كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين

وإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة
__________
استقر عليه أرش الأولتين بالاندمال ثم لزمته الثالثة بالخرق فإن اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الأخرى فعليه أرش موضحتين لأن سراية فعله كالفعل وأما إذا خرقه أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بجنايته "وإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه" لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره والقول قول المنكر وفي الترغيب يصدق من يصدقه الظاهر بقرب زمن وبعده فإن تساويا فالمجروح قال وله أرشان وفي ثالث وجهان.
"ومثله" أي مثل ما إذا أوضحه موضحتين بينهما حاجز ثم خرق ما بينهما "لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين" لأن جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث فإذا زادت صارت على النصف "فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه" أي في بقاء الثلاثين عليه "وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين" أحدهما يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر والثاني يلزمه أرش واحدة قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لاتصالهما في الباطن فإن أوضحه جماعة موضحة فهل يوضح من كل واحد بقدرها أو يوزع فيه الخلاف.
فرع: لو أوضح رأسه ومد السكين إلى قفاه فدية موضحة وحكومة لجرح القفا ويراعى نسبة الموضحة في العبد والذمي ويتعدد الأرش بتعدد الموضحة.
"وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة" لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحة فلأن لا يلزمه في الإيضاح

ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشر من الإبل فإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة وقيل يلزمه خمس من الإبل ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظاما ففيها خمسة عشر من الإبل ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى أم الدماغ.
__________
في البعض وشج الباقي أكثر من ذلك بطريق الأولى وكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من ذلك "ثم الهاشمة" وهي "التي توضح العظم وتهشمه" سميت به لهشمها العظم ففيها عشر من الإبل وهو قول زيد ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولا يعرف له مخالف في عصره ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة "فإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة" قدمه في المحرر والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز لأنه كسر عظم لا جرح معه أشبه قصبة الأنف.
"وقيل: يلزمه خمس من الإبل" لأنه لو أوضح وهشم لوجب عشر فإذا وجد أحدهما وجب خمس كالإيضاح وحده وكما لو هشمه على موضحة وعلم مما سبق أنه لا يجب أرش الهاشمة بغير خلاف لأن الأرش المقدر وجب في هاشمة معها موضحة.
أصل: إذا هشمه هاشمة لها مخرجان فثنتان فلو أوضح إنسانا في رأسه ثم أخرج رأس السكين من موضع آخر فموضحتان وكذا إذا أوضحه موضحتين هشم العظم في كل منهما واتصل الهشم في الباطن فهما هاشمتان لأن الهشم يكون تبعا للإيضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعا لغيرها.
"ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها" سميت بذلك لأنها تنقل عظامها وهي زائدة على الهاشمة وقيل تنقل من حال إلى حال.
"ففيها خمسة عشر من الإبل" بالإجماع حكاه ابن المنذر وسنده ما رواه سعيد عن علي بإسناد حسن وحديث عمرو بن حزم وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه "ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى أم الدماغ"

وتسمى المأمومة آمة ففيها ثلث الدية ثم الدامعة وهي التي تخرق الجلدة ففيها ما في المأمومة.
فصل
وفي الجائفة ثلث الدية.
__________
لأنها تحوطه وتجمعه "وتسمى المأمومة آمة" قال ابن عبد البر أهل العراق يقولون لها الآمة وأهل الحجاز المأمومة وهي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ يقال أم الرجل آمة ومأمومة ففيها ثلث الدية في قول أكثرهم لما في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم "في المأمومة ثلث الدية" ورواه سعيد عن علي بإسناد حسن ووافق مكحول على ذلك إذا كانت خطأ فإن كانت عمدا ففيها ثلثاها وجوابه أنها شجة فلا يختلف أرشها بالعمد والخطإ كسائر الشجاج.
"ثم الدامعة" بالعين المهملة "وهي التي تخرق الجلدة" أي جلدة الدماغ "ففيها ما في المأمومة" قال القاضي لم يذكر أصحابنا الدامعة لمساواتها المأمومة في أرشها ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب ولهذا قال ابن حمدان بل يجب فيها كل الدية لأنه لا يعيش وقيل فيها مع ما ذكر حكومة لخرق جلدة الدماغ.
مسألة: أوضحه رجل ثم هشمه آخر ثم جعلها ثالث منقلة ثم جعلها رابع مأمومة فعلى الأول أرش موضحة وعلى الثاني خمس تمام أرش الهاشمة وعلى الثالث خمس تمام أرش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث تمام أرش المأمومة ذكره في الشرح وغيره وفي الرعاية الكبرى على كل واحد خمس من الإبل وقيل على من هشم خمس أخرى وعلى من نقله عشر أخرى وعلى من أمه ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير وكمن أوضحه إيضاحة فقط.
فصل
"وفي الجائفة ثلث الدية" في قول عامتهم لقوله عليه السلام في كتاب عمرو

وهي التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر فإن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان وإن طعنه في خده فوصل الجرح إلى فمه ففيه حكومة
__________
ابن حزم "وفي الجائفة ثلث الدية" ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولأنها جراحة فيها مقدر فلم يختلف أرشها بالعمد والخطإ كالموضحة ولا نعلم في جراح البدن الخالية عن قطع الأعضاء وكسر العظام مقدرا غير الجائفة.
"وهي التي تصل إلى باطن الجوف" ولو لم يخرق الأمعاء "من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر" قال في الفروع وحلق ومثانة وبين خصيتين ودبر وفي الرعاية وهي ما وصل جوفا فيه قوة محيلة للغذاء من ظهر أو بطن وإن لم يخرق الأمعاء أو صدر أو نحر أو دماغ وإن لم يخرق الخريطة أو مثانة أو ما بين وعاء الخصيتين والدبر.
فرع: إذا أجافه جائفتين بينهما حاجز فثلثا الدية وإن خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية فجائفة فيها ثلث الدية لا غير فإن خرق ما بينهما أجنبي أو المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعل المجني عليه وإن احتاج إلى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو خرقها ولي المجني عليه أو الطبيب بأمره فلا شيء في خرق الحاجز و على الأول ثلث الدية "فإن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان" في قول الأكثر لما روى سعيد ثنا هشيم أنا حجاج قال أخبرني عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب "أن أبا بكر قضى في جائفة نفذت بثلثي الدية" وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت بأرش جائفتين" وكما لو طعنه من جانبين فالتقيا ولأنه أنفذه من موضعين كما لو أنفذه بضربتين وقيل واحدة لأن الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن إلى الجوف وهذه أي الثانية إنما نفذت من الباطن إلى الظاهر وجوابه أن الاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف لا بكيفية إيصاله إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى "وإن طعنه في خده فوصل الجرح إلى فمه" أو نفذ أنفا أو ذكرا أو جفنا إلى بيضة العين "ففيه حكومة"

ويحتمل أن تكون جائفة فإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك وإن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى
__________
في ظاهر المذهب لأن باطن الفم حكمه حكم الظاهر لا الباطن "ويحتمل أن تكون جائفة" لأنه وصل إلى جوف مخوف أشبه ما لو وصلت إلى الباطن.
فرع: إذا وطىء زوجة صغيرة أو نحيفة لا يوطأ مثلها فخرق ما بين مخرج بول ومني أو ما بين السبيلين فالدية إن لم يستمسك بول وإلا فجائفة وإن كانت توطأ مثلها لمثله أو أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة فيه ففعل ذلك فهدر لعدم تصور الزيادة وهو حق له أي له طلبه عند الحاكم بخلاف أجير مشترك ولها مع الشبهة والإكراه الدية إن لم يستمسك بول وإلا ثلثها ويجب أرش بكارة مع الفتق ولا يندرج في دية إفضاء على الأصح.
"فإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك" لأن الجراح موضع الجائفة فانفرد فيه بالضمان كما لو لم يكن معها جائفة وأما الحكومة فلأنه لا توقيت فيه وقد جرح قفاه وكما لو انفرد.
"وإن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان" لأن فعل كل منهما لو انفرد كان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى فعل غيره "وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة" لتوسيعه لأن جنايته لم تبلغ الجائفة وفي الترغيب وجه عليه حق جائفة.
"وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى" عليه أرشها لأنه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وحاصله إن فتق موضحة نبت شعرها فجائفة وإلا فحكومة وفي الترغيب إن اندملت فأوضحها آخر فقيل موضحة وقيل فحكومة وذكر الخلال وغيره رواية ابن منصور إن أوضحه فبريء ولم ينبت الشعر ثم أوضحه آخر فحكومة وإن التحم ما

فصل
وفي الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق بعيران.
__________
أرشه مقدر لم يسقط.
مسألة: إذا أدخل خشبه في دبره وفتح جلده في الباطن فوجهان.
فصل
"وفي الضلع" قال في المحرر والوجيز والنظم والحاوي والفروع وغيرهم إن جبر مستقيما "بعير" وإلا فحكومة "وفي الترقوتين" واحدهما ترقوة وهو العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف "بعيران" وفي كل واحدة منهما بعير نص عليه في رواية أبي طالب لما روى سعيد عن سفيان عن زيد بن أسلم عن سالم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال عمر في الضلع جمل والترقوة جمل وظاهر الخرقي وجزم به في الإرشاد أن في الواحدة بعيرين فيكون فيهما أربعة أبعرة وروي عن زيد لكن قال القاضي المراد بقول الخرقي الترقوتان معا وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير.
"وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق: بعيران" في رواية نقلها أبو طالب لما روى سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر أن فيه بعيرين وإذا كسر الزندين ففيهما أربعة أبعرة ولم يظهر له مخالف في الصحابة فكان كالإجماع.
والثانية وقدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز أن الواجب بعير نص عليها في رواية صالح ورواه عن عمر وعن أحمد في الزند الواحد أربعة أبعرة لأنهما عظمان وفيما سواه بعيران وزاد أبو الخطاب فجعل في عظم القدم بعيرين قال في المستوعب والزند هو الذراع ويسمى الساعد أيضا قال في الرعاية وهو بعيد قال المؤلف والصحيح أنه لا تقدير في غير الضلع

وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه حكومة والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برئت فما نقص فله مثله من الدية فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ بها أرش المقدر.
__________
والترقوتين والزندين فأتى الدليل وجوب الحكومة في هذه الأعضاء الباطنة كلها وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر ففيما عداها يبقى على مقتضى الدليل وذكر ابن عقيل فيها وفي ضلع حكومة ونقل حنبل فيمن كسرت يده أو رجله فيها حكومة وإن انجبرت.
"وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص" والعانة "ففيه حكومة" لأن الجناية على ذلك لا توقيت فيها أشبه الجراح التي لا توقيت فيها ولا نعلم فيه خلافا وإن خالف فيه أحد فهو قول شاذ لا يصار إليه.
فائدة: خرزة الصلب فقاره إن أريد بها كسر الصلب ففيه الدية وقال القاضي فيه حكومة والعصعص بضم العين عجب الذنب وهو العظم الذي في أسفل الصلب.
"والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برئت فما نقص" من القيمة "فله مثله من الدية" هذا هو قول الجمهور لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة منها كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان أرش عيبه مقدرا من الثمن ولا يقبل الحكومة إلا من عدلين خبيرين بالقيمة ولا تقويم إلا بعد البرء لأن أرش الجرح المقدر لا يستقر إلا بعد برئه.
"فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته" لأن الناقص بالتقويم درهم من عشرين وهو نصف عشرها فيكون فيه هنا نصف عشر الدية ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية.
"إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ بها أرش المقدر هذا

وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا فلا شيء فيها والله أعلم.
__________
استثناء مما تقدم وحاصله أن الحكومة إنما تجب فيه على نوعين أحدهما أن يكون في شيء مقدر وحكمه سبق الثاني أن يكون في شيء هو بعض المقدر فهذا لابد أن يلحظ فيه عدم مجاوزة أرش المؤقت مثل أن يشجه سمحاقا وهو دون الموضحة فإن بلغ بالتقويم أرشها أكثر من موضحة مثل أن تنقص الجناية أكثر من نصف عشر قيمته لم يجب الزائد لأنه لو وجب ذلك لكان قد وجب في شيء لا يبلغ موضحة أكثر من أرش الموضحة وهو غير جائز لأن الموضحة أكثر من ذلك والشين بها أعظم والمحل واحد.
"وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة" وهل يبلغ بها أرش المؤقت على روايتين ظاهر المذهب أنه لا يبلغ به أرش المؤقت قاله ابن هبيرة والنقص على حسب اجتهاد الحاكم ولا يزاد بحكومة في مقدر على ديته وفي جواز مساواته وجهان وعلى المنع ينقص الحاكم ما شاء لا يقال قد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع الإنسان أكثر من الواجب فيه لأنه إنما وجب دية النفس دية عن الروح وليست الأطراف بعضها بخلاف مسألتنا ذكره القاضي "وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع" لأنه إذا جرح أصبعا فبلغ أرشه أكثر من عشر الدية لا يجب أكثر من عشرها "وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها" أي إذا كانت الجراح في أنملة فبلغ أرشه أكثر من ثلاثة وثلث من الأول لا يجب أكثر من ثلاثة وثلث لأنه دية الأنملة.
"وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم" لأنه لابد من نقص لأجل الجناية فإذا كان التقويم بعد الاندمال يبقى ذلك وجب أن يقوم في حال اندمال جريان الدم ليحصل النقص.
"فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا فلا شيء فيها والله أعلم" إذا

باب العاقلة وما تحمله
وما تحمله عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء __________
لم يحصل بالجناية نقص في جمال ولا نفع كقطع أصبع زائدة أو قلع سن زائدة ولحية امرأة فاندمل الموضع من غير نقص أو زاد جمالا أو قيمة فوجهان: أصحهما: لا يجب شيء؛ لأنه لم يحصل بفعله نقص فلم يجب شيء كما لو لكمه فلم يؤثر والثاني يجب ضمانه لأنه جزء من مضمون فوجب ضمانه كغيره وقال أبو الخطاب إذا قطع لحية امرأة فإنها تقوم كأنها رجل له لحية ثم يقوم رجل قد ذهبت فما نقص وجب بقسطه وفيه نظر لأن لحية الرجل زين له وعيب في المرأة وتقدير العيب بالزين لا يصح.
فرع: إذا جنى عليه جناية لها أرش ثم قتله قبل اندمال الجرح دخل أرشه في دية النفس كما لو مات من سراية الجرح وإن قتله غيره وجب أرش الجرح كما لو اندمل وإن لطمه على وجهه فلم يؤثر فيه فلا ضمان كما لو شتمه.
باب العاقلة وما تحملهالعاقلة: جمع عاقل وهو المؤدي للدية يقال عقلت فلانا إذا أعطيته ديته وعقلت عن فلان إذا عزمت عنه ديته وأصله من عقل الإبل بالعقل وهي الحبال التي تثنى بها أيديها إلى ركبها وقيل اشتقاقه من العقل وهو المنع لأنهم يمنعون عن القاتل والعقل المنع ويسمى بعض العلوم عقلا لأنه يمنع من الإقدام على المضار وقيل لأنهم يتحملون العقل وهو الدية سميت بذلك لأنها تعقل لسان ولي المقتول وهي من غرم ثلث الدية فأكثر بسبب جناية غيره "وما تحمله" أي ما تحمله العاقلة هل يجب عليها ابتداء أو على القاتل ثم تحمله عنه فيه قولان كما قيل في فطرة الزوجة والولد ونحوهما مما يخرج عنه غيره هل يجب عليه ابتداء أو على المخرج.
ومن لا عاقلة له هل تجب في ذمته الدية أو لا على قولين.
"عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء" وهم

إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه وعنه أنهم من العاقلة أيضا وليس على فقير
__________
الأحرار العاقلون البلغ الأغنياء على المشهور لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة على عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها" رواه أبو داود ولأنهم عصبة أشبهوا سائر العصبات يحققه أن العقل موضوع على التناصر وهم من أهله ولأن العصبة في تحمل العقل كهم في الميراث في تقديم الأقرب فالأقرب وكون البعيد عصبة لأنه يرث المال إذا لم يكن وارث أقرب منه فهو كالقريب وكون عصبات الإنسان في الولاء من العاقلة لعموم قوله عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب.
"إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه" اختاره الخرقي وجزم به في الوجيز قال ابن المنجا وهو المذهب لما روى جابر أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا ميراثها لزوجها وولدها" رواه أبو داود وهذا يقتضي أن الأولاد ليسوا من العاقلة وكذا الآباء قياسا لإحدى العمودين على الآخر ولأن مال ولده ووالده كماله وخرج منه الإخوة بدليل لأن الخرقي خص العاقلة بالعمومة وأولادهم "وعنه أنهم من العاقلة أيضا" قدمه في الكافي والرعاية واختاره أبو بكر والشريف بل والأكثر لأنهم أحق من العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله وعنه هم عصبته إلا أبناءه إذا كان امرأة قال في المحرر وهو الأصح نقل حرب الابن لا يعقل عن أمه لأنه من قوم آخرين وفي المستوعب إلا أن يكون الابن من عصبة أمه فيكون من عاقلتها وكذا في البلغة وعلم منه أن العصبات من الإخوة من الأم وذوي الأرحام والنساء ليسوا من العاقلة بغير خلاف لأنهم ليسوا من أهل النصرة وعمدة العقل النصرة وليسوا منها كأهل المحلة والديوان " وليس على فقير" على المذهب لأن حمل العاقلة مواساة فلا يلزم

ولا صبي ولا زائل العقل ولا امرأة ولا خنثى مشكل ولا رقيق ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء وعنه أن الفقير يحمل من العقل ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال وعنه على عاقلته
__________
الفقير كالزكاة ولأنه وجب على العاقلة تخفيفا عن القاتل فلا يجوز التثقيل عليه لأنه كلفة ومشقة "ولا صبي ولا زائل العقل" حمل شيء منها لأن الحمل للتناصر وهما ليسا من أهلها وقيل يحمل المميز لأنه قارب البلوغ ولا امرأة لما ذكرنا "ولا خنثى مشكل" لاحتمال كونه امرأة فيحمل جناية عتيقهما من تحمل جنايتهما وعنه تعقل امرأة وخنثى بولاء ولا رقيق لأنه أسوأ حالا من الفقير.
"ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء" لأن حملها للنصرة ولا نصرة لمخالف له في دينه.
"وعنه: أن الفقير" المعتمل أي المحترف يحمل من العقل حكاها أبو الخطاب وهي قول أكثر العلماء لأنه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالغني وظاهره أن المريض والشيخ يحملان وصرح به في الرعاية وفي هرم وزمن وأعمى وجهان فلو عرف نسب قاتل من قتيله ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ذكره في المذهب.
"ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر" للخبر ولأنهم استووا في التعصيب والإرث فاستووا في تحمل العقل كالحاضرين.
"وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال" قدمه في الرعاية والفروع لأن خطأه يكثر فيجحف بهم ولأنه نائب عن الله فكان أرش جنايته في مال الله وكخطإ وكيل وعليها للإمام عزل نفسه ذكره القاضي وغيره "وعنه على عاقلته" أي على عاقلتهما قدمه السامري لقول علي لعمر ديته عليك لأنك أفزعتها ولأنه جان فكان خطؤه على العاقلة كغيره وكخطئهما في غير حكم وكذا الخلاف إن زاد سوطا كخطإ في حد أو تعزيز أو جهلا حملا أو بان من حكم بشهادته غير أهل.

وهل يتعاقل أهل الذمة على روايتين ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي ومن لا عاقلة له أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا وإن كان مسلما أخذ من بيت المال فإن لم يمكن
__________
"وهل يتعاقل أهل الذمة على روايتين" الأصح أنهم يتعاقلون لأن قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل ولأنهم من أهل النصرة كالمسلمين والثانية لا لأن حمل العاقلة يثبت على خلاف الأصل لحرمة قرابة المسلمين فلا يقاس عليهم غيرهم لعدم المساواة في الحرمة فإن اختلفت الملة كاليهود والنصارى فوجهان وفي الترغيب روايتان بناء على توريثهم وعدمه.
"ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي" لعدم التوارث وكمسلم وكافر وقيل بلى إن توارثا وقال ابن حمدان يعقل المعاهد إن بقي عهده إلى أصل الواجب وإلا فلا.
تذنيب: المرتد لا يعقل عنه لأنه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة فتكون جنايته في ماله وفيه وجه.
"ومن لا عاقلة له أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا" جزم به في الوجيز لأن بيت المال لا يعقل عنه وكمن رمى سهما ثم أسلم أو كفر قبل إصابته في الأصح وقدم في المحرر أنه يكون في بيت المال كمسلم ولم يرجح في الفروع شيئا.
"وإن كان مسلما أخذ من بيت المال" على الأصح لأن المسلمين يرثون من لا وارث له فيعقلون عنه عند عدم عاقتله كعصباته والثانية لا يحمل العقل بحال رجحها في المغني والشرح لأن بيت المال فيه حق للصبيان والنساء والمجانين ومن لا عقل عليه فلا يجوز صرفه فيما لا يجب عليهم فعلى الأول تكون حالة تؤخذ دفعة واحدة لأنه عليه السلام أدى دية الأنصاري دفعة واحدة وكذا عمر ولأن الدية بدل متلف وإنما أجل على العاقلة تخفيفا ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال وقيل تؤخذ في ثلاث سنين كالعاقلة "فإن لم يمكن" أي إذا تعذر سقطت نقله الجماعة وهو المراد

فلا شيء على القاتل ويحتمل أن تجب في مال القاتل أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا وهو أولى كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله ولو رمي وهو مسلم فلم يصب السهم حتى أرتد كان عليه في ماله ولو رمي الكافر سهاما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا فديته في ماله ولو جنى ابن المعتقة ثم أنجر ولاؤه ثم سرت جنايته فأرش الجناية في ماله لتعذر حمل العاقلة فكذا وهذا
__________
بقوله "فلا شيء على القاتل" لأن الدية لزمت العاقلة ابتداء بدليل أنها لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها فلا تجب على غير من وجبت عليه كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد.
"ويحتمل أن تجب في مال القاتل" لعموم قوله تعالى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ولأن مقتضى الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته وإنما سقط عنه لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل ولأن الأمر تردد بين إبطال دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف ولا يجوز الأول لمخالفة الكتاب والسنة وأصول الشريعة فتعين الثاني ولأن إهدار الدم المضمون لا نظير له وإيجاب الدية على قاتل الخطإ له نظائر "وهو أولى" من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال فإنه لا تكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء والدية تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم.
"كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله" لأنه لا عاقلة له تحملها "ولو رمى وهو مسلم فلم يصب السهم حتى ارتد كان عليه في ماله ولو رمى الكافر سهما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا فديته في ماله" إذا تغير دين جارح حالتي حرج وزهوق فالمذهب تحمله العاقلة حال الجرح وقيل أرش الجرح والزيادة بالسراية في ماله وقيل الكل في ماله وهو المرجح هنا لأنه قتيل قتل في دار الإسلام معصوم فتعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله "ولو جنى ابن المعتقة ثم انجر ولاؤه ثم سرت جنايته فأرش الجناية في ماله لتعذر حمل العاقلة فكذا هذا" وصورتها إذا رمى من عليه ولاء

فصل
ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا
__________
لموالي أمه فانجر ولاؤه إلى موالي أبيه ثم وقع سهمه في شخص فالدية في ماله ولهذا قال في المحرر والفروع فهو كتغير دين.
فصل
"ولا تحمل العاقلة عمدا" سواء كان مما يجب فيه القصاص أو لا لما روى ابن عباس مرفوعا قال "لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا" وروي عن ابن عباس موقوفا ولم يعرف له في الصحابة مخالف فيكون كالإجماع وعن عمر قال العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة رواه الدارقطني وحكى أحمد عن ابن عباس نحوه قال الزهري "مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا" رواه مالك ولأن حمل العاقلة إنما ثبت في الخطإ لكون الجاني معذورا تخفيفا عنه ومواساة له والعامد غير معذور ثم يبطل بقتل الأب ابنه فإنه لا قصاص فيه ولا تحمله العاقلة فلو قتله بحديدة مسمومة فسرى إلى النفس فوجهان أحدهما تحمله العاقلة لأنه ليس بعمد والثاني لا لأنه قتل بما لم يقتل مثلها غالبا أشبه من له القصاص.
"ولا عبدا" وهو قول ابن عباس وجماعة من التابعين ومعناه إذا قتل العبد قاتل وجبت قيمته في مال القاتل ولا شيء على عاقلته خطأ كان أو عمدا.
"ولا صلحا" لأنه لو حملته العاقلة أدى إلى أن يصالح بمال غيره ويوجب عليه حقا بقوله ومعناه أن يدعي عليه القتل فينكره ويصالح المدعي على مال فلا تحمله العاقلة لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره كالذي ثبت باعترافه وفسره القاضي وغيره بأن يصالح الأولياء عن دم العمد إلى الدية والأول أولى قاله في المغني والشرح لأن هذا يستغنى عنه بذكر العمد بل معناه صالح عنه صلح إنكار وجزم به في الروضة.
"ولا اعترافا" أي لم تصدقه به بغير خلاف نعلمه لأنه متهم في أن يواطئ

ولا ما دون ثلث الدية، ويكون ذلك بمال الجاني حالا إلا غرة الجنين إذا مات مع أمه فإن العاقلة تحملها مع دية أمه وإن ماتا منفردين لم تحملها العاقلة.
__________
من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمه إياها ولأنه لا يقبل إقرار شخص على غيره وحينئذ يلزمه ما اعترف ومعناه بأن يقر على نفسه بجناية خطإ أو شبه عمد فوجب ثلث الدية فأكثر إن لم تصدقه العاقلة.
"ولا ما دون ثلث الدية" كأرش الموضحة نص على ذلك لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني لأنه هو المتلف فكان عليه كسائر المتلفات لكن خولف في الثلث لإجحافه بالجاني لكثرته فما عداه يبقى على الأصل والثلث حد الكثير للخبر "ويكون ذلك" أي دية العمد وما بعده "في مال الجاني" لما ذكرنا أن مقتضى الأصل وجوب الجناية على الجاني "حالا" لأنه بدل متلف فكان حالا كقيمة المتلف من المتاع طإلا غرة الجنين إذا مات مع أمه" فإن العاقلة تحملها مع دية أمه نص عليه لأن ديتهما وجبت في حال واحدة بجناية واحدة مع زيادتها على الثلث وظاهره سواء سبقته بالزهوق أو سبقها به لأن الجناية واحدة وإنما تأخر بعض أثرها عن بعض وذلك لا يضر وقال أحمد هذا من قبل أنها نفس واحدة وقال الجناية عليهما واحدة فقيل له النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في كل منهما دية فقد فصل بينهما فلم يجب بشيء وفي عيون المسائل خبر المرأة التي قتلت المرأة وجنينها قال فوجه الدليل أنه قضى بدية الجنين على الجانية حيث لم تبلغ الثلث ونقل ابن منصور إذا شربت دواء عمدا فأسقطت جنينا فالدية على العاقلة قال في الفروع فيتوجه منه احتمال تحمل القليل وقد يقال هذا مختص بالجنين لكونه ديته دية نفس فيكون منزلا منزلة الدية الكاملة و إن كان دون الثلث لكونه دية نفس.
"وإن ماتا منفردين" بجنايتين صرح به في الوجيز "لم تحملها العاقلة" نص

لنقصها عن الثلث وتحمل جناية الخطأ على الحر إذا بلغت الثلث وقال أبو بكر ولا تحمل شبه العمد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين وقال الخرقي تحمله العاقلة وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر، ولكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان منه ما يسهل ولا يشق.
__________
عليه لنقصها عن الثلث لأن الواجب في ذلك غرة قيمتها خمس من الإبل وهي دون ثلث الدية "وتحمل جناية الخطإ على الحر إذا بلغت الثلث" لحديث أبي هريرة وفي تقييده بالخطأ والحر وبلوغ الثلث احتراز عن العمد والعبد وما دون الثلث "وقال أبو بكر ولا تحمل شبه العمد" هذا رواية وصححه ابن حمدان وقاله ابن شبرمة والزهري وقتادة لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض وهي دية مغلظة أشبهت دية العمد.
"ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين" قال في الشرح ولا نعلم خلافا في أنها تجب مؤجلة روي عن عمر وعلي وابن عباس وقال أبو بكر مرة هو في مال الجاني حالا وحكاه في الشرح عن قوم لأنها بدل متلف وجوابه بأنها تخالف سائر المتلفات واقتضى تغليظها من وجه وهو الأسنان وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها.
"وقال الخرقي تحمله العاقلة" هذا ظاهر المذهب في ثلاث سنين نص عليه قدمه في الكافي لحديث أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل الحديث لأنه لا يوجب قصاصا كالخطأ وعنه يجب مؤجلا كذلك في مال الجاني وقيل حالا قدمه في التبصرة والرعاية كغيره وذكر أبو الفرج تحمله العاقلة حالا وفي التبصرة لا تحمل عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون الثلث وجميع ذلك في مال جان في ثلاث سنين وفي الروضة دية الخطإ في خمس سنين في كل سنة خمسها.
"وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر" لأن التقدير من الشرع ولم يرد به "ولكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم" لأنه لا نص فيه فوجب الرجوع في تقديره إلى اجتهاد الحاكم كتقدير النفقات "فيحمل كل إنسان منهم ما يسهل ولا يشق" نص عليه لأن التحمل على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف

وقال أبو بكر: يجعل على الموسر نصف دينار وعلى المتوسط ربعا وهل يتكرر ذلك في الأحوال الثلاثة أولا على وجهين، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، ومتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم وإلا انتقل إلى من يليهم وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم.
__________
عنه ولا يخفف عن الجاني ما يثقل على غيره ويجحف به كالزكاة ولأن الإجحاف لو كان مشروعا كان الجاني أحق به فإذا لم يشرع في حقه فغيره أولى.
"وقال أبو بكر يجعل على الموسر" وهو مالك نصاب عند حلول الحول فاضلا عنه كحج وكفارة ظهار "نصف دينار" لأنه أقل ما يتقدر في الزكاة "وعلى المتوسط ربعا" قوله رواية عن أحمد لأن ما دون ذلك تافه لا تقطع اليد فيه.
"وهل يتكرر ذلك في الأحوال الثلاثة أو لا على وجهين" كذا في المحرر والفروع أحدهما يتكرر لأنه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فيتكرر بتكرار الحول كالزكاة والثاني لا لأنه يفضي إلى إيجاب أكثر من أقل الزكاة فيكون مضرا فعلى الأول يجب على الموسر دينار ونصف وعلى المتوسط ثلاثة أرباع لتكرره وعلى الثاني نصف على الموسر وربع على المتوسط لأنه لا يتكرر.
"ويبدأ بالأقرب فالأقرب" كالميراث سواء "فمتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم" لأنه حق يستحق بالتعصيب فقدم الأقرب فالأقرب ويقدم من يدلي بأبوين على من يدلي بأب في الأشهر كالميراث وفي الآخر سواء لأنه لا يستفاد بالتعصيب وذكر ابن عقيل في مساواة أخ لأبوين روايتين وخرج منها مساواة بعيد لقريب ويؤخذ من بعيد لغيبة قريب وقيل يكتب الإمام إلى قاضي بلد الأقرب الغائب ليطالبه بها.
"وإلا" أي وإن لم تتسع أموال الأقربين لها "انتقل إلى من يليهم" لأن الأقربين لم يكونوا موجودين فعلقت الدية بمن يليهم وكذا إذا تحمل الأقربون ما وجب عليهم وبقيت بقية "وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم" نص عليه لأنهم استووا في القرابة فكانوا سواء كما

فصل
وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين إن كان دية كاملة وإن كان الواجب ثلث الدية كأرش الجائفة وجب في رأس الحول وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث وباقيه في رأس الحول الثاني وإن كان دية امرأة أو كتابي فكذلك ويحتمل أن تقسم في ثلاث سنين وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث.
__________
لو قتلوا وكالميراث وقال ابن حمدان ويحتمل أن يأخذ الإمام ممن شاء.
فصل
"وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين" لا خلاف في وجوب دية الخطإ على العاقلة في ثلاث سنين لقول عمر وعلي ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف "إن كان دية كاملة لأنه لا مرجح لبعض السنين على بعض ولأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالا كالزكاة وحينئذ يجب في آخر كل حول ثلثها ويعتبر ابتداء السنة من حين وجوب الدية.
"وإن كان الواجب ثلث الدية كأرش الجائفة وجب في رأس الحول" أي في آخر السنة الأولى ولم يجب منه شيء حالا لأن العاقلة لا تحمل حالا وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث لأنه قدر ما يؤدى من الدية الكاملة فوجب لتساويهما في وقت الوجوب وباقيه في رأس الحول الثاني لأن ذلك محل القسط الثاني من الكاملة.
"وإن كان دية امرأة أو كتابي" لم يقتل عمدا قاله في الوجيز وفيه شيء "فكذلك" لأن هذا ينقص عن دية كاملة أشبهت أرش الطرف.
"ويحتمل أن تقسم في ثلاث سنين" لأن ذلك دية نفس كاملة أشبه دية المسلم "وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث" لأن الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في

وابتداء الحول في الجرح من الاندمال وفي القتل من حين الموت وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شيء فحوله من حين القطع ومن مات من العاقلة أو افتقر سقط ما عليه وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه وعمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله.
__________
السنة عن الثلث فكذا لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث وكذا إذا قتلت المرأة وجنينها بضربة بعد ما استهل لم تزد في كل حول على قدر الثلث وقال القاضي وأصحابه دية نفس في ثلاث سنين وقيل الكل فلو قتل اثنين فديتهما في ثلاث لأن كل واحد له دية فيستحق ثلثها كما لو انفرد حقه وقيل في ست سنين فأما إذا كان الواجب دون الثلث كدية الأصبع لم تحملها العاقلة ويجب حالا لأنها بدل متلف "وابتداء الحول في الجرح من الاندمال" لأن الأرش لا يستقر إلا بالبرء "وفي القتل من حين الموتط لأنه حالة الوجوب سواء كان قتلا موحيا أو عن سراية جرح "وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شيء فحوله من حين القطع" لأن تلك حالة الوجوب ولهذا لو قطع يده وهو ذمي فأسلم ثم اندملت وجب نصف دية ذمي وحاصله أن عنده أن ابتداءه في القتل الموحي والجرح الذي لم يسر عن محله من حين الجناية وقيل في الكل عند الترافع إلى الحاكم.
"ومن مات من العاقلة أو افتقر قبل تمام الحول سقط ما عليه" بغير خلاف نعلمه لأنه مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة أشبه الزكاة "وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه" لأنه حق تدخله النيابة لا يملك إسقاطه في حياته أشبه الدين ولأنه وجب عليه لحولان الحول فلم يسقط كالزكاة "وعمد الصبي والمجنون خطأ" نص عليه في رواية ابن منصور لأنه لا يتحقق منهما كمال القصد فوجب أن يكون كخطإ البالغ "تحمله العاقلة" لأنه لا يوجب القود فحملته كغيره.
"وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله" لأنه عمد يجوز تأديبه عليه أشبه البالغ العاقل والمراد به المميز لكن قال ابن عقيل والحلواني تجب

باب كفارة القتل
ومن قتل نفسا محرمة خطأ أو أجري مجراه أو شارك فيها أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة
__________
مغلظة وفي الواضح رواية في ماله بعد عشر سنين ونقل أبو طالب ما أصاب الصبي من شيء فعلى الأب إلى قدر ثلث الدية فإذا جاوز ثلث الدية فعلى العاقلة فهذا رواية لا تحمل الثلث والأول أولى وما ذكروه ينتقض بشبه العمد.
باب كفارة القتلالكفارة مأخوذة من الكفر وهو الستر لأنها تغطي الذنب وتستره والأصل فيها الإجماع وسنده قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 97] فذكر في الآية ثلاث كفارات إحداهن يقتل المسلم في دار الإسلام خطأ. الثاني يقتل في دار الحرب وهو لا يعرف إيمانه بقوله {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الثالث يقتل المعاهد وهو الذمي في دار الإسلام لقوله عز وجل {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فأوجب الكفارة بالقتل في الجملة وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا.
"ومن قتل نفسا محرمة خطأ" للآية الكريمة سواء قتلها بمباشرة أو بسبب بعد موته نص عليه بغير حق ولو مستأمنا وظاهره ولو قتل نفسه "أو ما أجرى مجراه" لأنه أجري مجراه في عدم القصاص فكذا يجب أن يجري مجراه في الكفارة أو شارك فيها" أي على كل واحد من المشتركين كفارة في قول الأكثر لأن الكفارة موجب قتل الآدمي فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء كالقصاص.
"أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة" لأنه قتل نفسا محرمة أشبه قتل الآدمي بالمباشرة وفي الإرشاد إن جنى عليها

مسلما كان المقتول أو كافرا حرا أو عبدا وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا ويكفر العبد بالصيام وعنه على المشتركين كفارة واحدة فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه.
__________
فألقت جنينين فأكثر فقيل كفارة وقيل تتعدد قال في الفروع فيخرج مثله في جنين وأمه والمذهب أنه لابد من إلقاء جنين كامل لأنه قتل نفسا بغير حق فكان فيه الكفارة كالمولود وقيل تجب ولو بإلقاء مضغة لم تتصور.
"مسلما كان المقتول أو كافرا" لأن الكافر آدمي مقتول ظلما فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم "حرا أو عبدا" في قول أكثرهم لعموم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النساء: 92] ولأنه يجب بقتله القصاص في الجملة فوجب بقتله الكفارة كالحر ولأنه مؤمن أشبه الحر.
"وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا" مسلما أو كافرا لأنه حق مالي يتعلق بالقتل فتعلقت بهم كالدية والصلاة والصوم عبادتان بدنيتان وهذه مالية أشبهت نفقة الأقارب وكفارة اليمين تتعلق بالقول ولا قول لهما وهذه تتعلق بالفعل وفعلهما متحقق ويتعلق بالفعل ما لا يتعلق بالقول بدليل إحبالهما وأما الكافر فتكون عقوبة له كالحدود وعنه لا تجب عليه نقلها بكر بن محمد وزاد أبو حنيفة عليه الصبي والمجنون لأنها عبادة محضة تجب بالشرع فلم تجب عليهم كالصوم وكفارة اليمين وجوابه ما سبق.
"ويكفر العبد بالصيام" لأنه لا مال له وعنه على المشتركين كفارة واحدة" لعموم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} الآية [النساء: 92] و من تتناول الواحد والجماعة ولأن الدية لا تتعدد فكذا الكفارة ولأنها كفارة قتل فلم تتعدد بتعدد القاتلين مع اتحاد المقتول ككفارة الصيد الحرمي.
"فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه" لأنه قتل مأمور به والكفارة لا تجب لمحو المأمور به والخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة لأنه كقتل المجنون لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة

فصل:
وفي قتل العمد روايتان: إحداهما لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة.
__________
فلذلك وجبت الكفارة فيها وقال قوم الخطأ محرم ولا إثم فيه وقيل ليس بمحرم لأن المحرم ما أثم فاعله والاستثناء في الآية منقطع وإلا في موضع لكن وقيل في موضع لا أي ولا خطأ وهو بعيد لأن الخطأ لا يتوجه إليه النهي لعدم إمكان التحرز منه.
فصل
لا تلزم قاتلا حربيا قاله في الترغيب وغيره ولا قاتلا نساء حرب وذريتهم ومن لم تبلغه الدعوة قال الخطابي من لم تبلغه الدعوة تجب فيه الكفارة والدية وفي وجوب الدية خلاف بين العلماء وجوابه بأنه لا إيمان لهم ولا أمان وإنما منع من قتلهم لانتفاع المسلمين بهم بصيرورتهم أرقاء.
"وفي قتل العمد" وشبه العمد "روايتان إحداهما لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة" أما العمد فالمشهور في المذهب أنه لا كفارة فيه قدمه في الكافي ونصره في الشرح لمفهوم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} واحتج جماعة بقوله تعالى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] فمن زعم أن ذلك يسقط بالتكفير احتاج دليلا يثبت بمثله نسخ القرآن زاد في عيون المسائل وأين الدليل القاطع على أنه إذا تاب أو كفر قد شاء الله أن يغفر له ولا فرق في العمد الموجب للقصاص و غيره.
والثانية تجب اختاره الخرقي وأبو محمد الجوزي لما روى واثلة بن الاسقع قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب القتل فقال أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" رواه أبو داود بإسناد ضعيف ولأنها إذا وجبت في قتل الخطأ فلأن تجب في العمد بطريق الأولى والأولى أصح لأنه يقال ذكر قتل الخطأ وأوجب فيه الكفارة ثم ذكر قتل العمد من غير ذكر كفارة

باب القسامة
وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل
__________
فيه مع أن سويد بن الصامت قتل رجلا فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجبا لأنه فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم تبرعا.
وأما شبه العمد فالأصح أنها تجب فيه جزم به في الكافي والمستوعب وغيرهما وفي المغني تجب فيه الكفارة ولا أعلم لأصحابنا فيه قولا لأنه أجري مجرى الخطإ في نفس القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة والثانية لا تجب وبعدها ابن المنجا واختارها أبو بكر لأن ديته مغلظة.
تذنيب: من لزمته ففي ماله وقيل ما حمله بيت المال من خطإ إمام وحاكم ففيه ويكفر عن غير مكلف وليه نقل مهنا القتل له كفارة وكذا الزنا ونقل الميموني ليس بعد القتل شيء أشد من الزنا.
باب القسامةالقسامة اسم للقسم أقيم مقام المصدر من أقسم إقساما وقسامة وهي الحلف قال الأزهري هم القوم الذين يقسمون في دعواهم على رجل أنه قتل صاحبهم سموا قسامة باسم المصدر كعدل و رضى وإنما هي الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة.
"وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل" أي في دعوى قتل معصوم وظاهر الخرقي موجب للقود والأصل فيها ما روي عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج "أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا إلى خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود به فجاءه أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال كبر كبر فتكلما في أمر صاحبهما فقال أتحلفون

ولا تثبت إلا بشروط أربعة: أحدها دعوى القتل ذكرا كان المقتول أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو ذميا وأما بالجراح فلا قسامة فيه.
__________
وتستحقون دم قاتلكم قالوا كيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار قال فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" رواه الجماعة.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية" رواه أحمد ومسلم.
قال ابن قتيبة في المعارف أول من قضى بالقسامة في الجاهلية الوليد بن المغيرة فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
"ولا تثبت إلا بشروط أربعة أحدها دعوى القتل" عمدا كان أو خطأ نص عليه في رواية حنبل لأن كل حق لآدمي لا يثبت لشخص إلا بعد دعواه أنه له والقتل من الحقوق فيندرج تحت ذلك وقيل لا قسامة في خطإ.
"ذكرا كان المقتول أو أنثى" للخبر السابق ولأن القصاص يجري فيها فشرعت القسامة فيها كذلك.
"حرا أو عبدا مسلما أو ذميا" ولأن العبد والذمي يوجب القصاص في المماثل له فأوجب القسامة في ذلك كالحر والمسلم أما المقتول إذا كان حرا مسلما فلا خلاف فيه سواء كان المدعى عليه مسلما أو كافرا لقضية عبد الله بن سهل والمدبر والمكاتب وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن.
وإن قتل مسلم كافرا أو حر عبدا فظاهر الخرقي لا تجب القسامة وحكاه في الفروع قولا لأن القسامة إنما تكون فيما يوجب القود وكقتل البهيمة وقال القاضي وهو ظاهر المتن وكلام الأكثر تشرع لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كالحر المسلم ولأن ما كان حجة في قتل المسلم الحر كان حجة في قتل العبد والذمي.
"وأما الجراح فلا قسامة فيه" لا نعلم فيه خلافا لأن القسامة ثبتت في النفس

الثاني: اللوث وهو العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب وعنه ما يدل على أنه يغلب على الظن صحة الدعوى به كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان ونحو ذلك.
__________
لحرمتها فاختصت بها كالكفارة وكالأطراف نص عليه والدعوى فيه كالدعوى في سائر الحقوق البينة على المدعي واليمين على من أنكر يمينا واحدة لأنها دعوى لا قسامة فيها فلا تغلظ بالعدد كالدعوى في المال.
"الثاني اللوث وهو العداوة الظاهرة" ولو مع سيد عبد قال في الرعاية وعصبة مقتول "كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب وكما بين البغاة وأهل العدل وبين الشرطة واللصوص على الأشهر لأن مقتضى الدليل أن لا تشرع القسامة ترك العمل به في العداوة الظاهرة ونقل علي بن سعيد أو عصبية للخبر وظاهره أنه لا يشترط مع العداوة ألا يكون في الموضع الذي به القتل غير العدو نص عليه وهو ظاهر الخرقي ونصره المؤلف لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لأنها كانت أملاكا للمسلمين يقصدونها لأخذ غلال أملاكهم وشرطه القاضي لأن الأنصاري قتل في خيبر ولم يكن بها إلا اليهود وهم أعداء ثم ناقض قوله بأن قال في قوم ازدحموا في مضيق وتفرقوا عن قتيل فقال إن كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله فهو لوث فجعل العداوة لوثا مع وجود غير العدو.
"وعنه ما يدل على أنه يغلب على الظن صحة الدعوى به كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل ثم من معه سيف ملطخ بدم وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان" ويعتبر مجيئهم متفرقين لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب "ونحو ذلك" كشهادة عدل واحد اختاره أبو محمد الجوزي وابن رزين والشيخ تقي الدين لأنه يغلب على الظن صدق المدعي

فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث.
__________
أشبهت العداوة ورد بأن هذا ليس بلوث لقوله في الذي قتل في الزحام يوم الجمعة ديته في بيت المال وقال فيمن وجد مقتولا في المسجد الحرام ينظر من كان بينه وبينه في حياته عداوة لأن اللوث إنما يثبت بالعداوة لقضية الأنصاري ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم يثبت بالمظنة ولا يقاس في المظان لأن الحكم إنما يتعدى بتعدي سببه والقياس في المظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون.
فرع: إذا شهدا أنه قتل أحد هذين القتيلين لم تثبت الشهادة ولم يكن لوثا بغير خلاف علمناه وإن شهدا أن هذا القتيل قتله أحد هذين أو شهد أحدهما أن هذا قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه قتله بسكين لم تكمل الشهادة ولم يكن لوثا اختاره القاضي لكن المنصوص أنه إذا شهد أحدهما بقتله والآخر بالإقرار بقتله أنه يثبت القتل واختاره أبو بكر هنا وفيما إذا شهد أحدهما أنه قتله بسيف والآخر بسكين لأنهما اتفقا على القتل واختلفا في صيغته "فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث" في قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لو يعطى الناس بدعواهم" الخبر وكالوالي.
وقال "مالك والليث" هو لوث لأن قتيل بني إسرائيل قال فلان قتلني فكان حجة.
وجوابه: أنه لا قسامة فيه فإن ذلك كان من آيات الله تعالى ومعجزات نبيه موسى عليه السلام ثم ذاك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديته إلى تهمة البريئين لكن نقل الميموني أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ إذا كان سبب بين إذا كان ثم عداوة إذا كان مثل المدعي عليه يفعل ذلك.
تنبيه: إذا وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه على رجل أو جماعة وليس بينهم عداوة ولا لوث فهي كسائر الدعاوي وإن كان لهم بينة حكم بها وإلا قبل قول المنكر وقال الحنفية إذا ادعى أولياؤه قتله على أهل المحلة أو على معين فللولي أن يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يمينا والله

ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولا غيرها وعن أحمد أنه يحلف يمينا واحدة وهي الأولى وإن كان خطأ حلف يمينا واحدة.
__________
ما قتلناه ولا علمنا قاتله فإن نقصوا عن الخمسين كررت الأيمان عليهم حتى تتم فإن حلفوا وجبت الدية على باني الخطة فإن لم يكن وجبت على سكان الموضع فإن لم يحلفوا حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا لأثر عن عمر على أنه محتمل قال ابن المنذر سن النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر.
وعلم مما سبق أنه لا تسمع الدعوى على غير معين كسائر الدعاوي وأنه لا يشترط أن يكون بالقتيل أثر في قول الجماعة لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا مع أن القتل يحصل بما لا أثر له كغم الوجه.
وعنه: يشترط ذلك اختاره أبو بكر لأنه إذا لم يكن به أثر احتمل أنه مات حتف أنفه فعلى هذه إن خرج دم من أذنه فهو لوث وكذا إن خرج من أنفه في وجه وقيل أو شفته وجوابه ما تقدم.
"ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولا غيرها" هذا رواية قال في الفروع وهي أشهر سواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله أشبه الحدود ولا يحكم له بالقسامة لأن من شرطها المرتب عليها القتل أو الدية وجود اللوث وهو منتف هنا.
"وعن أحمد يحلف يمينا واحدة" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لقوله عليه السلام ولكن اليمين على المدعى عليه رواه مسلم وكدعوى المال وهي الأولى والأصح فعلى هذه إن حلف المدعى عليه فظاهر وإن امتنع لم يقض عليه بقود بل بدية وقيل لا يجب ويخلى سبيله.
وعنه: يحلف خمسين يمينا لأنه دعوى في قتل أشبه ما لو كان بينهم لوث "وإن كان خطأ حلف يمينا واحدة" لأن النكول هنا يقضى به لأن موجبه مال بخلاف القصاص

الثالث: اتفاق الأولياء على الدعوى فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض لم تثبت القسامة الرابع أن يكون في المدعين رجال عقلاء ولا مدخل للنساء والصبيان المجانين في القسامة عمدا كان القتل أو خطأ فإن كانا اثنين أحدهما غائب أو غير مكلف فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية.
__________
"الثالث اتفاق الأولياء على الدعوى" لأنها دعوى قتل فاشترط اتفاق جميعهم فيها كالقصاص "فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض" بأن قال قتله هذا أو قال الآخر لم يقتله هذا أو قال بل قتله هذا الآخر "لم تثبت القسامة" نص عليه سواء كان المكذب عدلا أو فاسقا لأنه مقر على نفسه بتبرئة من ادعى عليه بقتل كما لو ادعيا دينا لهما.
"الرابع: أن يكون في المدعين رجال عقلاء" لقوله عليه السلام "يقسم خمسون رجلا منكم" ولأن القسامة حجة يثبت بها قتل العمد فاعتبر كونها من رجال عقلاء كالشهادة ويستثنى منه المرتد وقت موت مورثه الحر لعدم إرثه ولو اسلم بل بعد موته "ولا مدخل للنساء" في القسامة أي لم يستحلفن لما ذكرناه ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل ولا مدخل لهن في إثباته وقال ابن عقيل تقسم في الخطإ فلو كان جميع الذرية نساء فاحتمالان وفي الخنثى وجهان.
أحدهما: يقسم لأن سبب الاستحقاق وجد في حقه وهو الاستحقاق من الدية ولم يتحقق المانع من يمينه والثاني: لا يقسم كالمرأة "والصبيان والمجانين في القسامة" لأن قولهما ليس بحجة بدليل أنهما لو أقرا على أنفسهما لم يقبل فكذا لا يقبل قولهما في حق غيرهما بطريق الأولى.
"عمدا كان القتل أو خطأ" لأن الخطأ أحد القتلين أشبه الآخر لا يقال الخطأ يثبت المال وللنساء مدخل فيه لأن المال يثبت ضمنا لثبوت القتل ومثله لا يثبت بالنساء بدليل ما لو ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها وأقام رجلا وامرأتين أنه لا يقبل "فإن كانا اثنين" أو أكثر.
"أحدهما غائب أو غير مكلف" أو ناكل عن اليمين قاله في المحرر والوجيز "فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية" لأن القسامة حق له ولغيره فقيام المانع

وهل يحلف خمسين يمينا أو خمسا وعشرين على وجهين وإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمسا وعشرين وله بقيتها والأولى عندي ألا يستحق شيئا حتى يحلف الآخر وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا
__________
بصاحبه لا يمنع من حلفه واستحقاقه نصيبه كالمال المشترك بينهما.
"وهل يحلف خمسين يمينا أو خمسا وعشرين على وجهين" كذا في المحرر والفروع.
أحدهما: يحلف خمسين لأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة والبينة هنا هي الأيمان بدليل ما لو ادعى أحدهما دينا لأبيهما.
الثاني: يحلف بقسطه جزم به في الوجيز وهو أشهر لأنه لو كان الجميع حاضرين لم يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان فكذا مع المانع لكن لا قسامة حتى يحضر الغائب ويبلغ الصبي لأن الحق لا يثبت إلا بالبينة وهي الأيمان هنا ولأن الحق إن كان قصاصا فلا يمكن تبعيضه وغيره لا يثبت إلا بواسطة ثبوت القتل.
وقال القاضي: إن كان القتل عمدا فكذلك وإن كان موجبا للمال فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية وهذا قول أبي بكر وابن حامد ونصره المؤلف وغيره وقال ابن حامد يقسم بقسطه من الأيمان لأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية كما لو كان الجميع حاضرين.
"وإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمسا وعشرين" وجها واحدا "وله بقيتها" لأنه يبني على أيمان صاحبه المتقدمة وقال أبو بكر والقاضي يحلف خمسين كصاحبه فكذا هو فلو قدم ثالث أو بلغ فعلى قولهما يحلف سبع عشرة يمينا وعلى الآخر خمسين.
وإذا قدم رابع فهل يحلف ثلاثة عشر يمينا أو خمسين فيه الخلاف "والأولى عندي ألا يستحق شيئا حتى يحلف الآخر" لأن ذلك موجب أيمانه.
"وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا" لأن اللوث من شروطها وفاقا ولا يتحقق إلا في العمد لأن الخطأ يصدر عن غير قصد

توجب القصاص إذا ثبت القتل وأن تكون الدعوى على واحد وقال غيره ليس بشرط لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية.
فصل
ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين
__________
فيستوى فيه العدو وغيره وإذا كان كذلك صار الخطأ في المعنى كالعمد الذي لا لوث فيه ولا قسامة "توجب القصاص إذا ثبت" القتل لأن الغرض من القسامة في العمد القصاص فإذا لم تكن موجبة له كدعوى قتل المسلم بالكافر لم يوجد الغرض.
"وأن تكون الدعوى على واحد" لا يختلف المذهب فيه لقوله عليه السلام "فيحلف خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته" ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل من قتل الواحد فيقتصر عليه ويبقى على الأصل ما عداه.
ويشترط في القاتل أن يكون مكلفا لتصح الدعوى وإمكان القتل وصفة القتل فلو استحلفه الحاكم قبل تفصيله لم يعتد به لعدم تحرير الدعوى وطلب الورثة "وقال غيره ليس بشرط" لأن القسامة حجة فوجب أن يثبت بها الخطأ كالعمد "لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه" لخبر سهل "وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية" لأنها حجة يثبت بها العمد الموجب للقصاص فيثبت بها غيره وهو المال كالبينة.
فصل
"ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين" أي ذكور العصبة العدول أولا نص عليه لقوله عليه السلام "فيحلف خمسون منكم"

فيحلفون خمسين يمينا ويختص ذلك بالوارث فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم فإن كان الوارث واحدا حلفها، وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم، فإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل: زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا والابن ثمانية وثلاثين.
__________
"فيحلفون خمسين يمينا" أيمان القسامة خمسون بالإجماع على المدعى عليه أنه قتله فإذا حلف ثبت الحق في قبله لحديث سهل ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة رواه الدارقطني من رواية مسلم بن خالد الزنجي وذكر أنه روى مرسلا وروى أيضا بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة مرفوعا كذلك وهذه الزيادة يتعين العمل بها لأن الزيادة من الثقة مقبولة ولأنها أيمان مكررة فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان وظاهره أنه لا يشترط اتفاق المجلس من جميعهم وفيه قول حكاه في الرعاية.
"ويختص ذلك بالوارث" في ظاهر المذهب لأنها أيمان في دعوى فلم تشرع في حق غير الوارث كسائر الأيمان "فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم" أي تقسم بين الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم إن كانوا جماعة "فإن كان الوارث واحدا حلفها" لأنه قائم مقام الجماعة في استحقاق الدية فكذا في الأيمان ونقل الميموني: لا أجترئ عليه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحلف منكم خمسون فمن احتج للأول يحتج بحديث معاوية فرددها على الثلاثة الذين ادعي عليهم فحلفوا خمسين يمينا وفي مختصر ابن رزين يحلف ولي يمينا.
"وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم" لأن موجبها الدية وهي تقسم كذلك فكذا يجب أن تقسم هي.
فإن كانوا أكثر من خمسين حلف خمسون كل واحد يمينا "فإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا والابن ثمانية وثلاثين" لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيضها والجبر في كل

ولو حلف ثلاثة بنين، حلف كل واحد سبع عشرة يمينا، وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث، خمسون رجلا كل واحد يمينا، فإن لم يحلفوا حلف المدعي عليه خمسين يمينا، وبرئ.
__________
واحد لعدم المزية فالزوج له الربع اثني عشر ونصفا فيكمل والابن له الباقي وهو سبع وثلاثون ونصفا فيكمل فيصير كما ذكره فيهما.
فإن كان معهما بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا والابن أربعا وثلاثين.
"ولو خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يمينا" لأن لكل ابن ثلث الأيمان ست عشرة يمينا وثلثين ثم تكمل.
"وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلا كل واحد يمينا" لقوله عليه السلام "يحلف خمسون منكم" مع علمه أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلا وارثا لأنه لا يرثه إلا أخوه أو من هو في درجته أو أقرب منه نسبا ولأنه خاطب ابني عمه وهما غير وارثين لكن يحلف الوارث منهم الذين يستحقون دمه فإن لم يبلغوا يؤخذ الأقرب فالأقرب من قبيلته التي ينسب إليها ويعرف لنفسه نسبه من المقتول فأما من عرف أنه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم ذكره جماعة وسأله الميموني إن لم يكن له أولياء قال فقبيلته التي هو فيها وأقربهم منه.
فرع: إذا مات المستحق فوارثه كهو ويستأنف وارثه الأيمان سواء حلف قبل موته شيئا أو لا لأنه لا يجوز أن يأخذ شيئا بيمين غيره ولو حلف المستحق بعض الأيمان ثم جن ثم أفاق أو عزل الحاكم فإنه يبني.
"فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبريء" في ظاهر المذهب وهو قول الأكثر لقوله عليه السلام "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم" أي يبرؤون منكم وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود وأنه أداها من عنده ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فتبرأ بها كسائر الأيمان..
وعنه: أنهم يحلفون ويغرمون الدية لقضاء عمر بالدية مع اليمين والأول أولى لأن عمر إنما قضى على أهل المحلة وليس ذلك مذهبا لأحمد ويعتبر

وإن لم يحلف المدعون، ولم يرضوا بيمين المدعي عليه، فداه الإمام من بيت المال وإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا، وهل تلزمهم الدية، أو تكون في بيت المال على روايتين.
__________
حضور المدعى عليه وقت يمينه كالبينة وحضور المدعي ذكره المؤلف.
"وإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال" أي أدى ديته من بيت المال لقضية عبد الله بن سهل ولم يجب على المدعى عليهم شيء "وإن طلبوا أيمانهم " أي أيمان المدعى عليهم "فنكلوا لم يحبسوا" في الأشهر لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليه كسائر الأيمان وعنه يحبس حتى يقر أو يحلف لأنها دعوى فيحبس فيها بالنكول كالمال وعلى الأولى لا يجب قود بنكول لأنه حجة ضعيفة كشاهد ويمين ذكره في المغني.
"وهل تلزمهم الدية أو تكون في بيت المال على روايتين" أظهرهما تلزمه الدية اختارها أبو بكر وقدمها في الرعاية وهو الصحيح لأنه حكم ثبت بالنكول فيثبت في حقهم كسائر الدعاوي ولو لم يجب على المدعي عليه مال بنكوله ولم يجبر على اليمين لخلا من وجوب شيء عليه بالكلية والثانية في بيت المال لأنهم امتنعوا عن اليمين أشبه امتناع المدعيين إذا لم يرضوا بيمين المدعي عليه.
فائدة: يقول تالله وبالله ووالله بالجر فإن قاله مضموما أو منصوبا فقد لحن قال القاضي ويجزئه إن تعمد أو لم يتعمد لأنه لحن لا يحيل المعنى ويستحب أن يستظهر في ألفاظ اليمين في القسامة تأكيدا.
فرع: سأله ابن منصور عن قتيل بين قريتين قال هذا قسامة قال المروذي احتج أحمد بأن عمر جعل الدية على أهل القرية ونقل حنبل أذهب إلى حديث عمر قيسوا ما بين الحيين فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به وعن أبي سعيد الخدري قال "وجد قتيل بين قريتين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما فوجد إلى أحدهما أقرب فكأني أنظر إلى شبر النبي صلى الله عليه وسلم فألقاه على أقربهما" رواه أحمد في مسنده

كتاب الحدود
لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل عالم بالتحريم، ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه
__________
كتاب الحدودوهي جمع حد وهو المنع وحدود الله تعالى محارمه لقوله تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وهي ما حده وقدره فلا يجوز أن يتعدى كتزويج الأربع ونحوه وما حده الشرع فلا يجوز فيه الزيادة والنقصان.
والحدود: العقوبات المقدرة يجوز أن تكون سميت بذلك من المنع لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب وأن تكون سميت الحدود التي هي المحارم لكونها زواجر عنها أو بالحدود التي هي المقدرات وشرعا عقوبة مقدرة لتمنع من الوقوع في مثله.
"لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل" ولا خلاف في اعتبارهما للنصوص ولأنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات والإثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى فإن كان يفيق في وقت فأقر فيه أنه زنى وهو يفيق فعليه الحد بغير خلاف نعلمه لكن لو أقر في إفاقته أنه زنى ولم يضفه إلى حال أو شهدت عليه بينة به ولم تضفه إلى حال إفاقته فلا حد للاحتمال ولا يجب على نائم ولا نائمة "عالم بالتحريم" لعموم النصوص وقاله الأئمة سواء جهل تحريم الزنى أو تحريم عين المرأة زاد في الوجيز ملتزم وهو مراد.
"ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه" لأنه حق لله تعالى ويفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن معه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله في خلقه ولأنه عليه السلام كان يقيم الحدود في حياته وخلفاؤه من بعده واختار الشيخ تقي الدين إلا لقرينة كتطلب الإمام له ليقتله وعلى الأول لو أقامه غيره لم يضمنه نص عليه لكنه تعدى على الإمام وذلك لا يوجب ضمانا كالمرتد ولا يلزم الإمام حضور إقامته لقوله "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ,

إلا السيد فإن له إقامة الحد، بالجلد خاصة على رقيقه القن، وهل له القتل في الردة والقطع في السرقة على روايتين ولا يملك إقامته على مكاتبه ولا من بعضه حر، ولا أمته المزوجة.
__________
فإن اعترفت فارجمها" ولغيره.
فرع: من أقام على نفسه ما لزمه من حد زنى أو قذف بإذن إمام أو نائبه لم يسقط عنه قاله ابن حمدان "إلا السيد" الحر المكلف العالم "فإن له إقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن" أي الكامل رقه في قول عامتهم لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" متفق عليه وعن علي مرفوعا "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" رواه أحمد وأبو داود والدارقطني ولأن للسيد تأديب أمته بتزويجها فملك إقامة الحد عليها كالسلطان وبهذا فارق الصبي.
وعنه ليس له ذلك لأنه يفتقر إلى اجتهاد فلم يملكه كالقطع وحد الحر وعلى الأول له سماع بينة تقتضي العقوبة والعمل بها إن عرف شروطها وإلا سمعها الحاكم أو سيده بإذنه وقيل لا يسمعها غير حاكم قدمه في الكافي والشرح.
"وهل له القتل في الردة والقطع في السرقة على روايتين".
إحداهما: لا يملكه قدمه في الكافي ونصره في الشرح وذكر أنه قول أكثر أهل العلم لأنه عليه السلام إنما أمر بالجلد فلا يثبت في غيره ولأن في الجلد سترا على رقيقه لئلا يفتضح بإقامة الإمام له فتنقص قيمته وذلك منتف فيهما.
والثانية: له ذلك لأن عمر قطع عبدا له سرق وحفصة قتلت أمة لها سحرتها "ولا يملك إقامته على مكاتبه" قطع به في المغني والوجيز والآدمي وابن عبدوس وغيرهم لأنه معه كالأجنبي وفيه وجه وذكره بعضهم المذهب لأنه عبد "ولا من بعضه حر" لأنه ليس له ولاية على كله والحد تصرف في الكل ولا أمته المزوجة نص عليه لقول ابن عمر ولا مخالف له في الصحابة لأنه لم يكمل أشبه من بعضه حر وفيها وجه

وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه ويحتمل أن لا يملكه ولا يملكه المكاتب، ويحتمل أن يملكه وسواء ثبت ببينة أو إقرار وإن ثبت بعلمه فله إقامته، نص عليه ويحتمل أن لا يملكه كالإمام ولا يقيم الإمام الحد بعلمه.
__________
صححه الحلواني ونقل مهنا إن كانت ثيبا ونقل ابن منصور إن كانت محصنة فالسلطان وإنه لا يبيعها حتى تحد ويخرج في مرهونة ومستأجرة وجهان وجعل في الانتصار وغيره مرهونة ومكاتبة أصلا كمزوجة.
"وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه" لأنها ولاية ثبتت بالملك أشبهت ولاية التأديب والمرأة تامة الملك من أهل التصرفات أشبهت الرجل ولأن فاطمة جلدت أمة لها وعائشة قطعت أمة لها سرقت.
"ويحتمل ألا يملكه" لأنها ولاية وليسا من أهلها فعلى هذا يختص بالذكر العدل وقيل يقيمه ولي امرأة وهل للوصي حد رقيق موليه فيه وجهان ولا يملكه المكاتب صححه في المستوعب وغيره لأنه ليس من أهل الولاية وملكه على عبده ناقص بدليل أنه لا تجب عليه الزكاة.
"ويحتمل أن يملكه" لأنه يستفاد بالملك أشبه تصرفاته وسواء ثبت ببينة أو إقرار إن كان يعلم شروطه لأن كل واحد منهما حجة في ثبوته فوجب ألا يختلف حال السيد فيه فعلى هذا للسيد أن يسمع إقراره ويقيم الحد عليه ويقدم سماع البينة وإن ثبت بعلمه فله إقامته نص عليه لأنه قد ثبت عنده فملك إقامته كما لو أقر به ولأنه يملك تأديبه بعلمه فكذا هنا.
"ويحتمل ألا يملكه كالإمام" هذا رواية واختارها القاضي لأن ولاية الإمام للحد أقوى من ولاية السيد لكونها متفقا عليها فإذا لم يثبت الحد بالعلم فها هنا أولى ولأن الحاكم متهم.
"ولا يقيم الإمام الحد بعلمه" لقوله تعالى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} ثم قال {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] ولأنه متهم في حكمه بعلمه وذلك شبهة يدرأ بها الحد.

ولا تقام الحدود في المساجد، ويضرب الرجل في الحد قائما بسوط، لا جديد ولا خلق.ولا يمد ولا يربط ولا يجرد، بل يكون عليه القميص والقميصان.
__________
مسألة: نقل الميموني وجوب بيع رقيق زنى في رابعة قال الشيخ تقي الدين إن عصى الرقيق علانية أقام السيد عليه الحد وإن عصى سرا فينبغي ألا تجب عليه إقامته بل يتخير بين ستره واستتابته بحسب المصلحة في ذلك كما تخير الشهود على إقامة الحد عند الإمام وبين الستر على المشهود عليه واستتابته بحسب المصلحة فإن ترجح عنده أنه يتوب ستروه وإن كان في ترك إقامة الحد عليه ضرر للناس كان الراجح رفعه إلى الإمام.
."ولا تقام الحدود في المساجد" جلدا كان أو غيره لما روى حكيم بن حزام "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقام الحدود في المساجد" روي "أن عمر أتى برجل زنى فقال أخرجوه من المسجد واضربوه" وعن علي "أنه أتى بسارق فأخرجه من المسجد وقطع يده" ولأنه لا يؤمن أن يحدث فيه فينجسه ويؤذيه وفي المذهب ينبغي تنزيه المسجد عنه وروي عن الشعبي أنه أقام الحد على ذمي في المسجد.
"ويضرب الرجل في الحد قائما في الأشهر وقاله علي ونصره المؤلف لأن قيامه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب ونقل حنبل قاعدا لأنه أستر له بسوط قال في شرح المذهب للحنفية السوط فوق القضيب ودون العصا وفي المختار لهم بسوط لا ثمرة له فتعين أن يكون من غير الجلد.
"لا جديد ولا خلق" نص عليه بفتح اللام وهو البالي لخبر رواه مالك عن زيد بن أسلم مرسلا وروي عن أبي هريرة مسندا وروي عن علي ولأن الغرض الإيلام دون الجرح إذ الجديد يجرح والبالي لا يؤلم فلو كان السوط مغصوبا أجزأ على خلاف مقتضى النهي للإجماع ذكره في التمهيد.
"ولا يمد" نص عليه لأنه محدث "ولا يربط ولا يجرد" لأنه لم ينقل قال ابن مسعود ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد "بل يكون عليه القميص والقميصان" صيانة له عن التجريد مع أن ذلك لا يرد ألم الضرب ولا يضر

ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد ويفرق الضرب على أعضائه إلا الرأس والوجه والفرج وموضع المقتل والمرأة كذلك إلا أنها تضرب جالسة، وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها؛ لئلا تنكشف
__________
بقاؤهما عليه نقل أبو الحارث والفضل عليه ثيابه وعنه يجوز تجريده لأنه أبلغ فلو كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب.
"ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد" لأن الغرض تأديبه وزجره عن المعصية لا قتله والمبالغة تؤدي إلى ذلك "ويفرق الضرب على أعضائه" لأن توالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى القتل وأوجبه القاضي ولا يبدي إبطه في رفع يده نص عليه "إلا الرأس والوجه" لقول علي للجلاد أضرب وأوجع واتق الرأس والوجه ولأنهما أجمل ما في الإنسان وفي إصابة الضرب لهما خطر لأنه ربما عمي أو ذهب عقله أو قتله والفرج وموضع المقتل لأن ضرب ذلك يؤدي إلى القتل وهو غير مأمور به بل مأمور بعدمه ويكثر منه في مواضع اللحم كالإليتين والفخذين ولا تعتبر الموالاة في الحد ذكره القاضي وغيره في موالاة العضو لزيادة العقوبة ولسقوطه بالشبهة قال الشيخ تقي الدين فيه نظر ولم يعتبروا نية من يقيمه أنه حد مع أن ظاهر كلامهم يقيمه الإمام أو نائبه بدليل أن الإمام لو أمر عبدا أعجميا يضرب لا علم له بالنية أجزأت نيته والعبد كالآلة ويحتمل أن تعتبر نيتهما كما نقول في غسل الميت تعتبر نية غاسله واحتج في منتهى الغاية في اعتبار نية الزكاة بأن الصرف إلى الفقير له جهات فلا بد من نية التمييز كالجلد في الحدود.
"والمرأة كذلك" أي المرأة كالرجل فيما ذكرنا عملا بالأصل السالم عن المعارض "إلا أنها تضرب جالسة وتشد عليها ثيابها" نص عليهما "وتمسك يداها لئلا تنكشف" لقول علي تضرب المرأة جالسة والرجل قائما ولأن المرأة عورة وهذا أستر لها وهو مطلوب في نظر الشرع بدليل أنه يشرع لها في الصلاة أن تجمع نفسها في الركوع والسجود .

والجلد في الزنا أشد الجلد ثم جلد القذف ثم الشرب ثم التعزير وإن رأى الإمام الضرب في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك، قال أصحابنا ولا يؤخر الحد للمرض.
__________
"والجلد في الزنى أشد الجلد ثم جلد القذف ثم الشرب" نص عليه " ثم التعزير " قال مالك كلها واحد لأن المقصود بها الزجر فيجب تساويها في الصفة.
وقال أبو حنيفة: أشدها التعزير ثم الزنى ثم شرب الخمر ثم القذف قال في الكشاف لأن سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب إلا أنه عوقب صيانة للأعراض وردعا بمن هتكها.
وجوابه: أن الله خص الزنى بمزيد التأكيد بقوله تعالى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] ولأن ما دونه أخف منه عددا فلا يجوز أن يزيد في إيلامه ووجعه ولأن ما خف في عدده كان أخف في صفته وحد القذف حق آدمي وحد الشرب محض حق الله والتعزير لا يبلغ به الحد وقيل أخفها حد الشرب إن قلنا هو أربعون جلدة ثم حد القذف.
"وإن رأى الإمام" أو نائبه "الضرب في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك" لأنه عليه السلام أتي بشارب فقال "اضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب" وفي المذهب والبلغة وأيد للخبر وفي الوسيلة يستوفى بالسوط في ظاهر كلام أحمد والخرقي وفي الموجز لا يجزئ بيد وطرف ثوب وفي التبصرة لا يجزئ بطرف ثوب ونعل ويؤخر سكران حتى يصحو نص عليه فلو خالف وفعل احتمل السقوط وهو أولى واحتمل عدمه.
فرع: يحرم حبسه بعد حد نص عليه وأذاه بكلام كالتعيير على كلام القاضي وابن الجوزي لنسخه بشرع الحد كنسخ حبس المرأة.
"قال أصحابنا ولا يؤخر الحد للمرض" وقاله في الوجيز وزاد والضعف لأنه لا فائدة فيه إذا كان قتله متحتما وكذا إن كان جلدا عند أكثر الأصحاب .

فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط أقيم بأطراف الثياب والعثكول ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله
__________
وقاله إسحاق وأبو ثور لأن عمر أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره وانتشر ذلك في الصحابة ولم ينكر فكان كالإجماع ولأن الحد واجب على الفور ولا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة وقال القاضي: ظاهر قول الخرقي له تأخيره وهو قول الأكثر لحديث علي في التي هي حديثة عهد بنفاس ولأن في تأخيره إقامة الحد على الكمال من غير إتلاف فكان أولى ومرض قدامة يحتمل أنه كان خفيفا لا يمنع من إقامة الحد على الكمال ثم إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تقدم على فعل عمر مع أنه اختيار علي وفعله وكذا الحكم في تأخيره لحر أو برد مفرط.
"فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط" لم يتعين على الأصح "أقيم بأطراف الثياب والعثكول" لما روى أبو أمامة بن سهل عن سعد بن عبادة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأخذوا شمراخا فيضربوه بها ضربة" رواه أحمد وابن ماجة ورواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن أبي أمامة عن بعض الصحابة من الأنصار ورواه سعيد عن سفيان عن أبي الزناد ويحيى بن سعيد سمعا أبا أمامة مرسلا قال ابن المنذر في إسناده مقال ولأنه لا يجوز تركه بالكلية لأنه يخالف الكتاب والسنة ولا جلده تاما لأنه يفضي إلى إتلافه فتعين ما ذكرنا " ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله" لأن في تأخيره استيفاء الحد على وجه الكمال من غير خوف فواته وبه فارق المريض الذي لا يرجى زواله لأنه يخاف فوات الحد.
فرع: ذكر الخرقي أن العبد يضرب بدون سوط الحر لأن حده أقل عددا فيكون أخف سوطا والظاهر التسوية بينهما فيه لقوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ولا يتحقق التنصيف إذا نصفنا العدد إلا مع تساوي الشريطين .

وإذا مات المحدود في الجلد فالحق قتله وإن زاد سوطا أو أكثر فتلف ضمنه وهل يضمن جميعه أو نصف الدية على وجهين.
__________
"وإذا مات المحدود في الجلد" ولو حد خمر نص عليه أو تأديب أو تعزير ولم يلزم تأخيره "فالحق قتله" ولا ضمان على أحد جلدا كان أو غيره لأنه حد وجب لله تعالى فلم يجب فيه شيء كالقطع في السرقة وهذا إذا أتى به على الوجه المشروع من غير زيادة لأنه نائب عن الله تعالى فكان التلف منسوبا إليه وقيل يضمن المؤدب.
"وإن زاد سوطا" أو في السوط "أو أكثر فتلف ضمنه" بغير خلاف نعلمه لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو ضربه في غير الحد.
"وهل يضمن جميعه أو نصف الدية؟ على وجهين" أحدهما: وهو رواية أنه تجب الدية كلها ذكر القاضي في الخلاف أنه أشبه بالمذهب وقدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لأنه قتل حصل من جهة الله تعالى وعدوان الضارب فكان الضمان على العادي كما لو ضرب مريضا سوطا فقتله وكما لو ضربه بسوط لا يحتمله.
والثاني: نصف الدية وقاله الأكثر لأنه تلف بفعل مضمون وغيره فوجب نصفها كما لو جرح نفسه أو جرحه غيره فمات وسواء زاد خطأ أو عمدا لأنه يضمن كالعمد وكذا إن قال له الإمام اضرب ما شئت وقيل ديته على الأسواط إن زاد على الأربعين.
وفي "واضح ابن عقيل" إن وضع في سفينة كذا فلم تغرق ثم وضع قفيزا فغرقت فغرقها بهما في أقوى الوجهين والثاني بالقفيز وكذا الشبع والري والسير بالدابة فراسخ والسكر بالقدح أو الأقداح كما ينشىء الغضب بكلمة بعد أخرى ويمتلئ الإناء بقطرة بعد قطرة ويحصل العلم بواحد بعد واحد.
فرع: إذا أمر بزيادة فزاد جهلا ضمنه الآمر وإلا فوجهان وإن تعمده العاد فقط أو أخطأ وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد وتعمد الإمام الزيادة شبه عمد تحمله العاقلة وقيل كخطأ فيه الروايتان .

وإذا كان الحد رجما لم يحفر له رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين وفي الآخر إن ثبت على المرأة بإقرارها لم يحفر لها وإن ثبت ببينة حفر لها إلى الصدر ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم
__________
"وإذا كان الحد رجما لم يحفر له رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين" نص عليه لأنه عليه السلام لم يحفر لماعز قال أبو سعيد "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع فو الله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا" رواه أحمد ومسلم.
والمرأة كذلك نصره في المغني وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر.
"وفي الآخر إن ثبت على المرأة بإقرارها لم يحفر لها وإن ثبت ببينة حفر لها إلى الصدر" اختاره في الهداية والفصول والتبصرة وصححه أبو الخطاب لما روى أبو بكر "أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الصدر" رواه أبو داود ولأن الحفر أستر لها ولا حاجة إلى تمكينها من الهرب بخلاف من أقرت لأن رجوعها عن الإقرار مقبول والحفر يمنعها من الهرب الذي هو في معنى الرجوع قولا.
وأطلق في عيون المسائل وابن رزين يحفر لها فهو ستر بخلاف الرجل وإذا ثبت ذلك شد عليها ثيابها لئلا تنكشف لأمره عليه السلام بذلك رواه أبو داود من حديث عمران بن حصين.
"ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم" أي إذا ثبت بها ويجب حضور الإمام أو نائبه وقال أبو بكر عن قول ماعز "ردوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن قومي غروني" يدل على أنه عليه السلام لم يحضر رجمه فبهذا أقول.
وحضور طائفة ولو واحدا ذكره أصحابنا وهو قول ابن عباس رواه ابن أبي طلحة وهو منقطع واختار في البلغة اثنان لأن الطائفة الجماعة وأقلها اثنان نقل أبو داود يجيء الناس صفوفا لا يختلطون ثم يمضون صفا صفا وذكر أبو المعالي أن الطائفة تطلق على الأربعة لقوله تعالى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا

وإن ثبت بإقرار استحب أن يبدأ الإمام ومتى رجع المقر بالحد عن إقراره قبل منه وإن رجع في أثناء الحد لم يتمم,وإن رجم ببينة فهرب,لم يترك وإن كان بإقرار ترك.
__________
طَائِفَةٌ} لأنه أول شهود الزنا.
"وإن ثبت بإقرار استحب أن يبدأ الإمام" به أو من يقيمه "ومتى رجع المقر بالحد" أي بحد الزنى أو سرقة أو شرب عن إقراره قبل منه أي يشترط لإقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد فإن رجع قبله كف عنه وهو قول أكثر العلماء.
قال ابن عبد البر ثبت من حديث أبي هريرة وجابر ونعيم ونصر بن دهر وغيرهم أن ماعزا لما هرب وقال لهم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "فهلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه؟!" ولأن رجوعه شبهة وكالبينة إذا رجعت قبل إقامة الحد عليه.
وقيل يقبل رجوعه في الزنى فقط وقيل يقبل رجوع مقر بمال وعلى الأول إذا تمم ضمن الراجع بالمال لا الهارب ولا قود للاختلاف في صحة الرجوع وكان شبهة.
"وإن رجع في أثناء الحد لم يتمم" لأن جميعه يسقط بالرجوع فلأن يسقط تمامه بطريق الأولى "وإن رجم ببينة فهرب لم يترك" لأنه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه أشبه سائر الأحكام.
"وإن كان بإقرار ترك" لقوله عليه السلام "هلا تركتموه" فإن لم يترك وقيل فلا ضمان لقصة ماعز ولأن بذلك ليس بصريح في رجوعه فإن قال ردوني إلى الحاكم وجب رده ولم يجز إتمام الحد فإن أتم فلا ضمان لما ذكر في هربه
مسائل: إذا أتى حدا ستر نفسه نقل مهنا رجل زنى يذهب يقر؟ قال بل يستر نفسه واستحب القاضي إن شاع رفعه إلى حاكم ليقيمه عليه وقال ابن حامد إن تعلقت التوبة بظاهر كصلاة وزكاة أظهرها وإلا أسر وإن قال

فصل
وإذا اجتمعت حدود لله تعالى فيها قتل,استوفي القتل وسقط سائرها,وإن لم يكن فيها قتل فإن كانت من جنس مثل إن زنى أو سرق أو شرب مرارا أجزأ حد واحد وإن كانت من أجناس استوفيت كلها.
__________
لإمام أصبت حدا لم يلزمه شيء ما لم يبينه نقله الأثرم ويحد من زنى هزيلا ولو بعد سمنه كذا عقوبة الآخرة كمن قطعت يده ثم زنى أعيدت بعد بعثه وعوقب ذكره في الفنون فالحد كفارة لذلك الذنب للخبر نص عليه.
فصل
"وإذا اجتمعت حدود الله تعالى فيها قتل استوفي القتل وسقط سائرها" قال في المغني لا يشرع غيره لقول ابن مسعود رواه سعيد من رواية مجالد وقد ضعفه الأكثر ولم نعرف له في الصحابة مخالفا وكالمحارب إذا قتل وأخذ المال فإنه يكتفى بقتله ولأن هذه الحدود لمجرد الزجر وقتله بخلاف القصاص فإن فيه غرض التشفي والانتقام.
"وإن لم يكن فيها قتل فإن كانت من جنس مثل إن زنى أو سرق أو شرب مرارا أجزأ حد واحد" بغير خلاف علمناه قال ابن المنذر أجمع عليه كل من نحفظ عنه قال أحمد يقام عليه الحد مرة لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل وهو حاصل بالحد الواحد لأن الواجب هنا من جنس واحد فوجب التداخل كالكفارات وذكر ابن عقيل رواية لا تداخل في السرقة وفي البلغة يقطع واحد على الأصح وفي المستوعب رواية إن طالبوا متفرقين قطع لكل واحد قال أبو بكر العمل على خلافها.
ثم قال شيخنا قول الفقهاء تتداخل دليل على أن الثابت أحكام وإلا فالشيء الواحد لا يعقل فيه تداخل فالصواب أنها أحكام وعلى ذلك نص الأئمة قاله أحمد في لحم خنزير ميت فأثبت فيه تحريمين "وإن كانت من أجناس استوفيت كلها" بغير خلاف علمناه لأن التداخل

ويبدأ بالأخف فالأخف وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها سواء كان فيها قتل أولم يكن, ويبدأ بغير القتل وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى, بدئ بها.
__________
إنما هو في الجنس الواحد فلو سرق وأخذ المال في المحاربة قطع لذلك ويدخل فيه القطع في السرقة لأن محل القطعين واحد.
"ويبدأ بالأخف فالأخف" وجوبا قاله في الفروع فعلى هذا يبدأ بالحد للشرب ثم للسرقة ثم للزنى لأن الأول أخف ولا يوالي بين هذه الحدود لأنه ربما يقضي إلى التلف وفي المغني والشرح إنه على سبيل الاستحباب فلو بدأ بغير الأخف جاز.
"وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن" لأنها حقوق آدميين أمكن استيفاؤها فوجب كسائر حقوقهم لا يقال يكتفى بالقتل في حقوق الله تعالى لأنها مبنية على السهولة بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق.
"ويبدأ بغير القتل" لأن البداءة به تفوت استيفاء باقي الحقوق.
"وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى بدئ بها" أي إذا اجتمعت حقوق الله وحقوق الآدميين فهي أنواع.
أحدها: ألا يكون فيها قتل فهذه تستوفى كلها في قول الأكثر فيبدأ بحد القذف إلا إذا قلنا حد الشرب أربعون فإنه يبدأ به لخفته ثم حد القذف وأيهما قدم فالآخر يليه ثم الزنى ثم القطع وقال أبو الخطاب يبدأ بالقطع قصاصا ثم بالقذف ثم للشرب ثم للزنى.
الثاني: إذا كان فيها قتل فإنها تدخل حقوق الله تعالى في القتل سواء كان من حدود الله كالرجم في الزنى أو لحق الآدمي كالقصاص وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها وإن كان القتل حقا لله تعالى استوفيت الحقوق كلها متوالية لأنه لابد من فوات نفسه فلا فائدة في التأخير وإن كان القتل حقا لآدمي انتظرنا لاستيفاء الثاني برءه من الأول لأن الموالاة بينهما يحتمل أن

فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطعت يده أولا, ثم حد للقذف ثم للشرب ثم للزنى ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله.
فصل
ومن قتل أو أتى حدا خارج الحرم
__________
تفوت نفسه قبل القصاص فيفوت حق الآدمي ولأن العفو جائز فيحتمل بتأخيره أن يعفو الولي فيحيى.
الثالث: أن يتفق الحقان في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا قدم القصاص على الرجم في الزنى ويبدأ بالأسبق من القتل في المحاربة والقصاص لأن كلا منهما حق آدمي وإن سبق القصاص قتل قصاصا ولم يصلب كما لو مات.
ويجب لولي المقتول في المحاربة ديته وإن مات القاتل في المحاربة وجبت الدية في تركته وقدم القصاص على الحد المتمحض في القطع ولو تأخر سببه فإن عفا ولي الجناية استوفى الحد والقطع في المحاربة حد محض وليس بقصاص والقتل يتضمن القصاص ولهذا لو فات القتل في المحاربة وجبت الدية ولو فات القطع لم يجب له بدل "فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطعت يده أولا" لأنه متمحض حق آدمي بدليل سقوطه بإسقاطه "ثم حد للقذف" لأنه مختلف في كونه لآدمي ثم للشرب لأنه أخف "ثم للزنى" لأنه أشد الحدود وفي المحرر والوجيز إذا اجتمع عليه قتلان بردة وقود أو قطعان بسرقة وقود قطع وقتل لهما وقيل للقود خاصة وفي الشرح إذا سرق وقتل في المحربة ولم يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب ولم تقطع يده "ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله" لئلا يؤدي إلى تلفه بتوالي الحدود عليه.
فصل
"ومن قتل" أو جرح "أو أتى حدا خارج الحرم" أي حرم مكة المشرفة

ثم لجأ إليه لم يستوف منه فيه ولكن لا يبايع ولا يشارى حتى يخرج فيقام عليه.
__________
للنص وفي التعليق وجه أن حرم المدينة كمكة لما روى مسلم عن أبي سعيد مرفوعا قال "إني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها ألا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال" ثم لجأ إليه" أي إلى الحرم "لم يستوف منه فيه" في ظاهر المذهب قال أبو بكر والعمل عليه.
وعنه يستوفى فيه كل شيء إلا القتل لقوله عليه السلام "لا يسفك فيها دم" ولا شك أن حرمة النفس أعظم فلا يقاس عليها غيرها وقال بعض الأئمة يستوفى منه الكل للعمومات ولأنه عليه السلام قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ولأنه حيوان أبيح قتله لعصيانه أشبه الكلب العقور وجوابه قوله تعالى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران: 97] أي فأمنوه لأنه خبر أريد به الأمر ولأنه عليه السلام حرم سفك الدم بها وقوله عليه السلام "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم" يدفع ما احتجوا به من قتل ابن خطل وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم" رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي شريح وقال ابن عمر لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هيجته رواه أحمد.
وكذا إذا لجأ إليه حربي أو مرتد لم يجز أخذه به فيه كحيوان صائل ذكره المؤلف "ولكن لا يبايع ولا يشاري" لقول ابن عباس وفي المستوعب والرعاية ولا يكلم نقله أبو طالب زاد في الروضة ولا يأكل ولا يشارب لأنه لو أطعم أو أووي لتمكن من الإقامة دائما فيضيع الحق حتى يخرج فيقام عليه في قول ابن عباس في الذي يصيب حدا ثم يلجأ إلى الحرم يقام عليه الحد إذا خرج من الحرم حكاه أحمد نقله الأثرم وروي عن عمر وابن الزبير.
قال الزهري من قتل في الحل ثم دخل الحرم أخرج إلى الحل فيقتل فيه ومن قتل في الحرم قتل فيه وهذا هو السنة والآدمي حرمته عظيمة وإنما أبيح قتله لعارض أشبه الصائل من الحيوانات المباحة فإن الحرم لا يعصمها فلو استوفى

وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه. ومن أتى حدا في الغزو لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام, فيقام عليه.
__________
من له الحق فيه أساء ولا شيء عليه
فرع: ذكر جماعة أن من أتى حدا ثم لجأ إلى داره فهو كالحرم وحينئذ لا يخرج منها بل يضيق عليه حتى يخرج فيقام عليه.
"وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه" فيه بغير خلاف نعلمه روى الأثرم عن ابن عباس أنه قال "من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه" ولقوله تعالى {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: 191] فأباح قتلهم ثم قتالهم في الحرم ولأن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم ولو لم يشرع الحد فيه لتعطلت الحدود في حقهم وفاتت المصالح التي لابد منها.
تذنيب: إذا قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط لقوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قرئ بهما واستدلالهم بالخبر المشهور صححه ابن الجوزي في تفسيره وقاله الماوردي وذكر ابن الجوزي أن مجاهدا وغيره قالوا الآية محكمة وفي التمهيد أنها نسخت بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وفي الأحكام السلطانية يقاتل البغاة إذا لم يندفع بغيهم إلا به لأنه من حقوق الله وحفظها في حرمه أولى من إضاعتها وذكره الماوردي عن جمهور الفقهاء ونص عليه الشافعي وحمل الخبر على ما يعم إتلافه كالمنجنيق إذا أمكن إصلاح بدون ذلك وذكر أبو بكر بن العربي لو تغلب فيها كفار أو بغاة وجب قتالهم بالإجماع وذكر الشيخ تقي الدين إن تعدى أهل مكة على الركب دفع الركب كما يدفع الصائل وللإنسان أن يدفع مع الركب بل يجب إن احتيج إليه "ومن أتى حدا في الغزو" وفي المغني و الشرح أو ما يوجب قصاصا "لم يستوف منه في أرض العدو" لأنه ربما يحمله الغضب على أن يدخل والعياذ بالله في الكفر "حتى يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه" وقاله الأوزاعي وإسحاق.

باب حد الزنا
إذا زنى الحر المحصن
__________
قال أحمد: لا تقام الحدود بأرض العدو ونقل صالح وابن منصور إن زنى الأسير أو قتل مسلما ما أعلمه إلا أن يقام عليه الحد إذا رجع لما روى بشر بن أرطأة أنه أتى برجل في الغزاة قد سرق فقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تقطع الأيدي في الغزاة لقطعتك" رواه أبو داود وغيره وهو إجماع الصحابة ولأنه إذا رجع أقيم عليه الحد في دارنا لعموم الآيات والأخبار فإن تأخيره لعارض من مرض أو شغل جائز فإذا زال أقيم عليه لوجود المقتضى السالم عن المعارض.
مسألة: تقام الحدود في الثغور بغير خلاف نعلمه لأنها من بلاد الإسلام والحاجة داعية إلى زجر أهلها كالحاجة إلى زجر غيرهم وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة أن يجلد من شرب الخمر ثمانين وهو بالشام بالثغور والله أعلم.
باب حد الزنىوهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من أكبر الكبائر لقوله تعالى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32] {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} الآية [الفرقان: 68] ولما روى ابن مسعود قال "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك" متفق عليه وكان حده في ابتداء الإسلام الحبس في البيت والأذى بالكلام لقوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية [النساء: 15] والمراد الثيب لأن قوله {مِنْ نِسَائِكُمْ} إضافة زوجية لقوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ولا فائدة في الإضافة هنا إلا اعتبار الثيوبة وقد ذكر عقوبتين إحداهما أغلظ من الأخرى فأثبت الأغلظ للثيب والأخرى للبكر ثم نسخ بما رواه مسلم من حديث عبادة مرفوعا "خذوا

فحده الرجم حتى يموت وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين.
__________
عني خذوا عني البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" ونسخ القرآن بالسنة جائز.
ومن منع قال ليس هذا نسخا إنما هو تفسير وتبين له ويمكن أن يقال نسخه حصل بالقرآن فإن الجلد في كتاب الله والرجم كان فيه فنسخ رسمه وبقي حكمه قاله في المغني والشرح.
"إذا زنى الحر المحصن" وإنه لا يجب الرجم إلا عليه باتفاق "فحده الرجم حتى يموت" وهو قول عامتهم وحكاه ابن حزم إجماعا وقد ثبت أنه عليه السلام رجم بقوله وفعله في أخبار تشبه التواتر وقد أنزله الله تعالى في كتابه ثم نسخ رسمه وبقي حكمه لقول عمر "كان فيما أنزل الله آية الرجم.الخبر" متفق عليه.
فإن قيل لو كانت في المصحف لاجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها قال ابن الجوزي أجاب ابن عقيل فقال إنما كان ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استقصاء لطلب طريق مقطوع به كما سارع الخليل عليه السلام إلى ذبح ولده بمنام وهو أدنى طرق الوحي وأقلها.
قوله "فحده الرجم حتى يموت" أي يرجم بالحجارة وغيرها قال في البلغة ولتكن الحجارة متوسطة قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المرجوم يدام عليه الرجم حتى يموت "وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين".
إحداهما: يجلد ثم يرجم قال ابن هبيرة هي أظهر وأثبت اختارها الخرقي والقاضي وجماعة قال أبو يعلى الصغير اختارها شيوخ المذهب وجزم بها في الوجيز وهي قول ابن عباس وأبي بن كعب لقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الآية [النور: 2] ولهذا قال علي جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ولحديث عبادة وهذا صريح فلا يترك إلا بمثله وله أن يوالي بين الجلد والرجم.
والثانية: ترجم فقط قدمه في المحرر والرعاية ونقله الأكثر واختاره الأثرم والجوزجاني وابن حامد وأبو الخطاب وهو وفاق وروي عن عمر

والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران.
__________
وعثمان لأنه عليه السلام رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما وقال "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ولم يأمره بجلدها وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأثرم وسمعت أبا عبد الله يقول في حديث عبادة إنه أول حد نزل وإن حديث ماعز بعده وليس فيه الجلد ولأنه حد فيه قتل فلم يجتمع معه كالردة.
"والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران" أقول يشترط للإحصان شروط أحدها الوطء في القبل ولابد من تغييب الحشفة في الفرج فلو وجد النكاح من غير وطء أو وطئ دون الفرج أو في الدبر لم يحصل ذلك لأنها لا تصير ثيبا ولا تخرج عن حد الأبكار.
الثاني: أن تكون في نكاح لأن النكاح يسمى إحصانا لقوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] يعني المزوجات ولا خلاف أن وطء الزنى والشبهة لا يصير به الواطئ محصنا وأن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما لأنه ليس بنكاح ولا تثبت له أحكامه.
الثالث: أن يكون صحيحا وهو قول أكثرهم.
الرابع: البلوغ والعقل في قول الجماهير فلو وطئ وهو صبي أو مجنون ثم بلغ أو عقل لم يكن محصنا لقوله عليه السلام "الثيب بالثيب جلد مائة" فاعتبر الثيوبة خاصة ولو كانت تحصل قبله لكان عليه الرجم قبل بلوغه وعقله وهو خلاف الإجماع
الخامس: الحرية في قول الجميع إلا أبا ثور لقوله تعالى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] والرجم لا يتنصف وإيجابه كله يخالف النص مع مخالفة الإجماع.
وعلى كل حال فلابد أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوطء فيطأ الرجل البالغ العاقل الحر امرأة عاقلة حرة وهو قول عطاء والحسن وابن

فإن اختل شرط من ذلك في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما ولا يثبت الإحصان بالوطء بملك اليمين ولا في نكاح فاسد ويثبت الإحصان للذميين وهل تحصن الذمية مسلما؟ على روايتين ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال ما وطئتها لم يثبت إحصانه.
__________
سيرين وذكر القاضي أن أحمد نص أنه لا يحصل إحصان بوطئه في حيض وصوم وإحرام ونحوه وفي الإرشاد وهو وجه وفي المحرر يحصن مراهق بالغة ومراهقة بالغا وذكره الشيخ تقي الدين رواية وفي الترغيب إن كان أحدهما صبيا أو مجنونا أو رقيقا فلا إحصان لواحد منهما على الأصح ونقله الجماعة وجوابه أنه وطء لم يحصن أحد المتواطئين فلم يحصن الآخر كالتسري.
"فإن اختل شرط من ذلك في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما" لأن ما كان معلقا على شروط لا يوجد بدونها "ولا يثبت الإحصان بالوطء بملك اليمين" وهو التسري "ولا في نكاح فاسد" خلافا لأبي ثور وهو مروي عن الليث والأوزاعي وجوابه أنه وطء في غير ملك أشبه وطء الشبهة "ويثبت الإحصان للذميين" لأن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ورجل منهم قد زنيا "فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما" متفق عليه ولأن الجناية بالزنى استوت بين المسلم والذمي فوجب أن يستويا في الحد وكذا يثبت لمستأمنين.
"وهل تحصن الذمية مسلما على روايتين" إحداهما تحصنه ولا يشترط الإسلام قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز ونصره في الشرح لحديث ابن عمر السابق المتفق عليه واقتصر عليه في الكافي والثانية: لا تحصنه لأن الإحصان من شرطه الحرية فكان من شرطه الإسلام كإحصان القذف وجوابه أنه لا يصح القياس بإحصان القذف لأن من شرطه العفة وليست شرطا هنا " ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال ما وطئتها لم يثبت إحصانه" ولا يرجم إذا زنى لأن الولد يلحق بإمكان الوطء واحتماله والإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطء فلا يلزم من ثبوت ما يكتفى فيه بالإمكان وجود ما تعتبر فيه الحقيقة ويثبت بقوله وطئتها أو جامعتها والأشهر أو دخلت بها .

وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة وغرب عاما إلى مسافة القصر وعنه أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر ويخرج معها محرمها فإن راد أجرة بذلت من مالها فإن تعذر فمن بيت المال فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة فإن تعذر نفيت بغير محرم.
__________
فرع: إذا زنى محصن ببكر فلكل حده نص عليه "وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة" ولا يجب غيره نقله أبو الحارث والميموني قاله في الانتصار لقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الآية [النور: 2] ولقوله عليه السلام "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" وذلك وإن كان عاما فيخرج منه الرقيق كما يأتي والمحصن لما سبق فيبقى ما عداه على مقتضاه ولأن الخلفاء الراشدين فعلوا ذلك بالحر غير المحصن وانتشر ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع "وغرب عاما" في قول الجمهور "إلى مسافة القصر" لأن ما دون ذلك في حكم الحضر فإن عاد قبل الحول أعيد تغريبه ويبني على ما مضى ونقل الأثرم أنه لا يشترط مسافة القصر بل ينفى من عمله إلى عمل غيره وإن زنى في البلد الذي غرب إليه غرب منه إلى بلد آخر وظاهره أن المرأة تغرب إلى مسافة القصر لوجوبه كالدعوى "وعنه أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لتقرب من أهلها فيحفظوها وعنه تغرب إلى مسافة قصر مع محرمها ومع تعذره إلى دونها.
"ويخرج معها محرمها" وجوبا إن تيسر لأنه سفر واجب أشبه سفر الحج والمراد إذا كان باذلا "فإن أراد أجرة بذلت من مالها" لأن ذلك من مؤنة سفرها أشبه المركوب والنفقة "فإن تعذر فمن بيت المال" لأن فيه مصلحة أشبه نفقة نفسها وهذا قول ويقيد بما إذا أمكن "فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة" اختاره جماعة لأنه لابد من شخص يكون معها لأجل حفظها وحينئذ لم يكن بد من امرأة ثقة ليحصل المقصود من الحفظ وأجرتها على الخلاف "فإن تعذر نفيت بغير محرم" قاله إمامنا والشافعي كسفر الهجرة والحج إذا مات المحرم في الطريق وفي الترغيب

ويحتمل أن يسقط النفي وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة بكل حال ولا يغرب وإن كان نصفه حرا فحدده خمس وسبعون جلد وتغريب نصف عام.
__________
وغيره مع الأمن وعنه بلا محرم تعذر أو لا لأنه عقوبة ذكره ابن شهاب "ويحتمل أن يسقط النفي" عنها إذن كسقوط سفر الحج عنها فكذا هنا قال المؤلف وهذا الاحتمال هو اللائق بالشريعة فإن نفيها بغير محرم إغراء لها بالفجور وتعريض لها بالفتنة لا يقال حديث التغريب عام لأنه يخص بقوله عليه السلام "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم" " وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة" لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد قالا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال "إذا زنت فاجلدوها." الخبر متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي "إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين" رواه عبد الله بن أحمد ورواه مالك عن عمر "بكل حال" سواء كان مزوجا أو غير مزوج للعموم وخرق أبو ثور الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات كما خرق داود الإجماع في تكميل الحد على العبد وتضعيف حد الأبكار على المحصنات "ولا يغرب" ولا يعير نص عليهما وهو المشهور لأنه عليه السلام لم يذكره ولو كان واجبا لبينه كغيره لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ولأنه مشغول بخدمة السيد وفي تغريبه ضياع لها من غير جناية منه بدليل سقوط الجمعة ويتوجه احتمال بالنفي لأن عمر نفاه رواه البخاري قال في كشف المشكل يحتمل قوله نفاه أي أبعده من صحبته.
"وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة" لأن أرش جراحه على النصف من الحر والنصف من العبد فكذا حده وفي الأول خمسون وفي الثاني خمس وعشرون وفي الفروع وغيره والمعتق بعضه بالحساب وهو أولي.
"وتغريب نصف عام" في المنصوص لأن الحر تغريبه عام والعبد لا تغريب عليه فنصف الواجب من التغريب نصف عام وإن كان بعضه فبالحساب ؛

ويحتمل ألا يغرب وحد اللوطي كحد الزاني سواء وعنه حده الرجم بكل حال
__________
كالحد "ويحتمل ألا يغرب" لأن حق السيد بعضه فيقتضي بقاءه في بلده ليتمكن من الانتفاع بحصته فغلب حقه على التغريب لما في حق السيد من التأكيد.
فرع: إذا زنى عبد ثم عتق فعليه حد الرقيق وإن كان أحد الزانيين حرا والآخر رقيقا فعلى كل منهما حده وإن زنى بعد العتق وقبل العلم به فعليه حد حر وإن عفا السيد عنه لم يسقط حده في قول عامتهم.
"وحد اللوطي كحد الزاني سواء" قدمه في المحرر والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز لقوله عليه السلام "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان" ولأنه زنى فكان فاحشة كالإيلاج في فرج المرأة فعلى هذا إن كان محصنا رجم وإن كان غير محصن جلد مائة وغرب عاما وإن كان عبدا جلد خمسون من غير تغريب.
"وعنه حده الرجم بكل حال" بكرا كان أو ثيبا محصنا أو غيره وهي قول علي وابن عباس وغيرهما قال بعضهم وهي أظهر الروايتين وصححه ابن هبيرة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وإسناده ثقات.
وعن ابن عباس في البكر "يرجم" رواه أبو داود بإسناد جيد واحتج به أحمد وبالجملة فالإجماع منعقد على تحريمه وقد عابه الله في كتابه وذم فاعله ولهذا قال أبو بكر الصديق يحرق اللوطي وهو قول ابن الزبير وقال أبو بكر لو قتل بلا استتابة لم أر به بأسا وأنه لما كان مقيسا على الزاني في الغسل كذلك الحد وإن الغسل قد يجب ولا حد لأنه يدرأ بالشبهات بخلاف الغسل فدل أنه يلزم من نفي الغسل نفي الحد وأولى ونصره ابن عقيل لأنه أبعد من أحد فرجي الخنثى المشكل لخروجه عن هيئة الفروج وأحكامها.
مسائل: يعزر غير البالغ منهما ولا حد على من وطئ زوجته أو مملوكته في

ومن أتى بهيمة فعليه حد اللوطي عند القاضي اختار الخرقي وأبو بكر أنه يعزر وتقتل البهيمة وكره أحمد أكل لحمها وهل ذلك
__________
دبرها بل يعزر قال في الفروع ومملوكه كأجنبي وفي الترغيب ودبر أجنبية كلواط وقيل كزنا وزان بذات محرم كلواط ونقل جماعة ويؤخذ ماله لخبر البراء وأوله الأكثر على عدم وارث وأول جماعة ضرب العنق فيه على ظن الراوي قال أحمد يقتل ويؤخذ ماله على خبر البراء إلا رجلا يراه مباحا فيجلد قلت فالمرأة قال كلاهما في معنى واحد يقتل وقال أبو بكر هو محمول عند أحمد على المستحل وإن غير المستحل كزان.
"ومن أتى بهيمة" ولو سمكة "فعليه حد اللوطي عند القاضي" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي واختار الخرقي وأبو بكر والأكثر وجزم به في الوجيز وهي قول ابن عباس وعطاء أنه يعزر وهو المشهور لأنه لم يصح فيه نص ولا يمكن قياسه على الوطء في فرج الآدمي لأنه لا حرمة لها والنفوس تعافه ويبالغ في تعزيره لعدم الشبهة له فيه كوطء الميتة وقال الترمذي لا يعرف الحديث الأول إلا من رواية عمرو بن أبي عمرو وهو مخرج عنه في الصحيحين وقال الطحاوي هو ضعيف وقد صح عن ابن عباس أنه قال "من أتى بهيمة فلا حد عليه" وقال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يأتي البهيمة فوقف عندها ولم يثبت حديث عمرو ولأن الحد يدرأ بالشبهة "وتقتل البهيمة" عليهما مأكولة كانت أو غير مأكولة له أو لغيره للخبر وذكر ابن أبي موسى في قتلها على الثاني روايتين قال أبو بكر والاختيار قتلها وإن تركت فلا بأس ولا يجوز قتلها حتى يتبين ذلك إما بالشهادة على فعله بها أو بإقراره إن كانت ملكه فإن كانت لغيره لم يجز قتلها بحال لأنه إقرار على ملك غيره فلم يقبل كما لو أقر لغير مالكها وقيل إن كانت تؤكل ذبحت وحلت مع الكراهة.
"وكره أحمد أكل لحمها" لاختلاف الناس في حل الأكل "وهل ذلك

حرام؟ على وجهين.
فصل:
ولا يجب الحد إلا بشروط ثلاثة أحدها أن يطأ في الفرج سواء كان قبلا أو دبرا وأقل ذلك تغييب الحشفة في الفرج فإن وطئ دون الفرج أو أتت المرأة المرأة فلا حد عليهما.
__________
حرام على وجهين" أحدهما يحرم قدمه في الفروع وغيره روي عن ابن عباس ولأنه لحم حيوان وجب قتله لحق الله تعالى فحرم أكله كسائر المقتولات فعلى هذا يضمن الواطئ كمال قيمتها وفي الانتصار احتمال.
والثاني يحل أكلها لقوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ولأنه حيوان ذبحه ذابح من أهل الذكاة فجاز أكله كما لو لم يفعل به ذلك لكن يكره للشبهة فعليها يضمن نقصها.
فصل:
"ولا يجب الحد إلا بشروط ثلاثة" لما يأتي "أحدها أن يطأ في الفرج" أي فرج أصلي "سواء كان قبلا أو دبرا" أصليين لأن الدبر فرج مقصود أشبه القبل ولأنه إذا وجب بالوطء في الفرج وهو مما يستباح فهذا أولى ويقال إن أول ما بدأ قوم لوط بوطء النساء في أدبارهن ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الرجال "وأقل ذلك تغييب الحشفة" الأصلية من خصي أو فحل أو قدرها لعدم "في الفرج" لأن أحكام الوطء تتعلق به.
"فإن وطئ دون الفرج" فلا حد عليه لما روى ابن مسعود قال "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني وجدت امرأة فأصبت منها كل شيء إلا النكاح فقال استغفر الله" رواه النسائي فلم يوجب عليه حدا وظاهره أنه لا يعزر إذا جاء تائبا "أو أتت المرأة المرأة فلا حد عليهما" أي إذا تساحقت امرأتان فهما ملعونتان قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" رواه مسلم ذكره في الشرح وأما كونه لا حد عليهما لأنه لا يتضمن إيلاجا أشبه

فصل
الثاني: انتفاء الشبهة فإن وطئ جارية ولده أو جارية له فيها شرك أو لولده أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته,أو جاريته.
__________
المباشرة دون الفرج وعليهما التعزير لأنه زنى لا حد فيه أشبه مباشرة الرجل الأجنبية من غير جماع وكذا لو جامع الخنثى المشكل بذكره أو جومع في قبله فلا حد.
فرع: إذا وجد رجل مع امرأة كل منهما يقبل الآخر ولم يعلم أنه وطئها فلا حد فإن قالا نحن زوجان قبل قولهما في قول الأكثر فإن شهد عليهما بالزنى فقالا نحن زوجان فقيل عليهما الحد إن لم تكن بينة بالنكاح وقيل لا إذا لم يعلم أنها أجنبية منه لأن ذلك شبهة كما لو شهد عليه بالسرقة فادعى أن المسروق ملكه.
فصل
الثاني: انتفاء الشبهة لقوله عليه السلام "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" "فإن وطئ جارية ولده" فلا حد عليه في قول أكثرهم لأنه وطء تمكنت الشبهة فيه كوطء الجارية المشتركة يدل عليه قوله عليه السلام أنت ومالك لأبيك أضاف مال ولده إليه وجعله له فإذا لم تثبت حقيقة الملك فلا أقل من جعله شبهة دارئة للحد الذي يدرأ بالشبهة.
وفي الرعاية من وطئ أمة ولده ولم ينو تملكها به ولم يكن ابنه وطئها وقيل أو كان عزر في الأشهر بمائة سوط وقيل إن حملت منه ملكها وإلا عزر وإن كان ابنه وطئها حد الأب مع علمه به "أو جارية له فيها شرك" فكذلك لأنه فرج له فيه ملك أشبه المكاتبة والمرهونة وظاهره ولو لبيت المال صرح به في الرعاية إذا كان له فيه حق "أو لولده" لأن الشرك في إسقاط الحد كملك الكل "أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته" فوطئها فلا حد عليه لأنه وطء اعتقد إباحته بما يعذر مثله فيه أشبه ما لو قيل له هذه زوجتك بغير خلاف نعلمه لكن عليها الحد إن

أو دعا الضرير امرأته و جاريته فأجابه غيرها فوطئها أو وطئ في نكاح مختلف في صحته أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها أو لم يعلم بالتحريم لحداثة عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة أو أكره على الزنا فلا حد عليه وقال أصحابنا إن أكره
__________
علمت أنه أجنبي "أو دعا الضرير امرأته أو جاريته فأجابه غيرها فوطئها" وظنها المدعوة كما لو زفت إليه غير زوجته وقيل له هذه زوجتك بخلاف ما لو دعا محرمة عليه فأجابه غيرها فوطئها يظنها المدعوة فعليه الحد سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة كالجارية المشتركة أو لم يكن لأنه لا تعذر بهذا أشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه فبان أجنبيا "أو وطئ في نكاح" أو ملك "مختلف في صحته" يعتقد تحريمه كمتعة وبلا ولي وشراء فاسد بعد قبضه وقيل أو قبله لأن الوطء فيه شبهة وعنه يحد اختاره الأكثر في وطء بائع بشرط خيار ولو لم يجد ذكره أبو الحسين وغيره فلو حكم بصحته توجه خلاف وكذا وطؤه بعقد فضولي وفي ثالث إن وطئ قبل الإجازة حد وإلا عزر واختار في المحرر يحد قبلها إن اعتقد أنه لا ينفذ بها وحكى رواية "أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها" لأن الوطء قد صادف ملكا فكان شبهة وقد حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه أنه يدرأ بالشبهة "أو لم يعلم بالتحريم لحداثة عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة" قبل منه لأنه يجوز أن يكون صادقا وظاهره أنه إذا لم يكن كذلك أو نشأ بين المسلمين أنه لا يقبل منه لأنه لم يخف عليه "أو أكره على الزنى فلا حد عليه" نقول لا حد على مكرهة على الزنى في قول عامتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه النسائي وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه "أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد" رواه الأثرم ورواه سعيد عن عمر ولأن هذا شبهة والحد يدرأ بها ولا فرق في الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها أو بالتهديد بالقتل ونحوه نص عليه في راع أو منع طعام مع اضطرار وكذا المفعول له لواطا قهرا "وقال أصحابنا إن أكره

الرجل فزنى حد وإن وطئ ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحد أو يعزر؟ على وجهين وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه كنكاح المزوجة.
__________
الرجل فزنى حد" نص عليه وقدمه في الفروع وهو المذهب لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث والاختيار بخلاف الإكراه وعنه لا حد عليه صححه في المغني والشرح لعموم الخبر ولأن الإكراه شبهة وكما لو استدخلت ذكره وهو نائم وعنه فيهما لا حد إلا بتهديد ونحوه قال الشيخ تقي الدين بناء على أنه لا يباح بالإكراه الفعل لا القول قال القاضي وغيره إن خافت على نفسها القتل سقط عنها الدفع كسقوط الأمر بالمعروف بالخوف "وإن وطئ ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحد أو يعزر على وجهين" وهما روايتان إحداهما يحد بوطء ميتة قدمها في الرعاية لأنه إيلاج في فرج محرم لا شبهة له فيه أشبه الحية ولأنه أعظم ذنبا.
والثانية: لا يحد اختارها أبو بكر وجزم بها في الوجيز لأنه لا يقصد فلا حاجة إلى الزجر عنه فعليها يعزر ونقل عبد الله بعض الناس يقول عليه حدان فظننته يعني نفسه قال أبو بكر وهو قول الأوزاعي وهذا بخلاف طرف ميت لعدم ضمان الجملة لعدم وجود قتل بخلاف الوطء وأما من تحرم عليه بالرضاع إذا وطئها فعنه يحد وذكره القاضي عن أصحابنا لأنه لا يستباح بحال كالمحرمة بالنسب وكفرج الغلام وعنه لا وجزم بها في الوجيز لأنها مملوكة أشبهت مكاتبته ولأنه وطء اجتمع فيه موجب ومسقط والحد يبنى على الدرء والإسقاط فإذا لم يحد عزر وعنه مائة سوط وكذا إذا وطئ أمته المزوجة أو المعتدة أو المرتدة والمجوسية.
"وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه" والمنصوص مع علمه "كنكاح المزوجة" لأنه وطء لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك فأوجب الحد عملا بالمقتضى وقد روي عن عمر "أنه رفع إليه امرأة تزوجت في عدتها فقال هل علمتما فقالا لا فقال لو علمتما لرجمتكما" رواه أبو نصر المروزي .

والمعتدة والخامسة وذوات المحارم من النسب والرضاع أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره وزنى بها أو زنى بامرأة له عليها القصاص أو بصغيرة أو مجنونة أو بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها
__________
ولأنه إذا وجب الحد بوطء المعتدة فلأن يجب بوطء المزوجة بطريق الأولى "والمعتدة" فلو قال جهلت فراغ المعتدة وأمكن صدقه صدق والخامسة لعدم إباحتها "وذوات المحارم من النسب والرضاع" للعموم وعنه فيمن وطئ ذوات محارمه يقتل بكل حال رجحه في الشرح لأخبار وعنه ويؤخذ ماله لبيت المال لما روى البراء قال لقيت عمي ومعه الراية فقلت إلى أين تريد فقال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله رواه أبو داود والجوزجاني.
مسألة: حكم من زنى بحربية مستأمنة أو نكح بنته من الزنى كذلك نص عليه وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف.
"أو استأجر امرأة للزنى أو لغيره وزنى بها" لعموم الآية والأخبار ووجود الإجارة كعدمها ولأنه وطء في غير ملك أشبه ما لو كان له عليها دين وتغير الحال لا يسقط الحد كما لو مات "أو زنى بامرأة له عليها القصاص" لأن استحقاق قتلها لا يوجب إباحة وطئها فلا تؤثر فيه شبهة فوجب أن يجب الحد عملا بالنصوص.
وقيل: من وطئ أمة له عليها قود لم يحد إن قلنا إنه يملكها به وسئل أحمد هل عليه عقرها قال لا شيء عليه هي له "أو بصغيرة" يوطأ مثلها نقله الجماعة وصححه في المغني والشرح لأنها كالكبيرة في ذلك وقيل أو لا وهو ظاهر كلامه هنا وقال القاضي لا حد على من وطئ صغيرة لم تبلغ تسعا لأنه لا يشتهى مثلها وكما لو استدخلت ذكر صبي لم يبلغ عشرا ورده المؤلف لعدم التوقيف فيه "أو مجنونة" لأن الواطئ من أهل وجوب الحد وقد فعل ما يوجبه فوجب أن يترتب عليه مقتضاه "أو بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها" لأن النكاح والملك وجدا بعد وجوب الحد فلم يسقط كما لو سرق

أو أمكنت العاقلة من نفسها مجنونا أو صغيرا فوطئها فعليهم الحد.
فصل
الثالث أن يثبت الزنا ولا يثبت إلا بشيئين أحدهما أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس وهو بالغ عاقل.
__________
نصابا ثم ملكه أو أقر عليها فجحدت كسكوتها.
"أو أمكنت العاقلة" أي المكلفة "من نفسها مجنونا أو صغيرا" وقيل ابن عشر "فوطئها فعليهم الحد" أي عليها الحد لأن سقوطه عن أحد المتواطئين لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر كما لو زنى المستأمن بمسلمة.
فصل
"الثالث أن يثبت الزنى ولا يثبت زناه ولا يلزمه الحد "إلا بشيئين: أحدهما: أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس" نص عليه لما روى أبو هريرة قال "أتى رجل من الأسلميين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال إني زنيت فأعرض عنه فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبك جنون قال لا قال هل أحصنت قال نعم قال اذهبوا به فارجموه" متفق عليه.
وفي مختصر ابن رزين بمجلس سأله الأثرم بمجلس أو مجالس قال الأحاديث ليست تدل إلا على مجلس إلا عن ذاك الشيخ بشير بن المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه وذلك منكر الحديث وقال الحكم وابن أبي ليلى يكفي الإقرار مرة لقوله عليه السلام "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" وغيره من الأحاديث المطلقة وجوابه ما سبق وبأنه لو وجب الحد بمرة لم يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى وروى نعيم بن هزال قال له النبي صلى الله عليه وسلم "قلتها أربع مرات قال نعم" رواه أبو داود.
"وهو بالغ عاقل" حر وعبد محدود في قذف أو لا ولا نعلم خلافا أن المكره لا يجب عليه حد وكذا النائم لرفع القلم عنه والسكران سبق حكمه وفي

ويصرح بذكر حقيقة الوطء ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد. الثاني أن يشهد عليه أربعة رجال أحرار عدول.
__________
الكافي والشرح لا يصح إقراره به لكن عليه حد الزنى والسرقة والشرب والقذف إذا فعله حال سكره لفعل الصحابة فأما الأخرس إن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار وإن فهمت إشارته فإنه يؤاخذ بها فإن أقر العاقل أنه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد دونها لحديث سهل بن سعد رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات "ويصرح بذكر حقيقة الوطء" لتزول التهمة ولقوله عليه السلام لماعز "لعلك قبلت أو غمزت قال لا قال أفنكتها -لا يكني- قال نعم فعند ذلك أمر برجمه" رواه البخاري وعنه وبمن زنى بها وفي الرعاية وهي أظهر وأطلق في الترغيب وغيره الخلاف "ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد" لأن من شرط إقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه في قول الجمهور لقصة ماعز.
فرع: إذا شهد أربعة على إقراره به أربعا فأنكر أو صدقهم دون أربع فلا حد عليه في الأظهر ولا على الشهود وهما في الترغيب إن أنكر وإنه لو صدقهم لم يقبل رجوعه "الثاني أن يشهد عليه" أي على فعله "أربعة" إجماعا لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية [النور: 4] ولقوله عليه السلام لسعد بن عبادة حين قال له أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال النبي صلى الله عليه وسلم "نعم" رواه مالك رجال فلا تقبل فيه شهادة النساء إلا ما روي عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة وامرأتان وهو خلاف النص لأن في شهادة النساء شبهة لما في قبولها من الاختلاف والحدود تدرأ بالشبهات "أحرار" في الأشهر وقاله الأكثر وعنه يقبل العبد لعموم النص وهو عدل مسلم ذكر فقبل كالحر وجوابه أنه مختلف في قبول شهادته وذلك شبهة فلا تقبل فيما يدرأ بالشبهة عدول ولا خلاف في اشتراطها كسائر الشهادات فلا تقبل فيه شهادة محمود ولا مستور الحال لجواز أن يكون فاسقا واكتفى بذلك عن

يصفون الزنا ويجيئون في مجلس واحد سواء جاءوا متفرقين أو مجتمعين فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد
__________
ذكر الإسلام لأن أهل الذمة كفار لا تتحقق العدالة فيهم فلا تقبل روايتهم ولا خبرهم الديني كعبدة الأوثان وسواء كانت الشهادة على مسلم أو ذمي.
"يصفون الزنى" أي: زنى واحد يصفونه نقله أبو طالب فيقولون رأينا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة ولأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى وقال طائفة يجوز أن ينظروا إلى ذلك منهما لإقامة الشهادة عليهما ليحصل الردع بالحد فإن شهدوا أنهم رأوا ذكره قد غيبه في فرجها كفى "ويجيئون في مجلس واحد" على الأصح لأن عمر شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة ولم يشهد زياد فحد الثلاثة ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر ولأنه لو شهد ثلاثة فحدهم ثم جاء رابع فشهد لم تقبل شهادته ولو لا اشتراط المجلس لكملت شهادتهم وبهذا يفارق سائر الشهادات.
والثانية: ليس بشرط لقوله تعالى {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 3] ولم يذكر المجلس ولأن كل شهادة مقبولة إذا افترقت كغيرها وجوابه أن الآية لم تتعرض للشروط "سواء جاؤوا متفرقين" أي واحدا بعد آخر لقصة المغيرة فإنهم جاؤوا مفترقين وسمعت شهادتهم وإنما حدوا لعدم كمالها وفي الحديث أن أبا بكرة قال لعمر أرأيت لو جاء آخر فشهد أكنت ترجمه فقال عمر أي والذي نفسي بيده ولأنهم اجتمعوا في مجلس واحد أشبه ما لو جاؤوا "أو مجتمعين" ولأن المجلس كله بمنزلة ابتدائه ولهذا يجزئ فيه القبض فيما هو شرط فيه "فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم" من مجلسه فهم قذفة لأن شهادته غير مقبولة ولا صحيحة أشبه ما لو لم يشهد أصلا وعليهم الحد "أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد" في قول أكثر العلماء ؛

وإن كانوا فساقا أو عميانا أو بعضهم, فعليهم الحد وعنه لا حد عليهم وإن كان أحدهم زوجا يحد الثلاثة ولاعن الزوج إن شاء وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد واثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد آخر,
__________
لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وهذا يوجب الحد على كل رام لم يشهد بما قاله أربعة ولأن عمر جلد أبا بكرة وأصحابه حيث لم يكمل الرابع شهادته بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد فكان كالإجماع وحكى أبو الخطاب رواية أنه لا حد عليهم لأنهم شهود فلم يجب عليهم الحد كما لو كانوا أربعة أحدهم فاسق.
فرع: كل زنى يوجب الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهود بالاتفاق ويدخل فيه اللواط ووطء المرأة في دبرها ووطء البهيمة إن قلنا يجب الحد به وإن قلنا يعزر فيقبل بشاهدين وقيل بأربعة وعلى قياس هذا كل وطء يوجب التعزير فقط فإن لم يكن وطئا كمباشرة دون الفرج تثبت بشاهدين وجها واحدا "وإن كانوا فساقا أو عميانا أو بعضهم" أو بان فيهم صبي مميز أو امرأة أو عبد ولم يقبله "فعليهم الحد" على المذهب وصححه القاضي كما لو لم يكمل العدد وكما لو كان المشهود عليه مجبوبا أو رتقاء "وعنه: لا حد عليهم" وهو قول الحسن والشعبي لأنهم أربعة فدخلوا في عموم الآية وكما لو شهد أربعة مستورون ذكره في المغني والشرح أو مات أحدهم قبل وصفه الزنى وإن شهدوا عليها عذراء نص عليه وفي الواضح تزول حصانتها بهذه الشهادة والثالثة تحد العميان خاصة وقاله الثوري وإسحاق لأنه معلوم كذبهم والباقي يجوز صدقهم وقد كمل عددهم أشبه مستوري الحال "وإن كان أحدهم زوجا حد الثلاثة" لأنهم قذفة حيث لم تكمل البينة لأن شهادة الزوج غير مسموعة "ولاعن الزوج إن شاء" لأن الزوج إذا قذف زوجته له الخيرة بين اللعان وتركه وعلى الثانية لا حد ولا لعان بحال.
"وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد واثنان أنه زنى بها في بيت أو

فهم قذفة وعليهم الحد وعنه يحد المشهود عليه وهو بعيد وإن شهدا أنه زنى بها في زاوية بيت وشهد الآخران أنه زنى بها في زاويته الأخرى أو شهدا أنه زنى بها في قميص أبيض وشهد الآخران أنه زنى بها في قميص أحمر كملت شهادتهم ويحتمل ألا تكمل كالتي قبلها.
__________
بلد آخر" أو اختلفا في اليوم "فهم قذفة وعليهم الحد" اختاره الخرقي وقدمه في الرعاية ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأنه لم يكمل أربعة على زنى واحد فوجب عليهم الحد كما لو انفرد بالشهادة اثنان "وعنه يحد المشهود عليه" فقط اختاره أبو بكر وفي التبصرة والمستوعب وظاهرها أنه لا تعتبر شهادة الأربع على فعل واحد وإنما يعتبر عدد الشهود في كونها زانية "وهو بعيد" لأنه لم يثبت زنى واحد بشهادة أربعة فلم يجب الحد ولأن جميع ما تعتبر له البينة يعتبر كمالها في حق واحد فالموجب للحد أولى ولأنه مما يحتاط له ويندرئ بالشبهات قال أبو بكر لو شهد اثنان أنه زنى بامرأة بيضاء وآخران بامرأة سوداء فهم قذفة ذكره القاضي وهذا يناقض قوله "وإن شهدا أنه زنى بها في زاوية بيت" صغير "وشهد الآخران أنه زنى بها في زاويته الأخرى" كملت شهادتهم إن كانت الزاويتان متقاربتين وحد المشهود عليه على المذهب لأن التصديق ممكن فلم يجز التكذيب لا يقال يمكن أن يكون المشهود به فعلين فلم أوجبتم الحد مع الاحتمال وهو يدرأ بالشبهة لأنه لا شبهة فيه بدليل ما على موضع واحد فإنه يمكن أن تكون الشهادة على فعلين بأن يكون قد فعل ذلك مرتين أما لو كانت الزاويتان متباعدتين فالقول فيهما كالقول في البيتين وعلى قول أبي بكر تكمل الشهادة سواء تقاربتا أو تباعدتا.
"أو شهدا أنه زنى بها في قميص أبيض وشهد الآخران أنه زنى بها في قميص أحمر كملت شهادتهم" على المذهب لأنه لا تنافي بينهما فإنه يمكن أن يكون عليها قميصان فذكر كل اثنين واحدا منهما كما لو شهد اثنان أنه زنى بها في قميص كتان وآخران في قميص خز "ويحتمل ألا تكمل كالتي قبلها" وقاله أبو الخطاب لأن شهادتهم مختلفة أشبه ما لو

وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة لم تكمل شهادتهم وهل يحد الجميع أو شاهدا المطاوعة؟ على وجهين وعند أبي الخطاب يحد الزاني المشهود عليه دون المرأة والشهود وإن شهد الأربعة فرجع أحدهم قبل الحد فلا شيء على الراجع ويحد الثلاثة.
__________
اختلفوا في البيتين فعلى هذا هل يحدون للقذف على وجهين.
"وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة لم تكمل شهادتهم" على الأشهر لأن فعل المطاوعة غير المكرهة فعلى هذا لا يحد الرجل اختاره أبو بكر والقاضي وأكثر الأصحاب ولا المرأة بغير خلاف نعلمه لأن الشهادة لم تكمل على فعل موجب للحد عليهما.
"وهل يحد الجميع" أي الأربعة لقذفهم الرجل ` أحدهما: يجب الحد على شاهدي المطاوعة اختاره أبو بكر لأنهما قذفا المرأة بالزنى ولم تكمل شهادتهم عليها ولا يجب على شاهدي الإكراه لأنهما لم يقذفا المرأة وقد كملت شهادتهم على الرجل وإنما انتفى الحد للشبهة.
والثاني: يحد الجميع لأنهم شهدوا بالزنى فلزمهم الحد كما لو لم يكمل عددهم "وعند أبي الخطاب يحد الزاني المشهود عليه" واختاره في التبصرة لأن الشهادة كملت على وجود الزنى منه واختلافها إنما هو في فعلها فلا يمنع كمال الشهادة عليها "دون المرأة" لأنه لم يشهد عليها أربعة بزنى يوجب الحد لأنه لا حد مع الإكراه "والشهود" لأن المقتضي له لم يوجد وفي الواضح لا حد على أحد منهم.
فرع: إذا شهد اثنان أنها بيضاء وآخران غيره لم تقبل لأن الشهادة لم تجتمع على عين واحدة وكما لو اختلفوا في تعدد المكان أو الزمان بخلاف السرقة وحدوا للقذف.
"وإن شهد أربعة فرجع أحدهم قبل الحد فلا شيء على الراجع ويحد الثلاثة" اختاره أبو بكر وابن حامد وجزم به في الوجيز لأن الراجع كالتائب قبل تنفيذ الحكم بقوله ولأن في درء الحد عنه تمكينا له من الرجوع الذي تحصل به

وإن كان رجوعه بعد الحكم فلا حد على الثلاثة ويغرم الراجع ربع ما أتلفوه وإن شهد أربعة بالزنا بامرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء فلا حد عليها.
__________
مصلحة المشهود عليه وإنما حد الثلاثة لأن برجوع الراجع نقص عدد الشهود فوجب أن يحدوا كما لو كانوا في الابتداء كذلك.
والثانية: يحد الجميع قدمها في المحرر لنقص العدد كما لو كانوا ثلاثة قال في المحرر ويتخرج ألا يحد سوى الراجع إذا رجع بعد الحكم وقبل الحد ولو رجع الكل فهل يحدون على الروايتين في الواحد "وإن كان رجوعه بعد الحكم فلا حد على الثلاثة" لأن الشهادة كملت واتصل بها الحكم فلم يجب عليهم شيء لعدم كونهم قذفة "ويغرم الراجع ربع ما أتلفوه" لأنه أقر على نفسه برجوعه أن التلف حصل بفعله وفعل غيره فيقبل على نفسه فقط وظاهره أنه لا حد على الراجع أيضا ونقله أبو النصر لأنه تائب والمذهب أنه يحد وحده إن ورث حد القذف فإن كان رجما ضمن ربع المتلف بدية أو غيرها إن صرح بالخطإ وإن قال عمدنا الكذب ليقتل قتل وحده وإن قال عمدت ذلك وحدي فهل يلزمه قود على الروايتين في مشاركة العامد للمخطئ "وإن شهد أربعة بالزنى بامرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء فلا حد عليها" لأن البكارة تثبت بشهادة النساء ووجودها يمنع من الزنى ظاهرا والشهود صدقهم محتمل فإنه يحتمل أنه وطئها ثم عادت عذرتها لكن ذكر في الشرح أنه يكتفي بشهادة واحدة لأن شهادتها مقبولة فيما لا يطلع عليه الرجال ونقل أبو النصر في مسألة المجبوب أن الشهود قذفة وقد أحرزوا ظهورهم فذكر له قول الشعبي العذراء قال عنه اختلاف فإن رجمه القاضي فالخطأ منه قلت فترى في هذا أو في من شهد عليه بالزنى فلم يسأل القاضي عن إحصانه حتى رجمه أن الدية في بيت المال لأن الحاكم ليس عليه غرم قال نعم وأطلق ابن رزين في مجبوب ونحوه قولين بخلاف العذراء وفي الشرح إن شهد بأنها رتقاء أو ثبت أن الرجل مجبوب فينبغي أن يجب الحد على

ولا على الشهود نص عليه وإن شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه وهل يحد الشهود الأولون حد الزنا؟ على روايتين. وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بذلك بمجرده.
__________
الشهود لأنه متيقن كذبهم "ولا على الشهود" نص عليه لأن صدقهم محتمل وفي الرعاية ولا على الرجل "وإن شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه" لأن شهادة الآخرين تضمنت جرح الأولين وشهادة الآخرين تتطرق إليها التهمة "وهل يحد الشهود الأولون حد الزنى؟ على روايتين" كذا في المحرر والفروع إحداهما لا يجب الحد عليهم لأن الأولين قد جرحهم الآخرون بشهادتهم عليهم والآخرون تتطرق إليهم التهمة
والثانية: يحدون لها اختارها أبو الخطاب لأن شهادة الآخرين صحيحة فيجب الحكم بها وعلى كلتيهما في حدهم القذف روايتان أشهرهما بأنهم يحدون.
"وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بذلك بمجرده" نقله الجماعة وذكر ابن هبيرة أنها الأظهر لكنها تسأل فإن ادعت أنها أكرهت أو وطئت اليسرى أو لم تعترف بالزنى لم تحد وهو قول الأكثر من العلماء وعن أحمد بلى إن لم تدع شبهة وفي الوسيلة والمجموع رواية ولو ادعت شبهة وأقوال الصحابة مختلفة في ذلك حتى بالغ بعض العلماء وقال إن المرأة تحمل من غير وطء بأن تدخل ماء الرجل في فرجها ولهذا تصور حمل البكر ووجد.
مسألة: إذا شهد عليه بزنى قديم أو أقر به وجب عليه الحد لعموم الآية وكسائر الحقوق وقال ابن حامد لا أقبل بينة على زنى قديم وأحده بالإقرار به وذكره ابن أبي موسى مذهبا لأحمد وهو مروي عن عمر لأن تأخير الشهادة إلى هذا الوقت يدل على التهمة وتقبل الشهادة به من غير مدع نص عليه لقضية أبي بكرة .

باب حد القذف
وهو الرمي بالزنا ومن قذف حرا محصنا فعليه جلد ثمانين جلدة إن كان القاذف حرا و أربعين إن كان عبدا.
__________
باب حد القذفوهو محرم بالإجماع وسنده قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وقوله عليه السلام "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هي يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" متفق عليه " وهو الرمي بالزنى" فبيان لمعنى القذف وكذا رميه بلواط أو شهادة عليه به ولم تكمل البينة وأصله الرمي بالحجر بخلاف الخذف بالخاء المعجمة فإنه الرمي بالحصى وهو في الأصل رمي الشيء بقوة ثم استعمل في الرمي بالزنى ونحوه من المكروهات يقال قذف يقذف قذفا فهو قاذف وجمعه قذاف وقذفه كفاسق وفسقة وكافر وكفرة.
"ومن قذف" وهو مكلف مختار "حرا محصنا فعليه جلد ثمانين جلدة إن كان القاذف حرا وأربعين إن كان عبدا" أجمعوا على وجوب الحد على من قذف محصنا حرا كان القاذف أو عبدا وأن حده ثمانون إن كان حرا لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} والرقيق على النصف من ذلك في قول أكثر العلماء ويروى أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم جلد عبدا قذف حرا ثمانين وبه قال قبيصة وعمر بن عبد العزيز لعموم الآية والصحيح الأول لإجماع الصحابة قال عبد الله بن عامر بن ربيعة أدركت أبا بكر وعمر وعثمان والخلفاء هلم جرا ما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين رواه مالك كحد الزنى والآية وإن كانت عامة فدليلنا خاص والخاص مقدم وتقدم قول الخرقي يكون بدون سوط الحر وظاهره ولو ذات محرم أو مجبوبا سوى ولده وإن

وهل حد القذف حق لله تعالى أو للآدميين؟ على روايتين,وقذف غير المحصن يوجب التعزير والمحصن هو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله.
__________
نزل نص على الثلاثة ولو عتق قبل حد ومعتق بعضه بالحساب وقيل كعبد "وهل حد القذف حق لله تعالى أو للآدميين على روايتين".
إحداهما: وهي الأظهر والأشهر وقاله الجمهور هو حق لآدمي فعليه يسقط بعفوه عنه قال القاضي وأصحابه لا عفوه عن بعضه.
والثانية: هو حق لله قدمها في الرعاية وعليها لا يسقط بالعفو أو الإبراء ولا يستوفيه إلا الإمام أو نائبه وعليهما لا يحد ولا يجوز أن يعرض له إلا بطلب وذكره الشيخ تقي الدين إجماعا ويتوجه على الثانية وبدونه ولا يستوفيه بنفسه خلافا لأبي الخطاب وإنه لو فعل لم يعتد به وعلله القاضي بأنه تعتبر نية الإمام أنه حد وفي البلغة لا يستوفيه بدونه فإن فعل فوجهان وإن هذا في القذف الصريح وإن غيره يبرأ به سواء على خلاف في المذهب كاعتبار الموالاة أو النية.
"وقذف غير المحصن" كمن قذف مشركا أو عبدا أو مسلما له دون عشر سنين أو مسلمة لها دون تسع سنين أو من ليس بعفيف "يوجب التعزير" ردعا له عن أعراض المعصومين وكفالة عن أذاهم وقيل سوى سيد لعبده.
فرع: يحد أبواه وإن علوا بقذفه وإن نزل كقود فلا يرثه عليهما وإن ورثه يتحقق لأمه وحد له لتبعيضه وفي الترغيب لا يحد أب وفي أم وجهان "والمحصن" هنا هو "الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله" هذه صفة المحصن الذي يحد بقذفه أما الحرية والإسلام فلأن العبد والكافر حرمتهما ناقصة فلم ينتهض لإيجاب الحد والآية الكريمة وردت في الحرة المسلمة وغيرهما ليس في معناهما.
وأما العقل فلأن المجنون لا يعير بالزنى لعدم تكليفه وغير العاقل لا يلحقه شين بإضافة الزنى إليه لكونه غير مكلف وأما العفة عن الزنى فلأن غير العفيف لا يشينه القذف والحد إنما وجب من أجل ذلك وقد أسقط الله الحد عن القاذف

وهل يشترط بلوغه؟ على روايتين
__________
إذا كان له بينة بما قال وأما كونه يجامع مثله فلأن غير ذلك لا يعير بالقذف لتحقق كذب القاذف وأقله أن يكون له عشر سنين إن كان ذكرا أو تسع سنين إن كانت أنثى وظاهره أنه لا تشترط فيه العدالة بل لو كان المقذوف فاسقا كشربه الخمر أو لبدعة ولم يعرف بالزنى أنه يجب الحد بقذفه وقال الشيرازي لا يجب الحد بقذف مبتدع ولا مبتدعة وقال ابن أبي موسى إذا قذف أم ولد رجل وله منها ولد حد وإذا قذف مسلم ذمية تحت مسلم أو لها منه ولد حد في رواية وإن قذف عبد عبدا جلد أربعين قاله في الرعاية "وهل يشترط بلوغه؟ على روايتين" إحداهما: يشترط قيل إنها مخرجة وليست بمنصوصة لأن غير البالغ غير مكلف أشبه المجنون والثانية: ليس بشرط وهو مقتضى كلام الخرقي وقطع بها القاضي والشريف وأبو الخطاب وصاحب الوجيز لأن ابن عشر سنين ونحوه يلحقه الشين بإضافة الزنى إليه ويعير بذلك ولهذا جعل عيبا في الرقيق أشبه البالغ وفي اشتراط سلامته من وطء الشبهة وجهان ولعله مبني على أن وطء الشبهة هل يوصف بالتحريم أم لا فذكر عن القاضي أنه وصفه به وظاهر كلام جماعة عدم وصفه بذلك وظاهر كلام آخرين أنه لا تشترط السلامة في ذلك.
فرع: إذا وجب الحد بقذف من لم يبلغ لم يقم عليه حتى يبلغ ويطالب لعدم اعتبار كلامه قبل البلوغ وليس لوليه المطالبة حذارا من فوات التشفي ولو قذف غائبا اعتبر قدومه وطلبه إلا أن يثبت أنه طالب في غيبته فيقام على المذهب وقيل لا لاحتمال عفوه ولو قذف عاقلا فجن أو أغمي عليه قبل الطلب لم يقم حتى يفيق ويطالب وإن كان بعد الطلب جازت إقامته.
مسألة: يشترط لإقامة الحد على القاذف أمران أحدهما مطالبة المقذوف لأنه حق له كسائر حقوقه الثاني ألا يأتي ببينة فإن كان القاذف زوجا اعتبر آخر وهو امتناعه من اللعان وتعتبر استدامة الطلب إلى إقامته فلو طلب ثم عفا سقط ويحد بقذف على جهة الغيرة بفتح الغين ويتوجه احتمال وأنها عذر في

وإن قال زنيت وأنت صغيرة وفسره بصغر عن تسع سنين لم يحد وإلا خرج على الروايتين وإن قال لحرة مسلمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة ولم تكن كذلك فعليه الحد وإن كانت كذلك وقالت أردت قذفي في الحال, فأنكرها على وجهين ومن قذف محصنا فزال إحصانه قبل إقامة الحد لم يسقط الحد عن القاذف.
__________
غيبة ونحوها "وإن قال" لمحصنة "زنيت وأنت صغيرة وفسره بصغر عن تسع سنين لم يحد" لأن حد القذف إنما وجب لما يلحق بالمقذوف من العار وهو منتف للصغر بل يعزر زاد في المغني إن رآه الإمام وأنه لا يحتاج إلى طلب لأنه لتأديبه "وإلا خرج على الروايتين" وكذا في الفروع في اشتراط البلوغ جزم في الوجيز بالحد "وإن قال لحرة مسلمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة ولم تكن كذلك فعليه الحد" لأنه يعلم كذبه وإن لم يثبت ذلك على الأصح فإن ثبت فلا حد على الأصح وإن كانت كذلك لم يحد على الأشهر "وقالت أردت قذفي في الحال فأنكرها" فهل يحد أو يعزر "على وجهين" الأصح أنه لا حد عليه لأن ظاهر لفظه يقتضي تعليق وأنت نصرانية أو أمة بقوله زنيت فيصير كأنه قال لها زنيت حال النصرانية أو الرق ولا حد مع ذلك لأن ارتباط الكلام بعضه ببعض أولى من عدم ارتباطه قال في الفروع ويتوجه مثله إن أضافه إلى جنون وفي الترغيب إن كان ممن يجن لم يقذفه وفي المغني إن ادعى أنه كان مجنونا حين قذفه فأنكرت وعرفت له حالة جنون وإفاقة فوجهان وإن ادعى رق مجهولة فروايتان وإن ادعى أن قذفا متقدما كان في صغر أو قال زنيت مكرهة أو قال يا زانية ثم ثبت زناها في كفر لم يحد كثبوته في إسلام وفي المبهج إن قذفه بما أتى في الكفر حد لحرمة الإسلام وسأله ابن منصور رجل رمى امرأة بما فعلت في الجاهلية قال يحد وذكر القاضي لو قال ابن عشرين لابن خمسين زنيت من ثلاثين سنة لم يحد وهو سهو.
"ومن قذف محصنا فزال إحصانه قبل إقامة الحد لم يسقط الحد عن القاذف" نص عليه حكم حاكم بوجوبه أم لا لأن الحد يعتبر بوقت

فصل
والقذف محرم إلا في موضعين أحدهما أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه فيعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون منه فيجب عليه قذفها ونفي ولدها الثاني ألا تأتي بولد يجب نفيه أو استفاض في الناس زناها أو أخبره به ثقة أو رأى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها.
__________
وجوبه وكما لا يسقط بردته وجنونه وبخلاف فسق الشهود قبل الحكم لضيق الشهادة وعلله المؤلف بأنه حق آدمي وبأن الزنى نوع فسق واحتمال وجود الجنس أكثر من النوع إلا أن يتقدم مزيله على القذف بإقرار أو بينة.
فصل:
"والقذف محرم إلا في موضعين أحدهما أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه" زاد في الترغيب والرعاية ولو دون الفرج وفي المغني أو تقر به فيصدقها "فيعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون منه" أي من الزاني زاد في المحرر والرعاية وكذا لو وطئها في طهر زنت فيه وظن الولد من الزاني "فيجب عليه قذفها" لأن نفي الولد واجب ولا يمكن إلا بالقذف لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب "ونفي ولدها" لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزاني لكونها أتت به لستة أشهر من حين الوطء وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته" ولا شك أن الرجل مثلها وكذا لو أقرت بالزنى ووقع في نفسه صدقها.
"الثاني: ألا تأتي بولد يجب نفيه" لأن بالزوج حاجة إلى فسخ النكاح ليتخلص من زوجة شأنها كذلك لحديث عويمر العجلاني وهلال بن أمية.
"أو استفاض في الناس زناها" وقدم في المغني والشرح لا تكفي استفاضة بلا قرينة "أو أخبره به ثقة" فلو كان يخبر من لا يوثق به لم يجز لأنه غير مأمون على الكذب عليها "أو رأى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها" زاد في

فيباح قذفها ولا يجب وإن أتت بولد يخالف لونه لونهما لم يبح نفيه يذلك وقال أبو الخطاب ظاهر كلامه إباحته.
فصل
وألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح قوله يا زاني يا
__________
الترغيب خلوة "فيباح قذفها" لأنه يغلب على ظنه فجورها "ولا يجب" لأنه يمكنه فراقها والسكوت هنا أولى لأنه أستر ولأن قذفها يلزم منه أن يحلف أحدهما كاذبا أو يقر فيفتضح.
فرع: قال الشيخ تقي الدين إذا قال أخبرتني أنها زنت فكذبته ففي كونه قاذفا نزاع في مذهب أحمد وغيره فإن جعل قذفا أو قذفها صريحا فله اللعان ولو حلف بالطلاق أنها قالت له فأنكرته لم تطلق باتفاق الأئمة ولو أسقطت جنينا بسبب القذف لم يضمنه واختار أبو محمد الجوزي المباح أنه يراها تزني أو يظنه ولا ولد.
"وإن أتت بولد يخالف لونه لونهما" كأبيض بين أسودين أو بالعكس "لم يبح نفيه بذلك" اختاره ابن حامد لخبر أبي هريرة وهو متفق عليه وقال "لعله نزعة عرق" ولأن دلالة الشبه ضعيفة ودلالة الفراش قوية بدليل قضية سعد وعبد بن زمعة "وقال" القاضي "وأبو الخطاب ظاهر كلامه إباحته" لقوله عليه السلام "إن جاءت به جعدا" الخبر فجعل الشبه دليلا على نفيه عنه والأول أصح وهذا الحديث إنما يدل على نفيه عنه مع ما تقدم من لعانه ونفيه إياه عن نفسه فجعل الشبه مرجحا والمذهب أن له نفيه بقرينة جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وإن استبرأها بحيضة جاز النفي في الأشهر وإن كان يعزل عنها فلا لخبر أبي سعيد.
فصل
"وألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية" لأنها ألفاظ ترتب عليها حكم شرعي فانقسمت إلى ذلك كالطلاق "فالصريح قوله يا زاني يا عاهر ,

عاهر زنى فرجك ونحوه مما لا يحتمل غير القذف فلا يقبل قوله بما يحيله وإن قال : يا لوطي, يا معفوج فهو صريح وقال الخرقي إذا قال أردت أنك من قوم لوط فلا حد عليه وهو بعيد وإن قال أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الرجال احتمل وجهين, وإن قال لست بولد فلان فقد قذف أمه,
__________
زنى فرجك ونحوه" كزنيت ويا منيوك "مما لا يحتمل غير القذف فلا يقبل قوله بما يحيله" لأنه صريح فيه أشبه صريح الطلاق "وإن قال يا لوطي يا معفوج" هو مفعول من عفج يعني نكح فكأنه بمعنى منكوح أي موطوء فهو صريح في المنصوص وعليه الحد فيهما إذا قذفه بعمل قوم لوط فاعلا أو مفعولا اختاره الأكثر لأن اللوطي الزاني بالذكور أشبه ما لو قال يا زاني وحينئذ لا يسمع تفسيره بما يحيل القذف وعنه مع غضب لأن قرينة الغضب تدل على إرادة القذف بخلاف حالة الرضى "وقال الخرقي إذا قال أردت أنك من قوم لوط فلا حد عليه" وهذا رواية نقلها المروذي لأنه فسر كلامه بما لا يوجب الحد كما لو فسره به متصلا بكلامه "وهو بعيد" لأن إطلاق لفظه وإرادة مثل ذلك فيه بعد مع أن قوم لوط لم يبق منهم أحد ولو قذف امرأة أنها وطئت في دبرها أو قذف رجلا بوطء امرأة في دبرها فعليه الحد وقيل لا ومبنى الخلاف هنا على الخلاف في وجوب حد الزنى على من فعل ذلك "وإن قال أردت أنك تعمل عمل قوم إتيان الرجال احتمل وجهين" أشهرهما أنه لا يقبل اللفظ بما لا يحتمله غالبا أشبه ما لو قال يا زاني والثاني: أنه لا يحد لأن ما فسر به كلامه محتمل الإرادة والحد يدرأ بالشبهات.
فرع: إذا فسر يا منيوكة بفعل زوج فليس قذفا ذكره في الرعاية والتبصرة وزاد إن أراد بزاني العين أو يا عاهر اليد لم يقبل مع سبقه ما يدل على قذف صريح.
"وإن قال لست بولد فلان فقد قذف أمه" في المنصوص إلا منفيا بلعان لم يستلحقه أبوه ولم يفسره بزنى أمه لأن ذلك يقضي أن أمه أتت به من غير

وإن قال لست بولدي فعلى وجهين وإن قال أنت أزنى الناس أو أزنى من فلانة أو قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زاني أو قال زنت يداك ورجلاك فهو صريح في القذف عند أبي بكر.
__________
أبيه وذلك قذف لها وكذا إن نفاه عن قبيلته وقال المؤلف القياس يقتضي أنه لا يجب الحد لنفي الرجل عن قبيلته لأن ذلك لا يتعين فيه الرمي بالزنى أشبه ما لو قال لأعجمي إنك عربي "وإن قال لست بولدي فعلى وجهين" أظهرهما: أنه كناية في قذفها نص عليه لأن للرجل أن يغلظ في القول والفعل لولده والثاني: هو صريح لأنه نفاه عن نفسه أشبه نفي ولد غيره عن أبيه.
فرع: إذا قال: إن لم تفعل كذا فلست ابن فلان فلا حد لأن القذف لا يتعلق بالشرط وإن قال لست ابن فلانة عذر نص عليه لأنه لم يقذف أحدا بالزنى "وإن قال أنت أزنى الناس" فهو قاذف في قول أبي بكر وقدمه في الرعاية لأنه أضاف اليه الزنى بصيغة المبالغة "أو أزنى من فلانة" فكذلك في قول القاضي لأن أزنى معناه المبالغة ففيه الزنى وزيادة وقدم في الكافي لا لأن لفظة أفعل تستعمل للمنفرد بالفعل وقال ابن حامد ليس بقذف إلا أن يريده لأن موضوع اللفظ يقتضي ذلك.
مسألة: إذا قال أنت أزنى من زيد فقد قذفهما صريحا وقيل كناية وقيل ليس بقذف لزيد وهو أقيس "أو قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زاني" فصريح نصره في الشرح وقدمه في الفروع لأن اللفظ صريح في الزنى وزيادة الهاء وحذفها خطأ لا يغير المعنى كاللحن وكفتح التاء وكسرها لهما خلافا للرعاية في عالم بعربية واختار ابن حامد كما يأتي أنه ليس بصريح إلا أن يفسر به لأنه يحتمل أن يريد بذلك أنه علامة في الزنى كما يقال للعالم علامة.
"أو قال زنت يداك ورجلاك فهو صريح في القذف عند أبي بكر" لأن ذلك يطلق ويراد به زنى الفرج .

وليس بصريح عند ابن حامد وإن قال زنأت في الجبل مهموزا فهو صريح عند أبي بكر وقال ابن حامد إن كان يعرف العربية لم يكن صريحا وإن لم يقل في الجبل فهل هو صريح أو كالتي قبلها؟ على وجهين والكناية نحو قوله لامرأته قد فضحته وغطيت أو نكست رأسه وجعلت له قرنا وعلقت عليه أولادا من
__________
"وليس بصريح عند ابن حامد" في ظاهر المذهب في الأخيرة لأن زنى هذه الأعضاء لا يوجب الحد لقوله عليه السلام العينان تزنيان وزناهما النظر قال في الشرح والأولى أن يرجع إلى تفسيره انتهى وكذا الخلاف لو أفرد فلو قال زنت يدك فقذف قاله في الرعاية وكذا العين في الترغيب وفي المغني وغيره لا.
مسألة: إذا قال يا زاني ابن الزانية لزمه حدان فإن تشاحا قدم حد الابن وعنه حد واحد وقيل إن كانت أمه حية فقد قذفها معه وإن كانت ميتة فقد قذفه وحده.
"وإن قال زنأت في الجبل مهموزا فهو صريح عند أبي بكر" وأبي الخطاب وقدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لأن عامة الناس لا يفهمون من ذلك إلا القذف "وقال ابن حامد إن كان يعرف العربية لم يكن صريحا" لأن معناه في العربية طلعت وعليهما إن قال أردت الصعود في الجبل قبل "وإن لم يقل في الجبل" أي زنأت "فهل هو صريح أو كالتي قبلها؟ على وجهين" أحدهما: أنه صريح قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأن مع عدم القول في الجبل يتمحض القذف وقيل هو كالتي قبلها أحدهما يكون صريحا في حق العامي والعالم بالعربية والثاني الفرق بينهما وقيل لا قذف قال في الفروع ويتوجه مثلها لفظة علق وذكرها شيخنا صريحة ومعناه قول ابن رزين كل ما يدل عليه عرفا "والكناية نحو قوله لامرأته قد فضحته" أي بشكواك "وغطيت أو نكست رأسه" أي حياء من الناس من ذلك "وجعلت له قرونا" أي أنه مسخر لك مطيع منقاد كالثور "وعلقت عليه أولادا من

غيره وأفسدت فراشه أو يقول لمن يخاصمه يا حلال يا ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنا يا عفيف أو يا فاجرة يا قحبة يا خبيثة أو يقول لعربي يا نبطي يا فارسي يا رومي أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول صدقت أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه الآخر فهذا كله كناية إن فسره بما يحتمله غير القذف قبل قوله في أحد الوجهين وفي الآخر جميعه صريح.
__________
غيره" أي: من زوج آخر أو وطء شبهة "وأفسدت فراشه" أي بالنشوز أي بالشقاق وبمنع الوطء "أو يقول لمن يخاصمه يا حلال يا ابن الحلال" لأنه كذلك حقيقة "ما يعرفك الناس بالزنى" حقيقة النفي أي ما أنت بزان ولا أمك زانية "يا عفيف" كونه كذلك حقيقة وكذا يا نظيف يا خنيث بالنون وذكره بعضهم بالباء "أو يا فاجرة" أي كونها مخالفة لزوجها فيما يجب طاعتها فيه يا قحبة قال السعدي قحب البعير والكلب سعل وهي في زماننا المعدة للزنى "يا خبيثة" وهي صفة مشبهة من خبث الشيء فهو خبيث "أو يقول لعربي يا نبطي" منسوب إلى النبط وهم قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين "يا فارسي" منسوب إلى فارس وهي بلاد معروفة وأهلها الفرس وفارس أبوهم " يا رومي" نسبة إلى الروم وهو في الأصل الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم "أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول صدقت" أي في غير الإخبار المذكور "أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه الآخر" أي موافق للكذب أو ما أنا بزان أو ما أمي بزانية "فهذا كله كناية إن فسره بما يحتمله غير القذف" وعنه بقرينة ظاهرة.
"قبل قوله في أحد الوجهين" قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز وصححه في المغني والشرح لأنه يحتمل غير الزنى كما ذكرناه فهو إذن فسر الكلام بما يحتمله وعليه يعزر.
"وفي الآخر جميعه صريح" فيحد به اختاره القاضي وجماعة وذكره في التبصرة عن الخرقي لأن الظاهر من حاله أنه لم يرد شيئا فوجب حملها عليه بظاهر الحال والاستعمال فعلى هذا إذا قال أردت هذه الاحتمالات لم يقبل كالزاني.

وإن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عزر ولم يحد وإن قال لرجل اقذفني فقذفه فهل يحد؟ على وجهين وإن
__________
وعنه: لا يحد إلا بنية اختارها أبو بكر وغيره والقرينة ككناية طلاق وفي الترغيب هو قذف بنية ولا يحلف منكرها ويلزمه الحد باطنا وفي لزوم إظهارها وجهان.
تنبيه: لا حد بالتعريض كقوله يا حلال ابن الحلال نص عليه في رواية حنبل وهو ظاهر الخرقي واختاره أبو بكر وقاله أكثر العلماء لأن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود يعرض بنفيه فلم يلزمه بذلك حد ولأن الله تعالى أباح التعريض بالخطبة دون التصريح بها ونقل الأثرم عليه الحد روى عن عمر وعثمان وهي أظهرهما قاله ابن هبيرة فأما في غير حالة خصومة ولا وجدت قرينة فلا يكون قذفا.
"وإن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنى من جميعهم" عادة وعرفا " عزر ولم يحد" لأنه لا عار على المقذوف بذلك للقطع بكذب القاذف ويعزر على ما أتى به من المعصية والزور كما لو سبهم بغير القذف وظاهره أنه يعزر ولو لم يطلبه أحد وفي المغني لا يحتاج التعزير إلى مطالبة وفي مختصر ابن رزين يعزر حيث لا حد.
مسائل: يعزر في يا كافر يا فاجر يا حمار يا تيس يا رافضي يا خبيث البطن أو الفرج يا عدو الله يا ظالم يا كذاب يا خائن يا شارب الخمر يا مخنث نص على ذلك وقيل فاسق كناية ومخنث تعريض ويعزر في قرنان وقواد وسأله حرب عن ديوث فقال يعزر وفي المبهج ديوث قذف لامرأته ومثله كشخان وقرطبان ويتوجه في مأبون كمخنث وفي الرعاية لم أجدك عذراء كناية وإن من قال لظالم ابن ظالم جبرك الله ورحم سلفك يعزر قاله في الفروع.
"وإن قال لرجل اقذفني فقذفه فهل يحد" أو يعزر "على وجهين".
أحدهما: يعزر جزم به في الوجيز لأن المقذوف رضي بقذفه أشبه ما لو

وقال أبو بكر لا يجب الحد بقذف ميتة وإن مات المقذوف سقط الحد ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما كان أو كافرا
__________
وحريته لأن الحد وجب للقدح في نسبه.
"وقال أبو بكر لا يجب الحد بقذف ميتة" وذكره المؤلف ظاهر المذهب في غير أمهاته وقطع به في المبهج لأنه قذف لمن لا يصح منه المطالبة أشبه قذف المجنون أو يقال الميتة لا تعير والحي لم يقدح فيه وذلك شبهة يدرأ بها الحد والمذهب الأول لأنه إذا قذف ميت محصن أو لا حد القاذف إذا طالب وارث محصن خاصة فعلى هذا لو كان الوارث عبدا أو مشركا فلا حد وإن قذفت جدته فقياس قول الخرقي أنه كقذف أمه إن كانت حية فيعتبر إحصانها وليس لغيرها المطالبة وإن كانت ميتة فله المطالبة إذا كان محصنا لأنه قدح في نسبه وإن قذف أباه أو أحدا من أقاربه غير أمهاته بعد موته لم يجب الحد "وإن مات المقذوف سقط الحد" عن القاذف إذا كان قبل المطالبة بالحد فإن كان بعدها قام وارثه مقامه لأنه حق له يجب بالمطالبة كالرجوع فيما وهب ولده وكالشفيع فعلى هذا هو حق للورثة نص عليه وقيل سوى الزوجين وفي المغني للعصبة وإن عفا بعضهم حد الباقي كاملا وقيل يسقط "ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما كان أو كافرا" يعني أن حده القتل ولا تقبل توبته نص عليه لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر وعنه إن تاب لم يقتل وقاله أكثر العلماء مسلما كان أو كافرا لأن هذا منه ردة والمرتد تصح توبته وجوابه أن هذا حد قذف فلا يسقط بالتوبة كقذف غير أم النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لو قبلت توبته وسقط حده لكان أخف حكما من قذف آحاد الناس قال في المنثور وهذا كافر قتل من سبه فيعايا بها فلو كان كافرا فأسلم فأشهر الروايتين عنه أنه لا يسقط بإسلامه كقذف غيرها وعنه بلى لأنه لو سب الله في كفره ثم أسلم سقط عنه القتل ولأن الإسلام يجب ما قبله والخلاف إنما هو في سقوط القتل فأما فيما بينه وبين الله تعالى فمقبولة وقذفه عليه السلام كقذف أمه ويسقط سبه بالإسلام كسبِّ الله تعالى.

وإن قذف الجماعة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم, وعنه إن طالبوا متفرقين حد لكل واحد حدا, وإن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حدا وإن حد للقذف فأعاده لم يعد عليه الحد.
__________
فرع: قال الشيخ تقي الدين قذف نسائه كقدحه في دينه وإنما لم تقتلهم لأنهم تكلموا قبل علمه براءتها وأنها من أمهات المؤمنين لإمكان المفارقة فتخرج بها منهن وتحل لغيره وقيل لا وقيل في غير مدخول بها وسأله حرب رجل افترى على رجل فقال يا ابن كذا وكذا إلى آدم وحواء فعظمه جدا وقال عن الحد لم يبلغني فيه شيء وذهب إلى حد واحد.
"وإن قذف الجماعة بكلمة واحدة" يتصور منهم الزنى "فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم" ثم لا حد نقله الجماعة وهو المشهور لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية [النور: 5] لم يفرق بين قذف واحد أو جماعة لأن الحد إنما وجب بإدخال المعرة على المقذوف بقذفه وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف وتزول المعرة فوجب أن يكتفى به بخلاف ما إذا قذف كل واحد قذفا مفردا فإن كذبه في قذف لا يلزم منه كذبه في الآخر ولا تزول المعرة فإن طلبوه أو واحد منهم أقيم الحد لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل فأيهم طلب واستوفى سقط ولم يكن لغيره الطلب به كحق المرأة على أوليائها في تزويجها وإن أسقطه أحدهم فلغيره المطالبة به "وعنه إن طالبوا متفرقين حد لكل واحد حدا" لأنه إذا طالب واحد أولا لزم إقامة الحد من أجله ثم إذا طلب الآخر لزم أيضا وعنه لكل واحد حد وقاله أبو ثور وابن المنذر لأنه قذف كل واحد منهم فلزمه له حد كامل وعنه إن قذف امرأته وأجنبية تعدد الواجب هنا اختاره القاضي وغيره كما لو لاعن امرأته فإن قال يا ناكح أمه الروايات ونص فيمن قال لرجل يا ابن الزانية يطالبه قيل إنما أراد أمه قال أليس قد قال له هذا قصد له "وإن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حدا" على الأصح كالديون والقصاص وعنه إن طالبوا مجتمعين فحد واحد وإلا تعدد وعنه حد واحد مطلقا كما لو سرق من جماعة أو زنى بنساء أو شرب أنواعا من

باب حد المسكر
__________
المسكر فلو قال يا ابن الزانيين فهو قذف لهما بكلمة واحدة فإن كانا ميتين ثبت الحق لولدهما ولم يجب إلا حد واحد وإن قال يا زاني ابن الزاني فهو قذف لهما بكلمتين فإن كان أبوه حيا فلكل منهما حد وإن كان ميتا فالظاهر في المذهب أنه لا يجب الحد بقذفه.
"وإن حد للقذف فأعاده لم يعد عليه الحد" في قول عامتهم لأنه حد به مرة فلم يحد به ثانية بخلاف السرقة وعلم منه أنه إذا تعدد قذفه ولم يحد فحد واحد رواية واحدة نص عليه وقيل يتعدد وإن أعاده بعد لعانه فنقل حنبل يحد اختاره أبو بكر والمذهب يعزر وعليهما لا لعان وقدم في الترغيب يلاعن إلا أن يقذفها بزنى لاعن عليه مرة واعترفت أو قامت البينة واختار ابن عقيل يلاعن لنفي تعزير ولو قذفها بزنى آخر بعد حده فروايات ثالثها يحد مع طول الفصل.
فرع: إذا تاب من زنى حد قاذفه وقيل يعزر واختار في الترغيب يحد بزنى جديد لكذبه يقينا بخلاف من سرق عينا ثانية فإنه وجد منه ما وجد في الأولة وإن قذف من أقرت به مرة وفي المبهج أربعا أو شهد به اثنان أو شهد به أربعة بالزنى فلا لعان ويعزر وفي المستوعب لا.
مسألة: لا يشترط لصحة توبة من قذف وغيبة ونحوهما إعلامه والتحلل منه وحرمه القاضي والشيخ عبد القادر ونقل مهنا لا ينبغي أن يعلمه قال الشيخ تقي الدين والأشبه أنه يختلف وعنه يشترط وقيل إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه وظاهره أنه لو أصبح وتصدق بعرضه على الناس لم يملكه ولم يبح ولا يصح إسقاط الحق قبل وجود سببه وإذنه في عرضه كإذنه في قذفه وهي كإذنه في دمه وماله.
باب حد المسكرالمسكر: اسم فاعل من أسكر الشراب فهو مسكر إذا جعل صاحبه سكران أو كان فيه قوة يفعل ذلك قال الجوهري السكران خلاف

كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان ويسمى خمرا.
__________
الصاحي والجمع سكرى وسكارى بضم السين وفتحها والمرأة سكرى ولغة بني أسد سكرانة وهو محرم بالإجماع وما نقل عن قدامة بن مظعون وعمرو بن معدي كرب وأبي جندل بن سهيل أنها حلال فمرجوع عنه نقله المؤلف وسنده قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} الآيات [المائدة: 91,90] وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر "كل مسكر خمر" وفي لفظ "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" رواهما مسلم.
"كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام" لما روى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه.
"من أي شيء كان" لما روى ابن عمر أن عمر قال على منبر النبي صلى الله عليه وسلم "أما بعد أيها الناس إن الله نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل" متفق عليه وأباح إبراهيم الحربي من نقيع التمر إذا طبخ ما دون السكر قال الخلال فتياه على قول أبي حنيفة قال الإمام أحمد ليس في الرخصة حديث صحيح وقال ابن المنذر جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة وقيل إن خبر ابن عباس أنه عليه السلام قال "حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب" موقوف عليه مع أنه يحتمل أنه أراد بالسكر المسكر من كل شراب "ويسمى خمرا" لقوله عليه السلام "كل مسكر خمر" لأن الخمر ما خامر العقل أي غطاه وستره وهذا موجود في كل مسكر وحكم عصير غير العنب كحكمه روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وسعد وأبي وأنس وعائشة وهو قول الأكثر وقال أبو حنيفة عصير العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ ولم يذهب ثلثاه ونبيذ الحنطة والشعير نقيعا كان أو غيره حلال إلا ما بلغ السكر وجوابه ما روت عائشة مرفوعا ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام رواه أحمد وسعيد وأبو بكر والترمذي وحسنه وإسناده ثقات وظاهره يقتضي أن

ولا يحل شربه للذة ولا للتداوي ولا لعطش ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها ومن شربه مختارا عالما أن كثيره يسكر
__________
الحشيشة لا تسكر لكن قوله كل مسكر خمر يقتضي أنه تسكر قال في الفتاوى المصرية الحشيشة المسكرة حرام وإنما توقف بعض الفقهاء في الحد لأنه ظن أنها تغطي العقل كالبنج والصحيح أنها تسكر وإنما كانت نجسة بخلاف البنج وجوزه الطبيب لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر يسكر بالاستحالة والبنج يغيب العقل ويسكر بغير الاستحالة كجوزة الطبيب.
"ولا يحل شربه للذة" لعموم "ما أسكر كثيره فقليله حرام" "ولا للتداوي" لما روى وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره له أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء فقال "إنه ليس بدواء ولكنه داء" رواه مسلم وقال ابن مسعود "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" رواه البخاري ورواه أحمد من حديث حسان بن مخارق عن أم سلمة مرفوعا وصححه ابن حبان ولأنه يحرم لعينه فلم يحل شربه للتداوي كلحم الخنزير "ولا لعطش" لأنه لا يذهبه ولا يزيله ولا يدفع محذوره فوجب بقاؤه على تحريمه عملا بالأدلة المقتضية لذلك مع سلامته من المعارض "ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها" فيجوز تناوله إذا لم يجد غيره وخاف التلف لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ولأن حفظ النفس مطلوب بدليل أنه تباح الميتة ثم الاضطرار إليها وهو موجود هنا فوجب جوازه تحصيلا لحفظ النفس المطلوب حفظها ويقدم عليه بولا ويقدم عليهما ماء نجسا
"ومن شربه" وهو مكلف "مختارا عالما أن كثيره يسكر" وظاهره أنه إذا لم يعلم فلا حد عليه وهو قول عامتهم وكذا إذا ادعى الجهالة بإسكار غير الخمر أو تحريمه أو بوجود الحد به ومثله يجهله صدق ولم يحد وكذا إذا شربها مكرها لحله له وعنه لا تحل له اختارها أبو بكر.
وفي حده روايتان والظاهر: أنهما مبنيان على حله له وعدمه والصبر أفضل نص عليه وكذا كل ما جاز فعله للمكره ذكره القاضي وغيره

قليلا كان أو كثيرا فعليه الحد ثمانون جلدة وعنه أربعون إن كان حرا
__________
قال الشيخ تقي الدين يرخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات لحق الله تعالى كأكل الميتة وشرب الخمر وهو ظاهر مذهب أحمد.
"قليلا كان" ما شربه "أو كثيرا فعليه الحد" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من شرب الخمر فاجلدوه" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقد ثبت أن أبا بكر وعمر وعليا جلدوا شاربها ولأن القليل خمر فيدخل في العموم ولأنه شراب فيه شدة مطربة فوجب الحد به كالكثير ويلحق بذلك ما لو احتقن بها في المنصوص كما لو استعط أو عجن به دقيقا فأكله ونقل حنبل أو تمضمض حد وذكره في الرعاية قولا وهو غريب وفي المستوعب إن وصل جوفه حد وفي عيون المسائل يثبت بعدلين يشهدان أنه شرب مسكرا ولا يستفسرهما الحاكم عما شرب لأن كل مسكر يوجب الحد فدل أنه إن لم يره الحاكم موجبا استفسرهما "فعليه الحد ثمانون جلدة" قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لإجماع الصحابة لما روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر فقال عبد الرحمن اجعله كأخف الحدود ثمانين فضربه عمر ثمانين وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام وروي أن عليا قال في المشورة إذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون رواه الجوزجاني والدارقطني وجوزهما الشيخ تقي الدين للمصلحة وأنه الرواية الثانية وعنه أربعون إن كان حرا اختاره أبو بكر والمؤلف وغيرهما لما روي "أن على بن أبي طالب جلد الوليد بن عقبة أربعين ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي" رواه مسلم لا يقال فعل عمر كان بمحضر من الصحابة فيكون إجماعا ولأن فعله عليه السلام حجة لا يجوز تركه لفعل غيره ولا ينعقد الإجماع مع مخالفة أبي بكر وعلي بل يحتمل أن عمر فعل الزيادة على أنها تعزير يجوز فعلها إذا رآها الإمام وضرب علي النجاشي بشربه في رمضان ثمانين ثم حبسه ثم عشرين من الغد نقل صالح أذهب إليه ونقل حنبل

والرقيق على النصف من ذلك إلا الذمي فإنه لا يحد بشربه في الصحيح من المذهب وهل يجب الحد بوجود الرائحة على روايتين.
__________
يغلظ عليه كمن قتل في الحرم واختار أبو بكر يعزر بعشرة فأقل وفي المغني عزره بعشرين لفطره "والرقيق" عبدا كان أو أمة "على النصف من ذلك" كالزنى والقذف فكذا من شرب الخمر من باب أولى فعلى الأولى يحد أربعين وعلى الثانية عشرين صرح به في المغني والشرح "إلا الذمي فإنه لا يحد بشربه في الصحيح من المذهب" لأنه يعتقد حله فلم يحد بفعله كنكاح المجوس ذوات محارمهم.
والثانية: بلى لأنه شرب مسكرا عالما به مختارا أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله قال في المحرر وعندي يحد إن سكر وإلا فلا والمذهب خلافه قال في البلغة ولو رضي بحكمنا لأنه لم يلتزم الانقياد في مخالفة دينه
"وهل يجب الحد بوجود الرائحة؟ على روايتين" أظهرهما لا يجب وقدمه في الكافي والرعاية والفروع وهو قول أكثر العلماء فعلى هذا يعزر نص عليه واختاره الخلال كحاضر مع من يشربها نقله أبو طالب.
والثانية أنه يحد قال ابن أبي موسى في الإرشاد وهي الأظهر عنه روي عن عمر وابن مسعود لأن الرائحة تدل على شربه لها فجرى مجرى الإقرار قال في الشرح والأول أولى لأن الرائحة تحتمل أنه تمضمض بها أو ظنها ماء أو أكل نبقا بالغا أو شرب شراب تفاح فإنه يكون منه كرائحة الخمر والحد يدرأ بالشبهة.
فائدة: يستعمل لقطع رائحة الخمر الكسفرة وعرق البنفسج والثوم وما أشبه ذلك مما له رائحة قوية.
فرع: إذا وجد سكران أو تقيأ الخمر فعنه لا حد قال بعضهم وهي الأظهر وعنه بلى على الثانية التي يحد بالرائحة لفعل عثمان وهو بمحضر من الصحابة رواه مسلم.
تنبيه: لا يثبت الحد إلا بأحد شيئين إما البنية العادلة أو الإقرار ويكفي مرة

والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام حرم إلا أن يغلى قبل ذلك فيحرم نص عليه وعند أبي الخطاب أن هذا محمول على عصير يتخمر في ثلاث غالبا ولا يكره أن يترك في الماء تمرا أو زبيبا ونحوه ليأخذ ملوحته ما لم يشتد أو يأتي عليه ثلاث
__________
كحد القذف وعنه مرتين نصره القاضي وأصحابه وجعل أبو الخطاب بقية الحدود بمرتين وفي عيون المسائل في حد الخمر بمرتين وإن سلمنا فلأنه لا يتضمن إتلافا بخلاف حد السرقة ولم يفرقوا بين حد القذف وغيره إلا بأنه حق آدمي كالقود فدل على رواية فيه وهذا متجه قاله في الفروع "والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام" زاد بعضهم بلياليها "حرم" لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشربه إلى مساء ثالثة ثم يأمر به فيسقي الخدم أو يهراق" رواه مسلم وحكى أحمد عن ابن عمر أنه قال في العصير أشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل وفي حرز يأخذه شيطانه قال في ثلاث قال أحمد فإذا أتى عليه ثلاثة أيام فلا تشربه ولأن الشدة تحصل في ثلاث غالبا "إلا أن يغلى قبل ذلك فيحرم نص عليه" إذا غلى العصير وقذف بزبده فلا خلاف في تحريمه لصحة إطلاق اسم الخمر عليه وعنه إذا غلى أكرهه وإن لم يسكر فإذا أسكر فحرام وعنه الوقف فيما نش "وعند أبي الخطاب أن هذا محمول على عصير يتخمر في ثلاث غالبا" لقوله عليه السلام "اشربوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا" ولأن علة التحريم الشدة المطربة وذلك في المسكر لا غيره وأجاب عن إطلاق أحمد بأن المراد عصير يتخمر في ثلاث غالبا.
فرع: إذا طبخ منه قبل التحريم حل إن ذهب ثلثاه وبقي ثلثه نقله الجماعة وذكره أبو بكر إجماع المسلمين قال أبو داود سألت أحمد عن شرب الطلا فقال إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فقال لا بأس قال يقولون إنه يسكر فقال لا لو كان يسكر ما أحله عمر وجعل أحمد وضع زبيب في خردل كعصير وإنه إن صب فيه خل أكل.
"ولا يكره أن يترك في الماء تمرا أو زبيبا ونحوه ليأخذ ملوحته" لما روي أنه عليه السلام كان ينبذ له الزبيب فيشربه "ما لم يشتد عليه أو يأتي عليه ثلاث"

ولا يكره الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت وعنه يكره ويكره الخليطان وهو أن ينبذ شيئين كالتمر والزبيب.
__________
تمام نص عليه ولأنه إذا بلغ ذلك صار مسكرا ونقل ابن الحكم إذا نقع زبيبا أو تمر هندي أو عنابا ونحوه لدواء غدوة وشربه عشية وبالعكس هذا نبيذ أكرهه ولكن يطبخه ويشربه على المكان فهذا ليس بنبيذ فإن غلي العنب وهو عنب فلا بأس به نقله أبو داود.
فرع: أذا سكر من النبيذ فسق وكذا إن شرب قليله على الأصح.
"ولا يكره الانتباذ في الدباء" اليابسة المجعولة وعاء "والحنتم" وهي جدار مدهونة واحدتها حنتمة "والنقير" وهو أصل النخلة ينقر ثم ينبذ فيه التمر فعيل بمعنى مفعول والمزفت وهو الوعاء المطلي بالزفت نوع من القار لما روى بريدة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا" رواه مسلم وعنه يكره قال الخلال وعليها العمل لما في الصحيحين "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ فيها" وعنه يحرم ذكرها في الهدي والأول أصح لأن دليله ناسخ وعنه وغيره من الأوعية إلا سقاء يوكى حيث بلغ الشراب "ويكره الخليطان وهو أن ينبذ شيئين كالتمر والزبيب" أو المذنب وحده نقله الجماعة لما روت عائشة قالت "كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فنطرحهما فيه ثم نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية وننبذه عشية فيشربه غدوة" رواه أبو داود وابن ماجة فلما كانت مدة الإنباذ قريبة وهي يوم أو ليلة لا يتوهم الإسكار فيها فعلى هذا لا يكره ويكره إذا كان في مدة تحتمل إفضاءه إلى الإسكار لأنه عليه السلام نهى عن الخليطين وأدنى أحوال النهي الكراهة وعنه يحرم واختاره في التنبيه لما روى أبو قتادة قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو" والتمر والزبيب ولينبذ كل واحد منهما على حدة متفق عليه وعنه لا يكره اختاره في الترغيب واختاره في المغني ما لم يحتمل إسكاره قال القاضي هو حرام إذا اشتد وأسكر وإذا لم يسكر لم يحرم وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى .

ولا بأس بالفقاع.
__________
"ولا بأس بالفقاع" أي يباح ولا أعلم فيه خلافا لأنه لا يسكر ويفسد إذا بقي وليس المقصود منه الإسكار وإنما يتخذ لهضم الطعام وصدق الشهوة وعنه يكره وعنه يحرم ذكرها في الوسيلة والمذهب الأول وسئل الشيخ تقي الدين عن شرب الأقسماء فأجاب بأنها إذا كانت من زبيب فقط فإنه يباح شربها ثلاثة أيام ما لم تشتد باتفاق العلماء أما ما كان من خليطين يفسد أحدهما الآخر فهذا فيه نزاع فلو وضع فيه ما يحمضه كالخل والليمون كما يوضع في الفقاع المشذب فهذا يجوز شربه مطلقا فإن حموضته تمنعه أن يشتد والله أعلم.

باب التعزير
وهو التأديب وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
__________
باب التعزيرالتعزير في اللغة: المنع يقال عزرته أي منعته ومنه سمي التأديب ولأنه يمنع من تعاطي القبيح ومنه التعزير بمعنى النصرة لأنه منع لعدوه من أذاه وقال السعدي يقال عزرته ووقرته وأيضا أدبته وهو من الأضداد وهو طريق إلى التوقير لأنه إذا امتنع به وصرف عن الدناءة حصل له الوقار والنزاهة.
"وهو التأديب" بيان لمعنى التعزير وفسره في المغني بالعقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها وهو قريب مما ذكره هنا قاله ابن المنجا وفيه نظر.
"وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة" وكذا ذكره في المحرر والوجيز وغيرهما من كتب الأصحاب قال الشيخ تقي الدين إن عنى به فعل المحرمات وترك الواجبات فاللفظ جامع.
وإن عنى فعل المحرمات فقط فغير جامع بل التعزير على ترك الواجبات أيضا ولأن المعصية تفتقر إلى ما يمنع من فعلها فإذا لم يجب فيها حد ولا

كالاستمتاع الذي لا يوجب الحد وإتيان المرأة المرأة وسرقة ما لا يوجب القطع والجناية على الناس بما لا قصاص فيه.
__________
كفارة وجب أن يشرع فيها التعزير لتحقيق المانع من فعلها وفي الشرح هو واجب إذا رآه الإمام فيما شرع فيه التعزير وعنه يعزر المكلف ندبا نص عليه في تعزير رقيقه على معصية وشاهد زور وفي الواضح في وجوب التعزير روايتان والأشهر كما ذكره المؤلف ونص عليه الإمام في سب صحابي كحد وكحق آدمي طلبه وقولنا ولا كفارة فيه فائدته في الظهار وشبه العمد لكن يقال يجب التعزير فيه لأن الكفارة حق الله تعالى بمنزلة الكفارة في الخطأ ليست لأجل الفعل بل بدل النفس الفائتة فأما نفس الفعل المحرم الذي هو الجناية فلا كفارة فيه ويظهر هذا بما لو جنى عليه فلم يتلف شيئا استحق التعزير ولا كفارة ولو أتلف بلا جناية محرمة لوجبت الكفارة بلا تعزير وإنما الكفارة في شبه العمد بمنزلة الكفارة على المجامع في الصيام والإحرام لا في اليمين الغموس إذ وجبت الكفارة لاختلاف سببها لأن سبب الكفارة الحنث ويمين الغموس كذبة نزلت منزلة الحنث وسبب التعزير شيء آخر وهو إقدامه على الحلف كذبا وحاصله أن ما كان من التعزير منصوصا عليه وجب وما لم يكن ورأى الإمام المصلحة فيه وجب كالحد وإن رأى العفو جاز للأخبار وإن كان لحق آدمي فطلبه لزمه إجابته وفي الكافي يجب التعزير في موضعين ورد الخبر فيهما وما عداهما إلى اجتهاد الإمام فإن جاء تائبا معترفا قد أظهر الندم والإقلاع جاز ترك تعزيره وإلا وجب وقال القاضي ومن تبعه إلا إذا شتم نفسه أو سبها ولا يحتاج إلى مطالبة كالاستمتاع الذي لا يوجب الحد لأنه عليه السلام جعله سيئة وإتيان المرأة المرأة لقوله عليه السلام "إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" وسرقة ما لا يوجب القطع لدخوله في قوله عليه السلام "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه" والجناية على الناس بما لا قصاص فيه لأنه تعد على الغير أشبه التي فيها القصاص لا يقال القياس يقتضي مشروعية القصاص في ذلك أيضا والتقدير خلافه لأنه تعذر القصاص

والقذف بغير الزنا ونحوه ومن وطئ أمة امرأته فعليه الحد إلا أن تكون قد أحلتها له فيجلد مائة وهل يلحقه نسب ولدها على روايتين ولا يسقط الحد بالإباحة.
__________
لمعنى يختص به وهو لا يمنع من ثبوت الحرمة لأن الجناية تقتضي الإيجاب مطلقا ترك العمل به لما ذكرنا فيبقى ما عداه على مقتضاه والقذف بغير الزنى بأن يرميه بالكذب أو بالفسق فعلى هذا إن تشاتم اثنان عزرا ويحتمل عدمه فدل أن ما رآه تعين فلا يبطله غيره وأنه يتعين قدر تعزير عينه "ونحوه" روي عن علي أنه سئل عن قول الرجل لآخر يا خبيث قال هو فاسق فيه تعزير وهذا كله معصية لله تعالى لأنه إما جناية على الشرع أو على آدمي والجناية على الآدمي عمدا محرمة وفاعلها مقدم على مخالفة الله تعالى بأذى المسلمين فيكون واجبا كالحد ومن وطئ أمة امرأته فعليه الحد لحديث النعمان بن بشير ولأنه وطء في فرج في غير عقد ولا ملك فوجب عليه الحد كوطء أمة غير زوجته "إلا أن تكون قد أحلتها له فيجلد مائة" ولا رجم ولا تغريب لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن حبيب بن سالم "أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على الكوفة فقال لأقضين فيك بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك" قال الترمذي سألت محمدا عنه فقال أنا أتقي هذا الحديث وقال الخطابي ليس بمتصل وقال غيره رجاله ثقات إلا حبيب ابن سالم قال البخاري فيه نظر وقد روى له مسلم ووثقه أبو حاتم وعنه يعزر مائة إلا سوطا وعنه يعزر بعشر وهل يلحقه نسب ولدها على روايتين إحداهما يلحقه جزم بها في الوجيز كوطء الجارية المشتركة والثانية لا يلحقه الولد نقله الجماعة قال أبو بكر العمل عليه لأنه وطء لا في ملك ولا شبهة ملك أشبه الزنى المحض وقال الشيخ تقي الدين إن ظن جوازه لحقه وإلا فروايتان فيه وفي حده وعنه يحد فلا يلحقه لعدم حلها ولو ظن حلها نقله مهنا ولا يسقط الحد بالإباحة لعموم النصوص الدالة على وجوب الحد على

في غير هذا الموضع ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى".
__________
الزاني "في غير هذا الموضع" وهو إباحة الزوجة أمتها لزوجها وإنما سقط الحد هنا لحديث النعمان.
تنبيه: نقل الميموني فيمن زنى صغيرا: لم ير عليه شيئا ونقل ابن منصور في صبي قال لرجل يا زاني ليس قوله شيئا وكذا في التبصرة أنه لا يعزر وذكر الشيخ تقي الدين أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا وكذا المجنون يضرب على ما فعل لينزجر لكن لا عقوبة بقتل أو قطع.
وفي الواضح من بلغ عشرا صلح تأديبه في تعزير على طهارة وصلاة ومثله زناه وهو ظاهر كلام القاضي وظاهر ما نقله الشالنجي في الغلمان يتمردون لا بأس بضربهم وأما القصاص مثل أن يظلم صبي صبيا أو مجنون مجنونا أو بهيمة بهيمة فيقتص للمظلوم من الظالم وإن لم يكن في ذلك زجر عن المستقبل لكن لاشتفاء المظلوم وأخذ حقه قال في الفروع فيتوجه أن يقال يفعل ذلك ولا يخلو عن ردع وزجر وأما في الآخرة فإن الله تعالى يقول ذلك للعدل بين خلقه قال ابن حامد القصاص بين البهائم والشجر والعيدان جائز شرعا بإيقاع مثل ما كان في الدنيا وكما قال أبو محمد البربهاري في القصاص من الحجر لم نكب أصبع الرجل قال الشيخ تقي الدين القصاص موافق لأصول الشريعة.
"ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى " متفق عليه من حديث أبي بردة ونص عليه أحمد في مواضع وجزم به في الوجيز.
والمراد عند الشيخ تقي الدين إلا في محرم لحق الله تعالى وعنه يتبع قال بعضهم ولا وجه له وعنه لا يبلغ به الحد جزم به الخرقي وقدمه في المذهب والمحرر فيحتمل أنه أدنى حد مشروع وهو قول الأكثر ويحتمل أن لا يبلغ بكل جناية حدا مشروعا في جنسها ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها.

وعنه ما كان سببه الوطء كوطء جاريته المشتركة والمزوجة ونحوهما ضرب مائة ويسقط عنه النفي وكذلك يتخرج فيمن أتى بهيمة وغير الوطء لا يبلغ به أدنى الحدود.
__________
"وعنه ما كان سببه الوطء كوطء جاريته المشتركة والمزوجة ونحوهما" كجارية ولده أو أحد أبويه والمحرمة برضاع وميتة عالما بتحريمه "ضرب مائة" لما سبق من حديث النعمان في وطء جارية امرأته بإذنها فيتعدى إلى وطء أمته المشتركة والمزوجة لأنها في معناها.
وعن سعيد بن المسيب أن عمر قال في أمة بين رجلين وطئها أحدهما يجلد الحد إلا سوطا رواه الأثرم واحتج به أحمد والمذهب كما قاله القاضي أنه لا يزاد على عشر فأقل إلا في وطء أمة مشتركة فيعزر حر بمائة إلا سوطا نقله الجماعة وما عداه يبقى على العموم لحديث أبي بردة قال في المغني والشرح وهذا قول حسن "ويسقط عنه النفي" أي يضرب مائة جلدة بلا نفي وله نقصه ويرجع في أقله إلى اجتهاد الإمام مع أنه اختار طائفة من أصحابنا أنه يقتل للحاجة وأنه يقتل مبتدع داعية ونقله إبراهيم بن سعيد الأطروش في الدعاة من الجهمية وعن أحمد وكذا كل وطء في فرج وهي أشهر عند جماعة وعنه أو دونه نقله يعقوب جزم به في المذهب والمحرر وغيرهما واحتج بأن عليا وجد رجلا مع امرأة في لحافها فضربه مائة والعبد بخمسين إلا سوطا.
"وكذلك يتخرج فيمن أتى بهيمة" إذا قلنا إنه لا يحد بل يعزر لأنه وطء في فرج أشبه وطء أمة امرأته "وغير الوطء لا يبلغ به أدنى الحدود" لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين" وكتب عمر إلى أبي موسى لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود.
تنبيه: التعزير يكون بضرب وحبس وتوبيخ وقيل في حق الله تعالى وحده ولا يقطع عضوا ولا يجرحه ولا يأخذ ماله وإن عفا عنه مستحق الحد سقط مع التعزير وإن عفا مستحق التعزير لم يسقط .

ومن استمنى بيده لغير حاجة عزر وإن فعله خوفا من الزنا فلا شيء عليه.
__________
فائدة: من عرف بأذى الناس حتى بعينه حبس حتى يموت أو يتوب قاله ابن حمدان قال القاضي للوالي فعله وفي الترغيب للإمام حبس العائن قال بعضهم ولا يبعد أن يقتل إذا كان يقتل بها غالبا وفيه نظر.
"ومن استمنى بيده لغير حاجة" حرم "وعزر" لأنه معصية ولقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] ولحديث رواه الحسن ابن عرفة في جزئه وعنه يكره تنزيها نقل ابن منصور لا يعجبني بلا ضرورة قال مجاهد كانوا يأمرون فتيانهم أن يستعفوا به وعنه يحرم مطلقا ونقله البغوي في تفسيره عن أكثر العلماء "وإن فعله خوفا من الزنى فلا شيء عليه" لأنه لو فعل ذلك خوفا على بدنه لم يلزمه شيء ففعله خوفا على دينه أولى ويجوز في هذه الحالة.
وهذا إذا لم يقدر على نكاح ولو أمة نص عليه وعنه يكره والمرأة كالرجل فتستعمل شيئا مثل الذكر ويحتمل المنع وعدم القياس ذكره ابن عقيل.
فرع: لو اضطر إلى جماع وليس من يباح وطؤها حرم الوطء اتفاقا.

باب القطع في السرقة
ولا يجب إلا بسبعة أشياء أحدها: السرقة.
__________
باب القطع في السرقةوهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} المائدة ولقوله عليه السلام في حديث عائشة "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا" إلى غيره من النصوص.
"ولا يجب" القطع "إلا بسبعة أشياء" يأتي حكمها "أحدها: السرقة" لأن الله تعالى أوجب القطع على السارق فإذا لم توجد السرقة لم يكن الفاعل سارقا .

وهي: أخذ المال على وجه الاختفاء ولا قطع على منتهب ولا مختلس ولا غاصب ولا خائن ولا جاحد وديعة ولا عارية وعنه يقطع جاحد العارية.
__________
"وهي أخذ المال" أي المحترم "على وجه الاختفاء" هذا بيان لمعنى السرقة ومنه استراق السمع ومسارقة النظر إذا كان يستخفي بذلك وشرطه أن يكون عالما به وبتحريمه من مالكه أو نائبه نص عليه وفي الانتصار ولو بكونه في يده ولم يعلم أنه ملكه والأصح ولو من غلة وقف وليس من مستحقه وهو مكلف مختار وعنه أو مكره "ولا قطع على منتهب" لما روى جابر مرفوعا قال "ليس على المنتهب قطع" رواه أبو داود.
"ولا مختلس ولا غاصب ولا خائن" لقوله عليه السلام "ليس على الخائن والمختلس قطع" رواه أبو داود والترمذي وقال لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير ولأن الاختلاس نوع من النهب وإذا لم يجب على الخائن والمختلس فالغاصب أولى وقال إياس بن معاوية يقطع لأنه يستخفي بأخذه فيكون سارقا والمنقول عن علماء الأمصار خلافه لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع" رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والدارقطني وإسناده ثقات قال أبو داود بلغني عن أحمد بن حنبل أن ابن جريج إنما سمعه من ياسين الزيات.
"ولا جاحد وديعة" وفاقا لعموم قوله "لا قطع على خائن" لأنه ليس بسارق "ولا عارية" ولا غيرها من الأمانات بغير خلاف نعلمه.
"وعنه يقطع جاحد العارية" نص عليه في رواية صالح وعبد الله والكوسج والخوارزمي وأبي طالب وابن منصور وجزم بها ابن هبيرة وصاحب الوجيز ونصرها القاضي في الخلاف لما روت عائشة "أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها" رواه مسلم قال أحمد لا أعرف شيئا يدفعه وقال في رواية الميموني هو حكم من النبي صلى الله عليه وسلم ليس يدفعه شيء والأولى أصح.

ويقطع الطرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه وعنه لا يقطع.
فصل
الثاني: أن يكون المسروق مالا محترما سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة والبطيخ أو لا وسواء كان ثمينا كالمتاع والذهب أو غير ثمين كالخشب والقصب
__________
والمرأة إنما قطعت يدها لسرقتها لا لجحودها بدليل قوله عليه السلام "إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وإنما عرفتها عائشة بجحدها العارية لشهرتها بذلك وفيما ذكرناه موافقة لظاهر الأحاديث والقياس وفقهاء الأمصار فيكون أولى "ويقطع الطرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه" هذا هو الأشهر وجزم به في الوجيز وقدمه أكثر الأصحاب لأنه أخذ مال غيره على وجه الاختفاء أشبه السارق وسواء بط ما أخذ منه أو قطعه فأخذه فعلى هذا لو بط جيبه فسقط منه نصاب فأخذه قطع نص عليه "وعنه لا يقطع" لأنه لا يسمى سارقا كالمختلس.
فصل
"الثاني: أن يكون المسروق مالا" لأن ما ليس بمال لا حرمة له فلم يجب به قطع والأحاديث دالة على ذلك مع أن غير المال لا يساوي المال فلا يلحق به لا يقال الآية مطلقة لأن الأخبار مقيدة به فيحمل المطلق على المقيد فعلى هذا لا يقطع بسرقة كلب وإن كان معلما لأنه ليس بمال ولا بحر "لما يأتي محترما" لأنه إذا لم يكن كذلك كمال الحربي تجوز سرقته بكل طريق وجواز الأخذ منه ينفي وجوب القطع "سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة والبطيخ أو لا وسواء كان ثمينا كالمتاع والذهب أو غير ثمين كالخشب والقصب" لعموم قوله تعالى :

ويقطع بسرقة العبد الصغير ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيرا
__________
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ولقوله عليه السلام في الثمر "من سرق منه شيئا فبلغ ثمن المجن ففيه القطع" رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن "أن سارقا سرق أترجة في زمن عثمان بن عفان فأمر عثمان أن تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر بدينار فقطع عثمان يده" ورواه الشافعي عن مالك وقال هي الأترجة التي يأكلها الناس ولأن هذا مال يتمول عادة ويرغب فيه فيقطع سارقه كالمجفف وسواء كان أصله الإباحة أو لا حتى أحجار ولبن ونورة وفخار وزجاج وملح وفيه وجه وسرجين طاهر والأظهر وثلج وفي ماء وجهان وفي الواضح في صيد مملوك محرز روايتان ونقل ابن منصور لا قطع في طير لإباحته أصلا قال في الفصول قال شيخنا لعله أخذه من غير حرز وفيه نظر إذ كل الأموال كذلك وعندي أن قصد الأشياء المباحة في الأصل كالصيود وما شاكلها لا قطع فيها وفي الروضة إن لم يتمول عادة كماء وكلإ محرز فلا قطع في إحدى الروايتين.
"ويقطع بسرقة العبد الصغير" في قول عامتهم لأنه سرق مالا مملوكا تبلغ أشبه سائر الحيوانات والمراد به غير المميز لأن مثل ذلك لا يفهم ولا يميز بين سيده وغيره فإن كان كبيرا عاقلا لم يقطع بسرقته إلا أن يكون نائما أو مجنونا لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة فيقطع سارقه كأعجمي لا يميز ولو كان كبيرا وفي الشرح إن كان المسروق في حال نومه أو جنونه أو أم ولد فوجهان وفي الكافي لا يقطع كبير أكرهه وفي الترغيب في عبد نائم وسكران وجهان.
فرع: إذا سرق المكاتب لم يقطع بخلاف ماله إلا أن يكون سيده هو السارق.
"ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيرا" في ظاهر المذهب وهو قول

وعنه أنه يقطع بسرقة الصغير فإن قلنا لا يقطع فسرقه وعليه حلي فهل يقطع على وجهين ولا يقطع بسرقة مصحف وعند أبي الخطاب يقطع ويقطع بسرقة سائر كتب العلم ولا يقطع بسرقة آلة لهو
__________
أكثرهم لأنه ليس بمال أشبه الكبير "وعنه أنه يقطع بسرقة الصغير" كالمجنون لأنه مسروق أشبه المال والبهيمة وجوابه أنه ليس بمال فلا يقطع بسرقته كالكبير النائم.
"فإن قلنا لا يقطع فسرقه وعليه حلي" أو ثياب تبلغ قيمتها نصابا "فهل يقطع على وجهين" أحدهما وقدمه في الشرح لا قطع لأنه تابع لما لا قطع فيه أشبه ثياب الكبير ولأن يد الصبي على ما عليه بدليل أن ما يوجد مع اللقيط يكون له.
وكذا لو كان الكبير نائما على متاع فسرقه وثيابه لم يقطع لأن يده عليه.
والثاني: يقطع وجزم به في الوجيز لظاهر الآية وكما لو سرقه مفردا "ولا يقطع بسرقة مصحف" في قول أبي بكر والقاضي لأن المقصود منه كلام الله تعالى وهو مما لا يجوز أخذ العوض عنه وعند أبي الخطاب يقطع وهو ظاهر كلام أحمد جزم به في الوجيز لعموم الآية والأخبار وكتب التفسير والفقه وقيل إن سرقه ذمي قطع وإن سرقه مسلم فوجهان فإن قلنا لا يقطع وعليه حلية تبلغ نصابا فوجهان " ويقطع بسرقة سائر كتب العلم" المباحة لأن ذلك مال حقيقة وشرعا وقيل إن سرق كتاب فقه أو حديث يحتاجه لم يقطع وذكر القاضي في الخلاف أنه لا يقطع إلا بسرقة دفاتر الحساب وعلم منه أنه لا يقطع بسرقة كتب البدع والتصاوير وهو كذلك.
"ولا يقطع بسرقة آلة لهو" كطنبور ومزمار ونحوه ولو بلغت قيمته لأنه معصية إجماعا فلم يقطع بسرقته كالخمر وقيل إن سرقه وكسره لم يقطع وإلا قطع .

ولا محرم كالخمر وإن سرق إناء فيه خمر أو صليبا أو صنم ذهب لم يقطع وعند أبي الخطاب يقطع
__________
فإن كان عليه حلية تبلغ نصابا فوجهان أحدهما وهو قياس قول أبي بكر لا قطع لأنه متصل بما لا قطع فيه أشبه الخشب والأوتار.
والثاني: وقاله القاضي يقطع لأنه سرق نصابا من حرز أشبه المفرد.
"ولا محرم كالخمر" والخنزير والميتة ونحوها سواء سرقه من مسلم أو كافر لأنها عين محرمة فلم يقطع بسرقتها كالخنزير ولأن ما لا يقطع بسرقته من مال مسلم لا يقطع بسرقته من الذمي كالدم وعنه ولم يقصد سرقة.
وفي الترغيب مثله في إناء نقد وفي الفصول في قضبان الخيزران ومخاد الجلود المعدة للصوفية يحتمل كألة لهو ويحتمل القطع.
"وإن سرق إناء فيه خمر" لم يقطع على المذهب لأنه متصل بما لا قطع فيه أشبه ما لو سرق شيئا مشتركا بينه وبين غيره بحيث تبلغ قيمته بالشركة نصابا قال في المستوعب لو سرق إناء فيه ماء أو خمر لم يقطع على قول أكثر أصحابنا.
"أو صليبا أو صنم ذهب" أو فضة وعبارة الفروع أو صنم نقد وهي أولى "لم يقطع" وهو قول القاضي وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع "وعند أبي الخطاب يقطع" وهو ظاهر كلام أحمد ووجههما ما سبق في سرقة آلة لهو وهذا بخلاف ما لو كسر آلة النقدين بكل وجه لم تنقص قيمته عن النصاب ولأنهما جوهران يغلبان على الصنعة ولأنه مجمع على تحريمه وكذا يقطع بإناء نقد بها تماثيل وقيل إن لم يقصد إنكارا .

فصل
الثالث: أن يسرق نصابا وهو ثلاثة دراهم أو قيمة ذلك من الذهب والعروض وعنه أنه ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيرهما
__________
فصل
"الثالث: أن يسرق نصابا" فلا قطع بسرقة دون النصاب في قولهم إلا الحسن وابن بنت الشافعي فإنه يقطع في القليل كالكثير لعموم الآية وجوابه قوله عليه السلام "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا" رواه أحمد ومسلم وهو إجماع الصحابة وما روي أنه عليه السلام قال "لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده" محمول على حبل أو بيضة تبلغ قيمة كل واحد منهما نصابا أو أن المراد بالبيضة بيض النعام لما فيه من الجمع بين الأدلة "وهو ثلاثة دراهم" لأن غيرها يقوم بها لما يأتي فلأن يقطع بها نفسها بطريق الأولى "أو قيمة ذلك من الذهب والعروض" لما روى ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" متفق عليه قال ابن عبد البر هذا أصح حديث روي في هذا الباب وفيه على أن العرض يقوم بالدراهم لأن المجن قوم بها وأما كونه يقوم بالذهب فلأن ما كان الورق فيه أصلا كان الذهب فيه أصلا كنصاب الزكاة والديات وقيم المتلفات وقد روى أنس "أن سارقا سرق مجنا يساوي ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر" وأتي عثمان برجل سرق أترجة فبلغت قيمتها ربع دينار فقطع وقال علي "فما بلغ ثمن المجن ففيه القطع" ويعتبر في الدراهم أن تكون خالصة فلو كانت مغشوشة فلا خلافا للشيخ تقي الدين فيها "وعنه أنه ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيرهما" نصره القاضي في الخلاف وذكر في الكافي أنها أولى وقدمها في الرعاية والفروع وجزم بها في الوجيز لخبر عائشة ولقوله "اقطعوا في ربع دينار لا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك" وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار

وعنه لا تقوم العروض إلا بالدراهم وإذا سرب نصابا ثم نقصت قيمته أو ملكه ببيع أو هبة أو غيرها لم يسقط القطع وإن دخل الحرز
__________
اثني عشر رواه أحمد وهذا تقييد لإطلاق الآية قوله يبلغ إلى آخره أي يسرق عرضا قيمته كأحدهما "وعنه لا تقوم العروض إلا بالدراهم" لأن التقويم حصل بها لا بالذهب واختلف في الذهب هل هو أصل في القطع نفسه فعنه نعم وهو المذهب وعنه لا فعلى هذه يقوم بالدراهم فما ساوى منه ثلاثة دراهم قطع به وإن لم يبلغ ربع دينار وما لا يساوي ثلاثة دراهم لم يقطع به وإن بلغ ربع دينار وعلى المذهب أقله ربع دينار فلو كان دونها ويساوي ثلاثة دراهم لم يقطع وعلى هذا هو أصل في التقويم وهو اختيار ابن عقيل والمؤلف لأنه أحد النقدين فكان التقويم به كالآخر وعلى الثانية ليس بأصل وإنما الأصل الدراهم وعلى الأول متى بلغت قيمة المسروق أدنى النصابين قطع وعلى الأخرى الاعتبار بالدراهم فقط وفي تكميله بضم من النقدين وجهان ويكفي تبر في المنصوص أي يكفي وزن التبر اقتصر عليه في الكافي وقدمه في الرعاية وقيل تعتبر قيمته بالمضروب وإذا سرق نصابا ثم نقصت قيمته أي بعد الإخراج لأن النقصان وجد في العين بعد استحقاقها القطع أشبه ما لو نقص باستعماله ولأنه تعتبر قيمة النصاب حال إخراجه من الحرز وهو موجود "أو ملكه ببيع أو هبة أو غيرها لم يسقط القطع" لما روى صفوان بن أمية أنه نام على ردائه في المسجد فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال صفوان يا رسول الله لم إن هذا ردائي عليه صدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هلا كان هذا قبل أن تأتيني به" رواه ابن ماجة ولأن النصاب شرط فلم تعتبر استدامته كالحرز لكن إن ملك العين قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده لم يجب القطع بغير خلاف علمناه قال أحمد إذا رفع إليه لم يكن لرافعه عفو وظاهر الواضح وغيره قبل الحكم قال أحمد تدرأ الحدود بالشبهات فإذا صار إلى السلطان وصح عنده الأمر بالبينة أو الاعتراف وجب عليه إقامته عند ذلك وقال أبو بكر وجزم به آخرون لو ملكه سارقه قطع وجزم به ابن هبيرة عن أحمد "وإن دخل الحرز فذبح شاة

فذبح شاة قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجها لم يقطع وإن سرق فرد خف قيمته منفردا درهمان وقيمته وحده مع الآخر أربعة لم يقطع وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءا
__________
قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجها لم يقطع" لأن من شرط وجوب القطع أن يخرج من الحرز العين وهي نصاب ولم يوجد وإن كانت قيمتها مذبوحة نصابا قطع بإخراجها وإن قلنا إنها ميتة فلا "وإن سرق فرد خف قيمته منفردا درهمان وقيمته وحده مع الآخر أربعة لم يقطع" لأنه لم يسرق نصابا والمشروط عدم عند عدم شرطه فلو كانت قيمة كل منهما منفردا درهما و معا عشرة غرم ثمانية المتلف ونقص التفرقة وقيل درهمين وكذا جزءا من كتاب ذكره في التبصرة.
فرع: إذا أتلف وثيقة لغيره بما لا يثبت إلا بها ففي إلزامه ما تضمنته احتمالان أقواهما يلزمه ومثله يتعلق بالضمان في كتمان الشهادة.
ويقطع بسرقته منديلا بطرفه دينار مشدود يعلمه وقيل أو يجهله صححه في المذهب كجهله قيمته.
"وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا" ذكره الخرقي والأصحاب كهتك الحرز وكالقصاص "سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءا" نص عليه لأنهم اشتركوا في هتك الحرز وإخراج النصاب فلزمهم القطع كما لو كان ثقيلا فحملوه وفارق القصاص فإنه يعتمد المماثلة ولا توجد المماثلة إلا أن توجد أفعالهم في جميع أجزاء اليد وهنا القصد الزجر من غير اعتبار مماثلة وعنه يقطع من أخرج نصابا وهو قول أكثرهم قال في المغني وهذا أحب إلي لأن القطع هنا ليس هو في معنى المجمع عليه فلا يجب والاحتياط في سقوطه أولى من الاحتياط في إيجابه لأنه مما يدرأ بالشبهة وقيل إن لم يقطع بعضهم لشبهة فلا قطع قال في المستوعب والأول أصح وعليه التفريع فإن كان أحدهم لا يقطع بسرقته منه لولادة أو سيادة أو عدم تكليف قطع غيره في الأصح إن أخذ نصابا وقيل أو أقل ولم يذكره في المستوعب والمحرر إلا أن أحدهم إذا لم يقطع قطع الأجنبي فلو أقر بمشاركة

وإن هتك اثنان حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا وإن رماه الداخل إلى خارج فأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ويحتمل أن يقطعا إلا أن ينقب أحدهما ويذهب ويأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا يقطع
__________
آخر في سرقة نصاب ولم يقر الآخر ففي القطع وجهان.
فرع: إذا سرق نصابا لجماعة من حرز قطع على الأصح فلو سرق ما ظنه فلوسا فبان نصاب نقد لم يقطع ذكره في المستوعب والرعاية "وإن هتك اثنان حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده" قطعا نص عليه لأن المخرج أخرجه بقوة صاحبه ومعونته "أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا" وجها واحدا قاله في المستوعب لأنهما اشتركا في هتك الحرز وإخراج المتاع كما لو حملاه وأخرجاه وكذا إن وضعه وسط النقب فأخذه الخارج وفيه في الترغيب وجهان وإن شده بحبل فأدخل الآخر يده فأخذه أو جذب الحبل قال في الرعاية أو أخذه الذي رماه قطعا "وإن رماه الداخل إلى خارج فأخذه الآخر" أو لا أو أعاده فيه أحدهما "فالقطع على الداخل وحده" وإن اشتركا في النقب لأن الداخل أخرج المتاع وحده فاختص القطع به لا يقال هما اشتركا في الهتك لأن شرطه الاشتراك في الهتك والإخراج ولم يوجد الثاني فانتفى القطع لانتفاء شرطه وفي الترغيب وجه هما "وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما" لأن الأول لم يسرق والثاني لم يهتك الحرز وقيل بلى إن تواطآ على السرقة قاله في الوجيز وهو ظاهر ويحتمل أن يقطعا لأن فعل كل منهما وقع بقوة الآخر أشبه ما لو اشتركا في النقب والإخراج "إلا أن ينقب أحدهما ويذهب ويأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا يقطع" وجها واحدا لأنه لم يهتك الحرز ومن شرط وجوب القطع هتكه.
مسائل: إذا أخرج نصابا إلى ساحة دار بابها مغلق من بيت منها فروايتان .

فصل
الرابع: أن يخرجه من الحرز فإن سرق من غير حزر أو دخل الحرز فأتلفه فيه فلا قطع عليه وإن ابتلع جوهرا أو ذهبا وخرج به
__________
وإن فتح هو بابها فوجهان وإن كان وحده مفتوحا قطع وإن كان البيت وحده مفتوحا فلا وفي الكافي والشرح إنه إن كان البيت مغلقا ففتحه أو نقبه وإلا فلا وكذا الخان في الأقيس قاله ابن حمدان وإن تطيب في الحرز بطيب ثم خرج ولو اجتمع فبلغ نصابا فاحتمالان وإن لم يبلغ نصابا فلا قطع في الأشهر لأنه حين إخراجه ناقص عن نصاب.
فصل
"الرابع: أن يخرجه من الحرز" في قول أكثرهم وعن عائشة والنخعي فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع قال سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال ذكر لعائشة قول من يقول لا قطع على السارق حتى يخرج المتاع فقالت عائشة لو لم أجد إلا شفرة لحززت بها يده وعنه لا يشترط الحرز قال ابن المنذر ليس فيه خبر ثابت والأول شبيه بالإجماع لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار فقال "ما أخذ من غير أكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه وما كان من الحرز ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن" رواه أبو داود وابن ماجة وبهذا تخص الآية كما خصصناها بالنصاب "فإن سرق من غير حرز أو دخل الحرز فأتلفه فيه" بأكل أو غيره "فلا قطع عليه" لفوات شرطه لكن يلزمه ضمانه لأنه أتلفه ولا يقطع حتى يخرجه من الحرز سواء حمله إلى منزله أو تركه خارجا من الحرز "وإن ابتلع جوهرا أو ذهبا وخرج به" من الحرز فعليه القطع أشبه ما لو أخرجه في كمه وكلامه شامل ما إذا خرجا منه أو لا لكن إن لم يخرج ما ابتلعه فلا قطع ذكره في الكافي والشرح وهو قول القاضي وابن عقيل وقيل يقطع قدمه في المحرر والرعاية وإن خرج منه فقيل يقطع كما لو أخرجه من كمه وقيل لا لأنه ضمنها بالبلع فكان إتلافا لها

أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به أو في ماء جار فأخرجه أو قال لصغير أو معتوه ادخل فأخرجه ففعل فعليه القطع وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ويختلف باختلاف الأموال وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه
__________
لا سرقة "أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به" من غير سوقها لأن العادة مشي البهيمة بما وضع عليها "أو في ماء جار" وقيل وراكد "فأخرجه" المتاع إلى حائل من الدار فأطارته الريح فهذا فيه وجهان أحدهما لا قطع لأن ذلك لم يكن آلة للإخراج وإنما هو سبب حادث في غير فعله والثاني يقطع لأن فعله سبب خروجه أشبه ما لو ساق البهيمة.
فرع: إذا رمى المتاع فأطارته الريح فأخرجته أو فتح طاقا فسقط منه طعام أو غيره قدر نصاب أو أخرجه من الحرز ورماه خارجا عنه أو رده إليه قطع لأنه متى ابتدأ الفعل منه لم يؤثر فعل الريح كما لو رمى صيدا فأعانت الريح السهم حتى قتل فإنه يحل ولو رمى الجمار فأعانتها الريح حتى وقع في المرمى احتسب به "أو قال لصغيره أو معتوه ادخل فأخرجه ففعل فعليه القطع" لأنه لاختيار لهما فهما كالآلة ولو أمرهما شخص بالقتل قتل الآمر.
تنبيه: إذا أخرج خشبة أو بعضها من الحرز لم يقطع لأن بعضها لا ينفرد عن بعض وكذا لو أمسك عمامة وطرفها في يد صاحبها وإن أخرج بعض نصاب ثم دخل فأخرج تمامه وقرب قطع وكذا إن بعد في وجه وقدمه في الترغيب وقيل إن كان في ليلة قطع لا ليلتين وإن علم المالك بهتكه وأهمله فلا قطع قال القاضي قياس قول أصحابنا يبنى فعله على فعل غيره ولو فتح أسفل كوارة فخرج العسل شيئا فشيئا قطع
فرع: إذا علم قردا السرقة فالغرم فقط ذكره أبو الوفاء وابن الزاغوني "وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ويختلف باختلاف الأموال وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه" لأنه لما لم يثبت في الشرع علم أنه رد ذلك إلى العرف لأنه طريق إلى معرفته فرجع إليه كما رجعنا إلى معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك إليه هذا ظاهر قول أصحابنا .

فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة وحرز البقل والباقلاء ونحوه وقدوره وراء الشرائج إذا كان في السوق حارس وحرز الخشب و الحطب الحظائر
__________
"فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة" وهو اسم للقفل خشبا كان أو حديدا أو يكون فيها حافظ لأن العادة في حرز ذلك بذلك وفي الترغيب وغيره في قماش غليظ وراء غلق وفي تفسير ابن الجوزي ما جعل للسكنى وعن أحمد في البيت الذي ليس عليه غلق فسرق منه أراه سارقا وهذا محمول على أن أهله فيه فإن كانت الأبواب مفتوحة وفيها خزائن مغلقة فالخزائن حرز لما فيها والبيوت التي في البساتين أو الطرق أو الصحراء إن لم يكن فيها أحد فليست حرزا وإن كانت مغلقة وفيها حافظ فهي حرز وإن كان نائما وإن كانت مفتوحة فلا إلا أن يكون الحافظ يقظان.
تتمة: الخيمة والخركاة كذلك سواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب أو لا باب له إلا أنه محجر بالبناء فإن سرق صندوقا فيه متاع أو دابة عليها متاع ولا حافظ لم يقطع وإن سرق المتاع الذي فيه قطع وعنه إن الصناديق التي في السوق وإن حملت كما هي قطع وحمله القاضي وابن عقيل على أن معها شيئا "وحرز البقل والباقلاء ونحوه وقدوره وراء الشرائج" واحدها شريجة وهو شيء يعمل من قصب أو نحوه يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره "إذا كان في السوق حارس" لأن العادة جرت بإحرازها به "وحرز الخشب والحطب" والقصب "الحظائر" واحدتها حظيرة وهي ما يعمل للإبل والغنم من الشجر تأوي إليه وأصل الحظر المنع فيعبئ بعضه على بعض ويقيده بقيد بحيث يعسر أخذ شيء منه على ما جرت به العادة إلا أن يكون في فندق مغلقا عليه فيكون محرزا وإن لم يقيده ذكره في الكافي والشرح وفي التبصرة حرز حطب تعبئته وربطه بالحبال وكذا ذكره أبو محمد الجوزي.
فرع: حرز السفن في الشط: بربطها .

وحرز المواشي الصير وحرزها في المرعى بالراعي ونظره إليها وحرز حمولة الإبل بتقطيرها وقائدها وسائقها إذا كان يراها وحرز الثياب في الحمام بالحافظ
__________
"وحرز المواشي" جمع ماشية "الصير" واحدها صيرة وهي حظيرة الغنم "وحرزها في المرعى بالراعي ونظره إليها" لأن العادة حرزها بذلك فما غاب عن مشاهدته فقد خرج عن الحرز لأن الراعية هكذا تحرز.
"وحرز حمولة الإبل بتقطيرها وقائدها وسائقها إذا كان يراها" وجملته أن الإبل تنقسم إلى ثلاثة أقسام باركة وراعية وسائرة فحرز الباركة المعقولة بالحافظ يقظان كان أو نائما لأن العادة أن صاحبها يعقلها إذا نام فإن لم تكن معقولة فحرزها بحافظ يقظان وحرز الراعية بنظر الراعي إليها فما غاب عن نظره أو نام عنها فليس بمحرز لأن الراعية إنما تحرز بالراعي ونظره إليها وحرز السائرة الحمولة بسائق يراها مقطرة كانت أو غير مقطرة أو بتقطيرها مع قائد يراها وفي الترغيب والشرح يكثر الالتفات إليها ويراها إذا التفت وأما الأول منها فهو محرز بقوده والحافظ الراكب فيما وراءه كقائد ولو سرق مركوبه من تحته فلا قطع وفيه احتمال وإن سرقه براكبه الرقيق وهما يساويان نصابا قطع وإن كان حرا ومعه ما يساوي نصابا فوجهان "وحرز الثياب في الحمام بالحافظ" جزم به المؤلف وفي الوجيز وقدمه في الفروع كما لو كان في البيت وعنه لا قطع إلا أن يكون على المتاع قاعد صححه المؤلف لأنه مأذون للناس في دخوله فجرى مجرى سرقة الضيف من البيت المأذون في دخوله ولأنه لا يمكن الحافظ من حفظه فيه وإن فرط في الحفظ فنام أو اشتغل فلا قطع ويضمن وفي الترغيب إن استحفظه ربه صريحا وفيه لا تبطل الملاحظة بفترات وأعراض يسيرة بل بتركه وراءه وظاهره أنه إذا سرق من الحمام ولا حافظ فيه فلا قطع في قول عامتهم.
فرع: وحرز الثياب في أعدال أو غزل في سوق وخان وما كان مشتركا في الدخول إليه بحافظ على الأصح وقيل ليس الحمامي حافظا بجلوسه ولا الذي يدخل الطاسات.

وحرز الكفن في القبر على الميت فلو نبش قبرا وأخذ الكفن قطع وحرز الباب تركيبه في موضعه فلو سرق رتاج الكعبة أو باب مسجد أو تأزيره
__________
"وحرز الكفن في القبر على الميت فلو نبش قبرا وأخذ الكفن قطع" روي عن ابن الزبير وقاله الحسن وعمر بن عبد العزيز لقول عائشة "سارق أمواتنا كسارق أحيائنا" ولأنه سرق مالا محترما من حرز فوجب القطع به كغيره ولأنه يوضع فيه عادة ولا يعد واضعه مفرطا وعنه لا قطع وعنه إلا أن يخرج الميت من القبر ويأخذه منه ذكرها في النهاية وظاهره لا فرق في القبر أن يكون في حرز أو لا كالصحراء قاله جماعة وفي الواضح من مقبرة مصونة بقرب البلد ولم يقل في التبصرة مصونة.
ولابد أن يكون الكفن مشروعا وأن يخرجه من القبر لأنه الحرز فإن أخرجه من اللحد ووضعه في القبر فلا قطع وما زاد على الكفن المشروع كاللفافة والرابعة أو ترك معه طيبا فلا قطع في شيء من ذلك وفي الخلاف يقطع بسرقة الطيب لأنه من السنة وفي كونه ملكا له أو لوارثه فيه وجهان وعليهما هو خصمه فإن عدم فنائب الإمام ولو كفنه أجنبي وقيل هو ويستثنى على المذهب ما إذا أكله ضبع فإن كفنه إرث ولا يقطع سارقه وهل يفتقر في قطع النباش إلى مطالبة فيه وجهان.
"وحرز الباب تركيبه في موضعه" مفتوحا كان أو مغلقا لأنه هكذا يحفظ وفي الترغيب حرز باب أو خزانة بغلقه أو غلق باب الدار عليه وحرز جدار الدار كونه مبنيا فيه إذا كان في العمران أو في الصحراء إذا كان ثم حافظ فإن أخذ شيئا من الجدار أو خشبة تبلغ نصابا قطع وإن هدم الحائط ولم يأخذه فلا قطع وأبواب الخزائن في الدار إن كان باب الدار مغلقا فهي محرزة وإن كان مفتوحا فلا إلا أن يكون فيها حافظ.
فرع: حلقة الباب إن كانت مسمرة فهي محرزة وإلا فلا.
فلو سرق رتاج الكعبة وهو بابها العظيم ويقال أرتج على القارئ إذا لم يقدر على القراءة.
"أو باب مسجد أو تأزيره" وهو ما جعل من أسفل حائطه من لباد

قطع ولا يقطع بسرقة ستارتها وقال القاضي يقطع بسرقة المخيطة عليها وإن سرق قناديل المسجد أو حصره فعلى وجهين وإن نام إنسان على ردائه في المسجد فسرقه سارق قطع وإن مال رأسه عنه لم يقطع بسرقته وإن سرق من السوق غزلا وثم حافظ قطع وإلا فلا ومن سرق من النخل أو الشجر حرز فلا قطع عليه
__________
أو دفوف ونحوه قطع كباب بيت الآدمي والمطالبة بذلك للإمام أو من يقوم مقامه وقيل لا قطع لأنه ينتفع بهما الناس فيكون له فيه شبهة كالسرقة من بيت المال وقيل لا يقطع مسلم بباب مسجد كحصره ونحوها في الأصح "ولا يقطع بسرقة ستارتها" أي الخارجة منها نص عليه وهو ظاهر المذهب قاله ابن الجوزي كغير المخيطة ولأنها غير محرزة "وقال القاضي يقطع بسرقة المخيطة عليها" وهو رواية وقدمه في الرعاية لأن ذلك حرز مثلها في العادة وحمل ابن حمدان النص على غير المخيطة "وإن سرق قناديل المسجد أو حصره فعلى وجهين" أحدهما يقطع لأن المسجد حرز لها فقطع كالباب.
والثاني: لا وهو الأصح وجزم به في الوجيز كالسرقة من بيت المال وذكره في المغني وجها واحدا والأشهر أنه لا يقطع إذا كان السارق مسلما وفي الكافي إنه إذا سرق قناديل مسجد أو حصره ونحوه مما جعل لنفع المصلين فلا قطع "وإن نام إنسان على ردائه في المسجد" أو غيره أو على مجر فرسه ولم يزل عنه أو نعله في رجله "فسرقه سارق قطع" لما روى صفوان بن أمية "أنه نام في المسجد على ردائه فأخذه من تحت رأسه سارق فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه" رواه أبو داود وظاهر كلامهم لا فرق بين أن يكون في البلد أو برية "وإن مال رأسه عنه لم يقطع بسرقته" لأنه لم يبق محرزا وفي المستوعب أنه يجب القطع ما دام عليه شيء من أعضائه حال نومه فإن انقلب عنه ولم يبق عليه شيء من أعضائه فلا ذكره في الرعاية وجها.
"وإن سرق من السوق غزلا وثم حافظ قطع" لأن حرزه بحافظه "وإلا فلا" أي إذا لم يكن ثم حافظ فلا قطع لأنه مال غير محرز وفي المحرر هل حرزه بحافظ أم لا فيه روايتان "ومن سرق من النخل أو الشجر

ويضمن عوضها مرتين وقال أبو بكر ما كان حرزا لمال فهو حرز لمال آخر
__________
من غير حرز فلا قطع عليه" وفاقا وقال أبو ثور إن كان من بستان محرز ففيه القطع وقال ابن المنذر لظاهر الآية وكسائر المحرزات وجوابه ما روى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا قطع في ثمر ولا كثر" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وظاهره ولو كان عليه حائط وحافظ لكن إن كانت الشجرة في داره وهي محرزة فسرق منها نصابا قطع.
"ويضمن عوضها مرتين" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق فقال "من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" رواه أحمد والنسائي وأبو داود ولفظه له قال أحمد لا أعلم شيئا يدفعه وقال أكثر العلماء لا يجب أكثر من مثله قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا قال بوجوب غرامة مثليه واحتج أحمد بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بلتعة حين نحر غلمانه ناقة رجل من مزينة مثلي قيمتها رواه الأثرم قال القاضي في الخلاف وفي هذا دلالة على أن السرقة في عام المجاعة يضاعف الغرم فيها على قول أحمد ولأن الثمار في العادة تسبق اليد إليها فجاز أن تغلظ عليه في القيمة ردعا له وزجرا بخلاف بقية المواضع فإنها في العادة محرزة فاليد لا تسرع إليها ومقتضاه وإن كان المأخوذ دون نصاب ومن غير حرز وقاله القاضي والزركشي
فرع: لا قطع في عام مجاعة غلاء نص عليه إذا لم يجد ما يشتريه أو يشتري به قال جماعة ما لم يبذل له ولو بثمن غال وفي الترغيب ما يحيي به نفسه.
"وقال أبو بكر ما كان حرزا لمال فهو حرز لمال آخر" لأن الشرع ورد من غير تفصيل وحمله أبو الخطاب على قوة السلطان وعدله وبسط الأمن والأصح الأول لأنه إنما رجعنا في الحرز إلى العرف والعادة فالجواهر لا تحرز في الصير

فصل
الخامس: انتفاء الشبهة فلا يقطع بالسرقة من مال ابنه وإن سفل ولا الولد من مال أبيه وإن علا والأب والأم في هذا سواء ولا يقطع العبد بالسرقة من مال سيده
__________
فإن أحرزها فيها عد مفرطا فكان العمل بالعرف أولى.
فرع: قال أصحابنا في الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة مثلا قيمتها للخبر وما عدا هذين الموضعين لا يضمن بأكثر من قيمته أو مثله إن كان مثليا لأنه الأصل خولف في هذين للأثر وذهب أبو بكر إلى غرامة من سرق من غير حرز بمثليه وهو رواية وقدم في المحرر أنها تضاعف عليه القيمة نص عليه.
فصل
"الخامس انتفاء الشبهة" لأن القطع حد فيدرأ بالشبهة فلا يقطع بالسرقة من مال ابنه وإن سفل لأن له فيه شبهة لقوله عليه السلام "أنت ومالك لأبيك" ولأنه أخذ ماله أخذه لقوله "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" ولأنه يدرأ بالشبهة.
"ولا الولد من مال أبيه وإن علا" لأن بينهما قرابة تمنع شهادة أحدهما لصاحبه فلم يقطع بالسرقة منه كالأب لأن النفقة تجب للابن في مال أبيه حفظا له فلا يجوز إتلافه حفظا للمال وعنه يقطع وهو ظاهر الخرقي لظاهر الآية ولأنه يقاد به ويحد بالزني بجاريته فيقطع بسرقة ماله كالأجنبي وجوابه ما سبق والزنى بجاريته ففيه منع وإن سلم فإنما وجب عليه الحد لأنه لا شبهة له فيها "والأب والأم في هذا سواء" لأنها أولى بالبر وإذا لم تكن فالمساواة والجد والجدة من قبلهما سواء "ولا يقطع العبد بالسرقة من مال سيده" نص عليه لما روى سعيد عن سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد عن عمر أنه جاءه عبد الله بن عمرو بن الحضرمي بغلام له فقال إن غلامي قد سرق فأقطع يده؟ فقال عمر خادمكم أخذ مالكم وكان ذلك بمحضر من

ولا مسلم بالسرقة من بيت المال ولا من مال له فيه شركة أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق أو لولده أو سيده لم يقطع وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه على روايتين
__________
الصحابة ولم ينكر فكان كالإجماع وقال ابن مسعود لا قطع مالك سرق مالك والمكاتب وأم الولد والمدبر كالقن ولا يقطع سيد بسرقة مال مكاتبه فإن ملك وفاء فيتوجه الخلاف وفي الانتصار فيمن وارثه حر يقطع ولا يقتل به وكل من لا يقطع الإنسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة ماله.
"ولا مسلم بالسرقة من بيت المال" نص عليه لما روى ابن ماجة عن ابن عباس "أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال مال الله سرق بعضه بعضا" وقال عمر وابن مسعود من سرق من بيت المال فلا قطع ما من أحد إلا وله في هذا المال حق وقال سعيد ثنا هشيم أنا مغيرة عن الشعبي عن علي "ليس على من سرق من بيت المال قطع" وكذا لا يقطع بالسرقة من غنيمة لم تخمس أو فقير من غلة وقف على الفقراء فلو سرق ذمي أو عبد مسلم من بيت المال قطع نص عليه قاله في المحرر والمذهب خلافه.
"ولا من مال له فيه شركة" كالمال المشترك بينه وبين شريكه لأنه إذا لم يقطع الأب بسرقة مال ابنه لكون أن له فيه شبهة فلأن لا يقطع بالسرقة من مال شريكه من باب أولى أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه كمال مشترك لأبيه وابنه لأن له فيه شبهة لكون أبيه وابنه ونحوهما له فيه شركة ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق أي لم تخمس "أو لولده أو سيده لم يقطع" لأن له في المال المسروق حقا أو شبهة حق وكل منهما يمنع الحد وحكى ابن أبي موسى أنه يحرق رحله كالغال وإن أخرج الخمس فسرق من الأربعة أخماس قطع "وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه؟ على روايتين" وكذا في المحرر إحداهما لا قطع اختارها الخرقي وأبو بكر وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع وذكر أنها اختيار الأكثر وهي قول عمر رواه سعيد بإسناد جيد ولأن كلا منهما يرث صاحبه بغير حجب وينبسط بماله أشبه

ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن ويقطعان بسرقة ماله ومن سرق عينا وادعى أنها ملكه لم يقطع وعنه يقطع
__________
الولد والوالد وكما لو منعها نفقتها قاله في الترغيب.
والثانية: يقطع كحرز مفرد قاله في التبصرة كضيفه وصديقه وعبده من امرأته من مال محرز عنه ولم يمنع الضيف قراه قال في الشرح وهي ظاهر الخرقي لعموم الآية وكالأجنبي وفرق قوم فقالوا يقطع الزوج بسرقة مالها لأنه لا حق له فيه بخلافها لأن لها النفقة فيه فأما إن لم يكن مال أحدهما محرزا عن الآخر فلا قطع رواية واحدة.
فرع: لا تقطع الزوجة بسرقة نفقتها أو نفقة ولدها الواجبة مع منعها منهما سواء أخذت قدر ذلك أو أكثر منه لأنها تستحق قدر ذلك فالزائد يكون مشتركا فاستحق أخذه "ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم" نصره القاضي والمؤلف وجزم به في الوجيز لأن القرابة هنا لا تمنع قبول الشهادة فلا تمنع القطع ولأن الآية والأخبار تعم كل سارق خرج منه ما تقدم فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل وقيل إلا ذي رحم محرم وفي الواضح قطع غير أب "ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي" بغير خلاف نعلمه لأن ماله صار معصوما بأداء الجزية فوجب القطع بسرقته كمال المسلم "والمستأمن" لأن ماله مال الذمي بدليل أنه يجب الضمان بإتلافه "ويقطعان بسرقة ماله" لأنه إذا قطع المسلم بسرقة مالهم فلأن يقطعوا بسرقة ماله بطريق الأولى وكقود وحد قذف نص عليهما وضمان متلف وقال ابن حامد لا يقطع مستأمن كحد خمر وزنى نص عليه بغير مسلمة وسوى في المنتخب بينهما في عدم القطع "ومن سرق عينا" أو بعضها "وادعى أنها ملكه لم يقطع" نصره القاضي في الخلاف وذكر أنها أصح وذكر ابن هبيرة أنها ظاهر المذهب وسماه الشافعي السارق الظريف لأن ما ادعاه محتمل فيكون شبهة في درء الحد وعنه يقطع قدمها في المحرر والرعاية ولأنه لو لم يكن كذلك لأدى إلى عدم وجوب القطع فتفوت المصلحة بالكلية وذلك غير معتبر .

وعنه: لا يقطع إلا أن يكون معروفا القطع بالسرقة وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لم يقطع، وإن سرق من غير ذلك الحرز أو سرق من مال من له عليه دين قطع إلا أن يعجز عن أخذه منه فيسرق قدر حقه فلا يقطع وقال القاضي يقطع ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها قطع
__________
"وعنه لا يقطع إلا أن يكون معروفا بالسرقة" اختاره في الترغيب للعلم بكذبه وكذا إذا ادعى أنه أذن له في دخول الدار ونقل ابن منصور لو شهد عليه فقال أمرني رب الدار أن أخرجه لم يقبل منه قال في الفروع ويتوجه مثله حد زنى وذكر القاضي وغيره لا يحد.
"وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب من حرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لم يقطع" لأن لكل واحد منهما شبهة في هتك الحرز من أجل أخذ ماله فإذا هتك الحرز صار كأن المال المسروق منه أخذ من غير حرز وقيل بلى إن تميز لأنه لا شبهة له فيه كما لا يجوز أخذ قدر ماله إذا عجز عن أخذه.
"وإن سرق من غير ذلك الحرز أو سرق من مال من له عليه دين قطع" لأنه لا شبهة له فيه "إلا أن يعجز عن أخذه منه فيسرق قدر حقه فلا يقطع" نصره المؤلف وغيره لأن بعض العلماء أباح له الأخذ فيكون الاختلاف في إباحة الأخذ شبهة دارئة للحد كالوطء في نكاح مختلف في صحته فإن سرق أكثر من حقه فهل يقطع هنا فيه وجهان "وقال القاضي يقطع" قدمه في الرعاية لأنه لا يجوز له الأخذ قال في المغني وهذا لا يلغي الشبهة الناشئة عن الاختلاف ثم قال في الرعاية وقيل إن أخذه ولا بينة أو عجز عنه فلا وعلى كل حال لا يأخذ بدون إذنه أو إذن حاكم نص عليه.
"ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها" من ذلك المنزل أو غيره "قطع" لأنه لم ينزجر أشبه ما لو سرق غيرها بخلاف حد القذف فإنه لا يعاد مرة أخرى لأن الغرض إظهار كذبه وقد ظهر وهنا المقصود ردعه وزجره عن السرقة ولم يوجد فيردع بالثاني كما لو سرق عينا أخرى .

ومن آجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع.
فصل
السادس: ثبوت السرقة بشهادة عدلين أو إقرار مرتين
__________
"ومن آجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع" لأنه هتك حرزا وسرق منه نصابا لا شبهة فيه فقطع كما لو سرق من ملكهما واختار ابن حمدان لا قطع على المعير لما تقدم ولأن هذا قد صار حرزا لملك غيره فلا يجوز له الدخول إليه وإنما يجوز له الرجوع في العارية وفي الترغيب احتمال إن قصد بدخوله الرجوع قال في الفنون له الرجوع بقول لا سرقة.
تنبيه: إذا تكرر منه السرقة قبل القطع قطع مرة قدمه في الرعاية وصححه في الشرح لأن القطع خالص حق الله تعالى فتداخل كحد الزنى والشرب وعنه إن سرق من جماعة وجاءوا متفرقين لم تتداخل كحد القذف والفرق أن حد القذف حق لآدمي.
فصل
"السادس: ثبوت السرقة" لأن الله تعالى أوجب القطع على السارق ولا يتحقق ذلك إلا بعد ثبوته "بشهادة عدلين" قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن قطع السارق يجب إذا شهد بها شاهدان حران مسلمان بشرط أن يصفاها ولا تسمع قبل الدعوى في الأصح فإن كان المسروق منه غائبا فطالب وليه احتاج الشاهدان أن يرفعا في نسبه بحيث يتميز عن غيره فإن وجب القطع بشهادتهما لم يسقط بموتهما ولا غيبتهما فإن شهدت في غيبته ثم حضر أعيدت فإن اختلفا في الزمان والمكان والمسروق فلا قطع في قولهم جميعا وإن اختلفا في اللون أو قال أحدهما سرق هرويا وقال الآخر مرويا فوجهان "أو إقرار مرتين" لما روي عن أبي أمية المخزومي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف فقال إخالك سرقت؟" قال بلى فأعاد عليه مرتين قال بلى فأمر به فقطع رواه أبو داود وروي عن علي أنه قال لسارق :

ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع.
فصل
السابع: مطالبة المسروق منه بماله
__________
سرقت؟ قال: فشهد على نفسه مرتين فقطع رواه الجوزجاني ولأنه يتضمن إتلافا فكان من شرطه التكرار كحد الزنى أو يقال أحد حجتي القطع فيعتبر فيها التكرار كالشهادة ويصفها بأن يذكر فيها شروط السرقة بخلاف إقراره بزني فإن في اعتبار التفصيل وجهين قاله في الترغيب بخلاف القذف لحصول التغيير وعنه في إقرار عبد أربع مرات نقله مهنا لا يكون المتاع عنده نص عليه وصدقه المقر له على سرقة نصاب وفي المغني أو قال فقدته ومعناه في الانتصار وطالبه هو أو وكيله أو وليه بالسرقة لا بالقطع.
وعنه: أو لم يطالبه اختاره أبو بكر وشيخنا كإقراره بزنى أمة غيره وجب قطعه وليس لحاكم حبسه قال في عيون المسائل لأنه لا يتعلق به حكم حاكم بخلاف السرقة فإن للحاكم حقا في القطع فيحبس وإن كذب مدع نفسه سقط قطعه.
"ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع" في قول أكثرهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إخالك سرقت؟" عرض له ليرجع ولو لم يسقط الحد برجوعه لم يكن في ذلك فائدة, ولأن قطع السارق حد ثبت بالاعتراف فسقط بالرجوع كحد الزنى ولأن حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط كما لو رجع الشهود.
"فائدة" قال أحمد والأكثر لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره للآثار.
فصل
"السابع: مطالبة المسروق منه بماله" اختاره الخرقي ونصره القاضي في الخلاف والمؤلف في المغني وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين لأن المال يباح بالبذل والإباحة فيحتمل أن يكون مالكه أباحه إياه أو وقفه على طائفة المسلمين أو على جماعة السارق منهم أو أذن له في دخول حرزه فاعتبرت

وقال أبو بكر: ليس ذلك بشرط.
فصل
وإذا وجب القطع، قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت،وهو أن تغمس في زيت مغلي فإن عاد قطعت رجله اليسرى
__________
المطالبة لتزول الشبهة "وقال أبو بكر ليس ذلك بشرط" وهو رواية وصححها في الرعاية لعموم الآية ولأن موجب القطع السرقة وقد وجدت فوجب القطع من غير مطالبة كالزنى والفرق ظاهر لأن الزنى لا يستباح بالإباحة بخلاف السرقة ولأن القطع أوسع في الإسقاط لأنه لو سرق من مال أبيه لم يقطع ولو زنى بجاريته حد ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فلهم به تعلق فلم يستوف من غير مطالب به والزنى حق لله فلم يفتقر إلى المطالب به فعلى هذا لو قال المالك غصبتني ونحوه لم يقطع ولو كان المال لاثنين فتخالفا في إقراره لم يقطع إلا أن يكون لمن وافقه نصاب فيقطع.
فصل
"وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف" بلا خلاف وفي قراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما روي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا "إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع" ولا مخالف لهما في الصحابة ولأن البطش بها أقوى فكانت البداءة بها أردع ولأنها آلة السرقة غالبا فناسب عقوبته بإعدام آلتها من مفصل الكف لأن اليد تطلق عليها إلى الكوع و إلى المرفق و إلى المنكب وإرادة الأول متيقنة وما سواه مشكوك فيه ولا يجب القطع مع الشك "وحسمت" وجوبا وقال المؤلف يستحب وهو "أن تغمس في زيت" مغلي لقوله عليه السلام في سارق "اقطعوه واحسموه" قال ابن المنذر في إسناده مقال والحكمة في الحسم أن العضو إذا قطع فغمس في ذلك الزيت المغلي استدت أفواه العروق فينقطع الدم إذ لو ترك بلا حسم لنزف الدم فأدى إلى موته ويسن تعليق يده في عنقه زاد في البلغة والرعاية ثلاثة أيام إن رآه الإمام "فإن عاد قطعت رجله اليسرى" لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

من مفصل الكعب وحسمت فإن عاد حبس ولم يقطع وعنه أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة والرجل اليمنى في الرابعة ومن سرق وليس
__________
في السارق "إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله" ولأنه قول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما في الصحابة فيكون كالإجماع وإنما قطعت الرجل اليسرى لقوله تعالى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وإذا ثبت ذلك في المحاربة ثبت في هذا قياسا عليه ولأن قطع اليسرى أرفق به لأن مشي الرجل اليمنى أسهل وأمكن له من اليسرى ويبعد في العادة من أن يتمكن من المشي عليها فوجب ذلك لئلا تتعطل به منفعته بلا ضرورة.
"من مفصل الكعب" لأنه أحد العضوين المقطوعين في السرقة فيقطع من المفصل كاليد روي سعيد ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان عمر يقطع السارق من المفصل وروي عن علي أنه كان يقطع من شطر القدم ويترك له عقبا يمشي عليها واقتصر عليه في الفروع فقال من مفصل كعبه يترك عقبه نص عليه "وحسمت" قال أحمد قطع النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به فحسم
تذنيب: يقطع السارق بأسهل ما يمكنه فيجلس ويضبط لئلا يتحرك فيجني على نفسه وتشد يده بحبل وتجر حتى يتيقن المفصل ثم توضع السكين وتجر بقوة لتقطع في مرة واحدة
"فإن عاد حبس" حتى يتوب كالمرة الخامسة وفي الإيضاح ويعذبه وفي التبصرة أو يغرب وفي البلغة يعزر ويحبس حتى يتوب "ولم يقطع" أي يحرم قطعه قدمه في الرعاية ونصره في الخلاف وصححه وإنها اختيار الخرقي وأبي بكر وجزم بها في الوجيز وهو قول علي رواه سعيد ولأن قطع الكل يفوت منفعة الجنس فلم يشرع كالقتل فعلى هذا يمنع من تعطيل منفعة الجنس "وعنه أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة والرجل اليمنى في الرابعة" واختارها أكثر العلماء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم "إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله" رواه الدارقطني ورواه سعيد عن أبي بكر وعمر بإسناد جيد والمذهب الأول ثم هو معارض بقول علي وروي أن عمر رجع إلى قول علي ؛

له يد يمنى قطعت رجله اليسرى وإن سرق وله يمنى فذهبت سقط القطع وإن ذهبت يده اليسرى لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى
__________
رواه سعيد
تنبيه: علم مما سبق أنه لا يجوز أن ينتهي إلى القتل وقد روي عن عثمان وعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز أنه يقتل في الخامسة لحديث رواه مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير عن محمد بن المنكدر عن جابر قال "جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة فأمر بقتله فقتلوه" قال أحمد وابن معين مصعب ضعيف وقال أبو حاتم لا يحتج به وقيل هو حسن وقيل لمصلحة اقتضته وقال أبو المصعب المالكي يقتل في الخامسة وقياس قول الشيخ تقي الدين أنه كالشارب في الرابعة يقتل عنده إذا لم ينته بدونه
وجوابه بأنه يحمل في حق رجل استحق القتل أو على وجه التغليظ والمثلة ويؤيده أن الأصول تشهد بنفي القتل لأن كل معصية لا توجب القتل في الابتداء لا توجب بعد ذلك كسائر المعاصي "ومن سرق وليس له يد يمنى قطعت رجله اليسرى" لأن اليمنى لما خرجت عن كونها محلا للقطع انتقل القطع إلى ما يلي ذلك وهو الرجل اليسرى لكن إن كانت يمناه شلاء فعنه تقطع رجله اليسرى وعنه يسأل أهل الخبرة فإن قالوا إنها إذا قطعت ورقأ دمها وانحسمت عروقها قطعت وإن قالوا لا يرقأ دمها فلا وذكر السامري روايتين ولم يذكر هذا فإن كانت أصابع اليمنى ذاهبة فقيل لا تقطع وتقطع الرجل وقيل بلى وإن ذهب بعض الأصابع كخنصر وبنصر أو واحدة سواهما قطعت وإن لم يبق إلا واحدة فهي كالتي ذهب جميع أصابعها وإن بقي اثنان فالأولى قطعها وفيه وجه وكذا حكم ما لو ذهب معظم نفعها كقطع إبهام أو إصبعين فصاعدا ذكره في المحرر "وإن سرق وله يمنى فذهبت" هي أو يسرى يديه أو مع رجليه أو إحداهما "سقط القطع" لتعلق القطع بها لوجودها كجناية تعلقت برقبته فمات وإن ذهبت يده اليسرى أو كانت مقطوعة أو شلاء "لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى" وهي أن السارق يحبس في الثالثة ولا يقطع لأن قطعها يتضمن تفويت منفعة

وتقطع على الرواية الأخرى وإن وجب يمناه فقطع القاطع يسراه عمدا فعليه القود وإن قطعها خطأ فعليه ديتها وفي قطع يمنى السارق وجهان ويجتمع القطع والضمان فترد العين المسروقة إلى مالكها وإن كانت تالفة غرم قيمتها وقطع.
__________
الجنس وبقاءه بلا يد يبطش بها وهو غير جائز "وتقطع على الرواية الأخرى" لأن غايته تعطيل منفعة الجنس وبقاؤه بلا يد يبطش بها واقع على الرواية المذكورة بل أولى لأن اليمنى تعلق بها القطع وفاقا وإنما الخلاف في سقوطه
تنبيه: إذا ذهبت يده اليسرى ورجله اليمنى لم يقطع لتعطيل منفعة الجنس وذهاب عضوين من شق وإن ذهبت يده اليسرى قبل سرقته أو يده لم تقطع رجله اليسرى وإن كان الذاهب رجليه أو يمناهما قطعت يده اليمنى في الأصح "وإن وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه" بلا إذنه "عمدا فعليه القود" لأنه قطع طرفا معصوما "وإن قطعها خطأ فعليه ديتها" لأن ما أوجب عمده القود أوجب خطؤه الدية بدليل القتل واختار المؤلف يجزئ ولا ضمان وهو احتمال في الانتصار وأنه يحتمل تضمينه نصف الدية وذكر بعضهم إن قطع دهشة أو ظنها تجزئ كفت ولا ضمان
"وفي قطع يمنى السارق وجهان" أحدهما لا قطع لأن قطعها يفضي إلى قطع يدي السارق وتفويت منفعة الجنس منه فلم يشرع كقتله والثاني بلى وجزم به في الوجيز بناء على قطعها في الثالثة فعلى الأولى في قطع رجله وجهان أصحهما لا "ويجتمع القطع والضمان" نقله الجماعة لأنهما حقان يجبان لمستحقين فجاز اجتماعهما كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك فترد العين المسروقة إلى مالكها بغير خلاف نعلمه إن كانت باقية "وإن كانت تالفة غرم قيمتها" أو مثلها إن كانت مثلية "وقطع" موسرا كان أو معسرا وفي الانتصار يحتمل لا يغرم شيئا وهو قول أبي يوسف لما روى عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أقمتم الحد على السارق فلا غرم عليه" ولأن التضمين يقتضي التمليك والملك يمنع القطع فلا يجمع بينهما
وجوابه: بأنهما حقان لمستحقين وقال ابن عبد البر الحديث ليس بالقوي .

وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال أو من مال السارق على وجهين
باب حد المحاربين
__________
وقال بعض المحدثين فيه سعد بن إبراهيم وهو مجهول ولو سلم صحته فيحتمل أنه لا غرم عليه في أجرة القاطع
"وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال أو من مال السارق على وجهين" أحدهما: أنه من بيت المال كأجرة القاطع لأنه من المصالح لم يذكر في الكافي غيره فإن لم تحسم فذكر القاضي أنه لا شيء عليه لأن عليه القطع لا مداواة المحدود والثاني: أنهما من مال السارق قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه مداواة كمداواته في مرضه ويستحب للمقطوع حسم نفسه فإن لم يفعل لم يأثم لأنه ترك التداوي في المرض
باب حد المحاربين
المحاربون واحدهم محارب وهو اسم فاعل من حارب يحارب وهو فاعل من الحرب قال ابن فارس الحرب اشتقاقها من الحرب بفتح الراء وهو مصدر حرب ماله أي سلبه والحريب المحروب والأصل فيهم قوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المائدة: 33] قال ابن عباس وأكثر العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين لقوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة كما تقبل قبلها فلما خصه بما قبل القدرة علم أنه أراد المحاربين لأن ذلك الحكم يجب عليهم حدا لا كفرا والحد لا يسقط بالتوبة وعن ابن عمر أنها نزلت في المرتدين وقاله الحسن وعطاء لأن سبب نزولها قضية العرنيين وحكاه ابن أبي موسى رواية وأنها منسوخة لأن قضيتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ثم قال فحكم من خرج لقطع الطريق مرتب على ما نزل من الحدود ولولا قيام الدليل على وجوب قطع اليد مع الرجل للمحارب لقلنا لا تقطع إلا يده اليمنى كالسارق قال ابن أبي موسى فعلى هذا يجيء أن يصح عفو ولي الدم عن

وهم قطاع الطريق وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغصبونهم المال مجاهرة فأما من يأخذه سرقة فليس بمحارب وإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونوا محاربين في قول الخرقي وقال أبو بكر حكمهم في المصر والصحراء واحد
__________
المحارب ويكون الإمام مخيرا فيه وهو وجه في الرعاية
"وهم قطاع الطريق" وهم كل مكلف ملتزم ليخرج الحربي ولو أنثى وقاله الأكثر والعبد والذمي كضدهما وعنه ينتقض عهده فيحل دمه وماله بكل حال "وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح" هذا أحد الشروط فيهم وظاهره أنه إذا لم يكن معهم سلاح فليسوا محاربين لأنهم لا يمنعون من قصدهم والأصح ولو كان بعصا وحجر لأن ذلك من جملة السلاح الذي يأتي على النفس أشبه المحدد وفي البلغة وغيرها وجه ويد وفي الشرح وإن قتل في المحاربة بمثقل قتل كما لو قتل بمحدد وإن قتل بآلة لا يجب القصاص بالقتل بها فالظاهر أنهم يقتلون أيضا لدخولهم في العموم
فرع: من قاتل اللصوص وقتل قتل القاتل منهم دون غيره ذكره ابن أبي موسى
"في الصحراء" لأن ذلك عادة المحاربين "فيغصبونهم المال" المحترم "مجاهرة" أي يأخذون المال قهرا اختاره الأكثر ونصره القاضي في الخلاف وذكره المذهب "فأما من يأخذه سرقة فليس بمحارب" لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم "وإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونوا محاربين في قول الخرقي" قدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز لأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق وقطع الطريق إنما هو في الصحراء لأن المصر يلحق فيه الغوث غالبا فتذهب شوكتهم ويكونون مختلسين لا قطاع طريق "وقال أبو بكر حكمهم في المصر والصحراء واحد" وهو قول كثير من الأصحاب لعموم الآية فيهم ولأن ضررهم في المصر أعظم فكانوا بالحد أولى وفي الفروع قيل في صحراء وقيل ومصر إن لم يغث وحكى في الكافي والشرح عن القاضي أنه قال إذا كبسوا دارا في مصر

وإذا قدر عليهم فمن كان منهم قد قتل من يكافئه وأخذ المال قتل حتما وصلب حتى يشتهر وقال أبو بكر يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب
__________
بحيث يلحقهم الغوث عادة لم يكونوا محاربين وإن حصروا قرية أو بلدا لا يلحقهم الغوث عادة فهم قطاع طريق ولم يذكر في الرعاية فيه خلافا ويعتبر ثبوته ببينة أو إقرار مرتين كسرقة ذكره القاضي وغيره وفي سقوطه بشبهة كسرقة وجهان قاله في المستوعب وغيره "وإذا قدر عليهم فمن كان منهم قد قتل من يكافئه وأخذ المال قتل حتما وصلب حتى يشتهر" لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه وقال ابن عباس ما كان في القرآن ب أو فصاحبه بالخيار وجوابه بأنه قد عرف من القرآن أن ما أريد به التخيير فيبدأ بالأخف ككفارة اليمين وما أريد به الترتيب فيبدأ بالأغلظ ككفارة الظهار والقتل ولأن العقوبات تختلف باختلاف الأجرام ولذلك اختلف حكم الزاني والقاذف والسارق ولأن القتل وجب لحق الله تعالى فلم يخير الإمام فيه كقطع السارق وروى الشافعي عن إبراهيم بن يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض وروي نحوه مرفوعا وإذا ثبت هذا قتل وصلب في ظاهر المذهب قاله في المغني والشرح وقتله متحتم لا يدخله عفو بالإجماع والصلب بعد القتل وقيل يصلب أولا ثم يقتل والأول أولى لأنه تعالى قدم القتل على الصلب كقوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ولقوله عليه السلام "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" ولأنه شرع ردعا لغيره ليشتهر أمره ولو شرع لردعه فقط لسقط بقتله كما تسقط سائر الحدود مع القتل والصلب حتم في حق من قتل وأخذ المال فلا يسقط بعفو ولا غيره ويكون حتى يشتهر ذكره معظم الأصحاب لأن المقصود منه زجر غيره ولا يحصل إلا به "وقال أبو بكر يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب" اقتصر ابن هبيرة على حكايته عن

وعن أحمد: أنه يقطع مع ذلك وإن قتل من لا يكافئه فهل يقتل على روايتين وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فيما دون النفس فهل يتحتم استيفاؤه على روايتين
__________
أحمد لأن بذلك يصدق اسم الصلب وقال ابن رزين يصلب ثلاثة أيام وهذا توقيت بغير توقيف مع أنه في الظاهر يفضي إلى تغيره ونتنه
"وعن أحمد أنه يقطع مع ذلك" اختاره أبو محمد الجوزي لأن كل واحد منهما يوجب حدا مفردا فإذا اجتمعا وجب حدهما كما لو زنى وسرق فعلى هذا يقطع أولا ثم يقتل ثم بعد ذلك يدفع إلى أهله فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن وإن مات قبل قتله لم يصلب لأنه تابع للقتل فسقط بفواته "وإن قتل من لا يكافئه" كولده وعبد وذمي "فهل يقتل؟ على روايتين" إحداهما يقتل ويصلب قدمها في الرعاية وجزم بها في الوجيز للعموم ولأن القتل حد لله تعالى فلا تعتبر فيه المكافأة كالزنى والسرقة والثانية: لا ذكر القاضي في الخلاف أن هذا ظاهر كلام أحمد في رواية جماعة لقوله عليه السلام "لا يقتل مسلم بكافر" فعلى هذا إذا قتل مسلم ذميا أو حر عبدا وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف لأخذ المال وغرم دية ذمي وقيمة عبد وإن قتله ولم يأخذ مالا غرم ديته ونفي وقيل إن قلنا القتل حق لله فلم يقتل من يكافئه وإلا فلا وفي الشرح عن القاضي أنه قال إنما يتحتم قتله إذا قتله ليأخذ المال فإن قتله لغير ذلك كعداوة فالواجب قصاص غير متحتم
"وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فيما دون النفس" كالطرف "فهل يتحتم استيفاؤه على روايتين" وكذا في الفروع إحداهما: قال في الشرح وهي أولى لا يتحتم لأن الله تعالى لم يذكره وحينئذ لا يجب فيه أكثر من القصاص والثانية: يتحتم قدمها في الرعاية وجزم بها في الوجيز لأنه نوع قود فتحتم استيفاؤه كالقود في النفس ولا يسقط مع تحتم القتل على الروايتين ويحتمل سقوطه بتحتم قتله وذكره بعضهم فقال يحتمل أن تسقط الجناية إن قلنا يتحتم استيفاؤها وذكره بعضهم فقال يحتمل أن يسقط تحتم

وحكم الردء حكم المباشر ومن قتل ولم يأخذ المال قتل وهل يصلب على روايتين ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا وخلي
__________
القتل إن قلنا يتحتم في الطرف قال في الفروع وهذا وهم
"وحكم الردء" والطليع "حكم المباشر" لأن حد المباشر حكم يتعلق بها فاستوى فيها الردء والمباشر كالغنيمة يحققه أن المحاربة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمباشر لا يتمكن إلا بالردء فوجب التساوي في الحكم وذكر أبو الفرج السرقة كذلك فلو قتل بعضهم ثبت حكم القتل في حق الكل وإن قتل بعضهم وأخذ المال بعضهم جاز قتلهم وصلبهم فردء غير مكلف كهو وقيل يضمن المال آخذه وقيل قراره عليه وفي الإرشاد من قاتل اللصوص وقتل قتل القاتل فقط واختار الشيخ تقي الدين الآمر كردء وأنه في السرقة كذلك وإن المرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل والمراد بالردء هو العون للمباشر كقوله تعالى {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] "ومن قتل" مكافئه "ولم يأخذ المال قتل" حتما لأنه قاتل فيدخل في عموم النص وحينئذ فلا أثر لعفو الولي "وهل يصلب على روايتين" إحداهما لا يصلب قدمه في المحرر وصححه في الشرح وجزم به في الكافي لأن جنايتهم بأخذ المال مع القتل أعظم فكانت عقوبتهم أغلظ والثانية: بلى لأنه محارب يجب قتله فيصلب كمن أخذ المال
"ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت" حتما "يده اليمنى ورجله اليسرى" لقوله تعالى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} وإنما قطعت يده اليمنى للمعنى الذي تقدم في السارق لأنه سارق وزيادة ثم رجله اليسرى لتحقق المخالفة وليكون أرفق به في مكان مشيه ولا ينتظر اندمال اليد بل يقطعان في "مقام واحد" لأن الله تعالى أمر بقطعهما من غير تعرض لتأخير شيء منهما فيبدأ بيمينه فتقطع وتحسم ثم برجله كذلك وهذا الترتيب واجب ذكره ابن شهاب وغيره "وحسمتا" لقوله "اقطعوه واحسموه" لأن الحسم يسد أفواه العروق ويمنع الدم من النزف ويكون ذلك حتما "وخلي" بعد ذلك لأن الحق الذي

ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله فإن كانت يمينه مقطوعة أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى وهل تقطع يسرى يديه ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة.
__________
عليه قد استوفي أشبه المدين إذا أدى دينه
"ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله" لقوله عليه السلام "لا قطع إلا في ربع دينار" ولم يفصل ولأنها جناية تعلقت بها عقوبة في حق غير المحارب فلا تغليظ في المحارب بأكثر من وجه واحد كالقتل وظاهره أنه يعتبر الحرز أيضا فإن أخذوا من مال لهم فيه شركة أو شبهة على ما ذكرنا في المسروق لم يقطع ذكره في الشرح وغيره وفي المستوعب وجهان
"فإن كانت يمينه مقطوعة" بأن قطعت في سرقة أو غيرها "أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى" كما لو كانت يمناه موجودة لأن ذلك واجب أمكن استيفاؤه وكذا إن كانت اليمنى موجودة واليسرى معدومة فإنا نقطع الموجود منها حسب ويسقط القطع في المعدوم لأن ما تعلق به الفرض قد زال فيسقط كالغسل في الوضوء وإن عدم يسرى يديه قطعت يسرى رجليه وإن عدم يمنى يديه لم تقطع يمنى رجليه "وهل تقطع يسرى يديه" أي إذا قطع للمحاربة ثم حارب ثانيا فهل تقطع بقية أربعته فيه وجهان وذلك "ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة" فإن قلنا يقطع ثم قطعت هاهنا لأنها مستحقة القطع في الجملة كما لو سرق ولا يمنى له ولا رجل وإن قلنا لا تقطع وهو الأصح سقط لأن قطعها يفضي إلى تفويت منفعة البطش وتتعين دية لقود لزمه بعد محاربته كتقديمها بسبقها وكذا لو مات قبل قتله للمحاربة
فرع: إذا عدم يده اليسرى أو بطشها بشلل أو نقص قطعت رجله اليسرى دون يده اليمنى وقيل يقطعان ويتخرج عكسه فلو كان ما وجب قطعه أشل فذكر أهل الطب أن قطعه يفضي إلى تلفه سقط وبقي حكمه كالمعدوم وإن قالوا لا يفضي إلى تلفه ففي قطعه روايتان .

ومن لم يقتل ولا أخذ مالا نفي وشرد ولا يترك يأوي إلى بلد وعنه أن نفيه تعزيره بما يردعه ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل وأخذ بحقوق الآدميين من النفس والمال والجراح إلا أن يعفى لهم عنها
__________
"ومن لم يقتل ولا أخذ مالا نفي وشرد" أي طرد ولو عبدا "ولا يترك يأوي إلى بلد" ذكره الأصحاب ونصروه لقوله تعالى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] وظاهره يتناول نفيه من جميعها وهو يبطل بنفي الزاني إلى مكان فعلى هذا ينفون مدة تظهر فيها توبتهم وتحسن سيرتهم قدمه في الرعاية والفروع وقيل ينفون عاما كالزاني "وعنه أن نفيه تعزيره بما يردعه" من ضرب وحبس ونفي لأن الغرض الردع وهو حاصل بما ذكر وفي التبصرة بهما وعنه نفيهم حبسهم اختاره ابن أبي موسى حتى يحدثوا توبة وفي الواضح وغيره رواية أن نفيهم طلب الإمام لهم ليقيم فيهم حدود الله تعالى وروي عن ابن عباس فإن كانوا جماعة نفوا متفرقين
"ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل" بغير خلاف نعلمه وسنده قوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فعلى هذا يسقط عنهم جميع ما ذكر أطلق في المبهج في حق الله تعالى روايتين "وأخذ بحقوق الآدميين من النفس والمال والجرح إلا أن يعفى لهم عنها" لأنها حقوق عليهم لم يعف عنها فلم تسقط لغير المحارب لا يقال الآية عامة فما وجه التخصيص لأن الأدلة دالة على أن حق الآدمي لا يسقط إلا برضاه لأنه مبني على الضيق والشح بخلاف حق الله وذلك يقتضي عدم التسوية بينهما وعلم منه أنه إذا تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شيء لأن الله تعالى شرط في المغفرة لهم كون توبتهم قبل القدرة فدل على عدمها بعدها ولأنه إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص وبعدها تقية من إقامة الحد ولأن في إسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبا في توبته والرجوع عن محاربته وبعد القدرة لا حاجة في ترغيبه لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة وهذا كله فيمن هو تحت حكمنا وفي

ومن وجب عليه حد لله تعالى سوى ذلك فتاب قبل إقامته لم يسقط عنه وعنه أنه يسقط بمجرد التوبة قبل إصلاح العمل
__________
خارجي وباغ ومرتد محارب الخلاف في ظاهر كلامهم وقيل تقبل توبته ببينة وقيل وقرينة وأما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعا "ومن وجب عليه حد لله تعالى سوى ذلك" كالزنى والسرقة وشرب الخمر "فتاب قبل إقامته لم يسقط عنه" ذكره أبو بكر المذهب وقاله أكثر العلماء لعموم آية الزنى والسارق ولأنه عليه السلام رجم ماعزا والغامدية وقد جاءا تائبين ولأن الحد كفارة فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين ولأنه مقدور عليه كالمحارب بعد القدرة عليه "وعنه أنه يسقط بمجرد التوبة" نصره القاضي في الخلاف وصححه وقدمه في المحرر والفروع وقال اختاره الأكثر وجزم به في الوجيز لقوله تعالى {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] ولقوله {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] وفي الخبر التائب من الذنب كمن لا ذنب له ولأنه خالص حق الله تعالى فسقط بالتوبة كحد المحارب قبل إصلاح العمل وكذا في الوجيز لأن الله تعالى علق الحكم على شرطين وأجاب القاضي بأن هذا على طريق التأكيد والمبالغة لقوله تعالى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} الآيات [الفرقان: 68] ومعلوم أنه لا يعتبر صلاح العمل في توبة المشرك قال القاضي لا يعتبر صلاح العمل وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني وأبي الحارث لأنها توبة مسقطة للحد أشبهت توبة المحارب قبل القدرة عليه كالإسلام فعلى هذا فلابد من مضي مدة قبل ثبوته وقيل قبل القدرة وقيل قبل إقامته وفي بحث القاضي التفرقة بين علم الإمام بهم أو لا واختار الشيخ تقي الدين ولو في الحد لا يكمل وإن هربه فيه توبة
وعنه إن ثبت الحد بنفيه لم يسقط ذكرها ابن حامد وغيره وعليهما يسقط في حق محارب تاب قبل القدرة عليه ويحتمل لا كما قبل المحاربة وفي المحرر والوجيز لا يسقط بإسلام ذمي ومستأمن نص عليه وذكره ابن أبي موسى في ذمي ونقله فيه أبو داود وظاهر كلام جماعة أن فيه الخلاف

ومن مات وعليه حد سقط عنه
فصل
ومن أريدت نفسه أو حرمته أو ماله فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به وإن لم يحصل إلا بالقتل فله ذلك ولا شيء عليه
__________
"ومن مات وعليه حد سقط عنه" لفوات محله كما يسقط غسل ما ذهب من أعضاء الطهارة
تذنيب: إذا وجد رجلا يزني مع امرأته فقتله فلا قود ولا دية رواه سعيد عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عمر فإن ادعى ذلك لم يقبل في الحكم إلا ببينة وهي شاهدان في رواية اختارها أبو بكر وأربعة لقول علي وإن كانت مكرهة ضمنها وأثم وإن كانت مطاوعة فلا
فائدة: من عرف بأذى الناس وأموالهم فإن لم ينزجر حبس وأطعم من بيت المال حتى يموت وكذا من ابتدع ببدعة وحمل الناس عليها حبس حتى يكف المسلمين عن بدعته نص عليه
فصل
"ومن أريدت نفسه أو حرمته أو ماله" وإن قل كافأه أم لا "فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم" والمذهب أنه يدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه جزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع "دفعه به" لأنه لو منع من ذلك لأدى إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله ولأنه لو لم يجز ذلك لتسلط الناس بعضهم على بعض وأدى إلى الهرج والمرج لأن الزائد عليه لا حاجة إليه لحصول الدفع به وقيل إن لم يمكنه هرب أو احتماء ونحوه وجزم به في المستوعب فعلى ما ذكرنا متى علم أو ظن الدافع أن الصائل عليه يندفع بالقول لم يجز ضربه بشيء قال أحمد لا تريد قتله وضربه لكن ادفعه وقال الميموني رأيته يعجب ممن يقول أقاتله وأمنعه وإن علم أنه يندفع بعصا لم يضربه بحديد "وإن لم يحصل إلا بالقتل فله ذلك" لأن ضرره إذا لم يندفع إلا به تعين طريقا إلى الدفع المحتاج إليه "ولا شيء عليه" بالقتل لأنه قتل لدفع شر

وإن قتل كان شهيدا وهل يجب عليه الدفع عن نفسه على روايتين.
__________
الصائل فلم يجب به شيء كفعل الباغي
وروي عن عبيد بن عمير أن رجلا ضاف ناسا من هذيل فأراد امرأة على نفسها فرمته بحجر فقال عمر والله لا يودى به
"وإن قتل كان شهيدا" لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" رواه أبو داود والترمذي وصححه وعن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد" رواه أبو داود والترمذي وصححه ولأنه قتل لدفع ظلم فكان شهيدا كالعادل إذا قتله الباغي وإن قتله فهدر ولا يجوز في حال مزح ذكره في الانتصار ويقاد به ذكره آخرون "وهل يجب عليه الدفع عن نفسه على روايتين" كذا في المحرر الأصح أنه يلزمه الدفع عن نفسه لقوله تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وكما يحرم قتل نفسه تحرم عليه إباحة قتل نفسه ولأنه قدر على إحياء نفسه فوجب عليه فعل ما يتقي به كالمضطر إذا وجد الميتة وكذا عن نفس غيره لا في فتنة في الأصح فيهما والثانية لا يلزمه قدمها في الرعاية وصححها ابن المنجا لما روى عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة" رواه أحمد
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا دخل أحدكم فتنة فليكن كخير ابني آدم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولأن عثمان ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه ومنع غيره من قتالهم وصبر على ذلك ولو لم يجز لأنكر الصحابة عليه ذلك وعلى اللزوم إن أمكنه أن يهرب أو يحتمي أو يختفي ففي جواز الدفع وجهان
وظاهره: أنه لا يجب الدفع عن حرمته وليس كذلك بل هو قويل فإنه إذا رأى مع امرأته رجلا أو ابنته أو أخته يزنى بها أو تلوط بابنه فإنه يجب الدفع عن ذلك في المنصوص لأنه اجتمع فيه حق الله وهو منعه من الفاحشة ,

وسواء كان الصائل آدميا أو بهيمة وإذا دخل رجل منزله متلصصا أو صائلا فحكمه حكم ما ذكرنا
__________
وحق نفسه بالمنع عن أهله فلا يسعه إضاعة هذه الحقوق ولا عن ماله وهو الأصح كما لا يلزمه حفظه من الضياع والهلاك ذكره القاضي وغيره وفي التبصرة في الثلاثة يلزمه في الأصح وله بذله وذكر القاضي أنه أفضل ونقله حنبل وفي الترغيب المنصوص عنه أن ترك قتاله عنه أفضل وأطلق روايتي الوجوب في الكل زاد في نهاية المبتدئ على الثلاثة وعرضه وقيل يجب وأطلق في تقي الدين لزومه عن مال غيره
"وسواء كان الصائل آدميا" مكلفا أو غير مكلف وفي الترغيب وعندي ينتقض عهد الذمي "أو بهيمة" لاشتراكهما في المجوز للدفع وهو الصول ولأن البهيمة لا حرمة لها فيجب عليه الدفع إذا أمكنه كما لو خاف من سيل أو نار وأمكنه أن يتنحى عنه
"وإذا دخل رجل منزله متلصصا أو صائلا" أي إذا ادعى صيالة بلا بينة ولا إقرار لم يقبل "فحكمه حكم ما ذكرنا" أي إذا دخل منزل غيره بغير إذنه فلصاحب المنزل أمره بالخروج من منزله سواء كان معه سلاح أو لا فإن خرج بالأمر لم يكن له غيره لأن المقصود إخراجه لكن روي عن ابن عمر أنه رأى لصا فأصلت عليه السيف قال الراوي فلو تركناه لقتله وجاء رجل إلى الحسن فقال رجل دخل بيتي ومعه حديدة أقتله قال نعم
وجوابه: أنه أمكن إزالة العدوان بغير القتل فلم يجز القتل وكما لو غصب منه شيئا وأمكن أخذه بغير القتل وفعل ابن عمر يحمل على قصد الترهيب فإن لم يخرج فله ضربه بأسهل ما يعلم أو يظن أنه يندفع به فإن خرج بالعصا لم يكن له ضربه بالحديد وإن ولى هاربا لم يكن له قتله ولا اتباعه كالبغاة وإن ضربه ضربة عطلته لم يكن له أرش لأنه لقي شره وإن ضربه فقطع يمينه فولى مدبرا فقطع رجله فالرجل مضمونة بقصاص أو دية لأنه في حال لا يحل له ضربه واليد غير مضمونة فإن مات من سراية القطع فعليه نصف الدية وإن عاد إليه بعد قطع رجله فقطع يده الأخرى فاليدان غير مضمونتين

وإن عض إنسان إنسانا فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا وإن نظر في بيته من خصاص الباب ونحوه فخذف عينه ففقأها فلا شيء عليه
__________
وإن مات فعليه ثلث الدية كما لو مات من جراحة ثلاثة أنفس وقياس المذهب أن يضمن نصف الدية كما لو جرحه اثنان ومات منها وإن لم يمكنه إلا بالقتل أو خاف أن يبدره به فله قتله وهو هدر كالباقي وإن قتل صاحب المنزل فهو شهيد للخبر وكالعادي وعلى الصائل ضمانه وإن أمكن دفعه فتكون عضو فقتله أو قطع زيادة على ما يندفع به ضمنه
"وإن عض إنسان إنسانا" عضا محرما "فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا" لما روى عمران بن حصين قال "قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته وفي لفظ بثنيته فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيعض أحدكم كما يعض الفحل لا دية له" متفق عليه ولفظه لمسلم ولأنه عضو تلف ضرورة دفع شر صاحبه فلم يضمن كما لو صال عليه فلم يكن الدافع إلا بقطع يده
وسواء كان المعضوض ظالما أو مظلوما لأن العض محرم إلا أن يكون العض مباحا كمن لا يقدر على التخلص إلا بعضه وقال القاضي تخليص المعضوض يده بأسهل ما يمكنه فإن أمكنه فك لحييه وإن لم يمكنه لكمه وإن لم يمكنه جذب يده من فيه فإن لم يخلص فله أن يعصر خصيتيه فإن لم يمكنه فله أن يبعج بطنه وإن أتى على نفسه قال في المغني والصحيح أن هذا الترتيب غير معتبر وينبغي أن يجذب يده أولا فإن أمكنه ذلك فعدل إلى لكم فكه فأتلف شيئا ضمنه لإمكان التخلص بما هو أولى منه
"وإن نظر في بيته من خصاص الباب" وهو الفروج الذي فيه "ونحوه" وظاهره ولو لم يتعمد لكن ظنه متعمدا قال في الترغيب أو صادف عورة من محارمه وأصر وفي المغني ولو خلت من نساء "فخذف عينه ففقأها" وفي الفروع فتلفت "فلا شيء عليه" كذا في المحرر والوجيز وغيرهما لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة

ففقأت عينه لم يكن عليك جناح" متفق عليه وظاهر كلام أحمد أنه لا يعتبر أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك لظاهر الخبر ولا يتبعه وقال ابن حامد يدفعه بالأسهل فينذره أولا كمن استرق السمع لم يقصد أذنه بلا إنذار قاله في الترغيب وقيل باب مفتوح كخصاصة وجزم به بعضهم وعن أبي ذر مرفوعا وإن مر رجل على باب لا ستر له غير مغلق فينظر فلا خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل البيت رواه أحمد وأبو داود وفيه ابن لهيعة ولو كان إنسانا عريانا في طريق لم يكن له رمي من نظر إليه لأنه مفرط
فرع: إذا اطلع فرماه فقال المطلع ما تعمدته لم يضمنه على ظاهر كلامه وعلى قول ابن حامد بلى وإن اطلع أعمى لم يجز رميه وقال ابن عقيل بلى إن كان سميعا كالبصير وسواء كان الناظر في ملكه أو غيره والله أعلم

باب قتال أهل البغي
وهم القوم الذين يخرجون عن طاعة الإمام بتأويل سائغ
__________
باب قتال أهل البغيالبغي: مصدر بغى يبغي بغيا إذا اعتدى والمراد هنا الظلمة الخارجون عن طاعة الإمام المعتدون عليه قال الله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} إلى قوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] وفيها فوائد منها أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان ومنها أنه أوجب قتالهم ومنها أنه أسقط قتالهم إذا رجعوا إلى أمر الله تعالى ومنها أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم ومنها أنها أجازت قتال كل من منع حقا عليه
والأحاديث مشهورة منها ما روى عبادة بن الصامت قال "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وألا ننازع الأمر أهله" متفق عليه وأجمع الصحابة على قتالهم فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة وعليا قاتل أهل الجمل وأهل صفين "وهم القوم الذين يخرجون عن طاعة الإمام" العادل ذكره في الرعاية "بتأويل سائغ" سواء كان صوابا أو خطأ وقيل بل خطأ

ولهم منعة وشوكة وعلى الإمام أن يراسلهم ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ويكشف ما يدعونه من شبهة.
__________
فقط ذكره في الرعاية "ولهم منعة وشوكة" لا جمع يسير خلافا لأبي بكر فإن فات شرط فقطاع طريق فعلى هذا لو امتنع قوم من طاعة الإمام وخرجوا عن قبضته بغير تأويل أو كان لهم تأويل ولا منعة لهم كالعشرة فقطاع طريق وفي الترغيب لا تتم الشوكة إلا وفيهم واحد مطاع وأنه يعتبر كونهم في طرف ولايته وفي عيون المسائل تدعو إلى نفسها أو إلى إمام غيره وإلا فقطاع طريق.
أصل : من كفر أهل الحق والصحابة واستحل دماء المسلمين فهم بغاة في قول الجماهير تتعين استتابتهم فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم وقال طائفة من المحدثين هم كفار حكمهم حكم المرتدين للأخبار وهذا رواية عن أحمد ذكر في الترغيب والرعاية أنها أشهر وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه وحكى ابن أبي موسى عن أحمد الخوارج كلاب النار صح الحديث فيهم من عشرة أوجه قال والحكم فيهم على ما قال علي وفيما قال لا نبدأكم بقتال وقال ابن المنذر ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على كفرهم قال ابن عبد البر في الحديث الذي رويناه قوله يتمادى في الفوق يدل على أنه لم يكفرهم قال المؤلف والصحيح أن الخوارج يجوز قتلهم ابتداء والإجازة على جريحهم
"وعلى الإمام أن يراسلهم" للنص إذ المراسلة والسؤال طريق إلى الصلح لأن ذلك وسيلة إلى رجوعهم إلى الحق وقد روي أن علي بن أبي طالب راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم عبد الله ابن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف "ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة" لأن ذلك وجب مع إفضاء الأمر إلى القتل والهرج والمرج فلأن يجب في حال يؤدي إلى ذلك بطريق الأولى
"ويكشف ما يدعونه من شبهة" لأن كشفها طريق إلى رجوعهم إلى الحق وذلك مطلوب إلا أن يخاف كلبهم فلا يمكن ذلك في حقهم فإن أبوا الرجوع

فإن فاءوا وإلا قاتلهم وعلى رعيته معونته على حربهم فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار إلا لضرورة ولا يستعين في
__________
وعظهم وخوفهم القتال لأن المقصود دفع شرهم لا قتلهم
"فإن فاءوا" أي رجعوا إلى الطاعة "وإلا قاتلهم" أي يلزم القادر قتالهم لإجماع الصحابة على ذلك وقال الشيخ تقي الدين الأفضل تركه حتى يبدؤوه وهو ظاهر اختيار المؤلف وقالا في الخوارج له قتلهم ابتداء وتتمة الجريح وفي المغني والشرح في الخوارج ظاهر قول المتأخرين من أصحابنا أنهم بغاة لهم حكمهم وفرق جمهور العلماء بين الخوارج والبغاة المتأولين وهو المعروف عن الصحابة وغيرهم "وعلى رعيته معونته على حربهم" لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ولقوله عليه السلام "من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي ذر رضي الله عنه
"فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه وفي الرعاية ثلاثا ولأن الإنظار المرجو به رجوعهم أولى من معاجلتهم بالقتال المؤدي إلى الهرج والمرج "فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم" لأن الإنظار لا يؤمن منه أن يصير طريقا إلى قهر أهل الحق وذلك لا يجوز وإن أعطوه عليه مالا أو رهنا لأنه يخلي سبيلهم إذا انقضت الحرب كما يخلي الأسارى ولا يجوز قتلهم فإن سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليه ويكفوا عن المسلمين فإن قوي عليهم لم يجز إقرارهم على ذلك وإلا جاز "وقاتلهم" حيث قوي على ذلك فإن ضعف عنه أخره حتى يقوى فإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله وإذا قاتل معهم عبيد أو نساء أو صبيان فهم كالرجل البالغ الحر وفي الترغيب ومراهق وعبد كخيل "ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار" لأنه يعم من يجوز ومن لا يجوز "إلا لضرورة" كما في دفع الصائل فإن رماهم البغاة به جاز رميهم "ولا يستعين في حربهم بكافر" لأنه لا يستعان في قتال الكفار به فلأن لا

حربهم بكافر وهل يجوز أن يستعين عليهم بسلاحهم وكراعهم على وجهين ولا يتبع لهم مدبر ولا يجاز على جريح ولا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب
ـــــــ
يستعان به في قتال مسلم بطريق الأولى ولأن القصد كفهم لا قتلهم وهو لا يقصد قتلهم فإن احتاج فقدر عن كفهم عن فعل ما لا يجوز جازت الاستعانة بهم وإلا فلا "وهل يجوز أن يستعين عليهم بسلاحهم وكراعهم؟" أي خيلهم "على وجهين" أحدهما: لا جزم به ابن هبيرة عن أحمد وحكاه القاضي والمؤلف عن أحمد وصححه ابن حمدان لأن الإسلام عصم أموالهم وإنما أتيح قتالهم لردهم إلى الطاعة فيبقى المال على العصمة كمال قاطع الطريق إلا أن تدعو ضرورة فيجوز كأكل مال الغير في المخمصة والثاني يجوز جزم به في الوجيز وذكر القاضي أن أحمد أومأ إليه قياسا على أسلحة الكفار وعليه لا يجوز في غير قتالهم ويجب رده بعد أن تنقضي الحرب كما يرد سائر أموالهم ولا يرده حال الحرب لئلا يقاتلونا به "ولا يتبع لهم مدبر ولا يجاز على جريح" ولا يجوز قتلهم إذا تركوا القتال في قول الأكثر لما روى مروان قال خرج خارج يوم الجمل لعلي "لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن" رواه سعيد وعن عمار نحوه وكالصائل وفي الترغيب إن المدبر من انكسرت شوكته لا المتحرف إلى موضع آخر فعلى هذا إذا قتل أنسانا منع من قتله ضمنه وهل يلزمه القصاص فيه وجهان
"ولا يغنم لهم مال" لأنهم لم يكفروا ببغيهم وقتالهم وعصمة الأموال تابعة لدينهم "ولا تسبى لهم ذرية" لا نعلم فيه خلافا لأحد لأنهم لم يحصل منهم سبب أصلا بخلاف أهل البغي فإنه وجد منهم البغي والقتال "ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب" لأن في إطلاقهم ضررا على المسلمين "ثم يرسل" بعد ذلك لأن المانع من إرسالهم خوف مساعدة أصحابهم وقد زال وفي الترغيب لا مع بقاء شوكتهم وقيل يرسل إن أمن ضرره فإن بطلت ويتوقع اجتماعهم في الحال فوجهان .

ثم يرسل وإن أسر صبي أو امرأة فهل يفعل به ذلك أو يخلى في الحال يحتمل وجهين وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله في يد إنسان أخذه ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال
__________
فرع: إذا أسر رجلا مطاعا خلي زاد في الرعاية إن أمن شره فإن أبى أن يدخل في الطاعة وفي الكافي والشرح وكان رجلا جلدا حبس وأطلق بعد الحرب زاد في الشرح وشرط عليه ألا يعود إلى القتال "وإن أسر صبي أو امرأة فهل يفعل به ذلك أو يخلى في الحال يحتمل وجهين" أحدهما يحبسون لأن فيه كسر قلوب البغاة وكالرجل والثاني يخلون في الحال قدمه في الرعاية وصححه في الكافي والشرح لأنه لا يخشى من تخليته
فرع: لا يكره للعادل قتل ذوي رحمه الباغين ذكره القاضي لأنه قتل بحق أشبه إقامة الحد عليه والأصح يكره وقدمه في الفروع لقوله تعالى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] قال الشافعي كف النبي صلى الله عليه وسلم أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وقال بعضهم لا يحل وذكره في الفروع احتمالا لأنه تعالى أمر بمصاحبته بالمعروف
تنبيه: يجوز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة فإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أسراهم فإن اقتتلت طائفتان من البغاة فقدر الإمام على قهرهما لم يعن إحداهما على الأخرى وإن عجز وخاف اجتماعهما على حربه ضم إليه أقربهما إلى الحق فإن استويا اجتهد في ضم إحداهما ولا يقصد بذلك معونة إحداهما بل الاستعانة على الأخرى فإذا هزمها لم يقاتل من معه حتى يدعوهم إلى الطاعة
"وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله في يد إنسان أخذه" لقول علي "من عرف شيئا أخذه" ولأنه مال معصوم بالإسلام أشبه مال غير البغاة "ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال" لأنه إذا لم يمكن دفع البغاة إلا بقتلهم جاز ولا شيء على قاتلهم من إثم ولا ضمان ولا

وهل يضمن البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب على روايتين ومن أتلف في غير حال الحرب شيئا ضمنه وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد عليهم ولا على صاحبه
__________
كفارة لأنه فعل ما أمر به كما لو قتل الصائل عليه
"وهل يضمن البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب على روايتين" أحداهما لا ضمان قدمها في الكافي والفروع ونصرها في الشرح والقاضي في الخلاف وصححها لقول الزهري "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فأجمعوا أن لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه" ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به رواه الخلال
قال القاضي وهذا إجماع منهم مقطوع به ولأن تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم من الرجوع إلى الطاعة فسقط كأهل الحرب وكأهل العدل
والثانية: يضمنون جزم بها في الوجيز لقول أبي بكر لأهل الردة تودون قتلانا ولا نودي قتلاكم ولأنها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حق ولا ضرورة دفع مباح فوجب ضمانه كالذي تلف في غير حال الحرب
وجوابه أن أبا بكر رجع عنه إلى قول عمر ولم يمضه ثم لو وجب التعزير في حق المرتدين لم يلزم مثله هنا فإن هؤلاء طائفة من المسلمين لهم تأويل سائغ وأولئك كفار لا تأويل لهم وإذا ضمن المال ففي القود وجهان فإن أهدر فالقود أولى
"ومن أتلف في غير حال الحرب شيئا ضمنه" أي من الفريقين رواية واحدة قاله في المستوعب لأن الأصل وجوب الضمان ترك العمل به في حال الحرب للضرورة فيبقى ما عداه وهل يتحتم قتل الباغي إذا قتل أحدا من أهل العدل في غير المعركة فيه وجهان الأصح أنه لا يتحتم فأما الخوارج فالصحيح إباحة قتلهم فلا قصاص على أحد منهم ولا ضمان عليه في ماله "وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد عليهم ولا على صاحبه" روي عن عمر وسلمة بن الأكوع وقاله أكثر العلماء لما روي "أن عليا لما ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشيء مما جبوه" ولأن في ترك

ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين وإن ادعى ذمي دفع جزيته إليهم لم يقبل إلا ببينة وإن ادعى إنسان دفع خراجه إليهم فهل يقبل بغير بينة على وجهين وتجوز شهادتهم
__________
الاحتساب بها ضررا عظيما ومشقة كبيرة فإنهم قد يغلبون على البلاد السنين الكثيرة فلو لم يحتسب بما أخذوه لحصل الضرر
وظاهره: لا فرق بين الخوارج وغيرهم وقال أبو عبيد يجزئ دفع الزكاة إلى بغاة وخوارج ونص عليه أحمد في الخوارج ويقع موقعه
قال القاضي في الشرح هذا محمول على أنهم خرجوا بتأويل وذكر في موضع آخر إنما يجوز أخذهم إذا نصبوا لهم إماما
وفي الأحكام السلطانية أنه لا يجزئ الدفع إليهم اختيارا وعن أحمد الوقف فيما أخذوه من زكاة فلو صرفه أهل البغي في جهته صح قال ابن حمدان ودفع سهم المسترزقة إلى أجنادهم يحتمل وجهين
"ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين" لأن الزكاة لا يستحلف فيها قال أحمد لا يستحلف الناس على صدقاتهم
"وإن ادعى ذمي دفع جزيته إليهم لم يقبل إلا ببينة" لأنهم غير مأمونين ولأنها عوض أشبهت الأجرة وقيل يقبل قولهم إذا مضى الحول لأن الظاهر أن البغاة لا يدعون الجزية لهم
"وإن ادعى إنسان دفع خراجه إليهم فهل يقبل بغير بينة على وجهين" أشهرهما لا يقبل إلا ببينة قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأنه عوض أشبه الجزية والثاني: يقبل لأنه حق على مسلم فقبل قوله كالزكاة وقيل بلى إن حلف
"وتجوز شهادتهم" لأنهم أخطأوا في
فرع: من فروع الإسلام باجتهادهم أشبه المختلفين من الفقهاء في الأحكام وإذا لم يكونوا من أهل البدع قبلت شهادتهم كأهل العدل بغير خلاف نعلمه قال ابن عقيل تقبل شهادتهم ويؤخذ عنهم العلم ما لم يكونوا دعاة انتهى فأما الخوارج وأهل البدع إذا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24