قال: وأخبرني مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة. قال: قلت لرجل وأنا يومئذ حديث السن: ليس على الرجل يقول علي المشي إلى بيت الله ولا يسمي نذرا شيء فقال لي رجل: هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء هو في يده وتقول: علي مشي إلى بيت الله؟ فقلت: فمكثت حينا حتى عقلت، فقيل لي إن عليك مشيا. فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال: عليك مشي فمشيت. قال ابن وهب: قال: وأخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود أن أهل المدينة يقولون ذلك.
قال ابن وهب عن يونس عن ربيعة مثله. قال ابن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن إبراهيم. قال: وسألته عن رجل قال: إن دخلت على أبي كذا وكذا شهرا فعلي المشي إلى الكعبة فاحتمله أصحابه فأدخلوه على أبيه فقال: احتملني أصحابي قال: ليمش إلى الكعبة. قال سحنون: وإنما ذكرت لك هذا حجة على من زعم أن من حلف على شيء بالمشي أن لا يفعله من طاعة أو معصية ففعله أنه لا شيء عليه، وإني لأقول إن فعل المكره ليس بشيء وإنه ليس بحانث. قال سحنون وقد ذكر سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سئل إبراهيم عن رجل حلف

بالمشي أن لا يدخل على رجل فاحتمل، فأدخل عليه قال عليه يعني المشي. قال سحنون: وإنما كتب هذا أيضا حجة ولا نأخذ به.

الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله فيحنث من أين يحرم ومن أين يمشي
أو يقول: إن كلمته فأنا محرم بحجة أو عمرة
قال: وقال مالك في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله فيحنث. قال مالك: يمشي من حيث حلف إلا أن تكون له نية فيمشي من حيث نوى قال ابن مهدي عن عبد الرحمن بن إسحاق قال: سألت سالم بن عبد الله عن امرأة نذرت أن تمشي إلى بيت الله ومنزلها بمران فتحولت إلى المدينة؟ قال: لترجع فلتمش من حيث حلفت. قال ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد كتب إليه يقول ما نرى الإحرام على من نذر أن يمشي من بلد إذا مشى من ذلك البلد حتى يبلغ المنهل الذي وقت له.
قلت: أرأيت رجلا قال: إن كلمت فلانا فأنا محرم بحجة أو بعمرة؟ قال: قال مالك: أما الحجة فإن حنث قبل أشهر الحج لم تلزمه حتى تأتي أشهر الحج فيحرم بها إذا دخلت أشهر الحج إلا أن يكون نوى في نفسه أنه محرم من حين حنث فأرى ذلك عليه حين يحنث وإن كان ذلك في غير أشهر الحج. قال مالك: وأما العمرة فإني أرى الإحرام يجب عليه فيها حين يحنث إلا أن لا يجد من يخرج معه ويخاف على نفسه ولا يجد من يصحبه فلا أرى عليه شيئا حتى يجد إنسا وصحابة في طريقه فإذا وجدهم فعليه أن يحرم بعمرة.
قلت: فمن أين يحرم أمن الميقات أم من موضعه الذي حلف فيه في قول مالك؟ قال: من موضعه ولا يؤخر إلى الميقات عند مالك، ولو كان له أن يؤخر إلى الميقات في الحج لكان له أن يؤخر ذلك في العمرة. ولقد قال لي مالك يحرم بالعمرة إذا حنث إلا أن لا يجد من يخرج معه ولا من يستأنس به فإن لم يجد أخر حتى يجد. فهذا يدلك في الحج أنه من حيث حلف إذ جعله مالك في العمرة غير مرة من حيث حلف إلا أن يكون نوى من الميقات أو غير ذلك فهو على نيته.
قلت: أرأيت إن قال رجل حين أكلم فلانا فأنا محرم يوم أكلمه فكلمه؟ قال: أرى أن يكون محرما يوم يكلمه.
قلت: أرأيت إن قال يوم أفعل كذا وكذا فأنا أحرم بحجة أهو مثل الذي قال يوم أفعل كذا وكذا فأنا محرم بحجة؟ قال: "نعم "هو سواء عند مالك.

قلت: أرأيت إن قال: إن فعلت كذا وكذا فأنا أحج إلى بيت الله؟ قال: أرى قوله فأنا أحج إلى بيت الله أنه إذا حنث فقد وجب عليه الحج وهو بمنزلة قوله فعلي حجة إن فعلت كذا وكذا وهو مثل قوله إن فعلت كذا وكذا فأنا أمشي إلى مكة، أو فعلي المشي إلى مكة، فهما سواء وكذلك قوله فأنا أحج، أو فعلي الحج، هو مثل فأنا أمشي، أو فعلي المشي إلى مكة. قال: وقال مالك: من قال علي المشي إلى بيت الله إن فعلت أو أنا أمشي إلى بيت الله إن فعلت فحنث إن عليه المشي وهما سواء. قال: وكذلك قوله فأنا أحج أو فعلي الحج.
قلت: أرأيت قوله علي حجة أو لله علي حجة أهما سواء وتلزمه الحجة؟ قال: نعم. قال ابن مهدي عن يزيد بن عطاء عن مطرف عن فضيل عن إبراهيم قال: إذا قال إن فعلت كذا وكذا فهو محرم فحنث فإذا دخل شوال فهو محرم وإذا قال يوم أفعل كذا وكذا فهو محرم فيوم يفعله فهو محرم قال ابن مهدي عن المغيرة عن إبراهيم قال: إذا قال: إن فعل كذا وكذا فهو محرم بحجة فليحرم إن شاء من عامه وإن شاء متى تيسر عليه، وإن قال يوم أفعل ففعل ذلك فهو يومئذ محرم. قال ابن مهدي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي مثله.

في الذي يحلف بالمشي فيعجز عن المشي
قلت: أرأيت إن مشى هذا الذي حلف بالمشي فحنث فعجز عن المشي كيف يصنع في قول مالك؟ قال: يركب إذا عجز فإذا استراح نزل فمشى، فإذا عجز عن المشي ركب أيضا، حتى إذا استراح نزل ويحفظ المواضع التي مشى فيها والمواضع التي ركب فيها، فإذا كان قابلا خرج أيضا فمشى ما ركب وركب ما مشى وأهراق لما ركب دما.
قلت: فإن كان قد قضى ما ركب من الطريق ماشيا، أيكون عليه الدم في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم عليه الدم لأنه فرق مشيه.
قلت: فإن لم يتم المشي في المرة الثانية، أعليه أن يعود في الثالثة في قول مالك؟ قال: ليس عليه أن يعود في المرة الثالثة وليهرق دما ولا شيء عليه.
قلت: فإن كان حين مضى في مرته الأولى إلى مكة مشى وركب، فعلم أنه إن عاد في الثانية لم يقدر على أن يتم ما ركب ماشيا؟ قال: إذا علم أنه لا يقدر أن يمشي في المواضع التي ركب فيها في المرة الأولى، فليس عليه أن يعود ويجزئه الذهاب في

الأولى إن كانت حجة، فحجة وإن كانت عمرة، فعمرة، ويهرق لما ركب دما وليس عليه أن يعود.
قلت: فإن كان حين حلف بالمشي فحنث يعلم أنه لا يقدر على أن يمشي الطريق كله إلى مكة، في ترداده إلى مكة مرتين، أيركب في أول مرة ويهدي ولا يكون عليه شيء غير ذلك في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: يمشي ما أطاق، ولو شيئا، ثم يركب ويهدي ويكون بمنزلة الشيخ الكبير والمرأة الضعيفة.
قلت: أرأيت إن حلف بالمشي فحنث وهو شيخ كبير قد يئس من المشي ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك: يمشي ما أطاق ولو نصف ميل، ثم يركب ويهدي، ولا شيء عليه بعد ذلك.
قلت: فإن كان هذا الحالف مريضا فحنث كيف يصنع في قول مالك؟ قال: أرى إن كان مريضا قد يئس من البرء، فسبيله سبيل الشيخ الكبير، وإن كان مرضه مرضا يطمع بالبرء منه، وهو ممن لو صح كان يجب عليه المشي ليس بشيخ كبير ولا امرأة ضعيفة فلينتظر حتى إذا صح وبرئ مشى إلا أن يكون يعلم أنه إن برئ وصح لا يقدر على أن يمشي أصلا الطريق كله، فليمش ما أطاق ثم يركب ويهدي ولا شيء عليه وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن عجز عن المشي فركب، كيف يحصي ما ركب في قول مالك؟ أعدد الأيام أم يحصي ذلك في ساعات النهار والليل أم يحفظ المواضع التي يركب فيها من الأرض، فإذا رجع ثانية مشى ما ركب وركب ما مشى؟ قال: إنما يأمره مالك بأن يحفظ المواضع التي ركب فيها من الأرض ولا يلتفت إلى الأيام والليالي، فإن عاد الثانية مشى تلك المواضع التي يركب فيها من الأرض.
قلت: ولا يجزئه عند مالك أن يركب يوما ويمشي يوما أو يمشي أياما ويركب أياما، فإذا أعاد الثانية قضى عدد الأيام التي ركب فيها؟ قال: لا يجزئه عند مالك لأن هذا إذا كان هكذا يوشك أن يمشي في المكان الواحد المرتين جميعا ويركب في المكان الواحد مرتين جميعا، فلا يتم المشي إلى مكة فليس معنى قول مالك على عدد الأيام وإنما هو على عدد المواضع من الأرض.
قلت: والرجال والنساء في المشي سواء في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن هو مشى حين حنث فعجز عن المشي فركب، ثم رجع من قابل ليقضي ما ركب فيه ماشيا. فقوي على مشي الطريق كله، أيجب عليه أن يمشي الطريق كله أم يمشي ما

ركب ويركب ما مشى؟ قال: ليس عليه أن يمشي الطريق كله، ولكن عليه أن يمشي ما ركب ويركب ما مشى. قال: وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن حنث فلزمه المشي فخرج فمشى فعجز، ثم ركب وجعلها عمرة، ثم خرج قابلا ليمشي ما ركب ويركب ما مشى، فأراد أن يجعلها قابلا حجة، أله ذلك أم ليس له أن يجعلها إلا عمرة أيضا في قول مالك لأنه جعل المشي الأول في عمرة؟ قال: قال لي مالك، نعم يجعل المشي الثاني إن شاء حجة وإن شاء عمرة ولا يبالي وإن خالف المشي الأول إلا أن يكون نذر المشي الأول في حج، فليس له أن يجعل المشي الثاني في عمرة، وإن كان نذر الأول في عمرة، فليس له أن يجعل المشي الثاني في حج، وهذا الذي قال لي مالك.
قلت: وليس له أن يجعل في قول مالك المشي الثاني ولا المشي الأول في فريضة؟ قال: نعم. ليس ذلك له.
قال ابن وهب عن مالك بن أنس عن عروة بن أذينة قال: خرجت مع جدة لي كان عليها مشي، حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت، فأرسلت مولى لها إلى ابن عمر يسأله وخرجت معه. فسأل ابن عمر فقال: مرها فلتركب كذا ثم لتمش من حيث عجزت. قال مالك وقاله سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
قال ابن وهب عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن ابن عباس مثل قول ابن عمر. قال ابن عباس: وتنحر بدنة قال ابن وهب عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم مثل قول ابن عباس، قال: ولتهد قال سفيان والليث: ولتهد مكان ما ركبت. قال ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: يمشي فإذا عجز ركب فإذا كان عام قابل حج فمشى ما ركب وركب ما مشى، قال ابن مهدي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن ابن عباس مثل ذلك، وذكر غيره عن إسماعيل عن ابن عباس قال: الهدي بدنة. قال ابن وهب عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم في رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله فمشى ثم أعيا. قال: ليركب وليهد لذلك هديا، حتى إذا كان قابلا فليركب ما مشى وليمش ما ركب، فإن أعيا في عامه الثاني ركب. وقال سعيد بن جبير يركب ما مشى ويمشي ما ركب. فبلغ الشعبي قول سعيد فأعجبه ذلك. وقال علي بن أبي طالب يمشي ما ركب فإذا عجز ركب وأهدى بدنة. وقال الحسن وعطاء مثل قول علي، وإنما ذكرت قول علي والحسن وعطاء حجة لقول مالك، لأنه لم ير إن عجز في الثانية أن يعود في الثالثة مع قول إبراهيم أنه إن عجز في الثانية ركب، ولم يذكر أنه

عود في الثالثة، وقد قال يعود في الثانية بقول مالك الذي ذكرت لك ولم يقولوا إن عجز في الثانية أن يمشي في الثالثة.

في الرجل يحلف بالمشي حافيا فيحنث
قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى بيت الله حافيا راجلا أعليه أن يمشي وكيف إن انتعل؟ قال: قال مالك: ينتعل، وإن أهدى فحسن وإن لم يهد فلا شيء عليه وهو خفيف. قال ابن وهب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه أن امرأة من أسلم نذرت أن تحج حافية ناشرة شعر رأسها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم استتر بيده منها. وقال: ما شأنها. قالوا: نذرت أن تحج حافية ناشرة رأسها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مروها فلتختمر ولتنتعل ولتمش1".
قال: ونظر النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع إلى رجلين نذرا أن يمشيا في قران، فقال لهما: حلا قرانكما وامشيا إلى الكعبة وأوفيا نذركما.
قال: ونظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى رجل يمشي القهقرى إلى الكعبة فقال: مروه فليمش لوجهه.
وقال ربيعة: لو أن رجلا قال علي المشي إلى الكعبة حافيا لقيل له البس نعلين وامش فليس لله حاجة بحفائك، وإذا مشيت منتعلا فقد وفيت نذرك وقاله يحيى بن سعيد.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النذر حديث 11. أبو داود في كتاب الأيمان باب 19. الترمذي في كتاب النذر باب 17. النسائي في كتاب الأيمان باب 33. ابن ماجة في كتاب الكفارات باب 20. أحمد في مسنده "4/151,149,147,145".

في الرجل يحلف بالمشي فيحنث فيمشي ليحج فيفوته الحج
قال: وقال مالك في رجل حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث فمشى في حج ففاته الحج قال مالك: يجزئه المشي الذي مشى ويجعلها عمرة ويمشي حتى يسعى بين الصفا والمروة وعليه قضاء الحج عاما قابلا راكبا والهدي لفوات الحج ولا شيء عليه غير ذلك.

في الرجل يحلف بالمشي فيحنث فمشى في حج ثم يريد
أن يمشي في حجة الإسلام من مكة أو يجمعهما جمعا عند الإحرام
قلت: هل يجوز لهذا الذي حلف بالمشي فحنث فمشى فجعلها عمرة أن يحج حجة الإسلام من مكة؟ قال مالك: نعم يحج من مكة ويجزئه من حجة الإسلام.

في الرجل يقول أنا أحج بفلان إلى
بيت الله إن فعلت كذا وكذا فحنث
قلت: ما قول مالك في الرجل يقول أنا أحج بفلان إلى بيت الله إن فعلت كذا وكذا فحنث؟ قال: قال مالك: إذا قال الرجل أنا أحمل فلانا إلى بيت الله فإني أرى أن ينوي، فإن كان أراد تعب نفسه وحمله على عنقه، فأرى أن يحج ماشيا ويهدي ولا شيء عليه في الرجل، ولا يحجه وإن لم ينو ذلك فليحج راكبا وليحج بالرجل معه ولا هدي عليه. فإن أبى الرجل أن يحج فلا شيء عليه في الرجل وليحج هو راكبا.
قال سحنون: وروى علي بن زياد عن مالك وإن كان نوى أن يحمله إلى مكة يحجه من ماله، فهو ما نوى ولا شيء عليه هو إلا إحجاج الرجل إلا أن يأبى.
قال ابن القاسم: وقوله: أنا أحج بفلان إلى بيت الله. عندي أوجب عليه من الذي يقول: أنا أحمل فلانا إلى بيت الله، لا يريد بذلك على عنقه ; لأن إحجاجه الرجل إلى بيت الله من طاعة الله، فأرى ذلك عليه إلا أن يأبى الرجل فلا يكون عليه في الرجل شيء.
قال: قال لنا مالك في الرجل يقول: أنا أحمل هذا العمود إلى بيت الله، أو هذه الطنفسة أو ما أشبه هذا من الأشياء، إنه يحج ماشيا ويهدي لموضع ما جعل على نفسه من حملان تلك الأشياء، وطلب مشقة نفسه، فليضع المشقة عن نفسه ولا يحمل تلك الأشياء وليهد.

قال ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال في امرأة قالت في جارية ابنها إن وطئها فأنا أحملها إلى بيت الله، فوطئها ابنها. قال: تحج وتحج بها وتذبح ذبحا لأنها لا تستطيع حملها. قال ابن مهدي خلاف قول مالك عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم قال: إذا قال أنا أهدي فلانا على أشفار عيني. قال: يحجه ويهدي بدنة.

الاستثناء في المشي إلى بيت الله
لاستثناء في المشي إلى بيت الله
قلت: أرأيت من قال: علي المشي إلى بيت الله، إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أرى خيرا من ذلك ما عليه؟ قال: عليه المشي، وليس استثناؤه هذا بشيء، لأن مالكا قال لا استثناء في المشي إلى بيت الله، وهو قول أشهب.
قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى بيت الله إن شاء فلان؟ قال: هذا لا يكون عليه المشي إلا أن يشاء فلان. وليس هذا باستثناء، وإنما مثل ذلك مثل الطلاق، أن يقول الرجل امرأتي طالق إن شاء فلان، أو غلامي حر إن شاء فلان، فلا يكون عليه شيء حتى يشاء فلان، ولا استثناء في طلاق ولا في عتاق ولا في مشي ولا صدقة

في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله وينوي مسجدا
قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى بيت الله، ونوى مسجدا من المساجد، أتكون له نيته في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن قال: علي المشي إلى بيت الله، وليست له نية ما عليه في قول مالك؟ قال: عليه المشي إلى مكة إذا لم يكن له نية.
قلت: أرأيت إن قال علي المشي ولم يقل إلى بيت الله قال: إن كان نوى مكة مشى، وإن كان لم ينو ذلك فلا شيء عليه.
قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى بيت الله، ونوى مسجدا من المساجد كان له ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قال ابن وهب عن يونس عن يزيد وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن في الذي يحلف بالمشي إلى بيت الله وينوي مسجدا من المساجد أن له نيته. وروى ابن وهب عن مالك مثل قول ربيعة وقال الليث مثله.

في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت المقدس
أو المدينة أو عسقلان
قال ابن القاسم وقال مالك: من قال علي المشي إلى مسجد الرسول أو مسجد بيت المقدس قال: فليأتهما راكبا، ولا مشي عليه: ومن قال علي المشي إلى بيت الله فهذا الذي يمشي.
قال: ومن قال علي المشي إلى غير هذه الثلاثة مساجد، فليس عليه أن يأتيه مثل قوله: علي المشي إلى مسجد البصرة أو مسجد الكوفة فأصلي فيها أربع ركعات. قال: فليس عليه أن يأتيهما وليصل في موضعه حيث هو أربع ركعات.
قال ابن القاسم قال مالك: فيمن قال علي المشي إلى مسجد بيت المقدس فعليه أن يأتي مسجد بيت المقدس راكبا فليصل فيه قال ابن القاسم: ومن قال علي المشي إلى بيت المقدس أو إلى المدينة فلا يأتيهما أصلا إلا أن يكون أراد الصلاة في مسجديهما فيأتيهما راكبا. ومن قال من أهل المدينة أو من أهل مكة ومن أهل بيت المقدس: لله علي أن أصوم بعسقلان أو الإسكندرية شهرا. فعليه أن يأتي عسقلان أو الإسكندرية فيصوم بها شهرا كما نذر. قال: وكل موضع يتقرب فيه إلى الله بالصيام فإني أرى أن يأتيه وإن كان من أهل المدينة أو مكة.
قال ابن القاسم: ومن نذر أن يرابط فذلك عليه وإن كان من أهل المدينة ومكة. قال وهو قول مالك
قال: وقال مالك: من قال: لله علي أن آتي المدينة أو بيت المقدس. أو المشي إلى المدينة أو المشي إلى بيت المقدس. فلا شيء عليه إلا أن يكون نوى بقوله ذلك أن يصلي في مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس. فإن كانت تلك نيته وجب عليه الذهاب إلى المدينة أو إلى بيت المقدس راكبا، ولا يجب عليه أن يمشي وإن كان حلف بالمشي ولا دم عليه.
قال: وقال مالك: وإن قال: لله علي المشي إلى مسجد بيت المقدس أو مسجد المدينة وجب عليه الذهاب إليهما وأن يصلي فيهما.
قال: وإذا قال: علي المشي إلى مسجد المدينة ومسجد بيت المقدس فهذا مخالف لقوله: علي المشي إلى المدينة، أو علي المشي إلى بيت المقدس، هذا إذا قال: علي المشي إلى بيت المقدس لا يجب عليه الذهاب إلا أن ينوي الصلاة فيه. وإذا قال:

علي المشي إلى مسجد المدينة أو إلى مسجد بيت المقدس، وجب عليه الذهاب راكبا والصلاة فيهما، وإن لم ينو الصلاة وهو إذا قال: علي المشي إلى هذين المسجدين فكأنه قال: لله علي أن أصلي في هذين المسجدين.

الرجل يحلف بالمشي إلى الصفا والمروة
أو منى أو عرفة أو شيء من الحرم ثم يحنث
قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى الصفا والمروة؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا، ولا يلزمه المشي.
قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى منى أو إلى عرفات، أو إلى ذي طوى؟ قال: إن قال علي المشي إلى ذي طوى وإلى منى أو إلى عرفات أو إلى غير ذلك من مواضع مكة رأيت أن لا يكون عليه شيء.
قلت: أرأيت الرجل يقول علي المشي إلى بيت الله، أو إلى الكعبة أو إلى الحرم أو إلى الصفا أو إلى المروة أو إلى الحطيم أو إلى الحجر أو إلى المسجد أو إلى قعيقعان أو إلى جبال الحرم أو إلى بعض مواضع مكة، فحنث أيجب ذلك عليه أم لا؟ قال: لا أدري ما هذا كله، إنما سمعت من مالك يقول: من قال علي المشي إلى بيت الله أو علي المشي إلى مكة أو المشي إلى الكعبة، إن هذا يجب عليه. وأنا أرى أن من حلف بالمشي إلى غير مكة أو الكعبة أو المسجد أو البيت أن ذلك لا يلزمه مثل قوله علي المشي إلى الصفا أو إلى المروة أو إلى غير ذلك من جبال مكة أو إلى الحرم ونحو هذا أو إلى منى أو إلى المزدلفة أو إلى عرفات فإن ذلك لا يلزمه.
قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى الحرم؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا، ولا أرى فيه عليه شيئا. قلت: أرأيت إن قال علي المشي إلى المسجد الحرام؟ قال: قال مالك: عليه المشي إلى بيت الله. قال ابن القاسم: ولا يكون المشي إلا على من قال: مكة أو بيت الله أو المسجد الحرام أو الكعبة فما عدا أن يقول: الكعبة أو البيت أو المسجد أو مكة أو الحجر أو الركن أو الحجر، فذلك كله لا شيء عليه. فإن سمى بعض ما سميت لك من هذا، لزمه المشي.

في الرجل يحلف إن فعلت كذا وكذا فعلي
أن أسير أو أذهب أو أنطلق إلى مكة
قلت: أرأيت إن قال: إن كلمتك فعلي أن أسير إلى مكة، أو قال علي الذهاب إلى مكة أو علي الانطلاق إلى مكة أو علي أن آتي مكة أو علي الركوب إلى مكة؟ قال: أرى أن لا شيء عليه إلا أن يكون أراد بذلك أن يأتيها حاجا أو معتمرا فيأتيها راكبا إلا أن يكون نوى أن يأتيها ماشيا وإلا فلا شيء عليه أصلا.
قال: وقد كان ابن شهاب لا يرى بأسا أن يدخل مكة بغير حج ولا عمرة ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلها غير محرم.
قلت: أرأيت إن قال علي الركوب إلى مكة؟ قال: أرى ذلك عليه.
قال سحنون وقد اختلف في هذا القول وكان أشهب يرى عليه في هذا كله إتيان مكة حاجا أو معتمرا. قال ابن القاسم في كتاب الحج في الذي قال علي الركوب إلى مكة خلاف هذا. إنه لا شيء عليه وهذا أحسن من ذلك.

في الرجل يقول للرجل أنا أهديك إلى بيت الله
قال: وقال مالك من قال لرجل أنا أهديك إلى بيت الله إن فعلت كذا وكذا فحنث فعليه أن يهدي عنه هديا.
قال: وقال مالك: إن قال لرجل: أنا أهديك إلى بيت الله إن فعلت كذا وكذا فحنث فإنه يهدي عنه هديا ولم يجعله مالك مثل يمينه إذا حلف بالهدي في مال غيره. قال ابن القاسم: فأخبرني بعض من أثق عن ابن شهاب أنه قال فيها مثل قول مالك.
قال ابن وهب عن سفيان الثوري عن منصور عن الحكم بن عيينة عن علي بن أبي طالب قال في رجل قال لرجل: أنا أهديك إلى بيت الله، قال علي بن أبي طالب: يهدي. قال ابن وهب عن سفيان عن عبد الكريم الجزري عن عطاء قال يهدي شاة.

في الرجل يحلف بهدي مال غيره
قلت: أرأيت الرجل يحلف بمال غيره فيقول: دار فلان هذه هدي أو عبد فلان

في الرجل يحلف بالهدي أو يقول علي بدنة
قلت: أرأيت إن قال علي الهدي إن فعلت كذا وكذا فحنث؟ قال: قال مالك: عليه الهدي. قلت: أمن الإبل أم من البقر أم من الغنم؟ قال: قال لي مالك: إن نوى شيئا فهو ما نوى وإلا فبدنة، فإن لم يجد بدنة فبقرة. فإن لم يجد وقصرت نفقته فأرجو أن يجزئه شاة. قلت: لم أوليس الشاة بهدي؟ قال: كان مالك يزحف بالشاة كرها. قال مالك: والبقر أقرب شيء إلى الإبل. قال ابن مهدي عن حماد عن قتادة عن حلاس بن عمرو عن ابن عباس قال بدنة أو بقرة أو كبش. قال ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس قال: لا أقل من شاة. قال: وقال سعيد بن جبير البقر والغنم من الهدي
قلت: أرأيت إن حلف فقال علي بدنة فحنث؟ قال: قال مالك: البدن من الإبل فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فسبع من الغنم. قال: وقال مالك: من قال: لله علي أن أهدي بدنة فعليه أن يشتري بعيرا فينحره فإن لم يجد بعيرا فبقرة فإن لم يجد بقرة فسبعا من الغنم. قلت: أرأيت إن كان يجد الإبل فاشترى بقرة فنحرها وقد كانت وجبت عليه بدنة أيجزئه في قول مالك؟ قال: قال لنا مالك: فإن لم يجد الإبل اشترى البقر. قال مالك: والبقر أقرب شيء إلى الإبل. قال ابن القاسم: وإنما ذلك عندي إن لم يجد بدنة

أي إذا قصرت النفقة فإن لم يبلغ نفقته بدنة وسع له أن يهدي من البقر، فإن لم تبلغ نفقته البقر اشترى الغنم. قال: ولا يجزئه عند مالك أن يشتري البقر إذا كانت عليه بدنة، إلا أن لا تبلغ نفقته بدنة لأنه قال: فإن لم يجد فهو إذا بلغت نفقته فهو يجد. قال ابن القاسم: وكذلك قال سعيد بن المسيب وخارجة بن زيد وقطيع من العلماء. منهم أيضا سالم بن عبد الله قال: وقالوا: فإن لم يجد بدنة فبقرة. قلت: فإن لم يجد الغنم أيجزئه الصيام قال: لا أعرف الصيام فيما نذر على نفسه إلا أن يجب أن يصوم فإن أيسر يوما ما كان عليه ما نذر على نفسه فإن أحب الصيام فعشرة أيام.
قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل ينذر عتق رقبة إن فعل الله به كذا وكذا، فأراد أن يصوم إن لم يجد رقبة قال لي مالك: ما الصيام عندي بمجزئ إلا أن يشاء أن يصوم فإن أيسر يوما ما أعتق فهذا عندي مثله. قال ابن وهب عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ليست البدن إلا من الإبل. وقال طاوس والشعبي وعطاء ومالك بن أنس وخارجة بن زيد بن ثابت وسالم بن عبد الله وعبد الله بن محمد البدنة تعدل سبعا من الغنم.

في الرجل يحلف بالهدي أو ينحر بدنة أو جزورا
قلت: أرأيت من قال علي أن أنحر بدنة أين ينحرها؟ قال: بمكة. قلت: وكذلك إذا قال: لله علي هدي؟ قال: ينحره أيضا بمكة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن قال: لله علي أن أنحر جزورا أين ينحرها؟ أو قال لله علي جزور أين ينحرها؟ قال: ينحرها في موضعه الذي هو فيه قال مالك: ولو نوى موضعا لم يكن عليه أن يخرجها إليه ولينحرها بموضعه ذلك. قال ابن القاسم: كانت الجزور بعينها أو بغير عينها فذلك سواء. قال: فقلنا لمالك: وإن نذرها لمساكين أهل البصرة أو أهل مصر فلينحرها بموضعه وليتصدق بها على المساكين من عنده إذا كانت بعينها أو بغير عينها أو نذر أن يشتريها من موضعه فيسوقها إلى مصر. قال: وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال. قال ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من نذر بدنة فليقلدها وليشعرها ولا محل له دون مكة. قال ابن مهدي عن قيس بن الربيع عن جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس في رجل جعل عليه بدنة قال: لا أعلم مهراق الدماء إلا بمكة أو منى قال: وقال الحسن والشعبي وعطاء مكة، وقال سعيد بن المسيب: البدن من الإبل ومحلها إلى البيت العتيق.

في الرجل يحلف بهدي الشيء من
ماله بعينه وهو مما يهدى أو لا يهدى
قال: وقال مالك: من حلف فقال: داري هذه هدي أو بعيري هذا أو دابتي هذه هدي فإن كان ذلك الذي حلف عليه مما يهدى أهداه بعينه إن كان يبلغ وإن كان مما لا يهدى باعه واشترى بثمنه هديا. قال: وقال مالك: وإن قال: لإبل له هي هدي إن فعلت كذا وكذا فحنث أهداها كلها وإن كانت ماله كله. قال مالك: وإن قال لشيء مما يملك من عبد أو دابة أو فرس أو ثوب أو عرض من العروض هو يهديه فإنه يبيعه ويشتري بثمنه هديا فيهديه وإن قال لما لا يملك من عبد غيره أو مال غيره أو دار غيره فلا شيء عليه ولا هدي عليه فيه.
قال ابن القاسم وأخبرني من أثق به عن ابن شهاب أنه كان يقول في هذه الأشياء مثل قول مالك سواء.
قلت: أرأيت من قال: علي أن أهدي هذا الثوب. أي شيء عليه في قول مالك؟ قال: يبيعه ويشتري بثمنه هديا يهديه. قلت له: فما قول مالك في هذا الثوب إذا كان لا يبلغ أن يكون في ثمنه هدي؟ قال: بلغني عن مالك ولم أسمعه منه أنه قال: يبعث بثمنه فيدفع إلى خزان مكة يلفقونه على الكعبة. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يتصدق بثمنه ويتصدق به حيث شاء. ألا ترى أن ابن عمر كان يكسو بجلال بدنه الكعبة فلما كسيت الكعبة هذه الكسوة تصدق بها.
قلت: فإن لم يبيعوه وبعثوا بالثوب بعينه؟ قال: لا يعجبني ذلك لهم ويباع هناك، ويشترى بثمنه هدي قال: ألا ترى أن مالكا قال: يباع الثوب والحمار والعبد والفرس وكل ما جعل من العروض هكذا؟
قال: وقال مالك: إذا قال: ثوبي هذا هدي فباعه واشترى بثمنه هديا وبعثه ففضل من ثمنه شيء بعث بالفضل إلى خزان مكة إذا لم يبلغ الفضل أن يكون فيه هدي. قال ابن القاسم وأحب إلي أن يتصدق به.
قلت: أرأيت ما بعث به إلى البيت من الهدايا من الثياب والدراهم والدنانير والعروض أيدفع إلى الحجبة في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك فيمن قال لشيء من ماله هو هدي قال: يبيعه ويشتري بثمنه هديا، فإن فضل شيء لا يكون في مثله هدي ولا شاة رأيت أن يدفع إلى خزان الكعبة يجعلونه فيما تحتاج إليه الكعبة. قال ولقد سمعت مالكا وذكروا له أنهم أرادوا أن يشركوا مع الحجبة في الخزانة فأعظم ذلك قال: وبلغني

أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دفع المفاتيح إلى عثمان بن طلحة رجل من بني عبد الدار، فكأنه رأى هذه ولاية من النبي صلى الله عليه وسلم فأعظم أن يشرك معهم. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: إن فعلت كذا وكذا فعلي أن أهدي دوري أو رقيقي أو دوابي أو غنمي أو أرضي أو بقري أو إبلي أو دراهمي أو دنانيري أو ثيابي أو عروضي لعروض عنده أو قمحي أو شعيري. فحنث كيف يصنع في قول مالك؟ وهل هذا عند مالك كله سواء إذا حلف أم لا؟ قال: هذا عند مالك كله سواء إذا حلف فحنث أخرج ثمن ذلك كله فبعث به فاشترى له به هديا إلا الدراهم والدنانير فإنها بمنزلة الثمن بيعت بذلك فيشترى به بدن كما وصفت لك والإبل والبقر والغنم إن كانت من موضع تبلغ، وإلا فهي عندي تباع قال ابن مهدي عن سلام بن مسكين قال: سألت جابر بن زيد عن امرأة عمياء كانت تعولها امرأة تحسن إليها فآذتها بلسانها فجعلت على نفسها هديا ونذرا أن لا تنفعها بخير ما عاشت فندمت المرأة فقال: مرها فلتهد مكان الهدي بقرة وإن كانت المرأة معسرة فلتهد ثمن شاة ومرها فلتصم مكان النذر.
قال ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن إبراهيم في رجل نذر أن يهدي داره قال: يهدي بثمنها بدنا، وقال عطاء يشتري به ذبائح فيذبحها بمكة فيتصدق بها. وقال ابن جبير يهدي بدنا من حديث عبد الله بن المبارك، وقال ابن العباس في امرأة جعلت دارها هديا تهدي ثمنها من حديث عبد الله بن المبارك عن مسعر عن ابن هبيرة. قال ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد وغيره عن ابن شهاب أنه قال: إذا قال الرجل لعبده أو لأمته أو داره: أنت هدي. ثم حنث أنه يشتري بثمنه هديا ثم يهديه ولا يراه فيما سوى ذلك فيما يملك بيعه ولا يصح فيه ذلك القول. قلت لابن القاسم: أرأيت إن قال: أنا أهدي هذه الشاة إن فعلت كذا وكذا فحنث أيكون عليه أن يهديها في قول مالك؟ قال: نعم، عليه أن يهديها عند مالك، إذا حنث إلا أن يكون بموضع بعيد فيبيعها ويشتري بثمنها بمكة شاة يخرجها إلى الحل ثم يسوقها إلى الحرم عند مالك إذا حنث. قلت: فإن قال: لله علي أن أهدي بعيري هذا وهو بإفريقية أيبيعه ويبعث بثمنه يشتري به هديا من المدينة أو من مكة في قول مالك؟ قال: قال مالك: الإبل يبعث بها إذا جعلها الرجل هديا يقلدها ويشعرها ولم يقل لنا من بلد من البلدان بعد ولا قرب ولكنه إذا قال بعيري أو إبلي هدي أشعرها وقلدها وبعث بها. قال ابن القاسم: فأنا أرى ذلك له لازما من كل بلد إلا من بلد يخاف بعده وطول السفر والتلف في ذلك، فإذا كان هذا هكذا رجوت أن يجزئه أن يبيعها ويبعث بأثمانها فيشترى له بها هدي من المدينة أو من مكة أو من حيث أحب. قلت: فإن لم يحلف على إبل بأعيانها، ولكن قال: لله علي أن أهدي بدنة إن فعلت كذا

وكذا. فحنث؟ قال: يجزئه عند مالك أن يبعث بالثمن فيشتري له البدنة من المدينة أو من مكة فتوقف بعرفة ثم ينحرها بمنى وإن لم توقف بعرفة أخرجت إلى الحل إن كانت اشتريت بمكة ونحرت بمكة إذا أردت من الحل إلى الحرم. قال مالك: وذلك دين عليه وإن كان لا يملك ثمنها.
قلت: فلو قال: لله علي أن أهدي بقري هذه فحنث وهو بمصر أو بإفريقية ما عليه في قول مالك؟ قال: البقر لا تبلغ من هذا الموضع، فعليه أن يبيع بقره هذه ويبعث بالثمن فيشترى بثمنها هدي من حيث يبلغ ويجزئه عند مالك أن يشتري له من المدينة أو من مكة أو من حيث أحب من البلدان إذا كان الهدي الذي يشتري يبلغ من حيث اشترى.
قلت: أرأيت إن قال: لله علي أن أهدي بقري هذه. وهو بإفريقية فباعها وبعث بثمنها أيجزئه أن يشتري بثمنها بعيرا في قول مالك؟ قال: نعم، يجزئه أن يشتري بها إبلا فيهديها، قال لأني لما أجزت له البيع لبعد البلد صارت البقر كأنها دنانير أو دراهم، فلا أرى بأسا أن يشتري بالثمن بعيرا وإن قصر عن البعير فلا أرى بأسا أن يشتري بقرة، قال: ولا أحب له أن يشتري غنما إلا أن يقصر الثمن عن البعير والبقرة. قلت: فلو قال: لله علي أن أهدي غنمي هذه أو بقري هذه. فحنث وذلك في موضع يبلغ الغنم والبقر وجب عليه أن يبعثها بأعيانها هديا ولا يبيعها ويشتري في مكانها في قول مالك؟ قال: نعم.

في الرجل يحلف بهدي جميع ماله
أو بشيء بعينه وهو جميع ماله
قال: وقال مالك: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا وكذا فلله علي أن أهدي مالي. فحنث، فعليه أن يهدي ثلث ماله ويجزئه ولا يهدي جميع ماله. قلت: وكذلك لو قال: لله علي أن أهدي جميع مالي أجزأه من ذلك الثلث في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا وكذا فلله علي أن أهدي بعيري وشاتي وعبدي وليس له مال سواهم فحنث، وجب عليه أن يهديهم ثلاثتهم ; بعيره وشاته وعبده، فيبيعهم ويهدي ثمنهم وإن كان جميع ماله.
قلت: فإن لم يكن له إلا عبد واحد ولا مال له سواه، فقال: لله علي أن أهدي عبدي هذا إن فعلت كذا وكذا فحنث؟ قال مالك: عليه أن يهدي عبده ; يبيعه ويهدي ثمنه

وإن لم يكن له مال سواه. قلت: فإن لم يكن له مال سوى هذا العبد؟ فقال: إن فعلت كذا وكذا فلله علي أن أهدي جميع مالي؟ قال مالك: يجزئه من ذلك الثلث. قلت: فإذا سماه فقال: لله علي أن أهدي شاتي وبعيري وبقرتي فعد ذلك حتى سمى جميع ماله فعليه إذا سمى أن يهدي جميع ما سمى وإن أتى ذلك على جميع ماله في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يسم، ولكن قال لله علي أن أهدي جميع مالي فحنث فإنما عليه أن يهدي ثلث ماله في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فما فرق بينهما عند مالك إذا سمى فأتى على جميع ماله أهدى جميعه وإن لم يسم فقال: جميع مالي أجزأه من ذلك الثلث. قال: قال مالك: إنما ذلك عندي بمنزلة الرجل يقول: كل امرأة أنكحها فهي طالق فلا شيء عليه، وإذا سمى قبيلة أو امرأة بعينها لم يصلح له أن ينكحها، فكذلك إذا سمى لزمه وكان أوكد في التسمية. قلت: فلو قال: إن فعلت كذا وكذا فأنا أهدي عبدي هذا وأهدي جميع مالي فحنث ما عليه في قول مالك؟ قال ابن القاسم: يهدي ثمن عبده وثلث ما بقي من ماله. قلت: وكذلك هذا في الصدقة في سبيل الله؟ قال: نعم. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: من قال مالي صدقة كله فليتصدق بثلث ماله. قال ابن شهاب: ولا نرى أن يتصدق الرجل بماله كله فينخلع مما رزقه الله، ولكن بحسب المرء أن يتصدق بثلث ماله.

في الرجل يحلف بصدقة ماله أو شيء بعينه
هو جميع ماله في سبيل الله أو المساكين
قال: وقال مالك: إذا حلف بصدقة ماله فحنث أو قال: مالي في سبيل الله فحنث أجزأه من ذلك الثلث. قال: وإن كان سمى شيئا بعينه وإن كان ذلك الشيء جميع ماله فقال: إن فعلت كذا وكذا فلله علي أن أتصدق على المساكين بعبدي هذا وليس له مال غيره، أو قال فهو في سبيل الله، وليس له مال غيره فعليه أن يتصدق به إن كان حلف بالصدقة وإن كان قال فهو في الله فليجعله في سبيل الله.
قلت: ويبعث به في سبيل الله في قول مالك أو يبيعه ويبعث بثمنه؟ قال: بل يبيعه ويدفع ثمنه إلى من يغزو به في سبيل الله من موضعه إن وجد وإن لم يجد فليبعث بثمنه. قلت: فإن حنث ويمينه بصدقته على المساكين أيبيعه في قول مالك ويتصدق بثمنه على المساكين؟ قال: نعم، قلت: فإن كان فرسا أو سلاحا أو سرجا أو أداة من أداة الحرب فقال إن فعلت كذا وكذا فهذه الأشياء في سبيل الله يسميها بأعيانها أيبيعها أم يجعلها

في سبيل الله في قول مالك؟ قال: بل يجعلها في سبيل الله بأعيانها إن وجد من يقبلها إن كانت سلاحا أو دواب أو أداة من أداة الحرب إلا أن يكون بموضع لا يبلغ ذلك الموضع الذي فيه الجهاد ولا يجد من يقبله منه ولا من يبلغه له فلا بأس بأن يبيعه كله ويبعث بثمنه، فيجعل ذلك الثمن في سبيل الله. قلت: ويجعل ثمنه في مثله أم يعطيه دراهم في سبيل الله في قول مالك؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا وأرى أن يجعلها في مثلها من الأداة والكراع.
قلت: ما فرق ما بين هذا وبين البقر إذا جعلها هديا جاز له أيبيعها ويشتري بأثمانها إبلا إذا لم تبلغ؟ قال: لأن البقر والإبل إنما هي كلها للأكل، وهذه إذا كانت كراعا أو سلاحا فإنما هي قوة على أهل الحرب ليست للأكل فينبغي أن يجعل الثمن في مثله في رأيي. قلت: فإن كان حلف بصدقة هذه الخيل. وهذه السلاح وهذه الأداة باعه وتصدق به في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك إن كانت يمينه أن يهديه باعه وأهدى ثمنه في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إذا حلف بالصدقة أو في سبيل الله أجزأه من ذلك الثلث، أو بالهدي فهذه الثلاثة الأيمان سواء إن كان لم يسم شيئا من ماله بعينه صدقة أو هديا أو في سبيل الله أجزأه من ذلك الثلث. قلت: وإن سمى وأتى في التسمية على جميع ماله وجب عليه أن يبعث بجميع ماله كان في سبيل الله أو في الهدي وإن كان في صدقة تصدق بجميع ماله.
قلت: أرأيت إن قال: مالي في المساكين صدقة كم يجزئه من ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: يجزئه الثلث. قلت: وإذا قال: داري أو ثوبي أو دوابي في سبيل الله صدقة، وذلك الشيء ماله كله؟ قال: قال مالك: يتصدق به وإن كان ذلك الشيء ماله كله ولا يجزئه بعضه من بعض ولا يجزئه منه الثلث. وقال مالك: من سمى شيئا بعينه وإن كان ذلك الشيء ماله كله فقال: هذا صدقة أو في سبيل الله أو في المساكين فليخرجه كله قلت: أرأيت إن قال: فرسي في سبيل الله أيضا مع ذلك ومالي في سبيل الله؟ قال: يخرج الفرس في سبيل الله وثلث ما بقي من ماله بعد الفرس. قلت: ولم جعل مالك ما سمي بعينه جعله أن ينفذه كله وما لم يسم بعينه جعل الثلث يجزئه؟ قال: كذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي في المساكين صدقة؟ قال: يخرج ما قال يتصدق به كله. قلت: أرأيت إن قال: نصف مالي في المساكين صدقة؟ قال: يخرج نصف ماله أو قال نصف مالي أو ثلاثة أرباع مالي أو أكثر يخرجه ما لم يقل: مالي كله. وذلك أن مالكا قال: من قال: الشيء من ماله بعينه هو صدقة إن فعلت كذا وكذا أو

جزء من ماله أخرج ذلك الجزء وما سمى من ماله بعينه. قلت: وإذا حلف الرجل فقال إن فعلت كذا وكذا فمالي في سبيل الله فإنما سبيل الله عند مالك موضع الجهاد والرباط؟ قال: وقال مالك: سبل الله كثيرة وهذا لا يكون إلا في الجهاد قال مالك: فليعط في السواحل والثغر. قال: فقلنا لمالك: أيعطى في جدة؟ قال: لا، ولم ير جدة مثل سواحل الروم والشام ومصر قال: فقيل له إنه قد كان في جدة أي خوف فقال: إنما كان ذلك مرة ولم يكن يرى جدة من السواحل التي هي مرابط قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن أن رجلا تصدق بكل شيء له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد قبلت صدقتك" فأجاز الثلث. قال ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن عمرو بن شعيب أنه قال: أعطى رجل ماله في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبقيت للوارث شيئا فليس لك ذلك ولا يصلح لك أن تستوعب مالك".

في الرجل يقول مالي في رتاج الكعبة أو حطيم الكعبة
قال: وسألت مالكا عن الرجل يقول: مالي في رتاج الكعبة قال: قال مالك: لا أرى عليه في هذا شيئا إلا كفارة يمين ولا يخرج فيه شيئا من ماله. قال: وقال مالك: والرتاج عندي هو الباب قال: فأنا أراه خفيفا ولا أرى عليه فيه شيئا وقاله لنا غير عام. قلت: أرأيت من قال: مالي في الكعبة أو في كسوة الكعبة أو في طيب الكعبة أو في حطيم الكعبة أو أنا أضرب به حطيم الكعبة أو أنا أضرب به الكعبة أو أنا أضرب به أستار الكعبة؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا وأراه إذا قال: مالي في كسوة الكعبة أو في طيب الكعبة أن يهدي ثلث ماله فيدفعه إلى الحجبة. وأما إذا قال: مالي في حطيم الكعبة أو في الكعبة أو في رتاج الكعبة قال: لا أرى عليه شيئا لأن الكعبة لا تنتقض فتبنى بمال هذا ولا ينقض الباب فيجعل مال هذا فيه. قال: وسمعت مالكا يقول رتاج الكعبة هو الباب قال: وكذلك إذا قال: مالي في حطيم الكعبة لم يكن عليه شيء وذلك أن الحطيم لا يبنى، فيجعل نفقة هذا في بنيانه.
قال ابن القاسم: وبلغني أن الحطيم ما بين الباب إلى المقام أخبرني بذلك بعض الحجبة. قال: ومن قال: أنا أضرب بمالي حطيم الكعبة فهذا يجب عليه الحج أو العمرة، ولا يجب عليه في ماله شيء. قال: وكذلك لو أن رجلا قال: أنا أضرب بكذا وكذا الركن الأسود. أنه يحج أو يعتمر ولا شيء عليه إذا لم يرد حملان ذلك الشيء على عنقه. قال ابن القاسم: وكذلك هذه الأشياء.

قال ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن رجلا قال: علي نذر إن كلمتك أبدا وكل شيء لي في رتاج الكعبة فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال: كلم أخاك فلا حاجة للكعبة في شيء من أموالكم. قال ابن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة وسألها رجل وقال: إني جعلت مالي في رتاج الكعبة إن أنا كلمت عمي فقالت له: لا يجعل مالك في رتاج الكعبة وكلم عمك.

الرجل يحلف أن ينحر ابنه عند
مقام إبراهيم أو عند الصفا والمروة
قلت: أرأيت من يحلف فيقول: أنا أنحر ولدي إن فعلت كذا وكذا فحنث؟ قال: سمعت مالكا سئل عنها فقال: إني أرى أن آخذ فيه بحديث ابن عباس ولا أخالفه والحديث الذي جاء عن ابن عباس أنه يكفر عن يمينه مثل كفارة اليمين بالله. ثم سئل مالك بعد ذلك عن الرجل أو المرأة تقول أنا أنحر ولدي. قال مالك: أنا أرى أن أنويه فإن كان أراد بذلك وجه الهدي أن يهدي ابنه لله رأيت عليه الهدي وإن كان لم ينو ذلك ولم يرده فلا أرى عليه شيئا لا كفارة ولا غيره، وذلك أحب إلي من الذي سمعت أنا منه. قلت: والذي سمعت أنت من مالك أنه قال: إذا قال: أنا أنحر ولدي لم يقل عند مقام إبراهيم أنه يكفر يمينه فإن قال أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم أن عليه هديا مكان ابنه قال: نعم. قلت: وإنما فرق مالك بينهما عندك في الذي سمعت أنت منه لأنه إذا قال عند مقام إبراهيم أنه قد أراد الهدي وإن لم يقل عند مقام إبراهيم فجعله مالك في الذي سمعت أنت منه يمينا لأنه لم يرد الهدي وفي جوابه ما يشعر أنه نواه ودينه، فإن لم تكن له نية لم يجعل عليه شيئا وإن كانت له نية في الهدي جعل عليه الهدي. قال. نعم.
قلت: أرأيت إن قال: أنا أنحر ابني بين الصفا والمروة؟ قال: مكة كلها منحر عندي وأرى عليه فيه الهدي ولم أسمعه من مالك ولكن في هذا كله يراد به الهدي. ألا ترى ليس هو عندي مقام إبراهيم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عند المروة هذا المنحر وكل طرق مكة وفجاجها منحر فهذا إذا ألزمه لقوله عند المقام الهدي فهو عند المنحر أحرى أن يلزمه. قلت: أرأيت إن قال: أنا أنحر ابني بمنى؟ قال: قد أخبرتك عن مالك بالذي قال عند مقام إبراهيم أن عليه الهدي فمنى عندي منحر وعليه الهدي. قلت: أرأيت إن قال: أنا أنحر أبي أو أمي إن فعلت كذا وكذا؟ قال: هو عندي مثل قول مالك في الابن سواء.

قال: ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن قتادة بن دعامة عن عكرمة عن ابن عباس في رجل نذر أن ينحر ابنه عند مقام إبراهيم أنه سئل عنه فقال - رضي الله عن إبراهيم - يذبح كبشا.
قال ابن وهب قال مالك: قال ابن عباس في الذي يجعل ابنه بدنة قال: يهدي ديته مائة من الإبل قال: ثم ندم بعد ذلك فقال ليتني كنت أمرته أن يهدي كبشا قال الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107]
. قلت: أرأيت من يجب عليه اليمين فيفتدي من يمينه بمال أيجوز هذا؟ قال: قال لي مالك: كل من لزمته يمين فافتدى منها بمال فذلك جائز.

الرجل يحلف بالله كاذبا
قال ابن القاسم: قلت لمالك إن حلف فقال: والله ما لقيت فلانا أمس. ولا يقين له في لقيه وليس في معرفته حين حلف أنه لقيه بالأمس أو لم يلقه ثم فكر بعد في يمينه فعلم أنه لقيه بالأمس أتكون عليه كفارة اليمين في قول مالك: قال: قال مالك: ليس عليه كفارة اليمين في هذا.
قلت: لم؟ وهذا قد أيقن أنه لقيه وقد حلف أنه لم يلقه ولم يحلف حين حلف على أمر ظنه، إنما حلف بيمينه التي حلف بها على غير يقين كان في نفسه؟ فقال: هذه اليمين التي تصف أعظم من أن يكون فيها كفارة أو يكفرها كفارة عند مالك، لأن هذه اليمين لا يكون فيها لغو اليمين لأنه لم يحلف على أمر يظنه كذلك فينكشف على غير ذلك فيكون ذلك لغو اليمين وإنما حلف هذا بهذه اليمين جرأة وتفخما على اليمين على غير يقين منه لشيء فهو إن انكشفت له يمينه أنه كما حلف بها بر، وإن انكشفت يمينه أنه على غير ما حلف به فهو آثم، ولم يكن لغو اليمين فكان بمنزلة من حلف عامدا للكذب فليستغفر الله فإن هذه اليمين أعظم من أن يكون فيها كفارة أو يكفرها شيء، وقد قال رسول الله عليه السلام: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة1".
قال سحنون: وقال ابن عباس في هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} ، فهذه اليمين في الكذب واقتطاع الحقوق، فهي أعظم من أن يكون فيها كفارة. قال ابن مهدي عن العوام بن حوشب عن إبراهيم السكسكي عن ابن أبي أوفى في رجل حلف على سلعة فقال: والله لقد أعطى بها كذا وكذا ولم يعط فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: 77].
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث ذذ عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب السلمي عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار. قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك, وإن كان قضيبا من أراك. فالها ثلاث مرات. ورواه مسلم في كتاب الإيمان حديث

في لغو اليمين واليمين التي تكون فيها الكفارة
قلت: أرأيت قول الرجل: لا والله وبلى والله. أكان مالك يرى ذلك من لغو اليمين؟ قال: لا وإنما اللغو عند مالك أن يحلف على الشيء يظن أنه كذلك كقوله: والله لقد لقيت فلانا أمس وذلك يقينه، وإنما لقيه قبل ذلك أو بعده فلا شيء عليه وهذا اللغو. قال مالك: ولا يكون اللغو في طلاق ولا عتاق ولا صدقة ولا مشي ولا يكون اللغو إلا في اليمين بالله ولا يكون الاستثناء أيضا إلا في اليمين بالله. قال مالك: وكذلك الاستثناء لا يكون في طلاق ولا عتاق ولا مشي إلا في اليمين بالله وحدها، أو نذر لا يسمي له مخرجا. فمن حلف بطلاق أو عتاق أو مشي أو غير ذلك من الأيمان سوى اليمين بالله وذلك يقينه ثم استيقن أنه على غير ما حلف فإنه حانث عند مالك ولا ينفعه. قال: وكذلك إن استثنى في شيء من هذا فحنث لزمه ما حلف عليه.
قال ابن وهب عن الثقة أن ابن شهاب ذكر عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تتأول هذه الآية {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] فتقول: هو الشيء يحلف عليه أحدكم لم يرد فيه إلا الصداق فيكون على غير ما حلف عليه فليس فيه كفارة. وقاله مع عائشة عطاء وعبيد بن عمير بن وهب. وقال مثل قول عائشة ابن عباس ومحمد بن قيس ومجاهد وربيعة ويحيى بن سعيد ومكحول. وقاله إبراهيم النخعي من حديث المغيرة. قال سحنون وقاله الحسن البصري من حديث الربيع بن صبيح. قال سحنون وقاله عطاء بن أبي رباح من حديث أيوب بن أبي ثابت، وقال: قال مالك: إنما تكون الكفارة في اليمين في هاتين اليمينين فقط في قول الرجل: والله لأفعلن كذا وكذا فيبدو له أن لا يفعل، فيكفر، ولا يفعل. أو يقول والله لا أفعل كذا وكذا فيبدو له أن يفعل فيكفر يمينه ويفعله وأما ما سوى هاتين اليمينين من الأيمان كلها فلا كفارة فيها عند مالك. وإنما الأيمان بالله عند مالك أربعة أيمان: لغو اليمين، ويمين غموس، وقوله: والله لا أفعل ووالله لأفعلن. وقد فسرت لك ذلك كله وما يجب فيه شيئا شيئا.
قال ابن مهدي عن حماد بن زيد عن غيلان بن جرير وعن أبي بردة عن أبي موسى قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله فقال: والله لا أحملكم والله ما عندي ما أحملكم عليه ثم أتى بابا فأمر لنا بثلاث ذود فلما انطلقنا قال: أتينا رسول الله عليه السلام نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا. والله لا يبارك لنا ارجعوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيناه فأخبرناه، فقال: "ما أنا حملتكم بل الله حملكم, إني والله إن

شاء الله لا أحلف على يمين فأرى خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير".
قال: وكان أبو بكر لا يحلف على يمين فيحنث فيها حتى نزلت رخصة الله، فقال: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا تحللتها وأتيت الذي هو خير، وقال مثل قول مالك إن الأيمان أربعة يمينان تكفران ويمينان لا تكفران.
قال إبراهيم النخعي من حديث سفيان الثوري عن أبي معشر وذكره عبد العزيز بن مسلم عن أبي حصين عن أبي مالك، قال مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير1".
قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد الكندي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليفعل الذي هو خير وليكفر عن يمينه". قال مالك: والكفارة بعد الحنث أحب إلي.
قال ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر ربما حنث ثم كفر وربما قدم الكفارة ثم يحنث.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ ي كتاب النذر حديث 11. مسلم في كتاب الإيمان حديث 12.

في الحالف بالله أو اسم من أسماء الله
قلت: أرأيت إن حلف الرجل باسم من أسماء الله أتكون أيمانا في قول مالك مثل أن يقول والعزيز والسميع والعليم والخبير واللطيف هذه وأشباهها في قول مالك كل واحدة منها يمين؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن قال: والله لا أفعل كذا وكذا. هذه يمين؟ قال: نعم. هي يمين عند مالك.
قلت: أرأيت إن قال: تالله لا أفعل كذا وكذا أو لأفعلن كذا وكذا؟ قال: لم أسمع من مالك فيها شيئا وهي يمين يكفرها. قلت: أرأيت إن قال: وعزة الله وكبرياء الله وقدرة الله وأمانة الله؟ قال: هذه عندي أيمان كلها وما أشبهها ولم أسمع من مالك فيها شيئا. قلت: أرأيت إن قال لعمر الله لا أفعل كذا وكذا. أتكون هذه يمينا في قول مالك؟ قال: نعم. أراها يمينا ولم أسمع من مالك فيها شيئا. قال ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن غير واحد عن الحسن قال: بالله وتالله يمين واحدة.

الرجل يحلف بعهد الله وميثاقه
قلت: أرأيت إن قال علي عهد الله وذمته وكفالته وميثاقه؟ قال: قال مالك: هذه

الرجل يحلف يقول أقسم أو أحلف وأشهد أو أعزم
"قلت "أرأيت إن قال أشهد أن لا أكلم فلانا "قال "قال مالك لا شيء عليه وليكلمه "قال "ابن القاسم: إلا أن يكون أراد بقوله: أشهد أي أشهد بالله يمينا مثل ما يقول أشهد بالله فهي يمين قلت: أرأيت إن قال أحلف أن لا أكلم فلانا أتكون هذه يمينا في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يقول أقسمت أن لا أفعل كذا وكذا قال مالك: إن كان أراد بقوله أقسمت أي بالله فهي يمين لأن المسلم لا يقسم إلا بالله وإلا فلا شيء عليه. فهذا الذي قال: أحلف أن لا أكلم فلانا إن كان إنما أراد أي أحلف بالله فذلك عليه وهي يمين وإلا فلا شيء عليه ; لأن مالكا قال في قوله: أقسمت إن لم يرد بالله فلا يمين عليه.
قلت: أرأيت إن قال: أشهد أن لا أفعل كذا وكذا. أتكون هذه يمينا في قول مالك؟ قال: لا إلا أن يكون أراد أشهد أي أشهد بالله فإن كان أراد بها اليمين فهي يمين قلت: أرأيت إن قال: أعزم أن لا أفعل كذا وكذا. أتكون هذه يمينا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وليست بيمين قلت: أرأيت إن قال: أعزم بالله أن لا أفعل كذا وكذا؟ قال: هذا لا شك فيه أنه يمين عندي.
قلت: أرأيت إن قال الرجل: أعزم عليك بالله إلا ما أكلت. فأبى أن يأكل أيكون على العازم أو المعزم عليه كفارة في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني لا

أرى على كل واحد منهما شيئا. قال: لأن هذا بمنزلة قوله: أسألك بالله لتفعلن كذا وكذا. فيأبى فلا شيء على واحد منهما.
قال ابن مهدي عن إسرائيل عن جابر عن رجل عن محمد بن الحنفية. قال: إذا أقسم الرجل ولم يذكر الله فليس بشيء حتى يذكر الله. قال ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن قال: أقسمت وحلفت ليستا بيمين حتى يحلف يقول بالله. قال ابن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم قال: إذا قال: أقسمت عليك فليس بشيء وإذا قال الرجل: أقسمت بالله فهي يمين يكفرها.
قال ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرى القسم يمينا يكفرها إذا حنث. قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن القاسم بن محمد مثله. قال ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}. قال: هي يمين. قال ابن مهدي عن يزيد بن إبراهيم قال: سمعت الحسن سئل عن رجل قال: أشهد أن لا أفعل كذا وكذا قال: ليس بيمين. قال ابن مهدي عن همام عن قتادة أنه قال في أشهد قال: أرجو أن لا تكون يمينا.

الرجل يحلف يقول علي نذر أو يمين
قلت: أرأيت إن قال علي نذر؟ قال: هي يمين عند مالك. قلت: وسواء في قول مالك إن قال: لله علي نذر. أو قال: علي نذر هو سواء عند مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن قال علي نذر إن فعلت كذا وكذا. فحنث وهو ينوي بنذره ذلك صوما أو صلاة أو حجا أو عمرة أو غير ذلك أو عتقا؟ قال: قال مالك: ما نوى بنذره مما يتقرب به إلى الله فذلك له لازم وله نيته. قال: وقال مالك: وإن لم تكن له نية فكفارته كفارة يمين.
قلت: أرأيت إن قال: علي نذر ولم يقل: كفارة يمين. أيجعلها كفارة يمين في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن قال علي يمين إن فعلت كذا وكذا ولم يرد اليمين حين حلف ولا غير ذلك لم يكن له نية في شيء؟ قال: أرى عليه اليمين وما سمعت من مالك فيه شيئا وإنما قوله علي يمين كقوله علي عهد الله أو علي نذر.
قال ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن إسماعيل بن رافع عن خالد بن يزيد عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نذر نذرا

ولم يسمه فكفارته كفارة يمين1" . وقال مالك والليث إن كفارته كفارة يمين إذا لم يسم لنذره مخرجا من صوم أو حج أو صلاة. قال سحنون وقاله ابن عباس وجابر بن عبد الله ومحمد بن علي والقاسم بن محمد وعطاء والشعبي ومجاهد وطاوس والحسن، وقال ابن مسعود يعتق رقبة وأبو سعيد الخدري والنخعي كفارة يمين.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الأيمان باب 25. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب 17.

الذي يحلف بما لا يكون يمينا
قلت: أرأيت إن قال: هو يهودي أو مجوسي أو نصراني أو كافر بالله، أو بريء من الإسلام، إن فعل كذا وكذا. أتكون هذه أيمانا في قول مالك؟ قال: لا ليست هذه أيمانا عند مالك وليستغفر الله مما قال.
قلت: أرأيت إن قال علي حرام إن فعلت كذا وكذا أترى هذا يمينا؟ قال: لا تكون في الحرام يمين. قال لي مالك: لا يكون الحرام يمينا في شيء من الأشياء لا في طعام ولا في شراب ولا في أم ولد إن حرمها على نفسه، ولا خادمه ولا عبده ولا فرسه ولا في شيء من الأشياء إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق، إنما ذلك في امرأته وحدها.
قلت: أرأيت قوله لعمر أتكون هذه يمينا؟ قال: قال مالك لا تكون يمينا.
قلت: أرأيت إن حلف الرجل بحد من حدود الله كقوله: هو زان هو سارق، إن فعل كذا وكذا؟ قال: ليس عليه في هذا شيء عند مالك. قلت: أرأيت إن حلف بشيء من شرائع الإسلام، كقوله والصيام والصلاة والحج لا أفعل كذا وكذا ففعله أتكون هذه أيمانا في قول مالك؟ قال: ما سمعت عن مالك فيها شيئا ولا أحد يذكره عنه ولا أرى في شيء من هذه يمينا.
قلت: أرأيت إن قال الرجل أنا كافر بالله إن فعلت كذا وكذا أتكون هذه يمينا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تكون هذه يمينا ولا يكون كافرا حتى يكون قلبه مضمرا على الكفر وبئسما قال. قلت: أرأيت إن قال: هو يأكل الخنزير أو لحم الميتة أو يشرب الدم أو الخمر إن فعل كذا وكذا. أيكون شيء من هذا يمينا عند مالك أم لا؟ قال: لا يكون ذلك يمينا لأن مالكا قال: من قال: أنا أكفر بالله فلا يكون يمينا فكذلك هذا.
قال: ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعوتب في التحريم. فأمر بالكفارة في اليمين. قال مالك عن زيد بن أسلم قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم فقال: أنت علي حرام. ووالله ما

أمسك فأنزل الله في ذلك ما أنزل. قال ابن لهيعة عن عبد ربه عن سعيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم وحلف فأمره الله أن يكفر عن يمينه. قال ابن مهدي عن عبد الواحد بن زياد عن عبيد المكتب قال: سألت إبراهيم النخعي عن رجل قال: الحلال علي حرام إن أكل من لحم هذه البقرة. قال: أله امرأة؟ قال: قلت له, نعم, قال: لولا امرأته لأكل من لحمها
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: عليه لعنة الله أو عليه غضب الله إن فعل كذا وكذا أيكون هذا يمينا في قول مالك أم لا؟ قال مالك: لا يكون يمينا. قلت: أرأيت إن قال: أحرمه الله الجنة وأدخله النار إن فعل كذا وكذا أيكون هذا يمينا في قول مالك؟ قال: لا يكون هذا يمينا. قلت: أرأيت الرجل يقول للرجل وأبي وأبيك وحياتي وحياتك وعيشي وعيشك؟ قال مالك: هذا من كلام النساء وأهل الضعف من الرجال فلا يعجبني هذا وكان يكره الأيمان بغير الله تعالى.
قلت: فهل كان مالك يكره للرجل أن يحلف بهذا أن يقول: والصلاة لا أفعل كذا وكذا أو شيئا مما ذكرت لك؟ قال: كان يكره ذلك لأنه كان يقول من حلف فليحلف بالله وإلا فلا يحلف, وكان يكره اليمين بغير الله. قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يقول رغم أنفي لله. فقال: ما يعجبني ذلك. قال ابن القاسم قال مالك: ولقد بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: رغم أنفي لله الحمد لله الذي لم يمتني حتى قطع مدة الحجاج بن يوسف. قال مالك: وما يعجبني أن يقول أحد رغم أنفي لله قال مالك: من كان حالفا فليحلف بالله.
قال ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في رجل قال عليه لعنة الله إن لم يفعل كذا وكذا قال: لا أرى عليه يمينا. قال مالك: وقال عطاء في رجل قال: أخزاه الله إن فعل كذا وكذا. ثم فعله قال: ليس عليه شيء. قال الشعبي في رجل قال: قطع الله يده أو رجله أو صلبه يحلف بالشيء يدعو به على نفسه فحنث قال: ليس عليه كفارة.
قال ابن مهدي عن يزيد بن أبي عطا عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: حلفت باللات والعزى فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني حديث عهد بالجاهلية فحلفت باللات والعزى. قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ثلاثا واستغفر الله ولا تعد. قال ابن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن ابن أبي ذئب عمن سمع ابن المسيب جاءه رجل فقال: إني حلفت بيمين قال: ما هي؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو قلت: لا. قال: قلت علي نذر قلت: لا. قال: قلت: أكفرت بالله؟ قال: نعم. قال: فقل آمنت

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19