كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

رأى وجه ما ادعته إليه أن يتركها من النكاح على أن تعطيه شيئا تفتدي به منه، ثم إني قدمت المدينة فسألت عنها الليث بن سعد فقال لي مثل قول مالك فيها، كأن أحدهما يسمع صاحبه. قال ابن القاسم: وأنا أراه حسنا.
قلت: أرأيت المتعة في قول مالك أهي لكل مطلقة؟ قال: نعم، إلا التي سمى لها صداقا فطلقها قبل أن يدخل بها فلا متعة لها. وكذلك قال لي مالك وهذه التي استثنيت في القرآن كما ذكرت لك. قلت: أرأيت هذه التي طلقها زوجها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها صداقا لم لا يجبره مالك على المتعة؟ وقد قال الله تبارك وتعالى في هذه بعينها وجعل لها المتعة فقال: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] قال: قال مالك: إنما خفف عندي في المتعة ولم يجبر عليها المطلق في القضاء في رأيي لأني أسمع الله يقول: {حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} و {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} فلذلك خففت ولم يقض بها، وقال غيره: لأن الزوج إذا كان غير متق فليس عليه شيء، ولا محسن، فلما قيل على المتقي وعلى المحسن متاعا بالمعروف حقا بالمعروف ولم يكن عاما على غير المحسن ولا غير المتقي علم أنه مخفف، وقال ابن أبي سلمة المتاع أمر رغب الله فيه وأمر به ولم ينزل بمنزلة الفرض من النفقة والكسوة وليس تعدى عليه الأئمة كما تعدى على الحقوق وهي {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} .
قال ابن القاسم والتي سألت عنها في كتاب الله فلم يقض بها هي بمنزلة هذه الأخرى المدخول بها التي قد سمى لها، ألا ترى أنهما جميعا في كتاب الله، فكما يقضى عليه في المدخول بها بالمتاع فكذلك لا يقضى عليه في التي لم يدخل بها، وكيف يكون إحداهما أوجب من الأخرى وإنما اللفظ فيهما واحد. قال الله: {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] وقال: {حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] قلت: أرأيت التي لم يسم لها زوجها صداقها في أصل النكاح فدخل بها ثم فارقها بعد البناء بها؟ قال: قال مالك: لها صداق مثلها ولها المتعة. قلت: أرأيت إن أغلق بابه عليها وأرخى ستره عليها وخلا بها وقد سمى لها صداقها قبل النكاح، فطلقها وقال: لم أمسها وقالت المرأة قد مسني؟ قال: أما الصداق فالقول قول المرأة في قول مالك؛ لأنه قد دخل، وأما المتاع فالقول قوله؛ لأنه يقول لم أدخل بها ولأن المتاع لا يقضى عليه به فالقول فيه قوله؛ لأنه يقول أنا ممن طلق قبل أن يمس وقد فرضت فليس علي إلا نصف الصداق ولا تصدق هي علي في الصداق وتصدق في المتاع. قلت: أرأيت الأمة إذ أعتقت فاختارت نفسها وقد دخل بها أو لم يدخل بها قد سمى لها الصداق أو لم يسم لها صداقا. فلم

يدخل بها حتى أعتقت واختارت نفسها أيكون لها المتاع في قول مالك؟ قال: لا، قلت: أرأيت الصغيرة إذا طلقت واليهودية والنصرانية والأمة والمدبرة والمكاتبة وأمهات الأولاد إذا طلقن أيكون لهن من المتاع مثل ما للحرة المسلمة البالغة؟ قال: قال مالك: سبيلهن في الطلاق والمتعة إن طلقت واحدة منهن قبل أن يدخل بها وقد فرض لها فرض كسبيل الحرة المسلمة وإن لم يفرض لها فكذلك إن دخل بها، وكذلك في أمرهن كلهن سبيلهن كسبيل الحرة المسلمة البالغة في المتاع والطلاق.
قلت: أرأيت المختلعة أيكون لها المتعة إذا اختلعت قبل البناء بها وقد فرض لها أو لم يفرض لها إذا اختلعت قبل البناء بها، أيكون لها المتعة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا متعة للمختلعة ولا للمبارئة. قال ابن القاسم: ولم يختلف هذا عندنا دخل بها أو لم يدخل بها سمى لها صداقا أو لم يسم لها صداقا. ابن وهب عن عبد الله بن عمر ومالك بن أنس والليث بن سعد وغيرهم أن نافعا حدثهم أن عبد الله بن عمر كان يقول: لكل مطلقة متعة التي تطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إلا أن تكون امرأة طلقها زوجها قبل أن يمسها وقد فرض لها فحسبها نصف ما فرض لها، وإن لم يكن فرض فليس لها إلا متعة1 وقاله ابن شهاب، والقاسم بن محمد وعبد الله بن أبي سلمة مثله. ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال: إنما يؤمر بالمتاع لمن لا ردة له عليها، قال: ولا تحاص الغرماء، ليست على من ليس له شيء. ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكير بن الأشج أن عبد الله بن عمر قال: ليس من النساء شيء إلا ولها متعة إلا الملاعنة والمختلعة والمبارئة والتي تطلق ولم يبن بها وقد فرض لها فحسبها فريضتها. قال عمرو بن الحارث قال بكير: أدركت الناس وهم لا يرون للمختلعة متعة، وقال يحيى بن سعيد: ما نعلم للمختلعة متعة. يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن الأمة تحت الحر والعبد يطلقها ألها المتاع؟ فقال: لكل مطلقة في الأرض لها متاع، قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] وقد قال ابن عباس في المتعة أعلاها خادم أو نفقة وأدناها كسوة. وقال ابن المسيب مثله. وقال ابن يسار وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد وابن شهاب، وقد متع ابن عمر امرأته خادما حين طلقها وعبد الرحمن بن عمر قد متع امرأته حين طلقها خادما سوداء وفعل ذلك عروة بن الزبير، وكان حجيرة يقول: على صاحب الديوان متعة ثلاثة دنانير. وقال مالك: ليس لها حد لا في قليل ولا في كثير ولا أرى أن يقضى بها وهي من الحق عليه ولا يعدى فيها السلطان وإنما هو شيء إن طاع به أداه فإن أبى لم يجبر على ذلك.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 45 عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة، إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق ولم تمس فحسبها نصف ما فرض لها.

ما جاء في الخلع
قلت: أرأيت النشوز إذا كان من قبل المرأة أيحل للزوج أن يأخذ منها ما أعطته على الخلع؟ قال: نعم، إذا رضيت بذلك ولم يكن منه في ذلك ضرر لها. قلت: ويكون الخلع ههنا تطليقة بائنة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إذا كان الخلع على ما تخاف المرأة من نشوز الزوج. قال: لا يجوز للزوج أن يأخذ منها شيئا على طلاقها وإنما يجوز له الأخذ على حبسها أو تعطيلها هو صلحا من عنده من ماله ما ترضى به وتقيم معه على تلك الأثرة في القسم من نفسه وماله وذلك الصلح الذي قال الله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128]. سحنون ألا ترى أن يونس بن يزيد ذكر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن السنة في الآية التي ذكر الله فيها نشوز المرأة وإعراضه عن المرأة أن المرء إذا نشز عن امرأته أو أعرض عنها فإن عليه من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما رأت من الأثرة في القسم من نفسه وماله، فإن استقرت عنده على ذلك وكرهت أن يطلقها فلا جناح عليه فيما آثر عليها به من ذلك. وإن لم يعرض عليها الطلاق فصالحها على أن يعطيها من ماله ما ترضى به وتقر عنده على تلك الأثرة في القسم من ماله ونفسه صلح ذلك وجاز صلحهما عليه وذلك الصلح الذي قال الله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} قال ابن شهاب وذكر لي أن رافع بن خديج تزوج بنت محمد بن سلمة فكانت عنده حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة، ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها أخرى ثم راجعها، ثم عاد فآثر الشابة أيضا عليها ثم سألته الطلاق فقال ما شئت إنما بقيت لك تطليقة واحدة فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة وإن شئت فارقتك؟ قالت: لا بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك فكان صلحهما ذلك ولم ير رافع عليه إثما حين رضيت بأن تستقر عنده على الأثرة فيما آثر به عليها1. ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب أن رافع بن خديج تزوج جارية شابة وعنده بنت محمد بن سلمة وكانت جلت فآثر الشابة فأشارت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رافع اعدل بينهما ولا تفارقها" فقال لها رافع في آخر ذلك" إن أحببت أن تقري على ما أنت عليه من الأثرة قررت وإن أحببت أن أفارقك فارقتك". قال فنزل القرآن: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [النساء: 128] قال فرضيت بذلك الصلح وقرت معه. ابن وهب عن يونس عن أبي الزناد قال: "بلغنا أن أم المؤمنين سوداء بنت زمعة كانت امرأة قد أسنت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب النكاح حديث 57.

لا يستكثر منها فعرفت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمت من حبه عائشة فتخوفت أن يفارقها ورضيت بمكانها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يا رسول الله أرأيت يومي الذي يصيبني منك فهو لعائشة وأنت مني في حل فقبل ذلك"1. ابن وهب وذكر يحيى بن عبد الله بن سالم بن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة بذلك. يونس أنه سأل ربيعة عن التي تخاف من بعلها نشوزا ما يحل لها من صلحها إن رضيت بغير نفقة ولا كسوة ولا قسم، قال ربيعة: ما رضيت به من ذلك جاز عليها.
قال ابن القاسم: وأخبرني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عثمان بن عفان أنه قال: الخلع مع الطلاق تطليقتان إلا أن يكون لم يطلق قبله شيئا فالخلع تطليقة. قلت: أرأيت إن كان لها عبد فسمته ولم تصفه للزوج ولم يره الزوج قبل ذلك فخالعته على ذلك العبد، أو تزوج رجل امرأة على مثل هذا أيجوز هذا؟ قال: سمعت مالكا يقول في النكاح إن النكاح مفسوخ إن لم يكن دخل بها وإن كان دخل بها فلها صداق مثلها ويقران على نكاحهما. قلت: فالخلع كيف يكون في هذا؟ قال: الخلع جائز ويأخذ ما خالعها عليه من العبد، مثل الثمر الذي لم يبد صلاحه، والعبد الآبق والبعير الشارد إذا صالحها على ذلك كله، إن ذلك له ويثبت الخلع بينهما. قال ابن نافع وقد قاله لي مالك فيمن خالع بثمر لم يبد صلاحه أو بعبد آبق أو بعير شارد قال سحنون: وقد قال غيره: لأنه فسخ طلاق يخرج به من يده ليس يأخذ به شيئا ولا يستحل به فرجها فهو يرسل من يده بالغرر ولا يؤخذ بالغرر وذلك النكاح لا ينكح بما خالع به. قلت: أرأيت إن قالت: اخلعني على ما تثمر نخلي العام أو على ما تلد غنمي العام ففعل؟ فقال: أرى ذلك جائزا؛ لأن مالكا أجاز للرجل أن يخالع زوجته على ثمر لم يبد صلاحه، إن ذلك جائز ويكون له الثمرة. قلت: أرأيت إن اختلعت منه بثوب هروي ولم تصفه أيجوز؟ قال: ذلك جائز ويكون له ثوب وسط مثل ما قلت لك في العبد. قلت: أرأيت إن اختلعت امرأة من زوجها بدنانير أو بدراهم أو عروض موصوفة إلى أجل من الآجال مجهول أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن خالعها على مال إلى أجل مجهول أيكون ذلك حلالا في قول مالك؟ قال: أرى أن ذلك حلال؛ لأن مالكا قال في البيوع من باع إلى أجل مجهول فالقيمة فيه حالة إن كانت فاتت.
قلت: أرأيت إن خالعها على أن أعطته عبدا على أن زادها هذا الزوج ألف درهم؟ قال: لم أسمع من مالك في الخلع شيئا ولكني أرى ذلك جائزا ولا يشبه الخلع في هذا النكاح، لأنه إن كان في العبد فضل على قيمة ألف درهم فقد أعطته شيئا من مالها على
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 38. أحمد في مسنده"6/76".

أن أخذت منه بضعها وإن كان كفافا فهي مبارئة؛ لأن مالكا قال: لا بأس أن يتبارآ على أن لا يعطيها شيئا ولا تعطيه هي شيئا. وقال مالك: هي تطليقة بائنة وإن كانت ألفا أكثر من قيمة العبد فإن مالكا سئل عن الرجل يصالح امرأته على أن يعطيها من ماله عشرة دنانير، قال: أراه صلحا ثابتا، فقال له بعض أصحابنا فالعشرة التي دفع إليها أيرجع بها على امرأته؟ قال مالك: لا يرجع بها وهي للمرأة والصلح ثابت. قلت: أرأيت إن اختلعت منه على دراهم أدتها إليه فوجدها زيوفا، أيكون له أن يردها إليها أم لا؟ قال: له أن يردها عليها في قول مالك وهذا مثل البيوع. قلت: أرأيت إن خلعها على عبد أعطته إياه ثم استحق العبد؟ قال: قال مالك: إذا تزوج الرجل المرأة على عبد فاستحق العبد إن للمرأة على الزوج قيمة العبد وكذلك مسألتك في الخلع مثل هذا.

في نفقة المختلعة الحامل وغير الحامل والمبتوتة الحامل وغير الحامل
قلت: أرأيت المرأة تختلع من زوجها وهي حامل أو غير حامل، علم بحملها أو لم يعلم هل عليه نفقة؟ قال: إن كانت غير حامل فلا نفقة لها، وإن كانت حاملا فلم يتبرأ من نفقة حملها فعليه نفقة الحمل. قلت: فإن كانت مبتوتة وهي حامل فعليه نفقتها؟ قال ابن نافع: قال مالك في قول الله تبارك وتعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] قال: يعني المطلقات اللائي قد بن من أزواجهن فلا رجعة لهم عليهن، فكل بائن من زوجها وليست حاملا فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة؛ لأنها بائن منه، ولا يتوارثان ولا رجعة له عليها. قال: وإن كانت حاملا فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عدتها. قال مالك: فأما من لم يبن منهن فإنهن نساؤهم يتوارثون ولا يخرجن ما كن في عدتهن ولم يؤمروا بالسكنى لهن؛ لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن كن حوامل أو غير حوامل وإنما أمر الله للحوامل اللائي قد بن من أزواجهن بالسكنى والنفقة، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمبتوتة التي لا حمل بها لفاطمة بنت قيس: "لا نفقة لك"1. قال مالك: ليس عندنا في نفقة الحامل المطلقة شيء معلوم على غني ولا مسكين في الآفاق ولا في القرى ولا في المدائن لغلاء سعر ولا لرخصه إنما ذلك على قدر يسره وعسره. قال مالك: وإن كان زوجها يتسع بخدمة أخدمها وقال مالك: النفقة على كل من طلق امرأته أو اختلعت منه وهي حامل ولم تتبرأ منه حتى تضع حملها، فإن مات زوجها قبل أن تضع حملها انقضت النفقة عنها.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 39. النسائي في كتاب الطلاق باب 70، 73.

وقد قال سليمان بن يسار في المفتدية لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، وقد قال جابر بن عبد الله وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وسليمان بن يسار وابن المسيب وعمرة بنت عبد الرحمن وعبد الله بن أبي سلمة وربيعة وغيرهم من أهل العلم في المرأة الحامل يتوفى عنها زوجها: لا نفقة لها، حسبها ميراثها. وقال عبد الرحمن بن القاسم: سمعت مالكا وسئل عن رجل تزوج بمكة ثم خرج منها فوكل وكيلا أن يصالح عنه امرأته، فصالحها الوكيل ثم قدم الزوج، قال: قال مالك: الصلح جائز عليه، قلت: أرأيت إن وكل رجلين على أن يخلعا امرأته فخلعها أحدهما؟ قال: لا يجوز ذلك؛ لأنه لو وكلهما جميعا يشتريان له سلعة من السلع أو يبيعان له سلعة من السلع ففعل ذلك أحدهما دون صاحبه - إن ذلك غير جائز.

ما جاء في خلع غير مدخول
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة على مهر مائة دينار فدفع إليها المائة فخالعته قبل البناء بها على أن دفعت إليه غلامها، هل يرجع إليها بنصف المائة أم لا؟ قال ابن القاسم: أرى أن ترد المائة كلها، وذلك أني سمعت مالكا وسئل عن رجل تزوج امرأة بمهر مسمى، فافتدت منه بعشرة دنانير تدفعها إليه قبل أن يدخل بها على أن يخلي سبيلها، ففعل ثم أرادت أن تتبعه بنصف المهر، قال: ذلك ليس لها. وقال مالك: هو لم يرض أن يخلي سبيلها حتى يأخذ منها فكيف تتبعه؟ قال: وسمعت الليث يقول ذلك قال ابن القاسم: ولم نسأل إن كان ينقدها أو لم ينقدها. قال ابن القاسم: وسواء عندي نقدها أو لم ينقدها، ومما يبين أن لو كان نقدها ثم دعته إلى متاركتها ومبارأتها ففعل لوجب عليها إن كانت أخذت الصداق أن ترده كله، فهي حين زادته آخران لا يمسك من المهر شيئا إن كانت قبضته، لو كان يكون لها أن تتبعه إذا أعطته لكان يكون لها أن تتبعه إذا لم تعطه وهما إذا اصطلحا قبل أن يدخل بها أو يتفرقا على وجه المبارأة من أحدهما لصاحبه، مما لا شك فيه أنها لا تحبس شيئا مما كان نقدها ولم تتبعه بشيء إن كان لم ينقدها، فهو حين أنه لم يرض أن يتاركها أو يبارئها حتى أخذ منها أحرى أن لا تتبعه في الوجهين جميعا. ولكن لو أن رجلا قد تزوج امرأة وسمى لها صداقها فسألته قبل أن يدخل أن يطلقها على أن تعطيه شيئا من صداقها كان له ما أعطته من صداقها ورجعت عليه فيما بقي بنصف ما بقي من صداقها إن كان لم ينقدها، وإن كان قد نقدها رجع عليها بنصف ما بقي في يديها بعد الذي أعطته من صداقها. وإن كانت إنما قالت طلقني تطليقة ولك عشرة دنانير فإنه إن كان لم يستثن ذلك من صداقها فإنها تتبعه بنصف المهر إن كان لم

ينقدها إياه، ويتبعها بنصف المهر إن كان قد نقدها إياه، سواء الذي أخذ منها أو أخذته منه، وإنما اشترت منه طلاقها، ومما يبين ذلك لك أن لو قالت له طلقني قبل أن يدخل بها ولم تأخذ منه شيئا أتبعه بنصف الصداق وإن كان لم ينقده إياها وأتبعها بنصف الصداق وإن كان نقده إياها، وإنما اشترت منه طلاقها بالذي أعطته، فكما كان في الخلع إن لم تعطه شيئا واصطلحا على أن يتفرقا وعلى أن يتتاركا فلم يكن لها شيء من صداقها أعطته أو لم تعطه فكذلك إذا أعطته شيئا سوى ذلك أجزأ إلا أن يكون لها من صداقها شيء؛ لأنه لم يكن يرض أن يخالعها إلا بالذي زادته من ذلك، وكما كان يكون لو طلقها كان له نصف الصداق قبضته أو لم تقبضه، فكذلك يكون لها نصف الصداق عليه إذا اشترت منه طلاقها، فهما وجهان بينان، والله أعلم.
قلت: هل يحل للزوج أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها في الخلع؟ قال: قال مالك: نعم. قال: وقال مالك: لم أزل أسمع من أهل العلم - وهو الأمر المجتمع عليه عندنا - أن الرجل إذا لم يصل للمرأة ولم يأت إليها ولم تؤت المرأة من قبله وأحبت فراقه فإنه يحل له أن يقبل منها ما افتدت به. وقد فعل ذلك النبي بامرأة ثابت بن قيس بن شماس حين جاءت فقالت: لا أنا ولا ثابت لزوجها، وقالت يا رسول الله كل ما أعطاني عندي وافر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذ منها" فأخذ منها وترك1، وفي حديث آخر ذكره ابن نبهان حين تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أتردين إليه حديقته؟" قالت: نعم، وأزيده فأعاد ذلك ثلاث مرات، فقال عند الرابعة: "ردي عليه حديقته وزيديه" 2. وذكر أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب تشتكي زوجها فحبست في بيت فيه زبل فباتت فلما أصبحت بعث إليها فقال: كيف بت الليلة؟ فقالت: ما بت ليلة أكون فيها أقر عينا من الليلة، فسألها عن زوجها فأثنت عليه خيرا وقالت إنه وإنه ولكن لا أملك غير هذا، فأذن لها عمر في الفداء.
سفيان الثوري والحارث عن أيوب بن أبي تميمة عن كثير مولى سمرة نحو هذا الحديث وقد قال عمر لزوجها اخلعها ولو من قرطها. قال مالك: ولم أر أحدا ممن يقتدى به يكره أن تفتدي المرأة بأكثر من صداقها، وقد قال الله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]. قال مالك: وإن مولاة لصفية اختلعت من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر. وقال ربيعة وأبو الزناد لا جناح عليه أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها وقال مالك في التي تفتدي من زوجها إنه إذا علم أن زوجها أضر بها أو ضيق عليها وأنه لها ظالم مضى عليه الطلاق ورد عليها مالها، وهذا الذي كنت أسمع والذي
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الطلاق باب 12. ابن ماجه في كتاب الطلاق باب 22. أبو داود في كتاب الطلاق باب 18. النسائي في كتاب الطلاق باب 34. أحمد في مسنده"4/3".
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث"31" عن يحي بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال لها: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله. قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها. فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر" . فقالت حبيبة: يارسول الله، كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: "خذ منها" ، فأخذ منها وجلست في بيت أهلها. ورواه بهذا النص أبو داود في كتاب الطلاق باب 17. النسائي في كتاب الطلاق باب 34. ابن ماجه في كتاب الطلاق باب 22.

عليه الأمر عندنا. يونس عن ابن شهاب أنه قال: إن كانت الإساءة من قبلها فله شرطه وإن كانت من قبله فقد فارقها ولا شرط له. مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: إذا لم تؤت المرأة من قبل زوجها حل له أن يقبل منها الفداء. عمرو بن الحارث عن ابن شهاب أنه قال: نرى أن من الحدود التي قال الله أن يكون في العشرة بين المرأة وزوجها إذا استخفت بحق زوجها فنشزت عليه وأساءت عشرته وأحنثت قسمه أو خرجت بغير إذنه أو أذنت في بيته لمن يكره أو أظهرت له البغض، فنرى أن ذلك مما يحل به الخلع ولا يصلح لزوجها خلعها حتى يؤتى من قبلها، فإذا كانت هي تؤتى من قبله فلا نرى خلعها يجوز. ابن لهيعة عن ابن الأشج أنه قال: لا بأس بما صالحت عليه المرأة إذا كانت ناشزا، قال بكير: ولا أرى امرأة أبت أن تخرج مع زوجها إلى بلد إلا ناشزة.
قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق على عبدك هذا، فقامت من مجلسها ذلك قبل أن تقبل، ثم قالت بعد ذلك خذ العبد وأنا طالق؟ قال: هذا في قول مالك لا شيء لها إلا أن تقول: قد قبلت قبل أن يتفرقا.
قلت: أرأيت إن قال لها إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق ثلاثا أيكون ذلك لها متى ما أعطته ألف درهم فهي طالق ثلاثا؟ قال: قال مالك: من قال لامرأته أمرك بيدك متى ما شئت أو إلى شهر فأمرها بيدها إلى ذلك الأجل إلا أن توقف قبل ذلك فتقضي أو ترد أو يطأها قبل ذلك فيبطل الذي كان في يدها من ذلك بالوطء إذا أمكنته، ولا يكون لها أن تقضي بعد ذلك.
قلت: أرأيت لو أنها أعطته شيئا على أن يطلق ويشترط رجعته؟ قال: إذا يمضي عليه الخلع وتكون الرجعة باطلا؛ لأن شروطه لا تحل؛ لأن سنة الخلع أن كل من طلق بشيء ولم يشترط شيئا ولم يسمه من الطلاق كان خلعا، والخلع واحدة بائنة لا رجعة له فيها، وهي تعتد عدة المطلقة، فإن أراد وأرادت نكاحه إن لم تكن مضت منه قبل ذلك إن كان عبدا تطليقة أو حرا تطليقتان وهي في عدة منه فعلا لأن الماء ماؤه بوجه الماء المستقيم بالوطء الحلال ليس بوطء الشبهة. قلت: فإن لم يسميا طلاقا وقد أخذ منها الفداء وانقلبت إلى أهلها، وقالا ذاك بذاك؟ فقال: هو طلاق الخلع. قلت: فإذا سميا طلاقا، قال: إذا يمضي ما سميا من الطلاق. قلت: فإن اشترط أنها إن طلبت شيئا رجعت زوجا له؟ قال: لا مردودة لطلاقه إياها ولا يرجع إلا بطلاق جديد، كما ينبغي النكاح من الولي والصداق والأمر المبتدأ، وقد قال مالك: شروطه باطلة والطلاق لازم، وقد قال مالك أيضا فيما يشترط عليها في الخلع إن خالعها واشترط رجعتها أيكون له إن الخلع ماض ولا رجعة له عليها؟ قال: الليث قال يحيى بن سعيد كان عثمان بن عفان يقول كل فرقة كانت بين زوج وامرأة بخلع فارقها ولم يسم لها صداقا فإن فرقتهما واحدة بائنة يخطبها إن شاء، فإن أخذ منها شيئا على أن يسمي فسمى

فهو على ما سمى، إن سمى واحدة فواحدة وإن سمى اثنتين فاثنتين وإن سمى أكثر من ذلك فهو على ما سمى. قال ابن شهاب ولا ميراث بينهما، وقد قال ذلك عثمان بن عفان وسليمان بن يسار وربيعة وابن شهاب وابن قسيط.
قال ابن المسيب: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس وذكر له شأن حبيبة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: "تردين إليه حديقته؟" فقالت: نعم، فقال ثابت ويطيب ذلك لي؟ فقال: نعم، قال: قد فعلت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "اعتدي" , ثم التفت إليه فقال: هي واحدة. قلت: أرأيت إن خالعها الزوج وهو ينوي بالخلع ثلاثا. قال: يلزمه الثلاث في قول مالك. قلت: أرأيت إن قالت: أخالعك على أن أكون طالقا تطليقتين، وفعل أتلزمه التطليقتان في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت لو لم يكن للمرأة على الزوج دين ولا مهر فقال الزوج أخالعك على أن أعطيك مائة درهم فقبلت، أيكون هذا خلعا وتكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها؟ قال: قال مالك: نعم، تكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها. قال: قال مالك: لو لم يعطها الزوج شيئا فخالعها فهي بذلك أيضا بائن. وقال غيره فقيل له فالمطلق طلاق الخلع أواحدة بائنة هي أم واحدة وله عليها الرجعة أو ألبتة؟ قال: بل ألبتة؛ لأنه لا تكون واحدة بائنة أبدا إلا بخلع وإلا فقد طلقها طلاق البتة؛ لأنه ليس له دون البتة طلاق يمين إلا بخلع، وصار كمن قال لزوجته التي دخل بها أنت طالق طلاق الخلع، ومن قال ذلك فقد أدخل نفسه في الطلاق البائن ولا تقع في الطلاق البائن إلا بخلع أو يبلغ به القرض الإقضاء وهي ألبتة، وقد روى ابن وهب عن مالك وابن القاسم: في رجل طلق امرأته وأعطاها وهو أبو ضمرة أنه قال: إنها طلقة تملك الرجعة وليس بخلع، وروى غيره أنه قال: تبين بواحدة وأكثر الرواة على أنها غير بائن؛ لأنه إنما يختلع بما يأخذ منها فيلزمه بذلك سنة الخلع فأما من لم يأخذ منها فليس بخلع، وإنما هو رجل طلق وأعطى فليس بخلع.
قلت: أرأيت الخلع والمبارأة عند السلطان أو غير السلطان في قول مالك جائز أم لا؟ قال: لا يعرف مالك السلطان. قال: فقلنا لمالك أيجوز الخلع عند غير السلطان؟ قال: نعم جائز. قلت: أرأيت إن اختلعت المرأة من زوجها على أن يكون الولد عند أبيهم أيكون ذلك للأب أم لا يجوز هذا الشرط في قول مالك؟ قال: قال مالك: ذلك للأب والشرط جائز إلا أن يكون ذلك يضر بالصبي، مثل أن يكون يرضع وقد علق أمه فيخاف عليه إن نزع منها أن يكون ذلك مضرا به فليس ذلك له. قال ابن القاسم: وأرى له أخذه إياه منها بشرطه إذا خرج من حد الإضرار به والخوف عليه. قلت: أرأيت إن

اختلعت من زوجها على أنه لا سكنى لها على الزوج؟ قال: إن كان إنما شرط عليها أن عليها كراء المسكن الذي تعتد فيه وهي في مسكن بكراء فذلك جائز، وإن كان شرط عليها إن كانت في مسكن الزوج أن عليها كراء المسكن وهو كذا وكذا درهما كل شهر فذلك جائز، وإن كان إنما شرط عليها حين قال ذلك على أنه لا سكنى لك على أن تخرج من منزله الذي تعتد فيه وهو مسكنه فهذا لا يجوز ولا يصلح في قول مالك وتسكن بغير شيء والخلع ماض. قلت: أرأيت إن وقع الشرط فخالعها أن لا سكنى لها عليه على أن تخرج من منزله؟ قال: قال مالك: كل خلع وقع بصفقة حلال وحرام كان الخلع جائزا ورد منه الحرام. قلت: فهل يكون للزوج على المرأة شيء فيما ردت من ذلك في قول مالك؟ قال: لا، قال ابن القاسم: قال مالك في الرجل يكون له على امرأته دين إلى أجل أو يكون للمرأة على الزوج دين إلى أجل، فخالعها على أن يعجل الذي عليه الدين للذي له الدين دينه قبل محل أجل الدين. قال مالك: الخلع جائز والدين إلى أجله ولا يعجل، وقد قيل إن الدين إذا كان عليه إلى أجل فليس بخلع وإنما هو رجل أعطى وطلق، فالطلاق فيه واحدة وهو يملك الرجعة وهذا إذا كان الدين عينا وهو مما يجوز للزوج أن يعجله قبل محله، وأما إن كان الدين عرضا أو طعاما أو مما لا يجوز للزوج أن يعجله إلا برضا المرأة ولا تستطيع المرأة قبضه إلا برضا الزوج، فهذا الذي يكون خلعه بتعجيله خلعا ويرد إلى أجله، وإنما طلاقه إياها على أن يعجل ذلك لها فهو لو زادها درهما أو عرضا سواه على أن يعجل ذلك لها لم يحل، وكان ذلك حراما ويرد الدين إلى أجله، وأخذ منها ما أعطاها؛ لأنه يقدر على رده، وإن الطلاق قد مضى فلا يقدر على رده ويرد الدين إلى أجله؛ لأنه إنما طلق على أن يحط عنه الضمان الذي كان عليه إلى أجل، فأعطاها الطلاق لأخذ ما لا يجوز له أخذه فألزم الطلاق ومنع الحرام، ألا ترى لو أنه طلقها على أن تسلفه سلفا ففعل إن الطلاق يلزمه ويرد السلف؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف جر منفعة.
قلت: أرأيت إن خالع رجل امرأته على أن أعطته خمرا؟ قال: الخلع جائز، ولا شيء له من الخمر عليها، فإن كان قد أخذ الخمر منها كسرت في يده ولا شيء له عليها. قال: وسمعت مالكا يقول في رجل خالع امرأته على أن أسلفته مائة دينار سنة، فقال مالك: يرد السلف إليها وقد ثبت الخلع ولا شيء له عليها.
قلت: أرأيت إن اختلعت امرأة من زوجها على أن نفقة الزوج عليها أو نفقة الولد؟ قال: سمعت مالكا يقول إذا اختلعت امرأة من زوجها على أن ترضع ولدها منه سنين وتنفق عليه إلى فطامه فذلك جائز وإن ماتت كان الرضاع في مالها والنفقة عليها في مالها، وإن اشترط عليها نفقة الولد

بعد الحولين وضرب لذلك أجلا أربع سنين أو ثلاث سنين، فذلك باطل، وإنما النفقة على الأم والرضاع في الحول وفي الحولين فأما ما بعد الحول والحولين فذلك موضوع عن المرأة وإن اشترطه عليها الزوج. قال: وأفتى مالك بذلك وقضى به، وقد قال المخزومي وغيره: إن الرجل يخالع بالغرر ويجوز له أخذه وأما بعد الحولين غرر ونفقة الزوج غرر، فالطلاق يلزم والغرر له يأخذها به، ألا ترى أنه يخالع على الآبق والجنين والثمر الذي لم يبد صلاحه؟ قلت: فهل يكون للزوج عليها فيما شرط عليها من نفقة ولده سنين بعد الرضاع شيء إذا أبطلت شرطه؟ قال: ما رأيت مالكا يجعل له عليها لذلك شيئا؟ قال: وقلت لمالك: فإن مات الولد قبل الحولين، أيكون للزوج على المرأة شيء؟ قال: قال مالك: ما رأيت أحدا طلب ذلك، فرددناها عليه فقال: ما رأيت أحدا طلب ذلك. قال: ورأيت مالكا يذهب إلى أنها إنما أبرأته من مؤنة ابنه في الرضاع حتى تفطمه، فإذا هلك قبل ذلك فلا شيء للزوج عليها، قال: فمسألتك التي سألت عنها حين خالعها على شرط أن تنفق على زوجها سنة أو سنتين أرى أن لا شيء له.
قلت: ما الخلع وما المبارأة وما الفدية؟ قال: قال مالك: المبارئة التي تبارئ زوجها قبل أن يدخل بها، فتقول. خذ الذي لك فتاركني، ففعل فهي طلقة، وقد قال ربيعة: ينكحها إن لم يكن زاد على المبارأة ولم يسم طلاقا ولا ألبتة في المبارأة، قال مالك: والمختلعة التي تختلع من كل الذي لها، والمفتدية التي تعطيه بعض الذي لها وتمسك بعضه، قال مالك: وهذا كله سواء. قلت: أرأيت إن قالت المرأة للزوج: اخلعني على ألف درهم أو بارئني على ألف درهم أو طلقني على ألف درهم أو بألف درهم؟ فقال: أما قول على ألف أو بألف فهو عندنا سواء ولم يسأل عن ذلك مالك، ولكنا سمعنا مالكا يقول في رجل خالع امرأته على أن تعطيه ألف درهم فأصابها غريمه مفلسة. قال مالك: الخلع جائز والدراهم دين على المرأة يتبعها بها الزوج وإنما ذلك إذا صالحها بكذا وكذا ويثبت الصلح.
قال ابن القاسم: والذي سمعت من قول مالك في الرجل يخالع امرأته أنه إذا ثبت الخلع ورضي بالذي تعطيه له يتبعها به فذلك الذي يلزمه الخلع، فيكون ذلك دينا عليها، فأما من قال لامرأته إنما أصالحك على أن أعطيتني كذا وكذا تم الصلح بيني وبينك فلم تعطه فلا يلزمه الصلح. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا قال لرجل طلق امرأتك ولك علي ألف درهم، فطلقها، أتجب له الألف درهم على الرجل في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: الألف واجبة للزوج على الرجل. قلت: أرأيت إن قالت

بعني طلاقي بألف درهم ففعل، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت لو أن امرأة قالت لزوجها اخلعني ولك ألف درهم، فقال: قد خالعتك، أيكون له الألف عليها وإن لم تقل المرأة بعد قولها الأول شيئا؟ قال: نعم، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: إذا أتبع الخلع طلاقا؟ فقال لها بعد فراغها من الصلح أنت طالق، قال: قال مالك: إذا أتبع الخلع بالطلاق ولم يكن بين ذلك سكوت أو كلام يكون قطعا بين الصلح وبين الطلاق الذي تكلم به، فالطلاق لازم للزوج فإن كان بينهما سكوت أو كلام يكون قطعا لذلك، فطلقها فلا يقع طلاقه عليها، وقد قال عثمان الخلع مع الطلاق اثنتين. وقد قال ابن أبي سلمة إذا لم يكن بينهما صمات، ومن فعل ذلك فقد أخطأ السنة وإنما الخلع واحدة إذا لم يسم طلاقا. وقال عبد الرحمن بن القاسم وابن قسيط وأبو الزناد في رجل خالع امرأته ثم طلقها في مجلسه ذلك تطليقتين فقالوا تطليقتاه باطل قال ابن قسيط طلق ما لا يملك. قال ابن بكير وقاله ابن عبد الله بن أبي سلمة، وقال ابن عباس وابن عبد الله بن الزبير والقاسم وسالم وربيعة ويحيى بن سعيد طلق ما لا يملك. قال ربيعة: طلاقة كطلاق امرأة أخرى فليس له طلاق بعد الخلع ولا يعد عليه؟ وقال يحيى وليس يرى الناس ذلك شيئا.
قلت: أرأيت لو أن امرأة اختلعت من زوجها بألف درهم دفعتها إليه، ثم إن المرأة أقامت البينة أن زوجها قد كان طلقها قبل ذلك ثلاثا ألبتة، أترجع عليه فتأخذ الألف منه أم لا في قول مالك؟ قال: ترجع عليه فتأخذ منه الألف وذلك أن مالكا سئل فيما بلغني عن امرأة دعت زوجها إلى أن يصالحها، فحلف بطلاقها ألبتة إن صالحها فصالحها بعد ذلك قال: قد بانت منه ويرد إليها ما أخذ منها وكذلك لو خالعها بمال أخذه منها ثم انكشف أنه تزوجها وهو محرم أو أخته من الرضاعة أو مثل ذلك مما لا يثبت، فإن هذا كله لا شيء فيه؛ لأنه لم يرسل من يده شيئا بما أخذ. ألا ترى أنه لم يكن يقدر على أن يثبت على حال. قلت: فلو انكشف أن بها جنونا أو جذاما أو برصا؟ قال: هذا إن شاء أن يقيم على النكاح أقام عليه، ألا ترى أنه إذا كان إن شاء أن يقيم على النكاح أقام كان خلعه ماضيا؟ ألا ترى أنه ترك به من المقام على أنها زوجه ما لو شاء أقام عليه؟ ألا ترى أنه إذا تركها بغير الخلع لما أغرته كان فسخا بالطلاق؟ قلت: فإن انكشف أن بالزوج جنونا أو جذاما أو برصا؟ قال: قال: لا يكون له من الخلع شيء. قلت: ومن أين وهو فسخ بطلاق؟ قال: ألا ترى أنها أعطته شيئا على خروجها من يده ولها أن تخرج من يده بغير شيء؟ أولا ترى أنه لم يرسل من يده شيئا بما أخذ إلا وهي أملك بما في يده منه؟
قلت: أرأيت لو أن رجلا قالت له امرأته قد كنت طلقتني أمس على ألف درهم وقد

كنت قبلت قبل ذلك، وقال الزوج قد كنت طلقتك على ألف درهم ولم تقبلي؟ قال: القول قول المرأة؛ لأن مالكا قال في رجل ملك امرأته مخليا في بيته وذلك في المدينة فخرج الرجل عنها ثم أتى ليدخل عليها، فأغلقت الباب دونه وقالت قد ملكتني واخترت نفسي، وقال الزوج ملكتك ولم تختاري، فاختلف فيها بالمدينة فسأل الرجل مالكا عن ذلك، فقال: أرى أن القول قولها لأنك قد أقررت بالتمليك وأنت تزعم أنها لم تقض فأرى القول قولها. قلت: إنما جعل مالك القول قولها؛ لأنه يرى أن لها أن تقضي وأن يفرقا في مجلسهما. قال: لا ليس لها ذا. قال: وقد أفتى مالك هذا الرجل بما أخبرتك من فتياه قبل أن يقول في التمليك بقوله الآخر، وإنما أفتاه وهو يقول في التمليك بقوله الأول إذ كان يقول إن لها أن تقضي ما قامت في مجلسها. قال: وإنما رجع إلى هذا القول"إن لها أن تقضي وإن قامت من مجلسها"في آخر عام فارقناه وكان قوله قبل ذلك إذا تفرقا فلا قضاء لها إذا كان قد أمكنها القضاء في ذلك قبل قيام زوجها.
قلت: أرأيت إن تصادقا في الخلع واختلفا في الجعل الذي كان به الخلع، فقالت المرأة خلعني بهذه الجارية، وقال الزوج بل خلعتك بهذه الدار وهذه الجارية وهذا العبد؟ قال: ما في قول مالك الخلع جائز ولا يكون للزوج إلا ما أقرت به المرأة من ذلك، وتحلف إلا أن يكون له بينة على ما ادعيا من ذلك؛ لأن مالكا قال في رجل صالحته امرأته فيما بينها وبينه ووجب ذلك بينهما على شيء أعطته ثم إنه خرج ليأتي بالشهود فيشهدوا فيما بينهما، فجحدت المرأة الصلح وأن تكون أعطته على ذلك شيئا. قال مالك: تحلف المرأة ويثبت الخلع ولا يكون له من المال الذي ادعى شيء ويفرق بينهما؛ لأنه قد أقر بفراقها. قلت: أرأيت لو أن رجلا ادعى على أنه خلع امرأته على ألف درهم والمرأة تنكر الخلع، فأقام الرجل شاهدا واحدا أنه خلعها على ألف درهم، أيحلف مع شاهده ويستحق هذه الألف؟ ههنا قول مالك: إن ذلك له.

خلع الأب عن ابنه وابنته
قلت: أرأيت ما حجة مالك حين قال: يجوز خلع الأب والوصي على الصبي ويكون ذلك تطليقه؟ قال: جوز ذلك مالك من وجه النظر للصبي، ألا ترى أن إنكاحهما إياه عليه جائز فكذلك خلعهما؟ قال ابن القاسم: وإنه ممن لو طلقها لم يجز طلاقه فلما لم يجز طلاقه كان النظر في ذلك بيد غيره وإنما أدخل جواز طلاق الأب والوصي بالخلع على الصبي حين صارا عليه مطلقين، وهو لا يقع على الصبي أن يكون ممن نكره لشيء

ولا يجب له ما رأى الأب له أو الوصي من الحظ في أخذ المال له، كما يعقدان عليه وهو ممن لم يرغب ولم يكره لما يريان له فيه من الحظ من النكاح في المال من المرأة الموسرة والذي له فيها من نكاحها من الرغبة فينكحانه وهو كاره لما دخل ذلك من سبب المال، فكذلك يطلقان عليه بالمال وسببه.
قلت: فإن كبر اليتيم واحتلم وهو سفيه أو كان عبدا زوجه سيده بغير أمره وذلك جائز عليه أو بلغ الابن المزوج وهو صغير، بلغ الحلم وهو سفيه أو زوج الوصي اليتيم وهو بالغ سفيه بأمره؟ قال: إن كان بالغا عبدا أو يتيما أو آتيا بالطلاق ويكرهه ويكون ممن لو طلق ووليه أو سيده أو أبوه كارها يمضي طلاقه ويلزمه فعله منه لم يكن للسيد في العبد ولا للأب في الابن ولا للوصي في اليتيم أن يخالع عنه لأن الخلع إنما يكون بطلاق وهو ليس إليه طلاق. ابن وهب وقد قال مالك في الرجل يزوج يتيمه وهو في حجره إنه يجوز له أن يبارئ عليه ما لم يبلغ الحلم إن رأى ذلك خيرا؛ لأن الوصي ينظر ليتيمه ويجوز أمره عليه وإنما ذلك ضيعة لليتيم ونظر له، ألا ترى أن مالكا قال لما صار الطلاق بيد اليتيم لم يجز له صلحه عليه كما أن الطلاق بيد العبد ليس بيد السيد وإن كان قد كان جائزا للسيد أن يزوجه بلا مبارأة فكل من ليس بيده طلاق فنظر وليه له نظر، ويجوز فعله عليه لما يرى له من الغبطة في المال. قلت: فعبده الصغير هل يزوجه؟ قال: ليس ممن له إذن وله أن يزوجه وإذا زوجه لم يكن له أن يطلق عليه إلا بشيء خلع يأخذه، ألا ترى أن مالكا يقول لا يجوز للأب أن يطلق على ابنه الصغير وإنما يجوز له أن يصالح عنه، ويكون تطليقة بائنة، وإنما لم يجز طلاقه لأنه ليس بموضع نظر له في أخذ شيء، وقد تزوج الابن بالتفويض فلا يكون شيء، فإنما يدخل الطلاق بالمعنى الذي منه دخل النكاح للغبطة فيما يصير إليه ويصير له، وإن كان قد روي عن مالك في الرجل يزوج وصيفه وصيفته ولم يبلغا جميعا أن ذلك جائز، وإن فرق السيد بينهما على وجه النظر والاجتهاد ما لم يبلغا فذلك جائز؛ لأن الفرقة والاجتماع إليه ما كانا صغيرين، وقال ابن نافع: ولا يجوز من ذلك إلا ما كان على وجه الخلع. قلت: أيجوز للأب أن يخالع عن ابنته الصغيرة في قول مالك؟ قال: قال مالك: ذلك جائز ولا يجوز لأحد أن يزوج صبية صغيرة أو يخلعها من زوجها، ولا يجوز له أن ينكحها إذا كانت صغيرة فإن بلغت فأنكحها الوصي من الرجل برضاها فذلك جائز، قال مالك: والوصي أولى بإنكاحها إذا هي بلغت من الأولياء، إذا رضيت، وليس له أن يجبرها على النكاح كما يجبرها الأب، وليس لأحد من الأولياء أن يجبرها على النكاح إلا الأب وحده إذا كانت بكرا.

قال مالك: وقد فرق ما بين مبارأة الوصي عن يتيمه ويتيمته أن الوصي لا يزوج يتيمته إلا بإذنها بعد بلوغها فلذلك يبارئ عن يتيمه ولا يبارئ عن يتيمته إلا برضاها. وقال ابن نافع: قال مالك: لا أرى بأسا أن يبارئ الخليفة عن الصبية زوجها إذا كان أبوها هو الذي أنكحها إذا كان ذلك منه على وجه الاجتهاد والنظر لها على وجه المبارأة فيمضي ذلك، وليس للصغيرة إذا كبرت أن ينزع عن ذلك، وكذلك يتيمه ما لم يبلغ يتيمه الحلم. قلت: أرأيت إن خالعها الأب وهي صبية صغيرة على أن يترك لزوجها مهرها كله أيكون ذلك جائزا على الصبية في قول مالك؟ قال: نعم، وقال ابن القاسم: قال مالك: إذا زوج الرجل ابنته وهي ثيب من رجل فخلعها الأب من زوجها على أن ضمن الصداق للزوج وذلك بعد البناء فلم ترض الثيب أن تتبع الأب، قال مالك: لها أن تتبع الزوج وتأخذ صداقها من الزوج، ويكون ذلك للزوج على الأب دينا يأخذه من الأب، قال مالك: وكذلك الأخ في هذا هو بمنزلة الأب.
قلت: لابن القاسم: وكذلك الأجنبي قال: نعم. ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ربيعة عن بنت الرجل تكون عذراء أو ثيبا أيبارئ أبوها عنها وهي كارهة قال: أما هي تكون في حجر أبيها فنعم، وأما هي تكون ثيبا فلا. وقال أبو الزناد: إن كانت بكرا في حجر أبيها فيكون أمره فيها جائزا يأخذ لها ويعطي عليها، وقاله يحيى بن سعيد وعطاء بن أبي رباح قال يحيى بن سعيد ولا يجوز أمر الأخ على أخته البكر إلا برضاها، قال يحيى: وتلك السنة. ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن ابن قسيط وعبد الله بن أبي سلمة وعمرو بن شعيب بنحو ذلك.

في خلع الأمة وأم الولد والمكاتبة
قلت: أرأيت إن اختلعت الأمة من زوجها على مال؟ قال: قال مالك: الخلع جائز والمال مردود إذا لم يرض السيد. قلت: أرأيت إن أعتقت الأمة بعد ذلك هل يلزمها ذلك المال؟ قال: لا يلزمها شيء من ذلك قلت: أرأيت أم الولد إذا اختلعت من زوجها بمال من غير إذن سيدها أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال ابن القاسم: لا يجوز ذلك، قال وهي عندي بمنزلة الأمة التي قال مالك فيها: إنه لا يجوز خلعها إذا رد ذلك سيدها لا يجوز قال: وقال مالك: أكره أن ينكح الرجل أم ولده، قال مالك: وسمعت ربيعة يقول ذلك. قلت: أرأيت إن أنكحها وهو جاهل، أيفسد نكاحه؟ قال: لم أوقف مالكا على هذا الحد، قال ابن القاسم: ولا أرى أن يفسخ نكاحهما إلا أن يكون من ذلك أمر يبين ضررها بها فأرى أن يفسخ.

قلت: أرأيت المكاتبة إذا أذن لها سيدها أن تختلع من زوجها بمال تعطيه إياه، أيجوز هذا أو أذن لها أن تتصدق بشيء من مالها أيجوز هذا؟ قال: قول مالك إنه جائز إذا أذن لها وقال ربيعة تختلع الحرة من العبد ولا تختلع الأمة من العبد إلا بإذن أهلها ابن وهب عن معاوية بن صالح أنه سمع يحيى بن سعيد يقول إذا افتدت الأمة من زوجها بغير إذن سيدها رد الفداء ومضى الصلح.

خلع المريض
قلت: أرأيت إن اختلعت منه في مرضه فمات من مرضه ذلك أترثه في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم، ترثه. قلت: وكذلك إن جعل أمرها بيدها أو خيرها فطلقت نفسها وهو مريض أترثه في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم ترثه. قلت: ولم وهو لم يفر منها إنما جعل ذلك إليها ففرت بنفسها؟ قال: قال مالك: كل طلاق وقع في مرض فالمبارأة للمرأة إذا مات من ذلك المرض وبسببه كان ذلك لها.ى قلت: أرأيت إن اختلعت المريضة من زوجها في مرضها من جميع مالها، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك. قلت: أيرثها؟ قال: قال مالك: لا يرثها، قال ابن القاسم وابن نافع وأنا أرى إن كان صالحها على أكثر من ميراثه منها - إن ذلك غير جائز وإن كان صالحها على أكثر من ميراثها أو مثله أو أقل من ميراثه منها فإن ذلك جائز. قلت: ولا يتوارثان؟ قال: لا قلت: أرأيت إن اختلعت المرأة بمالها من زوجها والزوج مريض أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، ذلك جائز ولها الميراث إن مات ولا ميراث له منها إن ماتت هي. قلت: لم؟ قال: لأن من طلق امرأته في مرضه فهو فار وإن ماتت المرأة لم يرثها الزوج، وإن مات الزوج ورثته المرأة، فلذلك كان ذلك في الصلح أيضا، وما اختلعت به منه فهو له وهو مال من ماله لا ترجع بشيء منه ابن وهب عن يونس أنه سأل ربيعة عن المرأة هل يجوز لها أن تختلع من زوجها وهي مريضة؟ قال: لا يجوز خلعها ولو جاز ذلك لم تزل امرأة توصي لزوجها حين تستيقن بالموت إلا فعلت.
قال ابن نافع: إن الطلاق يمضي عليه ولا يجوز له من ذلك إلا قدر ميراثه، مثل ما فسر ابن القاسم. قال: وقال ابن نافع قال مالك: ويكون المال موقوفا حتى يصح أو يموت. قلت: أرأيت إن جعل أمرها بيدها في مرضه فاختارت نفسها فماتت أيرثها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يرثها. قلت: فإن مات هو أترثه؟ قال: قال مالك: ترثه. قال مالك: وكل طلاق كان في المرض بأي وجه ما كان فإن الزوج لا يرث فيه امرأته إن

ماتت وهي ترثه إن مات، قال مالك: لأن الطلاق جاء من قبله. قلت: فإذا خالعها برضاها لم جعل مالك لها الميراث؟ قال: لأن مالكا قال: وإذا جعل أمرها بيدها فاختارت نفسها فلها الميراث. قلت: لم جعل مالك لها الميراث؟ قال: لأن مالكا قال: إذا كان السبب من قبل الزوج فلها الميراث.

ماتت وهي ترثه إن مات، قال مالك: لأن الطلاق جاء من قبله. قلت: فإذا خالعها برضاها لم جعل مالك لها الميراث؟ قال: لأن مالكا قال: وإذا جعل أمرها بيدها فاختارت نفسها فلها الميراث. قلت: لم جعل مالك لها الميراث؟ قال: لأن مالكا قال: إذا كان السبب من قبل الزوج فلها الميراث.
ما جاء في الصلحقلت: أرأيت إن صالحها على أن أخرت الزوج بدين لها عليه إلى أجل من الآجال؟ قال: قال مالك: الصلح جائز ولها أن تأخذه بالمال حالا ولا تؤخره إلى الأجل الذي أخرته إليه عند الصلح. قلت: أرأيت إن صالحها على ثمر لم يبد صلاحه قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك من السلف، والذي ذكرته لك أن مالكا قال: كل صفقة وقعت بصلح حرام، فالصلح جائز ويرد الحرام، فأرى إذا أعطته ثمرا قبل أن يبدو صلاحه على أن خالعها فالخلع جائز والثمر للزوج.
قال ابن القاسم: وقد بلغني أن مالكا أجازه وإن صالحها بثمر لم يبد صلاحه أو بعبد آبق أو بجنين في بطن أمه فأجازه مالك وجعل له الجنين يأخذه بعد الوضع، والآبق يتبعه والثمرة يأخذها، وأنا أراه جائزا، قال ابن القاسم: ولا يكون للزوج على المرأة إذا رد إليها مالها الذي أخرته على الزوج حين صالحته أو أسلفته إلى أجل، على أن صالحها فرد ذلك عليها مكانه ولم يترك إلى أجله، قال ابن القاسم: ولا يكون للزوج عليها صداق مثلها ولا غير ذلك، قال ابن القاسم: فكذلك عندي أنه لا يكون للزوج على المرأة صداق مثلها في شيء من ذلك مما لا يجوز في الصلح مما يرد على المرأة ويمضي عليه الخلع.

في مصالحة الأب على ابنه الصغير
قلت: أرأيت الصبي أيجوز عليه طلاق الأب؟ قال: قال مالك: لا يجوز عليه طلاق الأب ويجوز صلح الأب عنه ويكون تطليقة، قال مالك: وكذلك الوصي إذا زوج يتيمه عنده صغيرا جاز نكاحه ويجوز أن يصالح امرأته عنه ويكون هذا الصلح من الأب، والصلح تطليقة على الصبي، وإن طلق الوصي امرأة يتيمه لم يجز. قلت: أيجوز أن ينكح الصبي أو يطلق عليه أحد من الأولياء سوى الأب؟ قال: لم يقل لي مالك إنه يجوز على الصبي في النكاح والصلح عنه إلا الأب أو الوصي، قال ابن القاسم: وأنا أرى إن كان

في اتباع الصلح بالطلاق
قلت: أرأيت إذا صالحها ثم طلقها في مجلسه من بعد الصلح، أيقع الطلاق عليها في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن كان الطلاق مع إيقاع الصلح فذلك جائز لازم للزوج، وإن كان انقطع الكلام الذي كان به الصلح ثم طلق بعد ذلك لم يلزمه. قلت: وكذلك إن صالحها ثم ظاهر منها في عدتها أو آلى منها؟ قال: يلزمه ذلك في الإيلاء ولا يلزمه في الظهار إلا أن يقول إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، فهذا يلزمه عند مالك إن تزوجها الظهار، وإن كان الكلام قبل ذلك يستدل به على أنه أراد إن تزوجها فهو مظاهر، فهذا يكون إن تزوجها مظاهرا؛ لأن مالكا قال في رجل له امرأتان صالح إحداهما، فقالت له الثانية إنك ستراجع فلانة، قال: هي طالق أبدا فردده مالك مرارا فقال له ما نويت قال له الرجل لم يكن لي نية وإنما خرجت مني مسجلة، قال: أرى إن تزوجتها فهي طالق منك مرة واحدة وتكون خاطبا من الخطاب؛ لأن مالكا جعلها حين كان جوابا بالكلام امرأته على أنه إن تزوجها فهي طالق فكذلك ما أخبرتك به من الظهار إذا كان قبله كلام يدل على أنه أراد ذلك بمنزلة ما ذكرت لك في مسألة الرجل.
قلت: أرأيت الرجل إذا قال لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت طالق فصالحها ثم

دخلت الدار بعد الصلح مكانها، أيقع الطلاق عليها أم لا؟ قال: إذا وقع الصلح ثم دخلت بعد ذلك فلا يقع الطلاق بدخولها ذلك. قلت: أرأيت إن قال: إن لم أقض فلانا حقه إلى يوم كذا وكذا فامرأته طالق، فلما دخل ذلك الوقت وخاف أن يقع عليه الطلاق دعاها إلى أن يصالحها فرارا من أن يقع الطلاق، فصالحته بذلك وهو يريد رجعتها بعد مضي الوقت، أيجوز له هذا الصلح ولا يكون حانثا إن لم يقض فلانا حقه؟ قال: نعم، لا يكون حانثا وبئس ما صنع، كذلك قال مالك. قلت: لم يكون بئسما صنع من فر من الحنث؟ قال: سمعت مالكا يقول بئسما صنع وقال مالك: ولا يعجبني أن يفعل ذلك، قال: فإن فعل لم أره حانثا؛ لأنه مضى الوقت وليست له بامرأة. قلت: أرأيت إن تزوجها بعد ما مضى الوقت، فلم يقض فلانا حقه، أيقع عليه الطلاق ويحنث أم لا؟ قال: لا يكون عليه شيء ولا يقع عليها الطلاق.

جامع الصلح
قلت: أرأيت إن صالحها على طعام أو دراهم أو عرض من العروض موصوف إلى أجل من الآجال أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: ويجوز أن يأخذ منها بذلك رهنا أو كفيلا؟، قال: نعم. قلت: ويجوز أن يبيع ذلك الطعام قبل أن يقبضه؟ قال: أكره؛ لأنه عندي محمل البيوع قلت: أرأيت إن اصطلح على دين فباعه منها بعرض إلى أجل من الآجال أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك؛ لأن هذا دين بدين فلا يجوز وهذا والبيع سواء ويرجع فيكون له الدين. قلت: أرأيت إن صالحها على أن أعطته عبدا بعينه، فأعطته ذلك العبد إلى أجل من الآجال، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال مالك: إذا صالحها على دين له عليها إلى أجل من الآجال على أن أعجلت له ذلك الدين قبل الأجل، قال مالك: فالدين إلى أجله والخلع جائز، فكذلك العبد الذي صالحها عليه إلى أجل من الآجال على أن لا تدفع إليه العبد إلا إلى أجل من الآجال، فهو حال والخلع جائز والأجل فيه باطل؛ لأن مالكا قال لي في كل صفقة وقعت بالصلح فيها حلال وحرام إن الخلع جائز، والحلال منها يثبت والحرام باطل، والشرط في مسألتك في تأخير العبد لا يصلح والصلح على العبد جائز فطرحنا من هذا ما لا يصلح وجوزنا منه ما يصلح. قلت: أرأيت إن صالحها على عرض موصوف إلى أجل من الآجال، أيصلح له أن يتبعها منها بدين إلى أجل؟ قال: لا يجوز ذلك في قول مالك؛ لأن هذا مثل البيوع وهذا يصير دينا بدين.

ما جاء في حضانة الأم
قلت: كم يترك الغلام في حضانة الأم في قول مالك؟ قال: قال مالك: حتى يحتلم، ثم يذهب الغلام حيث شاء. قلت: فإن احتاج الأب إلى الأدب أن يؤدب ابنه؟ قال: قال مالك: يؤدبه بالنهار ويبعثه إلى الكتاب وينقلب إلى أمه بالليل في حضانتها، ويؤدبه عند أمه ويتعاهده عند أمه ولا يفرق بينها وبينه إلا أن تتزوج، قال: فقلت لمالك: إذا تزوجت وهو صغير يرضع أو فوق ذلك فأخذه أبوه أو أولياؤه، ثم مات عنها زوجها أو طلقها أيرد إلى أمه؟، قال: لا، ثم قال لي مالك أرأيت إن تزوجت ثانية أيؤخذ منها ثم إن طلقها زوجها أيرد إليها أيضا الثالثة ليس هذا بشيء إذا سلمته مرة فلا حق لها فيه، فقيل لمالك: متى يؤخذ من أمه أحين عقد نكاحها أو حين يدخل بها زوجها؟ قال: بل حين يدخل بها زوجها ولا يؤخذ منها الولد قبل ذلك. قلت: والجارية حتى متى تكون الأم أولى بها إذا فارقها زوجها أو مات عنها؟ قال: قال مالك: حتى تبلغ النكاح ويخاف عليها، فإذا بلغت النكاح وخيف عليها نظر فإن كانت أمها في حرز ومنعة وتحصين كانت أحق بها أبدا حتى تنكح وإن بلغت ابنتها ثلاثين سنة أو أربعين سنة ما كانت بكرا فأمها أحق بها ما لم تنكح الأم أو يخف عليها في موضعها، فإن خيف على البنت في موضع الأم ولم تكن الأم في تحصين ولا منعة أو تكون الأم لعلها ليست بمرضية في حالها ضم الجارية أبوها أو أولياؤها إذا كان في الموضع التي تصير إليه كفالة وحرز، قال مالك: رب رجل شرير سكير يترك ابنته ويذهب يشرب أو يدخل عليها الرجال بهذا لا تضم إليه أيضا بشيء، قال ابن القاسم: فأرى أن ينظر السلطان لهذا.
قلت: حتى متى تترك الجارية والغلام عند الجدة والخالة؟ قال: يترك الغلام والجارية عند الجدة والخالة إلى حد ما يتركان عند الأم، وقد وصفت لك ذلك إذا كانوا في كفاية وحرز ولم يخف عليهم. قلت: فهل ذكر مالك الكفاية؟ قال: نعم، قال: إذا كانوا في ثقة ولا كفاية فلا تعطى الجدة الولد ولا الوالد إذا كانوا ليسوا بمأمونين ولا يؤخذ الولد إلا من قبل الكفاية لهم، فرب جدة لا تؤمن على الولد ورب والد يكون سفيها سكيرا يدع ولده. قلت: وإنما الكفاية التي قال مالك إنما هو مثل ما وصفت لي؟ قال: نعم. قلت: قال مالك: ولا ينبغي أن يضر بالولد وينبغي أن ينظر للولد في ذلك بالذي هو أكفأ وأحرز. قلت: أرأيت إن طلقها زوجها فتزوجت المرأة وله منها أولاد صغار وجدتهم لأمهم في بعض البلدان وجدتهم لأبيهم مع الصبيان في مصر واحد أو عمتهم أو خالتهم معهم في مصر واحد، أيكون لهؤلاء الحضور حق في

الصبيان وجدتهم لأمهم التي هي أحق بالصبيان من هؤلاء مساكنة في غير بلد الأب؟ قال: الذي سمعت من قول مالك وبلغني أن الجدة أم الأم أولى من الخالة، والخالة أولى من الجدة للأب والجدة للأب أولى من الأخت والأخت أولى من العمة والعمة أولى ممن بعدها ولا من غيرهم، فأما الجدة أم الأم فإذا كانت بغير بلاد الأب التي هو بها فالخالة أولاهما والأب أولى من الأخت والعمة والجدة والخالة أولى من الأب، والذي سألت عنه إذا كانت الجدة للأم في غير بلاد الأب، وتزوجت الأم والخالة بحضرة الصبيان فالحق للخالة في الصبيان؛ لأن الجدة إذا كانت غائبة فلا حق لها في الصبيان؛ لأنها ليست مع الأب في مصر واحدة فهي بمنزلة الميتة، فالحق للخالة؛ لأنها بعد الجدة.
قلت: أرأيت إن طلقها فتزوجت وله منها أولاد صغار وقد مات الأب ولهم جدة لأبيهم أو عمة أو خالة أو أخت، من أولى بالصبيان أهؤلاء اللاتي ذكرت لك، أم الأولياء الجد والعم وابن العم والعصبة وما أشبههم في قول مالك؟ قال: الذي سمعت من قول مالك الجدة والعمة والأخت إذا كانوا في كفاية كانوا أحق من الأولياء، والجدة للأب أولى من الأخت، والأخت أولى من العمة، والعمة أولى من الأولياء إذا كانوا يأخذونهم إلى كفاية وإلى حضانة قلت: أرأيت إن طلقها والولد صغار فكانوا في حجر الأم، فأراد الأب أن يرتحل إلى بعض البلدان فأراد أن يأخذ أولاده ويخرجهم معه وإنما كان تزوج المرأة في الموضع الذي طلقها فيه جميعا من أهل تلك البلدة التي تزوجها فيها وطلقها فيها؟ قال: قال مالك للأب أن يخرج ولده معه إلى أي بلد ارتحل إليه إذا أراد السكنى، قال مالك: وكذلك الأولياء هم في أوليائهم بمنزلة الأب، لهم أن يرتحلوا بالصبيان حيثما ارتحلوا تزوجت الأم أو لم تتزوج إذا كانت رحلة الأب والأولياء رحلة نقلة، وكان الولد مع الأولياء أو مع الوالد في كفاية، ويقال للأم إن شئت فاتبعي ولدك وإن أبيت وأنت أعلم، قال مالك: وإن كان إنما يسافر ويذهب ويجيء فليس بهذا أن يخرجهم معه عن أمهم؛ لأنه لم ينتقل، قال مالك: وليس للأم أن تنقلهم عن الذي فيه والدهم وأولياؤهم إلا أن يكون ذلك إلى موضع قريب البريد ونحوه حيث يبلغ الأب والأولياء خبرهم. قلت: وتقيم في ذلك الموضع الذي خرجت إليه إذا كان بينهم وبين الأب البريد ونحوه؟ قال: نعم قلت: حتى متى تكون الأم أولى بولدها إذا فارقها زوجها؟ قال: أما الجواري في قول مالك فحتى ينكحهن ويدخل بهن أزواجهن، وإن حضن فالأم أحق بهن، وأما الغلمان فهي أحق بهم حتى يحتلموا، قال مالك: فإذا بلغوا الأدب أدبهم عند أمهم. قلت: أرأيت الأم إذا طلقها زوجها ومعها صبيان صغار فتزوجت، من أحق بولدها، الجدة أو الأب؟ قال: قال مالك: الجدة أم الأم أولى من الأب. قلت: فإن لم تكن أم الأم

وكانت أم الأب؟ قال: هي أولى من الأب إن لم تكن خالة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وأم الأم جدة الأم أولى بالصبية من الأب إذا لم يكن فيما بينها وبين الصبية أم أقعد بالصبية منها؟ قال: نعم. قلت: فمن أولى بهؤلاء الصبيان إذا تزوجت الأم أو ماتت، أبوهم أولى وإخوتهم لأبيهم وأمهم؟ قال: أبوهم. قلت: هذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله. قلت: فمن أولى بهؤلاء الصبيان الأب أم الخالة؟ قال: قال مالك: الخالة أولى بهم من الأب إذا كانوا عندها في كفاية. قلت: فما معنى الكفاية؟ قال: أن يكونوا في حرز وكفاية. قلت: والنفقة على الأب؟ قال: نعم والنفقة على الأب عند مالك. قلت: فمن أولى الأب أم العمة في قول مالك؟، قال: الأب، قال وليس بعد الخالة والجدة للأم والجدة للأب أحد أحق من الأب. قلت: فمن أولى: العصبة أم الجدة للأب؟ قال: الذي سمعت أن الجدة أم الأب أولى من العصبة وأرى الأخت والعمة وبنت الأخ أولى من العصبة. قلت: ويجعل الجد والعم والأخ وابن الأخ مع هؤلاء النساء مع الأخت والعمة وبنت الأخ بمنزلة العصبة أم لا؟ قال: نعم، ينزلون مع من ذكرت من النساء بمنزلة العصبة. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا أقوم على حفظه.
قلت: أرأيت إن طلقها زوجها وهو مسلم وهي نصرانية أو يهودية ومعها أولاد صغار، من أحق بولدها؟ قال: هي أحق بولدها وهي كالمسلمة في ولدها إلا أن يخاف عليها إن بلغت منهم جارية أن لا يكونوا في حرز. قلت: هذه تسقيهم الخمر وتغذيهم بلحوم الخنازير فلم جعلتها في ولدها بمنزلة المسلمة؟ قال: قد كانت عنده قبل أن يفارقها وهي تغذيهم إن أحبت بلحوم الخنازير وبالخمر، ولكن إن أرادت أن تفعل شيئا من ذلك منعت من ذلك ولا ينزع الولد منها، وإن خافوا أن تفعل ضمت إلى ناس من المسلمين لئلا تفعله. قلت: أرأيت إن كانت مجوسية أسلم زوجها ومعها ولد صغار وأبت أن تسلم، ففرقت بينهما من أحق بالولد؟ قال: الأم أحق، قال: واليهودية والنصرانية والمجوسية في هذا سواء مثل المسلمة قلت: أرأيت إن كانت أمهم أمة وقد عتق الولد وزوجها حر فطلقها زوجها من أحق بالولد؟، قال: الأم أحق به إلا أن تباع فتظعن إلى بلد غير بلد الأب فيكون الأب أحق به، أو يريد أبوه الانتقال لبلد سواه فيكون أحق به، وهذا قول مالك، والعبد في ولده ليس بمنزلة الحر لا يفرق بين الولد وبين أمه كانت أمة أو حرة؛ لأن العبد ليس له مسكن ولا قرار وربما يسافر به ويظعن ويباع، فهذا الذي سمعت ممن أثق به عن مالك أنه قال. قلت: أرأيت العصبة إذا تزوجت أمهم، أيكون لهم أن يأخذوا منها الأولاد؟ قال: قال مالك: إذا تزوجت الأم فالأولياء أولى بالصبيان منها، قال مالك: وكذلك الوصي. قال: وقال مالك: الأولياء هم العصبة، قال مالك:

وهذا كله الذي يكون فيه بعضهم أحق بذلك من بعض إذا كان ذلك إلى غير كفاية أو لم يكن ذلك مأمونا في حاله أو كان في موضع يخاف على الأولاد ولا للعودة التي هو فيها مثل البنت قد بلغت تكون عند الأم أو الجدة وتكون غير ثقة في نفسها أو تكون البنت معها في غير حرز ولا تحصين فالأولياء أولى بذلك إذا كانوا يكونون إلى كفاية وحرز، وتحصين الوالد كذلك إن كان غير مأمون، فرب والد سفيه يخرج النهار فيكون في سفهه يضيعها ويخاف عليها عنده ويدخل عليها رجال يشربون فهذا لا يمكن منها.
قلت: أرأيت إذ اجتمع النساء في هؤلاء الصبيان وقد تزوجت الأم ولا جدة لهم من قبل الأم أو لهم جدة من قبل الأم لها زوج أجنبي، من أحق بهؤلاء الصبيان وقد اجتمعن الأخوات مختلفات والجدة للأب والجدات مختلفات والعمات مختلفات وبنات الإخوة مختلفات: من أولى بهم للصبيان؟ قال ابن القاسم: أقعدهن بالأم إذا كانت محرما من الصبيان فهي أولى بالصبيان بعد الجدة للأم؛ لأن الجدة للأم والدة وإنما ينظر في هذا إلى الأقعد بالأم منهن، إذا كانت محرما جعلتها أولى بالصبيان. قلت: أرأيت مولى النعمة، أيكون من الأولياء إذا تزوجت الأم؟ قال: هو من الأولياء؛ لأنه وارث ومولى العتاقة وابن العم عند مالك من الأولياء. قلت: أرأيت من أسلم على يديه إذا تزوجت الأم، أيكون أولى بولد هذا الذي أسلم على يديه أم لا؟ قال: قال مالك: ليس هو مولاه ولا ينبغي أن ينتسب إليه. قلت: وإن والاه؟ قال: نعم وإن والاه فلا يجوز ذلك قلت: أرأيت إن كان ولده من هذه المطلقة لا بد لهم من الخدمة لضعفهم عن أنفسهم ومثله يقوى على الخدمة أيجبر على أن يخدمهم؟ قال: نعم عند مالك والخدمة بمنزلة النفقة إذا قوي على ذلك الأب أخذ به.
قلت: وما حد ما يفرق بين الأمهات والأولاد في قول مالك في العبيد؟ قال: قال مالك: لا يفرق بينهما حتى يثغروا إلا أن يعجل ذلك بالصبي، قال: وذلك عندي حتى يستغني الصبي عن أمه بأكله وحده وشربه ولبسه وقيامه وقعوده ومنامه، قال: قال مالك: إذا أثغر فقد استغنى عنها، قال وجه الاستغناء عن أمه إذا أثغر ما لم يعجل ذلك به قلت: أرأيت الأب والولد هل ينهى مالك عن التفرقة فيما بينهم كما ينهى عن التفرقة بين الأم وولدها؟ قال: قال مالك: لا بأس أن يفرق بين الأب وولده إن كانوا صغارا وإنما ذلك في الأمهات. قلت: فالجدة أم الأب والجدة أم الأم أيفرق بينها وبينهم وهم صغار ولم يثغروا؟ قال: قال لي مالك ذلك غير مرة وغير عام أنه يفرق بين أم الأم وبينهم وإن كانوا صغارا في التملك قال مالك: وإنما ذلك في الأم وحدها. ابن وهب عن

سقاء، فزعم أبوه أنه ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي"1, قال عمرو بن شعيب وقضى أبو بكر الصديق في عاصم على عمر بن الخطاب أن أمه أحق به ما لم تنكح.
ابن وهب وأخبرني ابن لهيعة عن غير واحد من الأنصار وغيرهم من أهل المدينة أن عمر بن الخطاب طلق امرأته الأنصارية وله منها ابن يقال له عاصم، فتزوجت من بعد عمر يزيد بن مجمع الأنصاري فولدت له عبد الرحمن بن يزيد، وكان لها أم فقبضت عاصما إليها وهي جدته أم أمه وكان صغيرا فخاصمها عمر إلى أبي بكر الصديق، فقضى لجدته أم أمه بحضانته؛ لأنه كان صغيرا. ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن محمد بنحو ذلك، وقالت الجدة إني حضنته وعندي خير له وأرفق به من امرأة غيري، قال: صدقت، حضنك خير له فقضى لها به. قال عمر: سمعت وأطعت. مالك وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد بنحو ذلك إلا أن مالكا قال كان الغلام عند جدته بقباء وأخبرني من سمع عطاء الخراساني يذكر مثل ذلك، وقال أبو بكر ريحها وفراشها خير له منك حتى يكبر. قال عمر بن الحارث في الحديث وكان وصيفا. ابن وهب عن الليث بن سعد أن يحيى بن سعيد حدثه قال: المرأة إذا طلقت أولى بالولد الذكر والأنثى ما لم تتزوج فإن خرج الوالد إلى أرض سوى أرضه يسكنها كان أولى بالولد، وإن كان صغيرا، وإن هو خرج غازيا أو تاجرا كانت المرأة أولى بولدها إلا أن يكون غزا غزاة انقطاع، قال يحيى والولي بمنزلة الوالد قلت: أرأيت أم الولد إذا أعتقت ولها أولاد صغار وهي في ولدها بمنزلة المرأة الحرة التي تطلق ولها أولاد صغار في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن تزوجت الأم فأخذتهم الجدة أو الخالة، أتكون النفقة والكسوة والسكنى على الأب في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن لم يكن عند الأب ما ينفق عليهم؟ قال: فهم في قول مالك من فقراء المسلمين ولا يجبر أحد على نفقتهم إلا الأب وحده إذا كان يقدر على ذلك. قلت: أرأيت الأب إذا كان معسرا والأم موسرة، أتجبر الأم على نفقة ولدها وهم صغار؟ قال مالك: لا تجبر الأم على نفقة ولدها. قلت: أرأيت إن طلقها وولدها صغار، أيكون على الأب أجر الرضاع في قول مالك؟ قال: نعم.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 35.

في نفقة الوالد على ولده المالك أمره
قلت: أرأيت المرأة الثيب إن طلقها زوجها أو مات عنها وهي لا تقدر على شيء

وهي عديمة، أيجبر الوالد على نفقتها في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت الزمنى والمجانين من ولده الذكور المحتلمين الذين قد بلغوا الحلم وصاروا رجالا هل تلزم الأب نفقتهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن يلزم الأب ذلك؛ لأن الولد إنما أسقط عن الأب فيه النفقة حين احتلم وبلغ الكسب وقوي على ذلك، ألا ترى أنه قبل الاحتلام إنما ألزم الأب نفقته لضعفه وضعف عقله وضعف عمله؟ فهؤلاء الذين ذكرت عندي أضعف من الصبيان، ألا ترى أن من الصبيان من هو قبل الاحتلام قوي على الكسب إلا أنه على كل حال على الأب نفقته ما لم يحتلم إلا أن يكون للصبي كسب يستغني به عن الآباء أو يكون له مال ينفق عليه من ماله؟ فكذلك الزمنى والمجانين بمنزلة الصبيان في ذلك كله، أولا ترى النساء قد تحضن المرأة وتكبر وهي في بيت أبيها فنفقتها على الأب وهي في هذه الحال أقوى من هذا الزمن أو المجنون وإنما ألزم الأب نفقتها لحال ضعفها في ذلك، فمن كان أشد منها ضعفا فذلك أحرى أن يلزم الأب نفقته إذا كانت زمانية تلك قد منعته من أين يعود على نفسه مثل المغلوب على عقله والأعمى والزمن الضعيف الذي لا حراك له. قلت: أرأيت إن كانوا قد بلغوا أصحاء ثم أزمنوا أو جنوا بعد ذلك وقد كانوا أخرجوا من ولاية الأب؟ قال: فلا شيء لهم على الأب، ولم أسمع من مالك فيه شيئا وإنما قلته على البنت الثيب.

في نفقة الولد على والديه وعيالهما
قلت: أرأيت الصبي الصغير إذا كان له مال وأبواه معسران، أينفق عليهما من مال هذا الابن في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم، ينفق عليهما من مال الولد صغيرا كان أو كبيرا إذا كان له مال وأبواه معسران ذكرا كان أو أنثى متزوجة كانت البكر أو غير متزوجة قلت: وكذلك إن لم تكن أمها تحت أبيها ولكنه تزوج غير أمها أينفق على أبيها وعلى امرأة أبيها من مالها؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن كان تحت أبيها حرائر أربعة ليس فيهن أمها، أينفق على أمها وعلى نسائه من مالها؟ قال: إنما سمعت مالكا يقول ينفق على الأب من مال الولد ذكرا كان أو أنثى متزوجة أو غير متزوجة وينفق على أهل الأب أيضا ولم أسأله عن أربع حرائر.
قال ابن القاسم: ولست أرى أن ينفق على أربع حرائر ولا على ثلاث حرائر ولا على أكثر من واحدة
قلت: أرأيت إن كان لي والد معسر وأنا موسر ولوالدي أولاد صغار أنفق عليه وعلى إخوتي الصغار الذين في حجره من مالي وعلى كل جارية - من ولد أبي

في حجره - بكر؟ قال: قال لي مالك ينفق على الأب من مال الولد وعلى امرأته ولا أرى أن تلزمه النفقة على إخوته إلا أن يشاء، قال: فقلت لمالك فالمرأة يكون لها الزوج وهو معسر ولها ابن موسر أيلزم الابن النفقة على أمه وهو يقول لا أنفق عليها؛ لأن لها زوجا؟ قال مالك: لا ينفق عليها ولا حجة له في أن يقول إنها تحت زوج، ولا حجة له في أن قال فليفارقها هذا الزوج حتى أنفق عليها، فلها أن تقيم مع زوجها ويلزم ولدها نفقتها.
قلت: هل يلزم الولد مع النفقة على أبيه والنفقة على زوجة أبيه والنفقة على خادم امرأة أبيه في قول مالك؟ قال: يلزم الولد النفقة على خادم يكون لأبيه إذا كان الأب معسرا والولد موسرا، لذلك فأرى خادم امرأته أيضا يلزم الولد نفقته؛ لأن خادم امرأة أبيه يخدم الأب، ولأنه لو لم يكن لها خادم كانت الخدمة من النفقة التي تلزمه. قلت: وكل ما أنفق على الوالدين من مال الولد إذا أيسر الولدان من بعد ذلك لم يكن ما أنفق من مال الولد دينا عليهما في قول مالك؟ قال: نعم لا يكون دينا عليهما. قلت: أرأيت الولد هل يجبر على نفقة الوالدين إذا كان معسرا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجبر والد على نفقة ولده ولا ولد على نفقة والدين إذا كانا معسرين.
قلت: أرأيت من كان له من الآباء خادم ومسكن، أيفرض نفقته على الولد أم لا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك يفرض عليه نفقة أبيه وزوجته، قال ابن القاسم: وخادمه تدخل في نفقة أبيه فيكون ذلك على الولد، فأما الدار فلم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى إن كانت دارا ليس فيها فضل في قيمتها على مسكن بعينه يكون في ثمن هذه الدار ما يبتاع فيه مسكن يسكنه وفضلة يعيش فيها رأيت أن يعطي نفقته ولا يباع؛ لأن مالكا، قال لنا لو أن رجلا كانت له دار ليس في ثمنها فضل عن اشتراء مسكن يغنيه أن لو باعها فابتاع غيرها أعطى من الزكاة فصاحب الدار في الزكاة أبعد من الزكاة من الوالد من مال الولد قلت: أرأيت الوالدين إذا كانا معسرين والولد غائب وله مال حاضر عرض أو قرض، أيعديها على ماله؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى أن يفرض لهما نفقتهما في ذلك. قلت: فإن كانت الأم عديمة لا شيء لها وللولد أموال قد تصدق بها عليهم أو وهبت لهم، أيفرض للأم نفقتها في مال الولد؟ قال: نعم ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ربيعة عن الولد هل يمون أباه في عسره ويسره إذا اضطر إلى ذلك؟ قال: ليس عليه ضمان وهو رأي رآه المسلمون أن ينفق عليهم ابن وهب عن ابن لهيعة أن أبا بشر المدني قال: كان يحيى بن سعيد إذا كان قاضيا فرض على الرجل نفقة أبيه إن شاء وإن أبى. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال في غلام ورث من أمه أو من أبيه مالا، قال ابن شهاب: لا يصلح لأمه ولا لأبيه أن يأكلا من ماله ما استغنيا

عنه إلا أن يحتاج الأب أو الأم فتضع يدها مع يده، وقاله عطاء بن أبي رباح. ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: لا يأخذ الابن ولا الابنة من مال أبويهما إلا بإذنهما وقال عطاء بن أبي رباح مثله.

في نفقة المسلم على ولده الكافر
قلت: أرأيت إن أسلم الأبوان وفي حجرهما جواري أولاد لهما قد حضن، فاخترن الكفر على الإسلام أيجبر الأب على نفقتهن أم لا؟ قال: نعم. قلت: ويجبر الكافر على نفقة المسلم، والمسلم على نفقة الكافر؟ قال: إذا كانوا آباء وأولادا فإنا نجبرهم. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: بلغني عن مالك - ولم أسمعه منه - أنه سئل عن الأب الكافر إذا كان محتاجا أو الأم ولها بنون مسلمون هل يلزم الولد نفقة الأبوين وهما كافران؟ قال: نعم.

في نفقة الولد على ولده الأصاغر وليست الأم عنده
في نفقة الوالد على ولده الأصاغر وليست الأم عنده
قلت: أرأيت نفقة الأب على ولده الأصاغر، أيجبر الأب أن يدفع ذلك إلى أمهم؟ قال: لم أسمع من مالك يحد في هذا حدا إلا أن المرأة إذا كان معها ولدها أعطيت نفقة ولدها إذا كانت مطلقة مصلحة بولدها عندها وتأخذ نفقتهم. قلت: أرأيت إن دعاها إلى أن تتحول معه من بلد إلى بلد وهي عنده غير مطلقة، ومن موضع إلى موضع، فأبت، أيكون لها عليه النفقة في قول مالك؟ قال: نعم وتخرج معه. قلت: فإن كان لها عليه مهر فقالت لا أتبعك حتى تعطي مهري؟ قال مالك: إن كان قد دخل بها خرج بها على ما أحبت أو كرهت وتتبعه بمهرها دينا وليس لها أن تمتنع منه من الخروج من أجل دينها.

فيمن تلزمه النفقة
وإلى متى يضمنهم؟ قال: يضمن نفقة ابنه حتى يحتلم وابنته حتى تنكح. قلت: فولد الولد؟ قال: لا نفقة لهم على جدهم وكذلك لا تلزم نفقتهم على جدهم ولا يلزم المرأة النفقة على ولدها، وتلزم النفقة على أبويها وإن كانت ذات زوج، وإن كره ذلك زوجها كذلك، قال مالك: قال والزوج يلزمه نفقة امرأته وخادم واحدة لامرأته ولا يلزمه من نفقة خدمها أكثر من نفقة خادم واحد ولا يلزم نفقة أخ ولا أخت ولا ذي قرابة ولا ذي رحم محرم منه، قال مالك: وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضار.
قلت: أرأيت الجارية التي لا بد لها من خادم للخدمة، وعندها خادم قد ورثتها من أمها أيلزم الأب نفقة خادمها وهي بكر في حجر أبيها؟ فقال: لا أرى أن يلزم الأب نفقة خادمها ويلزمه نفقتها في نفسها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، وهو رأيي ويقال للأب إما أنفقت على الخادم وإما بعتها، ولا يترك بغير نفقة وقال ربيعة في امرأة توفي عنها زوجها ولها ولد صغير فأرادت أن تتزوج وترمي به على عمه أو وصي أبيه وليس للغلام مال، قال: فقال ربيعة يكون ذلك لها وولدها من أيتام المسلمين يحمله ما يحملهم ويسعه ما يسعهم وأولي الأرحام أولى من الأم بالولد إلا أن تحب الأم الحضانة، فيقضي لها بحضانة ولدها؛ لأن حجرها خير له من حجر غيرها، ولا يضمن أحد نفقة اليتيم إلا أن يتطول متطول فيصل ما بدا له إلا ما قسم الله لأيتام المسلمين من الحق في الصدقة والفيء. قال: وقال ربيعة في قول الله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، قال الوارث الولي لليتيم ولماله مثل ذلك من المعروف، يقول في صحبة الوالدة: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} يقول: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} يقول فيما ولي الولي إن أقره عند أمه أقره بالمعروف فيما ولي من اليتيم وماله وإن تعاسرا وتراضيا على أن يترك ذلك يسترضعه، حيث أراه الله ليس على الولي في ماله شيء مفروض إلا ابن وهب عن الليث عن خالد بن يزيد عن زيد بن أسلم أنه قال في قول الله تبارك وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] إنها تطلق أو يموت عنها زوجها فقال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} يقول ليس لها أن تلقي ولدها عليه ولا يجد من يرضعه وليس له أن يضارها فينزع منها ولدها وهي تحب أن ترضعه وعلى الوارث مثل ذلك فهو ولي اليتيم.

ما جاء في الحكمين
قلت: أرأيت الحكمين إذا حكما من هما وهل يجوز أن يكون في الحكمين المرأة

والعبد والصبي والرجل المحدود ومن هو على غير الإسلام؟ قال: قال مالك: ليست المرأة من الحكام، فالصبي والعبد ومن هو على غير الإسلام أبعد أن لا يجوز تحكمهم إلا بالرضا من الرجل والمرأة وإلا بالبعثة من السلطان قلت: فالحكمان هل يكونان من غير أهل المرأة وأهل الرجل؟ وكيف إن لم يكن لهما أهل؟ وكيف إن كانا لهما أهل وكانوا - إلا موضع فيهم لأبيهم - ليسوا من أهل النظر والعدل؟ قال: قال مالك: الأمر الذي يكون فيه الحكمان إنما ذلك إذا فتح ما بين الرجل وامرأته حتى لا يثبته بينهما بينة ولا يستطاع أن يتخلص إلى أمرهما، فإذا بلغا ذلك بعث الوالي رجلا من أهلها ورجلا من أهله عدلين فنظرا في أمرهما واجتهدا، فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما وإلا فرقا بينهما، ثم يجوز فراقهما دون الإمام، وإن رأيا أن يأخذ من مالها حتى يكون خلعا فعلا، قال: فإذا كان في الأهل موضع كانوا هم أولى لعلمهم بالأمر وتعنيهم به، وأنهم لم يزدهم قرابتهم منهم إذا كان فيهم من الحال التي وصفت لك من النظر والعدالة إلا قوة على ذلك وعلما به. وأما إذا لم يكن في الأهل أحد يوصف بما يستحق به التحكيم أو كانا ممن لا أهل لهما فإنما معنى ذلك الذي هو عدل من المسلمين.
قلت: فالأهلون إذا اجتمعوا على رجل واحد هل يحكم وهل يكون الأهلون في ولاة العصبة أو ولاة المال أو والي اليتيم إذا كان من غير عصبة أو والي اليتيمة إذا كان كذلك، وهل يكون إلى غير من يلي نفسه من الأزواج والزوجات، أو هل يكون لأحد مع الذي يلي نفسه من الأزواج شرك؟ فقال: لا شرك للذين أمرهما إليهما من أحد في أمرهما إلا شرك المشورة التي المرء فيها مخير في قبولها وردها، فأما شرك يمنع به صاحبه شيئا أو يعطيه شيئا، قال: فلا، وكذلك الأموال من يلي اليتامى من الرجال والمرأة وهو لا يكون إليهم من ذلك إلا ما إليهم من الطلاق والمخالعة. قلت: فإن كان ممن يلي نفسه من الرجل والمرأة أو من الولاة الذين يجوز أمورهم على من يلوا جعلوا ذلك إلى من لا يجوز أن يكون حكما؟ قال: لا يجوز. قلت: ولم وإنما جعل ذلك إليهم ولاة الأمر أو الزوج والزوجة المالكين لأمرهما؟ قال: لأن ذلك يجري إذا حكم غير أهل الحكومة والرأي، من وصفت لك وغيرهم ممن يخالف الإسلام كان على غير وجه الإصلاح، وإنما أراد الله بالحكمين، وإرادة ولاة العلم الإصلاح بين الزوج وزوجته وبين الزوجة وزوجها، وأن ذلك يأتي بخاطر أمنها بما لا ينبغي أن يكون فيه الغرر. قلت: فإذا كان ذلك منهم إلى رجل واحد اجتمعوا عليه، هل يكون بمنزلة الحكمين لهما جميعا؟ قال: نعم، إنما هي من أمورهما التي لو أخذها دون من يحكم فيها كان ذلك لهما جميعا، فكذلك هي

إلى من جعلاها إليه إذا كان يستأهل أن يكون ممن يجعل ذلك إليه ليس بنصراني ولا بعبد ولا صبي ولا امرأة ولا سفيه فهؤلاء لا يجوز منهم اثنان فكيف واحد.
قلت: فلو أن بعض من لا يكون ذلك إليه جعل عن ملأ منهما ورضي ففرق بينهما، هل يمضي ذلك أو يكون مردودا قال: إذا لا يمضي ولا يكون ذلك طلاقا؛ لأنهم ليسوا من أهل الحكم واجتهاد الرأي، ولأن ذلك لم يكن على وجه التمليك - تمليك الطلاق - ويدلك على ذلك دخول الزوجة فيه بتحكيمها ولا مدخل للزوج في تمليك الطلاق. قلت: فلو قضى الحكمان بغرم على الزوج مع الفرقة أو على المرأة كيف يكون ذلك؟ وهل يكون ذلك بغير التخليص من المرأة والزوج في تحكيمهما حين يحكمان؟ قال: إذا حكم الزوج والمرأة الحكمين في الفرقة والإمساك فقد حكماهما فيما يصلح ذلك بوجه السداد منهما والاجتهاد، قال: قال مالك: إن رأيا أن يأخذا من المرأة ويغرماها مما هو مصلح لها ومخرجها من ملك من أضر بها ولا ينبغي أن يأخذا من الزوج شيئا ويطلقاها عليه. قلت: فهل يكون لهما أن يحكما من الفراق بأكثر مما يخرجانها من يده؟ وهل يكون إذا أخرجاها بواحدة تكون له فيها رجعة؟ قال مالك: لا يكون لهما أن يخرجاها من يده بغير طلاق السنة، وهي واحدة لا رجعة له فيها حكما عليهما فيه بمال أو لم يحكما فيه؛ لأن ما فوق واحدة خطأ وليس بالصواب وليس بمصلح لهما أمرا والحكمان إنما يدخلان من أمر الزوج والزوجة فيما يصلح لهما وله جعلا.
قلت: فلو أنهما اختلفا فطلق أحدهما ولم يطلق الآخر؟ قال: إذا لا يكون ذلك هناك فراق؛ لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه باجتماعها عليه. قلت: فلو أخرجها أحدهما بغرم تغرمه المرأة وأخرجها الآخر بغير غرم؟ قال: إذا لا يكون ذلك منهما اجتماعا؛ لأنه ليس عليها أن يخرج شيئا بغير اجتماعهما، ولأنه ليس عليه أن يفارق عليه بغير الذي لم يجتمعا عليه من المال، فإن شاءت أن تمضي له من المال طوعا منها لا بحكمهما ما سمى عليها أحد الحكمين فقد اجتمعا إذا أمضت المال للزوج على الطلاق لاجتماعهما على الفرقة إذا أبت إعطاء المال، إنما هو تبع في رد ذلك على الزوج بأن يقول لم يجتمعا لي على المال فيلزمها لي، ولم يصل إلى ما حكم به منه أحدكما فتنقطع مقالتي، فإذا أمضت هي ذلك فليس مما يشك أحد أن مما اجتمعا عليه الفراق، فقد سقط مقال الزوج إذا قبض الذي حكم به أحد الحكمين بطوعها. قلت: فلو حكم واحد بواحدة وحكم الآخر باثنتين؟ قال: إذا يكونان مجتمعين من ذلك على الواحدة. قلت: فلو طلق واحد اثنتين والآخر ثلاثا؟ قال: قد اجتمعا على الواحدة فما زاد فهو خطأ؛ لأنهما

لم يدخلا بما زاد على الواحدة أمرا يدخلان به صلاحا للمرأة وزوجها إلا والواحدة تجزئ من ذلك، وكذا لو حكم واحد بواحدة والآخر بالبتة؛ لأنهما مجتمعان على الواحدة، وانظر كلما حكم به أحدهما هو الأكثر مما حكم به صاحبه على أنهما قد اجتمعا منه على ما اصطلحا مما هو صلاح للمرأة وزوجها، فما فوق ذلك من الطلاق باطل. قلت: وكذلك لو حكما جميعا واجتمعا على اثنتين أو ثلاث؟ قال: هو كما وصفت من أنهما لا يدخلان بما زاد على الواحدة لهما صلاحا، بل قد أدخلا مضرة وقد اجتمعا على الواحدة فلا يلزم الزوج إلا واحدة قلت: فلو كانت المرأة ممن لم يدخل بها هل يجري أمرها مع الحكمين مجرى المدخول بها وكيف يكون أمرهما في الصداق إن كان قد وصل إليها أو لم يصل إن رأى الحكمان أن يبطلا ما لهما من نصف الصداق إذا طلقاها وقد كان أوصل الصداق إليهما، أو حكما عليها برد الصداق كله إليه أو بزيادة؟ قال: يجري مجرى المدخول بها، قال: وليس لهما أن يبطلا ما يرجع إليه من نصف الصداق، ألا ترى أن مالكا لا يرى أن يؤخذ منه للمدخول بها ويطلقانها عليه؟، وإن حكما عليه برد الصداق كله فهو جائز، ألا ترى أن مالكا يقول في المدخول بها وإن رأيا أن يأخذا منها ويكون خلعا فعلا.
قلت: فإن قال أحدهما حين حكما: برئت منك، وقال الآخر هي خلية؟ فقال: المدخول بها فكأنهما قالا ألبتة أو ثلاثا؛ لأن هذين - الاسمين وإن اختلفا ثلاث - وهما إذا حكما بثلاث كانت واحدة لما أعلمتك من أنه ليس للزوج ولا للزوجة صلاح في أن يكون الطلاق أكثر مما يخرجانه من يده، لقول مالك: فما زاد فهو خطأ، وإنهما أدخلا مضرة مما زاد على الواحدة، والواحدة بينهما، قال مالك: وأما التي لم يدخل بها فهي واحدة؛ لأن الواحدة تخليها وتبين بها وإن هما نويا بذلك ألبتة فهي أيضا واحدة، أولا ترى أن مالكا يقول في الأمة تعتق تحت العبد وهي مدخول بها فتختار نفسها أكثر من واحدة أن ذلك ليس لها؛ لأن الواحدة تبين بها فليس لها أن تدخل مضرة إذا كانت الواحدة تملك نفسها دونه، وإنه حل قوله الذي كان يعتمد عليه وهو موطأ في كتبه. قال ربيعة بن عبد الرحمن في المرأة والرجل يتبارآن وكل واحد منهما مؤد لحق صاحبه، قال: هو جائز ما لم تكن المبارأة بينهما على إضرار من الزوج بها، وقد كان لو أعطته مالها طيبة به نفسها كان له سائغا، فإذا أخذت بذلك نفسها فذلك أجوز ما كان، وإنما كان ما قيل ليقيما حدود الله في حكم الحكمين إذا بعثا إلى الرجل وامرأته، فإن رأيا مظلمة جاءت من قبله فرقا بينهما ولم تقر عنده على الظلم وعلى صحبتها بالمنكر، وإن رأيا الميل من قبل المرأة والعداء في صحبتها أمرا زوجها فشد يده بها وأجاز قوله عليها وائتمناه على

غيبها، وإن وجداهما كلاهما منكرا لحق صاحبه يسيء الدعة فيما أمره الله من صحبته، فرقا بينهما على ناحية من بعض ما كان أصدقها يعطيانه إياه وإن كرهت، ولكنه يقال لا يؤتمن أحدكما على صاحبه وليس تعطى أيها الزوج الصداق وقبلك ناحية من الظلم وقد استمتعت بها، وليس لك يا امرأة أن يفرق بينك وبينه فتذهبين بنفسك وماله وعندك من الظلم مثل الذي عنده، فيعمل الحكمان في الفداء برأيهما ومشاورتهما، قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} فذلك إذا اجتمعا في المظلمة وحكم بذلك الحكمان.
قال ربيعة: فأما إذا كان الزوج غير ظالم، فكل ما أخذ من امرأته فهو حلال إن كانت محسنة أو مسيئة، قال ربيعة: وليس للحكمين أن يبعثا إلا بسلطان، وما قضى به الحكمان فهو جائز في فراق أو بضع أو مال وقال ربيعة: ولا يحرم نكاحها وإن فرقا بينهما الحكمان. فقال ربيعة: لا يبعث الحكمين إلا السلطان، فكيف يجاز بحكم المرأة والعبد والصبي والنصراني والمسخوط؟ قال ابن شهاب: إن أرادا بعد أن يبعث الحكمين الخلع فتقاضيا عليه دون الحكمين فإنه يجوز ذلك إذا أتى ذلك من قبل المرأة، قال ابن وهب: قال ربيعة وقد بعث عثمان بن عفان عبد الله بن عباس ومعاوية بن أبي سفيان يحكمان بين عقيل بن أبي طالب وبين امرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان قد تفاقم الذي بينهما، فلما اقتربا من مسكن عقيل بن أبي طالب إذا رائحة طيب وهدوء من الصوت، فقال معاوية: ارجع بنا فإني أرجو أن يكونا قد اصطلحا، قال ابن عباس: أفلا تمضي فتنظر في أمرهما فقال معاوية: فتفعل ماذا؟ فقال ابن عباس: أقسم بالله لئن دخلت عليهما فرأيت الذي أخاف عليهما منهما لأحكمن عليهما بالخلع، ثم لأفرقن بينهما، قال مالك: بلغني أن علي بن أبي طالب، قال في الحكمين اللذين قال الله: {حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} أنه قال لهما أن يفرقا بينهما وأن يجمعا، قال مالك: وأحسن ما سمعت من أهل العلم أنه يجوز أمر الحكمين عليهما1 والله أعلم.
تم وكمل كتاب إرخاء الستور من المدونة الكبرى ويليه كتاب التخيير والتمليك.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 72.

كتاب التخيير والتمليك
مدخلبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين
كتاب التخيير والتمليكقلت: لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إذا قال الرجل لامرأته وهي مدخول بها، اختاري نفسك فقالت: قد اخترت نفسي فناكرها الزوج؟ قال: قال مالك: لا تنفعه المناكرة وهي ثلاث تطليقات. قلت: أرأيت إن قال لها اختاري نفسك فقالت: قد قبلت أمري؟ قال: تسأل عما أرادت بقولها قد قبلت أمري فإن قالت: قد قبلت أمري أردت بذلك أني قد قبلت ما جعل لي من الخيار وأني لم أطلق بعد قيل لها فطلقي إن أردت أو ردي، فإن طلقت ثلاثا لم يكن للزوج أن يناكرها وإن طلقت نفسها واحدة أو اثنتين لم يكن ذلك لها ولم يلزم الزوج من ذلك شيء وإنما يلزم الزوج إذا طلقت نفسها ثلاثا؛ لأن الزوج إنما خيرها فإذا خيرها فإنما لها أن تطلق نفسها ثلاثا أو ترد ذلك، وليس لها أن تطلق واحدة ولا اثنتين وهذا قول مالك.
قلت: فإن قال لها اختاري فقالت: قد قبلت أمري وقالت أردت بذلك الطلاق؟ قال: تسأل عما أرادت من الطلاق فإن قالت إنما أردت تطليقة واحدة فليس ذلك الطلاق بلازم للزوج وإن كانت أرادت اثنتين فليس ذلك أيضا بلازم للزوج، وإن كانت أرادت بذلك ثلاثا لزم الزوج ولم يكن للزوج أن يناكرها، وإنما ينظر في الخيار وفي التمليك إلى ما قال الزوج، فإن قال اختاري فهذا خيار، وإن قال أمرك بيدك فهذا تمليك، وتسأل المرأة عما وصفت لك في التمليك وفي الخيار كما وصفت لك أيضا ولا يكون في الخيار للزوج أن يناكرها ويكون له في التمليك أن يناكرها.
قلت: فما فرق ما بين التمليك والخيار في قول مالك؟ قال: لأن الخيار قد جعل

لها أن تقيم عنده أو تبين منه وهي لا تبين منه بالواحدة، فلما كانت الواحدة لا تبينها علمنا أنه إذا خيرها وأراد أن تبين منه فإنما ذلك إليها في الثلاث، وأما التمليك فهذا لم يجعل لها الخيار في أن تبين منه أو تقيم عنده إنما جعل لها أن تطلق نفسها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إلا أن يناكرها، فيعلم أنه لم يجعل لها الخيار كما قال مع يمينه، ويكون أملك بها، ألا ترى أنه لو ملكها فطلقت نفسها واحدة، وقال الزوج كذلك أردت واحدة كان أملك بها فهو في التمليك قد جعل لها أن تطلق نفسها طلاقا يملك الزوج فيه الرجعة، وفي الخيار لم يجعل لها أن تطلق نفسها طلاقا يملك الزوج فيه الرجعة، ألا ترى أنه إذا ناكرها في الخيار لم يكن ذلك له؟ قلت: أرأيت إن قال الرجل لامرأته اختاري في أن تطلقي نفسك تطليقة واحدة وفي أن تقيمي، فقالت قد اخترت نفسي أيكون ذلك ثلاثا أم لا؟ قال: نزلت بالمدينة وسئل مالك عنها فقال لزوجها أتحلف بالله ما أردت بقولك ذلك حين قلت: "اختاري في واحدة"إلا واحدة، قال الزوج: نعم، والله ما أردت إلا واحدة، قال مالك: أرى ذلك لك وهي واحدة وأنت أملك بها.
قلت: وكيف كانت المسألة التي سألوا مالكا عنها؟ قال: سألوا مالكا عن رجل قال لامرأته اختاري في واحدة، فأجابهم بما أخبرتك. قلت: أرأيت إن قال لها: اختاري تطليقة فقالت: قد اخترتها، أيكون ثلاثا أم واحدة في قول مالك، أو قالت قد اخترت نفسي؟ قال: سمعت مالكا يقول إذا قال لها اختاري في تطليقة: إنه ليس لها أكثر من تطليقة واحدة. قلت: ويملك رجعتها أم تكون بائنا؟ قال: بل يملك رجعتها. قلت: وكذلك لو ملكها أمرها فطلقت نفسها واحدة أنه يملك رجعتها؟ قال: قال مالك: نعم يملك رجعتها قلت: أرأيت الذي يقول لامرأته اختاري، فقالت قد اخترت تطليقتين؟ قال: قال مالك: لا شيء لها إلا أن تطلق نفسها ثلاثا؛ لأن الخيار عند مالك ثلاث، فإذا اختارت غير ما جعل لها الزوج فلا يقع ذلك عليها. قلت: وكذلك إذا قال لها اختاري تطليقتين، فاختارت واحدة؟ قال: لا يقع عليها شيء في رأيي. قلت: أرأيت إن قال لها طلقي نفسك ثلاثا، فقالت قد طلقت نفسي واحدة؟ قال: لا يقع عليها شيء. قلت: أرأيت إن قال لها اختاري، فقالت قد خليت سبيلك وهي مدخول بها وأرادت بقولها قد خليت سبيلك واحدة؟ قال: لا يقع عليها من الطلاق شيء؛ لأن مالكا قال في الذي يخير امرأته وهي مدخول بها فتقضي واحدة: إنه لا يقع عليها شيء؛ لأنه إنما خيرها في الثلاث ولم يخيرها في الواحدة ولا في الاثنتين.
قلت: أرأيت إن قال لها اختاري اليوم كله فمضى ذلك اليوم ولم تختر؟ قال: أرى

أنه ليس لها أن تختار إذا مضى ذلك اليوم كله؛ لأن مالكا قال في قوله الأول إن خيرها فلم تختر حتى تفرقا من مجلسهما فلا خيار لها، فكذلك مسألتك إذا مضى الوقت الذي جعل لها الخيار إليه فلا خيار لها، وأما قوله الآخر فإن لها الخيار وإن مضى ذلك الوقت؛ لأن مالكا قال لي في الرجل يخير امرأته فيفترقان قبل أن تقضي: إن لها أن تقضي حتى يوقف أو حتى يجامعها، وقوله الأول أعجب إلي وأنا آخذ به وهو الذي عليه جماعة الناس قلت: أرأيت إن قال لها إذا جاء غد فقد جعلت لك الخيار؟ قال: توقف الساعة كذلك، قال مالك: فتقضي أو ترد، فإن وطئها قبل غد فلا شيء بيدها قلت: أرأيت إن قال لها: يوم أتزوجك فاختاري، فتزوجها أيكون لها أن تختار؟ قال: نعم يكون لها الخيار. قلت: أرأيت إن قال لها كلما تزوجتك فلك الخيار، أيكون لها أن تختار كلما تزوجها؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال في رجل قال لامرأته: أنت طالق كلما تزوجتك، قال مالك: كلما تزوجها وقع الطلاق. قلت: ويقع على هذه الطلاق بعد ثلاث تطليقات؟ قال: نعم؛ لأنه قال كلما تزوجتك.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته إذا قدم فلان فاختاري؟ قال: قال مالك: وبلغني عنه ولم أسمعه منه أنه قال: في رجل قال لامرأته إذا قدم فلان فأنت طالق، إنها لا تطلق حتى يقدم فلان، فإن قدم وقع الطلاق فإن لم يقدم فلان لم يقع الطلاق عليه فمسألتك في الخيار مثل هذا. قلت: ولا يحال بينه وبين وطئها في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قدم فلان ولم تعلم المرأة بقدومه إلا بعد زمان وقد كان زوجها يطؤها بعد قدوم فلان؟ قال: لها الخيار إذا لم تعلم بقدوم فلان حين قدم فلان، ولا يكون جماع زوجها إياها قطعا لما كان لها من الخيار إذ لم تعلم بقدوم فلان قلت: أرأيت لو أن رجلا خير امرأته فلما خيرها خاف أن تختار نفسها فقال لها خذي مني ألف درهم على أن تختاريني فقالت قد فعلت فاختارت زوجها على تلك الألف الدرهم، أيلزم الزوج تلك الألف الدرهم أم لا؟ قال: يلزم الزوج الألف؛ لأن من تزوج امرأة وشرط لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرر عليها فإن فعل فأمرها بيدها، ففعل فأرادت أن تطلق نفسها فقال لها زوجها لا تفعلي ولك ألف درهم فرضيت بذلك، إن ذلك لازم للزوج؛ لأنها تركت له شرطها بهذه الألف فكذلك مسألتك قلت: أرأيت إن قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي إن دخلت علي ضارتي، أيكون هذا قطعا لخيارها أم لا؟، قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكنها توقف فتختار أو تترك.
قلت: أرأيت إن قال لها وهي مدخول بها اختاري، فقالت قد خليت سبيلك ولا نية لها؟ قال: هي ثلاث ألبتة وذلك أني جعلتها ههنا بمنزلة الزوج أن لو كان قال لها

ابتداء منه قد خليت سبيلك ولا نية له أنها ثلاث ألبتة وهذا قول مالك. قلت: أرأيت المرأة التي لم يدخل بها زوجها إذا خيرها زوجها فقال لها اختاري فقالت قد اخترت نفسي، فقال الزوج لم أرد إلا واحدة، وقالت المرأة قد اخترت نفسي فأنا طالق ثلاثا؟ قال: قال مالك في هذا: إنها واحدة والقول فيها في الخيار قول الزوج؛ لأن الزوج لم يبن بها والواحدة تبينها فلما كانت الواحدة تبينها كان الخيار والتمليك في هذه التي لم يدخل بها سواء إذا ناكرها في الخيار ونوى حين خيرها واحدة، وإن لم ينو شيئا حين خيرها فهي ثلاث ألبتة في التمليك وفي الخيار، وكذلك قال مالك في الذي يملك امرأته أمرها ولا نية له في واحدة ولا في اثنتين ولا في ثلاثة فطلقت نفسها ثلاثا فناكرها: إنها طالق ثلاثا ولا تنفعه مناكرته إياها؛ لأنه لم يكن له نية في واحدة ولا في اثنتين حين ملكها. قلت: والمدخول بها وغير المدخول بها إذا ملكها أمرها ولا نية له فطلقت نفسها ثلاثا لم يكن له أن يناكرها؟ قال: سمعت مالكا يقول ذلك إذا ملكها أمرها ولا نية له فالقضاء ما قضت وليس له أن يناكرها ولم أسأله عن التي دخل بها والتي لم يدخل بها وهما عندي سواء وليس له أن يناكرها دخل بهما أو لم يدخل. قلت: أرأيت إذا خيرها قبل البناء بها ولا نية له في واحدة ولا في اثنتين ولا في ثلاث فاختارت نفسها أو طلقت نفسها ثلاثا، لم يكن له أن يناكرها؟ قال: قال مالك: إذا خير الرجل امرأته ولا نية له حين خيرها وذلك قبل البناء بها: إنها إن طلقت ثلاثا أو اختارت نفسها فليس للزوج أن يناكرها، فكذلك التمليك عندي في التي لم يدخل بها قال: وقال مالك: ألا ترى إلى حديث ابن عمر، قال: القضاء ما قضت إلا أن ينوي فيحلف على ما نوى، ألا ترى أنه إذا كانت له نية كان ذلك له ويحلف على ذلك في التمليك، وإذا لم يكن له نية كان التمليك والخيار سواء، وليس له أن يناكرها إذا قضت، والتي لم يدخل بها له أن يناكرها في الخيار إذا خيرها إذا كانت نيته حين خيرها في واحدة واثنتين.
قلت: أرأيت إن قال لها: اختاري وهي غير مدخول بها فقالت قد خليت سبيلك؟ قال: تسأل عن نيتها ما أرادت بقولها قد خليت سبيلك، فإن أرادت الثلاث فهي الثلاث إلا أن يناكرها؛ لأنها غير مدخول بها؛ لأن مالكا قال في الذي يخير امرأته قبل الدخول بها فتقضي بالبتات: إن له أن يناكرها، وإن خيرها ولا نية له فقالت قد خليت سبيلك وهي غير مدخول بها قال: هي ثلاث؛ لأن الزوج قد جعل إليها ما كان في يديه من ذلك حين خيرها، ولا نية له فلما قالت قد خليت سبيلك كانت بمنزلة أن لو ابتدأ ذلك زوجها من غير أن يملكها فقال لها وهي غير مدخول بها قد خليت سبيلك ولا نية له أنها ثلاث فهذا يدلك على مسألتك. قلت: أرأيت إن، قال لها أنت طالق إن شئت أو اختاري أو أمرك بيدك، أيكون ذلك لها

إن قامت من مجلسها في قول مالك أم لا؟ قال: كان مالك مرة يقول ذلك لها ما دامت في مجلسهما، فإن تفرقا فلا شيء لها، قال: فقيل لمالك فلو أن رجلا قال لامرأته أمرك بيدك ثم وثب فارا يريد أن يقطع بذلك عنها ما جعل لها من التمليك؟ قال: لا يقطع ذلك عنها الذي جعل لها من التمليك، فقيل لمالك: ما حده عندك؟ قال: إذا قعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله، وأن فراره منها لم يرد بذلك فرارا إلا أنه قام على وجه ما يقام له فلا خيار للمرأة بعد ذلك، فكان هذا قوله قديما ثم رجع فقال: أرى ذلك بيدها حتى توقف، قال: فقيل لمالك: كأنك رأيته مثل التي تقول قد قبلت وتفرقا ولم تقض شيئا؟ قال: نعم، ذلك في يديها إن قالت في مجلسها ذلك قد قبلت أو لم تقل قد قبلت فذلك في يديها حتى توقف أو توطأ قبل أن تقضي، فلا شيء لها بعد ذلك بقوله اختاري، إن ذلك لها في قول مالك مثل ما يكون له في قوله لها أمرك بيدك، وكذلك قال مالك في الخيار وأمرك بيدك أنه سواء في الذي يجعل منه إلى المرأة، وقوله الأول أحب إلي إذا تفرقا فلا شيء لها وهو الذي عليه جماعة الناس.
قال ابن القاسم: وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شئت إن ذلك في يديها وإن قامت من مجلسها ولم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن تمكنه من نفسها قبل أن تقضي، وأرى أن توقف فإما أن تقضي وإما أن تبطل ما كان في يديها من ذلك، وإنما قلت ذلك لأنه حين قال لها أنت طالق إن شئت كأنه تفويض فوضه إليها قلت: أرأيت إذا خير الرجل امرأته حتى متى يكون لها أن تقضي في قول مالك؟ قال: يكون لها أن تقضي في مثل ما أخبرتك في التمليك إلى أن يفترقا، فإن تفرقا فلا شيء لها بعد ذلك. قلت: أرأيت إن قال لها اختاري فقالت قد اخترت نفسي، فقال: إني لم أرد الطلاق وإنما أردت أن تختاري أي ثوب أشتريه لك من السوق؟ قال: هل كان كلام قبل ذلك يدل على قول الزوج؟ قلت: لا، قال: فهي طالق ثلاثا؛ لأن مالكا قال في رجل يقول لامرأته أنت منى برية، ولا يكون قبل ذلك كلام كان هذا القول من الزوج جوابا لذلك الكلام - إنها طالق ثلاثا، ولا يدين الزوج في ذلك فكذلك مسألتك.
قلت: أرأيت إن خير رجل امرأته فقالت قد طلقت نفسي، أتكون واحدة أم ثلاثا في قول مالك؟ قال: تسأل المرأة عما طلقت نفسها أواحدة أم ثلاثا، فإن قالت إنما طلقت نفسي واحدة أتكون واحدة أم لا تكون شيئا؟ قال: لم يكن ذلك شيئا في قول مالك. قلت: وكذلك إن قالت طلقت نفسي اثنتين لا يكون ذلك طلاقا؟ قال: نعم، لا يكون ذلك طلاقا في قول مالك. قلت: فإن قالت أردت بقولي طلقت نفسي ثلاثا،

أيكون القول قولها ولا تجوز مناكرة الزوج إياها في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن قال لها اختاري ولم يقل نفسك، أو قال لها اختاري نفسك، فقضت بالوجهين جميعا أهما سواء في قول مالك أم لا؟ قال: أما في قوله لها اختاري نفسك فقد أخبرتك بقول مالك إن كان قبل ذلك كلام يكون قول الزوج: اختاري جوابا لذلك، فالقول قول الزوج وإلا فالقضاء ما قضت المرأة. قلت: فإن قال لها اختاري نفسك، وقد كان قبل ذلك كلام يعلم أن قول الزوج اختاري نفسك جواب لذلك الكلام، أيدين الزوج في ذلك أم لا؟ قال: نعم يدين قلت: أرأيت إن قال لها اختاري نفسك فقالت قد قبلت أو قالت قد قبلت أمري أو قالت قد رضيت أو قالت قد شئت؟ قال: قال مالك في الذي يقول لامرأته اختاري فقالت قد قبلت أمري أو قالت قد قبلت ولم تقل أمري: إنها تسأل عن ذلك، فيكون القول قولها إنها طلقت نفسها ثلاثا أو واحدة أو اثنتين، فإن كانت واحدة أو اثنتين فلا يقع عليها شيء، وإن أرادت بذلك ثلاثا فهي ثلاث وسألت مالكا عن هذا غير مرة فقال مثل ما أخبرتك في قولها قد قبلت ولم تقل أمري أو قالت قد قبلت أمري، قال: وكذلك قال لي مالك في الذي يقول لامرأته اختاري فتقول قد اخترت، ولا تقول أمري أو قد اخترت أمري إنها تسأل عما أرادت، فإن قالت لم أرد الطلاق كان القول قولها، وإن قالت أردت واحدة أو اثنتين لم يكن ذلك شيئا، وإن قالت أردت ثلاثا فالقول قولها وليس للزوج أن يناكرها.
قال ابن القاسم: وكل شيء يكون من قبل المرأة لا يستدل به على البتات إلا بقولها؛ لأن له وجوها في تصاريف الكلام، فتلك التي تسأل عما أرادت بذلك القول، قال لي مالك: فالتمليك بهذه المنزلة إلا أن يناكرها فيه إذا قضت بالبتات، ويحلف على نيته إن كانت له نية، فإن لم تكن له نية حين ملكها ثم ندم وأراد أن يناكرها حين قضت بالثلاث، فليس له أن يناكرها لأني سألت مالكا عن الرجل يقول لامرأته أمرك بيدك، فتقول قد طلقت نفسي ألبتة ويناكرها، فيقال له أنويت شيئا فيقول لا ولكن أريد أن أناكرها الآن، قال ليس ذلك له إلا أن يكون نوى حين ملكها في كلامه الذي ملكها، ألا ترى أن ابن عمر قال: القضاء ما قضت إلا أن يناكرها فيحلف على ما نوى فهذا في قول ابن عمر له نيته.
قلت: فيم تكون به المرأة بائنة من زوجها إذا خيرها فقضت بأي كلام تكون بائنة ولا تسأل عما أرادت؟ قال: قال مالك: إذا قالت: قد اخترت نفسي أو قد قبلت نفسي أو قد طلقت نفسي ثلاثا أو قد بنت منك أو قد حرمت عليك أو قد برئت منك أو قد بنت منك، فهذا كله في الخيار والتمليك سواء، قال مالك: لا تسأل المرأة عن نيتها وهو

البتات إلا أن للزوج أن يناكرها في التمليك بحال ما وصفت لك. قلت: أرأيت في هذا كله إذا خيرها فقالت لزوجها قد طلقتك ثلاثا أو قد بنت مني أو قد حرمت علي أو قالت قد برئت مني أو نحو هذا؟ قال: هذا كله في قول مالك ثلاث ثلاث. قلت: أرأيت إن، قال اختاري نفسك، فقالت قد فعلت، أتسألها عن نيتها في قول مالك ما أرادت بقولها قد فعلت والزوج قد قال لها اختاري نفسك؟ قال: نعم في قول مالك إنها تسأل عن نيتها وسواء إن قال لها ههنا اختاري أو اختاري نفسك، فقالت: قد فعلت فإنها تسأل عما أرادت بقولها قد فعلت.
قلت: أرأيت إذا قال الزوج لامرأته اختاري أباك أو أمك؟ قال: سئل مالك عن رجل كانت له امرأة تكثر عليه مما تستأذنه إلى الحمام أو الخروج إلى الحمام، وأخرى كانت في سفل لزوجها فكانت تخرج منه إلى غرفة في الدار لجيران لها تغزل فيها، فقال أحد الزوجين لامرأته إما أن تختاريني وإما أن تختاري الحمام وقال الآخر إما أن تختاريني وإما أن تختاري الغرفة، فإنك قد أكثرت علي؟ قال: قال مالك: إن لم يكن أراد بذلك طلاقا فلا أرى عليه طلاقا، فالذي سألت عنه في الذي قال اختاري أباك أو أمك، قال مالك: إن أراد به الطلاق فهو الطلاق وإن لم يرد به الطلاق فلا شيء عليه، قال ابن القاسم: ومعنى قوله إن أراد به الطلاق فهو طلاق إنما يكون طلاقا إن اختارت الشيء الذي خيرها فيه بمنزلة ما لو خيرها نفسها فإن لم تختر فلا شيء لها، قال: وسئل مالك عن رجل قال لامرأته قد أكثرت الذهاب إلى الحمام، فاختاري الحمام أو اختاريني، فقالت قد اخترت الحمام؟ قال: قال مالك: يسأل الرجل عن نيته، فإن أراد طلاقا فهو طلاق، وإن لم يرد الطلاق فلا شيء عليه. قلت: أرأيت إن قال رجل لرجل خير امرأتي وامرأته تسمع، فقالت المرأة قد اخترت نفسي قبل أن يقول لها الرجل اختاري؟ قال: القضاء ما قضت إلا أن يكون الزوج إنما أراد أن يجعل ذلك إلى هذا الرجل، يقول خيرها إن شئت أو يكون قبل ذلك كلام يستدل به على الزوج إنما أراد بهذا أن يجعل ذلك إلى ذلك الرجل إن أحب أن يخيرها خيرها، وإلا فلا خيار للمرأة، فإن كان كلام يستدل به على هذا فلا خيار للمرأة إلا أن يخيرها الرجل، وإن كان إنما أرسله رسولا فإنما هو بمنزلة رجل قال لرجل أعلم امرأتي أني قد خيرتها، فعلمت بذلك فاختارت فالقضاء ما قضت. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: لا، وهو رأيي، قال سحنون: أخبرني ابن وهب عن موسى بن علي ويونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأذني

أبويك", قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت: ثم تلا هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} [الأحزاب: 28،29] قالت: فقلت ففي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت1، فلم يكن ذلك حين قاله لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه طلاقا من أجل أنهن اخترنه}، قال: قال مالك: قال ابن شهاب قد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه حين أمره الله بذلك، فاخترنه فلم يكن تخييره طلاقا، قال: وذكر ابن وهب عن زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وابن مسعود وعائشة وابن شهاب وربيعة وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح كلهم يقول إذا اختارت نفسها فليس بشيء.
قال: وأخبرني ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقررن تحته واخترن الله ورسوله، فلم يكن ذلك طلاقا، واختارت واحدة منهن نفسها فذهبت، قال ربيعة: فكانت ألبتة قلت: أرأيت إن قال رجل في المسجد لرجال اشهدوا أني قد خيرت امرأتي، ثم مضى إلى البيت فوطئها قبل أن تعلم أيكون لها أن تقضي إذا علمت وقد وطئها؟ قال: نعم، لها أن تقضي إذا علمت ويعاقب فيما فعل من وطئه إياها قبل أن يعلمها؛ لأن مالكا قال في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها فتزوج أو تسرر وهي لا تعلم، قال: قال مالك: لا ينبغي له أن يطأها حتى يعلمها فتقضي أو تترك، قال ابن القاسم: وأرى إن وطئ قبل أن تعلم كان ذلك بيدها إذا علمت تقضي أو تترك. قال: وقال مالك: وكذلك الأمة تحت العبد إذا أعتقت فتوطأ قبل أن تعلم فإن لها الخيار إذا علمت، ولا يقطع وطؤه خيارها إلا أن يطأها بعد علمها.
قلت: ويحول مالك بين وطء العبد والأمة إذا أعتقت وهي تحته حتى تختار أو تترك؟ قال: نعم، قال مالك: لها أن تمنعه حتى تختار وتستشير، فإن أمكنته بعد العلم فلا خيار لها، قال سحنون: حدثني ابن وهب عن عبد الجبار عن ابن شهاب أن امرأة منهن اختارت نفسها فذهبت وكانت بدوية. قال: وقال ابن وهب سمعت يحيى بن عبد الله بن سالم يحدث عن ربيعة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خير أزواجه اختارت امرأة منهن نفسها فكانت ألبتة, قال: وحدثني ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد ويزيد بن أبي حبيب وسعيد بن أبي هلال عن عمرو بن شعيب بنحو ذلك، قال: واختارت الرجعة إلى أهلها وهي ابنة الضحاك العامري. قال: وقال ابن وهب أخبرني رجال من
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب المظالم باب 25. كتاب تفسير سورة 33 باب 4، 5. الترمذي في كتاب تفسير سورة 33 باب 6. النسائي في كتاب النكاح باب 2،26، 31. 34، 36. ابن ماجه في كتاب الطلاق باب 20. أحمد في مسنده"3/368" "6/103، 163، 248".

أهل العلم عن زيد بن ثابت وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهما قالا إن اختارت نفسها فهي البتة، قال: قال ربيعة لم يبلغنا أثبت من أنها لا تقضي إلا في البتة أو الإقامة على غير تطليقة ليس بين أن تفارق أو تقيم بغير طلاق شيء، قال: وأخبرني ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب إن قال اختاري ثم قال: قد رجعت في أمري وقال ذلك قبل أن تثبت طلاقها وقبل أن يفترقا وقبل أن يتكلم بشيء فقال ليس ذلك إليه ولا له حتى تبين هي، قال: فإن ملك ذلك غيرها بتلك المنزلة وقال الليث مثل قول ربيعة ومالك في الخيار.
قلت: أرأيت إذا قال أمرك بيدك، فطلقت نفسها واحدة، أيملك الزوج الرجعة في قول مالك؟ قال: نعم، إلا أن يكون معه فداء، فإن كان معه فداء فالطلاق بائن قلت: أرأيت إذا، قال رجل لامرأته أمرك بيدك، فقالت قد اخترت نفسي؟ قال: فهي ثلاث تطليقات إلا أن يرد عليها مكانه فيحلف أنه لم يرد إلا ما قال واحدة أو اثنتين. قلت: فأي شيء تجعل هذا، تمليكا أو خيارا؟ قال: هذا تمليك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكيف تجعله تمليكا وأنت تجعلها حين قالت قد اخترت نفسي طالقا ثلاثا. وهي إذا ملكها الزوج فطلقت نفسها واحدة كانت واحدة؟ قال: ألا ترى إذا ملكها الزوج أمرها فطلقت نفسها أو قالت قد قبلت أمري أو قالت قد قبلت ولم تقل أمري قيل لها ما أردت بقولك قد قبلت أو قد طلقت نفسي أواحدة أم ثلاثا أم اثنتين، فإن قالت أردت واحدة أو اثنتين أو ثلاثا كان القول قولها إلا أن يناكرها الزوج. قلت: فإن جهلوا أن يسألوها في مجلسهم ذلك عن نيتها، ثم سألوها بعد ذلك بيوم أو أكثر من ذلك عن نيتها، فقالت: نويت ثلاثا، أيكون للزوج أن يناكرها ذلك عند قولها ويقول ما ملكت إلا واحدة؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن ملكها أمرها فقالت قد قبلت نفسي؟ قال: قال لي مالك هي الثلاث ألبتة إلا أن يناكرها الزوج، قال مالك: فتقع تطليقة واحدة ويكون الزوج أملك بها.
قلت: أرأيت إن قال لها أمرك بيدك في أن تطلقي نفسك ثلاثا، فطلقت نفسها تطليقة؟ قال: لا يجوز لها ذلك؛ لأن مالكا قال إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة إن ذلك غير جائز. قلت: وما فرق بين هذا وبين قوله أمرك بيدك، ونوى الزوج ثلاثا فطلقت نفسها واحدة إن ذلك لازم للزوج؟ قال: لأن الذي ملك امرأته إنما ملكها في الواحدة والاثنتين والثلاث، فلها أن تقضي في واحدة وفي اثنتين وفي ثلاث إلا أن يناكرها إذا كانت له نية حين ملكها فيحلف، وليس الذي قال لها طلقي نفسك ثلاثا بهذه المنزلة؛ لأن الذي قال لامرأته طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة لم يملكها في

الواحدة وإنما ملكها في الثلاث فقط، فلا يكون لها أن تقضي في الواحدة؛ لأنها لم تملك في الواحدة وإنما ملكت الثلاث. قلت: أرأيت إن ملكها أمرها في التطليقتين فقضت بتطليقة، قال: تلزمه تطليقة إلا أن يكون قال لها قد ملكتك في تطليقتين يريد بذلك أن طلقي تطليقتين أو كفي ولم يملكها في الواحدة قلت: أرأيت إن قال لها أمرك بيدك يريد تطليقة، ثم قال لها أمرك بيدك يريد تطليقة أخرى، ثم قال لها أمرك بيدك يريد تطليقة أخرى، فقالت المرأة قد طلقت نفسي واحدة؟ قال: هي واحدة؛ لأن مالكا، قال في الرجل يملك امرأته وينوي ثلاث تطليقات أو لا تكون له نية حين ملكها فقضت بتطليقة أنها تطليقة ولا تكون ثلاثا، ويكون الزوج أملك بها وكذلك مسألتك قلت: أرأيت إن ملكها الزوج ولا نية له فقالت قد حرمت نفسي أو بتت نفسي؟ قال: قال مالك: هي ثلاث.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: أمرك بيدك ثم قال لها أيضا أمرك بيدك - قبل أن تقضي شيئا - على ألف درهم، فقالت المرأة قد ملكتني أمري بغير شيء فأنا أقضي فيما ملكتني أولا، ولا يكون لك علي إن قضيت من الألف شيء؟ قال: القول قولها وقول الزوج قد ملكتك على ألف درهم بعد قوله قد ملكتك باطل؛ لأن هذا ندم منه؛ لأن مالكا قال في رجل قال لامرأته إن أذنت لك أن تذهبي إلى أمك فأنت طالق ألبتة، ثم قال بعد ذلك أترين أني أحنث إن أذنت لك أن تذهبي إلى أمك إلا أن يقضي به علي سلطان، فأنت طالق ثلاثا، قال مالك: قد لزمته اليمين الأولى، وقوله إلا أن يقضي به علي سلطان في اليمين الثانية ندم منه، واليمين الأولى له لازمة فكذلك مسألتك في التمليك قلت: أرأيت لو ملكها فطلقت نفسها ثلاثا، فناكرها، أتكون طالقا تطليقة؟ قال: نعم، كذلك قال مالك قال: وقال مالك في رجل قال لامرأته قد ملكتك أمرك فقالت قد اخترت نفسي فناكرها أيكون قولها قد اخترت نفسي واحدة في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك قلت: أرأيت إذا ملك الرجل امرأته قبل أن يدخل بها، ولا نية له، فطلقت نفسها واحدة ثم طلقت نفسها أخرى ثم طلقت نفسها أخرى، أيكون ذلك لها أو تبين بالأولى ولا يقع عليها من الاثنتين شيء في قول مالك؟ قال: إذا كان ذلك نسقا متتابعا فإن ذلك يلزم الزوج؛ لأن مالكا قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل البناء بها فقال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وكل ذلك نسقا متتابعا فإن كل ذلك يلزمه ثلاث تطليقات إلا أن يقول إنما نويت واحدة، فكذلك هي إلا أن تقول إنما أردت واحدة.
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته قد ملكتك أمرك وهي غير مدخول بها، فقالت

قد خليت سبيلك؟ قال: أرى أن تسأل عن نيتها، فإن نوت واحدة بقولها قد خليت سبيلك فهي واحدة وإن أرادت بقولها قد خليت سبيلك اثنتين أو ثلاثا فالقول قولها، إلا أن يناكرها إذا كانت له نية فيحلف؛ لأن مالكا قال في الذي يقول لامرأته قد خليت سبيلك: إنه يسأل عما نوى بقوله قد خليت سبيلك فإن لم تكن له نية فهي ثلاث، فهي حين قالت إذا ملكها قد خليت سبيلك يصير قولها في ذلك بمنزلة قول الزوج إذا قال قد خليت سبيلك ابتداء منه قلت: أرأيت امرأة مدخولا بها، قال لها زوجها قد ملكتك أمرك فقالت قد خليت سبيلك؟ قال: قال مالك في الرجل يقول لامرأته قد خليت سبيلك: إنه ينوي ما أراد، فيكون القول قوله، قال فقلت لمالك: فإن لم تكن له نية، قال: فهي البتة؛ لأن المدخول بها لا تبين بواحدة، وكذلك إذا ملكها أمرها فقالت قد خليت سبيلك إنها توقف، فإن قالت أردت واحدة فذلك لها وإن قالت: أردت ألبتة فناكرها على نية ادعاها كان ذلك له وكان أحق بها، وإن قالت لم أنو بقولي قد خليت سبيلك شيئا كان البتات إذ لم تكن للزوج نية حين ملكها، فإن كان له نية كان قولها قد خليت سبيلك على ما نوى الزوج من الطلاق إذا حلف على نيته قلت: أرأيت إن ملك رجل رجلين أمر امرأته فطلق أحدهما ولم يطلق الآخر؟ قال: لم أسمع هذا من مالك، ولكني أرى إن كان إنما ملكها فقضى أحدهما فلا يجوز على الزوج قضاء أحدهما وإن كانا رسولين فطلق أحدهما فذلك جائز على الزوج، قال: وإنما مثل ذلك إذا جعل أمرها بيد رجلين مثل ما لو أن رجلا أمر رجلين يشتريان له سلعة أو يبيعانها له فباع أحدهما أو اشترى له أحدهما، إن ذلك غير لازم للموكل في قول مالك، فكذلك إن ملكهما أمر امرأته.
قلت: أرأيت إن قال رجل لرجلين أمر امرأتي في أيديكما، فطلق أحدهما ولم يطلق الآخر؟ قال: أرى أن الطلاق لا يقع إلا أن يطلقاها جميعا، قال ابن وهب: قال مالك: في الرجل يجعل أمر امرأته بيد رجلين فيطلق أحدهما إنه لا طلاق عليه حتى يطلقاها جميعا، قال سحنون: قال ابن وهب: قال مثل قول مالك عطاء بن أبي رباح قلت: أرأيت لو أن رجلا حرا على أمة ملكها أمرها ولا نية له أو ينوي الثلاث فقضت بالثلاث؟ قال: تطلق ثلاثا؛ لأن طلاق الحر الأمة ثلاث ولو كان عبدا لزمته تطليقتان؛ لأن ذلك جميع طلاقه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت لو قال لها حياك الله وهو يريد بذلك التمليك، أيكون ذلك تمليكا أو قال لها لأمر حبا بك يريد بذلك الإيلاء أيكون بذلك موليا أم لا أو أراد به الظهار، أيكون بذلك مظاهرا أم لا وهل تحفظه عن مالك؟ قال: قال مالك: كل كلام نوى به الطلاق إنها بذلك طالق. قلت: ويكون هذا والطلاق سواء؟ قال: نعم، قال ابن وهب وأخبرني الحارث بن نبهان عن منصور بن

المعتمر عن إبراهيم النخعي أنه قال: ما عنى به الطلاق من الكلام أو سماه فهو طلاق. قال: وأخبرني ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه أنه قال: كل شيء أريد به الطلاق فهو طلاق قلت: لابن القاسم: أرأيت إذا قال الزوج لامرأته طلقي نفسك، فطلقت نفسها ثلاثا، فقال الزوج إنما أردت واحدة؟ قال: سمعت مالكا يقول في المرأة يقول لها زوجها طلاقك في يدك فتطلق نفسها ثلاثا فيقول الزوج إنما أردت واحدة، قال مالك: ذلك بمنزلة التمليك، القول قول الزوج إذا رد عليها، وعليه اليمين.
قلت: أرأيت إن قال لها طلقي نفسك، فقالت قد اخترت نفسي، أيكون هذا البتات أم لا؟ قال: إذا لم يناكرها فهو البتات. قلت: وكذلك لو قال لها طلقي نفسك فقالت قد حرمت نفسي أو أبنت نفسي أو برأت نفسي منك أو أنا بائتة منك أنها ثلاث إن لم يناكرها الزوج في مجلسها، وذلك أن مالكا قال لي في الرجل يقول لامرأته طلاقك في يدك فتقضي بالبتات فيناكرها؟ قال مالك: هذا عندي مثل التمليك، له أن يناكرها، وإلا فالقضاء ما قضت ويحلف على نيته مثل التمليك ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا ملك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت إلا أن ينكر عليها فيقول لم أرد إلا تطليقة واحدة، ويحلف على ذلك فيكون أملك بها في عدتها1. ابن وهب عن مالك والليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من ثقيف ملك امرأته نفسها فقالت: قد فارقتك، فسكت ثم قالت: قد فارقتك فقال بفيك الحجر، ثم قالت قد فارقتك، فقال بفيك الحجر فاختصما إلى مروان فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه، قال مالك: قال عبد الرحمن فكان القاسم بن محمد يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك2 وقال مثله عبد الله بن عمرو بن العاص والليث بن سعد.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 11.
2رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 13 بلفظ" أنت الطلاق"بدل" قد فارقتك".

في التمليك إذا شاءت المرأة أو كلما شاءت
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت قد شئت واحدة؟ فقال: لا يقع عليها شيء من الطلاق عند مالك؛ لأن مالكا قال في امرأة خيرها زوجها فقالت قد اخترت تطليقة: إن ذلك ليس بشيء ولا يقع عليها تطليقة. قلت: أرأيت أن لو قال لها أنت طالق واحدة إن شئت فقالت قد شئت ثلاثا؟ قال: أراها واحدة؛ لأن مالكا قال في رجل ملك امرأته أمرها فقضت بالثلاث فقال: إنما أردت واحدة إنها واحدة، فكذلك مسألتك هذه قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق كلما شئت؟ قال: قول مالك: إن لها أن

تقضي مرة بعد مرة ما لم يجامعها أو توقف، فإن جامعها أو وقفت فلا قضاء لها بعد ذلك وإنما يكون لها أن تقضي قبل أن يجامعها. قلت: أرأيت إن قال لها الزوج أنت طالق كلما شئت، فردت ذلك، أيكون لها أن تقضي بعد ما ردت؟ قال: إذا تركت ذلك فليس لها أن تقضي بعد ذلك في قول مالك؛ لأن مالكا قال في امرأة قال لها زوجها أمرك بيدك إلى سنة فتركت ذلك إنه لا قضاء لها بعد ذلك.
قلت: وتركها ذلك عند السلطان أو عند غير السلطان سواء؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق غدا إن شئت، فقالت أنا طالق الساعة، أتكون طالقا الساعة أم لا في قول مالك؟ قال مالك: هي طالق الساعة. وقال مالك: من ملك امرأته إلى أجل فلها أن تقضي مكانها. قلت: فإن قال لها أنت طالق الساعة إن شئت، فقالت أنا طالق غدا؟ قال: هي طالق الساعة؛ لأن مالكا قال من ملك امرأته فقضت بالطلاق إلى أجل فهي طالق مكانها قلت: أرأيت إن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق، فردت ذلك أيكون ردها ردا؟ قال: لا، وهذه يمين في قول مالك، فمتى ما دخلت وقع الطلاق. قلت: وقوله أنت كلما شئت طالق، ليست هذه يمين في قول مالك؟ قال: نعم، ليس هذا بيمين إنما هذا من وجه التمليك وليس هذا بيمين في قول مالك.

جامع التمليك
قال ابن القاسم: قلت لمالك: أرأيت امرأة يقول لها زوجها أمرك بيدك، فتقول قد قبلت نفسي ثم تقول بعد ذلك إنما أردت واحدة أو اثنتين؟ قال: لا يقبل قولها إذا قالت قد قبلت نفسي، فهي البتات إذا لم يناكرها الزوج في ذلك المجلس وتكون به بائنة. قلت: أرأيت إن قال لها أمرك بيدك، ثم قال أنت طالق، فقضت هي بتطليقة أخرى أتلزمه التطليقتان أم واحدة؟ قال: تلزمه التطليقتان وإن قضت بالبتات فله أن يناكرها إن كانت له نية أنه ما ملكها إلا واحدة وتكون اثنتين؟. قلت: أرأيت إن ملكها أو خيرها ثم طلقها ثلاثا، ثم تزوجها بعد زوج، أيكون لها أن تقضي في قول مالك؟ قال: لا؛ لأن طلاق ذلك الملك الذي خيرها أو ملكها فيه قد ذهب كله. قلت: أرأيت إن ملكها أو خيرها، فلم تقض شيئا حتى طلقها الزوج تطليقة، فانقضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك؟ قال: لا يكون لها أن تقضي؛ لأن الملك الذي ملكها فيه قد انقضى، وهذا ملك مستأنف. قلت: ولم وقد بقي من طلاق ذلك الملك الذي ملكها فيه أو خيرها تطليقتان؟ قال: لا يكون لها أن تقضي؛ لأن هذا ملك مستأنف.

قلت: أرأيت إن خيرها فتطاول المجلس بهما يوما أو أكثر من ذلك أيكون لها أن تقضي في قول مالك الأول أم لا؟ قال: قال مالك وسئل عن ذلك عن طول المجلس إذا ملك امرأته وخيرها ما حد ذلك إذا؟ قال: ما داما في مجلسهما فربما قال الرجل لامرأته مثل هذا ثم ينقطع ذلك عنهما أو يسكتان ويخرجان في الحديث إلى غير ذلك، ويطول ذلك حتى يكون ذلك جل النهار وهما في مجلسهما ما لم يفترقا؟ قال: قال مالك: أما ما كان هكذا من طول المجلس وذهاب عامة النهار فيه ويعلم أنهما قد تركا ذلك وقد خرجا مما كانا فيه إلى غيره ثم تريد أن تقضي فلا أرى لها قضاء، قال ابن القاسم: هذا الذي آخذ به وهو قول مالك الأول.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته أمرك بيدك، ثم قال بعد ذلك قد بدا لي، أيكون له ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: ليس له ذلك عند مالك. قلت: أرأيت إن قال لرجل أجنبي أمر امرأتي بيدك، ثم قال بعد ذلك قد بدا لي، أيكون له ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: ليس ذلك له عند مالك. قلت: أرأيت إن قاما من مجلسهما ذلك قبل أن تقضي المرأة شيئا أو يقضي هذا الأجنبي الذي جعل الزوج ذلك إليه، أيكون له أن يطلق أو لها بعد القيام من مجلسهما؟ قال: كان قول مالك الذي كان يفتي به أنها إذا قامت من مجلسها أو قام الذي جعل الزوج ذلك في يده من مجلسه، فلا شيء له بعد ذلك، ثم رجع مالك عن ذلك فقال: أرى ذلك له ما لم يوقفه السلطان أو توطأ، قال ابن القاسم: وقوله الأول أعجب إلي وبه آخذ وعليه جل أهل العلم.
قلت: أرأيت إن جعل أمر امرأته بيد أجنبي فلم يقض شيئا حتى قام من مجلسه، أيحال بين الزوج وبين الوطء في قول مالك الآخر حتى يوقف هذا الرجل فيقضي؟ قال: إن كان هذا الرجل الذي جعل الزوج أمرها في يده قد خلى بينه وبينها وخلا بها، فإذا كان هذا هكذا كان قطعا لما كان في يد هذا الأجنبي من أمرها؛ لأنه أمكنه منها قلت: أرأيت الرجل يجعل أمر امرأته بيد رجل إذا شاء أن يطلقها طلقها؟ قال: إن لم يطلقها حتى يطأها الزوج فليس له أن يطلق بعد ذلك. قلت: أرأيت إن لم يطأها الزوج حتى مرض، فطلقها الرجل من بعد ما مرض الزوج، أيلزم الزوج الطلاق أم لا؟ قال: نعم. قلت: فهل ترثه؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال في الرجل يقول لامرأته وهو صحيح إن دخلت دار فلان فأنت طالق ألبتة، فتدخلها وهو مريض، قال مالك: ترثه، قال: فقلت لمالك إنما هي التي فعلت ذلك؟ قال: إذا وقع الطلاق وهو مريض ورثته، ألا ترى أن التي تفتدي من زوجها في مرضه أن لها الميراث، فكذلك هذا وهو قول مالك. قلت:

أرأيت إذا قال لها أمرك بيدك إن تزوجت عليك، ولم يشترطوا ذلك عليه إنما تبرع به من عند نفسه ولم يكن ذلك في أصل النكاح، فتزوج عليها فطلقت نفسها ألبتة، فقال الزوج إنما أردت مرة واحدة ولم أرد ثلاثا؟ قال مالك: ذلك له ويحلف، قال: ولا يشبه هذا الذي اشترطوا عليه ذلك في أصل النكاح. قلت: وما فرق ما بينهما في قول مالك؟ قال: لأن هذا تبرع به والآخر شرطوا عليه، فلا ينفعها إذا ما شرطوا لها؛ لأنها إن لم تقدر على أن تطلق نفسها إلا واحدة كان له أن يراجعها، والذي تبرع بذلك - من غير شرط - القول فيه قوله.
قلت: أرأيت إن قال لها أمرك بيدك إلى سنة، هل توقف حين قال لها أمرك بيدك إلى سنة مكانها أم لا يعرض لها؟ قال: قال مالك: نعم توقف متى علم بذلك، ولا تترك امرأة وأمرها بيدها حتى توقف، فإما أن تقضي وأما أن ترد، فكذلك مسألتك التي ذكرت حين قال لها إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق، أنها توقف فإما أن تقضي وإما أن ترد إلا أن يكون وطئها فلا توقف، ووطؤه إياها رد لما كان في يديها من ذلك، وأصل هذا إنما بني على أن من طلق إلى أجل فهي الساعة طالق، فكذلك إذا جعل أمرها بيدها إلى أجل أنها توقف الساعة فتقضي أو ترد إلا أن تمكنه من الوطء، فيكون ذلك ردا لما جعل إليها من ذلك؛ لأنه لا ينبغي للرجل أن يكون تحته امرأة يكون أمرها بيدها وإن ماتا توارثا، قال سحنون قال ابن وهب أخبرني الليث وابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن رجل من أهل حمص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ملك امرأته أمرها فلم تقبل نفسها فليس هو بشيء" 1 وقاله عبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وابن المسيب وعطاء بن رباح. قال: وقال ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما رجل ملك امرأته أو خيرها فتفرقا من قبل أن تحدث إليه شيئا فأمرها إلى زوجها ابن وهب عن المثنى عن عمرو بن شعيب وإن عثمان بن عفان قال ذلك في أم عبد الله بن مطيع، وقال مثل ذلك عمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد وعبد الله بن مسعود وربيعة وعطاء بن أبي رباح، قال يحيى بن سعيد إن من أمر الناس القديم عندنا الذي لم أر أحدا يختلف فيه على هذا.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث"16" عن يحي بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا ملك الرجل امرأته أمرها فلم تفارقه وقرّت عنده فليس ذلك بطلاق. قال مالك في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها ثم افترقا ولم تقبل من ذلك شيئا فليس بيدها من ذلك شيء وهو لها ما داما في مجلسهما.

باب الحرام
قلت: أرأيت الرجل إذا قال لامرأته أنت علي حرام، هل تسأله عن نيته أو عن شيء من الأشياء؟ قال: لا يسأل عن شيء عند مالك وهي ثلاث ألبتة إن كان قد دخل

بها. قلت: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي حرام، وقال لم أرد به الطلاق، إنما أردت بهذا القول الظهار؟ قال: سمعت مالكا يقول في الذي يقول لامرأته أنت طالق ألبتة، ثم زعم أنه إنما أراد بذلك واحدة، إن ذلك لا يقبل منه، قال مالك: وإنما يؤخذ الناس بما لفظت به ألسنتهم من أمر الطلاق، قال ابن القاسم: والحرام عند مالك طلاق فلا يدين في الحرام كما لا يدين في الطلاق، قال: وسمعت مالكا يقول في الذي يقول لامرأته برئت مني، ثم يقول لم أرد بذلك طلاقا، فقال: إن لم يكن كان بسبب أمر كلمته فيه فقال لها ذلك فأراها قد بانت منه إذا ابتدأها بهذا الكلام من غير سبب كلام كان قبله يدل على أنه لم يرد بذلك الطلاق، وإلا فهي طالق، فهذا يدلك على مسألتك في الحرام أنه لا نية له. قلت: ولو قال لامرأته برئت مني، ثم قال أردت بذلك الظهار، لم ينفعه قوله، أو بنت مني أو أنت خلية، ثم قال أردت بهذا الظهار لم ينفعه ذلك وكان طلاقا ههنا إلا أن يكون كان كلام قبله بحال ما وصفت لك في البرية. قلت: أرأيت إن قال لها أنت علي حرام، ينوي بذلك تطليقة أو تطليقتين، أيكون ذلك له في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان قد دخل بها فهي البتة وليس نيته بشيء، فإن لم يدخل بها فذلك له؛ لأن الواحدة والاثنتين تحرم التي لم يدخل بها والمدخول بها لا يحرمها إلا الثلاث
قلت: أرأيت إن قال كل حلال علي حرام؟ قال: قال مالك: تدخل امرأته في ذلك إلا أن يحاشيها بقلبه فيكون له ذلك، وينوي وإن قال لم أنوها ولم أردها في التحريم إلا أني تكلمت بالتحريم غير ذاكر لامرأتي ولا لشيء، قال مالك: أراها قد بانت منه.
قلت: أرأيت إن قال كل حل علي حرام، ينوي بذلك أهله وماله وأمهات أولاده وجواريه؟ قال: قال مالك: لا يكون عليه شيء في أمهات أولاده وجواريه ولا في مال قليل ولا كثير ولا كفارة يمين أيضا ولا تحريم في أمهات أولاده ولا جواريه ولا في لبس ثوب ولا طعام ولا غير ذلك من الأشياء إلا في امرأته وحدها، وهي حرام عليه إلا أن يحاشيها بقلبه أو بلسانه. قلت: أرأيت إذا قال لامرأته قد حرمتك علي أو قد حرمت نفسي عليك، أهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: إذا قال قد طلقتك أو أنا طالق منك إن هذا سواء وهي طالق. قلت: أرأيت إن قال قبل الدخول عليها أنت علي حرام؟ قال: هي ثلاث في قول مالك إلا أن يكون نوى واحدة أو اثنتين فيكون ذلك كما نوى؟ قال مالك: وكذلك الخلية والبرية والبتة في التي لم يدخل بها هي ثلاث، إلا أن يكون نوى واحدة أو اثنتين إلا ألبتة، فإن ألبتة للتي دخل بها والتي لم يدخل بها ثلاث ثلاث سواء لا ينوي في واحدة منهما، قال مالك: من قال ألبتة فقد رمى بالثلاث وإن لم يدخل بها.

قلت: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي حرام، ثم قال لم أرد بذلك الطلاق إنما أردت بذلك الكذب، أردت أن أخبرها أنها حرام وليست بحرام؟ قال: قد سئل مالك عما يشبه هذا، فلم يجعل له نية ولم أسمعه من مالك، إلا أنه أخبرني بعض من أثق به أن مالكا سئل عن رجل لاعب امرأته، وأنها أخذت بفرجه على وجه التلذذ، فقال لها خل، فقالت: لا، فقال: هو عليك حرام، وقال الرجل إنما أردت بذلك مثل ما يقول الرجل أحرم عليك أن تمسيه وقال لم أرد بذلك تحريم امرأتي، فوقف مالك فيها وتخوف أن يكون قد حنث فيما قال لي من أخبرني بهذا عنه، وقال هذا عندي أخف من الذي سألت عنه، فالذي سألت عنه عندي أشد وأبين أن لا ينوي؛ لأنه ابتدأ التحريم من قبل نفسه، وهذا الذي سئل مالك عنه، وقد كان له سبب ينوي به فقد وقف فيه، وقد رأى غير مالك من أهل العلم بالمدينة أن التحريم يلزمه بهذا القول، ولم أقل لك في صاحب الفرج إن ذلك يلزمه في رأيي، ولكن في مسألتك في التحريم أرى أن يلزمه التحريم ولا ينوي كما قال مالك في برئت مني إن لم يكن لذلك سبب كان هذا التحريم جوابا لذلك الكلام.
قلت: أرأيت إن قال كل حل علي حرام نوى بذلك اليمين؟ قال ابن القاسم: فيه يمين وإن أكل ولبس وشرب لم يكن عليه كفارة يمين، قال ابن القاسم: أخبرني مالك عن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1] قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أم إبراهيم جاريته: "والله لا أطؤك", ثم قال بعد ذلك" هي علي حرام"فأنزل الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} إن الذي حرمت ليس بحرام، قال {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} في قوله" والله لا أطؤها"أن كفر عن يمينك وطأ جاريتك وليس في التحريم كانت الكفارة, قال: وهذا تفسير هذه الآية، قال ابن وهب عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول في الحرام ثلاث تطليقات. قال عبد الجبار عن ربيعة عن علي بن أبي طالب مثله وقال أبو هريرة مثله وقال ربيعة مثله. قال: وقال عمر بن الخطاب إنه أتي بامرأة قد فارقها زوجها اثنتين ثم قال لها أنت علي حرام، فقال عمر: لا أردها إليك وقال ربيعة في رجل قال الحلال علي حرام، قال هي يمين إذا حلف أنه لم يرد امرأته ولو أفردها كانت طالقا ألبتة وقال ابن شهاب مثل قول ربيعة إلا أنه لم يجعل فيها يمينا، وقال ينكل على أيمان اللبس.

في البائنة والبتة والخلية والبرية والميتة والدم ولحم الخنزير والموهوبة والمردودة
قلت: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي كالميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير ولم ينو به الطلاق؟ قال: قال مالك: هي البتة وإن لم ينو به الطلاق. قلت: أرأيت إذا قال حبلك على غاربك؟ قال: قال مالك: قد قال عمر ما قد بلغك أنه قد نواه، قال مالك: ولا أرى أن ينوي أحد في حبلك على غاربك؛ لأن هذا لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئا. قلت: فإن كانت له نية أو لم تكن له نية هو عند مالك سواء ثلاث ألبتة؟ قال: نعم قلت: أرأيت إذا قال قد وهبتك لأهلك؟ قال: قال مالك: هي ثلاث ألبتة إن كان قد دخل بها. قلت: قبلها أهلها أو لم يقبلوها فهي ثلاث؟ قال: نعم، قبلوها أو لم يقبلوها فهي ثلاث، كذلك قال مالك قال: وقال مالك: في الذي يقول لامرأته قد رددتك إلى أهلك هي ثلاث إن كان دخل بها. قلت: أرأيت إن كان أراد بقوله ادخلي واخرجي والحقي واستتري، واحدة بائنة وقد دخل بها أتكون بائنة؟ قال: هي ثلاث لأن مالكا قال في الذي يقول لامرأته أنت طالق واحدة بائنة أنها ثلاث ألبتة. قلت: أرأيت إن قال لها أنا منك خلي أو بري أو بائن أو بات، أيكون هذا طلاقا في قول مالك أم لا، وكم يكون ذلك في قول مالك أواحدة أم ثلاث؟ قال: هي ثلاث في التي قد دخل بها، وينوي في التي لم يدخل بها، فإن أراد واحدة فواحدة وإن أراد اثنتين فثنتان وإن أراد ثلاثا فثلاث، وإن لم يرد شيئا، فثلاث ولا ينوي في التي قال لها: أنا منك بات دخل بها أو لم يدخل بها وهي ثلاث.
قلت: أرأيت إن قالت لزوجها قد والله ضقت من صحبتك فلوددت أن الله فرج لي منك، فقال لها أنت بائن أو خلية أو برية أو باتة، أو قال أنا منك خلي أو بري أو بائن أو بات، ثم قال لم أرد به الطلاق وأردت أنها بائن بيني وبينها فرجة وليس أنا بلاصق بها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا أقوم على حفظه وأراها طالقة في هذا كله ولا ينوي؛ لأنها لما تكلمت كانت في كلامها كمن طلبت الطلاق، فقال لها الزوج أنت بائن فلا ينوي، قال ابن وهب: ألا ترى لو أنها قالت له طلقني فقال أنت بائن ثم قال الزوج بعد ذلك لم أرد الطلاق بقولي أنت بائن لم يصدق فكذلك مسألتك وهذه الحروف عند مالك أنت بائن وبرية وباتة وخلية وأنا منك بري وبات وبائن كلها عند مالك سواء، وسواء إن قال أنت برية أو قال: أنا منك بري كل هذا عند مالك للمدخول بها ثلاث ثلاث وفي التي لم

يدخل بها ينوي يعني إلا البات فإنه لا ينوي فيها دخل أو لم يدخل بحال ما وصفت.
قلت: أرأيت رجلا قال لامرأته أنت طالق تطليقة بائنة، أتكون بائنة، أم يملك الرجعة؟ قال: قال لي مالك هي ثلاث ألبتة بقوله بائنة. قلت: أرأيت إذا قال الرجل لامرأته أنت خلية، ولم يقل مني أو قال بائن ولم يقل مني أو قال برية ولم يقل مني وليس هذا جوابا لكلام كان قبله، إلا أنه مبتدأ من الزوج، أيكون طلاقا وإن لم يقل مني في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إذا قال: أنا خلي أو أنا بري أو أنا بائن أو أنا بات ولم يقل منك أتطلق عليه امرأته أم يجعل له نية؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أني أرى أن يكون بمنزلة قوله لامرأته أنت خلية أو برية أو بائن، ولم يقل مني، ولو دينته في قول مالك أنا بري أو أنا خلي لدينته فيما إذا قال أنت خلية أو برية إلا أن يكون قبل ذلك كلام يستدل به أنه أراده ويخرج إليه فلا شيء عليه ويدين قلت: أرأيت إن لم يدخل بها فقال: قد وهبتك لأهلك أو قد رددتك إلى أهلك؟ قال: سألنا مالكا عن قوله قد رددتك إلى أهلك وذلك قبل البناء فقال: ينوي فيكون ما أراد من الطلاق، قال ابن القاسم: فإن لم يكن له نية فهي ثلاث ألبتة؛ لأن ما كان عند مالك في هذا إنما يدينه قبل أن يدخل بها مثل الخلية والبرية والحرام واختاري فهذا كله ثلاث إذا لم يكن له نية. قال: وكذلك قوله قد رددتك إلى أهلك ولو كانت تكون واحدة إلا أن ينوي شيئا، قال مالك سئل عما نوى ويقال هي واحدة إلا أن ينوي أكثر من ذلك مثل الذي يقول لامرأته أنت طالق فلا ينوي شيئا قلت: أرأيت إن قال لها قد خليت سبيلك؟ قال: قال مالك: إذا كان قد دخل بها نوى، فإن نوى واحدة أو اثنتين فالقول قوله ويحلف، وإلا فهي ثلاث ولم أسمع من مالك في التي لم يدخل بها شيئا، وأنا أرى إن لم ينو بها شيئا أنها ثلاث دخل أو لم يدخل قلت: أرأيت إن قال لامرأته اعتدي اعتدي اعتدي ولم يكن له نية إلا أنه قال لها اعتدي اعتدي اعتدي ولم يكن له نية؟ قال: هي ثلاث عند مالك قال مالك: وهذا مثل قوله لامرأته أنت طالق أنت طالق أنت طالق، أنه ينوي في هذا، فإن قال أردت أن أسمعها ولم أرد به الثلاث كان القول قوله، فإن لم يكن له نية فهي ثلاث لا تحل له إلا بعد زوج. قلت: وإن لم تكن امرأته مدخولا بها هي ثلاث أيضا؟ قال: قال مالك: إذا كان قوله لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا واحدا ولم يدخل بها ولم يكن له نية فهي ثلاث لا تحل له إلا بعد زوج، قال ابن القاسم: وقوله اعتدي اعتدي اعتدي عندي مثله.
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته اعتدي، أتسأله أنوى به الطلاق أم تطلق عليه ولا تسأله عن نيته في قول مالك؟ قال: الطلاق لازم له إلا أنه يسأل عن نيته كم نوى

أواحدة أم اثنتين أم ثلاثا، فإن لم تكن نية فهي واحدة. قلت: أرأيت إن قال: اعتدي اعتدي، ثم قال: لم أرد إلا واحدة وإنما أردت أن أسمعها؟ قال: أرى القول قوله إنها واحدة. قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق اعتدي؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا، وأرى إن لم يكن له نية فهي اثنتان وإن كانت له نية في قوله اعتدي ثم اعتدي أراد أن يعلمها أن عليها العدة أمرها بالعدة فالقول قوله ولا يقع به الطلاق
قلت: أرأيت إن قال لأهله الحقي بأهلك؟ قال: قال مالك: ينوي، فإن لم يكن أراد به الطلاق فلا تكون طالقا وإن أراد الطلاق فهو ما نوى من الطلاق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته يا فلانة يريد بقوله يا فلانة الطلاق أتكون بقوله هذا يا فلانة طالقا؟ قال: قال مالك: - ولم أسمعه منه - إذا أراد بقوله يا فلانة الطلاق فهي طالق وإن كان إنما أراد أن يقول أنت طالق فأخطأ فقال: يا فلانة ونيته الطلاق إلا أنه لم يرد بقوله يا فلانة بلفظ يا فلانة الطلاق، فليست بطالق وإنما تكون طالقا إذا أراد بلفظه أنت بما أقول لك من لفظ فلانة طالق فهو طلاق، وإن كان أراد الطلاق فأخطأ فلفظ بحرف ليس من حروف الطلاق، فلا تكون به طالقا وإنما تكون به طالقا إذا نوى بما يخرج من فيه من الكلام طالقا فهي طالق، وإن كان ذلك الحرف ليس من حروف الطلاق، وإن كان أراد الطلاق فقال: يا فلانة ما أحسنك وتعالي فأخزاك الله وما أشبه هذا ولم يرد بهذا اللفظ أنك به طالق، فلا طلاق عليه، وكذلك سمعت من يفسره من أصحاب مالك ولم أسمعه منه وهو رأيي.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته اخرجي أو تقنعي أو استتري يريد بذلك الطلاق؟ قال: قال مالك: إذا أراد به الطلاق فهو طلاق، وإن لم يرد به الطلاق لم يكن طلاقا. قلت: أرأيت إن قال: أنت حرة فقال أردت الطلاق فأخطأت فقلت: أنت حرة، أتكون طالقا أم لا في قول مالك؟ قال: هذا مثل الكلام الأول الذي أخبرتك به أنه إن أراد بلفظة أنت حرة طالق، فهي طالق وإن أراد الطلاق فأخطأ فقال أنت حرة لم يكن طلاقا. قلت: أرأيت إن قال لامرأته: اخرجي ينوي ثلاثا أو قال: اقعدي يريد بذلك ثلاث تطليقات؟ قال: في قول مالك إنها ثلاث تطليقات. قلت: أرأيت إن قال لها كلي أو اشربي ينوي بذلك الطلاق ثلاثا أو اثنتين أو واحدة أيقع في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال كل كلام لفظي نوى بلفظه الطلاق فهو كما نوى، قال ابن القاسم: وذلك إذا أردت أنت بما قلت: طالق، والذي سمعت واستحسنت أنه لو أراد أن يقول لها أنت طالق ألبتة، فقال: أخزاك الله أو لعنك الله لم يكن عليه شيء؛ لأن الطلاق قد زل من لسانه وخفي منه بما خرج إليه، حتى تكون نيته أنت بما أقول لك من أخزاك الله أو ما أشبهه مما أقول لك

فأنت به طالق، فهذا الذي سمعت أنها تطلق به، فأما من أراد أن يقول لامرأته أنت طالق فزل لسانه إلى غير الطلاق ولم يرد به أنت بما أقول طالق فلا شيء عليه قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته يا أمه أو يا أخت أو يا عمة أو يا خالة؟ قال: قال مالك: هذا من كلام السفه ولم نره يحرم عليه شيئا، قال ابن القاسم: وسمعت مالكا وسئل عن رجل خطب إليه رجل فقال المخطوب إليه للخاطب هي أختك من الرضاعة ثم قال بعد ذلك والله ما كنت إلا كاذبا، قال مالك: لا أرى أن يتزوجها.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: حكمة طالق وامرأته تسمى حكمة وله جارية يقال لها حكمة؟ قال: لم أرد امرأتي وإنما أردت جاريتي حكمة قال: سمعت مالكا وسألناه عن الرجل يحلف للسلطان بطلاق امرأته طائعا فيقول امرأتي طالق إن كان كذا وكذا لأمر يكذب فيه، ثم يأتي مستفتيا ويزعم أنه إنما أراد بذلك امرأة كانت له قبل ذلك وأنه إنما ألغز على السلطان في ذلك، قال مالك: لا أرى أن ذلك ينفعه وأرى امرأته طالقا وإن جاء مستفتيا فأما مسألتك إن كان على قوله بينة لم ينفعه قوله إنما أراد جاريته، وإن لم تكن عليه بينة، وإنما جاء مستفتيا لم أرها مثل مسألة مالك ولم أر عليه في امرأته طلاقا؛ لأن هذا سمى حكمة، وإنما أراد جاريته وليست عليه بينة ولم يقل امرأتي قلت: أرأيت إن قال: أنا منك بائن وأنا منك خلي وأنا منك بري وأنا منك بات وقد كان قبل هذا كلام كان هذا من الرجل جوابا لذلك الكلام فقال الرجل: لم أرد الطلاق وقال إذا كان قبل ذلك كلام يعلم أن هذا القول جواب للكلام الذي كان أراد كان ذلك الكلام من غير الطلاق، فالقول قول الزوج ولا يكون ذلك عند مالك طلاقا.
قلت: أرأيت إن كان قبل قوله اعتدي كلام من غير طلبها للطلاق، يعلم أنه إنما قال لها اعتدي جوابا لكلامها ذلك أعطاها فلوسا أو دراهم، فقالت ما في هذه عشرون، فقال الزوج اعتدي وما أشبه هذا من الكلام أتنويه في قول مالك؟ قال: نعم، ولا يكون هذا طلاقا إذا لم يرد به الزوج الطلاق؛ لأن اعتدي ههنا جواب لكلامها هذا الذي ذكرت قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق وليس عليه بينة، ولم يرد الطلاق بقوله: أنت طالق وإنما أراد بقوله ذلك طالق من وثاق؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا بعينه شيئا، ولكن سمعت مالكا يقول في الذي يقول لامرأته أنت برية، كلام مبتدأ ولم ينو به الطلاق إنها طالق ولا ينفعه ما أراد من ذلك، وقال في رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة، فقال والله ما أردت بقولي ألبتة طلاقها وإنما أردت الواحدة إلا أن لساني زل فقلت ألبتة، قال مالك: هي ثلاث ألبتة، قال مالك واجتمع رأيي فيها ورأي غيري من فقهاء المدينة أنها ثلاث ألبتة.

قلت: لابن القاسم: ليس هذا مما يشبه مسألتي؛ لأن هذا لم تكن له نية في البتة، والذي سألتك عنه في الذي قال لها أنت طالق له نية أنها طالق من وثاق؟ قال: نعم، ولكن مسألتك تشبه البرية التي أخبرتك بها. قلت: وهذا أيضا الذي قال: ألبتة في فتيا مالك قد كان عليه الشهود فلهذا لم ينوه مالك، والذي سألت عنه من أمر الطلاق ليس على الرجل شهادة وإنما جاء مستفتيا ولم تكن عليه بينة. قلت: وسمعت مالكا قال يؤخذ الناس في الطلاق بلفظهم، ولا تنفعهم نياتهم في ذلك إلا أن يكون جوابا لكلام كان قبله، فيكون كما وصفت لك، ومسألتك في الطلاق وهو هذا بعينه، والذي أخبرتك عنه أن مالكا قال يؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم ولا تنفعهم نياتهم وأراها طالقا، قال: وسمعت مالكا يسأل عن رجل قال لامرأته أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة لي عليك فيها؟ قال مالك: إن لم يكن أراد بقوله لا رجعة لي عليك البتات يعني الثلاث فهي واحدة ويملك رجعتها، وقوله لا رجعة لي عليك ونيته باطل
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته أنت طالق ينوي ثلاثا أتكون واحدة أو ثلاثا في قول مالك؟ قال: نعم، ثلاث، قال: كذلك قال لي مالك هي ثلاث إذا نوى بقوله أنت طالق ثلاثا. قلت: أرأيت إن أراد أن يطلقها ثلاثا، فلما قال لها أنت طالق سكت عن الثلاث وبدله وترك الثلاث أتجعلها ثلاثا أم واحدة؟ قال: هي واحدة؛ لأن مالكا قال في الرجل يحلف بالطلاق على أمر أن لا يفعله أراد يحلف بالطلاق ألبتة، فقال أنت طالق ثلاثا ألبتة وترك اليمين لم يحلف بها؛ لأنه بدا له أن لا يحلف، قال مالك: لا تكون طالقا ولا يكون عليه من يمينه شيء؛ لأنه لم يرد بقوله الطلاق ثلاثا وإنما أراد اليمين فقطع اليمين عن نفسه، فلا تكون طالقا، ولا يكون عليه يمين، وكذلك لو قال أنت طالق وكان أراد أن يحلف بالطلاق ثلاثا فقال أنت طالق إن كلمت فلانا وترك الثلاث فلم يتكلم بها، إن يمينه لا تكون إلا بطلقة ولا تكون ثلاثا، وإنما تكون يمينه بثلاث لو أنه أراد بقوله: أنت طالق بلفظة طالق أراد به ثلاثا فتكون اليمين بالثلاث وكذلك مسألتك في الأول هي مثل هذا.
قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق ينوي اثنتين، أيكون اثنتين في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن قال لها أنت طالق الطلاق كله؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى أنها قد بانت بالثلاث. قلت: أرأيت إن قال لها أنا منك طالق، أتكون امرأته طالقا في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت الرجل يقول لامرأته لست لي بامرأة أو ما أنت لي بامرأة، أيكون هذا طلاقا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا طلاقا إلا أن يكون نوى به الطلاق. قلت: أرأيت إن قال له رجل لك امرأة فقال ليس لي امرأة ينوي بذلك الطلاق أو لا ينوي؟ قال: قال مالك: إن نوى بذلك الطلاق فهي طالق، وإن

لم ينو بذلك الطلاق فليست بطالق. قلت: وكذلك لو قال لامرأته لم أتزوجك؟ قال: لا شيء عليه إن لم يرد بذلك الطلاق. قلت: أرأيت إن قال لامرأته لا نكاح بيني وبينك أو لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك؟ قال: لا شيء عليه إذا كان الكلام عتابا إلا أن يكون نوى بقوله هذا الطلاق، قال: وأخبرني ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن رجل قال لامرأته أنت سائبة أو مني عتيقة، أو قال ليس بيني وبينك حلال ولا حرام؟ قال: أما قوله أنت سائبة أو عتيقة، فإني أرى أن يحلف على ذلك ما أراد طلاقا، فإن حلف وكل إلى الله ودين ذلك وإن أبى أن يحلف وزعم أنه أراد بذلك الطلاق وقف الطلاق عندما أراد واستحلف على ما أراد من ذلك وأما قوله ليس بيني وبينك حلال ولا حرام فنوى - فيه نحو ذلك والله أعلم، ونرى أن ينكل من قال مثل هذا بعقوبة موجعة فإنه لبس على نفسه وعلى حكام المسلمين. مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الخلية والبرية هي البتة1. وقال علي بن أبي طالب وربيعة ويحيى بن سعيد وأبو الزناد وعمر بن عبد العزيز بذلك، وأن عمر بن عبد العزيز قضى بذلك في الخلية. وقال ابن شهاب مثل ذلك في البرية وأنها بمنزلة البتة ثلاث تطليقات وقال ربيعة في البرية إنها البتة إن كان دخل بها وإن كان لم يدخل بها فهي واحدة، قال والخلية والبائنة بمنزلة البرية، قال: وحدثني عبد الله بن عمر عمن حدثه عن الحسن البصري أنه قال: قضى علي بن أبي طالب في البائنة أنها البتة.
قال ابن وهب حدثني عياض بن عبد الله الفهري عن أبي الزناد أنه قال في الموهوبة هي البتات. الليث عن يحيى بن سعيد مثله. ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة أنه قال إذا وهبت المرأة لأهلها فهي ثلاث قبلوها أو ردوها إلى زوجها، وقال مالك: قد وهبتك إلى أهلك وقد رددتك إلى أهلك سواء ثلاث ألبتة التي دخل بها وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة إذا قال قد وهبتك لأبيك فقد بتها وذهب ما كان يملك منها، ووهبتك لأهلك ورددتك إلى أهلك وأمك فهذا كله شيء واحد فيصير إلى البتة.
مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عبدا كانت تحته أمة فكلمه أهلها فيها فقال شأنكم بها, فقال القاسم: فرأى الناس ذلك طلاقا وقال مالك في الذي يقول لامرأته قد خليت سبيلك هو مثل الذي يقول قد فارقتك، قال: وأخبرني ابن وهب عن يونس أنه سأل ربيعة عن قول الرجل لامرأته لا تحلين لي، قال ربيعة يدين؛ لأنه إن شاء قال: أردت التظاهر أو اليمين ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن جريج عن عطاء قال: إذا قال الرجل لامرأته اعتدي فهي واحدة قال وأخبرني ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن طاوس وابن شهاب وغيرهما مثله وقال ابن شهاب هي واحدة أو ما نوى. ابن
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 7 بلفظ "...كان يقول في الخلية والبرية أنها ثلاث تطليقات, كل واحدة منهما".

وهب عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال: إني قلت لامرأتي: أنت طالق، ولم أدر ما أردت، قال سعيد بن المسيب لكني أدري ما أردت هي واحدة، وقاله يحيى بن سعيد، ابن وهب وأخبرني الليث عن ابن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ولم يسم كم الطلاق فهي واحدة إلا أن يكون نوى أكثر من ذلك فهي على ما نوى.
قال ابن وهب قال يونس وربيعة عن قول الرجل لامرأته لا سبيل لي عليك، قال: يدين بذلك، وقال عطاء بن أبي رباح في رجل قيل له هل لك من امرأة، فقال والله ما لي من امرأة، فقال: هي كذبة، وقال عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وابن شهاب وغيرهم من أهل العلم ابن وهب عن الحارث بن شهاب عن منصور عن إبراهيم أنه قال ما عنى به الطلاق من الكلام أو سماه فهو طلاق سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال: كل شيء أريد به الطلاق فهو طلاق. ابن وهب أنه سأل ابن شهاب عن قول الرجل لامرأته أنت السراح فهي تطليقة إلا أن يكون أراد بذلك بت الطلاق ابن وهب عن مسلمة بن علي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بت امرأته فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره" 1 قال الزبيدي: قال ابن عمر والخلفاء مثل ذلك.
ابن وهب عن ابن لهيعة والليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك أن عمر بن الخطاب فرق بين رجل وامرأته، قال لها أنت طالق ألبتة، وأخبرني ابن يحيى الخزاعي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطاب قال لشريح: يا شريح إذا قال لها ألبتة فقد رمى الغرض الأقصى. مالك وغيره عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز قال له: لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا، من قال ألبتة فقد رمى الغاية القصوى2 رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس والقاسم بن محمد وابن شهاب وربيعة ومكحول أنهم كانوا يقولون من قال لامرأته أنت طالق ألبتة فقد بانت منه وهي بمنزلة الثلاث، وقال ربيعة وقد خالف السنة وذهبت منه امرأته ابن وهب عن حرملة بن عمران أن كعب بن علقمة حدثه أن علي بن أبي طالب كان يعاقب الذي يطلق امرأته ألبتة.
تم كتاب التخيير والتمليك من المدونة الكبرى ويليه كتاب الرضاع.
ـــــــ
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 49.
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث"3" بلفظ"...إن عمر بن عبد العزيز قال له: البتة ما يقول الناس فيها؟ قال أبوبكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة. فقال عمر بن عبد العزيز:....".

كتاب الرضاع
كما جاء في حرمة الرضاعبسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم
كتاب الرضاعما جاء في حرمة الرضاع
قال سحنون بن سعيد قلت: لعبد الرحمن بن القاسم: أتحرم المصة والمصتان في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت الوجور والسعوط من اللبن أيحرم في قول مالك؟ قال: أما الوجور فأراه يحرم، وأما السعوط فأرى إن كان قد وصل إلى جوف الصبي فهو يحرم قلت: أرأيت الرضاع في الشرك والإسلام أهو سواء في قول مالك تقع به الحرمة؟ قال: نعم. قلت: ولبن المشركات والمسلمات يقع به التحريم سواء في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت الصبي إذا حقن بلبن امرأة، هل تقع الحرمة بينهما بهذا اللبن الذي حقن به في قول مالك؟ قال: قال مالك في الصائم يحتقن: إن عليه القضاء إذا وصل ذلك إلى جوفه، ولم أسمع من مالك في الصبي شيئا وأرى إن كان له غذاء رأيت أن يحرم وإلا فلا يحرم إلا أن يكون غذاء في اللبن ابن وهب عن مسلمة بن علي عن رجال من أهل العلم عن عبد الرحمن بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل بنت الحارث قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحرم من الرضاع؟ قال: "المصة والمصتان" 1 ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطاوس وقبيصة بن ذؤيب وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وربيعة وابن شهاب وعطاء بن أبي رباح ومكحول وابن مسعود وجابر بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد.
قال ابن شهاب: انتهى أمر المسلمين إلى ذلك ابن وهب عن مالك بن أنس عن
ـــــــ
1 رواه مسلم في كتاب الرضاع حديث 17، 20، 23. أبو داود في كتاب النكاح باب 10 الترمذي في كتاب الرضاع باب 3. النسائي في كتاب النكاح باب 51. ابن ماجه في كتاب النكاح باب 35. الدارمي في كتاب النكاح باب 49. أحمد في مسنده"4/4، 5، 6، 31، 96، 216، 247، 340".

ثور بن زيد الديلي عن ابن عباس أنه سئل، كم يحرم من الرضاعة؟ فقال: إذا كان في الحولين فمصة واحدة تحرم وما كان بعد الحولين من الرضاعة لا يحرم1 مالك عن إبراهيم بن عقبة عن ابن المسيب أنه قال: ما كان في الحولين وإن كانت مصة واحدة فهي تحرم، وما كان بعد الحولين فإنما هو طعام يأكله2. قال إبراهيم وسألت عروة بن الزبير فقال كما قال ابن المسيب ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن عطاء الخراساني أنه سئل عن سعوط اللبن للصغير وكحله أيحرم؟ قال: لا يحرم شيئا، قال ابن وهب وكان ربيعة يقول في وقت الرضاع في السن وخروج المرضع من الرضاعة: كل صبي كان في المهد حتى يخرج منه أو في رضاعة حتى يستغني عنها بغيرها، فما أدخل بطنه من اللبن فهو يحرم حتى يلفظه الحجر وتقبضه الولاة وأما إذا كان كبيرا قد أغناه وربى معاه غير اللبن من الطعام والشراب، فلا نرى إلا أن حرمة الرضاعة قد انقطعت وأن حياة اللبن عنه قد وقعت فلا نرى للكبير رضاعا، قال ابن وهب وقال لي مالك على هذا جماعة من قبلنا. لابن وهب هذه الآثار.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الرضاع حديث 4 بدون "وما كان بعد الحولين من....".
2 رواه في اموطأ في كتاب الرضاع حديث 10.

ما جاء في رضاع الفحل
قلت: أرأيت لو أن امرأة رجل ولدت منه فأرضعت ابنه عامين، ثم فطمته، ثم أرضعت بلبنها بعد الفصال صبيا، أيكون هذا الصبي ابن الزوج وحتى متى يكون اللبن للفحل بعد الفصال؟ قال: أرى لبنها للفحل الذي درت لولده. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: قد بلغني ذلك عنه قلت: أرأيت إن كانت ترضع ولدها من زوجها فطلقها، فانقضت عدتها فتزوجت غيره ثم حملت من الثاني فأرضعت صبيا، لمن اللبن؟ أللزوج الأول أم للثاني الذي حملت منه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى اللبن لهما جميعا إن كان لم ينقطع من الأول، قال سحنون وقاله ابن نافع عن مالك قلت: أرأيت لو أن امرأة تزوجها رجل، فحملت منه فأرضعت وهي حامل صبيا، أيكون اللبن للفحل؟ قال: نعم. قلت: ويجعل اللبن للفحل قبل أن تلد؟ قال: نعم. قلت: من حين حملت؟ قال: نعم.
قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة فترضع صبيا قبل أن تحمل درت له فأرضعته ولم تلد قط وهي تحت زوج، أيكون اللبن للزوج أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى أنه للفحل، وكذلك سمعت من مالك والماء يغيل اللبن ويكون فيه غذاء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة"1 والغيلة أن يطأ
ـــــــ
1 روه في الموطأ في كتاب ارضاع حديث"16" عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن جذامة بنت وهب الأسدية أنها أخبرتها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم. ورواه مسلم في كتاب النكاح حديث 140، 142.

الرجل امرأته وهي ترضع؛ لأن الماء يغيل اللبن، ويكون فيه غذاء وكذلك بلغني عن مالك، وهو رأيي، وقد بلغني عن مالك أن الوطء يدر اللبن ويكون منه استنزال اللبن فهو يحرم. قال: وقال مالك في الغيلة وذلك أنه قيل له وما الغيلة؟ قال: ذلك أن يطأ الرجل امرأته وهي ترضع وليست بحامل؛ لأن الناس قالوا إنما الغيلة أن يغتال الصبي بلبن قد حملت به أمه عليه فيكون إذا أرضعته بذلك اللبن قد اغتاله. قال مالك: ليس هذا هو، إنما تفسير حديث النبي عليه السلام أن ترضعه وزوجها يطؤها، ولا حبل بها؛ لأن الوطء يغيل اللبن. قلت: أفيكرهه مالك؟ قال: لا، ألا ترى أن النبي عليه السلام قال: "لقد هممت أن أنهى عنه ثم ذكرت الروم وفارس تفعله"1 فلم ينه عنه النبي عليه السلام.
ـــــــ
1 نفسه رقم"3" في ص 296.

ما جاء في رضاع الكبير
قلت: هل يرى مالك رضاع الكبير يحرم شيئا أم لا؟ قال: لا. قلت: أرأيت الصبي إذا فصل، فأرضعته امرأة بلبنها بعدما فصل، أيكون هذا رضاعا أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: الرضاع حولان وشهر أو شهران بعد ذلك. قلت: فإن لم تفصله أمه وأرضعته ثلاث سنين، فأرضعته امرأة بعد ثلاث سنين والأم ترضعه لم تفصله بعد؟ قال مالك: لا يكون ذلك رضاعا ولا يلتفت في هذا إلى رضاع أمه، إنما ينظر في هذا إلى الحولين وشهر أو شهرين بعدهما، قال ابن القاسم: ولو أن أمه أرضعته ثلاث سنين أو أربع سنين أكان يكون ما كان من رضاع غيرها هذا الصبي بعد ثلاث سنين أو أربع سنين رضاعا ليس هذا بشيء؟ قال: ولكن لو أرضعته امرأة في الحولين والشهر والشهرين لحرم بذلك كما لو أرضعته أمه. قلت: أرأيت إن فصلته قبل الحولين أرضعته سنة ثم فصلته، فأرضعته امرأة أجنبية قبل تمام الحولين وهو فطيم، أيكون ذلك رضاعا أم لا؟ قال: لا يكون ذلك رضاعا إذا فصلته قبل الحولين وانقطع رضاعه واستغنى عن الرضاع، فلا يكون ما أرضع بعد ذلك رضاعا.
قلت: أرأيت إذا فصلته أمه بعد تمام الحولين فأرضعته امرأة بعد الفصال بيوم أو يومين، أيكون ذلك رضاعا أم لا في قول مالك؟ قال ابن القاسم: ما كان من رضاع بعد الحولين باليوم واليومين وما أشبهه مما لم يستغن فيه بالطعام عن الرضاع حتى جاءت امرأة فأرضعته، فأراه رضاعا؛ لأن مالكا قد رأى الشهر والشهرين بعد الحولين رضاعا إلا أن يكون قد أقام بعد الحولين أياما كثيرة مفطوما واستغنى عن اللبن وعاش بالطعام والشراب، فأخذته امرأة فأرضعته فلا يكون هذا رضاعا؛ لأن عيشه قد تحول عن اللبن وصار عيشه في الطعام. قلت: أليس قد قال مالك: ما كان بعد الحولين بشهر أو شهرين فهو رضاع؟ قال: إنما قال ذلك في الصبي إذا وصل رضاعه بعد الحولين بالشهر والشهرين ولم يفصل، قال ابن القاسم: وأرى إذا فصل اليوم واليومين ثم أعيد إلى اللبن فهو

رضاع. قلت: فإن لم يعد إلى اللبن، ولكن امرأة أتت فأرضعته مصة أو مصتين وهو عند أمه على فصاله لم تعده إلى اللبن؟ قال مالك: المصة والمصتان تحرم؛ لأن الصبي لم يشغل عن عيش اللبن بعد وأنت تعلم أنه لو أعيد إلى اللبن كان له قوة في غذائه وعيش له، فكل صبي كان بهذه المنزلة إذا شرب اللبن كان ذلك عيشا له في الحولين وقرب الحولين فهو رضاع، وإنما الذي قال مالك: الشهر والشهرين ذلك إذا لم ينقطع الرضاع عنه.
ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا رضاع بعد الفطام" وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وأم سلمة وابن المسيب وعروة وربيعة مثله. ابن وهب وأخبرني مالك وغي ره أن رجلا أتى أبا موسى الأشعري فقال إني مصصت من امرأتي من ثديها فذهب في بطني، فقال أبو موسى لا أراها إلا وقد حرمت عليك، فقال له ابن مسعود: انظر ما تفتي به الرجل، فقال أبو موسى ما تقول أنت؟ فقال ابن مسعود: لا رضاع إلا ما كان في الحولين، فقال أبو موسى لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم، قال ابن وهب وقال غير مالك أن ابن مسعود قال له إنما أنت رجل مداوى لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان في الحولين، ما أنبت اللحم والعظم وأخبرني مالك عن ابن دينار قال: جاء رجل إلى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير، فقال ابن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال كانت لي جارية وكنت أطؤها فعمدت امرأتي فأرضعتها، فدخلت عليها فقالت لي دونك، فقد والله أرضعتها، قال: فقال عمر: أرجعها وأت جاريتك فإنما الرضاع رضاع الصغير1.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الرضاع حديث 13.

في تحريم الرضاعة
قلت: أرأيت المرأة وخالتها من الرضاعة أيجمع بينهما في قول مالك؟ قال: لا. قلت: وهل الملك والرضاع والتزويج سواء، الحرمة فيها واحدة؟ قال: نعم. قلت: والأحرار والعبيد في حرمة الرضاع سواء في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت امرأة أبيه من الرضاعة أو امرأة ولده من الرضاعة أهما في التحريم بمنزلة امرأة الأب من النسب وامرأة الابن من النسب في قول مالك؟ قال: نعم ابن وهب عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي عليه السلام أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" 1 ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة زوج النبي عليه السلام،
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الرضاع حديث 15. الترمذي في كتاب الرضاع باب 1.

فقالت عائشة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيت حفصة، قال: "أراه فلانا لعم لحفصة من الرضاعة"، فقالت عائشة يا رسول الله لو كان فلان لعم لها من الرضاعة حيا دخل علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" 1 ابن وهب عن الليث وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: "لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" 2 ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله في حرمة الرضاعة.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الرضاع حديث 1. البخاري في كتاب الشهادات باب 7 مسلم في كتاب الرضاع حديث 1.
2 رواه في الموطأ في كتاب الرضاع حديث"2" عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي، فأبيت أن آذن له حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال: "إنه عمك فأذني له" . قالت: فقلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فقال: "إنه عمك، فليلج عليك" . قالت عائشة: وذلك بعد ما ضرب علينا الحجاب. ورواه البخاري في كتاب النكاح باب 117. ومسلم في كتاب الرضاع حديث 7.

يجعله في دواء فكيف تقع الحرمة بالحرام؟ قال: اللبن يحرم على كل حال ألا ترى لو أن رجلا حلف أن لا يأكل لبنا فأكل لبنا قد وقعت فيه فأرة، فماتت أنه حانث أو شرب لبن شاة ميتة أنه حانث عندي إلا أن يكون نوى اللبن الحلال. قلت: أرأيت رجلا وطئ امرأة ميتة أيحد: أم لا ونكاح الأموات لا يحل والحد على من فعل ذلك فكذلك اللبن.

في الشهادة على الرضاعة
قلت: أرأيت امرأة شهدت أنها أرضعت رجلا وامرأته، أيفرق بينهما بقولها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا، قال مالك: ويقال للزوج تنزه عنها إن كنت تثق بناحيتها، ولا أرى أن يقيم عليها ولا يفرق القاضي بينهما بشهادتها وإن كانت عدلة قلت: أرأيت لو أن امرأتين شهدتا على رضاع رجل وامرأته، أيفرق بينهما في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم يفرق بينهما إذا كان ذلك قد فشا وعرف من قولهما قبل هذا. قلت: أرأيت إن كان لم يفش ذلك من قولهما؟ قال: قال مالك: لا أرى أن يقبل قولهما إذا لم يفش ذلك من قولهما قبل النكاح عند الأهلين والجيران. قلت: أرأيت إن كانت المرأتان اللتان شهدتا على الرضاع أم الزوج وأم المرأة؟ قال: لا يقبل قولهما إلا أن يكون قد عرف ذلك في قولهما وفشا قبل النكاح.
قلت: فهؤلاء والأجنبيات سواء في قول مالك؟ قال: نعم، في رأيي قلت: أرأيت إن شهدت امرأة واحدة أنها أرضعتهما جميعا الزوج والمرأة وقد عرف ذلك من قولها قبل نكاحهما؟ قال: لا يفرق القاضي بينهما بقولها في رأيي وإنما يفرق بالمرأتين؛ لأنهما حيث كانتا امرأتين تمت الشهادة، فأمر المرأة الواحدة فلا يفرق بشهادتها ولكن يقال للزوج تنزه عنها فيما بينك وبين خالقك. قلت: أرأيت لو أن رجلا خطب امرأة، فقالت امرأة: قد أرضعتكما، أينهى عنها في قول مالك وإن تزوجها فرق بينهما؟ قال: قال مالك: ينهى عنها على وجه الاتقاء لا على وجه التحريم، فإن تزوجها لم يفرق القاضي بينهما قلت: أرأيت لو أن رجلا قال في امرأة هذه أختي من الرضاعة أو غير ذلك من النساء اللاتي يحرمن عليه، ثم قال بعد ذلك أوهمت أو كنت كاذبا أو لاعبا فأراد أن يتزوجها؟ قال: سئل مالك عما يشبهه من الرضاع إذا أقر به الرجل أو الأب في ابنه الصغير أو في ابنته ثم قال بعد ذلك إنما أردت أن أمنعه أو قال: كنت كاذبا، قال مالك: لا أرى أن يتزوجها ولا أرى للوالد أن يزوجها، قال ابن القاسم: قال مالك: ذلك في الأب في ولده. قلت: فإن تزوجها، أيفرق السلطان بينهما؟ قال: نعم، أرى أن يفرق بينهما ويؤخذ بإقراره الأول.

قلت: أرأيت إن أقرت امرأة أن هذا الرجل أخي من الرضاعة وشهد عليها بذلك شهود ثم أنكرت بعد فتزوجته والزوج لا يعلم أنها كانت أقرت به؟ قال: لا أرى أن يقر هذا النكاح بينهما، وما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا سأله رجل من أصحابنا عن امرأة كانت لها بنت وكان لها ابن عم، فطلب بنت عمه أن يتزوجها، فقالت أمها قد أرضعته ثم إنها بعد ذلك قالت: والله ما كنت إلا كاذبة وما أرضعته ولكني أردت بابنتي الفرار منه؟ قال مالك: لا أرى أن يقبل قولها هذا الآخر ولا أحب له أن يتزوجها، وليس قول المرأة هذا أخي وقول الزوج هذه أختي كقول الأجنبي فيهما؛ لأن إقرارهما على أنفسهما بمنزلة البينة القاطعة، والمرأة الواحدة ليس يقطع بشهادتها شيء. ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب بامرأة، فقال: يا أمير المؤمنين إن هذه تزعم أنها أرضعتني وأرضعت امرأتي، فأما إرضاعها امرأتي فمعلوم، وأما إرضاعها إياي فلا يعرف ذلك، فقال عمر: كيف أرضعتيه؟ فقالت مررت وهو ملقى يبكي وأمه تعالج خبزا لها فأخذته إلي فأرضعته وسكته، فأمر بها عمر فضربت أسواطا وأمره أن يرجع إلى امرأته. ابن وهب عن مسلمة بن علي عمن حدثه عن عكرمة بن خالد أن عمر بن الخطاب كان إذا ادعت امرأة مثل هذا سألها البينة. ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة أنه سأله عن شهادة المرأة في الرضاعة أتراها جائزة فقال: لا؛ لأن الرضاعة لا تكون فيما يعلم إلا باجتماع رأي أهل الصبي والمرضعة، إنما هي حرمة من الحرم ينبغي أن يكون لها أصل كأصل المحارم.

في الرجل يتزوج الصبية فترضعها امرأة له أخرى أو أجنبية أو أمه أو أخته
قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج صبيتين فأرضعتهما امرأة أجنبية واحدة بعد واحدة أتقع الفرقة فيما بينه وبينهما جميعا أم لا؟ قال: يقال للزوج اختر أيتهما شئت فاحبسها وخل الأخرى وهذا رأيي. قلت: لم جعلت له أن يختار أيتهما شاء، وقد وقعت الحرمة فيما بينهما، ألا ترى أنه لو تزوج أختين في عقدة واحدة فرقت بينه وبينهما، فهاتان حين أرضعتهما المرأة واحدة بعد واحدة كانتا حين أرضعت الأولى من الصبيتين على النكاح لم يفسد على الزوج من نكاحهما شيء فلما أرضعت الثانية صارت أختها فصارتا كأنهما نكحتا في عقدة واحدة، ألا ترى أنه لو فارق الأولى بعد ما أرضعتها المرأة قبل أن ترضع

الثانية، ثم أرضعت الثانية كان نكاح الثانية صحيحا؟ أولا ترى أن الحرمة إنما تقع بالرضاع إذا كانتا جميعا في ملكه برضاعها الأخرى بعد الأولى فتصيران في الرضاع إذا وقعت الحرمة كأنه تزوجهما في عقدة واحدة فلا يجوز ذلك، قال: ليس ذلك كما قلت ولكنا نظرنا إلى عقدتيهما فوجدنا العقدتين وقعتا صحيحتين في الصبيتين جميعا ثم دخل الفساد في عقدة كانت صحيحة لا يستطيع أن يثبت على العقدتين جميعا فنظرنا إلى الذي لا يصلح له أن يثبت عليه فحلنا بينه وبين ذلك، ونظرنا إلى الذي يجوز له أن يثبت عليه فخليناه له، وقد يجوز له أن يثبت على واحدة ولا يجوز له أن يثبت عليهما جميعا فحلنا بينه وبين واحدة وأمرنا له أن يحبس واحدة.
قلت: أرأيت إن كن صبيات ثلاث أو أربع تزوجهن وهن مراضع واحدة بعد واحدة فأرضعتهن امرأة واحدة بعد واحدة؟، قال: إذا أرضعت واحدة فهن على نكاحهن، فإن أرضعت أخرى بعد ذلك قيل: اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى، فإن فارق الأولى ثم أرضعت الثالثة قلنا له أيضا اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى فإن فارق الثالثة ثم أرضعت الرابعة قلنا له اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى، فيكون بالخيار في أن يحبس الثالثة أو الرابعة وهذا إذا كان الخيار والفرقة قد وقعت فيما مضى قبلهما، فإن أرضعت المرأة واحدة بعد واحدة حتى أتت على جميعهن ولم يختر فراق واحدة منهن فإن هذا له أن يختار في أن يحبس واحدة منهن أيتهن شاء، إن شاء أولاهن وإن شاء أخراهن وإن شاء أوسطهن يحبس واحدة منهن، أي ذلك أحب. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قلت: أرأيت إن تزوج امرأة وصبيتين واحدة بعد واحدة أو في عقدة واحدة، وسمى لكل واحدة صداقها، فأرضعت المرأة صبية منهما قبل أن يدخل بالكبيرة منهن؟ قال: تحرم الكبيرة ولا تحرم الصغيرة المرضعة إذا لم يكن دخل بأمها التي أرضعتها؛ لأنها من ربائبه اللاتي لم يدخل بأمهاتهن، ومما يبين ذلك لو أن رجلا تزوج امرأة كبيرة فطلقها قبل البناء بها ثم تزوج صبية مرضعة فأرضعتها امرأته تلك المطلقة لم تكن تحرم عليه هذه الصبية؛ لأنها من الربائب اللاتي لم يدخل بأمهاتهن قلت: أرأيت لو أني تزوجت امرأة كبيرة ودخلت بها، ثم تزوجت صبية صغيرة ترضع، فأرضعتها امرأتي التي دخلت بها بلبني أو بلبنها، فحرمت علي نفسها وحرمت علي الصبية أيكون لها من مهرها شيء أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى لها مهرها؛ لأنه دخل بها، ولا أرى للصبية مهرا تعمدت امرأته الفساد أو لم تتعمده. قلت: أرأيت لو أن رجلا تزوج صبية فأرضعتها أمه أو أخته أو جدته أو ابنته أو ابنة ابنه أو امرأة أخيه أو بنت أخيه أو بنت أخته، أتقع

الفرقة بينه وبين الصبية في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: ويكون للصبية نصف الصداق على الزوج في قول مالك؟ قال: لا، ليس على الزوج من الصداق شيء.
قلت: لم لا يكون على الزوج نصف الصداق؟ قال: لأنه لم يطلق، ألا ترى أن الحرمة قد وقعت بينهما من قبل أن يبني بها فقد صارت أخته أو بنت ابنته أو ذات محرم منه. قلت: فلا يكون للصبية على التي أرضعتها نصف الصداق تعمدت الفساد أو لم تتعمده؟ قال: نعم، لا شيء عليها من الصداق، في رأيي. قلت: أيؤدبها السلطان إن علم أنها تعمدت فسادها على زوجها في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي. قلت: أرأيت الرجل يتزوج أخته من الرضاعة أو أمه من الرضاعة وسمى لها صداقا وبنى بها، أيكون لها الصداق الذي سمى أو صداق مثلها في قول مالك؟ قال: قال مالك: لها الصداق الذي سمي ولا يلتفت إلى صداق مثلها.

ما لا يحرم من الرضاعة
قلت: أرأيت لو أن صبيتين غذيتا بلبن بهيمة من البهائم، أتكونان أختين في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا ولكن أرى أنه لا تكون الحرمة في الرضاع إلا في لبن بنات آدم، ألا ترى أنه بلغني عن مالك أنه قال في رجل أرضع صبيا ودر عليه: إن الحرمة لا تقع به وإن لبن الرجال ليس مما يحرم. قال مالك: وإنما قال: الله في كتابه {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] فإنما يحرم ألبان بنات آدم لا ما سواها. قلت: لو أن لبنا صنع فيه طعام حتى غاب اللبن في الطعام فكان الطعام الغالب واللبن لبن امرأة ثم طبخ على النار حتى عصد وغاب اللبن أو صب في اللبن ماء حتى غاب اللبن وصار الماء الغالب أو جعل في دواء فغاب اللبن في ذلك الدواء فأطعم الصبي ذلك كله أو أسقيه أتقع به الحرمة أم لا؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا وأرى أن لا يحرم هذا لأن اللبن قد ذهب وليس في الذي أكل أو شرب لبن يكون به عيش الصبي ولا أراه يحرم شيئا.

في رضاع النصرانية واليهودية والمجوسية والزانية
قال: وسألت مالكا عن المراضع النصرانيات. قال: لا يعجبني اتخاذهن وذلك لأنهن يشربن الخمر ويأكلن لحم الخنزير، فأخاف أن يطعمن ولده مما يأكلن من ذلك.

في رضاع المرأة ذات الزوج ولدها
قال: وسألت مالكا عن المرأة ذات الزوج أيلزمها رضاع ولدها؟ فقال: نعم، على ما أحبت أو كرهت إلا أن تكون ممن لا تكلف ذلك. قال: فقلت لمالك: ومن التي لا تكلف ذلك؟ فقال: المرأة ذات الشرف واليسار الكثير التي ليس مثلها ترضع وتعالج الصبيان، فأرى ذلك على أبيه وإن كان لها لبن. قال: فقلنا له إن كانت الأم لا تقدر على لبن وهي ممن ترضع لو كان لها لبن لأنها ليست في الموضع الذي ذكرت في الشرف على من ترى رضاع الصبي؟ فقال: على الأب، وكل ما أصابها من مرض يشغلها عن صبيها أو ينقطع به درها فالرضاع على الأب يغرم أجر الرضاع ولا تغرم هي قليلا ولا كثيرا وإن كان لها لبن وهي من غير ذوات الشرف، فإن عليها رضاع ابنها.
قلت: أرأيت هذه التي ليست من أهل الشرف إذا أرضعت ولدها أتأخذ أجر رضاعها من زوجها؟ قال: لا، وعليها أن ترضعه على ما أحبت أو كرهت. قلت: فإن مات الأب وهي ترضعه، أيسقط عنها ما كان يلزمها للصبي من الرضاع؟ قال: إن كان له مال وإلا أرضعته.
قلت: ولها أن تطرحه إن لم يكن له مال؟ قال: لا، وذلك في الرضاع وحده والنفقة مخالفة للرضاع في هذا.
قلت: فإن كان ابنها رضيعا ولا مال للابن، أيلزمها رضاع ابنها؟ قال: نعم يلزمها رضاع ولدها على ما أحبت أو كرهت، ولا تلزمها النفقة وإنما الذي يلزمها الرضاع. كذلك قال مالك. وقال مالك: لا أحب لها أن تترك النفقة على ولدها، إذا لم يكن له مال ولم يجعل النفقة مثل الرضاع رضاع ابنها وكذلك قال مالك إنه يلزمها رضاعه إذا لم يكن له مال. قلت: فإن كان للصبي مال فلما مات الأب قالت لا أرضعه؟ فقال: ذلك لها ويستأجر للصبي من ترضعه من ماله إلا أن يخاف على الصبي أن لا يقبل غيرها فتجبر

على رضاعه وتعطى أجر رضاعه. قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت المرأة تأبى على زوجها رضاع ولدها منه؟ قال: قال مالك: عليها رضاع ولدها على ما أحبت أو كرهت إلا أن تكون امرأة ذات شرف وغنى مثلها لا تكلف مؤنة الصبيان ولا رضاع ولدها ولا القيام على الصبيان في غناها وقدرها، فلا أرى أن تكلف ذلك وأرى رضاعه على أبيه. فقلنا لمالك: على أبيه أن يغرم أجر الرضاع؟ قال: نعم إذا كانت كما وصفت لك، وإن مرضت أو انقطع درها فلم تقو على الرضاع وهي ممن ترضع كذلك أيضا على أبيه يغرم أجر رضاعه. قال مالك: وإن كانت ممن يرضع مثلها فأصابتها العلة وضع ذلك عنها وكان رضاعه على أبيه.
قلت: أرأيت إن كان طلقها تطليقة يملك الرجعة بها على من رضاع الصبي في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى ما دامت نفقة المرأة على الزوج فإن الرضاع عليها إذا كانت ممن ترضع، فإذا انقطعت نفقة الزوج عنها كان رضاعه على أبيه. قلت: أرأيت إن طلقها ألبتة، أيكون أجر الرضاع على الأب في قول مالك؟ قال: نعم، هو قول مالك. قلت: أرأيت إن طلقها تطليقة، فإذا انقضت عدتها كان رضاع الصبي على الأب في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قالت بعدما طلقها ألبتة لا أرضع لك ابنك إلا بمائة درهم كل شهر، والزوج يصيب من ترضع بخمسين درهما. قال: قال لي مالك الأم أحق به بما ترضع غيرها به فإن أبت أن ترضع بذلك فلا حق لها وإن أرادت أن ترضعه بما ترضع الأجنبية فذلك للأم وليس للأب أن يفرق بينهما إذا رضيت أن ترضعه بما ترضع به غيرها من النساء. قال مالك: فإن كان ذلك ضررا على الصبي يكون قد علق أمه لا صبر له عنها أو كان لا يقبل المراضع أو خيف عليه فأمه أحق به بأجر رضاع مثلها وتجبر الأم إذا خيف على الصبي إذا لم يقبل المراضع أو علق أمه حتى يخاف عليه الموت إذا فرق بينهما جبرت الأم على رضاع صبيها بأجر رضاع مثلها.
قال: فقلنا لمالك فلو كان رجلا معدما لا شيء له وقد طلق امرأته ألبتة فوجد من ذوي قرابته أخته أو أمه أو ابنته أو عمته أو خالته من ترضع بغير أجر، فقال لأمه إما أن ترضعيه باطلا فإنه لا شيء عندي وإما أن تسلميه إلى هؤلاء الذين يرضعونه لي باطلا. قال: قال مالك: إذا عرف أنه لا شيء عنده ولا يقوى على أجر الرضاع كان له ذلك عليها إما أن ترضعيه باطلا وإما أن تسلميه إلى من ذكرت، ولو كان قليل ذات يده لا يقوى من الرضاع إلا على الشيء اليسير الذي لا يشبه أن يكون رضاع مثلها، فوجد امرأة ترضع له بدون ذلك كان كذلك إما أن أرضعته بما وجد وإما أن

أسلمته إلى من وجد وإن كان موسرا فوجد من ترضع له باطلا لم يكن له أن يأخذه منها لما وجد من ترضعه له باطلا، وعليه إذا أرضعته الأم بما ترضع به غيرها أن يجبر الأب على ذلك. قال سحنون: وقد بينا آثار هذا في كتاب الطلاق المدون وقد روي أن الأب إذا وجد من يرضعه باطلا وكان الأب موسرا أن ذلك له ويقال للأم إن شئت فارضعيه باطلا وإلا فلا حق لك فيه.
تم كتاب الرضاع من المدونة الكبرى ويليه كتاب الظهار.

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم
كتاب الظهار

ما جاء في الظهار
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي كظهر أمي أيكون مظاهرا؟ قال: نعم. قلت: أرأيت من قال لامرأته أنت علي كظهر فلانة لذات رحم محرم من نسب أو محرم من رضاع؟ قال: قال مالك: من ظاهر بشيء من ذوات المحارم من نسب أو رضاع فهو مظاهر. قال ابن القاسم: وإن ظاهر من صهر فهو مظاهر. قلت: أرأيت إن قال أنت علي كرأس أمي أو كقدم أمي أو كفخذ أمي؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وأراه مظاهرا لأن مالكا قال في الذي يقول لامرأته أنت علي مثل أمي أنه مظاهر، فكل ما قال به من شيء منها فهو مثله يكون مظاهرا لأن مالكا قال في رجل قال لامرأته أنت علي حرام مثل أمي قال مالك: هو مظاهر. قال سحنون: وقد قال بعض كبار أصحاب مالك إذا وجدته قال في التحريم بالطلاق من ذلك شيئا، فكانت امرأته تطلق به وذلك أن يقول الرجل لزوجته رأسك طالق، إصبعك طالق يدك حرام فرجك حرام بطنك حرام قدمك حرام فإذا وجب به على هذا النحو طلاق كان قائله لزوجته بذوات المحارم في الظهار مظاهرا أن يقول رأسك علي كظهر أمي وكذلك في العضو والبطن والفرج والظهر، وكذلك في ذوات المحارم ويلزمه بكل ذلك الظهار.
قلت: لم قال مالك: هو مظاهر ولم يجعله البتات ومالك يقول في الحرام إنه البتة؟ قال: لأنه قد جعل للحرام مخرجا حيث قال "مثل أمي" ومن قال "مثل أمي" فإنما هو مظاهر ولو أنه لم يذكر أمه كانت البتات في قول مالك. قال سحنون وقال غيره من كبار أصحاب مالك لا تكون حراما ألا ترى أنه إنما بنى على أن الذي أنزل الله فيه الظهار لم

يكن قبله أحد يقاس بقوله ولم يكن كان قبله من الظهار شيء يكون هو أراده ولا نواه وقد حرم بأمه فأنزل الله فيه التظاهر، وقد كانت النية منه على ما أخبرتك من أنه لم يكن تظاهر حين قال ما قال الله فأنزل الله في قوله كفارة التظاهر، وقد أراد التحريم فلم يكن حراما إن حرمها وجعلها كظهر أمه. وقد روى ابن نافع عن مالك نحو هذا أيضا.
قلت: أرأيت إن قال أنت علي كظهر فلانة لجارة له ليس بينه وبينها محرم؟ قال: سئل مالك عنها فقال أراه مظاهرا. قال: وسأله الذي سأله عنها على وجه أنها نزلت به. قال سحنون: وقد قال غيره في الأجنبية: إنها طالق ولا يكون مظاهرا. قلت: وسواء إن كانت ذات زوج أو فارغة من زوج؟ قال: سواء. قال ابن القاسم: وأخبرني من أثق به أنه قال: عليه الظهار من قبل أن أسمعه منه وقاله مرة بعد مرة
قلت: أرأيت إن قال أنت علي مثل ظهر فلانة الأجنبية ليس بينه وبينها محرم؟ قال: قال مالك: هو مظاهر من امرأته. قلت: فإن قال لها أنت علي كفلانة الأجنبية؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه حين قال أنت علي كظهر فلانة، علمنا أنه أراد الظهار وإن لم يقل "كظهر" فهو عندي ولم أسمع من مالك فيه شيئا أنه طلاق البتات. لأن الذي يقول "الظهر" فهو بين أنه أراد الظهار وإن لم يقل "الظهر" فقد أراد التحريم، إذا قال لامرأته أنت علي كأجنبية من الناس، وإذا قال ذلك في ذوات المحارم فقال: أنت علي كفلانة، فهذا قد علمنا أنه أراد الظهار لأن الظهار هو لذوات المحارم، فالظهار في ذوات المحارم، وقوله كفلانة وهي ذات محرم منه ظهار كله لأن هذا وجه الظهار، وإن قال أنت علي كفلانة لذوات محرم منه وهو يريد بذلك التحريم أنها ثلاث ألبتة إن أراد بذلك التحريم. قلت: أرأيت إن قال أنت علي حرام كأمي، ولا نية له؟ قال: هو مظاهر كذلك قال لي مالك في قوله "حرام مثل أمي" وقوله "حرام كأمي" عندي مثله وهذا مما لا اختلاف فيه. قال يونس بن يزيد. عن ربيعة: إنه قال في رجل قال لامرأته أنت علي مثل كل شيء حرمه الكتاب قال: أرى عليه الظهار لأن الكتاب قد حرم عليه أمه وغيرها مما حرم الله. قال يونس وقال ابن شهاب في رجل قال لامرأته أنت علي كبعض من حرم علي من النساء قال: نرى أن ذلك تظاهر والله أعلم. قال يونس وقال ربيعة مثله وقال من حرم عليه من النساء بمنزلة أمه في التظاهر.

ظهار الرجل من أمته وأم ولده ومدبرته
قلت: أرأيت إن ظاهر من أمته أو من أم ولده أو من مدبرته، أيكون مظاهرا في قول

مالك؟ قال: نعم، قال مالك: يكون مظاهرا. قلت: فإن ظاهر من معتقته إلى أجل؟ قال: لا يكون مظاهرا لأن وطأها لا يحل له. قال، ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله: أنهما كانا يقولان في ظهار الأمة إنه مثل ظهار الحرة. قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب وابن شهاب ويحيى بن سعيد وسليمان بن يسار وعبد الله بن أبي سلمة ومكحول ومجاهد: أنهم قالوا يفتدى في الأمة كما يفتدى في الحرة. قال ابن شهاب وقد جعل الله لذلك بيانا في كتابه، فقال: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] فالسرية من النساء وهي أمة قال ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران: إنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن الرجل تظاهر من وليدته ولا يقدر على ما يعتق غيرها أفيجوز عتقه لها؟ قال: نعم، وينكحها. قال ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد: إنه يجوز له عتقها بتظاهره منها قال: ولو كان له إماء تظاهر منهن جميعا فإنما كفارته كفارة واحدة. قال يونس بن يزيد عن ربيعة: إنه قال: من تظاهر من أم ولد له فهو مظاهر وقاله ابن شهاب وعطاء بن أبي رباح.

ما لا يجب عليه الظهار
قلت: أرأيت ذميا تظاهر من امرأته ثم أسلم؟ قال: قال مالك: كل يمين كانت عليه من طلاق أو عتاقة أو صدقة أو شيء من الأشياء فهو موضوع عنه إذا أسلم، فالظهار من ناحية الطلاق. ألا ترى أن طلاقه في الشرك عند مالك ليس بشيء فظهاره مثل طلاقه لا يلزمه.
قلت: أرأيت إن ظاهرت امرأة من زوجها، أتكون مظاهرة في قول مالك؟ قال: لا، إنما قال الله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ولم يقل واللائي يظاهرن منكن من أزواجهن. قلت: أرأيت إن ظاهر الصبي من امرأته، أيكون مظاهرا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا طلاق للصبي فكذلك ظهاره عندي أنه لا يلزمه. قلت: وكذلك المعتوه الذي لا يفيق؟ قال: نعم. قلت: أرأيت ظهار المكره أيلزمه في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يلزم المكره الطلاق فكذلك الظهار عندي لا يلزمه. قلت: أرأيت العتق هل يلزم المكره في قول مالك؟ قال: لا. قال ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران إنه سأل القاسم وسالما عن الرجل يخطب المرأة فتظاهر منه ثم أرادت بعد ذلك نكاحه فقالا: ليس عليها شيء. قال: رجال من أهل العلم عن ربيعة وأبي الزناد ويحيى بن سعيد وغيرهم من أهل العلم أنهم قالوا: ليس على النساء ظهار.

تظاهر السكران
قلت: أرأيت ظهار السكران من امرأته، أيلزمه الظهار في قول مالك؟ قال: قال مالك: يلزم السكران الطلاق فكذلك الظهار عندي هو له لازم لأن الظهار إنما يجر إلى الطلاق.

تمليك الرجل الظهار امرأته
قلت: أرأيت إن قال لامرأته إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولكن أرى أنه مظاهر إن شاءت الظهار. قلت: حتى متى يكون هذا إليها ما دامت في مجلسها أو حتى توقف؟ قال: حتى توقف. وقال غيره إنما هذا على جهة قول مالك في التمليك في الطلاق أنه قال حتى توقف مرة. وقال أيضا ما داما في المجلس فكذلك الظهار إنما الخيار لها ما دامت في المجلس.

في الظهار إلى أجل
قلت: أرأيت إن قال: أنت علي كظهر أمي اليوم أو هذا الشهر، أو قال أنت علي كظهر أمي هذه الساعة، أيكون مظاهرا منها إن مضى ذلك اليوم أو ذلك الشهر أو تلك الساعة؟ قال: قال مالك: هو مظاهر وإن مضى ذلك اليوم أو ذلك الشهر أو تلك الساعة. قال مالك: فإن قال لها أنت علي كظهر أمي إن دخلت هذه الدار اليوم أو كلمت فلانا اليوم، أو قال أنت علي كظهر أمي اليوم إن كلمت فلانا أو دخلت الدار، فهذا إذا مضى ذلك اليوم ولم يفعل فلا يكون مظاهرا لأن هذا لم يجب عليه الظهار بعد، وإنما يجب عليه بالحنث والأول قد وجب عليه الظهار باللفظ، ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق اليوم كانت طالقا أبدا، فإن قال لها إن دخلت هذه الدار اليوم فأنت طالق، أو قال أنت طالق إن دخلت الدار اليوم فمضى ذلك اليوم، ثم دخلت أنه لا يلزمه من الطلاق شيء فكذلك الظهار وكذلك قال مالك في هذا كله في الطلاق وفي الظهار.
قلت: أرأيت إن قال أنت علي كظهر أمي اليوم، فمضى ذلك اليوم أيكون له أن يطأ بغير كفارة؟ قال مالك: لا يكون له أن يطأ إلا بكفارة قلت: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى قدوم فلان؟ قال: لا يكون مظاهرا إلا إذا قدم فلان فإن قدم فلان كان مظاهرا، وإن لم يقدم فلان لم يقع الظهار، لأن مالكا قال إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إلى قدوم فلان أنها لا تطلق حتى يقدم فلان، فإن قدم فلان طلقت عليه وإن

فيمن ظاهر من نسائه في كلمة واحدة أو مرة بعد أخرى أو ظاهر من امرأته مرارا
قلت: أرأيت إن ظاهر من أربع نسوة له في كلمة واحدة؟ قال: قال مالك: كفارة واحدة تجزئه. قال: قال مالك: وإن تظاهر منهن في مجالس مختلفة ففي كل واحدة كفارة كفارة وإن كان في مجلس واحد فقال لواحدة أنت علي كظهر أمي ثم قال للأخرى أيضا وأنت علي كظهر أمي حتى أتى على الأربع كان عليه لكل واحدة كفارة كفارة. قال مالك: وإنما مثل ذلك مثل الرجل يقول والله لا آكل هذا الطعام ولا ألبس هذا الثوب ولا أدخل هذه الدار فإن حنث في شيء واحد أو فيهن كلهن فليس عليه إلا كفارة واحدة، ولو قال والله لا آكل هذا الطعام، ثم قال والله لا ألبس هذا الثوب، ثم قال والله لا أدخل هذه الدار. كانت عليه لكل واحدة كفارة فبهذا احتج مالك في الظهار. قلت: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي كظهر أمي، ثم قال لامرأة له أخرى أنت علي مثلها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وهو مظاهر من التي قال أنت علي مثلها وعليه كفارتان كفارة كفارة لكل واحدة منهما.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي كظهر أمي أنت علي كظهر أمي أنت علي كظهر أمي، قال لها ذلك مرارا؟ قال: قال مالك: إن كان ذلك في شيء واحد، مثل ما يقول الرجل أنت علي كظهر أمي مرارا. قال مالك: ليس عليه إلا كفارة ظهار واحدة. قال مالك: وإن كان ذلك في أشياء مختلفة، مثل ما

يقول الرجل أنت علي كظهر أمي إن دخلت هذه الدار، ثم يقول بعد ذلك أنت علي كظهر أمي إن لبست هذا الثوب، ثم يقول بعد ذلك أنت علي كظهر أمي إن أكلت هذا الطعام فعليه في كل شيء يفعله من هذا كفارة كفارة لأن هذه أشياء مختلفة فصارت أيمانا بالظهار مختلفة. قلت: أرأيت إن قال لامرأته أنت علي كظهر أمي أنت علي كظهر أمي أنت علي كظهر أمي ثلاث مرات ينوي بقوله هذا الظهار ثلاث مرات أيكون عليه كفارات ثلاث أو كفارة واحدة في قول مالك؟ قال ابن القاسم: لا تكون عليه إلا كفارة واحدة إلا أن يكون ينوي ثلاث كفارات فيكون عليه ثلاث كفارات، مثل ما يحلف بالله ثلاث مرات وينوي بذلك ثلاث كفارات فيكون عليه إن حنث. قال مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في رجل تظاهر من أربع نسوة له بكلمة واحدة إنه ليس عليه إلا كفارة واحدة1. قال مالك: ويونس وعبد الجبار عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثله. قال رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وابن المسيب وعبد الله بن هبيرة مثله. قال ابن أبي ذئب وغيره عن ابن شهاب أنه قال من تظاهر من امرأته ثلاث مرات في مجلس واحد فعليه كفارة واحدة. قال ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال في رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات في مجلس واحد في أمور مختلفة فحنث: إن عليه ثلاث كفارات. وقال ربيعة مثله. قال ربيعة وإن تظاهر منها ثلاثا في مجلس واحد في أمر واحد فكفارة واحدة. قلت لابن القاسم أرأيت كل كلام تكلم به ينوي به الظهار أو الإيلاء أو تمليكا أو خيارا أيكون ذلك كما نوى؟ قال: نعم، إذا أراد: أنك بما قلت لك مخيرة أو مظاهر منها أو مطلقة.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 22.

فيمن قال إن تزوجت فلانة أو كل امرأة أتزوها
فيمن قال إن تزوجت فلانة أو كل امرأة أتزوجها
قلت: أرأيت إن قال لأربع نسوة إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فتزوج واحدة؟ قال: قد لزمه الظهار ولا يقربها حتى يكفر، فإن كفر فتزوج البواقي فلا ظهار عليه فيهن، وإن تزوج الأولى، فلم يكفر حتى ماتت أو فارقها ثم تزوج البواقي لم يكن له أن يطأ واحدة منهن حتى يكفر، لأنه لم يحنث في يمينه بعد ولا يحنث إلا بالوطء لأن من تظاهر من امرأته ثم طلقها أو ماتت عنه قبل أن يطأها فلا كفارة عليه، وإنما يوجب عليه كفارة الظهار الوطء، فإذا وطئ فقد وجبت عليه الكفارة ولا يطأ في المستقبل حتى يكفر، فهذا إذا تزوجها، ثم فارقها أو ماتت عنه فقد سقطت عنه الكفارة، فإن تزوج

واحدة من البواقي فلا يقربها حتى يكفر، وإن كانت الأولى قد وطئها فماتت أو طلقها أو لم يطلقها ثم تزوج بعض البواقي أو كلهن فلا يقرب واحدة منهن حتى يكفر، لأن الحنث قد وجب عليه، فوطء الأولى كوطء الأواخر أبدا حتى يكفر يمنع من كلهن حتى يكفر، فإن لم يطأ الأولى لم يجز له أيضا أن يطأ الأواخر حتى يكفر، وإنما وجب عليه الظهار بتزويجه من تزوج منهن ولا يجب الحنث إلا بالوطء ولا يجوز له أن يطأ إلا بعد الكفارة. قال مالك عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي: إن القاسم بن محمد حدثه أن رجلا جعل امرأة عليه كظهر أمه إن تزوجها، فتزوجها فأمره عمر بن الخطاب إن تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر1. قال سعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة، قال كان أبي يقول إذا قال الرجل كل امرأة أتزوجها علي كظهر أمي ما عشت يقول: عتق رقبة يجزئه من ذلك كله.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 20.

الحلف بالظهار
قلت: أرأيت إن قال لأربع نسوة له من دخل هذه الدار منكن فهي علي كظهر أمي، فدخلنها كلهن، أيجزئه كفارة واحدة أو أربع كفارات؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن عليه في كل واحدة تدخل كفارة كفارة، لأنه عندي بمنزلة من قال لأربع نسوة له أيتكن كلمت فهي علي كظهر أمي، فكلم واحدة منهن فوقع عليه الظهار فيها أنه لا يقع عليه الظهار فيمن بقي منهن في الثلاث البواقي وإن وطئهن ولم يكلمهن فهذا يدلك على أنه لا بد لكل من دخلت الدار منهن أن يلزم الزوج فيها الكفارة على حدة، ولو كان ذلك ظهارا واحدا كان قد لزمه في الثلاث البواقي وإن لم يكلمهن: الظهار، وإن لم يدخلن الدار إذا دخلت واحدة كان ينبغي أن يلزمه الظهار في اللاتي لم يدخلن، فهذا ليس بشيء ولو كان ذلك حنثا لم يكن له سبيل إلى وطء واحدة منهن ممن لم يدخل الدار من اللاتي لم يكلم لم يكن له سبيل إلى وطء من بقي منهن، ولا هي وإن متن أو طلقهن كانت عليه فيهن الكفارة، فليس هذا بشيء وإنما هذا فعل حلف به فأيتهن دخلت الدار وأيتهن كلم واحدة بعد واحدة فعليه لكل واحدة الظهار.
قلت: أرأيت التي كلمها فوجب عليه فيها الظهار، ثم كلم الأخرى بعد ذلك أيجب عليه فيها الظهار أيضا؟ قال: نعم، وإنما ذلك بمنزلة ما لو قال لأربع نسوة إن تزوجت منكن فهي علي كظهر أمي فتزوج واحدة كان منها مظاهرا وإن تزوج الأخرى كان مظاهرا ولا يبطل ظهاره منها إيجاب الظهار عليه من الأولى، وليس هذا بمنزلة من قال إن

تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي. قلت: أرأيت إن قال أنت علي كظهر أمي إن لم أضرب غلامي اليوم، ففعل أيلزمه الظهار أم لا؟ قال: لا. قلت: أرأيت إن قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي؟ قال: قال مالك: إن تزوجها فعليه الظهار. قلت: أرأيت إن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي. قال: قال مالك: إن تزوجها فلا يطؤها حتى يكفر كفارة الظهار. قال مالك: وكفارة واحدة تجزئه عن ذلك. قلت: أرأيت إن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا بشيء ولا يلزمه إن تزوج. قلت: ما فرق بين الظهار وبين هذا في قول مالك؟ قال: لأن الظهار يمين لازمة لا يحرم النكاح عليه، والطلاق يحرم فليس له أن يحرم على نفسه جميع النساء. والظهار يمين يكفرها فلا بد من أن يكفرها. قلت: والظهار في قول مالك يمين؟ قال: نعم، وقد أخبرتك بقول عروة بن الزبير وما قال في ذلك. قلت: أرأيت إن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، فطلقها تطليقة فبانت منه أو ألبتة فدخلت الدار وهي في غير ملكه، ثم تزوجها بعد زوج فدخلت الدار وهي تحته أيلزمه الظهار في قول مالك أم لا؟ قال: إن كان طلاقه إياها واحدة أو اثنتين، ثم تزوجها لم يقربها حتى يكفر لأنه بقي عليه من الطلاق شيء، فاليمين بالظهار ترجع عليه وإن طلقها ألبتة سقط عنه الظهار، وإن تزوجها بعد زوج لأنه لم يقع عليه الظهار قبل أن يفارقها فقد سقط عنه الظهار بسقوط الطلاق والنكاح الذي كان يملكه، وإنما يقع عليه الظهار بعد زوج إذا طلقها ألبتة إذا كان قد وجب عليه الظهار قبل أن يطلقها بحنث أو قول فيلزمه به الظهار في قول مالك قلت: لم؟ قال: لأنه لم يحنث بدخولها وهي في غير ملكه وإنما يحنث، بدخولها وهي في ملكه. قلت: أرأيت إن ظاهر من امرأته ثم طلقها ألبتة، ثم تزوجها بعد زوج؟ قال: هو مظاهر منها وإن طلقها ألبتة ثم تزوجها بعد زوج فلا يقربها حتى يكفر عند مالك. قال ابن وهب عن حيوة بن شريح وابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن الرجل يتظاهر من امرأته إن لم يجلد غلامه مائة جلدة قبل أن يطعم طعاما ففعل ذلك هل عليه كفارة فقال: لا، وقد وقت يمينه. وقال طاوس وربيعة بن أبي عبد الرحمن ويحيى بن سعيد وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد مثله.

فيمن ظاهر من امرأته ثم اشتراها وفي الكفارة من اليهودية والنصرانية
قلت: أرأيت من ظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها، أيكون مظاهرا منها أم لا

في قول مالك؟ قال: هو مظاهر منها وإن اشتراها كذلك قال مالك. قلت: أرأيت لو أن رجلا ظاهر من امرأته وهي أمة أو حرة أكفارته منهما سواء في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك لو كانت يهودية أو نصرانية؟ قال: نعم. قلت: أرأيت العبد إذا ظاهر من امرأته وهي حرة أو أمة أتكون الكفارة منهما في الظهار سواء في قول مالك؟ قال: نعم، وقال مالك سألت ابن شهاب عن ظهار العبد قال: أراه نحو ظهار الحر يريد ابن شهاب أن ذلك يقع عليه إذا فعله كما يقع على الحر1. قال ابن وهب وقاله يحيى بن سعيد. قال يحيى ولا يخرجه من قوله إلا ما يخرج المسلمين من مثل ذلك. قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن يزيد عن محمد بن سيرين أنه قال: إذا تظاهر العبد ليس عليه إلا الصيام. قلت: أرأيت إن ظاهر منها قبل البناء أو بعد البناء وهو رجل بالغ أهو في قول مالك سواء؟ قال: نعم، لأنها زوجته. وقد قال الله {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ألا ترى أنه لو ظاهر من أمة له لم يطأها قط أنه مظاهر منها في قول مالك فالزوجة أحرى وأشد في الظهار.

في الظهار من النصرانية والصبية والمجوسية
قلت: أرأيت المسلم أيلزمه الظهار في زوجته النصرانية أو اليهودية كما يلزمه في الحرة المسلمة؟ قال: نعم، ألا ترى أن الطلاق يلزمه فيهن، فكذلك الظهار وهن من الأزواج. قلت: أرأيت لو أن مجوسيا على مجوسية أسلم المجوسي ثم ظاهر منها قبل أن تسلم هي، فعرض عليها الإسلام فأسلمت مكانها بعدما ظاهر منها أيكون مظاهرا منها أم لا وهي زوجته في قول مالك أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وإن هو ظاهر منها ثم أسلمت قبل أن يتطاول أمرهما فأسلمت بقرب إسلام الزوج فردت إليه وصارت زوجته كان ظهاره ذلك لازما له. قال سحنون: وكذلك لو أنه كان طلق ثم أسلمت بقرب ذلك لزمه الطلاق لأنها لم تكن خرجت من ملك النكاح الذي طلق فيه، ألا ترى أنها إنما تكون عنده لو لم يطلق على النكاح الأول بلا تجديد نكاح من ذي قبل. قلت: أرأيت لو ظاهر من امرأته وهي صبية أو محرمة أو حائض أو رتقاء؟ قال: هذا مظاهر منهن كلهن لأنهن أزواج وقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} .
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 24.

فيمن قال إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي وأنت طالق
قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأة إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي وأنت طالق،

في الرجل يظاهر ويولي من امرأة وفي إدخال الإيلاء على الظهار ومن أراد الوطء قبل الكفارة
قلت: أرأيت إن قال الرجل لامرأة إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، ووالله لا أقربك، أيلزمه الظهار والإيلاء جميعا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: يلزمه الإيلاء والظهار جميعا قلت: وقوله لامرأة لم يتزوجها إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك، فتزوجها، مثل قوله لامرأة نفسه والله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قال لامرأة إن تزوجتك فوالله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي. فتزوجها أيلزمه الإيلاء والظهار جميعا في قول مالك؟ قال: نعم، وهو بمنزلة رجل قال لامرأته والله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي فهو مول مظاهر منها. من أراد الوطء قبل الكفارة قلت: أرأيت إن ظاهر من امرأته، فأراد أن يجامعها قبل الكفارة أتمنعه المرأة من ذلك أم لا وكيف إن خاصمته إلى القاضي، أيحول بينه وبين جماعها حتى يكفر في قول مالك أم لا؟ قال: نعم.
قلت: وترى أن يؤدبه السلطان على ذلك إن أراد أن يجامعها قبل الكفارة؟ قال: نعم. قلت: أيباشرها قبل أن يكفر أو يقبلها؟ قال: قال مالك: لا يباشر ولا يقبل ولا يلمس، قال مالك: ولا ينظر إلى صدرها ولا إلى شعرها حتى يكفر، لأن ذلك لا يدعو إلى خير. قلت: ويكون معها في البيت ويدخل عليها بلا إذن؟ قال: ما أرى بذلك بأسا

إذا كان تؤمن ناحيته. قال ابن وهب قال يونس، وقال ابن شهاب وليس له أن يتلذذ بها ولا يقبلها قبل أن يكفر. قال ابن وهب قال يونس قال ربيعة: ليس له أن يتلذذ منها بشيء. قلت: هل يدخل الإيلاء على الظهار في قول مالك؟ قال: نعم يدخل الإيلاء على الظهار إذا كان مضارا ومما يعلم ضرره أن يكون يقدر على الكفارة فلا يكفر، فإنه إذا علم ذلك فمضت أربعة أشهر أو أكثر وقف مثل المولي فإما كفر وإلا طلقت عليه. قلت: أرأيت إن قال: إن قربتك فأنت علي كظهر أمي، متى يكون مظاهرا أساعة تكلم بذلك أو حتى يطأ؟ قال: هو مول في قول مالك ساعة تكلم بذلك، فإن وطئ سقط الإيلاء عنه ولزمه الظهار بالوطء ولا يقربها بعد ذلك حتى يكفر كفارة الظهار، فإن تركها لا يكفر كفارة الظهار كان سبيله ما وصفت لك في قول مالك في المظاهر المضار. قلت: لم قال مالك: إذا ظاهر من امرأته فقال لها: أنت علي كظهر أمي إنه مول إن تركها ولم يكفر كفارة الظهار وعلم أنه مضار وليس هذا بيمين لأنه لم يقل إن قربتك فأنت علي كظهر أمي وإنما قال: أنت علي كظهر أمي فهذا لا يكون يمينا فلم جعله مالك موليا وجعله يمينا؟ قال: قال مالك: لا يكون موليا حتى يعلم أنه مضار، فإذا علم أنه مضار حمل محمل الإيلاء لأن مالكا قال: كل يمين منعت من الجماع فهي إيلاء، وهذا الظهار إن لم يكن يمينا عند مالك فهو إذا كف عن الوطء وهو يقدر على الكفارة علم أنه مضار، فلا بد أن يحمل محمل المولي.
وقال سحنون وغيره: والظهار ليس بحقيقة الإيلاء ولكنه من شرح ما يقدر عليه الرجل فيما يحلف فيه بالطلاق ليفعلنه، ثم يقيم وهو قادر على فعله فلا يفعله وتكون زوجته موقوفة عنه لا يصيبها لأنه على حنث، فيدخل عليه الإيلاء إذا قالت امرأته هذا ليس يحل له وطئي وهو يقدر على أن يحل له بأن يفعل ما حلف عليه ليفعلنه فيحل له وطئي، فكذلك التي ظاهر منها تقول هذا لا يحل له وطئي، وهو يقدر على أن يحل له بأن يكفر فيجوز له وطئي فهو يبتدئ به أجل المولي بالحكم عندما يرى السلطان من ضرره إذا رآه، ثم يجري الحساب بالمولي غير أن فيئته أن يفعل ما يقدر عليه من الكفارة، ثم لا يكون عليه إذا فعله أن يصيب إذا حل له الوطء كما لم يكن على الذي حلف ليفعلن إذا فعله أن يصيب. وقال ربيعة وابن شهاب في الذي حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا: إنه لا يمس امرأته، قالا ينزل بمنزلة الإيلاء قلت: وإذا قال: أنا أكفر ولم يقل أنا أطأ، أيكون له ذلك في قول مالك؟ قال: نعم لأن فيئه الكفارة ليس الوطء؛ لأنه إذا كفر عن ظهاره فقد سقط عنه الإيلاء وكان له أن يطأ بلا كفارة، فإذا كفر عن ظهاره فلا

يكون موليا، وإذا لم يكن يعلم منه الضرر وكان يعمل في الكفارة فلا يدخل عليه الإيلاء.
قلت: أرأيت إن كان ممن لا يقدر على عتق وهو يقدر على الصوم في الأربعة الأشهر، فلم يصم الشهرين عن ظهاره في الأربعة الأشهر حتى مضت الأربعة الأشهر، أيكون موليا منها ويكون لها أن توقفه؟ قال: نعم. وقد روى غيره أن وقفه لا يكون إلا من بعد ضرب السلطان أجله، وكل لمالك والوقف بعد ضرب الأجل أحسن. قلت: فإن وقفته، فقال الزوج: دعوني أنا أصوم شهرين عن ظهاري؟ قال: ذلك له ولا يعجل عليه السلطان إذا قال: أنا أصوم عن ظهاري قلت: أرأيت إن ترك فلم يصم حتى مضى شهر، فرفعته أيضا إلى السلطان فقالت: هذا هو مفطر قد ترك الصيام، أو لما تركه السلطان ليصوم ترك الصوم يوما أو يومين أو خمسة أيام، فرفعته امرأته إلى السلطان، أيكون هذا مضارا ويفرق السلطان بينهما في قول مالك أم لا؟ قال: يختبر بذلك المرتين والثلاثة ونحو ذلك، فإن فعل وإلا فرق السلطان بينهما ولم ينتظره، لأن مالكا قال في المولي إذا قال: أنا أفيء فانصرف فلم يف فرفعته أيضا إلى السلطان: إنه يأمره بذلك ويختبره المرة بعد المرة، فإن لم يف وعرف كذبه ولم يكن له عذر طلق عليه. قلت: أرأيت إن تركها أربعة أشهر ولم يكفر كفارة الظهار فرفعته إلى السلطان، فقال: دعوني حتى أكفر كفارة الظهار أصوم شهرين متتابعين وأجامعها وقالت المرأة لا أؤخرك؟ قال: قال مالك في المولي إذا أتت الأربعة الأشهر فكان في سفر أو مريضا أو في سجن: إنه يكتب إلى ذلك الموضع حتى يوقف في موضعه ذلك، فإما فاء وإما طلق عليه السلطان، ومما يعرف به فيئته أن يكون يقدر على الكفارة فيكفر عن يمينه التي كانت عليه في الإيلاء، فإن قال أنا أفيء في موضعه ذلك وكفر تلك وإن أبى من ذلك طلقت عليه. قلت: أرأيت إن أبى أن يكفر وقال أنا أفيء؟ قال: لم أر قول مالك في هذا إنه يجزئه قوله. "أنا أفيء" دون أن يكفر، ولم ير له الفيء ههنا دون الكفارة لأنه يعلم أنه لا يطأ وهو مريض أو غائب أو في سجن لا يقدر عليه. قال: ولقد سألنا مالكا عن الرجل يولي من امرأته فيكفر عن يمينه قبل أن يطأ أترى ذلك مجزئا عنه؟ قال: نعم. قال مالك: وأصوب مما فعل عندي أن لو وطئ قبل أن يكفر، ولكن من كفر قبل أن يطأ فهو مجزئ عنه فهذا مما يوضح لك مسألتك ويوضح لك ما أخبرتك من قول مالك في الذي يريد الفيء في السفر إذا كفر أو في السجن إذا كفر أن الإيلاء يسقط عنه. قلت: أرأيت إن كان هذا المولي المظاهر لما وقفته بعد مضي الأربعة الأشهر إن كان ممن يقدر على رقبة أو إطعام، فقال: أخروني حتى أطعم وحتى أعتق عن ظهاري ثم أجامعها، وقالت المرأة لا تؤخروه؟ قال: يتلوم له

السلطان ولا يعجل عليه ويأمره أن يعتق أو يطعم ثم يجامع. فإن عرف السلطان أنه مضار وإنما يريد اللدد والضرر طلق عليه ولم ينتظره إذا كان قد تلوم له مرة بعد مرة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قول مالك في الإيلاء والظهار جميعا إلا أنه في الإيلاء إن كفر سقط عنه بحال ما وصفت لك، وإن كفر عن الظهار سقط عنه الظهار أيضا في قول مالك.

في المظاهر يطأ قبل الكفارة ثم تموت المرأة أو يطلقها
قلت: أرأيت إن ظاهر فجامع قبل أن يكفر، أتجب عليه الكفارة إن طلقها أو ماتت تحته أو مات عنها؟ قال: قال مالك: قد وجبت عليه الكفارة بجماعه إياها مات عنها أو طلقها أو ماتت عنده. قال مسلمة بن علي عن الأوزاعي عن حسان بن عطية أن أوس بن صامت ظاهر من امرأته ثم أتاها قبل أن يكفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ساء ما صنعت" ، وأعطاه خمسة عشر صاعا من شعير، فقال: "تصدق بها على ستين مسكينا" حين لم يجد ما يعتق ولم يستطع الصوم. وقال سعيد بن المسيب وربيعة ويحيى بن سعيد وطاوس وأبو الزناد وعطاء بن أبي رباح في المتظاهر يطأ قبل أن يكفر: إنه ليس عليه إلا كفارة واحدة.

فيمن ظاهر وهو معسر ثم أيسر أو أدخل في الصيام أو الطعام ثم أيسر
قلت: أرأيت إن ظاهر رجل وهو معسر ثم أيسر؟ قال: قال مالك: لا يجزئه الصيام إذا أيسر. قلت: أرأيت إن أعسر بعدما أيسر؟ قال: أرى أن الصوم يجزئه لأنه إنما ينظر إلى حاله يوم يكفر ولا ينظر إلى حاله قبل ذلك. قال: فقلنا لمالك وإن دخل في الصيام أو أطعم فأيسر أترى العتق عليه؟ قال: إن كان إنما صام اليوم واليومين وما أشبهه فأرى ذلك حسنا أن يرجع إلى العتق ولست أرى ذلك بالواجب عليه، ولكنه أحب ما فيه إلي وإن كان صام أياما لها عدد، فلا أرى ذلك عليه بواجب وأرى أن يمضي على صيامه. قال مالك: وكذلك الإطعام مثل ما فسرت لك في الصيام. قلت: فإن كان يوم جامعها معدما إنما هو من أهل الصيام لأنه لا يقدر على رقبة ولا على الإطعام، ثم أيسر بعد ذلك قبل أن يكفر؟ قال: قال مالك: عليه العتق لأنه إنما ينظر إلى حاله يوم يكفر ولا ينظر إلى حاله يوم جامع ولا يوم ظاهر.

في كفارة العبد في الظهار
قلت: أرأيت العبد إذا ظاهر أيجزئه العتق أم الإطعام إذا أذن له سيده أم لا وهل يجزئه الصوم وقد أذن له سيده في الإطعام أو العتق؟ قال: قال مالك: أما العتق فلا يجزئه وإن أذن له سيده. قال مالك: وأحب إلي أن يصوم. قلت: فإن كان قد أذن له سيده في الطعام فالصيام أحب إليه منه؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: والصيام عليه وهو الذي فرضه الله على من قوي عليه وليس يطعم أحد يستطيع الصيام. قلت: هل يجزئ العبد أن يعتق بإذن سيده في كفارة الإيلاء أو في كفارة شيء من الأيمان، في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا.
قلت: أرأيت لو أن عبدا حلف بالله أن لا يكلم فلانا، فكلمه فأذن له سيده في الطعام أو الكسوة أو الصوم، أي ذلك أحب إلى مالك؟ أيطعم أم يكسو أم يصوم، وهل يجوز له أن يصوم وهو يقدر على الكسوة والإطعام إذا كان في يد العبد مال فأذن له سيده أن يطعم أو يكسو عن نفسه؟ قال: قال لي مالك الصيام أبين عندي من الإطعام وإن أذن له سيده، فأطعم أجزأ عنه وكان يقول في قلبي منه شيء. وقال ابن القاسم: هو مجزئ عنه إذا أذن له سيده؛ لأن سيده لو كفر عنه بالطعام، أو رجل كفر عن صاحبه بالطعام بإذنه أجزأ ذلك عنه، فهذا مما يبين لك أمر العبد. قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن يزيد عن محمد بن سيرين أنه قال: إذا تظاهر العبد ليس عليه إلا الصيام ولا يعتق. قال وكيع عن سفيان عن ليث عن مجاهد قال: ليس على العبد إلا الصيام.

فيمن تظاهر من امرأته ثم طلقها ثم كفر قبل أن يتزوجها
قلت: أرأيت إن ظاهر من امرأته ثم طلقها ثلاثا أو واحدة، فبانت منه، فلما بانت منه أعتق رقبة عن ظهاره منها أو صام إن كان لا يقدر على رقبة، أو أطعم إن كان من أهل الإطعام، هل يجزئه هذا في الكفارات عن ظهاره منها إن هو تزوجها من ذي قبل؟ قال: لا يجزئه قلت: لم لا يجزئه والظهار لم يسقط عنه في قول مالك؟ قال: إذا خرجت المرأة من ملكه فقد سقط عنه الظهار لأنه لا ظهار عليه، لو ماتت أو لم يتزوجها وإنما يرجع عليه الظهار إذا هو تزوجها من ذي قبل، فإذا تزوجها من ذي قبل فلزمه الظهار فلا تجزئه تلك الكفارة، لأن الكفارة لا تجزئ إلا أن يكون الظهار لازما، فأما في حال الظهار فيه غير لازم فلا يجزئ في تلك الحال الكفارة.

قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأة أجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، فكفر عن ظهاره هذا قبل أن يتزوجها ثم تزوجها؟ قال: لا يجزئه ذلك، وقد قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] فالعودة إرادة الوطء والإجماع عليه، فإذا أراد كفر بما قال الله، وإذا سقط موضع الإرادة للوطء لما حرم الله عليه من الفرج بالطلاق أو غيره لم يكن للكفارة موضع، وإن كفر كان بمنزلة من كفر عن غير شيء وجب عليه فلا يجزئه.

فيمن أكل أو جامع في صيام الظهار ناسيا أو عامدا
قلت: أرأيت من صام عن ظهاره فأكل في يوم من صيامه ذلك ناسيا؟ قال: قال لي مالك يقضي هذا اليوم ويصله بالشهرين، فإن لم يفعل استأنف الشهرين. قلت: أرأيت إن صام عن ظهاره فغصبه قوم نفسه فصبوا في حلقه الماء، أيجزئه ذلك الصوم عن ظهاره؟ قال: أرى أن يقضي يوما ويصله إلى الشهرين، فإن لم يفعل استأنف الشهرين. قلت: أرأيت إن جامع امرأته وهو يصوم عن أخرى من ظهاره ناسيا نهارا؟ قال: هذا يقضي يوما مكان هذا اليوم ويصله بالشهرين، لأن مالكا قال ذلك في الذي يأكل ناسيا وهو يصوم عن ظهاره: إنه يقضي يوما مكان هذا اليوم ويصله بالشهرين، فإن لم يصله بالشهرين استأنف الشهرين.
قلت: أرأيت إن صام عن ظهاره شهرا ثم جامع امرأته ناسيا ليلا أو نهارا، أيجزئه صومه ذلك في قول مالك؟ قال: يستأنف. قلت: لم؟ قال: لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] قال: ولا يشبه هذا الأكل والشرب، لأن الأكل والشرب يحل له بالليل وهو يصوم، والجماع لا يحل له على حال. قال: وسمعت مالكا يقول في المظاهر إن وطئ ليلا استأنف الصوم ولم يقل لي فيه عامدا ولا ناسيا. ورأيي في ذلك كله أنه واحد. قلت: وكذلك من جامع في الحج ناسيا فعليه أن يستأنف؟ قال: عليه أن يتم حجه ذلك ويبتدئ به من قابل ناسيا كان أو عامدا. قلت: أرأيت إن صام تسعة وخمسين يوما ثم، جامع ليلا أو نهارا يستأنف الكفارة أم لا؟ قال مالك: يستأنف الكفارة ولا تجزئه تلك الكفارة. قلت: وكذلك إن أطعم بعض المساكين ثم جامع؟ قال: قال مالك: يستأنف وإن كان بقي مسكين واحد.
قلت: أرأيت الطعام إذا أطعم عن ظهاره بعض المساكين، ثم جامع امرأته، لم قال مالك هذا يستأنف الطعام ولم يذكر الله سبحانه وتعالى في التنزيل في إطعام

المساكين من قبل أن يتماسا، وإنما قال ذلك في العتق والصيام؟ قال: إنما محمل الطعام عند مالك محمل العتق والصيام لأنها كفارة الظهار كلها، فكل كفارة الظهار تحمل محملا واحدا تجعل كلها قبل الجماع. ابن وهب عن محمد بن عمر وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء أرأيت إطعام ستين مسكينا قبل أن يتماسا فإنه لم يذكر في الطعام من قبل أن يتماسا؟ قال: نعم كل ذلك من قبل أن يتماسا. قال مسلمة وكان الأوزاعي يقول: وإن أطعم ثلاثين مسكينا ثم وطئ امرأته فإنه يستأنف الإطعام وقاله الليث.

فيمن أخذ في الصيام ثم مرض
قلت: أرأيت إن صام عن ظهاره شهرا ثم مرض، أيكون له أن يطعم وهو ممن لا يجد رقبة؟ قال: لا يكون ذلك له لأنه إذا صح صام. قلت: أرأيت إن تمادى به مرضه أربعة أشهر، أيكون موليا أم لا في قول مالك؟ قال: إنما قال مالك في المظاهر: إنه يوقف ويصنع به ما يصنع بالمولي إذا كان مضارا، فأما إذا لم يكن مضارا فلا يوقف ولا يدخل عليه شيء من ذلك، فهذا إذا تمادى به المرض فليس بمضار. قلت: أرأيت إذا تمادى به المرض فطال مرضه فاحتاج إلى أهله كيف يصنع؟ قال: إذا تمادى به المرض انتظر حتى إذا صح صام إلا أن يصيبه مرض يعلم أن مثل ذلك المرض لا يقوى صاحبه على الصيام بعد ذلك، فإن هذا قد خرج من أن يكون من أهل الصيام وصار من أهل الإطعام، وقال غيره إذا مرض فطال مرضه واحتاج إلى أهله فهو ممن لا يستطيع وعليه الإطعام.

فيمن ظاهر وليس له إلا خادم أو عرض قيمته قيمة رقبة
قلت: أرأيت إن ظاهر من امرأته وليس له إلا خادم واحدة، أيجزئه الصيام في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجزئه الصيام لأنه يقدر على العتق. قال مالك: وإن تظاهر من أمته وهو لا يملك غيرها لم يجزه الصيام أيضا وهي تجزئه نفسها إن أعتقها عن ظهاره، فإن تزوجها جاز له وأجزأه عتقها عن الظهار الذي كان تظاهر منها. قلت: أرأيت إن كان يملك من العروض ما يشتري به رقبة أو له دار يسكن به وثمنها قيمة رقبة، أيجزئه الصوم في قول مالك قال: قال مالك: لا يجزئه الصوم لأن هذا واجد لرقبة.

فيمن أطعم بعض المساكين وصام أو أعتق بعض رقبة وأطعم
قلت: أرأيت إن صام شهرا وأطعم ثلاثين مسكينا عن ظهاره، أيجزئه في قول

في الإطعام في الظهار
قلت: أرأيت إن أطعم عن ظهاره كم يطعم في قول مالك؟ قال: قال مالك: يطعم مدا مدا بالمد الهشامي كل مسكين. قلت: حنطة أو شعيرا؟ قال: حنطة. قلت: والشعير كم يطعم؟ قال: قال مالك: في كفارة الأيمان إن كان الشعير عيش أهل البلد أجزأ ذلك عنه كما تجزئ الحنطة سواء، ويطعمهم من الشعير وسطا من شبع الشعير، والتمر مثل الشعير إن كان التمر عيشهم، ويطعمهم الوسط منه أيضا في كفارات الأيمان، وأرى أن يطعم في الظهار من الشعير والتمر عدل شبع مد هشامي من الحنطة، ولا يطعمهم الوسط من الشبع، وإنما يكون الوسط من الشبع في كفارات الأيمان. قلت: هل يجزئه أن يغدي ويعشي ستين مسكينا في قول مالك في الظهار، أو يغديهم ولا يعشيهم أو يعشيهم ولا يغديهم أو يغديهم ويعشيهم؟ قال: بلغني أن مالكا يقول في كفارات الأيمان إن غداهم وعشاهم أجزأ عنه، ولم أسمع في الظهار أحدا يحد فيه غداء وعشاء إلا ما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مدين مدين.
قلت: لم قال مالك مدا بالهشامي؟ قال: لأن الهشامي هو بمد النبي صلى الله عليه وسلم مدان إلا ثلثا وهو الشبع الذي لا يعد له في الغداء والعشاء، فلذلك جوزه مالك. قال: ولا أظن من تغدى وتعشى يبلغ أن يطعم مدين إلا ثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار. قال ابن القاسم: وكان مالك يقول في الكفارات كلها في كل شيء من الأشياء مدا مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم في الإفطار في رمضان في الأيمان وفي كل شيء مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في كفارة الظهار، فإنه قال: مدا بالهشامي وهو مدان إلا ثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في كفارة الأذى مدين مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم: لكل مسكين. قال: وقال مالك: إطعام الكفارات في الأيمان مد بمد النبي لكل إنسان، وإن إطعام الظهار لا يكون إلا شبعا، لأن طعام الأيمان فيه شرط ولا شرط في طعام الظهار.
قلت: أرأيت ما كان من كفارة في الإفطار في رمضان، لم لا يحمله مالك محمل كفارة الظهار وإنما هو مثله عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا؟ قال: وقال مالك: إنما محمل ذلك محمل كفارة الأيمان ولا يحمل محمل كفارة الظهار، ولم يكن يرى مالك أن يكفر من أكل في رمضان إلا بإطعام ويقول هو أحب إلي من

العتق والصيام. قال مالك: وما للعتق وما له يقول الله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] فالإطعام أحب إلي.
قلت: أرأيت إن أعطى المساكين في كفارة الظهار الدقيق والسويق، أيجزئه كما تجزئ الحنطة والشعير في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجزئ السويق ولا الدقيق في صدقة الفطر، ولا أرى أن يجزئ الدقيق والسويق في شيء من الكفارات، إلا أني أرى إن أطعم في الكفارات كلها الطعام ما خلا كفارة الأذى وكفارة الظهار أن ذلك يجزئه. قلت: أرأيت الكفارات كلها إذا أعطى من الذي هو عيشهم عندهم، أيجزئ ذلك في قول مالك؟ قال: نعم يجزئهم ذلك. قلت: أرأيت إن أطعم في كفارات الأيمان فيما يجوز له أن يطعم الخبز وحده أيجزئ في قول مالك؟ قال: نعم يجزئه ذلك، ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه قال: يغدي ويعشي ويكون معه الإدام، فإذا أعطى من الخبز ما يكون عدل ما يخرج في الكفارات من كيل الطعام أجزأ عنه. قلت: ولا يجزئ في قول مالك أن يعطي في كل شيء من الكفارات العروض، وإن كانت تلك العروض قيمة الطعام؟ قال: نعم لا يجزئ. قلت: ولا يجزئ أن يعطي دراهم في قول مالك وإن كانت الدراهم قيمة الطعام؟ قال: نعم لا يجزئ عند مالك. قلت: أرأيت إن أطعم في كفارة الظهار نصف مد نصف مد حتى أكمل ستين مدا بالهشامي، فأعطى عشرين ومائة مسكين أيجزئه ذلك؟ قال: لا يجزئه ذلك وعليه أن يعيد على ستين مسكينا منهم نصف مد نصف مد بالهشامي حتى يستكمل ستين مسكينا لكل مسكين مد بالهشامي. قلت: ولا يجزئ أن يعطي ثلاثين مسكينا ستين مدا؟ قال: نعم، لا يجزئ ذلك عنه حتى يعطي ستين مسكينا مدا مدا. قلت: وإنما ينظر مالك في هذا إلى عدد المساكين ولا يلتفت إلى الأمداد؟ قال: نعم، إنما ينظر في هذا إلى عدد المساكين، فإذا استكمل عدد المساكين وأكمل لهم ما يجب لكل مسكين أجزأه ذلك وإن استكمل عدد المساكين ونقصهم مما يجب لهم في الكفارة لم يجز ذلك عنه، وإن أعطاهم ما نقصهم من الذي كان ينبغي له أن يعطيهم في الكفارة غيرهم من المساكين لم يجزه ذلك، وكذلك هذا في جميع الكفارات كلها في فدية الأذى لا يجزئه أن يعطي اثني عشر مسكينا اثني عشر مدا، ولكن يعطي ستة مساكين اثني عشر مدا لكل مسكين مدين مدين بمد النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك في كفارة الإفطار في رمضان لا يجزئه أن يعطي عشرين ومائة مسكين نصف مد نصف مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يعطي ستين مسكينا مدا مدا بمد النبي، ولا يجزئه أن يعطي ثلاثين مسكينا مدين مدين. وقد سئل الشعبي في كفارة الظهار، أيعطي

أهل بيت فقراءهم عشرة إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا إطعام ستين مسكينا، كما أمركم الله، الله أعلم بهم وأرحم.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن أطعم ثلاثين مسكينا في كفارة الظهار حنطة، ثم ضاق السعر واشتدت حال الناس حتى صار عيشهم التمر أو الشعير، أيجزئه أن يطعم ثلاثين مسكينا بعد الثلاثين الذين ذكرت لك من هذا الذي صار عيش الناس؟ قال: نعم، قلت: وكذلك لو أطعم ثلاثين مسكينا في بلاد عيشهم فيها الحنطة، ثم خرج إلى بلد عيشهم فيها الشعير أو التمر فأطعم هناك ما هو عيش أهل تلك البلاد أجزأ ذلك عن ظهاره؟ قال: نعم. قلت: وكذلك هذا في جميع الكفارات؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن لم يجد إلا ثلاثين مسكينا، أيجزئه أن يطعمهم اليوم نصف الكفارة وغدا نصف الكفارة في قول مالك؟ قال: لا يجزئه. سفيان عن جابر قال: سألت الشعبي عن الرجل يردد على مسكينين أو ثلاثة فكرهه. قال ابن القاسم: فإن لم يجد عنده في بلاده فليبعث به إلى بلاد أخر وذلك أني سمعت مالكا وسئل عن رجل كانت عليه كفارتان أطعم اليوم عن كفارة، فلما كان من الغد أراد أن يطعمهم أيضا عن كفارة اليمين الأخرى ولم يجد غيرهم. قال: لا يعجبني ذلك. قلت: كانت هاتان الكفارتان من شيء واحد أم من شيئين مختلفين؟ قال: إنما سألنا مالكا عن كفارتين في اليمين بالله فقال: ما أخبرتك. قلت: وإن افترقت الكفارتان، فكانت عن ظهار وعن إفطار في رمضان؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وقد أخبرتك من قوله في كفارة اليمين بالله أنه كرهه وهذا مثله عندي ابن مهدي عن بشر بن منصور قال: سألت يونس بن عبيد عن الرجل تكون عليه يمينان فيدعو عشرة فيطعمهم ثم يدعوهم من الغد، فكره ذلك وقال: لا ولكن يدعوهم اليوم، فإن حدثت يمين أخرى فليدعهم بالغد إن شاء قلت: أرأيت إن أطعم في كفارة الظهار أو في شيء من الكفارات أخا أو أختا أو والدا أو ولدا، أو ذا رحم محرم؟ فقال سألت مالكا عن ذلك، فقال: لا يطعم في شيء من الكفارات أحدا من أقاربه، وإن كانت نفقتهم لا تلزمه ولا يطعمهم في شيء من الكفارات التي عليه. قلت: أيجزئ في قول مالك أن يطعم مكاتبه؟ قال ابن القاسم: لا يطعم مكاتبه ولا مكاتب غيره ولا عبدا ولا أم ولد ولا أحدا من أهل الذمة. قال: وقال مالك: ولا يجزئ أن يطعم في الكفارات كلها إلا حرا مسلما. قال: وقد قال ذلك ربيعة ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، قال نافع: نصراني. وقال ربيعة وغيره من أهل العلم: نصراني ويهودي وعبد. قلت لابن القاسم: أفيجزئ أن يطعم الأغنياء؟ قال: قال الله تعالى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} . فلا يجزئ أن يطعم الأغنياء.
قلت: أرأيت إن أطعم ذميا أو عبدا في شيء من الكفارات أيعيد؟ قال: نعم إنه يعيد،

وكذلك إن أطعم الأغنياء إنه يعيد أيضا. قلت: أرأيت إن أطعم بعض من لا تلزمه نفقته من قرابته؟ قال مالك: لا أحب أن يطعم أحدا من قرابته وإن كانت نفقته لا تلزمه. قلت: فإن فعل أيعيد؟ قال: لا يعيد إذا كانوا مساكين. قال ابن القاسم: قلت لمالك الصبي المرضع أيطعم في الكفارات؟ قال: نعم إذا كان قد أكل الطعام. قلت: ويحسبه له مالك في العدد ويجعله مسكينا. قال: نعم. قال ابن القاسم وقال مالك: إذا كان قد بلغ أن يأكل الطعام أطعم في الكفارات، فأنا أرى أنه إن كان في يمين بالله أعطي بمد النبي وإن كان في كفارات الظهار أعطي بمد هشام، وإن كان في فدية أذى أعطي مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم.

الكفارة بالعتق في الظهار
قلت: أرأيت إن أعتق عن ظهار عليه نصف عبد لا مال له غيره، ثم اشترى بعد ذلك النصف الباقي فأعتقه عن ظهاره أيجزئه أم لا؟ قال: لا أرى أن يجزئه، وما سمعت من مالك في هذا بعينه شيئا إلا أن مالكا قال في العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصفه فيقوم عليه ولا يوجد له مال فيرق نصفه لصاحبه ثم ييسر الذي أعتق بعد ذلك فيشتري النصف الباقي أو يرثه أو يوهب له أو يوصى له به فيقبله أنه لا يعتق، فلما كان إذا اشترى النصف الباقي لم يعتق عليه لم يجزه عن ظهاره وإن أعتق النصف الذي اشترى عن ظهاره لم يجزه أيضا لأنه قد كان حين ملكه لا يعتق عليه إلا بعتق من ذي قبل، والظهار لا يكون فيه تبعيض العتق ولو كان الشريك المعتق لنصفه عن ظهاره موسرا لم يجزه النصف الباقي إن قوم عليه عن ظهاره، ألا ترى أنه لما أعتق نصفه لزمه أن يقوم عليه النصف الباقي بما أفسد فيه قبل أن تتم كفارته، فصار هذا النصف يعتق عليه بحكم، أولا ترى أن التي تشترى بشرط لا تجزئ ولا يجزئ من جرى فيه عقد عتق من مدبر أو مكاتب أو معتق إلى أجل أو أم ولد أو بعض من يعتق عليه إذا ملكه لأنه يستطيع أن يملكه ملكا تاما، فكذلك النصف الذي وجب عليه تقويمه لا يستطيع أن يملكه إلا إلى عتق لما دخله من العتق وأنه يعتق عليه بحكم.
قلت: أرأيت إن قال: اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه عن ظهاره؟ قال: لا يجزئه، لأن مالكا قال: من اشترى أحدا ممن يعتق عليه في ظهاره قال: لا يجزئه ولا أرى أن يجزئه إلا رقبة يملكها قبل أن تعتق عليه، فكذلك مسألتك لأنه لا يملكها حتى تعتق عليه. قلت: أرأيت إن اشترى أبا نفسه عن ظهاره؟ قال: هل يجزئه في قول مالك؟ قال: قال لي مالك غير مرة لا يجزئه. قلت: وكذلك إن اشترى من ذوي المحارم ممن يعتق

عليه، فاشتراه عن ظهار لا يجزئه ذلك في قول مالك؟ قال: نعم كذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن وهب له أبوه فقبله ونوى به عن ظهاره أيجزئه؟ قال: لا يجزئ. قلت: وكذلك إن أوصى له به فقبله ونوى به عن ظهاره؟ قال: لا يجزئ. قلت: وكذلك إن ورثه فنوى به عن ظهاره؟ قال: ذلك أيضا لا يجزئ. قلت: هل يجزئ المكاتب والمدبر وأم الولد في كفارة الظهار أو في شيء من الكفارات؟ قال: قال مالك: لا يجزئ. قلت: أرأيت المكاتب الذي لم يؤد شيئا من نجومه، هل يجزئ في قول مالك في شيء من الكفارات؟ قال: لا يجزئ في قول مالك. قلت: أرأيت ما في بطن الجارية، هل يجزئ إن أعتقه في شيء من الكفارات؟ قال: لا يجزئ في قول مالك. قلت: ويكون حرا ولا يجزئ؟ قال: نعم، إن ولدته فهو حر ولا يجزئ.
قلت: أرأيت إن أعتق عبدا عن ظهاره أو عن شيء من الكفارات على مال يجعله عليه دينا يؤديه العبد إليه يوما ما؟ قال: لا يجزئه ذلك. قلت: أرأيت إن أعتق رجل عبدا من عبيده عن رجل عن ظهاره على جعل جعله له، أيكون الولاء للذي أعتق عنه ويكون الجعل لازما للذي جعله له؟ قال: نعم، ولا يجزئه عن ظهاره والجعل له لازم والولاء له، وهذا يشبه عندي أن يشتريها بشرط، فيعتقها عن ظهاره، فلا يجزئه ذلك وهو حر والولاء له إذا أعتقه. قلت: أريت إن أعتق عن ظهاره عبدا أقطع اليد الواحدة؟ قال: قال مالك: لا يجزئه. قلت: فإن كان مقطوع الأصبع أو الأصبعين؟ قال ابن القاسم: لا يجزئه. قلت: أرأيت إن كان أجذم أو أبرص أو مجنونا، أيجزئ عنه في قول مالك؟ قال: أما الأجذم فلا يجزئ في قول مالك وكذلك المجنون لا يجزئ في قوله، وأما الأبرص فسمعت مالكا يقول في الأصم: إنه لا يجزئ في الكفارة فالأصم أيسر شأنا من الأبرص، فالأبرص لا يجزئ وقال غيره في الأبرص إذا كان خفيفا ولم يكن مرضا أجزأه.
قلت لابن القاسم: أرأيت الخصي المجبوب، أيجزئ في الكفارات في قول مالك؟ قال: لم أسمع فيه شيئا إلا أني رأيت مالكا يضعف شأن الخصي في غير وجه واحد، سمعته يكره أن يكون الخصي إماما راتبا في مساجد القبائل أو مساجد الجماعات، والخصي إنما ارتفع ثمنه بما صنع فيه من الأباطيل حين أنثوه وقد انتقص بدنه فغير الخصي أحب إلي من الخصي في الكفارات قلت: هل يجزئ الأخرس في شيء من الكفارات؟ قال: قال مالك: لا يجزئ. قلت: ولا الأعمى؟ قال: قال مالك: ولا الأعمى لا يجزئ. قلت: أرأيت المجنون الذي يجن

ويفيق، هل يجزئ في شيء من الكفارات؟ قال: قال مالك: لا يجزئ وقال مالك: لا يجزئ الأصم. قلت: وهل يجزئ المفلوج اليابس الشق؟ قال: لا يجزئ. قلت: أرأيت إن أعتق عن ظهاره أو في شيء من الكفارات عبدا مقطوع الأذنين، هل يجزئه ذلك في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه كره الأصم وقال لا يجزئ فالمقطوع الأذنين عندي بهذه المنزلة. قلت: أرأيت إن أعتق عبدا مقطوع الإبهام أو الإبهامين جميعا، أيجزئه في الكفارة في ظهاره أو في شيء من الكفارات في قول مالك؟ قال: لا يجزئه لأن مالكا قد قال فيما هو أخف من هذا لا يجزئه. قلت: أرأيت الأشل يجزئ في شيء من الكفارات في قول مالك؟ قال: لا يجزئ، وقال غيره في مقطوع الأصبع: إنه يجزئ. قلت لابن القاسم: أرأيت إن أعتق عبدا عن ظهاره من امرأتين ولا ينوي به عن واحدة منهما ثم نوى به عن إحداهما بعد ذلك؟ قال: لا يجزئه ذلك.
قلت: أرأيت إن أعتق عبدا عن ظهاره عن امرأتيه جميعا، ثم أعتق بعد ذلك رقبة أخرى أيجزئه ذلك؟ قال: لا يجزئه ذلك، وإن أعتق بعد ذلك رقبة أخرى لم تجزئ عنهما، لأن الأولى إنما أعتقت عنهما فصار إن أعتق عن كل واحدة نصف رقبة فلا تجزئ، ولا تجزئ أخرى بعدها وإن جبرها بها، وإنما يجزئ أن لو أعتق رقبة عن واحدة منهما وإن لم ينوها ثم أعتق بعد ذلك رقبة أخرى أجزأت عنه لأنا علمنا أنه إنما خص بالرقبة واحدة منهما ولم يشركهما فيها، فلما أعتق الأخرى لم تبال الأولى لأيتهما كانت، للأولى أم للآخرة إلا أنه لا يطأ واحدة منهما حتى يعتق الرقبة الأخرى وهذا أحسن ما سمعت. قلت: أرأيت ما لم يذكر الله في القرآن مؤمنة أيجوز فيه اليهودي والنصراني؟ قال: قال مالك: لا يجوز في شيء من الكفارات في العتق إلا مؤمنة. قال: ولا أرى يطعم في شيء من الكفارات إلا مؤمن ولا يطعم منها غير المؤمنين. قلت: أرأيت إن أعتق عن ظهاره عبدا أعور أيجزئه ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم يجزئه. قلت: هل يجيز مالك العتق في الكفارات في الظهار وفي الأيمان وفي غير ذلك من الكفارات العبد المعيب إذا لم يكن عيبه فاحشا؟ قال: سألت مالكا عن الأعرج يعتق في الكفارات الواجبة فقال لي: إن كان شيئا خفيفا أجزأ ذلك عنه، فأحب ما فيه إلي أنه إن كانت هذه العيوب التي ذكرت شيئا خفيفا مثل العرجة الخفيفة والجدع في الأذن وقطع الأنملة وطرف الأصبع وما أشبهه، فأرجو أن يجزئ في الكفارات، كلها إذا كان مؤمنا، وما كان من ذلك عيبا مضرا به حتى ينقصه ذلك نقصانا فاحشا أو ينقصه فيما يحتاج إليه من غناه وجزاه، رأيت أن لا يجوز في الكفارات.
قلت: أرأيت العبد الصغير والأمة الصغيرة هل يجوز في كفارة الظهار؟ قال: سألت مالكا

عن ذلك فقال: نعم، يجوز وإن كان صغيرا إذا كان ذلك من قصر النفقة. قال مالك: وأحب إلي أن يعتق من صلى وصام. قال ابن القاسم: فمعنى قوله من صلى وصام أي من قد عقل الإسلام والصلاة والصيام، ثم سمعته بعد ذلك يقول وابتدأنا بالقول فقال: إن رجلا يختلف إلي في ظهار عليه يريد أن يعتق صبيا فنهيته عن ذلك وهو يختلف إلى الأرخص له، فلم أر محمل قوله ذلك اليوم إلا أن الرجل كان غنيا فلذلك لم يأمره بذلك مالك ولذلك نهاه. قال: ولقد سألت مالكا عن الأعجمي يشتريه فيعتقه عن ظهاره؟ قال: نعم إن كان من ضيق النفقة فأرجو أن يجزئ عنه. قال مالك: ومن صلى وصام أحب إلي من أعجمي قد أجاب إلى الإسلام. قلت: أرأيت إن أعتق رجل عبدا من عبيده عن رجل عن ظهاره أو عن شيء من الكفارات فبلغه، فرضي بذلك أيجزئه ذلك عن ظهاره ومن الكفارة التي وجبت عليه في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك الساعة، ولكن مالكا قال لي إذا مات الرجل وقد جامع امرأته بعدما ظاهر منها فوجب عليه كفارة الظهار، فأعتق عنه رجل رقبة عن ظهاره: إن ذلك مجزئ عنه وكذلك قال مالك في الكفارات إذا مات رجل وعليه شيء من الكفارات فكفر عنه رجل بعد موته: إنه مجزئ عنه فأرى أن ذلك مجزئا عنه إذا كفر عنه وهو حي فرضي بذلك لأن مالكا قال أيضا في الذي يعتق عبدا من عبيده عن رجل من الناس: إن الولاء للذي أعتق عنه وليس الولاء للذي أعتق. وقال غيره: لا يجزئ وهو أحج وأحسن، وقد قال ابن القاسم غير هذا إذا كان بأمره وهو أحسن من قوله هذا، ألا ترى أن الذي أعتق عنه بغير أمره إن قال: "لا أجيز" أن ذلك ليس بالذي يرد العتق وإن قال: "قد أجزت" فإنما أجاز شيئا قد فات فيه العتق؟ أولا ترى أن الله يقول {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فإذا كفر عنه قبل أن يريد العود فقد جعلت الكفارة في غير موضعها، ألا ترى أنه هو لو أعتق رقبة قبل أن يريد العودة، ثم أراد العودة لم يجزه، وقد كان كبار أصحاب مالك يقولون إذا كفر المتظاهر بغير نية للجماع كما قال الله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} ، فمعنى يعودون يريدون أن ذلك لا يجزئه.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن أعتق عبدا عن ظهاره وفي يد العبد مال؟ فقال له سيده: أعتقك عن ظهاري أو عن شيء من الكفارات على أن تعطيني هذا المال الذي عندك؟ فقال: إذا كان المال عند العبد قبل أن يعتق ولم يجعل السيد المال عليه للعتق دينا فلا بأس بذلك، لأن هذا المال قد كان للسيد أن ينتزعه وإنما اشترط أخذه من العبد فلا بأس بذلك، وقد سمعت مالكا وسأله رجل عن رجل أوصى إليه بعتق رقبة فوجد رقبة تباع فأبى أهلها أن يبيعوها إلا أن يدفع العبد إلى سيده مالا. قال: إن كان ينقده العبد فلا بأس بأن يبتاعها الوصي ويعتقه عن الذي أوصى إليه، فردد عليه الرجل، فقال: إنما

يبيعه لمكان ما يأخذ منه وأنا لم أدخل في ذلك بشيء، والقائل أنا لم أدخل في ذلك بشيء هو المشتري فقال مالك: أليس يدفع إليه ذلك نقدا؟ قال: بلى، قال: فاشتره وأعتقه عن صاحبك ولا شيء عليك وهو يجزئ عن صاحبك فمسألتك مثل هذا وأخف لأنه إنما يأخذ ماله من عبده وهو قد كان يجوز له أن يأخذه، فلا بأس أن يشترط أخذه، وقد قال ابن عمر ومعقل بن سنان صاحبا النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهما من أهل العلم لا تجزئ الرقبة تشترى بشرط في العتق الواجب. وقال ربيعة: لا تجزئ إلا مؤمنة. وقال عطاء: لا تجزئ إلا مؤمنة صحيحة. وقال يحيى بن سعيد وإبراهيم النخعي والشعبي في الأعمى لا يجزئ. وقال ابن شهاب مثله. وقال ابن شهاب ولا مجنون ولا أعمى ولا أبرص. قال يحيى ولا أشل وقال عطاء ولا أعرج ولا أشل. وقال إبراهيم النخعي والحسن يجزئ الأعور، وكان إبراهيم يكره المغلوب على عقله. وقال ربيعة لا تجزئ أم الولد ولا المكاتب. وقال إبراهيم النخعي والشعبي لا تجزئ أم الولد. وقال ابن شهاب لا يجزئ المدبر لما عقد له من العتق، وإن أبا هريرة وفضالة بن عبيد قالا: يعتق ولد الزنا فيمن عليه عتق رقبة، وقال عبد الله بن عمر وربيعة وابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة وعطاء وخالد بن أبي عمران يجزئ الصبي الصغير المرضع في الكفارة وقاله الليث وإن كان في المهد، والأجر على قدر ذلك. قال: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل، أي الرقاب أفضل؟ فقال: "أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها"1 لابن وهب من موضع اسمه.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العتق حديث"15" عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. البخاري في كتاب العتق باب 2. مسلم في كتاب الإيمان حديث 136.

فيمن صام شهرا قبل رمضان وشهر رمضان
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا كان عليه صيام شهرين من ظهار، فصام شهرا قبل رمضان ورمضان ينوي بذلك شهري ظهاره جاهلا يظن أن رمضان يجزئه من ظهاره ويريد أن يقضي رمضان في أيام أخر؟ فقال: لا يجزئه من رمضان ولا من ظهاره شهر رمضان. قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الرجل يكون، عليه صيام شهرين في تظاهر أو قتل نفس خطأ. فيصوم ذا القعدة وذا الحجة. فقال لي: لا أرى ذلك يجزئ عنه وليبتدئ الصيام شهرين متتابعين أحب إلي. قال: فقلت يا أبا عبد الله: إنه دخل فيه بجهالة ورجا أن ذلك يجزئه؟ فقال: وما حمله على ذلك؟ فقلت: الجهالة، وظن أن ذلك يجزئه، فقال: عسى أن يجزئه وما هو عندي بالبين. قال: وأحب إلي أن يبتدئ. قال: فقال له بعض أصحابنا أفرأيت من سافر في شهري صيامه التظاهر فمرض فيهما فأفطر؟ فقال: إني أخاف أن يكون إنما هيج عليه مرضه السفر من حر أو برد أصابه ولو استيقن

أن ذلك كان من غير حر أو برد أصابه لرأيت أن يبني على صيامه ولكني أخاف. قال سحنون: وقد روينا غير هذا أنه لا شيء عليه لأنه فعل ما يجوز له وهو لا يمنع من السفر، فإذا سافر فمرض فلا شيء عليه ويبني.

في أكل المتظاهر ناسيا أو وطئه امرأته
قلت: أرأيت من أكل وهو يظن أن الشمس قد غابت وهو صائم في الظهار أو نذر أو قتل نفس أو فيما كان من الصيام، أليس سبيله سبيل من تسحر في الفجر وهو لا يعلم في قول مالك؟ قال: نعم، هو سبيله عند مالك في جميع ذلك. ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار في الرجل يفطر في اليوم المغيم يظن أن الليل قد دخل عليه في الشهرين المتتابعين، قالا: نرى أن يبدله ولا يستأنف شهرين آخرين. ابن وهب وقاله سليمان بن يسار وربيعة بن أبي عبد الرحمن. قلت لابن القاسم: أرأيت من صام شهرين متتابعين من ظهار فوطئ امرأته قبل أن يتم الشهرين ليلا ناسيا أو نهارا؟ فقال: قال لي مالك من وطئ امرأته وقد ظاهر منها وقد كان صام بعض الصيام قبل أن يطأ أو تصدق بجل الصدقة قبل أن يطأ، ثم وطئ فقال مالك: يبتدئ الصيام والطعام. قال ابن القاسم: ولم يقل لي مالك ناسيا في ليل ولا نهار، ولكن أرى أن يكون ذلك عليه ولو كان ناسيا، لأنه لو طلقها ألبتة وقد وطئها ناسيا لم يضع عنه نسيانه الكفارة التي وجبت عليه، ولو طلقها قبل أن يمسها وقد عمل في الكفارة لم يكن عليه أن يتم ما بقي من الكفارة. قال: فأرى الكفارة قد وجبت عليه بوطئه إياها ناسيا كان أو متعمدا، ليلا كان أو نهارا. وقد قال غيره ابن نافع إذا أخذ في الكفارة قبل الطلاق ثم طلق فأتم: إن ذلك يجزئه لأنه حين ابتدأ كان ذلك جائزا له ولأنه ممن كانت العودة له جائزة قبل أن يطلق. قال: قلت لابن القاسم: وكان مالك يقول إذا ظاهر منها ثم وطئها قبل الكفارة ثم طلقها أو ماتت عنه بعد أن وطئها: إن عليه الكفارة، وقد لزمته على كل حال، وإن طلقها أو ماتت عنه فلا بد من الكفارة لأنه وطئ بعد الظهار فبالوطء لزمته الكفارة وإن لم يطأ بعد أن ظاهر حتى طلق فلا كفارة عليه. قال: نعم هذا قول مالك لي.
قال سحنون وقد ذكرنا آثار هذا قبل هذا قلت: أرأيت إن هو ظاهر منها ثم طلقها ألبتة أو غير البتة قبل أن يطأها من بعد ما ظاهر منها ثم تزوجها بعد زوج، أيرجع عليه الظهار ولا يكون له أن يطأها حتى يكفر؟ قال: قال مالك: نعم لا يطؤها إذا تزوجها من بعد أن يطلقها حتى يكفر كان ذلك الطلاق ثلاثا أو واحدة. قلت: أرأيت من ظاهر من امرأته

أله أن يطأ جواريه ونساءه وغيرها قبل أن يكفر وفي خلال الكفارة ليلا أيضا في قول مالك؟ فقال: قال مالك: نعم، يطأ غيرها من نسائه وجواريه قبل أن يكفر، وفي خلال الكفارة ليلا إذا كانت كفارته بالصوم.

في القيء في صيام الظهار
قلت: أرأيت من تقيأ في صيام الظهار أيستأنف أم يقضي يوما يصله بالشهرين. فقال: يقضي يوما يصله بالشهرين.

في مرض المظاهر من امرأته وهو صائم
قال ابن القاسم: قال مالك من مرض في صيام التظاهر أو قتل النفس، فأفطر فإنه إذا أصبح وقوي على الصيام صام وبنى على ما كان صام قبل ذلك، وإن هو صح وقوي على الصيام فأفطر يوما من بعد قوته على الصيام استأنف الصوم ولم يبن. وقال من أفطر يوما من قضاء رمضان متعمدا لم يكن عليه إلا قضاء ذلك اليوم. قلت: أرأيت لو أن امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين، فحاضت في الشهرين ولم تصل أيام حيضتها بالشهرين، أتستأنف أم لا؟ قال: قال مالك: تستأنف إن لم تصل أيام الحيض بالشهرين.
قلت: أرأيت رجلا ظاهر من امرأته وهو ممن لا يجد رقبة فمرض، أيجوز له أن يطعم؟ فقال: ما سمعت من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال لي: إذا ظاهر فصام ثم مرض فإنه إن صح بنى على ما صام، فإن فرط حين صح استأنف بالشهرين. قلت: أرأيت قول الله تبارك وتعالى في كتابه {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] كيف هذا الذي لا يستطيع ومن هو؟ فقال: ما حفظت من مالك فيه شيئا إلا أنه عندي: الصحيح الذي لا يقوى على صيام من كبر أو ضعف، فإن من الناس من هو صحيح لا يقوى على الصيام وإني لأرى أن كل من مرض مثل الأمراض التي يصح من مثلها الناس أنه إن تظاهر وهو في ذلك المرض أو ظاهر ثم مرض ذلك المرض أنه ينتظر حتى يصح من ذلك المرض ثم يصوم إذا كان لا يجد رقبة، وكل مرض يطول بصاحبه فلا يدري أيبرأ منه أم لا يبرأ لطول ذلك المرض، ولعله أن يحتاج إلى أهله فأرى أن يطعم ويلم بأهله وإن صح بعد ذلك أجزأ عنه ذلك الطعام لأن مرضه كان يائسا، وقال غيره إلا أن يطول مرضه وإن كان ممن يرجى برؤه وقد احتاج إلى أهله فإنه يكفر بالطعام ابن وهب عن يونس قال: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون في المرأة

في كفارة المتظاهر
قال: وقال مالك فيمن تظاهر من أربع نسوة في غير مرة واحدة: إن عليه في كل واحدة منهن كفارة كفارة ولا تجزئه كفارة واحدة. قلت: أرأيت إن أعتق أربع رقاب في مرة واحدة عنهن، أيجزئه ذلك وإن لم يسم لكل واحدة رقبة بعينها؟ فقال: نعم يجزئه ذلك لأنه لم يشرك بينهن في العتق وإنما صارت كل رقبة لامرأة وذلك فيما بينه وبين الله ليس لهن من ولائهن شيء. قال: وإن أعتق ثلاث رقاب عن ثلاث أجزأه وإن لم يسم لكل واحدة منهن رقبة، وإن أعتق الثلاث الرقاب عن النسوة الأربع لم تجزه الرقاب في ذلك من ظهاره إذا نوى بهن عن جميعهن، لأنه إنما أعتق عن كل واحدة منهن ثلاثة أرباع رقبة، فليس له أن يعتق رقبة أخرى، فيجزئ ذلك عنه، ولو أعتق ثلاثا عن ثلاث وحاشا من نسائه واحدة لم ينوها بعينها لم يكن له أن يطأ حتى يعتق الرقبة الرابعة، فيطأهن، ولو ماتت واحدة منهن أو طلقها لم تجزه الثلاث حتى يعتق رقبة، فيجوز الوطء له حين أعتق ثلاثا عن ثلاث ولم يعتقهن عن جميعهن، لأنا لا ندري أيتهن الباقية، فلما أعتق الرقبة الرابعة فكان قد استكمل عنهن الكفارات ولم يشرك بينهن في أصل العتق، فلما ماتت واحدة أو طلقها قلنا لا نشك أن اثنين ممن قد بقي وقعت لهن الكفارة الأخرى التي ماتت أو بقيت فلا يطأ واحدة منهن حتى يعتق رقبة احتياطا للتي بقيت فيستكمل الكفارة، وأما الذي لا يجزئ عنه أن يعتق رقبة إذا ماتت واحدة منهن أو طلقها إذا أعتق ثلاثا عن أربع، فحينئذ يكون قد جعل لكل واحدة منهن في العتق نصيبا فلا يجزئه حتى يعتق أربع رقاب سواهن. قال: وإن صام ثمانية أشهر متتابعات يريد بذلك الكفارة عنهن، أشركهن جميعا في صيام كل يوم كما أشركهن في العتق، لم أر ذلك يجزئ عنه إلا أن ينوي بالصيام كفارة كفارة وإن لم يوقع ذلك على واحدة من نسائه بعينها كما وصفت لك في العتق، فيجزئ ذلك عنه وأما الطعام فأرى ذلك مجزئا عنه وذلك أني رأيته مجزئا لأنه لو ماتت واحدة منهن وقد أطعم عنهن عشرين ومائة مسكين سقط من ذلك حظ الميتة وجبر بما كان أطعم عن الثلاث اللائي بقين عنده بقية الإطعام، وذلك أنه لا بأس أن يفرق الإطعام، ولو أطعم اليوم عن هذه عشرين وعن هذه غدا ثلاثين وعن الأخرى بعد ذلك أربعين وعن الأخرى مثل ذلك ثم جبر ما بقي بعد ذلك عنهن أجزأ عنه. فلذلك رأيته مجزئا وإن لم ينو واحدة منهن فمن مات منهن فعل في أمرها كما فسرت لك، يجبر

ما بقي من الكفارة ويسقط قدر حظها لأنه أطعم عنهن كلهن ولم ينو واحدة عن واحدة. فهذا الذي أرى، والله أعلم بالصواب إلا أن يطعم فيشركهن أيضا في الإطعام في كل مسكين ولا يجزئ ذلك عنه إلا أن ينوي به مدا لكل مسكين في كفارته. وإن لم ينو امرأة بعينها فذلك يجزئه لأنه أطعم عنهن ولم ينو واحدة فهذا الذي أرى، والله أعلم.
قلت: أرأيت رجلا ظاهر من أربع نسوة له في كلمة واحدة، فصام شهرين متتابعين عن واحدة منهن فجامع في شهري صيامه بالليل واحدة من نسائه ممن لم ينو الصيام عنها، أيفسد ذلك صومه عن هذه التي نوى الصوم عنها؟ قال: نعم، قلت: ولم وإنما نوى بالصيام واحدة منهن؟ قال: لأنه لو حلف على ثلاثة أشياء بيمين واحدة، كقوله والله لا ألبس قميصا ولا آكل خبزا ولا أشرب، ثم فعل واحدة منهن حنث فوجبت عليه الكفارة، فلا شيء عليه فيما بقي مما كان حلف عليه إن فعله لو فعله. قال: ومما يبين ذلك في أنه لو كفر في قول من يقول: لا بأس بأن يكفر قبل الحنث، وقد قال مالك: أحب إلي أن يكفر بعد الحنث قال: وإن كفر قبل الحنث رجوت أن يجزئه في هذه الأشياء الثلاثة قبل أن يفعل واحدة منهن وإنما نوى بالكفارة عن شيء واحد من هذه الثلاثة إن أراد أن يفعله ولم تخطر له الاثنتان الباقيتان في كفارته فإنما أراد بكفارته عن ذلك الشيء الواحد ثم فعل بعد الكفارة هذين اللذين لم يرد بالكفارة عنهما فإنه لا تجب عليه كفارة أخرى في فعله وتجزئه الكفارة الأولى عن الثلاثة الأشياء التي حلف عليها. قال: وهذا رأيي ولقد سئل مالك عن رجل حلف بعتق رقبة أن لا يطأ امرأته، فكان في ذلك موليا فأخبر أن الإيلاء عليه فأعتق رقبة في ذلك إرادة إسقاط الإيلاء عنه أترى ذلك مجزئا عنه ولا إيلاء عليه؟ فقال نعم وإن كان أحب إلي أن لا يعتق إلا بعدما يحنث ولكن إن فعل فهو مجزئ عنه فهذا يبين لك ما كان قبله. قال: ومما يبين ذلك لو أن رجلا ظاهر من ثلاث نسوة له في كلمة واحدة فوطئ واحدة منهن ثم كفر عنها ونسي الباقيتين أن يدخلهما في كفارته وإنما أراد بكفارته لمكان ما وطئ من الأولى لكان ذلك مجزئا عنه في الاثنتين الباقيتين ولم يكن عليه فيما بقي شيء. قال: وقال مالك: من ظاهر من امرأته فصام شهرا ثم جامعها في الليل قال: يستأنف ولا يبني. قال: وكذلك الإطعام لو بقي من المساكين شيء.

جامع الظهار
قلت: أرأيت المرأة إذا ظاهر منها زوجها هل يجب عليها أن تمنعه نفسها؟ قال: قال مالك: نعم، تمنعه نفسها قال: ولا يصلح له أن ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها.

قال: فقلت لمالك أفينظر إلى وجهها، فقال: نعم وقد ينظر غيره أيضا إلى وجهها. فقلت: فإن خشيت منه على نفسها أترفع ذلك إلى الإمام؟ قال: نعم، قلت: ويرى مالك أيضا للإمام أن يحول بينها وبينه؟ قال: بلغني عن مالك ذلك وهو رأيي. قال: وسمعت مالكا وسئل عن امرأة طلقها زوجها تطليقة، فارتجعها ولم يشهد على رجعتها، فامتنعت منه المرأة وقالت لا أمكنك حتى تشهد. فقال مالك: قد أصابت ونعم ما فعلت. قلت: أرأيت الرجل يصوم ثلاثة أيام في الحج ثم يجد ثمن الهدي في اليوم الثالث هل ينتقض صومه؟ قال: قال مالك: يمضي على صيامه. قلت: أرأيت فإن كان أول يوم صام ووجد ثمن الهدي؟ فقال: قال مالك: إن شاء أهدى وإن شاء تمادى في صيامه. قلت: وكذلك صيام الظهار إذا أخذ في الصيام ثم أيسر؟ فقال: قال مالك: إذا صام يوما أو يومين في الظهار ثم أيسر، فليعتق أحب إلي، وإن كان صام أكثر من ذلك تمادى في صيامه. قال ابن القاسم: وقتل النفس عندي مثل الظهار.
قلت: ما قول مالك فيمن أراد الصيام في جزاء الصيد؟ قال: يصوم مكان كل مد يوما في قول مالك. قال مالك في الأذى: من كان به أذى من رأسه، فالصيام فيه ثلاثة أيام والطعام فيه ستة مساكين لكل مسكين مدين مدين. قال: وقال مالك: وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين مدا مدا لكل مسكين، وكل شيء من الكفارات سوى كفارة الظهار وكفارة الأذى من قتل النفس والطعام في الجزاء، فكل شيء من هذا فإنما هو مد مد لكل مسكين. قال: قال مالك في كفارة الظهار إن لم يجد إلا ثلاثين مسكينا فأطعمهم، ثم أراد أن يرد عليهم الثلاثين المد الباقية لم يجزه أن يرد عليهم ولا يجزئه إلا أن يطعم ستين مسكينا.
تم كتاب الظهار من المدونة الكبرى ويليه كتاب الإيلاء.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الإيلاء

باب الإيلاء
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أيكون موليا في قول مالك؟ قال: قال لا. فقلت: فإن زاد على الأربعة الأشهر؟ قال: إذا زاد على الأربعة أشهر بيمين عليه فهو مول.
قلت: أرأيت إن حلف أن لا يغتسل من امرأته من جنابة أيكون موليا؟ قال: نعم يكون موليا لأن هذا لا يقدر على الجماع إلا بكفارة. قلت: أرأيت إن آلى منها بحج أو عمرة أو صوم أو طلاق أو عتق أو هدي، أيكون موليا في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم. قلت: فإن قال فإن قربتك فعلي أن أصلي مائة ركعة، أيكون موليا؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: والله لا أقربك حتى يقدم فلان، أيكون موليا في قول مالك. قال: قال لي مالك في الرجل يقول لغريم له والله لا أطأ امرأتي حتى أوفيك حقك: إنه مول، فكذلك مسألتك عندي تشبه هذه. قلت: وكل من حلف أن لا يطأ امرأته حتى يفعل كذا وكذا فهو مول في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن كان ذلك الشيء مما يقدر على فعله أو مما لا يقدر على فعله فهو سواء وهو مول في قول مالك؟ قال: نعم، لأن مالكا قال في الرجل يقول لامرأته إن وطئتك فأنت طالق ألبتة، ففعله وبره فيها لا يكون إلا إيلاء، فرأي مالك أنه مول وكان من حجته أو حجة من احتج عنه وأنا أشك في قوله أرأيت إن رضيت بالإقامة أكنت أطلقها، فكذلك عندي كل ما لا يستطيع فعله والفيء فيه ولم يعجل عليه الطلاق، لها أن ترضى فلا يكون فيه إيلاء، ومما يبين لك ذلك أن لو قال إن وطئتك حتى أمس السماء فعلي كذا

وكذا. فقالت: لا أريد أن تطأني وأنا أقيم، لم تطلق عليه لأن المرأة إن أقامت في الأمرين جميعا على زوجها قبل مضي الأربعة الأشهر أو بعد مضيها فإن الذي حلف بطلاق البتة أن لا يطأ أبدا يطلقها عليه السلطان ولا يمكنه من وطئها، وليس ممن يوقف على فيء، وأما الآخر فإن أقامت قبل مضي الأربعة الأشهر لم يعجل عليه شيء لأن فيئه الوطء وبه الحنث، وإن أقامت بعد الأربعة وقف فإما فاء فأحنث نفسه، وإلا طلق عليه السلطان.
قلت: أرأيت إن قال إن قربتك فعلي كفارة أو علي يمين أيكون موليا؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن قال: والله لا ألتقي أنا وأنت سنة. أيكون هذا موليا في قول مالك أم لا؟ قال: سمعت مالكا يقول: كل يمين لا يقدر صاحبها على الجماع لمكانها فهو مول، فإن كان هذا لا يقدر على الجماع لمكان يمينه هذه فهو مول. قال ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أنه قال: إن الإيلاء في المسيس، فلو أن رجلا حلف أن لا يكلم امرأته سنة، فإن كلمها فهي طالق ألبتة ثم ترك كلامها ووطئها لم يكن عليه إيلاء، ولو أن رجلا حلف أن لا يطأ امرأته وهو يكلمها كان قد آلى ووقف حتى يراجع أو يطلق، وإن مضت الأربعة الأشهر لم يكن ذلك طلاقا، على ذلك أدركنا الناس فيما مضى ولكنه يوقف حتى يؤبه له حتى يفيء أو يطلق. قال ابن وهب: قال يونس وقال ابن شهاب: وإن حلف أن لا يكلم امرأته وهو في ذلك يمسها فلا ترى ذلك يكون من الإيلاء قال ابن وهب: وقال مالك: لا يكون الإيلاء في هجره إلا أن يحلف بترك المسيس. قلت: أرأيت إن حلف بالله أن لا يقرب امرأته إن شاء الله، أيكون موليا وقد استثنى في يمينه؟ قال: سألت مالكا عنها، فقال: هو مول وقال غيره لا يكون موليا.
قلت لابن القاسم: أرأيت هذا الذي استثنى في يمينه، هل له أن يطأ بغير كفارة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإذا كان له أن يطأ بغير كفارة، فلم جعله مالك موليا وهو يطأ بغير كفارة؟ قال: لأنه إذا تركها أربعة أشهر فلم يطأها فلها أن توقفه لأن اليمين التي حلف بها في رقبته، إلا أن فيها استثناء فهو مول منها بيمين فيها استثناء، فلا بد من التوقيف إذا مضت الأربعة الأشهر إن طلبت امرأته ذلك، وإن كان له أن يطأ بغير كفارة لأن اليمين لازمة له ولم يسقط عنه، وإنما يسقط عنه بالجماع، ألا ترى أنه حالف إلا أنه حالف بيمين فيها استثناء فهو حالف وإن كان في يمينه استثناء. قلت: أرأيت إن قال علي نذر أن لا أقربك؟ قال: إذا قال: علي نذر ففي قول مالك هي يمين، فإذا كانت يمينا فهو مول. قلت: أرأيت إن قال: علي عهد الله أو الميثاق أو قال: كفالة الله، أيكون

موليا؟ قال: هذه كلها عند مالك أيمان، فإذا كانت أيمانا فهو مول. قلت: أرأيت إن قال: علي ذمة الله؟ قال مالك: أراها يمينا. قال ابن القاسم: وأراه موليا. قلت: أرأيت إن قال: وقدرة الله وعظمة الله وجلال الله؟ قال: هذه أيمان كلها.
قلت: أرأيت إن قال: أشهد أن لا أقربك، أيكون موليا؟ قال: قال لي مالك في "أشهد" "ولعمري": ليستا بيمين. قلت: فإن قال أقسم أن لا أطأك؟ قال: قال لي مالك في "أقسم": إنها ليست بيمين إلا أن يكون أراد بالله. قال ابن القاسم: فإن كان أراد "أقسم بالله" فأراه موليا لأنها يمين وإن لم يقل "بالله" ولم يرد بالله فليس بمول. قلت: أرأيت إن قال: أنا يهودي أو نصراني إن جامعتك؟ قال: لا يكون هذا يمينا في قول مالك، فإذا لم يكن يمينا لم يكن موليا. قلت: أرأيت إن قال أعزم ولم يقل بالله أو قال أعزم على نفسي ولم يقل بالله إن قربتك؟ قال: قال لي مالك في أقسم إذا لم يقل بالله أخبرتك، فقوله عندي أعزم مثل قوله أقسم. ةقلت: أرأيت إن قال: أنا زان إن قربتك، أيكون موليا أم لا؟ قال: لا يكون موليا، لأن مالكا قال: من قال: أنا زان إن فعلت كذا وكذا فليس بحالف. قلت: أرأيت إن حلف ليغيظنها أو ليسوءنها فتركها أربعة أشهر، فوقفته، أيكون موليا أم لا؟ قال: لا يكون هذا إيلاء. قال ابن وهب: وأخبرني يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن رجل قال إن قربت امرأتي سنة فهي طالق، أو قال علي عتق أو هدي فمضت أربعة أشهر قبل أن يصيب امرأته؟ قال: أرى قوله بمنزلة الإيلاء، والله أعلم من أجل ما عقد على نفسه لله وإن لم يكن حلف. قال ابن وهب: قال يونس وسألت ربيعة عن المولي، هل يجب عليه إيلاء بغير يمين حلفها. ولو قال علي عتق أو مشي أو هدي أو عهد أو قال مالي في سبيل الله قال: كلما عقد على نفسه فهو بمنزلة اليمين قلت لابن القاسم: أرأيت إن قال: والله لا أطؤك فلما مضت الأربعة الأشهر وقفته، فقال لم أرد بقولي الإيلاء وإنما أردت أن لا أطأها بقدمي؟ قال: لا يقبل قوله ويقال له جامعها حتى نعلم أنك لم ترد الإيلاء وأنت في الكفارة أعلم إن شئت كفر إذا وطئت وإن شئت فلا تكفر. قلت: وكذلك إذا قال: والله لا أجامعك في هذه الدار، فمضت الأربعة الأشهر فوقفته امرأته، أتأمره أن يجامعها ولا يلتفت إلى قوله: إني أردت أن لا أجامعها في هذه الدار؟ قال: نعم، كذلك يقال له أخرجها وجامعها إن كنت صادقا، فإن كنت صادقا فلا كفارة عليك ولا يترك من غير أن يجامعها.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته: والله لا أطؤك في داري هذه سنة وهو فيها ساكن مع امرأته، فلما مضت أربعة أشهر وقفته، فقالت قد آلى مني وقال الزوج لست موليا إنما أنا

رجل حلفت أن لا أجامعها في داري هذه، فأنا لو شئت جامعتها في غير داري بلا كفارة؟ قال: لا أراه موليا، ولكن أرى أن يأمره السلطان أن يخرجها فيجامعها، لأني أخاف أن يكون مضارا لا أن تتركه المرأة فلا تريد؟ ذلك. قلت: وكذلك إن قال: والله لا أطؤك في هذا المصر أو في هذه البلدة؟ قال: نعم هو سواء، وقال غيره إن قال والله لا أطؤك في هذا المصر أو في هذه الدار إنه مول لأنه كأنه قال لا أطؤك حتى أخرج منها، إذا كان خروجه يتكلف فيه المؤنة والكلفة فهو مول، ألا ترى أنه إذا قال والله لا أطأ امرأتي ولك علي حق كأنه قال لا أطأ حتى أقضيك وأنه مول، وقد قال مالك في الذي يقول لا أطأ حتى أقضيك حقك أنه مول. قلت: أرأيت إن قال لامرأته إن وطئتك فكل مملوك أملكه فيما يستقبل فهو حر؟ قال: لا شيء عليه، وقد قال لي مالك: إذا حلف الرجل فقال: كل مملوك أشتريه فهو حر: إنه لا يعتق عليه شيء مما اشترى، لأن هذا مثل من قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فإذا عم في العتق أو الطلاق لم يلزمه شيء. قلت: أرأيت إن قال: كل مملوك أشتريه من الفسطاط فهو حر؟ قال: هذا يلزمه فيه الحرية. قلت: ويكون به موليا إن قال لامرأته ذلك؟ قال: لا، لأنه ليس عليه يمين إن وطئها حنث بها إلا أن يشتري عبدا بالفسطاط فيقع عليه الإيلاء من يوم يشتريه، وكل يمين حلف بها صاحبها على ترك وطء امرأته كان لو وطئ لم يكن بذلك حانثا في شيء يقع عليه عند حنثه فلا أراه موليا حتى يفعل ذلك الشيء فيمنعه من الوطء مكانه، فيكون به موليا، فقد قال غيره يكون بذلك موليا لأن كل من يقع عليه الحنث بالفيء حتى تلزمه ذلك إذا صار إليه فهو مول، ألا ترى أنه لو وطئ امرأته قبل أن يشتريه ثم اشتراه بعد عتق عليه
قلت لابن القاسم: أرأيت إن قال لامرأته إن وطئتك فكل ما أملكه من ذي قبل فهو في المساكين صدقة؟ قال: لا شيء عليه لأن مالكا قال لو حلف بها لم يكن عليه أن يتصدق بثلث ما يفيد. قلت: فإن قال كل مال أفيده بالفسطاط فهو صدقة إن جامعتك، أيكون موليا أم لا في قول مالك؟ قال: لا، وهو مثل ما فسرت لك في العتق. قلت: أرأيت إن قال: إن جامعتك فعلي صوم هذا الشهر الذي أنا فيه بعينه، أيكون موليا أم لا؟ قال: لا يكون هذا موليا. قلت: أرأيت إن لم يصم ذلك الشهر حتى مضى ثم جامعها، أيكون عليه قضاء ذلك الشهر أم لا؟ قال: لا يكون عليه قضاء ذلك الشهر. قلت: لم؟ قال: لأن الشهر قد مضى وإنما يكون عليه قضاؤه لو أنه جامع قبل أن ينسلخ الشهر أو جامع وقد بقي من الشهر شيء، فهذا الذي يكون عليه قضاء الأيام التي جامع فيها ولا يكون عليه الإيلاء، ألا ترى أنه لو حلف بعتق عبده إن جامع امرأته ثم باع عبده ثم جامع

امرأته أنه لا يكون موليا، فكذلك الشهر إذا مضى ثم جامع بعد ذلك فهو بمنزلة العبد الذي باعه ثم جامع بعد ذلك.
قلت: أرأيت إن قال: إن جامعتك فعلي صوم هذا الشهر الذي أنا فيه بعينه، أيكون موليا أم لا؟ قال: لا يكون هذا موليا. قلت: أرأيت إن لم يصم ذلك الشهر حتى مضى ثم جامعها، أيكون عليه قضاء ذلك الشهر أم لا؟ قال: لا يكون عليه قضاء ذلك الشهر. قلت: لم؟ قال: لأن الشهر قد مضى وإنما يكون عليه قضاؤه لو أنه جامع قبل أن ينسلخ الشهر أو جامع وقد بقي من الشهر شيء، فهذا الذي يكون عليه قضاء الأيام التي جامع فيها ولا يكون عليه الإيلاء، ألا ترى أنه لو حلف بعتق عبده إن جامع امرأته ثم باع عبده ثم جامع امرأته أنه لا يكون موليا، فكذلك الشهر إذا مضى ثم جامع بعد ذلك فهو بمنزلة العبد الذي باعه ثم جامع بعد ذلك. قلت: أرأيت إن قال: والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا موليا. قال ابن القاسم: قال مالك: لأن هذا ليس على وجه الضرر إنما أراد صلاح ولده. قال ابن القاسم: وقال مالك: وبلغني أن علي بن أبي طالب قاله قال يونس: إنه سأل ابن شهاب عن الرجل يقول والله لا أقرب امرأتي حتى تفطم ولدي؟ قال ابن شهاب: ما نعلم الإيلاء يكون إلا الحلف بالله فيما يريد المرء أن يضار به امرأته من اعتزالها، وما نعلم الله فرض فريضة الإيلاء إلا على أولئك فيما نرى، إلا أن الذي يحلف يريد الضرر والإساءة إلا أن حلفه ينزل منزلة الإيلاء، ولا نرى هذا الذي أقسم الاعتزال لامرأته حتى تفطم ولدها أقسم إلا على أمر يتحرى فيه الخير وليس متحري الخير كالمضار، فلا نراه وجب على هذا ما وجب على المولي الذي يولي في الغضب.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن قال: والله لا أجامعك سنة ونوى الجماع فمضت سنة قبل أن توقفه. قال: قال مالك: إذا مضت السنة فلا إيلاء عليه قال: ولقد سألت مالكا عن رجل آلى أن لا يمس امرأته ثمانية أشهر، فلما مضت الأربعة الأشهر وقف فأبى أن يفيء فطلقت عليه، ثم ارتجعها فانقضت الأربعة الأشهر قبل أن تنقضي عدتها ولم يمسها، أترى رجعته ثابتة عليها إن انقضت عدتها قبل أن يمسها بعد الأربعة الأشهر إن لم يمسها؟ قال: قال مالك: الرجعة له ثابتة إذا انقضى وقت اليمين وهي في عدتها، فلا يمين عليه ورجعته رجعة لأنه ليس ههنا يمين يمنعه من الجماع. قلت: أرأيت إن قال لامرأته والله لا أقربك، ثم قال لها بعد ذلك بشهر علي حجة إن قربتك فلما مضت أربعة أشهر من يوم حلف باليمين الأولى وقفته المرأة عند السلطان، فلم يف فطلق عليه السلطان فارتجعها مكانه، فمضى شهر آخر وحل أجل الإيلاء الذي بالحج فأرادت أن توقفه أيضا، أيكون لها ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: لا، لأن اليمين التي زاد إنما هي توكيد، ألا ترى أنه لو وقفته فحنث نفسه أن الحنث يجب عليه باليمينين جميعا، فكذلك إذا حلف بالطلاق إذا أبى الفيء فذلك لليمينين، وقد قال هذا غيره أيضا وقال في رجل حلف ليجلدن غلامه جلدا يجوز له بطلاق امرأته فباع الغلام قبل أن يجلده. فقال: أوقفه عن امرأته واضرب له أجل المولي فإذا مضت الأربعة الأشهر ولم يرجع إليه العبد بشراء أو

ميراث أو بحل فيجلده، طلقت عليه امرأته واحدة، فإن صار إليه العبد بشيء من الملك وهي في العدة فجلده رأيت له الرجعة ثابتة وإن لم يصر العبد إليه حتى تنقضي عدتها بانت منه، فإن تزوجها رجع إليه الوقف إلا أن يملك العبد فيجلده فيخرج من يمينه. قال سحنون وقال كثير من أصحاب مالك وهو ابن دينار وساعة باع عبده وخرج من ملكه وقع عليه الطلاق. وقال ابن دينار في رجل حلف بعتق غلامه ليضربنه فباعه: إن البيع مردود، فإذا رددته أعتقت العبد لأني لا أنقض شراء مسلم قد ثبت إلى رق، ولكني أنقضه إلى حرية.
قلت: أرأيت الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن لم أفعل كذا وكذا ولم يوقت؟
قال مالك: يحال بينه وبينها ويدخل عليه الإيلاء من يوم ترفع ذلك. وقال غيره إذا تبين للسلطان ضرره بها قال: فأما إن لم يمكنه فعل ما حلف عليه ليفعلنه، فلا يحال بينه وبين امرأته ولا يضرب له أجل، فإذا أمكنه فعل ذلك قيل له أنت بسبيل الحنث فلا تقربها، فإن رفعت أمرها إلى السلطان ضرب له السلطان أجل المولي، مثل الرجل يقول: امرأتي طالق إن لم أحج ولم يوقت سنة بعينها وهو في أول السنة، أو قال لأخرجن إلى بلدة فلم يجد سبيلا إلى الخروج من قبل انقطاع الطريق، ألا ترى أن الحج لا يستطاع في أول السنة ولا يمكنه فعله فيفيء، وفيئته فعل ما حلف عليه ليفعلنه ولا يمكنه الخروج فيفيء، ولأن فيء هذا ليس هو بالوطء، إنما فيئه فعل الشيء الذي لا يمكنه فعله، فمن ههنا لا يكون بسبيل الحنث ولا يوقف عنها، ألا ترى أن المولي نفس الإيلاء إذا جاء أجله وأوقفته امرأته وهو مريض أو مسجون أنه يمد له في أجله للعذر الذي هو به لأنه لا يقال له طأ وهو مسجون ولا وهو مريض، فإذا أمكنه قيل له فئ وإلا طلق عليك، فكذلك الحالف ليحجن أو ليخرجن إلى البلد، فإذا أمكنه الخروج إلى البلدة ووجد السبيل إلى الفيء فترك المخرج الذي له صار بسبيل الحنث وترك الحج حتى جاء وقت أن خرج لم يدرك الحج، فمن حينئذ يقال له لا تصب امرأتك لأنك بسبيل حنث حين تركت ما قدرت عليه من فعلك ما حلفت لتفعلن فإن رفعت امرأته أمرها ضرب له السلطان أجل الإيلاء، فإن فعل قبل أجل الإيلاء ما هو بره ومخرجه من الحج والخروج إلى البلدة: بر في يمينه وسقط حلفه لم يكن عليه الإيلاء، وإن جاء وقت الإيلاء ولم يفعل ما أمكنه فعله طلق عليه السلطان بالإيلاء، فإن ارتجع وفعل الحج والخروج قبل انقضاء العدة كانت امرأته وكانت رجعته ثابتة له لأنه قد بر في يمينه وقد فاء لأن فيئه فعله كما أن فيء المولي نفس الإيلاء الوطء، ألا ترى أن المولي إذا طلق عليه بعد الأربعة الأشهر

بترك الفيء ثم ارتجع فإن صدق رجعته بفيئه - وهو الوطء قبل انقضاء العدة - ثبتت رجعته وسقطت عنه اليمين. قال يونس عن ربيعة في الذي يقول: إن لم أضرب فلانا فامرأته طالق قال ربيعة: ينزل بمنزلة المولي إلا أن يكون حلف بطلاقها ألبتة ليضربن رجلا مسلما وليس له على ذلك الرجل وتر ولا أدب، وإن ضربه إياه - لو ضربه - خديعة من ظلم، فإن حلف على ضرب رجل هو بهذه المنزلة فرق بينه وبين امرأته لا ينتظر به ولا نعمة عين.
قلت: فإن قال: يا فلان امرأتي طالق إن لم تهب لي دينارا؟ قال: يحال بينه وبينها ولا يدخل عليه في هذا الإيلاء، ولكن يتلوم له السلطان على قدر ما يرى مما يحلف عليه، فإن وهب له المحلوف عليه ما حلف له الحالف وإلا فرق السلطان بينهما مكانه.
قلت: وهاتان المسألتان جميعا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: لابن القاسم: أرأيت الرجل يقول لامرأته أنت طالق إن لم تسلمي وهي نصرانية؟ قال: قال مالك فيها: ليس في هذا إيلاء، ولكنه يوقف ويتلوم له السلطان، فإن أسلمت وإلا فرق بينهما، وكذلك بلغني عن مالك فيها. وقال ابن شهاب إن حلف ليفعلن فعلا إن ضرب لذلك أجلا خلى بينه وبينها وحمل ذلك وإن لم يجعل ليمينه أجلا ضرب له السلطان أجلا، فإن أنفذ ما حلف عليه فبسبيل ذلك، وإن لم ينفذ ما حلف عليه فرق بينه وبين امرأته صاغرا قميئا فإنه هو الذي فتح ذلك على نفسه في اليمين الخاطئة من نزغ الشيطان. وقال ربيعة في الذي حلف ليخرجن إلى إفريقية بطلاق امرأته، قال ربيعة: يكف عن امرأته ولا يكون منها بسبيل، فإن مرت به أربعة أشهر أنزل بمنزلة المولي وعسى أن لا يزال موليا حتى يأتي إفريقية ويفيء في أربعة أشهر. قال الليث وقال ربيعة في الذي يحلف بطلاق امرأته ليتزوجن عليها: إنه يوقف عنها حتى لا يطأها ويضرب له أجل المولي. قال الليث ونحن نرى ذلك. قال ابن نافع، قال مالك في الذي يحلف بطلاق امرأته ليحجن ولم يسم العام الذي يحج فيه: له أن يمس امرأته قبل أن يحج ما بينه وبين الحج الأول، فإن جاء الحج في الإبان الذي يدرك فيه الحج من بلده فلا يمسها حتى يحج.
قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأة نظر إليها ليست له بزوجة، والله لا أطؤك فتزوجها بعد ذلك، أيكون موليا إن تركها أربعة أشهر لم يطأها في قول مالك؟ قال: نعم هو مول عند مالك. قلت ولم وهو حين حلف أن لا يطأها لم تكن له بزوجة، وإنما قال الله عز وجل: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] قال ابن القاسم: قال الله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] وقد قال مالك: إذا ظاهر

من أمته فهو مظاهر فهذا يدلك على أن الذي آلى من تلك المرأة وليست له بزوجة، ثم تزوجها بعد ذلك، أنه مول منها في قول مالك. وقال الله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فلا يحل له أن يطأ أم جارية له قد وطئها بملك اليمين. قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته إن تزوجتك فأنت طالق ووالله لا أقربك، فتزوجها فوقع الطلاق في قول مالك، أيقع الإيلاء أم لا توقعه من قبل أن الطلاق يقع قبل وقوع الإيلاء؟ قال: نعم هذا يلزمه في اليمين لأنه لو حلف فقال لامرأة أجنبية والله لا أقربك، ثم تزوجها أنه مول فكذلك مسألتك ألا ترى أن مالكا قال في رجل قال لامرأة نظر إليها فقال لها إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي: إنه إن تزوجها وقع الطلاق عليه وهو مظاهر منها إن تزوجها بعد ذلك، وجعل مالك وقوع الطلاق والظهار جميعا يلزمانه جميعا، ألا ترى لو أن رجلا نظر إلى امرأة فقال لها أنت علي كظهر أمي ولم يقل إن تزوجتك ولم يرد بقوله ذلك إن تزوجتك فإن تزوجها بعد ذلك لم يكن مظاهرا منها إلا أن يكون حين قال لها أنت علي كظهر أمي أراد بذلك إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فيكون فيها مظاهرا بما نوى، فهذا في الظهار إذا قال لها أنت علي كظهر أمي ولم يقل إن تزوجتك ولم ينو ما قلت لك ولا يكون مظاهرا إن تزوجها، وهو إن قال لها إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي أنه إن تزوجها فهي طالق وهو مظاهر منها في قول مالك، إن تزوجها بعد ذلك فهذا يدلك على أن الطلاق والظهار وقعا معا جميعا في قول مالك، فالإيلاء ألزم من هذا وقد وقع الإيلاء والطلاق معا، وإنما أخبرتك أن الإيلاء ألزم من الظهار لأنه لو نظر إلى امرأة عند مالك فقال والله لا أقربك فتزوجها بعد ذلك أنه مول. ولو نظر إلى امرأة فقال لها أنت علي كظهر أمي فتزوجها لم يكن مظاهرا إن لم يكن ينوي إذا تزوجتك، فبهذا كان الإيلاء ألزم من الظهار، والإيلاء لازم في مسألتك.
قلت: أرأيت إن قال: إن تزوجتك فوطئتك فأنت طالق؟ قال: إن تزوجها فهو مول إذا تزوجها فإن وطئها كانت طالقا وسقط الإيلاء. قلت: أرأيت إن آلى منها وهي صغيرة لا يجامع مثلها؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا أرى هذا موليا ولا أرى أن يوقف حتى تبلغ الوطء. قلت: أتوقفه يوم بلغت الوطء إن كان قد مضى أربعة أشهر قبل ذلك أم حتى تمضي أربعة أشهر من يوم بلغت الوطء؟ قال: بل حتى تمضي أربعة أشهر من يوم بلغت. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا ألبتة، أيطلقها عليه مالك مكانه أم يجعله موليا ولا يطلقها عليه؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال هو مول. قلت: لم لا يطلقها مالك. عليه حين قال إن وطئتك فأنت طالق ألبتة وقد علم مالك أن هذا لا يستطيع أن يقيم على امرأة إلا أن يطأها؟ قال: لأن هذا لا يحنث إلا

بالفعل، وليس هذا أجلا طلق إليه وإنما هذا فعل طلق به، فلا يطلق حتى يحنث بذلك الفعل، وهي إن تركته فلم ترفعه إلى السلطان لم يقع عليه الطلاق أبدا إلا أن يجامعها، فههنا وجه لا يقع عليه طلاق أبدا لأنها إن تركته لم يقع عليها الطلاق. قال سحنون: وقد قال أكثر الرواة عن مالك: إنه لا يمكن من الفيء لأن باقي وطئه لا يجوز له، فلذلك لا يمكن منه. وقد روي أيضا عن مالك أن السلطان يحنثه ولا يضرب له أجل المولي لأنه لا يمكن من الفيء إذا قامت به امرأته إذا كان حلفه على أن لا يطأها أبدا وهو أحسن من هذا الذي فوق.
قلت لابن القاسم: أرأيت إن طلقها تطليقة يملك فيها الرجعة، ثم آلى منها، أيكون موليا في قول مالك؟ قال: قال مالك: أراه موليا إن مضت الأربعة الأشهر قبل أن تنقضي العدة وقف فإما فاء وإما طلق عليه.
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته عبدي ميمون حر إن وطئتك، فباع ميمونا أيكون له أن يطأ امرأته في قول مالك؟ قال: لا يعتق، قلت: فإن اشترى ميمونا بعد ذلك، أيعتق عليه بما وطئ قبل أن يشتريه؟ قال: لا يعتق عليه. قلت: فهل يكون موليا من امرأته حين اشتراه؟ قال: نعم، هو مول لأنه لو وطئ امرأته عند مالك بعدما اشترى العبد حنث وكذلك قال لي مالك، فلما صار لا يطؤها إلا بالحنث صار موليا. قلت: أرأيت لو أن رجلا حلف بطلاق امرأته ثلاثا أن لا يطأ امرأة له أخرى، فطلق التي حلف بطلاقها تطليقة فتركها حتى انقضت عدتها، أيكون له أن يطأ امرأته التي كان موليا منها في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن تزوج التي كان حلف بطلاقها بعد زوج أو قبل زوج، أيكون له أن يطأ امرأته التي كان منها موليا بطلاق هذه التي نكح؟ قال: إن وطئها طلقت عليه هذه ببقية طلاقها وهي تطليقتان. قال: وإن تركها لا يطؤها كان منها موليا لأنه لا يستطيع أن يطأ إلا بحنث وهذا قول مالك. فقلت: أرأيت إن طلق التي كان حلف بطلاقها ثلاثا ألبتة، ثم تزوجها بعد زوج، أيكون موليا من امرأته التي كان آلى منها بطلاق هذه؟ قال: لا يكون موليا لأن الطلاق الذي حلف فيه قد ذهب كله وهو بمنزلة رجل حلف بعتق عبد له أن لا يطأ امرأته فمات العبد فقد سقطت اليمين فكذلك طلاق تلك المرأة قد ذهب كله. قلت: أرأيت إن طلق التي آلى منها ثلاثا، ثم تزوجها بعد زوج؟ قال: هو مول منها ما دامت هذه المرأة التي آلى منها بطلاقها من الأخرى تحته على شيء من طلاق ذلك الملك الذي آلى فيه. ابن القاسم: ألا ترى أن مالكا قال لو أن رجلا قال لامرأته والله لا أطؤك فطلقها ثلاثا ألبتة ثم تزوجها بعد زوج؟ قال: هو مول منها فكذلك إذا آلى منها بطلاق صاحبتها، ثم طلق التي

آلى منها ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج والتي كان حلف بطلاقها تحته على شيء من طلاق الملك الذي حلف عليه أنه مول من امرأته هذه.
قلت: أرأيت إن قال لامرأته إن وطئتك ففلانة طالق لامرأة له أخرى، فطلق التي حلف بطلاقها تطليقة فوطئ هذه الأخرى وتلك في عدتها، أيقع عليه تطليقة أخرى في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وكذلك إن كانت عدتها قد انقضت فوطئ هذه التي تحته ثم تزوج التي كان طلق ثم وطئ هذه التي تحته: إنه يحنث ويقع عليه تطليقة أخرى في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يقربها حتى يموت فلان، لرجل أجنبي، أيكون موليا؟ قال: نعم، ألا ترى أن مالكا يقول لو قال إن وطئتك حتى يقدم أبي، وأبوه باليمن فأنت طالق، قال هو مول. قلت لابن القاسم: أرأيت إن آلى من أربع نسوة له فماتت إحداهن أو طلقها ألبتة، أيكون موليا في البواقي إن وطئ شيئا منهن حنث في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إذا حلف أن لا يطأ نساءه الأربع في كلمة واحدة، فإن وطئ واحدة منهن، أيقع عليه اليمين في قول مالك؟ قال: نعم، قلت: فإن وطئ الأواخر فإنما يطؤهن بغير يمين. قال: نعم لأنه لما حنث في الأولى سقطت اليمين ووجبت عليه الكفارة بوطء الأولى. قلت: أرأيت إن قال والله لا أقرب واحدة منكن وليست له نية في واحدة دون الأخرى، أتجعله على جميعهن؟ قال: نعم، كذلك قال مالك يكون على جميعهن.
قلت: أرأيت المولي إذا مضت له سنة ولم يوقف، أيطلق عليه امرأته قال: لا. قال ابن وهب عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن علي بن أبي طالب كان لا يرى الإيلاء شيئا حتى يوقف1. قال ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يقول إذا آلى الرجل أن لا يمس امرأته فمضت له أربعة أشهر، فإما أن يمسكها كما أمره الله وإما أن يطلقها، ولا يوجب عليه الذي صنع طلاقا ولا غيره2. قال ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة مثله. قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وبضعة عشر رجلا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي الدرداء وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وابن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد وأبي الزناد ومجاهد وسعيد بن جبير أنهم كانوا يقولون ليس عليه شيء حتى يوقف، وإن مضت الأربعة الأشهر فيفيء أو يطلق. قال سليمان بن يسار: وإن مضت به السنة حتى يوقف، فيفيء أو يطلق.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث 17 بلفظ "...عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: إذا آلى الرجل من امرأته، لم يقع عليه طلاق، وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء.
2 رواه في الموطأ في كتاب الطلاق حديث"18" بلفظ: "أيما رجل آلى من امرأته، فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق أو يفيء ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف".

قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن الهاد: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول إذا آلى الرجل من امرأته فلا تحريم عليه وإن مكث سبع سنين، ولكن السلطان يدعوه فيفيء أو يطلق قال ابن الهاد وكان علي بن أبي طالب يقول وإن مكثت سنة. قلت لابن القاسم: أرأيت إن قال لامرأته والله لا أطؤك إلا في بلد كذا وكذا، وبينه وبين تلك البلد مسيرة أربعة أشهر أو أقل أو أكثر، أيكون موليا؟ قال: نعم، والإيلاء لازم، ألا ترى أن مالكا يقول في الذي يقول لامرأته والله لا أطؤك حتى أقضي فلانا حقه: إنه مول. قلت لابن القاسم: فإن وقفته فقال دعوني أخرج إلى تلك البلدة؟ قال: أرى إن كان ذلك البلد أمرا قريبا مثل ما يجبر بالفيئة فذلك له، وإن كان بعيدا رأيت أن تطلق عليه، ولا يزاد في الإيلاء أكثر مما فرض الله، وإنما هو عندي بمنزلة ما لو قال إن وطئتك حتى أكلم فلانا أو أقضي فلانا حقه فأنت طالق، فمضت أربعة أشهر فوقفته، فقال أنا أقضي أو أنا أفيء والمحلوف عليه غائب قال: إن كانت غيبته غيبة قريبة مثل ما لو قال أنا أفيء فيترك إليه فذلك إليه، وإن كانت غيبته بعيدة لم يقبل قوله وطلقت عليه امرأته. وقيل له ارتجع إن أحببت، ولقد قال لي مالك في الذي يقول والله لا أطؤك حتى أقضي فلانا: إنه مول، فهذا حين قال لا أطؤك حتى أقدم بلدا كذا وكذا فهو مثل ما يقول حتى أقضي فلانا.
قلت: أرأيت إن جامعها بين فخذيها بعدما وقفته أو قبل أن توقفه، أيكون حانثا ويسقط عنه الإيلاء وهل يكون هذا فيئا أم لا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك الفيء الجماع إذا لم يكن له عذر فلا أرى فيئه إلا الجماع ولا يجزئه الجماع حيث ذكرت ولا القبلة ولا المباشرة ولا اللمس. قلت: ويكون عليه الكفارة حين جامعها بين فخذيها في قول مالك؟ قال: إن كان نوى الفرج فلا كفارة عليه، وإلا فعليه الكفارة لأني سمعت مالكا يقول في رجل قال لجاريته أنت حرة إن وطئتك شهرا فعبث عليها فيما دون الفرج. قال مالك: إن كان لم ينو الفرج بعينه فأراه حانثا، لأني لا أرى من حلف بمثل هذا إلا أنه أراد أن يعتزلها، فإن لم يكن نيته في الفرج بعينه فقد حنث فإن كانت يمينه بعتق رقبة بعينها أو بطلاق امرأة أخرى فحنث بعتق الغلام أو بطلاق المرأة سقطت عنه اليمين ولم يكن موليا، وإن هو كفر وكانت يمينه بالله حتى يسقط يمينه فلا إيلاء عليه. وقد قال غيره إذا كانت يمينه بالله فالإيلاء عليه كما هي حتى يجامع، وهو أعلم في كفارته لأنه لعله أن يكفر في أشياء وجبت عليه غير هذه، وحق المرأة في الوقت ووجوب الإيلاء قد كان عليه، فلا يخرجه إلا الفيء وهو الجماع أو تطلق عليه إلا أن يكون يمينه في شيء بعينه، فسقط فيقع اليمين فلا يكون عليه إيلاء، مثل أن يكون يمينه بعتق رقبة بعينها أو بطلاق امرأة أخرى.

قلت: أرأيت إن آلى من امرأته ثم سافر عنها، فلما مضت الأربعة الأشهر أتت امرأته إلى السلطان كيف يصنع هذا السلطان في أمرها؟ قال: قال مالك: لا تطلق عليه ويكتب إلى الموضع الذي هو فيه فيوقف فيه، فإما فاء وإما طلق عليه، ومما تعرف به فيئته أن يكفر إن كان يقدر على الكفارة وإلا طلق عليه. قال ابن وهب قال يونس سألت ربيعة هل يخرجه من الإيلاء إن قال: أكفر وهو مريض أو مسافر؟ قال: نعم، في رأيي قال ابن أبي ذئب عن ابن شهاب مثل ذلك. قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان بينه وبينها مسيرة شهر أو شهرين فرفعت المرأة أمرها إلى السلطان بعد الأربعة الأشهر؟ قال: نعم، لا يقع عليها الطلاق عند مالك حتى يكتب إلى ذلك الموضع كما أخبرتك. قلت: أرأيت إن وقف في موضعه ذلك ففاء بلسانه وهو يقدر على الكفارة؟ قال قد أخبرتك أن مالكا قال إذا كان يقدر على الكفارة لم تعرف فيئته إلا بالكفارة. قلت: أرأيت إن وقف في موضعه الذي هو فيه مع امرأته ففاء بلسانه وهو يقدر على الكفارة؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال: ويخير المرة والمرتين فإن فاء وإلا طلق عليه. قلت: أرأيت إن قال أنا أفيء وهي حائض؟ قال: يمكنه السلطان منها ويمهله حتى تطهر في قول مالك. قلت: أرأيت المسجون والمريض إذا رفعت المرأة أمرها إلى السلطان بعد الأربعة الأشهر؟ قال: تعرف فيئته في قول مالك كما تعرف فيئة الغائب الذي وصفت لك، والمريض والمسجون في هذا بمنزلة الغائب، ففيئته مثل فيئة الغائب الذي وصفت لك.
قال سحنون وقال ابن أبي حازم وابن دينار إن عرض له حبس في سجن أو مرض لا يقدر فيه على الإصابة فلما حل أجله قيل له: أتفيء أو تفارق، فإن قال لا بل أنا أفيء ولكني في عذر كما ترون، قيل له فإن مما تعرف به فيئتك أن تعتق غلامك إن كنت حلفت بعتق غلام بعينه فيسقط عنك اليمين ويكون قد ثبت لنا صدقك وإنما فيئتك التي تسألنا أن ننظرك إليها توجب عليك عتق غلامك ولو كانت يمينك بعد العتق مما لا يستطيع أن يحنث فيه إلا بالفعل، قبلنا ذلك منك وجعلنا فيئتك فيه وإما أن تجد سبيلا إلى طرح اليمين عنك فتقول: أنا أحنث أو أنا أفيء ولا يعتق فليست تلك فيئة وهو قول مالك. قلت لابن القاسم: أرأيت إذا آلى من امرأته وهو صحيح ثم حل أجل الإيلاء وهو مريض فوقفته فلم يفئ فطلق عليه فمات من مرضه ذلك، أترثه أم لا؟ قال ابن القاسم: أرى أن ترثه، وأجعله فارا. قلت: أرأيت إن كان آلى منها وهو مريض فحل أجل الإيلاء وهو مريض فوقفته، أيطلق عليه السلطان أم لا؟ قال: يطلق عليه إذا لم يفئ، فإن كان فاء وكان لا يقدر على الوطء فإن له في ذلك عذرا، ومما يعلم به فيئته إن كانت عليه يمين يكفرها: مثل عتق رقبة بعينها أو صدقة بعينها أو حلف بالله فإن فيئته تعرف إذا سقطت عنه

اليمين. قال مالك: وكذلك لو كان في سجن أو في سفر كتب إلى ذلك الموضع حتى يوقف على مثل هذا. قال ابن القاسم: فإن لم تكن يمينه التي حلف بها أن لا يجامع امرأته مما يكفرها فإن الفيئة بالقول، فإن صح أو خرج من السجن أو قدم من سفر فوطئ وإلا طلقت عليه.
قلت: أرأيت الرجل إذا آلى من امرأته وهو مريض، فلما حل أجل الإيلاء وقفته ففاء بلسانه وإنما كان حلف بالله أن لا يطأها ولم يكفر عن يمينه. قال: ذلك له ويؤمر أن يكفر عن يمينه، فإن لم يفعل ففيئته تلك تجزئه حتى يصح، فإذا صح فإما وطئ وإما طلقت عليه. قال سحنون وهذه الرواية عليها أكثر الرواة وهي أصح من كل ما كان من هذا الصنف على غير هذا. قال لابن القاسم: أرأيت إن كفر عن يمينه قبل أن يصح، فلما صح أبى أن يجامع، أتطلق عليه امرأته أم لا؟ قال: لا تطلق عليه لأنه ليست عليه يمين لأنه حين فاء بلسانه وكان له عذر فهو في سعة إلا أن يصح ويكفر قبل ذلك. قلت: أيحنث إذا فاء بلسانه وهو مريض في قول مالك؟ قال: لا يحنث وإنما يحنث إذا جامع. قلت: هل تجزئه الكفارة في الإيلاء قبل أن يحنث وتسقط عنه اليمين بالكفارة؟ قال: نعم، وقد جعل مالك ذلك له إذا كان في المرض. قال: وقال مالك: إذا كان صحيحا فأحسن ذلك أن يحنث ثم يكفر، فإن كفر قبل أن يحنث أجزأه ذلك. قال ابن القاسم: سألت مالكا عن الرجل يكف عن امرأته بغير يمين فلا يطأ فترفع ذلك إلى السلطان. قال: لا يترك وذلك إذا لم يكن له عذر حتى يطأ امرأته أو يفرق بينهما. قال: فقلنا لمالك فحديث عمر بن عبد العزيز الذي كتب فيه إلى رجال كانوا بخراسان قد خلفوا أهليهم فكتب إلى أمرائهم إما أن حملوهن إليهم وإما أن قدموا عليهن وإما أن فارقوهن. قال مالك: وذلك رأيي وأرى أن يقضي به.
قلت: أرأيت الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الجماع وقد وطئها قبل ذلك؟ قال: قال مالك: كل من تزوج امرأة بكرا كانت أو ثيبا فوطئها وطئة ثم جاءه من الله ما حبسه عنها فلم يطق أن يطأها وعلم أن الذي ترك من ذلك إنما هو لمكان ما أصابه ليس ليمين عليه ولا ترك ذلك وهو يقدر على ذلك فإنه لا يفرق بينه وبينها أبدا قلت: أرأيت الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الجماع إذا آلى من امرأته أيوقف بعد الأربعة الأشهر أم لا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا ولا يوقف إذا لم يستطع الجماع إذا آلى من امرأته وإنما الإيلاء على من يستطيع الفيئة بالوطء. قال: ومثل ذلك الخصي الذي لا يطأ يولي من امرأته، أيوقف بعد أربعة أشهر أو الرجل يولي من امرأته ثم يقطع ذكره فهذا كله واحد ولا يكون على واحد منهم توقيف.

قلت: أرأيت إن آلى من امرأته وهي مستحاضة، فوقفته بعد مضي الأربعة أشهر، فطلق عليه السلطان فكانت في عدتها، وعدتها سنة فارتجعها فمضت أربعة أشهر من بعد ما راجعها قبل أن تنقضي عدتها أيوقف ثانية أم لا؟ قال مالك: لا يوقف ولكن ينتظر بها ما دامت المرأة في عدتها، فإن وطئها في العدة فهي رجعة وإلا فليست برجعة. قلت: ولم لا يوقفه لها وهي إن ماتت توارثا؟ قال: ألا ترى أنها إن لم يرتجعها فماتت في العدة إذا كان الطلاق غير بائن أنه يرثها وترثه ولا يوقف لها إن مضت أربعة أشهر من بعد ما طلق عليه السلطان قبل أن تنقضي عدتها، فكذلك مسألتك بل هي هذه بعينها، ولا يوقف الرجل في الإيلاء مرتين عند مالك في نكاح واحد، لأنه إذا وقف مرة فطلق عليه السلطان فارتجع في العدة أنه إن وطئ حنث وكفر وسقط عنه الإيلاء وإن لم يطأ حتى تنقضي العدة فليست رجعته برجعة وتصير أحق بنفسها، فهذا يدلك على أنه لا يوقف في الإيلاء عند مالك مرتين وإنما حبستها العدة. قلت: أرأيت لو أن رجلا آلى من امرأته ثم طلقها تطليقة، فمضى أجل الإيلاء قبل انقضاء عدتها، أيكون لها أن توقفه في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم لها أن توقفه.
قلت: أرأيت إن انقضت العدة قبل أجل الإيلاء، فمضى أجل الإيلاء وليست له بامرأة ثم تزوجها بعد ذلك فأرادت أن توقفه؟ قال: يرجع الإيلاء عليه مبتدأ من يوم تزوجها التزويج الثاني، فإذا مضى أربعة أشهر من يوم تزوجها التزويج الثاني وقفته إن أحبت. قلت: أرأيت إن آلى منها ثم طلقها، فانقضت عدة الطلاق بعدما مضى ثلاثة أشهر من يوم آلى منها فبانت منه ثم خطبها مكانه فتزوجها، فلما مضى الشهر قالت له المرأة أنا أوقفك فإما أن تفيء وإما أن تطلق؟ قال: لا يكون لها أن توقفه إلا بعد مضي أربعة أشهر من يوم النكاح الثاني، لأن الملك الأول قد سقط، فقد سقط الأجل الذي مضى من الإيلاء الذي كان، والإيلاء لازم للزوج ويبتدئ فيه المرأة أربعة أشهر من يوم نكحها النكاح الثاني. قال ابن القاسم: قال مالك: وإن آلى منها فوقفته بعد الأربعة أشهر فطلقها ثم تزوجها، فلما مضت أربعة أشهر وقفته أيضا حتى بانت منه بثلاث ثم تزوجها بعد زوج. قال مالك: يرجع عليه اليمين وتوقفه امرأته، فإن فاء وإلا طلق عليه السلطان. قال مالك: وكذلك هذا في الظهار والإيلاء لا يبطله طلاق الزوج إياها ثلاثا طلقها بترك الفيء أو بطلاق غير ذلك، ثم تزوجها بعد ذلك فإنه لا يسقط عنه الإيلاء ولا الظهار لأنه لا يقدر على أن يجامع إلا بالكفارة، فكل جماع لا يقدر عليه صاحبه إلا بالكفارة فإن طلاقه إياها ثلاثا ثم تزويجه إياها بعد زوج لا يسقط عنه الإيلاء ولا الظهار، ألا ترى أنه لا يقدر على أن يجامع إلا بكفارة، فهذا يدلك على أن ذلك ثابت عليه. قال

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19