كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

مالك: إذا آلى منها إلى أجل من الآجال فوقفته بعد الأربعة الأشهر فلم يفئ ففرق بينهما السلطان، ثم إن تزوجها بعد ذلك وقد بقي من الوقت الذي آلى إليه أربعة أشهر سواء أو أدنى من أربعة أشهر. قال مالك: فلا إيلاء عليه إلا أن يكون بقي من الوقت الذي آلى فيه أكثر من أربعة أشهر.
قلت: وإذا آلى ثم طلق فمضت الأربعة الأشهر من يوم آلى قبل مضي عدتها فوقفته فطلق عليه السلطان، أتكون تطليقة أخرى في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ويكون للزوج أن يراجعها إذا طلق عليه السلطان حين أبى الفيء؟ قال: قال مالك: نعم له أن يرتجعها ما كانت في عدتها إذا كان طلاق السلطان عليه من نكاح قد كان وطئها فيه. قلت: أرأيت إن ارتجعها في عدتها فلم يطأها حتى مضت العدة، أتكون رجعته رجعة أم لا؟ قال: قال مالك: لا تكون رجعته رجعة إذا لم يكن يطأها في عدتها. قلت: ويكون الزوج موسعا عليه يخلي بينه وبينها ما كانت في عدتها إذا هو ارتجعها قال: نعم، قلت: فإذا لم يطأها في عدتها حتى دخلت في الدم من الحيضة الثالثة بانت منه وحلت للأزواج مكانها في قول مالك؟ قال: نعم إلا أن يكون له عذر من مرض أو سجن أو سفر فإن رجعته ثابتة عليها. فقال: فقلت لمالك فإذا صح أو خرج من السجن أو قدم من السفر فأمكن منها فأبى أن يطأها. قال: أرى أن يفرق بينهما إن كانت هذه العدة قد انقضت. قال: فقلت لمالك فهل عليها الآن عدة؟ قال: لا، وعدتها الأولى تكفيها، قال: ومحمل ذلك عندي إذا لم يخل بها في العدة، فإن خلا بها في العدة وأقر بأنه لم يطأها فرقت بينهما وجعلت عليها العدة للأزواج من ذي قبل ولا يكون للزوج عليها في هذه العدة الرجعة.
قلت: أرأيت الزوج إن قال قد وطئتها وقالت المرأة لم يطأني؟ قال: فإن القول قول الزوج ويصدق ويحلف. قلت: أرأيت الرجل يولي من امرأته ولم يبن بها أو لم يطأها ثم توقفه بعد الأربعة الأشهر فيطلق عليه السلطان أيكون له رجعة أم لا؟ قال: قال مالك: لا رجعة له عليها. قال: وكذلك إذا كان قد وطئها ثم طلق عليه السلطان فانقضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك ولم يطأها فوقفته بعد الأربعة فلم يفئ فطلق عليه السلطان أيضا أنه لا رجعة له عليها لأنه لم يطأها في هذا الملك من بعد ما عقد نكاحها الثانية. قال: وكذلك كل ملك لم يطأ فيه فلا رجعة له عليها. قلت: أرأيت لو أن رجلا حرا تحته مملوكة آلى منها، كم أجل الإيلاء من هذه الأمة في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل حر آلى من أزواجه، حرائر كن أو إماء، مسلمات كن أو مشركات من أهل الكتاب: حرائر فأجل

إيلائه أربعة أشهر ولا ينظر في ذلك إلى النساء. قال: وكذلك كل عبد آلى من نسائه وتحته حرائر وإماء مسلمات أو مشركات، حرائر من أهل الكتاب فأجل إيلائه شهران، وإنما ينظر في هذا إلى آجال الرجال لا إلى آجال النساء. قال: قال مالك: لأن الطلاق على الرجال والعدة على النساء فكذلك أجل الإيلاء للرجال.
قلت: أرأيت إذا آلى منها وهو عبد وهي أمة فوقفته بعد الشهرين فلم يفئ فطلقها عليه السلطان ثم أعتقت وهي في عدتها، أينتقل إلى عدة الحرائر ويملك الزوج الرجعة في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك في الأمة إذا أعتقت وهي في عدتها من طلاق يملك الزوج الرجعة أو لا يملك الرجعة؟ قال: تبني على عدتها عدة الأمة ولا تنتقل إلى عدة الحرائر لأن العدة قد لزمت الأمة حين طلقها ولا يلتفت في ذلك إلى العتق فكذلك مسألتك. قلت: أرأيت لو أن عبدا على أمة أو على حرة آلى منها فلما مضى شهر أعتق العبد فمضى شهر آخر فأرادت امرأته أن توقفه بعد مضي الشهرين من يوم آلى، فقال الزوج: أنا حر ولي أربعة أشهر؟ قال: قال مالك: في عبد طلق امرأته تطليقة وهي حرة أو أمة ثم أعتق العبد بعد ذلك: إنه إنما بقي من طلاقه تطليقة واحدة. قال: قال مالك: الإيلاء للرجال لأن الطلاق للرجال، فأرى هذا قد لزمه إيلاء وهو عبد فأعتق بعد ذلك فلا يلتفت إلى حاله التي تحول إليها بعد العتق، لأن الإيلاء قد لزمه وهو عبد فأجله في الإيلاء أجل عبد، ألا ترى أن مالكا قال إنما بقي من طلاقه تطليقة فهذا يدلك على قول مالك. فقال ابن القاسم: أولا ترى أن مالكا قال في الأمة يطلقها زوجها فتعتد بعض عدتها، ثم تعتق: إنها لا تنتقل إلى عدة الحرائر لأن العدة قد لزمتها يوم طلقها زوجها وهي أمة فكذلك مسألتك. قلت: أرأيت العبد إذا آلى بالعتق أو بالصدقة، أيكون موليا. قال: قال مالك في عبد حلف بعتق جارية إن اشتراها، فأتى مالكا يستفتيه، قال مالك: لا أحب أن تشتريها ونهاه عن ذلك. قال ابن القاسم: فقلت لمالك أسيده أمره أن يحلف بها؟ قال مالك: لا، ما قال لي إن سيده أمره بأن يحلف. قال مالك: ولم أر له أن يشتريها. قال ابن القاسم: فأراه موليا لأنه لو حنث ثم أعتق لزمته اليمين. قلت: أرأيت إيلاء الذمي إذا حلف بعتق أو طلاق أو بالله أو بصدقة ما يملك أو بغير ذلك من الأيمان أن لا يقرب امرأته فأسلم، أيكون موليا أم لا؟ قال: قال مالك: لا يكون موليا، إذا أسلم سقط هذا كله عندي، ألا ترى أن طلاقه لا يلزمه فكذلك إيلاؤه لأن الإيلاء يجر إلى الطلاق.
تم وكمل كتاب الإيلاء من المدونة الكبرى بحمد الله وعونه ويليه كتاب اللعان.

كتاب اللعان
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب اللعانقلت لابن القاسم: أرأيت الإمام إذا لاعن بين الزوجين المسلمين الحرين أو الكافرة تحت المسلم أو العبدين أو العبد تحته الأمة أو الأمة تحت الحر أو الحرة تحت العبد كيف يلاعن بينهم وبمن يبدأ؟ قال: يبدأ بالرجل فيحلف أربع شهادات، يقول: أشهد بالله لرأيتها تزني أشهد بالله لرأيتها تزني، يقول ذلك أربع مرات، والخامسة يقول الزوج: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين. قال: وكذلك سمعت مالكا قال لي وقال لي ويدرأ عنها العذاب أن تشهد، فتقول: أشهد بالله ما رآني أزني أشهد بالله ما رآني أزني، قال: تقول ذلك أربع مرات، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وحدثنا سحنون عن ابن وهب عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زرعة بن إبراهيم، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن امرأته زنت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بها" ، فلما أتي بها قال: " ما يقول هذا؟" قالت: كذب يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا فلان اتق الله وانزع عما قلت نجلدك وتتوب إلى الله تعالى يتوب الله عليك" قال: لا والذي بعثك بالحق أربع مرات رددها عليه رسول الله فأقبل على المرأة فقال: "يا فلانة اتق الله وأقري بذنبك نرجمك وتتوبي إلى الله ويتوب الله عليك" ، قالت: لا والذي بعثك بالحق لقد كذب، قالت ذلك أربع مرات فنزل القرآن {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الآيات كلها فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فلان قم فاشهد" ، قال: أقول ماذا يا رسول الله، قال: "تقول: أشهد الله أني لمن الصادقين أربع مرات" كلما قالها قال: "ثن وثلث وربع" ثم قال: "وخمس" فقال: يا رسول الله ماذا أقول؟ قال: "قل لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين" ثم دعا المرأة فقال: "أشهدين أو نرجمك" قالت: يا رسول الله بل أشهد قال:

"قومي" قالت: يا رسول الله ماذا أقول؟ قال: "قولي أشهد بالله أنه لمن الكاذبين أربع مرات" ثم قال: "خمسي" . قالت يا رسول الله ماذا أقول قال: "قولي غضب الله عليها إن كان من الصادقين" ، ففعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوما فقد فرقت بينكما ووجبت النار لأحدكما والولد لك" 1 يعني المرأة.
قال ابن وهب وقال مالك: في الذي يغيب عن امرأته ثم يقدم وقد ماتت امرأته وتركت ولدا كان بعده فأنكره. قال: بلغني يلتعن ويبرأ من الولد ويكون له الميراث. قال ابن وهب قال يونس قال ابن شهاب عن رجل تزوج امرأة فلم يجمعها إليه حتى حملت، فقالت: هو من زوجي وكان يأتيني في أهلي سرا فيغشاني وأسررته من أهلي فسئل زوجها فقال: لم أغشها، وقال أنا من ولدها بريء. قال ابن شهاب: سنتها سنة الملاعنة، نرى أن يتلاعنا ولا ينكح حتى تضع حملها ولا يجتمعان أبدا وولدها يدعى إلى أمه ومن قذفها جلد الحد. قال: قال يونس عن ابن شهاب أنه قال في رجل تزوج امرأة فدخل بها ثم قذفها ثم ارتفعوا إلى السلطان جاء بشهود فشهدوا أنها أخته من الرضاعة قال ابن شهاب إن قامت بينة على أنها أخته فرق بينهما ولم يكن بينهما ملاعنة وكان لها مهرها بما استحل منها.
قلت: فإن تبرأ من الحمل كيف يلتعن؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى أن يقول: أشهد بالله لرأيت ولم أسمعه من مالك وتقول المرأة: أشهد بالله ما زنيت. سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان: يقع اللعان بين كل زوجين. مالك أن ربيعة وعبد الله بن يزيد بن هرمز وجميع من أدركت من العلماء كانوا يقولون: يقع اللعان بين كل زوجين. يحيى بن سعيد ونافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبي رباح وأبو الزناد وطريف قاضي هشام وبكير بن الأشج وعبد الرحمن بن القاسم وابن قسيط بذلك. قال أبو الزناد: ومضت السنة في المرأة من أهل الكتاب تكون تحت المسلم أنهما يتلاعنان إذا قذفها. وقال عبد العزيز: الحر يلاعن الأمة، والعبد يلاعن الحرة وذلك أنهما زوجان وأن للولد حرمة نكحت أمه نكاح الإسلام وهي زوجة فليست له بأمة يصدق عليها بما قال إذا استبرأها.
قلت: هل بين الكافرة والمسلم لعان إذا قذفها في قول مالك؟ قال: إذا قذفها فلا يكون عليها لعان لأنها كافرة. قلت: أرأيت إن ادعى رؤية وتدعي أنه لم يجامع بعد الرؤية وهي كافرة؟ قال: يلاعن في قول مالك الساعة؛ لأنه يدفع عن نفسه ما يكون له منها من الولدان أحب أن يلاعن وإنما جعل مالك للزوج أن يلاعن حين زعم أنه رآها من قبل أن يظهر الحمل، لأن الزوج يقول: أخاف أن أموت ويكون من هذه ولد فيلحقني، فلذلك
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب اللعان حديث 4. الترمذي في كتاب الطلاق باب 12 أحمد في مسنده"2/19".

كان له أن يلاعن ويدفع عن نفسه الولد إذا جاءت به، وإنما يلاعن المسلم النصرانية في دفع الولد ولا يلاعنها فيما سوى ذلك. قلت: وهل بين الحرة والعبد أو الأمة والحر لعان في قول مالك؟ قال: نعم، والحر من الأمة على ما فسرت لك من الحر والنصرانية لأنه لا لعان بينهما إلا في نفي الحمل. يحيى بن سعيد في حر تحته أمة قذفها بالزنا قال: إن كان يتبرأ من حملها فإنه يلاعنها لمكان ولدها، وإن كان زناها ولم يتبرأ من حملها زجر عنها، وقال في المملوك تحته الأمة مثل ذلك. قال يحيى في النصرانية تحت المسلم مثل ذلك. قلت: أين تلاعن النصرانية المسلم في قول مالك؟ قال: في كنيستها وحيث تعظم قال مالك: وتحلف بالله. قلت لابن القاسم: فالمسلم أين يلتعن؟ قال: في المسجد وعند الإمام. قال سحنون: وقد بينا في كتاب الشهادات: أين تحلف النصرانية.
قلت: أي الساعات تلتعن في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول: في دبر الصلوات. قلت: فهل تحضر النصرانية الموضع الذي يلتعن فيه زوجها أم لا في قول مالك: والزوج إنما يلتعن في المسجد. قال: لا أعرف من قوله أنها تحضر ولا تحضر لأنها تمنع من المسجد. قلت: فهل يحضر الرجل موضعها حيث تلتعن في كنيستها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه قال: تلتعن النصرانية في كنيستها ويلتعن المسلم في المسجد والنصرانية تمنع من دخول المسجد عند مالك فهذا يدلك على أنه لا بأس أن يلتعن كل واحد منهما بغير محضر من صاحبه إلا أن يشاء الرجل أن يحضرها. قلت: فهل يجمع الإمام للعان المسلم ناسا من المسلمين قال: قال مالك: يلتعن في دبر الصلوات وبمحضر من الناس، ولا بد للإمام فيما سمعنا من مالك أنه يلاعن بينهما بمحضر من الناس. قلت: أرأيت إتمام اللعان، أهو فرقة بين الزوجين أم حتى يفرق السلطان بينهما؟ قال: قال مالك: إتمام اللعان هي الفرقة بين الزوجين. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الزوج والمرأة فحلفا بعد العصر عند المنبر. ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب أن المتلاعنين يتلاعنان في دبر الصلاة الظهر والعصر وما كان في دبر العصر أشهدهما. قلت: أرأيت المتلاعن إذا أكذب نفسه بعد تمام اللعان أيحل له أن ينكحها في قول مالك؟ قال: لا تحل له أبدا ويضرب الحد ويلحق به الولد. قال مالك: السنة في المتلاعنين أنهما لا يتناكحان أبدا وإن كذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد ولم ترجع إليه امرأته. قال مالك: وتلك السنة عندنا لا شك فيها. قال ابن وهب وقاله ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن. ابن وهب عن ابن لهيعة والليث عن عبد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج أن التلاعن هي البتة ولا يتوارثان ولا يتناكحان

أبدا وعليها عدة المطلقة، فإن كان لها عليه مهر وجب عليه. قلت: فإن أكذب نفسه قبل أن يتم اللعان ولم يبق من اللعان إلا مرة واحدة من المرأة؟ قال: إذا أكذب نفسه وقد بقي من لعان المرأة واحدة أو اثنتان جلد الحد وكانت امرأته.
ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول في الملاعن إذا أكذب نفسه بعدما يشهد أربع شهادات من قبل الخامسة التي يلتعن فيها جلد الحد ولم يفرق بينهما. قلت: أرأيت إن ظهر بامرأته حمل فانتفى منه ولاعن السلطان بينهما ثم أنفش ذلك الحمل أتردها إليه؟ قال: لا، قلت: ولم وقد مضى اللعان؟ قال: لا. قلت: أفيزوجها من ذي قبل؟ قال: لا، قلت: ولم وقد مضى اللعان؟ قال: وهل يدري أن ذلك أنفش ولعلها أسقطت فكتمته. ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: "قذف رجل من الأنصار ثم من بني عجلان امرأته فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فرق بينهما بعد أن تلاعنا". قال سهل: فحضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت سنة المتلاعنين بعد أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا. ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن شهاب وبكير بن الأشج ويحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا. ابن عيينة والفضيل عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب قال في المتلاعنين: لا يجتمعان أبدا.
قلت: أرأيت المحدود والمحدودة في القذف هل بينهما لعان في قول مالك؟ قال: قال مالك: اللعان بين كل زوجين إلا أن يكونا جميعا كافرين فلا يكون بينهما لعان. قال سحنون: وقد بينا هذا قبل هذا وآثاره. قلت: أرأيت الصبي إذا قذف امرأته وهي امرأة كبيرة أيلاعن أم لا في قول مالك، لأنه ليس بقاذف ولا يلحقه الولد إن جاءت امرأته بالولد فلما كان لا يلحقه الولد وكان ليس بقاذف علمنا أنه لا يلاعن وقد قال مالك: إنه إن زنى لم يحد؟ قال مالك: وإن قذف الصغير لم يحد فهذا يدلك على أنه لا يلاعن. قلت: أرأيت المملوكين المسلمين هل بينهما لعان في قول مالك؟ قال: نعم بينهما اللعان كذلك قال مالك إذا أراد أن ينفي الولد وادعى رؤية، فقال: أنا ألتعن خوفا من أن يلحق بي الولد إذا جاء. قلت: أرأيت الحر إذا قذف امرأته الحرة فقال: رأيتها تزني فأراد أن يلاعنها وهي ممن لا تحمل من كبر أو لا تحمل من صغر؟ قال: تلاعن إذا كانت الصغيرة وقد جومعت، وإن كان مثلها لا تحمل فلا بد له من اللعان، وإن كانت ممن لو نكلت لم يكن عليها حد، ألا ترى أن النصرانية لو نكلت عن لعان المسلم وصدقته لم

يكن عليها حد وكذلك الصغيرة توجب على الرجل اللعان فيما ادعى، لأنه صار لها قاذفا ولا يسقط عنها الحد إن لم يلاعن ولا تلاعن الصغيرة لأنها لو أقرت بما رماها به الزوج لم تحد، لذلك ولو زنت أيضا لم يكن عليها حد.
قلت: فإن كانت هذه الحرة مثلها لا تلد إلا أن زوجها قال: رأيتها تزني وهو لا يريد أن يلاعن حذرا من الحمل، أيلتعن في قول مالك أم لا؟ قال: يلتعن؛ لأن هذا قاذف لهذه الحرة فلا بد من اللعان وهو في الأمة والمشركة لا يكون قاذفا ولا يلتعن إذا قذفها إلا أن يدعي رؤية أو ينفي حملا باستبراء يدعيه، فيقول: أنا ألتعن خوفا من أن أموت فيلحقني الولد، فهذا الذي يلتعن إذا كانت امرأته أمة أو من أهل الكتاب أو ينفي من حملها إن له أن يلتعن وإن أراد أن يلتعن ويحقق قوله عليها لم أمنعه من ذلك، لأن الله تبارك وتعالى قال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] وإن لم يرد ذلك لم يكن عليه شيء؛ لأنه لا حد عليه في قذفه إياها قلت: أرأيت لو أن رجلا نظر إلى امرأته حاملا وهي أمة أو نصرانية أو مسلمة، فسكت فلم ينتف من الحمل ولم يدعه حتى إذا هي وضعت الحمل أينتفي منه؟ قال: قال مالك: إذا رأى الحمل فلم ينتف منه حتى تضعه، فليس له أن ينتفي وقد رآها حاملا ولم ينتف منه، فإنه يجلد الحد لأنها حرة مسلمة فصار قاذفا وهذا قول مالك، وأما الكافرة والأمة فإنه لا يجلد فيهما؛ لأنه لا يجلد قاذفهما.
قلت: فإن ظهر الحمل وعلم به ولم يدعه ولم ينتف منه شهرا ثم انتفى منه بعد ذلك؟ قال: لا يقبل قوله ذلك منه ويضرب الحد إن كانت حرة مسلمة وإن كانت كافرة أو أمة لم يضرب الحد ولحقه ذلك الولد ويجعل سكوته هاهنا إقرارا منه بالحمل؟ قال: نعم، قلت: فإن رآه يوما أو يومين فسكت، ثم انتفى بعد ذلك؟ قال: إذا أثبتت ألبتة أنه قد رآه فلم ينكره وأقر ثم جاء بعد ذلك ينكر لم يكن له ذلك. قلت: أرأيت الصبية التي يجامع مثلها إلا أنها لم تحض إذا قذفها زوجها أيلاعن في قول مالك؟ قال: قال مالك: من قذف صبية مثلها يجامع وإن لم تبلغ المحيض، فإن قاذفها يحد، فكذلك زوجها إذا قذفها فإنه يلاعن ليدفع بذلك عن نفسه الحد. قلت: وتلتعن وهي صغيرة إذا كان مثلها يجامع وإن لم تبلغ المحيض؟ قال: لا، لأنها لو زنت لم يكن عليها حد وإنما اللعان على من عليه الحد لأنها لو أقرت بما قال لم يكن عليها حد، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] وهي ممن لا عذاب عليها في إقرارها ولا زناها. قلت: أرأيت إن قذف رجل امرأته فقال: رأيتها تزني الساعة ولم أجامعها بعد ذلك، إلا

أني قد كنت جامعتها قبل ذلك، وقد جامعتها اليوم قبل أن أراها تزني وأما منذ رأيتها تزني اليوم فلم أجامعها، أيلتعن أم لا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك في هذه المسألة بعينها: إنه يلتعن ولا يلزمه الولد إن جاءت بولد. قال مالك: وإن أقر أنه كان يطؤها حين رآها تزني فلا ينفعها وأن الولد لا يلزمه إذا التعن بإقراره أنه كان يطؤها حين رآها تزني. قلت: فإن جاءت بالولد من بعد ما التعن بشهرين أو ثلاثة أو بخمسة أيلزم الأب أم لا؟ قال: نعم، لأن الابن إنما هو من وطء هو به مقر وأنه يزعم أنه رآها تزني منذ خمسة أشهر والحمل قد كان قبل أن يراها تزني.
قلت: أفيلحق به الولد في قول مالك؟ قال: قد اختلف في قول مالك فيما سمعنا منه وفيما بلغنا عنه مما لم نسمعه، وأحب ما فيه إلي أنه إذا رآها تزني وبها الحمل ظاهر لا شك فيه فإنه يلحق به الولد إذا التعن على الرؤية.
قلت: أرأيت اختلاف قول مالك في هذه المسألة ما هو قال: ألزمه مرة ومرة لم يلزمه الولد، ومرة يقول: ينفيه وإن كانت حاملا وكان المخزومي يقول في الذي يقول: رأيتها تزني وهو مقر بالحمل قال: يلاعنها بالرؤية، فإن ولدت ما في بطنها قبل ستة أشهر من ادعائه بالولد منه وإن ولدته لستة أشهر فصاعدا فالولد للعان: فاعترافه به ليس بشيء فإن اعترف به بعد هذا ضربته الحد وألحقت به الولد. قلت: أرأيت إن ولدت ولدين في بطن واحد فأقر الأول ونفى الآخر، أيلزمه الولدين جميعا ويضربه الحد أم لا؟ قال: يضرب الحد ويلزمه الولدان جميعا، ولم أسمعه من مالك. قلت: أرأيت لو أن امرأة ولدت ولدا ثم ولدا آخر بعد ذلك بخمسة أشهر أيجعله بطنا واحدا؟ قال: نعم، قلت: فإن وضعت الثاني لستة أشهر فصاعدا، أيجعله بطنين أو بطنا واحدا؟ قال: بل بطنين. قلت: أرأيت إن قال لم أجامعها من بعد ما ولدت الولد الأول؟ قال: يلاعنها وينفي الثاني إذا كانا بطنين. قلت: فإن قال: لم أجامعها من بعد ما ولدت الولد الأول، ولكن هذا الولد الثاني ابني. قال: يلزمه الولد الثاني؛ لأن هذا الولد للفراش. قلت: فهل يجلده الحد حين قال: لم أجامعها من بعد ما ولدت الولد الأول، وهذا الولد الثاني ولدي. قال: أرى أن يسأل النساء، فإن كان الحمل يتأخر عندهن هكذا لم أر أن يجلد وإن قلن: إنه لا يتأخر إلى مثل هذا جلدته الحد ولا أجلده وإن كان يتأخر عندهن وكان عندهن بطنا واحدا، وقد سمعت غير واحد يذكر أن الحمل واحد ويكون بين وضعهما الأشهر ولا يشبه هذا أن يقول الرجل لامرأة تزوجها ولم يبن بها فجاءت بولد بعد ما عقد نكاحها بستة أشهر فقال: هذا ابني ولم أطأها من حين عقدت نكاحها، فهذا يكون ابنه ويجلد الحد؛ لأنه حين قال: هو

ابني ولم أطأها، فكأنه إنما قال: حملت به من غيري، ثم أكذب نفسه بقوله: إنه ابني فهذا يدلك على أن الحد قد وجب عليه.
قلت: أرأيت إذا قدم رجل من سفر فولدت امرأته ولدا فلاعنها ثم ولدت بعد ذلك بشهر أو أقل ولدا آخر، أيلتعن له أيضا أم لا يلتعن؟ قال: يجزئه اللعان الأول ولم أسمعه من مالك. قلت: ولم؟ قال: لأنه حين التعن بالولد الأول فقد التعن وقطع عن نفسه كل ولد يكون لهذا الحمل. قلت: فإن ادعى الولد الثاني؟ قال: يلحق به الولد الأول والثاني ويجلد الحد. قلت: أرأيت إن ولدت امرأته ولدا فمات ولم يعلم الرجل بذلك أو كان غائبا فلما قدم انتفى منه أيلاعن الولد ميتا أم لا؟ قال: يلاعن، لأنه قاذف. فقلت: وكذلك لو ولدته ميتا فنفاه فيلتعن؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الرجل يقذف امرأته وقد كانت زنت وحدت فقال: إني رأيتها تزني؟ فقال: إذا قذفها برؤية ولم يقذفها بالزنا الذي حدت فيه لاعن.
قلت: أرأيت إن أكذب نفسه وقد قذفها برؤية ولم يقذفها بالزنا الذي حدت به أتضربه لها الحد أم لا في قول مالك؟ قال: لا حد عليه وعليه العقوبة قلت: فإن قذفها زوجها وقد غصبت نفسها أتلتعن؟ قال: نعم، وقال غيره: إن كان قذفه إياها برؤية سوى الذي اغتصبت فيه فإنه يلتعن، ثم يقال لها: ادرئي عن نفسك ما أحق عليك بالتعانه، وخذي مخرجك الذي جعله الله لك بأن تشهدي أربع شهادات بالله وتخمسي بالغضب فإن لم يقذفها وإنما غصبت ثم استمرت حاملا فنفاه لم يسقط نسب الولد إلا باللعان، فإن التعن دفع الولد؛ لأنه قد يمكن أن يكون من وطء الفاسق ولم يكن عليها أن تلتعن للشبهة التي دخلت لها بالاغتصاب، لأنها تقول: أنا ممن قد تبين لكم أنه إن لم يكن منه فقد كان من الغاصب.
قلت: أرأيت من أبى اللعان من الزوجين أيجلده مالك بإبائه أم حتى يكذب نفسه؟ قال: إذا أبى اللعان أحد الزوجين أقيم عليه الحد إن كان الزوج أقيم عليه حد القذف، وإن كانت المرأة أقيم عليها حد الزنا. قلت: أرأيت إذا التعن الرجل فنكلت المرأة عن اللعان، أيحدها أم يحبسها حتى تلتعن أو تقر على نفسها بالزنا فيقيم عليها الحد؟ قال: قال لي مالك إذا نكلت عن اللعان رجمت؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] قال: فإذا تركت المخرج الذي جعل الله لها برد قوله جلدت إن كانت بكرا، ورجمت إن كانت ثيبا؛ لأنه أحق عليها الزنا بالتعانه، وصدق به قوله حتى صار غير قاذف لها، فإن خرجت من صدقه عليها وإلا أقيم عليها

الحد. قلت: أرأيت إن نكل الزوج عن اللعان أتحده في قول مالك مكانه؟ قال: نعم. قال مالك: إذا نكل عن اللعان جلدته الحد.
قلت: أرأيت إن ادعت المرأة أن الزوج قذفها، والزوج منكر فأقامت البينة؟ قال: إذا قامت البينة جلد الحد إلا أن يدعي رؤية فيلتعن. قلت: ويقبل قوله إذا ادعى رؤية بعد جحوده القذف؟ قال: نعم، لأنه يقول: كنت أريد أن أكتم، فأما إن قامت البينة فأنا ألتعن، وقال بعض كبار أصحاب مالك: إنه يحد ولا يلاعن لأنه لما جحد ثم أقر أو قامت عليه بينة أنه قال: قد رأيتها تزني وهو يجحد، كان إذا جحد ترك المخرج الذي كان له؛ لأنه لما ثبت أنه قاذف فكان مخرجه اللعان كما قال الله جل وعز: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] وكأنه قال حين جحد أن يكون قال: قد رأيتها تزني، ثم قال: لم أرها فكان مكذبا لنفسه وقع عليه الحد بإكذابه لنفسه. ثم قال: أنا صادق فلا يقبل منه.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا قذف امرأته ثم طلقها فبانت منه وتزوجت الأزواج ثم رفعته إلى السلطان أيحده أم ماذا يصنع به؟ قال ابن القاسم: لم أسمع فيه شيئا إلا أني أرى أن يلتعن؛ لأن القذف إنما كان في موضع اللعان، فليس تركها إياه بالذي يوجب عليه الحد ولكنه إن دعي إلى اللعان فلم يلتعن فقد أكذب نفسه، وإنما أمرته أن يلتعن؛ لأن اللعان كان حده يوم قذفها وإنما دفع عنه العذاب إذا لاعن.
قلت: أرأيت المرأة هل يلزمها لعان الزوج وقد انقضت عدتها من النكاح الذي قذفها فيه وتزوجت ثم قامت عليه بالقذف؟ قال: نعم، يلاعن لأني إذا رأيت عليه اللعان إذا لم تكن تحته فدرأت عنه العذاب لما التعن رجع عليها اللعان فإما أبرأت نفسها وإما حدت. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته: هذا الولد الذي ولدته ليس هو مني، فقالت المرأة: صدقت ليس هو منك؟ قال: قال مالك: والليث لا يلزمه الولد إذا تصادق الزوجان أن الصبي ليس بابن له ولا ينتسب إليه. قلت: أفتحد الأم؟ قال: قال مالك: نعم تحد. قلت: وينقطع نسب هذا الصبي بغير لعان من الزوجين؟ قال: نعم، كذلك قالا وقاله مالك غير مرة فيما بلغني. قلت: فإن كانت تحته قبل أن تلد هذا الولد بعشرين سنة أو أدنى من ذلك مما يلحق به الحمل، قال: فهو عندي واحد. قال ابن القاسم: وسمعت الليث بن سعد يقول مثله وقد قال أكثر الرواة عن مالك: إنه لا ينفيه إلا اللعان ولا يخرجه من الفراش المعروف والعصبة والعشيرة إلا اللعان. قال: وقد روى ما قال ابن القاسم وأكثر الرواة يرون ما قال مالك: إنه لا ينتفي إلا بلعان. فقال ابن القاسم وقال مالك، لا يكون للرجل أن ينفي ولده إذا ولدته امرأته وهو مقيم معها ببلد يرى حملها إلا أن يكون

غائبا عن الحمل، فقدم وقد ولدته فله أن ينفيه، فإن أقام مقرا به فليس له أن ينفيه بعد ذلك.
قلت: أرأيت إن قال وجدت مع امرأتي رجلا في لحافها أو وجدتها وقد تجردت لرجل، أو وجدتها مضاجعة لرجل في لحافها عريانة مع عريان، أتلتعن أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أنه لا لعان بين الزوج وبين امرأته إلا أن يرميها بالزنا برؤية أو ينفي حملها، فإن رماها بالزنا ولم يدع رؤية ولم يرد أن ينفي حملا فعليه الحد، لأن هذا مفتر. وقاله المخزومي وابن دينار وقالا في الحمل: إن نفاه ولم يدع استبراء جلد الحد. قال ابن القاسم: فأرى مسألتك إن لم تكن له بينة على ما ذكرت من تجريدها له ومضاجعتها إياه كما ذكرت رأيت عليه الأدب ولا حد عليه. قال: وجل رواة مالك على أن اللعان لا يكون إلا بأحد وجهين، إما برؤية لا مسيس بعدها، أو ينفي حملا يدعي قبله استبراء وإما قاذف لا يدعي هذا فإنه يحد وقد قاله ابن القاسم.
وقال ابن القاسم أيضا غير هذا إذا قذف أو نفى حملا لم يكن به مقرا لاعن ولم يسأل عن شيء، وقاله ابن نافع معه. قال ابن أبي الزناد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حبلى، وقال زوجها: والله ما قربتها منذ عفرنا النخل، والعفر أن يسقى النخل بعد أن يترك من السقي بعد الآبار بشهرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بين" فجاءت بغلام أسود وكان الذي رميت به ابن السمحاء1. قال مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه2، قال ابن وهب: وأخبرني عبد الله بن عمر أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم ما يوجب اللعان بين المرأة وزوجها؟ قال: لا يجب اللعان إلا بين رؤية واستبراء. قال الليث عن يحيى بن سعيد أنه قال: التلاعن بين الزوجين لا يكون إلا بإنكار الولد فإنه يقول إن شاء: ما وطئتها منذ كذا وكذا، أو يقول: رأيت معها رجلا، ففي ذلك التلاعن، فإن قال: هي زانية ولم أر معها رجلا جلد الحد. قال يونس عن ربيعة بذلك قال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه بنحو ذلك.
قلت: أرأيت من لاعن امرأته فنفى ولدها عنه ثم قذفها رجل أيضرب الحد لها أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يضرب قاذفها الحد ومن قذف ابنها، فقال له: يا ابن الزانية، ضرب الحد أيضا كذلك قال مالك. قال مالك: ومن قال لابنها: ليس فلان أباك، على وجه المشاتمة ضرب الحد أيضا. قال مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من دعا ابن ملاعنة لزانية ضرب الحد. قال يونس وقال ابن شهاب: من نفى ولدها جلد الحد. قال
ـــــــ
1 رواه أحمد في مسنده"1/235، 357، 365".
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 35. البخاري في كتاب الطلاق باب 35. مسلم في كتاب اللعان حديث 8.

مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار قال: من دعاها زانية ضرب الحد. وقال علي بن أبي طالب من قذف ابن ملاعنة جلد الحد. قال يونس عن ربيعة أنه قال في الرجل يلاعن امرأته ثم يقذفها بعد ذلك: يجلد الحد، وقاله نافع مولى ابن عمر والقاسم بن محمد ذكره مخرمة بن بكير عن أبيه عنهما.
قلت: أرأيت إن شهد الشهود على هذا الذي لاعن أنه قد أقر بابنه بعد اللعان، وهو ينكر ذلك؟ قال: يلحق به الولد ويضرب الحد. قلت: أرأيت إذا لاعنها بولد فنفاه ثم زنت المرأة بعد ذلك فادعى الملاعن ولده أتضربه الحد أم لا تضربه لأنها قد زنت؟ قال: لم أسمع في هذه المسألة بعينها شيئا ولكنه لا حد عليها إذا ادعاه لأنها قد صارت زانية. قال: وقال ربيعة في رجل يزعم أنه رأى على امرأته رجلا يسميه باسمه قال: يلاعنها ويجلد الحد في الرجل، فأما التلاعن فدفع عن نفسه شيئا لا يعرفه وأما الحد فيكون عليه في تسمية رجل لو لم يسمه لم يضربه. وقاله مالك. قلت: أرأيت المرأة إذا ضرب رجل بطنها فألقت جنينها ميتا فانتفى منه الزوج والتعن لمن تكون الغرة؟ قال: للأم ومن ورث الجنين مع الأم وهذا مثل ابن الملاعنة إذا مات عن مال ورثته أمه وعصبته. قلت: أرأيت لو أن رجلا أنكر ولده فنفاه بلعان ثم مات الولد عن مال فادعى الملاعن الولد بعدما مات؟ قال: لا أدري أسمعته من مالك سماعا أو بلغني عن مالك أنه قال: إن كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به لأنه له نسب يلحقه. قال ابن القاسم: وإن لم يكن له ولد فلا يقبل قوله لأنه يتهم بوراثته ويجلد الحد ولا يرثه. وقال ابن وهب وقال مالك: من أنكر لون ولده فإنه لا يكون في ذلك لعان وإنما هو عرق نزعه. قال يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته، ثم ذكر الحديث وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "هل لك من إبل" قال: نعم، قال: "ما ألوانها" قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق" ، قال: إن فيها لورقا، قال: "فأنى ترى ذلك جاءها" ، فقال: يا رسول الله عرق نزعها، قال "فلعل هذا عرق نزعه" ولم يرخص له في الانتفاء منه1.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن لاعن السلطان بينهما فلما التعن الرجل ماتت المرأة؟ قال: قال مالك: يرثها، قلت: فإن التعن الرجل والتعنت المرأة فلما بقي من لعانها مرة أو مرتان ماتت المرأة؟ قال: أرى أن الزوج وارثها ما لم يتم اللعان من المرأة. قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ربيعة أنه قال: يرثها إن ماتت وإن مات هو لم ترثه. فقلت: أرأيت إن مات الزوج وبقيت المرأة وقد التعن الزوج ما يقال للمرأة في قول مالك؟ قال: قال مالك: يقال للمرأة: التعني وادرئي العذاب عن نفسك ولا ميراث لك،
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الطلاق باب 26. كتاب الحدود باب 41. مسلم في كتاب اللعان حديث 18، 20. أبو داود في كتاب الطلاق باب 28. النسائي في كتاب الطلاق باب 46. ابن ماجه في كتاب الطلاق باب 58. أحمد في مسنده"2/239، 409".

فإن أبيت اللعان وأكذبت نفسك أقيم عليك الحد وكان لك الميراث.

في لعان الأعمى
قلت: أرأيت الأعمى إذا قذف امرأته أيلتعن في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: لم وهو لا يجوز له أن يدعي رؤية قلت: أرأيت إن قلت: إنه يدعي الاستبراء في الحمل، فيجوز له أن يلتعن في الحمل، فهو يجوز له أن يلتعن إذا ادعى الرؤية. قال غيره بعلم يدله على المسيس وغيره من أسباب العلم، وأما رؤية فلا، قاله غيره وكذلك ينبغي. قال ابن القاسم هو من الأزواج وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] والأعمى عند مالك هو زوج فلا بد من اللعان وهو قول مالك. قال مالك: جعل ذلك إليه ويحمله في دينه.

في لعان الأخرس
قلت: أرأيت الأخرس هل يلتعن إذا قذف بالإشارة أو بالكتاب؟ قال: نعم، إن فقه ما يقال له وما يقول.
وسألته عن الذي يدعي الرؤية في امرأته، فيلتعن فتأتي بولد لأدنى من ستة أشهر من يوم ادعى الرؤية قال: الولد ولده لا ينتفي بوجه من الوجوه إذا زعم أنه لم يكن استبرأ قبل أن يرى، لأن اللعان قد مضى ولأنا قد علمنا أنه ابنه لأنه رآها يوم رآها وهي حامل منه. قلت: فإن ادعى الاستبراء حين ولدته لأدنى من ستة أشهر؟ قال: فالولد لا يلحقه ويكون اللعان إذا قال ذلك الذي كان نفيا للولد. قلت: فإن لم يدع الاستبراء إلا أنه قال: لم أزل أطؤها وهذا الولد ليس مني وإنما ألتعن بالرؤية، وقد جاءت بالولد لأدنى من ستة أشهر، فألحقته بأبيه ألا يثبت أن يكون قاذفا، ويجلد الحد؟ قال: لا، قلت: فإن قال حين ولدته بعد الرؤية لخمسة أشهر: هذا ليس مني قد كنت استبريت فنفيت الولد وتم اللعان أرأيت إن قال: الولد لي ولم أكن استبرأت يومئذ وأنا كاذب في الاستبراء، أيلحق به الولد ولا يكون عليه حد لأن اللعان قد كان برؤية؟ قال: أرى عليه الحد؛ لأنه صار قاذفا لأن اللعان الذي كان لما ادعى الاستبراء أنه كان بعدما وضعته بعد كان نفيا للولد، فلما استلحقه وأكذب نفسه في الاستبراء صار قاذفا. قلت: أرأيت المرأة يشهد عليها أربعة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال: يلاعن الزوج ويجلد الثلاثة. قال يونس عن أبي الزناد في المرأة يشهد عليها أربعة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال: أبو الزناد كان القاذف زوجها أو غيره يأتي بأربعة شهداء أو يلاعن الزوج ههنا ويجلد الآخرون. قال يونس وقال ابن شهاب لا يرجم ولا يرى زوجها تجوز شهادته عليها من أجل أن الله رد شهادته عنها بالملاعنة، ونرى أن يجلد الحد إذا ردت شهادة الزوج حد

ترك رفع اللعان إلى السلطان
قلت: أرأيت إن قذف رجل امرأته فلم ترافعه إلى السلطان، أيكون على الزوج شيء أم لا؟ قال: لا شيء على الزوج، قال: وكذلك سمعت مالكا يقول فيها. وقال مالك في رجل قذف رجلا فلم يرفعه المقذوف إلى السلطان قال: لا شيء على القاذف.

لعان امرأة بكر لم يدخل بها جاءت بولد
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة فلم يبن بها ولم يختلها حتى جاءت بولد فأنكره الزوج أيلاعن أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يلاعن إذا ادعت أنه منه وأنه كان يغشاها وكان ما قالت يمكن وجاءت بالولد لستة أشهر فأكثر من يوم تزوجها ولها نصف الصداق ولا سكنى عليه ولا متعة، قلت: وكذلك إن طلقها قبل البناء فجاءت بالولد لمثل ما تلد له النساء، أيلزم الزوج الولد أم لا وهل له أن يلاعن؟ قال: قال مالك: يلزمه الولد إلا أن يلاعن، فإن لاعنها لم يلزمه الولد وهذا إذا كان ما ادعت من إتيانه إياها يمكن فيما قالت. قاليونس إنه سأل ابن شهاب عن رجل تزوج بكرا فلم يجمعها إليه حتى حملت، فقالت هو من زوجي كان يغشاني في أهلي سراً، فسئل زوجها فقال:لم أغشها وإني من ولدها لبريء، فقال: سنتها سنة الملاعنة يتلاعنان ولا ينكح حتى تضع حملها. قال يونس وقال ربيعة إذا تكلمت بذلك وعرف منها لاعنها، وإن مضت سنون وقاله يحيى بن سعيد وابن قسيط أنه يلاعنها إن تمت نكرته.

نفقة الملاعنة وسكناها
قلت: أرأيت هذا الذي لاعن امرأته وانتفى من حملها فولدت ولدا ثم ادعاه الزوج بعدما ولدته، فجلدته الحد، وألحقت به الولد، أيجعل لها على الزوج نفقة الحمل إذا طلبت ذلك المرأة أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأرى أن ينظر إلى حال الزوج يومئذ حين كانت المرأة حاملا، فإن كان الزوج يومئذ موسرا لزمته النفقة وإن كان

ملاعنة الحائض
قلت: أرأيت الرجل يقذف امرأته وينتفي من ولدها ويدعي الاستبراء وهي في دم نفاسها أو حائض؟ قال: لا أحفظ قول مالك فيه ولا يلاعن السلطان بينهما حتى تطهر، إلا أني سمعت منه في الذي لا يجد ما ينفق يضرب له أجل فيأتي الأجل وهي حائض أنه لا يطلق عليه حتى تطهر، وفي الذي لا يقدر على مسيس امرأته في قول مالك كذلك إلا المولى وحده فإني سمعت مالكا غير مرة وأخبرني به غير واحد من أصحابنا أنه قال: إذا وقفه السلطان وهي حائض فلم يف طلق عليه. وقد روى أشهب عن مالك أنه لا يطلق عليه في الحيض

متعة الملاعنة
قلت: ولم قلتم في الملاعنة: إنه لا متعة لها وهي ليست كالمختلعة لأنها لا تعطي الزوج شيئا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه قال لي: لا متاع للملاعنة. قال ابن القاسم: إلا أن الذي يقع في قلبي لأن الفراق جاء من قبلها حين أنكرت ما قال، فلما وقع اللعان بينهما والتعنت وقعت الفرقة ولم يكن لها متاع، لأن الفراق لم يكن من قبل الزوج.
تم كتاب اللعان من المدونة الكبرى ويليه كتاب الاستبراء.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتاب الاستبراء

في استبراء الأمة المستحاضة
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا اشترى أمة مستحاضة يعلم ذلك بكم يستبرئها في قول مالك؟ قال: يستبرئها بثلاثة أشهر إلا أن لا يبرئها ذلك أو تشك، فيرفع بها إلى تسعة أشهر. قال: وقال مالك: وهذه والتي رفعتها حيضتها بمنزلة سواء. قال ابن القاسم: لأن استبراءها عنده إنما كانت حيضة، فلما رفعت هذه حيضتها واستحيضت هذه كانت عنده بمنزلة واحدة لا حيضة لها، إلا أن مالكا قال في العدة من طلاق أو موت في المستحاضة إذا جاءها دم لا تشك فيه ولا يشك النساء أنه دم حيضة للونه وتغير رائحته بمعرفة النساء به: رأيته قرءا وتكف عن الصلاة، فهذه الأمة المشتراة المستحاضة كذلك إذا جاء منها في دمها دم لا تشك ولا يشك النساء أنه دم حيضة رأيت ذلك استبراء وتحل لسيدها، مثل ما قال مالك في العدة. قال: وإنما جعل مالك المستحاضة في الاستبراء بمنزلة التي ترفعها حيضتها إذا لم يعرف النساء ولا هي حيضتها، فإذا عرفت كانت كما وصفت لك. يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال في الأمة العذراء أو غيرها حاضت أو لم تحض أو قعدت قال ربيعة: ينتظر بها ثلاثة أشهر لا نعلم براءتها إلا براءة الحرة ههنا. قال يحيى: فالتي تباع منهن تعتد ثلاثة أشهر إلا أن تحيض حيضة من الإماء اللاتي لم يحضن.

استبراء المغتصبة والمكاتبة
قلت: أرأيت إن كان غصبها منه رجل فردها عليه، أعليه أن يستبرئها في قول

استبراء الأمة يسبيها العدو
قلت: أرأيت إن أسر العدو جارية لي أو مدبرة أو أم ولد، أو حرة، فرجعن إلي، أيكون علي الاستبراء في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، عليك الاستبراء. قلت: فبكم تستبرئهن؟ فقال: الحرة بثلاث حيض، والأمة والمدبرة وأم الولد بحيضة حيضة. قلت: فإن قلن لم توطأ واحدة منا؟ قال: لا يصدقن، وعليهن الاستبراء؛ لأن أهل الحرب قبضوهن على وجه الملك لهن لا على وجه الوديعة فالاستبراء لازم.

استبراء الموهوبة والمرهونة
قلت: أرأيت إن رهنت جارية فافتككتها أيكون علي استبراؤها في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا يكون على سيدها استبراء؛ لأنها بمنزلة ما لو استودعها رجلا. قلت: أرأيت إن وهبت لرجل جارية فعاب عليها ثم ارتجعتها، أيكون علي أن أستبرئها في قول مالك؟ قال: نعم. فقلت: ولا يكون هذا مثل البيع؟ قال: لا، لأن هذا حين غاب عليها غاب عليها وهو حائز لها، فعلى الذي وهب إذا ارتجع أن يستبرئ لنفسه، والبيع يتواضعانها فإذا رجعت إليه قبل أن تدخل في الحيضة ويذهب عظم حيضتها، فلا استبراء على البائع، إذا رجعت إليه، وإن كان في البيع قد قبضها

استبراء الأمة تباع فتحيض عند البائع قبل أن يقبضها المبتاع
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فمنعني صاحبها من أن أقبضها حتى أدفع إليه الثمن، فحاضت عند البائع بعد استبرائي إياها قبل أن أقبضها، ثم دفعت إليه الثمن وقبضت الجارية، أتجزئ تلك الحيضة من الاستبراء في قول مالك أم لا؟ فقال: إن أخذها في أول حيضتها أجزأه ذلك، وإن كانت في آخر حيضتها أو بعد أن طهرت لم يجزه ذلك حتى تحيض حيضة مستقبلة وعلى البائع المواضعة. قلت: أرأيت إن لم يمنعه القبض فلم يقبضها المشتري حتى حاضت عند البائع، أيجزئ المشتري هذه الحيضة من الاستبراء أم لا؟ قال: إن كان المشتري لم يسأله القبض والبائع لم يمنعه، إلا أن المشتري ذهب ليأتي بالثمن فأبطأ عن القبض حتى حاضت الجارية عند البائع، ثم جاء ليقبضها فإن كانت من وخش الرقيق فأرى أن يستبرئها بحيضة مستقبلة وإن كانت من علية الرقيق رأيت أن يتواضعاها، وكذلك إن كان البائع منعها من المشتري حتى يقبض الثمن فحاضت عند البائع فإن كانت من علية الرقيق تواضعاها وإن كانت من وخش الرقيق قبضها المشتري وكان عليه أن يستبرئها بحيضة مستقبلة إلا أن يكون أمكنه منها وتركها عنده، فإن حيضتها استبراء للمشتري لأن ضمانها كان منه لأنه بمنزلة أن لو وضعها عند غيره.

قلت: أرأيت من اشترى جارية وهي حائض، أتجزئه هذه الحيضة في قول مالك من الاستبراء؟ قال مالك: إن كانت في أول حيضتها أجزأه ذلك من الاستبراء، وإن كانت في آخر الحيضة لم يجزه مثل اليوم وما أشبهه، وإن كانت قد أتت على آخر حيضتها استقبلت حيضة أخرى، قلت: فإن كانت هذه الأمة المشتراة قد حاضت عند بائعها فلما اشتراها رأت الدم عنده يوما أو يومين بعد خمسة أيام من حيضتها التي حاضتها عند البائع، أيكون هذا استبراء أم لا؟ قال: لا يكون هذا استبراء. قلت: وتدع الصلاة، قال: نعم. قلت: ولم لا تجعله استبراء؟ قال: لا يكون الدم التي تراه استبراء حتى يكون بين الدمين من الأيام ما يعلم أن الدم الثاني حيض، فإذا وقع بين الدمين من الأيام ما يعلم أن الدم الثاني حيضة كانت حائضا قلت: فإن لم تر هذا الدم الذي يعلم أنه حيض مستقبل إلا يوما واحدا ثم انقطع عنها، أتجعله حيضا ويجزئها من الاستبراء؟ قال: يسأل النساء عن ذلك، فإن قلن إن الدم يوم أو بعض يوم يكون حيضا كان هذا استبراء، وإلا فلا أراه استبراء حتى تقيم في الدم ما يعرف ويستيقن أنه استبراء لرحمها، ولا يكون هذا الدم استبراء إذا لم أجعله حيضة تامة وإن كنت أمنعها من الصلاة. فقلت: أرأيت ما بين الدمين من الطهر، كيف يعرف عدد ما بين الدمين حتى يجعل الدم الثاني حيضا؟ قال: قال مالك: الثلاثة الأيام والأربعة الأيام والخمسة إذا طهرت فيها ثم رأت الدم بعد ذلك، إن ذلك من الحيضة الأولى. قال: وما قرب من ذلك فهو كذلك. قال: وسألنا مالكا عن امرأة طلقت فقالت قد حضت في شهر ثلاث حيض؟ قال: يسأل النساء، فإن كن يحضن كذلك ويطهرن صدقن وإلا فلا، ويسأل النساء عن عدد أيام الطهر، فإن قلن: هذه الأيام تكون طهرا فيما بين الحيضتين، وجاء هذه الأمة بعد هذه الأيام من الدم ما يقلن النساء: إنه دم حيضة، ولا يشككن أنها حيضة أجزأه ذلك من الاستبراء وإلا فلا.

في استبراء الجارية تباع ثم يستقيلها البائع
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فقبضتها، ثم استقالني البائع فأقلته قبل أن نفترق، أيجب على البائع أن يستبرئ في قول مالك؟ قال: لا، لأنهما لم يفترقا ولم يغب على الجارية. قلت: أرأيت إن انقلبت بها ثم استقالني؟ قال: إن كان لم يكن في مثل ما غاب عليها المشتري أن تحيض فيها لأنها لم تقم عنده قدر ما يكون في مبلغ الاستبراء، فليس على المشتري مواضعة لأنها لو هلكت في مثل ذلك كانت على البائع، ولا يطأ

البائع حتى يستبرئ لنفسه وإن كانت من وخش الرقيق فهلاكها من المشتري إن كان البائع لم يضعها عند المشتري على وجه الاستبراء وإنما قبضها على وجه الاشتراء وحازها لنفسه، فالمشتري لم يستبرئ فتحل له فهي وإن لم تحل له حتى ردها إلى البائع فلا يطؤها البائع أيضا حتى يستبرئها لنفسه احتياطا لأنه قد دفعها إلى المشتري وغاب عليها إلا أن يكون دفعها إلى المشتري وائتمنه البائع على الاستبراء فلا يكون على البائع استبراء إذا ارتجعها قبل أن تحيض عظم حيضتها، وإن كان إنما دفعها البائع إلى المشتري قبضا لنفسه فقد وصفت لك ذلك، ولو وضعاها على يدي رجل أو امرأة للاستبراء ما كان على البائع إذا استقاله ورجعت إليه فيها استبراء، فإن طال مكثها في الموضع الذي تواضعاها فيه للاستبراء إذا لم تحض فإذا كانت قد حاضت في الموضع الذي جعلاها فيه للاستبراء وخرجت من الحيضة فقد حلت للمشتري، فإن استقال البائع بعد هذا فعليه الاستبراء؛ لأنها حلت للمشتري قبل أن يستقيله البائع وصارت عليه العهدة ووجبت عليه المواضعة، وصار المشتري إنما هو تاركها في موضعها لم يكن للمستقيل بد من الاستبراء إلا أن يستقيل البائع المشتري في الجارية، والجارية في أول دمها أو في عظم دمها، فإذا فعل لم يكن عليه استبراء إلا أن يستقيل في آخر دمها فيكون عليه الاستبراء.
قلت: أرأيت إن استقاله في آخر دمها؟ قال: فعلى البائع المستقيل أن يستبرئ لنفسه وله المواضعة على المقيل. قلت: ولم وهي لم تحل للمشتري حتى تخرج من دمها؟ قال: لأنها إذا دخلت في الدم من أول ما تدخل في الدم فمصيبتها من المشتري وقد حل للمشتري أن يقبل وأن يصنع بها ما يصنع الرجل بجاريته إذا حاضت، وإن أقال المشتري البائع في الدم أو في عظمه رأيته بمنزلة رجل اشترى جارية في أول دمها أو في عظمه، فإن أقاله في آخر دمها كان بمنزلة رجل اشترى جارية في آخر دمها فلا تجزئه تلك الحيضة. قلت: لم أمرت البائع حين استقاله في آخر دمها أن يستبرئ، والمشتري لم يحل له وطؤها؟ قال: لأن الجارية قد تحمل في آخر الدم إذا وطئت فيه، فلا أدري ما أحدثت الجارية، وهي لو اشتريت في هذه الحال لم تجز من اشتراها هذه الحيضة فإنما يحمل هذا محمل الاشتراء الحادث قال: وقال مالك في الذي يشتري الجارية في آخر دمها: إنه لا تجزئه من الاستبراء وعليه أن يستبرئ استبراء آخر وله المواضعة وعهدته قائمة.
ابن وهب عن عقبة بن نافع المعافري عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال في الرجل يشتري الجارية وهي حائض هل تبرئها تلك الحيضة؟ قال يحيى: أدركنا الناس

وهو أمرهم إلى اليوم أن الوليدة إذا اشتريت فإنما يبرئها ويسلم للذي اشتراها إذا حاضت حيضة واحدة. قال ابن وهب وأخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: يقال: أيما رجل ابتاع وليدة تحيض فوضعت على يدي رجل حتى تحيض فماتت فهي من صاحبها حتى تحيض، وكل عهدة على ذلك، قال بكير: ويقال: أيما رجل ابتاع وليدة فأراد أن يخاصم فيها لم يحل له أن يطأها وفي نفسه خصومة صاحبها فيها. قال ابن وهب: وأخبرني ابن لهيعة عن أبي جعفر عن زيد بن إسحاق الأنصاري أن عمر بن الخطاب قضى في جارية وضعت على يدي رجل حتى تحيض فماتت بأنها من البائع. أخبرني يونس عن ابن شهاب مثله قال ابن شهاب: وإن كانت حاضت فهي من المبتاع. قال يونس عن ابن شهاب في رجل اشترى جارية من آخر فدعاه إلى ثمنها، فقال: سوف فماتت الوليدة عند البائع قال: إن كانت الوليدة ماتت في العهدة قبل أن تحيض فهي من البائع وإن كانت حاضت فهي من المبتاع وإن وضعاها على يدي عدل فكذلك أيضا.

استبراء الجارية يباع شقص منها
قلت: أرأيت إن بعت شقصا من جاريتي أيأمرني مالك أن نتواضعاها للاستبراء إن كانت من علية الرقيق؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن بعت شقصا، منها ثم استقلته فأقالني بعدما تواضعاها فحاضت، أو كانت من وخش الرقيق فبعته شقصا منها فاستقلته بعدما أمكنته منها، أيجب علي الاستبراء؟ قال: نعم، يجب عليك فيها الاستبراء لأنها قد حرمت على البائع حين حاضت وله على المقيل المواضعة؛ لأن الضمان قد كان وجب عليه وبرئ منه البائع الأول، فلما استقال كان بمنزلة ما لو اشتراها من المشتري أجنبي من الناس، فله المواضعة فكذلك يكون للمستقيل على المقيل، وإن كانت من وخش الرقيق فلا يطؤها حتى يستبرئ؛ لأن المشتري قد غاب عليها إذا كان قابضا لها وأخذها على القبض وهي لو أصيبت كانت من المشتري فكان المستقيل أجنبيا من الناس اشتراها من المشتري الذي قبضها على الإيجاب، فلذلك صار ضمانها منه وأنها إذا كانت من وخش الرقيق يجوز بيعها بالبراءة من الحمل وأنه لا يتقي فيها من الخطر ما يتقي من التي تباع على المواضعة وللسنة فيها.

استبراء أم الولد والمدبرة إذا بيعتا
قلت: أرأيت لو أن رجلا باع أم ولده أو مدبرته، فقبضها المشتري، أيكون على

استبراء الجارية يشتريها الرجل من عبده
قلت: أرأيت إن اشترى رجل من عبد له تاجر جارية، أيجب عليه الاستبراء؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وعليه الاستبراء. قلت: وكذلك إن انتزعها السيد كان عليه الاستبراء؟ قال: نعم، ويكون هذا مثل البيع.

في استبراء الأمة تباع بالخيار ثم ترد
قلت: أرأيت لو أني بعت جارية لي على أني بالخيار ثلاثا أو على أن المشتري بالخيار ثلاثا، فتواضعناها وهي من علية الرقيق أو كانت من وخش الرقيق فدفعتها إليها فاختار الرد أو اخترت الرد، أيكون على البائع إذا رجعت إليه الاستبراء أم لا؟ قال: لا، لأن ملكه عليها ولأن مصيبتها منه لأن البيع لم يتم فيها، وإني أحب أن يستبرئ إذا غاب المشتري عليها وكان الخيار له فهو حسن؛ لأن المشتري قد كان لو وطئها وإن كان لا يجوز له ذلك كان ذلك منه رضا واختيارا فقد خلا بها وقد كان له ما أعلمتك. ألا ترى أن المغصوبة أيضا أحب لسيدها أن لا يمسها حتى يستبرئ لأن الغاصب لا يؤمن إذا غاب عليها.

في استبراء الجارية ترد من العيب
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فردها من عيب، هل يكون على البائع استبراء؟ قال: نعم عليه الاستبراء إذا كانت قد خرجت من الحيضة، وضمانها من المشتري وإن لم تكن خرجت من الحيضة فلا استبراء عليه يريد أن لا مواضعة على الذي يرد بالعيب على البائع. قال ابن القاسم: لأنها لو هلكت قبل أن تحيض كانت المصيبة فيها من البائع. وقال أشهب لا يكون على الذي رد بالعيب مواضعة خرجت من الحيضة أو لم تخرج؛ لأن الرد بالعيب نقض بيع وليس هو بيعا ابتداء.

ما ينقضي به الاستبراء
قلت: أرأيت إن اشتريت أمة حاملا فأسقطت سقطا لم يتم خلقه، أينقضي به

مواضعة الحامل
قلت: أرأيت إن اشتريت أمة حاملا، أيتواضعانها حتى تلد في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا كانت حاملا فلا يتواضعانها وليقبضها ولينقد ثمنها ولا يطؤها المشتري حتى تضع ما في بطنها. قلت: أرأيت إن قالت الأمة قد أسقطت من عشرة أيام أو انقطع الدم عني؟ قال: لا تصدق الأمة. قلت: فكيف يصنع بها سيدها؟ قال: لا يطؤها حتى تحيض حيضة. قلت: فقد رجعت هذه الأمة إلى حال ما لا يجوز النقد فيها، ولا بد أن يتواضعاها إذا كان استبراؤها بالحيض؟ قال: إذا باعها البائع والحمل بها ظاهر ولم يستطع هذا المشتري ارتجاع الثمن ولا يتواضعانها، لأن البائع يقول للمشتري: أما أنا فقد بعتك حاملا فلا أدري ما صار إليه الحمل وقد بعتك ما يجوز فيه النقد وقد انتقدت، ويقال للمبتاع: استبرئ لنفسك بحيضة مستقبلة، قال: وإن كان حين باعها لم يكن تبين حملها عند الناس رأيت البيع فاسدا إن كانت من الجواري المرتفعات جواري الوطء لأنه إن كان تبرأ من الحمل فلا يجوز أن يبيعها ويتبرأ من الحمل. وإن كان باعها على أنها حامل بأمر لا يستيقن ولا يعرفه النساء فإنما هو رجل باعها على أنها إن كانت حاملا فأنا بريء من الحمل، فهذا لا يجوز في المرتفعات فأرى أن يفسخ البيع بينهما وهو قول مالك: لا يجوز، وفي هذا البيع أيضا وجه آخر أنه اشترط النقد ولا يجوز أن يشترط النقد في الجواري المرتفعات؛ لأنه لا بد من المواضعة فيهن للاستبراء، وإن كانت من وخش الرقيق جاز ذلك فيما بينهما، ويقال للمشتري: استبرئ لنفسك بحيضة مستقبلة، لأن وخش الرقيق يجوز فيهن عند البيع البراءة من الحمل، ويستبرئ المشتري لنفسه بحيضة ويجوز أن يشترط البائع فيها النقد، فإن كانت حاملا لم يستطع ردها لأن البائع قد تبرأ من الحمل. قال: وإن كانت مرتفعة وكانت بينة الحمل جاز النقد فيها وجاز تبري البائع من الحمل ولا تصدق الأمة على أنها أسقطت إلا أن يكون ذلك معروفا عند النساء كما وصفت لك خوفا من أن يكون كان ريحا فأنفش، وليس على البائع في ذلك في بيعه عيب؛ لأنه

باع حملا ظاهرا يعرفه النساء ويشهدن عليه ولم يرد وجه براءة حمل إن كان حقا ولا مخاطرة ولا استبراء للمشتري على البائع، ويستبرئ المشتري لنفسه؛ لأن البائع باع على الحمل بيعا صحيحا.
قلت: ما بال الحرائر يصدقن على انقضاء العدة ويصدقن في الحيض وفي أنها أسقطت، ولا تصدق الأمة في الحيض في الاستبراء ولا السقط؟ قال: لأن الحرائر لا ينظر إليهن وشأنهن أن يصدقن على أنفسهن وتؤخذ أمانتهن في ذلك، والأمة لا تصدق في نفسها إذا ادعت الحيضة حتى ترى حيضتها ولمشتريها أن يريها النساء فينظرن إليها إذا زعمت أنها حائض، لأنها عهدة تسقط عن البيع، والضمان لازم على البائع لا يسقط بقول الجارية إلا بالبينة العدلة التي يجوز في مثله، أو يبرئه المشتري مما له أوقفت، وليس لزوج المرأة إذا طلقها فزعمت أنها قد حاضت أن يريها أحدا، فهذا فرق ما بينهما ولأن الله تبارك وتعالى جعل ذلك إليهن فيما يذكر أهل العلم فقال: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] وهو الحيض والحمل وقد بينا هذا في غير هذا الموضع.

مواضعة الأمة على يدي المشتري
قلت: أرأيت لو أني اشتريت جارية من علية الرقيق، فائتمنني البائع على استبرائها ووضعها عندي، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: كان مالك يكره ذلك ويرى المواضعة على يدي النساء أحب إليه. قال ابن القاسم: فإن فعلا هذا وجهلا أن يضعاها على يدي النساء حتى تحيض، رأيت ذلك مجزئا عنهما ورأيتها من البائع حتى تدخل في أول دمها؛ لأن البائع ائتمنه على ذلك ورضي بقوله على ذلك. قلت: أكان مالك يأمر بالجارية إذا أراد أن يتواضعاها للاستبراء أن يضعاها على يدي امرأة ولا يضعاها على يدي رجل؟ قال: قال مالك: الشأن أن يضعاها على يدي امرأة، فإن وضعاها على يدي رجل له أهل ينظرن إليها وتوضع على يديه لمكانهن، أجزأه ذلك ووجه ذلك ما وصفت لك في النساء. قال مالك: ولو أن جارية عند رجل وديعة حاضت عنده حيضة ثم اشتراها أجزته تلك الحيضة التي حاضت عنده من الاستبراء إذا كانت لا تخرج قلت: أرأيت إن اشتريت جارية، فقال البائع: أنا أرضى أن تكون عندك أيها المشتري حتى تستبرئها؟ قال مالك: غيره أحب إلي منه، فإن فعلا أجزأهما.

في الأمة تموت أو تعطب في المواضعة
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية من علية الرقيق فشرطت على البائع أو اشترط علي

في الرجل يتزوج الأمة ثم يشتريها قبل أن يدخل بها ثم يبيعها قبل أن يطأها
قال ابن القاسم في الرجل يتزوج الأمة ثم يشتريها قبل أن يدخل بها، ثم يبيعها

قبل أن يطأها، قال: يستبرئها بحيضة. قال: وكذلك إذا وطئها ثم باعها فإنها تستبرأ بحيضة، وإن كان دخل بها ثم اشتراها فباعها قبل أن يطأها بعد الاشتراء فإن المشتري الآخر يستبرئها بحيضتين لأنها عدة في هذا الوجه. قال: وسواء إذا كان دخل بها ثم طلقها واحدة ثم اشتراها قبل أن تنقضي عدتها فإنه إن كان وطئها بعد الشراء ثم باعها فإن المشتري يستبرئها بحيضة، وإن كان لم يطأها بعد الشراء فأرى أن تستبرأ بحيضتين لأنه إذا باعها بعدما اشتراها قبل أن يطأها فإن الحيضتين هاهنا عدة لأن شراءه إياها فسخ لنكاحه، وإن طلق واحدة وانقضت عدتها ثم اشتراها أو طلقها ثلاثا فانقضت عدتها ثم اشتراها ثم باعها فإنها تستبرأ بحيضة لأنه اشتراها وليست له بامرأة وهو قول مالك. قال مالك: ولو اشتراها وقد حاضت بعد طلاقه حيضة ثم باعها فإن المشتري يستبرئها بحيضة ثم تحل له.

في استبراء الأمة تتزوج بغير إذن سيدها فيفسخ السيد نكاحها
قلت: أرأيت أمة تزوجت بغير إذن سيدها فدخل بها ففرق السيد بينهما؟ قال: على السيد الاستبراء ولا عدة عليها. قلت: كم الاستبراء؟ قال: حيضتان لأنه نكاح يلحق فيه الولد ويدرأ عنهما فيه الحد فيسلك بهما فيه سبيل النكاح. وقد قال بعض الناس هو نكاح.

في الأب يطأ جارية ابنه أعليه الاستبراء
قلت: هل يكون على الأب إذا قومت عليه جارية ابنه التي وطئها استبراء بعد التقويم؟ قال: نعم، إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده فاستبرأها. وقال غيره يستبرئ لأنه لا ينبغي له أن يصب ماءه على الماء الذي لزمته له القيمة، لأنه ماء فاسد وإن كان الولد يلحق فيه وإن كانت مستبرأة عند الأب؛ لأن وطأه إياها كان تعديا منه لذلك لزمته القيمة، فلا ينبغي أن يصب ماءه الصحيح على ماء العداء. قلت لابن القاسم: لم جعلته يستبرئ والولد يلحق الأب؟ قال: لأنه وطء فاسد وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ

في الرجل يطأ جاريته فيريد أن يزوجها متى يزوجها؟
قلت: أرأيت من كان يطأ جاريته فأراد أن يزوجها متى يزوجها؟ قال: حتى تحيض حيضة ثم يزوجها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قال: فقلت لمالك أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها حتى تحيض حيضة؟ قال: لا، ولا ينبغي لنكاح أن يقع في موضع لا يحل فيه المسيس. قلت: فإن زوجها قبل أن تحيض؟ قال: قال مالك: إن كان السيد يطؤها فلا يصلح أن يزوجها حتى تحيض حيضة من يوم وطئها، وإن كان لم يطأها فلا بأس أن يزوجها مكانه. قلت: فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة؟ قال: النكاح لا يترك على حال ويفسخ. قال: وقال مالك: لا يزوج الرجل أمته إلا في موضع يجوز للزوج الوطء. قلت: أرأيت إن اشتريت جارية وقد أقر سيدها البائع أنه قد كان وطئها وتواضعاها للاستبراء أو لم يقر السيد البائع بالوطء ولم يجحد، أيجوز لي أن أزوجها في قول مالك؟ قال: لا أحفظ عن مالك في هذا بعينه شيئا ولكن لا يجوز لك أن تزوجها حتى تستبرئها لأنه لو ظهر حمل ادعاه سيدها البائع جاز دعواه.
قلت: فإن كان البائع قد تبرأ من حملها وقال ليس الحمل مني ولم أطأها وهي من وخش الرقيق؟ قال: فليزوجها من قبل أنه لو ظهر بها حمل وقد قال البائع: لم أطأ، كان الحمل عيبا إن شاء المشتري قبلها وإن شاء ردها، فهي إذا لم يظهر الحمل فزوجها فلا بأس بذلك، وإن كان ذلك قبل الاستبراء؛ لأن البائع قد قال: لم أطأ، ألا ترى أنها لو كانت عند البائع جاز له أن يزوجها ولا يستبرئها، فكذلك المشتري يجوز له أيضا أن يزوجها ولا يستبرئها، وأصل هذا أن ينظر إلى كل جارية كان للبائع أن يزوجها ولا يستبرئها فكذلك للمشتري أيضا إذا رضي بها بعد الشراء أن يزوجها ولا يستبرئها، وإذا لم يكن للبائع أن يزوجها حتى يستبرئها فلا يجوز للمشتري أن يزوجها حتى يستبرئها.
قلت: فإن كانت من علية الرقيق فاشتراها وتواضعاها، أيجوز للمشتري أن يزوجها؟ قال: إذا قال البائع: لم أطأ، وباعها على أنه لم يطأ، وإنه إن كان حمل فليس مني ولم يتبرأ من الحمل إلى المشتري ويقول: إنه إن كان حمل فهو منك، فالبيع جائز وللمشتري أن يزوجها في أيام الاستبراء إذا احتازها، لأن المشتري لو قال للبائع: أنت قد قلت: إنك لم تطأ، فالجارية إن ظهر بها حمل فهو من غيرك وهو عيب فيها فأنا أقبلها بعيبها، إن ظهر الحمل فذلك له جائز فإن قبلها ثم تزوجها قبل أن يستبرئها جاز النكاح وصلح للزوج أن يطأها قبل الاستبراء، لأن البائع لو زوجها قبل أن يبيعها جاز النكاح.

قال: ولأن مالكا قال لو أن رجلا باع جارية مثلها يتواضع للاستبراء من علية الرقيق فظهر بها حمل فأراد المشتري أن يقبلها بذلك الحمل فأبى البائع ذلك وقال: لا أسلمها إذا وجدتها حاملا وقال الحمل ليس مني إلا أني لا أسلمها وليس لك أن تختار علي. قال مالك: إن شاء المشتري أن يأخذها أخذها وليس للبائع هاهنا حجة لأنه عيب قبله إلا أن يدعي البائع أن الحمل منه، لأنه إذا باعها على أن الحمل ليس منه فتواضعاها للحيضة، فإنما البراءة في ذلك للمشتري من الحمل إن كان بها فإذا كان له أن يقبلها إذا ظهر الحمل فذلك له قبل أن يظهر الحمل على ما أحب البائع أو كره إذا لم يدع الحمل لنفسه فإذا قبلها جاز له تزويجها وهو بمنزلة عيب حدث بها اعورت عينها أو قطعت يدها.

في الرجل يشتري الجارية ولها زوج لم يدخل بها فيطلقها
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية لها زوج لم يبن زوجها، فلما اشتريتها طلقها زوجها مكانه وذلك قبل أن يبني بها زوجها، أيصلح لي أن أطأها؟ قال: لا يصلح لك أن تطأها حتى تحيض حيضة عند المشتري. قلت: فإن اشتراها وهي في عدة من وفاة زوجها، ثم انقضت عدتها من بعد ما اشتراها بيوم أو يومين؟ قال: قال مالك: لا يطؤها حتى تحيض حيضة من بعد اشترائه إياها، فإن حاضت حيضة وبقي عليها بقية من عدتها لم يطأها حتى تنقضي عدتها، فإذا انقضت عدتها أجزأها ذلك من العدة ومن الاستبراء جميعا ويطؤها قلت: أرأيت أمة رجل زنت، أله أن يطأها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يطؤها حتى تحيض حيضة. قلت: أيصلح أن يزوجها بعد أن زنت قبل أن تحيض؟ قال: لا يجوز ذلك لأن مالكا قال: لا يزوج الرجل أمة إلا أمة يصلح للزوج أن يطأها مكانه.

في الرجل يبيع جارية الرجل بغير أمره فيجيز السيد البيع
قلت: أرأيت لو أني بعت جارية رجل بغير أمره فحاضت عند المشتري، ثم أجاز سيد الأمة البيع، أيكون على المشتري أن يستبرئ؟ قال: ليس عليه أن يستبرئ لأن مالكا قال في المستودع إذا حاضت عند الجارية ثم اشتراها لم يكن عليه أن يستبرئها وأجزأته تلك الحيضة.

في الرجل خالع امرأته على جارية أعليه استبراء؟
قلت: أرأيت إن خالع امرأته على جارية لها، أيكون على الزوج الاستبراء؟ قال: إن كانت الجارية محبوسة في بيته مع أهله لا تخرج لم أر عليه الاستبراء، وإن كانت تخرج رأيت عليه الاستبراء قلت: وكذلك لو وهبت امرأة لزوجها جارية؟ قال: هي بهذه المنزلة وهذه المسألة التي قالها مالك: إنه لا استبراء عليه إذا كانت لا تخرج

في الأمة تشترى وهي في العدة
قلت: أرأيت إن اشتراها وهي في عدة من وفاة زوجها فمضى لها شهران وخمس ليال فلم تحض حيضة، أيصلح للمشتري أن يطأها في قول مالك؟ قال: لا يطؤها حتى تحيض حيضة من بعد الشهرين والخمسة الأيام. قال سحنون: إن أحست من نفسها ريبة، قال ابن القاسم: إن لم تحض حتى مضت تسعة أشهر من بعد ما اشتراها ولم تحس شيئا فليطأها فإنها قد خرجت من الريبة إلا أن تأتي التسعة الأشهر وهي مسترابة فلا يطؤها حتى تنسلخ من الريبة. قال أشهب: وإن كان قد انقطعت ريبتها قبل تمام التسعة الأشهر ومسها القوابل فلم يرين شيئا فليطأها. قال سحنون: وقد روي عن مالك في التي تشترى وهي ممن تحيض، فلما اشتريت ارتفعت حيضتها أشهرا اختلاف. فقال مالك: تستبرئ بتسعة أشهر، رواه ابن وهب وأن ابن غانم كتب بهذه المسألة إلى مالك فقال مالك: إذا مضى لها ثلاثة أشهر ودعي لها القوابل فقلن: لا حمل بها، فأرى أن استبراءها قد انقضى وأن لسيدها أن يطأها.
قال أشهب وقوله هذا أحبهما إلي وأحسنهما عندي لأن رحمها يبرأ بثلاثة أشهر كما يبرأ بتسعة أشهر، لأن الحمل يتبين في ثلاثة أشهر وذلك الذي حمل كثيرا من أهل العلم على أن جعل استبراء الأمة إذا كانت لا تحيض أو قد يئست من المحيض ثلاثة أشهر، وفي قول الله في عدة الحرائر: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتراها وهي في عدة من الطلاق وهي ممن تحيض فارتفعت حيضتها فلم تدر لم رفعتها؟ قال: أما في الطلاق فإنه لا يطؤها حتى تنقضي السنة. وهو انقضاء عدتها من يوم طلقها ويكون فيما استبرأها استبراء لرحمها فيما أقامت عنده، وذلك ثلاثة أشهر. قلت لابن القاسم: أرأيت من اشترى امرأته بعدما دخل بها أو قبل أن يدخل، أعليه استبراء في قول مالك؟ قال:

لا. قال سحنون: ولا مواضعة فيها والمصيبة من المشتري. قال ابن وهب قال مالك: من ابتاع أمة وهي في عدتها من وفاة أو طلاق فلا يجردها لينظر منها عند البيع ولا يتلذذ منها بشيء إن ابتاعها حتى تنقضي عدتها وهو قول ابن نافع.

في الرجل يطأ الجارية ثم يشتري أختها أو يتزوجها
قلت: أرأيت رجلا كان يطأ جارية فاشترى أختها، أله أن يطأ التي اشترى ويكف عن التي كان يطأ في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يطأ التي اشترى ولكن يطأ التي كان يطأ، فإن حرم عليه فرج التي كان يطأ فلا بأس أن يطأ التي اشترى، ولا يطأ التي اشترى أبدا حتى يحرم عليه فرج التي كان يطأ. قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فوطئتها ثم اشتريت أختها فوطئتها، أيصلح لي أن أطأ واحدة منهما في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يطأ واحدة منهما حتى يحرم عليه فرج واحدة منهما، فإذا حرم عليه فرج واحدة منهما وطئ الأخرى إن شاء، كذلك بلغني عن مالك لأن مالكا قال لو أن رجلا اشترى جارية فوطئها ثم باعها ثم اشترى أختها فكان يطؤها فأراد أن يشتري أختها التي كان يطأ ويقيم على وطء هذه التي عنده قال مالك: لا بأس بذلك ولكن لا يرجع إلى التي اشترى حتى يحرم عليه فرج هذه. قال: ثم قال مالك: إذا وطئهما جميعا وكانتا عنده لم يصلح له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم عليه فرج واحدة منهما، وقد بلغني ذلك عن مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت أختين صفقة واحدة ألي أن أطأ أيتهما شئت؟ قال مالك: نعم. قلت: أرأيت إن كنت وطئتهما جميعا ثم بعتهما ثم اشتريتهما صفقة واحدة؟ قال: يطأ أيتهما شاء لأن هذا ملك مبتدأ أو قد كانتا حرمتا عليه حين باعهما. قلت: لعبد الملك: فما حد التحريم للأخت الأولى من ملك اليمين في الوطء إذا أراد أن يصيب أختها؟ قال: التزويج والكتابة والعتق إلى أجل وكل ما حرم الفرج وهو في ملكه، والبيع. قلت: فلو ظاهر منها؟ قال: لا يحرمها، ألا ترى أنه يكفر من يومه فيصيب والإحلال إليه. قلت لعبد الملك: فلو حرمها بأن وهبها لابنه الكبير أو الصغير أو لمملوكه أو ليتيمه وهو في حجره، هل يكون ذلك محللا له أختها؟ قال: إذا كان إليه أن يصيبها بشراء هو الحاكم في ذلك ليس له من يدفعه أو باعتصار فإن هذا كله يرجع إلى أنه يملك وطأها متى ما أراد. قال: وإن كان لعبده أن يطأها لأن للسيد انتزاعها فتحل له بلا مانع له. قال

عبد الملك: وكذلك كل ما يفسخ في البيوع والنكاح مما ليس لهما أن يثبتا عليه إذا شاءا أو أحدهما قيل له: فلو كان البيع إنما يرد بالعيوب التي لو شاء صاحبها أقام عليها ولم يرد، قال: إذن يمضي على جهة التحريم؛ لأن الراد لها كان لو شاء أقام عليها وليس الرد بواجب لازم يغلبان عليه جميعا.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشترى جارية فوطئها ثم اشترى أختها فوطئها ثم باع إحداهما وبقيت الأخرى عنده فاشترى التي باع قبل أن يطأ التي بقيت عنده، أيكون له أن يطأ أيتهما شاء؟ قال: لا يكون له أن يطأ إلا التي بقيت عنده؛ لأنه كان وطئها قبل أن يبيع أختها، وإنما منعناه من أن يطأ هذه التي اشترى لأن أختها في ملكه وقد وطئها أيضا، فلما أخرج أختها من ملكه صارت له حلالا أن يطأها وقد كان وطئها قبل ذلك وهي عنده على وطئها، فلما اشترى أختها لم يكن له أن يطأ المشتراة؛ لأن الباقية في ملكه كانت له حلالا قبل أن ترتجع أختها وقد كان وطئها قبل أن يبيع أختها فهي عنده على وطئه إياها.
قلت: أرأيت إن كانت عندي أختان فوطئتهما ثم تزوجت إحداهما فلم أطأ الباقية التي لم أزوجها حتى طلق الزوج أختها قبل البناء؟ قال: قال لي مالك يقيم على وطء هذه التي لم يزوجها وإن كان زوج الأخرى قد طلقها قبل البناء؛ لأن فرجها قد كان حرم عليه حين زوجها وبقيت أختها عنده حلالا. قال سحنون: وانظر أبدا فإذا كانت عنده أختان، أو جارية وعمتها أو جارية وخالتها فوطئ واحدة فإن الأخرى لا يطؤها حتى يحرم فرج هذه، فإن وطئ الأخرى قبل أن يحرم الأولى فليمسك عنهما حتى يحرم واحدة منهما، فإن حرم الأولى فلا يطأ الأخرى حتى يستبرئها بحيضة؛ لأن فرجها كان حراما عليه للتي كان يطأ قبلها، فلما حرم الأولى قيل له: لا تصب ماءك الطيب على الماء الفاسد الذي كان الوطء به غير جائز فإن حرم الآخرة التي وطئ آخرا فليطأ الأولى ولا يستبرئها؛ لأنه فيها على وطئه الأول لأن ماءه الأول كان صبه بما يجوز له وإنما منعناه منه لمكان ما أدخل من الوطء الآخر لما نهي عنه من الجمع بين الأختين بكتاب الله وبين المرأة وعمتها وخالتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حرم الآخرة جاز له أن يطأ الأولى مكانه؛ لأن ماءه الأول كان جائزا له قلت لابن القاسم: فإن كان وطئهما جميعا ثم باع إحداهما بيعا فاسدا أو زوج إحداهما تزويجا فاسدا، أيصلح له أن يطأ أختها، قال: أما في التزويج إذا كان التزويج فاسدا لا يقيم عليه على حال فلا أرى أن يطأ الباقية التي عنده وإن كان بيعا فاسدا فلا يطأ التي بقيت عنده حتى تفوت التي باع، فإذا فاتت ولم يكن للمشتري أن يردها فليطأ التي عنده.

قلت: أرأيت إن أبقت إحداهما وقد كنت وطئتهما جميعا أو أسرها أهل الحرب؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا فإن كان إباقها إباقا قد يئس منها فيه فليطأ أختها، وأما التي أسرها العدو فأراها قد فاتت فليطأ أختها قلت: أرأيت إن اشترى جارية فوطئها ثم تزوج أختها؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا يعجبني هذا النكاح؛ لأن مالكا قال: لا يجوز للرجل أن ينكح إلا في موضع يجوز له فيه الوطء. قال سحنون وقال ابن القاسم أيضا: إن تزوج كان تزويجه جائزا وأوقفته عن الوطء في النكاح وفي الملك فيختار فإما طلق وإما حرم فرج الأمة فأي ذلك فعل جاز له حبس الباقية وقد اختلف فيها. وقال أشهب: إن كان النكاح قبل وطء الأخرى لم يضر النكاح وحرمت الأمة وثبت النكاح، وإن كان وطء الأمة قبل، ثم تزوج الأخت بعدها فعقد النكاح تحريم للملك فيكون النكاح جائزا وهو تحريم للأمة. وقال بعض كبار أصحاب مالك منهم عبد الرحمن وسئل عن الجمع بين الأختين من ملك اليمين أو جمعهما بنكاح وملك، فقال: إذا كان يصيب المملوكة فليس له أن ينكح أختها إلا أن يحرمها قبل النكاح، لأن النكاح لا يكون إلا للوطء، قيل له: فإن كان يصيبها فاشترى أختها؟ قال: إذا له أن يشتريها قبل أن يحرم عليه التي يصيب؛ لأن الشراء يكون لغير الوطء ولأن النكاح لا يكون إلا للوطء فهو مثل ما لو أراد أن يصيب أمة قد كانت عنده عمتها يصيبها قبل أن يحرمها فكما لا يصيب الآخرة من ملك اليمين حتى يحرم الأولى فكذلك لا يتزوج الآخرة حتى يحرم الأولى، لأن النكاح لا يجوز على عمة قد كان يصيبها بملك اليمين كما لا يجوز الوطء لأمة على عمتها قد كانت تصاب بملك اليمين، فصار النكاح في المنكوحة على أخت مثل الوطء بملك اليمين على عمة وطئت. قيل له: فلو تزوج أمة قد كان يصيب أختها بملك اليمين هل يكون له إن هو حرم أختها الأولى التي كان يصيب بملك اليمين أن يثبت على هذا النكاح الذي نكح قبل التحريم؟ قال: لا، لأنه إنما يفسخ بالتحريم تحريم نكاح الأخت على أختها لأن الجمع بين الأختين في ملك اليمين بالوطء إنما يقاس على ما نهى الله تبارك وتعالى عنه من الأختين في جمع النكاح، فكما لا ينعقد النكاح في أخت على أخت، فكذلك لا ينعقد النكاح في أخت على أخت توطأ بملك اليمين. وقد قال علي بن أبي طالب في رجل له جاريتان أختان قد ولدت منه إحداهما ثم إنه رغب في الأخرى فأراد أن يطأها. فقال علي: يعتق التي كان يطأ ثم يطأ الأخرى إن شاء، قال: ثم قال علي بن أبي طالب: يحرم عليك من الملك ما يحرم عليك في كتاب الله من النساء ويحرم عليك من الرضاعة من الأحرار ومن ملك يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من النساء. قال ابن وهب وقد كره الجمع بينهما في الملك يعني في الأختين عثمان بن عفان

والزبير بن العوام والنعمان بن بشير صاحب النبي عليه السلام، وقال ابن وهب عن ابن شهاب لا يلم بالأخرى حتى يعتقها أو يزوجها أو يبيعها، وقاله يحيى بن سعيد وابن قسيط. وقال ابن أبي سلمة حتى يبيعها أو ينكحها أو يهبها لمن لا يجوز له أن يعتصرها منه. وقال ابن عمر لا يطؤها حتى يخرج الأخرى من ملكه.

في استبراء الأمة يبيعها سيدها وقد وطئها
قلت: أرأيت إن بعت جارية وقد كنت أطؤها، أكان مالك يأمر بائعها أن يستبرئها قبل أن يبيع؟ قال: لا يبيعها إلا أن يستبرئها أو يتواضعاها على يدي امرأة لتستبرأ، قلت: فإن وضعاها على يدي امرأة لتستبرأ، أتجزئهما هذه الحيضة البائع والمشتري جميعا؟ قال مالك: نعم، تجزئهما هذه الحيضة. قال: وقال مالك: ولو أن رجلا اشترى جارية فوضعاها فكانت على يدي رجل لتستبرأ له فحاضت فسأله الذي وضعت على يديه أن يوليه إياها ولم تخرج من يديه كان ذلك له استبراء في شرائه ويطؤها ويجزئه الاستبراء الذي استبرأت عنده. وقال مالك: ولو أن جارية كانت بين رجلين وكانت على يدي أحدهما، فحاضت عنده ثم اشتراها من شريكه أجزأه ذلك من الاستبراء ووطئها.

في استبراء الأمو يبيعها سيدها وقد اشتراها
في استبراء الأمة يبيعها سيدها وقد اشتراها
قلت: أرأيت إن اشترى الرجل جارية وهو يريد بيعها فاستبرأها قبل أن يبيعها عنده، ثم باعها، أيجزئ ذلك الاستبراء البائع؟ قال: قال مالك: لا يجزئه ذلك الاستبراء ولا بد لها من أن تواضع للاستبراء للمشتري. قال مالك: وإن كانت من الجواري المرتفعات لم يبعها بالبراءة من الحمل وإن كان قد استبرأها لنفسه ولم تنفعه البراءة من الحمل، وإن قال: قد استبرأت لنفسي وإن كانت من وخش الرقيق فباعها وقد استبرأها أو لم يستبرئها إذا لم يكن يطؤها فباعها بالبراءة من حمل إن كان بها إن ذلك جائز وهو بريء من الحمل وإن ظهر بها.

في استبراء الأمة تشترى من المرأة أو الصبي
قلت: أرأيت الجارية إن كان مثلها يوطأ فكانت لرجل لم يطأها أو كانت لامرأة أو صبي، فباعوها، أيتواضعانها للاستبراء أم لا؟ قال: قال مالك بن أنس يتواضعانها

النقد في الاستبراء
قلت: أرأيت إذا اشترى الرجل الجارية وهي ممن يستبرأ، أيصلح أن يشترط النقد فيها أم لا؟ قال: قال مالك: إن اشترط النقد فيها فالبيع مفسوخ. قلت: فإن اشترطا أن يتواضعا النقد على يدي رجل، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، قال مالك: فذلك جائز. قال: فقلت لمالك: فإن هلك الثمن قبل أن تخرج الجارية من الاستبراء ممن يكون الثمن؟ قال: إن خرجت من الحيضة كان الثمن من البائع، وإن ماتت أو ألفيت حاملا كان الثمن من المشتري لأنه إذا تم البيع فالبائع قابض للثمن، لأن الثمن إنما وضع له وإذا لم يتم البيع فالثمن من مال المشتري لأن الجارية لم تجب له فالمال ماله. قلت: فهل يصلح في هذا إذا جعلاها على يدي المشتري أن يشترط النقد؟ قال: لا يصلح وإن اشترط النقد في هذا كان البيع مفسوخا؟ قلت: فإن لم يشترط النقد ونقده المشتري الثمن في أيام الاستبراء، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك إذا كان بغير شرط.

استبراء الصغيرة والكبيرة التي تحيض والتي لا تحيض من صغر أو كبر
قلت: أرأيت إن كانت لا تحيض من صغر أو كبر ومثلها يوطأ فاشتراها رجل؟ قال:

في استبراء المريضة
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فتواضعاها للاستبراء، فأصابها في الاستبراء مرض فارتفعت حيضتها من ذلك المرض، فرضي المشتري أن يقبلها بذلك المرض متى يطؤها؟ قال: قال مالك: ذلك لا يطؤها إذا رفعتها حيضتها إلا بعد ثلاثة أشهر، والمرض وغير المرض يدخل في قول مالك. قلت: وكل شيء أصابها في أيام الاستبراء من مرض أو عيب أو داء يكون ذلك عند الناس عيبا أو نقصانا في الجارية، فللمشتري أن يردها ولا يقبلها في قول مالك؟ قال: نعم، إلا أن يحب أن يقبلها بذلك العيب، فإن رضي أن

يقبلها بذلك العيب وقال البائع لا أدفعها إليك إذا كان لك لو وجدت بها عيبا أن تردها علي فليس لك أن تختار علي قال ذلك إلى المشتري إن أحب أن يأخذها أخذها وليس للبائع في هذا حجة وإن أحب أن يترك ترك.

في وطء الجارية أيام الاستبراء
قلت: أرأيت الرجل يشتري الجارية، أيصلح له أن يقبل أو يباشر في حال الاستبراء؟ قال: قال مالك: لا يتلذذ منها في حال الاستبراء بقبلة ولا يجس ولا ينظر ولا بشيء إلا أن ينظر على غير وجه التلذذ فلا بأس. قلت: أرأيت من اشترى جارية فوطئها في حال الاستبراء، ثم حاضت فصارت له، أترى أن ينكله السلطان بما صنع من وطئه إياها في أيام الاستبراء؟ قال: نعم، إن لم يعذر بالجهل. قلت: أرأيت إن اشترى رجل جارية وهي بكر، فوطئها في حال الاستبراء فأصابها عيب في حال الاستبراء ذهاب عين أو ذهاب يد أو عمى أو داء، فأراد المشتري أن يردها؟ قال له: أن يردها ويرد معها ما نقصه الوطء. قلت: ولا يكون عليه الصداق في قول مالك؟ قال: لا، لأنها سلعة من السلع فإنما عليه ما نقصها الوطء، فإن لم ينقصها الوطء فلا شيء عليه. قلت: وكذلك في قول مالك إن اغتصب رجل جارية فوطئها كانت بكرا أو ثيبا فإنما عليه ما نقصها؟ قال: نعم.
قلت: ولا يعرف مالك الصداق؟ قال: لا، وأخبرني عن ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه حدثه، قال: من اشترى جارية قد بلغت المحيض فلا ينبغي له أن يطأها حتى تحيض ولا يقبلها ولا يتلذذ بشيء من أمرها، فإذا اشتريت الجارية التي قد عركت لم توطأ حتى تعرك فإن ماتت قبل ذلك كانت من البائع ليس للمشتري أن يقبلها ولا يغمزها ولا ينظر إليها تلذذا. ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في رجل اشترى جارية حبلى هل يباشرها في ثوب واحد قال: ما أحب أن يفعل. مسلمة بن علي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: لا يضع يده عليها حتى تضع وقاله الأوزاعي.
قال ابن وهب وابن نافع عن مالك من ابتاع أمة حاملا من غيره فلا يحل له وطؤها كان حملها ذلك عنده أو عند غيره من زوج أو زنا، ولا ينبغي له أن يباشرها ولا يقبلها ولا يغمزها ولا يجسها ولا يجردها للذة حتى تضع حملها، قال: وإن بيعت الجارية بالبراءة حاملا أو غير حامل فلا تقبل ولا تباشر لا قبل أن يتبين حملها ولا بعد حتى تضع.

في وطء الجارية في أيام الاستبراء ثم تأتي بولد
قلت: أرأيت إن وطئتها في حال الاستبراء ثم جاءت بولد وقد كان البائع وطئها أيضا، كيف يصنع بهذا الولد؟ قال: قال مالك: أرى أن يدعى إليه القافة إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم وطئها المشتري، فإن كان ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها المشتري فهو من البائع، إذا أقر بالوطء وينكل المشتري في حال هذا كله حين وطئ في حال الاستبراء، وإن كان البائع أنكر الوطء فالولد ولد الجارية لا أب له إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها المشتري، ويكون للمشتري أن يردها ولا يكون عليه للوطء غرم وعليه العقوبة إلا أن يكون نقصها وطؤه. قلت: فإن كانت الجارية بكرا فافتضها المشتري في حال الاستبراء فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر والبائع منكر للوطء؟ قال: لا أب له وهي وولدها للأول إلا أن يقبلها المشتري فذلك له، إلا أن يكون البائع أقر أن الولد ولده فينتقض البيع ويكون الولد ولده والجارية أم ولد له، قلت: أرأيت إن قال البائع قد كنت أفخذتها ولكني لم أنزل الماء فيها وليس الولد ولدي، أيكون ذلك له أم لا؟ قال: ذلك له ولا يلزمه الولد.
قلت: أرأيت هذه التي وطئ المشتري في حال الاستبراء فجاءت الجارية بولد لأكثر من ستة أشهر فألحقت القافة الولد بالمشتري أتصير أم ولد بهذا الولد في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن باع رجل جارية وأقر بأنه كان يطأ ولا ينزل فيها، فجاءت بولد لما تجيء به النساء من يوم وطئها سيدها؟ قال: قال مالك: يلزمه الولد ولا ينفعه أن يقول: كنت أعزل عنها. قال أشهب وقد نزل مثل ذلك على عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: إني كنت أعزل عنها فقال له صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الوكاء ينفلت فألحق به الولد وذكره أشهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا.
تم كتاب الاستبراء من المدونة الكبرى بحمد الله وعونه ويليه كتاب العتق الأول.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العتق الأول

في العتق
قلت: أرأيت التدبير والعتق بيمين أمختلف هو؟ قال: نعم، لأن العتق بيمين إذا حنث عتق عليه إلا أن يكون جعل حنثه بعد موت فلان أو بعد خدمة العبد إلى أجل كذا وكذا فيكون كما قال. قلت: والعتق عند مالك واجب؛ لأنه شيء قد أنفذه وبتله، والتدبير واجب لأنه إيجاب أوجبه على نفسه، واليمين في العتق لازمة، والوصية بالعتق عدة إن شاء رجع فيها؟ فقال: نعم، هذا كله كذلك عند مالك. قلت: أرأيت إن قال: لله علي عتق رقيقي هؤلاء، أيجبر على عتقهم أم لا؟ قال: لا يجبر على عتقهم إن شاء أعتقهم وإن شاء حبسهم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: وكان يرى ذلك مالك على سيدهم أن يفي بما وعد ذلك. قال: نعم كان يرى ذلك عليه. قلت: فإن كان يرى ذلك عليه واجبا لم لا يعتقهم عليه؟ قال: إنما هذه عدة جعلها لله من عمل البر فلا يجبر على ذلك ولكنه يؤمر بذلك وإنما الذي يعتقه عليه السلطان عند مالك أن لو كانت يمينه عتقهم فحنث فيها أو أبت عتقهم بغير يمين، فأما إذا كان نذرا منه أو موعدا فإنما يؤمر بأن يبقى ولا يجبر على ذلك.

في الرجل يقول للعبد: إن اشتريتك فأنت حر ثم يشتري بعضه أو يشتريه شراء فاسدا
قلت: أرأيت إن قال لعبد: إن اشتريتك فأنت حر، فاشترى بعضه؟ قال: يعتق عليه

كله عند مالك ويقوم عليه نصيب شركائه؛ لأن مالكا قال: من قال: كل مملوك لي حر وله أنصاف مماليك فإنه يعتق ما بقي عليه منهم. قلت: أرأيت إن قلت: إن ملكت فلانا فهو حر، فملكت نصفه؟ قال: هو حر ويقوم عليك ما بقي. قلت: أرأيت إن قلت: إن اشتريت فلانا فهو حر، فاشتريته بيعا فاسدا؟ قال: قال مالك: من اشترى عبدا بيعا فعتقه جاز عتقه، فكذلك هذا يعتق عليه ويرد الثمن ويرجعان إلى القيمة فيكون عليه قيمة العبد. وقال مالك: إذا اشترى رجل عبدا بثوب فأعتق العبد واستحق الثوب فإنه يرجع على بائع الثوب بقيمة العبد. قلت: أرأيت إن قال لأمة: إذا اشتريتك فأنت حرة، أتعتق عليه في قول مالك إذا اشتراها؟ قال: نعم.

في الرجل يقول للعبد: إن بعتك فأنت حر، ثم يبيعه
قلت: أرأيت إن قال الرجل لعبده: إن بعتك فأنت حر، فباعه؟ قال: قال مالك: يعتق على البائع ويرد الثمن. قلت: فإن قال رجل لرجل: إن اشتريت عبدك فلانا فهو حر، وقال سيده: إن بعتكه فهو حر، فباعه سيده من الحالف؟ قال: قال مالك: هو حر من الذي قال: إن بعتك. قلت: لم؟ قال: لأن الحنث قد وقع والبيع معا وقد كان مرهونا باليمين قبل البيع، وربما عقد فيه قبل أن يبيعه. فقال ابن القاسم: وحدثني ابن أبي حازم أن ربيعة كان يقول: هو مرتهن في يمينه.

الذي يقول لعبده: إن بعتك فأنت حر
سحنون عن ابن وهب عن سهل بن أبي حاتم عن قرة بن خالد قال: سئل الحسن البصري عن رجل قال لمملوكه: إن بعتك فأنت حر، فباعه؟ قال: هو حر من مال البائع أشهب عن ابن الدراوردي عن عثمان بن ربيعة أنه قال: يعتق لأنه كان مرتهنا باليمين قبل البيع. ابن وهب وقال إبراهيم النخعي وقتادة في الذي يقول: إن بعت غلامي فهو حر، فباعه؛ فهو حر. سحنون عن ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة قالا: إذا قال الرجل يوم أشتري هذا الغلام أو أبيعه فهو حر. قال: فإن اشتراه أو باعه فهو حر على ما قال. قال: فقيل لابن شبرمة لم يقل ذلك في البيع فقال: أليس يقول: إذا مت فغلامي حر فهو مثله.

في الرجل يقول: كل مملوك لي حر وله مكاتبون ومدبرون وأنصاف مماليك
فقلت: أرأيت إن قال: كل مملوك لي حر لوجه الله وله مكاتبون ومدبرون وأمهات أولاد، أيعتقهم عليه مالك؟ قال: قال مالك: هم أحرار كلهم. قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك لي حر ألبتة، وله نصف مملوك، أيعتق عليه أم لا؟ قال: قال مالك: يعتق عليه. قلت: فيقوم بقيمته عليه إن كان موسرا في قول مالك. قال لي مالك: نعم. قلت: فإن قال: كل مملوك لي حر وله شقص في مملوك، أيعتق عليه ذلك الشقص في قول مالك؟ قال: نعم، يعتق ويقوم عليه شقص صاحبه إن كان له مال.
قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك لي حر، وله مماليك ولمماليكه مماليك، قال مالك: لا يعتق عليه إلا مماليكه ويترك مماليك مماليكه في يدي مماليكه الذين أعتقوا يبيعونهم رقيقا لهم. فقلت: وكذلك إن كان للمماليك أمهات أولاد لم يعتقوا وكانوا تبعا لهم في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن كان للمماليك أولاد من أمهات أولادهم؟ فقال: يعتقون عند مالك؛ لأن الأولاد ليسوا بمماليك لآبائهم إنما هم مال للسيد ويعتقون كانوا ولدوا قبل حلفه أو بعد حلفه. قلت: أرأيت إن قال: إن كلمت فلانا فكل مملوك لي حر، وعنده مكاتبون وأمهات أولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد، فكلمه، فقال مالك: يحنث فيهم كلهم ويعتقون عليه ويقوم عليه بقية العبيد الذين له فيهم الشقوص إن كان موسرا.

في الرجل يقول لمملوك غيره: أنت حر من مالي، أو لجارية غيره: أنت حرة إن وطئتك.
قلت: أرأيت الرجل يقول لعبد لا يملكه: أنت حر من مالي؟ قال: لا يعتق عليه. قال مالك: فإن قال سيده: أنا أرضى أن أبيعه منك، فإنه لا يعتق عليه عند مالك وإنما يعتق عليه عند مالك إذا قال: إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر، فهذا الذي إن اشتراه أو ملكه فهو حر عند مالك. قلت: أرأيت إن قال لأمة لا يملكها: إن وطئتك فأنت حرة، فاشتراها فوطئها؟ قال: هذه لا تعتق عليه إلا أن يكون أراد بقوله: إن وطئتك، أي: إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة، فإن أراد هذا فهي حرة كما أراد، وإن لم يرد هذا فلا تعتق عليه. قلت: وكذلك إن قال لها: إن ضربتك فأنت حرة وهي في ملك غيره؟ قال: هذا

والأول سواء فيما فسرت لك. ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه أنه قال في رجل قال لعبد رجل: أنت حر في مالي، وإن ذلك باطل وليس ذلك بشيء.

في الرجل يقول: كل مملوك أملكه فهو حر
قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه. قال: وقال مالك: وإن قال: كل عبد اشتريته فهو حر، فلا شيء عليه فيما اشترى من العبد. قال: وقال مالك: ولو قال: كل جارية أشتريها فهي حرة، فلا شيء عليه فيما اشترى من الجواري قال مالك: إلا أن يسمي جارية بعينها أو عبدا بعينه أو جنسا من الأجناس. قال مالك: وهذا مثل الطلاق إذا قال: كل جارية، أو قال: كل عبد أو قال: كل مملوك، فهو بمنزلة من قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق.
قلت: وكذلك إن كان حلف بهذه وعنده رقيق، فإن له أن يشتريه ولا يعتقون عليه في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وهو بمنزلة يمينه في الطلاق إذا حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، وعنده أربع نسوة حرائر كان له أن يتزوج إن طلقهن أو طلق واحدة منهن كان له أن يتزوج وكانت يمينه باطلا في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن قال: كل عبد أملكه فهو حر؟ قال: قال مالك: لا تلزمه هذه اليمين وليس بشيء. قال: وقال مالك: أو قال: كل عبد أملكه فهو حر، أو قال: كل جارية أشتريها فهي حرة، فلا شيء عليه؛ لأنه قد عم الجواري وعم الغلمان، فلا تلزم هذا هذه اليمين. ابن القاسم وذكر ذلك مالك عن ابن مسعود أنه كان يقول: من قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق أو كل جارية أبتاعها فهي حرة أو كل عبد أبتاعه فهو حر، وقال ابن مسعود لا شيء عليه إلا أن يسمي امرأة بعينها أو قبيلة أو فخذا أو جنسا من الأجناس أو رأسا بعينه.
قلت: أرأيت إن قال: إن دخلت هذه الدار أبدا فكل مملوك أملكه فهو حر فدخل الدار؟ قال: لا يلزمه الحنث إذا حنث إلا في كل مملوك كان عنده يوم حلف، وهذا قول مالك. قال: فقلنا لمالك فلو أن رجلا قال: كل مملوك أملكه فهو حر لوجه الله إن تزوجت فلانة، ولا رقيق له فأفاد رقيقا ثم تزوجها بعد ذلك؟ قال: فلا شيء فيما أفاده بعد يمينه قبل تزويجها ولا بعد تزويجها. وقال أشهب إذا قال: إن دخلت هذه الدار فكل مملوك أملكه أبدا فهو حر، فدخل الدار قال: لا يلزمه الحنث في كل مملوك عنده؛ لأنه لما قال: كل مملوك أملكه أبدا علم أنه أراد الملك فيما يستقبل، ألا ترى أنه لو قال: كل مملوك أملكه أبدا وكل امرأة أتزوجها أبدا لي طالق، وله مماليك وله زوجة أنه لا شيء عليه فيما في يديه فكذلك إذا حلف.

قال سحنون: أخبرني ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة أنه قال: إذا قال الرجل كل امرأة أنكحها فهي طالق، إن ذلك ليس عليه إلا أن يسمي امرأة بعينها أو قبيلتها أو قريتها، فإن فعل ذلك جاز عليه ابن وهب عن يونس عن ربيعة بنحو ذلك في الطلاق والعتاق. قال ربيعة: وإن ناسا يرون ذلك بمنزلة التحريم إذا جمع تحريم النساء والأرقاء ولم يجعل الله الطلاق إلا رحمة ولا العتاق إلا أجرا فكان في هذا هلكة من أخذ به.

في الرجل يحلف بعتق كل مملوك يملكه من جنس من الأجناس أو يسميه إلى أجل من الآجال
قلت: فلو قال: كل مملوك أملكه من الصقالبة أو البربر أو الفرس أو مصر أو من الشام فيما يستقبل فهو حر؟ قال: هذا يلزمه؛ لأنه قد سمى جنسا وموضعا ولم يعم فيلزمه هذا عند مالك. قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك أشتريه من مصر فهو حر، فأمر غيره فاشترى له، أيعتق عليه في قول مالك؟ قال: نعم، يعتق عليه في قول مالك؛ لأنه إذا اشتراه بأمره فكأنه هو الذي اشتراه. قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك أشتريه من الصقالبة فهو حر، فوهب له عبد صقلبي على ثواب، أيعتق عليه أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الهبة للثواب بيع من البيوع. فإذا كان بيعا عتق عليه.
قلت: ومتى يكون حرا إذا قبله للثواب أو إذا دفع الثواب؟ قال: إذا قبله للثواب فهو حر ساعتئذ قبل أن يدفع الثواب، ويجبر على دفع الثواب إذا كانوا قد سموا الثواب، وإن كانوا لم يسموا الثواب فهو حر، ويكون عليه قيمة العبد إلا أن يرضى بدون القيمة من الثواب؛ لأن الهبة للثواب عند مالك بيع من البيوع، فإذا قبله للثواب عتق عليه، فإذا عتق عليه فقد استهلكه فعليه قيمته وهذا رأيي. قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك أشتريه من الصقالبة فهو حر، فوهب له عبد صقلبي لغير الثواب أو تصدق به عليه أو أوصى له به أو ورثه، أيعتق عليه في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن كان أراد أن لا يبتاع من الصقالبة، إنما أراد بيمينه أن لا يشتري ولم يرد بيمينه الملك، فإنه لا يعتق عليه، وإن أراد بيمينه الملك حين قال: كل مملوك أشتريه من الصقالبة، أراد أن كل مملوك يملكه من الصقالبة فهو حر وورثه أو أوصي له به أو وهب له أو تصدق به عليه، فهو حر فلا يلتفت إلى قوله: كل مملوك أشتريه إذا كان أراد بذلك الملك. قلت: فإن لم يكن له نية في شيء وكانت يمينه مسجلة؟ قال: فلا شيء عليه وهو على الاشتراء أبدا كما حلف حتى يريد الملك ويكون ذلك هو الذي نوى. قلت: أرأيت إن قال: إن كلمت فلانا أبدا فكل

مملوك أملكه من الصقالبة فهو حر؟ قال: فذلك عليه عند مالك إذا كلم فلانا فكل مملوك يملكه بعد ذلك من الصقالبة فهو حر. قلت: فإن اشترى بعد يمينه وقبل أن يكلمه صقالبة ثم كلمه بعد الاشتراء؟ قال: فهم أحرار إلا أن يكون أراد بيمينه كل مملوك أملكه بعد حنثي فهو حر، فذلك على ما نوى إذا كان ذلك الذي نوى وأراد. قلت: فإن قال: كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر؟ قال: هذا يلزمه عند مالك لأنه قد وقت.

في الرجل يحلف بعتق عبده إن كلم رجلا فيبيعه أو يكاتبه ثم يكلمه ثم يبتاعه بعد ذلك
قلت: أرأيت إن قال: إن كلمت فلانا فعبدي حر، فباعه ثم كلم فلانا ثم اشتراه ثم كلم فلانا؟ قال: قال مالك: يحنث ههنا. قلت: لم؟ قال: لأنه لم يحنث بالكلام الأول حين كلمه وهو في غير ملكه، وإنما يحنث فيه إذا حنث وهو في ملكه قال: فقلت لمالك: فلو فلس فباعه عليه السلطان ثم أيسر يوما ما فاشتراه فكلمه؟ قال: يحنث وليس يبيع السلطان إياه مما يخرجه من يمينه. قال مالك: وبيعه وبيع السلطان واحد، قال مالك: وإن كلم فلانا المحلوف عليه بعدما ورث العبد أنه لا يحنث.
قلت: فلو حلفت بعتقه أن لا يكلم فلانا، فبعته ثم كلمت فلانا ثم وهب لي العبد أو تصدق به علي، فكلمته؟ قال: هو حانث. قلت: ما فرق ما بين الميراث في هذا الوجه وبين الشراء والصدقة أو الهبة؟ قال: قال مالك: لأن الميراث لم يجره إلى نفسه، ولكن الميراث جر العبد إليه وهذه الأشياء كلها هو جرها إلى نفسه، ولو شاء أن يتركها تركها. قلت: أرأيت إن قال لعبده: إن كلمت فلانا فأنت حر، فكاتبه ثم كلم فلانا؟ قال: يعتق عليه؛ لأن مالكا قال لي: من حلف بعتق رقيقه فحنث فدخل في ذلك المكاتب والمدبر وأمهات الأولاد والإماء والعبيد فكل هؤلاء يعتق عليه. قلت: فإن كاتبه وعبدا آخر معه كتابة واحدة ثم كلم السيد فلانا، أيعتق هذا الذي كان حلف بعتقه؟ قال: لا أرى العتق جائزا إلا أن يجيزه صاحبه، لأنه لو ابتدأ أعتق أحدهما الساعة لم يجز إلا أن يجيز ذلك صاحبه فيجوز، فكذلك مسألتك، لأنه إنما أعتق بكلام مولاه حين كلم المحلوف عليه فهو بمنزلة الابتداء. قال: وقال مالك: ولو أن رجلا حلف أن لا يكلم فلانا بعتق رقيقه، فباعهم فوقع أحد منهم عند والده أو عند أخ له فمات فبيع في ميراثه فاشترى منهم رأسا ثم كلم صاحبه.

قال مالك: إن كان الرأس الذي اشترى هو أكثر من قدر ميراثه عتق عليه كله إن كلمه، وإن كان أقل من ذلك، رجع رقيقا وإن فضل عن قيمة هذا الرأس، فلا حنث عليه. فقال مالك: لأنه عندي بمنزلة المقاسمة قال ابن القاسم: ولو أن رجلا حلف بعتق رقيقه أن لا يكلم فلانا، فباعهم ثم ورثهم ولم يكن كلم فلانا حتى ورثهم فكلمه، فلا حنث عليه وهو قول مالك. وقد قال غيره من كبار أصحاب مالك في الذي يحلف أن لا يكلم رجلا بعتق غلام له، ثم يبيعه عليه السلطان في الدين، ثم يشتريه: إنه بمنزلة الميراث أن لو باعه ثم ورثه؛ لأنه يرى أن بيع السلطان يحلف في الدين ليس مثل بيعه للذي يتهم عليه من بيعه هو من قبل نفسه ثم يعيده إليه ليخرج من يمينه.

في الرجل يحلف بحرية شقص له في عبد أن لا يدخل الدار
فيبيع ذلك الشقص ويشتري الشقص الآخر ثم يدخل الدار. قلت: أرأيت إن حلفت بحرية شقص لي في عبد إن دخلت هذه الدار، فاشتريت الشقص الآخر ثم دخلت الدار؟ قال: يعتق جميع العبد عند مالك لأنه حين دخل الدار حنث في الشقص الذي حلف به، فإذا أعتق ذلك الشقص عتق عليه ما بقي من العبيد إذا كان يملكه، فإن كان لا يملكه فحنث في شقصه ذلك نظر فإن كان له مال عتق عليه جميعه، وهذا قول مالك. فهذا يدلك على أنه إذا كان الجميع له أن يعتق عليه جميعه.
قلت: أرأيت لو باع شقصه من رجل غير شريكه واشترى بعد ذلك الشقص الآخر من العبيد من شريكه، فدخل الدار التي حلف بحرية شقصه الذي باع أن لا يدخلها؟ قال: لا يعتق عليه؛ لأن مالكا قال: من حلف بعتق عبد له إن دخل هذه الدار فباع العبد واشترى عبدا غيره ثم دخل الدار ولم يحنث، فإن عاد فاشترى عبده الذي حلف بحريته إن دخل الدار ثم دخل الدار بعد دخلته الأولى والعبد في ملكه، فإنه يحنث عند مالك؛ لأنه لم يحنث بدخوله الأول لأنه في دخوله الأول لم يكن العبد في ملكه قال: وإنما يحنث في هذا العبد إذا عاد إليه فدخل الدار بعد أن عاد إليه العبد إذا كان إنما عاد باشتراء أو بهبة أو بصدقة أو بوصية أو بوجه من وجوه الملك، إلا أن يعود إليه بالميراث فإنه لا يحنث إن دخل الدار والعبد في ملكه إذا كان إنما عاد إليه بميراث. قلت: ما فرق بين الوراثة وبين ما سوى ذلك؟ قال: لأنه لا يتهم في الوراثة أن يكون إنما باعه ليرثه والهبة والصدقة هو جره إلى نفسه، ولو شاء أن يتركه لتركه والوراثة ليس يقدر على دفعها عنه. قال سحنون وقال أشهب مثل جميع ما قال عبد الرحمن بن القاسم.

في الرجل يحلف بعتق كل مملوك له أن لا يكلم فلانا وله يوم حلف مماليك ثم أفاد مماليك بعد ذلك ثم كلمه
قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك لي حر يوم أكلم فلانا وله يوم حلف مماليك ثم أفاد مماليك بعد ذلك ثم كلمه وكيف إن كان يوم حلف لا مماليك له ثم أفاد مماليك ثم كلم فلانا؟ قال: لا يعتق عليه إلا ما كان في ملكه يوم حلف. قال مالك: وإذا قال الرجل: إن كلمت فلانا فكل مملوك لي حر أو حلف على ذلك بالطلاق، ثم كلم فلانا فإنه يعتق عليه ما كان في ملكه يوم حلف وتطلق عليه كل امرأة كانت عنده يوم حلف إذا كلم فلانا. قال: قال مالك: وإن لم يكن عنده يوم حلف عبد ولم يكن له امرأة يوم حلف فإنه لا شيء عليه فلا شيء عليه فيما يتزوج بعد ذلك ولا فيما يشتري بعد ذلك. قلت: أرأيت إن قال: إن كلمت فلانا فكل مملوك لي حر، فاشترى رقيقا بعد اليمين فكلم فلانا أيحنث أم لا؟ قال: قال مالك: لا يحنث إلا فيما كان عنده ذلك اليوم، قال مالك: وفي الطلاق كذلك لا يحنث إلا في كل امرأة كانت في ملكه ذلك اليوم. قال مالك: والصدقة كذلك.

في الرجل يحلف بحرية عبده أن لا يدخل الدار
قلت لابن القاسم: أرأيت الرجل يقول لأمته: إن لم أدخل الدار فأنت حرة؟ قال: هذا يمنع من بيعها ولا يطؤها، لأنه على حنث، ألا ترى أنه إذا قال: إن لم أدخل الدار فأنت حرة فمات قبل أن يدخل الدار عتقت الجارية في الثلث بالكلام الذي تكلم به، فهذا يدلك على أنه كان في حنث، وإذا قال: إن دخلت هذه الدار فأنت حرة، فإنه لا يمنع من بيعها ولا من وطئها، لأنه على بر فلا تقع الحرية هاهنا إلا بالفعل. قال: ومن قال لأمته: إن لم تدخلي الدار فأنت حرة؟ قال: أرى إن كان أراد بقوله على وجه أنه يريد بذلك يكرهها فذلك له يدخلها مكرهة ويكون القول قوله ويبر في يمينه، وإن كان إنما قال: أنت حرة إن لم تدخلي الدار ليس على وجه ما ذكرت لك من الإكراه إنما فوض لها، رأيت أن توقف الجارية ويمنع من وطئها ثم يتلوم له السلطان بقدر ما يعلم أنه أراد بيمينه إلى ذلك الأجل، فإن أبت الجارية الدخول وقالت: لا أدخلها، أعتقها عليه السلطان ولم ينتظر موته؛ لأن مالكا قال في الرجل يقول لرجل: إن لم تفعل كذا وكذا فعبدي حر أو امرأتي طالق. قال مالك: يتلوم له السلطان بقدر ما يرى أنه أراد بيمينه ولا يضرب له في ذلك الأجل إلا بقدر ما يرى السلطان، ويتلوم له ويحال بينه وبين وطء أمته وبينه وبين

وطء امرأته إن كان حلف في هذا بطلاق امرأته، ثم يقول السلطان للمحلوف عليه: افعل هذا الذي حلف عليه هذا الرجل، فإن قال: لا أفعله، طلق عليه السلطان امرأته وأعتق عليه أمته ولا ينتظر في هذا في يمينه بالحرية موته ولا يضرب له في يمينه هذه بالطلاق أجل المولى. قال مالك: وإنما يتلوم له السلطان في هذا على قدر ما يرى أنه أراد بيمينه إلى ذلك من الأجل. قال مالك: وإنما الذي يضرب له أجل الإيلاء إذا قال لامرأته: أنت طالق إن لم أدخل هذه الدار وإن لم أفعل كذا وكذا، فهذا الذي يضرب له أجل الإيلاء بعد أن ترفعه إلى السلطان.
قال مالك: وأما إذا قال: أنت طالق إن لم تدخلي هذه الدار، وقال لرجل آخر: امرأتي طالق إن لم تفعل كذا وكذا، فإنه لا يضرب له في هذا في امرأته أجل الإيلاء، ولكن يتلوم له السلطان على ما وصفت لك، فإن دخلت الدار أو دخل ذلك الأجنبي الذي حلف عليه، وإلا أوقفهما فإن قالا: لا ندخل، طلقها عليه السلطان وكذلك إن كانت يمينه على رجل أجنبي بحرية رقيقه إن لم يدخل فلان هذه الدار فهو بحال ما وصفت لك يتلوم به السلطان ولا يكون في هذا موليا إذا حلف بالطلاق، ولكن يحال بينه وبينها وفي يمينه بالحرية في هذا يوقف المحلوف عليه بعد التلوم للحالف. فإن قال: لا أفعل ذلك أعتق عليه السلطان وطلق عليه.
قلت: أرأيت إن حلف بعتق عبده ليضربنه، أيحال بين السيد وبين ضربه في قول مالك؟ قال: لا، إلا أن تكون يمينه وقعت على ضرر يحال بين السيد وبين ذلك الضرب من عبده فيحنث مكانه ويعتق عليه عبده وهو قول مالك. قلت: فلو كان ضربا بالإيحال بين السيد وبين ذلك الضرب لم يكن له أن يبيعه حتى يضربه؟ قلت: نعم، قلت: أرأيت من حلف بعتق عبده ليفعلن كذا وكذا، فيحال بينه وبين العبد حتى ينظر أيبر أم يحنث، أيحول بينه وبين عمل العبد في قول مالك؟ قال: لا، إلا الوطء فإنه لا يطأ فيه إن كانت أمة. ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال في رجل قال: إن لم أنكح فلانة فغلامي حر، وقال: أعتق ما أملك من عبد إن لم أخاصم فلانا أو قال: إن لم أجلد فلانا غلامي مائة سوط فغلامي حر؟ قال: ربيعة: لا يترك أن يبيعه وينتظر به ويوقف العبد لذلك. قال ربيعة: وإن لم يخاصمه حتى يموت الحالف فإنه يعتق في الثلث، وذلك أنه لم يجب الحنث إلا بعد موته، وقال في الذي يحلف ليجلدنه مائة سوط يوقف العبد فلا يبيعه حتى ينتظر أيجلده أم لا؟
قال ابن وهب وأخبرني الليث قال: كتبت إلى يحيى بن سعيد في رجل قال لغلامه: إن لم أضربك ألف سوط فأنت حر، وقال لجارية له يطؤها مثل ذلك قال

يحيى: عتقه أحب إلي من ضربه، ومن خلا بغلامه أو بجاريته وحلف بذلك كان متعديا ظالما وأدبه السلطان ورأيت أن لو ابتلي بذلك أن يحول بينه وبينه فيعتقه ابن وهب. قال الليث وقال ربيعة: كنت معتقهما لا أنتظر بهما أن يضربهما ألف سوط وذلك عند الله عظيم وظلم لا ينبغي أن يقرب ذلك، وقال مالك مثله. وقال مالك: وإن حلف على ما يجوز له من الضرب وقف عنها ولم يضرب له أجل ولم يجز له بيعها ولا وطؤها، فإن باعها فسخ البيع وردت عليه وإن لم يضربها حتى يموت فهي في ثلثه. وقال ابن عمر: لا يجوز للرجل أن يطأ جارية إلا جارية يجوز له بيعها أو هبتها. وقال ابن دينار: يمنع من وطئها ويوقف، فإن باعها رددت البيع وأعتقتها على سيدها لأني لا أنقض صفقة مسلم إلا إلى عتق.

في الرجل يحلف بحرية عبده إن لم يفعل كذا وكذا إلى أجل سماه
قال: وقال مالك: ولو أن رجلا حلف بطلاق امرأته على رجل إن لم يقضني حقي إلى أجل كذا وكذا فامرأته طالق ألبتة، قال مالك: فلا أرى أن يحال بينه وبين امرأته إلى الأجل وهو مثل ما يحلف هو ليقضينه إلى ذلك الأجل. قال ابن القاسم: والعتق عندي مثله، إذا حلف إن لم يقض فلانا حقه وإن لم يفعل فلان كذا وكذا إلى أجل سماه لم يحل بينه وبين رقيقه في وطئهن ولا بيعهن، فإن بر فلان إلى ذلك الأجل في القضاء أو في الفعل إلى ذلك الأجل كانوا رقيقا وإن لم يبر عتقوا عليه بمنزلة ما لو حلف إلا أن يكون عليه دين لا وفاء له فيفعل فيه بمثل ما يفعل بمن أعتق رقيقا له وعليه دين.
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته: أنت طالق إن لم أدخل هذه الدار هذه السنة، أو قال لأمته: أنت حرة إن لم أدخل الدار هذه السنة؟ قال: قال مالك: يطؤها وليس له إلى بيع الجارية سبيل حتى تمضي السنة، فإن دخل في السنة بر وإن لم يدخل في السنة حتى مضت حنث، وإن كان قد باعها قبل مضي السنة رد البيع. وكذلك هذا في الطلاق إن لم يدخل الدار حتى تمضي السنة فإنها تطلق فيه ولكن لا يحال بينه وبين وطئها إلى السنة، وإن طلقها واحدة فانقضت عدتها قبل السنة أو صالحها فحلت السنة وليست له بامرأة فحنث وليست تحته فإنه إن تزوجها بعد ذلك لم يكن عليه شيء، وهذا قول مالك؛ لأن مالكا قال في رجل قال: إن لم أقضك حقك إلى سنة فامرأته طالق ورقيقه أحرار: إنه يطأ امرأته وجواريه في السنة، فإن مضت السنة ولم يقضه حنث، وإن طلق امرأته قبل أن تنقضي السنة تطليقة فانقضت عدتها قبل السنة أو صالحها فمضت السنة ثم تزوجها بعد ذلك فلا شيء عليه.

قلت: أرأيت إن قال: إن لم أقضك حقك إلى سنة فامرأته طالق ورقيقه أحرار لم قال مالك: لا يمنع من الوطء ويمنعه من البيع إلا إن كانت يمينه على بر فلا ينبغي له أن يحال بينه وبين بيع أمته وإن كان على حنث فإنه لا ينبغي أن يطأ جاريته ولا امرأته حتى يبر أو يحنث فلم قال مالك ما قال؟ قال: لأن الرجل الحالف على بر فلذلك وطئ الأمة في هذا وهي في البيع مرتهنة بيمين وهو حق لها، فلا يقدر على بيعها للحق الذي لها في يمينه لقول الجارية: لا تبعني حتى تبر أو تحنث، وهو على بر بالوطء وهي بالبيع مرتهنة بيمينه فيها. قلت: فإن قالت الأمة يعني لا أريد أن أطالبك في يمينك بشيء؟ قال: لا ينظر إلى قولها ولا تباع حتى يبر أو يحنث. قلت: أرأيت لو أعتق إلى أجل من الآجال، أله أن يستمتع ممن أعتق بحال ما وصفت لك في قول مالك إلى ذلك الأجل؟ قال: نعم، من غير وطء.
قال سحنون وقال بعض الرواة عن مالك: ليس له وطؤها كما ليس له بيعها وقد قال ابن عمر لا يجوز للرجل أن يطأ جارية إلا جارية إن شاء باعها وإن شاء وهبها، وذكره ابن القاسم عن مالك.

في الرجل يحيلف بحرية عبده إن لم يفعل كذا وكذا فيموت قبل أن يفعل
في الرجل يحلف بحرية عبده إن لم يفعل كذا وكذا فيموت قبل أن يفعل
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: أنت طالق إن لم أدخل هذه الدار هذه السنة، أو قال لأمته: أنت حرة إن لم أدخل هذه الدار هذه السنة، فمات في السنة؟ قال: فلا شيء عليه عند مالك لأنه مات على بر. قلت: أرأيت إن قال لرجل: أمتي حرة إن لم أفعل كذا وكذا، وقال لرجل: امرأته طالق إن لم تفعل كذا وكذا، فتلوم السلطان فمات الرجل الحالف في أيام التلوم؟ قال: هو حانث في الجارية، وتعتق في ثلث ماله وترثه امرأته؛ لأن الحنث وقع عليه بعد موته لأنه كان لا ينبغي له أن يطأ واحدة منهما في تلومه، ولو كان على بر لوطئ، فإذا مات قبل أن يفعل فقد حنث وعتقت الجارية في الثلث وترثه امرأته. قال سحنون وقال أشهب: لا يعتق إذا مات الرجل في التلوم.
قلت لابن القاسم: فإذا قال لامرأته: أنت طالق إن لم أتزوج عليك، أو: أنت طالق إن لم أدخل هذه الدار، أهو على حنث حتى يفعل ما قال؟ قال: نعم، قلت: فإن مات الحالف أو ماتت المرأة التي حلف عليها هل يتوارثان في قول مالك؟ قال: نعم يتوارثان. قلت: فهل حنث في يمينه حين مات أو ماتت؟ قال: قال لي مالك: لا حنث بعد الموت.

قلت: فكيف كان هذا على حنث وحلت بينه وبين امرأته وضربت له أجل الإيلاء لأنه عندك على حنث، وهو إذا مات أو ماتت امرأته قلت لا يحنث فلم كان هذا هكذا؟
قال: لأنه لا حنث عندنا بعد الموت قلت: أرأيت إن حلف في الصحة على شيء ليفعلنه بعتق رقيقه، فمات ولم يضرب لذلك أجلا قبل أن يفعله، أيعتق رقيقه من الثلث أو من جميع المال؟ قال: قال مالك: يعتقون من الثلث، قال مالك: ولا يستطيع أن يبيعهم قبل موته وإن كانت فيهم جارية لم يقدر على أن يطأها حتى يبر، أو يحنث فتخرج حرة. قلت: فلم جعلهم مالك من الثلث وأصل يمينه إنما كانت في الصحة؟ قال: لأن الحنث نزل بعد الموت وكل عتق بعد الموت فهو في الثلث لأنه لم يزل على الحنث حتى مات، فلما ثبت على الحنث حتى مات علمنا أنه إنما أراد أن يعتقهم بعد موته، وقد علمت أن من أعتق في المرض أنه من الثلث، فالذي بعد موت أحرى أن يكون من الثلث. سحنون، لأن للرجل أن يوصي بأن يعتق عنه بعد موته ولا يجوز أن يوصي رجل بطلاق امرأته بعد موته.

في الرجل يحلف بحرية عبده أن لا يفعل كذا وكذا فيبيع عبده ذلك ثم يشتريه
قلت: أرأيت إن قال لعبده أنت حر إن دخلت هذه الدار فباعه ثم اشتراه؟ قال: يرجع عليه اليمين عند مالك. قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك لي حر وعليه دين يغترق المماليك وليس له مال سواهم وقال هذه المقالة في صحته؟ قال: قال مالك: لا يجوز عتقه لأن عليه دينا يغترق قيمتهم. قلت: فإن كان الدين لا يغترق قيمتهم؟ قال: يباع منهم جميعا بقدر الدين بالسوية ثم يعتق ما سوى ذلك؟ قلت: أبالقرعة أم بغير القرعة؟ قال: يعتق منهم بالحصص بغير قرعة وليست القرعة عند مالك إلا في الذي يعتق في وصيته. سحنون قال: وقال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه لا يجوز عتاقة الرجل عليه الدين يحيط بماله ولا هبته ولا صدقته، وإن كانت الديون التي عليه إلى أجل وإن كان بعيدا إلا أن يأذن له في ذلك الغرماء، وأما بيعه وابتياعه ورهنه فذلك جائز وإنما الرهن مثل البيع. قال مالك: ولا ينبغي أن يطأ شيئا من ولائده اللائي رد الغرماء عتقهن عليه إن أجاز الغرماء عتقهن مضى عليه وإن أيسر قبل أن يحدث فيهن بيعا أعتقهن.

في الرجل يحلف بحرية أحد عبيده ثم يحنث
قلت: أرأيت إن حلف بطلاق إحدى امرأتيه هاتين فحنث؟ قال: قال مالك: إن

في العبد يحلف بحرية كل مملوك يملكه إلى أجل، ثم يعتق ويملك مماليك
قلت: أرأيت لو أن عبدا حلف فقال: كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر، فأعتقه سيده فاشترى رقيقا في الثلاثين سنة، أيعتقون عليه أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني كنت عند مالك فأتاه عبد فقال: إني سمعت اليوم لجارية فعاسروني في ثمنها. قال فقلت: هي حرة إن اشتريتها ثم بدا لي أن أشتريها؟ قال: قال مالك: لا أرى أن تشتريها ونهاه عن ذلك وعظم الكراهية فيها. قال: فقلت له: أسيده أمره أن يحلف بذلك؟ فقال لي مالك: لم يخبرني أن سيده أمره بذلك، وقد نهيته أن يشتريها. فمسألتك أبين من هذا عندي أنه يعتق عليه ما يملكه في الثلاثين سنة إذا هو عتق واليمين لازمة حين حلف بها، ولكن ما ملك من العبيد وهو عبد في ملك سيده إنما منعنا من أن نعتقهم عليه، لأن العبد ليس يجوز عتقه عبدا له إلا بإذن سيده وهو رأيي إلا أن يعتق وهم في ملكه فيعتقوا عليه بمنزلة ما أعتق ولم يرد ذلك السيد، فكذلك هو فيما حنث إذا لم يرده السيد بمنزلة ما أعتق يجوز ذلك عليه بعد عتقه إذا كانوا في يديه، ولقد سمعت مالكا

وأرسلت إليه أمة مملوكة حلفت بصدقة مالها أن لا تكلم أختها، فأرادت أن تكلمها فقال: إن كلمتها رأيت ذلك يجب عليها في ثلث مالها بعد عتقها. قال ابن القاسم: وذلك عندي فيما قال مالك: إذا لم يرد السيد حتى يعتق، فالصدقة والعتق بمنزلة واحدة يجب ذلك عليه إلا أن يرد ذلك السيد بعد حنثه وقبل عتقه، فلا يلزمه فيهم ويلزمه فيما أفاد بعد عتقه إلى الأجل الذي حلف إليه وهذا أحسن ما سمعت.

في الرجل يقول لأمته: أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين فتدخل إحداهما
قلت: أرأيت إن قال لأمته: إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة، فدخلت إحدى الدارين؟ قال: هي حرة عند مالك. وقال: إذا قال الرجل لامرأتيه: إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو لعبيده، أنتما حران فدخلتها واحدة منهما أو واحد من العبيد. قال: لا شيء عليه حتى يدخلا جميعا. قال سحنون. وقال أشهب يعتق الذي دخل ولا يعتق الآخر، وليس لمن قال: لا يعتقان إلا بدخولهما جميعا قول، ولا لمن قال: يعتقان جميعا إذا دخل واحد منهما قول.

في الرجل يقول لعبده: أنت حر إن دخلت هذه الدار، فيقول العبد: قد دخلتها
قلت: أرأيت الرجل يقول لعبده: أنت حر إن دخلت هذه الدار، أو يقول لامرأته: أنت طالق إن دخلت هذه الدار، فقالت المرأة والعبد بعد ذلك قد دخلناها قال: أما فيما بينه وبين الله فيؤمر بفراق امرأته وبعتق غلامه لأنه قد صار في حال الشك في الحنث والبر، وأما في القضاء فلا يجبر على طلاقها ولا على عتقه، وكذلك إن قال لهما: إن كنتما دخلتما هذه الدار فأنت حر وأنت طالق، فقالا: إنا قد دخلناها أنهما في قول مالك سواء أقرا أو لم يقرا ألا يعتق العبد ولا تطلق المرأة بقضاء، لأن الزوج والسيد لا يعلمان تصديق ذلك إلا بقولهما فلذلك يؤمر بأن يطلق ويعتق فيما بينه وبين الله ولا يجبر في القضاء على ذلك.

في الرجل يقول لأمته أنت حرة إن كنت تبغضيني، فتقول أنا أحبك

في الرجل يجعل عتق عبده في يده في مجلسهما
قلت: أرأيت إن قال لعبده: أعتق نفسك في مجلسك هذا، فوض ذلك إليه. فقال العبد: قد اخترت نفسي ينوي العبد بذلك العتق، أيكون حرا أم لا؟ قال: إذا نوى العبد بذلك الحرية عتق لأن قوله هذا: قد اخترت نفسي، هو من حروف العتق. فقلت: ويجعل القول قوله إنه إنما أراد بذلك العتق؟ قال: نعم. قلت: فإن لم ينو العبد بذلك الحرية فلا حرية له؟ قال: نعم لا حرية له إذا لم يرد بذلك الحرية. قلت: فإن قال: أنا أدخل الدار ينوي بذلك العتق؟ قال: هذا لا يكون بقوله: أنا أدخل الدار حرا؛ لأن هذا ليس من حروف العتق.
قلت: فلو أن السيد قال لعبده: ادخل الدار، وهو يريد بلفظه ذلك حرية العبد؟ قال: هو حر عند مالك إذا أراد بذلك اللفظ عتق العبد. قلت: ما فرق ما بين قول السيد لعبده: ادخل، ينوي بذلك اللفظ حرية العبد، وبين قول العبد: أنا أدخل الدار، ينوي بذلك اللفظ حرية نفسه في هذا الذي فرض سيده إليه العتق؟ قال: لأن العبد مدع في ذلك فلا يصدق لأنه لم يتكلم بالعتق ولا بحروف العتق، فالسيد ههنا مصدق على نفسه والعبد لا يصدق في هذا على سيده وإنما مثل ذلك مثل رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، فقالت: أنا أدخل بيتي، ثم جاءت بعد ذلك تدعي أنها أرادت الطلاق لم يقبل قولها.
قلت: فإن قالت المرأة أو قال العبد أما إذا لم تجز وأما ما كان من قولنا ذلك فنحن

نطلق ونعتق الآن من ذي قبل؟ قال: لا يكون ذلك إليهما، قلت: وإن كان ذلك المجلس الذي فوض فيه الزوج والسيد إليهما؟ قال: نعم، لا يكون إليهما من ذلك شيء لأنهما قد تركا ذلك حين أجابا بغير طلاق ولا عتاق. قلت: فإن سكتا حتى تفرقا، أليس ذلك في أيديهما في يد المرأة وفي يد العبد؟ قال: لا، إلا في قول مالك الآخر وليس عليه جماعة الناس ولا أهل المدينة وليس ذلك رأيي.
قلت: فلم لا يكون عند مالك هذا العبد والمرأة أن تطلق وأن يعتق في ذلك المجلس إذا أبطلت قولهما الأول؟ قال: لأنهما بالقول الأول تاركان لما جعل إليهما حين أجابت وأجاب العبد بجواب لم يلزم السيد، فليس لهما بعد ذلك قضاء لا في قوله الأول ولا في الآخر عند مالك وفي السكوت هما على أمرهما عند مالك حتى يجيء من ذلك ما يعلم أنهما قد تركا ما كان جعل إليهما، لأن مالكا سئل إذا كان يقول ذلك لهما ما كانا في مجلسهما، فإن تفرقا فلا شيء لهما فقيل لمالك: فإن طال المجلس بهما فقال: إذا طال ذلك حتى يرى أنهما قد تركا ذلك أو يخرجان من الذي كانا فيه إلى كلام غيره، يستدل بذلك على أنهما تركا لما كانا فيه بطل ما جعل في أيديهما من ذلك، فهي إذا جاءت بجواب لا يلزم الزوج فهي بمنزلة من ترك ما كان لها من ذلك لأنها قد قضت بقضاء لا يلزم الزوج فليس لها أن تقضي بذلك، ألا ترى أنها في قول مالك الآخر أن ذلك لها وإن قامت من مجلسها إلا أن توقفه أو تتركه يطؤها أو يباشرها أو نحو ذلك، فيكون ذلك تركا لما في يديها من ذلك، فكذلك إذا قضت بما لا يلزم الزوج في الذي جعل إليها فليس لها بعد ذلك في ذلك الأمر قليل ولا كثير.
قال ابن القاسم: ورأيي على قول مالك الأول وعليه جماعة الناس: أنهما إذا تفرقا ولم يقض بشيء فليس لها من بعد ذلك قضاء. قال سحنون وقال غيره: إذا قال لعبد: عتقك في يديك. فقال: فقد اخترت نفسي أو قال له: أمرك في يديك في العتق. فقال له: قد اخترت نفسي: إنه حر وإن زعم أنه لم يرد بذلك العتق بمنزلة المرأة تقول: قد اخترت نفسي، فهي طالق، وإن قالت: لم أرد الطلاق. وإن قال العبد: أنا أدخل الدار أو أنا أذهب أو أخرج لا يكون هذا عتقا إلا أن يكون أراد بقوله بذلك العتق، فإن كان أراد بذلك العتق فهو عتق؛ لأن هذا من كلام يشبه أن يكون يريد به العتق.

ما يلوم من القول في العتق
ما يلزم من القول في العتق
قلت: أرأيت لو أن السيد قال لعبده ادخل الدار وهو يريد بلفظه ذلك حرية العبد؟

قال: هو حر عند مالك إذا أراد بذلك اللفظ عتق العبد، فأما إن كان أراد أن يقول: أنت حر، فزل لسانه فقال: ادخل هذه الدار، أو ما أحسنك أو أخزاك الله، فإنه لا يكون حرا حتى ينوي بأن العبد حر بما قال من اللفظ بقوله: أخزاك الله وبقوله ادخل الدار، وكذلك الطلاق لو أن رجلا أراد أن يقول لامرأته: أنت طالق فزل لسانه، فقال: أخزاك الله، أو عليك لعنة الله، زل لسانه عن الطلاق. فإن هذا لا تطلق عليه امرأته حتى يكون الزوج ينوي بالكلمة بعينها الطلاق قبل أن يتكلم بها، أي أنت بما أقول لك من قولي: أخزاك الله وما أحسنك، وما أشبه هذا من الكلام أنت بما أقول من هذا اللفظ طالق، فهي طالق وإن لم يكن ذلك الكلام من حروف الطلاق، وهو قول مالك.
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل: أعتق جاريتي، فقال لها ذلك الرجل: اذهبي، وقال: أردت بذلك العتق؟ قال: تعتق؛ لأنه من حروف العتق. قلت: فإن قال ذلك الرجل: لم أرد بذلك العتق؟ قال: القول قوله. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، وبلغني أنه قال في الرجل يقول لعبده: يدك حرة أو رجلك حرة، أنه يعتق عليه جميعه قلت: وإن شهد عليه بذلك وهو يجحد؟ قال: نعم. قلت: أرأيت من قال لجاريته: أنت حرة أو بائن أو بانة أو خلية، أو قال: اغربي أو استتري أو تقنعي أو كلي أو اشربي يريد بذلك اللفظ الحرية أتعتق عليه؟ قال: نعم، إذا أراد بذلك اللفظ الحرية. قال: وكذلك الطلاق وكل لفظ تلفظ به رجل يريد بأن امرأته طالق بذلك اللفظ، وإن لم يكن ذلك اللفظ من حروف الطلاق فهي بذلك اللفظ طالق عند مالك وكذلك الحرية. وقال مالك: من قال لعبده: أنت حر اليوم، إنه حر بذلك أبدا.
ابن وهب عن يونس عن ربيعة في رجل يقول: أشهدكم أن ما ولدت هذه الوليدة فهو حر، أو يقول: أشهدكم أن رحمها حر قال ربيعة: إن قال: رحمها حر فهي حرة، وإن قال: كل ما ولدت فهو حر، فما ولدت وهي له فعسى أن يعتق وإن مات أو باعها انقطع ذلك الشرط عنها واسترقت هي وولدها وذلك لأن قوله لها لم يحرم بيعها ولا تكون ميراثا يتداولها من ورثها، لأنه لم يعتق شيئا رقه يومئذ بيده ولا بشيء تكون العتاقة في مثله ولا ملكا هو يومئذ له.

ما لا يلوم من القول في العتق
ما لا يلزم من القول في العتق
قلت: أرأيت إن قال رجل لعبده: أنت حر اليوم من هذا العمل؟ قال: إذا قال سيده: إنما أردت بهذا القول أني قد أعتقته من هذا العمل ولم أرد الحرية فالقول

قوله في رأيي ولا يكون حرا، ويحلف على ذلك. قلت: أرأيت إن قال لعبده وعجب من عمله أو من شيء رآه منه؟ فقال له: ما أنت إلا حر، أو قال له: تعال يا حر، ولم يرد بشيء من ذلك الحرية إنما أراد أي أنك تعصيني، فأنت في معصيتك إياي مثل الحر. قال: قال مالك: ليس على سيده في هذا القول شيء فيما بينه وبين الله. قلت: وفي القضاء أيضا؟ قال: نعم، قال مالك: وإنما الذي سئل مالك عنه في القضاء قال: وسئل مالك عن طباخ كان لرجل وكان عنده رجال فطبخ طبيخا فأجاد فقال سيده: إنه حر. قال مالك: لا يلزمه في هذا حرية، وإنما معنى قوله: إنه حر الفعال أو عمل عمل الأحرار.
قلت: ولا يعتقه عليه القاضي إذا كانت للعبد بينة؟ قلت: أرأيت رجلا قال في أمته: هي حرة؛ لأنه مر على عاشر أو نحو هذا من الأشياء، وهو لا يريد بذلك القول حرية الجارية، أتعتق عليه الجارية فيما بينه وبين الله في قول مالك؟ قال: لا، قلت: فإن أقامت الجارية عليه البينة، أتعتق عليه الجارية أم لا؟ قال: إذا عرف من ذلك أنه دفع بذلك القول عن نفسه مظلمة لم تعتق عليه الجارية في رأيي، وإن قامت بذلك البينة. قلت: أرأيت الذي يقول لأمته: أنت حرة، ونوى الكذب فيما بينه وبين الله، أو قال لامرأته: أنت طالق، ونوى الكذب فيما بينه وبين الله؟ قال: ذلك لازم له في الطلاق وفي الحرية ولا تنفعه نيته التي نوى ولا ينوي في هذا إنما ينوي إذا كان لذلك وجه إنما قال لها ذلك لوجه كان فيه بمنزلة ما وصفت لك من أمر العاشرة ونحو ذلك. قال: ولقد سمعت مالكا يقول في المرأة تقول لجاريتها أو الرجل يقول لعبده: يا حر، إنما أنت حر، على وجه أنك تعصيني، قال مالك: ليس هذا بشيء قال: ولقد سأله رجل عن عبد كان له طباخ وأنه صنع له صنعا فطبخ العبد فأحسن الطبخ، فدعا إخوانا له فأعجبهم، وقالوا لمولاه: لقد أجاد فلان طبخه قال: إنه حر. قال مالك: ليس هذا بشيء إنما أراد به حر الفعال فلا يعتق عليه بهذا.
قلت: أرأيت الرجل يقول لعبده: لا سبيل لي عليك، أو لا ملك لي عليك؟ قال: إن كان جر هذا الكلام كلام قبله يستدل بذلك الكلام الذي جر هذا القول أنه لا يريد بهذا القول الحرية فالقول قول السيد، وإن كان هذا الكلام ابتداء من السيد عتق عليه العبد ولم أسمعه من مالك. قلت: أرأيت إن قال رجل لأمته: هذه أختي، أو لعبده: هذا أخي؟ قال: إذا لم يرد به الحرية فلا عتق عليه. ابن وهب قال: وقال الحسن في الرجل يقول لغلامه: ما أنت إلا حر، وهو لا يريد الحرية: إنه ليس بشيء. وقال عثمان بن عفان لا عتاقة إلا لله.

في الرجل قول لعبده قد وهبت لك عتقك أو نصفك
في الرجل يقول لعبده: قد وهبت لك عتقك أو نصفك
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لعبده: قد وهبت لك عتقك، أو قال قد تصدقت عليك بعتقك، أيكون حرا مكانه؟ قال: سمعت مالكا يقول في الرجل يقول لعبده: قد وهبت لك نفسك: إنه حر. قلت: قبل أو لم يقبل؟ قال: نعم، قبل العبد أو لم يقبل هو حر في قول مالك فمسألتك مثل هذا.
قال سحنون وقال غيره: إذا وهبه نفسه فقد وجب العتق. لأنه لا ينتظر منه قبول. مثل الطلاق إذا وهبها فقد وهب ما كان يملك منها جاءت بذلك الآثار، لأن الواهب في مثل هذا لم يهب لأن ينتظر قبول من وهب له كالأموال التي توهب، فإن قبل الموهوب له نفد وإن رده رجع إلى الواهب قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن رجل وهب لعبده نصفه. قال: أراه حرا كله. قال ابن القاسم: لأنه حين وهب له نصفه عتق عليه كله، وولاؤه للسيد، وكذلك إذا أخذ منه دنانير على عتق نصفه أو على بيع نصفه من نفسه قال: العتق في جميع ذلك إنما هو من السيد نفسه فيكون ما رق منه تبعا لما أعتق منه ويعتق جميعه. قال: ولقد سئل مالك عن عبد بين رجلين أعطى العبد أحدهما دنانير على أن يعتقه ففعل، قال: ينظر في ذلك فإن كان أراد وجه العتاقة عتق عليه كله. قال مالك: ويقوم عليه نصيب صاحبه. قال ابن القاسم: ويرد المال إلى العبد ولا يكون له منه قليل ولا كثير؛ لأنه من أعتق عبدا بينه وبين آخر واستثنى من ملكه شيئا عتق العبد عليه كله ويرد ما استثنى من المال إلى العبد، فكذلك إذا أراد وجه العتاقة بما أخذ منه وإن علم أنه لم يرد وجه العتاقة، وإنما أراد وجه الكتابة ولم يرد العتاقة فسخ ما صنع وكان العبد بينهما وأخذ صاحبه نصف ما أخذ من العبد.
قلت: أرأيت إن قال لها: أنت حرة إن هويت أو رضيت أو شئت أو أردت متى يكون ذلك للأمة؟ قال: ذلك لها وإن قامت من مجلسها مثل التمليك في المرأة إلا أن تمكنه من الوطء أو من مباشرة أو قبلة أو ما يشبه هذا، وتوقف الجارية فإما أن تختار حريتها وإما أن تترك، وأما أنا فلا أرى لها بعد أن يفترقا من المجلس شيئا إلا أن يكون شيئا فوضه إليها.

الاستثناء في العتق
قلت: أرأيت إن قال لعبيد له: أنتم أحرار إلا فلانا؟ قال: ذلك له. قلت: أليس

قلت قال لي مالك لا استثناء في العتق أليس ذلك استثناء؟ قال: ليس هذا عند مالك، والاستثناء الذي قال مالك فيه: إنه لا استثناء في العتق إنما ذلك الاستثناء الذي لا يجوز في العتق إذا قال: إن شاء الله، فذلك الذي يعتق عليه ولا يكون استثناؤه شيئا. قلت: وكذلك إن قال لنسائه: أنتن طوالق إلا فلانة؟ قال: نعم، هو كذلك عند مالك، وليس هذا عند مالك بمنزلة ما لو قال: أنتن طوالق إن شاء الله.
قال سحنون وقاله أشهب قلت: أرأيت إن قال: غلامي حر إن كلمت فلانا إلا أن يبدو لي أو إلا أن أرى غير ذلك؟ قال: ذلك له عند مالك. قال: وسئل مالك وأنا عنده عن رجل قال لامرأته: أنت طالق ألبتة إن أكلت معي شهرا إلا أن أرى غير ذلك، فوضع له طعام بعد ذلك فأتت فقعدت معه فوضعت يدها لتأكل فنهاها، ثم قال كلي فما ترى فيه؟ قال: إن كان هذا الذي أردت وهو مخرج يمينك ورأيت ذلك فلا أرى عليك شيئا. قلت: فما فرق بين هذا وبين قوله: غلامي حر إن كلمت فلانا إلا أن يشاء الله؟ قال: ذلك ليس في الحرية استثناء وليس جعل من المشيئة إليه أو إلى أحد من العباد ممن يشاء أو ممن لا يشاء مثل مشيئة الله؛ لأن الرجل إذا قال: أنت طالق إن شئت أو إن شاء فلان، لم تطلق عليه حتى يشاء أو يشاء فلان، إذا قال: أنت طالق إن شاء الله طلقت عليه مكانها وعلمنا أن الله قد شاء طلاقها حين لزمه الطلاق؛ لأنه حين تكلم بالطلاق لزمه الطلاق وهذا رأيي.

في الرجل يأمر رجلين يعتقان عبده فيعتقه أحدهما
في الرجل يأمر رجلين يعتقان عليه عبده فيعتقه أحدهما
قلت: أرأيت إن قال لرجلين: اعتقا عبدي هذا فأعتقه أحدهما أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك في رجلين فوض إليهما رجل أمر امرأته فقال: قد جعلت أمرها في أيديكما، فطلقاها فطلقها أحدهما دون صاحبه. قال: قال مالك: لا يلزمه ذلك قال: وأما إذا لم يفوض إليهما وكانا رسولين فالطلاق لازم له وإن لم يطلقها ولم أسمع هذا من مالك، وكذلك العتق عندي إذا كان على التفويض فهو كما وصفت لك وإن كانا رسولين عتق عليه وإن لم يعتقاه. قلت: أرأيت، إن جعل عتق جاريته إلى رجلين، فأعتق أحدهما دون صاحبه، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: إن كانا ملكهما جميعا فأعتقها أحدهما فلا يجوز وإن كانا رسولين جاز ذلك عند مالك,. قال سحنون وكذلك قال أشهب وغيره من كبار أصحاب مالك في تمليك العتق إذا ملكها أمرها في العتق والطلاق

ورجلا آخر معهما أو يملك رجلين سواها في العتق فأعتق أحدهما وأبى الآخر أن يعتق، فقال: لا عتق لهما حتى يجتمعا جميعا على العتق، لأن إلى كل واحد منهما ما لصاحبه، وكذلك إذا كانت هي منهما فإن وطئها أحدهما فقد انتقض الأمر الذي جعل لهما.

في الرجل يدعو عبدا له باسمه ليعتقه فيجيبه فيره فيقول له أنت حر
في الرجل يدعو عبدا له باسمه ليعتقه فيجيبه غيره فيقول له: أنت حر
قلت: أرأيت إن دعا عبدا يقال له: ناصح، فأجابه مرزوق فقال له: أنت حر، وهو يظن أنه ناصح وشهد عليه بذلك؟ قال: يعتقان عليه جميعا يعتق مرزوق بما شهد له ويعتق ناصح بما أقر له مما نوى، وأما فيما بينه وبين الله فإنه لا يعتق إلا ناصح. قال ابن القاسم: فإن لم يكن عليه بينة لم يعتق عليه إلا الذي أراد ولا يعتق عليه الذي واجهه بالعتق. فقال سحنون وقال أشهب في رجل دعا عبدا يقال له: ناصح فأجابه مرزوق فقال: أنت حر، فقال: أراه حرا فيما بينه وبين الله وفيما بينه وبين العباد ولا أرى لناصح عتقا إلا أن يحدث له العتق؛ لأنه دعاه ليعتقه فلم يعتقه وعتق غيره وهو يظنه هو فرزق هذا وحرم هذا.

في العبد بين رجلين يقول أحدهما إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر ويقول الآخران كان دخل فهو حر ولا يوقنان أدخل أم لا
في العبد بين رجلين يقول أحدهما: إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر، ويقول الآخر: إن كان دخل فهو حر ولا يوقنان أدخل أم لا.
قلت: أرأيت لو أن عبدا بين رجلين فقال أحدهما: إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر، وهو لا يستيقن دخوله، وقال الآخر: إن كان دخل المسجد أمس فهو حر، ولا يستيقن أنه لم يدخله؟ قال: إن كانا يدعيان علم ما حلفا عليه دينا لذلك، وإن كانا لا يدعيان علم ما حلفا عليه ويدعيان أنهما ما حلفا على الظن فإن العبد لا ينبغي أن يملكاه وينبغي أن يعتق عليهما، لأنهما ما لا ينبغي لهما أن يسترقاه بالشك. قال ابن القاسم: ولا يجبران على العتق بالقضاء عليهما، قال سحنون وقال غيره: يجبران على ذلك وقد قاله ابن عمر يفرق بالشك ولا يجمع بالشك.

في عتق السهام
قال: قال مالك فيمن أعتق في مرضه عشرة أعبد وله ستون مملوكا قال مالك: يعتق منهم سدسهم بالسهم. قلت: فإن ماتوا كلهم إلا عشرة أعبد؟ قال: إذا ماتوا كلهم

في الرجل يعتق أثلاث عبيده وأنصافهم
قال: وقال مالك: من قال عند موته: أثلاث عبيدي أو أنصافهم أحرار، أو ثلث كل رأس أو نصف كل رأس أعتق من كل واحد ما ذكر إن حمل ذلك الثلث ولم يبرأ بعضهم على بعض. قلت: فإن لم يحمل الثلث ذلك؟ قال: يعتق منهم عند مالك ما حمل الثلث

يقسم الثلث على قدر ما أعتق منهم يتحاصون فيه ولا يقرع بينهم ولكن يعتق من كل واحد منهم ما أصابه من ثلث مال الميت في المحاصة وقاله أشهب.

في الرجل يحلف بعتق رقيقه فيحنث في مرضه
قلت: أرأيت الرجل يحلف بعتق رقيقه أن لا يكلم فلانا فمرض فكلمه وهو مريض؟ قال: هو بمنزلة من أعتق عبدا له وهو مريض إن مات ووسعهم الثلث عتقوا وإلا أقرع بينهم فأخرج منهم ما حمل الثلث ورق منهم ما بقي، ولو حلف ليكلمن فلانا بعتق رقيقه، فمات قبل أن يكلمه عتق رقيقه في ثلثه إن وسعهم الثلث وإلا فما حمل الثلث منهم جميعا ولا يقرع بينهم وهم بمنزلة المدبرين يعتق من كل واحد حصته من الثلث، وإن كان قد ولد لرقيقه هؤلاء أولاد بعد يمينه هذه كان أولادهم معهم في الوصية يقومون مع آبائهم في الثلث إن كانت أمهاتهم إماء لآبائهم، وهم بمنزلة المدبرين وكذلك قال مالك أرى أولادهم يدخلون معهم بمنزلة المدبرين.
قلت: أرأيت الرجل يحلف بعتق رقيقه ليفعلن شيئا فيولد لعبيده أولئك ولد؟ قال: أراهم في اليمين مع آبائهم. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لعبده: إن دخلت أنا هذه الدار فأنت حر، وقال هذه المقالة في الصحة ثم دخل الدار في المرض فمات من مرضه؟ قال: يعتق العبد من الثلث، وسألت مالكا عن الرجل يقول لامرأته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق ألبتة وهو صحيح حين قال لها ذلك ثم دخلت الدار وهو مريض ثم مات، قال مالك: أرى أن ترثه وإن انقضت عدتها وهو بمنزلة من طلق في المرض. قلت: ولم يورثها مالك وإنما وقع الفراق ههنا من المرأة لا من الزوج؟ قلت: أرأيت المفتدية في المرض أليست ترثه في قول مالك وهذه بمنزلة المفتدية في الميراث؟

في الرجل يعتق العبد ثم يداين السيد بعد عتقه
قلت: أرأيت إن أمرت عبدي أن يبيع لي سلعة من السلع، فباع السلعة وأعتقت أنا العبد ثم اعترفت السلعة التي باع العبد فأراد المشتري أن يتبع السيد ويرد عتق العبد؟ قال: ليس ذلك له ولم أسمعه من مالك؛ لأن الدين إنما لحق السيد بعدما أعتق العبد.

في المديان بعتق عبده وعنده من العروض كفاف دينه أو نصفه
في المديان يعتق عبده وعنده من العروض كفاف دينه أو نصفه
قال: قال مالك: إذا كان على الرجل دين وكان عنده كفاف دينه سوى عبده فأعتق عبده جاز عتقه. قلت: وكذلك لو دبره أو كاتبه؟ قال: نعم. قال مالك: في العتق أنه جائز فهو في التدبير والكتابة أولى أن يجوز، وقال مالك من أعتق عبدا له وله من المال والعروض ما لو قامت عليه الغرماء يوم أعتقه كان في ماله سوى العبد وفاء بدينهم فلم يقوموا عليه حتى ضاع المال كله، فإن العتق ماض وليس للغرماء أن يردوا عتقه، وكذلك التدبير والكتابة أيضا في قوله: ولو كان دينه يغترق نصف العبد فلم يقم عليه الغرماء حتى ضاع المال كله لم يبع من العبيد إلا ما كان يباع لو قام الغرماء عليه حين أعتق والمال غير تالف فينظر فيه يوم أعتق أو دبر إلى ما كان في يد السيد من المال يومئذ، ولا ينظر إلى ما تلف من المال بعد ذلك ويعتق منه ما بقي.
قلت: فإن دبر رجل عبده وله مال وعليه دين يغترق ماله أو يغترق نصف عبده، هذا الذي دبره؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن يباع من العبد مبلغ الدين بعد مال سيده، مثل ما وصفت لك في العتق، فإذا بيع منه ما ذكرت لك كان ما بقي مدبرا؛ لأن مالكا قال: لو أن عبدا بين رجلين دبره أحدهما بإذن صاحبه لجاز ذلك وما كان به بأس؛ لأن الكلام في هذا المدبر للذي لم يدبر، فإذا اشترى المشتري على هذا فكأنه رضي بالتدبير ولا يتقاوياه، ولقد سمعت مالكا وكانت المقاواة عنده ضعيفة ولكنها شيء جرت في كتبه، ولقد سمعته ونزلت فألزمه التدبير الذي دبره كله ولم يجعل فيه تقويما. فهذا يدلك على أنه يباع منه بقدر الدين ويترك ما بقي مدبرا بمنزلة العتق. قلت: فإن كان كاتبه وعليه من الدين مثل ما وصفت لك مقدار نصف العبد؟ قال: فلا أرى أن يجوز منه قليل ولا كثير؛ لأنه لو كاتب نصف عبده وليس عليه دين لم يجز ذلك. ولو كاتبه كله وعليه دين لم يجز ذلك إلا أن يكون لو بيعت كتابته أو بعضها كان فيها ما يؤدي دين سيده، فإن كان كذلك رأيت أن تباع وتقر كتابته؛ لأنه ضرر على الغرماء في شيء من دينهم إذا كان فيما يباع من كتابته قضاء لدينهم، وإنما الذي لا يجوز إذا لم يكن فيما يباع منه قضاء للغرماء فحينئذ يرد كله ويباع العبد في دينهم، ولو أن عبدا بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه أو بإذنه فالكتابة باطل، ولا يقال لهما مثل ما قيل في التدبير.

في عتق المديان ورد الغرماء ذلك
قال: وقال مالك في الذي يعتق وعليه دين فرد الغرماء عتقه فلم يباعوا حتى أفاد السيد مالا فإنهم أحرار، فقال له بعض جلسائه: ألم يكن ذلك ردا للعتق؟ فقال: ليس ذلك ردا للعتق حتى يباعوا، قال: ولو باعهم السلطان ولم ينفذ ذلك وأفاد السيد مالا. قال مالك: رأيتهم أحرارا. قلت: ما معنى قول مالك ولم ينفذ ذلك؟ قال: إن السلطان عندهم بالمدينة يبيع ويشترط في ذلك أنه بالخيار ثلاثة أيام، فإن وجد من يزيد وإلا أنفذ البيع للذي اشتراه. قلت: ويجوز هذا البيع في قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: وأرى أنه قبض المال ما لم يقتسمه الغرماء إذا أفاد الثمن المفلس قبل ذلك، أعتق الرقيق ويرد المال إلى المشتري ويقضي الغرماء من هذا المال الذي أفاد، وهو وجه ما سمعت من مالك، وكذلك يقول أشهب.
قال سحنون: ليس هذا بشيء ولا أنظر فيه وإذا وقع البيع من السلطان فقد تم قريبا كان أو غير قريب.
قلت: أرأيت الرجل يعتق عبده وعليه دين يغترق قيمة العبد، وللعبد أولاد أحرار، ولم يعلم الغرماء بعتق السيد إياه، فمات بعض ولد العبد أيرثه العبد وقد أعتق قبل أن يموت ابنه؟ قال: لا أرى أن ترثه؛ لأنه عبد حتى يعلم الغرماء بالعتق فيجيزون ذلك أو يفيد السيد مالا قال: وكيف أورث من لو شاء الغرماء أن يردوه في الرق ردوه، وإن شاءوا أن يجيزوا عتقه أجازوه ولا أورث إلا من قد بتل عتقه ولا يرجع في الرق على حال من الحالات، ولا يكون لأحد أن يرده في الرق ولقد قال مالك في الرجل يعتق عبده عند موته وله أموال مفترقة وفيها ما يخرج العبد من الثلث، إذا جمعت فلم تجمع ولم يقض حتى هلك العبد. فقال مالك: لا يرثه ورثته الأحرار، فهذا يدلك على مسألتك وما أخبرتك فيها؛ لأن العتق إنما يتم بعد جمعهم المال وتقويمهم إياه، لأنه لو ضاع المال كله ولم يعتق من العبد إلا الثلث. ولذلك إن بقي من المال مالا يخرج العبد في ثلث الميت عتق منه ما حمل الثلث ولا يلتفت إلى ما ضاع من المال فهذا يدلك على مسألتك.

في الرجل يعتق في مرضه رقيقا فيبتل عتقهم أو بعد موته وعليه دين
قلت: أرأيت إن أعتق عبيده في مرضه فبتل عتقهم، أو أعتق بعد موته وعليه دين يغترق العبيد؟ قال: لا يجوز عتقه عند مالك. قلت: فإن كان الدين لا يغترق قيمة

العبيد؟ قال: يقرع بينهم للدين، فمن خرج منهم سهمه بيع في الدين حتى يخرج مقدار الدين، ثم ينظر إلى ما بقي فيعتق منهم الثلث بالقرعة أيضا وهو قول مالك وقد وصفت لك كيف القرعة أن يقارعوا، فإذا خرجت القرعة على أحدهم وقيمته أكثر من الدين بيع منه مقدار الدين، والذي يبقى منه بعد الدين يقرع عليه أيضا في العتق مع من بقي، فإن خرج ما بقي من هذا العبد في العتق وكان كفافا لثلث الميت عتق، وإن لم يكن فيه وفاء أقرع أيضا بين من بقي منهم فإن خرجت القرعة على بعض من بقي وقيمته أكثر مما بقي من الثلث عتق منه مبلغ الثلث ورق منه ما بقي، وإن كان حين أقرع بينهم في الدين أنهم يباعون في الدين خرجت القرعة على أحدهم وليس فيه وفاء بالدين فإنه يقرع بينهم أيضا ثابتة حتى يستكمل الدين بالقرعة، وإن خرجت القرعة بعد الأول على آخر فيه وفاء ببقية الدين وفضل بيع منه مبلغ الدين وكان ما بقي منه بعد ذلك للميت. ويضرب على ما بقي منه بالسهام مع جميع الرقيق الذين بقوا بعد الدين، فمن خرج سهمه عتق في ثلث الميت حتى يستكملوا ثلث الميت، وليست تكون القرعة عند مالك إلا في الوصية وهذه وصية.
قلت: فالذي أعتق رقيقه في مرضه فبتلهم، أو أعتقهم بعد الموت وعليه دين والعبيد أكثر من الدين، أهو سواء في قول مالك يقرع بينهم في الدين؟ قال: نعم، هو سواء. قلت: ويقرع بينهم فيما فضل بعد الدين في العتق في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يكن عليه دين أيقرع بينهم في العتق في قول مالك في الوجهين جميعا في الدين بتل عتقهم في مرضه وفي الذين أوصى بعتقهم إنما العتق في أي الفريقين كان بالقرعة وإن كان لا دين عليه؟ قال: نعم. قلت: فإن أعتقهم في مرضه وعليه دين وعنده من المال مقدار الدين، فتلف المال ثم مات السيد والدين يغترق قيمة العبد؟ قال: هؤلاء رقيق كلهم يباعون في الدين؛ لأن هذه وصية فلا يكون العتق في الوصية عتقا، إلا بعد أداء الدين. قلت: وسواء بتل عتقهم في مرضه في مسألتي أو أعتقهم بعد موته؟ قال: نعم، هذا كله سواء؛ لأنها وصية، فهم رقيق حتى يستوفي الدين، فإن كان في قيمتهم فضل عن الدين أسهم بينهم فيمن يباع في الدين، ثم أقرع بينهم في العتق في الثلث.

في الرجل يعتق رقيقه وعليه دين، فيقوم عليه الغرماء أيكون لهم أن يبيعوهم دون السلطان
قلت: أرأيت من أعتق رقيقه ولا مال له غيرهم، وعليه دين يغترقهم فيقوم عليه

الغرماء أيكون له أن يبيعهم دون السلطان أو يكون ذلك للغرماء؟ قال: قال مالك: لا يكون له أن يبيعهم ولا لهم دون السلطان. قلت: فإن باعهم بغير أمر السلطان، ثم أفاد مالا ثم رفع أمرهم إلى السلطان؟ قال: يرد بعضهم وتمضي حريتهم وإنما ينظر السلطان في ذلك يوم يرفع إليه، فإن كان أعتق وهو موسر ثم أفلس لم يرد عتقه، وإن كان أعتق وهو مفلس ثم أيسر لم يرد عتقهم أيضا. قلت: فإن باعهم السلطان في دينه، ثم اشتراهم سيدهم الذي كان أعتقهم بعد ذلك أيعتقون عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يعتقون عليه وهم رقيق.

في الرجل يعتق رقيقه في الصحة وعليه دين لا يحيط بهم أو يغترقهم ثم أفاد مالا ثم ذهب
قلت: أرأيت إن أعتق رقيقه في صحته وعليه دين لا يحيط بهم وفيهم فضلة عن دينه وليس له مال سواهم؟ قال: هؤلاء يباع منهم جميعا مقدار الدين بالحصص، ويعتق جميع ما بقي منهم وما بيع في الدين منهم فذلك رقيق كذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن أعتق رقيقه وعليه دين يغترقهم، ولا مال له سواهم فلم يقم عليه الغرماء حتى أفاد مالا فيه وفاء من دينه هل يجوز عتقهم؟ قال: قال مالك: نعم عتقهم جائز. قلت: أرأيت إن ذهب المال الذي أفاد قبل أن يقوم الغرماء عليه، ثم قامت الغرماء بعد ذلك؟ قال: الرقيق أحرار عند مالك وليس للغرماء عليهم سبيل، لأن مالكا قال في رجل أعتق رقيقا له وعليه دين وعنده من المال سوى الرقيق كفاف الدين أن عتقه جائز، فإن تلف المال من يديه بعد ذلك فقامت الغرماء لم يكن لهم على العبيد الذين عتقوا سبيل، وكان عتقهم جائزا وإن لم يكن الغرماء علموا بعتقهم؛ لأنه أعتقهم يوم أعتقهم وعنده من المال مقدار الدين، فكذلك مسألتك قلت: فإن لم يكن في ماله هذا مقدار الدين يوم أعتقهم ولكنه مقدار بعض الدين؟ قال: ينظر إلى ما بقي من الدين بعد ماله الذي كان عنده، فيرق من العبيد مقدار ذلك يرق منهم مقدار ما بقي من الدين بالحصص من جميعهم وهذا كله إذا كان في الصحة وكذلك يقول أشهب.

في الرجل يشتري من يعتق عليه وعليه دين
قال: وقال مالك في الذي يشتري أباه وعليه دين: إنه لا يعتق عليه قال: وقلت

في الرجل يعتق ما في بطن أمته ثم يلحقه دين
قلت: أرأيت إن أعتق رجل ما في بطن أمته، ثم لحقه الدين من بعد ما أعتق ما في بطنها، ثم ولدته قبل أن يقوم الغرماء على سيد الأمة، أيكون لهم أن يردوا الولد في الرق أم لا في قول مالك؟ قال: ليس لهم على الولد سبيل؛ لأنه قد زايل الأم قبل أن يقوم الغرماء على حقهم. قال: وهذا رأيي، ولأن عتقه إياه قد كان قبل دين الغرماء قلت: أرأيت رجلا أعتق ما في بطن أمته وهو صحيح، ثم لحق السيد دين فقامت الغرماء على الأمة؟ قال: قال مالك: تباع بما في بطنها للغرماء ويفسخ عتق السيد في الولد. قلت: فلم جعل مالك الدين يلحق ما في بطنها وجعل عتق هذا الولد إذا خرج من بطن أمه والسيد مريض أو مات فارعا من رأس المال ولم يجعله في الثلث، إذا كان عتقه إياه في الصحة فينبغي أن يكون عتق هذا الجنس إذا لحقه الدين عتقه في الثلث، وإلا فاجعله فارعا من رأس المال ولا تجعل الدين يلحقه؟ قال: إنما قال مالك: تباع أمه في الدين فإذا بيعت أمه في الدين كان الولد تبعا لها؛ لأنه لا يجوز أن تباع أمه ويستثنى ما في بطنها، فلذلك بطل عتق هذا الولد ولو لم تقم الغرماء على هذا السيد حتى يزايل الولد أمه، أعتق الولد من رأس المال إذا كان عتق السيد إياه في الصحة قبل الدين وبيعت الأم وحدها في الدين وكذلك قال مالك. قال ابن القاسم: هو قول عبد العزيز بن أبي سلمة فيما بلغني
قلت: أرأيت الرجل يشتري عبدا في مرضه فحابى في الشراء ثم أعتق العبد والثلث لا يحمل أكثر من العبد؟ قال: قال مالك: من اشترى في مرضه فحابى في شرائه أو باع فحابى في بيعه. قال مالك: ذلك في الثلث وهو وصية، وأرى في مسألتك أنه إن حابى سيد العبد لا تجوز محاباته إذا عتق، وثلث مال الميت العبد ولا يكون له أكثر من قيمة عبده، لأن قيمته ليست بمحاباة فهي دين، وما زاد على قيمته فهي محاباة وهي

وصية في الثلث فما دخل العتق في ثلث الميت كان أولى من وصيته، وكانت قيمة العبد أولى من العتق؛ لأن قيمة العبد من رأس المال، وقد قال ابن القاسم: المحاباة مبتدأة؛ لأن الشراء لا يجوز إلا بها، فكأنه أمر بتبدئة المحاباة في الثلث فما بقي بعد المحاباة في الثلث فهو في العبد أتم ذلك عتقه أم نقص منه. قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق عبده في مرضه بتلا ولا مال له سواه، وقيمة العبد ثلاثمائة درهم وللعبد بنت حرة، فهلك العبد قبل السيد وترك ألف درهم ثم مات السيد ما حال العبد وحال الألف وهل ترث البنت من ذلك شيئا أم لا؟ قال: قال مالك: العبد رقيق؛ لأن السيد لم يكن له مال مأمون فيعتق العبد منه، مثل الدور والأرضين وما وصفت لك، فلما لم يكن ذلك للسيد كان عتقه فيه باطلا لا يجوز. قال: وإن كانت له أموال مأمونة جاز عتقه إياه وكانت الألف بين السيد وبين البنت ميراثا وبه قال بعض الرواة، وفعل المريض بعد الموت ينظر فيه كانت له أموال مأمونة أو لم يكن لا يتعجل بالنظر في شيء من أمره إلا بعد الموت وبعد التقويم كانت له أموال مأمونة أو غير مأمونة.
قلت: فإن كانت له أموال مأمونة تبلغ نصف قيمة العبد أيعتق منه النصف أم لا؟ قال: لا يعتق منه قليل ولا كثير إلا أن يكون له أموال كثيرة مأمونة بحال ما وصفت لك، وتكون أضعاف قيمة العبد مرارا.
قلت: أرأيت لو أن رجلا بينه وبين شريك له عبد أعتق أحدهما حصته وهو موسر، فقال الذي لم يعتق: أنا أعتق حصتي إلى أجل ولا أضمن شريكي؟ قال: بلغني أن مالكا قال: ليس له ذلك إنما له يبت عتقه أو يضمن شريكه. قلت: فإن أعتقه إلى أجل أيكون له أن يضمن شريكه؟ قال: نعم، يفسخ ما صنع ويضمن شريكه فيعتق عليه. قلت: فإن دبر حصته أو كاتبه؟ قال: لا يجوز ذلك، إنما له أن يعجل له العتق أو يضمن شريكه، ورواه أشهب عن مالك إن كان للمعتق مال، وقال غيره وإن لم يكن للمعتق مال يحمل أن يقوم عليه أو له مال لا يحمل جميع قيمة النصف قوم على المعتق بقدر ما في يديه، وإن حمله قوم عليه وإن حمل نصف النصف قوم عليه وعتق على المعتق ما بقي من نصيبه وهو ربع العبد إلى أجل، وقال بعض رواة مالك أرى إن كان للمعتق مال أن الذي أعتق إلى أجل أراد إبطال سنة رسول الله عليه السلام، وأرى إذا أن يتمسك من الرق بما ليس له وقد أعتق عتقا لازما وآخر عتقه إلى سنة وذلك تعد منه في التأخير والتعدي أولى بالطرح من العتق الذي عقده قوي ويلزم العتق الذي ألزم نفسه معجلا.
قلت: أرأيت عبدا مسلما بين نصراني ومسلم، أعتق النصراني حصته في هذا العبد وهو موسر وتمسك المسلم بالرق، أيضمن النصراني حصة المسلم من ذلك؟ قال:

نعم، إذا كان العبد مسلما أجبر النصراني على عتق جميع العبد؛ لأن مالكا قال: كل حكم يكون بين المسلم والنصراني أنه يحكم فيه بحكم الإسلام. قلت: وإن كان العبد نصرانيا فأعتق المسلم حصته؟ قال: يقوم على المسلم وإن أعتق النصراني حصته لم يقوم عليه ما بقي من حصة المسلم؛ لأن العبد لو كان جميعه للنصراني فأعتقه أو أعتق نصفه، لم يحكم عليه بعتقه، فكذلك إذا كان بينه وبين مسلم فأعتق النصراني حصته منه وهذا قول مالك، وقال أشهب: يقوم عليه؛ لأن الحكم إنما هو بين السيدين. قلت: أرأيت إن أعتق رجل شقصا له في عبد وهو موسر فضمن لصاحبه نصفه بأكثر من قيمته إلى أجل؟ قال: لا يعجبني ولا يجوز هذا وهو حرام. قلت: أرأيت لو أن عبدا بين رجلين أذن أحدهما لصاحبه في العتق فأعتق، أيضمن لشريكه الذي أذن له في العتق أم لأنه أذن له؟ قال: يضمن له عند مالك إذا كان موسرا. قلت: أرأيت إن لم يكن المعتق موسرا بما بقي من ثمن ذلك العبد ولكنه موسر بنصف ما بقي من العبد؟ قال: قال مالك: يعتق عليه من العبد ما حمل ماله منه ويرق ما سوى ذلك.
قلت: أرأيت لو أن عبدا بيني وبين رجل، أعتق أحدنا نصيبه منه، ثم أعتق الآخر نصف نصيبه منه، أيكون له أن يضمن شريكه الذي أعتق أولا نصف نصيبه الباقي؟ قال: لا، قلت: لم؟ قال: لأنه إذا أعتق شيئا من شقصه عتق عليه جميع ما كان فيه. قلت: ولم يعتق عليه جميع ما كان له فيه وإنما كان حقه مالا على صاحبه إذا كان المعتق الأول موسرا؟ قال: لأنه لا يجب على المعتق الأول شيء إلا إذا أقيم عليه والعبد غير تالف. قال ابن القاسم: ألا ترى أن العبد لو مات قبل أن يقوم على المعتق الأول لم يضمن لشريكه شيئا من قيمته، وكذلك إذا أعتقه شريكه بعد عتق الأول لم يكن للثاني أن يضمن الأول؛ لأنه قد أتلف نصيبه فكذلك إن أعتق بعض نصيبه فقد أتلفه ويعتق عليه ما بقي من نصيبه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا الذي سمعت قلت: أرأيت لو مات المعتق الذي أعتق نصف نصيبه قبل أن يعتق عليه ما بقي، أيقوم على الأول النصف الباقي من نصيبه؟ قال: نعم يقوم عليه عند مالك. قال: وقال مالك: لو أن عبدا بين ثلاثة نفر أعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصيبه فأراد المتمسك بالرق أن يضمن المعتق الثاني والمعتقان جميعا موسران؟ قال مالك: ليس له أن يضمنه وإنما له أن يضمن الأول؛ لأنه هو الذي ابتدأ الفساد قلت: فإن أعتقه الأول وهو معسر ثم أعتق الثاني وهو موسر فأراد المتمسك بالرق أن يضمن المعتق الثاني؟ قال مالك: ليس ذلك له؛ لأنه لم يبتدئ فسادا أولا وإنما ينظر إلى من ابتدأ الفساد أولا. قال: وقال مالك لي: ولو أعتق اثنان منهم ما لهما من العبد جميعا وأحدهما موسر والآخر معسر، ضمن الموسر جميع قيمة نصيب

المتمسك بالرق. قلت: ولم؟ قال: لأن مالكا قال: إذا ضمن شيئا من قيمته ضمن جميع ذلك. قلت: ويجعله كأنه ابتدأ فساد هذا العبد؟ قال: نعم، هو وصاحبه ابتدآ فساده إلا أن صاحبه لا يضمن؛ لأنه معسر. أشهب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليهم العبد، وإلا فقد عتق عليه منه ما أعتق" 1، وقضى بذلك عمر بن عبد العزيز برأي عروة بن الزبير في امرأة أعتقت مصابتها من عبد وكانت مصابتها ثمنه ولا قيمة عندها، فجعل له عمر بن عبد العزيز من كل ثمانية أيام يوما وجعله في يوم الجمعة، وللورثة سبعة أيام وهو قول مالك.
قلت: أرأيت إن أعتق شقصا له في عبد وهو معسر فلم يقم عليه شريكه حتى أيسر؟ قال: بلغني عن مالك أنه كان يقول قديما: إنه يقام عليه، وأما منذ أدركناه فسألناه عنه غير مرة ووقفته عليه، فقال لي: إن كان يوم أعتق يعلم الناس والعبد وسيده الذي لم يعتق أنه لو قام عليه لم يقوم عليه لعسره لم أر أن يعتق عليه وإن أيسر بعد ذلك؛ لأنه كان حين أعتقه لا مال له إذا علم الناس أنه إنما تركه لعسره، قال: فقلت لمالك: فإن كان العبد غائبا فلم يقدم حتى أيسر الذي أعتق نصيبه؟ قال: قال مالك: أرى أن يعتق عليه ولم يره مثله إذا كان حاضرا معه وهو يعلم والناس يعلمون أنه إنما تركه؛ لأنه لا مال له، وأنه ليس ممن يقوم عليه، وأن العبد حين كان غائبا لا يشبه إذا كان حاضرا؛ لأن سيده الذي لم يعتق إنما منعه من أن يقوم على شريكه الذي أعتق لحال غيبة العبد فهو يقوم عليه إذا قدم العبد وهو موسر وإن كان يوم أعتقه معسرا. قلت: فإن أعتقه وهو موسر ثم أعسر ثم أيسر ثم قام عليه شريكه أيضمنه؟ قال: نعم، يضمنه؛ لأن يوم أعتقه كان ممن يقوم عليه لو قام شريكه، فإذا لم يقم عليه شريكه حتى أعسر ثم أيسر ورجع إلى حالته الأولى التي لو قام عليه فيها شريكه ضمن فله أن يضمنه. قلت: فإن لم يقم عليه شريكه حتى أعسر بعد أن كان موسرا يوم أعتق؟ قال: قال مالك: هذا لا شك فيه أنه لا يقوم عليه. قال: قال مالك: فإن أعتقه ثم قيل لشريكه: أتعتقه أم تضمنه؟ قال: بل أضمنه، ثم قال بعد ذلك: بل أنا أعتقه، فإن ذلك ليس له بعد أن رد ذلك. قال مالك: ويقوم على الأول ويعتق جميعه على الأول.
قلت: أرأيت لو أن أمة بيني وبين رجل وهي حامل، فأعتقت نصفها، وأعتق صاحبي ما في بطنها؟ قال: القيمة لازمة للذي أعتق نصفها وعتق هذا الذي أعتق ما في
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العتق حديث 1, البخاري في كتاب العتق باب 4. مسلم في كتاب العتق حديث 1.

بطنها بعد ذلك ليس بشيء إلا أن يعتقا جميعا. قلت: أرأيت أمة بين شريكين وهي حامل، دبر أحدهما ما في بطنها. قال: إذا خرج تقاوماه فيما بينهما. قلت: فإن دبر أحدهما ما في بطنها وأعتقها الآخر؟ قال: ينفسخ تدبير الذي دبر وتقوم على الذي أعتق في قول مالك.
أشهب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطي شركاؤه حصصهم وأعتق العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق"1. قلت لابن القاسم: أرأيت إن أعتق شقصا له في عبد وله شوار بيت يبلغ نصيب صاحبه أيلزمه عتق جميع العبد؟ قال: نعم يلزمه ذلك عند مالك. قال: وإنما يترك له ولا يباع عليه مثل كسوة ظهره التي لا يستغني عنها وعيشة الأيام، وأما فضول الثياب فإنها تباع عليه. قال: وقال مالك: وإن لم يكن له مال يبلغ نصيب صاحبه عتق عليه مبلغ ماله ويرق ما بقي من العبد. قال: وسألنا مالكا عن العبد بين الرجلين يعتق أحدهما حصته وهو موسر ويبيع المتمسك بالرق حصته؟ قال مالك: يرد البيع ويقوم على شريكه الذي أعتق. قلت: أرأيت إن أعتقه وهو معسر والعبد غائب، فباع المتمسك بالرق حصته من رجل وتواضعا الثمن فقبضه المشتري، وقدم به والمعتق موسرا أو لم يقدم به إلا أن العبد علم بموضعه فخاصم في موضعه وسيده موسر؟ قال: ينتقض البيع ويعتق على المعتق كله. قلت: أرأيت إن أعتقت شقصا في عبد وأنا صحيح فلم يقوم علي نصيب صاحبي حتى مرضت، أيقوم علي وأنا مريض؟ قال: أرى أن يقوم عليك هذا النصف في الثلث. قال ابن القاسم والرجل يعتق نصف عبده وهو صحيح فلا يعلم ذلك إلا وهو مريض، قال: أرى أن يعتق النصف الباقي في ثلثه وإن لم يعلم به إلا بعد موته لم يعتق منه إلا ما كان أعتق، وكذلك سمعت مالكا يقول في الموت والتفليس: إنه لا يعتق عليه إلا النصف الذي كان أعتق منه. قال مالك: فإذا أعتق الرجل شقصا له في عبد وهو معسر فدفع ذلك إلى السلطان، فلم يقوم عليه ثم أيسر بعد ذلك المعتق فاشترى نصيب صاحبه قال: لا يعتق عليه. قلت: فإن رفعه إلى السلطان فلم يقوم عليه ولم ينظر في أمره حتى أيسر؟ قال: يعتق عليه؛ لأن العتق إنما يقع عليه حين ينظر السلطان فيه وليس يوم يرفعه إلى السلطان، ولا يشبه هذا الذي وقف عن طلبه وهو يعلم والناس يعلمون أنه إنما تركه؛ لأنه لو قام عليه ولم يدرك شيئا ثم أيسر بعد ذلك فإن هذا إن قام لم يعتق عليه. قال: وقال مالك في العبد بين الشريكين يعتق أحدهما نصيبه وشريكه غائب أترى أن ينتظر قدوم الشريك؟ قال: إن كانت غيبته قريبة ولا ضرر فيها على العبد رأيت أن يكتب إليه، فإن أعتق وإلا قوم على الأول الذي كان
ـــــــ
1 المصدر السابق.

أعتقه، فإن كانت غيبته بعيدة أعتق على المعتق إن كان موسرا ولم ينتظر إلى قدوم الآخر.
قال سحنون وقال بعض الرواة في الذي يعتق شقصا له في عبد فلم يقوم عليه نصيب صاحبه حتى مرض، أو أعتق نصف عبد له ليس له فيه شريك فلم يقوم عليه العبد حتى مرض، أنه لا يقوم عليه في الثلث نصيب صاحبه ولا ما بقي من عبده ولا يعتق عليه في ثلثه؛ لأن عتقه كان في الصحة فلا يدخل حكم الصحة على حكم المرض، وكذلك إذا مات المعتق أو أفلس، وقد قال أبو بكر لعائشة: لو كنت حزتيه لكان لك وإنما هو اليوم مال وارث قاله وهو مريض، فالمرض من أسباب الموت وفيه الحجر وقد أخبرني عبد الله بن نافع أن عمر بن قيس حدثه عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه قال: لا يقوم ميت ولا يقوم على ميت.

في الرجل يعتق نصف عبده أو أم ولده
قلت: أرأيت أم ولد رجل أعتق نصفها سيدها أيعتق جميعها عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك: من أعتق نصف أمة له عتقت عليه كلها، فكذلك أم الولد وكل من أعتق شقصا له في عبد يملكه عتق عليه كله عند مالك. ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال في الرجل يعتق نصف عبده قال ربيعة: يعتق عليه كله وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنه من أعتق شركا له في عبد أقيم عليه ثم عتق كله عليه، وذلك أنه لم يكن ليجتمع في يد رجل عتاقة ورق، كل ذلك من قبله حتى تتبع أحرى الحرمتين، صاحبتها. والرق أحق أن يتبع العتاقة من العتاقة للرق، وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن القاسم ونافع مولى ابن عمر بذلك، وأن عمر بن الخطاب قال: ليس لله شريك. ابن نافع عن سفيان الثوري عن سلمة بن خالد المخزومي أن عمر بن الخطاب جاءه رجل فقال له: أنا الذي أعتقت نصف عبدي، فقال عمر: عتق عليك كله ليس لله فيه شريك والرجل صحيح.

في الرجل يعتق نصف عبده ثم فقد المعتق
قلت: أرأيت إن أعتق رجل نصف عبده والعبد جميعه له ثم فقد المعتق فلم يدر أين هو؟ قال: قال مالك: مال المفقود موقوف حتى يبلغ من السنين ما لا يجيء إلى تلك المدة، فإذا بلغ تلك المدة جعلنا ماله لوارثه يومئذ قال مالك: وإن تبين أنه مات قبل

في الرجل يعتق شقصا من عبده بتلا في مرضه أو غير بتل وله مال مأمون أو غير مأمون
قال: وقال مالك في المريض إذا كان بينه وبين رجل عبد فأعتق نصفه بتلا في مرضه إن عاش عتق عليه وإن مات قوم عليه ما بقي في ثلثه. قال مالك: وإذا أعتق الرجل في مرضه عبدا بتلا وله مال مأمون من أرضين ودور عجل عتقه وكان حرا يرث ويورث وتمت حريته وجراحاته وحدوده وقبلت شهادته، وإن لم يكن له مال مأمون كما وصفت لك وكان يخرج من الثلث لم يعجل له عتقه وكانت حرمته حرمة عبد وجراحاته جراحات عبد وشهاداته شهادة عبد حتى يعتق في ثلثه بعد موته، فإذا اشترى المريض نصفه ثم أعتقه في مرضه بتلا، إن عاش وإن مات، كان حرا كله إذا كان له مال مأمون من دور وأرضين ويقوم عليه نصيب صاحبه ولا ينتظر موته، وإن لم يكن له مال مأمون لم يقوم عليه نصيب صاحبه إلا بعد موته كما أعتق منه ونصيب صاحبه جميعا أيضا إنما يكون في ثلثه بعد موته، فإن كان الذي اشترى منه والذي كان يملك منه من الشقص إنما كان أعتقه المريض بعد الموت في وصيته لم يقوم عليه نصيب صاحبه، وكانت له أموال مأمونة أو لم تكن له ولم أر المأمونة عند مالك في الأموال إلا الدور والأرضين والنخل والعقار. وقد بلغني أنه كان يقول قبل ذلك في الذي يعتق بتلافي مرضه: إنه في حرمته وحالاته كلها حرمة عبد وحاله حال عبد حتى يخرج من الثلث بعد موته، ثم رجع عن ذلك ووقفناه عليه غير مرة فقال: ما أخبرتك.
قلت: أرأيت هذا الذي اشترى في مرضه شقصا من عبد فأعتقه وليس له أموال مأمونة ألا يقوم عليه نصيب صاحبه في حال مرضه؟ قال: لا يقوم عليه في مرضه، ويوقف العبد في يدي المريض، فإذا مات أعتق عليه العبد في ثلثه فإن حمله الثلث عتق جميعه وإن لم يحمل الثلث جميعه أعتق منه ما حمل الثلث، ورق منه ما بقي، وذلك أن مالكا قال في المريض إذا اشترى في مرضه عبدا فشراؤه جائز، فإن أعتقه جاز ذلك على ورثته إذا

حمله الثلث، فإن لم يحمله عتق منه ما حمل الثلث ورق منه ما بقي وجاز فيه الشراء إذا لم يكن في الشراء محاباة على ما أحب الورثة أو كرهوا، وذلك أن مالكا قال أيضا إذا أعتق الرجل بتلافي مرضه نصف عبده عتق عليه كله في الثلث، فإذا كان يعتق عليه العبد في ثلثه إذا كان جميعه له فإنه إذا أعتق في مرضه شقصا له في عبد فبتله، فإنه يقوم عليه نصيب صاحبه منه، كانت له أموال مأمونة أو غير مأمونة. ابن وهب عن الليث بن سعد عن ربيعة أنه قال في الرجل يعتق شركا له في عبد عند الموت: إنه يعتق ما أعتق من نصيبه ولا يكلف حق شريكه. ابن وهب وأخبرني حيوة بن شريح عن محمد بن عجلان أن عمر بن عبد العزيز أجاز عتق ثلث عبد أعتقته امرأة عند موتها.

في الردل يعتق شقصا ثم يموت العبد قبل أن يقوم على مال
في الرجل يعتق شقصا ثم يموت العبد قبل أن يقوم على مال
قلت: أرأيت لو أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر فلم يقوم عليه حتى مات العبد عن مال وللعبد ورثة أحرار؟ قال مالك: المال الذي مات عنه العبد للمتمسك بالرق دون ورثته الأحرار ولا يكون للسيد الذي أعتق من ماله شيء، ولا لورثة العبد ولا يقوم على الذي أعتق؛ لأنه قد مات. قلت: وكذلك لو لم يترك العبد مالا لم يقوم على سيده الذي أعتق حصته وإن كان موسرا إذا مات العبد في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن أعتق حصته وهو معسر فهلك العبد عن مال وله ورثة أحرار؟ قال: قال مالك: المال للسيد المتمسك بالرق وليس لمولاه الذي أعتق ولا لورثته من ذلك شيء. قال مالك: ولا يورث من فيه الرق حتى يخرج جميعه من حال الرق إلى حال الحرية فتتم فيه الحرية فهذا الذي يرثه ورثته الأحرار هو ما لم يخرج إلى هذه الحال التي تتم فيها حريته فإنما ماله الذي ترك لمن له فيه الرق.
قلت: أرأيت إن كان الرق الذي في العبد لرجل الثلث ولآخر السدس، ونصف العبد حر كيف يقتسمون المال الذي هلك عنه العبد؟ قال: على قدر ما لهما فيه من الرق، لصاحب السدس سهم ولصاحب الثلث سهمان. ابن وهب عن ابن لهيعة أن عمر بن عبد العزيز قضى فيمن أعتق نصيبا من مملوك إن مات قبل أن ينظر في أمره كان ميراثا للذي لم يعتق. ابن وهب وأخبرني يونس عن ابن شهاب أنه قال في عبد بين ثلاث نفر أعتق اثنان وبقي نصيب واحد فمات العبد عن مال قبل أن يقضي بخلاصه السلطان. قال ربيعة نراه للذي بقي له فيه الرق؛ لأن الرق يغلب النسب والولاء.

قال ابن وهب: وأخبرني عقبة بن نافع عن ربيعة أنه قال في عبد كان بين شركاء ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه وكاتبه الثاني وتمسك الثالث بالرق فمات العبد، قال ربيعة: ميراثه بين كاتبه وبين الذي تمسك بالرق على أن يرد الذي كاتب ما أصاب من كتابته قبل موته. وقاله مالك ابن وهب عن يزيد بن عياض عن عمرو بن شعيب عن عمر بن الخطاب أنه قضى في عبد كان بين رجلين من قريش وثقيف فأعتق أحدهما نصيبه وبقي الآخر لم يعتق فابتاع العبد وليدة فوطئها فولدت منه أولادا ثم أعتق الآخر نصيبه من العبد من نفسه وماله وولده فقضى عمر بن الخطاب أن ميراث العبد وولده بين الرجلين.

في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه إلى أجل
قلت: أرأيت لو أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه منه إلى أجل من الآجال، فقتله رجل، أيكون قيمته بين السيدين جميعا في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن عتق النصف لم يتم حتى يمضي الأجل، فكذلك الجنين لم يتم عتق الذي أعتق حصته فيه إلا من بعد الولادة. قلت: أرأيت هذا الذي أعتق حصته من هذا العبد إلى أجل من الآجال أيقوم عليه نصيب صاحبه الساعة أم حتى تمضي الآجال، وكيف إن لم يقوم عليه الساعة كيف يصنع في نصيب صاحبه وقد عضل نصيبه عليه وأضر به؟ قال: أحب ما فيه إلي أن يقوم عليه الساعة؛ لأن الناس قد اختلفوا في المدبر، وقد سمعت مالكا أفتى فيمن دبر حصته من عبد بينه وبين شريكه أنه قال: يقوم عليه حصة شريكه. وقوله في المدبر غير هذا إلا أنه أفتى بهذا وأنا عنده فالذي أعتق حصته إلى أجل أوكد وأحرى أن يقوم عليه.

في الأمة بين الرجلين يعتق أحدهما ما في بطنها
قلت: أرأيت الأمة تكون بين الرجلين، فيعتق أحدهما ما في بطنها، متى يقوم هذا الولد على هذا المعتق وهو موسر؟ قال: إذا وضعت قوم عليه حين تضعه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك: عقل الجنين إذا أعتق في بطن أمه عقل جنين أمه، فإذا لم يجعل عقله عقل جنين الحرة علمنا أن عتقه إنما هو في قول مالك بعد خروجه، فإذا خرج قوم على شريكه يوم يحكم فيه. قلت: أرأيت إن ضرب بطنها فألقت هذا الجنين وقد أعتقه أحد الشريكين؟ قال: أرى العقل بينهما؛ لأن مالكا جعل حريته بعد خروجه.

في الرجل يشتري نصف ابنه أيقوم عليه ما بقي منه أم لا
قلت: أرأيت لو أني اشتريت نصف ابني من سيده، أيعتق علي جميعه ويقوم علي النصف الباقي إذا كنت موسرا في قول مالك أم لا؟ قال مالك: لو أن جميع ابنه لرجل فاشترى نصف ابنه أو تصدق بنصفه سيده على والد العبد فقبل والد العبد الصدقة أو وهبه له فقبل الهبة والوالد حر موسر؛ إنه يقوم على أبيه ما بقي ويعتق جميعه في قول مالك. قال مالك: وكذلك إن أوصى سيد الابن الأب بنصف ابنه فقبله عتق عليه جميعه إن كان موسرا، وكان عليه في جميع هذا نصف قيمة ابنه، وكذلك إن كان أقل من النصف أو أكثر إذا كان موسرا ضمن جميع ذلك بقيمته، وكذلك قال مالك إلا في الميراث وحده، فإن مالكا قال: إن ورث منه شقصا لم يعتق عليه ما بقي؛ لأن الميراث أدخل ذلك الشقص عليه ولم يدخله هو على نفسه، فلا يعتق عليه إلا ما أدخل عليه الميراث منه موسرا كان أو معسرا. قلت: أرأيت إن كان ابني عبدا بين رجلين فوهب لي أحدهما نصيبه أو اشتريته أو تصدق به علي برضا السيد الآخر وبإذنه وبعلمه، أيعتق علي جميعه وأضمن حصة الشريك الآخر، إذا كنت موسرا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كنت غير موسر عتق علي منه ما ملكت وما بقي منه رقيقا على حاله يخدم بقدر ما رق منه، ويعمل لنفسه بقدر ما عتق منه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ويكون ماله موقوفا في يديه في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت ابني إذا كان عبدا بين رجلين فاشتريت نصيب أحدهما، فعتق علي أيقوم علي ما بقي منه وأنا موسر وإنما اشتريت بأمر الشريك الذي لم يبع وكيف إن كان

بغير أمره أيعتق علي، في جميع ذلك وأضمن قيمة ما بقي في قول مالك؟ قال: نعم، وأصل ذلك أن كل من ملك شقصا من ذوي قرابته الذين يعتقون عليه بأمر لو شاء أن يدفع ذلك عن نفسه دفعه بشراء أو هبة أو وصية أو صدقة، فإن هذا يعتق عليه ما بقي إلا في الميراث وحده، أو مولى عليه أو صغير يوصى له بشقص فيقبل ذلك وصية له فإنه لا يقوم عليه ولا يعتق عليه إلا ما قبله له وليه، ولا يعتق عليه ما سوى ذلك وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إن اشتريت أنا وأخي ابني في صفقة واحدة أيعتق علي نصيبي وأضمن له نصيبه في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك: إذا كان الابن لرجل فاشترى نصفه عتق عليه نصفه وضمن قيمة نصفه لشريكه.

الصغير يرث شقصا ممن يعتق عليه أو يوهب له فيقبله وليه
قلت: أرأيت الصبي الصغير إذا ورث شقصا من أبيه، أيعتق عليه ما بقي من أبيه في قول مالك؟ قال: الصغير والكبير في هذا عند مالك سواء، لا يعتق على واحد منهما إذا ورث شقصا ممن يعتق عليه إلا ما ورث، ولا يقوم عليه ما بقي إنما ذلك في الشراء والهبة والصدقة والوصية، وقد وصفت لك ذلك في الصغير والكبير. قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب لابن لي صغير أخا له، فقبلت ذلك أيعتق علي ابني؟ قال: نعم، يعتق عليك ابنك عند مالك ويجوز قبولك الهبة لابنك. قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب لابني شقصا من أخيه، فقبلت ذلك الشقص أيعتق علي ابني ما بقي من أخيه في ماله أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: من وهب لصغير شقصا من عبد يعتق على الصغير وقبله وليه لم يعتق عليه إلا ما وهب له منه. قلت ولا يعتق بقيته على وليه في قول مالك؟ قال: لا، قال: وما للولي ولهذا. قلت: ومن الولي ههنا الذي يجوز قبوله الهبة على الصغير؟ قال: وصيه وأبوه إذا كان يليه كل من كان يجوز بيعه وشراؤه وعلى الصغير قبوله الهبة جائز. قال: وقال مالك: كل من ملك شقصا من ذوي قرابته الذين يعتقون عليه بأمر لو شاء أن يدفع ذلك عن نفسه دفعه من شراء أو هبة أو صدقة أو وصية فإن هذا يعتق عليه ما بقي إلا الميراث وحده أو مولى عليه أو صغير يوصى له بشقص فيقبل ذلك وليه له فإنه لا يقوم ولا يعتق عليه إلا ما قبله له وصيه، ولا يعتق عليه ما سوى ذلك، وهذا كله قول مالك وإن لم يقبل ذلك الوصي فهو حر على الصبي. قال سحنون وهذا قول عبد الرحمن وغيره من أصحابنا.

في العبد المأذون له في التجارة يملك ذا قرابته
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا ملك أباه أو أمه أو ولده أينبغي له أن يبيعهم؟ قال: قال مالك في أم ولد العبد: لا يبيعها إلا أن يأذن له سيده، فولده أحرى أن لا يبيعهم إلا أن يأذن له سيده، ألا ترى أنه لو أعتق وهم ملكه عتقوا عليه وأن أم ولده لو أعتق وهي في ملكه كانت أمة له، فقد كره له مالك أن يبيعها إلا أن يأذن له سيده في ذلك، فولده أحرى أن لا يبيعهم إلا بإذن سيده؛ لأنهم يعتقون عليه إن عتق وإنما الوالدان عندي بمنزلة الولد لا يبيعهم إلا بإذن السيد. قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة، أيجوز له إذا اشترى ولده أو أباه أو ذا رحم محرم منه بإذن السيد أو بغير إذنه أن يبيعهم في قول مالك؟ قال: سئل مالك عن أم ولد العبد إذا أراد أن يبيعها أيجوز له أن يبيعها؟ قال: إذا أذن له سيده جاز له ذلك فأرى ولده وولد ولده وأباه وأجداده وإخوته وأخواته إذا اشتراهم هذا العبد فأرى أن لا يبيعهم حتى يأذن له السيد.

في المأذون له في التجارة يشتري أقارب سيده الين يعتقون عليه
في المأذون له في التجارة يشتري أقارب سيده الذين يعتقون عليه
قلت: أرأيت العبد المأذون له في التجارة إذا اشترى والد السيد أو ولد السيد أو والدة السيد أيعتقون أم لا؟ قال: قال مالك: إذا ملك العبد من قرابة السيد من لو ملكهم السيد عتقوا على السيد، فإنه إذا ملكهم العبد عتقوا عليه، ولم يذكر لنا مالك مأذونا ولا غير مأذون، فالمأذون إذا ملك من قرابة السيد من وصفت لك عتقوا. قال ابن القاسم: إلا أن يكون عليه دين يحيط بقيمة رقابهم. قال ابن القاسم: ومعنى ذلك إذا اشتراهم وهو لا يعلم.
تم كتاب العتق الأول من المدونة الكبرى ويليه كتاب العتق الثاني.

كتاب العتق الثاني
الرجل يملك ذا قرابته الذن يعتقون عليهبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العتق الثانيالرجل يملك ذا قرابته الذين يعتقون عليه
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت ذوي المحارم من يعتق علي منهم إذا ملكتهم في قول مالك؟ قال: قال مالك: يعتق عليك أبواك وأجدادك لأبيك وأمك وجداتك لأبيك وأمك وولدك وولد ولدك وإخوتك دنية وإخوتك لأبيك أو لأمك وإخوتك لأبيك وأمك. قال مالك: وهم أهل الفرائض في كتاب الله، وأما من سوى هؤلاء فلا يعتقون عليك ولا يعتق عليك ابن أخ ولا ابن أخت ولا خالة ولا عمة ولا عم ولا خال ولا يعتق عليك عند مالك إلا من ذكرت لك. قلت: أرأيت عمة أمي أمحرمة هي علي في قول مالك؟ قال: نعم، هي محرمة، ألا ترى أن عمة أمك إنما هي أخت جدك لأمك فجداتك لأمك محرمات عليك، فكذلك أخواتهن؛ لأن جداتك أمهاتك، فكذلك أخواتهن بمنزلة خالاتك وكذلك أجدادك لأمك أن لو كانوا نساء كانوا بمنزلة الجدات في التحريم، وكذلك أخوات أجدادك لأمك هن بمنزلة أخوات جداتك لأمك فهن خالاتك إنما يقع التحليل في أولاد من ذكرنا، فأما من ذكرنا بأعيانهن فهن محرمات الجدات وأخواتهن؛ لأنهن أمهات وخالات.
قلت: أرأيت من اشترى والده على أنه بالخيار ثلاثا أو ولده أيعتق عليه أم لا؟ قال: لم أسمعه من مالك ولا أرى أن يعتق عليه؛ لأنه لم يتم البيع بينهما في قول مالك إلا بعد الخيار؛ لأن مالكا قال من اشترى سلعة على أنه بالخيار فماتت السلعة في أيام الخيار كانت السلعة من البائع ولم تكن من المشتري. قال ابن القاسم: وإذا كان الخيار للبائع

كان أبين عندي وهو سواء. قلت: من يعتق علي من ذوي المحارم ومن إذا اشتريتهم عتقوا علي؟ قال: سألت مالكا عن ذلك فقال لي: يعتق عليه أبوه وأمه وأجداده لأبيه وأمه وإن تباعدوا وولده وولد ولده وإن تباعدوا وإخوته دنية وإخوته لأبيه وإخوته لأبيه وأمه وإخوته لأمه، لا يعتق عليه أحد اشتراهم من ذوي محارمه سواهم لا بني أخ ولا بني أخت ولا عمة ولا عم ولا خالة ولا خال ولا أمة تزوجها فولدت له أولادا فاشتراها بعدما ولدت، فإنه لا تعتق عليه في قول مالك. قال مالك: وإن اشتراها وهي حامل فولدت عند المشتري وإن كان أصل الحمل كان عند البائع فهي أم ولد بذلك الحمل إذا وضعته عند المشتري، وإن وضعته بعد الشراء بيوم أو أقل أو أكثر.
قلت: وما قول مالك فيمن اشترى ذوي محارمه من الرضاعة أمهاته وبناته وأخواته ومحارمه من قبل الصهر، أمهات نسائه أو جداتهن أو ولدهن أو ولد ولدهن أيعتق عليه شيء منهن؟ قال مالك: لا يعتق عليه شيء منهن ويبيعهن إن شاء. ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول: أما الذي لا شك فيه فالولد والوالد والإخوة فمن ملكهم فهم أحرار. ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة أنه قال: يعتق عليه فيما ملكت يمينه الولد والوالد، وبلغني عن ربيعة أنه قال: لا يملك في علمي الأب ولا الابن ولا الأخ ولا الأخت. ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة أن لا يسترق الرجل أباه ولا ولده ولا أخاه. قال ابن شهاب: فإن عجلت منيته من قبل أن يعتقهم فقد عتقوا عليه يوم ابتاعهم من أجل أنه لا يملك رجل أباه ولا ولده. ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن ابن قسيط بذلك ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عطاء ومجاهد ومكحول مثل ذلك. ابن وهب عن ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب هل يسترق الأب والأم من الرضاعة؟ قال: مضت السنة باسترقاقهما إلا أن يرغب رجل في خير.
قال ابن شهاب: ولا يعتق على أحد بنسب رضاعة إلا أن يتطوع رجل. وبلغني عن ربيعة أنه قال: الرجل يملك من يحرم عليه من النسب من الرضاعة الولد والوالد فيحل له ملك أولئك وهم عليه حرام سحنون عن ابن نافع عن ابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن السبعة، أنهم كانوا يقولون: إذا ملك الولد الوالد عتق الوالد وإذا ملك الوالد الولد عتق الولد وما سوى ذلك من القرابات فيختلف فيه الناس وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد بن ثابت وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار مع مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل.

في العبد المأذون له وغير المأذون يشتريان ابن سيدهما
قلت: أرأيت عبدي إذا أذنت له في التجارة، فاشترى ابني أيعتق علي أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول: يعتق. قلت: أرأيت إن لم آذن لعبدي في التجارة وهو محجور عليه فذهب فاشترى ابني أيعتق أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكنه لا يجوز شراؤه ولا بيعه، وهذا عندي مخالف للذي أذن له في التجارة فلا يجوز شراؤه له بغير إذن سيده.

في الأب يشتري على ولده من يعتق عليه
قلت: أرأيت الأب، أيجوز أن يشتري على ولده من يعتق عليه في قول مالك؟ قال: لا يجوز للأب أن يشتري على ولده الصغير من يعتق عليه ولا يجوز للوالد أن يتلف مال ولده. وقال أشهب مثل قول ابن القاسم. قال سحنون: وكذلك العبد لا يجوز له أن يشتري ما يعتق على سيده.

في الرجل يدفع إلى الرجل المال ليشتري به أباه يعينه به
وسئل مالك عن الرجل يعطي الرجل المال ليشتري به ابنه أو ابنته يعينه به فيفعل الرجل. قال: لا يعتق على المشتري ولا على الذي أعانه وأراهما مملوكين للذي اشتراهما.

في الرجل يقول لعبده: أنت حر أو مدبر إذا قدم فلان
قلت: أرأيت إذا قال الرجل لعبده: أنت حر، إذا قدم فلان، أو أنت مدبر إذا قدم فلان، أهو في قول مالك مثل قول الرجل لامرأته: أنت طالق إذا قدم فلان؟ قال: لا، قوله: أنت طالق إذا قدم فلان لا يقع الطلاق في قول مالك حتى يقدم فلان، وقوله: أنت حر إذا قدم فلان. قال: قال مالك: لا أرى أن يبيعه ويوقف حتى ينظر هل يقدم فلان أم لا؟ قال ابن القاسم: ولا أرى بأسا أن يبيعه قلت: أرأيت إن قال لأمته: أنت حرة إذا حضت؟

في الرجل يقول لعبده: إن جئتني بكذا وكذا فأنت حر.
قلت: أرأيت إن قال لعبده: إن جئتني بألف درهم فأنت حر، أو قال متى ما جئتني بألف درهم فأنت حر، متى يكون حرا في قول مالك؟ قال: إذا جاءه بألف درهم عتق عليه وما لم يجئه بألف فهو عبد. قلت: ويكون للسيد أن يبيعه قبل أن يجيئه بألف درهم في قول مالك؟ قال: لا، ليس له أن يبيعه حتى يوقفه ويرفعه إلى السلطان. قلت: أرأيت

إن قال لعبده: أنت حر متى ما أديت إلي ألف درهم، أيستطيع أن يبيعه؟ قال: ينظر فيه السلطان ويتلوم له وليس للعبد أن يطول بالسيد ولا يدع السلطان السيد أن يعجل ببيعه حتى يتلوم بالعبد. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه عن مالك. قلت: أرأيت إن قال لعبده: متى ما أديت إلي ألف درهم فأنت حر، أيكون له أن يبيعه أم لا؟ في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى أن يبيعه حتى يتلوم له السلطان. قلت: فإن قال: إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر، أيكون له أن يبيعه؟ قال: هذا يتلوم له السلطان على قدر ما يرى؛ لأن من قاطع عبده على مائة دينار يعطيها إياه إلى سنة ثم هو حر فمضت السنة قبل أن يعطيه، قال مالك: يتلوم له السلطان فمسألتك مثل هذا.
قلت: أرأيت إن قال لعبده إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر، فدفعها عن العبد رجل آخر فأبى السيد أن يقبل، فقال: إنما قلت ذلك لعبدي؟ قال: يجبر السيد على أخذها ويقال للعبد: اذهب فأنت حر.
قلت: أرأيت إذا قال الرجل لعبده: إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر وفي يدي العبد مال، فأدى العبد الألف من المال الذي في يديه، وقال السيد: المال مالي؟ قال: لا ينظر في هذا إلى قول السيد؛ لأن الرجل لو كاتب عبده تبعه ماله في قول مالك فهو يحمل على وجه الكتابة قلت: أرأيت إذا قال لعبده: إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر، أيمنع السيد من كسب العبد؟ قال: كذلك ينبغي مثل المكاتب. قلت: وقوله إن أديت أو إذا أديت فهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم، في رأيي.

في الرجل يقول لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر، فتلد ولدين الأول منهما ميت
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت ولدين في بطن واحد، ولدت الأول ميتا ثم ولدت الآخر حيا بعد ذلك؟ قال: قال مالك: الولد الأول الميت هو الذي كان فيه العتق، والولد الباقي رقيق. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر فولدته ميتا. ثم ولدت آخر حيا؟ قال مالك: إذا ولدت الأول ميتا ثم ولدت الآخر بعده حيا وإن كانا في بطن واحد فإن الآخر رقيق؛ لأن العتق إنما كان في الأول الميت. وقال ابن شهاب الميت لا يقع عليه عتق والآخر حر ذكره الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب الحارث بن نبهان قال: كان النخعي يقول: إذا قال

الرجل لأمته: إن ولدت غلاما فأنت حرة فولدت غلامين فهي حرة والغلام الآخر حر وإن ولدت جارية وغلاما فهما عبدان وهي حرة. وقال ابن شهاب وإن قال: أول بطن تضعينه فهو حر فولدت توأمين قال: عتقا جميعا.

في الرجل يقول لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر
قلت: أرأيت إذا قال الرجل لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر، أيعتق في قول مالك ما ولدت؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر فأراد أن يبيعها؟ قال: بلغني عن مالك أنه سئل عن رجل زوج عبده أمته فقال لها: كل ولد تلدينه فهو حر، فأراد أن يبيعها فاستثقل مالك بيعها. وقال يفي لها بما وعدها. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يبيعها. قلت: أرأيت إن قال لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر وهي حامل أو حملت بعد هذا القول أيمنع من بيعها في قول مالك؟ قال: نعم، في قول مالك إلا أن يرهقه دين فتباع في دينه. قلت: أرأيت الرجل يقول لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر، فحملت في صحة السيد فولدته والسيد مريض أو ولدته بعد موت السيد أو حملت به والسيد مريض فولدته والسيد مريض أو ولدته بعد موت السيد، قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا إلا أن مالكا قال لي في رجل قال لأمته: ما في بطنك حر وهي حامل وقال هذا القول في صحته وأشهد على ذلك ثم ولدته بعد موته؟ قال ابن القاسم: هو حر من رأس المال وما حملت الأمة في الصحة في مسألتك فولدته في مرض السيد أو ولدته بعد موته فهو حر من رأس المال.
قلت: أرأيت إن أوصى بما في بطن أمته لرجل أو وهب ما في بطنها لرجل أو تصدق به عليه، ثم وهبها سيدها بعد ذلك لرجل آخر أو مات فورثها ورثته فأعتقوها؟ قال: عتقهم جائز ويعتق بعتقها ما في بطنها وتسقط وصية الموصى له بما في بطنها بمنزلة ما لو أن السيد وهب ما في بطنها ثم أعتقها السيد بعد ذلك كانت وما في بطنها حرة وسقطت الهبة. قلت: أرأيت إن وهبت لرجل ما في بطن جاريتي ثم أعتقتها قبل أن تضع ما في بطنها؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: قال ربيعة: هي حرة وما في بطنها. قلت: ولم جعله حرا من رأس المال وهذا إنما قال: إن ولدته فهو حر ولم يقل إذا حملته فهو حر؟ قال: لأنه إذا قال: إذا ولدته فهو حر، فهذا معتق إلى أجل فإنه حر من رأس المال؛ لأن مالكا قال من أعتق عبدا له إلى أجل فهو حر من رأس المال، فعلى هذا رأيت مسألتك. قلت: أرأيت هذا الذي حملت به في المرض ووضعته في المرض أو

بعد موت السيد؟ قال: هذا في الثلث؛ لأن المريض إذا أعتق عبده إلى أجل فإنما هو حر من الثلث ومما يدلك على مسألتك الأولى لو أن رجلا قال لعبده وهو صحيح: أنت حر إذا ولدت فلانة، فمرض السيد فوضعت فلانة والسيد مريض أو ولدت بعد موت السيد أن العبد حر من رأس المال وقد بينا قول ربيعة في مثل بعض هذا.

في الرجل يعتق ما في بطن أمته ثم يريد أن يبيعها قبل أن تضع
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق ما في بطن أمته وهو صحيح، ثم مات السيد فولدت بعد موته أو مرض السيد فولدت وهو مريض، ثم مات السيد، أيكون هذا الولد في الثلث أم يكون من رأس المال؟ قال: بل هو من رأس المال وهو رأيي. قلت: وتباع الأمة في الدين إذا لحق السيد دين وهو صحيح والأمة حامل به أو بعد موت السيد في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أعتق رجل ما في بطن أمته أو دبره فجاءت بالولد لأربع سنين، أيلزم العتق السيد أو التدبير؟ قال: إذا جاءت بالولد لمثل ما يلد له النساء إذا كانت حاملا يوم عتق أو دبر فذلك لازم للسيد. قلت: أرأيت إن أعتق رجل ما في بطن أمته أيكون له أن يبيعها؟ قال: لا، إلا أن يرهقه دين فتباع الأمة بحملها في الدين فيبطل العتق في ولدها الذي في بطنها إذا بيعت، ويكون رقيقا. قلت: فإن وضعت قبل أن يقوم عليه الغرماء فقام عليه الغرماء بعد ذلك؟ فقال: إذا كان الدين قبل العتق فإن العتق لا يجوز إذا اغترق الدين الأم والولد. قلت: فإن كان الدين إنما رهقه بعدما أعتق ما في بطنها وقبل أن تضعه فقامت الغرماء عليه؟ قال: تباع الأمة وما في بطنها في الدين فتصير رقيقا في قول مالك إذا قاموا عليه قبل أن تضعه، فإن لم يقم عليه الغرماء حتى وضعته فالذي كنت أسمع أنه حر من رأس المال وتباع الأمة وإنما هو بمنزلة من أعتق إلى أجل وإنما أرق مالك الولد إذا أرهق سيدها دين وهي بيد المعتق حامل إن قال: كيف تباع أمة ويستثنى ما في بطنها فلذلك أرقه وهي حجته التي كان يحتج بها، فأما إذا وضعته فإنه يحكم عليه فيه بمنزلة من أعتق إلى أجل فيما رهقه من الدين من بعد عتقه إياه وفيما بعد موته وهذا الذي سمعت وهو رأيي. قال: وقال مالك: ولو قال لأمته: ما في بطنك حر فلحقه دين بعد عتقه ما في بطنها إنها تباع في الدين وما في بطنها ويبطل عتقه.
قلت: أرأيت إن قال لأمته: ما في بطنك حر، فلحقه دين يغترق ماله وقيمة الأم أكثر من ذلك ولم يقم عليه الغرماء حتى ولدت الولد، أيباع الولد وأمه في ذلك الدين أم تباع

الأم وحدها في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكني أرى إذا لم يقم عليه الغرماء على دينهم حتى تضع الأم ولدها فإنه لا يباع الولد وتباع الأم وحدها، وإنما كان لهم أن يفسخوا عتقه إن لو قاموا قبل الولادة، إذا كان الدين، قبل عقد العتق قلت: أرأيت إذا قال رجل لأمته: ما في بطنك حر، فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا، أي شيء يكون عقله أعقل جنين أمة أم عقل جنين حرة؟ قال: بل عقل جنين أمة بلغني ذلك عنه. قلت: أرأيت لو أن أم ولد رجل حملت من سيدها فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا؟ قال: قال مالك: عقله عقل جنين حرة. قلت: ما فرق بين جنين هذه التي قال لها: ما في بطنك حر وبين جنين أم الولد؟ قال: لأن أم الولد حين حملت به فهو حر والتي قال لها: ما في بطنك حر لا يعتق إلا إذا وضعته. قلت: ولم قال مالك فيه: إنه إذا قال في الصحة: ما في بطنك حر، فوضعته بعد موته أنه حر من رأس المال فهذا قد جعله حرا قبل الولادة؟ قال: إنما هذا معتق إلى أجل والمعتق إلى أجل الجناية عليه جناية عبد وكذلك هذا الذي قال لأمته: ما في بطنك حر. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لأمته: ما في بطنك حر، ولها زوج ولا يعلم أنها حامل يومئذ فجاءت بولد لأربع سنين أيعتق أم لا؟ قال: لا يعتق من هذا إلا ما كان لأقل من ستة أشهر وهو بمنزلة الوراثة. لو مات رجل وأمه تحت رجل فأتت بولد لم يرث لأكثر من ستة أشهر ويرث لأقل من ستة أشهر فالعتق عندي بمنزلته إذا لم يكن تبين حملها يوم أعتقه فهو حر وإن ولدته لأربع سنين. وقال غيره: إن كان زوجها مرسلا عليها فإن وضعته لأقل من ستة أشهر فهو حر. وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر فلا حرية له، وإن كان زوجها غير مرسل عليها وهو غائب عنها أو ميت فالولد تأخذه الحرية وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر إلى ما يلد لمثله النساء.
قال أشهب: لا ينبغي أن يسترق الولد بالشك؛ لأنه لا يدري لعلها كانت حاملا به يوم أعتق ما في بطنها؟ وقال ربيعة في رجل تصدق بما في بطن وليدته وهي حبلى على بعض ولده ثم أعتقها بعد ذلك: إن ما في بطنها يعتق معها ولا تجوز صدقته وذلك لأنه منها. قال ابن وهب قال يونس وقال ربيعة في امرأة أعتقت خادما لها وهي حبلى وهي مريضة ثم رجعت في ولدها فقالت: لم أعتق ما في بطنها؟ قال ربيعة: يعتق معها ما في بطنها ولا يجوز لها أن تستثني ما في بطنها فيكون جنينها بمنزلة جنين الأمة وهي حرة إن قتلت كانت فيها دية الحرة، وإن قتل الجنين كان فيه ما في جنين الأمة، وليس هذا كهيئة أن يعتق نصفها أو ثلثها عند الموت. قال ابن وهب: قال يونس وقال ربيعة في الرجل يعتق وليدته وهي حامل ويستثني ولدها أنه عبد قال: ليس ذلك له وولدها حر. ابن وهب وذكر عن الحسن إذا أعتق الرجل المملوكة واستثنى ما في بطنها فهما حران.

في الرجل يهب عبده لرجل ثم يعتقه قبل أن يقبضه الموهوب له أو تصدق به
قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب عبدا لرجل، فأعتقه الواهب قبل أن يقبضه الموهوب له أو تصدق به عليه فأعتقه المتصدق قبل أن يقبضه المتصدق عليه، أيجوز عتقه في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، يجوز العتق من أيهما كان وكذلك قال لي مالك. قال: وأتى مالكا قوم وأنا عنده في رجل حبس رقيقا له على ذي قرابة له له حياته فأعتق رأسا منها ولم يكن المحبس عليهم قبضهم فأتوه وأنا عنده، فقال مالك: أرى عتقه جائزا وما أرى هذا قبض شيئا فأرى عتقه جائزا والهبة والصدقة بهذه المنزلة عندي. وقال أشهب: إذا أعتق المتصدق أو وهب أو تصدق بعدما كان تصدق ووهب للأول ولم يكن قبض حتى وهب لآخر أو تصدق وقبض الموهوب له الآخر والمتصدق عليه الآخر قبل الأول بطلت صدقته. قال سحنون وأباه عبد الرحمن في الصدقة والهبة ورأى أن هبة الآخر والصدقة عليه وقبضه لا يبطل ما عقد للأول وله أن يقوم فيقبض صدقته وهبته إلا أن يموت المتصدق قبل أن يقوم، فيبطل حقه ويتم قبض الموهوب الآخر والمتصدق عليه إلا العتق فإنه جائز. قال ابن القاسم: فإذا أعتقه لم يرد العتق؛ لأن الموهوب لم يقبضه حتى فات، فكل من تصدق بعبد أو وهبه ثم أعتقه الذي تصدق به أو وهبه قبل أن يقبض المتصدق عليه أو الموهوب له فالعتق جائز ولا يرد كان المتصدق عليه أو الموهوب له علم بالصدقة أو بالهبة أو لم يعلم به فهو سواء.

في الرجل يهب العبد لرجل فيقتل العبد لمن قيمته
في الرجل يهب العبد للرجل فيقتل العبد لمن قيمته
قلت: أرأيت إن وهبت عبدي لرجل فقتله رجل قبل أن يقبضه الموهوب له، لمن قيمة العبد؟ قال: للموهوب له. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي وإنما أبطل مالك الصدقة والهبة والحبس إذا مات الذي تصدق بها أو وهبها أو حبسها قبل أن يقبضها الذي جعلت له، وإن مات الذي وهبت له أو تصدق بها عليه فورثته بمنزلته يقومون مقامه، فموت الصدقة بعينها بمنزلة موت المتصدق عليه والهبة والحبس كذلك، فإن كانت إنما قتلت فعقلها للمتصدق عليه والموهوب له، فإن كان وهبها بمالها أو تصدق بها بمالها فماتت الأمة فالمال للمتصدق عليه وإن كان إنما تصدق بها ولم يذكر المال، فالمال للمتصدق بمنزلة البيع إذا باع عبدا وله مال فكذلك الهبة والصدقة.

في الرجل يعتق أمته على أن تنكحه أو غيره
قلت: أرأيت لو أعتق رجل أمته على أن تنكح فلانا، فأبت أن تنكحه، أيكون عليها شيء في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك في رجل أعتق أمته على أن ينكحها فأبت أن تنكحه: إن العتق جائز ولا شيء عليها، فكذلك مسألتك. قال: وقال مالك في رجل قال لرجل: لك ألف درهم على أن تعتق أمتك وتزوجنيها، فأعتقها فأبت الجارية أن تتزوجه. قال: قال مالك: أرى الألف لازمة للرجل لسيد الأمة وللأمة أن لا تنكحه فلا يلزم الأمة شيء والعتق ماض ولسيد الأمة الألف قال: ونزلت بالمدينة.

في عتق الصبي والسكران والمعتوه
قلت: أرأيت الصبي والسكران والمعتوه، أيجوز عتقهم وتدبيرهم في قول مالك أم لا؟ قال: أما السكران فذلك جائز عليه عند مالك إذا كان غير مولى عليه، وأما المعتوه فلا يجوز عتقه إذا كان معتوها مطبقا لا يعقل، وأما الصبي فلا يجوز عتقه وهذا قول مالك. قلت: أرأيت الذي يحلف بعتق عبده إن فعل كذا وكذا فجن ثم فعله؟ قال: لا شيء عليه فإن فعل المجنون ليس بفعل. قلت: أرأيت الصبي إذا قال: إذا احتلمت فكل مملوك لي حر؟ قال: فإذا احتلم لم يلزمه ذلك عند مالك. وقال أشهب مثل جميع ما قال ابن القاسم. قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن شهاب وعطاء بن أبي رباح ومكحول ونافع وغير واحد من التابعين أنهم يجيزون طلاق السكران قال بعضهم: وعتقه.

في عتق المكره
قلت: أرأيت المستكره أيجوز عتقه في قول مالك؟ قال: لا، قلت: ولا يجوز على المستكره شيء من الأشياء في قول مالك لا عتق ولا بيع ولا شراء ولا نكاح ولا وصية ولا غير ذلك؟ قال: قال مالك: لا يجوز على المستكره شيء من الأشياء لا عتق ولا طلاق ولا نكاح ولا بيع ولا شراء، وأما الوصية فلم أسمعها من مالك وهي: لا تجوز وصية المستكره قلت: أرأيت من استكره على الصلح، أكرهه عليه غير سلطان أيجوز عليه أم لا؟ قال: لا يجوز عليه عند مالك، وإكراه السلطان عند مالك وغير السلطان سواء إذا كان مكرها. قلت: وكيف الإكراه عند مالك؟ قال: الضرب والتهديد بالقتل والتهديد بالضرب

في العبد يوكل من يشتريه ويدس إليه مالا فيشتبريه ويعتقه بغير علم السيد ثم يعلم بذلك سيده
في العبد يوكل من يشتريه ويدس إليه مالا فيشتريه ويعتقه بغير علم السيد ثم يعلم بذلك سيده
قلت: أرأيت العبد إذا وكل رجلا أن يشتريه بمال دفعه العبد إلى الرجل فاشتراه؟ قال: يغرم ثمنه ثانية ويلزم البيع ويكون العبد له كذلك. قال لي مالك وسألته عن العبد يدفع إلى الرجل مالا فيقول: اشترني لنفسك، فقال لي: ما أخبرتك. قلت: فإن دفع إليه العبد مالا على أن يشتريه ويعتقه ففعل وأعتقه أيكون ضامنا للثمن في قول مالك؟ قال: قال مالك: يلزمه أداء الثمن ثانية والعتق له. قلت: فإن لم يكن للمشتري مال أيجوز عتقه في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: يرد عتقه ويباع العبد، فإن كان في ثمنه وفاء أعطيه السيد وإن كان فيه فضل عتق من العبد ذلك الفضل وإن قصر عن الذي اشتراه به كان دينا عليه يتبعه به السيد. قلت: أرأيت هذا الذي أعتق، أيرجع على العبد بشيء من الثمن الذي غرمه ثانية؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى على العبد شيئا.

في العبد يشتري نفسه من سيده شراء فاسدا أو الرجل يشتري العبد شراء فاسدا ثم يعتقه
قلت: أرأيت العبد إذا اشترى نفسه اشتراء فاسدا، أتراه رقيقا أم يكون حرا؟ قال: أراه حرا ولا شيء عليه لسيده وليس شراء العبد نفسه بمنزلة شراء غيره إياه، وأرى أن يمضي ولا يرد إلا أن يكون الذي اشترط حراما مما لا يحل أن يعطيه إياه مثل الخمر والخنزير فيكون عليه قيمة رقبته. وقال غيره: يكون حرا ولا شيء عليه، مثل ما لو طلق امرأته على غرر وما لا يحل، فالطلاق جائز وله الغرر وليس له ما لا يحل. قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان هذا في أجنبي، بعت عبدا من أجنبي بمائة دينار وقيمته مائتا دينار على أن أسلفني المشتري خمسين دينارا؟ قال: البيع فاسد ويبلغ به قيمته إذا فات مائتا دينار. قلت أرأيت لو أن مسلما باع عبدا بخمر أو بخنزير فأعتق المشتري العبد أتراه

في الرجل يعتق عبده على مال يرضى العبد به
قلت: أرأيت إن قلت لعبدي: أنت حر الساعة بتلا، وعليك ألف دينار تدفعها إلى أجل كذا وكذا؟ قال مالك: هو حر وذلك عليه على ما أحب العبد أو كره. قال ابن القاسم: ولا يعجبني هذا وأراه حرا الساعة ولا شيء عليه، قال ابن القاسم: وكذلك بلغني عن سعيد بن المسيب. وقال أشهب مثل قول مالك. قلت: أرأيت إن قال لعبده: أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا دينار؟ قال: قال مالك: لا يعتق حتى يدفع إليه ما سمى من الدنانير؛ لأنه قال له سيده: أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا وليس يشبه هذا عند مالك أن يقول: أنت حر وعليك كذا وكذا؛ لأنه إذا قال: أنت حر وعليك كذا وكذا، فهو حر مكانه الساعة، وإنما اختلف الناس في هذا في المال، منهم من قال: يجب عليه المال، ومنهم من قال: لا يجب عليه المال.
قلت: أرأيت إن قال لعبده: أنت حر على أن تدفع إلي عشرة دنانير، فقبل العبد ذلك أيكون حرا الساعة أم لا يكون حرا حتى يدفع الدنانير؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن إذا لم يقل: أنت حر الساعة، ولم يرد أنه حر الساعة على أن يدفع إليه ما سمى من المال إلى ذلك الأجل فلا يكون حرا حتى يدفع المال؛ لأنه لم يبتل عتقه إلا بعد أخذه المال. قلت: فإن حل الأجل ولم يدفع إليه المال أيرده السيد في الرق أم لا؟ قال: ينظر السلطان في ذلك ويتلوم له فإن لم ير له وجه أداء وعجز رده رقيقا قال: وهذا قول مالك قال: وكذلك قال مالك في القطاعة. قلت: وما القطاعة؟ قال: الرجل يقول لعبده: إن جئتني بعشرة دنانير إلى أجل فأنت حر، قاطعه على ذلك فإن جاء بها فهو حر وإن لم يجئ بها نظر في ذلك السلطان بحال ما وصفت لك. قلت: وكذلك المكاتب وإنما محمل هذا ومحمل المكاتب عند مالك واحد؟ قال: نعم. قلت: فإن قال لأمته: إن أديت إلي ألف درهم إلى سنة فأنت حرة أيكون له أن يبيعها؟ قال: لا، قلت: وهذا قول مالك قال: هو قوله. قلت: أرأيت إن قال لها: إن أديت إلي ألف درهم إلى عشر سنين فأنت

حرة، فولدت ولدا في هذا العشر سنين. ثم أدت الألف بعد مضي الأجل أيعتق أولادها معها في قول مالك أم لا؟ قال: نعم، لأن مالكا قال: كل شرط كان في أمة فما ولدت من ولد بعد الشرط أو كانت به حاملا يوم شرط لها فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يحلف بعتق أمة له إن لم يفعل كذا وكذا إلى أجل يسميه فتلد أولادا قبل أن ينقضي الأجل، ثم لم يفعل السيد فحنث هل ترى أن يعتق ولدها؟ قال: نعم، ولدها يعتقون بعتقها ولا يستطيع أن يبيعها ولا يبيع ولدها، فهذا يدلك على مسألتك.
قلت: وكذلك إن لم يكن ضرب لها أجلا ولكن قال: إن أديت إلي ألف درهم فأنت حرة فولدت ولدا بعد ذلك ثم أدت الألف؟ قال: نعم ولدها أيضا بمنزلتها قلت: أرأيت إن قال لها: أنت حرة إن أديت إلي ألف درهم إلى سنة، فمضت السنة ولم تؤد شيئا أيتلوم لها السلطان بعد مضي السنة؟ قال: قال مالك: نعم يتلوم لها السلطان. قلت: أرأيت إن قال لها: إن أديت إلي اليوم ألف درهم فأنت حرة، فمضى اليوم ولم تؤد إليه شيئا أيتلوم لها السلطان؟ قال: نعم، كذلك ينبغي قلت: فإن قال لعبده: إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر، فوضع عنه خمسمائة وأدى إليه العبد خمسمائة أيعتق في قول مالك؟ قال: نعم، قلت وكذلك لو قال: إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر فوضعها عنه؟ قال: هو حر مكانه، مثل المكاتب إذا وضع عنه سيده كتابته.

في الرجل يعتق عبده على مال ويأبى ذلك العبد
قلت: أرأيت إن قال لعبده: أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا، فقال العبد: لا أقبل ذلك، أيكون رقيقا بحاله في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأنه لم يقبل العتق بالمال الذي جعله السيد به حرا، فلا يكون حرا إن لم يقبل ذلك ويدفعه إليه قلت: وسواء إن قال: أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا دينارا إلى أجل كذا وكذا أو لم يسم الأجل لا يكون حرا إذا لم يقبل ذلك العتق العبد في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن مالكا لم يذكر الأجل من غير الأجل، والأجل وغير الأجل في هذا سواء لا يعتق إلا أن يرضى. قلت: أرأيت إن قال لأمة له لا مال له غيرها: إن أديت ألف درهم إلى ورثتي فأنت حرة، أو قال: أدي إلى ورثتي ألف درهم وأنت حرة، فمات والثلث يحملها أو لا يحملها ما حالها في قول مالك؟ قال: إذا حملها الثلث فهي على ما قال لها إذا أدت الألف فهي حرة، ويتلوم

لها السلطان في ذلك على قدر ما يرى يوزعه عليها؛ لأني سمعت مالكا يقول في الرجل يوصي بأن يكاتب عبده ولا يسمي ما يكاتب به. قال مالك: يكاتب على قدر ما يرى من قوته وأدائه وقدر ما يرى أنه أراد به من رفقه من كتابة مثله ويوزع ذلك عليه فمسألتك تشبه هذا. قلت: فإن تلوم ولم تقدر على شيء أتبطل وصيتها أم هي على وصيتها؟ قال: يتلوم لها السلطان على قدر ما يرى، فإن يئس منها كما يئس من المكاتب أبطل وصيتها. قال: وإذا لم يحملها الثلث خير الورثة في أن يمضوا ما قال الميت وفي أن يعتقوا منها ما حمل الثلث الساعة؟ قال: وهذا إذا لم يحملها الثلث من قول مالك.

في الرجل يعتق عبده ثم يجحده فيستخدمه ويستغله
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق عبدا له فيجحد العتق فاستخدمه واستغله أو كانت جارية فوطئها ثم أقر بذلك بعد زمان، أو قامت عليه البينة بذلك ما القول في هذا في قول مالك؟ قال: أما الذي قامت عليه البينة وهو جاحد فليس عليه شيء وهو قول مالك في الذي جحده قال مالك: في رجل اشترى جارية وهو يعلم أنها حرة فوطئها: إنه إن أقر بذلك على نفسه أنه وطئها وهو يعلم بحريتها فعليه الحد فمسألتك مثل هذا إذا أقر وأقام على قوله ذلك لم ينزع منه، فإن الحد يقام عليه والغلة مردودة على العبد وله عليه قيمة خدمته. قال: وسئل مالك عن رجل حلف بعتق عبد له في سفر من الأسفار ومعه قوم عدول على شيء أن لا يفعله، فقدم المدينة بعبده ذلك وتخلف القوم الذين كانوا معه فحنث في عبده، ثم هلك وقد استغل عبده بعد الحنث فكاتبه ورثته بعد موته وهم لا يعلمون بحنث صاحبهم، فأدى نجوما من كتابته ثم قدم الشهود بعد ذلك فأخبروا بالذي كان من فعل الرجل من اليمين وأنه حنث، فرفعوا ذلك إلى القاضي، فسئل مالك عن ذلك عن عتق العبد وعن ما استغله سيده وعن ما أدى إلى ورثته من كتابته. فقال مالك: أما عتقه فأمضيه وأما ما استغله سيده فلا شيء على السيد من ذلك، وأما الكتابة فلا شيء له من ذلك أيضا وعلى ورثة سيده مما أخذوا منه أيضا، وإنما ثبت عتقه اليوم.
قال ابن القاسم: وهذا مما يبين لك ما قلت لك في مسألتك في الذي يطأ جاريته أو يقذف عبده ثم يجرحه ثم تقوم على السيد البينة أنه أعتقه قبل ذلك وهو جاحد: إنه لا شيء عليه إذا كان السيد هو الجارح أو القاذف فلا شيء عليه في الوطء لأحد ولا غير ذلك. سحنون والرواة يخالفونه ويرون الغلة على من أخذها وأنه حر في أحكامه وأنه

يجلد قاذفه ويقاد ممن جرحه سيده كان أو غيره ويقتص منه في الجراحات للأحرار ويجلد حد الحر في الفرية.

في الرجل يتق العبد من الغنيمة قبل أن تقسم الغنائم
في الرجل يعتق العبد من الغنيمة قبل أن تقسم الغنائم
قلت: أرأيت الرجل من أهل العسكر ممن له في الغنيمة نصيب يعتق جارية من الغنيمة، أيجوز عتقه فيها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى عتقه فيها جائزا وذلك أنه بلغني أو سمعت من مالك أنه قال: إذا زنى رجل من أهل الجيش بجارية من الغنيمة أو سرق من الغنيمة جارية بعد أن تحرر أقيم عليه الحد حد الزنا وقطعت يده فهذا يدلك على أن عتقه غير جائز. وقال غيره: لا يحد إن وطئ جارية ويقطع إن سرق ما فوق حقه بثلاثة دراهم؛ لأن حقه في الغنيمة واجب يرثه ورثته إن مات وليس هو كحقه في بيت المال؛ لأنه إنما يجب له إذا أخذه وإن مات لم يورث عنه.

في النصراني والحربي يعتق عبده المسلم ثم يريد أن يسترقه
قلت: أرأيت إن أعتق النصراني عبده بعد أن أسلم العبد، أيلزمه العتق أم لا في قول مالك؟ قال: يلزمه العتق ويحكم عليه به؛ لأن الإسلام حرمة دخلت للعبد بإسلامه، فلا بد من أن يحكم على النصراني بالعتق؛ لأن كل حكم وقع بين نصراني ومسلم حكم بينهما بحكم الإسلام؛ لأن مالكا قال في نصراني دبر عبده ثم أسلم العبد. قال مالك: يؤاجر العبد ولا يباع فالعتق أوكد من التدبير وهذا المدبر الذي يؤاجر إذا مات سيده نصرانيا فإنه يعتق في ثلثه إن حمله الثلث، وإلا فمبلغ الثلث. ويرق منه ما بقي فإن كان ورثته نصارى أجبروا على بيع ما صار لهم من هذا العبد، وإن كان لا ورثة له كان ما رق منه لجميع المسلمين، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت لو أن حربيا دخل إلينا بأمان، فكاتب عبيدا له أو أعتقهم أو دبرهم، ثم أراد أن يبيعهم أيمكن من ذلك؟ قال: أرى ذلك له، وقد قال مالك في النصراني يعتق عبدا له نصرانيا ثم يأبى إنفاذ عتقه ويرده إلى الرق: إنه لا يعرض له فيه. قلت: فما يقول في النصراني إذا أعتق عبده، أيحكم عليه بالعتق أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك في النصرانيين يكون بينهما العبد النصراني فيعتق أحدهما حصته. قال: قال مالك: لا

في النصراني يحلف بحرية عبده ثم يحنث بعد إسلامه
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا أعتق عبده أو دبره في نصرانيته، فحنث بعد إسلامه ثم أراد بيع المدبر واسترقاق الذي أعتق، أيمنع من ذلك وهل يلزم العتق والتدبير وهو نصراني؟ قال: سئل مالك عن النصراني يحلف في حال نصرانيته بعتق عبده أن لا يفعل كذا وكذا، ثم أسلم ثم فعله أيحنث أم لا؟ قال: قال مالك: لا حنث عليه بما حلف عليه في الشرك. قال مالك: وكذلك لو حلف بالصدقة وبالطلاق في حال شركه فلم يحنث إلا بعد إسلامه: إنه لا شيء عليه في يمينه؛ لأن يمينه كانت في حال الشرك باطلا. قال ابن القاسم: فأرى أنه إن حنث في حال نصرانيته ثم أسلم أنه لا يعرض له مثل الذي أخبرتك وما أعتق النصراني أو دبر فأبي أن ينفذه وتمسك به فأراد بيعه فذلك له ولا يحال بينه وبين ذلك ولا يعتق عليه وبيعه جائز، وكذلك قال مالك. قال ابن القاسم: إلا أن يرضى السيد بأن يحكم عليه حكم المسلمين، فإن رضي بذلك حكم عليه بحريته.

في الرجل يخدم الرجل عبده سنين ويجعل عتقه بعد الخدمة ولا يجوزه المخدم حتى يستدين المخدم
في الرجل يخدم الرجل عبده سنين ويجعل عتقه بعد الخدمة ولا يحوزه المخدم حتى يستدين المخدم
قلت: أرأيت إن أخدم عبده رجلا سنين ثم أعتقه وجعل عتقه بعد الخدمة، ثم استدان دينا بعدما أخدمه إلا أن العبد بيد السيد لم يسلمه إلى من جعل له الخدمة ولم يسلمها له؟ قال مالك: يكون الغرماء أولى بالخدمة يؤاجر لهم وليس لهم إلى العتق سبيل. قلت: فإن كان قد بتل الخدمة للذي جعلها له فلا سبيل للغرماء على الخدمة في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: وكذلك لو تصدق بصدقة أو وهب هبة أو أعطى عطية ثم لم يسلمها إلى الذي جعلها له حتى لحقه دين. قال: قال مالك: الغرماء أولى بذلك ما لم يبتله إلا في العتق خاصة فإنه إذا أعتق بعد الخدمة وهو صحيح فبتل الخدمة أو لم

في العبد يعتق وله على سيده دين
قلت: أرأيت إذا أعتق الرجل عبده وله على سيده دين، أيكون للعبد أن يرجع بذلك على سيده في قول مالك؟ قال: نعم، يرجع على سيده؛ لأن مالكا قال يتبع العبد ماله إذا أعتقه سيده، فالدين الذي على السيد للعبد يكون للعبد إذا أعتقه السيد؛ لأن السيد لم ينتزع ذلك من العبد. قلت: فإن قال السيد: اشهدوا أني قد انتزعت الدين الذي للعبد علي، أو قال اشهدوا أني أعتقته على أن ماله لي أيكون المال للسيد ويكون هذا انتزاعا لما في يدي العبد؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هو قوله.
ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا أن يستثنيه السيد" 1 مالك عن ابن شهاب أنه حدثهم قال: مضت السنة إذا أعتق العبد تبعه ماله2. قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عائشة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ويحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبي الزناد ومحمد بن عبد القاري ومكحول بذلك قال يحيى: وعلى ذلك أدركنا الناس. قال ربيعة وأبو الزناد علم سيده بماله أو جهله، قال أبو الزناد وإن كانت للعبد سرية قد ولدت منه علم السيد بذلك أو لم يعلم فإن سرية العبد للعبد وإن ولده أرقاء لسيده. وكيع وقال الحسن وإبراهيم النخعي وعائشة في المملوك يعتق أن ماله للعبد وقالت عائشة والحسن إلا أن يشترطه السيد.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب العتاق باب 11.ابن ماجه في كتاب العتق باب 8.
2 رواه أبو داود في كتاب العتاق حديث 5.

في العبد بين الرجلين أو المعتق بعضه يكون ماله موقوفا على يده
في العبد بين الرجلين أو المعتق بعضه يكون ماله موقوفا في يده
قلت: أرأيت عبدا نصفه رقيق ونصفه حر باع السيد المتمسك بالرق نصيبه منه، أيكون له أن يأخذ من ماله شيئا أم لا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك أيما عبد كان نصفه عبدا ونصفه حرا فأراد سيده الذي له فيه الرق أن يبيع نصيبه منه فإنه يبيعه على حاله ويكون المال موقوفا في يدي العبد ويكون الذي ابتاع العبد في مال العبد بمنزلة سيده الذي باعه، وليس للذي اشتراه ولا للذي باعه أن يأخذ من ماله شيئا، فإن عتق يوما

في عتق العبد الممثل به على سيده
قلت: أرأيت من مثل بعبده أيعتق عليه في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن قطع أنملة من أصبعه أهي مثلة في قول مالك؟ قال: نعم، إذا تعمد ذلك. قلت: أرأيت إن أحرقه بالنار عمدا أو أحرق من جسده أيكون هذا مثلة في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان على وجه العذاب له وإذا كواه بالنار لمرض يكون بالعبد أو يكون أراد بذلك علاج العبد فلا شيء عليه ولا يعتق العبد بهذا. قال: ولقد سمعت مالكا وقال لنا: أرسل إلي السلطان يسألني عن امرأة كوت فرج جاريتها بالنار، فقلت لمالك: فما الذي رأيت: فقال: إن كان ذلك منها على وجه العذاب لها فانتشر وساءت منظرته رأيت أن تعتق عليها. قلت: أرأيت إن لم ينتشر ويقبح منظرته؟ قال: فلا أرى أن تعتق عليها. قلت: أرأيت إن لم يكن متفاحشا؟ قال: فلا عتق فيه كذلك قال مالك.
قلت: أرأيت إن مثل بأم ولده أتعتق عليه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن أم ولده ملك له عتقه فيها جائز إذا مثل بها، فإنها تعتق عليه قلت: أرأيت إن مثل بمكاتبه؟ قال: إذا مثل بمكاتبه فإنه يعتق عليه. قلت: أرأيت إن مثل به، قطع يده عمدا أو جرحه؟ قال: ينظر إلى جرحه أن لو جرحه أجنبي فيكون ذلك على السيد، فإن كان قيمة الجرح والكتابة سواء أعتق العبد، وإن كان قيمة الجرح أكثر من الكتابة كان على السيد الفضل، وإن كان أقل من الكتابة عتق العبد ولم يكن للسيد عليه سبيل؛ لأنه لو فعل ذلك بعبد له غير مكاتب عتق عليه. قلت: أرأيت إن مثل بعبد عبده أيعتق عليه في قول مالك؟ قال: لم أسمع فيه من مالك شيئا وأرى أن يعتق عليه. قلت: وعبيد أم ولده إذا مثل بهم؟ قال: أرى يعتقون عليه ولم أسمعه من مالك. قلت: فعبيد مكاتبه إذا مثل بهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن يكون عليه ما نقصهم ولا يعتقون عليه لأن عبيد مكاتبه لا يقدر على أخذهم إلا أن تكون مثلة فاسدة فيضمنهم ويعتقون عليه. قلت: أرأيت إن مثل بعبيد لابنه صغير، أيعتقون عليه في قول مالك؟ قال: قال مالك:

إذا أعتق الرجل عبيد أولاده الصغار وهو مليء جاز العتق فيهم وضمن القيمة لولده فأراه إذا مثل بهم عتقوا عليه وكانت القيمة لولده مثل ما قال مالك إن كان مليا.
قلت: أرأيت إن جز رءوس عبيده ولحاهم أتراه مثلة يعتقون عليه بها في قول مالك؟ قال: لا أرى ذلك مثلة يعتقون بها. قلت: أرأيت إن قلع أسنان عبيده أتراه مثلة؟ قال: أخبرنا مالك أن زياد بن عبيد الله إذ كان عاملا على المدينة، أرسل إليهم يستشيرهم في امرأة سحلت أسنان جارية لها بالمبرد حتى ذهبت أسنانها. قال مالك: فما اختلف عليه أحد منا يومئذ أنها تعتق عليها، فأعتقها يريد مالك نفسه وغيره من أهل العلم، قال ومعنى سحلت أسنانها بردت فمسألتك مثل هذا أرى أن يعتقوا إذا كان على وجه العذاب. قلت: أرأيت ما يصيب به المرء عبده يضربه على وجه الأدب فيفقأ عينه أو يكسر يده أو ما أشبه هذا من القطع والشلل؟ قال: قال مالك: لا أرى أن يعتق بهذا ولا يعتق إلا بما فعله به عمدا.
قلت: أرأيت إن خصاه أيعتق عليه في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن مثل بعبد امرأته أو بخادمها؟ قال: يعاقب ويضمن ما نقص ولا يعتق عليه إلا أن تكون مثلة فاسدة فيضمنهم ويعتقون عليه. ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "كان لزنباع عبد يسمى سندرا أو ابن سندر فوجده يقبل جارية له فأخذه فجبه وجدع أذنيه وأنفه فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى زنباع فقال: "لا تحملوهم ما لا يطيقون وأطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون وما كرهتم فبيعوا وما رضيتم فأمسكوا ولا تعذبوا خلق الله" 1 ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مثل بعبده أو أحرق بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله" 2 فأعتقه رسول الله عليه السلام قال: يا رسول الله أوصي به فقال: "أوص بك كل مسلم". مالك بن أنس قال: بلغني أن عمر بن الخطاب أتته وليدة قد ضربها سيدها بالنار وأصابها به فأعتقها ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار مثل ذلك قال: وضرب عمر سيدها وأخبرني ابن وهب عن ابن أبي مليكة وابن الزبير أن سيدها أحمى لها رضفا فأقعدها عليه فاحترق فرجها، فقال عمر: ويحك ما وجدت عقوبة إلا أن تعذبها بعذاب الله، قال: فأعتقها وجلده. ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن شهاب ويحيى وربيعة أن العبد يعتق في المثلة المشهورة. قال ابن شهاب والمثلة كثيرة وقال ربيعة يقطع حاجبيه وينزع أسنانه هذا وما أشبهه. قال يحيى: كل ما كان مثلا في الإسلام عظيم يعاقب من فعل ذلك ويعتق عليه العبد. قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب: إن زنباعا كان يومئذ كافرا.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب العتق باب 15.مسلم في كتاب الزهد حديث 74. ابن ماجه في كتاب الأدب باب 1. أحمد في مسنده"4/36"،"5/168، 173".
2 رواه أبو داود في كتاب الديات باب 7. ابن ماجه في كتاب الديات باب 29.

في الرجل يؤجر عبده سنة ثم يعتقه قبل السنة
في الرجل يؤاجر عبده سنة ثم يعتقه قبل السنة
قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل يؤاجر عبده سنة ثم يعتقه قال مالك: لا عتق له حتى تتم السنة وإن مات السيد قبل السنة فهو حر من رأس المال إذا مضت السنة. قال مالك: ولا تنتقض الإجارة لموت السيد. قال سحنون فكذلك المخدم إلى سنة أو أكثر يعتقه سيده مثل ما وصفنا من أمر المستأجر إلا أن يترك المخدم المستأجر ما له فيه فيعتق كذلك قال مالك.

في الرجل يدعي الصبي الصغير في يديه أنا عبد وينكر الصبي ويدعي الحرية
في الرجل يدعي الصبي الصغير في يديه أنه عبد وينكر الصبي ويدعي الحرية
قلت: أرأيت لو أن صبيا صغيرا في يد رجل قال: هذا عبدي، فلما بلغ الصغير قال: أنا حر وما أنا لك بعبد؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا أو أراه عبدا ولا يقبل قوله إذا كانت خدمته له معروفة وحيازته إياه. قلت: أرأيت إن كان الصبي يعرب عن نفسه، فقال له سيده: أنت عبدي، وقال الصبي: أنا حر؟ فقال: هو مثل ما وصفت لك، إن كان قبل ذلك في يديه يختدمه وهو في حيازته لم ينفع الصبي قوله: أنا حر، وهو عبد له وهو رأيي، وإن كان إنما هو متعلق به لا يعلم منه قبل ذلك خدمة له ولا حوز إياه فالقول قول الصبي.
قلت: أرأيت إن قال رجل لعبد في يديه: أنت عبد لي، وقال العبد: بل أنا لفلان؟ قال: هو لمن هو في يديه ولا يصدق العبد في أن يصير نفسه لغير الذي هو في يديه. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: سمعت مالكا يسأل عن جارية كان معها ثوب فقال سيدها: الثوب هو لي، وقال رجل من الناس: بل الثوب ثوبي وأنا دفعته إليها تبيعه، وأقرت الجارية أن الثوب للأجنبي دفعه إليها تبيعه، قال مالك: الثوب ثوب السيد؛ لأن الجارية جاريته، إلا أن تكون للأجنبي بينة عما ادعى ولا تصدق الجارية في إقرارها هذا، فكذلك مسألتك إذا لم يجز لها إقرارها في مالها الذي في يديها، إذا أقرت به للأجنبي فكذلك رقبتها لا يجوز إقرارها برقبتها لغير سيدها إذا كانت في يديه.

في الرجل يدعي العبد في يدي غيره أنه عبده
قلت: أرأيت إن ادعيت أن هذا الرجل عبدي فأردت أن أستحلفه أيكون ذلك لي؟

في اللقيط يقر بالعبدية أو الرجل يدعي اللقيط عبدا له
قلت: أرأيت اللقيط إذا بلغ رجلا فأقر بالعبدية لرجل أتجعله عبدا له؟ قال: لا يكون عبدا له؛ لأن مالكا قال: اللقيط حر. قلت: أرأيت إن التقطت لقيطا فادعيت أنه عبدي؟ قال: لا يقبل قولك، لأن مالكا قال اللقيط حر، فإذا علم أنه التقطه فادعى به أنه عبد لم يصدق إلا ببينة وهو حر. ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كان يقول في الذي يلتقط من الصبيان أنه كتب فيه أنه حر وأن ينفق عليه من بيت المال. القاسم بن عبد الله عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه قال: المنبوذ حر.

في العبد يدعي أن سيده أعتقه
قلت: أرأيت إن ادعى العبد أن مولاه أعتقه أتحلفه له؟ قال: قال مالك: لا، إلا أن يأتي العبد بشاهد قال: ولو جاز هذا للعبيد والنساء لم يشأ عبد ولا امرأة إلا أوقفت

في إقرار بعض الورثة أن الميت أعتق عبدا وينكر بقية الورثة
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك ورثة نساء ورجالا، فشهد واحد من الورثة أو أقر أن أباه أعتق هذا العبد وجحد ذلك بقية الورثة؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادته ولا إقراره. قلت: ويكون حظه من العبد رقيقا له في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن أقر هو وآخر من الورثة بأن الميت قد أعتق هذا العبد؟ قال: قال مالك: ينظر إلى العبد الذي شهدوا له فإن كان العبد ممن لا يرغب في ولائه وليس لولائه خطب، جازت شهادتهما على جميع الورثة رجالا كانوا أو نساء ورجالا، وإن كان لولائه خطب، قال مالك: لم تجز شهادتهم وإن كان في الورثة نساء؛ لأنهم يتهمون على جر الولاء، فإن لم يكن في الورثة نساء وكانوا كلهم رجالا ممن يثبت لهم ولاء هذا العبد جازت شهادتهما على عتقه على جميع الورثة إذا كانوا بحال ما وصفت لك.
قلت: أرأيت لو أن أخوين ورثا عن أبيهما عبدا ومالا فأقر أحدهما أن أباه أعتق هذا العبد في صحته أو في مرضه والثلث يحمل العبد؟ قال مالك: العبد رقيق، كله يباع ولا يعتق على واحد منهما، فإذا باعاه جعل هذا الذي أقر بأن والده أعتقه نصيبه من ثمن العبد في رقبة. قلت: فإن قال الذي أقر بما أقر به: أما إذا لم يلزمني هذا الذي أقررت به فإني لا أبيع نصيبي منه، وقال الآخر الذي لم يقر بشيء: لا أبيع نصيبي منه؟ قال مالك: يستحب للذي أقر أن يبيع نصيبه من العبد فيجعل ذلك في رقبة إن بلغ ما يكون رقبة أو رقا فيعتقهم عن أبيه الميت ويكون ولاؤهم لأبيه ولا يكون ولاؤهم له.
قال ابن القاسم: وليس يقضي بذلك عليه، قلت: فإن لم يبلغ رقبة؟ قال: قال مالك: يشارك به في رقبة ولا يأكله يشتريها هو وآخر، قلت: فإن لم يجد، أيجعلها في المكاتبين في قول مالك؟ قال: قال مالك: يعتق بها في رقاب فيتم بها عتاقهم. قلت: وكذلك هذا في جميع الورثة، زوجة كانت المقرة بالعتق، أو أختا أو والدة فإنه لا يجوز إقرارهم بالعتق وحالها في إقرارها كحال الأخ الذي وصفت لك في قول مالك؟ قال:

نعم. قلت: أرأيت إن هلك رجل وترك عبيدا كبارا وترك ابنين، فأقر أحدهما أن والده أعتق هذا العبد لبعض أولئك العبيد، وقال الابن الآخر: بل أعتق هذا العبد أبي لعبد آخر، والثلث يحملهما أو لا يحملهما؟ قال: يقسم الرقيق عليهما، فأيهما صار العبد الذي أقر بعتقه في حظه عتق عليه ما حمل الثلث منه، وإن لم يصر العبد الذي أقر بعتقه في حظه وصار في حظ صاحبه فإنه يخرج مقدار نصف ذلك العبد إذا كان ثلث الميت يحمله فيجعله في رقبة أو في نصف رقبة. قال: فإن لم يجد أعان به في آخر كتابة مكاتب بحال ما وصفت لك. قلت: أليس قد قلت: يباع إذا أقر أحدهما بعتقه في قول مالك فكيف ذكر القسمة ههنا؟ قال: إنما يباع إذا كان لا ينقسم فأما إذا كان مما ينقسم فإنه يقسم بحال ما وصفت لك، والذي قال لي مالك إنما هو في العبد الواحد؛ لأنه لا ينقسم. قلت: أرأيت العبد إن شهد له بالعتق واحد من الورثة، أيعتق أم لا، وهل يعتق نصيب الوارث منه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحلف هذا العبد مع هذا الوارث ولا يعتق منه نصيب هذا الوارث ولا نصيب غيره، ولكن الوارث يؤمر أن يصرف ما صار له من مورثه من ثمن رقبة العبد في رقبة إن بلغت وإن لم تبلغ جعلها في نصف رقبة أو ثلث رقبة، فإن لم يجد نصفا أو ثلثا من رقبة فيما صار إليه من حقه في رقبة العبد، أعان نصيبه منه في رقبة مكاتب في آخر الكتابة الذي به يعتق المكاتب. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن لم يبيعوا العبد، وقالت الورثة: لا نبيع ولكنا نقسم والعبيد كثير يحملون القسمة؟ قال: ذلك لهم عند مالك. قلت: فإن اقتسموا العبيد وأسهموا، فخرج العبد الذي أقر الوارث أن أباه أعتقه في سهمه، أيعتق جميعه في سهمه أو يعتق منه مقدار حصته منه قبل القسمة؟ قال: قال مالك: يعتق جميعه. قلت: بقضاء؟ قال: نعم، ومما يدلك على هذا ألا ترى لو أن رجلا شهد على عبد رجل أنه حر وأن سيده أعتقه، فردت شهادته فاشتراه من سيده أنه يعتق عليه إذا اشتراه أو ورثه. ابن وهب عن عبد الجبار وابن عمر عن ربيعة أنه قال في رجل شهد أن أباه أعتق فلانا رأسا من رقيقه، قال: إن كان معه رجل آخر يشهد على ذلك جاز ذلك على الورثة وإن لم يكن معه غيره سقطت شهادته عنه وعن أهل الميراث وأعطي حقه وهو قول كبار أصحاب مالك. قال سحنون هو قول مالك إلا أنه أحيانا يقول: إن كان ممن يرغب في ولائه ولا يرغب.

في الرجل يقر أنه أعتق عبده على مال ويدعي العبد أنه أعتقه على غير مال
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: قد أعتقت عبدي أمس فبتت عتقه على مائة دينار

جعلتها عليه، وقال العبد: بل بتت عتقي على غير مال؟ قال: القول قول العبد عندي ولم أسمعه من مالك. قلت: أفيحلف العبد للسيد؟ قال: نعم، ألا ترى أنه تحلف الزوجة للزوج. وقال أشهب: القول قول السيد ويحلف ألا ترى أنه يقول لعبده: أنت حر وعليك مائة دينار فيعتق وتكون المائة عليه وليس هو مثل الزوجة يقول لها: أنت طالق وعليك مائة درهم فهي طالق ولا شيء عليها.

في الرجل يقر في مرضه بعتق عبده
قلت: أرأيت إن أقر في مرضه؟ فقال: قد كنت أعتقت عبدي في مرضي هذا أيجوز هذا في ثلثه؟ قال: كل ما أقر به أنه فعله في مرضه فهو وصية، وما أقر به في الصحة فهو خلاف لما أقر به في مرضه. قال: فإن قام الذي أقر له هو صحيح، أخذ ذلك منه وإن لم يقم حتى يمرض أو يموت فلا شيء لهم، وإن كانت لهم بينة إلا العتق والكفالة فإنه إن أقر به في الصحة فقامت على ذلك بينة عتق في رأس ماله، وإن كانت الشهادة إنما هي بعد الموت أخذت الكفالة من ماله وارثا كان أو غير وارث؛ لأنه دين قد ثبت في ماله في صحته. قلت: أرأيت العبد يكون بين الرجلين فيشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه منه وصاحبه ينكر ذلك؟ قال: أرى إن كان الذي شهد عليه موسرا لم أر أن يسترق نصيبه ورأيت أن يعتقه؛ لأنه جحده قيمة نصيبه منه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقوم عليه وإن كان الذي شهد عليه معسرا لم أر أن يعتق عليه من نصيبه شيئا؛ لأنه لا قيمة عليه، فلذلك تمسك بنصيبه وكان رقيقا، وانظر إذا كان الشاهد موسرا أو معسرا فشهد على موسر فنصيبه حر وإذا كان المشهود عليه معسرا والشاهد معسر أو موسر لم يعتق على الشاهد من نصيبه شيء". قال: وهذا أحسن ما سمعت قال سحنون وقد قال هو وغيره: لا تجوز الشهادة إذا كان المشهود عليه موسرا أو معسرا، وهو أجود قوله وعليه جميع الرواة.

في الرجلين يشهدان على الرجل بعتق عبده فترد شهادتهما عنه ثم يشتريه أحدهما
قلت: أرأيت الشاهدين إذا شهدا على رجل بعتق عبده فأعتقه السلطان عليه ثم رجعا عن شهادتهما؟ قال: قال مالك: العتق ماض ولا يرد العبد في الرق لرجوعهما عن شهادتهما ولم أسمع من مالك في قيمة العبد هل يضمنها هذان الشاهدان وأما أنا فأرى أن يضمنا للسيد قيمة العبد وكذلك يقول غيره من الرواة.

في الرجلين يشهدان على الردل بعتق عبده فترد شهادتهما عنه ثم يشتريه أحدهما
في الرجلين يشهدان على الرجل بعتق عبده فترد شهادتهما عنه ثم يشتريه أحدهما
قال: وقال مالك: إذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده، فرد القاضي شهادتهما عنه ثم اشتراه أحدهما بعد ذلك أنه يعتق عليه حين اشتراه، وقال أشهب إن أقام على الإقرار بعد الشراء؛ لأن قوله يومئذ لم يلزمه منه شيء وإن جحد، وقال: كنت قلت باطلا وأردت إخراجه من يديه لم يكن عليه شيء.

في الرجل الواحد يشهد للعبد أن سيده أعتقه
قال: وقال مالك: إذا شهد الرجل لعبد أن سيده أعتقه أو لامرأة أن زوجها طلقها حلف الزوج والسيد إن شاءا أو أبيا فإن لم يحلفا سجنا حتى يحلفا، وقد كان مالك يقول في أول قوله: إن أبيا أن يحلفا طلق عليه وأعتق عليه، ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف، وقوله الآخر أحب إلي فأنا أرى إن طال سجنه أن يخلى سبيله ويدين ولا يعتق عليه ولا يطلق. قلت: أرأيت عبدا ادعى أن مولاه أعتقه، وأنكر المولى ذلك، أيكون للعبد على مولاه يمين أم لا في قول مالك؟ قال: لا يمين عليه. قلت: فإن أقام شاهدا واحدا أو أقام امرأتين فشهدتا على العتق، أيحلف العبد مع الرجل أم مع المرأتين في قول مالك؟ قال: لا يحلف العبد ولكن يحلف السيد. قلت: فإن أبى أن يحلف السيد؟ قال: كان مالك مرة يقول: إن أبى أن يحلف أعتق عليه، ثم رجع عن ذلك فقال: يسجن السيد حتى يحلف. قلت: وتوقفه عن عبده وعن أمته إذا أقام شاهدا واحدا أو امرأتين وتحبسه حتى يحلف في قول مالك؟ قال: نعم، وإنما قال لي مالك هذا في الطلاق والعتق مثله. وقال مالك: وإنما تجوز شهادة النساء في هذا إذا كانت المرأتان ممن تجوز شهادتهما للمرأة على الزوج، فقلت: وما معنى قول مالك هذا؟ قال: لا تكون أم المرأة وابنتها ونحوهما ممن لا تجوز شهادتهما لها وكذلك هذا في العتق. قلت: أرأيت إن شهدت أختها وأجنبية؟ قال: لا أرى أن يجوز. قلت: وكذلك العمة والخالة؟ قال: نعم، لا يجوز؛ لأن هذا ليس بمنزلة الحقوق وهذا طلاق. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: إنما قال لنا مالك جملة مثل ما أخبرتك. قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك فادعى عبده أن مولاه أعتقه فأقام شاهدا واحدا أيحلف مع شاهده أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحلف مع شاهده ويكون رقيقا ويحلف الورثة إن كانوا كبارا إنهم لا يعلمون أنه أعتقه.

في الأمة يشهد لها زوجها ورجل أجنبي بالعتق
قلت: أرأيت لو أن أمة شهد لها بالعتق زوجها ورجل أجنبي؟ قال: قال مالك: لا تجوز شهادة الزوج لامرأته ولا المرأة لزوجها. قال: فلو شهد زوج لامرأته ورجل أن سيدها أعتقها كان أحرى أن لا تقبل شهادته.

في اختلاف الشهادة في العتق
قلت: أرأيت إن شهد شاهدان على عبد ورثته من أبي، شهد أحدهما أن أبي كان دبره وشهد آخر أن أبي كان أعتقه صحيحا بتلا، أتجوز شهادتهما في قول مالك؟ قال: أرى أنهما قد اختلفا ولا تجوز في رأيي. وقال غيره؛ لأن أحدهما شهد أنه من رأس المال وقال الآخر: من الثلث، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وإن شهد شاهد على رجل أنه أعتق عبده بتلا وشهد آخر أنه أعتق ذلك العبد عن دبر، فهما لم يجتمعا في ثلث ولا غير حلف مع كل واحد منهما وأبطل شهادتهما، فإن أبى أن يحلف سجن، وإن قال أحدهما: إلى سنة، وقال الآخر: بتل عتقه فقد اجتمعا على العتق واختلفا في الأجل، حلف على شهادة المبتل، فإن حلف كان حرا إلى سنة وإن أقر عجل العتق وإن أبى أن يحلف حبس فخذ هذا على مثل هذا.
قلت: أرأيت إن شهد شهود على مرزوق أنه عبد لهذا الرجل، وأن هذا الرجل أعتقه وشهد غيرهم أنه عبد فلان لرجل آخر ولم يشهدوا على عتق؟ قال: إذا تكافأت البينتان في العدالة فهو حر؛ لأن الحرية قبض وحوز ولا ترد حريته إلا أن يأتي الذي أقام البينة على العبودية بأمر هو أثبت من بينة الذين شهدوا على الحرية. وقال غيره: إذا كان العبد ليس في يد واحد منهما قلت: أرأيت إن شهد رجل لرجل أن فلانا هذا الميت عبده وأنه كاتبه وشهد له شاهد آخر أنه عبده وأنه أعتقه؟ قال: أرى شهادتهما جائزة على إثبات الرق؛ لأنهما اجتمعا عليه وما اختلفا فيه من الكتابة والعتق فذلك لا تجوز شهادتهما فيه.
قلت: أرأيت إن شهد رجلان على أمة في يدي أنها أمة فلان وفلان هذا يدعيها، وشهد أنه أعتقها أو دبرها أو كاتبها أو أعتقها إلى أجل من الآجال وأقمت أنا البينة أنها أمتي وتكافأت البينتان في العدالة لمن يقضي بها؟ قال: أما الشهادة على إثبات العتق، فإني أجعلها حرة ولا أجعلها للذي هي في يديه؛ لأنهم قد شهدوا على هذه الجارية التي في يدي هذا الرجل أنها حرة، وأما في الكتابة والتدبير فإني لا أقبل شهادتهم وأجعلها للذي

هي في يديه؛ لأن مالكا قال: إذا تكافأت البينتان فهي للذي في يديه.
قال سحنون وغيره من الرواة: هي للذي هي في يديه ولا ينظر إلى قول من قال إن البينة على من ادعى ممن ليس هي في حوزه، وليست البينة على من هي في يديه، فإن ذلك ليس بمعتدل؛ لأنه لا بد لمن جاء ببينة ينتزع بها ما بيدي من أن أكون له مانعا لما عندي وأن لا يضرني حوزي وأن لا تكون حجة لغيري علي ولا منع ولا دفع يكون بأقوى من بينة مع حوز. وقال: إنما ادعى الذي أعتق أو كاتب ما هو له ملك وإنما يكون العتق بعد ثبات الملك، فالملك لمن يثبت له فكيف يحقق له العتق مالك ولم يثبت له لو قال أحدهما وهو المدعي: ولدت عندي، وأقام بينة وأقام المدعى عليه بينة أنها ولدت عنده، واعتدلت البينة، إما كانت تكون في يدي الذي هي في يديه وتسقط بينة المدعي؛ لأن بينته كانت لم تثبت له ملكا والعتق لا يكون إلا لمالك، فلو قالت بينة المدعي ولدت عنده وأعتق أكان العتق يوجب له ما لم يملك، أرأيت لو شهدوا أنها للذي هي في يديه يملكها منذ سنة وتشهد بينة المدعي أنها له يملكها منذ عشرة أشهر وأنه أعتقها، أكان العتق يخرجها ولم يتم له ملكها؟
تم كتاب العتق الثاني من المدونة الكبرى ويليه كتاب المكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وسلم
كتاب المكاتبفي المكاتب وفي قول الله {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]
قال سحنون: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت قول الله عز وجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قال: سمعت مالكا يقول: سمعت من غير واحد من أهل العلم يقول: إنه يوضع عنه من آخر كتابته. وقد ذكر ابن وهب وابن القاسم وعلي بن زياد وأشهب عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى في كتابه {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} إن ذلك أن يكاتب الرجل عبدا ثم يضع عنه من آخر كتابته تلك شيئا مسمى، قال: وذلك أحسن ما سمعت، وعليه أهل العلم وعمل الناس عندنا1.
قال مالك: وقد بلغني أن عبد الله بن عمر كاتب غلاما له بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم وضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم1.
قال ابن وهب: وأخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن نافع أنه قال: كاتب عبد الله بن عمر غلاما يقال له شرف، على خمسة وثلاثين ألف درهم، فوضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم، ولم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع عنه.
سحنون عن ابن وهب، عن الحارث بن نبهان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب أنه قال: ربع الكتابة ( ابن وهب )، وبلغني عن إبراهيم النخعي قال: هو شيء حث الناس عليه المولى وغيره.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب المكاتب حديث 3.

الكتابة بما لا يجوز البيع به من الغرر وغيره
قلت: أرأيت إن كاتبت عبدي على شيء من الغرر وما لا يجوز في البيوع أتجوز الكتابة أم لا؟ قال: سألت مالكا أو سئل وأنا عنده عن الرجل يكاتب عبده على وصفاء حمران أو سودان ولا يصفهم قال مالك: يعطي وسطا من وصفاء الحمران ووسطا من وصفاء السودان مثل النكاح، فعلى هذا فقس جميع ما سألت عنه.
قلت: أرأيت إن كاتب عبده على قيمته أيجوز أم لا؟ قال: قال مالك في المكاتب يكاتب على وصيف أو وصيفين ولم يصفهم: إنه جائز، ويكون عليه وسط من ذلك. قال مالك: وإذا أوصى بأن يكاتب ولم يسم ما يكاتب به فإنه يكاتب على قدر ما يعلم الناس من قوته على الأداء، فكذلك مسألتك على هذا إذا كاتبه على قيمته كان ذلك جائزا وكانت عليه قيمة وسط من ذلك.
قلت: أرأيت إن قال: أكاتبك على عبد فلان أو قال: أتزوجك على عبد فلان، قال: أما المكاتب فإنه جائز عندي ولا يشبه النكاح؛ لأن عبده يجوز له فيما بينه وبينه من الغرر غير شيء واحد مما لا يجوز له فيما بينه وبين غيره ولا يشبه البيوع.
قلت: أرأيت إن كاتبه على لؤلؤ ليس بموصوف، قال: لا يجوز ذلك؛ لأن اللؤلؤ لا يحاط بصفته.
قلت: أرأيت إن كاتب عبده على وصيف موصوف فقبضه منه فعتق المكاتب ثم أصاب السيد بالوصيف عيبا قال: يرده ويأخذ وصيفا مثل صفته التي كانت عليه إن قدر على ذلك، وإلا كان دينا يتبعه به ولا يرد العتق؛ لأن مالكا قال: في الرجل يتزوج المرأة على وصيف موصوف فقبضته، فأصابت به عيبا أن لها أن ترده وتأخذ وصيفا غيره على الصفة التي كانت لها، فكذلك الكتابة.
قال: وسألت مالكا عن الرجل يكاتب عبده على طعام ثم يصالحه السيد على دراهم يتعجلها منه قبل محل أجل الكتابة فقال: لا بأس به بين العبد وسيده، وشككت في أن يكون قال لي: ولا خير فيه من غير العبد.
قال: وهو رأيي أنه لا خير فيه من غير العبد، ومما يبين ذلك أن مالكا قال: ما كان لك على مكاتبك من كتابة من ذهب أو ورق أو عرض من العروض، فلا بأس بأن تبيعه من المكاتب بعرض مخالف للذي لك عليه، أو من صنف الذي لك عليه يعجل ذلك أو يؤخره، ولم ير ذلك من الدين بالدين.

قال ابن القاسم: وإن باعه من أجنبي لم يحل إلا أن يتعجله ويدخله ههنا الدين بالدين، فإذا كان ههنا للأجنبي بيع الدين بالدين فهو في الطعام أيضا إذا باعه من أجنبي
في مسألتك بيع الطعام قبل أن يستوفي
جرير بن حازم عن أيوب السختياني يحدث عن نافع: أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كاتبت عبدا لها على رقيق. قال نافع: فأدركت أنا ثلاثة من الذين أدوا في كتابتهم.
ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شهاب قال: أدركنا ناسا من صلحاء قريش يكاتبون العبد بالعبدين.
قال يزيد بن أبي حبيب: هذه سنة.
ابن وهب، عن مسلمة بن علي، عن الأوزاعي حدثهم عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال في رجل كاتب عبده على ثلاثة وصفاء: إنه لا بأس بذلك. قال الأوزاعي: وقال ابن شهاب مثله.
ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن عمران أنه سأل القاسم وسالما عن رجل كاتب عبدا له بخمسة وصفاء فقضى بعضهم وبقي عليه بعضهم فتوفي وله ولد، قالا: إن ترك مالا قضوا عنه وهم أحرار.

في المكاتب يشترط على سيده أنك إن عجزت عن نجم من نجومك فأنت رقيق
قال: وقال لي مالك: في الرجل يشترط على مكاتبه: إن عجزت عن نجم من نجومك فأنت رقيق؟.
قال: قال مالك: إن عجز عنه فلا يكون عاجزا إلا عند السلطان، والشرط في ذلك باطل. قال: وقال مالك أيضا: في المكاتب يكاتبه سيده على أنه إن جاء بنجومه إلى أجل سماه وإلا فلا كتابة له. قال: ليس محو كتابة العبد بيد السيد بما شرط، ويتلوم للمكاتب وإن حل الأجل، فإن أعطاه كان على كتابته.
قال مالك: والقطاعة مثله يتلوم له أيضا وإن مضى الأجل، فإن جاء به أيضا عتق. قلت: ما معنى قوله: يتلوم له أليس ذلك يجعل قريبا من الأجل؟ قال: ذلك على قدر اجتهاد السلطان، فمن العبيد من يرجى له إذا تلوم له، ومنهم من لا يرجى له، فهذا كله يقوي بعضه بعضا.

ابن وهب عن ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن بكير بن الأشج أن عمار بن عيسى الدؤلي حدثه: أنه حضر عمر بن عبد العزيز وأتاه رجل بمكاتب له قد أخنى ببعض شروطه التي اشترطت عليه فقال: خذه فهو عبدك، لعمري ما يشترط الناس إلا لتنفعهم شروطهم.
ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أنه قال: سيد المكاتب أحق بشروطه عليه فيما اشترط عليه من رد كتابته وما أخذ منه فهو له طيب إن المكاتب لم يوف له بشروطه، وخالف إلى شيء مما نهي عنه وعقد عليه قال: والمكاتب عندي عبد ما بقي عليه من كتابته شيء.
ابن وهب، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله، إني أسمع منك أحاديث أفتأذن لي فأكتبها، قال: "نعم"، فكان أول ما كتب به النبي عليه الصلاة والسلام كتب كتابا إلى أهل مكة لا يجوز شرطان في بيع واحد، ولا بيع ولا سلف جميعا، ولا بيع ما لم يضمن، ومن كاتب مكاتبا على مائة درهم فقضاها كلها إلا عشرة دراهم فهو عبد أو على مائة أوقية فقضاها كلها إلا أوقية واحدة فهو عبد1.
ابن وهب، عن مالك، عن عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد الليثي: أن نافعا أخبرهم أن عبد الله بن عمر كان يقول: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء إلا أن عبد الله بن عمر قال في الحديث: ما بقي عليه درهم2.
ابن وهب، عن رجال من أهل العلم منهم مالك، عن زيد بن ثابت مثله.
ابن لهب، عن ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج، عن ابن المسيب وسليمان بن يسار مثله.
سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب مثله.
ابن وهب، عن جرير بن حازم أن عمر بن عبد العزيز كتب بذلك وقال: لمولاه شرطه.
ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عروة وسليمان مثله.
ابن وهب، عن عمر بن قيس، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: إن كان
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب العتاق باب 1. الترمذي في كتاب البيوع باب 35.
2 رواه في الموطأ في كتاب المكاتب حديث"1" إلا أنه ليس فيه أن عبد الله بن عمر قال في الحديث ما بقي عليه درهم. وروه أبو داود في كتاب العتق باب 1. ابن ماجه في كتاب العتق باب 3.

أمهات المؤمنين ليكون لبعضهن المكاتب فتكشف له الحجاب ما بقي عليه درهم، فإذا قضاه أرخينه دونه.
ابن وهب، عن غير واحد، عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وجابر بن عبد الله أنهم كانوا يقولوا: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم.
ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أنه قال: المكاتب بمنزلة العبد إن أصاب حدا من حدود الله، وشهادته شهادة العبد، ولا يرث المكاتب ولد حر ولا غيره من ذوي رحمه، وسيده أولى بميراثه، ولا يجوز للمكاتب وصية في ثلثه.
ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب أنه قال في المكاتب: يعجز وقد بقي عليه من كتابته شيء يسير قال ابن شهاب: نرى أن يترفق به وييسر عليه حتى يعذر في شأنه، فإن ضعف فلا يؤدي شيئا، ولا نراه إلا عبدا إذا لم يؤد الذي عليه من كتابته، فإن المؤمنين عند شروطهم قال يونس: وقد قال ربيعة: من كاتب عبده على كتابة فلا يعتق إلا بأدائها، وذلك لأنه عبده واشترط عليه أنه إن أدى إليه كذا وكذا فهو حر، وإن عجز فهو على منزلته من الرق التي كان بها، وذلك لأن الذي قبض منه سيده كان لسيده مالا إذا عجز، وإن ما بقي مال له إذا لم يعتق العبد بما شرط من أداء المال كله.
ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن المكاتب يعجز أيرد عبدا؟ فقال: لسيده الشرط الذي اشترط عليه.
ابن وهب، عن سفيان بن عيينة، عن شبيب بن غرقدة قال: شهدت شريحا رد مكاتبا في الرق عجز.
ابن وهب، عن الحارث بن نبهان، عن محمد بن عبيد الله بن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب أن رجلا كاتب غلاما له صائغا على عشرين ألف درهم وغلام يعمل مثل عمله فأدى العشرين الألف ولم يجد غلاما يعمل مثل عمله فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فقال الغلام: لا أجد من يعمل مثل عملي، فقضى عمر على الغلام، فأعتقه صاحبه بعدما قضى عليه عمر.

الكتابة إلى غير أجل
قلت: أرأيت إن كاتب رجل عبده على ألف درهم ولم يضرب لذلك أجلا، قال:

قال في الرجل يقول في وصيته: كاتبوا عبدي بألف درهم ولم يضرب لذلك أجلا، قال مالك: ينجم على المكاتب على قدر ما يرى من كتابة مثله وقدر قوته. قال ابن القاسم: والكتابة عند الناس منجمة فأرى أنها تنجم على العبد ولا تكون حالة وإن أبى ذلك السيد، فإنها تنجم على العبد وتكون الكتابة جائزة.

في المكاتب يشترط عليه الخدمة
قلت: أرأيت إن كاتبه على خدمة شهر أيجوز ذلك؟ قال: إن عجل له العتق على خدمة شهر بعد العتق فالخدمة باطلة وهو حر، إن أعتقه بعد الخدمة فالخدمة لازمة للعبد.
وقال أشهب: إذا كاتبه على خدمة شهر فالكتابة جائزة ولا يعتق حتى يخدم الشهر. قال: وقال مالك: كل خدمة اشترطها السيد على مكاتبه بعد العتق فهي ساقطة، قال مالك: وكل خدمة اشترطها في الكتابة أنه إذا أدى الكتابة قبل أن يخدم سقطت عنه الخدمة.

في المكاتب يشترط عليه أنه إذا أدى وعتق فعليه مائتا دينار دينا
قلت: أرأيت إن كاتبه على ألف دينار على أنه إن أدى كتابته وعتق فعليه مائتا دينار دينا، قال: ذلك جائز؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا أعتق عبده على أن للسيد على العبد مائة دينار جاز ذلك على العبد.

في المكاتبة يشترط عليها سيدها أنه يطؤها ما دامت في الكتاب
ة
قلت: أرأيت إن كاتب أمته على ألف درهم نجمها عليها على أن يطأها ما دامت في الكتابة، قال: الشرط باطل والكتابة جائزة، ولا أحفظه عن مالك. قلت: ولم لا يبطل الشرط الكتابة، وإنما باعها نفسها بما سمى من المال، وعلى أن يطأها، فلم لا يكون هذا بمنزلة رجل باع من رجل جارية على أن يطأها البائع إلى أجل كذا وكذا؟ قال: لا تشبه الكتابة البيع؛ لأن البيع لا يجوز فيه الغرر وأما الكتابة فقد أخبرتك أن الرجل إذا كاتب عبده على وصفاء أنه جائز، فكذلك هذا الشرط هاهنا أبطله وأجيز الكتابة، ومما يدلني على أن الشرط الذي شرط في الوطء أنه لا يجوز وأنه باطل، والكتابة جائزة أن الرجل لو أعتق أمته إلى أجل على أن يطأها كان الشرط باطلا وكانت حرة إذا مضى الأجل، فكذلك الكتابة.
سحنون. والكتابة عقدها قوي وما قوي عقده ابتغى أن يرد ما أمره أضعف منه. ابن وهب.

في الرجل يكاتب أمته ويشترط ولدها
قلت: أرأيت الرجل يكاتب أمته ويشترط ما في بطنها، قال: من قول مالك: في الرجل يعتق الأمة ويستثني ما في بطنها: إن ذلك غير جائز، فكذلك المكاتبة أيضا تثبت الكتابة ويسقط الشرط في ولدها.

المكاتب يقاطع سيده على أن يؤخره عنه ويزيده
قلت: أرأيت المكاتب في قول مالك: أيصلح له أن يقاطع سيده ويؤخره عنه على أن يزيده في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك، لأنه قال: لا بأس بأن يضع عنه على أن يعجل له، وقال مالك: لا بأس بأن يعجل العين التي له على مكاتبه في عرض على أن يؤخر العرض، فهذا يدلك على مسألتك أنه لا بأس بها. قلت: وسواء حل الأجل أو لم يحل في قول مالك؟ قال: نعم، لأنه ليس دينا بدين. قلت: وكذلك لو كانت الكتابة دراهم ففسخها في دنانير إلى أجل لم يكن بذلك بأس، قال: قال مالك: في العروض ما أخبرتك، ولم يره من الدين بالدين، فكذلك في الدنانير لا بأس به، قال سحنون: إذا عجل للمكاتب العتق.
ابن وهب، عن مالك: أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقاطع مكاتبيها بالذهب والورق1.
ابن وهب، عن عمر بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس: أنه كان لا يرى بأسا بمقاطعة المكاتب بالذهب والورق.
ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب قال: لم يكن يتقي المقاطعة على الذهب والورق أحد إلا ابن عمر قال له: أن يعطي عرضا. ابن وهب.
قال ابن شهاب، وقد كان من سواه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاطع. ابن وهب.
قال أسامة: وسألت عبد الله بن يزيد وغير واحد من علمائنا، فلم يروا بذلك بأسا.
ابن وهب، عن يونس، عن ربيعة أنه قال: ما زال أمر المسلمين على أن يجيزوا
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب المكاتب حديث 5.

في المكاتب بين الرجلين يقاطعه أحدهما
قال: وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في المكاتب يكون بين الرجلين الشريكين أنه لا يجوز لأحدهما أن يقاطعه على حصته إلا بإذن شريكه، وذلك أن العبد وماله بينهما فلا يجوز لأحدهما أن يأخذ من ماله شيئا دون شريكه إلا بإذنه، ومن قاطع مكاتبا بإذن شريكه ثم عجز المكاتب، فإن أحب الذي قاطعه أن يرد الذي أخذ منه من المقاطعة ويكون على نصيبه في رقبة العبد فإن ذلك له، فإن مات المكاتب وترك مالا استوفى الذين بقيت لهم الكتابة حقوقهم من ماله، ثم كان ما بقي من ماله بين الذي قاطعه وبين شركائه على قدر حصصهم في المكاتب، وإن أحدهما قاطعه وتمسك صاحبه بالكتابة ثم عجز المكاتب قيل للذي قاطعه: إن شئت أن ترد على صاحبك نصف الذي أخذت ويكون العبد بينكما شطرين، وإن أبيت فجميع العبد للذي تمسك بالرق خالصا.

قطاعة المكاتب بالعرض
قال: وقال مالك: لا بأس أن يقاطع الرجل مكاتبه بعرض مخالف لكتابته ويؤخره

المكاتب بين الرجلين يبدئ أحدهما صاحبه بالنجم
قلت: أرأيت إن حل نجم من نجوم المكاتب فقال أحدهما لصاحبه: دعني أتقاضى هذا النجم من المكاتب وخذ أنت النجم المستقبل ففعل وأذن له، ثم عجز المكاتب عن النجم الثاني، قال: هذا عندي بمنزلة ما قال مالك في الدين: يكون بين الرجلين المنجم عليه إذا استأذن أحدهما صاحبه أن يأخذ هذا النجم على أن يأخذ صاحبه النجم الثاني، ثم يفلس في النجم الآخر أن صاحبه يرجع عليه؛ لأنه سلف منه له، فكذلك هذا في الكتابة لا بد له من أن يرد على صاحبه نصف ما أخذ منه ويكون العبد بينهما نصفين بمنزلة ما وصفت له في الدين، ولا خيار له ههنا في أن يرد أو يسلم ماله في العبد، وليس هذا عندي بمنزلة القطاعة؛ لأن هذا سلف أسلفه إياه.

في الجماعة يكاتبون كتابة واحدة
قلت: أرأيت كتابة القوم إذا كانت واحدة أيكون للسيد أن يأخذ بعضهم عن بعض؟ قال: يأخذ السيد جميعهم، فإن لم يجد جميعهم أخذ ممن وجد من أصحابه جميع الكتابة ولا يعتقون إلا بذلك. قال مالك: والحمالة في هذا ليست بمنزلة الكتابة، قال مالك: ولو أن ثلاثة رجال تحملوا لرجل بما له على فلان ولم يقولوا: كل واحد منا حميل بجميع ما على صاحبه أنه ليس على كل واحد منهم إلا ثلث المال الذي تحملوا به يفض المال عليهم أثلاثا؛ لأنه لم يتحمل كل واحد منهم بجميع المال، وليس للمتحمل له أن يأخذ من كل واحد منهم إلا ثلث المال إلا أن يكون شرط عليهم أن كل واحد منهم حميل بجميع المال، وشرط أيهم شاء أن يأخذ أخذ فيكون له أن يأخذ أيهم شاء بالجميع؛ لأن بعضهم حميل عن بعض.
قال مالك: ولا يوضع عن المكاتبين في كتابة واحدة إذا مات أحدهم بموت صاحبه قليل ولا كثير ويؤدون جميع الكتابة لا يعتقون إلا بذلك.

في

الرجل يكاتب عبدين له فأدى أحدهما الكتابة حالة
قلت: أرأيت الرجل يكاتب عبدين له كتابة واحدة ويجعل نجومهما واحدة إن أديا عتقا، وإن عجزا ردا في الرق، فأدى أحدهما الكتابة حالة، أله أن يرجع على صاحبه بحصته حالة؟ قال: يرجع على صاحبه على النجوم، ولم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن هذا رأيي. قلت: فإن أبى السيد أخذها وقال: آخذها على النجوم كما شرطت، قال: قال مالك: الأمر عندنا أن المكاتب إذا أدى جميع ما عليه من نجومه قبل محلها جاز ذلك له، ولم يكن لسيده أن يأبى ذلك عليه وذلك أنه يضع عن المكاتب كل شرط عليه وخدمة وسفر وعمل؛ لأنه لا تتم عتاقة رجل وعليه بقية من رق، ولا ينبغي لسيده أن يشترط عليه في كتابته خدمة بعد عتقه، ولا تتم خدمته، ولا تجوز شهادته، ولا ميراثه، ولا أشباه ذلك من أمره وعليه بقية من رق، وهذا الأمر عندنا.
ابن وهب، عن يونس، عن ربيعة قال: إذا جاء بنجومه جميعا قبلت منه، وذلك لأن الأجل إنما كان مرفقة للمكاتب ولم يكن لسيده من ذلك شيء، فإذا جاء بكتابته جميعا فقد برئ.
ابن وهب، عن موسى بن محمد المدني قال: حدثني الثقة، عن سعيد المقبري، عن أبيه قال: جئت عمر بن الخطاب فقلت له: إني جئت مولاي بكتابتي هذه فأبى أن يقبلها مني فقال: خذها يا يرفأ فضعها في بيت المال، واذهب فأنت حر، فلما رأى ذلك مولاي قبضها.
ابن وهب، عن الحارث بن نبهان، عن عبد الله بن يامين، عن سعيد بن المسيب أن مكاتبا جاء هو ومولاه إلى عمر بن الخطاب ومعه كتابته فأبى أن يقبلها مولاه إرادة أن يرقه، فأخذها عمر وجعلها في بيت المال وأعتق المكاتب وقال لمولاه: إن شئت فخذها نجوما وإن شئت فخذها كلها.

كاتب عبدين له فأصابت أحدهما زمانة
قلت: أرأيت إن كاتبت أجنبيين كتابة واحدة كاتبتهما وهما قويان على السعاية فأصابت أحدهما زمانة وأدى الصحيح جميع الكتابة قال: تفض الكتابة على قدر قوتيهما يوم عقدت الكتابة، ويرجع بما صار على الزمن منهما يومئذ. قلت: فلو أعتق الزمن قبل الأداء؟ قال: يجوز عتقه وتكون الكتابة كلها على الذي هو قوي على السعي، ولا يوضع عنه بعتق هذا قليل ولا كثير؛ لأنه لا منفعة له فيه أن يرد، ورد عتقه على وجه الضرر فيما كان يجوز له عليه عتقه وإن أبى؛ لأنه لا منفعة له فيه، فهو لا يوضع عنه من كتابته لمكاتبه شيء، ولا يتبعه إن أدى وعتق بشيء من الكتابة مما أدى عنه؛ لأنه عتق بغير الأداء، وإنما يرجع عليه إذا عجز أو زمن فعتق بأداء الآخر الكتابة، فإنه يرجع حينئذ على الزمن إن أفاد مالا وهذا رأيي.

كاتب عبدين له فأصابت أحدهما زمانة
قلت: أرأيت إن كاتبت أجنبيين كتابة واحدة كاتبتهما وهما قويان على السعاية فأصابت أحدهما زمانة وأدى الصحيح جميع الكتابة قال: تفض الكتابة على قدر قوتيهما يوم عقدت الكتابة، ويرجع بما صار على الزمن منهما يومئذ. قلت: فلو أعتق الزمن قبل الأداء؟ قال: يجوز عتقه وتكون الكتابة كلها على الذي هو قوي على السعي، ولا يوضع عنه بعتق هذا قليل ولا كثير؛ لأنه لا منفعة له فيه أن يرد، ورد عتقه على وجه الضرر فيما كان يجوز له عليه عتقه وإن أبى؛ لأنه لا منفعة له فيه، فهو لا يوضع عنه من كتابته لمكاتبه شيء، ولا يتبعه إن أدى وعتق بشيء من الكتابة مما أدى عنه؛ لأنه عتق بغير الأداء، وإنما يرجع عليه إذا عجز أو زمن فعتق بأداء الآخر الكتابة، فإنه يرجع حينئذ على الزمن إن أفاد مالا وهذا رأيي.

القوم يكاتبون جميعهم كتابة واحدة فيعتق السيد أحدهم أو يدبره
قلت: أرأيت القوم إذا كانوا في كتابة واحدة فأعتق السيد أحدهم ودبر الآخر، قال: لا يجوز عتقه عند مالك إلا أن يكون زمنا بحال ما وصفت لك فأما التدبير فإنهم إن أدوا خرجوا أحرارا، ولا يلتفت إلى تدبيره عند مالك، فإن عجزوا فرجعوا رقيقا فالتدبير لازم للسيد؛ لأنها وصية، وأما العتق فأرى أن يعتق عليه أيضا إذا عجزوا، وإنما لم أجز عتق السيد من قبل الذين معه في الكتابة لئلا يعجزهم فأما إذا عجزوا فأرى أن يعتق عليه.
قال ابن القاسم: إذا كان مكاتبان في كتابة واحدة فأعتق السيد أحدهما وهما صحيحان قويان على السعي فأجاز الباقي عتق السيد جاز ووضع عن الباقي حصة المعتق من الكتابة وسعى وحده فيما بقي عليه، وليس له أن يسعى معه المعتق، فإن قال: أنا أجيز العتق، ولكن يوضع عنا ما يصيب هذا المعتق من الكتابة وأسعى أنا وهو فيما بقي

في رجل كاتب عبدين له وأحدهما غائب بغير رضاه
قلت: أرأيت إن كاتب رجل عبده على نفسه، وعلى عبد للسيد غائب، فأبى الغائب أن يرضى كتابته وقال هذا الذي كاتبه: أنا أؤدي الكتابة ولا أعجز، قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن يمضي على كتابته، فإذا أداها أعتق الغائب معه ولا يلتفت إلى إباء الغائب ويكون الغائب مكاتبا مع صاحبه على ما أحب أو كره مثل ما قال مالك: في الرجل يعتق عبده على أن له عليه كذا وكذا دينارا فيأبى العبد ويقول: لا أؤديها: إن ذلك جائز والدنانير لازمة للعبد، ففي مسألتك إن كان المكاتب أجنبيا ليس ذا قرابة ولم يرض بالكتابة إن أداها هذا الذي كاتب كان له أن يرجع على الغائب بحصته من الكتابة؛ لأنه أدخله معه في الكتابة إن شاء الغائب وإن أبى، وقاله أشهب.

في الرجلين يكون لكل واحد منهما عبد فيكاتبانهما كتابة واحدة
قلت: أرأيت الرجلين يكون لكل واحد منهما عبد على حدة فكاتباهما كتابة وكل واحد منهما حميل بما على صاحبه؛ قال: لا تصلح هذه الكتابة؛ لأن هذا غرر لأن عبد هذا لو هلك أخذ هذا الذي هلك عبده من عبد صاحبه مالا بغير شيء، وإن هلك عبد هذا الآخر ولم يهلك عبد صاحبه كان بهذه المنزلة فهذا من الغرر لا يجوز؛ لأن مالكا سئل عن دار بين رجلين حبساها على أنفسهما على أن أيهما مات فنصيبه للآخر منهما حبسا عليه، قال مالك: لا خير في هذا؛ لأن هذا غرر تخاطرا فيه إن مات هذا أخذ هذا نصيب هذا وإن مات هذا أخذ هذا نصيب هذا، والذي سألت عنه هو مثل هذا؛ لأن السيدين إنما تعاقدا على غرر إن مات عبد هذا أخذ مال هذا بغير شيء وإن مات عبد هذا أخذ مال هذا بغير شيء. قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن العبد إذا كاتبه سيده لم ينبغ لسيده أن يتحمل له أحد بكتابة عبده إن مات العبد أو عجز، وليس هذا من سنة المسلمين، وذلك أنه إن تحمل رجل لسيد المكاتب بما عليه من الكتابة ثم أتبع ذلك سيد المكاتب قبل الذي تحمل له أخذ ماله باطلا لا هو ابتاع المكاتب فيكون ما أخذ منه ثمن شيء هو له ولا المكاتب عتق فيكون له في ثمنه حرمة تثبت له، فإن عجز المكاتب رجع إلى سيده عبدا مملوكا وذلك لأن الكتابة ليست بدين ثابت فيتحمل لسيد المكاتب بها إنما هو شيء إن أداه المكاتب عتق، فإن مات المكاتب وعليه دين لم يحاص سيده غرماءه بكتابته، وكان غرماؤه أولى بماله من سيده، فإن عجز المكاتب وعليه دين للناس كان عبدا مملوكا للسيد وكانت ديون الناس في ذمة المكاتب لا يدخلون مع سيده في شيء من رقبته.

وقال غيره من الرواة: ألا ترى أن الكتابة ليست في ذمة ثابتة وأنها على الحميل في ذمة ثابتة إذا أخرجه الحميل لم يرجع له كما أخرجه في ذمة، وأنه إن وجد عند المكاتب شيئا أخذه وإلا بطل حقه ولم يكن في ذمة ثابتة، وإنما يكون في رقبته إن عجز رجع رقيقا لسيده وذهب مال الحميل باطلا، وليس هذا من شروط المسلمين ولا تنعقد عليه بيوعهم.

في عبدين كوتبا جميعا فغاب أحدهما وعجز الآخر
قلت: أرأيت إن كاتبت عبدين لي كتابة واحدة فغاب أحدهما وحضر الآخر فعجز عن أداء النجم أيكون للسيد أن يعجزه وصاحبه غائب؟ قال: يرفع أمره إلى السلطان فيتلوم له ولا يكون تعجيزه الحاضر عجزا وصاحبه غائب، ويتلوم له السلطان في ذلك فإن رأى أن يعجزهما جميعا عجزهما؛ وكذلك قال مالك في الغائب: يرفعه إلى السلطان فإن رأى أن يعجزه عجزه فهذا مثله.
قلت: أرأيت إن كاتب رجل عبدين له فهرب أحدهما وعجز الحاضر، قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولا أرى أن يعجزه دون السلطان؛ لأن صاحبه غائب، فإذا حلت نجومه رفعه إلى السلطان فيكون السلطان هو يعجزه بما يرى، وقاله أشهب.

المكاتب تحل نجومه وهو غائب
قال: وسمعت مالكا يقول: إذا كان المكاتب غائبا وقد حل نجم أو نجوم لم يكن للسيد أن يعجزه إلا عند السلطان يرفع أمره إلى السلطان. قال ابن القاسم: ولو قال السيد: أشهدكما أني قد عجزته ثم قدم المكاتب بنجومه التي حلت عليه لم يقبل قول السيد، وكان على كتابته، فإن لم يأت فيه صنع به كما يصنع بالمكاتب إذا حل عليه نجم فلم يؤده، قال: وللسلطان أن يعجزه وإن كان غائبا إذا رأى ذلك.

المكاتب يعجز نفسه وله مال ظاهر
قال: وقال مالك غير مرة: إذا كان المكاتب ذا مال ظاهر معروف فليس له أن يعجز نفسه، وإن كان لا مال له يعرف فذلك له. قلت: فإن كان يرى أنه لا مال له فعجز نفسه ثم أظهر أموالا عظاما فيها وفاء بكتابته، أيرد في الكتابة أم هو رقيق؟ قال: بل هو رقيق ما لم يكن يعلم بها. قلت: ويكون عجز المكاتب دون السلطان إذا رضي المكاتب؟ قال: نعم، عند مالك إذا لم يكن للمكاتب مال يعرف وكان ماله صامتا، وكذلك قال لي

المكاتب تحل نجومه وسيده غائب
المكاتب تحل نجومه وله على سيده دين

المكاتب تحل نجومه وسيده غائب
قلت: أرأيت المكاتب غاب سيده ولم يوكل أحدا يقبض الكتابة فأراد المكاتب أن يخرج حرا بأداء الكتابة، إلى من يؤدي الكتابة؟ قال: يدفعها إلى السلطان ويخرج حرا حل الأجل أو لم يحل. وهذا قول مالك، وقد مضت آثار في مثل هذا.

في المكاتب يؤدي كتابته وعليه دين
قلت: أرأيت المكاتب إذا أدى كتابته إلى سيده وعلى المكاتب دين فقامت الغرماء فأرادوا أن يأخذوا من السيد ما اقتضى من مكاتبه قال: سئل مالك عنها فقال: إن كان الذي اقتضى السيد من مكاتبه يعلم أنه من أموال هؤلاء الغرماء أخذوه من السيد، وإن لم يعلم أنه من أموالهم لم يرجعوا على السيد بشيء من ذلك.
قال ابن القاسم: وأرى إذا كان للغرماء أن ينزعوا من السيد ما عتق به المكاتب رأيته مردودا في الرق.
سحنون عن ابن نافع، وعن أشهب، عن مالك في مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته لعبد دفعه إليه فاعترف في يديه بسرقه فأخذ منه. قال: يرجع على المكاتب بقيمة ما أخذ منه.
قال ابن نافع: وهذا إذا كان له مال، فإن لم يكن له مال رد مكاتبا كما كان قبل القطاعة، وهذا رأيي والذي كنت أسمع.
وقال أشهب: لا يرد ويتبع المكاتب؛ لأنه كان عتق بالقطاعة فتمت حرمته، وجازت شهادته، ووارث الأحرار فلا يرد عتقه.
وقال ابن نافع وأشهب عن مالك في المكاتب يقاطع سيده على شيء استرفقه أو ثياب استودعها، ثم يعترف ذلك بيد السيد فيؤخذ منه: أنه لا يعتق المكاتب هكذا، لا يؤخذ الحق بالباطل.
وقال بعض رواة المدنيين: إذا كان الشيء لم يكن له في ملكه شبهة إنما اغتر به مولاه، فهذا الذي لا يجوز له، وأما ما كان الشيء بيده يملكه وله فيه شبهة الملك لما طال من ملكه له ثم استحق، فإن هذا يتم له عتقه ويرجع عليه بقيمته إن كان له مال، وإن لم يكن له مال أتبع به دينا، وقاله عبد الرحمن أيضا ابن وهب.
وقال مالك: ليس للمكاتب أن يقاطع سيده إذا كان عليه دين للناس فيعتق ويصير لا شيء له؛ لأن أهل الديون أحق بماله من سيده فليس ذلك بجائز له، وذلك؛ لأنه لو كان مكاتبا قاطع بأموال الناس وهي دين عليه فدفع ذلك إلى سيده فأعتقه فليس ذلك بجائز، وليس لسيد العبد إن مات مكاتبه أن يحاص بقطاعته الناس في أموالهم كما لا يكون له أن يحاص بكتابته أهل الدين، وكما إذا عجز مكاتبه وعليه دين للناس كان عبدا له،

فكانت ديون الناس في ذمة عبده ولم يدخلوا معه في شيء من عبده ابن وهب.
عن محمد بن عمرو، عن ابن جريج عن عبد الكريم قال: قال زيد بن ثابت: المكاتب لا يحاص سيده الغرماء يبدأ بالذي لهم قبل كتابة السيد.
قال ابن جريج: وقيل لسعيد بن المسيب: كان شريح يقول: يحاصهم بنجمه الذي حل.
قال ابن المسيب: أخطأ شرطه.
قال زيد بن ثابت: يبدأ بالذي للمديان.
قال ابن وهب وقال ابن شهاب: في العبد يكاتبه سيده وعليه دين للناس قد كتمه قال: يبدأ بدين الناس فيقضي قبل أن يؤخذ من نجومه شيء إن كان دينه يسيرا بدئ بقضائه وأقر على كتابته، فإن كان دينه كثيرا يخنس نجومه وما شرط عليه من تعجيل منفعته، فسيده بالخيار إن شاء أقره على كتابته حتى يقضي دينه، ثم يستقبل نجومه، وإن شاء محا كتابته.
وقال يونس عن ربيعة أنه قال: أما دين المكاتب فيكسر كتابته وينزل في دينه بمنزلة العبد المأذون له في التجارة.

المكاتب يسافر بغير إذن سيده
قلت: أرأيت المكاتب أيكون له أن يخرج من بلد إلى بلد في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس له أن يسافر إلا بإذن سيده.
قال ابن القاسم: وأرى إن كان خروجه خروجا قريبا ليس فيه على سيده كبيرة مؤنة مما لا يغيب على سيده إذا حلت نجومه، ولا يكون على سيده في مغيب العبد كبير مؤنة، فذلك للعبد المكاتب.
وقال مالك: في الرجل يشترط على مكاتبه أنك لا تسافر ولا تنكح ولا تخرج من أرضي إلا بإذني، فإن فعلت شيئا بغير إذني فمحو كتابتك بيدي، قال مالك: ليس محو كتابته بيده إن فعل المكاتب شيئا من ذلك، وليرفع ذلك إلى السلطان، وليس للمكاتب أن ينكح ولا يسافر ولا يخرج من أرض سيده إلا بإذنه اشترط ذلك عليه أو لم يشترطه، وذلك أن الرجل يكاتب عبده بمائة دينار وله ألف دينار أو أكثر من ذلك فينطلق المكاتب فينكح المرأة فيصدقها الصداق الذي يجحف بماله ويكون فيه عجزه، فيرجع إلى السيد

عبدا لا مال له أو يسافر بماله وتحل نجومه، فليس ذلك له ولا على ذلك كاتبه، وذلك بيد السيد إن شاء أذن له وإن شاء منعه في ذلك كله.
ابن وهب، عن يونس، عن ربيعة أنه قال: إن المكاتب إنما كان الذي يؤتى إليه من الكتابة طاعة لله ومعروفا إلى من كوتب وفضلا من سيده عليه، ثم كانت شروطه يمنع بها أن ينزل بمنزلة الحر في الأسفار والنكاح والجلاء وأشياء من الشروط يتوثق بها، فيأخذ أهلها بها إذا خشوا الفساد أو الهلاك، ولا يتخذ طفرا عندما يكون من الزلل والخطأ والتأخير لشيء عن أجله لا يخشى فساده ولا يبعده عن أهله وهو في يسر وانتظار إذا تأخر انتظر به القضاء وإن تزوج فرق بينه وبين امرأته وانتزع ما أعطاها؛ وإن خرج سفرا قريبا ثم قدم فقضى وإن أظهر فسادا في ماله أو أحدث سفرا لا يستطاع إلا بالكلفة والنفقة العظيمة محيت كتابته، وكل ذلك يصير إلى الإمام؛ لأن الكتابة طاعة أوتيت وحق للمسلم في شرط استثناه، فينظر الإمام إلى اللمم من ذلك فيجيزه والشطط فيكسره.
ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد أنه قال: أمرهما على تلك الشروط، فإن لم يشترط أن لا يسافر إلا بإذنه فإن عجز فهو عبد.
ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أنه قال: لا ينبغي لأهل المكاتب أن يمنعوه أن يتسرر وقد أحل الله ذلك له حتى يؤدي نجومه.

لمن يكون مال المكاتب إذا كاتبه سيده
قال: وقال مالك: إذا كاتب الرجل عبده فإن جميع مال العبد للعبد دينا كان أو غير ذلك عرضا كان أو فرضا إلا أن يشترطه السيد حين يكاتبه، فيكون ذلك للسيد، فإن لم يشترطه فليس للسيد أن يأخذه بعد عقد الكتابة. قال: وقال مالك: إذا كاتب الرجل عبده تبعه ماله بمنزلة العتق.
ابن وهب، قال مالك: إذا كوتب المكاتب فقد أحرز ماله وإن كان كتمه عن سيده وتلك السنة، وذلك لأن الكتابة تثبت الولاء وهي عتاقة، قال: والمكاتب مثل العبد إذا عتق تبعه ماله وأحرزه من سيده.
ابن وهب، قال مالك: في كتمان المكاتب ولده من أمته عن سيده حتى يعتق قال: ليس مال العبد والمكاتب بمنزلة أولادهما؛ لأن أولادهما ليسوا بأموال لهما إذا عتق العبد تبعه ماله في السنة، وليس يتبعه أولاده فيكونون أحرارا مثله، وإذا أفلس بأموال الناس

أخذ جميع ماله ولم يؤخذ ولده، فإذا بيع واشترط ماله لم يدخل في ذلك ولده وإنما أولادهما بمنزلة رقابهما، ولو كانت له وليدة حامل منه ولم يكاتب على ما في بطنها ثم وقعت الكتابة انتظر بالوليدة حتى تضع، ثم كان الولد للسيد والوليدة للمكاتب؛ لأنها ماله.

المكاتب يعان في كتابته فيعتق وقد بقي في يده من ذلك شيء
قال: وسمعت مالكا يقول في المكاتب: إذا أعين في كتابته ففضلت فضلة بعد أداء كتابته قال: إذا كان العون منهم على وجه الفكاك لرقبته وليس ذلك بصدقة منهم عليه، فأرى أن يستحلهم من ذلك أو يرده عليهم، وقد فعله زياد مولى ابن عياش رد عليهم الفضلة بالحصص.

المكاتب يعجز وقد أدى إلى سيده من مال تصدق به عليه
قلت: أرأيت إن عجز المكاتب وقد أدى إلى سيده نجما من نجومه من مال تصدق به عليه أيطيب ذلك للسيد أم لا؟ قال: سألنا مالكا عن المكاتب يكاتب ولا حرفة له إلا ما يتصدق به عليه؟ قال: لا بأس بهذا، وهذا يدلك على أن الذي أخذ السيد من ذلك عند مالك يطيب له. قال: وقال مالك في القوم إذا أعانوا المكاتب في كتابته: ليفكوا جميعه من الرق فلم يكن فيما أعانوا به المكاتب وفاء للكتابة، فإن ذلك الذي أعين به المكاتب مردود على الذين أعانوه إلا أن يجعلوا المكاتب من ذلك في حل فيكون ذلك له.
قال عبد الرحمن بن القاسم: وإن كانوا إنما تصدقوا عليه وأعانوه به في كتابته ليس على وجه أن يفكوه به من رقه، فإن ذلك إن عجز المكاتب لسيده.

كتابة الصغير والذي لا حرفة له
قلت: أرأيت الصغير أيجوز أن يكاتبه سيده؟ قال: سألنا مالكا عن العبد يكاتبه سيده ولا حرفة له فقال: لا بأس به، فقيل لمالك: إنه يسأل ويتصدق عليه فقال: لا بأس بذلك، فمسألتك مثل ذلك، وقد قال أشهب: ولا يكاتب الصغير؛ لأن عثمان بن عفان قد قال: ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه سرق إلا أن تفوت كتابته بالأداء أو يكون بيده ما يؤدي عنه فيؤخذ منه ولا يترك بيده فيتلفه لسفهه ويرجع رقيقا وسئل مالك أيكاتب الرجل الأمة التي ليس بيدها صنعة ولا لها عمل معروف؟ فقال: كان عثمان بن عفان يكره أن تخارج الجارية التي ليس بيدها صنعة ولا لها عمل معروف فما أشبه الكتابة بذلك.

في الرجل يعتق نصف مكاتبه
قلت: أرأيت إن كاتب عبده ثم أعتق منه بعدما كاتبه شقصا منه أيعتق المكاتب أم لا؟ قال: قال مالك: لا يعتق عليه؛ لأن هذا ههنا إنما عتقه وضع مال إلا أن يكون أعتق ذلك الشقص منه في وصيته، فإن ذلك عتق للمكاتب إن عجز إن حمل ذلك الثلث، قلت: ولم جعل مالك عتقه في الوصية عتقا ولم يجعله في غير الوصية عتقا؟
أرأيت إذا هو عجز وقد كان عتقه في غير وصية أليس قد رجع في ملك سيده معتق شقصه؟ قال: لا، ولو كان هذا الذي يعتق شقصا من مكاتبه في غير وصية يكون عتقا للمكاتب إذا عجز لكان لو كان المكاتب بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه ثم عجز في نصيب صاحبه لقوم على الذي أعتقه، فهذا إن عجز ورجع رقيقا كان بينهما، ولا يقوم على الذي أعتقه وليس عتقه ذلك عتقا؛ لأنه إنما أعتقه يوم أعتقه. والذي كان يملك منه إنما كان يملك مالا كان عليه، فإنما عتقه وضع مال؛ لأن سعيد بن المسيب سئل عن مكاتب بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم مات المكاتب قبل أن يؤدي كتابته وله مال، قال سعيد بن المسيب: يأخذ الذي تمسك بالكتابة بقية كتابته ثم يقتسمان ما بقي بينهما، فلو كان ذلك عتقا لكان ميراثه كله للذي تمسك بالرق، فهذا يدلك في قول سعيد بن المسيب أنها ليست بعتاقة من الذي أعتقه في الصحة، وإنما هو وضع مال، وكذلك قال مالك. قال: وقال مالك: ولو أن مكاتبا هلك سيده فورثه ورثته فأعتق أحدهم نصيبه ثم عجز المكاتب كان رقيقا كله؛ لأن مالكا قال: عتق هذا هاهنا إنما هو وضع مال، قال والذي أعتق شقصا من مكاتبه في مرضه إن عجز المكاتب عتق منه ما عتق في وصيته إذا حمل ذلك الثلث؛ لأن ذلك قد أدخل في ثلث مال الميت وهي وصية للعبد فكل ما أدخل في ثلث مال الميت فهي حرية لا ترد، وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت مكاتبا كان لي جميعه فأعتقت نصفه أيكون هذا وضعا أو عتقا؟ قال: هذا وضع، وكذلك قال مالك: لا يكون عتقا الساعة، ولا إن عجز عما بقي، ولكنه وضع يوضع عنه من كل نجم نصفه. قال: وقال مالك في الذي يعتق نصف مكاتبه ثم يعجز المكاتب عما بقي: إنه رقيق كله، قلت: فما فرق بين هذا وبين الذي أعتقه السيد وهو مع غيره في كتابة واحدة قال: إنما رد مالك عتق الذي أعتق السيد كله ومعه غيره في الكتابة على وجه الضرر، وقال مالك فيه: لا يجوز عتق السيد إياه دون مؤامرة أصحابه، فإن رضي أصحابه بعتق السيد إياه عتق، وقول مالك: إن كان أصحابه يقوون

على السعي ليسوا بصغار ولا زمنى، وليس فيهم من لا يسعى عنهم فرضوا بذلك جاز عتق السيد هذا الذي أعتق على ما وصفت لك، وإن هذا الذي أعتق السيد نصفه ليس فيه مؤامرة أحد، وليس يجوز عتق السيد نصفه إلا أن يعتق النصف الباقي أو يؤدي المكاتب بقية الكتابة فيعتق، وهذا الذي أعتق السيد نصفه لا يجوز عتق السيد فيه على حال إلا بعد الأداء؛ لأنها وضيعة ولو كان عتقا لعتق على السيد ما بقي منه حين أعتقه، والذي مع غيره في كتابة واحدة قد يجوز عتق السيد فيه إذا رضي أصحابه بذلك؛ أولا ترى أنه لو كان زمنا جاز عتق السيد فيه؟ وكذلك أن لو كان صغيرا لا يسعى مثله فإن عتقه جائز؟ أولا ترى أنه لو كان مكاتبا وحده فأزمن فأعتق السيد نصفه أنه لا يعتق النصف الباقي على سيده إلا بأداء ما بقي من الكتابة، فهذا فرق ما بين المسألتين اللتين سألت عنهما. قلت: أرأيت إن أعتق الرجل نصف مكاتبته وهو صحيح، قال: لا يعتق منها شيء، وإنما العتق ههنا وضع مال عند مالك، فينظر إلى ما عتق منها فيوضع عنها من الكتابة بقدر ذلك ثم تسعى فيما بقي، فإن أدت عتقت وإن عجزت رقت كلها.
ابن وهب وأشهب. وقال مالك: في المكاتب بين الرجلين فيترك أحدهما للمكاتب الذي عليه ثم يموت المكاتب ويترك مالا، فقال: يعطي صاحب الكتابة الذي لم يترك له شيئا ما بقي من الكتابة ثم يقتسمان المال كهيئته، لو مات عبدا؛ لأن الذي صنع ليس بعتاقة، إنما ترك ما كان عليه، ومما يبين ذلك أن الرجل إذا مات وترك مكاتبا وترك بنين رجالا ونساء ثم أعتق أحد البنين نصيبه من المكاتب أن ذلك لا يثبت له من الولاء شيئا، ولو كانت عتاقة لثبت الولاء لمن أعتق منهم من رجالهم ونسائهم؛ ومما يبين ذلك أيضا أنهم إذا أعتق أحدهم نصيبه ثم عجز المكاتب لم يقوم على الذي أعتق نصيبه ما بقي من المكاتب، فلو كانت عتاقة لقوم عليه حتى يعتق في ماله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عتق شركا له في عبد عتق عليه ما بقي عليه منه فإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق"1 ومما يبين ذلك أيضا أن من سنة المسلمين التي لا اختلاف فيها أن الولاء لمن عقد الكتابة وإنه ليس لمن ورث سيد المكاتب من النساء من ولاء المكاتب شيء وإن أعتقن نصيبهن كلهن، إنما ولاؤه لذكور ولد سيد المكاتب أو عصبته من الرجال. وقال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: في رجل كاتب مملوكه ثم يموت ويترك بنين رجالا ونساء فيؤدي المكاتب إليهم كتابته قالا: الولاء للرجال دون النساء، وقد قال ذلك ابن شهاب.
قال ابن جريج وعطاء وعمرو بن دينار: إذا عتق المكاتب لا ترث الابنة منه شيئا إنما هو لعصبة أبيها
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب المكاتب حديث 12.

ابن وهب وأشهب، عن الليث بن سعد أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: إذا كان المكاتب بين أشراك فأعتق أحدهم حصته فإنما ترك له حظه من المال، ولم يفكك له رقا، فإن عجز المكاتب فإن الناس قد اختلفوا في حظ المعتق منه، فقال ناس: يكون للمعتق حظه في العبد إذا عجز؛ لأنه لم يعتق له رقا، ولكنه ترك له مالا كان له عليه.
قال الليث: وهذا القول أعجب إلى يحيى بن سعيد بمنزلة رجل لو ترك لمكاتبه ثلث كتابته ثم عجز عما بقي لم يحتج عليه بما ترك له من المال.
ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه قال: يقال: أيما رجلين كان بينهما مكاتب فأعتق أحدهما نصيبه فلا غرم عليه ليس هو بمنزلة من أعتق نصف عبد بينه وبين آخر.

في الرجل يطأ مكاتبته
قلت: أرأيت من وطئ مكاتبته أيكون لها عليه الصداق أم يكون عليه ما نقصها في قول مالك؟ قال: لا صداق لها عليه ولا ما نقصها إذا هي طاوعته عند مالك، ويدرأ عنه الحد وعنها عند مالك، وإن اغتصبها السيد نفسها درئ الحد عنه أيضا وعنها، قلت: أفيكون عليه ما نقصها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وعليه ما نقصها إذا اغتصبها نفسها قال: وقال مالك: ليس على سيد المكاتبة إذا وطئها شيء في وطئه إياها ويؤدب إن كان عالما، وإن كان يعذر بالجهالة فلا شيء عليه من وطئه إياها إذا طاوعته. قال: وقال مالك: إذا وطئ الرجل مكاتبته فلا شيء عليه من وطئه إياها، قلت: ولا يكون عليه ما نقصها قال: لا إذا طاوعته، قلت: فما فرق بين الأجنبي وبين السيد إذا نقصها وطء الأجنبي والسيد، قال: لأنها أمته وهي إن عجزت رجعت ناقصة، والأجنبي إذا وطئها فنقصها إن هي عجزت رجعت إلى سيدها ناقصة فهذا يكون عليه ما نقصها، فإن وطئها سيدها فحملت فضرب رجل بطنها فألقت جنينا فأرى أن في جنينها ما في جنين الحرة؛ لأن مالكا قال: في جنين أم الولد من سيدها ما في جنين الحرة، فهذه بحال جنين أم الولد ويورث جنين المكاتبة على فرائض الله، كذا قال مالك في جنين أم الولد من سيدها.
ابن وهب، عن يزيد بن عياض، عن خالد بن إلياس، عن القاسم بن عمرو بن المؤمل أنه سأل ابن المسيب عن رجل وطئ مكاتبته فحملت، قال: تبطل كتابتها وهي جاريته.

ابن وهب، عن جرير بن حازم قال: كان إبراهيم النخعي يقول في الرجل يقع على مكاتبته: إنها على كتابتها، فإن عجزت ردت في الرق، فإن كانت قد حملت كانت من أمهات الأولاد، قال: قال عبد الجبار: قال ربيعة: إن طاوعته فولدت منه فهي أمة له ولا كتابة عليها، وإن أكرهها فهي حرة وولدها لاحق به. قال الليث بن سعد: وقال يحيى بن سعيد: أما الولد فلا شك فيه أنه سيلاط به؛ لأن الولد ولده، وقال مالك: إن أصابها طائعة أو كارهة مضت على كتابتها، فإن حملت خيرت بين أن تكون أم ولد أو تمضي على كتابتها، فإن لم تحمل فهي على كتابتها، قال: ويعاقب في استكراهه إياها إن كان لا يعذر بالجهالة.

المكاتبة تلد بنتا وتلد بنتها بنتا فيعتق السيد البنت العليا أو يطوها فتحمل
المكاتبة تلد بنتا وتلد بنتها بنتا فيعتق السيد البنت العليا أو يطؤها فتحمل
قلت: أرأيت إن كاتبت أمة لي فولدت بنتا ثم ولدت بنتها بنتا أخرى فزمنت البنت العليا فأعتقها سيدها قال: عتقه جائز عند مالك، وتكون البنت السفلى والمكاتبة نفسها بحال ما كانتا يعتقان إذا أدتا، ويعجزان إذا لم تؤديا قلت: فإن وطيء السيد البنت السفلى فولدت منه ولدا قال: فإنها بحالها تكون معهم في السعاية ويكون ولدها حرا إلا أن يرضوا أن يسلموها إلى السيد وترضى هي بذلك، ويوضع عنهم من الكتابة مقدار حصتها من الكتابة وتكون أم ولد فذلك لازم للسيد، وإن أبوا وأبت لم تكن أم ولد وكانت في الكتابة على حالها ويكون من معها ممن يجوز رضاه، فإن كانت في قوتها وأدائها ممن يرجى نجاتهم بها ويخاف عليهم إذا رضوا بإجازتها لم يجز ذلك؛ لأنهم ليس لهم أن يرقوا أنفسهم، وقد قال بعض الرواة: لا يجوز وإن رضوا ورضيت وإن كان قبلهم مثل ما قبلها من السعاية والقوة والكفاية؛ لأنا لا ندري ما يصير إليه حالهم من الضعف فتبقى على السعي معهم لأنهم ترجى لهم النجاة وإن صاروا إلى العتق عتقت وإن صاروا إلى العجز صارت أم ولد.
قلت لابن القاسم: كيف ترد أم ولد إذا رضيت ورضوا وهي إن أدوا الكتابة عتقت فكيف يطأ السيد جارية تعتق بأداء الكتابة؟ قال: إذا رضوا بأن يخرجوها من الكتابة ورضيت هي أن تخرج ووضع عن الذين معها في الكتابة حصتها من الكتابة فقد خرجت من الكتابة ولا تعتق بأداء الكتابة؛ لأن الذين معها في الكتابة لم يؤدوا جميع الكتابة ألا ترى أنا قد وضعنا عنهم مقدار حصتها من الكتابة قال: ولا أحفظ هذا عن مالك إلا أن مالكا قال: في السيد يعتق بعض من في الكتابة وهو صحيح يقدر على السعاية ويقدرون

على السعاية أن ذلك لا يجوز على الذين في الكتابة إلا برضاهم وهي إن بقيت في الكتابة فإنها لا توطأ.

في بيع المكاتب وعتقه
قلت: أرأيت المكاتب إذا بيع فأعتقه المشتري، قال: أرى أن يمضي عتقه ولا يرد، وقد سمعت الليث يقول ذلك.
قال ابن القاسم: أخبرني الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد أنه باع مكاتبا له ممن أعتقه وأن عمرو بن الحارث دخل في ذلك حتى اشتراه. قلت: أرأيت المكاتب إذا باعه سيده، قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى إن كان الذي اشتراه أعتقه فإن ذلك جائز والولاء لمن اشتراه وأعتقه، وقد سمعته من بعض أهل العلم. قلت: أرأيت لو أن مكاتبا باعه سيده وجهل ذلك فباع رقبته ولم يعجز المكاتب فأعتقه المشتري أو كاتبه المشتري فأدى كتابته فأعتق أيجوز ذلك البيع في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا تباع رقبة المكاتب وإن رضي المكاتب بذلك؛ لأن الولاء قد ثبت للذي عقد الكتابة ولا تباع رقبة المكاتب فأرى هذا البيع غير جائز وإن فات ذلك حتى يعتق العبد لم أرده ورأيته حرا وولاؤه للذي اشتراه وأعتقه، وقد سمعت من أثق به يذكر ذلك أنه جائز ولا يرد ذلك؛ لأن ذلك عندي رضا من العبد يفسخ كتابته، وقد دخله العتق وفات وقال غيره: إذا كان العبد راضيا ببيع رقبته فكأنه رضا منه بالعجز.
قلت: فلو دبر عبده فباعه وجهل ذلك فأعتقه المشتري، قال مالك كان مرة يقول: يرد، ثم قال بعد ذلك: أراه جائزا، وأنا أرى في المكاتب أن ينفذ عتقه ولا يرد أرأيت إن عجز عند الذي أرده إليه أيرق؟ وقد بلغني عمن أثق به من أهل العلم أنه أمضى عتقه ولم يرده. قلت: أرأيت المكاتب إذا باعه سيده قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يرد إلا أن يفوت بالعتق فلا أرى أن يرد، وقد قال بعض الرواة: عقد الكتابة عقد قوي فلا يجوز بيع رقبته فإن باعه نقض البيع وإن أعتق رد، وقد قاله أشهب بن عبد العزيز وقال أشهب: إن كان المكاتب لم يعلم بالبيع.

بيع كتابة المكاتب
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا كاتب عبده فباع السيد كتابة مكاتبه الأعلى لمن تكون كتابة الأسفل؟ قال: للمكاتب الأعلى، قلت: فإن عجز المكاتب الأسفل، قال: يكون رقيقا للمكاتب الأعلى فإن عجز المكاتب الأعلى كانا جميعا لمشتري الكتابة؛ لأن الأسفل

العبد المأذون له في التجارة يكاتب عبده
المأذون يركبه الدين فيأذن له سيده أن يكاتب عبده
قلت: أرأيت رجلا أذن لعبده في التجارة فركبه الدين فأذن له سيده في أن يكاتب عبدا له أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك؛ لأنه إن أعتق عبدا له بإذن سيده لم يجز ذلك في قول مالك؛ لأن المال الذي في يد العبد إنما هو للغرماء إذا كان الدين يستغرق ما في يد العبد، قلت: والكتابة عندك على وجه العتق أو على وجه البيع؟ قال: على وجه العتق ألا ترى لو أن رجلا كاتب عبده وعليه دين يستغرق ماله كانت كتابته باطلة إلا أن يجيز الغرماء ذلك إلا أن يكون في ثمن كتابته ما لو بيعت كأن يكون مثل ثمن رقبته أو ديته لو رد فإن كان كذلك بيعت كتابته وتعجلت وقسمت بين الغرماء فإن أدى عتق، وإن عجز كان عبدا لمن اشتراه فأرى عبد العبد بهذه المنزلة إن أذن له سيده إن كان في ثمن كتابته ما يكون ثمنا لرقبته لو فسخت كتابته بيعت وترك على حاله ولم تفسخ كتابته؛ لأنه لا منفعة للغرماء في ذلك ولا ضرر عليهم فيه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" 1 فليس يفسخون ما ليس الضرر علم فيه ولا يمضي عليهم ما فيه الضرر عليهم.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث 31 عن عمرو بن يحي المازني عن أبيه. ابن ماجه في كتاب الأحكام باب 17. في مسنده"5/327".

كتابة الوصي عبد يتيمه
قلت: أيجوز للوصي أن يكاتب عبد يتيمه؟ قال: ذلك جائز قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا، أقوم على حفظه الساعة قلت: فإن أعتقه الوصي على مال، قال: لا أرى ذلك جائزا إذا كان إنما يأخذ المال من العبد، فإن أعطاه رجل مالا على أن يعتقه ففعل الوصي ذلك نظرا لليتيم فذلك جائز قلت: أرأيت الوصي، أيجوز له أن يكاتب عبدا لليتيم في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان على وجه النظر لهم؛ لأن بيعه عليهم جائز، فكذلك الكتابة إذا كانت على وجه النظر لهم. قلت: وكذلك الولد في قول مالك: يجوز له أن يكاتب عبد ابنه الصغير، قال: نعم، لأن مالكا قال: يجوز بيعه على ابنه إذا كان على وجه النظر لابنه
قال سحنون: ألا ترى أنه يجوز من فعل الوالد والوصي ما هو أعظم من الكتابة وهو النكاح.

في كتابة الأب عبد ابنه الصغير
قلت: أيجوز للأب أن يكاتب عبد ابنه الصغير؟ قال: نعم ذلك جائز في رأيي؛ لأن مالكا قال: يبيع له ويشتري له وينظر له. قلت: فإن أعتقه، قال: قال مالك: لا يجوز عتقه إلا أن يكون له مال، وقال غيره وإن أعتق ولا مال له فلم يرفع إلى الحاكم، ينظر فيه حتى أفاد مالا ثم عتقه للعبد وكان كعبد بين شريكين أعتق أحدهما حصته ولا مال له، فلم يرفع إلى حاكم ينظر فيه حتى أفاد مالا قال: فإنه يقوم عليه ويتم عتق العبد كله.

العبد بين الرجلين يكاتبه أحدهما بغير إذن شريكه أو بإذنه
قال: وقال مالك في العبد بين الرجلين: إنه لا يجوز لأحدهما أن يكاتبه دون شريكه أذن له أو لم يأذن له، فإن فعل فسخت الكتابة وكان ما أخذ هذا منه بينه وبين شريكه نصفين. قلت: فإن كاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه ثم كاتب شريكه بعد ذلك بغير إذن شريكه أيضا لم يعلم أحدهما بكتابة صاحبه، قال: أراه غير جائز إذا لم يكن يكاتباه جميعا كتابة واحدة؛ لأن كل واحد منهما كاتبه بخلاف كتابة الآخر فصار أن يأخذ حقه إذا حل دون صاحبه، فليس هذا وجه الكتابة ولو كان هذا جائزا لأخذ أحدهما ماله دون صاحبه بغير إذن شريكه، ألا ترى أنهما في أصل الكتابة لم يشتركا بالكتابة ولو كان هذا جائزا لجاز إذا كاتباه جميعا كتابة واحدة أن يأخذ أحدهما ماله دون صاحبه بغير إذن شريكه، فأرى الكتابة مفسوخة ههنا كان ما كاتباه عليه شيئا واحدا أو مختلفا، ويبتدئان الكتابة جميعا إن أحبا.
قال سحنون: وقال غيره من الرواة: إذا كاتب أحدهما بعد الآخر وكان الذي كاتباه عليه مختلفا وأجلهما مختلف، مثل أن يكاتبه أحدهما بمائة دينار إلى سنتين، ويكاتبه الآخر بمائتين إلى سنة فإنه يقال للذي كاتبه بمائتين إلى سنة: أترضى أن تحط عنه المائة الواحدة وتؤخره بالأخرى إلى أجل مائة صاحبك فيكون لكما عليه مائة مائة إلى أجل واحد، فإن فعل جازت الكتابة وإن أبى فسخت؛ لأن الذي له عليه مائة إلى سنتين يقول: لا يأخذ هذا مائتيه عند حلول السنة ولا يجد ما يعطيني عند السنتين، ويقول: لا تأخذ من عبد بيني وبينك أكثر مما آخذ أنا، فتكون له حجة ومقالة، وإذا وضع الآخر ما زاد عليه وأخر بالبقية إلى صاحبه صار مالهما على المكاتب إلى أجل واحد وعدد واحد ولا يتفضل أحدهما على صاحبه بقرب أجل ولا بزيادة مال فليس لواحد منهما أن يأبى ذلك إذا رضي الذي له المائتان بما أخبرتك من العبد ولا من الشريك وإذا أبى ذلك قيل

للمكاتب: أترضى أن تزيد صاحب المائة مائة أخرى وتجعل له المائتين إلى سنة مع مائتي صاحبه فتؤدي إليهما أربعمائة إلى سنة فيكون أجلهما واحدا كأنما كاتباه كتابة واحدة إلى أجل واحد، فإن رضي بذلك جازت الكتابة أيضا ولم يكن لواحد منهما أن يأبى ذلك فإن أبى ذلك فسخت الكتابة.
وقال سحنون: قال غيره من الرواة: إن وافقت كتابة الثاني كتابة الأول في النجوم والمال فهو جائز وكأنهما كاتباه جميعا، وإن كانت الكتابة مختلفة، فقد قال بعض الرواة ما قال عبد الرحمن.
قلت: فإن دبره أحدهما بغير إذن من شريكه ثم دبره الآخر بغير علم من شريكه أو أعتق أحدهما نصيبه بغير علم من شريكه ثم أعتق الآخر نصيبه بغير علم من شريكه قال: أرى ذلك كله جائزا؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا دبر نصف عبد بينه وبين رجل فرضي الذي لم يدبر أن يلزم الذي دبر العبد كله ويأخذ منه نصف قيمته، قال: ذلك له، ويكون مدبرا كله على الذي دبره، وإذا دبراه جميعا جاز، فكذلك مسألتك في التدبير إذا دبره هذا ثم دبره هذا جاز ذلك عليهما؛ لأن عتق كل واحد منهما في هذا التدبير في الثلث لا يقوم نصيب أحدهما على صاحبه وأما العتاقة فهو أمر لا اختلاف فيه عندنا ولا يعرف من قول مالك خلافه: أنه إذا أعتق أحدهما وهو موسر ثم أعتق الآخر أن ذلك جائز عليه ولا قيمة فيه علم أو لم يعلم، ابن وهب.
وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في العبد يكون بين الرجلين أن أحدهما لا يكاتب نصيبه أذن في ذلك صاحبه أو لم يأذن إلا أن يكاتباه جميعا؛ لأن ذلك يعقد له عتقا ويصير إذا أدى العبد ما كوتب عليه إلى أن يعتق بعضه فلا يكون على الذي كاتبه أن يستتم عتقه وذلك خلاف لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة عدل1 فإن جهل ذلك حتى يؤدي المكاتب أو قبل أن يؤدي رد الذي كاتبه ما قبض من المكاتب فاقتسمه هو وشريكه على قدر حصصهما وبطلت كتابته وكان عبدا لهما على حاله الأول" .
ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب في عبد كان بين رجلين فكاتبه أحدهما وأبى الآخر قال ابن شهاب: لا نرى أن يجوز نصيب الذي كاتبه ولا يجوز على شريكه في نصيبه. قلت: أرأيت العبد بين الرجلين يكاتبه أحدهما بإذن شريكه قال: لا يجوز ذلك عند مالك. قال: وقال مالك في العبد بين الرجلين يكاتبه أحدهما بإذن شريكه: إن الكتابة باطل.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب المكاتب حديث 3، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هنا أما الباقي فهو من قول مالك رضي الله عنه.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19