كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

ما جاء في الرجل يقول: قتلني فلان ولم يقل خطأ ولا عمدا
ً
قلت لأبي القاسم: أرأيت إذا قال المقتول: دمي عند فلان، ولم يقل خطأ ولا عمدا؟ قال: إن قال ولاة الدم كلهم عمدا أو خطأ فالقول قولهم، ويقسمون ويستحقون ما ادعوا من ذلك. فإن افترقوا فقال بعضهم خطأ وقال بعضهم عمدا فحلفوا كلهم، كان لهم دية الخطأ بينهم كلهم، الذين ادعوا العمد والذين ادعوا الخطأ. وإن أبى بعضهم أن

يحلف ونكل عن اليمين، فإن نكل مدعو الخطأ وقال مدعو العمد: نحن نحلف على العمد، بطل دعواهم ولم يكن لهم أن يقسموا، ولم يكن لهم إلى الدم ولا إلى الدية سبيل. فإن قال بعضهم: قتل عمدا. وقال بعضهم: لا علم لنا فكذلك أيضا تبطل دعواهم، ولا يكون لهم أن يقسموا. وإن قال بعضهم: قتل خطأ وقال بعضهم: لا علم لنا. أو نكلوا، أحلف الذين ادعوا الخطأ وأخذوا نصيبهم من الدية، ولم أسمع هذا من مالك ولكنه رأيي. قال: وبلغني أن مالكا قال فيمن قتل قتيلا فادعى بعض ولاته أنه قتل عمدا وقال بعضهم: لا علم لنا به ولا بمن قتله ولا نحلف. قال مالك: فإن دمه يبطل. وإن قال بعضهم قتل خطأ وقال بعضهم لا علم لنا بذلك ولا نحلف، كان للذين حلفوا أنصباؤهم من الدية بأيمانهم وليس للذين لم يحلفوا شيء. وإن قال بعضهم: قتل عمدا وقال الآخرون: قتل خطأ وحلفوا كلهم كان لهم جميع الدية، إن أحب الذين ادعوا العمد أخذوا أنصباءهم. فأما القتل فلا سبيل لهم إليه فهذا رأيي، والذي بلغني. قلت: فما قول مالك إن ادعى بعض ولاة الدم الخطأ، وقال بعضهم: لا علم لنا بمن قتله، فحلف الذين ادعوا الخطأ وأخذوا حظوظهم من الدية، ثم أراد هؤلاء الذين قالوا: لا علم لنا بمن قتله خطأ أن يحلفوا ويأخذوا حظوظهم من الدية، أيكون ذلك لهم؟ قال: قال مالك: إذا نكل مدعو الدم عن اليمين وأبوا أن يحلفوا وردوا الأيمان على المدعى عليهم، ثم أرادوا أن يحلفوا بعد ذلك لم يكن ذلك لهم. فأرى أنه ليس لهم أن يحلفوا إذا عرضت عليهم الأيمان فأبوها. قال: وكذلك قال لي مالك في الحقوق إذا شهد له شاهد فأبى أن يحلف مع شاهده ورد اليمين على المدعى عليه، ثم أراد أن يحلف بعد ذلك ويأخذ لم يكن ذلك له. قلت: أرأيت إذا أقمت شاهدا واحدا وأبيت أن أحلف معه، ورددت اليمين على الذي ادعيت قبله فنكل عن اليمين، ما يكون عليه في قول مالك؟ قال: عليه أن يحلف عند مالك أو يغرم. قلت: ولا يرد اليمين على الذي أقام شاهدا واحدا؟ قال: لا؛ لأنه إذا رد اليمين على المدعى عليه لم يرجع اليمين على المدعي بعد ذلك أبدا أيضا.

ما جاء في قسامة الوارث الواحد في القتل عمدا أو خطأ
قلت: والقسامة في هذا والدين سواء في رد اليمين قال: نعم هما سواء عند مالك. قلت: أرأيت إن لم يكن للمقتول إلا وارث واحد، أيحلف هذا الوارث وحده خمسين يمينا ويستحق الدية، أو القتل إن ادعى العمد في قول مالك؟ قال: قال مالك: أما في الخطأ فيحلف خمسين يمينا ويستحق الدية كلها، وأما في العمد فلا يقتل إلا بقسامة رجلين فصاعدا. فإن نكل واحد من ولاة الدم الذين يجوز عفوهم إن عفوا فلا

سبيل للقتل، وإن كانوا أكثر من اثنين، فإن كان ولاة الدم رجلين فنكل أحدهما فلا سبيل إلى الدم. قلت: أرأيت إن لم يكن للمقتول الأولى واحد فادعى الدم عمدا ما يصنع به في قول مالك؟ قال: إن حلف معه أحد من ولاة المقتول وإن لم يكونوا في العدد مثل هذا قتلوا، وإن لم يحلف معه أحد من ولاة المقتول فإن الأيمان ترد على المدعى عليه. فإذا حلف خمسين يمينا بطل عنه ما ادعي عليه من الدم. قلت: فإن نكل المدعى عليه عن اليمين، أيقتله في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال لي: إذا جرح الرجل رجلا عمدا فأتى المجروح بشاهد على جرحه حلف واقتص. فإن نكل عن اليمين قيل للجارح: احلف وابرأ. فإن لم يحلف حبس حتى يحلف. وكذلك القتل عندي. قال: وقال مالك في المتهم في الدم إذا ردت اليمين عليه: إنه لا يبرأ دون أن يحلف خمسين يمينا، فأرى أن يحبس حتى يحلف.

ما جاء في الرجل يقيم شاهدا واحدا على جرحه عمدا
قلت: أرأيت الذي أقام شاهدا واحدا على جرحه عمدا، وأراد القصاص أو أقام شاهدا واحدا على جرحه خطأ وأراد العقل، كم يحلف مع شاهده في قول مالك، أيمينا واحدة أم خمسين يمينا؟ قال: يمينا واحدة في قول مالك. وإنما تكون خمسين يمينا في النفس، وليس في الجراحات خمسون يمينا عند مالك إنما ذلك في الدم. قال: وقال لي مالك: ليس في شيء من الجراحات قسامة. قلت لابن القاسم: لم أجاز مالك شهادة رجل واحد في جراحات العمد مع يمين الطالب، وليست الجراحات عمدا بمال. وقد قال مالك: لا تجوز شهادة الرجل الواحد مع يمين الطالب إلا في الأموال لا تجوز في الفرية؟ وقد قال مالك في الدم إذا كان ولي الدم واحدا وأقام شاهدا واحدا لم يكن له أن يقسم مع شاهده؟ قلت: فلم قال مالك ذلك في جراحات العمد وما حجته في ذلك؟ قال: كلمته في ذلك فقال: إنه لأمر ما سمعت فيه شيئا من أحد ممن مضى، وإنما هو شيء استحسنته. قلت: فلم قال مالك في الدم في العمد: لا يقسم أقل من رجلين؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أنه قال: هو الأمر المجتمع عليه، ولا أراه أخذه إلا من قبل الشهادة؛ لأنه لا يقتل أحد إلا بشاهدين.

ما جاء في الرجل يقتل وله وليان: أحدهما كبير والآخر صغير
قلت: أرأيت إن كان لهذا المقتول ولي رجل كبير وله ولي آخر صبي صغير، فأراد الرجل أن يحلف وقال: أنا أحلف وأنتظر حتى يكبر الصبي فيحلف ونستحق الدم جميعا؟ قال: سألت مالكا عن الذي يقتل وله ولد صغار، كيف ترى في أمره، أينتظر بالقاتل إلى

ما جاء في عفو الحد دون الإخوة عن دم العمد
قلت: أرأيت إن كان للمقتول أخ وجد، فأتوا بلوث من بينة وادعوا الدم عمدا أو خطأ؟ قال: يحلفون ويستحقون لأن مالكا قال: ولاة الدم يحلفون فهؤلاء ولاة الدم. قلت: فإن كانوا عشرة إخوة وجد - والدم خطأ - حلف الجد ثلث الأيمان وفرق ثلثا الأيمان على

الإخوة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن عفا الجد عن القاتل دون الإخوة؟ قال: أرى عفوه جائزا وأراه بمنزلة الأخ لأنه أخ مع الإخوة. قلت: أرأيت إن كان للمقتول ورثة بنات وبنون فأقسم البنون على العمد، أيكون للبنات هاهنا عفو؟ قال: قال مالك: لا عفو لهن ولا يقسمن.

ما جاء فيما إذا عفا البنون ولم يعف البنات وتفسير البنات والعصبة
قلت: فإن كان للمقتول ابنان وابنة، فأقسم الابنان واستحقا الدم ثم عفا أحدهما، هل يكون للابن الذي لم يعف وللابنة شيء؟ قال: للابن الذي لم يعف خمسا الدية وللابنة خمس الدية، ويسقط خمسا الدية حظ الذي عفا إلا أن يكون عفا على أن يأخذ الدية. فإن عفا على أن يأخذ الدية كان ذلك له. وكذلك قال لي مالك في الذي يقتل عمدا وله ورثة بنون، رجال ونساء: إن النساء ليس لهن من العفو قليل ولا كثير، فإن عفا الرجال على أن يأخذوا الدية، فهي موروثة على فرائض الله يدخل في ذلك ورثة المقتول نساؤهم ورجالهم. فكذلك القسامة أيضا والقتل عمدا ببينة تقوم سواء إذا استحقوا الدم فليس للنساء عفو، فإن عفا واحد ممن يجوز عفوه من الرجال صار ما بقي من الدية موروثا على فرائض الله يدخل في ذلك النساء. وإنما قال لي مالك: إذا عفا الرجال وقبلوا الدية دخل في ذلك النساء. وأنا أرى إذا عفا واحد منهم فهو بمنزلة عفوهم كلهم. قلت: وتدخل امرأته في الدية إذا وقع العفو في قول مالك وإخوته لأمه؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: إذا وقع العفو وقبلوا الدية فقد صار ما بقي من الدية موروثة على فرائض الله ويقضى منها دينه. قلت: أرأيت إن عفا الرجال من غير أن يشترطوا الدية، أيكون للنساء حظوظهن من الدية أم لا؟ قال: لا، إلا أن يعفو بعض الرجال ويبقى بعضهم. فإن بقي بعضهم كان للنساء مع من بقي نصيبهن من الدية، فإن عفا الرجال كلهم لم يكن للنساء فيه دية، وهذا الذي سمعت فيه، وهو الذي فسرت لك في هذه المسألة كلها، في البنين والبنات والإخوة والأخوات، فأما إذا كان بنات وعصبة أو أخوات وعصبة، فإنه لا عفو للبنات ولا للأخوات إلا بالعصبة، ولا عفو للعصبة إلا بالبنات والأخوات إلا أن يعفو بعض البنات وبعض العصبة، فيقضى لمن بقي من البنات والعصبة بالدية، وكذلك الأخوات والعصبة وهو الذي سمعت واستحسنت.قلت: أرأيت دم العمد، هل تجوز فيه شهادة على شهادة؟ قال: قال لي مالك: الشهادة على الشهادة تجوز في الحدود، فالقتل عندي حد من الحدود.قلت: أرأيت الشاهد الواحد إذا شهد لرجل على دم عمدا ودم خطأ، أيكون فيه قسامة، أم يحلف ولاة الدم مع شاهدهم يمينا واحدة ويستحقون؟ قال:

بل تكون فيه القسامة، كذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن شهد شاهد على القتل خطأ أو عمدا، أيحبس هذا المشهود عليه حتى يسأل عن الشاهد؟ قال: أما في الخطأ فلا يحبس؛ لأنه إنما تجب الدية على العاقلة. وأما في العمد فإنه يحبس حتى يسأل عن الشاهد. فإذا زكى كانت القسامة، وما لم يزك لم تكن فيه قسامة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يقسم إلا مع الشاهد العدل، ولا كفالة في القصاص ولا في الحدود. قلت: أرأيت القتل خطأ، هل فيه تعزير وحبس في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا علمت أن أحدا يعزر في الخطأ ولا يحبس فيه، أرى أنه ليس عليه حبس ولا تعزير.

ما جاء في القتيل يوجد في دار قوم أو في محله قوم أو في أرضهم أو في فلوات المسلمين
ما جاء في القتيل يوجد في دار قوم أو محلة قوم أو في أرضهم أو في فلوات المسلمين
قلت: أرأيت القتيل إذا وجد في دار قوم أو محلة قوم أو أرض قوم، أتكون فيه القسامة أم لا؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن وجد قتيل في أرض المسلمين أو في فلوات المسلمين، لا يدرى من قتله، أتكون ديته على المسلمين في بيت مالهم أم لا؟ قال: الذي قال مالك في كتابه الموطإ: إنه لا يؤخذ به أحد إذا وجد في قرية قوم أو دارهم. فإذا قال مالك: لا يؤخذ به أحد. فأراه وقد أبطله ولم أوقفه عليه، وهذا رأيي أنه يبطل ولا يكون في بيت المال ولا على أحد. قلت: فأين الحديث الذي جاء: "لا يبطل دم المسلم"؟ قال: لم أسمع مالكا يذكر في هذا شيئا.

ما جاء في المسخوط يقول دمي عند فلان
قلت: أرأيت إن كان المقتول مسخوطا فقال: دمي عند فلان. أيقبل قوله أم لا ويكون فيه القسامة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: فيه القسامة إذا قال المقتول: دمي عند فلان. ولم يذكر لنا مالك مسخوطا من غير مسخوط، ولكن قال ذلك لنا مجملا. وأرى المسخوط وغير المسخوط في ذلك سواء، وهذا الذي سمعت من قوله. قلت: فما فرق ما بين الشاهد إذا كان مسخوطا وبين المقتول؟ قال: لأن المقتول لا يتهم. قلت: أرأيت إن كانت امرأة فقالت: دمي عند فلان؟ قال: قال مالك: الرجل والمرأة في هذا سواء، وتكون القسامة في هذا العمد والخطأ. قال ابن القاسم: وهذا مما يدل أيضا على الفرق بين الشاهد إذا كان مسخوطا وبين المقتول إذا كان مسخوطا، وتكون القسامة في هذا العمد والخطأ. وقد جعل مالك الورثة يقسمون بقول المرأة - والمرأة ليست بتامة الشهادة - ولا يقسم مع شهادتها في عمد. ألا ترى أن المسخوط يأتي بشاهد على حقه فيحلف مع شاهده، ولو أتى بشاهد مسخوط لم يحلف معه ولم

ما جاء في النصراني يقول: دمي عند فلان
قلت: أرأيت إن قتل هذا النصراني فقال: دمي عند فلان. أتكون فيه القسامة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يقسم النصارى ولا يقسم إلا المسلمون، ولا يكون مع قوله قسامة إذا قام لهما شاهد عدل على قتله. فإن كان عمدا كانت ديته في مال القاتل، وإن كان خطأ حمل ذلك عاقلة المسلم القاتل، وجعل ذلك كدية المسلم التي تحمل. قلت: أرأيت إن قال المقتول: دمي عند فلان قصد بدمه قصد رجل هو أورع أهل البلاد ممن لا يتهم في الدماء ولا غير ذلك، وليس بمتهم في شيء من الشر؟ قال: لم أسمع مالكا يحاشي أحدا من أحد، فأرى أنه مصدق في كل من ادعى عليه. قلت: أرأيت إن قصد بدمه قصد صبي، أيكون لورثته أن يقسموا ويأخذوا الدية من عاقلة الصبي؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قصد بدمه قصد ذمي أو ذمية أو عبد أو أمة، أيكون لورثته أن يقسموا أو يقتلوا وإن ادعوا الخطأ أقسموا وقيل لسيد العبد: ادفع أو افد. وقيل لأهل جزية: هذا الذمي احملوا عقل هذا الرجل؟ قال: نعم وهو رأيي.

ما جاء في ابن الملاعنة يقول: دمي عند فلان
قلت: أرأيت ابن الملاعنة إذا قال: دمي عند فلان. كيف يصنع فيه؟ قال: إن كانت أمه من الموالي فلموالي أمه أن يقسموا ويستحقوا الدم إن كان عمدا، أو الدية إن كان خطأ وهو رأيي. قلت: فإن كانت أمه من العرب؟ قال: هو عندي بمنزلة من لا عصبة

له ولا ولاء؛ لأنه إذا كان من العرب لم يرثه أحد إلا أمه وإخوته لأمه إذا لم يكن له ولد ولا ولد ولد، ويكون ما بقي لبيت المال. فهذا بمنزلة من لا وارث له من الرجال ولا عصبة له وماله لبيت المال. فسبيل ابن الملاعنة وهذا واحد، وما سمعت ذلك إلا أني أرى أن لا يقتل إلا ببينة، ولا يكون في هذا قسامة في عمد، وإن كان خطأ أقسمت أمه وإخوته لأمه وأخذوا حقوقهم من الدية. قال: وأما إخوة ابن الملاعنة لأمه - في قول مالك فليس لهم من الدم في العمد شيء. قلت: أرأيت إن قتل ابن الملاعنة عمدا ببينة قامت، أيكون لأمه أن تقتل في قول مالك قاتله؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن رجل قتل وله أم وعصبة فصالحوا العصبة وأبت الأم إلا أن تقتل. قال: ذلك لها. فقيل لمالك: فإنها قد ماتت؟ قال: فورثتها على ما كان لها من القتل، إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا، فكذلك ابن الملاعنة.

ما جاء في تقسم اليمين في القسامة
ما جاء في تقسيم اليمين في القسامة
قلت: أرأيت إن شهد شاهدان على رجل بالقتل، أتكون في هذا قسامة في قول مالك؟ قال: لا. قلت لابن القاسم: كيف يقسم الورثة في قول مالك؟ قال: يحلفون بالله الذي لا إله إلا هو أن فلانا قتله، أو لمات من ضربه إن كان بعد ضربه حيا. قلت: ولا يذكر مالك في أيمانهم الرحمن الرحيم؟ قال: نعم، لا يرى مالك في الأيمان كلها إلا بالله الذي لا إله إلا هو، ولا يبلغ بالحلف أكثر من هذا، لا يقال له الرحمن الرحيم. وذلك أنا رأينا المدنيين يحلفون عند المنبر فما يزيدون على ما أخبرتك عن مالك، فسألنا مالكا عن ذلك فقال الذي أخبرتك عنه. قلت: أرأيت القسامة أعلى ألبتة يحلفون فيها - عند مالك - أم على العلم في قول مالك؟ قال: على البتة. قلت: أرأيت إن كان بعض الورثة غائبا يوم قتل هذا القتيل بأرض إفريقية فأتى بعد ذلك، أيقسم على البتة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن كان القتيل مسخوطا فقال: دمي عند فلان -وورثة المقتول كلهم مسخوط- أيكون لهم أن يقسموا ويقتلوا إن كان عمدا، وإن كان خطأ أقسموا وأخذوا الدية في قول مالك؟ قال: نعم ذلك لهم. قال: وهذا خلاف الشهادة، لا يقسم عند مالك إلا مع الشاهد العدل، ولا يقسم مع شاهد مسخوط. قلت: أرأيت الأعمى، أيكون له أن يقسم في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت ما وجب على العاقلة من الدية إنما هو على الرجال ليس على النساء ولا على الذرية منه شيء عند مالك؟ قال: نعم، لا شيء على الذرية ولا على النساء عند مالك. قلت: أرأيت الدية إذا حملتها العاقلة، قدر كم يؤخذ من الرجل؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا لم يحد لنا في هذا حدا. قال: ولكن الغني على قدره، ومن دونه على قدره، وقد كان يحمل على الناس في أعطياتهم من كل مائة درهم درهم ونصف.

ما جاء في القسامة على الجماعة في العمد
قلت: أرأيت إذا ادعوا الدم على جماعة رجال ونساء؟ قال: قال مالك: إذا ادعوا على جماعة، أقسموا على واحد منهم وقتلوا إذا كان لهم لوث من بينة، أو تكلم بذلك المقتول، أو قامت بينة على أنهم ضربوه ثم عاش بعد ذلك. قلت: فإن للورثة أن يقسموا على أيهم شاءوا ويقتلوه؟ قال: نعم عند مالك. قلت: فإن ادعوا الخطأ وجاءوا بلوث من بينة على جماعة، أقسم الورثة عليهم كلهم بالله الذي لا إله إلا هو أنهم قتلوه، ثم تفرق الدية على قبائلهم في ثلاث سنين؟ قال: نعم، وكذلك سألت مالكا فقال لي مثل ما قلت لك. وقال لي مالك: ولا يشبه هذا العمد. قلت: فاللوث من البينة، أي شيء هو؟ أيكون العبد، أم أم الولد، أم المرأة، أم الرجل المسخوط لوث بينة؟ قال: قال مالك: اللوث من البينة الشاهد الواحد إذا كان عدلا، الذي يرى أنه حاضر الأمر. قلت: أرأيت إن قال: دمي عند فلان - وفلان عبد - أيقسمون ويستحقون دمه في قول مالك؟ قال: نعم. فإن كان عمدا كان لهم أن يقتلوه، وإن استحيوه خير سيده فإن شاء فداه بالدية وإن شاء أسلمه. قال ابن القاسم: قال مالك في العبد إذا أصيب عمدا أو خطأ فجاء سيده بشاهد واحد، حلف مع شاهد يمينا واحدة، ثم كان له ثمن عبده: إن كان الذي أصاب عبده حرا؛ لأن العبد مال من الأموال. وإن كان الذي أصابه مملوكا خير سيد العبد القاتل، فإن شاء أن يسلم عبده أسلمه وإن شاء أن يخرج ثمن العبد المقتول ويمسك عبده فذلك له. فإن أسلمه فليس على العبد أن يقتل؛ لأنه لا يقتل عبد بشهادة رجل واحد؛ لأنه ليس في العبيد قسامة إذا قتلوا في عمد ولا خطإ، ولم أسمع أحدا من أهل العلم قال ذلك. قلت: فإن قتل عبد عبدا عمدا أو خطأ، لم يكن لصاحب العبد المقتول أن يحلف ويستحق بقسامة إلا ببينة عادلة فيقتل، أو بشاهد واحد فيحلف مع شاهده يمينا واحدة ويستحق العبد القاتل؟ قال مالك: في العبد يقتل الحر فيأتي ولاة الحر بشاهد واحد يشهد أن العبد قتله. قال: قال مالك: إن شاء ولاة الحر المقتول يحلفون خمسين يمينا ويستحقون دم صاحبهم فذلك لهم، فإذا حلفوا خمسين يمينا أسلم العبد إليهم، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استحيوه. قال: ولا يجب لهم العبد حتى يحلفوا خمسين يمينا، فإن قالوا: نحن نحلف يمينا واحدة ونأخذ العبد نستحييه. فليس لهم ذلك دون أن يحلفوا خمسين يمينا، لأنه لا يستحق دم الحر إلا ببينة عادلة، أو بشاهد فيحلف ولاة المقتول الحر خمسين يمينا مع شاهدهم. قلت: أرأيت إن قال المقتول: دمي عند فلان. وشهد شاهد على أنه قتله، أيجتزئ ولي الدم بهذا في قول مالك؟ قال: لا، ولكن فيه القسامة عندي.

ما جاء في امرأة ضربت فقالت دمي عند فلان فخرج جنينها ميتا
قلت لابن القاسم: أرأيت إن ضربت امرأة فقالت: دمي عند فلان. وألقت جنينها ميتا. ما تقول في ذلك؟ قال: في المرأة القسامة، وليس في الجنين شيء إلا ببينة تثبت؛ لأن مالكا قال: ليس في الجراح قسامة، والجنين جرح من جراحها، فلا يثبت إلا ببينة أو بشاهد عدل، فيحلف ولاته معه يمينا واحدة ويستحقون ديته. قال: وقال مالك: وليس فيمن قتل بين الصفين قسامة. قلت: أرأيت إن قالت المرأة: دمي عند فلان، فخرج جنينها حيا فاستهل صارخا، أتكون فيه القسامة وفي أمه؟ قال: أما في أمه ففيها القسامة عند مالك. وأما في الولد فما سمعت من مالك فيه شيئا، ولا أرى في الولد القسامة - عند مالك - لأنها لو قالت: قتلني وقتل فلانة معي؛ لم يكن في فلانة القسامة، وكان فيها هي القسامة. وكذلك لو قالت وهي حية: ضربني فلان. وألقت جنينها فاستهل صارخا ثم مات وعاشت الأم، لم يكن فيه قسامة. وكذلك لو قالت وهي حية: قتل ابني. لم يقبل قولها، ولم يكن في ابنها القسامة. قلت: أرأيت إن قال: دمي عند أبي؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال: إذا قال: دمي عند فلان. كانت فيه القسامة مجملا، ولم يذكر لنا مالك الأب في ذلك. وأرى أن يقبل قوله وتكون فيه القسامة، فإن أقسموا كانت فيه الدية، فإن كان خطأ كانت على العاقلة وإن كان عمدا كان ذلك في ماله. قلت: أرأيت إن حلف الورثة في القسامة في العمد - وهم رجال عدة - فأكذب واحد منهم نفسه بعدما حلف واستحقوا الدم، ما يصنع؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى إذا أكذب نفسه قبل أن يقتلوه، بمنزلة ما إذا عرضت عليه اليمين فأباها، فلا يقتل إذا أكذب واحد من الورثة نفسه بعد اليمين إذا كان ممن لو أبى اليمين لم يقتل المدعى عليه الدم.

ما جاء في الرجل يقتل الرجل بالحجر أو بالعصا
قلت: أرأيت إن ضربه عصاوين فمات منهما، فضرب القاتل عصاوين فلم يمت؟ قال: اضربه بالعصا أبدا حتى يموت؛ لأنه إنما قتله بالعصا. قلت: وليس في هذا عدد؟ قال: ليس في هذا عدد. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال لي مالك: يقتل بالعصا كما قتل بالعصا ولم يذكر لنا العدد. قلت:

أرأيت إن قطع يديه ثم رجليه ثم ضرب عنقه، أتقطع يداه ورجلاه ويضرب عنقه في قول مالك؟ قال: لا، ولكن يضرب عنقه ولا تقطع يداه ولا رجلاه. قلت: لم قلت هذا هاهنا كذا، وقد قال مالك يقتل بالقتلة التي قتل بها؟ قال: لأن مالكا قال: كل قصاص يكون عليه، فإن القتل يأتي على ذلك كله. فالقتل يأتي على قطع اليدين والرجلين، ولا يقاد منه في اليدين ولا في الرجلين. قلت: أرأيت إن كتفته وطرحته في نهر وغرق، أيكتفني ويطرحني في النهر كما طرحته؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

ما جاء في دم العمد إذا صالحوا عليه
قلت: أرأيت أولياء دم العمد إذا صالحوا على أكثر من الدية، أيجوز في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن رضي أولياء العمد بالدية، أيكون ذلك على العاقلة أم في مال القاتل؟ قال: بل في مال القاتل عند مالك.
قلت: أرأيت المرأة إذا قتلها الرجل عمدا، أيقتل بها في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن قطع يدها عمدا قطعت يده؟ قال: نعم في قول مالك. قلت: ويقتص للمرأة من الرجل - في قول مالك - وللرجل من المرأة؟ قال: نعم.

ما جاء في النفر إذا اجتمعوا على قتل امرأة
قلت: أرأيت النفر إذا اجتمعوا على قتل امرأة، أيقتلون بها في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فكذلك لو اجتمعوا على قتل صبي أو صبية عمدا، أيقتلون بذلك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك لو اجتمعوا على قتل عبد أو نصراني قتل غيلة قتلوا به في قول مالك؟ قال: نعم. قلت لابن القاسم: أرأيت الحر يقتل المملوك عمدا، أيكون بينهما القصاص في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت المسلم، أيقتل بالكافر إذا قتله عمدا في قول مالك؟ قال: لا. قلت: ولا قصاص بينهما في الجراحات ولا في النفس؟ قال: نعم، لا قصاص بينهما في الجراحات ولا في النفس إلا أن يقتله قتل غيلة. قلت: فإن قطع يده أو رجله غيلة؟ قال: هذا لص يحكم السلطان عليه بحكم المحارب، إن رأى أن يقتله قتله، وقد فسرت لك ذلك في كتاب السرقة.
قلت: أرأيت المسلم إذا قتل الكافر عمدا، أيضرب في قول مالك مائة جلدة ويحبس عاما؟ قال: نعم.

ما جاء في النفر من المسلمين يقتلون رجلا من أهل الذمة
قلت: أرأيت إذا اجتمع نفر من المسلمين في قتل رجل من أهل الذمة خطأ، أتحمل الدية على عواقلهم في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا قتل رجل من المسلمين رجلا من أهل الذمة خطأ كانت الدية على عاقلته. قلت: وكذلك أيضا إذا كانوا جماعة،

ما جاء في قود من قطع قطعة من رجل وفي القود من اللطمة أو السو ط
ما جاء في قود من قطع قطعة من رجل وفي القود من اللطمة أو السوط
قلت: أرأيت إن قطع بضعة من لحمه أيقتص منه؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الضربة بالسوط أو باللطمة، هل فيهما قود في قول مالك؟ قال سحنون: كل ما لا يدمي فلا يقتص منه. قال: وأخبرني علي بن زياد عن مالك أنه قال: ليس في اللطمة والسوط قود، وهو أيضا قول أشهب. قال: قال مالك: أما اللطمة فلا قود فيها. قال: وما أقوم على حفظ قول مالك في السوط وأرى فيه القود. قلت: أرأيت الضربة بالسوط أو باللطمة، هل فيهما قود في قول مالك؟ قال سحنون: كل ما لا يدمي فلا يقتص منه. قال: وأخبرني علي بن زياد عن مالك أنه قال: ليس في اللطمة والسوط قود، وهو أيضا قول أشهب. قال: قال مالك: أما اللطمة فلا قود فيها. قال: وما أقوم على حفظ قول مالك في السوط وأرى فيه القود. قلت: أرأيت المرأة إذا اغتالت رجلا على مال فقتلته، أتكون محاربة في الحكم عليها أم لا؟ قال: نعم يحكم عليها بحكم المحارب. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن اغتال رجل رجلا على مال فقطع يده، أيكون للمقطوعة يده قود على هذا الذي اغتاله فقطع يده في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس لمن قطعت يده أو فقئت عينه على غيلة قصاص، إنما ذلك إلى السلطان إلا أن يتوب قبل أن يقدر عليه فيكون فيه القصاص. قلت: وهذا. قول مالك؟ قال: هذا رأيي.

ما جاء في رجل قتل رجلا قتل غيلة فصالحه ولي المقتول على مال
قلت: أرأيت إن قتل رجل وليا لي قتل غيلة فصالحته على الدية، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز فيه الصلح في رأيي، إنما ذلك إلى السلطان ليس لك هاهنا شيء وترد ما أخذت منه، ويحكم عليه السلطان بحكم المحارب فيقتله السلطان بضرب عنقه أو بصلبه إن أحب حيا فيقتله مصلوبا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: أما في القتل فكذلك قال لي مالك وفي الصلب. وأما في الصلح، فإنه لا يجوز فهذا رأيي؛ لأن مالكا قال: ليس لولاة الدم فيه قيام بالدم مثل العمد، وإنما ذلك إلى الإمام يرى فيه رأيه يقتله على ما يرى من أشنع ذلك. قلت: أرأيت المجنون الذي يجن ويفيق أحيانا، ما

أصاب في حال إفاقته، أيحكم عليه بذلك في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الرجل يقطع يد رجلين عمدا، أتقطع يمينه لهما وتجعل عليه نصف الدية لهما في قول مالك؟ قال: لا. قال مالك: إذا قطع يد رجل اليمنى، ثم قطع يمين آخر بعد ذلك، ثم قطع يمين آخر بعد ذلك أيضا، تقطع يمينه لجميعهم ولم يكن لهم غير ذلك. قال مالك: وكذلك العين والرجل وكل شيء إذا كان شيئا واحدا. قلت: أرأيت إن قام عليه واحد منهم - الأول أو الآخر أو الأوسط - أتمكنه من القصاص في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن اقتص ثم جاء الذين جنى عليهم يطلبون ما جنى عليهم، كيف يصنع في قول مالك؟ قال: لا شيء لهم؛ لأن مالكا قال في الرجل يقذف القوم متفرقين في أيام شتى، فيقوم عليه واحد منهم فيضربه الحد - كان أولهم أو أوسطهم أو آخرهم - فما كان قبل ذلك من فرية فهذا الضرب لجميعهم، ولا شيء لمن قام عليه منهم بعد الضرب. قلت: هذا لا يشبه اليد؛ لأن اليد لها دية والقذف لا دية فيه. قال: قد أخبرتك بقوله: قال: وقال مالك: إنما هو عندي بمنزلة رجل قتل رجلا عمدا ثم قتل رجلا بعد ذلك عمدا، ثم قتل بعد ذلك رجلا عمدا فقتل، فإنه لا شيء لهم. قال ابن القاسم: ألا ترى أن العين التي وجب لهم فيها القصاص، واليد التي وجب لهم فيها القصاص قد ذهبت ولا شيء لهم.قلت: أرأيت إن جنى رجل على رجل فقطع يمينه، ثم ذهبت يمين القاطع بأمر من السماء، أيكون عليه شيء أم لا؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه. قلت: فإن سرق فقطعت يمينه؟ قال: قال مالك: لا شيء للمقطوعة يمينه. وقال: قال لنا مالك: إذا سرق وقطع يمين رجل قطعت يمينه للسرقة، وكانت السرقة أولى بيمينه من القصاص. قال. قال مالك: وإنما رأيت السرقة أولى؛ لأن القصاص ربما عفي عنه والسرقة لا عفو فيها.

ما جاء في رجل أقطع الكف اليمنى قطع يمين رجل صحيح من المرفق
قلت: أرأيت أقطع الكف اليمنى قطع يمين رجل صحيح اليد من المرفق، فأراد المقطوعة يده أن يقتص من يمين هذا بقطع ذراعه من المرفق وليست للأقطع كف، أيكون بينهما القصاص في قول مالك؟ قال: نعم هو بالخيار، إن أحب أن يقتص ولا عقل له فذلك له، وإن أحب أن يأخذ العقل فذلك له. وقد بلغني أن مالكا سئل عن رجل ليس له في كفه إلا أصبعان - وقد قطعت الثلاث - فقطع يد رجل. أترى للمقطوعة يده الصحيحة أن يقتص من الذي قطع يده؟ قال: نعم هو بالخيار، إن أحب أن يقتص ولا عقل له، وإن أبى فله العقل، وهذا عندي مثله سواء. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أني شججت رجلا موضحة، فأخذت ما بين قرنيه وهي لا تبلغ مني إلا نصف رأسي؟

قال: أرى أن لا يشق من رأس هذا إلا بقدر طول الشجة. قلت: فإن كان المشجوج إنما أخذت الموضحة نصف رأسه، وهي من الشجاج تبلغ ما بين قرنيه؟ قال: يقاس له بقدره فيشق منه بقدره، كان ذلك أقل من قدر ذلك من رأس الجارح أو أكثر. قلت: أرأيت ما دون الموضحة في العمد، أفيه القصاص في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قطع رجل يمين رجل - والقاطع يمينه شلاء - أيكون للمقطوعة يمينه أن يقتص أم لا؟ قال: لا، ليس له إلا العقل. قال ابن القاسم: سألت مالكا عن الأعور يفقأ عيني رجل جميعا عمدا. قال: قال مالك: له أن يفقأ عين الأعور بعينه ويأخذ الدية في عينه الأخرى خمسمائة دينار. قلت: أرأيت لو أن رجلا قطع يمين رجل عمدا، فوثب رجل على القاطع فقطع يمينه خطأ، أيكون في يده عقل أم لا؟ قال: قال مالك: نعم في يده العقل نصف الدية. قلت: فلمن يكون ذلك؟ قال: قال مالك: يكون للمقطوعة يده عمدا لأنه كان أولى بيد هذا من نفسه. قلت: فإن قطعت يد هذا القاطع عمدا - قطعها رجل آخر عمدا - أيكون فيه القصاص أم لا؟ قال: قال مالك: فيها القصاص. قلت: فلمن يكون، للمقطوعة يده، الأول أم لهذا الثاني؟ قال: قال مالك: القصاص للأول. قال ابن القاسم: لأنه كان أحق بيد هذا المقطوع الثاني من نفسه. قلت: أرأيت لو أن رجلا قتل وليا لي عمدا، فوثب رجل على هذا القاتل فقتله عمدا أيضا؟ قال: قال مالك: يقال لأولياء المقتول الآخر أرضوا أولياء المقتول الأول وخذوا قاتل وليكم فاصنعوا به ما شئتم فإن أرضوا أولياء المقتول الأول وإلا دفع القاتل الثاني إلى أولياء المقتول الأول فصنعوا به ما أرادوا. قلت: أرأيت إن قال أولياء القاتل الآخر لأولياء المقتول الأول: خذوا منا الدية، أو خذوا منا أكثر من الدية وكفوا عن هذا القاتل الآخر الذي قتل ولينا فنقتله نحن أو نستحييه. وقال أولياء المقتول الأول: لا نأخذ منكم مالا، ولكنا نأخذه فنقتله نحن. أيكون ذلك لهم في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن أرضوهم وإلا أسلم إليهم. فأرى إذا أبوا فلهم ذلك، ولهم أن يقتلوا لأنهم لم يرضوا.

ما جاء في الرجل يجب عليه القتل فيثب عليه رجل فيفقأ عينه
قلت: أرأيت لو أن رجلا قتل رجلا عمدا فحبس ليقتل، فوثب عليه رجل في الحبس ففقأ عينه خطأ أو عمدا؟ قال: قال مالك: هو رجل من المسلمين يستقاد منه وله وتعقل جراحاته ما لم يقتل. قال ابن القاسم: وأرى أنه أولى بجراحات نفسه - كان عمدا أو خطأ - إن كان عمدا كان له القصاص، إن شاء اقتص وإن شاء عفا. وإن كان خطأ كان له الأرش. وليس لولاة المقتول في ذلك شيء، إنما لهم نفسه وهم أولى بمن قتله، فأما جرحه فليسوا بأولى به منه. قلت: أرأيت إن كان القاضي قد حكم بقتله فأمكنهم منه،

فانطلقوا به ليقتلوه فوثب عليه رجل فقطع يده عمدا؟ قال: يقتص منه، وهو بمنزلة الأول كما وصفت لك فيه. قلت: أرأيت إن كان قطع يد رجل وقتل آخر كل ذلك عمدا؟ قال مالك: القتل يأتي على ذلك كله. قلت: أرأيت إن قتل رجل وليا لي عمدا فقطعت يده، أيقتص مني؟ قال: نعم يقتص منك في قول مالك؛ لأن مالكا قال: هو رجل من المسلمين ما لم يقد منه، يستقاد له وتحمل عاقلته ما أصاب من الخطأ، وما أصيب به من الخطأ حملته عاقلة من أصابه. ومما يبين لك ذلك، لو أن ولي الدم أصابه ففقأ عينه أو قطع يده خطأ، حملته له عاقلة ولي المقتول، فالعمد والخطأ سواء فيما يجب له في ذلك.

في الرجل يكسر بعض سن رجل أيقتص منه وفيمن يقتل ولي رجل عمدا أو يجرحه
قلت: أرأيت إن كسر بعض سنه، أيكون فيه القصاص في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: كيف يقتص؟ قال: يسأل عن ذلك من يعرفه فيقتص منه. قلت لابن القاسم: أرأيت إن قتل رجل وليا لي عمدا - يضرب عنقه بالسيف - كيف يصنع به؟ أيسلم إلي فأقتله بالسيف أم يأمر السلطان رجلا يضرب عنقه؟ قال: قد أخبرتك بقول مالك فيه في الجراحات: إن السلطان يأمر رجلا يقتص منه. وأما في القتل فأرى أن يدفع إلى ولي المقتول فيقتله، ولا يمكن من العنت عليه. قلت: فلم لا تمكنه من أن يقتص من الجراحات كما تمكنه في النفس؟ قال: لم أزل أسمع أن القاتل يدفع إلى أولياء المقتول. وقد سمعت عن مالك أنه قال: يدفع القاتل إلى أولياء المقتول. وأرى النفس خلاف الجراحات؛ لأنه ليس كل أحد يحسن أن يقتص في الجراحات، ولأنه لا يؤمن المجروح إذا أمكن من ذلك أن يتعدى في القصاص.

ما جاء في الرجل يسقي الرجل سما أو سيكرانا
قلت: أرأيت من سقى رجلا سما فقتله، أيقتل به؟ قال: نعم يقتل به عند مالك. قلت: كيف يقتل به في قول مالك؟ قال: على قدر ما يرى الإمام. قلت: ولقد سئل مالك عن هؤلاء الذين يسقون الناس السيكران فيموتون منه ويأخذون أمتعتهم. قال مالك: سبيلهم سبيل المحاربين. قلت: أرأيت إن قطع رجل يد رجل خطأ أو عمدا، فعفا المقطوعة يده عن القاطع ثم مات منها المقطوعة يده، أيكون لولاته أن يقتلوا القاطع في العمد، وهل يكون لهم في الخطأ الدية؟ قال: قال مالك: في رجل شج رجلا موضحة خطأ فصالحه المجروح على شيء أخذه منه ثم نزا منها فمات. قال مالك: يقسم ولاته أنه مات منها، ويستحقون الدية على العاقلة ويرد هذا ما أخذ من الجارح على الجارح، ويكون الجارح كرجل من قومه. قال: فأرى العمد بهذه المنزلة إذا عفا

ما جاء في الرجل يقتل عمدا وله إخوة فعفا أحدهم
قلت: أرأيت إذا قتل الرجل عمدا وله إخوة وجد، فمن عفا من الإخوة أو الجد، فعفوه جائز في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز في رأيي. قلت: فالإخوة للأم، أيكون لهم أن يعفوا عن الدم؟ قال: قال مالك: ليس لهم في العفو عن الدم نصيب. قلت:

أرأيت إذا قتل الرجل عمدا - وله ورثة رجال ونساء - فقال الرجال: نحن نعفو. وقال النساء: نحن نقتل؟ قال: إن كانوا بنين وبنات، فعفو البنين جائز على البنات، ولا عفو للنساء مع البنين وهذا قول مالك. قال ابن القاسم: والإخوة والأخوات إذا كانوا مستوين في قرابتهم إلى الميت، هم عندي بمنزلة البنين والبنات. وإذا كانوا إخوة وبنات فعفا الإخوة وقال البنات: نحن نقتل فذلك لهن. وإن عفا البنات وقال الإخوة: نحن نقتل. فذلك لهم. وإن كانوا أخوات وعصبة فهم كذلك أيضا بحال ما وصفت لك، ولا عفو إلا باجتماع منهم. ومن قام بالدم كان أولى به. قلت: فإن كن أخوات لأب وأم وإخوة لأب، فعفا الإخوة للأب وقال الأخوات للأب والأم: نحن نقتل؟ قال: الأخوات أولى بالقتل، ولا عفو إلا باجتماع منهم. لأن الإخوة للأب مع الأخوات للأم والأب عصبة. قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: لا، هذا رأيي.

ما جاء في الرجل يوصي بثلثه لرجل وفي الرجل يقتل عمدا
قلت: أرأيت إذا أوصى المقتول بثلثه لرجل، أتدخل الدية في ثلثه؟ قال: قال مالك: إن كان القتل خطأ أدخلت الوصية في ماله وفي الدية؛ لأنه قد علم أن قتل الخطأ مال. وإن كان قتله عمدا فقبل الأولياء الدية، لم يكن لأهل الوصايا منها شيء، وكانت بين الورثة على فرائض الله إلا أن يكون عليه دين، فيكون أهل الدين أولى بذلك. قلت: أرأيت، إن كان أوصى لرجل بثلث ماله - وهو صحيح أو مريض- فوثب عليه رجل فقتله خطأ، أيكون لأهل الوصايا الذين أوصي لهم بالثلث قبل القتل في الدية شيء أم لا؟ قال: قال مالك في رجل أوصى بوصايا ولا يحمل ثلثه تلك الوصايا ثم ورث مالا. قال: قال مالك: إن كان علم بالميراث فالوصية في ماله وفي الميراث، وإن كان لم يعلم بالميراث فلا شيء لأهل الوصايا من هذا الميراث. فكذلك المقتول خطأ، إن كان قتله بشيء اختلس نفسه اختلاسا، لم يكن بعد الضربة حياة يعرف بها شيئا من الأشياء، فلا شيء لأهل الوصايا في ديته وإن كان معه بعد الضربة من عقله ما يعرف به ما هو فيه، فأقر الوصايا ولم يغيرها، فإن أهل الوصايا يدخلون في ديته، وهذا رأيي. وكذلك قال مالك في الدية إذا قتل خطأ فعلم بالدية، فإن أهل الوصايا يدخلون في الدية. قلت: أرأيت إن قتل رجلا عمدا وليس له ولي إلا ابنته وأخته. فقالت البنت: أنا أقتل وقالت الأخت: أنا أعفو. أو قالت الأخت: أنا أقتل. وقالت الابنة: أنا أعفو. وكيف إن كان هذا المقتول قد أكل وشرب وتكلم، أيكون للأخت والبنت أن يقسما ويستحقا دمه؟ فإن لم يكن لهما ذلك، أيبطل دم هذا المقتول؟ قال: أما إذا مات مكانه فقالت البنت: أنا أقتل. وقالت الأخت: أنا أعفو. فالبنت أولى بالقتل. وإن قالت البنت: أنا أعفو. وقالت الأخت: أنا أقتل. فالابنة أيضا بالعفو أولى؛ لأن الأخت ليست بعصبة من الرجال. قال: وإنما كان هذا هكذا من قبل

أن العصبة لا ميراث لهم هاهنا. وأما مسألتك فيه إذا أكل وشرب ثم مات، فليس لهما أن يقسما لأن مالكا قال: لا يقسم النساء في العمد. قلت: فيبطل دم هذا؟ قال: يقسم عصبته إن أحبوا فيقتلون. قلت: فإن أقسم عصبته فقالت البنت: أنا أعفو؟ قال: فليس ذلك لها؛ لأن الدم إنما استحقه العصبة هاهنا. قلت: فإن عفا العصبة وهم الذين استحقوا الدم وقالت الابنة: لا أعفو؟ قال: فليس ذلك لهم، ولا عفو إلا باجتماع منها ومنهم، أو منها ومن بعضهم. قلت: فإن لم تكن له عصبة وكان رجلا من أهل الأرض؟ قال: إن كان قتله خطأ أقسمت الأخت والابنة وأخذتا الدية، وإن كان عمدا لم يقتل إلا ببينة.

ما جاء في رجل من أهل الذمة أسلم ثم قتل عمدا
قلت: أرأيت إن كان رجل من أهل الذمة أسلم، أو رجل لا تعرف عصبته قتل عمدا، فمات مكانه وترك بنات فأردن أن يقتلن؟ قال: ذلك لهن عند مالك. قلت: فإن قال بعض البنات: نحن نقتل. وقال بعضهم: نحن نعفو؟ قال: فأرى للسلطان أن ينظر في ذلك، يرى في ذلك رأيه. إن رأى أن يقتل قتل إذا كان عدلا؛ لأن السلطان هو الناظر للمسلمين وهذا ولاته المسلمون. فإنه كان الوالي عدلا، كان نظره مع أي الفريقين كان إذا كان ذلك على وجه الاجتهاد. قلت: أرأيت إن قتل رجل رجلا - وللمقتول عصبة وبنات - فعفا بعض البنات وقال بعضهن: نحن نقتل؟ قال: ينظر إلى قول العصبة، فإن قالوا: نحن نقتل. كان القتل أولى. وإن قالوا نحن نعفو. كان العفو أولى. وكذلك أرى؛ لأن العصبة قد عفت وعفا بعض البنات، فليس لمن بقي من البنات القتل؛ لأن العصبة إذا عفت جميعا، فإنما للبنات أن يقتلن إذا اجتمعن على القتل، فإن افترقن فقال بعضهن: نقتل وقال بعضهن: نعفو. كان العفو أولى، بمنزلة الإخوة إذا كانوا ولاة الدم فعفا بعضهم، لم يكن لمن بقي أن يقتل، فكذلك البنات حين عفت العصبة، كان لهن أن يقتلن إذا اجتمعن على القتل، فإذا افترقن فليس لهن أن يقتلن مثل ما كان للإخوة؛ لأن الدم قد صار لهن حين عفت العصبة مثل ما وصفت لك في البنين. قلت: فإن افترقت العصبة والبنات فقال بعض العصبة: نحن نقتل. وقال بعضهم: نحن نعفو. وافترق البنات أيضا مثل ذلك؟ قال: فلا سبيل إلى القتل ولم أسمع هذا من مالك ولكنه رأيي. قلت: أرأيت إذا ادعيت أن ولي الدم قد عفا عني إلى أن استحلفه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى أن يستحلفه. قلت: فإن نكل عن اليمين ولي الدم، أترد اليمين على القاتل؟ قال: نعم أرى أن ترد اليمين عليه.

ما جاء في الأب يصالح عن ابنه الصغير عن دم
قلت: أرأيت لو أن رجلا وجب لابنه دم قبل رجل، خطأ أو عمدا، وابنه صغير في

ما جاء في الرجل يعفو عن دمه ولا مال له
قلت: فلو أن رجلا قتل رجلا خطأ - ولا مال له - فعفا المقتول عن العاقلة وأوصى بوصايا؟ قال: قال مالك في رجل يقتل خطأ: إنه إن عفا عن ديته فإنما عفوه في ثلثه. فأرى أن يكون للعاقلة ولأهل الوصايا وصاياهم يتحاصون في ثلث ديته. قلت: أرأيت ما ذكرت من قول مالك، إن الذي يجب له الدم إذا عفا عن القاتل على الدية إن ذلك له. أرأيت إن قال القاتل لا أعطيك الدية، ولكن ها أنا ذا إن شئت فاقتلني وإن شئت فاترك؟ قال: قال مالك: ذلك له ولا يأخذ منه الدية إلا أن يرضى. قلت: أرأيت إن ضربه ضربة واحدة فأوضحه موضحتين؟ قال: قال مالك: له عقل موضحتين. قلت: فإن ضربه ضربة واحدة فأوضحه من قرنه إلى قرنه؟ قال: قال مالك: هي موضحة واحدة لأنها ضربة واحدة. قلت: أرأيت لو أن شاهدا شهد أن هذا الرجل ضرب فلانا حتى قتله، أيكون لأولياء الدم أن يقسموا ويقتلوا؟ قال: نعم عند مالك إذا كان الشاهد عدلا. قلت: فإن شهد

أنه ضربه فأجافه فعاش الرجل وتكلم وأكل وشرب، ولم يسألوه أين دمك حتى مات. أيكون في هذا القسامة أم لا في قول مالك؟ قال: أرى في هذا القسامة إذا كان الشاهد عدلا. قلت: الذي قلت إن مالكا يأبى القتل على جميع الجراحات. أذلك إذا كانت الجراحات والقتل في نفس واحدة أو أنفس شتى؟ قال: الذي يحفظ عن مالك إذا كان ذلك في أنفس شتى، إذا قطع يد هذا وفقأ عين آخر وقتل آخر، فإن القتل يأتي على هذا كله. قلت: أرأيت إن شهد شاهد أنه قطع يده خطأ وأنه قتله بعد ذلك عمدا؟ قال: دية يده - عند مالك - على العاقلة، ويقتل القاتل به - عند مالك - ويستحقون دية اليد بيمين واحدة، ولا يستحقون النفس إلا بقسامة.
قلت: وكذلك لو أن رجلا قتل أجذم أو أبرص أو أقطع اليدين أو الرجلين عمدا - والقاتل صحيح - أيقتل به في قول مالك؟ قال: نعم، إنما هي النفس بالنفس، وليس ينظر في هذا إلى نقصان الأبدان ولا إلى عيوبها. قلت: أرأيت الخطأ، أليس لولاة الدم أن يقسموا على الذين ضربوه - وإن كانوا جماعة - فيقسمون على جميعهم وتفرق الدية على قبائلهم في ثلاث سنين في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عنها فقال لي: نعم، ولا يشبه هذا قتل العمد. قلت: أرأيت لو أن ثلاثة نفر أتوا إلى رجل فحملوا صخرة - جميعهم - فضربوا بها رأسه ضربة واحدة، فعاش بعد ذلك أياما - أكل وشرب وتكلم ثم مات من ذلك فقالت الورثة: نحن نقسم على جميعهم ونقتلهم؟ قال: ليس لهم أن يقسموا إلا على واحد ويقتلوه. وإن كانت الضربة منهم معا جميعا، فليس لهم أن يقسموا إلا على واحد ويقتلوه؛ لأن مالكا قال: لا يقسمون في العمد إلا على واحد. قلت: أرأيت إن اجتمعت جماعة رجال على جراحات رجل خطأ، فعاش بعد ذلك أياما فتكلم وأكل وشرب ثم مات، فقالت الورثة: نحن نقسم على واحد منهم ونأخذ الدية من عاقلته؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا أرى ذلك لهم؛ لأنه لا يدرى أمن ضربة هذا مات أم من ضرب أصحابه، فلا يكون لهم أن يقسموا على هذا وحده؛ لأنه إن كان مات من ضربهم جميعهم فإنما الدية على جميعهم مفترقة في القبائل، وإنما لهم أن يقسموا على جميعهم. وإنما قال لي مالك في الخطأ حين قلت له: كيف يقسمون في الخطأ. فقال: إنما يقسمون على جميعهم. قلت: أرأيت العمد، أليس قد قال مالك فيه: إنما يقسمون على واحد. وإن كان الذين ضربوه جماعة؟ فما فرق ما بين العمد في هذا والخطأ؟ قلت: في الخطأ لا يقسمون إلا على جميعهم. وقلت في العمد: لا يقسمون إلا على واحد. قال: لأنهم في العمد، لو أقسموا على جميعهم لم يجب الدم على جميعهم. فهذا الذي قصدوا إليه ليقسموا عليه، لا حجة له إن قال لا تقسموا علي دون أصحابي؛ لأنه يقال له: لا منفعة لك هاهنا إن أقسموا على جماعتهم وجب لهم

دمك. فأنت لا منفعة لك هاهنا، فيكون لهم أن يقسموا عليه دون أصحابه. وفي الخطأ إن قصدوا قصد واحد ليقسموا عليه كانت له الحجة أن يمنعهم من ذلك؛ لأنه يقول هذا الضرب منا جميعا. فالدية تجب له إذا مات من ضربنا في قبائلنا كلنا، فليس لكم أن تقصدوا بالدية قصدي وقصد عاقلتي، فهذا فرق ما بينهما. قلت: أرأيت الوكالات في الخصومات كلها والموكل حاضر، أيجوز -ولم يرض خصمه بالوكالة- في قول مالك؟ قال: نعم، الوكالة جائزة وإن كره خصمه، ولكل واحد منهما أن يوكل وإن كان حاضرا إلا أن يكون ذلك رجلا قد عرف أذاه، وإنما أراد بذلك أذاه، فلا يكون ذلك له، كذلك قال مالك.

ما جاء فيمن قتل رجلا وله أولياء فمات أحد الأولياء
قلت: أرأيت لو أن رجلا قتل رجلا عمدا - وله أولياء - فقاموا على القاتل ليقتلوه فلم يقتلوه حتى مات واحد من ورثة المقتول وكان القاتل وارثه، أيكون لهم أن يقتلوه أم لا في قول مالك؟ قال: ليس لهم أن يقتلوه في رأيي؛ لأن مالكا قال لي: إذا مات وارث المقتول الذي له القيام بالدم، فورثته مكانه يجوز عفوهم، ولهم أن يقتلوه بمنزلة ما كان لصاحبهم الذي ورثوه. فهذا القاتل إذا كان هو وارث الميت الذي له القصاص فقد بطل القصاص في رأيي، ووجب عليه لأصحابه حظوظهم من الدية؛ لأنهم لم يعفوا على مال فيقول هذا القاتل لا أقبل عفوكم على مال فلا يجب عليه المال، ولكنه لما وقع له في دم نفسه مورث لم يستطيعوا القصاص منه، فصار عليه حظوظهم من الدية، وكان بمنزلة من عفا فيقضى لشركائه بحظوظهم من الدية. قلت: أرأيت هذا الذي مات من ولاة الدم، إن كان ورثته رجالا ونساء، أيكون للنساء - في قول مالك - في العفو عن الدم شيء أم لا؟ قال: نعم، يكون لهن العفو هاهنا لأن مالكا قال: لورثة ولي الدم إذا مات ما كان لولي الدم، وإنما ورث النساء والرجال ما كان لصاحبهم وقد كان لصاحبهم أن يقتل أو يعفو، فذلك لهم لرجالهم ونسائهم. قلت: فإن قتل رجل عمدا - وله بنون وبنات - فماتت إحدى البنات وتركت أولادا ذكورا؟ قال: فلا شيء لأولادها في العفو عن الدم ولا القيام به؛ لأنه لم يكن لأمهم في هذا الدم أن تعفو عنه ولا أن تقوم بالقصاص فيه - عند مالك - وإنما كان لأمهم إن عفا بعض البنين الذكور من أولياء الدم فصارت دية أن تدخل في الدية فتأخذ حصتها. فإنما لولدها ما كان لها إن عفا بعض البنين الذكور عن الدم، كان لولدها أن يأخذوا حصتها من الدية وليس لهم غير ذلك.
قلت: أرأيت إن قتلت رجلا عمدا وولي الدم ابني أيكون لابني أن يقتص مني؟ قال: لا، وقد سمعت عن مالك أنه كره ذلك. وقال: يكره أن يحلفه في الحق، فكيف يقتله؟ قلت: أرأيت إن قتل رجل

وله أولياء أولاد صغار وكبار - أيكون للكبار أن يقتلوا ولا ينتظروا الصغار في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كانوا كبارا كلهم وبعضهم غائب؟ قال: قال مالك: لا يقتلون حتى يقدم الغائب، فإن عفا الحضور قبل قدوم الغيب جاز ذلك على الغيب وأخذوا حظوظهم من الدية. قلت: فما فرق ما بين الصغار والغيب الكبار؟ قال: لأن الغيب قد بلغوا رجالا ووجب هذا الدم لمن يجوز عفوه فيه يوم قتل والغائب يكتب إليه، فيصنع في نصيبه ما أحب والصغير ينتظر به زمانا طويلا فتبطل الدماء.

ما جاء في الرجل يقتل وله وليان أحدهما صحيح والآخر مجنون
قلت: أرأيت إن قتل رجل عمدا وله وليان، أحدهما صحيح والآخر مجنون، أيكون لهذا الصحيح أن يقتص في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي إذا كان جنونا مطبقا. وهذا مما يدلك على أن الولي، له أن يقتل ولا ينتظر بالقتل بلوغ الصغير إذا كان في أولياء المقتول صغير؛ لأن الصغير لو انتظرنا فبلغ مجنونا، كان ينبغي في قول من قال لا يقتص من القاتل حتى يبلغ الصغير، أن يقول إن بلغ الصغير مجنونا لم يقتص من القاتل حتى يبرأ هذا المجنون؛ لأن المجنون بمنزلة الصغير، فيبطل الدم بل المجنون أبين من الصغير؛ لأن الصغير يكبر والمجنون لا يكاد يفيق. قلت: أرأيت إن كان في ورثة المقتول كبير مغمى عليه أو مبرسم، ما قول مالك فيه؟ قال: الذي لا شك فيه والذي أرى أنه ينتظر برؤه؛ لأن هذا مرض من الأمراض. قلت: أرأيت لو جن يوما فهذى أو أغمي عليه يومه ذلك، أكنت تعجل عليه بالقتل؟ قال: لا أعجل به، ولكن أنتظر به حتى يصح فيعفو أو يقتل. قلت: أرأيت لو أن يتيما في حجر وصي له جرحه رجل أو قتله، أيكون للوصي أن يقتص له من الجارح له أو القاتل؟ قال: أما في الجراح فله أن يقتص لليتيم لأن مالكا قال: لولي اليتيم إذا قتل والد اليتيم أو أخوه - وكان اليتيم وارث الدم - إن لوليه أن يقتص له، فالوصي عندي بتلك المنزلة أو أقرب. قال ابن القاسم: وأما في القتل فولاة دم اليتيم عندي أحق من الوصي وليس للوصي هاهنا شيء. قال: وما سمعت هذا من مالك. قلت: أرأيت إذا جرح اليتيم عمدا، أيكون للوصي أن يصالح الجارح على مال، ويجوز ذلك على الصغير في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول في الرجل يجرح ابنه فيريد أن يعفو عن جارح ابنه. قال مالك: ليس ذلك للأب إلا أن يعوضه من ماله. فإذا لم يكن للأب أن يعفو بغير شيء، فليس للوصي أن يعفو إلا على مال وعلى وجه النظر. قلت: العمد في هذا أو الخطأ سواء؟ قال: نعم إلا أن للأب والوصي أن يصالحا في العمد والخطأ ولا يأخذا أقل من أرش الجراح؛ لأنه لو باع سلعة لابنه بثمن

ألف دينار بخمسمائة دينار محاباة تعرف لم يجز ذلك. فكذلك إذا صالح على أقل من الدية في جراحات ابنه إلا أن يكون صالحه على وجه النظر لولده على أقل من دية الجرح؛ لأن الجارح عديم، فرأى أن يأخذ منه أقل من الدية. فأرى أن يجوز هذا ولم أسمعه من مالك. قلت: أرأيت الوصي في هذا أهو بمنزلة الأب؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأراه مثله عندي. قلت: أرأيت الوصي إذا قتل عبدا لليتيم عمدا، أيكون له أن يقتص؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأحب إلي أن يأخذ المال في ذلك؛ لأن أخذ المال نظر لليتيم وليس لليتيم في القصاص منفعة، وكذلك الولد في ذلك أيضا.

ما جاء في الرجل يقتل رجلا ثم يهرب القاتل
قلت: أرأيت لو أن رجلا قتل وهرب، فأراد ولاة الدم أن يقيموا البينة عليه وهو غائب، أيمكنون من ذلك في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي؛ لأن مالكا يرى أن يقضى على الغائب وأن توقع البينة عليه، فإذا قدم قيل له: ادفع عن نفسك إن كان عندك ما تدفع به ولا تعاد البينة عليه. قلت: أرأيت لو أني دفعت دابتي إلى صبي، أو سلاحي يمسكه، فعطب الصبي بذلك، أتضمن عاقلة الرجل دية الصبي في قول مالك؟ قال: نعم عليهم الضمان لأن مالكا قال في الصبي يعطيه الرجل الدابة يحمله عليها ليسقيها أو يمسكها فيعطب الصبي. قال مالك: أرى الدية على عاقلة الرجل. قلت: أفترى عليه الكفارة أم لا؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن حملت صبيا على دابة ليسقيها أو ليمسكها فوطئت الدابة رجلا فقتلته، على من ديته؟ قال: قال مالك: على عاقلة الصبي. قلت: فهل ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الرجل الذي حمل الصبي على الدابة بالعقل الذي حملت؟ قال: لا. قلت: أرأيت الرجلين يترادفان على الدابة، فوطئت الدابة رجلا بيديها أو برجليها فقتلته؟ قال: قال مالك: أراه على المقدم إلا أن يعلم أن ذلك من الدابة كان من سبب المؤخر، مثل أن يكون حركها أو ضربها، فيكون عليهما جميعا لأن المقدم بيده لجامها، أو يأتي من سبب فعلها أمر يكون من المؤخر، لم يكن يقدر المقدم على دفع شيء منه، فيكون على المؤخر بمنزلة ما لو ضربها المؤخر فرمحت لضربه فقتلت إنسانا. فهذا وما أشبهه على عاقلة المؤخر؛ لأنه يعلم أن المقدم لم يعنتها شيئا، ولم يمسك لها لجاما ولا تحريكا من رجل ولا غيرها فيكون شريكا فيما فعل.
قلت: أرأيت إن كان الرجل راكبا على دابته فكدمت إنسانا فأعطبته، أيكون على الراكب شيء أم لا. قال: سمعت مالكا يقول في الرجل يكون على الدابة راكبا فتضرب برجلها رجلا فتعطبه. قال: لا شيء على الراكب إلا أن يكون ضربها فنفحت برجليها، فيكون عليه ما أصابت. وأرى الفم عندي بمنزلة الرجل إن كدمت من شيء فعله بها

الراكب، فعليه وإلا فلا شيء عليه. قلت: أرأيت ما وطئت بيديها أو رجليها؟ قال: هو ضامن لما وطئت بيديها أو رجليها - عند مالك - لأنه هو يسيرها. قلت: أرأيت إن كان الصبي أمام والرجل خلف، فوطئت الدابة إنسانا؟ قال: أراه على الصبي إن كان قد ضبط الركوب؛ لأن ما وطئت الدابة - في قول مالك - فهو على المقدم إلا أن يكون المردف قد صنع بالدابة شيئا على حال ما وصفت لك، فيكون ذلك عليهما جميعا - على المقدم والمؤخر - لأن اللجام في يد المقدم. قال ابن القاسم: وإن كانت قد ضربت من فعل الرديف برجلها فأصابت إنسانا، فلا شيء على المقدم من ذلك؛ لأن المقدم لا يضمن النفحة بالرجل إلا أن يكون ذلك من فعله عند مالك. قال ابن القاسم: وأرى إن كان فعل بها الرديف شيئا فوثبت الدابة من غير أن يعلم المقدم بذلك فوطئت إنسانا، فالضمان على الرديف إذا كان يعلم أن المقدم لم يكن يستطيع حبسها فهو على الرديف. قلت: أرأيت حين قلت إن اللجام في يد المقدم، فلم لا تضمنه ما كدمت الدابة؟ قال: لأن الدابة تكدم وهو غافل لا يعلم بذلك. قال: فإن كان شيئا يستيقن أنه من غير سببه، فليس عليه شيء وإن كان يعلم أنه من سببه فهو له ضامن. قلت: أرأيت إذا اجتمع في قتل رجل عبد لرجل وحر، قتلاه جميعا خطأ؟ قال: على عاقلة الحر نصف الدية ويقال لسيد العبد: ادفع عبدك أو افده بنصف الدية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

ما جاء في رجل حفر بئراً على طريق المسلمين
قلت: أرأيت من حفر بئرا على طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذن رب الأرض، أيضمن أم لا في قول مالك ما عطب فيها؟ قال: قال مالك: من حفر شيئا مما يجوز له في طريق المسلمين أو في غير ذلك أو في داره، فعطب فيها إنسان فلا ضمان عليه. قال مالك: وإن حفر رجل في داره حفيرا لسارق يرصده ليقع فيه، أو وضع له حبالات أو شيئا يتلفه به، فعطب فيه السارق فهو ضامن. قلت: لم، وإنما وضعه حيث يجوز له؟ قال: لأنه تعمد بما وضع حتف السارق. قلت: فإن عطب فيه غير السارق؟ قال: كذلك يضمن. قلت: أسمعته من مالك؟ قال: هو قوله. قلت: فما يجوز للرجل أن يحفره في طريق المسلمين في قول مالك؟ قال: مثل بئر المطر والمرحاض يحفره إلى جانب حائطه وما أشبه هذا الوجه فلا ضمان عليه. وما حفر في طريق المسلمين مما لا يجوز له حفره فهو ضامن لما عطب فيه. قلت: أرأيت إن حفر رجل في داري بئرا بغير إذني، فعطب فيه إنسان، أيضمن الحافر في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أوقف دابة في طريق المسلمين حيث لا يجوز له، أيضمن ما أصابت في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت من قاد دابة فوطئت بيديها أو برجليها، أيضمن القائد ما أصابت

في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن ضربت برجليها فنفحت الدابة فأصابت رجلا فأعطبته أيضمن القائد ما أصابت أم لا في قول مالك؟ قال: لا يضمن في رأيي إلا أن تكون نفحت من شيء صنع بها.
قلت: أرأيت السائق، أيضمن ما أصابت الدابة في قول مالك؟ قال: نعم، يضمن ما وطئت بيديها أو رجليها بحال ما وصفت لك في قائد الدابة. قلت: أرأيت دابة كنت أقودها وعليها سرجها أو غرائر، فوقع متاعها عنها فعطب به إنسان، أيضمن القائد أم لا؟ قال: سألت مالكا عن حمال حمل على بعير عدلين فسار بهما وسط السوق، فانقطع الحبل فسقط أحد العدلين على جارية فقتلها - والحمل لغيره ولكنه أجير جمال؟ قال مالك: أراه ضامنا ولا يضمن صاحب البعير شيئا. قلت: أرأيت إن سقطت عن دابتي فوقعت على إنسان فمات، أأضمن أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن ضمان ذلك عند مالك على العاقلة. قلت: أرأيت الكلب العقور وما أصاب في الدار أو غير الدار، أيضمن ذلك أهله أم لا؟ قال: بلغني أن مالكا قال: إذا تقدم إلى صاحب الكلب العقور فهو ضامن لما عقر بعد ذلك. وأنا أرى أنه إذا اتخذه في موضع يجوز له اتخاذه فيه أن لا ضمان عليه حتى يتقدم إليه. وإن اتخذه في موضع لا يجوز فيه اتخاذه فأراه ضامنا لما أصاب، مثل ما يجعله في داره وقد عرف أنه عقور، فيدخل الصبي أو الخادم أو الجار الدار فيعقرهم وقد علم أنه عقور فأراه ضامنا. وإنما قال مالك في الكلب العقور إذا تقدم إليه: إن ذلك في الموضع الذي يجوز له اتخاذه فيه، وليس ذلك فيما يتخذ في الدور وما أشبهها مما لا يجوز اتخاذه فيها.

ما جاء في الفارسين يصطدمان أو السفينتين
قلت: أرأيت إذا اصطدم فارسان فقتل كل واحد منهما صاحبه؟ قال: قال مالك: عقل كل واحد منهما على قبيل صاحبه، وقيمة كل فرس منهما في مال صاحبه. قلت: أرأيت لو أن سفينة صدمت سفينة أخرى فكسرتها فغرق أهلها؟ قال: قال مالك: إن كان ذلك من الريح غلبتهم أو من شيء لا يستطيعون حبسها منه فلا شيء عليهم، وإن كانوا لو شاءوا أن يصرفوها صرفوها فهم ضامنون. قلت: أرأيت لو أن حرا وعبدا اصطدما فماتا جميعا؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: ثمن العبد في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد. فإن كان في ثمن العبد فضل دية الحر كان في مال الحر، وإلا لم يكن لسيد العبد شيء. قلت: أرأيت إن نخس رجل دابة فوثبت الدابة على إنسان فقتلته، على من تكون دية هذا المقتول؟ قال: على عاقلة الناخس. قلت: وهو قول مالك؟ قال: هو قوله. قلت: أرأيت الدابة إذا جمحت براكبها فوطئت إنسانا فعطب، أيضمن ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: هو ضامن.

ما جاء في تضمين القائد والسائق والراكب
قلت: هل كان مالك يضمن القائد والسائق والراكب ما وطئت الدابة إذا اجتمعوا - أحدهم سائق والآخر راكب والآخر قائد -؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إذا اجتمعوا جميعا، وما أقوم لك على حفظه. وأرى أن ما أصابت الدابة على القائد والسائق إلا أن يكون الذي فعلت الدابة من شيء، كان من سبب الراكب، ولم يكن من السائق ولا القائد عون في ذلك فهو له ضامن. قلت: أرأيت الرجل يقود القطار، فيطأ البعير من أول القطار أو من آخره على رجل فيعطب، أيضمن القائد؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأراه ضامنا. قلت: أرأيت ما أشرع الرجل في طريق المسلمين من ميزاب أو ظلة، أيضمن ما عطب بذلك الميزاب أو تلك الظلة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يضمن. قلت: أرأيت الحائط المائل إذا أشهد على صاحبه فعطب به إنسان، أيضمن أم لا؟ قال: أخبرني من أثق به عن مالك أنه قال: يضمن ما عطب به إذا أشهدوا عليه وكان مثله مخوفا. قلت: أرأيت إذا لم يشهدوا عليه وكان مثله مخوفا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى عليه فيه ضمانا. قلت: أرأيت إذا مال الحائط، وفي الدار سكان وليس رب الدار حاضرا والدار مرهونة أو مكتراة، على من يشهدون؟ قال: إذا كان رب الدار حاضرا فلا ينفعهم الإشهاد إلا عليه، وإن كان غائبا رفعوا أمرها إلى السلطان ولا ينفعهم الإشهاد على السكان. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: وهو رأيي. ألا ترى أن السكان ليس لهم أن يهدموا الدار. قلت: أرأيت شهادات النساء في الجراحات الخطأ، أجائزة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الصغير إذا شهد عند القاضي قبل أن يحتلم، أو النصراني أو العبد فردت شهادتهم. ثم كبر الصبي وأسلم النصراني وعتق العبد ثم شهدوا بذلك بعد ذلك؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادتهم لأنها قد ردت. قلت: أرأيت لو أن رجلا جرح رجلا جرحين خطأ، وجرحه آخر جرحا آخر خطأ، فمات من ذلك فأقسمت الورثة عليهما، كيف تكون الدية على عاقلتهما، أنصفين أم الثلث والثلثين؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك أن الدية على عواقلهما. فلو كانت الدية عند مالك الثلث والثلثين لقال لنا ذلك. ولكنا لا نشك أن الدية عليهما نصفان.

ما جاء في الرجل يستأجر عبدا لم يأذن له سيده في التجارة
قلت: أرأيت لو أني استأجرت عبدا لم يأذن له سيده في التجارة ولا في العمل، استأجرته على أن يحفر لي بئرا فعطب في البئر، أأضمنه في قول مالك أم لا؟ قال: نعم تضمنه في قول مالك. وقد بلغني أن مالكا سئل عن عبد استأجره رجل يذهب له بكتاب

إلى موضع في سفر فعطب فيه، وذلك بغير إذن سيده. قال: قال مالك: هو ضامن. قلت: أرأيت لو أن عبدا لرجل قتل قتيلا عمدا وله وليان فعفا أحدهما؟ قال: يقال له: ادفع نصفه أو افده بنصف الدية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت لو أن عبدا قتل قتيلين عمدا فعفا أولياء أحد القتيلين. أي شيء يقال لسيد العبد؟ أيقال له ادفع جميع العبد إلى أولياء هذا القتيل الآخر، أم يقال له ادفع نصفه أو افده بالدية؟ قال: إن أحب أولياء المقتول الآخر الذين لم يعفوا أن يقتلوا قتلوا، وإن استحيوه على أن يأخذوه قيل له ادفع نصفه أو افده بالدية، ولا أحفظه عن مالك. قلت: أرأيت إن جرح عبد لي رجلا فبرأ من جراحاته ففديت عبدي، ثم انتفضت جراحات الرجل فمات من ذلك؟ قال: إذا مات منها أقسم ورثة المقتول. فإذا أقسموا، فإن كانت الجراحات عمدا قيل لهم: إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاستحيوه على أن تأخذوه. فإذا استحيوه كان بمنزلة أن لو كانت الجراحات خطأ، يقال لمولى العبد: ادفع عبدك أو افده. فإن دفعه أخذ ما كان دفع إلى المقتول، وإن فداه قص له في الفداء بما دفع إلى المقتول من أرش الجناية. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قوله في الحر وهو في العبد عندي مثله.
قلت: أرأيت لو أن أمة جنت جناية وهي حامل أو غير حامل، فحملت بعد الجناية فوضعت ولدها بعد الجناية فقام عليها أولياء الجناية، أيدفع ولدها معها في الجناية إن قال سيدها أنا أدفعها؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لا يدفع ولدها معها. قال: ولم أسمعه منه وهو رأيي. قلت: أرأيت الأمة تجني جناية ولها مال قد اكتسبته قبل أو بعد الجناية، أيدفع معها في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل ما كان لها قبل أن تجني فإنه يدفع معها، وكل شيء اكتسبته بعد الجناية فذلك أحرى أن يدفع معها. قلت: أرأيت أم ولدي إذا جنت جناية، ثم جني عليها قبل أن يحكم فيها فأخذت لها أرشا، ما يكون علي؟ أقيمتها معيبة أم قيمتها صحيحة؟ قال: بل قيمتها معيبة يوم يحكم فيها مع الأرش الذي يأخذه السيد إلا أن تكون دية الجناية التي جنت هي أقل من قيمتها معيبة مع الأرش الذي أخذه سيدها مما جني عليها، فلا تكون عليه إلا دية الجناية وإنما عليه الأقل أبدا. قال ابن القاسم: لو أن عبدا قتل قتيلين - وليهما واحد - لم يكن له أن يسلم نصفه بدية أحدهما ويفتك النصف الآخر بدية أحدهما إلا أن يفتكه بديتهما جميعا أو يسلمه كله وهذا رأيي. قال ابن القاسم: ومما يبين لك ذلك أن العبد إذا جنى ثم جني عليه فأخذ له سيده أرشا، إنه يخير في أن يسلمه وما أخذ من الدية أو يفتكه بما جنى. فكذلك أم الولد إلا أن أم الولد لا تسلم، فإنما يكون عليه الأقل من قيمتها معيبة وأرش الجناية معها أو قيمة الجناية التي في رقبتها بمنزلة العبد سواء؛ لأن أم الولد لا يستطيع أن يسلمها فيكون عليه الذي هو الأقل؛ لأنها لو هلكت ذهبت جناية المجروح. وكذلك العبد لو هلك قبل

أن يحكم عليه ذهبت جناية المجروح أمرهما واحد، إلا أن يكون الأرش أكثر من الجناية فلا يكلف إلا الأرش.
قلت: أرأيت لو أن أمة جنت جناية. أيمنع سيدها من وطئها حتى ينظر أيدفع أم يفدي في قول مالك؟ قال: ما سمعته من مالك، ولكن لا يمكن من وطئها حتى ينظر أيدفع أم يفدي. قلت: ولم قلت هذا؟ قال: لأنها مرهونة بالجرح حتى يفديها أو يدفعها. قلت: أرأيت لو أن عبدين لي قتلا رجلا خطأ فقلت: أنا أدفع أحدهما وأفدي الآخر؟ قال: قال مالك في العبيد إذا قتلوا إنسانا حرا خطأ أو جرحوا إنسانا، إنهم مرتهنون بدية المقتول أو المجروح، وتقسم الدية على عددهم ودية الجرح على عددهم. فمن شاء من أرباب العبيد أن يسلم أسلم، ومن شاء أن يفتك افتك بقدر ما يقع عليه من نصيبه من الدية، كان أقل من ثمنه أو أكثر. لو كان قيمة العبد خمسمائة والذي وقع عليه عشر الدية غرم عشر الدية وحبس عبده، وإن كانت قيمته عشرة دنانير والذي وقع عليه من الدية النصف لم يكن له أن يحبس عبده حتى يدفع نصف الدية. قال: ولم يقل لنا مالك في جراحات أرباب العبيد إذا كانوا شتى وكان ربهم واحدا، ولم يختلف ذلك عندنا أنه إن كان ربهم واحدا أن له أن يحبس من شاء منهم ويدفع من شاء بحال ما وصفت لك. وقد سئل فيه مالك غير مرة فلم يختلف قوله في ذلك قط.
قلت: أرأيت إن فقئت عينا عبدي جميعا، أو قطعت يداه جميعا، ما يقال للجارح؟ قال: يضمنه الجارح ويعتق عليه إذا أبطله هكذا. فإن كان جرحا لم يبطله مثل فقء عين واحدة أو جدع أذن أو ما أشبهه، كان عليه ما نقص من ثمنه ولم يعتق عليه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قال: وسمعت أنه قال: يسلم إلى الذي صنع ذلك به فيعتق عليه، وهذا رأيي إذا أبطله على صاحبه. قال: وقال مالك: إنما في العبيد على جارحهم ما نقصهم إلا المأمومة والمنقلة والجائفة والموضحة، فإنها في قيمته مثل موضحة الحر ومأمومته ومنقلته وجائفته من ثمنه. قلت: أرأيت إن جرح عبدي رجلا فقطع يده خطأ وقتل آخر خطأ؟ قال: قال مالك: إن أسلمه سيده فالعبد بينهم أثلاثا. قال مالك: وإذا أسلم العبد فهو بينهم على قدر جراحاتهم. قلت: وإن استهلك مع الجراحات أموالا تحاص أهل الجراحات في العبد بقيمة ما استهلك لهم من الأموال في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قتل عبدي رجلا خطأ أو فقأ عين آخر خطأ، فقال السيد: أنا أفديه من جنايته في القتل وأدفع إلى صاحب العين الذي يكون له من العبد ولا أفديه؟ فقال: يقال له: ادفع إلى صاحب العين ثلث العبد وافد ثلثي العبد بجميع الدية. ويكون شريكا في العبد هو والمجني عليه في العين، يكون لصاحب العين ثلث العبد ويكون لسيد العبد ثلثا العبد. قال: وهذا رأيي وقد بلغني عن مالك. قلت:

أرأيت إذا جنى العبد جناية خطأ ففداه مولاه، ثم جنى بعد ذلك جناية أخرى، أيقال لسيده أيضا ادفعه أو افده؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن جنت أم ولد رجل جناية فأخرج قيمتها فدفعها إلى ولي الجناية، ثم جنت بعد ذلك جناية أخرى؟ قال: يقال لسيدها: أخرج قيمتها أيضا مرة أخرى إذا كانت الجناية منها بعد الحكم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت أليس قد قال مالك إذا جنت أم الولد فعلى سيدها قيمتها إلا أن تكون الجناية أقل من قيمتها؟ قال: نعم. قلت: فإن جنت جناية أخرى قبل أن يحكم على سيدها بالجناية الأولى؟ قال: عليه القيمة بينهما إلا أن تكون الجنايتان أقل من قيمتها، وإن كان ذلك يكون أكثر من قيمتها فليس عليه إلا قيمتها؛ لأن السيد إذا أخرج قيمتها فكأنه قد أسلمها إليهما. قلت: فما جنت بعد الحكم، هل سمعت من مالك فيه شيئا؟ قال: هو قوله إن عليه أن يخرج قيمتها ثانية كلما جنت بعد الحكم. قال: وسألت مالكا عن خير الناس بعد نبيهم؟ قال: أبو بكر. ثم قال: الواشحي في ذلك شك؟ قال ابن القاسم: فقلت لمالك: فعلي وعثمان. أيهما أفضل؟ فقال: ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه - يعني عليا وعثمان - ويرى الكف عنهما.
قلت: أرأيت المدبر إذا جنى جناية فدفع مولاه خدمته ثم جنى بعد ذلك؟ قال: قال مالك: يدخل في الخدمة مع الأول ويتحاصون فيه على قدر مالهم من الجناية. فإن مات سيده وعتق جميعه في الثلث كان ما بقي من جنايتهم دينا على المدبر يتبعونه به، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغ الثلث وقسم ما بقي لهم من جنايتهم على العبد. فما أصاب ما عتق منه كان ذلك دينا عليه، وما أصاب ما رق منه قيل للورثة ادفعوا هذا الذي رق في أيديكم، أو افدوه بما أصابه من الجناية وهو قول مالك. قلت أرأيت هذا الذي عتق من المدبر فجعلت عليه حصة ذلك من الجناية، كيف يقتصون منه؟ أيأخذون منه كل شيء كسبه حتى يستوفوا جنايتهم التي صارت لهم على ما عتق منه أم لا؟ وهل يأخذون منه ما في يديه من المال حتى يقتصوا جناياتهم في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا، ولكن قال مالك في العبد يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا يجني الجناية - وفي يده مال - فيفتك سيده نصفه، إن ماله يؤخذ منه في نصف الجناية التي وجبت على العتيق منه. قال: وكذلك المدبر إن كان بيده مال أخذه منه أهل الجنايات فاقتسموه على قدر جنايتهم. وأما ما كسب فإنه لا يؤخذ منه من الجزء العتيق إلا ما فضل عن عيشه وكسوته، والذي أخذ من العبد في جنايته إنما هو قضاء لنصيبه الذي عتق منه، فإن كان فيه كفاف لم يتبع بشيء، وإن كان فيه فضل وقف في يده، وإن قصر عن ذلك تبع به في حصة الجزء. فإن كان في ذلك ما يفضل منه عن عيشه وكسوته كان

ذلك لهم بمنزلة الدين، وأما ما رق لهم منه فإنهم لا يتبعونه فيه بشيء من الجناية؛ لأنه قد صار عبدا لهم، وعليهم أن يطعموه ويكسوه بقدر الذي رق لهم وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن جاء رجل فتعلق بعبدي - والرجل يدمي - فقال: جنى علي عبدك خطأ أو عمدا، وأقر العبد بذلك؟ قال: سمعت مالكا وأتاه قوم وأنا عنده في عبد كان على برذون راكبا فوطئ على غلام فقطع أصبعه، فتعلق به الغلام فأتى على ذلك - والغلام متعلق به - فقيل للغلام: من فعل بك؟ فقال: هذا وطئني، وأقر العبد بذلك. قال مالك: أما ما كان مثل هذا يؤتى به وهو يدمي وهو متعلق به فيقر العبد على مثل هذا، فأراه في رقبته يدفعه سيده أو يفتديه. وما كان على غير هذا الوجه فلا يقبل إلا ببينة، مثل العبد يخبر أنه قد جنى فلا يقبل قول العبد في قول مالك إلا على ما وصفت لك. قلت: أرأيت إن أقر العبد بقتل عمد، أيجوز إقراره أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن أرادوا أن يقتلوه فذلك لهم، وإن أرادوا أن يستحيوه فليس ذلك لأنه يتهم حين استحيوه أن يكون فر بنفسه إليهم. قلت: أرأيت لو أن عبدا في يدي عارية أو وديعة أو رهنا أو بإجارة، جنى جناية - ومولاه غائب - ففديته من الجناية ثم قدم مولاه؟ قال: يقال لمولاه: إن شئت فادفع إليه هذا جميع ما فداه به وخذ عبدك، وإن شئت فأسلمه إليه ولا شيء عليك؛ لأنه لو لم يفده ثم جاء سيده لقيل له هذا القول وهذا رأيي. قلت: أرأيت إن قتل عبدي رجلا له وليان، فقلت: أنا أفدي حصة أحدهما وأدفع حصة الآخر، أيكون ذلك لي في قول مالك؟ قال: أرى له أن يفتك نصيب من شاء منهما ويسلم نصيب من شاء منهما. قلت: أرأيت لو أن عبدا لي قتل رجلين - وليهما واحد - فأردت أن أفتك نصفه بدية أحدهما وأسلم نصفه؟ قال: ليس ذلك لك إلا أن تفتك جميعه بالديتين، أو تسلمه لأن وارث الديتين جميعا واحد.
قلت: أرأيت المكاتب إذا قتل قتيلا أو جنى جناية، أيكون عليه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية في قول مالك؟ قال: لا، ولكن عليه عند مالك أرش الجناية بالغة ما بلغت، وإن كانت نفسا فعليه الدية، وإن عجز عن ذلك رجع رقيقا وقيل للسيد ادفع أو افد. قلت: أرأيت المكاتب يستدين ديونا ثم يعجز فيرجع رقيقا؟ قال: الدين في ذمته عند مالك إلا أن يكون له مال حين عجز، فيكون الدين في ذلك المال إن كان ذلك المال مما أصابه من تجارة أو من هبة وهبت له أو من غير ذلك، إلا أن يكون من كسب يديه. فإن كان من كسب يديه فليس للغرماء أن يأخذوا ذلك منه، وإنما لهم أن يأخذوا منه ما كان في يده من مال إلا ما كان من كسب يده. قلت: وكذلك كل ما أفاده المكاتب بعدما عجز، فللغرماء أن يأخذوه في دينهم إلا ما كان من كسب يده؟ قال: نعم. قلت: وكسب يده إنما هي إجارته وعمله بيده في الأسواق في الخياطة وغير ذلك؟ قال: نعم.

قلت: أرأيت المكاتب إذا قتل نفسين أو ثلاثا، أتأمره أن يؤدي ديتين أو ثلاثا حالة - في قول مالك - ويسعى في كتابته، فإن عجز رجع رقيقا؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المكاتبة إذا جنت جناية ثم ولدت ولدا بعد الجناية فماتت، أيكون على الولد من الجناية شيء أم لا؟ قال: لا شيء على الولد من الجناية في رأيي؛ لأن مالكا قال ذلك في الأمة، فالمكاتبة مثله عندي سواء. قال: وقد قال مالك في الأمة إذا جنت جناية ثم ولدت ولدا بعد الجناية، إنه إنما يدفعها وحدها ولا يدفع ولدها. قلت: ولا يرى ولد المكاتبة بمنزلة مالها فتكون فيه الجناية؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن استدانت المكاتبة دينا ثم ولدت ولدا فماتت المكاتبة، أيكون على ولدها شيء من الدين أم لا؟ قال: لا شيء على ولدها من الدين؛ لأن الدين إنما كان في ذمتها، فلما ماتت لم يتحول من ذمتها في ولدها شيء. قال: وهذا رأيي. قلت: أرأيت إذا جنى المكاتب جناية فقضي عليه بالجناية ثم عجز، أيكون ذلك دينا عليه في رقبة المكاتب، أو يقال لسيده ادفعه أو افده بالجناية؟ قال: إذا جنى المكاتب - عند مالك - فالسلطان يقول للمكاتب أد الجناية كلها حالة واسع في كتابتك، فإن عجز عن ذلك قيل لمولاه خذ عبدك وافسخ كتابتك وادفعه أو افده بجميع الجناية.
قلت: أرأيت المكاتب إذا كان له عبد قد أذن له في التجارة، فرهق العبد المأذون له في التجارة دين وعلى المكاتب دين، فقام الغرماء؟ قال: يباع العبد في دين المكاتب، ويكون دين العبد في ذمة العبد يتبع به ويبينون إذا باعوه أن عليه دينا. قلت: أرأيت العبد المعتق إلى أجل إذا جنى جناية، أيكون عليه الأقل منه من قيمته أو من أرش الجناية في قول مالك؟ قال: لا، ولكن عليه - عند مالك - أن يتم الجناية - بالغة ما بلغت - وإن كانت نفسا فعليه الدية، وإن عجز عن ذلك رجع رقيقا وقيل لسيد العبد ادفع أو افد، مثل المدبر - في قول مالك - يقال لسيده ادفع خدمته أو افتكه بجميع الجناية. قال: نعم وهو قول مالك.

ما جاء فيمن حفر بئرا أو سربا للماء أو نصب حبالة
قال: وقال مالك: من حفر بئرا أو سربا للماء أو للريح مما مثله يعمله الرجل في داره أو أرضه، فسقط فيه إنسان. قال: لا ضمان عليه. قال: وإن جعل حبالة في داره أو شيئا يتلف به سارقا فعليه ضمانه. قال ابن القاسم: إذا وقع السارق أو غير السارق سواء يضمنه. قلت: أرأيت أم الولد إذا جنت جناية فزادت قيمتها أو نقصت، ما على سيدها؟ قال: أرى على سيدها قيمتها يوم يحكم عليها، ولا يلتفت إلى الزيادة والنقصان في ذلك إن كانت أقل من قيمها. ومما يبين ذلك أنها لو ماتت لم يكن على سيدها شيء. قلت

له: كيف تقوم، أبمالها أم بغير مالها؟ قال: بل بقيمتها بغير مالها، وكذلك بلغني عن مالك أنها تقوم بغير مالها. قلت: أرأيت المدبرة إذا قتلت قتيلا خطأ فولدت بعد ذلك، أيكون على ولدها من هذه الجناية شيء أم لا؟ قال: هي مثل الخادم، إن ولدها لا يدخل في الجناية، وكذلك بلغني عن مالك وكذلك هذه المدبرة. قلت: أرأيت لو أن أم ولد جنت جناية قتلت رجلا عمدا، وللمقتول وليان فعفا أحدهما، أيكون على سيد أم الولد شيء أم لا؟ قال: عليه للذي لم يعف نصف قيمتها إلا أن يكون نصف دية الجناية أقل من نصف قيمتها. قلت: أرأيت إن قال السيد لا أدفع إليكم شيئا، وإنما كان لكم أن تقتلوا وليس لكم أن تغرموني؟ قال: ذلك له لازم ولا يلتفت إلى قوله. ألا ترى لو أن رجلا قتل قتيلا عمدا له وليان، فعفا أحدهما، أن القاتل يجبر على دفع نصف الدية إلى ولي المقتول الذي لم يعف، فكذلك هذا في سيد أم الولد. قلت: فإن قتل رجل قتيلا ليس له إلا ولي واحد، فعفا عنه على أن يأخذ الدية، وأبى القاتل وقال لا أدفع إليك شيئا إنما لك أن تقتلني. فإن شئت فاقتلني وإن شئت فدع؟ قال: إذا لم يكن الولي إلا واحدا فليس له إلا أن يعفو أو يقتل، وليس له أن يعفو على الدية إلا أن يرضى بذلك القاتل. فأما إذا كان للمقتول وليان فعفا أحدهما، صار نصيب الباقي منهما على القاتل؛ لأن الباقي لم يعف ولأنه لا يقدر على أن يقتص فلا يبطل حقه وهو يطلبه، ولكن يقال للقاتل ادفع إليه حقه مالا لأنه قد صار بمنزلة عمد المأمومة التي لا يستطاع القصاص منها، ولا يشبه إذا كان ولي المقتول واحدا إذا كان له وليان. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت شهادة امرأتين مع رجل على العفو عن الدم، أتجوز أم لا؟ قال: لا تجوز شهادتهن على العفو عن الدم. قلت: ولم؟ قال: لأن شهادتين لا تجوز على العمد في الدم كذلك لا تجوز في العفو عن الدم. قلت: أرأيت إذا قطع رجل أصابع يمين رجل عمدا، ثم قطع كفه تلك التي قطع منها الأصابع، أتقطع أصابعه ثم كفه أم لا يكون له إلا أن يقطع الكف وحدها؟ قال: ليس له إلا أن يقطع الكف وحدها إلا أن يكون إنما فعل ذلك به على وجه العذاب، فإنه يقتص له من الأصابع ثم من الكف. قلت: أرأيت شهادة الجواري، أهي بمنزلة شهادة الغلمان تقبل شهادتهن في الجراح؟ قال: لا، وكذلك بلغني عن مالك ولم أسمعه منه. قلت: أرأيت إن طرحت رجلا في نهر وهو لا يحسن أن يعوم ولا أدري أنه لا يحسن أن يعوم فمات من ذلك؟ قال: إذا كان على وجه العداوة والقتال قتل به، وإن كان ذلك على غير وجه القتال لم يقتل به وكان في ذلك الدية. قلت: أرأيت إن شهد رجلان على رجل، شهد أحدهما أن فلانا قتل فلانا بالسيف، وشهد الآخر أنه قتله بالحجر؟ قال: شهادتهما باطلة في رأيي. قلت: ولا يكون لأولياء الدم أن يقسموا هاهنا؟ قال: لا. قلت: ولم ذلك. وقد قال مالك: إذا أتوا

بلوث من بينة إن لهم أن يقسموا؟ فقال: لأن هذين قد تبين أن أحدهما كاذب. قلت: أرأيت الرجل يقتل فيقول دمي عند فلان. ولم يقل عمدا ولا خطأ. أي شيء تجعل قوله دمي عند فلان عمدا أو خطأ في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، إلا أني أرى أن القول قول ولاة المقتول إذا ادعوا أنه خطأ أو عمد. قلت: أرأيت إن قال المقتول: دمي عند فلان. وقال ولاة الدم: نحن نقسم ونقتل لأنه قتله عمدا، أو قالوا: نحن نقسم ونأخذ الدية لأنه قتله خطأ؟ قال: ذلك لهم إذا ادعوا كما قلت، وما كشفنا مالكا عن هذا كله هكذا. قلت: أرأيت إذا وضع رجل سيفا في طريق المسلمين، أو في موضع من المواضع يريد به قتل رجل فعطب به ذلك الرجل فمات؟ قال: يقتل به. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا ولكنه رأيي. قلت: فإن عطب بالسيف غير الذي وضع له؟ قال: أرى على عاقلته الدية ولا أحفظه عن مالك وهو رأيي. وسئل ابن القاسم عن العبد يتزوج النصرانية فيضرب رجل بطنها فتطرح جنينا؟ قال هو حر مسلم وفيه الغرة. قلت له: فالمجوسية تسلم وهي حامل من زوجها - وهو مجوسي - فيضرب رجل بطنها فتطرح جنينا. قال: ولدها مجوسي مثل أبيه، وفيه مثل ما في جنين المجوسي أربعون درهما والحمد لله وحده.
تم كتاب الديات من المدونة الكبرى بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وبه تم عقد نظامها وفاح مسك ختامها.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19