كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين

فإن عجز عن السعي إليه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر
ـــــــ
المجد مع العزم على فعله في الجملة لأنه عليه السلام أمر أبا بكر على الحج. وتخلف بالمدينة غير محارب ولا مشغول بشيء وتخلف أكثر المسلمين مع قدرتهم عليه ولأنه لو أخره لم يسم قضاء والأول هو المنصور لأن وجوبه بصفة الموسع يخرجه عن رتبة الواجبات لتأخيره إلى غير غاية ويسمى قضاء فيه وفي الزكاة وذكره في "الرعاية" وجها ثم بطل بما إذا غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى سنة أخرى لا يجوز له تأخيره وإذا لا يسمى قضاء وقيل إنه عليه السلام لم يؤخره لأنه فرض سنة عشر والأشهر سنة تسع فقيل أخره لعدم الاستطاعة وفيه نظر وقيل لرؤية المشركين حول البيت عراة وقيل بأمر الله تعالى لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار الزمان فيها كهيئته وتتعلم منه أمته المناسك التي استقر أمره عليها ويصادف وقفة الجمعة ويكمل الله دينه ويقال اجتمع يومئذ أعياد أهل كل دين ولم تجتمع قبله ولا بعده.
"فإن عجز عن السعي إليه" أي إلى الحج "لكبر أو مرض لا يرجى برؤه" كزمانة ونحوها "لزمه" على الفور "أن يقيم من يحج عنه ويعتمر" لقول ابن عباس إن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة أفأحج عنه قال "حجي عنه" متفق عليه زاد في "المغني" و"الشرح": لو كان نضو الخلق لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة يؤيده قول أحمد في المرأة إذا كانت ثقيلة لا يقدر مثلها يركب إلا بمشقة شديدة وأطلق أبو الخطاب وجماعة عدم القدرة ويسمى المعضوب لأنه عبادة تجب الكفارة بإفسادها فجاز أن يقوم غيره فيه كالصوم وشرطه الاستطاعة وسواء وجب عليه حال العجز أو قبله وظاهره أنه لا يشترط اتحاد النوع بل تنوب امرأة عن رجل وعكسه ولا كراهية في نيابتها عنه. وفيه احتمال لفوات رمل وحلق ورفع

من بلده، وقد أجزأ عنه وإن عوفي. ومن أمكنه السعي إليه، لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا آمنا غالبه السلامة
ـــــــ
صوته بالتلبية وأضعف منه قول النخعي وابن أبي ذئب لا يحج أحد عن أحد
"من بلده" أو من الموضع الذي أيسر فيه كالاستنابة عن الميت لأنه وجب على المستنيب كذلك فكذا النائم كقضاء الصوم ويعتبر أن يجد مالا فاضلا عن حاجته المعتبرة وافيا بنفقة راكب فإن وجد نفقة راجل لم يلزمه في الأصح وإن وجد مالا ولم يجد نائبا فعلى الخلاف في إمكان المسير هل هو شرط للوجوب أو للزوم الأداء فقياس المذهب أنه يسقط وعلى الثاني يثبت الحج في ذمته فإن لم يجد مالا يستنيب به فلا حج عليه بغير خلاف
"وقد أجزأ عنه" أي عن المعضوب "وإن عوفي" نص عليه لأنه أتي بما أمر به فخرج عن العهدة كما لو لم يبرأ وسواء عوفي بعد فراغ النائب أو قبل فراغه في الأصح فيه كالمتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي والثاني لا يجزئه وهو الأظهر عند الشيخ تقي الدين كالمتيمم إذا وجد الماء في الصلاة أما إذا حصل البرء قبل إحرام النائب فإنه لا يجزئه اتفاقا للقدرة على المبدل قبل الشروع في البدل كالمتيمم وظاهره أن المريض المرجو برؤه ليس له أن يستنيب كالمحبوس
"ومن أمكنه السعي إليه" أي إلى الواجب من الحج والعمرة "لزمه ذلك" لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب كالسعي إلى الجمعة "إذا كان في وقت المسير" أي يكون الوقت متسعا للخروج إليه بحيث يمكنه المسير بما جرت به العادة فلو أمكنه أن يسير سيرا يجاوز العادة لم يلزمه.
"ووجد طريقا آمنا"، لأن في الملزوم بدونه ضررا وهو منفي شرعا وسواء كان قريبا أو بعيدا ولوغير الطريق المعتاد برا كان أو بحرا.
"غالبه السلامة" لحديث عبد الله بن عمر: "ولا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله". رواه أبو داود وفيه مقال ولأنه يجوز سلوكه

لا خفارة فيه، ويوجد فيه الماء والعلف على المعتاد، وعنه: أن إمكان المسير وتخلية الطريق من شرائط الوجوب. وقال ابن حامد: إن كانت الخفارة لا تجحف بماله، لزمه بذلها و من وجب عليه الحج فتوفي قبله
ـــــــ
بأموال اليتامى أشبه البر فإن لم يكن له غالب فخلاف وخرجه في "منتهى الغاية" على الخلاف فيما إذا استوى الحرير والكتان أما إذا غلب الهلاك لم يلزمه سلوكه وذكره المجد إجماعا في البحر "لا خفارة فيه" وظاهره ولو كانت يسيرة ذكره الجمهور لأنها رشوة فلم يلزم بذلها في العبادة.
"ويوجد فيه" أي في الطريق "الماء والعلف على المعتاد" أي يجد ذلك في المنازل التي ينزلها لأنه لو كلف حمل مائة وعلف بهائمه من موضعه إلى مكة لأدى إلى مشقة عظيمة ولأنه متعذر الإمكان بخلاف زاد نفسه فإنه يمكن حمله فعلى هذا يجب حمل الماء من منهل إلى منهل وحمل الكلأ من موضع إلى موضع
"وعنه أن إمكان المسير وتخلية الطريق" من عذر، "من شرائط الوجوب"، وقاله جماعة لأنه غير مستطيع ولتعذر فعل الحج معه لعدم الزاد والراحلة وظهر أن المذهب أن أمن الطريق وسعة الوقت من شرائط لزوم الأداء اختاره أكثر أصحابنا لأنه عليه السلام فسر السبيل بالزاد والراحلة ولأن إمكان الأداء ليس شرطا في وجوب العبادة بدليل ما لو زال المانع ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه ولأنه يتعذر الأداء دون القضاء كالمرض المرجو برؤه وعدم الزاد والراحلة يتعذر معه الجميع فعلى هذا هل يأثم إن لم يعزم على الفعل يتوجه الخلاف في الصلاة
"وقال ابن حامد إن كانت الخفارة لا تجحف بماله لزمه بذلها" لأنها غرامة يقف إمكان الحج على بذلها فلم يمنع الوجوب مع إمكان بذلها كثمن الماء وقيده في "المحرر" عنه باليسيرة، وجوزها الشيخ تقي الدين عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ولا يجوز مع عدمها كما يأخذه السلطان من الرعايا.
"ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله" وجب قضاؤه "وأخرج عنه من جميع

أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة. فإن ضاق ماله عن ذلك أو كان عليه دين أخذ للحج بحصته وحج به من حيث يبلغ.
ـــــــ
ماله حجة وعمرة" وإن لم يوص به لما روى ابن عباس أن امرأة قالت يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: "نعم، حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ أقضوا الله، فالله أحق بالوفاء" رواه البخاري.
ولأنه حق استقر عليه فلم يسقط بموته كالدين ويكون من جميع ماله لأنه عليه السلام شبهه بالدين فوجب مساواته له وسواء فرط بالتأخير أو لا وظاهره لا فرق بين الواجب وأصل الشرع أو بإيجاب نفسه ويخرج عنه من حيث وجب نص عليه لأن القضاء بصفة الأداء كالصلاة ويستناب من أقرب وطنه ليتخير المنوب عنه فإن لزمه بخراسان فمات ببغداد أو بالعكس فقال أحمد يحج عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته ويحتمل أن يحج عنه من أقرب المكانين ويجزئ دون الواجب إذا كان القصر لأنه كحاضر وإلا لم يجزئه لأنه لم يكمل الواجب وقيل يجزئه كمن أحرم دون ميقات وقيل يجزئ يحج عنه من ميقاته لا من حيث وجب وعلى كل حال يقع الحج عن المحجوج عنه فإن مات هو أو نائبه في الطريق حج عنه من حيث مات فيما بقي نص عليه مسافة وفعلا وقولا وإن صد فعل ما بقي لأنه أسقط بعض الواجب
"فإن ضاق ماله عن ذلك" بأن لم يخلف ما يكفي الحج من بلده "أو كان عليه دين" وتزاحموا "أخذ الحج بحصته" كما لو خلف مائة وعليه مثلها والحج يكفيه مائة فيطلع له خمسون "وحج به من حيث يبلغ" نص عليه لقدرته على بعض المأمور به وعنه يسقط الحج عين فاعله أم لا وعنه يقدم الدين لتأكده
مسألة إذا أوصى بحج نفل أو أطلق جاز من الميقات نص عليه ما لم تمنع منه قرينة وقيل من محل وصيته كحج واجب فإن لم يف له بالحج من بلده حج من حيث يبلغ أو يعان به في الحج نص عليه وقال المتطوع ما

فصل:
ويشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها.
ـــــــ
يبالي من أين كان
أصل يلزم الأعمى أن يحج بنفسه بالشروط السابقة لقدرته عليه كالبصير بخلاف الجهاد ويعتبر له قائد كبصير يجهل الطريق، وهو كالمحرم. وفي "الواضح": يشترط للأداء قائد يلائمه أي يوافقه ويلزمه أجره مثله وقيل وزيادة يسيرة فلو تبرع لم يلزمه قبوله للمنة
فصل
"ويشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها" نقله الجماعة وهو المذهب لما روى ابن عباس مرفوعا: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وامرأتي تريد الحج فقال: "اخرج معها" رواه أحمد بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة مرفوعا: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة" رواه البخاري ولمسلم: "ذو محرم منها" ، وله أيضا: "ثلاثا" وهذا مع ظاهر الآية بينهما عموم وخصوص وخبر ابن عباس خاص.
ولأنها أنشأت سفرا في دار الإسلام فلم يجز بغير محرم كحج التطوع والزيارة والتجارة وظاهره لا فرق بين العجوز والشابة لكن شرطه أن يكون لعورتها حكم وهى بنت سبع.
ونقل أحمد بن إبراهيم لا يحل سفرها إلا لمحرم قال إذا صار لها سبع سنين أو تسع قلت هو الظاهر لقول عائشة إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة.

وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح.
ـــــــ
وعنه لا يشترط في الحج الواجب كسفر الهجرة ولأنها تخرج مع كل من أمنته وعنه لا يشترط في القواعد من النساء اللاتي لا يخشى منهن ولا عليهن فتنة وعنه لا يعتبر إلا في مسافة القصر كما لا يعتبر في أطراف البلد مع عدم الخوف.
واختار الشيخ تقي الدين تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم وقال هذا متوجه في كل سفر طاعة.
والظاهر أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين وسؤالهم فخرجت جوابا وظاهر كلامهم اعتبار المحرم لإماء المرأة وعتقائها لكن قال الشيخ تقي الدين إماء المرأة يسافرن معها ولا يفتقرن إلى محرم لأنه لا محرم لهن في العادة الغالبة وأما عتقاؤها فيحتمل أنهن كالإماء إن لم يكن لهن محرم ويحتمل عكسه لانقطاع التبعية وملكن أنفسهن بالعتق.
"وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد" لما روى أبو سعيد مرفوعا لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبو ها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها رواه مسلم. وأطلق على الزوج محرما لأن المقصود من سفر المحرم معها صيانتها وحفظها مع الخلوة والنظر وهو موجود فيه.
"بنسب أو سبب مباح" كرضاع ومصاهرة ووطء مباح بنكاح أو غيره ودخل فيه رابها وهو زوج أمها وربيبها وهو ابن زوجها نص عليهما.
وخرج منه الزاني والواطئ بشبهة فليس بمحرم لأم الموطوءة وابنتها لأن السبب غير مباح قال في "المغني" و"الشرح" كالتحريم باللعان وفي "الفروع": المحرمية نعمة فاعتبر إباحة سببها كسائر الرخص وعنه بلى واختاره في "الفصول" في وطء الشبهة لا الزنا لكن يستثنى ومرادهم بالشبهة الوطء الحرام مع الشبهة ذكره جماعة كالجارية المشتركة.

إذا كان بالغا عاقلا. وعنه أن المحرم من شرائط لزوم الأداء.
ـــــــ
وظاهر كلامهم أن وطء الشبهة لا يوصف بالتحريم فيرد على إطلاقه الملاعنة فيزاد فيه سبب مباح لحرمتها وذكره صاحب "الوجيز" و الآدمي فإن تحريمها عليه عقوبة وتغليظ لا لحرمتها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية ولا يحتاج إلى استثنائهن لانقطاع حكمهن.
وظهر أن زوج الأخت ليس بمحرم لأختها لأن تحريمها ليس على التأبيد والعبد ليس بمحرم لسيدته لأنها لا تحرم أيدا ولا يؤمن عليها كالأجنبي ولا يلزم من النظر المحرمية وعنه هو محرم وذكر في "شرح المذهب" أنه المذهب لأنه يباح له النظر إليها كذي محرمها وهو منقوض بالقواعد من النساء وبغير أولى الإربة
"إذا كان بالغا عاقلا" لأن الصبي والمجنون لا يقاومان بأنفسهما فكيف يخرجان مع غيرهما ولأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة ولا يحصل ذلك منهما ولا وجه لقوله في "الفروع": ذكرا.
ويشترط إسلامه نص عليه لأن الكافر لا يؤمن عليها كالحضانة وكالمجوس لاعتقاده حلها قال في "الفروع": ويتوجه أن مثله مسلم لا يؤمن وأنه لا يعتبر إسلامه إن أمن عليها.
وكونه باذلا للخروج معها ولو عبدا ونفقته عليها نص عليه فيعتبر أن يملك زادا وراحلة لهما ولو بذلت النفقة لم يلزمه السفر معها وكانت كمن لا محرم لها إلا العبد إذا قلنا بأنه محرم فيلزمه السفر معها وعنه يلزمه لأمره عليه السلام الزوج بالسفر معها. وأجيب بأنه أمر بعد حظر أو أمر تخيير فإن أراد أجرة فظاهر كلامهم لا يلزمها ويتوجه كنفقته كما ذكروه في التغريب فدل على أنه لو تبرع لم يلزمها للمنة.
"وعنه أن المحرم من شرائط لزوم الأداء" كإمكان المسير وتخلية الطريق ولوجود السبب فهو كسلامتها من مرض فعلى هذا يحج عنها كموت أو

وإن مات المحرم في الطريق مضت في حجها ولم تصر محصرة. ولا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره, ولا نذر، ولا نافلة، فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام.
ـــــــ
مرض لا يرجى برؤه ويلزمها أن توصي به وظاهر "الخرقي" أن المحرم شرط للوجوب دون أمن الطريق وسعة الوقت وقدمه المؤلف وغيره وشرطها في "الهداية" للوجوب قال المجد والتفرقة على كلا الطريقين مشكلة والصحيح التسوية بين هذه الشروط إما نفيا وأما إثباتا.
فرع: إذا حجت بغير محرم حرم وأجزأ كما لو ترك حقا يلزمه من دين أو غيره لتعلقه بذمته ويصح من معضوب وأجير رحمة بأجرة أو لا وتاجر ولا إثم نص على ذلك.
"وإن مات المحرم في الطريق مضت في حجها" لأنها لا تستفيد بالرجوع لكونه بغير محرم ومحله إذا تباعدت فإن كان تطوعا وأمكنها الإقامة ببلد فهو أولى من السفر بغير محرم وإن مات وهى المساجد رجعت لتقضى العدة في منزلها لأنها في حكم المقيم ذكره في "الشرح". "ولم تصر محصرة" لأنها لا تستفيد بالتحلل زوال ما بها كالمريض.
"ولا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره" في الصحيح لحديث عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال: "حججت عن نفسك" قال: لا قال: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" احتج به أحمد في رواية صالح وإسناده جيد وصححه البيهقى ولأنه حج عن غيره قبل حجه عن نفسه فلم يجز كما لو كان حيا
"ولا نذر ولا نافلة" أي لا يجوز أن يحرم بنذر ولا نافلة من عليه حجة الإسلام "فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام" في الصور كلها في اختيار الأكثر لما روى الدارقطني بإسناد ضعيف: "هذه عنك وحج عن شبرمة".

وعنه: يقع ما نواه. وهل يجوز لمن تعذر عليه الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع؟ على روايتين.
ـــــــ
وقوله أولا: " حج عن نفسك" أي استدمه كقولك للمؤمن آمن ولأن نية التعيين ملغاة فيصير كما لو أحرم مطلقا وقال أبو حفص العكبري ينعقد عن المحجوج عنه ثم يقلبه الحاج عن نفسه لقوله: عليه السلام: "اجعل هذه عن نفسك" رواه ابن ماجه. وأجاب القاضي بأنه أراد التلبية لقوله: "هذه عنك" ولم يجز فسخ حج إلى حج وعنه يقع باطلا اختاره أبو بكر في "الخلاف" لأنه لم ينو نفسه فلا يحصل له وغيره ممنوع من الإحرام عنه فلا يصح لارتكابه النهي
"وعنه" يجوز عن غيره و "يقع ما نواه" قال القاضي هو ظاهر نقل محمد بن ماهان فيمن عليه دين لا مال له أيحج عن غيره حتى يقضى دينه قال نعم لأن الحج يدخله النيابة فجاز أن يؤديه من لم يسقط فرض نفسه كالزكاة. وفي "الانتصار" رواية: يقع عما نواه بشرط عجزه عن حجة لنفسه. فعلى المذهب لا ينوب من لم يسقط فرض نفسه قال في "الفروع": ويتوجه ما قيل ينوب في نفل عبد وصبى ويحرم وجزم به في "الرعاية". ومتى وقع الحج للحاج لم يأخذ شيئا وفي "الفصول": احتمال.
فرع: إذا استناب عن المغضوب أو عن الميت واحدا في فرضه وآخر في نذره في سنة جاز وزعم ابن عقيل أنه أفضل من التأخير لوجوبه على الفور ولكن يحرم بحجة الإسلام أو لا أيهما أحرم أو لا فعن حجة الإسلام ثم الأخرى عن النذر ولو لم ينو في ظاهر كلامهم. "وهل يجوز لمن تعذر عليه الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع على روايتين":
إحداهما يجوز جزم به في "الوجيز"، وصححه في "الفروع" لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب. والثانية لا لأنه قادر على الحج بنفسه فلم يجز له الاستنابة كالفرض ومحلهما إذا أدى حجة الإسلام وهو قادر على الاستنابة عليها بنفسه. أما لو كان قادرا ولم

ـــــــ
يؤد الفرض لم يصح أن يستنيب في التطوع لأنه ممنوع بنفسه فنائبه أولى وإذا أدى فرضه ثم عجز جازت الاستنابة فيه لأنه إذا جاز في الفرض فالنفل أولى ذكره في "المغني" و"الشرح" ويكفي النائب أن ينوي المستنيب ولا يشترط تسميته لفظا نص عليه وأن جهل اسمه أو نسيه لبى عمن سلم إليه المال ليحج به عنه.
فصل
في مخالفة النائب إذا أمره بحج فاعتمر لنفسه ثم حج.
فقال القاضي لا يقع عن الآمر ويرد كل النفقة لأنه لم يؤمر به ونص أحمد واختاره المؤلف وغيره إن أحرم من ميقات فلا ومن مكة يرد من النفقة ما بينهما ويلزمه دم لترك ميقات ومن أمر بإفراد فقرن لم يضمن لأنه زاد كبيع بأكثر مما سمى وقيل هدر وكذا إن تمتع إلا أن يكون على العين وقد أمره بتأخير العمرة فيرد حصتها ومن أمر بتمتع فقرن لم يضمن وقال القاضي يرد نصف النفقة لفوات فضيلة التمتع.
وعمرة مفردة كإفراده ولو اعتمر لأنه أخل بها من الميقات ومن أمر بقران فتمتع أو أفرد فللآمر ويرد نفقة قدر ما تركه من إحرام النسك المتروك من الميقات ذكره في "المغني" و"الشرح" وفي "الفصول" وغيرها: يرد نصف النفقة وأن من تمتع لا يضمن لأنه زاد خيرا وإن استنابه رجل في حج وآخر في عمرة وأذنا في القران جاز لأنه نسك مشروع وإن لم يأذنا صحا له وضمن الجميع كمن أمر بحج فاعتمر أو عكسه ذكره القاضي وغيره وفي "المغني" و"الشرح" يقع عنهما فإن أدى أحدهما رد على غير الآمر نصف نفقته وحده لأن المخالفة في صفته وإن أمر بحج فحج ثم اعتمر لنفسه أو بالعكس صح ولم يضمن شيئا لأنه أتى بما أمر به وعليه نفقة نفسه مدة مقامه لنفسه فإن أرادوا إقامة تمنع القصر فظاهره يخالف ما

ـــــــ
سبق وإن أمر ب الإحرام من ميقات فأحرم قبله أو من غيره أو بلده فأحرم من ميقات أو في عام أو في شهر فخالف جاز ذكره في "المغني" و"الشرح" لإذنه فيه في الجملة. وقال ابن عقيل أساء لمخالفته وفي "الانتصار" لو نواه بخلاف ما أمره به وجب رد ما أخذه.
مسألة: يستحب أن يحج عن أبويه قيده بعضهم إن لم يحجا وقيل وغيرهما وتقدم أمه لأنها أحق بالإكرام ويقدم واجب أبيه على نفلها نص عليهما نقل أبو طالب يقدم دين أبيه على نفله لنفسه فأمه أولى ولكل منهما منع ولده من نفل لا تحليله للزومه بالشروع ويلزمه طاعتهما في غير معصية ويحرم فيها

باب المواقيت
وميقات أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام ومصر و الغرب من الجحفة، وأهل اليمن يلملم، وأهل نجد
ـــــــ
باب المواقيتهي جمع ميقات ومعناه لغة الحد والمراد به ها هنا زمن العبادة ومكانها.
"وميقات أهل المدينة من ذي الحليفة" بضم الحاء وفتح اللام بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة وبينها وبين مكة مسيرة عشرة أيام. "وأهل الشام ومصر والغرب من الجحفة" بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وهى قرية جامعة على طريق المدينة وكان أسمها "مهيعة" فجحف السيل بأهلها وهى على ستة أميال من البحر وثمان مراحل من المدينة وثلاث من مكة. "وأهل اليمن يلملم" وهو جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة والياء بدل من الهمزة لأن أصله "ألملم" وليست بمزيدة "وأهل نجد" هو بفتح النون وسكون الجيم قال صاحب "المطالع": هو ما بين جرش إلى سواد الكوفة وكلها من عمل اليمامة وقال الجوهري هو خلاف الغور والغور هو تهامة كلها وكل ما ارتفع من أرض العراق فنجد انتهى فنجد اليمن ونجد الحجاز

قرن، وأهل المشرق ذات عرق. وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم. ومن منزله دون الميقات فميقاته من موضعه, وأهل مكة
ـــــــ
والطائف "قرن" بسكون الراء فقط ويقال له قرن المنازل وقرن الثعالب وهو تلقاء مكة على يوم وليلة منها "وأهل المشرق ذات عرق" هو منزل معروف سمي به لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير وقيل العرق الأرض السبخة تنبت الطرفاء.
وأصله ما روى ابن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة ومن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها وعن ابن عمر نحوه .
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق رواه أبو داود والنسائي وعن جابر مرفوعا نحوه رواه مسلم. فدل أن هذه المواقيت ثبتت بالنص وقال بعض العلماء منهم الشافعي في "الأم": إن ذات عرق باجتهاد عمر ففي "البخاري" عن ابن عمر قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب فحد لهم ذات عرق والظاهر أنه خفي النص فوافقه برأيه فانه موفق للصواب وليس الأفضل للعراقي أن يحرم من العقيق وهو واد وراء ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين يلي الشرق. وما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو شيعي مختلف فيه وقال ابن معين و أبو زرعة لا يحتج به وقال ابن عبد البر ذات عرق ميقاتهم بإجماع.
"وهذه المواقيت لأهلها" كما سلف "ولمن مر عليها من غيرهم" كالشامي يمر بذي الحليفة فإنه يحرم منها نص عليه قيل له يهل من ميقاته من الجحفة قال سبحان الله واحتج بالخبر وحكاه النووي إجماعا وفيه نظر فإن المالكية وعطاء وأبا ثور قالوا يحرم من الجحفة ويتوجه إلى مثله قاله في "الفروع".
"ومن منزله دون الميقات فميقاته من موضعه" للخبر السابق ولو كان في قرية يسكنها جاز له الإحرام من أي جوانبها شاء والأولى الأبعد "وأهل مكة

إذا أرادوا العمرة فمن الحل. ولو أرادوا الحج فمن مكة.
ـــــــ
إذا أرادوا العمرة فمن الحل" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبى بكر أن يعمر عائشة من التنعيم متفق عليه ولأن أفعال العمرة كلها في الحرم فلم يكن بد من الحل ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم بخلاف الحج فإنه يخرج إلى عرفة فيحصل الجمع وظاهره من أي الحل أحرم جاز لكن قال أحمد كلما تباعد فهو أعظم للأجر قيل التنعيم أفضل لأنه أقرب الحل إلى مكة وفي "التلخيص" و"المستوعب" الجعرانة لاعتمار عليه السلام منها ثم منه ثم من الحديبية وذكر ابن أبى موسى أن من بمكة من غير أهلها إذا أراد عمرة واجبة فمن الميقات وإلا لزمه دم لمن جاوز الميقات وأحرم دونه وإن أراد نفلا فمن أدنى الحل فلو خالف فأحرم بها من مكة صح ولزمه دم لمخالفة الميقات ويجزئه إن خرج إلى الحل قبل طوافها وكذا بعده كإحرامه دون ميقات الحج وقيل لا لأنه نسك فاعتبر فيه الجمع بينهما كالحج فعليه لا يعتد بأفعاله وهو باق على إحرامه حتى يخرج إلى الحل ثم يأتي بها وإن أتى محظورا فدى وبالوطء يلزمه المضي في فاسده وقضاها بعمرة من الحل ويجزئه عنها ولا يسقط دم المجاوزة.
فرع: حكم من كان بالحرم حكم من بمكة فيما ذكرنا.
"ولو أرادوا الحج فمن مكة" لقول جابر أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن نحرم من الأبطح رواه مسلم وظاهره لا ترجيح لموضع ونقل حرب عنه في المسجد ولم أجد عنه خلافه ولم يذكره الأصحاب إلا في "الإيضاح" قال يحرم به من الميزاب وعنه فيمن اعتمر في أشهر الحج زاد غير واحد من أهل مكة يهل بالحج من الميقات فإن لم يفعل فعليه دم وهي ضعيفة عند الأصحاب وأولها بعضهم بسقوط دم المتعة عن الآفاقي بخروجه إلى الميقات.
وعنه إذا أحرم من الميقات عن غيره ودخل مكة فقضى نسكه ثم أراد أن يحرم عن نفسه واجبا أو نفلا أو أحرم عن نفسه ثم أراد عن غيره أو عن إنسان ثم عن آخر يخرج يحرم من الميقات وإلا لزمه دم اختاره جماعة. وفي

ومن لم يكن طريقه على ميقات, فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم, ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير إحرام
ـــــــ
"الترغيب": لا خلاف فيه وفيه نظر والأشهر أنه لا يلزمه الخروج إليه كما ذكره المؤلف وهو ظاهر "الخرقي" عملا بإطلاق الحديث. والمذهب أنه يجوز من الحل والحرم ونصره القاضي وأصحابه كما لو خرج إلى الميقات الشرعي وكالعمرة ومنعوا وجوب إحرامه من الحرم ومكة.
"ومن لم يكن طريقه على ميقات" كعنداب فإنها في طرف المغرب "فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم" لقول عمر انظروا حذوها من قديد رواه البخاري ولأنه يعرف بالاجتهاد والتقدير فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة وهذا فيمن علم فإن لم يعلم حذو الميقات أحرم من بعد إذ الإحرام قبله جائز وتأخيره عنه حرام فإن تساوى ميقاتان في القرب إليه أحرم من أبعدهما عن مكة فإن لم يحاذ ميقاتا ففي "الرعاية": أحرم عن مكة بقدر مرحلتين وهو متجه إن تعذر معرفة المحاذاة.
"ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير إحرام" نص عليه لأنه عليه السلام وقت المواقيت ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه أنهم تجاوزوه بغير إحرام إلا فيما نذكره وعن ابن عباس مرفوعا: "لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام" فيه ضعف. وعنه: لا يلزمه إلا أن يريد نسكا ذكرها جماعة وصححها ابن عقيل قال في "الفروع": وهي ظاهرة وينبني على إلا لقتال مباح أو حاجة مكررة كالحطاب ونحوه ثم إن بدا له النسك أحرم من موضعه عموم المفهوم والأصل عدم الوجوب وحكم من أراد دخول الحرم كمكة فإن لم يرد دخوله لم يلزمه بغير خلاف لأنه عليه السلام وأصحابه أتوا بدرا مرتين وكانوا يسافرون للجهاد فيمرون بذي الحليفة بغير إحرام.
وظاهر كلامه أنه إذا أرادها لتجارة أو زيارة أنه يلزمه نص عليه واختاره الأكثر لأنه من أهل فرض الحج ولعدم تكرر حاجته والثانية وهي ظاهر "الخرقي" لا يلزمه وحكاه أحمد عن ابن عمر فعلى الأولى إذا دخل طاف وسعى وحلق نص عليه وليس المراد به كل داخل وإنما هو الحر

إلا لقتال مباح أو حاجة مكررة كالحطاب ونحوه. ثم إن بدا له النسك أحرم من موضعه.ومن جاوزه مريدا للنسك رجع فأحرم منه. فإن أحرم من موضعه، فعليه دم
ـــــــ
المسلم المكلف فلو كان ممن لا تجب عليه كالعبد والصبي والكافر لم يلزمهم الإحرام منه فلو زال المانع بعد مجاوزته لميقاتهم فمن موضعهم ولا دم عليه. وعنه: بلى لمن وجبت عليه وعنه يلزم من أسلم نصره القاضي وأصحابه لأنه حر بالغ عاقل كالمسلم وهو متمكن من زوال المانع.
"إلا لقتال مباح" لدخوله عليه السلام يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر ولم ينقل أنه هو ولا أحد من أصحابه، أحرم.
وحكم الخوف كذلك "أو حاجة مكررة كالحطاب ونحوه" كالحشاش لما روى حرب عن ابن عباس لا يدخلن إنسان مكة إلا محرما إلا الحمالين والحطابين وأصحاب منافعها. احتج به أحمد وحكم المكي إذا تردد إلى قريته بالحل كذلك إذ لو وجب لأدى إلى ضرر ومشقة وهو منفي شرعا قال ابن عقيل وكتحية المسجد في حق قيمه للمشقة.
"ثم إن بدا له" أي من لا تلزمه أو لم يرد الحرم "النسك أحرم من موضعه" لأنه حصل دون الميقات على وجه مباح فكان له الإحرام منه كأهل ذلك المكان ولأن من منزله دون الميقات لو خرج إليه ثم عاد لم يلزمه وعنه يلزمه كمن جاوزه مريدا للنسك.
"ومن جاوزه مريدا للنسك رجع" إلى الميقات "فأحرم منه" لأن الإحرام من الميقات واجب ومن قدر على الواجب لزمه فعله سواء تجاوزه عالما أو جاهلا علم تحريم ذلك أو جهله وشرط الرجوع ما لم يخف فوت الحج أو غيره وأطلق في "الرعاية" وجهين.
"فإن أحرم من موضعه" صح إحرامه "وعليه دم" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك نسكا، فعليه دم" ولتركه الواجب.

وإن رجع إلى الميقات والاختيار أن يحرم قبل ميقاته المكاني ولا يحرم بالحج قبل أشهره فإن فعل فهو محرم.
ـــــــ
"وإن رجع إلى الميقات" بعد إحرامه لم يسقط الدم عنه نص عليه لأنه وجب لترك إحرامه من ميقاته فلم يسقط كما لو لم يرجع وعنه يسقط لإتيانه بالواجب.
فرع إذا أفسد نسكه هذا لم يسقط دم المجاوزة نص عليه وعليه الأصحاب كدم محظور ولأنه الأصل ونقل مهنا تسقط لأن القضاء واجب. "والاختيار" أي الأفضل "أن لا يحرم قبل ميقاته" المكاني لفعله عليه السلام ولا يعدل عن الأفضل والجواز حصل بقوله ونقل صالح إن نوى على ذلك فلا بأس واحتج المجيز بما روت أم سلمة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" أو: "وجبت له الجنة" شك عبد الله بن عبد الرحمن أيتهما قال رواه أبو داود قال بعضهم وإسناده جيد. وجوابه بأنه يرويه ابن أبي فديك قال ابن سعد ليس بحجة وفيه نظر فإنه ثقة محتج به في الكتب الستة وقوله في "الشرح": وفيه ابن إسحاق مردود. وجوابه: بأن معنى أهل أي قصد من المسجد الأقصى ويكون إحرامه من الميقات قاله القاضي وأجاب في "المغني" و"الشرح" بأنه يحتمل أن يكون خاصا ببيت المقدس ليجمع بين الصلاتين من المسجدين في إحرام واحد بدليل أن ابن عمر أحرم منه ولم يكن يحرم في غيره إلا من الميقات.
"ولا يحرم بالحج قبل أشهره" لقول ابن عباس من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج رواه البخاري ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها فلم يكن مختارا لميقات المكان.
"فإن فعل" أي أحرم قبل ميقات المكان والزمان "فهو محرم" حكى ابن المنذر الصحة في تقدمه على ميقات المكان إجماعا لأنه فعل جماعة من الصحابة والتابعين ولم يقل أحد قبل داود إنه لا يصح ولكنه مكروه وجزم به

وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
ـــــــ
المعظم لأنه عليه السلام لم يحرم من دويرة أهله وكذا عامة أصحابه وأنكره عمر على عمران بن حصين حين أحرم من مصر وعثمان على عبد الله بن عامر حين أحرم من خراسان رواهما سعيد قال البخاري كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان ولأنه أحرم قبل الميقات فكره كالإحرام بالحج قبل أشهره ولعدم أمنه من محظور وفيه مشقة عظيمة والوصال وكيف يتصور الأمن مع احتمال ما لا يمكن دفعه والمذهب المنصور صحة الحج قبل أشهره كما ذكره المؤلف كالأول نقل طالب وسندي يلزمه الحج إلا أن يريد فسخه بعمرة فله ذلك بناء على أصله وعنه ينعقد عمرة اختاره الآجري وابن حامد ونقل ابن منصور يكره وذكر ابن شهاب العكبري رواية لا يجوز.
وجه الأول قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وكلها مواقيت للناس فكذا للحج وقوله: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أي: معظمه في أشهر كقوله: "الحج عرفة". أو أراد حج المتمتع وإن أضمر الإحرام أضمرنا الفضيلة والخصم يضمر الجواز والمضمر لا يعم وقول ابن عباس محمول على الاستحباب.
"وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة" رواه ابن عمر مرفوعا وقاله جمع من الصحابة ويوم النحر منه وهو يوم الحج الأكبر نص عليه لأن العشر بإطلاقه للأيام كالعدة وقال القاضي والمؤلف العرب تغلب التأنيث في العدد خاصة لسبق الليالي فنقول سرنا عشرا وإنما فات الحج بفجر يوم النحر لخروج وقت الوقوف فقط والجمع يطلق على اثنين وعلى اثنتين وبعض آخر كعدة ذات القروء وعلم منه أن العمرة لا يفسد فيها توقيت بل يفعل في كل سنة وهي في رمضان أفضل لما في الصحيحين عن ابن عباس مرفوعا: "عمرة في رمضان تقضي حجة" أو قال: "حجة معي" ونقل عنه ابن إبراهيم هي في رمضان أفضل وفي غير أشهر الحج

.
ـــــــ
أفضل ولا يكره الإحرام بها يوم عرفة والنحر والتشريق كالطواف المجرد إذ الأصل عدم الكراهة ولا دليل وعنه يكره رواه النجاد عن عائشة وخصها بعضهم بأيام التشريق.

باب الإحرام
يستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين إزارا ورداء.
ـــــــ
باب الإحرامقال ابن فارس هو نية الدخول في التحريم كأنه يحرم على نفسه النكاح والطيب وأشياء من اللباس كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء وأربع إذا دخل في الربيع. وشرعا هو نية النسك لا بنية ليحج أو يعتمر.
"يستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل" ولو حائضا ونفساء ويتيمم لعدم ولا يضر حدثه بعد غسله قبل إحرامه "ويتنظف" بأخذ شعره وظفره وقطع رائحة لقول إبراهيم كانوا يستحبون ذلك ثم يلبسون أحسن ثيابهم رواه سعيد ولأن الإحرام عبادة فسن فيه ذلك كالجمعة ولأن مدته تطول "ويتطيب" لقول عائشة كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم رواه البخاري ومراده في بدنه وهو الذي ذكره أكثر المشايخ و أو رده ابن حمدان مذهبا والمذهب يكره تطيب ثوبه وحرمه الآجري فيه وعلى المذهب لا فرق فيه بين أن تبقى عينه كالمسك أو أثره كالبخور فإن استدامه فلا كفارة لخبر يعلى بن أمية وأجيب بأنه عام حنين سنة ثمان وما سبق في حجة الوداع وامرأة كرجل فإن نقله من بدنه من مكان إلى آخر أو نقله عنه ثم رده أو نزعه ثم لبسه فدى بخلاف ما لو سال بعرق أو شمس
"ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين إزارا ورداء" ونعلين لما روى أحمد عن ابن

ويتجرد عن المخيط ويصلى ركعتين ويحرم عقيبهما وينوي الإحرام بنسك معين ولا ينعقد إلا بالنية.
ـــــــ
عمر مرفوعا: "ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين" قال ابن المنذر: ثبت ذلك ولا فرق فيه بين الجديد وغيره وفي "تبصرة الحلواني": إخراج كتفه الأيمن من الرداء أولى وظاهره أنه يجوز إحرامه في ثوب واحد وفي "التبصرة": بعضه على عاتقه.
"ويتجرد" الرجل "عن المخيط" وهو كل ما يخاط كالقميص والسراويل لأنه عليه السلام تجرد لإهلاله رواه الترمذي وكان ينبغي تقديمه على اللبس لكن الو أو لا تقتضي الترتيب "ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما" لحديث ابن عباس قال إني لأعلم الناس بذلك خرج حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أهل بالحج حين فرغ منهما رواه أحمد و أبو داود.
وما ذكره من استحباب الركعتين قبله هو قول أكثر العلماء ولا يركعهما وقت نهي ولا من عدم الماء والتراب والمذهب أنه يحرم عقيب صلاة فرضا كانت أو نفلا نص عليه وحكاه ابن بطال عن جمهور العلماء لأنه عليه السلام أهل في دبر صلاة رواه النسائي.
وعنه عقبها وظاهره أنه إذا ركب وإذا سار سواء واختار الشيخ تقي الدين عقب فرض إن كان وقته وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه وقال في "الفروع": ويتوجه إن كان بالميقات مسجد استحب صلاة الركعتين فيه ويستحب استقبال القبلة عند إحرامه صح عن ابن عمر
"وينوي الإحرام بنسك معين" لفعله عليه السلام وفعل من معه في حجة الوداع ولأن أحكام ذلك يختلف فاستحب تعينه ليترتب عليه مقتضاه وفي عبارته تسامح لأن الإحرام هو نية النسك فكيف ينوي النية وحمله ابن المنجا على أن معناه ينوي بنيته نسكا معينا ثم قال والأشبه أنه شرط كما ذهب إليه بعض أصحابنا لأنه كنية الوضوء.
"ولا ينعقد النسك إلا بالنية" لقوله: "إنما الأعمال بالنيات" ، ولأنه عمل

ويشترط فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسر لي وتقبله مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.
ـــــــ
وعبادة محضة فافتقر إليها كالصلاة ونية النسك كافية نص عليه.
وفي "الانتصار" رواية مع تلبية أو سوق هدي اختاره الشيخ تقي الدين وجه الأول أنه عبادة بدنية ليس في آخرها نطق واجب فكذا أو لها كالصوم بخلاف الصلاة وأما الهدي فإيجاب مال كالنذر ورفع الصوت بها لا يجب فكذا تابعه ولو سلم فهو للندب وفي "الفروع": يتوجه احتمال تجب التلبية.
فرع إذا نطق بغير ما نواه فالعبرة بالمنوي لا بما سبق لسانه حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه.
"و" يستحب أن "يشترط" لقوله عليه السلام لضباعة بنت الزبير حين قالت له إني أريد الحج وأجدني وجعة فقال: "حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني" متفق عليه. واستحبه الشيخ تقي الدين للخائف خاصة جمعا بين الأدلة.
"فيقول" هذا راجع إلى تعيين النسك وعبارة المحرر أولى "اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني" ولم يذكروا مثل هذا في الصلاة لقصر مدتها وتيسيرها عادة " وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" لقول عائشة لعروة قل اللهم إني أريد الحج فإن تيسر وإلا فعمرة ويستفيد به أنه متى حبس بمرض أو عذر أو خطأ في طريق وغيره حل ولا شيء عليه نص عليه لكن قال في "المستوعب" وغيره: إلا أن يكون معه هدي فيلزمه نحره فلو قال فلي أن أحل خير ولو شرط أن يحل متى شاء أو إن أفسده لم يقضه لم يصح ذكره القاضي وغيره لأنه لا عذر له في ذلك وقيل يصح اشتراطه بقلبه لأنه تابع للإحرام وينعقد بالنية فكذا هو.
فرع يبطل إحرامه ويخرج منه بردته لا بجنون وإغماء وسكر كموت.

وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران و أفضل ها التمتع.
ـــــــ
ولا ينعقد مع وجود أحدها.
"وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران" ذكره جماعة إجماعا لقول عائشة خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل" ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل قالت وأهل بالحج وأهل به ناس معه وأهل معه ناس بالعمرة والحج وأهل ناس بالعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة متفق عليه. وذهب طائفة من السلف والخلف أنه لا يجوز إلا التمتع وقاله ابن عباس وعند طائفة من بني أمية ومن تبعهم النهي عن التمتع وعاقبوا من تمتع وكره التمتع عمر و عثمان ومعاوية وابن الزبير وبعضهم والقران وروى الشافعي عن ابن مسعود أنه كان يكرهه.
"وأفضلها التمتع" في قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وجمع نص عليه في رواية صالح وعبد الله وقال لأنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعمل بكل واحد منهما على حدة قال إسحاق بن إبراهيم كان اختيار أبي عبد الله الدخول بعمرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم" وفي الصحيحين أنه عليه السلام أمر أصحابة لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة إلا من ساق هديا وثبت على إحرامه لسوقه الهدي وتأسف ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل ولا يتأسف إلا عليه لا يقال أمرهم بالفسخ ليس لفضل التمتع وإنما هو لاعتقادهم عدم جواز العمرة في أشهر الحج لأنهم لم يعتقدوه ثم لو كان لم يخص به من لم يسق الهدي لأنهم سواء في الاعتقاد ثم لو كان لم يتأسف لاعتقاده جوازها فيها وجعل العلة فيه سوق الهدي ولأن التمتع منصوص عليه في كتاب الله ولإتيانه بأفعالهما كاملة على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك وهو الدم قال في رواية أبي طالب إذا دخل بعمرة يكون قد جمع الله له عمرة وحجة ودما لا يقال لو كان دم نسك لم يدخله كالهدي والأضحية ولا

ثم الإفراد وعنه: إن ساق الهدي فالقران أفضل. ثم التمتع.
ـــــــ
يستوي فيه جميع المناسك لأن دخول الصوم لا يخرجه عن كونه نسكا لأنه بدل والقرب يدخلها الإبدال كالقران وإنما اختص به لوجود سببه وهو الرفه بأحد السفرين.
فإن اعترض بأن النسك الذي لا دم فيه أفضل كإفراد لا دم فيه رد تمتع المكي وغيره سواء عندك وإنما كان إفراد لا دم فيه أفضل لأن ما يجب فيه دم جنابة وإفراد فيه دم تطوع أفضل.
"ثم الإفراد" لما في الصحيحين عن ابن عباس وجابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أهلوا بالحج وفي "مسلم" عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وقال عمر وعثمان وجابر هو أفضل الأنساك لما ذكرنا ولإتيانه بالحج تاما من غير احتياج إلى خبر فكان أولى وشرط أفضل يته عند الشافعي أن يعتمر تلك السنة فلو أخرها عن سنته فالتمتع والقران أفضل منه لكراهة تأخيره العمرة عن سنة الحج وأجاب أصحابنا عن الخبر أنه أفرد عمل الحج عن عمل العمرة أو أهل بالحج فيما بعد مع أن أكثر الروايات عن جابر ذكر أصحابه فقط. وأجاب أحمد في رواية أبي طالب بأن هذا كان في أول الأمر بالمدينة أحرم بالحج فلما دخل مكة فسخ على أصحابه وتأسف على التمتع لأجل سوق الهدي فكان المتأخر أولى.
"وعنه إن ساق الهدي فالقران أفضل ثم التمتع" لما في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا". وعن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا: "لبيك عمرة وحجا" ، اختاره الشيخ تقي الدين ولأن فيه مسارعة إلى فعل العبادتين مع زيادة نسك وهو الدم فكان أولى.
وأجيب بأنه يحتمل أن أنسا سمعه يلقن قارنا تلبيته فظن أنه يلبي بهما عن نفسه أو سمعه في وقتين أو وقت واحد لما أدخل الحج على العمرة أو فرق

وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها،
ـــــــ
بينهما أي فعل الحج بعدها ويسمى قرانا لغة.
وحاصله أن التمتع أفضل لكثرة الأخبار به وصحتها وصراحتها مع أنه قوله وهو مقدم على فعله لاحتمال اختصاصه به. وقد روي عنه عليه السلام أنه كان متمتعا فروى سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه. وعن عروة عن عائشة مثله وأمر ابن عباس بها وقال سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم متفق عليهن لكن قال أحمد لا أشك أنه كان قارنا والمتعة أحب إلي وفيه أحاديث قال الشيخ تقي الدين وعليه متقدمو الصحابة وهو باتفاق علماء الحديث وفيه نظر.
"وصفة التمتع: أن يحرم بالعمرة" كذا أطلقه جماعة منهم في "المحرر" و"الوجيز" وأحرم آخرون من الميقات أي ميقات بلده "في أشهر الحج" نص عليه لأن العمرة عنده في الشهر الذي يهل بها فيه وروي معناه بإسناد جيد عن جابر لا الشهر الذي يحل منها فيه لأنها لو لم يحرم بها في أشهر الحج لم يجمع بين النسكين فيه ولم يكن متمتعا كالمفرد.
"ويفرغ منها" قاله معظم الأصحاب ومعناه يتحلل منها قاله في "المستوعب" لأنه لو أحرم بالحج قبل التحلل من العمرة لكان قارنا واجتماع النسكين ممتنع وفيه نظر ولم يذكر الفراغ منها في "المحرر" و"المغني" وذكر أن صفتها أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يحج من عامه لقوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] أي: فمن تمتع بالعمرة توصلا بها إلى الحج فعلى قوله هنا المراد به التمتع الموجب للدم ومن هنا قلنا إن تمتع حاضري المسجد الحرام صحيح على المذهب. وقال ابن أبي موسى لا متعة لهم وحكى رواية ومعناه ليس عليهم دم متعة لأن المتعة له لا عليه. قال الزركشي وقد يقال إن هذا من الإمام بناء على أن العمرة لا تجب عليهم فلا متعة عليهم أي الحث كافيهم.

ثم يحرم بالحج من مكة أو من قريب منها في عامه والإفراد أن يحرم بالحج منفردا والقران أن يحرم بهما جميعا أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج وإن أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها.
ـــــــ
"ثم يحرم بالحج من مكة أو من قريب منها" نقله حرب و أبو داود لما روي عن عمر أنه قال إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع وإن خرج ورجع فليس بمتمتع وعن ابن عمر نحوه.
"في عامه" اتفاقا لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ} ، [البقرة:196] فظاهره يقتضي المولاة بينهما ولأنه لو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج ثم حج من عامه لا يكون متمتعا فلأن لا يكون متمتعا إذا لم يحج من عامه الأولى وظاهره أنه لا يشترط لها غير ذلك وشرط القاضي و أبو الخطاب أن ينوي التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها لأنه جمع بين العبادتين فافتقر إلى النية كالصلاة وظاهر الآية يشهد للأول لأن التمتع هو الرفه بأحد السفرين وهو موجود بدونها
"والإفراد أن يحرم بالحج مفردا" ثم يعتمر ذكره جماعة. قال جماعة يحرم به من الميقات ثم يحرم بها من أدنى الحل زاد بعضهم وعنه بل من الميقات وفي "المحرر": أن لا يأتي في أشهر الحج بغيره قال الزركشي وهو أجود وفيه نظر.
"والقران أن يحرم بهما جميعا" لفعله عليه السلام قال جماعة من الميقات، "أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج" من مكة أو قربها قاله جماعة لما روت عائشة قالت أهللنا بالعمرة ثم أدخلنا عليها الحج وفي "الصحيحين" أن ابن عمر فعله وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي "الصحيح" أنه أمر عائشة بذلك وشرطه أن لا يكون شرع في طوافها فإن شرع فيه لم يصح الإدخال كما لو سعى إلا لمن معه هدي فيصح ويصير قارنا بناء على المذهب أنه لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله ولا يعتبر لصحة إدخاله الإحرام به في أشهره على المذهب.
"وإن أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها" لأنه لم يرد

ويجب على المتمتع والقارن دم نسك
ـــــــ
به أثر ولم يستفد به فائدة بخلاف ما سبق فعلى هذا لا يصير قارنا بناء على أنه لا يلزمه ب الإحرام الثاني شيء وفيه خلاف والمذهب أن عمل القارن كالمفرد في الإجزاء نقله الجماعة ويسقط ترتيب العمرة ويصير الترتيب للحج كما يتأخر الحلاق إلى يوم النحر فوطؤه قبل طوافه لا يفسد عمرته لقول عائشة وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا متفق عليه وعن ابن عمر نحوه رواه أحمد وكعمرة المتمتع.
وعنه على القارن طوافان وسعيان رواه سعيد والأثرم عن علي وفي صحته نظر مع أنه لا يرى إدخال العمرة على الحج فعليها يقدم القارن فعل العمرة على فعل الحج كالمتمتع إذا ساق هديا فلو وقف بعرفة قبل طوافه وسعيه لها فقيل تنقض عمرته ويصير مفردا بالحج يتمه ثم يعتمر وقيل لا ينتقض فإذا رمى الجمرة طاف لها ثم سعى ثم طاف ثم سعى وعنه على القارن عمرة مفردة اختاره أبو بكر و أبو حفص لعدم طوافها ولاعتمار عائشة.
"ويجب على المتمتع والقارن دم نسك" أما دم التمتع فلازم إجماعا وقد سبق في أفضل يته وأما دم القران فلازم نص عليه واحتج له جماعة ب الآية ولأنه ترفه بسقوط أحد السفرين كالمتمتع ونقل بكر عليه هدي وليس كالمتمتع لأن الله أوجب على المتمتع هديا في كتابه والقارن إنما يروي عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن عمر وهو منقطع.
وعنه لا يلزمه لقول داود وتبع المؤلف أكثر الأصحاب في كونه دم نسك. وفي "المبهج" "وعيون المسائل": أنه دم جبران وظاهره وجوبه ولو أفسد النسك نص عليه لأن ما وجب الإتيان به في الصحيح وجب في الفاسد كالطواف وعنه يسقط لعدم ترفهه بسقوط أحد السفرين والأصح أنه لا يسقط دمهما بفواته فلو قضى القارن قارنا لزمه دمان لقرانه الأول والثاني وقال المؤلف دم لقرانه ودم لفواته ولو قضى مفردا لم يلزمه شيء لأنه أفضل وجزم جماعة أنه يلزمه دم لقرانه الأول لأن القضاء كالأداء.

إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل مكة ومن كان منها دون مسافة القصر
ـــــــ
ولم يتعرض المؤلف لوقت لزومه والمذهب أنه يلزمه بطلوع فجر يوم النحر لظاهر قوله تعالى:{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] الآية. وعنه: بإحرام الحج لأنه غاية فكفي أو له كأمره بإتمام الصوم إلى الليل وعنه بوقوفه بعرفة اختاره القاضي وعنه بإحرام العمرة لنيته التمتع إذن وينبني على الخلاف إذا مات بعد سبب الوجوب يخرج عنه من تركته وقال بعض أصحابنا فائدته إذا تعذر الدم وأراد الانتقال إلى الصوم فمتى ثبت المتعذر فيه الروايات.
ولا يجوز ذبحه قبل وقت وجوبه جزم به الأكثر فدل أنه يجوز إذا وجب وإنما يجب بشروط نبه المؤلف على بعضها، فقال: "إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل مكة" لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ثبت ذلك في التمتع والقران مثله لترفهه بأحد السفرين، "ومن كان منها دون مسافة القصر" نص عليه لأن حاضر الشيء من حل فيه أو قرب منه وج أو ره بدليل رخص السفر وعنه أنهم أهل الحرم ومن كان منه دون مسافة القصر جزم به في "المحرر"، وقدمه في "الفروع"، وهذا الشرط لوجوب الدم عليه ليس لكونه متمتعا فإن متعة المكي صحيحة والخلاف فيه سبق. فلو دخل الآفاقي مكة متمتعا ن أو يا للإقامة بعد فراغ نسكه فعليه دم وفيه وجه وإن استوطن أفقي مكة فحاضر وإن استوطن مكي الشام ثم عاد مقيما متمتعا فعليه الدم وفي "المحرر" و"الفصول" خلافه
فرع إذا كان له منزلان قريب وبعيد فلا دم عليه لأن بعض أهله من حاضري المسجد الحرام فلم يوجد الشرط وله أن يحرم من القريب واعتبر في "المحرر" و"الفصول" إقامته أكثر بنفسه ثم بماله ثم بنيته ثم بالذي أحرم منه.

ومن كان قارنا أو مفردا أحببنا له
ـــــــ
الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج وسبق كلام أحمد ولأن الإحرام نسك معتبر للعمرة أو في أعمالها فاعتبر في أشهر الحج كالطواف
الثالث: أن يحج من عامه لما سبق
الرابع: أن لا يسافر بين الحج والعمرة فإن سافر مسافة قصر فأكثر فإن فعل فأحرم فلا دم عليه نص عليه وتقدم قول عمر ولأنه مسافر لم يترفه بترك أحد السفرين لمحل الوفاة.
الخامس: أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج تحلل أو لا فإن أحرم به قبل حله صار قارنا
السادس: أن يحرم بالعمرة من الميقات ذكره جماعة وذكر القاضي وابن عقيل وجزم به في "المستوعب" و"الرعاية" إن بقي بينه وبين مكة دون مسافة قصر فأحرم منه فلا دم عليه لأنه من حاضري المسجد الحرام بل دم المجاوزة واختار المؤلف وغيره إذا أحرم منه لزمه الدمان لأنه لم يقم ولم ينوها به وليس بساكن
السابع: نية التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها ذكره القاضي والأكثر وجزم المؤلف بخلافه ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد.
وهذه الشروط تعتبر لكونه متمتعا وجزم به في "الرعاية" إلا الشرط السادس فإن المتعة للمكي كغيره نقله الجماعة وقدم في "الفروع" أنها لا تعتبر وظاهره أن المفرد لا دم عليه لأن عمرته في غير أشهره وذكر جماعة إن أحرم به من الميقات فلا دم عليه نص عليه وحمله القاضي على أن بينه وبين مكة مسافة قصر وفي الترغيب إن سافر إليه فأحرم منه فوجهان
"ومن كان قارنا أو مفردا أحببنا له" وكذا جزم في "المستوعب" و"الرعاية"

أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك
ـــــــ
بالاستحباب وعبر القاضي وأصحابه والمجد بالجواز وقال الأكثر لا يجوز لأن الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة " أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك" لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي متفق عليه وقال سلمة بن شبيب لأحمد كل شيء منك حسن جميل إلا خلة واحدة فقال وما هي قال تقول يفسخ الحج قال كنت أرى أن لك عقلا عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا كلها في فسخ الحج أتركها لقولك ولأنه قلب للحج إلى العمرة فاستحب لمن لحقه الفوات. وفي "الانتصار" و"عيون المسائل": لو ادعى مدع وجوب الفسخ لم يبعد مع أنه قول ابن عباس وجماعة،
واختاره ابن حزم وجوابه أنه عليه السلام لما قدم لأربع مضين من ذي الحجة فصلى الصبح بالبطحاء ثم قال: "من شاء منكم أن يجعلها عمرة فليجعلها"
واحتج المخالف بقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ورد بأن الفسخ نقله إلى غيره لا إبطاله من أصله ولو سلم فهو محمول مسألتنا قاله القاضي ومحله إذا اعتقد فعل الحج من عامه نقل ابن منصور لا بد أن يهل بالحج من عامه ليستفيد فضيلة التمتع ولأنه على الفور فلا يؤخره لو لم يحرم فكيف وقد أحرم وشرطه كما ذكره المؤلف وصاحب الوجيز إذا طافا وسعيا ونقله أبو طالب يجعلها عمرة إذا طاف وسعى ولا يجعلها وهو في الطريق لما في "الصحيحين" أنه قال لأبي موسى: "طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل". فعلى هذا ينويان بإحرامها ذلك عمرة مفردة فإذا فرغا منها وحلا منها أحرما بالحج ليصيرا متمين ولأنه لو فسخ قبله واستأنف عمرة لعري الإحرام الأول عن نسك، قاله

إلا أن يكون قد ساق معه هديا فيكون على إحرامه ولو ساق المتمتع هديا لم يكن له أن يحل والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة.
ـــــــ
القاضي وظاهر كلامهم يجوز فينوي إحرامه بالحج عمرة وخبر أبي موسى أراد أن الحل يترتب عليهما وليس فيه المنع من قلب النية وكلام ابن المنجا يوافقه لأن "إذا" ظرف فيكون المراد أحببنا أن يفسخ وقت طوافه أي وقت جوازه وصريح كلام ابن عقيل يعضده وهذا ما لم يقف بعرفة فإن من وقف بها أتى بمعظم العبادة وأمن فوتها بخلاف غيره وتركه المؤلف لوضوحه.
"إلا أن يكون قد ساق معه هديا فيكون على إحرامه" للنص وللأخبار وكامتناعه في زمنه عليه السلام " ولو ساق المتمتع هديا لم يكن له أن يحل" لقول ابن عمر تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه بالعمرة إلى الحج فقال: "من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم عليه حتى يقضي حجه" فعلى هذا يحرم بالحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحلله بالحلق فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما جميعا نص عليه ولأنه عليه السلام دخل في العشر ولم يحل ونقل أبو طالب فيمن يعتمر قارنا أو متمتعا ومعه هدي له أن يقص من شعر رأسه خاصة لقول معاوية قصرت من شعر رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمقص متفق عليه وفي "المغني" و"الشرح": عن مالك له التحلل وينحر هديه عند المروة ويحتمله كلام الخرقي والأول أصح لأن التمتع أحد نوعي الجمع بين الإحرام ين كالقران.
فائدة حيث صح الفسخ لزمه دم نص عليه وذكر المؤلف عن القاضي لا لعدم النية في ابتدائها أو أثنائها ورد بأنه دعوى لا دليل عليها.
"والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت" قبل طواف العمرة "فخشيت فوات الحج" أو خافه غيرها "أحرمت بالحج وصارت قارنة"، نص عليه لما روى مسلم أن عائشة كانت متمتعة فحاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أهلي بالحج" ولأن إدخال الحج على العمرة يجوز من غير خشية الفوات فمعها أولى ؛

وإن أحرم مطلقا صح وله صرفه إلى ما شاء وإن أحرم بمثل ما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله
ـــــــ
لكونها ممنوعة من دخول المسجد فعلى هذا لا تقضي طواف القدوم لكن روى عروة عن عائشة أنها أهلت بعمرة وحاضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة". وجوابه أن الأئمة الأثبات رووه عنها بغيرها وهو مخالف للأصول لأنه لا يجوز رفض نسك يمكن بقاؤه ويحتمل دعي العمرة وأهلي معها بالحج ودعي أفعالها
"وإن أحرم مطلقا" بأن نوى نفس الإحرام ولم يعين نسكا "صح" نص عليه كإحرامه عند إحرام فلان وحيث صح مع الإبهام صح مع الإطلاق وله صرفه إلى ما شاء نص عليه بالنية لا باللفظ لأن له أن يبتدئ الإحرام بأيها شاء فكان له صرف المطلق إلى ذلك فعلى علة تعيينه قبل الطواف فإن طاف قبله لم يجزئه لوجوده لا في حج ولا عمرة والأولى أن يصرفه إلى العمرة لأنه إن كان في غير أشهر الحج فهو مكروه أو ممتنع وإن كان فيها فالعمرة أولى لأن التمتع أفضل وقال أحمد يجعلها عمرة كإحرامه بمثل إحرام فلان
"وإن أحرم بمثل ما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله" لما روى جابر أن عليا قدم من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " بم أهللت؟" قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأهد وأمكث حراما" ، وعن أبي موسى نحوه متفق عليهما.
فإن علم انعقد بمثله لأنه جعل نفسه تبعا وإن كان مطلقا فحكمه سبق وظاهره لا يلزمه صرفه إلى ما يصرف إليه ولا إلى ما كان صرفه إليه وأطلق بعض أصحابنا احتمالين وظاهر كلامه يعمل بقوله لا بما وقع في نفسه وإن جهله فكالمنسي وإن شك هل أحرم أم لا فالأشهر كما لو لم يحرم فيكون إحرامه مطلقا ويستثنى من ذلك ما إذا كان إحرامه فاسدا قيتوجه لنا خلاف فيما إذا نذر عبادة فاسدة هل ينعقد بصحيحة؟.
فرع لو قال إن أحرم زيد فأنا محرم قال في "الفروع": فيتوجه خلاف.

وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بإحداهما وإن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة وقال القاضي له صرفه إلى ما شاء وإن أحرم عن اثنين وقع عن نفسه.
ـــــــ
"وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بإحداهما" لأن الزمان يصلح لأداء واحدة فيصح به كتفريق الصفقة فدل على خلاف هنا كأصله وأنه لا ينعقد بهما كبقية أفعالهما وكنذرهما في عام واحد تجب إحداهما دون الأخرى لأن الوقت لا يصلح لهما وكنية صومين في يوم ولو أفسد حجه أو عمرته لم يلزمه إلا قضاؤها
"وإن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة" نقله أبو داود لأنها اليقين وله صرف الحج والقران إليها مع العلم بمنع الإبهام أو لا والمراد أن له جعله عمرة لا أنها تتعين "وقال القاضي" وقطع به جماعة "له صرفه إلى ما شاء" لأنه إن صادف ما احرم به فقد أصاب وإن صرفه إلى عمرة وكان إحرامه بغيرها جاز لجواز الفسخ إليها ويلزمه دم المتعة وإن صرفه إلى قران وكان المنسي عمرة فقد أدخل الحج على العمرة وهو جائز وإن كان مفردا فقد أدخل العمرة على الحج وهو لغو لا يقدح في صحة حجه وإن صرفه إلى الإفراد وكان متمتعا فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارنا ولا تبطل العمرة بترك نيتها إذ الشرط وجودها ابتداء لا دواما وإن كان قارنا فكذلك هنا إذا كان قبل الطواف فإن كان نسكه بعده تعين جعله عمرة لامتناع إدخال الحج إذن لمن لا هدي معه فإذا سعى أو حلق فمع بقاء وقت الوقوف يحرم بالحج ويتمه ويجزئه ويلزمه دم للحلق في غير وقته إن كان حاجا وإلا فدم المتعة وإن جعله حجا أو قرانا تحلل بفعل الحج ولم يجزئه واحد منهما للشك لأنه يحتمل أن المنسي عمرة فلا يصح إدخاله عليها بعد طوافها ويحتمل أنه حج فلا يصح إدخالها عليه ولا دم ولا قضاء للشك في سببهما
"وإن أحرم عن اثنين وقع عن نفسه" لأنه لا يمكن عنهما لأن العبادة الواحدة لا تجزئ عن اثنين كالصلاة ولا أولوية وكإحرامه عن زيد ونفسه,

وإن أحرم عن أحدهما لا بعينه وقع عن نفسه وقال أبو الخطاب له صرفه إلى أيهم شاء وإذا استوى على راحلته لبى تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"
ـــــــ
وسبق إحرامه بحجه عن أبويه "وإن أحرم عن أحدهما لا بعينه وقع عن نفسه" لما تقدم "وقال أبو الخطاب" والقاضي "له صرفه إلى أيهما شاء" لصحته بمجهول فصح عنه وقال الحنفية هو الاستحسان لأن الإحرام وسيلة إلى مقصود والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين فاكتفي به شرطا فعلى هذا لو لم يفعل حتى طاف شوطا أو سعى أو وقف بعرفة قبل جعله تعين عن نفسه لأنه يلحقه فسخ ولا يقع عن غير معين وعنه يبطل إحرامه حكاها في "الرعاية" وهو غريب.
تنبيه إذا استنابه اثنان في نسك في عام فأحرم عن واحد معين ثم نسيه وتعذر معرفته فإن فرط أعاد الحج عنهما وإن فرط الموصي إليه بذلك غرم وإلا فمن تركة الموصيين إن كان النائب غير مستأجر لذلك وإلا لزماه وإن لم ينسه صح فلو أحرم للآخر بعده لم يصح نص عليه قال ويضمن ويؤدب من أخذ من اثنين حجتين ليحج عنهما في عام لأنه فعل محرما
"وإذا استوى على راحلته لبى" لحديث ابن عمر وهو في "الصحيحين"، ولفظ البخاري عن جابر وأنس: "أهل" أي رفع صوته بالتلبية من قولهم استهل الصبي: إذا صاح. وقدم في "المحرر" و"الفروع": أنها تستحب عقب إحرامه ونقل حرب يلبي متى شاء ساعة يسلم وإن شاء بعد "تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه ابن عمر، متفق عليه: "لبيك اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" قال الطحاوي والقرطبي أجمع العلماء على هذه التلبية وهي مأخوذة من لب بالمكان إذا لزمه فكأنه قال أنا مقيم على طاعتك وكرره لأنهم أرادوا إقامة بعد إقامة ولم يريدوا حقيقة التلبية وإنما هو التكبير كـ"حنانيك" والحنان الرحمة.

والتلبية سنة ويستحب رفع الصوت بها والإكثار منها
ـــــــ
وقيل معناه إجابة دعوة إبراهيم حين نادى بالحج وقيل محمد والأشهر أنه الله تعالى وكسر همزة "إن" أولى عند الجماهير وحكي الفتح عن آخرين. قال ثعلب من كسر فقد عم يعني حمد الله على كل حال ومن فتح فقد خص أي لأن الحمد لك.
وظاهره أنه لا تستحب الزيادة عليها ولا تكره نص عليه لقول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على ذلك وفي "الإفصاح": تكره الزيادة وقيل له الزيادة بعدها لا فيها فإن كان أخرس أو مريضا استحب أن يلبي عنهما نقله ابن إبراهيم قال جماعة ويلبي عن مجنون ومغمى عليه زاد بعضهم ونائم وليس بظاهر.
"والتلبية سنة"، لفعله عليه السلام ولأنها ذكر فيه فلم تجب كسائر الأذكار.
"ويستحب رفع الصوت بها"، لخبر السائب بن خلاد مرفوعا: "أتاني جبريل يأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية" رواه الخمسة وصححه الترمذي وعن أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الحج أفضل قال: "العج والثج" وفيه عبد الرحمن بن يربوع وهو مختلف فيه فالعج رفع الصوت بالتلبية والثج إسالة الدماء بالنحر ويستثني منه مساجد الحل وأمصاره وطواف القدوم والسعي بعده فلا يستحب إظهاره والمنقول عن أحمد إذا أحرم في مصره لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز لقول ابن عباس واحتج القاضي وأصحابه أن إخفاء التطوع أولى خوف الرياء على من لا يشاركه في تلك العبادة بخلاف البراري وعرفات ومكة والحرم.
"والإكثار منها" لخبر سهل بن سعد: "ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا" رواه ابن ماجه وفيه إسماعيل بن عياش عن المدنيين وهو ضعيف عندهم وهو للترمذي

والدعاء بعدها ويلبي إذا علا نشزا أو هبط واديا وفي دبر الصلوات المكتوبات وإقبال الليل والنهار وإذا التقت الرفاق ولا ترفع المرأة صوتها إلا بقدر ما تسمع رفيقتها
ـــــــ
بإسناد جيد ويسن ذكر نسكه فيها وذكر العمرة قبل الحج للقارن نص عليه وفيه وجه لا يسن وعلى الأول لا يسن تكرارها في حالة واحدة قاله أحمد واستحبه في "الخلاف" لتلبسه بالعبادة وقال المؤلف حسن فإن الله وتر يحب الوتر،
"والدعاء بعدها" لما روى خزيمة بن ثابت مرفوعا أنه كان يسأل الله رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار رواه الشافعي بإسناد ضعيف ولأنه مظنة إجابة الدعاء
"ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها" لقول القاسم بن محمد كان يستحب ذلك فيه صالح بن محمد بن زائدة قواه أحمد وضعفه غيره ولأنه يشرع فيه ذكر الله كصلاة وأذان.
"ويلبي" أي: يتأكد في مواضع "إذا علا نشزا" وهو المكان المرتفع بفتح الشين وسكونها "أو هبط واديا وفي دبر الصلوات المكتوبات" أي عند الفراغ منها "وإقبال الليل والنهار" أي: بأولهما "وإذا التقت الرفاق"، لقول جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي كذلك وقال النخعي كانوا يستحبون التلبية دبر الصلوات المكتوبة وإذا هبط واديا أو علا نشزا أو لقى راكبا أو استوت به راحلته.
وتستحب إذا أتى محظورا ناسيا أو ركب زاد في "الرعاية": أو نزل وفي "المستوعب": يستحب عند تنقل الأحوال به وزاد وإذا رأى البيت.
"ولا ترفع المرأة صوتها بها، إلا بقدر ما تسمع رفيقتها" وقاله في "المحرر" و"الوجيز" وغيرهما لأن صوتها عورة فلم يشرع لها الرفع إلا بما ذكر والمراد به المزاملة لها لكن السنة أنها لا ترفع صوتها بها وحكاه ابن عبد

ـــــــ
البر إجماعا.
ويكره جهرها أكثر من قدر سماع رفيقتها خوف الفتنة وظاهر كلام بعض أصحابنا تقتصر على إسماع نفسها. قال في "الفروع": وهو متجه.
فائدة لا تشرع التلبية إلا بالعربية إن قدر كأذان ولم يجوز أبو المعالي الأذان بغير العربية إلا لنفسه مع العجز

باب محظورات الإحرام
وهي تسعة: حلق الشعر وتقليم الأظفار فمن حلق أو قلم ثلاثة فعليه دم.
ـــــــ
باب محظورات الإحرامأي: الممنوع فعلهن في الإحرام، "وهي تسعة: حلق الشعر" إجماعا لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] نص على حلق الرأس وعدي إلى سائر شعر البدن لأنه في معناه إذ حلقه مؤذن بالرفاهية وهو ينافي الإحرام لكون أن المحرم أشعث أغبر وليس الحكم خاصا بالحلق بل قطعه ونتفه كذلك وعبر في "الفروع" بتركه إزالة الشعر وهو أولى لكن المؤلف تبع النص ولكونه هو الأغلب.
"وتقليم الأظافر"، لأنه تحصل به الرفاهية أشبه الحلق، "فمن حلق أو قلم ثلاثة فعليه دم" أما في حلق شعر الرأس فلقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] الآية، ولحديث كعب قال: حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي قال: "ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، تجد شاه" قال لا قال: "صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع" متفق عليه.
والمذهب: أنها تجب في إزالة ثلاث شعرات فما فوقها قاله القاضي

وعنه لا يجب إلا في أربع فصاعدا وفيما دون ذلك في كل واحد مد من طعام وعنه قبضة وعنه درهم وإن حلق رأسه بإذنه فالفدية عليه
ـــــــ
وأصحابه لأن الثلاث جمع واعتبرت في مواضع كمحل الوفاق بخلاف ربع الرأس وما يماط به الأذى وظاهره يقتضي وجوب الدم عينا وليس كذلك بل هو مخير فيه كما يأتي ولعله وكل التفصيل إلى بابه وحكم الأظافر كالشعر لأن المنع للترفه وظاهره لا فرق في ذلك بين المعذور وغيره في ظاهر المذهب لأن النص دل على وجوبها على المعذور فغيره من باب أولى وإنما الفرق بينهما في جواز الإقدام وعدمه.
"وعنه: لا يجب إلا في أربع فصاعدا"، نقلها جماعة واختارها الخرقي لأن الأربع كثير ولأن الثالث آخر أجزاء العلة وآخر الشيء منه فلم يجب فيه كالشعرتين وذكر ابن أبي موسى رواية في خمس اختارها أبو بكر في "التنبيه" قال في "الشرح" و"الفروع": ولا وجه لها ولعله قيد الحكم بأطراف اليد كاملة، "وفيما دون ذلك" أي: العدد المعتبر على الخلاف "في كل واحد مد من طعام" أي: إطعام مسكين نص عليه وهو المذهب لأنه أقل ما وجب شرعا فدية "وعنه قبضه وقاله عطاء لأنه لا تقدير فيه ولأنها اليقين". "وعنه: درهم" لأنه قال في الشعرتين درهمان ولأنه لما امتنع إيجاب جزء من الحيوان وجب المصير إلى القيمة وهو أقل ما يطلق عليه في الوحدة وعنه درهم أو نصفه ذكرها جماعة وخرجها القاضي من ليالي منى
فرع إزالة بعض الشعرة كهي وكذا في الظفر لأنه غير مقدر بمساحة وهو يجب فيهما سواء طالا أو قصرا بل كالموضحة يجب في كبيرها وصغيرها وخرج ابن عقيل وجها يجب بحساب المتلف كالأصبع في أنملتها ثلث ديتها
"وإن حلق رأسه بإذنه فالفدية عليه" أي: على المحلوق رأسه لأن ذلك بإذنه أشبه ما لو باشره ولأنه تعالى أوجب الفدية عليه مع علمه أن غيره

وإن كان مكرها أو نائما فالفدية على الحالق وإن حلق محرم رأس حلال فلا فدية عليه وقطع الشعر ونتفه كحلقه وشعر الرأس والبدن واحد وعنه لكل واحد حكم مفرد وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عينيه فقصه أو انكسر ظفره فقصه.
ـــــــ
يحلقه وظاهره أنه لا شيء على الحالق سواء كان محرما أو حلالا وفي "الفصول" احتمال أنه يجب عليه كشعر الصيد وفيه بعد فإن سكت ولم ينهه فقيل على الحالق كإتلافه ماله وهو ساكت وقيل على المحلوق رأسه لأنه أمانة عنده كوديعة.
"وإن كان مكرها أو نائما فالفدية على الحالق" نص عليه لأنه أزال ما منع من إزالته كحلق محرم رأس نفسه وقيل على المحلوق رأسه وفي "الإرشاد" وجه: القرار على الحالق قال في "الفروع": ويتوجه احتمال: لا فدية على أحد لأنه لا دليل وفيه شيء.
"وإن حلق محرم رأس حلال فلا فدية عليه" أي: هدر نص عليه لأنه شعر مباح الإتلاف فلم يجب بإتلافه جزءا كبهيمة الأنعام وفي الفصول احتمال لأن الإحرام للآدمي كالحرم للصيد.
"وقطع الشعر ونتفه، كحلقه" وكذا الظفر بغير خلاف نعلمه لاشتراك الكل في حصول الرفاهية "وشعر الرأس والبدن واحد" على المذهب لأنه جنس واحد لم يختلف إلا موضعه وكلبسه سراويل وقميصا.
"وعنه: لكل واحد حكم مفرد"، لأنهما كجنسين لتعلق النسك بحق الرأس فقط فهو كحلق ولبس وذكر جماعة إن تطيب أو لبس في رأسه وبدنه فالروايتان ونص أحمد فدية واحدة وجزم به القاضي وابن عقيل و أبو الخطاب لأن الحلق إتلاف فهو آكد والنسك يختص بالرأس فعلى الأولى لو قطع من بدنه شعرتين وفي رأسه واحدة وجبت الفدية وعلى الثانية يجب في كل واحدة ما تقدم.
"وإن خرج في عينه شعر فقلعه، أو نزل شعر فغطى عينيه فقصه" فلا شيء

أو قلع جلدا عليه شعر فلا فدية عليه
ـــــــ
عليه لأن الشعر آذاه فكان له إزالته من غير فدية كقتل الصيد الصائل بخلاف ما إذا حلق شعره لقمل أو صداع وشدة حر فإنها تجب الفدية لأن الإيذاء من غير الشعر
"أو انكسر ظفره فقصه" فكذلك لأنه يؤذيه بقاؤه وكذا إن وقع بظفره مرض فأزاله له أو قلع أصبعا بظفر فهدر أو قلع جلدا عليه شعر فلا فدية عليه ومعنى قوله: "فقصه" أي قص ما احتاجه فقط وقال الآجري إن انكسر فآذاه قطعه وفدى وإن لم يمكن مداواة قرحه إلا بقصه قصه وفدى.
"أو قلع جلدا عليه شعر، فلا فدية"، عليه لأن الشعر زال تابعا لغيره، والتابع لا يضمن كما لو قلع أشفار عين فإنه لا يضمن الهدب وفي "المبهج": إذا زال شعر الأنف أنه لا يلزمه دم لعدم الترفه وفيه نظر إذ لا فرق.
فوائد للمحرم تخليل لحيته ولا فدية بقطعه بلا تعمد والمذهب إن شعر أنه انفصل من مشط أو تخليل فدى قال أحمد إن خللها فسقط إن كان شعرا ميتا فلا شيء عليه وجزم به في "الشرح"، لأن الأصل نفي الضمان لكن يستحب وله غسل رأسه وبدنه برفق نص عليه ما لم يقطعه وقيل غير الجنب وله غسله في حمام وغيره بلا تسريح فإن غسله بسدر أو نحوه جاز قاله القاضي وجمع وجزم آخرون بالكراهة لتعرضه لقطع الشعر وعنه يحرم ويفدي وله أن يحتجم وكره الخرقي للخبر زاد في المحرر وغيره ما لم يقطع شعرا قال الشيخ تقي الدين فيمن احتاج وقطعه لحجامة أو غسل لم يضر.

فصل:
الثالث: تغطية الرأس فمتى غطاه بعمامة أو خرقة أو قرطاس فيه دواء أو غيره أو عصبه أو طينه بطين أو حناء أو غيره فعليه الفدية وإن استظل بالمحمل ففيه روايتان
.
ـــــــ
فصل
"الثالث: تغطية الرأس" إجماعا لأنه عليه السلام نهى عن لبس العمائم وقوله في المحرم الذي وقصته راحلته: " ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" متفق عليهما وكان ابن عمر يقول إحرام الرجل في رأسه وذكره القاضي مرفوعا والأذنان منه في قول الجماهير وعنه عضوان مستقلان ذكرها ابن عقيل وعلى الأول يدخل فيه البياض الذي فوقهما دون الشعر بدليل الموضحة وهي لا تكون إلا في رأس ووجه وليس في الوجه فتعين الأول وقيل ليس منه وذكره بعضهم إجماعا ويدخل فيه النزعتان والشعر الذي بينهما وفي الصدغ والتحذيف خلاف.
"فمتى غطاه بعمامة أو خرقة أو قرطاس فيه دواء أو غيره أو عصبه أو طينه بطين أو حناء أو غيره" جمع في ذكرها بين تغطية بمعتاد أو غيره قال أحمد وشد سير فيه. "فعليه الفدية" لأنه فعل محرما في الإحرام يقصد به الرفه أشبه حلق الرأس وظاهره لا فرق بين أن يكون لعذر أو غيره.
"وإن استظل بالمحمل" ضبطه الجوهري كالمجلس وعكس ابن مالك "ففيه روايتان" أشهرهما: أنه يحرم ويلزمه الفداء لأن ابن عمر رأى على رجل محرم عودا يستره من الشمس فنهاه عن ذلك رواه الأثرم واحتج به أحمد ولأنه قصده بما يقصد به الرفه كتغطيته وعنه لا فدية إن طال زمنه وعنه يكره قال المؤلف وهو الظاهر وعن الأول لو استظل بثوب راكبا ونازلا لزمته الفدية والثانية يجوز بلا فداء جزم بها في

وإن حمل على رأسه شيئا أو نصب حياله ثوبا أو استظل بخيمة أو شجرة أو بيت فلا شيء عليه وفي تغطية الوجه روايتان
ـــــــ
"الوجيز" لأن غاية ما سبق أنه قول ابن عمر وهو لا يرى ذلك حراما ولأنه يجوز بثوب كما سيأتي.
"وإن حمل على رأسه شيئا" وكستره بيده ولا أثر للقصد وعدمه فيما فيه فدية وقال ابن عقيل إن قصد به الستر فدى كجلوسه عند عطار لقصد شم الطيب فلو لبده بغسل أو صمغ ونحوه لئلا يدخله غبار ولا دبيب جاز للخبر.
"أو نصب حياله ثوبا"، لما روت أم الحصين قالت حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت بلالا وأسامة واحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة رواه مسلم وأجاب أحمد وعليه اعتمد القاضي وغيره بأنه يسير لا يراد للاستدامة بخلاف الاستظلال بالمحمل زاد ابن عقيل أو كان بعد رمي جمرة العقبة أو به عذر وفدى أو لم يعمل النبي صلى الله عليه وسلم به.
"أو استظل بخيمة أو شجرة أو بيت فلا شيء عليه" ل ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له قبة بنمرة فنزلها رواه مسلم لأنه لا يقصد به الرفه في البدن عادة بل جمع الرحل وحفظه وفيه شيء.
"وفي تغطية الوجه روايتان": إحداهما: تجوز واختارها الأكثر روي عن عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس وابن الزبير وغيرهم ولأنه يقصد به سنة التقصير من النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتعلق به حرمة التخمير كسائر بدنه والثانية ونقلها الأكثر لا يجوز لقوله عليه السلام: " ولا تخمروا وجهه" رواه مسلم فيكون كالرأس.

فصل:
الرابع: لبس المخيط والخفين إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا يقطعهما.
ـــــــ
فصل
"الرابع: لبس المخيط" في بدنه أو بعضه بما عمل على قدره إجماعا "والخفين"، لما روى ابن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: "لا يلبس القميص، ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه زعفران أو ورس ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين" متفق عليه فتنصيصه على القميص يلحق به ما في معناه من الجبة والدراعة والعمامة يلحق بها كل ساتر ملاصق أو ساتر معتاد والسراويل يلحق به التبان وما في معناه وسواء كان مخيطا أو درعا منسوجا أو لبدا معقودا وظاهره لا فرق بين قليل اللبس وكثيره لظاهر الخبر ولأنه استمتاع فاعتبر فيه مجرد الفعل كالوطء في الفرج لكن من به شيء لا يحب أن يطلع عليه فإنه يلبس ويفدي نص عليه
"إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين" لقول ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول: "السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفان لمن لم يجد النعلين" متفق عليه، ورواه الأثبات. وليس فيه "بعرفات" وقال مسلم: انفرد بها شعبة وقال البخاري تابعه ابن عيينة عن عمر ولأنه جعله بدلا وهو يقوم مقام المبدل لكن متى وجد الإزار خلع السراويل وفي "الانتصار" احتمال: يلبس سراويل للعورة فقط.
"ولا يقطعهما" أي: لا يلزمه قطع خفه في المنصوص والمختار عملا بإطلاق حديثي ابن عباس وجابر فإنه لم يأمر فيهما بقطع ولو وجب لبينه يؤيده أن جماعة من الصحابة عملوا على ذلك وقال أحمد قطعهما فساد واحتج

ولا فدية عليه،
ـــــــ
المؤلف وغيره بالنهي عن إضاعة المال ولأنه ملبوس أبيح لعدم غيره أشبه السراويل ولأن قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر فإن لبس المقطوع مع القدرة على النعلين كلبس الصحيح وعنه إن لم يقطعهما دون كعبيه فدى وهي قول أكثر العلماء لخبر ابن عمر
قال في "المغني" و"الشرح": وهي الأولى عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الاختلاف وأخذا بالاحتياط وأجيب بأن زيادة القطع لم يذكرها جماعة وروي أنها من قول ابن عمر ولو سلم صحة رفعها فهي بالمدينة وخبر ابن عباس بعرفات فلو كان القطع واجبا لبينه للجمع العظيم الذي لم يحضر كثير منهم كلامه في المسجد في موضع البيان ووقت الحاجة فلزم أن يكون الإطلاق ناسخا للتقييد دفعا لمحذور تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وحكى في "المغني" عن الخطابي أنه قال العجب من أحمد في هذا أي في قوله بعدم القطع قال فإنه لا يخالف سنة تبلغه وقل سنة لم تبلغه وفيه شيء فإن أحمد لم يخالف السنة ولم تخف عليه قال المرزوي احتججت على أبي عبد الله بحديث ابن عمر وقلت هو زيادة في الخبر فقال هذا حديث وذاك حديث فقد اطلع رضي الله عنه على السنة وإنما نظر نظر المتبحرين الذين أمدهم الله بعونه مع أن خبرنا فيه زيادة حكم وهو جواز اللبس بلا قطع لأن هذا الحكم لم يشرع بالسنة قاله الشيخ تقي الدين وهو أحسن من إدعاء النسخ
"ولا فدية عليه"، لظاهر ما تقدم ولو وجبت لبينها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
فرع: الخنثى المشكل إن لبس المخيط أو غطى وجهه وجسده من غير لبس فلا فدية عليه لأن الأصل عدم الوجوب وإن غطى وجهه ورأسه أو غطى وجهه ولبس المخيط فدى وذكر أبو بكر يغطي رأسه ويفدي وذكره أحمد

ولا يعقد عليه منطقة ولا رداء ولا غيره إلا إزاره وهميانه الذي فيه نفقته إذا لم يثبت إلا بالعقد.
ـــــــ
عن ابن المبارك ولم يخالفه. وجزم به في "الرعاية".
"ولا يعقد عليه منطقة ولا رداء ولا غيره" لقول ابن عمر لمحرم ولا تعقد عليه شيئا رواه الشافعي وروى هو ومالك أنه كان يكره لبس المنطقة للمحرم ولأنه يترفه بذلك أشبه اللباس وظاهره لا فرق في ذلك بين ربطه بالعقد أو بشوكة أو إبرة أو غير ذلك فإن فعل أثم من غير حاجة وفدى وكذا إن كان معها كوجع ظهر ونحوه نص عليه لكن إن كان فيها بعضه فحكمها كالهميان وعنه أنها كهميان واختاره الآجري وابن أبي موسى وغيرهما وذكر المؤلف أن الفرق بينهما النفقة وعدمها وإلا فهما سواء
فرع لا بأس أن يتشح بالقميص ويرتدي به وبرداء ولا يعقده لأن المنهي عنه المخيط على قدر العضو،
"إلا إزاره" فيجوز له عقده لأنه يحتاجه لستر عورته فأبيح كاللباس للمرأة فدل انه لو شد وسطه بمنديل ونحوه جاز ما لم يعقده قال أحمد في محرم حزم عمامة على وسطه لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض قال طاووس فعله ابن عمر وقيل لا بأس بشد وسطه بحبل ونحوه لحاجة ولا يسن شق أسفل إزاره نصفين بعقد كل نصف على ساق لأنه يشبه السراويل
"وهميانه الذي فيه نفقته" فيباح قال ابن عبد البر: أجازه فقهاء الأمصار "إذا لم يثبت إلا بالعقد" لقول عائشة: أوثق عليك نفقتك وروي عن ابن عباس وابن عمر معناه بل رفعه بعضهم ولأن الحاجة تدعو إلى عقده فجاز كعقد الإزار قال ابن تميم كانوا يرخصون في عقده لا في عقد غيره وظاهره أنه إذا ثبت بغير العقد كما لو أدخل السيور بعضها في بعض لم يجز عقده لعدم الحاجة وكما لو لم يكن فيه نفقة وفي الروضة لا يعقد سيوره وقيل لا بأس احتياطا للنفقة.
مسألة له حمل جرابه وقربة الماء ولا يدخله في صدره نص عليهما

وإن طرح على كتفيه قباء فعليه الفدية وقال الخرقي لا فدية عليه إلا أن يدخل يديه في كمية ويتقلد بالسيف عند الضرورة
فصل:
الخامس: الطيب
ـــــــ
"وإن طرح على كتفيه قباء فعليه الفدية" مطلقا نص عليه اختاره الأكثر لما روى ابن المنذر مرفوعا أنه نهى عن لبس الأقبية للمحرم ورواه النجاد عن علي ولأنه مخيط وهو عادة لبسه كالقميص. "وقال الخرقي لا فدية عليه إلا أن يدخل يديه في كميه"، هذا رواية واختارها في الترغيب ورجحها في "المغني" وغيره لأنه إذا لم يدخل يديه فيهما لم يشتمل على جميع بدنه فهو كالقميص إذا ارتدى به
وظاهره أنه إذا أدخل إحدى يديه لا فدية عليه وفي "الواضح": بلى "ويتقلد بالسيف عند الضرورة" لما روى البراء بن عازب قال لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالحهم أن لا يدخلها إلا بجلبان السلاح القراب بما فيه متفق عليه وهذا ظاهر في إباحته عند الحاجة لأنهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن ينقضوا العهد وظاهره أنه لا يجوز عند عدمها لقول ابن عمر لا يحمل المحرم السلاح في الحرم قال المؤلف والقياس يقتضي إباحته لأنه ليس في معنى اللبس كما لو حمل قربة في عنقه وعنه يجوز أن يتقلد بالسيف بلا حاجة اختاره ابن الزاغوني قال في "الفروع": ويتوجه أن المراد غير مكة لأن حمل السلاح بها لا يجوز إلا لحاجة نقل الأثرم لا يتقلد بمكة إلا لخوف روى مسلم عن جابر مرفوعا: " لا يحل أن يحمل السلاح بمكة". وإنما منع أحمد من تقليد السيف لأنه في معنى اللبس
فصل
"الخامس: الطيب" فيحرم إجماعا لأمره عليه السلام يعلى بن أمية

فيحرم عليه تطييب بدنه وثيابه وشم الأدهان المطيبة والأدهان بها وشم المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس وأكل ما فيه طيب يظهر طعمه أو ريحه وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده فلا فدية عليه وله شم العود والفواكه:
ـــــــ
بغسله وقال في المحرم الذي وقصته راحلته "ولا تحنطوه" متفق عليهما ولمسلم: "ولا تمسوه بطيب" وإذا منع المحرم الميت من الطيب مع استحبابه له فالمحرم الحي أولى "فيحرم عليه تطييب بدنه" أو شيئا منه نص عليه "وثيابه"، لحديث ابن عمر ولأنه يعد مطيبا لكل واحد منهما "وشم الأدهان المطيبة" كدهن الورد والبنفسج ونحوهما، "والادهان بها"، لأنها تقصد رائحتها وتتخذ للطيب أشبه ماء الورد "وشم المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس" لأنها هكذا تستعمل وكذا التبخر بالعود والند لأنه استعمله على وجه التطيب "وأكل ما فيه طيب" كمسك ونحوه "يظهر طعمه" لأن الطعم يستلزم الرائحة وقيل لا فدية لبقاء لونه ولو لم تمسه النار "أو ريحه" لأنها المقصود منه وظاهره ولو طبخ أو مسه نار لبقاء المقصود منه وليس هذا خاصا بالمأكول بل المشروب كذلك لأنه يحرم تناول الطيب كالاكتحال ونحوه لأنه استعمال للطيب أشبه شمه ومتى فعل شيئا من ذلك لزمه الفدية لأنه فعل ما حرمه الإحرام كاللباس.
مسألة: للمشتري حمله وتقليبه إن لم يمسه ذكره جماعة لو ظهر ريحه لأنه لم يقصد للتطيب ولا يمكن الاحتراز منه قال في "الفروع": ويتوجه: ولو علق بيده لعدم القصد ولحاجة التجارة وقال ابن عقيل إن حمله مع ظهور ريحه لم يجز وإلا جاز.
"وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده" المسحوق وقطع الكافور والعنبر "فلا فدية عليه"، لأنه غير مستعمل للطيب وشمه سبق وظاهره أنه إذا علق بيده كالغالية والمسك والمسحوق عليه الفدية لأنه مستعمل للطيب.
"وله شم العود" لأن المقصود منه التبخير "والفواكه" كلها كالأترج والتفاح

والشيح والخزامي وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها والادهان غير مطيب في رأسه روايتان
ـــــــ
والسفرجل ونحوه "والشيح والخزامي" من نبات الصحراء وكذا ما ينبته آدمي لغير قصد الطيب كحناء وعصفر لأنه ليس بطيب ولا يتخذ منه طيب ولا يسمى متطيبا عادة وكذا له شم قرنفل ودار صيني ونحوهما.
"وفي شم الريحان" هذا شروع في بيان حكم ما ينبته الآدمي لقصد شمه ولا يتخذ منه طيب كريحان فارسي ومحل الخلاف فيه وهو معروف بالشام ومكة والعراق وأما عند العرب فالريحان هو الآس ولا فدية في شمه قطعا "والنرجس" وهو أعجمي معرب "والبنفسج" وهو معرب أيضا "والورد والبرم" بفتح الباء والراء هو العضاه الواحد برمة "ونحوها"، كنمام ومرزجوش وفي ذلك روايتان إحداهما يباح اختاره أكثر الأصحاب وهو قول عثمان وابن عباس لأنه إذ يبس ذهبت رائحته أشبه نبت البرمة فعليها لا فدية فيه لإباحته والثانية يحرم لقول جابر لا يشمه رواه الشافعي وكرهه ابن عمر قاله أحمد لأنه يتخذ للطيب كالورد فحينئذ تجب الفدية ولكن ما ينبته الآدمي تارة يتخذ منه طيب كالورد والبنفسج والياسمين وهو الذي يتخذ منه الزئبق فالأشهر يحرم ويفدي اختاره القاضي والمؤلف وغيرهما كماء الورد وتارة لا يتخذ منه طيب كالريحان فاختار الأكثر إباحته وماء الريحان كهو. وفي "الفصول": احتمال بالمنع كماء ورد وقيل عكسه.
"والأدهان بدهن غير مطيب" كزيت وسيرج "في رأسه روايتان" أنصهما: له فعله قدمه في "المحرر" و"الفروع" لأنه عليه السلام فعله رواه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث ابن عمر من رواية فرقد السبخي وهو ضعيف عندهم وذكره البخاري عن ابن عباس لعدم الدليل والثانية المنع ويفدي ذكر القاضي أنها اختيار الخرقي كالمطيب ولأنهما أصل الادهان ولم يكتسب الدهن إلا الرائحة ولا أثر لها منفردة ومنع القاضي ذلك وهو

وإن جلس عند العطار أو في موضع ليشم الطيب فشمه فعليه الفدية وإلا فلا
فصل:
السادس: قتل صيد البر
ـــــــ
واضح، ولأنه يزيل الشعث ويسكن الشعر وظاهره أنه لا يمنع من الأدهان به في بقية بدنه صرح به في "المغني" وقال في "الشرح": لا نعلم عن أحمد فيه منعا وحكى ابن المنذر أن عوام أهل العلم أجمعوا على أن للمحرم أن يدهن بدنه بشحم وزيت وسمن وإنما خص الرأس لأنه محل الشعر فالوجه كذلك فلهذا قال بعض أصحابنا هما في دهن شعره وذكر القاضي في "تعليقه" وأبو الخطاب وصاحب "التلخيص" و"الكافي" فيه أن الخلاف جار في دهن بدنه كرأسه لأنه مثله.
تنبيه: يقدم غسل طيب على نجاسة يتيمم لها ولا يحرم دلالة على طيب ولباس ذكره القاضي وابن شهاب لعدم ضمانه بالسبب ولا يتعلق بهما حكم مختص بخلاف الدلالة على الصيد فإنه يتعلق به حكم مختص وهو تحريم الأكل والإثم.
"وإن جلس عند العطار أو في موضع" كقصد الكعبة حال تجميرها أو حمل معه عقدة فيها مسك ليجد ريحها "ليشم الطبب فشمه فعليه الفدية" نص عليه لأنه شمه قاصدا فحرم كما لو باشره وقال ابن حامد يباح والأول أشهر "وإلا فلا" أي لا شيء عليه إذا جلس عند العطار لحاجته أو دخل الكعبة للتبرك بها وإذا اشتراه كما سبق لأنه لا يمكن الاحتراز منه.
فصل
"السادس: قتل صيد البر" إجماعا وسنده قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

واصطياده وهو ما كان وحشيا مأكولا أو متولدا منه ومن غيره فمن أتلف أو تلف في يده أو أتلف جزءا منه فعليه جزاؤه.
ـــــــ
لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] "واصطياده" لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة: 96] "وهو" أي الصيد المحرم على المحرم ما جمع ثلاثة أشياء "ما كان وحشيا"، لأن ما ليس بوحشي لا يحرم كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج إجماعا والاعتبار في ذلك الأصل فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء وعكسه لو توحش الأهلي لم يجب ونص عليه في بقرة صارت وحشية لأن الأصل فيها الإنسية وحمام وبط وحشي.
"مأكولا" لأن ما ليس بمأكول كسباع البهائم والمستخبث من الحشرات والطير يباح قتله لقوله عليه السلام: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور" متفق عليه. ويقاس عليه مالم يقم دليل على تحريم قتله فأما ما اختلف فيه كالثعلب والسنور الوحشي والهدهد والصرد ففيه روايتان والأشهر أنه يجب في الثعلب واختار القاضي أنه لا شيء في السنور الوحشي لأنه سبع والصحيح أنه لا شي في الأهلي لأنه ليس بوحشي ولا مأكول وقال بعض أصحابنا يفدي أم حبين بجدي وهي دابة منتفخة البطن وهذا خلاف القياس لأنها مستخبثة عند العرب لا تؤكل حكي أن رجلا قال كل ما دب ودرج إلا أم حبين.
"أو متولدا منه ومن غيره" كالمتولد من الوحشي والأهلي والمتولد من المأكول وغيره كالسمع ففيه الجزاء في قول أكثر العلماء تغليبا لتحريم قتله كما غلبوا التحريم في أكله وقيل لا يجب فيما تولد من مأكول وغيره قدمه في "الرعاية" لأن الله إنما حرم صيد البر وهذا يحرم أكله.
"فمن أتلفه، أو تلف في يده، أو أتلف جزءا منه، فعليه جزاؤه" فيه مسائل:

ويضمن ما دل عليه أو أشار إليه أو أعان على ذبحه أو كان له أثر في ذبحه مثل أن يعيره سكينا
ـــــــ
الأولى: إذا أتلفه فعليه جزاؤه إجماعا وسنده قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95].
الثانية إذا تلف في يده فعليه جزاؤه لأنه تلف تحت يد عادية أشبه ما لو أتلفه إذ الواجب إما إرساله أو رده على مالكه.
الثالثة إذا أتلف جزءا منه لأن جملته مضمونة فيضمن أبعاضه ك الآدمي والمال ويأتي حكم الخطأ والعمد لكن لو نصب شبكة ثم أحرم أو أحرم ثم حفر بئرا بحق فتلف به صيد لم يضمنه وإلا ضمن ك الآدمي فيهما والمراد إذا لم يتحيل
"ويضمن" مع التحريم "ما دل عليه" نقله ابن منصور و أبو الحارث سواء كان المدلول عليه ظاهرا أو خفيا لا يعلمه إلا بدلالته عليه وقال أبو الفرج في "المبهج": إن كانت الدلالة ملجئة لزم المحرم الجزاء كقوله دخل في هذه المغارة وإلا لم يلزمه كقوله ذهب في هذه البرية لأنه لا يضمن بالسبب مع المباشرة إذا لم يكن ملجئا لوجوب الضمان على العامل والدافع دون الممسك والحافر.
وأجاب القاضي بأن الممسك غير ملجئ ويضمن بها المودع ويستثني منه ما لو دله فكذبه فلا ضمان عليه فلو دل حلال حلالا على صيد في الحرم فكدلالة محرم محرما عليه.
"أو أشار إليه" نقله عبد الله لكن لو رأى الصيد قبل الدلالة والإشارة فلا شيء على دال ومشير لأنها ليست سببا في تلفه كما لو وجد من المحرم عند رؤية الصيد ضحك أو استشراف ففطن له غيره فصاده.
"أو أعان على ذبحه" نقله أبو طالب بمن أولته سلاحه أو سوطه أو أمره باصطياده وقال القاضي وغيره أو بدفعه إليه فرسا لا يقدر عليه إلا به "أو كان له أثر في ذبحه مثل أن يعيره سكينا" أو نحوها ليقتله به سواء كان

إلا أن يكون القاتل محرما فيكون جزاؤه بينهما
ـــــــ
معه ما يقتله به أو لا لما روى أبو قتادة أنه لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟" قالوا لا وفيه أبصروا حمارا وحشيا فلم يؤذنوني وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني فقالوا والله لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون فتن أولته فأخذته ثم أتيت الحمار من ورائه فعقرته فأتيت به أصحابي فقال بعضهم كلوا وقال بعضهم لا تأكلوا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: "كلوه هو حلال" متفق عليه ولفظه للبخاري. ولأنه وسيلة إلى الحرام فكان حراما كسائر الحيوانات.
"إلا أن يكون القاتل محرما فيكون جزاؤه بينهما" هذا هو المجزوم به عند الأكثر لأنهما اشتركا في التحريم فكذا في الجزاء ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه ويحتمل التبعيض فكان واحدا كقيم العبيد وعنه على كل واحد جزاء اختاره أبو بكر ككفارة قتل الآدمي وعنه جزاء واحد إلا أن يكون صوما فعلى كل واحد صوم تام.
ومن أهدي فبحصته وعلى الآخر صوم تام نقله الجماعة لأن الجزاء بدل لا كفارة لأن الله عطف عليه الكفارة والصوم كفارته ككفارة قتل الآدمي وقيل لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل ولا يلزم متسببا مع مباشر وقيل القرار عليه لأنه هو الذي جعل فعل الممسك علة وظاهره أنه إذا كان القاتل حلالا لا شيء عليه لحله له ما لم يكن الاشتراك في الحرم فيشتركان فيه كالأول.
فلو كان الدال والشريك لا ضمان عليه كالمحل في الحل فالجزاء جميعه على المحرم في الأشهر وأطلق أحمد القول فيحتمل ما قلنا ويحتمل يلزمه بحصته لأنه اجتمع موجب وسقط فغلب الإيجاب كمتولد بين مأكول وغيره وكذا الخلاف إن كان الشريك سبعا فإن سبق حلال وسبع بجرحه

ويحرم عليه الأكل من ذلك كله وأكل ما صيد لأجله ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك وإن أتلف بيض صيد أو نقله إلى موضع آخر ففسد فعليه ضمانه
ـــــــ
فعلى المحرم جزاؤه مجروحا وإن سبق هو فعليه أرش جرحه فلو كانا محرمين ضمن الجارح نقصه والقاتل تتمة الجزاء
"ويحرم عليه الأكل من ذلك كله" لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه؟" قالوا: لا قال: "كلوا ما بقي من لحمها". متفق عليه "وأكل" ما ذبحه و "ما صيد لأجله" نقله الجماعة لما في "الصحيحين" من حديث الصعب بن جثامة أنه أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم". وروى الشافعي وأحمد من حديث جابر مرفوعا: "لحم الصيد للمرء حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم" فيه المطلب بن حنطب قال الترمذي: لا يعرف له سماع من جابر.
وعن عثمان أنه أتي بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا ألا تأكل أنت فقال إني لست كهيئتكم إنما صيد لأجلي رواه مالك والشافعي وفي "الانتصار" احتمال بجوازه وظاهره أن ما حرم على المحرم لكونه دل عليه أو أشار إليه أو صيد من أجله لا يحرم على الحلال أكله صرح به غير واحد لحديث الصعب ولا يحرم على محرم آخر في الأشهر.
"ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك" نص عليه لحديث أبي قتادة : "كلوه هو حلال". وأفتى به أبو هريرة وقال عمر له لو أفتيتهم بغيره لأوجعتك. رواه مالك وعن علي وابن عباس يحرم لخبر الصعب وكما لو دل عليه والفرق ظاهر وما سبق أخص والجمع أولى لأنه عليه السلام إنما ترك الأكل في حديث الصعب لعلمه أو ظنه أنه صيد من أجله.
"وإن أتلف بيض صيد أو نقله إلى موضع آخر ففسد فعليه ضمانه" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في بيض النعام ثمنه" رواه ابن ماجه، ولأنه

بقيمته. ولا يملك الصيد بغير الإرث وقيل لا يملكه به أيضا.
ـــــــ
تسبب إلى إتلافه بالنقل فوجب ضمانه كالمباشرة وظاهره أنه إذا صح وخرج لا ضمان فيه لكن لو باض على فراشه فنقله برفق ففسد فوجهان بناء على الجراد إذا انفرش في طريقه وظاهره وجوب الضمان. "بقيمته" نص عليه فكأنه لقول ابن عباس في بيض النعام قيمته ولأنه إذا وجب في بيض النعام قيمته مع أنه من ذوات الأمثال فغيره أولى لأن البيض لا مثل له فتجب فيه القيمة كصغار الطير وإطلاق الثمن في الخبر يدل على ذلك إذ غالب الأشياء تعدل ثمنها وهذا إذا كان له قيمة فإن كان هدرا فلا شيء فيه قال الأصحاب إلا بيض النعام فإن لقشره قيمة.
وصحح في "المغني" و"الشرح" أنه لا شيء فيه إذا لم يكن فيه حيوان حالا أو مآلا لأنه بمنزلة سائر الأحجار ويستثنى منه ما لو كسرها بعد أن ثبتت وخرج منها دم أو خرج منها فرخ حي فلا شيء عليه وقال ابن عقيل يحتمل أن يضمنه إلا أن يحفظه إلى أن ينهض ويطير ويحتمل عدمه لأنه لم يجعله غير ممتنع كما لو أمسك طائرا أعرج ثم تركه وإن مات بعد خروجه ففيه ما في صغار أولاد المتلف بيضه.
"ولا يملك الصيد" ابتداء "بغير الإرث" وفاقا لخبر الصعب السابق فليس محلا للتمليك لأن الله حرمه عليه كالخمر فلو قبضه مشتر ثم تلف فعليه جزاؤه وقيمته لمالكه وفي "الرعاية" لا شيء لواهب وإن قبضه رضا فعليه جزاؤه فقط وعليه رده وإن أرسله ضمنه لمالكه ولا جزاء ويرد المبيع وقيل يرسله لئلا يثبت مدة المشاهدة عليه ومثله متهبه وصريحه أنه يملكه بالإرث وهو المذهب لأنه أقوى من غيره ولا فعل منه بدليل أنه يدخل في ملك الصبي والمجنون ويملك به الكافر فجرى مجرى الاستدامة.
"وقيل: لا يملكه به أيضا" لما قلناه فهو كغيره فعلى هذا هو أحق به فيملكه إذا حل وفي "الرعاية": يملكه بشراء واتهاب.

وإن أمسك صيدا حتى تحلل ثم تلف أو ذبحه ضمنه وكان ميتة وقال أبو الخطاب له أكله وإن أحرم وفي يده صيد أو دخل الحرم بصيد لزمه إزالة يده المشاهدة عنه دون الحكمية وإن لم يفعل فتلف فعليه ضمانه.
ـــــــ
"وإن أمسك صيدا حتى تحلل ثم تلف أو ذبحه ضمنه" لأنه تلف بسبب كان في إحرامه فضمنه كما لو جرحه فمات بعد حله ولم يتكرر الضمان بأكله إذا ذبحه نص عليه لأنه وجب لقتله لا لأكله لكونه مضمونا بالجزاء فلا يتكرر كإتلافه بغير أكله ولهذا لا يضمنه محرم آخر "وكان ميتة" نص عليه لأنه صيد يلزمه ضمانه فلم يبح بذبحه كحالة الإحرام.
"وقال أبو الخطاب له أكله"، وعليه ضمانه لأنه ذبحه وهو من أهله أشبه ما لو صاده بعد حله فأبيح له كغيره وفيه نظر لأن هذا يلزمه ضمانه بخلاف المقيس عليه.
"وإن أحرم وفي يده" أي ملكه "صيد أو دخل الحرم بصيد لزمه إزالة يده المشاهدة عنه" كما لو كان في رحله أو خيمته أو قفصه ويلزمه إرساله لأن في عدم إزالة يده المشاهدة إمساكا للصيد فلم يجز كحالة الابتداء بدليل اليمين وملكه باق عليه فيرده من أخذه ويضمنه من قتله ولا يصح نقل الملك فيه.
"دون الحكمية" كما لو كان في بيته أو في يد نائب له في غير مكانه لأنه لا يلزم إمساك الصيد فلم يلزم بإزالتها كما لو لم يكن محرما فعلى هذا لا يضمنه وله نقل الملك فيه بكل نوع ومن غصبه لزمه رده.
"فإن لم يفعل" أي لم يزل يده المشاهدة "فتلف فعليه ضمانه" لأنه تلف تحت يده العادية فلزمه الضمان كمال الآدمي وجزم المؤلف وقدمه في الفصول إن أمكنه وإلا فلا لعدم تفريطه.

وإن أرسله إنسان من يده قهرا فلا ضمان على المرسل وإن قتل صيدا صائلا عليه دفعا عن نفسه أو بتخليصه من سبع أو شبكة ليطلقه لم يضمنه وقيل يضمنه فيهما.
ـــــــ
"وإن أرسله إنسان من يده قهرا فلا ضمان على المرسل" ذكره الأصحاب لأنه فعل ما يتعين على المحرم فعله في هذه العين خاصة كالمغصوب ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها فلو أمسكه حتى تحلل فملكه باق عليه واعتبره في "المغني" و"الشرح" بعصير تخمر ثم تخلل قبل إراقته وفي "الكافي" وجزم به في الرعاية يرسله بعد حله كما لو صاده.
تنبيه: إذا ملك صيدا في الحل وأدخله الحرم لزمه رفع يده وإرساله فإن أتلفه أو تلف في يده ضمنه كصيد الحل في حق المحرم ذكره الأصحاب قال في "الفروع": ويتوجه لا يلزمه إرساله وله ذبحه ونقل الملك فيه لأن الشارع إنما نهى عن تنفير صيد مكة ولم يبين فعل هذا الحكم الخفي مع كثرة وقوعه والصحابة مختلفون وقياسه على الإحرام فيه نظر لأنه آكد وكذا إن امسك صيد حرم وخرج به إلى الحل فإنه يلزمه إرساله ولو تلف ضمنه كالمحرم إذا أمسكه حتى تحلل.
"وإن قتل صيدا صائلا عليه دفعا عن نفسه" لم يضمنه في ظاهر كلام أحمد وقاله الأصحاب لأنه قتله لدفع شره فلم يضمنه كآدمي وكجمل صائل مع أن الشارع أذن في قتل الفواسق لدفع أذى متوهم فالمتحقق أولى وسواء خشي منه تلفا أو مضرة أو على بعض ماله "أو بتخليصه من سبع أو شبكة" أو أخذه ليخلص من رجله خيطا ونحوه "ليطلقه" فتلف قبل إرساله "لم يضمنه" على الأشهر لأنه فعل أبيح لحاجة الحيوان فلم يضمنه كمداواة الولي موليه.
"وقيل يضمنه فيهما" أما أولا فهو قول أبي بكر لأنه قتله لحاجة نفسه فهو كقتله لحاجة أكله في الأصح خلافا للأوزاعي والفرق ظاهر وأما ثانيا فلعموم الآية وغايته أنه عدم فيه القصد أشبه قتل الخطأ.

ولا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان إنسي ولا محرم الأكل إلا القمل في رواية وأي شيء تصدق به كان خيرا منه.
ـــــــ
مسألة: إذا أخذه ليداويه فوديعة فلو تأكلت يده فله إزالتها وإن أزمنه فجزاؤه ولأنه كتالف وكجرح تيقن به موته وقيل ما نقص.
"ولا تأثير للمحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان إنسي" أي أهلي مباح إجماعا كبهيمة الأنعام لأنه ليس بصيد والمحرم إنما هو الصيد بدليل أنه عليه السلام كان يتقرب إلى الله بذبح ذلك في إحرامه ولهذا قال: "أفضل الحج العج والثج". "ولا محرم الأكل" إلا المتولد كالخمس الفواسق التي أباح الشارع قتلها مطلقا. وصرح في "المستوعب" وغيره بأنه يستحب قتل كل مؤذ من حيوان وطير وهو مراد من أباحه والمراد بالغراب غراب البين لأنه محرم الأكل ويعدو على أموال الناس وظاهر "المستوعب": لا، فإنه مثل بالغراب الأبقع فقط للخبر الخاص فيه ورد بأن غيره أكثر وأصح ويدخل في الإباحة البازي والصقر والذباب والبعوض والبق ذكره جماعة فأما ما لا يؤذي بطبعه كالرخم فكذلك ولإحرامه ويجوز قتله وقيل يكره وجزم به في "المحرر" وغيره وقيل يحرم ولأصحابنا في النمل وجهان نقل حنبل لا بأس بقتل الذر ونقل مهنا يقتل النملة إذا عضته قال ابن عقيل فيها لقمة أو تمرة إذا لم تؤذه قال في "الشرح": ويتخرج في النحلة كذلك ولا شيء في ضفدع وجعل فيه ابن أبي موسى حكومة ولكن يستثنى منه ما أباحه الشارع فإنه يحرم قتله كما أن الأسود البهيم مباح قتله ذكره الأصحاب.
"إلا القمل" على المحرم "في رواية" فإنه يحرم قتله وهو ظاهر "الخرقي" لأنه يترفه بإزالته فحرم كقطع الشعر. "وأي شيء تصدق به كان خيرا منه" لأنه لم يرد به أثر وعنه لا شيء فيه لخبر كعب ولأنه لا قيمة له كسائر المحرم المؤذي والثانية لا يحرم قتله لأنه يحرم أكله ويؤذي أشبه البراغيث وظهر

ولا يحرم صيد البحر على المحرم وفي إباحته في الحرم روايتان ويضمن الجراد بقيمته فإن انفرش في طريقه فقتله بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان.
ـــــــ
منه أنه يباح في الحرم لغير المحرم قتله وهو بغير خلاف لأنه إنما حرم في حق المحرم لما فيه من الترفه فأبيح فيه لغيره.
تكملة: الصئبان كالقمل لأنه بيضه ولا فرق بين قتله ورميه لحصول الرفه به وقال القاضي وابن عقيل الروايتان فيما أزاله من شعره وبدنه وباطن ثوبه ويجوز في ظاهره. وفي "المغني" و"الشرح": أنهما فيما أزاله من شعره وذكر جماعة أن البراغيث كالقمل وله قتل القراد عن بعيره روي عن ابن عمر وابن عباس كسائر المؤذي.
"ولا يحرم صيد البحر على المحرم" إجماعا لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] والبحر الملح والعذب والأنهار والعيون سواء وصيده ما يعيش فيه كالسمك فإن كان يعيش فيهما كسلحفاة وسرطان فكذلك نقل عبد الله فيه الجزاء قال في "الفروع": ولعل المراد ما يعيش في البر له حكمه وما يعيش في البحر له حكمه كالبقر أهلي ووحشي فأما طير الماء فبري لأنه يفرخ ويبيض فيه.
"وفي إباحته في الحرم" كصيده من آبار الحرم "روايتان" إحداهما: المنع، صححه في "الشرح" وغيره لأنه حرمي أشبه صيد الحرم ولأن حرمة الصيد للمكان فلا فرق والثانية وهي ظاهر "الوجيز"، وقدمها في "المحرر" يحل لإطلاق حله في الآية ولأن الإحرام لا يحرمه كحيوان أهلي وسبع.
"ويضمن الجراد" في قول أكثر العلماء لأنه طير في البر يتلفه الماء كالعصافير "بقيمته" لأنه متلف غير مثلي وعنه يتصدق بتمرة عن جرادة روي عن ابن عمر. "فان انفرش في طريقه فقتله" أو اتلف وعثمان طير "بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان" أحدهما فيه الجزاء وهو ظاهر "الوجيز" لأنه أتلفه لمنفعته أشبه ما لو اضطر إلى أكله والثاني لا لأنه اضطره إلى

وعنه لا ضمان في الجراد ومن اضطر إلى أكل الصيد أو احتاج إلى شيء من هذه المحظورات فله فعله وعليه الفدية.
فصل:
السابع: عقد النكاح لا يصح منه.
ـــــــ
إتلافه كصائل. "وعنه لا ضمان في الجراد" روي عن أبي سعيد لأن كعبا أفتى بأخذه وأكله فقال له عمر ما حملك أن تفتيهم به قال هو من صيد البحر قال وما يدريك قال والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرة حوت تنثر في كل عام مرتين رواه مالك وقال ابن المنذر قال ابن عباس هو من صيد البحر ورواه أبو داود من رواية أبي هريرة مرفوعا ومن طريق أخرى وقال الحديثان وهم.
"ومن اضطر إلى أكل الصيد" أبيح له بغير خلاف نعلمه وسنده قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فإذا ذبحه كان ميتة ذكره القاضي واحتج بقول أحمد كل ما صاده المحرم أو قتله فإنما هو قتل قتله قال في "الفروع": ويتوجه حله لحل فعله. "أو احتاج إلى شيء من هذه المحظورات فله فعله وعليه الفدية" لأن كعبا لما احتاج إلى الحلق أباحه الشارع له و أوجب عليه الفدية والباقي في معناه ولأن أكل الصيد إتلاف فوجب ضمانه كما لو اضطر إلى طعام غيره
فصل
"السابع: عقد النكاح"، فإنه محظور إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم "لا يصح منه"، لما روى مسلم عن عثمان مرفوعا: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب". وعن ابن عمر أنه كان يقول لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره رواه الشافعي ورفعه الدارقطني وظاهره لا فرق بين أن يتزوج أو يزوج محرمة أو يكون وكيلا أووليا، نقله الجماعة وسواء تعمد أو لا. وأجازه ابن

ـــــــ
عباس لروايته أنه عليه السلام تزوج ميمونة وهو محرم متفق عليه ولأحمد والنسائي وهما محرمان ولأنه عقد ملك به الاستمتاع فلم يحرمه الإحرام كشراء الإماء وجوابه ما روى يزيد بن الأصم عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف إسناده جيد رواه أحمد وقال الترمذي غريب ولمسلم عن يزيد بن الأصم عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال وكانت خالتي وخالة ابن عباس وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما إسناده جيد رواه أحمد والترمذي وحسنه وقال ابن المسيب وهل ابن عباس وفي رواية وهم رواهما الشافعي.
وبالجملة فقصة ميمونة مختلفة ورواية الحل أكثر وفيها صاحب القصة والسفير فيها ولا مطعن فيها مع موافقتها لما تقدم وفيها زيادة مع صغر ابن عباس إذن ويمكن حمل قوله وهو محرم أي في الشهر الحرام أو البلد الحرام كقولهم قتل عثمان محرما أو تزوجها حلالا وظهر تزويجها وهو محرم ثم لو وقع التعارض فحديثنا أولى لأنه قول النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فعله ويحتمل أن يكون خاصا به وعليه عمل الخلفاء وعقد النكاح يخالف شراء الأمة لأنه يحرم بالعدة والردة واختلاف الدين وكون المنكوحة أختا له من الرضاع والنكاح يراد به الوطء غالبا بخلاف شراء الأمة، فافترقا.
وعنه إن زوج المحرم غيره صح لأنه سبب لإباحة محظور لحلال فلم يمنعه الإحرام كحلقه رأس حلال وروي عنه أنه قال لم أفسخه وهو محمول على أنه مختلف فيه وعلى المذهب الاعتبار بحالة العقد فلو وكل محرم حلالا فيه فعقده بعد حله صح في الأشهر وعكسه بعكسه ولو وكل ثم أحرم لم ينعزل وكيله في الأصح وله عقده إذا حل فلو وكل حلال مثله فعقده فأحرم الموكل واختلفا فقالت عقد بعد الإحرام وقال هو قبله قبل قوله وكذا في عكسه لأنه يملك فسخ العقد فملك الإقرار به لكن يلزمه نصف الصداق.

وفي الرجعة روايتان. ولا فدية في شيء منهما.
ـــــــ
ويصح مع جهلهما وقوعه لأن الظاهر صحته.
تتمة: دخل في كلامه ما لو أحرم الإمام الأعظم فإنه يمنع من التزويج لنفسه وسائر أقاربه وهل يمنع أن يزوج بالولاية العامة فيه احتمالان ذكرهما ابن عقيل واختار الجواز لحله حال ولايته والاستدامة أقوى لأن الإمامة لا تبطل بفسق طرأ.
وفي "التعليق": لم يجز أن يزوج ويزوج خلفاؤه وصرح به في "الوجيز" لأنه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النسب بدليل تزويج الكافرة وإن أحرم نائبه فكهو قاله بعض أصحابنا.
"وفي الرجعة روايتان" كذا في "الفروع" إحداهما: المنع نقله الجماعة ونصره القاضي وأصحابه لأنه عقد وضع لإباحة البضع أشبه النكاح والثانية الإباحة اختارها الخرقي وجزم بها في "الوجيز"، وصححها في "المغني" و"الشرح" لأنها إمساك ولأنها مباحة قبل الرجعة فلا إحلال ولو قلنا بأنها محرمة لم يكن ذلك مانعا من رجعتها كالتكفير للمظاهر وتعقبه القاضي.
"ولا فدية عليه في شيء منهما" لأنه عقد فسد لأجل الإحرام فلم يجب به فدية كشراء الصيد ولا فرق فيه بين الإحرام الصحيح والفاسد قاله في "الشرح".
مسألة: يكره للمحرم الخطبة كخطبة العقد وشهوده وحرمها ابن عقيل كتحريم دواعي الجماع وتكره شهادته فيه وحرمها ابن عقيل وقدمها القاضي واحتج بنقل حنبل لا يخطب قال معناه لا يشهد النكاح وما روي فيه "ولا تشهد" فلا يصح.

فصل:
الثامن: الجماع في الفرج قبلا أو دبرا، من آدمي أو غيره فمتى فعل ذلك قبل التحلل الأول, فسد نسكه، عامدا كان أو ساهيا,
ـــــــ
فصل
"الثامن: الجماع في الفرج" لقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197]، قال ابن عباس هو الجماع بدليل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] يعني الجماع وقد حكاه ابن المنذر إجماع العلماء أنه يفسد النسك به وفي "الموطأ": بلغني أن عمر وعليا وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم فقالوا ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج من قابل والهدي ولم يعرف لهم مخالف والمراد به إذا كان أصليا وصرح به في "الوجيز".
"قبلا كان أو دبرا من آدمي أو غيره" لوجوب الحد والغسل وخرج بعضهم لا يفسد بوطء بهيمة من عدم الحد أشبه الوطء دون الفرج وأطلق الحلواني وجهين أحدهما لا يفسد وعليه شاة.
"فمتى فعل ذلك قبل التحلل الأول، فسد نسكه" لما قلنا وظاهره ولو بعد الوقوف بعرفة ونقله الجماعة ولأنه قول من سمينا من الصحابة وهو مطلق ولأنه جماع صادف إحراما تاما كقبل الوقوف. وقوله: "الحج عرفة" أي معظمه ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد بدليل العمرة وإدراك ركعة من الجمعة. "عامدا كان أو ساهيا" نقله الجماعة لأن بعض الصحابة قضوا بفساد الحج ولم يستفصلوا ولو اختلف الحال لوجب البيان ولأنه سبب يتعلق به وجوب القضاء فاستويا كالفوات وفيه نظر لأنه ترك ركن فأفسد والوطء فعل منهي عنه والجاهل بالتحريم والمكره كالناسي وفي

وعليهما المضي في فاسده. والقضاء على الفور من حيث أحرما أولا.
ـــــــ
"الفصول" رواية لا يفسد اختاره الشيخ تقي الدين وأنه لا شيء عليه وهو متجه قاله في "الفروع". والمذهب أن المرأة المطاوعة كالرجل لوجود الجماع منهما بدليل الحد وعنه يجزئهما هدي واحد لأنه جماع واحد وعنه لا فدية عليها لأنه لا وطء منها ذكر جماعة كالصوم والأشهر أنه لا فدية على مكرهة نص عليه كالصوم.
"وعليهما المضي في فاسده" ولا يخرج منه روي عن عمر وعلي وأبي هريرة وابن عباس وحكمه كإحرام صحيح نقله الجمهور وذكره القاضي وغيره عن جماعة الفقهاء لقوله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وقد روي مرفوعا أنه أمر المجامع بذلك ولأنه معنى يجب به القضاء فلم يخرج به منه كالفوات ونقل ابن إبراهيم عن أحمد أنه يعتمر من التنعيم ومقتضاه أنه يجعل الحج عمرة. "و" يلزمهما "القضاء" بغير خلاف نعلمه لما روى ابن وهب بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رجلا جامع امرأته وهما محرمان فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما: "أتما حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى قابل حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتها فأحرما وتفرقا ولا يؤاكل واحد منكما صاحبه ثم أتما مناسكما واهديا" ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة صحيحة عند جماعة وهذا منها وروى سعيد والأثرم عن عمر وابن عباس معناه ولا فرق في الذي أفسدها أن تكون فرضا بأصل الشرع أو النذر أو قضاء لكن إذا أفسده فإنه يقضي الواجب لا القضاء كالصوم والصلاة ويلزمه قضاء النفل نص عليه وإليه ذهب الأصحاب لأنه لزم بالدخول فيه وعنه لا قضاء فيه.
وعلى المذهب هو "على الفور" لتعينه بالدخول فيه "من حيث أحرما أولا" أي يلزم الإحرام بالقضاء من أبعد الموضعين الميقات أو إحرامه الأول نص عليه لأنه إن كان الميقات أبعد لم يجز له تجاوزه بغير إحرام وإن كان موضع إحرامه أبعد لزمه منه لأن القضاء يحكي الأداء وإلا لزمهما من

ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت، وإن كانت مكرهة فعلى الزوج. ويتفرقان من الموضع الذي أصابها فيه إلى أن يحلا. وهل هو واجب أو مستحب؟ على وجهين.
ـــــــ
الميقات، نصا
"ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت" لقول ابن عمر واهديا هديا أضاف الفعل إليهما وقول ابن عباس أهد ناقة ولتهد ناقة ولأنها بمطاوعتها أفسدت نسكها فكانت النفقة عليها كالرجل. "وإن كانت مكرهة فعلى الزوج"، لأنه المفسد لنسكها فكانت عليه نفقتها كنفقة نسكه. "ويتفرقان" في القضاء "من الموضع الذي أصابها فيه" في ظاهر المذهب لما سلف وعنه من حيث يحرمان لقول ابن عباس ويتفرقان من حيث يحرمان ولا يجتمعان حتى يقضيا حجهما. "إلى أن يحلا" لأن التفريق خوف المحظور فجميع الإحرام سواء ومراده بالتفريق أن لا يركب معها في محمل ولا ينزل معها في فسطاط نص عليه لكن ذكر المؤلف أنه يكون بقربها يراعي حالها لأنه محرمها فظاهره أنه محرمها وهو ظاهر كلامهم ونقل ابن الحكم يعتبر أن يكون معها محرم غيره.
"وهل هو واجب أو مستحب على وجهين": المذهب أنه مستحب لأنه ربما ذكر إذا بلغ الموضع فسوق نفسه فواقع المحذور وهذا وهم لا يقتضي الوجوب ولم يتفرقا في قضاء رمضان إذا أفسداه لأن الحج أبلغ في منع الداعي لمنعه مقدمات الجماع والطيب بخلاف الصوم والثاني يجب لأن ابن عباس ذكره حكما للمجامع فكان واجبا كالقضاء.
تنبيه العمرة كالحج لأنها أحد النسكين كالآخر فإن كان مكيا أو مجاورا بها أحرم للقضاء من الحل لأنه ميقاتها سواء أحرم بها منه أو من الحرم وإن أفسد المتمتع عمرته ومضى فيها فأتمها قال أحمد يخرج من الميقات فيحرم منه بعمرة فإن خاف فوت الحج أحرم به من مكة وعليه دم لتركه الميقات فإذا فرغ منه أحرم من الميقات بعمرة مكان التي أفسدها، وعليه

وإن جامع بعد التحلل الأول لم يفسد حجه. ويمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف
ـــــــ
دم إذا قدم مكة لما أفسد من عمرته.
"وإن جامع بعد التحلل الأول" أي: بعد زمن جمرة العقبة، "لم يفسد حجه" في قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام: "الحج عرفة" ولقول ابن عباس في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر ينحران جزورا بينهما وليس عليه الحج من قابل رواه مالك ولا يعرف له في الصحابة مخالف.
ولأنها عبادة لها تحللان فوجود المفسد بعد أولهما لا يفسدها كما بعد التسليمة الأولى من الصلاة ويتوجه أنه يفسد كالأول إن بقى إحرامه وفسد بوطئه وقوله في "التنبيه": من وطئ في الحج قبل الطواف فسد حجه محمول على ما قبل التحلل فإن طاف للزيارة ولم يرم فذكر في "الشرح" وقدمه غيره أنه لا شيء عليه مطلقا لأن الحج قد تمت أركانه كلها وظاهر كلام جماعة خلافه لوجوده قبل ما يتم به التحلل.
"ويمضي إلى التنعيم" وهو من الحل بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وسمي به لأن جبلا عن يمينه اسمه نعيم وآخر عن شماله اسمه ناعم والوادي نعمان بفتح النون. "فيحرم ليطوف"، لأن إحرامه قد فسد بالوطء فلزمه الإحرام من الحل ليقع طواف الزيارة في إحرام صحيح وليس الإحرام من التنعيم شرطا فيه وإنما المراد أن يحرم من الحل ليجمع بين الحل والحرام ولكن المؤلف تبع الخرقي وهو للإمام لأنه أقرب الحل إلى مكة.
وظاهره: أنه لا يلزمه غير الطواف إذا كان قد سعى فإن لم يكن سعى طاف للزيارة وسعى وتحلل لأن الإحرام إنما وجب ليأتي بما بقى من الحج هذا ظاهر كلام جماعة منهم الخرقي فقول أحمد ومن وافقه من الأئمة إنه يعتمر يحتمل أنهم أرادوا هذا وسموه عمرة لأن هذه أفعالها وصححه في "المغني" و"الشرح" ويحتمل أنهم أرادوا عمرة حقيقية فيلزمه سعي ويقصر،

وهو محرم. وهل يلزمه بدنة أو شاة على روايتين.
ـــــــ
وعلى هذا نصوص أحمد وجزم به القاضي وابن عقيل وابن الجوزي لما سبق عن ابن عباس ولأنه إحرام مستأنف فكان فيه طواف وسعي وتقصير كالعمرة تجري مجرى الحج بدليل القران بينهما.
"وهو محرم" أي أنه بعد التحلل الأول محرم وذكره الخرقي والقاضي وغيرهما لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحة الإحرام وفي "فنون ابن عقيل": يبطل إحرامه على احتمال وذكر المؤلف في مسألة ما يباح بالتحلل الأول ينفي أنه محرم وإنما بقي عليه بعض الإحرام ونقل ابن منصور والميموني من وطئ بعد الرمي ينتقض إحرامه ويعتمر من التنعيم فيكون إحرام مكان إحرام فهذا المذهب أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي جمرة العقبة والمراد به فساد ما بقي منه لا ما مضى إذ لو فسد كله لوقع الوقوف في غير إحرام
"وهل يلزمه بدنة أو شاة؟ على روايتين" كذا في "المحرر" و"الفروع": إحداهما يلزمه شاة وهي ظاهر "الخرقي" وقدمها في "المغني" و"الشرح" لعدم إفساده للحج كوطء دون الفرج بلا إنزال ولخفة الجناية فيه والثانية يلزمه بدنة روي عن ابن عباس واختارها في "الوجيز" لأنه وطئ في الحج فأوجبها كما قبل الرمي
فرع القارن كالمفرد لأن الترتيب للحج لا للعمرة بدليل تأخير الحلق إلى يوم النحر.
تنبيه العمرة كالحج فيما تقدم فإن وطئ من الطواف فسدت وكذا قبل سعيها إن قلنا هو ركن أو واجب وفي "الترغيب": إن وطئ قبله خرج على الروايتين في كونه ركنا أو غيره ولا تفسد قبل الحلق إن لم يجب وكذا إن وجب ويلزمه دم وقدم في "الترغيب" تفسد ويجب بإفسادها شاة نقله أبو طالب وعليه الأصحاب لنقصها عن الحج وفي "الموجز"

فصل
التاسع: المباشرة فيما دون الفرج لشهوة فإن فعل فأنزل فعليه بدنة وهل يفسد نسكه على روايتين وإن لم ينزل لم يفسد.
ـــــــ
للحلواني: الأشبه بدنة، كالحج.
فصل
"التاسع المباشرة" أي: الوطء "فيما دون الفرج لشهوة" وكذا إن قبل أو لمس بها وإنما كان ذلك من محظوراته لأنه وسيلة إلى الوطء وهو محرم فكان حراما. "فإن فعل فأنزل، فعليه بدنة" نقله الجماعة وقاله الأصحاب لأنها مباشرة أقرن بها الإنزال فأوجبتها كالجماع في الفرج وعنه شاة ذكرها القاضي إن لم تفسد وأطلقها الحلواني كما لو لم ينزل وفي القياسين نظر. "وهل يفسد نسكه؟ على روايتين" كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع": إحداهما يفسد نصرها القاضي وأصحابه واختارها الخرقي وأبو بكر في الوطء دونه وأنزل لأنه عبادة يفسدها الإنزال فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصوم
والثانية: لا يفسد صححها في "المغني" و"الشرح"، وجزم بها في "الوجيز" لعدم الدليل ولأنه استمتاع لم يجب بنوعه الحد فلم يفسده كما لو لم ينزل وفيه شيء والأولى أن الصوم يفسده كل واحد من محظوراته والحج بالجماع فقط والرفث مختلف فيه فلم نقل بجميعه مع أنه يلزم القول به في الفسوق والجدال.
وعنه ثالثة: إن أمنى بالمباشرة فسد وإلا فلا
"وإن لم ينزل لم يفسد" بغير خلاف نعلمه لأنها مباشرة عريت عن إنزال فلم يفسد به كاللمس وظاهر كلام الحلواني أن لنا فيه خلافا وما روي عن ابن عباس أنه قال لرجل قبل زوجته أفسدت حجك ونحوه عن سعيد بن جبير

وإن كرر النظر فأمنى لم يفسد.
فصل
والمرأة إحرامها في وجهها ويحرم عليها ما يحرم على الرجل إلا في اللباس وتظليل المحمل.
ـــــــ
محمول على الإنزال "وإن كرر النظر فأمنى لم يفسد" لعدم الدليل وكالإنزال بالفكر وعليه بدنة في المنصوص وسيأتي.
فصل
"والمرأة إحرامها في وجهها" فيحرم عليها تغطيته ببرقع أو نقاب أو غيره لما روى ابن عمر مرفوعا: "لا تتنقب المرأة، ولا تلبس القفازين" رواه البخاري. وقال ابن عمر إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه رواه الدارقطني بإسناد جيد ويجب عليها تغطية رأسها كله ولا يمكنها إلا بجزء من الوجه ولا يمكنها كشف جميع الوجه إلا بجزء من الرأس والمحافظة على ستر الرأس أولى لأنه آكد لوجوب ستره مطلقا وألحق أبو الفرج به الكفين، وحكاه في "المبهج" رواية.
فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها جاز أن تسدل الثوب فوق رأسها على وجهها لفعل عائشة رواه أحمد و أبو داود وغيرهما وشرط القاضي في الساتر أن لا يصيب بشرتها فإن أصابها ثم ارتفع بسرعة فلا شيء عليها وإلا فدت لاستدامة الستر ورده المؤلف بأن هذا الشرط ليس عن أحمد ولا هو من الخبر بل الظاهر منه خلافه فإنه لا يكاد يسلم المسدول من إصابة البشرة فلو كان شرطا لبين.
"ويحرم عليها ما يحرم على الرجال" من قطع الشعر وتقليم الأظفار إلا في اللباس وتظليل المحمل قتل الصيد ونحوها.
"إلا في اللباس وتظليل المحمل" لحاجتها إلى الستر وحكاه ابن المنذر إجماعا وكعقد الإزار للرجل ولأبي داود بإسناد جيد عن عائشة قالت: كنا

ولا تلبس القفازين ولا الخلخال ونحوه ولا تكتحل بالإثمد
ـــــــ
نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا السك والمطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره عليها وإنما كره في الجمعة خوف الفتنة لقربها من الرجال ولهذا لا يلزمها بخلاف الحج .
"ولا تلبس" أي: يحرم عليها لبس "القفازين"، نص عليه لخبر ابن عمر السابق وكالرجل وهما شيء يعمل لليدين كما يعمل للبزاة وفي لبسهما الفدية كالنقاب ولا يلزم من تغطيتهما بكمها لمشقة التحرز جوازه بهما بدليل تغطية الرجل قدميه بإزاره لا بخف وإنما جاز تغطية قدميها بكل شيء لأنها عورة في الصلاة وقال القاضي ومثلهما إن لفت على يديها خرقة أو خرقا وشدتها على حناء أو لا كشده على جسده شيئا وذكره في الفصول عن أحمد فظاهر كلام الأكثر لا يحرم وإن لفتها بلا شد فلا لأن المحرم اللبس لا التغطية كبدن الرجل.
"ولا الخلخال ونحوه" هذا رواية عن أحمد وهو ظاهر "الخرقي"، وحملها في "المغني" و"الشرح" على الكراهة لأنه في الزينة كالكحل ولا فدية فيه بخلاف القفازين وظاهر المذهب أن لها لبس الحلي كالسوار والدملج نقله الجماعة قال نافع كن نساء ابن عمر يلبسن الحلي والمعصفر وهن محرمات رواه الشافعي وفي خبر ابن عمر وتلبس بعد ذلك ما أحبت ولا دليل للمنع ولا يحرم لباس زينة وفي "الرعاية": يكره قال أحمد: المحرمة والمتوفي عنها زوجها يتركان الطيب والزينة ولهما سوى ذلك وفي "التبصرة": يحرم ويتوجه احتمال كحلي.
"ولا تكتحل بالإثمد" نقل ابن منصور لا تكتحل والأسود لقول عائشة لامرأة اشتكت عينها وهي محرمة إكتحلي بأي كحل الإثمد والأسود ولأنه يراد للزينة ويجب الفدية به قال ابن الزاغوني هو كاللباس والطيب والمذهب أنه يجوز إلا لزينة فيكره نص عليه ورواه الشافعي عن ابن عمر والأصل عدم الكراهة ولا فرق فيه بين الرجل والمرأة لكن إنما

ويجوز لبس المعصفر والكحلي والخضاب بالحناء
ـــــــ
خصت المرأة بالذكر لأنها محل الزينة والكراهة في حقها أكثر وتقييدهم بالإثمد والأسود لأنه هو الذي تحصل به الزينة فدل على أن ما ليس بزينة لا يمنع منه ليث يتد أو ى به ما لم يكن فيه طيب ولهذا كان إبراهيم لا يرى بالدرور الأحمر بأسا.
"ويجوز لبس المعصفر والكحلي"، لقوله عليه السلام في حديث ابن عمر في حق المحرمة: "ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من معصفر أو خز أو حلي" رواه أبو داود وعن عائشة وأسماء أنهما كانا يحرمان في المعصفرات ولأنه ليس بطيب فلم يكره المصبوغ به كالسواد فإن كان مصبوغا بورس أو زعفران فلا لأنه طيب وأما المصبوغ بالرياحين فهو مبني عليها في نفسها لكن يكره للرجل لبس المعصفر لكراهته له في غير الإحرام.
"والخضاب بالحناء" لما روى عكرمة قال: كانت عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يختضبن بالحناء وهن حرم رواه ابن المنذر وهو مكروه لأنه من الزينة كالكحل بالإثمد فإذا اختضبت وشدت يديها بخرقة فدت وإلا فلا لأنه يقصد لونه لا ريحه عادة كخضاب بسواد ولا بأس به للرجل فيما لا يتشبه فيه بالنساء ذكره في "المغني" و"الشرح"، لأن الأصل الإباحة ولا دليل للمنع وظاهر ما نقله القاضي أنه كالمرأة في الحناء وأطلق في "المستوعب": له الخضاب بالحناء وقال في موضع آخر كرهه أحمد لأنه من الزينة وقال الشيخ تقي الدين هو بلا حاجة مختص بالنساء واحتج بلعن المتشبهين والمتشبهات فأما خضابها به عند الإحرام فمستحب لقول ابن عمر ولأنه من الزينة فاستحب عند الإحرام كالطيب.
فائدة: يستحب للمزوجة أن تختضب بالحناء لما فيه من الزينة والتحبب للزوج كالطيب ويكره للأيم لعدم الحاجة مع خوف الفتنة وفي "المستوعب": لا يستحب. لها وقد روى أبو موسى المديني عن جابر مرفوعا: "يا معاشر النساء اختضبن فإن المرأة تختضب لزوجها وإن الأيم تختضب

والنظر في المرآة لهما جميعاً.
ـــــــ
تعرض للرزق من الله عز وجل".
"والنظر في المرآة لهما جميعا"، روي عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا ينظران في المرآة وهما محرمان ولأنه لم يرد فيه ما يقتضي المنع منه ثم إن كان القصد منه إزالة شعث أو تسوية شعر أو شيء من الزينة كره ذكره الخرقي وهو ظاهر ما نقل عن أحمد ولا فدية فيه لأن ذلك أدب وفي قول يحرم وقوله: "لهما" يحتمل أنه متعلق بالنظر لقربه ويحتمل أنه متعلق بـ"يجوز" وهو الظاهر.
تنبيه: يجوز للمحرم أن يتجر ويصنع الصنائع بغير خلاف نعلمه ما لم يشغله عن واجب أو مستحب وقال الآجري وابن الزاغوني ويلبس الخاتم لكن يكره إن كان لزينة كحلي ونظر في مرآة.

باب الفدية:
وهي على ثلاثة أضرب: أحدها: ما هو على التخيير، وهو نوعان: أحدهما: يخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة.
ـــــــ
باب الفديةقال الجوهري: فداه وفاداه: إذا أعطى فداءه وفداه بنفسه وفداه إذا قال له جعلت فداك انتهى. وهي ما تجب بسبب نسك أو حرم "وهي على ثلاثة أضرب" منها ما ورد النص بالتخيير فيه ومنها ما ورد بالترتيب ومنها ما لم يرد فيه تخيير ولا ترتيب كفدية الفوات "أحدها: ما هو على التخيير، وهو نوعان"، لأنه تارة يكون فدية الأذى ونحوه وتارة جزاء صيد فأشار إلى الأول بقوله: "أحدهما: يخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة"، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} الآية [البقرة: 184]، ولحديث كعب السابق،

وهي فدية حلق الرأس وتقليم الظافر وتغطية الرأس واللبس والطيب وعنه: يجب الدم إلا أن يفعله لعذر فيخير. الثاني: جزاء الصيد يخير فيه
ـــــــ
وفي لفظ: "احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسك شاة" متفق عليه، فقد دلا على وجواب الفدية على صفة التخيير من الصيام والصدقة والذبح في حلق الرأس لأن "أو" للتخيير وليس في الآية ذكر الحلق لأنه محذوف وتقديره فحلق ففدية، كقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أي: فأفطر.
"وهي فدية حلق الرأس" المنصوص عليه وقسنا الباقي عليه، "و"هو "تقليم الأظافر وتغطية الرأس واللبس الطيب"، لاستواء الكل في كونه حرم في الإحرام لأجل الترفه فالصوم ثلاثة أيام عند أحمد وأصحابه واختار الآجري: يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وما ذكره من الإطعام ورد في بعض الألفاظ وهو أشهر لأنه أنفع من غيره ككفارة اليمين وعنه نصف صاع همام لأنه ليس بمنصوص عليه فيعتبر بالتمر والزبيب المنصوص كالشعير وظاهره المعذور مثله في التخيير في ظاهر المذهب لأنه تبع للمعذور والتبع لا يخالف أصله ولأن كل كفارة ثبت للتخيير فيها مع العذر ثبت مع عدمه كجزاء الصيد والشرط لجواز الحلق لا التخيير.
"وعنه: يجب الدم" عينا فإن عدمه أطعم فإن تعذر صام "إلا أن يفعله لعذر، فيخير" جزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف لأنه دم يتعلق بمحظور يختص الإحرام كدم يجب بترك رمي ومجاوزة ميقات
"الثاني جزاء الصيد، يخير فيه" نص عليه وقاله الأصحاب لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة: 95] فعطف هذه الخصال بعضها على بعض بـ"أو" المقتضية للتخيير كفدية الأذى واليمين بخلاف كفارة القتل وهدي المتعة لأنها كفارة إتلاف منع منه

بين المثل أو يقومه بدراهم فيشتري بها طعاما فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما وإن كان مما لا مثل له خير بين الإطعام والصيام
ـــــــ
للإحرام أو فيها أجناس كالحلق ولأن الله ذكر الطعام فيها للمساكين فكان من خصالها كغيرها.
فعلى هذا يخير فيه "بين المثل" وسيأتي فإن اختاره ذبحه وتصدق به على المساكين وله ذبحه متى شاء ولا يتصدق به حيا "أو يقومه" أي: المثل "بدراهم فيشتري بها طعاما" نص عليه وقاله الأصحاب لأن كل متلف وجب مثله إذا قوم وجب قيمة مثله كالمثلي في مال الآدمي فعلى هذا يقوم بالموضع الذي أتلفه فيه وبقربه وجزم به القاضي وغيره وجزم آخرون يقوم بالحرم لأنه محل ذبحه وعنه ويقوم مكان إتلافه أو بقربة لا المثل عما لا مثل له والفرق واضح وعنه يجوز له الصدقة بالدراهم ولا يتعين أن يشتري بها طعاما والقيمة ليست مما خير الله فيه والطعام المخرج هو الذي يخرج في فدية الأذى والفطرة والكفارة وقيل بجزيء كل ما يسمى طعاما وجزم به في "الخلاف" وذكره في "المغني" و"الشرح" احتمالا لإطلاق لفظه.
"فيطعم كل مسكين مدا" أي من البر ومن غيره مدان نص عليه والمؤلف أطلق العبارة كالخرقي "أو يصوم عن كل مد يوما" ذكره الخرقي وحكاه في "المغني" رواية لأنها كفارة دخلها الصوم والإطعام مكان اليوم في مقابلة المد ككفارة الظهار وعنه يصوم عن كل نصف صاع يوما وحمل القاضي الأولى على الحنطة والثانية على التمر والشعير إذ الصيام مقابل الإطعام في كفارة الظهار وغيرها فكذا هنا.
وبالجملة فيعتبر كل مذهب على أصله فعندنا من البر مد ومن غيره مدان فرع إذا بقي من الطعام ما لا يعدل يوما صام يوما نص عليه لأنه لا يتبعض ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعضه كبقية الكفارات.
"وإن كان مما لا مثل له خير بين الإطعام والصيام" لأن النص بالتخيير بين الثلاثة فإذا عدم أحدها بقي التخيير ثابتا بين التاليين فإذا اختار الإطعام يوم

وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب فيجب المثل فإن لم يجده لزمه الإطعام فإن لم يجده صام فصل: الضرب الثاني على الترتيب وهو ثلاثة أنواع أحدها دم المتعة والقران فيجب الهدي فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة.
ـــــــ
الصيد لأنه متلف غير مثلي فلزمته قيمته كمال الآدمي فيشتري بها طعاما فيطعمه المساكن وإذا اختار الصيام فعلى ما سبق وظاهره أنه لا يجوز إخراج القيمة في ظاهر نقل حنبل وروى عن ابن عباس ليث له مثل وقيل بلى روى عن عمر وعطاء.
"وعنه: أن جزاء الصيد على الترتيب" نقلها محمد بن عبد الحكم وروي عن ابن عباس وابن سيرين والثوري كالمتعة وهذا أولى منها لأنه يجب بفعل محظور، "فيجب المثل فإن لم يجده لزمه الإطعام فإن لم يجده صام"، كما ذكرنا والصحيح الأول لأن ذلك الترتيب قياس مع وجود النص ونقل الأثرم لا إطعام فيها وإنما ذكره في الآية ليعدل به الصيام لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح وكذا قاله ابن عباس.
فصل
"الضرب الثاني على الترتيب وهو ثلاثة أنواع أحدها دم المتعة والقران فيجب الهدي" في المتعة بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [ البقرة: 196] وفي القران قياسا عليه
"فإن لم يجد الهدي في موضعه" ولو وجده ببلده أو وجد من يقرضه نص عليه لأن وجوبه مؤقت فاعتبرت له القدرة في موضعه كماء الوضوء بخلاف رقبة الكفارة "فصيام ثلاثة أيام في الحج" لما سبق، "والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة"، هذا هو الأشهر عنه وعليه أصحابنا ليكون إثباتها أو بعضها بعد إحرامه بالحج واستحبا صوم عرفة لموضع الحاجة وفيه نظر وأجاب القاضي بأن عدم

وسبعة إذا رجع إلى أهله فإن صامها قبل ذلك أجزأ وإن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى وعنه لا يصومها ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم
ـــــــ
استحباب صومه يختص بالنقل وعليه يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية ليصومها في الحج وعنه الأفضل أن يكون آخرها يوم التروية وفي "المجرد": أنه المذهب روي عن ابن عمر وعائشة لأن صوم يوم عرفة غير مستحب له ولعله أظهر من الأول لأنه يلزم نفسه المخالفة من وجهين ووقت جوازها إذا أحرم بالعمرة نص عليه كالنصاب والحول وعنه بالحل منها وعنه وقبل إحرامها وأنكرها جماعة والمراد في أشهر الحج ونقله الأثرم لأنه أحد نسكي التمتع فجاز تقديمها عليه كالحج وأما وقت وجوبها فوقت وجوب الهدي لأنه بدل كسائر الأبدال.
"وسبعة إذا رجع إلى أهله"، الآية ولأنه ظاهر في الرجوع إلى الأهل وحديث ابن عمر المرفوع: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله" متفق عليه شاهد بذلك وللخروج من الخلاف. " فإن صامها قبل ذلك أجزأ" لأن كل صوم واجب جاز في وطن فاعله جاز في غيره كسائر الفروض فعلى هذا يجوز بعد أيام التشريق نص عليه ومحله إذا كان طاف للزيارة قاله القاضي فيكون المراد من الآية إذا رجعتم من عمل الحج لأنه المذكور ومعتبر لجواز الصوم وتأخيرها إنما كان رخصة وتخفيفا كتأخير رمضان لسفر ومرض ولأنه وجد سببه.
"وإن لم يصم" الثلاثة "قبل يوم النحر صام أيام منى وعنه لا يصومها" والترجيح مختلف قاله في "الفروع". والسبعة لا يجوز صومها في أيام التشريق نص عليه وعليه الأصحاب لبقاء أعمال من الحج.
"ويصوم بعد ذلك عشرة أيام" لوجوب قضائها بفواته كرمضان وسواء قلنا بعدم جواز صومها أو بجوازه ولم يصمها. "وعليه دم" لأنه أخر الواجب عن وقته فلزمه كرمي الجمار فعلى هذا لا فرق بين المؤخر للعذر أو لغيره

وعنه إن ترك الصوم لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه وإن تركه لغير عذر فعليه مع فعله دم وقال أبو الخطاب إن أخر الهدي والصوم لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه وإن أخر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر على روايتين قال وعندي أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال ولا يجب التتابع في الصيام
ـــــــ
وعنه: لا يلزمه وعلله في "الخلاف" بأنه نسك أخره في وقت جواز فعله كالوقوف إلى الليل. وفيه شيء.
"وعنه: إن ترك الصوم لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه" لأن الدم الذي هو المبدل لو أخره لعذر لم يكن عليه دم لتأخيره والبدل أولى.
"وإن تركه لغير عذر فعليه مع فعله دم" فعلى أنه إن صام أيام التشريق على القول بجوازه أنه لا دم عليه جزم به جماعة قال في "الفروع" ولعله مراد القاضي وأصحابه والمستوعب بتأخير الصوم عن أيام الحج.
"وقال أبو الخطاب: إن أخر الهدي" الواجب لعذر مثل أن ضاعت نفقته "أو الصوم لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه" كسائر الهدايا الواجبة وإن "أخر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر؟ على روايتين": إحداهما لا يلزمه شيء زائد كالهدايا الواجبة والثانية يلزمه دم روي عن ابن عباس قال أحمد من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين لأن الدم في المتعة نسك مؤقت فلزم الدم بتأخيره عن وقته كتأخير رمي الجمار عن أيام التشريق.
"قال: وعندي أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال" هذا رواية عن أحمد لأنه صوم واجب يجب القضاء بفواته فلم يجب بفواته دم كصوم رمضان.
"ولا يجب التتابع" ولا التفريق "في الصيام" لا في الثلاثة ولا السبعة نص عليه وفاقا لإطلاق الأمر وذلك لا يقتضي جمعا ولا تفريقا ويشمل ما إذا قضاهما فإنه لا يجب التفريق كسائر الصوم و أوجبه بعض الشافعية وتبعه في "المغني" و"الشرح" بأن وجوب التفريق في الأداء إذا صام أيام منى وأتبعها

ومتى وجل عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه وإن وجب ولم يشرع فيه فهل يلزمه الانتقال على روايتين النوع الثاني المحصر يلزمه الهدي فإن لم يجده صام عشرة أيام ثم حل.
ـــــــ
السبعة ثم إنما كان من حيث الوقت فسقط بفواته كالتفريق بين الصلاتين بخلاف أفعال الصلاة من ركوع وسجود فإنه من حيث الفعل فلم يسقط.
فرع إذا مات ولم يصم فكصوم رمضان نص عليه تمكن منه أم لا
"ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه"، وأجزأه الصوم كما لو وجد الرقبة بعد الشروع في صوم الكفارة وظاهرة أن له الانتقال إلى الهدي لأنه أكمل وفي الفصول تخريج يلزمه الانتقال اعتبارا بالأغلظ في الكفارة والفرق ظاهر لأن المظاهر ارتكب محرما فناسبه المعاقبة بخلاف الحاج فإنه في طاعة فناسبه التخفيف وقيل إن قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصيام لكونه قدر على المبدل في وقت وجوبه فلم يجزئه البدل كما لو لم يصم وعلى المذهب ففرق بينه وبين المتيمم يجد الماء في الصلاة إن قلنا تبطل لأن ظهور المبدل هناك يبطل حكم البدل من أصله ويبطل ما مضى منها وهنا صومه صحيح يثاب عليه.
"وإن وجب ولم يشرع فيه فهل يلزمه الانتقال؟ على روايتين": أحداهما لا يلزمه نقلها المروذي لأن الصوم استقر في ذمته حال وجود السبب المتصل بشرطه وهو عدم الهدي والثانية بلى نقلها يعقوب وهى ظاهر "الوجيز" كالمتيمم يجد الماء.
"النوع الثانى المحصر يلزمه الهدي" إجماعا وسنده قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] "فإن لم يجده صام عشرة أيام: لأنه دم واجب فكان ذلك بدله كدم المتعة " ثم حل" نقله الجماعة وظاهره أنه لا يحل قبل ذلك وفيه خلاف يذكر وأنه لا إطعام فيه وهو الأشهر.

الثالث فدية الوطء يجب به بدنة فإن لم يجدها صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع كدم المتعة لقضاء الصحابة به وقال القاضي إن لم يجد البدنة أخرج بقرة فإن لم يجد فسبعا من الغنم فغن لم يجد أخرج بقيمتها طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما وظاهر كلام الخرقي أنه مخير بين هذه الخمسة فبأيها كفر أجزأه
ـــــــ
وعنه بلى قال الآجري إن عدم الهدي مكانه قومه طعاما وصام عن كل مد يوما وحل.
"الثالث: فدية الوطء يجب به بدنة"، نص عليه لقول الصحابة وكسائر المحظورات. "فإن لم يجدها صام عشر أيام ثلاثة في الحج وسبعة أذا رجع كدم المتعة لقضاء الصحابة به" وقد تقدم وروى الأثرم أن العبادلة أفتوا به. "وقال القاضي: إن لم يجد البدنة أخرج بقرة"، لأنها تشاركه في الهدي والأضاحي وقد روى أبو الزبير عن جابر قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة فقال وهل هي إلا من البدن. "فان لم يجد فسبعا من الغنم"، لقيامها مقامها في الأضاحي "فان لم يجد أخرج بقيمتها" أي: قيمة البدنة "طعاما، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما" كجزاء الصيد في أنه لا ينتقل إلى الإطعام مع وجود المثل ولا إلى الصيام مع القدرة على الإطعام وهذا رواية والمذهب خلافها وما تقدم صريح في الترتيب وأنه لا ينتقل إلى خصلة ألا عند تعذر التي قبلها.
"وظاهر كلام الخرقى أنه مخير بين هذه الخمسة، فبأيها كفر أجزأه"، لأنها كفارة تجب بفعل محظور فكان مخيرا فيها كفدية الأذى وعلله ابن المنجا فقال بعضها قريب من بعض وذكر في "النهاية" أن منشأ الخلاف بين الخرقى والقاضي أن الوطء هل هو من قبيل الاستمتاعات أو الاستهلاكات فإن كان الأول فهي على التخيير كالطيب وأن كان الثاني فهي على الترتيب كقتل الصيد فإن كفارته على الترتيب على الصحيح وفيه شيء وقد عورض المؤلف فيما نقله عن الخرقى فإنه لم يصرح في "مختصره" إلا بإجزاء سبع من

ويجب بالوطء في الفرج بدنة إن كان في الحج وشاة إن كان في العمرة ويجب على المرأة مثل ذلك إن كانت مطاوعة وإن كانت مكرهة فلا فدية عليها وقيل يلزمها
ـــــــ
الغنم مع وجود البدنة واعتذر عنه في "الشرح" بأن يكون بعض الأصحاب نقله عنه في غير كتابه وفيه بحث
تنبيه ما ذكره المؤلف من الانتقال إلى الصوم إذا عدم البدنة هو الصحيح من المذهب واعترضه ابن المنجا وقال لم يجده قولا لأحمد ولا لأحد من الأصحاب، وأورد عليه ما ذكره في "المغني" في المحرم إذا جامع فإنه يفسد حجهما وعليه بدنة وعلى المجامع أخرى روى عن ابن عباس فإن لم يجد فشاة وبان المروى عن العبادلة إنما هو إذا عدم الهدي لأنه لا يقال لمن عدم البدنة عدم الهدي لأنه قد يجد بقرة أو شاة وفيه نظر لأنه نص على البدنة تبعا للمروى عن بعض الصحابة وبان البقرة قائمة مقامها والسبع من الغنم كذلك.
"ويجب بالوطء في الفرج بدنة إن كان في الحج"، لقول ابن عباس "وشاة إن كان في العمرة"، لأنها أحد النسكين فوجب أن يجب بالوطء فيها شيء كالآخر وإنما كان شاة لأن حكم العمرة أخف.
"ويجب على المرأة مثل ذلك" أي مثل ما على الرجل "إن كانت مطاوعة" نقله الجماعة وروي عن ابن عباس وجمع لوجود الجماع منهما بدليل الحد ولأنهما اشتركا في السبب الموجب كما لو قتلا رجلا وكنفقة القضاء ولأنه آكد من الصوم وعنه يجزئهما هدي واحد لأنه جماع واحد وعنه لا فدية عليها ذكرها وصححها جماعة لأنه لا وطء منها وكالصوم.
"وإن كانت مكرهة فلا فدية عليها" نص عليه لقوله عليه السلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، ولأنه لا يضاف إليه الفعل وكالصوم وعنه: يلزمها، كالمطاوعة. "وقيل" هذا رواية عن أحمد: "يلزمها

كفارة يتحملها الزوج عنها
ـــــــ
كفارة" لحصول الوطء "يتحملها الزوج عنها" لأن الإفساد منه فوجب أن يلزمه كإفساد حجه وكنفقة القضاء نقل الأثرم على الزوج حملها ولو طلقت وتزوجت بغيره ويخير الزوج الثاني على أن يدعها وأغرب في الروضة فقال المكرهة يفسد صومها ولا يلزمها كفارة ولا يفسد حجها وعليها بدنة

فصل
الضرب الثالث الدماء الواجبة للفوات أو لترك واجب أو المباشرة في غير الفرج فما أوجب منه بدنة فحكمها حكم البدنة الواجبة بالوطء في الفرج وما عداه فقال القاضي ما وجب لترك واجب ملحق بدم المتعة وما وجب للمباشرة ملحق بفدية الأذى
ـــــــ
فصل
"الضرب الثالث الدماء الواجبة للفوات" أي: فوات الحج وتجب به بدنة في الأصح "أو لترك واجب" كالإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل ونحوها "أو المباشرة في غير الفرج" كما يأتي.
والحاصل: أن الهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين منصوص عليه وهو فدية الأذى وجزاء الصيد ودم الإحصار والمتعة والبدنة الواجبة بالوطء في الفرج لقضاء الصحابة وما سوى ذلك مقيس فأشار المؤلف إلى ذلك فقال فما أوجب منه بدنة كالبدنة الواجبة بالمباشرة فيما دون الفرج "فحكمها حكم البدنة الواجبة بالوطء في الفرج" أي هي مقيسة عليها لأنها بدنة وجبت بسبب في إحرامه أشبهت البدنة الواجبة بالوطء فعلى هذا يجب فان لم يجدها انتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وعلى قول القاضي يجب البدنة ثم بقرة ثم سبع من الغنم ثم قيمة البدنة طعاما ثم بصوم عن كل مد يوما وعلى قول الخرقى يخير فيها.
"وما عداه فقال القاضي ما وجب لترك واجب" كالمبيت بمنى ومزدلفة وطواف الوداع "ملحق بدم المتعة" لأن دم المتعة وجب لترفهه بأحد السفرين فيقاس عليه كل دم واجب لترك واجب.
"وما وجب للمباشرة" كالقبلة واللمس والوطء من العمرة وفي الحج بعد رمي جمرة العقبة "ملحق بفدية الأذى" لأنه في معناه فيقاس عليه وأما الشاة الواجبة

ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة وإن لم ينزل فعليه شاة وعنه بدنة وإن كرر النظر فأنزل أو استمنى فعليه دم وهل هو بدنة أو شاة على روايتين وإن فدى بذلك فعليه شاة.
ـــــــ
فيخير فيها كما يخير في فدية الأذى للترفه.
"ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة" وقد تقدم. "وان لم ينزل فعليه شاة" جزم به في "الخرقى" و"الوجيز" واختاره جمع منهم المؤلف لأنه هتك إحرامه بالفعل المذكور كالطيب "وعنه: بدنه" نصره القاضي وأصحابه كالوطء والأول أصح وسواء مذى أو لم يمذ واللمس لشهوة كالقبلة فيما ذكرنا لكونه استمتاعا يلتذ به
"وإن كرر النظر فانزل" أي: أمنى "أو استمنى فعليه دم" لأنه هتك إحرامه بذلك أشبه ما لو أنزل بالمباشرة "وهل هو بدنة؟" قدمه في "المحرر" ونص عليه فيما أذا أمنى بتكرار النظر واختاره الخرقى ونصره القاضي وأصحابه لأنه من دواعى الجماع كالقبلة "أو شاة؟" جزم به في "الوجيز" لأنه أنزال بفعل محظور فوجبت كالإنزال باللمس "على روايتين" هما قولان لابن عباس وإن مذى بذلك أي بتكرار النظر أو الاستمناء "فعليه شاة" ذكره أبو الخطاب وجزم به في "الشرح" و"المحرر" وقدمه في "الفروع" لأنه جزء من المنى لكونه خارجا بسبب الشهوة ولأنه حصل به لذة فهو كاللمس.
وفي "الروضة" و"المستوعب" أو مذى بنظرة فكذلك وظاهر كلام الأكثر خلافه وفي "الكافي": لا فدية بمذي بتكرار نظر وجزم به في "الوجيز" قال في "الفروع" فيتوجه منه تخريج ولا هدي بغيره وجزم به الآدمى إن مذى باستمتاعه وذكر القاضي رواية يفدى بمجرد النظر أنزل أو لا ومراده إن كرره وأخذها من نقل الأثرم فيمن جرد امرأته ولم يكن التجريد عليه شاة وحمله في "المغني" و"الشرح" على أنه لمس فإن التجريد لا يخلو عن لمس ظاهر أو أنه أمنى أو أمذى إذ مجرده لا شيء فيه لأنه عليه السلام كان

وإن فكر فأنزل فلا فدية عليه.
فصل
ومن كرر محظورا من جنس مثل أن حلق ثم حلق أو وطئ ثم وطئ قبل التكفير عن الأول فكفارة واحدة وإن كفر عن الأول لزمه للثاني كفارة.
ـــــــ
ينظر إلى نسائه وهو محرم، وكذلك أصحابه.
"وإن فكر فأنزل فلا فدية عليه"، لقوله عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به" متفق عليه، ولأنه يعرض للمرء أرادة ولا اختيار لأنه دون النظر وقال أبو حفص البرمكي وابن عقيل حكمه حكم تكرار النظر إذا اقترن به الإنزال لقدرته وفيه شيء.
تنبيه: لم يتعرض المؤلف هنا لذكر النسيان وذكره في مفسدات الصوم والمذهب لا فرق بين العامد والناسي وقيل لا لأن الوطء لا يتطرق إليه نسيان غالبا ويفسد العبادة أي الصوم بمجرده والجاهل والمكره كالناسي والمرأة كالرجل مع سهوه
فصل
"ومن كرر محظورا من جنس مثل أن حلق ثم حلق أو وطئ ثم وطئ قبل التكفير عن الأول فكفارة واحدة" نص عليه وقاله الأصحاب سواء تابعه وإن كفر عن الأول لزمه للثاني كفارة أو فرق أو وطئها أو غيرها فظاهره لو قلم خمسة أظفار في خمسة روينا لزمه دم قاله القاضي وعلله بأنه لما بنيت الجملة فيه على الجملة في تداخل الفدية كذا الواحد على الواحد في تكميل الدم ولأن ما تداخل متتابعا تداخل متفرقا كالأحداث والحدود ولأنه تعالى أوجب في حلق الرأس فدية ولم يفرق.
"وإن كفر عن الأول لزمه للثاني كفارة"، لأنه صادف إحراما فوجبت كالأول ويعتبر بالحدود والأيمان وعنه لكل وطء كفارة لأنه سبب لها كالأول فيطرد في

وإن قتل صيدا بعد صيد فعليه جزاؤهما وعنه عليه جزاء واحد وإن فعل محظورا من أجناس فعليه لكل واحد فداء وعنه عليه فدية واحدة.
ـــــــ
غيره عنه وإن تعدد سبب المحظور فلبس للحر ثم للبرد ثم للمرض فكفارات وإلا فواحدة وقال ابن أبي موسى إذا لبس وغطى رأسه متفرقا فكفارتان وإن كان في وقت واحد فروايتان.
"وإن قتل صيدا بعد صيد فعليه جزاؤهما" نقله الجماعة وهو المذهب لأن الآية تدل على أن من قتل صيدا لزمه مثله ومن قتل أكثر لزمه مثل ذلك ولأنه لو قتل صيودا معا تعدد الجزاء فكذا متفرقا بل أولى ولأنها كفارة قتل كقتل الآدمي أو بدل متلف كبدل مال الآدمي.
"وعنه: عليه جزاء واحد" لقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] ولم يوجب جزاء ثانيا ولأنه محظور أشبه غيره ونقل حنبل لا تتعدد إن لم يكفر عن الأول ونقل أيضا إن تعمد قتله ثانيا فلا جزاء وقاله جمع من السلف والصحيح الأول لأن ذكر العقوبة في الثاني لا يمنع الوجوب لقوله: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] وللعامد ما سلف وأمره إلى الله بل وقياسه على غيره لا يصح لأن جزاء الصيد مقدر به ويختلف بكبره وصغره بخلاف غيره.
"وإن فعل محظورا من أجناس" كحلق ولبس وطيب، "فعليه لكل واحد فداء" نص عليه وهو المشهور لأنها مختلفة فلم تداخل كالحدود المختلفة وسواء فعل ذلك مجتمعا أو متفرقا "وعنه: عليه فدية واحدة" لأنه فعل محظور فلم يتعدد كالجنس الواحد وفيه نظر وعنه إن كانت في وقت واحد وإلا فلكل واحد كفارة وقاله إسحاق واختاره أبو بكر قال القاضي وابن عقيل لأنها أفعال مختلفة وموجباتها مختلفة كالحدود المختلفة وقيل إن قرب الوقت لم يتعدد الفداء وإلا تعدد ومحل الخلاف فيما إذا كانت المحظورات تتحد كفارتها فإن تعددت فلا تداخل

وإن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيدا عامدا أو مخطئا فعليه الكفارة وعنه في الصيد لا كفارة إلا في العمد ويتخرج في الحلق مثله وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا فلا كفارة فيه.
ـــــــ
"وإن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيدا عامدا أو مخطئا، فعليه الكفارة" نص عليه وعليه الأصحاب لأنه إتلاف فاستوى عمده وسهوه كإتلاف مال الآدمي ولأن الله أوجب الفدية على من حلق لأذى به وهو معذور فدل على وجوبها على معذور بنوع آخر وقال الزهري تجب الفدية على من قتل الصيد متعمدا بالكتاب ومخطئا بالسنة قال الشافعي أنبأنا سعيد عن ابن جريج قلت لعطاء فمن قتله خطأ أيغرم قال نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن وقال عمر ليحكم عليه في الخطأ والعمد رواه النجاد.
"وعنه في الصيد: لا كفارة إلا في العمد" وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير واختاره أبو محمد الجوزي لظاهر الآية ولأن الأصل براءة الذمة فلا يشغلها إلا بدليل وجوابه أنه عليه السلام أوجب فيه الجزاء وفي بيضه ولم يفرق وأجاب القاضي عن الآية بأنها حجة لنا من وجه لأنها تقتضي أن من نسي الإحرام فقتل الصيد متعمدا لزمه الجزاء وعندهم لا يلزمه وخص العمد بالذكر لأجل الوعيد في آخرها ولأن ما سبق أخص والقياس يقتضيه وحكي عن مجاهد والحسن يجب الجزاء في الخطأ والنسيان دون العمد وهو غريب
"ويتخرج في الحلق مثله" هذا وجه وهو رواية مخرجة من قتل الصيد أي لا تجب الكفارة إلا في العمد لعموم "إن الله تجاوز"، ولأنه محرم بسبب في إحرامه أشبه الصيد وقصر المؤلف التخريج في الحلق وحده وليس كذلك بل الثاني مثله
فرع المكره عندنا كالمخطئ وذكر المؤلف أنه لا يلزمه وإنما هي على المكره وجزم به ابن الجوزي.
"وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا أو جاهلا أو مكرها فلا كفارة فيه" نقله الجماعة وهو ظاهر المذهب لما روى ابن ماجه بإسناد جيد عن ابن عباس

وعنه: عليه الكفارة ومن رفض إحرامه ثم فعل محظورا فعليه فداؤه ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامة ذلك في إحرامه
ـــــــ
مرفوعا: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" قال عبد الحق الاشبيلي رويته بالإسناد المتصل إلى ابن عباس وذكره وعن يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فأمره بخلعها وغسله ولم يأمره بفدية ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
"وعنه: عليه الكفارة" نصرها القاضي وأصحابه لأنه فعل جريمة الإحرام فاستوى عمده وسهوه كقتل الصيد والحلق والفرق بأن الحالق وما في معناه لا يمكن تلافي ما فعله بخلاف اللابس والمتطيب والمغطي رأسه فإنه يمكنه ذلك بإزالته وفيه نظر لأن ما مضى لا يمكن تلافيه وظاهره أن العمد محل وفاق لكن عمد الصبي ومن زال عقله بعد إحرامه خطأ وأنه لا فرق بين القليل والكثير.
"ومن رفض إحرامه" أي: قطع منه النسك "ثم فعل محظورا فعليه فداؤه" لأن حكم الإحرام باق لأنه لا يفسد بالرفض وفاقا لكون أن الحج عبادة لا يخرج منه بالفساد بخلاف سائر العبادات فعلى هذا يجب عليه كفارة ما فعله في المحظور لأنه صادف الإحرام كفعله على غير وجه الرفض وعنه كفارة واحدة ذكرها في "المستوعب"، وظاهره أنه لا شيء عليه لرفضه وقطع به في "المغني" و"الشرح" لأنه مجرد نية لم تفد شيئا وفي "الترغيب" وقدمه في "الفروع": يلزمه دم لرفضه وعلم منه أنه لا يفسد الإحرام بالجنون والإغماء وذكر ابن عقيل وجهين وفي "مفرداته": مبناه على التوسعة وسرعة الحصول فلهذا لو أحرم مجامعا انعقد وحكمه كالصحيح.
"ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامة ذلك في إحرامه"، لحديث عائشة وظاهره أنه إذا كان في يده لم يكن له استدامته لكن في "المغني" و"الشرح": إن طيب ثوبه له لبسه ما لم ينزعه عنه لأن الإحرام يمنع من ابتداء الطيب دون استدامته وفيه نظر لأنه لم يرد في الشرع ما يقتضي جواز استدامة لبس المطيب.

وليس له لبس ثوب مطيب وإن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه فإن استدام لبسه فعليه الفدية وإن لبس ثوبا كان مطيبا وانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إذا رش فيه ماء هاج ريح الطيب منه فعليه الفدية.
ـــــــ
"وليس له لبس ثوب مطيب" أي: بعد إحرامه لقوله: "لا تلبسوا شيئا من الثياب مسه ورس أو زعفران". "وإن أحرم وعليه قميص" أو سراويل أوجبة ولو عبر بـ"المخيط" لعم "خلعه ولم يشقه" لحديث يعلى ولو وجب شقها أو وجب عليه فدية لأمره بها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولما في الشق من إضاعة المال المنهي عنه شرعا.
"فإن استدام لبسه فعليه الفدية"، لأن خلعه واجب للأمر به فوجبت الفدية كما لو حلق رأسه ولأن استدامة اللبس تسمى لبسا لقولهم لبست شهرا لا يقال قد أمره بغسل الطيب لأنه قد ورد ما يقتضي استدامة الطيب دون لبسه لأن حديث عائشة راجح على حديث صاحب الجبة من وجهين أحدهما: أن في بعض ألفاظه: "عليه جبة بها أثر الخلوق" وفي بعضها: "وهو متضمخ بالخلوق" وفي بعضها: "عليه ردع من زعفران"، فيدل على أن الطيب كان من زعفران وهو منهي عنه في غير الإحرام ففيه أولى لنهيه عليه السلام عنه الثاني أنه كان سنة ثمان عام الجعرانة وحديث عائشة سنة عشر فهو متأخر والحكم له.
"وإن لبس ثوبا كان مطيبا وانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إذا رش فيه ماء هاج ريح الطيب منه، فعليه الفدية" لأنه مطيب بدليل أن رائحته تظهر عند رش الماء ظاهرا لا رائحة له أشبه ما لو ظهر بنفسه ومقتضاه أنه لا فدية عليه إذا لم يظهر ريحه لأنه ليس بطيب الآن أشبه الذي لم يتطيب أصلا.
تنبيه القارن كغيره نص عليه وقاله الأكثر لظاهر الكتاب والسنة لأنهما حرمتان كحرمة الحرم وحرمة الإحرام واختار القاضي أنه إحرامان وهو ظاهر كلام أحمد لأنه شبهه بحرمة الحرم وحرمة الإحرام لأن نية النسك ونية الحج غير نية العمرة واختار جمع أنه إحرام واحد كبيع دار وعبد صفقة واحدة وعنه يلزمه بفعل المحظور جزاءان ذكرها في "الواضح". وذكر القاضي تخريجا:

فصل:
وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم إلا فدية الأذى واللبس ونحوها إذا وجد سببها في الحل فيفرقها حيث وجد سببها.
ـــــــ
إن لزمه طوافان وسعيان وخصها ابن عقيل بالصيد كما لو أفرد كل واحد بإحرام والفرق ظاهر وكما لو وطئ وهو محرم صائم
فصل:
"وكل هدي أو إطعام" متعلق بالحرم أو الإحرام "فهو لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم"، لقوله تعالى: { هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وقوله: { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] ويجب نحره بالحرم ويجزئ جميعه قال أحمد مكة ومنى واحد واحتج الأصحاب بما رواه أحمد وغيره في رواية أسامة بن زيد التي عن جابر مرفوعا: "كل فجاج مكة طريق ومنحر" . وفي "الفروع": توجيه: لا ينحر في الحج إلا بمنى ولا في العمرة إلا بمكة ويجب تفرقة لحمه بالحرم أو إطلاقه لمساكينه لأنه مقصود كالذبح والتوسعة عليهم مقصودة فلو سلمه للفقراء سليما فذبحوه أجزأ وإلا استرده ونحره فإن أبى أو عجز ضمنه والطعام كالهدي لقول ابن عباس الهدي والإطعام بمكة ولأنه نسك يتعدى نفعه إلى المساكين فاختص بهم كالهدي.
ومساكين الحرم من له أخذ الزكاة مقيما كان أو مجتازا من الحاج وغيرهم فإن بان بعد الدفع غناه فكالزكاة وما جاز تفريقه لم يجز دفعه إلى فقراء الذمة كالحربي وهل يجوز أن يغدي المساكين أو يعشيهم إن جاز في كفارة اليمين فيه احتمالان فإن تعذر إيصاله إلى فقراء الحرم فالأظهر أنه يجوز ذبحه وتفريقه في غيره لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
"إلا فدية الأذى واللبس ونحوها" كالتقليم والطيب "إذا وجد سببها في الحل فيفرقها حيث وجد سببها" لأنه عليه السلام أمر كعبا بها بالحديبية وهي في

ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر وأما الصيام فيجزئه بكل مكان وكل دم ذكرناه يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة
ـــــــ
الحل واشتكى الحسين بن علي رأسه فحلقه علي ونحر عنه جزورا بالسقيا رواه مالك وعن أحمد في الحرم وقاله الخرقي في غير الحلق لأنه الأصل خولف فيه لما سبق واعتبر في "المجرد" و"الفصول" العذر في المحظور وإلا فغير المعذور كسائر الهدي وعنه في جزاء الصيد حيث قتله كحلق الرأس وهي ضعيفة لمخالفة الكتاب.
فرع: وقت ذبحه حين فعله وله الذبح قبله لعذر ككفارة قتل الآدمي.
"ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر" من حل أو حرم نص عليه لأنه عليه السلام لما أحصر هو وأصحابه بالحديبية نحروا هديهم وحلوا ولأنه موضع تحلله فكان موضع ذبحه كالحرم لكن إن كان قادرا على أطراف الحرم فوجهان وعنه ليس للمحصر نحر هديه إلا في الحرم فيبعثه إلى الحرم ويواطئ رجلا على نحره في وقت تحلله روي عن ابن مسعود لأنه أمكنه النحر في الحرم أشبه ما لو حصر فيه وحمله في "المغني" على ما إذا كان حصره خاصا وأما الحصر العام فلا وقوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وقوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] في حق غير المحصر ولا يمكن قياسه عليه لأن تحلل المحصر من الحل وتحلل غيره من الحرم فكل ينحر في موضع تحلله.
"وأما الصيام" والحلق وهدي تطوع ذكره القاضي وغيره وما سمي نسكا "فيجزئه بكل مكان" لا نعلم فيه خلافا لقول ابن عباس الصوم حيث شاء لعدم تعدي نفعه ولا معنى لتخصيصه بمكان بخلاف الهدي.
"وكل دم ذكرناه يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة"، لقوله تعالى: { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] البقرة قال ابن عباس شاة أو شرك في دم وفسر عليه السلام النسك في خبر كعب بذبح شاة والباقي مقيس فإن اختار ذبح بدنة أو بقرة فهو أفضل لأنه أوفر لحما وأنفع للفقراء ويلزمه كلها اختاره ابن عقيل كما لو اختار

ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة
ـــــــ
الأعلى من خصال الكفارة وقيل سبعها والباقي له أكله والتصرف فيه كذبح سبع شياه وهو كالأضحية نص عليه فلا يجزئ ما لا يضحى به.
"ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة"، لقول جابر كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة فقال وهل هي إلا من البدن رواه مسلم وبعكسها وظاهره ولو كانت منذورة ونصره جماعة وقال القاضي وأصحابه يلزمه ما نواه وإن أطلق فروايتان إحداهما يجزئه بقرة والثانية يجزئه مع عدم البدنة لأنها بدل قال المؤلف والأول أولى فإن كانت جزاء صيد أجزأت أيضا وقيل لا لأنها لا تشبه النعامة ويجزئ عنها سبع شياه ذكره الأصحاب لأنها معدولة بسبع بدنة وهي دم كامل وأطيب لحما وعنه عند عدمها لأنها بدل وعنه لا يجزئ إلا عشر شياه لقول رافع كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل في قسم الغنم عشرا من الشياه ببعير رواه النسائي بإسناد جيد قال الخلال والعمل على الأول ومن لزمه سبع شياه أجزأه بدنة أو بقرة ذكره في "الكافي"، لإجزائهما عن سبعة وذكر جماعة إلا في جزاء الصيد وفي "المغني": أنه الظاهر لأن الغنم أطيب والبقرة كالبدنة في إجزاء سبع شياه عنها.

باب جزاء الصيد
ـــــــ
باب جزاء الصيدوهو واجب لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية [المائدة: 95] فـ"جزاء": مبتدأ خبره محذوف أي فعليه جزاء ومن نون "جزاء" وقرئ به في السبعة فـ"مثل" صفة و"من النعم" صفة أخرى له. ويجوز أن يكون "مثل" بدلا. وقرئ شاذا بنصب "مثل" أي: يخرج مثل لأن الجزاء يتعدى بحرف الجر وقرئ بإضافة الجزاء إلى "مثل" فيكون في حكم الزائد كقولهم مثلك لا يبخل ويجوز أن يتعلق "من النعم" بقوله: "فجزاء" إن نصبت

وهو ضربان أحدهما ماله مثل من النعم فيجب فيه مثله وهو نوعان أحدهما قضت به الصحابة ففيه ما قضت ففي النعامة بدنة وفي حمار الوحش وبقرته والإيل والثيتل والوعل بقرة
ـــــــ
"مثلا" لعمله فيهما لأنهما من صلته لا إن رفعته لأن ما يتعلق به من صلته ولا يفصل بين الصلة والموصول بصفة أو بدل ويجوز تعلقه به إن أضفته ويجوز جعله حالا من الضمير في "قتل"، لأن المقتول يكون من النعم و"يحكم به" صفة لـ"جزاء" إذا نونته وإذا أضفته ففي موضع حال عاملها معنى الاستقرار المقدر في الخبر المحذوف.
"وهو ضربان أحدهما ماله مثل من النعم" ليس المراد به حقيقة المماثلة فإنها لا تتحقق بين الأنعام والصيد وإنما أريد بها من حيث الصورة "فيجب فيه مثله" نص عليه "وهو نوعان: أحدهما: قضت به الصحابة" ليس المراد به كلهم "ففيه ما قضت" لقوله عليه السلام "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ولقوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" رواه أحمد والترمذي وصححه وعن حذيفة مرفوعا: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" رواه الترمذي وحسنه. ولأنهم أقرب إلى الصواب وأعرف بمواقع الخطاب فكان حكمهم حجة على غيرهم كالعالم مع العامي.
"ففي النعامة بدنة" حكم به عمر وعثمان وعلي وزيد وأكثر العلماء لأنها تشبه البعير في خلقه فكان مثلا لها فيدخل في عموم النص وجعلها الخرقي من أقسام الطير لأن لها جناحين فيعايا بها فيقال طائر تجب فيه بدنة.
"وفي حمار الوحش" بقرة قضى به عمر وقاله عروة ومجاهد لأنها شبيه به وعنه بدنة وقاله أبو عبيدة وابن عباس "وبقرته" أي: في بقرة الوحش "بقرة"، قضى به ابن مسعود وقاله عطاء وقتادة وعنه لا جزاء لبقرة وحش كجاموس "والإيل" بكسر الهمزة وفتح الياء مشددة الذكر من الأوعال فيه بقرة لقول ابن عباس "والثيتل" هو الوعل المسن "والوعل" هو تيس الجبل وجمعه وعول "بقرة" قال الأصحاب كالإيل وعنه في كل منها بدنة ذكرها في "الواضح"، وفي

وفي الضبع كبش وفي الغزال والثعلب عنز وفي الوبر والضب جدي وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر وفي الأرنب عناق
ـــــــ
"صحاح الجوهري": والوعل: هي الأروى وعن ابن عمر فيها بقرة وهو من أولاد البقر ما بلغ أن يقبض على قرنه ولم يبلغ أن يكون ثورا.
"وفي الضبع كبش"، لما روى أبو داود بإسناده عن جابر قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع؟ فقال: "هو صيد وفيه كبش إذا صاده المحرم" . وروى ابن ماجه والدارقطني عن جابر ونحوه مرفوعا وقضى به عمر وابن عباس وقال الأوزاعي كان العلماء بالشام يعدونها من السباع ويكرهون أكلها قال في "المغني" و"الشرح": وهو القياس إلا أن اتباع السنة والآثار أولى.
"وفي الغزال" عنز قضى به عمر وابن عباس وروي عن علي وقاله عطاء قال ابن المنذر ولا يحفظ عن غيرهم خلافه لأن فيه شبها بالعنز لأنه أجرد الشعر متقلص الذنب "والثعلب عنز" لأنه كالغزال وسبق أن الأشهر يجب فيه الجزاء وإن حرمنا أكله تغليبا للتحريم كما وجب الجزاء في المتولد من المأكول وغيره وعنه فيه شاة لأنه أعظم من الغزال إذا قلنا بإباحته وإلا فلا شيء فيه على المذهب
"وفي الوبر" بسكون الباء دويبة أصغر من السنور طحلاء ولا ذنب لها "والضب" حيوان صغير له ذنب شبيه بالحرذون "جدي" قضى به عمر وعبد الرحمن بن عوف في الضب وعنه شاة وقاله جابر وعطاء والأول أولى لأن الجدي أقرب إليه من الشاة وأما الوبر فبالقياس على الضب. وفي "المغني": فيه شاة وحكاه عن مجاهد وعطاء وقال القاضي فيه جفرة لأنه ليس بأكبر منها.
"وفي اليربوع" قال أبو السعادات هو الحيوان المعروف وقيل هو نوع من الفأر "جفرة" قضى به عمر وابن مسعود وجابر وهي من أولاد المعز "لها أربعة أشهر" قال أبو الزبير هي التي فطمت ورعت
"وفي الأرنب عناق" قضى به عمر ورواه مالك بإسناده عن جابر عنه وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة" رواه الدارقطني.

وفي الحمام وهو كل ما عب وهدر شاة وقال الكسائي كل مطوق حمام النوع الثاني ما لم تقض فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة ويجوز أن يكون القاتل أحدهما.
ـــــــ
والعناق: الأنثى من ولد المعز أصغر من الجفرة.
"وفي الحمام وهو كل ما عب وهدر شاة" حكم به عمر وابنه وعثمان وابن عباس قال الأصحاب هو إجماع الصحابة وليس ذلك على وجه القيمة لما سبق ولاختلاف القيمة بالزمان والمكان والسعر وصفة المتلف ولم يوصف ولم يسألوا عنه مع أن مالكا وافق في حمام الحرم دون الإحرام والقياس يقتضي القيمة في كل طير تركناه في حمام الحرم لما تقدم فيبقى ما عداه على الأصل قلنا وقد روي عن ابن عباس أنه قضى في حمامة حال الإحرام بشاة لأنها حمامة مضمونة لحق الله فضمنت بشاة كحمامة الحرم وقوله كل ما عب بالعين المهملة أي وضع منقاره في الماء فيكرع كما تكرع الشاة ولا يأخذ قطرة قطرة كالدجاج والعصافير وهدر أي صوت وإنما أوجبوا فيه شاة لشبهه في كرع الماء ولا يشرب كبقية الطيور ومن هنا قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي كل طير يعب الماء كالحمام فيه شاة فيدخل فيه الفواخت والقمري والقطا ونحوها لأن العرب تسميها حماما.
"وقال الكسائي: كل مطوق حمام" فعلى هذا: يكون الحجل من الحمام لأنه مطوق
"النوع الثاني: ما لم تقض فيه الصحابة" بشيء "فيرجع فيه إلى قول عدلين"، لقوله تعالى: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وظاهره لا يكفي واحد "من أهل الخبرة"، لأنه لا يتمكن من الحكم بالمثل إلا بها ولاعتبارها بكل ما يحكم به فيعتبران الشبه خلقة لا قيمة لفعل الصحابة وظاهره أنه لا يشترط بقيمته لأنه زيادة على النص.
"ويجوز أن يكون القاتل أحدهما" نص عليه، لظاهر الآية وروي أن عمر أمر

ويجب في كل واحد من الكبير والصغير والصحيح والمعيب مثله إلا الماخض تفدى بقيمة مثلها وقال أبو الخطاب: يجب فيها مثلها
ـــــــ
كعب الأحبار أن يحكم على نفسه في الجرادتين اللتين صادهما وهو محرم ولأنه حق يتعلق به حق آدمي كتقويمه عرض التجارة لإخراجها وكذا يجوز أن يكونا القاتلين وقيده ابن عقيل بما إذا قتله خطأ لأن العمد ينافي العدالة أو جاهلا بتحريمه لعدم فسقه قال في الشرح وعلى قياسه قتله لحاجة أكله
"ويجب في كل واحد من الكبير والصغير والصحيح والمعيب" والذكر والأنثى والحائل "مثله"، للآية ولأن ما ضمن باليد والجناية يختلف ضمانه بذلك كالبهيمة وقياس قول أبي بكر في الزكاة يضمن معيبا بصحيح ذكره الحلواني وخرجه في "الفصول" احتمالا من الرواية هناك وفيها يتعين الكبير أيضا فمثله هنا وجوابه أن الهدي في الآية مقيد بالمثل وقد أجمع الصحابة على إيجاب مالا يصلح هديا كالجفرة والعناق ولا يجري مجرى الضمان بدليل أنها لا تتبعض في أبعاضه لكن إن فدى المعيب بصحيح فهو أفضل بلا نزاع.
"إلا الماخض" أي: الحامل التي دنا وقتها وليس بمراد بل العبرة بالحمل "تفدى بقيمة مثلها" قاله القاضي، وجزم به في "الوجيز" لأن قيمتها أكثر من قيمة لحمها "وقال أبو الخطاب: يجب فيها مثلها" هذا هو المذهب للآية ولأن إيجاب القيمة عدول عن المثل مع إمكانه وذلك خلاف المنصوص وقيل يفدي بحائل لأن هذه الصفة لا تزيد في لحمها كلونها.
تنبيه: إذا جنى على ماخض فألقت جنينها ميتا ضمن نقص الأم فقط كما لو جرحها لأن الحمل من البهائم زيادة وفي "المبهج": إذا صاد حاملا فإن تلف حملها ضمنه وفي "الفصول": يضمنه إن تهيأ لنفخ الروح لأن الظاهر أنه يصير حيوانا كما يضمن جنين امرأة بغرة وإن خرج حيا ثم مات وجب جزاؤه قال في "الشرح": ومثله يعيش وقيل يضمنه مالم يحفظه إلى أن يطير لأنه مضمون وليس بممتنع.

ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى وفداء الذكر بالأنثى وفي فدائها به وجهان فصل الضرب الثاني ما لا مثل له وهو سائر الطير ففيه قيمته إلا ما كان أكبر من الحمام فهل تجب فيه قيمته أو شاة على وجهين وإن أتلف جزءا من صيد فعليه ما نقص من قيمته أو قيمة مثله إن كان مثليا.
ـــــــ
"ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى"، لأنه اختلاف يسير ونوع العيب واحد وإنما اختلف محله ومثله أعرج من قائمة بأعرج من أخرى وظاهره أنه لا يجوز فداء أعور بأعرج وعكسه لعدم المماثلة. "وفداء الذكر بالأنثى" لأن لحمها أطيب وأرطب قال جماعة بل هو أفضل. "وفي فدائها به وجهان" كذا في "الشرح" و"الفروع": أحدهما: يجوز وهو ظاهر "الوجيز" لأن لحمه أوفر وهي أطيب فيتساويان والثاني المنع لأن زيادته ليست من جنس زيادتها أشبه فداء المعيب من نوع آخر وكالزكاة.
فصل
"الضرب الثاني: ما لا مثل له وهو سائر الطير" إذا كان دون الحمام ففيه قيمته لما روى النجاد عن ابن عباس قال ما أصيب من الطير دون الحمام ففيه الدية أي يضمنه بقيمته في موضعه الذي أتلفه فيه كمال الآدمي. "إلا ما كان أكبر من الحمام" كالكركي والإوز والحبارى "فهل تجب فيه قيمته أو شاة على وجهين" كذا في "الشرح" و"الفروع": أحدهما يضمنه بقيمته وهو ظاهر "الوجيز" لأنه القياس تركناه في الحمام لقضاء الصحابة ولا يجوز إخراج القيمة بل طعاما وقيل بلى والثاني يجب شاة روي عن ابن عباس وعطاء وكالحمام بطريق الأولى.
"وإن أتلف جزءا من صيد" أو تلف في يده، "فعليه ما نقص من قيمته" إن لم يكن مثليا لأن ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه كالآدمي فيقوم الصيد سليما ثم مجنيا عليه فيجب ما بينهما بأن كانت قيمته أولاعشرة وثانيا ثمانية فالواجب درهمان. "أو قيمة مثله إن كان مثليا"، هذا هو المجزوم به عند الأكثر لأن الجزء يشق

وإن نفر صيدا فتلف بشيء ضمنه وإن جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه وكذلك إن وجده ميتا ولم يعلم موته بجنايته.
ـــــــ
إخراجه فيمتنع إيجابه ولهذا عدل الشارع في خمس من الإبل إلى الشاة فيقوم المثل سليما بعشرة مثلا ومعيبا بستة فيكون الواجب ستة وظهر بذلك الفرق بين التقويمين لأن المثل قد ينقص شيئا لا ينقص الصيد بقدره وتحقيقه أنه لو جنى على نعامة قيمتها صحيحة عشرون ومقطوعة يدها عشر فالنقصان الربع وإذا نظرت إلى مثلها وهي البدنة فقيمتها مثلا سليمة مائة ومقطوعة يدها خمسون فالنقصان النصف فلو اعتبر نفس الصيد كان الواجب خمسة ولو اعتبر المثل كان الواجب خمسين والوجه الثاني أنه يضمن بمثله لأن ما وجب ضمان جملته بالمثل وجب في بعض مثله كالمكيلات و الأول أولى لأن المشقة هنا غير ثابتة لوجود الخيرة له في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام فينتفي المانع.
"وإن نفر صيدا فتلف بشيء ضمنه" لأن عمر دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه حمام فخرجت حية فقتلته فسأل من معه فحكم عليه عثمان بشاة رواه الشافعي وكذا إن جرحه فتحامل فوقع في شيء تلف به لأنه تلف بسببه أما إن نفره إلى مكان فسكن به ثم تلف فلا ضمان في الأشهر.
"وإن جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه" إذا كان الجرح غير موح لأنا لا نعلم حصول التلف بفعله فنقومه صحيحا وجريحا جراحة غير مندملة فيجب ما بينهما فإن كان سدسه وهو مثلي فقيل يجب سدس مثله وقيل قيمة سدس مثله وقيل يضمن كله فلو كان موحيا وغاب غير مندمل فعليه جزاؤه كقتله وذكر القاضي وأصحابه في كتب الخلاف إذا جرحه وغاب وجهل خبره فعليه جزاؤه لأنه سبب للموت.
"وكذلك إن وجده ميتا ولم يعلم موته بجنايته"، لما ذكرنا وقيل يضمن كله إحالة للحكم على السبب المعلوم كما لو وقع في الماء نجاسة فوجده متغيرا بها وهذا أقيس كنظائره.

وإن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه وإن نتف ريشه فعاد فلا شيء عليه وقيل عليه قيمة الريش وكلما قتل صيدا حكم عليه وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد
ـــــــ
"وإن اندمل" أي: صلح "غير ممتنع فعليه جزاء جميعه" لأنه عطله فصار كتالف وكجرح تيقن به موته وقيل يضمن ما نقص لئلا يجب جزاءان لو قتله محرم آخر فلو جرحه جرحا غير موح فوقع في ماء أو تردى فمات ضمنه كله لتلفه بسببه وعلم منه أن الصيد يضمن مما يضمن به الآدمي من مباشرة أو سبب
"وإن نتف ريشه" أو شعره أو وبره "فعاد" بأن حفظه وأطعمه وسقاه "فلا شيء عليه"، لأن النقص زال أشبه ما لو اندمل الجرح. "وقيل: عليه قيمة الريش"، لأن الثاني غير الأول فإن صار غير ممتنع بنتف الريش فهو كالجرح وإن غاب ففيه ما نقص لا كل الجزاء
"وكلما قتل صيدا حكم عليه" بجزائه لأنه إتلاف فوجب أن يتعدد عليه الحكم بالضمان بتعدد الإتلاف كمال الآدمي والأولى حمل كلامه هنا على ما إذا تعدد قتل الصيد وكان الجزاء مختلفا كالبدنة والبقرة والكبش لأنه لا يمكن تداخله كالحدود وخوفا له من التكرار لأنه سبق ذكر الخلاف فيه
فرع: يجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته نص عليه لأنها كفارة قتل فجاز تقديمها ككفارة قتل الآدمي.
"وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد" هذا هو الصحيح لأنه تعالى أوجب المثل بقتله فلا يجب غيره وهو ظاهر في الواحد والجماعة والقتل هو الفعل المؤدي إلى خروج الروح وهو فعل الجماعة لا كل واحد كقوله من جاء بعبدي فله درهم فجاء به جماعة ولأنه عليه السلام جعل في الضبع كبشا ولم يفرق وهذا قول عمر وابنه وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه ويحتمل التبعيض فكان واحدا كقيم المتلفات. وكذا

وعنه على كل واحد جزاء وعنه إن كفروا بالمال فكفارة واحدة وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة.
ـــــــ
الدية لا كفارة القتل على الأصح فيهما ومتى ثبت إتحاد الجزاء في الهدي ثبت في الصوم للنص. "وعنه: على كل واحد جزاء" اختاره أبو بكر أشبه كفارة قتل الآدمي. "وعنه: إن كفروا بالمال، فكفارة واحدة" لأن المال ليس بكفارة وإنما هو بدل متلف فلم يكمل كالدية. "وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة" نقلها الجماعة ونصرها القاضي وأصحابه وذكرها الحلواني عن الأكثر لأن الصوم كفارة فوجب أن يكمل في حق الفاعل ككفارة قتل الآدمي بدليل أنه تعالى عطف على البدل الكفارة وقيل لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل فيلزم منه عدم لزوم المتسبب مع المباشر وقيل القرار عليه لأنه هو الذي جعل فعل الممسك علة قال في "الفروع": وهذا متوجه وجزم به ابن شهاب أنه على الممسك لتأكده وإن عكسه المال وفيه نظر

باب صيد الحرم ونباته.
وهو حرام على الحلال والمحرم فمن أتلف من صيده شيئا فعليه ما على المحرم في مثله.
ـــــــ
باب صيد الحرم ونباته"وهو حرام على الحلال والمحرم" إجماعا، وسنده ما روى ابن عباس مرفوعا أنه قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا من عرفها" فقال العباس إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم فقال: "إلا الإذخر" متفق عليه ويحرم على دال لا يتعلق به ضمان وعلم منه أن مكة كانت حراما قبل إبراهيم وعليه أكثر العلماء وقيل إنما حرمت بسؤال إبراهيم وفي الصحيحين من غير وجه أن إبراهيم حرمها أي أظهر تحريمها وبينه
"فمن أتلف من صيده شيئا فعليه ما على المحرم في مثله" نص عليه لأنه

وإن رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيدا على غصن في الحرم أصله في الحل أو أمسك طائرا فيه فهلك فراخه في الحرم ضمن في أصح الروايتين وإن قتل من الحرم صيدا في الحل بسهمه أو كلبه أو صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل لم يضمن في أصح الروايتين
ـــــــ
كصيد الإحرام ولاستوائهما في التحريم فوجب أن يستويا في الجزاء فعلى هذا إن كان الصيد مثليا ضمنه بمثله وإلا بقيمته ودل على أن كل ما يضمن من الإحرام يضمن في الحرم إلا القمل فإنه مباح في الحرم بغير خلاف نعلمه لأنه حرم في حق المحرم لأجل الرفه وهو مباح في الحرم كالطيب ونحوه ولا يجوز تملكه نقله الأثرم ذكره القاضي ولا يلزم المحرم جزاءان نص عليه وقيل بلى
فرع: إذا دل محل حلالا على صيد في الحرم فقتله ضمناه بجزاء واحد نقله الأثرم.
"وإن رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيدا على غصن في الحرم أصله في الحل أو أمسك طائرا فيه فهلك فراخه في الحرم ضمن في أصح الروايتين" وهو قول الأكثر لعموم قوله: "لا ينفر صيدها" وقد أجمعوا على تحريم صيد الحرم وهذا من صيده ولأنه أتلفه صيدا حرميا فضمنه كما لو كان في الحرم ولأن صيده معصوم محله بحرمة الحرم فلا يختص من في الحرم وحينئذ يضمن الفراخ دون أمها لأنها من صيد الحل والثانية لا ضمان في ذلك لأن الأصل براءة الذمة إذ القاتل حلال من الحل
"وإن قتل من الحرم صيدا في الحل بسهمه أو كلبه أو صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل لم يضمن في أصح الروايتين"، للعموم ولأن الأصل الإباحة وليس من صيد الحرم فليس بمعصوم والثانية يضمنه اختارها أبو بكر والقاضي وغيرهما اعتبارا بالقاتل ولأنه قريب من الحرم والغصن تابع للأصل فوجب الجزاء احتياطا وقدم في

وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيدا في الحرم فعلى وجهين وإن فعل ذلك بسهمه ضمنه
فصل: ويحرم قطع شجر الحرم وحشيشه
ـــــــ
"المستوعب": يجب ضمان الفرخ لأنه سبب تلفه وإن فرخ في مكان يحتاج إلى نقله عنه بالخلاف
تنبيه: إذا وقف صيد بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم حرم تغليبا وعنه لا لأن الأصل الإباحة ولم يثبت أنه من صيد الحرم وإن كان رأسه فقط فيه فخرجه القاضي على روايتين.
"وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيدا في الحرم فعلى وجهين": أحدهما وهو المنصوص عن أحمد أنه لا يضمن لأنه لم يرسله على صيد في الحرم بل دخل باختياره أشبه ما لو استرسل بنفسه.
والثاني وهو قول أبي بكر عليه الجزاء لأنه قتل صيدا حرميا بإرسال طير عليه أشبه ما لو قتله بسهم وحكى صالح عن أحمد إن كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه لتفريطه اختاره ابن أبي موسى وابن عقيل وجزم به في "الوجيز". فعلى هذا لا يضمن صيدا غيره لأنه لم يرسله عليه كاسترساله وعنه بلى لتفريطه.
"وإن فعل ذلك بسهمه ضمنه" لأنه قتل صيدا حرميا أشبه ما لو رمى حجرا فأصاب صيدا إذ العمد والخطأ واحد في وجوب الضمان وهذا لا يخرج عن واحد منهما وبه فارق الكلب لأن له اختيارا وقصدا وفي "الفروع" إن قتل السهم الذي قصده فكالكلب وقيل يضمنه الرامي
فصل.
"ويحرم قطع شجر الحرم" البري إجماعا وسنده: "ولا يعضد شجرها" فدخل ما فيه مضرة كالشوك والعوسج قاله المؤلف وغيره وقال أكثر أصحابنا لا يحرم لأنه مؤذ بطبعه كالسباع "وحشيشه" لقوله: "لا يختلى خلاها" قال أحمد للفضل

إلا اليابس والإذخر وما زرعه الآدمي وفي جواز الرعي وجهان
ـــــــ
ابن زياد لا يحتش من حشيش الحرم ويعم الأراك والورق "إلا اليابس"، لأنه بمنزلة الميت وفيه احتمال لظاهر الخبر وكذا ما انكسر ولم يبن فإنه كظفر منكسر ولا بأس بالانتفاع بما زال بغير فعل آدمي نص عليه لأن الخبر في القطع.
"والإذخر"، لقوله عليه السلام للعباس: "إلا الإذخر" ويلحق به الكمأة والثمرة "وما زرعه الآدمي"، لأن في تحريمه ضررا على من زرعه وهو منفي شرعا فيحتمل اختصاصه بالزرع من البقل والرياحين والزرع قال ابن المنجا وهو ظاهر كلامه لأنه المفهوم من إطلاق الزرع وفيه شيء لأنه يلزم منه المنع فيما أنبته الآدمي من الشجر وهو خلاف الراجح وهذا إجماع على إباحته فعلى هذا لا يباح ما أنبته الآدمي من الأشجار وجزم ابن البنا في خصاله بالجزاء للنهي عن قطع شجرها وكما لو نبت بنفسه.
وقال القاضي: إن أنبته في الحرم أولا ففيه الجزاء وإن أنبته في الحل ثم غرسه في الحرم فلا.
وفي "المغني" و"الشرح": أن ما أنبته من جنس شجرهم لا يحرم كجوز ونخل كالزرع والآهل من الحيوان فإنا إنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله إنسيا دون ما تأنس من الوحش كذا هنا وفيه نظر ويحتمل العموم في كل ما أنبته الآدمي فيعم الأشجار وهذا هو الذي نقله المروذي و أبو طالب وغيرهما وجزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف لأنه أنبته آدمي ولأنه مملوك الأصل كالأنعام والجواب عن النهي بأن شجر الحرم هو ما أضيف إليه ولا يملكه أحد وهذا مضاف إلى مالكه فلا يعمه الخبر.
"وفي جواز الرعي" أي: رعي حشيشه "وجهان" وذكر أبو الحسين وجماعة أنهما روايتان المنع نصره القاضي وابنه وجزم به أبو الخطاب وابن البنا في كتب الخلاف لأن ما حرم إتلافه بنفسه حرم أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد وعكسه الإذخر والثانية الجواز اختاره أبو حفص العكبري لأن الهدايا كان

ومن قلعه ضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والحشيش بقيمته والغصن بما نقص فإن استخلف سقط الضمان في أحد الوجهين
ـــــــ
تدخل الحرم فتكثر فيه فلم ينقل شد أفواهها وللحاجة إليه كالإذخر وفي "تعليق القاضي": الخلاف إن أدخلها للرعي فإن أدخلها لحاجته فلا ضمان وفي "المستوعب": إن احتشه لها فكرعيه.
"ومن قلعه" أي: شجر الحرم وحشيشه، "ضمن" نقله الجماعة وقاله الأكثر "الشجرة الكبيرة ببقرة" جزم به جماعة لما روي عن ابن عباس في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة وقاله عطاء والدوحة الشجرة العظيمة والجزلة الصغيرة وكالمتوسطة وعنه في الكبيرة بدنة. "والحشيش" والورق "بقيمته" نص عليه لأن الأصل وجوب القيمة ترك فيما تقدم لقضاء الصحابة فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل.
"والغصن ما نقص" كأعضاء الحيوان ولأنه نقص بفعله فوجب فيه ما نقصه كما لو جنى على مال آدمي فنقص وعنه في الغصن الكبير شاة وعنه يضمن الجميع بقيمته جزم به في "المحرر".
فعلى هذا: إذا لم يجد المثل قومه ثم صام نقله ابن القاسم وفي الوجيز يخير بينها وبين تقويمها ويفعل بثمنها كجزاء صيد وفي الفصول من لم يجد قوم الجزاء طعاما كصيد.
"فإن استخلف سقط الضمان في أحد الوجهين" هو المذهب كما لو قطع شعر آدمي ثم نبت والثاني لا يسقط لأن الثاني غير الأول فهو كما لو حلق المحرم شعرا ثم عاد ولا يجوز الانتفاع بالمقطوع نص عليه كالصيد وقيل ينتفع به غير قاطعه لأنه لا فعل له فيه فهو كقلع الريح له.
تنبيه إذا قلع شجرة من الحرم فغرسها فيه فنبتت فلا ضمان لأنه لم يتلفها ولم يزل حرمتها فإن نقصت ضمن نقصها أو يبست ضمنها لأنه أتلفها وإن غرسها في الحل فنبتت ردها لإزالة حرمتها فإن تعذر أو يبست ضمنها.

ومن قطع غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه وإن قطعه في الحرم وأصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين
ـــــــ
وإن قلعها غيره في الحل فقال القاضي يضمنه وحده لأنه أتلفها بخلاف من نفر صيدا فخرج من الحرم ضمنه المنفر لا قاتله لتفويته حرمته بإخراجه ويحتمل فيمن قلعه أنه كدال مع قاتل فظهر منه أنه لو رد إلى الحرم لم يضمنه وأنه يلزمه رده وإلا ضمنه.
"ومن قطع غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه" لأنه تابع لأصله وكذا لو كان بعض الأصل من الحرم تغليبا للحرمة، كالصيد. "وإن قطعه في الحرم وأصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين" اختاره القاضي وجزم به في "الوجيز" لأنه تابع لأصله.
والثاني: يضمنه اختاره ابن أبي موسى لأنه في الحرم. وأطلقهما في "المحرر" و"الفروع".
فائدة: لم يذكر المؤلف حد الحرم وهو من طريق المدينة ثلاثة أميال عن بيوت السقيا ومن اليمن سبعة أميال عند إضاءة لين ومن العراق كذلك على ثنية زحل جبل بالمنقطع ومن الطائف وعرفات وبطن نمرة كذلك عند طرف عرنة ومن الجعرانة تسعة أميال ومن جدة عشرة أميال عند منقطع الأعشاش، ومن بطن عرنة أحد عشر ميلا.
مسألة: قال أحمد لا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل من الحل كذلك قال ابن عمر وابن عباس ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحل والخروج أشد واقتصر في "الشرح" على الكراهة وقال بعض أصحابنا يكره إخراجه إلى الحل وفي إدخاله في الحرم روايتان وفي "الفصول": لا يجوز في تراب الحل والحرم نص عليه وفيها يكره أيضا في تراب المسجد كتراب الحرم وظاهر كلام جماعة يحرم لأن في تراب المسجد انتفاعا بالموقوف في غير جهته ولهذا قال أحمد فإن أراد أن يستشفي بطيب الكعبة لم يأخذ منه شيئا ويلزق عليها طيبا من عنده ثم يأخذه.
منه.
"ومن قطع غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه" لأنه تابع لأصله وكذا لو كان بعض الأصل من الحرم تغليبا للحرمة، كالصيد. "وإن قطعه في الحرم وأصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين" اختاره القاضي وجزم به في "الوجيز" لأنه تابع لأصله.
والثاني: يضمنه اختاره ابن أبي موسى لأنه في الحرم. وأطلقهما في "المحرر" و"الفروع".
فائدة: لم يذكر المؤلف حد الحرم وهو من طريق المدينة ثلاثة أميال عن بيوت السقيا ومن اليمن سبعة أميال عند إضاءة لين ومن العراق كذلك على ثنية زحل جبل بالمنقطع ومن الطائف وعرفات وبطن نمرة كذلك عند طرف عرنة ومن الجعرانة تسعة أميال ومن جدة عشرة أميال عند منقطع الأعشاش، ومن بطن عرنة أحد عشر ميلا.
مسألة: قال أحمد لا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل من الحل كذلك قال ابن عمر وابن عباس ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحل والخروج أشد واقتصر في "الشرح" على الكراهة وقال بعض أصحابنا يكره إخراجه إلى الحل وفي إدخاله في الحرم روايتان وفي "الفصول": لا يجوز في تراب الحل والحرم نص عليه وفيها يكره أيضا في تراب المسجد كتراب الحرم وظاهر كلام جماعة يحرم لأن في تراب المسجد انتفاعا بالموقوف في غير جهته ولهذا قال أحمد فإن أراد أن يستشفي بطيب الكعبة لم يأخذ منه شيئا ويلزق عليها طيبا من عنده ثم يأخذه.

فصل:
ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها إلا ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل والعارضة والقائمة ومن حشيشها للعلف.
ـــــــ
فأما ماء زمزم فلا يكره إخراجه قال أحمد أخرجه كعب وروي عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله رواه الترمذي وقال حسن غريب ولأنه يستخلف كالثمرة.
فصل:
"ويحرم صيد المدينة" نقله الجماعة، "وشجرها وحشيشها"، لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها" متفق عليه ولمسلم: " لا يختلي خلاها فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". وعن سعد مرفوعا: "إني أحرم ما بين لا بتي المدينة أن يقطع عضاهما أو يقتل صيدها" رواه مسلم.
وقال القاضي: تحريم صيدها يدل على أنه لا تصح ذكاته وإن قلنا يصح فلعدم تأثير هذه الحرمة في زوال ملك الصيد نص عليه مع أنه ذكر في الصحة احتمالين
"إلا ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل" أي: رحل البعير وهو أصغر من القتب "والعارضة" أي: ما يسقف به المحمل "والقائمة" إحدى قائمتي الرحل اللتين في مقدمه ومؤخره لقول جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا يا رسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح وإنا لا نستطيع أرضا غير أرضنا فرخص لنا فقال: "القائمتان والوسادة والعارضة والمسد، فأما غير ذلك فلا يعضد" رواه أحمد.
المسد هو عود البكرة فاستثنى الشارع ذلك وجعله مباحا كاستثناء الإذخر بمكة.
"ومن حشيشها للعلف"، لقوله عليه السلام: "ولا يصلح أن تقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره" رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد من حديث علي. ولأن

ومن أدخل إليها صيدا فله إمساكه وذبحه ولا جزاء في صيد المدينة وعنه جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه وحد حرمها ما بين ثور إلى عير وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة اثني عشر ميلا حمى.
ـــــــ
ذلك بقربها فالمنع منه ضرر بخلاف مكة
"ومن أدخل إليها صيدا فله إمساكه وذبحه" نص عليه لقول أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيما وكان إذا جاء قال: "يا أبا عمير، ما فعل النغير" لنغر كان يلعب به متفق عليه وفي "المستوعب" وغيره: حكم حرم المدينة حكم حرم مكة فيما سبق إلا في هاتين المسألتين.
"ولا جزاء في صيد المدينة" قال أحمد في رواية بكر بن محمد لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من أصحابه حكموا فيه بجزاء وهو قول أكثر العلماء واختاره جمع لأنه يجوز دخولها بغير إحرام ولا يصلح لأداء النسك أو لذبح الهدايا وكسائر المواضع وكصيد وج وشجره. ولا يلزم من الحرمة الضمان، ولا من عدمها عدمه.
"وعنه: جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه" نقلها الأثرم والميموني وهي المنصورة عند الأصحاب من كتب الخلاف لما سبق من تحريمها كمكة وعن عامر بن سعد أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرده عليهم رواه مسلم ولأنه يحرم لحرمة ذلك كحرم مكة و الإحرام وسلبه ثيابه قال جماعة والسراويل زاد جماعة وزينة كمنطقة وسوار وخاتم وآلة اصطياد لأنها آلة لفعل المحظور وليست الدابة منه بخلاف قاتل الكافر فإنه يأخذها على الأشهر لئلا يستعين بها على الحرب فعليها إن لم يسلبه أحد لزمه التوبة فقط.
"وحد حرمها: ما بين لابتيها" لما روى أبو هريرة مرفوعا: " ما بين لابتيها حرام"

ـــــــ
متفق عليه اللابة الحرة وهي أرض بها حجارة سود قال أحمد ما بين لابتيها حرام بريد في بريد وكذا فسره مالك بن أنس وهذا حدها من جهتي المشرق والمغرب. ومن روى: "اللهم إني أحرم ما بين جبليها " فالمراد به: من جهتي الجنوب والشمال والمؤلف نفسه يقول ما بين ثور إلى عير لما روى علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حرم المدينة ما بين ثور إلى عير" متفق عليه.
قال عياض: أكثر رواة البخاري ذكروا عيرا فأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا لأنهم اعتقدوا ذكر ثور خطأ قال أبو عبيد أصل الحديث من عير إلى أحد وذكر بعضهم أن الرواية صحيحة وهي محمولة على أنه أراد حرم المدينة قدر ما بين ثور وعير من مكة وليس بظاهر ومنع مصعب الزبيري وجودهما بالمدينة وليس كذلك فإن عيرا جبل معروف بها وكذا ثور وهو جبل خلف أحد كما أخبر به الثقات يؤيده الخبر الصحيح: "وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة اثني عشر ميلا حمى" ، رواه مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
تذنيب: مكة أفضل من المدينة نصره القاضي وأصحابه لما روى الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في سوق مكة: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه ولمضاعفة الصلاة وعنه المدينة أفضل اختاره ابن حامد وغيره قال في رواية أبي داود وسئل عن المقام بمكة أحب إليك أم بالمدينة فقال بالمدينة لمن قوي عليه لأنها مهاجر المسلمين وعن رافع مرفوعا: "المدينة خير من مكة". ورد بأنه لا يعرف وحمله القاضي على وقت كون مكة دار حرب أو على الوقت الذي كان فيها والشرع يؤخذ منه وكذا لا يعرف: " اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك" قال قاضي: معناه بعد مكة وما روي فهو دال على تفضيلها لا أفضليتها وكونه عليه السلام خلق منها وهو خير البشر فتربته خير الترب

ـــــــ
و أجاب القاضي بأن فضل الخلقة لا يدل على فضل التربة لأن أحد الخلفاء الأربعة أفضل من غيره ولم يدل أن تربته أفضل قال ابن عقيل الكعبة أفضل من الحجرة فأما من هو فيها فلا والله ولا العرش وحملته والجنة لأن بالحجرة جسدا لو وزن به لرجح صلى الله عليه وسلم وجزم بعض أصحابنا بأن مكة أفضل والمجاورة بالمدينة أفضل وتضاعف الحسنات والسيئات بمكان أو زمان فاضل ذكره جماعة وذكر الآجري أن الحسنات تضاعف ولم يذكر السيئات

باب ذكر دخول مكة
يستحب أن يدخل مكة من أعلاها من ثنية كداء ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة.
ـــــــ
باب ذكر دخول مكةوهي علم على جميع البلدة المعظمة المحجوجة غير منصرفة وسميت به لقلة مائها وقيل لأنها تمك من ظلم فيها أي تهلكه ويزاد فيها بكة في قول الضحاك وقيل بالباء اسم لبقعة البيت وبالميم ما حوله وقيل بكة اسم للمسجد والبيت ومكة للحرم كله ولها أسماء.
"يستحب" للمحرم "أن يدخل مكة من أعلاها، من ثنية كداء"، لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى وعن عائشة نحوه متفق عليهما وظاهره ليلا أو نهارا واقتصر عليه في "الشرح"، لأنه عليه السلام دخلها ليلا ونهارا أخرجه النسائي وقدم في "الفروع" نهارا وإنما كرهه من السراق ولم يتعرض لخروجه منها ويستحب من الثنية السفلى كدى بضم الكاف وتشديد الياء والأول بفتح الكاف والدال ممدود مهموز متصرف وغير متصرف والثنية في الأصل الطريق بين الجبلين.
"ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة"، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى وأناخ راحلته عند باب بني شيبة ثم دخل رواه مسلم. ويقول حين

فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة و برا وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا والحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا والحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
ـــــــ
دخوله بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله اللهم افتح لي أبواب فضلك. ذكره في "أسباب الهداية".
"فإذا رأى البيت رفع يديه" نص عليه وهو قول الأكثر لما روى الشافعي عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وما روي عن جابر لا يمنع منه وكبر وذكره في "المحرر" و"الوجيز"، لأنه روي عنه عليه السلام أنه فعله ولم يذكره آخرون وحكاه في "الفروع" قولا، كالتهليل.
"وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام"، لأن عمر كان يقول ذلك رواه الشافعي ومعنى السلام الأول اسم الله تعالى والثاني من أكرمته بالسلام فقد سلم والثالث سلمنا بتحيتك إيانا من جميع الآفات ذكره الأزهري "اللهم زد هذا البيت تعظيما" أي: تبجيلا "وتشريفا" أي: رفعة وإعلاء "وتكريما" أي تفضيلا "ومهابة" أي: توقيرا وإجلالا "وبرا" بكسر الباء وهو اسم جامع للخير.
"وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا" رواه الشافعي بإسناده عن ابن جريج "والحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا والحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام" سمي به لأن حرمته انتشرت وأريد بتحريم البيت سائر الحرم قاله العلماء.
"وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت" ذكره الأثرم وإبراهيم الحربي وفي "المحرر" و"الوجيز" كـ"المقنع"، وفي

يرفع بذلك صوته ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا أو طواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر
ـــــــ
"الفروع": ودعا وقال ومنه ولم يذكر الأخير ومهما زاد من الدعاء فحسن.
"يرفع بذلك صوته" جزم به في "المحرر" و"الوجيز" وغيرهما، لأنه ذكر مشروع فاستحب رفع الصوت به، كالتلبية وحكاه في "الفروع" قولا.
"ثم يبتدئ" بالطواف لقول عائشة إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت متفق عليه ولحديث جابر رواه مسلم وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ولأنه تحية فاستحب كتحية غيره بالركعتين ومحله ما لم يذكر صلاة فرض أو فائتة أو تقام المكتوبة فإنه يقدمها عليه وكذا إن خاف فوت ركعتي الفجر أو الوتر أو حضرت جنازة.
"بطواف العمرة إن كان معتمرا"، لأن الذي أمرهم عليه السلام بفسخ نسكهم إليها أمرهم أن يطوفوا للعمرة بدليل أنه أمرهم بالحل ولم يحتج إلى طواف قدوم لأن المقصود التحية وقد حصلت بفعله.
"أو طواف القدوم" ويسمى الورود "إن كان مفردا أو قارنا" لفعل الصحابة الذين كانوا كذلك لكن ذكر في "الفصول" و"الترغيب" و"المستوعب" أن ذلك بعد تحية المسجد والمذهب ما ذكره المؤلف نقل حنبل يرى لمن قدم مكة أن يطوف لأنه صلاة والطواف أفضل من الصلاة وهي بعده وقال ابن عباس وعطاء الطواف لأهل العراق والصلاة لأهل مكة وذكره القرافي اتفاقا بخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم لتقديم حق الله على حق الأنبياء وهو ظاهر كلام أصحابنا.
"ويضطبع بردائه في جميع طوافه" نص عليه، لما روى يعلى بن أمية أ ن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا رواه أبو داود وابن ماجه وهو قول عمر وكثير من العلماء وفي "الترغيب" رواية: في رمله. "فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا

ثم يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه ثم يستلمه ويقبله وإن شاء استلمه وقبل يده وإن شاء أشار إليه
ـــــــ
بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى رواه أبو داود فإذا فرغ منه سوى رداءه لأن الاضطباع غير مستحب في الصلاة وقال الأثرم يزيله إذا فرغ من الرمل.
"ثم يبتدئ" أي: بالطواف "من الحجر الأسود" لأنه عليه السلام بدأ به "فيحاذيه بجميع بدنه" ليستوعب جميع البيت بالطواف فظاهره أنه إذا حاذاه ببعضه أنه لا يجزئه لأن ما لزم استقباله لزمه بجميع البدن كالقبلة واختار جماعة الإجزاء لأنه حكم متعلق بالبدن فأجزأ بعضه كالحد فعلى الأول لا يحتسب له بذلك الشوط ويصير الثاني أوله.
"ثم يستلمه" أي: يمسحه بيده اليمنى لأن الاستلام افتعال من السلام وهو التحية ولذلك يسميه أهل اليمن المحيا لأن الناس يحيونه "ويقبله" لما روى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر ووضع شفتيه عليه يبكي طويلا فقال يا عمر ها هنا تسكب العبرات رواه ابن ماجه وفي الصحيحين أن أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك نقل الأثرم يسجد عليه وفعله ابن عمر وابن عباس.
"وإن شاء استلمه وقبل يده" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده رواه مسلم ونقل ابن منصور لا بأس بتقبيل اليد فظاهره لا يستحب قاله القاضي. وفي "الروضة": هل له أن يقبل يده فيه اختلاف بين أصحابنا.
"وإن شاء أشار إليه" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره فلما أتى الركن أشار إليه وكبر ر واه البخاري والإشارة أعم من أن تكون باليد أو غيرها وظاهره استواء الأحوال الثلاثة وليس كذلك بل المستحب أولا تقبيله فإن شق استلمه بشيء وقبله فإن لم يمكنه أشار إليه وجزم به في "الوجيز" و"المغني" و"الشرح": وزادا مع استقباله بوجهه قال الشيخ تقي الدين هو السنة ويكبر

ويقول باسم الله والله أكبر إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك كلما استلمه ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت عن يساره فإذا أتى على الركن اليماني استلمه وقبل يده
ـــــــ
ويهلل قطع به الأكثر وقد روى أحمد أ ن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر" وظاهره أنه لا يستقبله بوجهه وهو كذلك في وجه.
فائدة: قول الخرقي ثم أتى الحجر الأسود إن كان لأن في زمنه أخذته القرامطة واستمر بأيديهم مدة ثم فتح الله بعوده فلو قدر والعياذ بالله عدمه في محله وقف مقابلا لمكانه واستلم الركن قال الأصحاب لا ينتقل النسك معه كما في القران.
"ويقول: باسم الله والله أكبر إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك كلما استلمه" لحديث عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك عند استلامه "ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت عن يساره"، لأنه عليه السلام طاف كذلك وقال: "خذوا عني مناسككم" ويقرب جانبه الأيسر إليه قال الشيخ تقي الدين لأن الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى فأول ركن يمر به يسمى الشامي والعراقي وهو جهة الشام ثم يليه الركن الغربي والشامي وهو جهة المغرب ثم اليماني جهة اليمن وهو آخر ما يمر عليه من الأركان لأنه يبتدئ بالركن الذي فيه الحجر الأسود وهو قبلة أهل خراسان.
"فإذا أتى على الركن اليماني استلمه" نص عليه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني قال ابن عمر ما تركت استلامهما منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا رخاء رواه مسلم ولأنه مبني على قواعد إبراهيم فسن استلامه كالركن الأسود.
"وقبل يده" ذكره في "المحرر" و"الفروع" قولا كما يفعل في الحجر الأسود وظاهره أنه لا يقبله وجزم الخرقي وصاحب "الإرشاد" بخلافه لما روى مجاهد

ويطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول منها وهو إسراع المشي مع تقارب الخطا ولا يثب وثبا ويمشي أربعا وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما أو أشار إليهما
ـــــــ
عن ابن عباس قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلمه قبله ووضع خده الأيمن عليه قال ابن عبد البر هذا لا يعرف وإنما التقبيل في الحجر الأسود وظاهره أنه لا يستلم الركنين الآخرين نص عليه لأنهما لم يتما على قواعد إبراهيم.
"ويطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول منها" لا نعلم خلافا في سنيته لأنه عليه السلام طاف سبعا رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا رواه جابر وابنا عباس وعمر متفق عليهما وهذا كان لسبب زال وبقي المسبب ويكون الرمل من الحجر إلى الحجر في قول الأكثر.
"وهو إسراع المشي مع تقارب الخطا ولا يثب وثبا" لأن ذلك ليس بمشي فإذا فعله لم يكن إتيانا بالرمل المشروع فإن تمكن منه في حاشية الناس للازدحام كان أولى من الدنو من البيت وإن كان لا يتمكن منه أو يختلط بالنساء فالدنو أولى من التأخير. وفي "الفصول": لا ينتظر للرمل كما لا يترك الصف الأول لتعذر التجافي في الصلاة وبالجملة يطوف كيفما أمكنه ما لم يخرج من المسجد وسواء حال بينه وبين البيت قبة أو غيرها فإن ترك الرمل لم يقضه ولا بعضه في غيرها بل إن تركه في شوط أتى به في الاثنين الباقيين وفي اثنين أتى به في الثالث لأنه هيئة فات محلها فسقط كالجهر في الصلاة.
"ويمشي أربعا" لما سبق "وكلما حاذى الحجر" ونص عليه في المحرر في رمله كبر وذكر جماعة وهلل ونقل الأثرم ورفع يديه. "والركن اليماني استلمهما" لما روى ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة رواه أبو داود وقال نافع كان ابن عمر يفعله. "أو أشار إليهما"، لقول ابن عباس المتقدم وظاهره أنه مخير بينهما والمذهب أنه إذا شق عليه استلامهما أشار إليهما صرح به في "الشرح" وغيره.

ويقول كلما حاذى الحجر لا إله إلا الله والله أكبر وبين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وفي سائر الطواف اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم و تجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم.
ويدعو بما أحب وليس على النساء ولا أهل مكة رمل ولا اضطباع.
ـــــــ
"ويقول كلما حاذى الحجر" الأسود: "لا إله إلا الله والله أكبر" لحديث بن عباس ولقوله في حديث عمر: "ألا فاستقبل وهلل وكبر". "وبين الركنين" أي: اليماني والأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} لما روى عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك رواه أحمد وعن أبي هريرة مرفوعا: "إن الله وكل بالركن اليماني سبعين ألف ملك لمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا: آمين". "وفي سائر الطواف اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم و تجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم"، لأنه لائق بالمحل فاستحب ذكره كسائر الأدعية اللائقة بمحالها المنصوص عليها وفي "الفروع": رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم وذكر أحمد أنه يقوله في سعيه وظاهره أنه لا يرفع يديه خلافا لـ"المستوعب" وغيره. وفيه: يقف في كل طوفة عند الميزاب والملتزم وكل ركن.
"ويدعو بما أحب" من الحوائج لأنه موضع يستجاب فيه الدعاء وعن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يقول رب قني شح نفسي وظاهره أنه لا يقرأ وهو رواية لتغليطه المصلين والمذهب له القراءة فيستحب قاله الآجري وسوى بينهما في رواية أبي داود واستحبها الشيخ تقي الدين بلا جهر قال القاضي وغيره لأنه صلاة وفيها قراءة ودعاء فيجب كونها مثلها.
"وليس على النساء ولا أهل مكة" ولا حامل معذور نص عليه رمل ولا اضطباع حكاه ابن المنذر إجماعا في النساء لأن ذلك شرع لإظهار الجلد وليس مطلوبا منهن بل إنما يقصد فيهن الستر وكذا أهل مكة لا رمل عليهم

وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع ومن طاف راكبا أو محمولا أجزأه وعنه لا يجزئه إلا لعذر.
ـــــــ
في قول الأكثر لأن إظهار الجلد معدوم في حقهم وحكم من أحرم منها حكم أهلها ولو كان متمتعا ولو عبر بقوله ولا محرم في مكة لعم ولأن من لا يشرع له الرمل لا يشرع له الاضطباع وكذا إن طاف راكبا أو محمولا لعذر فلا رمل فيه وذكر الآجري: يرمل بالمحمول.
"وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع" لأنه عليه السلام وأصحابه إنما فعلوا ذلك في الطواف الأول وذكر القاضي وصاحب "التلخيص": إذا تركهما به أو لم يسع عقب طواف القدوم أتى بهما في طواف الزيارة أو غيره وذكر ابن الزاغوني أن الرمل والاضطباع في طواف الزيارة ونفاهما في طواف الوداع.
"ومن طاف راكبا أو محمولا أجزأه وعنه لا يجزئه إلا لعذر" أما مع العذر فيجزئ بغير خلاف لقول ابن عباس طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الركن بمحجن وعن أم سلمة قالت شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي قال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" متفق عليه. وإن كان لغير عذر أجزأ في رواية قدمها المؤلف وجزم بها ابن حامد و أبو بكر من الراكب لأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا ولطوافه عليه السلام راكبا لكن شرط صحته في المحمول بنيته وعلم منه أن الطواف راجلا أفضل بغير خلاف.
والثانية: عدم الإجزاء وهي الأشهر واختارها القاضي أخيرا والشريف لأنه عليه السلام شبه الطواف بالصلاة وهي لا تفعل كذلك إلا لعذر فكذا هو وأجابوا عن فعله عليه السلام بأنه كان لعذر كما هو مصرح به في رواية أبي داود أو ليراه الناس قاله أحمد أو ليشرف ليسألوه فإن الناس غشوه وأخذ جماعة أنه لا بأس للإمام الأعظم ليراه الجهال. وعنه يجبره بدم حكاها المؤلف قال الزركشي ولم أرها لغيره.

ولا يجزئ عن الحامل وإن طاف منكسا أو على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة أو ترك شيئا من الطواف وإن قل أو لم ينوه لم يجزئه.
ـــــــ
"ولا يجزئ عن الحامل" لأن الطواف عبادة أدي به فرض غيره فلم يقع عن فرضه كالصلاة ولأن الحامل آلة للمحمول فكان كالراكب بخلاف حمله بعرفة لأن المقصود الكون فيها وهو حاصل لهما وله أحوال منها أن ينويا جميعا عن المحمول أو ينوي هو دون الحامل فيجزئ عن المحمول لا الحامل بغير خلاف ومنها أن ينويا جميعا عن الحامل أو ينوي هو فقط فيصح له وحده ومنها أن ينوي كل واحد عن نفسه فيصح المحمول دون حامله جعلا له كالآلة وحسن المؤلف صحته لهما لأن كلا منهما طائف بنية صحيحة كالعمل بعرفات وذكر ابن الزاغوني ذلك احتمالا. وفي "الفروع" قولا وقال أبو حفص: لا يجزئ عن واحد منهما لأنه لا أولوية والفعل الواحد لا يقع عن اثنين ومنها لم ينو واحد منهما أو نوى كل واحد منهما أو نوى كل واحد صاحبه فلا يصح لواحد منهما
مسألة: إذا سعى راكبا أو محمولا أجزأه جزم به في "المغني" و"الشرح"، لأن المعنى الذي منع الطواف غير موجود وقال أحمد في رواية لا بأس به على الدواب لضرورة وظاهر كلام أحمد واختاره الخرقي وصاحب "التلخيص": حكمه كالطواف.
"وإن طاف منكسا" يجوز فيه كسر الكاف وفتحها فعليه يكون صفة لمصدر محذوف أي طاف طوافا منكسا وعلى الأول يكون حالا من فاعل "طاف" والمراد به جعل البيت على يمينه، "أو على جدار الحجر" وهو مكان معروف وإلى جانب البيت وهو بكسر الحاء وسكون الجيم لا غير "أو شاذروان الكعبة" هو القدر الخارج عن عرض الجدار مرتفعا عن الأرض قدر ثلثي ذراع "أو ترك شيئا من الطواف وإن قل أو لم ينوه لم يجزئه" أما أولا فلأن فعله عليه السلام وقع بيانا لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29]، الحج ومثله يتعين ولقوله: "خذوا عني مناسككم" ، ولأنه عبادة تتعلق بالبيت فكان واجبا كالصلاة

وإن طاف محدثا أو نجسا أو عريانا لم يجزئه وعنه يجزئه ويجبره بدم.
ـــــــ
وأما ثانيا فلأن ذلك من البيت لقول عائشة إني نذرت أن أصلي في البيت؟ قال: "صل في الحجر، فإن الحجر من البيت" رواه الترمذي وصححه فإذا لم يطف به لم يطف بكل البيت والحال أن الطواف بجميعه واجب لنص القرآن وطاف عليه السلام بجميعه وقال: "خذوا عني مناسككم". وقال الشيخ تقي الدين الشاذروان ليس هو منه وإنما جعل عمادا للبيت.
وأما ثالثا فلأنه لم يأت بالعدد المعتبر المستفاد من فعله عليه السلام.
وأما رابعا فلقوله: "إنما الأعمال بالنيات" ولا عمل إلا بنية والطواف بالبيت صلاة ولأنه عبادة محضة تتعلق بالبيت فاشترط له النية كالصلاة ونوه كلامه أنه إذا طاف في المسجد من وراء حائل أنه يصح وصرح بعضهم بخلافه وإن طاف على سطحه توجه الإجزاء لصلاته إليها وكذا إن قصد في طوافه غريما وقصد معه طوافا بنية حقيقية لا حكمية. قال في "الفروع": ويتوجه احتمال كعاطس قصد بحمده قراءة وفي الإجزاء عن فرض القراءة وجهان.
"وإن طاف محدثا أو نجسا أو عريانا، لم يجزئه" في ظاهر المذهب لما تقدم ولقوله عليه السلام لأبي بكر حين بعثه في الحجة التي أمره فيها: "ولا يطوف بالبيت عريان" ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فكانت الطهارة والسترة شرطا فيها كالصلاة بخلاف الوقوف قال القاضي وغيره الطواف كالصلاة في جميع الأحكام إلا في إباحة النطق.
"وعنه: يجزئه" لأن الطواف عبادة لا يشترط فيها الاستقبال فلم يشترط فيها ذلك كالسعي. "ويجبره بدم"، لأنه إذا لم يكن شرطا فهو واجب وتركه يوجبه وظاهره سواء أمكنه الطواف بعد طوافه على الصفة المتقدمة أم لا وعنه إن لم يكن بمكة وعنه يصح من ناس ومعذور فقط وعنه يجبره دم وظاهره صحته من حائض بدم وهو ظاهر كلام جماعة واختاره الشيخ تقي الدين وأنه لا دم

وإن أحدث في بعض طوافه أو قطعه بفصل طويل ابتدأه وإن كان يسيرا أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى ويتخرج أن الموالاة سنة.
ـــــــ
لعذر ويلزم الناس في الأصح انتظارها لأجله إن أمكن
فرع: إذا طاف فيما لا يجوز لبسه صح وفدى ذكره الآجري.
"وإن أحدث في بعض طوافه أو قطعه بفصل طويل ابتدأ" أما أولا فلأن الطهارة شرط فأبطله الحدث كالصلاة وهذا ظاهر في العمد فإن سبقه الحدث تطهر وابتدأ في رواية وجزم بها المؤلف وغيره وفيه روايات الصلاة ذكره ابن عقيل ومحله كما صرح به الخرقي وصاحب "الشرح" في طواف الفرض فأما النفل فلا تجب إعادته كالصلاة وأما ثانيا فلأنه عليه السلام والى بين طوافه وقال: "خذوا عني مناسككم" ، فعلم أن الموالاة شرط فيه فمتى قطعه بفصل طويل ابتدأه سواء كان عمدا أو سهوا مثل أن يترك شوطا منه يظن أنه قد أتم والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف كالحرز والقبض.
"وإن كان يسيرا" بنى، لأنه يتسامح بمثله لما في الاتصال من المشقة فعفي عنه "أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى" في قول أكثر العلماء لعموم قوله: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" والطواف صلاة، وروي عن ابن عمر وسالم وعطاء ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ولأن الجنازة صلاة تفوت بالتشاغل بالطواف وهي أولى من قطعه لها بالمكتوبة لعدم فواتها به "وبنى" قال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف فيه إلا الحسن فإنه قال يستأنف والأول أصح لأن هذا فعل مشروع فلم يقطعه كاليسير فعلى هذا يكون ابتداؤه من الحجر قاله أحمد.
"ويتخرج أن الموالاة سنة" لأن الحسن غشي عليه فلما أفاق أتمه وعن أحمد ليس بشرط مع العذر وهو ظاهر.
تنبيه: إذا شك في عدده بنى على اليقين نص عليه وذكر أبو بكر يعمل

ثم يصلي ركعتين والأفضل أن يكون خلف المقام يقرأ فيهما: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
ـــــــ
بظنه ويأخذ بقول عدلين نص عليه وينبغي تقييده بما لم يتيقن صواب نفسه وفي "المغني" و"الشرح": يكفي ثقة فإن شك في الطهارة وهو فيه بطل لا بعد الفراغ منه.
فرع: إذا فرغ المتمتع ثم علم أنه كان على غير طهارة في أحد طوافيه وجهله لزمه الأشد وهو من الحج فيلزمه طوافه وسعيه ودم وإن كان وطئ بعد حله من عمرته لم يصحا لأنه أدخل حجا على عمرة فاسدة وتحلل بطوافه الذي نواه لحجه من عمرته الفاسدة وعليه دم للحلق ودم للوطء في عمرته.
"ثم يصلي ركعتين" بعد فراغه من الطواف لأنه عليه السلام ركعهما وفي "أسباب الهداية" أنه يأتي الملتزم قبلهما.
"والأفضل أن يكون خلف المقام"، لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125]، البقرة وظاهره أنه لا يشرع تقبيل المقام ولا مسحه إجماعا فسائر المقامات أولى ونقل الفضل عنه كراهة مسه وفي "منسك ابن الزاغوني": فإذا بلغ مقام إبراهيم فليمس الصخرة بيده وليمكن منها كفه ويدعو "يقرأ فيهما" بعد الفاتحة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين قرأ فيهما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وظاهره جواز فعلهما في غير ذلك الموضع ويقرأ تلك القراءة لأن عمر ركعهما بذي طوى رواه البخاري وقراءة غير الفاتحة لا يتعين في الفرض فالنفل أولى ولا شك أنهما سنة مؤكدة للنصوص وعنه وجوبهما وهي أظهر فلو صلى الفريضة بعده أجزأه عنهما كركعتي الإحرام وعنه أنه يصليهما بعد المكتوبة قال أبو بكر عبد العزيز وهو أقيس كركعتي الفجر.
تنبيه: له جمع أسابيع ثم يصلي لكل أسبوع ركعتين نص عليه لفصله بين

ثم يعود إلى الركن فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا من بابه ويسعى سبعا يبدأ بالصفا فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويكبر ثلاثا ويقول الحمد لله على ما هدانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ثم يلبي.
ـــــــ
الفرض والسنة بخلاف تكبير تشريق عن فرض وسجدة تلاوة فإنه يكره لئلا يؤدي إلى إسقاطه ذكره القاضي وعنه يكره قطعه على شفع فيكره الجمع إذن ولأنه عليه السلام لم يفعله ويلزم منه الاخلال بالموالاة بينهما وفيه نظر وله تأخير السعي عن الطواف بطواف وغيره نص عليه.
"ثم يعود إلى الركن" وهو الحجر الأسود "فيستلمه" نص عليه لفعله عليه السلام ولا نعلم فيه خلافا. "ثم يخرج إلى الصفا" بالقصر، وهي في الأصل: الحجارة الصلبة والآن ثم مكان معروف عند باب المسجد "من بابه، ويسعى سبعا، يبدأ بالصفا فيرقى عليه" وليس بواجب لأنه لو تركه فلا شيء عليه "حتى يرى البيت فيستقبله ويكبر ثلاثا ويقول: الحمد لله على ما هدانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" اقتصر عليه في "الفروع"، وليس فيه: "يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير" وزاد ويقول ذلك ثلاثا لفعله عليه السلام فإنه رقى على الصفا وقرأ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] "نبدأ بما بدأ الله به" فبدأ بالصفا. والأحزاب هم الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهم قريش وغطفان واليهود. "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون"، لأن ابن عمر كان يزيده على ما سبق رواه إسماعيل عن أيوب عن نافع عنه "ثم يلبي"،

ويدعو بما أحب ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يأتي العلم فيسعى سعيا شديدا إلى العلم ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل عليها مثل ما فعل على الصفا ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعا يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية.
ـــــــ
لأنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة وظاهره أنه لا يلبي على الصفا لعدم فعله وما ذكره محمول على غير المتمتع لأنه يقطعها إذا استلم الحجر كما يأتي. "ويدعو بما أحب"، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو رواه مسلم ولأنه موضع ترجى فيه الإجابة وظاهره أنه لا يرفع يديه والظاهر بلى للخبر.
"ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يأتي العلم" وهو الميل الأخضر في ركن المسجد قال في "الشرح" وغيره: إذا كان منه نحو ستة أذرع قال في "الفروع": وهو أظهر. "فيسعى سعيا شديدا إلى العلم" وهو الميل الأخضر بفناء المسجد حذاء دار العباس وظاهره أنه لا يرمل بينهما وقاله جماعة كالمؤلف وهو أظهر وقيل بلى لوروده في الخبر.
"ثم يمشي حتى يأتي المروة" وهي في الأصل الحجارة البيض البراقة التي يقدح منها النار والآن هو المكان المعروف بطرف السعي. "فيفعل عليها مثل ما فعل على الصفا" من الاستقبال والتكبير والتهليل والدعاء.
"ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعا يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية" لفعله عليه السلام كذلك رواه مسلم من حديث جابر ويكثر الدعاء والذكر من ذلك قال أحمد كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم وقد روى الترمذي وصححه مرفوعا: "إنما جعل السعي بينهما لإقامة ذكر الله تعالى". ويجب استيعاب ما بينهما فيلصق عقبه بأصلهما فلو ترك بينهما شيئا ولو ذراعا لم يجزئه حتى يأتي به. والأولى أن

يفتتح بالصفا ويختم بالمروة فإن بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط ويستحب أن يسعى طاهرا مستترا متواليا وعنه أن ذلك من شرائطه والمرأة لا ترقاه ولا ترمل وإذا فرغ من السعي فإن كان معتمرا قصر من شعره وتحلل.
ـــــــ
يرقى كما مر.
"يفتتح بالصفا"، لقوله: "نبدأ بما بدأ الله به" وعن ابن عباس أنه قرأ الآية وقال نبدأ بالصفا اتبعوا القرآن فما بدأ به القرآن فابدؤوا به "ويختم بالمروة"، لقول جابر: فلما كان آخر طوافه قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة" . ولأنه يلزم من البداءة به الختم بها.
"فإن بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط"، لمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فعلى هذا إذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي بعده.
"ويستحب أن يسعى طاهرا" من الحدث والنجاسة كبقية المناسك في قول الأكثر ولأنه عبادة لا تتعلق بالبيت كالوقوف بعرفة "مستترا"، لأنه إذا لم يشترط الطهارة مع آكديتها فغيرها أولى "متواليا" في ظاهر كلام أحمد وهو الأصح لأنه لا تعلق له بالبيت فلم يشترط له الموالاة كالرمي والحلق. "وعنه: أن ذلك من شرائطه"، وقاله القاضي في الموالاة لأن السعي أحد الطوافين فاشترط فيه ذلك كالطواف بالبيت قال في "الشرح": ولا عمل عليه.
تنبيه: ظاهره أن السعي بعد الطواف فلو عكس لم يجزئه نص عليه وعنه بلى سهوا وجهلا وعنه مطلقا وعنه مع دم وفي شرط النية قاله في المذهب "والمحرر" وزاد وأن لا يقدمه على أشهر الحج وظاهر كلام الأكثر خلافهما وصرح به أبو الخطاب في الأخيرة أنه لا يعرف منعه عن أحمد.
"والمرأة لا ترقاه" لئلا تزاحم الرجال ولأنه أستر لها "ولا ترمل" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه لأنه يقصد لها الستر وفيما ذكر انكشاف لها وكذا لا تسعى سعيا شديدا بين العلمين ولا يسن فيه اضطباع نص عليه.
"وإذا فرغ من السعي فإن كان معتمرا قصر من شعره وتحلل"، لأنه عليه

إلا أن يكون المتمتع قد ساق هديا فلا يحل حتى يحج ومن كان متمتعا قطع التلبية إذا دخل البيت
ـــــــ
السلام اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجه وكان يحل إذا سعى وظاهره أن التقصير له أفضل من الحلق نص عليه للأمر به في حديث جابر وليتوفر الحلق للحج. وفي "المستوعب" و"الترغيب": حلقه. وفي كلامه إشعار بالمبادرة إلى ذلك ولاشك في استحبابه فلو أحرم بالحج قبل التقصير وقلنا هو نسك صار قارنا فإن تركهما فعليه دم إن قلنا هما نسك. فإن وطئ قبله فعليه دم وعمرته صحيحة.
"إلا أن يكون المتمتع قد ساق هديا فلا يحل حتى يحج" بل يقيم على إحرامه ويدخل عليها الحج بعد طوافه وسعيه لها ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا يوم النحر نص عليه لحديث ابن عمر وعائشة متفق عليهما وعنه من لبد رأسه أو صفره جزم به في "الكافي" هو بمنزلة من ساق الهدي لحديث حفصة وقيل يحل كمن لم يهد وهو ظاهر ما نقله يوسف بن موسى وعنه إن قدم في العشر لم ينحر الهدي حتى ينحره يوم النحر وإن قدم قبل العشر نحر الهدي فدل على أن المتمتع إذا قدم قبل العشر حل وإن كان معه هدي وإن كان فيه لم يحل واستثناء المتمتع دليل عمومه.
"ومن كان متمتعا قطع التلبية إذا دخل البيت" والمراد: إذا استلم الحجر الأسود نص عليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحج رواه الترمذي وصححه أي شرع في الطواف ولأن التلبية إجابة إلى العبادة وشعار الإقامة عليها والأخذ في التحلل ينافيها وهو يحصل بالطواف والسعي فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل فيقطعها كما يقطع الحاج التلبية إذا شرع في رمي جمرة بالعقبة لحصول التحلل به. وظاهره اختصاص القطع بالمتمتع كـ"الخرقي" و"الوجيز" وليس كذلك لأن الحكم يستوي فيه المتمتع وغيره من المعتمرين.

باب صفة الحج
يستحب للمتمتع الذي حل وغيره من المحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة من مكة
ـــــــ
باب صفة الحجأصله حديث جابر رواه مسلم. "يستحب للمتمتع الذي حل" من عمرته "وغيره من المحلين بمكة" سواء كان مقيما بها من أهلها أو من غيرهم "الإحرام بالحج يوم التروية" نص عليه لحديث جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح حتى إذا كان يوم التروية جعلنا مكة بظهر وأهللنا بالحج . رواه مسلم.
وعنه: المكي يهل إذا رأى الهلال لقول عمر لأهل مكة إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج فعلى الأول لو جاوز يوم التروية بغير إحرام لزمه دم الإساءة مع دم التمتع على الأصح قاله في "الترغيب".
وفي "الرعاية": يحرم يوم تروية أو عرفة فإن غيره فدم. ولا يطوف بعده قبل خروجه نقله الأثرم واختاره الأكثر.
ونقل ابن منصور وغيره لا يخرج حتى يودعه وطوافه بعد رجوعه من منى للحج جزم به في "الواضح" و"الكافي". فعلى الأول: لو أتى به وسعى بعده لم يجزئه.
"وهو الثامن من ذي الحجة" سمي به لأن الناس كانوا يتروون فيه الماء لما بعده وقيل لأن إبراهيم أصبح يتروى في أمر الرؤيا وقيل غير ذلك.
"من مكة" لقوله عليه السلام: "حتى أهل مكة يهلون منها"، وكان عطاء يستلم الركن ثم ينطلق مهلا بالحج والأفضل فيه أن يكون من المسجد. وفي "المبهج" و"الإيضاح": من تحت الميزاب. ويستحب له أن يفعل في إحرامه ما

ومن حيث أحرم جاز ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر ويبيت بها فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة وأقام بنمرة حتى تزول الشمس ثم يخطب الإمام خطبة يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة ثم ينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين.
ـــــــ
يفعله في إحرامه من الميقات من غسل وغيره ويطوف سبعا ويصلي ركعتين. "ومن حيث أحرم من الحرم، جاز" لحديث جابر لأن الأبطح خارج من البلد داخل في الحرم ولأن المقصود حاصل به كجمعه في نسكه بين الحل والحرم. "ثم يخرج إلى منى" قبل الزوال "فيصلي بها الظهر" مع الإمام إن أمكنه وبقية الصلوات إلى الفجر نص عليه "ويبيت بها" لقول جابر فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأحلوا بالحج فركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وظاهره أن المبيت بها ليس بواجب لأنه عطفه على المستحبات فلو صادف يوم التروية يوم الجمعة وجب عليه فعلها كمن يجب عليه. "وأقام حتى زالت الشمس" وإلا لم تجب "فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة" هي اسم لموضع الوقوف "وأقام بنمرة" هي موضع بعرفة وظاهر "المحرر" وغيره: أنها ليست منه قال الأزرقي هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت عن مأزمي عرفة. "حتى تزول الشمس" لحديث جابر وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى على عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له. "ثم يخطب الإمام خطبة" لقول جابر ثم أتى بطن الوادي فخطب الناس. "يفتتحها بالتكبير" قاله في "المستوعب" و"الترغيب" وغيرهما ويسن تقصيرها "يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة" يتذكر العالم ويتعلم الجاهل وظاهره أنه لا يخطب في اليوم السابع بعد صلاة الظهر بمكة واختار الآجري بلى يعلمهم ما يفعلونه يوم التروية.
"ثم ينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين"، لقول جابر ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر لم يصل بينهما

ثم يروح إلى الموقف وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وهو من الجبل المشرف على عرنة من الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة راكبا
ـــــــ
شيئا وقال أبو ثور يؤذن إذا صعد الإمام المنبر فإذا فرغ قام فخطب وقيل يؤذن في آخر خطبة الإمام قال في "الشرح": وكيفما فعل فحسن فإن لم يؤذن فلا بأس قاله أحمد والخرقي لأن كلا منهما روي عنه عليه السلام.
وظاهره يشمل كل واقف بعرفة من مكي وغيره لأنه عليه السلام جمع بينهما وكذلك كل من صلى معه ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال: "أتموا فإنا سفر" ولو حرم لبينه لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وبأن عثمان كان يتم الصلاة لأنه اتخذ بمكة أهلا ولم يترك الجمع ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلافه وشرط القاضي وأصحابه أنه يختص بمن يجوز له الجمع لأن سببه السفر الطويل فلا يجوز إلا حيث وجد سببه لأن الجمع كالقصر والقصر مختص بمن ذكرنا فكذا الجمع وقال القاسم وسالم يجوز لهم القصر كالجمع وعلى الأول يسن أن يعجل فإن فاته الجمع مع الإمام جمع في رحله نص عليه
"ثم يروح إلى الموقف" لقول جابر ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف
"وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة"، لقوله عليه السلام: "كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة" رواه ابن ماجه ولأنه لم يقف بعرفة فلم تجزئه كما لو وقف بمزدلفة وحكاه ابن المنذر إجماع الفقهاء.
"وهو" أي: حد عرفة "من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة لها إلى ما يلي حوائط بني عامر" لقوله عليه السلام: "كونوا على مشاعركم فإنكم اليوم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم".
"ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة" واسمه "إلال" على وزن "هلال" "راكبا" مستقبل القبلة لقول جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بطن ناقته القصواء إلى القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ولأن الركوب أعون له

وقيل: الراجل أفضل ويكثر من الدعاء ومن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت وهو على كل شيء قدير
ـــــــ
على الدعاء. ولا يشرع صعوده إجماعا قاله الشيخ تقي الدين وقيل: الراجل أفضل اختاره ابن عقيل و أبو يعلى الصغير وهو ظاهر كلام ابن الجوزي روى ابن ماجه عن ابن عباس أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يدخلون الحرم مشاة ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك مشاة وروي أن آدم حج أربعين مرة من الهند على رجليه ذكره ابن الجوزي وعن ابن عباس مرفوعا: "من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم" قيل له: وما حسنات الحرم قال: "بكل حسنة مائة ألف حسنة". ولأنه أخف على الراحلة وكسائر المناسك والعبادات وركوبه عليه السلام ليعلمهم المناسك ويروه فإنها عبادة وقيل سواء وقال الغزالي والشيخ ابن تيمية يختلف ذلك بحسب الناس
"ويكثر من الدعاء رافعا يديه" نص عليه لأنه يوم ترجى فيه الإجابة "و" يكثر "من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير" لما روى علي مرفوعا: "أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة: لا إله إلا الله" وذكره إلا قوله: "بيده الخير"
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير" رواه الترمذي. وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قيل له هذا ثناء وليس بدعاء فقال أما سمعت قول الشاعر:
أأذكر حاجتي قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء

اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت ولو لحظة وهو مسلم بالغ عاقل فقد تم حجه.
ـــــــ
" اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري" روي ذلك عنه عليه السلام وفي "المحرر" كـ"المقنع" وفي "الفروع" الاقتصار على حديث عمرو بن شعيب وفي "الوجيز": يدعو بما ورد.
فمنه ما روي عنه عليه السلام أنه دعا فقال: "اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفي عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خشعت لك رقبته وذل لك جسده وفاضت لك عينه ورغم لك أنفه".
"ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر"، لما روى عروة بن مضرس الطائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه له ورواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط كافة أئمة الحديث ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة فكان وقتا للوقوف كما بعد الزوال وترك الوقوف فيه لا يمنع كونه وقتا كما بعد العشاء وإنما ذلك وقت الفضيلة وقال ابن بطة وأبو حفص العكبري وهو رواية أوله من الزوال يوم عرفة وحكاه ابن المنذر والقرطبي إجماعا وفيه نظر.
"فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت ولو لحظة وهو مسلم بالغ عاقل فقد تم حجه" سواء كان جالسا أو قائما راكبا أو راجلا ولو نائما صححه صاحب "التلخيص" وجزم به المؤلف أو مارا مجتازا ولم يعلم أنها عرفة في الأصح فلا يصح من سكران ومغمى عليه في المنصوص بخلاف إحرام وطواف ويتوجه

ومن فاته ذلك فاته الحج ومن وقف بها نهارا ودفع قبل غروب الشمس فعليه دم وإن وافاها ليلا فوقف بها فلا دم عليه ثم يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة.
ـــــــ
في سعي مثله ولا مجنون بخلاف رمي جمار ومبيت
"ومن فاته ذلك فاته الحج" بغير خلاف نعلمه وسنده قوله عليه السلام الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه رواه أبو داود ولأنه ركن للعبادة فلم يتم بدونه كسائر العبادات.
فرع: إذا كان بينه وبين الموقف مقدار صلاة صلاها صلاة خائف في الأظهر اختاره الشيخ تقي الدين وقيل يقدم الصلاة وقيل عكسه.
"ومن وقف بها" أي بعرفة نهارا "ووقع قبل غروب الشمس فعليه دم" أي: يجب عليه الوقوف بها إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها حتى غربت الشمس رواه مسلم من حديث جابر وقال: "خذوا عني مناسككم" وظاهره صحة حجه في قول الجماهير إلا مالك فإنه قال لا حج له قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا من العلماء قال بقوله وممن أوجب الدم أكثر العلماء لقول ابن عباس من ترك نسكا فعليه دم ويجزئه شاة ومحله إذا لم يعد قبل الغروب إليها وفي "الإيضاح": قبل الفجر. وقيل إن عاد مطلقا. وفي "الواضح": ولا عذر وعنه لا يلزمه دم لواقف ليلا وعنه يلزم من دفع قبل الإمام لفعل الصحابة.
"وإن وافاها ليلا فوقف بها فلا دم عليه وحجه تام" بغير خلاف نعلمه لقوله عليه السلام: "من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج"، ولأنه لم يدرك جزءا من النهار فلم يلزمه شيء كمن منزله دون الميقات وأحرم منه.
"ثم يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة" سميت به من الزلف وهو التقرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي تقربوا ومضوا إليها وتسمى جمعا لاجتماع الناس بها.

وعليه السكينة فإذا وجد فجوة أسرع فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال فإن صلى المغرب في الطريق ترك السنة وأجزأه ومن فاتته الصلاة مع الإمام بمزدلفة أو بعرفة جمع وحده.
ـــــــ
"وعليه السكينة" قال أبو حكيم مستغفرا وقال الخرقي يكون في طريقه ملبيا ويذكر الله تعالى لقوله عليه السلام في حديث جابر وقد شنق للقصواء بالزمام ويقول بيده اليمنى: "أيها الناس السكينة السكينة"، وفيه أردف الفضل ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة
"فإذا وجد فجوة أسرع"، لقول أسامة ك ان النبي صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص أي أسرع قال هشام النص فوق العنق متفق عليه.
"فإذا وصل إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال" قال ابن المنذر لا اختلاف بين العلماء أن السنة أن يجمع بينهما لفعله عليه السلام رواه جابر وابن عمر وأسامة وظاهره أنه بغير أذان وإنما هو بإقامتين فقط فإن اقتصر على إقامة للأولى فلا بأس لحديث ابن عمر أنه عليه السلام جمع بينهما بإقامة واحدة رواه مسلم.
وإن أذن للأولى وأقام للثانية فحسن قاله في "المغني" و"الشرح" فإنه مروي عن جابر وهو متضمن لزيادة وكسائر الفوائت والمجموعات قال في "الشرح": واختار الخرقي الأول وفيه شيء قال ابن المنذر وهو آخر قولي أحمد لأن أسامة أعلم بحاله لأنه كان رديفه وإنما لم يؤذن للأولى لأنها في غير وقتها بخلاف المجموعتين بعرفة والسنة أن لا يتطوع بينهما بغير خلاف.
"فإن صلى المغرب في الطريق ترك السنة" المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم "وأجزأه" لأن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق كالظهر والعصر بعرفة. "ومن فاتته الصلاة مع الإمام بمزدلفة أو بعرفة جمع وحده" لفعل ابن عمر وهو في الأولى إجماع لأن الثانية منهما تصلى في وقتها ولأن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفردا كالجمع في السفر.

ثم يبيت بها فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم وإن دفع بعده فلا شيء عليه فإن وافاه بعد نصف الليل فلا شيء عليه وإن جاء بعد الفجر فعليه دم وحد المزدلفة ما بين المأزمين ووادي محسر فإذا أصبح صلى الصبح بغلس.
ـــــــ
"ثم يبيت بها" وهو واجب لأنه عليه السلام بات بها وقال: "خذوا عني مناسككم" وسماها موقفا. "فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم" لأن مبيت كل الليل أو أكثره بها واجب ولم يوجد واحد منهما فيكون تاركا للواجب فيجب الدم إذا لم يعد ليلا نص عليه
وعنه: لا يجب كرعاة وسقاة قاله في "المستوعب" وغيره وعلى المذهب لا فرق بين العامد والساهي والعالم والجاهل لتركه النسك
"وإن دفع بعده فلا شيء عليه" لقول عائشة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت رواه أبو داود ولأنه بات معظم الليل والمعظم كالكل فلم يكن تاركا للواجب.
"وإن وافاها بعد نصف الليل فلا شيء عليه" لأنه لم يدرك جزءا من النصف الأول فلم يتعلق به حكم كمن أدرك عرفات ليلا. "وإن جاء بعد الفجر" أي: طلوعه "فعليه دم" لتركه الواجب وهو المبيت بها ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء لقول ابن عباس كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى متفق عليه لما فيه من الرفق بهم ودفع المشقة عنهم.
"وحد المزدلفة: ما بين المأزمين" أي: مأزمي عرفة وهما جبلان "ووادي محسر" وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب ونبه المؤلف على ذلك ليعلمك أن أي موضع وقف منها أجزأه لأنه عليه السلام وقف بجمع وقال: "ارفعوا عن بطن محسر".
"فإذا أصبح صلى الصبح" بأذان وإقامة "بغلس" لقول جابر: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بها حين تبين له الصبح بأذان وإقامة وليتتبع وقت الوقوف عند

ثم يأتي المشعر الحرام فيرقى عليه أو يقف عنده و يحمد الله ويكبر ويدعو فيقول اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك: { فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. إلى أن يسفر ثم يدفع قبيل طلوع الشمس فإذا بلغ محسرا أسرع قدر رمية حجر.
ـــــــ
المشعر الحرام.
"ثم يأتي المشعر الحرام" سمي به لأنه من علامات الحج، "فيرقى عليه" إن أمكنه "أو يقف عنده ويحمد الله ويكبره"، لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآية [البقرة: 198]، وفي حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المشعر الحرام فرقى عليه فحمد الله وهلله وكبره. "ويدعو فيقول: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق : {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198 : 199] ويكرر ذلك "إلى أن يسفر" لحديث جابر : فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا "ثم يدفع" من مزدلفة "قبيل طلوع الشمس" ولا خلاف في استحبابه لفعله عليه السلام وقال عمر كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس رواه البخاري.
"فإذا بلغ محسرا" وهو واد بين مزدلفة ومنى وسمي به لأنه يحسر سالكه "أسرع" إن كان راجلا أو حرك مركوبه إن كان راكبا لقول جابر فلما أتى بطن محسر حرك قليلا قال الشافعي في "الإملاء": لعله فعل ذلك لسعة الموضع وقيل لأنه مأوى الشياطين "قدر رمية حجر". قال الأصحاب وعليه السكينة

ثم يأخذ حصى الجمار من طريقه أو من مزدلفة ومن حيث أخذه جاز ويكون أكبر من الحمص ودون البندق وعدده سبعون حصاة فإذا وصل إلى منى وحدها من وادي محسر إلى العقبة بدأ بجمرة العقبة فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة يكبر مع كل حصاة
ـــــــ
والوقار ويلبي مع ذلك
"ويأخذ حصى الجمار من طريقه أو من مزدلفة" لئلا يشتغل عند قدومه إلى منى بغير الرمي فإنه تحية منى كما أن الطواف تحية البيت وكان ابن عمر يأخذه من جمع وفعله سعيد بن جبير ولأنه إذا أخذه من غير منى كان ابعد من أن يكون قد رمي به. "ومن حيث أخذه جاز" قاله أحمد، ولا خلاف في الإجزاء لقوله عليه السلام لابن عباس غداة العقبة وهو على ناقته: "القط لي حصا" فلقطت له سبع حصيات من حصا الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: "مثل هذا فارموا" رواه ابن ماجه ويكره من الحرم وتكسيره وكذا من الحش قاله في "الفصول".
"ويكون أكبر من الحمص ودون البندق" كحصى الخذف لقول جابر كل حصاة منها مثل حصى الخذف.
"وعدده سبعون حصاة" لأنه يرمي جمرة العقبة يوم النحر بسبع وباقيها في أيام منى كل يوم بإحدى وعشرين كل جمرة بسبع فيكون المجموع ما ذكره. "فإذا وصل إلى منى" سميت به لأنه قدر فيها موت الهدايا والضحايا "وحدها من وادي محسر إلى العقبة" فدل على أنهما ليسا من منى لأن الحد غير المحدود.
ويستحب سلوك الطريق الوسطى التي يخرج على الجمرة الكبرى لفعله عليه السلام "بدأ بجمرة العقبة" هي آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة وهي عند العقبة وبها سميت فصار علما بالغلبة لأنه عليه السلام بدأ بها ولأنها تحية فلم يتقدمها شيء كالطواف بالبيت "فرماها بسبع حصيات" راكبا إن كان والأكثر ماشيا نص عليه "واحدة بعد واحدة يكبر مع كل حصاة" لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة

ويرفع يده حتى يرى بياض إبطه ولا يقف عندها ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي
ـــــــ
رواه مسلم ونقل حرب يرمي ثم يكبر ويقول اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا لأن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان ذلك وظاهره أنه إذا وضعها من غير رمي لا يجزئه لعدم الرمي بل لو طرحها أجزأت.
وظاهر "الفصول": لا لأنه لم يرم فلو رماها دفعة واحدة لم تجزئه عنهما ويؤدب نقله الأثرم فيجزئه عن واحدة ويكمل السبع وظاهره أنه لا يستحب غسلها واستحبه الخرقي في رواية لأنه يروي عن ابن عمر وفي حجر كبير وجهان.
ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ويرمي على حاجبه الأيمن لفعل عبد الله قال الترمذي حديث صحيح وله الرمي من فوقها لفعل عمر والأول أفضل.
"ويرفع يده" قال جماعة: يمناه "حتى يرى بياض إبطه" لأنه أعون على الرمي وأمكن ويشترط علم حصولها في المرمى فلو رماها فوقعت في غير المرمى فتدحرجت حصاة بسببها فوقعت فيه أو التقطها طائر بعد رميها قبل وصولها لم يجزئه فلو وقعت في مكان صلب ثم تدحرجت إليه أو وقعت على ثوب إنسان فنفضها من وقعت عليه أجزأه نص عليه وقال ابن عقيل لا يجزئه قال في "الفروع": وهو أظهر لأن فعل الأول انقطع فلو رماها وشك في وقوعها فيه لم يسقط وعنه بلى ذكره ابن البنا وقيل يكفي الظن بوقوعها فيه
فرع: إذا عجز عن الرمي جاز أن يستنيب فيه فإذا رمى ثم ترك لم يلزمه إعادته لأن الواجب سقط عنه.
"ولا" يسن "أن يقف عندها" لما روى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف رواه ابن ماجه وروى البخاري معناه في حديث ابن عمر ولضيق المكان.
"ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي" في قول الجمهور لما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة أخرجاه في الصحيحين ولأنه كان

فإن رمى بذهب أو فضة أو غير الحصى أو حجر رمي به مرة لم يجزئه ويرمي بعد طلوع الشمس فإن رمى بعد نصف الليل أجزأه.
ـــــــ
رديفه فهو أعلم بحاله وفي لفظ قطع عند أول حصاة رواه حنبل في "المناسك" ولأنه يتحلل به فشرع قطعها في ابتدائه كالمعتمر يقطعها بالشروع في الطواف.
"فلو رمى بذهب أو فضة لم يجزئه" لأنه عليه السلام لم يرم إلا بالحصى وهو تعبدي وعنه بلى فإن رمى بخاتم فصه حصاة فوجهان.
"أو غير الحصى" الظاهر أنه أراد به نحو الكحل والرخام وصرح به أبو الخطاب لأن شرطه الحجرية وهذا ليس منه ويلحق به الجواهر المنطبعة والزبردج والزبرجد والياقوت على المشهور وعنه تجزئ مع الكراهة وعنه تجزئ مع الجهل لا القصد لكن الرخام والكدان صرح في "المغني" و"الشرح" بالإجزاء فيه فدل أنه ملحق بالأحجار وعلى الأول لا ويحتمل أنه أراد الحجر الكبير وفيه روايتان والمذهب أنه لا يجزئ ونقل الزركشي: أنه يجزئه على المشهور لوجود الحجرية وكذا القولان في الصغير قاله في "المغني".
"أو حجر رمي به مرة لم يجزئه" في المنصوص لأنه استعمل في عبادة فلم يستعمل ثانيا كماء الوضوء ولأخذه عليه السلام إياه من غير المرمي ولأنه لو جاز لما احتيج إلى أخذه من غير مكانه.
"ويرمي بعد طلوع الشمس" هذا هو الأفضل وحكاه ابن عبد البر إجماعا لقول جابر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر رواه مسلم وذكر جماعة يسن بعد الزوال.
"فإن رمى بعد نصف الليل" أي: ليلة الأضحى "أجزأه" لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت وأفاضت رواه أبو داود.
وعنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس وقال ابن عقيل نصه للرعاء خاصة الرمي ليلا نقله ابن منصور والأول أولى لأنه وقت للدفع من مزدلفة فكان وقتا

ثم ينحر هديا إن كان معه.
ويحلق أو يقصر من جميع شعره وعنه يجزئه بعضه كالمسح.
ـــــــ
للرمي كبعد طلوع الشمس والأخبار محمولة على الاستحباب فإن أخره إلى آخر النهار جاز فإن غربت قبله فمن غد بعد الزوال.
"ثم ينحر هديا" واجبا كان أو تطوعا "إن كان معه" لحديث جابر أنه عليه السلام رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر أي بقى وأشركه في هديه فإن لم يكن معه هدي وعليه هدي واجب اشتراه ونحره وإلا فإن أحب الأضحية اشترى ما يضحي به.
قوله: "ثم ينحر" هو مختص بالإبل وأما غيره فيذبح وكأنه أشار أن الأولى في الهدي أن يكون من الإبل اقتداء به عليه السلام ولا إشكال في مسنونيته وسوقه ووقوفه بعرفة ليجمع فيه بين الحل والحرم وسيأتي.
"ويحلق" بعد النحر فالواو بمعنى "ثم" لأنه عليه السلام رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم عاد إلى منى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق فأخذ شقه الأيمن فحلقه فجعل يقسمه بين من يليه ثم حلق شق رأسه الأيسر رواه أبو داود فمن ثم تستحب البداءة بأيمنه ويستحب أن يبلغ العظم الذي عند منقطع الصدغ من الوجه ويستقبل القبلة وذكر جماعة ويدعو وفي "المغني" و"الشرح": يكبر وقت الحلق لأنه نسك قال أبو حكيم ولا يشارطه على أجرة ثم يصلي ركعتين "أو يقصر من جميع شعره" نص عليه لدعائه عليه السلام للمحلقين وللمقصرين وظاهره التخيير بينهما في قول الجمهور لأن بعضهم حلق وبعضهم قصر ولم ينكره ولكن الحلق أفضل بلا تردد لأنه أبلغ في العبادة وأدل على صدق النية ويكون التقصير من جميع الشعر لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} ولأنه بدل عن الحلق فاقتضى التعميم للأمر بالتأسي قال الشيخ تقي الدين لا من كل شعرة بعينها قال جماعة ويكون مقدار الأنملة لأنه من السنة.
"وعنه: يجزئه بعضه كالمسح" قاله ابن حامد لأنه في معناه قال في

والمرأة تقصر من شعرها قدر الأنملة ثم قد حل له كل شيء إلا النساء.
ـــــــ
"الفروع": فيجزئ ما نزل عن رأسه لأنه من شعره بخلاف المسح لأنه ليس رأسا ذكره في "الفصول" و"الخلاف" قال: ولا يجزئ شعر الأذن على أنه إنما لم يجزئ لأنه يجب تقصير جميعه.
فائدة: ظاهر كلام المؤلف والأكثر أن من لبد أو ضفر أو عقص فكغيره ونقل ابن منصور من فعل ذلك فليحلق أي وجب عليه قال في "الخلاف" وغيره لأنه لا يمكنه التقصير من كله لاجتماعه فإن لم يكن على رأسه شعر فظاهر كلامه في رواية المروذي أنه يجب إمرار الموسى على رأسه وحمله القاضي على الندب وقدمه في "الفروع"، وهو قول الأكثر.
ويستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه لأنه عليه السلام قلم أظفاره بعد حلق رأسه وكان ابن عمر يأخذ من شاربه وقال ابن عقيل وغيره ولحيته فإن عدم ذلك استحب أن يمر الموسى وقاله أبو إسحاق في ختان.
"والمرأة تقصر من شعرها قدر الأنملة" لما روى ابن عباس مرفوعا: "ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير" رواه أبو داود. ولأن الحلق في حقهن مثلة فعلى هذا تقصر من كل قرن قدر الأنملة ونقل أبو داود تجمع شعرها إلى مقدم رأسها ثم تأخذ من أطرافه قدرها وفي "منسك ابن الزاغوني": يجب أنملة والأشهر يجزئ أقل منها.
ولم يتعرض المؤلف لحكم العبد وقد صرح في "الوجيز" بأن حكمه كالمرأة وأنه يقصر ولا يحلق إلا بإذن سيده لأنه تنقص قيمته.
"ثم قد حل له" بعد الرمي والنحر والحلق أو التقصير "كل شيء إلا النساء" لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه فقد حل له كل شيء إلا النساء" رواه الأثرم، ولأحمد عن ابن عباس مرفوعا معناه فعلى هذا لا يباح له ما كان حراما عليه منهن من القبلة واللمس لشهوة قال القاضي وابنه وابن الزاغوني واقتصر عليه في "المغني" و"الشرح" وعقد النكاح.

وعنه: إلا الوطء في الفرج. والحلق والتقصير نسك إن أخره عن أيام منى فهل يلزمه دم على روايتين وعنه: أنه إطلاق من محظور
ـــــــ
وظاهر كلام جماعة حله قاله الشيخ تقي الدين وذكره عن أحمد. "وعنه:" يحل له كل شيء "إلا الوطء في الفرج" لأن تحريم المرأة ظاهر في وطئها ولأنه أغلظ المحرمات ويفسد النسك بخلاف غيره ونقل الميموني في المتمتع إذا دخل الحرم حل له بدخوله كل شيء إلا النساء والطيب قبل أن يحلق أو يقصر رواه مالك عن عمر ولأنه من دواعي الوطء أشبه القبلة.
"والحلق والتقصير نسك" من الحج والعمرة في ظاهر المذهب لقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] فوصفهم وامتن عليهم بذلك فدل أنه من العبادة مع قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] قيل: المراد به الحلق وقيل بقايا أفعال الحج من الرمي ونحوه ولأمره عليه السلام بقوله: "فليقصر أو ليحلق" ولو لم يكن نسكا لم يتوقف الحل عليه ولأنه عليه السلام دعا للمحلقين وللمقصرين وفاضل بينهم فلولا أنه نسك لما استحقوا لأجله الدعاء ولما وقع التفاضل فيه إذ لا مفاضلة في المباح.
فعلى هذا: يثاب على فعله ويذم بتركه "إن أخره عن أيام منى فهل يلزمه دم على روايتين": إحداهما: لا دم عليه قدمه جماعة وجزم به في "الوجيز" لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فبين أول وقته ولم يبين آخره فمتى أتى به أجزأ كالطواف والثانية عليه دم قدمه في "الفروع" لأنه ترك النسك في وقته أشبه تأخير الرمي وظاهره أن له تأخيره إلى آخر أيام النحر وصرح به في "المغني" و"الشرح" لأنه إذا جاز تأخير النحر المقدم عليه فتأخيره أولى ولكن عبارة "الشرح" أخص.
"وعنه أنه إطلاق من محظور" لقوله عليه السلام لأبي موسى حين قال أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم "طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل" متفق

لا شيء في تركه ويحصل التحلل بالرمي وحده فإن قدم الحلق على الرمي أو النحر جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه.
ـــــــ
عليه وفي حديث جابر معناه رواه مسلم فأمر بالحل من غير حلق ولا تقصير ولو كان نسكا لما أمر به إلا بعده فهو كاللباس والطيب "لاشيء في تركه" ويحصل التحلل بدونه وهو مخير بين فعله في أيام منى وبين تأخيره وتركه والأخذ من بعضه دون بعض لأنه ليس بواجب كغيره.
"ويحصل التحلل بالرمي وحده" يحتمل أن هذا تكملة الرواية فيكون معطوفا على قوله: "لاشيء في تركه" ويحتمل أنه مستأنف والأول أظهر واختلفت الرواية فيما يحصل به التحلل.
فالأكثر على أنه لا يحصل إلا بالرمي والحلق أو التقصير لأمره عليه السلام من لم يكن معه هدي أن يطوف ويقصر ثم يحل.
وعنه: أنه يحصل بالرمي وحده صححها في "المغني" لقوله: "إذا رميتم الجمرة حل لكم كل شيء إلا النساء".
وتحقيقه أن يقال: هل الأنساك ثلاثة أم اثنان فيه روايتان إحداهما أنه ثلاثة رمي وحلق وطواف والثانية هما نسكان رمي وطواف فعلى الأول يحصل التحلل الأول باثنين اختاره الأكثر ويحصل الثاني بفعل الثالث وعلى الثانية يحصل الأول بواحد منهما والثاني بالثاني فعليها الحلق إطلاق من محظور وفي التعليق نسك كالمبيت بمزدلفة ورمي يوم الثاني والثالث واختار المؤلف أنه نسك ويحل قبله وهو رواية.
والسنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف يرتبها كذلك رواه أبو داود من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
"وإن قدم الحلق على الرمي أو النحر جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه" في قول الأكثر لما روى ابن عمر أن رجلا قال يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح؟ قال: "اذبح ولا حرج" وقال آخر: ذبحت قبل أن ارمي قال: "ارم ولا حرج" وعن ابن

وإن فعله عالما فهل يلزمه دم على روايتين ثم يخطب الإمام خطبة يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي ثم يفيض إلى مكة ويطوف للزيارة
ـــــــ
عباس مرفوعا معناه متفق عليهما وإذا ثبت ذلك في الجاهل فالناسي مثله وكذا إذا زار أو نحر قبل رميه فلا دم عليه نص عليه.
"وإن فعله عالما" عامدا، "فهل يلزمه دم؟ على روايتين": أظهرهما أنه لا دم عليه روي عن عطاء وإسحاق لإطلاق ما تقدم والثانية نقلها أبو طالب وغيره يلزمه دم واختارها أبو بكر لأنه عليه السلام رتبها وأمر باتباعه ويستثنى منه حالة الجهل و النسيان بدليل قوله: "لم أشعر" فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل.
وظاهر نقل الميموني: يلزمه صدقة قال في "الشرح": لا نعلم خلافا أن الإخلال بالترتيب لا يخرج هذه الأفعال عن الإجزاء وإنما الخلاف في وجوب الدم.
"ثم يخطب الإمام خطبة بها يوم النحر" نص عليه لقول ابن عباس خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم النحر رواه البخاري قال جماعة بعد صلاة الظهر وفيه نظر لما روى رافع بن عمرو المزني قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد.
"ويفتتحها بالتكبير" قاله في "الرعاية" "يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي" لقول عبد الرحمن بن معاذ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار رواه أبو داود ولأن الحاجة تدعو إليه وعنه لا يخطب يومئذ نصره القاضي وأصحابه لأنها تسن في اليوم قبله فلا يسن فيه.
"ثم يفيض إلى مكة" لقول عائشة: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت يا رسول الله إنها أفاضت يوم النحر قال: "أخرجوا" متفق عليه.
"ويطوف للزيارة" هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم سمي به لأنه يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكة بل يعود إلى منى ويسمى طواف الإفاضة لأنه يأتي به عند

ويعينه بالنية وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر
ـــــــ
إفاضته من منى إلى مكة ويسمى طواف الصدر لأنه يصدر إليه من منى وقيل طواف الصدر هو طواف الوداع قال المنذري وهو المشهور إذ الصدر رجوع المسافر من مقصده. "ويعينه بالنية" لخبر: "الأعمال بالنيات" ولأن الطواف بالبيت صلاة وهي لا تصح إلا بنية معينة. "وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج إجماعا" قاله ابن عبد البر لقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [لحج: 29]، وقوله: "أحابستنا؟" فدل أن هذا الطواف لابد منه وأنه حابس لمن لم يأت به ووصفه بالتمام فإنه لم يبق من أركان الحج سواه فإذا أتى به حصل تمام الحج.
لا يقال: النص الوارد في عرفة لم يذكر فيه الطواف وأن الحج يتم بالوقوف بها لأنه من وقف بعرفة لم يبق حجه متعرضا للفوات والطواف ركن فيه ليس له وقت معين يفوت بفواته وليس فيه ما يمنع فرضيته.
وظاهره أن المتمتع لا يطوف للقدوم والمنصوص أن المتمتع يطوف للقدوم كعمرته بلا رمل ثم للزيارة لأن طواف القدوم كتحية المسجد عند دخوله قبل شروعه في الصلاة.
وعنه: يجوز قبل فعله الرجوع فيفعله عقب الإحرام ومنع في المغني مسنونية هذا الطواف وقال لم أعلم أن أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف بل المشروع طواف واحد للزيارة لمن دخل المسجد وأقيمت المكتوبة فإنه يكتفي بها مع أنه لم ينقل بالكلية وحديث عائشة دليل عليه فإنها قالت طافوا طوافا واحدا وهذا هو طواف الزيارة ولو كان المذكور طواف القدوم لأخلت بذكر الفرض الذي هو ركن الحج وحكم المكي إذا أحرم منها والمنفرد والقارن إذا لم يأتيا مكة قبل يوم النحر كالمتمتع
"وأول وقته: بعد نصف الليل من ليلة النحر" لأن أم سلمة رمت ثم طافت ثم

والأفضل فعله يوم النحر فإن أخره عنه وعن أيام منى جاز ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا أو لم يكن سعى مع طواف القدوم وإن كان قد سعى لم يسع ثم قد حل له كل شيء.
ـــــــ
رجعت فوافت النبي صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة وبينها وبين مكة فرسخان وعنه أول وقته طلوع فجر يوم النحر وهما مبنيان على أول وقت الرمي.
"والأفضل فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق" لقول جابر: ثم أفاض النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر إلى البيت فصلى بمكة الظهر وقد سبق حديث عائشة وابن عمر "فإن أخره" أي: طواف الزيارة "عنه" أي: يوم النحر "وعن أيام منى، جاز" لأنه يقال أمر بالطواف مطلقا فمتى أتى به صح بغير خلاف ذكره في "الشرح" وظاهره أنه لا دم عليه بتأخيره عن يوم النحر واختار في الواضح وجوبه بلا عذر ولا عن أيام منى كالسعي وصرح القاضي وغيره رواية من الحلق قال في "الفروع": ويتوجه مثله في سعي.
"ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا" لأن السعي أولا لعمرته فيشرع أن يسعى للحج "أو لم يكن سعى مع طواف القدوم" وهو المفرد والقارن فيسعى لأنه إما ركن أو واجب أو سنة ولم يأت به لأنه لا يكون إلا بعد طواف لفعله وأمره عليه السلام بمتابعته "وإن كان قد سعى" مع طواف القدوم "لم يسع" لقول جابر لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول ولأنه لا يستحب التطوع بالسعي كسائر الأنساك بغير خلاف نعلمه بخلاف الطواف فإنه صلاة.
"ثم قد حل له كل شيء" لقول عمر: لم يحل النبي صلى الله عليه وسلم من شيء حرم منه حتى قضى حجه وتم هديه يوم النحر فأفاض بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وعن عائشة نحوه متفق عليهما وظاهره أن الحل متوقف على السعي نص عليه في رواية أبي طالب وهو ظاهر على القول بركنيته وكذا إن قيل بوجوبه واختاره القاضي في "المجرد" وصاحب "المغني"، وحكاه في "التلخيص" رواية. وإن قلنا بسنيته ففي حله قبله وجهان وفي "المغني" احتمالان: أحدهما: نعم وهو ظاهر

ثم يأتي زمزم فيشرب منها لما أحب ويتضلع منه ويقول بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك
فصل:
ثم يرجع إلى منى ولا يبيت بمكة ليالي منى ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال
ـــــــ
كلام المجد لأنه لم يبق عليه شيء من الواجبات والثاني لا وقطع به في "التلخيص" لأنه من أفعال الحج فيأتي به في إحرامه بالحج.
"ثم يأتي زمزم فيشرب منها" لقول جابر ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب وهم يسقون فناولوه فشرب منه وفي "التبصرة": ويرش على بدنه وثوبه "لما أحب" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له" رواه ابن ماجه وقوله عليه السلام لأبي ذر: "إنها طعام طعم " أي: تشبع شاربها كالطعام. "ويتضلع منه" لقول ابن عباس لرجل تضلع منها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم" رواه ابن ماجه. ويستحب له استقبال الكعبة لقول ابن عباس إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله. "ويقول: بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك" لأنه لائق به وهو شامل لخير الدنيا والآخرة فيرجى له حصوله وقد ورد عن ابن عباس أنه كان إذا شرب منه يقول اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء قال الحاكم صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي.
فصل.
"ثم يرجع إلى منى" فيصلي بها الظهر يوم النحر نقله أبو طالب لقول ابن عمر: أفاض النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى متفق عليه. "ولا يبيت بمكة ليالي منى" بل يبيت بمنى ثلاث ليال "ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال" نص عليه ويسن قبل الصلاة وجوزه ابن الجوزي قبل

كل جمرة بسبع حصيات فيبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها بسبع حصيات ثم يتقدم قليلا فيقف يدعو الله تعالى ويطيل ثم يأتي الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها بسبع ويقف عندها فيدعو ثم يرمي جمرة العقبة بسبع ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي ولا يقف عندها ويستقبل القبلة في الجمرات كلها والترتيب شرط في الرمي
ـــــــ
الزوال. وفي "الواضح": بطلوع الشمس إلا ثالث يوم. "كل جمرة بسبع حصيات فيبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها بسبع حصيات ثم يتقدم قليلا" إلى مكان لا يصيبه الحصى "فيقف يدعو الله تعالى ويطيل ثم يأتي الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها بسبع ويقف عندها فيدعو" وقيدهما في "المحرر" قدر سورة البقرة "ثم يرمي جمرة العقبة بسبع ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي ولا يقف عندها ويستقبل القبلة في الجمرات كلها" لقول عائشة: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها رواه أبو داود وروى البخاري عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم فيسهل ويقوم قياما طويلا ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم ويستقبل القبلة قياما طويلا ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فلو ترك الوقوف عندها والدعاء بعد ترك السنة ولاشيء عليه وقال النووي يطعم شيئا وإن أراق دما كان أحب إلي وروي عن أحمد معناه.
"والترتيب شرط في الرمي" يعني: يبدأ بالجمرة الأولى ثم بالتي تليها لأنه نسك يتكرر فكان الترتيب شرطا فيه كالسعي فلو نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم

وفي عدد الحصى روايتان إحداهما سبع والأخرى يجزئه خمس فإن أخل بحصاة واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية فإن لم يعلم من أي الجمرات تركها بنى على اليقين وإن أخر الرمي كله فرماه في آخر أيام التشريق أجزأه ويرتبه بنيته وإن أخره عن أيام التشريق أو ترك المبيت بمنى من لياليها فعليه دم
ـــــــ
الثانية ثم الأولى أو بدأ بالوسطى لم يجزئه إلا الأولى وأعاد الوسطى والقصوى نص عليه.
"وفي عدد الحصى روايتان: إحداهما: سبع" وهي المذهب لفعله عليه السلام في حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وفعله خرج بيانا لصفة الرمي المشروع. "والأخرى: يجزئه خمس"، إذ الأكثر يعطى حكم الكل وقد ثبت عن الصحابة التساهل في البعض وعنه ست لما روى سعد قال رجعنا من الحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضنا يقول رميت بست وبعض يقول رميت بسبع فلم يعب بعضنا على بعض رواه الأثرم وعن ابن عمر معناه.
"فإن أخل بحصاة واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية" لإخلاله بالترتيب المشترط فلو كانت غير واجبة لم يؤثر. "فإن لم يعلم من أي الجمرات تركها بنى على اليقين"، ليتيقن براءة ذمته كما لو شك هل صلى ثلاثا أم أربعا.
"وإن أخر الرمي كله" ومن جملته رمي يوم النحر "فرماه في آخر أيام التشريق، أجزأه" لأنه وقت الرمي فإذا أخره إلى آخر وقته لم يلزمه شيء كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته لكنه ترك السنة ويكون أداء لأنه وقت واحد وقيل قضاء وحمله القاضي على الفعل لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] فلو أخر رمي يوم إلى الغد رمى رميين نص عليه "ويرتبه بنيته" ومعناه أن ينوى الأول فالأول لأن الرمي في أيام التشريق عبادات يجب الترتيب فيها مع فعلها في أيامها فوجب ترتيبها كالمجموعتين والفوات في الصلوات.
"وإن أخره عن أيام التشريق فعليه دم"، لقول ابن عباس ولأنه ترك نسكا

وفي حصاة أو ليلة واحدة ما في حلق شعرة وليس على أهل سقاية الحاج والرعاء مبيت بمنى فإن غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاء المبيت
ـــــــ
واجبا كما لو أخر الإحرام عن الميقات ولا يأتي به كالبيتوتة بمنى. "أو ترك المبيت بمنى من لياليها فعليه دم" اختاره الأكثر لوجوبه ولقول ابن عباس لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لأحد يبيت بمكة إلا العباس من أجل سقايته رواه ابن ماجه وعنه لا يجب اختاره أبو بكر لقول ابن عباس إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت ولأنه قد حل من حجه فلم يجب عليه المبيت بموضع معين وعنه يتصدق بشيء نقله الجماعة قاله القاضي.
"وفي حصاة أو" مبيت "ليلة ما في حلق شعرة" على الخلاف أما أولا فظاهر نقل الأثرم يتصدق بشيء قاله القاضي وعنه عمدا وعنه عليه دم قطع به في "المحرر"، وهو خلاف نقل الجماعة والأصحاب وعنه في ثنتين كثلاث في المنصوص وعنه واحدة هدر وعنه وثنتان وأما ثانيا فذكر جماعة أنه يلزمه دم وعنه كشعرة لأنها ليست نسكا بمفردها بخلاف مزدلفة قاله القاضي وعنه لا يجب شيء.
"وليس على أهل سقاية الحاج والرعاء مبيت بمنى" لما روى ابن عمر أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته متفق عليه وروى أبو البداح بن عاصم عن أبيه قال رخص النبي صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما رواه الترمذي وقال حسن صحيح ولأنهما يشتغلون باستقاء الماء والرعي فرخص لهم في ذلك فعلى هذا لهم الرمي بليل أو نهار.
فائدة: أهل السقاية هم الذين يسقون على زمزم والرعاء بضم بضم الراء وهاء في آخره وبكسر الراء ممدودا بلا هاء وهي لغة القرآن.
"فإن غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاء المبيت" لأن ترك المبيت بها إنما كان للحاجة فإذا غربت زالت حاجة الرعاء لأن وقته النهار وصار كالمريض الذي

دون أهل السقاية. ويخطب الإمام في اليوم الثاني من أيام التشريق خطبة يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم. فمن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل غروب الشمس، فإن غربت وهو بها لزمه المبيت والرمي من الغد.
ـــــــ
سقط عنه حضور الجمعة لمرضه فإذا حضرها تعينت عليه دون أهل السقاية لأنهم يسقون ليلا ونهارا.
فرع: من له مال يخاف ضياعه أو موت مريض قال المؤلف: وكذا عذر خوف أو مرض كالرعاء في ترك البيتوتة للمعنى.
"ويخطب الإمام في اليوم الثاني من أيام التشريق خطبة" لما روى أبو داود عن رجلين من بني بكر قالا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته. "يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم"، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ليذكر العالم ويعلم الجاهل نقل الأثرم من الناس من يقول يزور البيت كل يوم من أيام منى ومنهم من يختار الإقامة بمنى واحتج أحمد بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة.
"فمن أحب أن يتعجل في يومين" أي يعجل في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو النفر الأول "خرج قبل غروب الشمس"، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]، والتخيير هنا لجواز الأمرين وإن كان التأخير أفضل وظاهره يشمل مريد الإقامة بمكة وغيره وهو قول أكثر العلماء وعنه لا يعجبني لمن نفر الأول أن يقيم بمكة لقول عمر وحمله في "المغني" على الاستحباب محافظة على العموم فلو عاد فلا يضر رجوعه لحصول الرخصة وليس عليه رمي اليوم الثالث قاله أحمد ويدفن بقية الحصا في الأشهر زاد بعضهم: في المرمى. وفي "منسك ابن الزاغوني": يرمي بهن كفعله في اللواتي قبله.
"فإن غربت وهو بها لزمه المبيت والرمي من الغد"، لأن الشرع جوز التعجيل في اليوم وهو اسم لتأخر النهار فإذا غربت الشمس خرج من أن يكون في اليوم فهو

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24