كتاب : المدونة الكبرى
المؤلف : مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني

وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي مثل ما قال مالك في الشفعة إذا اشتريت الدار بالدراهم فكذلك هذا، إنما أخذها بالدية، والدية درهم أو دنانير إلا أني أرى إن كان الذين وجبت عليهم الدية من أهل الإبل، أخذ الدار الشفيع بقيمة الإبل، وإن كانوا من أهل الذهب أخذ منه الذهب، وأن كانوا من أهل الورق أخذ منه الورق، وتقطع على الشفيع نجوما كما كانت تقطع الدية على العاقلة، إن كانت الدية كاملة ففي ثلاث سنين، وإن كانت الثلثين ففي سنتين، وإن كانت ثلث دية ففي سنة، وإن كانت نصف دية فإن مالكا قال لي: أرى اجتهاد الإمام في ذلك على قدر ما يرى. فقلنا له: ألا تكون في سنتين؟ فقال: ما أجد فيه حدا، ولكن أرى اجتهاد الإمام يسعه، فأرى للشفيع أن يأخذ بمثل ما وجبت عليهم الدية على اجتهاد الإمام إذا كان النصف، قال ابن القاسم: وأنا آخذ بقوله الأول، في سنتين تقطع نصف الدية.
قلت: أرأيت إن استأجرت إبلا إلى مكة بشقص لي في دار فأراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة، بم يأخذها؟ قال: قال مالك: يأخذها بمثل كراء الإبل إلى مكة. قلت: ويكون في مثل هذا شفعة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن تكفلت بنفس رجل فغاب المكفول به، فطلبني الذي تكفلت له به فلم أقدر عليه فصالحته من الكفالة التي تكفلت له على شقص في دار؟ فقال: إذا علم ما الدين الذي كان على المكفول به فالصلح جائز؛ لأن مالكا قال: من تكفل بنفس رجل وإن لم يذكر المال الذي على المكفول فهو ضامن للمال، فهذا حين تكفل بنفس هذا الرجل فهو ضامن للمال. فإذا صالح وقد عرفا المال الذي على المكفول به بنفسه فالصلح جائز، ويأخذ الشفيع الدار بالدين الذي كان للمكفول له على المكفول عنه؛ لأنه قد أخذ الشقص الدين الذي كان له. قلت: وبم يرجع الذي دفع الشقص على الذي تكفل عنه؟ قال: ذلك إلى المكفول عنه، إن شاء دفع إليه ما كان عليه من المال، وإن شاء دفع إليه قيمة الدار، إلا أن تكون قيمة الدار أكثر من قيمة الثمن، فلا يكون عليه إلا الدين؛ لأن الكفيل إنما غرم عنه هذا فقط، فالمكفول عنه مخير في ذلك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لم أسمعه منه، هذا رأيي، وإن لم يعرف ماله عليه فلا يصلح الصلح فيه.
قلت: أرأيت إن تكفلت بنفس رجل ولم يذكر ما على المكفول عنه من المال، أتجوز هذه الكفالة له في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن غاب المكفول عنه وطلب المكفول له هذا الكفيل بما كان له على المكفول عنه، كيف يصنع؟ قال: يقيم البينة على ما كان له عليه من الدين، فإن أقام البينة أخذ ببينته حقه. قلت: وإن لم يقم البينة وادعى أن له على المكفول عنه ألف درهم فأراد أن يستحلف الكفيل على علمه، أيكون

له أن يستحلفه؟ قال: نعم. قلت: فإن نكل عن اليمين هذا الكفيل؟ قال: يحلف المكفول له ويستحق حقه. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قلت: أرأيت إن صالحت من قذف لرجل على شقص لي في دار فدفعته إليه، أيجوز هذا الصلح وتكون فيه الشفعة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى الصلح في هذا جائزا؛ لأن الحدود التي هي لله لا عفو فيها إذا بلغت السلطان، فلا يصلح فيها الصلح على مال قبل أن ينتهي إلى السلطان، إنما فيها العفو قبل أن تبلغ إلى السلطان، فإن بلغت السلطان أقيم الحد. ولا يعرف في هذا أكثر من هذا. وكذلك المحارب إذا أخذه قوم ولهم قبله دم قد قتل وليهم، فأخذوه قبل أن يتوب، فليس عفوهم عفوا، ولا يجوز أن يصالحوه من الدم على مال، فالصلح باطل والمال مردود؛ لأنه لا عفو لهم في ذلك وإن بلغوا السلطان. قلت: تحفظ هذا عن مالك؟ قال: لم أسمعه منه ولكنه رأيي. قلت: أرأيت إن شجني رجل موضحتين واحدة عمدا وأخرى خطأ فصالحته من ذلك على شقص له في دار، فأراد الشفيع الأخذ بالشفعة؟ قال: يأخذ الشقص بدية موضحة خطأ وبنصف قيمة الشقص، لأني قسمت الشقص على الموضحتين، فصار نصف ههنا ونصف ههنا، فصار ما صار للخطأ من ذلك مالا، وما صار من ذلك للعمد فللشفيع أن يأخذ بقيمة الشقص، وإنما صار للعمد نصف الشقص. وهذا مثل ما أخبرتك من قول مالك في النكاح؛ لأن مالكا قال لي في قتل العمد وفي جراح العمد: ليس فيه دية، إنما هو ما اصطلحوا عليه، فلما قال لي مالك: ليس فيه دية، إنما هو ما اصطلحوا عليه، كان فيما صار للعمد قيمة ذلك الشيء بمنزلة النكاح.

الشفعة في البيع الفاسد
قلت: أرأيت البيع الفاسد، هل فيه شفعة في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال: يفسخ البيع الفاسد في الدور وغير ذلك. قال: وفي الدور لا أرى الفوت فيها وإن تطاول سنتين أو ثلاثا، وإنما الفوت في الدور الهدم والبنيان، فإذا تفاوتت بهدم أو بنيان كانت على المشتري القيمة يوم قبضها ولا يستطيع ردها. فأرى الآن للشفيع أن يأخذها بما لزم المشتري من القيمة يوم قبضها؛ لأنها قد صارت الآن بيعا لا يقدر على ردها، وإن كان أحدث المشتري فيها بنيانا لم يأخذها حتى يدفع إليه قيمة ما أنفق مع القيمة التي وجبت للبائع على المشتري، وإن كانت قد انهدمت لم يوضع للشفيع من قبل الهدم شيء، وقيل له خذها بقيمتها التي لزمت المشتري أو دع، وإن كانت لم تفت فسخ البيع، وليس للشفيع أن يأخذها؛ لأن البيع فاسد، فلا يستطيع أن يدفع إلى الشفيع شفعته؛ لأنه إنما تصير صفقته مثل صفقة المشتري، وصفقة المشتري

وقعت فاسدة، فكذلك تقع صفقة الشفيع، وكما ترد صفقة البائع فكذلك ينبغي أيضا أن ترد صفقة المشتري. قلت: فلو اشتراها مشتر بيعا فاسدا ثم باعها من غيره بيعا صحيحا؟ فقال: للشفيع أن يأخذ، إن شاء بالبيع الثاني وهو البيع الصحيح وليس له أن يأخذ بالبيع الفاسد. قال: فإن قال: أنا آخذ بالبيع الفاسد، قلنا: ليس ذلك له، إنما له أن يأخذ بالبيع الصحيح أو يدع؛ لأن بيع المشتري الاشتراء الفاسد فوت، فلذلك جاز البيع الثاني وكان للشفيع أن يأخذ بالشفعة بالبيع الثاني. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال مالك في الأشياء كلها: من باع بيعا حراما كان لا يقر على حال، ويفسخ قبل أن يتفاوت بشيء من الأشياء، فإن باعه المشتري قبل أن يتفاوت في يده باعه بيعا حلالا. قال مالك: ينفذ البيع الثاني ولا يرد ويترادان - البائع الأول والمشتري الأول - الثمن فيما بينهما ويلزمه البيع بالقيمة يوم قبض، فعلى هذا رأيت مسألتك في الشفعة. وإنما رأيت للشفيع أن لا يأخذ بالبيع الأول؛ لأنه إن أخذ بالبيع الأول كان ذلك مفسوخا، فيرد حينئذ إلى البائع الأول ويفسخ بيع الآخر الصحيح، فلا يكون للشفيع الشفعة، إن طلب أن يأخذ بالبيع الفاسد، وإنما له أن يأخذ بالبيع الصحيح أو يدع ويترادان الأولان القيمة فيما بينهما، ولم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أني استحسنت هذا على ما أخبرتك من قوله. قال ابن القاسم: وهذا إذا كانت الأرض والدار بعينها لم تفت ببناء ولا بهدم، فأما إذا فاتت بالبناء أو بالهدم، فإن الشفيع يأخذ إن شاء بالقيمة التي لزمت المشتري، وإن شاء أخذها بالثمن الذي بيعت به في البيع الصحيح، وهي إذا فاتت فإنما كان للشفيع أن يأخذها بالقيمة؛ لأنها ترد بالبيع الفاسد وقد لزمته القيمة فيها حتى كأنه بيع صحيح.
قلت: أرأيت إن تراد - البائع الأول والمشتري الأول - البيع فيما بينهما، والشقص من الدار في يدي المشتري الثاني الذي اشترى اشتراء صحيحا، فقدم الشفيع بعدما ترادا الثمن فيما بينهما وغرم المشتري الأول القيمة للبائع، فقدم الشفيع فقال: أنا آخذ بالشفعة؟ قال: ذلك للشفيع، يأخذ بأي ذلك شاء، ألا ترى أن المشتري الثاني الذي اشترى الدار شراء صحيحا، لو أصاب بالدار عيبا بعدما تراد البائع الأول والمشتري الأول الثمن فيما بينهما، وتراجعا إلى القيمة بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض، فأراد هذا المشتري الثاني أن يرد الدار على المشتري الأول بالعيب، كان ذلك له، فإن ردها عليه بالعيب فأراد المشتري الأول أن يردها على البائع الأول بالبيع الفاسد، لم يكن ذلك له؛ لأن البيع قد صح فيما بينهما بالقيمة التي تراجعا إليها إلا أن تكون إنما يردها بالعيب، فيكون له أن يردها بالعيب الذي ردت عليه به، ويرجع على البائع الأول بالقيمة التي كان أخذها منه. قال: وقال لي مالك: ولو أن رجلا اكترى دابة إلى موضع من المواضع، فتعدى ذلك الموضع، فضلت منه الدابة فضمنه رب الدابة قيمة الدابة وقبض القيمة، ثم أصاب

المتعدي بعد ذلك الدابة بحالها لم تتغير، فأراد ربها أن يستردها ويرد الثمن على المتعدي قال: قال مالك: ليس ذلك له؛ لأنه قد ضمن القيمة له ونفذ ذلك بينهما، فليس له أن يستردها؛ لأن ذلك بيع قد تم بينهما، فكذلك ما فسرت لك من البيع الفاسد إذا تراجعا إلى القيمة.
قلت: أرأيت ما كان من الآجام والغياض، أتكون في ذلك شفعة؟ قال: إذا كانت الأرض بينهما ففيها الشفعة عند مالك؛ لأن مالكا قال: في الأرض كلها الشفعة. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا في أرض وشقصا في عين من رجل، والعين لتلك الأرض وشرب تلك الأرض من تلك العين، أو كان موضع العين بئرا تشرب الأرض منها، فاشتريت شقصا من الأرض وبئرها، فغار ماء البئر أو ماء العين، ثم أتى الشفيع ليأخذ بالشفعة؟ قال: يقال للشفيع: خذ بجميع الثمن أو دع؛ لأن مالكا قال في البنيان ما قد أخبرتك لو احترق أو انهدم أو هدمه المشتري ليبنيه، فإن الشفيع يأخذ بالشفعة بجميع الثمن أو يدع وكذلك هذا.

الشفعة فيما انهدم وبلي
قلت: أرأيت إن اشتريت دارا فهدمتها ثم بنيتها، فأتى رجل فاستحق نصفها فأراد الأخذ بالشفعة؟ قال: يقال له ادفع إليه قيمة بنيانه وإلا فلا شفعة لك، وأما في النصف الذي استحق فيقال للمستحق ادفع إليه نصف قيمة بنيانه أيضا، فإن أبى قيل لهذا المشتري الذي بنى ادفع إليه قيمة نصف الدار بغير بنيان إن كان هدم البنيان كله، فإن أبى كانا شريكين ولا يكون عليه شيء لما هدم؛ لأنه هدم على وجه الشبهة وهو رأيي.

تسليم الشفعة بثمن وبغيره قبل الاشتراء
قلت: أرأيت إن قال رجل: يا فلان اشتر هذا النصف من هذه الدار فقد سلمت لك شفعتي وأشهد له بذلك. فاشتراها ثم طلب شفعته وقد كان سلمها له قبل الاشتراء؟ قال: قال مالك: له أن يأخذ بالشفعة وليس تسليمه، وإن أشهد على ذلك قبل الاشتراء بشيء، وليس ذلك مما يقطع شفعته. قال: وقال مالك: ولو أنه أخذ من المشتري مالا على أن يسلم له الشفعة - وذلك قبل عقدة البيع - كان هذا المال مردودا ولا يحل له هذا المال ويكون على شفعته. قال: وقال مالك: في رجل اشترى دارا فأتى رجل فاستحق فيها شقصا فأراد أن يأخذ الدار بالشفعة. قال: وقال مالك: ذلك له، فقيل لمالك: فإنهم اصطلحوا على أن يسلم المشتري للمستحق الذي يريد أن يأخذ بالشفعة بيتا من الدار بما يصيبه

تسليم الوالد والوصي شفعة الصغير
قلت: أرأيت شفعة الصغير إن سلمها الأب أو الوصي، أيجوز ذلك على الصغير في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يكن له وصي؟ قال: فالقاضي ينظر له. قلت: فإن سلم القاضي شفعته؟ قال: إذا رأى له القاضي أن يسلم شفعته، فذلك جائز على الصغير في رأيي.

الشركة في شراء الدور وأخذ امقارض الشفعة بمال القراض
الشركة في شراء الدور وأخذ المقارض الشفعة بمال القراض
قلت: أرأيت إن اشترك شريكان شركة مفاوضة في اشتراء الدور وبيعها، فباع أحدهما دارا قد اشترياها فطلب شريكه الشفعة؟ قال: لا أعرف المفاوضة في الدور، فإن نزل هذا وتفاوضا في شراء الدور وبيعها فباع أحدهما، فليس لصاحبه أن يأخذ بالشفعة مثل ما قال مالك في المتفاوضين في الاشتراء والبيع؛ لأن أحد المتفاوضين إذا باع جاز بيعه على شريكه، وليس لشريكه أن يرد. فهذا إذا باع فقد باع صاحبه أيضا؛ لأن بيعه جائز على صاحبه. قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا فأتى إلى شقص من دار أنا فيها شريك، فاشترى ذلك الشقص فأردت أن آخذ بالشفعة؟ قال: ذلك لك؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا اشترى شقصا من دار والمشتري نفسه شفيعها ورجل آخر، فطلب ذلك الرجل الآخر الأخذ بالشفعة، فإن للمشتري أن يأخذ بالشفعة مع ذلك الرجل أيضا، يضرب المشتري والرجل الآخر كل واحد منهما فيما اشترى المشتري بقدر ما لكل واحد منهما في الدار، ولا يضرب المشترى بما اشترى، ولكن يضرب بقدر ما كان له من الدار قبل الاشتراء فيما اشترى. قلت: أرأيت رب المال، هل يجوز له أن يبيع شيئا مما في يدي المقارض بغير إذن المقارض في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك. قلت: أرأيت لو أن رجلا مضاربا اشترى شقصا من دار بمال المضاربة، وهذا المضارب هو شفيع في الدار التي اشترى، فأراد الأخذ بالشفعة، فقال رب المال: ليس لك أن تأخذ

شفعة العبيد والمكاتبين
قلت: أرأيت العبد، هل له شفعة في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان العبد مأذونا له في التجارة. قلت: فإذا لم يكن مأذونا له في التجارة؟ قال: سيده أولى بذلك، إن أحب أن يأخذ لعبده بالشفعة أخذ، وإن أحب أن يترك ترك. قال: وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إن كان مأذونا له في التجارة فبيعت أرض، وهذا المأذون له في التجارة شفيعها، فطلب العبد الأخذ بالشفعة وسلم المولى الشفعة؟ قال: أرى إن كان على العبد دين فأراد العبد أن يأخذ ذلك بدين عليه ولفضل قد تبين في الذي يأخذ بالشفعة، فليس تسليم السيد ههنا شيئا؛ لأنه ضرر على العبد وعلى الغرماء؛ لأن الدين يبقى في ذمته. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي. قال: وإن لم يكن عليه دين فأرى تسليم السيد جائزا عليه. قلت: أرأيت إن اشتريت أرضا والمأذون له في التجارة شفيعها، فسلم العبد شفعته وطلب سيده الأخذ بالشفعة؟ قال: تسليمه جائز، وكذلك سمعت مالكا يقول في الغريم إذا سلم الشفعة وفيها فضل فيأبى ذلك الغرماء وليس في ماله وفاء. قال: ليس ذلك للغرماء وتسليمه جائز. قلت: أرأيت المكاتب، هل له شفعة في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن سلم شفعة وقال مولاه: أنا آخذ بالشفعة، أيكون ذلك له في قول مالك؟ قال: ليس ذلك له؛ لأن المكاتب أحق بماله من سيده. قال: ولقد سمعت من مالك فيما هو أقوى من هذا، فلم ير له فيه شفعة. وذلك في رجل عليه دين وقعت له شفعة مربحة كثيرة الفضل، فقال غرماؤه: خذ بالشفعة، فإن لنا فيها فضلا ودينه كثير يغترق ماله، وقال الغريم: لا أريد الشفعة. قال مالك: لا يجبر على ذلك، وليس للغرماء ههنا حجة، إن شاء أخذ وإن شاء ترك، فهذا يبين لك أمر المكاتب والعبد.

شفعة المرأة
قلت: أرأيت لو أن امرأة سلمت شفعة وجبت لها وأبى زوجها ذلك؟ قال: تسليمها

في شهادة ذوي القرابة في الوكالة
قلت : أرأيت شهادة أبي أو أمي أو ابني أو جدتي أو جدي أو ابنتي أو زوجتي، أتجوز شهادة هؤلاء على وكالتي إذا أنا وكلت أو وكلني غيري؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأما أنا فلا أرى شهادتهم جائزة بما وكله غيره وأراها جائزة إذا وكل هو غيره. قلت: هل تجوز شهادة النساء في الوكالة في طلب الشفعة؟ قال: قال مالك: كل موضع تجوز فيه شهادتهن في الأموال تجوز فيه شهادتهن في الوكالة على ذلك الشيء الذي لو شهدن عليه أنفسهن جازت شهادتهن فيه. قال: وقال مالك: ولا تجوز شهادتهن على الوكالة في شيء لو شهدن على ذلك الشيء لم تجز شهادتهن فيه، مثل أن يشهدن على عتق أو طلاق أو قتل لم تجز شهادتهن عليه، فهن إذا شهدن على الوكالة في ذلك لم تجز شهادتهن عليه. وأما في الشفعة فشهادتهن جائزة على الوكالة على الأخذ بالشفعة عند مالك؛ لأنهن لو شهدن على أنه شفيع جاز ذلك، أو شهدن على أنه سلم شفعته جاز ذلك. أو شهدن على المشتري أنه قد أقر بأن هذا شفيع هذه الدار جاز ذلك. وقال مالك: لا تجوز تزكية النساء في وجه من الوجوه، لا فيما تجوز فيه شهادتهن ولا في غير ذلك، ولا يجوز للنساء أن يزكين النساء ولا الرجال. قال مالك: وليس للنساء من التزكية قليل ولا كثير، ولا تقبل تزكيتهن في شهادة على مال ولا غير ذلك. قلت أرأيت إن بعت دارا أنا شفيعها، فأردت أن آخذ بالشفعة لغيري، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال في رجل باع حصته من دار، فقام شريكه يريد أن يأخذ بشفعته لغيره قال مالك: لا أرى ذلك له، إلا أن يريد الأخذ لنفسه، فأما لغيره فلا، فهذا يشبه عندي ما سألت عنه.

في الحاضر يوكل على طلب شفعته والمخاصمة
قلت: أيجوز أن أوكل من يطلب شفعتي وأنا حاضر في قول مالك؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: يجوز للرجل أن يوكل من يخاصم عنه وهو حاضر. قال: فقيل لمالك: فلو أن رجلا خاصم رجلا حتى نظر القاضي في أمرهما ويوجه أمرهما وتحاجا عند القاضي، ثم حلف أحدهما أن لا يخاصم صاحبه وأراد أن يوكل؟ قال: ليس ذلك له إلا أن يكون له عذر، مثل أن يكون شتمه أو أسرع عليه أو ما أشبه ذلك. قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه إن مرض أو أراد سفرا أو غزوا أو حجا، ولم يكن ذلك منه إلدادا بصاحبه ولا قطعا له في خصومته، رأيت له أن يستخلف. قلت له: أفيكون هذا المستخلف على حجة الأول؟ قال: نعم ويحدث من الحجة ما شاء. قلت: وهذا الذي يوكل هذا ما أقام من بينته

الذين شهدوا له على الذي وكل هذا الوكيل جائزة وكل ما كان قد أوقع من حجة على خصمه قبل أن يوكل هذا ذلك جائز على هذا الموكل عليه في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن وكلت وكيلا على خصومتي وأنا حاضر فقال خصمي لا أرضى؟ قال: ذلك جائز عند مالك، له أن يوكل وإن لم يرض خصمه إلا أن يكون الذي توكل إنما توكل ليضر بهذا الخصم لعداوة بينهما. قال: قال مالك: فلا يجوز ذلك.
قلت: وكل وكالة كانت ممن يتوكل بها أو يوكل بها إضرارا فلا يجوز في قول مالك؟ قال: نعم. قال: ولقد سئل مالك عن رجل كان له على رجل دين فأراد رجل أن يبتاعه وهو يعلم أنه إنما دعاه إلى ذلك لعداوة بين المشتري وبين الذي عليه الدين، ويعلم أنه إنما أراد بذلك عنته. قال مالك: إذا علم بذلك رأيت أن لا يمكن من ذلك.
قلت: أرأيت إن باع شقصا له في دار ولها شفعاء، بعضهم غيب وبعضهم حضور أو كلهم غيب إلا رجل واحد حاضر من الشفعاء، فطلب أن يأخذ بالشفعة؟ قال مالك: يأخذ جميع الشفعة أو يدع. قلت: فإن قال المشتري لا أدفع إليه إلا قدر حصته من شفعته؟ قال: قال مالك: ليس ذلك له إذا طلب الشفيع الشفعة وأراد أخذ جميع ذلك فذلك له، ليس لهذا أن يمنعه وليس للذي طلب الشفعة أن يأخذ بعض ذلك دون بعض إذا أبى ذلك المشتري. قلت: فإن أخذ بجميع الشفعة فقدم واحد من الغيب؟ قال: يقال له خذ نصف ما في يدي صاحبك من الشفعة، وتكون الشفعة بينكما وإلا فلا شفعة لك. قلت: وكل من قدم من الغيب من الشفعاء يدخل معهم، فيكون معهم في الشفعة بالسوية. وكل صغير بلغ فكذلك ليس لهم أن يمنعوه من ذلك، وليس له أن يقول أنا آخذ قدر حصتي من الشفعة وأدع ما سوى ذلك؟ قال: نعم، وهو معهم بالسوية في الشفعة، وليس له أن يقول أنا آخذ بقدر حصتي من الشفعة فلا شفعة له وهذا قول مالك.

أخذ الوصي بالشفعة للحبل
قلت: أرأيت الوصي، أيأخذ للحبل بالشفعة في قول مالك أم لا؟ قال: لا يأخذ له بالشفعة حتى يولد؛ لأنه لا ميراث له إلا بعد الولادة في رأيي، فكذلك لا شفعة له إلا بعد الولادة وبعد الاستهلال صارخا.
قلت: أرأيت لو أن دارا بين رجلين مسلم ونصراني، هما شريكان في الدار، باع المسلم حصته من نصراني أو من مسلم، أيكون لشريكه النصراني في ذلك شفعة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لشريكه الشفعة وإن كان نصرانيا.

في عبد النصراني يسلم وسيده غائب
قلت: أرأيت العبد النصراني ومولاه نصراني، أسلم العبد وسيده غائب، أيباع على سيده أم ينتظر سيده حتى يقدم؟ قال: إن كان غيبة السيد قريبة نظر الإمام في ذلك ولم يعجل في بيعه، لعل سيده أن يكون قد أسلم فيكون العبد له على حاله عبدا، وإن كان بعيدا باعه السلطان ولم ينتظره. قال: وكذلك إن كانت أمة؛ لأن مالكا قال في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت النصرانية وزوجها غائب قبل أن يبني بها زوجها. قال مالك: ينظر السلطان في ذلك، فإن كان موضع الزوج قريبا استؤني بالمرأة وكتب إلى ذلك الموضع، لعله يكون قد أسلم قبل المرأة، فإن كان قد أسلم قبل المرأة فهو أحق بها. وإن كانت غيبته بعيدة لم يأمرها أن تنتظره، ولها أن تنكح مكانها إن أحبت. قلت: أرأيت إن تزوجت ولم تنتظره؛ لأن غيبته كانت بعيدة، فقدم الزوج وقد كان أسلم في مغيبه قبلها؟ قال: إذا أدركها قبل أن يبني بها زوجها فهو أحق بها، وإن بنى بها زوجها الثاني فلا نكاح بينهما؛ لأن مالكا قال في التي تسلم وزوجها غائب وقد كان دخل بها زوجها: إن كانت غيبته قريبة سئل عنه، وإن كانت غيبته بعيدة أنتظرته فيما بينها وبين أن تنقضي عدتها، فإن قدم زوجها وقد تزوجت ودخل بها زوجها الثاني وقد كان إسلامه قبل إسلامها أو في عدتها فلا سبيل له إليها، وإن أدركها قبل أن يدخل بها وقد كان إسلامه على ما وصفت لك فهو أحق بها. قلت: ولم قال مالك هذا؟ قال: رآه مثل قول عمر بن الخطاب في التي يطلقها زوجها فتعلم بطلاقه ثم يراجعها فلا تعلم برجعته حتى تنكح زوجا غيره، أنه إن أدركها قبل أن يبني بها زوجها هذا الثاني فهو أحق بها، وإن أدركها بعدما بنى بها زوجها الثاني فلا سبيل للأول إليها، فكذلك هذه في إسلامها.

فيمن اشترى شقصا فبناه مسجدا ثم أتى الشفيع
قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار فقاسمت شريكي وبنيته مسجدا، ثم جاء الشفيع فأراد رد قسمتي وأن يأخذ بالشفعة ويهدم المسجد، أله ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أن ذلك له؛ لأنه حين بيع هذا الشقص كانت له الشفعة، فلا تبطل شفعته بما أحدث المشتري في ذلك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى شقصا من دار وهو مديان، فقام عليه غرماؤه فباعوا عليه ما اشترى، أو مات فباع ذلك ورثته للغرماء، ثم أتى الشفيع فأراد أن يأخذ الصفقة الأولى، أيكون له ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك في الرجل يشتري الشقص من الدار فيبيعها من غيره ويبيعها ذلك أيضا من آخر، ثم يأتي الشفيع، أن له أن يأخذ أي صفقة شاء من ذلك وكذلك مسألتك.

قلت: أرأيت من كان له طريق في دار فبيعت الدار، أتكون له الشفعة فيها في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا شفعة له فيها.

بيع المسجد
قلت: أرأيت من بنى مسجدا على ظهر بيت له أو على غير ظهر بيت، على أرضه ولم يبنه على بيته، أيجوز له أن يبيعه؟ قال: قال مالك: لا يجوز له أن يبيعه؛ لأن هذا عندي بمنزلة الحبس، أرأيت من حبس عرصة له أو بيتا له في المساكين أو على المسلمين، أيجوز له بيعه؟ قال: قال مالك: لا يجوز له بيعه، فكذلك المسجد عندي مثل قول مالك في الحبس لا يجوز بيعه إذا كان بناؤه على وجه الصدقة والإباحة للناس.

الشفعة في الجدار والسفلي يكون لرجل علوه ولآخر سفله هل بينهما شفعة؟
قلت: أرأيت لو أن جدارا بيني وبين رجل، الجدار بين داري وداره، أنا وهو في الجدار شريكان، بعت نصيبي منه، أيكون شريكي فيه شفيعا أم لا في قول مالك؟ قال: نعم هو شفيع. قلت: فإن كان الجدار جداري، وإنما له عليه مواضع خشب، فبعت الجدار، أيكون شفيعا بمواضع الخشب أم لا؟ قال: قال مالك: لا شفعة إلا في الشركة في أصل الأرض، وهذا ليس بشريكه فلا شفعة له. قلت: أرأيت إن بعت عوالي لي وتحته سفلي لغيري، أو بعت سفليا لي وعليه عوالي لغيري، أتكون لبعضهم الشفعة فيما باع صاحبه في قول مالك ؟. قال: لا شفعة لهم؛ لأن هؤلاء قد عرف كل واحد منهم حقه ما هو وحيث هو. قلت: أرأيت إن اشترى مسلم من ذمي أرض خراج وشفيعها مسلم، أيجوز هذا البيع وتكون فيها الشفعة في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا تباع أرض الذمي إذا كانت الأرض أخذت عنوة. قلت: فإن كانت الأرض أرض صلح عليها خراج، باع أرضه رجل من أهل الذمة من مسلم أو من نصراني وشفيعها مسلم، أيجوز هذا البيع وتكون له الشفعة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يعجبني هذا البيع ولا أراه جائزا إن اشترط البائع على المشتري خراجا يؤديه عن الأرض، وإن اشترى ولا خراج عليه لم يكن بذلك بأس. قال ابن القاسم: وأرى فيها حينئذ الشفعة، ولا ينبغي في قول مالك أن يبيع رجل أرضا من رجل على أن على المشتري كل عام شيء يدفعه في خراجه. قال ابن القاسم: قال مالك في أهل الصلح: إن لهم أن يبيعوا أرضهم، فإن كان المشتري إنما يبيعه البائع على أن عليه خراجا يتبع به فلا يحل، وإن كان يكون الخراج على البائع ويسقط عن

فيمن اشترى أرضاً ونخلاً فاستحق بعض النخل
قلت: أرأيت إن اشتريت أرضا ونخلا صفقة واحدة، فاستحق بعض النخل، أيكون لي أن أرد جميع صفقتي والأرض أرض النخل؟ قال: ينظر في ذلك، فإن كان الذي استحق من النخل شيئا يسيرا تافها، لم يكن له أن يرد شيئا مما اشترى، وكذلك قال مالك. ويوضع عنه من الثمن بقدر ما يصيب الذي استحق من النخل، ويقسم الثمن على جميع ما اشترى، فيوضع عنه من الثمن ما صار لهذا الذي استحق من يديه. وإن كان الذي استحق من النخل شيئا كثيرا، كان له أن يرد جميع ذلك أو يتماسك بما بقي في يديه ويأخذ من الثمن بقدر ما استحق وهذا قول مالك. قلت: فإن كانت الأرض على حدة والنخل على حدة، فاشترى الأرض والنخل صفقة واحدة فاستحق بعض النخل؟ قال: ينظر في الذي اشترى، فإن كان الذي استحق من النخل هو وجه ما اشترى وفيه كان يرجو الفضل ولمكان هذا الذي استحق اشترى جميع صفقة الأرض وما بقي من النخل، فله أن يرد ذلك. وإن لم يكن ذلك وجه ما اشترى ولا فيه طلب الفضل كان له أن يرد جميع النخل بما يصيب النخل من الثمن إذا كان الذي استحق من النخل هو أكثر النخل، وإن كان الشيء التافه الذي استحق من النخل، كان له أن يرجع ما يصيب ذلك من الثمن ولم يفسخ شيء من البيع.

فيمن اشترى دارين صفقة واحدة فاستحق شيء من أحدهما
قلت: أرأيت إن اشتريت دارين صفقة واحدة، فاستحق شيء من إحدى الدارين، والدار التي استحق بعضها ليست وجه ما اشتريت؟ قال: ينظر فيما استحق من الدار، فإن كان شيئا تافها يسيرا لا ضرر فيه، لم يكن له أن يرد شيئا من شرائه، وكان له أن يرجع بحصة ما استحق من الدار في الثمن. وإن كان ما استحق من الدار هو أكثر تلك الدار وفيه ضرر، ردت تلك الدار وحدها ورجع في الثمن بحصة تلك الدار ولم يكن له أن يرد الدار الأخرى؛ لأن التي استحق أكثرها ليست وجه ما اشترى. قال: فإن استحق

فيمن ادعى في دار فصولح على دراهم ولم يسم الدعوى كم هي
قلت: أرأيت إن ادعيت في دار دعوى، فصالحني الذي ادعيت في داره هذه الدعوى على مائة درهم فدفعها إلي ولم أسم دعواي ما هي لا ثلثا ولا ربعا لا نصفا، أيجوز هذا الصلح وتكون في الدار الشفعة أم لا؟ قال: لا يجوز هذا الصلح؛ لأن مالكا قد جعل الصلح بمنزلة البيع، فلا يجوز فيه لمجهول كما لا يجوز في البيع المجهول إذا كان يعرف ما يدعي من الدار، فلا بد من أن يسميه ثم يصطلحان بعد تسمية ذلك على ما أحبا، فإن لم يفعلا فالصلح فاسد ولا شفعة فيه؛ لأنه غير جائز إلا أن يكونا لا يعرفان ذلك فيجوز الصلح. قال: ولقد سألت مالكا عن الرجل يهلك ويترك دورا ورقيقا وماشية وغير ذلك من العروض، فيريد ورثته أن يصالحوا المرأة على ميراثها من ذلك. قال: قال مالك: إن كان ما ترك الميت قد عرفته المرأة وعرفه الورثة فلا بأس بذلك، وإن كان مجهولا لا يعرف فالصلح فيه غير جائز، وإنما هو بمنزلة البيع، ولا يجوز في الصلح من هذا الوجه إلا ما يجوز في البيع.

فيمن استأجر أجيرا بشقص هل فيه شفعة أم لا؟
قلت: أرأيت إن استأجرت أجيرا سنة بحظي من هذه الدار، أتكون هذه الدار شفعة أم لا في قول مالك؟ قال: فيها الشفعة. قلت: فبكم يأخذها الشفيع؟ قال: يأخذها بقيمة الإجارة؟ قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، الإجارة عند مالك بيع من البيوع، فإذا كانت بيعا من البيوع فالشفعة فيها إذا اشتريت الدار، فالإجارة بمنزلة الشراء والبيع بالأموال والعروض، تكون في الدار الشفعة بقيمة الإجارة. قال: وهذا كله قول مالك. قلت: وكذلك إن بعت حظي من هذه الدار بسكنى دار أخرى أتكون فيها الشفعة أم لا في قول مالك؟ قال: نعم له الشفعة عند مالك. قلت: أرأيت إن ادعيت في دار سدسها وذلك حظ رجل في تلك الدار، فجحدني فصالحته على أن أسلمت له شقصا في دار أخرى على أن يسلم لي هذا السدس الذي ادعيته في يديه، أتكون فيهما جميعا الشفعة أم لا في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا، ولكن أرى الشفعة في الشقص الذي لم يكن فيه دعوى، وأما السدس الذي كانت فيه دعوى المدعي؛ فلا أرى فيه الشفعة؛ لأن هذا المدعي يقول إنما أخذت حقا كان لي ولم أشتره فيؤخذ مني بالشفعة، وتكون في الشقص الذي لم يكن فيه دعوى الشفعة، يأخذ الشفيع الشقص بقيمة السدس الذي كانت فيه الدعوى؛ لأن الذي أخذ الشقص من الدار دفع هذا السدس الذي كانت فيه الدعوى، وهو مقر بأن السدس الذي دفع ثمن هذا الشقص الذي في يديه. ولا يمنع الشفيع من أخذ ما في يديه من هذا الشقص؛ لأنه مقر أنه قد اشتراه وثمنه السدس الذي دفع إليه. وأما مدعي السدس الذي أخذه فيقول أنا لم أشتر هذا السدس، وإنما أنا رجل أخذت حقي وصالحت في شقصي الآخر لما جحدني هذا السدس، فافتديته بهذا الشقص الذي دفعته من مالي، فلا يكون فيما في يديه من السدس شفعة؛ لأنه لم يقر بشراء هذا السدس.

فيمن ادعى أنه قتل دابته فصالح على شقص
قلت: أرأيت إن ادعيت قبل رجل أنه قتل دابتي فصالحته من ذلك على شقص له في دار، فأتى الشفيع ليأخذ بالشفعة، بكم يأخذها؟ قال: بقيمة الدابة. قلت: فالقول قول من في قيمة الدابة؟ قال: القول قول رب الدابة. قلت: ولا يقال له ههنا صف الدابة؟ قال: لا؛ لأن مالكا قال في الذي يشتري الدار بالعرض فيفوت العرض: إن القول فيه قول المشتري ويقال للشفيع خذ بذلك أو دع ولم يقل مالك يقال له صف، قلت: فإن قال قيمة ذلك العرض ما يعلم الناس أنه فيه كاذب ليس ذلك قيمة لذلك

العرض؟ قال: لا يصدق، وإذا أتى بما لا يشبه كان القول قول الآخر بالشفعة إذا أتى بما يشبه.

في حوز ولي اللقيط ما تصدق عليه
قلت: أرأيت اللقيط إذا تصدق عليه بصدقة أو وهبت له هبة، أيكون الذي هو في حجره القابض له ولم يجعله له السلطان ناظرا ولا وصيا قال: نعم؛ لأن مالكا قال في الرجل يتصدق على الرجل بصدقة والمتصدق عليه غائب، فيقول هذا الذي تصدق لرجل أجنبي: اقبض لفلان صدقته، فيدفعها إليه ويحوزها هذا الأجنبي لذلك الرجل الغائب، ولم يعلم الغائب بما تصدق هذا عليه ولا بما حاز له هذا الرجل الآخر. قال: قال مالك: ذلك جائز، وكذلك اللقيط عندي هو بهذه المنزلة. قلت: أرأيت إن أخذت عبد الرجل غصبته إياه فاشتريت به شقصا في دار، أتكون فيه الشفعة أم لا؟ قال: أما ما كان العبد قائما بعينه لم يتغير ولم يفت فلا شفعة في الدار، فإذا فات العبد حتى تجب على آخذه قيمته، فالشفعة للشفيع بقيمة العبد يوم اشترى به الدار؛ لأن البيع قد تم بينهما حين لزم المتعدي قيمة العبد. قلت: أرأيت لو أني اشتريت شقصا في دار بألف درهم غصبتها من رجل يعلم ذلك، ثم طلب الشفيع الشفعة؟ قال: له الشفعة والشراء جائز، وإنما عليه ألف درهم مثلها ولربها الذي استحقها أن يأخذها من يد بائع الدار إن كانت الدراهم قائمة بعينها؛ لأن الدراهم والدنانير في هذا لا تشبه العروض. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قال ابن القاسم: إذا أقام البينة على دراهمه بعينها أخذها ورجع البائع على المشتري بمثل تلك الدراهم ولا ينقض البيع بينهما. قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار بألف درهم، فأتى الشفيع يطلب بالشفعة فقال المشتري بنيت فيها هذا البيت وهذا البيت وكذبه الشفيع؟ قال: القول قول الشفيع لأن المشتري مدع فيما بنى ولا يصدق إلا ببينة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئا.

فيمن اشترى عرصة ثم اشترى نقضها
قلت: أرأيت إن اشتريت عرصة في دار فيها بنيان على أن النقض لرب الدار ولم أشتر منه النقض، ثم اشتريت بعد ذلك النقض أو اشتريت منه النقض أولا، ثم اشتريت العرصة بعد ذلك فطلب الشفيع الشفعة، أتكون له الشفعة في العرصة والنقض جميعا أم لا؟ قال: نعم، تكون شفعة الشفيع في النقض وفي العرصة فيهما جميعا في العرصة بما اشتراها به المشتري والنقض بالقيمة قائما. قلت: ولم جعلت للشفيع الشفعة في النقض، وإنما صفقة النقض غير صفقة العرصة؟ قال: جعلت الشفعة في العرصة وقلت

فيمن اشترى شقصا فتصدق به ثم أتى الشفيع
قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار من رجل فتصدقت به على رجل، ثم قام الشفيع فأراد الأخذ بالشفعة، أتنتقض الصدقة ويأخذ شفعته بصفقة البيع أم لا في قول مالك؟ قال: نعم تنتقض الصدقة ويأخذ الشفعة بصفقة البيع. قلت: أرأيت لو أن دارا بيني وبين رجل غير مقسومة، بعت أنا طائفة منها بغير أمر شريكي، فقدم شريكي، والذي بعت أنا من الدار هو نصف الدار إلا أن الذي بعت هو نصف بعينه؟ قال: قال لي مالك: إن أحب شريكه أن يأخذ بما باع ويدفع إلى المشتري نصف الثمن الذي اشتراه به المشتري فذلك له، وهذا النصف الثمن الذي يدفع إنما هو من حصة شريكه؛ لأن البيع إنما يجوز له في حصة شريكه ولا يجوز في حصته هو إلا أن يجيزه. قال: فقلت لمالك: أفلا يقاسم هذا الذي لم يبع شريكه الذي باع، فإن صار هذا النصف الذي باعه البائع في حظه جاز عليه البيع وإن صار في حظ صاحبه بطل البيع؟ قال مالك: لا يكون هذا هكذا، ولكن الذي لم يبع يأخذ حصة شريكه الذي باع بشفعته ويأخذ حصته من ذلك، ولا يجوز فيه البيع إذا لم يجزه هو ويرجع المشتري على البائع بنصف الثمن لأن الشريك الذي أخذ شفعته قد دفع إلى المشتري نصف ثمنه وهو حصة البائع، ويقاسمه النصف الباقي من الدار إن شاء. قلت: أرأيت لو أن نخلة بيني وبين رجل بعت نصيبي منها، أتكون لصاحبي الشفعة فيها أم لا؟ قال مالك: لا شفعة فيها ولا أرى في هذه الشفعة لأنها بما لا ينقسم. قال: وسئل مالك عن رجل تزوج امرأة على امرأة له أخرى، فحلف للأولى بطلاق الثانية إن آثر الثانية عليها ثم إنه طلق الأولى ألبتة قال: قال مالك: تطلق الثانية أيضا لأنه حين طلق الأولى فقد آثر الثانية عليها.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب القسمة الأول

ما جاء في بيع الميراث
قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت لو أني بعت مورثي من هذه الدار ولم أسم ما هو أخمس أم عشر أم ربع أم نصف، أيجوز هذا البيع؟ قال ابن القاسم: لا خير في هذا البيع عند مالك. قلت: فإن تصدق بميراثه من هذه الدار أو وهبه ولم يخبر ما هو أثلث أو ربع أيجوز هذا؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك. قلت: أرأيت إن ورثنا دارين ونحن أشراك كثير، فبعت نصيبي من هذه الدار من أحد الورثة بنصيبه من الدار الأخرى ولم أسم عند البيع ما نصيبي ولا سماه هو لي أيضا، إلا أن كل واحد منا قد عرف نصيبه ما هو وعرف نصيب صاحبه، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: نعم. قلت: وكذلك لو ورثت في دار سدسا أو ربعا أو خمسا، فبعت مورثي من الدار من رجل ولم أسم عند عقدة البيع أن ذلك خمس ولا ربع ولا سدس، وقد عرف البائع والمشتري ما ميراث البائع من الدار؟ قال: ذلك جائز عند مالك. قلت: أرأيت إن عرف المشتري ما مورث البائع ولم يعرف البائع ما مورثه من الدار؟ قال: قال مالك: إذا جهل أحدهما كم ذلك من الدار فلا خير في ذلك البيع.

ما جاء في التهايؤ في القسم
قلت: أرأيت لو أن دارا بيني وبين رجل اقتسمناها على أن أخذت أنا الغرف وأخذ هو الأسافل، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: ذلك جائز. قلت: أرأيت لو أن دارا بين ثلاثة رجال رضوا بأن يأخذ أحدهم بيتا من الدار وعلى أن يكون للآخرين بقية الدار، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أليس قد قال مالك: لا يجمع بين الرجلين

ما جاء في شراء الممر وقسمة الدار على أن الطريق على أحدهم
قلت: أرأيت لو أن دارا بيني وبين صاحبي قاسمته فأخذت طائفة وأخذ هو طائفة على أن الطريق لي، إلا أن له في الطريق الممر فصار الطريق لي وله الممر فيه، أيجوز هذا القسم أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز. قلت: أرأيت إن اشترى رجل من رجل ممره في داره من غير أن يشتري من رقبة البنيان شيئا، أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز لهما.

ما جاء في قسمة الدار وأحدهما يجهل حظه
قلت: أرأيت لو أن دارين ورثهما رجلان، أحدهما قد عرف مورثه من الدارين والآخر يجهل مورثه منهما، فرضيا بأن يأخذ أحدهما مورثه من إحدى الدارين النصف ومن الأخرى الثلث وسلم لصاحبه بقيمتهما، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك؛ لأن مالكا قال في المرأة تصالح على مورثها من الدار ولا تعرف ما هو، قال مالك: الصلح باطل. قلت: أرأيت لو أن دارا بيني وبين رجل تراضينا على أني جعلت له طائفة من الدار، على أن جعل لي الطائفة الأخرى، فرجع أحدنا قبل أن تنصب الحدود بيننا؟ قال: ذلك لازم لهما ولا يكون لهما أن يرجعا عند مالك؛ لأن هذا بيع من البيوع. قلت: أرأيت لو أن أقرحة متباينة بين قوم شتى أرادوا أن يقتسموا قال بعضهم: اقسم لنا في الأقرحة كلها وقال بعضهم: بل اجمع لنا نصيب كل واحد منا في موضع واحد؟ قال: إن كانت الأرض قريبة من بعض وكانت في الكرم سواء، قسمت كلها وجمع نصيب كل واحد منهم في موضع واحد. وإن كانت الأقرحة مختلفة وكانت قريبة، قسم كل قريح على حدة، وإن كانت الأقرحة في الكرم سواء إلا أنها متباينة متباعدة مسيرة اليوم واليومين، قسم كل قريح على حدة أيضا؛ لأن مالكا قال في القوم يرثون الحوائط والدور ويكون بينهم اليوم واليومان. قال: أرى أن تقسم الحوائط وتلك الدور كل واحد على حدة.

قسمة القرى
قلت: وكذلك إن كانت القرى بينهم ورثوها أو اشتروها، فأرادوا أن يقتسموا، فقال بعضهم: اجمع نصيب كل واحد منا في مكان واحد، وقال بعضهم: اقسم لنا في كل

قسمة الدور بين ناس شتى
قلت: فإن كانت قرية بين قوم شتى فأرادوا أن يقتسموا الدور، فقال بعضهم: اقسم حظي في كل دار من القرية، وقال بعضهم: بل اجمع نصيب كل واحد منا في موضع واحد؟ قال: ينظر في ذلك، فإن كانت الدور سواء في نفاقها عند الناس ورغبة الناس فيها وفي موضعها، قسمت وجمع لكل إنسان حظه في موضع واحد. وإن كانت الدور متفاوتة مختلفا نفاقها عند الناس وموضعها كذلك، فلم يجمع لكل إنسان في موضع واحد يجمع القاسم كل دار منها إذا كانت صفتها واحدة في رغبة الناس ونفاقها وموضعها، فتقسم هذه كلها قسما واحدا وينظر إلى ما اختلف من الدور فيقسم ذلك على حدة، فيعطى كل إنسان حظه من ذلك قيل، وإن اتفقت داران على صفة واحدة جمعهما في القسم وهذا قول مالك.

في قسمة قرية فيها دور وشجر
قلت: أرأيت لو ورثت أنا وأخ لي قرية من القرى فيها دور وشجر وأرض بيضاء فأردنا أن نقسم، كيف نقسم ذلك بيننا؟ قال: أما دور القرية فتقسم كما وصفت لك في قسمة الدور، وأما الأرض البيضاء فتقسم على ما وصفت لك في قسم الأرض البيضاء. قلت: وكيف وصفت لي في قسمة الأرض البيضاء؟ قال: ينظر إلى ما كان من الأرض التي يشبه بعضها بعضا في الكرم والنفاق عند الناس وتقارب موضع بعضها من بعض، جمع له هذا كله فيجعل نصيب كل إنسان منهم في موضع واحد. وإن اختلفت الأرض اختلافا بينا أعطي كل إنسان منهم حصته في كل أرض على حدة، وهذا مثل الدور والنخل. قال: وما حد قرب الأرض بعضها من بعض؟ قال: لم يحد لنا مالك فيه حدا. قال ابن القاسم: وأرى الميل وما أشبهه قريبا في الحوائط والأرضين. قلت: أرأيت الشجر التي هي في هذه القرية بين هذين الأخوين، كيف يقسمها مالك بينهما وهي من

ما جاء في قسمة الثمار
قلت: أرأيت إن كانت أرض وشجر ونخل وفي الشجر والنخل ثمار، فأرادوا أن يقتسموا الأرض والشجر والثمار؟ قال: قال مالك: لا تقسم الثمار مع الأصل وكذلك

الزرع لا يقسم مع الأرض، ولكن تقسم الأرض والشجر وتقر الثمر والزرع حتى يحل بيعهما، فإذا حل بيعهما فإن أحبوا أن يبيعوا الثمرة والزرع ثم يقتسموا الثمن على فرائض الله فذلك لهم، ولا يقسم الزرع فدادين ولا مزارعة ولا قتا ولا يقسم إلا كيلا، وأما الثمر من النخل والعنب، فإن مالكا قال فيه: إذا طاب وحل بيعه واحتاج أهله إلى قسمته. قال مالك: إن كانوا يريدون أن يجدوا كلهم فلا أرى أن يقتسموه، وإن كانوا يريدون أن يأكلوه رطبا كلهم أو يبيعوه رطبا كلهم فلا أرى أن يقتسموه وكذلك أيضا، وإن كان بعضهم يريد أن يبيع وبعضهم يريد أن يثمر وبعضهم يريد أن يأكل، واختلفت حوائجهم، أو أراد بعضهم أن يبيع وبعضهم أن ييبس، رأيت أن يقسم بينهم بالخرص إذا وجدوا من أهل المعرفة من يعرف الخرص. قلت لمالك: فالفاكهة والرمان والفرسك وما أشبهه؟ قال: لا يقسم بالخرص وإن احتاج أهله إليه؛ لأن هذا مما ليس فيه الخرص من عمل الناس، وإنما مضى الخرص في النخل والعنب. قال ابن القاسم: وذلك أنه ذكر بعض أصحابنا أن مالكا رخص في قسم الفواكه بالخرص، فسألته عنه فقال: لا أرى ذلك. قال: ولقد سألته عنه غير مرة فأبى أن يرخص فيه.

ما جاء في قسمة البقل
قلت: أرأيت إن ورثت بقلا أيصلح لنا أن نقسمه؟ قال: لا يعجبني ذلك ولم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا كره قسم الثمار بالخرص وقال: هو مما لو كان شيء يجوز فيه الخرص لجاز في الثمار، فالبقل أبعد من الثمار في الخرص، فلا أرى أن يقسم حتى يجد ويباع فيقتسمون ثمنه، وذلك أن جل الثمار من التفاح والفرسك والرمان والأترج والموز وما أشبهه، لا بأس به اثنان بواحد يدا بيد، ولا بأس بالقرط، اثنان بواحد يدا بيد. فلما لم يجوز لي مالك فيما يجوز من الثمار اثنين بواحد يدا بيد أن يقسم ذلك بالخرص، كرهت أن يقسم البقل القائم بالخرص، وإنما هذه الفاكهة الخضراء عند أهل العلم بمنزلة البقل في أثمانها في الزكاة أنه لا زكاة فيها، ولا بأس في تفاضلها بينها اثنان بواحد. قلت: هل يجوز بيع فدان كراث بفداني كراث أو سريس أو خس أو سلق؟ قال: لا خير فيه عند مالك، إلا أن يجدا مكانهما ويقطعا ذلك قبل أن يتفرقا، وذلك أني سألت مالكا عن الرجل يشتري الثمرة قد طابت بقمح يدفعه إليه أو بثمرة يابسة يكتالها له من غير صنفها، أو ثمرة في رءوس النخل بثمرة في رءوس الشجر سوى النخل وكل قد طاب؟ فقال مالك: لا يحل ذلك إلا أن يجدا ما في رءوس الشجر من ذلك قبل أن يتفرقا. قلت: أرأيت إن جد أحدهما وتفرقا قبل أن يجد الآخر؟ قال: لا يجوز ذلك، وكذلك لو اشترى ما في رءوس النخل بحنطة فدفع الحنطة وتفرقا قبل أن يجد ما في رءوس

النخل، لم يجز ذلك عند مالك، فكذلك البقل عندي مثل هذا، والذي أخبرتك من الثمار وهو قول مالك.

ما جاء في قسمة الأرض ومائها وشجرها
قلت: أرأيت لو أن ثلاثة نفر ورثوا قرية لها ماء وشجر، ورثوا أرضها وماءها وشجرها وشربها، لأحدهم الثلث وللآخر السدس وللآخر النصف، فأرادوا أن يقتسموا؟ قال: تقسم الأرض عند مالك على قدر مواريثهم منها، ويكون لهم في شربهم من الماء على قدر مواريثهم منه، وكل قوم كانوا شركاء في قلد من الأقلاد فباع أحدهم نصيبه من ذلك، فشركاؤه دنية أحق بالشفعة من سائر شركائه في الماء. قلت: والدنية في قول مالك هم أهل وراثة يتوارثون دون شركائهم؟ قال نعم. قلت: وإن كانت الأرض قد قسمت إلا أنهم لم يقتسموا الماء، فباع رجل حظه من الماء ولم يبع الأرض، كانت فيه الشفعة في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن نخل بين قوم اقتسموها ولها بئر وتركوا البئر على حالها يسقون بها، فباع أحدهم حظه من الأرض وترك حظه من البئر لم يبعه معه، ثم باعه بعد ذلك من إنسان فقال شريكه في البئر أنا آخذ بالشفعة؟ قال: قال مالك: لا شفعة له فيها. قال: فقلت لمالك: البئر التي لا شفعة فيها ما هي؟ قال: هي هذه التي إذا قسمت النخل وتركت البئر فلا شفعة فيها، فالعيون بهذه المنزلة. قلت: فإن لم يقسم النخل، فإذا باع رجل حظه من الماء إن له الشفعة؟ قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في رجل كان له شرك في نخل يسير حظه منها يسير ولهم نبع ماء، فأراد أحدهم أن يبيع حظه من الماء من رجل وهو القليل الحظ ولا يبيع النخل. قال: أرى شركاءه في الماء أحق بالشفعة.

ما جاء في قسمة الزرع الأخضر قبل أن يبدو صلاحه
قلت: فهل تقسم الورثة الزرع في قول مالك من قبل أن يبدو صلاحه على أن يحصد كل واحد منهم حصته مكانه؟ قال: إذا كان ذلك يستطاع أن يعدل بينهما بالتحري في القسم جاز ذلك بينهما، بمنزلة غيره من الأشياء التي تقسم على التحري. قلت: أرأيت إن اقتسماه على أن يحصداه فحصد أحدهما وترك الآخر نصيبه حتى صار حبا قال: تنتقض القسمة فيما بينهما، ويكون على الذي حصده قيمة ما حصد من الزرع، ويكون هذا الزرع الذي استحصد بينهما يقتسمانه بينهما حبا ويقتسمان أيضا القيمة بينهما. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: إنما قال مالك: في القصب والتبن إذا قسم على التحري فذلك جائز فرأيت قسمة هذا الذي ذكرت لك على التحري جائزا في رأيي.

ما جاء في قسمة البلح الكبير والبسر والرطب في رءوس النخل
قلت: أرأيت إن أردنا أن نقتسم بلحا في رءوس النخل ورثناه أو اشتريناه؟ قال: إن كان البلح كبيرا واختلفت حاجتهما في ذلك، أراد أحدهما أن يأكل البلح وأراد الآخر أن يبيع البلح، فلا بأس أن يقتسماه على الخرص يخرص بينهما إذا اختلفت حاجتهما إليه؛ لأن مالكا كره البلح الكبار واحدا باثنين. قال: ولا أرى أن يباع البلح إذا كان كبيرا إلا مثلا بمثل. قال: وكذلك في البسر والرطب. وقال مالك في البسر والرطب: لا بأس أن يقتسما ذلك على الخرص فيما بينهما إذا اختلفت حاجتهما إليه، وجعل مالك البلح الكبير في البيع مثل البسر والرطب، فكذلك ينبغي أن يكون البلح الكبير في القسمة مثل البسر والرطب. قلت: أرأيت إن اقتسما هذا البلح الكبير بالخرص وخرص بينهما، على أن يجده أحدهما ليأكله وأراد الآخر أن يبيعه، أما يخشى أن يكون هذا بيع الطعام بالطعام ليس يدا بيد؟ قال: إذا اقتسماه في رءوس النخل وخرص بينهما، إذا كانت حاجتهما إليه مختلفة وعرف كل واحد منهما الذي له من ذلك وقد قبض كل واحد منهما الذي له فلا بأس بهذا القسم، وإن لم يجد الذي حاجته إلى الأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، ما لم يتركه حتى يزهي وقسمتهما بالخرص إذا اختلفت حاجتهما قبض. والخرص فيه بمنزلة الكيل، وكذلك الذي حاجته إلى البيع؛ لأن مالكا قال في الرطب إذا اختلفت حاجتهما إلى ذلك فلا بأس أن يقتسماه بالخرص، ثم يجد كل واحد منهما من الرطب كل يوم مقدار حاجته من ذلك، فكذلك البلح الكبار في رأيي.
قلت: أرأيت إن اقتسما هذا البلح الكبير بالخرص وكانت حاجتهما إلى البلح مختلفة، فجد واحد وترك الآخر حصته حتى أزهى، أو تركا جميعا حصتهما حتى أزهى النخل، أتنتقض القسمة فيما بينهما أو تكون القسمة جائزة؟ قال: تنتقض القسمة فيما بينهما إن تركاه جميعا حتى أزهى أو تركه أحدهما وجد الآخر. قلت: ولم نقضت القسمة فيما بينهما؟ قال: لأنه بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه. ألا ترى أن أحدهما ابتاع نصف نصيب صاحبه بنصف ما صار له من البلح، فلا يصلح أن يبتاع البلح وإن كان كبيرا على

أن يترك حتى يزهي. قلت: أرأيت إن اقتسماه بعدما أزهى وحاجتهما إلى ما في رءوس النخل مختلفة فتركاه حتى أثمر، أتنتقض القسمة فيما بينهما أم لا؟ قال: لا بأس بذلك ولا تنتقض، وكذلك قال لي مالك: إذا اختلفت حاجتهم فيه يتمر واحد ويجد آخر ويبيع آخر؛ لأن الرجل لو اشترى رطبا في رءوس النخل ثم تركه حتى يتمر، لم ينتقض البيع فيما بينهما عند مالك وكذلك القسمة أيضا عندي. قلت: أرأيت مثل تمر إفريقية، فإنهم يجدونه بسرا إذا بدا قبل أن يرطب، ثم يتركونه حتى يتتمر على ظهور البيوت وفي الأنادر، أرأيت إن اقتسماه بعدما جداه أيجوز ذلك فيما بينهما؟ قال: نعم ذلك جائز إذا اقتسماه كيلا. قلت: ولا يخشى أن يكون هذا التمر بالتمر ليس مثلا بمثل؛ لأنه إذا جف وانتقص لا يدرى أيكون ذلك سواء أم لا؟ قال: لا بأس بذلك؛ لأن ذلك الرطب كله شيء واحد، فإذا اقتسماه فلا شك أن نقصان ذلك كله شيء واحد. قلت: ويصلح الرطب بالرطب مثلا بمثل؟ قال: نعم لا بأس بذلك عند مالك. فلما قال مالك ذلك، رأيت أنا أنه جائز إذا اقتسماه، ثم جف بعد ذلك نصيب كل واحد منهما وصار تمرا فذلك جائز. قال: ولو كان ذلك يختلف أيضا ما كان به بأس لأنه الرطب بالرطب.
قلت: أرأيت إن اقتسماه بلحا صغارا، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا بأس بذلك إذا اقتسماه على التحري اجتهدا حتى خرجا من وجه المخاطرة. قال مالك: وإنما البلح الصغير علف. قال ابن القاسم: وهو بقل من البقول. قال مالك: وإن اقتسماه وفضل أحدهما صاحبه، فلا بأس بذلك إذا عرف أنه قد فضله بذلك. وقال ابن القاسم: لا بأس ببلح نخلة ببلح نخلتين، على أن يجداه مكانهما إذا كان البلح صغيرا. قلت: وتجوز قسمتهما هذا البلح وحاجتهما في ذلك سواء؟ قال: نعم يجوز ذلك وإن كانت حاجتهما إلى البلح سواء؛ لأن هذا لا يشبه الرطب بالرطب، وإنما هو بمنزلة البقل والعلف. قلت: فإن اقتسما هذا البلح فلم يجداه حتى صار بلحا كبارا لا يشبه الرطب، أينتقض القسم فيما بينهما وأحدهما قد فضل صاحبه في القسمة؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يكونا اقتسماه على تفاضل؟ قال: لا أحفظ من مالك في هذا شيئا، ولكن أرى إن كانا اقتسماه بينهما على غير تفاضل، وكان إذا كبر يتفاضل في الكيل، فأراه مفسوخا، وإلا لم أره مفسوخا إلا أن يزهي قبل أن يجداه أو قبل أن يجد أحدهما أو يكونا قد جدا، إلا أن أحدهما قد بقي له في رءوس النخل شيء لم يجده حتى أزهى. قال: وإذا أكل أحدهما جميع ما صار له في القسم، وأكل الآخر نصف ما صار له في القسم، أينتقض القسم في نصف ما أكل الذي أكل جميع ما صار له، فعليه أن يخرج نصف قيمة ما صار له، فيكون ذلك بينهما، ويكون هذا الذي أزهى فيما بينهما أيضا؟ قال: وكذلك الزرع إذا اقتسماه بقلا على أن يحصداه فتركاه حتى أفرك أو ترك بعضه

حتى أفرك. قلت: أرأيت قول مالك في الرطب والبسر حين يقول: يقتسمانه بالخرص إذا وجد من يخرص ذلك بينهما إذا كانت حاجتهما إلى ذلك مختلفة، وقال ذلك في العنب أيضا. لم قاله؟ وما فرق بين هذا إذا كانت حاجتهما إلى ذلك سواء أو مختلفة؟ قال: لأن الخرص عند مالك كيل إذا اختلفت حاجتهما إليه، فإذا اتفقت حاجتهما إلى ذلك الرطب لم يقتسماه إلا كيلا؛ لأن حاجتهما إلى هذا الرطب واحدة وإن كانت حاجتهما إلى أن يبيعا ذلك جميعا، قيل لهما بيعا ثم اقتسما الثمن، وإذا اختلفت حاجتهما إلى ذلك لم يكن لهما بد من أن يقتسماه بالخرص، ويجعل الخرص بينهما بمنزلة الكيل، فلا يكون الخرص في القسمة بينهما بمنزلة الكيل إذا كانت حاجتهما واحدة؛ لأنه إذا كانت حاجتهما إلى ذلك واحدة، كان بمنزلة الطعام الموضوع بينهما فلا يقتسمانه إلا بالصاع.

ما جاء في قسمة العبيد
قلت: أرأيت العبيد، هل يقتسمون وإن أبى ذلك بعضهم في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان ذلك ينقسم.

ما جاء في قسم اللبن في الضروع والصوف على ظهور الغنم
قلت: فهل يجوز أن ينقسم اللبن في ضروع الماشية، مثل غنم بيني وبين شريكي نقتسمها للحلب يحلب وأحلب؟ قال: لا يجوز هذا؛ لأن هذا من المخاطرة وقد كره مالك القسم على المخاطرة. قلت: أرأيت إن فضل أحدهما صاحبه حتى يتبين ذلك؟ قال: إذا كان ذلك منه على وجه المعروف، وكان إن هلكت الغنم التي في يد أحدهما رجع على صاحبه فيما بقي في يديه، فلا بأس بذلك لأن هذا رجل ترك فضلا لصاحبه على غير وجه المقاسمة. قال سحنون: لا خير في هذا القسم لأنه الطعام بالطعام. قلت: فهل يقسم الصوف على ظهور الغنم بين الشركاء؟ قال: نعم، لا بأس بذلك إذا كانا يجزانه بحضرتهما وإلى أيام قريبة، يجوز أن يشتريه إليه، فإن تباعد ذلك لم يكن فيه خير.

في قسمة الجذع والمصراعين والخفين والنعلين والثياب
قلت: أرأيت الجذع يكون بين الرجلين، فدعا أحدهما إلى قسمته إلى أن يقطع بينهما وأبى ذلك صاحبه؟ فقال: لا يقسم بينهما كذلك قال مالك: قال: وقال مالك في الثوب لا يقسم بينهما إلا أن يجتمعا على ذلك وكذلك الجذع. قلت: وكذلك الباب؟

في قسمة الجبنة والطعام
قلت: أرأيت الجبنة بين الرجلين، أتقسم بينهما أم لا؟ قال: نعم. تقسم وإن أبى أحدهما لأن هذا مما ينقسم. وقد قال مالك في الطعام: إنه يقسم، فأرى هذه الجبنة بمنزلة الطعام.

في قسمة الأرض والعيون
قلت: أرأيت قوما ورثوا أرضين وعيونا كثيرة، فأرادوا قسمة ذلك فقال بعضهم

في بيع النخل بالنخل وفيها ثمر قد أزهى أو لم يزه
قلت: أيجوز لي أن أبيع نخلا لي فيها ثمر قد أزهى أو لم يزه وهو طلع بعد، بنخل لرجل فيها ثمر قد أزهى أو لم يزه أو هو طلع بعد؟ قال: سألت مالكا عن الجنانين أو الحائطين، يبيع أحدهما جنانه أو حائطه من النخل بجنان صاحبه أو بحائط صاحبه من النخل؟ قال: قال مالك: إذا لم يكن فيها ثمر فلا بأس بذلك، وإن كان فيها ثمر فلا خير في ذلك. قال ابن القاسم: وإذا كان في إحداهما ثمرة والأخرى ليس فيها ثمر فلا بأس بذلك. قلت: وسواء إن كان ثمرة الحائطين بلحا أو طلعا أو بسرا أو رطبا أو تمرا في قول مالك؟ قال: نعم ذلك كله سواء، وهو مكروه إذا اشترطا الثمرة مع الأصل. قال: لأن مالكا سئل عن الرجل يبيع الحائط وفيه الثمر لم يؤبر بعد، بقمح نقدا أو إلى أجل. قال مالك: لا خير فيه، فإذا اشترطا الثمرة مع الأصل فلا خير في ذلك، وإن تبايعا الأصلين بغير ثمرتهما فلا بأس بذلك، إذا كانت ثمرتهما قد أبرت أو كانت بلحا أو بسرا أو رطبا. وإن كانت ثمرتهما لم تؤبر فلا خير في أن يتبايعاهما على حال، لا إن كانت ثمرة كل واحد من الحائطين لصاحبه، ولا إن كانت تبعا للأصل؛ لأنه إن كانت تبعا للأصل فهو بيع ثمرة لم تبلغ بثمرة لم تبلغ فهو الثمر بالثمر إلى أجل، وإذا لم يكن تبعا لم يجز، لأنه لا يجوز لأحد أن يبيع حائطا وفيه ثمر لم يؤبر فيستثني ثمره، فإذا لم يجز له أن يستثنيه لم يجز له أن يبايع صاحبه حائطه بحائطه ويحبس ثمرته، لأنه استثناها، وإن كانت ثمرة أحدهما قد أبرت وثمرة الآخر لم تؤبر، فلا بأس أن يبيع إحداهما بصاحبتها إذا كانت التي قد أبرت لصاحبها، فإن استثناها صاحب الثمرة التي لم تؤبر فلا يحل. قلت: فأصل ما كره مالك من هذا، أن النخل إذا كان فيها طلع أو بلح أو بسر أو رطب أو تمر، لم يصلح أن تباع تلك النخل بما في رءوسها بشيء من الطعام، ويجوز بالدراهم وبالعروض كلها؟ قال: نعم إلا أن يجدا ما في رءوس النخل ويتقابضا قبل أن يتفرقا، فيكون ذلك جائزا بالطعام وغيره.

ما جاء في قسمة الثمر مع الشجر
قلت: أرأيت إن ورثنا نخلا أو شجرا وفيها ثمر قد بدا صلاحه أو لم يبد صلاحه وهو طلع بعد، فأردنا أن نقسم النخل وما في رءوسها أو الشجر وما في رءوسها؟ قال: يقسم النخل على حدة ولا يقسم ما في رءوسها. قلت: أرأيت إن قالا نحن نريد أن نقسم النخل وما في رءوسها من الرطب بيننا، وقد اختلفت حاجتنا إلى الرطب؟ قال: يقسم إذا بينهما إذا كان بحال ما وصفت لك، تقسم الأرض على القيمة وما في رءوس النخل بالخرص، وعلى كل واحد منهما سقي نخلة وإن كانت ثمرتها لصاحبه، لأنه من باع ثمرا كان على صاحب النخل سقي الثمرة، وكذلك إذا كانت ثمري في حائطك كان عليك سقي الأصل، فيجمع من الأصل لكل رجل حقه في موضع، ويكون حقه في الثمرة حيث وقع، وإن كان وقع ذلك له في نصيب صاحبه. قلت: فإن ورثنا نخلا فيها بلح أو طلع، فأردنا أن نقسم النخل والبلح؟ قال: أما البلح والطلع فلا يقسم على حال إلا أن يجداه أو يقسما الرقاب بينهما ويتركا البلح والطلع حتى يطيب، ثم إن أرادا أن يقسماه إذا طاب اقتسماه، كذلك قال مالك في هذا البلح. قلت: ولم كره مالك أن يقتسما البلح في النخل؟ قال أرأيت الزرع، أيصلح أن يقتسماه مع الأرض إذا ورثا الزرع والأرض جميعا؟ قلت: لا. قال: فالأرض والزرع بمنزلة النخل والبلح عند مالك. قلت: فإن أزهى ما في رءوس النخل قسمه مالك بينهما بالخرص. قال: ألا ترى أن الزرع إذا حصد وصار حبا قسماه بينهما بالكيل، والخرص في ثمرة النخل بمنزلة الكيل؛ لأن الزرع ليس فيه خرص والنخل فيها الخرص، فإذا طاب قسم بينهما بالخرص.

ما جاء في قسمة الفواكه
قلت: أرأيت الشجر غير النخل، هل يقسم بالخرص ما في رءوسها إذا طاب وقد ورثناها وما في رءوسها؟ قال: سألت مالكا عن هذه غير مرة فقال: لا يقسم بالخرص. وقال مالك: لا يقسم بالخرص إلا العنب والنخل؛ لأن الخرص ليس في شيء من الثمار إلا فيهما جميعا، فجعل مالك الخرص فيهما إذا طاب بمنزلة الكيل في غيرهما من الثمار، وإن لم يطب النخل والعنب فلا يقسم بينهما بالخرص، وإنما يقسم إن أرادا ذلك أن يجداه ثم يقسمانه كيلا. قلت: أرأيت إن هلك رجل وترك ورثة وترك دينا على رجال شتى وترك عروضا ليست بدين، فاقتسما، فأخذ أحدهما الدين على أن يتبع الغرماء، وأخذ الآخر العروض، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: إذا كان الغرماء حضورا وجمع بينهم وبينه فذلك جائز، وإن كانوا غيبا فذلك غير جائز. قال: وهذا قول مالك في

البيوع، أنه قال لا خير في أن يشتري دينا على غريم غائب إذا كان بحال ما وصفت لك. قلت: هل تقسم الديون على الرجال في قول مالك؟ قال: قال مالك: يقتسمون ما كان على كل رجل منهم ولا يقسم الرجل؛ لأن هذا يصير ذمة بذمة وهو قول مالك. وبلغني أن مالكا قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: الذمة بالذمة من وجه الدين بالدين.

ما جاء في قسمة أهل الميراث ثم يدعي أحدهما الغلط
قلت: أرأيت إذا اقتسم أهل الميراث، فادعى أحدهم الغلط وأنكر الآخرون؟ قال: لا يقبل منه قوله إذا ادعى الغلط، إلا أن يأتي بأمر يستدل على ذلك ببينة تقوم، أو يتفاحش حتى يعلم أنه غلط لا يشك فيه؛ لأن مالكا قال في الرجل يبيع الثوب مرابحة، ثم يأتي البائع فيدعي وهما على المشتري أنه لا يقبل ذلك منه إلا أن تكون له بينة، أو يأتي من رقم الثوب ما يستدل به على الغلط، فيحلف البائع ويكون القول قوله، فكذلك من ادعى الغلط في قسم الميراث. قلت: أرأيت إن اقتسموا فادعى بعضهم الغلط بعد القسمة، أيقبل قوله في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك فيمن باع ثوبا فادعى الغلط يقول أخطأت، أو باعه مرابحة فيقول أخطأت إنه لا يقبل إلا ببينة أو أمر يستدل به على قوله أن ثوبه ذلك لا يؤخذ بذلك الثمن، فإن تلك القسمة بهذه المنزلة لأن القسمة بمنزلة البيوع. قلت: أرأيت إن ادعى أحدهم الغلط في قسم المواريث وأنكر الآخرون ذلك، أيحلفهم له أم لا؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن اقتسمنا أثوابا ورثناها، فأخذت أنا أربعة وأخذ صاحبي ستة، ثم ادعيت أن ثوبا منها لي في قسمتي وأنكر صاحبي ذلك، أتنتقض القسمة بيننا أم تحلفه وتكون القسمة جائزة؟ قال: أحلفه وتكون القسمة جائزة. قلت: ولم؟ قال: لأن الذي ادعى الثوب الذي في يدي صاحبه، قد أقر بالقسمة وهو يدعي ثوبا مما في يدي صاحبه، فلا يصدق، والقسمة جائزة إذا كانت تشبه ما يتقاسم الناس عليه وحلف شريكه على الثوب ولا شيء له فيه. قلت: ولم جعلت القول قول من في يديه الثوب مع يمينه، وأنت تقول لو أني بعت عشرة أثواب من رجل، فلما قبضها جئته فقلت له إنما بعتك تسعة أثواب وغلطت بالعاشر فدفعته إليك، وقال المشتري بل اشتريت العشرة كلها، والأثواب قائمة بأعيانها أن البيع ينتقض بينهما بعد ما يحلف كل واحد منا، فالقسمة لم لا تجعلها بهذه المنزلة؟ قال: لا تكون القسمة بهذه المنزلة؛ لأن القسمة إذا قبض كل واحد منهما ما صار له وحازه، لم يجز قول شريكه على ما في يديه، ولو كان هذا يجوز لم يشأ رجل قعد بعدما تقاسم أصحابه أن يفسخ القسمة فيما بينهم إلا فعل ذلك. والبيع يجوز أن يقول بعتك نصفها أو ربعها، وكذلك في الجارية وكذلك في الثياب. والقسمة إذا تحاوزا فالقول في الذي حاز كل واحد منهما

قوله، ولا يلتفت إلى قول صاحبه في ذلك. قلت: أرأيت إن أقمنا البينة على الثوب الذي ادعيته، أقمت أنا البينة صار لي في القسمة وأقام صاحبي أيضا البينة على مثل ذلك، لمن يكون؟ قال: إذا تكافأت البينتان، كان القول قول من في يديه الثوب في رأيي. قلت: والغنم بمنزلة ما ذكرت لك من الثياب إذا اقتسماها فادعى أحدهما غلطا؟ قال: نعم ذلك سواء.

ما جاء في الرجلين يقتسمان الدار فيدعي أحدهما بيتا بعد القسم
قلت: أرأيت إن اقتسمنا دارا فاختلفنا في بيت من الدار وليس ذلك البيت في يد واحد منا فادعاه كل واحد منا؟ قال: إن لم يكن لواحد منهما بينة تحالفا وفسخت القسمة كلها بينهما، وإن كان لأحدهما بينة أو كان قد حاز ذلك البيت، كان القول قوله مع يمينه. وإن أبى اليمين واحد منهما جعل البيت لصاحبه الآخر بعد أن يحلف، ولا يكون له البيت إذا أبى صاحبه اليمين إلا بعدما يحلف، وهذا قول مالك وأما ما أخبرتك به في رد اليمين، فإني سمعت مالكا يقول في الرجل يدعي على الرجل مالا وقد كانت بينهما مخالطة، فيقال للمدعى عليه احلف وابرأ فينكل عن اليمين، أيقضى بالمال عليه أم يقول السلطان للمدعي احلف، وإلا لم يقض له بشيء والمدعى عليه لم يرد اليمين على صاحبه. قال: قال مالك: لا ينبغي للسلطان أن يقضي بذلك على المدعى عليه حتى يحلف المدعي وإن لم يطلب ذلك المدعى عليه؛ لأنه ليس كل من ادعي عليه يعرف أن له رد اليمين على صاحبه الذي ادعى عليه، فهذا يشبه ما أخبرتك من اختلافهما في البيت من تلك الدار في القسمة.

ما جاء في الاختلاف في حد القسمة
قلت: أرأيت إن اختلفا في الحد فيما بينهما في الدار، فقال أحدهما الحد من ههنا ودفع عن جانبه إلى جانب صاحبه، وقال صاحبه بل الحد من ههنا ودفع عن جانبه إلى جانب صاحبه؟ قال: إن كانا قسما البيوت على حدة والساحة على حدة، تحالفا إذا لم يكن لهما بينة وفسخت القسمة في الساحة بينهما ولم تفسخ القسمة في البيوت؛ لأن اختلافهما إنما هو في الحد وفي الساحة وهذا كله مثل قول مالك في البيوع. وإن كانا قسما في البيوت والساحة قسما واحدا، تراضيا بذلك فسخت القسمة بينهما كلها؛ لأنها قسمة واحدة اختلفا فيها.

في قسمة الوصي مال الصغار
قلت: أرأيت الوصي، هل يقسم مال الصغار فيما بينهم إذا لم يترك الميت إلا صبيانا صغارا، وأوصى بهم وبتركته إلى هذا الرجل؟ قال: لا أرى أن يقسم الوصي مالهم بينهم، ولا يقسم مال الصغار بينهم إذا كانوا بحال ما وصفت، إلا السلطان إن رأى ذلك خيرا لهم. قال: وسمعت مالكا يقول: لا يقسم بين الأصاغر أحد إلا القاضي. قلت: أرأيت إذا أوصى رجل إلى رجل وترك صبيانا صغارا وأولادا كبارا، أليس يجوز للوصي أن يقاسم الورثة الكبار للصغار بغير أمر قاض؟ قال: أحب إلي أن يرفع ذلك إلى القاضي، لأني سمعت مالكا يقول، وسئل عن امرأة حلفت لتقاسمن إخوتها، فأرادوا أن يقاسموها. فقال مالك: أحب إلي أن يرفعوا ذلك إلى القاضي حتى يبعث من يقسم بينهم. قال ابن القاسم: فإن قاسم الوصي أو القاضي الكبار للصغار على وجه الاجتهاد والإصابة فذلك جائز. قلت: أرأيت إن قاسم الوصي أو القاضي هؤلاء الكبار للصغار فوقعت سهمان الأصاغر كل واحد منهم على حدة وأخذ الكبار حظهم وبقي حظ الأصاغر كل واحد منهم على حدة فهل يجمع ذلك بينهم أم لا؟ قال: لا يجمع ذلك بينهم، ويكون سهم كل صغير منهم حيث وقع؛ لأن مالكا قال: لا يجمع حظ اثنين في القسم. قلت: أرأيت قسمة الوصي على الكبير الغائب إذا كان في الورثة صغار وكبار، أتجوز على هذا الغائب؟ قال: لا تجوز قسمة الوصي على الغائب، ولا يقسم لهذا الغائب إلا السلطان. وإن قسم لهذا الغائب الوصي لم يجز ذلك عليه. قلت: هل يبيع الوصي العقار على اليتامى أم لا؟ قال مالك: لا أحب له أن يبيع إلا أن يكون لذلك وجه، مثل أن يكون الملك يجاوره فيعطيه الثمن الكثير المرغوب فيه، وقد أضعف له في الثمن أو نحو ذلك، أو يكون ليس فيما يخرج منها ما يحمل اليتيم في نفقة اليتيم، فإذا كان هذا وما أشبهه رأيت للوصي أن يبيع. ويجوز ذلك على اليتيم إن كبر. قلت: أرأيت نصيب الغائب إذا قاسم السلطان له، كيف يصنع بنصيبه وفي يد من يتركه؟ قال: ينظر في ذلك السلطان للغائب، لأني سمعت مالكا يقول في الوصي ينظر بالدين وفي الورثة كبار قال: إذا كان الورثة كبارا فلا يجوز ذلك عليهم، فهذا مثله ليس للوصي في حظ الكبار شيء أن يقول: يترك نصيب هذا الكبير الغائب في يدي حتى يقدم، وإنما ينظر للغائب السلطان.

في المسلم إذا أوصى إلى الذمي وقسمه مجرى الماء
قلت: أرأيت المسلم إذا أوصى إلى ذمي، أتجوز وصيته في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل من أوصى إلى من لا يرضى حاله والموصى إليه مسخوط لم تجز وصيته،

فهذا ممن لا يرضى حاله. قلت: هل يقسم مجرى الماء في قول مالك؟ قال: لم أسمع مالكا يقول يقسم مجرى ماء، وما علمت أن أحدا جوزه، وما أحفظ من مالك فيه شيئا، ولا أرى أن يقسم مجرى الماء. قلت: أرأيت إن اقتسموا أرضا بينهم على أنه لا طريق لواحد منهم في أرض صاحبه، وبعضهم إذا وقعت القسمة على هذا يبقى لا طريق له إلى أرضه؟ قال: لا يجوز هذا، ولا أرى هذا من قسمة المسلمين ولا يجوز. وقد بلغني أن مالكا كره ما يشبه هذا.

الرجل تكون له النخلة في أرض رجل أقلعت فأراد أن يغرس مكانها غيرها
قلت: أرأيت لو أن لي نخلة في أرض رجل قلعها الريح أو قلعتها أنا نفسي، فأردت أن أغرس مكانها نخلة أخرى؟ قال: قال مالك: وسأله عنها أهل المغرب فقال: ذلك له. قلت: فإن أراد أن يغرس مكانها زيتونة أو جوزة، أو يغرس في موضع أصل تلك النخلة نخلتين أو شجرتين من سوى النخيل، أيجوز له ذلك أم لا؟ قال: إنما يجوز له أن يغرس في موضع نخلته، ما يعلم أنه مثل نخلته كائنا ما كان من الأشجار، وليس له أن يزيد على أصل تلك النخلة، وليس له أن يغرس ما يعلم الناس أنه يعظم حتى يكون أكثر انتشارا وأضر بالأرض من نخلته، ولم أسمع ذلك من مالك، ولكن هذا رأيي؛ لأن مالكا جعل للرجل أن يغرس في موضع نخلته مثلها. قلت: أرأيت لو أن نخلة في أرض رجل، فأردت أن أجدها، فقال رب الأرض لا أتركك تتخذ في أرضي، طريقا؟ قال: لا أرى أن يمنعه من الذهاب إلى نخلته ليجدها أو ليصلحها. قلت: فإن كان رب الأرض قد زرع أرضه كلها، فأراد أن يخرق زرعه إلى نخلته، أيكون ذلك له؟ قال: لا أرى أن يمنع الممر إلى نخلته، ولا أرى أن يضر صاحب النخلة لرب الأرض في الممر إلى نخلته، إن له أن يمر ويسلك إلى نخلته هو ومن يجد له ويجمع له، وليس له أن يجمع نفرا من الناس يفسدون عليه زرعه فيما يتواطئون به من الذهاب إلى نخلته والرجوع. قال: ولقد سئل مالك عن الرجل تكون له الأرض في وسط أرض الرجل، فزرع الرجل ما حول أرض صاحبه من أرضه، فأراد صاحب الأرض الوسطى أن يخرق زرع هذا الرجل إلى أرضه ببقره وماشيته ليرعى الخصب الذي في أرضه. قال مالك: لا أرى له ذلك، وأرى أن يمنع من مضرة صاحبه؛ لأنه إن سلك بماشيته في زرع هذا إلى أرضه أفسد عليه زرعه. قال ابن القاسم: وأرى له أن يدخل يحتش خصب أرضه، ولا يمنع من ذلك ولم أسمعه من مالك.

قلت: أرأيت لو أن نهرا لي يمر في أرض قوم، فأرادوا أن يغرسوا حافتي النهر من أرضهم، فأردت أن أمنعهم من ذلك؟ قال: لا أرى أن يمنعهم من ذلك ولم أسمع فيه شيئا. قلت: فإن غرسوا واحتاج صاحب النهر إلى أن يلقي طينه، أيكون له أن يلقي طينه في حافتي النهر في أرض هذا الرجل وأن يطرح ذلك على شجره؟ قال: إن قدر على أن يطرح ذلك على حافتي النهر من غير أن يطرح ذلك على الشجر، منع من أن يطرح ذلك على الشجر. وإن كان لا يقدر على طرحه إلا على الشجر لكثرة الطين وكثرة الشجر بحافتي النهر، ولا يكفيه إلقاء الطين فيما بين الشجر؛ رأيت أن يطرح على الشجر، ولم أسمع هذا من مالك. وذلك إذا كانت الأنهار عندهم إنما يلقى طينها على حافتي النهر. قال: ولكل أهل بلد سنة في هذا، وإنما يحمل أهل كل بلد على سنتهم عندهم. قلت: أرأيت لو أن رجلا مات وعليه دين، وقد ترك دورا ورقيقا، وصاحب الدين غائب، فاقتسم الورثة مال الميت جهلوا أن الدين يخرج قبل القسمة وقبل الميراث، أو جهلوا أن عليه دينا حين اقتسموا ثم علموا أن عليه دينا حين اقتسموا؟ قال: أرى أن ترد القسمة حتى يخرج الدين إذا أدرك مال الميت بعينه، لأن مالكا قال في رجل مات وترك مالا ودارا ودينا. قال: أرى أن يباع من الدار قدر الدين، ثم يقتسم الورثة ما بقي من الدار إلا أن يخرج الدين من عندهم الورثة، فتكون الدار دارهم لا تباع عليهم ويقتسمونها بينهم قلت: أرأيت الورثة الذين جهلوا أن الدين يخرج قبل الميراث، أو جهلوا أن على الميت دينا، إن كانوا قد اقتسموا الميراث فأتلف بعضهم ما صار له وبقي في يد بعضهم الذي أخذ من الميراث، فقدم صاحب الدين، كيف يأخذ دينه وقد أراد أن يأخذ جميع دينه من الميراث الذي أدرك في يد هذا الوارث الذي لم يتلف ما بقي في يده من ذلك؟ قال: قال مالك: للغريم أن يأخذ جميع ما أدرك في يد هذا الوارث إلا أن يكون حقه أقل من الذي في يد هذا الوارث، فليأخذ مقدار دينه من ذلك ويطرح هذا الدين، ولا يحسب من مال الميت. وينظر إلى ما بقي من مال هذا الميت مما بقي في يد هذا الذي أخذ الغريم منه ما أخذ وما أتلف الورثة مما أخذوا، فيكون هذا كله مال الميت. فينظر إلى ما بقي في يد هذا، فيكون له ويتبع جميع الورثة بما بقي له من تمام حقه من ميراثه من مال الميت بعد الدين إن بقي له شيء، ويضمن الورثة ما أكلوا أو استهلكوا مما كان في أيديهم، وما مات في أيديهم من حيوان أو رقيق أو غير ذلك، وما كان بقي في أيديهم من العروض والأمتعات أصابتها الجوائح من السماء، فلا ضمان عليهم في ذلك. وكذلك قال مالك في هذا، فهذا يدلك على أن القسمة كانت باطلة إذا كان على الميت دين؛ لأن مالكا قد جعل في قوله هذا المال مال الميت على حاله، وجعل القسمة باطلة لما قال ما أصابت الجوائح من الأموال التي في أيديهم وما مات مما في أيديهم، فضمانه من

جميعهم؛ علمنا أنه لم تجز القسمة فيما بينهم للدين الذي كان على الميت. قلت: أرأيت ما جنى عليه مما في أيديهم بعد القسمة قبل أن يلحق الدين ثم لحق الدين؟ قال: يتبعون جميعا صاحب الجناية؛ لأنه كان لجميعهم يوم جنى عليه عند مالك. وكانت القسمة فيه باطلة، ولأن مالكا قال فيما باعوا مما قبضوا من قسمتهم مما لم يحابوا فيه، فإنما يؤدون الثمن الذي باعوا به، ولا يكون عليهم قيمة تلك السلع يوم قبضوها. قلت: أرأيت إذا أعطى القاضي أهل الميراث كل ذي حق حقه، أترى أن يأخذ منهم كفيلا بما يلحق الميت في هذا المال؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أنه لا يأخذ منهم كفيلا، ويدفع إليهم حقهم بلا كفيل. قلت: أرأيت إن قسم القاضي بينهم، ثم لحق الميت دين، أتنتقض القسمة فيما بينهم بحال ما وصفت لك في قول مالك؟ قال: أرى أن القسمة تنتقض؛ لأن قسمة القاضي بينهم بمنزلة ما لو اقتسموا هم أنفسهم بغير أمر القاضي وهم رجال.

في الوارث يلحق بالميت بعد قسمة الميراث
قلت: أرأيت لو أن قوما ورثوا رجلا فاقتسموا ميراثه بينهم، ثم قدم عليهم رجل فأقام البينة أنه وارث هذا الميت معهم، وقد أتلف بعضهم ما أخذ من مال الميت، وأدرك بعضهم وفي يديه ما أخذ من مال الميت أو بعض ما أخذ من مال الميت ؟. قال: قال مالك: يتبع هذا الوارث الذي قدم فأقام البينة أنه وارث هذا الميت جميعهم، ويأخذ من كل واحد قدر ما يصير عليه من ميراثه، وليس له على هذا الذي بقي في يديه مال الميت إلا مقدار ما يصيبه من ميراثه إذا فضضت ميراثه على جميع الورثة، فيأخذ من هذا الذي لم يتلف ما في يديه مقدار ما يلزمه من ذلك، ويتبع فيه الورثة بما يصير عليهم من ذلك، أملياء كانوا أو عدماء. قال مالك: وليس له إلا ذلك. وكذلك قال مالك في رجل هلك وترك عليه دينا فقسم ماله بين الغرماء، ثم قدم قوم فأقاموا البينة على دين لهم على هذا الميت، وقد أعدم بعض الغرماء الأولين الذين أخذوا دينهم. قال مالك: يكون لهؤلاء الذين قدموا فأحيوا على هذا الميت دينا أن يتبعوا كل واحد من الغرماء بما يصير عليه من دينهم إذا فض دينهم على جميع الغرماء الذين اقتضوا دينهم، فيكون ذلك على المحاصة في مال الميت، وليس لهؤلاء الذين أحيوا على هذا الميت دينا أن يأخذوا ما وجدوا في يد هذا الغريم من مال الميت الذي لم يتلف ما اقتضي من دينه، ولكن يأخذون من هذا مقدار ما يصير عليه من ذلك، ويتبعون بقية الغرماء بقدر ما يصير لهم على كل رجل منهم مما اقتضي من حقه. وكذلك أبدا إنما ينظر إلى مال الميت الذي أخذه الغرماء، وينظر إلى دين الغرماء الأولين ودين هؤلاء الذين أحيوا على هذا الميت دينهم، فيقسم بينهم مال الميت بالحصص. فما صار لهؤلاء الذين أحيوا على الميت الدين كان لهم أن يتبعوا

أولئك الغرماء الذين اقتضوا دينهم قبل أن يعلموا بهؤلاء، ولا يتبعون كل واحد منهم إلا بما أخذ من الفضل على حقه في المحاصة، وليس لهم أن يأخذوا ما وجدوا من ذلك بعينه، فيقسمونه بينهم، ولكن يأخذون منه مثل ما وصفت لك، ويتبعون العديم والملي بما يصير عليهم من الفضل الذي أخذوا حين وقعت المحاصة بينهم وبين هؤلاء الذين أحيوا دينهم، وكذلك قال مالك.
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك مالا وورثة، وترك عليه دينا، فأخذ الغرماء دينهم واقتسم الورثة ما بقي بعد الدين، ثم أتى قوم فأحيوا على الميت دينا وقد أتلف الورثة جميع ما قبضوا من مال الميت وأعدموا أيكون لهؤلاء الذين أحيوا هذا الدين على الميت أن يتبعوا هؤلاء الغرماء الذين أخذوا حقهم من مال الميت، والحق الذي أخذه الغرماء الأولون من مال الميت في أيديهم لم يستهلكوه؟ قال: قال مالك: ليس لهم أن يتبعوا الغرماء الأولين إذا كان ما أخذه الورثة بعد الدين فيه وفاء لهذا الدين الذي أحيا هؤلاء الآخرون، لأن دينهم يجعل فيما أخذه الورثة، ولا يجعل دينهم فيما اقتضى الغرماء من مال الميت؛ لأن ههنا فضل مال. وإنما يكون لهؤلاء الذين أحيوا هذا الدين أن يتبعوا الورثة عدماء كانوا أو أملياء وليس لهم غير ذلك. قال مالك: وإن كان ليس فيما أخذ الورثة بعد الدين وفاء بهذا الدين الذي أحيا هؤلاء الغرماء، رجع هؤلاء الذين أحيوا هذا الدين على الغرماء الأولين بما زاد من دينهم على الذي أخذت الورثة، فيحاصون الغرماء بما يصير لهم في يد كل واحد من الغرماء بحال ما وصفت لك. وتفسير ذلك، أنه ينظر إلى هذا الغريم كم كان يدرك أن لو كان حاضرا في محاصتهم فيما في أيديهم وفيما في أيدي الورثة، فينظر إلى عدد الذي كان يصيبه في محاصته، ثم ينظر إلى الذي بيد الورثة فيقاص به، فيتبعهم به ويرجع بما بقي على الغرماء فيأخذه منهم على قدر حصصهم، يضرب بذلك في نصيبهم ولا يحاص بجميع دينه فيما أخذوا، ولكن يحاص فيما فسرت لك. قلت: لم جعل مالك لهؤلاء الغرماء الأولين الذين اقتضوا حقوقهم ما قبضوا دون الغرماء الآخرين الذين أحيوا الدين على الميت إذا كان ورثته قد أتلفوا ما في أيديهم، وكان فيما بقي في أيدي الورثة وفاء بديون الآخرين؟ قال: لأنه يقال للغرماء الآخرين: ليس مغيبكم إذا لم يعلم بدينكم مما يمنع به هؤلاء الحضور من قضاء ديونهم، فلما كان لهم أن يقبضوا ديونهم، إذا لم يعلموا بكم دونكم، جاز ذلك لهم دونكم لأنه كان حكم فلا يرد إذا وقع.

في إقرار الوارث بالدين بعد القسمة
قلت: أرأيت لو أن ورثة الميت اقتسموا مال الميت، فأقر أحدهم بدين على

الميت، فقال المقر له بالدين: أنا أحلف وآخذ حقي؟ قال مالك: ذلك له. قلت: ولا ترى أن هذا يريد أن يبطل القسمة بإقراره بهذا الدين، ولا يتهمه أنه إنما أراد أن يبطل القسمة بإقراره بهذا الدين؛ لأنه إذا ندم في القسمة أقر بعشرة دراهم أو بمثل ذلك، يريد به إبطال القسمة لعله أن يجر إلى نفسه بذلك منفعة كبيرة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يقال للورثة إذا حلف هذا المقر له إن شئتم فادفعوا إليه ما استحق بإقرار هذا مع يمينه أنتم وهذا المقر له بالدين وتنفذ قسمتكم، وإلا أبطلنا القسمة وأعطينا هذا دينه ثم قسمنا ما بقي بينكم. قلت: أرأيت إن قال الورثة: نحن نخرج ما يصيبنا من هذا الدين، وقال هذا الذي أقر: لا أخرج أنا دينه، ولكن انقضوا القسمة وبيعوا حتى توفوه حقه؟ قال: يقال للورثة: أخرجوا هذا الذي يصير عليكم من حق هذا، فإذا فعلوا ذلك قيل لهذا الذي أقر: أعط حصتك وإلا بيع عليك ما أخذت من ميراثك. قال: ولم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أنه قال: يحلف المقر له ويستحق حقه. قلت: أرأيت إن أقر أحد الورثة بدين قبل القسمة، فحلف المقر له؟ قال: لا يجوز لهم أن يقتسموا حتى يأخذها هذا المقر له حقه لأنه قد استحق حقه.

في الوصية تلحق الميت بعد القسمة
قلت: أرأيت إن اقتسموا دورا ورقيقا وأرضين وحيوانا وغير ذلك، فأتى رجل فأقام البينة أن الميت قد أوصى له بالثلث، أو أتى رجل فأقام البينة أنه وارث معهم؟ قال: إن كانت دراهم ودنانير وعروضا، فإنما لهذا الموصى له ولهذا الوارث الذي لحق، أن يتبع كل واحد منهم بما صار في يديه من حقه إذا كان ما أخذ كل واحد منهم يقدر على أن يدفع إلى هذا الموصى له أو إلى هذا الوارث حقه مما في يديه، وينقسم ذلك. وأما الدور والأرضون، فإن كانوا اقتسموا كل دار على حدة ولم يجمعوا الدور في القسم، فأعطي كل إنسان حقه في موضع واحد، والأرضون كذلك اقتسموها والأجنة كذلك اقتسموها، فأرى أن تنتقض القسمة حتى يجمع له حقه في كل دار أو أرض أو جنان كما يجمع لهم، ولا يأخذ من كل إنسان منهم قدر نصيبه، فيتفرق ذلك عليه ويكون ضررا به بينا. وكذلك لو اقتسموا الدور، فلم يقطع لكل إنسان منهم نصيبه في كل دار، ولكن جمع له فإنه أيضا لا يأخذ من كل إنسان حقه فيتفرق ذلك عليه، ولكنهم يقتسمون الثانية فيجمعون نصيبه كما جمع لهم. قلت: أرأيت إن ترك دورا أو عقارا أو عروضا ولم يترك دراهم ولا دنانير، فأقام رجل البينة بعدما اقتسم الورثة أن الميت أوصى له بألف درهم، أتنتقض القسمة فيما بينهم أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى أن يقال للورثة: اصطلحوا فيما بينكم وأخرجوا وصية هذا الرجل وأقروا قسمتكم بحالها إن أحببتم، فإن

أبوا ردت القسمة وبيع من مال هذا الميت مقدار وصية هذا الرجل إذا كان الثلث يحمل ذلك، ثم اقتسم الورثة ما بقي. وإنما جعلنا الورثة ههنا بالخيار إن أحبوا أن يؤدوا الدين الذي لحق من الوصية في مال الميت، وإلا ردوا ما أخذوا من مال الميت فباعوا منه مقدار دين هذا الميت واقتسموا ما بقي بينهم؛ لأنهم يقولون هذا مال الميت الذي ورثناه فأخرجوا منه الدين ولا نخرج نحن الدين من أموالنا. وكذلك إن قال ذلك واحد منهم، كان ذلك له ولا يجبر على أن يخرج حظه من الدين من مال نفسه، فإن قال بعضهم نحن نخرج الدين من أموالنا، وقال أحدهم لا أخرج الدين من مالي ولكن ردوا القسمة وبيعوا فأوفوا الوصية، ثم اقتسموا ما بقي فيما بيننا. قال: القول قول هذا الذي أبى، وتنتقض القسمة ويدفعون إلى هذا المستحق حقه من الوصية، ثم يقتسمون ما بقي. وذلك أنه ليس لهم إذا أبى صاحبهم أن يشتروا ما في يديه بغير رضاه؛ لأن الدين لما لحق دخل في جميع ما في أيديهم. فلو جوزنا لهم ما قالوا لقلنا لهذا لذي أبى: بع ما في يديك وأوف الغرماء أو هذا الموصى له حصتك من ذلك، ولعل ذلك الذي لحقه يغترق ما في يديه، ولعل قسمتهم إنما كانت على التغابن فيما بينهم، أو لعله قد أتت جائحة من السماء على ما في يديه فأتلفته، ثم لحق الدين أو الوصية فلا يكون عليه لذلك شيء. فهذا الذي يدلك على إبطال القسمة فيما بينهم إذا أبى هذا الواحد وقال لا أخرج حصتي، ولا يجوز شراؤهم ما في أيديهم بحصتهم من الدين؛ لأن هذا الذي أبى لو تلف ما في يديه مما كان أخذ من مال الميت بجائحة أتت من السماء، لم يضمن فلا تتم الوصية ولا يتم الدين، ولم أسمع هذا بعينه عن مالك إلا أنه رأيي؛ لأن مالكا قال: إذا لحق الميت دين وقد اقتسمت الورثة، أخذ الدين مما في أيديهم. وما تلف بأمر من أمر السماء مما كان في أيديهم لم يلزم واحدا منهم ما تلف في يديه من ذلك، فلما قال مالك هذا، علمنا أن القسمة تنتقض فيما بينهما. قلت: أرأيت إن لحق دين أو وصية في مال هذا الميت، وقد اقتسم الورثة الدور والرقيق وجميع ما ترك الميت فيما بينهم، فقام الورثة كلهم: تنتقض القسمة ونبيع فنوفي هذا الرجل حقه أو وصيته، والوصية دراهم أو كيل من الطعام. فقال واحد منهم: لا أنقض القسمة ولكن أنا أوفي هذا الرجل دينه أو وصيته من مالي، ولا أتبعكم بشيء، وذلك لأنه مغتبط بحظه من ذلك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا أو أرى ذلك له ولا تنتقض القسمة.

في قسم القاضي العقار على الغائب
قلت: أرأيت إن كانت قرية بين أبي وبين رجل من شراء أو ميراث ورثاها، فغاب الرجل وهلك والدي فأردنا أن نقسم؟ قال: قال مالك: يرفع ذلك إلى القاضي فيقسم ذلك بينهم ويعزل نصيب الغائب. قلت: وسواء إن كانت شركة أبي مع هذا الغائب من

شراء أو ميراث في قول مالك؟ قال: قال مالك: القسمة في الدور والرقيق وجميع الأشياء إذا كانت بينهم من شراء أو ميراث فهو سواء، ويقسم ذلك بينهم. قال: والذي قال مالك في الغائب يدعى عليه في الدور والأرضين، إنما قال مالك: لا يقضى عليه، ولكنه يستأنى به. وأما أهل القسم فيقسم عليهم وإن كان غائبا. قلت: وكذلك إن كان شريك أبيهم حاضرا وبعض ورثة الميت غيبا، أيقسمها القاضي بينهم أم لا؟ قال: قال لي مالك: يقسمها القاضي بينهم ويعزل نصيب الغائب. قلت أرأيت لو أن قوما ورثوا دورا ورقيقا، فرفعوا أمرهم إلى صاحب الشرط وفي ورثة الميت قوم غيب فيسمع من بينتهم فقسم ذلك بينهم، أيجوز ذلك على الغائب أم لا؟ قال: قال مالك: لا تجوز القسمة إلا بأمر القاضي ولا أري أن يجوز ذلك.

ما جاء في قسمة الأرض والشجر المفترقة
قلت: أرأيت الأرض التي فيها الشجر المفترقة، ههنا شجرة وههنا شجرة، ورثوها فأرادوا أن يقتسموها، كيف يقتسموا هذه الشجر؟ قال: أرى أن يقتسموا الأرض والشجر جميعا، لأنهم إن اقتسموا الأرض على حدة والشجر على حدة، لصار لهذا شجرة في أرض هذا ولهذا شجرة في أرض هذا. فأفضل ذلك أن يقتسموا الأرض والشجر جميعا، فيكون الشجر لمن تصير له الأرض. قلت: أرأيت لو أن قوما ورثوا دورا ورقيقا وعروضا وحيوانا، فأرادوا أن يقتسموا بالسهام، فجعلوا البقر حظا واحدا، والحيوان والرقيق حظا واحدا، والدور حظا واحدا، والعروض حظا واحدا، على أن يضربوا بالسهام؟ قال: لا خير في هذا لأنه خطر، وإنما تقسم هذه الأشياء، كل نوع على حدة، وهو قول مالك: إنه يقسم كل نوع على حدة، البقر على حدة والغنم على حدة والعروض على حدة، إلا أن يتراضوا على شيء بينهم بغير سهام.

ما جاء في قسمة ما لا ينقسم
قلت: أرأيت إن كان الميراث عبدا واحدا أو دابة واحدة أو ثوبا واحدا أو سراجا أو طستا أو ثورا، فأرادوا أن يقتسموا؟ قال: قال مالك: إن هذا لا ينقسم ولكن يباع عليهم جميع هذا؛ لأن هذا مما لا ينقسم كل نوع منه على حدة إلا أن يتراضوا على شيء، فيكون لهم ما تراضوا عليه. وأما بالسهام فلا يجوز أن يقسموا ذلك كذلك.

ما يجمع في القسمة من البز والماشية
قلت: أرأيت إن هلك رجل وترك بزا فيه الخز والحرير والقطن والكتان والأكسية

ما جاء في قسمة الحلي والجوهر
قلت: أرأيت لو أن امرأة هلكت وتركت أخاها وزوجها، وتركت حليا كثيرا ومتاعا من متاع النساء مختلفا، كيف يقتسمه الزوج والأخ في قول مالك؟ قال: أما الحلي فلا يقسم إلا وزنا، وأما متاع جسدها أو متاع بيتها فبالقيمة. قلت: أرأيت الحلي إذا كان فيه الجوهر واللؤلؤ والذهب والفضة، فكان قيمة ما فيه من اللؤلؤ والجوهر الثلثين والذهب والفضة الثلث فأدنى، أيصلح أن يقسم على القيمة أم لا؟ والسيوف المحلاة التي ورثناها فيها من الحلي الثلث فأدنى، وقيمة النصول الثلثان فصاعدا، أيصلح أن تقسم السيوف على القيمة أم لا؟ قال: لا بأس بالقسمة في هذا بالقيمة؛ لأن السيف إذا كان فيه من الفضة الثلث فأدنى فلا بأس به بالفضة كان أقل مما في السيف أو أكثر إذا كان يدا بيد عند مالك. ولا بأس بالفضة والعروض بهذا السيف، ألا ترى لو أن رجلين أتيا بسيفين، فضتهما أقل من الثلث، أو فضة أحدهما أقل من الثلث والآخر أكثر من الثلث، فتبايعا بالسيفين يدا بيد لم يكن بذلك بأس، فكذلك القسمة أيضا، وإن كان في فضة كل سيف من تلك السيوف أكثر من الثلث، فلا خير في القسمة فيه بالقيمة، وكذلك الحلي مثل ما وصفت لك في السيوف.

ما جاء في قسمة الأرض والزرع الأخضر
قلت: أرأيت إن ورثنا أرضا فيها زرع فأردنا أن نقتسمها؟ قال مالك: لا يقتسمان

ما جاء في قسمة المواريث على غير رؤية
قلت: أرأيت لو أنا ورثنا كرما ونخلا ولم ير واحد منا الكرم والنخل، فتراضينا أنا وصاحبي على أن أعطيته الكرم وأخذت النخل، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك إلا بعد الرؤية، أو يكونان قد عرفا الصفة فيقتسمان على الصفة، فلا بأس أن يتراضيا بعد معرفتهما بالصفة على ما أحبا من ذلك. قلت: وكذلك لو كان أحدهما قد عرف النخل والكرم، أو عرف صفة ذلك ولم يعرف الآخر ذلك؟ قال: كذلك أيضا لا يجوز؛ لأن الذي لم ير ولم يعرف الصفة لا يدري ما يأخذ ولا ما يعطي، فهذا لا يجوز عند مالك إلا أن يكونا قد رأيا ذلك أو وصف لهما، فيجوز على ما تراضيا من ذلك.

ما جاء في القسمة على الخيار
قلت: أرأيت لو أنا اقتسمنا دورا ورقيقا وعروضا على أن أحدنا بالخيار ثلاثة أيام أو نحو ذلك؟ قال: قال مالك: ذلك جائز إذا كانت تلك السلع مما يجوز فيها الخيار عدد الأيام التي اشترط فيها الخيار لنفسه، وهذا مثل ما قال مالك في البيوع. قلت: أرأيت إن جعلت الخيار لهذا الذي اشترط الخيار لنفسه، أيكون لصاحبه من الخيار في الرد الذي لم يشترط شيئا أم لا؟ قال: لا خيار له في ذلك وقد لزمته القسمة، وإنما الخيار لصاحبه. قلت: أرأيت إن أحدث هذا الذي اشترط لنفسه الخيار شيئا، أو في الدار أو هدم فيها بناء أو سام بها، أتلزمه القسمة ويبطل خياره أم لا؟ قال: نعم، كذلك قال مالك في البيوع إذا اشترط المشتري الخيار، فصنع من ذلك ما يبطل خياره، فهو بمنزلة ما صنع هذا في القسمة.

في قسمة الأب أو وسيه على ابنه الصغير وهبته ماله
في قسمة الأب أو وصيه على ابنه الصغير وهبته ماله
قلت: هل يجوز أن يقاسم على الصغير الدور أو العقار أبوه أو وصي أبيه؟ قال: ذلك جائز عند مالك، قلت: وكذلك العروض وجميع الأشياء؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك. قلت: أرأيت لو أن صبيا صغيرا في حجر أبيه ورث من أمه مورثا أو من غير أمه مورثا، فقاسم الأب لابنه الصغير فحابى، أيجوز ذلك على ابنه الصغير وقد حابى الأب شركاءه؟ قال: قال مالك: لا يجوز هبة الأب مال ابنه الصغير ولا يتصدق بمال ابنه الصغير، فكذلك المحاباة عند مالك لا تجوز. قلت: فإن أدركت هذه المحاباة وهذه الصدقة وهذه الهبة بعينها ردت، وإن فاتت ضمن ذلك الأب للابن في ماله؟ قال: نعم

ما جاء في وصي الأم ومقاسمته
قلت: أرأيت لو أن امرأة هلكت وتركت ولدا صغيرا يتيما لا وصي له، فأوصت الأم بالصبي وبمالها إلى رجل ولها ورثة سوى الصبي فقاسم وصي الأم لهذا الصبي الذي أوصت به الأم إليه، أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز من وصية الأم شيء، ولا يجوز شيء مما صنع وصي الأم، وليس وصي الأم بوصي، وهو

كرجل من الناس، فلا يجوز على الصبي شيء من صنيعه. قلت: فهل يترك مال المرأة في يديه وقد أوصت إليه أم لا؟ قال: قال مالك: إذا كان الذي تركت المرأة تافها يسيرا جاز ذلك، وذلك أنه سئل مالك عن امرأة هلكت وأوصت إلى رجل بمالها. فقال مالك: كم تركت؟ قالوا له: خمسين دينارا أو ستين. قال: هذا يسير وجوزه في اليسير. قلت: أرأيت إن هلكت امرأة وأوصت بثلثها أن ينفذ، وأوصت بذلك إلى رجل أن ينفذه؟ قال: فهو وصي في ثلثها وذلك إليه، تكون وصيتها إلى هذا الرجل في ثلثها وينفذه وذلك جائز عند مالك. قلت: فإن تركت أختها وأخاها صغيرين، وأوصت إلى رجل بهما وبمالها ولا وارث لها غيرهما؟ قال: أرى وصيتها غير جائزة إلا أن يكون مالها الذي تركت قليلا مثل الذي ذكرت لك، فيجوز ذلك إلى الملك خاصة ولا يكون لهما وصيا بذلك في إنكاحهم وشرائهم والمصالحة عليهم. قلت: أرأيت إن هلك رجل وترك ابن أخ له صغيرا وهو وارثه ومعه وارث غيره أيضا كبير، فأوصى العم بهذا الصبي إلى رجل، أيكون وصيه، وتجوز مقاسمته له أم لا في قول مالك؟ أو كان الجد أبا الأب أو كان أخا لهذا الصبي فهلك فأوصى إلى رجل بحال ما وصفت لك؟ قال: لا يجوز من وصية هؤلاء قليل ولا كثير، وليس لواحد من هؤلاء من الوصية قليل ولا كثير؛ لأن الميت نفسه لم يكن يجوز أمره ولا صنيعه في مال الصبي قبل موته، فكذلك وصيه أيضا لا يكون أحسن حالا منه نفسه. قلت: أفلا تجوز وصيته في الشيء القليل مثل ما أجاز مالك وصية الأم في الشيء القليل؟ قال: لا أرى أن تجوز وصيته لهذا في قليل ولا كثير. قلت: وما فرق ما بين هؤلاء وبين الأم؟ قال: إنما استحسن مالك في الأم وليست الأم كغيرها من هؤلاء، ولأن الأم والدة وليست كغيرها وهو مالها، وهذا ليس بماله الذي يوصي به لغيره وما هو بالقياس ولكنه استحسان؛ ألا ترى أن الأم تعتصر ما وهبت لابنها أو ابنتها وتكون بمنزلة الأب، والجد والأخ لا يعتصران، فهذا يدلك أيضا على الفرق بينهما. قلت: فما يصنع بهذا المال الذي أوصى به إلى هذا الوصي الذي لا يجيز وصيته؟ قال: ذلك إلى السلطان عند مالك يرى فيه رأيه وينظر فيه للصغار ويجوزه عليهم وعلى الغائب.

ما جاء في قسمة الكافر على ابنته البالغ
قلت: أرأيت الكافر، هل يجوز له أن يقاسم على ابنته الكبيرة التي لم تتزوج، وقد أسلمت وهي في حجره في قول مالك؟ قال: قال مالك: ليس له أن يزوج ابنته الكبيرة إذا أسلمت، فلما قال مالك ليس له أن يزوج ابنته الكبيرة وقد أسلمت، رأيت أن لا تجوز عليها قسمته.

في قسمة الأم أو الأب على الكبار الغيب ومقاسمة الأم على ولدها
قلت فالوصي، هل يجوز أن يقاسم على الغيب الكبار في قول مالك؟ قال: لا يجوز ذلك؛ لأن مالكا قال لي في الوصي يؤخر بالدين وفي الورثة صغار وكبار فيؤخر ذلك عن الغريم على وجه النظر. قال لي مالك: يجوز ذلك على الصغار ولا يجوز على الكبار، فلما قال مالك لا يجوز على الكبار، رأينا أن لا تجوز مقاسمته على الغيب إذا كانوا كبارا. قلت: فالأب يقاسم على ابنه الكبير إذا كان غائبا في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أيجوز للأم أن تقاسم على ابنها الصغير؟ قال: لا يجوز من مقاسمة الأم على الصغير قليل ولا كثير إلا أن تكون الأم وصية.

في قسمة وصي اللقيط للقيط
قلت: أرأيت لو أن لقيطا في حجر رجل أوصى له بوصية، أيجوز لهذا الرجل الذي اللقيط في حجره أن يقاسم لهذا اللقيط؟ قال: أرى ذلك جائزا، ولو أن رجلا أخذ ابن أخ له أو ابن أخته وهو صغير في حجره لا مال له فاحتسب فيه فأوصى له بمال فقام فيه وقاسم له وباع له لم أر ذلك يجوز له، ولا يجوز أن يعمد إلى أخ له يموت، فيثب على ماله وولده فيقبض ذلك بغير خلافة من السلطان، فيبيع منه ويشتري، فهذا بمنزلة الغاصب.

ما جاء في قضاء الرجل في مال امرأته
قلت: أرأيت إن زوج رجل ابنته وهي صبية صغيرة فماتت أمها، فورثت الصبية مالا، فقال الزوج: أنا أقبض ميراثها وأقاسم لها، وقال الأب: أنا أقبض ميراثها؟ قال: قال مالك: الأب أحق بميراث الصبية ما لم تدخل بيتها ويؤنس منها الرشد؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا تزوج جارية قد بلغ مثلها ولها عند الوصي مال، لم تأخذ مالها وإن دخلت منزلها حتى يرضى حالها، فلما قال لي مالك في الوصي هذا الذي أخبرتك؛ كان الأب والوصي أحق بقبض ميراثها من الزوج، والزوج أيضا لا حق له في قبض مال امرأته؛ ألا ترى أنها إذا دخلت ولم يؤنس منها الرشد لم يدفع إليها مالها، وإنما يدفع إليها مالها إذا آنس منها الرشد وإن كانت عند الزوج، فهذا يدلك على أن الزوج لا يقبض مال امرأته والأب والوصي الناظران لها والحائزان عليها وإن تزوجت ودخلت منزلها ما لم يرض حالها ويجز أمرها، وليس للزوج قضاء في مال امرأته قبل دخوله بها ولا بعده. قلت: أرأيت هذه الصبية، إن كان هلك والدها ولم يوص، ثم هلكت أمها وقد تركت مع

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب القسمة الثاني

ما جاء في الشريكين يقتسمان فيجد أحدهما بحصته عيبا أو ببعضها
قلت: فلو أن شريكين اقتسما دورا أو رقيقا أو أرضا أو عروضا، فأصاب أحدهما بعبد من العبيد عيبا أو ببعض الدور أو ببعض العروض التي صارت في حظه عيبا، كيف يصنع في قول مالك؟ قال: أرى ذلك مثل البيوع والدور ليس فيها فوت، فإن كان الذي وجد فيه العيب، هو وجه ما أخذ في نصيبه وكثرته، رد ذلك كله ورجع على حقه وردت القسمة، إلا أن يفوت ما في يدي صاحبه ببيع أو هبة أو حبس أو صدقة أو هدم يكون قد هدم داره فبناها فهذا عند مالك كله فوت. قال: فإن فاتت في يد هذا، وأصاب هذا الآخر عيبا فإنه يردها ويأخذ من الذي فاتت الدور في يديه نصف قيمة الدور يوم قبضها، وتكون هذه الدور التي ردها صاحبها بالعيب بينهما، وإن كانت لم تفت ردت وكانت بينهما على حالها، واختلاف الأسواق عند مالك ليس بفوت في الدور. قلت: وإن كان الذي وجد به العيب أقل مما في يديه من الذي صار له رده؟ قال: قال مالك: إذا كان الذي وجد به العيب أقل مما في يديه من ذلك، وليس من أجله اشتراه؛ رده ونظر إليه كم هو مما اشترى، فإن كان السبع أو الثمن رجع إلى قيمة ما في يدي أصحابه وأخذ منهم قيمة نصف سبع ذلك أو نصف ثمنه ذهبا أو ورقا، ولم يرجع بشيء مما في أيديهم. قال مالك في الرجل يبيع الدار ثم يجد المشتري بها عيبا، أو يستحق منها شيء، قال: إن كان الذي وجد به عيبا واستحق من الدار الشيء التافه، مثل البيت يكون في الدار العظيمة أو النخلات تكون في النخل الكثيرة، فإن ذلك يرجع بحصته من الثمن ويلزمه البيع فيما بقي، وإن كان جل ذلك رده. فكذلك القسمة والدار الواحدة والدور الكثيرة إذا أصاب بها عيبا، سواء على ما فسرت لك، إن كان الذي أصاب العيب يسيرا رد ذلك الذي

أصاب به العيب بحصته من الثمن، ويلزمه ما بقي ويرجع على صاحبه بالذي يصيبه من قيمة ما بقي في يده، ولا يرجع عليه في شيء مما في يديه فيشاركه فيه، فإنما له قيمة ذلك ذهبا أو ورقا، كان حظ صاحبه قائما أو فائتا. قلت: وكذلك لو اقتسماه فأخذ أحدهما في حظه نخلا ودورا ورقيقا وحيوانا، وأخذ الآخر في حظه بزا وعطرا وجوهرا، تراضيا بذلك فأصاب أحدهما في بعض ما صار له عيبا، فأصاب ذلك في الجوهر وحده أو في بعض العطر، أيكون له أن يرد جميع ما صار له في نصيبه، أو يرد هذا الذي أصاب به العيب وحده؟ قال: ينظر في ذلك، فإن كان الذي أصاب به العيب هو وجه ما صار له؛ رد جميعه بحال ما وصفت لك، وإن لم يكن ذلك رد ذلك وحده بعينه بحال ما وصفت لك.

ما جاء في الحنطة يقتسمانها فيجد أحدهما بحنطة عيبا
ً
ما جاء في الحنطة يقتسمانها فيجد أحدهما بحنطته عيبا
قلت: قال من فخ بين اثنين ورثاه فاقتسماه، وطحن أحدهما حصته، ثم ظهر على عيب في حنطته من عفن أو غير ذلك، فأراد أن يرجع على صاحبه، كيف يرجع عليه؟ قال: يرد صاحبه الذي لم يطحن حنطته إن كانت لم تفت، وإن كانت قد فاتت أخرج مكيلتها ويخرج هذا الذي طحن حنطته قيمة حنطته التي طحن فتكون بينهما. قلت: ولم لا يخرج هذا الذي طحن حنطته حنطة مثلها معفونة معيبة، فتكون بينهما نصفين؟ قال: لأن الأشياء كلها إذا وجد بها المشتري عيبا وقد فاتت ولا يوجد مثلها لم يخرج مثلها، ولأن من اشترى حنطة بدراهم فأتلفها فظهر على عيب كان عند البائع، فإنه يرجع في دراهمه بقدر العيب، ولا يقال له رد حنطة مثلها معفونة معيبة؛ لأن المشتري لو أراد أن يأتي بحنطة مثلها معفونة معيبة، لم يحط بمعرفة ذلك والعروض كلها والحيوان كذلك. وهذا الذي قاسم صاحبه حنطته وطحنها فظهر على عيب بعد طحن صاحبه، إن أراد أن يرجع في حصة صاحبه من الحنطة بنصف العيب لم يصلح ذلك؛ لأنها تصير حنطة بحنطة وفضل فلا يصلح ذلك. فلما كان هذا لا يصلح لم يكن له بد من أن يخرج قيمة الحنطة التي طحنها، وليس عليه أن يخرج مثلها لأن من اشترى سلعة من السلع كائنة ما كانت، طعاما أو غيره فوجد بها عيبا وقد فاتت عنده، لا يكون له أن يقول أنا أخرج مثلها؛ لأنه لا يحاط بمعرفته، ولو كان يحاط بمعرفة ذلك لرأيت أن يكون له ذلك، أن يخرج مثلها مما يكال أو يوزن.
قلت: أرأيت الطعام العفن بالطعام العفن، أيصلح هذا مثلا بمثل؟ قال: إن كان ذلك العفن يشبه بعضه بعضا فلا بأس به، وإن كان العفن متفاوتا فلا خير فيه، وكذلك القمحان يكون فيهما من التبن والتراب الشيء الخفيف فلا بأس به مثلا بمثل، ولو كان

أحدهما كثير التبن أو التراب حتى يصير ذلك إلى المخاطرة فيما بينهما، أو يكون أحدهما نقيا والآخر مغشوشا كثير التبن والتراب، فلا خير في ذلك إلا أن يكونا نقيين أو يكون ما فيهما من الغلث الشيء الخفيف. فإن كان ذلك كثيرا صار إلى المخاطرة وإلى طعام بطعام وليس مثلا بمثل، وليس هذا يشبه ما اختلف من الطعام، مثل البيضاء والسمراء أو الشعير والسلت بعض هذه الأصناف ببعض؛ لأن هذين الصنفين إذا اختلفا جميعا فيتبايعانه، ولأن هذين مغشوشان فلا يصلح ذلك. قلت: وكذلك لو كانت سمراء مغلوثة بشعير مغلوث، أيصلح ذلك أم لا؟ قال: لا خير في ذلك إلا أن يكون شيئا خفيفا بحال ما وصفت لك. قلت: وليس حشف التمر بمنزلة غلث الطعام؛ لأن الحشف من التمر والغلث إنما هو شيء من غير الطعام وهذا كله رأيي. قلت: أرأيت هذا الطعام المغلوث إذا كان صبرة واحدة، أيجوز أن يقتسماه بينهما؟ قال: نعم لا بأس بذلك إن كان من صبرة واحدة، فإن كان من صبرتين مختلفتين لم يصلح ذلك؛ لأنه لا يدرى ما وقع غلث كل واحدة منهما من صاحبتها. والواحدة إذا كانت مغلوثة غلثها شيء واحد، لا يدخله من خوف الاختلاف والمخاطرة ما يدخل الصبرتين إذا كانتا مختلفتين. قال: ولقد سألت مالكا عن غربلة القمح في بيعته؟ فقال: هو الحق الذي لا شك فيه. فأرى أن يعمل به، والذي أجيزه من القمح بالقمح أو القمح بالشعير أن يكونا نقيين أو يكونا مشتبهين، ولا يكون أحدهما غلثا والآخر نقيا، ولا يكونا إلا مثلا بمثل، وهذا الذي سمعته. قلت: فإن اقتسمنا دارا بيننا فبنيت حصتي أو هدمتها، فأصبت عيبا كان في حصتي قبل أن أهدم أو قبل أن أبني؟ قال: قد أخبرتك أنه إذا هدم أو بنى ثم أصاب عيبا، فهو فوت ويرجع بقيمة نصف العيب فيأخذ بذلك دنانير أو دراهم على ما ذكرت لك قبل ذلك، فينظر ما فيه العيب فيرجع بنصفه دنانير أو دراهم، وهذا مثل ما قال مالك في البيوع.

في الرجل يشتري عبدا فيستحق
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى عبدا فباع نصفه من يومه ذلك، ثم استحق رجل ربع جميع العبد، أيكون للمشتري أن يرد نصف هذا العبد أم لا؟ قال: قال مالك: من اشترى عبدا فاستحق نصفه أو ثلثه أو ربعه أو غير ذلك، فإن المشتري بالخيار إن شاء رد الجميع وإن شاء حبس ما بقي من العبد بعد الذي استحق منه، ويرجع على بائعه في ثمن العبد بقدر ما استحق من العبد. قلت: أرأيت هذا الذي اشترى من المشتري الأول إذا استحق ربع جميع العبد، أيكون عليه في النصف الذي اشترى شيء أم لا؟ قال: نعم، يأخذ المستحق الربع منهما جميعا ويرجع هذا المشتري الثاني على بائعه بقدر ما استحق

من العبد من حصته إن شاء أو يرد إن شاء، ويكون للمشتري الأول على بائعه مثل ما وصفت لك في هذا يكون مخيرا. قال: وهذا رأيي. قلت: فلو أن رجلا اشترى عبدا أو ثوبا فباع نصفه مكانه، ثم ظهر على عيب فرضي المشتري الثاني بالعيب وقبل العبد، وقال المشتري الأول أنا أرد، أيكون له أن يرد نصف العبد في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: له أن يرد إلا أن البائع الأول بالخيار، ويقال له اردد الآن إن أحببت نصف قيمة العيب لأنه باع نصف العبد فلا يرد النصف الذي باعه من العيب شيئا أو خذ نصف العبد وادفع إليه نصف الثمن.
قلت: فإن اقتسمت أنا وصاحبي عبدين بيننا، فأخذت أنا عبدا وهو عبدا فاستحق نصف العبد الذي صار لي؟ قال: إنما كان قبل القسمة لكل واحد منكما نصف عبد، فلما أخذت جميع هذا العبد وأعطيت شريكك العبد الآخر، كنت قد بعته نصف ذلك العبد الذي صار له بنصف هذا العبد الذي صار لك، فلما استحق نصف العبد الذي في يديك، قسم هذا الاستحقاق على النصف الذي كان لك وعلى النصف الذي اشتريته من صاحبك، فيكون نصف النصف الذي استحق من نصيبك ونصف النصف من نصيب صاحبك، فترجع على صاحبك بربع العبد الذي في يديه؛ لأنه ثمن لما استحق من العبد الذي في يديك من نصيب صاحبك، فترجع على صاحبك إن كان العبد لم يفت في يد صاحبك، وإن كان العبد قد فات في يد صاحبك كان لك عليه ربع قيمته يوم قبضه، ولا تكون بالخيار في أن ترد نصف العبد على صاحبك فتأخذ نصف عبدك؛ لأن مالكا قال في الدار والأرض يشتريها الرجل فيستحق منها الطائفة. قال: إن كان الذي استحق منها يسيرا، رأيت أن يرجع بقيمته من الثمن ولا ينتقض البيع فيما بينهما. قال: قال مالك: وأرى البيت من الدار الجامعة والنخلة من النخل الكثيرة والشيء اليسير من الأرض الكثيرة، ليس إذا استحق الفساد لها، فأرى أن يلزم المشتري البيع فيما بقي في يديه، ويرجع في الثمن بقدر الذي استحق. وإن كان الذي استحق هو جل الدار وله القدر من الدار؛ رأيت المشتري بالخيار إن أحب أن يحبس ما بقي في يديه بعد الاستحقاق من الدار ويرجع في الثمن بقدر الذي استحق فذلك له، وإن أحب أن يرد ما بقي في يديه بعد الاستحقاق ويأخذ الثمن كله فذلك له.
قال: فقيل لمالك: فالغلام والجارية يشتريها الرجل فيستحق منه أو منها الشيء اليسير؟. قال: قال مالك: لا يشبه العبد أو الأمة عندي الدور والأرضين ولا النخل؛ لأن الغلمان والجواري يريد أهلهم أن يظعنوا بهم ويطأ الرجل الجارية ويسافر الرجل بالغلام، فهو في العبد والجارية إذا اشترى واحدا منهما فاستحق منه الشيء اليسير كان بخيار، إن أحب أن يتماسك بما بقي ويرجع في الثمن بقدر ما استحق منه كان ذلك له، وإن

أحب أن يرده كله فذلك له، فمسألتك في القسمة في العبدين عندي تشبه الدور ولا تشبه العبيد؛ لأن كل واحد منهما كان له في كل عبد نصفه، فكان ممنوعا من الوطء إن كانتا جاريتين وكان ممنوعا من أن يسافر بهما إن كانا عبدين، فلما قاسم صاحبه فأخذ كل واحد منهما نصف عبده بنصف صاحبه فاستحق من نصف صاحبه ربعه؛ لم يكن له أن يرد نصف صاحبه كله، ولكنه يرجع بذلك الربع الذي استحق منه في العبد الذي صار لصاحبه إن كان لم يفت، فإن كان قد فات رجع عليه بربع قيمة العبد الذي صار لصاحبه يوم قبضه.
قال: وقال مالك: والفوت في العبيد في مثل هذا: النماء والنقصان والبيع واختلاف الأسواق، أولا ترى أن مالكا قال في الرجل يشتري السلع فيجد ببعضها عيبا أو يستحق منها الشيء. قال: إن كان الذي وجد به عيبا أو استحق ليس هو جل ذلك ولا كثرته ولا من أجله اشترى؛ رده بعينه ولزمه البيع فيما بقي. فكذلك هذا العبد، ليس الربع جل ما اشترى أحدهما من صاحبه ولا فيه طلب الفضل، فلما قال مالك هذا في هذا، وقال مالك: إنما كان له أن يرده إذا اشتراه كله من رجل لأن للمشتري أن يسافر به ولأن له في الجارية أن يطأها إذا اشتراها، فإذا استحق منها القليل ردها إن أحب ولم يكن للبائع حجة أن يقول لا أقبلها؛ لأنها إنما استحق منها الشيء اليسير؛ لأن هذا قد انقطعت عنه المنفعة التي كانت في الوطء والأسعار وما أشبه هذا، وأما الذي قاسم صاحبه فأخذ في نصف عبده الذي كان له نصف عبد صاحبه الذي كان معه شريكا فاستحق الربع من نصيب كل واحد منهما، فليس له أن يرد ما بقي في يديه من حظ شريكه؛ لأن العبد والجارية إنما يردهما في هذا إلى الحال الأولى، وقد كان في العبد والأمة في الحال الأولى قبل القسمة لا يقدر على أن يسافر بهما ولا يطأ الجارية. فالعبيد إذا كانوا بين الشركاء فاقتسموهم، ثم استحق من بعضهم بعض ما في يديه، إنما يحملون محمل السلع والدور إذا اشتريت فاستحق بعضها إن كان ذلك الذي استحق كثيرا كان له أن يرد الجميع، وإن كان تافها يسيرا لا قدر له لم يرد ما بقي ويرجع بما يصيبه على قدر ما فسرت لك، وهذا في القسمة في العبيد كذلك سواء؛ ألا ترى أن من قول مالك: لو أن رجلا اشترى عبدين وهما في القيمة سواء لا تفاضل بينهما فاستحق منهما واحد لم يرد الثاني منهما؛ لأنه لم يشتر أحدهما لصاحبه، فكذلك النصف حين اشترى لم يشتر الربع الذي استحق للربع الآخر الذي لم يستحق، فيكون له حجة يرده بها أو يقول كنت أسافر بالعبد أو أطأ الجارية فلا أحب أن يكون معي شريك فتكون له حجة، فلما لم تكن له في هذا الوجه ولا في هذا الوجه الآخر حجة لم يكن له أن يرد ما بقي في يديه من نصيب صاحبه بعد الاستحقاق، ولكن يرجع على

صاحبه بربع العبد إن كان لم يفت، وإن كان قد فات فبحال ما وصفت لك.

ما جاء في استحقاق بعض الصفقة
قلت: فإن اشتريت عشرة أعبد بألف دينار قيمة كل عبد مائة دينار فاستحق من العبيد تسعة أعبد وبقي منهم عندي عبد واحد فأردت رده، أيكون لي ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم، ترد إذا استحق جل السلعة التي منها ترجو الفضل والربح أو كثرته، ولا ينظر في ذلك إلى استواء قيمة المتاع ولا تفاوت ذلك. قلت: فإن كانت هذه الصفقة دارا وعبدا ودابة وثوبا وجوهرا وعطرا، فأصاب بأكثر هذه الصنوف عيبا أو استحق أكثرها، وكل صنف منها في الثمن قريب من صاحبه، وليس من هذه الصنوف شيء اشتري الصنف الآخر لمكانه ولا فيه طلب الفضل، ولكن طلب الفضل في جميع هذه الأشياء، أيكون له أن يرد؟ قال: نعم، له أن يرد ما بقي في يديه بعد الاستحقاق إذا كان إنما استحق من ذلك أكثر المتاع، أو الذي يرجو فيه النماء والفضل. قلت: فلو أن دارا بيني وبين صاحبي اقتسمناها فأخذت أنا ربعها من مقدمها وأخذ صاحبي ثلاثة أرباعها من مؤخرها، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز في قوله؛ لأن هذا يجوز في البيوع، فإذا جاز في البيوع جاز في القسمة. قلت: فإن استحق من يدي هذا الذي أخذ الربع نصف ما في يديه، كيف يرجع على صاحبه؟ قال: يرجع على الذي أخذ ثلاثة أرباع الدار من مؤخر الدار بقيمة ربع ما في يديه، وكذلك إن استحق من صاحب الثلاثة الأرباع نصف ما في يديه أو ثلثه فعلى هذا يعمل فيه، وهذا مثل قول مالك في البيوع. قلت: ولا تنتقض القسمة فيما بينهما في هذا الاستحقاق في قول مالك؟ قال: القسمة لا تنتقض فيما إذا كان ما استحق من يد كل واحد منهما تافها يسيرا، فإن كان الذي استحق من يد كل واحد منهما هو جل ما في يديه، فأرى القسمة تنتقض فيما بينهما لأن القسمة إنما تحمل محمل البيوع، ولأنه لا حجة لمن استحق في يديه شيء أن يقول إنما بعتك نصف ما في يديك بنصف ما في يدي؛ لأنه ليس ببيع إنما هو مقاسمة. فإذا استحق من ذلك الشيء التافه الذي لا يكون فيه ضرر لما يبقى في يديه ثبتت القسمة فيما بينهما ولم تنتقض، ويرجع بعضهم على بعض بحال ما وصفت لك. وإن كان ذلك الذي استحق ضررا لما يبقى في يديه من نصيبه رده كله ورجع فقاسم صاحبه الثانية إلا أن يفوت نصيب صاحبه فيخرج القيمة بحال ما وصفت لك. قلت: هذا الذي أسمعك تذكر عن مالك إذا استحق القليل لم تنتقض القسمة وإذا استحق الكثير انتقضت القسمة، ما حد هذا؟ قال: قال مالك في الرجل يبيع الدار فيستحق النصف منها في يد المشتري، فللمشتري أن يرد النصف الباقي. قلت: فإن استحق من الدار الثلث؟ قال: لم يجد لنا

مالك في الثلث شيئا أحفظه، ولكني أرى الثلث كثيرا وأرى أن يرد الدار إذا استحق منها الثلث؛ لأن استحقاق ثلث الدار فساد على المشتري.

ما جاء في قسمة الغنم بين الرجلين بالقيمة
قلت: فإن ورثنا أنا وأخ لي عشرين شاة فأخذت أنا خمس شياه تساوي مائة وأخذ أخي خمسة عشر تساوي مائة، أيصلح هذا في قول مالك؟ قال: نعم، لا بأس بذلك إن اقتسموا الغنم على القيمة إذا كان بالسهام إلا أن يتراضوا على أمر فيكون ذلك على ما تراضوا عليه. قلت: فإن استحق مما في يد أحدهما شاة، أتنتقض القسمة فيما بينهما أم لا؟ قال: لا أرى أن تنتقض القسمة فيما بينهما، ولكن ينظر فإن كانت هذه الشاة المستحقة هي خمس ما في يديه رجع على أخيه بنصف قيمة خمس ما في يديه. قلت: وكذلك إن استحق من يد أحدهما جل حصته من الغنم؟ قال: نعم، تنتقض القسمة إذا كان الذي استحق من يد أحدهما هو جل حصته وفيه رجاء الفضل والنماء. قال ابن القاسم: قال لي مالك في القوم يرثون الحائط من النخل فيقتسمونه بينهم: إنه لا يجوز أن يقتسموا الثمر فيفضل بعضهم في الكيل لرداءة ما يأخذ من التمر، ولا أن يأخذ مثل مكيلة ما يأخذ أصحابه من التمر إلا أن تمر أصحابه أجود، فيأخذه لموضع جودة ثمرة أصحابه دراهم. قال: قال مالك: لا يجوز هذا، ولكن يتقاومون الأصل، كل صنف منها فيما بينهم، ثم يترادون هذا الفضل إن كان بينهم فضل. وقال مالك: لو أن رجلا أتى بحنطة ودراهم وآخر بحنطة ودراهم فتبادلا بها، وإن كان الكيل واحدا ووزن الدراهم واحدا، فلا خير فيه.

ما جاء في قسمة الحنطة والدراهم بين الرجلين
قلت: فإن ورثت أنا وأخي ثلاثين إردبا من حنطة وثلاثين درهما فاقتسمناها، فأخذت أنا عشرين إردبا من الحنطة وأخذ أخي عشرة أرادب من الحنطة وثلاثين درهما، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: إن كان القمح مختلفا سمراء ومحمولة أو نقية ومغلوثة فلا خير فيه، وهذا مثل ما وصفت لك في التمر. وإن كان الطعام من صبرة واحدة ونقاوة واحدة وصنف واحد لا يؤخذ أوله للرغبة فيه ويهرب من رداءة آخره فلا بأس بذلك؛ لأنه إنما أخذ عشرة أرادب وأعطى أخاه عشرة أرادب ثم بقيت عشرة أرادب بينهما وثلاثون درهما، فأخذ بحصته من الثلاثين درهما حصة أخيه من هذه العشرة أرادب فلا بأس بهذا؛ لأنه لم يأت هذا بطعام وهذا بطعام ودراهم فيكون فاسدا، وإنما كان القمح

ما جاء في القوم يقتسمون الدور فتستحق حصة أحدهم وقد بنى
قلت: فإن اقتسمنا دارا بيننا فبنى أحدنا في نصيبه البنيان ثم استحق نصف نصيب الذي بنى بعينه؟ قال: قد أخبرتك أن مالكا قال: إذا بنى أحدهما في نصيبه فذلك فوت. قلت: وكذلك إن كان إنما استحق نصف نصيب الآخر الذي لم يبن في نصيبه شيئا، كان ذلك فواتا في قول مالك؟ قال: نعم، ويقال للذي بنى أخرج قيمة ما صار لك ويرد هذا كل ما في يديه، ثم يقتسمان القيمة وما بقي من الأرض بينهما نصفين إذا كان الذي استحق كثيرا، وإن كان قليلا تركت القسمة ورجع بنصف قيمة ذلك في قيمة نصيب صاحبه، وإن كان الذي استحق ربع ما في يديه رجع بثمن قيمة نصيب صاحبه الذي بنى نصيبه وكان نصيبه فوتا. قلت: والداران والدار الواحدة في ذلك سواء؟ قال نعم. قلت: وكذلك إن كانت أرضا واحدة فاقتسموها فاستحق بعضها، أو أرضين مختلفين فهو سواء في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: فإن اقتسمنا أرضين فأخذت أنا أرضا وأخذ صاحبي أخرى، فغرس أحدنا في أرضه وبنى، فأتى رجل فاستحق بعض الأرض التي صارت لهذا الذي غرس وبنى؟ قال: يقال لهذا المستحق ادفع إلى هذا الذي غرس قيمة غراسته وبنيانه في الأرض التي استحققتها، وإلا دفع إليك قيمة أرضك براحا؛ لأنه لم يبن

في أرضك غاصبا وإنما بنى على وجه الشبهة، ثم ينظر فيما بينه وبين شريكه الذي قاسمه، فإن كان الذي استحق من أرضه الشيء التافه اليسير لم يكن له أن ينقض القسمة، ولكن إن كان استحق ربع ما في يديه رجع بقيمة ثمن ما في يد صاحبه ولا يرجع بذلك في الدار إن كانت قائمة لم تفت أو قد فاتت. قال ابن القاسم: وانظر أبدا إلى ما استحق، فإن كان كثيرا كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك فيما في يد صاحبه يكون به شريكا له فيما في يديه إذا لم يفت، وإذا كان الذي استحق تافها يسيرا رجع بنصف قيمة ذلك دنانير أو دراهم، ولا يكون بذلك شريكا لصاحبه، وهذا قول مالك.
قلت: فالدار إذا اقتسماها فبنى أحدهما في نصيبه، ثم استحق نصيبه وقد بناه أو نصفه يقال للمستحق: إن شئت فادفع إلى هذا قيمة بنيانه أو خذ منه قيمة أرضك براحا في قولك؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: والعبيد والدور بمنزلة واحدة إذا استحق جل ما في يديه رد الجميع، وإن استحق الأقل مما في يديه لم يرد إلا ما استحق وحده بما يقع عليه من حصة الثمن، فالقسمة إذا استحق من يد أحدهما جل نصيبه رجع بقدر نصف ذلك فشارك به صاحبه، وإن كان الذي استحق تافها يسيرا رجع بنصف قيمة ذلك كما وصفت لك، ولا يشارك به صاحبه في حظه الذي في يديه، وهذا كله قول مالك. وتفسيره لأن مالكا قال في الرجل يشتري مائة إردب من حنطة فيستحق خمسون منها. قال مالك: يكون المشتري بالخيار، إن أحب أن يحبس ما بقي بحصته من الثمن فذلك له، وإن أحب أن يرد فذلك له، وكذلك الداران وقال مالك: وإذا أصاب بخمسين إردبا منها عيبا أو ثلث ذلك الطعام أو ربعه لم يكن له أن يأخذ ما وجد من طيبه، ويرد ما أصاب فيه العيب، إنما له أن يأخذ الجميع أو يرد الجميع وكذلك قال مالك.

في قسمة الدور الكثيرة يستحق بعضها من يد أحدهما
في قسمة الدور الكثيرة يستحق بعضها من أحدهما
قلت: فإن كانت عشرون دارا تركها والدي ميراثا بيني وبين أخي فاقتسمناها، فأخذت أنا عشرة دور في ناحية وأخذ أخي عشرة في ناحية أخرى تراضينا بذلك واستهمنا على القيمة، فاستحقت دار من الدور التي صارت لي؟ قال: قال مالك في البيوع: إن كانت هذه الدار التي استحقت من نصيبه أو أصاب بها عيبا هي جل ما في يديه من هذه الدور وأكثر هذه الدور ثمنا ردت القسمة كلها، وإن كانت ليس كذلك ردها وحدها ورجع على شريكه بحصتها من نصيب صاحبه. قلت: وكيف يرجع في نصيب صاحبه، أيضرب بذلك في كل دار؟ قال: لا، ولكن تقوم الدور فينظر كم قيمتها، ثم ينظر إلى الدار التي استحقت كم كانت من الدور التي كانت في يدي الذي استحقت منه، فإن كانت عشرا أو

ثمنا أو تسعا رجع فأخذ من صاحبه قيمة نصف عشر ما في يدي صاحبه، وإن كان إنما أصاب عيبا بدار منها قسمت هذه المعيبة وما يأخذ من صاحبه بينهما نصفين. قلت: والدار الواحدة في هذا مخالفة في القسمة في قول مالك للدور الكثيرة؟ قال: نعم؛ لأن الدار الواحدة يدخل فيها الضرر عليه فيما يريد أن يبني أو يسكن، فلذلك جعل له في الدار الواحدة أن يرد بمنزلة العبد الواحد يشتري فيستحق نصفه، فله أن يرد جميعه. وإذا كانت دورا كثيرا فإنما تحمل محمل الشراء والبيع في جملة الرقيق وجملة الدور وجملة المتاع إذا استحق من ذلك بعضه دون بعض، إلا أن يكون ما استحق من هذه الدار لا مضرة فيه على ما بقي فيكون مثل الدار.
قلت: فلو أن جاريتين بيني وبين رجل من شراء أو ميراث، أخذت أنا واحدة وأعطيته أخرى، فوطئ صاحبي جاريته فولدت منه ثم أتى رجل فاستحقها بعدما ولدت؟ قال: يأخذ الجارية ويأخذ قيمة ولدها ويرجع هذا الذي استحقت في يديه على صاحبه فيقاسمه الجارية الأخرى إلا أن تكون قد فاتت، فإن فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق أو شيء مما يفوت به كان له عليه نصف قيمتها يوم قبضها. قال ابن القاسم: وقد قال مالك: إذا وجد رجل جاريته عند رجل وقد ولدت منه وقد كانت سرقت منه فثبت له البينة على ذلك، فله أن يأخذها وقيمة ولدها يوم يستحقها، ثم قال بعد ذلك: ليس له أن يأخذها ولكن يأخذ قيمتها وقيمة ولدها إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر، والذي آخذ به أنا أنه يأخذها ويأخذ قيمة ولدها. قلت: فلو أن رجلا باع جارية في سوق المسلمين فاستحقها رجل من المسلمين بعدما فاتت بنماء أو نقصان أو حوالة أسواق في يد هذا المشتري، أيكون المستحق بالخيار إن شاء أخذ من المشتري قيمة الجارية؛ لأنها قد فاتت في يديه وإن شاء أخذ ثمنها من البائع؟ قال: لا يكون للمستحق إلا أن يأخذ جاريته بعينها، وإن كانت قد حالت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق فليس له غيرها أو يأخذ ثمنها من بائعها فهو مخير في ذلك. قلت: فإن كان ثمنها عروضا أو حيوانا وقد حالت بالأسواق أو بنماء أو بنقصان؟ قال: فله أن يأخذ العروض من يد بائع الجارية زادت العروض أو نقصت لا حجة للبائع في زيادة العروض ولا نقصانها لأنها ثمن جاريته. قال: ولأن مالكا قال: لو أن رجلا باع سلعة بسلعة من رجل، فوجد أحد الرجلين بالسلعة التي أخذ من صاحبه عيبا فردها وقد حالت الأسواق في التي وجد فيها العيب وفي الأخرى، كان له أن يرد التي وجد فيها العيب ولم يكن له أن يأخذ الأخرى، ولكن يأخذ قيمتها وكذلك قال مالك. قلت: ولم قال مالك ذلك؟ قال: لأن الذي لم يجد بجاريته عيبا كان ضامنا لها فعليه نقصانها وله نماؤها، والذي وجد بجاريته عيبا لم يرض بها فله أن يردها للعيب الذي أصاب بها، فإذا ردها فليس له أن يأخذ ما زاد في الجارية الأخرى

التي في يد صاحبه، فلما كانت الزيادة التي في الجارية التي في يد صاحبه لصاحبه كان عليه النقصان أيضا. قلت: فقول مالك الذي يؤخذ به في مستحق الجارية التي قد ولدت عند سيدها، لم قال مالك لا يأخذها ولكن يأخذ قيمتها، وقد قال في الجارية التي حالت بنماء أو نقصان أو حوالة أسواق ثم استحقها رجل: إن للمستحق أن يأخذها بعينها، ما فرق ما بينهما؟ قال: لأن الولادة إذا ولدت الجارية من سيدها، إن أخذت من سيدها الذي ولدت منه كان ذلك عارا على سيدها الذي ولدت منه وعلى ولدها، وهذا الذي استحقها إذا أعطي قيمتها فقد أعطي حقه، فإن أبى فهذا الضرر ويمنع ذلك. قال: وهذا تفسير قول مالك الآخر، فأنا آخذ بقوله القديم يأخذها ويأخذ قيمة ولدها قلت: فإن قال لا أريد الجارية وأنا أريد قيمتها، وقال سيد الجارية التي ولدت عنده لا أدفع لهذا المستحق شيئا ولكن يأخذ جاريته، أيجبره مالك على أن يدفع قيمتها أم لا؟ قال: نعم، يجبره مالك على أن يدفع إليه قيمتها وقيمة ولدها، وذلك رأيي إذا أراد المستحق، فإن المشتري يجبر على دفع قيمتها وقيمة ولدها في قول مالك الأول والآخر. قلت: وكيف يأخذ قيمة جاريته في قول مالك إذا ولدت عنده، أيوم اشتراها أو يوم حملت أو يوم استحقها؟ قال: قال مالك: يوم يستحقها؛ لأنها لو ماتت قبل أن يستحقها مستحقها لم يكن للمستحق أن يتبع الذي ولدت عنده بقيمتها دينا، ولو كان له أن يتبعه إن هي هلكت بقيمتها ما كان له في ولدها قيمة، فليس له إلا قيمتها يوم يستحقها وقيمة ولدها يوم يستحقهم، وليس له من قيمة ولدها الذين هلكوا شيء. قلت: فهذا المستحق للجارية التي ولدت، أيكون له على الواطئ من المهر شيء أم لا؟ قال: لا يكون له من المهر قليل ولا كثير. قلت: وهذا قول مالك؟ قال نعم.

في الرجل يوصي للرجل بثلث ماله فيأخذ في وصيته ثلث دار فيستحق من يده بعد البناء
قلت: فلو أوصى رجل لرجل بثلث ماله فأخذ في وصيته ثلث دور الميت فبنى ذلك، ثم استحق ذلك من يديه مستحق؟ قال: يقال للمستحق ادفع قيمة بنيان هذا الموصى له أو خذ قيمة أرضك براحا. قلت: فإن دفع إليه قيمة بنيانه وقد أنفق الموصى له في بنيانه أكثر من القيمة التي أخذ لأن أسواق البنيان حالت، أيكون له أن يرجع بما خسر في قيمة البنيان على ورثة الميت لأنهم أعطوه في ثلثه ما ليس لهم فغروه؟ قال: لا يكون له أن يرجع على ورثة الميت من ذلك بقليل ولا كثير. قلت: فتنتقض القسمة فيما بينهم؟ قال: نعم تنتقض القسمة في الدور، ويقسمون ثانية ويأخذ الموصى له بالثلث ثلث دور الميت بعد الذي استحق. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا مثل قول

مالك في البيوع إلا أن تفوت الدور في يد الورثة ببيع أو بنيان، فيرجع عليهم بالقيمة يوم قبضوا الدور بالقسم فيقتسمون القيمة بينهم على قدر الوصية والمواريث فيما بينهم. قلت: فإن كانت الدور وقد فاتت في أيدي الورثة بهدم؟ قال: يقال للموصى له خذ ثلث هذه الدور مهدومة وثلث نقضها، ولا يكون عليهم فيما نقض الهدم شيئا إلا أن يكونوا باعوا من النقض شيئا، فيكون له ثلث ما باعوا به ولا يكون له عليهم شيء غير ذلك لا قيمة ولا غيرها لأن مالكا قال في رجل اشترى دارا فهدمها فاستحقها رجل، فقال لي مالك: إن أحب مستحقها أن يأخذها مهدومة بحالها فذلك له، وإن أبى كان له أن يتبع البائع بالثمن، وليس له على المشتري قيمة ولا غيرها فيما تقدم. قال ابن القاسم: وأنا أرى: إن كان هذا المشتري الذي هدم باع من نقضها شيئا فأراد المستحق أخذ الدار مهدومة، كان له ثمن الذي باعه المشتري لأنه ثمن شيئه. قلت: فإن اشترى رجل جارية فعميت عنده ثم استحقها رجل، أيكون للمستحق أن يضمن المشتري قيمتها؟ قال: لا يكون له ذلك عند مالك. إنما له أن يأخذها بحالها أو يأخذ ثمنها من البائع هو مخير في ذلك. قال: ولقد قال مالك: لو أن رجلا ابتاع دارا فاحترقت ثم أتى صاحبها فاستحقها، أو أدرك رجل فيها شفعة، لم يكن له على صاحبها الذي احترقت في يديه قليل ولا كثير إلا أن يأخذها أو يسلمها ويتبع البائع بالثمن، وللشفيع أن يأخذها بجميع الثمن محترقة أو يدعها لا شيء له غير ذلك.

ما جاء في النقض يكون بين الرجلين والعرصة ليست لهما فيقتسمانه
قلت: فلو أن نقضا بين رجلين والعرصة ليست لهما، فأرادا أن يقتسما نقضها على القيمة ثم يستهما أو يتراضيا على شيء، أيكون ذلك لهما في قول مالك؟ قال: أرى هذا جائزا لأن هذا بمنزلة العروض. قلت: فلو أراد أحدهما قسمة النقض وأبى صاحبه، أيجبر على القسمة أم لا؟ قال: نعم يجبر على ذلك، وإنما هو بمنزلة العروض. قلت: فإن أرادا أن يهدما النقض وصاحب الدار غائب، أيكون لهما أن يهدماه أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى: إن أرادا أن يهدماه وصاحب الدار غائب أن يرفعا ذلك إلى السلطان، فينظر السلطان للغائب فإن كان أفضل للغائب أن يعطيهما قيمة النقض ويأخذ النقض له فعل ذلك، وإن رأى أن يخليهما ونقضهما خلاهما وذلك، وما صنع السلطان فهو جائز على الغائب. قلت: فمن أين ينقد الثمن إن رأى أن يأخذ له؟ قال: ينظر السلطان في ذلك والسلطان أعلم. قلت: فإن نقضا ولم يرفعا ذلك إلى السلطان أيكون عليهما لذلك شيء أم لا؟ قال: لا شيء عليهما ويقتسمانه بينهما.
قلت: فإن أذنت لرجل يبني في عرصة لي ويسكن ولم أوقت له، كم يسكن سنة ولا شهرا،

أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: نعم لا بأس بذلك. قلت: فإن بنى، فلما فرغ من بنيانه قال رب العرصة اخرج عني؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: ليس له ذلك إذا كان على هذا الوجه إلا أن يدفع إليه ما أنفق، وإن كان قد سكن ما يرى من طول السنين ما يكون سكنى فيما أذن له، ثم أراد أن يخرجه دفع إليه قيمة ذلك منقوضا إن أحب، أو قال له خذ بنيانك ولا شيء لك غير ذلك. قلت: فإن كان قد سكن السنة والسنتين أو العشر سنين فقال رب العرصة اخرج عني؟ قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئا إلا أنه إذا سكن الأمر الذي يعلم أنه إنما أذن له في البنيان ليسكن مقدار هذه السنين لكثرة ما أنفق في بنيانه كان ذلك له. قلت: فإذا أخرجه، أيعطيه قيمة نقضه أم لا؟ قال: قال مالك: رب العرصة مخير في أن يدفع إلى صاحب النقض قيمة نقضه اليوم حين يخرجه منقوضا، وفي أن يأمره أن يقلع نقضه. وليس لصاحب النقض إذا قال له صاحب العرصة أنا أدفع إليك قيمة نقضك أن يقول لا أقبل ذلك ولكني أقلع، وإنما الخيار في ذلك إلى صاحب العرصة.
قلت: فإذا أذن رجل لرجلين أن يبنيا عرصة له ويسكناها فبنياها، فأخرج أحدهما بعدما قد سكن مقدار ما يعلم أنه إذا أعطاه العرصة ليبني فيسكن مقدار ما سكن، كيف يخرجه رب العرصة، أيعطيه قيمة نصف النقض، أم يقول رب العرصة النقض، أم لا يكون رب العرصة في هذا مخيرا لأن صاحب النقض لا يقدر على أن يقلع نقضه لأن له فيه شريكا؟ قال: إن كان يستطاع أن يقسم النقض بين الشريكين، فيكون نصيب هذا على حدة ونصيب هذا على حدة، فيقسم بينهما ثم يقال للذي قال له رب العرصة اخرج عني يقال له اقلع نقضك إلا أن يشاء رب العرصة أن يأخذه بقيمته، فإن كان لا يستطاع القسمة في هذا النقض، قيل للشريكين لا بد من أن يقلع هذا الذي قال له رب العرصة اقلع نقضك، فليتراض الشريكان بينهما على أمر يصطلحان عليه بينهما. إما أن يتقاوماه بينهما أو يبيعانه وإن بلغ الثمن فأحب المقيم في العرصة أن يأخذه كان ذلك له بشفعته، وقد سمعته من مالك في رجلين بنيا في ربع ليس لهما، فباع أحدهما حصته من ذلك النقض فأراد شريكه أن يأخذه بشفعته. قال مالك: أرى ذلك له بشفعته. قال مالك: وما هو بالأمر الذي جاء فيه شيء، ولكني أرى ذلك له، فالشريكان عندي بهذه المنزلة.

ما جاء في قسمة الطريق والجدار
قلت: هل يقسم الطريق في الدار إذا أبى ذلك بعضهم؟ قال: لا يقسم ذلك عند

مالك. قلت: والجدار، هل يقسم بين الشريكين إذا طلب ذلك أحدهما وأبى الآخر؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى: إن كان لا يدخل في ذلك ضرر وكان ينقسم رأيت أن ينقسم ذلك بينهما. قلت: فإن كان لهذا عليه جذوع ولهذا عليه جذوع؟ كيف يقتسمه هذان؟ قال: إذا كانت جذوع هذا من ههنا وجذوع هذا من ههنا، لا يستطيعان قسمة هذا الحائط، فإذا كان هذا هكذا رأيت أن يتقاومانه، بمنزلة ما لا ينقسم من العروض والحيوان.

ما جاء في قسمة الحمام والآبار والمواجل والعيون
قلت: فالحمام، أيقسم إذا دعا أحد الشريكين إلى القسمة وأبى ذلك شريكه؟ قال: قال مالك: ذلك يقسم. قلت: فما فرق ما بين الحمام والطريق والحائط إذا كان في ذلك ضرر عليهما، ومالك يقسم الحمام وفيه ضرر ولا يقسم الطريق والحائط وفيه ضرر؟ قال: لأن الحمام عرصة، والطريق والحائط ليست لهما كبير عرصة، فإنما يقسمان على غير ضرر. فإذا وقع الضرر لم يقسما إلا أن يتراضيا جميعا الورثة إن كانوا ورثوا ذلك على قسم ذلك فيكون ذلك لهم. قال ابن القاسم: وأنا أرى أيضا في الحمام: إن كان في قسمته ضرر أن لا يقسم وأن يباع عليهم. قلت: فهل يقسم الآبار في قول مالك؟ قال: لا. قلت: فهل تقسم المواجل في قول مالك؟ قال: أما في قول مالك فنعم وأما أنا فلا أرى ذلك؛ لأن في ذلك ضررا إلا أن لا يكون في ذلك ضرر إن اقتسماه، ويكون لكل واحد منهما ما جل على حدة ينتفع به فلا أرى به بأسا. قلت: فهل تقسم العيون في قول مالك؟ قال: ما سمعت أن العيون تقسم أو الآبار إلا على الشرب، يكون لكل قوم حظهم من الشرب معلوم، فأما قسمة أصل العيون أو أصل البئر فلم أسمع أن أحدا قال يقسم، ولا أرى أن تقسم إلا على الشرب.

ما جاء في قسمة النخلة والزيتونة
قلت: أرأيت نخلة وزيتونة بين رجلين، هل يقتسمانهما بينهما؟ قال: إن اعتدلتا في القسمة وتراضيا بذلك قسمتهما بينهما، يأخذ هذا واحدة وهذا واحدة. وإن كرها لم يجبرا على ذلك. وإن كانتا لا يعتدلان في القسمة تقاوماهما بينهما أو يبيعانهما بينهما، وإنما الشجرتان عندي بمنزلة الشجرة بين الرجلين أو ثلاثة، والشجرة عندي بمنزلة الثوب أو العبد. وقد قال مالك في الثوب بين النفر إنه لا يقسم. قلت: فإن كان لا يقسم فقال أحدهما أنا أريد أن أبيع وقال صاحبه لا أبيع؟ قال: قال مالك: يجبر الذي لا يريد البيع على البيع، فإذا قامت السلعة على ثمن، قيل للذي لا يريد البيع إن شئت فخذ وإن

ما جاء في قسمة الأرض القليلة والدكان بين الشركاء
قلت: فإذا كانت أرضا قليلة بين أشراك كثيرة، إن اقتسموها فيما بينهم لم يضر ما في حظ أحدهم إلا القليل الذي لا ينتفع به، أتقسم بينهم هذه الأرض أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: تقسم بينهم وإن كره بعضهم. ومن دعا إلى القسم منهم قسمت الأرض بينهم وإن لم يدع إلى ذلك إلا واحد منهم.
قلت: وكذلك إن كان دكان في السوق بين رجلين، دعا أحدهما إلى القسمة وأبى صاحبه؟ قال: إذا كانت العرصة أصلها بينهم، فمن دعا إلى القسمة قسم بينهما عند مالك. قلت: فلو أن دارا في جوف دار، الدار الداخلة لقوم والخارجة لقوم آخرين، ولأهل الدار الداخلة الممر في الخارجة، فأراد أهل الخارجة أن يحولوا بابهم في موضع سوى الموضع الذي كان فيه، وأبى عليهم أهل الدار الداخلة ذلك، أيكون ذلك لهم؟ قال: لا أحفظ من مالك في هذا شيئا وأرى إن كانوا أرادوا أن يحولوه إلى جنب باب الدار الذي كان وليس في ذلك ضرر على أهل الدار الداخلة، رأيت أن يمنعوا من ذلك وإن أرادوا أن يحولوا بابهم إلى ناحية من الدار ليس في قرب الموضع الذي كان فيه باب الدار، فليس لهم ذلك إن أبى عليهم أهل الدار الداخلة. قلت: فإن أراد أهل الدار الخارجة أن يضيقوا باب الدار وأبى عليهم أهل الدار الداخلة؟ قال: ليس لهم أن يضيقوا الباب، ولا أحفظه عن مالك. قلت: فلو أن دارا بيني وبين رجل أنا وهو شريكان فيها لم تقسم وإلى جانبها دار لي، فأردت أن أفتح باب الدار التي لي في الدار التي بيني وبين شريكي وأبى شريكي ذلك؟ قال: ذلك له أن يمنعك. قلت: لم؟ قال: لأن الموضع الذي تريد أن تفتح فيه باب دارك هو بينك وبين شريكك، وإن كان في يديك لأنكما لم تقسماها بعد. قلت: فإن أردنا أن نقسم، فقلت اجعلوا نصيبي في هذه الدار إلى جنب داري حتى أفتح فيه بابا قال: سألت مالكا عن هذا بعينه فقال: لا يلتفت إلى قوله هذا، ولكن تقسم الدار على القيمة كما وصفت لك، ثم يضرب بينهما بالسهام، فإن صار له الموضع الذي إلى جنب داره فتح فيه بابه إن شاء كما وصفت لك، وإن وقع نصيبه في الموضع الآخر أخذه ولم يكن له غير ذلك. قلت: فلو أن دارا بين قوم اقتسموها على أن يأخذ هذا طائفة وهذا طائفة فوقعت الأجنحة في حظ رجل منهم، أتكون الأجنحة له؟ قال: إذا وقعت الأجنحة في حظ رجل منهم فذلك له. قلت: ولم جعلت الأجنحة للذي صارت له تلك الناحية، والأجنحة إنما هي

في هواء الأفنية، فلما أخذ كل واحد منهم ناحية كان فناء هذه الدار بينهما على حاله، والأجنحة إنما هي في الفناء؟ قال: الأجنحة إذا كانت مبنية فإنما هي من الدار، وقد خرجت من أن تكون من الفناء وصارت خزائن للدار، فلما اقتسموا على أن أعطوا كل واحد منهم طائفة من الدار، كانت الأجنحة للذي أخذ تلك الناحية التي فيها الأجنحة، وإنما الأجنحة خزائن لحصته وقد خرجت من أن تكون فناء، وهذا رأيي.

ما جاء في الرجلين يقتسمان الجدار على أن يزيد أحدهما صاحبه دنانير أو سلعة نقداً أو إلى أجل
قلت: أرأيت لو أن دارا بين رجلين اقتسماها فيما بينهما، فأخذ هذا طائفة وأعطى طائفة صاحبه، على أن أعطى أحدهما صاحبه عبدا أو أعطاه دراهم أو عروضا نقدا أو إلى أجل، وكيف لم يضرب للذي يعطيه إذا لم يكن بعينه أجلا؟ قال: ذلك جائز إذا كان بعينه، وإن كان دينا موصوفا فلا يصلح إلا أن يضرب لذلك أجلا، يجوز من هذا ما يجوز في البيع ويفسد من هذا ما يفسد في البيع. قال: وهذا رأيي لأن مالكا قال: لا بأس أن يأخذ أحدهما طائفة من الدار والآخر طائفة من الدار على أن يزيد أحدهما صاحبه دنانير. قلت: وكذلك إن اقتسماها فيما بينهما فأخذ هذا طائفة وهذا طائفة، على أن يتصدق أحدهما على صاحبه بصدقة معروفة أو يهب له هبة معروفة؟ قال: قال مالك: ذلك جائز. قلت: فلو اشترى رجل من رجل ممره في داره من غير أن يشتري من رقبة الدار شيئا، أيجوز ذلك؟ قال: ذلك جائز عند مالك. قلت: ما قول مالك في البيت الصغير يكون بين قوم فيكون في نصيب أحدهم ما لا ينتفع به إذا قسم أيقسم أم لا؟ قال: قال مالك: يقسم وإن كان في نصيب أحدهم ما لا ينتفع به قسم بينهم، لأن الله تعالى قال في كتابه: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء: 7] فالقليل النصيب في هذا والكثير النصيب في هذا سواء، يقسم عليهم إذا طلبوا القسمة ولا يلتفت إلى قليل النصيب ولا إلى كثير النصيب. قلت: فإذا دعا واحد من الشركاء إلى القسمة وشركتهم من شراء أو ميراث فأبى بقيتهم القسمة؟ قال: قال مالك: من دعا منهم إلى القسمة وكان ما في أيديهم مما يقسم قسم من رقيق أو دواب أو غير ذلك. قال لي مالك: كان ذلك من شراء أو ميراث فإنه يقسم، وإن كان مما لا ينقسم وقال أحدهم: أنا لا أبيع وقال بقيتهم نحن نبيع. قال: يباع عليهم، وعليه جميع ذلك على ما أحبوا أو كرهوا إلا

أن يريد الذين كرهوا البيع أن يأخذوا ذلك بما يعطون فيه فيكون ذلك لهم.

ما جاء في أرزاق القضاة والعمال وأجر القسام على من هو؟
قلت لابن القاسم: هل كان يكره مالك أرزاق القضاة والعمال؟ قال: أما العمال فكان يقول: إذا عملوا على حق فلا بأس بأرزاقهم، وأما أرزاق القضاة فلم أر مالكا يرى بذلك بأسا. قلت لابن القاسم: أرأيت قسام المغانم، أيصلح أن يأخذوا عليها أجرا؟ قال: قال مالك في قسام القاضي: لا أرى أن يأخذوا على القسم أجرا، فقسام المغانم عندي لا ينبغي لهم أن يأخذوا على ذلك أجرا. قلت: لم كره مالك أرزاق القسام وجوز أرزاق العمال؟ قال: لأن أرزاق القسام إنما يؤخذ ذلك من أموال اليتامى، وأرزاق العمال إنما تؤخذ من بيت المال. قلت: أفرأيت إن جعل للقسام أرزاقا من بيت المال؟ قال: أرى أنه إذا جعل للقسام أرزاقا من بيت المال، أنه لا بأس بذلك. قال مالك: وكذلك أشياء من أمور الناس مما ينوبهم، يبعث فيها السلطان إنما ذلك على السلطان يرزقون من بيت مال المسلمين. قلت: أرأيت إن استأجر قوم قاسما يقسم بينهم دراهم؟ قال: لا أرى بذلك بأسا. قال: وقد سئل مالك عن القوم يكون لهم عند الرجل المال فيستأجرون رجلا يكتب بينهم الكتاب ويستوثق لهم جميعا، على من ترى جعل ذلك؟ قال: أراه بينهم، فقيل له: أترى على الذي يوضع على يديه المال شيئا وإنما المال لهؤلاء؟ قال: نعم؛ لأنه يستوثق له وإنما هذا عندي بمنزلة الدار تكون بين القوم فيطلب بعضهم القسم ولا يطلب بعضهم القسم، فيستأجرون الرجل فيكون ذلك على من طلب وعلى من لم يطلب، وإنما وجه ما رأيت مالكا كره من ذلك أن يجعل القاضي للقسام أرزاقا من أموال الناس. قلت: أرأيت إن قال أهل المغنم نحن نرضى أن يعطى هذا القاسم على أن يقسم بيننا؟ قال: لا أرى بذلك بأسا وأرجو أن يكون خفيفا. قال: وإنما رأيت مالكا كره من ذلك أن يأخذ ذلك الإمام من أموال الناس، بمنزلة صاحب السوق ويرزقه من أموال الناس. فهذا الذي كره وقال إنما يحمل هذا الإمام، فأما إن رضوا على أن يعطوا من يقسم بينهم مغنمهم فلا بأس بذلك.

فيمن دبر في الصحة والمرض والعتق في المرض
قلت: أرأيت لو أن رجلا أعتق عبيدا له في مرضه لا يحملهم الثلث؟ قال: قال مالك: يقرع بينهم. قال: فقلت لمالك: فإن دبرهم جميعا؟ قال مالك: ما دبر في الصحة وفي المرض عتق منهم مبلغ الثلث، وما دبر منهم جميعا في مرض كان أو في

ما جاء في قسمة الدار بالأذرع على السهام
قلت: أرأيت إن كانت دار بيني وبين صاحبي فاقتسمناها مذارعة، ذرعنا نصفها في ناحية ونصفها في ناحية على أن يضرب بيننا بالسهام، فحيثما خرج سهم أحدنا أخذه؟ قال: إذا كانت الدار كلها سواء وقسماها بالذراع سواء، فلا بأس أن يضربا هذا بالسهام، وإن كانت الدار مختلفة بعضها أجود من بعض فقسماها بحال ما وصفت لي، فهذا لا يجوز أن يضربا عليها بالسهام عند مالك؛ لأن هذا مخاطرة لا يدري أحدهما أيخرج سهمه على الجيد أم على الرديء فلا خير في هذا. قلت: وكذلك إن كانت الدار كلها سواء فقسماها، فجعلا في ناحية أكثر مما في ناحية على أن يضربا على ذلك بالسهام؟ قال: لا خير في هذا أيضا عند مالك؛ لأن هذا مخاطرة. قلت: فإن رضيا أن يعطي كل واحد منهما صاحبه طائفة من الدار وبعض ذلك أكثر من بعض أو أفضل من بعض؟ قال: هذا جائز عند مالك لأن هذا ليس فيه مخاطرة. قلت: ولا تجوز في قول

القسمة بالسهام إلا أن يقسما الدار على قيمة عدل؟ قال: نعم، لا يجوز إلا على قيمة العدل إذا كان أصل القسمة القرعة.

ما جاء في قسمة الدور والساحة والمرفق بالساحة
قلت: أرأيت الدار تكون بين القوم لهم ساحة ولها بنيان، كيف يقتسمونها؟ أيقتسمون البنيان على حدة والساحة على حدة، أم يقتسمون البنيان ولا يقتسمون الساحة؟ قال: إذا كانت الساحة على حدة لم يقتسموا البنيان ولا يقتسمون الساحة. قال: وإذا كانت الساحة، إذا قسمت مع البنيان كان لكل واحد منهم في حصته من الساحة ما ينتفع به في مدخله ومخرجه ومربط دوابه ومرافقه، فإن كانت هكذا قسمت الساحة والبنيان جميعا، وإن كانت الساحة إذا قسمت مع البنيان لا يكون في نصيب كل واحد منهم ما يرتفق به في مدخله ومخرجه وحوائجه، أو كان واحد منهم لقلة نصيبه من الساحة لا يكون في نصيبه من الساحة ما يرتفق به في مدخله ومخرجه ومرافقه، وكان بقيتهم يكون في نصيبهم ما يرتفقون به، فلا تقسم الساحة وتترك الساحة بينهم ويقسم البناء. قلت: أرأيت إن كان أحدهم قليل النصيب، فكان الذي يصير له من الساحة قدر مدخله ومخرجه وقدر طريقه فقط، وبقيتهم يصير حظ كل واحد منهم من الساحة ما ينتفع به فأرادوا القسمة؟ قال: لا تقسم الساحة؛ لأن القليل النصيب إن اقتسموا لم يرتفق بأكثر من المدخل والمخرج وهم يرتفقون بأكثر من ذلك، وإنما مرتفق الساحة بينهم كلهم القليل النصيب والكثير النصيب في ذلك سواء في الانتفاع بالساحة. قلت: فإن أراد بعضهم أن يبني في الساحة بناء كان لهم أن يمنعوه؟ قال: نعم.

في قسمة البيوت والغرف والسطوح
قلت: فلو أن دارا لها غرف وبيوت سفل، وللغرف سطح وللبيوت ساحة بين يديها فاقتسموا البنيان على القيمة، أيكون لصاحب الغرف أن يرتفق بساحة الدار؟ قال: نعم، لصاحب الغرف أن يرتفق بالساحة أسفل الدار فيما قال مالك لنا، كما يرتفق صاحب البيوت السفل ولا يكون لصاحب السفل أن يرتفق بسطح بين يدي الغرفة، إنما المرفق في ساحة الدار ولا يكون ذلك في السطوح. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، قلت: أرأيت السطح الذي بين يدي الغرف إذا أراد القسام أن يقتسموا البنيان بينهم، أيقومون السطح فيما يقومون من البنيان أم لا في قول مالك نعم، يقومون السطح فيما يقومون من البنيان؛ لأن السطح ليس بساحة عند مالك، وكل ما ليس من الساحة فلا بد

فيمن أراد أن يحدث في أرضه حماما أو فرنا أو رحى
قلت: أرأيت إن كانت لي عرصة إلى جانب دور قوم، فأردت أن أحدث في تلك العرصة حماما أو فرنا أو موضعا لرحا فأبى علي الجيران ذلك، أيكون لهم أن يمنعوني في قول مالك؟ قال: إن كان ما يحدث ضررا على الجيران من الدخان وما أشبهه، فلهم أن يمنعوك من ذلك؛ لأن مالكا قال: يمنع من ضرر جاره، فإذا كان هذا ضررا منع من ذلك. قلت: وكذلك إن كان حدادا فاتخذ فيها كيرا أو اتخذ فيها أفرانا يسيل فيها الذهب والفضة، أو اتخذ فيها أرحية تضر بجدران الجيران أو حفر فيها آبارا أو كنيفا قرب جدران جيرانه منعته من ذلك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك في غير واحد من هذا في الدخان وغيره. قلت: هل ترى التنور ضررا في قول مالك؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا وأرى التنور خفيفا. قلت لابن القاسم: أرأيت إن كانت دار الرجل إلى جنب دار قوم، ففتح في غرفته كوى أو أبوابا يشرف منها على دور جيرانه، أيمنع من ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: يمنع من ذلك.

في قسمة الدور والرقيق إذا كانت القيمة واحدة
قلت: أرأيت لو أن دورا، ورقيقا بين رجلين فقوموا الرقيق فكانت قيمة الرقيق ألف دينار، وقوموا الدور فكانت قيمة الدور أيضا ألف دينار، فأرادا أن يجعلا الرقيق في ناحية والدور في ناحية على أن يستهما على الدور والرقيق؟ قال: لا يجوز هذا. قلت: لم؟ قال: لأن هذا من المخاطرة. قلت: كيف يكون هذا مخاطرة، وقيمة الرقيق ألف دينار وقيمة الدور ألف دينار؟ قال: وإن كانت القيمة سواء لأن هذين شيئان مختلفان، الدور غير الرقيق والرقيق غير الدور، فإنما تخاطرا على أن من خرج سهمه على الرقيق فلا شيء له من الدور فلا خير في هذا. وإنما ينبغي لهذا أن يقسموا الدور على حدة والرقيق على حدة. قلت: لم كرهت هذا في الدور والرقيق، وأنت تجيزه فيما هو مثل هذا الدار تكون

في الرجل يريد أن يفتح بابا في زقاق نافذ أو غير نافذ
قلت: أرأيت لو أن زقاقا نافذا أو غير نافذ، فيه دور لقوم شتى، فأراد أحدهم أن يجعل لداره بابين يفتح ذلك في الزقاق، أو أراد أن يحول باب داره إلى موضع من السكة فمنعه أهل السكة، أيكون ذلك لهم أم لا؟ قال: ليس له أن يحدث بابا حذاء باب دار

جاره أو قرب ذلك إذا كانت السكة غير نافذة؛ لأن جاره يقول قد كان هذا الموضع من السكة الذي هو حيال الذي تريد أن تفتح فيه بابا لدارك، لي فيه مرتفق، أفتح بابي فأنا في سترة، وأقرب حمولتي إلى باب داري فلا أؤذي أحدا، ولا أتركك تفتح حيال باب داري أو قرب ذلك فتتخذ علي فيه المجالس وما أشبه هذا. فإذا كان هذا ضررا، فلا يجوز أن يحدث على جاره ما يضره به، وإن كانت السكة نافذة فله أن يفتح ما شاء ويحول بابه إلى أي موضع شاء. قلت: وإذا كانت السكة نافذة، فهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله. قلت: وكذلك لو أن دارين، أحدهما في جوف الأخرى - الدار الداخلة لقوم شتى والخارجة لغيرهم - إلا أن لأهل الدار الداخلة الممر في هذه الدار الخارجة والطريق لهم فيها، فاقتسم أهل الدار الداخلة دارهم بينهم فأراد كل واحد منهم بعد ما اقتسموا أن يفتح في حصته بابا إلى الدار الخارجة، لأن لهم فيها الممر. وقال صاحب الدار الخارجة: لا أترككم تفتحون هذه الأبواب علي وإنما لكم الممر عن موضعكم الذي كان؟ قال: له أن يمنعهم من ذلك، ولا يكون لهم أن يحدثوا بابا إلى الدار الخارجة إلا الباب الذي كان لهم قبل أن يقتسموا. وقال مالك في حديث عمر بن الخطاب في الخليج الذي أمره في أرض الرجل بغير رضاه. قال: قال مالك: ليس عليه العمل.
قلت: أرأيت لو أن دارا بين رجلين اقتسماها - ولرجل في جنبهم دار لصيقة أحد النصيبين - فاشترى هذا الرجل النصيب الذي هو ملاصقه ففتح بابا في هذا النصيب وأحدث الممر - ممر داره في طريق هذا النصيب - فأبى عليه صاحب النصيب الآخر ذلك؟ قال: قال مالك في هذه المسألة بعينها: ليس له أن يمنعه إذا كان إنما جعل في النصيب الذي اشترى ليرتفق بذلك هو ومن معه ممن سكن من ولده ويتوسع بالنصيب ويكون ممره فيه، وإن كان إنما أراد أن يجعلها سكة نافذة للناس يدخلون من باب داره يتحرفون إلى النصيب ويمرون في النصيب إلى مخرج النصيب حتى يتخذ ممرا شبه الممر في الزقاق، فليس ذلك له وكذلك قال لي مالك حين سألته عنها. قلت: أرأيت إن أسكن معه غيره أو آجر الدار، أيكون لهم أن يمروا في النصيب كما كان له؟ قال: نعم. قال: وإنما رأيت من كراهية مالك أن يجعلها سكة نافذة فقط. قلت: أرأيت إن اقتسموا البنيان بالقيمة والساحة مذارعة، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: إذا كانت الساحة مما تحمل القسمة، أو كانت الساحة كلها سواء وتساووا في الذرع فيما بينهم جاز ذلك، وإن كانت متفاضلة فلا أرى ذلك. قلت: أرأيت إن قال بعضهم: لا نقسم الساحة، وقال بعضهم: نقسم الساحة، وفي الساحة في نصيب كل واحد منهم ما ينتفع به ويرتفق به؟ قال: تقسم الساحة إذا كانت بحال ما وصفت لي عند مالك. قلت: أيجوز أن نقسم بيتا

بيني وبين شريكي مذارعة ثم نستهم في قول مالك؟ قال: قد أخبرتك أن قول مالك: لا يجوز أن يقتسما شيئا من الأشياء مساهمة إذا كان أحد النصيبين أفضل من الآخر؛ لأن هذا يكون مخاطرة. وأما إذا كان غير مساهمة يأخذ هذا ناحية وهذا ناحية تراضيا بذلك فلا بأس به.

في قسم الدار الغائبة وقسم الوصي على الكبير الغائب والصغار
قلت: أرأيت دارا ورثناها عن رجل - والدار غائبة عنا ببلد من البلدان - وقد وصفت لنا الدار وبيوتها وما فيها من ساحتها، فأردنا أن نقسمها على صفة ما وصفوها لنا يعرف كل واحد منا ناحيته وموضعه وما يكون له من البنيان، أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: لا أرى بذلك بأسا؛ لأن الدار الغائبة قد تباع بالصفة عند مالك، فإذا جاز البيع فيها جازت القسمة فيها. قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وترك دورا وعقارا وأموالا ولم يوص، وترك ورثة كلهم غيب إلا رجلا واحدا حاضرا من الورثة، فأراد هذا الحاضر أن يقسم هذه الدور والرباع والعروض ويأخذ حقه من العروض ونصيبه من الدور والأرضين؟ قال: قال مالك: يرفع ذلك إلى السلطان، فيوكل السلطان وكيلا يقسم للحاضر والغائب جميعا، فما صار للغائب عزله له السلطان وأحرزه له. قال: وعن هذا بعينه سألت مالكا فقال مثل ما قلت لك. قلت: فإن كان الميت قد أوصى - والورثة غيب كلهم غير واحد منهم، فأراد الحاضر أن يقسم نصيبه من جميع هذه الأشياء، أيكون الوصي ههنا بمنزلة السلطان في نصيب الغائب أم لا؟ قال: إن كان الغيب كبارا كلهم، فلا يجوز أن يقاسم الوصي لهم، ولكن يرفع ذلك إلى السلطان حتى يقاسمه لهم. وإن كان الورثة الغيب صغارا كلهم جازت مقاسمة الوصي لهم وعليهم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قال: ولقد سئل مالك عن امرأة حلفت لإخوتها لتقاسمنهم دارا بينها وبينهم، فقال لها إخوتها: أما إذا حلفت فنحن نقاسمك؟ قال مالك: أرى أن ترفع هذا إلى السلطان فيقسم لها. قلت: لم قال مالك هذا؟ قال: خوفا من الدلسة فتحنث. قلت: أرأيت إذا كان كبير من الورثة غائبا وجميع الورثة صغار وهم حضور عند الوصي، أيقسم الوصي الدار ويعزل نصيب الغائب أم لا؟ قال: قال مالك في هذه المسألة بعينها: لا يقسم الوصي للغائب، ولكن يرفع ذلك إلى السلطان فيقسمها بينهم ويعزل نصيب الكبير فيحوزه له. قلت: فإن كان الصغار غيبا والكبير حاضرا، فأراد الكبير أن يقاسم الوصي، أو الوصي أراد أن يقاسم الكبير للأصاغر، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: ذلك جائز؛ لأنه إذا كان الكبير حاضرا لم يلتفت إلى مغيب الصغير إذا كان الوصي حاضرا. قال: وهذا رأيي. قلت: ما قول مالك في الحمام والجدار يكون بين الشريكين، أيقسم؟ قال: قال مالك في الحمام يكون بين الشركاء: إنه يقسم ولم أسمع من مالك في الجدار

شيئا. قلت: لم جوز مالك قسمة الحمام، وهو إذا قسم بطل الحمام إذا أخذ كل واحد حصته منهما؟ قال: هو مثل البيت، ألا ترى أن البيت قد يكون بين القوم الكثير، وهم إن اقتسموه لم يصر في حظ كل واحد منهم ما يسكن ولا يصير له فيه منفعة، فيقسم بينهم، فكذلك الحمام.
قلت: أرأيت لو أن رجلا هلك وأوصى لرجل بالثلث وترك دورا وعقارا وترك ورثة غيبا، فأراد الموصى له بالثلث أن يقسم ويأخذ نصيبه؟ قال: قال مالك: الموصى له بالثلث في هذا بمنزلة الوارث، يرفع ذلك إلى السلطان فيوكل رجلا يقسم مال الميت، ويعطي السلطان هذا الموصى له بالثلث حقه ويحوز ذلك. قلت: أليس كل واحد من أهل الدار هو أولى بما بين يدي باب بيته من الساحة في الارتفاق بها؟ قال: نعم عندي. قال: ولا يطرح في الساحة بين يدي باب غيره الحطب والعلف إذا كان في الدار سعة عن ذلك. قال ابن القاسم: وإن احتاج إلى طرح ذلك في الساحة ووضع بعض ذلك على باب غيره طرحه إلا أن يكون في ذلك ضرر بمن يطرح ذلك على بابه ذلك، فيمنع من أن يضر بغيره. قلت: أرأيت إن اقتسما البنيان وساحة الدار، أيكون على كل واحد منهم أن يترك الطريق لا يعرض فيها لصاحبه؟ قال: نعم، تقر الطريق على حالها في قول مالك. قلت: فإن اقتسماها على أن يصرف كل واحد منهما بابا في ناحية أخرى ولا يتركا طريقا ورضيا بذلك؟ قال: فالقسمة جائزة، ولا يكون لهما طريق يرتفقان به بينهما، ولكن يأخذ هذا حصته فيصرف بابه حيث شاء إذا كان له موضع يصرف بابه إليه وكذلك صاحبه. قلت: تحفظه عن مالك؟ قال: نعم. أرأيت إن قسما البنيان ثم قسما الساحة بينهما ولم يذكرا الطريق أنهما يرتفقان به بينهما ولا يرتفقان الطريق بينهما، ثم قسما الدار على هذا فصار باب الدار في حصة أحدهما، أترى هذا قطعا للطريق بينهما، أو تأمر الذي صار باب الدار لغيره أن يفتح في نصيبه بابا لأن باب الدار قد صار لغيره وقد رضي بذلك؟ قال: إذا لم يذكرا في قسمتهما أن يجعل أحدهما، ولا كل واحد منهما مخرجه من الدار في حصته يفتح في نصيبه بابا، فأرى الطريق بينهما على حالها، وباب الدار الذي صار له في حصته، ولكن الممر لهما جميعا ليس له أن يمنع شريكه الذي قاسمه من الممر في ذلك. قال: ولا أحفظ ذلك عن مالك. قلت: أرأيت إن اقتسما دارا بينهما، فأخذ أحدهما دبر الدار وأعطى صاحبه مقدم الدار على أن لا يكون له طريق في حصة صاحبه؟ قال: ذلك جائز على ما شرطا ورضيا إذا كان له موضع يصرف إليه بابه، وإن لم يكن له موضع لم يجز ذلك. وكذلك قال. مالك فيها، وقد بلغني عن مالك أنه قال في قوم اقتسموا دارا على أن أخذ بعضهم غرفا على أن لا يكون له طريق في الدار فكره ذلك. وكان ليس للغرف طريق يصرف إليه ذلك. وقال: لا يجوز

ذلك. قال ابن القاسم: ولو كان لها طريق يفتح بابها إليه لم يكن بذلك بأس

ما جاء في اختلاف الورثة في قسمة الدور إذا أرادوا أن يجعلوا سهامهم في كل دار
ماجاء في اختلاف الورثة في قسمة الدور إذا أرادوا أن يجعلوا سهامهم في كل دار
قلت: أرأيت دورا بين قوم شتى أرادوا أن يقتسموا، فقال رجل منهم: اجعلوا نصيبي في دار واحدة، وقال بقيتهم: بل يجعل نصيبك في كل دار؟ قال: سألت مالكا عن الشركاء يريدون قسم دورهم فقال: إن كانت الدور في موضع واحد رأيت أن يجعل نصيب كل واحد في دار يجمع نصيبه في دار واحدة في موضع واحد ولا يفرق أنصباءهم في كل دار، وإن كانت مواضعها مختلفة مما تشاح الناس فيها للعمران أو لغير العمران، رأيت أن تقسم كل دار على حدتها. قال: وأخبرني بعض أهل المدينة قال - وأراه من قول مالك - أن الرجل إذا مات وترك دورا وكان ورثته في دار من دوره كانوا يسكنونها، ودوره التي ترك سواء كلها في مواضعها وفي تشاح الناس فيها، فتشاح الورثة في الدار التي كانوا يسكنونها، أنها تقسم بينهم هذه الدار ويجعل لكل واحد منهم فيها نصيب إذا كانت الدور التي ترك الميت في غير هذا الموضع الذي الدار فيه التي يسكنونها، ثم يقسم ما بقي من الدور فيجعل نصيب كل واحد منهم في دار تجمع نصيبه في موضع واحد إذا كانت الدور في نفاقها عند الناس وتشاح الناس على مواضعها سواء، وكان بعضها قريبا من بعض وذلك كله رأيي. قلت: فإن تباعد ما بين الدارين، تكون الدار في موضع من المدينة والدار الأخرى في الناحية الأخرى من المدينة، إلا أن مواضعها ورغبة الناس فيها في تلك المواضع وتشاح الناس في الموضعين سواء؟ قال: فهاتان يجمع نصيب كل إنسان منهم في موضع واحد من إحدى الدارين ولا يقسم نصيبه في هذه وهذه؛ لأن الدارين سواء في المواضع والنفاق عند الناس، ولا يلتفت إلى افتراق الدارين في ذلك المصر إذا كانتا بحال ما وصفت لك.
قلت: أرأيت إن ترك الميت دورا بعضها هي سواء في مواضعها ونفاقها عند الناس بحال ما وصفت لك، بعضها ليست سواء، أتجمع هذه الدور التي مواضعها عند الناس في النفاق سواء، فيقسم لكل إنسان حصته منها في موضع واحد في دار واحدة، وينظر إلى كل دار مما ترك الميت ليست في المواضع سواء، فتقسم على حدة فيأخذ كل واحد منهم حصته منها؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إذا كانت الدار بين قوم، شيء لأحدهم فيها الخمس ولآخر فيها الربع ولآخر السبع، كيف تقسم هذه الدور في قول مالك؟ قال: تقسم بينهم على سهم أقلهم نصيبا وكذلك قال مالك. قلت: فإذا قسمت على سهم أقلهم نصيبا، أيعطى سهمه حيثما خرج، أم يجعل

سهمه في أحد الطرفين؟ قال: قال مالك في الرجل إذا ترك امرأته وعصبته: إنه يضرب للمرأة في أحد الطرفين ويضم نصيب العصبة إلى شق واحد. قال مالك ولا يجمع نصيب اثنين في القسم وإن أرادا ذلك، ولكن يقسم لكل واحد منهم حصته على حدة. قلت: أرأيت إن ترك الرجل أخته وأمه وامرأته، كيف تقسم هذه الدار بينهم في قول مالك؟ قال: قال مالك: تقسم على أقلهم سهما. قال: ويجمع حق كل واحد منهم على حدة ولا يفرق. قال: وتفسير هذا عندي، أن الدار تقسم على أقلهم سهما، أو الأرض إن كانت أرضا، فيضرب على أحد الطرفين، فإن تشاح الورثة وقال بعضهم اضرب على هذا الطرف أولا وقال بعضهم بل اضرب على هذا الطرف الآخر أولا، ضرب القاسم بالسهام على أي الطرفين يضرب عليه أولا، فعلى أي الطرفين يخرج السهم فإنه يضرب عليه أولا، ويأخذ سهامهم فيضرب على هذا الطرف، فأي سهم خرج من سهامهم إن كانت الابنة أو الأخت أو الأم أو المرأة ضم إلى سهمها هذا بقية حقها حتى يكمله في موضعها ذلك. قال ابن القاسم: ثم يضرب أيضا سهام من بقي، فإن تشاجروا في الطرفين ضرب القاسم أيضا بالسهام على الطرفين، فعلى أي الطرفين خرج السهم ضرب بسهامهم عليه، فأيتهن خرج سهمها أكمل لها بقية نصيبها من ذلك الموضع، فإذا بقي منهن اثنان وتشاحا على الطرفين، لم ينظر إلى قول واحد منهما وضرب القاسم على أي الطرفين شاء؛ لأنه إذا ضرب على أحد الطرفين فقد ضرب لهما جميعا في الطرفين وهذا رأيي.
قلت: أرأيت إن كانت السهام لا تعتدل في القسم إلا أن يرفعوا ذلك في الحساب، فيصير سهم أحدهم لا يعتدل حتى يضعف إلى عشرة أسهم، فإذا ضرب عليه بالسهام فخرج على أحد هذه العشرة ضمت التسعة إليه؟ قال: نعم وهذا رأيي. قلت: أرأيت إذا كانت الساحة واسعة، فأرادوا أن يقسموها وفي حظ كل واحد منهم ما يرتفق به إذا قسمت بينهم، وليس لهم مخرج ولا طريق إلا من باب الدار، فاشتجروا في الطريق فقال بعضهم: اجعلها ثلاثة أذرع، وقال بعضهم: أقل من ذلك؟ قال: قال مالك في هذا: إنه يترك لهم طريقا قدر ما تدخل الحمولة وقدر ما يدخلون. قلت: ولا يترك لهم من الطريق قدر عرض باب الدار؟ قال: لا أعرف هذا من قول مالك. قلت: هل يكون للجار أن يرفع بنيانه فيجاوز به بنيان جاره ليشرف عليه؟ قال: له أن يرفع بنيانه إلا أني سمعت مالكا يقول: يمنع من الضرر. قلت: أرأيت إن رفع بنيانه فسد على جاره كواه، أظلمت أبواب غرفه وكواها، ومنعه الشمس أن تقع في حجرته؟ قال: لم أسمع من مالك إلا ما أخبرتك أنه يمنع من ضرر جاره، ولا أرى أن يمنع هذا من البناء.

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الوصايا الأول

في الرجل يوصي بعتق عبد من عبيده فيموتون كلهم أو بعضهم
قلت: أرأيت إن أوصى بعتق عبد من عبيده فمات عبيده كلهم، ما قول مالك في ذلك، هل تبطل وصيته أم لا؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يوصي بعشرة من عبيده أن يعتقوا ولم يسمهم بأعيانهم، وكان عبيده عدتهم خمسين عبدا فلم يقوموا، أو غفل الورثة عن ذلك حتى مات منهم عشرون؟ قال: قال مالك: يعتق ثلثهم بالسهم يسهم بينهم، فإن خرج عدة ذلك أقل من عشرة أو أكثر من عشرة عتقوا، ومن مات منهم قبل القسم قبل أن يقوموا لم يدخل على الباقين من العبيد منهم شيء، ولم يكن للورثة فيهم قول. وإنما يعتق ممن بقي عشرة أجزاء من ثلاثين جزءا بالسهام، ومن مات منهم قبل القسم فكأن الميت لم يتركه. قال: ولا تسقط وصية العبيد لمكان الذين ماتوا. قلت: فإن أوصى بعتق عشرة أعبد من هؤلاء الخمسين، فمات أربعون منهم وبقي عشرة؟ قال: قال مالك: إن حملهم الثلث عتقوا. قال: وقال لي مالك: إنما تصير الوصية لمن بقي منهم على حال ما وصفت لك. ولو هلكوا كلهم إلا خمسة عشر عتق ثلثاهم، ولو هلكوا كلهم إلا عشرين منهم عتق نصفهم في ثلث الميت. قال مالك: وكذلك يوصي بعشرة من إبله في سبيل الله، وله إبل كثيرة، فذهب بعضها وبقي بعضها. فإنه بحال ما وصفت لك يقسم بالسهام على ما وصفت لك، وكذلك الرقيق إذا أوصى بها الرجل ثم هلك بعضها، كانت بحال ما وصفت لك عند مالك، يقسم بالسهام ولو لم يبق منها إلا مقدار الوصية، وكان الثلث يحملها كان ذلك للموصى له عند مالك. وأما مسألتك، فإذا ماتوا كلهم فقد بطلت وصيته، لأن مالكا قال: من أوصي له بعبد فمات العبد فلا حق له في مال الميت. وقال غيره: لأن المال إنما ينظر إليه يوم ينظر في الثلث، فما مات أو تلف قبل ذلك،

فكأن الميت لم يتركه وكأنه لم يكن أوصى فيه بشيء؛ لأنه لا يقوم لميت ولا يقوم على ميت، قال ذلك ابن عباس. ذكره سحنون عن ابن نافع عن عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس. ابن وهب عن عبد الجبار عن ربيعة أنه قال في الرجل يوصي للرجل بالشيء بعينه فيما يوصي من ثلثه فيهلك ذلك الشيء. قال: ليس للذي أوصي له به أن يحاص أهل الثلث بشيء، وقد سقط حقه.
ابن وهب عن رجال من أهل العلم، منهم مالك بن أنس وأنس بن عياض وابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعتق أعبدا له ستة عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك الرقيق1 . ابن وهب عن جرير بن حازم والحارث بن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين وأبي قلابة الجرمي عن عمران بن الحصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال: أدركت مولى لسعد بن بكر يدعى دهورا، أعتق ثلث رقيق له هم قريب من العشرين، فرفع أمرهم إلى أبان بن عثمان فقسمهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم فأخرج ثلثهم فأعتقهم.
ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد قال: كان لرجل غلامان فأعتق أحدهما عند موته فلم يدر أيهما هو، فأسهم عثمان بن عفان بينهما فصار السهم لأحدهما وغشي على الآخر. رجال من أهل العلم منهم مالك ويونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثهم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه أخبره عن أبيه سعد أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع يعودني من وجع اشتد بي قال: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي. أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا" . قلت: فالشطر يا رسول الله؟ قال: "لا". قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت فيها، حتى ما تجعل في في امرأتك". قال: قلت يا رسول الله، أأخلف بعد أصحابي؟ قال: "إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم". لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة2" . قال يونس قال ابن شهاب: فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في الثلث لكل موص بعده. موسى بن علي بن زياد عن أبيه عن علي بن رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعدا في مرضه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوص". فقال: مالي كله لله. قال: "ليس لك
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب العتق حديث 3 عن يحيى بن سعيد وعن غير واحد عن الحسن بن أبي الحسن البصري وعن محمد بن سيرين. ورواه مسلم في كتاب الأيمان حديث 56.
2 رواه في الموطأ في كتاب الوصية حديث 4. البخاري في كتاب الجنائز باب 37. مسلم في كتاب الوصية حديث 5.

ولا لي". قال: فثلثاه. قال: "لا". قال: فنصفه. قال: "لا". قال: "لا تخيبن وارثك". قال: فثلثه. قال: "الثلث والثلث كثير" 1. قال: ثم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أذهب عنه الباس رب الناس إله الناس ملك الناس أنت الشافي لا شافي إلا أنت، أرقيك من كل شيء يأتيك من حسد وعين، اللهم أصح قلبه وجسمه واكشف سقمه وأجب دعوته"2 . قال سعد: فسألني أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما من بعده عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوصية فحدثتهما بذلك، فحملا الناس عليه في الوصية. ابن وهب قال: وسمعت طلحة بن عمرو المكي يقول: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم" 3 . مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطاكم اثنتين لم تكونا لكم: صلاة المؤمنين بعد موتكم وثلث أموالكم زيادة في أعمالكم عند موتكم". ابن وهب عن رجال من أهل العلم منهم عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو ويونس بن يزيد وغيرهم، أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب سئل عن الوصية؟ فقال عمر: الثلث وسط من المال لا بخس ولا شطط.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الجنائز باب 36. كتاب الوصايا باب2، 3، كتاب مناقب الأنصار باب49. مسلم في كتاب الوصية حديث 5، 7، 8 ، 10. أبو داود في كتاب الفرائض باب 3. الترمذي في كتاب الجنائز باب 6. النسائي في كتاب الوصايا باب 3. ابن ماجه في كتاب الوصايا باب 5.
2 رواه البخاري في كتاب الطب باب 38. أبو داود في كتاب الطب باب 19.
3 رواه ابن ماجه في كتاب الوصايا باب 5.

في الرجل يوصي للرجل بثلث عبيده فيهلك بعضهم
قلت: أرأيت إن قال: ثلث عبيدي هؤلاء لفلان، وله ثلاثة أعبد، فهلك منهم اثنان وبقي منهم واحد؟ قال مالك ثلث الباقي للموصى له، ولا يكون له جميع الباقي. وإن كان ثلث الميت يحمله. وإن كان هذا الباقي هو ثلث العبيد، فإنه لا يكون للموصى له منه إلا ثلثه. وهذا قول مالك. وقد قال مالك في رجل قال: ثلث رقيقي أحرار. قال مالك: يعتق ثلثهم بالسهم ولا يعتق من كل واحد منهم ثلثه. فهذا يدلك على أنه شريك للورثة فيما بقي من العبيد، فإن كان ما بقي من العبيد ينقسمون، أخذ الموصى له ثلث العبيد إن أرادوا القسمة، وإن كانوا لا ينقسمون فمن دعا إلى البيع منهم أجبر صاحبه على البيع بحال ما وصفت لك في البيوع إلا أن يأخذ الذي أبى البيع بما يعطى به صاحبه.

في الرجل يوصي بثلث غنمه لرجل فيستحق بعضها
قلت: أرأيت إن قال: ثلث غنمي لفلان، وله مائة شاة. فاستحق رجل ثلثي الغنم وبقي ثلثها، والثلث الباقي من الغنم يحمله الثلث الموصى به، أيكون هذا الثلث الباقي من الغنم جميعه للموصى له؟ قال: لا، ويكون للموصى له ثلث ما بقي. قلت: ويجعل

في الرجل يوصي للرجل بعشرة شياه من غنمه فتهلك غنمه إلا عشرة
قلت: فإن أوصى له بعشرة من هذه الغنم وهي مائة شاة، فهلكت كلها إلا عشرة منها، والثلث يحمل هذه العشرة؟ قال: فله العشرة كلها عند مالك. قلت: فإن كانت هذه العشرة تعدل نصف الغنم لأنها أفضل الغنم، أيعطيه إياها إذا كان الثلث، يحملها في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يهلك من الغنم شيء، كيف يعطيه العشرة؟ قال: بالسهام يدخل في تلك العشرة ما دخل. قلت: وإذا سمى فقال: عشرة من غنمي لفلان. فهو خلاف ما إذا قال: عشر هذه الغنم؟ قال: نعم، إذا سمى عشرة وهي مائة، فهلكت كلها إلا العشرة، كانت العشرة كلها للموصى له. وإذا أوصى بعشرها فهلكت كلها إلا عشرة، لم يكن للموصى له إلا عشر ما بقي. قال: وهو قول مالك.

في الرجل يوصي باشتراء رقبة تعتق عنه
قلت: أرأيت إن أوصى رجل فقال: اشتروا نسمة فأعتقوها عني، فاشتروها، أتكون حرة حين اشتروها أم لا تكون حرة إلا بعدما يعتق؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا، ولا أراه حرا حتى يعتق؛ لأنه لو قتله رجل كانت عليه قيمة عبد، فهو ما لم يعتقوه عندي بمنزلة العبد في حدوده وحرمته وجميع حالاته قلت: فإن مات كان عليهم أن يشتروا آخر إلى مبلغ ثلث الميت؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أوصى فقال: اشتروا رقبة فأعتقوها عني - وثلث ماله مائة دينار والورثة يجدون رقبة بخمسين دينارا - ولم يسم الميت الثمن؟ قال: قال مالك: إنما ينظر في هذا إلى ما ترك الميت من المال، فإن كان كثير المال نظر إلى قدر ما ترك، وإن كان قليل المال نظر في ذلك. فإنما ينظر في ذلك إلى ماله فيشتري له على قدر المال. يجتهد له في ذلك بقدر ما يرى أن يشتري له في كثرة المال وقلة المال، ليس من ترك مائة دينار في هذا بمنزلة من ترك ألف دينار. قلت: أرأيت إن أوصى أن يعتق عنه نسمة بألف درهم - وثلثه لا يبلغ ذلك - أيعتق عنه مبلغ الثلث في قول مالك؟ قال: نعم، إذا كان في ذلك قدر ما يشترى به رقبة وهذا قول

الرجل يوصي أن يشترى عبد فلان فيعتق أو يباع عبده ممن أحب أو من فلان
قلت: أرأيت إن أوصى أن يشترى عبد فلان لفلان، فمات الموصي فأبى سادات العبد أن يبيعوه؟ قال: قال مالك: إذا أوصى أن يشترى عبد فلان فيعتقونه، أو قال بيعوا عبدي من فلان رجل سماه، أو قال بيعوا عبدي ممن أحب: أن هؤلاء كلهم يزاد في ثمن الذي قال اشتروه فأعتقوه الثلث ثلث ثمنه ويوضع من ثمن الذي قال بيعوه من فلان، الثلث ثلث ثمنه ويوضع من ثمن الذي قال بيعوه ممن أحب ثلث ثمنه، وهذا إنما يوضع من ثمنه إذا لم يشتره الذي قال الميت بيعوه منه جميع ثمنه. فأبى أن يأخذه بذلك، والذي قال بيعوه ممن أحب كذلك أيضا إنما يوضع ثلث ثمنه إذا لم يشتره الذي أحب العبد بجميع الثمن، فإنه يوضع عنه الثلث ثلث ثمنه وكذلك العبد الذي قال اشتروه فأعتقوه، فإنما يزاد في ثمنه مثل ثلث ثمنه. إذا قال سيده: لا أبيعه بثمنه. قلت: ولا يزاد في هذا ولا يوضع عن هؤلاء الآخرين مبلغ ثلث مال الميت في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا. قلت: لم؟ قال: كذلك قال مالك كما أخبرتك. قلت: فإن أبى السيد - سيد العبد الذي أمر الميت أن يشترى فيعتق عنه - أن يبيعه، كيف يصنعون؟ وكيف إن أبى هذا الذي قال بيعوا فلانا منه أن يشتريه، أو أبى هذا الذي قال العبد بيعوني منه أن يشتريه بثلثي ثمنه، كيف يصنعون؟ قال: أما الذي قال اشتروه فأعتقوه، فإنه يستأني بثمنه، فإن أبوا أن يبيعوه رد ثمنه ميراثا بعد الاستيناء بذلك. قال سحنون: وقد روى ابن وهب وغيره عن مالك،

أن المال يوقف ما كان يرجى أن يشترى هذا العبد الذي أمر إلا أن يفوت بموت أو عتق وعليه أكثر الرواة. وأما الذي قال بيعوه من فلان، فإن قال فلان لست آخذه بهذا الثمن إلا أن يصنعوا أكثر من ثلث ثمنه، فإن الورثة يخيرون بين أن يعطوه بما قال وبين أن يقطعوا له بثلث العبد بتلا. وأما الذي قال بيعوه ممن أحب وليس من رجل بعينه ولم يجد العبد من يشتريه بثلثي ثمنه ممن أحب، فإن الورثة يخيرون بين أن يبيعوه بما أعطوا وبين أن يعتقوا ثلثه سحنون: وقد روى أشهب عن مالك وغير واحد، أن الورثة إذا بذلوه بوضيعة الثلث فلم يوجد من يشتريه إلا بأقل، أن ذلك ليس عليهم لأنهم قد أنفذوا وصية الميت، فليس عليهم أكثر من ذلك. قال ابن وهب: قال مالك: وهذا الأمر عندنا. وأما قوله اشتروا عبد فلان لفلان فأبى ساداته أن يبيعوه، فإني لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن يزاد على ثمنه مثل ثلث ثمنه إن حمل ذلك الثلث، فإن باعه سيده أنفذت وصية الميت، وإن أبى إلا بزيادة أعطي الذي أمر أن يشتري له العبد قيمة العبد وزيادة ثلث ثمنه؛ لأنه كأنه بها يشتري إذا لم يحب الورثة أن يزيدوا على ذلك شيئا. وإن أبى أصحابه أن يبيعوه بشيء ولم يكن من شأنهم أن يزادوا فأبوا أن يبيعوه أصلا ضنا منهم بالعبد، لم يكن للذي أوصي له به شيء من الوصية. سحنون: وقد قال غيره من الرواة: إنه إذا زيد في الذي أمر أن يشترى لفلان مثل ثلث ثمنه ولم يرد أهله بيعه إلا بزيادة، أو أبوه أصلا ضنا منهم بالعبد، لم يكن على الورثة أكثر من زيادة ثلث الثمن، وليكن ثمنه هو موقفا حتى يؤيس من العبد، فإن أيس من العبد رجع الثمن ميراثا ولم يكن للذي أوصى الميت أن يشتري له قليل ولا كثير؛ لأن الميت إنما أوصى له برقبة ولم يوص له بمال. قال ابن القاسم: وقال مالك في الرجل يقول في وصيته بيعوا عبدي ممن يعتقه فلا يجدون من يأخذه بوضيعة الثلث من ثمنه: إنه يقال للورثة إما أن تبيعوا بما وجدتم وإما أن تعتقوا من العبد ثلثه، وهذا مما لم يختلف فيه قول مالك. قال سحنون: وقد بينا هذا الأصل باختلاف الرواة قبل هذا. قلت: أرأيت إن قال: بيعوا عبدي من فلان ولم يقل: حطوا عنه ولم يذكر الحط؟ قال: يحط عنه وإن لم يذكر الحط عند مالك: لأنه إذا لم يؤخذ بقيمته صارت وصيته بحال ما وصفت لك.

في الرجل يوصي بعتق عبده أو ببيعه ممن يعتقه فيأبى العبد
قلت: أرأيت إن أوصى بعتق عبده في مرضه فيأبى العبد أن يقبل ذلك؟ قال: هذا حر إذا مات سيده من الثلث وإلا فما حمل الثلث منه. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: نعم هذا قول مالك. قال: وقال مالك في رجل أوصى أن تباع جاريته ممن يعتقها فقالت الجارية لا أريد ذلك. قال: ينظر في حالها، فإن كانت من جواري الوطء ممن يتخذ كان

ذلك لها، وإن لم يكن منهن بيعت ممن يعتقها ولا ينظر في قولها. قال سحنون: وقد قيل لا ينظر إلى قول الجارية وتباع للعتق، إلا أن لا يوجد من يشتريها بوضيعة الثلث إن كان للميت مال يحمل الجارية.

في المريض يشتري ابنه في مرضه
قلت: أرأيت لو أن رجلا اشترى ابنه في مرضه؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: إن كان الثلث يحمله جاز وعتق وورث بقية المال إذا كان وحده، وإن كان معه غيره أخذ حصته من الميراث. قال: ولم أسمع أنا هذا من مالك وأخبرني به غير واحد قلت: أرأيت إن أعتق عبدا له واشترى ابنه فأعتقه وقيمته الثلث؟ قال: أرى الابن مبتدأ إذا حمله الثلث ويكون وارثا؛ لأن مالكا لما جعله وارثا إذا خرج من الثلث كان بمنزلة ما لو اشتراه صحيحا. سئل عن الرجل يوصي أن يشترى أبوه من بعد موته. قال: أرى أن يشترى ويعتق من بعد موته في الثلث، وإن لم يقل اشتروه وأعتقوه فهو حر إذا قال اشتروه.

في الوصية بالعتق
قلت: أرأيت إن قال لعبده: إن مت من مرضي هذا أو هلكت في سفري هذا فأنت حر، أتجعل هذه وصية أم لا في قول مالك؟ قال: هذه وصية عند مالك، وله أن يغيرها. فإن مات قبل أن يغيرها جازت في ثلثه إن مات في سفره أو مات في مرضه. قلت: فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره فلم يغير ما كان قال في عبده ذلك حتى مات، أيعتق أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يعتق إلا أن يكون كتب ذلك في قرطاس فوضعه وأقره بعد صحته، أو بعد قدومه من سفره على حاله وقد كان وضعه على يدي رجل وأقره على تلك الحال، فهذه وصية تنفذ في ثلثه. قلت: أرأيت إن قال: إن مت في سفري هذا أو من مرضي هذا فعبدي حر، فأراد أن يبيعه. قال: نعم يبيعه ولا يكون هذا تدبيرا عند مالك. قال سحنون: قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا، أن الموصي إذا أوصى في صحته أو في مرضه بوصية فيها عتاقة رقيق من رقيقه، فإنه يغير من ذلك ما بدا له ويصنع في ذلك ما شاء حتى يموت، وإن أحب أن يطرح ذلك الوصية ويبدل غيرها فعل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة" 1 قال: فلو كان الموصي لا يقدر على تغيير وصيته وما ذكر فيها من العتق، كان كل موص قد حبس ماله الذي أوصى فيه من العتاقة وغيرها، وقد يوصي الرجل في صحته وعند سفره.
ـــــــ
1 رواه في الموطأ في كتاب الوصية حديث 1 عن نافع عن عبد الله بن عمر. البخاري في كتاب الوصايا باب 1. مسلم في كتاب الوصية حديث 1- 3.

التشهد في الوصية
قلت: أرأيت إذا أراد أن يكتب وصيته، هل سمعت من مالك أنه يقول يشهد في الكتاب فيكتب ذلك قبل الوصية؟ قال: نعم، سمعته يقول يشهد في الكتاب فيكتب ذلك إذا أراد أن يكتب الوصية. قلت: فهل ذكر لكم هذا التشهد كيف هو؟ قال: لم يذكره لنا. ابن وهب عن أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون في وصية محمد بن سيرين قال: هذا ذكر ما أوصى به محمد بن أبي عمرة بنيه وأهله، أن يتقوا الله يصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة البقرة: 132] وألا ترغبوا أن تكونوا إخوانا للأنصار ومواليهم، فإن العفة والصدق خير وأبقى وأكرم من الرياء والكذب، ثم أوصى فيما ترك إن حدث به حدث الموت قبل أن يغير وصيته هذه فذكر حاجته. قال ابن عون: فذكرناه لنافع مولى ابن عمر فقال: كانت أم المؤمنين توصي بهذا، وسمعت من يحدث عن أنس بن مالك قال: كانوا يوصون أنه: يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله. وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ربهم ويصلحوا ذات بينهم إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة البقرة: 132] وأوصى إن مات من مرضه هذا.

في الرجل يكتب وصيته ولا يقرؤها على الشهود
قلت: أرأيت رجلا كتب وصيته ولم يقرأها على الشهود ودفعها إليهم مكتوبة وقال لهم: اشهدوا علي بما فيها ولم يعاينوه حين كتبها إلا أنه دفعها إليهم مكتوبة وقال لهم

في الرجل يكتب وصيته ويقرها على يده حتى يموت
قال ابن القاسم قلت لمالك: الرجل يوصي عند سفره وعند مرضه فيكتب وصيته ويضعها على يد رجل، ثم يقدم من سفره أو يبرأ من مرضه فيقبضها ممن هي عنده فيهلك، فتوجد الوصية بحالها، أو تقوم عليه البينة أنها هي، أترى أن تنفذ؟ قال: لا، وكيف تجوز وهي في يده قد أخذها؟ فلعله أن يكون إنما أخذها ليؤامر نفسه فيها، وليس ممن يريد أن يجيز وصيته بأخذها ويجعلها على يدي نفسه، وإنما تنفذ إذا جعلها على يدي رجل. قلت: أرأيت إن كتب وصيته وهو مريض، فأقرها عند نفسه وأشهد عليها ثم مات، أتجوز هذه الوصية في قول مالك؟ قال: نعم قلت: أرأيت إن كتب وصيته وأشهد عليها وهو صحيح وأمسكها عند نفسه حتى مات، أتجوز وصيته هذه أم لا؟ قال: قال لي مالك: وصيته جائزة. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن الوصية جائزة إذا كتب وصيته ولم يقل إن حدث بي حدث من مرضي هذا أو في سفري هذا أنها جائزة، وإن كانت عنده إذا كانت الوصية مبهمة لم يذكر فيها موته من مرضه ولا ذكر سفره أنها جائزة. وسواء إن كان كتبها في صحته أو في مرضه، فهي جائزة إذا كتب فيها: متى ما حدث بي حدث أو إن حدث بي حدث، أخرجها من يديه أو كانت على يديه، فهي جائزة إذا أشهد عليها الشهود، وإنما اختلف الناس في السفر والمرض.
قلت: أرأيت إن أوصى فقال: إن حدث بي حدث في مرضي هذا أو في سفري هذا، فلفلان كذا وفلان عبدي حر. وكتب ذلك فبرأ من مرضه أو قدم من سفره فأقر وصيته بحالها؟ قال: هي وصية بحالها ما لم ينقضها، فمتى ما مات فهي جائزة وإن برأ من مرضه أو قدم من سفره وإن لم يكن كتب ذلك وإنما أوصى بغير كتاب فقال: إن حدث بي حدث في سفري هذا أو في مرضي هذا أو شهد على ذلك، فإنه إذا صح من مرضه ذلك أو قدم من سفره ذلك ثم مات بعد ذلك، فإن ذلك باطل لا يجوز ولا ينفذ منه شيء. وإن لم يكن غير ما أشهد عليه من ذلك ولا نقضه بفعل ولا غيره، فإنه لا يجوز منه شيء على حال. وكذلك قال مالك، يريد بذلك إذا لم يكن كتب بذلك كتابا ووضعه

على يد غيره ولم يقبضه ولم يغيره حتى مات. ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال في رجل كتب وصيته فكتب فيها: إن حدث بي حدث من وجعي هذا أو سفري هذا، ثم برأ من وجعه ذلك أو قدم من سفره ذلك وبقيت وصيته كما هي لا يذكر فيها شيئا. قال ابن شهاب: هي وصية إذا لم يغيرها، فإن سالم بن عبد الله أخبرني عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم يمر عليه ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة"1 . سحنون وقال مالك: من أوصى بوصية وكتب فيها إن أصابني قدر من مرضي هذا فصح ولم يقبض الوصية من صاحبها الذي وضعها عنده حتى مرض مرة أخرى فمات، فأراها جائزة.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الوصايا باب 1. مسلم في كتاب الوصية حديث 4. أبو داود في كتاب الوصية باب 1. الترمذي في كتاب الوصايا باب 3. النسائي في كتاب الوصايا باب 1. ابن ماجه في كتاب الوصايا باب 2. الدارمي في كتاب الوصايا باب 1. أحمد في مسنده ب[2/ 4، 10، 34].

في الوصية إلى الوصي
قلت: أرأيت الوصي إذا أوصى إليه الرجل فقال: اشهدوا أن فلانا وصيي ولم يزد على هذا القول، أتكون وصية في جميع الأشياء، ويكون له أن يزوج بناته وبنيه الصغار وإن لم يكن الوالد أوصى إليه ببضع البنات ولا قال له زوج بنتي؟ قال: نعم إذا قال: فلان وصيي ولم يزد على ذلك فهو وصيه في جميع الأشياء وفي بضع بناته وفي إنكاح بنيه الصغار. قلت: وإن كان للصغار أولياء حضورا؟ قال: نعم وإن كان لهم أولياء حضورا، فهذا الوصي أولى بإنكاحهم في قول مالك. قلت: فإن كن البنات قد بلغن، أيكون للوصي أن يزوجهن أيضا؟ قال: نعم وهو أولى من الأولياء فيهن إلا أنه ليس له أن يزوجهن إلا برضاهن. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. سحنون: وقد كتبنا آثار هذا في كتاب النكاح الأول. قلت: أرأيت ما كان للميت من ابنة ثيب، أيكون لهذا الوصي أن يزوجها إذا رضيت ولها أولياء حضور؟ قال: لم يقل لنا مالك إذا كن أبكارا أو إذا كن ثيبات. قال: إنما سألنا مالكا وكان معنى قوله عندنا على الأبكار فقال: ما أخبرك وهو عندنا سواء، الوصي ولي في الثيب وفي البكر إذا رضيت، ولو ولت الثيب الولي فزوجها جاز إنكاحه وإن كره الوصي ذلك، وإنما هذا في الثيب ولا يكون في البكر. وذلك أنا سألنا مالكا عن المرأة الثيب توكل أخاها، فزوجها ولها والد حاضر فكره أبوها النكاح وأراد أن يفسخه، فقال مالك: أثيب هي؟ قلنا: نعم. قال: ما للأب وما لها، ورأى نكاح الأخ جائزا وإن كره الأب ذلك. وكذلك الوصي إذا رضيت الثيب فولت أمرها الولي، جاز إنكاحه إياها وإن كره ذلك الوصي، والبكر مخالفة للثيب في هذا. قال: وقال مالك: ووصي الوصي بمنزلة الوصي في النكاح وغيره.
قلت: أرأيت إذا مات الوصي فأوصى إلى غيره، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال:

نعم، كذلك قال مالك يكون وصي الوصي مكان الوصي في البيع وغيره قلت: أرأيت الميت إذا أوصى إلى رجل فقال: فلان وصيي، أيكون هذا وصيا في إنكاح بناته وجميع تركته في قول مالك. قال: نعم إلا أن يخصه بشيء فلا يكون وصيا إلا على ذلك الشيء. قلت: ووصي الموصي بهذه المنزلة؟ قال: نعم وهو قول مالك. قال: قال مالك: ووصي الوصي بمنزلة الوصي. قال: وقال يحيى بن سعيد فيمن ولي وصية وإن كانا رجلين أو ثلاثة فحضر أحدهم الموت فأوصى بما أوصي به إليه من تلك الوصية إلى غير شريكه في الوصية، جاز ذلك له على ما فيها. سحنون: ولسنا نقول بذلك إلا أنه نزع من يزعم أن الوصي لا يوصي بما أوصي إليه به. مسلمة بن علي عن هشام بن حسان وغيره عن محمد بن سيرين عن شريح أنه أجاز وصية وصي الوصي. وبلغني عن علي بن أبي طالب أنه أجاز وصية وصي الوصي. قال مسلمة بن علي: وقال الأوزاعي: يرجع إلى الأول فالأول. وسمعت مالكا. يقول في الرجل يوصي إلى القوم: إن ماله لا يقتسمونه بينهم بل يكون عند أفضلهم، هذه الآثار لابن وهب.

وصية المرأة
قلت: أرأيت لو أن امرأة هلكت وعليها دين، فأوصت بوصايا وأوصت إلى رجل، أيكون هذا الرجل وصيها ويبيع ما لها حتى يقضي دينها وينفذ وصاياها أم لا يجوز له أن يبيع من ذلك إلا مقدار الدين والوصايا؟ قال: إن كان لها ورثة فأدوا دينها وقاسموا أهل الوصايا فذلك لهم جائز، والوصي هو وصي إذا أوصى إليه رجل أو امرأة في قضاء الدين وإنفاذ وصيتها، فوصي الرجل ووصي المرأة في ذلك سواء. وقال ابن القاسم: كنت يوما عند مالك، فأتاه قوم فذكروا له أن امرأة أوصت إلى رجل بتركتها ولها أولاد صغار؟ قال مالك: كم تركت؟ قالوا: نهز ستين دينارا. قال: ما أرى إذا كان الرجل الوصي عدلا إلا أن ينفذ ذلك. قال ابن القاسم: وذلك عندي فيمن لم يكن له أب ولا وصي. وقد قال غيره من الرواة: إن وصية المرأة بمال ولدها لا تجوز. قال سحنون: وهو عندنا أعدل.

في وصي الأم والأخ والجد
قلت: أرأيت وصي الأم، هل يكون وصيا فيما تركت الأم إذا أوصت إليه في قول

في الرجل يوصي بدينه إلى رجل وبماله إلى آخر وببضع بناته إلى آخر
قلت: أرأيت إن قال: فلان وصي على قضاء ديني وتقاضي ديني، وفلان وصي على مالي، وفلان وصي على بضع بناتي؟ قال: هذا جائز. قال: ولقد سئل مالك - وأنا عنده - عن رجل أوصى إلى رجل أن يتقاضى دينه ويبيع تركته ولم يوص إليه بأكثر من هذا، أيجوز له أن يزوج بناته؟ قال: قال مالك: لو فعل ذلك لرجوت أن يكون جائزا، ولكن أحب إلي أن يرفع ذلك إلى السلطان حتى ينظر في ذلك السلطان.

في الرجل يقول فلان وصيي حتى يقدم فلان فإذا قدم فوهو وصيي
في الرجل يقول فلان وصي حتى يقدم فلان فإذا قدم فهو وصي
قلت: أرأيت إن أوصى إلى رجل فقال: فلان وصيي حتى يقدم فلان فإذا قدم فلان ففلان القادم وصيي، أيجوز هذا؟ قال: نعم هذا جائز.

في عزل الوصي عن الوصية إذا كان خبينا
ً
في عزل الوصي عن الوصية إذا كان خبيثا
قلت: أرأيت إذا كان الوصي خبيثا أيعزل عن الوصية؟ قال: قال مالك: نعم إذا كان الوصي غير عدل فلا تجوز الوصية إليه. قال: وقال مالك: وليس للميت أن يوصي

الرجل يبدو له في الوصية بعد موت الموصي
قلت: أرأيت إن قبل الوصي وصية في مرض الموصي ثم بدا له بعد موت الموصي أن يتركها؟ قال: أراها قد لزمته وليس له أن يدعها بعدما مات الموصي.

الوصية إلى الذمي والذمي إلى المسلم
قلت: أرأيت مسلما أوصى إلى ذمي، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: المسخوط لا تجوز الوصية إليه، فالذمي أحرى أن لا تجوز الوصية إليه. قلت: أرأيت إن أوصى إلى نصراني، أيجوز أم لا في قول مالك؟ قال: قال لي مالك: لا يجوز ذلك إذا أوصى إلى غير عدل فالنصراني غير عدل. قلت: أرأيت إن أوصى ذمي إلى مسلم؟ قال: قال مالك: إن لم يكن في تركته الخمر أو الخنازير أو خاف أن يلزم بالجزية فلا بأس بذلك.

في الوصيين يبيع أحدهما ويشتري دون صاحبه
قلت: أرأيت الوصيين، هل يجوز لأحدهما أن يبيع ويشتري لليتامى دون صاحبه؟ قال: قال مالك في الوصيين: إنه لا يجوز لأحدهما أن يزوج دون صاحبه إلا أن يوكله صاحبه. قال: قال مالك فإن اختلفا نظر في ذلك السلطان وقال: البيع عندي بمنزلته. وقال غيره: لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه وكأنهما في فعلهما فعل واحد.

في الوصيين يختلفان في مال الميت
قلت: أرأيت إذا اختلف الوصيان في مال الميت عند من يكون؟ قال: قال مالك: يكون المال عند أعدلهما ولا يقسم قلت: فإن كانا في العدالة سواء قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأرى أن ينظر السلطان في ذلك فيدفع المال إلى أحرزهما وأكفاهما. قلت: أرأيت الوصيين إذا كان الورثة صغارا فأخذ أحدهما بعض الصبيان عنده وقسما المال، فأخذ كل واحد منهما حظ من عنده من الصبيان، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يقسم المال، ولكن يكون عند أعدلهما وقد أخبرتك بهذا عن مالك.

في الوصية إلى العبد
قلت: أرأيت إن أوصى إلى عبد نفسه أو مكاتب نفسه، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كان في الورثة أكابر وأصاغر فقالوا نحن نبيع العبد ونأخذ حقنا؟ قال: ينظر إلى قدر حظوظ الكبار من ذلك، فإن كان للأصاغر مال يحمل أن يؤخذ لهم العبد فيكون العبد وصيا لهم القائم لهم أخذ العبد لهم وأعطوا الأكابر قدر حظوظهم منه، وإن لم يكن لهم في مالهم ما يحمل ذلك وكان ذلك مضرا بالأصاغر، باع الأكابر نصيبهم وترك حظ الأصاغر في العبد يقوم عليهم إلا أن يكون في بيع الأكابر أنصباءهم على الأصاغر ضرر في بيعهم هذا العبد، ويدعون إلى البيع فيلزم الأصاغر البيع مع إخوتهم الأكابر.

في بيع الوصي عقارا ليتامى وعبدهم الذي قد أحسن القيام عليهم
قلت: أرأيت الوصي، هل له أن يبيع عقار اليتامى؟ قال: قال مالك: لهذا وجوه: أما الدار التي لا يكون في غلتها ما يحملهم وليس لهم مال ينفق عليهم منه فتباع، ولا أرى بذلك بأسا، أو يرغب فيها فيعطى الثمن الذي يرى أن ذلك غبطة له، مثل الملك يجاوره فيحتاج إليها فيثمنها وما أشبه ذلك، فلا أرى بذلك بأسا. وأما على غير ذلك فلا أرى ذلك. قال: وسمعت مالكا يقول في عبد لليتامى قد أحسن عليهم القيام وأحاط عليهم فأراد الوصي بيعه. قال: قال مالك لا يكون له أن يبيعه إذا كان على هذه الحال.

في الوصي يشتري من تركة الميت
قال عبد الرحمن بن القاسم: أتى إلى مالك رجل من أهل البادية فسأله عن حمارين من حمر الأعراب هلك صاحبهما وأوصى إلى رجل من أهل البادية، فتسوق الوصي بهما في البادية وقدم بهما المدينة فلم يعط بهما إلا ثمنا يسيرا نحوا من ثلاثة دنانير، فأتى إلى مالك فاستشاره في أخذهما لنفسه وقال: قد تسوقت بهما في المدينة والبادية فأنا أريد أن آخذهما بما أعطيت؟ قال: قال مالك: ما أرى به بأسا، وكأنه خففه لقلة الثمن ولأنه تافه وقد اجتهد الوصي. وقد قال ابن القاسم: وأما الوصي فقد قال مالك فيه: لا يشتري لنفسه ولا يشتري له وكيل له ولا يدس من يشتري له، ولكن مالكا وسع لهذا الأعرابي لأنه تافه يسير. قلت: أرأيت الوصي إذا ابتاع عبدا لنفسه من اليتامى أيجوز ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك عند مالك. قال: وكان مالك ينكر ذلك إنكارا شديدا.

الوصي يبيع تركة الموصي وفي الورثة كبار وصغار
قلت: أرأيت الوصي إذا كان في الورثة أصاغر وأكابر فأراد أن يبيع الوصي الميراث دون الأكابر؟ قال: إذا كانوا حضورا فليس له ذلك إلا أن يحضرهم؛ لأن مالكا قال لي: إذا كان للميت دين على رجال فأوصى إلى رجل له ورثة كبار فأخذ الوصي الغريم الدين، لم يكن تأخيره جائزا عليهم. قال: وإن كانوا صغارا وأخر الغريم على وجه النظر للأصاغر جاز ذلك. وذلك أني سألته عن الرجل يحلف للرجل بطلاق امرأته ألبتة ليقضينه حقه إلى أجل. إلا أن يشاء أن يؤخره، فيموت الذي له الحق، أفترى للورثة أن يؤخروه؟ قال مالك: نعم إذا كانوا كبارا، أو كان أوصى إلى رجل والورثة صغار فأخره الوصي جاز له إلا أن يكون عليه دين، فلا يجوز تأخير الأكابر ولا تأخير الوصي. وقد قال غيره: لا يجوز تأخير الوصي؛ لأن تأخيره من المعروف ومعرفة لا يجوز. قلت: أرأيت إن كانوا كبارا غيبا قال: لا أقوم على حفظ قول مالك، وأرى إن كانوا بأرض نائية وترك حيوانا ورقيقا وثيابا رأيت للوصي أن يبيع ذلك ويجمعه لهم فذلك جائز عليهم، ويرفع ذلك إلى الإمام حتى يأمر من يبيع معه نظرا للغائب.

في الرجل يوصي ويقول قد أوصيت إلى فلان فصدقوه
قلت: أرأيت إن قال: قد أوصيت بثلثي وقد أخبرت به الوصي فصدقوا الوصي، أيجوز ذلك؟ قال: قال مالك: في رجل قال: قد كتبت وصيتي وجعلتها عند فلان فصدقوه ونفذوا ما فيها: إنه يصدق وينفذ ما فيها فكذلك مسألتك. قلت: أرأيت إن قال الوصي: إنما أوصي بالثلث لابني. قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك، ولا أرى أن يقبل قوله؛ لأن مالكا سئل عن رجل أوصى بثلثه إلى رجل يجعله حيث يريد، فأعطاه ولد نفسه - يعني ولد الوصي أو أحدا من ذوي قرابته. قال: قال مالك: لا أرى ذلك جائزا إلا أن يكون لذلك وجه يعرف به صواب فعله، فهذا شاهد لابنه، فلا أرى أن يجوز. وقد قال غيره: يقبل قول الوصي الذي قال الميت: صدقوه.

شهادة الوصي لرجل أنه وصي معه
قلت: أرأيت إن أوصى إلى رجلين فشهد الوصيان بعد موت الموصي أنه أوصى

في الوارثين يشهدان لرجل أنه وصي أبيهما
قلت: أرأيت إن شهد رجلان من الورثة أن أباهما أوصى إلى فلان؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، وأراه جائزا لأن مالكا قال: لو شهد الوارثان على نسب يلحقانه بأبيهما أو بوصية لرجل بمال أو بدين على أبيهما جاز ذلك، فكذلك الوصية. قال: وقد سئل مالك عن الوارثين يشهدان على عتق عبد، أن أباهما أعتقه ومعهما أخوات؟ قال: إن كان من الرقيق الذي لا يتهمان على جر الولاء إليهما في دناءة الرقيق وضعتهم جاز ذلك، وعتق الرقيق من رأس المال. وإن كان من العبيد الذين يرغب في ولائهم ويتهمان على جر ولاء هؤلاء الرقيق دون أخواتهم أو امرأة أبيهم أو ما أشبه ذلك لم يجز ذلك. وقال غيره في الوارثين اللذين يشهدان على الوصية: إن لم يجرا بذلك نفعا إلى أنفسهما جاز، وإن جرا بذلك نفعا لم يجز.

في شهادة الوصي للورثة
قلت: أرأيت إن شهد الوصي بدين للميت على الناس، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا. قلت: لم؟ قال: لأنه يجر إلى نفسه. قلت: أرأيت إن كان الورثة كلهم كبارا، أتجوز شهادة الوصي؟ قال: إن كان الورثة عدولا وكان لا يجر شهادته شيئا يأخذه فشهادته جائزة. قلت: أرأيت إن شهد الوصي لورثة الميت بدين لهم على أحد من الناس، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك لأنه هو الناظر لهم. قلت: فإن كانوا كبارا؟ قال: إذا كانوا كبارا وكانوا عدولا يلون أنفسهم، فأرى شهادته جائزة لهم لأنه ليس يقبض الوصي لهم شيئا، إنما يقبضون هم لأنفسهم إذا كانت حالتهم مرضية.

في شهادة النساء للوصي في الوصية
قلت: أرأيت إن شهد النساء للوصي أنه أوصى إليه هذا الميت، أتجوز شهادتهن مع الرجال؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا، ولكن إن كان في شهادتهن عتق وإبضاع النساء فلا أرى أن تجوز. وقال غيره: لا تجوز شهادة النساء على الوصي على حال لأن الوصي ليس بمال. قلت: أرأيت إن شهدن أنه أوصى لهذا الرجل بكذا وكذا،

في الرجل يوصي إلى الرجلين فيخاصم أحدهما في خصومة للموصي دون صاحبه أو يخاصم أحدهما في دين على الميت
قلت: أرأيت لو أن رجلا أوصى إلى رجلين - وقد كانت بين الموصي وبين رجل خصومة - أيجوز أن يخاصم أحد الوصيين في قول مالك؟ قال: لا يجوز أمر أحد الوصيين دون الآخر ولم نوقفه على مسألتك هذه، ولكن ذلك رأيي أنه لا يجوز. قلت: فلو أن مدعيا ادعى قبل هذا الميت دعوى فأصاب أحد الوصيين، أيكون له أن يخاصمه

دون الآخر؟ قال: قال مالك: يقضى على الغائب، فهذا الذي ادعى على الميت دعوى تقبل بينته ويثبت حقه، قدر على أحد الوصيين أو لم يقدر. قال: وقال مالك: يقضى على الغائب، فإن جاء الوصي الغائب بعدما قضى القاضي على هذا الوصي الحاضر، فكانت له حجة على الميت جهلها هذا الوصي الذي خاصم، نظر القاضي في ذلك، فإن رأى ما يدفع به حجة هذا المستحق دفعها ورد الحق إلى ورثة الميت، وإن لم ير ذلك أنفذه.

في الرجل يوصي لأم ولده على أن لا تتزوج
قلت: أرأيت إن أوصى لأم ولده بألف درهم على أن لا تتزوج، فقالت: لا أتزوج وقبضت الألف، ثم إنها تزوجت بعد ذلك؟ فقال: شهدت مالكا وسئل عن امرأة هلك عنها زوجها وأوصى إليها على أن لا تنكح فتزوجت. قال: قال مالك: أرى أن تفسخ وصيتها، فأرى مسألتك مثل هذه تنزع منها الألف إن تزوجت.

في الرجل يوصي لجنين امرأة فأسقطته بعد موت الموصي
قلت: أرأيت إن أوصى لما في بطن هذه المرأة بوصية فمات الموصي، ثم أسقطته بعد ما مات الموصي؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى له من الوصية شيئا إلا أن يخرج حيا ويستهل صارخا وإلا فلا شيء له.

في الرجل يدعي أنه قد أنفق مال اليتيم عليه أو دفعه إليه
قلت: أرأيت الوصي إذا بلغ اليتامى فقال: قد دفعت إليهم أموالهم بعد ما بلغوا، وأنكروا أن يكونوا قبضوا أموالهم، أيصدق الوصي عليهم أم حتى يقيم البينة الوصي؟ قال: لا يصدق الوصي حتى يقيم البينة وإلا غرم. قال: وهذا قول مالك. قال: وقال مالك أيضا: إنه إن قال قد أنفقت عليهم وهم صغار، فإن كانوا في حجره يليهم كان القول قوله ما لم يأت بأمر يستنكر أو بسرف من النفقة، وإن كان يليهم غيره مثل أمهم أو أخيهم أو غير هؤلاء ثم قال: قد دفعت النفقة إلى من يليهم أو أنفقت عليهم فأنكروا، لم يقبل قوله إلا ببينة يأتي بها وإلا غرم. سحنون: وقد قال الله: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [سورة النساء: 6].

في إقرار الوارث الأجنبي بوصية أو بوديعة
قلت: أرأيت إن أقر الوارث بوصية الثلث لرجل أجنبي؟ قال: يحلف الأجنبي مع هذا الوارث ويستحق حقه، فإن أبى أن يحلف أخذ مقدار حقه من نصيب الذي أقر له سحنون: إن كان غير مولى عليه. قلت: أرأيت إن هلك والدي وترك أموالا ورقيقا فأقررت بعبد من الرقيق أنه كان في يدي أبي وديعة لفلان وأنكر بقية الورثة، كيف يقتسمون هذا العبد الذي أقر به لفلان وقد ترك والده رقيقا كثيرا؟ قال: يحلف صاحبه ويستحق حقه مع شاهد إن كان عدلا. قلت: فإن أبى أن يحلف؟ قال: يكون له قدر مورثه منه.

في الرجل يوصي بعتق أمته إلى أجل فتلد قبل مضي الأجل أو تجني جناية
قلت: أرأيت لو أن رجلا قال أعتقوا أمتي من بعد موتي بسنة في وصيته، ثم مات فولدت الأمة قبل مضي السنة، أو جنت جناية قبل مضي السنة، أو جني عليها جناية قبل مضي السنة؟ قال: إذا مات الميت فهذه الأمة لا ترد إلى الرق على حال؛ لأنها قد صارت بعد موته معتقة إلى أجل إذا كان الثلث يحملها، فإن ولدت ولدا بعد موت سيدها فولدها بمنزلتها؛ لأن المعتقة إلى أجل ولدها بمنزلتها يعتق بعتقها. قال: وأما ما جنت من جناية، فإنما يقال للورثة ابرءوا من خدمتها أو افتكوا الخدمة بجميع الجناية، فإن برءوا من خدمتها كانت الخدمة للمجني عليه ويقاص من خدمتها من جراحاته، فإن أدت قيمة الجراحة قبل مضي السنة رجعت إلى الورثة فخدمت بقية السنة، وإن مضت السنة وقد بقي من أرش الجناية شيء عتقت وكان ما بقي عليها من أرش الجناية دينا تتبع به، وأما إذا جني عليها فإنما يلزم الذي جنى عليها جناية أمة ويكون ذلك لورثة سيدها، وليس لها منه قليل ولا كثير؛ لأن الأمة المعتقة إلى أجل إذا جني عليها فإنما هو لسيدها ولا يكون ذلك لها، وكذلك لو قتلت إنما تكون قيمتها لسيدها. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله. قلت: أرأيت ما اكتسبت من الأموال بعد موت سيدها قبل مضي السنة، أو وهب لها لمن يكون في قول مالك؟ قال: ذلك لها عند مالك. وقال غيره: إن للورثة أن ينتزعوا ذلك منها ما لم يقرب الأجل.

في الرجل يوصي بعتق أمته إلى أجل فيعتقها الوارث
قلت: أرأيت إن ترك وارثا واحدا ولم يدع وارثا غيره، وأوصى بعتق أمته بعد موته

في الرجل يوصي لعبده بثلث ماله والثلث يحمل رقبة العبد
قلت: أرأيت رجلا أوصى في مرضه لعبده بثلث ماله، والثلث يحمل جميع رقبة العبد؟ قال: قال مالك: هو حر. قلت: فإن كان الثلث فضل عن رقبة العبد؟ قال: قال مالك: يعطي ما فضل من الثلث بعد رقبته. قلت: فإن كان الثلث لا يحمل رقبته؟ قال: قال مالك: يعتق منه ما حمل الثلث. قال: قال مالك: وذلك أني رأيت أن يعتق جميعه في الثلث؛ لأن العبد إذا كان بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه قوم عليه، ولو كان عبد الرجل فأعتق منه جزءا أعتق عليه كله. قال مالك: فالعبد في نفسه إذا أعتق منه جزء أحرى أن يستكمل على نفسه ما بقي منه. قال ابن القاسم: وإن لم يحمله الثلث وللعبد مال رأيت أن يؤخذ منه ويعتق؛ لأن ما بقي له من ثلث سيده الذي بعد رقبته من مال السيد، بمنزلة ماله يعتق في ذلك ولو لم يكن يعتق فيما في يديه من ماله ما أعتق فيما بقي من ثلث سيده. ألا ترى أن مالكا قال: إنما أعتقه فيما بقي من ثلث سيده بعد رقبته بمنزلة العبد بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه فيقوم عليه. قال مالك: فهو أحرى باستكمال عتقه من غيره، وهذا وجه ما سمعت واستحسنت. قال ابن وهب: وقول ربيعة إنه يقوم في مال نفسه حتى يتم بذلك عتقه. وكذلك قال الليث بن سعد ويحيى بن عبد الله بن سالم. وقال ابن وهب عن مالك: إنه إذا أوصى للعبد بسدس المال أو بثلثه، فإن ذلك يجعل في رقبة العبد، فإن كان العبد برقبته سدس المال خرج العبد حرا.فقلت لمالك: فإن لم يترك إلا العبد بعينه، فأوصى للعبد بثلث ماله وفي يد العبد ألف دينار؟ قال مالك: لا يعتق من العبد إلا ثلثه ويكون المال بيده على هيئته. سحنون: وكذلك يقول بعض كبار أصحاب مالك بقول مالك هذا.قلت: أرأيت إذا أوصى لعبده بمال أيجوز؟ قال: قال مالك: إذا كان الثلث يحمله جاز ذلك. قال مالك: ولا يكون للورثة

أن ينتزعوه منه. قلت: فإن أوصى له بثلث ماله؟ قال: ذلك جائز ويعتق ويتم له ثلث الميت إن حمله الثلث، فإن لم يحمل الثلث رقبته عتق من رقبته مبلغ الثلث. ابن وهب عن عامر بن مرة بن معدان أنه سمع ربيعة يقول في رجل أوصى لعبده ولامرأة له حرة وله منها أولاد صغار أحرار ولولده منها بثلث ماله. قال ربيعة: يعتق العبد، وذلك لأن ولده من امرأته الحرة لهم نصيب في ثلث الموصي، فقد ملكوا من أبيهم بعضه فهو حر وما ملك العبد من نفسه أيضا فهو حر.

في الرجل يوصي للرجل بخدمة عبده سنة فيبيع الورثة العبد من رجل وهو يعلم أن للموصى له فيه الخدمة
قلت: أرأيت إن أوصى لي بخدمة عبده سنة، فباعت الورثة العبد من رجل - والمشتري يعلم أن للموصى له فيه الخدمة - فرضي بذلك المشتري أن يأخذه بعد السنة، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يحل ذلك؛ لأنه إنما اشتراه على أن يدفع إلى سنة فلا يجوز.

في الرجل يوصي للرجل بخدمة عبده سنة أينظر إلى قيمة الخدمة أو إلى قيمة العبد؟
قلت: أرأيت إن أوصى لي رجل بخدمة عبده سنة، أينظر إلى قيمة الخدمة أم إلى قيمة العبد في قول مالك؟ قال: إنما ينظر إلى قيمة العبد، فإن حمله الثلث جاز ما أوصى به وخدم الموصى له سنة، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين أن يسلموا الخدمة - كما أوصى الميت - أو يبرءوا من ثلث الميت في كل ما ترك. وكذلك الدار يوصى لرجل يسكنها سنة، فإنه يقوم الدار بحال ما وصفت لك. قلت: ولم قال مالك تقوم الدار ولا تقوم الخدمة والسكنى؟ قال: لأني إذا قومت الخدمة والسكنى حبست الدار عن أربابها والعبد عن أربابه، وهم يحتاجون إلى بيعه فهذا لا يستقيم. قلت: أرأيت إن أوصى بالغلة أو بالخدمة، أهما سواء عند مالك؟ قال: الذي سمعنا من مالك إنما سمعنا الخدمة، فأراه كله سواء إذا أوصى بالغلة فقد أوصى بالخدمة وإذا أوصى بالخدمة فقد أوصى بالغلة هو عندي سواء.

في الرجل يوصي بعتق الأمة فتلد قبل موت الموصي أو بعده
قلت: أرأيت إن أوصى رجل بعتق أمة له ثم ولدت قبل موت الموصي، أيكون

في الرجل يوصي بما في بطن أمته لرجل فيعتق الورثة الجارية
قلت: أرأيت الرجل يوصي بما في بطن أمته لرجل فيعتق الورثة الأمة، أيكون ما في بطنها حرا أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني بلغني عن مالك في الرجل يتصدق بما في بطن جاريته على رجل ثم يبت عتق الأمة. قال: ما في بطنها حر لأنه قد أبت عتق الأم. قال: وبلغني عن ربيعة أنه قال ذلك. قلت: أرأيت إن أوصى رجل لرجل بما في بطن أمته، فمات الموصي فأعتق الورثة الأم، أيعتق الولد معها أم لا؟ قال: عتقهم جائز، ويعتق ما في بطنها بعتقها وتسقط وصية الموصى له بما في بطنها، بمنزلة ما لو أن السيد وهب ما في بطنها لرجل، ثم أعتقها السيد بعد ذلك كانت هي وما في بطنها حرين وسقطت الهبة. أولا ترى لو أن رجلا وهب ما في بطن جاريته لرجل ثم فلس بيعت وكان ما في بطنها لمن اشتراها. قلت: أرأيت إن وهبت لرجل ما في بطن أمتي ثم أعتقتها قبل أن تضع ما في بطنها؟ قال: بلغني عن مالك وغيره أنه قال: هي حرة وما في بطنها حر. قال: وقال مالك في الرجل يخدم عبده رجلا عشر سنين ثم هو بعد ذلك هبة لرجل آخر فقبضه المخدم، ثم مات السيد في العشر سنين قبل أن يقبض العبد الموهوب له. قال: العبد للموهوب له وقبض المخدم العبد قبض لنفسه وللموهوب له وسواء إن كان وهب العبد وأخدمه في صفقة واحدة في صحته وأخدمه فقبضه المخدم في صحته ثم وهبه بعد ذلك لرجل، فإذا انقضت الخدمة ومات السيد قبل انقضاء الخدمة، فإن العبد للموهوب له لأن سيد العبد حين وهبه لهذا الرجل وهو في يد المخدم فقبض المخدم قبض الموهوب له؛ لأنه حين وهب العبد وهبه والعبد خارج من يد السيد

فقد قبض منه وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إن أوصى رجل بما في بطن أمته لرجل فهلك - والمال واسع أو غير واسع - فأعتق الوارث الأمة قبل أن تضع الولد لمن ولاء ما في بطنها؟ قال ابن القاسم: أخبرني الليث عن ربيعة أنه قال في رجل تصدق على رجل بما في بطن أمته ثم أعتق السيد الأم قبل أن تضع ولدها. قال: قال لي ربيعة: هي حرة وولدها حر معها وليس للمتصدق عليه شيء. قال ابن القاسم: وقد بلغني عن مالك أنه قاله أيضا وهو رأيي.

في الرجل يوصي بخدمة عبده لرجل سنة ثم هو حر فيأبى أن يقبل
قلت: أرأيت إن قال رجل في مرضه: يخدم عبدي هذا الرجل سنة ثم هو حر، فمات الموصي فأبى الموصى له بالخدمة أن يقبل الوصية؟ قال: قال مالك: الوصية إذا لم يقبلها الذي يوصى له بها رجعت إلى الورثة. وقال مالك في العبد يخدمه الرجل سنة ثم هو حر، فيهب الموصى له بالخدمة الخدمة للعبد أو يبيعها منه، أنه حر تلك الساعة. قال: وقال لي مالك: ولا حجة للسيد ولا للورثة في شيء من ذلك. وأرى هذا حين أبى أن يقبل الوصية أن العبد يخدم ورثة الميت سنة، ثم يخرج حرا لأن هذا حين لم يقبل الوصية صارت خدمة العبد لورثة الميت إلا أن يهبها الموصى له بالخدمة للعبد، فيكون قد قبلها إذا وهبها ويخرج العبد حرا مكانه.

في الرجل يوصي للرجل بخدمة عبده سنة ثم هو حر والموصى له بالخدمة غائب ببلد نائية
قلت: أرأيت إن قال: يخدم عبدي فلانا سنة، ثم هو حر - وذلك في مرضه - فمات فنظر فإذا فلان الذي أوصى له بالخدمة ببلد ناء عن الميت عن العبد؟ قال: لم أسمع من مالك فيه ما أقوم على حفظه، وأرى للسلطان أن يؤاجره للغائب ويأخذ له عمل هذا العبد إن كان ممن يؤاجر ويخدم، ثم هو حر إذا أوفت السنة، فإن كان ممن لا يؤاجر وإنما أريد منه ناحية الكفالة والحضانة انتظر به وكتب إلى الرجل، أو خرج العبد إليه، فإذا أوفت السنة من يوم مات السيد فهو حر. قلت: خدم أو لم يخدم؟ قال: نعم، لأني سألت مالكا عن الرجل يقول لعبده اخدمني سنة وأنت حر فيأبق منه حيث تنقضي السنة. قال: قال مالك: هو حر إذا انقضت السنة. قال مالك: وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو مرضها. قال: وإنما رأيت أن يعتق إذا مضت السنة من يوم مات السيد؛ لأنا سألنا مالكا

في الرجل يوصي بخدمة أمته لرجل وبرقبتها لآخر فتلد ولدا
قلت: أرأيت إن أوصى في أمة له فقال: تخدم فلانا حياته، وجعل رقبتها بعد خدمتها لفلان لرجل آخر، فولدت الجارية أولادا في حال خدمتها، أيخدم أولادها معها أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: من أخدم أمته رجلا حياته أو عبده فولد للعبد من أمته ولدان، ولد العبد من أمته وولد الأمة، يخدمان إلى الأجل الذي جعل في أبيه وفي أمه إن كان سمى لها عددا، وإن كان سمى حياته فكذلك أيضا. قلت: أرأيت نفقة العبد، على من هي، أعلى المخدم أم على الموصى له برقبة العبد؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يوصي بخدمة جاريته أو عبده لأم ولده أو لأجنبي من الناس على من نفقته؟ قال: على الذي أخدم.

في الرجل يوصي لوارثه بخدمة عبده سنة ثم هو حر
قلت: أرأيت إن قال: يخدم ميمون هذا ابني سنة ثم هو حر؟ قال: قال مالك: يدخل جميع الورثة في هذه الخدمة إذا لم يسلموا ذلك، فإذا مضت السنة فهو حر إذا كان الثلث يحمله.

في وصية المحجور عليه والصبي
وصية المحجور عليه والصبي
قلت: أرأيت المحجور عليه إن حضرته الوفاة فأوصى بوصايا أيجوز ذلك؟ قال: نعم قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الأحمق والسفيه والمصاب الذي يفيق أحيانا، أن وصاياهم جائزة إذا كان معهم من عقولهم ما يعرفون به الوصية. قال: وأما من ليس معه من عقله ما يعرف به ما يوصي، أو كان مغلوبا على عقله فلا وصية له. قال: وبلغني عن ربيعة أنه قال في المجنون يوصي عند موته. قال: لا يجوز عليه شيء من ذلك إلا في صحته. قلت: أرأيت الصبي، هل تجوز وصيته في قول مالك؟ قال: قال مالك: إذا أوصى وهو ابن عشر سنين أو إحدى عشر سنة أو اثنتي عشرة سنة جازت

في الرجل يوصي لعبد وارثه أو لعبد نفسه
قلت: أرأيت إن أوصى لعبد رجل هو وارثه في مرضه، أتجوز هذه الوصية في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يوصي أن يشترى غلام ابنه في مرضه فيعتق عنه، أترى أن يزاد عليه مثل ثلث ثمنه كما يزاد في عبد الأجنبي؟ قال: لا، هذا إذا يكون وصية لوارث فمسألتك تشبه هذا، لا أرى أن تجوز. قال ابن القاسم: إلا أن يكون الشيء التافه مثل الثوب يكسوه إياه في وصيته، أو الشيء الخفيف الذي يعلم أنه لم يرد به وجه المحاباة والوصية لسيده: وإنما أراد به العبد لعله أن يكون هذا كانت من العبد له خدمة وصحبة ومرفق، فمثل هذا يجوز وهذا قول مالك. قلت: أرأيت إن أوصى لعبد ابنه بوصية من ماله ولا وارث له غير ابنه؟ قال: سألت مالكا عن الذي يوصي لعبد نفسه بوصية دنانير. قال: قال مالك: أراها جائزة ولا أرى للورثة أن ينزعوا ذلك منه، ولو جاز لهم أن ينزعوه لكانت وصية الميت إذا غير نافذة. قال: قال مالك: وأرى إن باعه الورثة أن يبيعوه بماله الذي أوصى له به، فإذا باعوه فالوصية له. فإن أراد الذي اشتراه أن ينتزع ما في يديه من تلك الوصية كان ذلك له. قال ابن القاسم: فعبد ابنه إذا كان لا وارث له غير ابنه بمنزلة عبد نفسه إذا كان له ورثة. قلت: أرأيت إن أوصى رجل أجنبي لعبد رجل، أيكون لهذا الرجل أن ينتزع ذلك المال من عبده في قول مالك؟ قال: لا أقوم على حفظ قول مالك، ولا أرى به بأسا أن ينتزعه وإنما منع من الأول؛ لأن سيد العبد في تلك المسألة وارث

الميت. قلت: أرأيت إن أوصى لعبد ابنه في مرضه بوصية أيجوز ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك إلا أن يكون الشيء التافه اليسير وقد فسرت ذلك لك. قلت: أوصى له بوصية فلم يحاب واحدا من الورثة، وإذا أوصى لعبد ابنه فقد حابى بعض الورثة فلا يجوز. قلت: أرأيت إن أوصى لمكاتب نفسه بوصية أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز لأن مالكا أجاز الوصية لعبده.

الوصية للقاتل
قلت: هل يجيز مالك الوصية للقاتل؟ قال: الوصية في قول مالك في قتل الخطأ بمنزلة الميراث يرث من المال ولا يرث من الدية. وأنا أرى إن كانت له حياة فأوصى له بعد علمه به، فأرى الوصية له في المال وفي الدية. قلت: فإن قتله عمدا؟ قال: إن قتله عمدا لم تجز الوصية التي أوصى له بها إذا كانت الوصية قبل القتل في مال ولا في دية، إلا أن يكون قد علم أنه قتله عمدا فأوصى له بعد علمه فإن ذلك جائز. ألا ترى أن الوارث إذا قتل من يرث عمدا لم يرث من المال ولا من الدية، فكذلك الموصى له إذا قتل عمدا إن أوصى له بعد الضرب بمال فذلك جائز في ثلثه، وإن عفا له من دمه فذلك جائز ولا يحسب ذلك في ماله. قلت: أرأيت الوصية للقاتل، هل تجوز إذا أوصى بها ثم قتله الموصى له عمدا أو خطأ؟ قال: الوصية لقاتل الخطأ تجوز في ماله ولا تجوز في ديته، وقاتل العمد لا تجوز له وصية في مال ولا في دية. أنظر أبدا من أوصي له بوصية فكان هو قاتل صاحبه الذي أوصى له بعد ما أوصى له عمدا فلا وصية له من ماله ولا من ديته، بمنزلة الوارث الذي يقتل وارثه عمدا فلا يرث من ماله ولا من ديته، وقاتل الخطأ يرث من المال ولا يرث من الدية شيئا، فكذلك الوصية في القاتل خطأ إذا كانت قبل القتل، وإذا كانت الوصية له بعد الضرب - عمدا كان أو خطأ - جاز له كل ما أوصي له به في المال وفي الدية جميعا إذا علم ذلك منه في العمد والخطأ. قال سحنون: في الخطأ.

في الرجل يوصى له بالوصية فيموت الموصى له بعد موت الموصي
قلت: أرأيت إن أوصي لرجل بوصية، فمات الموصى له بعد موت الموصي ولم يعلم الموصى له بالوصية؟ قال: قال مالك: الوصية لورثة الموصى له. قال: ولقد سألت مالكا عن رجل أوصى لرجل غائب فماتا جميعا ولم يعلم الغائب بوصيته. وقد مات

في الرجل يوصي لوارثه ثم يولد له ولد فيحجب الموصى له
قلت: أرأيت إن أوصيت لأخي بوصية وهو وارثي، ثم ولد لي ولد فيحجبه والوصية مني له إنما كانت في المرض أو في الصحة؟ قال: الوصية جائزة لأنه قد تركها بعدما ولد له فصار مجيزا لها بعد الولادة، والأخ غير وارث فهي جائزة. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم فيما بلغني. وقال غيره: الوصية جائزة، علم الموصى له أو لم يعلم. قلت: أرأيت إن أوصى لامرأة بوصية في صحته، ثم تزوجها بعد ذلك أتجوز وصيته أم لا؟ قال: وصيته باطلة.

في الرجل يوصي لصديقه الملاطف
قلت: أرأيت إن أوصى لصديق ملاطف، أيجوز أم لا في قول مالك؟ قال: نعم ذلك جائز عند مالك إذا كان الثلث يحمله، وإن كان أكثر من الثلث لم يجز في ذلك إلا الثلث إلا أن يجيز الورثة. قلت: فإن أقر له بدين؟ قال: هذا لا يجوز إذا كان الورثة عصبة وما أشبههم؛ لأنه يتهم إذا كان ورثته أباعد فيما أقر به للصديق الملاطف عند مالك. قال: وإن كان ورثته ولده لم يتهم وجاز ما أقر به للصديق الملاطف. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فإن كان ورثته أبويه أو زوجته أو ولد ولده؟ قال: أرى الأبوين من ذوي قرابته أنه لا يجوز ولم أسمعه من مالك، وولد ولده بمنزلة ولده يجوز إقراره للصديق الملاطف معهم بالديون.

الرجل يوصي فيعول على ثلثه
قلت: أرأيت من أوصى في مرضه فعال على ثلثه، أيجوز من ذلك الثلث في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: فما فرق ما بينه وبين المرأة ذات الزوج، أجزت للمريض إذا عال على الثلث في قول مالك، والمرأة إذا عالت على ثلثها لم تجز منه شيئا؟ قال: لأن المريض لا يريد الضرر إنما يريد البر لنفسه فلا يجوز إلا الثلث، والمرأة صنيعها كله إذ

في الرجل يوصي بوصايا ثم يفيد مالا بعد الوصايا
قلت: أرأيت إن أوصى لرجل بثلث ماله ولا مال له يوم أوصى ثم أفاد مالا فمات؟ قال: إن علم الميت بما أفاد فللموصى له ثلثه. وهذا قول مالك، وإن لم يعلم فلا شيء له. قلت: أرأيت إن أوصى وله مال ثم نفذ ماله ذلك الذي كان عنده يوم أوصى، ثم أفاد مالا بعد ذلك فمات، أتكون وصاياه في هذا المال في قول مالك؟ قال: نعم، إذا أقر وصيته فهي في ماله الذي كان في يديه يوم أوصى، وفي كل مال يفيده بعد ذلك مما علم به قبل موته. قلت: أرأيت إن أوصى بوصايا فورث مالا لم يعلم به أو علم به، أيكون لأهل الوصايا في ذلك المال شيء أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: كل من أوصى بعتق أو غيره وله مال لم يعلم به مثل الميراث، يكون بأرض قد ورثه ولم يعلم به فمات فإن ذلك لا تدخل فيه الوصايا، لا عتق ولا غيره. قال: قال مالك: إلا أن يكون قد علم به بعدما أوصى قبل أن يموت، فإن الوصايا تدخل فيه علم به في مرضه أو غير مرضه، فذلك سواء تدخل الوصايا. قال ابن القاسم: قال مالك: إلا المدبر في الصحة فإنه يدخل فيما علم به وفيما لم يعلم به في الحاضر والغائب. قال: وكذلك كل دار أعمرها أو أرض حبسها في صحته فرجعت بعد موته، فإن الوصايا تدخل فيها إذا كانت ترجع غير حبس، فإن الوصايا تدخل في ذلك. قال: وهذا قول مالك. قلت: فإن كانت إنما رجعت إليه هذه الأحباس مالا بعد موته بعشرين سنة، وقد اقتسموا المال إلا أن أهل الوصايا لم يستكملوا وصاياهم؟ قال: يرجعون في هذا الذي رجع من هذا الحبس لأنه إنما رجع مالا للميت، فيأخذون ثلثه وهذا الحبس إذا كان إنما هو عمرى أو سكنى هو الذي يرجع ميراثا وترجع فيه الوصايا، فأما الحبس المبتل فلا يرجع ميراثا ولا ترجع فيه

في رجل أوصى بزكاة وله مدبر وأوصى بزكاة وبعتق بتل وبإطعام مساكين
قال: وسئل مالك عن الرجل يهلك ويوصي بزكاة عليه ويترك مدبرا له في صحته ولا يسع الثلث ذلك؟ قال: لا يفسخ التدبير شيء، وإن التدبير في الصحة مبدأ على الزكاة وعلى العتق الواجب وغيره؛ لأن التدبير لا يفسخه شيء وليس للميت أن يرجع في تدبيره قبل موته والوصية بالعتق للميت أن يرجع فيها قبل موته؛ لأنها وصية. ولم يره مثل ما أعتق وبتله في مرضه. وقال: الزكاة مبدأة على العتق المبتل في المرض وغيره، والمدبر في الصحة مبدأ على الزكاة. قال: وقال مالك: والزكاة في الثلث إذا أوصى بذلك مبدأة على العتق وغيره إلا التدبير في الصحة، وهي والزكاة مبدأة على التدبير في المرض. قال: فقلت لمالك: فلو أن رجلا مرض مرضا فجاءه مال كان غائبا عنه، أو حلت زكاة مال له يعرف ذلك وهو مريض، فأمر بأداء زكاته، أترى أن ذلك في ثلثه؟ قال: لا، إذا جاء مثل هذا الأمر وإن كان مريضا، فأراه من رأس ماله. وإنما يكون في ثلث ماله كلما فرط فيه في صحته حتى يوصي به فيكون في ثلثه، كذلك سمعت مالكا يقول. قلت: أرأيت

إن أوصى بزكاة عليه وبأن يطعم عنه المساكين من نذر واجب، أو أوصى أن يطعم عنه من صوم رمضان، أو أوصى بشيء من الواجب، أيكون في الثلث أم في رأس المال في قول مالك؟ قال: بل في الثلث عند مالك. قلت: أرأيت من أوصى فقال: حجوا عني حجة الإسلام وأوصى بعتق نسمة ليست بعينها، وأوصى بأن يشتروا عبدا بعينه فيعتقوه عنه، وأعتق عبدا في مرضه فبتله ودبر عبدا وأوصى بعتق عبد له آخر بعد موته، وأوصى بكتابة عبد له آخر، وأوصى بزكاة بقيت عليه من ماله وأقر بديون للناس في مرضه؟ قال: قال مالك: الديون مبدأة كانت لمن يجوز له إقراره أو لمن لا يجوز له إقراره، ثم الزكاة ثم العتق المبتل والمدبر جميعا معا لا يبدأ أحدهما قبل صاحبه. قال: قال مالك: ثم العتق بعينه والذي أوصى أن يشترى بعينه جميعا لا يبدأ أحدهما على صاحبه. قال: ثم المكاتب ثم الحج والرقبة بغير عينها سواء، فإن كانت الديون لمن يجوز إقراره له أخذها، وإن كانت لمن لا يجوز له إقراره رجعت ميراثا إلا أنه يبدأ بها قبل الوصايا، ثم تكون الوصايا في ثلث ما بقي بعدها. ابن وهب وقال ربيعة في الرجل يقتل الرجل خطأ فيموت القاتل وعليه رقبة. قال: تلك الرقبة من الثلث. قال مالك: إن أوصى بها ويبدأ الدين عليها. وقال إبراهيم النخعي فيمن أوصى بزكاة أو حج. قال: هو من ثلثه.

في الرجل يوصي بشراء عبد بعينه أن يعتق وهو قد أعتق عبدا له
قلت: أرأيت إن قال اشتروا عبد فلان بعينه فأعتقوه عني وقال: أعتقوا عبدي فلانا بعد موتي، فأيهما يبدأ؟ قال: بهما جميعا في الثلث، لا يبدأ أحدهما قبل صاحبه عند مالك. قلت: فإن قال: أعتقوا فلانا لعبد له بعد موتي، وقال: اشتروا نسمة فأعتقوها عني، بأيهما يبدأ في قول مالك؟ قال: بالعبد الذي بعينه.

في الرجل يوصي بالنفقة في سبيل الله
قال: وسألت مالكا عن الرجل يوصي بالنفقة في سبيل الله؟ فقال: يبدأ بأهل الحاجة الذين في سبيل الله، قال: وكلمته في ذلك في غير مرة فرأيت قوله أنه يبدأ في جميع ذلك بالفقراء.

في الرجل يوصي بثلث ماله لفلان وللمساكين
قلت: أرأيت رجلا قال ثلث مالي لفلان وللمساكين؟ قال: بلغني عن مالك في

في الرجل يوصي بعتق عبده إلى أجل ولرجل بثلثه أو بمائة دينار
قلت: أرأيت إن أوصى رجل بعتق عبده بعد موته بستة أشهر أو بشهر أو ما أشبه ذلك وأوصى لرجل آخر بثلث ماله، أو بمائة دينار من ماله؟ قال: قال مالك: ثلث الميت في العبد؛ لأنه جعل عتقه إلى أجل ويقال للورثة: إن شئتم فادفعوا المائة إلى الموصى له أو الثلث الذي أوصى به وخذوا خدمة العبد إلى الأجل، فإن أبوا كانت الخدمة لصاحب الوصية إلى الأجل وإن مات العبد قبل الأجل كان ما ترك لأهل الوصايا الذين أوصى لهم بالمال، فقد صار العتق ههنا مبدأ على الوصايا إلا أنه لا يعتق إلا إلى الأجل، وصارت الخدمة التي في ثلث الميت - وهو العبد - لأهل الوصايا إلا أن يجيز الورثة وصية الميت، فيدفعون وصية الميت كلها ويكون لهم الخدمة إذا كان العبد يخرج من الثلث. قال: عبد الرحمن بن القاسم: وإن كانت قيمة العبد أكثر من الثلث، خير الورثة بين أن ينفذوا ما أوصى به الميت وبين أن يعتقوا ما حمل الثلث من العبد بتلا، وتسقط الوصايا لأن العتق مبدأ على الوصايا. قال سحنون: وهذا قول أكثر الرواة لا أعلم بينهم فيه اختلافا.

في الرجل يدبر عبده في مرضه ويعتق آخر إن حدث به حدث
قلت: أرأيت إن دبر عبدا له في مرضه وقال لآخر: إن حدث بي حدث الموت فهو حر؟ قال: قال مالك: يبدأ المدبر، وهو قول الرواة لا أعلم بينهم فيه اختلافا إلا أشهب فإنه يأباه.

في الرجل يبيع عبده في مرضه ويحابي في بيعه ويعتق آخر
قلت: أرأيت إن باع في مرضه عبدا وحابى فيه - وقيمة العبد الثلث - وأعتق عبدا له آخر - وقيمة المعتق الثلث - بأيهما يبدأ؟ قال: قال مالك: في الذي يوصي بوصية في مرضه ويوصي بعتق: إن العتق مبدأ ولم أسمع في البيع شيئا أقوم على حفظه، وأرى

في الرجل يوصي بعتق عبده في مرضه بعد موته ويعتق آخر على مال
قلت: أرأيت إن قال: عبدي ميمون حر بعد موتي، وعبدي مرزوق حر على أن يؤدي إلى ورثتي ألف درهم، والثلث لا يحملهما جميعا أو يحملهما، كيف يصنع بهما في قول مالك؟ قال: قال مالك: في الذي يوصي بعتق عبد له ويوصي بكتابة عبد له آخر: إن الموصى بعتقه يبدأ به على الموصى بكتابته، فأرى هذا إذا أوصى بعتقه على أن يؤدي إلى الورثة ألف درهم أو يعطي لآخر ألف درهم إن عجلها تحاصا في الثلث - هو والموصى بعتقه - بغير مال، وإن لم يعجل المال بدئ بالذي أعتق بغير مال، فإن كان في الثلث فضل لا يسع الباقي قيل للورثة: إما أمضيتم لهذا ما قال الميت وإما أعتقتم منه ما بقي من ثلث الميت. قال: وإنما رأيت أن يتحاصا في الثلث إذا عجل الموصى له بعتقه بمال يؤديه إذا عجل المال، لأن مالكا سئل عن رجل أوصى بعتق عبد له وأوصى بعتق عبد له آخر إلى شهر. قال: قال مالك: إذا قرب هكذا رأيت أن يتحاصا جميعا. قال: قال مالك: فإن قال إلى أجل بعيد إلى سنة أو ما أشبهه. قال مالك: رأيت أن يبدأ بالمبتل، وقد قيل إن الموصى بعتقه مبدأ على غيره ممن أمر أن يؤخذ منه مال ويعتق.

في الرجل يوصي بحج وبعتق رقبة
قلت: أرأيت إن أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام وأن يعتق عنه رقبة؟ قال: قال لي مالك: الرقبة مبدأة على الحج؛ لأن الحج ليس عندنا أمرا معمولا به. وقد قال أيضا، إنهما يتحاصان. وإذا أوصى لرجل بمال وأوصى بعتق رقبة تحاصا، وإذا أوصى بمال وأوصى بالحج تحاصا. قلت: أرأيت إن حمل الثلث الرقبة وبعض الحج ولا يحمل أن يحج عنه من بلاده، ولكن يحمل بقية الثلث أن يحج عنه من مكة؟ قال: أرى أن يحج عنه ببقية الثلث من حيث ما بلغ أن يحج به عنه. وقال مالك في الرجل يوصي أن يحج عنه فلم يبلغ ثلثه إلا ما يحج به عنه من المدينة أو من مكة. قال: أرى أن ينفذ ذلك. قال ابن القاسم: وهذا رأيي أن تنفذ وصيته إذا أوصى به، وإن لم يوص فلا أرى أن يحج عنه. قلت: وكان مالك يكره أن يتطوع الولد من مال نفسه فيحج عن أبيه؟ قال:

في الرجل يوصي بوصايا وبعتق عبده
قلت: أرأيت إن أوصى بوصايا وأعتق عبده في مرضه أو قال هو حر بعد موته؟ قال: قال مالك: إن كان عبدا بعينه يملكه فهو حر مبدأ، وإن أوصى أن تشترى رقبة بعينها فهي أيضا مبدأة، مثل ما يقول اشتروا عبد فلان بعينه فأعتقوه. وإن أوصى بدنانير في رقبة فهو يحاص أهل الوصايا ولا يبدأ. ابن وهب عن سفيان الثوري عن رجل حدثه عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: إذا أوصى رجل بوصايا وبعتاقة بدئ بالعتاقة. رجال من أهل العلم عن ابن شهاب ويحيى بن سعيد وشريح وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهم كانوا يقولون فيمن أوصى بعتق وبصدقة، أنه يبدأ بالعتاقة قبل الصدقة والوصية، فما فضل بعد العتاقة كان فيما بينهم بالحصص. قال: وسمعت حيوة بن شريح يقول: حدثني السكن بن أبي كريمة أنه سأل يحيى بن سعيد الأنصاري عن رجل يوصي بوصايا كثيرة وعتاقة أكثر من الثلث. قال يحيى: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يبدأ بالعتاقة. قال: وقد صنع ذلك أبو بكر وعمر.

في الموصي يقدم في لفظه ويؤخر
قلت: أرأيت الميت إذا أوصى بوصايا فقدم في اللفظ بعضها قبل بعض، هل ينظر في لفظه فيقدم ما قدم بلفظه في الثلث، أم ينظر إلى الذي هو أوكد فيقدمه في الثلث، وإن كان لفظ به وتكلم به في آخر الوصايا؟ قال: نعم، إنما ينظر في هذا إلى الأوكد فيقدم في الثلث، وإن تكلم به في آخر الوصايا، ولا ينظر إلى لفظه إلا أن يكون أوصى فقال

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الوصايا الثاني

في الرجلين يشهدان بالثلث لرجل ويشهد وارثان بعتق عبد والعبد هو الثلث
قلت لابن القاسم: أرأيت إن شهد شاهدان أن الميت أوصى لهذا الرجل بثلث ماله، وشهد وارثان من ورثة الميت أن والدهما أعتق هذا العبد في مرضه والعبد هو الثلث؟ قال: إن كان العبد ممن لا يتهمان بجر ولائه إليهما صدقا في ذلك كما وصفت لك وبدئ بالعتق، وإن كان العبد ممن يتهمان بجر ولائه لم يصدقا على ورثة الميت من النساء، فإذا لم يصدقا على النساء لم تجز شهادتهما، وكانت الشهادة على الوصية جائزة. وإن شهدا وليس معهما من الورثة نساء، وإنما الورثة أولاد ذكور كلهم، فأرى شهادتهما على العتق جائزة، ويبدأ بالعتق على الموصى له بالثلث إذا كان العبد الذي شهدا بعتقه ليس ممن يتهمان على جر ولائه؛ لأنهما يتهمان أن يبطلا وصية الموصى له بالثلث إذا كان ولاء العبد المشهود له بالعتق يرغب في ولائه ويتهمان عليه. ومما يدلك على ذلك، أنهما لو شهدا ومعهما نساء فكان ممن يتهمان عليه في جر الولاء لم تجز شهادتهما، فإذا كان ممن لا يتهمان عليه لدناءته ولا يتهمان على جر ولائه جازت شهادتهما، فشهادتهما مع النساء ومع الموصى له بالثلث بمنزلة واحدة إذا لم يتهما. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا قول مالك في النساء وهو رأيي في الوصية.

الرجل يخدم عبده رجلا سنة ثم هو حر ولا مال له وأوصى بخدمة عبده سنة لرجل غيره
قلت: أرأيت إن قال في وصيته: يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر ولم يترك مالا غيره؟

قال: يقال للورثة: أتجيزون، فإن أبوا كان ثلثا العبد للورثة رقيقا وثلثه حرا الساعة وسقطت الخدمة؛ لأن الخدمة والعتق لما اجتمعا ولم تتم الوصية فقطع به لهما كان العتق مبدأ على الخدمة. قال سحنون: وعلى هذا أكثر الرواة. قلت: أرأيت إن أوصى رجل بخدمة عبده لرجل سنة - وليس له مال غيره أو له مال - لا يخرج العبد من الثلث؟ قال: قال مالك: الورثة بالخيار إن أحبوا أن يسلموا خدمته سنة ثم يدفع إليهم العبد بعد السنة، وإلا أسلموا إليه ثلث مال الميت بتلا. قلت: وكذلك لو أوصى لرجل بسكنى داره سنة؟ قال: وهذا وخدمة العبد سواء. وكذلك قال مالك: إما أسلموا إليه سكنى داره سنة وإما قطعوا له بثلث الميت، وهذا مخالف إذا أوصى له برقبة العبد والدار وكذلك إذا لم يحمله الثلث قطع له فيهما، وإذا كان خدمة أو سكنى فلم يجيزوا قطعا له بثلث الميت وهذا قول مالك. قال سحنون. وهذا قول الرواة كلهم، لا أعلم بينهم فيه اختلافا إذا أوصى بخدمة العبد أو سكنى الدار، وليس له مال غير ما أوصى فيه أو له مال، لا يخرج ما أوصى له به من الثلث، وهذا أصل من أصول قولهم.

فيمن أوصى بخدمة عبده لرجل سنة أو حياته ولآخر برقبته
قلت: أرأيت إن أوصى رجل بخدمة عبده لرجل سنة وبرقبته لآخر، والثلث يحمله أو لا يحمله؟ قال: إن حمله الثلث فالخدمة مبدأة، وإن لم يحمله الثلث فأرى أن يقطع من العبد بقدر ما حمل الثلث، فيخدم الذي جعلت له الخدمة السنة إن كان الذي حمل الثلث النصف خدم الورثة يوما وخدم الموصى له بالخدمة يوما، حتى إذا مضت السنة كان نصفه الذي أوصى له به بتلا. قال سحنون: وهذا قول الرواة لا أعلم بينهم فيه اختلافا إذا حمله الثلث. قلت: فلو هلك رجل وترك ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، وقد أوصى لرجل بخدمة أحدهم ولآخر برقبة الآخر ولم يدع مالا سواهم؟ قال: يقال للورثة: أنفذوا وصية الميت، فإن أبوا قيل لهم: فابرءوا من ثلث الميت إلى أهل الوصايا يتحاصون فيه أهل الوصايا بقدر وصاياهم. قلت: وكيف يتحاص هذان؟ قال: إذا كانت الوصية بالخدمة حياته فإنه يعمر هذا المخدم فينظر ما تساوي في الخدمة حياته على غررها، أو خدمة العبد إن كان العبد أقلهما تعميرا، وينظر إلى قيمة العبد الذي أوصى به للآخر، فيتحاصان في ثلث الميت، هذا بقيمة الخدمة وهذا بقيمة العبد. قلت: أفيكون للذي أوصى له بالخدمة قيمة خدمته بتلا من ثلث مال الميت يحاص به الموصى له بالرقبة ويأخذه لنفسه؟ قال: نعم. قلت: وهذا كله قول مالك؟ قال: نعم. قلت: وما معنى قول مالك في الخدمة أنها تقوم على غررها؟ قال: على الرجاء والخوف أنه يؤاجر إلى ذلك بمنزلة أن لو قيل لهم: بكم يتكارى هذا العبد إلى انقضاء مدة هذا الرجل إن حيي إلى

ذلك الأجل فهو لكم، وإن مات ذلك بطل حقكم ويحاص له بأقلهما تعميرا، المخدم أو العبد. قلت: أرأيت إن كان أوصى في مسألتي التي سألتك عنها مع ذلك بالثلث أيضا؟ قال: يقال للورثة: أجيزوا الوصية وإلا فأخرجوا من ثلث مال الميت إلى أهل الوصايا، فيكون بين أهل الوصايا بحال ما وصفت لك - وهذا قول مالك - ويضرب صاحب الخدمة بقيمة خدمته في الثلث بتلا.
قلت: أرأيت إن أوصى برقبة عبده لرجل وبخدمته لآخر والثلث لا يحمل العبد؟ قال: يقال للورثة: أجيزوا وصية الميت، فإن أبوا قيل لهم: فابرءوا من ثلثه، فيكون ثلثه في العبد الذي أوصى بخدمته، فيخرج من ذلك العبد مبلغ ثلث الميت فيعطاه الموصى له بخدمته، فيخدمه بقدر ما حمل الثلث من العبد إن حمل الثلث نصفه خدمه يوما وخدم الورثة يوما. للورثة أن يبيعوا حصتهم وأن يصنعوا بها ما شاءوا، فإذا انقضى أجل الخدمة إن كانت إلى سنين - وقتها الميت - أو إلى موت المخدم، فإذا انقضت الخدمة رجع ما حمل الثلث من العبد إلى الموصى له بالرقبة؛ لأنه إنما جعل الميت الرقبة لصاحب الرقبة بعد خدمة المخدم؛ لأنه إذا كانت الخدمة ووصية الرقبة في عبد بعينه فالخدمة مبدأة؛ لأنه كأنه قال له اخدم فلانا كذا وكذا سنة أو حياته ثم أنت بعده لفلان. قلت: أرأيت هذا الذي أوصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر، فقلت: الخدمة مبدأة في قول مالك، أرأيت إذا انقضت الخدمة وقد كان - يوم قاسم الورثة أهل الوصايا - كان العبد هو الثلث، أيحتاج إلى أن يقوم اليوم أيضا إذا انقضت الخدمة ليعرف أهو ثلث الميت أم لا إذا أردت أن تدفعه إلى هذا الموصى له بالرقبة؟ قال: لا؛ لأنه إنما كانا اجتمعا جميعا في هذا العبد وكانت وصيتهما فيه وأسلم إليهما يومئذ وهو مبلغ الثلث، فلا أبالي أزادت قيمته بعد ذلك أم نقصت. قال: وسمعت مالكا يقول في رجل أوصى لرجل بمائة دينار ولآخر بخدمة عبده حياته ثم هو حر فكان العبد كفاف الثلث. قال: قال مالك: يعمر الذي أوصي له بالخدمة حياته، أو العبد إن كان أقصرهما تعميرا فيما يرى الناس، فينظر كم ذلك، فتقوم خدمته تلك السنين ذهبا ثم يتحاصان هو وصاحب المائة في خدمة العبد، فإذا هلك الذي أوصى له بالخدمة فالعبد حر إذا حمله الثلث وكانت قيمة العبد والثلث سواء.
قلت: أرأيت إن قال في وصيته: لفلان مائة دينار، ولفلان خدمة عبدي هذا حياته، ولفلان لرجل آخر أيضا رقبة العبد الذي أوصى بخدمته حياته، والثلث لا يحمل وصية الميت؟ قال مالك: يقال للورثة: أسلموا وصية الميت وأجيزوها، فإن أبوا قيل لهم: ابرءوا من ثلث الميت، فيتحاصون في الثلث الموصى له بالمائة والموصى له بالخدمة، والموصى له بالرقبة، ولا يضرب صاحب الخدمة وصاحب الرقبة إلا بقيمة العبد،

لا يضربان بأكثر من ذلك، لأن وصيتهما واحدة، وإنما هي رقبة العبد. فينظر ما صار للموصى له بالخدمة وللموصى له برقبة العبد في الثلث، إذا حاصا صاحب المائة أخذا ذلك في العبد، فيخدم الموصى له بالخدمة يبدأ على صاحب الرقبة، فإذا مات صاحب الخدمة الموصى له بها صار العبد لصاحب الرقبة، ويكون صاحب المائة شريكا للورثة بمبلغ وصيته من الثلث في جميع مال الميت وفيما بقي من العبد في أيدي الورثة مما لم يحمله الثلث. قلت: ولا تشبه هذه المسألة التي قبلها، التي قال فيها الميت: يخدم عبدي فلانا حياته ثم هو حر ولفلان مائة دينار؟ قال: نعم، لا تشبهها وهما يختلفان، لأن الموصى له بعتقه بعد الخدمة ليس ههنا مال، إنما أوصى الميت بخدمة وبمائة دينار. فإنما يعمر الموصى له بالخدمة فيشرع مع الموصى له بالمائة في الثلث بمبلغ قيمة الخدمة التي أوصي له بها، وهذا الذي أوصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر وبمائة دينار، فقد أوصى الميت ههنا برقبة العبد وبخدمته، فرقبة العبد ههنا في هذه المسألة وقيمة الخدمة إنما هي وصية واحدة، لا يضرب صاحب الخدمة وصاحب الرقبة مع أهل الوصايا إلا بقيمة العبد، فما خرج لهما من العبد في المحاصة من الثلث بدأ به الموصى له بالخدمة، فإذا انقضت الخدمة رجع ما كان من العبد في الخدمة إلى الموصى له بالرقبة، ولا يعمر المخدم في هذه المسألة ويعمر في المسألة الأولى التي فيها العتق. قلت: وفي مسألة العتق إذا أوصى بعتقه وبخدمته ما عاش لفلان، وبمائة دينار لفلان، لم لم يبدأ مالك العتق على المائة، وعلى الخدمة والعتق مبدأ على الوصايا في قول مالك؟ قال: لأن العتق ههنا لم يسقط، ولا يعتق العبد ههنا إلا إلى الأجل الذي جعل عتقه إليه - وهو قبل الأجل عليه الخدمة - فيتحاص صاحب المائة والموصى له بالخدمة في تلك الخدمة، فتكون خدمة العتق بين الموصى له بالخدمة وبين الموصى له بالمائة الدينار إذا كان العبد هو الثلث، فإذا انقضت الخدمة خرج العبد حرا، وليس للعبد حجة في العتق قبل محل الأجل؛ لأن عتقه إنما هو إلى أجل، فإن كان الثلث لا يحمل جميع العبد وأبت الورثة أن يجيزوا وصية الميت، عتق من العبد مبلغ الثلث بتلا وسقطت الوصايا - بالخدمة وغير الخدمة - لأن الوصايا حالت ورجعت إلى المحاصة، فكان العتق حينئذ مبدأ على ما سواه.
قلت: أرأيت إن قال الرجل في وصيته: عبدي يخدم فلانا ولم يقل حياته ولم يوقت شيئا من السنين، وأوصى أن رقبته لفلان - لرجل آخر - ولم يقل من بعده كيف يصنع بهذا، أتكون الوصية ههنا بالخدمة، إنما هي حياة المخدم فقط ثم يرجع العبد إذا مات المخدم إلى الموصى له بالرقبة أم لا في قول مالك؟ قال: لا أعرف هذا في شيء من قول مالك، إنما هو قول مالك على وجهين الذي سمعت أنا منه: إما أن يقول غلامي

يخدم فلانا عشر سنين، أو يقول: حياة المخدم. فإذا انقرض المخدم أو انقضت العشر سنين فهو لفلان، فهذا الذي تعرف. وأما إذا جعل لواحد خدمته ولم يوقت، وجعل لآخر رقبته، فأرى أن يتحاصا، تقوم الرقبة وتقوم الخدمة على غررها حياة الذي أخدم، ثم يتحاصان فيها جميعا على قدر ذلك. وقال مالك: من أخدم رجلا عبدا إلى أجل من الآجال، فمات المخدم قبل أن ينقضي الأجل، فإن العبد يخدم ورثة المخدم بقية الأجل إذا كان على ما وصفت لك، ليس من عبيد الحضانة والكفالة، وإنما هو من عبيد الخدمة. ولو أن رجلا قال لرجال: اشهدوا أني قد وهبت خدمة هذا العبد لفلان، ثم مات الذي أخدم، كان لورثته خدمة هذا العبد ما بقي إلا أن يكون إنما أراد حياة المخدم، يستدل على ذلك في مقالته أنه إنما أراد حياة المخدم سحنون: وقال غيره: إذا أوصى في عبد يخدم فلانا ولم يقل حياته ولم يوقت شيئا من السنين، وأوصى برقبة العبد لرجل آخر ولم يقل من بعد موت الموصى له بالخدمة، فهذه وصية واحدة في العبد، فالخدمة هي حياة الموصى له بالخدمة. وقال أشهب: لو أن رجلا قال لرجال: اشهدوا أني قد وهبت خدمة هذا العبد لفلان، فإنما هي حياة فلان، ولو كان أراد حياة العبد لكانت الرقبة للموهوب له الخدمة؛ لأنه لما لم يكن له مرجع إلى سيده فقد أثبتت للموهوب له.

فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده حياته وبما بقي من ثلثه لآخر
قلت: أرأيت إن أوصى بخدمة عبده لرجل حياته، وقال: ما بقي من ثلثي لفلان. فأصابوا العبد الذي أوصى الميت بخدمته هو الثلث؟ قال: أراه إذا أنفذت الخدمة، فأراه للذي أوصى له ببقية الثلث - زادت قيمة العبد أو نقصت - لأنه كان ثلث الميت يوم أخرج، فإنما القضاء فيه يوم أخرج وقوم وسمعت مالكا وسئل عن رجل قال: داري حبس على فلان حياته وما بقي من ثلثي فلفلان، فكان الثلث كفاف الدار. أترى لمن أوصى له ببقية الثلث إذا رجعت الدار أن يرجع في الدار؟ قال: نعم أرى أن يرجع في الدار فيأخذها كلها، لأن الدار بقية الثلث. قال: وقال مالك: إذا قال: غلامي يخدم فلانا حياته وما بقي من ثلث فلفلان. قال مالك: يعطى صاحب الخدمة الغلام كله، فإن رجع الغلام يوما ما رجع الموصى له ببقية الثلث فيأخذ ببقية الثلث. قلت: ويأخذ الغلام كله أم لا؟ قال: نعم أرى أن يأخذه كله. قلت: ويكون العبد لهذا الذي أوصى له بما بقي من الثلث إذا كان قيمة العبد الثلث؟ قال: نعم أرى أن يأخذه كله إذا رجع.

فيمن أوصى بوصايا وبعمارة مسجد
قلت: أرأيت إن أوصى بوصايا وبعمارة مسجد؟ قال ابن القاسم: بلغني عن مالك

في خلع الثلث من الورثة إذا لم يجيزوا
قلت: أرأيت إن أوصى بسكنى داره ولا مال له سواها؟ قال: يقال للورثة: أسلموا إليه سكناها وإلا فاقطعوا له بثلثها بتلا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم كذلك قال مالك. قال ابن القاسم: بلغني عن عبد العزيز بن أبي سلمة مثله. سحنون: وهذا قول أكثر الرواة. قلت: فإن أوصى أن يؤاجر أرضه من فلان سنين مسماة بكذا وكذا، فنظروا إلى الأرض فكانت قيمة الأرض أكثر من الثلث؟ قال: فإنه يقال للورثة: أسلموا ما أوصى له به الميت بالكراء الذي قال، فإن أبوا قيل لهم: فأخرجوا له من ثلث الميت بتلا بغير ثمن. قلت: أرأيت إن أوصى بوصايا - وللميت مال حاضر ومال غائب - أوصى بالثلث لرجل وبالربع الآخر وبالسدس الآخر؟ قال: يقال للورثة: أجيزوا، فإن أبوا كان ذلك لهم ويقال لهم: ابرءوا إليهم من ثلث الميت من العين والدين إذا خرج، فيتحاص أهل الوصايا في ثلث هذا العين بقدر وصاياهم، فإذا خرج الدين أخذوا ثلثه فيتحاصون فيه أيضا بقدر وصاياهم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: قال لي مالك في الرجل يوصي لرجل بمائة دينار وله ديون، وليس فيما ترك من المال الحاضر ما تخرج المائة من ثلثه. قال: وقال مالك: يخير الورثة، فإن أحبوا أن يعطوه المائة ويجعلوها له، وإلا قطعوا له بثلث الميت في العين والدين، فكذلك مسألتك إذا أبوا أن يجيز الورثة قيل لهم: ابرءوا بثلث الميت إليهم حيثما كان. قلت: أرأيت إن ترك مائة دينار عينا ومائة دينار دينا، وأوصى لرجل بخمسين دينارا من العين، وأوصى لرجل آخر بأربعين دينارا من الدين، ما قول مالك في هذا؟ قال: يقال للورثة: أجيزوا، فإن أبوا أن يجيزوا قيل لهم: أخرجوا لأهل

الوصايا من ثلث الميت في العين والدين، وينظر إلى قيمة الأربعين الدينار الدين التي أوصى بها الميت لهذا الرجل ما تساوي الساعة نقدا، فإن قالوا: تساوي الساعة نقدا عشرين دينارا كان الثلث بينهما على سبعة أسهم، للموصى له بالخمسين من ثلث المال الحاضر، والدين خمسة أسهم. وللموصى له بالأربعين من ثلث الدين والمال سهمان، فكذلك مسألتك، يقتسمون ثلث الميت في العين والدين على سبعة أسهم؛ لأن مالكا قال: لو أن رجلا أوصى لرجل بدين له فلم يحمل ذلك الثلث، أبى الورثة أن يجيزوا قطعوا له من العين الدين مبلغ الثلث. قال مالك: ولو أن رجلا أوصي له بنقد فلم يكن فيما ترك الميت من النقد ما يخرج وصيته من ثلثه النقد وقالت الورثة: قد عال وليس له أخذ العين وبلغها في أخذ العرض خير الورثة، فإن أجازوا له ما أوصى له من النقد وإلا قيل لهم: أخرجوا له من ثلث مال الميت حيثما كان. قلت: وأصل هذا من قول مالك، أن الرجل إذا أوصى بوصية عال فيها على الثلث وأوصى بأكثر من ثلث ماله في العين الحاضر، فأبت الورثة أن يجيزوا ذلك فإنه يقال للورثة أخرجوا لأهل الوصايا من ثلث مال الميت حيثما كان فيكون لأهل الوصايا ثلث ما ترك الميت من عين أو دين أو قرض أو عرض أو عقار أو غير ذلك؟ قال: نعم إلا في خصلة واحدة، فإن مالكا قد اختلف قوله فيها. قال لنا فيها قولان: إذا أوصى له بعبد بعينه أو بدابة بعينها والثلث لا يحمله، فأبت الورثة أن يجيزوا، فإنهم يقال لهم: ادفعوا إليه مبلغ ثلث مال الميت في العبد أو الدابة لأن وصيته وقعت فيه. وقد قال مرة أخرى: يبرءون إليه من ثلث مال الميت حيثما كان، فهو أكثر ما سمعت منه وأحب قوله إلي أن يقطع له بثلث الميت في ذلك الشيء الذي أوصى له به الميت.

فيمن أوصى بثلث ماله العين وثلث ماله الدين
قلت: أرأيت إن ترك مائة دينار عينا ومائة دينار دينا، وأوصى لرجل بثلث العين وأوصى لآخر بثلث الدين؟ قال: هذا جائز عند مالك. قلت: ألا ترى هذا الميت ههنا قد أوصى لهذا الذي قد أوصى له بثلث العين أكثر مما أوصى للموصى بثلث الدين؟ قال: وما تبالي كان أكثر أو أقل؛ لأنك إنما تعطيه وصيته، ألا ترى أنك تعطي صاحب العين وصيته من العين وصاحب الدين وصيته من الدين وهو ثلث الميت.

فيمن أوصى بعتق عبده وله مال حاضر ومال غائب
قلت: أرأيت إن أوصى بعتق عبد له - وله مال حاضر ومال غائب - والعبد لا يخرج

فيمن أوصى بوصايا ولا يحمل ذلك الثلث
قال: وسألت مالكا عن ثلاثة رجال أوصى لهم رجل بثلاثين دينارا لكل واحد منهم، والثلث لا يحمل ذلك فقال أحدهم له: أقبل الوصية؟ قال: قال مالك: يحاص ورثة الميت بوصية الرجل الذي رد وصيته أهل الوصايا فيأخذون وصيته فيقسمونها مع ميراثهم. قلت: أفيكون للرجلين ثلثا الثلث؟ قال: نعم. قال سحنون: وقال غيره: لأنه أدخل كل واحد منهم على صاحبه، ومات ودرج والوصية عنده على ذلك، فلما رد واحد منهم رجع ما كان له إلى ورثة الميت فكان للورثة محاصة الباقين؛ لأن الورثة دخلوا مدخل الراد، وقد كان الراد لو لم يرد لحاصهم، فلما رد وقعت الورثة موقعه؛ لأن الميت أدخل كل واحد منهم على صاحبه، وهذا قول الرواة لا أعلم بينهم فيه اختلافا. ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة وأبي الزناد أنهما قالا في الرجل يوصي للرجل بثلث الثلث أو ربع الثلث، ولآخرين بعدة دنانير أو دراهم: إنهم يتحاصون جميعا في الثلث. قلت: أرأيت إن أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربع ماله، ولآخر بخمس ماله، ولآخر بنصف ماله، ولآخر بعشرين دينارا، ولآخر بجميع ماله؟ قال: قال مالك: إذا أوصى لرجل بربع ماله ولآخر بخمس ماله ولآخر بنصف ماله ولآخر بعشرين دينارا، فانظر ما تبلغ وصية كل واحد منهم وما تبلغ العشرون دينارا من مال الميت كم هو، فيضرب بها في جميع ثلث مال الميت، ويضرب أهل الوصايا بمبلغ وصاياهم في ثلث مال الميت. قال: وكذلك جميع المال، أنه يضرب بذلك في الثلث. وتفسير ذلك أنه إذا أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بالثلث ولآخر بالنصف ولآخر بعشرين دينارا، فإنك تأخذ للجميع ستة أسهم، والنصف ثلاثة أسهم، والثلث سهمان، وتنظر كم ماله، فإن كان ماله ستين دينارا كان قد أوصى بالثلث أيضا، للموصى له بالدنانير لأنها عشرون دينارا فيضرب معهم في الثلث بسهمين أيضا، فيقتسمون الثلث بينهم على ثلاثة عشر سهما، فيكون

الموصى له بالجميع ستة أسهم، وللموصى له بالثلث سهمان، وللموصى له بالدنانير أيضا سهمان، وللموصى له بالنصف ثلاثة أسهم وحساب هذا على حساب عول الفرائض سواء. قال: وقال لي مالك: وما أدركت الناس إلا على هذا. قال سحنون: ألا ترى أنه أدخل كل واحد منهم على صاحبه وانتقص كل واحد منهم بما دخل عليه من وصية صاحبه وفضلهم في عطيته، فهو لو كان ماله مائة دينار فأوصى لرجل بمائة ولآخر بخمسين ولآخر بعشرين، فقد فضل بعضهم على بعض وأدخل بعضهم على بعض وانتقص بعضهم ببعض. قال سحنون: وهذا قول الرواة كلهم لا أعلم بينهم فيه اختلافا.

فيمن أوصى بعبده لرجل وثلث ماله لآخر فمات العبد وقيمته الثلث
قلت: أرأيت إن قال في وصيته: غلامي مرزوق لفلان، ولفلان ثلث مالي، ومرزوق ثلث ماله، فمات مرزوق قبل أن يقوم في الثلث، بكم يضرب الموصى له بالثلث في المال؟ قال: بثلث المال في قول مالك؛ لأن مرزوقا حين مات بطلت وصية الموصى له بمرزوق، ووصية الموصى له بالثلث ثابتة. فما بقي من مال الميت له ثلث مال الميت؛ لأن مرزوقا لما مات فكأن الميت لم يوص بشيء إلا بثلث ماله لهذا الموصى له بالثلث. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. سحنون: وقد أعلمتك في صدر الكتاب أنه لا يقوم ميت ولا يقوم على ميت، وقول ربيعة فيه إن حقه قد سقط، وإن الذي مات كأن الموصي لم يوص فيه بشيء وكأنه لم يكن له بمال قط.

فيمن أوصى بثلث ماله لرجل وبأشياء بأعيانها لقوم شتى
قلت: أرأيت إن أوصى بثلث ماله وبربع ماله وأوصى بأشياء بأعيانها لقوم شتى؟ قال: ينظر إلى قيمة هذه الأشياء التي كانت بأعيانها وإلى ثلث جميع ماله وإلى ربع جميع ماله، فيضربون في ثلث مال الميت، يضرب أصحاب الأعيان في الأعيان: كل واحد منهم في الذي جعل له الميت بمبلغ وصيته، ويضرب أصحاب الثلث والربع في بقية الثلث يكونون شركاء مع الورثة بمبلغ وصاياهم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم هو قوله. قلت: فإن هلكت الأعيان التي أوصى بها كلها، بطلت وصايا أصحاب الأعيان وكان ثلث ما بقي من مال الميت بين أصحاب الثلث والربع يتحاصون في ذلك في قول مالك؟ قال: نعم.

فيمن أوصى بعبد لرجل وبسدس ماله لآخر
فيمن أوصى بعبده لرجل وبسدس ماله لآخر
قلت: أرأيت إن أوصى بعبده لرجل وبسدس ماله لآخر، كيف يكون هذا؟ قال: ينظر إلى قيمة العبد، فإن كان العبد هو ثلث مال الميت كان للموصى له بالعبد ثلث الثلث في هذا العبد، وكان للموصى له بالسدس ثلث الثلث فيما بقي من العبد، وبجميع مال الميت يكون شريكا للورثة بالسبع. قلت: أرأيت إن كان قيمة العبد الذي أوصى به نصف الثلث وقد أوصى لآخر بالسدس؟ قال: يكون للموصى له بالعبد جميع العبد، ويأخذ الموصى له بالسدس وصيته فيما بقي يكون شريكا للورثة بخمس المال، وهذا قول مالك. قال سحنون: قال علي بن زياد: إنه يكون شريكا للورثة بالخمس. ورواه علي بن زياد عن مالك، وعلى ذلك قول ابن القاسم.

في الرجل يوصي لوارث ولأجنبي
قلت: أرأيت إن أوصى رجل بعبده لوارث وأوصى لأجنبي بوصية، كيف يصنع؟ قال: قال مالك في رجل أوصى بوصية لأجنبي وأوصى لوارث أيضا. قال: قال مالك: يتحاصان، يحاص الوارث الأجنبي بالوصية في الثلث، ثم تكون حصة الوارث لجميع الورثة إلا أن يجيزوا ذلك، فكذلك مسألتك. قلت: أرأيت إن أوصى لوارث وغير وارث. فقال: ثلث مالي لفلان وفلان وأحدهما وارث ومعه ورثة؟ قال: قال مالك: أما نصيب الوارث من ذلك فباطل يرد إلى جميع الورثة، وأما غير الوارث فله نصيبه. قال: وقال مالك: من أوصى بوصية لوارث وأوصى بوصية لأجنبيين ولم يسع ذلك الثلث. قال: إن كان الميت لم يترك وارثا غير الذي أوصى له، بدئ بالأجنبيين في الثلث ولم يحاصهم الوارث بشيء من وصيته، وإن كان مع الوارث وارث غيره تحاص الوارث الذي أوصى له والأجنبيون في الثلث، فما صار للأجنبيين في المحاصة أسلم إليهم، وما صار للوارث من ذلك فإن شركاءه في مال الميت يخيرون، فإن أحبوا أن ينفذوا ذلك له أنفذوه، وإن أبوا ردوا ذلك فاقتسموه بينهم على فرائض الله. ابن وهب عن رجال من أهل العلم منهم عبد الجليل بن حميد اليحصبي ويحيى بن أيوب أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين القرشي حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح في خطبته: "لا تجز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" 1 . ابن وهب عن عمر بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: "فإن أجازوا فليس لهم أن يرجعوا" ابن لهيعة عن عبد الله بن حبان الليثي عن رجل حدثه عن رجل منهم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس إن الله قد فرض لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث"1 ابن وهب عن شبيب بن سعيد أنه سمع يحيى بن أبي أنيسة الجزري يحدث
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب الوصايا باب 6. أبو داود في كتاب الوصايا باب 6. الترمذي في كتاب الوصايا باب5. النسائي في كتاب الوصايا باب 5. ابن ماجه في كتاب الوصايا باب 6. الدارمي في كتاب الوصايا باب 28. أحمد في مسنده [4/ 186، 187، 238، 239]، [5/ 267].

عن أبي إسحاق الهمداني عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين قبل الوصية وليس لوارث وصية1" . ابن وهب: وبلغني عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال في رجل أوصى بثلثه في سبيل الله فأراد بعض الورثة أن يغزو به. قال: ليس بذلك بأس، فإنه وإن كان وارثا لمن أحق من خرج به إذا أذن الورثة وطيبوا. قال يحيى بن أيوب قال يحيى بن سعيد في رجل أوصى بثلثه في سبيل الله: فإن وليه يضعه حيث يرى في سبيل الله، فإن أراد وليه أن يغزو به وله ورثة غيره يريدون الغزو فإنهم يغزون فيه بالحصص، وإن لم يكن له وارث غيره. وهو يريد الغزو، فليس به بأس أن يستنفق منه بالمعروف فيما وضع فيه. وقال ربيعة في امرأة توفيت وأوصت بوصية لبعض من يرثها، وأوصت بوصية في سبيل الله، فسلم زوجها الوصية للورثة رجاء أن يعطوه الوصية التي في سبيل الله لأنه غاز، فمنع الوصية التي في سبيل الله فأراد أن يرجع فيما أجاز للورثة من الوصية. قال: لا يرجع فيما أجاز، ولا يحتج في طلب رد ما أعطى لرجاء شيء لم يقطع إليه ولم يقر له.
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الوصايا باب 6.

فيمن أوصى أن يحج عنه
قلت: أرأيت الرجل يوصي عند موته أن يحج عنه ما قول مالك فيه؟ أصرورة أحب إليه أن يحج عن هذا الميت أم من قد حج؟ قال: إذا أوصى بذلك أنفذ ذلك ويحج عنه من قد حج أحب إلي. قال ابن القاسم: وأحب إلي إذا أوصى أن ينفذوا ما أوصى به، ولا يستأجر له إلا من قد حج وكذلك سمعت أنا منه. قال: فإن استأجروا من لم يحج أجزأ ذلك عنهم. قلت: أرأيت إن دفعوا وصية هذا الميت إلى عبد ليحج عن هذا الميت، أيجزئ عن الميت؟ قال: لا، ولم أسمع من مالك في هذا شيئا، ولكن العبد لا حج له، فمن ثم رأيت أن لا يحج عن هذا الميت وكذلك الصبي. قلت: فالمرأة تحج عن الرجل والرجل عن المرأة؟ قال: لا بأس بذلك. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم. قلت: والمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر في هذا عندك بمنزلة العبيد، لا يحجون عن ميت أوصى بحج؟ قال: نعم. قلت: فمن يضمن هذه النفقة التي حج بها هذا العبد عن الميت؟ قال: الذي دفع إليه المال. قلت: وهل يجوز أن يدفعوا إلى عبد أوصي ليحج عن الميت في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولا أرى أن يجوز، وأرى إن دفعوا ذلك إلى عبد أوصي أن يضمنوا ذلك إلا أن يكون عبدا ظنوا أنه حر ولم يعرفوه واجتهد الدافع. قال سحنون: وقال غيره: ليس جهلهم بالذي يزيل الضمان عنهم.

قلت: أرأيت إن أوصى أن يحج عنه هذا العبد نفسه، أو هذا الصبي نفسه؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكني أرى أن يدفع ذلك إليهما فيحجان عن الرجل إذا أذن السيد لعبده، أو أذن الوالد لولده، ولا ترد وصيته ميراثا لأن الحج بر، وإن حج عنه صبي أو عبد لأن حجة العبد والصبي تطوع. والميت لو لم يكن ضرورة أوصى بحجة تطوعا أنفذ ذلك، ولم ترد وصيته إلى الورثة فكذلك هذا. قلت: أرأيت الصبي إن لم يكن له أب، وأذن له الولي أن يحج عن الميت، أيجوز إذنه؟ قال: لا أرى بذلك بأسا، إلا أن يخاف عليه في ذلك ضيعة أو مشقة من السفر فلا أرى ذلك يجوز، ولم أسمع من مالك فيه شيئا، وإنما قلته لأن الولي لو أذن له أن يتجر وأمره بذلك جاز، ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي لم يكن بذلك بأس. فإذا كان هذا كذلك، فجائز له أن يحج عن الميت إذا أوصى إليه الميت بذلك إذا أذن له الولي وكان قويا على الذهاب وكان ذلك نظرا له ولم يكن عليه ضرر. قال سحنون: وقال غيره: لا يجوز للوصي أن يأذن لليتيم في هذا. قلت: أرأيت إن لم يأذن له الولي؟ قال: أرى أن يوقف المال حتى يبلغ الصبي، فإن حج به الصبي وإلا رجع ميراثا. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا. قال ابن القاسم: وهذا الذي أوصى أن يحج عنه هذا الصبي، علمنا أنه إنما أراد التطوع ولم يرد الفريضة؟ قال: ولو أنه كان ضرورة وقصد قصد رجل بعينه وقال: يحج عني فلان، فأبى أن يحج عنه فلان. قال: يحج عنه غيره. قال: وهذا قول مالك. وليس التطوع عندي بمنزلة الفريضة، وهذا إذا أوصى بحجة تطوع أن يحج عنه رجل بعينه فأبى ذلك الرجل أن يحج عنه ردت إلى الورثة سحنون. وقال غيره: لا ترجع إلى الورثة والصرورة في هذا وغير الصرورة سواء لأن الحج إنما أراد به نفسه وليس مثل الصدقة على المسكين بعينه ولا شراء العبد بعينه لأن تلك لا قوام بعينهم. قال ابن القاسم: ومثل ذلك مثل الرجل يقصد قصد مسكين بعينه فقال: تصدقوا عليه بمائة دينار من ثلثي، فمات المسكين قبل الموصي، أو أبى أن يقبل، رجعت ميراثا إلى ورثته. أو قال: اشتروا عبد فلان بعينه فأعتقوه عني في غير عتق عليه واجب، فأبى أهله أن يبيعوه، رجعت الوصية ميراثا للورثة بعد الاستيناء والإياس من العبد. قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: أحجوا فلانا في حجة وصيته ولم يقل عني، أيعطى من الثلث شيئا في قول مالك؟ قال: يعطى من الثلث بقدر ما يحج به إن حج فإن أبى أن يحج فلا شيء له، ولا يكون له أن يأخذ المال ثم يقعد فلا يحج، فإن أخذ المال ولم يحج أخذ منه ولم يترك له إلا أن يحج.

فيمن أوصى أن يحج عنه وارث
قلت: أرأيت إن أوصى أن يحج عنه وارث؟ قال: سمعت مالكا يقول: الوصية

جائزة، ويعطى هذا الوارث قدر النفقة والكراء، فإن كان فيما أوصى به الميت فضل عن كرائه ونفقة مثله لم يعط الفضل، ورد الفضل إلى الورثة: قلت متى سمعت هذا من مالك؟ أراك تخبر ههنا عن مالك أنه يجيز الوصية في الحج ويأمر بأن تنفذ، وقد أخبرتني أن مالكا كان يكره ذلك؟ قال: إنما كان يكرهه ولا يرى أن يفعل ويقول: إذا أوصى به أنفذت الوصية ولم ترد وحج عنه، فهذا قول مالك الذي لا نعلمه اختلف فيه عندنا. قلت: أرأيت هذه الوصية في الحج التي تذكر عن مالك، أفريضة هي أم نافلة؟ قال: الذي سمعنا من مالك في الفرائض. قال ابن القاسم: ولو أوصى بذلك في غير فريضة رأيت أن تجوز وصيته. قلت: أرأيت إن أوصى هذا الميت فقال: يحج عني فلان بثلثي، وفلان ذلك وارث أو غير وارث، كيف يكون هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان وارثا دفع إليه قدر كرائه ونفقته ورد ما بقي على الورثة. قال: وإن كان غير وارث دفع إليه الثلث يحج به عن الميت، فإن فضل من المال عن الحج شيء فهو له يصنع به ما شاء. قلت: لم جعل مالك لهذا الرجل ما فضل عن الحج؟ قال: سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى النفقة ليحج عن رجل فيفضل عن حجه من النفقة فضلة، لمن تراها؟ قال مالك: إن كانوا استأجروه فله ما فضل، وإن كان أعطي على البلاغ رد ما فضل. قلت: فسر لي ما الإجارة وما البلاغ؟ قال: إذا استأجروه بكذا وكذا دينارا على أن يحج عن فلان فهو إجارة، له ما زاد وعليه ما نقص. وإذا قيل له: خذ هذه الدنانير فحج عن فلان على أن علينا ما نقص عن البلاغ، أو يقال له: خذ هذه الدنانير فحج منها عن فلان، فهذا على البلاغ ليست إجارة. والناس يعرفون كيف يأخذون إن أخذوا عن البلاغ فهو على البلاغ، وإن أخذوا على أنهم قد ضمنوا الحج فقد ضمنوا الحج.

المريض تحل عليه زكاة ماله
قلت: أرأيت إن أخرج رجل زكاة ماله ثم مات قبل أن ينفذها؟ قال: سألت مالكا عن الرجل تحل زكاة ماله، فيقدم عليه المال من البلد الغائب ويعرف أنه قد حلت عليه زكاة ماله فيخرجها وهو مريض، من أين تراها؟ أمن رأس المال أو من الثلث؟ قال: قال مالك: أما ما تبين هكذا حتى يعلم أنه إنما أخرج ما حل عليه، مثل أن يكون يأتيه المال الغائب أو يقتضي الدين وهو مريض وقد حلت فيه الزكاة، فأراه من رأس المال وليس من الثلث. قلت: أرأيت إن قدمت عليه أموال، قد علم الناس أن زكاتها قد حلت عليه، واقتضى دينا قد حل زكاته عليه، فمات من يومه قبل أن يخرج زكاتها، أتجبر الورثة أو يؤمرون بإخراج زكاته أم لا؟ قال: لا أرى أن يجبروا على ذلك إلا أن يطوعوا بذلك.

في الرجل يوصي بدينار من غلة داره كل سنة
قلت: أرأيت إن أوصى لرجل بدينار من غلة داره كل سنة - والثلث يحمل ذلك - فأكراها الورثة بعشرة دنانير في أول السنة، فدفعوا إلى الموصى له دينارا ثم بارت الدار تسع سنين فلم يجدوا من يكتريها، أو أكروها بأقل من دينار بعد ذلك أو انهدمت الدار؟ قال: يرجع الموصى له بالدنانير على الورثة في تلك الدنانير التي أخذوها من كراء الدار أول سنة، فيأخذ منها لكل سنة دينارا حتى يستوفيها لأنها من كراء الدار، ولكن كراء الدار لا شيء للورثة منه إلا بعدما يستوفي الموصى له ديناره. وكذلك لو أكروها بعشرة دنانير في السنة فضاعت الدنانير إلا دينارا واحدا كان هذا الدينار للموصى له بالدينار. قال: ولو قال: أعطوا فلانا من كراء كل سنة دينارا، لم يكن له من تلك العشرة التي أكروها تلك السنة إلا دينار واحد، فإن بارت الدار بعد ذلك أو انهدمت لم يكن للموصى له من تلك الدنانير شيء؛ لأنه إنما جعل له الميت من كراء كل سنة دينارا. قال: وقد بلغني عن مالك أنه سئل عن رجل حبس على رجل خمسة أوسق من تمر حائطه في كل عام، فمضى للنخل سنتان تصيبها الجوائح لا يدفعون منها شيئا، ثم أثمر في السنة الثالثة فجذوا منها ثمرا كثيرا. فقال مالك: يعطى لما مضى من السنين لكل سنة خمسة أوسق يبدأ بها على الورثة، فإن كانت كفافا أخذها. وإن أوصى فقال: أعطوه من غلة كل سنة خمسة أوسق، فمضى للنخل سنتان يصيبها الجوائح لا يدفعون منها شيئا، ثم أثمرت في السنة الثالثة. قال: قال مالك: يبدأ على الورثة فيأخذ لسنة واحدة، فإن كان كفافا أخذها وإن كانت أقل لم يكن له في ثمرة العام الثاني قليل ولا كثير من نقصان العام الأول، وإن كان في العام الأول فضل عن خمسة أوسق كان للورثة، ولم يكن على الورثة من نقصان العام الثاني شيء مما أخذوا من الفضلة في العام الأول.

فيمن أوصى بغلة دار للمساكين وبخدمة عبد حياته فيريد بيعه بنقد أو بدين من الورثة
قلت: أرأيت إن أوصى بغلة داره أو بغلة جنانه للمساكين، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم. قلت: أرأيت إن أوصى لي بخدمة عبده حياتي، أيجوز لي أن أبيع ذلك من الورثة في قول مالك؟ قال: قال مالك: من أخدم رجلا عبدا حياته أو حبس عليه مسكنا، فإنه يجوز له أن يشتريه منه، ولا يجوز للأجنبي أن يشتريه منه. قال: إلا أن مالكا قال: وأرى أن كل من صار له من ذلك ممن يرجع إليه مثل الورثة، أنه جائز له أن يشتريه كما كان لصاحبه. قال: ولقد قال لي مالك في الرجل يعري الرجل العرية ثم يبيع

بعد ذلك حائطه أو يبيع ثمرته، أنه يجوز لمشتري الثمرة أن يشتريه كما كان يجوز لصاحبه أن يشتريه. قلت: وكذلك هذا في المساكين إذا أسكن الرجل رجلا حياته في وصيته أو غير وصيته؟ قال: نعم. قلت: أرأيت هذا الذي أوصى لرجل بخدمة عبده، أيجوز له أن يبيعه من الورثة بدين في قول مالك؟ قال: لا أرى بذلك بأسا ولا أحفظه عن مالك. قلت: ولا يجوز لي أن أبيع خدمته من أجنبي مثل ما كان يجوز فيما بيني وبين الورثة؟ قال: قال مالك: لا ينبغي له أن يبيع خدمته من أجنبي لأنه غرر لا يدري كم يعيش إلا أن يوقت وقتا قريبا ليس بالبعيد. قلت: وما هذا القريب؟ قال: السنة والسنتان والأمد المأمون، ولا يكريه إلى الأمد البعيد الذي ليس بمأمون هذا قول مالك. قلت: أرأيت إن أكريت من رجل عبدا عشر سنين، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: سألت مالكا عنه فقال: ما رأيت أحدا يفعله وما أرى به بأسا. قلت: وما فرق ما بين الخدمة التي أوصى بها وهذا الذي ابتدأ، إجارة العبد جوزته لهذا ولم تجوزه لذلك الأجل البعيد؟ قال: لأن سيد العبد إذا مات ثبت الكراء لمن تكاراه على الورثة حتى يستكمل سنيه، ولأن الموصى له بالخدمة إذا مات بطل فضل ما تكارى إليه لأنه يرجع إلى الورثة فلا يجوز من ذلك إلا الأمر المأمون. قلت: فلو أوصى لرجل بخدمة عبده عشر سنين، فأكراه الموصى له بالخدمة عشر سنين، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: نعم، ولا يشبه هذا الموصى له بالخدمة حياته، لأن من أوصى له بخدمة عبده عشر سنين ثم مات الذي أوصى له بخدمة العبد فورثته يرثون خدمته بقية تلك السنين قلت: أرأيت الذي أوصى بخدمة العبد حياته، فصالح الورثة من خدمته على مال أخذه، فمات العبد وبقي المخدم حيا، هل يرجع عليه الورثة بشيء مما أخذه منهم أم لا؟ قال: لا يرجعون عليه بشيء. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، وهو بيع تام لأنهم إنما أخذوه ليجوز فعلهم فيه فهو كالشراء التام.

فيمن أوصى بسكنى داره أو بخدمة عبده لرجل فيريد أن يؤاجرهما
قلت: أرأيت إن أوصى لي بسكنى داره، أيكون لي أن أؤاجرها في قول مالك أم لا؟ قال: نعم. قلت: وكذلك إن أوصى لي بخدمة عبده؟ قال: نعم، له أن يؤاجره إلا أن يكون عبدا. قال له: اخدم ابني ما عاش ثم أنت حر، أو اخدم ابن أخي أو ابنتي أو ما أشبه هذا ثم أنت حر، فيكون من العبيد الذين لا يراد بهم الخدمة، وإنما ناحيتهم الحضانة والكفالة والقيام، فليس له أن يؤاجره لأني سألت مالكا عن الرجل يقول لعبده: اخدم ابني أو ابنتي أو ابن أخي عشر سنين ثم أنت حر، أو يقول: اخدمه حتى يحتلم أو حتى تتزوج الجارية ثم أنت حر، يقول ذلك لعبده أو لجاريته ثم يموت الذي قيل له

اخدمه قبل الأجل، ما يصنع بالعبد والوليدة؟ قال: قال مالك: إن كان ممن أريد به الخدمة خدم ورثة الميت إلى الأجل الذي جعل له ثم هو حر، وإن كان ممن لا يراد به ناحية الخدمة لرفاهيته، وإنما أريد به ناحية الكفالة والحضانة والقيام، عجل له العتق الساعة ولم يؤخر. قال: وقال لي مالك: وهذا أمر قد نزل ببلدنا وحكم به فأشرت به. قال ابن القاسم: فانظر، فإن كان هؤلاء العبيد - في مسألتك - من العبيد الذين يراد بهم الخدمة فله أن يؤاجرهم، وإن كانوا ممن لا يراد بهم الخدمة، وإنما أريد بهم الحضانة، فليس له أن يؤاجرهم مثل الذي أخبرتك عن مالك ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال في رجل له عبد وله ابن، فقال لعبده: إذا تزوج ابني فلان فأنت حر، فبلغ ابنه فتسرى، أو قال الابن: لا أتزوج أبدا - وله مال كثير - قال: العبد عتيق وذلك لازم؛ لأنه لم يكن لأبيه فيما اشترط حاجة طلبها لابنه إلى العبد في تزويجه، ولكن أراد أن يبلغ أشده وأن يستعين بالعبد فيما دون ذلك من السنين في حاجته.

فيمن أوصى لرجل بثمرة حائطه حياته فصالحه الورثة من وصيته على مال
قلت: أرأيت لو أن رجلا أوصى لرجل بثمرة حائطه حياته، فمات الموصي - والثلث يحمل الحائط - فصالح الورثة الموصى له بثمرة الحائط على مال دفعوه إليه فأخرجوه من الوصية في الثمرة؟ قال: سمعت من مالك يقول في الرجل يسكن الرجل داره حياته فيريد بعد ذلك أن يبتاع السكنى منه. قال: قال مالك: لا بأس بذلك. فكذلك مسألتك، أرى لصاحب النخل أن يشتريها، ولورثته؛ لأن الأصل لهم. وإنما شراؤهم ثمرة النخل ما لم تثمر النخل كشرائهم السكنى الذي أسكن في الغرر سواء، فلا أرى به بأسا؛ لأن كل من حبس على رجل حائطا - حياته - أو دارا - حياته - فأراد أن يشتريهما جميعا، لم يكن بذلك بأس. فهذا يدلك على مسألتك؛ لأنه لا بأس به لمن تصير الدار إليهم. قال ابن وهب: قال عبد العزيز بن أبي سلمة في الدار مثله. قال سحنون: والرواة كلهم في الدار على ذلك لا أعلم بينهم فيه اختلافا.

فيمن أوصى بحائطه لرجل فأثمرت قبل موت الموصي أو بعده
قلت: أرأيت رجلا أوصى بجنانه لرجل في مرضه، فأثمر الجنان قبل موت الموصي بسنة أو سنتين فمات الموصي - والثلث يحمل الحائط وما أثمر في تلك السنين - لمن تكون تلك الثمرة التي أثمرت النخل بعد الوصية وقبل موت الموصي في قول مالك؟ قال: قال

فيمن أوصى للمساكين بغلة داره في صحته أو مرضه ويلي تفرقتها ويوصي إن أراد ورثته ردها فهي للمساكين
قلت: أرأيت إن قال: غلة داري في المساكين صدقة، وأنا أفرقها عليهم وهي في يديه حتى يموت وهو صحيح سوي يوم قال هذا القول. وقال: فإن أراد أحد من بعدي من ورثتي أن يردها فهي وصية من ثلثي تباع فيعطى المساكين ثمنها؟ قال: ذلك نافذ ولو قال هي على بعض ورثتي التي أنا قسمتها، فإن مت فرد ذلك ورثتي، بيعت وتصدق من ثلثي بثمنها على المساكين، لم ينفذ وكانت ميراثا للورثة. وذلك أن بعض من أثق به من أهل العلم سئل عن الرجل يوصي فيقول: غلامي هذا لفلان ابني - وله ولد غيره - فإن لم ينفذوا ذلك له فهو حر، فلم ينفذوه فلا حرية له، وهو ميراث. ولو قال: هو حر أو في سبيل الله إلا أن يشاء ورثتي أن ينفذوه لابني كان ذلك، كما أوصى إلا أن ينفذوه لابنه، فاشتراط الصحيح مثل هذا ما أقره في يديه لورثته مثله، ويشترط عليهم إن لم ينفذوه فهو في سبيل الله، فلا يجوز. وما اشترط للمساكين وإن هم لم ينفذوه فهو في وجه من وجوه الخير فهو جائز وهي وصية. قال: ولقد قال مالك في رجل أوصى لوارث بثلث ماله أو بشيء من ماله وقال: إن لم يجز الورثة ذلك فهو في سبيل الله. قال مالك: فهذا الضرر، فلا يجوز ذلك للوارث ولا في سبيل الله ويرد ذلك إلى الورثة. قال: وقال مالك: من قال: داري أو فرسي في سبيل الله إلا أن يشاء ورثتي أن يدفعوا ذلك لابني فلان: فإن ذلك جائز وينفذ في سبيل الله إن لم ينفذوه لابنه، وليس لهم أن يردوه.

في رجل أوصى لرجل بوصيتين إحداهما بعد الأخرى
قلت أرأيت إن أوصى فقال: لفلان ثلاثون دينارا، ثم قال: ثلث مالي لفلان - لذلك الرجل بعينه - أيضرب بالثلث وبالثلاثين مع أهل الوصايا في قول مالك أم لا؟ قال: يضرب بالأكثر عند مالك. قلت: أرأيت إن قال: لفلان دار من دوري، ثم قال بعد ذلك: لفلان - لذلك الرجل بعينه - من دوري عشرة دور، وللميت عشرون دارا؟ قال:

في رجل أوصى لرجل وصية ثم أوصى بها لآخر
قلت: أرأيت إن قال: داري لفلان، ثم قال بعد ذلك: داري لفلان، لرجل آخر.

والدار التي أوصى بها هي دار واحدة، أيكون قوله الآخر نقضا لقوله الأول إذا قال داري أو دابتي أو ثوبي لفلان، ثم قال بعد ذلك لدابته - تلك بعينها - دابتي لفلان لرجل آخر، أو قال في ثوبه ذلك ثوبي لفلان يريد رجلا آخر، أتكون وصيته الآخرة نقضا لوصيته الأولى في قول مالك؟ قال: الذي سمعت من قول مالك وبلغني عنه، أنه بينهما نصفين. ومما يبين لك قول مالك هذا، أن الذي يقول ثلث مالي لفلان ثم يقول بعد ذلك جميع مالي لفلان، أنهما يتحاصان في الثلث على أربعة أجزاء، فهذا يدلك على مسألتك. ألا ترى أنه حين قال ثلث مالي لفلان، ثم قال بعد ذلك جميع مالي لفلان، لم يكن قوله هذا مالي لفلان نقضا للوصية الأولى حين قال ثلث مالي لفلان. قلت: وإذا أوصى بثلث ثلاث دور له، فاستحق منها داران أو أوصى بثلث داره فاستحق منها الثلثان؟ قال: لا ينظر إلى ما استحق، وإنما يكون للموصى له ثلث ما بقي وهذا قول مالك قلت: أرأيت إن قال الرجل: العبد الذي أوصيت به لفلان هو وصية لفلان رجل آخر؟ قال: قال مالك: إذا كان في الوصية الآخرة ما ينقض الأولى، فإن الآخرة تنقض الأولى، فأرى هذا نقضا للوصية الأولى. قلت: وكذلك إن قال: عبدي فلان إن مت من مرضي هذا فهو حر، ثم أوصى بذلك العبد لرجل، أتراه قد نقض ما كان جعل له من العتق؟ قال: إذا قال عبدي هذا هو حر ثم قال بعد ذلك هو لفلان فأراه ناقضا للوصية وأراه كله لفلان. وإذا قال عبدي لفلان ثم قال بعد ذلك هو حر، فإنه أيضا يكون حرا ولا يكون لفلان الموصى له به فيه قليل ولا كثير، ولا يشبه هذا الذي أوصى به لرجل ثم أوصى به بعد ذلك لآخر؛ لأن تلك عطايا يجوز أن يشتركا فيها، وهذا عتق لا يشترك فيه وهو رأيي. سحنون عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن دينار أنه قال في رجل حضره سفر فكتب وصيته، فلما حضره الموت كتب وصية أخرى وهو في سفره ذلك. قال: كلتاهما جائزة إن لم يكن نقض في الآخرة من الأولى شيئا. يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال في رجل اشتكى وقد كان أوصى في حياته بوصية إن حدث به حدث الموت، فصح من ذلك المرض، فمكث بعد ذلك سنين ثم حضرته الوفاة فأوصى بوصايا أخر أعتق فيها. قال: إن كان علم بوصيته الأولى فأقرها، فإن ما كان في الوصية الآخرة من شيء ينقض ما كان في الأولى، فإن الآخرة أولى بذلك، وما كان في الأولى من شيء لم يغيره في الوصية الآخرة، فإنهما ينفذان جميعا على نحو ذلك.
ابن وهب عن عبد الجبار عن ربيعة أنه قال في الرجل يوصي بوصية بعد وصيته الأولى، إن الآخرة تجوز مع الأولى إن لم يكن في الآخرة نقض لما في الأولى. وقال مالك مثله، لابن وهب هذه الآثار كلها.

في رجل أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه
قلت: أرأيت إن أوصى رجل لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وله ثلاثة بنين؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن الرجل يقول عند موته: لفلان مثل نصيب أحد ورثتي ويترك نساء ورجالا. قال: قال مالك: أرى أن يقسم ماله على عدة من ترك من الورثة، الرجال والنساء سواء، لا فضل بينهم، الذكر والأنثى فيه سواء، ثم يؤخذ حظ واحد منهم، ثم يدفع إلى الذي أوصى له به، ثم يرجع من بقي من الورثة فيجمعون ما ترك الميت بعد الذي أخذ الموصى له، فيقتسمون ذلك على فرائض الله للذكر مثل حظ الأنثيين. قال: فأرى أن يكون للموصى له الثلث في مسألتك - وهو رأيي - قاله أشهب كله.

في رجل أوصى لغني وفقير
قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي لفلان وفلان - وأحدهما غني والآخر فقير قال: الثلث بينهما نصفين. قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي لولد ولدي؟ قال: قال مالك: ذلك جائز إذا كانوا غير ورثته. قلت: أرأيت إن مات بعد موت الموصى من ولد ولده بعضهم وولد غيرهم، ذلك قبل أن يجمعوا المال ويقسم؟ قال: قال مالك في رجل أوصى لأخواله وأولادهم أو لمواليه بثلثه، فمات منهم بعد موته نفر وولد لآخرين منهم وذلك قبل القسمة. قال: قال مالك: إنما يكون الثلث على من أدرك القسم منهم، ولا يلتفت إلى من مات منهم بعد موت الموصي قبل أن يقسم المال. قال مالك: لا شيء لأولئك، فمسألتك مثل هذا. قلت: أرأيت إن قال رجل: ثلث مالي لهؤلاء النفر - وهم عشرة رجال - فمات أحدهم بعد موت الموصي قبل قسمة المال؟ قال: أرى أن نصيب هذا الميت لورثته. قلت: فما فرق بين هذا وبين الأول؟ قال: لأن الأول إنما قال: لولد ولدي أو لأخوالي وأولادهم أو لبني عمي أو لبني فلان، فهذا لم يسم قوما بأعيانهم ولم يخصهم، فإنما يقسم هذا على من أدرك القسم. ومن لم يدرك القسم فلا حق له، وأما إن ذكر قوما بأعيانهم، فمن مات منهم بعد موت الموصي فورثته يرثون ما كان أوصى له به الموصي.

في رجل أوصى لولد رجل
قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي لولد فلان، وولد فلان - ذلك الرجل - عشرة، ذكور وإناث؟ قال: الذي سمعت من مالك أنه إذا أوصى بحبس داره أو ثمرة حائطه على ولد رجل، أو على ولد ولده، أو على بني فلان، فإنه يؤثر به أهل الحاجة منهم في السكنى

في رجل أوصى لبني رجل
قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي لبني تميم، أو ثلث مالي لقيس، أتبطل وصيته أم تجيزها في قول مالك؟ قال: هي جائزة في قول مالك. قلت: فلمن تعطى؟ قال: على قدر الاجتهاد لأنا نعلم أنه لم يرد أن يعم قيسا كلهم. قال: ولقد نزلت بالمدينة أن رجلا أوصى لخولان بوصيته فأجازها مالك ولم ير مالك للموالي فيها شيئا. قلت: أرأيت إن كان الموصي مولى، هل يكون للموالي شيء؟ قال: إنما ينظر في هذا إلى بساط الكلام في ابتداء وصيته من أراد، فيخص بها من يتبين ذلك لهم.

في رجل أوصى لموالي رجل
قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي لموالي فلان، فمات بعضهم قبل أن يقسم المال، وأعتق فلان آخرين، أو مات بعضهم، وولد لبعضهم أولاد، وذلك قبل القسمة؟ قال: هذا عندي بمنزلة ما وصفت لك في ولد الولد، أراه لمن أدرك القسم منهم. قال سحنون: وقد بينا هذا الأصل. قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي لموالي فلان، ولفلان ذلك الرجل موال من العرب أنعموا عليه وله موال هو أنعم عليهم؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، أو لم أسمع أن مالكا قال في شيء من مسائله أو جوابه أنه يكون لمواليه الذين أنعموا عليه شيء، وإنما محمل هذا الكلام على مواليه الذين هم أسفل.

في رجل أوصى لقوم فمات بعضهم
قلت: أرأيت إن قال: ثلث مالي لفلان وفلان، فمات أحدهما قبل موت الموصي؟ قال: لفلان الباقي نصف الثلث وترجع وصية الميت إلى الورثة. قلت: أرأيت إن قال:

في إجازة الورثة للموصي أكثر من الثلث
في إجازة الورثة للموصي أكثر من الثلث

في إجازة الورثة للموصي أكثر من الثلث
قلت: أرأيت إذا أوصى في مرضه بأكثر من الثلث فأجاز الورثة ذلك من غير أن يطلب إليهم الميت ذلك، أو طلب إليهم فأجازوا ذلك، فلما مات رجعوا عن ذلك وقالوا: لا نجيز. قال: قال مالك: إذا استأذنهم، فكل وارث بائن عن الميت مثل الولد الذين قد بانوا عن أبيهم أو أخ أو ابن عم، الذين ليسوا في عياله، فإنه ليس لهؤلاء أن يرجعوا. وأما امرأته وبناته اللائي لم يبن منه وكل ابن في عياله - وإن كان قد احتلم - فإن أولئك إن رجعوا فيما أذنوا له كان ذلك لهم، وكذلك قال لي مالك في الذي يستأذن في مرضه، إن ذلك غير جائز على المرأة والولد الذين لم يبينوا عنه. قال: وكل من كان يرثه مثل الإخوة الذين هم في عياله أو بني العم، ويحتاجون إليه وهم يخافون إن هم منعوه إن صح أن يكون ذلك ضررا بهم في رفقة بهم، كما يخاف على المرأة والابن الذي قد احتلم وهم في عياله. ورأيي أن إجازتهم تلك خوف منه لقطع منفعته عنهم ولضعفهم إن

صح، فلم ير مالك إجازة هؤلاء إجازة، وكذلك كل من كان يرثه ممن هو في الحاجة إليه مثل الولد. قلت: أرأيت ابنته البكر وابنه السفيه، أيجوز ما أذنوا للوالد قبل موته وإن لم يرجعوا بعد موته؟ قال: قال مالك: لا تجوز عطية البكر، فأرى عطيتها ههنا لا تجوز وكذلك السفيه. قلت: ولم لا يكون للابن الذي هو بائن عن أبيه مستغن عنه أن يرجع فيما أجاز من وصية والده وهو لا يملك المال يوم أجاز؟ قال: قال مالك لو جاز ذلك لهم لكانوا قد منعوا الميت من أن يوصي بثلثه؛ لأنه كف عن ذلك للذي أجازوا. سحنون: ولأن المال قد حجز عن المريض لمكان ورثته. قلت: فالذين في حجره من ولده الذكور الذين قد بلغوا وليسوا سفهاء وامرأته، لم قال: لهم أن يرجعوا؟ قال: لأنهم في عياله، وليس إجازتهم تلك بإجازة لموضع أنهم يخشون إن لم يكونوا يجيزوا اعتداءه عليهم إن صح من مرضه ذلك، فلذلك كان لهم ما أخبرتك. قلت: أرأيت المرأة والابن الذي ليس بسفيه وقد بلغ إلا أنه في عيال الأب، أرأيت ما أجازوا في حياة صاحبهم، أليس ذلك جائزا ما لم يرجعوا فيه بعد موته؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا أكثر من أنه قال لهم: أن يرجعوا في ذلك، وأرى إن أنفذوا ذلك ورضوا به بعد موته، لم يكن لهم أن يرجعوا وكان ذلك جائزا عليهم إذا كانت حالهم مرضية. ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في ورثة أذنوا للموصي بعد أن أوصى بالثلث بعتق عبد فأذنوا فأعتقه ثم نزع بعضهم. قال: ليس لوارث بعد إذن أن يرجع. ابن وهب قال: أخبرني الخليل بن مرة عن قتادة عن الحسن مثله. وقال عطاء: جائز إن أذنوا. ابن وهب عن عبد الجبار عن ربيعة مثله.

إجازة الوارث المديان للموصي أكثر من الثلث
قلت: أرأيت لو أن رجلا أوصى بماله كله، وليس له إلا وارث واحد، والوارث مديان، فأجاز الوصية فقام عليه غرماؤه فقالوا: ليس لك أن تجيز وصية أبيك وإنما يجوز من ذلك الثلث، ونحن أولى بالثلثين لأنه قد صارت إجازتك إنما هي هبة منك، فنحن أولى بذلك وليس لك أن تهب هبة حتى نستوفي حقنا؟ قال مالك: ذلك لهم في رأيي، ويرد إليهم الثلثان فيقتضونه من حقهم وقاله أشهب.

إقرار الوارث المديان بوصية لرجل أو بدين على أبيه
قلت: أرأيت إن هلك والده وعلى الابن دين يغترق جميع ما ورث عن أبيه، فأقر الابن أن أباه كان أوصى لهذا الرجل بثلث ماله وكذبه غرماؤه وقالوا لم يوص أبوك لهذا بشيء؟ قال: إن كان إقراره قبل أن يقام عليه بالدين جاز ذلك، وإن كان إقراره بعدما

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الهبات

تغيير الهبة
قلت: لابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا وهب لرجل هبة على أن يعوضه، فتغيرت الهبة في يد الموهوب بزيادة بدن أو نقصان بدن قبل أن يعوضه، فأراد هذا الموهوب له أن لا يعوضه وأن يرد الهبة؟ قال: قال مالك: ليس له ذلك وتلزم الموهوب له قيمتها. قلت: فإن حالت أسواقها؟ قال: لا أدري ما يقول مالك في حوالة أسواقها، ولا أرى له شيئا إلا هبته إلا أن تفوت في بدنها بنماء أو نقصان.

في الرجل يهب حنطة فيعوض منها حنطة أو تمرا
قلت: أرأيت لو أن رجلا وهب لي حنطة فعوضته منها بعد ذلك حنطة أو تمرا أو أشياء مما يؤكل أو يشرب أو مما يكال أو يوزن؟ قال: لا خير في ذلك؛ لأن مالكا قال في الهبة إذا كانت حليا فلا يعوضه منها إلا عرضا، فهذا يدلك على أن مالكا لا يجوز في عوض الطعام طعاما. قلت: فإن عوضه قبل أن يتفرقا؟ قال: لا بأس بذلك. قلت: لم؟ قال: لأن الهبة على عوض إنما هي بيع من البيوع عند مالك إلا أن يعوضه مثل طعامه في صفته وجودته وكيله فلا بأس بذلك. قلت: أرأيت إن وهب لي ثيابا فسطاطية فعوضته بعد ذلك أثوابا فسطاطية، أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال ابن القاسم: لا يجوز هذا عند مالك إذا كانت أكثر منها؛ لأن الهبة على العوض بيع.

في الرجل يهب دارا فيعوض منها دينا له على رجل فيقبل ذلك الرجل
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل هبة دارا أو غير ذلك، فعوضني من الهبة دينا على رجل وقبلت ذلك، أو عوضني خدمة غلامه سنين أو سكنى دار له أخرى سنين، أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا عند مالك في الخدمة والسكنى، لأن هذا من وجه الدين بالدين. ألا ترى أن الموهوب له وجبت عليه القيمة، فلما فسخها في سكنى دار أو في خدمة غلام لم يجز، لأنه إذا فسخها في سكنى دار أو في خدمة عبد لم يقدر على أن يقبض ذلك مكانه، فلا يجوز ذلك إلا أن تكون الهبة لم تتغير بنماء أو نقصان فلا بأس بذلك، لأنه لو أبى أن يثيبه لم يكن له عليه إلا هبته يأخذها، فإذا لم تتغير فكأنه بيع حادث باعه إياها بسكنى هذه الدار أو خدمة هذا الغلام. وأما في الدين فذلك جائز إن كان الدين الذي عوضه حالا أو غير حال فذلك جائز، لأن مالكا قال: افسخ ما حل من دينك إذا كان دنانير أو دراهم فيما حل وفيما لم يحل، فلا بأس بهذا في مثله لأن القيمة التي وجبت له على الموهوب له حالة، فلا بأس أن يفسخها في دين لم يحل أو في دين قد حل إذا كان من صنفه وفي مثل عدده أو أدنى، فإن كان أكثر فلا يحل لأنه يفسخ ما قد وجب له عليه بالنقد في دين أكثر منه إلى أجل. فازداد فيه بالتأخير وذلك إذا تغيرت الهبة، فأما إذا لم تتغير فلا بأس به. قلت: وما قول مالك في رجل لي عليه دين لم يحل فبعت ذلك الدين قبل حلوله؟ قال: قال: مالك: لا بأس به إذا بعت ذلك الدين بعوض تتعجله ولا تؤخره إذا كان دينك ذهبا أو ورقا، وكان الذي عليه الدين حاضرا مقرا. قلت: فإن كان الدين عرضا من العروض؟ قال: فبعه عند مالك بعرض مخالف له أو دنانير أو دراهم فتعجلها ولا تؤخرها.
قلت: أرأيت لو أني وهبت دارا لي لرجل فتغيرت بالأسواق. فعوضني بعد ذلك عرضا له على رجل آخر موصوف إلى أجل وأحالني عليه، أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: لا أرى به بأسا. قلت: فإن تغيرت بهدم أو بناء؟ قال: فلا خير فيه. قلت: ولم لا تجيز هذا في العروض وقد أجزته في الدين في قول مالك إذا أحله به؟ قال: لأن القيمة التي وجبت للواهب على الموهوب له، صارت القيمة في ذمة الموهوب له حالة، فإن فسخها في دنانير له على رجل آخر حلت أو لم تحل، فإنما هو معروف من الواهب صنعه للموهوب له حين أخره إذا أبرأ ذمته وتحول بالقيمة في ذمة غيره. وإن كان إنما يفسخ ما في ذمة الموهوب له في عرض من العروض في ذمة رجل، فهذا بيع من البيوع ولا يجوز، ألا ترى أنه اشترى العروض إلى أجل بالقيمة التي كانت له على الموهوب له

فلا يجوز، لأن هذا قد صار دينا بدين فلا يجوز. ألا ترى أنه اشترى بدين له ولم يقبضه، وهو القيمة التي على الموهوب له هذا العرض الذي للموهوب له على هذا الرجل إلى أجل، فلا يجوز وهذا رأيي قلت: وكذلك لو كان لرجل على رجل دين دراهم فحلت فأحال على غريم له عليه دنانير - قد حلت أو لم تحل والدنانير هي صرف تلك الدراهم لم يجز في قول مالك، لأن هذا بيع الدنانير بالدراهم مثل ما ذكرت لي في الدراهم إذا فسخها في طعام لا يقبضه؟ قال: نعم. قلت: فإن كان لي على رجل طعام من قرض، أقرضته إياه، وله على رجل آخر طعام من قرض أقرضه إياه فحل القرض الذي لي عليه، فأحالني بطعامي على الرجل الذي له عليه الطعام وطعامه لم يحل؟ قال: لا بأس بذلك عند مالك إذا كان الطعامان جميعا قرضا - الذي لك عليه والذي له على صاحبه - فحل دينك ولم يحل دينه فلا بأس أن يحيلك على غريمه؟ لأن التأخير ههنا إنما هو معروف منك وهذا ليس ببيع، ولكنك أخذته بطعام لك عليه قد حل وأبرأت ذمته، وجعلت الطعام في ذمة غيره، فلا بأس بهذا. وهذا في الطعام إذا كان من قرض، فهو والدنانير والدراهم محمل واحد عند مالك. قال: وأصل هذا أن مالكا قال: افسخ ما حل من دينك - فيما حل وفيما لم يحل - إذا فسخته في مثل دينك. قال: وكذلك هذا في العروض إذا كانت من قرض أو من بيع إذا حل دينك عليه، ودينك من قرض أقرضته وهو عروض أقرضتها إياه أو من شراء اشتريت منه عروضا، فحل دينك عليه فلا بأس أن تفسخه في عروض له على رجل آخر مثل عروضك الذي لك عليه، ولا تبالي كان العرض الذي يحيلك به غريمك، من شراء اشتراه غريمك أو من قرض أقرضه. وهذا أيضا محمل الدنانير والدراهم، فإن كان العرض الذي يحيلك به على غريمه مخالفا للعرض الذي لك عليه، فلا يجوز ذلك في قول مالك لأنه تحول من دين إلى دين.
قلت: فإن كان لي عليه طعام من قرض أقرضته إياه، وله على رجل طعام من سلم أسلم فيه، فحل قرضي ولم يحل سلمه، فأحالني عليه وهو مثل طعامي، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا لأنه يدخله بيع الطعام قبل استيفائه. قلت: فإن كان قد حل الطعامان جميعا؟ قال: ذلك جائز إذا كان أحدهما من قرض فذلك جائز. قلت: وإذا كان أحدهما من قرض والآخر من سلم فحلا جميعا فأحاله فذلك جائز، ولا تبالي إذا كان الذي يحتال طعامه هو السلم وطعام الآخر هو القرض، أو كان طعام الذي يحتال بدينه هو القرض وطعام الآخر هو السلم، فذلك جائز عند مالك. قال: نعم. إذا حل أجل الطعامين جميعا وأحدهما من قرض والآخر من سلم فأحاله فذلك جائز، ولا تبالي أيهما كان القرض أو أيهما كان السلم. قلت: فإن حل الطعامان جميعا في مسألتي، فأحالني فأخرت الذي أحالني عليه، أيجوز هذا أم لا في قول مالك؟ قال: لم أوقف مالكا على

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19