كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

في الرجل يبتاع العبد فيجد به عيبا فيريد رده وبائعه غائب
وسألت ابن القاسم عن الرجل يبتاع العبد فيجد به عيبا مثله لا يحدث فيأتي به السلطان وقد غاب بائعه؟ قال: قال مالك: إن كانت غيبته بعيدة وأقام المشتري البينة أنه اشتراه على عهدة الإسلام وبيع الإسلام تلوم السلطان للبائع, فإن طمع بقدومه وإلا باعه فقضى الرجل حقه, فإن كان للبائع فضل حبسه له, وإن كان فيه نقصان اتبع المشتري البائع بذلك النقصان.
قلت: ويدفع السلطان الثمن الذي بيع به العبد إلى مشتري العبد الذي رده بالعيب في قول مالك؟ قال: نعم, قال مالك: يدفع إليه الثمن الذي اشترى به العبد.
قلت: فهل يكون على هذا الذي يرد العبد بالعيب عند السلطان وصاحب العبد غائب إذا باع السلطان العبد؟ فقال: ادفع إلي الثمن الذي اشتريت به العبد هل يكلفه السلطان البينة أنه نقد الثمن للبائع؟ قال: نعم يكلفه وإلا لم يدفع إليه الثمن ولم أسمع هذا من مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا بيعا فاسدا فغاب البائع كيف أصنع بالعبد, والعبد لم يتغير بنماء ولا نقصان ولا تغير أسواق؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يشتري العبد وبه العيب فيغيب البائع عنه فيطلبه ولا يجده فيرفع ذلك إلى السلطان قال: أرى أن يسأله السلطان البينة على شرائه, فإن أتى ببينة أنه اشتراه ببيع الإسلام وعهدة الإسلام نظر

السلطان بعد في ذلك فتلوم له وطلب البائع, فإن كان قريبا لم يعجل ببيعه, وإن كان بعيدا باعه السلطان إذا خاف على العبد النقصان أو الضيعة أو الموت ثم يقبض السلطان ثمنه, فإن كان فيه وفاء دفعه إلى مشتري العبد, وإن كان فيه نقصان دفعه أيضا إلى مشتري العبد واتبع المشتري البائع بما بقي له من الثمن الذي اشتراه به, وإن كان في ثمنه فضل حبسه السلطان على بائع العبد حتى يدفعه إليه, قال: فأرى البيع الفاسد مثل هذا إذا ثبتت له البينة أنه كان بيعا حراما ولم يتغير بنماء ولا نقصان ولا اختلاف أسواق, رأيت أن يفعل به ما وصفت لك في العيب, وإن كان قد فات بشيء مما وصفت لك جعله القاضي على المشتري بقيمته يوم قبضه ويترادان فيما بينهما إن كان لأحدهما فضل على صاحبه إذا لقي بائعه يوما ما.

في الرجل يبتاع الجارية بيعا فاسدا فتفوت عند المشتري بعيب
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بيعا فاسدا فأصابها عندي عيب فضمنني مالك قيمتها يوم قبضها, أرأيت إن كان الثمن الذي باعني به البائع الجارية أقل من قيمتها يوم قبضها أو أكثر أيلزمني ذلك؟ قال: نعم, قال: وكل بيع حرام لا يقر على حال إن أدرك رد, فإذا فات قال مالك: فعلى المشتري إذا فاتت عنده قيمته يوم قبضها كانت القيمة أقل من الثمن الذي باع به أو أكثر إلا البيع والسلف وما أشبهه من اشتراط ما لا يجوز في البيع فإنه إن كانت القيمة أكثر من ذلك الذي رضي به على أن باع وأسلف لم يرد عليه, وإن كان أقل رد إلى ذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم, وقال مالك في الجارية: يبيعها سيدها على أن تتخذ أم ولد ولا يعلم بقبيح ذلك حتى تفوت فتكون قيمتها أقل مما نقد فيها فيطلب المبتاع أن يوضع له؟ قال: لا أرى ذلك له, إنما القول هاهنا للبائع وليس للمبتاع.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة بيعا فاسدا فبعت نصفها أترى هذا فوتا في جميعها؟ قال: نعم, وأخبرني ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ربيعة أنه قال: كل شرط احتجر به على رجل في جارية ابتاعها يمنع به هبتها أو بيعها أو ما يجوز للرجل في ملكه أو يشترط عليه أن يلتمس ولدها ولا يعزلها, فلا يحل له أن يطأها على شيء من هذه الشروط, وإن اشترط ذلك عليه فأهل الجارية أحق بجواز البيع إن تركوه من الشروط وخلوا بينه وبين بيع الجارية بغير شرط, وإن أبوا تناقضوا البيع وذلك أنه لا يحل له من الجارية ما اشتراها له به من أن يمسها والحاجة له إليها والشرط الذي اشترط عليه فيها

فأهل الجارية بالخيار إن شاءوا وضعوا عنه الشرط, وإن شاءوا نقضوا البيع إن لم يطأها فإن وطئها كان في ذلك رأي الحاكم.
وأخبرني سحنون, عن ابن القاسم, عن مالك, عن ابن شهاب, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن ابن مسعود استفتى عمر بن الخطاب في مثل هذا فيما اشترطت عليه امرأته في الجارية التي اشترى منها وكان شرطها إن باعها فهي أحق بها بالثمن فقال عمر: لا تقربها وفيها شرط لأحد1.
وأخبرني عن علي بن زياد, عن مالك فيمن ابتاع جارية على أن لا يبيعها ولا يهبها فباعها المشتري أنه ينتقض البيع وترد إلى صاحبها إلا أن يرضى أن يسلمها إليه ولا شرط فيه, فإن كانت قد فاتت فلم توجد أعطى البائع فضل ما وضع له من الشرط, وقد قيل: إنها إن فاتت ببيع أو تدبير أو موت أو كتابة أو اتخاذ أم ولد أن عليه قيمتها ويترادان الثمن
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 50.

في الرجل يبتاع الجارية وبها العيب لم يعلم به ثم تموت من ذلك العيب
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية حاملا دلس بها البائع فماتت من نفاسها ألي أن أرجع بالثمن أم لا؟ قال: قال مالك: كل عيب دلس به البائع وباعه وهو يعلم فهلك العبد عن المشتري من ذلك العيب فالمصيبة من البائع والثمن رد على المشتري والحمل عيب من العيوب, فإن كانت الجارية ماتت قبل أن يعلم به المشتري وقد دلسه فأراها من البائع, وإن كان قد علم فلم يرد حتى ماتت من نفاسها فلا شيء لها.
قال أشهب: إلا أن يكون فيما علم أمر لم يكن في مثله فوت فقام في ردها فيكون بمنزلة من لم يعلم, ولعله أن يكون علم حين ضربها الطلق فخرج في ذلك فلم يصل إلى السلطان ولا إلى الرد حتى ماتت فهي من البائع,, وإن كان أمرا في مثله ما ترد ولم يأت من ذلك أمر من طول الزمن ما يرى أنه رضا منه يكون اليوم وما أشبهه أحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما رضي إلا على القيام ثم يردها, وإن كان لم يدلس به وماتت في يد المشتري من ذلك العيب كانت المصيبة من المشتري ورد البائع على المشتري ما بين القيمتين.
قال سحنون: وقد بينا آثار هذا قبل هذا وهو قول أشهب.

في الرجل يبتاع الجارية من الرجل فتلد أولادا ثم تموت الأم ويظهر المشتري على عيب كان بالجارية
قلت: أرأيت إن بعت من رجل جارية فولدت عند المشتري أولادا فماتت وبقي أولادها ثم ظهر على عيب كان بالجارية حين بعته إياها؟ قال: يرد البائع قيمة العيب ولا يكون للمشتري أن يرد الأولاد وقيمة الأم إلا أن للبائع أن يقول: أنا آخذ الأولاد وأرد الثمن ; لأن الذي كان البيع فيها قد ماتت, فإن قال: لا أقبل ذلك قيل للمشتري: إما أن أخذت الثمن ورددت الأولاد وإما أن تمسكت بالأولاد ولا شيء لك, ألا ترى لو أن الأم قائمة ومعها ولدها ثم أراد ردها وبها العيب لم يكن له أن يردها إلا ومعها ولدها أو يمسكها وولدها, أو لا ترى لو أن الأم لم يكن معها ولد فأصاب بها عيبا وقد حدث عنده عيب آخر كان له أن يردها ويغرم ما نقصها العيب عنده أو يحبسها ويرجع بقيمة العيب الذي دلس له إلا أن يقول البائع إذا أراد المشتري التمسك بها وأن يرجع بالعيب: أنا أرد الثمن وآخذها معيبة فلا يكون للمشتري حجة إما أن يردها ويأخذ الثمن وإما أن يحتبس ولا شيء له فكذلك إذا رضي أن يعطي الثمن ويأخذ الولد بلا أم يقال للمشتري: إما أن أخذت الثمن وأعطيت الولد وإما أن تمسكت بالولد ولا شيء لك
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فلم أقبضها حتى ولدت عند البائع ولدا ثم قبضتها بعد ما ولدت بشهر أو بشهرين ثم أصبت بها عيبا دلسه إلي البائع وقد حدث بالجارية عندي عيب فأردت أن أرجع عليه بالعيب الذي دلس لي هل يقسم الثمن على قيمة الأم والولد أم على قيمة الأم وحدها؟ قال: ينظر إلى قيمة الأم يوم وقعت الصفقة بلا ولد ثم يرجع بقيمة العيب بحال ما وصفت لك.

في المكاتب يبتاع أو يبيع العبد فيعجز المكاتب ويجد السيد بالعبد عيبا والمأذون له في التجارة يبتاع العبد ثم يحجر عليه ثم يجد السيد بالعبد عيبا
قلت: أرأيت لو أن مكاتبا اشترى عبدا فباعه من سيده ثم عجز المكاتب فرجع رقيقا فأصاب السيد بالعبد عيبا كان عند بائعه من المكاتب فأراد رده على بائعه من المكاتب؟ قال: ذلك للسيد.
قلت: لم وإنما كانت العهدة للمكاتب على البائع ولم تكن للسيد؟ قال: لأن المكاتب حين عجز فقد صار محجورا عليه وصارت العهدة له على البائع فليس للمحجور عليه هاهنا أن يقبل ولا يرد, ألا ترى أن العبد لو أراد أن يرده فأبى السيد

ورضي بالعيب كان ذلك للسيد, ولا ينظر في هذا إلى قول العبد, فهذا يدلك على أن هذا قد صار إلى السيد أن يرد أو يقبل, ألا ترى أن السيد لو أذن لعبده في التجارة فاشترى رقيقا ثم منعه من التجارة وأشهد عليه أنه قد حجر عليه ذلك الإذن ثم أصاب السيد بالعبد عيبا أن للسيد أن يرد أولئك العبيد بعيبهم الذي وجد بهم وليس للعبد أن يرده ; لأن السيد قد حجر عليه إلا أن يكون العبد قبل أن يحجر عليه قد رأى العيب ورضيه من غير أن يكون رضاه معروفا ولا محاباة, ولكنه رضيه رجاء الفضل فيه وكذلك المكاتب, ومما يدلك على ذلك أن لهذا السيد يرد إذا لم يعلم المكاتب بالعيب حتى عجز أو كان عبدا يحجر عليه قبل أن يعلم بالعيب أن العبد قد صار للسيد والمال قد صار في يد العبد فلا يجوز له في ماله صنيع إلا بأمر سيده
قلت: أرأيت مكاتبا اشترى عبدا فمات قبل أن يؤدي كتابته ولم يترك وفاء فأصاب السيد بالعبد عيبا بعد موت المكاتب أيكون له أن يرده على البائع؟ قال: نعم إلا أن يكون للبائع بينة أنه قد تبرأ من العيب إلى المشتري المكاتب وذلك أن مالكا سئل عن الرجل يشتري العبد أو الدابة فيهلك المشتري فيجد ورثة المشتري بالسلعة عيبا فيريدون ردها فيقول البائع: قد تبرأت من هذا العيب إلى صاحبكم, قال مالك: إن كانت له بينة فذلك له وإلا أحلف الورثة الذين يظن بهم أنهم علموا بذلك وردوا العبد.
قلت: وكيف يحلف الورثة أعلى البتات أم على العلم؟ قال سحنون: أخبرني ابن نافع أنهم يحلفون على العلم.
قلت: فإن لم يكن فيهم من يظن به أنه قد علم بذلك؟ قال: فلا يمين عليه عند مالك
قلت: أرأيت مكاتبا باع عبدا ثم عجز المكاتب ووجد المشتري بالعبد عيبا فأراد رده؟ قال مالك: ذلك له, فإن كان للعبد مال أخذ الثمن منه, وإن لم يكن له مال بيع العبد المردود فقضى الذي رده بالعيب الثمن الذي اشتراه به إن كان فيه وفاء لذلك, فإن فضل بعد ذلك فضل كان للعبد الذي عجز, وإن كان عليه نقصان كان عليه يتبعه به في ذمته, قال: فإن كان على العبد الذي عجز دين ورضي المشتري بالرد كان هو والغرماء فيه شرعا سواء

في الرجل يبيع عبده من نفسه بسلعة يأخذها منه
قلت: أرأيت لو أني بعت عبدي من نفسه بجارية عنده فقبضت الجارية ثم أصبت

بها عيبا فأردت ردها بماذا أرجع على العبد أبقيمة نفسه أم بقيمة الجارية؟ قال: ليس لك أن تردها إذا كانت للعبد يوم باعه نفسه ; لأنه كأنه انتزعها منه وأعتقه, قال: ولو أنك بعته نفسه بها ولم تكن للعبد يومئذ ثم وجدت عيبا ترد منه رددتها ورجعت عليه بقيمتها بمنزلة المكاتب يقاطعه سيده على جارية يأخذها منه ويعتقه ثم يجد بالجارية عيبا أو تستحق فإنما يرجع عليه بقيمة الجارية ولا يرجع عليه بقيمة الكتابة ; لأن ذلك ليس بدين قاطع عليه, فلذلك رد إلى قيمة العرض وهذا قول مالك في المكاتب ولا يشبه هذا البيع وهو في البيوع ثمن, وهذا ليس بثمن, وهذا ونكاح المرأة واحد وهما وبيع السلعة بالسلعة مختلف.
قلت: أرأيت حين باعه نفسه بهذه الجارية فأصاب بها عيبا فردها عليه أيكون تام الحرمة جائز الشهادة ويكون عليه قيمة الجارية دينا؟ قال: نعم
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا بشيء مما يكال أو يوزن فأتلف بائع العبد ذلك الثمن وقبضت العبد فأصبت به عيبا؟ قال: ترد العبد وتأخذ مكيلة طعامك ولا يكون لك قيمة طعامك.
قلت: فإن كنت إنما اشتريت العبد فأتلف الثياب ثم أصبت بالعبد عيبا؟ قال: يرجع بقيمة الثياب.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم

فيمن اشترى دارا أو حيوانا فأصاب بها عيبا
قال ابن القاسم: سئل مالك عن الرجل يشتري الدار وبها صدع قال: إن كان صدعا يخاف على الدار الهدم منه فإن هذا عيب ترد به, وإن كان صدعا لا يخاف على الدار منه فلا أرى أن ترد منه ; لأنه قد يكون في الحائط الصدع فيمكث الحائط وبه ذلك الصدع زمانا طويلا فلا أرى هذا عيبا ترد الدار منه.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فأصبتها رسحاء أيكون هذا عيبا في قول مالك؟ قال: لا يكون عيبا. قال: وسئل مالك عن الجارية تشترى فتصاب زعراء العانة لا تنبت قال: أراه عيبا وأرى أن ترد
قلت: أرأيت من باع عبدا وعليه دين أيكون ذلك عيبا يرد منه في قول مالك؟ قال: نعم ذلك عيب يرد منه وكذلك قال مالك.

قال سحنون, عن ابن وهب, عن عقبة بن نافع قال: قال يحيى بن سعيد: دين العبد في ذمته يتبعه به صاحبه حيث كان وهو عيب يرد منه وليس للمبتاع أن يحبس العبد ويتبرأ من الدين, ولكنه إن أراد حبسه حبسه بدينه, وإن أراد رده كان ذلك له.
قال ابن وهب, عن عبد الجبار, عن ربيعة أنه قال في رجل اشترى عبدا وعليه دين وهو لا يعلم قال: يخير إذا علم بالدين.
قال ابن وهب وبلغني عن ابن أبي الزناد مثله.
قال ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب أنه قال في رجل باع عبدا وعليه دين فكتمه دين عبده حين باعه قال: إن أحب الذي اشتراه أن يرده فعل.
قال ابن وهب: قال يونس وقال ابن وهب: إن رضي أن يمسك العبد فالدين على العبد, وقال ابن وهب: قال مالك: دين العبد عهدة وهو عيب من العيوب إن شاء حبس, وإن شاء رد.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتريت جارية لها زوج أو عبدا له امرأة أو عبدا له ولد أو جارية لها ولد أيكون هذا عيبا؟ قال: سمعت مالكا يقول في الجارية التي لها زوج والغلام الذي له المرأة أو ولد: فهذا كله عيب يرد به.
قلت: والجارية التي لها ولد؟ قال: لم أسمعه من مالك, وهو عندي عيب ترد منه مثل الغلام.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية قد زنت عند سيدها فلم يحدها سيدها وقد علمت بذلك أيجب علي أن أحدها؟ قال: سئل مالك عن ذلك فقال: ما أرى ذلك على المشتري بالواجب.
قلت: أفكان مالك يراه عيبا إذا باعها زانية ولم يبين ذلك في وخش الرقيق وعليتها؟ قال: نعم.
قلت: فإن اشتريت عبدا زانيا أكان مالك يراه في العبيد عيبا أم لا؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك فيه إلا أني أراه عيبا يرد منه

في الرجل يشتري العبد ثم يبيعه ثم يدعي بعد ما باعه أن به عيبا
قلت: أرأيت إن بعت عبدا من رجل فباعه المشتري ثم ادعى عيبا بالعبد أيكون له

أن يخاصم بائعه في العيب وقد باع العبد في قول مالك؟ قال: لا أرى أن يرجع بالعيب فكيف يكون بينهما خصومة.
قلت: فإن رجع العبد إلى المشتري بوجه من الوجوه بهبة أو بشراء أو بميراث فأراد أن يخاصم الذي باعه في العيب الذي ادعى أنه كان به يوم باعه أتمكنه من الخصومة بعد ما رجع إليه في قول مالك؟ قال: نعم.
وقال أشهب :, وإن كان رجع إليه بشراء اشتراه فهو بالخيار إن أراد أن يرده على الآخر الذي اشتراه منه رد عليه ; لأن عهدته عليه, ثم يكون الذي يرده عليه بالخيار في إمساكه وفي رده عليك ; لأن عهدته عليك, فإن رده عليك بالعيب رددته على بائعك الأول إن شئت, وإن لم يرده عليك ورضي بعيبه فقد اختلف الرواة فقال بعضهم: لا يرجع على البائع الأول بشيء كان ما باعه به أقل مما اشتراه به أو أكثر, وقال بعضهم: ينظر فإن كان الذي باعه به من الذي رضي بعيبه واحتبسه مثل الثمن الذي كان اشتراه به أو أكثر فلا تباعة له على البائع الأول ; لأنه قد صار في يده مثل الثمن الذي كان يرجع به أو أكثر.
قلت: وإن كان إنما باعه بأقل من الثمن الذي كان اشتراه به رجع على بائعه الأول بما نقص من ثمنه إلا أن تكون قيمة العيب أقل مما ينقص فلا يرجع عليه إلا بقيمة العيب من الثمن الذي اشتراه به. وقال أشهب: وإن شاء لم يرده على الذي باعه أخيرا ثم اشتراه منه ورده على البائع الأول وأخذ منه الثمن الذي كان اشتراه ولا تباعة له في العيب على الذي اشتراه منه أخيرا لرجوعه بالعهدة الأولى وللمشتري الآخر أن يتبعك بالعيب الذي اشترى العبد منك وهو به إن كان باعكه بأقل مما اشتراه به منك, فيأخذك بتمام الثمن ; لأنه قد كان له أن يرده عليك ويأخذ هذا الثمن كله ولا حجة لك عليه ; لأن العبد قد صار إليك وليس هذا بمنزلة ما لو باعه من غيرك بأقل من الثمن ورضي مشتريه بالتمسك به لم يرجع عليك إلا بأقل مما نقص من الثمن أو مما نقص العيب من قيمته, وإن كان إنما رجع إليه بهبة أو بصدقة من الذي كان اشتراه منه فللواهب أو للمتصدق أن يرجع عليه بما بين الصحة والداء في الثمن الذي كان اشتراه به, وله أن يرده على بائعه الأول ويأخذ منه جميع الثمن ولا يحاسب بشيء مما بقي في يديه من ثمن الواهب أو المتصدق ; لأنه كأنه رد عليه العبد ووهبه أو تصدق عليه ببقية الثمن بعد طرح قيمة العيب, وإن كان ورثه من الذي اشتراه رده على بائعه الأول وأخذ منه جميع الثمن ; لأن مال المشتري الميت وهو الثمن قد صار له ميراثا وكان العبد ردا عليه فهو يرجع بجميع الثمن

في الرجلين يبتاعان العبد فيجدان به عيبا فيريد أحدهما أن يرد ويأبى الآخر إلا أن يتمسك
قلت: أرأيت إن بعت عبدي من رجلين صفقة واحدة فأصابا بالعبد عيبا فرضي أحدهما أن يحبس وقال الآخر: أنا أرد. قال: قال مالك: يرد من أراد أن يرد ويحبس الذي أراد أن يحبس.
قال: قال مالك: وإن للبائع هاهنا لمقالا ; قال: وسألنا عنه مالكا بعد ذلك فقال لي: مثل ما قلت لك إنه من أراد أن يمسك أمسك ومن أحب أن يرد رد شاء ذلك البائع أو أبى, وذلك أنه لو فلس أحدهما لم يتبعه إلا بنصف حقه وإنما باع كل واحد منهما نصفه.
قلت: أرأيت إن بعت جارية من رجلين صفقة واحدة فأصابا بها عيبا فقال أحدهما: قد رضيت بالعيب, وقال الآخر: أنا أردها ; قال: سألنا مالكا عنها. فقال مالك: له أن يرد من شاء ويحبس من شاء من المشترين وما أحرى أن يكون للبائع مقال.
قال ابن القاسم: وقد سمعت من أثق به ينكر أن يكون من قول مالك غير ذلك وهو أمر بين ; لأنه إن فلس أحدهما لم يتبع البائع الآخر إلا بالذي يصيبه من الثمن, وإنما باع كل واحد منهما نصفها

جامع العيوب
قال سحنون: قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتريت أمة مستحاضة أتراه عيبا في قول مالك أردها به؟ قال: قال مالك: ذلك عيب ترد منه.
قلت: أرأيت إن اشتراها وهي حديثة السن ممن تحيض فارتفع حيضها عند المشتري في الاستبراء شهرين أو ثلاثة أيكون هذا عيبا في قول مالك؟ قال: قال مالك: ذلك عيب إن أحب أن يردها ردها.
قلت: أرأيت إذا مضى شهران من حين اشتراها فلم تحض أيكون له أن يردها مكانه ويكون هذا عيبا؟ قال: لم يحد لي مالك في ذلك حدا إلا أني أرى إن جاء ليردها ويدعي أن ذلك عيب وذلك بعد مضي أيام حيضتها بالأيام اليسيرة لم أر ذلك له ; لأن الحيض قد يتقدم ويتأخر الأيام اليسيرة إلا أن يطول ذلك فلا يقدر المشتري على وطئها ولا الخروج بها فيكون هذا ضررا على المشتري, فإذا كان ضررا على المشتري صار عيبا يردها به على البائع.

قلت: أرأيت إن قال البائع: أنها إن لم تحض عندك هذا الشهر يوشك أن تحيض عندك الشهر الداخل, أترى أن يؤمر المشتري بحبسها والصبر عليها لعلها تحيض في الشهر الثاني ولا يفسخ البيع أم يفسخ البيع؟ قال: لا أحفظ عن مالك في هذا شيئا ولكن ينظر السلطان في ذلك, فإن رأى ضررا فسخ البيع, وإن رأى أن ذلك ليس بضرر أخره ما لم يكن يقع الضرر.
قلت: أرأيت إن قال البائع: أنا أقيم البينة أنها قد حاضت عندي قبل أن أبيعكها بيوم أو بيومين أو نحو ذلك أو قال للمشتري: إنما حدث بها هذا الداء عندك فلا يكون لك أن تردها علي, قال مالك: إذا لم تحض فذلك عيب يردها به المشتري فقول البائع هاهنا لا ينفعه ; لأنها في ضمان البائع حتى تخرج من الاستبراء أو إنما تصير للمشتري إذا تم الاستبراء فهي, وإن حدث بها هذا الداء في الاستبراء فإنما حدث وهي في ضمان البائع. ألا ترى أن ما حدث من العيوب في الاستبراء إذا كانت مما يتواضع مثلها أنه من البائع حتى تخرج من الحيضة إلا أن تكون من الجواري اللاتي يجوز بيعهن على غير الاستبراء, وتباع على ذلك فيكون من المشتري ; لأنه مما يحدث, وكذلك لو أصابها عيب كان ذلك من المشتري ; ألا ترى أنها لو ماتت بعد استبرائه إياها كانت مصيبتها من المشتري فكذلك ما حدث من العيوب
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا فقطعته ثم اطلعت على عيب يرد به؟ قال: المشتري بالخيار إن أحب أن يرده وما نقص التقطيع رده, وإن أحب أمسكه وأخذ قيمة العيب.
قلت: فلو ادعى المشتري الذي قطع الثوب أن البائع حين باعه علم بالعيب وأنكر البائع ذلك.
قال: قال مالك: له على البائع اليمين. قال: فقيل لمالك: فلو كان البائع قد رآه قبل أن يبيعه فأنسيه حين باعه حتى قطعه المبتاع ثم أتاه به فقال: ما علمت به أو قال: بلى, ولكن نسيت العيب أن أخبرك به حين بعتك أتراه مثل المدلس أو مثل الذي لم يعلم قال: قال مالك: أرى أن يحلف بالله لقد أنسي العيب حين باعه ويكون مثل الذي لم يدلس لا يرده إلا ومثل ما نقص القطع منه.
قلت: أرأيت إن باع جارية ففطن المشتري بعيب فأراد أن يستحلف البائع أن العيب لم يكن بها يوم باعها ولا يعلم أن بها العيب الذي يدعيه المشتري إلا بقوله؟ قال: ليس له أن يستحلف على أنه لم يكن بها عيب يوم باعه إياها بتا ولا على علمه حتى

يكون العيب الذي يدعيه بالجارية عيبا معروفا يرى فيها فيلزمه إن كان لا يحدث مثله عند المشتري.
قال ابن القاسم: وقال مالك: وإن كان من العيوب التي يحدث مثلها عند البائع والمشتري وكان من العيوب الظاهرة حلف البائع على البتات, وإن كان مما يخفى ويرى أنه لم يعلمه حلف البائع على العلم.
قال وكيع, عن سفيان, عن رجل, عن عامر الشعبي: أنه كان يقول: يحلف في العيب إذا كان باطنا على العلم, وإن كان ظاهرا فعلى البتات
قلت: أرأيت إن بعت عبدا فأصاب به المشتري عيبا فادعى المشتري أن العيب كان به عندي وأنكرت أنا العيب ومثله يحدث كيف يستحلف البائع أعلى علمه أم على البتات؟ قال: قال مالك: إن كان من العيوب الظاهرة التي لا يخفى مثلها أحلف على البتات قال :, وإن كان من العيوب التي تخفى أحلف على علمه والبينة على المشتري أن العيب كان عند البائع.
قلت: وكان مالك يقول: إن أحلفه على العيب فحلف البائع أن العيب لم يكن عنده ثم أصاب المشتري بعد اليمين البينة أن العيب كان عند البائع أله أن يرده بعد اليمين؟ قال: كان مالك بن أنس يرى إن استحلفه ولا علم له بالبينة ثم علم أن له بينة وجدها رده ولم يبطل حقه اليمين, قال: وإن كان يعلم ببينته فاستحلفه ورضي باليمين وترك البينة فلا حق له, وكذلك قول مالك في هذا وفي جميع الحقوق
قلت: فإن طعن المشتري أن البائع باعه العبد آبقا أو مجنونا أيحلف البائع على علمه أم على البتات؟ قال: لا يحلف على العلم ولا على البتات ; لأنه لم يثبت أنه كان عندك آبقا أو مجنونا ولو ثبت ذلك لرده عليه ولم ينفعه يمينه, ولو أمكن من هذا الناس لدخل عليهم الضرر الشديد يأتي المشتري إلى الرجل فيقول له: احلف لي أن عبدك هذا ما زنى عندك ولا سرق عندك ولا علم للناس بما يكون من رقيقهم وهذا يدخل منه على الناس ضرر شديد ولو جاز هذا لاستحلفه اليوم على الإباق ثم غدا على السرقة ثم أيضا على الزنا ثم أيضا على الجنون.
ولقد سئل مالك عن رجل اشترى من رجل عبدا فلم يقم عنده إلا أياما حتى أبق فأتاه فقال له: أني أخاف أن لا يكون أبق عندي في قرب هذا إلا وقد كان عندك آبقا فاحلف لي فقال مالك: ما أرى عليه يمينا.

قال ابن القاسم: وإنما بيع الناس على الصحة, فمن دلس رد عليه ما دلس, وما جهل البائع من ذلك فهو على بيع الصحة إلا أن تقوم البينة للمشتري أن ذلك العيب كان عند البائع فيرده عليه, وإن لم يعلم البائع بذلك العيب
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا فأصبت به عيبا كان عند البائع دلسه لي فأردت رده فقال البائع: احلف بالله أنك لم ترض العبد بعد ما رأيت العيب ولا تسوقت به أعلي يمين أم لا؟ قال ابن القاسم: لا يمين له عليك إذا لم يدع أنه بلغه أنه رضيه بعد معرفته بالعيب أو يقول: قد بينت له العيب فرضيه أو ادعى أن مخبرا أخبره أن المشتري تسوق به بعد معرفته أو رضيه لأني سمعت مالكا وسئل عن رجل باع دابة أو جارية من رجل فوجد بها عيبا فأتى بها المشتري إلى البائع ليردها فقال: احلف لي أنك ما رأيت العيب حين ما اشتريتها ولم يدع البائع أنه أراه إياه إلا أنه قال: احلف أنك لم تره.
قال: قال مالك: ما ذلك على المشتري أن يحلف أنه ما رآه ولو جاز ذلك للبائع لجاز في غير هذا, ولكني أرى أن يرد الجارية على البائع ولا يحلف المشتري إلا أن يكون له بينة بأنه قد رآه أو يدعي أنه قد أراه إياه فيحلف له.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا فأصبته مخنثا أتراه عيبا؟ قال: نعم.
قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا.
قلت: فالأمة المذكرة؟ قال: إن كانت توصف بذلك واشتهرت به رأيته عيبا ترد منه ولم أسمعه من مالك

الرجل يشتري العبد أو الجارية فيجدهما أولاد زنا
قلت: أرأيت إن اشتريت غلاما أو جارية فأصبتهما أولاد زنا أيكون هذا عيبا أردهما به؟ قال: نعم. قال: وسمعت مالكا يقول في الجارية توجد ولد زنا: أنها ترد.
وأخبرني ابن وهب عن مالك في العبد يكون لغية أنه قال: هو عيب يرد منه
قلت: أرأيت الحبل في الجارية إذا باع ولم يبين أتراه عيبا أم لا في قول مالك في وخش الرقيق وعليتهم؟ قال: نعم ولقد خالفني ابن كنانة في وخش الرقيق أن الحبل ليس بعيب فيهن فسألنا مالكا عن ذلك فقال لنا: هو عيب نرى أن ترد منه.
قلت: أرأيت لو أن رجلا كانت له أمة رائعة كبيرة تبول في الفراش فانقطع ذلك

عنها ثم باعها ولم يبينه أتراه عيبا في قول مالك لازما أبدا؟ قال: أرى أنه عيب لازم أبدا لا بد له من أن يبين ; لأنه لا تؤمن عودته مثل الجنون, ولأنه إذا هو بين وضع من ثمنها لما يخاف من عودة ذلك وكذلك الجنون.
قال سحنون: أخبرني أشهب في البول إن كان انقطاعه عنها انقطاعا طويلا وقد مضى له سنون كثيرة فإني لا أرى عليه أن يبين, وإن كان إنما انقطع عنها انقطاعا طويلا لا يؤمن من أن يعود إليها فإني أرى لك أن تردها إن شئت.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية فأصبتها صهبة الشعر ولم أكشف شعرها عند عقدة البيع أتراه عيبا؟ قال: لم أسمع من مالك في الصهوبة في الشعر شيئا, ولكني سمعت مالكا يقول في الرجل: يشتري الجارية وقد جعد شعرها أو اسود فإنه عيب ترد به. وقال مالك :, وإن كان بها شيب وكانت جارية رائعة ردها بذلك الشيب. قال ابن وهب: قال مالك: والبخر في الفم عيب ترد منه.
قلت: فإن كانت غير رائعة فظهر على الشيب أيردها أم لا؟ قال: لم أسمع مالكا يقول في الشيب: إلا في الرائعة وليس هو في غير الرائعة عيبا.
قال ابن القاسم: ولا أرى أن يردها إلا أن تكون رائعة أو يكون ذلك عيبا يضع من ثمنها.
قلت: أرأيت الخيلان في الوجه والجسد أيكون عيبا أم لا في قول مالك؟ قال: أما ما كان عيبا عند الناس فهو عيب ترد به إذا كان ذلك عيبا ينقص الثمن؟ قال: وقال مالك: وقد يكون العيب الخفيف بالعبد والجارية يشتريهما الرجل مثل الكي الخفيف لا ينقص ثمنه وما أشبه ذلك إذا لم يكن فاحشا, ولا أرى أن يرد بهذا العيب العبد, قال مالك: وهو عند النخاسين عيب فلا أرى أن يرد به, وإن كان هذا عندهم عيب يرد به.
قال: وسمعت مالكا وسئل عن العبد يتهم بالسرقة فأخذه السلطان فحبسه ثم كشف أمره فوجد بريئا أتراه عيبا إن لم يبينه؟ قال: لا, قال مالك: وقد يتهم الرجل الحر بالسرقة وبالتهمة فيلقى سليما من ذلك فلا تدفع شهادته بذلك

في الرجل يبتاع السلعة وبها العيب لم يعلم له ولا يعلم به حتى يذهب العيب ثم يريد ردها
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا عليه دين فعلمت بدينه فأردت رده فقال: سيده

البائع: أنا أؤدي عنه دينه, أو قال الذي له الدين: قد وهبت له ديني الذي لي عليه, أترى للسيد المشتري أن يرده أم لا؟ قال: لا يكون للسيد المشتري أن يرده, وكذلك لو كانت أمة في عدة من طلاق فاشتراها رجل فعلم بذلك المشتري فلم يردها حتى انقضت عدتها لم يكن له أن يردها ; لأن العيب قد ذهب فلا يكون له أن يردها بعيب قد ذهب.
قلت: وكذلك لو أني اشتريت جارية فرأيت بعينها بياضا فأردت ردها فذهب البياض قبل أن أردها لم يكن لي أن أردها؟ قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: إذا ذهب العيب لم يكن له أن يردها.
قلت: أرأيت إن أصابته الحمى في الأيام الثلاثة أو ابيضت عيناه في الأيام الثلاثة ثم ذهبت الحمى وذهب البياض من عينيه فجاء به المشتري في الأيام الثلاثة يريد رده؟ قال: أما إذا ذهب العيب فليس له أن يرده, قال: لأنه بلغني أن مالكا قال: لو أن رجلا ابتاع عبدا وبه عيب فلم يعلم المبتاع بالعيب حتى برأ العبد من ذلك العيب لم يكن له أن يرده.
قال: وسمعت مالكا يقول في الرجل يشتري العبد وله ولد كبير أو صغير لم يعلم بولده فله أن يرده ورآه عيبا. قال ابن القاسم: ولو مات الولد قبل أن يعلم به السيد ذهب العيب, ولم يكن للسيد أن يرده بالعيب حين علم به فتركه حتى برأ أو لم يعلم به حتى برأ بمنزلة هذا

في الرجل يبيع السلعة بمائة دينار فيأخذ بالمائة سلعة أخرى فيجد بها عيبا
قلت: أرأيت إن بعت سلعة بمائة دينار فأخذت بالمائة سلعة أخرى فوجدت بالسلعة الثانية عيبا؟ قال: يردها ويرجع بالمائة الدينار وهذا مما لا اختلاف فيه.
قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يبيع الرجل الطعام بثمن ذهب أو ورق فيلقاه فيأخذ في ثمنه طعاما آخر مخالفا له أينتقض البيع كله أم يرد البيع الآخر ويثبت البيع الأول؟ قال: بل يرد البيع الآخر ويثبت البيع الأول بحال ما كان, ويرجع عليه فيأخذ ورقه, وكذلك السلعة الأخيرة إذا وجد فيها عيبا فإنما تنتقض الصفقة الثانية وهو مما لا اختلاف فيه, وتبقى الصفقة الأولى على حالها صحيحة وإنما اختلاف الناس في السلعة الأولى, وذلك أن أهل العراق قالوا فيها قولا فسألنا مالكا عنها فقال: الذي أخبرتك

في الرجل يبتاع السلع الكثيرة ثم يجد ببعضها عيبا
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعا كثيرة صفقة واحدة فأصبت بإحداها عيبا وليس هو وجه تلك السلع وقد قبضت جميع تلك السلع أيكون لي أن أردها جميعا في قول مالك؟ قال: لا يكون لك أن ترد في قول مالك إلا تلك السلعة وحدها التي أصبت بها العيب.
قلت: فإن كنت لم أقبض تلك السلع من البائع فأصبت بسلعة منها عيبا قبل أن أقبضها من البائع وليس تلك السلعة وجه ذلك الشراء فأردت أن أرد جميع تلك السلع.
قال: قال مالك: ليس لك أن ترد إلا تلك السلعة وحدها.
قلت: وسواء إن كنت قبضت أو لم أقبض في قول مالك إنما لي أن أرد تلك السلعة التي وجدت فيها العيب بحصتها من الثمن إذا لم تكن تلك السلعة التي وجدت بها العيب وجه تلك السلع؟ قال: نعم وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت عشرة أثواب كل ثوب بعشرة دراهم صفقة واحدة فأصبت بأحدها عيبا أينظر مالك في هذا؟ فإن كان الذي وجدت به العيب هو وجه تلك الثياب رد جميعها أم لا ينظر ; لأنا قد سمينا لكل سلعة ثمنا.
قال: قال مالك: يقسم الثمن على قيمة الثياب ولا يلتفت إلى ما سمى لكل ثوب من الثمن
قلت: ما قول مالك فيمن اشترى من رجل حيوانا ورقيقا وثيابا وعروضا كل ذلك صفقة واحدة فأصاب ببعض ذلك عيبا.
قال: قال مالك: إن أصاب بأرفع تلك السلع عيبا ويعلم أنه إنما اشترى تلك السلع لمكان تلك السلعة وفيها كان يرجو الفضل ومن أجلها اشترى تلك السلع رد ذلك البيع كله إلا أن يشاء المشتري أن يحبس ذلك كله.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبيدا وثيابا ودواب فأصبت بعبد منها عيبا وقيمة العبيد كلهم كل عبد منهم ثلاثون دينارا وقيمة الثياب كذلك أيضا ثلاثون دينارا لكل ثوب, وقيمة الدواب كذلك أيضا قيمة كل دابة ثلاثون دينارا وقيمة العبد الذي أصبت به العيب قيمته خمسون دينارا أو أربعون دينارا أيرد جميع هذا البيع ويجعله إنما اشترى هذا البيع من أجل هذا العبد في قول مالك؟ قال: لا ; لأن العبد الذي أصاب به العيب قيمته خمسون دينارا وهاهنا عبيد وثياب ودواب قيمة كل واحد من هذه الأشياء قريب من هذا الذي

أصاب به العيب فليس لهذا العبد الذي أصاب به العيب اشتراء ولا هذا العبد وجه هذا البيع ; لأن جميعهم قد بلغوا مائتين من دنانير وإنما قيمة هذا العبد خمسون أو أربعون دينارا فهو, وإن كان أكثر ثمنا من كل واحد منهم إذا انفرد بثمنه فليس هو وجه جميع هذا البيع, وإنما يكون وجه جميع هذا البيع إذا كان العبد الذي يصاب به العيب أو السلعة التي يصاب بها العيب هي أكثر تلك الأشياء ثمنا إذا جمعت تلك الأشياء يكون جميع الثمن ألف دينار وهي سلع كثيرة فيكون ثمن العبد سبعمائة دينار أو ثمانمائة دينار فهذا الذي وجه تلك الأشياء, ومن أجله اشتريت, وإن أصبت به عيبا رددت هذه السلع كلها

في الرجل يبتاع النخل فيأكل ثمرتها ثم يجد بها عيبا
قلت: أرأيت الرجل يبيع الأرض والنخل فيأكل المشتري ثمرتها ثم يجد بالنخل عيبا أله أن يردها في قول مالك ولا يغرم ما أكل؟ قال: قال مالك: في الدور والعبيد إذا أصاب بهم عيبا وقد اغتلهم أن له أن يردهم وله غلتهم فكذلك غلة النخل عندي. قال سحنون: لأن الغلة بالضمان, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخراج بالضمان"1.
قلت: فإن كانت غنما جز أصوافها فأكل ألبانها وجميع سمونها ثم أصاب بها عيبا أيكون له أن يرده أم لا في قول مالك؟ قال: هو عندي أيضا بمنزلة الغلة.
قلت: أرأيت ما جز من أصوافها والصوف قائم بعينه أيرده؟ قال: لا أرى ذلك إلا أن يكون حين اشتراها كان عليها صوف قد تم فجزه, فإن ردها رد ذلك معها, وإن كان إنما هو نبات فلا أرى ذلك. قال سحنون: وأخبرني أشهب أنه قال: النبات وغيره سواء ; لأن كل ذلك تبع ولغو مع ما ابتعت من الضأن, وكذلك ثمر النخل المأبورة ; لأنه غلة والغلة بالضمان.
قلت: ولم جعلت الصوف واللبن بمنزلة الغلة؟ قال: لأن مالكا قال في الغنم: يشتريها الرجل للتجارة فيجزها قال: أرى أصوافها بمنزلة غلة الدور وليس فيها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم يقبض الثمن إن باع الصوف
قلت: أرأيت إن كانت أمة فولدت أولادا ثم أصاب بها المشتري عيبا؟ قال: يردها وولدها وإلا فلا شيء له في قول مالك.
قلت: أرأيت البيع الفاسد في هذا, والصحيح سواء إذا أصاب عيبا وقد اغتل غلة من الدور والنخل والغنم أو ولدت الغنم أو الجواري؟ قال: نعم هو سواء ما كان من غلة
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 71. الترمذي في كتاب البيوع باب 53 النسائي في كتاب البيوع باب 15. ابن ماجه في كتاب التجارات باب 43.

فهي له بالضمان وما كان له من ولادة ردها مع الأمهات إلا أن تفوت في البيع الفاسد والولد فوت, فيكون عليه قيمتها يوم قبضها ولا يرد فإن أراد أن يرد بالعيب فذلك له, والعيوب ليس فيها فوت إلا أن تموت أو يدخلها نقص فيردها وما نقص العيب منها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم

في الرجل يبيع السلعة ويدلس فيها بالعيب وقد علمه
قلت: أرأيت إن بعت ثوبا من رجل دلست له بعيب وأنا أعلم أو كان به عيب لم أعلم به؟ قال: قال مالك: إذا دلس بالعيب وهو يعلم ثم أحدث المشتري في الثوب صبغا ينقص الثوب أو قطعه قميصا أو ما أشبه ذلك, فإن المشتري بالخيار إن شاء حبس الثوب ويرجع على البائع بما بين الصحة والداء, وإن شاء رد الثوب ولا شيء عليه, وإن كان الصبغ قد زاد في الثوب, فإن شاء حبس الثوب ويرجع على البائع بما بين الصحة والداء, وإن شاء رد الثوب وكان شريكا للبائع بما زاد الصبغ في الثوب, وقال أبو الزناد: إذا ابتاع الرجل ثوبا فقطعه قميصا ثم وجد فيه عيبا قال: فإن كان صاحبه دلس رده عليه, وإن كان لم يدلس طرح عن المبتاع قدر عيبه.
قلت لابن القاسم: ولم لا يجعل مالك عليه ما نقصه القطع والصبغ عنده إذا كان البائع دلسه له؟ قال: لأن البائع هاهنا كأنه أذن له في ذلك فلا شيء على المشتري من ذلك.
قلت: فلو لبسه المشتري فانتقض الثوب للبسه؟ قال: هذا يضمن ما نقص الثوب للبسه إن أراد رده. قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا لم يدلس بالعيب فقطع المشتري منه قميصا أو صبغه صبغا ينقصه, فإن أدرك الثوب رده وما نقص العيب عنده, وإن شاء حبسه ورجع بما بين الصحة والداء, وإن زاد الصبغ, فإن أدرك الصبغ في الثوب فإن المشتري بالخيار إن شاء حبسه ورجع بما بين الصحة والداء, وإن شاء رده وكان شريكا بالزيادة وهذا في المصبوغ في الزيادة.
قلت: فمن دلس بالعيب ومن لم يدلس, فإنما القول فيه قول واحد وإنما يختلف القول فيهما في هذا الذي دلس إذا قطع المشتري ثوبه أو صبغه صبغا ينقصه رده ولم يرد معه ما نقص والذي لم يدلس ليس للمشتري إذا صبغ صبغا ينقصه أو قطع الثوب فنقص ليس له أن يرده إلا أن يرد النقصان معه؟ قال: نعم إنما افترقا في هذا فقط.

قلت: أرأيت ما سمعتك تذكر عن مالك أن من باع فدلس أنه إن حدث عنده به عيب أن له أن يرده أهذا في جميع السلع في قول مالك أم لا؟ قال: ليس هكذا. قلت لك: إنما قلت لك أن مالكا قال: من باع ثوبا فدلس بعيب علمه فقطعه المشتري إن له أن يرده ولا يكون عليه مما نقصه التقطيع شيء, وإن كان باعه ولم يعلم بالعيب ولم يدلس له بالعيب لم يكن له أن يرده إلا أن يرد معه ما نقص التقطيع.
قال: فقلنا لمالك: فإن كان قد علم البائع بالعيب ثم باعه فزعم أنه نسي العيب حين باعه ولم يعلم بتدليسه؟ قال: قال مالك: يحلف بالله إنه نسي العيب حين باعه وما ذكره, ويكون سبيله سبيل من لم يدلس.
قلت: فإن كان البائع قد دلس له بالعيب فحدث به عند المشتري عيب من غير القطع أو في الحيوان حدث به عيب؟ قال: إنما قال مالك: في الرقيق والحيوان إذا حدث بها عيب مفسد مثل العور وما أشبهه والقطع لم يكن له أن يرده إلا أن يرد معه ما نقص وليس يترك ما نقص دلس أو لم يدلس, قال: لأن الرقيق والحيوان كله دلس أو لم يدلس ما حدث بها من عيب عند المشتري مفسد لم يكن له أن يرده إلا أن يرد معه ما نقص وما كان من عيب ليس بمفسد فله أن يرده ولا يرد معه ما نقص والتدليس في الحيوان والرقيق وغير التدليس سواء.
قال ابن القاسم: وأما في الثياب فإنه إذا دلس فحدث في الثياب عيب عند المشتري مفسد من غير التقطيع أو فعل بما لا ينبغي له أن يفعل بالثوب كان بمنزلة الحيوان لا يرده إلا أن يرد معه ما نقص العيب وإنما أجازه مالك في التقطيع وحده له أن يرده ولا يرد معه ما نقص إذا دلس له.
قال ابن القاسم: والقصارة والصباغ مثله
قلت: أرأيت ما اشترى من الثياب وقد دلس فيه بعيب فصبغها أو أحدث فيها ما هو زيادة فيها, ثم اطلع على العيب فأراد المشتري أن يرد ويكون معه شريكا بما زاد الصبغ في الثوب أيكون ذلك له؟ قال: نعم ذلك له في قول مالك.
قال: وقال مالك: فإن نقصها الصبغ فهو بمنزلة التقطيع إن أحب أن يرده رده ولا شيء عليه, وإن أحب أن يمسكه أمسكه وأخذ قيمة العيب.
قال مالك: وإن كان لم يدلس له وقد صبغه المشتري صبغا ينقصه رده ورد معه ما نقص الصبغ منه, وإن أحب أن يمسكه ويأخذ ما نقص العيب من السلعة من البائع فذلك له.

قلت: أرأيت إن اشتريت ثيابا كان بها عيب عند البائع لم يعلم به ثم اطلعنا على العيب وقد حدث بها عندي عيب غير مفسد أيكون لي أن أردها على البائع ولا أرد معها شيئا؟ قال: إن كان الشيء الخفيف الذي لا خطب له رأيت أن يرده, والعيوب في الثياب ليست كالعيوب في الحيوان ; لأن العيب في الثوب يكون الخرق في وسطه, وإن كان غير كبير فإنه يضع من ثمنه, والكية وما أشبهها يكون في الحيوان فلا يكاد يضع من ثمنها كبير شيء.
قلت: أرأيت الحيوان إذا اشتراها وقد دلس فيها صاحبها؟ قال: التدليس وغير التدليس في الحيوان سواء في قول مالك ; لأن الحيوان لم يبعها على أن يقطعها, والثياب إنما تشترى للقطع وما أشبهه.
قلت: فالدار إذا باعها وقد دلس فيها بعيب قد علم به البائع؟ قال: أراها بمنزلة الحيوان ولم أسمع من مالك فيها شيئا.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا به عيب دلسه لي البائع باعنيه وقد علم بالعيب فقطعته قباء أو قميصا أو سراويل ثم علمت بالعيب الذي دلسه لي البائع أيكون لي أن أرده في قول مالك؟ قال: نعم ولا يرد معه ما نقص التقطيع.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا فقطعته تبابين ومثل هذا الثوب لا يقطع تبابين وهو وشي وبه عيب دلسه لي البائع أيكون لي أن أرده أم لا؟ قال: هذا فوت إذا قطعه خرقا أو ما لا يقطع من ذلك الثوب مثله فهو فوت وليس له أن يرده ولكن يرجع على البائع بالعيب الذي دلسه له من الثمن.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا به عيب دلسه لي البائع فبعته؟ قال: لا ترجع على البائع بشيء ; لأنك قد بعت الثوب وقد فسرت لك قول مالك في هذا قبل هذا الموضع.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا فصبغته بعصفر أو بسواد أو بزعفران أو بورس أو بمشق أو بخضرة أو بغير ذلك من الصبغ فزاد الثوب الصبغ خيرا أو نقص فأصبت به عيبا دلسه لي البائع باعني الثوب وبه عيب قد علم به أو لم يعلم به؟ قال: قال مالك: إن كان قد دلس له وقد صبغه صبغا ينقص الثوب رده ولا نقصان عليه فيما فعل بالثوب, وإن كان زاد الصبغ بالثوب خيرا فالمشتري بالخيار إن أحب أن يمسكه ويأخذ قيمة العيب فذلك له, وإن أبى أن يحبسه رده وأخذ الثمن وكان شريكا في الثوب بقدر ما زاد الصبغ في الثوب يقوم الثوب وبه العيب غير مصبوغ, فينظر ما قيمته ثم يقوم وبه العيب وهو مصبوغ فينظر

ما قيمته, فالذي زاد الصبغ في الثوب يكون بذلك المشتري شريكا للبائع.
قال: وقال مالك: وإن كان لم يدلس البائع وقد صبغه المشتري صبغا ينقص الثوب كان بالخيار إن شاء أن يمسكه أمسكه وأخذ قيمة العيب, وإن شاء أن يرده رده وما نقص الصبغ منه فذلك له والمشتري في ذلك بالخيار, وإن كان الصبغ قد زاده فالمشتري بالخيار إن أحب أن يمسكه ويأخذ قيمة العيب فعل, وإن شاء أن يرده وكان شريكا.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا فلبسته حتى غسلته غسلات ثم ظهرت على عيب قد كان دلسه لي البائع وعلم به أو باعني وبه عيب لم يعلم البائع بالعيب؟ قال: إذا لبسه لبسا خفيفا لم ينقصه رده ولا شيء عليه, وإن كان قد لبسه لبسا كثيرا قد نقصه رده ورد معه ما نقصه دلس له أو لم يدلس إلا أن يشاء أن يحبسه ويرجع عليه بما دلسه.
قلت: أرأيت إن اشتريت حنطة قد مسها الماء وجفت ولم يبين لي أو عسلا أو لبنا مغشوشا فأكلته ثم ظهرت على ما صنع البائع؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, وأرى أن يوضع عنه ما بين الصحة والداء ; لأن هذا, وإن كان مما يوزن أو يكال لا يوجد مثله ; لأنه مغشوش, فإن كان يعلم أنه يوجد مثله في غشه يحاط بذلك معرفة رأينا أن يرد مثله ويرجع بالثمن.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بكرا لها زوج ولم يدخل بها وقد علمت أن لها زوجا فقبضتها ثم افتضها زوجها عندي فنقصها ذلك فظهرت على عيب دلسه لي البائع أيكون لي أن أردها ولا يكون علي شيء من نقصان وطء الزوج لها؟ قال: لك أن تردها ولا شيء عليك ; لأنه باعك جارية ذات زوج ودلس فيها بعيب, فليس عليك لوطء الزوج إذا جاء من وطء الزوج نقصان عليك قليل ولا كثير, وكذلك الرجل يبيع الثوب من الرجل وبه العيب قد دلسه له علم به البائع فقطعه المشتري ثم ظهر على عيبه فإن له أن يرد الثوب ولا يكون عليه للقطع شيء, وكذلك قال مالك: في الثياب وهذا أدنى من ذلك, فالجارية دلس أو لم يدلس فلا شيء عليه في افتضاض الزوج ; لأن البائع هو الذي زوجها, وإنما كان يكون عليه أن لو كان المشتري هو الذي زوجها.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا من رجل وبه عيب لم أعلم به ثم اشتراه مني بائعه بأكثر مما اشتريته أو بأقل؟ قال: إن كان البائع دلس بالعيب ثم اشتراه بأكثر فليس له أن يرده عليك ; لأنه اشتراه وهو يعلمه, وإن كان اشتراه بأقل رد عليك تمام الثمن الأول ; لأنك كان لك أن ترده عليه وها هو ذا في يديه, وإن كان لم يعلم بالعيب حين باعه منك حتى

اشتراه منك بأكثر فله أن يرده عليك ويأخذ الثمن ولك أن ترده عليه, وإن كان اشتراه بمثل الثمن الأول فكأنه رد عليه, وإن كان اشتراه بأقل من الثمن رد عليك تمام الثمن الأول ; لأنك كان لك أن ترده عليه وها هو ذا في يديه.

في الرجل يبيع السلعة وبها عيب لم يعلم به
قلت: أرأيت إن باع صاحب الثوب ثوبه وبه عيب لم يعلم به ولم يبرأ إليه المشتري من شيء ثم قطعه المشتري فظهر المشتري على عيب وقد كان في الثوب عيب عند البائع؟ قال: قال مالك: لا تكون البراءة في الثياب. قال مالك :, وإن باعه البائع وهو لا يعلم فقطعه المبتاع ثم وجد المبتاع بعد ما قطعه به عيبا فالمشتري بالخيار إن أحب أن يرده رده وما نقصه القطع, وإن أحب أن يمسكه ويأخذ قيمة العيب فذلك له, وفرق مالك بين من علم أن في ثوبه عيبا حين باعه وبين من لم يعلم أن بثوبه عيبا.
قلت: والعروض كلها عند مالك مثل الثياب؟ قال: لم أسمعه من مالك إلا أني أرى ما كان من العروض التي تشترى لأن يعمل بها كما يصنع بالثياب من القطع مثل الجلود تقطع أخفافا, ومثل جلود البقر تقطع نعالا, وما أشبه هذه الوجوه رأيته مثل الثياب والخشب, وما أشبهها مما يشتريها الرجل فيقطعها فيكون العيب في داخلها ليس بظاهر للناس فإن مالكا قال في الخشب: إذا كان العيب في داخل الخشب إنه ليس بعيب, قال: ويلزم المشتري إذا قطعها فظهر على العيب قال: ونزلت فحكم فيها مالك بذلك.

ما جاء في الخشب والبيض والراتج والقثاء يوجد به عيب
قال ابن القاسم: كل ما أشبه الخشب مما لا يبلغ علم الناس معرفة العيب فيه لأنه باطن وإنما يعرف عيبه بعد أن يشق شقا ففعل ذلك المشتري ثم ظهر على العيب الباطن بعد ما شقه فهو له لازم ولا شيء على البائع.
فقلت لمالك: فالراتج وهو الجوز الهندي والجوز والقثاء والبطيخ والبيض يشتريه الرجل فيجده فاسدا؟ قال: أما الراتج والجوز فلا أرى أن يرد وهو من المشتري, وأما البيض فهو من البائع ويرد, وأما القثاء فإن أهل الأسواق يردونه إذا وجدوه مرا.
قال مالك: ولا أدري بما ردوا ذلك استنكارا لما علموا به من ذلك في ردهم إياه فيما رأيته حين كلمني فيه ولا أرى أن يرد.

في الرقيق والحيوان يجد بهم المشتري العيب دلسه البائع أو لم يدلسه
قال ابن القاسم: العيب في الجواري والعبيد من دلس, ومن لم يدلس إذا حدث عند المشتري عيب مفسد لم يرده إلا وما نقص العيب منه ليس هو مثل الثياب في ذلك.
قلت: فما فرق ما بين الثياب والرقيق في قول مالك؟ قال: قال مالك: لأن الثوب حين دلسه قد باعه إياه ليقطعه المشتري وإنما تشترى الثياب للقطع وأن العبد ليس يشترى على أن تفقأ عينه ولا تقطع يده فهذا فرق ما بينهما.
قلت: فالحيوان مثل الرقيق في قول مالك؟ قال: نعم

في الرجل يبتاع الجارية فيقرها عنده وتشب ثم يجد بها عيبا
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية صغيرة فكبرت عندي فصارت جارية شابة فزادت خيرا فأصبت بها عيبا كان عند البائع باعنيها وبها العيب؟ قال: قال مالك: من باع صغيرا فكبر عند صاحبه قال: أراه فوتا عليه ويرد قيمة العيب فأرى أن يرد عليه قيمة العيب ولا يشبه عندي الفراهية وتعليم الصناعات وغيرها وذلك ليس بفوت إن أحب أن يردها ردها, والصغير إذا كبر يرد البائع قيمة العيب على ما أحب أو كره ورآه مالك فوتا.
قال ابن القاسم: قال مالك: والمشتري ليس له أن يرد إذا كان فوتا يجبر البائع على أن يرد على المبتاع قيمة العيب من الثمن ; لأنها فاتت وليس لواحد منهما خيار.
قلت: وكذلك إن اشتراها صبية فكبرت كبرا فانيا فأصاب بها مشتريها عيبا دلسه البائع له؟ قال: هذا فوت عند مالك ; لأن مالكا قال: إذا كبرت فهو فوت إذا اشتراها صغيرة ثم كبرت.
قال ابن القاسم: ومما يبين ذلك أيضا أنه ليس لصاحب الصغير إذا كبر أن يرد ويبين لك أن الكبر فوت, ويجبر البائع على أداء قيمة العيب أن البيع الفاسد إذا فات, وقد علم مكروهه, وقد فات بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق يعلم بذلك والسلعة قد نمت وهي خير منها يوم اشتراها فأراد أن يردها لم يكن ذلك له, وإن كانت أرفع في القيمة يوم يريد ردها ولا حجة له في أن يردها.

في الرجل يبتاع الجارية ثم يبيعها من بائعها أو غيره ثم يعلم بعد ذلك بعيب كان دلسه به البائع
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية بها عيب دلسه لي البائع ثم اشتراها مني البائع نفسه ثم ظهرت منها على العيب الذي دلسه لي البائع ألي أن أرجع عليه بشيء أم لا في قول مالك؟ قال: نعم أرى أن ترجع عليه بذلك إن كنت بعتها بأقل من الثمن الذي اشتريتها به منه, ولا حجة للبائع الذي دلس بالعيب أن يقول للمشتري: ردها علي وهي في يديه, فلذلك رأيت أن يرجع عليه بما نقص من الثمن الأول.
قلت: فإن كان المشتري باعها منه بأكثر مما اشتراها به؟ قال: إن كان البائع الأول قد علم بالعيب ودلس له لم يرجع على المشتري بشيء إذا اشتراها منه بأكثر مما باعه به.
قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه إذا باعها من أجنبي فلا أرى أن يرجع على البائع بشيء, وإنما هو على أحد أمرين إن كان باع بنقصان وقد علم بالعيب وقد رضي به, وإن كان لا يعلم بالعيب فإنما نقص من غير العيب وهو الذي سمعت من قول مالك.
قلت: فإن كان المشتري وهبها للبائع أو تصدق بها عليه ثم ظهر على العيب الذي دلس له البائع؟ قال: يرجع عليه بالعيب.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية وقد دلس لي بائعها فيها بعيب فبعت نصفها ثم ظهرت على العيب الذي دلس به؟ قال: يقال للبائع: إما إن رددت نصف قيمة العيب على المشتري وإما قبلت النصف الباقي الذي في يديه بنصف الثمن ولا شيء عليك غير ذلك وكذلك سمعت من مالك.

في الرجل يبتاع الخفين أو المصراعين فيجد بأحدهما عيبا
قلت: أرأيت إن اشتريت خفين أو نعلين أو مصراعين أو شيئا من الأشياء مما يكون فيه زوج فأصبت بأحدهما عيبا بعد ما قبضته أو قبل أن أقبضه؟ قال: لا يكون لك أن ترد إلا جميعا أو تحبس إلا جميعا.
قلت: وكل شيء من هذا ليس بزوج ولا بأخ لصاحبه إنما اشتراهما أفرادا اشترى نعالا فرادى فأصاب بأحدهما عيبا كان له أن يردها؟ قال: نعم على ما وصفت لك في أول الكتاب في اشتراء الجملة وغيرها.

في الرجل يبتاع النخل أو الحيوان فيغتلهم ثم يصيب بهم عيبا
قلت: أرأيت إن اشتريت شاة أو بقرة أو ناقة فاحتلبت لبنهن زمانا أو جززت أصوافهن وأوبارهن ثم أصبت عيبا دلس لي بذلك البائع أيكون لي أن أردهما في قول مالك ولا يكون علي فيما احتلبت ولا فيما اجتززت شيء وكيف إن كان اللبن والصوف والوبر قائما بعينه لم يتلف؟ قال: لا شيء عليك في ذلك كله كان قائما بعينه أو لم يكن ; لأنها غلة, والغلة بالضمان ويرد الشاة والبقرة والناقة ويرجع بالثمن كله. قال ابن القاسم: إلا أنه إن كان اشتراها وعليها صوف تام فجزه أنه يرده إن كان قائما, وإن كان قد أتلفه رد مثله.
قلت: فإن كان فيها لبن يوم اشتراها فحلبها ثم أصاب بها عيبا بعد ذلك بزمان فأراد ردها أيرد معها مثل اللبن الذي كان في ضروعها؟ قال: ليس اللبن مثل الصوف وهو خفيف, وله أن يردها ولا يكون عليه للبن شيء ; لأنه كان ضامنا وهذا بمنزلة غلة الدور وهو تبع لما اشترى.
قلت: فما قول مالك في الرجل يشتري الدار فيغتلها زمانا ثم يظهر على عيب بالدار كان عند البائع؟ قال: قال مالك: يرد الدار ولا شيء عليه في الغلة.
قلت: فإن كانت الدار قد أصابها عند المشتري عيب آخر أيرد معها المشتري ما أصابها عنده من العيب؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن اشتريت غنما أو بقرا فحلبت أو جززت وتوالدت أولادا عندي ثم أصبت بالأمهات عيبا ألي أن أرد الأمهات وأحبس أصوافها وأولادها وألبانها؟ قال: قال مالك: أما الأولاد فيردون مع الأمهات إن أراد أن يرد العيب.
قال ابن القاسم: وأما أصوافها وأوبارها وسمونها فإن ذلك لا يرد مع الغنم ; لأن هذا بمنزلة الغلة.
قلت: أتحفظ عن مالك في النخل شيئا إذا اشتراها رجل فاستغلها زمانا ثم أصاب عيبا؟ قال: قال مالك: إذا اشترى نخلا فاستغلها زمانا ثم أصاب بها عيبا أو استحقت أنه يرجع على بائعه بالثمن وتكون له الغلة بالضمان
قلت: أرأيت إن اشتريت نخلا فيها ثمر قد أبر فمكثت عندي النخل حتى جززت الثمرة ثم أصبت عيبا فأردت أن أرد النخل وأحبس الثمرة؟ قال: ليس ذلك لك وعليك أن ترد الثمرة مع النخل إن أردت الرد وإلا فلا شيء لك.

قلت: لم, وإنما اشتريت النخل وفيها ثمر لم تزه وإنما اشتريت النخل وفيها ثمر قد أبر فبلغ عندي حتى صار ثمرا وجددته؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" فلما كانت الثمرة للبائع إذا باع النخل ولم يكن للمبتاع إلا باشتراط منه رأيت أن يرد الثمرة مع الحائط هذا المشتري حين اشترى النخل وفيها ثمر قد أبر ويعطي المشتري أجر المثل لعمله وسقيه فيما عمل لأني إذا رددت الحائط وأردت أن ألزمه الثمرة بحصتها من الحائط لم تكن كغيرها من السلع مثل الرأسين أو الثوبين لأني إذا رددت أحد الرأسين أو أحد الثوبين كان بيع الآخر حلالا وإذا رددت الحائط وأردت أن أجعل للثمرة ثمنا بقدر ما كان يصيبه من ثمن الحائط كنت قد بعت الثمرة قبل أن يبدو صلاحها فأرى أن يردها ويعطي المشتري أجر عمله فيما عمل فإن أصابها أمر من أمر الله ذهب بالثمرة رد الحائط ولم يكن عليه للثمرة شيء من الثمن, وإنما مثل ذلك مثل ما قال مالك في العبد يشتريه الرجل ويشترط ماله فينتزعه منه ثم يجد به عيبا فيريد رده إنه لا يرده إلا وما انتزع من ماله معه, قال: ولو ذهب مال العبد من يد العبد بأمر يصيبه رده ولم يكن عليه في المال شيء فالثمرة إذا اشترطت بعد الإبار بمنزلة مال العبد إذا اشترط أمرهما واحد فيما يجد من الثمرة أو يصيبها أمر من أمر الله قال: وذلك أني سمعت مالكا أيضا يقول: لو أن رجلا اشترى حائطا لا ثمر فيه فأتاه رجل فأدرك فيه الشفعة وفيه يوم أدرك الصفقة ثمرة قد أبرت فقال مشتري الحائط: الثمرة لي قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع"1 , وهذه قد أبرت وهي لي.
قال مالك: أرى أن يعطى أجر قيامه وسقيه فيما عالج ويأخذ صاحب الشفعة الثمرة فتكون له فهذا مثله إذا ردت الثمرة على البائع أعطى المشتري أجر عمله فيما عالج.
وأخبرني, ابن وهب, عن يونس, عن ابن شهاب أنه قال: في رجل ابتاع دابة فغزا عليها فلما قفل وجد بها داء فردها منه, قال ابن شهاب: لا نرى لصاحبها كراء من أجل ضمانها وعلفها.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "9" عن نافع عن عبد الله بن عمر. البخاري في كتاب البيوع باب 90. مسلم في كتاب البيوع حديث 77.

في الرجل يتبرأ من دبر أو عيب فرج أو كي فيوجد أشنع مما يتبرأ منه
قلت: أرأيت إن باعه بعيرا أو تبرأ إليه من دبر البعير, وبالبعير دبرات كثيرة؟ قال: إن كان دبره دبرا مفسدا منغلا لم أر ذلك يبرئه إن كان مثله لا يرى حتى يبين صفة الدبرة أو يخبره بها ; لأن الرجل ربما رأى رأس الدبرة ولم يعلم ما في داخلها, ولعلها أن تكون قد أعنته وأذهبت سنامه أو تكون نغلة فلا أرى أن يبرئه إلا أن يذكر الدبرة وما فيها ومما

يشبه ذلك أني سمعت مالكا وسئل عن رجل باع عبدا وقد كان أبق وتبرأ من الإباق فإذا إباقه إباق بعيد؟ قال: لا أرى ذلك يبرئه قد يشتري الرجل العبد ويبرئه صاحبه من الإباق وإنما يظن المشتري أن إباقه إلى مثل العوالي أو إباق ليلة أو ما أشبه ذلك فإذا إباقه إلى الشام أو إلى مصر, قال: لا أرى براءته تنفعه حتى يبين.
قال ابن القاسم: ومن ذلك أيضا أن يتبرأ من السرقة فيظن المشتري أنه كان إنما يسرق في البيت الرغيف وما أشبه ذلك وهو عادي ينقب بيوت الناس فلا تنفعه البراءة حتى يبين.
قلت: أرأيت إن اشتريت جارية وتبرأ إلي صاحبها من الكي الذي بجسدها فأصبت بظهرها كيا كثيرا أو بفخذيها فقلت للبائع: إنما ظننت أن الكي ببطنها فأما إن كان بظهرها أو بفخذيها فلا حاجة لي بها؟ قال: الجارية لازمة للمشتري إلا أن يأتي من الكي أمر متفاحش مثل ما وصفت لك في الإباق والدبرة فذلك لا تبرئه البراءة إلا أن يخبره بشنع الكي أو يريه إياه.
قلت: ولا يلتفت في هذا إلى عدد الكي؟ قال: لا إلا أن يتفاحش الكي أيضا فيكون كيا يعلم أن ذلك متفاحش كثير فيكون على ما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن باع جارية فتبرأ من عيوب الفرج فأصاب المشتري بفرجها عيوبا كثيرة عقلا أو قرنا؟ قال: إن كان ما بفرجها من العيوب يختلف حتى يصير بعضه فاحشا فلا تجزئه البراءة إلا أن يبين إليه العيوب بفرجها فإن بين وإلا لم تجزئه.
قلت: أرأيت إن باعها وتبرأ إليه من عيوب الفرج فأصابها رتقاء؟ قال: أرى أن في عيوب الفرج إذا تبرأ من عيوب الفرج أن تجوز براءته في العيب اليسير الذي يغتفر من ذلك فإذا جاء من ذلك عيب فاحش لم تجزه البراءة من ذلك إلا أن يسميه ويبينه.
قلت: أرأيت إن قال: أنا أبرأ إليك من رتقها ولم يقل رتقاء بعظم ولا بغير عظم فأصابها مشتريها رتقاء بعظم لا يقدر على أن يبط ولا يعالج؟ قال: إن كان رتقا شديدا لا يقدر على علاجه ; لأن منه ما يقدر على علاجه فكان الذي بها من الرتق ما لا يقدر على علاجه فلا تجزئه البراءة إلا أن يبين ذلك.
قال سحنون, عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول فيمن باع عبدا أو دابة أو شيئا فتبرأ من العيوب وسماه في أشياء يسميها يقول: برئت من كذا ومن كذا فإن ذلك يرد

على البائع حتى يوقف الذي اشتراه منه على ذلك العيب بعينه الذي في الشيء الذي باع.
قال ابن وهب, عن ابن سمعان: إن سليمان بن حبيب المحاربي أخبره أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله أن امنع التجار أن يسموا في السلعة عيوبا ليست فيها التماس التلفيق على المسلمين والبراءة لأنفسهم فإنه لا يبرأ منهم إلا من رأى العيب بعينه فإنه ليس في دين الله غش ولا خديعة والبائع والمبتاع على رأس أمرهما حتى يتفرقا ولا يجاز من الشروط في البيع إلا ما وافق الحق.
قال ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب أنه قال في رجل باع سلعة وبها عيب فسمى عيوبا كثيرة وأدخل ذلك العيب فيما سمى.
قال ابن شهاب: إن لم يكن وضع يده على ذلك العيب وحده أو علمه إياه وحده فإنا لا نرى أن تجوز الخلابة بين المسلمين حتى يتبرأ من العيب وحده.
قال ابن وهب, عن يونس, عن ربيعة أنه قال: من تبرأ من عهد فجمعها منها ما كان ومنها ما لم يكن فإنه يرد على البائع كل ما تبرأ منه من شيء قد علمه إذا كان قد ضمه مع غيره ولم ينصصه وحده بعينه وذلك أنه إنما وضعه ذلك الموضع ليلبس به على من باعه وليخفيه لما ضم إليه وجعله معه مما ليس بشيء.
قال سحنون, عن وكيع بن الجراح, عن سفيان, عن المغيرة, عن إبراهيم النخعي أنه قال: أبيعك لحما على بارعة أبيعك ما أقلت الأرض, قال: لا يبرأ حتى يسمي.
قال سحنون, عن وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن بعض أصحابه, عن شريح قال: لا يبرأ حتى يضع يده.

في الرجل يبتاع السلعة ثم يأتي مشتريها بعد ذلك فيتبرأ إليه من عيوبها
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة فلما وجبت لي وقبضتها أتاني بائعها فقال لي: إن بها عيوبا وأنا أحب أن أتبرأ منها؟ قال: قال مالك: إن كانت عيوبا ظاهرة ترى فالمشتري بالخيار إن أحب أن يأخذ أخذ, وإن أحب أن يرد رد, وإن كانت عيوبا غير ظاهرة أو لا بينة له عليها لم يقبل قوله في ذلك وكان المشتري على بيعه فإن اطلع بعد ذلك على معرفة عيوب كانت بها عند البائع بأمر يثبت ذلك كان له إن شاء أن يمسك أمسك, وإن شاء أن يرد رد ; لأنه إذا كان الأمر غير الظاهر كان في ذلك مدعيا.

قلت: أرأيت إن قال البائع: إن بها داء باطنا فأنا أريد أن أتبرأ منه, وقال البائع أنا أقيم البينة أن هذا العيب الباطن هو بها الساعة قال: يمكن من ذلك فإن أقام البينة برئ من ذلك العيب وكان ذلك له أن يتبرأ وتجزئه البراءة.
قلت: لم جعل مالك للرجل إذا باع السلعة وبها عيب لم يبرأ منه عند عقدة البيع فأراد أن يتبرأ منه بعد ذلك وهو ظاهر أو قامت بذلك بينة إن كان باطنا أن له ذلك ويمكنه من ذلك؟ قال: إن كان البائع يقول: أنا أتبرأ الساعة من عيب هذه الجارية فإن أحب أن يأخذها أخذها وإلا ردها ولا يكون للمشتري أن يقول: لا أصدقك أن بها العيب وهو عيب ظاهر أو تقوم عليه بينة ثم يطؤها فيظهر على العيب بعد ذلك فيرجع يردها وقد حبسها ليستمتع بها أو تموت عنده فيرجع بقدر العيب وقد تبرأ صاحب السلعة إليه من العيب قال: فإذا لم يكن العيب ظاهرا ولم يقم بينة على الباطن اتهم البائع أن يكون رغب فيها وندم في بيعه فلا يقبل قوله ; لأنه مدع إلا أن تقوم له بينة على العيب إن كان باطنا أو يكون ظاهرا يرى

في عهدة الثلاثة
قلت: أرأيت قول مالك من باع بغير البراءة فما أصاب في العبد في الثلاثة فهو من البائع الموت وغيره؟ قال: نعم هو قوله.
قلت: أرأيت إن باع بالبراءة فمات في الثلاثة الأيام أو أصابه مرض أو عيب في الثلاثة الأيام أيلزم ذلك المشتري أو البائع في قول مالك؟ قال: إذا باعه بالبراءة فما أصابه فإنما يلزم ذلك المشتري ولا شيء على البائع.
قلت: أرأيت إن باع بغير البراءة فأصاب العبد في الأيام الثلاثة حمى أيرد في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن أصابه عور أو عمش أو عمى؟ قال: في قول مالك كل شيء يكون عند أهل المعرفة في الرقيق عيبا إذا أصابه ذلك في الأيام الثلاثة فهو من البائع.
قلت: فإن أصابه وجع صداع رأس أو نحو ذلك قال: ما سمعت من مالك في صداع الرأس شيئا ولكن مالكا قال: في كل شيء يكون عند أهل المعرفة بالداء أن الذي أصاب هذا العبد هو داء أو مرض في الأيام الثلاثة فهو من البائع.
قلت: فإن مات فهو من البائع في قول مالك؟ قال: نعم.

قلت:, وإن غرق في الأيام الثلاثة أو إن سقط من فوق بيت فمات أو احترق أيكون من البائع؟ قال: نعم.
قلت: وإن خنق نفسه أيكون من البائع؟ قال: نعم.
قلت: فإن قتله رجل أيكون من البائع؟ قال: نعم في قول مالك؟ وذلك أن مالكا قال: في عبد خرج في أيام العهدة الثلاثة فقطعت يده أو فقئت عينه قال: قال مالك: دية الجرح للبائع ; لأن الضمان منه, وإن أحب المبتاع أن يأخذه بالثمن كله ولا يوضع عنه للجناية التي جنيت على العبد شيء أخذه, وإن أحب أن يرده رده والقتل مثل هذا
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا فأبق العبد عند البائع قبل أن أقبضه؟ قال: إن كان أبق في العهدة فهو من البائع إلا أن يكون باع بالبراءة فإن أبق بعد العهدة فهو من المشتري.
قال ابن نافع: وسئل مالك عن العبد يباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام بالبراءة من الإباق فيأبق في عهدة الثلاثة فقال: أراه من البائع لأني لا أدري لعله عطب في الثلاثة ; لأنه أبدا من البائع حتى يخرج من الثلاثة سالما فهو من البائع حتى يعلم أنه قد خرج من الثلاثة سالما فأما إباقه في الثلاثة فليس له على المبتاع في ذلك حجة فأراه من البائع حتى يعلم أنه قد خرج من الثلاثة سالما, فإذا علم بذلك كان من المبتاع ومن ذلك أن يوجد بعد الثلاثة بيوم أو يومين أو بعد شهر أو شهرين وليس عليه أن يضرب في ذلك عهدة بثلاثة أخرى من يوم يوجد, ولكن إذا أصيب بعد الثلاثة بما قلت لك رجع إلى المبتاع, ولا يكون له في الإباق على البائع شيء ; لأنه قد تبرأ منه.
قيل له: أرأيت إذا أبق في عهدة الثلاثة فرأيته من البائع ; لأنك لا تدري لعله قد تلف في الثلاثة أيرجع عليه بالثمن من ساعته أم يضرب فيه أجلا حتى يعلم أخرج العبد من الثلاثة سالما أو عطب فيها؟ قال: بل أرى أن يضرب في ذلك أجلا حتى يتبين ما أمر العبد فإن علم أنه خرج من الثلاثة سالما كان من المبتاع, وإن لم يعلم بذلك كان من البائع ; لأنه لا يدري لعله عطب في الثلاثة هو أبدا في الثلاثة من البائع حتى يعلم أنه خرج منها.
قال سحنون, عن ابن وهب, عن مسلمة بن علي, عمن حدثه, عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عهدة الرقيق أربعة أيام أو ثلاثة"1.
قال ابن وهب, عن ابن سمعان قال: سمعت رجالا من علمائنا منهم يحيى بن
ـــــــ
1 رواه ابن ماجه في كتاب التجارات باب 44. أحمد في مسنده "4/143"

سعيد وغيره يقولون: لم تزل الولاة بالمدينة في الزمان الأول يقضون في الرقيق بعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص إن ظهر بالمملوك شيء من ذلك قبل أن يحول الحول عليه فهو رد إلى البائع, ويقضون في عهدة الرقيق بثلاث ليال فإن حدث في الرأس في تلك الثلاث ليال حدث من موت أو سقم فهو من الأول, وإنما كانت عهدة الثلاث من الربع ; لأن الحمى الربع لا تستبين إلا في ثلاث ليال.
وأخبرني ابن وهب, عن ابن أبي الزناد, عن أبيه قال: قضى عمر بن عبد العزيز في رجل باع من أعرابي عبدا فوعك العبد في عهدة الثلاث فمات فجعله عمر من الذي باعه.
قال ابن وهب: وقال لي مالك: لا عهدة عندنا إلا في الرقيق

ما جاء في بيع البراءة
قلت: أرأيت من باع بالبراءة عبدا أو دابة أو سلعة من السلع من أي العيوب يتبرأ؟ قال: كان مالك مرة يقول: من باع بالبراءة فإن البراءة لا تنفعه في شيء مما يتبايع الناس به كانوا أهل ميراث أو غيرهم إلا في بيع الرقيق وحدهم فإنه كان يرى البراءة مما لم يعلم فإن علم عيبا ولم يسمه بعينه وقد باع بالبراءة لم تنفعه البراءة في ذلك العيب. قال: فقلت له: فلو أن أهل ميراث باعوا دواب واشترطوا البراءة أو باعها الوصي فاشترط الوصي البراءة. قال: لا علم لي بما في هذا من العيوب وإنما هو بيع ميراث وإنما كان هذا المال لغيري قال: لا ينفعه ذلك في الدواب وليست البراءة إلا في الرقيق ثم رجع فقال: لا أرى البراءة تنفع في الرقيق لا أهل الميراث ولا الوصي ولا غيرهم, قال: فجاء قوم وأنا عنده قاعد فقالوا: يا أبا عبد الله إنا بعنا جارية في ميراث بيع البراءة لا نعلم بها عيبا فاشتراها رجل فانقلب بها فوجد في فرجها عيبا؟ قال: أرى أن يردها ولا تنفعه البراءة شيئا فلما خرجوا كلمته فقلت له: يا أبا عبد الله البراءة في الميراث في الرقيق؟ قال: لا أرى أن تنفع إنما كانت البراءة لأهل الديون يفلسون فيبيع عليهم السلطان. قال مالك: فلا أرى البراءة تنفع أهل الميراث ولا غيرهم إلا أن يكون عيبا خفيفا قال: فعسى, قال مالك: ومن ذلك الرجل يأتيه الرقيق قد جلبت من البلدان إليه وهو بالمدينة أو ببلد من البلدان أو يكون قد جلبها فيقول: أبيعكم بالبراءة ولا علم لي فقد صدق ولا علم له ولم يكشف لهم ثوبا فهو يريد أن يذهب بأموال الناس بهذا الوجه, قال: فما أرى البراءة تنفعه.
قلت: أرأيت ما باع السلطان على الناس في ديونهم أينفع السلطان أو صاحب

السلعة التي بيعت عليه البراءة؟ قال: ما وقفت مالكا على هذا في أحد إلا ما أخبرتك من قوله القديم.
قال ابن القاسم: وأنا أرى البراءة في الرقيق على قول مالك الأول وعلى ما قضى به عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر فذلك جائز وهو رأيي وإن بيع المفلس والميراث بيع براءة, وإن لم يبرءوا فكذلك بيع السلطان كله الغنائم وغيرها.

في تفسير بيع البراءة
قلت: وكيف البراءة التي يبرأ بها في هذا إذا باع بالبراءة في قول مالك؟ قال: إذا قال أبيعك بالبراءة فقد بريء مما يصيب العبد في الأيام الثلاثة.
قلت: وإن لم يقل أبرأ إليك من كل ما يصيبه في الأيام الثلاثة؟ قال: إذا قال: أبيعك بالبراءة, وإن لم يذكر الأيام الثلاثة فقد بريء من عهدة الأيام الثلاثة ومن عهدة السنة.
قلت: أرأيت في قول مالك الأول إذا كان يجيز بيع البراءة في الرقيق لو أن رجلا باع ميراثا ولم يقل أبيع بالبراءة فباع وأخبر أنه ميراث؟ قال: فقد بريء, وإن لم يقل قد برئت وكذلك بيع السلطان مال من قد فلس صاحبه.
قلت: أرأيت إن لم يخبرهم أنه ميراث فباعهم ولم يذكر البراءة أيبرأ في قول مالك الأول؟ قال: لا ; لأنه لم يخبرهم أنه ميراث.
قلت: فلو لم يخبرهم أنه ميراث وباع بالبراءة؟ قال: فذلك له ويبرأ مما لم يعلم في قوله الأول ولا يبرأ مما علم.
قلت: أرأيت لو باع أهل الميراث رقيقا وبالرقيق عيوب قد علموا بها وكتموها فباعوها وأخبروا أنها ميراث؟ قال: قال مالك: لا يبرؤن إذا علموا حتى يسموا.
قلت: ولم تكن البراءة عند مالك إذا كان يجيز بيع البراءة إلا في الرقيق وحدهم في المواريث وما يبيع السلطان على الغرماء؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت من باع رقيقا فقال: إن فيها عيوبا وأنا منها بريء أيبرأ مما فيها من العيوب التي علمها في قول مالك؟ قال: لا يبرأ إلا أن يسمي تلك العيوب بعينها
قلت: أرأيت إن باع رجل جارية فتبرأ من الحمل وكانت حاملا أو غير حامل أيجوز

البيع ويكون بريئا من الحمل في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن كانت الجارية من جواري الوطء من المرتفعات لم أر البراءة فيها ورأيته بيعا مردودا, وإن كانت من وخش الرقيق والخدم من السند والزنج وأشباههم رأيت ذلك جائزا ورأيتها براءة.
قلت لمالك: ما حد المرتفعات أترى ثمن الخمسين والستين من المرتفعات؟ قال: نعم هؤلاء من جواري الوطء, قال: ولأن مالكا قال: إن المرتفعة إذا بيعت ببراءة من الحمل يكون ثمن الجارية أربعمائة دينار أو خمسمائة دينار وثلثمائة دينارا إن لم تكن حاملا, وإن كانت حاملا لم يكن ثمنها مائة وأقل ولم تشتر وهو عيب شديد فهذا خطر شديد وقمار, قال: وأرى الوخش من الرقيق لا يكون ذلك فيهن خطرا ; لأنه إن وضع الحمل من ثمنها فإنه يضع قليلا وربما كان الحمل أكثر لثمنها.
قلت: أرأيت العهدة في بيع الرقيق وفي بيع السلطان على الغرماء لم يكن يرى عليهم العهدة في الثلاثة ولا في السنة في قول مالك الأول؟ قال: نعم.
قلت: وما يباع في الميراث, وما باعه السلطان في دين من فلس من ثياب أو دواب أو آنية أو عروض فأصاب المشتري بذلك عيبا رده في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: وكان قوله القديم يقول في الرقيق في بيع الميراث وبيع السلطان على من فلس: إن أصيب بالرقيق عيب أو ماتوا في الأيام الثلاثة أو أصابهم جنون أو جذام أو برص في السنة لم يلزم من باعهم شيء ولزم من اشتراهم ذلك؟ قال: نعم.
قلت: وليس الرقيق في الميراث وبيع السلطان على من قد فلس كبيع غيرهم في عهدة السنة والثلاث؟ قال: نعم.
قال ابن وهب: وأخبرني الليث عن يحيى بن سعيد, عن سالم بن عبد الله أن أباه باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاع العبد لعبد الله بن عمر: بالعبد داء لم يسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل: باعني عبدا وبه داء ولم يسمه لي, وقال عبد الله: بعته بالبراءة فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف بالله لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد.
قال ابن وهب, عن ابن سمعان قال: سمعت رجالا من علمائنا منهم يحيى بن سعيد يقولون: قضى عمر بن الخطاب أن من باع سلعة فيها عيب قد علم به ولم يسمه, وإن باعها بالبراءة فهي رد إن شاء المبتاع؟ قال ابن سمعان: فالناس على قضاء عمر بن الخطاب

في عهدة بيع مال المفلس
قلت: أرأيت من اشترى عبدا من مال رجل قد فلسه السلطان فأصاب به عيبا على من يرده أعلى السلطان أم على الذي فلس أم على الغرماء الذين فلسوه؟ قال: بلغني ممن أثق به أن مالكا قال: يرد على الغرماء ولم أسمعه منه.
قال مالك: لأنه إنما بيع لهم وهم أخذوا المال. قال ابن القاسم: ولكني قلت لمالك: أرأيت إذا فلس فجمعوا متاعه وباع السلطان لهم ماله فتلف قبل أن يقتسموه.
قال: قال مالك لي: قد برئ الغريم منه ومصيبته من أهل الدين.
قال: وقال لي مالك: ولو أن رجلا أعتق رقيقا له ولا مال له فرد الغرماء عتقه ثم أفاد مالا قبل أن يباعوا عليه وينفذ البيع عليه رأيت أن يعتقوا ويكون دين الغرماء فيما أفاد؟ قال: فقلت لمالك: فلو باعهم السلطان ولم ينفذ السلطان بيع الرقيق حتى أفاد الرجل مالا قال: أرى أن يعتقوا ويعطى الغرماء المال مما أفاد.
قال: وبلغني عن مالك أنه قال :, وإن كان في رقيق المعتق جارية حين أعتق فرد الغرماء عتقه وتركوها في يديه موقوفة لم ينبغ له أن يطأ الجارية حتى تباع في دينه أو تعتق إن أفاد مالا.
قلت: أرأيت إن اشتراها من بعد ما باعها عليه السلطان وقد كان أعتقها أيطؤها في قول مالك؟ قال: نعم, وقال: ما مات من الرقيق أو سرق من المتاع أو هلك من الحيوان قبل أن يباع للغرماء بعد ما جمعه السلطان فهو من الذي عليه الدين مصيبته منه فإذا باعه السلطان وصار ثمنا فمصيبته من الذين لهم الدين.
قال: فقلنا لمالك: فلو أن رجلا فلس وبيده جارية فوقف عليها صاحبها الذي باعها ليأخذها وأبى الغرماء أن يدفعوها إليه وقالوا: نحن نعطيك ثمنها فدفعوه إليه أو ضمنوه له ثم أخذوا الجارية ليبيعوها فماتت الجارية قبل أن يبيعوها ممن ترى مصيبتها على الغريم أم على الذين لهم الدين.
قال مالك: أرى المصيبة من الذي عليه الدين.
قال: فقلنا لمالك: لم, ولو أخذها صاحبها الذي باعها برئ هذا الذي عليه الدين من الدين الذي كان عليه ولم يكن عليه من مصيبتها شيء لو أخذها صاحبها الذي

باعها وإنما أخذها الغرماء منه لفضل يرجونه فيها وهو الدين الذي كان عليه؟ قال: هو ضامن.
قال: ومما يبين ذلك أن لو كان في الجارية فضل قضى به على الغريم وليس للذي عليه الدين أن يأتي ذلك على أهل دينه ويقول: إما أبرأتموني مما يأخذ صاحب الجارية وإما دفعتموها إليه. قال: لا قول له في ذلك, والغرماء علي بالخيار في ذلك إن أحبوا أن يأخذوا أخذوا, والنماء له إن كان في ذلك فضل, وإن كان فيها نقصان من الثمن أو موت أتبع به ولا حجة له في أن يقول: هذا يأخذها بالثمن.

في عهدة بيع المأمور ببيع السلعة والقاضي والوصي
قال سحنون: قال ابن القاسم: لو أن رجلا أمر رجلا أن يبيع له سلعة فقال حين باعها: إن فلانا أمرني أن أبيع له هذه السلعة فأدرك السلعة تباعة؟ قال: إن كان حين باعها قال: إنما أبيع لفلان فلا أرى على المأمور شيئا والعهدة على الآمر.
قال: ومثل ذلك هؤلاء الذين يبيعون في المزايدة أو الرجل يعرف أنه إنما يبيع للناس بجعل أو رجل يبيع على ذلك.
قال: وبلغني عن مالك أنه قال: لو أن رجلا أمر رجلا أن يبيع له سلعة فباعها فوجد بها المبتاع عيبا فأراد أن يردها على من يردها ومن يستحلف؟ قال: إن كان الوكيل قد أعلمه أنها لفلان فلا يمين عليه ويردها على صاحبها الآمر واليمين على الآمر, وإن كان لم يعلمه حلف الوكيل وإلا رد السلعة عليه, قال: واليمين عليه, فقيل لمالك: أفرأيت ما يستأجر الناس من النخاسين الذين يبيعون لهم الرقيق ويجعلون لهم الجعل على ما يبيعون من ذلك, والذين يبيعون المواريث ومثل هؤلاء الذين يبيعون للناس يجعل لهم في ذلك الجعل فيبيعون, والذي يبيع فيمن يزيد في غير ميراث أيستأجر على الصياح فيوجد من ذلك شيء مسروق أو خرق أو عيب؟ قال: ليس على واحد من هؤلاء ضمان وإنما هم أجراء أجروا أنفسهم وأبدانهم وإنما وقعت العهدة على أرباب السلع فليتبعوهم, فإن وجدوا أربابها وإلا لم يكن على هؤلاء الذين وصفت لك تباعة فيما باعوا.
قال: وسمعت مالكا وقيل له: فلو أن رجلا استؤجر على مثل هذا فباع فأخذ جعله ثم رد البيع بعيب وجد بالسلعة فأراد رب السلعة أن يرجع على الذي باع بالجعل وأبى البائع أن يدفع إليه ذلك وقال: قد بعت لك متاعك؟ قال مالك: أرى أن يرد الجعل, ولا

جعل له إذا لم ينفذ البيع, قال مالك: ولو باعها الثانية فردت أكان ينبغي له أن يأخذ جعلها أيضا استنكارا لذلك

الرجل يشتري السلعة لرجل أمره باشترائها فيعلم البائع أنه يشتريها لفلان
قلت: أرأيت لو أني اشتريت سلعة من رجل لفلان فأخبرته أني إنما اشتريتها لفلان ولست أشتريها لنفسي فاشتريتها بالنقد أو بالنسيئة أيكون للبائع أن يتبع هذا المشتري بالثمن أم يتبع الذي اشترى له أو من يتبع بالثمن؟ قال: إن لم يكن هذا المشتري قال للبائع: إني إنما أشتري منك للذي أمرني ولا أنقدك إنما الثمن لك على فلان فأرى الثمن على هذا المشتري ; لأنه وإن اشترى لغيره فالنقد عليه, فإن قال له: النقد على الذي أشتري له وليس لك علي شيء, فهذا لا يتبعه البائع بالنقد ويكون النقد للبائع على الذي أمر هذا بالشراء.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: هو قوله
قلت: أرأيت القاضي إذا باع مال اليتامى أو باع مال رجل مفلس في دين أو باع مال الميت وورثته غيب على من العهدة؟ قال: قال مالك في الوصي: أنه لا عهدة عليه فكذلك القاضي لا عهدة عليه.
قلت: فعلى من عهدة المشتري إذا باع الوصي تركة الميت؟ قال: في مال اليتامى.
قلت: فإن ضاع الثمن وضاع مال اليتامى ولا مال لليتامى غير ذلك فاستحقت السلع التي باع؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: لا شيء عليهم.
قال ابن القاسم: وأخبرني بذلك من أثق به عن مالك.
قلت: أرأيت إن باع السلطان على المفلس رقيقه ثم أصاب بهم المشتري عيبا أو هلكوا في أيام العهدة؟ قال: قال مالك: بيع السلطان بيع براءة وأشد من بيع البراءة. قال: وقال مالك: في بيع البراءة إن مات في العهدة أو حدث به عيب فهو من المشتري وبيع السلطان لا عهدة فيه أيضا مثل بيع البراءة.
قلت: فإن أصاب بهم المشتري عيبا قديما كيف يصنع؟ قال: قال مالك: إنه لا يردهم وأنه بمنزلة من باع بالبراءة وهو لا يعلم بالعيب, وقد سمعته وذكر بيع البراءة فقال:

إنما كان يكون ذلك في بيع السلطان أن يفلس الرجل أو يموت فيقضي به دينه ويقسمه غرماؤه وإنما كانت البراءة على هذا, وهذا قوة لما كان يقول من ذلك.
قلت: أرأيت إن باع السلطان على هذا المفلس عبده وقد كان أعتقه واقتسم الغرماء ثمنه ثم أصاب المشتري بالعبد عيبا قديما فقال رب العبد: قد كان هذا العيب به قديما وكذبه الغرماء وقد عرف أن ذلك العيب قديم ليس مما يحدث.
قال: سمعت مالكا يقول في بيع السلطان: أنه بيع براءة وبيع البراءة لا يرد إلا مما علم البائع بالعبد فلم يخبره به, فأرى هذا في مسألتك إذا كان العيب قديما قد علم البائع به, وعلم أن البائع قد علمه رده المبتاع على البائع وأخذ الثمن من الغرماء وبيع العبد للغرماء ثانية في دينهم بعيبه بعد ذلك, فإن كان فيه نقصان عن دين الغرماء اتبعوه بما بقي لهم من دينهم, وإن كان للمفلس مال يوم يرد العبد عليه بعيبه أخذ الثمن من ماله ولم يتبع الغرماء بشيء وكان حرا ; لأن البيع لم يتم حين وجد به عيبا ورد, فإن كان قد حدث به عند مشتريه عيب مفسد ولسيده مال كان بالخيار إن شاء رده وما نقصه العيب, وإن شاء حبسه وأخذ قيمة العيب, فإن احتبسه وأخذ قيمة العيب الذي وجد به, فإن ذلك له, وإن رده كان حرا إذا كان للسيد مال يوم يرده, فإن كان سيده لا مال له فهو بالخيار إن شاء أن يحبسه ويرجع على الغرماء بقيمة العيب, وإن شاء أن يرده وما نقص فذلك له ولا يعتق ويباع ثانية للغرماء قال: وكان مالك يقول: بيع الميراث مثل بيع البراءة يبرءون له مما لم يعلموا. وأخبرت أنه قال: بيع السلطان أشد من بيع البراءة, ومن بيع الميراث, ثم سمعت أنا رجوعه عن بيع البراءة وبيع الميراث, وإن تبرءوا مما لم يعلموا, فإنه يرد عليهم إذا كان عيبا قديما لا يحدث مثله إلا أن يكون الشيء التافه وقوله الأول في بيع البراءة إنهم يبرءون مما لم يعلموا أحب إلي وبه آخذ.
قال: وكذلك الميراث هو أشد من بيع البراءة وإنما هذا كله في الرقيق, وإنما البراءة فيهم وليس في الحيوان وثبت مالك على بيع السلطان أنه بيع براءة وقال: إنما كانت فيه البراءة.
قال مالك: وليس في شيء من العروض ولا في الدواب بيع براءة في ميراث ولا في غيره, ولا في بيع السلطان وليس البراءة إلا في الرقيق وحدهم
قال ابن وهب: بلغني عن ربيعة في بيع المواريث أهلها براء مما كان فيها لتفريق

ذلك وتشتيته وكيف يغرم ولي وقد تفرق ما ولي, أم كيف يغرم وارث وقد انطلق بالذي له فهم برآء, وإن لم يشترطوا البراءة.
قال: وأخبرني ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في الرجل: يلي للغائب ولا يريد أن يكون عليه عهدة في شيء ثم يبيع الشيء, فالتفرقة بين الغرماء, ومن ذلك ما ولي من وجوه الصدقة فلا يرد لتفاوت ثمن ذلك في تلك المواضع فيكون عليه التباعة, فلذلك كان ما كان من بيع الميراث والبراءة منه لما يكون في ذلك من الوصايا وتفريق المواريث, فمن باع على ذلك متبرئا لا يعلم شيئا فلا تباعة عليه في عهدة قديما كان أو حديثا.
قال: وسمعت ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول في بيع الميراث: إنه لا تباعة على أهل الميراث ولا عهدة إلا أن يقيم المشتري بينة على أهل الميراث أنهم قد باعوا وعلموا بذلك, قال مالك: ولا أعلم على أهل الميراث عهدة السنة في الرقيق ولا عهدة الثلاثة وإنما بيعهم بيع البراءة.

ما جاء في عهدة السنة
قلت: أرأيت عهدة السنة إنما هو من الجنون والجذام والبرص في قول مالك فقط هذه الثلاثة لا غيرها؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت الوسوسة؟ قال: إذا ذهب عقله فأطبق عليه فهو بمنزلة الجنون.
قلت: أرأيت إن كان إنما أصابه من الجنون في هذه السنة إنما يخنق رأس كل هلال؟ قال: يرده.
قلت: فإن أصابه وسوسة رأس كل هلال؟ قال: يرده.
قلت: فإن أصابه الجنون رأس شهر واحد في السنة ومضى ذلك الشهر فصح أله أن يرده في قول مالك؟ قال: نعم ; لأن الجنون عيب لازم وأمر يعتري المرة بعد المرة ليس برؤه أمرا يعرفه الناس ظاهرا ; ألا ترى لو أن رجلا جن عبد له ثم برأ وصح فباعه ولم يخبر أنه قد كان أصابه الجنون أنه عيب يرد منه, فكذلك هذا لأن الجنون لا يؤمن أن يعود إليه.
قلت: فإن أصابه الجذام أو البرص في السنة ثم برأ وصح قبل أن يرده المشتري ويعلم به المشتري أله أن يرده على البائع؟ قال: لا إلا أن يكون ذلك عيبا عند أهل

المعرفة بالرقيق ; لأن ما يخاف عودته ويخاف منه كما وصفت لك في الجنون قال: والبرص بهذه المنزلة.
قلت: فإن أصابه بهق أو حمرة أو جرب حتى تسلخ منه وتورم في السنة لا يكون هذا بمنزلة البرص والجذام في قول مالك؟ قال: نعم لا يكون هذا بمنزلة الجذام والبرص في السنة.
قلت: أرأيت إن جنى على العبد رجل فضرب رأسه بحجر فذهب عقله ألسيده أن يرده في السنة في قول مالك؟ قال: لا أدري ما قول مالك فيه ولا أرى هذا بمنزلة الجنون, وأراه من المشتري.
قلت: فإن خرس في السنة فأصابه صمم أيكون هذا بمنزلة الجنون في السنة؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا ولكن إن كان عقله معه, وإن خرس وأصابه صمم فهو من المشتري إلا أن يعلم أن عقله قد ذهب مع ذلك فيكون من البائع.
قال سحنون بن سعيد, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن مالك بن أنس, عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع أبان بن عثمان بن عفان وهشام بن إسماعيل يقولان في خطبتهما: العهدة ثابتة عهدة الثلاث وعهدة السنة1.
قال ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول في العهدة: في كل داء عضال نحو الجنون والجذام والبرص سنة قال ابن شهاب والقضاة منذ أدركنا يقضون في الجنون والجذام والبرص سنة.
قال ابن وهب, عن ابن سمعان قال: سمعت رجالا من علمائنا منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وغيره أنهم كانوا يقولون: لم تزل الولاة بالمدينة في الزمان الأول يقضون في الرقيق بعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص إن ظهر بالمملوك شيء من ذلك قبل أن يحول الحول عليه فهو رد إلى البائع ويقضون في عهدة الرقيق بثلاث ليال, فإن حدث بالرأس في تلك الثلاث ليال حدث من سقم أو موت فهو من الأول.
قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول في العهدة في الرقيق ثلاثة أيام من كل شيء يصيب العبد من موت أو غيره لا ينقد في تلك الثلاثة الأيام والجنون والجذام والبرص سنة, والنقد فيها جائز, وسمعت مالكا يقول في الرقيق ثلاث ليال فإن حدث في الرأس شيء في تلك الثلاث ليال حدث من سقم أو موت فهو من الأول.
تم وكمل كتاب التدليس بالعيوب من المدونة الكبرى ويليه كتاب الصلح.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث 3.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصلح

رسم فيما جاء في الرجل يشتري العبد أو غيره فيصيب به العيب فيصالح البائع من عيبه
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا بمائة دينار فأصبت بالعبد عيبا والعبد لم يفت فصالحني البائع من العيب على أن يدفع إلي مائة درهم إلى شهر أيجوز هذا؟ قال: لا يجوز هذا ; لأن هذا ذهب بفضة ليس يدا بيد, إنما هو ذهب لمشتري العبد على بائعه إن رضيا بإمضاء الشراء, فلما فسخا قيمة العيب من الذهب في دراهم إلى أجل كان ذلك الذهب بالورق إلى أجل.
قلت: فإن صالحه البائع من العيب على عشرة دنانير نقدا وقد كان شراء العبد بمائة دينار؟ قال: هذا جائز.
قلت: لم؟ قال: لأنه كأنه استرجع عشرة دنانير من دنانيره وأمضى العبد تسعين دينارا, وإن رد إليه دنانير إلى أجل فلا خير فيه, وإن تأخرت الدنانير على غير شرط في الأجل فلا بأس به, وإنما كره أن يرد إليه دنانيره إلى أجل على الشرط لأنه يدخله بيع وسلف.
قلت: فإن صالحه على دراهم في قيمة العيب قبل أن يتفرقا فهل ذلك جائز؟ قال: نعم إن كان أقل من صرف دينار.
وقال أشهب لا بأس به وإن كان أكثر من صرف دينار.
قلت لابن القاسم: فإن كان العبد قد فات وبه عيب فصالحه البائع على أن يرد

قيمة العيب دنانير نقدا أو دارهم نقدا أو عروضا نقدا؟ قال: فلا بأس به بعد معرفتهما بقيمة العيب, وإن صالحه بدنانير إلى أجل فانظر, فإن كانت مثل قيمة العيب أو أدنى فلا بأس به, وإن كانت أكثر من قيمة العيب فلا خير فيه, وإن كانت دراهم إلى أجل أو عروضا إلى أجل فلا خير فيه, ووجه ما كره من الدنانير إذا كانت إلى أجل وهي أكثر من قيمة العيب أن قيمة العيب قد كان وجب له ردها وصار ذلك دينا له على البائع فأخره بالدين ويزيد عليه, فلا يحل له إن كانت دراهم إلى أجل صار صرفا ليس يدا بيد ففسخ ما كان له من الذهب في فضة إلى أجل, وإن كان ما صالحه عليه عرضا إلى أجل صار دينا بدين ; لأنه إن يفسخ ما كان له من الذهب التي صارت له على البائع لمكان العيب الذي دلس له فأخر ذهبه بغير شيء أوصله إليه ففسخ ذلك المشتري في عرض إلى أجل فصار الدين بالدين, "وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ".

رسم في الرجل يبيع الطوق فيجد المشتري به عيبا فيصالحه المشتري على أن زاده البائع دنانير أو دراهم أو عروضا
قلت: أرأيت إن بعت طوقا من ذهب فيه مائة دينار بألف درهم فأصاب المشتري بالطوق عيبا فصالحته من ذلك العيب على دينار دفعته إليه؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: لم؟ قال: لأن هذا إنما باع طوقا فيه مائة دينار ودينار مع الطوق بألف درهم نقدا فلا بأس بذلك وإن كان له أن يرده بالعيب, فإنما اشتريت العيب منه بدينار.
قلت: فإن صالحته لمكان العيب على مائة درهم دفعتها إليه؟ قال: إن كانت هذه المائة الدرهم التي دفعتها إليه مثل الدراهم الألف التي انتقدت في ثمن الطوق فلا بأس بذلك إذا كانت من سكتها, وإن كانت من غير سكتها لم يصلح ; لأنه باعه الطوق بألف درهم محمدية فصالحه من العيب على مائة يزيدية فلا يصلح ذلك ولا يجوز له ; لأنه يصير بيع طوق من ذهب ومائة درهم يزيدية بألف درهم محمدية فلا يجوز ذلك ; لأن مالكا قال: لا يجوز الذهب والفضة بالذهب, وكذلك لو صالحه على تبر فضة لم يجز وإذا صالحه على مائة محمدية فإنما هذا رجل رد إليه من الألف التي أخذها مائة فإنما صار ثمن الطوق تسعمائة درهم فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن صالحه من العيب على مائة درهم محمدية مثل الدراهم التي انتقد في الطوق إلى أجل أيصلح ذلك أم لا؟ قال: لا يصلح ذلك عند مالك.
قلت: لم؟ قال: لأنه يصير بيعا وسلفا إذا أخره بالمائة لأنه كأنه رجل باع الطوق بتسعمائة على أن أسلفه المشتري مائة درهم إلى أجل

رسم في مصالحة المرأة من مورثها من زوجها الورثة
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك مالا - دنانير أو دراهم - وعروضا وأرضا وترك من الورثة امرأة وأولادا فصالح الورثة المرأة من حقها على مائة درهم عجلوها للمرأة؟ قال: إن كانت الدراهم التي يعطون المرأة من الدراهم التي ترك الميت وهي قدر ميراثها من الدراهم أو أقل فلا بأس بذلك, وإن كانت أكثر فلا خير فيه ; لأنها باعت عروضا حاضرة وغائبة وذهبا بدراهم تتعجلها فلا خير فيه وهو حرام.
قلت: فإن كانوا صالحوها على أن يعطوها المائة من أموالهم على أن تسلم لهم جميع مال الميت وقد ترك الميت دراهم ودنانير وعروضا وأرضا؟ قال: لا يصلح ذلك لا بالدنانير ولا بالدراهم وإن اشتروا ذلك منها بالعروض فلا بأس بذلك بعد أن تعرف ما ترك الميت من دار أو دابة أو عرض أو قرض أو دين حاضر, فإن اشتروا حقها منها بعرض من العروض فلا بأس بذلك بعد أن يسموا ما ترك الميت فيقال: ترك من العبيد كذا وكذا, ومن البقر كذا وكذا, ومن الدور كذا وكذا, ومن الدين على فلان كذا وكذا, وجميع ذلك حاضر فلفلانة من جميع ذلك الثمن, فقد اشترينا جميع ثمنها من هذه الأشياء التي سمينا بهذا العرض فيجوز ذلك إذا كان كل ما سموا من عرض أو عبد أو دين حاضرا.
قلت: ولا يجوز ذلك حتى يصفوا جميع ما ترك الميت عند شرائهم ثمنها, ولا يجوز أن يقولوا: اشترينا منها ثمنها من جميع ما ترك فلان؟ قال: نعم لا يجوز حتى يسموا ما ترك لها فلان أو يكونوا قد عرفوا ذلك وعرفته.
قلت: فإن اشتروه بدنانير عجلوها لها من أموالهم, وفي ميراثها من تركة الميت دراهم يصير حظها من الدراهم صرفا؟ قال: لا يجوز ذلك وإن كان حظها من الدراهم تافها يسيرا لا يكون صرفا مثل الدراهم الخمسة والعشرة, فالبيع جائز إذا لم يكن من ذلك شيء غائب, وإن كان في حظها دنانير فاشتروا ذلك منها بدنانير عجلوها فقد وصفت لك أنه لا يصلح ; لأنه يصير ذهبا بذهب مع أحد الذهبين سلعة من السلع. وإن كان للميت فيما ترك دين على الناس, دنانير ودراهم, فاشتروا حظها بدراهم أو بدنانير عجلوها من أموالهم لم يجز ذلك ; لأنهم اشتروا منها دينا دراهم ودنانير بدراهم وبدنانير عجلوها فلا يصلح ذلك, وإن كان الدين الذي على الناس طعاما قرضا أقرضه الميت الناس أو عروضا أو حيوانا فاشتروا ذلك منها وسموه بحال ما وصفت لك بدنانير عجلوها لها أو بدراهم فلا بأس بذلك إذا كان الذين عليهم الدين حضورا مقرين..

قلت: أرأيت إن كان الطعام الذي للميت على الناس إنما هو من اشتراء كان اشتراه منهم؟ قال: لا يجوز أن يصالحوها من ميراثها على شيء من الأشياء على أن يكون لهم ذلك الطعام ; لأنه يدخله بيع الطعام قبل الاستيفاء وهو قول مالك.
قلت: أرأيت إن صالحوها من حقها على دنانير عجلوها من الميراث وقد ترك الميت دنانير ودراهم وعروضا ولم يترك دينا؟ قال: لا بأس بذلك إذا كانت الدراهم قليلة وكان ذلك يقبض يدا بيد.
قلت: فإن ترك دينا دنانير ودراهم فصالحوهم على دنانير أعطوها من تركة الميت على أن يكون لهم ذلك الدين؟ قال: لا يجوز ذلك.
قلت: لم لا يجوز ذلك؟ قال: لأن الدنانير والدراهم التي اشتروها من المرأة من مورثها من ذلك الدين بدنانير عجلوها لها من حقها من الميراث, فلا يجوز ذلك ; لأنه يدخله الذهب بالذهب إلى أجل إلا أن يكون ما أخذت من الدنانير مثل مورثها من هذه الدنانير الحاضرة, فلا يكون بذلك بأس لأنها إنما تركت لهم حقها من الدين وأخذت حقها من هذه الحاضرة, فلا يكون بذلك بأس, وذلك أن لو كان ما ترك الميت من الدنانير ثمانين حاضرة وعروضا وديونا على الناس دراهم ودنانير أو طعاما اشتراه فلم يقبضها فصالحوا المرأة من ثمنها على عشرة دنانير من الثمانين الدينار التي ترك الميت فلا بأس بذلك لأنها إنما أخذت حقها من الثمانين ووهبت لهم ما بقي من ذلك فلا بأس بذلك. ولو كانوا إنما يعطونها الدنانير العشرة التي صالحوها عليها من أموالهم ليس مما ترك الميت من الدنانير لم يجز ذلك ودخله بيع الذهب بالذهب إلى أجل لأنهم اشتروا بدنانيرهم هذه دينا دنانير وباعت المرأة بهذه الدنانير أيضا طعاما قبل أن يستوفي فلا يصلح ذلك.
ولقد سئل مالك عن شريكين كانا يعملان في حانوت فافترقا على أن أعطى أحدهما صاحبه كذا وكذا دينارا وفي الحانوت شركة متاع لهما دنانير ودراهم وفلوس كانت في الحانوت بينهما؟ قال مالك: لا خير فيه, ونهى عنه رسم في الصلح على الإقرار والإنكار.
قلت: أرأيت إن ادعيت على رجل مائة درهم فصالحته من ذلك على خمسين درهما إلى شهر؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان الذي عليه الحق مقرا.
قلت: فإن صالحته على ثوب أو دينار إلى شهر أيجوز هذا أو لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا إذا كان الذي عليه الحق مقرا بما عليه..

قلت: لم؟ قال: لأنه يفسخ دينا في دين وأما إذا صالحه من مائة درهم على خمسين درهما إلى أجل فهذا رجل حط خمسين درهما من حقه وأخره بخمسين.
قلت: أرأيت إن كان المدعي قبله ينكر والمسألة بحالها؟ قال لم أسمع في الإنكار شيئا إلا أنه مثل الإقرار ; لأن الذي يدعي إن كان يعلم أنه يدعي الحق فلا بأس أن يأخذ من مائة درهم خمسين إلى أجل وإن أخذ من المائة عروضا إلى أجل أو دنانير إلى أجل وهو يعلم أن الذي يدعي حق, فلا يصلح له ذلك لأنه لا يصلح أن يفسخ دراهم في عروض إلى أجل أو دنانير إلى أجل وإن كان الذي يدعي باطلا فلا يصلح ذلك له أن يأخذ منه قليلا ولا كثيرا.
قال ابن وهب: وأخبرني يزيد بن عياض عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين".
قال ابن وهب: وأخبرني عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.
قال ابن وهب: وأخبرني سليمان بن بلال عن كثير بن زيد, عن وليد بن رباح عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلح جائز بين المسلمين"1 , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"2
قال ابن وهب: وأخبرني سعيد بن عبد الرحمن ومالك بن أنس, عن همام وعروة, عن أبيه, عن زينب بنت أبي سلمة, عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله عليه السلام قال: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار"3.
ابن وهب, عن عبيد الله بن أبي حميد, عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر, والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الأحكام باب 17. أبو داود في كتاب الأقضية باب 12. ابن ماجه في كتاب الأحكام باب 23. أحمد في مسنده "2/366" وتتمته "....غلا صلحا حرم حلالا".
2 رواه البخاري في كتاب الإجارة باب 14. أبو داود في كتاب الأقضية باب 12.
3 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث "1" عن هشام بن عروة عن أبيه بدل "عن همام وعروة عن أبيه". ورواه البخاري في كتاب الشهادات باب 27. ومسلم في كتاب الأقضية حديث 4.

رسم في مصالحة بعض الورثة عن مال الميت
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وقد كان بينه وبين رجل خلطة فادعى ولد الهالك

أن لأبيهم على هذا الرجل الذي كان بينه وبين أبيهم خلطة مالا فأقر أو أنكر فصالحه أحدهم على حقه فدفع إليه دنانير أو دراهم أو دفع إلى أحدهم من دعواه عرضا من العروض على إنكار من الذي يدعي قبله أو على إقرار أيكون لإخوته أن يدخلوا معه في الذي أخذ من هذا الرجل؟ قال: قال لي مالك: كل ذكر حق كان لقوم بكتاب واحد فاقتضى بعضهم دون بعض, فإن شركاءهم يدخلون معهم فيما اقتضوا وإن كان لكل إنسان منهم ذكر حق على حدة وكانت صفقة واحدة, فإن من اقتضى شيئا من حقه لا يدخل معه الآخر في شيء.
قال ابن القاسم: وإذا كان للرجلين ذكر حق بكتاب واحد أو بغير كتاب من بيع باعاه بعين أو بشيء مما يكال أو يوزن غير الطعام والإدام أو من شيء أقرضاه من الدنانير والدراهم والطعام أو شيء مما يكال أو يوزن أو ورث هذان الرجلان هذا الذكر الحق فقبض أحدهما من ذلك شيئا؟ قال: فإن كان الذي عليه الدين غائبا فسأل أحد الشريكين في الدين صاحبه في الخروج معه لاقتضاء الدين وأخذه من الغريم فأبى ذلك وكره الخروج, فإن خرج الشريك بعد الإعذار فيما بينه وبين صاحبه فاقتضى حقه أو أدنى من ذلك فأرى ذلك له ولا يدخل معه شريكه لأن تركه الخروج والاقتضاء والتوكيل بالاقتضاء إضرار منه لصاحبه وحول بينه وبين الاقتضاء, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"1 لما يتجشم صاحبه من الخروج والنفقة والمؤنة, فيريد المقيم أن لا يأخذ الخارج شيئا لا يدخل عليه منه وهو لم يبرح ولم يتجشم خروجا ولا مؤنة وقد أعذر إليه صاحبه ولم يدخل في الخروج لاغتنام الاقتضاء دونه فهو إذا أعذر إليه وأعلمه بالخروج فترك الخروج معه رضا منه بما يقبض دونه ; أو لا ترى لو أنه رفعه إلى السلطان لأمره السلطان بالخروج أو التوكيل فإن فعل وإلا خلى السلطان بين الشريك وبين اقتضاء حقه ثم لا يدخل عليه شريكه فيما اقتضى, وإن خرج أحد الشريكين لاقتضاء حقه دون مؤامرة من صاحبه والإعذار إليه أو كان الغريم حاضرا فاقتضى منه جميع مصابته أو بعضها كان شريكه بالخيار إن شاء شركه فيما اقتضى وإن شاء أسلم له ما اقتضى واتباع الغريم, فإن اختار اتباع الغريم ثم بدا له بعد أن يتبع شريكه لم يكن ذلك له بعد ما سلم - توى ما على الغريم أو لم يتو - لأن ذلك مقاسمة للدين على الغريم, ألا ترى لو أن رجلين ورثا دينا على رجل فاقتسما ما عليه جاز ذلك وصار ذلك كالدين يكون لهما على رجل لكل واحد منهما صك على حدة. فمن اقتضى من هذين شيئا دون صاحبه لم يكن يشركه صاحبه فيما اقتضى لأنه لا شركة بينهما, فكذلك إذا اقتسما, ولو أن أحد الرجلين اللذين لهما ذكر حق بكتاب واحد أو بغير كتاب فهما شريكان في الدين الذي على الغريم صالح
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الأقضية حديث "31" عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه. ابن ماجه في كتاب الأحكام باب 17.

أحدهما على الغريم وهو حاضر ليس بغائب, أو كان الغريم غائبا ولم يعذر إلى صاحبه ولم يعلمه بالخروج على اقتضاء حقه مثل أن يكون دينهما مائة دينار فصالحه أحدهما من نصيبه على عشرة دنانير وأبرأه مما بقي فهو جائز وفيهما قولان: أحدهما أن شريكه بالخيار إن شاء أسلم لشريكه ما اقتضى واتبع الغريم بالخمسين دينارا حقه, وإن شاء رجع على شريكه وأخذ منه نصف ما في يديه وهو خمسة ورجعا جميعا على الغريم فاتبعه الذي لم يصالح بخمسة وأربعين واتبعه الذي صالح بخمسة دنانير وهي التي أخذ منه شريكه وهو قول ابن القاسم. والقول الآخر أن شريكه بالخيار إن شاء تبع الغريم بجميع حقه, وإن شاء تبع شريكه المصالح, وإن اختار اتباع شريكه قسمت العشرة التي صالح بها الشريك على ستة أجزاء: جزء من ذلك للذي صالح وخمسة أجزاء للذي لم يصالح لأن المصالح لما أبرأ الغريم من الأربعين التي أخر كأنه لم يكن له إلا العشرة الدنانير التي أخذ ولصاحبه خمسون دينارا ثم يرجعان على الغريم فيتبعه المصالح بالعشرة بما أخذ منه وذلك خمسة أسداس العشرة ويتبعه صاحب الخمسين بما بقي له, وهو أحد وأربعون دينارا وثلثا دينار, وذلك لو أنه قبض العشرة بغير صلح ثم حط الأربعين عن الغريم ثم قام شريكه فإن اختار مقاسمة شريكه اقتسما على ستة أجزاء كما وصفت لك ورجع على الغريم كما وصفت لك, ولو أن أحد الشريكين قبض العشرة على الاقتضاء من حقه ليس على الحط, ثم قاسمه شريكه العشرة الذي اقتضى هو من حقه فإنما يقاسمه إياها شطرين لأن حق كل واحد منهما سواء, وإن حط الشريك المقتضي للعشرة الأربعين لم يكن لشريكه أن يرجع إليه في المقاسمة فيقول: قاسمني على أن حقك إنما كان عشرة ; ألا ترى أن القسم كان والحق كامل ولكنهما يرجعان على الغريم فيرجع المقتضي للعشرة بما أخذ منه شريكه وهو خمسة, ويرجع شريكه بخمسة وأربعين, فخذ هذا على هذا إن شاء الله. ولو أن أحد الرجلين اللذين لهما ذكر حق بكتاب واحد أو بغير كتاب واحد وهما شريكان في الدين الذي على الغريم فصالح الغريم أحدهما وهو حاضر أو كان الغريم غائبا ولم يعذر إلى صاحبه ولم يعلمه بالخروج صالح من حقه ودينهما مائة دينار على عشرة أقفزة قمح أو باع حقه بعشرة أقفزة قمح فقبضها قبل أن يتفرقا ثم أتى الشريك الآخر فإنما له الخيار في تسليم ما صنع صاحبه واتباع الغريم بحصة الخمسين الدينار أو الرجوع على شريكه المصالح أو المشتري القمح بنصف ما أخذ لأن الشريك إنما تعدى على عين وهو جائز, والدين حكمه حكم القرض, والدين ليس مثل العين, الدين أشبه شيء هي بالعروض, فلذلك يكون له نصف ما أخذ الشريك إن اختار أخذه وإن لم يكن له عليه شيء من العين.

قال سحنون: ثم يرجعان جميعا على الغريم فيكون ما عليه بينهما نصفين وإنما لم يخالف الصلح في هذا الموضع الشراء لأن الصلح أشبه شيء بالشراء في غير وجه, وهو في هذا الوجه مثله. ألا ترى أن الرجل لو كان له على رجل مائة دينار دينا فصالحه من المائة على سلعة أو اشترى منه سلعة بالمائة لم يجز له أن يبيع مرابحة حتى يبين فكذلك جميع الدين إذا كان عينا فصالح من بعضها على بعض بينوا نوع الدين أو اشترى ذلك وهو على ما وصفت لك, ولو كان الذي سوى العين وهو مما يكال أو يوزن من غير الطعام أو الإدام أو كان من العروض التي لا تكال ولا توزن مثل أن يكون لهما مائة رطل حناء أو مائة ثوب شطوي موصوفة معروفة فصالح أحدهما من نصيبه على دنانير فصالحه من الخمسين الرطل الحناء أو الخمسين الثوب الشطوي على عشرة دنانير وقبضها منه قبل أن يتفرقا ثم حضر شريكه فهو بالخيار إن شاء اتبع الغريم بجميع حقه ويسلم لصاحبه ما أخذ ثم لا يكون له الرجوع على شريكه - وإن توى ما على الغريم - وإن شاء اتبع شريكه فأخذ منه نصف ما في يديه لأن ما في يديه ثمن سلعة هي بينهما ومن تعدى على سلعة رجل فباعها فللمتعدى عليه أن يأخذ ثمن سلعته ثم يرجعان على الغريم فيتبعانه بما بقي لهما عليه من حقوقهما وهي الخمسون الرطل الحناء والخمسون الثوب الشطوي. وكذلك الجواب أن لو باع مصابته بعشرة دنانير لأن الصلح والبيع في هذا الموضع سواء لما أعلمتك من أن الرجل لو كان له على الرجل مائة دينار دينا فصالحه من المائة على سلعة أو اشترى منه سلعة بالمائة لم يجز أن يبيع له مرابحة حتى يبين, ومن ذلك لو أن لرجل على رجل مائة دينار فرهنه بها شيئا مما يغاب عليه مما يضمنه المرتهن وقيمته مثل الدين أو أكثر أو أقل, ثم إن الراهن صالح المرتهن على ألف درهم أو اشترى الراهن من المرتهن المائة الدينار التي عليه بألف درهم ونقده قبل أن يفترقا ثم تلف الرهن فادعى المرتهن بعد المصالحة أو الشراء أو قبل ذلك أن الرهن قد تلف, فالصلح بينهما والبيع جائز ليس بمنقوض ويرجع على المرتهن بقيمة الرهن وإن كان تلف الرهن بعد المصالحة أو الشراء أو قبل ذلك بأمر معروف تقوم عليه بينة يوما تم ما كان بينهم من صلح أو بيع ولم يكن على المرتهن شيء.

رسم الدعوى في الصلح على دم عمد وأنكر صاحبه
قلت: أرأيت لو أني لي على رجل دم عمد أو جراحات فيها قصاص وادعيت أني صالحته منها على مال فأنكر ذلك وقال: ما صالحتك على شيء؟ قال: لم أسمع من

مالك فيه شيئا إلا أن الذي أرى على ما قال مالك في الطلاق, أنه لا يقتص منه وله عليه باليمين

رسم في الصلح على دية الخطإ تجب على العاقلة
قلت: أرأيت لو أن رجلا قتل رجلا خطأ فصالح أولياء المقتول على شيء دفعه إليهم أيجوز هذا الصلح أم لا يجوز؟ والمال إنما لزم العاقلة؟ قال: وسمعت مالكا, وسئل عن رجل قتل رجلا خطأ فصالح أولياء المقتول على شيء دفعه إليهم ونجموا ذلك عليه فدفع إليهم نجما ثم اتبعوه بالنجم الآخر فقال: إنما صالحتهم وأنا أظن أن الدية تلزمني. قال: قال مالك: ذلك موضوع عنه ويتبع أولياء المقتول العاقلة.
قلت: ويرد عليه أولياء القتيل ما أخذوا منه؟ قال: نعم ذلك له إذا كان جاهلا يظن أن ذلك يلزمه.
قلت: أرأيت لو أقر رجل بقتل رجل خطأ فصالح أولياء المقتول على مال دفعه إليهم قبل أن يقسم أولياء القتيل أو قبل أن يجب المال على العاقلة وهو يظن أن ذلك يلزمه أيجوز هذا الصلح أم لا؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولكني أرى ذلك جائزا.
قال سحنون: وهذا أمر قد اختلف الناس فيه عن مالك فقال بعضهم: هو على العاقلة وقال بعضهم: هو على المقر في ماله وقاله ابن القاسم
قال: يحيى وابن الماجشون يقول: هو على المقر في ماله لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف, قال: وهو قول المغيرة قال مالك: أيضا هو على عاقلته بقسامة.
قلت: أرأيت إذا قتل وليا لي رجل عمدا أو قطع يدي عمدا فصالحته على أكثر من دية ذلك أيجوز لي هذا الفضل في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: في العمد القود إلا ما اصطلحوا عليه. وإن كان أكثر من الدية فذلك جائز, وإن كان ديتين.
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل جراحة فصالحته في مرضي على أقل من أرش تلك الجراحة أو أقل من الدية ثم مت من مرضي أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك في رجل يعفو عن دمه إذا كان القتل عمدا: إن ذلك جائز - كان له مال أو لم يكن له مال - فهذا يدلك على أن الذي عفا على أقل من الدية أن ذلك جائز.

قلت: أرأيت لو أن قتيلا قتل عمدا وله وليان فعفا أحدهما على مال أخذه عرض أو قرض فأراد الولي الذي لم يصالح أن يدخل مع الذي صالح فيما أخذ أيكون له في قول مالك أم لا؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى له أن يدخل فيما أخذ إخوته من القاتل ولا سبيل له إلى القتل, وقد ذكر غيره أنه إذا صالح في دم أبيه عن حقه بأكثر من الدية أن الذين نفوا إنما لهم حساب دية واحدة, ومثله لو صالحهم في دم أبيه في حقه على نخل فأخذها أو جارية أو ما أشبه ذلك كان الصلح قد وقع ولم يكن له إلا ما صالح عليه في حقه - قل أو كثر - ولم يكن لمن بقي إلا على حساب الدية ولأنه لو عفا جاز عفوه عليهم فلم يجعل لمن بقي شريكا فيما أخذ المصالح.
قلت: لم قال هذا القول؟ قال: لأن الدم ليس هو مالا وإنما شركتهما فيه كشركتهما في عبد هو بينهما جميعا فإن باع أحدهما مصابته بما شاء لم يدخل عليه صاحبه,
قال سحنون, وقال أشهب: إن عفا أحد الاثنين ولهما أخت على الدية فقال: إن كان عفا عن الدم صلحا صالح به عن الدم فهو بينهم جميعا أخماسا للابنة من ذلك الخمس وأربعة أخماس ذلك بينهما شطرين وكذلك لو صالحه عن الدم كله بأكثر من الدية وإن كان ديات, فإن جميع ما صالح عليه بينهم على ما فسرت لك أخماسا وإن كان إنما المصالح عليه من دية أو ديتين أو ديات ليس على الدم كله, ولكن على مصابته منه فإن للأخت وللأخ اللذين لم يصالحا ثلاثة أخماس الدية على القاتل في ماله يضم إليه ما صالح عليه الذي عفا عما صالح عليه من الدية أو أكثر منها ثم يقتسمون جميعا وذلك أخماسا على ما فسرت لك. وكذلك إن صالح عن نفسه عن ثلثي الدية أو أكثر فإن ذلك يضم إلى ثلاثة أخماس الدية ثم يؤخذ بذلك كله القاتل ثم يقسم على ما فسرت لك, وإن صالح على أقل من خمسي الدية لنفسه خاصة - وإن درهما واحدا - فليس له إلا ما صالح عليه من ذلك ويرجع الأخ والأخت اللذين لم يصالحا على القاتل في ماله بثلاثة أخماس الدية يقتسمان ذلك للأخ الخمسان وللأخت الخمس, وإن صالح من الدم كله بأقل من الدية فليس له مما صالح عليه إلا خمساه, وثلاثة أخماس ما صالح عليه ساقط عن القاتل وللأخ والأخت اللذين لم يصالحا ثلاثة أخماس الدية كاملة في مال القاتل, وكذلك لو صالح من الدم كله على درهم واحد لم يكن له إلا خمسا الدرهم وكان للأخ والأخت ثلاثة أخماس الدية يقتسمان ذلك على الثلث والثلثين وقد أعلمتك أنه إذا صالح من حقه من الدية لنفسه خاصة إذا جاوز خمس الدية فأكثر أن ذلك يضم إلى ثلاثة أخماس الدية فيؤخذ بذلك كله القاتل ثم يقتسمونه بينهم أخماسا على ما فسرت لك..

قلت: أرأيت إن كان للمقتول زوجة وأم أيدخلان على هؤلاء فيما صار لهم من الدية؟ قال: نعم كل دم عمد أو خطأ وإن صالحوا فيه على ديات فإن ذلك موروث على كتاب الله عز وجل وفرائضه. قال سحنون: قال ابن وهب, وأشهب, قال ذلك سليمان بن يسار وأبو الزناد ومالك وعبد العزيز بن أبي سلمة, فأما سليمان بن يسار فإن لهيعة ذكر أن خالد بن أبي عمران حدثه أنه سأل سليمان بن يسار عمن قتل رجلا عمدا فقبلت العصبة الدية أهي للعصبة خاصة أم هي ميراث بين الورثة؟ فقال سليمان: هي ميراث بين الورثة.
قلت: أرأيت الجراح إذا اجتمعت على رجل من رجال شتى أيكون له أن يصالح من شاء ويقتص ممن شاء يعفو عمن شاء؟ قال: نعم مثل قول مالك في القتل.
قلت: أرأيت إن اجتمع على قطع يدي رجال قطعوها عمدا أيكون لي أن أصالح من شئت منهم في قول مالك وأقطع يد من شئت وأعفو عمن شئت؟ قال: قال مالك في القتل: للأولياء أن يصالحوا من شاءوا ويعفوا عمن شاءوا ويقتلوا من شاءوا وكذلك الجراحات عندي مثل القتل.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قطع يد رجل عمدا فصالحه المقطوعة يده على مال أخذه منه ثم مات من القطع بعد ذلك؟ قال: سألنا مالكا عن رجل أصاب رجلا بموضحة خطأ فصالحه عليها ثم إنه نزا فيها بعد ذلك فمات منها؟ قال لنا مالك: أرى فيها القسامة ويستحقون العقل على عاقلته ويرجع الجاني على المال الذي دفعه فيأخذه ويبطل الصلح ويكون في العقل كرجل من قومه. قال ابن القاسم: والعمد مثل ذلك, فكذلك مسألتك إن أحبوا أن يقسموا أقسموا وقتلوا ويبطل الصلح.
قلت: أرأيت إن أبوا أن يقتسموا أو قال الجاني: قد عادت الجناية نفسا فردوا علي مالي واقتلوني إن أحببتم فأما مالي فليس لكم؟ قال ابن القاسم: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك, وليس له ذلك لأنهم إن لم يقسموا لم تبطل الجناية في اليد ; ألا ترى لو أن رجلا قطع يد رجل عمدا قد نزا جرحه فمات أن الورثة إن أحبوا أن يقسموا ويقتلوا فعلوا وإن أبوا كان لهم أن يقطعوا يده.
قال ابن القاسم: وهذا قول مالك, فكذلك هذا الذي صالحه على جرحه لو توى المقطوعة يده بالجرح فمات فقال ورثته: لا نقسم إن جناية الجاني في قطع اليد لا تبطل ولهم المال الذي أخذوا إن لم يقسموا, وإن أرادوا أن يقسموا ردوا المال وقتلوا.

في الصلح من جناية عمد على ثمر لم يبد صلاحه
قلت: أرأيت لو أن رجلا جنى جناية عمدا فصالح من جنايته على ثمرة لم يبد صلاحها أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا.
قلت: لم, وهذا إنما أعطاه ثمرته ولم يأخذ شيئا إنما أعطاه ثمرة على أن يهضم عنه القصاص؟ قال: لو أجزت هذا لأجزت النكاح بثمرة لم يبد صلاحها, ألا ترى أن مالكا قال في النكاح بالثمرة التي لم يبد صلاحها: إن ذلك لا يجوز, فإن أدرك قبل البناء فسخ النكاح وإن أدركه بعد البناء كان لها مهر مثلها, فكذلك القصاص مثل النكاح.
قلت: أرأيت لو أن رجلا جنى على رجل جناية عمدا فصالحه من ذلك على ثمرة لم يبد صلاحها أيجوز هذا؟ قال: لا يجوز هذا, ولو أجزت هذا لأجزت النكاح, وقال مالك في النكاح ما أخبرتك أن ذلك لا يجوز فكذلك القصاص مثل النكاح.
قلت: فإذا عفا عن ثمرة لم يبد صلاحها أيكون هذا عفوا لا يستطيع الرجوع في القصاص ويرده إلى الدية عليه مثل ما صار في النكاح إذا دخل بها لم يرد النكاح وكان لها صداق مثلها ويثبت النكاح؟ قال: نعم ذلك أحب ما فيه إلي لأن العفو قد نزل فلا يرده إلى القصاص, وقد قال: غيره: ليس الصلح بالغرر في القصاص مثل النكاح بالغرر, إنما القصاص مثل الخلع, ألا ترى أن الخلع يجوز بالغرر ولا يجوز به النكاح لأن الخلع يجوز له أن يرسل من يده بالغرر ما كان جائزا له أن يرسله بلا شيء يأخذه, فكذلك القصاص والنكاح قبض ذلك وحده لا يجوز له الأخذ بغير شيء, فكذلك لا يجوز له الأخذ بالغرر, فليس المرسل لما في يديه كالآخذ.
قلت: أرأيت لو أن رجلا وجب له على رجل دم عمد فصالحه من الدم العمد على عبد أو عرض أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت من صالح من دم عمد وجب له فصالحه على عبد أو على عرض أو خالع امرأته على ذلك أو نكح امرأة على ذلك فأصاب الذي قبض العبد أو العرض بذلك عيبا أيكون له أن يرده ويرجع بقيمته؟ قال: إذا كان عيبا يرد من مثله في البيوع فله في مسألتك هذه أن يرده ويرجع بقيمته.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: أما في النكاح فهو قوله, ألا ترى أن الدم العمد والطلاق ليس هما بمال, وإذا استحق ما أخذ فيهما ما رجع بقيمتهما بقيمة ما أخذ لا بقيمة الدم وقيمة الطلاق إنما فيهما ما صولح به فيهما ; ألا ترى أن دم العمد ليس له قيمة

إلا ما صولح عليه فيه على الرضا منهما, ألا ترى أن المقتول يعفو عن دمه فلا يكون للوارث حجة في أن يقول فعله في ثلثه ولا لصاحب الدين أن لو كان عليه دين محيط بماله فعفا عن دمه أن يقول الغريم فر عني بماله ولو أنه صالح من دمه أو من جراحة عمدا أصيب بهما على مال وهو يخاف عليه الموت أو عليه دين محيط فثبت الصلح ثم حط ما صالح عليه لكان ذلك في ثلثه إن كان لا دين عليه وإن كان عليه دين فالدين أولى من المعروف الذي صنع, ولو أن رجلا جنى جناية عمدا وعليه دين محيط بماله وأراد أن يصالح ويسقط عن نفسه القصاص بمال يعطيه من عنده لكان للغرماء رد ذلك عليه لأن في ذلك تلفا لأموالهم.

رسم في رجل صالح رجلا على إنكار ثم أصاب المدعي بينة أو أقر له المنكر بعد الصلح
قلت: أرأيت لو أن رجلا ادعى دارا في يد رجل فأنكر الذي الدار في يديه فصالحه المدعي على مال فأخذه من المدعي قبله وهو ينكر ثم أقر بعد ذلك أن دعوى المدعي في الدار حق وأنه جحده.
قال ابن القاسم: سألت مالكا عن الرجل يدعي قبل الرجل الدين فيجحده ثم يصالحه ثم يجد بعد ذلك بينة عليه.
قال: قال مالك: إن كان صالحه وهو لا يعرف أن له بينة وإنما كانت مصالحته إياه لأنه جحده فله أن يرجع عليه ببقية حقه إذا وجد بينة.
قال:فقلت: فإن كانت بينته غائبة فقال له: إن لي عليك بينة وهم غيب وهم فلان وفلان فجحده فلما رأى ذلك الرجل خاف أن تموت شهوده أو يعدم هذا المدعى عليه أو يطعن فصالحه فلما قدمت شهوده قام عليه؟ قال: لا أرى له شيئا ولو شاء لم يعجل ولم يره مثل الأول فهذا يدلك على مسألتك.
قلت: أرأيت إن صالح على الإنكار أيجيزه مالك؟ قال: نعم.
قلت: مثل ما يدعي على المدعي قبله مائة دينار فينكرها فيصالحه على شيء يدفعه إليه وهو منكر أيجيزه مالك ويجعله قطعا لدعواه تلك وصلحا من تلك المائة كما لو أقر بما صالحه عليه؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت لو ادعيت دينا لي على رجل فصالحته من ذلك على ثياب موصوفة

إلى أجل وهو منكر للدين أيجوز هذا أم لا؟ قال: قال مالك: الصلح بيع من البيوع فلا يجوز هذا الذي سألت عنه في البيوع, وكذلك في الصلح لا يجوز لأنه دين بدين.

في الصلح باللحم
قلت: أرأيت لو ادعيت في دار رجل دعوى فصالحني من ذلك على عشرة أرطال من لحم شاته أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز عندي, وقال أشهب: أكرهه فإن نزل وشرع في ذبح الشاة مكانه لم أفسخه إذا كان قد جسها وعرف نحوها.

رسم في رجل استهلك لرجل بعيرا أو طعاما فصالحه على بعير مثله أو طعام مثله إلى أجل
قلت: أرأيت لو أن رجلا استهلك لي بعيرا فصالحته على بعير مثل صفة بعيري إلى أجل أيجوز هذا؟ قال: لا يجوز هذا لأن القيمة لزمته, لم يكن له أن يفسخها في دين.

صلح الاستهلاك
قلت: أرأيت لو أن رجلا استهلك لي متاعا فصالحته من ذلك على حنطة إلى أجل أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عندي.
قلت: لم؟ قال: لا يفسخ دين بدين.
قلت: أرأيت لو أن رجلا استهلك لي متاعا فصالحته من ذلك على ذهب إلى أجل من الآجال؟ قال: إن كان صالحه على مثل القيمة جاز ذلك وإن صالحه على أكثر من القيمة لم يجز ذلك وإنما يجوز له أن يصالحه على ما هو ثمن السلعة ببلدهم إن كانوا يتبايعون بدنانير فبدنانير وإن كان دراهم فدراهم ولا يجوز له أن يصالحه إلا على ما يبتاع به أهل بلدهم بمثل القيمة أو أدنى لأنه لو صالحه على غير ذلك كان رجلا قد باع القيمة التي وجبت له عليه بالذي صالحه به إلى أجل فصار دينا بدين وصار ذهبا بورق إلى أجل إن كان الذي يتبايعون به ذهبا فصالحه على ورق إلى أجل فهذا الحرام بعينه.
قلت: فإن أخذ ما صالحه به من السلع عاجلا أو الورق؟ قال: فلا بأس بذلك إذا كان عقد الصلح على الانتقاد بعد معرفة قيمة ما استهلك له.

رسم فيمن أوصى لرجل بما في بطن أمته أو بخدمة عبد أو بسكنى دار أو غلة نخل فأراد الورثة أن يصالحوه
قلت: أرأيت إن أوصى لي بما في بطن أمته فصالحني الورثة على دراهم وخرجت لهم من الوصية أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا ; لأن ما في بطن الأمة ليس له مرجع إلى الورثة, والعبد والدار إذا أوصى بخدمته أو بسكنى الدار فإن مرجع ذلك إلى الورثة فلا بأس أن يصالحوا فأما ما ليس له مرجع إلى الورثة فلا يصلح ذلك ; ألا ترى أن ما في البطن ليس له مرجع إلى الورثة.
قلت: فالنخل إذا أوصى بغلتها إلى رجل أيصلح أن تصالح الورثة منها على شيء ويخرجوه من الوصية في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك لأن مرجع النخل إلى الورثة فهو بمنزلة السكنى.
قلت: فما فرق ما بين هذا وبين الولادة؟ قال: لأن الولد ليس بغلة وأن ثمرة النخل واستخدام العبد وكراء الدار وصوف الغنم ولبنها وزبدها غلة, وقد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب العرية أن يشتريها بخرصها إلى الجذاذ, وقد جوز أهل العلم ارتهان غلة الدار وغلة الغلام وثمر النخل الذي لم يبد صلاحها ولم يجوزوا ارتهان ما في بطن الإناث, ولأن الرجل لو اشترى دارا أو جنانا أو غنما أو جارية فاستغلها زمانا أو كانت الغلة قائمة في يديه ثم استحق ذلك من يديه مستحق فأخذ ما وجد من داره أو جنانه أو غنمه أو جاريته لم يكن له فيما استغل المشتري شيء ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخراج بالضمان"1 , وقاله غير واحد من أهل العلم, وأن الغنم لو ولدت أو الجارية ثم استحقها رجل فأصاب الولد لم يمت لأخذ الغنم وما ولدت والجارية وولدها, ولم يكن للمشتري حبس ذلك لأن الولد ليس بغلة.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 71. الترمذي في كتاب البيوع باب53. ابن ماجه في كتاب التجارات باب 43.

فيمن ادعى على رجل أنه استهلك له عبدا أو متاعا فصالحه على دراهم أو دنانير أو عروض إلى أجل
قلت: أرأيت لو أني ادعيت قبل رجل أنه استهلك لي عبدا أو متاعا أو غير ذلك من العروض فصالحته من ذلك على دنانير أو دراهم إلى أجل أو عرض إلى أجل؟ قال: أما العروض فلا يجوز, وأما الدنانير والدراهم فذلك جائز ما لم يكن ذلك أكثر من قيمة ما استهلك..

قلت: فإن كان الذي ادعى قبله قائما بعينه غير مستهلك فصالحته منه على عرض موصوف إلى أجل أو على عين إلى أجل أيجوز هذا؟ قال: نعم لأن مالكا قال: الصلح بيع من البيوع.
قلت: وهو مفترق إذا كان ما يدعي قائما بعينه ولم يتغير أو مستهلكا؟ قال: نعم هو مفترق بحال ما وصفت لك

رسم في رجل غصب رجلا عبدا فأبق العبد من الغاصب فصالحه السيد على دنانير أو دراهم أو عروض
قلت: أرأيت العبد إذا غصبه رجل فأبق منه أيصلح أن أصالحه منه على دنانير إلى أجل أو على عروض إلى أجل؟ قال: أما العروض فلا يصلح أن يصالحه عليها إلى أجل, وأما الدنانير فلا بأس به إذا كان ما صالحه منها مثل القيمة التي وجبت له أو أدنى.
قلت: ولم أجزت هذا وبيع العبد الآبق في قول مالك لا يجوز؟ قال: لأن مالكا قال في الرجل يتكارى الدابة فيتعدى عليها إلى غير الموضع الذي تكاراها إليه فتضل منه في ذلك: أن له أن يلزمه قيمتها, فكذلك العبد لما غصبه فأبق منه فهو ضامن لقيمته إلا أن يرده بحاله أو أحسن حالا.

في الرجل يصالح من موضحة خطأ ومن موضحة عمدا بشقص من دار هل عليه شفعة
لت: أرأيت لو أني ادعيت شقصا في دار في يدي رجل وله شركاء وهو منكر فصالحني من دعواي التي ادعيت في يديه على مائة درهم فدفعها إلي فقام شركاؤه عليه فقالوا: نحن شفعاء وهذا شراء منك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولا أرى لهم فيه شفعة, ولكن إن كان الصلح على إقرار منه فلهم الشفعة عند مالك.
قلت: أرأيت الرجل يصيب الرجل بموضحة خطأ أو موضحة عمدا فصالحه الجارح بشقص في دار فدفعه إلى هل فيه شفعة وهل هو جائز عند مالك؟ قال: نعم.
قلت: فبكم يأخذها الشفيع؟ قال: بخمسين دينارا قيمة موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص الذي كان لموضحة العمد لأنا قسمنا الشقص على الموضحتين فصار لكل موضحة نصف الشقص, فموضحة الخطأ ديتها معروفة وهي خمسون دينارا وموضحة العمد لا دية لها إلا ما اصطلحوا عليه فصار لها من الصلح نصف الشقص, فلذلك

في الرجل يشتري العبد فيجد به عيبا فينكر البائع ثم يصطلحان من دعواهما على مال
قلت: أرأيت الرجل يبيع العبد فيطعن المشتري فيه بعيب وينكر البائع ثم يصطلحان على مال أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك جائز في قول مالك.
قلت: أرأيت إن اشتريت عبدا من رجل بدراهم نقدا أو بدراهم إلى أجل فأصبت به عيبا فجئت لأرده فجحدني وقال: لم يكن العيب عندي فصالحته قبل محل أجل الدراهم على أن رددته عليه وأعطيته عبدا آخر؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك لأن مالكا قال: لا بأس أن يشتري الرجل العبد بذهب إلى أجل ثم يستقيل قبل أن يحل الأجل على أن يرد العبد ويرد معه عرضا من العروض نقدا. وإنما تقع الكراهية إذا رد معه ذهبا أو فضة معجلة قبل أن يحل الأجل وإن حل الأجل فلا بأس أن يرد معه دنانير ودراهم نقدا ولا خير فيه إذا أخره بعد ذلك.
قلت: وهو قول مالك؟ قال: نعم وإن كانت الزيادة عرضا أو ورقا أو ذهبا أو قد حل الأجل فلا يؤخر ذلك من الزيادة شيئا لأنه يدخله الدين بالدين ويدخله بيع وسلف, وقال غيره: وإن صالح البائع المشتري في العيب الذي طعن فيه المشتري والعبد لم يفت على أن زاده البائع عبدا آخر وعرضا آخر نقدا فلا بأس به لأنه كان المشتري اشترى منه هذين العبدين أو العبد الأول والعرض الذي يزيد ; ألا ترى لو أن المشتري استغلى العبد المشترى فسأله الزيادة فزاده عبدا آخر وسلعة لم يكن بذلك بأس وكان كأنه

اشتراهما جميعا بدراهم إلى أجل فلا خير في أن يصالحه البائع على دراهم نقدا إذا كان البيع بدراهم إلى أجل أو بدنانير لأنه بمنزلة من اشترى عبدا ودراهم نقدا بدراهم أو بدنانير إلى أجل إذا كان العبد قائما لم يفت, فإن كان العبد قد فات بعتق أو تدبير أو موت لم يصلح أن يصالحه بدراهم نقدا لأنه كأنه تسلف منه دراهم نقدا يعطيه إياها إذا حل أجل ما عليه وإنما كان ينبغي أن يحط عنه مما عليه إلى أجل قدر العيب الذي دلس له به.

في الرجل يبيع العبد إلى أجل ثم يأتيه فيصالحه من كل عيب في العبد على دراهم يدفعها إليه
قلت: أرأيت إن بعت عبدا لي من رجل فأتيته فصالحته من كل عيب بالعبد على دراهم دفعتها إليه أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يبتاع الدابة فيقول له البائع: أنا أشتري منك كل عيب بها بكذا وكذا ; قال مالك: لا ينفعه ذلك, فإن وجد المشتري عيبا رده.
قلت: أرأيت إن قال المشتري: أنا أشتري منك كل مسيس في يدها ورجلها بكذا وكذا أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: إن كان عيبا معروفا ظاهرا قائما تبرأ منه على ذلك جاز وإلا لم يجز

في الرجل يكون له الدين على الرجل فيصالحه عليه رجل ولا يقول له: أنا ضامن أيكون ضامنا ويجب عليه الصلح
قلت: أرأيت الرجل يصالح عن الرجل عليه دين فقال للطالب: هلم أصالحك من حقك الذي لك على فلان بكذا وكذا ولم يقل أنا ضامن لك أيكون ضامنا ولم يذكر أنه ضامن؟ قال: قال مالك في رجل أتى إلى رجل فصالحه عن امرأته على شيء سماه فألزمه مالك الصلح وألزم الرجل الذي صالح عن امرأته ما سمى للزوج ولم يذكر فيه أنا ضامن لك, فكذلك مسألتك لا تبالي قال أنا ضامن أو لم يقل: إذا صالح من قبل أنه إذا صالح فإنما قضى حين صالح عن الذي عليه الحق مما يحق عليه.

في الرجل يكون له على الرجل ألف درهم فيصالحه على مائة درهم ثم يتفرقان قبل أن يقبضها
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل ألف درهم نقدا فصالحته على مائة درهم يعطيني

في الرجل يكون له على الرجل الدين من تسليف فيصالحه على رأس ماله ويفترقان قبل أن يقبض
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دينا من سلم أيصلح لي أن أصالحه على رأس مالي فأفارقه قبل أن أقبض؟ قال: لا يجوز ذلك.
قلت: لم؟ قال: لأن هذا من الدين بالدين.
قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في طعام فصالحته على رأس مالي فافترقنا قبل أن أقبض أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز هذا في قول مالك.

في الرجل يكون له على الرجل ألف درهم دينا جيادا فيصالح على أن يأخذ مكانها زيوفا أو مبهرجة
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل ألف درهم جياد أيصلح لي أن آخذ مكانها زيوفا أو مبهرجة في قول مالك؟ قال: قال مالك لا ينفق الرجل الزيوف هذه التي فيها النحاس المحمول عليها.
قال مالك وإن بينها أيضا, فلا أحب أن يشتري بها ولا يبيع.
قال ابن القاسم: ولا أعلم الذي كره من شرائها ومن بيعها إلا من الصيارفة فلا أدري أكره بيعها لجميع الناس أم لا, والذي سألته عنه في الصيارفة؟ قال مالك وأرى أن يقطعها.
قال ابن القاسم أرى هذا الصلح جائزا إذا كان لا يقربها أحد وكان يأخذها فيقطعها.

في الرجل يكون له على الرجل الدين فيجحده إياه فيصالحه منه على عبد فيريد أن يبيعه مرابحة
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل مالا فيجحدني فصالحني من ذلك على عبد وقبضته أيجوز أن أبيعه مرابحة في قول مالك؟ قال: قال مالك في عبد اشتراه سيده بدنانير فنقده في تلك الدنانير غيرها: لم يجز ذلك مرابحة حتى يبين ما نقد, وأنا لا أرى

في الرجل يكون له على الرجل مائة إردب قمح من قرض فيصالحه من ذلك على مائة درهم فيدفع إليه خمسين ويفترقان قبل أن يقبض الخمسين
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل مائة إردب حنطة من قرض فصالحته من ذلك

على مائة درهم فدفع إلي خمسين درهما وافترقنا قبل أن أقبض الخمسين الأخرى أتجوز حصة ما انتقدت من ذلك في قول مالك؟ قال: لا تجوز حصة ما قبضت ولا حصة ما لم تقبض, ولا يجوز من ذلك شيء ويرد الدراهم ويكون الطعام عليه على حاله إلا أن يكونا إنما افترقا الشيء القريب ثم أتاه فنقده مثل أن يذهب إلى البيت فأتاه ببقية الثمن فيدفعه إليه أو ما أشبه هذا فلا بأس لأني سألت مالكا عن الرجل يكون له على الرجل الدين الذهب والورق فيعطيه طعاما بعينه في حانوته ويؤخره إلى الغد بكيله ويأتيه بالدواب. قال: قال مالك: لا بأس به, فكذلك هذا إذا كان يذهب معه إلى البيت فينقد أو إلى السوق وما أشبه ذلك فلا بأس به.

في الرجل يكون له على الرجل إردب حنطة وعشرة دراهم فيصالحه من ذلك على أحد عشر درهما
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل إردبا من حنطة وعشرة دراهم فصالحته من ذلك على أحد عشر درهما أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى به بأسا إذا كان الطعام قرضا فإن كان الطعام من بيع فلا يحل.

في الرجل يكون له على الرجل مائة درهم ومائة دينار حالة فيصالحه من ذلك على مائة دينار ودرهم
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل مائة دينار ومائة درهم حالة فصالحته من ذلك على مائة دينار ودرهم أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فلم أجاز هذا وهو لا يجيز مائة دينار ومائة درهم بمائة دينار ودرهم؟ قال: لأن الذي له المائة دينار والمائة درهم إذا قال له الذي عليه الدين: أعطني مائة دينار ودرهما فهذا جائز لأنه أخذ مائة دينار كانت له عليه وأخذ درهما من المائة درهم التي كانت له وترك تسعة وتسعين درهما فمسألتك في الدين إنما هو قضاء وهضيمة ومسألتك فيه إذا كانت متابعة الدقة كلها حاضرة, وإنما هو صرف وإنما هو بيع فلا يجوز أن يبيعه الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل, وقد وصفت لك ذلك في قول مالك إذا اجتمع الصرف في صفقة واحدة ذهب وفضة بذهب أو بذهب وفضة فلا يجوز ذلك.
قلت: ولا يجوز في الصرف في صفقة واحدة أن يكون ذهب وفضة من عند أحدهما ومن عند الآخر ذهب وفضة أيضا الذهبان سواء والفضتان سواء؟ قال: نعم لا يجوز هذا في قول مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الذهب بالذهب مثلا بمثل"1, فهذا إذا كان
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "30" عن نافع عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز. وكذلك رواه البخاري في كتاب البيوع باب 78. في كتاب المساقات حديث 75.

في الرجل يدعي قبل الرجل الدنانير فيصالحه على مائة درهم فينقده خمسين درهما ثم يتفرقان قبل أن ينقده الخمسين الأخرى
قلت: أرأيت لو أن رجلا ادعى قبل رجل عشرة دنانير فصالحه على مائة درهم فينقده خمسين درهما ثم افترقا قبل أن ينقده الخمسين الأخرى أو صرف رجل من رجل عشرة دنانير بمائة درهم فنقده الخمسين وقبض العشرة دنانير ولم ينقده الخمسين الأخرى ثم افترقا أتفسد الصفقة كلها أم تجيز حصة النقد وتبطل حصة ما تأخر من النقد في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن رجل ابتاع من رجل بمائة دينار طعاما إلى أجل فنقده خمسين دينارا وأخر الخمسين إلى محل أجل الطعام يقضيه إياها ويستوفي الطعام؟ قال مالك الصفقة كلها منتقضة ولا بيع بينهما والصرف أيضا إذا وجبت الصفقة فهي منتقضة ولا يشبه هذا الذي يصارفه ثم يصيب بعضها زيوفا لأنه إذا أصاب فيها زيوفا إنما يرد من الصفقة حصة ما وجد من الزيوف وإن كان درهما واحدا انتقض صرف دينار وإن كان درهمين انتقض صرف دينار واحد حتى يتم صرف الدينار فما زاد فعلى ذلك تبني, وهذا كله قول مالك وكذلك الصلح حرام لا يحل.

في الرجل يصالح غريمه من دين له عليه لا يدري كم هو
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل دراهم نسينا جميعا وزنها فلا ندري كم هي كيف نصنع في قول مالك؟ قال: يصطلحان على ما أحبا من ذهب أو ورق أو عرض ويتحالان لأن المغمزة في الذهب والورق والعروض سواء لأنه في الدراهم يخاف أن يعطيه أقل من حقه أو أكثر, فكذلك الذهب والعروض ولا ينبغي له أن يؤخره بما صالحه عليه من الأشياء كلها من ذهب أو ورق أو عروض وإن أخره دخله الخطر والدين بالدين.

في الرجل يدعي قبل الرجل حقا فيصالحه على ثوب ويشترط عليه صبغه أو يصالحه على عبد على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أربعة
قلت: أرأيت إن ادعيت على رجل حقا فصالحني على ثوب يدفعه إلي وشرطت

في الرجل يكون له على الرجل ألف درهم قد حلت فيقول: اشهدوا إن أعطاني مائة عند المحل فالتسعمائة له وإلا فالألف كلها عليه
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل ألف درهم قد حلت فقلت: اشهدوا, إن أعطاني مائة درهم عند رأس الهلال فالتسعمائة درهم له وإن لم يعطني فالألف كلها عليه؟ قال: قال مالك لا بأس بهذا فإن أعطاه رأس الهلال فهو كما قال, ويضع عنه تسعمائة, فإن لم يعطه رأس الهلال فالمال كله عليه.

في الرجل يكون له على الرجل مائة دينار ومائة درهم حالة فيصالحه من ذلك على مائة درهم وعشرة دراهم على أن يعجل له العشرة ويؤخره بالمائة إلى أجل
قلت: أرأيت لو أن لي على رجل مائة دينار ومائة درهم حالة فصالحته من ذلك على مائة درهم وعشرة دراهم على أن يعجل لي العشرة دراهم وأؤخر عنه المائة درهم إلى أجل أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وهذا لا يجوز.
قلت: لم لا يجوز هذا وتكون العشرة دراهم بالمائة دينار, وتكون المائة درهم كأنه أخرها عنه وقد جوز لي في المسألة الأولى؟ قال مالك لا تشبه هذه المسألة.
قلت: لم؟ قال: لأن المسألة الأولى إنما أخذ أحد حقيه وأخذ بما بقي ما ذكرت من العشرة الدراهم وترك الدنانير, وهذا إنما صالح بما أخذ وبما أخر عن جميع ما كان له فجرى ما أخذ وما أخر في جميع ما كان له عليه فصار للعشرة الدراهم حصة من

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب تضمين الصناعالقضاء في تضمين الحائك إذا تعدى
قلت: لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن دفعت إلى حائك غزلا ينسجه سبعا في ثمان فنسجه لي ستا في سبع فأردت أن آخذه أيكون لي ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ويكون للحائك أجره كله؟ قال: نعم يكون للحائك أجره كله.
قال سحنون: وقال لي غيره: يكون له من الأجر بحساب ما عمل.
قلت: فإن أردت أن لا آخذه منه وأضمن الحائك؟ قال: ذلك لك.
قلت: أفأضمنه قيمة الغزل أو غزلا مثله؟ قال: عليه قيمة الغزل ولا يكون عليه غزل مثله.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا أحفظه عن مالك الساعة.
قلت: أرأيت إن استهلكت لرجل غزلا أيكون علي قيمته أو مثله في قول مالك؟ قال: قال مالك: من استهلك لرجل ثوبا فعليه قيمته فأرى في الغزل عليه قيمته ولا يكون عليه مثله.
قال سحنون: الغزل أصله الوزن ومن تعدى على وزنه فعليه مثله

القضاء في تضمين الصناع
قلت: أرأيت لو لو أني دفعت إلى قصار ثوبا ليغسله لي فغسله أو دفعت إلى خياط ثوبا ليخيطه لي ففعل ثم ضاع بعد ما فرغ من العمل فأردت أن أضمنه في قول مالك, كيف

أضمنه؟ أقيمته يوم قبضه مني أم أدفع إليه أجره وأضمنه قيمته بعد ما فرغ منه؟ قال: سألت مالكا أو سمعت مالكا يسأل عن الرجل يدفع إلى القصار الثوب فيفرغ من عمله وقد أحرقه أو أفسده ماذا على العامل؟ قال: قيمته يوم دفعه إليه, ولا ينظر إلى ما ابتاعه به صاحبه غاليا كان أو رخيصا.
قلت: أرأيت إن قلت: أنا أضمنه قيمته مقصورا وأؤدي إليه الكراء؟ قال: ليس لك أن تضمنه إلا قيمته يوم دفعته إليه أبيض؟ قال: وسألنا مالكا عن الخياطين إذا أفسدوا ما دفع إليهم؟ قال: عليهم قيمة الثياب يوم قبضوها.
قلت: أرأيت إن فرغ الخياط أو الصانع من عمل ما في يديه ثم دعا صاحب المتاع فقال: خذ متاعك فلم يأت صاحب المتاع حتى ضاع المتاع عند الصانع؟ قال: هو ضامن على حاله.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى قصار ثوبا ليقصره فقصره فضاع الثوب بعد القصارة فأردت أن أضمنه قيمة ثوبي كيف أضمنه في قول مالك؟ قال: قال مالك: تضمنه قيمته يوم دفعته إليه.
قلت: ولا يكون لي أن أضمنه قيمته مقصورا وأغرم له كراء قصارته في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: أرأيت إن استأجرت خياطا يقطع لي قميصا ويخيطه لي فأفسده؟ قال: قال مالك: إذا كان الفساد يسيرا فعليه قيمة ما أفسد وإن كان الفساد كثيرا ضمن قيمة الثوب وكان الثوب للخياط. ابن وهب قال: وقال لي مالك: إنما يضمن الصناع ما دفع إليهم مما يستعملون على وجه الحاجة إلى أعمالهم, وليس ذلك على وجه الاختبار لهم والأمانة, ولو كان ذلك إلى أمانتهم لهلكت أموال الناس وضاعت قبلهم واجترءوا على أخذها ولو تركوها لم يجدوا مستعتبا ولم يجدوا غيرهم ولا أحدا يعمل تلك الأعمال غيرهم فضمنوا ذلك لمصلحة الناس ومما يشبه ذلك من منفعة العامة ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع حاضر لباد ولا تلقوا السلع1 حتى يهبط بها إلى الأسواق" فلما رأى أن ذلك يصلح العامة أمر فيه بذلك.
ابن وهب, عن طلحة بن أبي سعيد أن بكير بن الأشج حدثه أن عمر بن الخطاب كان يضمن الصناع الذين في الأسواق وانتصبوا للناس ما دفع إليهم
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب البيوع حديث "96"عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. ورواه البخاري في كتاب البيوع باب 71,68,64,58.كتاب الإجارة باب 14. كتاب الشروط باب 8. مسلم في كتاب النكاح حديث 52,51 أبو داود في كتاب البيوع باب 45. الترمذي في كتاب البيوع باب 13. النسائي في كتاب البيوع باب 21.19,16. ابن ماجه في كتاب التجارات باب 15. أحمد في مسنده "1/368,164,163".

سحنون, عن ابن وهب, عن رجال من أهل العلم, عن عطاء بن يسار ويحيى بن سعيد وربيعة وابن شهاب وشريح مثله. وقال يحيى بن سعيد وربيعة وابن شهاب وشريح مثله. وقال يحيى بن سعيد: ما زال الخلفاء يضمنون الصناع.
ابن وهب, وأخبرني الحارث بن نبهان, عن محمد بن عبيد الله, عن علي بن الأقمر أن شريحا ضمن صباغا احترق بيته ثوبا دفع إليه وقال الحارث بن نبهان عن عطاء بن السائب قال: كان شريح يضمن الصباغ والقصار.

القضاء في تضمين الصناع ما أفسد أجراؤهم
قلت: أرأيت القصار إذا أفسد أجيره شيئا أيكون على الأجير شيء أم لا؟ قال: لا شيء على الأجير فيما أوتي على يديه إلا أن يكون ضيع أو فرط أو تعدى.
قلت: ويكون ضمان ذلك الفساد على القصار لرب الثوب؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وهو رأيي.

القضاء في تضمين الخباز إذا احترق الخبز
قلت: أرأيت الخباز الذي يخبز بالأجر للناس في الفرن أو التنور فاحترق الخبز أيضمن أم لا؟ قال: سألنا مالكا عن الخبازين في الأفران أيضمنون أم لا قال: قال مالك: لا ضمان عليهم إلا أن يكونوا غروا من أنفسهم إذا لم يحسنوا الخبز فاحترق فيضمنوا وفرط فلم يخرج الخبز حتى احترق فهذا يضمن, وأما إذا لم يفرط ولم يغر من نفسه فلا ضمان عليه. قال مالك: لأن النار تغلب وليست النار كغيرها.

القضاء في الصباغ يخطئ فيصبغ الثوب غير ما أمر به
قلت: أرأيت الرجل يدفع إلى الصباغ الثوب فيخطئ به فيصبغه غير الصبغ الذي أمر به؟ قال: صاحب الثوب مخير إن أحب أعطاه قيمة الصبغ, وإن أحب ضمنه قيمته يوم دفعه إليه.

القضاء في القصار يخطئ بثوب رجل فيدفعه إلى رجل آخر فيقطعه المدفوع إليه ويخيطه ولا يعلم ثم يعلم فيريد صاحبه أن يأخذه
قلت: أرأيت إن دفعت إلى قصار ثوبا ليقصره فأخطأ فدفعه إلى غيري بعد ما قصره

القضاء في الرجل يشتري الثوب فيخطئ البائع فيعطيه غير ثوبه فيقطعه ويخيطه ولا يعلم بذلك ثم يعلم بذلك
قلت: أرأيت إن اشتريت من رجل ثوبا فأخطأ فأعطاني غير الثوب فقطعته قميصا, ولم أخطه فأراد رب الثوب أن يأخذه مقطوعا؟ قال: ذلك له وليس القطع بزيادة من الذي قطعه ولا نقصان.
قلت: فإن خاطه؟ قال: إذا خاطه لم يكن لرب الثوب أن يأخذه إلا أن يدفع قيمة الخياطة لأن هذا الذي قطعه لم يأخذه متعديا.

القضاء في الخياط والصراف يغران من أنفسهما
قلت: أرأيت إن جئت إلى بزاز لأشتري منه ثوبا فدعوت خياطا فقلت له: أبصر هذا الثوب إن كان يقطع قميصا أشتريه فقال لي الخياط: هو يقطع قميصا فاشتريته فإذا هو لا يقطع قميصا أيكون لي على الخياط شيء أم لا؟ قال: قال مالك: لا شيء على الخياط ولا شيء للمشتري على البائع ويلزم الثوب المشتري ولا يرجع على البائع ولا على الخياط بقليل ولا بكثير.
قال ابن القاسم: وكذلك الصيرفي يأتيه الرجل فيريه الدراهم فيقول له هي جياد ولا بصر له بها فتوجد على غير ذلك فلا ضمان عليه ويعاقب إذا غر من نفسه, وكذلك الخياط أيضا إن كان غر من نفسه عوقب.

القضاء في ترك تضمين الصناع ما يتلف بأيديهم إذا أقاموا عليه البينة
قلت: أرأيت الصناع في السوق الخياطين والقصارين والصواغين إذا ضاع ما أخذوا للناس مما يعملونه بالأجر وأقاموا البينة على الضياع أيكون عليهم ضمان أو لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا قامت لهم البينة بذلك فلا ضمان عليهم وهو بمنزلة الرهن.
قلت: أرأيت القصار إذا قرض الفأر الثوب عنده أيضمن أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يضمن القصار إلا أن يأتي أمر من أمر الله يقوم له عليه بينة, فالقصار لا يضمن إذا جاء أمر من أمر الله تقوم له عليه بينة والفأر من يعلم أنه قرضه فهو على القصار.

القضاء في دعوى الصناع
قلت: أرأيت إن دفعت إلى صباغ ثوبا ليصبغه فقلت: إنما أمرتك أن تصبغه أخضر فقال الصباغ: إنما أمرتني بأسود أو بأحمر وقد صبغته كذلك. قال: قال مالك: القول قول الصباغ إلا أن يأتي من ذلك بأمر لا يشبه.
قلت: وأي شيء معنى قوله لا يشبه؟ قال: يصبغ الثوب بما لا يشبه أن يكون صبغ ذلك الثوب.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى صائغ فضة ليصوغها فصاغها سوارين فقلت: إنما أمرتك بخلخالين؟ قال: قال مالك: القول قول الصائغ.
قلت: أرأيت الصباغين والخياطين والحدادين والعمال كلهم من الأسواق إذا أخذوا السلع يعملونها للناس بالأجر أو بغير الأجر إذا قالوا لأرباب السلع: قد رددناها عليكم أيصدقون في قول مالك أم لا؟ وكيف إن كان أرباب السلع دفعوا ذلك ببينة أو بغير بينة؟ قال: قال مالك: عليهم أن يقيموا البينة أنهم ردوا السلع إلى أربابها وإلا غرموا ما دفع إليهم ببينة أو بغير بينة إذا أقروا بها وعملوا بالأجر أو بغير الأجر فهو واحد عندنا لأن مالكا قال: من استعمل من العمال كلهم من الخياطين والصواغين وغيرهم على شيء فعملوه بغير أجر فزعموا أنه قد هلك غرمه وضمنه ولم ينفعه أنه عمله بغير أجر ولا يبرئه ذلك وكان بمنزلة من استؤجر عليه.
قلت: وسواء إن كانوا قبضوا ذلك ببينة أو بغير بينة؟ قال: نعم, قال: وما سألنا مالكا عنه بغير بينة.

في دعوى المتبايعين
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى سلعة فاختلف المشتري والبائع في الثمن, والسلعة قائمة بعينها قد قبضها المشتري وغاب عليها أو لم يقبضها؟ قال: قال مالك: إن كان لم يقبضها حلف البائع ما باع إلا بكذا وكذا ثم كان المشتري بالخيار إن شاء أن يأخذها بما قال البائع أخذها وإلا حلف المشتري ثم ترادا البيع, فإن كان قد قبضها وغاب عليها رأيت: إن كانت السلعة لم تبع ولم تعتق ولم توهب ولم يتصدق بها ولم يدخلها نماء ولا نقصان ولا اختلاف من الأسواق تحالفا وكانت بمنزلة من لم يقبضها. وإن دخلها شيء مما وصفت لك نماء أو نقصان أو اختلاف أسواق أو كتابة أو بيع أو شيء مما وصفت لك كان القول قول المبتاع وعليه اليمين إلا أن يأتي بما لا يشبه من الثمن؟ قال: ورددتها على

مالك مرة بعد مرة فقال هذا القول وثبت عليه, ولم يختلف فيه قوله. وقد روى ابن وهب عن مالك إذا بان المشتري بالسلعة فحازها وضمها وبان بها ثم اختلفا في الثمن أحلف المشتري بالله ما اشتراها إلا بما ادعى, ثم يسلم إليه ما لم يكن شيء يعرف به كذبه أن يقول: أخذت العبد بدينار أو درهم وأشباه هذا مما لا يكون مما زعم أنه أخذه.
قال سحنون: وبه أقول.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن مات البائع أو المبتاع أيكون ورثتهما مكانهما إذا كانت السلعة بعينها قائمة؟ قال: إن كانت السلعة لم تفت بمثل ما وصفت لك من وجوه الفوت واختلفا في الثمن وادعى كل واحد منهما أن الثمن كذا وكذا تحالفا وترادا السلعة. وإن فاتت بما وصفت لك فالقول قول ورثة المبتاع إذا ادعوا معرفة ما اشتراها به صاحبهم وإن تجاهل ورثة البائع وورثة المشتري وتصادقا في البيع وقال: لا نعرف بما باعها البائع ولا بما اشتراها المشتري وقال ذلك أحلف ورثة المبتاع أنهم لا يعلمون بما اشتراها به أبوهم ثم يحلف ورثة البائع أنهم لا يعلمون بما باعها به أبوهم فإن فاتت بما ذكرته لك من وجوه الفوت لزمت ورثة المشتري بقيمتها في مال المشتري؟ قال: فإن جهل ورثة البائع الثمن وادعى ورثة المشتري معرفة الثمن أو جهل ورثة المشتري الثمن وادعى ورثة البائع معرفة الثمن أحلف من ادعى المعرفة منهما إذا جاء بأمر سداد يشبه أن يكون ثمن السلعة فيكون القول قوله مع يمينه وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن اشتريت ثوبا فقطعته قميصا فلم يخط الخياط حتى اختلفت أنا والبائع في الثمن فالقول قول من في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا كانت السلعة على حالها لم تفت بنماء ولا نقصان, فالقول قول البائع, وإن فاتت بنماء أو نقصان فالقول قول المبتاع والقطع نقصان بين, فالقول إذا قطعه عند مالك قول المبتاع ولم يقل لي ذلك مالك في ثوب ولا خمار ولكنه جمعه لي فقال: إذا كانت سلعة دخلها نماء أو نقصان فاختلفا كان القول قول المشتري.
قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من رجل إلى أجل فاختلفنا في الأجل وتصادقنا في الثمن فقال البائع: بعتك إلى شهر وقال المشتري: اشتريت منك إلى شهرين؟ قال: إن كانت السلعة قائمة لم تفت تحالفا وترادا, وإن كانت قد فاتت فالقول قول المبتاع مع يمينه, وهذا قول مالك فيما بلغني عنه أنه قاله: إذا فاتت.
قلت: وكذلك إذا قال البائع: بعتك هذه السلعة حالة, قال المشتري: بل اشتريتها منك إلى شهر أو إلى شهرين؟ قال: أرى إن كانت السلعة بيد صاحبها, ولم تفت

من يد المشتري بشيء مما وصفت لك تحالفا وترادا, وإن كان قد دفعها البائع إلى المشتري وفاتت في يديه فالمشتري مدع لأن البائع لم يقر له بالأجل وإنما اختلفت هذه والتي قبلها لأن البائع قد أقر بالأجل في التي قبلها وهذه لم يقر فيها بالأجل, فالمشتري مدع والبائع كان أولا مدعيا لأجل قد حل. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: اختلاف الآجال إذا فاتت السلع كاختلافهم في الثمن.
قال سحنون: وروى ابن وهب عن مالك: أنهما إذا اختلفا في الآجال فقال هو إلى أجل شهر, وقال المشتري: إلى أجل شهرين أو قال البائع: حال, وقال المشتري: إلى أجل, إن ذلك سواء: إن لم يقبضها المبتاع فالقول قول البائع, ويحلف, والمبتاع بالخيار. وإن كان قد قبضها المبتاع فالقول قول المبتاع مع يمينه إذا ادعى ما يشبه وهذا قول الرواة.
قلت: أرأيت إن تصادق المشتري والبائع أنه إنما اشترى السلعة إلى سنة فقال البائع: قد مضت السنة وقال المشتري: لم تمض السنة بعد وقد بقي منها شهران أو أربعة أشهر أو بقي نصف السنة؟ قال: القول قول المبتاع مع يمينه, وذلك أني سألت مالكا عن الرجل يؤاجر نفسه من الرجل سنة فيقول الأجير بعد أن يعمل ما شاء الله: قد أوفيتك السنة, ويقول المستأجر: قد بقي لي نصف السنة؟ قال: إن لم تقم للأجير بينة أنه قد أتم السنة عمل بقية السنة, وكان على المستأجر اليمين أنه ما أوفاه السنة.
قال: فقلت لمالك: فالرجل يستأجر الدار سنة فيسكنها ستة أشهر فيقول المتكاري: لم أسكن سنة ويقول المكري: قد سكنت سنة. قال: القول قول المتكاري مع يمينه إلا أن يكون للمكري بينة أنه سكن سنة فمسألتك إذا أقر البائع بالأجل وادعى البائع أنه قد حل فهو مدع على المشتري, فالقول قول المشتري, وعليه اليمين.
قلت: أرأيت لو أن القاضي دفع مالا إلى رجل وأمره أن يدفعه إلى فلان فقال المبعوث معه المال: قد دفعت المال إلى الذي أمرني به القاضي وأنكر الذي أمر القاضي أن يدفع إليه المال أن يكون قبض المال؟ قال: أرى أنه ضامن إلا أن تقوم له بينة سحنون.
وقد قال الله في والي اليتيم {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} فإذا ترك المأمور أن يتوثق فقد لزمه الضمان كما لزم والي اليتيم.

في الرجل يريد أن يفتح في جداره كوة أو بابا
قلت: أرأيت الرجل يريد أن يفتح في جداره كوة أو بابا يشرف منهما على جاره فيضر ذلك بجاره, والذي فتح إنما فتح في حائط نفسه أيمنع من ذلك في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: ليس له أن يحدث على جاره ما يضره وإن كان الذي يحدث في ملكه.
قلت: أرأيت إن كانت له على جاره كوة قديمة أو باب قديم ليس فيه منفعة وفيه مضرة على جاره أيجبره أن يغلق ذلك عن جاره؟ قال: لا يجبره على ذلك ; لأنه أمر لم يحدثه عليه.
قلت: فإن كان ليس له فيه منفعة, وفي ذلك على جاره مضرة وذلك شيء قديم؟ قال: فلا أعرض له, ولم أسمعه من مالك ولكنه رأيي.

في النفقة على اليتيم والملقوط
قلت: أرأيت إن كفل رجل يتيما فجعل ينفق عليه ولليتيم مال أله أن يرجع فيما أنفق على اليتيم في مال اليتيم؟ قال: نعم.
قلت: أشهد أو لم يشهد؟ قال: نعم إذا قال: إنما كنت أنفق عليه على أن أرجع عليه به في ماله.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله.
قلت: أرأيت إن التقط رجل لقيطا فرفعه إلى السلطان فأمره السلطان أن ينفق عليه؟ قال مالك: اللقيط إنما ينفق عليه على وجه الحسبة وإنما ينفق عليه من احتسب.
قلت: فإن لم يجد السلطان من يحتسب عليه؟ قال: أرى نفقته من بيت مال المسلمين لأن عمر بن الخطاب قال: نفقته علينا واللقيط لا يتبع بشيء مما أنفق عليه. قال مالك: وكذلك اليتامى الذين لا مال لهم, وإن قال الذين يكون اليتامى في حجورهم: نحن نسلفهم حتى يبلغوا فإن أفادوا مالا أخذناه منهم وإلا فهم في حل.
قال مالك: قولهم ذلك باطل لا يتبع اليتامى بشيء من ذلك إلا أن يكون لهم أموال عروض فيسلفونهم على تلك العروض حتى يبيعوا تلك العروض فذلك لهم, وإن قصر ذلك المال عما أسلفوا اليتامى فليس لهم أن يتبعوهم بشيء, واللقيط بهذه المنزلة أيضا.
قلت: أرأيت إن التقطت لقيطا فأنفقت عليه فأتى رجل فأقام البينة أنه ابنه أيكون

لي أن أتبعه بما أنفقت عليه؟ قال: نعم إذا كان الأب موسرا يوم أنفق هذا الرجل على اللقيط ; لأن نفقته كانت لازمة لأبيه إذا كان أبوه الذي طرحه عامدا, وإن لم يكن هو طرحه فلا شيء عليه.
قلت: أرأيت لو كان ضالا فوقع عليه رجل فأنفق عليه؟ قال: سئل مالك عن رجل ضل منه ابنه وهو صغير ممن تلزمه نفقته فأخذه رجل فأنفق عليه ثم إن أباه قدم عليه فأراد الذي كان عنده أن يتبعه بما أنفق عليه؟ قال مالك: لا أرى ذلك ولا يتبع بشيء مما أنفق عليه, فاللقيط عندي بمنزلته لأن المنفق إنما أنفق عليه على وجه الحسبة فلذلك لم أر له شيئا.
قلت: وكذلك لو أن رجلا غاب عن أولاد له صغار فأنفق عليهم رجل من غير أن يأمره والدهم بالنفقة عليهم والوالد يوم أنفق هذا الرجل كان موسرا فقدم الوالد أيكون لهذا الرجل أن يتبعه بما أنفق على ولده؟ قال: نعم ; لأن مالكا قال في الرجل يغيب عن امرأته فتنفق ثم يقدم فتريد أن تتبعه بما أنفقت قال مالك: إن كان موسرا يوم أنفقت في غيبته كان لها أن تتبعه وإلا لم يكن لها أن تتبعه. قال: ولأن مالكا قال: تلزمه نفقة ولده إن كان موسرا, وإلا فهم من فقراء المسلمين ولا يكلف بشيء لا يقدر عليه من نفقتهم, وعلى هذا رأيت ذلك في الولد, وقال: في الصبي إذا أنفق عليه رجل فأراد أن يتبع الصبي بما أنفق عليه: لم يكن له ذلك إلا أن يكون للصبي مال يوم أنفق عليه فيكون له أن يتبع مال الصبي بما أنفق على الصبي.
قلت: ومن هؤلاء الصبيان الذين جعل مالك عليهم النفقة على وجه الحسبة إذا لم يكن لهم مال؟ قال: اليتامى.
قلت: أرأيت إن أنفق على صبي, وله والد بغير إذنه أيلزم الوالد ما أنفق عليه أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك.
قال ابن القاسم: إلا أني أرى إن كان أمرا يلزمه السلطان إياه فإني أرى أن ذلك يلزمه مثل الرجل يغيب وهو موسر فيضيع ولده فيأمر السلطان رجلا بالنفقة على ولده أو ينفق هو عليهم بغير إذن السلطان على وجه السلف له, وكان الولد صغارا ممن يلزم الوالد النفقة عليهم فأرى ذلك عليه إذا كان ذلك منه على وجه السلف وحلف على ذلك وكانت له البينة بالنفقة عليهم, وإن كان الأب معسرا لم يلزمه من ذلك شيء, وإن أيسر فمات بعد ذلك لم يتبع بما أنفق على وجه الحسبة إذا كان الأب يوم أنفق عليهم معسرا قال: لأن

مالكا قال: إذا كان الوالد معسرا لم تلزمه نفقة ولده وإن كان الوالد موسرا لزمته نفقة ولده فأرى هذا الذي أنفق على هذا الصبي الذي له والد أنه إن كان الوالد موسرا لزم الوالد ما أنفق هذا على ولده إذا كان إنما أنفق عليهم على نحو ما وصفت لك, وإن لم يكن الوالد موسرا فلا أرى أن يلزمه ذلك لأن الوالد في هذا الموضع إذا كان موسرا إنما هو بمنزلة مال الصبي, فالذي يلزم الصبي يلزم الوالد إذا كان موسرا.

القضاء في الملقوط
قلت: أرأيت إن التقطت لقيطا فكابرني عليه رجل فنزعه مني فرفعته إلى القاضي أيرده علي؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا, وأرى أن ينظر في ذلك الإمام, فإن كان الذي التقطه قويا على مؤنته وكفالته رده إليه وإن كان الذي نزعه منه مأمونا, وهو أقوى على الصبي نظر السلطان للصبي بقدر ما يرى.
قلت: أرأيت إن التقطت لقيطا في مدينة من مدائن المسلمين أو في قرية من قرى أهل الشرك في أرض أو كنيسة أو في بيعة أو التقطته وعليه زي الإسلام أو عليه زي النصارى أو اليهود أي شيء تجعله أمسلما أو نصرانيا أو يهوديا في قول مالك؟ وكيف إن كان قد التقطه الذي التقطه في بعض هذه المواضع التي ذكرت لك مسلما أو مشركا ما حاله في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا, وأنا أرى إن كان في قرى الإسلام ومدائنهم وحيث هم فأراه مسلما, وإن كان في مدائن أهل الشرك وأهل الذمة ومواضعهم فأراه مشركا, ولا يعرض له, وإن كان وجده في قرية فيها مسلمون ونصارى نظر, فإن كان إنما مع النصارى الاثنان والثلاثة من المسلمين وما أشبه ذلك من المسلمين فهو للنصارى, ولا يعرض له إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه.

فيمن يهب لرجل لحم شاته ولآخر جلدها فيغفل عنها حتى تنتج
قلت: أرأيت إن وهب رجل لرجل لحم شاته ولآخر جلدها فغفل عنها حتى وضعت؟ قال: أرى أن يكون له قيمة جلد الأم أو شراؤه إن أدركها قائمة, فإن فاتت لم يكن له في الولد قليل ولا كثير.

فيمن يهب لرجل لحم شاته ولآخر جلدها فيريد صاحب لحمها أن يستحييها ويقول: أدفع لك قيمة الجلد أو جلدا مثله ويأبى الآخر إلا الذبح
قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب لرجل لحم شاته ووهب لآخر جلدها, والشاة حية

في رجل يختلط له دينار في مائة دينار لرجل
قلت: أرأيت إن اختلط دينار لي في مائة دينار لك فضاع منها دينار؟ قال: سمعت أن مالكا قال: يكون شريكا له إن ضاع منها شيء فهما شريكان, فهذا بجزء من مائة جزء وجزء وصاحب المائة بمائة جزء وجزء قال: وكذلك بلغني عن مالك وأنا أرى لصاحب المائة تسعة وتسعين دينارا ويقتسم صاحب المائة وصاحب الدينار الدينار الباقي نصفين ; لأنه لا يشك أحد أن تسعة وتسعين منها لصاحب المائة فكيف يدخل صاحب الدينار فيما يستيقن أنه لا شيء له فيه, وكذلك بلغني عن عبد العزيز بن أبي سلمة.

في البازي ينفلت والنحل تخرج من جبح هذا إلى جبح هذا
قلت: أرأيت لو أن بازيا لرجل انفلت منه فلم يقدر على أخذه بحضرة ذلك حتى فات بنفسه ولحق بالوحوش أكان مالك يقول: هو لمن أخذه؟ قال: نعم.
قلت: فهل تحفظ عن مالك في النحل إن هي هربت من رجل فغابت من فورها ذلك ولحقت بالجبال أتكون لمن أخذها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا, ولكن إن كان أصل النحل عند أهل المعرفة وحشية فهي بمنزلة ما وصفت لك من الوحوش في رأيي.
قال: وقال مالك في النحل تخرج من جبح هذا إلى جبح هذا ومن جبح هذا إلى

في الحكم بين أهل الذمة وتظالمهم في البيع والشراء
قلت: أرأيت أهل الذمة إذا اشتروا وباعوا فيما بينهم أيحكم عليهم بحكم المسلمين فيما باعوا واشتروا ويلزمهم ذلك في قول مالك؟ قال: نعم لأن البيع والشراء إذا امتنع أحدهم من أن ينفذ ذلك فهذا من الظلم فيما بينهم, فالحكم أن يحكم فيما بينهم بهذا إلا ما كان من الربا, وما أشبهه فإنه لا يحكم به فيما بينهم.
قلت: أرأيت السلم بين النصارى واليهود أيحملون من ذلك على ما يحمل عليه أهل الإسلام من الجائز والفاسد في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا أرى للحكم أن يحكم بينهم ولا يعرض لهم, فإن ترافعوا إليه كان مخيرا إن شاء حكم, وإن شاء ترك. قال مالك: وترك ذلك أحب إلي وإن حكم فليحكم بينهم بحكم الإسلام, وذلك أن النبي عليه السلام إنما حكم في الذين حكم فيما بينهم بالرجم ; لأنهم لم تكن لهم ذمة يوم حكم بينهم. قال مالك: فكذلك رأيت ذلك لأنهم أهل ذمة

في الرجل يقع له رطل زيت في زق زنبق لرجل
قلت: أرأيت لو أن رطلا من زيت وقع في زق زنبق لرجل؟ قال: يكون لك عليه رطل من زيت, فإن أبى أخذت رطلك الذي وقع في الزنبق من الزنبق.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا.

في الرجل يعترف الدابة والعبد والعروض في يدي رجل
قلت: أرأيت ما ذكرت لي من قول مالك في الذي يشتري الدابة فتعترف في يديه فأراد أن يطلب حقه؟ قال: يخرج قيمتها فتوضع على يدي عدل ثم يدفع إليه الدابة فيطلب حقه أرأيت إن رد الدابة وقد حالت أسواقها أو تغيرت بزيادة أو نقصان بين أيكون له أن يردها ويأخذ القيمة التي وضعاها على يدي عدل؟ قال: قال مالك: إن أصابها نقصان فهو لها ضامن يريد بذلك مثل العور أو الكسر أو العجف, قال: وأما حوالة الأسواق فله أن يردها عليه عند مالك.
قلت: أرأيت هذا أيضا في الإماء والعبيد مثله في الدابة؟ قال: قال مالك: نعم إلا

كتاب الجعل والإجارة
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجعل والإجارةقال عبد الرحمن بن القاسم: قال مالك بن أنس فيمن باع سلعة من رجل بثمن على أن يتجر له في ثمنها سنة.
قال: قال مالك: إن كان اشترط إن تلف المال أخلفه له البائع حتى يتم عمله بهما سنة فلا بأس بذلك وإلا فلا خير فيه, وفسخ وهذا يشبه الذي يستأجر الرجل ليرعى له غنمه هذه بأعيانها سنة فهو إن لم يشترطا ما مات منهما فعلى رب الغنم خلفها وإلا فلا خير في هذه الإجارة, وكذلك الدنانير التي باع بها سلعة وشرط على المشتري أن يعمل بها سنة فكذلك هو لا يصلح إلا أن يشترط إن ضاعت الدنانير, فعلى البائع أن يخلفها حتى تتم السنة.
قلت: أرأيت إن اشترطا إن ضاعت الدنانير فعلى البائع أن يخلفها فضاعت الدنانير فقال البائع: لا أريد أن أخلفها, ولا أريد عملا بها؟ قال: يقال: اذهب بسلام.
قلت: وكذلك راعي الغنم بأعيانها إذا استأجره سنة يرعاها بأعيانها واشترط عليه أن ما ضاع منها أخلفه فهلك منها شيء فقال رب الغنم: لا أريد أن أخلفها فقال: يقال له: أوف الإجارة وأنت أعلم إن شئت فأخلفها, وإن شئت فلا تخلفها, ولا يصلح له في الأصل الإجارة إلا أن يشترط أن ما مات منها أخلفه, وهذا قول مالك.
قلت: ولم أجاز مالك هذا البيع أن يبيعه سلعة بمائة دينار ويشترط أن يعمل بها سنة فإن تلفت أخلفها البائع فيعمل بها؟ قال: لأن مالكا يجيز البيع والإجارة أن يجتمعا

في صفقة واحدة وإنما هذا بيع وإجارة باعه السلعة بمائة دينار ويعمل الرجل فيها سنة ; ألا ترى لو أنك استأجرت رجلا يعمل لك بهذه المائة دينار سنة أن ذلك جائز إذا اشترطت عليه إن ضاعت أخلفها فيعمل بها, فإن ضاعت فإن شئت فأخلفها وإن شئت فلا تخلفها, والإجارة قد لزمتك له تامة ولا تصلح الإجارة إلا أن يكون في أصل الإجارة شرط إن ضاعت الدنانير أخلفتها فيعمل بها المستأجر.
قال: وقال مالك في الثوب يكون للرجل فيبيع نصفه من رجل على أن يبيع له النصف الباقي: إن ذلك جائز إذا ضرب لذلك أجلا.
قلت: فإن قال: أبيعك نصف هذه الدار, وهو بالفسطاط على أن يبيع له النصف الآخر ببلد من البلدان؟ قال: قال مالك: لا يعجبني ذلك.
قلت: وكذلك لو قال: أبيعك نصف هذا الحمار على أن تبيع لي النصف الباقي بموضع كذا وكذا لبلد آخر أو قال: أبيعك نصف هذا الطعام, وهو بالفسطاط على أن تخرج به كله إلى بلد آخر فتبيعه؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا.
قلت: فإن قال أبيعك نصف هذه الأشياء التي سألتك عنها على أن تبيع لي نصفها في موضع حيث بعته السلعة؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.
قال سحنون: ما خلا الطعام فإنه لا يجوز فأما غير الطعام إذا ضربت لذلك أجلا على أن تبيع لي نصفها إلى شهر فلا بأس به, فإن لم يضرب لذلك أجلا فلا خير في ذلك.
قال ابن وهب, وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة في الثوب.
قلت: أرأيت إن ضربت لذلك أجلا, فباعها قبل الأجل؟ فقال: له من الأجر بحساب ذلك الأجل إن كان باعها في نصف الأجل, فله من الأجر نصف الأجرة وهذا قول مالك.
قلت: فإن مضى الأجل ولم يقدر على بيع السلعة؟ فقال: له الأجر كاملا, وكذلك قال مالك.
قلت: ولم لم يجزه مالك إلا أن يضرب لذلك أجلا؟ قال: لأن مالكا كره أن يجتمع البيع والجعل في صفقة واحدة وكره أيضا أن تجتمع الإجارة والجعل في صفقة واحدة, وإنما جوز مالك الجعل في الشيء القليل إذا كان حاضرا مثل الثوب أو الثوبين

فأما إذا كثر ذلك فلا يصلح فيه إلا إجارة, وكذلك قال لي مالك فهذا الذي قال لي في مسألتك: أبيعك نصف هذه الثياب أو نصف هذه الدابة على أن تبيع لي النصف الباقي, ولم يضرب لذلك أجلا, فإن كان الثوب أو الثوبين, فهذا مما يجوز فيه الجعل, فإذا وقع مع هذا الجعل بيع في صفقة واحدة لم يصلح عند مالك وإن كان الطعام كثيرا والثياب كثيرة أو الدواب كثيرة لم يصلح فيها الجعل عند مالك وصلحت فيها الإجارة فإن كان ذلك كثيرا فقد اجتمع في هذه الصفقة في مسألتك بيع وإجارة, فإن لم يضرب للإجارة أجلا لم يجز ذلك ; لأنه لا تكون الإجارة جائزة إلا أن يضرب لذلك أجلا, فإن لم يضرب للإجارة أجلا كانت الإجارة فاسدة فإذا فسدت الإجارة في الصفقة, ومعها بيع فسد البيع أيضا ; لأن الإجارة والبيع إذا اجتمعتا في صفقة واحدة فكان أحدهما فاسدا - الإجارة أو البيع - فسدا جميعا. ومما يبين ذلك أنه إذا باعه نصف ثوبه على أن يبيع له النصف الباقي أن ذلك إجارة ليس بجعل لأن الجعل إنما هو إن شاء أحدهما أن يرد الثوب على صاحبه رده فذلك له, وهذا الذي اشترى نصف ثوب بكذا وكذا درهما على أن يبيع له النصف الآخر لا يقدر على أن يرد الثوب ولا يبيع النصف إذا أراد, فهذا يدلك على أن هذه إجارة, فإن كان إجارة لم تصلح إلا أن يضرب لذلك أجلا, فإن لم يضرب لذلك أجلا فسد البيع وهذا قول مالك.
قال: وقال مالك: وكذلك الرجل يستأجر الرجل يبيع له الأعكام من البز أو الطعام الكثير أو الدواب الكثيرة أو السلع الكثيرة ولا يضرب لذلك أجلا, قال مالك: لا خير في ذلك إلا أن يضرب لذلك أجلا فإذا ضرب لذلك أجلا فهو جائز بمنزلة الأجير فإن باع إلى ذلك الأجل, فله أجره وإن باع قبل الأجل أعطي من الأجر بحساب ذلك فإن كان باع في نصف الأجل فله نصف الأجر, وإن كان باعه في ثلثي الأجل فله ثلثا الإجارة.
قال سحنون: وقد ذكر بعض الرواة عن مالك في هذا الأصل أنه إذا باعه نصف ثوب على أن يبيعه النصف الآخر إنه لا خير فيه.
قيل لمالك: فإن ضرب للبيع أجلا؟ قال: فذلك أجره له.
قلت: أرأيت إن قال: أبيع لك هذه السلع, وهي كثيرة إلى أجل كذا وكذا بكذا وكذا درهما على أني متى ما شئت تركت ذلك أيجوز ذلك وتجعلها إجارة له فيها الخيار؟ قال: إذا لم ينقده إجارته, فلا بأس بذلك عند مالك وإن نقده فلا خير في ذلك ; لأن الخيار لا يصلح فيه النقد في قول مالك, وهذا الذي سألت عنه كثيرا لا يصلح فيه الجعل فلم تقع

إجارته على الجعل وإنما وقعت الإجارة لازمة له فيها الخيار, فلا يصلح فيها النقد وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن لم يشترط في مسألتي هذه في إجارته أنه متى شاء أن يذهب ذهب ولكنه آجر نفسه بمائة درهم يبيع له هذه السلعة إلى شهر أيجوز في هذا النقد أم لا؟ قال: لا يجوز في هذا النقد لأنه إن باعه قبل مضي الشهر رد من الأجر بقدر ما بقي من الشهر, فلا يجوز هذا.
قال ابن القاسم: ويدخله بيع وسلف.
قلت: أرأيت إن مضى يوم أو يومان, والسلعة على حالها إلا أنه لم ينقده, وكانت الإجارة جائزة في قول مالك ; لأنه لم ينقده فلما مضى يوم أو يومان قال الأجير للذي استأجره على بيع تلك السلعة أعطني إجارة هذين اليومين أو هذا اليوم بحساب الإجارة من الشهر؟ قال: ذلك له عند مالك ; لأنه إنما استأجره على أيام ويعطي على حساب الشهر ; لأنه لو لم يبع شيئا حتى استكمل الشهر كانت إجارته إجارة تامة, وإن باع فيها دون ذلك كان له بحساب الشهر ويعطى من الأجر على قدر ما أقام في المتاع - باع أو لم يبع - الإجارة تلزمه في الشهر كله إلا أن يبيع المتاع قبل الشهر فيكون له من الأجر بحساب ما مضى من الشهر.
قلت: أرأيت إن استأجرته شهرا على أن يبيع لي ثوبا وله درهم؟ قال: ذلك جائز إذا كان إن باع قبل ذلك أخذ الإجارة بحساب ما مضى من الشهر.
قلت: والقليل من السلع والكثير تصلح فيه الإجارة في قول مالك؟ قال: نعم ولم أسمع من مالك في القليل شيئا, ولكن لما جوز مالك في القليل بجعل كانت الإجارة عندي فيه أجوز.

في السلف والإجارة
قلت: لابن القاسم: أرأيت إن دفعت إلى حائك غزلا ينسجه لي وقلت له: زد عليه رطلا من غزل من عندك على أن أقضيكه وأجرك عشرة دراهم في نسجه؟ قال: لا يصلح هذا ; لأن هذا سلف وإجارة فلا يصلح كل سلف جر منفعة.
سحنون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف جر منفعة.

في الرجل يستأجر الرجل على أن يطحن له إردبا من قمح بدرهم وبقفيز من دقيق مما يخرج منها ويسلخ له شاة بدرهم وبرطل من لحمها
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يطحن لي إردبا من حنطة بدرهم وبقفيز من دقيق مما يخرج من هذه الحنطة؟ قال: ذلك جائز.
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يطحن لي هذه الأرادب الحنطة بدرهم وبقسط من زيت هذا الزيتون, وذلك قبل أن أعصر الزيتون؟ قال: إن كان يعرف ذلك الزيت, فذلك جائز.
قلت: فإن قال رجل لرجل أبيعك دقيق هذه الحنطة كل قفيز بدرهم, وذلك قبل أن يطحنها؟ قال: لا بأس بذلك ; لأن الدقيق لا يختلف, وكل شيء جاز بيعه فلا بأس أن يستأجر به كذلك قال مالك.
قلت: لم جوزت شراء دقيق هذه الحنطة كل قفيز بدرهم؟ قال: لأن الذي اشترى دقيق هذه الحنطة كل قفيز بدرهم فتلفت هذه الحنطة لم يضمن هذا المشتري, وكان ضمان ذلك من البائع.
قال: وقال مالك لي: لو أن رجلا باع حنطة في سنبله على أن يدرسها ويذريها كل قفيز بدرهم؟ قال: ذلك جائز.
قال: فقلت له: إنه يقيم في دراسته العشرة الأيام والخمسة عشر يوما؟ قال: لا بأس بذلك, وذلك كله قريب.
قلت: لم أجازه مالك وهذا في سنبله؟ قال: لأنه معروف وقد رآه.
قلت: أرأيت إن استأجرت جزارا ليسلخ لي هذه الشاة بدرهم وبرطل من لحمها؟ قال: لا يجوز هذا.
قلت: وكذلك إن بعت من لحم هذه الشاة كل رطل بدرهم قبل أن أسلخها بعدما ذبحتها؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك لأني قلت لمالك إنا نقدم المنهل فنؤتى بأغنام فنقول: اذبحوا حتى نشتري منكم فيقولوا: لا نفعل لأنا نخاف أن تتركوا لحمها عندنا ولكن قاطعونا على سعر معلوم, ثم نذبح والجزور تشرى كذلك قد انكسرت فيسوم بها القبيل, ويقولون لربها: اذبحها فيقول ربها: لا أذبحها حتى تقاطعوني على سعر فيقاطعونه على سعر قبل أن ينحر, ثم ينحر؟ قال مالك: لا خير فيه إن قاطعوه على سعر قبل أن يسلخ ورآه من اللحم المغيب وأنه يشتري ما لم ير.

قال ابن القاسم: فإن كان الزيت والدقيق أمرا مختلفا خروجه إذا عصر أو طحن فلا خير فيه أيضا, ولا يجوز بيعه حتى يطحنه أو يعصره.
ولقد سألته عن الرجل يبيع القمح على أن عليه طحينه مرارا فرأيته يخففه, فهذا يدلك على أن الدقيق في مسألتك عند مالك في البيع خفيف, ولو كان الدقيق عند مالك مجهولا مختلفا لما جوز أن يشتري الرجل حنطة ويشترط على بائعها أن يطحنها ; لأنه حين اشترى حنطة واشترط أن يطحنها بائعها فكأنه إنما يشتري دقيقا لا يعرف كيف يخرج وقد جوزه مالك.

في الرجل يقول للخياط: إن خطت لي ثوبي اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فأجرك نصف درهم
قلت: أرأيت إن دفعت إلى خياط ثوبا يخيطه لي فقلت له: إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبنصف درهم أتجوز هذه الإجارة في قول مالك أم لا؟ قال: لا تجوز هذه الإجارة عند مالك.
قلت: لم؟ قال: لأنه يخيطه على أجر لا يعرفه فهذا لا يعرف أجره, فإن خاطه فله أجرة مثله, وقال غيره: إلا أن يكون أجر مثله أقل من نصف درهم فلا ينقص من نصف درهم أو يكون أكثر من درهم فلا يزاد على درهم.
قلت لابن القاسم: فإن كان أجر مثله أكثر من درهم أو أقل من نصف درهم؟ قال: لا ينظر فيه إذا خاطه عند مالك إلى درهم ولا إلى نصف درهم له أجرة مثله بالغا ما بلغ. وقال عبد الرحمن: وهذا من باب بيعتين في بيعة.
قال سحنون: وقول عبد الرحمن حسن.
قلت: وكذلك بعض البيوع الفاسدة إذا قبضها المشتري ففاتت في يديه, فعليه قيمتها يوم قبضها بالغة ما بلغت, ولا يلتفت في ذلك إليه ما سميا من الثمن في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: والخياط والصباغ في هذا - إذا كانت الإجارة فاسدة - مثل البيع الفاسد؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك إن دفعت إليه ثوبا خاطه خياطة رومية فبدرهم وإن خاطه خياطة عربية فبنصف درهم؟ قال: هذا مثل ما وصفت لك في الإجارة الفاسدة في رأيي.

ابن وهب قال: وأخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: ينهى أن يقول الرجل للعامل: اعمل لي متاعي هذا فإن قضيتنيه غدا فإجارتك كذا وكذا, وإن قضيتنيه في بعد غد فإجارتك كذا وكذا؟ قال: هذا من بيعتين في بيعة.

في الرجل يدفع الجلود أو الغزل أو الدابة أو السفينة إلى الرجل على النصف
قلت: أرأيت إن دفع رجل إلى رجل جلودا على أن يدبغها على النصف أو يعملها على النصف؟ قال: قال مالك: لا خير في ذلك.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى حائك غزلا على أن ينسجه على النصف يكون الثوب بيننا أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا خير في ذلك.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى حائك غزلا ينسجه لي بالثلث أو بالربع أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا.
قلت: لم؟ قال: لأن الحائك آجر نفسه بشيء لا يدري ما هو ولا يدري كيف يخرج الثوب, فلا خير فيه.
قال ابن وهب: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استأجر أجيرا فليعلمه أجره"1 وقال: "من استأجر أجيرا فليستأجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم".
قال سحنون: وقال مالك: كل ما جاز لك أن تبيعه فلا بأس أن تستأجر به وما لا يجوز لك أن تبيعه فلا يجوز لك أن تستأجر به.
قلت: فإن قال: له انسج غزلي هذا بهذا الغزل الآخر؟ قال: قال مالك: هذا جائز.
قلت: أرأيت إن دفعت سفينتي إلى رجل فقلت له: أكرها فما كان فيها من كراء فهو بيني وبينك أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك ولا يجوز أن يعطيه الدار أو الحمام فيقول: أكرها فما كان من كراء, فهو بيني وبينك ; لأن الرجل قد آجر نفسه بشيء لا يدري ما هو.
قلت: ولمن يكون جميع الكراء؟ قال: قال مالك: لرب السفينة والدار والحمام.
قلت: أرأيت لو قال رجل لرجل: اعمل على دابتي فما عملت من شيء فلي نصفه ولك نصفه قال: قال مالك: لا خير فيه, وما عمل من شيء على الدابة فهو للعامل ولرب الدابة على العامل أجر دابته بالغا ما بلغ.
ـــــــ
1 رواه النسائى في كتاب الإيمان باب 44.

قلت: وكذلك السفن مثل الدواب عند مالك؟ قال: نعم كذلك قال مالك: هي مثل الدواب.
قلت: فإن أعطاه دابته فقال: أكرها فما أكريتها به من شيء, فهو بيني وبينك؟ قال: إن كان إنما قال: أكرها فقط ولم يقل له: اعمل عليها فأرى الكراء لرب الدابة وللذي أكراها أجر مثله. قال: وهذا رأيي.
قلت: وعلام قلته؟ قال: قلته على الرجل يعطي الرجل الدابة فيقول: بعها بمائة دينار فما زاد على المائة فهو بيني وبينك أو يقول: بعها فما بعتها به من شيء فهو بيني وبينك, فهذا عند مالك له أجرة مثله وجميع الثمن لرب الدابة. قال مالك: لو أن رجلا دفع إلى رجل دابة فقال: اعمل عليها ولك نصف ما تكسب عليها كان الكسب للعامل وكان على العامل إجارة الدابة فيما تساوي, وكذلك السفينة إذا دفعتها إلى قوم يعملون عليها كان ما كسبوا لهم وكان عليهم كراء مثلها ولا يشبه أن يقول: في السفينة والحمام أجرهما ولك نصف ما يخرج أو اعمل فيهما ولك نصف ما تكسب فما كان يعمل فيه فله ما كسب وعليه إجارته وما كان إنما يؤاجره ولا عمل له فيه فالإجارة لصاحبها وللقائم فيها إجارة مثله, فهذا وجه ما سمعت من مالك.
ابن وهب قال: وأخبرني إبراهيم بن نشيط عن ربيعة أنه قال في الرجل يعمل لرجل في سفينة في البحر بنصيبه من الربح فيقول: لا أعمل لك فيها حتى تقدم إلي دينارين أو ثلاثة سلفا حتى يقاصه به من ربحه؟ فقال: لا يصلح أن يستأجره في سفينة على نصف ما يربح, كل ذلك لا يراه حسنا.
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل: احمل طعامي هذا إلى موضع كذا وكذا على أن لك نصفه؟ قال: قال مالك: لا يجوز هذا إلا أن يعطيه النصف مكانه نقدا فإن أخره إلى الموضع الذي شرط عليه أن يحمله إليه, فلا يجوز ; لأنه استأجره بطعام بعينه لا يدفعه إلا إلى أجل فلا يصلح ذلك.
قلت: أرأيت إن أخذت دابته أعمل عليها على النصف قال: قال مالك: لا يصلح هذا.
قلت: فإن عمل عليها لمن يكون العمل؟ قال: يكون العمل للعامل ولصاحب الدابة أجر مثلها.
قلت: وكذلك لو أكريتها إلى مكة وكانت إبلا وكنت أخذتها على أن أعمل عليها على النصف؟ قال: نعم يكون جميع ذلك للمتكاري ويكون لرب الإبل مثله كراء إبله.

قال ابن القاسم: وإن قال: أكرها ولك نصف ما يخرج من كرائها كان الكراء لصاحب الإبل وكان للمكري أجر مثله فيما عمل.
قال: وقال مالك في الرجل يقول للرجل: بع سلعتي هذه ولك نصف ثمنها؟ قال: لا خير في ذلك. قال: فإن باعها أعطي أجر مثله وكان جميع الثمن لرب السلعة وكذلك الكراء عندي إذا كان يكريها وله نصف الكراء كان عندي بهذه المنزلة التي وصفت لك في بيع السلعة وإذا قال: اعمل عليها ولك نصف ما يكون من عملها فهذا مخالف لما ذكرت لك والذي يقول: اعمل عليها إنما هو على أحد أمرين إما أن يكون أكرى دابته بنصف ما يكسب الأجير أو يكون آجر نفسه بنصف ما يكسب على الدابة فأولاهما بما يكون من الكسب العامل ويكون لرب الدابة أجر مثلها.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.

في الطعام والغنم والغزل يكون بين الرجلين فيستأجر أحدهما صاحبه على حمله وينسج الغزل على النصف
قلت: أرأيت طعاما بيني وبين رجل آخر استأجرته على حمله إلى موضع كذا وكذا لنفاق بلغنا في تلك البلدة على أن يكون له علي نصف كراء ذلك الطعام أو قلت له: اطحنه بكذا وكذا على أن علي نصف كراء الطحن؟ قال: إن كان اشترط عليه المتكاري أن يحمل حصته مع حصة المكري إلى ذلك الموضع فيبيعهما جميعا, ولا يكون للمكري أن يقاسمه حتى يبيعهما أو حتى يبلغها تلك البلدة فلا خير في هذا وإن كان إنما أكراه على أن يحمل له حصته, والحنطة مجموعة مختلطة فيما بينهما لم يقتسماها إلا أنه متى ما بدا للمكري أخذ حصته من الحنطة فباعها أو وهبها إن شاء في الطريق وإن شاء قبل أن يحمل وإن شاء حيثما شاء وحمل حصة المكتري لازم له ذلك, فلا بأس بذلك إذا ضرب لما يبيعها إليه أجلا وفي الطحين إن كان إن شاء طحن معه وإن شاء لم يطحن فلا بأس بذلك؟ قال: وإن كان المتكاري على حصته فاشترط عليه أن يطحنهما جميعا حصته وحصة صاحبه, فلا خير في ذلك.
قلت: فإن فعل ذلك بهذا الشرط الذي ذكرت لك أنه فاسد؟ قال: يكون للذي طحنه أو حمله على دابته أجر مثل حصة صاحبه في الطحين أو في الكراء.
قلت: أرأيت لو أن غنما بيني وبين رجل استأجرته على أن يرعاها لي على أن له

نصف أجرها؟ قال: لا بأس بذلك في رأيي إذا كان للراعي أن يقاسمه حصته متى ما بدا له أو يبيع حصته متى بدا له. لا يمنع من ذلك.
قلت: وتكون الإجارة لازمة للراعي في حصة صاحبه؟ قال: نعم.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم إذا كان إن ماتت الغنم أو نقصت أخلف له مثل حصته وقال غيره: إذا اعتدلت في القسم.
قلت: أرأيت لو أن غزلا بيني وبين رجل استأجرته على أن ينسجه لي بدراهم مسماة أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز هذا ; لأن الحائك لا يقدر أن يبيع حصته من الغزل ; لأن النسج قد لزمه لصاحبه.

في الرجل يستأجر الرجل شهرا على أن يبيع له ثوبا وله درهم
قلت: أرأيت إن استأجرته شهرا على أن يبيع لي ثوبا وله درهم؟ قال: ذلك جائز إذا كان إن باع قبل الشهر أخذ بحساب الشهر.
قلت: والقليل من السلع والكثير تصلح فيه الإجارة في قول مالك؟ قال: نعم ولم أسمع من مالك في القليل شيئا ولكنه لما جوز مالك في القليل الجعل كانت الإجارة فيه عندي أجوز.
قلت: وكل ما يجوز الجعل فيه عندك تجوز فيه الإجارة؟ قال: نعم إذا ضرب للإجارة أجلا.
قلت: والكثير من السلع لا يصلح فيه الجعل في قول مالك؟ قال: نعم لا يصلح فيه الجعل وتصلح فيه الإجارة عند مالك.
قلت: والقليل من السلع تصلح فيه الإجارة والجعل جميعا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: لم كره مالك في السلع الكثيرة أن يبيعها الرجل للرجل بالجعل؟ قال: لأن السلع الكثيرة تشغل بائعها عن أن يبيع أو يشتري أو يعمل في غيرها, فإذا كثرت السلع هكذا حتى يشتغل الرجل لم يصلح إلا بإجارة معلومة.
قال لي مالك: والثوب والثوبان وما أشبههما من الأشياء التي لا تشغل صاحبها عن أن يعمل في غيرها, فلا بأس بالجعل فيها وهو متى ما شاء أن يترك ترك, والإجارة ليس له أن يتركها متى ما شاء.

قلت: أرأيت بيع الدابة والغلام والجارية أهذا من العمل الذي يجوز فيه الجعل؟ قال: نعم, وكذلك قال مالك, فإذا كثرت الدواب أو الرقيق, فلا يصلح في هذا الجعل.
ابن وهب, عن الليث بن سعد, عن ربيعة في رجل دفع إلى رجل متاعا يبيعه, وله أجر معلوم على بيعه إن باعه وليس لبيعه أمر ينتهي إليه قال: ليس ذلك حسنا إذا استأجره على هذا فإن باعه استوجب أجرا عسى أن يكون أكثر من أجر ما عمل فيها فإن أخطأه بيعها كان قد كفاه منها أمرا قد كان يجب أن يكفاه فهذا بمنزلة القمار.

في الرجل يستأجر البناء على بنيان داره وعلى البناء الآجر والجص
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يبني لي داري على أن الآجر والجص من عند الأجير؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: ولم جوزه؟ قال: لأنها إجارة وشراء جص وآجر صفقة واحدة.
قلت: وهذا الآجر لم يسلف فيه ولا هذا الجص ولم يشتر شيئا من الآجر بعينه ولا من الجص بعينه فلم جوزه مالك؟ قال: لأنه معروف عند الناس ما يدخل في هذه الدار من الجص والآجر فلذلك جوزه مالك.
قلت: هنا قد جعلت الآجر والجص معروفا ; لأنه كما زعمت أنه عند الناس معروفا ما يدخل في هذه الدار, أرأيت السلم هل يجوز له فيه إلا أن يضرب له أجلا وهذا لم يضرب للآجر والجص أجلا؟ قال: لأنه لما قال له: ابن لي هذه الدار فكأنه وقت ; لأن وقت بنائها معروف عند الناس وإنما جوزه مالك ; لأن ما يدخل من الآجر والجص في هذه الدار عند الناس معروف ووقت ما تبنى هذه الدار إليه معروف فكأنه أسلم إليه في جص وآجر معروف إلى وقت معروف وإجارته في عمل هذه الدار, فذلك جائز, وقال غيره: إذا كان على وجه العمالة ولم يشترط عمل يديه فلا بأس به إذا قدم نقده.

في الرجل يستأجر حافتي نهر يبني عليه وطريق رجل في داره ومسيل مصب مرحاض
قلت: أرأيت إن استأجرت من رجل حافتي نهر له أبني فيه بنيانا أو أنصب على ظهره رحى ماء أتجوز هذه الإجارة في قول مالك أم لا؟ قال: ذلك جائز..

الإجارات الكثيرة في صفقة واحدة لا يسمي لكل واحدة إجارة بعينها ومسيل ميزاب ماء في دار رجل
قلت: أرأيت إن اكتريت بيت الرحى من رجل والرحى من رجل آخر ودابة الرحى من رجل آخر في صفقة واحدة كل شهر بمائة درهم جميع ذلك أيجوز هذا الكراء في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أني أرى أن لا يجوز هذا لأن كل واحد منهم لا يدري بما أكرى شيأه حتى يقوم, فقد أكرى بما لا يعلم ما هو إلا بعد ما يقوم وإن استحقت سلعة من هذه السلع التي اكترى أو دخل أمر يفسخ إجارته لم يعلم بما يبيع صاحبه إلا بعد القيمة, وهو إن أصاب أحدهم بعد الاستحقاق عديما لم يدر بما يتبعه وقد قال غيره: إن ذلك جائز.
قلت: أرأيت إن استأجرت مسيل ماء ميزاب من دار رجل أيجوز ذلك؟ قال: لا يعجبني ; لأنه لا يدري أيكون المطر أم لا ولا يدري ما يكون من المطر.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا.

في إجارة رحى الماء
قلت: هل يجوز لي أن استأجر رحى الماء في قول مالك؟ قال: سأل مالكا عن هذه المسألة أهل الأندلس فقال: لا بأس بذلك. فقيل لمالك أتستأجر بالقمح؟ فقال: لا بأس بذلك.
قلت: وإن انقطع الماء عنها أيكون هذا عذرا تنفسخ به الإجارة؟ قال: لم أسمع من مالك في انقطاع الماء شيئا وأراه عذرا.
قلت: أرأيت إن عاد الماء في بقية من وقت الإجارة؟ قال: قال مالك في العبد يؤاجر فيمرض: إنه إن صح لزم المستأجر الإجارة فيما بقي من الوقت, فكذلك رحى الماء أيضا, وقال غيره: إلا أن يتفاسخا قبل أن يصح العبد.
قلت: أرأيت إن اختلفا في انقطاع الماء فقال رب الرحى: انقطع الماء عشرة أيام

في إجارة الثياب والحلي
قلت: أرأيت إن استأجرت فسطاطا أو بساطا أو غرائر أو جرابا أو قدورا أو آنية أو وسائد إلى مكة ذاهبا وجائيا أيجوز أن تؤاجر هذه الأشياء في قول مالك؟ قال: نعم لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت هذه الأشياء فلما رجعت قلت: قد ضاعت مني في البداءة
قال: قال مالك: القول قول المستأجر في الضياع.
قلت: فالإجارة كم يلزم المكتري من ذلك؟ قال: يلزمه الكراء كله إلا أن تقوم للمتكاري بينة على يوم ضاعت منه.
قلت: أرأيت إن كان معه قوم في سفره فشهدوا على أنه أعلمهم بضياع ذلك؟ قال: إن شهدوا على ذلك الشيء من تفقده وطلبه رأيت أن يحلف ويكون القول قوله ويكون له على صاحبه من الإجارة بقدر الذي شهدوا به من ذلك.

وقال: قال غيره: القول قوله في الضياع ولا يكون عليه من الإجارة إلا ما قال: إنه انتفع به.
وقال أشهب عن مالك في رجل اكترى جفنة فقال: إنها ضاعت.
قال: قال مالك: هو ضامن إلا أن تقوم له بينة على الضياع.
قلت: أرأيت إن استأجرت ثوبا أو فسطاطا شهرا فحبسته هذا الشهر فلم ألبسه أيكون علي الأجر أم لا؟ قال: قال مالك: عليك الأجر.
قلت: فإن حبسه بعد انقضاء الإجارة ولم يلبسه؟ قال: قال مالك: أرى عليه من الإجارة بقدر حبسه هذه الثياب بغير لبس ولا يكون عليه مثل أجر من لبس لأنه لم يلبس.
وقال ابن نافع مثله, وقال غيره: يكون عليه على حساب الإجارة الأولى إذا كان معه وكان صاحبه يقدر على أخذه ويقدر المستأجر على رده.
قلت: أرأيت ما استأجرت من متاع البيت مثل الآنية والقدور والصحاف والأستار والقباب والحجال ومتاع الجسد أليس ذلك جائزا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن استأجرت ثوبا ألبسه يوما إلى الليل فضاع مني أيكون علي ضمان في قول مالك؟ قال: لا ضمان عليك في قول مالك.
قلت: أرأيت إن استأجرت ثوبا ألبسه يومين فلبسته يوما فضاع مني في اليوم الثاني فأصبته بعد ذلك فرددته على صاحبه أيكون علي أجر اليوم الذي ضاع فيه الثوب أم لا؟ قال: لا أجر عليه في اليوم الذي ضاع فيه الثوب منه, وإنما عليه من الأجر عدد الأيام التي لم يضع الثوب فيها قال: وهذا بمنزلة الدابة يتكاراها الرجل أياما فتضيع في بعض تلك الأيام فإنما عليه من الأجر بقدر الأيام التي لم تضع الدابة فيها.
قال: وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن استأجرته امرأة لتلبسه فسرق منها أتضمنه أم لا؟ قال: لا ضمان عليها وهذا من الضياع الذي فسرت لك.
قلت: وكذلك إن قالت: قد غصب مني؟ قال: نعم لا يضمن المستأجر إلا أن يتعدى أو يفرط.
قلت: أرأيت إن استأجرت ثوبا ألبسه يوما إلى الليل أيجوز له أن أعطيه غيري

يلبسه في قول مالك؟ قال: لا ينبغي لك أن تعطيه غيرك ; لأنه إنما رضي بأمانتك واللبس مختلف وأنت لو تلف منك فلا ضمان عليك وإن دفعته إلى غيرك كنت ضامنا إن تلف.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا أحفظه من قول مالك, وقد كره مالك أن يستأجر الرجل الدابة فيؤاجرها من غيره ; لأن الرجل قد يكريه رب الدابة لأمانته وحفظه فليس له أن يكريها من غيره ولكن إن مات المتكاري أكريت الدابة في مثل كرائها وكرهه مالك في حال الحياة فأرى الثياب بهذه المنزلة في الحياة والموت بحال ما وصفت لك من كراء الدابة.
قال: وقال مالك: فلو بدا للمتكاري في الإقامة كان له أن يكريها؟ قال: وإنما كره مالك أن يكريها لموضع الأمانة ولو أكراها فتلفت لم يضمن إذا كان أكراها فيما اكتراها فيه من مثله وفي حاله وأمانته وخفته وهو قول مالك كله.
قلت: أرأيت إن استأجرت حلي ذهب بذهب أو فضة بفضة أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا بأس بذلك في قول مالك, وقد أجازه مالك مرة واستثقله أخرى وقال: لست أراه بالحرام البين وليس كراء الحلي من أخلاق الناس, وأنا لا أرى به بأسا.
قلت: أرأيت إن تكاريت فسطاطا إلى مكة فأكريته من غيري أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: إذا أكريته من مثلك وفي حالك وأمانتك ويكون صنيعه في الخباء كصنيعك وحاجته إلى الخباء كحاجتك فأرى الكراء جائزا في رأيي.
ابن وهب, عن مالك بن أنس ويونس بن يزيد وابن أبي ذئب, عن ابن شهاب أنه سئل عن الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأفضل مما استأجرها به؟ فقال ابن شهاب: لا بأس به.
قال: وأخبرني رجال من أهل العلم عن أبي الزناد ونافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبي رباح مثل ذلك وقال بعضهم مثل ذلك في الدابة والسفينة.
وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال: أدركنا جماعة من أهل المدينة لا يرون بفضل إجارة العبيد والسفن والمساكن بأسا.
قال الليث: وسئل يحيى عن رجل تكارى أرضا, ثم أكراها بربح قال: يحيى هي من ذلك.
ابن وهب, عن يونس, عن أبي الزناد أنه قال في الرجل يتكارى ظهرا أو دارا, ثم يبيع ذلك بربح فقال أبو الزناد: لا أعلم به بأسا

ابن وهب, عن مخرمة, عن أبيه قال: سمعت يزيد بن عبد الله بن قسيط واستفتي في عبد استأجره رجل هل يصلح للرجل أن يؤاجره من آخر؟ قال: نعم, وقال: ذلك عبد الله بن أبي سلمة.
قال بكير: وسمعت عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وسئل عن رجل استأجر أجيرا, ثم آجره أترى بذلك بأسا؟ قال: لا. وقال ذلك نافع مولى ابن عمر, وأخبرني يونس: أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يستكري, ثم يقول لصاحبه دعني ولك كذا وكذا من المال؟ قال: لا بأس بذلك. قال يونس: وقال ذلك أبو الزناد.

في إجارة المكيال والميزان
قلت: أيجيز مالك إجارة القفيز والميزان والدلو والحبل والفأس وما أشبه هذه الأشياء؟ قال: قد سألت مالكا عن إجارة المكيال والميزان فقال: لا بأس بذلك فأرى هذه الأشياء مثل هذا, وأرى الإجارة فيها جائزة.

في إجارة المصحف
قلت: أرأيت المصحف هل يصلح أن يستأجره الرجل يقرأ فيه؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: لم جوزه مالك؟ قال: لأن مالكا قال: لا بأس ببيع المصحف فلما جوز مالك بيعه جازت فيه الإجارة.
ابن وهب عن ابن لهيعة ويحيى بن أيوب, عن عمارة بن غزية, عن ربيعة أنه قال: لا بأس ببيع المصحف إنما يبيع الورق والحبر والعمل.
ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن يحيى بن سعيد ومكحول وغير واحد من التابعين أنهم لم يكونوا يرون ببيع المصاحف بأسا.
ابن وهب, وأخبرني عبد الجبار بن عمر أنه قال: وكان ابن مصيح يكتب المصاحف في ذلك الزمان الأول أحسبه قال: في زمن عثمان بن عفان ويبيعها ولا ينكر عليه أحد
قال: ولا رأينا أحدا بالمدينة ينكر ذلك قال: وكلهم لا يرون به بأسا

باب في إجارة المعلم
قلت أرأيت إن استأجرت رجلا يعلم لي ولدي القرآن يحذقهم القرآن بكذا وكذا درهما؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.
قلت: وكذلك إن استأجره على أن يعلم ولده القرآن كل شهر بدرهم أو كل سنة بدرهم؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك.
قلت: وكذلك إن: استأجره على أن يعلم ولده القرآن كله بكذا وكذا؟ قال: لا بأس بذلك. قال: ولا بأس بالسدس أيضا مثل قول مالك في الجميع.
قلت: فإن: استأجرته يعلم ولدي الكتابة كل شهر بدرهم؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك قال: قال مالك في إجارة المعلمين سنة سنة: لا بأس بذلك, فالذي يستأجره يعلم ولده الكتابة وحدها لا بأس بذلك مثل قول مالك في إجارة المعلمين سنة سنة.
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يعلم ولدي الفقه والفرائض أتجوز هذه الإجارة أم لا؟ قال: لم أسمع منه فيه شيئا إلا أنه كره بيع كتب الفقه والفرائض, فأنا أرى الإجارة على تعليم ذلك لا تعجبني والإجارة على تعليمهما أشر.
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل علم غلامي هذا الكتاب سنة أو القرآن سنة على أن يكون الغلام بيني وبينك؟ قال لا يعجبني هذا ; لأنه لا يقدر أحدهما على بيع ما له فيه قبل السنة ; فهذا فاسد, ولو مات العبد قبل السنة أيضا ذهب عمله باطلا.
عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يعلم الكتاب على عهد معاوية بن أبي سفيان ويشترط.
ابن وهب عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أجر المعلم على تعليم الكتاب أعلمت أحدا كرهه؟ قال لا وأخبرني حفص بن عمر عن يونس بن يزيد عن ابن

شهاب أن سعد بن أبي وقاص قدم برجل من العراق يعلم أبناءهم الكتاب بالمدينة ويعطونه على ذلك الأجر.
ابن وهب, عن يحيى بن أيوب, عن المثنى بن الصباح قال: سألت الحسن البصري عن معلم الكتاب الغلمان ويشترط عليهم؟ قال: لا بأس به.
عبد الجبار بن عمر قال: كل من سألت من أهل المدينة لا يرى بتعليم الغلمان بالأجر بأسا.
ابن لهيعة عن صفوان بن سليم أنه كان يعلم الكتاب بالمدينة ويعطونه على ذلك الأجر.
قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول لا بأس بأخذ الأجر على تعليم الغلمان الكتاب والقرآن
قال: فقلت لمالك أرأيت إن اشترط مع ماله في ذلك من الأجر شيئا معلوما كل فطر وأضحى؟ فقال: لا بأس بذلك.

في إجارة تعليم معلمي الصناعات
قلت: أرأيت إن دفعت غلامي إلى خياط أو قصار أو إلى خباز يعلموه ذلك العمل بأجر معلوم ودفعته إليهم؟ قال مالك: لا بأس بذلك.
قلت: وكذلك إن دفعته إليهم ليعلموه ذلك العمل بعمل الغلام سنة؟ قال: قال مالك: ذلك جائز, وقال غيره: بأجر معلوم أجوز.

في إجارة معلم الشعر وكتابته
قلت: أرأيت إن استأجره على أن يعلم ولده الشعر؟ قال: قال مالك: لا يعجبني هذا.
قلت: أرأيت إن استأجرت كاتبا يكتب لي شعرا أو نوحا أو مصحفا؟ قال: قال مالك: أما كتاب المصحف فلا بأس بذلك وأما الشعر والنوح فلم أسمعه من مالك ولا يعجبني ; لأنه كره أن تباع كتب الفقه, فكتب الشعر أحرى أن يكرهها.

في إجارة قيام رمضان والمؤذنين
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يؤم في رمضان؟ قال: قال مالك: لا خير في ذلك

في إجارة دفاتر الشعر أو الغناء
قلت: أرأيت إن استأجرت دفاتري فيها نوح أو شعر وغناء يقرأ فيها؟ قال: لا يصلح هذا.
قلت: لم؟ قال: لأن مالكا قال: لا يباع دفاتر فيها الفقه, وكره بيعها وما أشك أن مالكا إذا كره بيع كتب الفقه إنه لبيع كتب الشعر والغناء والنوح أكره, فلما كره مالك بيع هذه الكتب كانت الإجارة فيها على أن يقرأ فيها غير جائزة ; لأن ما لا يجوز بيعه عند مالك فلا تجوز الإجارة فيه.
قلت: أكان مالك يكره الغناء؟ قال: كره مالك قراءة القرآن بالألحان, فكيف لا يكره الغناء, وكره مالك أن يبيع الرجل الجارية ويشترط أنها مغنية فهذا مما يدلك على أنه كان يكره الغناء.
قلت: فما قول مالك إن باعوا هذه الجارية وشرطوا أنها مغنية ووقع البيع على هذا؟ قال: لم أحفظ من مالك فيه شيئا إلا أنه كرهه. قال عبد الرحمن بن القاسم وأرى أن يفسخ هذا البيع.

باب في إجارة الدفاف في العرس
قلت: هل كان مالك يكره الدفاف في العرس أو يجيزه وهل كان مالك يجيز الإجارة فيه؟ قال: كان مالك يكره الدفاف والمعازف كلها في العرس وذلك أني سألته عنه فضعفه ولم يعجبه ذلك.

باب في الإجارة في القتل والأدب
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يقتل لي رجلا عمدا ظلما فقتله أيكون له من الأجر شيء أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك في ذلك شيئا ولا أرى له من الأجر شيئا.
قلت: فإن كان قد وجب لي على رجل القصاص فقلت لرجل: اضرب عنقه بدرهم ففعل؟ قال: الإجارة جائزة.
قال: وقال مالك: في أجر الطبيب أنه جائز والطبيب يقطع ويبط فأرى مسألتك في القتل في القصاص مثل قول مالك في أجر الطبيب أنه جائز.
سحنون, عن ابن نافع, عن ابن أبي الزناد, عن أبيه أن السبعة مع مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار كانوا يقولون في الجرح فيما دون الموضحة: إذا برئ وعاد لهيئته إنما فيه أجر المداوي.
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يضرب لي ابنا لي كذا وكذا درة بدرهم أو عبدا لي كذا وكذا سوطا أدبا لهما بكذا وكذا درهما أتجوز هذه الإجارة أم لا؟ قال: الإجارة جائزة إذا كان ذلك على وجه الأدب, فإن كان على غير وجه الأدب فلا يعجبني ذلك, ولا أحفظه عن مالك.
قال ابن القاسم: ولو استأجر الرجل أجيرا على ما لا يجوز للمسلمين ونحو ذلك مما لا تنبغي فيه الإجارة عوقب المستأجر وكان على الأجير القصاص.

في إجارة الأطباء
قلت: أرأيت إن استأجرت كحالا يكحل عيني من وجع بها كل شهر بدرهم؟ قال: قال مالك في الأطباء: إذا استؤجروا على العلاج فإنما هو على البرء فإن برأ فله حقه وإلا فلا شيء له. قال مالك: إلا أن يكونا شرطا شرطا حلالا فينفذ بينهما.
قال ابن القاسم: وأنا أرى إن اشترط أن يكحله كل يوم أو كل شهر بدرهم أن ذلك جائز إذا لم ينقده قال: فإن برأ قبل ذلك كان للطبيب من الأجر بحساب ذلك, قال: إلا أن يكون صحيح العينين فاشترط عليه أن يكحله شهرا بدرهم ويكحله كل يوم فهذا لا بأس به لأن هذا قد لزم كل واحد منهما ما اشترط ; لأن هذا ليس يتوقع برؤه وإنما هذا

رجل شرط على الكحال أن يكحله شهرا بدرهم وهو صحيح العينين بالإثمد أو بغيره فالإجارة فيه جائزة.
قال سحنون: ويجوز فيه النقد.

باب في إجارة قسام القاضي
قلت: أتجوز إجارة قسام الدور وقسام القاضي وحسابهم؟ قال: سألت مالكا عن ذلك غير مرة فكرهه قال مالك: وقد كان خارجة بن زيد ومجاهد يقسمان مع القضاة ويحسبان ولا يأخذان لذلك جعلا.

باب في إجارة المسجد
قلت: أرأيت إن بنى رجل مسجدا فأكراه ممن يصلي فيه؟ قال: لا يصلح هذا في رأيي ; لأن المساجد لا تبنى للكراء. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يبني مسجدا, ثم يبني فوقه بيتا؟ قال: لا يعجبني ذلك, وذكر مالك أن عمر بن عبد العزيز كان يبيت على ظهر المسجد بالمدينة في الصيف وكان لا تقربه فيه امرأة.
وقال مالك: وهذا الذي يبني فوق المسجد يريد أن يجعله مسكنا يسكن فيه بأهله يريد بذلك مالك أنه إذا كان بيتا, وسكنه صار فيه مع أهله, فصار يطؤها على ظهر المسجد, قال: كرهه مالك كراهية شديدة.

فيمن آجر بيته ليصلي فيه
قلت: أرأيت إن آجر بيته من قوم يصلون فيه في رمضان؟ قال: لا يعجبني ذلك ; لأن من أكرى بيته كمن أكرى مسجدا فالإجارة فيه غير جائزة ; لأن الإجارة في المساجد غير جائزة, ولم أسمع من مالك في هذا شيئا ولكن مالكا كره أن يعطى الرجل أجرا على أن يصلي بهم في رمضان.
قال: وقال أشهب: لا بأس أن يؤاجر الرجل بيته ممن يصلي فيه رمضان.
قلت: أرأيت إن أكريت دارا لي على أن يتخذوها مسجدا عشر سنين؟ قال: ذلك جائز.
قلت: فإذا مضت العشر سنين؟ قال: إذا انقضت الإجارة رجعت الدار إلى ربها.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا..

باب في إجارة الكنيسة
قلت: أرأيت إن آجرت داري ممن يتخذها كنيسة أو بيت نار وأنا في مصر من الأمصار أو في قرية من قرى أهل الذمة؟ قال: قال مالك: لا يعجبني أن يبيع الرجل داره ممن يتخذها كنيسة ولا يؤاجر داره ممن يتخذها كنيسة ولا يبيع شاته من المشركين إذا علم أنهم إنما يشترونها ليذبحوها لأعيادهم؟ قال مالك: ولا يكري دابته منهم إذا علم أنهم إنما استكروها ليركبوها إلى أعيادهم.
قلت: أرأيت الرجل أيجوز له أن يؤاجر نفسه في عمل كنيسة في قول مالك؟ قال: لا يحل له ; لأن مالكا قال: لا يؤاجر الرجل نفسه في شيء مما حرم الله. قال مالك: ولا يكري داره ولا يبيعها ممن يتخذها كنيسة.
قلت: أرأيت هل كان مالك يقول: ليس للنصارى أن يحدثوا الكنائس في بلاد الإسلام؟ قال: نعم كان مالك يكره ذلك.
قلت: هل كان مالك يكره أن يتخذوا الكنائس أو يحدثونها في قراهم التي صالحوا عليها؟ قال: سألت مالكا هل لأهل الذمة أن يتخذوا الكنائس في بلاد الإسلام؟ فقال: لا إلا أن يكون لهم شيء أعطوه. قال ابن القاسم: ولا أرى أن يمنعوا من ذلك في قراهم التي صالحوا عليها ; لأن البلاد بلادهم يبيعون أرضهم وديارهم ولا يكون للمسلمين منها شيء إلا أن تكون بلادهم غلبهم عليها المسلمون وافتتحوها عنوة فليس لهم أن يحدثوا فيها شيئا ; لأن البلاد بلاد المسلمين ليس لهم أن يبيعوها ولا أن يورثوها وهي فيء للمسلمين, فإذا أسلموا لم يكن لهم فيها شيء, فلذلك لا يتركون, وأما ما سكن المسلمون عند افتتاحهم وكانت مدائنهم التي اختطوها مثل الفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وما أشبه ذلك من مدائن الشام فليس ذلك لهم إلا أن يكون لهم شيء أعطوه فيوفي لهم به لأن سكك المدائن قد صارت لأهل الإسلام مالا لهم يبيعون ويورثون وليس لأهل الصلح فيها حق, فقد صارت مدائن أهل الإسلام أموالا لهم.
قال: وقال مالك: أرى أن يمنعوا من أن يتخذوا في بلاد الإسلام كنيسة إلا أن يكون لهم عهد فيحملون على عهدهم.

وقال غيره: كل بلاد افتتحت عنوة وأقروا فيها وقفت الأرض لأعطيات المسلمين ونوائبهم فلا يمنعون من كنائسهم التي في قراهم التي أقروا فيها ولا من أن يتخذوا فيها كنائس ; لأنهم أقروا فيها على ذمتهم وعلى ما يجوز لأهل الذمة فعله, ولا يكون عليهم خراج قراهم التي أقروا فيها وإنما الخراج على الأرض.

باب في إجارة الخمر
قلت: أرأيت مسلما آجر نفسه من نصراني يحمل له خمرا على دابته أو على نفسه أيكون له من الأجر شيء أم تكون له إجارة مثله؟ قال: قال مالك: لا تصلح هذه الإجارة ولا أرى له أنا من الإجارة التي سمى ولا من إجارة مثله قليلا ولا كثيرا لأن مالكا قال لي في الرجل المسلم يبيع خمرا قال مالك: لا أرى أن يعطى من ثمنها قليلا ولا كثيرا فالكراء عندي بهذه المنزلة لا أرى أن يعطى من الإجارة قليلا ولا كثيرا.
قلت: له وكذلك إن آجر حانوته من نصراني يبيع فيها خمرا؟ قال: قال مالك: لا خير في ذلك وأرى الإجارة باطلا.
قال ابن القاسم: فأرى كل مسلم آجر نفسه أو غلامه أو دابته أو داره أو بيته أو شيئا مما يملكه في شيء من الخمر فلا أرى له من الإجارة قليلا ولا كثيرا, ولكن يفعل فيه إن كان قبض أو لم يقبض ما وصفت لك في ثمن الخمر
ابن وهب, عن سعيد بن أبي أيوب, عن عطاء بن دينار الهذلي, عن مالك بن كلثوم المرادي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: لا تغلق عليك وعلى الخمر باب دار
ابن وهب, عن ابن لهيعة ويحيى بن أيوب, عن عطاء بن دينار الهذلي, عن مالك بن كلثوم أنه سأل سعيد بن المسيب عن غلمان له يعملون بالسوق على دواب له فربما حملت خمرا قال: فنهاني سعيد بن المسيب عن ذلك أشد النهي وقال: إن استطعت أن لا تدخل البيت الذي فيه الخمر فلا تدخله.
ابن وهب, عن ابن لهيعة, عن عبد الله بن هبيرة, عن عياض بن عبد الله السلامي أنه قال لعبد الله بن عمر: إن لي إبلا تعمل في السوق ريعها صدقة تحمل الطعام وإذا لم تجد فربما حملت خمرا, فقال: لا يحل ثمنها ولا كراؤها ولا شيء منه ولا في شيء كان منها فيه سبب.
قال ابن وهب: وسمعت مالكا وسئل هل يكري الرجل دابته ممن يحمل عليها

خمرا؟ فقال: لا يؤاجر الرجل عبده في شيء من عمل الخمر ولا من حفظها وما أحل الله أوسع وأطيب من أن يؤاجر عبده في مثل هذا, وقال الأوزاعي والليث مثله.
عبد الله بن وهب, عن خالد بن حميد, عن عياش بن عباس, عن عميرة المعافري قال: خرجت حاجا أنا وصاحب لي حتى قدمنا المدينة فأكرى صاحب لي جمله من صاحب خمر فأخبرني فذهبنا إلى عبد الله بن عمر نسأله عن ذلك الكراء فنهاه عن ذلك وقال: لا خير فيه
ابن وهب, عن خالد بن حميد, عن محمد بن مخلد الحضرمي, عن ضمضم بن عقبة الحضرمي وجاءه غلام له يوما بفلوس فاستكثرها وقال: كنت أعمل في عصير الخمر قال: فأخذها ضمضم منه, ثم نبذها في عرض بحر البرلس وكانوا بالبرلس مرابطين.

باب في إجارة رعي الخنازير
قلت: أرأيت لو أن مسلما آجر نفسه من نصراني يرعى له خنازير فرعاها له فأراد أخذ إجارته؟ قال: قال مالك في النصراني يبيع من المسلم خمرا: إن النصراني يضرب على بيعه الخمر من مسلم إذا كان النصراني يعرف أنه مسلم فباعه وهو يعرف أنه مسلم أدبا للنصراني, قال: وأرى أن يؤخذ الثمن فيتصدق به على المساكين أدبا للنصراني وتكسر الخمر في يد المسلم.
قال ابن القاسم: وأنا أرى أن تؤخذ الإجارة من النصراني فيتصدق بها على المساكين ولا يعطاها هذا المسلم أدبا لهذا المسلم, ولأن الإجارة أيضا لا تحل لهذا المسلم إذا كانت إجارته من رعي الخنازير فأرى أن يضرب هذا المسلم أدبا له فيما صنع من رعيه الخنازير ورضاه بالأجر من رعيته الخنازير إلا أن يكون ممن يعذر بالجهالة, فيكف عنه في الضرب ولا يعطى من هذه الإجارة شيئا ويتصدق بالأجرة على المساكين ولا تترك الأجرة للنصراني مثل قول مالك في الخمر.

باب في الإجارة على طرح الميتة
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يطرح لي هذه الميتة أو هذا الدم أو هذه العذرة من داري أتجوز هذه الإجارة أم لا؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك, قال: وسئل مالك عن رجل ماتت في داره شاة فقال لرجل: احملها عني ولك جلدها, قال: قال مالك: لا

في إجارة نزو الفحل
قلت: أرأيت إن استأجرت فحلا لإنزاء فرس أو حمار أو تيس أو بعير أو غير ذلك أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إذا استأجره ينزيه أعواما معروفة بكذا وكذا, فهذا جائز وإن استأجره ينزيه شهرا بكذا وكذا, فذلك جائز وإن استأجره ينزيه حتى تعلق الرمكة فذلك فاسد لا يجوز.
قلت: من أي وجه جوز مالك إجارة الفحل قد بلغك أن بعض العلماء كرهوه وذكروه عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا من الغرر في القياس قال: إنما جوزه مالك ; لأنه ذكر أن العمل عندهم عليه وأدرك الناس يجيزونه بينهم فلذلك جوزه مالك.
ابن وهب, عن عبد الجبار بن عمر عمن حدثه: أن عقيل بن أبي طالب كان لا يرى بأسا في الرجل يكون له تيس يطرقه الغنم ويأخذ عليه الجعل.
قال ابن وهب: وأخبرني يونس عن ربيعة أنه قال في بيع ضرب الحمل وغيره من الفحول لا أرى بذلك بأسا إذا كان له أجل ينتهي إليه ضرابه إذا لم يكن يضمن له اللقاح ولم يشترط على أصحابها ابن وهب, عن ابن لهيعة وعقبة بن نافع, عن خالد بن يزيد, عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن طروقة جمل تحمل فقال: لا بأس بذلك.

قال ابن وهب: وسألت عبد العزيز بن أبي سلمة عن ذلك فقال: لا بأس بذلك, وقد كانت عندنا دور فيها تيوس تكرى لذلك وأبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء فلم يكونوا ينهون عن ذلك.

في إجارة البئر
قلت: أرأيت إن استأجرت من رجل بئرا وهي في داره أو في فنائه وليست من آبار الماشية استأجرتها منه أسقي منها غنم كل شهر بدينار أتجوز هذه الإجارة أم لا في قول مالك؟ قال: أما ما كان في داره فله أن يبيعها ويمنعها الناس وكذلك سمعت من مالك, وأما فناؤه فإني لا أعرف ما الفناء إن كان هو إنما احتفره للناس صدقة يستقون منها, أو لماشيتهم فلا ينبغي له أن يبيعها وإن كان احتفرها ليحوزها لنفسه كما يحوز ما في داره يستقي به ويشرب منه وهي أرضه ولم يحفرها على وجه الصدقة للناس فلا أرى به بأسا أن يبيعه أو يكريه.
قلت: أكان مالك يكره بيع ماء المواجل مواجل السماء؟ قال: سألت مالكا عن بيع ماء المواجل التي على طريق أنطابلس فكره ذلك.
قلت: فهل كان مالك يكره بيع فضل ماء الزرع من العيون أو الآبار؟ قال: لا بأس ببيع ذلك.
قلت: فهل كان يكره بيع رقاب آبار ماء الزرع؟ قال: قال مالك: لا بأس ببيعها.
قلت: وكذلك العيون لا بأس ببيع أصلها وبيع مائها ليسقي به الزرع؟ قال: نعم لا بأس بذلك عند مالك.
قلت: وإنما كره مالك بيع بئر الماشية أن يباع ماؤها؟ أو يباع أصلها قال: نعم.
قلت: وأهلها أحق بمائها حتى إذا فضل عنهم فضل كان الناس فيه أسوة؟ قال: نعم.
قلت: وهل كان مالك يكره بيع آبار الشفة؟ قال: قال مالك: إن كان البئر في داره أو أرضه لم أر بأسا أن يبيعها أو يبيع ماءها.
قلت: وهل كان مالك يجعل ربها أحق بمائها من الناس؟ قال: نعم.
قلت: والمواجل أكان مالك يجعل ربها أحق بها؟ قال: أما كل ما احتفره في داره أو في أرضه يريده لنفسه مثل ما يحدث الناس في دورهم فهو أحق به ويحل بيعه, وأما

ما عمل من ذلك في الصحارى وفيافي الأرض مثل مواجل طريق المغرب, فإنه كان يكره بيعها من غير أن يراه حراما وجل ما كان يعتمد عليه الكراهية واستثقال بيع مائها وقد فسرت لك ما سمعت من مالك ووجه ما سمعت منه وهي مثل الآبار التي يحتفرونها للماشية إن أهلها أولى بمائها حتى يرووا ويكون للناس ما فضل إلا من مر بها لشفتهم ودوابهم, فإن أولئك لا يمنعون كما لا يمنعون من شربهم منها كما لا يمنعون من بئر الماشية.

في إجارة الوصي أو الوالد نفسه من يتيمه أو من ابنه أو الابن من أبيه نفسه
قلت: أرأيت لو أن وصيا آجر نفسه من يتيم له في حجره يعمل في بستانه أو في داره؟ قال: كره مالك أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه.
قال مالك: فإذا فعل ذلك نظر السلطان في ذلك, فإن كان خيرا لليتيم أمضاه على الوصي, فأرى الإجارة مثل البيع ينظر فيها السلطان كما ينظر في البيع.
قلت: وكذلك الوالد في ابنه الصغير؟ قال: نعم الوصي والوالد في هذا سواء, ولا أحفظ الوالد عن مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا استأجر ابنه للخدمة ففعل أيكون للابن الإجارة في قول مالك أم لا؟ قال: إن كان ابنه هذا قد احتلم فإن الإجارة للابن إذا كان آجر نفسه ; لأن مالكا قال: لا تلزم الأب نفقة الابن إذا احتلم.

باب في الصغير والعبد يؤاجران أنفسهم بغير إذن الأولياء
قلت: أرأيت لو أن صبيا آجر نفسه وهو صغير بغير إذن وليه أتجوز هذه الإجارة أم لا؟ قال: لا تجوز الإجارة.
قلت له: فإن عمل؟ قال: له الأجر الذي سمى له إلا أن تكون الإجارة إجارة مثله أكثر فيكون له إجارة مثله.
قلت: وكذلك العبد المحجور عليه؟ قال: نعم.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا ولكنه مثل قول مالك في الدابة إذا تعدى عليها أو غصبها.
قلت: فإن عطب الصبي أو الغلام ماذا على المستأجر؟ قال: إذا استعملهما عملا

في إجارة العبد بإذن سيده على أن يخدمه شهرا بعينه فإن مرض فيه قضاه في شهر غيره
قلت: أرأيت إن استأجرت عبدا يخدمني شهرا بعينه على أنه إن مرض في هذا الشهر قضاني في شهر غيره؟ قال: لا يعجبني ذلك ; لأن الأيام تختلف ليس أيام الصيف كأيام الشتاء, فهذا الشهر إن كان في أيام الصيف لا يأمن أن يتمادى به في المرض إلى أيام الشتاء وإن كان في أيام الشتاء لا يأمن أن يتمادى به المرض إلى أيام الصيف فهذه الإجارة لا خير فيها.

في الرجل يستأجر الحائط ليحمل عليه الخشبة
قلت: أرأيت إن استأجرت من رجل حائطا لأبني عليه سترة أو لأحمل عليه خشبة أو لأضرب فيه وتدا أو لأعلق عليه سترا كل شهر بدرهم أتجوز هذه الإجارة أم لا؟ قال: لا أرى بذلك بأسا وأرى الإجارة فيه جائزة.
قلت: وهل كان مالك يأخذ بهذا الحديث"لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره؟" قال: لا أرى أن يقضي بهذا الحديث ; لأنه إنما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم عندي على وجه المعروف بين الناس.

في الرجل يستأجر الأجير يجيئه بالغلة
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا أيصلح لي أن أجعله يجيئني بالغلة في قول مالك؟ قال: نعم إذا لم يشترط عليه حين استأجره خراجا معلوما.
قلت: فإن لم يشترط عليه خراجا معلوما ولكنه وضع عليه بعد ذلك خراجا معلوما أيصلح أم لا؟ قال: إن كان إنما وضع عليه خراجا معلوما فإن هو لم يأته به لم يضمنه له فلا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت الذي يستأجر الغلمان الحجامين على أن يأتوه بالغلة أيصلح هذا في قول مالك أم لا قال: لا بأس بذلك إذا لم يستأجرهم على أن يضمنهم خراجا معلوما ولم يقل لي مالك حجاما من غير حجام.
قال ابن وهب وأخبرني الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أنه

في الرجل يستأجر المرأة الحرة أو الأمة
قلت: أرأيت إن استأجر الرجل امرأة حرة أو أمة تخدمه وهو عزب أيجوز هذا أم لا؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن المرأة تعادل الرجل في المحمل ليس بينهما محرم فكره ذلك, فالذي يستأجر المرأة تخدمه وليس بينهما محرم وليس له أهل وهو يخلو معها أشد عندي كراهية من الذي يعادل المرأة في المحمل.

في الرجل يكري عبده السنين الكثيرة
قلت: أرأيت مالكا هل كان يكره أن يكري الرجل غلامه أو داره السنين الكثيرة ويراه من المخاطرة؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يكري غلامه السنين الكثيرة الخمس عشرة سنة ونحو ذلك قال: لا بأس بذلك فالدار أبين وآمن.

في المسلم يؤجر نفسه من النصراني
قلت: أرأيت لو أن نصرانيا استأجر مسلما ليخدمه أتجوز هذه الإجارة أم لا؟ في قول مالك؟ قال: سئل مالك عن المسلم يأخذ من النصراني مالا قراضا فكره ذلك له وغيره من أهل العلم قد كره ذلك ولا أرى مالكا كره ذلك إلا من وجه الإجارة وقد بلغني أن مالكا كره أن يؤاجر المسلم نفسه من النصراني.
قلت: أرأيت إن آجره المسلم نفسه على أن يحرس له هذا المسلم زيتونه أو يحرث له أو يبني له بنيانا؟ قال: أكره للمسلم أن يؤاجر نفسه في خدمة هذا النصراني.

في الأجير يفسخ إجارته في غيرها
قلت: أرأيت إن آجرت عبدا في الخياطة أو آجرت نفسي في الخياطة شهرا فأردت أن أحول إجارتي تلك في عمل الطين أو في الصباغة أو في القصارة أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يصلح إلا أن يكون الشيء اليسير, يكون إنما آجره نفسه في الخياطة اليوم ونحوه فلا بأس بذلك أن يحول تلك الإجارة في غيرها من الأعمال ; لأن اليوم ونحوه لا يكون دينا في دين, فإن كثرت الإجارة حتى تصير الشهر وما أشبهه فيحولها في غير ذلك العمل كان ذلك الدين بالدين, فلا يصلح في قول مالك, وكل من كان له حق على رجل من عمل أو مال, فلا يجوز له أن يحوله في غير ذلك العمل والمال, فإن حوله كان كالئا بكالئ وقد"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ".

في الرجل يستأجر الأجير فيؤاجره من غيره أو يستعمله غير ما استأجره له
قلت: أرأيت إن استأجرت عبدا يخدمني فآجرته من غيري أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: إن آجرته في مثل عمله الذي كان يعمل لك فلا بأس به.

في الأجير يستعمل الليل والنهار
قلت: أرأيت من أستأجر أجيرا للخدمة أله أن يستخدمه الليل والنهار؟ قال: يستخدمه كما يستخدم الناس الأجراء لليل خدمة وللنهار خدمة وخدمة الليل ما قد عرفها الناس من سقيه الماء للمؤاجر ومن قيامه الليل يناوله لحافا وما أشبه هذا فإما أن يستخدمه خدمة تمنعه النوم فليس له ذلك إلا أن تعرض له الحاجة هي من خدمة العبد المرة بعد المرة فلا بأس أن يستعمله فيها في بعض ليله وإنما هذا على ما يعرفه الناس ولا أحفظه, وسمعت مالكا يسأل عن العبيد يستعملون النهار, فإذا كان الليل استطحنوهم أترى ذلك ينبغي؟ قال: إن من الأعمال أعمالا يجهد العبيد فيها فلا ينبغي أن يفدحوا بعمل الليل أيضا؟ قال: ومن العبيد عبيد إنما أعمالهم خفيفة فلا بأس أن يستطحنوهم بالليل من غير أن يفدحوا بذلك يطحن العبد على قدر طاقته, قال: والخدم هاهنا عندنا يعملون العمل الخفيف يستقون بالنهار وربما طحنوا بالليل فقيل له: هؤلاء العبيد الذين يعملون على الدرانيق يطلعون وينزلون؟ قال: لا يعجبني ذلك العمل.
قال مالك: وهو شديد جهد قال: وإنما كان الناس فيما مضى يجرون على رقابهم وعلى الإبل وهذا الدرنوق عمل ثقيل ربما أيضا هلك فيه بعضهم.

في الأجير يسافر به
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا يخدمني سنة أيكون لي أن أسافر به؟ قال: لا ; لأن مالكا قال: إذا استأجر الرجل الأجير على أن يخدمه في منزله أو يبعثه في سفره إن احتاج إليه أو يرحل به إن احتاج إلى ذلك أو يحرث له أو يحصد له إن احتاج إليه. قال: أما كل عمل كان يشبه بعضه بعضا أو يكون بعضه قريبا من بعض مثل كنيس البيت أو

في الرجل يؤاجر عبده, ثم يبيعه أو يأبق فيرجع في بقية من الإجارة
قلت: أرأيت إن آجرت عبدي, ثم بعته؟ قال: قال مالك: الإجارة أولى.
قلت: أرأيت إن انقضت الإجارة أيكون للمشتري أن يأخذ العبد بذلك الثمن؟ قال: إن كانت الإجارة قريبة اليوم واليومين وما أشبهه رأيت البيع جائزا, وإن كان الأجل بعيدا رأيت أن يفسخ البيع بينهما ولا يكون له أن يأخذه بعد الإجارة ; لأن مالكا قال في العبد: يباع على أن يقبض إلى شهر أو نحو ذلك إن ذلك لا يجوز.
قلت: أرأيت إن استأجرت عبدا فأبق, ثم رجع في بقية من المدة أتكون الإجارة لازمة في بقية المدة التي رجع فيها؟ قال: نعم مثل ما قال مالك في المريض إذا برئ في بقية من المدة وقال غيره: إلا أن يكون فسخ ذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت عبدا فأبق أتنفسخ الإجارة في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن رجع في بقية من وقت الإجارة أو قدر عليه؟ قال: يرجع في الإجارة بحال ما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن استأجرت عبدا من رجل سنة ليخدمني فهرب العبد من يدي في دار الحرب؟ قال: تنفسخ الإجارة فيما بينهما إلا أن يرجع العبد في بقية من وقت الإجارة كما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن هرب السيد؟ قال: الإجارة بحالها لا تنتقض.

في الرجل يؤاجر أم ولده في الخدمة
قلت: أرأيت أم الولد هل تكرى في الخدمة في قول مالك؟ قال: لا.

في العبد يؤاجر ثم يوجد سارقا
قلت: أرأيت إن استأجرت عبدا للخدمة فإذا هو سارق أتراه عيبا أرده به على سيده وتفسخ الإجارة؟ قال: نعم كذلك هذا عندي في البيوع, والإجارة مثله سواء.

في الأجير يستأجر الرجل يرعى غنمه بأعيانها فيرعى معها غيرها
قلت: أرأيت إن استأجرته يرعى غنمي هذه بأعيانها أيكون له أن يأخذ معها غنما من الناس يرعاها؟ قال: لهذا وجوه إن كان إنما استأجره في غنم كثيرة يعلم أن مثله إنما يستأجر على كفايتها وأنه لا يقوى على أكثر منها فليس له أن يأخذ معها غيرها إلا أن يدخل معه من يرعى معه فيقوى على أكثر منها فيكون ذلك له, وأما الذي يستأجر على الشيء اليسير من الغنم فإن له أن يضم معها غيرها إلا أن يكونوا اشترطوا عليه أن لا يرعى معها غيرها.
قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المال القراض فيريد المقارض أن يأخذ من غيره أذلك له؟ قال: نعم إلا أن يكون مالا كثيرا يخاف عليه إذا أدخل معه غيره لم يقو على ذلك ويخاف على ما أخذ الضيعة فليس ذلك له.
قال مالك: وإني لأكره للرجل أن يدفع إلى الرجل المال القراض الذي مثله لا يشتغل الرجل به عن غيره فيشترط عليه أن لا يأخذ من أحد غيره مثل المال القليل.
قلت: لم أجزت في الغنم أن يشترطوا عليه أن لا يرعى معها غيرها؟ قال: لأنهم استأجروه عليها فتلك إجارة والقراض ليس بإجارة فقد دخله اشتراط ما لا ينبغي؟ قال لي مالك: ومن ذلك أنه يجوز للرجل أن يتكارى الرجل إلى وقت معلوم بأمر معروف يذهب له ببز إلى أفريقية وما أشبهها يبيعه, ولو قال له تأخذ هذا المال قراضا تشتري به متاعا لي من أفريقية أو تخرج به إلى أفريقية لم يصلح, ولم يكن فيه خير؟ فقال لي مالك: يعطيه ذهبه ثم يقوده كما يقود البعير لا خير في ذلك, ألا ترى أنه لو وجد تجارة دون أفريقية لم يستطع أن يشتريها فإن اشتراها ضمن وليس هكذا القراض فلا خير فيه, وله أن ينهاه أن لا يخرج بماله الذي قارضه به إلى بلد ولا ينبغي له أن يشترط عليه أن يخرج به إلى بلد.
قلت: أرأيت هذا الأجير الذي استأجرته يرعى غنمي هذه بأعيانها أيكون له أن يرعى معها غيرها؟ قال: قال مالك: إن كان استأجره على أن يرعى غنمه هذه بأعيانها

ولم يشترط عليه أنه إن ماتت أخلف له غيرها فلا خير في هذه الإجارة إلا أن يشترط عليه أنها إن ماتت أخلف له غيرها فتكون الإجارة جائزة.
قلت: أرأيت إن استأجرته يرعى لي مائة شاة وشرطت عليه أن لا يرعى معها غيرها فآجر نفسه يرعى غيرها لمن الأجرة التي آجر بها نفسه؟ قال: لرب الغنم الذي شرط عليه أن لا يرعى معها غيرها, وكذلك الأجير يستأجره الرجل على أن يخدمه شهرا فيؤاجر نفسه الأجير يوما أو أقل أو أكثر, فإن الأجرة تكون للذي استأجره ; لأن خدمته كانت للذي استأجره؟ قال: وهذا قول مالك في الأجير.
وقال غيره في صاحب المائة بشاة: إن آجر نفسه يرعى غيرها فليس لرب الغنم من إجارته شيء إذا لم يدخل على صاحب المائة شاة مضرة في الرعي وأنه لم يشتغل عنها. قلت لابن القاسم: فإن قال المستأجر الأول: لا أريد إجارته, ولكن حطوا عني إجارة هذا اليوم؟ قال: أرى ذلك له إن أحب أن يأخذ إجارته تلك التي آجر بها نفسه فذلك له وإن أحب أن يحط عنه إجارة ذلك اليوم ولا يكون له من الذي أخذ الأجير شيء فذلك له.

في الأجير يستأجره الرجل ليرعى غنما بغير أعيانها أو بأعيانها
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: أستأجرك على أن ترعى لي مائة شاة بكذا كذا ولم أقل مائة شاة بأعيانها ولم أشترط عليه إن رعاها فتموت أن أخلف له مائة أخرى يرعاها؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: لم؟ قال: لأنها ليست بأعيانها, فهي إذا تموت كان لك أن تأتي بمائة مكانها يرعاها لك ; لأن الإجارة لم تقع على غنم بأعيانها.
قلت: فإذا كانت مائة بأعيانها؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال: لا تجوز الإجارة في هذا إلا أن يشترط أنها إن تموت أو باعها أتى بمائة مكانها يرعاها له.

في الرجل يستأجر الأجير ليرعى غنمه فيأتي الراعي بغيره يرعى مكانه
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا يرعى لي غنمي هذه فأتاني بغيره يرعى مكانه؟ قال: لا يكون له ذلك وإنما رضي أمانته رب الغنم وجزاءه وكفايته وأنه إنما استأجره ببدنه.
قال سحنون: ولو رضي رب الغنم بذلك لكان حراما.

في الأجير الراعي يسقي الرجل من لبن الغنم
قلت: هل يكون للراعي أن يسقي من لبن الغنم التي يرعى للناس أو الإبل أو البقر؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يمر بالراعي فيستسقيه من لبن الغنم أو الإبل أو البقر فيسقيه, قال مالك: لا يعجبني ذلك.

في الأجير يرعى غنما بأعيانها فتتوالد أو يزاد فيها
قلت: أرأيت إن استأجرته على أن يرعى غنمي هذه بأعيانها وشرطت له إن مات شيء منها جئت ببدله فتوالدت الغنم أيكون على الراعي أن يرعى أولادها معها؟ قال: أرى أن ينظر في كراء الناس في ذلك البلد, فإن كانت لهم سنة يحملون عليها قد عرفوا ذلك أنها إذا توالدت فأولادها معها رأيت ذلك يلزمه وتكون الإجارة لازمة وإن لم تكن لهم سنة يحملون عليها لم أر ذلك يلزمه ; لأن عليه في ذلك تعبا وزيادة يزدادها عليه في رعايتها.
قلت: أرأيت إن استأجرت راعيا يرعى لي هذه الغنم بأعيانها وشرطت أن ما مات منها أبدلته أيكون لي أن أزيد فيها؟ قال: لا يكون لك أن تزيد فيها في قول مالك.

في تضمين الراعي
قلت: هل كان مالك يرى على الراعي ضمانا رعاء الإبل أو رعاء الغنم أو رعاء البقر أو رعاء الدواب؟ قال: قال مالك: لا ضمان عليهم إلا فيما تعدوا أو فرطوا.
قلت: وسواء عند مالك إن كان هذا الراعي إنما أخذ من هذا عشرين شاة ومن هذا مائة شاة فجمع أغنام الناس فكان يرعاها أو رجل استأجرته على أن يرعى غنمي هذه, أهما سواء في قول مالك؟ قال: قال مالك: هما سواء لا ضمان عليهما إلا فيما تعديا أو فرطا.
قلت: أرأيت إذا سرقت الغنم هل يكون على الراعي ضمان في قول مالك؟ قال: لا, إلا أن يكون ضيع أو تعدي أو فرط.
قلت: والإبل والبقر والدواب فيما سألتك عنه من أمر الراعي مثل الغنم سواء في قول مالك؟ قال: نعم.
ابن وهب, عن الليث بن سعد, عن يحيى بن سعيد أنه قال: ليس على الأجير

في الأجير الراعي يشترط عليه الضمان
قلت: أرأيت إن اشترطوا على الأجير الراعي ضمانا فيما هلك من الغنم؟ قال: قال مالك: الإجارة فاسدة ويكون له كراء مثله ممن لا ضمان عليه ولا ضمان عليه فيما تلف.
قلت: فإن كان كراء مثله أكثر مما اكتراه به على الضمان؟ قال: ذلك له وإن كان أكثر مما سموا له, وإن هلكت الغنم فلا ضمان عليه في ذلك, وقد قيل: إن إجارة مثله إن كانت أكثرها مما استؤجر على أنه ضامن أنه لا يزاد على ما رضي به, ومع هذا أنه لا يمكن أن تكون إجارة مثله إذا لم يكن عليه ضمان أكثر من إجارة مثله على أنه ضامن.
قلت: أرأيت الراعي يشترط عليه أرباب الغنم أن ما مات منها أتى الراعي بسمته وإلا فهو ضامن؟ قال: قال مالك: إذا اشترطوا على الراعي أن من مات منها فهو ضامن. قال مالك: فالإجارة فاسدة ولا ضمان عليه, فهذا يشبه مسألتك ولا ضمان على الراعي وإن لم يأت بسمتها فله أجرة مثله.

في الراعي يذبح الغنم إذا خيف عليها الموت
قلت: أرأيت الراعي إذا خاف على الغنم الموت فذبحها أيضمن في قول مالك أم لا؟ قال: لا يضمن.

في دعوى الراعي
قلت: هل يكون الراعي مصدقا فيما هلك من الغنم في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن قال: ذبحتها فسرقت مني مذبوحة أيصدق أم لا؟ قال: نعم يصدق ; لأنه لو قال: سرقت مني وهي صحيحة صدقته فكذلك إذا قال: ذبحتها فسرقت مني, وهذا قول مالك في الراعي يقول: سرقت الغنم مني أنه مصدق ولا ضمان عليه وقال غيره: هو ضامن بالذبح.

في الراعي يتعدى
قلت: أرأيت الراعي ينزي على الرمك أو على الإبل والبقر والغنم بغير أمر أربابها فعطبت أيضمن أم لا؟ قال: أراه ضامنا, وقال غيره: لا ضمان عليه.
قلت: أرأيت إن اشترطت على الراعي أن لا يرعى غنمي إلا في موضع كذا وكذا فرعاها في موضع سوى ذلك أيضمن أم لا؟ قال: أراه ضامنا.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا.
قلت: أرأيت الراعي إذا خالف فضمن أي القيمتين تضمنه أقيمتها يوم أخذها أو قيمتها يوم خالف بها؟ قال: قال مالك في الرجل يتكارى الدابة فيتعدى عليها, قال مالك: تقوم عليه في الموضع الذي تعدى عليها فيه ولا تقوم عليه يوم أخذها فكذلك الغنم إنما يكون عليه ضمانها يوم تعدى فيها ويكون له من الأجر بقدر ما رعاها إلى يوم تعدى فيها.

في استئجار الظئر
قلت: أرأيت إن استأجرت ظئرا ترضع صبيا لي سنتين بكذا وكذا درهما؟ قال: ذلك جائز عند مالك.
قلت: وكذلك إن اشترطت عليهم طعامها؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك إن اشترطت عليهم كسوتها؟ قال: هذا جائز كله عند مالك.
قلت: فهل يكون لزوجها أن يطأها؟ قال: قال مالك: إذا آجرت نفسها ظئرا بإذن زوجها لم يكن له أن يطأها..

باب إجارة الظئر
قلت: أرأيت إن استأجر أبو الصبي ظئرا للصبي فمات الأب وبقيت الظئر ليس لها من يعطيها أجرها؟ قال: أجر الرضاع في مال الصبي ; لأن مالكا قال لي: لو أن رجلا استأجر ظئرا لابنه فقدم إليها أجر رضاعها, ثم هلك الأب قبل أن يستكمل الصبي رضاعه. قال: أرى ما بقي من الرضاع يكون بين الورثة وكذلك إن كان الأب تحمل لها بأجر الرضاع فمات الأب فإنما أجر ما بقي من رضاعها في حظ الصبي, ومما يبين قول مالك في الرضاع: إذا مات الأب قبل أن يستكمل الصبي رضاعه أن ما بقي مما كان قدم إليها أبوه أنه بين الورثة ; لأن الصبي لو مات في حياة أبيه كان ما دفع الأب إلى المرضع مالا له يرجع إلى الأب ولم ترث أمه منه شيئا فلو كان أمرا يثبت للصبي أو عطية أعطاه إياها لورثت الأم في ذلك, ولكنها نفقة للصبي قدمها لم تكن تلزم الأب إلا ما دام الصبي حيا, فلما مات انقطع عنه ما كان يلزمه من أجر الرضاع وكان ما بقي مما لم ترضعه الظئر بين ورثة الميت بمنزلة ما لو لم يقدم لها شيئا كأن يكون أجر رضاعها في حظ الصبي وليس تقديم إجارتها مما يستوجبه الصبي, أولا ترى لو أن رجلا استأجر أجيرا وضمن له غيره إجارته دينا عليه فقال له: اعمل لفلان وحقك علي أو بع فلانا سلعتك وحقك علي, ففعلا ذلك جميعا ومات الذي كان ضمن ذلك له كان في ماله ولم يكن على قابض السلعة ولا على الذي عمل له قليل ولا كثير, وكذلك قال مالك في السلعة, فهذا يدلك على الرضاع ولو كان الرضاع عطية وجبت للابن لكان ذلك للابن, ولو لم ينقده عنه بمنزلة السلعة والأجير عند مالك وقد فسرت لك ذلك.
قلت: أرأيت إن مات أبواه ولم يتركا مالا ولم تأخذ الظئر منه من إجارتها شيئا أيكون لها أن تنقض الإجارة؟ قال: نعم..

قلت: فإن تطوع رجل فقال لها: علي أجر رضاعك؟ قال: فلا يكون لها أن تنقض الإجارة.
قلت: أرأيت ما أرضعت الصبي قبل أن يموت أبوه ولم تكن أخذت إجارتها ولم يترك الأب مالا أيلزم ذلك الصبي أم لا؟ قال: لا يلزمه عند مالك ; لأن نفقة الصبي قبل موت الأب إنما كانت على الأب, فهي إن أرضعته أيضا بعد موت الأب ولا مال للصبي فهي متطوعة ولا شيء لها على الصبي إن كبر وأفاد مالا.
قلت: أرأيت إن مات الأب وترك مالا فأرضعته أيكون أجرها في حظ الصبي؟ قال: نعم.
قلت: فلو أن الظئر قالت: إذا لم يترك أبوه مالا فأنا أرضعه وأتبع الصبي بأجر الرضاع دينا عليه يوما ما؟ قال: لا يكون ذلك لها وهي إن أرضعته متطوعة في هذا إذا لم يترك الأب مالا لم يكن لها شيء.
قلت: فما فرق بينهما إذا ترك الأب مالا وإذا لم يترك الأب مالا؟ قال: ; لأن مالكا قال: لو أن رجلا أخذ يتيما صغيرا لا مال له فأنفق عليه وأشهد أنه إن أيسر يوما ما اتبعه بذلك كان متطوعا في النفقة ولم تنفعه الشهادة, ولا يكون له على الصبي شيء وإن أفاد مالا, وإنما النفقة على اليتامى على وجه الحسبة ولا ينفعه ما أشهد.
قلت: أرأيت إن استأجرت امرأتي ترضع صبيا لي من غيرها؟ قال: ذلك جائز ولم أسمعه من مالك ; لأن ذلك لم يكن يلزمها فلما لم يكن يلزمها جازت إجارتها في ذلك.
قلت: وكذلك إجارة خادمها في ذلك؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك لو أن رجلا استأجر أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو ابنته أو ذات رحم محرم لترضع له صبيا؟ قال: ذلك جائز.
قلت: أرأيت من التقط لقيطا على من أجر رضاعه عند مالك؟ قال: على بيت المال عند مالك.
قلت: أرأيت اليتامى الذين لا أحد لهم أهم بهذه المنزلة في أجر الرضاع في قول مالك؟ قال: نعم.

في تضمين الأجير ما أفسد أو كسر
قلت: أرأيت إن استأجرت حمالا يحمل لي دهنا أو طعاما في مكتل فحمله لي

فعثر فسقط فأهراق الدهن أو أهراق الطعام من المكتل أيضمن لي أم لا؟ قال: قال مالك: لا ضمان عليه.
قلت: لم؟ قال: لأنه أجيرك عند مالك, ولا يضمن أجيرك لك شيئا إلا أن يتعدى.
قلت: أرأيت إن قلت له: إنك لم تعثر ولم تسقط ولم يذهب دهني ولا طعامي ولكنك غيبته أيكون القول قولي أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: القول قولك في الطعام والإدام وعلى الأجير البينة أنه عثر وأهراق الإدام وأهراق الطعام, وأما في البز والعروض إذا حملها فالقول قوله إلا أن يأتي بما يستدل به على كذبه.
قلت: ما قول مالك فيمن جلس ليحفظ ثياب من دخل الحمام فضاع منه شيء أيضمن أم لا؟ قال: قال مالك: لا ضمان عليه.
قلت: ولم لم يضمنه مالك؟ قال: لأنه أنزله بمنزلة الأجير.
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا يخدمني شهرا في بيتي فكسر آنية من آنية البيت أو قدرا أيضمن أم لا في قول مالك؟ قال: لا يضمن إلا أن يتعدى فأما ما لم يتعد فلا يضمن.
قلت: ولا يشبه هذا القصار والحداد وما أشبه ذلك من الأعمال؟ قال: لا ; لأن هذا لم يؤتمن على شيء, وإنما هذا أجير لهم في بيتهم والمتاع في أيديهم وحكم الأجير غير حكم الصناع.
قلت: وكذلك لو أمرته يخيط لي ثوبا فأفسده لم يضمن إلا أن يتعدى؟ قال: نعم ; لأنك لم تسلم إليه شيئا يغيب عليه وإنما هو أجيرك في بيتك, والشيء في يديك فلا يضمن إذا تلف الثوب ويضمن إذا أفسد بالعداء.
قلت: أرأيت أجير الخدمة ما أفسد من طحينهم أو أهراق من لبنهم أو من مائهم أو من نبيذهم أو ما وطيء عليه من قصاعهم أو كسر من قلالهم أو وطيء عليه من ثيابهم فتخرق أو خبز لهم خبزا فاحترق أيضمن ذلك أم لا؟ قال: لا ضمان عليه إلا فيما تعدى كما أعلمتك به سحنون, وقال غيره: ما عثر عليه أو وطئ عليه فهو جناية وما سقط من يده أو عثر به فلا يضمن.
ابن وهب قال: وأخبرني يونس أنه سأل ابن شهاب في رجل استأجر أجيرا يحمل له شيئا فحمل له إناء أو وعاء فخر منه الإناء أو انفلت منه الوعاء فذهب ما فيه؟ قال: لا أرى عليه غرما إلا أن يكون تعمد ذلك

ابن وهب وقال لي مالك في رجل حمل على دابته شيئا بكراء فانقطع حبل من أحبله فسقط ذلك الشيء الذي حمل فانكسر أو ربضت الدابة فانكسر أو زاحمت شيئا فانكسر؟ قال: يضمن إذا كان يعرف أنه غرر في رباطه أو حرف بالدابة حتى زاحمت, أو كان يعرف أن دابته ربوض وإن لم يعرف من ذلك شيئا لم يضمن.
ابن وهب, وأخبرني عقبة بن نافع قال: قال يحيى بن سعيد: الحمال عليه ضمان ما ضيع.

القضاء في الإجارة
قلت: أرأيت الخياطين والقصارين والخرازين والصواغين وأهل الصناعات إذا عملوا للناس بالأجرة ألهم أن يحبسوا ما عملوا حتى يقبضوا أجرهم؟ قال: قال مالك: نعم لهم أن يحبسوا ما عملوا حتى يعطوا أجرهم. قال: وكذلك في التفليس هم أحق بما في أيديهم وكذلك في الموت هم أحق بما في أيديهم إذا مات الذي استعمل عندهم وعليه دين.
قلت: أرأيت إن استأجرت حمالا يحمل لي طعاما أو متاعا أو عرضا من العروض إلى موضع من المواضع بأجر معلوم على نفسه أو على دابته أو على إبله أو على سفينته فحمل ذلك حتى إذا بلغ الموضع الذي اشترطت عليه منعني متاعي أو طعامي حتى يقبض حقه؟ قال: قال مالك: ذلك له وإن فلس رب المتاع كان هذا الحمال أو الكري أحق بما في يديه من الغرماء حتى يستوفي حقه.
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يبني لي بيتا أو دارا على من الماء الذي يعجن به الطين أو على من الدلاء أو على من القفاف والفوس والمجارف؟ قال: يحملون على سنة الناس عندهم قال: فإن لم تكن لهم سنة كان ذلك على رب الدار ولا أحفظه.
قلت: أرأيت إن استأجرت رحى أطحن عليها على من نقرها إذا عجزت؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا وأرى أن يحملوا على ما يتعامل الناس عندهم عليه في نقر أرحيتهم إذا أكروها فيحملون على ذلك, وإن لم تكن لهم سنة يحملون عليها فأرى ذلك على رب الرحى, وإنما النقش عندي بمنزلة متاع الرحى إذا فسد فعلى رب الرحى إصلاحه إذا لم تكن سنة يتعاملون بها فيما بينهم.
قلت: أرأيت إن استأجرت دارا أو حماما أو رحى ماء فانهدم من ذلك ما أضر بالمستأجر ومنعه من العمل أو السكنى فقال المستأجر: أنا أفسخ الإجارة, وقال رب هذه

الأشياء: أنا أبنيها أو أصلحها ولا أفسخ الإجارة القول قول من في قول مالك؟ قال: القول قول المستأجر ولا يلتفت إلى قول رب الدار والحمام والرحى.
قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يبني لي حائطا ووصفته له فلما بنى نصف الحائط انهدم أيكون على الباني أن يقيمه له ثانية؟ قال: ليس عليه أن يبنيه له ثانية وله من الأجر بقدر ما عمل إلا أن يكون سقوطه من سوء عمل البناء فعليه أن يعيده ثانية حتى يبني الحائط كله.
قلت: فإن لم يكن لسوء عمل البناء فعليه أن يبني له ما بقي من ذلك العمل فيما يشبه وله أجره إذا تشاحا وطلب ذلك؟ قال: نعم.
قلت: وكذلك إن كان الآجر والطين وجميع ما يبنى به الحائط من عند البناء؟ قال: وإن كان ; لأنه إذا بنى منه شيئا فقد صار لرب الدار ما بنى, وقال غيره: لا يكون هذا إلا في عمل رجل بعينه ولا يكون إلا مضمونا.
قال سحنون: فإذا كان مضمونا فإن عليه تمام العمل.
قلت: وكذلك لو استأجرته أن يحفر لي بئرا صفتها كذا وكذا فحفر نصفها فانهدمت؟ قال: كذلك أيضا يكون له من الأجر بقدر ما عمل إلا أن يتشاحا فيكون عليه أن يعمل ما بقي ويكمل له أجره.
قلت: وإن حفرها في ملك ربها أو في غير ملك ربها فهو سواء إذا انهدمت؟ قال: نعم إذا كانت إجارة فسواء حيث ما حفر له بأمره فانهدمت البئر بعد ما حفرها فله أجره, وإن انهدم نصفها فله نصف الأجر إلا أن يكون من وجه الجعل جعل لمن يحفر له بئرا صفتها كذا وكذا, كذا وكذا درهما أو جعل لرجل عشرين درهما على أن يحفر له بئرا صفتها كذا وكذا, فهذا إذا حفر فانهدمت قبل أن يسلمها إلى ربها فلا شيء له.
قلت: ومتى يكون هذا قد أسلمها إلى ربها؟ قال: إذا فرغ من حفرها كما اشترط رب البئر فقد أسلمها إليه.
قلت: أتحفظ هذه الأشياء عن مالك؟ قال: هذا رأيي, وذلك أن مالكا سئل عن حفار استأجره رجل على أن يحفر له قبرا فانهدم؟ قال: قال مالك: إذا انهدم بعد فراغه فالإجارة للمستأجر لازمة وإن انهدم القبر قبل فراغه فلا إجارة له.
قال عبد الرحمن بن القاسم: وهذه الإجارة فيما لا يملك من الأرضين.

قلت: أرأيت إن استأجرت رجلا يحفر لي بئرا في موضع من المواضع أو بئرا عمقها في الأرض عشر قامات ووجه الأرض تراب لين بمائة درهم فلما حفر قامة وقع على حجر شديد أو تربة شديدة؟ قال: إن كان استأجره على أرض قد عرفوها واختبروها فلا بأس بالإجارة فيها, وإن لم يختبروها فلا خير في هذه الإجارة فيها وهكذا سمعت من مالك.
قال: وسمعت مالكا وسئل عن حفر قفر النخل يستأجر عليها الرجل يحفرها إلى أن يبلغ الماء؟ قال: إن كان قد عرفت الأرض فلا أرى بذلك بأسا, وإن كان لم يعرفوها فلا أحب له ذلك
قال ابن وهب: قال الليث: وكتبت إلى ربيعة وأبي الزناد أسألهما عن الرجل يستأجر من يحفر له بئرا فقال أبو الزناد: كل من أدركنا يقول: حتى يخرج الماء. وقال ربيعة: إذا كانت الأرض متقاربة ليس بعضها يخرج الماء منها قبل بعض فلا بأس به, وإن كان الماء يخرج من بعضها قبل بعض فمذارعة أحب إلي.
قلت: أرأيت إن استأجرت حفارا يحفر لي قبرا على من يكون حثيان التراب في القبر؟ قال: إنما ذلك على ما يتعامل الناس بينهم في مواضعهم تلك يحملون على ذلك؟ قال: وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن أمرته يحفر لي قبرا فحفره فشق فيه فقلت له: إنما أردت اللحد ولم أرد الشق. قال: ينظر أيضا إلى عمل الناس عندهم كيف هو فيحملون على ذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرين يحفران لي بئرا بكذا وكذا فمرض أحدهما وحفرها الآخر؟ قال: يكون الأجر لهما جميعا للذي مرض ولصاحبه ويقال للمريض: أرضه من حقك فإن أرضاه من حقه وإلا لم يكن له شيء ويكون الحافر متطوعا.

القضاء في تقديم الإجارة وتأخيرها
قلت: أرأيت الخياطين والعمال بأيديهم في الأسواق إذا دفع إلى أحدهم العمل ليعمله بأجر ولم يشترطا بينهما نقدا ولا غير نقد فقال العامل: عجل لي إجارة عملي, وقال الذي له العمل: لا أدفع إليك حتى تفرغ من عملي؟ قال: يحملان على أمر الناس عندهم, فإن كان ذلك عندهم غير معروف لم يجبر رب العمل على أن يدفع إليه حتى يفرغ من عمله..

قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك: لأهل الأعمال سننهم يحملون عليها.
قلت: فإن خاط الخياط نصف القميص, ثم جاء يطلبه بنصف إجارته أيكون له ذلك؟ قال: لا يكون له ذلك حتى يفرغ من عمله.
قلت: لم؟ قال: لأنه لم يأخذ الثوب على أن يخيط نصفه ويترك نصفه.

الدعوى في الإجارة
قلت: أرأيت لو أن خرازا أو صائغا أو صيقلا عمل لي عملا فقلت له: إنما عملته لي باطلا وقال: بل عملته لك بكذا وكذا درهما؟ قال: القول قول العامل إذا أتى بما يشبه أن يكون إجارة ذلك العمل الذي عمل عند الناس وإلا رد إلى إجارة مثله, وقال غيره: لأن رب الثوب قد أقر له بالعمل وادعى عليه أنه وهب له عمله فهو مدع وعليه البينة, فإن لم تكن له بينة فعلى العامل اليمين وله أجرة مثل عمل ذلك الشيء إلا أن يكون ذلك أكثر مما ادعى العامل فلا يكون له إلا ما ادعى.
قلت: له أرأيت لو أن رجلا دبغ جلدا لرجل أو خاط ثوبا لرجل أو صبغ ثوبا لرجل أو صاغ حليا لرجل أو عمل قلنسوة لرجل أو عمل بعض ما يعمل أهل الأسواق لرجل فأتى رب الجلد والثوب والفضة والذهب وهذه الأشياء التي وصفت لك فقالوا للعامل: إنما استودعناك هذه الأشياء ولم نستعملك القول قول من في قول مالك؟ قال: القول قول العامل ولا يلتفت إلى قول أرباب تلك السلع في إنما استودعوها, وقال غيره: العامل مدع.
قلت لابن القاسم: ولم جعل مالك القول قول الصناع؟ قال: لأنهم يأخذون ولا يشهدون وهذا أمرهم فيما بينهم وبين الناس, فلو جاز هذا القول لهم لذهبوا بما يعملون له باطلا فلا يكون القول قول رب المتاع.
قال: ولقد سألت مالكا عما يدفع إلى الصناع ليعملوه فيقرون أنهم قد قبضوه وعملوه وردوه إلى أربابه بعد الفراغ منه والقبض له؟ قال: إذا أقر أنه قد قبض المتاع فهو ضامن إلا أن يقيم البينة أنه قد رده, قال: ولو جاز هذا للصانع لذهبوا بمتاع الناس.
قال: فقلت له: فإن ادعى على أحدهم فأنكر؟ قال: لا يؤاخذون إلا ببينة أن المتاع قد دفع إليهم وإلا أحلفوا.
قلت: أرأيت إن قال رب المتاع: سرق مني متاعي هذا, وقال الصانع: بل أمرتني

أن أعمله لك ولم يسرق منك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أني أرى أن يتحالفا ثم يقال لصاحب المتاع: إن أحببت فادفع إليه أجرة عمله وخذ متاعك فإن أبى قيل للعامل: ادفع إليه قيمة متاعه غير معمول, فإن أبى كانا شريكين في ذلك المتاع هذا بقيمة عمله وهذا بقيمة متاعه غير معمول ; لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه.
وقال غيره: لا يكونان شريكين والعامل مدع.
قلت لابن القاسم: وكذلك لو قال رب المتاع للعامل: سرقته مني, وقال: العامل: بل استعملتني؟ قال: هذا مثل ما وصفت لك في قول رب المتاع سرق مني فأرى إن كان الصانع من أهل العدالة والفضل وممن لا يشار إليه بالسرقة رأيت أن يعاقب الذي ادعى ذلك عليه ورماه بالسرقة, وإن كان ممن هو على غير ذلك لم أر عليه عقوبة.
قلت: وكذلك إن ادعيت عليه في قمص عنده أنها كانت ملاحف لي فأقمت البينة أيكون لي أن آخذها مخيطة؟ قال: لا إلا أن ترد عليه أجر الخياطة وإلا كان القول بينهما مثل ما وصفت لك في السرقة.
قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا ولكني أحفظ عن مالك في يتيم مولى عليه باع ملحفة من رجل فباعها الرجل من رجل آخر, ثم باعها الآخر من آخر, ثم باعها الآخر من آخر وترابحوا فيها كلهم, ثم أن المبتاع الآخر صبغها لابن له يختنه فيها فقال مالك: يترادون الربح فيما بينهم ولا يكون على اليتيم شيء من الثمن الذي أخذ إذا كان قد أتلف الثمن الذي أخذه وتقوم الملحفة بيضاء بغير صبغ ويقوم الصبغ, ثم يكون اليتيم والذي صبغها شريكين في الملحفة هذا بقيمة الصبغ واليتيم بقيمة الملحفة بيضاء, ويبطل الثمن الذي أخذه اليتيم إلا أن يكون قائما بعينه فيرده, وهذا يدلك على قول مالك في مسائلك التي سألت عنها قبل هذا ; لأن هذا مثل ذلك.
قال عبد الرحمن بن القاسم: وبيع اليتيم عندي بمنزلة ما لم يبع فلذلك ردت الملحفة.
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل: اقلع لي ضرسي هذا ولك عشرة دراهم فلما قلعه قال له المقلوعة ضرسه: إنما أمرتك بالضرس التي يليها وقد قلعت ضرسا لم آمرك بها أيكون على القالع شيء أم لا قال: لا شيء على القالع ; لأنه قلعه, والمقلوعة ضرسه يعلم ما يقلع منه.
قلت: فهل يكون للقالع أجره الذي سمى له؟ قال: نعم ; لأن صاحب الضرس مدع إلا أن يصدقه الحجام فلا يكون عليه شيء.

قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. وقال غيره: الحجام مدع.
قلت لابن القاسم: أرأيت رجلا لت سويقا لي بسمن فقال: أمرتني أن ألته بعشرة دراهم وقلت له: لم آمرك أن تلته بشيء؟ قال: يقال: لصاحب السويق: إن شئت فأغرم له ما قال وخذ السويق ملتوتا, فإن أبى قيل للذي لته: اغرم له سويقا مثل سويقه غير ملتوت وخذ هذا الملتوت, فإن أبى لم يكن له شيء ويسلم السويق بلتاته إلى ربه.
وقال غيره: إن أبى أن يعطيه رب السويق ما لته به كان له على اللتات أن يغرم له مثل سويقه غير ملتوت.
قلت لابن القاسم: ولم لا تجعلهما شريكين إن أبيا ما دعوتهما إليه؟ قال: لا يكونان شريكين ; لأن الطعام لا شركة فيه ; لأنه يوجد مثله.
قلت: وكذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه من مالك وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إذا دفعت سويقا إلى لتات ليلته لي بخمسة دراهم فلته فقال صاحب السمن: أمرتني أن ألته بعشرة دراهم وقد لتته بعشرة دراهم, وقال صاحب السويق: ما أمرتك إلا بخمسة دراهم ولم تلته إلا بخمسة دراهم؟ قال: ينظر في ذلك السويق فإن كان يشبه أن يكون القول قول صاحب السمن ويعلم أهل المعرفة إن لتات ذلك السويق يدخله من السمن بعشرة دراهم, فالقول قول صاحب السمن اللتات ; لأنه قد ائتمنه عليه وأقر أنه أمره بالعمل فهو مدع عليه يريد أن يضمنه, فعليه البينة وعلى اللتات اليمين.
قلت: ولم جعلت القول قوله في العشرة الدراهم كلها ورب السويق إنما يقول: إنما أمرته بخمسة دراهم وقد تعدى علي في الخمسة الأخرى؟ قال: قال مالك: في الصباغ إذا صبغ الثوب بعشرة دراهم عصفرا فقال رب الثوب: لم آمرك أن تجعل فيه إلا بخمسة دراهم عصفرا وقال الصباغ: أمرتني أن أجعل فيه بعشرة دراهم عصفرا إن القول قول الصباغ إذا كان ما في الثوب من العصفر يشبه أن يكون بعشرة دراهم مع يمين الصباغ أن رب الثوب أمره أن يجعل فيه بعشرة دراهم ويجبر رب الثوب على أن يغرم فيه العشرة دراهم كلها للصباغ ; لأنه لما دفع إليه الثوب على أن يصبغ بالإجارة فقد ائتمنه على الصبغ بالإجارة, فالقول قول الصباغ في الصبغ والإجارة إلا أن يأتي من ذلك بأمر يستدل به على كذبه فيكون القول قول رب الثوب بحال ما وصفت لك, فإن أتيا جميعا بما لا يشبه حملا على إجارة مثله وعمل مثله, فكذلك مسألتك في اللتات إذا أقر أنه أمره

أن يلته بدراهم, فالقول قول صاحب السمن بمنزلة ما وصفت لك في الصباغ ; لأن صاحب السويق قد ائتمنه على اللتات بالدراهم, فالقول قول اللتات فيما أدخل في السويق من السمن والقول قول اللتات أنه أمره بكذا وكذا درهما ; لأنه قد ائتمنه على ذلك إلا أن يأتي بأمر يستدل به على كذبه.
قال: وهذا إذا دفع إليه السويق وغاب عليه اللتات فأما إذا لم يدفع السويق إليه حتى يغيب عليه, فالقول قول صاحب السويق ; لأن صاحب السويق لم يأتمنه وإنما هو مشتر منه يقول: لم أشتر منك إلا بخمسة دراهم ولا يكون لصاحب السمن أكثر مما يقوله به, وصاحب السمن هاهنا مدع فالقول قول صاحب السويق.
قلت: فإن نظر أهل المعرفة إلى ذلك السويق فقالوا: هذا السمن الذي لت به هذا السويق لا يكون بأقل من عشرة دراهم أيكون القول قول صاحب السمن؟ قال: إن أقر صاحب السويق أن جميع ما في هذا السويق من اللتات هو من السمن الذي اشترى من هذا اللتات فالقول قول اللتات ; لأن صاحب السويق قد تبين كذبه, فإن قال صاحب السويق: قد كان لي فيه لتات قبل أن يلته هذا السمان فالقول قول صاحب السويق ; لأنه لم يغب عليه اللتات.
قلت: أرأيت إن دفع إليه السويق وغاب عليه رب السويق فقال رب السويق: لم آمرك أن تلته إلا بخمسة دراهم ولم تجعل فيه إلا بخمسة دراهم سمنا, وقال اللتات: أمرتني بعشرة وقد جعلت فيه بعشرة دراهم سمنا فنظر أهل المعرفة إليه وقالوا فيه بعشرة دراهم سمنا, وقال رب السويق: قد كان لي فيه لتات قبل أن يلته صاحب السمن أيكون القول قوله؟ قال: لا يكون القول قوله, والقول قول صاحب السمن, وكذلك الصباغ إذا صبغ الثوب فاختلفا مثل ما وصفت لك فكان يشبه ما في الثوب من الصبغ ما قال الصباغ, فقال رب الثوب: إنه قد كان لي فيه صبغ قبل أن أدفعه إلى الصباغ أن القول قول الصباغ, ولا يلتفت إلى قول رب الثوب أنه قد كان لي فيه صبغ قبل أن أدفعه إلى الصباغ مع يمين الصباغ ; لأن الصباغ واللتات جميعا مؤتمنان وإنما أقرا بأنهما قبضا السويق والثوب ولم يقرا بأنهما قبضا صبغا ولا لتاتا, والسمن والصباغ واللتات في أيديهما يزعمان أنه لهما فالقول قولهما: أنه لهما, والقول قولهما في الإجارة في الصبغ والسمن إذا كان يشبه ما قالا ; لأنهما مؤتمنان.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه منه وهذا رأيي.

في اليتيم يؤاجر سنين, ثم يحتلم قبل ذلك
قلت: أرأيت لو أن يتيما في حجري آجرته ثلاث سنين وأنا أظنه لا يحتلم إلى ثلاث سنين فاحتلم بعد سنة أو سنتين فأراد أن ينقض الإجارة حين احتلم أيكون ذلك له أم لا؟ قال: لا أرى أن تلزمه الإجارة بعد احتلامه إلا أن يكون الشيء الخفيف نحو الأيام والشهر وما أشبهه ولا يؤاجر الوصي اليتامى بعد احتلامهم ألا ترى أن الأب إنما يلزمه نفقة ابنه حتى يحتلم, فإذا احتلم لم يلزمه النفقة ولم يجز له أن يؤاجره ولا يكون الوصي في هذا أحسن حالا من الأب.
قلت: أرأيت إن أكريت أرض يتيم لي في حجري ثلاث سنين أو أربع سنين أو أكريت غلاما له أو دارا له أو إبله سنتين أو ثلاثة أو أربعة, ثم احتلم الصبي بعد سنة أو سنتين؟ قال: إن كان الوصي أكرى هذه السنين وهو يظن أن الصبي في مثل تلك السنين لا يحتلم وذلك ظن الناس أنه لا يحتلم في مثل تلك السنين فعجل به الاحتلام وأنس منه الرشد لم يكن له أن يرد ما صنع الوصي وجاز ذلك عليه ; لأن الوصي إنما صنع من ذلك ما يجوز له في تلك الحال ولم يتعمد ما لا يجوز من ذلك, فذلك جائز على اليتيم وإن بلغ. وقال غيره: لا يلزم ذلك اليتيم إلا فيما قبل.
قلت لابن القاسم: فإن كان أكرى هذه الأشياء وهو يعلم أن الصبي يحتلم قبل ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك عليه.
قال: وكذلك المولى عليه يؤاجر عليه السلطان أو وصيه أو ولي جعله له السلطان أرضه أو رقيقه أو دوره السنة والسنتين أو الثلاث, ثم يفيق ويؤنس منه الرشد والخير إن الإجارة لازمة له ; لأن الوصي إنما فعل في هذه الأشياء ما يجوز له أن يفعله يوم فعله فهذا له لازم.
وقال غيره: لا يصلح لوصي المولى عليه أن يؤاجر هذه الأشياء السنين الكثيرة وإنما يجوز من ذلك السنة وما أشبهها ; لأن هذا يرجى منه الإفاقة كل يوم وكراء السنة وما أشبهها مما يتكارى الناس فيما بينهم والسنين إنما هو أمر خاص ليس هو ما يتكاراه الناس بينهم, فهذا لا ينبغي أن يكرى عليه شيء من أرضه ودوره ورقيقه وإبله إلا على مثل ما يتكارى جل الناس فيما بينهم ; لأن هذا ترجى إفاقته كل يوم, فالوصي إن كان أكرى عليه السنين الكثيرة فأفاق هذا بعد ذلك كان قد حجر عليه ماله بعد إفاقته فلا ينبغي ذلك له وله أن يرد ذلك.

قلت لابن القاسم: والوالد في هذا بمنزلة الوصي عندك في ولده الصغير الذي في حجره فلا ينبغي أن يكري على ابنه أرضه أو ماله السنين الكثيرة التي يعلم أن الصبي يحتلم قبل انقضائها؟ قال: نعم.

في جعل السمسار
قلت: أرأيت هل يجوز أجر السمسار في قول مالك؟ قال: نعم سألت مالكا عن البزاز يدفع إليه الرجل المال يشتري له به بزا ويجعل له في كل مائة يشتري له بها بزا ثلاثة دنانير؟ فقال: لا بأس بذلك.
فقلت: أمن الجعل هذا أم من الإجارة؟ قال: هذا من الجعل.
وقال مالك: ومتى ما شاء أن يرد المال ولا يشتري به فذلك له يرده متى ما شاء.
قال: فإن ضاع المال فلا شيء عليه.
قلت: فإن قال له اشتر لي مائة ثوب بمائة دينار ولم يبين له من أي ثياب هي أكان يكون الجعل فاسدا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا.
قال ابن القاسم: إن كان فوض ذلك إليه واشترى له ما يشبهه في تجارته أو في كسوته رأيت ذلك لازما له
ابن وهب. قال الليث بن سعد: وكتبت إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن كيف ترى في رجل دفع إلى صاحب له دنانير يشتري له بها بزا ويعطيه على كل مائة أربعة دنانير إن هو اشترى, فإن لم يشتر فليس له شيء؟ قال ربيعة: لا بأس به إذا كان هذا شيئا مأمونا من طلبه وحده
ابن وهب قال: بلغني عن يحيى بن سعيد في رجل جعل لرجل على كل مائة ثوب يشتريها دينارا؟ قال: لا نرى على من أعطى دينارا أو دينارين على شيء يبتاعه له قرب أو بعد بأسا ابن وهب قال: قال لي مالك: لا بأس بهذا.

في الجعل في البيع
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: بع لي هذا الثوب ولك درهم فقال: لا بأس بذلك عند مالك..

باب في جعل الآبق
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: إن جئتني بعبدي الآبق وهو في موضع كذا وكذا فلك عشرة دنانير؟ قال: هذا جائز عند مالك, فإن جاء به فله عشرة دنانير.
قلت: وكذلك من قال: من جاءني بعبدي الآبق ولم يقل في موضع كذا وكذا وسيده لا يعرف موضعه فانتدب رجلا فجاء به؟ قال: ذلك جائز عند مالك فإن جاء به فله ما جعل له السيد.
قلت: وقوله إن جئتني به يا فلان أو من جاء به فهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت إن قال رجل: من جاءني بعبدي الآبق فله نصفه هل يجوز ذلك عند مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك. قال: قال مالك: لا خير فيه.
قلت: لم؟ قال: لأنه لا يدري كيف يجده أعور أو أقطع ولا يدري ما جعل له.
قلت: وكل شيء لا يجوز لي أن أبيعه في قول مالك لا يجوز لي أن أستأجر به, ولا أن أجعله لرجل في شيء من الجعل؟ قال: نعم, ولو قال رجل لرجل: إن جئتني بعبدي الآبق فلك نصفه فعمل على ذلك, ثم علم بمكروه ذلك, فإن جاء به كانت له إجارة مثله, وإن لم يأت به فلا جعل له ولا إجارة وهذا الذي سمعت من قول مالك.
وقال عبد الرحمن بن القاسم في الذي يجعل للرجل على عبدين أبقا له إن هو أتى بهما فله عشرة دنانير فأتى الذي جعل له ذلك بواحد ولم يأت بالآخر قال: الجعل فاسد وينظر إلى عمل مثله على قدر عنائه وطلبه فيكون له ذلك في الذي أتى به ولا يكون له نصف العشرة.
وقال ابن نافع: له نصف العشرة.
وقال عبد الرحمن بن القاسم في الرجل يجعل للرجلين في عبده وقد أبق منه

جعلين مختلفين لواحد: إن أتى به عشرة وللآخر إن أتى به خمسة فأتيا به جميعا؟ قال: تكون العشرة بينهما أثلاثا لصاحب العشرة سهمان ولصاحب الخمسة سهم وكذلك بلغني عن مالك.
وقال غيره: يكون لصاحب العشرة نصفها ; لأنه جاء بنصف العبد, ويكون لصاحب الخمسة نصفها ; لأنه جاء بنصف العبد.

في الرجل يقول للرجل: احصد زرعي هذا أو جد نخلي ولك نصفه
قلت: أرأيت إن قلت لرجل: احصد زرعي هذا ولك نصفه ; قال: ذلك جائز عند مالك.
قلت: فإن قال له: جد نخلي هذه ولك نصفها؟ قال: ذلك جائز عند مالك.
قلت: فإن قال: التقط زيتوني هذا فما التقطت منه من شيء فلك نصفه أيجوز هذا أم لا؟ قال: هذا جائز عند مالك.
وقد قال غيره: إن ذلك ليس بجائز في اللقط وهذا قول سحنون.
قلت: أرأيت إن قال: احصد زرعي هذا أو التقط زيتوني هذا فما لقطت أو حصدت منه من شيء فلك نصفه ففعل ذلك أيكون له أن يترك ذلك فلا يعمله في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن قال له: احصد زرعي هذا كله ولك نصفه فقال: نعم أو التقط زيتوني هذا كله ولك نصفه؟ فقال: نعم, ثم بدا له بعد أن يتركه أيكون ذلك له أم لا؟ قال: لا يكون له أن يتركه وذلك لازم له وكذلك قال لنا مالك.
قلت: لم ألزمه مالك إذا قال له: احصده كله ولك نصفه؟ فقال: لأنه يصير أجيرا له بنصف هذا الزرع ; لأنه لو باع نصف هذا الزرع كان جائزا فلما جعل له نصف جميع الزرع على حصاده جاز وصارت إجارة, وأما إذا قال له: ما حصدت من شيء فلك نصفه, فهذا جعل وهو متى ما شاء خرج ; لأنه لم يجب له شيء يعرفه؟ قال: فقلت لمالك: ولو قال له: احصد لي اليوم أو التقط لي فما حصدت أو التقطت اليوم فلك نصفه؟ قال: قال مالك: لا خير فيه.
قال:فقلت: لم؟ قال: من أجل أن الرجل لو قال: للرجل أبيعك ما ألقطه اليوم بكذا وكذا لم يكن في ذلك خير, فلما لم يجز بيعه لم يجز أن يستأجره به ولا يجعله له

جعلا في عمل يعمله له في يوم ولا تجوز في الجعل وقت موقت إلا أن يقول: متى ما شئت تركته فيكون ذلك جائزا.

في الذي يقول: انفض زيتوني أو اعصره ولك نصفه
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل: انفض زيتوني هذا فما نفضت منه من شيء فلك نصفه؟ قال: لا يعجبني هذا قال: وقد بلغني أن مالكا كرهه.
قلت: أرأيت مالكا لم كره النفض في الزيتون أن يقول الرجل للرجل انفض لي زيتوني هذا فما نفضت منه من شيء فلك نصفه؟ قال: لأنه لو قال رجل لرجل: حرك شجرتي هذه فما سقط منها من ثمرها من شيء فلك نصفها, فهذا لا يجوز ; لأنه لا يدري أيسقط منها شيء إذا نفضها أم لا, وإنما النفض تحريك وهي إجارة فكأنه عمل بما لا يدري ما هو واللقط غير هذا فهو كلما لقط شيئا وجب له نصف ما لقط.
قلت: وكذلك لو قال: اعصر زيتوني هذا فما عصرت منه من شيء فلك نصفه أو قال: اعصر جلجلاني هذا فما عصرت منه من شيء فلك نصفه؟ قال: لا خير في هذا عند مالك ; لأنه لا يعرف ما يخرج منه ولأن العصر فيه عمل إذا بدأ في شيء من عمله لم يقدر على تركه حتى يخرج زيته ولأنه لو طحنه لم يستطع تركه فلا خير في هذا فأما الحصاد فهو حين يحصد وجب له نصفه, وكذلك إذا قال: القطه كله فهو جائز وصار بقية العمل بينهما, والزيتون إذا لقطه صار له نصفه ولرب الزيتون نصفه والذي أخذ الزيتون والجلجلان على أن يعصره على نصف ما يخرج منه قد يكون فيه عمل قبل أن يجب لصاحب الجعل فيه حق, فإذا وقع عمله لم يستطع أن يتركه, فإن عمل كان يعمل بأجر لا يدري ما هو فإنه لا يدري ما يخرج من ذلك الزيتون والزرع والثمر وما أشبه ذلك, وفي اللقط والحصاد هو كل ما عمل وجب له من جعله بقدر ما عمل وهو إذا شاء ترك ذلك. ألا ترى أنه إذا جمع منه شيئا قليلا, ثم بدا له أن يترك ما بقي تركه وأخذ حقه فيما عمل ولم يلزمه ما ترك وذلك إن طحن ولم يعصر, ثم أراد أن يترك بطل عمله.
قلت: فإن قال له: احصد زرعي هذا أو ادرسه على أن لك النصف مما يخرج منه؟ قال: قال مالك: لا خير في هذا ; لأنه لم يجب له شيء إلا بعد الدراس, وهو لا يدري كيف تخرج هذه الحنطة ولا كم تخرج.
قلت: فلو قال له رجل: بعني هذه الحنطة كل قفيز بدرهم وهو زرع قائم؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك.

قلت: فما فرق بين هذا وبين الجعل وأنت قد أجزت هذا في البيع عند مالك؟ قال: لأن مالكا قال: لو أن رجلا قال لرجل: بعني قمح زرعك هذا كذا وكذا إردبا بدينار أو كذا وكذا قفيزا وذلك بعد ما استحصد وهو سنبل قائم لم يكن به بأس, ولو قال له: أبيعك زرعي هذا كله وقد وجب لك على أن على البائع حصاده ودرسه وذريه لم يكن في ذلك خير ; لأنه إنما باعه قمح ما يخرج من زرعه فلا خير في ذلك.
قلت: فما فرق بين الذي باعه وهو قائم على أن على ربه حصاده ودراسه وجميعا كله جزافا وبين الذي اشترى منه كل إردب بدينار على أن يحصده صاحبه ويدرسه, وهذا في الوجهين جميعا العمل على رب الزرع؟ قال: لأن هذا اشترى بكيل يعلم ما اشترى وهذا اشترى جزافا فلا يعلم ما اشترى, فكل شيء اشتراه رجل جزافا لم يصلح له أن يشتريه حتى يعاينه وهذا إنما يعاينه بعد درسه, وكل من اشترى كيلا فرآه في سنبله فلا بأس بذلك ; لأنه إنما اشترى منه من حنطته هذه التي في سنبله كيلا فلا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن قال: أبيعك حنطتي التي في بيتي كل إردبين بدينار؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك حتى يصفه أو يريه منها.
قلت: فما فرق بين هذا وبين الذي في سنبله؟ قال: لأن الذي في سنبله قد عاينه فهذا فرق ما بينهما.

في جعل الوكيل بالخصومة
قلت: أكان مالك يكره أن يوكل الرجل بالوكالة على أن يخاصم له فإن أدرك فله جعله وإلا فلا شيء له عليه؟ قال: نعم كان يكره هذا ولا يراه من الجعل الجائز.
قلت: فإن عمل على هذا فأدرك أيكون له على صاحبه أجر مثله؟ قال: نعم. قال سحنون: وقد روى أكثر الرواة عن مالك أنه جائز
تم كتاب الجعل والإجارة من المدونة الكبرى ويليه كتاب كراء الرواحل والدواب.

كتاب كراء الرواحل والدواب
ماجاء في الشراء زكراء الراحلة بعينهابسم الله الرحمن الرحيم
كتاب كراء الرواحل والدوابما جاء في الشراء وكراء الراحلة بعينها
قال سحنون: قلت: أرأيت اشتريت عبدا واشترطت على بائعه ركوب راحلة بعينها إلى مكة أخذت العبد وكراء الراحلة جميعا صفقة واحدة بمائة دينار أيجوز هذا الشراء والكراء, وإن لم اشترط إن ماتت الراحلة أبدلها لي؟ قال: الشراء جائز إذا لم يشترط إن ماتت الراحلة أبدلها وإن اشترط إن ماتت الراحلة أبدلها فالشراء فاسد إلا أن يكون كراء مضمونا في أصل الصفقة, ولا يكون في راحلة بعينها. ألا ترى لو أن رجلا اكترى راحلة بعينها إلى مكة وشرط على ربها إن ماتت فعليه خلفها إن هذا مكروه إما أن يكون كراء مضمونا, وإما أن يكون الكراء في راحلة بعينها فإن ماتت الراحلة فسخ الكراء بينهما وما يدلك على هذا أن الرجل لو اكترى راعيا يرعى له مائة شاة بأعيانها سنة فإنه إن لم يشترط أن ما ماتت من الغنم فعليه أن يأتي ببدلها فيرعاها له الراعي فالكراء فاسد ; لأنه لا يدري أتسلم الغنم إلى رأس السنة أم لا, وإن اشترط إن مات الراعي فعليه في ماله خلف من الراعي فذلك فاسد.
قال ابن القاسم: وأصل هذا أن ينظر إلى الذي استؤجر أبدا, فإذا مات فسخت الإجارة لموته وإذا استؤجر لشيء يفعله مثل غنم يرعى بها أو دواب يقوم عليها فماتت الغنم أو الدواب, فإن الإجارة لا تنتقض.
قال ابن القاسم: ولا تنتقض الإجارة بموت الذي استؤجر له للأجير, وهي الغنم والدواب وإنما تنتقض الإجارة لموت المستأجر نفسه وهو الراعي فعلى هذا تقيس كل ما يرد عليك

في بيع الدابة واستثناء ركوبها
قلت: أرأيت إن اشتريت دابة من رجل واستثنى علي ركوبها يوما أو يومين؟ قال: البيع جائز عند مالك.
قلت: فإن تلفت في اليومين؟ قال: قال مالك: المصيبة من المشتري, قال مالك: وكذلك لو اشترط أن يسافر عليها اليوم ثم تلفت فيه كان مصيبتها من المشتري.
قلت: أرأيت إن اشترطت أن أسافر عليها أكثر من اليوم؟ قال: لم يكن مالك يحدد فيه حدا إلا أنه كان يقول: لا أحب ما يتباعد من ذلك ; لأن الدابة تتغير فيه ولا يدري مشتريها كيف ترجع إليه فلا يعجبني.
قال مالك: ولا أرى بأسا في اليوم واليومين والموضع القريب. قال مالك: وما تلفت الدابة فيه مما يجوز له أن يشترطه فهو من المشتري وما تلفت فيه مما لا يجوز له اشتراطه فهو من البائع وما تلفت فيه وهو مما يجوز لهما اشتراطه مثل الموضع القريب فهو من المشتري.

النقد في الكراء بعينه
قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة بعينها إلى مكة أيصلح لي النقد في ذلك أم لا؟ قال: إذا كان الركوب إلى اليوم واليومين أو الأمر القريب فلا بأس بذلك أن يعجل الكراء على أن يركبه إلى اليوم واليومين أو إلى الأمر القريب.
قال: فإن تباعد ذلك فلا خير فيه ; لأنه يصير سلما في كراء الراحلة بعينها فلا يجوز ذلك وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة بعينها على أن أركبها بعد يوم أو يومين أيصلح ذلك على أن أنقده؟ قال مالك: إذا كان ذلك إلى يوم أو يومين فلا بأس بذلك وإن نقده.
قلت: فهل يجوز أن أكتري راحلة بعينها وأشترط ركوبها بعد شهر أو شهرين في قول مالك؟ قال: لا بأس بذلك ما لم ينقده.

الخيار في الكراء بعينه
قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة بعينها إلى مكة ونقدته الكراء على أني بالخيار يوما أو يومين؟ قال: لا يصلح ذلك في قول مالك أن ينقد إذا كنت بالخيار في كراء أو بيع إلا أن تشترطا الخيار ما دمتما في مجلسكما قبل أن تتفرقا.

في الرجل يكتري الدابة بعينها ثم يبيعها صاحبها قبل أن يركب المكتري
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة بعينها من رجل إلى موضع كذا وكذا فباعها ربها أو وهبها أو تصدق بها قبل أن أركبها أتجوز هبته أو صدقته أو بيعه؟ قال: لا يجوز من ذلك قليل ولا كثير من الهبة, ولا من الصدقة ولا من البيع, والكراء أولى من صدقته وبيعه وهو قول مالك ; لأن من تكارى عبدا أو دارا أو دابة أو ابتاع طعاما بعينه فلم يكله حتى فلس صاحبه الذي أكراه أو مات فإن من تكارى أو استأجر أو ابتاع طعاما فهو أحق بذلك كله من الغرماء حتى يستوفوا حقوقهم.
قلت: أرأيت إن تكاريت من رجل دواب بأعيانها إلى موضع كذا فباعها فذهب بها المشتري فلم أقدر عليها وقدرت على المكري الذي أكراني أيكون لي أن أرجع بشيء أم لا؟ قال: لا يكون لك عليه شيء إلا الكراء الذي أديته إليه إن كنت أعطيته الكراء وإلا فلا شيء عليه.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول في الراحلة بعينها تكرى فتموت: إنه ينفسخ الكراء بينهما فأرى مسألتك إن فاتت الراحلة بهذه المنزلة.
قلت: أرأيت إن قدرت على الدابة عند المشتري وقد غاب الذي أكراني أيكون بيني وبين الذي اشتراها خصومة أم لا؟ قال: إن كانت لك بينة فأنت أولى بالدابة من المشتري ; لأن الكراء كان قبل الشراء وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن أكريت دابتي ثم بعتها؟ قال: الكراء في قول مالك أولى.
قلت: أرأيت إن قال: المشتري أنا أترك المكتري فيها حتى تنقضي إجارته ثم آخذها ولا ينتقض البيع بيننا أيكون ذلك له في قول مالك؟ قال: نعم ذلك له في قول مالك إن كان أمرا قريبا يعني إذا كان الضمان من المشتري.

الشرط في كراء الراحلة بعينها إن ماتت أخلف مكانها
قلت: ما قول مالك في الرجل يكتري الراحلة بعينها ولا يشترط أنها إن ماتت أخلف له غيرها؟ قال: قال مالك: في الراحلة بعينها إذا اكتراها الرجل واشترط أنها إن ماتت أخلف له غيرها: إن ذلك لا يجوز فإن لم يشترط أنها إن ماتت أخلف له غيرها جاز ذلك..

قلت: فما فرق ما بين الغنم والراحلة بعينها في قول مالك؟ قال: فرق ما بينهما في قول مالك أن الراحلة وقع عليها الكراء بعينها وهي التي اكتريت, وأما الغنم فلا تكرى وإنما وقعت الإجارة على الرجل فهذا فرق ما بينهما وهو إن اشترط إن مات هذا الأجير ففي ماله أن يؤتى بغيره فهذا لا يجوز, فالرجل موضع الراحلة في هذه المسألة والغنم ليست بمنزلة الراحلة.

الكراء بالثوب أو الطعام بعينه
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا يعمل لي شهرا أو اكتريت إلى مكة أو إلى بعض المواضع على حمولة أو على أن يحملني أنا نفسي بثوب بعينه فلما وقع الكراء على هذا أتاني ليقبض الثوبفقلت: لا أدفع إليك الثوب حتى أستوفي حمولتي أو تعمل في إجارتك؟ قال: إن كان كراء الناس عندهم بالنقد أجبر على النقد. وإن كان كراء الناس عندهم ليس بالنقد لم يصح هذا الكراء ولا هذه الإجارة إلا أن يكون الثوب نقدا, فإن لم يكن الثوب نقدا فالكراء باطل ; لأن مالكا قال: من اشترى ثوبا بعينه على أنه يعطيه الثوب بعد شهر لم يجز ذلك, وكان البيع مفسوخا.
قلت: وكذلك لو كانت شاة بعينها أو حيوانا؟ قال: نعم.
قلت: وإن استأجرته بطعام بعينه أو اكتريت بطعام بعينه ليحمل لي حمولتي إلى مكة؟ قال: إن كان الكراء عندهم نقدا أجبر على النقد وإن لم يكن كذلك فلا يجوز فيه النقد إلا أن يكون الكراء وقع بالنقد فلا بأس ; لأن مالكا قال في الرجل: يبيع طعاما في موضع غائب من رجل وقد رآه المبتاع قبل ذلك فيشترط إن أدرك الطعام كان للمشتري فإن ضاع قبل أن يدركه كان على البائع مثله؟ قال مالك: لا خير في هذا البيع ; لأنه لا يدري على أي الطعامين وقع بيعه فالكراء مثل البيع.
قلت: والعروض والطعام عند مالك سواء؟ قال: نعم, إلا أن تكون الصفقة على النقد فلا بأس بالكراء.
قلت: فلو أنه اكترى منه إلى مكة على حمولة أو على نفسه أو استأجره أو اكترى منه داره سنة بهذه الدراهم بعينها أو بهذه الدنانير بعينها فوقع الكراء على هذا فأبى أن ينقده تلك الدنانير أو تلك الدراهم حتى يستوفي الذي له من كرائه ومن عمل الأجير ومن سكنى الدار؟ قال: إن كان ذلك الكراء عندهم بالنقد دفع الدنانير على ما أحب أو كره, وإن كان الكراء عندهم على غير النقد فلا خير في هذا إلا أن يعجلها ; لأني سمعت مالكا

وسئل عن الرجل يبتاع من الرجل السلعة يقبضها بدنانير له بالمدينة أو ببلد من البلدان عند قاض أو غيره فقال مالك: إن كان اشترط في بيعه إن تلفت تلك الدنانير كان عليه أن يعطيه دنانير أخرى مثلها فلا بأس بذلك وإلا فلا خير في البيع ولا يجوز فأرى إن كان الكراء ليس ينقد في مثله فلا أرى الكراء جائزا إلا أن يشترط عليه إن تلفت الدنانير فعليه مثلها, فإن اشترط هذا لم أر بذلك بأسا, والطعام والعروض لا يصلح هذا الشرط فيها. ولا يحل أن يشترط إن تلفت كان عليه أن يعطي مثلها ; لأن الطعام والعروض سلع في أيدي الناس ولأن مالكا قد كره أن يباع الطعام الغائب على أنه إن تلف أعطاه مثله والدابة والرأس مثل ذلك؟ قال مالك في ذلك كله: لا خير فيه إذا بيع بشرط إن تلف أعطاه مثله مكانه والدنانير والدراهم إنما هي عين عند الناس ليست بسلع وهي في أيدي الناس أثمان للسلع فإن اشترط أنها إن هلكت كان عليه بدلها لم يكن بذلك بأس, فإن لم يشترط فلا خير في ذلك كله ; لأنه اكترى على شيء بعينه لا يدفع إليه إلا إلى أجل بعيد فلا خير في ذلك لأنه لا يدري أتسلم الدنانير إلى ذلك الأجل أم لا تسلم, وقال غيره في الدنانير: هو جائز وإن تلفت فعليه الضمان.
قلت: أرأيت إن اكتريت منه إلى مكة بهذا الطعام بعينه أو بهذه العروض بعينها أو بهذه الدنانير بعينها والكراء في موضعنا ليس بالنقد عند الناس فقال الجمال: وقع كراؤنا فاسدا ; لأنه وقع على شيء بعينه ولم يشترط فيه النقد وكراء الناس عندنا ليس بالنقد, وقال المكتري أنا أعجل السلعة أو الدنانير أو الطعام ولا أفسخ الكراء, قال: الكراء يفسخ بينهما وإن رضي المتكاري أن يعجل السلعة أو الدنانير أو الطعام ; لأن صفقة الكراء وقعت فاسدة في رأيي. وقال غيره: إلا في الدنانير فإنه جائز وإن تلفت فعليه الضمان.
قلت: أرأيت إن اكتريت بهذا الطعام بعينه أو بهذا العبد بعينه أو بهذه الثياب بعينها أو بهذه الدابة بعينها أو بهذه الدنانير بعينها واشترطت عليه أن لا أنقده ذلك إلا بعد يوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال: لا يعجبني ذلك إلا أن يكون لذلك وجه مثل الدابة تكون يركبها الرجل اليوم أو اليومين وما أشبهه فلا بأس بذلك. وقد قال مالك: لا بأس به, والجارية تخدمه اليوم واليومين ونحو ذلك فلا بأس به وإن كان من ذلك شيء لا يحبس لركوب ولا لخدمة ولا للبس وإنما يحبسه لغير منفعة له فيه فما كان من ذلك إنما يحبسه على وجه الوثيقة حتى يشهد على الكراء أو يكتب كتابا عليه فلا أرى بذلك بأسا وإن لم يكن له في حبسه منفعة إلا هذا فذلك جائز ; لأن الرجل قد يحبس سلعته حتى يستوثق.
قلت: فإن كان لا يحبسه ليشهد ; لأنه قد أشهد ولا يحبسه للبس ولا لركوب ولا

لخدمة؟ قال: فلا يعجبني أن يشترط حبسه ولا أفسد به البيع ; لأني سألت مالكا عن الرجل يشتري من الرجل بالدنانير الطعام من صبرة بعينها على أن يستوفيه إلى يومين فقال: لا بأس بذلك.
قلت: لأن مالكا قال لي: لو أن رجلا باع جارية أو سلعة إلى أيام على أنه إن لم يأت بالثمن فلا بيع بينهما فقال لي: شرطهما باطل والبيع نافذ لازم لهما أتى به أو لم يأت ويلزم البائع دفعها والمشتري أخذها ويجبر على النقد فهذا يشبه الكراء إذا اشترط حبسه في اليومين والثلاثة ; لأنه قد يكون منافع لكل واحد منهما في حبس اليوم واليومين والثلاثة ; لأن المكتري قد يحب أن يكفى مؤنتها اليوم واليومين وقد يحب المكري أن ينتفع بها اليوم واليومين يؤخر سلعته في يده ليركب أو يحضر حمولته فتكون وثيقة فإذا قرب هذا وما أشبهه فلا أرى أن يفسخ الكراء, ولا أحب له أن يعقد الكراء على هذا, وكذلك قال مالك: لا أحب أن يعقد البيع على إن لم يأت بالثمن إلى أيام فلا بيع بيني وبينك فإن وقع البيع جاز بينهما وفسخ الشرط وأرى الثياب إن كانت مما تلبس إذا أراد صاحبها أن يحبسها حتى يستوثق لنفسه وهي مما تلبس, فلا بأس بذلك وهي مثل ما فسرت لك في الدواب والجارية فأما الدنانير فلا يعجبني إلا أن يخرجها من يده فيضعها رهنا أو يكون ضامنا لها إن تلفت كان عليه بدلها, وإلا لم يصلح الكراء على هذا.
وقال غيره: لا يضره وإن لم يخرجها ويضعها رهنا, ألا ترى لو اشترى سلعة بهذه الدنانير بأعيانها فاستحقت الدنانير أن البيع تام وعليه مثل تلك الدنانير ; لأن الدنانير والدراهم عين, وما سوى الدنانير والدراهم عروض وإن تلفت الثياب قبل أن يدفعها المكتري كان ضمانها منه وفسخ الكراء فيما بينهما ; لأنه من ابتاع ثوبا فحبسه البائع للثمن فهلك كان من بائعه ولأنه من ابتاع حيوانا فاحتبسه البائع للثمن فهكذا كان من المشتري فالمكتري إذا اشترط حبسه للوثيقة أو للمنفعة فهلك كان من الكري ; لأنه أمر يعرف لهلاكه وليس مغيبه عليه معيبا ولأن الدنانير عين لا يصح أن يشترط تأخيرها إلا أن يضمنها إذا ضاعت, ولا يجوز أن يشترط ضمان ما باع مما بيع إلى يوم أو يومين أو يتكارى به إلا في العين وحدها وإنما فسخت الكراء في الثياب إن احتبسها للوثيقة فهلكت ; لأن الرجل إذا ابتاع الثوب بعينه فهلك قبل أن يدفعه البائع إلى المشتري كان ضمانه من البائع إن لم يقم بينة على تلفه ولم يقل له ائت بثوب مثله وخذ ثمنه, ولأن من سلف حيوانا أو ثيابا في سلعة إلى أجل مما يجوز السلف فيه فاخترم الحيوان والثياب بطل السلم ولم يكن له عليه شيء قيمة ولا غيرها ; لأن مالكا قال في الحيوان غير مرة ورددت عليه فيمن باعه

فاحتبسه البائع للثمن حتى يدفع إليه الثمن فضاع فهو من المشتري, ولقد قال لي ابن أبي حازم وهو القضاء عندنا ببلدنا لا يعرف غيره, وقال غيره: الحيوان أو الثياب وما كان شراؤه على غير كيل أو وزن فاشترط البائع على المشتري أنه يدفعه بعد يوم أو يومين أو نحو ذلك لركوب دابة أو لباس ثوب أو غير ذلك فلا بأس بأن ينقد الثمن في مثل هذا القرية وأنه وإن تلف فهو من المشتري ; لأنه كأنه قبضه وحازه وكان تلفه في يده فكذلك إن باع هذه الأشياء بكراء دابة أو دار وشرط حبسه كما وصفت لك.

ما جاء في الكراء بثوب غير موصوف
قلت: أرأيت إن اكتريت من رجل دابة بثوب مروي إلى موضع كذا ولم أسم رقعته ولا طوله ولا جنسه ولا عرضه أيجوز هذا الكراء أم لا؟ قال: لا يجوز هذا الكراء ; لأن مالكا لا يجيز هذا في البيع ولا يجوز في ثمن الكراء إلا ما يجوز في ثمن البيع.

ما جاء في الكراء على أن على المكتري الرحلة والعلف
قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة إلى مكة على أن رحلتها علي؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت دابة إلى موضع من المواضع ذاهبا وراجعا بعلفها أيجوز هذا الكراء في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز ; لأن مالكا قال في الأجير بطعامه: إنه لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت إبلا من جمال إلى مكة بكذا وكذا على أن علي طعام الجمال وعلف الإبل؟ قال: قال مالك: لا بأس بذلك؟

في الرجل يكتري من رجل إلى مكة على أن على الجمال طعامه
قلت: أرأيت إن اكتريت من جمال إلى مكة على أن على الجمال طعامي؟ قال: سمعت مالكا وسئل على الرجل يكتري من الرجل إلى الحج ذاهبا أو راجعا وإلى بلد من البلدان على أن على الجمال طعامه؟ قال مالك: لا أرى بذلك بأسا قيل له: أفنصف النفقة في طعامه؟ قال: لا.
قلت: أرأيت المرأة إذا تزوجت الرجل أيحد لها النفقة؟ قال مالك: فلا يكون بهذا كله بأس, وكذلك العبد يستأجر السنة
على أن على الذي استأجره نفقته؟ قال: وكذا لو كان حرا.

في الرجل يكتري الدابة يركبها شهرا أو يطحن عليها
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة شهرا على أن أركبها في حوائجي متى ما شئت من ليل أو نهار؟ قال: إن تكاراها شهرا يركبها في حوائجه كما تركب الناس الدواب فلا بأس بذلك.
قلت: وهذا قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يتكارى الدابة شهرا؟ قال: لا بأس بذلك.
قلت: أرأيت إن استأجرت دابة أطحن عليها شهرا بعينه قمحا ولم أسم ما أطحن عليها كل يوم من القمح؟ قال: ذلك جائز وهذا يشبه كراء الرجل الدابة شهرا يركبها ; لأن وجه الطحين معروف؟ قال: وهذا قول مالك.

في الرجل يكتري دواب كثيرة صفقة واحدة
قلت: أرأيت إن استأجرت دواب صفقة واحدة لأحمل عليها مائة إردب ولم أسم ما أحمل على كل دابة؟ قال: أرى ذلك جائزا ويحمل على كل دابة بقدر ما تقوى إذا كانت الدواب لرجل واحد.
قلت: فإن كانت الدواب لرجال شتى وكانت الدواب يختلف حملها؟ قال: لا يعجبني ذلك ; لأن كل واحد منهما أكرى دابته بما لا يعلم ما هو وقد فسرت لك هذه المسألة في موضع آخر في البيوع والإجارات.
قلت: وتحفظ عن مالك في الرجل يتكارى الدواب صفقة واحدة إن ذلك جائز إذا كان رب الدواب واحدا؟ قال: نعم, قال مالك: ذلك جائز.
قلت: أتحفظ عن مالك إذا كانت الدواب لأناس شتى أن ذلك غير جائز قال: لا.

ما جاء في الكراء الفاسد
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة أشيع عليها رجلا ولم أسم موضعا من المواضع؟ قال: الكراء فاسد إلا أن تسمي موضعا معروفا, وقال غيره: إن كان ذلك التشييع أمرا قد عرف بالبلد كيف هو فلا بأس به.
قلت: أرأيت إن تكاريت دابتين بأعيانهما صفقة واحدة واحدة إلى برقة والأخرى إلى إفريقية ولم أسم التي إلى إفريقية ولا التي إلى برقة؟ قال: لا يجوز هذا الكراء حتى تسمي التي إلى برقة والتي إلى إفريقية.
قلت: أرأيت إن تكاريت من رجل على إن أدخلني مكة في عشرة أيام فله ثلاثون دينارا وإن أدخلني في أكثر من عشرة أيام فله عشرة دنانير؟ قال: قال مالك: هذا الكراء فاسد, إن أدرك قبل أن يركب فسخ هذا الكراء بينهما وإن ركب يريد سفره كله أعطي كراء مثله على سرعة السير وإبطائه ولا يلتفت إلى الكراء الأول.
قلت: أرأيت من اكترى كراء فاسدا فاستوفى الركوب ما يكون عليه في قول مالك؟ قال: يكون عليه قيمة الركوب.
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة إلى موضع من المواضع ولم أسم ما أحمل عليها أيكون الكراء فاسدا أم يكون الكراء جائزا وأحمل عليها مثل ما يحمل على مثلها؟ قال: الكراء فاسد إلا أن يكونوا قوما عرفوا ما يحملون, فإذا كانوا قد عرفوا الحمولة فيما بينهم, فإن الكراء لهم لازم على ما قد عرفوا من الحمولة قبل ذلك.
وقال غيره: إذا كان قد سمى طعاما أو بزا أو عطرا فذلك جائز وله أن يحمل مثل ما تحمل تلك الدابة, وإن قال: أحمل عليها قدر حمل مثلها مما شئت مما تحمل فلا خير فيه ; لأن من الحمولة ما هو أضر بالدابة وأعطب لظهورها, ومنها ما لا يضر. فإن اختلفت لم يكن فيه خير وكذلك لو اكترى دابة يركبها شهرا إلى أي بلد شاء, والبلدان منها الوعرة الشديدة ومنها السهلة, وكذلك في الحوانيت والدور, فكل ما اختلف حتى يتباعد تباعدا بينا فلا خير فيه ; لأن من ذلك ما هو أضر بالجدر ومنها ما لا يضر فإذا اختلف هكذا لم يكن فيه خير.
ألا ترى أن من الحمولة ما لو سمى لنقبه لظهر الدابة لم يرض رب الدابة فيه بدينار واحد وآخر لخفة مؤنته على ظهر الدابة يكون كراؤه أقل من ذلك لما يتفاحش.
ألا ترى أن الرجل يكري دابته تركب يوما في الحضر فيكون غير كرائها تركب يوما

في السفر وتكون الأرض الوعرة قليلة الكلأ والأخرى سهلة كثيرة الكلأ فيكون الكراء في ذلك مختلفا, وأن رب الدابة والحوانيت والمسكن باعوا من منافع الدابة ومنافع المساكن ما لا يدرون ما باعوا لاختلاف ذلك وأن ذلك خارج من أكرية الناس.
ألا ترى أنه يكتري ليحمل حنطة فيحمل مكانها شعيرا مثله أو سمسما فلا يكون مخالفا ولا يضمن إن عطبت الراحلة, وكذلك لو اكتراه على أن يحمل له شطويا فحمل عليها بغداديا أو بصريا أو ما يشبهه في نحوه وخفته وثقله لم يضمن ولو حمل رصاصا أو حجارة بوزن ذلك فعطبت ضمنها لاختلاف ما بين ذلك فخذ هذا وما أشبه على هذا الأصل.
قلت: أرأيت إن تكاريت من رجل إلى مكة بمثل ما يتكارى الناس أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك.
قلت: أرأيت إن تكاريت إبلا إلى مكة بطعام مضمون, ولم أذكر الموضع الذي أنقده فيه الطعام ولم أضرب لذلك أجلا وليس للناس عندهم في الكراء سنة يحملون عليها؟ قال: فالكراء فاسد إذا كان بحال ما وصفت. وكذلك لو أكراه بغلام مضمون أو بثوب مضمون وليس لهم سنة يحملون عليها فالكراء فاسد إلا أن يتراضيا فيما بينهما من ذي قبل على أمر حلال فينفذ فيما بينهما.
قلت: أرأيت إن اكترى قوم مشاة إبلا إلى مكة ليحملوا عليها أزوادهم وشرطوا أن من مرض منهم حمله على الإبل؟ قال: هذا الكراء فاسد.
قلت أتحفظه عن مالك؟ قال: لا, ولكنه رأيي.
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة من رجل على أن يبلغني موضع كذا وكذا إلى يوم كذا وكذا وإلا فلا كراء له؟ قال: لا خير في هذا عند مالك ; لأنه شرط شرطا لا يدري ما يكون له فيه من الكراء ; لأن هذا غرر لا يدري أيتم له الكراء أم يذهب رأسا, فلا يكون له من الكراء شيء.

في إلزام الكراء
قلت: أرأيت دابة تكاروها ليزفوا عليها عروسا لهم بعشرة دراهم فلم يزفوها ليلتهم تلك أيضمنون الكراء أم لا؟ قال: عليهم الكراء.
قلت: أرأيت إن تكاريت دابة أشيع عليها رجلا إلى موضع معلوم فلما قبضت

الدابة أو لم أقبضها بدا لفلان في الخروج أيلزمني الكراء أم لا؟ قال: قال مالك: من اكترى دابة إلى موضع من المواضع ثم بدا له أن لا يخرج إلى ذلك الموضع, فإن الكراء له لازم, ويكري الدابة إلى ذلك الموضع إن أحب في مثل ما اكتراها فيه, فكذلك مسألتك التي سألتني عنها يكون الكراء عليه ويفعل في الدابة مثل ما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن اكتريت من رجل دابة يوما إلى الليل بدرهم فقال رب الدابة: هذه الدابة فاقبضها واركبها فلم أقبضها, ولم أركبها حتى مضى ذلك اليوم؟ قال: إذا أمكنه منها فلم يركبها فقد لزمه الكراء وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا اكترى إلى مكة ليحج فسقط فاندقت عنقه أو انكسر صلبه أو كان اكترى إلى بيت المقدس أو إلى مسجد الرسول فأصابه ما ذكرته لك أيكون هذا عذرا ويفسخ الكراء بينهما في قول مالك؟ قال: لا يفسخ الكراء بينهما وإن مات أيضا لم يفسخ الكراء بينهما, ويقال له أو لورثته: اكروا هذا الكراء الذي وجب لكم واغرموا الكراء الذي عليكم.
قلت: وكذلك إن اكتريت دابة إلى مكة فلما كنت في بعض المناهل عرض لي غريم فحبسني؟ قال: الكراء لك لازم, ويقول لك: اكر الدابة من مثلك إلى مكة.
قلت: فإن كانت على الدابة حمولة اكتريتها لأحمل عليها إلى مكة فعرض لي غريم في بعض المناهل فأراد أخذ المتاع؟ قال: قال مالك: المكري أولى بالمتاع الذي معه على حمولته حتى يقبضه حقه ولغرمائه أن يكروه في مثل ما حمل إلى الموضع الذي أكرى إليه.
ابن وهب, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب في الرجل يكتري من الرجل داره عشر سنين ثم يموت الذي أكرى ويبقى المكتري؟ قال: إن توفي سيد المسكن فأراد أهله إخراج من استأجره منه أو يبيعوه فلا أرى أن يخرجوهم إلا برضا منهم, ولكن إن شاءوا باعوا مسكنهم ومن استأجره فهو فيه على حقه وشرطه في إجارته.
قال ابن شهاب: وإن توفي المستأجر سكن ذلك المسكن أو لم يسكن فأرى أن يكون أجر ذلك المسكن فيما ترك من المال يؤديه الورثة بحصصهم.
قال ابن وهب: وأخبرني مسلمة بن علي أن عبد الله بن عمر قال في الرجل يسكن رجلا عشر سنين أو آجره ثم مات رب الدار؟ قال: الدار راجعة إلى الورثة والسكنى إلى حدها.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19