كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

في إنكاح المولى
قلت: أرأيت مولى النعمة أيجوز أن يزوج؟ قال: نعم، في قول مالك قال: وقال مالك: يزوجها من نفسه ويلي عقد نكاح نفسه إذا رضيت قلت: فإن كان إنما أسلم على يديه والدها أو جدها أو أسلمت هي على يديه أيجوز له أن يزوجها؟ قال: أما التي أسلمت على يديه فإنها تدخل فيما فسرت لك في قول مالك في إنكاح الدنيئة، فيجوز إنكاحه إياها قال: وأما إذا سلم أبوها وتقادم ذلك حتى يكون لها من القدر والغنى والآباء والإسلام وتنافس الناس فيها فلا يزوجها وهو والأجنبي سواء.
قلت: أرأيت ولي النعمة يزوج مولاته ولها ذو رحم أعمام أو بنو إخوة أو إخوة إلا أنه لا أب لها، فزوجها وهي بكر برضاها أو ثيب برضاها؟ قال: هذا عندي من ذي الرأي من أهلها أله أن يزوجها إذا كان له الصلاح والحال؛ لأن مالكا قال: المولى الذي له الحال في العشرة له أن يزوج العربية من قومه إذا كان له الموضع والرأي قال مالك: وأراه من ذوي الرأي من أهلها إذا لم يكن لها أب ولا وصي.
قال سحنون: وقد بينا قول الرواة في مثل هذا قبل هذا من قول مالك قال ابن وهب وأخبرني الضحاك بن عثمان عن عبد الجبار عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل نكاح المرأة إلا بولي وصداق وشاهدي عدل" 1 ابن وهب عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح لامرأة بغير إذن ولي" ابن وهب عن عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء في الولي ابن وهب عن أبي جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح امرأة بغير إذن وليها, فإن نكحت فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها, فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" 2 ابن وهب عن ابن جريج أن عبد الحميد بن جبير بن شيبة حدثه أن عكرمة بن خالد حدثه قال: جمع الطريق ركبا فولت امرأة أمرها غير ولي فأنكحها رجلا منهم ففرق عمر بن الخطاب بينهما وعاقب الناكح والمنكح.
ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن يزيد بن حبيب حدثه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أيوب بن شرحبيل أيما رجل نكح امرأة بغير إذن وليها فانتزع منه المرأة وعاقب الذي أنكحه. ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن المهاجر التيمي أن رجلا من
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 36. أبو داود في كتاب النكاح باب 19. الترمذي في كتاب النكاح باب 14، 17: ابن ماجه في النكاح باب 15. الدارمي في كتاب النكاح 11. أحمد في مسنده"1/250" "4/394، 413، 418".
2 رواه في مسنده"6/47، 66". الترمذي في كتاب النكاح باب 15. ابن ماجه في كتاب النكاح باب 15. الدارمي في كتاب النكاح باب 11.

قريش أنكح امرأة من قومه ووليها غائب فبنى بها زوجها ثم قدم وليها فخاصم في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فرد النكاح ونزعها منه ابن وهب عن ابن لهيعة وعمر بن الحارث عن بكير بن الأشج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان، ويذكر مالك عمن حدثه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب مثله قال ابن وهب قال مالك في المرأة يفرق بينها وبين زوجها دخل بها أو لم يدخل إذا زوجها بغير ولي إلا أن يجيز ذلك الولي أو السلطان إن لم يكن لها ولي فإن فرق بينهما فهي طلقة، وأما المرأة الوضيعة مثل المعتقة والسوداء والمسالمة فإذا كان نكاحها ظاهرا معروفا، فذلك أخف عندي من المرأة لها الموضع.
قلت: أرأيت الوصي أوصى أيجوز أن يزوج البكر إذا بلغت والأولياء ينكرون والجارية راضية؟ قال: قال مالك: لا نكاح للأولياء مع الوصي والوصي ووصي الوصي أولى من الأولياء قلت: أرأيت إن رضيت الجارية ورضي الأولياء والوصي ينكر؟ فقال: قال مالك: لا نكاح لها ولا لهم إلا بالوصي فإن اختلفوا في ذلك نظر السلطان فيما بينهم قلت: أرأيت المرأة الثيب إن زوجها الأولياء برضاها والوصي ينكر؟ قال: ذلك جائز عند مالك ألا ترى أن مالكا قال لي في الأخ يزوج أخته الثيب برضاها والأب ينكر أن ذلك جائز على الأب، قال مالك: وما للأب ومالها وهي مالكة أمرها والوصي أيضا في الثيب إن أنكح برضاها والأولياء ينكرون جاز إنكاحه إياها وليس الوصي أو وصي الوصي فيها بمنزلة الأجنبي قال لي مالك: ووصي الوصي أولى ببضع الأبكار أن يزوجهن برضاهن إذا بلغن من الأولياء.
قلت: أرأيت إن كان وصي وصي وصي أيجوز فعله بمنزلة الوصي؟ قال: نعم في رأيي وإنما سألنا مالكا عن وصي الوصي ولم نشك أن الثالث مثلهما والرابع وأكثر من ذلك قلت: فإن زوجها ولي ولها وصي زوجها أخ أو عم برضاها وقد حاضت ولها وصي أو وصي وصي؟ قال: نكاح العم والأخ لا يجوز وليس للأولياء في إنكاحها مع الأوصياء قضاء وإن لم يكن لها وصي ولا ولي فحاضت واستخلفت وليها فزوجها فذلك جائز وهذا كله قول مالك وما لم تبلغ المحيض فلا يجوز لأحد أن يزوجها إلا الأب وهذا قول مالك ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال: لا ينبغي للولي أن ينكح دون الوصي، فإن أنكحها الوصي إذا رضيت دون الولي جاز، وإن أنكحها الولي دون الوصي ورضيت لم يجز دون الإمام وليس للولي مع الوصي قضاء ابن وهب عن معاوية بن صالح أنه سمع

يحيى بن سعيد يقول الوصي أولى من الولي ويشاور الولي في ذلك قال: فالوصي العدل مثل الوالد.
ابن وهب عن أشهل بن حاتم عن شعبة عن سماك بن حرب أن شريحا أجاز إنكاح وصي والأولياء ينكرون وقال الليث بن سعد مثله الوصي أولى من الولي قلت: أرأيت الصغار أينكحهم أحد من الأولياء؟ قال: قال مالك: أما الغلام فيزوجه الأب والوصي ولا يجوز أن يزوجه أحد إلا الأب أو الوصي ولا يجوز أن يزوجه أحد من الأولياء غير الوصي أو الأب ووصي الوصي أيضا قال مالك: إنكاحه الغلام الصغير جائز وأما الجارية فلا يجوز أن يزوجها إلا أبوها ولا يزوجها أحد من الأولياء ولا الأوصياء حتى تبلغ المحيض فإذا بلغت المحيض فزوجها الوصي برضاها جاز ذلك وكذلك إن زوجها وصي الوصي برضاها، فذلك جائز وهذا قول مالك وقال مالك: لا يجوز للقاضي ولا لأحد أن يزوج صغيرة لم تحض إلا الأب، فأما الغلام فللوصي أن يزوجه قبل أن يحتلم ابن وهب عن مخرمة عن أبيه قال: سمعت ابن قسيط واستفتي في غلام كان في حجر رجل فأنكحه ابنته أيجوز إنكاحه وليته؟ قال: نعم وهما يتوارثان ابن وهب وقال ذلك نافع مولى ابن عمر أنه جائز وهما يتوارثان ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أرى هذا جائزا وإن كره الغلام إذا احتلم.
قلت: أرأيت الولي أو الوالد إذا استخلف من يزوج أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أيجوز للأم أن تستخلف من يزوج ابنتها وقد حاضت ابنتها ولا أب للبنت؟ قال: قال مالك: لا يجوز إلا أن تكون وصية، فإن كانت وصية جاز لها أن تستخلف من يزوجها ولا يجوز لها هي أن تعقد نكاحها، قلت: وكذلك لو أوصى إلى امرأة أجنبية كانت بمنزلة الأم في إنكاح هذه الجارية في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: ولا يجوز للأم وإن كانت وصية أن تستخلف من يزوج ابنتها قبل أن تبلغ الابنة المحيض في قول مالك؟ قال: نعم، لا يجوز ذلك في قول مالك قلت: أرأيت لو أن امرأة زوجها الأولياء برضاها فزوجها هذا الأخ من رجل وزوجها هذا الأخ من رجل ولم يعلم أيهما أولى؟ قال: قال مالك: إن كانت وكلتهما فإن علم أيهما كان أولى فهو أحق بها، وإن دخل بها أحدهما فالذي دخل بها أحق بها وإن كان آخرهما نكاحا، وأما إذا لم يعلم أيهما أولى ولم يدخل بها واحد منهما فلم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن يفسخ نكاحهما جميعا ثم تبتدئ نكاح من أحبت منهما أو من غيرهما.
قلت: أرأيت إن قالت المرأة هذا هو الأولى ولم يعلم ذلك إلا بقولها؟ قال: لا

أرى أن يثبت النكاح وأرى أن يفسخ ابن وهب، عن معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد أنه قال: إن عمر بن الخطاب قضى في الوليين ينكحان المرأة ولا يعلم أحدهما بصاحبه أنها للذي دخل بها وإن لم يكن دخل بها أحدهما فللأول ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل أمر أخاه أن ينكح ابنته وسافر فأتى رجل فخطبها إليه فأنكحها، ثم إن عمها أنكحها بعد ذلك، فدخل بها الآخر منهما ثم إن الأب قدم والذي زوج معه قال ابن شهاب نرى أنهما ناكحان لم يشعر أحدهما بالآخر فنرى أولاهما بها الذي أفضى إليها حتى استوجبت مهرها تاما واستوجبت ما تستوجب المحصنة من نكاح الحلال ولو اختصما قبل أن يدخل بها كان أحدهما أحق فيما نرى. الناكح الأول، ولكنهما اختصما بعدما استحل الفرج بنكاح حلال لا يعلم قبله نكاح.
ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن يحيى بن سعيد وربيعة وعطاء ومكحول بذلك قال يحيى فإن لم يعلم أيهما كان قبل فسخ النكاح إلا أن يدخل بها، فإن دخل بها لم يفرق بينهما قلت: أرأيت أمة أعتقها رجلان من وليها منهما في النكاح؟ قال: قال مالك: كلاهما وليان قال: فقلنا لمالك فإن زوجها أحدهما بغير وكالة الآخر فرضي الآخر بعد أن زوجها هذا؟ قال: قال مالك: نكاحها جائز رضي الآخر أو لم يرض قلت: أرأيت الأخوين إذا زوج أحدهما أخته ورد الآخر نكاحها أيكون له أن يرد؟ قال: لا يكون ذلك له عند مالك وقد أخبرتك من قول مالك أن الرجل من الفخذ يزوج وإن كان ثم من هو أقرب منه فكيف بالأخ وهما في القعدة سواء، قال: وسمعت مالكا يقول في الأمة يعتقها الرجلان فيزوجها أحدهما بغير أمر صاحبه إن النكاح جائز قلت: أرأيت إن لم يرض أحدهما؟ قال: ذلك جائز عليه على ما أحب أو كره وقال علي بن زياد قال مالك في الأخ يزوج أخته لأبيه وثم أخوها لأمها وأبيها أن إنكاحه جائز إلا أن يكون أبوها أوصى بها إلى أخيها لأبيها وأمها، فإن كان ذلك فلا نكاح لها إلا برضاه، وإنما الذي لا ينبغي لبعض الأولياء أن ينكح وثم من هو أولى منه إذا لم يكونوا إخوة وكان أخ أو عم وابن عم ونحو هذا إذا كانوا حضورا قلت: أرأيت الولي إذا رضي برجل ليس لها بكفء، فصالح ذلك الرجل امرأته فبانت منه ثم أرادت المرأة أن تنكحه بعد ذلك فأبى الولي وقال لست لها بكفء؟ قال: قال مالك: إذا رضي به مرة فليس له أن يمتنع منه إذا رضيت بذلك المرأة، وقال ابن القاسم: إلا أن يأتي منه حدث من فسق ظاهر أو لصوصية أو غير ذلك مما يكون فيه حجة لذلك غير الأمر الأول فأرى ذلك للولي، قلت: وكذلك إن كان عبدا؟ قال: نعم: ولم أسمع العبد من مالك وهو رأيي قلت: أرأيت الثيب إذا استخلفت على نفسها رجلا فزوجها؟ قال: قال مالك: أما المعتقة والمسالمة والمرأة

المسكينة تكون في القرية التي لا سلطان فيها، فإنه رب قرى ليس فيها سلطان فتفوض أمرها إلى رجل لا بأس بحاله أو يكون في الموضع الذي يكون فيه السلطان، فتكون دنيئة لا خطب لها كما وصفت لك، قال مالك: فلا بأس أن تستخلف على نفسها من يزوجها ويجوز ذلك قال: فقلت لمالك: فرجال من الموالي يأخذون صبيانا من صبيان العرب من الأعراب تصيبهم السنة فيكفلون لهم صبيانهم ويربونهم حتى يكبروا، فتكون فيهم الجارية فيريد أن يزوجها قال: أرى أن تزويجه عليها جائز، قال مالك: ومن أنظر لها منه فأما كل امرأة لها مال وغنى وقدر فإن تلك لا ينبغي أن يزوجها إلا الأولياء أو السلطان قال: فقيل لمالك: فلو أن امرأة لها قدر تزوجت بغير ولي فوضت أمرها إلى رجل فرضي الولي بعد ذلك، أترى أن يثبتا على ذلك النكاح فوقف فيه، قال ابن القاسم: وأنا أراه جائزا إذا كان قريبا.
قلت: أرأيت إن كان دخل بها؟ قال ابن القاسم: دخوله وغير دخوله سواء إذا أجاز ذلك الولي جاز كما أخبرتك وإن أراد فسخه وكان بحدثان دخوله رأيت ذلك له ما لم تطل إقامته معها وتلد منه أولادا، فإذا كان ذلك وكان ذلك صوابا جاز ذلك ولم يفسخ، وكذلك قال مالك قال سحنون وقد قال غير عبد الرحمن وإن أجازه الولي لم يجز؛ لأنه عقدة غير ولي، وقد قال غير واحد من الرواة مثل ما قال عبد الرحمن إن أجازه الولي جاز قلت: أرأيت إن استخلفت امرأة على نفسها رجلا فزوجها ولها وليان أحدهما أقعد بها من الآخر، فلما علما أجاز النكاح أبعدهما وأبطله أقعدهما بها؟ قال: لا تجوز إجازة الأبعد وإنما ينظر إلى الأقعد وإلى قوله لأنه هو الخصم دون الأبعد قلت: أسمعته من مالك؟ قال: لا، قلت: لم أبطلت هذا النكاح وقد أجازه الولي الأبعد وأنت تذكر أن مالكا قال في عقدة النكاح: إن عقدها الولي الأبعد وكره ذلك الولي الأقعد أن العقدة جائزة؟ قال: لا يشبه هذا ذلك؛ لأن ذلك كان نكاحا عقده الولي فكانت العقدة جائزة، وهذا نكاح عقده غير ولي فإنما يكون فسخه بيد أقعد الأولياء بها لا ينظر في هذا إلى أبعد الأولياء وإنما ينظر السلطان إلى قول أقعدهما إن أجازه أو فسخه وهو قول مالك.
قلت: أرأيت إن تزوجت بغير ولي استخلفت على نفسها ولها ولي غائب وولي حاضر والغائب أقعد بها من الحاضر، فقام يفسخ نكاحها هذا الحاضر وهو أبعد إليها من الغائب؟ قال: ينظر السلطان في ذلك فإن كان غيبة الأقعد قريبة انتظره ولم يعجل وبعث إليه، وإن كانت غيبته بعيدة نظر فيما ادعى هذا، فإن كان من الأمور التي كان يجيزها الولي، أن لو كان ذلك الغائب حاضرا أجازه وإن كان من الأمور التي لو كان

الغائب حاضرا لم يجزه أبطله السلطان قلت: وجعلت السلطان مكان ذلك الغائب وجعلته أولى من هذا الولي الحاضر؟ قال: نعم، قلت: وهذه المسائل قول مالك؟ قال: منها قول مالك وهو رأيي كله قلت: أرأيت لو أن وليا قالت له وليته زوجني فقد وكلتك أن تزوجني ممن أحببت، فزوجها من نفسه أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يزوجها من نفسه ولا من غيره حتى يسمي لها من تريد أن يزوجها منه، وإن زوجها أحدا قبل أن يسميه لها وأنكرت كان ذلك لها، وإن لم يكن بين لها أن يزوجها من نفسه ولا من غيره إلا أنها قالت له زوجني ممن أحببت ولم تذكر له نفسه ولم يذكر لها نفسه فزوجها من نفسه أو من غيره فلا يجوز ذلك وهو قول مالك إذا لم تجز ما صنع.
قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: أنه إذا زوجها من غيره ولم يسمه لها فهو جائز قلت: فإن زوجها من نفسه فبلغها فرضيت بذلك؟ قال: أرى ذلك جائزا؛ لأنها قد وكلته بتزويجها قلت: أرأيت المرأة إذا لم يكن لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو ابنه برضاها أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، يجوز في رأيي؛ لأن القاضي ولي من لا ولي له، ويجوز أمره كما يجوز أمر الولي قلت: أرأيت إذا كان لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو ابنه ففسخ الولي نكاحه، أيكون ذلك أم لا؟ قال: لا يكون ذلك للولي في رأيي؛ لأن الحديث الذي جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا ينكح المرأة إلا وليها أو ذو الرأي من أهلها أو السلطان، فهذا السلطان فإذا كان أصاب وجه النكاح ولم يكن ذلك منه جورا رأيته جائزا قلت: أفليس الحديث إنما يزوجها السلطان إذا لم يكن لها ولي؟ قال: لا، ألا ترى في الحديث: "وليها أو ذو الرأي من أهلها أو السلطان", فقد جعل إليهم النكاح بينهم في هذا الحديث قال ابن القاسم: ولقد سألت مالكا عن المرأة الثيب يزوجها أخوها وثم أبوها فأنكر أبوها، قال مالك: ما لأبيها وما لها إذا كانت ثيبا وأرى أن النكاح جائز ابن وهب عن أبي ذئب، قال: أرسلت أم قارظ بنت شيبة إلى عبد الرحمن بن عوف وقد خطبت فقال لها عبد الرحمن قد جعلت إلي أمرك؟ فقالت: نعم، فتزوجها عبد الرحمن مكانه وكانت ثيبا فجاز ذلك ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال: وولي المرأة إذا ولته بضعها فأنكح نفسه وأحضر الشهداء إذا أذنت له في ذلك فلا بأس به قال مالك: وذلك جائز من عمل الناس.

إنكاح الرجل ابنه الكبير والصغير وفي إنكاح الرجل الحاضر الرجل الغائب
قلت: أرأيت إن زوج رجل ابنه ابنة رجل والابن ساكت حتى فرغ الأب من

النكاح، ثم أنكر الابن بعد ذلك وقال: لم آمره أن يزوجني ولا أرضى ما صنع، وإنما صمت لأني علمت أن ذلك لا يلزمني؟ قال: أرى أن يحلف، ويكون القول قوله وقد قال مالك في الرجل الذي يزوج ابنه الذي قد بلغ فينكر إذا بلغه، قال: يسقط عنه النكاح ولا يلزمه من الصداق شيء ولا يكون على الأب من الصداق شيء، فهذا عندي مثل هذا وإن كان حاضرا رأيته أو أجنبيا من الناس في هذا سواء إذا كان الابن قد ملك أمره في هذا.
قلت: أرأيت الصبي الصغير إذا أعتقه الرجل فزوجه وهو صغير أيجوز عليه ما عقد عليه مولاه من النكاح وهو صغير أم لا؟ قال: لا يجوز، ذلك رأيي قلت: وكذلك إن أعتق صبية فزوجها؟ قال: نعم، لا يجوز عند مالك أو الجارية التي لا شك فيها؛ لأن الوصي لا يزوجها إن كانت صغيرة حتى تبلغ، وأما الغلام فإن الوصي يزوجه وإن كان صغيرا قبل أن يبلغ فيجوز ذلك عليه عند مالك على وجه النظر له؛ لأنه يبيع له ويشتري له فيجوز ذلك له قلت: فالصغيرة قد يجوز بيع الوصي وشراؤه عليها، فلم يجيز مالك إنكاحه إياها؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأيم أحق بنفسها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها" 1 فإذا كان لها المشورة لم يجز للوصي أن يقطع عنها المشورة التي جهلت لها في نفسها قال: وكذلك قال لي مالك.
قلت: أرأيت الوصي أيجوز له أن ينكح إماء الصبيان وعبيدهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى إنكاحه إياهم جائزا على وجه النظر لليتامى وطلب الفضل لهم. قلت: أرأيت الرجل هل يجوز له أن ينكح عبيد صبيانهم وإمائهم بعضهم من بعض أو من الأجنبيين في قول مالك؟ قال: قال مالك: يجوز أن ينكحهم أنفسهم وهم صغار ويكون ذلك جائزا فأرى إنكاحه جائزا على عبيدهم وإمائهم إذا كان ذلك يجوز في ساداتهم ففي عبيدهم وإمائهم يجوز إذا كان على ما وصفت لك من طلب الفضل لهم.قلت: هل يكره الرجل عبده على النكاح؟ قال: قال مالك: نعم يكره الرجل عبده على النكاح ويجوز ذلك على العبد وكذلك الأمة قلت: أرأيت لو أن رجلا أتى إلى امرأة فقال: إن فلانا أرسلني يخطبك، وأمرني أن أعقد نكاحه إن رضيت، فقالت قد رضيت ورضي وليها فأنكحه وضمن له الرسول الصداق ثم قدم فلان فقال ما أمرته؟ قال: قال مالك: لا يثبت النكاح ولا يكون على الرسول شيء من الضمان الذي ضمن، وقال غيره يضمن الرسول وهو علي بن زياد قلت: أرأيت إن أمر رجل رجلا أن يزوجه فلانة بألف درهم، فذهب المأمور فزوجه بألفي درهم، فعلم بذلك قبل أن يبني بها؟ قال: قال
ـــــــ
1 نفسه رقم"1" في ص 103.

مالك: يقال للزوج رضيت بالألفين وإلا فلا نكاح بينكما إلا أن ترضى بألف فيثبت النكاح قلت: فتكون فرقتها تطليقة أم لا؟ قال: نعم، يكون طلاقا قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، هو قوله إلا ما سألت عنه من الطلاق فإنه رأيي وقال غيره لا يكون طلاقا قلت: فإن لم يعلم الزوج بما زاد المأمور من المهر ولم تعلم المرأة أن الزوج لم يأمره إلا بألف وقد دخل بها؟ قال: بلغني أن مالكا قال لها: الألف على الزوج ولا يلزم المأمور شيء لأنها صدقته، والنكاح ثابت فيما بينهما، وإنما جحدها الزوج تلك الألف الزائدة.
قلت: أرأيت إن قال الرسول: لا والله ما أمرني الزوج إلا بألف وأنا زدت الألف الأخرى قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى ذلك لازما للمأمور والنكاح ثابت فيما بينهما إذا كان قد دخل بها قلت: لم جعلت الألف الزائدة على المأمور حين قال: لم يأمرني بهذه الزيادة الزوج؟ قال: لأنه أتلف بضعها بما لم يأمره به الزوج فما زاد على ما أمره به الزوج فهو ضامن لما زاد. قلت: فلم لا يلزم الزوج الألف الأخرى التي زعم المأمور أنه قد أمره بها وأنكرها الزوج؟ قال: لأن المرأة التي هي تركت أن تبين للزوج المهر قبل أن يدخل بها ولو أنه جحد ذلك قبل أن يدخل بها لم يلزمه الألف إن رضيت، أقامت على الألف وإن سخطت فرق بينهما ولا شيء عليها وكذلك قال مالك قلت: أرأيت إن علم الزوج بأن المأمور زوجه على ألفين، فدخل على ذلك وقد علمت المرأة أن الزوج إنما أمر المأمور على الألف فدخلت عليه وهي تعلم؟ قال: علم المرأة وغير علمها سواء، أرى أن يلزم الزوج في رأيي إذا علم فدخل بها الألفان جميعا، ألا ترى لو أن رجلا أمر رجلا يشتري جارية فلان بألف درهم فاشتراها بألفي درهم فعلم بذلك فأخرها ووطئها وخلا بها ثم أراد أن لا ينقد فيها إلا ألفا لم يكن له ذلك وكانت عليه الألفان جميعا وإن كان قد علم سيدها بما زاد المأمور أو لم يعلم فهو سواء، وعلى الآمر الألفان جميعا قلت: أرأيت الرسول لم لا يلزمه مالك إذا دخل بها الألف الذي يزعم الزوج أنه زاد على ما أمره به؟ قال: لأنها أدخلت نفسها عليه، ولو شاء تبينت على الزوج قبل أن يدخل بها، والرسول ههنا لا يلزمه شيء وإنما هو شيء جحده الزوج المأمور ورضيت المرأة بأمانة المأمور وقوله في ذلك قلت: وسواء إن قال زوجني فلانة بألف أو قال زوجني ولم يقل زوجني فلانة بألف قال هذا كله سواء في رأيي قلت: أرأيت إن قال الرسول: أنا أعطي الألف التي زدت عليك أيها الزوج وقال الزوج: أنا لا أرضى إنما أمرتك أن تزوجني بألف؟ قال: لا يلزم الزوج النكاح في رأيي؛ لأنه يقول: إنما أمرتك أن تزوجني بألف درهم فلا أرضى أن يكون نكاحي بألفين.

العبد والنصراني والمرتد يعقدون نكاح بناتهم
قلت: أرأيت العبيد والمكاتبين هل يجوز لهم أن يزوجوا بناتهم أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك لهم، قال مالك: ولا يجوز للعبيد ولا للمكاتبين أن يعقدوا نكاح بناتهم ولا أخواتهم ولا أمهاتهم، قال مالك: ولا يجوز أن يعقد النصراني نكاح المسلمة قال: وسألت مالكا عن النصرانية يكون لها أخ مسلم فخطبها رجل من المسلمين أيعقد نكاحها هذا الأخ؟ قال: قال مالك: أمن نساء أهل الجزية هي؟ قلنا: نعم قال مالك: لا يجوز له أن يعقد نكاحها وما له وما لها قال الله تبارك وتعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] قلت: فمن يعقد نكاحها عليها أهل دينها أم غيرهم؟ قال ابن القاسم: أرى أن يعقد النصراني نكاح وليته النصرانية لمسلم إن شاء. قال مالك: ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس ولا تعقد النكاح لابنتها ولكن تستخلف رجلا فيزوجها ويجوز أن تستخلف أجنبيا وإن كان أولياء الجارية حضورا إذا كانت وصيا لها.
قلت: أرأيت العبد والنصراني والمكاتب والمدبر والمعتق بعضه إذا زوج من أحد من هؤلاء ابنته البكر برضاها وابنة النصراني مسلمة؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا النكاح؛ لأن هؤلاء ليسوا ممن يعقدون عقدة النكاح، قال مالك: وإن دخل بها فسخ النكاح على كل حال وكان المهر بالمسيس قلت: أرأيت المرتد هل يعقد النكاح على بناته الأبكار في قول مالك؟ قال: لا يعقد في رأيي، ألا ترى أن ذبيحته لا تؤكل وأنه على غير الإسلام ولو كان أبوها ذميا وهي مسلمة لم يجز أن يعقد نكاحها، فالمرتد لا يجوز أيضا، ألا ترى أن المرتد لا يرثه ورثته من المسلمين ولا من غيرهم عند مالك، فهذا يدلك على أن ولايته قد انقطعت حين قال لا يرثه ورثته من المسلمين ولا يرثهم قلت: أرأيت المكاتب أيجوز أن يأمر من يعقد له تزويج إمائه في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان ذلك منه على ابتغاء الفضل جاز ذلك وإلا لم يجز إذا رد ذلك السيد قال: وقال مالك: لا يتزوج المكاتب إلا بإذن سيده.
قال سحنون: وقال بعض الرواة عن مالك ألا ترى أن جميع ما سميت لك ليس وليا ولا يجوز عقد إلا بولي ولأنه لما لم يكن عاقده الذي له العقد من الأولياء هو ابتدأه لم يجز وإنما يجوز إذا كانت المرأة والعبد مستخلفين على إنكاح من يجوز له الاستخلاف على من استخلف عليه مثل الولي يأمر المرأة والعبد بتزويج وليته، فيجوز لهما الاستخلاف على من يعقد ذلك، بذلك مضى الأمر وجاءت به الآثار والسنة.

وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن القرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى ميمونة يخطبها، فجعلت ذلك إلى أم الفضل فولت أم الفضل عباسا ذلك فأنكحها إياه العباس ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن المرأة هل تلي عقدة مولاتها أو أمتها قال: ليس للمرأة أن تلي عقدة النكاح إلا أن تأمر بذلك رجلا.
قال ابن شهاب: يجوز للمرأة ما وليت عليه غير أنه ليس من السنة أن تنكح المرأة المرأة ولكن تأمر رجلا فينكحها فإن أنكحت امرأة امرأة رد ذلك النكاح ابن وهب عن مسلمة بن علي أن هشام بن حسان حدثه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها قال ابن وهب قال مالك في العبد يزوج ابنته الحرة ثم يريد أولياؤها إجازة ذلك قال: لا يجوز نكاح ولي عقده عبد وأراه مفسوخا وهو خاطب، ذلك أن المرأة أعظم حرمة من أن يلي عقدة نكاحها غير ولي، فإن نكحت فسخ ورد نكاحها والعبد يستخلفه الحر على البضع فيستخلف العبد من يعقد النكاح والمرأة إذا أمرت رجلا يزوج ابنتها جاز.

في التزويج بغير ولي
قلت: أرأيت إذا تزوج الرجل المرأة بغير أمر ولي بشهود، أيضرب في قول مالك الزوج والمرأة والشهود والذي زوجها أم لا؟ قال: سمعت مالكا يسأل عنها فقال: أدخل بها؟ فقالوا: لا وأنكر الشهود أن يكونوا حضروا فقالوا: لم يدخل بها فقال: لا عقوبة عليهم إلا أني رأيت منه أن لو دخل عليها لعوقبوا المرأة والزوج والذي أنكح قلت: والشهود؟ قال ابن القاسم: نعم، والشهود إن علموا.
قلت: أرأيت رجلا تزوج امرأة بغير ولي أيكره مالك أن يطأها حتى يعلم الولي بنكاحه فإما أجاز وإما رد؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أن مالكا في هذا يكره له أن يتقدم على هذا النكاح فكيف لا يكره له الوطء قلت: أرأيت إن كانت امرأة من الموالي ذات شرف تزوجت رجلا من قريش ذا شرف وغنى ودين بغير ولي إلا أنها استخلفت على نفسها رجلا فزوجها أيفسخ نكاحه أم لا؟ قال: أرى أن نكاحه يفسخ إن شاء الولي ثم إن أرادته زوجها منه السلطان إن أبى وليها أن يزوجها إياه إذا كان الذي دعت إليه صوابا قلت: حديث عائشة حين زوجت حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير أليس قد عقدت عائشة النكاح؟ قال: لا نعرف ما تفسيره إلا أنا نظن أنها

قد وكلت من عقد نكاحها قلت: أليس وإن هي وكلت ينبغي أن يكون النكاح في قول مالك فاسدا وإن أجازه والد الجارية؟ قال: قد جاء هذا وهذا حديث لو كان صحبه عمل، حتى يصل ذلك إلى من عنه حملنا وأدركنا وعمن أدركوا لكان الأخذ حقا، ولكنه كغيره من الأحاديث مما لا يصحبه عمل، فقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في الطيب في الإحرام، وفيما جاء عنه عليه الصلاة والسلام: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق1 وقد أنزل الله حده على الإيمان وقطعه على الإيمان" وروي عن غيره من أصحابه أشياء ثم لم يستند ولم يقو وعمل بغيرها وأخذ عامة الناس والصحابة بغيرها فبقي غير مكذب به ولا معمول به وعمل بغيره مما صحبته الأعمال وأخذ به تابعو النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة، وأخذ من التابعين على مثل ذلك من غير تكذيب ولا رد لما جاء وروي، فيترك ما ترك العمل به ولا يكذب به، ويعمل بما عمل به ويصدق به، والعمل الذي ثبت وصحبته الأعمال قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تتزوج المرأة إلا بولي" 2, وقول عمر لا تتزوج المرأة إلا بولي وأن عمر فرق بين رجل وامرأة زوجها غير ولي.
قلت: أرأيت إذا تزوجت المرأة بغير ولي ففرق السلطان بينهما، فطلبت المرأة من السلطان أن يزوجها منه مكانها أليس يزوجها منه مكانها في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان ذلك النكاح صوابا، ولا يكون سفيها أو من لا يرضى حاله سحنون وهذا إذا لم يكن دخل بها قلت: فإن لم يكن مثلها في الغنى واليسار؟ قال: يزوجها ولا ينظر في هذا وهذا قول مالك قلت: وكذلك إن كان دونها في الحسب؟ قال: يزوجها ولا ينظر في هذا إذا كان مرضيا في دينه وحاله وعقله وهذا رأيي قلت: أرأيت إن تزوجت بغير أمر الولي، فرفعت أمرها هي نفسها إلى السلطان قبل أن يحضر الولي، أيكون لها ما يكون للولي من التفرقة أم لا وقد كانت ولت رجلا أمرها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى أن ينظر السلطان في ذلك فإن كان ممن لو شاء الولي أن يفرق بينهما ففرق وإن شاء أن يتركه تركه، وبعث إليه إن كان قريبا فيفرق أو يترك وإن كان بعيدا نظر السلطان في ذلك على قدر ما يرى من اجتهاد أهل العلم في ذلك، فإن رأى الترك خيرا لها تركها وإن رأى الفرقة خيرا لها فرق بينها وبينه سحنون وقد قيل إن الولي إن كان بعيدا لا ينتظر في المرأة بالنكاح إذا أرادت النكاح قدومه، فالسلطان المولى، وينبغي للسلطان أن يفرق بينهما ويعقد نكاحها إذا أرادت عقدا مبتدأ ولا ينبغي أن يثبت على نكاح عقده غير ولي في ذات القدر والحال قلت: أرأيت التي تتزوج بغير أمر ولي فأبى الولي ففرق بينهما أتكون الفرقة بينهما عند غير السلطان أم لا؟ قال: أرى أن الفرقة في مثل هذا لا تكون
ـــــــ
1 رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب 3.
2 نفسه رقم"1" في ص 108.

إلا عند السلطان، إلا أن يرضى الزوج بالفرقة قلت: أرأيت لو أن امرأة زوجت نفسها ولم تستخلف عليها من يزوجها فزوجت نفسها بغير أمر الأولياء وهي ممن لا خطب لها أو هي ممن الخطب لها؟ قال: قال مالك: لا يقر هذا النكاح أبدا على حال وإن تطاول وولدت منه أولادا؛ لأنها هي عقدت عقدة النكاح فلا يجوز ذلك على حال.
قال ابن القاسم: ويدرأ الحد عنهما قلت: أرأيت لو أن امرأة زوجها وليها من رجل فطلقها ذلك الرجل ثم خطبها بعد أن طلقها فتزوجته بغير أمر الولي أتستخلف على نفسها رجلا يزوجها؟ قال: لا يجوز إلا بأمر الولي، والنكاح الأول والآخر سواء قلت: أرأيت أم الولد إذا أعتقها سيدها ولها منه أولاد رجال فاستخلفت على نفسها مولى لها يزوجها، فأراد أولادها منه أن يفرقوا بينها وبينه وقالوا: لا نجيز النكاح؟ قال: ليس لهم ذلك في رأيي؛ لأن المولى ههنا ولي ولأن مالكا قد أجاز نكاح الرجل يزوج المرأة هو من فخذها من العرب وإن كان ثم من هو أقرب إليها وأقعد بها منه، والمولى الذي له الصلاح توليه أمرها وإن كانت من العرب ولها أولياء من العرب قال مالك: وهؤلاء عندي تفسير قول عمر بن الخطاب أو ذو الرأي من أهلها وهم هؤلاء فالمولى يزوجها وإن كان لها ولد فيجوز على الأولاد وإن أنكروا فهو إن زوجها من نفسه أو من غيره فذلك جائز فيما أخبرتك من قول مالك.
قال سحنون: وقد بينا من قوله وقول الرواة ما دل على أصل مذهب مالك قلت: أرأيت الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها؟ قال: قال مالك: لا يترك هذا النكاح على حال دخل بها أو لم يدخل بها وإن رضي السيد بذلك لم يجز أيضا إلا أن يبتدئ نكاحا من ذي الولاء بعد انقضاء العدة إن كان قد وطئها زوجها.

النكاح الذي يفسخ بطلاق وغيره
قلت: أرأيت كل نكاح يكون لواحد من الزوجين أو الولي أن يفرق بينهما وإن رضي ثبت النكاح ففرق بينهما الذي له الفرقة في ذلك، أيكون فسخا أو طلاقا في قول مالك؟ قال: هذا يكون طلاقا، وكذلك قال مالك: إذا كان إلى أحد من الناس أن يقر بالنكاح إن أحب فيثبت أو يفرق فتقع الفرقة أنه إن فرق كانت طلقة بائنة قلت: وكل نكاح لا يقر عليه أهله على حال أيكون فسخا بغير طلاق في قول مالك؟ قال: نعم، قال سحنون: وهو قول أكثر الرواة أن كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه مثل نكاح الشغار ونكاح المحرم ونكاح المريض، وما كان صداقه فاسدا فأدرك قبل الدخول والذي عقد

بغير صداق فكانا مغلوبين على فسخه، فالفسخ في جميع ما وصفنا بغير طلاق وهو قول عبد الرحمن غير مرة، ثم رأى غير ذلك لرواية بلغته والذي كان يقول به عليه أكثر الرواة وما كان فسخه بغير طلاق فلا ميراث فيه، وأما ما عقدته المرأة على نفسها أو على غيرها وما عقد العبد على غيره فإن هذا يفسخ دخل أو لم يدخل بغير طلاق ولا ميراث فيه.
قلت: أرأيت النكاح الذي لا يقر عليه صاحبه على حال؛ لأنه فاسد فدخل بها أيكون لها المهر الذي سمي أم يكون لها مهر مثلها؟ قال: لها المهر الذي سمي إذا كان مثل نكاح الأخت والأم من الرضاعة أو النسب، فإن لها ما سمي من الصداق ولا يلتفت إلى مهر مثلها قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت الذي تزوجها بغير ولي أيقع طلاقه عليها قبل أن يجيز الولي النكاح، دخل بها أو لم يدخل بها؟ قال: نعم، وقال وبهذا يستدل على الميراث في هذا النكاح؛ لأن مالكا قال: كل نكاح إذا أراد الأولياء وغيرهم أن يجيزوه جاز، فالفسخ فيه تطليقة فإذا طلق هو جاز الطلاق والميراث بينهما في ذلك قلت: أرأيت هذه التي تزوجت بغير ولي إن هي اختلعت منه قبل أن يجيز الولي النكاح على مال دفعته إلى الزوج، أيجوز للزوج هذا المال الذي أخذ منها إن أبى الولي أن يجيز عقدته؟ فقال: نعم، أراه جائزا؛ لأن طلاقه وقع عليها بما أعطته فالمال جائز.
قلت: أرأيت المرأة إن تزوجت بغير ولي فطلقها بعد الدخول أو قبل الدخول أيقع طلاقه عليها في قول مالك أم لا؟ قال ابن القاسم: أرى أن يقع عليها الطلاق وما طلقها؛ لأن مالكا قال: كل نكاح كان لو أجازه الأولياء أو غيرهم جاز فإن ذلك يكون إذا فسخ طلاقا ورأى مالك في هذا بعينه أنها تطليقة فكذلك أرى أن يلزمه كما طلق قبل أن يفسخ قلت: لم جعل مالك الفسخ ههنا تطليقة وهو لا يدعهما على هذا النكاح إن أراد الولي رده إلا أن يتطاول ذلك وتلد منه أولادا قال ابن القاسم: فسخ هذا النكاح عند مالك لم يكن على وجه تحريم النكاح ولم يكن عنده بالأمر البين، قال: ولقد سمعت مالكا يقول ما فسخه بالبين ولكنه أحب إلي قال: فقلت لمالك: أفترى أن يفسخ وإن أجازه الولي؟ فوقف عنه ولم يمض عنه فعرفت أنه عنده ضعيف قال ابن القاسم: وأرى فيها أنه جائز إذا أجازه الولي قال: وأصل هذا وهو الذي سمعته من قول من أرضى من أهل العلم أن كل نكاح اختلف الناس فيه ليس بحرام من الله ولا من رسوله أجازه قوم وكرهه قوم أن ما طلق فيه يلزمه، مثل المرأة تتزوج بغير ولي أو المرأة تزوج نفسها أو الأمة تتزوج بغير إذن سيدها أنه إن طلق في ذلك ألبتة لزمه الطلاق ولم تحل له إلا بعد زوج، وكل نكاح كان حراما من الله ورسوله فإن ما طلق فيه ليس بطلاق

وفسخه ليس فيه طلاق، ألا ترى أن مما بين ذلك أن لو أن امرأة زوجت نفسها فوقع ذلك إلى قاض يجيز ذلك، وهو رأي بعض أهل المشرق فقضى به وأنفذه حين أجازه الولي. ثم أتى قاض ممن لا يجيزه أكان يفسخه ولو فسخه لأخطأ في قضائه، فكذلك يكون الطلاق يلزمه فيه وهذا الذي سمعت ممن أثق به من أهل العلم وهو رأيي.
قال سحنون: وهو الذي قاله لرواية بلغته عن مالك قال: فقلنا لمالك: فالعبد يتزوج بغير إذن سيده إن أجاز سيده النكاح أيجوز؟ قال: قال مالك: نعم قال: فقلنا لمالك فإن فسخه سيده بالبتات أيكون ذلك لسيده أم يكون واحدة ولا يكون بتاتا؟ قال: قال مالك: بل هي على ما طلقها السيد على البتات ولا تحل له حتى تتزوج زوجا غيره. قلت: ولم جعل مالك بيد السيد جميع طلاق العبد إذا تزوج بغير إذن السيد والسيد لو شاء أن يفرق بينهما بتطليقة وتكون بائنة في قول مالك؟ قال: لأنه لما نكح نكح بغير إذن الولي السيد صار الطلاق بيد السيد، فذلك جاز للسيد أن يبينها منه بجميع الطلاق، وكذلك الأمة إذا أعتقت وهي تحت العبد قال مالك: فلها أن تختار نفسها بالبتات. قلت: لم جعل مالك لها أيضا أن تختار نفسها بالبتات؟ قال: لأنه ذكر عن ابن شهاب في زبراء أنها قالت: ففارقته ثلاثا، فبهذا الأثر أخذ مالك، فكان مالك مرة يقول ليس لها أن تختار نفسها إذا أعتقت وهي تحت العبد إلا واحدة وتكون تلك الواحدة بائنة.
قال سحنون: وهو قول أكثر الرواة أنه ليس لها أن تطلق نفسها إلا واحدة، والعبد إذا تزوج بغير إذن سيده فرد النكاح مثل الأمة ليس يطلق عليه إلا الواحدة لأن الواحدة تبينها وتفرغ له عبده قلت: أرأيت في قوله هذا إلا واحدة أيكون للأمة أن تطلق نفسها واحدة إن شاءت وإن شاءت بالبتات؟ قلت: نعم قلت: فإن طلقت نفسها واحدة أتكون بائنة في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: فكل نكاح يفسخ على كل حال لا يقر على حال إن فسخ فإن ذلك لا يكون طلاقا قلت: فإن طلق قبل أن يفسخ نكاحه، أيقع طلاقه عليها، وهو إنما هو نكاح لا يقر على حال؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أنه لا يقع طلاقه لأن الفسخ فيه يكون طلاقا قال: وذلك إن كان ذلك النكاح حراما ليس مما اختلف الناس فيه، فأما ما اختلف الناس فيه حتى يأخذ به قوم ويكرهه قوم فإن المطلق يلزمه ما طلق فيه وقد فسرت هذا قبل ذلك ويكون الفسخ فيه عندي تطليقة قلت: أرأيت إن قذف امرأته هذا الذي يزوجها تزويجا لا يقر على حال أيلتعن أم لا؟ قال: نعم، يلتعن في رأيي؛ لأنه يخاف الحمل لأن النسب يثبت فيه قلت: فإن كان تظاهر منها فإنه لا يكون مظاهرا إلا أن يريد بقوله إني إن تزوجتك من ذي قبل, فهذا

يكون مظاهرا إن تزوجها تزويجا صحيحا وهذا رأيي قلت: أرأيت إن آلى منها، أيكون موليا منها عند مالك؟ قال: هو لو قال لأجنبية والله لا أجامعك، ثم تزوجها أيكون كان موليا منها عند مالك لأن مالكا قال: كل من لم يستطع أن يجامع إلا بكفارة فهو مول وأما مسألتك فلا يكون فيها إيلاء لأنه أمر يفسخ فلا يقر عليه، ولكن إن تزوجها بعد هذا النكاح المفسوخ لزمه اليمين بالإيلاء وكان موليا منها، لقول مالك كل يمين منعته من جماع فهو بها مول، قال: وإنما الظهار بمنزلة الطلاق ولو أن رجلا قال لامرأة أجنبية أنت طالق فلا يكون طلاقا إلا أن يريد بقوله إني إن تزوجتك فأنت طالق، ينوي ذلك فهذا إذا تزوجها فهي طالق وكذلك الظهار.
قلت: أرأيت العبد إذا تزوج بغير إذن مولاه، أو الأمة التي أعتقت تحت العبد فطلقها قبل أن تختار أو طلق امرأته قبل أن يجيز السيد نكاحه، أيقع الطلاق أم لا في قول مالك؟ قال: نعم، يقع الطلاق عليهما جميعا في رأيي واحدة طلق أو البتات.قلت: فإن تزوجت أمة بغير إذن سيدها فطلقها زوجها؟ قال: لا يكون هذا طلاقا في رأيي قال ابن القاسم: وأنا أرى أن الطلاق جائز يلزمه؛ لأن كل ما اختلف الناس فيه من نكاح أجازه بعض العلماء وكرهه بعضهم، فإن الطلاق يلزمه فيه مثل الأمة تتزوج بغير إذن سيدها، أو المرأة تزوج نفسها، فهذا قد قال خلق كثير أنه إن أجازه الولي جاز، فلذلك أرى أن يلزمه فيه الطلاق إذا طلق قبل أن يفرق بينهما، ومما يبين لك ذلك نكاح المحرم أنه قد اختلف فيه فأحب ما فيه إلي أن يكون الفسخ فيه تطليقة، وكذلك هؤلاء يكون الفسخ فيه تطليقة، وأما الذي لا يكون فسخه طلاقا ولا يلحق فيه طلاق إن طلق قبل الفسخ، إنما ذلك النكاح الحرام الذي لا اختلاف فيه، مثل المرأة تتزوج في عدتها، أو المرأة تتزوج على عمتها أو على خالتها أو على أمها قبل أن يدخل بها، فهذا وما أشبهه لأنه نكاح لا اختلاف في تحريمه لا تحرم به المرأة إذا لم يكن فيه مسيس على ولد ولا والد ولا يتوارثان فيه إذا هلك أحدهما ولا يكونان به إذا مسها فيه محصنين، وأما ما اختلف الناس فيه، فالفسخ فيه تطليقة وإن طلق الزوج فيه فهو طلاق لازم على ما طلق، ومما يبين ذلك أنه لو رفع إلى قاض غيره لم يكن له أن يعرض له فيه وأنفذه؛ لأن قاضيا قبله أجازه وحكم به وهو مما اختلف فيه، ومما يبين ذلك أيضا أن لو تزوج رجل شيئا مما اختلف فيه، ثم فسخ قبل أن يدخل بها لم تحل لابنه ولا لأبيه أن يتزوجها، فهذا يدلك على أن الطلاق يلزمه فيها.
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة في عدتها فيفرق بينهما قبل أن يبني بها، أيصلح لابنه

أو لأبيه أن يتزوجها في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، قلت: أرأيت العبد يتزوج الأمة بغير إذن سيده ففرق السيد بينهما قبل أن يدخل العبد بها، أيحل له أن يتزوج ابنتها أو أمها؟ قال: كل نكاح لم يكن حراما في كتاب الله ولا حرمه رسول الله وقد اختلف الناس فيه فهو عندي يحرم كما يحرم النكاح الصحيح الذي لا اختلاف فيه، والطلاق فيه جائز، وما طلق عليه فيه ثبت عليه والميراث بينهما حتى يفسخ، وهذا الذي سمعت عمن أرضى قال سحنون: وقد أعلمتك بقوله في مثل هذا قبل هذا وبقول غيره من الرواة وقد روي عن مالك في الرجل يزوج ابنه البالغ المالك لأمره وهو غائب بغير أمره ثم يأتي الابن فيكره ما صنع الأب قال مالك: لا ينبغي للأب أن يتزوج تلك المرأة، وقد قال بعض أصحاب مالك في الرجل يتزوج المرأة ولم يدخل بها حتى تزوج ابنتها فعلم بذلك ففسخ نكاح الابنة أنه لا يجوز لابنه أن يتزوج الابنة المفسوخ نكاحها لموضع شبهة عقدة النكاح؛ لأن أباه نكحها فهو يمنع؛ لأن الله نهى أن ينكح ما نكح أبوه من الحلال، فلما كانت الشبهة من الحلال منع من النكاح أن يبتدئه ابنه لموضع ما أعلمتك من الشبهة، ولما أعلمتك من قول مالك في الأب الذي زوج ابنه أنه يكره للأب أن يتزوج ابتداء ولم يجزه له، وليس هو مثل أن يتزوج المرأة ثم يتزوج ابنتها ولم يكن دخل بالأم ولا بالابنة، فإنه يفسخ نكاح الابنة ولا تحرم بذلك الأم لأن نكاح الأم كان صحيحا فلا يفسده ما وقع بعده من نكاح شبهة الحرام إذا لم تصب الابنة فلا يفسخ العقد الحلال القوي المستقيم.
قلت: أرأيت مالكا هل كان يجيز إنكاح أمهات الأولاد؟ قال: كان مالك يكره إنكاح أمهات الأولاد قلت: فإن نزل أيفسخه أو يجيزه؟ قال: كان يمرضه وقوله أنه كان يكرهه. قلت: فهل كان يفسخه إن نزل؟ قال ابن القاسم: أرى أنه إن نزل أن لا يفسخ ولم أسمع أن مالكا يقول في الفسخ شيئا قلت: أرأيت إن تزوج رجل أمة رجل بغير أمره فأجاز مولاها النكاح؟ قال: قال مالك: نكاحه باطل وإن أجازه المولى قلت: أرأيت إن أعتقها المولى قبل أن يعلم النكاح؟ قال: فلا يصلح أن يثبت على ذلك النكاح وإن أعتقت في رأيي حتى يستأنف نكاحا جديدا قلت: أرأيت إن فرقت بينهما فأراد أن ينكحها قبل أن تنقضي عدتها، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: إذا دخل بها ففرق بينهما لم يكن له أن ينكحها، كذلك قال مالك حتى تنقضي عدتها قلت: ولم وهذا الماء الذي يخاف منه النسب ثابت من هذا الرجل قال: قال مالك: كل وطء كان فاسدا يلحق فيه الولد ففرق بين المرأة وبين الرجل فلا يتزوجها حتى تنقضي عدتها، وإن كان يثبت نسبة منه فلا يطؤها في تلك العدة قال ابن القاسم: وأرى في هذا الذي

يتزوج الأمة بغير إذن سيدها أنه إن اشتراها في عدتها فلا يطؤها حتى تنقضي عدتها, لا يطؤها بملك ولا بنكاح حتى يستبرئ رحمها إن كان نسب ما في بطنها يثبت منه فلا يطؤها في رأيي على حال في تلك الحال.
قلت: أرأيت نكاح الأمة إذا تزوجت بغير إذن سيدها لم لا يجيزه إذا أجاز السيد؟ أرأيت لو باع رجل أمتي بغير أمري فبلغني وأجزت ذلك؟ قال: يجوز. قلت: فإن قال: المشتري لا أقبل البيع إذا كان الذي باعني باع متعدياً؟ قال: ليس ذلك له ويجوز البيع. قلت: فإن باعت الأمة نفسها بغير إذن سيدها، فأجاز سيدها؟ قال: وهذا وما قبله من مسألتك سواء في رأي.قلت: فقد أجزته في البيع إذا باعت نفسها فأجاز السيد فلم لا تجيزه في النكاح؟ قال: لا يشبه النكاح هاهنا البيع، لأن النكاح إنما يجيز العقدة التي وقعت فاسدة فلا يجوز على حال والشراء في العقدة لم يكن فاسداً إنما كانت عقدة بيع بغير أمر أربابها، فإذا رضي الأرباب جاز. قال: والنكاح إنما يجيزون العقدة التي كانت فاسدة فلا يجوز حتى يفسخ. قلت: أرأيت الأمة بين الرجلين, أيجوز أن ينكحها أحدهما بغير إذن صاحبه في قول مالك؟ قال: لا، قلت: فإن أنكحها بغير إذن شريكه بمهر قد سماه ودخل بها زوجها فقدم شريكه فأجاز النكاح؟ قال: لا يجوز في رأيي؛ لأن مالكا قال في الرجل لو أنكح أمة رجل بغير أمره فأجاز ذلك السيد لم يجز ذلك النكاح وإن أجازه، وإنما يجوز نكاحها إذا أنكحاها جميعا قلت: أرأيت إن كان قد أنكحها أحدهما بغير إذن صاحبه بصداق سمي، ودخل بها الزوج ثم قدم الغائب، أيكون له نصف الصداق المسمى أيكون للغائب مثل صداق مثلها، وللذي زوجها نصف الصداق المسمى؟ قال: أرى الصداق المسمى بينهما إلا أن يكون نصف الصداق المسمى أقل من نصف صداق مثلها.
قلت: أرأيت لو أن أمة بين رجلين، زوجها أحدهما بغير إذن صاحبه أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز قلت: فإن أجازه صاحبه حين بلغه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى أن يجوز قلت: أرأيت العبد إذا تزوج بغير إذن مولاه، فإن أجاز ذلك المولى أيجوز ذلك أم لا؟ قال: ذلك جائز، كذلك قال مالك قلت: ما فرق بين الأمة والعبد في قول مالك؟ قال: لأن العبد يعقد نكاح نفسه وهو رجل والعاقد في امرأته ولي، فالأمة لا يجوز أن تعقد نكاح نفسها فعقدها نكاح نفسها باطل لا يجوز وإن أجازه السيد، قلت: أرأيت إن طلق العبد امرأته قبل إجازة المولى، أيجوز طلاقه؟ فقال: نعم في رأيي قلت: إن فسخ السيد نكاحه أيكون طلاقا؟ قال مالك: إن طلق عليه السيد

واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فذلك جائز قلت: إنما طلاق العبيد اثنتين فما يصنع مالك بقوله ثلاثا؟ قال: كذلك قال إنها تلزم الاثنان، ألا ترى أن في حديث زبراء قالت ففارقته ثلاثا وإنما كان طلاقه اثنتين قلت: أرأيت إن تزوج عبده من غير إذنه فقال السيد: لا أجيز، ثم قال: قد أجزت أيجوز أم لا؟ قال: قال مالك: إن كان قوله ذلك لا أجيز مثل قوله لا أرضى إني لست أفعل، ثم كلم في ذلك فأجاز فذلك جائز إذا كان ذلك قريبا، وإن كان أراد بذلك فسخ النكاح مثل ما يقول الرجل قد رددت ذلك وقد فسخته فلا يجوز وإن أجازه إلا بنكاح مستقبل.
قلت: أرأيت إذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فأعتقه المولى أيكون النكاح صحيحا؟ قال: نعم، في رأيي ولا يكون للسيد أن يؤدبه بعد عتقه إياه قلت: أرأيت العبد ينكح بغير إذن سيده فيبيعه سيده قبل أن يعلم، أيكون للمشتري من الإجازة والرد شيء أم لا؟ قال: قد سمعت عن مالك شيئا ولست أحقه، وأرى أن هذا السيد الذي اشترى ليس له أن يفرق، فإن كره المشتري العبد رد العبد وكان للبائع إذا رجع إليه العبد أن يجيز أو يفرق وهو رأيي قلت: أرأيت إن لم يبعه سيده ولم يعلم بنكاحه حتى مات السيد أيكون لمن ورث العبد أن يرد النكاح أو يجيز؟ قال: نعم، له أن يرد أو يجيز في رأيي قال: ومما يبين ذلك أني سألت مالكا عن الرجل يحلف بطلاق امرأته ألبتة لغريمه ليقضينه حقه إلى أجل، إلا أن يشاء أن يؤخره فيموت الذي له الحق ويرثه ورثته فيريدون أن يؤخروه أيكون ذلك للورثة بحال ما كان للميت الذي استخلفه؟ قال: قال مالك: نعم، هم بمنزلته لهم أن يؤخروه كما كان لصاحبهم أن يؤخره قال ابن القاسم: ونزلت بالمدينة فأفتى بها مالك وقالها غير مرة قلت: أرأيت رجلا زوج أخته وهي بكر في حجر أبيها بغير أمر الأب فأجاز الأب أيجوز النكاح أم لا؟ قال: بلغني أن مالكا قال لا يجوز ذلك إلا أن يكون ابنا قد فوض إليه أبوه أمره، فهو الناظر له والقائم بأمره في ماله ومصلحته وتدبير شأنه فمثل هذا إذا كان هكذا ورضي الأب بنكاحه إذا بلغ الأب ذلك فذلك جائز، وإن كان على غير ذلك يجز وإن أجازه الأب وكذلك هذا في أمة الأب. قلت: فالأخ؟ قال: لا أعرف من قول مالك أن فعل الأخ في هذا كفعل الولد وأرى أنا إن كان هذا الأخ من أخيه مثل ما وصفت لك من الولد جاز نكاحه إذا أجازه الأخ إن كان الناظر لأخيه في ماله مدبرا بماله القائم له في أمره.
قلت: أرأيت إن كان الجد هو الناظر لابنه فزوج ابنة ابنه على وجه النظر لها أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: أراه مثل قول مالك في الولد أن هذا جائز قلت: أرأيت

الصغير إذا تزوج بغير إذن الأب فأجاز الأب نكاحه أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع ذلك من مالك وأرى ذلك جائزا وهو عندي كبيعه وشرائه إذا أجاز ذلك له من يليه على وجه النظر له والرغبة فيما يرى له في ذلك قلت: أرأيت الصبي إذا تزوج بغير أمر الأب، ومثله يقوى على الجماع فدخل بها وجامعها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى إن أجازه الأب جاز وهو عندي بمنزلة العبد، والعبد لا يعقد نكاحا على أحد، وهو إذا عقد نكاح نفسه فأجازه السيد جاز، فكذلك الصبي هو لا يعقد نكاح أحد وهو إذا عقد نكاح نفسه فأجازه الولي على وجه النظر له والإصابة والرغبة جاز قلت: فإن جامعها ففرق الولي بينهما، أيكون عليه من الصداق شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليه من الصداق قال: ولقد سئل مالك عن رجل بعث يتيما في طلب عبد له أبق إلى المدينة فأخذه من المدينة فباعه، فقدم صاحب العبد، فأصاب العبد وأصاب الغلام قد أتلف المال؟ قال: قال مالك: يأخذ العبد صاحبه ولا شيء على الغلام من المال الذي أتلف، ولا يكون ذلك عليه دينا، فكذلك مسألتك ألا يكون هذا مثل ما أفسد أو كسر؟ قال: لا.
قلت: أرأيت لو أن رجلا زوج رجلا بغير أمره فبلغ ذلك الرجل فأجاز؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا النكاح وإن رضي إذا طال ذلك قلت: أفيتزوجها ابنه أو أبوه؟ قال: قال مالك: لا يتزوجها ابنه ولا أبوه قلت: أفيتزوج الذي كان تزوجها وهو غائب ابنتها أو أمها؟ قال: أما ابنتها فلا بأس أن يتزوجها إذا لم يكن دخل بالأم، وأما الأم فلا يتزوجها؛ لأن مالكا كره لأبيه ولابنه أن يتزوجها قلت: وكذلك أجداده وولد ولده؟ قال: نعم، الأجداد وولد الولد هم آباء وأبناء فلا يصلح ذلك عند مالك.

توكيل المرأة رجلا يزوجها
قلت: أرأيت امرأة وكلت وليا يزوجها من رجل, فقال الوكيل قد زوجتك وادعى الزوج أيضا أن الوكيل قد زوجه وأنكرت المرأة وقالت ما زوجتني وهي مقرة بالوكالة؟ قال: إذا أقرت بالوكالة لزمها النكاح قلت: فإن أمرت رجلا أن يبيع عبدا لي فذهب فأتاني برجل فقال: قد بعت عبدك الذي أمرتني ببيعه من هذا الرجل، فقال سيد العبد قد أمرتك ببيعه ولم تبعه وأنت في قولك قد بعته كاذب؟ قال: القول قول الوكيل ويلزم الآمر البيع؛ لأنه قد أقر بالوكالة.
قلت: فلو أنه قال لرجل قد وكلتك على أن تقبض حقي الذي لي على فلان، فأتى

الوكيل فقال قد قبضته وضاع مني قال الآمر قد أمرتك ووكلتك بقبض ذلك ولكنك لم تقبضه أيصدق الوكيل أم لا؟ قال: قال مالك: يقال للغريم أقم البينة أنك قد دفعت إلى الوكيل وإلا فاغرم فإن أقام البينة أنه قد دفع ذلك إلى الوكيل، كان القول قول الوكيل على التلف، فإن لم يقم الغريم البينة غرم ولم يكن له على الوكيل غرم لأنه أقر أنه قبض ما أمره به قلت: ولم لا يصدق الوكيل في هذا الموضع وقد أقر له الآمر بالوكالة وقد صدقته في المسائل الأولى؟ قال: لأنه ههنا إنما وكله بقبض ماله، ولا يصدق الوكيل على قوله أنه قد قبض المال إلا ببينة؛ لأنه إنما توكل بقبض ماله على توثيق البينة وإنما وكله إذا وكله بقبض المال على أن يشهد على قبض المال، فإن لم يشهد فادعى أنه قبض لم يصدق إلا أن يصدقه الآمر، قال: وهذا مخالف للذي أمر رجلا أن يبيع عبده؛ لأن هذا لم يتلف للآمر شيئا.
قلت: فإن كانت المرأة قد وكلته أن يزوجها ويقبض صداقها فقال: قد زوجتك وقبضت صداقك وقد ضاع الصداق مني؟ قال: هذا مصدق على التزويج ولا يصدق على قبض الصداق ولا يشبه هذا البيع، ألا ترى لو أن رجلا يبيع سلعته كان له أن يقبض الثمن وإن لم يقل أقبض الثمن وليس للمشتري أن يأبى ذلك عليه، وإن الذي وكل بالتزويج وكلته امرأة بإنكاحها أو رجل وكله في وليته أن يزوج فزوج، ثم أراد قبض الصداق لم يكن ذلك له ولا يلزم الزوج دفع ذلك إليه كان ضامنا فهذا فرق ما بين الوكالة بقبض الصداق وبين البيع، إنما الوكالة في قبض الصداق كالوكالة بقبض الديون فلا أرى أن يخرجه إذا ادعى تلفا إلا ببينة تقوم على له قبض الصداق.
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك أولادا أو أوصى إلى امرأته واستخلفها على بضع بناته أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم، يجوز وتكون أحق من الأولياء ولكن لا تعقد النكاح وتستخلف هي من الرجال من يعقد النكاح.

النكاح بغير بينة
قلت: أرأيت إن تزوج رجل بغير بينة وأقر المزوج بذلك أنه زوجه بغير بينة أيجوز أن يشهدا في المستقبل وتكون العقدة صحيحة في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك: قال: وقال مالك في رجل تزوج امرأة فلما أراد أبوها أن يقبض الصداق قالت: زوجتني بغير شهود فالنكاح فاسد، قال مالك: إذا أقر أنه تزوج فالنكاح له لازم ويشهدان فيما يستقبلان قلت: وسواء إن أقرا جميعا أنه زوجها بغير بينة أو أقر أحدهما؟ قال: نعم,

ذلك سواء عند مالك إذا تزوج بغير بينة، فالنكاح جائز ويشهدان فيما يستقبلان وإنما الذي أخبرتك مما سمعت من مالك أنهما تقارا ولا بينة بينهما.
قلت: أرأيت الرجل إذا زوج عبده أمته بغير شهود ولا مهر؟ قال: قال مالك: لا يزوج الرجل عبده أمته إلا بشهود وصداق قلت: فإن زوجه بغير شهود؟ قال: أخبرتك أن مالكا قال في رجل تزوج بغير شهود فقال الرجل بعد ذلك أنكحتني بغير شهود فهو نكاح مفسوخ فقال مالك: إذا أقر أنه زوجه قال فليشهدان فيما يستقبل وهذا إذا لم يكن دخل بها قلت: فإن زوجه بغير صداق؟ قال: إن زوجه على أنه لا صداق عليه فهذا النكاح مفسوخ ما لم يدخل بها، فإن دخل بها كان لها صداق مثلها ويثبتان على نكاحهما قلت: فإن زوجه ولم يذكر الصداق ولم يقل أنه لا صداق عليك؟ قال: هذا التفويض وهذا النكاح جائز ويفرض للأمة صداق مثلها وهذا رأيي لأن مالكا قال في النساء والنساء يجتمع في الحرائر والإماء.
قلت: أرأيت الرجل ينكح ببينة ويأمرهم أن يكتموا ذلك أيجوز هذا النكاح في قول مالك؟ قال: لا، قلت: فإن تزوج بغير بينة على غير استسرار؟ قال: ذلك جائز عند مالك وليشهدان فيما يستقبلان قلت: لم أبطلت الأول؟ قال: لأن أصل هذا الاستسرار، فهو وإن كثرت البينة إذا أمر بكتمان ذلك أو كان ذلك على الكتمان فالنكاح فاسد.
قلت: أرأيت إن زوج الرجل ابنته وهي ثيب فأنكرت البنت ذلك فشهد عليها الأب ورجل آخر أنها قد فوضت ذلك إلى أبيها فزوجها من هذا الرجل؟ قال: لا يجوز نكاحه لأنه إنما شهد على فعل نفسه وهو خصم ولقد سمعت أن مالكا سئل عن رجل وجد مع امرأة في بيت فشهد أبوها وأخوها أن الأب زوجها إياه فقال: لا يقبل قولهما ولا يجوز نكاحه وأرى أن يعاقبا.
قلت: أرأيت إن تزوج رجل مسلم نصرانية بشهداء نصارى أيجوز نكاحه؟ قال: لا أرى أن يجوز نكاحه بشهادة النصارى فإن كان لم يدخل أشهد على النكاح ولزم الزوج النكاح ابن وهب عن يزيد بن عياض عن إسماعيل بن إبراهيم عن عباد بن سنان عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنكحك أميمة بنت ربيعة بن الحارث؟"قال: "بلى قد أنكحتها ولم يشهد"ابن وهب عن أبي ذئب أن حمزة بن عبد الله خطب على ابنه إلى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ابنته فلما أراد أن يزوجه قال له حمزة أرسل إلى أهلك، قال سالم: فزوجه وليس معهما غيرهما ابن وهب عن الليث عن

يحيى بن سعيد أنه قال: يجوز شهادة الأبداد في النكاح والعتاقة يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل نكح سرا وأشهد رجلين قال: إن مسها فرق بينهما واعتدت حتى تنقضي عدتها وعوقب الشاهدان بما كتما من ذلك وللمرأة مهرها ثم إن شاءت نكحته حين تنقضي عدتها نكاح علانية قال يونس وقال ابن وهب مثله قال يونس قال ابن شهاب: وإن لم يكن مسها فرق بينهما ولا صداق لها ونرى أن ينكلهما الإمام بعقوبة والشاهدين بعقوبة فإنه لا يصلح نكاح السر وقال يحيى بن عبد الله بن سالم مثله ابن لهيعة عن يعقوب بن إبراهيم المدني عن الضحاك بن عثمان أن أبا بكر الصديق قال: لا يجوز نكاح السر حتى يعلن به ويشهد عليه ابن وهب عن شمر بن نمير الأموي عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعوا غناء ولعبا فقالوا: ما هذا فقالوا نكاح فلان يا رسول الله فقال: "كمل دينه هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر حتى يسمع دف أو يرى دخان" .
قال حسين: وحدثني عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره نكاح السر حتى يضرب بالدف ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أيوب بن شرحبيل أن مر من قبلك أن يظهروا عقدة النكاح بالدف حتى يفرق بين النكاح والسفاح وامنع الذين يضربون بالبرابط والبرابط الأعواد.

النكاح بالخيار
قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة بإذن الولي وشرطوا الخيار للمرأة أو للزوج أو للولي أو لهم كلهم يوما أو يومين أيجوز هذا النكاح عند مالك وهل يكون في النكاح خيار؟ قال: أرى أنه لا خيار فيه وأرى إذا وقع في النكاح الخيار فسخ النكاح ما لم يدخل بها؛ لأنهما لو ماتا قبل الخيار ولم يتوارثا قلت: أرأيت إن بنى بها قبل أن يفسخ هذا النكاح أيفسخ أم لا؟ قال: لا يفسخ ويكون لها الصداق الذي سمي لها ولا ترى إلى صداق مثلها.
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة على أنه بالخيار يوما أو يومين أو ثلاثا أو على أن المرأة بالخيار مثل ذلك أيجوز هذا النكاح في قول مالك؟ قال: قال مالك في الذي يتزوج المرأة بصداق كذا وكذا على أنه إن لم يأتها بصداقها إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بينهما قال مالك: هذا نكاح فاسد ويفرق بينهما قلت: دخل أو لم يدخل؟ قال: لم يقل لي مالك دخل بها أو لم يدخل وإن دخل لم أفسخه وجاز النكاح وكذا مسألتك في تزويج الخيار.

قلت: أرأيت إن قال: أتزوجك على أحد عبدي هذين أيهما شئت أنت أو أيهما شئت أنا؟ قال: أما إذا قال: أيهما شاءت المرأة فذلك جائز وأما إن قال أيهما شاء الرجل فلا خير فيه، ألا ترى أن لو باع أحدهما من رجل بعشرة دنانير يختار المشتري أيهما شاء لم يكن بذلك بأس ولو قال أعطيك أنا أيهما شئت لم يكن في ذلك خير وهو قول مالك والنكاح عندي مثله قال ابن القاسم: وقال الليث قال ربيعة: الصداق ما وقع به النكاح وكذلك قال مالك.

النكاح إلى أجل
قلت: أرأيت إذا تزوج امرأة بإذن ولي بصداق قد سماه تزوجها إلى أشهر أو سنة، أو سنتين أيصلح هذا النكاح؟ قال: قال مالك: هذا النكاح باطل إذا تزوجها إلى أجل من الآجال فهذا النكاح باطل قال: وقال مالك وإن تزوجها بصداق قد سماه فشرطوا على الزوج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال وإلا فلا نكاح بينهما قال مالك: هذا النكاح باطل قلت: دخل بها أو لم يدخل؟ قال: قال مالك: هو مفسوخ على كل حال دخل بها أو لم يدخل بها قال مالك: وإنما رأيت فسخه لأني رأيته نكاحا لا يتوارثون عليه أهله.
قال سحنون: هذه المسألة قوله كانت له في تزويج الخيار أنه يفسخ دخل بها أو لم يدخل وكان يقول؛ لأن فساده من قبل عقده ثم رجع فقال إذا دخل جاز ويفسخ قبل الدخول.
قلت: أرأيت إن قال أتزوجك شهرا يبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحا ويبطل الشرط؟ قال: قال مالك: النكاح باطل يفسخ وهذه المتعة وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمها قلت: أرأيت إن قال لها إن مضى هذا الشهر فأنا أتزوجك ورضي بذلك وليها ورضيت؟ قال: هذا النكاح باطل ولا يقام عليه قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة بثلاثين دينارا نقدا أو ثلاثين نسيئة إلى سنة؟ قال: قال مالك: لا يعجبني هذا النكاح ولم يقل لنا فيه أكثر من هذا قال مالك: ليس هذا من نكاح من أدركت، قلت: فما يعجبك من هذا النكاح إن نزل؟ قال: أجيزه وأجعل للزوج إذا أتى بالمعجل أن يدخل عليها وليس لها أن تمنعه نفسها وتكون الثلاثون المؤخرة إلى أجلها قلت: فإن طال الأجل أو قال في الثلاثين المؤخرة إنها إلى موت أو فراق؟ قال: أما إذا كان إلى موت أو فراق فهو مفسوخ ما لم يدخل بها وكذلك قال مالك، وأما إذا كان إلى أجل بعيد فأراه جائزا ما لم يتفاحش بعد ذلك.

في شروط النكاح
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرر أيفسخ هذا النكاح وفيه هذا الشرط إن أدرك قبل البناء في قول مالك؟ قال: قال مالك: النكاح جائز والشرط باطل قلت: لم أجاز مالك هذا النكاح وفيه هذا الشرط؟ قال: قال مالك: قد أجازه سعيد بن المسيب وغير واحد من أهل العلم وليس هذا من الشروط التي يفسد بها النكاح الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن كثير بن فرقد عن سعيد بن عبيد الله بن السباق أن رجلا تزوج امرأة على، عهد عمر بن الخطاب فشرط لها أن لا يخرجها من أرضها، فوضع عنه عمر الشرط، وقال المرأة مع زوجها رجال من أهل العلم وليس هذا من الشروط التي يفسد بها النكاح، عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب وابن ربيعة وأبي الزناد وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد مثله ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال قد نزل ذلك زمان عبد الملك بن مروان مع شروط سوى ذلك فقضى بذلك فرأى الفقهاء يومئذ أن قد أصاب القضاء في ذلك ما لم يكن فيه طلاق.
قلت: فأي شيء الشروط التي يفسد بها النكاح في قول مالك؟ قال: ليس لها حد، قال ابن القاسم: وقال مالك: من تزوج امرأة على شروط تلزمه ثم إنه صالحها أو طلقها تطليقة فانقضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك بنكاح جديد قال: قال مالك: يلزمه تلك الشروط ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء قال وإن شرط في نكاحه الثاني أنه إنما ينكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء قال: وإن شرط في نكاحه الثاني فإن ذلك لا ينفعه، وتلك الشروط له لازمة ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء قلت: أرأيت إن قال أتزوجك بمائة دينار، على أن أنقدك خمسين، وخمسون على ظهري؟ قال: إن كان هذا الذي على ظهره يحل بدخول الزوج عندهم فأراه جائزا وإن كانت لا تحل إلا إلى الموت أو فراق، فأراه غير جائز فإن أدرك النكاح فسخ وإن دخل بها ثبت النكاح وكان لها صداق مثلها قلت: أرأيت هذا الذي تزوج على مهر معجل ومنه مؤجل إلى موت أو طلاق فدخل بها أيفسخ هذا النكاح أم يقره إذا دخل بها؟ قال: قال مالك: إذا دخل بها أجزت النكاح وجعلت لها صداق مثلها ولم أنظر إلى الذي سمي من الصداق إلا أن يكون صداق مثلها أقل مما جعل لها فلا ينقص منه شيء.

جد النكاح وهزله
قلت: أرأيت إن خطب رجل امرأة ووليها حاضر, فقال: زوجنيها بمائة دينار فقال

الولي قد فعلت وقد كانت فوضت إلى الولي في ذلك الرجل الخاطب وهي بكر والمخطوب إليه والدها، فقال الخاطب: لا أرضى، بعد قول الأب أو الولي: قد زوجتك؟ قال: أرى ذلك يلزمه ولا يشبه هذا البيع ;. لأن سعيد بن المسيب قال: ثلاث ليس فيهن لعب هزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق. فأرى ذلك يلزمه.

شروط النكاح أيضا
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة وشرطت عليه شروطا وحطت من مهرها لتلك الشروط، أيكون لها ما حطت من ذلك أم لا؟ قال: ما حطت من ذلك في عقدة النكاح، فلا يكون لها على الزوج شيء من ذلك وما شرطت على الزوج فهو باطل إلا أن يكون فيه عتق أو طلاق وهذا قول مالك قلت: أرأيت إن كانت إنما حطت عنه بعد عقدة النكاح على أن شرطت عليه هذه الشروط؟ قال: يلزمه ذلك ويكون له المال، قال: فإن أتى شيئا مما شرطت عليه رجعت في المال فأخذته مثل ما يشترط أن لا يخرجها من مصرها ولا يتسرر عليها ولا يتزوج قلت: فإن كانت أعطته المال على أن لا يتزوج عليها، فإن تزوج عليها فهي طالق ثلاثا؟ قال: فإن فعل وقع الطلاق ولم يرجع في المال؛ لأنها اشترت طلاقها بما وضعت عنه.

نكاح الخصي والعبد
قلت: يجوز نكاح الخصي وطلاقه في قول مالك؟ قال: قال مالك: نكاحه جائز وطلاقه جائز، قال: ولقد كان في زمن عمر بن الخطاب خصي كان جارا لعمر بن الخطاب، قال: فكان عمر يسمع صوت امرأته وضغاءها من زوجها هذا الخصي ابن وهب عن عمر بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن سليمان بن يسار أن ابن سندار تزوج امرأة وكان خصيا ولم تعلم فنزعها منه عمر بن الخطاب.
قلت: فالمجنون أيجوز نكاحه أيضا في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، نكاحه جائز لأنه يحتاج إلى أشياء من أمر النساء ابن لهيعة عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: إذا دخلت عليه وهي تعلم أنه لا يأتي النساء فلا خصومة لها بعد ذلك قلت: فالعبد كم يتزوج في قول مالك؟ قال: قال مالك: أحسن ما سمعت أن العبد يتزوج أربعا، وهو قول مالك أن العبد يتزوج أربعا قلت: كم ينكح العبد في قول مالك؟ قال: أربعا قلت: إن شاء إماء وإن شاء حرائر؟ قال: كذلك قال مالك قلت: أرأيت العبد إذا تزوج

في نكاح الحر الأمة
قلت: أرأيت كم يتزوج الحر من الإماء في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا, وأرى أنه إن خشي على نفسه العنت, فإنه يتزوج ما بينه وبين أربع قلت: والعبد يتزوج من الإماء ما بينه وبين الأربع في قول مالك وإن لم يخف العنت على نفسه؟ قال: نعم, قلت: أفيجوز أن يتزوج الرجل أمة والده؟ قال: نعم, في رأيي أن ذلك جائز قلت: فإن كان والده عبدا وهو حر فيزوج والده أمته؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى ذلك قلت: أرأيت الرجل, أيجوز له أن ينكح أمة ابنه؟ قال: لا يجوز له ذلك قلت: ولم لا يجوز أن يتزوج الرجل أمة ابنه؟ قال: لأنها كأنها له, فمن ههنا كره ذلك ولا حد عليه فيها قلت: أرأيت الرجل أيجوز له أن يتزوج أمة امرأته؟ قال: نعم, في رأيي, لأن مالكا قال: من زنى بأمة امرأته رجم.
قلت: ويجوز أن يتزوج أمة أخيه؟ قال: نعم قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي قلت: أرأيت إن تزوج الرجل أمة ولده فولدت, ثم اشتراها أتكون أم ولده بذلك الولد أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل من تزوج أمة ثم اشتراها وقد كانت ولدت قبل أن يشتريها أنها لا تكون أم ولد بذلك الولد, إلا أن يشتريها وهي حامل, فتكون بذلك الولد أم ولد, ألا ترى أن الولد الذي ولدته قبل أن يشتريها أنه لسيده الذي باعها, فالذي اشتراها وهي حامل به فتصير بهذا أم ولد ولا تصير بالذي ولد قبل الشراء أم ولد لأنه رقيق, وأما ما سألت عنه من اشتراء الوالد امرأة ابنه وهي حامل فإني لا أراها أم ولد وإن اشتراها وهي منه; لأن الولد قد عتق على جده وهو في بطنها, ولا تكون أم ولد إذا اشتراها وهي حامل منه بمن يعتق عليه وهو في بطنها, فأما ما تثبت فيه الحرية فعتق على من ملكه فاشتراها وهي حامل به فلا تكون به أم ولد, ألا ترى أن سيدها لو أراد بيعها لم

يكن ذلك له; لأنه قد عتق عليه ما في بطنها, وقال غيره لا يجوز له شراؤها; لأن ما في بطنها قد عتق على أبيه فهو والأجنبيون سواء وأن الأخرى التي لغير أبيه لو أراد بيعها وهي تحت زوجها باعها وكان ما في بطنها رقيقا, فهذا فرق ما بينهما قلت: أرأيت الحر, أيصلح له أن يتزوج مكاتبته؟ قال: لا يصلح له ذلك; لأن مالكا قال لا يصلح أن يتزوج الرجل أمته, ومكاتبته بمنزلة أمته والله أعلم.

إنكاح الرجل عبده أمته
قلت: أرأيت المأذون له في التجارة أو المحجور عليه إذا كانت له أمة فزوجها سيدها من عبده ذلك والعبد هو لسيد الأمة, أيجوز هذا التزويج في قول مالك؟ قال: وجه الشان ينزعها ثم يزوجها إياه بصداق قلت: فإن زوجها إياه قبل أن ينزعها؟ قال: أراه انتزاعا وأرى التزويج جائزا, ولكن أحب إلي أن ينزعها ثم يزوجها ولذا قلت: إن أراد أن يطأ أمة عبده فإنه ينبغي له أن ينزعها منه ثم يطأها, فإن وطئها قبل أن ينزعها قال: هذا انتزاع ولكن ينزعها قبل أن يطأها أحب إلي قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: أما الوطء إذا أراد أن يطأها فهو قوله ابن وهب عن محمد بن عمر عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا يزوج الرجل عبده أمته بغير مهر، قال ابن وهب وقال ذلك مالك.

نكاح الأمة على الحرة ونكاح الحرة على الأمة
قلت: هل تنكح الأمة على الحرة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تنكح الأمة على الحرة, فإن فعل ذلك جاز النكاح وكانت الحرة بالخيار, إن أحبت أن تقيم معه أقامت, وإن أحبت أن تختار نفسها اختارت قال مالك: فإن أقامت كان القسم من نفسه بينهما بالسواء قلت: فلها أن تختار فراقه بالثلاث؟ قلت: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى أن تختار إلا تطليقة وتكون أملك بنفسها, ولا أرى أن تشبه هذه الأمة تعتق تحت العبد فتختار الطلاق; لأن الأمة إنما جاء فيها الأثر والناس على غير ذلك, قال مالك: والحر يتزوج الحرة على الأمة لا بأس بذلك إلا أن تكون لم تعلم أن تحته أمة, فتختار إذا تزوجها على أمة ولم تعلم كذلك قال مالك ابن لهيعة والليث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال: إذا تزوج الرجل الحرة على الأمة ولم

استسرار العبد والمكاتب في أموالهما ونكاحهما بغير إذن سيدهما
قلت: أرأيت المكاتب أيتسرر في ماله في قول مالك؟ قال: نعم, ولقد سألنا مالكا عن العبد يتسرى في ماله ولا يستأذن سيده قال: نعم ذلك له, وأخبرني عبد الله بن عمر عن نافع أن عبيدا لعبد الله بن عمر كانوا يتسررون في أموالهم ولا يستأذنون, فسألت مالكا عن ذلك فقال: لا بأس به قلت: أرأيت المكاتب والمكاتبة أيجوز لهما أن ينكحا بغير إذن السيد في قول مالك؟ قال: لا, قلت: ولم؟ قال: لأن له فيهما الرق بعد, ولا يجوز لمن عليه رق لغيره أن ينكح إلا بإذن من له الرق فيه فإن نكح فللسيد أن يفسخ ذلك قلت: أرأيت إن تزوج المكاتب امرأة بغير إذن سيده رجاء الفضل, أترى النكاح جائزا؟ قال: لا يجوز; لأنه إن عجز رجع إلى السيد معيبا; لأن تزويج العبد عيب, قال: وقال لي مالك: لا يتزوج المكاتب إلا بإذن سيده ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن شهاب ويحيى بن سعيد وغير واحد من أهل العلم من التابعين أنه لا بأس أن يتسرر المملوك في ماله وإن لم يذكر ذلك السيد.

الأمة والحرة يغران من أنفسهما والعبد يغر من نفسه
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة وتخبره أنها حرة, فإذا هي أمة قد كان سيدها أذن لها في أن تستخلف على نفسها رجلا يزوجها, أيكون له الخيار في قول مالك؟ قال: إن لم يكن دخل بها كان له أن يفارقها ولا يكون عليه من الصداق شيء, وإن هو دخل بها أخذ منها الصداق الذي دفعه إليها وكان لها صداق مثلها, وإن شاء ثبت على نكاحه وكان

في عيوب النساء والرجال
قلت: أرأيت لو أن رجلا زوج ابنته وبها داء قد علمه الأب مما يرد منه الحرائر، فدخل بها زوجها فرجع الزوج على الأب، أيكون للأب أن يرجع على الابنة بشيء مما رجع به الزوج عليه إذا ردها الزوج وقد مسها؟ قال: لم أسمع من مالك ذلك ولا أرى ذلك له قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة فأصابها معيبة من أي العيوب يردها في قول مالك؟ قال: قال مالك: يردها من الجنون، والجذام والبرص والعيب الذي في الفرج. قلت: أرأيت إن تزوجها وهو لا يعرفها، فإذا هي عمياء أو عوراء أو قطعاء أو شلاء أو مقعدة أو ولدت من الزنا؟ قال: قال مالك: لا ترد، ولا ترد من عيوب النساء في النكاح إلا من الذي أخبرتك به قلت: أرأيت إن كان العيب الذي بفرجها إنما هو قرن أو حرق نار أو عيب خفيف يقدر معه على الجماع أو عفل يقدر معه على الجماع، أيكون هذا من عيوب الفرج الذي يرد منه في النكاح في قول مالك أم إنما ذلك العيب عند مالك إذا كانت قد خلطت أو نحو ذلك العيوب من عيوب الفرج الذي لا يستطيع الزوج معه الجماع مثل العفل الكثير ونحوه من العيوب التي تكون في الفرج؟ قال: قال مالك: قال عمر بن الخطاب ترد المرأة في النكاح من الجنون والجذام والبرص قال: قال مالك: وأنا أرى أن داء الفرج بمنزلة ذلك فما كان مما هو عند أهل المعرفة من داء الفرج ردت به في رأيي وقد يكون من داء الفرج ما يجامع معه الرجل، ولكنها ترد منه وكذلك عيوب الفرج.

قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة ويشرط أنها صحيحة فيجدها عمياء، أيكون له أن يزوجها بشرطه الذي شرطه أو شلاء أو مقعدة؟ قال: نعم، إن كان اشترط ذلك على من أنكحها، فله أن يرد ولا شيء لها عليه من صداقها إذا لم يبن بها، وإن بنى بها فلها مهر مثلها بالمسيس ويتبع هو الولي الذي أنكحها إذا كان قد اشترط ذلك عليه أنه ليست هي عمياء ولا قطعاء ولا ما أشبه ذلك، فزوجه على ذلك الشرط؛ لأن مالكا سئل عن رجل تزوج امرأة فإذا هي بغية قال مالك: إن كانوا زوجوه على نسب فله أن يرد إن كانوا لم يزوجوه على نسب، فالنكاح لازم له ورواه ابن وهب أيضا عن مالك قال مالك: ومن تزوج سوداء أو عمياء أو عوراء لم يردها ولا يرد من النساء في النكاح إلا من العيوب الأربع: الجنون والجذام والبرص والعيب الذي في الفرج، وإنما كان على الزوج أن يستخبر لنفسه، فإن اطمأن إلى رجل وكذبه فليس على الذي كذبه شيء إلا أن يكون ضمن ذلك له إن كانت الجارية على خلاف ما أنكحه عليه، وأراه حينئذ مثل النسب الذي زوجه عليه وأراه ضامنا إن كانت على خلاف ما ضمن إذا فارقها الزوج فلم يرضها قلت: أرأيت إن تزوجت امرأة رجلا في عدتها غرته ولم تعلمه أنها في عدتها؟ قال: بلغني أن مالكا قال في رجل غر من وليته فزوجها في عدتها ودخل بها زوجها، ثم علم بذلك الزوج، قال: قال مالك: أرى النكاح مفسوخا ويكون المهر على من غره، فكذلك هذه إذا غرت من نفسها إلا أنه يترك لها قدر ما استحلت به قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة فانتسب لهم إلى غير أبيه وتسمى لهم بغير اسمه؟ قال: أخبرني من أثق به أن مالكا سئل عن رجل تزوج امرأة فأصابها بغية قال: قال مالك: إن كانوا زوجوها منه على نسب فأرى له الخيار وإن كانوا لم يزوجوها منه على نسب فلا خيار له قال ابن القاسم: وأرى لها المهر عليه إن دخل بها ويكون ذلك له على من غره إلا أن لا يكون غره منها أحد وهي التي غرت من نفسها فيكون ذلك عليها، وكذلك التي تزوجت على نسب فعرفها فهي بالخيار.
قلت: أرأيت إن كان الرجل لقية وتزوجها على نسب ثم علمت بعد أنه لقية؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكني أرى في المرأة أن لها أن ترده ولا تقبله إذا كان إنما تزوجها على نسب، فكان لقية مثل ما قال مالك في المرأة قلت: أرأيت إن تزوجته وهو مجبوب أو خصي وهي لا تعلم بذلك ثم علمت به أيكون لها الخيار؟ قال: قال مالك: إن تزوجته وهو خصي ولم تعلم بذلك كانت بالخيار إذا علمت إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته بالمجبوب أشد قلت: أرأيت المجبوب إذا تزوجها والخصي وهي لا تعلم.

فعلمت فاختارت الفراق أتكون عليها العدة أم لا؟ قال: إن كان الخيار لها في واحدة وتكون بائنة قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن تزوجت مجبوب الذكر قائم الخصي، فاختارت فراقه وقد دخل بها أتجعل عليها العدة؟ قال: إن كان مثله يولد له فعليها العدة قال ابن القاسم: ويسأل عن ذلك فإن كان يحمل لمثله لرأيت الولد لازما له وإن كان يعلم أنه لا يحمل لمثله لم أر أن يلزمه، ولا يلحق به الولد قلت: أرأيت إن تزوجت مجبوبا أو خصيا وهي تعلم؟ قال: فلا خيار لها، كذلك قال مالك قال: قال مالك: إذا تزوجت خصيا وهي لا تعلم فلها الخيار إذا علمت، فقول مالك إنها إذا علمت فلا خيار لها قال: ولم أسمع من مالك فيه شيئا قال: ولم أسمع من مالك في العنين إذا تزوجها وهي تعلم أنه عنين شيئا ولكن هذا رأيي إن كانت علمت أنه عنين لا يقدر على الجماع رأسا وأخبرها بذلك فتزوجها على ذلك على أنه لا يطأ فلا خيار لها.
قلت: أرأيت امرأة العنين والخصي والمجبوب إذا علمت به ثم تركته فلم ترفعه إلى السلطان وأمكنته من نفسها ثم بدا لها فرفعته إلى السلطان؟ قال: أما امرأة الخصي والمجبوب فلا خيار لها إذا أقامت معه ورضيت بذلك فلا خيار لها عند مالك، وأما العنين فإن لها أن تقول اضربوا له أجلا سنة؛ لأن الرجل ربما تزوج المرأة فاعترض له دونها ثم يفرق بينهما ثم يتزوج أخرى فيصيبها فتلد منه فنقول هذه تركته وأنا أرجو؛ لأن الرجال بحال ما وصفت لك فذلك لها إلا أن يكون قد أخبرها أنه لا يجامع وتقدمت على ذلك فلا قول لها بعد ذلك قلت: ويكون فراقه تطليقة؟ قال: نعم ابن وهب عن مالك والليث أن يحيى بن سعيد حدثهما أن ابن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب: أيما رجل نكح امرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها بما استحل منها من فرجها وكان ذلك لزوجها غرم على وليها1 قال مالك: وإنما يكون ذلك لزوجها غرم على وليها إذا كان وليها أنكحها أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، فأما إن كان الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو من العشيرة أو السلطان ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه فيها غرم وترد المرأة ما أخذت من صداقها ويترك لها قدر ما يستحل به. قال الليث قال يحيى وأشك في الجنون والعفل، غير أنه ذكر أحدهما ابن وهب عن عامر بن مرة عن ربيعة أنه قال: أما هو إذا علم بدائها ثم وطئها بعد ذلك فقد وجبت له وأما ما ترد به المرأة على الزوج فما قطع عن الزوج منها اللذة مما يكون من داء النساء في أرحامهن والوجع المعضل من الجنون والجذام والبرص وكل ذلك جائز عليه إذا بلغته المسألة وبلغ
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 9. في كتاب الطلاق حديث 28.

عنه الخبر وكان ظاهرا إلا أن يرد من ذلك، إلا الشيء الخفي الذي لا يعلمه إلا المرأة وأولياؤها وترد على المغرور الذي تزوجها صداقها إلا أن تعاض المرأة من ذلك بشيء.
قال ابن وهب وأخبرني الثقة أن علي بن أبي طالب قال: يرد من النكاح الجنون والجذام والبرص والقرن قال ابن وهب وقال عمرو بن دينار عن عبد الله بن عباس مثله. ابن وهب عن عبد الأعلى بن سعيد الجيشاني أن محمد بن عكرمة المهدي حدثه أنه تزوج امرأة فدخل بها يوما وعليها ملحفة فنزعها عنها فإذا هو يرى بباطن فخذها وضحا من بياض فقال: خذي عليك ملحفتك، ثم كلم عبد الله بن يزيد بن حرام فكتب له إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمر أن استحلفه بالله في المسجد أنه ما تلذذ منها بشيء منذ رأى ذلك بها وأحلف إخوتها أنهم لا يعلمون الذي كان بها قبل أن يزوجوها فإن حلفوا فأعط المرأة من صداقها ربعه مالك بن أنس قال: بلغني عن ابن المسيب أنه قال أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت وإن شاءت فارقت ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن ابن المسيب وابن شهاب مثله، قال مالك: فأرى الضرر الذي أراد ابن المسيب هذه الأشياء التي ترد المرأة منها ابن وهب عن عميرة بن أبي ناجية ويحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد مثل قول ابن المسيب ابن شهاب أنها تخير إن شاءت والله تعالى أعلم بالحال وإليه المرجع والمآل.
تم كتاب النكاح الأول من المدونة الكبرى ويليه كتاب النكاح الثاني.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح الثاني

في النكاح بصداق لا يحل
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عبدا له على أن زادته المرأة دارها أو زادته مائة درهم؟ قال: لا يجوز هذا النكاح عند مالك وهو مفسوخ. قال: وسمعت مالكا يقول في رجل تزوج امرأة على أن أعطته خادمها بكذا وكذا درهما. قال مالك: لا يجوز هذا النكاح وقال مالك: لا يجتمع في صفقة واحدة نكاح وبيع قال سحنون وقال بعض الرواة في هذه المسألة إذا كان يبقى مما يعطي الزوج ربع دينار فصاعدا فالنكاح جائز قلت: أرأيت إن كان هذا الذي تزوج هذه المرأة في صفقة واحدة مع البيع إن كان قد دخل بها أيبطل نكاحه أيضا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا بعينه شيئا إلا أن مالكا قال في الرجل يتزوج المرأة على الصداق المجهول على ثمرة نخل قبل أن يبدو صلاحها أو على بعير شارد أو على عبد آبق أو على ما في بطن أمته، أنه إن لم يدخل بها فرق بينهما وإن دخل بها لم يفسخ نكاحهما وثبت وكان لها صداق مثلها وكان الذي سمي لها من الغرر لزوجها إلا أن تقبض الجنين بعدما ولد أو العبد الآبق بعدما رجع أو البعير الشارد بعدما أخذ ويحول في يديها باختلاف أسواق أو نماء أو نقصان، فيكون لها وتغرم قيمته يوم قبضته لزوجها، وأما الثمرة فعليها مكيلة ما جدت من الثمرة أو حصدت من الحب وما مات من هذا كله قبل أن تقبضه فهو من الزوج وما مات من هذا بعدما قبضته وإن لم يحل باختلاف أسواق ولا نماء ولا نقصان، فهو من المرأة أبدا حتى ترده؛ لأنه في ضمانها يوم قبضته، ألا ترى أن زيادته لها ونقصانه عليها وهذا في غير الثمرة التي لم يبد صلاحها؟

قلت: أرأيت لو أن رجلا من المسلمين تزوج امرأة على خمر، فدخل بها أو لم يدخل بها أو تطاول زمانه معها حتى ولدت له أولادا، أتجيز هذا النكاح وتجعل للمرأة صداق مثلها أم لا تجيزه؟ قال: إذا دخل بها كان لها صداق مثلها، وهو بمنزلة الجنين في بطن أمه أو البعير الشارد أو الثمرة التي لم يبد صلاحها وإن لم يدخل بها فسخ نكاحها ولم يثبتا عليه قلت: أرأيت إن تزوجها على ما تلد غنمه؟ قال: قال مالك في المرأة تتزوج على الجنين إنه إن دخل بها كان لها صداق مثلها وإن لم يدخل بها فسخ نكاحها فأرى ما تلد غنمه بمنزلة الثمرة قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة على عبد على أن زادته المرأة ألف درهم؟ قال مالك: لا يجوز هذا النكاح قلت: ما يقول مالك في رجل نكح امرأة على دراهم بأعيانها؟ فقال: قال لي مالك من باع سلعة بدراهم بأعيانها غائبة لم يصلح ذلك إلا أن يشترط عليه أنها إن تلفت فعليه بدلها، وإن لم يشترط ذلك عليه فلا خير في هذا البيع قال: والنكاح مثل هذا في رأيي إلا أن يقول أتزوجك بهذه الدنانير بأعيانها وهي في يده ويدفعها إليها فلا بأس بذلك وكذلك البيع قلت: فإن وجب النكاح والبيع بها ثم استحق رجل تلك الدنانير في يد المرأة أو البائع؟ قال: البيع والنكاح جائز ويكون على المشتري والزوج دنانير مثلها.

في النكاح بصداق مجهول
قلت: أرأيت رجلا تزوج امرأة على شوار بيت وخادم أيجوز في قول مالك؟ قال: نعم، قال مالك: ولها خادم وسط، والبيت الناس فيه مختلفون إن كانت من الأعراب فبيوت قد عرفوها ولهم شورة قد عرفوها وشورة الحضر لا تشبه شورة البادية قلت: فإن تزوجها على بيت من بيوت الحضر قال: ذلك جائز إذا كان معروفا مثل ما وصفت لك في البادية وكذلك قال مالك قلت: أفيجوز أن يتزوجها على شوار بيت؟ قال: نعم، إذا كان الشوار أمرا معروفا عند أهل البادية قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: نعم، ولكل قدره من الشورة.
قلت: أرأيت إن تزوجها على عشرة من الإبل ومائة من الغنم أو مائة من البقر أي الأسنان يجعل لها في قول مالك؟ قال: وسط من ذلك؛ لأن مالكا قال ذلك في الرقيق. قلت: أرأيت إن تزوجها على عبد ولم يصفه وليس بعينه فأراد أن يدفع إليها الزوج قيمة ذلك دنانير أو دراهم؟ قال: قال مالك: عليه عبد وسط، فأرى على الزوج عبدا وسطا وليس له أن يدفع دنانير ولا دراهم إلا أن تشاء المرأة ذلك قلت: فإن تزوجها على عرض

من العروض موصوف ليس بعينه ولم يضرب لذلك أجلا أيجوز في قول مالك هذا النكاح أم لا؟ قال: نعم هو جائز ألا ترى أنه يتزوج على عبد ولا يصفه ولا يضرب له أجلا وليس بعينه فيكون عليه عبد وسط حال فكذلك هذا إذا وصفه فذلك جائز وهذا ههنا لا يحمل محمل البيوع وهو على النقد، ألا ترى أنه يتزوج المرأة بمائة دينار فلا يسمي أجلا فتكون نقدا قلت: أرأيت إن تزوج رجل على عبد ولم يصفه أيجوز هذا النكاح؟ قال: قال مالك: نعم النكاح جائز ويكون عليه عبد وسط قلت: وكذلك إذا اختلعت منه امرأته على عبد ولم تسمه ولم تصفه أيكون عليها عبد وسط؟ قال: نعم.

في الصداق يوجد به عيب أو يؤخذ به رهن فيهلك
قلت: أرأيت إن تزوجها على قلال من خل بأعيانها فأصابتها خمرا؟ قال: أراها بمنزلة التي تزوجت على مهر فأصابت بمهرها عيبا أنها ترده وتأخذ مثله إن كان مما يوجد مثله أو قيمته إن كان مما لا يوجد مثله
قلت: أرأيت إن تزوجت امرأة على صداق مسمى وأخذت به رهنا وقيمة الرهن الذي أخذت مثل صداقها الذي سموا سواء فهلك الرهن عندها؟ قال: قال مالك: إن كان حيوانا فلا شيء عليها والمصيبة من زوجها، وإن كان مما تغيب عليه المرأة فهلك عندها فهو منها قلت: أرأيت إن تزوجها ولم يفرض لها صداقا، فأخذت منه رهنا بصداق مثلها فهلك عندها؟ قال: إذا أخذت منه رهنا بمثل صداقها فضاع فهذا والذي سألت عنه سواء قلت: أرأيت إن تزوجها على غير مهر مسمى، ففرض لها نصف دار له ورضيت بذلك أيكون فيه الشفعة في قول مالك؟ قال: نعم.

في صداق السر
قلت: أرأيت إن سمى في السر مهرا وأعلن في العلانية مهرا؟ قال: قال مالك: يؤخذ بالسر إن كانوا قد أشهدوا على ذلك عدولا.

في صداق الغرر
قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة بألف درهم، فإن كانت له امرأة فصداقها ألفان؟ قال: هذا من الغرر وهو مثل البعير الشارد فيما فسرت لك؛ لأن هذا لا يجوز في البيوع عند مالك قلت: أرأيت إن تزوجها على ألف درهم فإن أخرجها من الفسطاط فمهرها

في الصداق بالعبد يوجد به عيب
قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة على عبد بعينه فدفعه إليها ثم أصابت المرأة بالعبد عيبا؟ قال: قال مالك: ترد ولها قيمته وهذا مثل البيوع سواء، فإن كان قد فات العبد عندها بعتاقة أو بشيء يكون فوتا فلها على الزوج قيمة العيب، وإن كان قد دخله عيب مفسد، فالمرأة بالخيار إن شاءت حبست العبد ورجعت بقيمة العيب وإن أحبت ردت العبد وما نقصه العيب عندها ورجعت بالقيمة، والخلع عندي به مثل التزويج سواء، للزوج أن يرجع بقيمة العيب وإن كان قد دخله استهلاك عنده أو يرده إن كان بحاله وإن كان دخله عيب مفسد كان بالخيار إن شاء رده ورد ما نقصه العيب وإن شاء حبسه ورجع بقيمة العيب قلت: أرأيت إن تزوجها على أمة لها زوج ولم يخبرها بذلك أيكون لها أن تردها وتأخذ قيمتها؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال في هذا ترد بالعيب، فالأمة إذا كان لها زوج فذلك عيب من العيوب فالنكاح في هذا والبيوع سواء وكذلك الخلع في هذا سواء.

في الرجل يزوج ابنته ويضمن صداقها لها
قلت: أرأيت لو أن رجلا زوج ابنته وضمن الصداق لها، أيكون للبنت أن تأخذ الأب بذلك الصداق في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: ويرجع به الأب على الزوج؟ قال: لا يرجع به الأب على الزوج؛ لأن ضمانه الصداق عنه في هذا الموضع صلة منه له؛ وإنما التزويج في هذا على وجه الصلة والصدقة فلا يرجع عليه بشيء مما ضمن عنه. قلت: أرأيت إن مات الأب قبل أن تقبض البنت صداقها؟ قال مالك: تستوفيه من مال أبيها إذا كانت عقدة النكاح إنما وقعت بالضمان وإنما مثل ذلك مثل الرجل يقول للرجل بع فلانا فرسك أو دابتك والثمن لك علي فباعه فهو إن هلك الضامن ولم يقبض البائع الثمن فإن ذلك الثمن مضمون في مال الضامن يستوفيه منه إن كان له مال.
قلت: فإن لم يكن له مال أيرجع على مشتري الدابة بشيء أم لا؟ قال: لا يرجع عليه بشيء عند مالك قال: وقال مالك: وكذلك المرأة لو دخل بها ثم مات الضامن للصداق وليس له مال ولم تقبض شيئا من صداقها أنه لا شيء لها على الزوج قلت: فإن لم يكن دخل بالمرأة ولم يدع الميت مالا؟ قال: فلا سبيل للزوج إلى الدخول حتى يعطيها مهرها قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يزوج ابنه الصغير في حجره ولا مال للابن، فيموت الأب ولم تقبض المرأة صداقها، فيقول الورثة للابن لم تقبض عطيتك فنحن نقاصك بما تقبض المرأة بمورثك مما ضمن أبوك عنك قال مالك: تأخذ المرأة صداقها من مال الأب ويدفع إلى الابن ميراثه كاملا مما بقي ولا يقاصه إخوته بشيء مما تقبض المرأة قلت: وتحاص الغرماء؟ قال: نعم، تحاص الغرماء عند مالك. قال ابن القاسم: وليس هذه الوجوه فيما حملنا عن مالك وسمعنا منه على وجه حمالة الدين مما يتحمل به ويرجع المتحمل على الذي يحمل عنه قال: وقال لي مالك: وكذلك الرجل الذي له الشرف يزوج الرجل ويضمن الصداق عنه فهذا لا يتبعه بشيء قال: فقلنا لمالك فالرجل يزوج ابنه ويضمن عنه الصداق والابن قد بلغ فيدفع الأب الصداق إلى المرأة، فطلقها الابن قبل أن يدخل بها لمن ترى نصف الصداق؟ قال مالك: للأب أن يأخذه وليس للابن منه شيء قال مالك: ولو لم ينقدها شيئا أخذت المرأة نصف الصداق من الأب ولم يتبع الأب الابن بشيء مما أدى عنه قال ابن القاسم: وإنما هذا مثل الذي زوج ابنه وضمن عنه أو زوج أجنبيا وضمن عنه مثل ما لو أن رجلا وهب لرجل ذهبا ثم قال لرجل بعه فرسك بالذي وهبت له من الذهب وذلك قبل أن يقبض الموهوب له هبته وهو ضامن لك علي حتى أدفعها إليك، فيقبض الرجل الفرس وأشهد على الواهب

بالذهب، فإن هذا الوجه يثبت للبائع على الواهب وإن هلك الواهب قبل أن يقبض البائع الذهب ولم يجد له مالا فلا يرجع على الموهوب له بشيء من ثمن الفرس، وإنما وجب ثمن الفرس للبائع على الواهب فكذلك الصداق على هذا بني وهذا محمله. ابن وهب عن يونس أنه سأل ربيعة عن صداق الولد إذا زوجه أبوه، قال: إن كان ابنه غنيا فعلى ابنه وإن لم يكن له مال فعلى أبيه قال ابن وهب قال أبو الزناد حيث وضعه الأب فهو جائز إن جعله على ابنه لزمه فإنما هو وليه ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال: إذا نكح الرجل ابنه صغيرا أو كبيرا وليس له مال فالصداق على الأب إن عاش أو مات وإن كان لواحد منهما مال فالصداق عليه في ماله إلا أن يكون الوالد شرط على نفسه الصداق في ماله قال مالك: إن زوج ابنه صغيرا لا مال له فالصداق على الأب في ماله ثابت لا يكون على ابنه وإن أيسر، فلا يكون لأبيه أن يأخذ من ماله شيئا بعد أن ينكحه فإنما ذلك بمنزلة مال أنفقه عليه. قال مالك: وإن زوجه بنقد وأجل وهو صغير لا مال له فدفع النقد ثم يحدث لابنه مال فيريد أبوه أن يجعل بقية الصداق المؤجل على ابنه فقال: لا يكون ذلك له وهو عليه كله.

في الرجل يزوج ابنه صغيرا في مرضه ويضمن عنه الصداق
قلت: أرأيت لو أن رجلا زوج ابنه صغيرا في مرضه وضمن الصداق أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يضمن عن ابنه وهو مريض؛ لأن ذلك وصية لوارث فلا يجوز قلت: أفيكون نكاح الابن جائزا أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز عن مالك ويكون الصداق على الابن إن أحب أن يدفع الصداق ويدخل على امرأته وإلا لم يلزمه الصداق ويفسخ النكاح قلت: أرأيت إن كان صغيرا لا يعرب عن نفسه فأبطلت ما ضمن الأب عنه فقامت المرأة تطلبه بحقها وقالت قد أبطلت مهري الذي ضمن لي الأب فأين تجعل مهري؟ قال ابن القاسم: إن كان له ولي أو وصي نظر في ذلك للصبي بعد موت الأب إن كان للصبي مال فإن رأى أن يجيز ذلك ورأى ذلك وجه غبطة فرأى أن يدفع من ماله دفع وثبت النكاح وإن رأى غير ذلك فسخه قلت: فإن طلبت المرأة ما ذكرت لك في مرض الأب قبل موته؟ قال: ليس لها في مال الأب شيء، وقد قال مالك فيما يضمن الأب عن ابنه في مرضه لا يعجبني هذا النكاح إذا صح. قلت: أرأيت إن صح الأب الذي زوج ابنه في مرضه وضمن عنه الصداق أيجوز ما ضمن

عنه إذا صح في قول مالك؟ قال: إذا صح فذلك جائز وذلك الضمان عليه لازم له وإن مرض بعدما صح فإن الضمان قد ثبت عليه.

في النكاح بصداق أقل من ربع دينار
قلت: أرأيت إن تزوجها على عرض قيمته أقل من ثلاثة دراهم أو على درهمين؟ قال: أرى النكاح جائزا ويبلغ به ربع دينار إن رضي بذلك الزوج، وإن أبى فسخ النكاح إن لم يكن دخل بها، وإن دخل بها أكمل لها ربع دينار وليس هذا النكاح عندي من نكاح التفويض قلت: لم أجزته؟ قال: لاختلاف الناس في هذا الصداق؛ لأن منهم من قال ذلك الصداق جائز ومنهم من قال لا يجوز وقد قال بعض الرواة لا يجوز قبل الدخول بدرهمين، وإن أتم الزوج ربع دينار قلت: فإن فاتت بالدخول؟ قال: فلها صداق مثلها؛ لأن الصداق الأول لم يكن يصلح العقد به.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن طلقها قبل البناء بها، أتجعل لها نصف الدرهمين أم المتعة أم نصف ربع دينار؟ قال: لها نصف الدرهمين قلت: لم؟ قال: لأنه صداق قد اختلف فيه وإن الزوج لو لم يرض أن يبلغها ربع دينار لم أجبره على ذلك إلا أن يكون قد دخل بها، فهو إذا طلق فليس لها إلا نصف الدرهمين لاختلاف الناس في أنه صداق، قال: ولا أرى لأحد أن يتزوج بأقل من ربع دينار قلت: أرأيت إن تزوجها على درهمين ولم يبن بها، أيفسخ هذا النكاح أم يقر ويرفع بها إلى صداق مثلها أو يرفع بها إلى أدنى مما يستحل به النساء في قول مالك وكيف إن كان قد بنى بها ماذا يكون لها من الصداق وهل يترك هذا النكاح بينهما لا يفسخ إذا كان قد بنى بها؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال إن أمهر ثلاثة دراهم قبل أن يدخل بها أقر النكاح ولم يفسخ، قال ابن القاسم: ورأيي إن كان قد دخل بها أن يجبر على ثلاثة دراهم ولا يفرق بينهما قلت: أرأيت إن تزوجها ولم يفرض لها ولم يبن بها حتى طلقها زوجها ونصف مهر مثلها أقل من المتعة أيكون لها نصف مهر مثلها أم المتعة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أن مالكا قال: كل مطلقة لم يفرض لها ولم يبن بها زوجها حتى طلقها فلها المتاع ولا شيء لها من الصداق وكذلك السنة.

باب نصف الصداق
قلت: أرأيت الرجل إذا تزوج المرأة ولم يسم لها صداقا قائما - سمى لها بعد ذلك

في صداق النصرانية واليهودية والمجوسية يسلمن ويأبى أزواجهن الإسلام
قال: وقال مالك: في اليهودية والنصرانية والمجوسية تسلم ويأبى زوجها الإسلام وقد أصدقها صداقا بعضه مقدم وبعضه مؤخر وقد دخل بها إن صداقها يدفع إليها

جميعه مقدمه ومؤخره، وإن لم يكن دخل بها فلا صداق لها لا مقدم ولا مؤخر، وإن كانت أخذته منه ردته إليه لأن الفرقة جاءت من قبلها، قال مالك: وهو فسخ بغير طلاق قال: وكذلك الأمة تعتق تحت العبد وقد أصدقها صداقا مقدما ومؤخرا فتختار نفسها: إنها إن كانت قد دخل بها دفع إليها جميع الصداق مقدمه ومؤخره وإن كان لم يدخل بها فلا شيء لها من الصداق، وإن كانت أخذت شيئا ردته إليه وفرقته هذه تطليقة قال: فقلت لمالك فلو أن رجلا تزوج أمة مملوكة، ثم ابتاعها من سيدها قبل أن يدخل بها لمن ترى الصداق؟ قال: لا أرى لسيدها الذي باعها من صداقها الذي سمي لها قليلا ولا كثيرا إذا لم يكن دخل بها، وهي في ملك البائع؛ لأن البائع فسخ نكاحها ببيعه إياها، فلا صداق للبائع على زوجها المبتاع؛ لأن البائع هو الذي رضي بفسخ النكاح حين رضي بالبيع، إلا أن يكون زوجها قد دخل بها في ملك البائع فيكون ذلك الصداق لسيدها الذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع بمنزلة مالها.
قال: فقلت لمالك: فلو أن جارية نصفها حر ونصفها مملوك زوجها من له الرق فيها بإذنها كيف ترى في صداقها؟ قال: يوقف بيدها وليس لسيدها أن يأخذه منها وهو بمنزلة مالها. ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن الأمة تعتق تحت العبد قبل أن يدخل بها وقد فرض لها فتختار نفسها، قال: لا نرى لها صداقا - والله أعلم - من أجل أنها تركته ولم يتركها، وإنما قال الله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فليس هو فارقها ولكن هي فارقته بحق لحق فاختارت نفسها عليه فلا أرى لها من الصداق شيئا ولا نرى لها متاعا وكان الأمر إليها في السنة. ابن وهب وأخبرني يونس عن ربيعة مثله. ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد مثله. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه سئل عن النصرانية تسلم ولم يدخل بها زوجها وقد فرض لها قال: نرى - والله أعلم - أن الإيمان برأها منه، ولا نرى لها صداقا، ولها أشباه في سنن الدين لا يكون للمرأة فيه صداق: منهن الأخت من الرضاعة، ونكاح المرأة على المرأة لا يحل أن يجمع بينهما. قال ابن وهب: قال يونس: وقال ربيعة: لا صداق لها في الأمة والنصرانية.

صداق الأمة والمرتدة والغارة
قلت: أرأيت العبد يتزوج الأمة بإذن سيدها، ثم يعتقها سيدها قبل أن يبني بها وقد فرض لها الزوج؟ قال: قال مالك: إذا أعتقها بعد البناء فمهرها للأمة مثل مالها إلا أن

يشترطه السيد فيكون له، وإن أعتقها قبل البناء بها فهو كذلك أيضا، إلا أن تختار نفسها فلا يكون لها من الصداق شيء، وإن كان السيد قد كان قد أخذ من مهرها شيئا رده؛ لأن فسخ النكاح جاء من قبل السيد حين أعتقها فلا شيء للسيد مما قبض من الصداق إذا اختارت هي الفرقة وعلى السيد أن يرده وهذا قول مالك قال: وقال مالك: ولو تزوجها حر فباعها منه سيدها قبل أن يدخل بها لم يكن للسيد الذي باعها من الصداق شيء؛ لأنه فسخ النكاح، فأرى إن كان قد قبض من صداقها شيئا رده قال مالك: وإن كان باعها من غير زوجها فمهرها لسيدها بنى بها زوجها أو لم يبن بها، بمنزلة مالها إلا أن يشترطه المبتاع. ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال في العبد يتزوج الأمة فيسمي لها صداقا ثم يدخل عليها ويمسها ثم تعتق فتختار نفسها فلها ما بقي من صداقها عليه، ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: إن كان دخل بها فليس لها المتاع ولها صداقها كاملا.
قلت: أرأيت الأمة إذا زوجها سيدها ولم يفرض لها زوجها مهرا فأعتقها سيدها، أهي في مهرها والتي قد فرض لها قبل العتق سواء في قول مالك؟ قال: لا؛ لأن التي فرض لها قبل العتق لو أن السيد أخذ ذلك قبل العتق كان له وإن اشترطه كان له، وإن لم يأخذه فهو مال من مالها يتبعها إذا أعتقت، وأما التي لم يفرض لها حتى أعتقت فهذه كل شيء يفرض لها فإنما هو لا سبيل للسيد على شيء منه؛ لأنه لم يكن دينا للسيد على الزوج، لو هلك أو طلق قبل البناء، ولم يكن مالا للجارية على أحد لو طلقها أو مات عنها، وإنما يجب بعد الفريضة والدخول فإنما هو شيء تطوع به الزوج لم يكن يلزمه، ألا ترى أنه لو طلق لم يجب عليه شيء ولو مات كذلك أيضا، فلما رضي بالدخول وبالفريضة قبل الدخول كان هذا شيئا تطوع به الزوج لم يكن وجب عليه في أصل النكاح قلت: أرأيت إن أعتق السيد أمته وهي تحت عبد وقد كان السيد قبض صداقها أو اشترطه فاختارت الأمة نفسها؟ قال: يرد السيد ما قبض من المهر، وإن كان اشترطه بطل شرطه في رأيي؛ لأن الأمة إذا اختارت نفسها قبل البناء إذا هي عتقت وهي تحت عبد فلا شيء لها من الصداق، كذلك قال مالك؛ لأن فسخ هذا النكاح جاء من قبل السيد حين أعتقها فأرى أن يرد السيد إلى زوجها ما قبض منه. ابن وهب عن مخرمة عن أبيه أنه قال: يقال لو أن رجلا أنكح وليدته ثم أصدقت صداقا كان له صداقها إلا ما يستحل به فرجها، فإن أحب أن يضع لزوجها بغير أمرها من صداقها كان له ذلك جائزا. يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد قال ليس بذلك بأس. موسى بن علي عن ابن شهاب أنه قال: نرى - والله أعلم - أنه

مهرها وأنها أحق به إلا أن يحتاج إليه ساداتها، فمن احتاج إلى مال مملوكه فلا نرى عليه حرجا في أخذه بالمعروف وفي غير ظلم، وليس أحد بقائل إن مال المملوك حرام على سيده بعد الذي بلغنا في ذلك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من باع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع" 1.
قلت: أرأيت السيد أله أن يمنع الزوج أن يبني بأمته حتى يقبض صداقها؟ قال: نعم، وهو قول مالك قلت: أرأيت المرتدة عن الإسلام إذا كان قد دخل بها زوجها قبل أن تستتاب أيكون لها الصداق الذي سمى كاملا؟ قال: سمعت مالكا يقول في المجوسي إذا أسلم أحد الزوجين ففرق بينهما، أو النصراني إذا أسلمت المرأة ولم يسلم الزوج وقد كان دخل المجوسي أو النصراني بامرأته: إن لها الصداق الذي سمى لها كاملا، وكذلك المرتدة، قال مالك: والمرأة تتزوج في عدتها والأمة تغر من نفسها فتتزوج والرجل يزوج أمته بشرط أن ما ولدت فهو حر قال مالك: فهذا النكاح لا يقر على حال وإن دخل الزوج بالمرأة، ويكون لها المهر الذي سمى لها، إلا في الأمة التي غرت من نفسها قال ابن القاسم: فأرى أن يكون لها صداق مثلها وترد ما فضل ويؤخذ منها، قال ابن القاسم: والحجة في الأمة التي تغر من نفسها أن لها صداق مثلها، وذلك أن المال لسيدها، فليس الذي صنعت بالذي يبطل ما وجب على الزوج للسيد - سيد الأمة - من حقه في وطئها وأن الحرة التي تغر من نفسها إنما قلنا إن لها قدر ما يستحل به فرجها؛ لأنها غرت من نفسها فليس لها أن تجر إلى نفسها هذا الصداق لما غرت من نفسها، وكذلك سمعت من مالك.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث"2" عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال:.... ورواه البخاري في كتاب المساقات باب 17. ومسلم في كتاب البيوع حديث 80.

في التفويض
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة ولم يفرض لها ودخل بها فأرادت أن يفرض لها مهر مثلها من مثلها من النساء أمهاتها وأخواتها أو عماتها أو خالاتها أو جداتها؟ قال: ربما كانت الأختان مختلفتي الصداق قال: وقال مالك: لا ينظر في هذا إلى نساء قومها ولكن ينظر في هذا إلى نسائها في قدرها وجمالها وموضعها وغناها، قال ابن القاسم: والأختان تفترقان ههنا في الصداق قد تكون الأخت لها المال والجمال والشطاط والأخرى لا غنى لها ولا جمال فليس هما عند الناس في صداقهما وتشاح الناس فيهما سواء، قال مالك: وقد ينظر في هذا إلى الرجال أيضا، أليس الرجل يزوج لقرابته ويغتفر قلة ذات يده والآخر أجنبي ميسر يعلم أنه إنما رغب فيه لماله فلا يكون صداقها عند هذين سواء قلت: أرأيت إن تزوج امرأة فلم يفرض لها فأرادت المرأة أن يفرض لها قبل

البناء، وقال الزوج لا أفرض لك إلا بعد البناء، قال: قال مالك: ليس له أن يبني بها حتى يفرض لها صداق مثلها إلا أن ترضى منه بدون ذلك، فإن لم ترض إلا بصداق مثلها كان ذلك لها عليه قلت: أرأيت إن فرض لها بعد العقدة فريضة تراضيا عليها فطلقها قبل البناء بها وتلك الفريضة أقل من صداق مثلها أو أكثر أيكون لها نصف ذلك أو نصف صداق مثلها؟، قال: قال مالك: إذا رضيت فليس لها إلا نصف ما سمى إذا كانت قد رضيت به، وإن مات كان الذي سمى لها من الصداق جميعه لها، وإن ماتت كان ذلك عليه، قال: فقلنا لمالك فالرجل المفوض إليه يمرض فيفرض وهو مريض، فقال: لا فريضة لها إن مات من مرضه؛ لأنه لا وصية لوارث إلا أن يصيبها في مرضه فإن أصابها في مرضه فلها صداقها الذي سمى لها من رأس ماله إلا أن يكون أكثر من صداق مثلها فترد إلى صداق مثلها.
قلت: وأبى مالك أن يجيز فريضة الزوج في المرض إذا كان قد تزوجها بغير فريضة؟، قال: نعم أبى أن يجيزه إلا أن يدخل بها قلت: أرأيت الثيب الذي زوجها الولي ولم يفرض لها إن رضيت بأقل من صداق مثلها أيجوز هذا والولي لا يرضى؟ قال: قال مالك: ذلك جائز وإن لم يرض الولي. قلت: والبكر إذا زوجها أبوها أو وليها فرضيت بأقل من صداق مثلها؟ قال: قال مالك: لا يكون ذلك لها إلا أن يرضى الأب بذلك، فإن رضي بذلك جاز عليها ولا ينظر إلى رضاها مع الأب وإن كان زوجها غير الأب فرضيت بأقل من صداق مثلها فلا أرى ذلك لا يجوز لها ولا للزوج؛ لأنه لا قضاء لها في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف من حالها أنها مصلحة في مالها ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من صداقها إلا الأب وحده لا وصي ولا غيره، قال ابن القاسم: إلا أن يكون ذلك منه على وجه النظر لها ويكون ذلك خيرا لها فيجوز إذا رضيت مثل ما يعسر بالمهر ويسأل التخفيف ويخاف الولي الفراق ويرى أن مثله رغبة لها، فإذا كان ذلك جاز، وأما ما كان على غير هذا ولم يكن على وجه النظر لها فلا يجوز وإن أجازه الولي.
قلت: أرأيت إذا عقد النكاح ولم يفرض لها هل وجب لها في قول مالك حين عقد النكاح صداق مثلها أم لا؟ قال: قال مالك: إنما يجب لها صداق مثلها إذا بنى بها فأما قبل البناء فلم يجب لها صداق مثلها؛ لأنها لو مات زوجها قبل أن يفرض لها وقبل البناء بها لم يكن لها عليه صداق، وكذلك إن طلقها قبل البناء بها أو مات لم يكن لها عليه من الصداق قليل ولا كثير، فهذا يدلك أنه ليس لها صداق مثلها إلا بعد المسيس إذا هو لم يفرض لها. قلت: فإن تراضيا قبل البناء بها أو بعدما بنى بها على صداق مسمى؟ قال:

إذا كان الولي ممن يجوز أمره أو المرأة ممن يجوز أمرها بحال ما وصفت لك فتراضيا على صداق بعد عقدة النكاح قبل المسيس أو بعد المسيس، فذلك جائز عند مالك ويكون صداقها هذا الذي تراضيا عليه، ولا يكون صداقها صداق مثلها، وقال غيره إلا أن يدخل بها فلا تنقص المولى عليها بأب أو وصي من صداق مثلها.
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا؟ قال: النكاح جائز عند مالك ويفرض لها صداق مثلها إن دخل بها وإن طلقها قبل أن يتراضيا على صداق، فلها المتعة وإن مات قبل أن يتراضيا على صداق، فلا متعة لها ولا صداق ولها الميراث. قلت: ولم جوزت هذا ولم تجوز الهبة إذا لم يكونوا سموا الهبة صداقا؟ قال: أما الهبة عندنا كأنه قال قد زوجتكها فلا صداق ولها الميراث، فهذا لا يصلح ولا يقر هذا النكاح ما لم يدخل بها فإن دخل بها فلها صداق مثلها ويثبت النكاح. سحنون وقد كان قال: يفسخ، وإن دخل. ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن امرأة وهبت نفسها لرجل، قال: لا تحل هذه الهبة فإن الله خص بها نبيه دون المؤمنين، فإن أصابها فعليها العقوبة وأراهما قد أصابا ما لا يحل لهما، فنرى لها الصداق من أجل ما يرى بهما من الجهالة ويفرق بينهما. ابن وهب قال يونس وقال ربيعة يفرق بينهما وتعاض وهبت نفسها أو وهبها أهلها فمسها.
قلت: فإن قالوا قد أنكحناك فلانة بغير صداق فدخل بها أو لم يدخل بها؟ قال: إن دخل بها ثبت النكاح وكان لها صداق مثلها، وإن لم يدخل بها فرق بينهما فهذا رأيي والذي استحسنت، وقد بلغني ذلك أيضا عن مالك وقد قيل إنه مفسوخ قبل الدخول وبعد الدخول ابن وهب عن عبد الله بن عمر ومالك بن أنس وغير واحد أن نافعا حدثهم عن ابن عمر وزيد بن ثابت أنهما قالا في الذي يموت ولم يفرض لامرأته أن لها الميراث من زوجها ولا صداق لها1، وأخبرني ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عباس وعمر بن عبد العزيز والقاسم وسالم وابن شهاب وسليمان بن يسار ويزيد بن قسيط وربيعة وعطاء بمثل ذلك، غير أن بعضهم قال عن زيد بن ثابت وابن شهاب وربيعة وغيرهم: وعليها العدة أربعة أشهر وعشرا. ابن وهب ذكر حديث القاسم وسالم عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران بن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت سليمان بن يسار واستفتي في رجل تزوج امرأة ففوض إليه ولم يشترط عليه شيئا فمات وقد دخل بها ومسها، قال: لها الصداق مثل المرأة من نسائها. ابن وهب عن يونس
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث "10" عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر, وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر, فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا, فابتغت أمها صداقها, فقال عبد الله بن عمر: ليس لها صداق, ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها. فأبت أمها أن تقبل ذلك فجعلوا بينهم زيد بن ثابت, فقضى أن لاصداق لها ولها الميراث.

عن ربيعة قال: إن دخل بها فلها مثل صداق بعض نسائها وعليها العدة ولها الميراث. ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال: إذا دخل بها فقد وجبت عليه الفريضة، قال: فإن طلقها وقد بنى بها؟ قال: يجتهد عليه الإمام بقدر منزلته وحالته فيما فوض إليه.

الدعوى في الصداق
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة فطلقها قبل البناء بها، واختلفا في الصداق، فقال الزوج تزوجتك بألف درهم، وقالت المرأة بل تزوجتني بعشرة آلاف؟ قال: القول قول الزوج ويحلف، فإن نكل حلفت المرأة وكان القول قولها؛ لأن مالكا سئل عن الزوج يتزوج المرأة، فهلكت قبل أن يدخل بها فجاء أولياؤها يطلبون الزوج بالصداق وقال الزوج لم أصدقها شيئا ولم تثبت البينة ما تزوجها عليه لا يدرون تزوجها بصداق أو بتفويض، قال: يحلف الزوج ويكون القول قوله وله الميراث وعلى أهل المرأة البينة على ما ادعوا من الصداق، فأرى في مسألتك أن القول قول الزوج فيما ادعى ويحلفه فإن نكل عن اليمين حلفت وكان القول قولها. قلت: أرأيت إن اختلفا ولم يطلقها وذلك قبل البناء بها، فقالت تزوجتني على ألفين وقال الزوج تزوجتك على ألف؟ قال: القول قول المرأة والزوج بالخيار إن شاء أن يعطي ما قالت المرأة وإلا تحالفا وفسخ النكاح ولا شيء على الزوج من الصداق، قال: وهذا قول مالك. قلت: فإن اختلفا بعدما دخل عليها ولم يطلقها فادعت ألفين وقال الزوج تزوجتك على ألف؟ قال: قال مالك: القول قول الزوج، قال ابن القاسم: لأنها قد أمكنته من نفسها.
قلت: أرأيت إذا تزوج الرجل المرأة فدخل بها فادعت أنها لم تقبض من المهر شيئا، وقال الزوج قد دفعت إليك جميع الصداق؟ قال: قال مالك: القول قول الزوج. قال مالك: وليس يكتب الناس في الصداق البراوات قلت: أرأيت إن كانوا شرطوا على الزوج في الصداق بعضه معجلا وبعضه مؤجلا، فدخل بها الزوج فادعى أنه قد دفع إليها المعجل والمؤجل، وقالت المرأة قبضت المعجل ولم أقبض المؤجل، قال: سئل مالك عن رجل تزوج امرأة بنقد مائة دينار وخادم إلى سنة، فنقدها المائة فشغلت في جهازها وأبطأ الزوج عن دخولها فدخل بها بعد السنة من يوم تزوجها، ثم ادعت المرأة بعد ذلك أن الزوج لم يعطها خادما وقال الزوج قد أعطيتها الخادم؟ قال مالك: إن كان قد دخل بها بعد مضي السنة فالقول قول الزوج، وإن كان قد دخل بها قبل مضي السنة فالقول قول المرأة فكذلك مسألتك في الصداق المعجل والمؤجل.
قلت: أرأيت إن مات الزوج فادعت المرأة بعد موته أنها لم تقبض الصداق؟ قال

مالك: لا شيء لها إذا كان قد دخل بها قلت: فإن لم يكن دخل بها؟ قال: فالصداق لها والقول قولها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن ماتا جميعا الزوج والمرأة ولم يدخل الزوج بالمرأة، فادعى ورثة الزوج أن الزوج قد دفع الصداق، وقال ورثة المرأة إن أمنا لم تقبض شيئا؟ قال: أرى أن القول قول ورثة المرأة إن لم يكن دخل بها وإن كان قد دخل بها فالقول قول ورثة الزوج؟ قلت: فإن قال ورثة الزوج قد دفع صداقها أو قالوا: لا علم لنا، وقد كان الزوج دخل بالمرأة وقال ورثة المرأة لم تقبض صداقها؟ قال: لا شيء على ورثة الزوج، فإن ادعى ورثة المرأة أن ورثة الزوج قد علموا أن الزوج لم يدفع الصداق أحلفوا على أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع الصداق، وليس عليهم اليمين إلا في هذا الوجه الذي أخبرتك، ومن كان منهم غائب أو أحد يعلم أنه لا يعلم ذلك لم يكن عليه يمين وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن طلق الرجل امرأته قبل أن يبني بها فاختلفا في الصداق فقال الزوج فرضت لك ألفا وقالت المرأة بل فرضت ألفي درهم؟ قال: القول قول الزوج وعليه اليمين؛ لأن مالكا قال إذا اختلف الزوج والمرأة في الصداق قبل أن يدخل بها ونسي الشهود تسمية الصداق قبل أن يدخل بها كان القول قول المرأة، فإن أحب الزوج أن يدفع إليها ما قالت وإلا حلف وسقط عنه ما قالت وفسخ النكاح، وإن كان قد بنى فاختلفا بعد البناء لم يكن لها إلا ما أقر به الزوج ويحلف الزوج على ما ادعت المرأة من ذلك. قال ابن القاسم: وأما قبل البناء وبعد البناء إذا اختلفا في الصداق فقول مالك هو الذي فسرت لك. سحنون وأصل هذا كله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف البيعان والسلعة قائمة فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار" 1 وقال أيضا: "إذا اختلف البائع والمبتاع والسلعة قائمة فالقول قول البائع ويتحالفان ويتفاسخان" فهكذا المرأة وزوجها إذا اختلفا قبل الدخول، فالقول قول المرأة؛ لأنها بائعة لنفسها والزوج المبتاع، وإن فات أمرها بالدخول فالقول قول الزوج لأنه فات أمرها بقبضه لها فهي مدعية وهو مقر لها بدين فالقول قوله وإن طلقها قبل الدخول فاختلفا، فهي الطالبة له فعليها البينة وهو المدعى عليه فالقول قوله فيما يقر به ويحلف.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب البيوع باب 43. أحمد في مسنده"1/466" "2/183" ابن ماجه في كتاب التجارات باب 19 .

في النكاح الذي لا يجوز صداقه وطلاقه وميراثه
قلت: أرأيت إن تزوجها على أن يشتري لها دار فلان أو تزوجها على دار فلان؟

قال: لا يعجبني هذا النكاح ولا أراه جائزا وأرى أن يفسخ النكاح إن لم يكن دخل بها، وإن كان دخل بها فرض لها صداق مثلها وجاز النكاح، وذلك أني سمعت مالكا وسئل عن المرأة تتزوج بالدار أو الأرض الغائبة أو العبد الغائب، قال: إن كان وصف لها ذلك فالنكاح جائز وإن كان لم يوصف لها ذلك فسخ النكاح إن كان لم يدخل بها، فإن كان دخل بها أعطيت صداق مثلها ولم يفسخ النكاح، فمسألتك عندي مثل هذا وأرى أيضا هذا بمنزلة من تزوج على بعير شارد، وكذلك قال مالك في البعير الشارد أو الثمرة قبل أن يبدو صلاحها إن تزوج عليها فإن لم يكن دخل بها فالنكاح مفسوخ، وإن كان قد دخل بها فالنكاح جائز ولها صداق مثلها، فالدار التي سألت عنها من الغرر لا يدري ما يبلغ ثمنها ولا يدري إما تباع منه أم لا فقد وقعت العقدة على الغرر فتحمل محمل ما وصفت لك من قول مالك في البعير والثمرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وعن بيع ما ليس عندك.
قلت: أرأيت إن وهب رجل ابنته لرجل وهي صغيرة أتجعله نكاحا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الهبة لا تحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت هبته إياها ليس على نكاح إنما وهبها له ليحضنها أو ليكفلها فلا أرى بذلك بأسا، قال مالك: ولا أرى لأمها في ذلك قولا إذا كان إنما فعل ذلك على وجه النظر، مثل الرجل الفقير المحتاج قلت: أرأيت إن وهب ابنته لرجل بصداق كذا وكذا أتبطل هذا أم تجعله نكاحا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا ولكنه إذا كان بصداق فهذا نكاح إذا كان إنما أراد بالهبة وجه النكاح وسموا الصداق. ابن وهب عن الليث أن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان حدثه أنه سأل ابن المسيب عن رجل بشر بجارية فكرهها، فقال رجل من القوم هبها لي فوهبها له، قال سعيد لم تحل الهبة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو أصدقها حلت له، قال وقد قال مالك في الذي يهب السلعة للرجل على أن يعطيه كذا وكذا، قال مالك: فهذا بيع، فأرى الهبة بالصداق مثل البيع وإنما كره من ذلك الهبة بلا صداق قلت: أرأيت إن تزوجها على حكمه أو على حكمها أو على حكم فلان؟ قال: أرى أن يثبت النكاح فإن رضي بما حكمت أو رضيت بما حكم أو رضيا جميعا بما حكم فلان جاز النكاح وإلا فرق بينهما، ولم يكن لها عليه شيء، بمنزلة التفويض إذا لم يفرض لها صداق مثلها وأبت أن تقبله فرق بينهما ولم يكن لها عليه شيء، قال ابن القاسم وقد كنت أكرهه حتى سمعت من أثق به يذكره عن مالك، فأخذت به وتركت رأيي فيه.
قلت: أي شيء التفويض أو أي شيء الحكم؟ قال: التفويض ما ذكر الله في كتابه

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} فهذا نكاح بغير صداق وهذا التفويض فيما قال لنا مالك. قلت: وإذا تزوجها بغير صداق، أيكون للزوج أن يقرض لها أدنى من صداق مثلها؟ قال: لا. قلت: فلا أرى هذا إذا تفويضا، قال: إنما التفويض عند مالك أن يقولوا قد أنكحناك ولا يسموا الصداق فيكون لها صداق مثلها إن بنى بها إلا أن يتراضوا على غير ذلك فيكون صداقها ما ترضوا عليه بحال ما وصفت لك، وأما على حكمه أو على حكمها أو حكم فلان فقد أخبرتك فيه برأيي وما بلغني عن مالك ولست أرى به بأسا.
قال سحنون وقال غيره ما قال عبد الرحمن أول قوله لا يجوز ويفسخ ما لم يفت بدخول؛ لأنهما خرجا من حد التفويض والرضا من المرأة بما فوضت إلى الزوج، وهو الذي جوزه القرآن؛ لأن الزوج هو الناكح المفرض، فإذا زال عن الوجه الذي أجيز به صار إلى أنه عقد النكاح بالصداق الغرر فيفسخ قبل الدخول، فإن فاتت بالدخول أعطيت صداق مثلها قلت: أرأيت إن تزوجها على حكمها فدخل بها أتقرهما على نكاحهما وتجعل لها صداق مثلها في قول مالك؟ قال: نعم أقرهما على نكاحهما ويكون لها صداق مثلها إذا بنى بها وإن كان لم يكن دخل بها فقد أخبرتك فيها برأيي وما بلغني عن مالك قلت: أرأيت إن تزوجها على حكم فلان أو على حكمه أو بمن رضي حكمه أو على حكم أبيها؟ قال: ما سمعت فيه من مالك شيئا وأرى هذا يجوز ويثبت النكاح وتوقف المرأة فيما حكمت أو بمن رضي حكمه، فإن رضي بذلك الزوج جاز النكاح وإن لم يرض فرق بينهما ولم يلزمه شيء من الصداق وهو بمنزلة المفوض إليه، ألا ترى أن المفوض إليه إن لم يعط صداق مثلها لم يلزمه النكاح، فهو مرة يلزمها إن أعطاها صداق مثلها ومرة لا يلزمها إن قصر عنه وهذا مثله عندي، وقد سمعت بعض من أثق به يأثره عن مالك أنه أجازه على ما فسرت لك قال سحنون وهذا مما وصفت لك في أول الكتاب.
قلت: أرأيت كل نكاح كان المهر فيه غررا لا يصلح إن أدرك قبل أن يبتني بها فرقت بينهما ولم يكن على الزوج من الصداق الذي سمى ولا من المتعة شيء، وإن دخل بها جعلت النكاح ثابتا وجعلت لها مهر مثلها؟ قال: نعم، إذا كان إنما جاء الفساد من قبل الصداق الذي سموا قلت: أرأيت إذا تزوجها على ما لا يحل مثل البعير الشارد ونحوه فطلقها قبل البناء بها أيقع الطلاق عليها في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا أدرك قبل أن يدخل بها فسخ النكاح، قال ابن القاسم: وأرى أن يقع الطلاق عليها دخل أو لم يدخل؛ لأنه نكاح قد اختلف فيه الناس. قال سحنون وهذا قد بينته في الكتاب الأول، إن

كل نكاح يفسخ بالغلبة فهو فسخ بغير طلاق فلا ميراث فيه. قلت: فإن طلقها قبل البناء بها أتكون عليه المتعة؟ قال: لا متعة عليه في رأيي لأنه نكاح يفسخ قلت: أرأيت أن من تزوج بغير إذن الولي فمات أحدهما قبل أن يعلم الولي بذلك النكاح أيتوارثان في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه الساعة إلا أن مالكا قد كان يستحب أن لا يقام عليه حتى يبتدئا نكاحا جديدا، ولم يكن يحقق فساده فأرى الميراث بينهما. قلت: وكذلك الذي تزوج بثمر لم يبد صلاحه إن ماتا قبل أن يدخل بها أيتوارثان؟ قال: نعم، كذلك قال مالك لأنه إذا دخل بها ثبت نكاحها بعقدة النكاح التي تزوج بها؛ لأنه نكاح حتى يفسخ إن أدرك قبل البناء وكذلك بلغني عمن أثق به من أهل العلم، وكذلك أيضا لو طلقها ثلاثا قبل أن يفسخ نكاحه لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قال ابن القاسم: وأحسن ما سمعت من مالك وبلغني عنه ممن أثق: أن أنظر إلى كل نكاح إذا دخل بها فيه لم يفسخ، فإن الميراث والطلاق يكون بينهما، وإن لم يكن دخل بها، وكل نكاح لا يقر وإن دخل بها لتحريمه فإنه لا طلاق فيه ولا ميراث بينهما دخل بها أو لم يدخل وكذلك سمعت. قال: وقال مالك: في التي تتزوج بثمرة لم يبد صلاحها إن دخل بها أعطيت صداق مثلها وإن لم يفسخ النكاح والتي تتزوج بغير ولي كان مالك يغمزه وإن دخل بها ويحب أن يبتدئا فيه النكاح، فإذا قيل له أترى أن يفرق بينهما إذا رضي الولي فيقف عن ذلك ويجبن عنه ولا يمضي في فراقه فمن هنالك رأيت لها الميراث، ألا ترى أن التي لم يدخل بها إن أجازه الولي جاز النكاح، وأن التي تزوجت بثمرة لم يبد صلاحها إنما رأيت لها الميراث من قبل أنه نكاح إن دخل بها ثبت، وهو أمر قد اختلف فيه أهل العلم في الفسخ والثبات، فأراه نكاحا أبدا يتوارثان حتى يفسخ لما جاء فيه من الاختلاف، وكل ما كان فيه اختلاف من هذه الوجوه مما اختلف الناس فيه، فإن الميراث فيه حتى يفسخه من رأى فسخه، ألا ترى لو أن قاضيا ممن يرى رأي أهل الشرق أجازه قبل أن يدخل بها وفرض عليه صداق مثلها، ثم جاء قاض ممن يرى فسخه ولم يكن دخل بها لم يفسخه لما حكم فيه من رأى خلافه، فلو كان حراما لجاز لمن جاء بعده فسخه، فمن هنالك رأيت الميراث بينهما وكذلك بلغني عن مالك.
قلت: أرأيت التي تزوجت بثمر لم يبد صلاحه إن اختلعت منه قبل البناء على مال، أيجوز للزوج ما أخذ منها أم يكون مردودا؟ قال: أرى ذلك جائزا له، ولا أرى أن يرد ما أخذ، وقد أخبرتك أن كل ما اختلف الناس فيه إذا كان الميراث بينهما فيه والطلاق يلزمه فيه، فأرى فيه الخلع جائزا ولو رأيت الخلع فيه جائزا ما أجزت الطلاق فيه، قال

سحنون وقد كان قال لي ابن القاسم: كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه فالخلع فيه مردود، ويرد عليها ما أخذ منها؛ لأنه لا يأخذ مالها إلا بما يجوز له إرساله من يده وهو لم يرسل من يده إلا ما هي أملك به منه.

في صداق امرأة المكاتب والعبد يتزوجان بغير إذن سيدها
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا تزوج بغير إذن سيده فدخل بامرأته أيؤخذ المهر منها؟ قال: قال مالك في العبد يترك لامرأته قدر ما تستحل به إذا تزوجها بغير إذن سيده، فكذلك المكاتب عندي. قلت: ويكون للسيد أن يفسخ نكاح المكاتب إذا تزوج بغير إذن سيده في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن أعتق المكاتب يوما ما أترجع المرأة عليه بذلك المهر أم لا؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا وأرى إن كان غرها أن تتبعه إذا عتق وإن كان لم يغرها وأخبرها أنه عبد فلا أرى لها شيئا وقد قيل إذا أبطله السيد عنه ثم عتق فلا تتبعه به. قلت: فإن لم يعلم السيد بتزويجه حتى أدى كتابته؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكني أرى أنه ليس له أن يفسخ نكاحه، ونكاحه بمنزلة صدقته وهبته، والعبد بهذه المنزلة في النكاح، وبلغني عن مالك أنه سئل عن المكاتب يزوج أمته فقال: إذا كان ذلك منه على وجه ابتغاء الفضل رأيت ذلك له وإن كره السيد وإنما يجوز للمكاتب في تزويج إمائه ما كان على وجه النظر والفضل لنفسه ويمنع من ذلك إذا كان ضررا عليه ويكون عاقدا لنكاح غيره ويعقده رجل بأمره.

في نكاح المريض والمريضة
قلت: أرأيت المرأة تتزوج وهي مريضة أيجوز تزويجها أم لا؟ قال: لا يجوز تزويجها عند مالك، قال: فإن تزوجها ودخل بها الزوج وهي مريضة؟ قال: إن ماتت كان لها الصداق إن كان مسها، ولا ميراث له منها، وإن مات هو وقد مسها فلها الصداق ولا ميراث لها، وإن كان لم يمسها فلا صداق لها ولا ميراث قلت: فإن صحت أيثبت النكاح؟ قال: قد اختلف فيه وأحب قوله إلي أن يقيم على نكاحه، ولقد كان مالك مرة يقول يفسخ، ثم عرضته عليه فقال امحه. والذي آخذ به في نكاح المريض والمريضة أنهما إذا صحا أقرا على نكاحهما.
قلت: أرأيت إن تزوج في مرضه ودخل بها ففرقت بينهما، أتجعل صداقها في

في الرجل يريد نكاح المرأة فيقول له أبوه قد وطئتها فلا تطأها
في الرجل يريد نكاح المرأة فيقول أبوه قد وطئتها فلا تطأها
قلت: أرأيت لو أن رجلا خطب امرأة فقال له والده إني قد كنت تزوجتها، أو كانت عند ابنه جارية اشتراها فقال له والده: لا تطأها إني قد كنت وطئتها بشراء أو أراد الابن شراءها، فقال له الأب إني قد وطئتها بشراء فإن اشتريتها فلا تطأها أو لم يرد الابن شيئا من هذا إلا أنه قد سمع ذلك من أبيه، وكذب الولد الوالد في جميع ذلك وقال: لم تفعل شيئا من هذا وإنما أردت بقولك أن تحرمها علي، فأراد تزويجها أو شراءها أو وطأها، أتحول بينه وبين النكاح وبين أن يطأها في قول مالك إذا اشتراها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال لي في الرضاعة في شهادة المرأة الواحدة إن ذلك لا يجوز ولا تقطع شيئا إلا أن يكون قد فشا وعرف، قال مالك: وأحب إلي أن لا ينكح وأن يتورع. وشهادة المرأتين في الرضاع لا تجوز أيضا إلا أن يكون شيئا قد فشا وعرف في الأهلين والمعارف والجيران فإذا كان كذلك رأيتها جائزة فشهادة الوالد في مسائلك التي ذكرت بمنزلة شهادة المرأة في الرضاع لا أراها جائزة على الولد إذا تزوج أو اشترى جارية إلا أن يكون قد فشا من قوله قبل ذلك وعرف وسمع، وأرى له أن يتورع عن ذلك ولو فعل لم أقض به عليه. قلت: وكذلك أمي إذا لم تزل يسمعونها تقول قد أرضعت فلانة فلما كبرت أردت تزويجها؟ قال: قال مالك: لا يتزوجها.

في الرجل ينكح المرأة فتدخل عليه غير امرأته
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة فأدخلت عليه غير امرأته فوطئها؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال في أختين تزوجهما أخوان، فأخطئ بهما، فأدخل على هذا امرأة هذا وعلى هذا امرأة هذا، قال: قال مالك: ترد هذه المرأة إلى زوجها وهذه إلى زوجها ولا يطأ واحدة منهما زوجها حتى ينقضي الاستبراء، والاستبراء ثلاث حيض ويكون لكل واحدة منهما صداقها على الذي وطئها فكذلك مسألتك قلت: أرأيت المرأة إذا تقحمت وقد علمت أنه ليس بزوجها؟ قال: هذه يقام عليها الحد ولا صداق لها إذا علمت قلت: أرأيت إذا قالت لم أعلم وظننت أنكم قد زوجتموني منه؟ قال: لها الصداق على الرجل ويكون ذلك للذي وطئها على الذي أدخلها عليه إن كان غره منها أحد.

الأمة ينكحها الرجل فيريد أن يبوئها سيدها معه والرجل يزني بالمرأة ويقذفها ثم يتزوجها
قلت: أرأيت إذا تزوج الرجل الأمة، فقال الزوج: بوئها معي بيتا وخل بيني وبينها وقال السيد: لا أخليها ولا أبوئها معك بيتا أو جاء زوجها فقال: أنا أريد الساعة جماعها، وقال السيد هي مشغولة في عملها، أيكون للزوج أن يمنعها من عملها ويخلي بينه وبين جماعها ساعته أو يحال بين الزوج وبين جماعها وتترك في عمل سيدها؟ قال: لم أسمع من مالك يحد في هذا حدا إلا أن مالكا قال: ليس لسيدها أن يمنعها من زوجها إذا أراد أن يصيبها، وليس للزوج أن يتبوأها بيتا إلا برضا السيد، ولكن تكون الأمة عند أهلها في خدمتهم وما يحتاجون إليه وليس لهم أن يضروا به فيما يحتاج إليه من جماعها، فأرى في هذا أنها تكون عند أهلها وإذا احتاج إليها زوجها خلوا بينه وبين حاجته إليها، وإن أراد الزوج الضرر بهم دفع عن الضرر بهم.
قلت: أرأيت إن باعها السيد في موضع لا يقدر الزوج على جماعها، أيكون للسيد الذي باعها من المهر شيء أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى المهر للسيد على الزوج، إلا أن يطلق فيكون عليه نصف المهر. قلت: ولا ترى السيد قد منعه بضعها حين باعها في موضع لا يقدر الزوج على أخذ بضعها؟ قال: لا، من قبل أن السيد لم يكن يمنع من بيعها فإذا باعها في موضع قلنا للزوج اطلبها في موضعها وإن

منعوك فخاصم فيها، ولم أسمع من مالك فيها شيئا. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال في رجل تزوج أمة قوم فأراد أن يضمها إلى بيته فقالوا: لا ندعها وهي خادمنا، قال: هم أحق بأمتهم إلا أن يكون اشترط ذلك عليهم.
قلت: أرأيت الخنثى ما قول مالك فيها، أينكح أم تنكح أم تصلي حاسرة عن رأسها أم تجهر بالتلبية أم ما حالها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وما اجترأنا على شيء من هذا. قلت: فهل سمعته يقول في ميراثه شيئا؟ قال: لا ما سمعناه يقول في ميراثه شيئا، وأحب إلي أن ينظر في مباله فإن كان يبول من ذكره فهو غلام، وإن كان يبول من فرجه فهي جارية؛ لأن النسل إنما يكون من موضع المبال وفيه الوطء فيكون ميراثه وشهادته وكل أمره على ذلك الرجل يزني بالمرأة ويقذفها ثم يتزوجها قلت: أرأيت الرجل إذا زنى بالمرأة، أيصلح له أن يتزوجها؟ قال: قال مالك: نعم يتزوجها ولا يتزوجها حتى يستبرئ رحمها من مائه الفاسد. قلت: أرأيت إن قذف رجل امرأة فضربته حد الفرية أم لم تضربه، أيصلح له أن يتزوجها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك هذا ولا أرى به بأسا أن يتزوجها. ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس أنه سمع رجلا يسأل ابن عباس، قال: كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله علي، ثم رزق الله منها توبة فأردت أن أتزوجها، فقال الناس إن الزاني لا ينكح إلا زانية، فقال ابن عباس ليس هذا موضع هذه الآية، انكحها فما كان فيه من إثم فعلي.
قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن معاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وابن المسيب ونافع وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز وحسين بن محمد بن علي أنهم قالوا لا بأس أن يتزوجها، قال: ابن عباس: كان أوله سفاحا وآخره نكاحا ومن تاب تاب الله عليه، وقال جابر وابن المسيب كان أول أمرهما حراما وآخره حلالا، قال ابن المسيب ومن تاب تاب الله عليه. قال ابن المسيب لا بأس به إذا هما تابا وأصلحا وكرها ما كانا عليه وقرأ ابن مسعود {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25] وقرأ {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 17] فلم ير به بأسا وقال ذلك يزيد بن قسيط.

في الدعوى في النكاح
قلت: أرأيت المرأة تدعي على الرجل النكاح، أو الرجل يدعي على المرأة

النكاح، هل يحلف كل واحد منهما لصاحبه إذا أنكر؟ قال: لم أسمع من ألزمهما النكاح من نكل منهما ليس كذلك قلت: أرأيت إن أقمت البينة على المرأة أنها امرأتي وأقام رجل البينة أنها امرأته ولا يعلم أيهما الأول والمرأة مقرة بأحدهما أو مقرة بهما جميعا أو منكرة لهما جميعا؟ قال: إقرارها وإنكارها عندي واحد، ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن الشهود إذا كانوا عدولا كلهم فسخ النكاحان جميعا ونكحت من أحبت من غيرهما أو منهما، وكان فرقتهما تطليقة وإن كانت إحدى البينتين عادلة والأخرى غير عادلة جعلت النكاح لصاحب العادلة منهما. قلت: وإن كانت واحدة أعدل من الأخرى؟ قال: أفسخهما جميعا إذا كانوا عدولا كلهم؛ لأنهما كلتاهما عدلة ولا يشبه هذا عندي البيوع. قلت: لم؟ قال: لأن السلع لو ادعى رجل أنه اشترى هذه السلعة من هذا الرجل وأقام البينة وادعى رجل آخر أنه اشتراها من ربها وأقام البينة قال: قال مالك: ينظر إلى أعدل البينتين فيكون الشراء شراءه. قلت: أرأيت إن صدق البائع إحدى البينتين وإن كذب البينة الأخرى؟ قال: لا ينظر إلى قول البائع في هذا.

في ملك الرجل امرأته وملك المرأة زوجها
قلت: أرأيت إن ملكت المرأة من زوجها شقصا أو ملك الزوج ذلك من امرأته يفسد النكاح فيما بينهما أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يفسد النكاح فيما بينهما إذا ملك أحدهما من صاحبه قليلا أو كثيرا وسواء إن ملك أحدهما صاحبه بميراث أو شراء أو صدقة أو هبة أو وصية، كل ذلك يفسد ما بينهما من النكاح. قلت: ويكون هذا فسخا أو طلاقا؟ قال: ذلك فسخ في قول مالك ولا يكون طلاقا
قلت: أرأيت العبد إذا اشترته امرأته وقد بنى بها، كيف بمهرها وعلى من يكون؟ قال: يكون على عبدها. قلت: ويبطل؟ قال: لا يبطل، قال: وهذا رأيي؛ لأن مالكا قال في امرأة داينت عبدا أو رجل داين عبدا ثم اشتراه وعليه دينه ذلك: إن دينه لا يبطل، فكذلك مهر تلك المرأة إذا اشترت زوجها لم يبطل دينها وإن كان لم يدخل بها فلا مهر لها. ابن وهب عن يزيد بن عياض عن عبد الكريم عن علقمة بن قيس والأسود بن يزيد أن عبد الله بن مسعود قال: إذا كانت الأمة عند الرجل بنكاح ثم اشتراها، إن اشتراءه إياها يهدم نكاحه فيطؤها بملكه. قال يزيد: وأخبرني أبو الزناد أنها السنة التي أدركت الناس عليها. ابن وهب قال وأخبرني رجال من أهل العلم عن ابن المسيب ويحيى بن سعيد مثله.

قال ابن وهب: قال ابن أبي ذئب إنه سأل ابن شهاب وعطاء بن أبي رباح عن الرجل تكون الأمة تحته فيبتاعها قالا يفسخ النكاح البيع، قال: قلت لعطاء: أيبيعها؟ قال: نعم. ابن وهب عن مخرمة عن أبيه وابن قسيط أنه يصلح له أن يبيعها ويهبها، قال ذلك عبد الله بن أبي سلمة وقال ينتظر بها حتى يعلم أنها حامل أم لا. ابن وهب عن عثمان بن الحكم ويحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال في الحر يتزوج الأمة ثم يشتري بعضها: إنه لا يطؤها ما دام فيها شرك. قال ربيعة وأبو الزناد إنها لا تحل له بنكاح ولا بتسرر. ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن عبد ربه بن سعيد أنه سأل طاوسا اليماني عن امرأة تملك زوجها، قال: حرمت عليه ساعتئذ وإن لم تملك منه إلا قدر ذباب. ابن وهب عن شمر بن نمير عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب بذلك. يونس أنه سأل ابن شهاب عن ذلك، قال: إذا ورثت في زوجها شقصا فرق بينه وبينها فإنها لا تحل له من أجل أن المرأة لا يحل لها أن تنكح عبدها وتعتد منه عدة الحرة ثلاثة قروء. قال يونس وقال ربيعة: إذا ورثت زوجها أو بعضه فقد حرمت عليه وإن أعتقته وأحبت أن ينكحها نكحها ولا تستقر عنده بالنكاح الأول وإن أعتقته. ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر ونافع أنهما قالا: لا تنكح المرأة العبد ولها فيه شرك.
قلت: أرأيت لو أن امرأة اشترت زوجها أيفسد النكاح؟ قال: قال مالك: يفسد النكاح قلت: ويكون مهرها دينا على العبد؟ قال: نعم، إذا كان دخل بها قلت: أرأيت إن كانت هذه الأمة غير مأذون لها في التجارة، فاشترت زوجها بغير إذن سيدها فأبى سيدها أن يجيز شراءها ورد العبد أيكونان على نكاحهما أم يبطل نكاحهما في قول مالك؟ قال: لا أرى ذلك، وأراها امرأته وذلك أن الجارية إنما اشترت طلاق زوجها، فلما لم يطلقها الزوج كان ذلك صلحا منها للسيد على فراق الزوج، فلا يجوز للسيد أن يطلق على عبده ولا للأمة أن تشتريه إلا برضا سيدها.
قال ابن نافع وسئل مالك عن الرجل يزوج عبده أمته ثم يهبها له ليفسخ نكاحه، قال: لا يجوز ذلك له، فإن تبين أنه صنع ذلك لينزعها منه وليحلها بذلك لنفسه أو لغير زوجها أو ليحرمها بذلك على زوجها، فلا أرى ذلك له جائزا ولا أرى أن يحرمها ذلك على زوجها ولا تنزع منه. قلت: أرأيت إن ملك من امرأته شقصا ثم آلى منها أو ظاهر أيكون عليه لذلك شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليه من الظهار ولا يلزمه ذلك، والإيلاء له لازم وإن نكحها يوما ما. قلت: لم؟ قال: لأنها ليست له بزوجة لا هي له بملك يمين

كلها، فيقع عليه الظهار، ألا ترى أنه إنما ملك منها شقصا؟ إلا أن يتزوجها يوما ما فيرجع عليه الإيلاء ولا يرجع عليه الظهار قلت: أرأيت العبد يتزوج المرأة بإذن سيده على صداق يضمنه سيده ثم يدفعه سيد العبد إلى المرأة فيما ضمن من الصداق برضاها قبل أن يدخل بها، قال: النكاح مفسوخ ويرد العبد إلى سيده. سحنون لأن الفساد دخل من قبلها؛ لأنها أخذت العبد على أن يمسها فلما لم يتم لها رجع العبد إلى سيده ولو كان دخل بها كان لها عبدا من سماع عيسى، قلت لابن القاسم: فلو جرحها فأسلمه سيده بجرحها أتحرم عليه؟ قال: لا، وهو على نكاحه؛ لأنه ليس مالا من مالها، هو لسيدها مال من ماله وهذا إذا كانت زوجته مملوكة.

في الذي لا يقدر على مهر امرأته
قلت: أرأيت النقد متى يجب للمرأة أن تأخذ الزوج به كله ويلزم الزوج أن يدفع ذلك كله إليها؟ قال: سألت مالكا عنه فقال: يتلوم للزوج إن كان لا يقدر تلوما بعد تلوم على قدر ما يرى السلطان، وليس الناس كلهم في التلوم سواء، منهم من يرجى له مال ومنهم من لا يرجى له مال فإذا استقصى التلوم له ولم يقدر على نقدها فرق بينهما، قال: فقلنا لمالك وإن كان يقدر على النفقة؟ قال: نعم، وإن كان يقدر على النفقة، ثم سألناه مرة بعد مرة فقال مثل قوله الذي أخبرتك. قلت: قبل البناء وبعد البناء سواء في قول مالك؟ قال: نعم إلا أن مالكا قال هذا قبل البناء، وأما إذا دخل بها فلا يفرق بينهما وإنما يكون دينا على الزوج تتبعه به بعد البناء، كذلك قال مالك: إذا أجرى النفقة، وأما ما ذكر مالك إنما ذلك قبل البناء قلت: أرأيت المرأة أليس يكون لها أن تلزم الزوج بجميع المهر قبل البناء في قول مالك إذا عقد نكاحها؟ قال: نعم، إن كان مثل نكاح الناس على النقد فأما ما كان من مهر إلى موت أو فراق فإن هذا يفسخ عند مالك إن لم يدخل بها وإن دخل بها كان النكاح جائزا وقال مالك مرة يقوم المهر المؤخر بقيمة ما يساوي إذا بيع نقدا ويعطاه، وقال مرة ترد إلى مهر مثلها مما لا تأخير فيه، وهو أحب قوله إلي أن تعطى مهر مثلها ويحسب عليها فيه ما أخذت من العاجل، ويسقط عنه الآجل قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة ولم يقدر على مهرها أيفرق بينهما؟ قال: قال مالك: يتلوم له السلطان يضرب له أجلا بعد أجل فإن قدر على نقدها وإلا فرق بينهما، قال: فقلت لمالك وإن كان يجري لها نفقتها؟ قال مالك: وإن كان يجري لها نفقتها فإنه يفرق بينهما.

قلت: أرأيت إذا تزوج متى يؤخذ بالنفقة على امرأته أحين عقد النكاح أم حتى يدخل؟ قال: قال مالك: إذا دعوه إلى الدخول فلم يدخل لزمته النفقة.
قلت: أرأيت إن كانت صغيرة لا تجامع مثلها لصغرها فقالوا له ادخل على أهلك أو أنفق عليها؟ قال: قال مالك: ينفق عليها ولا يلزمه أن يدفع الصداق حتى تبلغ حد الجماع، قال مالك: وكذلك الصبي إذا تزوج المرأة البالغة فدعته إلى أن يدخل بها فلا نفقة لها عليه وليس لها أن تقبض الصداق حتى يبلغ الغلام حد الجماع قلت: أرأيت إن كانت لا يستطاع جماعها وهي رتقاء وكان زوجها رجلا قد بلغ، أيكون لها النفقة إذا دعته إلى الدخول ويكون لها أن تقبض المهر أم لا؟ قال: لا، وزوجها بالخيار إن شاء فرق بينهما ولا مهر لها إلا أن تعالج نفسها بأمر يصل الزوج إلى وطئها ولا تجبر على ذلك. قال: فإن فعلت فهو زوجها ويلزمه الصداق والنفقة إذا دعته إلى الدخول، فإن أبت أن تعالج نفسها لم تكره على ذلك وكان زوجها بالخيار إن شاء فرق بينهما ولا مهر لها وإن شاء أقام عليها, قال: وقال مالك في المريضة إذا دعوه إلى الدخول بها وكان مرضها مرضا يقدر على الجماع فيه، فإن النفقة له لازمة قلت: أرأيت التي لم يدخل بها أيكون لها النفقة على زوجها؟ قال: قال مالك: ما منعته الدخول فلا نفقة لها وإذا دعي إلى الدخول فكان المنع منه أنفق ما أحب أو كره قلت: أرأيت إن مرضت مرضا لا يقدر الزوج فيه على جماعها، فدعته إلى البناء بها وطلبت النفقة؟، قال: ذلك لها ولم أسمعه من مالك إلا أنه بلغني ذلك عن مالك ممن أثق به أنه قال ذلك لها إذا كانت مريضة فلا بد له من أن يضمها وينفق عليها وهو رأيي.
قلت: أرأيت إن كانت صغيرة لا يجامع مثلها فدعته إلى الدخول بها؟ قال: قال مالك: لا تلزمه النفقة ولا يلزمه أن يدفع الصداق حتى تبلغ حد الدخول بها، وكذلك الصبي لا تلزمه النفقة على امرأته إذا كانت كبيرة ولا يلزمه دفع المهر إليها حتى يبلغ حد الجماع وهو الاحتلام وكذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن كانت صغيرة لا يجامع مثلها فأراد الزوج أن يبني بها، وقال أولياء الصبية لا نمكنك منها؛ لأنك لا تقدر على جماعها؟ قال: قال مالك في رجل تزوج امرأة وشرطوا عليه أن لا يبني بها سنة، قال: إن كان إنما شرطوا له ذلك من صغر وكان الزوج غريبا فهو يريد أن يظعن بها وهم يريدون أن يستمتعوا منها، فذلك لهم والشرط لازم وإلا فالشرط باطل فهذا يدلك على مسألتك إن ذلك لهم أن يمنعوه حتى تبلغ. ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه، قال: يقال أيما رجل تزوج جارية صغيرة فليس عليه من نفقتها شيء حتى تدرك وتطيق الرجل فإذا

أدركت فعليه نفقتها إن شاء أهلها حتى يبني بها. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: ليس للمرأة الناكح عند أبويها نفقة إلا أن يكون وليها خاصم زوجها في الابتناء بها، فأمره بذلك السلطان وفرض لها نفقة فتكون من حينئذ ولا شيء لها قبل ذلك. قال يونس وقال ابن وهب لا نفقة لها إلا أن يطلبوا ذلك ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه أنه قال إذا تزوج الرجل المرأة فتركها عشر سنين أو أكثر لم يدعه أهلها إلى البناء بها أو النفقة عليها، فلا نفقة لها حتى يدخل بها أو يدعى إلى النفقة عليها والبناء بها.
قلت: أرأيت إن تزوج صبي امرأة بالغة زوجه أبوه فلما بلغ حد الجماع وذلك قبل أن يحتلم دعته المرأة إلى الدخول بها والنفقة عليها؟ قال: لا شيء لها حتى يحتلم، كذلك قال مالك حتى يبلغ الدخول والبلوغ عنده الاحتلام قلت: أرأيت عروض الزوج هل يباع ذلك في النفقة على المرأة في قول مالك؟ قال: قال مالك: يلزم الزوج النفقة، فإذا كان ذلك يلزمه فلا بد من أن يباع فيه ماله قلت: أرأيت العبد إذا لم يقدر على نفقة امرأة حرة كانت أو أمة؟ قال: قال لي مالك تلزمه نفقة امرأته حرة كانت أو أمة، قال: فقلنا له وإن كانت تبيت عند أهلها؟ قال: نعم، هي من الأزواج ولها الصداق وعليها العدة ولها النفقة وقال لنا مالك وكل من لم يقو على نفقة امرأته فرق بينهما ولم يقل لنا مالك حرة ولا أمة, قال: قال مالك في رجل تزوج امرأة وهو صحيح، ثم مرض بعد ذلك فقالت المرأة أعطني نفقتي أو ادخل علي والزوج لا يقدر على الجماع لمرضه، قال مالك: ذلك للمرأة أن تأخذ نفقتها أو يدخل بها ولا يشبه هذا الصبي ولا الصبية.
قلت: وكذلك إن تزوجها وهي صحيحة ثم مرضت مرضا لا يستطيع الجماع معه، فقالت المرأة ادخل علي أو أعطني نفقتي فقال الزوج: لا أقدر على الجماع، قال مالك: ذلك لها ويلزم الزوج أن يعطيها نفقتها أو يدخل عليها في رأيي، وإنما ينظر في هذا إلى الصحة إذا وقع النكاح وهما جميعا يقدران على الوطء حين وقع النكاح فلست ألتفت إلى ما أصابها بعد ذلك إلا أن يكون مرضا قد وقعت المرأة منه في السياق، فهذا الذي لا يدخل عليها إن دعته؛ لأن دخول هذا وغير دخوله سواء قلت: والصداق في هذا مثل النفقة، لها أن تأخذ صداقها من زوجها في هذه المسائل التي سألتك عنها في قول مالك؟ قال: الصداق أوجب من النفقة فلها أن تأخذه بالصداق إذا كانا بالغين في قول مالك، قال: والصداق يلزمه حين تزوجها، دخل بها أو لم يدخل، ولها أن تمنعه نفسها حتى تأخذ الصداق منه، ومرضها هذا الذي مرضته ليس بمانع بعد الصحة في رأيي، ألا ترى أنها لو جذمت بعد تزويجه ثم دعته إلى الدخول وجذامها ذلك لا يستطاع معه

الجماع أنه يقال له ادفع الصداق وأنفق وادخل أو طلق.

في نفقة العبيد على نسائهم
قلت: أرأيت العبد الذي تكون نفقة امرأته عليه، أتجعل نفقتها في ذمته في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فيبدأ بنفقة المرأة أم بخراج سيده؟ قال: ليس للمرأة من نفقتها في خراج السيد قليل ولا كثير وعمل العبد للسيد، وإنما ينفق عليها العبد من ماله إن كان له وإلا فرق بينهما، إلا أن يرضى السيد أن ينفق عبده على امرأته من مال السيد أو من كسبه الذي يكسبه للسيد أو من عمله الذي يعمله للسيد، وهذا رأيي. قلت: ولا يباع العبد في نفقة امرأته إن وجب لها عليه نفقة في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد هل يجبرون على نفقة أولادهم الأحرار في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجبر العبد على نفقة ولد له حر ولا عبد، وأما أم الولد فلا تجبر على نفقة ولدها؛ لأن الحرة أيضا لا تجبر على نفقة ولدها قلت: أرأيت المكاتبة إذا كان زوجها عبدا هل تجبر على نفقة أولادها الصغار الذين ولدتهم في الكتابة أم لا؟ قال: أما إذا أحدثوا في كتابتها فنفقتهم على أمهم؛ لأنهم كأنهم عبيد لها، ألا ترى أن الرجل يجبر على نفقة عبيده، فإذا كانت هي لا يلزم سيدها نفقتها فهم عندي بمنزلتها ولم أسمع فيها شيئا. قلت: ولا تشبه هذه الحرة؟ قال: لا.
قلت: أرأيت المكاتب إذا كانت كتابته على حدة وكتابة امرأته على حدة، فحدث بينهما أولاد، على من نفقة الولد؟، قال: على الأم. قلت: فنفقة الأم على من؟ قال: على الزوج. قلت: لم جعلت نفقة الأم على الزوج وجعلت نفقة الولد على الأم ولم تجعل نفقة الولد مثل نفقة الأم؟ قال: لأن الولد في كتابة الأم فليس على المكاتب أن ينفق على ولده العبيد وهم لا يرقون برقه ولا يعتقون بعتقه، وإنما عتقهم في عتق أمهم ورقهم في رقها فنفقتهم عليها، وأما أمهم فزوجته فلا بد للعبد والمكاتب من أن ينفقا على أزواجهما وإلا فرق بينهما. قلت: أفتجعل نفقة هؤلاء الصغار على الأم؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن كانت كتابة الأب والأم واحدة، فحدث بينهما ولد على من نفقتهم؟ قال: على الأب ما داموا في كتابتهم. قلت: لم؟ قال: لأنهم تبع لأبيهم في الكتابة ونفقة أمهم عليه وبرقه وبرق أمهم يرقون وبعتقهما يعتقون، وأنه لا عتق لواحد من الولد إلا بعتق الوالدين جميعا. قلت: أسمعت هذه المسائل من مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن عجز هذا المكاتب عن النفقة على ولده الصغار إذا لم يجد شيئا يشبه عجزه

عن الكتابة والجناية؟ قال: لا. قلت: أرأيت المكاتب إذا كان له ولد صغار حدثوا في الكتابة أو كاتب عليهم أيجبر المكاتب على نفقتهم؟ قال: نعم، في قول مالك.
قال ابن وهب: قال الليث: كتب إلي يحيى بن سعيد يقول إن الأمة إذا طلقت وهي حامل إنها وما في بطنها لسيدها وإنما تكون النفقة على الذي له الولد، وهي من المطلقات ولها المتاع بالمعروف على قدر هيئة زوجها. قال ابن وهب وقال ربيعة في الحرة تحت العبد والحر تحته الأمة فطلقها وهي حامل، قال: ليس لها عليه نفقة، قال مالك: وليس على عبد أن ينفق من ماله على من لا يملك سيده إلا بإذن سيده وذلك الأمر عندنا.

في فرض السلطان النفقة للمرأة على زوجها
قلت: أرأيت المرأة إذا خاصمت زوجها في النفقة، كم يفرض لها، نفقة سنة أو نفقة شهر بشهر؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكني أرى ذلك على اجتهاد الوالي في عسر الرجل ويسره، وليس كل الناس في ذلك سواء. قلت: أرأيت النفقة على الموسر وعلى المعسر كيف هي في قول مالك؟ قال: أرى أن يفرض لها على الرجل على قدر يساره وقدر شأن المرأة وعلى المعسر أيضا ينظر السلطان في ذلك على قدر حاله وعلى قدر حالها قلت: فإن كان لا يقدر على نفقتها؟ قال: يتلوم له السلطان فإن قدر على نفقتها وإلا فرق بينهما، قال مالك: والناس في هذا مختلفون، منهم من يطمع له بقوة ومنهم من لا يطمع له بقوة. قلت: أرأيت إن فرق السلطان بينهما ثم أيسر في العدة؟ قال مالك: هو أملك برجعتها إن أيسر في العدة وإن هو لم ييسر في العدة فلا رجعة له، ورجعته باطلة إذا هو لم ييسر في العدة. قلت: هل يؤخذ من الرجل كفيل بنفقة المرأة في قول مالك؟ قال: لا يؤخذ منه كفيل؛ لأن مالكا قال في رجل طلق امرأته وأراد الخروج إلى سفر، فقالت أنا أخاف الحمل، فأقم لي حميلا بنفقتي إن كنت حاملا قال مالك: لا يكون على الرجل أن يعطيها حميلا وإنما لها إن كان الحمل ظاهرا أن تأخذه بالنفقة وإن كان الحمل غير ظاهر، فلا حميل لها عليه، فإن خرج زوجها وظهر حملها بعده فأنفقت على نفسها، فلها أن تطلبه بالنفقة إذا قدم إن كان موسرا في حال حملها، وإنما ينظر إلى يساره في حال ما كان تجب عليه النفقة وإن كان غير غائب فأنفقت على نفسها ولم تطلبه بذلك حتى وضعت حملها فلها أن تتبعه بما أنفقت.
قلت: أرأيت إن أراد الزوج سفرا فطلبته امرأته بالنفقة، كم يفرض لها أشهرا أو

أكثر من ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكني أرى أن ينظر إلى سفره الذي يريد فيفرض لها على قدر ذلك. قلت: ويؤخذ منه في هذا حميل أو لا؟ قال: يدفع النفقة إليها ويأتيها بحميل يجريها لها. قلت: فإن كان الزوج حاضرا ففرض عليه السلطان نفقتها شهرا فشهرا فأرادت منه حميلا؟ قال: لا يكون لها أن تأخذ منه حميلا. قلت: لم؟ قال: لأنه حاضر يقول ما وجب لك علي فأنا أعطيك ولا أعطيك حميلا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت امرأة رجل هو معها مقيم فأقامت معه سنين وقد بنى بها، فادعت أنه لم ينفق عليها، وقال الزوج قد أنفقت عليها؟ قال: قال مالك: القول قول الزوج ويحلف. قلت: عديما كان الزوج أو موسرا؟ قال: نعم، إذا كان مقيما معها وكان موسرا. قلت: أرأيت إن كان غائبا فأقام سنين، ثم قدم فقال قد كنت أبعث إليها بالنفقة وأجريها عليها؟ قال: القول قول الزوج إلا أن تكون المرأة رفعت ذلك إلى السلطان، فاستعدت في مغيبه، فإن ذلك يلزم الزوج من يوم رفعت ولا يبرئه إلا أن يأتي بمخرج من ذلك، وإن قال: بعثت إليك لم ينفعه ذلك، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن كانت موسرة وكان الزوج موسرا أو معسرا فكانت تنفق من مالها على نفسها وعلى زوجها، ثم جاءت تطلب النفقة؟ قال: لا شيء لها في رأيي فيما أنفقت على نفسها إذا كان الزوج في حال ما أنفقت معسرا، وإن كان الزوج موسرا فذلك دين عليه، وأما ما أنفقت على زوجها فذلك دين عليه موسرا كان أو معسرا إلا أن يرى أنه كان منها لزوجها على وجه الصلة. قلت: وكذلك لو أن أجنبيا أنفق علي سنة ثم طلب ما أنفق أيكون ذلك له؟ قال: نعم، في رأيي إلا أن يكون رجلا يعرف أنه إنما أراد به ناحية الصلة والضيافة فلا يكون ذلك له. قلت: فإن كان إنما كان ينفق الخرفان ولحم الدجاج والحمام فكنت آكله وأنا لو كنت أنفق من مالي لم أنفق هذا؟ قال: لا ينظر في هذا الأمر إلى الإسراف، ويرجع عليه بغير السرف إلا أن يكون الذي أنفق عليه صغيرا فجعل ينفق عليه، فإنه لا يرجع عليه بشيء إلا أن يكون له مال يوم كان ينفق عليه، فإنه يرجع عليه في ماله ذلك.
قلت: أرأيت فإن تلف المال وكبر الصبي فأفاد مالا؟ قال: لا يكون له أن يرجع عليه في شيء في رأيي؛ لأن مالكا سئل عن رجل هلك وترك صبيا صغيرا وأوصى إلى رجل فأخذ ماله وأنفق عليه سنة أو سنتين، ثم أتى على الميت دين استغرق ماله كله أفترى على الوصي شيئا فيما أنفق على الصبي وهو لا يعلم بالدين أو هل يكون على الصبي إن كبر؟ قال مالك: في الصبي لا شيء عليه وإن كبر وأفاد مالا فيما أنفق عليه

لأنه لم يل ذلك. وقال: في الوصي كذلك لا ضمان عليه فهذا مثله عندي. قال سحنون: وكان المخزومي يقول ذلك على الصبي دين؛ لأن صاحب الدين لم ينفقه على اليتيم فيرى أن ذلك منه حسبة.
قلت: أرأيت إن أنفقت المرأة وزوجها غائب وهو معسر في حال ما أنفقته، أيكون ذلك دينا لها أم لا في قول مالك؟ قال: لا يكون ذلك دينا عليه كذلك قال مالك. قلت: ولم؟ قال: لأن الرجل إذا كان معسرا لا يقدر على النفقة فليس لها عليه النفقة إنما لها أن تقيم معه أو يطلقها، كذلك الحكم فيها. قلت: أرأيت إن أنفقت وهو غائب موسر أتضرب بنفقتها مع الغرماء؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أنفقت على نفسها وعلى ولدها والزوج غائب ثم طلبت النفقة؟ قال: ذلك لها إن كان موسرا يوم أنفقت على نفسها وعلى ولدها إن كانوا صغارا أو جواري أبكارا حضن أو لم يحضن وهذا رأيي. قلت: فهل تضرب بما أنفقت على الولد مع الغرماء؟ قال: لا.
قلت: أرأيت الرجل إذا قوي على نفقة امرأته ولم يقو على نفقة ولدها منه إلا صاغرا أيكون هذا عاجزا عن نفقة امرأته ويفرق بينها وبينه في قول مالك أم لا؟ قال: لا يكون عاجزا إذا قوي على نفقة امرأته وإن لم يقو على نفقة ولدها منه؛ لأن مالكا قال في الوالد إنه إنما تلزمه النفقة على الولد إذا كان الأب يقدر على غنى أو سعة، وإلا فهو من فقراء المسلمين لا يلزمه من ذلك شيء، وأما المرأة فليست كذلك إن لم يجد ما ينفق فرق بينهما، وهو إذا وجد نفقتها ولم يجد نفقة ولده لم يلزمه نفقتهم كانت المرأة أمهم أو لم تكن أمهم.
قلت: أرأيت إن كان لي على امرأتي دين وهي معسرة، فخاصمتني في نفقتها فقضي علي بنفقتها، قلت: احسبوا لي نفقتها في ديني الذي لي عليها؟ قال: ما سمعت في هذا شيئا وأرى إن كانت عديمة أن ينفق عليها ويتبعها بدينه ولا يحسب نفقتها من الدين لأنها لا تقدر على شيء. قلت: أرأيت إن كانت غنية؟ قال: إن كانت غنية قيل للزوج خذ دينك وادفع إليها نفقتها، وإن شئت فحاصصها بنفقتها. قلت: أرأيت إن اختلف الزوج والمرأة في فريضة القاضي في نفقتها وقد مات القاضي أو عزل، فقال الزوج فرض لك كل شهر عشرة دراهم، وقالت المرأة بل فرض لي كل شهر عشرين درهما؟ قال: القول فيه قول الزوج إن كان يشبه نفقة مثلها، وإلا كان القول قولها إذا كان يشبه نفقة مثلها، فإن كان لا يشبه نفقة مثلها لم يقبل قول واحد منهما وأعطيت نفقة مثلها، فيما تستقبل يفرض لها القاضي نفقة مثلها وما سمعت من مالك في هذا شيئا.

قلت: أرأيت إن دفع الزوج إلى المرأة ثوبا كساها إياه، فقالت المرأة أهديته إلي، وقال الزوج بل هو مما فرض القاضي علي؟ قال: القول قول الزوج في رأيي إلا أن يكون الثوب من الثياب التي يفرضها القاضي لمثلها فيكون القول قولها. قلت: أرأيت إن فرض لها القاضي نفقة شهر بشهر، فكانت تأخذ نفقة الشهر فتتلفه قبل الشهر، أيكون لها على الزوج شيء أم لا؟ قال: لا شيء لها على الزوج؛ لأن مالكا قال لي: كل من دفعت إليه نفقته كانت لازمة له على غيره مثل الابن يدفع عنه والده نفقته إلى أمه، وقد كان طلقها أو المرأة يقيم لها نفقتها فيدفع إليها نفقة سنة فيهلك الابن أو المرأة قبل ذلك، قال: قال مالك: يحاسب الأم أو من أخذ تلك النفقة بما أنفق من الأشهر ويرد فضل ذلك وذلك ضامن على من قبضه، فهذا يدلك على أنها إن أتلفته أو ضاع منها فلا شيء عليه قلت: أرأيت إن كساها فخرقته قبل الوقت الذي فرضه السلطان؟ قال: لا شيء عليه. قلت: وكذلك إن سرقت كسوتها؟ قال: نعم، في رأيي لا شيء لها؛ لأنها ضامنة له.
قلت: أرأيت المرأة إذا كان زوجها غائبا وله مال حاضر عرض أو قرض فطلبت المرأة نففتها، أيفرض لها نفقتها في مال زوجها وهل تكسر عروضه في ذلك في قول مالك؟ فقال: نعم. قلت: فهل يأخذ السلطان من المرأة حميلا بما دفع إليها حذرا من أن يدعي الزوج عليها حجة؟ قال: لا يؤخذ منها كفيل؛ لأنه كل من أثبت دينا على غائب ببينة وله مال حاضر عدى على ماله الحاضر ولم يؤخذ بما دفع إليه من ذلك حميل، وهو قول مالك، وكذلك المرأة إذا قدم الزوج وله حجة طلبها بحجته فكذلك الغريم، قلت: ويكون الزوج وهذا الغريم إذا قدما على حجتهما في قول مالك؟ قال: نعم، في رأيي قلت: أرأيت إن كان للزوج ودائع وديون على الناس أيفرض للمرأة في ذلك نفقتها أم لا؟ قال: قال مالك: نعم، يفرض لها نفقتها في ذلك ولم أسمعه من مالك ولكنه رأيي. قلت: أرأيت إن جحد الذي عليه الدين فقالت المرأة أنا أقيم البينة أن لزوجي علي هذا دينا، أتمكنها من ذلك؟ قال: نعم تمكن من ذلك، وكذلك أن لو كان رجل له على رجل دين فغاب المديان فقال الذي له الدين أنا أقيم البينة أن لغريمي هذا الغائب على هذا الرجل دينا، فاقضوني منه حقي أنه يمكن من ذلك وهو رأيي.
قلت: أرأيت إن أتت والزوج غائب ولا مال له في موضعها الذي هي فيه، فقالت افرض لي نفقتي على زوجي حتى إذا قدم أتبعته بما فرضت لي؟ قال: لا يفرض لها ويترك الزوج حتى يقدم، وإن كان في مغيبه عنها عديما لم يكن عليه شيء من نفقتها وإن كان موسرا فرض عليه نفقة مثله لمثلها، وهو رأيي قلت: أرأيت المجوسية إذا أسلم

زوجها، أيكون لها النفقة قبل أن يعرض عليها السلطان الإسلام؟ قال: ليس لها عليه نفقة؛ لأنها لا تترك، إنما يعرض عليها الإسلام، فإن أسلمت كانت امرأته وإلا فرق بينهما.
ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الجبار عن أبي الزناد قال: خاصمت امرأة زوجها إلى عمر بن عبد العزيز وأنا حاضر في إمرته على المدينة، فذكرت له أنه لا ينفق عليها، فدعاه عمر فقال: أنفق عليها وإلا فرقت بينك وبينها. قال أبو الزناد وقال عمر اضربوا له أجلا شهرا أو شهرين، فإن لم ينفق عليها إلى ذلك فرقت بينهما. قال أبو الزناد قال لي عمر: سل لي سعيد بن المسيب عن أمرهما، قال: فسألته فقال: يضرب له أجل، فوقت من الأجل نحوا مما وقت له عمر، قال سعيد فإن لم ينفق عليها إلى ذلك الأجل فرق بينهما، قال فأحببت أن أرجع إلى عمر من ذلك بالثقة، فقلت له: يا أبا محمد: أسنة هذه؟ فقال سعيد وأقبل بوجهه كالمغضب سنة سنة نعم سنة، قال: فأخبرت عمر بالذي قال فتوجع عمر لزوج المرأة، فأقام لها من ماله دينارا في كل شهر وأقرها عند زوجها وأحدهما يزيد على صاحبه. مالك وغيره عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول إذا لم ينفق الرجل على امرأته فرق بينهما1، وسمعت مالكا يقول كل من أدركت يقولون إذا لم ينفق الرجل على امرأته فرق بينهما. ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال: إذا تزوج الرجل المرأة وهو غني فاحتاج حتى لا يجد ما ينفق فرق بينهما، وإن وجد ما يغنيها من الخبز والزيت وغليظ الثياب لم يفرق بينهما، قال الليث وقال ربيعة: أما العباء والشمال فعسى أن لا يؤمر بكسوتها، وأما غليظ الثياب من الحنفي والأتريبي وأشباه ذلك فذلك جائز للمعسر، ولا يلتمس منه غيره، وما سد مخمصتها ورفع الجوع عنها، فليس لها غيره، وأما الخادم فإن لم تكن عنده قوة على أن يخدمها فإنهما يتعاونان على الخدمة، إنما حق المرأة على زوجها ما كفاها من الثياب والمطعم فأما الخدمة يكفي عنها عند اليسر وتعين بقوتها عند العسر، قال سحنون عجزه عن الخدمة كعجزه عن النفقة، والفرقة تجب بذلك بينهما إذا عجز عنها.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 82.

في العين
في العنين
قلت: أرأيت العنين متى يضرب له الأجل، أمن يوم تزوجها أم من يوم ترفعه إلى السلطان؟ قال: من يوم ترفعه إلى السلطان، وكذلك قال مالك. قلت: أرأيت العنين إذا فرق السلطان بينهما، أيكون أملك بها في العدة؟ قال: قال مالك: لا يكون أملك بها في العدة ولا رجعة له عليها. قلت: أرأيت إن قال الزوج العنين قد جامعتها وقالت المرأة ما

جامعني؟ قال: سألت مالكا عنها، فقال: قد نزلت هذه ببلدنا وأرسل إلي فيها الأمير فما دريت ما أقول له، ناس يقولون يجعل معها النساء وناس يقولون يجعل في قبلها الصفرة فما أدري ما أقول، قال ابن القاسم: إلا أني رأيت وجه قوله أن يدين الزوج ذلك ويحلف وسمعته منه غير مرة وهو رأيي قلت: أرأيت العنين إذا لم يجامع امرأته في السنة، وفرق بينهما بعد السنة، أيكون لها الصداق كاملا أم يكون لها نصف الصداق؟ قال: قال لي مالك: لها الصداق كله كاملا إذا أقام معها سنة؛ لأنه قد تلوم له وقد خلى بها فطال زمانه معها وتغير صبغها وخلق ثيابها، وتغير جهازها عن حاله، فلا أرى له عليها شيئا، وإن كان فراقه إياها قريبا من دخوله رأيت عليه نصف الصداق، قال: قال مالك: وإن ناسا ليقولون ليس لها إلا نصف الصداق، قال مالك: ولكن الذي أرى إن كان قد طال ذلك وتباعد وتلذذ منها وخلا بها أن الصداق لها كاملا.
ابن وهب عن عمر بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الرجل يبتني بالمرأة فلا يستطيع أن يمسها، أنه يضرب له أجل سنة من يوم يأتيان السلطان، قال: فإن استقرت فهي أولى بنفسها، قال عطاء إذا ذكر أنه يصيبها وتدعي أنه لا يأتيها فليس عليه إلا يمينه بالله الذي لا إله إلا هو لقد وطئتها ثم لا شيء عليه. ابن وهب عن محمد بن عمر وعن ابن جريج قال: أخبرني أبو أمية عبد الكريم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا: ينتظر به من يوم تخاصمه سنة، فإذا مضت سنة اعتدت المطلقة وكانت في العدة أملك بأمرها. ابن وهب قال ابن جريج وسألت عطاء فقال: لها الصداق حين أغلق عليها وينتظر به من يوم تخاصمه سنة فأما ما قبل ذلك فلا هو عفو عنه، ولكن ينتظر به من يوم تخاصمه، فإذا مضت سنة اعتدت وكانت تطليقة وإن لم يطلقها، وكانت في العدة أملك بأمرها. ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن عمر بن خلدة عن ابن المسيب بذلك، قال: يضرب له السلطان أجل سنة من يوم ترفع ذلك إلى السلطان، فإن استطاعها وإلا فرق بينهما. قال عبد الجبار وقال ذلك ربيعة. ابن وهب قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار أنه قال: أجل المعترض على أهله سنة. مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال إذا دخل الرجل بامرأته فاعترض عنها فإنه يضرب له أجل سنة فإن استطاع أن يمسها وإلا فرق بينهما.
ابن وهب قال موسى بن علي قال ابن شهاب إن القضاة يقضون في الذي لا يستطيع امرأته بتربص سنة يبتغي فيها لنفسه فإن ألم في ذلك بأهله فهي امرأته، وإن

مضت سنة ولم يمسها فرق بينه وبينها وتقضي القضاة بذلك من حين تناكره امرأته أو يناكره أهلها، قال ابن شهاب: وإن كانت تحته امرأته فولدت له ثم اعترض عنها فلم يستطع لها فلم أسمع بأحد فرق بين رجل وبين امرأته بعد أن يمسها فهذا الأمر عندنا.
قلت: أرأيت العنين إذا نكل عن اليمين؟ فقال: يقال للمرأة احلفي فإن حلفت فرق بينهما وإن أبت كانت امرأته وهذا رأيي قلت أرأيت إن فرق السلطان بين العنين وامرأته بعد مضي السنة أيكون عليها العدة للطلاق في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن كانت عنده جوار وحرائر وهو يصل إليهن ولا يصل إلى هذه التي تزوج، أيضرب له أجل سنة في قول مالك؟ قال: نعم يضرب له فيها أجل سنة وإن كان يولد له من غيرها، كذلك قال مالك قلت: أرأيت إن وطئها مرة ثم أمسك عنها أيضرب له أجل سنة في قول مالك؟ قال: لا يضرب له أجل سنة إذا وطئها ثم اعترض عنها عند مالك قلت: أرأيت العنين بعد سنة إذا فرق بينهما أيكون تطليقة أو يكون فسخا بغير طلاق؟ قال: قال مالك: تكون تطليقة قلت: والخصي أيضا إذا اختارت فراقه أتكون تطليقة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: لم؟ قال: لأنها لو شاءت أن تقيم معه أقامت وكان النكاح صحيحا فلما اختارت فراقه كانت تطليقة، ألا ترى أنهما كانا يتوارثان قبل أن تختار فراقه عند مالك.
قلت: أرأيت امرأة العنين والخصي والمجبوب إذا علمت به ثم تركته فلم ترفعه إلى السلطان وأمكنته من نفسها ثم بدا لها فرفعته إلى السلطان؟ قال: أما امرأة الخصي والمجبوب فلا خيار لها إذا أقامت معه ورضيت بذلك فلا خيار لها عند مالك، وأما امرأة العنين فلها أن تقول اضربوا له أجل سنة؛ لأن الرجل ربما تزوج المرأة فيعرض له دونها ثم يفرق بينهما، ثم يتزوج أخرى فيصيبها وتلد منه أولادا فتقول هذه تركته وأنا أرجو؛ لأن الرجال بحال ما وصفت لك فذلك لها إلا أن يكون قد أخبرها أنه لا يجامع وتقدمت على ذلك فلا قول لها بعد ذلك. قلت: ويكون فراقه تطليقة؟ قال: نعم قلت: أرأيت العنين، أيكون له أن يؤجله صاحب الشرط أو لا يكون ذلك إلا عند قاض أو أمير يولي القضاة؟ قال: قال مالك: أرى أن يجاز قضاء أهل هذه المياه، قال ابن القاسم: وإنما هم أمراء على تلك المياه وليسوا بقضاة، فأرى أن صاحب الشرط إن ضرب للعنين أجلا جاز، وكان ذلك جائزا، قال ولقد بلغني عن مالك في امرأة فقد زوجها، فضرب لها صاحب المياه الأجل فأخطأ في ضربه الأجل، قال ابن القاسم: أظنه ضرب لها الأجل من يوم فقدته أربع سنين، قال مالك: تستكمل ذلك من يوم يئس من خبره أربع سنين ولم يطعن في أنه لا يجوز له ما صنع فهذا يدلك أيضا على مسألتك: أرأيت إن

تزوج امرأة فوصل إليها مرة ثم طلقها، ثم تزوجها بعد ذلك لم يصل إليها، أيضرب له أجل سنة في قول مالك؟ قال: نعم.

في ضرب الأجل لامرأة المجنون والمجذوم
.
قلت: فالمجنون المطبق؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا. قال: وقال لي مالك في المجنون إذا أصابه الجنون بعد تزويجه المرأة: إنه يعزل عنها ويضرب له أجل سنة في علاجه، فإن برئ وإلا فرق بينهما، قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال يضرب له أجل سنة، قال: ولم أسمعه من مالك. قال: وقال لي مالك والمجذوم البين الجذام يفرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك. قلت: فهل يضرب لهذا الأجذم أجل مثل أجل المجنون للعلاج؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى إن كان ممن يرجى برؤه في العلاج وقدر على العلاج، فأرى أن يضرب له الأجل، ولم أسمع هذا من مالك.
ابن وهب عن مسلمة عمن حدثه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب في رجل مسلسل بقيود يخافونه على امرأته فقال: أجلوه سنة يتداوى فإن برئ وإلا فرق بينه وبين امرأته. ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال: إن كانت امرأته يؤذيها ولا يعفيها من نفسه لم توقف عليه ولم تحبس عنده، وإن كان يعفيها من نفسه ولا يرهقها بسوء صحبة لم يجز طلاقه إياها.

في اختلاق الزوجين في متاع البيت
في اختلاف الزوجين في متاع البيت
قلت: أرأيت إذا تنازعا في متاع البيت الرجل والمرأة جميعا وقد طلقها أو لم يطلقها أو ماتت أو مات هو؟ قال: قال مالك: ما كان يعرف أنه من متاع الرجال فهو للرجل وما كان يعرف أنه من متاع النساء فهو للنساء، وما كان يعرف أنه من متاع الرجال والنساء فهو للرجل؛ لأن البيت هو بيت الرجل، وما كان من متاع النساء ولي شراءه الرجل وله بذلك بينة فهو له ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما اشتراه لها وما اشتراه إلا لنفسه ويكون أحق به، إلا أن تكون لها بينة أو لورثتها أنه اشتراه لها. قلت: أرأيت ما كان في البيت من متاع الرجال فأقامت المرأة البينة أنها اشترته؟ قال: قال مالك: هو لها. قلت: وورثتها في البينة واليمين بمنزلتها؟ قال: نعم، إلا أنهم إنما يحلفون على علمهم أنهم لا يعلمون أن الزوج اشترى هذا المتاع الذي يدعي من متاع النساء، ولو كانت المرأة حية حلفت على البتات. قلت: وورثة الرجل بهذه المنزلة؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول

في القسم بين الزوجات
قلت: أرأيت المرأتين إذا كانتا تحت الرجل، أيصلح أن يقسم يومين لهذه ويومين لهذه أو شهرا لهذه وشهرا لهذه؟ قال: لم أسمع مالكا يقول إلا يوما لهذه ويوما لهذه. قال ابن القاسم: ويكفيك ما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا وأصحابه ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه قسم إلا يوما ههنا ويوما ههنا قال ابن القاسم: وقد أخبرني مالك أن عمر بن عبد العزيز كان ربما غاضب بعض نسائه فيأتيها في يومها فينام في حجرتها، فلو كان ذلك يجوز أن يقسم يومين ههنا ويومين ههنا أو أكثر من ذلك لأقام عمر عند التي هو عنها راض، حتى إذا رضي عن الأخرى وفاها أيامها، فهذا يدلك على ما أخبرتك قلت: أرأيت الرجل يتزوج البكر، كم يكون لها من الحق أن يقيم عندها ولا يحسبه عليها في القسم بين نسائه؟ قال: قال مالك: سبعة أيام. قلت: وذلك بيدها أو بيد الزوج إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل؟ قال: ذلك لها حق لازم وليس ذلك بيد الزوج، قال: ولقد كان بعض أصحابنا ذكر عن مالك أنه قال: إنما ذلك بيد الزوج، فكشفت عن ذلك فلم أجده إلا حقا للمرأة، ومما يدلك على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة، وقول أنس بن مالك" للبكر سبع وللثيب ثلاث"فأخبروك في حديث أنس بن مالك أن هذا للنساء ليس للرجال ومما صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين خير أم سلمة، فهذا يدلك أن الحق لها ولولا ذلك ما خيرها. قلت: أرأيت الثيب كم يكون لها؟ قال: ثلاث. قلت: وهو لها مثل ما وصفت في قول مالك؟ قال: نعم. سحنون عن أنس بن عياض أن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف حدثه عن عبد الملك بن الحارث بن هشام قال: "لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية أقام عندها ثلاثا، ثم أراد أن يدور فأخذت بثوبه، فقال ما شئت، إن شئت زدتك ثم قاصصتك به بعد اليوم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث للثيب وسبع للبكر"1.مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك بذلك. ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعطاء وزبان بن عبد العزيز مثله وقال عطاء وزبان هي السنة قلت: أرأيت إن سافر بإحداهن في ضيعته وحاجته أو حج بإحداهن أو اعتمر بها أو غزا بها، ثم قدم على الأخرى فطلبت منه أن يقيم عندها عدد الأيام التي سافر مع صاحبتها؟ قال: قال مالك: ليس ذلك لها ولكن يبتدئ القسم بينهما ويلغي الأيام التي كان فيها مسافرا مع امرأته إلا في الغزو، قال: لم أسمع مالكا يقول فيه شيئا إلا أنه قد ذكر مالك وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم بينهن فأخاف في الغزو أن يكون عليه أن يسهم بينهن. وأما رأيي فذلك كله عندي سواء الغزو وغيره يخرج بأيهن
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 15. ورواه البخاري في كتاب النكاح باب 101,100. مسلم في كتاب الرضاع حديث 46,45.

شاء إلا أن يكون خروجه بإحداهن على وجه الميل لها على من معها من نسائه، ألا ترى أن الرجل قد تكون له المرأة ذات الولد وذات الشرف وهي صاحبة ماله ومدبرة ضيعته، فإن خرج بها فأصابها السهم ضاع ذلك من ماله وولده ودخل عليه في ذلك ضرر، ولعل معها من ليس لها ذلك القدر ولا تلك الثقة وإنما يسافر بها لخفة مؤنتها ولقلة منفعتها فيما يخلفها له من ضيعته وأمره وحاجته إليها وفي قيامها عليه فما كان من ذلك على غير ضرر ولا ميل فلا أرى بذلك بأسا.
قلت: أرأيت إن سافرت هي إلى حج أو عمرة أو ضيعة لها وأقام زوجها مع صاحبتها، ثم قدمت فابتغت أن يقسم لها عدد الأيام التي أقام مع صاحبتها؟ قال: قال مالك: لا شيء لها قلت: أرأيت إن جار متعمدا فأقام عند إحداهما شهرا فرفعته الأخرى إلى السلطان وطلبت منه أن يقيم عندها بقدر ما جار به عند صاحبتها، أيكون ذلك لها أم لا وهل يجبره السلطان على أن يقيم عندها عدد الأيام التي جار فيها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن يزجر عن ذلك ويستقبل العدل فيما بينهما فإن عاد نكل، ولقد سألت مالكا عن العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا فيأبق عن سيده إلى بلاد فينقطع عنه عمله الذي كان للسيد فيه، ثم يقدر عليه فيريد السيد أن يحاسبه في الأيام التي غيب نفسه فيها واستأثر بها لنفسه، قال مالك: ليس ذلك عليه وإنما يستقبل الخدمة بينه وبين سيده من يوم يجده، فهذا يبين لك أمر المرأتين، وهذا كان أحرى أن يؤخذ منه تلك الأيام التي غيب نفسه فيها؛ لأنه حق للسيد.
قلت: وما علة مالك ههنا حين لم يحسب ذلك على العبد؟ قال: قال مالك: هو إذا عبد كله قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت عنده امرأة فكرهها، فأراد فراقها فقالت: لا تفارقني واجعل أيامي كلها لصاحبتي ولا تقسم لي شيئا أو تزوج علي واجعل أيامي كلها للتي تتزوج؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك ولا يقسم لها شيئا. قلت: أرأيت إن أعطته هذا ثم شحت عليه بعد ذلك، فقالت افرض لي؟ قال: ذلك لها متى ما شحت عليه قسم لها أو يفارقها إن لم يكن له بها حاجة وهذا رأيي قال: فقلنا لمالك فالمرأة يتزوجها الرجل ويشترط عليها أنه يؤثر من عنده عليها، يقول لها على هذا أتزوجك ولا شرط لك علي في مبيتك؟ قال: لا خير في هذا النكاح، وإنما يكون هذا الشرط بعد وجوب النكاح في أن يؤثر عليها فيخيرها في أن تقيم أو يفارقها، فيجوز هنا فأما من اشترط ذلك في عقدة النكاح فلا خير في ذلك. قلت: أرأيت إن وقع النكاح على هذا؟ قال: أفسخه قبل البناء بها وإن بنى بها أجزت النكاح وأبطلت الشرط وجعلت لها ليلتها. قلت: أرأيت إن

كانت عنده زوجتان، فكان ينشط في يوم هذه للجماع ولا ينشط في يوم هذه أيكون عليه في هذا شيء أم لا في قول مالك؟ قال: أرى ما ترك من جماع إحداهما وجامع الأخرى على وجه الضرر والميل أن يكف عن هذه لمكان ما يجد من لذته في الأخرى، فهذا الذي لا ينبغي له ولا يحل، فأما ما كان من ذلك فيما لا ينشط الرجل ولا يتعمد به الميل إلى إحداهما ولا الضرر فلا بأس بذلك. قلت: ففي قول مالك هذا أن الرجل لا يلزمه أن يعدل بينهما في الجماع؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت القسم بين الأحرار المسلمات والإماء المسلمات وأهل الكتاب سواء قول مالك؟، قال: نعم
قلت: ويقسم العبد بين الأمة والحرة والذمية من نفسه بالسوية في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت رجلا صائم النهار وقائم الليل سرمد العبادة، فخاصمته امرأته في ذلك، أيكون لها عليه شيء أم لا في قول مالك؟ قال: أرى أنه لا يحال بين الرجل وبين ما أراد من العبادة، ويقال له ليس لك أن تدع امرأتك بغير جماع، فإما إن جامعت، وإما فرقنا بينك وبينها، قال ابن القاسم: إلا أني سألت مالكا عن الرجل يكف عن جماع امرأته من غير ضرورة ولا علة؟ قال مالك: لا يترك لذلك حتى يجامع أو يفارق على ما أحب أو كره، لأنه مضار، فهذا الذي يدلك على الذي سرمد العبادة إذا طلبت المرأة منه ذلك أن عبادته لا يقطع عنها حقها الذي تزوجها عليه من حقها في الجماع.
قلت: أرأيت الصغيرة التي قد جومعت والكبيرة والبالغة، أيكون القسم بينهما سواء في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت من كانت تحته رتقاء أو من بها داء لا يقدر على جماعها مع ذلك الداء، وعنده أخرى صحيحة، أيكون القسم بينهما سواء في قول مالك؟ قال: قال مالك في الحائض والمريضة التي لا يقدر على جماعها إنه يقسم لها ولا يدع يومها وكذلك مسألتك قلت: أرأيت إن كان الرجل هو المريض أيقسم في مرضه بينهما بالسوية؟ قال: سألت مالكا عن المريض يمرض وله امرأتان، فقلت له أيبيت عند هذه ليلة وعند هذه ليلة؟ قال مالك: إن كان مرضه مرضا يقوى على أن يختلف فيما بينهما رأيت ذلك عليه، وإن كان مرضه مرضا قد غلبه أو يشق عليه ذلك فلا أرى بأسا أن يقيم حيث شاء ما لم يكن ذلك منه ميلا. قال: فقلنا لمالك: فإن صح أيعدل؟ قال: يعدل فيما بينهما القسم يبتدئه ولا يحسب للتي لم يقم عندها ما أقام عند صاحبتها، قال: نعم قلت: أرأيت المجنونة والصحيحة في قول مالك في القسم بينهما سواء؟ قال: نعم سواء.

قال ابن القاسم: وقال مالك: ليس للحرائر مع أمهات الأولاد من القسم شيء من الأشياء، قال: ولا بأس أن يقيم الرجل عند أم ولده اليومين والثلاثة ولا يقيم عند الحرة إلا يوما من غير أن يكون مضارا، قال مالك: ولقد كان ههنا رجل ببلدنا وكان قاضيا وكان فقيها وكان له أمهات أولاد وحرة، فكان ربما أقام عند أمهات أولاده الأيام، قال مالك: ولقد أصابه مرض فانتقل إلى أمهات أولاده وترك حرته فلم ير أحد من أهل بلادنا بما صنع بأسا قلت: أرأيت المجبوب ومن لا يقدر على الجماع تكون تحته الحرائر، أيقسم من نفسه بينهن بالسوية في قول مالك؟ قال: نعم، في رأيي؛ لأن مالكا قال له أن يتزوج فإذا كان له أن يتزوج فعليه أن يقسم بالسوية.
كمل كتاب النكاح الثاني من المدونة الكبرى ويليه كتاب النكاح الثالث.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح الثالث

الرجل ينكح النسوة في عقدة واحدة
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أيجوز في قول مالك أن يتزوج الرجل امرأتين في عقدة واحدة؟ قال: لا أحفظ عن مالك في هذا شيئا ولا يعجبني ذلك إلا أن يكون سمى لكل واحدة منهما صداقها على حدة. قلت: أرأيت إن طلق إحداهما أو مات عنها قبل الدخول كم يكون صداقها، أيقوم المهر الذي سمى أم يقسم بينهما على قدر مهريهما؟ قال: لا أرى أن يجوز إلا أن يكون سمى لكل واحدة صداقها قلت: أرأيت إن تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة، وسمى مهر كل واحدة منهن، أيكون النكاح جائزا في قول مالك أم لا؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك فيه الساعة، وأراه جائزا إلا أن الذي أخبرتك به أنه بلغني من قول مالك إنما كرهه؛ لأنه لا يدري صداق هذه من صداق هذه قلت: أرأيت إن تزوج حرة وأمة في عقدة واحدة وسمى لكل واحدة صداقها؟ قال: كان مالك مرة يقول يفسخ نكاح الأمة ويثبت نكاح الحرة، ثم رجع فقال إن كانت الحرة علمت بالأمة فالنكاح ثابت، نكاحها ونكاح الأمة، ولا خيار لها، وإن كانت لم تعلم فلها الخيار إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت. قال سحنون وقد بينا هذا الأصل في الكتاب الأول.

نكاح الأم وابنتها في عقدة واحدة
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة وابنتها في عقدة واحدة ويسمي لكل واحدة منهما صداقها ولم يدخل بواحدة منهما؟ قال: قال مالك: ولم أسمعه أنا منه، ولكن بلغني أنه

قال: يفسخ هذا النكاح ولا يقر على واحدة منهما، فإن قال أنا أفارق واحدة وأمسك الأخرى، قال: ليس ذلك له لأنه لم يعقد نكاح كل واحدة منهما قبل صاحبتها. قلت: فإذا فرقت بينهما أيكون له أن يتزوج الأم منهما؟ قال: نعم. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك ولكن هذا رأيي أن له أن يتزوج الأم. قلت: ويتزوج البنت؟ قال: لا بأس بذلك. قال سحنون وقد قيل لا يتزوج إلا للشبهة التي في البنت.
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة وابنتها في عقدة واحدة وللأم زوج ولم يعلم بذلك، فعلم بذلك أيكون نكاح البنت جائزا أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك لا يجوز؛ لأن من قول مالك كل صفقة وقعت بحلال وحرام، فلا يجوز ذلك عنده في البيوع. قال: وقال مالك: وأشبه شيء بالبيوع النكاح. ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمر بن شعيب عن أبيه رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها وإن لم يدخل فلينكحها" 1. رجال من أهل العلم عن زيد بن ثابت وابن شهاب والقاسم وسالم وربيعة مثله إلا أن زيدا قال: الأم مبهمة ليس فيها شرط وإنما الشرط في الربائب.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب النكاح باب 25.

الرجل يتزوج المرأة ثم يتزوج ابنتها قبل أن يدخل بها
قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة، فلم يدخل بها ثم تزوج ابنتها بعد ذلك وهو لا يعلم فدخل بالبنت؟ قال: يحرم عليه الأم والبنت جميعا. قال: وقال مالك: ولا يكون للأم صداق، ويفرق بينهما ثم يخطب البنت إن أحب فأما الأم فقد حرمت عليه أبدا لأنها قد صارت من أمهات نسائه وإن كان نكاح البنت حراما فإنه يحمل النكاح الصحيح، ألا ترى أن النسب يثبت فيه وأن الصداق يجب فيه وأن الحدود تدفع فيه فلا بد للحرمة أن تقع كما تقع في النكاح الصحيح قلت: أرأيت إن تزوج بنتا وتزوج أمها بعدها فبنى بالأم ولم يبن بالابنة؟ قال: يفرق بينه وبينهما عند مالك ولا تحل له واحدة منهما أبدا؛ لأن الأم قد دخل بها فصارت الربيبة محرمة عليه أبدا إذ الأم هي من أمهات نسائه ولا تحل له أبدا. ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها ثم تزوج أخرى فإذا هي ابنتها، قال: نرى أن يفرق بينه وبين ابنتها فإنه نكحها على أمها فإن لم يكن مس ابنتها أقرت عنده أمها، فإن كان مسها فرق بينه وبين أمها لجمعه بينهما، وقد نهى الله عن ذلك، ولها مهرها بما استحل منها، قال يونس وقال ربيعة يمسك الأولى فإن دخل بابنتها فارقهما جميعا؛ لأن هاتين لا تصلح إحداهما مع الأخرى.

قلت: ومحمل الجدات وبنات البنات وبنات البنين هذا المحمل في قول مالك؟ قال: نعم، قال: وقال مالك: كل امرأتين لا يحل لرجل أن يتزوج منهما واحدة بعد واحدة في النكاح الصحيح إذا دخل بالأولى فانظر: إذا تزوج واحدة بعد واحدة فاجتمعا في ملكه فوطئ الأولى منهما، ففرق بينه وبين الآخرة جميعا؛ وإن وطئ الآخرة منهما فرق بينه وبين الأولى والآخرة جميعا، ثم إن أراد أن يخطب إحداهما فانظر إلى ما وصفت لك من أمر الأم والبنت فاحملهم على ذلك المحمل فإن كان وطئ الأم حرمت البنت أبدا وإن كان وطئ البنت ولم يطأ الأم لم تحرم عليه الأم، فإن كان نكاح البنت أولا ثبت معها وفرق بينه وبين الأم، فإن كان نكاح البنت آخرا فرق بينه وبينهما جميعا، ثم يخطبها بعد ثلاث حيض أو بعد أن تضع حملها إن كان بها حمل.
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة فينظر إلى شعرها أو إلى صدرها أو إلى شيء من محاسنها أو نظر إليها تلذذا أو قبل أو باشر ثم طلق أو ماتت، إلا أنه لم يجامعها، أتحل له ابنتها؟ وقد قال الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23]، قال: قال مالك: إذا نظر إلى شيء منها تلذذا لم يصلح له أن يتزوج ابنتها، قال مالك: وكذلك الخادم إذا نظر إلى ساقيها أو معصميها تلذذا لم تحل له بنت الخادم أبدا، ولا تحل الخادم لأبيه ولا لابنه أبدا.
ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج برفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الذي يتزوج المرأة فيغمزها ولا يزيد على ذلك لا يتزوج ابنتها، قال: وكان ابن مسعود يقول: إذا قبلها فلا تحل له الابنة أبدا. قال ابن وهب: وكان عطاء يقول: إذا جلس بين فخذيها فلا يتزوج ابنتها. مخرمة عن أبيه عن عبد الله بن أبي سلمة ويزيد بن قسيط وابن شهاب في رجل تزوج امرأة فوضع يده عليها فكشفها ولم يمسها أنه لا يحل له ابنتها قلت: أرأيت إن تزوج الأم فدخل بها ثم تزوج البنت ودخل بها؟ قال: قال مالك: يحرمان عليه جميعا، وكذلك الجدات وبنات بناتها وبنات بنيها هن بهذه المنزلة بمنزلة الأم والابنة في الحرمة قلت: فإن تزوج الأم ودخل بها أو لم يدخل بها ثم تزوج البنت بعد ذلك ولم يدخل بالبنت؟ قال: قال مالك: يفرق بينه وبين البنت ويثبت على الأم لأن نكاح الأم لا يفسد إلا بوطء الابنة إذا كان وطئ الابنة بنكاح فاسد، وكذلك إن كان إنما تزوج البنت أولا فوطئها أو لم يطأها، ثم تزوج الأم بعد ذلك لم يفسد نكاح البنت إلا أن يطأ الأم.
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة في عدتها فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها، أيقران على النكاح الثاني في قول مالك؟ قال: لا يثبت على النكاح الثاني في رأيي؛ لأن

العقدة الأولى كانت باطلة؛ لأنها لا تحل لابنه وأبيه أن ينكحها قلت: أرأيت إن تزوج امرأة في عدتها فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها أيقران على النكاح الثاني في قول مالك؟ قال: يثبت على النكاح الثاني في رأيي؛ لأن العقدة الأولى عقدة المرأة التي تزوجها في عدتها ليست بعقدة وليس ذلك بنكاح، ألا ترى أنه إذا لم يبن بها أو يتلذذ منها بشيء حتى يفرق بينهما أن مالكا قال: لا بأس أن يتزوجها والده أو ابنه، فهذا يدلك على مسألتك وعلى قول مالك فيها قلت: أرأيت إن تزوج الأم وابنتها في عقدة واحدة فدخل بهما جميعا؟ قال: يفرق بينهما ولا ينكح واحدة منهما أبدا وهذا قول مالك. قلت: فإن كان إنما دخل بالأم أو بالابنة أو لم يدخل بهما جميعا؟ قال: سمعت من مالك أنه قال: إن كانت عقدتهما واحدة فدخل بالبنت حرمت عليه الأم ولم يتزوجها أبدا وفسخ نكاح البنت أيضا حتى يستبرئ رحمها، ثم يتزوجها بعد ذلك إن أحب بعد ذلك نكاحا مستقبلا، قال: وإن كان دخل بالأم ولم يدخل بالبنت فرق بينها ويستبرئ رحم الأم ثم ينكحها بعد ذلك ولا ينكح البنت أبدا، وإن كان لم يدخل بواحدة منهما وكانت عقدتهما واحدة فرق بينهما ويتزوج بعد ذلك أيتهما شاء، وهو رأيي؛ لأن عقدتهما كانت حراما فلا يحرمان بعد ذلك حين لم يصبهما، ألا ترى أنه لا يرث واحدة منهما إن ماتت ولو طلق واحدة منهما لم يكن ذلك طلاقا، قال سحنون وقد بينا هذا الأصل في أول الكتاب قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج أمها وهو لا يعلم فبنى بالأم، أيفرق بينه وبين الابنة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ويكون عليه للابنة نصف الصداق في قول مالك أم لا؟ قال: لا يكون لها عليه من الصداق قليل ولا كثير. قلت: لم وإنما جاءت هذه الفرقة والتحريم من قبل الزوج؟ قال: لأن هذا التحريم لم يعتمده الزوج وصار نكاح البنت لا يقر على حال، فلما فسخ قبل البناء صارت لا مهر لها، لا نصف ولا غيره. ابن وهب عن مخرمة عن أبيه، قال: سمعت سعيد بن عمار يقول: سألت سعيد بن المسيب وعروة بن عثمان عن رجل كانت له وليدة يطؤها، ثم إنه باعها من رجل فولدت له أولادا فأراد سيد الجارية الأولى أن ينكح ابنتها من هذا الرجل، قال: فكلهم نهاه عن ذلك ورأوا أنه لا يصلح، وقاله مالك إن بلغه ذلك إلا أنه قال: فأراد الذي باعها أن يشتري ابنتها فيطأها فسأل عن ذلك أبان وابن المسيب وسليمان بن يسار فنهوه عن ذلك، قال وأخبرني الليث عن يحيى بن سعيد مثله.

في الرجل يزني بأم امرأته أو يتزوجها عمدا
قلت: أرأيت إن زنى بأم امرأته أو ابنتها، أتحرم عليه امرأته في قول مالك؟ قال:

قال لنا مالك يفارقها ولا يقيم عليها، وهذا خلاف ما قال لنا مالك في موطئه وأصحابه على ما في الموطإ ليس بينهم فيه اختلاف وهو الأمر عندهم. ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن أنه سأل ابن المسيب عن رجل كان يبيع امرأته حراما فأراد أن ينكح ابنتها أو أمها، قال فسئل ابن المسيب فقال: لا يحرم الحرام الحلال، قال ثم سألت عروة بن الزبير فقال: نعم، مثل ما قال ابن المسيب قال ابن أبي ذئب وقال ذلك ابن شهاب وأخبرني رجال من أهل العلم عن معاذ بن جبل وربيعة وابن شهاب قالوا: ليس لحرام حرمة في الحلال قلت: فإن تزوج أم امرأته عمدا وهو يعلم أنها أمها أتحرم عليه الابنة في قول مالك؟ قال: أخبرتك أنه كره أن يقيم عليها بعد الزنا، فكيف بهذه التي إنما تزوجها والتزويج في هذا والزنا في أم امرأته التي تحته سواء؛ لأن الذي يزوج إن عذر بالجهالة فلا حد عليه وهو أحرم من الذي زنا؛ لأنه نكاح ويدرأ عنه الحد ويلحق به النسب.
قلت: أرأيت الصبي إذا تزوج المرأة ولم يجامعها أو جامعها وهو صبي، هل يحل لآبائه أو لأجداده أو لأولاد أولاده في قول مالك؟ قال: لا؛ لأن الله يقول في كتابه: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فلم تحل زوجة الابن على حال من الحالات دخل بها ابن أو لم يدخل بها، وإنما تقع الحرمة عند عقد الابن نكاحها. قال وكذلك امرأة الأب إذا عقد الأب نكاحها حرمت على أولاده وإن لم يدخل بها العقدة بالنكاح تقع الحرمة هاهنا ليس بالجماع إنما تلك الربيبة التي لا تقع الحرمة إلا بجماع أمها ولا تقع الحرمة بعقد نكاح أمها: أرأيت الرجل يفسق بامرأة يزني بها أتحل لابنه أو لأبيه؟ قال: سمعت مالكا غير مرة، وسئل عن الرجل الذي يزني بأم امرأته أو يتلذذ بها فيما دون الفرج، فقال أرى أن يفارق امرأته، فكذلك الرجل عندي إذا زنى بأم امرأته لم ينبغ لابنه ولا لأبيه أن يتزوجها أبدا وهو رأيي الذي آخذ به. قلت: أفيتزوج الرجل المرأة التي قد زنى بها هو نفسه في قول مالك؟ قال: نعم، بعد الاستبراء من الماء الفاسد. قلت: ويحل للذي فسق بهذه المرأة أن يتزوج أمهاتها وبناتها؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن الذي يزني بختنته أو يعبث عليها فيما فوق فرجها، فرأى أن يفارق امرأته فكيف يتزوج من ليس تحته فالذي أمره مالك أن يفارق امرأته من أجلها أيسر من الذي قد زنى بها أن يتزوج أمها أو بنتها وهو رأيي الذي آخذ به.
قلت: أرأيت مالكا هل كان يكره أن يتزوج الرجل المرأة قد قبلها أبوه لشهوة أو ابنه أو لامسها أو باشرها حراما؟ قال: سمعت منه في الذي يعبث على ختنته فيما دون الفرج

أمالكا أمره أن يفارق امرأته، فهذا مثله وهذا رأيي الذي آخذ به أن لا يتزوجها وأن ما تلذذ به الرجل من امرأة على وجه الحرام، فلا أحب لأبيه ولا لابنه أن يتزوجها، ولا أحب له أن يتزوج أمها ولا ابنتها وقد أمره مالك أن يفارق من عنده لما أحدث في أمها، فكيف يكون لمن ليست عنده أن يتزوجها.
قلت: فإن جامعها أكان مالك يكره لابنه أو لأبيه أن ينكحها؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن زنى الرجل بامرأة ابنه أو بامرأة أبيه أتحرم على ابنه أو أبيه في قول مالك؟ قال: الذي آخذ به أنه لا ينبغي لرجل أو ابنه أن ينكح امرأة واحدة كما كره مالك أن ينكح الرجل الواحد المرأة وابنتها، قال: وسمعته وسألته عن رجل زنى بأم امرأته، قال: أرى أن يفارقها والذي سأله عنها سأله سؤال رجل زنى بأم امرأته نزلت به وأنا أرى إذا زنى الرجل بامرأة ابنه أن يفارقها الابن ولا يقيم عليها. مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت سليمان بن يسار واستفتي في رجل نكح امرأة ثم توفي ولم يمسها هل تصلح لأبيه؟ قال: لا تصلح لأبيه. قال بكير وقال ذلك ابن قسيط وابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله بذلك يونس، قال ابن شهاب لا تحل لأبيه وإن طلقها. قال يونس وقال ربيعة لا تحل امرأة ملك بضعها رجل لوالد ولا لولد دخل بها أو لم يدخل بها.

في نكاح الأختين
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج أختها فبنى بها، أيتهما امرأته في قول مالك؟ قال: الأولى ويفرق بينه وبين الثانية. قلت: ويكون للأخت المدخول بها مهر مثلها أو المهر الذي سمى؟ قال: قال مالك: المهر الذي سمي لها، قال مالك: وكذلك إن تزوج أخته من الرضاعة ففرق بينهما بعد البناء، فإن لها المهر الذي سمى قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج في عقدة واحدة أختين لم يعلم بذلك ولا هما علمتا بذلك، فعلم قبل البناء بهما أو بعد البناء بهما، أيكون للزوج الخيار في أن يحبس أيتهما شاء في قول مالك؟ قال: لا خيار للزوج في أن يحبس واحدة منهما ولكن يفرق بينه وبينهما، قال وكل امرأتين يجوز له أن ينكح إحداهما بعد صاحبتها ولا يجوز له أن يجمعهما جميعا تحته، وإنه إن كان تزوجهما في عقدة واحدة فبنى بهما أو لم يبن بهما، فسخ نكاحه منهما جميعا ولا خيار له في أن يحبس واحدة منهما، وينكح أيتهما شاء بعد ذلك بعد أن تستبرئا إن كان قد دخل بهما أو بواحدة منهما وهذا قول مالك.
ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها ثم تزوج أخرى بالشام فدخل بها، فإذا هي أختها، ثم، قال لها أنت طالق ثلاثا، قال ابن

شهاب لا نرى عليه بأسا أن يمسك الأولى منهما، فإن نكاحها كان أول نكاح وللتي طلق مهرها كاملا وعليها العدة، فإن كانت حاملا فعليه نفقتها حتى تضع حملها قال يونس، قال ربيعة أما هو تكون الأولى بيده فهي امرأته وقد فارق الآخرة، وأما هو طلق الأولى فالآخرة مفارقة على كل حال قلت: أرأيت إن تزوج أختين، واحدة بعد واحدة وقد دخل بهما جميعا؟ قال: قال مالك: يفرق بينه وبين الآخرة ويثبت مع الأولى وكذلك العمة والخالة مما يحل للزوج أن يتزوج واحدة بعد هلاك الأخرى أو طلاقها.

في الأختين من ملك اليمين
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة وعنده أختها ملك يمينه وقد كان يطؤها، أيصلح له هذا النكاح؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال لي لا ينبغي لرجل أن يتزوج امرأة إلا امرأة يجوز له أن يطأها إذا نكحها فأرى هذه عندي لا يستطيع إذا تزوجها أن يطأها ولا يقبلها ولا يباشرها حتى يحرم عليه فرج أختها فلا يعجبني أن ينكح الرجل امرأة ينهى عن وطئها أو قبلتها لتحريم أخرى على نفسه ولا يجوز له أن ينكح إلا في الموضع الذي يجوز له فيه الوطء، ولو نكح لم أفرق بينه وبين امرأته ووقفته عنها حتى يحرم أيتهما شاء ولم أسمع مسألتك هذه من مالك ولكنه رأيي. قال سحنون وقد قال عبد الرحمن إن النكاح لا ينعقد وهو أحسن قوله وقد بينا هذا الأصل في كتاب الاستبراء قلت: أرأيت لو أن رجلا كان يطأ أمة له فباعها من رجل، ثم تزوج أختها ولم يبن بها حتى استبرأ أختها التي كان يطأ، أيكون له أن يطأ امرأته وقد عادت إليه الأمة التي كان يطأ أم لا يكون له أن يطأ امرأته حتى يحرم عليه فرج الأمة؟ قال: نعم، له أن يطأ امرأته وليس عليه أن يحرم فرج أمته.
قال ابن القاسم وقد قال مالك في الرجل تكون له الأختان من ملك اليمين فيطأ إحداهما، قال: قال مالك: لا يطأ الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي وطئ، فإن هو باع التي وطئ ثم وطئ التي عنده ثم اشترى التي باع، قال: قال مالك: لا بأس أن يقيم على التي وطئ؛ لأنه حين باع التي كان وطئها حل له أن يطأ أختها فلما وطئ أختها بعد البيع ثم اشترى أختها اشتراها والتي عنده حلال له فلا يضره شراء أختها في وطء التي عنده. قلت لابن القاسم: إن هذا حين باع أختها وطئ هذه التي بقيت في ملكه وليس هكذا مسألتي إنما مسألتي أنه عقد نكاح أختها التي باعها فلم يطأ أختها التي نكح حتى اشترى أختها التي كان يطأ، وقول مالك إنه وطئ التي كانت في ملكه بعد بيع الأخرى. قال: الوطء ههنا والعقد سواء؛ لأن التحريم قد وقع بالبيع. قلت: أوقع التحريم بالبيع

في التي باع وأوقع التحليل في التي بقيت عنده في ملكه، فلا يضره وطؤها. أو لم يطأها إن هو اشترى التي باع فله أن يطأ التي بقيت في ملكه ويمسك عن التي اشترى، قال: نعم. قلت: ويجعلهما كأنهما اشتريا بعدما وطئهما جميعا؟ قال: نعم قلت: ولو أن رجلا كان يطأ جارية فباعها وعنده أختها لم يكن وطئها، ثم اشترى التي كان باع قبل أن يطأ التي عنده كان مخيرا أن يطأ أيتهما شاء؛ لأن التحليل وقع فيهما قبل أن يطأ التي عنده فله أن يطأ أيتهما شاء؟ قال: نعم هاتان قد اجتمع له التحليل في أيتهما شاء، فإذا وطئ واحدة أمسك عن الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي كان وطئ، وهذا رأيي. ولو أن رجلا كانت عنده أختان فوطئ إحداهما ثم وثب على الأخرى فوطئها قبل أن يحرم عليه فرج التي وطئ أولا وقف عنهما جميعا حتى يحرم عليه أيتهما شاء.
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة فلم يطأها حتى اشترى أختها، أيكون له أن يطأ امرأته قبل أن يحرم عليه فرج التي اشترى؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، ألا ترى لو أن رجلا اشترى أختا بعد أخت كان له أن يطأ الأولى منهما وإن شاء الآخرة إلا أن هذا في النكاح لا يجوز له أن يطأ أختها التي اشترى إلا أن يفارق امرأته، فهذا في هذه المسألة مخالف للشراء فكذلك النكاح. قلت: أرأيت إن تزوج امرأة فاشترى أختها قبل أن يطأ امرأته فوطئ أختها، أتمنعه من امرأته حتى يحرم عليه فرج أمته أم لا؟ قال ابن القاسم: يقال له كف عن امرأتك حتى يحرم عليك فرج أمتك. قلت: ولا يفسد هذا نكاحه؟ قال: لا. قلت: لم؟ قال: لأن العقدة وقعت صحيحة فلا يفسده ما وقع بعد هذا من أمر أختها ألا ترى لو أنه تزوج امرأة ثم تزوج أختها فدخل بالثانية أنه يفرق بينه وبين الثانية عند مالك ويثبت على نكاح الأولى، فكذلك مسألتك، وإن تزوج أختين في عقدة واحدة وإن سمى لكل واحدة مهرا كان نكاحه فاسدا عند مالك فكذلك الذي كانت عنده أمة يطؤها فتزوج أختها بعد ذلك فأرى أن يوقف عنها حتى يحرم عليه فرج أختها التي وطئ، ولا أرى أن يفسخ النكاح قلت: أرأيت الرجل يكون عنده أم ولد ثم يزوجها ثم يشتري أختها فيطأها ثم ترجع إليه أم ولده أيكف عن أختها التي وطئها أم يقيم على وطئها ويمسك عن أم ولده؟ قال بل يقيم على وطء هذه التي عنده ويمسك عن أم ولده. قلت: فإن ولدت منه الثانية فزوجها ثم رجعتا إليه جميعا أيكون له أن يطأ أيتهما شاء ويمسك عن الأخرى؟ قال: نعم، ما لم يطأ التي رجعت إليه أولا قبل أن ترجع إليه الأخرى.

في وطء الأختين من الرضاعة بملك اليمين
قلت: أرأيت الرجل يملك الأختين من الرضاعة أيصلح له أن يطأهما في قول

مالك؟ قال: قال مالك: إذا وطئ إحداهما فليمسك عن الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي وطئ، ثم إن شاء وطئ الأخرى وإن شاء أمسك عنها. قلت: والرضاع في هذا والنسب في قول مالك سواء؟ قال: نعم.

نكاح الأخت على الأخت في عدتها
قلت: أيصلح للرجل أن يتزوج امرأة في عدة أختها منه من طلاق بائن في قول مالك؟ قال: نعم، وكذلك لو كن تحته أربع نسوة فطلق إحداهن طلاقا بائنا فتزوج أخرى في عدتها، قال مالك: ذلك جائز. قلت: أرأيت إن طلق امرأته تطليقة، فقال: الزوج قد أخبرتني أن عدتها قد انقضت وذلك في مثل ما تنقضي فيه العدة، أيصدق الرجل على إبطال السكنى إن كان أبت طلاقها وإن كان لم يبت طلاقها أيصدق على قطع النفقة والسكنى عن نفسه وعلى تزويج أختها؟ فقال: لا يصدق؛ لأن مالكا قال في العدة: القول قول المرأة. قلت: أرأيت إن كان قد تزوج أختها، فقالت المرأة لم تنقض عدتي، وقال الزوج قد أخبرتني أن عدتك قد انقضت؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وقد أخبرتك بقول مالك إن القول قول المرأة في انقضاء عدتها، وأرى أن يفرق بينهما ولا يصدق إلا أن يشهد على قولها أو يأتي بأمر يعرف أن عدتها قد انقضت ( مخرمة ) بن بكير عن أبيه قال: سمعت يزيد بن عبد الله بن قسيط واستفتي في رجل طلق امرأته فبتها هل يصلح له أن يتزوج أختها وهذه في عدتها منه لم تنقض بعد؟ قال: نعم، وقال ذلك عبد الله بن أبي سلمة وأخبرني غير واحد عن ابن شهاب مثله، وقال من أجل أنه لا رجعة له عليها وأنه لا ميراث بينهما. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة مثله. مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير أنهما سئلا عن رجل تحته أربع نسوة، فطلق واحدة ألبتة أينكح إن أراد قبل أن تنقضي عدتها؟ فقالا: نعم، فلينكح إن أحب وأخبرني رجال من أهل العلم عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وسالم بن عبد الله وابن شهاب وربيعة وعطاء ويحيى بن سعيد وسعيد بن المسيب مثله، وقال عثمان إذا طلقت ثلاثا فإنها لا ترثك ولا ترثها، انكح إن شئت وقال عطاء لينكح قبل أن تنقضي العدة وهو أبعد الناس منها.

في الجمع بين النساء
قال ابن القاسم وقال مالك فيمن يحل من النساء أن ينكح واحدة بعد واحدة فلا

وطء المرأة وابنتها من ملك اليمين
قلت: أرأيت لو أن رجلا وطئ جاريته أو جارية ابنه وعنده أمها امرأة له، فولدت الأمة، أتحرم عليه امرأته، وهل تكون الأمة أم ولد له في قول مالك؟ قال: أرى أن يفارق امرأته وأرى أن يعتق الجارية؛ لأنه لا ينبغي له وطؤها بوجه من الوجوه وليس له أن يتعبها في الخدمة وإنما كان له فيها المتاع بالوطء، لأني سمعت مالكا يقول فيمن زنى بأم امرأته إنه يفارق امرأته، فكيف بمن وطئ بملك وهو لا حد عليه فيها فمن لا حد عليه فيها أشد في التحريم ممن عليه فيها الحد، والحجة في أنها تعتق؛ لأن مالكا سئل عن الذي

يطأ أخته من الرضاع وهو يملكها، قال: لا حد عليه، وأرى أن تعتق عليه إن حملت؛ لأنه لا يصل إلى وطئها ولا منفعة له فيها من خدمة، وكل من وطئ من ذوات المحارم فحملت فإنها تعتق عليه ولا يؤخر فالذي وطئ ابنة امرأته مما يملكه بمنزلة أخته من الرضاعة ممن يملك سواء، ولو لم تحمل حرمت عليه امرأته؛ لأنه ممن لا حد عليه فيها، وهذا مما لا اختلاف فيه، ولقد سمعت مالكا غير مرة يقول يفارق امرأته إذا زنى بأمها أو بابنتها فكيف بهذا. الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال: لا يصلح لرجل أن ينكح ابنة ابن امرأته ولا ابنة ابنتها ولا شيء من أولادهما وإن بعدن منه، فقال: وبلغني عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أبي بكر بن حازم يقول: تسألني عن الرجل يجمع بين المرأة وابنتها من ملك اليمين، فلا تقرن ذلك لأحد فعله فقد نزل في القرآن النهي، يعني عنه، وإنما استحل من ذلك من استحله لقول الله تبارك وتعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وقد كان بلغنا أن رجلا من أسلم سأل عثمان عن ذلك فقال: لا يحل لك، ودخل عليه علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهوه عن ذلك وقالوا إنما أحل الله لك ما سمى لك سوى هؤلاء ما ملكت أيمانكم.

إحصان النكاح بغير ولي
قلت لابن القاسم: أرأيت إن تزوج امرأة بغير ولي استخلفت على نفسها رجلا فزوجها ودخل بها أيكون هذا نكاح إحصان في قول مالك؟ قال: لا يكون إحصانا.

إحصان الصغيرة
قلت: أرأيت الصبية الصغيرة التي لم تحصن، ومثلها يجامع إذا تزوجها فدخل بها وجامعها، أيكون ذلك إحصانا في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، تحصنه ولا يحصنها. قلت: أرأيت المجنونة والمغلوبة على عقلها إذا تزوجها فدخل بها وجامعها هل تحصنه في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي، ولا يحصنها هو، وقال بعض الرواة يحصنها لأنها بالغ وهي من الحرائر المسلمات ولأن نكاحها حلال.

إحصان الصبي والخصي
قلت: أرأيت الصبي إذا لم يحتلم يتزوج المرأة فيدخل بها ويجامعها ومثله يجامع

إحصان الأمة واليهودية والنصرانية
قال: هل تحصن الأمة واليهودية والنصرانية الحر في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان نكاحهن صحيحا قلت: فإن كان النكاح فاسدا أيكونان به محصنين إذا كانا حرين مسلمين، أو حر مسلم على نصرانية أو أمة والنكاح فاسد؟ قال: لا يحصن هذا النكاح وإنما يحصن من النكاح عند مالك ما كان منه يقام عليه.
قلت: أرأيت المسلم يتزوج النصرانية فيطؤها ثم يطلقها أو يموت عنها ثم تزني قبل أن تسلم وهي تحت زوج فيجامعها من بعد الإسلام؟ قال: فإن جامعها من بعد الإسلام أحصنها وإلا لم يحصنها.
قال مالك: وكذلك الأمة لا يحصنها زوجها بجماع كان منه وهي في رقها وإنما يحصنها إذا جامعها بعدما عتقت. يونس عن ربيعة أنه قال: لا تحصن نصرانية بمسلم إن جاز له نكاحها ولا يحصن من كان على غير الإسلام بنكاحه وإن كانوا من أهل الذمة بين ظهراني المسلمين حتى يخرجوا من دينهم إلى الإسلام ثم يحصنون في الإسلام. قد أقروا بالذمة على ما هو أعظم من نكاح الأمهات والبنات على قول البهتان وعبادة غير الرحمن. يونس عن ربيعة أنه قال: لا يحصن العبد ولا الأمة بنكاح كان في رق، فإذا أعتقهما فكأنهما لم يتزوجا قبل ذلك فإذا تزوجا بعد العتاقة وابتنيا فقد حصنا. يونس عن ابن شهاب أنه قال في مملوك تحت أمة فعتقا ثم زنيا بعد ذلك قال: يجلد كل واحدة منهما مائة جلدة فإنهما عتقا وهما متناكحان بنكاح الرق. يونس عن ابن شهاب أنه قال: لم أسمع أحدا من علمائنا يشك في أنه قد أحصن وأنه قد وجب عليه الرجم إذا نكح المسلم الحر النصرانية. مخرمة عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن أبي سلمة يقول في رجل تزوج نصرانية ثم زنى، عليه من رجم قال: نعم، يرجم. يونس عن ربيعة أنه قال: إن جاز للمسلم الحر أن ينكح النصرانية أحصن بها.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 40.

الدعوى في الإحصان
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها ثم يطلقها فيقول ما جامعها وتقول المرأة قد جامعني؟ قال: القول قول المرأة في ذلك. قلت: فإن طلقها واحدة؟ قال:

إحصان المرتدة
قلت: أرأيت المسلم يتزوج المرأة ويدخل بها ثم ترتد عن الإسلام، ثم ترجع إلى الإسلام، فتزني قبل أن تتزوج من بعد الردة أترجم أم لا ترجم؟ قال: لا أرى أن ترجم، ولم أسمعه من مالك، إلا أن مالكا سئل عنها إذا ارتدت وقد حجت ثم رجعت إلى الإسلام أيجزئها ذلك الحج؟ قال: لا، حتى تحج حجة مستأنفة، فإذا كان عليها حجة الإسلام حتى يكون إسلامها ذلك كأنه مبتدأ، مثل من أسلم كان ما كان من زنا قبله موضوعا وما كان لله، وإنما تؤخذ في ذلك بما كان للناس من الفرقة والسرقة مما لو عملته وهي كافرة، كان ذلك عليها، وكل ما كان لله مما تركته قبل ارتدادها من صلاة تركتها أو صيام أفطرته في رمضان أو زكاة تركتها أو زنا زنته فذلك كله عنها موضوع ولتستأنف بعد أن رجعت إلى الإسلام ما كان يستأنف الكافر إذا أسلم.
قال ابن القاسم: وهو أحسن ما سمعت وهو رأيي. قال ابن القاسم: والمرتد إذا ارتد وعليه أيمان بالعتق أو عليه ظهار أو عليه أيمان بالله قد حلف بها إن الردة تسقط ذلك عنه. سحنون وقد قال بعض الرواة إن ردته لا تطرح إحسانه في الإسلام ولا أيمانه بالطلاق، ألا ترى أنه لو طلق امرأته ثلاثا في الإسلام ثم ارتد، ثم رجع إلى الإسلام أكان يكون له تزويجها بغير زوج، ولو نكح امرأة قد طلقها زوجها ثلاثا ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام ما كانت الزوجة تحل لزوجها الذي طلقها ثلاثا بنكاحه قبل أن يرتد ووطئه إياها. قلت: أرأيت العبدين إذا أعتقا وهما زوجان فلم يجامعها بعد العتق حتى زنيا، أيكونان محصنين أم لا يكونان محصنين؟ قال: لا يكونان محصنين إلا بجماع من بعد العتق، وكذلك قال ابن شهاب وربيعة.

أراد السلطان أن يفسخه فسخه أو الولي لم يكن إحصانا ولم تحل لزوج كان قبله بهذا النكاح وهذا الذي سمعت من قول مالك ممن أثق به.
قلت: فهل يحلها وطء الصبي لزوج كان قبله إذا جامعها قال: قال مالك: لا يحلها وطء الصبي لزوج كان قبله إذا جامعها؛ لأن وطء الصبي ليس بوطء، ولأن مالكا قال لي أيضا لو أن كبيرة زنت بصبي لم يكن عليها الحد ولا يكون وطؤه إحصانا وإنما يحصن من الوطء ما يجب فيه الحد. قلت: أرأيت المجنون والخصي القائم الذكر هل تحل المرأة بجماعهما لزوج كان طلقها قبلهما ثلاثا في قول مالك؟ قال: نعم، في رأيي؛ لأن هذا وطء كبير. قلت: أرأيت المجبوب هل يحلها لزوج كان طلقها ثلاثا؟ قال: لا؛ لأنه لا يجامع. قلت: أرأيت الصبية إذا تزوجها رجل فطلقها ثلاثا ثم تزوجت آخر من بعده ومثلها يوطأ وذلك قبل أن تحيض، فوطئها الثاني فطلقها أيضا أو مات عنها، أتحل لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثا بوطء هذا الثاني وإنما وطئها قبل أن تحيض؟ قال: نعم، وهذا قول مالك. قلت: أرأيت ما لا تجعلها به محصنة هل تحلها بذلك الوطء وذلك النكاح لزوج كان قد طلقها ثلاثا في قول مالك؟ قال: لا وكذلك بلغني عن مالك في الإحصان.
قال ابن القاسم: وقال لي مالك في نكاح العبد وكل نكاح كان حراما: يفسخ ولا يترك عليه أهله، مثل المرأة تزوج نفسها والأمة تزوج نفسها والرجل يتزوج أخته من الرضاعة أو من ذوات المحارم وهو لا يعلم، أو يتزوج أخت امرأته وهو لا يعلم فيدخل بها، أو عمتها أو خالتها أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يحلها بذلك الوطء لزوج كان قد طلقها قبله ثلاثا ولا يكون ذلك الوطء ولا ذلك النكاح إحصانا وهو رأيي. قلت: أرأيت كل نكاح يكون للأولياء إن شاءوا أثبتوه وإن شاءوا ردوه، وإلى المرأة إن شاءت رضيت وإن شاءت فسخت النكاح، مثل المرأة تتزوج الرجل وهو عبد لا تعلم به والرجل يتزوج المرأة وهي جذماء أو برصاء لا يعلم بذلك حتى وطئها فاختارت المرأة فراق العبد واختار الرجل فراق هذه المرأة، أيكون هذا النكاح والوطء مما يحلها لزوج كان قبله؟ قال: قال لي مالك في المرأة تنكح الرجل وهو عبد لا تعلم به ثم علمت به بعدما وطئها فاختارت فراقه إن ذلك الوطء لا يحلها لزوج كان قبله فكذلك مسائلك كلها.
قلت: وهل تكون بذلك الوطء محصنة هذه المرأة؟ قال: لا تكون محصنة به في رأيي، وقد أخبرتك أن مالكا كان يقول لا تكون محصنة إلا بالنكاح الذي ليس إلى أحد فسخه، فهذا يجزئك؛ لأن مالكا قال: لو تزوج رجل امرأة وقد كان طلقها زوجها ثلاثا

فوطئها وهي حائض ثم فارقها لم تحل لزوجها الأول. قال ابن القاسم: ولا تكون بمثل هذا محصنة، وكذلك الذي تزوج امرأة في رمضان، فيطؤها نهارا أو يتزوجها وهي محرمة أو هو محرم فيطؤها، فهذا كله لا يحل لزوج كان طلقها ولا يكونان به محصنين، وكذلك كل وطء نهى الله مثل وطء المعتكفة وغير ذلك.
قال سحنون: وقد قال بعض الرواة وهو المخزومي قال الله عز وجل: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وقد نهى الله عن وطء الحائض فلا يكون ما نهى الله عنه يحل ما أمر به. يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال: ليس على الرجل إحصان حتى يتزوج ويدخل بامرأته، ولا على المرأة حتى يدخل بها زوجها. قال ربيعة: الإحصان الإسلام للحرة والأمة؛ لأن الإسلام أحصنهن إلا بما أحلهن به، والإحصان من الحرة أن لها مهرها وبضعها لا تحل إلا به، والإحصان أن يملك بضعها عليها زوجها وأن تأخذ مهرها ذلك الذي استحل ذلك منها به إن كانت عند زوج أو تأيمت منه وذلك أن تنكح وتوطأ. يونس عن ابن شهاب أنه قال ليس على الذي يتسرر الأمة حين يأتي بفاحشة الرجم ولكن عليه جلد مائة وتغريب عام. يونس عن ابن شهاب أنه قال: ترى الإحصان إذا تزوج الرجل المرأة ثم مسها أن عليه الرجم إن زنى. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن نصرانية تحت مسلم طلقها ألبتة ثم تزوجها نصراني ثم مات عنها أو طلقها النصراني ألبتة، هل تحل لزوجها الأول أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تحل لزوجها الأول بهذا النكاح. قلت: فإن كان هذا النصراني الذي تزوجها بعد هذا المسلم أسلم يثبت على نكاحه؟ قال: قال مالك: نعم، يثبت على نكاحه، قلت: فهذا إذا أسلم يثبت على نكاحه، وهو إن طلقها قبل أن يسلم لم يجعله مالك نكاحا يحلها به لزوجها الأول؟ قال: نعم؛ لأنه كان نكاحا في الشرك لا يحلها لزوجها الأول المسلم الذي طلقها ألبتة، وهو إن أسلم وهي نصرانية يثبت على نكاحه الذي كان في الشرك وإن أسلما جميعا ثبتا على نكاحهما الذي كان في الشرك، وبهذا مضت السنة. قلت: أرأيت إن أسلم وهي نصرانية فوطئها بعدما أسلم وقد كان زوجها المسلم طلقها ألبتة، أيحلها هذا الوطء بعد إسلامه إن هو مات عنها أو طلقها لزوجها الأول في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن تزوجها عبد بعدما طلقها زوجها ألبتة بغير أمر سيده، فوطئها ثم طلقها أيحلها وطء هذا العبد لزوجها الأول؟ قال: قال مالك: لا يحلها ذلك لزوجها الأول إلا أن يجيز السيد نكاحه ثم يطؤها بعدما أجاز السيد نكاحه، أو يكون السيد كان أمره بالنكاح فنكح ثم وطئ فهذه يحلها نكاح العبد ووطؤه لزوج كان قبله طلقها ألبتة.

قال مالك: وأما إذا تزوج بغير إذن سيده فوطئ فإن وطأها هذا لا يحلها لزوج كان قبله طلقها ألبتة، قلت: أرأيت العبد إذا تزوج بغير إذن سيده، فطلقها ألبتة قبل أن يجيز سيده نكاحه وقبل أن يعلم ذلك، أيقع طلاقه عليها في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكيف يقع الطلاق عليها؟ قال: لأن مالكا قال في الرجل إذا تزوج فكان إلى أحد من الناس أن يجيز ذلك النكاح إن أحب وإن أحب أن يفسخه فسخه، فلم يبلغ ذلك الولي الذي كان ذلك في يده حتى طلق الزوج، إن طلاق الزوج واقع؛ لأن الولي لو فسخ ذلك النكاح كان طلاقا، فكذلك الزوج إذا طلق وقع طلاقه ولا يحلها وطؤه إياها لزوج كان طلقها قبله ثلاثا وكذلك العبد، وقال غيره لا يحلها إلا النكاح التام الذي لا وصم فيه ولا قول مع الوطء الحلال.
قلت: أرأيت إن تزوج رجل امرأة بغير إذن الولي فدخل بها، وقد كانت تحت زوج قبله طلقها ألبتة ففرق الولي بينها وبين زوجها هذا الآخر بعدما كان وطئها أو مات عنها أو طلقها ألبتة أو طلقها واحدة، فانقضت عدتها أيحلها هذا النكاح للزوج الذي طلقها ألبتة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحلها هذا النكاح - وإن وطئ فيه - لزوج كان قبله طلقها ألبتة إلا أن يطأ بعد إجازة الأولياء، فإن وطئها بعد إجازة الأولياء فإن ذلك يحلها لزوجها الذي كان قبله.
قلت: أرأيت كل نكاح فاسد لا يقر على حال، فإن دخل بها زوجها وكان ذلك بإذن الأولياء أيحلها ذلك النكاح إذا دخل بها ففرق بينهما لزوج كان قبله طلقها ألبتة في قول مالك؟ قال: لا يحلها بذلك لزوجها الذي كان قبله في قول مالك. قلت: أرأيت لو أن صبيا تزوج امرأة بإذن أبيه قد كان طلقها زوجها قبل ذلك ألبتة فدخل بها هذا الصبي فجامعها ومثله يجامع إلا أنه لم يحتلم فمات عنها هذا الصبي، أيحلها جماعه إياها لزوجها الذي كان طلقها ألبتة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحلها ذلك لزوجها لأن وطء هذا الصبي ليس بوطء وإنما الوطء ما يجب فيه الحدود. قلت: أتقع بذلك الحرمة فيما بين آبائه وأولاد هذا الصبي وبين هذه المرأة؟ قال: نعم بالعقدة تقع الحرمة في قول مالك قبل الجماع قال: وسمعت مالكا يقول في المسلم يطلق النصرانية ثم يتزوجها النصراني ويدخل بها إن ذلك ليس يحلها لزوجها. قال مالك: لأن نكاحهم ليس بنكاح المسلمين. قلت: ولم وهم يثبتون على هذا النكاح إن أسلموا؟ قال: قال مالك: هو نكاح إن أسلموا.
قال ابن القاسم: وابن وهب وعلي عن مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته تميمة بنت وهب

على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فنكحها عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الذي كان طلقها. قال عبد الرحمن فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها، وقال: "لا تحل لك حتى تذوق العسيلة"1. يونس عن ابن شهاب أنه قال: فمن أجل ذلك لا يحل لمن بت طلاق امرأته أن يتزوجها حتى تتزوج زوجا غيره ويدخل بها ويمسها. يزيد بن عياض أنه سمع نافعا يقول إن رجلا سأل ابن عمر عن التحليل فقال ابن عمر عرفت عمر بن الخطاب لو رأى شيئا من هذا لرجم فيه.
ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم منهم ابن لهيعة والليث عن محمد بن عبد الرحمن المرادي أنه سمع أبا مرزوق التجيبي يقول: إن رجلا طلق امرأته ثلاثا ثم ندما وكان لهما جار فأراد أن يحلل بينهما بغير علمهما، قال: فلقيت عثمان بن عفان وهو راكب على فرسه، فقلت: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فقف علي فقال: إني على عجل فاركب ورائي، ففعل ثم قص عليه الأمر فقال له عثمان لا إلا بنكاح رغبة غير هذا السنة. يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي جعفر عن شيخ من الأنصار قديم يقال له أبو عامر عن عثمان بهذا قال عبيد الله فحسبت أنه قال: ولا أستهزئ بكتاب الله. وأخبرني رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن المسيب وطاوس وعبد الله بن يزيد بن هرمز والوليد بن عبد الملك وغيرهم من التابعين مثله. قال ابن المسيب لو فعلت كان عليك إثمهما ما بقيا. قال الوليد كنت أسمع يقال إن الزنا ثلاثة الرجل والمحلل والمرأة، وقال بعضهم اتق الله ولا تكن مسمار نار في كتاب الله، فقلت لمالك: إنه يحتسب في ذلك فقال يحتسب في غير هذا وقال الليث لا ينكح بنكاح رغبة.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث"17" "... عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير أن رفاعة..."بدون لفظ" عن أبيه". البخاري في كتاب اللباس باب 6، 23 مسلم في كتاب النكاح حديث 111، 115.

في نكاح المشركين وأهل الكتاب وإسلام أحد الزوجين والسبي والارتداد
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن تزوج نصراني نصرانية على خمر أو على خنزير أو بغير مهر أو اشترط أن لا مهر لها وهم يستحلون ذلك في دينهم فأسلما؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأحب إلي إن كان قد دخل بها أن يكون لها في جميع هذا صداق مثلها، إذا لم تكن قبضت قبل البناء شيئا كان لها صداق مثلها، فإن كان قد دخل بها وقبضت قبل البناء بها ما كان أصدقها، ولم يكن على الزوج شيء وهم على نكاحهما، فإن كان لم يدخل بها حتى أسلما وقد قبضت ما أصدقها أو لم تقبض، فأرى

أنه بالخيار إن أحب أن يعطيها صداق مثلها ويدخل، فذلك له وإن أبى فرق بينهما ولم يكن لها عليه شيء وكانت تطليقة واحدة، وقال بعض الرواة إن قبضت ما أصدقها ثم أسلما ولم يدخل فلا شيء لها؛ لأنها قد قبضته في حال هو لها ملك.
قلت: أرأيت لو أن ذميا تزوج مسلمة بإذن الولي ودخل الذمي بها، ماذا يصنع بهذا الذمي وبالمرأة وبالولي، أيقام على المرأة والذمي الحد ويوجع الولي عقوبة في قول مالك؟ قال: قال مالك: في ذمي اشترى مسلمة فوطئها قال: أرى أن يتقدم إلى أهل الذمة في ذلك أشد التقدم ويعاقبون على ذلك ويضربون بعد التقدم. قال ابن القاسم: فأرى إن كان ممن يعذر بالجهالة من أهل الذمة لم يضرب ولا أرى أن يقام في هذا حد، ولكني أرى العقوبة إن لم يجهلوا. ابن وهب عن سفيان الثوري عن يزيد بن أبي زياد قال: سمعت زيد بن وهب الجهني يقول: كتب عمر بن الخطاب يقول إن المسلم ينكح النصرانية ولا ينكح النصراني المسلمة.
قال يزيد بن عياض وبلغني عن علي بن أبي طالب أنه قال: لا ينكح اليهودي المسلمة ولا النصراني المسلمة. يونس عن ربيعة أنه قال: لا يجوز لنصراني أن ينكح الحرة المسلمة. مخرمة بن بكير عن أبيه قال. سمعت عبد الله بن أبي سلمة يسأل هل يصح للمسلمة أن تنكح النصراني؟ قال: لا. قال بكير وقال ذلك ابن قسيط والقاسم بن محمد قالا ولا اليهودي، وسليمان بن يسار وأبو سلمة بن عبد الرحمن قالوا: فإن فعلا ذلك فرق بينهما السلطان. يونس عن ربيعة أنه قال في نصراني أنكحه قوم وهو يخبرهم أنه مسلم، فلما خشي أن يطلع عليه أسلم وقد بنى بها قال ربيعة يفرق بينهما وإن رضي أهل المرأة؛ لأن نكاحه كان لا يحل وكان لها الصداق ثم إن رجع إلى الكفر بعد الإسلام ضربت عنقه. قلت: أرأيت لو أن مجوسيين أسلم الزوج، أتنقطع العصمة فيما بينه وبين امرأته أم لا تنقطع العصمة حتى توقف المرأة، فإما أن تسلم وإما أن تأبى فتنقطع العصمة بإبائها الإسلام في قول مالك أم كيف يصنع في أمرها؟ قال: قال مالك: إذا أسلم الزوج قبل المرأة وهما مجوسيان وقعت الفرقة بينهما وذلك إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم. قال ابن القاسم: وأرى إذا طال ذلك فلا تكون امرأته، وإن أسلمت وتنقطع فيما بينهما إذا تطاول ذلك. قلت: كم يجعل ذلك؟ قال: لا أدري؟ قلت: أشهرين؟ قال: قال: لا أحد فيه حدا وأرى الشهر وأكثر من ذلك قليلا وليس بكثير. قلت: أرأيت الزوجين المجوسيين إذا أسلمت المرأة أو النصرانيين أو اليهوديين إذا أسلمت المرأة أهم سواء؟ قال: نعم سواء عند مالك. قال: وقال مالك: والزوج أملك

بالمرأة إذا أسلم وهي في عدتها، فإذا انقضت عدتها فلا سبيل له عليها وإن أسلم بعد ذلك. قلت: وهل يكون إسلام أحد الزوجين طلاقا إذا بانت منه في قول مالك؟ قال: قال: لا يكون إسلام أحد الزوجين طلاقا إنما هو فسخ بلا طلاق.
ابن وهب عن مالك وعبد الجبار ويونس عن ابن شهاب قال: "بلغنا أن نساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يسلمن بأرضهن غير مهاجرات وأزواجهن حين يسلمن كفار: منهن ابنة الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح بمكة وهرب صفوان من الإسلام فركب البحر، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه وهب بن عمير بن خلف برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يقدم عليه، فإن أحب أن يسلم أسلم، وإلا سيره شهرين قال: عبد الجبار في الحديث فأدركه وقد ركب في البحر، فصاح به أبا وهب، فقال: ما عندك وماذا تريد فقال: هذا رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لك، فتأتي فتقيم شهرين فإن رضيت أمرا قبلته وإلا رجعت إلى مأمنك، قالوا في الحديث فلما قدم صفوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه وهو بالأبطح بمكة ناداه على رءوس الناس وهو على فرسه راكب فسلم عليه ثم قال يا محمد إن هذا وهب بن عمير أتاني بردائك فزعم أنك تدعوني إلى القدوم عليك إن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انزل أبا وهب" قال: "والله لا أنزل حتى تبين لي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بل لك تسير أربعة أشهر" فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين وسار صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان فاستقرت امرأته عنده بذلك النكاح1. قال مالك: قال ابن شهاب وكان بين إسلام امرأة صفوان وبين إسلام صفوان نحو من شهر2، قالوا عن ابن شهاب وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن، فارتحلت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وهي مسلمة حتى قدمت عليه اليمن، فدعته إلى الإسلام فأسلم، فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحا وما عليه رداء حتى بايعه، قال فلم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بينه وبينها واستقرت عنده بذلك النكاح. ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحت أبي العاص بن الربيع، فأسلمت وهاجرت وكره زوجها الإسلام، ثم إن أبا العاصي خرج إلى الشام تاجرا فأسره رجال من الأنصار فقدموا به المدينة، فقالت زينب إنه يجير على المسلمين أدناهم. قال: "ومن ذلك؟"قالت: أبو العاصي. قال: "قد أجرنا من أجارت زينب"فأسلم وهي في عدتها ثم كان على نكاحه.
ـــــــ
1 رواه في اموطأ في كتاب النكاح حديث 44. وروى مسلم بعضه في كتاب الفضائل حديث 59.
2 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 45.

مالك ويونس وقرة عن ابن شهاب أنه قال لم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بأرض الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الكافر إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي العدة وأنه لم يبلغنا أن أحدا فرق بينه وبين زوجته بعد أن قدم عليها مهاجرا وهي في عدتها1. قال يونس قال ابن شهاب ولكن السنة قد مضت في المهاجرات اللاتي قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] قال فكانت السنة إذا هاجرت المرأة أن يبرأ من عصمتها الكافر وتعتد، فإذا انقضت عدتها نكحت من بدا لها من المسلمين.
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة في دار الحرب وهو من أهل الحرب، ثم خرج إلينا بأمان فأسلم، أتنقطع العصمة فيما بينه وبين امرأته أم لا؟ قال: أرى أنهما على نكاحهما ولا يكون افتراقهما في الدارين قطعا للنكاح.
قلت: أرأيت لو أن نصرانيين في دار الحرب زوجين أسلم الزوج ولم تسلم المرأة؟ قال: هما على نكاحهما في رأيي إلا أني قد أخبرتك أن مالكا كره نكاح نساء أهل الحرب للولد، وهذا أكره له أن يطأها بعد الإسلام في دار الحرب خوفا من أن تلد ولدا فيكون على دين الأم. قلت: أرأيت إن خرجا إلينا بأمان الرجل والمرأة فأسلم أحدهما عندنا؟ قال: سبيلهما في الفرقة والاجتماع كسبيل الذميين إذا أسلم أحد الذميين. قلت: أرأيت الحربي يخرج إلينا بأمان فيسلم وقد خلف زوجة له نصرانية في دار الحرب فطلقها أيقع الطلاق عليها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن الطلاق واقع عليها لأن افتراق الدارين ليس بشيء وهي زوجته، فلما كانت زوجته وقع الطلاق عليها. قلت: أرأيت النصراني يكون على النصرانية فيسلم الزوج أتكون امرأته على حالها؟ قال: نعم، قال: قال مالك: هو بمنزلة مسلم تزوج نصرانية أو يهودية.
قلت: أرأيت إذا كان نصراني تحته مجوسية أسلم الزوج أيعرض على المجوسية الإسلام في قول مالك أم لا؟ قال: أرى أنه يعرض على المرأة الإسلام إذا أسلم زوجها فأرى قبل أن يتطاول. قلت: ولم تعرض عليها الإسلام وأنت لا تجيز نكاح المجوسية على حال؟ قال: ألا ترى أن المسلمة لا يجوز أن ينكحها النصراني ولا اليهودي على حال، وهي إذا كانت نصرانية تحت نصراني فأسلمت، أن الزوج أملك بها ما دامت في عدتها، ولو أن نصرانيا ابتدأ نكاح مسلمة كان النكاح باطلا، فهذا يدلك على أن المجوسية يعرض عليها الإسلام أيضا إذا أسلم الزوج ما لم يتطاول ذلك. قلت: وهذا
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 45.

أيضا لم قلتموه إن النصراني إذا أسلمت امرأته أنه أملك بها ما دامت في عدتها وهو لا يحل له نكاح مسلمة ابتداء وقد قال الله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] قال: جاءت الآثار أنه أملك بها ما دامت في عدتها إن هو أسلم وقامت به السنن عن النبي عليه السلام فليس لما قامت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قياس ولا نظر. قلت: أرأيت لو أن نصرانيا تزوج صبية نصرانية زوجها أبوها فأسلم الزوج قال: هما على النكاح في رأيي.
قلت: فإن بلغت الصبية أيكون لها الخيار أم لا في قول مالك؟ قال: لا خيار لها في قول مالك؛ لأن الأب هو زوجها. قلت: أرأيت الصبي الذمي يزوجه أبوه ذمية أو مجوسية فيسلم الصبي أيكون إسلام الصبي إسلاما تقع فيه الفرقة بينه وبين امرأته في قول مالك؟ قال: لم أسمع من قول مالك فيه شيئا ولا أرى الفرقة تقع بينهما إلا أن يثبت على إسلامه حتى يحتلم، وهو مسلم فتقع الفرقة بينهما إلا أن تسلم عند ذلك؛ لأنه لو ارتد عن الإسلام قبل أن يحتلم لم أقتله بارتداده ذلك. قلت: أرأيت المجوسيين إذا أسلم الزوج قبل البناء ففرقت بينهما، أيكون نصف الصداق على الزوج أم لا؟ قال: قال مالك: لا يكون عليه شيء ألا ترى أن هذا فسخ وليس بطلاق. قلت: أرأيت إذا وقعت الفرقة بين الزوجين بإسلام أحدهما وذلك قبل البناء بامرأته أنه لا شيء لها من الصداق وإن كان قد سمى لها صداقها ولا متعة لها؟ قال: نعم لا صداق لها ولا متعة لها وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إن كان قد دخل بها وهما ذميان فأسلمت المرأة ووقعت الفرقة وقد دخل بهما، أو كانا مجوسيين فأسلم الزوج ووقعت الفرقة فرفعتها حيضتها، أيكون لها السكنى في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن المرأة حين أسلمت كان لزوجها عليها الرجعة إن أسلم في عدتها، ولأن المجوسي إذا أسلم اتبعه ولده منها، فأرى السكنى عليه لها؛ لأنها إن كانت حاملا اتبعه ما في بطنها وإنما حبست من أجله فأرى ذلك عليه؛ لأن مالكا قال في الذي يتزوج أخته من الرضاعة وهو لا يعلم ففرق بينهما، إن لها السكنى إن كان قد دخل بها؛ لأنها تعتد منه، وإن كان فسخا فكذلك أيضا الذي سألت عنه لها السكنى؛ لأنها تعتد من زوجها، والذي سألت عنه أقوى من هذا.
قلت: أرأيت لو أن امرأة من أهل الحرب خرجت إلينا فأسلمت وزوجها في دار الحرب أتنكح مكانها أم حتى تنقضي عدتها؟ قال: قال مالك: إن عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية أسلم نساؤهما قبلهما وهاجرن وهرب عكرمة إلى أرض الشرك، ثم أسلم فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحه الأول. قال: وقال مالك: قال ابن شهاب ولم

يبلغني أن امرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها مقيم في دار الحرب، ففرقت الهجرة بينهما، إذا أسلم وهي في عدتها ولكنها امرأته إذا أسلم وهي في عدتها1 قال ابن القاسم: وأنا أرى لو أن امرأة أسلمت في دار الحرب وهاجرت إلى دار الإسلام أو خرجت بأمان فأسلمت بعدما خرجت وزوجها في دار الحرب، إن إسلامها لا يقطع ما كان لزوجها من عصمتها إن أسلم وهي في عدتها إن أثبت أنه زوجها؛ لأن عكرمة وصفوان قد علم أصحاب النبي عليه السلام أن أولئك النساء كن أزواجهما. قلت: أرأيت التي أسلمت وزوجها مقيم في دار الحرب، لم جعلت عليها ثلاث حيض في قول مالك؟ قال: لأن استبراء الحرائر ثلاث حيض، ولأن هذه لها زوج وهو أملك بها إن أسلم في عدتها، وليست بمنزلة الأمة التي سبيت؛ لأن الأمة التي سبيت صارت أمة فصار استبراؤها حيضة. قال: وقال مالك: إذا أسلم الزوج في عدة امرأته لم يفرق بينهما إذا أثبت أنها امرأته.
قلت: أرأيت الزوجين في دار الحرب إذا خرجت المرأة إلينا فأسلمت أو أسلمت في دار الحرب وذلك كله قبل البناء بها، أيكون لزوجها عليها سبيل إن أسلم من يومه ذلك أو من الغد في قول مالك؟ قال: لا سبيل له عليها في رأيي؛ لأن مالكا قال في الذميين النصرانيين إذا أسلمت المرأة قبل أن يدخل بها زوجها ثم أسلم الزوج بعدها، فلا سبيل له إليها، فالذي سألت عنه من أمر الزوجين في دار الحرب بهذه المنزلة؛ لأن مالكا قال: قال ابن شهاب لم يبلغني أن امرأة أسلمت فهاجرت إلى الله وإلى رسوله وتركت زوجها مقيما بدار الكفر إن أسلم في عدتها إن عصمتها لا تنقطع وإنها كما هي، فهذا يدلك على أن مالكا لا يرى افتراق الدارين شيئا إذا أسلم وهي في عدتها وإن فرقتهما الداران دار الإسلام ودار الحرب. قلت: أرأيت إن أسلمت المرأة وزوجها كافر وذلك قبل البناء بها، أيكون عليه من المهر شيء أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا شيء لها عليه من المهر. قلت: فإن كان قد بنى بها؟ قال: فلها المهر كاملا.
قلت: أرأيت إن أسلمت المرأة وزوجها كافر يعرض على زوجها الإسلام في قول مالك أم لا؟ قال: لا يعرض عليه الإسلام في رأيي ولكنه إن أسلم وهي في عدتها فهو أحق بها وإن انقضت عدتها فلا سبيل له عليها. قال: وقال مالك في النصرانية تكون تحت النصراني فتسلم فيطلقها في عدتها ألبتة وهو نصراني قال: قال مالك: لا يلزمها من طلاقه شيء وهو نصراني، وإن أسلم وهي في عدتها بعدما طلقها وهو نصراني كانت زوجته وكان طلاقه ذلك باطلا إلا أن يطلقها بعد أن يسلم، وإن انقضت عدتها فتزوجها بعد ذلك كان نكاحه جائزا وكان الطلاق الذي طلقها وهو نصراني باطلا. قلت: أرأيت الزوجين إذا
ـــــــ
1 المصدر السابق.

سبيا معا أيكونان على نكاحهما أم لا؟ فقال عبد الرحمن وأشهب السباء يفسخ النكاح، وقال أشهب سبيا جميعا أو مفترقين. مخرمة عن أبيه قال: سمعت ابن قسيط واستفتي في رجل ابتاع عبدا من السبي وامرأته جميعا قبل أن يفرق بينهما السهمان أيصلح له أن يفرق بينهما فيطأ الوليدة أو يصلح له إن فرق بينهما السهمان أن يطأها حتى يفارقها فيطلقها العبد فقال: يفرق بينهما إن شاء ويطؤها. قال بكير وقال ابن شهاب إذا كانا سبيين كافرين فإن الناس يفرقون بينهما ثم يتركها حتى تعتد عدة الأمة، وأخبرني إسماعيل بن عياش أن محمد بن علي قال: السباء يهدم نكاح الزوجين. وقال الليث مثل ذلك. قال: وقال مالك: في الذين يقدمون علينا من أهل الحرب بالرقيق فيبيعون الرقيق منا فيبيعون العلج والعلجة فيزعم العلج أنها زوجته وتزعم المرأة أنه زوجها. قال: إن زعم ذلك ذلك الذين باعوهما أو علم بصدق قولهما ببينة رأيت أن يقرا على نكاحهما ولا يفرق بينهما، وإن لم يكن إلا قول العلج والعلجة لم يصدقا وفرق بينهما.
قلت: أرأيت إن سبي الزوج قبل ثم سبيت المرأة بعد وذلك قبل أن يقسم الزوج أو بعدما قسم أيكونان على نكاحهما أو تنقطع العصمة بينهما حين سبي أحدهما قبل صاحبه، وهل يجعل السبي إذا سبي أحدهما قبل صاحبه هدما للنكاح أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أن الذي أرى أن السبي يفسخ النكاح.
قال: وقال مالك في الرجل يتزوج الأمة ثم يطلقها واحدة فيسافر عنها أو يرتجعها في سفره وتنقضي عدتها ولا تبلغها رجعته ولا يبلغ سيدها فيطؤها بعد انقضاء عدتها ثم يقدم زوجها فيقيم البينة أنه كان ارتجعها في عدتها قال: لا سبيل للزوج إليها إذا وطئها سيدها بالملك وإنما وطؤها بالملك كوطئها بالنكاح. قلت: لو أن نصرانيين في دار الحرب زوجين أسلم الزوج ولم تسلم المرأة؟ قال: هما على نكاحهما في رأيي إلا أني قد أخبرتك أن مالكا كره نكاح نساء أهل الحرب للولد، وهذا أكره له أن يطأها بعد الإسلام في دار الحرب خوفا من أن تلد له ولدا فيكون على دين أمه. قلت: أرأيت إن غزا أهل الإسلام تلك الدار فسبوا امرأته هذه، أتكون رقيقا؟ قال: نعم تكون رقيقا وكذلك قال لي مالك. قال: قال مالك: لو أن رجلا من أهل الحرب أتى مسلما أو بأمان فأسلم وخلف أهله على النصرانية في دار الحرب فغزا أهل الإسلام تلك الدار فغنموها وغنموا أهله وولده؟ قال مالك: هي وولده في أهل الإسلام، قال: وبلغني عن مالك أنه قال وماله أيضا في أهل الإسلام فكذلك مسألتك.
سحنون وقال بعض الرواة إن ولده تبع لأبيهم إذا كانوا صغارا وكذلك ماله هو له لم

يزل ملكه عليه، فإن أدركه قبل القسم أخذه وإن قسم فهو أحق به بالثمن. قلت: فهل تنقطع العصمة فيما بينهما إذا وقع السبي عليهما أم لا في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك الساعة ولكن في رأيي أن النكاح لا ينقطع فيما بينهما وهي زوجته إن أسلمت وإن أبت الإسلام فرقت بينهما؛ لأنها لا تكون زوجة لمسلم وهي أمة نصرانية على حالها لما جرى فيها من الرق بالسبي ولا تنقطع عصمتها بالسبي، فإن كان في بطنها ولد لذلك المسلم. قال ابن القاسم: رأيته رقيقا؛ لأنه لو كان مع أمه فسبي هو وأمه لكان فيئا وكذلك قال لي مالك فكيف إذا كان في بطنها. قلت: ويكون لها الصداق على زوجها الذي سمي لها وهي مملوكة لهذا الذي صارت إليه في السبي؟ قال: أرى مهرها فيئا لأهل الإسلام ولا يكون المهر لها ولا لسيدها؛ لأنها إنما قسمت في السبي لسيدها ولا مهر لها وإنما مهرها فيء؛ لأنه حين سبيت صار مهرها ذلك فيئا ولم أسمع ذلك من مالك وهو رأيي. قلت: وتجعل المهر فيئا لذلك الجيش أم لجميع المسلمين؟ قال: بل هو فيء لذلك الجيش.
قلت: أرأيت المرأة تسبى ولها زوج ما عليها، أعليها الاستبراء أم العدة؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا وأرى عليها الاستبراء ولا عدة عليها. ابن وهب عن حيوة بن شريح عن أبي صخر عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} سبي أهل الكتاب، السبية التي لها زوج بأرضها يسبيها المسلمون فتباع في المغانم فتشترى ولها زوج قال: فهي حلال. رجال من أهل العلم عن ابن مسعود ويحيى بن سعيد مثله، قال ابن وهب: وبلغني عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "أصبنا سبيا يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فاستحللناهن1.
ـــــــ
1 أحمد في مسنده"3/72".

نكاح أهل الكتاب وإيمائهن
نكاح أهل الكتاب وإمائهن
قلت: ما قول مالك في نكاح نساء أهل الحرب؟ قال: بلغني عن مالك أنه كرهه، وقال يضع ولده في أرض الشرك ثم يتنصر أو ينصر فلا يعجبني. قلت فيفسخ نكاحهما؟ قال: إنما بلغني عن مالك أنه كرهه ولا أدري هل يفسخ أم لا، وأنا أرى أن يطلقها ولا يقيم عليها من غير قضاء. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: قد أحل الله نساء أهل الكتاب وطعامهم غير أنه لا يحل للمسلم أن يقدم على أهل الحرب من المشركين لكي

يتزوج فيهم أو يلبث بين أظهرهم. قلت: أفكان مالك يكره نكاح نساء أهل الذمة؟ قال: قال مالك: أكره نكاح نساء أهل الكتاب - اليهودية والنصرانية -. قال: وما أحرمه، وذلك أنها تأكل الخنزير وتشرب الخمر ويضاجعها ويقبلها وذلك في فيها وتلد منه أولادا فتغذي ولدها على دينها وتطعمه الحرام وتسقيه الخمر.
قلت: وكان مالك يحرم نكاح إماء أهل الكتاب - نصرانية أو يهودية - وإن كان ملكها للمسلم أن يتزوجها حر أو عبد؟ قال: نعم، كان مالك يقول: إذا كانت أمة يهودية أو نصرانية وملكها المسلم أو نصراني فلا يحل لمسلم أن يتزوجها حرا كان هذا المسلم أو عبدا. قال: وقال مالك: ولا يزوجها سيدها من غلام له مسلم؛ لأن هذه الأمة اليهودية والنصرانية لا يحل لمسلم أن يطأها إلا بالملك حرا كان أو عبدا. ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يتزوج أمة مملوكة من أهل الكتاب؛ لأن الله قال: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] وليست الأمة بمحصنة. ابن وهب وقال مالك: لا يحل نكاح أمة يهودية أو نصرانية؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] وهي الحرة من أهل الكتاب. وقال: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فهن الإماء المؤمنات، فإن الله أحل نكاح الإماء المؤمنات ولم يحل نكاح الإماء من أهل الكتاب. والأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك يمينه.
قلت: أرأيت الإماء من أهل الكتاب هل يحل وطئهن في قول مالك أم لا؟ قال: لا يحل وطؤهن في قول مالك بنكاح ولا بملك اليمين. قال: وقال مالك: ليس للرجل أن يمنع امرأته النصرانية من أكل الخنزير وشرب الخمر والذهاب إلى الكنائس إذا كانت نصرانية. قلت لابن القاسم: أكان مالك يكره نكاح النصرانيات واليهوديات؟ قال: نعم، لهذا الذي ذكرت لك. ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب أن لا يطأ الرجل مشركة ولا مجوسية وإن كانت أمة ولكن ليطأ اليهودية والنصرانية. ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن مسعود وابن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب وعطاء الخراساني وغير واحد من الأشياخ أهل مصر أنهم كانوا يقولون لا يصلح لرجل مسلم أن يطأ المجوسية حتى تسلم. ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب مثله. وقال ابن شهاب ولا يباشرها ولا يقبلها.

قال ابن وهب: وقال مالك: لا يطأ الرجل الأمة المجوسية لأنه لا ينكح الحرة المجوسية، قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} [البقرة: 221]. فما حرم الله بالنكاح حرم بالملك. قال ابن وهب: وبلغني ممن أثق به أن عمار بن ياسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما حرم الله من الحرائر شيئا إلا حرم مثله من الإماء. قلت: أرأيت لو أن مجوسيا تزوج نصرانية، أكان مالك يكره هذا لمكان الأولاد؛ لأن الله أحل لنا نكاح نساء أهل الكتاب؟ قال ابن القاسم: لا أرى به بأسا ولا أرى أن يمنعوا من ذلك. قلت: فإن تزوج هذا المجوسي نصرانية لمن يكون الولد للأب أم للأم ويكون عليه جزية النصارى أم جزية المجوس؟ قال: يكون الولد للأب في رأيي؛ لأن مالكا قال: ولد الأحرار من حرة تبع للآباء.
قلت: أرأيت نصرانيا تحته نصرانية فأسلمت الأم ولها أولاد صغار، لمن يكون الأولاد وعلى دين من هم؟ قال: قال مالك: هم على دين أبيهم ويتركون مع الأم ما داموا. صغارا تحضنهم. وقال مالك: وكذلك المرأة إن كانت حاملا فأسلمت ثم ولدت بعد ما أسلمت أن الولد للأب وهم على دين الأب ويترك في حضانة الأم. قلت: أرأيت المرأة تسلم ولها أولاد صغار والزوج كافر، فأبى الزوج أن يسلم، أيكون الولد كافرا أو مسلما في قول مالك؟ قال: قال مالك: الولد على دين الأب. ابن لهيعة عن ابن الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال جابر: تزوجناهن زمن فتح الكوفة مع سعد بن أبي وقاص ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن، وقال جابر نساؤهم لنا حلال ونساؤنا عليهم حرام. ابن لهيعة عن رجل من أهل العلم أن طلحة بن عبيد الله تزوج يهودية بالشام وأن عثمان بن عفان تزوج في خلافته نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية، قال وأقام عليها حتى قتل عنها. يونس عن ابن شهاب قال: بلغنا أن حذيفة بن اليمان تزوج في خلافة عمر بن الخطاب امرأة من أهل الكتاب فولدت له وتزوج ابن قارظ امرأة من أهل الكتاب فولدت له خالد بن عبد الله بن قارظ. قال ابن شهاب فنكاح كل مشركة سوى نساء أهل الكتاب حرام ونكاح المسلمات للمشركين حرام. قلت: أرأيت لو أن صبية بين أبويها نصرانيين، وزوجها نصرانيا ثم أسلم الأبوان والصبية صغيرة، أيكون هذا فسخ لنكاح الصبية ويجعل إسلام أبويها إسلاما لها في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي قلت: وكذلك لو أن صبيا صغيرا بين أبويه مجوسيين زوجاه مجوسية فأسلم الأبوان والصبي صغير؟ قال: نعم، هذا يعرض على امرأته الإسلام، فإن أسلمت وإلا فرق بينهما ما لم يتطاول في ذلك. قلت: فإن كان الغلام مراهقا والجارية مراهقة ثم أسلم أبواهما والزوج نصراني؟ قال: إذا كانت مراهقة كما وصفت لم يعرض

لها وتركت حتى تحيض، فإن اختارت دينها كانت عليه وكان النكاح جائزا، كذلك قال مالك، وإذا أسلم أبواها وقد راهقت لم تجبر على الإسلام إذا حاضت إن اختارت دينها التي كانت عليه.
قلت: وكذلك الغلام؟ قال: نعم، إذا كان مراهقا أو عقل دينه ابن ثلاث عشرة سنة إذا أسلم أبوه فلا يعرض له فإذا احتلم كان على دينه الذي كان عليه إلا أن يسلم. قال: ولقد سئل مالك عن الرجل يسلم وله ولد قد ناهزوا الحلم ولم يحتلموا بنو ثلاث عشرة سنة وما أشبههم، ثم هلك، كيف ترى في ولده، كتب إلى مالك بهذا عامل من الأجناد فكتب إليه مالك أن أرجئ ماله فإن احتلم الأولاد فأسلموا فأعطهم الميراث وإن أبوا أن يسلموا إذا احتلموا وثبتوا على دينهم فلا تعرض لهم ودعهم على دينهم واجعل ميراث أبيهم للمسلمين. وكتب إلى مالك أيضا وأنا عنده قاعد من بلد آخر في رجل أسلم وله ولد صغار فأقرهم أبوهم حتى بلغوا اثنتي عشرة سنة أو شبه ذلك. فأبوا أن يسلموا أترى أن يجبروا على الإسلام؟ فكتب إليه مالك لا تجبرهم، وقد قال بعض الرواة يجبروا وهم مسلمون وهو أكثر مذاهب المدنيين.
قلت: أرأيت هؤلاء الذين هلك والدهم وقد أسلم وقد عقلوا دينهم أو راهقوا فقالوا حين مات أبوهم مسلما لا توقفوا علينا هذا المال إلى احتلامنا ولكن نسلم الساعة وادفعوا إلينا أموالنا وورثونا. قال: إذا أسلموا وكان ذلك قبل أن يحتلموا فلا يقبل قولهم حتى يحتلموا وإن أسلموا أو أجابوا كان لهم الميراث، وإن أبوا تركوا، ألا ترى أن مالكا قال في الذي مات وترك بنين حزاورة يوقف المال ولم يقل يعرض عليهم الإسلام، فلو كان يرى لهم الميراث بذلك الإسلام لعرضه عليهم ويعجل الميراث لهم ولم يؤخر المال ويوقفه عليهم ولكنه لم ير ذلك إسلاما، أولا ترى أنه قال لي لو أنهم أسلموا ثم رجعوا إلى النصرانية فرأى أنهم يستكرهوا على الإسلام، ولم ير أن يقبلوا فإن كان ذلك إسلاما قبلهم. قلت: فإن قالوا وقد عقلوا دينهم وراهقوا وقالوا حين مات أبوهم مسلما لا نسلم ونحن على النصرانية، أيكونون نصارى أو يكون المال فيئا لأهل الإسلام؟ قال: لا ينظر في قولهم إن قالوا هذا قبل أن يحتلموا فإنه لا يقطع ميراثهم إذا احتلموا أو أسلموا ولا بد أن يوقف المال حتى يحتلموا، وإن قالوا هذا القول؛ لأن مالكا لو رأى إلى قولهم قبل أن يحتلموا نحن نصارى مما يقطع ميراثهم، لم يوقف المال عليهم حتى يحتلموا ولقال يعرض عليهم الإسلام فكأنهم قبل أن يحتلموا. قال ابن القاسم: وكل ولد لهذا النصراني إذا أسلم وولده صغار بنو خمس سنين أو نحو ذلك لم يعقلوا دينهم النصرانية فهم مسلمون ولهم الميراث، وكذلك يقول أكثر الرواة إنهم مسلمون بإسلام أبيهم.

المجوسي يسلم وتحته امرأة وابنتها أو تحته عشر نسوة
المجوسي يسلم وتحته امرأة وابنتها أو تحته عشرة نسوة
قلت: أرأيت الحربي يتزوج عشرة نسوة في عقدة واحدة أو في عقد متفرقة فيسلم وهن عنده؟ قال: قال مالك: يحبس أربعا أي ذلك شاء منهن، ويفارق سائرهن ولا يأتي جنس الأواخر منهن أو الأوائل فنكاحهن ههنا في عقدة واحدة أو في عقد متفرقة سواء. قلت: أرأيت الحربي أو الذمي يسلم وقد تزوج الأم والبنت في عقدة واحدة أو في عقد متفرقة ولم يبن بهما، أله أن يحبس أيتهما شاء ويفارق الأخرى؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قال: وقال مالك: إلا أن يكون مسهما فإن مسهما جميعا فارقهما جميعا. قال ابن القاسم: وإن مس الواحدة ولم يمس الأخرى لم يكن له أن يختار التي لم يمس وامرأته ههنا التي مس. قال ابن القاسم: وأخبرني من أثق به أن ابن شهاب قال في المجوسي يسلم وتحته الأم وابنتها إنه إن لم يكن أصاب واحدة منهما اختار أيتهما شاء، وإن وطئ إحداهما أقام على التي وطئ وفارق الأخرى وإن مسهما جميعا فارقهما جميعا ولا يحلان له أبدا وهو رأيي.
قلت: أرأيت النصراني إذا تزوج المرأة فماتت قبل أن يبني بها فتزوج أمها ثم أسلما جميعا، أيفرقهما على هذا النكاح أم لا، وكيف إن كان هذا رجل من أهل الحرب ثم أسلم؟ قال: سمعت مالكا سئل عن المجوسي يسلم وعنده امرأتان أم وابنتها، وقد أسلمتا جميعا قال: إن كان قد دخل بهما جميعا فارقهما ولم تحل له واحدة منهما أبدا. قال: وإن كان دخل بإحداهما فإنه يقيم على التي دخل بها ويفارق التي لم يدخل بها. قلت: فإن كان لم يدخل بواحدة منهما؟ قال ابن القاسم: يحبس أيتهما شاء ويرسل الأخرى قال ابن القاسم: وبلغني عن ابن شهاب أنه قال: إن دخل بهما جميعا فارقهما جميعا وإن دخل بواحدة ولم يدخل بالأخرى، فارق التي لم يدخل بها، وإن لم يدخل بواحدة منهما اختار أيتهما شاء وذلك رأيي. قلت: فإن حبس الأم وأرسل الابنة، فأراد ابن الزوج أن يتزوج الابنة التي أرسلها أبوه أيتزوجها أم لا؟ قال: لا يعجبني ذلك سحنون. وقد قال بعض الرواة إذا أسلم وعنده أم وابنتها ولم يدخل بهما لم يجز له أن يحبس واحدة منهما. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عثمان بن محمد بن سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقتلان بن سلمة الثقفي حين أسلم وتحته عشر نسوة: "خذ منهن أربعا وفارق سائرهن" . مالك أن ابن شهاب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك لرجل من ثقيف1. أشهب عن ابن لهيعة أن أبا وهب الجيشاني حدثه أنه سمع الضحاك بن فيروز الديلمي يحدث عن أبيه أنه
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 76. الترمذي في كتاب النكاح باب 33. ابن ماجه من كتاب النكاح باب 40.

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلق أيتهما شئت"1.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 25. الرمذي في كتاب النكاح باب 34. ابن ماجه في كتاب النكاح باب 39.

نكاح أهل الشرك وأهل الذمة وطلاقهم
قلت: أرأيت نكاح أهل الشرك وطلاقهم إذا أسلموا أتجيزه فيما بينهم في قول مالك؟ قال: كل نكاح يكون في الشرك جائزا فيما بينهم فهو جائز إذا أسلموا عليه وكان قد دخل بها ولا يفرق بينهما؛ لأن نكاح أهل الشرك ليس كنكاح أهل الإسلام. قلت: فإن كانا أسلما قبل أن يدخل بها، أتحملهما على سنة المسلمين في الصداق، فإن كان ذلك مما لا يحل له أخذه مثل الخنزير والخمر رأيت النكاح ثابتا وكان ذلك كالمسلمة تزوجت بالتفويض وكأنهما في نصرانيتهما لم يسم لها من الصداق في أصل النكاح شيئا؟ فقال: يقال للزوج أعطها صداق مثلها إن أحببت وإلا فرق بينهما، ولم يكن عليه أن يلزم ذلك وما كان في شروطهم من أمر مكروه فإنه يثبت من ذلك ما كان يثبت في الإسلام فيفسخ من ذلك ما كان يفسخ في الإسلام، وما كان من شروط لها من طلاق إن تزوج عليها أو شرط في عتق، فإن ذلك لا يلزمه كان ذلك في طلاق فيها أو في غيرها وما كان من شرط فيها أيضا مثل إن خرج بها أو منعها من أهلها أو أخرجها إلى بلد فهي طالق، فهذا كله يسقط عنه ولا يثبت عليه، ومثل ما لو اشترط أن لا نفقة عليه أو عليه من قوتها كذا وكذا أو فساد في صداق فإن هذا وما أشبهه يردان فيه إلى ما يثبت في الإسلام، وليست تشبه المسلمة إذا لم يبن بها؛ لأن المسلمة إذا لم يبن بها فرق بينهم لشروطهم التي لا تحل؛ لأن العقدة وقعت بما لا يحل فنكاح أهل الشرك إذا وقع بما لا يحل من الشروط ثم أسلما لم يكن ذلك فسادا لنكاحهم.
قلت: أرأيت لو أن ذميا تزوج امرأة ذمي ولم يفارقها الزوج الأول عندهم، فرفعها ورفعه زوجها الأول إلى حكم المسلمين، أترى أن ينظر فيما بينهما في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا تظالم أهل الذمة فيما بينهم منعهم من ذلك حكم المسلمين، وهذا من التظالم فيما بينهما فأرى أن يحكم بينهم ويدفع الظلم عمن ظلم منهم ذمي ظلمه أو غير ذمي. قلت: أرأيت الذميين الصغيرين إذا تزوجا بغير إذن الآباء أو زوجهما غير الآباء فأسلما بعدما كبرا أيفرق بينهما أو يقرهما على نكاحهما؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى نكاحهما جائزا ولا ينبغي أن يعرض لأهل الذمة إذا أسلموا في نكاحهم؛ لأن في نكاح أهل الشرك أشر من هذا نكاحهم ليس كنكاح أهل الإسلام، فإذا أسلموا لم

يعرض لهم في نكاحهم إلا أن يكون تزوج من لا تحل له فيفرق بينهما. قلت: أرأيت إن طلق الذمي امرأة ثلاثا وأبى أن يفارقها وأمسكها فرفعت أمرها إلى السلطان، أترى أن ينظر فيه بينهما أم لا؟ قال: قال مالك: لا يعرض لها في شيء من ذلك. قال: وقال مالك: ولا يحكم بينهما إلا أن يرضيا جميعا، قال مالك: فإذا رضيا فالقاضي مخير إن شاء حكم وإن شاء ترك، فإن حكم حكم بحكم أهل الإسلام. قال مالك: وأحب إلي أن لا يحكم بينهم. قال مالك: وطلاق أهل الشرك ليس بطلاق، وقال مالك: في النصراني يطلق امرأته ثلاثا ثم يتزوجها ثم يسلمان إنه يقيم عليها على نكاحهما. قال مالك: ليس طلاقه بطلاق.
قلت: أرأيت أهل الذمة إذا كانوا يستحلون في دينهم نكاح الأمهات والأخوات وبنات الأخ أتخليهم وذلك؟ قال: أرى أنه لا يعرض لهم في دينهم وهم على ما عوهدوا عليه فلا يمنعوا من ذلك إذا كان ذلك مما يستحلون في دينهم. قلت: ويمنعوا من الزنا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يؤدبوا عليه إن أعلنوا به. يونس عن ربيعة أنه قال: لا تحصن نصرانية بمسلم وإن جاز له نكاحهم، ولا يحصن من كان على غير الإسلام بنكاحه وإن كانوا من أهل الذمة بين ظهراني المسلمين حتى يخرجوا من دينهم إلى الإسلام، ثم يحصنون في الإسلام، قد أقروا بالذمة على ما هو أعظم من نكاح الأمهات والبنات على قول البهتان وعبادة غير الرحمن. قلت: أرأيت: السباء، هل يهدم نكاح الزوجين في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول في هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} هي النساء والسبايا اللاتي لهن أزواج بأرض الشرك فقد أحلهن الله لنا.
قال ابن القاسم فالسبي قد هدم النكاح ألا ترى أن السبي لو لم يهدم النكاح لم يحل لسيدها أن يطأها بعد الاستبراء إذا لم تسلم وكانت من أهل الكتاب وكذلك قال أشهب أيضا إن السبي يهدم النكاح. قلت: أرأيت لو قدم زوجها بأمان أو سبي وهي في استبرائها، أتكون زوجة الأول أم قد انقطعت العقدة بالسبي؟ قال: قد انقطعت العقدة بالسبي وليس الاستبراء ههنا بعدة إنما الاستبراء ههنا من الماء الفاسد الذي في رحمها بمنزلة رجل ابتاع جارية فهو يستبرئها بحيضة، ولو كانت عدة لكانت ثلاث حيض فليس لزوجها عليها سبيل. قلت له: سمعت هذا من مالك؟ قال: لا وهو رأيي. قلت: فلو كانت خرجت إلينا مسلمة ثم أسلم زوجها بعدها وهي في عدتها أكنت تردها إليه على النكاح؟ قال: نعم، هذا الذي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللائي ردهن على أزواجهن، وهو

قول مالك وذلك لأن هذه في عدة ولم تبن من زوجها وإنما تبين منه بانقضاء عدتها، ولم تصر فيئا فيكون فرجها حلالا لسيدها، وهذه حرة وفرجها لم يحل لأحد وإنما تنقطع عدة زوجها بانقضاء العدة.
قلت: أرأيت لو أن حربية خرجت إلينا مسلمة أتنكح مكانها؟ قال: لا، قلت: فيصنع ماذا؟ قال: تنتظر ثلاث حيض، فإن أسلم زوجها في الحيض الثالث كان أملك، وإلا فقد بانت منه، وكذلك جاءت الآثار والسنن في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك ذكر مالك أن من أسلم منهم قبل أن تنقضي عدة امرأته وقد أسلمت فهاجرت فأسلم زوجها في عدتها كان أحق بها.

في وطء المسبية في دار الحرب
قلت: أرأيت إذا قسم المغنم في بلاد الحرب فصار لرجل في سهامه جارية، فاستبرأها في بلاد الحرب بحيضة، أيطؤها أم لا في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قوله، ولا أرى به بأسا وفي حديث أبي سعيد الخدري ما يدلك حين استأذنوا النبي عليه السلام في سبي العرب. قلت: أرأيت الرجل يكون عنده ثلاث نسوة في دار الإسلام فخرج إلى دار الحرب تاجرا فتزوج امرأة من أهل الحرب، فخرج وتركها في دار الحرب، فأراد أن يتزوج في دار الإسلام الخامسة. قال: لا يتزوج الخامسة؛ لأنه وإن خرج وتركها لم تنقطع العصمة فيما بينهما.

في وطء السبية والاستبراء
قلت: أرأيت السبي إذا كان من غير أهل الكتاب أيكون لرجل أن يطأ الجارية منهن إذا استبرأها قبل أن تجيب إلى الإسلام إذا صارت في سهمانه؟ قال: قال مالك: لا يطؤها إلا بعد الاستبراء وبعد أن تجيب إلى الإسلام. قلت: أرأيت إن حاضت ثم أجابت إلى الإسلام بعد الحيضة، أيجزئ السيد تلك الحيضة من الاستبراء في قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك وذلك يجزئ؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا ابتاع جارية وهو فيها بالخيار واستبرئت فوضعت على يديه فحاضت عنده الحيضة قبل أن يختار أو حاضت عند هذا الذي وضعت على يديه فيتولاها ممن اشتراها أو استبرأها منه بغير تولية وهي في يديه، وقد حاضت قبل ذلك، إن تلك الحيضة تجزئه من الاستبراء فهذا يدلك على ما أخبرتك وتلك الابنة في الاستبراء؛ لأنها قد حاضت في ملكه إلا أنه يمنعها من الوطء دينها الذي هي عليه.

في عبد المسلم وأمته النصرانيين يزوج أحدهما صاحبه
قلت: أرأيت العبد والأمة يكونان للرجل المسلم وهما نصرانيان أو يهوديان فزوج السيد الأمة من العبد، أيجوز هذا النكاح في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: يجوز. قلت: فإن أسلم العبد وامرأته نصرانية أو يهودية أو هي أمة للسيد أو لغير السيد؟ قال: يحرم على العبد في رأيي كانت يهودية أو نصرانية إلا أن تسلم مكانها، مثل المجوسية يسلم زوجها أنها إذا أسلمت مكانها كانت على النكاح لأنه لا ينبغي للعبد المسلم أن ينكح أمة يهودية ولا نصرانية، وكذلك الحر المسلم إنه لا ينبغي له أن ينكح أمة يهودية أو نصرانية. قلت: فإن أسلمت الأمة وزوجها عبد كافر؟ قال: هو أحق بها إن أسلم وهي في عدتها.

الارتداد
قلت: أرأيت المرتد إذا ارتد، أتنقطع العصمة فيما بينهما إذا ارتد مكانه أم لا؟ قال: قال مالك: تنقطع العصمة فيما بينهما ساعة ارتد. قلت: فإن ارتدت المرأة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى إذا ارتدت المرأة أيضا أن تنقطع العصمة فيما بينهما ساعة ارتدت. قلت: أرأيت إذا ارتد أيجعله مالك طلاقا أم لا؟ قال: قال مالك: إذا ارتد الزوج كانت طلقة بائنة، لا يكون للزوج رجعة إن أسلم في عدتها. قلت: لم قال مالك في هذا إنها بائنة وهو لا يعرف البائنة؟ قال: لأنه قد تركها حين ارتد ولم يكن يقدر حين ارتداده على رجعتها، ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال في الأسير إن بلغهم أنه تنصر ولم تقم بينة على أنه أكره، فيرى أن تعتد امرأته ولا نرى له عليها رجعة،

حدود المرتد والمرتدة وفرائضهما
قلت: أرأيت من ارتد عن الإسلام أيسقط عنه ما كان قد وجب عليه من النذور وما كان ضيع من الفرائض الواجبة التي وجبت عليه قضاؤها والحدود التي هي لله أو للناس إذا رجع إلى الإسلام، أو مرض في رمضان فوجب عليه قضاؤه أيسقط عنه شيء من هذه الأشياء؟ فقال: نعم، يسقط عنه كل ما وجب لله عليه إلا الحدود والفرية والسرقة وحقوق الناس، وما كان عمله كافر في حال كفره ثم أسلم، لم يوضع عنه، ومما يبين لك ذلك أنه يوضع عنه ما ضيع من الفرائض التي هي لله أنه لو حج حجة الإسلام قبل ارتداده ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام أن عليه أن يحج بعد رجوعه إلى الإسلام حجة أخرى حجة الإسلام. قال مالك: لأن الله يقول في كتابه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] فحجه من عمله وعليه حجة أخرى، فهذا يخبرك أن ما فعل من الفرائض قبل ارتداده لم ينفعه، فكذلك ما ضيع قبل ارتداده لا يكون عليه وهو ساقط عنه.
قلت: فإن ثبت على ارتداده أيأتي القتل على جميع الحدود التي عليه إلا الفرية

فإنه يجلد ثم يقتل؟ قال: نعم. قلت: ويأتي القتل على القصاص الذي هو للناس؟ قال: نعم. قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الرجل المسلم يتزوج المرأة ويدخل بها ثم يرتد عن الإسلام ثم يرجع إلى الإسلام فيزني قبل أن يتزوج من بعد الردة أيرجم أم لا يرجم؟ قال: لا أرى أن يرجم ولم أسمعه من مالك، ولكن مالكا سئل عنه إذا ارتد وقد حج ثم رجع إلى الإسلام أيجزئه ذلك الحج؟ قال: لا، حتى يحج حجة مستأنفة فإذا كان عليه حجة الإسلام حتى يكون إسلامه ذلك كأنه مبتدأ، مثل من أسلم كان ما كان من زنا قبله موضوعا عنه، وما كان لله وإنما يؤخذ في ذلك بما كان للناس من الفرية والسرقة مما لو عمله وهو كافر، كان ذلك عليه وكل ما كان لله مما تركه قبل ارتداده من صلاة تركها أو صيام أفطره من رمضان أو زكاة تركها أو زنا زناه فذلك كله عنه موضوع ويستأنف بعد أن يرجع إلى الإسلام ما كان يستأنفه الكافر إذا أسلم. قال ابن القاسم: وهذا ما سمعت وهو رأيي. قال ابن القاسم: والمرتد إذا ارتد وعليه نذر بالعتق أو عليه ظهار أو عليه أيمان بالله قد حلف بها إن الردة تسقط عنه. قلت: أرأيت الرجل المرتد يوصي بوصايا فيقتل على الكفر أيكون على الأهل الوصايا أم لا؟ قال: قال لي مالك: لا يرثه ورثته فأرى أنه لا شيء لأهل الوصايا ولا تجوز وصية رجل إلا في ماله، وهذا المال ليس هو للمرتد، قد صار لجماعة المسلمين، ووصاياه قبل الردة بمنزلة وصيته بعد الردة، ألا ترى أنه لو أوصى بعد الردة بوصية لم تجز وصيته وماله محجوب عنه إذا ارتد.
قلت: أرأيت إن مرض فارتد فقتل على ردته فقامت امرأته فقالت فر بميراثه مني؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لا يتهم ههنا أن يرتد عن الإسلام في مرضه لئلا يرثه ورثته قال: ميراثه للمسلمين. قلت: أرأيت المرتد إذا مات ابن له على الإسلام وهو على حال ارتداده ثم أسلم، أيكون له في ميراث ابنه شيء؟ قال: سمعت مالكا يقول: والنصراني والعبد إذا مات ابنهما حرا مسلما إنهما لا يرثانه ولا يحجبان، فإن أسلم النصراني بعد موت ابنه أو عتق العبد بعدما مات ابنه فإن كان ذلك قبل أن يقسم ميراث الابن فلا شيء لهما من الميراث وإنما الميراث لمن وجب له يوم مات الميت، وكذا المرتد عندي.
وقد تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه كتاب النكاح الثالث من المدونة الكبرى ويليه كتاب إرخاء الستور.

كتاب إرخاء الستور
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب إرخاء الستورقلت لعبد الرحمن بن القاسم أرأيت إن تزوج امرأة وخلا بها وأرخى المستور ثم طلقها فقال لم أمسها وصدقته المرأة؟ قال: قال مالك: لها نصف الصداق؛ لأنها صدقته على أنه لم يمسها وعليها العدة كاملة ولا يملك زوجها رجعتها؛ لأنه قد أقر أنه لم يمسها. قلت: فإن قال قد جردتها وقبلتها ولم أجامعها وصدقته المرأة؟ قال: قال مالك: لا يكون عليه إلا نصف الصداق إلا أن يكون قد طال مكثه معها يتلذذ بها فيكون عليه الصداق كاملا، قال مالك: وهذا رأيي وقد خالفني ناس فقالوا: وإن تطاول فليس لها إلا نصف الصداق. قال مالك: وكذلك الذي لا يقدر على أهله فيضرب له أجل سنة أن عليه الصداق كاملا إذا فرق بينهما.
قلت: أرأيت إن قال قد جامعتها بين فخذيها ولم أجامعها في الفرج وصدقته المرأة؟ قال: لا يكون عليه إلا نصف الصداق إلا أن يكون مكثه معها كما قال مالك في الوطء. ألا ترى أن مالكا قال: إلا أن تطول إقامته معها فالذي لم تطل إقامته معها قد ضاجع وتلذذ معها وطلب ذلك منها. قلت: أرأيت إن قال الزوج بعدما دخل بها وأرخى الستور: لم أجامعها وقالت المرأة قد جامعني أيكون عليه المهر كاملا أو نصف المهر في قول مالك؟ قال مالك: عليه المهر كاملا والقول قولها. قلت: فإن كان أخلاها في بيت أهلها وخلا بها فطلقها قبل البناء فقال الزوج: لم أمسها وقالت المرأة قد مسني؟ قال مالك: القول قول الزوج أنه لم يمسها إلا أن يكون دخل بها في بيت أهلها دخول اهتداء، والاهتداء هو البناء بها. قلت: فإن كان دخل عليها في بيت أهلها غير دخول البناء فطلقها وقال لم أمسها وقالت المرأة قد مسني فجعلت القول قوله في قول مالك أيكون على المرأة العدة في قول مالك أم لا؟ قال: عليها العدة إن كان قد دخل بها وليس معها

أحد. قلت: أرأيت إن دخل بها في بيت أهلها غير دخول البناء. فقال الزوج قد جامعتها وقالت المرأة ما جامعني؟ قال: إن كان خلا بها وأمكن منها وإن لم تكن الخلوة خلوة بناء، رأيت العدة عليها وعليه الصداق كاملا، فإن شاءت المرأة أخذته كله وإن شاءت أخذت نصف الصداق، وأما إذا دخل عليها ومعها النساء فيقعد فيقبل ثم ينصرف، فإنه لا عدة عليها ولها نصف الصداق.
قلت: أرأيت إن وجبت عليها العدة بهذه الخلوة وهي تكذب الزوج في الجماع وهو يدعي الجماع أتجعل له عليها العدة الرجعية أم لا؟ قال: لا رجعة له عليها عند مالك وإن جعلت عليه العدة؛ لأنه لم يبن بها إنما خلا بها في بيت أهلها، وهي أيضا إن خلا بها في بيت أهلها بهذه الخلوة التي وصفت لك إذا لم يكن معها أحد من النساء فتناكرا الجماع الزوج والمرأة جعلت عليه العدة ولم أصدقها على إبطال العدة، وكان لها نصف الصداق إذا أمكن منها وخلا بها. قلت: أرأيت إن عقد نكاحها فلم يخل بها ولم يجتلها حتى طلقها، فقال الزوج: قد وطئتها من بعد عقدة النكاح، وقالت المرأة ما وطئني أتكون عليها العدة أم لا؟ قال: لا عدة عليها. قلت: ويكون عليه الصداق كاملا؟ قال: قد أقرها بالصداق فإن شاءت أخذت وإن شاءت تركت. قلت: أرأيت إن خلا بها ومعها نسوة فطلقها وقال قد جامعتها وقالت المرأة كذب ما جامعني؟ قال: القول قولها ولا عدة عليها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فما قول مالك في الرجل يتزوج المرأة وهي صائمة في رمضان أو صيام تطوع أو صيام نذر أوجبته على نفسها أو صيام كفارة، فبنى بها زوجها نهارا ثم طلقها من يومه أو خلا بها وهي محرمة أو هي حائض فطلقها قبل أن تحل من إحرامها وقبل أن تغتسل من حيضها، فادعت المرأة في هذا كله أنه قد مسها وأنكر الزوج ذلك وطلبت المرأة الصداق كله؟ وقال الزوج: إنها على نصف الصداق؟ قال: سئل مالك عن الرجل يدخل بامرأته وهي حائض فتدعي المرأة أنه قد مسها وأنكر الزوج ذلك إن القول قولها ويغرم الزوج الصداق إذا أرخيت عليها الستور فكل من خلا بامرأته لا ينبغي له أن يجامعها في تلك الحال فادعت أنه قد مسها فيه كان القول قولها إذا كانت خلوة بناء. قلت: ولم قال مالك: القول قول المرأة قال: لأنه قد خلا بها وأمكن منها وخلي بينه وبينها فالقول في الجماع قولها. قلت: وكذلك قال مالك: في الرجل يغتصب امرأة نفسها فيحتملها فيدخل بها بيتا والشهود ينظرون إليه، ثم خرجت المرأة فقالت قد غصبني نفسي وأنكر الزوج ذلك إن الصداق لازم للرجل. فقلت: ويكون عليه الحد؟ قال: لا

يكون عليه الحد. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها ثم يطلقها فيقول ما جامعتها وتقول المرأة قد جامعني؟ قال: القول قول المرأة في ذلك. قلت: فإن طلقها واحدة؟ قال: القول قول المرأة في الصداق وعليها العدة ولا تملك الرجعة وهذا قول مالك. قال: وقد بلغني أن مالكا قيل له أفتنكح بهذا زوجا كان قد طلقها ألبتة إذا طلقها زوجها، فقال الزوج لم أطأها وقالت المرأة قد وطئني؟ قال: قال مالك: لا أرى ذلك إلا باجتماع منهما على الوطء. قال ابن القاسم: وأرى أن يدين في ذلك ويخلى بينها وبين نكاحه، وأخاف أن يكون هذا من الذي طلقها ضررا منه في نكاحها. قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة المطلقة ثلاثا فيدخل بها فيبيت معها ثم يموت من الغد فتقول المرأة قد جامعني أيحل للزوج الأول أن يتزوجها ويصدقها في قول مالك أم لا؟ قال: أرى أن المرأة تدين في ذلك فإن أحب أن يتزوجها فهو أعلم ولا يحال بينه وبين ذلك، واليوم في ذلك وما زاد على اليوم سواء إذا كان رجل يطأ فالقول قول المرأة إذا مات الزوج ولا يعلم منه إنكار لوطئها، ولقد استحسن مالك الذي أخبرتك إذا قال: لم أطأها وقالت قد وطئني أن ذلك لا يحلها لزوجها إلا باجتماع منهما على الوطء، وهذا لا يشبه مسألتك، لأن الزوج ههنا قد أنكر الوطء وفي مسألتك لم ينكر الوطء حتى مات، والذي استحسن من ذلك مالك ليس بحمل القياس ولولا أن مالكا قاله لكان غيره أعجب إلي، ورأيي على ما أخبرتك قبل هذا. ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن شريحا الكندي قضى في امرأة بنى بها زوجها ثم أصبح فطلقها فقالت ما مسني وقال ما مسستها فقضى عليه شريح بنصف الصداق وقال: هو حقك وأمرها أن تعتد منه. يونس بن يزيد وغيره عن ربيعة مثله، قال ربيعة والستر بينهما شاهد على ما يدعيان وله عليها الرجعة إن قال: قد وطئها، وذكر يونس عن ربيعة أنه كان يقول إن دخل عليها عند أهلها فقال لم أمسها وقالت المرأة مثل ذلك لم يكن لها إلا نصف الصداق، ولم يكن له عليها رجعة، وإن قال: لم أدخل بها وقالت قد دخل بي صدقت عليه وكان لها الصداق كاملا واعتدت عدة المطلقة.
محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار أن امرأة في إمارة مروان بن الحكم أو أمير قبله أعتق عليها زوجها، قال: ولا أراه إلا قال في بيت أهلها، ثم طلقها وقال: لم أمسها وقالت بلى قد وطئني ثلاث مرات فلم يصدق عليها. ابن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني سليمان بن يسار بن الحارث بن الحكم تزوج امرأة أعرابية فدخل عليها فإذا هي حضرية سوداء، فكرهها فلم يكشفها واستحيا أن يخرج مكانه فقال عندها مجلياتها ثم خرج فطلقها، فقال: لها نصف الصداق ولم أكشفها، وهي

ترد ذلك عليه فرفع ذلك إلى مروان فأرسل إلى زيد بن ثابت فقال يا أبا سعيد رجل كان من شأنه كذا وكذا وهو عدل هل عليه إلا نصف الصداق، فقال له زيد بن ثابت: أرأيت لو أن المرأة الآن حملت فقالت هو منه أكنت مقيما عليها الحد فقال مروان: لا، فقال: زيد لها صداقها كاملا. رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وربيعة وابن شهاب أن لها الصداق وعليها العدة ولا رجعة له عليها. قال مالك: كان ابن المسيب يقول إذا دخل الرجل على امرأته في بيتها صدق عليها وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه. قال مالك: وذلك في المسيس1.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 13.

في الرجعة
قلت: أرأيت إن طلق رجل امرأته تطليقة يملك الرجعة ثم قبلها في عدتها لشهوة أو لامسها لشهوة أو جامعها في الفرج أو فيما دون الفرج أو جردها فجعل ينظر إليها وإلى فرجها، هل يكون ذلك رجعة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا وطئها في العدة وهو يريد بذلك الرجعة وجهل أن يشهد فهي رجعة وإلا فليست برجعة له. عبد العزيز بن أبي سلمة. قلت: أرأيت من قال لامرأته قد راجعتك ولم يشهد إلا أنه قد تكلم بالرجعة؟ قال: فهي رجعة وليشهد وهذا قول مالك، وقد قال مالك في امرأة طلقها زوجها ثم راجعها ولم يشهد فأراد أن يدخل بها فقالت المرأة: لا تدخل بي حتى تشهد على رجعتي. قال: قال مالك: قد أحسنت وأصابت حين منعته نفسها حتى يشهد على رجعتها.
قلت: أرأيت إن قال: قد راجعتك ثم قال بعد ذلك لم أرد رجعتك بذلك القول إنما كنت لاعبا بقولي قد راجعتك، وعليه بذلك بينة بقوله قد راجعتك أو لا بينة عليه والمرأة والزوج يتصادقان على قوله قد راجعتك، فادعى الزوج أنه لم يرد مراجعتها بذلك القول؟ قال: الرجعة عليه ثابتة إذا كان قبل انقضاء عدتها، وإن انقضت العدة فلا يكون قوله رجعة إلا أن تقوم على ذلك بينة.
قلت: أرأيت إذا قال: قد كنت راجعتك أمس وهي في العدة بعد أيصدق الزوج أم لا؟ قال: نعم هو مصدق. قلت: أرأيت إذا قال قد كنت راجعتك أمس وقد انقضت عدتها أيصدق أم لا؟ قال: لا يصدق. قلت: أرأيت إذا قال: قد كنت راجعتك في عدتك وهذا بعد ما انقضت العدة وأكذبته المرأة فقالت: ما راجعتني، أيكون له عليها اليمين في قول مالك؟ قال: قال مالك: إنه لا يصدق عليها إلا ببينة. قال ابن القاسم: ولو أبت اليمين

أو أقرت لم تصدق ولم يكن للرجل عليها الرجعة إلا أن يكون كان يبيت عندها ويدخل عليها في العدة فيصدق على قوله أنه راجعها وإن كان ذلك بعد انقضاء العدة، وإن كذبته فالقول قوله على كل حال، إذا كان هو معها في البيت فالقول قوله بعد مضي العدة أنه قد راجعها في العدة، وقال غيره إذا قال الرجل لامرأته وهي في عدة منه إذا كان غدا قد راجعتك لم تكن هذه رجعة. وقال مالك: ولكن لو قال: قد كنت راجعتك أمس كان مصدقا إن كانت في عدة منه، وإن أكذبته المرأة؛ لأن ذلك يعد منه مراجعة الساعة. وإذا قال الرجل لامرأته بعد انقضاء العدة قد كنت راجعتك في العدة فليس ذلك له وإن صدقته المرأة؛ لأنها قد بانت منه في الظاهر، وادعى عليها ما لا يثبت له إلا ببينة، وتتهم في إقرارها له بالمراجعة على تزويجه بلا صداق ولا ولي وذلك ما لا يجوز لها ولا له أن يتزوجها بلا ولي ولا صداق.
قلت: فإن أقام بينة على إقراره قبل انقضاء العدة، أن قد جامعها قبل انقضاء العدة وكان مجيئه بالشهود بعد انقضاء العدة؟ قال: كانت هذه رجعة، وكان مثل قوله قد راجعتها إذا ادعى أن وطأه إياها أراد به الرجعة.
قلت: أرأيت رجلا طلق امرأته وهي أمة لقوم، فقال الزوج قد راجعتك في العدة وصدقه السيد وأكذبته الأمة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا يقبل قول السيد في هذا ولا قوله قد راجعتك إلا بشاهدين سوى السيد؛ لأن مالكا قال: لا تجوز شهادة السيد على إنكاح أمته فكذلك رجعتها عندي. قلت: أرأيت إن ارتجع ولم يشهد أتكون رجعته رجعة ويشهد فيما يستقبل في قول مالك؟ قال: نعم، قال مالك: إذا كان إنما ارتجع في العدة وأشهد في العدة. قلت: أرأيت إن ارتجع في العدة وأشهد بعد انقضاء العدة وصدقته المرأة؟ قال: لا يقبل قوله إلا أن يكون يخلو بها ويبيت عندها.
القاسم بن عبد الله عن عبد الله بن دينار حدثه أن ابن عمر لما طلق صفية ابنة أبي عبيد أشهد رجلين، فلما أراد أن يرتجعها أشهد رجلين قبل أن يدخل عليها. وقال ربيعة: من طلق فليشهد على الطلاق وعلى الرجعة. أشهب عن يحيى بن سليم أن هشام بن حسان حدثه أن ابن سيرين أخبره عن عمران بن الحصين أنه سئل عن رجل طلق ولم يشهد فقال: طلق في غير عدة وارتجع في غير عدة بئسما صنع ليشهد على ما فعل. القاسم بن عبد الله عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال: من طلق فليشهد على الطلاق وعلى الرجعة. قلت: أرأيت الحامل إذا وضعت ولدا وبقي في بطنها آخر أيكون الزوج أحق برجعتها؟ قال: قال مالك: الزوج أحق برجعتها حتى تضع آخر ولد في بطنها وقاله ابن شهاب وربيعة وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وأبو

الزناد وابن قسيط، وقال غيره وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين فالرجعة له عليها ما لم تحض الحيضة الثالثة، فقد مضت الثلاث الأقراء التي قال الله؛ لأن الأقراء هي الأطهار وليست بالحيض قال الله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ولم يقل ثلاث حيض. فإذا طلقها وهي طاهر فقد طلقها في قرء وتعتد فيه، فإذا حاضت حيضة فقد تم قرؤها، فإذا طهرت فهو قرء ثان فإذا حاضت الحيضة الثانية فقد تم قرؤها الثاني فإذا طهرت فهو قرء ثالث ولزوجها عليها الرجعة حتى ترى أول قطرة من الحيضة الثالثة فقد تم قرؤها الثالث وانقضى آخره فانقضت الرجعة عنها وحلت للأزواج. قال: أشهب غير أني أستحب أن لا يعجل بالتزويج حتى يتبين أن الدم الذي رأت في آخر الحيضة دم حيضة بتماديها فيها؛ لأنه ربما رأت المرأة الدم الساعة والساعتين واليوم ثم ينقطع ذلك عنها فيعلم أن ذلك ليس بحيض، فإن رأت هذا امرأة في الحيضة الثالثة فإن لزوجها عليها الرجعة وعليها الرجوع إلى بيتها الذي طلقت فيه حتى تعود إليها الحيضة صحيحة مستقيمة، وقد ذكر ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال قضى زيد بن ثابت أن تنكح في دمها.
قال ابن شهاب وأخبرني بذلك عروة بن الزبير عن عائشة. قال ربيعة وعدتهن من الأقراء الأطهار فإذا مرت بها ثلاثة أقراء فقد حلت وإنما الحيض علم الأطهار فإذا استكملت الأطهار فقد حلت. مالك وسليمان بن بلال أن زيد بن أسلم حدثهما عن سليمان بن يسار عن الليث بن سعد ومالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن ابن الأحوص هلك بالشام حتى دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة. فقالا قد بانت منه وحلت وقد كان طلقها تطليقة أو تطليقتين، فكتب معاوية إلى زيد يسأله عن ذلك فكتب إليه إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها1. مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين قالت: انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة. فقال ابن شهاب: فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق عروة وقد جادلها فيه ناس فقالوا: إن الله يقول {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ، فقالت صدقتم ولا يدرون ما الأقراء إنما الأقراء الأطهار2. قال ابن شهاب وسمعت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث يقول: ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد قول عائشة.
قال مالك: وحدثني الفضل بن أبي عبد الله مولى المهريين أنه سأل القاسم وسالم عن المرأة إذا طلقت فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقالا: قد بانت منه وحلت3.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 56.
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 54
3 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 59.

أشهب قال مالك وقاله سليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن وقالوا كلهم: ولا ميراث بينهما ولا رجعة له عليها1. قال مالك: وقاله ابن شهاب ابن وهب عن ابن لهيعة أن ابن أبي جعفر حدثه عن نافع عن ابن عمرو وزيد بن ثابت مثله. أشهب عن ابن الدراوردي أن ثور بن زيد الديلي حدثه عن ابن عباس أنه كان يقول: إذا حاضت المطلقة الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها. أشهب عن القاسم بن عبد الله أن عبد الله بن دينار حدثه عن عائشة وابن عمرو وزيد بن ثابت أنهم كانوا يقولون إذا طلق الرجل امرأته وقد حاضت الحيضة الثالثة لم يكن لها عليه رجعة ولا يتوارثان ولم يكن بينهما شيء.
قلت: أرأيت إن قال الرجل لامرأته وقد كان طلقها قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي وأكذبها الزوج؟ قال: ينظر في ذلك فإن كان قد مضى من الزمان ما تنقضي في مثله العدة صدقت، وكان القول قولها. قلت: فإن سكتت حتى أشهد على رجعتها ثم قالت بعد ذلك بيوم أو أقل من ذلك إنك أشهدت على رجعتي وإن عدتي قد كانت انقضت قبل أن تشهد على رجعتي؟ قال: لا تصدق. قلت: ولم صدقتها في القول الأول؟ قال: لأنها في القول الأول مجيبة له فردت عليه الرجعة وأخبرته أن مراجعته إياها ليس بشيء وفي مسألتك الآخرة قد سكتت وأمكنته من رجعتها ثم أنكرت بعد، فلا تصدق على الزوج؛ لأن الرجعة قد ثبتت للزوج بسكوتها؛ لأن مالكا قال لي في المرأة تطلق وتزعم أنها قد حاضت ثلاث حيض في شهر أو تزعم أنها قد أسقطت قال: أما الحيض فتسأل النساء فإن كن يحضن لذلك ويطهرن صدقت، وأما السقط فإن الشأن فيه أنهن فيه مأمونات على ذلك ولا تكاد تسقط المرأة إلا علم بذلك الجيران، ولكن الشأن في ذلك أن يصدقن، ويكون القول قولها، وكذلك قال مالك.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 57.

في دعوى المرأة انقضاء عدتها
قلت لأشهب: أرأيت رجلا طلق امرأته طلقة أو تطليقتين، ثم قال لها وهي في العدة قد راجعتك، فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي؟ قال: هي مصدقة فيما قالت قد انقضت إذا كان ذلك من كلامها نسقا لكلامه، وكان قد مضى من عدة الأيام من يوم طلقها إلى اليوم الذي قالت فيه قد انقضت عدتي ما تنقضي في مثله عدة بعض النساء إذا كان ادعاؤها ذلك من حيض، وأما إن كان من سقط فقولها جائز، وإن كان من بعد طلاقه بيوم أو أقل أو أكثر قال أشهب: ودلك على ذلك أن ذلك إليهن لقول الله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، ففسر أهل العلم أن الذي خلق الله في أرحامهن لا يحل لهن أن يكتمنه

الحيضة والحبل، فيجعل العدة إليهن بما حرم الله عليهن من كتمانها. يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: في قول الله {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} قال بلغنا أنه الحبل وبلغنا أنها الحيضة ولا يحل لهن أن يكتمن ذلك لتنقضي العدة ولا يملك الزوج الرجعة إذا كانت له، وقاله محمد بن كعب القرظي وعطاء ومجاهد.
ابن وهب عن قباث بن رزين اللخمي عن علي بن رباح قال: كان تحت عمر بن الخطاب امرأة من قريش فطلقها تطليقة أو طلقتين وكانت حاملا فلما أحست بالولد أغلقت الأبواب حتى وضعت، فأخبر بذلك عمر فأقبل مغضبا حتى دخل المسجد فإذا هو بشيخ كبير فجلس إليه فقال: اقرأ علي ما بعد المائتين من البقرة فذهب يقرأ فإذا في قراءته ضعف، فقال يا أمير المؤمنين ههنا غلام حسن القراءة فإن شئت دعوته لك، قال: نعم، فدعاه فقرأ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فقال عمر إن فلانة من اللائي يكتمن ما خلق الله في أرحامهن وإن الأزواج عليها حرام ما بقيت. أشهب عن فضيل بن عياض أن ليث بن أبي سليم حدثه وأن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن أبي بن كعب أنه قال: إن من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها. سفيان بن عيينة أن عمرو بن دينار حدثه أنه سمع عبيد بن عمير يقول إن المرأة ائتمنت على فرجها، قال لي سفيان في الحيضة والحبل إن قالت حضت أو قالت لم أحض أنا حامل صدقت ما لم تأت بما يعرف فيه أنها كاذبة.
قلت: أرأيت إن طلق الرجل امرأته فادعت أن عدتها قد انقضت وذلك في أيام يسيرة لا تحيض النساء فيها ثلاث حيض في مقدار تلك الأيام؟ قال: لا تصدق قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال لي مالك: إذا ادعت أن عدتها قد انقضت في مقدار ما تنقضي فيه العدة صدقت فهذا يدلني على أنه لا يصدقها إذا ادعت ذلك في أيام يسيرة لا تنقضي العدة في عدد تلك الأيام. قلت: أرأيت إن طلق الرجل امرأته ثم قالت في مقدار ما تحيض فيه ثلاث حيض قد دخلت في الدم من الحيضة الثالثة والزوج يسمعها، ثم قالت بعد ذلك مكانها أنا كاذبة وما دخلت في الدم من الحيضة الثالثة أيكون للزوج أن يراجعها وقد نظر النساء إليها فوجدنها غير حائض، فقال: لا ينظر إلى نظر النساء إليها وقد بانت منه حين قالت قد دخلت في الحيضة الثالثة إذا كان في مقدار ما تحيض له النساء، ولا أرى أن يراجعها إلا بنكاح جديد، أشهب عن ابن لهيعة أن أبا الأسود حدثه أن حميد بن نافع أخبره أن علي بن حسين طلق امرأته من أهل العراق فتركها خمسة وأربعين

ليلة، ثم أراد ارتجاعها فقالت قد حضت ثلاث حيض وأنا اليوم حائض لم أطهر من الثالثة، فاختصما إلى أبان بن عثمان ولم يرجعها إليه وليس العمل على أن تستحلف إذا كان ما ادعت تحيض في مثله.
قلت: أرأيت إن طلق رجل امرأته فلما كان بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين قالت المرأة قد أسقطت وقد انقضت عدتي ما قول مالك في ذلك؟ قال: قال مالك: في وجه ذلك أن يصدقن النساء في ذلك. قال مالك: وقل من امرأة تسقط إلا وجيرانها يعلمون ذلك، ولكن لا ينظر في ذلك إلى قول الجيران وهي مصدقة فيما قالت من ذلك. قلت: أرأيت إن أكذبها الزوج، يكون عليها اليمين في أنها قد أسقطت أم لا؟ قال: ليس في مثل ذلك للزوج عليها يمين وهي مصدقة فيما قالت من ذلك لأنهن مأمونات على فروجهن ولو رجعت وصدقت الزوج بما قال لم تصدق ولم يكن له عليها رجعة؛ لأنه قد ظهر أنها قد بانت منه فهما يدعيان ما يردها إليه بلا صداق ولا عقد جديد من ولي فيكون ذلك داعية إلى أن تزوج المرأة نفسها بغير صداق ولا ولي.
قلت: أرأيت إن أسقطت سقطا لم يتبين بشيء من خلقه، أسقطته علقة أو مضغة أو عظما أو دما أتنقضي به العدة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ما أتت به النساء من مضغة أو علقة أو شيء يستيقن أنه ولد فإنه تنقضي به العدة وتكون به الأمة أم ولد.
قلت: أرأيت إن طلقها فقالت قد أسقطت وقال الزوج لم تسقطي ولي عليك الرجعة؟ قال مالك: القول قول المرأة وهذا السقط لا يكاد يخفى على النساء ولا جيرانها، ولكن قد جعل مالك في هذا القول قولها.
قال: وسألت مالكا عن المرأة يطلقها زوجها فتزعم أنها قد حاضت ثلاث حيض في شهر واحد قال: يسأل النساء عن ذلك فإن كن يحضن لذلك ويطهرن له كانت فيه مصدقة. قلت لغيره أرأيت إن طلق الرجل امرأته فقالت قد انقضت عدتي وحضت ثلاث حيض في شهرين، وقال الزوج قد أخبرتني أمس بأنك لم تحيضي شيئا، فصدقته المرأة، هل يقرها معه ويصدقها بالقول الثاني؟ قال: لا، وهو مما وصفت لك أنه داعية إلى أن تزوج نفسها بغير ولي ولا صداق للذي ظهر أنها قد بانت منه، ولكن لو أقام الزوج بينة على ما ادعى من أنها قالت بالأمس أو قبل ذلك من الأيام بمثل ما لا تحيض فيه ثلاث حيض إلى هذا اليوم لم تصدق المرأة بما ادعت من أن حيضها قد انقضين عنها، وكان لزوجها عليها الرجعة ما بينها وبين أن يمضي بها من الأيام من اليوم الذي قالت إني لم أحض شيئا وقامت لزوجها عليها بذلك البينة، فإن لم يرتجع إلى أن يمضي من ذلك اليوم عدد أيام يحاض في مثلها ثلاث حيض فلا رجعة له عليها، وإن رجعت عن قولها إني قد حضت ثلاث حيض.

قلت لأشهب: أرأيت إذا لم يعلم أنه أغلق عليها بابا ولا أرخى عليها سترا حتى فارقها، ثم أراد ارتجاعها فأنكرت ذلك وكذبته بما ادعى من إصابته إياها فأقام البينة على أنه قد كان يذكر قبل فراقه إياها أنه قد أصابها؟ فقال: لا ينتفع بذلك ولا رجعة له عليها؛ لأنه يتهم على التقدم بمثل هذا القول إعدادا لما يخاف من أن يفوته بطلاقها قبل البناء بها ليملك بذلك رجعتها، فلا يقبل في ذلك قوله ولا رجعة له عليها وإن صدقته لأنها تتهم في ذلك على مثل ما اتهم عليه، ولها عليه النفقة والكسوة ولها العدة إذا صدقته، ولو لم تصدقه لم يكن لها عليه كسوة ولا نفقة ولا عليها عدة، فلو أقام البينة بعد طلاقه إياها على أنه قد كان يقول وتقول هي إنه قد خلا بها وأصابها؟ فقال لي: لا يصدقان بذلك ولا يقبل قولها في العدة ولا في الرجعة وعليها العدة ولا رجعة عليها له، وعليه لها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها ولا يتوارثان، ألا ترى أن ربيعة قال: إرخاء الستور شاهد عليهما فيما يدعيان فليس من أرخى الستر ثم ادعى كمن لا يرخيه ولا يعلم ذلك.

المتعة
قلت: أرأيت المطلقة إذا كان زوجها قد دخل بها وكان قد سمى لها مهرا في أصل النكاح، أيكون لها عليه المتعة في قول مالك؟ قال: نعم. عليه المتعة. قلت: فهل يجبر على المتعة أم لا؟ قال: لا يجبر على المتعة في قول مالك. قال: وقال لي مالك ليس للتي طلقت ولم يدخل بها إذا كان قد سمى لها صداقها متعة، ولا للمبارئة ولا للمفتدية ولا للمصالحة ولا للملاعنة متعة قد دخل بها أم لا. قال مالك: وأرى: على العبد إذا طلق امرأته المتاع ولا نفقة عليه لها ولا يجبر على المتاع في قول مالك أحد. قلت: أرأيت المطلقة المدخول بها وقد سمى لها صداقها لم يجعل لها مالك المتاع؟ قال: لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] فجعل المتاع للمطلقات كلهن المدخول بهن وغير المدخول بهن في هذه الآية، ثم استثنى في موضع آخر فقال تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ولم يجعل لهن المتاع وزعم زيد بن أسلم أنها منسوخة ورأى أهل العلم في المفتدية والمصالحة والمبارئة حين لم يطلقها إلا على أن أعطته شيئا أو أبرأته فكأنها اشترت منه الطلاق وخرجت منه بالذي أعطته فلا يكون لها عليه المتاع بأنها هنا تعطيه وتغرم له فكيف ترجع وتأخذ منه، ولقد سئل مالك عن رجل تزوج امرأة وأصدقها صداقا فوقع بينهما اختلاف قبل البناء بها فتداعيا إلى الصلح فافتدت منه بمال دفعته إليه على أن لا سبيل له عليها ففعلت، ثم قامت عليه بعد ذلك تطلبه بنصف الصداق فقال مالك: لا شيء لها، هي لم تخرج من حباله إلا بأمر غرمته له فكيف تطلبه بنصف الصداق، وكأنه

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19